كتاب : المعاني الكبير
المؤلف : ابن قتيبة الدينوري

طويل اليدين رهطه غير ثنية ... أشم كريم جاره لا يرهق
التثنية إلذين دون الملك. وقوله أيضاً:
أنت خير من ألف ألف من القو ... م إذا ما كبت وجوه الرجال
أصله من كبا الزند إذا لم يور وكذلك الرجل إذا لم يعط عند السؤال. وقال النابغة:
محلتهم ذات الإله ودينهم ... قزيم فما يرجون غير العواقب
ذات الإله بلاد الشام لأنها مقدسة ويقال بيت المقدس لأنه موضع الأنبياء، عواقب أعمالهم أن يثابوا بها، ويقال يرجون يخافون كقوله جل وعز: " ما لكم لا ترجون لله وقاراً " أي لا يخافون إلا عواقب أعمالهم بخوفهم لله، ويروي: مجلتهم أي كتابهم كتاب الله.
وقال:
سبقت الرجال الباهشين إلى الندى ... كسبق الجواد اصطاد قبل الطوارد
الباهش الذي يسبق إلى الصنائع، والطوارد من الخيل والكلاب كل ما طرد فالواحد طارد. وقال:
أثني على ذي كل عذرة إنه ... قد كان قدم قبل قيل القائل
يقول قد كان قدم ما يقال فيه قبل أن يمدحه المادح.
وقال:
وأنت الغيث ينفع من يليه ... وأنت السم يخلطه اليرون
يقال هو ماء الرجال وقيل هو عرق الداية ويقال هو دماغ الفيل ويقال هو السم القاتل. وقال أبو بكر كبير:
ولقد صبرت على السموم يكنني ... قرد على الليتين غير مرجل
أراد شعراً قد تلبد مما لا يغسل ولا يدهن يريد أنه كان ربيئة في جبل. وقال:
ومعي لبوس للبئيس كأنه ... روق بجبهة ذي نعاج مجفل
لبوس يعني صاحباً له، والبئيس الأمر الشديد يريد صبوراً على الشدائد، والروق القرن، مجفل نافر، شبه الرجل في صلابته واندماجه بالقرن يعني ثوراً وحشياً.
وإذا يهب من المنام رأيته ... كرتوب كعب السياق ليس بزمل
أي ينتصب عند قيامه من منامه كانتصاب الكعب إذا لعب به، زمل ضعيف. وقال آخر:
أبا ما لكأو قدت نارك للعلي ... وأرغيت إذ أثغي موالي في حبلي
أي قرنت لي إبلاً ترغو إذ أعطوني هم غنماً تثغو.
وقال الأخنس بن شهاب التغلبي:
ونحن أناس لا حجاز بارضنا ... مع الغيث ما نلقى ومن هو غالب
أي ليس بأرضنا جبل نحتجز به فنحن مفضون ومن كان له الغلب فهو مع الغيث أبداً، ويقال لا نجتمع نحن ومن يغلب أبداً أي من كان معنا فنحن غالبون له.
ترى رائدات الخيل حول بيوتنا ... كمعزي الحجاز أعوزتها الزرائب
وكم أناس قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أي الخيل كمعزي لا تجد زربا فهي تسرح حول البيوت، وكل أناس حبسوا فحلهم أن يتقدم فتتبعه الإبل ونحن لعزنا تركناه يرعى حيث شاء، جعل الفحل مثلاً للعز. وقال طرفة:
ولي الأصل الذي في مثله ... يصلح الآبر زرع المؤتبر
الآبر المصلح والمؤتبر منه، قال أبو عبيدة كل شيء أصلحته فقد أبرته. وقال الكميت:
بحمد من شبابك لا بذم ... أبا قران بت على مثال
المثال الفراش أي مت وشبابك محمود ليس بمذموم.
وقال يمدح:
كان السدى وللندى مجداً ومكرمة ... تلك المكارم لا يورثن عن رقب
رقب من الرقبى وهي وصية الرجل بالدار وغيرها، يقول هي لفلان فإن مات فهي لفلان فهذا يرقب موت هذا.
وقال وذكر الحوادث إذ نزلت بقومه:
ولم يوائم لهم في رتبها ثبجاً ... ولم يكن لهم فيها أبا كرب
ولم يكن هدمها المخبون منفعةً ... إذا التفت غرضة التصدير والحقب
رتبها إصلاحها، ثبجا من التثبيج والإفساد، أبا كرب يريد قول الناس.
ليت حظي من أبي كرب ... إن يسد خيره خبلة
والهدم الخلق، والمخبون المعطوف، يقول لم يكن في الشدائد كالهدم المخبون الذي لا ينتفع به.
وقال:
ولم يتجهم لك النائبات ... ولم تك فيها اللباس الدثورا
ولم تك شهدارة الأبعدين ... ولا زمح الأقربين الشريرا
ولم تك لا جير لللابعدين ... مخة ساق تجيب الصفيرا
اللياس الثقيل الضعيف، والدثور النوام، يتجهم يتنكر والزمح الشرير، لا جير قسم، وإذا أخذ الإنسان عظم ساق الشاة فنفضه ليخرج مخه فمصه أجاب المخ صفيره فخرج.

فموضوع جودك أن لم تنا ... ج الإبهاء لهات الضميرا
يقول أصغر جودك أن لم تحدث نفسك إلا بأن إذا قيل لك هات قلت هاء ناولت. وقال:
وتحسب طالبيك إذ إذا أرادوا ... وئامك أنت والشعري العبور
الوئام المباراة، أراد إذا واءموك كنت في الارتفاع فوقهم كالشعري.
وقال يمدح:
وتعاطى به ابن عائشة البد ... ر فأمسى له رقيباً نظيرا
لم تجهم له البطاح ولكن ... وجدتها له معاناً ودرا
ابن عائشة عبد الملك بن مروان، أي رام بأن يأتي به شبه البدر، وأصل الرقيب النجم يطلع إذا غاب رقيبه، يقول إذا ذهب البدر كان هذا مكانه، تجهم تنكر، والمعان الحل، أراد أنه من قريش البطاح وهم أكرم من قريش الظواهر. وقال طريح:
أنت ابن مسلنطح البطاح ولم ... يعطف عليك الحنى والولج
أراد محاني الأودية، والولج الغامض من الوادي.
وقال الكميت:
أخبرت عن فعالة الأرض ... واستنطق منها البياب والمعمورا
أي أثر فيها آثاراً حسنة، بنى المساجد وحفر الآبار والأنهار، واليباب الخراب، أي بنى فيه فسكن. وقال يمدح بني أمية:
ولم يدبغونا على تحلئ ... فيرمق أمر ولم يغملوا
التحلئ أن يكون في شعر الأديم وسخ فإذا قشرته بقد حلأته، أي لم يسيئووا سياستنا فيكونوا كمن دبغ ولم ينق وسخ الأديم، يرمق يضعف، والغمل حتى يسترخي شعره وصوفه فينتزع منه.
وتنأى قعورهم في الأمور ... على من يسم ومن يسمل
قعورهم عقولهم، يقال: ما أبعد قعره وغوره، يسم يصلح يسمل مثله.
ولا يدمس الأمر فيما يلون ... على المنطقات ولا يدمل
يدمس يستتر ومنه ليل دامس، والمنطقات المعايب، يدمل يطوى، أي لا يطوى على فساد، ويقال اندمل الجرح أب برأ والتأم. وقال:
وقد طال ما يا آل مروان ألتم ... بلا دمس أمر الغريب ولا غمل
التم سستم، والدمس الظلمة، والغمل أن يغم الأديم حتى يسترخي ثم يدبغ. وقال:
مباؤك في البثن الناعما ... ت عيناً إذا روح المؤصل
المباء المنزل، والبثن جمع بثنة وهي الرملة السهلة اللينة، والناعمات عيناً من قولك: نعم الله بك عيناً، والمؤصل من الأصيل وهو العشي. وقال طرفة:
خير حي من معد علموا ... لكفي ولجار وابن عم
الكفى الكفء، أي يحالفون الكفى الكفء ويصلون الغريب ويفضلونه على الجار.
وقال لبيد في أخيه:
يعفو على الجهد والسؤال كما ... أنزل صوب الربيع ذو الرصد
يعفو يجم ويزيد على السؤال كما يجم الماء يقال: عفا شعره إذا كثر، والرصد جمع رصدة وهي المطرة تكون أولاً لما يأتي بعدها كالعهد، وأراد أنه يعطي عطية ويرصد بأخرى. وقال العباس بن عبد المطلب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يستر الورق
ويروي: حيث يخصف الورق، يعني ظلال الجنة يعني أنه كان صلى الله عليه وسلم طيباً في الجنة في صلب آدم عليهما السلام، والظلال جمع ظل ولم يرد ظل شجرها ونباتها لأن الجنة كلها ظل ممدوح وظلال الشجر والبنيان إنما يكون في موضع تطلع فيه الشمس والجنة لا شمس فيها ولا قمر، والمستودع يحتمل معنيين يجوز أن يكون أراد بالمستودع الذي جعل فيه آدم وحواء عليهما السلام من الجنة، والآخر أن يكون أراد النطفة في الرحم، وكان أبو عبيدة يقول في قول الله عز وجل: " فمستقر ومستودع " قال المستقر الصلب والمستودع الرخم، ويخصف الورق وللإشفي مخصف.
ثم هبطت البلاد لا بششر ... أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسراً وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم باد طبق
حتى علا بيتك المهيمن من ... خندق علياء تحتها النطق
الصالب والصلب والصلب بمعنى، والعالم القرن من الناس وكذلك الطبق من الناس يكون طباق الأرض أي ملأها، ومنه الحديث " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً طبقاً " ومنه:
طبق الأرض تحرى وتدر

وقوله تحتها النطق فيه ثلاثة أقاويل أحدها أن يكون يريد أنك أعلى قومك نسباً وهم دونك كالنطاق لك، والآخر أنه يريد العفاف من لبس المرأة النطاق أي تحتها العفاف والحسب، والثالث يعني بالنطق المتكلمين جمع ناطق أي إن كل خطيب في العرب دون خطباء قومك من قول الله عز وجل: " بل هم قوم خصمون " .
وقالت بنت النضر بن الحارث للنبي صلى الله عليه وسلم:
أمحمد ها أنت ضنء نجيبة ... في قومها والفحل حل ممعرق
الضنء الولد، والمعرق الكريم الأعراق المنجب.

باب الهجاء وهجاء النساء
عوف بن عطية بن الخرع:
ولقد أراك ولا تؤبن هالكاً ... عدل الأصرة في سنام الأكوم
أي لا يبكي عليك إن مت، عدل الأصرة أي كانت أمه راعية فكانت تحمله على بعير وتعدل به الأصرة. وقال الأخطل يهجو قوماً:
البائتين قريباً من منازلهم ... ولو يشاءون آبوا الحي أو طرقوا
يعني يغتنمون القرى ولو أحبوا يأتوا بيوتهم. والطروق أن تجيء ليلاً، والإياب أن تجيء عند الليل، ويقال أوب السير إذا سار من غدوة إلى الليل. وقال آخر في ضد هذا يمدح:
تقرى قد ورهم سراء ليلهم ... ولا يبيتون دون الحي أضيافاً
وقال عميرة بن جعيل التغلبي:
كسا الله حيي تغلب ابنة وائل ... من اللؤم أظفاراً بطيئاً نصولها
هذا مثل، أي علامات من اللؤم ترى عليهم لا تنصل كما تنصل الأظفار.
إذا ارتحلوا من دار ضيم تعاذلوا ... عليها وردوا وفدهم يستقيلها
أي يعذل بعضهم بعضاً لم لم يصبروا على الضيم لأنهم ليسوا ممن يغلب على دار.
وقال عوف بن الخرع:
هلا فوارس رحرحان هجوتم ... عشرا تناوح في سرارة واد
السرارة أكرم الوادي وخيره والنبات يحسن فيها يقول لكم حسن وليس لكم خبر وذلك أن العشر خوار ضعيف، والتناوح التقابل. قال الأصمعي دور يتناوحن أي يتقابلن. وقال آخر:
إذا ابتدر الناس المعالي رأيتهم ... وقوفاً بأيديهم مسوك الأرانب
أي هم أصحاب صيد وليسوا ممن يطلب المعالي. وقال:
إذا ابتدر الناس المكارم والعلى ... أقاموا رتوباً في النهوج اللهاجم
يقول يسألون الناس في الطرق البينة الواسعة، والراتب الثابت والنهج البين واللهجم الواسع، قال العجاج:
مفترشات كل نهج لهجم
يقول أقاموا يسألون الناس على الطرق. آخر:
فأصممت عمراً وأعميته ... عن الجود والفخر يوم الفخار
أي وجدته أصم أعمى كقولك أتيت أرض بني فلان فأعمرتها أي وجدتها عامرة. ومثله لرؤبة:
وأهيج الخلصاء من ذات البرق
أي وجدها هائجة النبات، ومثله قول الأعشى:
فمضى وأخلف من قتيلة موعدا
أي وجده خلفاً. آخر وهو الفرزدق:
إذا غاب عنكم أسود كنتم ... كراماً وأنتم ما أقام الألائم
أسود العين جبل، والعين المنظر والجبل لا يغيب أبداً يريد أنتم لئام أبداً. آخر:
سمين الضواحي لم تؤرقه ليلةً ... وأنعم أبكار الهموم وعونها
الضواحي الظاهر يريد ما ظهر منه وأراد لم يؤرقه أبكار الهموم وعونها وأنعم أي وزاد على هذه الصفة، واحدة العون عوان. آخر:
ستعلم إن دارت رحا الحرب بيننا ... عنان الشمال من يكونن أضرعا
حكى عن أبي عبيدة أنه قال عنان الشمال دعاء أي يا عنان الشمال والشمال الخرقة التي يكون فيها ضرع الشاة، والعنان السير الذي تعلق به، وقال بعضهم عنان الشمال أي معانة أمر مشؤوم من عن أي عرض كما قيل غراب شمال وزجرت لها طير الشمال، وقال بعضهم إن الدابة لا تعطف إلا من شمالها فأراد دارت رحى الحرب مدارها وعلى جهتها، وقال رجل من كلب:
غدا ضيف حجاز بن زيد بحبله ... مطوي وبطن الضيف أطوي من الحبل
وقال أوس:
مباشيم عن لحم العوارض بالضحى ... وبالصيف كساحون ترب المناهل
العوارض الإبل تنحر من علة، يقول لا يذبحون إلا ما كان عليلاً لا ينتفع به من لؤمهم ويضعفون عن السقي أول الناس فيبقون حتى يسقي الناس فيكونون آخرهم.
وقال حاتم في ضد هذا:
وسقيت بالماء النمير ولم ... أترك ألاطم حمأة الجفر
النمير الماء النامي في الجسد وإن كان غير عذب.
وقال النجاشي: لابن مقبل:

ولا يردون الماء إلا عشية ... إذا صدر الوراد عن كل منهل
وقال الأخطل:
المانعيك الماء حتى يشربوا ... جماته ويسموه سجالا
وقال الفرزدق لجرير:
إن الزحام لغيركم فتحينوا ... ورد العشي إليه يخلو المنهل
وقال آخر يهجو قوماً:
مناين أبرام كأن أكفهم ... أكف ضباب أنشقت في الحبائل
أي نشبت. وقال آخر:
غثا كثير لا عزيمة عندهم ... سوى أن خيلاناً عليها العمائم
خيلان جمع خيال أي ليسوا شيئاً، ابن الأعرابي: الخال البعير الضخم والخال الجبل شبههم بالإبل في أبدانهم ولا عقول لهم. آخر:
ولا عيب إلا نزع عرق لمعشر ... كرام وإنا لا نخط على النمل
قال أبو عمرو: إذا كان الرجل من أخته ثم خط على النملة وهي قريحة تظهر في ظهر الكف لم تلبث أن تجف، وهذا من فعل المجوس وإنما عرض برجل أخواله مجوس فقال: لست أنا كأولئك. وقال امرؤ القيس:
أيا هند لا تنكحي بوهةً ... عليه عقيقته أحسبا
البوهة الأحمق، وعقيقته شعره الذي خرج به من بطن أمه، يريد أنه لا يطلي، أحسب أحمر.
مرسعة وسط أرباعه ... به عسم يبتغي أرنبا
يقال رسع الرجل ورسع ورجل مرسع ومرسعة وهو الفاسدة عينه، وفي حديث عبد الله بن عمرو أنه بكى حتى رسعت عينه أي فسدت وتغيرت، ويروي مرسعة بين أرساغه من الترسيع وهو سير يضفر ويرسع ثم يشد في الساق، وأنث مرسعة في هذه الرواية رده على بوهة:
ليجعل في ساقه كعبها ... حذار المنية أن يعطبا
يريد أنه جاهل يظن أن كعب الأرنب إذا علقه دفع عنه الموت.
فلست بطياخة في القعود ... ولست بخزرافة أخدبا
الطياخة الذي لا يزال يقع في بلية وسوءة، يقال لا يزال فلان يقع في طيخة أي بلية، والخزرافة الكثير الكلام الخفيف.
ولست بذي رثية إمر ... إذا قيد مستكرهاً أصحبا
أصحب تبع، والرثية وجع يأخذ في الركبتين، منه:
وللكبير رثيات أربع
والإمر الأحمق الضعيف. وقال النابغة:
إذا نزلوا ذا ضرغد فعتائدا ... يغنيهم فيها نقيق الضفادع
قعوداً لدى أبياتهم يثمدونهم ... رمى الله في تلك الأكف الكوانع
الضفادع تكون في الخصب يريد أنهم في أرض مخصبة، يثمدونهم يسألونهم، والكانع الخاضع، وقال الأعشى:
هم الطرف الناكوا العدو وأنتم ... بقصوى ثلاث تأكلون الوقائصا
الطرف جمع طريف وهو الذي بينه وبين الجد الأكبر آباء كثيرة وهو أحب إليهم من ذي القعدد، بقصوى ثلاث أي بعداً على ثلاث ليال، والوقائص التي أفطرت من الإبل والغنم.
وقال:
أنوفهم ملفخر في أسلوب ... وشعر الأستاه بالجبوب
أسلوب جانب، والجبوب الأرض يريد أنهم قصار.
وقال آخر: شظاظ الضبي:
رب عجوز من أناس شهبره ... علمتها الانقاض بعد القرقره
يعني أنها كانت لها بعير مسن يقرقر فركبه وذهب به وترك لها بكراً تنقض به. وأنشد في وصف سوداء:
كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها
أنشد عيسى بن عمر:
كل عجوز رأسها كالكفه ... تغدو بجف معها هرشفه
كان عيسى بن عمر يرى أن الهرشفة العجوز حتى قال منتجع: الهرشفة خرقة تنشف بها الماء وذلك أن يجيء مطر وتحتاج إلى أخذ الماء فتنشفه من الأرض بها ثم ترده في الجف من جلود الإبل، والكفة حبل للصائد يديره، شبه شعرها إذ تساقط وسط الرأس وبقي ما حوله مستديراً بالكفة.
وقول الأنصاري عبد الرحمن بن حسان:
فتبازت وتبازخت لها ... جلسة الجازر يستنجي الوتر
البزاء أن تخرج المرأة عجيزتها لتدنيها منه وتعظمها، والبزخ أن يدخل القطن وتخرج الثنة، والثنة ما بين السرة والعانة، شبه تبازخه بجلسة الذي ينزع عصب المتن، والاستنجاء الأخذ.
وقال امرؤ القيس:
وآثر باللحاة آل مجاشع ... رقاب إماء يعتبئن المفارما
الملحاة الشتم، يعتبئن يتخذن ما يتضيقن به، وكتب عبد الملك إلى الحجاج يا ابن المستفرمة بحب الزبيب. وقال الأعشى:
ونساء كأنهن السعالي
أي مثل الغيلان من الضر، الأصمعي: الغول ساحرة الجن. وقال لبيد:

تأوي إلى الإطناب كل رذية ... مثل البلية قالص أهدامها
أطناب الفسطاط، رذية مهزولة، يريد امرأة شبهها بالبلية من الإبل، قالص مرتفع، أهدامها خلقان ثيابها.
وقال خداش بن زهير يهجو رياح بن ربيعة العقيلي.
بعناك في بطن مخضر عوارضها ... ترى من اللؤم في عرنينها خنسا
يريد سبينا أمك وهي حامل بك فبعناها، وعوارضها أسنانها وخنس قصر.
وقال يهجو قوماً وهم جداعة رهط دريد بن الصمة:
لعمر التي جاءت بكم من شفلح ... لدى نسيبها سابغ الاسب أهلبا
الشفلح الرجل العظيم الشفة المنقلبها وأراد ها هنا الرحم.
أزب جداعي كأن لدى إستها ... أغاني خرف شاربين بيثربا
يقال في مثل من أمثال العرب إياك والأهلب الضروط خرف قوم يشربون في الخريف. وقال المرار للمساور:
لست إلى الأم من عبس ومن أسد ... وإنما أنت دينار بن ديناز
أي عبد بن عبد لأن ديناراً من أسماء العبيد.
فإن تكن أنت من عبس وأمهم ... فأم عبسكم من جارة الجار
وقال ذو الرمة:
إذا أبطأت أيدي امرؤ القيس بالقرى ... عن الركب جاءت حاسراً لا تقنع
يقول إذا لم يفرد الضيف بالقرى عن الركب جاءت المرأة حاسراً تقول ليس لكم عندي قرى، لا تقنع لأنها لا تستحي من الرد المحاربية تهجو امرأة:
وعلق المنطق منها بذلق ... كلب لها عودت مس الخنق
تقول هي رسحاء فالمنطق لا يثبت وتخنق كلبها لئلا يسمع صوته الأضياف. وقال الراعي يهجو امرأة:
تبيت ورجلاها إوانان لاستها ... عصاها حتى يكل قعودها
أي تحرك استها حتى يسير القعود واستها عصاها.
مخشمة العرنين مثقوبة العصا ... عدوس السرى باق على الخسف عودها
أي تسري بالليل لطلب الريبة. وقال:
إني نذير التي ألقت منيئتها ... على القعود وحفتها بأهدام
من المهيبات مخضراً مغابنها ... لم تثقب الجمر كفاها بأهضام
المنيئة إهاب تدبغه المرأة تجلس عليه، تهيب تدعو أي هي راعية لم توقد ناراً قط لبخور.
وقال جران العود وذكر امرأته:
تكون بلوذ القرن ثم شمالها ... أحث كثيراً من يميني وأسرح
لوذ القرن موضعه، يريد أن شمالها أسرع في اللطام من يمينها وأسرح أمضى، والقرن قرن الإنسان على رأسه، ولوذه حيث لاذ طرفه من القفا.
وقال جرير:
لقد ولدت غسان ثالبة الشوى ... عدوس السرى لا يعرف الكرم جيدها
ثالبة الشوى متشققة الرجل لأنها راعية، ابن الأعرابي: ثالثة الشوى شبهها بالضبع لأنها تمشي على ثلاث، ولا تستقر بالليل، فقال: أمهم لا تستقر بالليل لطلب الفجور، عدوس السرى قوية على السري، والكرم قلادة فيها ذهب أو فضة تصوغها الأعراب.
وقال:
وسودا من نبهان تثني نطاقها ... بأخجي قعور أو جواعر ذيب
أخجى فرج كثير الماء، يصفها بالرسح، والجاعرة موضع السمة من الحمار.
وقال وذكر أم البعيث:
إذا هبطت جو المراغ تكرست ... عروشاً وأطراف التوادي كرومها
تكرست جمعت شجراً، فعرشته وسكنت فيه وذلك فعل الرعيان، والتوادي أصرة الإبل وهي أعواد خشب تصر على ضروعها الواحدة تودية، والكروم القلائد واحدها كرم والمعنى أنها تلقي التوادي على عاتقها فتكون كأنها قلادة، والمراغ موضع تمرغ فيه الإبل.
وقوله يذكرها:
ترى العبس الحولي جوناً تسوفه ... لها مسكاً من غير عاج ولا ذبل
وقال الفرزدق يذكر البعيث:
أرحت ابن حمراء العجان فعردت ... فقارته الوسطى وقد كان وانيا
أي أرحته من مهاجاة جرير وتقلدت ذلك، وحمراء العجان لأنها أمة وكذلك قول جرير: فرتنا وكل أمة عند العرب فرتنا، عردت قويت والعرد الشديد:
فألق استك الهلباء فوق قعودها ... وشايع بها واضمم إليك التواليا
الهلباء ذات الهلب وهو الشعر، شايع ادع الإبل وأهب بها والتوالي المستأخرات.
قعود التي كانت رمت بك فوقه ... لها مدلك عاس أصل العراقيا
مدلك يعني بظرا، عاس غليظ واسمه النوف إذا طال، وأراد عراقي القتب.
وقال جرير وذكر أم الفرزدق:

بزرود أرقصت القعود فراشها ... رعثات عنبلها الغدفل الأرعل
العنبل البظر الطويل، والغدفل العظيم والأرعل المسترخي.
وقال آخر:
إن ابن حواء وترك الندى ... كالعبد إذ قيد أجماله
يقول ترك طلب المكارم وأقام. ومثله بيت الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وقال خداش بن زهير يهجو قوماً:
لا تبرحون على الأبواب ملاءمةً ... تغاروزن بها ما لألأ الفور
أي تقيمون، يقال غرز فلان إذا أقام ولم يبرح وذا مأخوذ من غرز الجراد إذا غرز بموضع ألقى بيض به، والفور الظباء لا واحد لها من لفظها، لألأت حركت أذنابها. ومثله قول الآخر الأبيرد اليربوعي:
أحقاً عباد الله أن لست رائياً ... بريداً طوال الدهر ما لألأ العفر
العفر الظباء في ألوانها مأخوذ من عفر الأرض وهو لونها.
كأنكم نبطيات بمزرعة ... قشر الأنوف، درادير مآدير
درادير لا أسنان لها والدردر منبت الأسنان قبل أن تخرج، والمآدير العظام الخصي من الأدرة يقال رجل آدر مثال أفعل من الأدرة، ودرادير استأنف به وصف القوم ولم يضف إلى النبطيات، قشر الأنوف حمرها.
ترى صدورهم حمراً محشرةً ... وفي أسافلهم نشل وتشمير
أخبر أنهم سود الوجوه، محشرة دقاق قليلة اللحم، نشل وتشمير. وقال يهجو عبد الله بن جدعان:
أريصع حلاف على كل بيعة ... وآدر مستلق بمكة أعفل
الأرصع والأرسح واحد، والبيعة من البيع يقال فلان رخيص البيعة والسيمة، والأعفل من العفل وهو العجان، أي هو كثير لحم ذلك الموضع وارمه. ومثله لبشر:
وارم العفل أبخر
مستلق بمكة يريد أنه ليس ممن يرحل ولا يبرح إنما هو تاجر، وقال:
أغرك أن كانت لبطنك عكنة ... وأنك مكفي بمكة طاعم
وقال يهجو قوماً:
سلاحكم يوم الهياج أصرة ... بأيديكم معوية ومثاني
الأصرة جمع صرار يخبر أنهم رعاء، معوية ملوية، ومثان حبال. وقال المرار:
ثقيل على جنب المهاد وماله ... خفيف على أعدائه حين يسرح
يقول هو ثقيل النوم واذغ غراد أعداؤه سوق إبله كان خفيفاً عليهم لعجزه عن الطلب.
فإن مات لم يفجع صديقاً مكانه ... وإن عاش فهو الديدني المترح
أي فهذا الذي ذكرت دأبه وعادته، والمترح الذي يعيش في ترح. وقال الكميت يهجو رجلاً:
أنصف امرئ من نصف حي يسبني ... لعمري لقد لاقيت خطباً من الخطب
كان الرجل الذي هجاه أعور وكان من قبيلة من كلب يقال لهم بنو شق. وقال:
وقد أطمعت في الحوادث منهم ... فقيراُ وأعمى يلمس الأرض مقعداً
يروم ورجلاه استه خندقية ... من المجد أعيت ما أمر وأحصدا
أراد قول جرير:
وبارق، شيخان أعمى مقعد وفقير
مقعد أراد خالد بن عبد الله أصابه النقرس ولذلك قال رجلاه استه لأنه كان إذا أراد الحركة زحف. وقال يهجو خالد بن عبد الله البجلي:
ولولا أمير المؤمنين وذبه ... بجيل عن العجل المبرقع ما صهل
روى أنه اشترى رجل من العرب ثوراً فبرقعه فقيل له: ما هذا؟ فقال: فرس، فقالوا: فالقرنان؟ قال: هما في استه غير مدهونين إن لم يكن هذا فرساً، فضرب مثلاً في الحمق، وأراد بالعجل خالداً ليس بفرس كريم.
هززتكم لو أن فيكم مهزةً ... وذكرت ذا التأنيث فاستنوق الجمل
روى أن المتلمس أنشد قوماً فيهم طرفة:
وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم
الصيعرية سمة توسم بها النوق، فقال طرفة استنوق الجمل، فضحك الناس منه وهزئوا به، فقال الكميت مدحتكم فأفرطت في مدحكم حتى جعلت المؤنث مذكراً، وصار قول طرفة مثلاً.
وقال الراعي:
تأبى قضاعة أن ترضي دعاوتكم ... وابنا نزار فأنتم بيضة البلد
النعامة تبيض فتفسد منه الواحدة فيذهب أبواها يتركانها في البلد فكل من رمى بالذل والقلة قيل له بيضة البلد.
وقال أبو النجم يذكر عبد الرحمن بن الأشعث:
عيراً يكد ظهره بالأفوق ... حمار أهل غير أن لم ينهق
يرجو بأنباط السواد الأبق ... أن يترك الدين كجلد الأبلق

أي يكد بالذل فواقاً بعد فواق لا يروح، وأصل هذا في الحلب، غير أن لم ينهق يقول كذا ويذل ولا ينطق، كجلد الأبلق أي يؤثر فيه ويجعله ألواناً ومللاً.
وقال المسيب بن نهار يهجو الحصين من ولد الحارث بن وعلة.
وبعت أباك والأنباء تنمي ... بجوف عتيد شيخ العمور
عتيد أرض كان الحارث بن وعلة دفن فيها فلما مات باع حصين حصته رجلاً من محارب بن عمرة الغمور فعيره ببيع موضع قبر أبيه.
وقال زيد الخيل:
فخيبة من يخيب على غني ... وباهلة بن أعصر والركاب
يقول من غزا فخاب فخابئانه يكر على غني وباهلة فيغنم لأنهم لا يمنعون ممن أرادهم كالركاب وهي الإبل لأنها لا تمنع على من أرادها، ابن الأعرابي: يقول من صار في يده أسير من غني وباهلة فقد خاب لقلة فدائه، والدليل على ذلك قوله:
وأدى الغنم من أدى قشيرا ... ومن كانت له أسرى كلاب
والدليل إلى التفسير الأول قول الفرزدق يهجو أصم باهلة.
أأجعل دارماً كابني دخان ... وكانا في الغنيمة كالركاب
ابنا دخان غني وباهلة وكانوا يسبون بذلك في الجاهلية، كالركاب أي لا امتناع بهم كما لا تمتنع الركاب، وكان الرجل منهم في الجاهلية إذا قتل رجلاً من أفناء العرب لم يكن في دمه وفاء منه حتى يزاد عشراً من الإبل أو نحوها، وهذا قول أبي عبيدة، وذكر أن الأشعث الكندي قال للنبي صلى الله عليه وسلم أتكافأ دماؤنا يا رسول الله؟ قال: نعم ولو قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك به.
وقال حميد بن ثور لرسوليه إلى عشيقته:
وقولاً إذا جاوزتما أرض عامر ... وجاوزتما الحيين نهداً وخثعما
نزيعان من جرم بن ربان إنهم ... أبوا أن يميروا في الهزاهز محجما
نزيعان غريبان من هؤلاء القوم الضعاف الذين لا يخافون ولا تخشى لهم غارة، ويقال مار دمه إذا جرى وأمرته أجريته، وأنشد لجرير:
ومار دم من جار بيبة ناقع.
وقال زيد الخيل الطائي:
أغشاكم عمرو عيوباً كثيرةً ... ومن دون عمرو ماء دجلة دائم
عمرو بن عبد الله بن خزيمة بن مالك بن نصر بن قعين وكان لعمرو جار من طيء فذهب بإبله، يقول فلكم بعد الذي أغشاكم عمرو من العيوب عيوب كماء دجلة كثيرة.
وقال عمرو بن معد يكرب:
ألا غدرت بنو أعلى قديماً ... وأنعم إنها ودق المزاد
قال ابن الكلبي: لا يشرب أحد من مائهم إلا استودق. آخر:
في فتية من بني هند كأنهم ... آذان أحمرة يحملن أعدالا
أي مسترخين لا حراك بهم ولا شهامة لهم كأنهم آذان حمير قد لغبت فاسترخت آذانها. وقال الراجز:
أذنا حمار زهلقي قد لغب
آخر من بني ضبة:
فهلا بني شر الشباع ثأرتم ... سدوساً وقد أجزت سدوس وأوجعوا
شر السباع عنزة وهي دويبة صغيرة. آخر:
إذا أنفض الذهلي ما في وعائه ... تلفت هل يلقي برابية قبرا
فإن قيل قبر من لجيم بتلعة ... ....وسمي رأس ركبته عمرا
روى أن رجلاً من عجل أوصى أن يقري الناس عند قبره فجاء رجل من ذهل فوضع قلنسوته على ركبته وسماها عمراً ثم أخذ من القرى حظ اثنين، أوهمهم أن ركبته ولد له صغير.
آخره:
إن بني فزارة بن ذبيان ... قد طرقت ناقتهم بإنسان
يقال طرقت المرأة إذا كان خروج ولدها يريد أنهم ينكحون النوق: ومثله لسالم بن دارة:
لا تأمنن فزارياً خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة.
آخر يزيد بن الصعق:
إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجيء بزاد
بخبز أو بلحم أو بتمر ... أو الشيء الملفف في البجاد
البجاد الكساء، قال الأصمعي الشيء الوطب؟ ص وقال جرير:
إست السليطي سوا وفمه ... محرنفشاً بحسب لا نعلمه
المحرنفش المتعظم المنتفخ، يقول هو متكبر من الفخر بما ليس عنده، وقوله است السليطي سواء وفمه يريد أنه أنجز وقوله:
أنعت حصاء القفا جموحاً ... ذات حطاط تنكأ الجروحا
تترك فحجان سليط روحا

يعني كمرة، والحصاء القرعاء والحطاط بثر يخرج في الوجه، والأفحج الذي تداني صدور قدوميه ويتباعد عقباه وتتفحج ساقاه، والأروح الذي تداني عقباه وتتباعد صدور قدميه وقوله يهجوهم:
فما في سليط فارس ذو حفيظة ... ومعقلها يوم الهياج جعورها
الحفيظة الغضب، يريد أنهم إذا فزعوا سلخوا فلا يقربهم عدوهم لقذرهم، ومثل هذا مثل للعرب حكاه أبو زيد قال: إن رجلاً أراد ضرب غلام له اسمه سمرة فسلح الغلام فتركه وقال اتقى بسلحه سمرة ويروي: احتمى فذهب هذا الكلام مثلاً.
إذا ما تعاظمتم جعوراً فشرفوا ... جحيشاً إذا آبت من الصيف عيرها
هو جحيش بن زياد السليطي، يقول إذا جاءت العير بالميرة وكثر عندكم البر والتمر وسعتم وعظمت جعوركم ففضلوا حينئذ جحيشاً فإنه أكثركم أكلاً وأوسعكم جعرا.
كأن سليطاً في جواشنها الخصى ... إذا حل بين الأملحين وقيرها
الجواشن الصدور يقول لحومهم منبترة متميزة كأنها خصى لأنهم قوم يعتملون فتغلظ لحومهم، والوقير الغنم فيها حمار أو حمارات، والأملحان ماء لبني سليط.
عضاريط يشوون الفراسن بالضحى ... إذا ما السرايا حث ركضاً مغيرها
ومثله للأخطل:
يبيت على فراسن معجلات ... خبيثات المغبة والعثان
أعجلت أن تنضج. وقال يهجوهم:
إسأل سليطاً إذا ما الحرب أفزعها ... ما شأن خيلكم قعساً هواديها
أراد أنهم يجذبون الأعنة فتقاعس، والقعس دخول الصلب وخروج الصدر.
لا يرفعون إلى داع أعنتها ... وفي جواشنها دا يجافيها
أراد انتفاخ سحورها من الجبن يجافيها عن متون الخيل ومثله له.
ألا ساء ما تبلي سليط إذا ربت ... جواشنها وازداد عرضاً ظهورها
يقول انتفخت سحورها قربت صدورها وعرضت ظهورها، وقال يهجوهم:
الظاعنون على العمى بجميعهم ... والخافضون بغير دار مقام
أي يظعنون بجميعهم على الجهل وما لا يدرون ما عاقبته ويقيمون وهم آمنون بحيث لا ينبغي أن يقيموا، وصفهم بالجهل وقال غسان بن ذهيل لجرير:
لا تسألون كليبياً فيخبركم ... أي الرماح إذا هزت عواليها
أي لا يعرفون عالية الرمح من سافلته من الفزع، وقول جرير:
نبثت غسان ابن واهصة الخصى ... بقصوان في مستكلئين بطان
أي يرعون الكلاء ومثله:
تلقى السليطي والأبطال قد كلموا ... وسط الرجال بطيناً غير مفلول
قال مسحل بن كسيب: فلما بلغهم هذا البيت قالوا أدام الله لنا ذلك أي البطنة والسلامة. وقال البعيث يهجو جريراً:
لقي حملته أمه وهي ضيفة ... فجاءت بنز من نزالة أرشما
اللقى الشيء المطروح المحتقر، ضيفة أي سيئة الحال تضيف الناس، والنز الخفيف النزق، نزالة نطفة، أرشم أصحم الوجه إلى السواد، ويروي: فجاءت بيتن للضيافة أرشما، وهو الذي تخرج رجلاه قبل رأسه، والأرشم الذي يتشمم الطعام ويحرص عليه وهذه الرواية أجود. وقال جرير:
بني مالك لا صدق عند مجاشع ... ولكن حظاً من فياش على دخل
فياش فخر، ودخل أمر سوأ لا خير فيه. وقال:
دعوا المجدالا أن تسوقوا كزومكم ... وقيناً عراقياً وقيناً يمانيا
الكزوم الناقة المسنة الكبيرة، يعني معاقرة غالب سحيماً بصوأر والعراقي البعيث واليماني الفرزدق وإنما جعلهما كذلك لموضع منازلهما كما قال النابغة ليزيد بن الصعق الكلابي:
ولكن لا أمانة لليماني.
لأن منزله كان قريباً من بلحارث بن كعب فجعله يمانياً. وقال الفرزدق لجرير:
وأنت بوادي الكلب لا أنت ظاعن ... ولا واجد يا ابن المراغة بانيا
إذا العنز بالت فيه كادت تسيله ... عليك وتنفى أن تحل الروابيا
الوادي شر منازل الناس. قال الشاعر يرثي رجلاً:
وحل الموالي بعده بمسيل
يقول ليس عليك بناء ولا عريش كالكلب في غير بناء.
وقال أيضاً لجرير:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها ... وقضي عليك به الكتاب المنزل
أي بيتك في الوهن والذل كبيت العنكبوت وقضي عليك بالذل القرآن. وقال له:
أنا لنضرب رأس كل قبيلة ... وأبوك خلف أتانه يتقمل

