كتاب : المعاني الكبير
المؤلف : ابن قتيبة الدينوري

وهذا من فعلهم كالزجر، وقال آخر:
يزيلُ على غِرّاتِ أشوسٍ يتَّقى ... يرى الطيرَ لو يحزو له الطيرَ عائف
يقول يرى الطير تجري له بما بيني وبينها لو يجزو له الطير عائف من نفسه لعرف ذاك، ويحزو يزجر هو الحازي، والعائف، وكان أصل التطير في الطير وكذلك الزجر بأصواتها وعددها والتفلّي والتنتف ثم صاروا إذا عاينوا الأعور والأعضب والأبتر زجروا، وزجروا بالسنوح والبروح، وقال رؤبة:
يشقى بيَ الغيران حتى أحسبا ... سيداً مغيراً أو لَياحاً مُغرَبا
يقول يخافني الغيران على حرمته كما يُخاف الذئب على الغنم، واللياح الثور الأبيض، وكانوا يتشاءمون بالمغرب الذي تبيض أشفاره، يقول لا يقدر على النظر إليّ، وقال أيضاً:
قد علمَ المرْهِيئون الحمقا ... ومن تحزَّى عاطساً وطَرقا
أن لا نُبالي إذ بدرْنا الشرقا ... أيومَ نحسٍ أم يكونُ طَلقا
المرهيئون المهيئون يقال جاء بشهادة مُرَهْيَأة، والتحزي التكهن، وكان يتطيرون بالعطاس والطَرق، والطرق طرق الحصى والتخطيط بالأصابع، يقول إذا غدونا غدوة فبدرنا الشرق لم نتطير، والطلق السهل، ومنه يقال طلق اليدين.
وقال الهذلي - ربيعة بن الجحدر:
وخَرقٌ إذا وجّهتَ فيه لغزوةٍ ... مضيتُ ولم تحسبكَ عنه الكَوادسُ
الكوادس العواطس، يقال كدس إذا عطَس.
وقال امرؤ القيس:
وقد اغتدى قبل العطاس بهيكل
أي قبل أن ينتبه إنسان فيعطس فأتطير منه، وقال الكميت وذكر الصائد والثور:
فتماري بنبأةٍ من خفي ... بين حِقفيْنِ كلّفته البكورا
عطسةُ العائفِ الذي بمناهٍ ... حِسبَ الفألِ فألُها المزجورا
النبأة الصوت الخفي، والخفي الصائد، والحقف ما اعوج من الرمل، والعطسة كلفت الصائد زجر الفأل على مناه فقال: لأصيبن خيراً اليوم فبكّر.
وقال العجاج:
قالت سليمى لي مع الضوارسِ ... يا أيها الراجمُ رجم الحادِسِ
بالنفس بين اللُجَم العواطسِ
هذا مثل، كانوا يتطيرون من العطاس فإذا عطس العاطس قالوا قد ألجمه، كأن العطسة تلجمه عن حاجته.
وقال ابن الأعرابي، يقال عطست فلاناً اللجم، أي أصابه الهلاك الذي تُطيِّر له به فمات، قال واللجم دوبية صغيرة.
وقال رؤبة:
ولا أبالي اللَجم العَطوسا
وقال آخر:
إنا أناسٌ لا تزال جزورُنا ... لها لجم عند المباءةِ عاطسُ
يريد أنا ننحرها فكأن اللجم عطس لها فأسابها الهلاك.
وقال طرفة:
لعمري لقد مرَتْ عواطسٌ جمّةٌ ... ومر قُبيل الصبحِ ظبيٌ مصمَّعُ
عواطس أشياء عطست يتشاءم بها، والظبي أيضاً يتشاءم به، مصمع صمعت أذنه أي صغرت والأذن الصمعاء الصغيرة، ويروي مصمع أي ذاهب مسرع، يقال صمّع إذا عدا.
وعجزاً دفَّت بالجناحِ كأنها ... مع الفجرِ شيخٌ في بجادٍ مقنَّعُ
عقاب جعلها عجزاء لبياض عجزها، دفت ضربت بجناحها، يجاد كساء والعقاب يتشاءم بها أيضاً.
فلن تمنعي رزقاً لعبدٍ يصيبُه ... ولن تدفعي بؤسي وما يتوقَّعُ
وقال ذو الرمة:
جرى أدعَجُ الروقيْنِ والعين واصح ال ... قرى الخديْنِ بالبيْنِ بارحُ
بتفريقِ طيّاتِ تُياسِرْنَ قلبُه ... وشق العصا من عاجلِ البيْنِ قادحُ
يعني ثوراً جرى بالفراق وهم يتشاءمون به، أدعج الروق أسوده، واضح القرى أبيضه، والسُفعة في الخد كل لون يخالف سائر لونه، تياسرن قلبه اقتسمن قلبه من الميسر والميسر الجزور نفسه، والقادح أكل يقع في العصا، بارح جرى من يساره وكانوا يتشاءمون بالبارح، وقال الرياشي الشعراء المتقدمون كانوا يتشاءمون بالسانح، وأنشد ابن قميئة:
وأشأم طير الزاجرين سنيحها
وهذيل تتشاءم بالسانح، قال أبو ذؤيب:
أرِبتُ لإربته فانطلقْتُ ... أزجي لحبِ الإيابِ السنيحا
قوله أربت لإربته أي كانت لي حاجة في حاجته فمضيت معه، أزجي أدفع عني الطير، يقول مضيت معه لا أتطير من السنيح فذاك إزجاؤه، يقول كنت ذا إربة في الغزو كإربة صاحبي والإربة الحاجة، فذكرت له بيت أبي داود يصف الحمار والأتان:
قلتُ لما نَصلا من قنةٍ ... كذبَ العيرُ وإن كان برَحَ

وقلت إنهم كانوا يفسرونه بأن الحمار جرى بارحاً بحرمان الصيد فقال أبو داود كذب فيما صنع يعني من البروح ولكني سأصيده، فقال بل أراد أن العير جرى لنفسه بارحاً كأنه تيمن بالبروح ورجا السلامة وكذب فيما قدّر لأني سأصيده، وقال زهير وذكر الظباء:
جرت سُنحاً فقلتُ لها: أُجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللقاءُ
أجيزي أي مرّي يقال جاز وأجاز إذا ذهب، نوى مشمولة أي ليست على القصد كأنه أخذ بها نحو الشمال، ويقال في مشمولة إنها من الريح الشمال والعرب تتشاءم بها لأنها تفرق السحاب، والقول هو الأول ألا ترى الهذلي يقول:
زجرتُ لها طيرَ الشمالِ فإن يكنْ ... هواكَ الذي تهوي يصيبكَ اجتنابُها
وقال كثير:
أقولُ إذا ما الطيرُ مرّت مُخيفةً ... سوانحُها تجري وما أستثيرُها
فدتكَ ابن ليلى ناقتي حدث الردي ... وراكبها إن كان كون وكُورها
مخيفة ومخيلة أي موهمة، يقول لا أزجرها لآثيرها ثقة بك وعلماً بأنك لا تأتي ما أكره وإن جرت السوانح به، وقال الكميت يصف قومه:
وفي نهاوند قد حلوا بمغتفِر ... زجر البوارح بالإيمان والنُعب
بمغتفر كأنهم غفروا زجر الظباء والغربان أي لم يعملوا به وأبطلوه ومضوا على الإيمان والتوكل، يريد أنهم مؤمنون لا يتطيرون.
وقال كثير وذكر خطة:
غموم لطير الزاجريها أريبة ... إذا حاولت ضر الذي الضغن ضَرّت
غموم أي غامرة للزجر تشكل عليهم ولا يقدر زجر الطير.
وقال ابن أحمر:
ألا قلّ خير الدهر كيف تغيرا ... فأصبح يرمي الناس عن قرن أعفَرَا
يقول كأنما يرميهم عن قرن غزال والغزال يتشاءم به.
وقال أيضاً:
زجرت لها طيراً فيزجر صاحبي ... وأقول هذا أزائد لم يحمَد
لم يحمد لم يأت موضعاً محموداً.
آخر:
قامتْ تباكي لأن مرّتْ بنا أصُلاً ... بجانبِ الدَوّ أسرابٌ من العينِ
قالت أبو مالكٍ أمسي ببلقعةٍ ... تسفي الرياحُ عليه غير مدفونِ
فبيَّنتُ صدقَ ما قالت وما نطقتْ ... وصاحبُ الدهرِ في خفضٍ وفي لينِ
هذه امرأة مرت بها ظباء فتشاءمت بها فقالت لعل أبا مالك أمسى في هذه الحال، ثم جاءها الخبر عنه بنحو مما خافت فقال فبينت صدق ما قالت، وصاحب الدهر في خفض في اتضاع مرة وفي لين أي في خير مرة أخرى.
وقال الفرزدق لناقته:
إذا قطنا بلغتِنيه ابن مدركٍ ... فلاقيتِ من طيرِ الأشائمِ أخيَلا
الأخيل الشِقِرّاق وهو يتشاءم به ويقال بعير مخيول إذا وقع الأخيل على عجزه فقطعه.
وقال هو أو جرير:
ويقطع أضعاف المتون أخايله
أراد - إذا - أنتِ بلغتني هذا الممدوح لم أُبَل بهلكك كما قال ذو الرمة:
إذا ابنَ أبي موسى بِلالا بلغتِه ... فقامَ بفاسٍ بين وِصليكَ جازِرُ
وكما قال الشماخ:
إذا بلغتِني وحملت رحلي ... عرابةَ فاشرَقي بدمِ الوتينِ
وقال كعب بن زهير:
فما نلتني غدراً ولكن صبحتنا ... غداةَ التقيْنا في المضيقِ بأخيلِ
أي لقيتنا بشؤم كالأخيل، وقال الأعشى:
انظر إلى كفٍّ وأسرارَها ... هل أنتَ إن أوعدتني ضائري
الأسرار خطوط الكف وكانوا ينظرون إليها فيستدلون بها وقال الكميت:
وانظُر إلى أسراِ ك ... فٍ أجمٍ مقلومِ الأظافرِ
الأجم الذي لا سلاح معه، وكذلك المقلوم الأظافر وإنما يريد نفسه أي انظر إلى أسرار كفك فإنه أجم مقلوم الأظافر فهل تقدر لي على ضر.
وقال جرير:
وما كانَ ذو شَغبٍ يمارسُ عيضا ... فينظُر في كفَّيْه إلا تندُّما
العيض الغيضة، شبه حسبهم به فينظر في كفيه يقول إذا تعيّف فنظر في كفيه علم أنه لاق شراً.
الأبيات في العُقاب
قال أبو كبير:
ولقد غدوْتُ وصاحبي وحشية ... تحت الرداءِ بصيرةٌ بالمشرفِ
حتى انتهيتُ إلى فراشِ عزيزةٍ ... سوداءِ روثةٍ أنفها كالمِخصفِ
وحشية يريدها ريحاً، عزيزة يعني عش العقاب، والمخصف المِخرز، وقال طفيل:
تبيتُ كعقبانِ الشُريّفِ رجالهُ ... إذا ما نووا إحداثَ أمرٍ معطِّبِ

أي تبيت الرجال معدة للغدوّ كما تبيت هذه العقبان، معطب مهلك، وقال الشماخ وذكر الحمير:
كأن متونهُنَ مولِّياتٍ ... عصيّ جناحٍ طالبة لَموعِ
عصي أصول الريش شبه متونهن في استوائها وانملاسها بقصب الريش وذلك لأن في متونهن خطوطاً سوداً، طالبة يعني عقاباً، لموع تلمع بجناحها.
فما تنفكُ حول عويرضاتٍ ... تجرّ برأسِ عِكرِشةٍ زموعِ
العكرشة الأرنب الأنثى، والذكر خُزَز، زموع يقال مسرعة في عدوها ويقال زموع تطأ على زمعاتها وهي مواضع الثنن من الدواب وذلك هو التوبير وإنما تفعله لئلا يعرف أثرها.
تطارد سِيدَ غاباتٍ ويوماً ... تطاردُ سيدَ قاراتِ الجموعِ
يقول هذه العقاب تطارد الذئاب وذلك لأنها تقع على القتلى والذئاب عليها.
وقال يذكر وكر العقاب:
ترى قطعاً من الأحناشِ فيه ... جماجمهن كالخَشْلِ النزيعِ
الأحناش الحيات واحدها حنش، والخشل المقْل الواحدة خشلة، وروي عن الأصمعي أنه قال الخشل ما انكسر من رؤوس الأسورة والخلاخيل شبه رؤوس الحيات به.
وقال المسيب بن علَس:
أنتَ الوفي بما تُذِم وبعضهم ... يودي بدمتهِ عقابُ ملاعِ
تذم تعطي من الذمة، ملاع يقال امتلعه إذا اختلسه، أخرجه مخرج حذار أي كأن ذمته طارت بها عقاب.
ومثله - لامرئ القيس:
كأنّ بني شيْبان أودَت بجارُهم ... عقاب تَنَوفا لا عقاب القَواعلِ
تنوفا ثنية مشرقة والقواعل ثنايا صغار، وقال عمرو بن معدي كرب يصف خيلا ً:
بساهمةٍ خصبْنَ بجادياتٍ ... سوابقهن كالحِداء الشحاحِ
شحّت أن يسبقها شيء، والحدأ جمع حدأة، وقال جران العود:
عقاب عقنباة كأن وظيفها ... وخرطومها الأعلى بنار ملوَّحَ
عقنباة سريعة الخطفة، خرطومها منسرها، ووظيفها ساقها، أراد أنهما أسودان، وقال امرؤ القيس يصف فرساً:
كأني بفتخاءِ الجناحيْنِ لقوةٍ ... صيودٍ من العقبان طأطأت شيمالي
كأن قلوبَ الطيرِ طباً ويابساً ... لدى وكرِها العنابِ والحشفِ البالي
يقول كأني بطأطأتي هذه طأطأت فتخاء وهي العقاب سميت بذلك لفتخ في جناحها والفتخ اللين إذا انقضت، وشيمال وشملال خفيفة. قال أبو عبيدة أُراه أراد شمالي فزاد ياء كما قالوا:
من يانع الثيمار
أراد الثمار، ويقال فلان يطأطئي في ما له أي يسرع، والقلوب أطيب ما في الطير فهي تأتي به فراخها.
وقال الأعشي وذكر فرسه:
وكأنما تبعُ الصوارِ بشخصِها ... عجزاً ترزُق بالسُلّيّ عِيالها
أي كأنما تبع الصوار حين تبعته الفرس عقاب، وعجزاء في أصل ذنبها بياض، أبو عبيدة: عجزاء شديدة الدابرتين، والسلي واد دون حجر، وعيالها فراخها.
وقال أبو خداش الهذلي:
كأني إذ غدوا ضمَّنتُ بزي ... من العقبانِ خائِتَة طَلوبا
بزي سلاحي، يقول كأن ثيابي حين غدوت على عقاب من سرعتي، خائتة تسمع لجناحها صوتاً إذا انقضّت.
جريمةُ ناهضٍ في رأس نيقٍ ... ترى لعظامٍ ما جمَّعت صليبا
جريمة كاسبة، يقال فلان جارم أهله أي كاسبهم، ناهض فرخ، قال الله عز وجل " لا يجر منّكم شنآن قوم " أي لا يكسبكم، والصليب الودك ولهذا مصلوب أي يسيل ودكه.
رأتْ قنصاً على فوتٍ فضمّت ... إلى حيزومها ريشاً رَطيبا
على فوت أي كاد الصيد يفوتها، الرطيب الناعم، والحيزوم الصدر، أي كسرت جناحها لتنقضّ حين رأت الصيد.
فلاقتْه ببلقعةٍ بَراحٍ ... فصادمَ بين عينيْه الجَبوبا
أي رفعته ثم أرسلته فصادم الجبوب أي الأرض.
وقال آخر يصف فرساً:
هو سِمع إذا تمَطر مشياً ... وعقابٌ يحثّها عِسبارُ
السمع ولد الذئب من الضبع، والعسبار ولد الضبع من الذئب، وقوله وعقاب يحثها عسبار يريد أن العسبار يسرع في عدوه فتسرع العقاب في طلبه فكأنه هو حثها.
وقال ابن كُنَاسة يصف فرساً:
كالعقابِ الطلوبِ يضربُها الطلُّ ... وقد صوّبتُ على عِسبارِ
وقول الهذلي:
فلو أن أمي لم تلدني لحلّقتْ ... بي المُغرِب العنقاء عند أخي كلبِ

قال بعضهم العنقاء المغرب لأنها تأتي من مكان بعيد وكانت أمه كلبية فأسره رجل من كلب أراد قتله فلما انتسب له خلي سبيله، وقوله لحلقت بي المغرب أي هلكت كما يقال شالت نعامته.
وقال أبو ذؤيب:
فألقى غِمدَه وهوى إليهم ... كما تنقضُّ خائتة طَلوبِ
خائتة منقضة يقال سمعت خَوَات القوم أي أصواتهم وخوات العقاب أي انقضاضها وسمي الرجل خَواتاً من ذلك وأنشد:
يخوتون أولى القوم خوت الأجادل
موقّفة القوادمِ والذنابي ... كأن سراتَها اللبنِ الحليبِ
يقول في قوادمها وذنبها بياض وظهرها أبيض وهي شر العقبان، والخالصة هي الخُدارية وهي السوداء وخدر الليل سواده، وأنشد الأصمعي:
لها ناهضٌ في الوكرِ قد مهّدتْ له ... كما مَهدتْ للبعلِ حسناً عاقرُ
العاقر أشد تصنعاً للزوج وأحفى به لا ولد لها تدل به ولا يشغلها عنه، وقال الهذلي وذكر فرخي عقاب فقدا أمهما:
فُريخيْنِ ينضاعان في الفجرِ كلما ... أحسَّا دويّ الريحِ أو صوتَ ناعبِ
ينضاعان يتحركان ومنه تضوع المسك كأنه تحركه، في الفجر لأنه وقت حركة الطير.

الأبيات في النسر
قال النابغة:
إذا ما غزا بالجيشِ حَلَق فوقه ... عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ
قال: النسور والعقبان والرخم تتبع العساكر تنتظر القتلى لتقع عليهم فإذا لم تحم النسور على الجيش ظنوا أنه لا يكون قتال.
جوانحٌ قد أيقنّ أن قبيلة ... إذا ما التقى الجمعانِ أول غالبِ
وهذا إسراف في القول:
يصانعنهم حتى يُغرنَ مُغارهم ... من الضارياتِ بالدماءِ الدواربِ
قوله يصانعنهم يقول النسور تسير معهم فلا تؤذي دابة ولا تقع على دبرة فهذا مصانعتها لهم، والدوارب المعتادة من الدربة وهي الضراوة.
تراهُنَ خلفَ القومِ زُوراً عيونها ... جلوسَ الشيوخِ في مُسوك الأرانبِ
الشيوخ ألزم للفراء لرقتهم على البرد والأرانب لينة المس، قالت امرأة في زوجها " المسّ مسّ أرنب " .
قال الأصمعي " في ثياب المرانب " وهي ثياب يقال لها المرنبانية إلى السواد ما هي، شبه ألوان النسور بها.
لهنَّ عليهم عادةٌ قد علمنها ... إذا عرَضَ الخَطيّ فوق الكواثبِ
الكاثبة من المنسج أمام القَرَبوس يقول إذا عرضت الرماح على الكواثب علمت النسور أن ذلك لرزق يساق إليها، وقالت الهذلية تذكر قتيلاً:
تمشي النسورُ إليه وهي لاهيةٌ ... مشي العذارى عليهن الجلابيبُ
تقول النسور في خلاء ليس فيه شيء يذعرها فهي آمنة لا تعجل، وقال الجعدي وذكر قتيلاً:
تَوهّن فيه المضرِحية بعدما ... رويْنَ نجيعاً من دمِ الجوفِ أحمرا
توهن يريد تثقل من كثرة أكلها فلا تقدر على النهوض فتصير كالمَوهون، والمضرحية العتيق النجار وأراد النسور ويقال رجل مضرحي أي عتيق النجار، وقال أبو خراش وذكر سيفاً:
به أدع الكمي على يديْه ... يخرّ تخاله نسراً قَشيبا
قشيب خلط له السم بطعم، يقال قشب له إذا خلط له السم ليصاد به، ومثله لطفيل:
كساها رطيبُ الريشِ من كل ناهضٍ ... إلى وكره وكل جونٍ مُقَشّبِ
المقشب نسر جعل له القشب في الجيف ليصاد، ناهض حديث السن وفيه غبرة، والجون الأسود وإذا كبرت سنه ود، وقال ساعدة:
أريُ الجَوارسَ في ذؤابة مِشرفٍ ... فيه النسورُ كاتحبّي المَوكبِ
يقول قد نزلت النسور فيه لوُعورته فكأنها موكب قعدوا محتبين مطمئنين، يعني ركباً.
الأبيات في البازي والصقر
قال أبو وجزة يذكر بازياً:
وخائفٌ لحِماً شاكاً براثنه ... كأنه قاطمُ وَقفيْنِ من عاجِ
القطم العض بمقدم الأسنان، والوقف السوار، والعاج الذبل ويقال أنه ظهر السلحفاة البحرية، وقال ذو الرمة يذكر الحمير في عدوها:
كأنهنَ خوافي أجدل قرمٍ ... ولّى ليسبُقَه بالأمعزِ الخرَبُ
الأجدل الصقر، والخرب الذكر من الحباري، والخوافي ما كان من ريشه دون الريشات العشر اللواتي يكن في مقدم الجناح، والقرم الذي يشتهي اللحم، أراد: ولي الخرب ليسبق الأجدل، شبّه سرعتهن بسرعة هذا الصقر القرم حين ولى الخرب ليسبقه فطلبه.
وقال أيضاً:

كما نَفَضَ الأشباحَ بالطرفِ غدوة ... من الطيرِ أقني أشهل العين واقعُ
يقال: انفض الأرض أي انظر هل ترى فيها عدوّاً أو صيداً، أقنى في أنفه قنا، وقال الراعي يصف البازي:
مملمٌ كمُدقّ الهضبِ منصلتٍ ... إذا تفرّقنَ عنه وهو مندفعُ
يسبقنَ بالقصدِ والإيغالِ كرّته ... ولا يكادُ إذا ما فاتَ رتجعُ
يقول إذا حمل البازي فجاوزهن قصدن وحمل هو فأخطأ فمضى، يقول إذا مضى مضيّه لم يكد يرجع من شدة حمله وكذلك البازي:
وظل بالحزنِ لا يَصري أرانبه ... من حدِ أظفارِه الجُحرانُ والقَلَعُ
الجحران الجِحرة والقلع جمع قلعة وهو البل، لا يصري لا ينجي.
وقال أبو النجم وذكر راعي الإبل:
صُلب العصا جافٌ عن التغزلِ ... كالصقرِ يجفو عن طِراد الدُّخْلِ
يقول لا يحسن مغازلة النساء يجفو عن ذلك كما يجفو الصقر عن صيد الدخل، هو ابن تمرة. وقال عنتر وذكر فرساً:
كأنه بازٌ دَجْنٌ فوق مرقبةٍ ... جلّى القطا فهو ضارٌ سملقٌ سَنِقُ
البازي يوم الدجن وهو يوم إلباس الغيم أشد طلباً للصيد، ضار سملق أي معتاد للصيد في السملق وهو الصحراء، سنق بشم.
وقال المرار:
تأملَ ما تقولُ وكتُ قِدماً ... قُطامياً تأمله قليلُ
القطامي الصقر وهو يكتفي بنظرة واحدة.
وقال العجاج:
يقلبُ أولاهنَ لطَم الأعسرِ ... قلبَ الخراساني فروَ المفتري
المفتري اللابس الفرو، شبّه جناحي البازي بكميه إذا خلع فروه.
وقال يذكر بازياً:
بحِجناتٍ يتثقّبن البُهَر ... كأنما يمزّقنَ باللحم الحوَرِ
حجنات مخالب معقفة يقال ناب حجن إذا كان معوجاً، يتثقبن يثقبن، البهر جمع بهرة وهي الوسط، يمزقن يشققن، والحور جلود تدبغ بغير القرظ وهي لينة، يقول كأنما تمزق هذه المخالب مزقهن اللحم الحور، يريد أنها تسرع تمزيقه.
وقال رؤبة:
لما رأتني راضياً بالإهمادِ ... كالكُرّزِ المربوطِ بين الأوتادِ
الإهماد السكون ولزوم البيت، وهو في موضع آخر سرعة السير وهذا حرف من الأضداد.
قال الراجز - ويروى لرؤبة أيضاً:
ما كان إلا طَلَقُ الإهمادِ ... وجذبُنا بالأغرُبِ الجيادِ
والكرز بالفارسية الحاذق المجرب يقال له كره فعرب وأراد البازي الذي قد شُد لئلا يطير حتى يسقط ريشه.
وقال أيضاً:
البُوه تحت الظلة المرشوش
البوه طائر مثل البومة فيقول كأني طائر قد تمرط ريشه من الكبر فرشّ عليها الماء بالفم ليكون أسرع لنبات ريشه وإنما يفعل هذا بالصقورة خاصة.
وقال امرؤ القيس:
يا هند لا تنكحي بوهة
يقال أنه أراد هذا الطائر شبه الرجل الجاهل به، وقال كثير:
فما زلتم بالناس حتى كأنهم ... من الخوف طير أخذأتها الأجادل
أخذأتها أذلتها ياقل أخذأت فلاناً أي ذللته، والأجادل الصقور. قال رؤبة:
إذا تعرّقْنا لحاءِ العظمِ ... أريت عينيْه غَرام الغُرمِ
واضطرَّه من أيمني وشؤمي ... صرة صرصارِ العتاق القُتمِ
تعرقنا لحاء العظم يريد بلغنا الغاية كما تقول بلغ السكين العظم، أريت عينيْه غَرام الغُرمِ أي الغمرة، تقول العرب للذي يرى ما يكره رأي العمى، والصرة صوت الصقر، يقول اضطره هذا الوقع مني إلى ما يكره، والأقتم في لونه، أنشد ابن الأعرابي:
إليكَ أشكو لزَبابٍ مغلقٍ ... وحادياً كالشّيذقانِ الأزرقِ
يريد الصقر، وقال أبو خراش:
ولا أمغر الساقينِ ظلَّ كأنه ... على محزئلاّتِ الأكام نصيلُ
يعني الصقر وما ارتفع فقد أحزأل، والنصيل الحجر قدر الذراع ونحوه، وقال زهير وذكر صقراً:
ثم استمر فأوفى رأس مَرقبة

الأبيات في الرخم
قال الكميت:
وذات اسميْنِ والألوانِ شتى ... تُحمق وهي كيِّسة الحَويل

ذات اسمين يريد أنها تسمى رخمة وأنوقا، والحويل الحيلة، قال المفضل الضبي، قلت لمحمد بن سهل راوية الكميت ما معنى هذا البيت ؟ وأي كيس عند الرخمة ؟ ونحن لا نعرف طائراً ألأم لؤماً ولا أقذر طعمة ولا أظهر موقاً منها، فقال محمد وما حمقها ؟ وهي تحفظ فرخها وموضع بيضها وطلب طعمها واختيارها لبيضها من المواضع ما لا يبلغه سبع ولا طائر وهي تحضن بيضها وتحمي فراخها وتحب ولدها ولا تمكن إلا زوجها وتقطع في أول القواطع وترجع في أول الرواجع ولا تطير في التحسير ولا تغتر بالشكر ولا تُرِبّ بالوكور ولا تسقط على الجفير، أما قوله تقطع في أول القواطع وترجع في أول الرواجع فإن القُناص إنما يطلبون الطير بعد أن يعلموا أن القواطع قد قطعت فتقطع الرخمة ويستدلون بها فتنجو سالمة إذ كانت أول طالع عليهم، وأما قوله ولا ترب بالوكور فإنه يقول الوكر لا - يكون - إلا في عرض الجبل وهي لا ترضى إلا بأعالي الهضاب حيث لا يبلغه أحد، قال أبو نوفل:
من الطير المرِّبة بالوكور
يقال أرب بالمكان إذا لزمه، وأما قوله ولا تغتر بالشكر فإنه أراد أنها تدع الطيران أيام التحسير فإذا نبت الشكير وهو أول ما ينبت من الريش لم تتحامل به حتى يصير الشكير قصباً، والجفير الجعبة، يقول لا تسقط في موضع تراها فيه لأنها تعلم أن فيها سهاماً، وقال الكميت:
لا تجعلوني في رجائي ودّكم ... كراجٍ عن بيضِ الأنوقِ احتبالها
يقول لا تجعلوني كمن رجا ما لا يكون، احتبالها صيدها بالحبالة فقد رجا ما لا يكون، وقال الأعشى:
يا رخماً قاظَ على ينكوبٍ ... يُعجِّل كفُ الخارئ المُطيبِ
المطيب الذي يستطيب أي يستنجي تعجله عن الاستنجاء لأنها تأكل العذرة، وقال آخر:
حتى إذا أضحى تدرَّى واكتَحَلَ ... بجارتيْه ثم ولَّى فنثَلَ
رزق الأنوقين القرنَبي والجَعَلَ
أي نثل رزقاً لها يعني العذرة وهي تقتاتها.
وقال الأنوقين والأنوق الرخمة، ثم فسرهما فقال القرنبي والجعل وليس يسمى القنبي ولا الجعل أنوقاً ولكنه سماهما أنوقين لأنهما يأكلان العذرة كما تأكله الرخمة.
وقال الكميت يهجو رجلاً:
أنشأت تنطقُ في الأمو ... رِ كوافدِ الرَّخَم الدوائرِ
إذ قيلَ يا رخم انطقي ... في الطيرِ إنكِ شرُّ طائرِ
فأتتْ بما هي أهلُه ... والعِيُّ من شَللِ المُحاورِ
الدوائر التي تدور إذا حلقت، وقوله: إذ قيل يا رخم انطقي أراد قول الناس إنك من طير الله فانطقي، وصير العيّ كالشلل.

الأبيات في الحباري
قال أبو الأسود:
وزيد ميتٍ كمد الحباري ... إذا ظعنت هُبَيدة أو مُلمُّ
يقال في مثل " مات فلان كمد الحباري " والحباري إذا تحسرت وألقت ريشها مع إلقاء الطير ريشه أبطأ نبات ريشها فإذا طار الطير ورامت هي الطيران فلم تقدر ماتت كمداً، وملم مقارب للموت.
وقال الراعي:
حلفَتْ لهم لا تحسبونَ شتيمتي ... بعيني حباري في حبالةِ مُعزِبِ
رأتْ رجلاً يسعى إليها لحملقَتْ ... إله بمأقي عينِها المتقلبِ
المعزب الصائد لأنه لا يأوي إلى أهله، حملقت قلّبت حملاق عينها.
والمعنى أن شتمكم إياي لا يذهب باطلاً فأكون بمنزلة الحباري التي لا حيلة عندها إذا وقعت في الحبالة إلا تقليب عينيها وهي من أذل الطير، ونحو منه قول الكميت:
وعيد الحباري من بعيدٍ تنفَّست ... لأزرقٍ معلولِ الأظافرِ بالخَضبِ
وقال الراعي:
تنوشُ برجليْها وقد بلَّ ريشُها ... رشاش كغسلِ الوفرةِ المتصبّبِ
تنوشُ برجليْها أي تضرب بهما، والغسل الخطمي يريد سلحت على ريشها، ويقال في المثل " أسلح من حباري " ولها خزاية بين دبرها وأمعائها لها فيها سلح رقيق لزج فمتى ألح عليها الصقر سلحت عليه فصار كالدبق في جناحه وبقي كالمنتوف فعند ذلك تجتمع الحباريات عليه فينتفن ريشه كله وفي ذلك هلاكه.
وقال الشاعر:
وهم تركوكَ أسلح من حباري ... وهم تركوكَ أشرد من نعامِ
وقال متمم بن نويرة:
وأرملةٌ تمشي بأشعثٍ مُحثَلٍ ... كفرخ الحباري رأسُه قد تصوَّعا

محثل صبي قد أسيء غذاؤه وشبهه بفرخ الحباري لأنه قبيح المنظر منتف الريش. آخر:
وكل شيءٍ قد يحب ولدَه ... حتى الباري فتطير عَنَدَهُ
الحباري يضرب بها المثل في الموق قال فهي على موقها تعلم ولدها الطيران وإذا أرادت أن تعلمه ذلك طارت يمنة ويسرة وهو ينظر ليتعلم، وقوم يظنون أن الكروان ابن الحباري لقول الشاعر:
ألم ترَ أن التَّمر بالزبدِ طيبٌ ... وأن الحباري خالةُ الكروانِ
والعرب تقول:
أطرقُ كراً أطرقُ كرا ... إن النعامَ في القرى
كراً ترخيم كروان تقلب الواو ألفاً لانفتاحها وانفتاح ما قبلها وكذلك ترخيم قطوان تقول يا قطا أقبل، وهذا مثل يضرب للرجل الحقير الصغير القد يتكلم في الأمر الذي غيره أولى بالكلام فيه فيقال " أمسك فقد جاء من هو أكبر منك وأولى بالقول " والكروان أيضاً سلاح، قال بعض بن أسد لمصدق:
يا كرواناً صُكّ فاكَبأَنا ... فشن بالسلعِ فلما شنّا
بل الذّنابي عبساً مُبِنّا
أصل العبس البعر، فأراد سلحه، مبناً له بنّة أي رائحة.
الأبيات في المكّاء
قال ذو الرمة وذكر يبس البقل:
وظل للاعَيس المزجي نواهضُه ... في نفنفِ اللوحِ تصويبُ وتصعيدُ
الأعيس يريد المكاء في لونه، يزجي يسوق فراخه لتنهض وإنما يكون هذا عند يبس البقل.
وقال أيضاً في مثل هذا:
ولم يبقَ من منقاضِ رُقشٍ توائمٍ ... من الزغبِ أولادِ المكاكي واحدُ
منقاض موضع انقياض البيض، رقش يعني بيضه، توائم أزواج لسن بأفراد، والزغب الفراخ يقول استقللن فطرن في هذا الوقت والمكاء يذكر في الزمان الذي تسميه العوام الربيع وهو الوقت الذي تصوت - فيه - وتسافد، قال:
كأن مكاكيّ الجواء غدية ... نشاوى تساقوا بالرياحِ المفلفلِ
أراد بالرياح الراح فزاد ياء، شبهها بنشاوى لكثرة أصواتها وغنائها.
وقال آخر:
إذا غرَّدَ المكاءُ في غيرِ روضةٍ ... فويلٌ لأهل الشاءِ والحُمُراتِ
يقول إذا أجدب الزمان ولم يكن روضة يغرد فيها فغرد في غير روضة فويل لأهل الشاء.
وقال كثير يذكر ناقة:
تمطو الجديلَ إذا المكاكي بادرتْ ... جُحل الضبابِ محافر الأدحالِ
يقول يدخل المكاء جحر الضب لشدة الحر، جُحل جمع جهل وهو العظيم من الضباب والأدحال جمع دحل وهو الغار.