يهز الهرانع عقده عند الخصى ... بأذل حيث يكون من يتذلل
يهز ينتزع، والهرانع القمل واحدها هرنع، عقده يعني عقد ثلاثين.
وقال جرير للفرزدق:
أعيتك مأثرة القيون مجاشع ... فانظر لعلك تدعي من نهشل
يقول إذا لم تجد في مجاشع مأثرة ولا فخراً فادع من نهشل، ونهشل أخو مجاشع.
ما كان ينكر في غزي مجاشع ... أكل الخنزير ولا ارتضاع الفيشل
قال أبو عبيدة عطش نجيح بن مجاشع ومعه ثعالة مولى له إما حليف وإما عسيف فلما اشتد عطشهما أقبل نجيح فاه جردان ثعالة فمصه فشرب بوله فلم ينفعه ومات وفعل مثل ذلك ثعالة فمات، والخزير شيء يعمل من الدقيق كالعصيدة، وقال جرير يصف ضلال عاصم دليل الفرزدق به:
بلعت نسيء العنبري كأنما ... ترى بنسيء العنبري جني النحل
النسيء اللبن الحليب يمذق بالماء وهو ها هنا البول. والعنبري عاصم.
وقال جرير يهجو الراعي:
إذا نهض الكرام إلى المعالي ... نهضت بعلبة وأثرت نابا
تبوء لها بمحنية وحينا ... تبادر حد درتها السقابا
الناب المسنة من النوق، تبوء لها من الباءة وهو النكاح، ويروى: تنوخها، والمحنية منعطف الوادي، وقوله له:
ولو وضعت فقاح بني نمير ... على خبث الحديد إذا لذابا
أي من فسوهم. وقال الفرزدق:
وبرحرحان تخضخضت أصلاؤكم ... وفزعتم فزع البطان العزل
الصلوان مكتنفاً الذنب وإنما يتخضخض من المرأة العجزاء، يقول كنتم في ذلك اليوم نساء ولم تكونوا رجالاً، وقال آخرون: أراد سلحت أستاهكم من الفزع، والبطال الثقال من الشبع، والعزل الذين لا سلاح معهم. وقال الفرزدق:
ولكن خرباناً تنوس لحاهم ... على قصب جوف تناوح خورها
يقول هم كالخربان في الجبن والضعف على أجواف هواء ليس لها قلوب. وقال جرير للفرزدق:
وأنتم بنو الخوار يعرف ضربكم ... وأمكم فخ قذام وخيضف
الفخ الجفر؟ وهي البئر الواسعة التي لم تطو، قذام واسع الفم كثير الماء، يقال قذم الماء قذماً يعني فرجها، خيضف ضروط. وقال يذكر بني منقر وما فعلوا بجعثن:
وهم رجعوها مسحرين كأنما ... بجعثن من حمى المدينة قرقف
وتحلف ما أدموا لجعثن مثبرا ... ويشهد حوق المنقري المجوف
المثير الموضع الذي تنتج فيه الناقة فيقع فيه دمها وسلاها فهي لا تكاد تنساه، والمجوف الذي أدخل الجوف، وقال جرير:
تفلق عن أنف الفرزدق عارد ... له فضلات لم تجد من يقورها
عارد غليظ يعني بظراً.
وأبرأت من أم الفرزدق ناخساً ... وقرد إستها بعد المنام تثيرها
الناخس الجرب في أصل الذنب، وقرد جمع قراد. وقوله:
يا ابن ذات الدمل
يعني أن بها حكة. وقال:
ألا إنما مجد الفرزدق كيره ... وذخر له في الجنبتين قعاقع
الجنبة جلد بعير مثل الكنف يكون فيه أداة القين. وقال الفرزدق يذكر نساء سبين:
إذا حركوا أعجازها صوتت لهم ... مفركةً أعجازهن المواقع
المواقع من قولك جمل موقع أي به آثار الدبر لكثرة ما حمل عليه، فيزيد أنه قد فعل بهن مراراً كثيرة فتوقعت أعجازهن. وقال جرير:
أجعثن قد لاقيت عمران شارباً ... على الحبة الخضراء ألبان أيل
أي شرب ألبان أيل مع الحبة الخضراء فهاجت غلمته. وقال أيضاً:
تثاءب من طول ما أبركت ... تثاؤب ذي الرقية الأدرد
أي الذي لا سن له وإذا تثاءب كان أسمج له. وقال الفرزدق لجرير حين ذكر أنه خطب إلى آل بسطام بن قيس:
وما استعهد الأقوام من زوج حرة ... من الناس إلا منك أو من محارب
استعهدوا اشترطوا.
لعلك في حدرإ لمت على الذي ... تخيرت المعزى على كل حالب
عطية أو ذي بردتين كأنه ... عطية زوج للأتان وراكب
أي لعلك في حدراء لمت على عطية الذي تخيرته المعزى أو على رجل كعطية يعني جريراً. وقال الفرزدق:
لئن أم غيلان استحل حرامها ... حمار الغضا من تفل من كان ريقا
فما نال راق مثلها من لعابه ... علمناه ممن سار غرباً وشرقا
وقال الفرزدق وذكر تميماً:

لو كان بال بعامر ما أصبحت ... بشمام تفضلهم عظام جزور
وقال الأخطل يذكر قتلة المختار:
وناطوا من الكذاب كفا صغيرة ... وليس عليهم قتله بكبير
ناطوا علقوا كفاً صغيرة رماه بالبخل واللؤم فجعلها صغيرة. وقال:
كل المكارم قد بلغت وأنتم ... زمع الكلاب معانقوا الأطفال
أي ملازمون بيوتكم وأولادكم. وقال:
شفى النفس قتلى من سليم وعامر ... ولم تشفها قتلى غنى ولا جسر
أي لأنهم ليسوا أكفاء.
ولا جشم شر القبائل إنها ... كبيض القطا ليسوا بسود ولا حمر
بيض القطا أرقط أي فهم ألوان ليسوا من نجر واحد. وقوله:
على العيارات هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سواءتهم هجر
العيارات الحمر غير وأعيار وعيرة وعيارات، والهدجان تقارب الخطو. وقال يهجو جريراً:
سبنتى يظل الكلب يمضغ ثوبه ... له في مغاني الغانيات طريق
السبنتي الجرئ، يمضغ الكلب ثوبه من أنسه به ومعرفته له، والمغاني منازل القوم ومالهم، يريد أنه مخالف إلى جاراته فيداري الكلاب بالشيء يطعمها فهي آنسة به. آخر:
فإن ترصداني ظالمين وتلمسا ... مكان فراشي فهو بالليل بارد
يقول ذلك لرفيقه يرغمهما بذلك أي هو كما تظنان. وأما قول الآخر:
صبح حجراً من منى لأربع ... دلهمس الليل برود المضجع
فإن هذا مدح يريد أنه صاحب سرى. وقال الأخطل:
أجرير إنك والذي تسمو له ... كأسيفة فخرت بحدج حصان
حملت لربتها فلما عوليت ... نسلت تعارضها مع الأظعان
الحدج مركب المرأة، والأسيفة الأمة، يقول حملت الأمة الحدج ففخرت به فلما عولى على البعير وركبته مولاتها نسلت هي مع الظعن، يقول: فأنت تعد مآثر ليست لك. وقال بشر:
فإني والشكاة لآل لأم ... كذات الضغن تمشي في الرفاق
الرفاق حبل يشد من العنق إلى المرفق وذلك إذا أعلت إحدى يدي الناقة فتشد إليه اليد الصحيحة فلا يعنت السقيمة، وزعموا أن بني بدر كانوا يأمرونه بهجاء آل لأم وأن يخبر أنهم ينهونه فقال كما أرادوا يقول في هجائهم هوى وأنا أمنع من ذلك كهذه الناقة. وفيه قول آخر يقول أنا وهم كامرأة في صدرها ضغن على قوم فهي تمشي في الرفاق تشكوهم، يقول فأنا على آل لأم كهذه المرأة لأن في قلبي حنقاً عليهم.
وقال طرفة يهجو:
ويشرب حتى يغمر المحض قلبه ... وإن أعطه أترك لقلبي مجثما
المحض اللبن الحليب، يقول أن أعطيت ما أعطى لم أصنع ما أعطى لم أصنع صنعه ولكني أدع في قلبي مجثماً للرأي والهموم.
وقال الطرماح يمدح رجلاً ويهجو آخرين:
يمسي ويصبح جوفه من قوته ... وبه لمختلف الهموم مجارى
ويبيت جلهم يكت كأنه ... وطب يكون إناه بالأسحار
يكت من الكتيت وهو الهدر الضعيف، ويقول كأنه وطب يضطرب، وإناه وقته الذي يمخض فيه.
وقال آخر: طرفة:
فما ذنبنا في أن أداءت خصاكم ... وأن كنتم في قومكم معشراً اءدرا
إذا جلسوا خيلت ثيابهم ... خرانق توفي بالضغب لها نذرا
شبه أدراتهم بالخرانق أولاد الأرانب، والضغيب أصواتها والأدرة لها صوت. وقال النابغة الجعدي:
كذى داء بإحدى خصيتيه ... وأخرى لم توجع من سقام
فضم ثيابه من غير برء ... على شعراء تنقض بالبهام
البهام أولاد الغنم جمع بهم، يقول أراد أن يقطع الخصية التي بها الإدارة فغلط فقطع الصحيحة، وهو قوله فضم ثيابه من غير برء، شعراء ذات شعر، تنقض تصوت يقال أنقضت الدجاجة والعقاب صوتت. وقال النمر:
إن بني ربيعة بعد وهب ... كراعي البيت يحفظه فخانا
أي كمن اؤتمن على بيت يحفظه فخان الذي ائتمنه، بعد وهب معناه إذا كان وهب خائناً فمن بقي بعده، ولم يرد بعد أن مات وهب.
وقال آخر يهجو عمارة بن عقيل:
إذا ما كنت جار بني كليب ... فلا تسرح بساحتهم حمارا
فإن لم يأكلوا رووا عليه ... بهامات وأكباداً حرارا
رووا عليه استقوا، بهامات جمه بهام وبهام جمع بهم وهي صغار الغنم. وقال آخر:

يا إبلي تروحي وانمطي ... وصعدي في ضفر وانحطي
إلى أمير بالغبيب ثط ... وجه عجوز جليت في لط
انمطى امتدى في السير، يقال مط ومد، وضفر رمل منعقد، واللط القلائد التي تعمل من حنظل بمكة والمدينة.
وقال آخر أبو الملثم:
متى ما أشأ غير زهو الملو ... ك أجعلك رهطاً على حيض
أبو عبيد: الرهط جلد يشق فيلبسه الصبيان، وهذا مثل وإنما أراد إذاً أسبك وألبسك العار، كقول الشاعر:
كأني نضوت حائضاً من ثيابها
وكذلك قول امرئ القيس:
ثياب بني عوف طهارة نقية
يعني طهارى من العار والغدر، وقال جرير:
وقد لبست بعد الزبير مجاشع ... ثياب التي حاضت ولم تغسل الدما
وقال للبعيث:
يا عبد بيبة ما عذابك محلبا ... لتصيب عرة مجرب وتلاما
يا ثلط حائضة تروح أهلها ... عن ماسط وتندت القلاما
محلباً معيناً، مجرب صاحب إبل جربى، ويروى: ما عذيرك. وقال زهير:
وما أدري وسوف أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
فإن تكن النساء مخبآت ... فحق لكل محصنة هدأ
والمعنى فإن قالوا النساء التي في الخدور فينبغي أن يزوجن إذا، والهداء الزفاف، وبعده:
وإنما أن تقولوا قد أبينا ... وشر مواطن الحسب الآباء
كان يطلب أن يخلوا الأسارى الذين في أيديهم فقال للحسب مواطن موطن عطية وموطن قتال فشر مواطنه أن يأبى أن يعطي شيئاً. وقال الجعدي:
ولو أصابوا كراعاً لا طعام لهم ... لم ينضجوها ولو أعطوا لها حطبا
ترقش العث في بطن الأديم فما ... نالوا بذلكم تقوى ولا نشبا
العث شيء يشبه السوس يقع في الأديم، والترقش التحرك، شبههم بذلك. وقال الشاعر: وهو وبرة لص معروف:
على رؤوسهم حماض محنية ... وفي صدورهم جمر الغضا يقد
ذكر مشايخ يشهدون ورؤوسهم مخضوبة بالحناء فشبهها بالحماض وهو أحمر وله ثمر أشكل إلى الحمرة. وقال الجعدي وذكر فرساً:
فجرى من منخريه زبد ... مثل ما أثمر حماض الجبل
أي زبد أحمر من الدم، وقال العجاج:
والشيب بالحناء كالحماض
وقال آخر وذكر ديكاً ويروى للأخطل:
كأن حماضةً في رأسه نبتت ... من آخر الصيف قد همت بإثمار
وقال أبو خراش لامرأته لامته على ترك القتال:
لامت ولو شهدت لكان نكيرها ... ماء يبل مشافر القبقاب
أي لبالت. وقال الأعلم:
فلا والله لا ينجو نجائي ... غداة لقيتهم بعض الرجال
هوا مثل بعلك مستميت ... على ما في وعائك كالخيال
أي لا ينجو نجائي رجا هواء أجوف ليس له فؤاد أي يموت على الزاد بخلاً وهو كالخيال ليس عنده غناء إنما هو كالشيء المنصوب، وقال أبو جندب:
وجاءت للقتال بنو هلال ... فدري يا سماءً بغير قطر
أي جاءوا بوعيد ليس معه صدق كما يأتي السماء بغير قطر يهزأ بهم. وقال كثير:
ويحشر نور المسلمين أمامها ... ويحشر في أستاه ضمرة نورها
يريد أنهم برص الفقاح. ومثله لزياد الأعجم:
ولا يد بح منهم خاري أبداً ... إلا حسبت على باب إسته القمرا
ومثله:
عجبت لأبلق الخصيين عبد ... كأن عجانه الشعري العبور
وقال رجل يهجو قوماً من بني أسد:
عراجلة بيض الجعور كأنهم ... بمنعرج الغيطان شهب العناكبب
إذا كان قوت الرجل اللبن ابيض جعره فأراد أنهم لا يأكلون اللحم للؤمهم وإنما قوتهم اللبن. وقال آخر:
حتى إذا أضحى تدرى واكتحل ... لجارتيه ثم ولى فنثل
رزق الأنوقين القرنبي والجعل
الأنوق الرخمة فجعل القرنبي والجعل على الاستعارة وذلك أنها كلها تقتات العذرة. وقال آخر وذكر امرأة:
كأن مهوى قراطها المعقوب ... على دباة أو على يعسوب
المعقوب قرط من عقب، وقال بعض الأعراب: معقوب من العقاب وهو الخيط الذي يشد به طرف الحلقة، على دباة من قصر عنقها. وقال الفرزدق:
غشى بثويبها الدخان ترى لها ... شريجين في بالي المشاشة أكواعا

ترى اللاهج المخلول يتبع ريحها ... وإن كان منتوف الفرائص أقرعا
شريجين لونين يعني الذيار والعبس، بالي المشاشة يعني معصمها، والأكوع الذي مال كوعه في جانب والكوع رأس الزند الذي يلي الإبهام، واللاهج الفصيل الذي لهج بالرضاع، والمخلول الذيخل لسانه فإذا دنا من أمه نخسها به فزبنته، يتبع ريحها لأنه يجد منها ريح اللبن وإن كان به فزع فهو يتبعها على ضعفه، يذكر أنها راعية حلابة. وقال آخر:
ابني لبيني إن أمكم ... أمة وإن أباكم وقب
أكلت خبيث الزاد فاتخمت ... منه وشم خمارها الكلب
وقب خاو ضعيف، وأراد أن خمارها زهم قد تقيأت فيه. آخر:
تخاله إذا مشى خصياً ... من طول ما قد حالف الكرسيا
أي قد اعتاد الجلوس والنعمة فهو يمشي رويداً متفحجاً كأنه قد خصى فهو يشتكيهما. قال الفرزدق:
رأيت رجالاً كسبهم بأكفهم ... وكسب فراس باسته قاعد
فراس كان رائضاً للإبل. وقال أيضاً:
أمير المؤمنين وأنت عف ... كريم ليس بالطبع الحريص
أأطعمت العراق ورافديه ... فزارياً أحذ يد القميص
رافداه دجلة والفرات. أحذ خفيف أراد أنه خائن.
عبد الرحمن عن عمه، قال: طرفة:
فكائن ترى من يلمعي محظرب ... وليس له عند العزائم جول
ومن مرثعن في الرخاء مواكل ... وهو بسمل المضلعات نبيل
المحظرب المتشدد في الرأي ويقال وتر محظرب إذا كان شديد العقد، والمرثعن المتثني، والسمل الإصلاح، نبيل حاذق، قال أبو ذؤيب:
نابل وابن نابل
وقال العدواني ذو الإصبع:
ترص أفواقها وقوتها ... أنبل عدوان كلها صنعا
وأنشد الرياشي عن الأصمعي:
نمى ما لهم فوق الوصوم فأصبحوا ... أبارق مال والوصوم كما هيا
أبارق مال أي جبال مال، والوصوم العيوب يريد أنهم رفعهم المال وعيوبهم كما كانت. حميد بن ثور يهجو امرأة. جلبانة
ورهاء تخصى حمارها بفي ... من بغي خيراً لديها الجلامد
جلبانة غليظة الخلق جافيته، ورهاء رعناء، يقول هي قليلة الحياء لا تبالي ما صنعت، وإذا خصت المرأة الحمار لم يبق شيء من المكروه إلا أتته.
عريبية لا ناخس من قدامة ... ولا معصر تجري عليها القلائد
من بني غريب حي من اليمن، ويقال للوعل إذا أسن فبلغ قرنه ذنبه ناخس، قدامة مصدر قديم والمعصر التي دنت من الحيض، أي هي نصف.
إزاء معاش لا تحل نطاقها ... من الكيس فيها سؤرة وهي قاعد
أي مصلحة للمال، سؤرة بقية، قاعد من الولد.
إذا الحمل الربعي عارض أمه ... عدت وكري حتى تحن الفدافد
يقول إذا عارض الحمل أمه ليرضعها عدت هذه المرأة وكري والوكر شدة النزو ثم تنزع الخلف من فم الحمل ويشتد عدوها حتى تسمع للأرض حنيناً، والفدافد واحدها فدفد وليس هو بالصلب ولا اللين من الأرض.
فجاءت بذي أونين ما زال شاته ... تعمر حتى قيل قد مات خالد
يعني وطباً ضخم حنباه حتى أونا أي صارا كأنهما عدلان.
فذاقته من تحت اللفاف فسرها ... جراجر منه وهو ميلان ساند
فأرست له منها حيود كأنها ... ملاطيس أرساها لتثبت واتد
يريد أثبتت حيود يديها ورجليها في الأرض وذلك أنها تشدد لئلا تميل، وحيودها مرافقاها وركبتاها ويداها، والملطس مغول يدق بها الصخر.
وقيل لها جدي هويت وبادري ... غناء الحمام أن تميع المزابد
فغصت تراقيه بصفراء جعدة ... فعنها تصاديه وعنها تراود
أي قيل لها اشرعي في مخض سقائك قبل أن يروب، والمزابد الأسقية واحدها مزبد، صفراء زبدة وإذا اصفرت فهو أدسم لها، يعني فم السقاء.
وقال آخر:
ترى التيمي يزحف كالقرنبي ... إلى تيتية كقفا القدوم
يعني أنها رسحاء. وقول رؤبة:
أكدي الكدي وأكذب النواكدا
أي منع الناس ما عنده واشتد، والنواكد اللواتي تنكد ما عند الرجل وتستخرجه كرها ومنه قولهم جرى الفرس غير منكود. أي غير مستحث، أي أكذبها فلم تخرج شيئاً، والكدية المكان الغليظ.
أنشد ابن الأعرابي:

تعدون القراح ولن تعدوا ... علي نقارة إلا القراحا
يقول ما لكم عندي يد إلا أنكم فريتموني ماء قراحاً، ونقارة كما تقول مالك نقرة ولا أثر بقدر نقرة الطائر.
تم المجلد الأول من كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة المشتمل على الجزء الأول في كتاب الخيل والجزء الثاني في كتاب السباع والجزء الثالث في كتاب الطعام والضيافة. ويتلوه المجلد الثاني المشتمل على الجزء الرابع في كتاب الذباب والبعوض والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم لكل حرف جرى به القلم إلى يوم القيامة.
//الرابع من كتاب المعاني

كتاب الذباب والبعوض
الأبيات في الذباب
كثرة الذباب وسمع أصواتها علم أنه نبت كثير فكان طنينها عليه لعباً أي يقلن لعبا.
وقال آخر في مثله:
ولقد هبطت الواديين ووادياً ... يدعو به الأنيس به العضيض الأبكم
يريد الذباب.
وقال الشماخ وذكر الحمار والآتن.
يكلفها أن لا تخفض جأشها ... أهازيج ذبان على غصن عرفج
يقول يكلفها الحمار أن لا تسكن أهازيج الذباب قلوبها فتشغل بالنبت عنه.
وقال المتلمس:
وذاك أوان العرض حي ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمس
العرض واد اليمامة، يقول حي ذبابه وجاش ولما كثر نبته والأزرق ذباب ضخم أخضر يكون في الرياض، وقوله حي ذبابه زنابيره فجعل الزنابير من الذباب، فالعرب تجعل الفراش والنحل والزنابير كلها من الذباب، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل ذباب في النار إلا النحلة " ، وروي عنه عليه السلام " عمر الذباب أربعون يوماً وهو في النار " ، وقوله والأزرق المتلمس يريد الطالب، وبهذا البيت سمي المتلمس.
وقال ذوالرمة يصف الإبل: بعدما، وخطن بذبان المصيف الأزارق وخطن لدغن، والذباب الذي يهلك الإبل الأزرق.
قال أرطأة بن سهية:
إني امروءٌ تجد الرجال عداوتي ... وجد الركاب من الذباب الأزرق
يقال بعير مذبوب إذا عرض له داء يدعو الذبان إلى السقوط عليه. يعرفون الغدة إذا أصابت البعير بسقوطها عليه.
وقال ذو الرمة يذكر حميرا:
يذببن عن أقرابهن بأرجل ... وأذناب زعر الهلب زرق المقامع
المقامع الذباب الواحدة قمعة جمع على مفاعل مثل مطايب الجزور والواحد أطيب، والخيل تجري على مساويها والواحد سيء، وفيه مشابه من أبيه والواحد شبه، ويروي: ضخم المقامع: والواحدة مقمعة وهي الجحافل من الحمر والخيل ومن الإبل المشافر.
وقال العجاج يصف جمله:
وباديات من ذباب زرقا ... ينتق رحلى والشليل نتقا
ينفض عنه عنترا وبقا
بوادي الشيء أوائله، ينتق ينفض ويحرك ولذلك قالوا للمرأة الكثيرة الولادة ناتق، والشليل مسح يكون على عجز البعير، والعنتر ضرب من الذباب يؤذي الدواب. وقال ذو الرمة وذكر حميرا:
يقلبن من شعراء صيف كأنها ... موارق للدغ انخزام مرامي
أراد خزم مرماة وهي السهم. وقال أوس بن حجر:
ألم تر آن الله أنزل مزنة ... وعفر الظباء في الكناس تقمع
تقمع تطرد عنها القمعة وهو ذباب أزرق، يقول خصه الله بهذه المزنة في غير وقت مطر في الحر والذباب لم يخف ولم يذهب.
وقال ابن مقبل وذكر فرساً:
ترى النعرات الخضر تحت لبانه ... فرادي ومثنى أصعقتها صواهله
فريساً ومغشياً عليه كأنها ... خيوطة ماري لواهن فاتله
النعرة ذبابة كبيرة، أصعقتها أي غشي عليها لصهيله، والماري الكساء الذي له خيوط مرسلة، والخيوط والخيوطة واحد، شبه النعرات للخطوط التي فيها بهذا الكساء المخطط بسواد وبياض، ويقال أن الماري صائد القطا شبهها بالخيوط التي تكون في شبكته والقطاة يقال لها مارية، وقال مطير بن الشيم الأسدي وذكر فرساً:
تكب الذباب لدى طرفها ... أمام اليدين وقيضاً لهيدا
يريد أن الذباب إذا دنا من جفن عينها ضربته به فقتلته.
وقال المرقش:
بمحالة تقص الذباب بطرفها ... خلقت معاقمها على مطوائها
وقال آخر وذكر حماراً:
من الحمير صعق ذبانه ... بكل ميثاء كتغريد المغن

والنعرة ربما دخلت في أنف البعير فيزم بأنفه، والعرب تشبه ذا الكبر من الرجال إذا صعر خده وزم بأنفه بذلك البعير، قال عمر لا أقلع عنه حتى أطير نعرته، قال امرؤ القيس وذكر كلباً طعنه ثور:
فظل يرنح في غيطل ... كما يستدير الحمار النعر
وقال الشماخ وذكر ناقةً:
تذب ضيفاً من العراء منزله ... منها لبان وأقراب زهاليل
وأراد: منزل هذا الذباب هذه المواضع، زهاليل ملس.
وقال ابن مقبل وذكر نبتاً:
والأزرق الأخضر السربال منتصب ... قيد العصا فوق ذيال من الزهر
يقال هو اليسروع وهو يكون في الخصب ويقال أن اليسروع إذا سلخ صار فراشة، وقال الكميت:
بها حاضر من غير جن يروعه ... ولا أنس ذو ارونان وذو زجل
يعني البعوض، أرونان صوت وكذلك الزجل.
وقال أبو كبير و ذكر نبتا:
و كأن أصوات الخموش بجوه ... أصوات ركب في ملاً مترنم
عجل الرباح بهم فتحمل عيرهم ... مصطافة فضلات ما في القمقم
الخموش البعوض، مترنم يتغنى، عجل بالركب ربح ربحوه في عيرهم ففرحوا، مصطافة في الصيف، و أراد بالقمقم الدن.
و قال أبو وجزة ز ذكر صائداً:
يبيت جارته الأفعى و سامره ... رمد به عاذر منهن كالجرب
الرمد الغبر في كدرة - و القتم الغبر في حمرة - و الغبس الغبر في صفرة - يريد بعوضاً، و العاذر الأثر من قرصهن. و قال آخر:
مثل الشذاة دائم ظنينها ... ركب في خرطومها سكينها
يصف بعوضة و الشذاة ذبابة كبيرة و الذباب و البعوض من ذوات الخراطيم و خرطومه هو يده و منه يغني و فيه يجري الصوت كما يجري الزامر الصوت في القصبة بالنفخ. و قال ابن أحمر:
كلفتني مخ البعوض فقد ... أقصرت لانجح و لا عذر
أي كلفتني ما لا يقدر عليه. و كذلك قول الآخر:
أيقنت أن إمارة ابن مضارب ... لم يبق منها قيس أير ذباب
أي لم يبق من شيء.
و قال الحارث بن حلزة يذكر الميت و ما يخلفه:
يترك ما رقح من عيشه ... يعيث فيه همج هامج
الترقيح إصلاح المال: يقال للتاجر مرقح، و الهمج البعوض، شبه الوارث في ضعفه به. و قال ذو الرمة و ذكر الحر:
و حتى سرت بعد الكرى في لويه ... أساريع معروف و صرت جنادبه
اللوي البقل حين يبس و فيه بعض الرطوبة، يقول: الأساريع تصعد في اللوى بعد النوم، واحدها أسروع، و معروف واد.
و قال آخر:
بأرض خلاء ما يغشى بعيرها ... على الماء طراد الشذى و لبودها
الشذى ذباب الإبل و هو يؤذيها الواحد شذاة. و لبودها ما لبد منها، يقول ليس بها نبات فيكون بها ذباب، و إنما قيل فرية غناء لأن الذباب يكثر فيها و يصوت و في صوته غنة.
و قال آخر:
كأن بني ذؤيبة رهط حسل ... فراش حول نار يصطلينا
يطفن بحرها و يقعن فيها ... و لا يدرين ماذا يتقينا
نسبهم إلى الجهل و الطيش، يقال أطيش من فراشة، و ما فلان إلا فراش نار و ذبان طمع، و يقال فلان أزهى من ذباب، و إنما قيل ذلك لأنه يسقط عل أنف الملك الجبار و مآقي عينيه. و أنشد:
و أعظم زهواً من ذباب على خر ... و أبخل من كلب عقور على عرق
و قال الراجز يصف البعوض:
و ليلة ما أدر ما كراها ... أمارس البعوض في دجاها
كل زجول خفق حشاها ... لا يطرب السامع من غناها
و قال آخر:
إذا البعوض زجلت أصواتها ... و أخذ اللحن مغنياتها
لم تطرب السامع خافضاتها ... وأرق العينين رافعاتها
كل زجول تتقي شذاتها ... رامحة خرطومها قناتها
و قال ذو الرمة و ذكر أرضاً:
و ليس لساريها بها متعرج ... إذا انجدل اليسروع و انعدل الفحل
متعرج مقام، و اليسروع و الأسروع دويبة تكون في البقل كأنها إصبع فإذا يبس البقل ماتت، و انعدل الفحل جفر و ذهبت غلمته و ذلك في شدة القيظ، انجدل مات.

الأبيات في الجراد
قال الشاعر:
و جمع بني القين بن جسر كأنهم ... جراد يباري وجهة الريح مسنف
مسنف مجدب يقال أرض مسنفة أي مجدبة ومنه قول القطامي.
و ذكر أرضاً:

و نحن ترود الخيل وسط بيوتنا ... و يغبقن محضاً و هي محل مسانف
و إذا أجدب الجراد طار.
و قال ابو جندب الهذلي:
على حنق صبحتهم بمغيرة ... كرجل الدبا الصيفي أصبح سائماً
الصيفي لا يجد في الأرض من النبات ما يسقط عليه فهو سائم ذاهب في الرض.
و قال ذو الرمة:
يضحي به الأرقش الجون القرا غردا ... كأنه زجل الأوتار مخطوم
الأرقش الجراد، الجون القرا غردا، كأنه طنبور زجل الأوتار.
معروريا يرمض الضراض يركضه ... والشمس حيرى لها بالجو تدويهم
معرورياً يعني الجرادقد ركب رمض الحصا، و الرمض شدة الحر أي باشره، يركضه ينزو من شدة الحر، و الشمس حيرى كأنها لا تمضي من بطئها، و التدويم التدويرأي تدور الشمس على الرؤوس كانها ركدت من طول النهار، يقال ذوم الطائر إذا دار و ارتفع.
كأن رجليه رجلاً مقطف عجل ... إذا تجاوب من برديه ترنيم
يريد كأن رجلي الجرادة رجلا رجل عجل يستحث جمله برجله فهو ينزو، و براده جناحاه،يقول تصر رجلاه في جناحيه فتسمع صوتهما، ترنيم تصويت. و مثله قول أبي زبيد الطائي: و نفى الجندب الحصى بكراعيه و أذكت نيرانها المعزاء و قال آخر:
و صر في جناحه إذ نشره ... وظيف ساق حمشة مؤشره
أي لها تأشير. و قال آخر:
و كتيبة لبستها بكتيبة ... كالثائر الحيران أشرف للندا
الثائر الجراد، أشرف أتى الشرف للندى الذي أصابه.
و مثله للعجاج:
و فثأت عنه ضحى الشرق الخصر
و العرب تقول: أجرد من جراد، و إنما يصطاد الجراد بالسحرو إذا وقع عليه الندى طلب مكاناً أرفع من موضعه فإذا كان مع الندى برد لبد في موضعه.
و قال الكميت يهجو بارقاً و هي قبيلة:
تنفض بردى أم عوف و لم تطر ... لنا بارق بخ للوعيد و اللرعب
ام عوف الجرادة و برداها جناحاهاٌ؛ شبههم بها لضعفهم.
و قال آخر:
فما صفراء تكنى أم عوف ... كأن رجلتيها منجلان
و قال آخر:
إذا ارتجلت عن منزل تركت به ... سخالاً يعاجى بالتراب صغارها
يعاجي يغذي و هو من العجى و هو الذي ففد أمه فصاحبه يرضعه و يقوم عليه، يعني الجراد و يقال أراد القردان.
و أنشد أبو زيد لعوف بن ذروة.
قد خفت أن يحدرنا للمصرين ... و يترك الدين علينا و الدين
زحف من الخفيان بعد الزحفين ... من كل سفعاء القفا و الخدين
ملعونة تسلخ لوناً لونين ... كأنها ملتفة في بردين
تنحي على الشمراخ مثل الفأسين ... أو مثل مئشار غليظ الحرفين
أنصبه منصبه في قحفين
الجراد يسلخ فيحدث له لون غير لونه الأول، و كل طائر له غلاف في جناحيه مثل العجل و الدبر فإنه يسلخ، و سلخ الطير تحسيرها، و سلخ الحوافر إلقاء عقائقها، و سلخ الإبل طرح أوبارها، و سلخ الأيائل نصول قرونها، و سلخ الأشجار إلقاء ورقها، و الأسروع يسلخ فيصير فراشة، و البرغوث يسلخ فيصير بعوضة، و النمل تحدث لها أجنحة و يتغير خلقها. و السراطين تسلخ فتضعف عند ذلك عن المشي.
و قال بشر بن أبي خازم و ذكر فرساً:
مهارشة العنان كأن فيه ... جرادة هبوة فيها اصفرار
وصف الجرادة بالصفرة لأن الذكور فيها صفر و هي اخف أبداناً و تكون لخفة الأبدان أشد طيراناً. و قول آخر:
حتى رأينا كدخان المرتجل ... أو شبه الخيفان في سفح الجبل
يقال هو الذي اصاب رجل جراد فهو يشويه.
و قال عمرو بن معدي كرب: السكاك المسامير التي في الدروع شبهها بحدق الجراد، و يشبه حباب الماء و الشراب بحدق الجراد. قال المتلمسك
عقارا عتقت في الدن حتى ... كأن حبابها حدق الجراد
وإذا صفا الشراب شبه بلعاب الجراد. قال أبو الهندي:
صفراء من حلب الكروم كأنها ... ماء المفاصل أو لعاب الجندب
و لعابه سم على الشجر لا يقع على شيء منه إلا أحرقه.
و قال آخر و ذكر ناقة:
تلفى بعيداً من الحادي إذا ملأت ... شمس النهار عنان الأبرق الصخب

الأبرق الجندب و ذلك أن فيه سواداً و بياضاً، و عنانه جهده ويقال لكل شيء عدا جهده قد امتلأ عنانه، والصخب بجناحيه إذا وقعت رجلاه فيهما. وقال ساعدة بن جؤية:
صابوا بستة أبيات وأربعة ... حتى كأن عليهم جابئاً لبدا:
أي أوقعوا بهم، والجائبي الجراد نفسه ويقال لكل ما طلّع عليك جائبي وقد جبأ عليك، و اللبد المتراكب بعضه على بعض. وأنشد ابن أعرابي:
وجاء ريعان جراد مائجه ... سم الربيع استسر باهجه
يريد أن الجراد إذا وقع على البقل فبزق عليه احرقه و هو سمه، باهجه حسنه.

الأبيات في النحل والعسل
قال الكميت يذكر النساء:
كأن حديثهن غريضٌ مزنٌ ... بما تقري المخصّرة اللسوبُ
الغريض الطري، والمزن السحاب، شبه حديثهن بماء السماء حين نزل، تقرى تجمع، و المخصّرة النحل، و اللسوب التي تلسع، يقال لسبته لسبا. وقال الشماخ:
كأن عيون الناظرين تشوفها ... بها عسل، طابت يدا من يشورها
المعنى كأن عيون الناظرين التي تشوفها تلك الظعائن من حلاوة النظر إليها بها عسل، وقال الأصمعي: المعنى كأن عيون الناظرين إليها تشوفها عسل بالمرأة أي طيب يجدونه في النظر كطيب العسل، و العسل تذكر و تؤنث، يشورها يجبنيها، و قوله طابت يدعو لليدين بالطيب.
تناول شوراً من مجاجات شمّذ ... باعجازها صفر لطاف خصورها
و الشور ما جني من العسل، و المجاجات ما مجته من أفواهها، شمّذ بأعجازها رافعات لأذنابها.
وقال ابن مقبل و ذكر النواقيس:
كأن أصواتها من حيث تسمعها ... صوت المحابض يخلجن المحارينا
المحابض عيدان تكون مع المشتار يشتار بها العسل، و المحارين جمع محران وهو الذي لا يريم مكانه، يصف نحلا جلاهن المشتار بالمحابض فإذا نزع النحل من أماكنهن من الإشتيار حرنّ فلم يرمن، يخلجن يجذبن، و روى ابن الأعرابي: صوت المشاور يفزعن المحارينا، وقال شبه أصوات النواقيس بأصوات العيدان التي تضرب بها النحل لتنفر من أماكنها فيتمكن من الإشتيار، و قال بعضهم المحابض الأوتار، و المحارين حب القطن، أي كأنها أصوات منادف ينزعن بها حب القطن من القطن.
وقال أبو ذؤيب و ذكر خمراً:
بأرى التي تهوي إلى كل مغرب ... إذا اصفر ليط الشمس حان انقلابها
الأرى العمل و الأرى العسل جميعاً يقول: الخمر بعمل التي تهوى التي تطير، و المغرب كل شيء وأراها من حرف أو غيره، وليط الشمس لونها وأصل الليط الجلد والقشر.
بأرى التي تأري اليعاسيب أصبحت ... إلى شاهق دون السماء ذؤابها
أراد بعمل العسل التي تعملها اليعاسيب و هي ذكور النحل، ذؤابها أعاليها جمع ذؤابة.
جوارسها تأرى الشعّوف دوائباً ... و تنصبّ ألهاباً مصيفاً شعابها
الجوارس الأواكل، في الحديث " نحل جرست العرفط " تأرى الشعوف أي تعمل في الشعوف و هي أعالي الجبال، دوائباً في العمل، و تنصب ألهاباً أي تنحدر فيها و اللهب الهواء بين شرفين، و قوله مصيفاً شعابها أي هو بارد يصطاف فيه، و يقال مصيفاً أي عادلاً معوجاً من ضاف السهم إذا عدل، ويروى كرابهان و هي مجاري الماء واحدها كربة.
إذا هبطت به تصعد نفرها ... كقتر الغلاء مستدرّاً صيابها
نفرها ما نفر منها، تصعده أي شق عليه الجبل، والقتر نصل سهم الأهداف، مستدر درير، صيابها قواصدها، و الغلاء المغالاة - شبه مر النحل بمر سهام الأهداف.
تظلُّ على الثمراء منها جوارسٌ ... مراضيعُ صهبُ الريش زغبٌ رقابها
الثمراء جبل ويقال شجر، مراضيع أي معها أولادها، صهب الريش أراد صفر الأجنحة.
فلما رآها الخالدي كأنها ... حصى الخدف تهوى مستقلاً إيابها
أجد بها أمراً و أيقن أنه ... لها أو لأخرى كالطحين ترابها
يريد أن مآباً منها قد استقل و طار، أجد أمراً أي جد بها أمره و اعتزم كما تقول قمر به عيناً أي قرت عينه به، أراد به أنه اعتزم على أن يدلي نفسه و أيقن أنه للجبل أي يصل إلى وقبتها فيأخذ ما فيها، أو الأخرى يعني الأرض إن انقطع حبله و سقط والتي كالطحين ترابها هي الأرض.
فقيل تجنّبها حرام وراقه ... ذراها مبيناً عرضها و انتصابها

حرام إسم المشتار، يقول خوّفها و حذرها، وراقه أعجبه ذرى العسل ولا يرى إلا أعاليه لأنه مطرور بالشمع، عرضها عرض الشهد وانتصابها في السماء يريد قرصة الشهد.
فأعلق أسباب المنية و ارتضى ... ثقوفته إن لم يخنه انقضابها
أسباب المنية تلك الحبال لأنه على خطر فإن سقط كان سبب منيته، و الثقوفة و الثقافة واحد وهو الحذق، و انقضابها انقطاعها.
تدلّى عليه بين سبٍّ وخيطة ... بجرداءٍ مثل الوكف يكبو غرابها
السب في كلام هذيل مثل السبب، و الخيطة الوتد، يقول هو بين الحبل و الوتد في أعلى الجبل، والوكف النطع، جرداء صخرة ملساء يزل عنها الغراب من ملاستها.
فلما جلاها بالأيام تحيزت ... ثبات عليها ذلّها و اكتئابها
جلاها طردها و أخرجها و الإيام الدخان، تحيزت انحازت و تميزت قطعاً قطعاً، ثبات جماعات الواحدة ثبة.
وقال أيضاً وذكر خماراً جلب خمراً:
فبات بجمع ثم تمّ إلى منى ... فأصبح راداً يبتغي المزج بالسحل
فجاء بمزج لم ير الناس مثله ... هو الضحك إلا أنه عمل النحل
راداً أي مرتاداً يطوف يبتغي عسلاً يمزج به خمره، والمزج العسل والسحل النقد، يقال سحله مائة درهم مثل نقده، و الضحك الثغر يقول جاء بعسل هي الثغر بياضاً، قال الأصمعي سألت بن أبي طرفة عن الضحك فقال أظنه أراد المضحك أي بياض الثغر.
وقال ابن الأعزابي يقال للطلع الضحك و الأغريض، يقال ضحك النخل و هو أن ينشق كافوره عن طلعه.
يمانيةٌ أحيا لها مظّ مأبد ... و آل قراس صوب أسفية كحل
المظّ الرمان البري تأكل النحل نوره، و مأبد بلد، قراس أجبل معروفات لهذيل، كحل د، أسفية جمع سفى و السفى و الرمى سحابتان شديدتا الوقع عظيمتا القطر ليس لهما جدا على الأرض و هما سوداوان من سحاب الحميم والخريف.
وقال:
وما ضرب بيضاء يأوي مليكها ... إلى طنف أعيا براق و نازل
الضرب العسل الأبيض الذي قد صلب يقال قد استضرب العسل، و الطنف ما نتأ من الجبل، و مليكها أميرها وهو اليعسوب.
نهال العقاب أن تمر بريده ... و ترمي دروءاً دونه بالأجادل
الريد الناحية من الجبل، والدروء العوج يقال بين القوم درء، والأجادل الصقور.
تنمّى بها اليعسوب حتى أقرَّها ... إلى مألف رحب المباءةعاسل
تنمى ارتفع بهذا النحل حتى جعلها في مألفه، و المباءة مرجع الإبل أي مبيتها الذي تأوي إليه فضربه مثلاً، عاسل كثيرة العسل كما يقال لابن وتامر:
فلو كان حبلٌ من ثمانين قامة ... وتسعين باعاً نالها بالأنامل
يقول لو كان الحل الذي يتدلى به إلى الوقبة ثمانين قامة أو تسعين باعاً لناله يده. وقال سعدة بن جؤية:
أرى الجوارس في ذؤابة مشرف ... فيه النسور كما تحبى الوكب
يقول هو وعر ففيه النسور قد استدارت فكأنهم الركب قد نزلوا واحتبوا.
من كان معنقة وكل عطافة ... مما يصدقها ثوّاب يزعب
يعني الهضبة معنقة طويلة العنق، و عطافة منحنى هضبة أخرى ينعطف، وثواب ما يثوب أي يجتمع في الوادي، ويزعب يتدافع يقال مر الوادي يزعب ومر الرجل يزعب بحمله، وقوله مما يصدقها - يقول إذا رأيتها رأيت لها مخيلة يصدقها ما يثوب من الماء.
منها جوارس للسراة وتأتري ... كربات أمسلة إذا تتصوّب
تأتري تفتعل من الأرى وهو العمل، و الكربات مواضع من الوادي فيها غلظ، و أمسلة بطون الأودية التي تسيل، ويروي: وتحتوي كربات، أي تغلب عليها، وقوله: للسراة أي من السراة.
فتكشّفت عن ذي متون نير ... كالريط لاهفٍّ ولا هو مخربُ
تكشفت النحل عن ذي متون أي عسل له طرائق بيض وشبهها بالربط في البياض، و الهف الخالي الذي ليس فيه شيء مخرب أخذ من الخراب، أراد قرص العسل.
وكأن ما جرست على أعضادها ... حيث استقّل بها الشرائع محلب
أعضادها أجنحتها، يريد أنها تحمله عليها و شبه ما تحمله من الشمع بحب محلب، قال الأصمعي: ولا يدري من أين تجيء بالشمع، و الشرائع طرائق في الجبل شرعت فيه لترعى.
حتى أشبَّ لها وطال إيابها ... ذو رجلة شئن البراثن جحنب

يقول أبطأ رجوعها وطال حبسها في مسرحها واستمكن مناخذه ذو رجلة صبور على المشي، وقوله: شئن البراثن - والبرثن لا يكون للإنسان إنما هو للسباع فاستعاره، والجحنب القصير.
معه سقاء لا يفرّط حمله ... صفن وأخراص يلحن ومسأب
يقول لا يخلف سقاءه أين ذهب، و الصفن وعاء فيه أداته، والأخراص أعواد يخرج بها العسل وهي المشاور، ومسأب سقاء ضخم.
صب اللهيف لها السبوب بطغية ... تنبي العقاب كما يلطّ المجنبُ
السبوب الحبال جمع سبّ وهو في كلامهم مثل السبب، يقول دلى حباله يربطها في شيء ثم دلى، الطغية الهضبة من الجبل صعبة، والمجنب الترس، يلط يستر وكل ما حجبت شيئاً فقد لططت دونه، وإنما أراد أن هذه الطغية كالترس من ملاستها، ثم زاد في الكلام شيئاً من صفة الترس، أراد كالترس الملطوط.
وكأنه حين استلم بريدها ... من دون وقبتها لقى يتذبذب
يقول المشتار كأنه شيء ألقي فهو يتذبذب أي يتطوّح، ووقبتها حرفها، والريد شبيه بالحيد.
فقضى مشارته وحطَّ كانه ... خلق ولم ينشب بها يتسبب
مشارته أي ما اجتناه من العسل، وحط تدلى كأنه ثوب خلق، ولم ينشب أي لم يعلق وانخرط منحطاً، يتسبسب ينسل.
فأذال ناصحها بأبيض مفرط ... من ماء ألهاب عليه التألّب
ناصحها خالصها، ازاله أي فرقه يعني قرص الشهد، بماء أبيض، مفرط يعني غديراً مملوءاً من ماء ألهاب، واللهب شق في الجبل، والتألب شجر، يريد أن الماء ظليل فهو بارد صاف.
وقال أيضاً:
وما ضربٌ بيضاء يسقي ذنوبها ... دفاق فعروان الكراث فضيمها
ذنوب بلد، وعروان واد، والكراث شجر، وضيم واد.
أتيح لها شثن البنان مكزّم ... أخو حزن قد وقّرته كلومها
أتيح قدّر لها، شثن البنان خشنها، مكزم قصير الأصابع كزها قد أكلت أظفاره الصخر، أخو حزن جمع حزنة وهو المكان الغليظ، وقرته كلوم تلك الصخرة أي صيرت به وقرات وهي الآثار.
قليل تلاد المال إلا مسائبا ... وأخراصه يغدو بها ويقيمها
يقول هو قليل أصل المال إلا هذه المسائب والأخراص، وقد فسر فيما تقدم، يقيمها يسوي عوجها.
رأى عارضاً يهوي إلى مشمخرّةٍ ... قد أحجم عنها كل شيءٍ يرومها
رأى عارضاً من نحل كأنه عارض من سحاب، مشمخرة هضبة طويلة.
فما برح الأسباب حتى وضعنه ... لدى الثوال ينفي جثّها ويؤومها
يقول ما برحت به الحبال حتى وضعته لدى الثول وهي النحل، والجث ما ليس بخالص من عسلها كأنه ما يعلو العسل من أجنحتها وصغارها، ويؤومها يدخن عليها والإيام الدخان يقام آم يؤوم أوماً.
فلما دنا الابراد حط بشوره ... إلى فضلات مستحير جمومها
الابراد العشى، حط بما اشتار من العسل إلى بقايا من ماء غدير ليغسله، ومستحير كثير قد تحير، وجمومها ما جم عنها.
وقال أبو ذؤيب:
وأشعثٌ ما ل فضلات ثول ... على أركان مهلكة زهوق
تأبّط خافة فيها مساب ... فأصبح يقتري مسداً بشيق
الخافة السفرة كالخريطة تكون معه، مساب أراد مسأباً فترك الهمز وهو سقاء العسل، يقتري يتبع، مسداً أي حبلاً، شيق أعلى الجبل، والمعنى يتبع شيقاً بمسد فقلب.
على فتخاءٍ تعلم حيث تنجو ... وما في حيث تنجو من طريق
فتخاء يعني رجله فيها اعوجاج ولين.
وقال المسيب بن علس يصف النحل:
سود الرؤوس لصوتها زجل ... محفوفة بمسارب خضر
بكّرت تعرّض في مراتعها ... فوق الهضاب بمعقل الوبر
وغدت لمسرحها وخالفها ... متسربل أدما على الصدر
المسارب مجاري الماء، يقول لما سرحت هي ترعى خالفها إلى وقبتها.
فأصاب ما حذرت ولو علمت ... حدّبت عليه بضيق وعر
أصاب ابعسل، حدبت عليه عطفت عليه بمكان وعر،تركت مرعاها،
فهراق في طرف العسيب إلى ... متقبّل لنواطف صفر
حتى تحدر من غواربه ... أصلاً بسع ضوائن وفر
العسيب الزق، نواطف ما نطف من العسل أي قطر، والمتقبل لها الزق، يقول فصب في فم الزق إلى داخله حتى نزل من أعالي الجبل عشياً بسبع أسقية من جلود الضأن، وفر واسعة.
وقال يصف العسل:

ويظل يجري في جواشنها ... حتى يروح مقصر العصر
يقول العسل يجري في صدور النحل، مقصر من قصر العشى.
وقال النابغة الجعدي في هذا المعنى وذكر امرأة:
وكأن فاهاً بات مغتبقاً ... بعد الكرى من طيّب الخمر
شرقاً بماء الذوب أسلمه ... للمعتفين معاقل الوبر
بكرت تبغي الخير في مسل ... مخروفة ومسارب خضر
حتى إذا غفلت وخالفها ... متسربل أدما على الصدر
صدع أسيد من شنوءة مشاءٍ ... قتلن أباه في الدهر
الذوب العسل، شرق مختلط، يعني جازر العسل، صدع المتوسط بين الطويل والقصير من الرجلين، قتلن أباه يقول كان أبوه جازر عسل فقتلته النحل يريد أنه سقط عن موضعهن فمات.
يمشي بمحجنة وقربته ... متلطفاً كتلطف الوبر
فأصاب عرّتها ولو شعرت ... حدبت عليه بضيق وعر
حتى تحدّر من منازلها ... أصلاً بسبع ضوائن وفر
وقال أبو ذؤيب وذكر النحل:
تدلى عليها بالحبال موثّقاً ... شديد الوصاة نابل وابن نابل
أي شديد الحفظ لما أوصى به، نابل حاذق.
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل
لم يرج لم يخف، وخالفها إلى بيوتها كما قال المسيب.
وخالفها، متسربلاً أدما على الصدر
ويروي حالفها أي لازمها ولم يتركها، والنوب النحل التي تنوب أي تذهب وتجيء عوامل تجيءبالشمع.
وقال المسيب:
وتظل عاملة كذي النّذر
قالوا والنحل تقتسم الأعمال بينها فبعضها يعمل الشمع وبعضها يعمل البيوت وبعضها يسقي الماء في الثقب ويلطخها بالعسل ومنها ما يعمل العسل. وقال:
فحطّ عليها والضلوع كأنها ... من الخوف أمثال السهام النواصل
النواصل السهام التي سقطت نصالها، قال الأصمعي: السهم إذا استرخى تقعقع، يقول: فتسمع لضلوع هذا نقيضاً ورجفاناً من الخوف، وقال غيره: السهم إذا سقط نصله خف فلا يستوي إذا رمي به ولكنه يضطرب فشبه رجفان ضلوعه باضطراب السهام النواصل.
وقال كثير:
إذا النبل في نحر الكميت كأنها ... شوارع دبر في حشافة مدهن
الحشافة الماء القليل، والمدهن نقرة في الصخرة يبقى فيها الماء.

الأبيات في الجعل
قال الشماخ وذكر حماراً وأتانا:
فإن يلقيا شأواً بأرض هوى له ... مفرّض أطراف الذراعين أفلج
الشأو هاهنا روثهما، أصله مقدار زبّيل من تراب يخرج من البئر ويقال للزبيل الذي يخرج به التراب المشآة، شبه روثهما في اجتماعه بذلك، مفرض محزوز يعني الجعل.
وقال ابن مقبل:
ولا أطرق الجارات بالليل قابعاً ... قبوع القرنبي أخلفته محاجره
القرنبي دويبة تشبه الخنفساء وهي أعظم منها، والقبوع أن يجتمع وينقبض، يقول لا آتي الجارات ليلاً لريبة مستخفياً.
وقال آخر:
إذا أتيت سليمى شبّ لي جعل ... إن الشيء الذي يغري به الجعل
العرب تقول " سدك به جعله يضرب للرجل يلزق به ما يكرهه إذا كان لا يراه وهو يهرب منه، وسدك لزق، وأصله ملازمة الجعل من بات في الصحراء كلما قام تبعه يتوهم أنه يريد الغائط، شبّ تاح وأشب أنيح. وقال آخر وذكر جعلاً:
يبيت في منزل الأوام يربؤهم ... كأنه شرطيّ بات في حرس
يربؤهم انتظاراً ليحدثوا فيخالف إلى حدثهم. قال:
حتى إذا أضحى تدرّى واكتحل ... بجارتيه ثم ولى فنثل
رزق الأنوقين القرنبي والجعل
الأنوق الرخمة وسمي القرنبي والجعل أنوقين لأنهما يقتاتان العذرة كما تقتاته الرخمة. وقال حسان بن ثابت يهجو:
وأك سوداءٌ مودونة ... كأنّ أناملها الحنظب
مودونة ناقصة الخلق والحنظب الجعل. وقال عنترة:
كأن مؤشر العضدين جحلاً ... هدوجاً بيت أقلبة ملاح
يعني جعلاً، وأقلبة جمع قليب.
الأبيات في القراد
قال الحطيئة:
لعمرك ما قراد بني كليب ... إذا نزع القراد بمستطاع

أي لا يقدر على استذلالهم، وأصل ذك أن يجيء الرجل بالخطام إلى البعير قد شرد منه لئلا يمتنع ثم ينزع قراداً من البعير حتى يستأنس به ويدني رأسه ثم يرمي بالخطام في عنقه، أراد أنهم لا يخدعون. وقال آخر وهو الحصين بن القعقاع:
هم السمن بالسنّوت لا ألس فيهم ... وهم يمنعون جارهم أن يقرّدا
السنوت العسل، والألس الخيانة، وهم يمنعون جارهم أن يستذل كما يستذل البعير فيؤخذ منه القردان. وقال ذو الرمة وذكر ماء:
بأعقاره القردان هزلى كأنها ... نوادر صيصاء الهبيد المحطم
الأعقار مقام الشاربة، والصيصاء أصله الشيص، و الهبيد حب الحنظل. وقال الطماح وذكر ناقة:
وقد لوى أنفه بمشفرها ... طلح قراشيم شاحب جسده
علّ طويل الطوي كبالية ال ... فع متى يلق العلو يضطعده
القراشيم القردان واحدها قرشوم، والطلح القراد والعل منها الكبير الصغير الجسم والطوي الجوع، والسفع حب الحنظل هاهنا وهو أسود، شبه القراد بالبالية منه، يصطعده يفتعل من الصعود، يخبر أنه يرتفع في البعير قليلاً، وقال زهير يصف بعيراً:
غليظ على مجزّى القراد كأنه ... بجانب صفوان يزول ويرتقي
يقول لا يجذو عليه القراد من ملاسته واستواء خلقه في السمن والغلظ فيزل عنه كما يزل عن الصفا إذا دب عليه.
وقال الشماخ وذكر ناقة:
وجلدها من أطوم ما يؤيّسه ... طلح كضاحية الصيداء مهزول
أي جلد الناقة كجلد أطوم وهي سمكة تكون في البحر غليظة الجلد، ما يؤيسه ما يؤثر فيه من غلظه، طلح قراد، كضاحية يعني حصاة ظاهرة للشمس شبه القراد به، والصيداء حجارة البرام، والعرب تقول: ألزق من قراد، و: ما هو إلا قراد ثفر، وتقول: أسمع من قراد، ويستدلون عند المياه على قرب الإبل منهم بانتعاش القردان. وقال رشيد بن رميض:
لنا غزر ومأوانا قريب ... ومولى لا يدبّ مع القراد
اصل هذا أن رجلاً إذا نزلت رفقة بالقرب منه أخذ شنة فجعل فيها قرداناً فينشرها بقرب الإبل فتنتشر فإذا أحستها الإبل نهضت فشد الشنة في ذنب بعض الإبل فإذا سمعت صوت الشنة وعلمت أن فيها القردان نفرت، ثم كان يثب في حذوة بعير منها فيذهب به.
وقال الحضين بن المنذر:
أوصاني أبي فحفظت عنه ... بفك الغل عن عنق الأسير
وأوصى جحدر يوماً بنيه ... بإرسال القراد على البعير
ويقال منه قول الشاعر وهو الأعشى:
فلسنا لباغي المهملات بقرفة ... إذا ما طها بالليل منتشراتها
قرفة ظنة، يقول لا يظن أنا أخذناها.
وقال آخر.
وما ذكر وإن سمن فأنثى ... شديد الأزم ليس له ضروس
يعني القراد، يقال أنه قراد فإذا كبر وسمن سمي حلمة، والأزم العض. وقال هشام أخو ذي الرمة وذكر فراش ماء:
كأن أجسادها الأظفار جامدة ... في قنّف الصقر الآني الشراذيم
شبه أجساد بنات الماء حين ماتت بالأظفار وهي كبار القردان، جامدة أي ساكنة لا تتحرك، والقنف طين القاع الذي نشف ماؤه وتشقق طينه، والشراذيم القطع يعني طين القاع، يريد أن أجساد بنا ت الماء ميتة في هذا الطين ككبار القردان، الصقر الذي أصابته صقرة الشمس وهو شدة وقعها، والآني الذي بلغ إناه.
وقال آخر.
ألا يا عباد الله من لقبيلة ... إذا ظهرت في الأرض شدّ مغيرها
فلا الدين ينهاها ولا هي تنتهي ... ولا ذو سلاح من معدّ يضيرها
يقال هي القردان ويقال البراغيث وهو بالقردان أشبه.
وقال أمية بن أبي الصلت وذكر السماء:
ولو أنه يجدّ البرام بمتنها ... صعداً لألفاها التي لا تقرد
يريد أنها ملساء فالقراد لا يعلق بها لو وجد إليها سبيلاً.

الأبيات في العنكبوت
قال الزفيان:
ومنهل طام عليه الغلفق ... ينير أو يسدي به الخدرنق
نسائجاً يجيدها ويصفّق
الخدرنق العنكبوت.
وقال آخر:
ووجناء مرقال كأن لغامها ... على سروات القور نسج الخدرنق
وقال الكميت وذكر القطا:
جاورن ربّات أبيات بعولتها ... منها مؤنثة الأسماء تعتمل
لا بعرف الناس بعلاً من حليلته ... وأين ذو كبرة منها ومقتبل

يقول: القطا جاورن مواضع العناكب والذكر منها معروف وكذلك الأنثى لأن تنسج والذكر ينقض ويفسد.
ولا تصب إلى جار وإن ظعنت ... بعد المقام وفي أجوافها الثقل
الثقل يعني غزلها وجعله في جوفها وليس في جوفها منه شيء وإنما تنسجه من خارج.
وقال آخر وهو الجذامي في مثل هذا أيضاً:
كأن وقفا هارون إذ قام مدبراً ... قفا عنكبوت سلّ من دبرها غزل
قال الكميت:
تدعى اثنتان معاً منها وواحدة ... وإن يكنّ ثلاثاً يكثر الجدل
يقول لا اختلاف في اسم الواحدة والاثنتين وإنما الاخلاف في الثلاثة يقال عناكب وعناكيب وعنكبوتات.
و قال ذو الرمة:
وبيت بمهواة هتكت سماءه ... إلى كوكب يزوي له الوجه شاربه
يعني بيت العنكبوت، والمهواة النفنف، أراد ههنا ما بين أسفل البئر وأعلاه، وكوكب الماء معظمه يريد أن الماء بعيد العهد بالناس.
وجاءت بنسج من صناع ضعيفة ... ينوس كأخلاق الشفوف ذعالبه
أصل الذعالب الثوب، ينوس يتذبذب، شبه ما جاءت به الدلاء من نسج العنكبوت بأخلاق الثياب الرقاق.
وقال:
رأتني كلاب الحيّ حتى عرفنني ... ومدّت نسوج العنكبوت على رحلي
أي عرفتني الكلاب لكثرة ما رأتني وعلا رحلي نسج العنكبوت لطول مقامي.
وقال الفرزدق لجرير:
ضربت عليك العنكبوُ بنسجها ... وقضى عليك به الكتاب المنزل
أي بيتك في الذلة والوهن كبيت العنكبوت.
وقال الله عز وجل: و " وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " ، وقضى عليك به أي الذل.
وقال الطرماح يهجو تميماً:
ولو أن أم العنكبوت بنت له ... مظلتها يوم الندى لأكنّت
يريد القلة. وأنشد ابن الأعرابي:
وماء قد وردت أميم طام ... على أرجائه هلل الهبون
أراد نسج العنكبوت.
وقال مزرّد:
ولو أن شيخاً ذا مئين كأنما ... على رأسه من شامل الشيب قونس
تنبّت فيه العنكبوت بناتها ... نواشيء حتى شبن أوهن عنّس
العناكب لا تشيب وإنما هو مثل أي كما يطول مكث العانس في بيت أبويها حتى تشيب ولا تتزوج.

الأبيات في النمل
وأمة كان في أسلاف أولها ... قول أصابت به العجماء مرتجل
أمة يعني النمل، والأسلاف الأوائل، النملة التي تكلمت زمان سليمان عليه السلام، مرتجل مبتدأ من ذات نفسها لم تأثره عن أحد.
وقال رؤبة:
لو كنت قد أوتيت علم الكحل ... علم سليمان كلام النمل
الكحل من الحيوان ما لم يكن له صوت في شيء من أحواله وكذلك النمل والحكلة في الإنسان ثقل في لسانه من العجمة فإذا كان خلقة قيل حبسة. وقال العماني الراجز في عبد الملك بن صالح:
ويفهم قول الحكل لو أن ذرة ... تساود أخرى لم يفته سوادها
السواد السرار، يقول الذر الذي لا يسمع لمناجاته صوت ولا عليه دليل لو كان بينه سرار لفهمته. وقال ذو الرمة:
وقرية لا جن ولا أنسية ... مداخلة أبوابها بنيت شزرا
نزلنا بها لا نبتغي عندها القرى ... ولكنها كانت لمنزلنا قدرا
يريد قرية النمل، مداخلة بعضها في بعض، بنيت شزرا أي ليست بمستقيمة هي معوجة. وقال أبو النجم:
وانتفض البروق سودا فلفلة ... واختلف النمل قطاراً ينقله
بين القرى مدبره ومقبله
يريد بين قرى النمل، والبروق، وفلفله حمله، وقال البعيث:
ومولى كبيت النمل لا خير عنده ... لولاه إلا سعيه بنمين
يقال للنمام: أنه لنم نمل، يريد كأن على لسانه نملاً حتى يتكلم وينم. ومن اللغز:
فما ذو جناح لح حافر ... وليس يضّر ولا ينفع
يقال أراد النمل، وقوله: حافر يريد أن يحفر جحره بقوائمه لا بفيه. وأما قول الآخر عمرو بن جمعة الدوسي:
ولا عيب فينا غير عرق لمعشرٍ ... كرام و إنا لا نخط على النمل

فإن النمل ههنا قروح تظهر في الساق، وقال أبو عمرو: المجوس يقولون أنه إذا كان الرجل من أخته ثم خط على النملة يعني هذه القرحة لم تلبث أن تجف، وإنما عرض الشاعر برجل أخواله مجوس فقال لست كأولئك. وروى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للشفاء وهي امرأة " علمّي حفصة رقية النمل " .
وقال آخر:
لئن أداةً حوضك استدرّا ... ولم يرده ربّك فيه شرّاً
ليوشكن أن لا يفوت الذرّا
أداته الدلو والبكرة والحبل، وقوله أن لا يفوت الذرا أي يمتليء حتى يفيض من أعلاه فلو وردته ذرة لشربت م أعلاه واستدلا استفعل من الدر.

باب الحيتان والضفادع
قال ذو الرمة:
عينا مطلحبة الأرجاء طامية ... فيها الضفادع والحيتان تصطخب
أراد فيها الضفادع تصطخب وفيها الحيتان.
وقال الشماخ يذكر حماراً:
توجسن واستيقنّ أن ليس حاضر ... على الماء المقعدات القوافز
يعني الضفادع، ويقال: أرسح من ضفدع.
وقال آخر وذكر الضفادع:
يدخل في الأشداق ماء ينصفه ... كما ينق والنقيق يتلفه
ينصفه أي يبلغ الماء نصف أشداقه والضفدع لا ينق حتى يكون الماء في فمه ماء، وأما قوله: والنقيق يتلفه - فإنه ذهب فيه إلى قول الآخر والبيت للأخطل:
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدلّ عليها صوتها حية البحر
والحيات تأكل الضفادع أكلاً ذريعاً. وقال أوس بن حجر:
فباكرن جوناً للعلاجيم فوقه ... مجالس غرقي لا يحلأ ناهله
جون يريد غديراً كثير الماء وإذا كثر الماء وكثر عمقه اسود في العين، وقوله: غرقي - كقولك فلان غرق في النعيم، وجعل لها مجالس حول الماء لأنها تظهر على شطوط الأنهار والمياه في المواضع التي تبيض فيها من خوق الرعد وكذلك السرطان والسلحفاءوالرقّ. وقال زهير:
يخرجن من شربات ماؤها طحل ... على الجذوع يخفن الماء والغرقا
انما تخرج لما أعلمتك لا لما ذكر من خوف الغم والغرق، وهذا البيت مما غلّظ فيه زهير، والشربات شبيهة بالحياض في أصول النخل تملأ ماء لتشرب النخلة - واحدتها شربة. وقال أبو الأخرز
تسمع القنقن صوت القنقن
زعم بعض العلماء أنه أراد الضفدع قال والضفدع جيد السمع إذا ترك النقيق وكان خارجاً من الماء وهو في ذلك الوقت حذر.
وقال الطرماح:
يخافتن بعض المضغ من خيفة الردى ... وينصتن للسمع انتصات القناقن
يقال أنه أراد الضفادع واحدها قنقن، ويقال أنهم المهندسون الذين يعرفون مواضع المياه، وإنما يترك النقيق إذا خرج من الماء لأنه لا يقدر عليه حتى يكون في فمه ماء كما أعلمتك، والعلاجيم منها الذكور والسود. وقال أبو وجزة وذكر حميراً وردت ماء:
تنحاز منهن أمة خلقت ... جدا مذبحة منها بأوداج
أي تنحاز من الحمر في الماء أمة يعني السمك وهي مذبوحة بأوداجها، جدا لا أللبان لها، وكان بعض العلماء يزعم أنه أراد القطا ينحاز من الحمر عند الماء، مذبوحة أراد الأطواق في أعناقها كأنه أثر الذبح وكان يري1يه حذا والقطاة حذّاء. وقال الكميت:
يؤلف بين ضفدعة وضبّ ... ويعجب أن نبرّ بني أبينا
اليمن أصحاب بحر فلذلك نسبهم إلى الضفادع وبنو نزار أصحاب بر فلذلك نسبهم إلى الضباب، ويقال في المثل: لا يكون ذلك متى تجمع بين الضفدع والضب، وبين الأروى والنعام.
وقال الكميت:
وعطفت الضباب أكف قوم ... على فتح الضفادع مرئمينا
مرئمين أي عاطفين من قولك رئمت الناقة ولدها، وإنما أراد من ادعى من نزار إلى اليمن، والأعراب تزعم أن الضب خاطر الضفدع أيهما أصر على الماء وكان الضفدع حينئذ ذنب وكان الضب لا ذنب له فخرجا من الكلأ فصبرت للضفدع يوماً فنادت: يا ضب وردا وردا. فقال الضب:
أصبح قلبي صرداً ... لا يشتهي أن يردا
ونادت في اليوم الثاني يا ضب وردا وردا، فقال الضب:
أصبح قلبي صرداً ... لا يشتهي أن يردا
إلا عراداً عرداً ... وصلّيانا بردا
فلما كان في اليوم الثالث نادت أيضاً فلم يجبها وبادرت إلى الماء واتبعها الضب فأخذ ذنبها. وقال ابن هرمة:
وقال الضب للضفد ... ع في بيداء قرواح

تأمل كيف تنجو اليو ... م من كرب وتطواح
فإني سابح ناج ... وماأنت بسبّاح
وقال رؤبة:
والحوت لا يكفيه شيء يلهمه ... يصبح ظمآناً وفي البحر فمه
وصف طباعه واتصاله بالماء وأنه شديد الحاجة إليه وإن كان غرقاً فيه.

الأبيات في الضب
قال خداش بن زهير:
فإن سمعتم بجيش سالك سرفا ... أو بطن مرفأ خفوا الجرس واكتتموا
ثم أرجعوا فأكّبوا في بيوتكم ... كما أكب على ذي بطنه الهرم
الهرم الضب ها هنا، وجعله هرماً لطول عمره، وذو بطنه ولده والضب يأكل حسوله ولذلك قيل: اعق من ضب، كأنه قال ارجعوا عن الحرب التي لا تستطيعونها إلى أكل الذرية والعيا، ويقال ذو بطنه قيئة وأنه يقيء ثم يرجع فيأكله كالكلب والسنور. وقال آخر:
يعود في ثعّة حدثان مولده ... فإن اسنّ تغدي نجوه كلفا
الثع القيء ثع الرجل ثعا إذا قاء. وقال عملّس بن عقيل بن علّفة:
أكلت بنيك أكل الضّب حتى ... وجدت مرارة الكلإ الوبيل
وقال لأبيه:
أكلت بنيتك أكل الضّب حتى ... تركت بنيك ليس لهم عديد
وقال آخر وذكر حاسداً:
ترى الشزّ قد أفنى دوابر وجهه ... كضب الكدى أفنى براثنه الحفر
قال: الضب لا يتخذ جحره إلا في كدية وهو الموضع الصلب وإلا في ارتفاع عن المسيل ولذلك تنقص براثنه وتكل لأنه يحفر في الصلابة يعمق في الحفر. وقال كثير:
فإن شئت قلت له صادقً ... وجدتك بالقفّ ضباً جحولا
من اللاء يحفرون تحت الكدى ... ولا يتبعن الدماث السهولا
وإنما يحفر في الصربة خوفاً من انهيار الجحر عليه. وقال كثير:
ومحترش ضبّ العداوة منهم ... بحلو الرقي حرش الضباب الخوادع
تريد الدخول فيصاد. وقال الأصمعي في قولهم: هذا أرجل من الحرش إن الضب قال لابنه: إذا سمعت صوت الحرش فلا تخرجن، فسمع الحسل صوت الحفر فقال لأبيه: أهذا الحرش؟ فقال: يا بني هذا أجل من الحرش، فأرسلت مثلاً، وقوله: ضب العداوة يعني الحقد الكامن في القلب، وإنما سمي ضبا لأن الضب إذا خدع في جحره وصف عند ذلك بالمكر والخبث فيقولون: خب ضب وأخدع من ضب، فشبه الحقد الكامن الذي يعسر استلاله بالضب إذا خدع في جحره أي دخل وهو حينئذ أخبث ما يكون وأعسر صيداً. وأنشدوا في ذلك:
كأنهما ضبّان ضبا مفزة ... كبيران غيداقان صفر كشاهما
قان يحبلا لا يؤاخذا في حبالة ... وإن يرصدا يوماً يخب راصداهما
وقال كثير:
ومازالت رقاك تسل ضغني ... وتخرج من مكامنها ضبابي
أي أحقادي. وقال آخر وهو الفزاوي:
وحسل له نزكان كانا فضيلةً ... على كل حاف في البلاد وناعل
النزك أير الضب وله أيران وللضبة حران، ويقال أيضاً أن للسقنقور مثل ذلك وللحردون مثل ذلك، ويقال أير الضب كلسان الحية الأصل واحد والفرع اثنان، وأنشد الكسائي:
تفرقتم لا زلتم قرن واحد ... تفرق أير الضب والأصل واحد
وقالت حبى المدينة
وددت بأنه ضبّ وأني ... ضبيبة كدية وجدت خلاء
تمنت أن يكون لها حران وأن لزوجها أيرين. وقال الطرماح وذكر فلاة:
يقيم بها الذئب الأزلّ وقوته ... ذوات المرادي من مناق ورزّح
ذوات المرادي الضباب و المرادي الصخور واحدها مرادة والضب سيء الهداية فإذا حفر لنفسه حجراً حفره عند صخرة ليجعلها علماً له لأنه لا يأمن أن يغلط فيلح على ظربان أو وبر فيأكله، ولذلك يقال في المثل: كل ضب عند مرداته، والمناقي السمان، والرزح المهازيل.
إذا استعكدت منه بكل كداية ... من الصخر وافاها لدى كل مسرح
استعكدت تحرزت، والكداية الصخرة، وافاها الذئب لدى كل موضع تسرح فيه. وقال ابن أحمر:
أبلغ سراة بني رفاعةأل ... صق بالغطارف منهم الزهر
بكعترة الضب الذليلة تح ... رنبي على أرحائها الخضر

عترته قرابته تحرنبي تنتفش، والخضر من نعت الأرحاء يقول هي من صخر أخضر وهو أصلب ليس بكذّان ولا رخو، يريد المرداة التي يحفر عندها يجعلها علماً لسوء هدايته، يقال أضل من ضب، و: من ورل. وقال أعرابي في ضب صاده:
يقول أهل السوق لما جينا ... هذا وربّ البيت إسرائينا
أراد إسرائيلا فأبدل من اللام نوناً، وهذا بمعنى قول الفقيه ورأى رجلاً يأكل لحم ضب فقال: أعلم أنك قد أكلت شيخاً من مشيخة بني إسرائيل يريد أنه مسخ، وقال أعرابي وهو أبو الوجيه العكلي.
وأفطن من ضب إذا خاف حارشاً ... أعدّ له عند التلمس عقربا
قال أبو حية العكلي: العقارب مسالمة للضباب والضب لا يأكل الجراد ولا يقربها فهي تلج في جحره وتجتمع عنده كما تألف الخنافس العقارب، فأما الأعرابي فإنه زعم أنه يعد العقرب فإذا أدخل الحارش يده لسعته. وأنشد ابن الأعرابي لابن دعمي العجلي:
سوى أنكم جربتم فجريتم ... على دربة والضبّ يختل بالتمر
وقالوا: والضب يعجب بالتمر عجباً شديداً ويحتال لصيده وكذلك العقرب تعجب بالتمر وتصاد به. وقال آخر وهو سالم ابن دارة:
وما التمر إلا آفة وبلية ... على كل هذا الخلق من ساكني البحر
وفي البر من سمع وذئب وعقرب ... وخنفسة تسعى وثرملة تسري
وقد قيل في الأمثال إن كنت راعياً ... عذيرك إن الضب يختل بالتمر
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال لرجل من أهل الطائف الحبلة أفضل أم النخلة؟ فقال: الحبلة أترببها وأتشببها وأستظل في ظلها، والبلح يرمّق بها، فقال عمر: تأبى ذلك عليك الأنصار، ودخل عليه ابن عبد الرحمن بن محض الأنصاري فقال له عمر مثل ذلك فقال: الزبيب إن آكله أضرس، وإن أتركه أغرث، ليس كالصقر في رؤوس الرقل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، خرفة الصائم وتخفة الكبير، وصمتة الصغير، وخرسة مريم، ويحترش به الضباب من الصلفاء يعني الصحراء، والخرسة ما تطعمه النفساء.
وقال دريد بن الصمة:
وجدنا أبا الجبار ضبّاً مرئّساً ... له في الصفاة برثن ومعاول
قالوا: الضب يقاتل الحية يضربها بذنبه فربما قتلها وربما وقذها وذلك هو المذّنب لأنه يخرج ذنبه من جحره إذا أرادت الحي الدخول عليه والحية تدخل على كل ذي جحر وتخرجه، ولذلك قالوا في المثل " أظلم من حية " والمرئس الذي يخرج رأسه من جحره وإذا فعل ذلك غلبته الحية وربما قتلته. وقال رؤبة وذكر امرأة:
تسألني من السنين كم لي ... فقلت لو عمرّت عمر الحسل
أو عمر نوح زمن الفطحل ... والصخر مبتل كطين الوحل
صرت رهين هرم أو قتل
قالوا: الضب لا يلقي سناً أبداً حتى يومت، و الضب طويل العمر فإذا هرم اكتفى باليسيروربما تبلّغ ببرد الهواء وعاش بالنسيم كالأفعى، وتقول العرب: أروى من ضب، لأنه عندهم لا يحتاج إلى شرب الماء. وقال عبدة بن الطيب:
ما كنت أول ضب نال تلعته ... غيث فأمرع واسترخى به الدار
قالوا: الضب إذا أمن وخلا له وجوه وأخصب نفخ وكش نحو كل شيء يريده وتطاول له، وبه ضرب المثل. قال ابن ميّادة:
وأنّي لقيس من بغيض تناصر ... إذا أسد كشّت لفخر ضبابها
وقال آخر وهو دملج بن عبد المجاب:
إذا كان بيت الضب وسط مضبة ... تطاول للشخص الذي هو حابله
المضبة مكان الضباب ومجتمعها وليست تكون إلا في موضع بعيد من الناس ولا تكون بقربها حية ولا ورل ولا ظربان فحينئذ يأمن ويتطاول. وقال ابن ميّادة:
ترى الضّب إن لم يرهب الضب غيره ... يكشّ له مستكبراً أو يطاوله
وقال آخر:
أعام بن عبد الله إني وجدتكم ... كعرفجة الضّب التي تتذلل
العرفجة لينة وعودها لين فالضب يعلوها ويتشوف عليها، شبههم في لينهم وضعفهم بالعرفج، ولست تر الضب أبدا ًوهي سامية برأسها تنتظر وتترقب. وقال آخر وهو الفزاري:
ترى كل ذيّال إذا الشمس عارضت ... سما بين عرسيه سموّ المخايل
يعني الضب، ويروي أن الضب قال لصاحبه:
أهدموا بيتك لا أبالك ... وزعموا أنك لا أخالك
وأنا أمشي الحيكى حوالك

يقال فلان يحيك في مشيته إذا تبختر فيها، يقول: كيف زعموا أنه لا أخالك و أنا أخوك وأمشي التبختر حواليك. وقال آخر:
وأنت لو ذقت الكشى بالأكبا ... لم تركت الضّب يعدو بالواد
الكشية شحم بطنه، يقول: لو عرفت طعمها مع الأكباد لصدت الضب ولم تتركه، والمكن بيض الضب، يقال ضبة مكون، وروي عن بعض الصالحين أنه قال: ضبة مكون أحب إليّ من دجاجة سمينة. وقال أبو الهندي:
ومكن الضباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم
وقال آخر وهو جران العود:
قريت الضب من حبي كشاها ... وأيّ لوية إلا كشاها
فلولا أن أصلك فارسي ... لما عبت الضباب ومن قراها
اللوية الطعام الطيب واللطف يرفع للصبي والشيخ. وقال آخر:
مناتين أبرام كأن أكفّهم ... أكفّ ضباب انشقّت في الحبائل
انشقت علقت: يقال: أقصر من إبهام الضب، واقصر من إبهام الحباري وأقصر من إبهام القطاة، أراد صغر أكفهم.

الأبيات في الظربان
قال الشاعر:
يا ظرباناً يتفسّى ضبّاً ... أي العقاب فوقه فجبيّ
الظربان كثير الفساء شديده وهو له كالسلاح، يقال: فما بينهم ظربان، وهذا مثل يضرب للرجلين إذا كان بينهما حسن ثم فسد، ويسمى الظربان مفرقة الغنم، يريدون من فسائه تتفرق الإبل كما تتفرق عن المنزل وفيه قردان، وهو يدخل على الضب جحره وفيه حسوله فيأتي أضيق موضع فيه فيسده بيديه ويحول دبره فلا يزال يفسو حتى يخر الضب كالسكران فيأكله ثم يقيم في جحره حتى يأتي على آخر حسوله. وقال الربيع بن أبي الحقيق
وأنتم ظرابيّ إذ تجلسون ... وما آن لنا فيكم من نديد
وأنتم تيوس وقد تعرفون ... بريح التيوس ونتن الجلود
قوله: أنتم ظرابي أي تفسون في مجالسكم، ويقال في المثل أفسى من ظربان. وقال آخر يذكر حوض ماء:
إزاؤه كالظربان الموفى
قال أبو العميثل الأعرابي: كنت أحسب الإزاء ها هنا مصب الماء في الحوض حتى قال الأصمعي هو صاحب الحوض والقيم بالسقى من قولهم فلان إزاء مال وخال وخال مال وخائل مال، أراد انه لصنانه وذفره إذا هو استقى وعرق كالظربان. وقال الفرزدق:
ولو كنت في نار الجحيم لأصبحت ... ظرابيّ من حمّان عني تثيرها
وقال:
سواسية سود الوجوه كأنهم ... ظرابي غربان بمجرودة محل
سواسية يريد ليس لبعضهم على بعض فضل، ولا يقال سواسية إلا في الذم، والظرابي فوق السنانير في المقدار، ونسبها إلى الغربان لأنها تقع معها على الجيف، مجرودة أرض أكلها الجراد.
الأبيات في اليربوع
قال الفزاري:
جبا العام عمال الخراج وجبوتي ... محذفة الأذناب صفر الشواكل
رعين الدبا والبقل حتى كأنما ... كساهنّ سلطان ثياب المراجل
يعني اليرابيع، واليربوع دابة كالجراد قصير الذنب طويل الرجلين قصير اليدين فهو كالمنكب على صدره إذا عدا لقصر يديه وفيه صفرة وحمرة.قال الكميت وذكر داراً:
بها من ذوات الريش ما ليس طائراً ... وذو أربع لم يجر إلا على الشطر
من ذوات الريش يعني النعام، وذو أربع يعني اليربوع له أربع قوائم فإذا عدا رأيته كأنه يعدو على جنب. وقال الفرزدق لجرير:
وإذا أخذت بقاصعائك لم تجد ... أحداً يعينك غير من يتقصع
القاصعاء جحر اليربوع يقول لا يعينك إلا من يصيد اليرابيع وإنما أراد أن قومك يعينونك وهم يصيدونها - يعيبهم بذلك. وقال أعرابي لسهل بن هارون:
وخذ نفق اليربوع فاسلك سبيله ... ودع عنك إني ناطق وابن ناطق
وكن كأني قطن على كل أربع ... له باب دار ضيق العرض سامق
يوصيه بالتواري عن غرمائه ومراوغتهم كما يراوغ اليربوع في جحرته إذا أخذ عليه واحد منها خرج من آخر، وأبو قطن خناق بالكوفة مولى لكندة.
وقال عبيدة بن أيوب العنبري وذكر ناقة.
ترى الطير واليربوع يحفلن وطأه ... وينقرن وطء المنسم المتقاذف
قال ابن الأعرابي أنشدنيه أعرابي: ترى الضب واليربوع. وقال: يعني أنهما يحسبان اثر خفها ملجأ يلجآن إليه إما لشدة الحر أو لغير ذلك. وقال آخر.