الأبيات في الحمام وغيرها من الطير
قال ذو الرمة:
أرى ناقتي عند المحصَّبِ شاقها ... رواحُ اليماني والهديلُ المرجّعُ
أي نفر اليمانية ينصرفون، والهديل هاهنا أصوات الحمام، أراد أنها ذكرت الطير في أهلها فحنت إليهم.
وقال جران العود:
كأن الهديلَ الظالعَ الرجلِ وسطها ... من البغي شَريب بغزة منزَفِ
الهديل هاهنا الفرخ بعينه، والشريب الكثير الشرب، وقال الكميت لقضاعة في تحولهم إلى اليمين:
وما مَن تهتفينَ به لنصرٍ ... بأقربِ جابةٍ لك من هَديلِ
العرب تقول كان في سفينة نوح فرخ فلما دف طار فوقع في البحر فغرق الطير فالطير كلها تبكي عليه، قال:
يبكي بقارعة الطريق هَديلا
جابة إجابة ويقال في المثل " أساء سمعاً فأساء جابة " .
وقال ابن مقبل:
في ظهر مَرتْ عساقيلُ السرابِ به ... كأن وَغرَ قطاه وَغرَ حادينا
أصواتُ نسوانٍ أنباط بمصنعةٍ ... يجّدن للنَّوحِ واجتنَبْنَ التبابينا
يجدن لبسن البُجُد، شبه أصوات قطاه لكثرتها بأصوات حُداة. وشبه أصوات الحمام بأصوات نساء من النبط مثاكيل.
وقال جران العود:
واستقبلوا وادياً صوت الحمام به ... كأنه صوت أنباط مثاكيل
ثم ذكر موضع المصنعة فقال:
في مشرفٍ ليط ليّاق البلاطِ به ... كانت بشاشتهُ مُهدَى قرابينا
يقول تلك المصنعة للنصارى يتعبدون فيها في مشرف، ليط ألصق، ولياق البلاط ما لصق منه يقال ما يليق بك هذا وما يليط سواء، ويقال لاقت الدواة أي لصقت، ويروى: ليط ليّوق، وهو مثله، والقرابين جمع قربان وهو ما يقترب به النصارى، يقول كأن حسن ذلك الموضع وأنسه بإهداء القربان وإيقاد المصابيح وضرب النواقيس:

صوتُ النواقيسِ ما تفرّطه ... أيدي الجلاذيْ وجُون ما يُغفِّينا
الجلاذي قوَّامه وخدَّامه واحدهم جلذي.
وقال ابن الأعرابي إنما سمي جلذياً لأنه حلق وسط رأسه فشبه ذلك الموضع بالحجر الأملس وهو الجلذي، وقال ابن الأعرابي ولم نزل نظن أن الجون في هذا البيت الحمام - وما يغفين من الهدير حتى حُدّثت عن بعض ولد أبي بن مقبل أن الجون القناديل سميت بذلك لبياضها، والجون الأسود والأبيض ويقال الشمس جَونة أي بيضاء، ما يغفين ما ينطفئن، ما تفرطه أي ما تفرط هؤلاء الخدام في قرع النواقيس. وقال النابغة:
واحكَم كحكمِ فتاةِ الحي إذ نظرتْ ... إلى حمامٍ شراعٍ واردِ الثَمدِ
احكم كن حكماً، كفتاة الحي يقال أنها زرقاء اليمامة إذ نظرت ثم قالت فأصابت والثمد الماء القليل:
قالت فيا ليتَ ما هذا الحمامُ لنا ... إلى حمامتِنا أو نصفُه فقَدِ
يحفّها جانبا نيق وتُتبعه ... مثلَ الزجاجةِ لم تكحَّل من الرمدِ
النيق الجبل، يقول كان الحمام في موضع ضيق قد ركب بعضه بعضاً فهو أشد لعده، أو نصفه أرادت ونصفه " أو " بمعنى الواو. فقد حسب وتتبعه عيناً مثل الزجاجة، لم تكحل من الرمد لم يكن بها رمد فتكحل منه مثل قول الآخر:
على لا حب لا يُهتدي بمناره
فحسّبوه فألفوه كما زعمتْ ... تسعاً وتسعين لم تنقص ولم تزدِ
فكمّلتْ مائةً فيها حمامتُها ... وأسرعتْ حسبة في ذلك العددِ
نظرت هذه المرأة إلى حمام مر بها بين جبلين وكان ستاً وستين فقالت ليت لي هذا الحمام ونصفه وهو ثلاث وثلاثون إلى حمامتي فيتم لي مائة فنظروا فإذا هو كما قالت، يقوا النابغة للنعمان فليكن نظرك في أمري وحدسك عما بُلِّغت عني كنظر هذه المرأة وحدسها.
وقال ذو الرمة:
ألا ظعنت ميٌّ في هاتيكَ دارُها ... بها السُحم تَردي والحمام الموشَّمُ
كأن أنوفَ الطيرِ في عرصاتِها ... خراطيمُ أقلامِ تخط وتعجمُ
السحم الغربان، والموشم به وشوم ونقط تخالف لونه، وشبه مناقير الطير بأطراف الأقلام.
وقال الراعي يصف نفسه:
كهُداهد كَسَر الرماةُ جناحَه ... يدعو بقارعةِ الطريقِ هديلا
وقعُ الربيعُ تقاربَ خطوهُ ... ورأي بَعقوَته أزلّ نسولا
هداهد حمام يهدهد في صوته ولم يرد الهدهد، يقول قد كُسر جناحه فهو لا يستطيع البراح، قارعة العقيق أعلاه.
وقال أبو ذؤيب:
فليتهمُ حذّروا جيشَهم ... عشيةَ هم مثل طيرِ الخَمَرِ
أي يُختَلون ويُستتر لهم كما يستتر للطير في الخمر، والخمر كل ما واراك من شيء شجراً كان أو غيره، والضراء ما واراك من شجر.
وقال آخر:
أمن ترجيعِ قاريةٍ تركتُم ... سباياكم وأبتم بالعَناقِ
القارية طير أخضر والجمع قَوار، أي فزعتم لما سمعتم ترجيع هذا الطائر فتركتم سباياكم وأبتم بالخيبة، والعناق الخيبة.
وقال الكميت:
ودوية أنفذت حضني ظلامها ... هدّوا إذا ما طائرُ الليلِ أبصرا
أنفذت قطعت، وطائر الليل يريد الخشاف.
وقال رؤبة:
إذا تداعى في الصِمادِ مأتمُه ... أحنّ غِيرانا تنادي زُجّمُه
الصمد الغليظ المرتفع يقع عليه البوم، ويقال: البوم ينوح على الأفراط وهي إكام صغار يقع عليها، والمأتم جماعة النساء، شبه البوم بنساء ينحن، أحن غيرانا قال الأصمعي لا أدري ما معناه، ويقال زجم له بشيء يعرفه من كلام وهو الذي تسمع الصوت به ولا تدري ما هو، وقال غيره: أحن غيرانا - يريد أن البوم إذا صوتت حنت الغيران بمجاوبة الصدى وهو الصوت الذي تسمعه من الجبل أو من الغار بعد صوتك.
وقال زهير:
وبلدةٌ لا ترام خائفةَ الف ... وّادِ مغبرةً جوانبِها
تسمع للجنِ عازفيْنَ بها ... تضبح من رهبةِ ثعالبِها
الفواد جمع فياد - ؟ - ويقال أنه ذكر البوم.
قال الأعشى:
يؤنسني صوت فيّادها
إذا كان الفياد بها خائفاً فكيف غيره.
وإنما يوصف أصوات البوم والهام والصدى بالليل.
قال رؤبة:
وصيحت في ليله أصداؤه ... داعٍ دعا لم أدرِ ما دعاؤه

الصدى ذكر البوم، يقول دعا فلم أدر ما دعا، وقال ذو الرمة:
وأسودٌ ولاجٌ لغير تحيةٍ ... على الحي لم يُجرم ولم يحتمل وزرا
قبضتْ عليه الخمس ثم تركته ... ولم أتخذ إرساله عنده ذخرا
يعني الخطاف. وقال الطرماح:
فيا صبحَ كمّش غُبّر الليلِ مُصعِدا ... ببمّ ونبّه ذا العفاء الموشحِ
إذا صاحَ لم يخذل وجاوب صوتَه ... حماشُ الشوي يصدحنَ من كل مصدحِ
كمش ارفع، وغبر الليل بقاياه، وصعداً مرتفعاً ذاهباً، والعفاء الريش، والموشح الذي وشح بشيء غير لونه يعني الديك، إذا صاح لم يخذل يعني أن الديوك تجيبه من كل ناحية، وقال آخر:
ماذا يؤرقني والنومُ يعجبني ... من صوتِ ذي رعثاتٍ ساكن الدارِ
كأن حُمّاضةً في رأسهِ نبتتْ ... من آخرِ الليلِ قد همّت بإثمارِ
يعني ديكاً والحماض أحمر، وأنشد:
والشيب بالحناء كالحماض
وقال جرير:
لما تذكّرتُ بالديريْنِ أرَّقني ... صوتُ الدجاجِ وقرعٌ بالنواقيسِ
يقول أرقني انتظار الديوك أن تصدح وقرع النواقيس أن تضرب فأرحل.
فلم يرد أن الديوك صوتت والنواقيس ضربت فأرقته أصواتها.
وقال لبيد يصف راكباً:
فصدهم منطق الدجاج عن ال ... قصد وضرب الناقوس فاجتنبا
يقول ما سمعوا ذلك عدلوا ليعرسوا والتعريس آخر الليل.
وقال آخر:
وبلدة يدعو صداها هندا
قوله هند حكاية صوت الصدى إذا صاح فقال هن هن، ومثله قول رؤبة:
كالبحر يدعو هَيقما وقَيقما
حكي صوت أمواجه، ومثله:
تسمع للجن فيه زِيرَ يزَما
حكي أصوات الجن، وأما قول أبي داود:
سَلَّط الموتُ والمنون عليهم ... فلهم في صدَى المقابرِ هامُ
فإنهم كانوا يزعمون أن الميت إذا دفن خرج من قبره طائر مثل الهامة فلا يزال يصيح على قبره بالليل حتى يقتل من قتله ويدرك بثأره، ويقال أنهم كانوا يزعمون أن عظام الموتى تصير هامة فتطير.
أبو عمر قال وكانوا يسمون ذلك الطائر الصدى، والهام والصدى واحد.
وقال أمية بن أبي الصلت:
غيمٌ وظلماً وفضلُ سحابةٍ ... أيام كفّن واسترداد الهدهدُ
يبغي القرارُ لأمه ليكنها ... فبنى عليها في قفاهِ يمهدُ
فيزال يذبح ما مشى بجنازة ... منها وما اختلف الجديد المسندُ
الأعراب يزعمون أن أم الهدهد لما ماتت قبرها في رأسه فأعطاها الله القُزّعة ثواباً على بره بأمه وستر تلك الوهدة وأن نتن رائحته من تلك الجيفة.
وقال العجاج:
ذا النهارُ كفَّ ركض الأخيل ... إن قالَ قَيل لم أقِلُ في القُيَّلِ
الأخيل طائر أخضر يقال له الشِقرّاق وهو لا ينجحر نصل النهار كما ينجحر الطير من الجر، يقول فالأخيل قد ينجحر وأنا لا أنجحر، ويقال ركض الطائر إذا اجتهد، قيل جمع قائل مثل سافر وسَفْر.

أبيات المعاني في القطا
قال حميد بن ثور:
فلا أسألُ اليوم عن ظعائنٍ ... ولا ما يقولُ غرابُ النوا
يقول تركت اليوم طلب الباطل والجهل وتركت التطير.
كأني أباري قطا صاحبي ... إذا هو صوَّتَ ثم ابتدا
بُكوراً وأرّقها بالشبا ... من جزعِ جُبَةِ ريحِ الثرا
هوِيّ تخالُ به جنةٌ ... يقطِّعُ فيه فطالَ الحشا
أباري أعارض قطا صاحبي يعني مزاحم بن الحارث العقيلي، يقول كأني أباريه في النعت للقطا، وكدراً في ألوانها، والثرى الندى، يقول: وجدْت ريح الندى فطلبت الماء، وهوى يقول أوردها هوى وهو الطيران الشديد، تخال به جنة أي جنوناً من شدته وسرعته، وقوله: يقطع فيه فطال يعني فطال يا مزاحم، والحشا الربو من شدة الطيران والعدو يقال حشِي يحشَى حشاً شديداً.
لها مِلَمعانٌ إذا أوغفا ... يحثّانِ جؤجؤها بالوَجا
ملمعان جناحان تلمع بهما، وأوغفا أسرعا، والوحا الحفيف والصوت.
وقال أيضاً يصف قطاة:
قرينةُ سبعٍ إن تواترنَ مرةً ... ضربنَ فصفّت أرؤس وجنوب
أي قرينة سبع قطوات، تواترن تتابعن، ضربن أي بأجنحتهن والضرب الخفق بالأجنحة، وقال الجعدي:
وضُمّ الجناح فلم يضرب

يقول لم يخفق. والقطا تصطف إذا طرن وعدون يقال لها إذا كثرت واصطفت عَرَقة:
ثمانٍ بأستارين ما زدنَ عدة ... غدوْنَ قُرانا ما لهن جنيبُ
إستارين أربعة أربعة، وقرانا يقول كأنهن قُرِنّ، ما لهن جنيب أي ليس معهن غيرهن.
وقال وذكر الفراخ:
جُعلنَ لها حزناً بأرضِ تنوقةٍ ... فما هي إلا نهلةٌ فوثوبُ
توطّن توطيْن الرهانِ وقلّصتْ ... بهن سرنداة الغدوِ سَروبُ
يريد أن أولادها حزنها من الدنيا، توطين الرهان أي كما توطن الدواب للسبق، والسرنداة الجريئة، سروب سريعة.
وقال زهير:
كأنها من قطا الأجبابِ حلاّها ... وردَ وأفردَ عنها أختُها الشركُ
جونية كحصاةِ القَسم مرتعها ... بالسِيّ ما تنبتُ القفعاء والحسكُ
الأجباب مواضع - فيها - ركايا واحدها جب، والورد قوم يردون الماء، وأفراد عنها أختها الشرك أي أُخذت أختها ففزعت وهو أسرع لها، جونية قالوا القطا ضربان فالجوني والكُدري واحد والغَطاط صنف منه آخر.
فالكدري ما يكون أكدر الظهر أسود باطن الجناح أصفر الحلق قصير الرجلين في ذنبه ريشتان أطول من سائر الذنب، والغطاط ما اسود باطن أجنحته وطالت أرجله واغبرت ظهوره غبرة ليست بالشديدة وعظمت عيونه، وحصاة القسم هي التي يقدّر بها الماء في القدح ويقسم عليها إذا تصانفوا، وشبهها بهذه الحصاة لأنها مستوية ليس في حَيد يُغبن به صاحبه، قال الأصمعي وأبو عبيدة واسم الحصاة المقلة، قال - يزيد بن طعمة الخطمي:
قذفوا جارهم في هُوّة ... قذفك المَقلة وسط المعترَك
- وقال زهير:
ثم استغاثَ بماءٍ لا رِشاءٍ له ... من الأباطحِ في حافاتِه البُركُ
كما استغاثَ بسيء فزُّ غَيطَلة ... خاف العيون ولم يُنظر به الحشَكُ
لا رشاء له أي أنه يجري على وجه الأرض، يقول لم تزل مجتهدة في طيرانها حتى استغاثت بماء أبطح، والبرك طير صغار واحدتها بُرَكة، والفز ولد البقرة والسَّيء اللبن الذي يكون في الضرع قبل نزول الدرة، والغيطلة شجر ملتف، قال الأصمعي: والذي أظن في الغيطلة أن تكون أمه وضعته في شجر، خاف العيون أي خاف أن يراه الناس ولم تنتظر به أمه حشوك الدرة وهو حفلها، يقال حشك إذا حفل ودفع حشكاً بسكون الشين فحركها ضرورة، قال أبو عبيدة الغيطلة البقرة، وقال يصف الصقر والقطاة:
ينقضّ عند الذنابيّ وهي جاهدة ... يكاد يخطفها طَوراً وتهتلكُ
إنما ينقض الصقر على القطاة من ناحية الذنب، وتهتلك تجتهد.
ثم استمر فأوفى رأس مرقبة ... كمنصب العِتر دميّ رأسه النسكُ
يعني الصقر ترك القطاة وسقط على رأس مرقبة فكأنه مما به من الدم الحجر الذي يعتر عليه، والمنصب الحجر، والعتيرة الذبيحة في رجب.
وأنشد لأبي خراش:
ولا الأمغر الساقيْنِ ظلَّ كأنه ... على محزئلاتِ الأكامِ نصيلُ
يعني صقراً، وما ارتقع فقد احزأل، والنصيل الحجر قدر الذراع ونحوها.
وقال وذكر الفلاة - والبيت لزهير:
بها من فراخِ الكُدرِ زغبٌ كأنها ... جني حنظلٍ في مِحصَنٍ متعلقِ
شبه فراخ القطا بجني الحنظل قد علق على وتد في زبيل.
وقال الراعي يصف القطا:
صفرُ المناخرِ لغواها مبينةٌ ... في لجةِ الليلِ لما راعها الفَزَعُ
يسبقنَ أولادَ أبساطِ مجددةٍ ... أزري بها الصيفُ حتى كلها ضرَعُ
لغواها أصواتها، مبينة لأنها تقول قطا قطا، يسبقن يعني القطا يسبقن أولادها، أبساط أراد ذوات أفراخ، يقال ناقة بسط إذا كان معها ولدها أي هي مع أمهاتها وليس لأمهاتها لبن فلذلك قال مجددة وأصل المجددة في الإبل التي أصاب أطباءها شيء فانقطع لبنها، ضرع ضعيف.
صيفيةٌ كالكُلى صفراً حواصلُها ... فما تكادُ إلى التغريرِ ترتفعُ
شبهها بالكلى لأن ريشها لم ينبت فهي حمر، صيفية خرجن من البيض في آخر ما يخرج من الطير، قال:
إن بنيّ صبية صيفيون
والتغرير الزق، يقول لا تكاد ترفع إلى أمهاتها.
يسقينهنَ مُجاجاتٍ يجئنَ بها ... من آجنِ الماءِ محفوفاً به الشِرَعُ
الشرع الأوتار يريد الأشراك التي ينصبها الصائد وجعلها من عقب.

حتى إذا جرعَتْ من مائهِ نطفاً ... تسقس الحواقنُ أحياناً وتجترعُ
الحاقنة الحوصلة وأصل الحاقنة نقرة اللبة، أي أحياناً تجرع لنفسها وأحياناً لفراخها، وقال وذكر القطا:
تداعينَ شتى من ثلاثٍ وأربعٍ ... وواحدةٍ حتى اجتمعنَ ثمانيا
هذا مثل قول حميد بن ثور " قرينة سبع " :
دعا لُبّها غمرٌ كأن قد وردنَه ... برجلةِ أبلى ولو كان نائيا
دعا لب هذه القطاة ماء غمر كأن قد وردنه في السرعة، ورجلة مسيل الماء إلى الوادي، وقال أيضاً يصف القطاة وفرخها:
توي له بشعيب غير مُعصَمة ... منغلّة دونها الأحشاء والكبد
الشعيب المزادة يعني حوصلتها، غير معصمة ليس لها عصام والعصام سير القربة، ويروي مغلولة يريد أن ما دونها من الأحشاء والكبد ذو غلة والغلة حرارة العطش، وقال ابن أحمر يصف فرخ القطا:
أطلسٌ ما لم يبدُ من جلدهِ ... وبالذنابيّ شائل مُقمطِر
يقول ما لم يبد فيه الريش من جلده أطلس والطلسة غبرة إلى السواد كلون الذئب، وهو بالذنب شائل مقمطر منتفش يريد أن ريشه لم يتطارق بعد.
حتى إذا ما حببت ريّة ... وانكدرتُ يهوي بها ما تمرُ
حببت رية أي امتلأت رياً، يهوي بها ما تمر أي مرها.
أيقظه أزملها فاستوى ... فصعصعَ الرأسُ شخيت قفرُ
أيقظ الفرخ صوت أمه وحسها، فصعصع أي حرك، شخيت دقيق، قفر قليل اللحم، وقوله يصف حوصلتها:
من ذي عِراقِ نيطَ في جوزِها ... " فهو لطيفٌ طيَّه مُضطمِرُ "
العراق الطرة المجاورة في المزادة شبه حوصلتها بالمزادة.
وقال يصف القطاة:
ترعى القطاةَ الخِمس قَفّورها ... ثم تُعر الماءَ فيمن يعُرُ
يقول ترعى خمساً لا تجد الماء والقفور نبت، تعر الماء تلمِ به فيمن ألم. وقال:
بتيهاءُ قفر والمطي كأنها ... قطا الحَزنِ قد كانت فراخاً بيوضُها
قال هي قبل هذا الوقت في الربيع تشرب من الغدر فلما صافت خرج فراخها من البيض فاحتاجت إلى طلب الماء من مكان بعيد لأن الغدر في الصيف تجف وذاك أسرع لها.
وقال المرار وذكر إبلاً:
لها نَسقاتٌ كالقطا نشطتْ به ... من الدوّ صفراءُ اللَّبانِ طَمومُ
نسقات اصطفاف في السير كاصطفاف القطا، نشطت به أي خرجت به والناشط الخارج من بلد إلى آخر، الهاء في به للقطا أي خرجت بالقطا قطاة صفراء اللبان وأراد أنها زاقَّة فقد اصفر لبانها لما يسيل عليه ويقال بل ذاك خلقة، والقطا الكدري صفر الحلوق.
وقال يصف فرخ القطاة:
تقلِّبُه عن وكره عُلويّةٌ ... كما جُرعن أصلِ الحَماطِ هشيمُ
علوية ريح تجيء من ناحية العالية، شبه الفرخ بقطعة من هشيم الحماط نُحيّ عن أصله.
وقال يصف الحوصلة:
بضمرٍ كجِروِ الشري لم تطوِ غيره ... فِراغاً ولم يُكتب هناك أديمُ
بضمر أي بحويصلة لطيفة، والشري الحنظل وجروه صغار حمله والفراغ حوض من آدم، يقول ليس لها غيره، ولم يكتب لم يخرز.
وقال أبو النجم يذكر الإبل:
يثُرنَ أسرابَ القطا البُيّاضَ ... عن كل أدحيّ أبي مقاضِ
يقول قد فرخت فيه مراراً ففيه قيض كثير والقيض قشور البيض، يقال هو أبو المنزل أي صاحبه وهذا كقولك ذو مقاض أي موضع قيض.
ورد القطا مَطائط الإياض
أراد الإضاء وهو جمع أضاة، يعني الغدران فقدم لام الفعل وأخر العين، وقال آخر لناقته:
رِدي رِدي وردَ قطاة صمّا ... كُدريةٍ أعجبها بردُ الما
صماء يقول هي في موضع لا تسمع فيه صوتاً يذعرها ولا يثنيها عن الماء، يقول لناقته كوني كذا.
وقال الجعدي وذكر ناقة:
خنوفٌ مروحٌ تعجِل الوُرق بعدما ... يَعرّسن شكوى آهة وتذمرا
الخنوف التي ترمي يديها إلى وحشيها، والمروح التي تمرح، والورق القطا، تعجلهن أي تذعرهن إذا عرسن من آخر الليل توقظهن، آهة يعني تأوهاً.
وقال آخر يصف الإبل:
إذا هَجَدَ القطا أفزعنَ منه ... أوامنٌ في معرّسه الجُثومِ

هجد القطا وقع ليستريح والهجود النوم والتهجد السهر، يقول إذا نامت القطا مرت بها الإبل فأفزعت من القطا أوامن في معرسه بكسر الراء أي في قطاة الذي عرس، والجثوم مردود على المعرس أو على الهاء التي في المعرس، ومن روي: في معرسه بفتح الراء فالمعرس الموضع الذي يعرس فيه، أراد أوامن الجثوم في معرسه ففرق بين المضاف والمضاف إليه، وقال العجاج وذكر ماء:
وردته قبل الذئابِ العُسّالِ ... وقبل أرسالِ قطا وأرسالِ
بالقوم غِيداً والمطي الكُلاّل ... فوّز خمساً عن طلاقِ الأوشالِ
غيداً أي متثني الأعناق ونصبه على الحال، وفوز أخذ في المفازة عن طلاق أي بعد طلاق، وهو جمع طَلَق مثل جمل وجمال والطَلَق ليلة يطلب الماء والقَرب ليلة يرد، وأرسال قطا واحدها رَسَل شبهها بجماعة الرسل من الإبل وهي ما قام على الحوض من الشاربة ولا تسمى رسلاً إلاّ ثم فإذا تنحى فليس برسل، ويقال سرب من قطا أي قطعة فإذا كثر جمع القطا واصطف قيل عَرَقة، وكل ما كثر من الطير في الهواء فهو فيء، وقال آخر وهو الأصبهبذ رجل من بني حنظلة:
كأنها إذ تحمل المساعرا ... الخيل والأبدان والمغافرا
في من الطير غدت كواسرا
والوشل الماء القاطر قال ذو الرمة:
فلاةُ رجوع الكدر أطلاؤها بها ... من الماءِ تأويب فهن روابعُ
يقول رجوع القطا ليلاً، ويقال أوّب إذا سار يومه ونزل عند الليل، وأطلاؤها أولادها والطلا ولد الظبية فاستعاره، وهن روابع أي يردن ربعاً وذلك أن يكون في العري يومين وفي الماء يوماً.
وقال آخر وذكر حماراً وأتناً - والبيت لأوس بن حجر:
فأوردها التقريبُ والشدُّ منهلاً ... قطاه معيد كرة الوردِ عاطفُ
يريد أوردها العير تقريباً وشدا فأدخل الألف واللام ووصف البلد بالبعد فقال إذا ورد القطا فشرب ثم كر راجعاً لم يقطع البلد من بعده حتى يعود فيشرب ثانية.
وقال ابن مقبل وذكر ناقة:
إذا الجَونةُ الكدراءُ باتتْ مبيتَها ... أناخَتْ بجعجاعِ جناحاً وكلكلا
أي باتت القطاة تسير كما تسير الناقة ضعفت عن ذلك وأناخت، والجعجاع المحبس ويقال بات فلان سائراً.
وقال مزاحم العقيلي وذكر قطاة وفرخها:
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصلّ وعن قيضٍ بزيزاءٍ مجهلُ
الأصمعي: من عليه يريد من فوقه أي من فوق الفرخ، تم ظمؤها أي أنها كانت تشرب في كل ثلاثة أيام أو أربعةمرة فلما جاء ذلك الوقت طارت، والزيزاء المكان الغليظ المنقاد وجمعه زَياز، والقيض ما تكسر من البيض، تصل أي هي يابسة من العطش، أبو عبيدة: غدت من عليه أي من عنده يعني فرخها والظمء ما بين الشربتين.
وقال النابغة يصف قطاة:
تسقي أزيغبٍ ترويه مجاجَتَها ... وذاك من ظمئها في ظمئهِ شُرْبُ
أزيغب فرخ، والظمء ما بين الشربتين أي ذاك السقي منها ومنه شرب وذلك لأن ظمأها وظمء الفرخ واحد هي تشرب لتروي وتسقيه.
وقال ذو الرمة:
ككدريةٍ أوجت لوردٍ مباكرٍ ... كلاماً أجابتْ داجناً قد تعلَّما
أوحت صوتت، لورد يريد إلى ورد، قال الله عز وجل " بأن ربك أوحى لها " أراد بالورد القطا التي وردت والورد أيضاً السير إلى الماء والورد الماء المورود.
وقال أيضاً:
ومستخلفاتٌ من بلادٍ تنوفةٍ ... لمصفرّةِ الأشداقِ حمر الحواصلِ
المستخلف السقاء يعني قطا يحملن الماء في حواصلهن لفراخهن.
صدرن بما أسارُت من ماءٍ آجنٍ ... صرى ليس في أعطانهِ غير حائلِ
سوى ما أصاب الذئب منه وسُربة ... أطافت به من أمهات الجوازلِ
يقو لرجعن إلى فراخهن بما أبقيت في أعن هذا الماء شيء إلا هو حائل قد تغير أي رجعن بما أبقيت إلا ما شربه الذئب، وسُربة جماعة من قطا أو حمام، والجوازل الفراخ واحدها جوزل.
وقال أبو وجزة وذكر حميراً:
وهنَ ينسبْنَ وهنا كل صادقةٌ ... باتتْ تباشرُ عُرماً غير أزواجِ
أي يفزعن القطا ليلاً فتصيح فتقول قطا قطا فتنسب أنفسها فتصدق، تباشر عرماً يعني بيضها، والعرم المنقطة يقال شاة عرماء وحية عرماء، وقوله غير أزواج قالوا لا يكون بيضها أبداً إلا فرداً.
وقال:

بحافته من لا يصيحُ بمن سرى ... ولا يدّعي إلا بما هو صادقُهُ
وقال الأخطل:
ولا جشمٌ شر القبائلِ أنهم ... كبيْضِ القطا ليسوا بسودٍ ولا حمرِ
بيض القطا أرقط يقول فهؤلاء ألوان كبيض القطا ليسوا من نجر واحد، ومثله قول الآخر في صادقة:
وصادقةٌ ما خبّرت قد بعثتها ... طروقاً وباقي الليلِ في الأرض مسدفُ
ولو تُركتُ نامَتْ ولكن أعشاها ... أذى من قلاصٍ كالحنيّ المعطفُ
يُقال أعششت القوم إذا نزلت بهم على كره حتى يحولوا من مكانهم من أجلك، ومثل قوله ولو ركت نامت، قولهم في المثل " لو ترك القطا لنام " .
وقال النابغة:
تدعو قطا وبه تُدعى إذا نَسبت ... يا صدقَها حين تدعوه فتنسبُ
وقال الكميت:
أو الناطقاتُ الصادقاتُ إذا غدتْ ... بأسقية لم يفرهنَ المطببُ
الأسقية الحواصل، لم يفرهن لم يشققهن، والمطبب صاحب الطباب وهو جلدة تجعل على طرفي الأديم ثم تخرز فيمسك الخرز طرفي الأديم جميعاً.
جعلنَ لهنَ الخمس للعيسِ روحةً ... سبابها مفض اليهن سبسبُ
يريد جعلت القطا مسيرة الإبل خمساً روحة لها.
فأبن قصار الظمء لم يسترثنها ... بما فيه من ري الصوادي التحبب
أبن يعني القطا، قصار الظمء يعني الفراخ والظمء وقت الشرب، والتحبب الامتلاء من الري أراد أبن بما فيه التحبب من ري الصوادي.
وقال:
أو روايا التوائم في المهمة القفّ ... ر تناولن من سراة العويرا
روايا الفراخ يعني المستقيات لها وجعلها تؤاماً أي أزواجاً وليس في هذا نقض لقولهم أن البيض لا يكون إلا أفراداً لأنه قد يفسد يعضه، والعوير ماء.
لفواقٍ عوداً وبدءاً يبادر ... نَ رواياه أن يجف الغديرا
الفواق أصله ما بين الحلبتين، أي بدأن وعدن يبادرن الغدير أن يجف من أجل فواق.
يتبادرنَ بالرواءِ من الشِ ... رب أمامَ القلوبِ عيراً فعيرا
أي حواصلهن قدام قلوبهن.
كل صادٍ كأنّ بالجلدِ منه ... حصفاً أو تخاله مجدورا
يقول الفراخ حين حمّمت أي بدأ طلوع ريشها فكأن بها حصفاً.
في أساقٍ لم يغدُ فيها الوليدا ... ن ولم يُعكم الأجيرُ الأجيرا
أساق حواصل، لم يعكم لم يعن قولك أعكمني أي أعني على عكمي.
لم تَسدد لها الخوالق بالأم ... س ولم تقدد الفواري السيورا
لم تسدد لم تلزم السداد بالرفق ويروي: لم تشدد، أي لم تتهيأ لذاك، والخوالق النساء اللواتي يقددن الأديم يخرزن به، ويقال بل هن اللواتي يُقدّرنه، والفواري القواطع، قال زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري
وقال يشبه الإبل بالقطا، - والشعر للكميت - :
كالناطقاتِ الصادقاتِ الواسقا ... تِ من الذخائرِ
الواسقات الحاملات والوسق الحِمل، الذخائر الماء تذخره لأولادها.
عُلَق الموضّعة التوا ... ئم بين ذي زغبٍ وباثرِ
علق من العَلاق يقال ما ذقت علاّقاً ولا علوقاً، والموضعة يريد الموضوعة بأرض الفلاة وهي الفراخ، والتوائم اثنين اثنين، يقول بعضها عليه زغب وبعضها قد بدأ يطلع ريشه فكأنه بثر.
يحملنَ قدامَ الجآ ... جئ في أساقٍ كالمطاهرِ
لم يتّهم فيها الصوا ... نع خِلقة الأيدي القوادرِ
المطاهر الأداوي، والقوادر اللواتي يقدرن الأديم، خلقة أي تقديراً ويقال قطع، ويروي: لم ينههَم أي لم يكن عليهم ناهية من أيدي الصوانع.
أقوات ناظرة الفوا ... ئدِ غيرَ رائثةِ الموائرِ
ناظرة منتظرة يقال نظرته وانتظرته بمعنى، والفوائد ما تأتيها به الأمهات والموائر الأمهات لأنها تميرها، رائثة بطيئة، أراد يحملن قدام الجآجئ أقوات ناظرة. وقال يصف القطا:
موكّرةٌ من حيث لم يرجَ مخلفٌ ... مطائطٌ صيفيّ الأضا وسِمالها
موكرة ممتلئة، والمخلف المستقي، والمطائط واحدتها مطيطة وهي بقية الماء في الصفاة، وصيفي مطر السيف، والأضا الغدران.
أسافي لا توكَى على ما تضمنت ... ولا يستريث الناضحون ابتلاها