وإني لأصطاد اليرابيع كلها ... شفاريّها والتدمري المقصّعا

الأبيات في القنفذ
قال الطرماح وذكر الثور.
فبات يقاسي ليل أنقد دائباً ... ويحدر بالحقف اختلاف العجاهن
أنقد هو القنفذ، ويقال إنه لا ينام الليل. وقال الراجز:
قنفذ ليل دائم التّبحاث
وهي تأكل الأفاعي، يقول فهذا الثور كالقنفذ لا ينام، ويحدر يهبط، ثم شبه ذلك باختلاف العجاهن وهو الذي يخدم العرس إكراماً لصاحبه، ويقال هو غلام الطباخ.
وقال الكميت يصف نساء سبين:
وينصبن القدور مشمرات ... يخالسن العجاهنة الرئينا
وقال عبدة بن الطبيب:
قوم إذا دمس الظلام عليهم ... حدّجوا قنافذ بالنميمة تمزع
النمام يشبه بالقنفذ لاستخفائه بما يأتي به كاستخفاء القنفذ بالليل في خروجه.
وقال السدي وهو أيمن خريم:
كقنفذ القف لا تخفي مدارجه ... الليل إن نام عنه الناس لم ينم
وقول الأعشى:
لئن جدّ أسباب العداوة بيننا ... لترتحلن مني على ظهر شيهم
الشيهم القنفذ وهو شوك، يقول: لتركبن مني أمرا صعباً لا تطمئن عليه.
وقال زيد الخيل وذكر خيلاً:
كأن رجال التغلبيين خلفها ... قنافذ قفص علّقت بالحقائب
قفص منضمة يريد أنهم قد أسروا.
الأبيات في الجرذان والفأر
قال أوس بن حجر:
لحيتهم لحى العصى فطردتهم ... إلى سنة جرذانها لم تحلّم
لم تحلم لم تسمن لأنها في سنة جدب، ويقال تحلم الصبي إذا سمى واشتد، وتحلمت الشاة وتملحت، يقول: لم تسمن جرذانها فكيف ما سواها واللحي القشر. وقال الحارث بن حلزة:
وهم زباب حائر ... لا تسمع الآذان رعدا
الزباب جنس من الفأر صم، يقال: أسرق من ذبابة و: أسرق من جرذ، والحائر الذي لا يتجه والحائر من الفأر أعمى، وإنما وصف قوماً بالجهل. وقال مزرد وذكر ضيفاً سقاه لبناً:
وأهوى له الكفين وامتد حلقة ... بجرع كأثباج الزباب الزنابر
شبه جرعه حين مر اللبن في حلقه بأوساط هذا الفأر، والزنابر العظام. وقال الراجز:
وما تحاً لا يثني إذا احتجز ... كأنّ جوف جلده إذا احتفز
في كل عضو جرذان أو خزز
شبه عضد الماتح بالجرذان لأنها قد صارت زيما وتفتق لحمه عن العمل: والخزز ذكر اليرابيع ههنا وأصل الخزز الذكر من الأرانب، واليرابيع من الفأر. وقال الشماخ وذكر ناقته:
فأوّبتها حيّاً تريح رعاؤه ... عليه ابن عرس والاوزّ المكفّرا
إذا ناهبت بلق البراذين حظها ... من القّت لم يعجلنها أن تجرجرا
التأويب سير اليوم إلى الليل، ثم صرت بها إلى نبط تريح رعاؤهم ابن عرس وبطّا، والمكفر الذي قد تغطىبريشه وكذلك المكفر بالسلاح، ناهبت خالست، يريد البط. والقت يريد الرطبة، لم يعجلنها أي أنظرنها، أن تجرجر أي تبلغ يقال جرجر الشيء إذا بلعه، والجراجر الحلوق.
الأبيات في الحرباء
قال ابن أحمر:
وتقنّع الحرباء أرنته ... متشاوساً لوريده نقر
سألت عنه السجستاني فقال: الأرنة ما لف على الراس، قال: ولم أسمعه إلا في هذا البيت، قال: وفي شعر ابن أحمر ألفاظ لم يسمع بها إلا في شعره وهي قوله
ماريّة لؤلؤان اللون أوّدها ... طل وبنس عنها فرقد خصر
أراد تأخر، وتسميته السم الجوزل، والنار ماموسة في بيت قاله:
تطايح الطلّ عن أعطافها صعداً ... كما تطايح عن ماموسة الشرر
وفي شعر ابن مقبل الجلاذي يعني خدم الكنيسة قال:
صوت النواقيس فيه ما يفرطه ... أيدي الجلاذيّ جون ما يعفّينا
وفي شعر الأعشى الباقر العثل حيث قال:
إني لعمر الذي حطت مناسمها ... تخدي وسيق إليه الباقر العثل
قال أبو عبيدة: العثل الكثير، ولم أره يحفظ في بيت ابن أحمر غير هذا، وأنبأني غيره أن الحرباء تخضر غباغبه من الشمس فجعل تلك الخضرة كالقناع له. وقال ذو الرمة:
غدا أصفر الأعلى وراح كأنه ... من الضحّ واستقباله الشمس أخضر
الضح الشمس، والحرباء أعظم من العظاية وهو أغبر ما كان صغيراً ثم يصفر إذا كبر فإذا حميت الشمس عليه أخذ جلده يخضر. وقال ذو الرمة وذكره:

وقد جعل الحرباء يبيض لونه ... ويخضر من لفح الهجير غباغبه
وقال ذو الرمة:
يظل بها الحرباء للشمس ماثلاً ... على الجذل إلا أنه لا كبّر
إذا حول الظل العشي رأيته ... حنيفاً وفي قرن الضحى ينتصر
الظل يكون مع طلوع الشمس إلى زوالها فإذا زالت صار فيئا، يقول: فهذا الحرباء بالغداة يستقبل الشمس إذا طلعت وتلك قبلة النصاري وإذا زالت الشمس يستقبلها وتلك قبلة المسلمين لأن الشمس تدور فهو حينئذ حنيف، والحرباء تراه أبدا إذا بدت الشمس قد ألجأ ظهره إلى جذيل فإن رمضت الأرض ارتفع ثم ينقلب بوجهه مع الشمس كيفما دارت حتى تغرب إلا أن يخاف شيئاً ثم هو شائح بيديه كالمصلوب. قال ذو الرمة:
فلما تقضّت حاجه من تحمّل ... وأظهرن واقلولى على عوده الجّحل
أظهرن دخلن في الظهيرة، واقلولى انتصب، وقال الأصمعي ارتفع، والجحل الحرباء العظيم وهو في غير هذا الموضع اليعسوب، وإنما يرتفع في عوده إذا رمضت الأرض.
وقال أبو النجم:
ترى الحرابيّ به تضرع ... كوافرا للشمس ثم تركع
الحرباء يمد يديه فكأنه يتضرع ويستقبل الشمس ثم يضم يديه فكأنه يركع. وقال:
ويوم قيظ ركدت جوزاؤه ... وظلّ منه هرجاً حرباؤه
أي ركد بارح الجوزاء فلم يهب، والهرج أن يصل الحرّ إلى جوفه فإذا هرج الحرباء الذي حياته بالحر فكيف غيره. وأنشد ابن الأعرابي:
في كل يوم من الجوزاء ذي وهج ... يسبي الوجوه إذا حرباؤه ركدا
يقال سبأته النار وسبته تسبية إذا أحرقته. وقال ذو الرمة:
وآض حرباء الفلاة الأصحر ... كأنه ذو صيد أو أعور
الصيد داء يأخذ في أنوف الإبل فترتفع رؤوسها وهو الصائد أيضاً، يقول فالحرباء قد رفع رأسه ينظر إلى عين الشمس كأن به صيداً أو عوراً لتشاوسه. ومثله لابن أحمر:
متشاوساً لو ريده نقر
وقال الطرمّاح:
وانتمى ابن الفلاة في طرف الجذ ... ل وأعيا عليه ملتحده
انتمى ارتفع، وابن الفلاة الحرباء، والجذل العود والشجرة، ملتحدة ملجأه ومعدله.
وقال آخر وهو قيس بن الحدادية الخزاعي:
أنّي اتيح له حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقا
تنضبة شجرة، والحرباء إذا لجأ إلى شجرة فزالت الشمس عنها تحول إلى أخرى أعدها لنفسه وهذا مثل يضرب للمحلف أي انه لا يدع حاجة إلا سأل أخرى. وقال الأخطل:
أجزت إذا الحرباء أوفى كأنه ... مصل يمان أو أسير مكبل
جعله يمانياً لاستقباله الشمس وشبهه بالأسير لأنه منتصب لا يبرح.

الأبيات في الحية
قال النابغة:
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرفش في أنيابها السم ناقع
ضئيلة أفعى وذلك أنها دقيقة قليلة اللحم، تقول العرب: سلط الله عليه أفعى حارية، يريدون أنها تحري أي ترجع من غلظ إلى دقة ومن طول إلى قصر، وذلك أنه يذهب تقادمها رطوبتها ويشتد سمها إذا أسنت. وقال آخر في ذلك ويروي للنابغة الذبياني:
حارية قد صغرت من الكبر ... صل صفّاً ما ينطوي من القصر
وقال آخر وهو جاهلي فيما قال الجاحظ:
أنعته من حنش أفعى أصم ... قد عاشن حتى هو لا يمشي بدم
فكل ما أفضل منه الجوع سم
قال: الأفعى إذا هرمت أقنعها النسيم ولم تشته الطعم، ويقال: إنه ليس في الحيوان شيء أصبر على الجوع منها. وقال النابغة:
تناذرها الراقون من سوء سمّها ... تطلقه حيناً وحينا تراجع
ويروي: من شر سمها، ومن سوء سمعها، يريد أنها لا تسمع الرقية، ويقال لها صلّ إذا كانت كذلك، تطلقه يعني الملسوع أي تخف عنه تارة وتشتد عليه تارة وكذلك السليم. وأنشد الأصمعي للمزق العبدي:
كما تعتري الأهوال راس المطلّق
يسهّد من نوم العشاء سليمها ... لحلى النساء في يديه قعاقع
كانوا يجعلون الحلى في يدي السليم والخلاخل يحركونها لئلا ينام فيدب السم فيه.
وقال أعرابي:
ترى في بياض الصبح وجه سليمه ... كأن به آثار شام مولّع
وهذه صفة وجه السليم. وقال ذو الرمة:
وكم حنش ذعف اللعاب كأنه ... من الشرك العامي نضو عصام

بأغبر مهزول الأفاعي مجنّة ... سماوته منسوجة بقتام
الحنش الأفعى، وذعف قاتل، يقال موت ذعاف أي سريع الإجهاز، والعصام حبل القربة، والنضو الخلق، شبه الأفعى بذلك، وقوله بأغبر أي هذا الحنش بموضع أغبر لا ماء فيه، وأفاعيه مهزولة لأنها في جدب فهو أخبث ما يكون لها، مجنة ذات جن.
وقال يذكر القانص وقترته:
يبايته فيها أحمّ كأنه ... إباض قلوص أسلمته حبالها
وقرناء يدعو باسمها وهو مظلم ... له صوتها إرنانها وزيا لها
أحم يريد حية إلى السواد ما هو، والإباض حبل يشد على مأبض البعير في رسغه، أسلمته يريد أنه انحلّ فبقي ينجرّ، وقرناء أفعى ذات قرون، وهو مظلم أي داخل في ظلمة، له صوتها يقول يبين له وذلك أن لها حفيفاً إذا مشت لخشونة جلدها.
وقال الراعي وذكر القانص في قترته:
تبيت الحية النضناض منه ... مكان الحب يتسع السرار
النضناض القلق الذي لا يثبت، ويقال هو الذي يحرك لسانه، ويريد أن الصائد في قفر.
وقال أبو النجم:
وباتت الأفعى على محفورها ... باللجف من تصغيرها
أراد باتت الأفعى على محفورة لها والمحفورة الحفرة لها لا تباليها وهو مصدر في معنى مفعول مثل ميسور ومعسور باللجف أي بالموضع الذي لجفه الصائد، تستحييه لا تقدم عليه من تصغيره لها،وهذا مثل.
تأشيرك يحتكّ في تأشيرها ... مرّ الرحا تجري على شعيرها
يقول تدب وتلتوي وجلدها خشن مثل المنشار فله صوت كصوت رحى تطحن شعيراً.
ومثله له:
تحكي له القرناء في عرزالها ... مرّ الرحا تجري على ثفالها
عرزالها موضعها. وقال وذكر الحر:
وأجمت أحناشه العرزالا
يقول جاء الحر وبرد لها باطن الأرض فكرهته.
توعده بالأخذ أو هريرها ... تضّرم القصباء في تنّورها
أي تقبل إليه فكأن ذلك إيعازاً لها بأن تأخذه وتوعده بصوتها أيضاً وذلك الصوت كتضرم النار في القصب في تنور وللنار في القصب حفيف.
يوقر النفس على توقيرها ... يعلم أن لا شيء في تنغيرها
يقول يوقّر النفس على أنها وقور يعلم أن لا شيء يضرها في تنغير الحية وهو تغضبها مع القدر.
في عاجل النفس وفي تأخيرها ... متى يمت يحي إلى نشورها
يقول لا يضره ذلك في عاجل حتف النفس وفي آجله لأنه موقن بالقدر وعالم بأنه مبعوث بعد الموت، ويقال: بل أراد متى يمت الصائد أي ينام ينتبه بنشور الحية أي بانتشارها ومرها وجلدها لخفة رأسه. وقال آخر وذكر حية والبيت لموسى بن جابر الحنفي:
طرد الأروى فما تقربه ... ونفي الحيات عن بيض الحجل
خص الأروى لأنها تأكل الحيات: وقال خلف الأحمر:
أبى الحاوون أن يطأوا حماه ... ولا تسري بعقوته الذئاب
سئل خلف عن ذلك فقال: لأن الذئاب تأكل الحيات، ولا نعلم أن أحداً قال ذلك، والذئاب تأكل الضباب. وقال جرير لمجاشع:
أيفايشون وقد رأوا حفّاثهم ... قد عضّه فقضي عليه الأشجع
يفايشون يفاخرون، والحفاث حية لا سم لها تأكل الفأر، والأشجع الشجاع من الحيات، جعل الفرزدق حفاثاً ونفسه شجاعاً. وقال الشماخ:
لا تحسبني وإن كنت امرءً غمراً ... كحية الماء بين الطيّ والشيد
حية الماء لا سم لها ولا تضر، والشيد الجص، والطي طي البئر. وقال الأخطل:
فثم قالوا أنام الماء حيته ... وما يكاد ينام الحية الذكر
فعظم كما ترى شأن حية الماء. وقال عبد الله بن همام السلولي في مثله:
كحية الماء لا تنحاش عن أحد ... صلب المراس إذا ما حلّت النطق
وقال آخر وذكر ناقته وروى الجاحظ هذا البيت لطرفة:
تلاعب مصنى حضرميّ كأنه ... تمعّج شيطان بذي خروع قفر
يعني زماماً شبه يلويه بتلوي حية، شيطان حية قبيح المنظر خفيف الجسم.
وقال آخر وذكر امرأة:
عنجرة تحلف حين أحلف ... كمثل شيطان الحماط أعرف

عنجرة سليطة، والحماط شجرة الواحدة حماطة وهم يقولون: كأنه شيطان حماطة، يريدون الحية كما يقولون ذئب الغضا، وذئب الخمر، وأرنب الخلة، وتيس الربل، وتيس الحلّب، وضب السحاء. وهي بقلة تحسن حاله عن أكله، وقنفذ برقة كأنه يكون أخبث وأعرف له عرف. وقال كعب بن زهير:
كأن شجاعى رملة درجا بها ... فمرا بنا لولا وقوف ومنزل
يعني الزمام والجديل شبهها بشجاعين، أي لولا وقوف ومنزل لقالوا حيتين، وقال الشماخ:
وكلهن يباري ثني مطّرد ... كحية الطود وليّ غير مطرود
يباري يعارض، ثنى مطرد يعني زماماً طويلاً، وشبهه بحية الطود وهو الجبل لأنه في خشونة فهو يتلوى إذا مشى وجعله غير مطرود لأنه أراد أنه لم يطرد فيستعجل ويمر مرا مستقيما وشبه اضطراب زمامها إذا هي سارت بذلك. وقال آخر:
تلاعب مثنى حضرميّ كأنّه ... حباب نقاً يتلوه مرتحل يرمي
حباب نقا حية رمل فهو ألين الرمل يتثنى وإن كان مذعوراً مطروداً. وقال ذو الرمة:
كأن حبابي رملة حبوا لها ... بحيث استقرت من مناخ ومرسل
حبوا دنوا، مرسل أرسلت، شبه الزمام والخطام بحيتين، وقال ذو الرمة:
وأحوى كأيم الضال أطرق بعدما ... حبا تحت فينان من الظل وارف
أحوى يعني زماماً شبهه بحية، الضال السدر البري، أطرق بعدما حبا أي سكن بعد دنوه، والفينان الشجر الظليل، الوريق، وارف يكاد يقطر من النعمة، ولخضرته يقال هو يرف.
وقال المرار بن سعيد الفقعسي:
كأن لدى ميسورها متن حية ... تحرك مشواها ومات ضريبها
مشواها بدنها كله غير الرأس لأن بدنها إذا ضرب كل شوى أي خطأ ليس هو مقتلها، يقال رميت فأشويت إذا أخطأت المقتل، والضريب الرأس لأنه مقتلها، فشبه الزمام بحية هذه صفتها. وقال الفرزدق:
كأن أراقماً علّقت براها ... معلقة إلى عمد الرخام
شبه الأزمة بالحيات وأعناقها بعمد الرخام. وقال كثير:
كأنك مردوع بشّن مطّرد ... يقارفه من عقدة البقع هيمها
مردوع منكوس. وقال قيس بن ذريح:
فوا كبدي وعاودني رداعي ... وكان فراق لبنى كالخداع
وشسّ أرض كثيرة الحمّى، يقارفه يخالطه وأراد تلسعه، عقدة جماعة شجر، والبقع الحيات، والهيم العطاش. وقال آخر يذكر حاوياً:
يدعو به الحية في أقطاره ... فإن أبي شم سفا وجاره
يشم تراب الجحر ليعلم أهو أفعى لا تجيب الرقية أم حية وريح كل واحدة منهما معروف.
وقال كثير:
وسودا مطراق إلى آمن الصفا ... أنيّ إذا الحاوي دنا افصدي لها
صد لها أي صفق لها، والحية مثل الضب والضبع إذا سمعا اللدم والهدّة والصوت الشديد خرجا ينظران، والحاوي إذا دنا من الجحر صفق بيديه ورفع صوته وأكثر من ذلك حتى تخرج الحية كما يخرج الضب والضبع. قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه " لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم فتخرج فتصاد " ثم قال كثير:
كففت يداً عنها وأرضيت سمعها ... من القول حتى صدقت ما وعى لها
وقال آخر:
ولو أخاصم أفعى نابها لثق ... أو الأساود من صم الأهاضيب
لكنتم معها ألباً وكان لها ... ناب بأسفل ساق أو بعرقوب
العرب تقول: فلان أظلم من حية، لأنها لا تتخذ لنفسها بيتاً وكل بيت قصدت نحوه هرب منه ما فيه وتركه لها إلا الورل فإنه يأكل الحيات وهو ألطف بدناً من الضب وبراثنه أقوى من براثن الضب لأنه لا يحفر بها بنفسه كما يحفر الضب إبقاء عليها وربما أخرج الضب من بيته واستولى عليه ولذلك يقال أيضاً: أظلم من ورل، وهم يقولون أيضاً: أضل من حية، لأنها إذا خرجت من جحرها ثم وجدت جحراً دخلته ولم تعد إلى الأول. وقال آخر الكذاب الرمازي:
يا ابن المعلى نزلت إحدى الكبر ... أنت لها منذر من بين البشرى
داهية الدهر وصماء الغبر

وقال يونس: داهية الدهر الحية كنيت بذلك لأنها ربما سكنت بقرب ماء إما غدير أو عين فتحمي ذلك الموضع وربما غير ذلك الماء في ذلك المنقع حينا وقد حمته، وقالوا: داهية صماء الغبر، تشبيهاً لها بالحية، وقالوا: صمام أيضاً تشبيهاً لها بالأفعى الصماء، وإنما قيل لها صماء لأنها لا تجيب الراقي فشبهت بالأصم كما قيل في الظلم أيضاً لأنه لا يسمع لشراده وشدة نفاره. وقال الشاعر وذكر أفعى:
وتارة تحسبه ميتاً ... من طول إطراق وإسبات
أصم أعمى لا يبجيب الرقى ... يفتّر من عصل حديدات
فجعله أعمى لطول سباته وإطراقه كما جعله أصم لأنه لا يجيب الرقي.
وقال أعرابي يصف عين الأفعى والبيت للراعي:
ويدني ذراعيه إذا شاء سادراً ... إلى رأس صل قائم العين أشنع
يقال إن عين الأفعى لا تدور والمقلة لا تزول. وقالت أعرابية جاهلية تصف أفعى:
وتدير عيناً للوقاع كأنها ... سمراء طاحت من نفيض برير
إنما أرادت أنها تنظر يميناً وشمالاً لأن المقلة لا تزول والحية تبدي السلخ من ناحية عيونها في الربيع والخريف ولذلك يظن من يعاينها في ذلك الوقت أنها عمياء. وقال عنتر
له ربقة في عنقه من قميصه ... وسائره عن متنه قد تقدّدا
رقود ضحيّان كأن لسانه ... إذا سمع الأجراس مكحال أرمدا
والحية مشقوقة اللسان سوداؤه. وقال كثير يمدح:
يجرّر سربالاً عليه كأنه ... سبيّ هلال لم يفتّق شنائقه
يريد يجر قميصاً كأنه سبي هلال أي جلد حية، والهلال الحية شنائقه دخاريصه صيرها شنائق لأنها معلقة. وقال آخر وذكر النثرة وهي نجوم من الأسد:
في نثلة تهزأ بالنصال ... كانها من خلع الهلال
وقال رؤبة يذكر النساء:
لا تمكن الخنّاعة الناموسا ... وتحصب اللعابة الجاسوسا
بعشر أيديهن والضغبوسا ... حصب الغواة العومج المنسوسا
الخناعة التي تخنع أي تخضع وتدنو منهن بالريبة، والناموس الخادع الذي يسر الأحاديث ويهمس، والجاسوس الذي يتجسس منهن مالاً يرين، بعشر أيديهن أي تجدّ في ذلك كما قال:
شد بعشر حبله المخموسا
والضغبوس الضعيف من الرجال، والعومج الحية، والمنسوس المسوق يقال نسه أي ساقة، يريد الطرود. وقال معقل بن خويلد:
أبا معقل لا توطئنك بغاصتي ... رؤوس الأفاعي في مراصدها العرم
يقول لا يحملنك بغضي على أن تقتل نفسك وتهلكها، والعرم القرط يقال: شاة عرماء، أراد رؤوس الأفاعي العرم في مراصدها ومراصدها حيث ترصد، يقال أنها تظهر مع أول الليل على قارعة الطريق وتستدير وتشخص رأسها معترضة لأن يطأها إنسان أو دابة فتنهشه.
وقال الكميت:
وإياكم إياكم وملّمة ... يقول لها الكانون صمى ابنة الجبل
ابنة الجبل الأفعى وهم، يشبهون الداهية بها، ومن أمثالهم: صمى صمام، و: صمى ابنة الجبل، و: جاء بالحية، وجاء بأم الرّبيق على أريق، وأم الربيق الحية، و جاء بأم بنات طبق، يضربون هذا مثلاً في الدواهي وأصله من الحيات. وقال آخر:
ألوى حيازيمي بهن صبابة ... كما يتلوى الحية المتشرق
والحية موصوفة بالصرد ويصيبها برد السحر فإذا طلعت الشمس تشرقت وتلوت في تشرقها.
وقال آخر:
قلائصاً مثل الأفاعي زلاً ... جمعن عزا وجمعن ذلا
هكذا صفة الأفعى لأنها أبداً نائمة مسبوتة فإن أنكرت شيئاً نهشنه كالبرق الخاطف في السرعة وقال آخر:
حتى إذا تابع ين سلخين ... اقبل وهو واثق بثنتين
بسمّة الرأس ونهش الرجلين
ذهب إلى آن لا يكون قاتلاً حتى تأتي عليه سنتان. وقال آخر:
ثم دنا من رأس نضناض أصم ... فحاصه بين الشراك والقدم
بمذرب أخرجه من جوف كم
قال: أنياب الأفاعي مصونة في أكمام ما لم تعض وكذلك مخالب الأسد لها كالغلف، قال أبو زبيد:
بحجن كالمحالق في فتوخ ... يقيها قضة الأرض الدخيس
وقال البعيث يهجو رجلاً:
مدا من جوعات كأن عروقه ... مسارب حيات تسرّبن سمسما

يقول هو بادي العروق من سوء الحال فكأنها ممرّ حيات، تسربن سمسما أي انسبن، وسمسم مكان، ويروي: تشربن سمسما، أي سمّاً.

الأبيات في العقارب
قال بعض بني نصر بن الحجاج السلمي:
وداري إذا نام جيرانها ... تقيم بها الحدود العقرب
إذا غفل الناس عن دينهم ... فإن عقاربنا تضرب
نزل بهم ضيف فدّب إلى بعض أهل الدار فضربته عقرب على مذاكيره فمات.
وقال إياس بن الأرّت:
كأن مرعى أمكم إذ بدت ... عقربة يكونها عقربان
كل امرىء قد يتّقي مقبلاً ... وأمكم صولتها بالعجان
العقربان الذكر من العقارب وأدخل الهاء في عقربة ضرورة: وقال آخر وهو الفضل بن العباس اللهبي:
كل عدو يتقي مقبلاً ... وعقرب تخشى من الدابره
ومن أبيات اللغز:
وحاملة لا يكمل الدهر حملها ... تموت وينمي حملها حين تعطب
هذه العقرب وذلك أن أولادها تأكل بطنها فيكون عطبها في أولادها.
وقال الشماخ في ذكر الحمار والأتان:
وحمت على أن قد يقرّ بعينها ... تشميم كل ثرى كبيت العقرب
وحمت حملت واشتهت على حملها كل شيء، أي تشم كل موضع بالت فيه، وشبه ذلك ببيت العقرب في صغره ولاجتماع ترابه. وقال أبو النجم:
ونّس وغرات المصيف العقربا
نّس طرد، ووغرة الحر شدته، يقول: جاء الصيف فخرجت الهوام.
؟؟؟؟؟؟
الأبيات في ضروب من الهوام
قال أرابي وذكر إبلاً والرجز لشبيب بن البرصاء:
تخالها من سمن استيقار ... دبّت عليها عارمات الأنبار
وقال آخر:
هل الله من شر العداة يريحني ... ولما تقسّمني النبار الكوانس
وقال ساعدة بن جؤية وذكر سيفاً:
ترى أثره في صفحتيه كأنه ... مدارج شبثان لهن هميم
أثره فرنده، شبثان جمع شبث وهو دويبة في الرمل، هميم دبيب سمعت أعرابية تقول: همّمى في رأسي أي دبي بيدك في رأسي. وقال آخر:
بئس قوم الله قوم طرقوا ... فقروا أضيافهم لحماً وحر
يريد دبّت عليه الوحرة وهي دويبة كالعظاءة حمراء تلزق بالأرض ومنه قيل: وحر الصدر ذهبوا إلى لزوق الحقد بالصدر كالتزاق الوحرة بالأرض، كما قيل للحقد ضب.
وقال ذو الرمة:
ومكنية لم يعلم الناس ما اسمها ... وطئنا عليها ما نقول لها هجراً
يعني أم حبين ويقال لها حبينة، قال مدني لأعرابي:وما تأكلون وما تدعون؟ فقال: نأكل ما دبّ ودرج ألا أم حبين، فقال المدني لتهن أم حبين العافية. ويقال إنها تسمى هيشة وأنشد:
أشكو إليك زماناً قد تعرّفنا ... كما تعرّق رأس الهيشة الذيب
وقال جرير:
يقول المجتلون عروس تيم ... شوى أم الحبين ورأس فيل
وقال أيمن بن خريم:
وخيل غزالة تنتابهم ... تجوز العراق وتجبي النبيطا
تكرّ وتجحر فرسانهم ... كما أحجر الحية العضرفوطا
العضرفوط دويبة تذكر الأعراب أنه لم يبل قط الأشغر ببوله تلقاء القبلة والحية تأكله، ويقال إن العضرفوط ذكر العظاء عن أبي زيد. وقال الراعي يذكر بعيراً:
تبيت بنات الأرض تحت لبانه ... بأجنف من أنقاء وهبين هائل
بنات الأرض دوابها، وأجنف رمل مائل، وقال ذو الرمة:
خراعيب أملود كأن بنانها ... بنات النقا تخفى مراراً وتظهر
بنات النقا دواب تكون في الرمل يقال لها: شحمة الأرض وهي بيضاء حسنة يشبه بها الأصابع وهي تغوص في الرمل وتسبح فيه سباحة السمكة في الماء، وقال مزرد وذكر إبلاً ذهبت كان صاحبها مستجيراً:
ولو في بني الثرماء حلّت تحدّبوا ... عليها بأرماح حداد الحدائد
ولكنها في مرقب متناذر ... كأن بها منه قروض الجداجد
المرقب الموضع المرتفع، والتناذر المتحامى، والجداجد جمع جدجد وهو الذي يصر بالليل، وقال ذو الرمة:
كأنا يغني بيننا كل ليلة ... جداجد صيف من صرير المآخر
شبه صرير مآخر الرحل بأصوات الجداجد ونسبها إلى الصيف لأنها لا تصبح إلا في الصيف. وقال آخر:
وحمش القوائم حدب الظهور ... طرقن بليل فأرقنني
يعني البراغيث. وقالت إمرأة لزوجها.

لقد وقع الحرقوص منى موقعاً ... أرى لذّة الدنيا إليه تصير
الحرقوص دويبة أكبر من البرغوث وعضه أشد من عض البرغوث وربما نبت له جناحان، وأرادت المرأة أنه يدخل فرجها. وقال الطرماح:
ولو أن حرقوصاً على ظهر قملة ... يكّر على صفّى تميم لولّت
وقال الفرزدق لجرير:
إنا لنضرب رأس كل قبيلة ... وأبوك خلف أتانه يتقمّل
يهز الهرانع عقده عند الخصى ... بكذل حيث يكون من يتذلل
يهز ينزع، والهرانع القمل واحدتها هرنع، عقده يعني عقد ثلاثين وأنشد ابن أعرابي لشداد بن معاوية:
قتلت سراتكم وحسلت منكم ... حسيلاً مثل ما حسل الوبار
الحسل والحسيل الرذال، يقول قتلت سراتكم وتركت رذالكم الذين ينفون كما ينفي الوبار.
ومما يتمازح الأعراب.
قد هدم الضفدع بيت الفأره ... فجاءت الزغب من الوبارة
وكلهم يشتد بالحجارة
يقال هذا في تصغير الأمر وتوهين من يسعى فيه. وقال جرير.
تطلّى وهي سيئة المعّرى ... بصن الوبر تحسبه ملابا
من الوبر وهو شديد النتن. وقال بعض العبديين:
إلا تنهي سراة بني حميس ... شويعرها فويلية الأفاعي
قبيلة تردد حيث شاءت ... كزائدة النعامة في الكراع
فويلية الأفاعي دويبة سوداء فوق الخنفساء.
وقال كعب بن زهير يصف الصائد:
لطيف كصداد الصفا لا يغرّه ... بمرتقب وحشيّة وهو نائم
الصداد دويبة يقال إنها سام أبرص، ويقال ليست به ولكنها تشبهه، لا يغتره لا يغتر، وحشي ما يرتقب يعني الصيد فيأتيه نائماً ولكنه يجده أبداً يقظان، والهاء في وحشيه للمرتقب أي لا يغره صيده. وقال ابن مقبل وذكر نعاجاً.
كأن نعاجها بلوى سمار ... إلى الخرماء أولاد السمال
السمال بقايا الماء في الغدران، وأولادها أبناء الماء يعني الدعاميص. وقول جرير:
وقد يقرض العثّ ملس الأدم
العث دويبة صغيرة تقرض الأديم ليس لها خطر ولا قوة بدن، وقال الآخر:
ترّقش العث في ظهر الأديم فما ... نالوا بذلكم تقوى ولا نشبا الترقش التحرك:

الأبيات في الشاء والمعز
قال الحارث بن حلّزة:
عننا باطلاً وظلماً كما تعتر عن حجرة الربيض الظباء.
عننا اعتراضاً بادعاء الذنوب، والعتر الذبح والعتيرة الذبيحة في رجب. والحجرة الحظيرة تتخذ للغنم، والربيض جماعة للغنم، وكان الرجل من العرب ينذر على شائه إذا بلغت مائة أن يذبح عن كل عشرة منها شاة في رجب وكانت تسمى تلك الذبائح الرجبية وكان الرجل ربما بخل بشاته فيصيد الظباء ويذبحها عن غنمه في رجب ليوفي بها نذره، فقال: أنتم تأخذوننا بذنوب غيرنا كما ذبح أولئك الظباء عن غنمهم. وقال ابن أحمر:
تهدى إليه ذراع الجدي تكرمة ... إما ذكياً وإما كان حلانا
الذكي الذي يذكى بالذبح، والحلان يقال إن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا ولد له جدي حزّ في أذنه حزاً أو قطع منها شيئاً: وقال: اللهم إن عاش فقنى وإن مات فذكى، فإن عاش الجدي فهو الذي أراد وإن مات قال كنت ذكيته بالحز فاستجاز أكله كذلك، ويروى " إما ذبيحاً " والذبيح الذي قد أسن وأدرك أن يضحى، وهو أيضاً الذبح، ومن روى هذه الرواية فتفسير الحلان أنه الصغير، ويقال حلام أيضاً، يريد إما صغيراً أو كبيراً. وقال الحطيئة:
فما تتام جارو آل لأى ... ولكن يضمنون لها قراها
تتام من التيمة وهي الشاة التي تكون للمرأة أو الرجل يترببها فإذا جاءت المجاعة ذبحها ضرورة، يقال منه أتّامت تتام اتّياماً إذا ذبحتها يقول: فجارتهم لا تضطر إلى تيمتها لأنهم يكفونها. وقال عروة بن الورد:
إذا ما جعلت الشاة للقوم خبرة ... فشأنك، إني ذاهب لشؤوني
الخبرة أن يشتري للقوم جماعة فيقتسمونها. وقال غسان بن ذهيل يهجو جريراً:
وما يذبحون الشاة إلا بميسر ... طويلاً تناجيها صغاراً قدروها
يقول يشتركون فيها، والميسر إنما يكون في الجذور وهو القمر، طويلاً تناجيها أي مشاورة بعضهم بعضاً في ذبح الشاة إذا أرادوه ونحو منه قول خداش بن زهير:
إذا اصطادوا بغاثاً شيّطوه ... وكان وفاء شأنهم القروع

يقول كان وفاء أمرهم الذي هم فيه أن يقرعوا على البغاث فيأخذوا أنصباءهم بالقرع، وقال بعض الرواة " وكان وقاء شاتهم القروع " أي يكون هذا البغاث وقاية لشاتهم فلا تذبح والقروع التي يقرعها الفحل ويروى " وقالوا إن شاتكم خلوع " أي سمينة تصلح للخلع أي تشاهدوا عليها بالسمن فلم يذبحوها واقتصروا على البغاث. وقال خداش:
أغرك إن كانت لأهلك صبّة ... نما الكبش فيها صوفه ورخائله
أبحنا له ما بين بسّ ورهوة ... مشى الكبش معبّراً به ورواغله
صبة قطعة من المعزى، يريد نما صوف الكبش فيها، ورخائله جمع رخالة الواحدة رخل، بس ورهوة موضعان، مشى الكبش كثر نتاجه، يقال كم مشت هذه النعجة؟ أي كم لها من الولد ويقال أمشى الرجل إذا كثرت ماشيته. وقال النابغة:
وكل فتى وإن أمشى فأثرى ... ستخلجه عن الدنيا منون
ويقال مشت الماشية إذا كثرت. ومنه قول الآخر:
لا تأمرنيّ ببنات أسفع ... فالعين لا تمشي مع الهملّع
بنات أسفع الغنم وأسفع كبش، لا تمشي لا تكثر، والهملع الذئب والعين الغنم، وقول خداش، معبّراً أراد معبراً فشدد، يقال كبش معبر إذا ترك سنتين أو ثلاثاً لا يجز صوفه، ورواغله فيه قولان قال أبو عبيدة: أراد وغنمه التي تأكل الرغل وهو نبت، وقال: الرواغل الرواضع من أولاد شائه، يقال رغل أمه يرغلها. وقال الكميت:
ولو ولي الهوج الثوائج بالذي ... ولينا به ما دعدع المترجل
الهوج الغنم، الثوائج من الثؤاج وهو صوت الضأن، واليعار للمعز، دعدع زجر، والمترجل الذي يرجل البهم عن أمهاتها يدعها ترضع كيف شاءت، ويروى " المترخل " وهو صاحب الرخال، ويقال رخل. قال ذو الرمة:
أغر هشاماً من أخيه ابن أمه ... قوادم ضأن يسّرت وربيع
تباعد مني أن رأيت حمولتي ... تدانت وأن أحيا عليك قطيع
القوادم للنوق فاستعاره للضأن، يسرت صار لها لبن، يقول لما أيسر ترك أخاه، تدانت قلت، احيا عاش. وقال ذو الإصبع:
لم عقلا جفرا عليّ ولم ... أوذ صديقاً ولم أنل طبعاً
الجفر لا تعقل وهي الشاة إذا أكلت الكلأ وانتفجت، وهذا مثل، وإنما أراد لم تعقلا بكرة علي، أي لم تحبساها عليّ لتعقلا عني، والطبع الدنس وتلطخ العرض، طبع السيف إذا صديء.
وقال آخر:
ما زلت منذ أشهر السفّار أنظرهم ... مثل انتظار المضحيّ راعي الغنم
أشهر السفار أتى لهم شهر، أنظرهم انتظرهم، والفار جمع سافر مثل كافر وكفار، والمضحيّ الرجل تكون له غنم فيغدو فيها ويحبس راعية لحاجة فهو ينتظر الراعي ليجيء إليها فينصرف، وإنما إغا حرصاً على آن يصيب غنمه بقدر ما يقضي راعيها حاجته وقد خرج لم يأكل ولم ينتعل ولم يتأهب للرعي فهو غرض كثير التلفّت إلى الموضع الذي يقبل منه الراعي، يقول فأنا مثل هذا ضجر. وقال آخر:
أبني إن العنز تمنع جارها ... عن أن يبيّت جارها بالنئطل
يقول جار العنز يستغني بلبنها إذا نزل به ضيف عن أن يبيته بسوء أو مكروه، والنئطل الداهية. وقال آخر:
تعيرني تركي الرماية خلتي ... وما كل من يرمي الوحوش ينالها
فإلا أصادف غرة الوحش أقتنص ... من الأنسيات العظام جفالها
من الأنسيات من الضأن التي هي للإنس، أقتنص، أصيد، يريد أنه يسرقها، والجفال الصوف. وقال آخر:
وسودا من شاء الموالي سمينة ... يبكّى عليها، اسود الرأس ذيبها
حلفت لهم بالله إني لجاهد ... وجهدي أن قد بات عندي غبيبها
أسود الرأس يعني أنه سرقها إنسان، غبيبها ما غب منها،أي حلفت لهم أني جاهد في طلبها - وجهدي أني سرقتها. وقال آخر يصف شاة:
تمسح وجه الحالب الرفيق ... بلين المسّ قليل الريق
أي تمسح وجه حالبها بلسانها، وقوله قليل الريق يعني أنها شابة وإذا أسنت سال لعابها وكثر. وقال الفرزدق لجرير:
وأنت تسوق بهم بني كليب ... تطرطب قائماً تشلي الحوارا
الطرطبة دعاء البهم، والحوار اسم فل كان لجرير في غنمه، تشلي تدعو إليك.
وأنشد الأصمعي:
فمرّ ولما تسخن الشمس غدوة ... بذرآء تدري كيف تمشي المنائح