يعني حواصلها، لم تشد على الماء كما تسد القرب، ويستريث يستبطئ والناضح الذي ينضح القربة بالماء لتبتل.
يقول لا تستبطئ ابتلال هذه الحواصل كما يستبطأ ابتلال القرب.
أمام قلوبٍ كالحصى مطمئنةٍ ... إلى ثقةِ المستبطئاتِ عِجالَها
الحواصل أمام قلوب تشبه الحصى هن ثقة الفراخ والفراخ تستبطئ المستعجلات من القطا.
وقال يصف فراخ القطا:
متخذات من الخراشيّ كال ... حلية منها السموط والحقبُ
لا شاركاتٌ إذا غنينَ ولا ... في فقرهنَ الجفاءُ مُرتأبُ
الخراشي قشور البيض الرقيقة وهو الغرقيء، مرتأب يقول الجفاء لا يرأب من رأبت الصدع، والجفاء من الجفوة.
وقال الطرماح يذكر القطا:
حوائمٌ يتخذنَ الغِبَّ رِفها ... إذا اقلَولَينَ للقرَبِ البطينِ
حوائم عطاش، والغب شرب يوم وترك يوم، والرفه شرب كل يوم أي يسرعن فيردن كل يوم، الولين ارتفعن، والقرب الليلة التي يصبح الماء في غدها، والبطين البعيد.
بأجنحةٍ يمرنَ بهنَ حُرد ... وأعناقُ حُنين بغيرِ أونِ
يمرن يطرن، والحرد المائلة، والأون الضعف يقول لم تحن من ضعف في الطيران، ويقال أن عليّ في السير أي ارفق.
وقال وذكر أرضاً:
وترى الكدَرَ في مناكبِها الغبررذايا من بعد طولِ انقضاضِ
كبقايا الثَوى نبذنَ من الصي ... فِ جنوحاً بالجر ذي الرضراضِ
أو كمجلوحٍ جِعثنَ بلّه القط ... ر فأضحى مودّس الأعراضِ
الثوي صوف أو كساء أو خرقة تجعل على الوتد ليمخض عليه السقاء ليسند إليه لئلا يتخرق، والجنوح الموائل، والرضراض الحصى الصغار، والجرّ أصل الجبل والمجلوح الذي قطع، والجعثن أصول الصِليان وإذا قطعت رؤوسه فقد جلح وبقرة جلحاء إذا لم يكن لها قرن وهودج أجلح إذا لم يكن عليه غطاء، ومودس حين نبت واخضر.
يقال ودست الأرض إذا أنبتت، والأعراض الجوانب.
وقال:
كأن المطايا ليلةُ الخمسِ عُلِّقت ... بوثابةٍ بعد الكلالةِ شَحشَحِ
لها كضواةِ النابِ شُدّ بلا عُري ... ولا خرز كفٍ بين نحرٍ ومذبحِ
وثابة يعني قطاة تثب، والضواة ورم يكون في عنق البعير والناقة، شبه به حوصلة القطاة.
أنامتْ غريراً بين كسرى تنوفة ... من الأرضِ مصفّر الصلالمِ يرشّحِ
الغرير فرخها الذي تغره أي تزقه، وكسرا التنوفة جانباها والصلوان عرقان عن يمين الذنب وشماله، يرشح يربّي.
فعبَّت غِشاشاً ثم جالتْ وبادرتْ ... مع الفجرِ ورّاد العراكِ المصبّحِ
عبت في الماء غشاشاً على عجلة، ثم جالت وبادرت الوراد والعراك المزاحمة على الماء، يقال أوردها عراكاً إذا أرسلها جميعاً فازدحمت.
وقوله يصف الحوصلة:
مدبوغة لم تُمرّح
أي تلين وتدهن.
بمَعيةٍ تمسي القطا وهي نُسّسٌ ... بها بعد ولقِ الليلتينِ المسمّحِ
معمية لا طريق فيها ولا علم، والولق شدة السير، والمسمح الكثير، نسس من العطش وأنشد:
وبلد تمسي قطاه نَسّسا
وقال يذكر حسرى القطا:
زِفافاً تُنادي بانزولِ كأنها ... بقايا الثُوى وسطَ الديارِ المطرحِ
الثوى واحدتها ثُوَّة وهي خرقة تربط على رأس الوتد يمخض عليها السقاء.
روايا فراخٍ تنتحي بأنوفِها ... خراشِيّ قيضِ القفزةِ المتصيّحِ
الخراشي ما دون القشر الأعلى، والقيض قشور البيض والمتصيح المتقشر.
ينّتجِن أمواتاً ويلقحنَ بعد ما ... تموتُ بلا بُضع من الفحلِ ملقحِ
يعن البيض، والبضع النكاح.
سماويةُ زغبٍ كأن شكيرَها ... صماليخٌ معهودُ النصيّ المجلَّحِ
سماوية منسوبة إلى السماوة، شكيرها صغار ريشها، والنصي نبت، والصماليخ ما خرج من رؤوسه بعد الأكل، المعهود الذي أصابه العهاد وهو من المطر، والمجلح الذي أكل.
تجوب بهنَ البيدُ صغواء شفَّها ... تباعد أظماء الغِوارِ الملّوحِ
الأظماء أوقات الشرب، والغوار من الغور وهو البعد، الملوح العطش.
من الهُوذ كدراءِ السراةِ ولونِها ... خصيف كلون الحَيقُطانِ المسّيحِ

الهوذة جمع هَوذة وهي القطاة الأنثى، خصيف لونان مختلطان أي فيها لون آخر أسود يضرب إلى الحمرة، والسراة الظهر، والحيقطان ذكر الدراج، والمسيح المخطط.
أصابت نطافاً وسط آثارٍ أذؤبٍ ... من الليلِ في جنبي مديّ ومَسلَحِ
أذؤب جمع ذئب، مديّ حوض صغير، ويروي: أسآر أذؤب جمع سؤر، وقال رؤبة وذكر مهمها:
يشأى القطا أسداسَه ويُجذمُه ... إلى أجُونِ الماءِ داو أسدمُهُ
يشأى القطا أي يسبقه هذا المهمة فلا يستطيع أن يقطعه، ويجذمه القطا أي سيره فيه إجذام: وقوله أسداسه أي يصيب الماء فيه سدساً والمعنى أن القطا يريد ماءة فيسبق بُعدُ الماء القطا فيصير سدساً دونه، وقوله إلى أجون الماء يريد أجن الماء: وقوله داو يقول قد ركبته دُواية من بُعد عهد الناس به وأصل الدواية ما يركب اللبن من تلك الجلدة الرقيقة، ويقال بئر سُدُم إذا كانت قديمة، وقالت ليلى الأخيلية تصف القطاة وفراخها:
تدلَتْ على حُصّ الرؤوسِ كأنَّها ... كُراتُ غلامٍ من كساءٍ مؤرنبِ
فلما انجلت عنها الدجى وسقتهما ... صبيبَ سقاءٍ نيطٍ لم يخرَّبِ
غدتْ كنواةِ القَسبِ عنها وأصبحتْ ... تُراطِنُها دوية لم تعرِّبِ
شبهت فراخ القطا بكرات من أكسية مرنبانية وهي موبرة، لما يخرب أي تجعل لها خربة وهي العروة يريد الحوصلة، دوية قطاة أخرى منسوبة إلى الدو، لم تعرب لم تفصح، وقال ابن مقبل وذكر شدة الحر:
إذا ظلتْ العيسُ الخوامسُ والقطا ... معاً في هَدالٍ يتبعُ الريحَ مائلُه
توسدَ ألحي العيس أجنحةَ القطا ... وما في أداوي القومِ خفّ صلاصلُه
هدال غصون الشجر، يريد أن القطا من شدة الحر يلجأ إلى الشجر وتجيء الإبل أيضاً فتدخل رؤوسها في غصون الشجر لتكنها من الحر فتقع ألحيها على أجنحة القطا فتصير كالوُسُد لها، وصلاصله بقايا الماء فيها.

الأبيات في النعام
قال المرار يذكر الظليم:
ويطيرُ أسودُه ويبرقُ تحتُه ... برقَ السحابةِ شدّ ما يُجلي
أسوده جناحه ويبرق تحته ما ابيض من ريشه الصغار، برق السحابة شد ما يجلى أي شد ما يكشف.
ذو بُردةٍ خُلّت على جؤشوشهِ ... سوداء جافية من الغزلِ
جافية من الغزل لانتفاش ريشه.
وشقيقةٌ بيضاءُ غيرُ طويلةٍ ... عن ركبتيْه قليلةُ العضلِ
شبه السواد أعاليه وصدره ببردة سوداء قد خلّت عليه، وشبه بياض أسافله إلى ركبتيه بشقيقة بيضاء وهو ما شق باثنين، وقليلة العضل لأن ريشه إذا بلغ ركبتيه انقطع.
وقال الطرماح في هذا المعنى وكان الأصمعي يستحسنه، ويتعجب منه:
مجتابُ شملة بُرجُد لسراتِه ... قدراً وأسلم ما سواء البرجدُ
سراته ظهره.
وقال المرار:
حُرقَ الجناحُ كأنه متمايلٌ ... من آل أحبشٍ شاسعِ النعلِ
أي قد انحص ريش جناحه وكأنه يميل في شق، من آل أحبش أي من الحبش قد شسع نعله وقال لبيد:
ومكانُ زعلٍ ظلمانه ... كحزيقِ الحبشيين الزُّجُلِ
وقال ذو الرمة:
كأنه حبشيٌ يبتغي أثراً ... أو من معاشرٍ في آذانها الخُرَبُ
يقول قد تطأطأ يرعى فكأنه حبشي يطلب أثراً في الأرض أو سندي في أذنه خربة أي ثقب.
هجنَّع راحَ في سوداءِ مُخمَلة ... من القطائِفِ أعلى ثوبِه الهُدُبُ
وهذا مثل قول بشر يشبهه.
وكأنه، حبشي حازقة عليه القرطف
حازقة جماعة، والقرطف الكساء، شبهه ذو الرمة بأسود عليه قطيفة مقلوبة فالهدب ظاهر، وقال عنتر:
صَعل يعودُ بذي العُشيرةِ بيْضَه ... كالعبدي ذي الفروِ الطُوالِ الأسحمِ
شبه الظليم بعبد أسود عليه فرو مقلوب، والأسحم من نعت العبد وهو الأسود، وقال العجاج:
فاستبدلَتْ رسومُه سفنَّجاً ... أصك نَغضاً لا يني مستهدجَا
كالحبشي التف أو تسبجا
السفنج الظليم الواسع الخطو السريع المشي، أصك يصطك رجلاه، لا يني لا يزال، مستهدجاً يحمل على الهدَج وهو تقارب الخطو مع سرعة المشي، تسبج ليس سبيجاً وهو بردة سوداء بقيرة وهو بالفارسية سبي فعرب.
وقال ذو الرمة:

كأنه حبشيٌ يبتغي أثراً ... أو من معاشرٍ في آذانها الخُربُ
أو مقحمٌ أضعف الإبطانَ حادجُه ... بالأمس فاستأجر العِدلانُ والقتَبُ
المقحم البعير الذي يقحم سِنَّين في سن وذلك أن يسدس ويبزل في سنة، والحادج الذي يشد الحدج وهو مركب، أضعف الإبطان أي لم يشد بطانه فيستوثق فاستأجر عدلاه وقتبه. شبه جناحي الظليم بالعدلين وذلك أنهما مسترخيان.
أضله راعياً كلبية صدراً ... عن مُطلبٍ وطُلي الأعناقِ تضطربُ
كلبية إبل كلب وهي سود فشبه الظليم ببعير منها، أضلاه أي غفلا عنه حتى ضل، صدراً يعني الراعيين، عن مطلب أي عن ماء بعيد لا يدرك إلا بطلب، والطُلية عرض العنق تضطرب من النعاس يقول ناما فضلَّ هذا البعير.
عليه زادٌ وأهدامٌ وأخفيةٌ ... قد كاد يجتزّها عن ظهرِه الحقَبُ
أهدام أخلاق وأخفيه أكسيه واحدها خِفاء ممدود، والحقب حبل يشد على حقو البعير، أراد أن حمله قد تأخر، شبه به جناحه.
كلٌ من المنظرِ الأعلى له شبهٌ ... هذا وهذانِ قدُّ الجسم والنُقَبُ
المنظر الأعلى الأرفع الأبعد، هذا يعني البعير وهذان يعني الحبشي والسندي، والنقب الألوان جمع نقبة.
وقال لبيد:
ويظلُ مرتقباً يقلّبُ طرفَه ... كعريشِ أهلِ الثَلّة المهدومِ
يريد أن في جناحه استرخاء فهو شبه بعريش قد تقوض.
ونحوه قول الآخر:
سماوة جون كالخباء المقوّض
وقال أبو النجم:
كأن بالسُهبِ أو حزبائه ... عرشٌ تحنَّ الريحُ في قَصبائِهِ
شبهه بمظلة من قصب وقال تحن الريح في قصبه يريد أن له حفيفاً في عدوه كحفيف الريح في هذا العرش.
وقال الطرماح:
بات يحفّ الأدحيّ متخذاً ... كسريْ بجادٍ مهتوكةٍ أصُده
الكسر جانب البيت، والبجاد كساء أسود، شبه جناحه وريشه على البيض ببيت مهتوك، أصده وهو ما بعضه إلى بعض.
وقال أوس وذكر ظليماً:
وتُبرى له زعراءُ إما انتهارها ... ففوَّتَ وإما حين يعي فتلحقُ
كأنّ جهازاً ما تميلُ عليهما ... مُقاربة إخصامِه فهو مُشنَقُ
الجهاز المتاع وما زائدة يريد كأن على كل واحد منهما حملاً من جناحه: وأخصامه نواحيه واحدها خُصم، ومُشنق مرفوع عليهما، وقال طرفة:
ومكانُ زعلٍ ظلمانه ... كالمخاضِ الجربِ في اليومِ الخَضِرِ
زعل نشيط، والمخاض الحوامل واحدتها خلفة من غير لفظها، والخضر البارد، والمخاض في اليوم البارد تضم فشبهها بها، وقال ابن مقبل وذكر منزلاً:
وتمشي به الظُلمان كالدُهمِ قارفَتْ ... بزيتِ الرهاءِ الجَون والزِفتِ طاليا
يقول كأن النعام فيه إبل دهم قد جربت فطليت بعكر الزيت، والجون الأسود، وقارفت خالطت، وقال أبو النجم:
كالآدمِ المطليّ في طلائِه ... صعداً وما حقواه في هنائه
شبه الظليم بالبعير المهنوء، يقول هو أسود وحقواه أبيضان هُنئ كله الأحقوية، وقال أيضاً:
والنَغض مثل الأجرب المدجّل
فالنغض الذي يحرك رأسه إذا عدا، والمدجل المهنوء بالقطران وشبهه بالأجرب لأنه قد أسن ذهب ريشه من أرفاغه.
قال ابن أحمر:
لَهدجدَج جُرْب مساعره ... قد عادَها شهراً إلى شهرِ
الهدجدج الذي يهدج في مشيته أي يقارب الخطو ويضطرب،والمساعر الآباط وباطن الأفخاذ، وليس هناك جرب إنما أراد أنه لا ريش عليه، وعادها يعني بيضة اختلف إليها شهراً بعد شهر.
وقول لبيد يصفه:
أفذاكَ أم صَعل كأن عِفاءهأوزاعٌ ألقاءٍ على أغصانِ
شبه ريشه بخرق خلقان ألقيت على أغصان، وقال ذو الرمة:
على كلِ حِزباءٍ رعيلٌ كأنه ... حمولةٌ طالٍ بالعنيّة مُهمِلُ
الحزباء المكان الغليظ، رعيل جماعة نعام.
والحمولة الإبل يحمل عليها والعنية أبوال الإبل تخلط مع أشياء وتطبخ فإذا عتقت عمل منها قطران، مهمل أهملها بعد الطلاء بلا راع.
وقال ذو الرمة:
ومن خاضِبٍ كالبَكرِ أدلج أهله ... فزاغَ عن الأحفاضِ تحت بجادِ
شبهه ببكر ثم وصف البكر، زاغ هرب، والأحفاض المتاع الذي يحمله البعير والحفض أيضاً البعير نفسه، والبجاد كساء أسود مخطط تبنى به بيوت الأعراب.
قال كعب بن زهير:

ينجو بها خرِبُ المشاشِ كأنّه ... بخزامِه وزِمامه مسنوفُ
الخرب الذي لا مخ له، والمشاش المفاصل ويقال أن النعام جوف العظام لا مخ فيها، مسنوف مرفوع الرأس، وقال الهذلي ووصف عدوه وهربه:
كأن ملاءتيَّ على هِزَفٍّ ... يعنُّ مع العشيةِ للرئالِ
على حتّ البُرايةِ زمخري ال ... سواعدِ ظلَّ في شَرىٍ طوالِ
ملاءتاه ثوباه، والهزف الجافي، يعن يعرض، الرئال الصغار، حت سريع يقال فرس حت وسكب وبحر كل هذا في السرعة والالتهاب، والبراية ما يبقى منه بعد بري الكلال له يقال للدابة إنه لذو براية أي ذو بقية إذا براه السفر والمرض.
والزمخري الأجوف، والسواعد مجاري اللبن في الضرع وهي هاهنا مجاري المخ في عظام الظليم، والشرى شجر الحنظل، وقال أبو عبيدة على حت البراية على خفيف اللحم من الظلمان، والزمخري الشديد والسواعد ما ساعده من جناحه وقوائمه، وأراد: حت عند البراية في التفسير الأول وهو مثل قولهم " فلان صدق المبتذل " أي صدق عند المبتذل.
وقال زهير:
من الظلمان جؤجؤه هواء
ألا لا مخ فيه، وأما قول أبي النجم:
يزعزع الجؤجؤ من أنقائه
فإنه أراد أنه إذا عدا حرك جؤجؤه من موضع الأنقاء لا أن هناك نقياً، والنقي المخ، وأنشد ابن الأعرابي لأعرابي في نفسه وأخيه:
وإني وإياهُ كرجليْ نعامةٍ ... على ما بنا من ذي غنى وفقيرِ
قال ابن الأعرابي كل طائر إذا كسرت إحدى رجليه أو قطعت تحامل على الأخرى خلا النعام فإن متى كسرت إحدى رجليه جثم ولم يتحامل بواحدة فأخبر أنه وأخاه كذلك إذا أصاب أحدهما شيء بطل الآخر.
وأنشد ابن الأعرابي:
إذا انكسرتْ رجلُ النعامةِ لم تجِد ... على أختِها نهضاً ولا باستْها جبرا
قالوا وإنما امتنع من الجبور لأنه لا مُخّ فيه.
وقال آخر:
أجدْكَ لم تظلع برجليْ نعامةٍ ... ولستُ بنهّاضٍ وعظمُكَ زمخرَ
أي أجوف، وقول لبيد:
كأن جؤجؤه صفيح كِران
الكران العود والكرينة القينة.
وقال عنتر:
وكأنما أقصُ الأكامَ عشيةً ... بقريبٍ بين المنسميْنِ مصلّمِ
قريب بن المنسمين يعني ظليماً، والمناسم للإبل والعرب تجعلها أيضاً للظليم ويقولون هو لا طائر ولا بعير، وفيه من البعير المنسم والوظيف والعنق والخزامة اليت في أنفه، وفيه من الطير الريش والجناحان والذنب والمنقار.
وقال حسان:
لعمركَ أنّ آلكَ في قريشٍ ... كآلِ السقبِ من رألِ النعامِ
أراد إنك ضعيف النسب في قريش وإنك حين وجدت أدنى سبب ادعيت إليهم وأن ذاك السبب في ضعفه كشبه الرأل بالسقب، وقال يحيى بن نوفل:
ومثلُ نعامةٍ تدَّعي بعيراً ... تعاظمُها إذا ما قيلَ طيري
وإن قيلَ احمُلي قالتْ فإني ... من الطيرِ المرِبّة بالوكورِ
هذا يضرب مثلاً للرجل يعتل في كل شيء يكلف فعله.
وقول عنتر: مصلم يريد لا أذن له، والعرب تصف النعام بالتصليم خاصة وكل طائر مصلم وإنما اختصوا النعامة بذلك.
فقال زهير:
أصّك مصلّم الأذنينِ أجني ... له بالسِيّ تنومُ وآهُ
وقال كبشة بنت معدي كرب:
فمُشوا بآذان النعامِ المصلم
وقال علقمة:
ما يسمع الأصوات مصلوم
لأنهم يضربون المثل بالنعامة في الموق وسوء التدبير ويقولون ذهبت النعامة تطلب قرنين فقطعوا أذنيها، فأرادوا بمصلم هذا المعنى، وقال أبو العيال:
أو كالنعامةِ إذ غدتْ من بيتها ... ليصاغُ قرناها بغيرِ أذيْنِ
فاجتُثَّتِ الأذنانِ منها فانتهتْ ... صلماءَ ليست من ذواتِ قرونِ
وكذلك يقولون ذهب الغراب يتعلم مشية الديك فلم يحسنها ونسي مشيته.
قال أبو عمران الأعمى في تحوّل قضاعة عن نزار إلى اليمين:
كما استوحش الحي المقيم لرحلة ال ... خليط ولا عز الدين تحملوا
كتارك يوماً مشية من سجية ... لأخرى ففاتته وأصبح يحجلُ
فصار قولهم مصلم كافياً من قولهم ظليم، وكذلك يقولون صكاء فيكفيهم من نعامة، ويقولون خنساء فيكفيهم من بقرة، ويقولون أعلم فيكفيهم عن بعير. قال عنتر:
تمكو فريصته كشدق الأعلم
وقال الرجز:

أخو خناثير أقود الأعلما
وقال آخر:
خنساء ضيعت الفرير
وقال المسيب بن علس يصف ناقة:
صكاءَ علبةٍ إذا استقبلتُها ... حرج إذا استدبرتُها هلواعِ
والصكك اصطكاك رجلي الناقة وهو عيب ولم يكن ليصفها بعيب ولكنه أراد بصكاء نعامة فكأنه قال نعامة إذا استقبلتها.
وقال عدي بن زيد:
والخدّيف العاري الزوائد مل حفا ... ن داني الدماغ للآماق
الخدب العظيم من النعام ومن كل شيء، والزوائد ربما كانت في مناسمه كزيادة الأصابع في الناس وكذلك زوائد الأسد.
قال لبيد:
أوذي زوائد لا يطاف بأرضه
والجفان فراخ النعام، وقوله داني الدماغ للآماق يريد أن رأسه منصوب إلى بين يديه فدماغه قريب من آماق عينيه وأراد أنه عاري الزوائد من الريش.
وقال امرؤ القيس:
كأني ورحلي والقرابُ ونمرقي ... على يرفئي ذي زوائدٍ، نقنقِ
اليرفئي الخائف الفزع.
وقال أبو النجم:
يحفرُ بالمنسمِ من فرقائهِ ... ومرةً بالحدِ من مجذائِه
الفرقاء الفرق الذي في المنسم، ومجذاؤه منقاره وقيل ما يجذو عليه أي ينتصب.
وقال أوس بن حجر:
وينهي ذوي الأحلامِ عني حلومهم ... وأرفعُ صوتي للنعامِ المخزَّمِ
جعله مخزماً للخرقين اللذين في عرض أنفه وهو في موضع الخزامة من البعير.
وقوله أرفع صوتي للنعام فخصه لنفاره وشروده وموقه وسوء فهمه فضربه مثلاً للجهال، يقول: الحكيم يكفينيه حلمه والجاهل أزجره أشد الزجر.
وقال سهم بن حنظلة يهجو بني عامر:
إذا ما لقيتُ بني عامرٍ ... رأيتُ جفاءً ونوكاً كبيرا
نعامٌ تمدُ بأعناقِها ... ويمنعُها نوكُها أن تطيرا
وقال بشر بن أبي خازم:
وأما بنو عامرٍ بالنسارِ ... فكانوا غداةً لقونا نعاما
نعاماً بخطمةِ سعرِ الخدوِ ... دلاً تطهُمُ الماءَ إلا صياما
شبههم بالنعام حين هربوا مسرعين.
ويقال في المثل: أشرد من نعام.
قال الشاعر:
وهم تركوني أشرد من ظليم
ولخفة النعامة وسرعة طيرانها وهربها قالوا في المثل " شالت نعامتهم - وزف رألهم " إذا هلكوا وقوله " لا تطعم الماء إلا صياماً " أي قياماً.
وقال آخر يصف الخيل:
كأنهم برملِ الخلِ قصراً ... نعام قلنَ في بلدٍ قفارِ
وقال زيد الخيل وذكر قوماً هاربين:
كأنهم بجنبِ القاعِ أصلاً ... نعام قالصٌ عنه الظلولُ
وقال علقمة بن عبدة:
فوهٌ كشدقِ العصا لأياً تبيّنه ... أسكُ ما يسمع الأصواتَ مصلومَ
قوله كشق العصا يريد أنه لاصق ليس بمفتوح فلا يكاد يرى شقه كأنه صدع في قوس.
وقال النظار الفقعسي:
محدرجُ العينِ كأنّ خطْمه ... في الرأسِ صدعاً سية خفيّانِ
السية ما انحنى من القوس شبه فاه بصدع في سية، وقال ذو الرمة:
أشداقها كصدوع النبع في قلل
وقوله أسك ما يسمع الأصوات فيه قولان أحدهما أنه أراد بما معنى الذي أي أسك الذي يسمع الأصوات والذي يسمع الأصوات أذنه وكأنه قال أسك الأذن مصلوم، والآخر أنه يقال أن الظليم لا يسمع الأصوات ويكفيه الشم والاسترواح من السمع والمثل يضرب باسترواحه، قال:
أشم من هَيق وأهدي من جَمل
وقال الراجز:
وهو يشتم اشتمام الهَيق
وقال آخر:
وربدا يكفيها الشميمُ ومالَها ... سوى الربدِ من أنسٍ بتلك المجاهلِ
يقول لا تأنس بشيء من الوحش إلا بنعام مثلها.
وقال آخر:
وجاءَ كمثلِ الرأل يتبعُ أنفَه ... لعقبيْه من وقعِ الصخورِ قعاقعُ
وأحسب هذا البيت لبعض المحدثين، والرأل يشم ريح أبيه وأمه والسبع والإنسان من مكان بعيد، وأراد بقوله يتبع أنفه أنه يستروح الشيء فيتبع الرائحة كما قال الآخر في الذئب:
خفي الشخص للريح تابع
ليس قول من قال أنها لا تسمع بشيء لأن الشعراء جميعاً على غير ذلك.
قال الحارث بن حلزة:
بزفوفٍ كأنّها هقلُة أمٍّ ... رئالٍ دويّة سقفاءُ
آنستُ نبأةً وأفزعَها القنّا ... صُ عصراً وقد دنا الإمساءُ
النبأة الصوت، وقال علقمة:

تحفّه هقلةٌ سقفا خاذلةٌ ... تجيبه بزمارٍ فيه ترنيمُ
يوحي إليها بإنقاصٍ ونقنقةٍ ... كما تراطَنَ في أفدانِها الرومُ
وقال لبيد:
متى ما تشأ تسمعُ عراراً بقفرةٍ ... يجيبُ زماراً كاليراعِ المثقّبِ
وقال الطرماح:
يدعو العرارَ بها الزمار كأنّه ... ألِم يجاوبُه النساءُ العوّدُ
وقال طرفة:
أو خاضبٌ يرتعي بهِقْلتِه ... متى تَرُعْه الأصواتُ يهتجِسُ
وأما قول الهذلي - أسامة بن الحارث:
لعمري لقد أمهلتُ في نهي خالدٍ ... إلى الشأمِ إما يعصينكَ خالدُ
وأمهلتُ في إخوانهِ فكأنما ... يسمع بالنهي النعامُ الشواردُ
فأراد أن الشوارد من النعام لا تعرج عليك ولا تقبل منك كما قال الله تبارك وتعالى " إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين " فأراد كأنني أسمعت بإسماعي خالداً نعاماً شارداً لا يرعوي لقول، ونحو منه:
وأرفع صوتي للنعام المخزم
جعل النعامة مثلاً للجهال الذين لا يقبلون ولا يفهمون، يقول: من كان جاهلاً زجرته أشد الزجر، وقال أبو النجم وذكر ظليماً:
إذا لوى الأخدع من صمعائه ... صاح به عشرون من رعائه
يريد إذا لوى عنقه يلتفت إلى الفارس صاح به عشرون من الجن وهم يزعمون أن النعام نعم الجن، يقول يلعي عنقه من موضع أذنه.
وقال:
ومَهْمَهَ مشتبهُ الأعلامُ ... تهابُه الجنُ على النعامِ
وقال:
يتبعنَ هيقاً غافلاً مضللاً ... قَعود جنٍ مستفزاً أغيلا
أغيل عظيم، يقال ساعد غيل إذا كان ممتلئاً، وهم يزعمون أيضاً أن الجن تمتطي الثعالب والظباء والقنافذ وتجتنب الأرانب لمكان الحيض ولذلك كانوا يعلقون كعب الأرنب، وأنشدني الرياشي:
كراعي الخيال يستطيف بلا فَكر
وقال: راعي الخيال الرأل ينصب له الصائد خيالاً فيألفه فيأخذ الخيال فيتبعه الرأل، قال وأخبرني ابن سلام الجمحي عن يونس النحوي قال: يقال ليس لي في هذا الأمر فكر بمعنى تفكر.
وقال النظار الفقعسي:
أصكٌّ صعلٌ ذو جرانٍ شاخصٍ ... وهامةٍ فيه كجروِ الرمانِ
أصك يصطك عرقوباه، وصعل صغير الرأس، وجرو الرمان والحنظل والقثاء صغارها - يريد أنه صغير الرأس، وقال عنتر:
يتبعنَ قلةَ رأسِه فكأنه ... حرَجٌ على نعشٍ لهن مخيّمُ
قلة رأسه أعلاه، والحرج عيدان تشد بعضها إلى بعض يحمل فيها الموتى يقول هذا الظليم قد علاهن كأنه حرج على نعش.
تأوي له حِزَقُ النعامِ كما أوَتْ ... حزقٌ يمانيةٌ لأعجمٍ طِمطِمِ
تأوي له أي إليه جماعات النعام شبه جماعة النعام حول هذا الظليم بقوم من اليمن حول رجل من العجم يستمعون كلامه ولا يدرون ما يقول، ويروي قُلص النعام وهي شوابها، وقال الطرماح:
وقلاصاً لم يَغُذهنَ غبوقٌ ... دائماتُ النحيمِ والانقاضِ
القلاص إنات النعام الفتاء، والنحيم والانقاض أصواتها، وقال ذو الرمة:
شخت الجُزارةُ مثل البيتِ سائره ... من المسوحِ خدب شوقبُ خشبُ
كأن رجليه مسماكان من عشر ... صقبان لم يتقشر عنهما النجَبُ
شخت الجزارة يقول هو دقيق القوائم، وسائر خلقه كبيت مسوح، خدب ضخم، شوقب طويل، خشب جاف، مسماكان عودان، ضقبان طويلان، والنجب لحاء الشجر.
ألهاهُ آهٌ وتنّومُ وعقبته ... من لائحِ المروِ والمرعى له عُقَبُ
الآء والتنوم نبتان، يقول إذا رعاهما مرة رعى المرو مرة أخرى وهو الحصى الصغار، ولائحه الأبيض الذي يلوح والظليم يغتذي الصخر والحصى ويذيبه بحر قانصته حتى يجعله كالماء الجاري وهو يبتلع الجمر وأوزان الحديد وربما أحميت له فابتلعها.
وقال أبو النجم:
والمروُ يلقيه إلى أمعائه ... في سرطمٍ هادٍ على التوائهِ
يمرُ في الحلقِ على علبائهِ ... تعمَج الحيةُ في غشائهِ
السرطم الحلق يسرطم يبتلع، هاد لا يجوز على أنه ملتو في الخلقة، تعمج تلوي شبه التواء المرو إذا ابتلعه فمر في حلقه ملتوياً بالتواء الحية.
وقال الشماخ:

ودويةٌ قفزٌ تمشي نعامُها ... كمشي النصارى في خفافِ الارندجِ
شبه سواد أرجل النعام بسواد خفاف الارندج في أرجل النصارى لأنهم كانوا يلبسونها والعرب كانت تلبس الأدم.
وإنما يقال للظليم خاظب إذا احمر وظيفاه وهما يبتدئان في الاحمرار عند دخول الصيف وابتداء الحمرة في البسر ثم لا يزالان يزدادان حمرة إلى أن ينتهي حمرة البسر.
وأما الخاضب من بقر الوحش فهو الذي يخضر أظلافه من وطء الرطب وإنما أراد أن النعام آمنة مطمئنة بهذه الأرض فهي تتبخر في مشيها، والأرندج جلود سود.
وقال أبو النجم:
خلُ الذنابي أجدفُ الجناحِ ... يمشينَ بالتلعِ وبالقِرواحِ
مشي النصارى بزقاقِ الراحِ
الخل القليل الريش، والأجدف القصير يقول النعام يمشين مشياً بطيئاً لأنها آمنة ممتلئة من المرعى كمشي النصارى قد حملوا زقاق. خمر تحت آباطهم فهم يمشون في شق مشياً بطيئاً.
وقال ذو الرمة:
حتى إذا الهَيقُ أمسي شام أفرخَه ... وهنٌ لا مؤيسٌ منه ولا كَثَبُ
أراد لا نظر مؤيس منه فلذلك لم يقل مؤيسات أي ليس الفراخ بعيدات منه فيؤيسه البعد من بلوغهن في يومه فيفتر ولا بالقريبات فيغتر ولكنها بين ذلك فهو أنجى له وأسرع.
وقوله يذكر الظليم:
ويسطعُ أحياناً فينتسبُ
أي يرفع رأسه فيتبين لك أنه ظليم، وقال يصف النعامة:
كأنها دلوُ بئرٍ جدّ ماتحها ... حتى إذا ما رآها خانَها الكربُ
الماتح الذي يستقي على البكرة، يقول حين ظهرت الدلو له فرآها انقطع الكرب وهو العقد على خشب الدلو فهوت في البئر فشبه سرعة النعامة بسرعة الدلو في تلك الحال.
وقال امرؤ القيس يذكرهما:
إذا راحَ للادحيّ أوباً يفنها ... فترمدّ من إدراكهِ وتحيضُ
أوباً مساء يقال أبت الحي أتيته مساء، قال الأخطل:
ولو يشاؤون آبوا الحيّ أو طرقوا
والطروق ليلاً، يفنها يطردها والفانّ الطارد، وترمد تسرع.
وقال الأعشى يذكرهما:
يتباريانْ ويَخشيانْ إضاعة ... ملثِ العشيّ وإن يغيبا يُفقدا
يتباريان في العدو ويخشيان إضاعة الفراخ، ملث العشي اختلاط الظلام، وإن يغيبا عن الفراخ تجد الفراخ فقدهما، وقال أبو النجم:
ورفَعَ الظليمُ من لوائهِ ... إشراف مُرديّ على صُرّائِه
لواؤه عنقه، شبهها بمردى قد أشرف على رأس الملاح يرفعه ويقذف به في الماء.
وضُم صُعدا جانبي خبائهِ ... ضمُّ فتي السوءِ على عطائهِ
خباؤه جناحاه، صعدا ارتفعا إلى فوق وكذلك يفعل إذا عدا أي كما يضم على عطائه البخيل كي لا يراه أحد فيسأله.
وطَمَحتْ عيناه في قرعائِه ... ونَسْيَ ما يذكرُ من حيائهِ
قرعاؤه هامته لأنه لا ريش فيها، يقول سا ببصره أمامه ليعدو، ونسي ما يذكر من حيائه، هذا مثل لأن الرجل إذا استحيا طأطأ رأسه، يقول كان الظليم يرعى مطأطئاً رأسه كالمستحي فلما فزع رفع رأسه فكأنه رجل نسي حياءه، ويقال بل كان يحمي بيضه أو رئاله من السباع فلما رأى الطارد نسي حياءه يعني محاماته عن البيض فهرب.
هاوٍ تضلّ الطيرُ في خوائِه ... وجدّ يفري الجلدُ من أنسائهِ
هاو يهوي في الأرض، قال الأصمعي: أراد أنه من سرعته بين السماء والأرض والطير بينه وبين الأرض كأنها ضلت، ويروي تضل الريح، أي من سعة ما بينه وبين الأرض، والخواء ما بينه وبين الأرض، يُفرى يُقطع في فساد، والأنساء جمع نسا وهو عرق في الرجل، يقول كأن جلد رجليه قد انشق بالعدو.
وقال الكميت يصف النعام:
فاستورأت بفريّ كاد يجعله ... طيرورة زفيان الحرجف الزجل
فاستورأت مرّت على نفار، والفري العدو الشديد، وزفيان صوت، والحرجف ريح ممتدة، والزجل المصوت ويقال زفيان من زفاه يزفيه أي استخفه وطرده، يقول كاد طرد الريح له أن يجعل عدوه طيراناً والظليم يستقبل الريح إذا عدا وكلما اشتد عصوف الريح كان أشد لعدوه.
وقال أبو عبيدة: وإنما يستقبلها لأنه إن استدبرها أكبته فيضع عنقه على ظهره ثم يخرقها، قال غير أبي عبيدة: والثور أيضاً يستقبل الريح إذا عدا.
وقال عبدة بن الطبيب يصف الثور:
مستقبلُ الريحِ يهفو فهو مبتركٌ ... لسانُهُ عن شمالِ الشدقِ معدولُ

والثور إذا عدا أخرج لسانه من الشدق الأيمن وعدله إلى الأيسر. والذئب يستقبل الريح إذا عدا يشم أرواح جرائه وغيرها.
قال طفيل:
كسِيدِ الغضا الغادي أضلّ جراءه ... على شرفِ مستقبِلِ الريحِ يلحَبُ
وقال الأخطل يصف الظليم والنعامة:
تعاوَرَا الشدّ لما اشتدّ رفعهما ... وكان بينهما من غائطٍ وشعِ
خمساً وعشرين ثم استدرعتْ زغباً ... كأنهنَ بأعلى لعلعٍ رِجَعِ
الوشع الطريقة من الغبار وهي الوشائع شبه طرائق الغبار إذا عدا بوشائع الثوب وهي الخيوط التي لحم بها السدى، وقوله خمساً وعشرين يعني أنهما يختلفان إلى بيضهما خمساً وعشرين ليلة، حتى استدرعت فراخها زغباً أي تدرعت، رجع حواسر الإبل وصغارها.
وقال زهير وذكر نعامة:
تحنُّ إلى مثلِ الحمانينِ جُثّما ... لدى سكنٍ من قيضِها المتفلِّقُ
تحطّم عنها قيضها عن خراطِمٍ ... على حدقٍ كالنبحِ لم يتفتّقُ
الحمانين القردان واحدها حمنان شبه بها الفراخ، لدى سكن من قيضها أي عند الموضع الذي كانت تسكنه من البيض المتكسر، وشبه حدقها بالجدري الذي لم يتحفر، وقوله على حدق أي مع حدق.
وقال أبو النجم:
والبيضُ في نَؤي من انتئائه ... والأمُ لا تسأمُ من ثوائهِ
حتى يدبُّ الرألُ من خِرشائِه ... وباتَ مأوى الوَدِّ من بنائهِ
يقول جعل البيض في حظيرة كالنؤي لئلا يحتمله السيل، والأم لا تمل من حضنه وأراد من ثواء عليه، والخرشاء قشر البيضة الرقيق، يقول بات قريباً من أبويه كمكان الودّ من الخيمة.
وقال ذو الرمة يذكر الرئال:
أشداقُها كصدوعِ النبعِ في قُللٍ ... مثل الدحاريجِ لم ينبتْ بها الزغبُ
كأنّ أعناقَها كُرّاثٌ سائفةٌ ... طارتْ لفائفُه أو هيشر سُلُبُ
أراد أشداقها كشقوق في النبع، والأشداق في قلل أي في رؤوس، مثل الدحاريج والدحروجة ما دحرجته من شيء، وشبه أعناقها بلون الكراث وهو نبت ويقال شبهها به لرقتها، سائفة مسترقّ الرمل طارت لفائفه أي قشوره، وهيشر شجر، سلب سقط ورقه.
وقال الكميت لقضاعة:
كأمِ البيضِ تلحفُه غُدافاً ... وتفرشُه من الدمثِ المهيلِ
غداف ريش أسود طويل، والدمث أرض لينة.
لما قيِّض عن حَتَكٍ لصوقٍ ... بأزعرٍ تحت أهدبٍ كالخميلِ
قيض عن حتك تفلق، والحتك الفراخ واحدها حتكة، أزعر صغار الريش، وأهدب طواله، والخميل القطيفة، يعني الظليم.
كأنّ القيضَ رعَّثه بودعٍ ... مع التوشيحِ أو قطعِ الوذيلِ
رعثه يقول بقي قطعة من كسر البيض في موضع أذن الفرخ مثل القرط الرعثات القرطة، والوذيل الفضة.
أويْنَ إلى ملاطِفةٍ خضودٍ ... لمأكلهنِ صفطافَ الرُبولِ
ملاطفة أم، خضود كسوب، لمأكلهن أي لأكلهن، والطفطاف ما تدلى منالجر، والربول شجر واحدها ربْلة وهي تنبت في الصيف في الرمل، يريد لهن ابقل.
تسبّع دونهنَّ لكلِ وحيٍ ... تعرض من أزلّ لها نسولِ
الوحي الصوت، والأزل الذئب، نسول في عدوه، يقول تحمي الفراخ.
فلما استرألتْ حسبتُ سواءً ... مفارقةَ الرعيلِ إلى الرعيلِ
فساقَطَها الفراقُ بكلِ غيبٍ ... خواذل بالمقدِّ وبالمُقيلِ
استرألت صارت رئالاً، والرعيل الجماعة، ساقطها الفراق يقول فارقت أبويها واستبدلت بهما نعاماً أخرى، والغيب المطمئن منالأرض، خواذل مفارقة، والمقد طريق يقد الأرض قداً، حيث تقيل، شبه قضاعة في انتقالها إلى اليمن عن نزار بهذه الرئل وقال أيضاً في مثل هذا المعنى:
أولى وأولى له حسني وسيئة ... تَبالِيَ الهيقُ والمكلوءُ ذي الزغبِ
يقول أوليه حسني وأولاني سيئة كتبالي الهيق وفخه حين يحفظه ويكلؤه وتبالي تفاعل.
لما تفلَّق عنه قيضُ بيضَتُه ... آواهٍ في ضِبنٍ مضبوءٍ به نصبِ
يقول آواه أبوه في ضبنه، مضبوء لاطيء بالأرض.
وإن تعرضَ معتسُ الذئابِ له ... أوفى بأولقٍ ذي الزبّونةِ الحرِبِ
الأولق الجنون، والزبونة من زبنة أي دفعه، والحرب العالم بالحرب.

حتى إذا علمَ التدارجُ واتخذتْ ... رجلاهُ كالودعِ آثاراً على الكُثُبِ
وخالَهُ ضد من قدْ كان يكلؤه ... بالأمسِ إنّ الهوى داعٍ إلى الشجبِ
ظن أنه مثل أبيه وأنه سيقاوم الذئب إن لقيه، والشجب الهلاك.
ولي مباعدةٌ منه ومزريةٍ ... من غيرِ مُزري به والحينُ ذو سببِ
يريد أنه ترك أباه وانفرد. وقال - ذو الرمة:
وبيض رفعنا بالضحى عن مُتونها ... سماوة جونٍ كالخباءِ المقوضِ
هَجومٌ عليها نفسُه غيرَ أنه ... متى يُرمَ في عينيْه بالشخصِ ينهضِ
بيض يعني بيض نعام، وسماوة الشيء شخصه، والجون الظليم هاهنا، والمقوض المقلوع، شبه الظليم بالخباء المقلوع، هجوم عليها نفسه أي يرمي نفسه على البيض، متى يرم في عينيه بالشخص أي متى ير شخصاً يقم عن بيضه.
وقال ذو الرمة:
إذا هبّتِ الريحُ الصبا درجتْ به ... غرابيبُ من بيضِ هجائنٍ دردقِ
الصبا والجنوب تهبان في أيام يبس البقل وهو وقت ينقف فيه النعام بيضه، فيقول إذا كان هذا الوقت درجت بهذا الموضع رئلان سود، من هجائن أي بيض ابيض، دردق صغار وهو من صفة الرئلان لا واحد لها من لفظها، وقال الشماخ:
ووحشيةٌ بيضا قد صدَّتْ صاحبي ... ولادة صِعونَّينِ حمشٌ شواهُما
ولودين للبيضِ الهجانِ وحالكٌ ... من اللونِ غريبٌ بهيمٌ علاهُما
وحشية يعني بيضة نعام، والصعون الخفيف الرأس، حمش دقيق، شواهما أطرافهما، حالك أسود، يقول يلدان بيضاً أبيض وهما أسودان، وقال ذو الرمة:
وبيضاً لا تنحاشُ منا وأمُّها ... إذا ما رأتنا زيل منا زويلُها
نتوج ولم تقرفْ بما يمتنى له ... إذا أنتجتْ ماتتْ وعاش سليلُها
بيضاء يعني بيضة نعامة، لا تنحاش لا تفزع، وأمها يعني النعامة إذا ما رأتنا ذعرت وفزعت، يقال للرجل إذا رعب: زيل منه زويله وزيل بغير الغ لغة، نتوج حامل يعني البيضة، ولم تقرف لم تدان، لما يمتنى له أي للضراب الذي يمتنى له، والسليل الفرخ، وقال أيضاً:
وميّتةُ الأجلادِ يحيا جنينُها ... لأولِ حملٍ ثم يورثُها عُقرا
يعني البيضة إذا خرج الفرخ لم تحمل البيضة بعده حملاً، وقال الكميت وذكر النساء:
لهنَ وللمشببِ ومن علاه ... من الأمثالِ قائبةٌ وقوبُ
قائبة قشر البيضة، والقوب الفرخ يقول ذو المشيب من النساء بمزلة الفرخ من البيضة إذا خرج منها وانكسرت فليس يرجع إليها أبداً، وقال لقريش:
فقائبةٌ ما نحنُ غدوا وأنتم ... بني غالبٍ إن لم تفيؤوا وقوبُها
يقول إن لم ترجعوا عما أنتم عليه فارقناكم غداً كفراق الفرخ بيضته إذا خرج منها لم يعد إليها، وقال ذو الرمة يذكر بيضاً:
ترائكٌ أيأسن العوائدُ بعد ما ... أهفن فطارُ الفرخِ بعد رُزامِ
ترائك فواسد قد تركت واحدتها تريكة، أيأسن العوائد يعني الأمهات من أن يعدن فيحضنّ البيض، بعد ما أهفن أي دخلن في الهيف وهي الريح الحارة، بعد رزام بعد أن لا تستطيع تنهض، يقول من هذا البيض ما فسد ومنه ما لم يفسد طارت فراخ بعد أن كان رازماً، والرازم المهزول الذي لا ينهض من الإبل وغيرها، وسئلت ابنة الخس هل يلقح البازل ؟ قالت نعم وهو رازم، أي وإن كان لا يقدر على النهوض.
وقال ابن أحمر:
وما بيضاتُ ذي لبدٍ هجفٍّ ... سقيْنَ بزاجلٍ حتى روَينا
هجف يعني ظليماً جافياً والزاجل مني الظليم من زجله يزجله.
يظلُّ يجفهنَ بقَفْقَفيْه ... ويلحفهُنَ هفافاً ثخينا
وهو ثخين أي بعضه فوق بعض.
وضعْنَ وكلهنَ على غرارٍ ... حصانُ الجيبِ قد وسقت جَنيْنا
وضعن يعني البيضات، وهن على غرار أي على مثال في الأقدار ويقال أيضاً أنها تضع بيضها طولاً ثلاثين بيضة أو نحوها كخيط ممدود ثم تعاقب بينها في الحضن فمن ذهب إلى هذا قال في قوله - وكلهن على غرار - أي على استواء في الطول ومثال واحد لا تخرج واحدة عن الأخرى كما قال الآخر:
على غرارٍ كامتدادِ المطمرِ

يعني بيض النعام والمطمر خيط البناء، وقوله حصان الجيب يعني البيض لم يقارفن سواء، وسقت جنيناً حملت جنيناً، والقول في البيض هو الأول أنهن على مقدار.
وقال ثعلبة بن صعير العدوي وذكر الظليم والنعامة:
فتذكرت ثَقَلاً رثيداً بعدما ... ألقت ذُكاء يمينها في كافر
الثقل هاهنا البيض وجعل بيضها ثقلها ومتاعها والرثيد المطروح بعضه على بعض فقد رثدته، وذكاء الشمس وهي لا تنصرف، وكافر الليل لأنه يغطي كل شيء، وقوله ألقت يمينها هذا مثل أي صار أوائلها في الغور.
ومثله قول لبيد في الشمس:
حتى إذا ألقَتْ يدا في كافرٍ وأجنّ عوراتُ الثغورِ ظلامُها
وقال علقمة بن عبدة:
حتى تلافي وقرنُ الشمسِ مرتفعٌ ... أدحيّ عرسينِ فيه البيضُ مركومُ
فجعل البيض بعضه على بعض، وقال أبو النجم:
والبيض في نؤي من انتئائه
يقول حفر له حفيرة كالنؤي، وقال لبيد:
بكثيِّبٍ رابيةٍ قليلٍ وطؤُه يعتادُ بيتُ موضَّعٌ مركومُ
الموضع بيضه، وبيته الأدحى. وقال ابن أحمر وذكر امرأة:
كودعةِ الهجاجِ بوأها ... ببِراق عاذَ البَيْضُ أو ثجُر
لهدجدج جرب مساعره ... قد عادها شهراً إلى شهر
وديعته بيضته، والهجهاج الظليم وهو الجافي الفزع، وعاذ موضع منسوب إلى البيض كأن النعام تبيض فيه، وقال ابن هرمة:
فإني وتركي ندى الأكرمينَ ... وقَدَحي بكَفي زندا شحاحا
كتاركةٍ بيضَها بالعراءِ ... وملبسةٍ بيضَ أخرى جناحا
ويقال في المثل: أموق من نعامة، وذلك أنها ربما خرجت للطعم فرأت بيض نعامة أخرى قد خرجت لمثل ما خرجت له فتحضن بيضها وتدع بيض نفسها، ويقال: أخرق من حمامة، وذلك لأنها لا تجيد عمل العش وربما وقع البيض فانكسر، قال عبيد:
عيّوا بأمرِهم كما ... عيَّت ببيضتْها الحمامه
جعلتْ لها عودينِ من ... نشمٍ وآخرٍ من ثَمامه
النشم شجر يتخذ منه القسي صلب، والثمام نبت ضعيف، يقول قرنت هذا بهذا فسقط البيض فانكسر، ويقال أيضاً: أخرق من عقعق، لأنه وإن كان حذراً فإنه من الطير الذي يضيع بيضه وفراخه، ويقال: أسرق من كِنش، وهو العقعق، وأنشد ابن الأعرابي:
هل تلحقني بالغادينَ دوسرة ... كأنها ذِعلبٌ بالطُفْي ملتحفُ
ألقي الثماني على أجسادٍ مطبَقةٍ ... بالدومنهنَ منتوجٌ ومكترفُ
الطفي خوص الدوم والثماني يريد الثماني ريشات ومن مقاديم جناحه، والمطبقة البيض أطبقت على ما فيها، والمكترف الذي مات في بيضه وأنتن.
وقال عدي يصف نباتاً:
لم تعبه إلا الأداحي فقد وب ... ر بعض الرئال في الأفلاق
وبر ازلغّب وهذا مستعار إنما التوبير في الإبل، يقول: هذا الموضع لا ترى فيه إلا أدحيا ونباتاً وزهراً فهو أحسن ما يكون وأحفل، والأفلاق فلق البيض، وقوله لم تعبه مثل قول النابغة:
ولا عيبَ فيهم غير أن سيوفَهم ... بهنَ فلولٌ من قراعِ الكتائبِ
لأنه ما كان كذلك فهو مبرأ من العيوب، ونحو منه قوله يصف النساء:
كدمي العاج في المحاريب أو كال ... بيض في الروض زهره مستنير
سئلت ابنة الخس أي شيء أحسن منظراً ؟ فقالت: قصور بيض في حدائق خضر.
وقال الأخطل وذكر الثور:
وزمَّتِ الريحُ بالبُهمي جحافِلُهُ ... واجتمعَ القيضُ من نَعمانِ والخَضرِ
زمت الريح الجحافل بالسفا وهو شوك البهمي وهذا حين يهيج النبت واجتمع القيض والخضر، القيض قشور البيض والخضر النبت الأخضر، يريد أنهما ذهبا جميعاً وجف النبت فكأنهما لما فارقا هذا الموضع اجتمعا ولم يرد أنهما اجتمعا في موضع.
وقال امرؤ القيس:
وتحسبُ سلمى لا تزالُ ترى طلي ... من الوحشِ أو بيضاً بميثاءِ مِحلالِ
يقول تحسب سلمى لا تزال في هذا الموضع وهو مبدأها في الربيع، قال وإنما يرى البيض والطلي في الربيع فإذا جاء الصيف تفرقوا.
وقال يصف امرأة:
كبِكرِ المقاناةِ البيّاضِ بصفرةٍ ... غذَّاها نميّرِ الماءِ غير محللِ

ويروي: كبكر مقاناة البياض بصفرة، يعني البيضة قونيت بياضاً بصفرة أي خالط بياضها صفرة وكذلك بيضة النعامة، يقال ما يقانيني هذا الأمر أي ما يوافقني، وهو مثل قول ذي الرمة:
كحلاء في برج صفراء في نعج كأنها فضة قد مسها ذهب
يقول ليست بيضاء مهقاء والأمق الذي لونه لون الجص، ونمير الماء النامي في الجسد وإن كان غير عذب، غير محلل يقول لم يحله الناس فيغيروه ويثوّروه، يصف حسن غذاء المرأة، وقال طفيل يذكر إبلاً:
عوازبٌ لم تسمَعْ نبوحَ مقامةٍ ... ولم ترَ ناراً تمّ حول مجرَّمِ
سوى نارِ بيضٍ أو غزالٍ بقفرةٍ ... أغن من الخنس المناخر توأمِ
عوازب تبيت القفر لا تروح إلى أهلها، والنبوح جلبة الحي وأصواتهم، تم تمام، مجرم مقطوع ماض، أي هي في القفر لا ترى ناراً ولا تسمع جلبة سوى نار بيض نعام توقد له وغزال يصاد، والنار توقد للظباء لتعشى إذا أدامت النظر إليها فتصاد وللرئال ويطلب بها بيض النعام في أداحيها، وقال الطرماح وذكر مكاناً:
كم به من مَكْنِ وحشيةٍ ... قِيضَ في منتثَلِ أو شيامِ
المكن البيض وهو للضباب واستعاره، وحشية نعامة، قيض السهلة، والمنتثل الذي أخرج ترابه لأنه حفر قبل ذلك، والشيام الأرض السهلة، ويروي: من مكو وحشية والمكو الجحر وجمعه مِكاء مثل دلو ودلاء ومن قال مَكا قال أمكاء مثل قفا وأقفاء، أنشد أبو زيد:
أما تعرف الأطلال قد طال طيلها ... بحيث التقت رمُد الجِناب وعينِها
يقال قد طال طيلك وطيَلك، والعِين البقر، والرُمد النعام.
وقال أوس يصف ظليماً:
يدُّفُ فويقَ الأرضِ فوتاً كأنه ... بإعجالِه الطرفُ الحديد معلقُ
يقول كأنه من سرعته معلق بين السماء والأرض، وقوله فوتاً أي قدر ما يفوته بإعجاله الطرف يقول يسبق طرف العين.
وقال آخر:
ومجوَفاتٌ قد علا ألوانَها ... أسآرُ جردِ مترصاتٍ كالنوا
مجوفات يعني نعاماً والمجوف من الخيل الذي ارتفع بياض بلقه إلى بطنه فجعل النعام هكذا، وقد علا ألوانها أي قد علا التجويف ألوانها، أسآر خيل قد طردت نعاماً فبقيت منها هذه النعام والخيل أسأرت هذه أي أبقتها، والمترص المحكم يعني الخيل، كالنوى في الضمر.
وقال آخر:
وانتصف النهارُ والنعامُ ... والمهرُ مزدمٌّ له قتامُ
هذا رجل طرد نعاماً على فرس فصرع نصفها إلى وقت انتصاف النهار، مزدم رافع رأسه يقال جاءنا زامّاً بأنفه.
وقال ابن مقبل ووصف نبتاً:
فيه من الأخرجِ المرياعِ قرقرةٌ ... هدرُ الديافيّ وسط الهجمةِ البُحُرِ
الأخرج الظليم فيه بياض وسواد، والمرياع الراجع إلى مكانه، ويروي: المرتاع، وهو الفزع، والبحر الغزار أخذ من البحر، وقال أبو النجم وذكر ظليماً:
قلتُ لشيبانٍ ادْنُ من لقائهِ ... كما نغدِّي القوم من شوائه
شيبان ابنه قلت له: اركب في طلبه، كما بمعنى كيما يقول كيما نصيده فنغدي القوم به مشوياً، وقال الأخطل:
وداويةُ قفرٍ كأنّ نعامَها ... بإرجائِها القصوى رواجنٌ هُمّلُ
الرواجن إبل قد رجنت وأكلت علف الأمصار، قال وهذه إبل قد جربت فقد طليت بالقطران فكأنها نعام.
وقال مالك بن خالد الهذلي:
والله ما هقلةُ حصاءٍ عنّ لها ... جونُ السراةِ هزفٌّ لحمه زيمُ
هقلة نعامة، حصاء قد تحاصّ عنها الريش وذلك من كبرها وهو أشد لعدوها.
وقال آخر - وهو المتنخل الهذلي:
كانوا نعائمَ حفّان منفرة ... مُعْط الحلوقِ إذا ما أدركوا طَفَحوا
لحمه زيم أي قطع على رؤوس العظام ليس بمذموم.
كانت بأوديةٍ محل فجادَها ... من الربيعِ نجاء بينها ديمُ
فهي شنونٌ قد ابتلتْ مساربُها ... غير السَحوفِ ولكن عظمَها زِهمُ
ابتلت مساربها يريد مجاري اللحم منها وأصل المسارب مجاري الماء إلى الروض، والشنون بين السمين والمهزول، يقول هي شنون غير سحوف وهو أجود لشدها وأقوى لها والسحوف التي تسحف عن ظهرها الشحم ثم قال لكن عظمها زهم أي فيه مخ والزهم الشحم وهذا خلاف قول الآخر:
زمخري السواعد
وقول زهير:
جؤجؤه هواء
تم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

الثالث من كتاب المعاني لابن قتيبة وهو
كتاب الطعام والضيافة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه الثقة والمعونة
أبيات معان في القدور
قال أبو ذؤيب:
وسودٌ من الصيدانِ فيها مذانبٌ ... نصارٌ إذا لم نستفدْها نُعارُها
يعني قدوراً، والصيدان حجارة البِرام، والمذانب المغارف الواحدة مذنبة، وقال الأصمعي أظنه أراد بالصيدان الصاد والصاد يكون للصفر والحجارة، هذه رواية الزيادي عنه، قال وهو كما قال العجاج:
بحيث صاح المرجل الصادي
قال والصيداء الصخرة ونضار شجر قال الأصمعي أراد الأثل يقول إن لم نشترها استعرناها يريد أنهم أصحاب قرى وسماحة.
لهنَ نشيخٌ بالنشيلِ كأنها ... ضرائرٌ حِرمي تفاحشَ غارُها
نشيج غليان، والنشيل أصله ما أخرجت بيدك من اللحم ولم يرد ذلك بعينه وإنما اراد اللحم، وشبه غليان القدور باصطخاب ضرائر ثم نسبهن إلى رجل من أهل الحرم لأن قريشاً أول من اتخذ الضرائر وغارها غيرتها، حرمي منسوب إلى الحرم على غير قياس والقياس حَرَمى وأنشد الأصمعي:
كقارورةِ الحِرِمي لو أن مُدنِفاً ... يداوي بها وتريْنِ لم يتوجّع
وقال:
إذا استُعجِلَتْ بعد الخبوِّ ترازمَتْ ... كهزمِ الظُؤارِ جُرّ عنها حوارُها
الخبو أن تموت النار يقال خبت النار، يقول إذا استعجلت بأن توقد وقوداً شديداً بعد السكون سمعت لها رزمة مثل رزمة الناقة على ولدها وهو صوتها يقال ارزمت الناقة إذا حنت، والظؤار ثلاث من النوق يعطفن على الفصيل، والواحد ظئر.
وقال الآخر:
فعالى غلامانا على غضويَةٍ ... جماعاً من الصيدانِ تطغي فتقدعُ
كأن المحالَ الغرّ في حجراتها ... عذارى على طاياتِ بُصري تطلّعُ
غضوبة نار توقد بحطب الغضا، جماعاً أي قدراً تجمع الجزور والصيدان حجارة البرام، تطغي تفور، فتقدع أي تكف وبناء بصري بحجارة سود فشبه بياض المحال في القدور مع سواد القدر بالعذارى فوق تلك السطوح، والطايات السطوح واحدها طاية.
وقال النابغة يمدح رجلاً:
له بفناءِ البيتِ دهماءُ جونةٍ ... تلقمُ أوصالَ الجزورِ العُراعرِ
يعني قدراً تسع الجزور العظيمة وهي الجماع التي ذكرها الأول.
ومثله:
بقدرٍ تأخذُ الأعضاءُ ممّا ... بجملتِه وتلتهمُ الفَقارا
ويروي: وتلتهم الغبارا.
وقال الكميت:
ومرصوقةٌ لم تُونِ في الطبخِ طاهياً ... عجلَّتْ إلى مُحوَرّها حين غَرغَرا
مرصوقة قدر أنضجت بالرضف وهي حجارة تحمي ثم تطرح فيها، والطاهي الطباخ، لم تون لم تحبس من الونى، والمحور ما ابيض منها قبل النضج، غرغر غلا أول غلية يريد أنه على عجلة، وقال عنتر:
إذ لا تزالُ لكم مغرغرةً ... تغلي وأعلى فوقها كِتر
مغرغرة قدر تغلي والكتر السنام، وقال آخر:
ثبتتْ قواثمها خسا وترنمتْ ... غضباً كما يترنمُ السكرانُ
يعني القدر، خسا فرد يعني الأثافي، وقال الراعي:
فبتْنا وباتتْ قدرهم ذاتَ هزَّةٍ ... يضيءُ لنا شحمَ الفروقةِ والكُلى
هزة غليان، والفروقة شحم الكليتين، وقال ابن أحمر:
ودهمٌ تصاديها الولائد جلة ... إذا جهلَتْ أجوافُها لم تحلّمِ
الدهم القدور، تصاديها تداريها وترفق بها، جلة عظام، وجهل أجوافها بالغليان.
نرى كل هرجابٍ لجوجٍ لهمَّة ... زفوفٍ بشلوِ النابِ جوفاء عَيلمِ
هرجاب طويلة على وجه الأرض، زفوف بشلو الناب أي تزويه إذا غلت ومنه قيل زفت الإبل زفيفاً إذا قاربت الخطو وفيه بعض النزوان، عيلم واسعة كثيرة الأخذ ويقال للبئر عيلم، لهمة تبتلع كل شيء.
لها زجلٌ جنحُ الظلامِ كأنه ... عجارفُ غيثٍ رائحٌ متهزمُ
شبهه بهزمة الرعد وهو صوته، وجنح الظلام دنوه واختار هذا الوقت لأنه وقت نزول الأضياف، وعجارف اختلاط الأصوت.
إذا ركدَتْ حولَ البيوتِ كأنها ... ترى الآلَ يجري عن قبائلِ صُيّمِ
ركدت سكن غليانها، أي رأيت الدسم يجري عليها كما يجري الآل على خيل صيام أي قيام، وقال الراعي:
حلبت له دهماً ليستْ بلقحةٍ ... ركوداً إذا النكباءُ هبّتْ عقيمُها