الذرآء الشاة التي بأذنها ووجهها نقط بيض، ويقال للرجل غشيته ذرأة إذا ابيض موضع جلحه، وقوله: تدري كيف تمشي المنائح يقول منحت كثيراً أي أعيرت فإذا منحت سامحت بالمشي فعلمت كيف تمشي، وأصل المنح العارية فغلب عليه، من كثرة ما جرى صار هبة وأصله أن يعطيه إبلا يشرب ألبانها. وقال الأخطل:
واذكر غدانة عدّانا مزنمة ... من الحبلّق تبنى حولها الصير
تمذي إذا سخنت في قبل أذرعها ... وتزرئم إذا ما بلّها المطر
عدّان جمع عتود أدغمت التاء في الدال، والحبلّق غنم صغار، والصير جمع صيرة وهي حظيرة الغنم شبههم بها، وهي إذا أصابها الحر أمذت فيصيب أذرعها، وتزرئم أي تنقبض إذا أصابها المطر. وقال آخر:
أحيان بن عثمان بن لؤم ... عتود في مفارقه يبول
التيس يقزح ببوله في خيشومه ومفرق رأسه. وقال حسان يهجو قوماً:
إذا جلسوا وسط النديّ تجاوبوا ... تجاوب عتدان الربيع السوافد
قال ابن أحمر:
إني وجدت بني أعيا وحاملهم ... كالعنز تعطف روقيها فترتضع
العنز ترضع من خلفها وهي محفلة فربما أتت على كل ما في ضرعها.
وقال الفرزدق يذكر مهور نساء بني كليب.
وفينا من العزى تلاد كأنها ... ظفارية الجزع التي في الترائب
يعني جزع ظفار وظفار باليمن، أي هي بلق كأنها جزع. وقال:
ترى شرط المعزى مهور نسائهم ... وفي شرط المعزى لهن مهور
أي فيها وفاء لهن. وقال الهذلي وذكر شاة. والبيت لأبي العيال الهزلي:
جهراً لا تألوا إذا هي أظهرت ... بصراً ولا من عيلة تغنيني
الجهراء التي لا تبصر في الشمس، يقال كبش أجهر ونعجة جهراء، لا تألوا لا تستطيع، يقال ما آلو كذا أي ما أستطيعه. وقال آخر وذكر غنماً:
يدعونني بالماء ماء أسودا
بالماء حكاية أصواتهن ثم دعا عليهن فقال ماء أسودا أي جعله الله ماء أسوداً في بطونكن.
وقال آخر:
لهفي على عززيّ لا أنساما ... كأن ظلّ حجر صغراهما
وصالع معطرة كبراهما
كأن ظل حجر يريد أنها سوداء، وأنشد:
كأنما وجهك ظلّ من حجر.
أي هو أسود وظل الحجر كثيف ليس كظل الشجر، وعطرة حمراء مأخوذة من العطر، والصالع في الغنم مثل القارح في الخيل والبازل في الإبل. وقال الراعي يهجو رجلاً:
ولكنكما أجدى وأمتع جده ... بفرق يخشّيه بهجهج ناعقه
أي تمتع بفرق من الغنم، والفرق القطيع من الغنم العظيم، وأجدى من الجداء وهي العطية، ويخشيه يفزعه، وهجهج هز الغنم، والناعق الراعي الذي يصوت بالغنم. أدحى اسم ناقة، أما في الجوالق الميرة، فقال صاحبها:
تقول عجوزي واشتكت بعض حالها ... وكم قدر رأينا من مبسّ وناعق
الإبساس دعاء الإبل، والنعق بالضأن.
أريتك إن قام الخليط فزالها ... كما كنت القي من مانع وطارق
أتر عينها إن فرق الحي نية ... وكل خليل ذات يوم مفارق
زالها فرقها ويقال أزلت الشيء وزلته، وأنشد ابن الأعرابي:
إذا الثويّ كثرت ثوائجه ... وصار من تحت الكلى نواتجه
يريد أن الغنم إذا أجدبت فخيف عليها الموت شقوا بطونها واستخرجوا أولادها فغذوها لئلا تموت في أجواف أمهاتها، والعرب تقول.
رمدّت المعزى فرنّق رنّق ... رمدت الضأن فربّق ربّق

وذلك أن المعزى تدفع في أول حملها فيقول: انتظر الولاد وإن أبطأ فهو كماء يرنق وهو رقرقته، والضأن لا تدفع إلا عند الولاد فإذا رمّدت الضأن فهي الأرباق لأولادها. وتقول: المعزى تبهي ولاتبني، تبهي تخرق وتقطع، ولا تبني أي لا يفيد منها ما يبني به كما تفعل الضائنة، يقال أبنيت فلاناً بيتاً إذا أفدته إياه وأعنته على عمله قال أبو زيد، بهى البيت بهاء إذا تخرق، والعنز تصعد على ظهور الأخبية فتقطعها بأظلافها والنعجة لا تفعل ذلك وبيوت العرب إنما تعمل من الصوف والوبر ولا تعمل من الشعر، والمعزى تخرق ولا يصلح شعرها لعمل البيوت. ويحكون عن البهائم قالوا قالت الضائنة، أولد رخالا، وأجز جفالا وأحلب كثبا ثقالا، ولم تر مثلي مالا. جفالا تقول أجزّ بمرة وذلك أن الضائنة إذا جزت فليس يسقط من صوفها شيء إلى الأرض حتى يجز كلها، والكثب جمع كثبة وهي قد رحلبة، وما صب في شيء فقد انكثب فيه، ومنه سمي الكثيب من الرمل لأنه انصب في مكان فاجتمع فيه. وقال دغفل بن حنظلة في بني مخزوم: معزى مطيرة، عليها قشعريرة، إلا بني المغيرة، فإن فيهم تشادق الكلام، ومصاهرة الكرام. والعرب تقول: أصرد من عنز جرباء. وقيل لابنة الخس: ما تقولين في مائة من المعزى؟ فقالت: فناء، قيل: فمائة من الضأن؟ قالت: غني، قيل: فمائة من الإبل؟ قالت: منى. وقالوا: العنوق بعد النوق، والعنوق جمع عناق، يراد الصغير بعد الكبير. وقيل لأعرابي بأي شيء تعرف حمل شاتك، قال: إذا ورم حياؤها ودجت شعرتها واستفاضت خاصرتاها وكثفت، يقال كان ذاك وقد دجا ثوب الإسلام. وقال آخر:
إني إذا شاركني في جسمي ... من ينتفي مخي ويبري عظمي
لم أطلب الدنيا بثأر البهم
يقال أراد الحمى، ويقال أراد الكبر. وقال حميد بن ثور وذكر بعيراً:
محليّ بأطواق عتاق يبينها ... على الضرّ راعي الضأن لا يتقوّف
خص راعي الضأن لجفائه وجهله بأمر الإبل، يقال في المثل: أجهل من راعي ضأن، لا يتقوف من القيافة، أي لا يطلب أمراً يستدل به على نجابته لأن النظر إليه يدل عليه. وقال آخر ويروي لذي الرمة:
كأن القوم عشوا لحم ضأن ... فهم نعجون قد مالت طلاهم
وقال أبو ذؤيب وذكر وقتاً من الليل:
إذا الهدف المعزاب صوّب رأسه ... وأعجبه ضفو من الثلّة الخطل
الهدف الشيخ المسن، والمعزاب الذي يعزب عن أهله في الغنم، صوّب رأسه أي نام وأسكنه: ضفو أي اطمأن إلى سعة في ماله يضفو عليه أي يتسع، والثلّة الضأن ولا يكون من المعز.
وروي عن العجاج أنه قال في وصف شاة: حسراء المقدم، شعراء المؤخر، إذا أقبلت حسبتها نافراً، وإذا أدبرت حسبتها ناثراً، أي كأنها تعطس، يقول: من أي أقطارها أتيتها وجدتها مشرفة. الأصمعي: قال أعرابي يهزأ بصاحبه: اشتري لي شاة فقماء تضحك مندلقة خاصرتاها لها ضرع أرقط كأنه ضب، قال وكيف العطل؟ قال: أولهذه عطل؟. العطل طول العنق يقال شاة حسنة العطل قال أبو النجم يذكر فرساً.
عن مفرع الكتفين حلو عطله

الأبيات في الظباء والبقر
قال الشاعر يذكر الظباء:
وينبح الشعب نبحاً كأنه ... نباح سروق أبصرت ما يريبها
وبيضه الهزل المسوّد غيره ... كما ابيّض عن حمض المراضين نيبها
الظبي إذا أسن وصارت لقرونه شعب قيل له أشعب، وقيل له نبّاح وذلك لأن صوته يغلظ، وفيه قول أبي دواد وذكر فرساً:
وقصرى شنج الأنسا ... ء نبّاح من الشعب
والظبي يوصف بشنج النسا، والظبي إذا هزل ابيض وكل أبيض إذا هزل أسود، والبعير يشيب وجهه إذا رعى الحمض. قال آخر:
أكلن حمضاً فالوجوه شيب ... شربن حتى نزح القليب
وقال ابن لجأ:
شابت ولما تدن من ذكائها
وقال عمرو بن قميئة من عبد القيس يذكر وعلاً
فلو أن شيئاً فائت الموت أحرزت ... عماية إذ راح الأرحّ الموقّف
سما طرفه وابيض حتى كأنه ... خصيّ جفت عند الرحائل أكلف
الأرح الذي في ظلفه انفتاح، والموقّف الذي في أرساغه بياض والوقف السوار، وقوله: أبيض - يعني أن الوعل اسن وإذا أسن ابيض، كأنه برذون قد خصي فهو لا يركب، والرحالة سرج من جلود، والكلفة حمرة يدخلها سواد. وقال امرؤ القيس:

كأن عيون الوحش حول خبائناوأرحلنا الجزع الذي لم يثقّب الظبي والبقرة إذا كانا حيين فعيونهما كلها سود فإذا ماتا بدا البياض وإنما شبهها بالجزع بعدما ماتت فانقلبت عيونها والجزع فيه بياض وسواد. وقال قيس بن خويلد الهذلي:
حتى أشّب لها أقيدر نابل ... يغري ضواري خلفها ويصيد
في كل معترك يغادر خلفها ... زرقاء دامية اليدين تميد
ذكر صواراً، أشب لها قدر لها، أقيدر متقارب الخلق يعني قانصاً، يغادر خلف الكلاب زرقاء يعني بقرة غشي عليها فانقلبت عينها. وقال زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفه ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
العين البقر، والآرام الظباء البيض، قال أبو زيد: وهي تسكن الرمل والأدم ظباء طوال الأعناق والقوائم بيض البطون سمر الظهورفي ظهورها جدّتان وهي العواهج وليس الفهد يطمع في الآدم لسرعته. قال أبو زيد: وهي تسكن الجبال والعفر ظباء تعلو بياضها حمرة وكذلك الكثيب الأعفر وهي قصيرة الأعناق وهي أضعف الظباء عدواً، قال أبو زيد: وهي تسكن القفاف وصلابة الأرض. خلفه أي إذا مضى فوج جاء آخر فخلف هذا ذاك، يريد أن الدار أقفرت فصارت الوحش فيها، والطلا ولد البقرة وولد الظبية الصغير، ينهضن من كل مجثم، أراد أنهن ينمن أولادهن إذا أرضعنهن ثم يرعين فإذا ظنن أن أولادهن قد أنفدن ما في أجوافهن من اللبن صوتن لأولادهن فينهضن للأصوات يشربن. ومثله قول ذي الرمة:
لا ينعش العين إلا ما تخوّنه ... داع يناديه باسم الماء مبغوم
وقال امرؤ القيس يصف بقراً:
فأدبرن كالجزع المفصّل بينه ... بجيد معم في العشيرة مخوّل
أي البقر فيها بياض وسواد فشبهه بالجزع، بجيد معم في جيد صبي معم أي كريم الأعمام والأخول، وقوله المفصل بينه أراد أنهن متفرقات كتفرق الجزع الذي جعل وسطه فواصل.
وقال يذكر الفرس:
فألحقنا بالهاديات ودنها ... جواحرها في صرّة لم تذيّل
يقول ألحقنا بالمتقدمات، الجواحر المتأخرات، المجحر المدرك صرّة جماعة، لم تذيل لم تتفرق.
وقال ابن مقبل وذكر امرأة:
ترنو بعين مهاة الرمل أفردها ... رخص ظروفية إلا المنا ضرع
ربيّب لم يفّلكه الرعاء ولم ... يقصر، بحومل أقصر سربه، ورع
يفلكه يجعل في فيه ولسانه مثل الفلكة لئلا يرضع وهذا يفعل بالإبل وهو التفليك يكون من شعر، ولم يقصر لم يحبس ولكنه ترك يذهب حيث شاء، ثم قال أقصى سربه بحومل، والسرب جماعة البقر والظباء، ورع هيوب، وقال:
الإمهاة إذا ما ضعاعها عطفت ... كما حفا الوقف للموشية الصنع
مهاة يعن أمه، إذا ما ضاعها أي دعاها، والموشية التي بذراعيها توقيف كالوشي، والصنع الرفيق من الرجال. وقال ذكر وبقرة أكل الذئب ولدها:
لما اتقى اللّعوة الأولى وأسمعها ... ودونه سعة ميلان أو ميل
كاد اللعاع من الحوذان يشحطها ... ورجرج بين لحييها خراذيل
اللعاع بقل ناعم في أول ما يبدو، يشحطها يقتلها ويذبحها، أي كانت ترعى فلما سمعت صوت ولدها وعلمت أن الذئب قد أصابه كادت تغص بالحوأذان الرطب أي تغص بما لا يغص بمثله من الحزن على ولدها، والرجرج اللعاب يترجرج ولم يسغ اللعاع من الحوأذان بلعابها وهو الرجرج، خرازيل قطع. وقال الجعدي وذكر بقرة أصاب ولدها الذئب:
فباتت ثلاثاً بين يوم وليلة ... وكان النكير أن تضيف وتجأر
أي ثلاث ليالي بأيامها، وكان جهدها وهو نكيرها أن تضيف أي تشفق، ومنه قول الهذلي أبو جندب:
وكنت إذا جاري دعا المضوفة ... أشمر حتى ينصف الساق مئزري
أي لأمر يشفق منه، والجؤار الصوت.
فلاقت بياناً عند أول معهد ... إهاباً ومعبوطاً من الجوف أحمرا
ووجها كبر قوع الفتاة ملمّعاً ... وروقين لما يعدوا إن تقشّرا
أي رأت ما تبينت بأنه قد أكل عند أول مكان عهدته فيه رأس ولدها ووجهه، وشبهه ببرقوع الفتاة الملّمع بالزعفران، والقرن إذا طلع كان رطباً ثم يتقشر ثم يصلب بعد.
وقال يصف ثوراً رأته بقرة بعد ذهاب ولدها:
وكان إليها كالذي اصطاد بكرها ... شقاقاً وبغضاً أو أطمّ وأهجرا

كان إليها أي عندها كالذئب في بغضها له، شقاقا مثلا يقال هو شقيق ذلك أي وقال ذو الرمة:
لاينعش العين إلا ما تخوّنه ... داع يناديه باسم الماء مبغوم
أي لا يرفع عين الظبي من منامه إلا صوت أمه، ومنه يقال نعش فلان فلاناً إذا رفع من أمره، وانتعش فلان إذا قوي وحي بعد ضعف، إلا ما تخونه أي تعهده، داع وهو صوت أمه، مبغوم من البغام وهو صوت الظبية، يقال بغم الظبي فبغم أي دعي فأجاب، وهو كقولك قول مقول، وماء - حكاية صوت الظبي وذلك إذا قال " ما - ما "
كانه دماج من فضة نبه ... في ملعب من عذارى الحي مفصوم
نبه يقال للشيء إذا ضاع، يقول هذا الدملج سقط من العذارى حيث كن يلعبن فانكسر، وإنما شبه الظبي بالمكسورة لأنه نام شبه السكران. وقيل إنما سمي نبها لأن العذارى لما فقدنه تنبهن له فطلبنه فلذلك سمي نبهاً. وقال في هذا المعنى وذكر الظبية:
رأت راكباً وراعهعها لفواقه ... صويت دعاها من أعيس فاتر
يقول رأت هذه الظبية راكباً فخافته أو فراعها صوته سمعته من خلفها حين دعاها لفواقه، والفواق ما بين الحلبتين.
إذا استودعته صفصفاً أو صريمة ... تنحتحت ونصّت جيدها بالمنظر
الصفصف المستوي من الأرض، والصريمة الرمل، أي تخوفت ونصبت عنقه بكل مكان تنظر منه.
حذارا على وسنان يصرعه الكرى ... بكل مقيل على ضعاف فواتر
وتهجره إلا اختلاساً بطرفها ... وكم من محب رهبه العين هاجر
ضعاف فواتر يعني قوائمه، وتهجره على عمد لئلا يستدل السبع عليه بها.
وقال حميد بن ثور يصف ظبية:
مفزعة تستحيل الشخوص ... من الخوف تسمع ما لا ترى
تستحيل الشخوص يقول تنظر هل يحول الشخص أي يتحول أم لا من الخوف على ولدها، وقوله: تسمع ما لا ترى، قال الأصمعي يقال إن أذن الوحشية أصدق من عينها وكذلك أنفها أصدق من عينها. وقال يصف ظبية:
تجود بمدريين قد غاض منهما ... شديد سواد المقلتينر نجيب
مدريين خلفين دقيقين جعلهما محددين، غاض نقص منهما، شديد سواد المقلتين يعني غزالها، نجيب عتيق، يريد أن ولدها كلما رضعها غاض من لبنها.
على مثل حق العاج تهمي شعابه ... بأسمر يحلو لي له ويطيب
يريد في ضرة مثل حق العاج لصغره، تهمي تسيل عروقه وهي شعابه وهذا مثل، وقوله بأسمر بلبن.
فلما غذت قد قلّصت غيرحشوة ... من الجوف فيها علّف وخصوب
يقول فلما غدت من مبيتها، قلصت أي شمرت وذهبت درتها، والحشوة كل ما احتشت به بطونها، وقوله قلصت من الجوف أي مما في الجوف، والعلف ثمر الطلح، وخضوب يقال خضبت الأرض إذا ظهر بها نبت.
رأت مستخيراً فاشرأبت لشخصه ... بمحنية يبد ولها ويغيب
المستخير القانص وذلك أنه يأخذ ولدها فإذا خار أصغت ودنت منه فرماها: ويقال أنه يخور لها مثل خوار ولدها لينظر أهي مغزل أم لا فإن كانت مغزلاً دنت منه فيرميها، يبدو لها أي يظهر تارة ويستتر تارة يختلها.
جرت يوم جئنا عوهج لا شحاصة ... نوار ولا ريّا الغزال لحيب
الشحاصة التي ليس لها لبن وشحص المال ما لا لبن له، ولحيب يقول ليست بكثيرة فيذهب لحم متنها، ويروي لحيب وهي القليلة للبن.
ذكرتك لما أتلعت من كناسها ... وذكرك سبّات إلى عجيب
فقلت على الله لا تذعرانها ... وقد أوّلت أن اللقاء قريب
سبات قطع من الزمان، يقال مضت عليه سبةّ من الزمان، وقوله إلاّ عجيب أي عندي، وقوله على الله أي عليّ لله أن تفزعانها. وقد أولت أي فسرت بالعيافة وإنما اعتاف بمرها.
وقال الطرماح وذكر المرأة:
مثل ما عانيت قبل الفا ... واضح العصمة أحوى الخدام
بادر السيء ولم ينتظر ... نبه فيقات العروق النيام
الشفا دنو الشمس للمغيب، وأحسن ما تكون الظبية في ذلك الوقت لأن الشمس لا تغلب على لونها. ومثله لذي الرمة وذكر المرأة:
براقة الجيد واللبات واضحة ... كأنها ظبية أفضى بها لبب
ثم قال:
بين النهار وبين الليل من عقد ... على جوانبه الأسباط والهدب

يريد هذا الوقت، والخطوط التي في بدنه هي الخدام مستديرة. والسيء اللبن في الضرع قبل أن يدر ويحشك، والحشك الدرة، نبه تحرك العروق للدرور، والفيقة أن تمكث بعد الحلب ساعة فتلك الساعة بينهما الفيقة. وقال زهير في هذا المعنى:
كما استغاث بسيء فزغيطلة ... خاف العيون ولم ينظر به الحشك
الفزّ ولد البقرة، خاف العيون أي خاف أن يراه الناس فلم تنتظر به أمه حشوك الدرة وهو حفلها، والحشك بالسكون فحركه للقافية. وقال الطرماح:
في شناظي أقنّ بينها ... عرّة الطير كصوم النعام
الشناظي أطراف الجبال ويقال حروفها، والأقن نقر يستنقع فيها الماء واحدتها أقنة، والعرّة سلح الطير، وصوم النعام سلحه.
ثم ولي بين عيط بها ... تلحس الأروى زمار البهام
العيط جمع عيطاء وهي الطويل من الجبال، والبهام جمع بهمة وأراد ههنا أولاد الأروى، زمار جمع زمرة وهي قليلة الشعر من الصغر وقد تكون خلقه. وقال الراعي في مثل هذا المعنى:
بحيث تلحس عن زهر ملمعة ... عين مراتعها الصمان والجرع
يقول بحيث تنتج البقر فتلحس أولادها عند النتاج، والجرع الكثيب السهل.
مثل ما كافحت مخروفة ... نصها ذاعر روع مؤام
كافحت واجهت، مخروفة أصابها مطر الخريف، يقول نصها الفزع فنصبت عنقها لذلك، ومؤام أي يسير غير شديد، يقول إنما ذعرها ذعراً شديدا فنصبت عنقها وأحسن ما تكون كذلك
مغزلاً تحنو لمستوسن ... ماثل لون القضيم التهام
مغزل معها غزال صغير، والمستوسن من الوسن، والماثل ههنا للاطيء بالأرض وهو في غير هذا الموضع المنتصب وهو من الأضداد، والقضيم الصحيفة البيضاء.
أو كأسباد النصية لم ... تجتذل في حاجز مستنام
النصية واحد النصي وهو نبت، وأسبادها أصولها أي قطعت أطرافها والواحد سبد، ومنه سبد الشعر حين يطلع فيصير جزلا والحاجز المكان الذي يقوم فيه الماء، والمستنام المتطامن.
وقال مضرّس الأسدي:
بلاد خلت من أهلها وترجعت ... بها الخنس أرآم الشقيق وباقره
ترجعت رجعت إليها، والخنس البقر، والأرام الظباء البيض، الشقيق جمع شقيقة من الرمل، والباقر البقر.
كأن وقوفاً طرحت في ملاعب ... مراضيعه غزلانهه وجآذره
المعنى كأن مراضيعه وقوف طرحت في ملاعب ثم فسر المراضيع فقال: غزلانه وجآذره، والغزلان إذا انطوين بالوقوف. ونحو منه قول ذي الرمة:
كأنه دملج من فضة نبه ... في ملعب من عذارى الحي مفصوم
وقال بشر وذكر الديار وأنه لم يبق فيها أحد:
إلا الجآذر تمتري بأنوفها ... عوذاً إذا تلع النهار تعطف
أي تمسح ضروع الأمهات بأنفها، تلع النهار ارتفع، تعطف على أولادها.
حمّ القوادم ما يعرّ ضروعها ... حلب الأكف لها قرار مؤنف
حم سود، القوادم يقال هي القرون ويقال الجحافل، يعر يعقر، قرار ما اطمأن من الأرض، مؤنف لم يرعه أحد. وقال النابغة وذكر ظبية:
تسف بريرة وترود فيه ... إلى دبر النهار من القسام
القسام شدة الحر. وقال بشر:
تعرّض جأبة المدرى خذول ... بصاحة في أسرّتها السلام
من همز جأبة جعله من الغلظ، يقال لكل غليظ كأب، ومن لم يهمز جعله من جاب يجوب أي حين طلع قرنها، والخذول التاركة صواحبها من أجل ولدها، والأسرة بطون الأودية، والسلام شجر. وقال النمر بن تولب ذكر الظبية وولدها:
خرق إذا مت نام طافت حوله ... طوف الكعاب على جنوب دوارها
بأغن طفل لا تصاحب غيره ... فله عفافة درها وغرارها
خرق لاصق بالأرض، والدوار صنم كانوا يدورون حوله في الجاهلية، والعفافة ما يبقى من اللبن في الضرع بعد الحلب، والغرار ما ترفع الناقة من لبنها، يقال ناقة مغار؟ّ إذا فعلت ذلك، يقول: لهذا الطفل قليل لبن هذه الظبية وكثيره، وجرّ عرارها على الجوار، وكلن ينبغي أن يكون مرفوعاً وهو كما يقال جحر ضب خرب، وقوله: لا تصاحب غيره - يريد أنها قد خزلت صواحبها فانفردت. وقال الراعي يصف ظبية:
لها ابن ليال ودّأته بقفرة
أي غيّبته والحفيرة مودّأة. وقال:

أغنّ غضيض الطرف باتت تعلّه ... صرى ضرّة شكرى فأصبح طاوياً
الصرة ما اجتمع في الضرة من اللبن، شكرى كثيرة اللبن، فأصبح طاوياً يقول: لما روي من اللبن طوى عنقه ولواها فنام، وقال لبيد وقد وصف أتانا:
أفتلك أم وحشية مسبوعة ... خذلت وهادية الصوار قوامها
وحشية بقرة، مسبوعة أكل ولدها السبع، خذلت تركت صواحبها وهادية الصوار يعني أنها كانت تتقدم القطيع وكانت قوامه أي تقوم به يريد: أبتلك لأتان أشبّه ناقتي أم بهذه الوحشية؟.
معقر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب ما يمنّ طعامها
المعفر الولد إذا أرادت أمه أن تفطمه تركته يومين لا تسقيه ثم ترضعه ثم تتركه ثلاثة أيام ثم ترضعه حتى يستمر ويعتاد، والقهد الغنم الصغار الأذناب. قال الأصمعي: القهد من الضأن أن تصغر آذانها وتعلوهن حمرة، شبه به الغزال، تنازع شلوه أي تجاذب بقية جسده، غبس ذئاب في ألوانها، لا يمنّ طعامها من عطاء أحد يمتن به إنما هو كسبها ويقال: لا يمن لا ينقص من قول الله عزّ وجل " لهم أجر غير ممنون " .
تجتاف أصلاً قالصاً متنبذا ... بعجوب أنقاء يميل هيامها
تجتاف البقرة أصل شجرة تستكن من المطر به، قالصاً أي قالص الفرع، يريد أنه مرتفع قلل الورق فليس له ظل، وقوله بعجوب أنقاء يريد أن هذه الشجرة بمآخير الرمل لأن الشجر لا ينبت في وسط الرمل ومعظمه إنما بجنبتيه ومنقطعه. وقال ذو الرمة:
من عاقر ينفي الألاء سراتها ... عذارين عن جرداء وعث خصورها
متنبذاً متفرق الغصون، هيامها ما انهال من الرمل.
يعلو طريقة متنها متواتراً ... في ليلة كفر النجوم ظلامها
يعلو المطر طريقة متن البقرة وهي الجدّة التي في ظهرها، كفر النجوم - غطاها، ومنه قيل لليل كافر لأنه يغطي كل شيء. وقوله يصفها حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت بكرت تزل عن الثرى ازلامها. شبه قوائمها بالقداح واستوائها واحدها زلم.
حتى إذا يئست وأسحق حالق ... لم يبله إرضاعها وفطامها
يئست من ولدها، وأسحق حالق أيبس اللبن وذهب والحالق الضرع الممتلىء لم يبله أن أرضعت وفطمت ولكنها ثكلت وحزنت وتركت العلف فذهب لبنها. أدخل الفاء في قوله فغدت والمعنى طرحها، والفرجان الطريقان ويقال الفرج موضع المخافة، وقوله: خلفها وأمامها كان أحد الفرجين خلفها والآخر أمامها.
وقال يشبه المرأة بالظبية:
لياتى تحت الخدر ثني مصيفة ... من الأدم ترتاد الشروج القوابلا
ثني ظبية ولدت بطنين، والبكر التي ولدت بطناً، مصيفة ولدت بعدما كبرت، ترتاد ترود، والشرج مسايل الماء واحدها شرج والقوابل ما قابلك من الوادي.
أنا مت غضيض الطرف رخصاً ظلوفه ... بذات السلامى من دحيضة جادلا
غضيض فاتر، ذات السلامى موضع، دحيضة بلد، جادل حين اشتد لحمه، قيل: شدن وجدل.
مدى العين منها أن تراع بنجوة ... كقدر النجيث ما يبذّ المناضلا
مدى العين منها بقدر ما تنظر إليه، ومن قال: مدى النبل، أراد بقدر رمية سهم منها، أن تراع أي لئلا تراع، والنجيث الغرض الذي يعمل من نجيث الأرض وهو ما استخرج منها من التراب، فيقول فولدها منها كمكان الغرض من الرامي، ما يبذ المناضل أي يفوت الرامي أن يبلغه. وقال يصف نبتاً:
همل عشائره على أولادها ... من راشح متّقوب وفطيم
العشائر الظباء وهو جمع عشراء وعشار ويقال جمع عشيرة، شبه الوحش في اختلافها بالعشائر، وراشح من أولادها الذي قد قوى وتحرك، ومتقوب قد تقوب شعره.
وقال ابن أحمر يذكر بقرة:
مارية لؤلؤان اللون أوّدها ... طلّ وبنّس عنها فرقد خصر
مارية خفيفة لونها لون اللؤلؤ، أودها طل أي عطفها وثناها على ولدها، وبنس عنها أي تأخر عنها، فرقد ولدها، خصر من البرد. وقال يذكر بقرة:
ثكلى عوان بدوّار مؤلفة ... هاج القنيص عليها بعدما اقتربا
القنيص الصائد ههنا وفي غير هذا الموضع الصيد، يريد انه ثاورها من قرب:
ظلت بجورؤاف وهي مجمرة ... تعتاد مكراً لعاعاً نبته رطباً
عن واضح اللون كالدينار منجدل ... لم تخش إنساً ولم تترك به وصباً

مجمرة مسرعة، والمكر نبت، أي تعتاد مكراً، عن واضح عن ولد واضح لونه، يريد تطلب المرعى وتترك ولدها كالدينار في حسنه ولم تخش إنساً عليه لأنه بمعزل منهم ولم يك به وصب فتقيم عليه، أراد أنه غوفص ولدها. وقال:
ما أم غفر على دعجاء ذي علق ... ينفى القراميد عنها الأعصم الوقل
أم غفر أروية والغفر ولدها، دعجاء هضبة سوداء، ذو علق جبل، والقراميد الآجر الكبار شبه الصخرية، يقول لا يصعد إليها الوعل حتى يرمى مثل القراميد عنها لزلل.
في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة ... لا يبتغى دونها سهل ولا جبل
قوائمه يصف صعوبته، والوقل الذي يتوقل أي يصعد.
في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة ... لا يبتغى دونها سهل ولا جبل
يقول ما دون هذه الهضبة مطلب ولا يقدر عليها فكيف ما فوقها.
وقال خداش بن زهير يصف ظبية:
موشّحة جيداء يقصر سربها ... عضاه مشير بالربيع ومفتل
سربها مرعاها، يخبرك أنها لا تتباعد في المرعى للخصب، والعضاه كل شجر ذي شوك كالسدر والقتاد، والمشير الذي قد اخضرت أطراف غصونه وبدأ يورق والإسم المشرة، والمفتل الذي قد طلعت فتّلته وهي ثمر العرفط. وقال الكميت يصف الظبية وولدها:
تحنو على خدر القيام وترعوى ... بغناه في سمح الوعاء معلّق
يريد ترجع بما يغنيه في صرع سمح الوعاء باللبن.
بكرت وأصبح في المبيت، يؤودها ... لوث المغفل واعتناف الأخرق
بكرت للمرعى وأصبح ولدها في مبيتها، وهو يؤزدها يثقلها بالهم علمها بلوث ولدها وغفلته و جهله، واعتناف الأخرق أي عنف الذئب. وقال يصف بقرة:
تعاطى فراخ المكر طوراً وتارة ... تثير رخاماها وتعلق ضالها
المكر نبت وفراخه ثمره، والرخامى نبت، تعلق تناول بفيها.
كعذراء في مجنى السيال تخيرت ... أنابيب رخصات الفروع سيالها
أنابيب تستاك بها، ونصب سيالها بتخيرت وهو كما يقال تخيرتهم رجلاً أي اخترت منهم رجلاً.
على رسلة من هذه وتكمّش ... بهاتيك إن هاج الرواع امتلالها
أراد على أرسّل من الجارية وانكماش من البقرة، والرواع الفزع، وامتلالها إسراعها في العدو.
وإن اختلافاً منهما وتفرّقا ... لما خالفت فيه الحماش خالها
الحماش قوائم البقرة أراد أنها دقاق، والخدال قوائم الجارية وهي غلاظ يقول: فذاك اختلاف ما بينهما. وقال كثير يصف جبالاً:
حواجرها العليا وأركانها التي ... بها من مغافير العناز أفارق
مغافير مثل مغازيل ومطافيل وهي التي معها أطفالها والغفر ولد الأروية، وعناز جمع عنز مثل رمل ورمال. وأفارق أقاطيع متفرقة واحدها فرق وواحد المغافير مغفر، والحواجر ما استتر وعلاً. وقال كعب بن زهير لامرأته:
لقد ربعت بيني وبينك حقبة ... بأطلائها الخنس الملمّعة الشوى
يريد بعد ما بيني وبينك فصار ما بيننا مواضع الوحش والخنس. وقول الجعدي:
كممرية فرد
يعني يقرة أمرت أي حان أن تمرى أي يرضعها ولدها. وقال عدي بن زيد وذكر فرساً:
طلبت بها شاة الإران غدية ... مرابى سفعاً قد حنون لأطفال
الشاة البقرة، والإران النشاط، مرابى يقول أنها لمربية على ولدها ذا كان ولدها بعينها تنظر إليه، قد حنون أي عطفن، لأطفال أي على أطفال. وقال ذو الرمة يذكر رملة:
إذا ما علاها راكب الصيف لم يزل ... يرى نعجة في مرتع أو يثيرها
مولّعة خنسا ليست بنعجة ... يدمّن أجواف المياه وقيرها
نعجة بقرة، مولعة فيها خطوط، خنساء قصيرة الأنف، ليست بنعجة أهلية، يدمن الدمن وهو البعر، والوقير الشاء الكثير وكلابها وحمرها ولا يكون وقيراً حتى تكون فيها كلاب، أي هذه الأرض فيها وحوش. وقال أيضاً:
بها عفر الظباء لها نزيب ... وآجال ملاطمهن شيم
كأنّ بلادهن سماء ليل ... تكشف عن كواكبها الغيوم
ملاطمهن مواضع اللطم منهن بها شامات - وهكذا البقر، والآجال أقاطيع الظباء، وشبه اجتماعهن في تلك الصحراء وكثرتهن بكثرة الكواكب في السماء المنجلي عنها الغنم، والنزيب أصوات الظباء. وقال يصف البقرة:

يلحن كما لاحت كواكب شتوه ... سرى بالجهام الكدر عنهن جافله
شبهها بكواكب الشتاء لأنها أضوأ وذلك لقلة الغبرة، والجهام السحاب الذي هرق ماؤه، فيقول جافل الجهام سرى بالجهام عن النجوم، والجافل ما جفله أي قلعه فذهب به، وسرى كشط يقال سروت درغي. وقوله يذكر البقر:
درّاؤه وخواذله
والدراء التي جاءت من أرض إلى أرض، والخواذل اللواتي تأخرن عن صواحبهن.
وقال يذكر البقر وشبهها بالخيل:
حرونية الأنساب أو أعوجية ... عليها من القهز الملاء النواصع
تجوّبن منها عن خدود وشمّرت ... أسافلها عن حيث كان المذراع
حرونية نسبها إلى الحرون وهو فرس كان لباهلة، والقهز القز، والنواصع البيض، تجوبن يقول هذه الملاء تكشفن عن خدودها وقلصت عن قوائمها وهي المذارع، والمعنى أن خدود هذه البقر سود وقائمها سود وسائر أجسادها بيض. وقال الأخطل يصف البقر:
أدما مخدمة السواد كأنها ... خيل هوامل جلن في الأجلال
أدم بيض، ومخدمة السواد أي مواضع الخلاخيل منها سود، وشبه بياضها بخيل عليها جلال بيض قد بدت قوائمها سوداً. وقال في نحو هذا يصف ثوراً:
كأنه إذا أضاء البرق بهجته ... في أصبهانية أو مصطلى نار
يقول هو أبيض إلا قوائمه ووجهه فكأنه سفع، بهجته بياضه ونقاء لونه. وقال المسيب بن علس يصف الظباء:
لسن بقول الصيف حتى كأنما ... بأفواهها من لسّ حلّبها الصقر
الحلب نبت تعتاده الظباء، يقال تيس حلّب، والصقر ما سال من الرطب.
وقال عدي بن زيد وذكر فرساً:
وله النعجة المريّتجاه الر ... كب عدلاً بالنابىء المخراق
النعجة البقرة، والمري التي لها لبن، أي يدركها فيصيدها قبالة الركب والنابىء الذي يخرج من أرض إلى أرض يقال ثور نابىء والمخراق نحو من النابىء من خرق يخرق، أي تصاد النعجة فتكون عدلاً له. وقال آخر وهو عمرو بن الفضفاض الجهني:
لا تجهّمينا أم عمرو فإنما ... بنا داء ظبي لم تخنه عوامله
قال أبو عمرو أراد: فإنه لا داء بنا كما لا داء بالظبي. وقال الأموي: داء الظبي إذا أراد أن يثب تمكث ساعة ثم وثب والأول أجود. وقال أبو داود:
ولقد ذعرت بنات ع ... م المرشقات لها بصابص
المرشقات الظباء وهي التي تمد أعناقها وتنظر وأحسن ما تكون كذلك وأراد أن يقول ذعرت البقر فقال: بنات عم المرشقات - أي بنات عم الظباء لأنها وحش مثلها ولا تكون مرشقات لأنها وقص، وبصابص حركات الأذناب يقال بصبص إذا حرك ذنبه، ومثل للعرب: بصبصن إذ حدين. وقول خداش بن زهير:
ما لألأ الفور
الفور الظباء لا واحد لها من لفظها، ولألأن حركن أذنابهن ومثله قول آخر وهو الأيبرد اليربوعي:
أحقاً عباد الله أن لست لاقياً ... بريداً طوال الدهر مالألأ العفر 0
وهي الظباء في ألوانها مأخوذ من عفر الأرض وهو لونها. وقال الطرماح وذكر امرأة:
وليست بأدنى غير أنس حديثها إلى القوم من مصطاف عصماء هاجن
يقول هي أبعد مما يراد منها من الأروية إلا ذلك الحديث، ومصطافها حيث تصطاف، والهاجن الجارية توطأ قبل أن تدرك، يقال اهتجن الجارية إذا عجل في وطئها.
لها كلماريعت صداة وركدة ... بمصدان أعلى ابني شمام البوائن
صداة تسمع، وركدة انتصات، والمصدان أعالي الجبال واحدها مصاد، وابنا شمام جبلان، والبوائن ذهب إلى أطرافها فجمع.
عقيلة رمل تنتمي طرفاتها ... إلى مؤنق من جنبة الذبل راهن
العقيلة الكريمة، تنتمي ترتفع، والطرفات التي تطرف في المرعى والجنبة، والذبل جبل، راهن مقيم.
لها تفرات تحتها وقصارها ... إلى مشرة لم تعتلق بالمحاجن
واحدتها تفرة وهي العشب إذا جف، ويقال ما ينبت تحت الشجرة، ويقال هو من دق الشجرة تقتصر عليه، والمشرة يقال تمشر الشجر إذا أصابه مطر فخرج ورقه، وتمشر الرجل حسنت حاله وهيأته، والمحجن الصولجان يتناول به الغصون وأطراف الشجر.
يخافتن بعض المضغ من خيفة الردى ... وينصتن للسمع انتصات القناقن
القناقن الضفادع، ويقال المهندسون الذين ينظرون مواضع المياه - الواحد قنقن.

يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع ... بواديه من قرع القسي الكنائن
أي يطفن بوعل يحوز المراتع، وأراد من قرع الكنائن القسى فقدم وأخر.
وشاخص فاه الدهر حتى كأنه ... منّمس ثيران الكريص الضوائن
شاخص خالف بين أسنانه من الكبير فبعضها طويل وبعضها قصير وبعضها معوج وبعضها منكسر، والثور قطعة من الأقط والكريص الذي يكرص مع الطراثيث أي يدق حتى يصير مثل الحيس. قال الأصمعي: يكرس بالحمصيص وهي بقلة حامضة، والمنمس الذي عتق فصار نمسا أصفر، يقال نمس الشيء، والضوائن البيض، ويقال الكريص المجموع بعضه على بعض يقال: كرص يكرص أي جمع، وقال مزرد وذكر امرأة:
ولو آن شيخاً ذا مئين كأنما ... على رأسه من شامل الشيب قونس
ولم يبق من أضراسه غير واحد ... إذا مسّه يدمي مراراً ويضرس
يظل النهار رانياً وكأنه ... إذا كشّ ثور من كريص منمّس
الرنوّ إدامة النظر يقال رنا يرنو رنوا، ومنه قيل: كأس رنوناة أي دائمة. وقال أبو ذؤيب:
فما أم خشف بالعلاية شادن ... تنوش البرير حيث نال اهتصارها
النوش التناول، والبرير ثمر الأراك، واهتصارها جذبها يقال هصرت العود إذا ثنيته وجذبته إليك.
موشحة بالرّتين دنا لها ... جني أيكة تضفو عليها قصارها
الطرتان طريقتان في ظهرها، والأيكة الشجر الملتف، تضفو تتسع وتفضل، فإذا ضفا القصار فكيف الطوال.
به أبلت شهري ربيع كليهما ... فقد مار فيها نسؤها واقترارها
أبلت جزأت فهي تأبل أبولا، والنسء بدء السمن، والاقترار أن تبول الدابة في رجليها من خثورة بولها وذلك إذا أكلت اليبيس والحبة وعقّدت الشحم يقال تقررت الإبل في أسواقها.
وقال أبو النجم:
حتى إذا بلن مثل الخردل
وإذا أكلت الرطب رقت أبوالها فرجّت به رجّا.
وسود ماء المرد فاها فلونه ... كلون النؤور وهي أدماء سارها
المرد مدرك البرير فإا غضاً فهو كباث وسارها سائرها وأدماء بيضاء، والنؤور الذي يسيل به اللثاث. وقال أيضاً:
كأن ابنة الزيدي يوم لقيتها ... موشحة بالطرتين هميج
بأسفل ذات الدير أفرد جحشها ... فقد ولهت يومين فهي خلوج
يعني ظبية لها طرتان في جنبيها سوداوان وكذلك الظباء التهامية والهميج الضعيفة النفس يقال: أهمجت نفس الرجل، ويقال للنفساء هميجة النفس إذا ذبل وجهها، والجحش الخشف في لغة هذيل، والدير مكان، والخلوج التي اختلج ولدها عنها أي أخذ. وقال أيضاً:
لعمرك ما عيساء تنسأ شادناً ... يعنّ لها بالجزع من نخب النجل
إذا هي قامت تقشعرّ شواتها ... وتشرق بين الليبت منها إلى الصقل
ترى حشماً في صدرها ثم إنها ... إذا أدبرت ولّت بمكتنز عبل
تنسأه تسوقه، ويعن يعرض لها، نخب واد بالطائف، نجل ينجل بالماء يقال للوادي إذا ظهر ماؤه فجرى: قد استنجل، وذلك يكون إذا كثرت الأمطار، يقول إذا قامت فزعة اقشعر رأسها وقوائمها ويشرق ذلك منها، يقول تنتفش، والصقل الكشح وهو منقطع الأضلاع إلى الورك، يقول يشرق منها عنقها وحشاها. قال الأصمعي: والظبية مخطفة في صدرها وعنقها و هي مكتنزة المآخير. وقال أيضاً وذكر ثوراً:
في ربرب يلق حور مدامعها ... كأنهن بجنبي حربة البرد
الربرب القطيع من بقر الوحش، واليلق البيض، وحربة بلد، وجعلهن كالبرد لبياضهن.
وكن بالروض لا يرغمن واحدة ... من عيشهن ولا يدرين كيف غد
لا يرغمن لا يصيبهن رغم في عيشهن أي أمر يسوءهن، الواحدة رغمة ولا يهتممن لغد، إنما همهن ليومهن أي هن في خفض من العيش.
فسمعت نبأه منه وآسدها ... كأنهن لدى أنسائه البرد
أي سمعت البقرة نبأة من الصائد أي هنة من صوت، آسدها أغراها كأن الكلاب لدى أنساء الصائد حين امتددن بين يديه البرد وهي برود من صوف.
حتى إذا أدرك الرامي وقد عرست ... عنه الكلاب فأعطاها الذي يعد
عرست بطرت وتحيرت، أعطى الثور الكلاب الذي يعد وأيعاده أنه كان يتهيأ ويتحرف فأعطاها ذلك أي طعنها. وقال أيضاً:

واعلم أني وام الرهين ... كالظبي سيق لخبل
الشعر يقول أعلم أن لقيّ إياها كالظبي سيق للحبالة.
فبينا يسلّم رجع اليدين ... باء بكفة حبل ممر
يقول بينا هو يطأ سليما رجع بكفة حبل، يقول علق إحدى قوائمه، ممرّ شديد الفتل، وقال ساعدة بن جؤية:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... أدفى صلود من الأوعال ذو خدم
الحيد في القرن وهي حيود فيه، وأدفى في قرنه انحاء إلى ظهره، والصلود الذي يصلد برجله أي يضرب بها على الصخرة فتسمع لها صوتاً، ومن ثم قيل حجر صلاّد أي تسمع له صوتاً، ويقال أيضاً الصلود الذي إذا فزع صلد في الجبل أي صعد فيه، ذو خدم أي هو أعصم وهو الذي في وظيفه بياض.
يأوي إلى مشمخرات مصّعدة ... شم بهن فروع القان والنشم
مشمخرات مرتفعات يعني جبالاً، مصعدة يريد طوالا قد صعدت، وشم مرتفعة، والقان والنشم شجر، وفروعه أغصانه.
من فوقه شعف قرّ وأسفله ... جيء تنطّق بالظيان والعتم
شعف كل شيء أعلاه، وقر بارد، وجيء جمع جيئة وهي مناقع تمسك الماء، والظيان ياسمين البر، والعتم شجر شجر الزيتون البري.
موكل بشدوف الصوم يرقبها ... من المغارب مخطوف الحشا زرم
الشدوف الشخوص جمع شدف، والصوم شجر يشبه الزيتون يؤخذ صمغه، يقول كأنه وكل بها يفرق أن تكون ناسا، والمغارب جمع مغرب، وهو كل مكان يتوارى فيه، وصيره مخطوف الجشا من الفزع، زرم لا يثبت بمكانه ينقطع عنه يقال: زرم الدمع وأزرمت على الصبي بوله أي قطعته.
ثم ينوش إذا آد النهار له ... بعد الترقّب من نيم ومن كتم
ينوش يتناول، وآد مال للزوال ورجع في العشى، يقول يأكل تلك الساعة حين يغفل الناس، والترقب التخوف والتنظر، والنيم والكتم ضربان من الشجر.
ولا صوار مدرّاة مناسجها ... مثل الفريد الذي يجري من النظم
يقول كأنما ضربت مناسجها بالمداري وذلك إذا ضربتها الريح فتنتفش و تفرق كما يدرى الشعر بالمداري وذلك إذا ضربتها الريح فتنتفش وتفرق كما يدرّى الشعر بالمداري، والفريد شيء يعمل من فضة ويجعل مع الحلي شبهها به لبياضها، والنظم جمع نظام وهو الخيط
ظلت صوافن بالأرزان صاوية ... في ما حق من نهار الصيف محتدم
الأرزان اماكن صلبة واحدها رزن، والصاوي الذابل، يقال أتانا في ما حق الصيف أي في شدة حره.
قد أويت كل ماء فهي طاوية ... مهما تصب أفقاً من بارق تشم
أو بيت كل ماء منعت لأن عليه الزماة فهي طاوية لذلك أي خماص، تصب أفقاً أي تجد ناحية، تشم أي تقدرأين موقعه لتمضي إليه، وبارق سحاب ذو برق، ويروى: فهي صادية. ويقال طعام وشراب لا يوبى أي لا ينقطع.
حتى شآها كليل موهنا عمل ... باتت طراباً وبات الليل لم ينم
شآها ساقها فاستاقت، كليل برق ضعيف، موهناً بعد ليل، عمل عمل لا يغفل، فباتت البقر طرابا.
حيران يركب أعلاه أسافله ... يخفي تراب جديد الأرض منهزم
حيران سحاب لا يمضي على جهته ولكنه يتردد، يخفي يظهر جديد الأرض ما صلب منها ولم يدمّن، منهزم متسق بالمطر.
فأسأدت دلّجا تحيا لموقعه ... لم تنتشب بوعوث الأض والظلم
الإساد سير الليل، وقوله: تحيا لموقعه، يريد لتبلغ ذلك المطر، ولم تنتشب لم تحتبس ولم تمنعها الوعوث والظلمة أن مضت.
حتى إذا ما تجلى ليلها فزعت ... من فارس وحليف الغرب ملتئم
غرب كل شيء حده، والحليف الجديد يعني رمحا حديد السنان، ملتئم أي غير مختلف.
فافتنّها في فضاء الأرض يأفزها ... وأصحرت من قفاف ذات معصم
إفتنها اشتق بها يأفزها ينزو بها نزوا، يريد خرج بها من أرض إلى رض. وقال أيضاً:
أرى الدهر لا يبقى على حدثانه ... أبود بأطراف المناعة جلعد
الأبود الآبد المتوحش، والمناعة بلد، والجلعد الغليظ يعني وعلا
تحول لونا بعد لون كأنه ... بشفّاف يوم مقلع الوبل يصرد
يقول يقشعر فيخرج باطن شعرته فيجيء له لون غير لونه ثم يسكن فيعود لونه الأول، والشفاف الريح الباردة يقول هبت بعقب مطر فهو أشد البرد.
تحول قشعريراته دون لونه ... فرائصه من خيفة الموت ترعد

أي يحول دون حقيقة لونه اقشعراره، والفريصة المضغة تحت الكتف وإذا فزعت الدابة أرعدت.
وشقت مقاطيع الرماة فؤاده ... إذا سمع الصوت المغّرد يصلد
شقت آذت، والمقاطيع السهام والقطع النصل العريض المدملك المغرد الذي يرفع به صوته، ويصلد يعلو في الجبل ويقال: يقرع برجله. وقال صخر الغي:
فعينيّ لايبقى على الدهر فادر ... بتيهورة تحت الطخاء العصائب
يريد فيا عيني لا يبقى على الدهر، والفادر المسن من الأوعال، والتيهورة الهوّة في الجبل وفي الرمل، والطهاء والطخاء سحاب رقيق، والعصائب شقائق من السحاب، يقول فكأن الغيم على هذا الجبل مثيل العمائم.
تملّي بها طول الحياة فقرنه ... له حيد أشرافها كالرواجب
أي تمتع بها ومنه قليل تمليت حبيبا أي طال عمره معك. والرواجب السلاميات، وبعض يقول ظهور المفاصل.
يبيت إذا ما آنس الليل كانساً ... مبيت الغريب ذي الكساء المحارب
يقول يبيت منتحياً كما ينتحي رجل غاضب أهله وولده فأخذ كساءه وبات وحده، والوعل لا يبيت أبداً إلا منفرداً.
أتيح له يوماً وقد طال عمره ... جريمة شيخ قد تحنّب ساغب
جريمة شيخ أي كاسب شيخ، تحنب احدودب ودب، ساغب جائع.
يحامي عليه في الشتاء إذا شتّا ... وفي الصيف يبغيه الجنى كالمناحب
المناحب المجاهد وأصله الخطر، يعني كالذي يبالغ في الأمر.قال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء سار رجل سيراً شديداً في الجاهلية فقيل لابنه منحّب، ويقال تناحب القوم إذا تبادروا، والجنى الكمأة، وقال وذكر وعلا:
أتيح لها أقيدر ذو حشيف ... إذا سامت على الملقات ساما
خفيّ الشخص مقتدر عليها ... يسن على ثمائلها السماما
أقيدر تصغير أقدر وهو القصير الغنق، الحشيف الثوب الخلق، والملقات صفوح الجبال المتزلقة الملس واحدتها ملقة، مقتدر أي قادر، يسن يصب على مواضعها ثمائلها السمام، والثميلة العلف في جوف الدابة يريد أنه يرمي موضع الطعام من أجوافها.
وقال أبو خراش وذكر حمار الوحش:
تراه وقد فات الرماة كأنه ... أمام الكلاب مصغي الخد أصلم
مصغ من شدة العدو قد أصغي، وقوله أصلم يقول قد صرّ أذنه فكأنه من شدة ما صرها مقطوع الأذن. وقال ربيعة بن الجحدر الهذلي:
فلو رجلاً خادعته لحدعته ... ولكنما حوتا بدحنا أقامس
أقول له كيما أخالف روغه ... وراءك مل أروي شياه كوانس
أقامس أغاطّ، أخالف روغه يقول أخادعه لأرميه فأروع منه فيتبع روغي فأقول وراءك شيله كوانس ليذهب إليهن ويدعني. وقال صخر الغي وذكر وعولا:
لها معن وتصدر في لهوب ... بها ذبّت أوائلها هياما
معن مياه تجري جمع معين، ذبّت جفت تذب ذبا، هيام عطاش، يقول لها مياه وتخاف أن تردها من أجل القنّاص فقد لزمت الجبال. وقال حميد بن ثور:
فقلت لأصحابي تراجع للصّبا ... فؤادي وعاد اليوم عودة أعصما
قال: الوعل ينفر في أول ما يرى فيشتد نفره ثم يعود فيسكن. وقال مهلهل:
وخيل تكدّس بالدارع ... ين مشى الوعول على الظاهره
التكدس أن يحرك منكبيه إذا مشى كأنه منصبّ إلى شيء بين يديه، وكذلك مشى الوعول علىالأرض، وفي المثل: ما يجمع بين الأروى والنعام. لأن الأروى تسكن الجبال ولا تسهل والنعام تسكن السهل ولا ترقى فأراد أن هذه الخيل تمشي إلى الحرب رويداً وهو أثبت لها من أن تلقاها وهي تركض. وقال الجعدي وذكر ناقته:
وتبتزّ يعفور الصريم كناسه ... فتخرجه منه وإن كان مظهرا
منكب روقية الكناس كأنه ... مغشّي عمي إلا إذا ما تنشرا
منكب أي منح أي اعتمد على الكناس فجعل روقيه بلبانه، مغشي عمي أي كأن بصره عمي في كناسه إلا إذا ما انتشر في برد النهار.

الثور
قال النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل عن مستأنس وحد
من وحش وجرة موشيّ أكارعه ... طاوى المصير كسيف الصيقل الفرد

زال النهار تنصف، بنا في معنى علينا، والمستأنس الذي ينظر بعينه ويروى مستوجس وهو الذي قد أحسن شيئاً يفزع منه فهو يتسمع والوجس السمع، وذو الجليل موضع ينبت الثمام ويقال للثمام جليل الواحدة جليلة، وإنما قال من وحش وجرة لأن وجرة في طرف السيّ وهي فلاة بين مران وذات عرق وهي ستون ميلا وهي مجمع الوحش وهي قليلة الشرب للماء هناك، وموشى أكارعه يريد أنه أبيض في قوائمه نقط سود وفي وجهه سفعة، طاوي المصير يريد ضامر البطن والمصير المعي وجمعه مصران ثم مصارين جمع الجمع، كسيف الصقيل يريد أنه أبيض يلوح كأنه سيف صقيل، ويقال فرد وفرد أي هو منقطع القرين لا مثل له في جودته كما يقال نسيج وحده. وكان الأصمعي يستحسن بيت الطرماح في صفة الثور.
يبدو وتضمره البلاد كأنّه ... سيف على شرف يسلّ ويعمد
وقال ذو الرمة:
ولاح أزهر مشهور بنقبته ... كأنه حين يعلو عاقراً لهب
أزهر ثور أبيض ونقبته لونه، والعاقر رملة مشرفة لا تنبت، ولهب شبهه بشعلة نار على أعلى الرملة. وقوله:
تجلو البوارق عن مجرمّز لهق ... كأنه متقبّي يلمق عزب
اليلمق القباء، وعزب وحده يشبهه بذلك لبياضه. وقال بشر وذكره:
ومر يباري جانبيه كأنه ... على البيد والأشراف عشوة مقبس
العشوة النار. وقال أبو دواد:
لهق كنار الرأس بال ... علياء تذكيها الأعابد
لهق أبيض: الرأس رئيس العجم، والأعابد جمع أعبد، شبهه بنار توقد على شرف.
وقال رؤبة ذكر ثوراً:
حتى إذا ما دجنه ترفّعا ... وليله عن فرديّ ألمعا
عدا كلمع البرق أو تزوّعا
فردى كقول النابغة " كسيف الصيقل الفرد " وألمع ذو لمع، وتزوّع تحرّك كقولك: زع ناقتك أي حركها. وقال ابن أحمر:
لما أنجلى غلس الظلام صبحته ... ذا ميعة خرصا كلون الفرقد
صبحته أي صبحت الفرس ثوراً ذا نشاط، والخرص الجوع مع البرد، والفرقد نجم، شبهه به لبياضه. وقال ابن مقبل وذكر ثوراً استضاف بشجرة:
كأن مجوسياً أتى دون ظلّها ... ومات الندي عن جانبيه فاضرما
قال الأصمعي: أراد كأن الثور في بياضه مجوسي قام دون الشجرة وعليه يلمق أبيض والمجوس لم تزل تلبس الأقبية، فشبه الثور بذلك، قال وهو كقول ذي الرمة:
كأنه متقّبي يلمق عزب
وقال أبو عمرو نحو ذلك وزاد: مات الندى أي ذهب وانقطع عنه المطرى وجاء الحر فأضرم أي دخل في الضرمة وهي توقد الحر، وروي لي عن الأصمعي أنه قال في قوله: فأضرما، أي أقام مكانه في الحر، ويروى " كأن يهودياً أتى دون ظلها " فمن روي هذه الرواية أراد: كأن الثور منكساً رأسه كيهودي مصل، وروى عن خالد أنه رواه: فأصرما يريد انقطع الندى وذهب. وقول لبيد يصف الثور:
فاجتاز منقطع الكثيب كأنه ... مصع جلته الشمس بعد صوان
المصع الثوب الأبيض، والصوان التخت. وقال ضابيء بن الحارث يذكر الثور:
شديد بريق الحاجبين كأنما ... أسفّ صلى نار فأصبح أكحلاً
يقول هو أبيض الحاجبين أحم الفم كأنه أقمح رماداً. وقال ابن مقبل وذكر ثوراً:
يظلّ بها ذبّ الرياد كأنه ... سرادق أعراب بحبلين مطنب
أي يرود بها ويذبّ عن نفسه. وقال الهذلي وذكر ثوراً:
يظلّ على البرز اليفاع كأنه ... طراف رست أوتاده عند نازل
البرز ما برز من الأرض، واليفاع المرتفع، والطراف بيت من أدم، رست ثبتت.
وقال أبو حية النميري:
كأن بها البردين أبلاق سيمة ... تبين إذا أشرفن تلك الروابيا
أبلاق الواحد البلق وهو الفسطاط، وسيمة يسام بها لتباع، شبّه الثيران بها.
وقال ذو الرمة يذكر الإبل حيث نظرت:
فبينّ برّاق السراة كأنه ... فنيق هجان دس منه المساعر
أي استبن ثورا براق الظهر كأنه فحل إبل طليت مساعره وهي أصول آباطه وأفخاذه بالهناء، وشبهه بذلك لأن مساعر الثور إلى السواد فكأنه فحل أبيض اللون قد هنئت مساعره. وقيل سميت مساعر لأنها أول ما تستعر بالجرب. وقال الطرماح وذكر ثوراً:
ومضى تحسب أقرابه ... ثوب سحل فوق أعود قام

أقرابه خواصره، والسحل ثوب أبيض، وقام جمع قامة وهي البكرة. وهذا وصفه ببياض الأقراب. وقال يذكر ثوراً يشبه به ناقته:
كعقيل الحر في لونه ... لمع كالشام من غير شام
خلط وشي مثل ما هلهلت ... ذات أصداف نؤور الوشام
العقيل الثور، والحر الرمل، والشام جمع شامة، يقول في هذه اللمع خلط وشى، وهلهلت أرقت وكل رقيق مهلهل وهلهال، وإنما سمي مهلهلا لأنه أرق الشعر، ذات أصداف امرأة تكون معها الصدف وفيه ضروب من الصبغ، والنؤور الكحل تشم به الجارية ظاهر كفها. ووشام جمع وشم. وقال العجاج وذكر ثوراً:
كأنه مسرول أرندجا ... كما رأيت في الملاء البردجا
الأرندج جلود سود والبردج السبي والملاء الملاحف، شبه سواد قوائمه بالجلود التي تعمل منها الخفاف، وشبه بياض ظهره بالملاء والأرندج أصله بالفارسية رنده وكذلك البردج بالفارسية برده وقال الكميت:
وكأن الشوى تزيّن منه ... بثرى الحص أو امسّ عبيرا
الحص الورس، وثراه نداه، والعبير أخلاط تجمع مع الزعفران. وقال العجاج:
سرول في سراول الصفّور ... تحت رفلّ السند المزرور
الصفور ثياب تأتي من الصفورية أحسبها ملونة إلى السواد، رفل ثوب سابغ، والسند ثياب يؤتي بها من ناحية السند. وقال المثقب العبدي وذكر ناقة:
كأنها أسفع ذو جدة ... يمسده القفر وليل سدي
يمسده يطويه والمسد الطي، وليل سد أي ند، يريد أنه في القفر، قال ولا يزال البقل في تمام ما سقط الندى عليه فإذا ذهب الندى تولى البقل، يريد أنه يأكل العشب فيغنيه عن الماء فيطويه ذلك.
كأنه ينظر من برقع ... من تحت روق سلب مذود
يريد أن بخديه سفعة، وسلب طويل ومذود يذود به. ومثله لرؤبة:
كأنما تنظر من براقعا
وقول الآخر:
وبرقع خديه ديباجتا
وقال ذو الرمة يصف ثورا:
كأنه كوكب في إثر عفرية ... مسوّم في سواد الليل منقضب
شبهه بكوكب منقض يرجم به الشيطان ومسوم معلم. وقال
ذو سفعة كشهاب القذف منصلت ... يطفو إذا ما تلقتّه الجراثيم
شهاب القذف النجم الذي يقذف به الشيطان، يطفو يعلو، والجراثيم تراب في أصول الشجر. وقال العجاج يصفه:
إذا تلقتّه الجراثيم طفا
وقال الكميت:
تولى كنجم الأخذ بعد عداده ... يضيف وأشفى النفر نفر المعاين
ملا بائصا ثم اعترته حمية ... على تشحة من ذائد غير واهن
نجم الأخذ الذي يرمي به الشيطان ونجم الأخذ مفسر في كتاب الانواء بعد عداده أي بعد طلوعه لوقته والعداد الوقت يقال: السم يعاد. يضيف أشفى النفر للنفس نفر من عاين، والملا الواسع من الأرض، والبائص الفائت يقال باصه إذا فاتعه وسبقه، والتشحة خبث النفس والغضب، واهن، وقال أوس بن حجر:
فانقض كالدريّ يتبعه ... نقع يثور تخاله طنبا
يخفي وأحيا نايلوح كما ... رفع المشير بكفه لهبا
وقال عوف بن الخرع:
برد علينا العير من دون إلفه ... أو الثور كالدري يتبعه الدم
وقال بشر بن أبي خازم.
فجال على نفر كما انقّض كوكبوقد حال دون النقع والنقع يسطع
وقال أيضاً وذكر أتانا:
والعيرير هقها الغبار وجحشها ... ينقض خلفهما انقضاض الكوكب
جدّا من الشعراء شبه الحمار والجحش بالكواكب المنقض في سرعته وبياضه.
وقال ابن أحمر:
وأنقض منسدراً كأن إرانه ... قبس تقطّع دون كف الموقد
منسدراً راكبا رأسه، وإرانه نشاطه، يقول كأن إرانه شعلة نارتقطعت شرارته أسفل من كف الموقد. وقال النابغة:
فارتاع من صوت كلاب فبات له طوع الشّوامت من خوف ومن صرد
أراد بالشوامت القوائم واحدتها شامتة، يقول بات الثور طوع قوائمه أي بات قائما، هذا من روى طوع بالنصب، ومن رفع طوع فأنه يريد بات الثور من البرد والخوف ما تشتهيه شوامته وتسرّبه وهم أعداؤه. ويقال لا تطيعن شامتا أي لا تفعل ما يحب، يقال طاع يطوع طوعا وأطاع إطاعة. وقال الطرماح:
نول عن الأرض أزلامه ... كما زلّت القدم الآزحة
أزلامه قوائمه شبهها بالقداح، والآزحة القصيرة. وقال لبيد:

حتى إذا حسر الظلام واسفرت ... بكّرت تزلّ عن الثرى أزلامها
يعني بقرة وقال الأعشى:
فأصبح ينفض الغمرات عنه ... ويربط جأشه سلب حديد
ورحّ كالمحا موتّدات ... بها ينضو الوغى وبه يذود
سلب قرن طويل، ورح أظلاف، كالمحار أي كالصدف، بها ينضو أي يخرج، وبه أي بالقرن يذود. وقال أبو النجم:
يحثي بسمر تعبط الأهدافا ... من الحرور لهبّا شفشافا
يقول يحثى بأظلافه وهي سمر ما يحفره من التراب بقرنيه، تعبط تشق وتحفر، والأهداف جمع هدف من الرمل، وأراد يتقي من الحرور لهبا فأضمر ذلك ولم يذكر، وشفشافا شديدا.
وقال لبيد:
تشق خمائل الدهنا يداه ... كما لعب المقامر بالفئال
الفئال لعبة للصبيان يجعلون ترابا بالطول وفيه عود ثم يضرب باليد فيقطع نصفين ويقال أين العود؟ وقال طرفة:
يشق حباب الماء حيزومها يها ... كما قسم التراب المفائل باليد
وقال رؤبة يذكر الكلاب والثور:
فانصاع يكسوها الغبار الأصيعا ... بأربع في وظف غير أكوعا
ندف القياس القطن الموشعا
الأصيع الذي يجيء ويذهب، والأكوع الذي في كوعه اعوجاج والاسم الكوع، والتوشيع أن يدار الغزل بالابهام والخنصر ثم يجمع فيدخل في القصبة.
وقال ذو الرمة يذكر ثورا يحفر أصل شجرة:
توخاه بالأظلاف حتى كأنما ... يثير الكباب الجعد عن متن محمل
الكباب ما يكب من الرمل واجتمع، والجعد الذي قد لزم بعضه بعضاً، محمل يريد حمائل السيف، شبه حمرة عروق الشجرة بحمرة الحمائل. وقال بشر بن أبي خازم.
تمكث شيئا ثم انحى ظلوفه ... يثير التراب عن مبيت ومكنس
برح كأصداف الصناع قرائن ... إثارة معطاش الخليقة مخمس
الرح الأظلاف الواسعة - الواحد أرحّ، شبهها في عرضها بأصداف الصناع. وقرائن مقترنة، الخليقة يقال البئر لا ماء فيها، فشبه الثور برجل يصب ماء بئره فهو يثير غبار بئر يحفرها.
وقال ابن الأعرابي: يريد أن خليقته طبعت على العطش، والمخمس الذي يورد لخمس، وقال امرؤ القيس:
يهيل ويذرى تربها ويثيرها ... إثارة نبّات الهواجر مخمس
النباث الذي ينبث التراب في الهاجرة إما لاستخراج ماء كما قال بشر وإما لأن يباشر إبله برد الثرى. وقال الراعي وذكر ثورا عند شجرة:
يجتاب أذرأها والترب يركبه ... ترسّم الفارط الظمآن في الأثر
يجانف البرك عن عرق أضربه ... تجافيا كتجافي القرم ذي السرر
يجتاب يحفر، أذرأها أسترها، كما يترسّم الفارط وهو الذي يتقدم الواردة ينظر أنّى يحفر، ويجانف يحرف صدره عن عرق الشجرة، أضرّ به دنا منه، والسرر فرجة تكون في الكركرة يقال بعير أسر.
فصبّحته كلاب الغوث يؤسدّها ... مستوضحون يرون العين كالأثر
يؤسها يغريها، مستوضحون ينظرون هليرون شيئاً، وأراد يرون الأثر كالعين فقلب.
فأدّت الأذن رزّاً من سوابقها ... وجال أزهر مذعور من الخمر
فكّر منتصراً يحمي حقيقته ... كصاحب البزمن كرمان منتصر
أدت أذن الكلب إليه صوتا خفيا من الكلاب، وجال أزهر يعني الثور، مذعورا من ناحية الخمر وهو ما واراك من شيء وصاحب البز صاحب سلاح.
وقال لبيد يصف ثورا استضاف شجرة:
ويبرى عصيا دونها ملتئبّة ... يرى دونه غولا من الرمل غائلا
يقول يبرى عصيا من شعب ساقها دون أصلها وذلك أنه يحفر، متلئبة مطردة مستقيمة، وغولا من التراب يريد كثيرا منه، يغول العروق فلا تستبين من كثرته. وقال وذكر بقرة تحفر:
تبني بيوتا على فقر يهدّمها ... جعد الثري مصعب في دفه زور
على فقر على حاجة منها إلى البيوت، ثم قال يهدم البيوت جعد الثرى وهو ما أبتل من الرمل جعله جعدا لانضمام بعضه إلى بعض يعني الثرى أي هو صعب شديد، في جنبه ميل يريد أنها تحفر في الرمل فهو ينهال لا يستوي لها الحفر. وقال الكميت:
يبحث الترب عن كوارعفي المش ... رب لا تجشم السقاة الصغيرا
موتهن انتباشهن من القب ... ر ويحين ما سكن القبورا
يعني عروق الشجر. وقال العجاج:

إذا انتحى كالنابث المثير ... مرّت له دون الرجا المحفور
نواشط الأرطاة كالسيور
أي تعترض له عروق الشجر دون الرجا يعني ناحية الكناس، نواشط عروق تأخذ من هذا الشق إلى الآخر، وشبه عروق الشجرة بالسيور. وقال ذو الرمة:
تقيّظ الرمل حتى هز خلفته ... تروّح البرد ما في عيشه رتب
الخلفة ما نبت بعد النبت الأول إذا برد الليل، هز أي نبت فاهتز من النعمة، وتروح البرد يريد التروح الذي يكون في البرد والشجر إذا أصابه برد الليل فتفطّر بالورق قيل قد تروح، رتب غلظ وشدة، والرتب والعتب ما ارتفع من الأرض كأنه درج، يقول هو في عيش لي فيه غلظ.
ربلا وأرطى نفت عنه ذوائبه ... كواكب الخر حتى ماتت الشهب
الربل نبت يتربل في آخر الصيف فيصيبه برد الليل فينبت بلا مطر، ذوائبه أغصانه، وكواكب الحر معظمه، والشهب جمع شهاب وهو شدة الحر، ومن رفع الذوائب جعل أغصان الشجر هي التي نفت الحر عن الثور ومن نصبها جعل كواكب الحر هي التي نفت الأغصان كأنها ألقت ورقها. وقال وذكر أرطأة:
ميلاء من معدن الصيران قاصيةأبعارهن على أهدافها كثب
يقول فيها ميل وعوج، من معدن الصيران أي هي من الموضع الذي تقيم به البقر فلا تفارقه، يقال عدن بالمكان إذا أقام به، قاصية بعيدة، وأهدافها ما أشرف من الرمل حولها جمع هدف، كثب دفع الواحدة كثبة.
وحائل من سفير الحول حائله ... حول الجراثيم في ألوانه شهب
كأنما نفض الأحمال ذاوية ... على جوانبه الفرصاد والعنب
الحائل ورق أبيض قد تغير، والسفير ما سفرته الريح فألقته وسفته، وشبه البعر بالتوت والعنب، أراد كأن شجر التوت والعنب نفضت أحمالها على جوانب هذا الكناس، ذاوية قد ذوت أي جفت بعض الجفوف، ونصب ذاوية على الحال. وقال الطرماح يذكر الثور:
بات لدى نعضة يطوف بها ... في رأس متن أبزى به جرده
نعضة شجرة والجمع نعض، وأبزى بالمتن رفعه، جرده قلة نباته.
طوف متلّي نذر على نصب ... نصب دوار محمّرة جدده
المتلّي الذي يقضي ما بقي عليه من نسكه، وجدده طرائقه احمرت من الدم.
وغاط حتى استثار من شيم ال ... أرض سفاة من دونها ثأده
لما استبان الشبا شبا جربيا ... ء المس من كل جانب ترده
غاط أدخل رأسه يحفر فهو يغوط غوطا، وشيم الأرض تراب حفرة لم تحفر قبل ذلك واحدتها شيمة، والسفاة التراب يخرج من البئر، والثأد الندى يقول: فعلى هذا الماء استبان الشبا من البرد وهو حده، والجربياء الشمال، أي وجد مثل مسها من البرد. وقال مثل هذا:
فبات يقاسي ليل أنقد دائبا ... ويحدر بالحقف اختلاف العجاهن
أنقد القنفذ وهو لا ينام فكذلك هذا الثور يدور ولا ينام، ويحدر يهبط، ثم شبهه بالطباخ إذا اختلف في العرس بالطعام. ويقال: العجاهن الذي يخدم في العرس إكراما لصاحبه.
كطوف متلّي حجة عند غبغب ... وقرّت مسودّ من النسك قاتن
الغبغب المنحر ويقال صنم، وقرت جمع قارت وهو الدم الجامد، والنسك الذبح، والقاتن الأحمر اليابس، أي هو يختلف حول الحقف كطوف هذا المتلّي:
بضاحية ثريا يحيل سفاتها ... على نعج من عجمة الرمل ضائن
ضاحية بارزة للشمس، ثريا كثيرة الندى دقيقة التراب. وسفاتها ترابها، والنعج الأبيض، عجمة الرمل معظمه، والضائن الأبيض، يحيل يصب.
يبين ويستعلي ظواهر خلفة ... له من سنّا ينعق بعد بطائن
يبين يستبين يعني الثور، ويستعلي يعلو، والظواهر جمع ظاهرة وهي الأرض الصلبة فيها ارتفاع، له للثور، من سنا أي من سنا ضوء برق، ينعق ينشق، ما بطن من السحاب ثم انشق عنه فأبداه. وقوله:
يثير نقا الحنّاءتين وينثني ... به نقب أولاج كنقب الصيادن
الحناءتان رملتان، والصيادن الثعالب، شبه ما عرف بنقوب الثعالب، ويروي هذا البيت:
ويلقى قفا الحناءتين بروقه ... تناويط أولاج كخيم الصيادن
التناويط عششة الطير المتدلية في الشجر، والخيم جمع خيمة، والصيادن الملوك، قال الأصمعي: مهد ذلك الطير لفرخه وفرش له ذلك العش مثل ما مهد للملكيقول يلقى بروقيه عششه الطير. وقال النابغة:

يقابل الريح روقيه وجبهته ... كالهبرقيّ تنحّيّ ينفخ الفحما
الهبرقي الحدّاد. ويقال أنه يقابل الريح ليشم الريح من الصائد والكلاب إن جاءت. وقول لبيد:
فبات كأنه قاضي نذور ... يلوذ بغرقد خضل وضال
أي كان عليه نذرا آن يحفر فهو مجد في ذلك. وقال الكميت يصف الثور:
مكبّاً كما اجتنح الهالكي ... على النصل إن طبع المنّصل
اجتنح مال، والهالكي الصيقل، طبع صدىء، شبه الثور مكبا بصيقل مكب يجول نصلا، وقال العجاج:
يزفيه والمفزّع المزفيّ ... من الجنوب سنّن رمليّ
يزفيه يستخفه من مكانه، سنن من الرمل جاءت به الجنوب.
وذو عفاء قرد نجديّ ... فبات حيث يدخل الثوىّ
ذو عفاء سحاب والعفاء أصله الوبر والريش فشبه السحاب بشيء له عفاء، قرد متلبد، نجدي جاء من ناحية نجد، والثوى الضيف.
مجرمّزا وليله قسيّ ... ومسهدات روعها تنزيّ
مجرمز منقبض، قسي شديد، مسهدات مطيرات نومه، تنزىّ أي تنزى فؤاده.
وهدب أهدب غيفانيّ ... يذود عنه جنثها الجنثيّ
الهدب ورق الأرطى، وكل ورق ليس بعريض، غيفاني ميال يتغيف، دفع عن الثور جنثها وهو أصلها. وقال يذكر الثور أيضاً:
يركب كل عاقر جمهور ... مخافة وزعل المحبور
والهول من تهوّل الهبور
العاقر رملة مشرفة لا تنبت، والجمهور العظيمة، أي يركبها مخافة الرماة، وزعلا نشاطا، والمحبور المسرور، ونصب الهول أي ويركب الهول، والهبور مواضع من الأرض مطمئنة، يقول يخاف أن يكون في هذه المواضع المطمئنة سبع أو صائد. وقال أيضاً يذكره:
وشجر الهداب عنه فجفا ... بسلهبين فوق أنف أذلفا
شجر أي عمد، والهداب غصون الشجر، سلهبين أي قرنين طويلين، والذلف قصر الأنف ورجوع طرفه إلى الرأس. وقال ذو الرمة وذكر ثوراً:
إلى كل بهو ذي أخ يستعدّه ... إذا هجّرت أيامه للتحول
بهو يعني كناسا وكل فجوة ومتسع فهو بهو، ذي أخ أخبر أن له كناسا آخر، يستعده هذا الثور للتحول إذا زالت الشمس فتحول عن هذا اليله. ومنه قول طرفة وذكر ناقة:
كأن كناسي ضالة يكنفانها ... وأطرقسيّ تحت صلب مؤيّد
وقد فسر في كتاب الإبل. وقال النجاشي وذكر ظبيا:
إذا الشمس ضحّت متنها يستعده ... لحد الضحى أحوى الشرا سيف أكحل
هذا كناس له بابان باب للشمال وباب للجنوب فهو يستعد باب الجنوب للشتاء وباب الشمال للصيف. وقال العجاج:
ومكنس بات به قيظيّ ... أجوف جاف فوقه بنيّ
من الحوامي الرطب والذوي
بات به بات فيه، قيظي يقول هو من مكانس القيظ كان أعده للقيظ وكنس فيه في الشتاء فهو أبرد له، أجوف ذو جوف، جاف متجاف عنه، بنى جمع بنية، يريد أن الغصون بعضها فوق بعض، والحوامي خشب يخرج في أصوله من الجانبين، والذوى اليابس.
وقال لبيد يصف دياراً:
تحمّل أهلها واجدّ فيها ... نعاج الصيف أخبية الظلال
أي اتخذت كنسا جددا ولا يكون كناس إلا تحت شجرة وجعلها نعاج الصيف لأنهم يرتحلون في الصيف لطلب المياه. وقال العجاج يذكر الثور:
فبات في مكتنس معمور ... مساقط كالهودج المخدور
مكتنس شجر جعل كناسا، معمور من البقر، مساقط مسترخي الأغصان والورق فكأنه هودج صير له حذر.
كأن ريح جوفه المزبور ... بالخشب دون الهدب اليخضور
المزبور كأنه طوي بالخشب كما تطوي البئر بالحجارة. ثم قال بالخشب دون الهدب يقول هو أسفل من الهدب، والهدب ورق الأرطى.
وفي الشتاء خضر المحضور
أي هو في الشتاء كثير الحاضر من البقر والظباء. وقال آخر:
وبيت تخفق الأرواح فيه ... خلاء الليل معمور النهار
تمارسه صوانع مشفقات ... على خرق يقوّم بالمداري
يعني كناسا، خرق يعني أولادها واحدها خرق، والمداري القرون. وقال الكميت:
فبات في دولج عّفي معارفه ... بالأمس جلجال يوم الهبوة النخل
الدولج الكناس، والجلجال ما ذهبت به الريح وجاءت. وقال أبو ذؤيب وذكر ثورا:
يرمي بعينيه الغيوب وطرفه ... مغض يصدّق طرفه ما يسمع