تجيشُ بأعضاءِ المحالِ كأنها ... عذارى بدَتْ لما أصيبَ حميمُها
وذكر ضيفاء، ودهماء قدر، شبه قطع اللحم فيها بنساء برزن، مثل قول الآخر:
عذارى على طايات بُصرى تطلّع
وقد تقدم ذكره.
غضوبٌ كحيزومِ النعامةِ أُحمشتْ ... بأجوازِ خشبٍ طارَ عنها هشيمُها
محضّرةٌ لا يجعلُ السرُ دونها ... إذا المرضع الغوجاء جالَ بريمُها
غضبها غليانها، أحمشت كأنها أغضبت إذا أمدت بالحطب الجزل فغلت، والبريم الحقاب وإنما يجول من الهزال، يقول: لا نسترها في وقت الجدب ولكننا نظهرها ونحضرها للناس، وقال يذكر امرأة:
رفَعْنا لها مشبوبةً يهتدي بها ... ولقحةَ أضيافٍ طويلاً ركودُها
إذا ما اعترانا الحقُ بالسهلِ أصبحتْ ... لها مثل أسرابِ الضباعِ خدودُها
إذا نصبَتْ للطارقينَ كأنها ... نعامةٌ حزبا تقاصَرَ جيدُها
مشبوبة يعني ناراً، خدودها حيث يخدّ لها في الأرض، كأنها نعامة حزباء يقول ليست بطويلة العنق فكأنها تقاصرت، والحزباء الأرض الحزنة الغليظة.
يبيتُ المشاشُ الخورُ في حجراتِها ... شكارى مراها ماؤها وحديدُها
الخور الكثيرة الدسم، شكارى من كثرة الدسم وهذا مثل، مراها حلبها الماء، يقول لما صب الماء خرج الدسم، والحديد يريد المغرفة.
وقال:
وقدر كرأل الصحصحان وئية
الوئية العظيمة، والرأل فرخ النعام، والصحصحان المستوى من الأرض.
وقال وذكر الأثافي:
ثلاثٌ صَلَينَ النارَ حولاً وأرزمتْ ... عليهن رجزاء القيام هدوجُ
أرزمت صوتت وأصله إرزام الناقة يعني قدراً غلت على الأثافي ورجزاء القيام من ثقلها والرجزاء من الإبل التي إذا أرادت النهوض أرعدت فخذاها، وهدوج في صوتها تهدج في غليانها.
وقال جرير:
إذا لم يُدِرّوا عاتماً عطفت له ... سريعةُ أبشارِ اللقاحِ درورُ
يقول إذا لم يكن لبن نصبوا للضيف قدراً، والعاتم هاهنا ناقة تحلب عتمة، وسريعة إبشار اللقاح يعني قدراً شبهها بناقة بها حمل إذا ألقي فيها اللحم ويقال أبشرته وبشرته بمعنى واحد.
وقال لبيد:
وأعطوا حقوقاً ضمّنوها وراثة ... عظامِ الجفانِ والصيام الحوافلا
تُوزّع صَرّاد الشمالِ جفانُهم ... إذا أصبحتْ نجدٌ تسوقُ الأفائلا
الصيام الحوافل يريد القدور الممتلئة، توزع تطرد، والصراد السحاب البارد الذي لا ماء فيه أي ترد حفانهم الشمال بالإطعام وأصبح أهل نجد يسوقون الفصلان لأنها أضعف على البرد، والأفائل قطع السحاب تنفيه الشمال.
وقال أيضاً:
وأبذلُ سوام القدرِ إ ... نّ سواءها دهماً وجونا
ذو القدرِ إن نضجتْ وعجّ ... ل قبله ما يشتوينا
إن القدورَ لقائحٌ ... يحلبنَ أمثل ما رعينا
يقول إنك ستصيب سواءها دهماً وجوناً من الإبل، ذا القدر رده على سوام، يقول يحلبن من الحمد والذكر والشرف أكثر مما يطعم فيهن، رعين استحفظن وجعل فيهن، وقال آخر - مضرس بن ربعي الأسدي:
فلا تسأليني واسألي ما خليقتي ... إذا ردّعا في القدر من يستعيرها
العافي كل شيء يرده مستعير القدر فيها من المرق إذا ردها وكانوا يفعلون ذلك في الجدب، وقال الكميت يذكر سنة جدب.
وجاءتِ الريحُ من تلقاءِ مغربها ... وضنَّ من قدرهِ ذو القدرِ بالعُقَبِ
ويروي بالعَقَب، العقبة والعافي سواء، وقال أيضاً وذكر سنة جدب:
واتخذت للقدر في عُقبة ال ... كرّة مبذولة وطائدها
العقبة ما فسرناه، والكرة حيث ترد القدر، وطائدها أثافيها.
وقال الراعي:
إني أقسّمُ قدري وهي بارزةٌ ... إذ كل قدرِ عروسٍ ذات جلبابِ
أي تستر كما تستر العروس، وقال آخر - وهو المرار بن سعيد الفقعسي:
فقلت أشيعا مشّرا القدرِ حولنا ... وأي زمانٍ قدرنا لم تمشّر
مشرت اللحم قسمته، وقال آخر:
ألا إن قومي لا تلطُّ قدورُهم ... ولكنما يوقَدنَ بالعِذاراتِ
تلط تستر وأنشد:
كما لُطّ بالاستارِ دونَ العرائسِ
يقال ألط فلان إذا ساتر وفلان يلط دون الحق بالباطل أي يستر.

وقال بشر:
فكانوا كذاتِ القدرِ لم تدرِ إذ غلتْ ... أتنزلها مذمومةً أم تُذيبُها
تذيبها تنهبها يقال أذاب علينا بنو فلان إذا أغاروا عليهم فأخذوا مالهم، يقول لما رأونا تحيروا ودهشوا فلم يدروا ما يصنعون كسالئة فسدت عليها زبدتها فلم تدر ما تصنع أتنزل القدر مذمومة أم تقسم ما فيها.
وقال أعشى باهلة:
لا يعجلُ القومَ أن تغلي مراجلُهم ... ويدلجُ الليلُ حتى يُفسحُ البصرُ
يقول هو رابط الجأش فإذا أغار عليه قوم وأصحابه يطبخون لم يفزعه ذلك حتى يعجلهم عن الطبيخ، ويسير بالليل حتى يفسح البصر بالصبح، والمراجل القدور.
وقال بشر وذكر ناقة:
تجرّ نعالَها ولها نفيّ ... نفي الحَبِّ تُطحره الملالُ
أي تسقط نعالها من شدة سيرها، والنفي ما تنفيه من تحت قوائمها، تطحره ترمي به، والملال المقالي أخذ من الملة وهو الموضع الحار.
وقال آخر:
لا تعدلنَ أتاويّين تضربُهم ... نكباء صرّ بأصحابِ المُحِلاتِ
الأتاويون الغرباء، والمحلات القدر والقربة والفأس والقدّاحة والدلو والرحى وإنما قيل لها محلات لأن من كانت معه حل حيث شاء وإلا فلا بد له من أن ينزل مع الناس، يقول لا تعدلن الغرباء بهؤلاء، ويقال هي سبعة أشياء منها السكين.
وقال الفرزدق:
وقِدرٌ فثأنا غلِيها بعد ما غلتْ ... وأخرى حششنا بالعوالي تؤثّفُ
القدر هاهنا الحرب، فثأنا أطفأنا لهبها، وأخرى حششنا أي أحميناها بالرماح فكانت لها كالأثافي التي تحت القدر تثبتها وتمسكها وتحميها من كل جانب.

أبيات معان في الجفان
قال ابن مقبل:
وجوفاً يجنحُ فيها الضريكُ ... لحين الشتاءِ جنوحُ العرِنِ
الضريك البائس الهالك بسوء حال، جوفاء يعني جفنة واسعة الجوف، والعرن الذي به داء في عنقه وهو قرح يحتك منه وربما برك إلى أصل شجرة فاحتك بها.
وقال أبو خراش:
يقاتل جوعهم بمكلت ... من الفرني يرعبها الجميل
مكللات جفان قد كللن باللحم، يرعبها يملؤها، يقال رعبت الأودية أي ملئت، والجميل الشحم المذاب.
وقال أبو زبيد:
وخوان مستعمل أدجنته ... كل يوم شيزي رجوف دلوف
شيزي جفنة تعمل من الشيز، رجوف يرجف بها إذا ملئت من ثقلها، دلوف يدلف بها والدليف تقارب الخطو وهو فعيل بمعنى مفعول.
وقال الراعي وذكر امرأة أضافها:
فباتت تعد النجم في مستحيرة ... سريع بأيدي الآكلين جمودها
مستحيرة جفنة قد تحير فيها الدسم فهي ترى فيها النجوم لصفاء الإهالة، وأراد بقوله تعد النجم الثريا والعرب تسمي الثريا النجم، قال:
طلع النجم عشاءً ... ابتغى الراعي كساءً
وقد ذكرناه في كتاب الأنواء، وقال لبيد:
ويكللون إذا الرياح تناوحت ... خلجاً تمد شوارعاً أيتامها
الخلج الجفان كأنها خلج جمع خليج وهو النهر، يكللونها باللحم، شوارعاً شرعوا فيها، تناوح الخليجان تقابلاً وكذلك الشجر، وقال النابغة الذبياني:
إني أتمم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما
؟معان في الرحا أنشدنا أبو حاتم عن أبي زيد:
بدلت من وصل الغواني البيض ... كبداء ملحاحاً على الرضيض
تخلأ إلا بيد القبيض
يقال خلأت الناقة تخلأ خلاء إذا وقفت فلمتبرح، والقبيض الشديد القبض، والرضيض حجارة المعادن فيها ذهب وفضة، والكبداء الرحا العظيمة، يقول تقف فلا تدور إلا بيد قوية، وقال آخر:
بئس طعام الصبية السواغب ... كبداء جاءت من ذرى كواكب
كبداء رحى عظيمة، وكواكب اسم جبل، وقال آخر:
أعددت للضيف وللجيران ... حريتين ما تحلحلان
لا تحلبان وهما ظئران.
يعني رحيين م الحرة، وقال آخر يصف رحا:
وضيفين جاءا من بعيد فقربا ... على فرش حتى اطمأنا كلاهما
قرينا هما ثم انترعنا قراهما ... لضيفين جاءا من بعيد سواهما
وقال ذو الرمة:
وأشعث عادي الضرتين مشجج ... بأيدي السبايا لا ترى مثله جبرا
كأن على أعراسه وثيابه ... وئيد جياد قرح ضبرت ضبرا

أشعث يعني وتد الرحا، والضرتان الحجران، يقول إذا انكسر طرح وأخذ غيره ولم يجبر، وأعراسه معرس الرحا حيث توضع، وئيد جياد أي صوت خيل، وضبرت وثبت.

معان في الطعام والضيافة
قال طرفة:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر
يقال فلان يدعو الجفلى والأجفلى إذا عم بدعوته وفلان يدعو النقرى إذا خص بدعوته قوماً دون قوم، والآدب الداعي إلى المأدبة وهي الطعام المدعو إليه، وقال آخر مهلهل بن ربيعة:
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم ... ضرب القدار نقيعة القدام
القدار الجازر، والنقيعة الطعام يصنع للقادم من سفر، والقدام جمع قادم مثل كافر وكفار، وقال آخر:
كل الطعام يشتهى ربيعه ... الخرس والاعذار والنقيعة
الخرس طعام الولادة، والاعذار طعام الختان، والنقيعة طعام القادم من سفر، وكل طعام صنع ودعي إليه فهو مأدبة ومأدبة.
وقال أبو ذؤيب:
ومدعس فيه الأنيض اختفيته ... بجرداء ينتاب الثميل حمارها
مدعس مختبز قد طبخ فيه وخبز، اختفيته استخرجته، يقال للنباش مختف، والأنيض اللحم الذي لم ينضج من العجلة، والثميل جمع ثميلة وهي البقية من الماء في الغدير وبطن الوادي، يقول ليس بها ماء فحارها ينتاب الثميل ببلد آخر، ومثله للشماخ:
وأشعث قد قد السفار قميصه ... وجر شواء بالعصا غير متضج
أي لم ينضجه من العجلة، وقال امرؤ القيس:
فظل صحابي يشتوون بنعمة ... يصفون غاراً باللكيك الموشق
قال الأصمعي: لا أعرف الغار هاهنا ولكن الغار الكتيبة يقال التقى الغاران. وقال أبو عمرو: يصفون غاراً كما تقول صفوا المسناة بالخشب والقصب وإنما يصفون اللكيك في الغار واللكيك اللحم، وقال غيره: الوشيقة اللحم يقطع صغاراً وهي التي تسميها العامة العشيقة، والواشق في شعر النابغة من هذا وهو الكلب لأنه يوشق الصيد، والغار واللكيك اللحم، والموشق أيضاً المقدد، وقال الأعشى:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو شلول مشل شلشل شول
الشاوي الشواء، المشل السائق السريع السوق يقال شللت الإبل، والشلول المسرع، والشلشل الخفيف، وشول خفيف أيضاً، يقال للميزان إذا خف أحد جانبيه قد شال ويقال الشول الذي يشول الشيء أي يحمله يقال أشلت وشلته ويروي: شمل أي طيب النفس والريح.
وقال ذو الرمة:
وسواد مثل الترس نازعت صحبتي ... طفاطفها لم نستطع دونها صبرا
وأبيض هفاف القميص أخذته ... فجئت به للقوم مغتصباً ضمرا
سوداء يعني الكبد وأبيض يعني الفؤاد، هفاف رقيق الجلد، مغتصب أي لم يمرض قبل ذلك، يقال جزور مغصوبة مثل معبوطة وذلك أن تنحر بغير علة، ضمر لطيف؟
وذي شعب شتى كسوت فروجه ... لغاشية يوماً مقطعة حمرا
يعني السفود وفروجه ما بين شعبه، لغاشية أي لقوم غشوه، ملأت فروجه لحماً.
ومضروبة ضرب المريب بريئة ... كسرت لأصحابي على عجل كسرا
يعني خبزة ملة وهي تضرب ليسقط عنها الرماد.
وقال الكميت:
وأقاموا على الجفان ملاء ... قمعا واريا كسوه الخميرا
القمع السنام، والواري السمين، والخمير الخبز المختمر يريد الثريد.
وقال أمية بن أبي الصلت يمدح ابن جدعان:
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشيزى ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد
رد جفان ضخمة، يلبك يخلط بالشهد يريد الفالوذ.
وقال لبيد:
وفتيان صدق قد غدوت عليهم ... بلا دخن ولا رجيع مجنب
مجنب كثير يقال خير مجنب وشر مجنب أي كثير أراد بلحم ليس فيه ريح دخان، رجيع مردود عن المائدة.
وقال آخر:
بئس قوم الله قوم طرقوا ... فقروا ضيفانهم لحماً وحر
وسقوهم في إناء كلع ... لبناً من در مخراط فئر
كلع وسخ، وحردبة عليه الوحرة وهي دويبة حمراء تشبه العظاءة، فئر وقعت فيه فأرة، ويقال اخرطت الناقة إذا لم يستقص حلبها فارتد بعض اللبن في الضرع ففسد وصار قيحاً، وقال معقر بن حمار:
وذبيانية وصت بنيها ... بأن كذب القراطف والقروف

القراطف الأكسية، والقروف جمع قرف وهو وعاء من أدم يجعل فيه الخلع وهو أن يطبخ الشحم باللحم، وقوله كذب القراطف أي عليكم بها فاغنموها، وقوله في بيت آخر وهو:
تجهزهم بما اسطاعت وقالت ... بني فكلكم بطل مسيف
فكلكم بطل مسيف أي قد وقع في إبله السواف يقال أساف الرجل، وقال علقمة:
وقد أصاحب أقواماً طعامهم ... خضر المزاد ولحم فيه تنشيم
كانوا إذا غزوا وسافروا قطعوا اللحم فجعلوه في كرش فإذا أتى عليه أيام تغير فذلك تنشيمه، يقال نشم في الأمر أي بدأ فيه وتخضر الكرش إذا تغير اللحم فيها فشبه خضرتها بالمزاد إذا اخضر من الماء أي يأكلون الكرش وما فيها عند إيغالهم في السفر، وقال آخر:
إذا نحن نلنا من ثريدة عوكل ... فقدنا، لها ما قد بقي من طعامها
عوكل اسم امرأة، فقدنا يريد فحسبنا، والمعنى أكلنا ثريدتها فشبعنا منها لطيبها واكتفينا فلم تحتج إلى باقي طعامها، ثم استأنف فقال لها ما بقي من طعامها لأنا لا نحتاج إليه.
وقال آخر عمرو بن أسوى:
لا بل كلي يا أم واستأهلي ... إن الذي أنفقت من ماليه
استأهلي اتخذي إهالة وهي الإلية المذابة.
وقال آخر:
يمشون دسما حول قبته ... ينهون عن أكل وعن شرب
ينهون يبلغون غاية الشبع فيعجزون عن الحركة فهو ينهون غيرهم عن مثل ما نزل بهم.
وقال بشر بن أبي خازم:
ترى ودك السديف على لحاهم ... كلون الراء لبده الصقيع
السديف قطع السنام، والراء شجر، لبده ضم بعضه إلى بعض، والصقيع الجليد.
وقال رجل من بني سعد وهو ناشرة بن مالك يرد على المخبل السعدي:
إذا ما الخصيف العوبثاني ساءنا ... تركناه واخترنا السديف المسرهدا
الخضيف الذي له لونان من سواد وبياض يعني هاهنا الحيس والعويثاني مأخوذ من العبيثة وهي الشيئان يخلطان.
وقال رؤبة:
وطاحت الألبان والعبائث
أي في زمان تذهب فيه، والمسرهد الحسن الغذاء وكل شيء أملحته وحسنته فقد سرهدته، قال الأصمعي عوبثان حي من همدان قال وأراد إن لم يضفنا عقرنا إبله، يهجه بذلك.
نعاف وإن كنا خماصاً بطوننا ... لباب المصفي والعجاف المجردا
يريد بلباب المصفي البر وبالعجاف التمر الذي طار عنه قشره، يقول نعاف هذا وننحر الإبل فنأكل.
وقال آخر:
خذامية آدت لها عجوة القرى ... فتأكل بالمأقوط حيساً مجعداً
خذامية منسوبة إلى خذام، آدت مالت إليها عجوة القرى يريد أتتها بها الميارة من قولك تأود الغصن إذا مال وآد النهار إذا مال والمأقوط سويق بالإقط، وقوله: بالمأقوط أي تأكل مع المأقوط حيساً، والمجعد الجيد الخلط الكثير الحلاوة.
وقال ساعدة بن جؤية:
ثم ينوش إذا آد النهار له ... على الترقب من نيم ومن كتم
يعني حماراً جائعاً، ينوش الشجر يتناول على ترق وخوف.
وقال المتنخل:
لا در دري إن أطعمت نازلكم ... قرف الحتي وعندي البر مكنوز
يقال لا در در فلان أي لا كانت له حلوبة ولا رزق، والحتي سويق المقل، والقرف ما انقشر منه.
أنشدنا الرياشي:
ولست بكائن أبداً بخيلا ... إذا ما اعتل بالحب البخيل
يقول إذا سئل قال عندنا حب وليس عندنا دقيق، فتعلل به.
وقال الراعي وذكر امرأة أضافها:
فلما سقيناها العكيس تمذحت ... مذاخرها وازداد رشحاً وريدها
العكيس مرق يصب عليه اللبن، مذاخرها أمعاؤها، تمذحت تملأت وبطنت.
فلما قضت من ذي الأباء لبانةً ... أرادت إلينا حاجة لا نريدها
ذو الأباء موضع فيه أباء وهو رؤوس القصب، أي أرادت الفجور ولم نرد ذلك.
وقال الأسود بن يعفر يهجو عقالاً:
ليبك عقالاً كل كسر مؤرب ... مذاخره للآكل المعرف
الكسر العظم التام الذي لم يكسر منه شيء، مؤرب وافر، أقنعت مدت للفم ومنه مقنعي رؤوسهم أي ماديها، والخزير الطعام الذي تعير به قريش وبنو مجاشع، وقال جرير:
قبح الإله بني خصاف ونسوة ... بات الخزير لهم في الأحقال
الأحقال جمع حقل وهو طعام يطبخ بدقيق وبقول، والمعرف المطيب، ومنه قوله عز وجل الجنة عرفها لهم أي طيبها لهم، وقال الأخطل يهجو رجلاً:

يبيت على فراسن معجلات ... خبيثات المغبة والعثان
وشلو تمزق الأغراس عنه ... إذا لم يصله لهب الأفاني
الفراسن أخفاف الإبل وهي شر ما أكل، معجلات أعجلت قبل أن تنضج، وخبث مغبتها أن أكلها يفسد جوفه، والعثان الدخان، وشلو يعني ولداً معجلاً، وأغراسه غشاؤه، والأفاني شجر، يقول يأكله نياً، وقال جرير:
عضاريط يشوون الفراسن بالضحى ... إذا ماالسرايا حث ركضاً مغيرها
عضاريط أتباع، يأكلون الفراسن يريد أنهم لا ييسورن مع الناس فيكون لهم حظ في الجزور، وقال أبو النجم يذكر الصائد:
فظل محموداً على قدورها ... ليس بذي الرغبة في تشريرها
إلا بحمد النفس أو سرورها
يقول يطعم لحومها فيحمد وليس له رغبة في تشرير هذا اللحم إلا ليطعم فيحمد أو يسر نفسه بما أصاب من الصيد. وقال آخر:
وعند الكلابي الذي حل بيته ... بخوعي غداء حاضر وصبوح
ومكسورة حمر كأن متونها ... نسور لدى جنب الخوان جنوح
خوعي بلد، ومكسورة حمر يعني وسائد، وقال رجل من قيس:
نغالي اللحم للأضياف نيا ... ونرخصه إذا نضج القدور
يقول نشتريه للأضياف في وقت غلائه فإذا نضج أطعمناه من استحقه ومن لم يستحقه، ومثله لشبيب بن البرصاء.
وإني لأغلي اللحم نياً وإنني ... لممن يهين اللحم وهو نضيج
وقال الراعي:
الآكلين اللوايا دون ضيفهم ... والقدر مخبوءة منها أثافيها
اللوايا واحده اللوية وهو ما تخبيء المرأة للضيف في بيتها، يقول فهؤلاء يأكلونها، وأنشد:
إذا ما كنت في قوم شهاوى ... فلا تجعل شمالك جردبانا
قال هو أن يأكل بيمناه ويضع شماله على شيء آخر من الطعام خوفاً أن يؤخذ يقال جردبت إذا فعلت ذلك، وقال مرة بن محكان:
وقلت لما غدوا أوصي قعيدتنا ... غدي بنيك فلن تلقيهم حقباً
أدعي أباهم ولم أقرف بأمهم ... قد هجعت وللم أعرف لهم نسبا
ويروي لها يعني للأضياف، وقال أبو العيال:
أبو الأضياف والأيتا ... م ساعة لا يعد أب
وقال آخر:
إذا ضاف أهل الأرحضية مسور ... تناذره أهل الصلوف هدان
وأخمد منه أهل جمة نارهم ... وأضحوا ولم تقرع لهم رحيان
وقالوا أحسوا أربعاً من مخاضنا ... سقاهن أهل الجفر منذ ثمان
الأرحضية والصلوف موضعان، أحسوا اطلبوا، منذ ثمان يريد ثمان ليال، والحوامل المخاض، يريد أن هذا الرجل ينشد إبلاً ولم يذهب له شيء وإنما يطلب القرى.
مثله لجندل الطهوي
قد خرب الأنضاد نشاد الحلق
الأنضاد جمع نضد وهو ما نضد من المتاع، والحلق الإبل سماتها حلق وأنشد:
وذكرت من لبن المحلق شربة
وقال آخر:
برح العينين خطاب الكثب ... يقول إني خاطب وقد كذب
وإنما يخطب عسا من حلب
الكثب جمع كثبة وهي قدر حلبة من اللبن، يقول يعتل بالخطبة وإنما يريد القرى كما يعتل الناشد بأنه يطلب إبلاً محلقة في وسمها
وإنما يطلب القرى.
وقال مزرد وذكر ضيفاً:
إذا مس خرشاء الثمالة أنفه ... ثنى مشفريه للصريح فأقنعا
الخرشاء جلد الحية شبه به الرغوة، وذكر ضيفاً أي هو حاذق بالشرب إذا خشنت عليه الرغوة ثنى مشفره لخالص اللبن وأقنع رأسه.
وقال جبهاء يهجو ضيفاً:
فأقنع كفيه وأجنح صدره ... لجرع كأثباج الزباب الزنابر
أقنع رفع رأسه وأجنح أمال، وأثباج أوساط، والزباب فأر القف، والزنابر العظام الواحد زنبور.
وقال رؤبة:
وحق أضياف عطاش الأعين
لهذا مثل يريد أنهم سافروا من بعد فغارت أعينهم من الكلال، وقال الهذلي يذكر ضيفاً والبيت للمتنخل:
كأنما بين لحييه ولبته ... من جلبة الجوع جيار وإرزيز
يقال أصابت الناس جلبة أي أزمة والجلبة السنة الشديدة، والجيار حر يخرج من الجوف، قال الأصمعي: أراد بجيار جائراً أي حرارة في الجوف ولكنه قلب الهمزة فقال جيار، وكذلك يقال إن للسم جائراً أي حرارة في الجوف وأنشد لوعلة الجرمي:
ولما رأيت الخيل تدعو مقاساً ... تطالعني من ثغرة النحر جائر

أراد حراً يجده ووهجاً في صدره من الجوع والجهد. والإرزيز الشيء تغمزه وأنشد ابن الأعرابي:
يبرز للراكب حين يؤنسه ... بزأمات خبر لا تحبسه
يقال ما زأمني زأمة أي ما كلمني كلمة، يريد أنه يلقي الضيف بكلام قبيح حين يراه يقول من أنت؟ أظنك لصاً. وقال المتنخل في ضد ذلك:
فلا وأبيك نادي الحي ضيفي ... هدوا بالمساءة والعلاط
نادي أي لا ينادي، والعلاط أصله سمة في عنق البعير ويقال علطه بشر إذا وسمه ولطخه.
سأبدؤهم بمشمعة وأثنى ... بجهد من طعام أو بساط
أي أقرش له وأوطئ، ومشمعة مزاح ومضاحكة يقال قد شمع وما جد.
وأكسو الحلة الشوكاء خدني ... وبعض القوم في حزن وراط
الشوكاء الحسنة من الجدة لم يذهب زئبرها، والحزن جمع حزنة وهو ما غلظ من الأرض، والوراط جمع ورطة وهو أن يقع في موضع لا يقدر أن يخرج منه.

العقر للأضياف
قال النمر بن تولب:
أزمان لم تأخذ إلي سلاحها ... إيلي بجلتها ولا أبكارها
يقول لم أمتنع من أن أعقرها إن حسنت بجلتها وهي الكبار والأبكار الصغار أي أعقرها لأضيافي ولا يمنعني من ذلك حسنها، وجعل حسنها سلاحاً تمتنع به من ذابحها لأنه ينفس بها ويضن، وقالت ليلى:
لا تأخذ الكوم الجلاد سلاحها ... لتوبة في صر الشتاء الصنابر
وقال رجل من بني عكل:
ولا يتحشى الفحل إن أعرضت به ... ولا يمنع المرباع منه فصيلها
يتحشى يباليه من حاشى يحاش، يقال: شتمتهم فما تحشيت منهم أحداً وما حاشيت ما باليت، أعرضت به أي جعلته في عرضها والمرباع التي تنتج في أول الربيع، يقول ينجرها ولا يمنعها منه ولدها فيدعها له تغذوه، وقال المرار:
لا تتقيني الشول بالفحل دونها ... ولا يأخذ الارماح لي ما أطارد
أي لا تتستر بالفحل فإذا نظرت إليه امتنعت من عقرها والأرماح حسنها وسمنها، ومثله:
لا أخون الخليل ما حفظ العهد ... ولا تأخذ الرماح لقاحي
وقالت ليلى الأخيلية ترثي توبة وتذكر الإبل:
إذا ما رأته مقبلاً بسلاحه ... تقته الخفاف بالثقال البهارز
البهرزة الجسيمة الغليظة. وقال عتيبة بن مرداس:
وما أتقى الساق التي تتقي بها ... إذا ما تفادي الراتكات من العقر
أراد ساق الفحل والناقة الكريمة أي لا أمتنع من ضرب الساق التي تتقي بها، وقال ابن أحمر:
ويوم قتام مزمهر وهبوة ... جلوت بمرباع تزين المتاليا
أي ذهبت بغبرة البؤس فيه ما نحرت، والمرباع التي تنتج في أول الربيع والمتلية واحدة المتالي، مزمهر من المزمهرير، وقال الفرزدق: وذكر ناقة نحرها للأضياف:
شققنا عن الأفلاذ بالسيف بطنها ... ولما تجلد وهي يحبو بقيرها
يريد شققنا بطنها، وبقيرها ولدها الذي بقر بطنها عنه، ولما تجلد تسلخ، جلد فلان بعيره وسلخ شاته، والفلذ الكبد.
وقال الأخطل يصف ضيفاً نزل به فأمر أن يذبح له.
فقال ألا لا تجشموها، وإنما ... تنحنح دون المكرعات لتجشما
المكرعات من الإبل ما ألبس الدخان رؤوسها وكواهلها. وقال الكميت:
يضج رواغي أقرانهم ... لهلاكها ويكيس العقيرا
الهلاك الفقراء أي يعطي الإبل فتشد في الأقران وهي الحبال فترغو والكوس أن تعرقب البعير فيمشي على عرقوبيه.
ومثله للآخر:
رغاقرن منها وكاس بعير
وقال الراعي:
إني تأليت لا ينفك ما بقيت ... منها عواسر في الأقران أو عجل
أي لا أزال أعطي منها مخاضاً تعسر بأذنابها في الحبال أو عجلاً وهي الثكل وذلك أن لها لبناً فهي أنفس من غيرها.
وقال آخر يمدح قوماً:
ترى فصلانهم في الورد هزلي ... وتسمن في المقاري والحبال
الورد حيث ترد الماء، يقول إذا وردت الماء سقوا الناس من ألبانها وتركوا الفصلان فتهزل وإن جاءهم سائل لم يقرنوا له إلا سميناً ولا يقرون الأضياف إلا سميناً.
وقال أوس:
نحل الديار وراء الديا ... ر ثم نجعجع فيها الجزر
يقول نحن من عزنا وكثرتنا ننزل حياً وراء حي، نجعجع نحبسها حتى تنحر وكل محبس جعجاع، ومنه قول أبي قيس ابن الأسلت:

من يذق الحرب يجد طعمها ... مراً وتتركه بجعجاع
أي تدعه في ضيق ومثل هذا.
لففنا البيوت بالبيوت فأصبحوا
وأنشد ابن الأعرابي:
ومفرهة تامك نيها ... تزين إذا ما تساق العشارا
لقيت قوائمها أربعاً ... فعدن ثلاث وعادت ضمار
الضمار خلاف العيان يقول نحرت فتلفت وبارت، يقول أعرضتها بالسيف فضربت إحدى قوائمها ونحرتها وصار ثمنها على نسيئة. وقال طرفة يذكر ناقة عقرها:
يقول وقد تر الوظيف وساقها ... ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد
وقال ألا ماذا ترون بشارب ... شديد عليكم بغيه متعمد
فقالوا ذروه إنما نفعها له ... وإلا تردوا قاصي البرك يزدد
تر انقطع وأتررته قطعته، مؤيد داهية، أي مثلها لا تعقر، وقال ألا ماذا ترون، هذا قول صاحب الناقة والشارب طرفة فقال: ذروه أي ذروا طرفة فإنما نفعها له أي لصاحبها لأن طرفة سيخلف عليه.
وقال آخر يصف إبلاً عقرها والبيت للمرار بن سعيد الفقعسي:
فأجلين عن برق أضاء عقيرةً ... فيالك ذعراً أي ساعة مذعر
أي انكشفن عن مثل البرق يعني سيفاً، وقال لبيد:
يذعر البرك وقد أفزعه ... ناهض ينهض نهض المختزل
مدمن يجلو بأطراف الذرى ... دنس الأسوق بالقضب الأفل
أي افزع البرك بسيف، وناهض هو الممدوح نهض المختزل أي غير مستو لأنه قد شرب وسكر فكان به ما يحبسه عن القيام والمختزل المقطوع السنام، مدمن لهذا الفعل، وقال مقاس العائذي:
وإنا نكب النيب حتى يفكها ... رغاها إذا هبت رياح الصنابر
جمع رغوة أي حتى يكون لها لبن، ومثله قول الآخر:
إذا ما درها لم يقر ضيفاً ... ضمن له قراه من الشحوم
أي نحرناها فأطعمناه شحومها.
وقال آخر:
يا إبلي روحي إلى الأضياف ... أن لم يكن فيك غبوق كاف
فبشري بالقدر والأثافي ... وقادح ومقدح غراف
قادح غارف، مقدح مغرفة، وأنشد:
أنشد من مقدحة ذات ذنب ... قد أصبحت وردة منها بسبب
إلا ترديها فشيء قد ذهب
وردة أمة له اتهمها بسرقة المغرفة: وقال آخر:
مطاعيم أيسار إذا البزل حاردت ... على الرسل لم تحرم علينا لحومها
حاردت منعت الدر. وقال ذو الرمة يذكر إبلاً:
وإن يعتذر بالمحل من ذي ضروعها ... على الضيف يجرح في عراقيبها نصلي
وقال آخر وذكر إبلاً:
وقد فدى أعناقهم المحض ... والدأض حتى ما لهن غرض
أي كانت لهن ألبان نقري منها فقدت أعناقها من النحر، والغرض أن يكون في جلودها نقصان، والدأض أن لا يكون فيها نقصان يقال دئض يدأض دأضانا بالضاد والصاد جميعاً ويقال بالظاء دأظ يدأظ دأظاً والاسم الدأظ، وقال الراعي:
بمغتصب من لحم بكر سمينة ... وقد شام ربات العجاف المناقيا
المناقي السمان والمغتصب الذي ينحر من غير علة، والمعتبط مثله، شام نظر ذوات العجاف إلى السمان من شدة الزمان، ومثله لأبي يزيد يحيى العقيلي:
أكلنا الشوي حتى إذا لم ندع شوي ... أشرنا إلى خيراتها بالأصابع
الشوي رذال المال، ومثله:
ونار خيار المال في الجحرة الأزل
الجحرة السنة المجدبة أي أصابهم الجهد حتى أكلوا خيار مالهم.

القرى باللبن
قال عمرو بن الأهتم وذكر ضيفاً:
فبات له دون الصبا وهي قرة ... لحاف ومصقول الكساء رقيق
يعني باللحاف الطعام وبمصقول الكساء اللبن وذلك أن عليه رغوة فصبها؟ بمنزلة الكساء، وقال آخر " جرير " :
كم قد نزلت به ضيفاً فلحفني ... فضل اللحاف ونعم الفضل يلتحف
لحفني أطعمني وهو مثل، وقال آخر:
ينفي الدوايات إذا ترشفا ... عن كل مصقول الكساء قد صفا
وقال آخر:
فتحفي بهم ووحي قراهم ... وأتاهم به غريضاً نضيحا
تحفي أحسن القيام عليهم، والغريض الطري يعني لبناً ومثله لرؤبة:
جاءت بمطحون لها لا يأجمه ... تطبخه ضروعها وتأدمه
يمسد أعلى حلقه ويأزمه

لا يأجمه الراعي لا يكرهه، يأدمه أي كأنه يجعل له أدماً، يمسد يشد، والأزم نحو من ذلك يعني لبناً وهو مأخوذ من الأزم وهو العض، أي يضم بعض خلقه إلى بعض، وقال آخر وذكر إبلاً:
يهل ويسعى بالمصابيح حولها ... لها أمر حزم لا يفرق مجمع
يمد لهم بالماء لا من هوانهم ... ولكن إذا ما ضاق شي يوسع
ويروي: بالمصابيح وسطها، قوله يهل أي يدعو بعضنا بعضاً نقول هاتوا ما عندكم، والمصابيح واحدها مصبح وهو الإناء الذي يصبح فيه ويقال مصباح، لها أمر حزم أي أصحابها يحزمون، مجمع صواب أجمعت الأمر، وقال آخر وذكر امرأة:
من المهديات الماء بالماء بعدما ... زمى بالمقاري كل قار ومعتم
هذه امرأة سخية تهدي المرق وتصب عليه الماء ليكثر فتهديه، والمقاري الجفان ولك ما يقري فيه الواحد مقرى والمعتم المبطئ القري. وقال آخر:
ما زلت أسعى معهم وألتبط ... حتى إذا جن الظلام المختلط
جاؤوا بضيح هل رأيت الذئب قط
يريد لبناً أورق من كثرة مائه، وأنشد ابن الأعرابي:
شربنا فلم نهجأ من الجوع نقرةً ... سماراً كإبط الذئب سوداً حواجره
أي لم يغن عنا شيئاً إلا أنه رد أنفسنا، حواجره نواحيه، وأنشد غيره:
ويشربه محضاً ويسقي ابن عمه ... سجاجاً كأقراب الثعالب أورقا
السجاج الذي مذق حتى تغير لونه وهو السمار، وقال الحارث بن حلزة:
لا تكسع الشول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج
وأصبب لأضيافك من رسلها ... فإن شر اللبن الوالج
الكسع أن ينضح الضرة بالماء البارد ثم يضربها بالكف صعدا، أراد، فشر اللبن ما حقن في الضرع، ومثله:
أكثر ما نعلمه من كفره ... إن كلها يكسعه بغبره
ولا يبالي وطأها في قبره
سمع الحديث إن الإبل والغنم إذا لم يعط صاحبها الحق منها بطح لها بقاع قرقر فوطئته.
وقال النمر بن تولب يذم قوماً:
كانوا يسيمون المخاض أمامها ... ويغرزون بها على اغبارها
أي يسرحونها قدماً والتغريز مثل الكسع، وقال الجعدي:
غرزها اخضر النواجذ نسا ... ف يخول الفصال بالقدم
يخول من حسن القيام عليها، يقال فلان خال مال إذا كان مصلحاً له.
وقال آخر:
تسمنها بأخثر حلبتيها ... ومولاك الأحم له سعار
الأحم من الحميم كما يقال الأقرب من القرابة، أي ترد لبنها فيها، سعار تسعر من الجوع، وتحرق، وقال آخر:
مسعورة إن غرثت لم تشبع
أي ملتهبة من الجوع، وقال النمر:
أرى أمنا أضحت علينا كأنما ... تجللها من نافض الورد أفكل
يعني امرأته والعرب تقول للرجل يضيفهم أبونا ولامرأته أمنا ويقال هو أبو الأضياف، أي كأنما أصابتها رعدة لما رأتنا نسقي الألبان ولا ندعها لها.
وما قمعنا فيها الوطاب وحولنا ... بيوت علينا كلها فوه مقبل
أي مالنا نملأ الوطاب بالقمع وحولنا بيوت أفواهها مقبلة علينا.
ألم يك ولدان أعانوا ومجلس ... قريب فنخزي إذ تلف وتحمل
أي أعانوا على السقي، ومجلس قريب فلنستحي من إن تلف الوطاب وتحمل وقال:
عليهن يوم الورد حق وحرمة ... وهن غداة الغب عهندك حفل
فإن تصدري يحلبن دونك حلبةً ... وإن تحضري يلبث عليك المعجل
وقال وذكر الإبل:
إذا هتكت أطناب بيت وأهله ... بمعطنها لم يوردوا الماء قيلوا
أي دنت منه يقال بنو فلان يطؤهم الطريق، والقيل شرب نصف النهار، وقال آخر يزيد بن الحكم الثقفي:
بدا لك غش طال ما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أم مدوي
الدواية جليدة تركب اللبن وقد دوي اللبن، وادّوي فهو مدّو إذا أخذها وقال أبو الطمحان القيني:
وإني لأرجو ملحها في بطونكم ... وما بسطت من جلد أشعث أغبر
كان نزل على قوم فأخذوا إبله، والملح الرضاع، ولفلان في بني فلان مخاطة أي رضاع وأراد اللبن الذي شربوا منها فبسط جلد من كان مهزولاً، وأنشد الأصمعي لشتيم بن خويلد:
لا يبعد الله رب العبا ... د والملح ما ولدت خالده
ويروي: والملح والملح أراد بالملح الرضاع، وقال آخر:

متبجح بقرى الضيوف وإنما ... طرق الضيوف بعشة لم تملح
متبجح مشمر لم تملح لم تسمن، وأما قول مسكين الدارمي:
لا تلمها إنها من معشر ... محهم موضوعة فوق الركب
ويروي ملحها:
كشموس الخيل يبدو شغبها ... كلما قيل لها هال وهب
ويروي هال بلا تنوين، يقال للرجل الحديد: ملحه على ركبته وقيل له كيف قلت ملحا موضوعة فقال: كما يقال: عسل طيبة، وقال آخر:
وقائلة ظلمت لكم سقائي ... وهل يخفى على العكد الظليم
ظلم السقاء أن يسقي قبل أن يدرك وتخرج زبدته وهي الظليمة والعكدة أصل اللسان، وقال آخر:
وصاحب صدق لم تنلني أذاته ... ظلمت وفي ظلمي له عامداً أجر
يعني سقاء ومثله:
إلى معشر لا يلمون سقاءهم ... ولا يأكلون اللحم إلا مقددا
هذا هجاء، وقال آخر:
عجيز من عامر بن جندب ... تبغض أن يظلم ما في المروب
يعني سقاء، وقال الحطيئة:
قروا جارك العيمان لما جفوته ... وقلص عن برد الشراب مشافره
سناماً ومحضاً أنبتا اللحم فاكتست ... عظام امرئ ما كان يشبع طائره
عام إلى اللبن إذا اشتهاه وقرم إلى اللحم، والعيمان العطشان، وقلص عن برد الشراب أي عن برد الماء فلم يقدر على شربه لشهوة اللبن، ومثله:
وهم سقوني المحض إذ ... قلصت عن الماء المشافر
ما كان يشبع طائره يقول لو وقع عليه طائر وهو ميت لما شبع من قلة لحمه وشدة هزاله، وقاله أبو عمرو الشيباني يريد ما كان عنده ما يشبه طائره من سوء الحال، وقال آخر:
يا أيها الفصيل المعني ... إنك ريان فصمت عني
يكفي اللقوح أكلة من ثن
صمت عني أي سكت، ويقال أصمت عني أي أسكت، يقول إذا صرفت اللبن عنك إلى الأضياف سكتوا، وقد فسر الباقي، وقال آخر:
وما يك في من عيب فإني ... جبان الكلب معزول الفصيل
لأنه يؤثر عليه بلبن أمه ومثله:
ترى فصلانهم في الورد هزلي
وقال النمر بن تولب وذكر إبلاً:
وفي جسم راعيها شحوب كأنه ... هزال وما من قلة الطعم يهزل
يريد أنه يؤثر بألبانها، وقال أبو خراش الهذلي:
أرد شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطعم
وأغتبق الماء القراح فأنتهي ... إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
يقول الجوع في بطني مثل الجاع يتلمظ، وقال أعشى باهلة:
لا يعض على شرسوفه الصقر
يقال هي حية تكون في البطن من الناس والدواب والمواشي تشتد على الإنسان إذا جاع، والطعم الطعام والطعم الشهوة، والمزلج الضعيف من الرجال الذي ليس بكثيف، أنتهي أي تنهى نفسي عنه.
وقال آخر:
أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد
أي أوثر بقوتي وأجتزئ بالماء في الشتاء والبرد.

الإبل المحبوسة على الأضياف
قال الأخطل:
ومحبوسة في الحي ضامنة القرى ... إذا الليل وافاها بأشعث ساغب
مرازيح في المأوى إذا هبت الصبا ... تطيف أوابيها بأكلف ثالب
هذه الإبل حبست للحقوق والضيافة، مرازيح يقول هي في مباركها صبر على الريح لشحومها وسمنها وأصل المرازيح المهازيل التي لا تبرح فشبه هذه الإبل وهي سمان إذا كانت ثقالاً لا تبرح بالمرازيح ضعفاً.
وقال عتيبة بن مرداس يصفها:
طوال الذرى ما يلعن الضيف أهلها ... إذا هو أرغى وسطها بعد ما يسري
أرغى أي الضيف يضرب ناقته لترغو فيسمعها من يريد أن يضيف فيخرج إليها.
وقال المرار وذكرها:
محبسة في كل رسل ونجدة ... وقد عرفت ألوانها في المعاقل
أي في كل أمر هين وشديد وصعب وذلول.
وقال آخر: صخر الغي:
لو أن عندي من قريم رجلاً ... لمنعوني نجدةً ورسلا
لمنعوني بأمر صعب أو هين وقيل الرسل اللبن والنجدة المعونة، يقول وقفوها لألبانها وليقرنوا منها ولينجدوا عليها إذا استصرخوا. وقال الراعي:
تأوي إلى بيتها دهم معودة ... أن لا تروح إن لم تغشها الحلل
جمع حلة وهم القوم النزول
وأما قول خداش بن زهير:

ومطوية طي القليب حبستها ... لذي حاجة لم أعي أين مصادره
ففيه قولان يقال إنه أراد الأذن ويقال أراد نوقاً شبه طيها بطي البئر.
وقال آخر:
ومطوية طي القليب رفعتها ... لمستنبح بعد الهدو طروق
يعني أذنه يرفع سمعه ليسمع مستنبحاً فيدعوه ويضيفه.

المواضع التي ينزلها المضيفون
قال المسيب بن علس:
أحللت بيتك بالجميع وبعضهم ... متوحد ليحل بالأوزاع
أي حللت وسط القوم لم تنتج فراراً من القرى حيث لا يعرف مكانك، والأوزاع الفرق ومنه قيل وزعت بينهم أي فرقت، وقال الآخر:
ولا يحل إذا ما حل معتنزاً ... يخشى الرزية بين الماء والبادي
معتنزاً منفرداً، يقول لا نزل وحده خشية أن ينزل به ضيف على الماء أو في البدو وقال كعب بن سعد الغنوي:
عظيم رماد القدر يحتل بيته ... إلى هدف لم تحتجنه غيوب
الهدف الموضع المرتفع، لم تحتجنه لم يصر فيها، والغيوب ما اطمأن من الأرض واحدها غيب، وقال الراعي:
وآناء حي تحت عين مطيرة ... عظام البيوت ينزلون الراوبيا
آناء جمع نؤي، والعين سحاب يجيء من نحو القبلة وهو أغزر لمطره، ينزلون الراوبيا أي ما علا من الأرض لتعرف أمكنتهم فيأتيها الأضياف، ومثله للأعشى:
بسط البيوت لكي يكون مظنةً ... من حيث توضع جفنة المسترفد
وقال طرفة:
ولست بحلال التلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد
التلاع مسايل جوف يستتر فيها من نزلها من الأضياف، وقال آخر:
وبوأت بيتك في معلم ... رحيب المباءة والمسرح
باب شدة الزمان والجدب
قال الراعي:
هلا سألت هداك الله ما حسبي ... إذا رعائي راحت قبل حطابي
أخبرنا اشتد البرد راح الراعي ببله قبل الحطاب لأن الأرض ليس فيها كثير مرعى واحتبس الحطاب لشدة البرد أراد أنه يقري ويضيف ذلك الوقت.
وقال النابغة:
هلا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدخان تغشي الأشمط البرما
البرم الذي لا ييسر مع القوم، وخص الأشمط لأنه قد كبر وضعف فهو يأتي مواضع اللحم.
وقال ابن مقبل:
ألم تعلمي أن لا يذم فجاءتي ... دخيلي إذا اغبر العضاه المجلح
أي إذا أتاني ولم أستعد، المجلح الذي أكلته الإبل.
وقال الأعشى:
وإني لا يشتكيني الألوك ... إذا كان صوب السحاب الضريبا
الألوك الرسالة ومعناه لا أرد صاحبها بغير شيء، ومثله للبيد:
وغلام أرسلته أمه ... بألوك فبذلنا ما سأل
أو نهته فأتاه رزقه ... فاشتوى ليلة ريح واجتمل
أي لم ترسله فأرسلنا إليه، واجتمل من الجميل وهو الودك.
وقال الكميت:
وكان السوف للفتيات قوتاً ... يعشن به ونئت الرقوب
السوف التسويف والرقوب التي لا يبقى لها ولد.
وصار وقودهم للحي أماً ... وهان على المخبأة الشحوب
يقول اجتمعوا عند النار فكأنها أم لهم. وقال يمدح:
وأنت ربيعنا في كل محل ... إذا المهداة قيل لها العفير
المهداة التي تهدي. والعفير التي لا تهدي من الجدب لأنه لا شيء لها. وقال أيضاً:
وأنتم غيوث الناس في كل شتوة ... إذا بلغ المحل الفطيم المعفرا
المعفر الذي تريد أمه فطامه فهي تعلله بالشيء ليستغني عن اللبن، ومنه قول لبيد:
لمعفر قهد تنازع شلوه
وقال آخر:
يكبون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تسكت المائة الوليدا
يقول ينحرون الإبل في الجدب إذا لم يكن في مائة من الإبل ما يعلل به صبي.
وقال آخر:
إذا النفساء لم تخرس ببكرها ... غلاماً ولم يسكت بتر فطيمها
وقال أوس:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا
الهدم الثوب الخلق، وأراد بالتولب طفلها، والنواشر عصب الذراع الواحدة ناشرة وبها سمي الرجل، والجدع السيء الغذاء.
وقال:
وشبه الهيدب العبام من ال ... أبرام سقبا مجللا فرعا

الهيدب مثل العبام وهو الثقيل الغبي والأبرام الذين لا ييسرون، والفرع أول ولد الناقة، وكانوا يذبحون ذلك لآلهتهم، يقول فهذا قد لبس جلد الفرع من شدة البرد فكأنه فرع، وقال طرفة:
ألقوا إليك بكل أرملة ... شعثاء تحمل منقع البرم
قال الأصمعي منقع البرم، وأبو عمرو وابن الأعرابي منقع البرم والبرم جمع برمة وهي برام صغار تحملها المرأة فتنقع فيها أنكاث الأخبية وهو ما نقض منها فإذا نزلوا واستقروا خكن ذلك الغزل واتخذن منه أخبية، وقال لبيد:
تأوي إلى الأطناب كل رذية ... مثل البلية قالصاً أهدامها
الرذية امرأة مهزولة، والبلية الناقة تعقل عند قبر صاحبها فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت، أهدامها خلقان ثيابها الواحد هدم.
وقال الفرزدق:
وعاش تمشي القراع أرامله
القراع الجرب واحدها قرعة وتجمع أيضاً على قرع، يقول تتمشي بالجرب يتصدقن فيها، وقال سويد بن أبي كاهل:
وأتاني صاحب ذو غيث ... زفيان عند إنقاذ الفرع
الغيث أصله في البئر يقال بئر ذو غيث إذا كانت لها مادة، زفيان خفيف.
وقول الكميت:
وكاعبهم ذات الغفارة أسغب
الغفارة شعر الصدغ وما يليه.
وقال الخرشب:
وإن وراء الحزن غزلان أيكة ... مضمخة أردانها والغفائر
ويروي العفاوة وهو ما يرفع للإنسان من المرق ويروي القفاوة وهو من القفي وهو ما خص به الإنسان، ومنه قول سلامة:
ليس بأسفي ولا أقني ولا سغل ... يسقي دواء قفي السكن مربوب
وقالت أخت عمروذي الكلب الهذلية:
وليلة يصطلى بالفرث جازرها ... يخص بالنقرى المثرين داعيها
ويروي يختص، تقول يدخل يده في الكرش من شدة البرد لتدفأ.
وقال الأسدي مثله:
يبيتون أمثال العشار وجارهم ... على الفرث يحيي الليل يفرح بالمحل
يقول هم سمان أمثال العشار من الإبل وضيفهم سيء الحال بالعراء على الفرث يدخل رجليه فيه يستدفئ به، وقال الكميت:
واحتل برك الشتاء منزلة ... وبات شيخ العيال يصطلب
أي يجمع العظام فيطبخها بالماء ليخرج ودكها، ومنه سمي المصلوب لأنه يسيل ودكه، والصليب الودك، قال الهذلي وذكر عقابا والبيت لأبي خراش:
جريمة ناهض في رأس نيق ... ترى لعظام ما جمعت صليباً
أي ودكاً، وقال الفرزدق:
إذا السنة الشهباء حل حرامها.
أي يأكلون فيها الميتة والدم وقال رؤبة:
حدباء فكت أسر القعوس
القعش الهودج يريد أنهم حلوا القد من هوادجهم وفكوها وأوقدوها من شدة البرد، وقال الكميت:
فأي عمارة كالحي بكر ... إذا اللزبات لقبت السنينا
أكر غداة إبساس ونقر ... وأكشف للأصائل أن عرينا
العمارة الحي الضخم، واللزبات الشدائد لقبت بكحل ونحوه، وقال:
ولم يند من أنواء كحل جبوبها
كحل سنة جدب، والجبوب وجه الأرض، والإبساس والنقر تسكين الدابة، والأصائل العشيات، عرين بردن يقال ليلة عرية ويوم عر أي بارد يقول يكشفونها بالإطعام.
وقال يصف شدة الزمان:
ولم ينبح الكلب العقور ولم يخف ... على الحاطبين الأسود المتقوب
الأسود الحية والمتقوب السالخ وذلك أنه لا يظهر في شدة البرد وقال:
وحالت الريح من تلقاء مغربها ... وضن من قدره ذو القدر بالعقب
وكهكه المدلج المقرور في يده ... واستدفأ الكلب بالمأسور ذي الذئب
أي نفخ من شدة البرد في يده، والمأسور الغبيط، وكل شيء حنيته وعطفته فهو مأسور، والذئبة فرجة بين عودي القتب والغبيط.
وقال سلامة بن جندل:
كنا نحل إذا هبت شآمية ... بكل واد حطيب البطن مجدوب
شيب المبارك مدروس مدافعه ... هابي المراغ قليل الودق موظوب
يقول ننزل بكل واد كثير الحطب لنعقر ونطبخ ولا نبالي أن يكون مجدوباً أي معيباً والعائب الجادب مباركه شيب من الجدب والصقيع فهو أبيض لا كلأ به مدروس مدافعه أي قد درست ورقت ووطئت وأكل نبته ومدافعه مسايل مائه، موظوب قد وظب عليه حتى لم يبق منه شيء، هابي المراغ أي منتفخ التراب لا يتمرغ فيه قد ترك لخوفه، وقال ذو الرمة يمدح:

وخير إذا ما الريح ضم شفيفها ... إلى الشول في دفء الكنيف المتاليا
الخير الكرم والشفيف البرد والكنيف حظيرة من شجر دفؤها مسترها، والشول التي تشولت ألبانها وقعت بطونها من أولادها وأتى على نتاجها أشهر، والمتالي التي نتجت وفي بطونها أولادها وهي مثقلة مكروبة والبرد إلى الشول أسرع منه إليها لخفة بطونها فإذا بلغ البرد إلى المتالي حتى يضمها إلى الشول في الكنيف فهو أشد البرد.
وقال ابن مقبل في مثله:
يظل الحصان الورد فيها مجللاًلدى الستر بغشاه المصك الصمحمح
يعني يغشى الفرس البيت من شدة البرد فأراد يظل الحصان الورد المصك الصمحمح مجللاً من شدة البرد لدى الستر يغشاه ويقال مصك بعير يغشاه من شدة البرد وقال الفرزدق وذكر جدباً وبرداً.
وهتكت الأطناب كل غليظة ... لها تامك من صادق الني أعرف
تامك سنام، أعرف طويل العرف يقول إذا أصابها البرد دخلت في الخباء.
وراح قريع الشول قبل إفالها ... يزف وراحه حوله وهي زفف
قريع الشول فحلها، يزف يسرع لشدة البرد وقلة المرعى فتتبعه الإبل وتسرع حوله.
وقال ابن أحمر وذكر سنة جدب:
وراحت الشول ولم يحبها ... فحل ولم يعتس فيها مدر
أي ذهل الفحل عن الشول وهمته نفسه من شدة الزمان ويقال هو يحبو ما حوله أي يحميه ويمنعه، ولم يعتس أي لم يسع فيها ذو عس. لأنه لا ألبان لها، وقال الكميت:
إذا اللقاح غدت ملقى أصرتها ... ولم تند عصوب كف معتصب
ملقى أصرتها لأنها لا ألبان بها، والعصوب التي لا تدر حتى تعصب فخذاها.
وقال أيضاً:
فأي امرئ أنت أي امرئ ... إذا الزجر لم يستدر الزجورا
ولم تعط بالعصب منها العصو ... ب إلا النهيت وإلا الطحيرا
النهيت صياح ورغاء، والطحير أن تضرب برجلها، والزجور التي لا تدر حتى تزجر، وهذا في شدة الزمان.
وقال أيضاً:
وأسكت رز الفحل واسترعفت بهحراجيج لم تلقح كشافا سلوبها
رزه صوته ينقطع من شدة البرد، استرعفت به تقدمت والكشاف أن تلقح في دمها بعد الولاد، والسلوب التي سلب ولدها.
وقال وذكر سنة جدب:
بعام يقول له المؤلفو ... ن هذا المعيم لنا المرجل
المؤلف الذي له ألف بعير، والمعيم الذي أعامهم إلى اللبن، ومرجل أرجلهم.
وكان سواءً لدى الناتجين ... تمام الحوارين والمعجل
أي ليس للأمهات لبن فالتمام يموت أيضاً، قال أبو عمرو هما حواران أحدهما تمام والآخر معجل.
وقال أيضاً:
هدما للكنيف يلقي لدي المبر ... ك لا يتبع الصريف الهديرا
هدماً أي محب لكنيفه لا يريد مفارقته، يقال ناقة هدمة إذا كانت تحب الفحل.
والرؤوم الرفود منهن بالأم ... س علوقاً لسقبها أو زجورا
الرؤوم العطوف على ولدها، والرفود التي تملأ رفدين في حلبة أي قدحين، والعلوق التي ترأم بأنفها وتمنع درها، والزجور التي لا تدر حتى تزجر.
وقال آخر:
أيانق قد كفأت أرفادها ... نطعمها إذا شئت أولادها
حرادها يمنع أن نمتادها
الأرفاد جمع رفد، كفأت الإناء قلبته أي انقطع لبنها فكفئت الأقداح، وأراد بعنما أولادها فأنفقنا أثمانها عليها، والمحاردة انقطاع ألبانها في الشتاء، نمتادها نقتلعها من مدت الرجل أخبرنا أعطيته، والمعنى أنها إذا حاردت لم يكن لها لبن يميد الناس.
وقال آخر:
حبسنا وكان الحبس منا سجيةً ... عصائب أبقتها السنون الأورام
ابن الأعرابي: عصائب المال بقاياها، الأورام المستأصلة.
وقال الكميت:
ويأرم كل نابتة رعاء ... وحشاشا لهن وحاطبينا
وقال الكميت يذكر سنة جدب:
وكان لبيت القشعة الهدم والصبا ... أحاديث منها عاليات الأرواد
القشعة بيت من جلود، والهدم الخلق، والصبا الريح، والأرواد من رويد أي قليلاً، يقول فأضعفها شديد.
وقال ابن مقبل:
فلا أصطفي شحم السنام ذخيرةً ... إذا عز ريح المسك بالليل قاتره
قاتره من القتار، عزه غلب عليه، يقول في أزمان الجدب يكون ريح القتار أطيب من ريح المسك، يقول: لا أصطفي السنام لنفسي وأطعم ما سواه.
وقال آخر وذكر الضيف واللحم:

فإن يك غثاً أو سميناً فإنني ... سأجعل عينيه لقلبه مقنعا
ترك مد الهاء في مثل لقلبه لغة لبعضهم، يقول إذا ذبح الجزور بين يديه اتخذت له الطعام بحضرته لا أغيب عنه غثاً كان أو سميناً لئلا يظن أني قد استأثرت عليه.
وقال آخر:
ولا يتقاضى القوم جاري هديتي ... بأعينهم في البيت من خلل الستر
أي لا تمتد أعينهم إلى ما أبعث به إلى جاري الأدنى لأني أوسعهم كلهم من قرب منهم ومن بعد فلا يحتاج البعيد إلى القريب.
وقال آخر:
بلى إن الزمان له صروف ... وكل من معاركه السنين
فيسمن ذو العريكة بعد هزل ... وتعتر الهزيلة بالسمين
يقال ناقة عروك إذا لم يكن في سنامها إلا شيء يسير، وتعتر الهزيلة أي تأتي والهزيلة الهزال بعينه أي تأتيه، والمعنى إن صروف الدهر تقلب فتسمن الهزيل وتهزل السمين، والهزال من الشحم والهزل من الجدب والموت. وقال عروة بن الورد:
أقيموا حذر الهزال نكحت عبداً ... وصهر العبد أقرب للهزال
وقال:
وصاحبين شتيت اللون نجرهما ... في جسم حي وروح واحد خلقا
يغذوهما الخصب حتى يسمنان له ... وإن أصابا هزالاً بعده افترقا
يعني الشحم واللحم، وأنشد ابن الأعرابي:
يحملن أوصال غلام متخم ... لو لم يهو ذل طرفاه لنجم
في جنبه مثل قفا الكبش الأجم
يهوذل يسيل يريد أنه قاء وسلح ولولا ذلك لصار في جنبه من التخمة مثل قفا الكبش الذي لا قرن له، وأنشد:
تعدون القراح ولم تعدوا ... علي نقارة إلا القراحا
يقول ما لكم عندي يد إلا أنكم قريتموني ماء قراحاً كما تقول مالك نقرة ولا أثر أي قدر ما نقره الطائر، وأنشد:
قرانا التقيا بعد ما هبت الصبا
التقيا شيء يقراه الضيف يتقي به الأذى بقدر ما تقول أطعمته شيئاً، وأنشد أبو زيد:
ونصبح بالغداة أتر شيء ... ونمسي بالعشي طلنفحينا
التار الممتلئ والطلنفح الخالي الجوف.

طعام الفقراء في الجدب
أنشد ابن الأعرابي:
الأسودان أبردا عظامي
الأسودان الفث والماء، والفث حب يطحن ويختبز منه خبز أسود، وقال الأسودان كما يقال للماء والتمر الأسودان، أبردا عظامي أي أذهبا مخي، والفث يأكله الضركاء وهم الفقراء، وقال الطرماح:
لم تأكل الفث والدعاع ولم ... تنقف هبيدا يجنيه مهتبده
الفث والدعاع حب يجتنى في الجدب ويؤكل، والهبيد جب الحنظل، وقال حسان:
لم يعللن بالمغافير والصم ... غ ولا شرى حنظل الخطبان
المغفور شيء ينضحه الثمام بضم الميم.
وقال آخر:
أرض من الخير والسلطان نائية ... فالأطيبان بها الطرثوث والضرب
الطراثيث نبت، والصرب صمغ أحمر، وأنشد:
كأن آنفهم فوق اللحى رب
وقال:
لما غدوت خلق الثياب ... أحمل علين من التراب
لعوزم وصبية سغاب
يعني اللثا وهو ما يقطر من بعض الشجر مثل العسل فيجي المحتاج ليحمل التراب صم يصفي ما فيه فيأكله، وقال آخر يهجو والشعر لمعاوية ابن أبي معاوية الجرمي:
ألم ترجر ما أنجدت وأبوكم ... مع الشعر قص الملبد شارع
ويروي في حفر الأقيصر:
ذا قرة جاءت يقول أصب بها ... سوى القمل إني من هوازن ضارع
أنجدت سكنت نجداً، والملبد المحرم الذي لبد شعره بالخطمى والصمغ وكانوا يفعلون ذلك لئلا يقملوا إذا دخله الغبار بعد العرق والقرة تعير بها تميم وهوازن وهما بنو القملية، وذلك أن أهل اليمن كانوا إذا حلقوا رؤوسهم بمنى سقط الشعر مع دقيق كانوا يجعلونه في رؤوسهم فكان ناس من الضركاء وفيهم ناس من قيس وأسد يأخذون ذلك الشعر بدقيقة فيرمون بالشعر وينتفعون بالدقيق، وأما العلهز فهو قردان تعالج بدم الفصد مع شيء من وبر وكانوا يدخرون ذلك لزمان الجدب.
وقال آخر:
لتبك الباكيات أبا حبيب ... لدهر أو لنائبة تنوب
وقعب وجية بلت بماء ... يكون إدامها لبن حليب
وتيس قد خصيت ولم تضره ... بميجنة على حجر صليب
الوجية تمر حشف يبل ثم يدق، وإنما هجاه بأنه لا يذبح ولا ينحر وكان رفيقاً بخصى الغنم، والميجنة الكدينف:

وأنشد ابن الأعرابي:
أف لشيخ هرم دهري ... همته ضبيبة الصبي
الضبيبة سمن ورب وحرف وربما جعل معه التمر في العكة للصبي فيقال ضببوا صبيانكم.