الغيوب واحدها غيب وهي المواضع لا يرى ما وراءها، يرميها بطرفه يخاف أن يكون فيها سبع أو صائد، يصدق طرفه ما يسمع، يقول إذا سمع شيئا ببصره فكان ذلك تصديقا منه لما يسمع لأنه لا يغفل عن النظر حين يسمع، وقوله: طرفه مغض - يقول ينظر ويطرف فله بين كل نظرتين إغضاء. وقال بشر بن أبي خازم الأسدي.
فأدى إليه مطلع الشمس نبأة ... وقد جعلت عنه الضبابة تحسر
تمارى بها رأد الضحى ثم ردها ... إلى حرّيته حافظ السمع مبصر
تمارى بالنبأة وشك فيها، رأد الضحى ارتفاعه، وحرتاه أذناه، حافظ السمع مبصر يريد أنه لا يخطيء في سمعه ولا في يبصره.
فجال ولما يستبين وفؤاده ... بريبته مما توجّس أوجر
جال الثور وما يستبين شيئا، توجس سمع، وبعض يجعل توجس من الخيفة، وأوجر خائف.
وقال الكميت يذكر ثورا:
ذو أربع ركّبت في الرأس تكلؤه ... مما يخاف ودون الكاليء الأجل
منها أثنان لما الطأطاء يحجبه ... والأخريان لما وافى به القبل
يريد عينيه وأذنيه فالأذنان لما أطمأن فتوارى عنه وهو الطأطاءمن الأرض، والعينان لما أتاه من قبل وهو سند الجبل. وقال دواد وذكر ثورا:
ويصبح تارات كما استمع المضل دعاء ناشد
كان أبو عمرو بن العلاء يعجب من هذا البيت، والناشد طالب الضالة يقال نشدتها أنشدها نشدانا، والمنشد المعرّف، يقال أنشدت الضالة إنشادا أي عرفتها يريد أن الرجل إذا أضل رأى مضلا ينشد ضالته سأل هذا هذا وهذا هذا، وإنما ذلك لأن كل واحد منهما يظن بصاحبه أنه قد سمع في تطوافه خبر ضالته، ويقال بل يتشوف لذلك لوثا وأنسا كما قيل في المثل: الثكلى تحب الثكلى. وقال المثقب العبدي:
يصيخ للنبأة أسماعه ... إصاخة الناشد للمنشد
قال الأصمعي سمعت أبا عمرو يستحسن هذا البيت، يقول إذا سمع صوتاً أمال أذنه وتسمع كما يصيخ طالب الضالة لمعرفتها.
فنخب القلب ومارت به ... مور عصافير حشى الموعد
يقول فزع، ومارت به قوائمه من الفزع من الكلاب مور عصافير، وهذا مثل يقال طارت عصافير رأسه من الفزع أي كأنما كانت عصافير على رأسه فطارت منه. ونحو منه:
فلما أتاني ما يقول ترقصت ... شياطين رأسي وأنتشين من الخمر
فاستن للصدع ولم يقسم ال ... أمر فريقين ولم يلبد
يقال صدع بالعدو إذا قصد به، ولم يقسم الأمر فريقين، يقول لم يقل أقيم أو أمضي ولكنه مضى ولم يلبد أي لم يلزق بالأرض وقال ذو الرمة:
أمسى بوهبين مجتاز الطيته ... من ذي الفوارس يدعو أنفه الريب
أي اجتاز لطلب مرتعا، والريب واحدتها ريبة، يقول يشم رائحته فيأتيه ليأكله فكأنه دعاه بريحه إليه، وذو الفوارس موضع رمل. ومثله قول العجاج:
حتى غدا واقتاده الكرى ... وشر شر وقسور نضرىّ
ضروب من النبت. وقال ذو الرمة:
وكل أحم المقلتين كأنه ... أخو الانس من طول الخلاء المغفل
يعني ثورا أسود العينين، أخو الانس يقول لم ير الناس قط ولم يعرفها فهو لا ينحاش منهم، والمغفل من نعت الخلاء يريد المغفول عنه، ويروى: مغفل. وقال بشر
فأضحى وصئبان الصقيع كأنها ... جمان بضاحي جلده يتحدر
أضحى من الضحى، صئبان الصقيع صغاره يعني ما سقط من الندى فيتحدر على جلده كاللؤلؤ. وقال ابن مقبل:
تحدّر صئبان الصبا فوق متنه ... كما لاح في سلك جمان مثقّب
وقال ضابيء:
فبات إلى أرطاة حقف تلفّه ... شآمية تذرى الجمان المفصلا
الجمان شبيه باللؤلؤ من فضة، شبه ما ينحدر عنه بالجمان المفصل، وقال بشر بن أبي خازم:
فبات يقول أصبح ليل حتى ... تجلى عن صريمته الظلام
أي طال عليه الليل مما هو فيه، ويروى: صريميه، والصريم الليل، يريد أول الليل وآخره. وقال ابن الأعرابي: صريميه رمليه. وقال أبو عبيدة: الصريم الليل والصبح وهو من الأضداد.
وقال بشر:
وبات على خد أحمّ ومنكب ... ودائرة مثل الأسير المكردس
دائرة تكون في جنبه، مكردس ساقط. وقال لبيد:
أضل صواره وتضيفته ... نطوف أمرها بيد الشمال

تضيفته أخذت ضيفته أي ناحيته وضيف كل شيء ناحيته، ويقال بل أراد مالت إليه من قولهم تضيف فلان فلانا أي مال إليه، نطوف سحابة تنطف أي مع الشمال. وقال القطامي:
فثنّى أكارعه وبات تحمه ... رهم تسيل تلاعه إمعانا
فترى الحباب كأنما عبثت به ... ثقفيتان تنّظمان جمانا
تحمه تغسله من الحميم وأصله الماء الحار، والرهم مطر ضعيف، إمعانا سيلا شديدا، ويقال تحمه مثل تهمه يقال أحمه الأمر إذا أخذه منه مثل الزمع، والجمان اللؤلؤ وخص بالثقفيتين لأن ثقيفا بجنب البحر. وقال ذو الرمة:
طاوي الحشى قصت عنه محرّجة ... مستوفض من نبات القفر مشهوم
مستوفض أفزع فأوفض والإيفاض عدو فيه شبه الإرقال، وقوله من بنات القفر لأنه يسكن القفر كما يقال بنات الأرض لهو امها وبنات الماء، مشهوم مذعور، شهمه إذا ذعره ومنه يقال فلان شهم الفؤاد أي الؤاد كأنه يذعر من الشيء من ذكاء قلبه. وقال الطرماح:
كأخنس ذبّ رياد العشىّ ... إذا ورّكت شمسه جانحه
أخنس ثور وذلك لأن في أنفه خنسا، ذب رياد العشى يريد أنه يرتاد بالعشى ويذب في رياده، وورّكت تحرفت للغروب.
يذيل إذا نسم الأبردان ... وتخدره الصّرة الصامحة
يذيل يتبخر، ونسم برد يقال نسمت الريح أول ما تبدأ بضعف، والأبردان غدوة وعشية، وتخدره تدخله الكناس والصامحة التي تكاد تذيب دماغه، والصرة شدة الحر.
يسف خراطة مكر الجنا ... ب حتى ترى نفسه قافحه
خراطته ما انخرط منه، والمكر نبت، قفحت نفسه إذا انتهت عن الشيء تأكله.
فجال ولم تصره قبلها ... بعقوته نبأة فادحة
تصره تمنعه لأنه قد أصابه ما كان يحذر، والعقوة الساحة، والنبأة الخفي.
وبربر بربرة الهبرقيّ ... بأخرى خواذلها الآنحة
بربر صوت، والهبرقي الحداد، والخوازل المتخلفات، والآنحة من الأنواح وهو صوت مثل الزفير. وقال أبو دواد وذكره:
أضحى بذي العلجان يلجذ ... بأرضنا والدمع جامد
العلجان نبت، ويلجذ يقلع ما برض من النبت، والدمع جامد أي هو في روض وغدير فهو فرح وليس فيه دمع، وإنما هو مثل. وقال الطرماح وذكره:
يمسح الأرض بمعنوس ... مثل مثلاة النياح القيام
معنونس ذنب فيه التواء وذلك يستحب، والمئلاة خرقة تكون بيد النائحة، ونياح جمع نوح والنوح النساء ينحن. وقال ابن أحمر وذكره:
فبدرته عينا ولّج بطرفه ... عني لعاعة لغوس مترئد
فبدرته عينا أي نظرت إليه وشغلت عنه طرفه لعاعة وهو أول ما يبدو النبت، ولغوس يقال هو يتلغوس إذا أكل رطبا لينا في خفة الأكل وحرص، ويسمى الذئب لغوسا لخفته وخفة أكله، مترئد متئن من النعمة.
فانقضّ منسدرا كأنّ إرانه ... قبس تقطّع دون كف الموقد
وقد فسر هذا البيت. وفيها:
باتت عليه ليلة عرشية ... شربت وباتت على نقّا متهدد
منسوبة إلى عرش السماك أي ممطرة بنوءه، وقال أبو ذؤيب وذكر الثور:
فانصاع من فزع وسدّ فروجه ... غبر ضوار وافيان وأجدع
المنصاع المنشق في غير طريقة وسد فروجه أي ملأها بالعدو فلم يبق منه شيء إلا جاء به، وجعل الكلاب هي التي سدت فروجه لأنه عدا من أجلها فكأنها هي ملأت فروجه، وافيان أي سليما الأذن، وأجدع مقطوع الأذن. وقال وذكر الصائد:
فرمى لينقذ فرّها فهوى له ... سهم فأنفذ طرتيه المنزع
فرها من فر منها، يرمي الصائد الثور ليشغله عن بقية الكلاب لا يقتلها الثور، وطرتاه ناحيتا جنبه، والمنزع السهم، فهوى له أي للثور.
فكبا كما يكبو فنيق نارز ... بالخبث إلا أنه هو أبرع
كبا الثور سقط، والتارز اليابس، يقال أخرج خبزته من النار تارزة، قال الشماخ، وذكر الصائد:
كأن الذي يرمي من الوحش تارز
أي كأنه يابس قبل أن يصيبه السهم، والخبت المستوي من الأرض وأبرع وأضخم. وقوله:
فحنا لها بمذلقين كأنما ... بهما من النضح المجدح أيدع
فحنا لها أي تقاصر وإذا تقاصر كان أشد لطعنه، مذلقان قرنان محددان وذلق كل شيء حده، والمجدح الملطخ يقال جدح بالدم أي خلط به، والأيدع دم الأخوين وهو أيضا الزعفران.

فكأن سفودين لما يقترا ... عجلا له بشوا شرب ينزع
يقول كأن سفودين مما يشوى عليهما لقوم يشربون عجلا لهذا الثور بالطعن الذي يقع بالكلاب، ولما يقترا لم يستعملا، يقول هما حديدان، يقترا من القتار. مثل قول النابغة وذكر القرن:
كأنه؟؟؟ خارجاً من جنب صفحته ... سفّود شرب نسوه عند مفتأد
وقد فسر في الأبيات في الكلاب. وقال أبو ذؤيب:
من وحش حوضى يراعي الصيد مبتقلاكأنه كوكب في الجوّ منحرد
يراعي الصيد ينظر إليه أي يراعي الوحش، والمحرد المعتزل.
حتى إذا أدرك الرامي وقد عرست ... عنه الكلاب فأعطاها الذي يعد
يريد أدرك الرامي الثور، وعرست دهشت وتحيرت، إيعاده لها أنه كان يتحرف لها ويتهيأ فأعطاها مما وعدها من الطعن. وقال ذو الرمة يذكره والكلاب:
ينحى لها حد مدريّ يجوف به ... حالا ويصرد حالا لهذم سلب
المدرى القرن، نحا لها تحرف، يصرد ينفذ. ومنه قول الآخر:
لكن خفتما صرد النبال
أي نفوذها، ويجوف يبلغ الأجواف، لهدم حاد، سلب طويل.
حتى إذا كنّ محجوزا بنافذة ... وزاهقا وكلا روقية منخضب
يعني الكلاب منهن ما أصابه الطعن في مؤتزره أي وسطه والحجزة الوسط يقال احتجز إذا شد وسطه بإزار أو حبل، والزاهق الميت، بنافذة أي بطعنة تنفذ.
ولى يهذّ اهتزاما وسطها زعلا ... جذلان قد أفرخت عن روعه الكرب
الهذ المر السريع وأصله القطع، زعل نشيط.
وهن من واطىء ثني حوّيته ... وناشج وعواصي الجوف تنشخب
الحويّة بنات اللبن، وعواصي الجوف العروق التي تعصى فلا يسكن دمها، والناشج ينشج بنفسه للموت، ويقال حوية وحاوية. وقال:
وكائن ذعرنا من مهاة ورامح ... بلاد الورى ليست له ببلاد
رامح ثور له قرن كالرمح، يقول هو في موضع لا أنيس فيه، وقال الكميت وذكر موضعه: حيث لا ينبض القسى ولا يلفى بعرعار ولدة مذعورا يقول هو في موضع منتح حيرز لا يبلغه الصائد، والعرعار لعبة كان الصبيان يلعبون بها، يقول موضعه ليس به أنيس.
وكأن الشوى توين منه ... بثرى الحص أو أمسّ عبيرا
قد تقدم تفسيره مع أخوته. وقال يذكر طيب ريحه من ثرى الأرض: أرجا من رضاب ما يعبأ الغيث بملقى بعاعه مسرورا.
أرج طيب الريح، والرضاب ما سقط من الندى، ما يعبأ ما يحمل والبعاع الثقل. وقال يذكر الصائد:
تخّذ الطمر مئزرا وتردّى ... غير ما قدره به الطمرومرا
الطمر الخلق، غير ما قدرة أي لم يقدر على أكثر من ذلك، والطمرور الخلق أيضا.
وقال ذو الرمة وذكر الثور:
نمى ارتفع، بعد قيظ قاصر عليه أي ثابت لازم، يريد إنما يطلب المرعى إذا أمكنه ذاك. وقال آخر:
حر هجان اللون يحمي فوته
يقول يحمي أن يفوت فيذهب. ولو أراد ذلك لقدر عليه ولكنه يحمي ذلك أي يمنعه ويقاتل دونه. وقال آخر وذكر ثوراً وكلاباً:
أذا كرّ فيها كرة فكأنها ... نقال نعال يختفيهن سارد
أي يشكهن كما يشك السارد النعال، وجعلها نقالا لأتها تحتاج إلى السرد والخصف والجدد لا تحتاج إلى ذلك. وقال ضابيء:
يهزّ سلاحا لم ير الناس مثلها ... سلاح أخي هيجا أذفّ وأعدلا
السلاح قرناه، وأنث ذهب إلى القناة كأنه قال: يهز قناة: يهز قناة وأذف أسرع، وأعدل أشد استواء.
فظّل سراة اليوم يطعن ظلّه ... بأطراف مدريين لم يتفلّلا
يقول قتل الكلاب فهو ينظر إلى ظله فيحسب أنه من الكلاب فيطعنه بقرنيه. وقال امرؤ القيس:
فأدركنه يأخذن بالساق والنسا ... كما شبرق الولدان ثوب المقدّس
كان الراهب ينزل فيذهب ألى بيت المقدس فيتمسح به الصبيان حتى يمزقوا ثيابه.
وقال الطرماح:
يتّقي الشمس بمدريّة ... كالحماليج بأيدي التلام
الحماليج المنافيخ التي تكون للصاغة وأراد التلاميذ فقطع. وقال المرار نحو هذا:
إذا حرجت تتقى بالقرون ... أجيج سموم كلفح الصلاء
وقال أبو النجم:
يحذى أذا شاة الكناس اجتافا ... دون عروق الشجر الأصنافا
وظلّ ما يعتكف اعتكافا ... في تولّج أو يعرف الأسدافا

يقول ظلّ في غصون الشجر وورقه لأن الحر اشتد عليه فلم يقدر على الحفر، يقال للشجرة قد صنّفت إذا نبت ورقها، ظل ما يعتكف ما زائدة، وتولج ودولج كناس، يقول يعتكف فيه حتى يرى الليل قد أقبل فيخرج. وقال رؤبة:
إذا التلظّي أوقد اليرامعا ... وأولج الزجّجة القوادعا
الزجّجة يعني بقرا بعيدة الخطو، والقوادع التي تقدع الذبان، واليرامع مع حجارة رخوة.
وقال النمر بن تولب:
فظل يشبّ كأنّ الولو ... ع كان بصحته مغرما
يقول لما أصابه السهم شب أي رفع يديه، والولوع الدهر والقدر لأنه مولع باهلاك الأشياء، يقول كأنه كان مغرما بإزالة صحته وسلامته. وقال لبيد وذكر الثور:
يمتلّ موفورا ويمشي جابنا ... ربذا يسلّي حاجة الخشيان
يمتل يمر مرا سريعا، موفورا لم يصبه شيء، يمشي جانبا من النشاط، ربذ خفيف، حاجة الخشيان أي يلقى ما في نفسه من الجزع. وقال الكميت:
ولّى يهز قناتي غير مختبىء ... من وحدة طلل يأدو له طلل
شبه قرني الثور بقناتين، متهيب من وحدة، طلل شخص الثور، يأدو له طلل - يختله طلل يريد شخص الصائد. وقال يذكره حين طعن الكلاب:
وعاث في غابرمنها بعَثَتةٍ ... نحرَ المكافىء مثل المعاقر
يريد طعن في بقيتها، والعثعثة المعاودة، والمكافىء مثل المعاقر كمعاقرة غالب أبي الفرزدق سحيم بن وثيل الرياحي وهو أن يتبارى رجلان في عقر إبلهما فيعقر هذا ويعقر هذا حتى يعجز أحدهما أو يبخل، يهتبل يفترص الفرَص، والمكثور هو الثور.
وقال يذكره حين طعن الكلاب:
فلما قفى تحبَ من لا يخا ... ف أقران ظهر ولم يفشَل
قضى الثور نحب من لا يخاف يعني نفسه، والنحب النذر، ويقال للقوم إذا اجتمعوا مع رجل يعينونه هم أقران ظهره. وقال الهذلي:
ولكن أقران الظهور مقاتل
وقد فسر وقال يذكر قرن الثور:
كأن مجّ ريقته في الغُطاط ... به سافي الجلدِ مستبدل
الغطاط الصبح، يقول كأن أسود سالخاً مج ريقته على القرن.
وقال العجاج وذكر ثوراَ طردته الكلاب:
كأنّما جمر الغضا المرمّى ... به رضاضاً رضّه غوّى
نور الخزامى خلفُه الربعى ... مما تهادى بينها الشظيّ
يريد كأنما نور الخزامى الذي قطعه برجليه حين عدا جمر الغضا، ونصب رضاضاً أي الذي رمى به فتاتاَ، والشظى الأظلاف.
يمور وهو كابنِ حيّ ... خوف الضوى والهارب المضوِي
يمور يتكفأ، وهو كابن قاصر في عدوه، حي مستح من الفرار، والضوى هو النقصان وأصله الدقة وضعف الخلق، يريد خوفاً أن يدخل عليه عيصه لأن الذي هرب هو الذي ينقص حقه ولم يقل المضوى وهو من أضويته، أراد الذي جعل فيه الضوى كقولك: مسعود فيه سعادة وتقول سعد الرجل. وقال يذكر ثورا وبقرة:
يتبعن ذيالا موشى هبرجا ... فهن يعكفن به إذا حجا
هبرج يتبختر، ويعكفن به يطفن به ويقمن عليه، إذا حجا إذا ثبت.
وقال يذكر الثور والكلاب:
سحو ذهن وله خوذِي
أي يسوقهن ويطردهن وله طارد يطرده من نشاطه وحدة نفسه. وقال وذكر القرن.
ينسنّ أن تسنَّه الدُمِيّ ... إذا اكتلا واقتُحِم المكلى
ينسن أي يتحدد، والدمى جمع دم، أي كلما أصابه الدم ازداد حدة، واكتلى واقتحم وصرع، والمكلى الذي أصيبت كليته. وقال وذكر الكلاب:
حتى إذا ميّث منها الرّي
ميث لين من الكلاب، الري أي السكر من الطعن. وقال:
فانصاع وهو ذاخرُ التنكير ... من بغيهِ مقاربُ التهجيرِ
انصاع انشق في ناحية وهو يذخر التنكير لا يريها أنه يقاتل وقد أضمر ذلك، يقال هل نكر فلان التهجير شد الهجار وهو حبل يشد في رجل البعير إلى حقبه أو حقوه أي قد قورب هجاره، ومن روى مقارب بكسر الراء أراد أن الثور قد دنا من أن يكون مهجورا.
إذا استذرن حول مستديرٍ ... لشزره صانع بالمشزور
ويسر إن دون للميسورِ
يعني أن الكلاب كلما أتينه من جهة تحرف لهن، والمشزور ها هنا طعن الشزر كما تقول عقل ومعقول، والمعنى: إذا استدرن حول منحرف لشزره صانع بطعن الشزر، وصانع رفق وأصله في الفتل، ويسر إن ردن للميسور - ويسر مسكنة السين فحرك ضرورة.

يذّبُ عنه سورة السؤورِ ... من ناهزٍ وداجن مذعور
يريد أن الثور يذب عن نفسه مساورة المساور اياه، ناهز كلب ينتهز، وداجن كلب متعود، مذعور يصاح به ويغرّي. وقوله يصف الكلاب:
والنَبْح واستسلمن للتعوير ... وقد يثوبُ الروعُ للمكثور
التعوير فساد الامر يقال تعور الأمر إذا فسد، ومنه قوله:
وعوّر الرحمانِ من قال العور
وقد يرجع الروع إلى من كثر معناه إذا كثر الثور وهو واحد كان إليه الروع.
وقال أيضاً يصف الثور والكلاب:
وانشمن في غباره وخذرفا ... معاً وشتى في الغبار كالسفا
ميلين ثم أزحفت وأزحفا
الخذرفة مر سريع كالخذروف، والسفا يريد سفا البهمي أي شوكة شبهها به لدقتها، وأزحفت وأزحف صار لها زحفا وصارت له كذلك، يقال أزحف لنا بنو فلان أي صاروا لنا زحفا يقاتلونا ولم يرد الاعياء. وقال رؤبة يذكر مهمهاً:
يمشي به الادمان كالمؤمّه
الادمان الظباء البيض والمؤمة به موم من الحر، يقول كأنها من شدة الحر الذي به الجدرى، يقال قد أمِهت الشاة فهي مأموهة إذا أصابها الجدري. وقال:
اذا التلظّي أوقَدَ اليرامعا ... وأولَجَ الزجّاجةَ القوادِعا
اليرامع حجارة رخوة واحدها يرمع، والزجاجة كل بعيد الخطو فهو زجاج وأزج، والقوادع التي تقدع الذبان يعني بقرا.
بوهَجَان يسفع السوافعا
قال هو كقولك يغعل الأفاعيل. وقال رؤبة يذكرثورا:
أشرفَ رَوقاه صليفاً مقنعاً ... حتى إذا ما دجَّنه ترفّعا
وليله عن قردِيّ ألمعا ... عدا كلمعِ البرقِ أو عزوّعا
المقنع المرتفع. وهذا كقول ذي الرمة:
كسيف الصيقل الفرِد
ألمع ذو لمع، وتزوع تحرك كقولك: زع بالزمام أي حرك ناقتك بالزمام.
أسعر ضرباً أو طوالا هِجرَعا ... فانصاعَ يكسوها الغبارَالأضيعا
الضرب القليل اللحم، والهِجرَع الفاحش الطول، الأصيع الذي يجيء ويذهب.
بأربع في وظِف غير أكوعا ... ندفَ القياسِ القطنَ الموشعا
الأكوع الذي في كوعه اعوجاج والاسم الكَوع، والتوشيع ان يدار الغزل في اليد على الإبهام والخنصر ثم مجمع فيدخل في القصبة. وذكر طعنه الكلاب فقال:
طعن كنفضِ الريحِ تلقى الخَيلعا ... عن ضعيفِ أطنابٍ وسمكِ أفدَعا
الخيلع ثوب، وجعل الطعن كنفض الريح الثوب بخفته يعني أن الريح ألقت خيعلا عن بيت ضعيف الأطناب، أفدع معوج.
اذا مِئَلاّ شغبه تزعزعا ... للقصد أو فيه انحراف أوجَعا
مِئل تقول يؤلّ في الشيء أي يدخل فيه، وشعبه قرنه، والمئل الذي يمر مرا سريعا لقصد أو انحراف أي على كل حال.
وإن دنت من أرضيه تهرّعا ... لهنّ واختارَ الخِلاطَ الفَعفعا
أرضه قوائمه، وتهرع مر مرا سريعا، والخلاط المخالطة، والفعفع السريع، وأنشد للهذلي:
اجتزار الفعفعيّ المناهب
كأنه حاص جنبٍ أخذعا من بغيهِ والرِفق حين أكنعا لم يعرف الأصمعي معنى قوله: كأنه حامل جنب أخذعا ولا الأخذع أيضاً، لم يعرفه، وقوله أكنع يقول أكنعهن فصرن قريبا منه، يريد أدناهن، يقال: أكنع السبع إذا دنا بعضه من بعض وقد اكتنع الموت وكنع إذا قرب، ويقال: أعوذ بالله من الكنوع - والقنوع فالكنوع المذلة والقنوع المسألة والتكنع في اليد من هذا. وقال ابن الأعرابي في هذا البيت: كأنه حامل جنب أخذعا - اًي كأنه ضرب بالسيف ضربة فتعلق جنبه، وحكي: ترى الجريح منهم يعارضه جنبه أو يده - وذلك إذا تعلقت، والخذَع الميل يقول تراه من بغيه مائلا كأنه ضُرب فتعلق جنبه فمال. وقال:
ذو النبلِ ما كان المها كُنوسا ... يرمي ويرجو الممكنات الليسا
ذو النبل مرفوع بقوله يرمي، ويرجو ما كان المها في الكنس، والممكنات اللواتي أمكنت، والليس اللواتي لا يبرحن يقال للذكر أليس وللأنثى ليساء. وقال أبو ذؤيب وذكر الثور:
فغدا يشرقُ متنه فبدا له ... أولى سوابقُها قريباً توزع
يشرّق متنه في الشمس، وفي توزع قولان، يقال: تغري به وتوسد، كقول النابغة:
فكان ضمران منه حيث يوزعه

أي يغريه وقد مر تفسيره في الأبيات في الكلاب، ويقال توزع تُكَف السوابق منها لئلا يخلو بها حتى يجتمع عليه كلها. وقال الجعدي وذكر الثور والكلاب:
فزّلَ ولم يدرِكنَ إلا غباره ... كما زَّلَ مرّيخ عليه مناكبُ
فأعجله لَه عن سبعة في مكره ... قضَينَ كما بتَّ الأنابيشَ لاعِبُ
المريخ سهم، عليه مناكب أي ريش. من مناكب النسور والأنابيش البسر في العود يعمد إلى عود فيجعل فيه شوك ثم يضرب في عرض البسر فتغترز فيه، واحدها أنبوش.
وقال امرؤ القيس:
وسنّ كُسنيقٍ سناء وسنّم ... ذعِرَتْ بمدلاجِ الهجيرِ نهوض
لم يعرفه الأصمعي، وقال غيره سن ثور، وسنيق جبل، سناء ارتفاعا وسنم بقرة، مدلاج من دلج إذا منشى وليس هو من أدلج ولا ادلّج وكيف يدلج في الهجير أو يدّلج.
وقال النظار الفقعسي وذكر الثور:
اذا الضراءُ مشَقت عرقوبه ... مشض المُلاحِين ثيابَ الدهقان
المشق جذب خفيف سريع، والملاحين المخاصمين وقول بشر يصف الكلاب والثور:
ستحدسه في الغيب أقرب محدس
أي ستصرعه. وقول لبيد:
وولى تحسُرُ الغمرات عنه ... كما ولَّى المراهنُ ذو الجلال
المراهن الفرس روهن عليه ... وقال لبيد يصف ثورا
أضل صواره وتضيفته ... نطوف أمرها بيد الشمال
تضيفته أخذَت ضيفتيْه أي ناحيتيْه، وضيف كل شيء ناحيته، يقال: أراد مالت إليه من قولهم تضيف فلان فلانا إذا مال إليه، نطوف سجابة تنطف أي تقطر مع الشمال. وقوله: فبات كأنه قاضي نَذور أي كأن عليه نذرا فهو يحفر. وقال ابن أحمر يذكر بقرة:
ماريةٌ لؤلؤان اللونِ أوّدَها ... طلّ وبنّس عنها فرقذ خَصر
مارية - خفيفة - لونها لون اللؤلؤ، أودها طل عطفها وثنائها على ولدها، بنس تأخر، خصر من البرد، الفرقد ولدها.
ظلت تماحل عسعَساً لحماً ... يغشَى الضراءَ خفيّاً دونه النظر
تماحل عن ولدها أي تخادع وتماكر، والعسعس الذئب، الضراء ما واراك من شيء وسترك، وإنما تفعل ذلك لتختل، خفيا دونه النظر يقول: الذئب لا يتبين للناظر لطلَسه ولأنه على لون الأرض في الغبرة.
تربي له فهو مسرورٌ بغفلتها ... طورا وطورا تسنّاه فتعتكر
تريي لولدها تشرف له، والذئب مسرور بغفلتها عنه إذا غفلت، وطورا تسني ولدها أي تغشاه وتركبه، فتعتكر ترجع إليه. وقال أبو دواد يصف الصائد:
فأتانا يسعى تفرّش أمّ ال ... بيض شدّاً وقد تعالى النهارُ
أي أتانا يعدو كعدو النعامة رويدا وهو في ذلك خفيف يخفي وطأه. وقوله يصف اللثور:
كأنه أوثار
قيل هو الثوب الأبيض المحشوّ، وقيل البرَذَعة. وقوله:
ففريق يفلج اللحمَ نيئاً ... وفريق لطابخِيِه قُتار
أي يشرّج ويقال يقسم:

الصائد والحبالة والقترة
قال:
وخشنا من مال الفتى إن أراحَها ... أضاعَ ويرجو نفعَها حين تعزُب
يعني حبالة الصائد، أن أراحها أي ردها إلى أهلها خالية فقد أخفق، وإن عزبت عنه فذهبت علم أن فيها صيدا ذهب بها. وقال آخر:
الشركُ يا نزالٌ غير مجمودٍ لك ... النَشاقَى ولي المفَاسيدُ
النشاقي العلائق التي قد نشبت في الحبالة، والمفاسيد التي قطعت الحبالة فأفلتت، يقول: ما أفلت فذهب جعلته لي وما علق جعلته لك فهذا شرك غير محود، وواحد المفاسيد مفسدة.
وقال آخر في الأنشاق:
مناتين أبرام كأنَّ أكفَّهم ... أكفُ ضبابٍ اُنشِقَّتْ في الحبائل
وقال آخر وهجا رجلا ميتا:
كأن الظباءَ العُفرِ يعلمنَ أنه ... وثيق عُرى الأربيّ في العشرَاتِ
لَبيقَ إذا ما خَطّ بالنابِ أثرة ... تبينَ بالخَوفا في البكَراتِ
يقول هو صاحب صيد ومهنة ليس بكريم ولا سيد، والأربي مواثق الحبالة وهي مثل الأواخي وهي الأربة، والأربة العروة عروة الآري والاخية، والخَوفاء حلقة في الخف أثرة من أثر تأثيره. وقال امرؤ القيس:
بعثنا ربيئاً قبل ذلك مخمِلاً ... كذئبِ الغضا يمشي الضراءَ ويتّقي
المخمل الذي يخفي شخصه، ويتقي الناس وقيل يلبس الخمل وقوله ايضاً يصف الربىء:

فجاء خفياً يسفنُ الأرضَ بطنه ... ترى الترب منه لاصقأ كل مَلصَقِ
يسفن يمسح. وقول أبي دواد للصائد.
أوف فارقُب لنا الأوابد واربأ ... وانقص الأرض إنها مذكارُ
أي تنبت ذكور البقل فالمشي فيه أخفى.
فأتانا يسعى تفرّش أم ال ... بيض شدا وقد تعالى النهار
أتانا الصائد يعدو كما تعدو النعامة وهو في ذلك خفيف يخفي وطأه. وقوله يصف الثور:
كأنه أوثار
قد تقدم تفسيره. وقال الطرماح وذكر الثور:
فلما غدا استذرَى له سمط رملة ... لحوليْنِ أدنى عهده بالدواهِ
استذرى استتر له، سمط رملة أي صاحب رملة وأخو رملة يعني صائدا، أقرب عهده بالادهان حولان.
وبالغسلِ إلا أن يمير عصارة ... على رأسه من حشوِ أليسَ جائن
الغسل الخطمي، يقول هو بعيد العهد بالدهن والغسل إلا أن يخرج ما في كرش ثور مما يصيد فيعصره على رأسه، والحشو ما في جوفه من العلف، والأليس الشجاع المبرز الذي لا يبرح، والحائن الذي حانت منيته، وقال رؤبة:
يرمي ويرجو الممكنات اللِيسا
الليس جمع أليس وهو الذي لا يبرح. وقال الطرماح:
أخو قنصَ يهفو كأنّ سراتَه ... ورجليْه سلم بين حبلى مشاطِنِ
يهفو يمر مرا سريعا، وسراته أعلى ظهره، شبه رجليه إذا عدا وتحرك ظهره بسلم وهو دلو، بين حيلين ينزعان بها والدلو تضطرب وتمايل، والمشاطن الذي يشاطنه رجل آخر ينزع هذا وينزع هذا، والمساحل نحوه، وقال مالك بن خالد الخُناعي:
حتى أشبّ له رامٍ بمُحدَلة ... ذو مِرّة بِدوارِ الصيدِ هَمّاسُ
المحدلة التي غمز طائفها إلى مؤخرها ثم عطفها إلى مقدمها. وأنشد الأصمعي لأبي حية:
ومصونةٌ دفغتْ فلما أقبلَتْ ... عطفَتْ طوائفها على الأقبالِ
ذو مرة أي ذو عقل، بدوار الصيد أي بمداورته وهو مصدر داورته دواراً، همّاس يمر مرا خفيا.
يدنى الحشيف عليها كي يواريها ... ونفسَه وهو للأطمار لبّاس
الحشيف الثوب الخلق يدنيه على القوس ليسترها ويستر نفسه.
فقامَ في سِيتَيْها فانتحَى فرَمى ... وسهمه لبناتِ الجوفِ مسّاسُ
قام في سيتيها أي قام بينهما، إنتحى تحرف، وبنات الجوف الأفئدة قال أبو عمرو: الأمعاء والكبد. وقال آخر من هذيل وذكر أتانا:
أتيحَ له أقيدر ذو حَشيفٍ ... غبيّ في نجاشتهِ زَلوج
الأقيدر القصير العنق، وغبي خفي إذا نجش الوحش وهو أن يحوشها نحو الرامي، زلوج خفيف على الأرض.
ويُهلك نَفَسه إن لم ينلْها ... فحُقَّ له سَحير أو بَعيج
يقول يهلك نفسه باللوم إن فاته شيء من الوحش أي يخطئه، سحير يصيب سَحْره والسحر الرئة، والبعيج المبعوجَ البطن أي المشقوقة. وقال أسامة الهذلي وذكر حمارا:
فلما تولى صادراً واستراثُه ... غبيُّ سَفاةٍ في المقابرِ صائدُ
استراثه استبطأه، غبي سفاة يعني أنه قد غبى في قترته أي خفي فيها، والسفا التراب الذي خرج من القترة، يقول كأنه في قبر من قترته.
مُقيت إذا لم يرمِ لاهو يائس ... ولا هو حتى يخفُقُ النجمُ راقدُ
مقيت مقدّر إذا لم يرم، يخفق النجم يغيب. وقال أمية بن أبي عائذ يذكر حمارا وآتنا:
فأسلكَها مرصداً حافظا ... به ابن الدُجَى لاطئاً كالطحالِ
مرصدا موضعا يرصد فيه، حافظا يحفظها من أن تزيغ وتجور.
ومثله قول الآخر أبو خراش:
فلما رأى أن لا نجاءَ وضمّه ... إلى الموتِ لِصبِ حافظ وقفيلِ
ابن الدجى صائد والدجى جمع دُجية وهي القترة كما قالوا للدليل هو ابن فلاة، وقوله لاطئا كالطحال يريد أنه في قترته لازق كما لزق الطحال بالجنب.
مفيداً معيداً لأكلِ القَني ... ص ذا فاقةٍ ملحِماً للعِيال
له نسوة عاطلات الصدو ... ر عُوجٌ مراضيعٌ مثل السعاليَ
ملحم يقول هو مرزوق من الصيد والقنيص والقنص واحد وهو الصيد، ويقال ملحم للعيال أي يطعم عياله اللحم، عاطلات لا حلَى عليهن من الهزال.
وقال كعب بن زهير وذكر حميراً وردت:
فصادَفَ ذا شكوةٍ لاصقا ... لصوقَ البرام يظنَّ الظنونا

قصيز البنانِ دقيق الشوي ... يقول أيأتينَ أم لا يجينا
يعني صائداً، والبرام القراد. وقال الطرماح وذكر حماراً:
صادفْت طلوا طويلَ الطوي ... حافظَ العين قليلَ السَآم
منطو في مستوَى دُجية ... كانطواءِ الَحرِ بببن السِلامِ
الطلو الخفيف الجسم يريد صائداً، والدجية القترة، والحر الأبيض من الحيات، والسلام الحجارة، والصائد يوصف بخفة الجسم. وقال الهذلي أبو ذؤيب:
كأنه في حواشي ثوبه صُرَد
يلحسن الرَصفَ له قَصْبة ... سمحج المتنِ هتوف الخطامِ
الرصف عقب السهم وجمعه رصاف، والقصبة القوس، والسمحج الطويلة الظهر، الخطام الوتر، هتوف مصوت.
إن ينل صيداً يكن جله ... لعجايا قوتهم بالِلحام
أو يصادف خفقاً يصِفهم ... بعتيقِ الخَشلِ دون الطعامَ
عجايا واحدتها عجيّ وهي التي ماتت أمهاتها فسقيت من ألبان غيرها يتتبع بها مواضع اللبن يعني ولد الصائد، والخفق أن لا يصادف شيئاَ، وعتيق الخشل يقال انه سويق المقل، والخشل نوي المقل، وجعله هاهنا المقل نفسه. وقال رؤبة وذكر الصائد:
لايشتكي صدغيه من داءِ الودَقِ ... فباتَ والنفس من الحرصِ الفَشقَ
في الزرب لو يمضغ شرياً ما بزق
الودقة نكتة تخرج في العين من بياض والذي يشتكي عينه يصيبه عليه الصداع، وجمع الودقة ودْق ولكنه حركه وأخرجه على المصدر كأنه قال ودِق ودَقا، والفشق الانتشار يقال ظبي أفشق القرنين، يريد أن حرصه قد انتشر، والشري الحنظل، يقول قد صمّت مخافة أن يسمع الوحش صوته. ومثله:
فباتَ يخفي صوتَه والريحا ... والنفَسَ العالي والتسبيحا
وقال الشماخ:
وحلأها عن ذي الأراكةِ عامر ... أخو الخضر يرمي حيثُ تكوى النواحز
حلأها منعها من الماء، والخضر من محارب، والنواحز التي بها نحاز فتكوى في جنوبها وأصول أعناقها. وقال صخر الغي وذكر الوعول والقاض:
خفيّ الشخص مقتدرٌ عليها ... يسنّ على ثمائِلها السماما
الثميلة ما بقي في الجوف من الطعام، يريد أنه يرمي بطونها وخواصرها، والسمام جمع سَم يريد السهام. وقال ذو الرمة وذكر الحمير:
وقد أسهرت ذا أسهم باتَ جادل ... له فوقُ زُجّي مرفقيه وحاوِح
جادل منتصب، والزج طرف المرفق، وحاوح صوت، يقول هو بارك على مرفقيه لا ينام. ومثله قوله يذكره:
كأنه خشيةَ الاخطاء محموم
وقوله:
أو كان صاحب أرض أو به مُوم
الأرض الرعدة، والوم البِرسام، وقال أبو حية:
وفي الجانب الأقصى الذي ليس ضربةً ... برمح بلي حرّان زُرق معابِله
يعني القانص، قال: ليس يكون قدر ضربة برمح، ثم قال: بلى - ومثل هذا كثير، قال:
فلا تبعدنَ يا خير عمرو بن جندبِ ... بلى ان من زارَ القبورَ ليبعدا
وقال كعب بن زهير يصف الصائد:
لطيف كصمدّادِ الصفا لا يغرّه ... بمرتقبِ وحشيّه وهو نائمُ
وقد فسر في الأبيات في الهوام. وقال الشماخ وذكر عين ماء:
عليها الدُجى المستنشآتُ كأنها ... هوادج مشدود عليها الجزائز
الدجى القُتَر، المستنشآت المستحدثات، شبهها بالهوادج لأن الصائد يبنى على قترته شجر الثمام والحشيش ثم يقبّبه، والجزائز العهن واحدها جزيزة. وقال أبو النجم يذكر الصائد والحية في القترة:
وهو كذي الشوق إلى زِيالها ... إن لم يرَ الصحةَ في اعتزالِها
زيالها فراقها، يريد إن لم ير الصواب في اعتزالها لأنه لو خرج من قترته أتاه السبع فأكله أو نذِرت به الوحش فصبر على مقاساتها وقال يصف القترة:
بيت حتوف مُكفَأ مردوحا
مكفأ له كفاء مرسل من خلفه، ردحتُ البيت وأردحته. وقال خداش بن زهير:
وأوس لنا ركن الشمالِ بأسهمٍ ... خفافٍ وناموس سديد حمائرُه
أوس اسم صائد، والناموس القترة، والحمائر صفائح حجارة واحدتها حمارة. وقال حميد الأرقط:
بيت حتوف أردِحت حمائره
وقال الكميت:
تخذَّ الطمر مئزراً وتردّي ... غير ما قدرة به الطمرورا
الطمر الخلق والطمرور أيضاً كذلك، يقول لم يقدر على ذلك قال امرؤ القيس:

بعثنا ربيئاً قبل ذلك مُخمِلاً ... كذئبِ الغضا يمشي الضَراء ويثقَّى
وقد مضى تفسيره. وقال كعب بن زهر وذكر القانص:
فلمارأى الصيدَ يوماً وأشرَعَت ... زوي سهمَه غاوٍ من الجنِ حارِم
قال أبو عمرو: يقولون ليس من وحشية إلا وعليها جني، وهو مثل بيت النابغة:
يقول راكبها الجني مرتفقاً ... هذا لكنّ ولحم الشاة محجور
حارم حرمه الصيد. وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي وذكر رامياً:
يصيب الفريص وصدقاً يقو ... ل مرحَى وإيحى إذا ما يواليِ
إذا أصاب قال مرحى وإذا ثنى قال إيحى يقال ذلك عند الفرح والتعجب.
وقال امرؤ القيس وذكر رامياً:
فهو لاتنمي رميته ... ماله لاعدّ من نفَرِه
يقول لا تجوز الوضع الذي رماها فيه حتى تموت، وقوله لا عد كل من نفره يدعو عليه بالموت، يقول إذا عد أهله لم يعد معهم ولم يرد وقوع الفعل ولكنه كما يقال قاتله الله.
وقال أوس بن حجر وذكر رامياً أخطأ.
فعض بابهامِ اليمين ندامةً ... ولهف سراً أمه وهو لاهف
عض أبهام يمينه لأن القوس في يساره فقال: يا لهف أمّتاه لئلا يسمعِ الوحش.
وقال أبو خراش:
منيباً وقد أمسى تقدمَ وردَها ... أقيدر محموز القِطاع نذيلُ
القطاع جمع قِطْع وهو نصل قصير عريض، محموز شديد يقال حمز اللبن إذا أشتدت حموضته، والأقدر القصير اعنق يعني الصائد، تقدم فقعد على طريقها ويقال نذَل ونَذيل وسمج وسَميج.
الأبيات في الكِناس
قال:
وبيت تخفق الأرواح فيه ... خَلاءَ الليلِ معمور النهار
تمارسه صوانعٌ مشفقاتٌ ... على خرقٍ يقوَّم بالمَداري
يعني كناساً، والمداري القرون، وخرُق اولادها واحدها خَرق ومثله للعجاج:
وشجرَ الهدّابَ عنه فجفا ... بسلهبيْنٍ فوق أنفٍ أذلفا
الذلف قصر الأنف ورجوع طرفه إلى الرأس. وقال ذو الرمة وذكر ثوراً:
إلى كلِ بهوٍ ذي أخٍ يستعده ... إذا هجّرت أيامه للتحول
بهو يعني كناسه وكل فجوة ومتسع بهو، وقوله ذي أخ أخبر أن له كناسا آخر يستعده هذا الثور إذا زالت الشم فتحول عن هذا إليه. ومنه قول طرفة:
كأنّ كناسَي ضالة ويكنفانها ... وأطْرَ قسيّ تحت صُلب مؤيّد
وقد فسر في كتاب الابل. وقال النجاثي وذكر ظبياً:
إذا الشمسُ ضَحَّت متنها يستعدّه ... لحد الضحى أحوى الشراسيفِ أكحلِ
قال: هذا الكناس له بابان باب للشمال وباب للجنوب فهو يستعد باب الجنوب للشتاء وباب الشمال للصيف، وضحت أظهرت. وقال لبيد يصف ديارا:
تحمل أهلُها وأجدَّ فيها ... نعاج الصيفِ أخبيةُ الظلالِ
أي اتخذت كُنُساً جدداً ولا يكون كناس إلا تحت شجرة وجعلها نعاج صيف لأنهم يرتحلون لطلب المياه. وقال العجاج يذكر الثور:
فباتَ في مكتنسٍ معمورٍ ... مساقطٍ كالهودجِ المخدورِ
مكتنس شجر جعل كناساً، معمور من البَقر، مساقط مسترخ أغصانه وورقه وكأنه هودج صير له خدر.
كأن ريحَ جوفه المزبورِ ... بالخُشثبِ دون الهدَبِ اليخضورِ
مزبور كأنه طوي بخشب كما تطوى البئر بالحجارة، ثم قال بالخشب دون الهدب - يقول هو أسفل من الهدب والهدب ورق الأرطي.
وبالشتاء حضر المحضور ... إذا انتحَى كالنابثِ المثيرِ
أي هذا الكناس كثير الحاضر في الشتاء من البقر والظباء.
مرَّت له دونَ الرجا المحفورِ ... نواشطٌ الأرطاةِ كالسيورِ
أي تعترض له عروق الشجرة دون الرجا يعني ناحية المكنس، ونواشط عروق تأخذ من هذا الشق إلى الشق الآخر. وقال آخر يذكر ظبياً:
وينبحُ بين الشعبِ نبحاً كأنه ... نباحُ سلوقٍ أبصرتْ ما يريبُها
وبيّضه الهزل المسوّد غيره ... كما ابيض عن حمض المراضَين نيبها
الظبي إذا أسن وصارت لقرونه شعب نبح وقيل له نباح وأشعب. ومنه قول أبي دواد:
نبّاح من الشُعْب
والظبي إذا هزل ابيض وكل أبيض إذا هزل اسود والبعير يشيب وجهه إذا رعى الحمض. وقال الراجز:
أكلن حمضاً فالوجوه شيب
وقال عمر بن لجأ:
شابت ولما تَدن من ذكائها

دخول الظباء الكُنس في الحر
قال الراعي وذكر ناقة:
أخالف الفلاةَ فأرمي بها ... إذا أعرَضَ الكانس المظهر
إذا قالَ في فتن واحد ... من الضالةِ الرئم والأعفرُ
أعرض عن الشمس، يقول من شدة الحر يجتمع اثنان مختلفان. وقال الحطيئة:
وقدَّت لها الشعري فأل ... فت الخدودَ بها الهواجر
يريد الحر الذي كان بالشعري فجعلت الخدود مؤتلفة في الكنس من شدة الحر.
وقال ذو الرمة:
ويوم يُزيرُ الظبي أقصى كناسِه ... وينزو كنزوِ المعلَقاتِ جنادبه
يزير الظبي أقصى الكناس من شدة الحر، والمعلقات الظباء تعلقن في الشرك فينزون وانما ينزو الجندب من الرمضاء. وقال:
ويوم من الشعري يظل ظباؤه ... بسوقِ العضاه عوّذا لا تبرّح
أي لو أجيء في الكنس تحت سوق العضاه وهوَ شجر. وقال المرار وذكر فلاة:
وفي ذُراها من الجوزاءِ عاصفة ... ترمي الكناسَ بأفراق اليعافيرِ
يكف من حَجرتيْها ثم يهجمها ... على الكناسِ أصيلا بعد تغوِيرِ
الحر يكف من جانبها أي يضم، ثم يهجمها أي يدخلها الكنس، أصيلا عشياً، بعد تغوير يعني نصف النهار. ومثله له:
ويومٌ من النجم مستوقد ... يسوق إلى الموتِ نور الظباءِ
النور النوافر والنَوار النَفور، وقوله إلى الموت يريد أنها تدخل الكنس وتخفى فكأنها مدفونة في القبور.
تراها تدورُ بغيرِ أنها ... ويهجمُها بارح ذو عماءِ
أي ذو غبار، شبه البارح بالسحاب.
إذا حرجت تتّقي بالقرون ... أجيج سمومٍ كَلفح الصلاءِ
يقول إذا ضاقت عليها الكنس اتقت الحر بالقرون، ومثله قول الطرماح:
يتقي الشمسَ بمدرية ... كالحماليج بأيدي التلام
وقال مسكين الدارمي:
وهاجرةٌ ظلّتْ كأنّ رؤوسها ... علاها صداع أو فَوال تضورها
وقال الشماخ:
إذا كان يعفوز الفلاةِ كأنه ... من الحر ِحرج تحت لوح مفرّجِ
الحرج الودعة تكون تحت الرحل يزين به الرحل، قال الأصمعي ودعة تكون في أعلى الهودج من داخله، يقول: انطوى الظبي في كناسه في هذا الوقت فكأنه من بياضه ودعة تحت الرحل. وقال لبيد وذكر ناقة:
تسلب الكانس لم يُرَبها ... شعبة الساقِ إذا الظل عقَل
أي تدخل الناقة كناس الظبي من الحر، لم يور بها لم يشعر بها حتى هجمت عليه، ويروى: لم يوأر بها مقلوب، يقال استورأت إذا مرت عليه نفار، والساق ساق الشجرة، عقل اعتدل.
وقال كثير:
وتعانَقَتْ أدم الظباء وباشَرَتْ ... أكناف كل ظليلةٍ مقيال
يقول تجتمع فتتقي بعضها من الحر ببعض، وظليلة شجرة، ومقيال يقال فيها.

الجزء الخامس من كتاب المعاني
كتاب الوعيد والبيان والخطابة
فيه الأبيات في الوعيد والبيان والخطابة وفي الدعاء بالشر واليمن واللأيمان والعداوة والبغضاء والظلم والبغي والداهية والخطة والقيد والغل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأبيات في الوعيد
قال نافع بن لقيط الفقعسي:
إربِط حمارَكَ إنه مستنفر ... في إثرِ أحمر عمدنَ لغرّبِ
يروى: أزجر حمارك، ومعناه كف نفسك عن أذى قومك لا تطمحن إليهم بالأذى فانك قد عيرت في شتمهم كما يعير الحمار عن مربط أهله يتبع حماراً.
أعطيكَ ذمةَ والديّ كليهما ... لأذَرّفنْكَ الموتَ إن لم تهرب
ولأحملنكَ إلى نهابرٍ إن تثبَ ... فيها وإن كنتَ المنهِّت تعطب
لأذرفنك الموت أي لأشرفن بك عليه، ويقال ذرف على الأربعين، والمنهِت الأسد، والنهابر من الرمل واحدها نهبور وهو المشرف منه. وقال عبد اللَه بن عَنمة:
أزجر حماركَ لا يرتع بروضتنا ... إذأ يردّ وقيد العَير مكروب
هذا مثل، يقول: رد شرك عنا لا تعرض لنا وإلا تفعل يرجع إليك أمرك مضيقاً عليك، والمكروب المضيّق. وقال أبو المثلم:
أعام بن عجلان مقصورةً ... بغيريَ من شِبعٍ عرِّض
يريد عامر بن عجلان أقتصر بالحديث عليك لا أبلغها الحي أجمعين، والمقصورة رسالة، وإذا شبعت فعرض بغيري.
فإن الذي يُتّقى شرّه ... كما تتّقى النار بالمِركضِ

الأصمعي: ما سبقه بالمركض أحد، قال: وليس المركض بشيء وليس هو باسم، والركض الرفع وأراد به عوداً تحرك به النار.
متى ما أشأ غير زَهوِ الملو ... كِ أجعَلْكَ رهطاً على حُيّضِ
الرهط أديم سيورا دقاقاً ويترك أعلاه لا يقد تأتزر به النساء والصبيان، أي يقدرك الناس مما أظهر منك وليس هذا مني زهواً
وأكحلكَ بالصاب أو بالجلاءِ ... ففقّح بعينيكَ أو غَمِّض
الصاب شجر له لبن يحرق العين إذا أصابها قطرة منه، والجلاء كحل يجلو العين يحك على حجر ثم يكتحل به، وهذا مثل أراد أنه يأتيك من قبلي شيء يحرقك ففقّح عينيك أو أغمض أي أنكران شئت أو تغافل فإني لا أجيئك إلا بما تعرف، ويقال للجرو أول ما يفتح عينيه قد فقّح، يقول فتهيأ لها مني.
وأسعطْكَ في الأنفِ ماءَ الأبا ... ءِ مما يثمّلُ المِخوضِ
الاباء القصب ويقال الأباء هاهنا الذي تشرب منه الأروى فتبول فيه وتدمنه، ويثمل ينقع وقد فسد واستنقع.
جهلّتَ سعوطكَ حتى ظنن ... تَ أن قد أرِضتَ ولم تؤرَض
أي جهلت ما صنعت بك حتى ظننت أن بك زكمة وإنما ذا مما وضعت برأسك، والأرض الركام. وقال رؤبة:
يا أيها الكاسر عيْن الأغضَن ... والقائل الأقوال ما لم يلقني
هرّق على خمرك أو تبيّن ... بأي دلو إن غرفنا تستني
إن صحّ في أوفر حقن المحقن ... فالسبّ تخريق الأديم الألخن
هرق على خمرك أي أقبل على لهوك وباطلك، يقول إن فاخرتني فبم تفاخرني. ومثله للفضل بن عباس اللهبي:
من يساجلني يساجل ماجِدا ... يملأ الدلَو إلى عقدِ الكَرَبِ
إن صح يقول إن تم أي إن اجتمع في أسقية وفرما تحقن وأحقن تبين أيّنا أكرم، والمحقن الذي يحقن فيه، واللخَن النتن يريد من سابّ خرقّ جلده ولخن. ونحوه قول العجاج:
والشوق شاج للعيون الحُذّل
يقول هو الذي حذّلها وأبكاها وكذلك السب هو الذي ألخن الأديم وخرقه. وقال رؤبة:
ودَغْية من خَطلٍ مغدَودِنٍ ... قربان مَلكٍ أو شريفِ المعدنِ
قامَتْ به شدّاكُ بعد الأوهنِ ... بدرءِ همّاز دروء الضَيزنِ
الدغية الكلمة القبيحة، والخطل المضطرب، مغدودن مسترخ، قربان ملك أي من خاصة ملك كريم المغرس، شدّاك خصلتك التي هي أشد وهي فُعلى، بدرء أي يدفع، والضيزن الذي يضارّك. وقال:
والملغ يلكى بالكلامِ الأملَغِ ... لولا دَبوقاءِ استهِ لم يبدَغِ
الملغ النذل، يلكى يلهج يقال لكيت بدنس أي لزقت به والدبوقاء الدبق ودبوقاء الاست العذرة، يقول لولا خرؤه لم يتلطخ يقال بدغ الرجل في خرئه إذا تلطخ به. وقال:
فابهز بي المدره والزعما ... وذا عضاضٍ يعدل الظَلوما
ابهز بي يقول القُه بي من قولك رجل مبهوز، والزعيم في هذا الموضع، المتكلم وفي غيره الكفيل.
يعتقم الأجدالَ والخصوما ... بشُطسيِّ يفهمُ التفهيما
الشطَسيِ المارد المتكبر من الرجال.
ويَعتقي بالكلمِ التكليما ... ممتنعَ العقميّ أو عقيما
أذللت من قَسوتيِ التحريما
يعتقي يعتاق مقلوب، يقال: اعتاقه واعتقاه، يريد يعتاق بكلم منه التكليم الذي كلمه به خصمه، والعقميّ من اعتقام البئر كأنه يأتيه من عرض أو عقيما يعني الداهية، قسوتي صعوبتي، والتحريم يقال بعير محرّم إذا لم يمسه حبل ولم يذلّل. وقال المرقش:
أبلغ المنذِرَ المنقّبَ عني ... غير مستعتبِ ولا مستعينِ
لا ت هنا وليتني طرفَ الزجِّ ... وأهلي بالشَأم ذَاتَ القرونِ
المنقب المستقصي في الطلب، لات هنا أي ليس هذا وقت إرادتك، والزج موضع، وقوله بالشأم ذات القرون لأن الروم كانوا بالشأم وأراد قرون شعورهم كأنه قال بالشأم ذات العدوّ، وليتني في بلاد العدو. وقال امرؤ القيس:
أقصر إليكَ من الوعيدِ فإنني ... مما ألاقي لا أشدّ حزامي
أي قد جربت حتى لا احتاج أن اتشدد للاشياء ولا أتحزم لها. وقال الزبرقان بن بدر:
ألم أكُ باذلاً ودّي ونَصري ... وأصرف عنكم ذربي ولَغبي
ذرَبي حدة لساني، ولغبي سيء كلامي وأصله رديء الريش. وقال أوس:

أقولُ بما صبّتْ على عما يتي ... وأمري وفي حبلِ العشيرة أحطمب
يقول أقول بما جربت وما علمت مما مضى من دهري وهو مثل. وقال جرير:
إني إذا الشاعرُ المغرورُ حرّبني ... جار لقبرٍ على مرّانِ مرموسِ
حربني أغضبني يعني قبر تميم، يقول أنا جار لتميم ممن يهجوها أذب عنهم الشعراء. وقال عنترة:
سيأتيكما عني وإن كنت نائيأ ... دخانَ العلندَي دون بيتي مذود
يقال أن العلندي جبل لم ير إلا وعليه كالدخان، ويقال العلندي شجر له دخان كثير إذا أوقد به وهذا من قولك: لأثيرن عليكم شرا يبلغ دخانه السماء - أي يأتيكم من هجائي شيء له دخان كدخان العلندي، مذود يذود عنه ويدافع.
قصائذ من قيل امرىء يحتديكُم ... وأنتم بِجسمَى فارتدوا وتقلدّوا
بيّن ذلك الدخان فقال قصائد، يحتديكم يتعمدكم بها، فارتدوا هذا الهجاء وتقلدوا، كما قال الآخر أبو ذؤيب:
لخبِرّت أنا نحتدي الحمد إنما ... تكلّفه من النفوسِ خيارها
ومثل قول الأول:
سأكسوكما يا ابن يزيد بن جعشمٍ ... رداءيْن من قارٍ ومن قِطرانِ
اذا لُبسا زاداً على اللبسِ جدّة ... ولم يبلَ وَشى منهما لِأوانِ
وقال أوس:
وما أنا إلا مستعد كما ترى ... أخو شرَكيّ الورد غير معتمِ
شركي الورد سريع يقال لطمه لطما شركيا أي متتابعا، يريد أنه ورد في إثر ورد ومعنى الورد أنه أغشاهم ما يكرهون، يقال لا يزال فلان يتوردنا بالشر، معتِم محتبس، قيل لأعرابي: ما قمر أربع؟ فقال عتمة ربع، أي قدر ما يحتبس في عشائه، وقوله:
على حينِ أن جد الذكاءِ وادركَتْ ... قريحةَ حسى من شريح معمِمِ
الذكاء السن، يقال فرس مذكّ إذا كان قد أسن، والقريحة أول ما يخرج من البئر، واقتراح القول ابتداؤه، ومنه اقترحْ عليّ ما شئت وشريح ابنه، أي بعد ما أسننت وادرك ابني وقال الشعر، وضرب الحسى مثلا للشعر. وقال الشماخ:
نبئتُ أن ربيعاً أن رعى إبلاً ... يهدي إلىّ خناه ثاني الجِيد
فان كرهتَ هجائي فاجتنبْ سخطَي ... لا يعقلنّكَ إفراعي وتصعيدي
أن رعى إبلا أي استغنى وصار له مال، ثاني الجيد أي رخى البال غير مكترث لذلك، وإفراعي هاهنا انحداري وهذا حرف من الأضداد، يقال أفرع في الجبل صد وأفرع منه إنحدر. وقال آخر في الصعود وهو رجل من العبلات:
إني امروء من يمانٍ حين تنسبني ... وفي أميةٍ إفراعي وتصويبي
وقال آخر:
إني لأشقى الناس إن كنتَ غارماً ... ضمان التي يسقي بها نخلُ مَلهمُ
عبدالرحمن عن عمه قال: يقول إن كنت كلما عقرت سانية ضمنتها فإني شقي. وقال غيره: أراد جريرة القصيدة يتغنى بها الساقي نخل ملَهم وذلك انه رمى بشيء فانتفى منه، كما قال ابن أحمر:
وإن قال غاوٍ من تنوخ قصيدةً ... به جربّ عدّت عليَّ بزوبرا
يعني الداهية. وقال النابغة للنعمان بن جبلة:
ولولا أبو الشقراء ما زال ماتح ... يعالج خطّافاً بإحدى الجرائرِ
الجرائر جمع جريرة، يعني ما ينشد إذا استقى، وكان بعضهم يجعله من غير هذا، يقول: لولا أبو الشقراء وأنه أعتق أسراءنا ما زال رجل منا قد أسرته قوم فهو يستقي لهم، والجرائر في هذا التفسير جع جرور وهي البئر البعيدة القعر. وقال الأعشى:
وإن عتاقَ الطيرِ سوف يزور ... ثناءً على أعجازهُنَ معلّقُ
به تنفض الأحلاس والديكُ نائم ... وتعقَد أطراف الحبالِ وتطلقُ
يعني أنهم إذا رحلوا وحطوا تمثلوا بهذه القصيدة. وقال المسيب:
إني امرؤ مهدِ بغيب تحيةِ ... إلى ابن الجلنديّ فارس الخيلَ جيفر
بها تنفض الأحلاس والديَكُ نائمَ ... إلى مسنفاتِ آخر الليلِ ضمّر
يقول إذا رحلوا إبلهم وحطوا عنها تمثلوا بهذه القصيدة وأنشدوها. وقال آخر:
سأرفع قولاً للحصيْن ومالكِ ... تطيرُ به الغربان سطرَ المواسمِ
وتروي به الهيم الظماء وَيطّي ... بأمثالها الغاوون سجع الحمائم

الغربان غربان الابل واحدها غرابة وهو مقعد الراكب، شطر أي نحو وتروي به الهيم الظماء يريد أنه يتغنى بهذا القول إذا سقيت. وقال جرير:
رفع المطي بما وسمتُ مجاشعاً ... والزنبريّ يعوم ذو الأجلالِ
الزنبري العظام من السفن، والأجلال الشرع، يقول غنى بهجائي لهم في البحر والبر. وقال زهير:
فإن الشعرَ ليس له مردّ ... إذا وَرَدَ المياء به التِجار
يقول إذا استقوا الماء تمثلوا به وترنموا. وقال:
سيأتي آلُ حصنٍ حيث كانوا ... من المذلاتِ باقيةً ثناءُ
أصل المذَل القلق أي كلام لا يستقر بمكان واحد ولكنه يسير على ألسنة الرجال، باقية نصب على الحال. وقال المسيب بن علس:
فلأهديّنَ مع الرياح قصيدةً ... مني مغلغلةً إلى القعقاع
مع الرياح أي تذهب كال مذهب كما تأخذ الرياح في كل وجه أي يتحملها الناس ويحسنها. وقال الكميت وذكر قصيدة له:
فتلكَ إليكَ تقدبم مذهباتٍ ... بها يترنم الوله الطروبُ
فلا الرجزاءُ تعجز عن قيام ... ولا ذاتُ العقال ولا العتوبُ
ولكن كل نابئةٍ خَروجً ... من الأمثال والطلُق المنيبُ
يقول هذه القصائد ليست كالرجزاء ولا كالظالع ولا العتوب، وهو الذي يعتب على يد واحدة: والنابئة التي تخرج من أرض إلى أرض، ويروى: ولكن كل آبية، وهي التي تأبى أن يقال مثلها، والطلق التي لا عقال لها، ويقال ان المنيب أول الابل الماضي على وجهه في الصدر من أناب. وقال يذكر قصائده:
غرائبٌ يدعونّ الرواة كأنما ... رشَونهم والراكبَ المتغردّا
تعلّظ أقواماً بميسم بارق ... وتفطم أوباشاً حميلاً ومُسنداً
يقول يطلبها الناس حتى يرووها من حسنها فكأنَها رشتهم والعلاط سمة في العنق بمنزلة القلادة، والمسند الدعى، والحميل الذي يحمل من بلاده صغيراً. وقال خداش بن زهير:
كذبتُ عليكم أوعدوني وعلّلوا ... بي الأرض والأقوام قُردان مِوظَبا
كذبت عليكم إغراء أي عليكم بي، ومثله لمعقر بن حمار البارقي:
وذبيانية أوصت بنيها ... بأن كذبَ القراطفِ والقُروفِ
عليكم بها، أوعدوني من الوعيد وتغنوا بشتمي وعللوا به السفْر
إذا مِقنَب منكم تقيَّل قَيلة ... ثنى رجل الأخرى عليّ فشبّبا
المقنب من الخيل ما بين خمسة عشر إلى ثلاثين، يقول إذا سوى من اللبن استلقى ووضع رجلا على رجل وتغنى بهجائي، وشبب فيه، والقيل شرب نصف النهار. وقال الراعي:
تغنى ليبلغني خنزر ... وكل ابن مومسةٍ أخزرُ
قياماً يوارون عوراتِهم ... بشتمى وعوراتهم أظهرُ
أي تغني بشتمي، يريدون أن يغطوا على أنفسهم بشتمي وعوراتهم أظهر لأنهم إذا شتموني شتموا أنفسهم بذلك يعني قومه. وقال القطامي:
وطال ما ذبّ عني سائرٍ شرُد ... يصبحنَ فوق لسان الراكب العادي
فاسألُ نزاراً فقد كانت تنازلني ... بالنصفِ من بين إسخان وإبرادِ
سائر يعني شعرا يسير في الناس ووحّد على اللفظ لأنه أراد الشعر ومعنى الشعر جميع ولذلك قال شرد، والنصف الإنصاف، وإسخان وإبراد شر وخير، يقال أسخنت له الحرب وأبردت له السلم. وقال ابن أحمر وذكر امرأة:
إذا عرضتُ منها بنجدٍ تحيةً ... فان لها أخرى تخبّ بمَوسِم
يقول إذا قلت فيها قصيدة أمتدحها بها فبلغت نجدا فإني قائل أخرى فتسير حتى تروى بالموسم. وقال الراعي:
وقلتُ له إن تدلَج الليلَ لاتزل ... أمامكَ بيت من بيوتي عائر
أي بيت هجاء سائر. وقال بشر:
إذا ما شئتَ نالكَ هاجراتي ... ولم يُعمَل إليكَ بهن ساقي
الهاجرات الكلام القبيح، يقال أهجر في منطقه، يقول يأتيك الهجاء من غير أن آتيك به لأنه يسير. وقال جرير:
وأطلعتُ القصائد طَود سَلَمى ... وجدّع صاحبي شُعَبَي انتقامي
سلمى أحد جبلي طيء، وإطلاعه إياه القصائد أنه هجا الأعور النبهاني، وصاحبا شعبي رجلان هجاهما، وشعبي موضع. وقال الشماخ:
لولا ابن عفانٍ والسلطانُ مرتقَب ... أوردت فجّا من اللّعباءَ جُلمودي

مرتقب محاذر، واللعباء أرض لبني سليم وكان بها أعداؤه، وجلموده يريد الهجاء.
وقال راشد بن شهاب:
بذمً يغشى المرء خزياً ورَهطه ... لدى السرحةِ العشياء في ظِلّها الأدَم
السرحة شجرة كانت بعكاظ يجتمعون عندها ويتحدثون في ظلها وكان الأدم يباع تحتها، ويروى العشواء وهي الكثيفة الظل التي لا يبصر فيها لشدة سواد الظل. وقال الأخطل:
وما يبقى على الأيامِ إلا ... بنات الدهرِ والكلم العقورُ
بنات الدهر أحداثه وصروفه، والكلم العقور الهجاء. وقال ابن مقبل:
بني عامر ما تأمرون بشاعرٍ ... تخيرّ بابات الكتاب هجائيا
وعندي الدُهَيم لوأحلُ عقالها ... فتصعد لم تعدم من الَجن حاديا
بابات سطور واحدها بابة، والدهيم الداهية والأصل ناقة حمل عليها رؤوس إخوة قتلوا فضربت مثلا في الشر فأراد أن الجن تحدو القوافي كأنها تسوقها إلى الشاعر. وقال عنتر:
هل غادرَ الشعراءُ من متردَّمٍ ... أم هل عرفَتْ الدارُ بعد توهّمِ
غادر ترك، متردم مترقع مستصلَح يقال ردمت ثيابي ولدمتها وأصلحتها، ويقال ثوب مردَمّ إذا سد خلله بالرقاع، وهذا كقولك هل ترك الأول للآخر شيئاً؟ أي هل ترك الشعراء شيئاً ينظر فيه، ويروى مترنم أي متغنى فيه. وقال النابغة:
يصّد الشاعرُ الثنيان عني ... صدود البَكرِ عن قَوم هجانَ
والثنيان الذي يعد ثانياً من الشعراء ويقال هو الشاعر ابن الشاعر يقول لا يقوى على مهاجاتي كما لا يطيق البكر القرمَ فيصدّ عنه. وقال الأعشى:
أبا مِسمع أقصر فإن غريبة ... متى تأتكم تلحق بها أخواتها
غريبة قصيدة هجاء. وقال الكميت يذكر قصيدة:
فدونكموها آلُ كلبٍ فإنها ... غرائب ليست بانتحالٍ ولاخُشب
الأخشب من القداح الذي لم تتم صنعته جعله مثلا. وقال الراعي للأخطل:
أبا مالكٍ لا تنطق الشعرَ بعدها ... وأعطِ القياد عثَمت على كسرِ
العثم أن ينكسر العظم فينجبر على عقد، يريد انا قتلنا قومك. وقال بعض الشعراء لعمرو بن معدي كرب وكان عمرو هجاه.
ليس النزول يسيراً إن همَمْت به ... ولست منها على غُنمٍ وإحرازِ
أي ليس نزولك عن الخطة التي أحملك عليها من الهجاء يسيراً ولست من مهاجاتي على غنيمة تحورزها.
فإن أبيتَ وشر الغَيَ غنيمة أطوله ... فإنَّ عِرضكَ من عرضِ امرئ جازى
جاز قاض، فلما بلغ البيت عمراً قال: صدق لا أهجوه أبداً. وقال أبو النجم:
ينصرني الله ومن شاءَ نصر ... بمنطقٍ كأنه الصخر الأصر
إذا تعيا المتعيّون انحدَر
الأصرفي صوته إذا ضُرب صوّت، يقول إذا عيّ الشعراء انحدر شعري. وقال الطرماح:
أتهجو من روى جزعاً واؤماً ... كساقي الليل من كدرٍ وصافى
تنخّل ما استطعتُ فإن حربي ... تلقح بالقصائدِ عن كشافِ
يقول تترك من يقول الشعر فلا تهجو وتهجو من رواه لغيره جزعاً منك ولؤماً - ثم شبه رواية الشعر من غير أن يقوله بهذا الذي يسقى بالليل ولا يدري أصاف ما يسقي أم كدر، ثم قال: تنحل أنت الشعر فإن قصائدي تأتيك تترى، ثم ضرب الكَشوف مثلا ويقال للناقة إذا حمل عليها في سنتين متواليتين كشوف وهو أن يحمل عليها في دم نتاجها. وقال يذكر الشعراء:
ويؤديهم عليّ فتاءِ سنى ... حَنَانَكَ ربنا يا فا الجَنان
سيعلم كلهم أني مسن ... إذا رفعتْ عِنانا عن عنانِ
يؤديهم يعينهم، فتاء سني حداثتي، حنانك رحمتك يا ذا الرحمة، أي إذا رفعت الخيل سبقا بعد سبق وشوطاً بعد شوط. وقال العجاج:
وشاعرٌ آلى بجهدٍ المقسمِ ... ليعضدنَّ باطلى وأضمي
أي ليقطعن لعبي وجدي، والأضم شدة الغضب.
كما تمنى مارث في مَفطَمِ ... وقد رأى دوني من تهجّمي
المارث الذي يمضغ على دردره أي أصول أسنانه يريد الصبي ومفطم فطام.
أم الربيقِ والأرَيقِ الأزنَم ... فلم يلثْ شيطانه تنهّمي
أي رأى دوني داهية، يقال، جاء بأم الربيق على أريق، والأزنم ذو الزَنمة فلم يلث لم يحبس، والتنهم الزجر.
مختتئاً لشيّئان مِرجم

المختتئ المنكسر المستخذي، والشيئان البعيد النظر، والمرجم الشديد العدْو. وقال طرفة:
وقرّبتُ بالقربى وجدّكَ إنني ... متى يك أمر للنكيثة أشهدُ
وقربت بالقربى أدللت بالقرابة، والنكيثة الأمر يبلغ فيه أقصى المجهود من النفس، يقول متى يحدث مثل هذا أشهده، يقال بلغت نكيثة البعير إذا جهدته.
بلا حدَثٍ أحدثته وكمحدثٍ ... هجائي وقذفي بالشكاة ومطرَدى
المعنى بلا حدث كان منى هجاؤه لي وقذفه بالشكاة، وقوله كمحدث أي من أتى ذلك إليّ فهو كمحدث، ويقال أراد فعل ذلك بي بلا حدث أحدثته وكمحدث من فعل ذلك به، أي قد استويا في الهجاء والشكاة. وقال أبو دواد: وأتاني تقحيم كعب لي المنطق إن النكيثة الإقدام في نظام ما كنت فيه فلا يحزنك قول، لكل حسناء ذام التقحيم الكلام بعضه في أثر بعض كأنه هجاه، وكعب هو كعب ابن مامة وكان بلغه عنه ماكره، والنكيثة بلوغ الأمر منتهاه، في نظام أي في نظام من الكلام، والذام والذيم العيب. وقال طرفة:
سأحلب عيساً صحن سم فأبتغي ... به جيرتي حتى يجَلّوا لي الخمر
الصحن الإناء القصير الجدار، والعيس ماء الفحل وهو سم قاتل، وهذا مثل يقول: أقول فيهم شعراً يكون بمنزلة هذا حتى يخبروني بجليّة الأمر، والخمَر ما واراك من شيء. وقال:
إن امرء أسرِف الفؤاد يرى ... عَسلاً بماءِ سحابة شَتمِي
سرف الفؤاد أي خطيء الفواد والسرف الخطاء، الأصمعي قال: قال لي أبو خيرة أردتكم فسِرفتكم، وأنشد لجرير يمدح بني أمية:
أعطوا هنيدةَ يحدوها ثمانيةٌ ... ما في عطائهم مَنْ ولا سرَف
أي يضعون العطاء موضعه لا يخطئون. وقال جرير:
جبيت جبَى عبد فأصبحت موردّا ... غرائب يلقى صعبةً من يذودها
الجبي جمع الماء في الحوض حتى ترده الإبل فتشرب، يقول جبيت أي جمعت في حوضك ماء لا يروى واردتك، وهذا مثل يريد أنك لم تغن فيما عبأتَ لي وكان الذي أوردته من إبلك غرائب من الشعر، ويروى ضيعة أي شغلاً وعملاً، يذودها يدفعها. وقال:
وأوقدت نارى بالحديدِ فأصبحت ... لها وهج يصلى بها الله من يصلى
أي أوقدت ناري بمياسم الشعر، وهذا مثل. وقال الفرزدق لجرير:
أتعدل دارما ببني كليبٍ ... وتعدل بالمفقئة الِسبابا
المفقئة أشعاره وهي قوله:
غلبتك بالمفقىء والمعنّى ... وبيت المحتى والخافقات
وقوله:
ولستَ ولو فقأت عينيْكَ واجدا ... أبالك إن عدّ المساعي
والمعنّى قوله:
فإنكَ إذ تسعى لتدرك دارما ... لأنتَ المعنّى يا جريرَ المكلفِ
وقال طرفة:
إني وجدّك ما هجْوتكَ وال ... أنصاب يسفح بينهنَ دم
ولقد هممت بذاكَ إذ حسبت ... وأمرّ دون عبيدةِ الوَذَم
أقسم بالأنصاب، وعبيدة بن العبد أخو طرفة وكانوا أغاروا على إبله فذهبوا بها وبه معها، والوذم السير يشد به طرف العرقوة إلى عروة الدلو، وهذا مثل للشيء إذا فات، ويقضي دونك لا تستأمر فيه ولا تستشار.
إن الطرمّاح يهجوني لأرفَعَة ... أيهات أيهات عِيلت دونه القُضبُ
عيلت ارتفعت كما تعول الفريضة، وكما يعول الميزانْ إذا شال، والقضُب المقتَضبة واحدها قضيب. وقالت ليلى الأخيلية:
كأنْ فتى الفتيانِ توبةً لم يرضَ ... قضيباً ولم يمسحْ بنُقبة مجرِبُ
قضيب قصيدة مقتضبة أو خطبة لم يقل أحد مثلها قبله، يقال قضيب ناقة صعبة يركبها لطلب الغزل، ولم يمسح بنقبة مجرب أي لم يشف ذا داء من دائه، وقال القِطران:
أنا القِطرانُ والشعراءُ جربى ... ذو صولةٍ ترمَى بي المدالِث
هايثني حركني المحرك، والمدالث جع مندلث وهو الذي يرمي بنفسه يتقدم، قال الأصمعي سمعت عيسى بن عمر يقول: إبل مغاليم جمع مغتلم. وقال يصف شعره:
ما كان تحبيرُ اليماني البرّاد ... يرجو وإن داخل كل وصّادِ
نسجى ونسجى مجرهِدّ الجُدّادِ
يقول ما كان ناسج البرود يحوك أحسن من شعري ولا يرجو ذلك، ولم يقل الأصمعي في: داخل كا وصاد - شيئاً، الزيادي: يقال وصد الوشي إذا بالغ فيه، والجداد الهدب فظن رؤبة أنه من عمل النساج فقال مجرهد الجداد، والمجرهد السريع الماضي. آخر:

وبيت بعلياءِ الفلاةِ بنيته ... بأسمرٍ مشقوقٍ الخياشيم يرعَفُ
يعني بيت شعر، والأسمر القلم. وقال آخر ووصف القلم:
عجبت لذي سنين في الماء ... نبته له أثر في كلِ مِصرٍ ومَعمر
لقد نقيم إذا الخصًوم تنافدوا ... أحلامهم صعر الخصيم المجنفِ
حتى يظَّلَ كأنه متثبّتُ ... بركوحٍ أمغرذي حيود مشرفِ
المجنف الذي جاء بالجنف كما تقول: خبيث مخبث أي جاء بالخبث، والصغر الميل،والخصيم الخصم، تنافدوا أحلامهم أي ذهبت أحلامهم، حتى يظل كأنه متثبت أي متمسك مخافة أن يخطيء، برُكح جبل مخافة أن يسقط، والركح ناحية الجبل، والأمغر الأَحمر، والريود جوانب حروف الجبل الواحد رَيد. وقال رؤبة وذكر كلاما:
لو كان خَرزا في الكلى ما بَضّا
أو لو كان هذا الكلام خرزا لكان محكما لا يبض منه قطرة. وقال الفرزدق:
وما خاصَمَ الأقوامُ من ذي خصومةٍ ... كورهاءٍ مشنوءٍ اليها حليلُها
تراها إذا اصطّكَ الخصومُ كأنما ... ترى رفقةً من ساعةِ تستحيلُها
يقول هي طامحة الطرف عن زوجها لا تنظر إليه من بغضه كأنها تنظر إلى رفقة من بعد تستحيلها، يقال استحل الشخصَ أي انظراليه هل يزول. وقال رؤبة يذكر المرأة:
لما ازدرت نقدي وقلت إبلي ... تألقت واتصلت بعكل
خِطبى وهزت رأسها تستبلى ... تسألني من السنين كم لي
فقلت لو عمرت الحسل ... أو عمر نوح زمن الفطَحل
كنت رَهين هرَم أو قتل
تألقت تغيرت وتلونت، اتصلت بعُكل اعتزت إليهم، وخطب الرجل المرأة يتزوجها، وهزت رأسها تهزأ به، تستبلي تختبر وتنظر ما عندي - من بلوت، والفطحل يقول أنه زمن كانت الحجارة رطبة. وقال أبو النجم:
تؤنسه دائرة لا تغزع ... عند اللقاء وخطيب مِقصَع
دائرة رأسه لا يقشعر وذلك يعني نفسه، والمصقع الماضي في خطبته غير العي.
وقال الحطيئة:
أم من لخصم مضجعين قِسيّهم ... صعر خدودهم عظام المفخَر
أي قد أضجعوا قسيهم وتوَكأوا عليها فهم يخطبون. وقال لبيد يذكر قوما وفاخرهم:
غلب تشذّر بالذحول كأنها ... جن البدىّ رواسيا أقدامها
أي يذكرون ما كان منهم ويقال تشذرت الناقة إذا لقحت فرفعت ذنبها واستكبرت، يريد أنه ينتصب بعضهم لبعض بالذحول أي من أجل الذحول، يقال فلان يتشذر لي بالعداوة، والبدي واد، رواسيا ثابتة. وقال لبيد:
نشين صحاح البيد كل عشية ... بعوج السراء عند باب محجّب
أي عند باب ملك، نشين صحاح البيد أي نحفر فنشينها وذلك أنهم يفتخرون ويخطفون بقسيهم فيقولون فعلنا كذا ويخطّون وفعلنا كذا ويخطون بالقسى.
وأصدرتهم شتىّ كأن قسيهم ... قرون صِوار ساقط متلغّب
يقول هم لا يحركون قسيهم ويخطون بها لأنهم لا أيام لهم قد انقطع ما عددوا منها وبقيت أعدد فهم كصوار سقطت معيِية فهي لا تحرك قرونها. ومثله قول الآخر:
إذا اقتسم الناس فضل الفخارِ ... أملنا إلى الأرض فضل العصا
أي نخطط بها ونقول فعلنا كذا وفعلنا كذا. وقال لبيد:
ما إن أهاب إذا السرادق غَمه ... قرعُ القسى وأرعشى الرعديد
أي كثر عليه، وهؤلاء قوم يدخلون على ملك متنكبين قسيهم فقسيهم تغرع السرادق، والرعديد الجبان. وقال حيد بن ثور:
بمنزلة لا يصدق الصواب عندها ... من النبل إلا الجيدْ المتلقّف
الذي يتلقف من جودته وضرب النبل مثلا للكلام أي لا يجوز فيها إلا كلام رجل نحرير، والصوب القصد. ومثله للبيد:
فرميت القوم رشقا صائبا ... ليس بالعُصل ولابالمفتعَل
الرشق الوجه يقال رميت رشقا أو رشقين، ليس بالعصل أي بالمعوجّة يقال سهم أعصل وناب أعصل أي معوج، ولا بالمفتعل أي ولم يعمل مما تعمل منه السهام، وذكّره لأنه إلى لفظ الرشق وإنما أراد السهام ومعناه الكلام شبهه بالسهام. وقبل هذا البيت:
إذا دعتني عامر أنصرها ... فالتقي الألسن كالنَبل الدول
أي التي تُتداول. وقال آخر:
ولا يعيبك عرقوب للأي ... إذا لم يعطك النصف الخصيم
عرقوب حيلة. وقال بعض الرجاز:

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5