العواذل
قال مسكين الدارمي:
أصبحت عاذلتي معتلةً ... فرمت بل هي وحمى للصخب
أصبحت تنقل في شحم الذرى ... وتعد اللوم درا ينتهب
أي تعظم أمري إبلي وتكبر قدرها لئلا أنحر أو أهب منها، وتعد اللوم من حرصها عليه كالدر الذي ينتهب.
وقال آخر:
ألا بكرت عرسي علي تلومني ... وفي يدها كسر أبح رذوم
الكسر العظم الذي لم يكسر، والأبح السمين، والرذوم القطور قال الأصمعي نحر بعيراً سميناً فأتته امرأته فقالت أمثل هذا تنحر؟ فلامته، قال وفيه قول آخر أراد أنها في خصب وسعة وهي تلوم ولا تقنع وتستبطئ وتزعم أنها ضيقة العيش، يقول فكيف تكون في ضيق وفي يدها عظم يقطر من الدسم؟ وقال لبيد:
أعاذل قومي فاعذلي الآن أو ذري ... فلست، وإن أقصرت عني بمقصر
أي لست وإن لمتني حتى تقصري بمقصر عما أصنع فإن شئت فلومي وإن شئت فدعي.
وقال آخر:
فإن أقل يا ظمى حلا حلا ... تغضب وتعقد حبلها المنحلا
أي كأنها تؤكد ما تصنع ولا تعتب، حلا أي تحللي واستثني. وقال ابن أحمر:
أصم دعاء عاذلتي تحجي ... بآخرنا وتنسي أولينا
يعني وافق دعاؤها قوماً صماً، يقال أتيناه فأبخلناه، فدعا على دعائها بهذا، وقوله تحجي أي تلزم ذلك وفعلت منه حجوت.
وقال العجاج:
فهن يعكفن به إذا حجا
وقال الشماخ:
أعائش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع
وكيف يضيع صاحب مدفآت ... على أثباجهن من الصقيع
قيل إنها لامته على إمساكه فقال لها ما لأهلك لا أراهم يضيعون أموالهم فكيف تأمريني بشيء لا يفعله أهلك؟ والدليل على ذلك قوله بعد.
لمال المرء يصلحه فيغنى ... مفاقره أعف من القنوع
وقال كيف أضيع إبلاً في هذه الصفة، والقنوع السؤال من قول الله عز وجل " وأطعموا القانع والمعتر " ، والقناعة الرضا ولم نسمع بامرأة عاتبت على إصلاح المال غير هذه، وإنما العادة في وصفهن على الحث في الجمع والمنع والعذل على الإنفاق، ويقال أنه أراد ما لأهلك يضيعون الهجان، وأدخل " لا " حشوا كأنه لامهم على السرف والتبذير ويدل على هذا قوله:
ولكني إلى تركات قومي ... بقيت وغادروني كالخليع
يقول لا أفعل فعلهم ولكني إلى تركات قومي أقوم لحسبهم وشرفهم فلا أسأل الناس ولا أتعرض لما أشين به قومي لأني إذا أصلحت مالي وثمرته كان أصون لي من تبذيره مع المسألة، والخليع الذي خلعه أهله وتبرؤا منه، يقول ماتوا فصرت بعدهم فردا كالخليع، والمدفآت الإبل الكثيرات الأوبار والشحوم فقد أدفئن بها من الصقيع، ويروي: مدفئات أي كثيرة يدفئ بعضها بعضاً بأنفاسها.
وقال زهير:
غدوت عليه غدوة فوجدته ... قعودا لديه بالصريح عواذله
الصريم جمع صريمة وهي القطعة من الرمل تنقطع من معظمه عواذله يعذلنه على إنفاق ماله، وقال أبو عبيدة: الصريم الليل أراد أنه غدا عليه في بقية من الليل ويقال: الصريم الصبح لأنه انصرم من الليل.
وقال آخر لعله حاتم:
وعاذلة هبت بليل تلومني ... وقد غاب عيوق الثريا فعردا
لأنه يسكر بالعشي فإذا صحا من سكره بالليل لامته، وعرد فردا.
أبيات في ذكر النار
قال أعرابي وذكر إبلاء:
لها بدن عاس ودر كريمة ... بمكتفل الاري بين الصرائم
عاس قد غلظ وعسا، ونار كريمة أي تضيء للأضياف، مكتفل أي حيث تناخ منه الآرق هو المحبس، والصرائم قطع من الرمل في الأرض.
وقال آخر " عمرو بن قعاس المرادي " :
وبرك قد أثرت بمشرفي ... إذا ما زل عن عقر رميت
وعارية لها رهج طويل ... رددت بمضغة مما اشتهيت
يقول إذا لم يعقر السيف رميت بالسهم، والعارية النار لأنها لا تكسي شيئاً إلا أكلته، ورهجها دخانها شبهه بالغبار، رددت بمضعة يقول كففتها بلقمة لحم كببت عليها.
وقال آخر " وهو كعب بن زهير " :
ونار قبيل الليل بادرت قدحها ... حيا النار قد أوقدتها للمسافر

هذا رجل خائف يقول أوقدت النار نهاراً لأنها ترى بالليل ولا ترى بالنهار.
وقال ابن مقبل وذكر ناقة:
فبعثتها تقص المقاصر بعدما ... كربت حياة النار للمتنور
تقص تدق وتكسر، والمقاصر محاضر الطرق الواحد مقصر، ويقال المقاصر أفواه الطرق، وكربت دنت، وحياة النار تبينها إذا أوقدت وإنما أراد حين ذهب النهار وجاء الليل لأنها تخفي بالنهار وتحيا بالليل والظلمة وتضيء، يقول بعثتها عند المغرب، والمتنور الذي ينظر إلى النار من بعيد، وقال ابن حلزة:
فتنورت نارها من بعيد
وقال آخر:
ودوية لا يثقب النار سفرها ... وتضحي بها الوجناء وهي لهيد
أي لا يوقدون نارا من مخافتهم ولكنهم يتبلغون بأدنى شيء، وقد فسر، واللهيد التي ضغطها الحمل حتى اشتكت لحم صدرها، وقال ابن أحمر يصف بقرة:
تطايح الطل عن أعطافها صعدا ... كما تطاير عن مأموسة الشرر
مأموسة النار هاهنا، وخبزة الملة مأموسة أيضاً.
وقال آخر في وصف قناة:
ثقفها بسكن وأدهان
أي قوم أودها بالنار والدهن والسكن النار، وأنشد:
وسكن توقد في مظله
وقال آخر:
وجمة أقوام حملت ولم تكن ... لتوقد ناراً بعدهم للتندم
الجمة الجماعة يمشون في الدم والصلح.
وقال شاعر يذكر إبلاً:
تقسم في الحق وتعطي في الجمم
وقوله ولم تكن لتوقد ناراً كانوا يوقدون ناراً خلف المسافر والزائر اللذين لا يحبون رجوعهما، ويقال في الدعا أبعده الله وأسحقه وأوقد ناراً أثره، يقول لم تندم على الإعطاء في الحمالة لتوقد ناراً خلفهم كيلا يعودوا.
وقال بشار في مثل هذا
صحوت وأوقدت للجهل ناراً ... ورد عليك الصبا ما استعار
وقال عمرو " بن كلثوم " :
ونحن غداة أوقد في خزازي ... رفدنا فوق رفد الرافدينا
كانوا إذا أرادوا حرباً أو توقعوا جيشاً عظيماً وأرادوا الاجتماع أوقدوا ليلاً على جبل لتجتمع إليهم عشائرهم فإذا جدوا وأعجلوا أوقدوا نارين. وقال الفرزدق:
ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا ... نارين أشرفتا على النيران
وقال أوس:
إذا استقبلته الشمس صد بوجهه ... كما صد عن نار المهول حالف
كانوا يحلفون بالنار وكانت لهم نار يقال أنها كانت بأشراف اليمن له سدنة فإذا تفاقم الأمر بين القوم فحلف بها انقطع بينهم وكان اسمها هولة والمهولة وكان سادنها إذا أتى برجل هيبه من الحلف بها ولها قيم يطرح فيها الملح والكبريت فإذا وقع فيها استشاطت وتنقضت فيقول هذه النار قد تهددتك. فإن كان قريباً نكل وإن كان بريئاً حلف.
قال الكميت:
هم خوفونا بالعمى هوة الردى ... كما شب نار الحالفين المهول
وقال الكميت وذكر امرأة:
فقد صرت عمالها بالمشي ... ب زوالاً لديها هو الأزول
كهولة ما أوقد المحلفون ... لدي الحالفين وما هولوا
يقول صرت في أعين النساء كذلك.
وقال الأعشى:
نساء بني شيبان يوم أوارة ... على النار إذ تجلى له فتياتها
كانوا يكرهون أن يعرضوا السبي نهاراً فيعرضونهن ليلاً وتوقد لذلك نار.
وقال أيضاً لمرأة:
أريت القوم نارك لم أغمض ... بواقصة ومشربنا زرود
فلم أرمو قدا منها ولكن ... لأية نظرة زهر الوقود
وإنما نظر إلى ناحيتها فخيلت له نارها مرفوعة توقد وهذا تظن منه ليس أنه رأى شيئاً بعينه أراد رؤية القلب.
وقال امرؤ القيس:
تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
تنورتها نظرت إلى نارها وهذا تحزن وتظنن منه ليس أنه رأى بعينه شيئاً إنما أراد رؤية القلب.
ومثله قول الآخر:
أليس بصيراً من رأى وهو قاعد ... بمكة أهل الشام يختبزوا
وقال الحارث بن حلزة:
وبعينيك أوقدت هند النار ... ر أخيراً تلوي بها العلياء
يريد رأى عينيك أوقدت، أخبر أنه رأى نارها وكان آخر عهد منه بها أي بالنار تلوي بها العلياء أي ترفعها وتضيئها كما يلوي الرجل بثوبه إذا رفعه يلوح به للقوم، ويقال ألوت الناقة بذنبها إذا رفعته وأراد بالعلياء العالية وهي الحجاز وما يليه من بلاد قيس.

أوقدتها بين العقيق فشخصي ... ن بعود كما يلوح الضياء
شخصين شعبين لأكمة، بعود أراد اليلنجوج والشعراء تذكر ذلك وتكثر فيه وإنما هو لحبهم موقدي النار.
ومثله قول عدي بن زيد:
رب نار بت أرمقها ... تقضم الهندي والغارا
يريد بالهندي اليلنجوج، والغار شجر طيب.
فتنورت نارها من بعيد ... بخزازي هيهات منك الصلاء
خزازي جبل.
قال الشماخ يصف امرأة:
وكانت إذا هبت على العرفج الصبا ... ينور بالغور التهامي مسيرها
العرفج إذا هبت عليه الريح فاحتك بعض عيدانه ببعض اشتعلت فيه النار يقول تسير في وقت هبوب الصبا فتضيء لها طريقها والغور ينبت العرفج، ويروي أيضاً:
وكانت إذا هبت على الحرجف الصبا ... ينور بالغور التهامي سريرها
يقول توقد اليلنجوج في الشتاء لتتخر به كما قال أبو دواد:
يكتبين الينجوج في كبة المش ... تى وبله أحلامهن وسام
يكتبين يفتعلن من الكباء أي يتبخرن، وكبة الشتاء شدته.

الأبيات في ذكر الخمر وآلاتها
قال الأعشى:
وسبية مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جرياً لها
حدثنا الرياشي قال حدثنا أخو زبرقان عن مؤرج عن سعيد عن سماك عن أبيه عن عبيد راوية الأعشى أنه سأل الأعشى عن هذا البيت فقال: شربتها حمراء وبلتها فسلبتها الحمرة والجريال اللون.
وقال ابن أحمر وذكر الخمر:
كمرآة المضر سرت عليها ... إذا رامقت فيها الطرف جالا
أي سرت على المرآة تجلوها، أمقت فاعلت من رمقت.
جال زال من شدة ضوئها، والمضر التي تزوجت، على ضر فمرآتها أبداً في يدها.
وقال الأعشى:
فقمنا ولما يصح ديكنا ... إلى جونة عند حدادها
كحوصلة الرأل في دنها ... إذا جليت بعد إقعادها
جونة حمراء إلى السواد والحداد المانع، ومنه حدت المرأة على زوجها أي امتنعت من الزينة، وأراد أكل بعضها بعضاً لطول الدهر فلم يبق منها إلا كحوصلة الرأل في قلتها، بعد ٌقعادها بعد ما كبرت شبهها بالقاعد من النساء.
وقال حميد بن ثور وذكر امرأة:
علتها كبرة فهي قاعد
ويقال أنها حمراء فشبهها بحوصلة الرأل لأنها حمراء، جليت أخرجت بعد الكبر، وقال بعضهم إذا جنئت أي أميلت بعد انتصابها.
وقال كثير:
جنوء العائدات على وسادي
وقال الأعشى:
وكأس كماء الني باكرت حدها ... بعزتها إذ غاب عنها بغاتها
شبه الخمر بماء اللحم الني، حدها أولها، عزتها غلاؤها.
وقال القطامي:
ورقيقة الحجرات بادية القذى ... كدم الغزال صبحتها ندمانا
الحجرات النواحي، من صفائها يرى القذى في أسفلها.
ومثله للأعشى:
تريك القذى من تحتها وهي فوقه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمطق
وقال الأخطل مثله:
ولقد تباكرني على لذاتها ... صهبا عارية القذى خرطوم
يقول إذا كان في أسفلها قذى لم تواره، خرطوم أول ما بزل من الدن.
وقال أبو ذؤيب:
ولا الراح راح الشام جاءت سبيئةً ... لها غاية تهدي الكرام عقابها
سبأت الخمر اتبعتها، والغاية اللبن الراية وكان الخمارون ينصبون راية ليعرف بها مكانهم.
وقال عنترة يمدح رجلاً:
هناك غايات التجار ملوم
التجار الخمارون، يقول لا يزال يشتري حتى ينفد ما عنده فيقلع رايته والعقاب الراية، قال الأصمعي: وإنما قيل بلاغ فلان الغاية كأنه بلغ راية منصوبة.
عقار كماء الني ليست بخطمة ... ولا خله يكوي الشروب شهابها
كماء الني أراد خمراً كالدم، والخطمة التي أخذت ريحاً لم تستحكم ولم تدرك والخلة الحامضة، يكوي الشروب يقول لم تحمض كل حموضتها وهذا مثل ويجوز أن يكون أراد عقاراً يكوي الشروب شهابها أي لها حدة وتوقد ولا تجعله من صفة الخمر، وشهابها طيرانها في الرأس، والشروب جمع شارب.
توصل بالركبان حيناً وتؤلف ال ... جوار ويغشيها الأمان ربابها

توصل بالركبان يعني الخمارين واللفظ للخمر أي يتخذون الركبان وصلة يستأنسون ويأمنون بهم وتأخذ جواراً من وجهين فتؤلفه أي تجمع واحداً إلى واحد، ويقال بل تجمع بين جيران من بعد يجتمعون عليها فتؤلف بينهم، والرباب العهد وواحده ربة.
وقال أبو ذؤيب:
كانت أوبتهم بهز وغرهم ... عقد الجوار وكانوا معشراً غدرا
يقول العهد الذي أخذتها آمنها.
فما برحت في الناس حتى تبينت ... ثقيفاً بزيزاء الأشياء قبابها
يقول فما برحت في ناس لا تفارقهم مخافة أن يغار عليها حتى تبين أهلها ثقيفاً بذي المجاز فأمنت فاشتراها من التجار أهل القباب.
فطاف بها أبناء آل معتب ... وعز عليهم بيعها واغتصابها
أي غلبهم أن يشتروها لغلائها وأن يغصبوها لأنهم في الحرم، قال الأصمعي وما تصنع ثقيف بالخمر وعندهم العنب ولكنه عجب.
فلما رأوا أن أحكمتهم ولم يكن ... يحل لهم إكرامها وغلابها
أحكمتهم منعتهم نفسها أحكمه ن ظلمي امنعه.
أتوها بربح حاولته فأصبحت ... تكفت قد حلت وساغ شرابها
تكفت يقبض ثمنها ويقال وقع في الناس كفت شديد أي موت وفي بعض الكتب يقال لبقيع الغرقد الكفتة، وقال أيضاً وذكر خمراً:
معتقة من أذرعات هوت بها ال ... ركاب وعنتها الزقاق وقارها
أي أطالت حبسها أخذ من العاني وهو الأسير أومن العنية وهي أبوال الإبل تخلط بأشياء وتعتق وتهنأ بها الإبل.
فلا تشتري إلا بربح سباؤها ... بنات المخاض شومها وحضارها
أي سودها وبيضها.
ترى شربها حمر العيون كأنهم ... أساوى إذا ما سار فيهم سوارها
الأساوي جمع آس وأسيان وهو الحزين يريد كأن شربها بهم جراح في رؤوسهم قد دوويت شبه السكارى بالأساوي لانكسار أعينهم، سوارها فتورها.
وقال الأعشى وذكر الخمار:
أضاء مظلته بالسرا ... ج والليل غامر جدادها
فقلت له هذه هاتها ... بأدماء في حبل مقتادها
الجداد هدب كساء المظلة وهي نبطية أصلها كداد، يقول أعطني الخمر بهذه الناقة الأدماء وهي البيضاء أي خذها عفواً ثمناً للخمر، ومنه يقال خذ هذا الشيء برمته أي خذه كله، وأصل الرمة الحبل الخلق.
وقال آخر:
وقد أسبأ للندما ... ن بالناقة والرحل
وقال عنترة:
لقد شربت من المدامة بعدما ... ركد الهواجر بالمشوف المعلم
المشوف البعير المهنوء، والمعلم الذي عليه علامة سمة أو نحوها.
قال لبيد:
مثل المشوف هنأته بعصيم
العصيم القطران، ويقال المشوف الدينار المجلو، والمعلم المنقوش.
بزجاجة صفراء ذات أسرة ... قرنت بأزهر في الشمال مفدم
الصفراء الخمر واللفظ للزجاجة، والأسرة الخطوط، والأزهر الإبريق، ويروي في الشمال يريد ريح الشمال.
وقال النمر بن تولب وذكر العاذلة:
قامت تباكي أن سبأت لفتية ... زقاً وخابيةً بعود مقطع
أي انقطع ضرابه، أي لامته في جمل لا خطر له.
وقال آخر:
لا يكره الجارات إذ يحتضرنه إذا ... قام بالوسق الأسير المرجل
الأسير المشدود، أسره يأسره، والمرجل لد يسله من ناحية الرجل يعني زقاً، وقام بالوسق أي جعل ثمناً، ومثله للأعشى:
وقامت زقاقهم بالحقاق
وقال آخر في المرجل:
أيام ألحف مئزري عفر الملا ... وأغيض كل مرجل ريان
المئزر والإزار واحد، والعفر التراب، أراد أنه يختال، أغيض أنقص والمرجل الزق سلخ من قبل رجليه، وقال النابغة الجعدي وذكر قول العاذلة:
إني أرى إبلاً أضر بها ... دار الحفاظ ومحبس التجر
دار الحفاظ الثغر، ومحبس الخمارين حيث ينزلون، أي أنه اشترى الخمر بالإبل فقد تنقصها هذان الأمران.
وقال ابن أحمر:
وكوما تحبو ما تشايع ساقها ... لدى مزهر ضار أجش ومأتم
أي ما تتابع إحدى ساقيها الأخرى لأنها قد عرقبت، مزهر عود، ضار متعود، والمأتم الجمع في الفرح والحزن جميعاً.
وقال أيضاً:
بل ودعيني طفل إني بكر ... فقد دنا الصبح فما أنتظر
أن تغضب الكأس لما قد أنت ... إن أناة الكأس شي نكر

المعنى فما انتظاري بأن أشرب الكأس، وغضبها حمياها.
أو تبعث الناقة أهوالها ... تجر من أحبلها ما تجر
أي وما أنتظر أيضاً أن أثير الناقة فأعقرها بالسيف، وأهوالها أن ترى السيف فإذا رأته انبعثت تجر حقبها وتصديرها.
أو يصبح الرحل لنا آيةً ... لا يعذر الناس بما يعتذر
أي وما أنتظر أن يصبح رحل الناقة ملقى فيكون علامة لعقرها وأقول عقرتها جوداً ويقول الناس عقرها سكراً.
إن امرأ القيس على عهده ... في إرث ما كان أبوه حجر
بنت عليه الملك أطنابها ... كأس رنوناة وطرف طمر
ويروى مدت، رنوناة ثابتة، والطرف الكريم من الخيل، والمعنى أنه كان في شرب ولهو بالصيد وغيره، ففارق ما كان فيه، وأدخل الألف واللام في الملك والمعنى طرحها وهو حال، أراد أن الكأس طنبت عليه أطنابها ملكاً أي في حال ملكه، ونحوه قول لبيد:
فأوردها العراك ولم يذدها
والمعنى فأوردها عراكاً وهي تزدحم.
وقال ابن مقبل:
سقتني بصهباء درياقة ... متى ما تلين عظامي تلن
صهابية مترع دنها ... ترجع في عود وعس مرن
أي ترجع الحمر في هذا القدح تعرف منها فيوالي عرفها ويشرب وهو ترجيعه، وعسا لموالاة العرف والحاجة كما تواعس أنت الأرض فتلح عليها وتطؤها، عود يعني قدحاً، والمرن الذي يرن يقول إذا شرب أطرب صاحبه حتى يرن أي يتغنى ويترنم، ويقال المرن إذا قرعته سمعت له رنيناً.
وقال:
وصهبا يستوشي بذي اللب ميلها ... قرعت بها نفسي إذا الديك أعتما
تمززتها صرفاً وقارعت دنها ... بعود أراك هزه فترنما
يستوشي يستخرج ما عند ذي اللب ميلها به، يقال استوشيت الحديث من فلان أي استخرجته، قرعت بها أي شربتها فقرعتني ويقال بدأت بها نفسي.
قال أبو عمرو: ضربت دنها بهذا العود فإذا طن علم أنه قد فرغ يقال عنيت ووقعت على الدن بعود أراك فترنم الدن.
وقال الأعشى:
وصهبا طاف يهوديها ... وأبرزها وعليها ختم
وقابلها الريح في دنها ... وصلى على دنها وارتسم
ويروي ختم جمع ختام، صلة دعا لها بالبركة وارتسم من الرسم. ويروي وارتشم وهما بمعنى.
وقال النابغة الجعدي:
باشرته جونة مرشومة ... أو جديد حدث القار جحل
وضع الاسكوب فيه رقعاً ... مثل ما يرقع بالكي الطحل
جونة مرشومة: خابية مختومة، جحل عظيم يعني زقاً، ويروي وضع الأسكوف يريد الاسكاف، والطحل أن تلزق الرئة بالجنب إذا بحر البعير فيكوي.
وقال وذكر خمراً:
ردت إلى أكلف المناكب مر ... شوم عقيم في الطين محتدم
جون كجوز الحمار حرده ال ... حراض لا ناقس ولا هزم
يعني دناً، محتدم شديد الغليان، شبهه بوسط الحمار، والحراض الذين يحرقون الأشنان، ويروي الخراص، وهم الذين يعملون الدنان والناقس الوسخ.
وقال عدي بن زيد:
يا ليت شعري وأنا ذو عجة ... متى أرى شراباً حوالي أصيص
بيت جلوف بارد ظله ... فيه ظبا ودواخيل خوص
العجة الحنين والأصيص أسفل دن مكسور، والجلوف جمع جلف وهو الدن الذي لا شيء فيه ويقال جلف جاف أي لا عقل له وإنما يريد أن البيت مبني بالدنان المكسورة ويظلونها بالخصف، وظباء أي أباريق ضخام وهذا من قولهم.
كأن إبريقهم ظبي على شرف
ودواخيل يعني دواخل التمر، يخبر أنه بيت خمار في أرض السواد.
والمشرف الهندي يسقى به ... أخضر مطوثاً بماء الخريص
المشرف إناء لهم وهو قدح ويعني شراباً أخضر وهو أجود الخمر والمطموث الذي طمث بمسك أو نحوه ويقال هو الممزوج من قول الله سبحانه " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " والخريص نهر ينشعب من البحر ويقال الخريص يستنقع ويخضر وقال أبو عمرو الخريص الشديد الوقع، وقال أبو زبيد:
ودنان خصية مسندات ... فعبيط بالطعن أو مقلوف
وأباريق شبه أعناق طير الم ... اء قد جيب فوقهن خنيف
المقلوف الذي قشر الطين عنه، الخنيف ضرب من ثياب الكتان رديء يريد الفدام.
صادرات وواردات إلى ان ... تحسب الشرب صرعتهم نزوف

نزوف طعنة تنزف الدم كأنهم ماتوا، وقال أبو الهندي يصف الأباريق:
مفدمة قزا كأن رقابها ... رقاب بنات الماء أفزعها الرعد
طير الماء إذا سمعت صوت الرعد مدت أعناقها فشبه رقاب الأباريق بأعناقها في تلك الحال.
وقال لبيد وذكر الخمر:
تضمن بيضاً كالإوز ظروفها ... إذا أتاقوا أعناقها والحواصلا
أي تضمن أباريق بيضاً كالبط، وقال المرقش الأصغر:
وما قهوة كالمسك ريحها ... تعلى على الناجود طوراً وتقدح
ثوت في سباء الدن عشرين حجة ... يطان عليها قرمد وتروح
قال الأصمعي سميت قهوة لأنها تقهي عن الطعام أي لا يكثر من أدمن شربها منه، تعلى ترفع، والناجود المصفاة ويقال الباطية.
وقال الشاعر:
ما كان من سوقة أسقي على ظمأ ... خمراً بماء إذا ناجودها بردا
والسوقة أشراف دون الملوك، وتقدح تغرف، في سباء الدن أي أقامت كالسبي للدن، وأصل القرمد الآجر وهو هاهنا الدن، وتروح تبرز للريح.
وقال المسيب بن علس يصف ثغراً:
ومها يرف كأنه إذ ذقته ... عانية شجت بماء يراع
المها البلور شبه الثغر به، عانية منسوبة إلى عانة، شجت مزجت، واليراع القصب أراد أنها مزجت بماء الأنهار لأن القصب ينبت على شطوطها فاكتفى بذكره منها لأنه أعذب من ماء الآبار، يرف يكاد يقطر من شدة صفائه، وفيه لغة أخرى: ورف يرف.
أو صوب غادية أدرته الصب ... ا ببزيل أزهر مدمج بسياع
قال الأصمعي: لم يخصها بالغدو وإنما أراد صوب سارية دام مطرها إلى الغدو وخص الصبا لأنها لينة الهبوب فهو أخف لوقع المطر وأصفى لمائها، والبزيل ما بزل، والأزهر الأبيض وأراد دنا أبيض وأراد به أنه نظيف غير وسخ، والسياع الطين، مدمج مشدود به.
وقال ابن مقبل وذكر سحابة:
قطبت بأصهب من كوافر فارس ... سقطت سلافته من الجريال
قطبت مزجت، السلاقة ما سال من غير عصير، والكوافر الدنان واحدها كافر، والجريال الخمرة هاهنا.
وقال العجاج:
فشن في الإبريق منها نزفا ... من رصف نازع سيلاً رصفا
شن صب في الإبريق من الخمر نزفاً من الماء والنزفة الغرفة، رصف حجارة، نازع سيلاً رصفاً أي كأن السيل كان في رصف فسال منه في هذا الرصف فجعل ذلك منازعته إياه والرصف حجارة متراصفة والغرفة كالجرعة، وقال يذكر الحرورية:
معلقين في الكلاليب السفر ... وخرسه المحمر فيه إما اعتصر
الخرس الدن والخراس صاحب الدنان، وقال لبيد:
أغلى السباء بكل أدكن عاتق ... أو جونة قدحت وفض ختامها
أدكن زق، وجونة خابية، قدحت بزلت، وفض فوه.
بادرت حاجتها الدجاج لسحرة ... لأعل منها حين هب نيامها
أي بادرت بحاجتي إلى شربها أصوات الديكة لأشرب منها مرة بعد مرة وهو العلل.
وقال الأخطل وذكر الخمر:
تغيظت أيامها في شارف ... نقلت قرائنه ولما ينقل
تغيظها شدة غليانها، شارف وعاء عظيم شبهه بالشارف من الإبل نقلت قرائنه وترك.
وقال الأخطل يصف عتق الخمر:
كمت ثلاثة أحوال بطينتها
أي سدت وطينت. وقال لبيد:
ومجتزف جون كأن خفاءه ... قرا حبشي بالسرومط محقب
مجتزف شراب يشتري جزافاً، خفاؤه غطاؤه، والسرومط جلد ضائنة يجعل الزق فيه.
إذا أرسلت كف الوليد عصامه ... يمج سلافاً من رحيق مقطب
فمهما يغض منه فإن ضمانه ... على طيب الأردان غير مسبب
مقطب مطيب ويقال ممزوج، يغض ينقص، وقال:
ورابح التجر إن عزت فضالهمحتى يعود سليمى حوله نفر
الفضال ما أفضله الدهر من الخمر أي هي عتيقة كريمة، أراد حتى يعود يا سليمى حول الزق نفر يشربون منه، وكنى عن الزق ولم يذكره كقول طرفة:
ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
يريد الفلاة ولم يذكرها.
غرب المصبة محمود مصارعه ... لا هي النهار لسير الليل محتقر
أي الزق حديد المصبة لامتلائه، يحمد مصرعه لأصحابه لأنه يطربهم، ثم رجع إلى وصف نفسه فقال لا هي النهار فرده إلى رابع التجر وقال ابن مقبل:
حتى انتشينا عند أدكن مترع ... جحل أمر كراعه بعقال

أدكن زق، جحل عظيم، وقال كعب بن زهير:
وجحل سليم قد كشطنا جلاله ... وآخر في أنضاء مسح مسربل
سليم تام، وأنضاء خلقان وفي مثل هذا يحمل الزق، وقال الأخطل:
أناخوا فجروا شاصيات
الشاصي الساقط الرافع يديه ورجليه وهكذا الزقاق المملوءة، وفي المثل:
إذا ارجحن شاصياً فارفع يدا
وقال النابغة:
إذا فضت خواتمه علاه ... يبيس القمحان من المدام
القمحان الذريرة، أراد إذا فتحت الآنية التي تكون فيها الخمر رأيت عليها بياضاً كالذريرة، وقال عمرو بن كلثوم:
مشعشة كأن الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا
المشعشعة التي أرق مزجها، والحص الورس، سخيناً فيه قولان يقال هو من السخاء ويقال من الماء السخن، وقال عوف بن الخرع:
كأني اصطحبت سخاميةً ... تفسأ بالمرء صرفاً عقارا
سخامية سلسة لينة ومنه شعر سخام ناعم لين، ويقال تفسأ الثوب تهتك وتخرق، وقال ابن أحمر:
اسلم براووق حييت به ... وانعم صباحاً أيها الجبر
الراووق هاهنا الكاس، والجبر الرجل وأصله سرياني ومنه قيل جبرئيل وقال زهير:
مثل دم الشادن الذبيح إذا ... أتأق منها الراووق شاربهه
الراووق في هذا الموضع الكأس وفي غير هذا الموضع المصفاة، وقال أبو خراش يرثى دبية:
ما لدبية منذ اليوم لم أره ... وسط الشروب ولم يلمم ولم يطف
لو كان حياً لغاداهم بمترعة ... من الواويق من شيزي بني الهطف
لم يطف لم يأت طيفه وهو الخيال، والرواويق جمع راووق وهي المصفاة، وهو ما روق وصفي من إناء في إناء، والشيزي جفان سود وأصله من خشب الشيز، وبنو الهطف من أهل أسد السراة باليمن يعملون الجفان والشيز ببلادهم ينبت، وقال آخر:
إذا ما شئت باكرني غلامي ... بزق فيه ني أو نضيج
الني الخمر والنضيج الخبيث، وقال الراعي يهجو رجلاً يقال له الحلال:
خريع متى يمش الخبيث بارضه ... فإن الحلال لا محالة دائقه
الخريع الجبان الضعيف، والخبيث الخمر.
وقال أبو زبيد:
قولهم شربك الحرام وقد كان ... حلال سوى الحرام فمالوا
كان أهل الكوفة شكوا عاملهم إلى عثمان وذكروا أنه ينادم أبا زفيد وكان نصرانياً يشرب الخمر فقال أبو زبيد، قولهم شربك الخمر وقد كان هناك نبيذ حلال تشربه فمالوا عن النبيذ الذي هو حلال إلى الخمر.
وقال جميل:
فظلنا بنعمة واتكأنا ... وشربنا الحلال من قلله
اتكأنا أي طعمنا من قول الله عز وجل " وأعتدت لهن متكئاً " أي طعاماً والقلل جمع قلة.
وقال الفرزدق:
أيسقي ابن ورقاء المحيل دفينه ... ويسقي القشيري السلاف المشعشعا
المحيل دفينه يعني كنيز التمر الحولي.
وقال آخر: وهو أبو الهندي:
وإن تسق من أعناب وج فإننا ... لنا العين تجري من كسيس ومن خمر
الكسيس السكر، وقال ابن أحمر:
كأن سلافة عرضت لنحس ... يخيل شفيفها ماءً زلالا
أي وضعت في ريح فبردت، يحيل يصب، وشفيفها بردها، يقول برد هذه الخمر يصب الماء في الحلق ولولا بردها لم يشرب الماء:
رنوناه تساور حين تجلي ... شؤون الرأس با لا قبالا
تمشي في مفارقة وتغشى ... سناسن صلبه حتى يهالا
رنوناة دائمة، شبا اتقادا كما تشب النار، السناسن الفقار، أي إذا أراد أن يقوم لم يقدر، يهال يرى تهاويل وألواناً مختلفة في منامه، وقال ذو الرمة:
كأنه بالضحى ترمى الصعيد به ... دبابة في عظام الرأس خرطوم
أي كأنه من نعاسه وفترته سكران، والخرطوم أول ما بزل منها، قال الراعي وذكر نفسه والسكارى:
إذا ما برزنا بالفضاء تقحمت ... بأقدامنا منها المتان الصرادح
أي أرجلنا تختلف وهذا مثل، يقول نحن وإن كنا في مستوى كأن أرجلنا تنحدر من المتان إلى هوة، والصرادح المنجردة، وقال الأخطل:
إذا ما نديمي علني ثم علسي ... ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجر الذيل مني كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير

قوله علني ثم علني ثلاث زجاجات ولم يقل زجاجتين لأن العلل لا يكون إلا بعد النهل، فقوله علني يدل على أنه قد سقاه قدحين ثم علني الثالث.
وقال المسيب بن علس:
وشرب كرام حسان الوجوه ... تغاديهم النشوات ابتكارا
كميت تكاد وإن لم تذق ... تنشي إذا الساقيان استدارا
وقال الأخطل يصف الخمر:
كأنما المسك نهبي بين أرحلنا ... لما تضوع من ناجودها الجاري
الناجود كل إناء فيه الخمر وهو هاهنا الكأس، الجاري الدائر.
تدامى إذا طعنوا فيها بجائفة ... من ناصع اللون لذ غير مصطار
يقال مصطار المتغيرة الطعم والريح ويقال الحديثة، جائفة بلغت الجوف.
وقال زهير:
دبت دبيباً حتى تخونه ... منها حمياً وكف صالبها
أي لما انتشى قال اسقني بالكبير.
وقال الأخطل:
لما أتوها بمصباح ومبزلهم ... سارت إليهم سؤور الأبجل الضاري
الأبجل من الفرس والبعير هو الأكحل من الإنسان، والضاري الشديد السيلان.
وقوله:
وهما ينسيني السلاف المهودا
أي المسكن والتهويد السير اللين. وقال:
كأني كررت الكأس ساعة كرها ... على ناشص سافت حواراً ملبسا
فأصبح منها الوائلي كأنه ... سقيم تمشي داؤه حين أسلسا
الناشص مثل الناشز وأراد ناقة عرفت بعينها وأنكرت بأنفها لأنها لم تجد منه ريح الحي، وأسلس داؤه إذا دله عقله، وقال الراعي:
ومصنعة خليد أعنت فيهاعلى علاته الثمل المنينا
مصنعة مكرمة، وخليدة ابنته، والمنين الضعيف فعيل في معنى مفعول، وقال الأعشى:
لقوم فكانوا هم المنفدين ... شرابهم قبل إنفادها
أراد أنفدوا الشراب قبل أن ينفدهم السكر وأنث لأنه أراد الخمر، وقال:
تراموا به غرباً أو نضارا
الغرب شجر والنضار الأثل والنضار الذهب، وقال حرملة ابن حكيم:
يا كعب إنك لو قصرت على ... شرب المدام وقلة الجرم
وسماع مدجنة تعللنا ... حتى نؤوب تناوم العجم
لصحوت والنمري يحسبها ... عم السماك وخالة النجم
ويروي: على حسن الندام، مدجنة داخلة في دجن، والعجم لا ينامون إلا على ضرب الأوتار، وقال ابن الأعرابي: أراد الديكة، يقول: لو أحسنت المنادمة لنا إلى صياح الديكة، والنمري كعب نفسه أي لصحوت وأنت تحسب هذه المسمعة في عظم القدر كذلك كقولك ما يسحبه إلا ابن ماء السماء، ثم قال:
والخمر ليست من أخيك ول ... كن قد تجور بآمن الحلم
ليست من أخيك كما تقول ليست منك وليست مني ثم قال الذي يؤمن من الحلم تجور بن الخمر، وقال أبو زبيد يذكر رجلاً قتل رجلاً أضافه:
ظل ضيفاً أخوكم لأخينا ... في شراب ونعمة وشواء
ثم لما رآه رانت به الخم ... ر وأن لا يريبه باتقاء
لم يهب حرمة النديم وحقت ... يا لقوم للسوءة السوآء
رانت غلبت على عقله، أراد وحقت أن يهاب ثم ابتدأ فقال: يا لقوم أعجبوا، وقال ابن أحمر وذكر شبابه ونعمته:
كشراب قيل عن مطيته ... ولكل أمر واقع قدر
مد النهار له وطال علي ... ه الليل واستنعت به الخمر
وجرادتان تغنيانهم ... وعليهما الياقوت والشذر
يقول أنا في سكر شبابي كذلك إذ لي عن مطيته، استنعت تمادى به الشرب، والجرادتان قينتان.
وبعيرهم ساج بجرته ... لم يؤذه غرب ولا ذعر
فإذا تجرر شق باز له ... وإذا أصاخ فإنه بكر
ساج ساكن على جرته فإذا اجتر أنيابه وإذا أصاخ رأيت له وجه بكر.
دنان حنانان بينهما ... رجل أجش غناؤه زمر
أي غناؤه يشبه الزمر. وقال الأخطل يمدح رجلاً:
خضل الكئاس إذا انتشاها لم تكن ... خلفا مواعده كبرق الخلب
وإذا تعوورت الزجاجة لم يكن ... عند الشراب بفاحش متقطب
كأس وثلاث أكؤس وكئاس، والخضل الندى أي بالمعروف، تعوورت أعتورت.
وقال أيضاً:
وشارب مربح بالكأس نادمني ... لا بالحصور ولا فيها بسوار

مربح يغالي في ثمن الخمر فيربح عليه التجار، والحصور هاهنا البخيل، سوار سيء الخلق يساور ويقاتل.
وقال لبيد يمدح النعمان:
إذا مس أسآر الصقور صفت له ... مشعشعةً مما تعتق بابل
أسآر جمع سؤر أي بقايا من الصيد، أي إذا أكل الصيد شرب الخمر. وقال:
حقائبهم راح عتيق ودرمك ... وريط وفاثورية وسلاسل
درمك حواري، ريط ثياب بيض، فاثورية يقال أخونة ويقال جامات فضة، سلاسل ما سلسل من صفائه.
وقال أبو دواد وذكر الفرس:
ثم ولى بنعجتين وثور ... قسمت بينهن كأس عقار
يقول لما فرغنا من الصيد قعدنا على الشرب نأكل لحم الوحش فاشرب الخمر.
وقال النابغة:
وتسقي إذا ما شئت غير مصرد ... بزوراء في أكنافها المسك كانعً
التصريد شرب دون الري يقال صرد شربه أي قطعه وصرد السقاء: إذا خرج زبده متقطعاً فيداوي بالماء الحار ومن هذا صرد البرد، وزوراء دار بالحيرة للنعمان هدمها أبو جعفر كانع دان والتكنع في اليدين من هذا، واكتنع الشيء وكنع إذا دنا وقرب، واكتنع الموت وكنع إذا قرب، قال الراجز:
إني إذا الموت اكتنع ... أضر بهم بذي القلع
يقال نعوذ بالله من الكنوع وهو المذلة، وأنشد:
آب هذا الليل فاكتنعا
وقد روي كارع، قال أبو عمرو، زوراء مكوك وهو شيء من فضة فيه طول مثل التلتلة، كارع يعني أن المسك كارع على شفاه هذه الطاسات يسقي بها السقاء وقال لبيد:
يثبي ثناءً من كريم وقوله ... ألا أنعم على حسن التحية واشرب
يثبي أي يدوم على ما كان عليه من قبله، ثبيت على الأمر دمت عليه، أبو عمرو يثبي: يثني عليه حياً والتأبين بعد الموت، وقال يصف قوماً:
كرام إذا ناب التجار ألذة ... مخاريق لا يرجون في الخمر واغلا
ألذة يأخذون لذتهم يتخرقون في العطاء كما قال الآخر:
فتى إن هو استغنى تخرق في الغنى
وأراد لا يطردون واغلاً. وقال يذكر مجلس النعمان:
والهبانيق قيام معهم ... كل محجوم إذا صب همل
الهبانيق الوصفاء واحدهم هبنيق، محجوم إبريق عليه فدام.
فتولوا فاتراً مشيهم ... كروايا الطبع همت بالوحل
الطبع من التطبيع وهو الملء يقال طبعته طبعاً فالاسم بالكسر والمصدر بالفتح كقولك للدقيق الطحن والمصدر الطحن، الأصمعي: الطبع النهر والجمع أطباع، يقول تلك الروايا في وحل شبه مشي الوصفاء بتلك الإبل وقال عدي بن زيد:
والربرب المكفوف أردانها ... تمشي رويداً كتوخي الرهيص
الربرب الوصفاء، مكفوف كفت أكمامها أي خسروا عن سواعدهم.
قال الأعشى:
فلما أتانا بعيد الكري ... سجدنا له ورفعنا العمارا
العمار الريحان وهو الذي يسميه الفرس الميوران وهو أن يقوم الفتى إذا طرب فيأخذ ضغثاً من ريحان فيرفع به يده ويتمشى ويحيي القوم، وقال بعض الرجال لابنه: كأنما سميته العمار أي الريحان وقال أيضاً:
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
واحدة يشربها على سماع وأخرى يشربها وهو مخمور فأذهبت عنه الخمار.

البربط
قال ذو الرمة:
وداع دعاني للندى وزجاجة ... تحسيتها لم تقن ماءً ولا خمرا
يعني البربط دعاه إلى السخاء، والزجاجة فم امرأة لم تقن لم تحفظ. وقال الأعشى يذكر رجلاً:
قاعداً عنده الندامى فما ينفك ... يؤتي بمزهر مندوف
مزهر عود، مندوف مضروب، وقوله في هذا الشعر بموكر محذوف موكر مملوء، محذوف مقطوع يريد الزق، وقال:
ولقد شربت ثمانيا وثمانيا ... وثمان عشرة واثنتين وأربعاً
بالجلسان وطيب أردانه ... بالمسك يضرب لي يكر الاصبعا
والنأي نرم وبربط ذي بحة ... والصنج يبكي شجوه أن يوضعا
الجلسان الورد، وشجوه رقة صوته وحزنه، يقول الصنج يبكي شجوه أي يضرب به إذا وضع العود، وقال في مثله:
وشاهدنا الجل والياسمو ... ن والمسعات بقصابها
وبربطنا دائم معمل ... فأي الثلاثة أزري بها
ترى الصنج يبكي له شجوه ... إذا ظن أن سوف يدعى بها

القصاب المزامير الواحدة قصابة والقاصب الزامر، أزري بها يقال بالمسمعات وقيل بالباقة، يريد هؤلاء الممدوحين أتيت، ولم يكن لهذا عنده، أن سوف يدعي بها أي بالكأس، وقال الطرماح يذكر نساء خرجن؟:
يقصر مغداهن كل مولول ... عليهن تستبكيه أيدي الكرائن
ثواني للأعناق يندبن ما خلا ... بيوم اختلاف من مقيم وظاعن
أي يقصر عليهن النهار ضرب العيدان، وأنشد:
ويوم كظل الرمح قصر طوله ... دم الزق عنا واصطفاق المزاهر
والكرائن المغنيات واحدتهن كرينة، ثواني للأعناق أي يعطفن أعناقهن على عيدانهن.
وقال لبيد:
وصبوح صافية وجذب كرينة ... بموتر تأتاله إبهامها
ألت الشيء أصلحته كقولك من قلت يقتاله إذا أردت يفتعله.
وقال النابغة الجعدي وذكر دسكرة:
سبقت صياح فراريجها ... وصوت نواقيس لم تضرب
برنة ذي عتب شارف ... وصهباء كالمسك لم تقطب
رنة صوت، ذو عتب عود وعتبه ملاويه، شارف قديم، تقطب تمزج.
وقال طرفة يصف قينة:
رحيب قطاب الجيب منها رفيقة ... نجس الندامى بضة المتجرد
إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا ... على رسلها مطروقةً لم تشدد
رحيب واسع، وقطاب الجيب مجتمعة حيث قطب أي جمع كما يقطب الرجل بين عينيه، رفيقة بجس الندامى يقول قد استمرت على جس الندامى، بضة رخصة ناعمة، مطروفة ضعيفة الصوت فيه طريقة، ويروي: مطروقة أي منكسرة الطرف.
وقال كعب بن زهير:
ورنة هتاف العشى مكبل ... ينازعه الأوتار من ليس راميا
تنازعه مثل المهاة رفيقة ... بجس الندامى تترك اللب زانيا
كأن دوي النحل صوت بنانها ... إذا ضربت سمر المتون ثمانيا
مكبل يعني البربط مكبل بالأوتار، وقال ابن مقبل:
صدحت لنا جيدا تركض ساقها ... عند الشروب مجامع الخلخال
فضلا تنازعها المحابض صوتها ... بأجش لا فظع ولا مصحال
أي تركض ما يلي الخلخال من الثياب بساقها، فضل في ثوب واحد، المحابض الأوتار، والصحل بحة يسيرة، وقال لبيد يذكر الحمار:
كأن سحيله شكوى رئيس ... يحاذر من سرايا واغتيال
تبكى شارب أسرت عليه ... عتيق البابلية في القلال
تذكر شجوه وتقاذفته ... مشعشعةً بمغروض زلال
ويروى تغنى شارب، أي يخاف أن ينهزم فيتغنى به السكارى، رئيس قوم يخاف أن يغتال، وقيل رئيس أي مضروب على رأسه فعيل في معنى مفعول أي مرؤوس، تبكى شارب قد سكر فتذكر ما أصاب الرئيس، وهذا نحو قول الآخر والبيت للأعشى:
به تنقض الأحلاس في كل منزل ... وتعقد أطراف الحبال وتطلق
ويروي به تنفض، تقاذفته ترامت به، المغروض الماء حين ينزل من السحاب، زلال صاف.
وقال الفرزدق:
يمشين بالفضلات وسط شروبهم ... يتبعن كل عقيرة ودخان
الفضلات الخمور، كل عقيرة أي كل صوت يغني به، ويقال عقيرة ناقة معقورة.
وقال الكميت يصف المرأة والزوج:
إذا واضعته مصون الحديث ... ولاقى من الدجن يوماً مطيرا
كأن الجراد يغنينه ... يناغم ظبي الأنيس المشورا
أراد الجرادتين وهما قينتان كانتا زمن عاد ولهما حديث، يناغم بكلام خفي، والمشور الحسن الشارة وهي اللباس والهيئة.
وقال الأعشى وذكر امرأة:
وإذا لها تامورة ... مرفوعة لشرابها
يريد الإبريق.
وقال المتنخل:
متى تبغني في حلقة القوم تلقني ... وإن تلتمسني في الحوانيت تصطد
يعني حوانيت الخمارين. وقال الأخطل وذكر الخمر:
ربت وربا في حجرها ابن مدينة ... يظل على مسحاته يتركل
أي ربت الكرمة، وابن مدينة يقول هو عالم بالقيام عليها يقال للرجل أنه لابن مدينة إذا كان عالماً بها، وقال غيره: ابن مدينة ابن مملوكة أي هو عبد ربي هو وأمه فيها.
وقال ابن مقبل وذكر زقاً:
يروى قوامح قبل الصبح صادقة ... أشباه جن عليها الريط والأزر

هذا الزق يروي قوامح وأصل القوامح الإبل التي ترفع رؤوسها فلا تشرب، صادفة عن الماء، وشبه الرجال بهذه الإبل، يريد أنهم لا يريدون شرب الماء وإنما يريدون الشراب.
وقول الراعي يذكر الريحان:
يتبع الشؤونا
وهي مواصل قبائل الرأس يعني ريحه. وقال حميد بن ثور يصف الخمر:
إذا استوكفت بات الغوى يسوفها ... كما جس أحشاء السقيم طبيب
استوكفت استقطرت وكذلك استودفت. وقال امرؤ القيس يذكر العود:
فإن أمس مكروباً فيا رب قينة ... منعمة أعملتها بكران
لها مزهر يعلو الخميس بصوته ... أجش إذا ما حركته البدان

أبيات في ذكر الملوك والسادة
قال عدي بن زيد:
ووطيد مستعمل سيبه ... عاقد الأيام والدهر يسن
أي يسهل ما عقد عليهم الدهر ويحله، ومنه:
إذا الله سنى عقد شيء تيسرا
والوطيد الملك، وقال لبيد:
فانتضلنا وابن سلمى قاعد ... كعتيق الطير يغضي ويجل
سلمى أم النعمان، وعتيق الطير البازي والصقر، يغضي يطرق ويجلي ينظر إلى الصيد، يريد أنه كالبازي إذا أغضى وجلى من التكبر ويقال ويجل من الجلالة. وقال ابن مقبل يعني ملكاً:
بدا كعتيق الطير قاصر طرفه ... مسربل ديباج البنيق المطنب
أي لا يمد طرفه من كبره، والمطنب المطول. وقال لبيد:
وسانيت من ذي بهجة ورقيته ... عليه السموط عابس متغضب
سانيت ساهلت، والسموط خرزات الملك، يقول رقيته حتى لان والبهجة الجمال، وقال يذكر ملكاً:
رعى خرزات الملك عشرين حجةً ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل
رعى حفظ، خرزات الملك تاج الملك، ويقال إن الملك كان إذا ملك سنة زيد في تاجه وقلادته خرزة ليعلم عدد السنين التي ملك فيها، فاد مات، وقال العجاج:
فرب ذي سرادق محجور ... سرت إليه في أعالي السور
يعني ملكاً، سرت نهضت إليه في أعلى علية. وقال رؤبة:
والله لولا النار أن نصلاها ... لما سمعنا لأمير قاها
يعني طاعة واستماعاً، تقول للرجل إذا أمرته: إيقه يا فتى وهو مقلوب مثل جبذ وجذب.
وقال المخبل:
واستيقهو اللمحلم
أي أطاعوا. وقال النابغة:
يحفون بساماً غضوباً وإنه ... لراع لمن سن العروج وخازن
السن حسن الرعي للمال، والعروج جماعة الإبل الواحد عرج.
وقال الأغلب:
ما إن رأينا ملكاً أغاراً ... أكثر منه قرة وقارا
القار الإبل، والقرة الغنم وهي الوقير. وقال بشر:
فلو صادفوا الرأس الملفف حاجباً ... للاقي كما لاقي الحمار وجندب
يريد بالرأس الرئيس، الملفف الذي لفف به القوم أمرهم وأسندوه إليه والمعمم من الرجال كذلك، يقال عممه القوم أمرهم مثل العمامة، وقال ابن الأعرابي: الملفف المتوج، والحمار وجندب رجلان كانا مع حاجب بن زرارة. وقال البعيث:
وجدت أبي من مالك حل بيته ... بحيث تنصى أبيض الوجه ذو فضل
وعمي الذي اختارت معد لحكمه ... فألقوا بأرسان إلى حكم عدل
تنصى ارتفع في الناصية، وعمه يعني الأقرع بن حابس بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو حكم العرب في كل موسم وكانت العرب تيمن به وهو أول من حرم القمار، فألقوا بأرسان أي انقادوا إليه، وقال الأعشى في نحوه:
بنية إن القوم كان جريرهم ... برأسي لو لم يجعلوه معلقا
يقول قلدوني أمرهم وعصبوه برأسي. وقال آخر:
بنى مالك جار الحصير عليكم
الحصير الملك وهو فعيل بمعنى مفعول.
وإنما قيل له حصير لأنه محجوب، قال الله عز وجل: " وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " أي محبسا. وقال لبيد:
وكثيرة غرباؤها مجهولة ... ترجى نوافلها ويخشى ذامها
قيل هذه قبة النعمان بن المنذر، غرباؤها النزاع إليها من كل ناحية، وقيل خطة اجتمعوا لها وقصة على باب ملك، مجهولة لم يعرفوا جهتها، والنوافل العطايا. وقال المرار:
ولقد ذكرتك والخصوم يلفهم ... باب يقاربهم على الأوتار
يقول ذكرتك عند باب يضمنا والخصوم يقارب بينهم على ذحول بينهم، يريد أنه يصلح أمور الناس يعني باب السلطان. وقال الراعي:

وخصم غضاب ينفضون لحاهم ... كنفض البراذين الغراث المخاليا
لدى مغلق أيدي الخصوم تنوشه ... وأمر يحب المرء فيه المواليا
ينفضون لحاهم كما قال الأعشى:
أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا
لدى مغلق يعني باب الملك، تنوشه تناوله، والموالي بنو العم يحب حضورهم لينصروه ويعينوه. وقال العجير:
ومنهن قرعي كل باب كأنما ... به القوم يرجون الأذين نسور
يعني باب ملك وشبه الشيوخ بنسور. وقال النابغة:
جلوس الشيوخ في مسوك الأرانب.
وقال رؤبة:
قد رفع العجاج ذكرى فادعني ... باسم إذا الأنساب طالت يكفني
فنعم داعي الوالج المستأذن ... أبي إذا استغلق باب الصيدن
الصيدن الملك، يقول إذا قال غيري أنا فلان بن فلان الفلاني قلت أنا العجاج، كما قال النسابة البكري حين سأله: من أنت؟ فقال: رؤبة بن العجاج، فقال قصرت وعرفت، أي إذا قيل للملك: ابن العجاج، أذن لي فدخلت، قال الأصمعي: لم أسمع الصيدن الملك إلا في هذا البيت.

ثياب الملوك وغيرهم وما يكنى عنه بالثياب
قال المخبل:
وأشهد من قيس حلولاً كثيرة ... يحجون سب الزبرقان المزعفرا
يحجون يعودون مرة بعد مرة، والسب العمامة، والمزعفر المصبوغ بالزعفران، وكان السيد يعتم بعمامة مصبوغة لا يكون ذلك لغيره، وإنما سمي الزبرقان بذلك ويقال لكل شيء صفرته زبرقته وإنما أراد أنهم يأتون الزبرقان لسوداه.
وقال آخر: وهو المخبل السعدي:
رأيتك هربت العمامة بعدما ... أراك زماناً فاصعا لم تعصب
أي جعلتها هروية، فاصعا أي بادي الرأس، لم تعصب لم تعمم أراد أنك سدت بعد أن لم تكن سيداً، والعمامة العصابة.
وقال الفرزدق:
وركب كأن الريح تطلب عندهم ... لها سلبا من جذبها بالعصائب
وقال آخر:
إن السيد المتختم
المتختم المتعمم، وقال الهذلي المعطل:
أمن جدك الطريف لست بلابس ... بعاقبة إلا قميصاً مكففا
يقول إذا كان النسب طريفاً كانت الآباء أقعد، وكانوا يكفون قمصهم بالديباج وأنشد الأصمعي:
كما لاح في جنب القميص الكفائف
وقال النابغة في النعمان بن الحارث:
يحث الحداة جالزا بردائه ... بقي حاجبيه ما تثير القنابل
الحداة ساقة الجيش، جالزا أي قد تعصب.
وقال آخر في مثله:
وجاعل برد العصب فوق جبينه ... يقي حاجبيه ما يثير قنابله
وقال آخر: والبيت للخنساء:
وداهية جرها جارم ... جعلت رداءك فيها خمارا
فيه قولان يقال أنه أراد بالرداء السيف أي ضربت به رؤوس الناس ويقال بل أراد أنك تعصبت به كما يفعل المستعد المتأهب للحرب كما قال الأخطل:
إذا ما شددت الرأس مني بمشوذ ... فغيك مني تغلب ابنة وائل
المشوذ العمامة ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم أغزاهم: " امسحوا على المشاوذ والتساخين، وهي الخفاف " .
وقال كثير:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكاً ... غلقت لضحكته رقاب المال
أي كثير العطية. وقال رؤبة:
وقد أرى واسع جيب الكم
يريد كثير العطاء. وقال آخر: امرؤ القيس:
ثياب بني طهارى نقية ... وأوجههم بيض المسافر غران
ويروى المشاهر أراد بثيابهم أبدانهم وأنفسهم، وقول الله عز وجل " وثيابك فطهر " يقال نفسك ويقال الثياب نفسها.
وقال آخر:
لا هم إن عامر بن جهم ... أو ذم حجا في ثياب دسم
أو ذم أوجب وعقد، في ثياب أي في جسم غير طاهر، وقال عدي:
أجل أم الله قد فضلكم ... فوق ما أحكي بصلب وإزار
الصلب الحسب، والإزار العفاف، ويروى: أحكأ صلباً بإزار، أراد كل من شد على ظهره الإزار. وقال الأخطل:
قد كنت أحسبه قيناً وأنبؤه ... فاليوم طير عن أثوابه الشرر
يمدح سماكاً من بني أسد وكان يقال لعمرو بن أسد: القين، يقول قد كان لهم هذا اللقب فلما أجازني وأحسن طار الشرر عن أثوابه أي بطل هذا القب. وقال رؤبة:
حتى إذا الدهر استجد سيماً ... من البلى يستوهب الوسيما
ردءه والبشر والنعيما

النعيم الناعم، سيما أثر سوى سيماه الأولى، والوسيم الجمال كأن الكبر إذا ذهب به يستوهبه، ورداؤه حسنه، كما قال الآخر وذكر الذهر والكبر:
هذا ردائي عنده يستعيره ... ليسلبني نفسي أمال بن حنظله
يقول: يسلب مهجتي يا مالك بن حنظلة. وقال العجاج:
أن الهوى والقدر الكرارا ... ألبس من ثوب البلى نجارا
النجار الخلقة واللون، يقول ألبسني خلقة الكبر وهيئته. وقال امرؤ القيس:
فإن يك قد ساءتك خليقةً ... فسلى ثيابي من ثيابك تنسل
يقال نسل ريش الطائر ينسل إذا سقط ونسلت السن ونسل النصل يقول: في خلق لا ترضينه فانصرفي.
وقال أبو ذؤيب وذكر امأة:
فإنك منها والتعذر بعدما ... لججت وشطت من فطيمة دارها
لنعت التي ظلت تسبع سؤرها ... وقالت حرام أن يرجل جارها
تبرأ من دم القتيل وبزه ... وقد علقت دم القتيل إزارها
أي تغسل إناءها سبع مرات إن ولغ فيه كلب، وتحرجت أن تأخذ ناقة جارها فيرجل، وبزه سلاحه، وقد علقت دم القتيل إزارها هذا مثل يقال: حملت دم فلان في ثوبك، أي قتلته، قال الأصمعي: هذه امرأة نزل بها رجل فتحرجت أن تدهنه وأن ترجل شعره ثم جاء كلب لها فولغ في إنائها فغسلته سبع مرات وذلك بعين الرجل يتعجب منها ومن ورعها فبينا هو كذلك أتاها قوم يطلبون عندها قتيلاً وسلاحه في بيتها. ومثله لعبد الله بن ثعلبة الحنفي.
لقد راح في أثواب عمرو بن فرتنا ... فتى غير وقاف إذا ذعذع السرب
أي قتله، وذعذع فرق. وقال أوس:
نبئت أن دماً حراماً نلته ... فهريق في ثوب عليك محبر
وقال أيضاً في نحوه وإن لم يذكر الثوب:
نبئت أن بني سحيم أدخلوا ... أبياتهم تامور نفس المنذر
يقول فأنت واعتذارك من حبها بمنزلة التي قتلت قتيلاً وضمت بزه وأظهرت التحرج عما ذكر، أي فأنت تعتذر من القليل وتأتي الكثير. ويقال علق فلان دم فلان إذا كان قاتله. وقال أوس:
وإن هز أقوام إلي وجدوا ... كسوتهم من حبر بز متحم
هزوا ساروا سيراً سريعاً، وأنشد:
ألا هزئت بنا قرشية يهتز موكبها
حبر حسن يقال رجل به حبر الشباب أي حسنه، متحم من البز ألا تحمى وهو ضرب من برود اليمن، يقول أكسوهم من أحسن ذلك البز وإنما هذا مثل أي أهجوهم هجاء يرى عليهم ويشتهرون به كما يشتهر صاحب هذا اللباس، وقال:
هجاؤك إلا أن ما كان قد مضى ... علي كأثواب الحرام المهينم
يقول هجاؤك حرام على مثل الثياب على رجل قد أحرم فهو يسبح ويقرأ.
وقال الهذلي: أبو المثلم:
متى ما أشأ غير زهو الملو ... ك أجعلك رهطاً على حيض
الرهط جلد يشق أسفله ويترك أعلاه فيلبسه الصبيان وهذا مثل وإنما يريد ألبسك العار، كقول الآخر:
كأني نضوت حائضاً من ثيابها
وقال امرؤ القيس:
ثياب بني عوف طهارى نقية
يعني من العار والعيب، وقال الفرزدق:
وما قمت حتى هم من كان مسلماً ... ليلبس مسودي ثياب الأعاجم
وضاق ذراعاً بالحياة وقطعت ... حوامله عض العذارى والأوازم
يقول هم من كان مسلماً بأن يتمجس مما يلقون في الخراج، مسودي يعني الطيالسة والبرنكانات، حوامل يديه عصبهما، والعذارى الجوامع والقيود هاهنا، وأنشد ابن الأعرابي:
يكفيك من طاق كثير الأثمان ... جمازة شمر منها الكمان
قال يعني كساء، وجمازة مدرعة. وقال آخر في امرأة:
شائلة الأصداغ يهفو طاقها
أي تطير كساؤها عنها ويرتفع صدغاها وشعرها مما تقاتل
ألم يأتها أني تلبست بعدها ... مفوقة صباغها غير أحرقا
هذا رجل قد جدر فبقي الجدري في جسده كالثوب الوشي المفوف.
وقد كنت منها عارياً قبل لبسها ... فكان لباسيها أمر وأعلقا
وقال عنترة:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم
ثيابه يريد قلبه ويقال جسمه لأن الثياب على الجسم تكون، ومثله قول الآخر يصف إبلاً والبيت لليلى الأخيلية:
رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبهاً إلا النعام المنفرا

يعني بأجسام خفاف يريد ركبوها، ومن أبيات اللغز أنشدنيه عبد الرحمن عن عمه:
وكثيرة الألوان حين تكبها ام ... تلأت وإن ترفع تجدها خاليه
قال يعني قلنسوة، وأنشدني الرياشي أو غيره من البصريين:
لنعم العيش عيش أبي زهير ... يضمن ما يخلفه الإزارا
يعني مفتاحاً شده في إزاره.

النعال
قال النجاشي:
لا يأكل الكلب السروق نعالنا ... ولا ننتقي المخ الذي في الجماجم
إنما يأكل الكلب الفطير من النعال فأما السبت فلا. وقال كثير وذكر نعلاً:
إذا طرحت لا تطبي الكلب ريحها ... وإن طرحت في مجلس القوم شمت
تطبي تدعو أي هي طيبة الريح ليست بفطير.
وقال النابغة الذبياني:
رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب
أراد أنهم ملوك لا يخصفون نعالهم إنما يخصفها من يمشي، والحجزة الوسط أراد أنهم يشدون أزرهم على عفة، والسباسب يوم السعانين.
وقال عنترة:
بطل كأن ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوأم
أي هو ملك يلبس الرقاق من النعال الطيبة الريح. وقال آخر:
وجدت بني خفاجة في عقيل ... كرام الناس مسمطة النعال
قميص سمط ونعل سمط أي اق، أي هم أشراف ليست نعالهم مطبقة، كقول النابغة: رقاق النعال. وقال آخر:
إلى معشر لا يخصفون نعالهم ... ولا يلبسون السبت غير المخصر
يقول لا يمشون فيخصفون نعالهم كما يخصقها الرعاء، والسبت جلود البقر المدبوغة بالقرظ، غير المخصر لأن الأعراب كانوا يلبسون قطعاً من جلود الإبل غير محذوة. وقال الأعشى:
الواطئين على صدور نعالهم ... يمشون في الدفني والأبراد
على صدور نعالهم يريد على نعالهم أي ينتعلون ولا يحتفون، كما قال:
تحذى صدور النعال
ويقال: جاء فلان على صدر راحلته أي على راحلته، ومنه قول حميد بن ثور:
قطعتهما بيدي عوهج ... تعيي المطي بإصرارها
ولم يرد باليدين دون الرجلين، والدفني ثياب منسوبة.
وقال طرفة يصف مشفر الناقة:
كسبت اليماني قده لم يحرد
من رواه بالحاء يقول لم يعوج، ومن رواه بالجيم يقول دبغ بالقرظ فلم يسقط شعره. وقال البعيث:
فألقى عصا طلح ونعلاً كأنها ... جناح السماني صدرها قد تجذما
أي هو سيء الحال لا سلاح له إلا عصا طلح وعصا الطلح لا تكون مستوية فيها بن واعوجاج، وقال الأصمعي: شبه نعله بجناح السماني في خلوقها لأن السماني تؤكل كلها وتمشش فلا يبقي منها إلا جناحها ورجلاها.
وقال أبو خراش الهذلي:
ونعل كأشلاء السماني نبذتها ... خلاف ندى من آخر الليل أورهم
أشلاؤها بقاياها بعدما تؤكل وهو جناحاها ورجلاها، نبذتها طرحتها لأنه كان يعدو، خلاف ندى أي بعد ندد، والرهم المطر الضعيف.
وقال خداش بن زهير:
ورجلة واهب أكرهت حتى ... تركت عشية جذمي النعال
رجله يعني الرجالة، وواهب بن خثعم يريد أكرهتهم على الهزمة حتى تركتهم منقطعي النعال.
وقال آخر يصف الثور والكلاب:
إذا كر فيها كرةً وكأنها ... نقال نعال يحتفيهن سارد
أي يشك الكلاب كما شك السارد النقال والنقال هي التي تحتاج إلى السرد والخصف، والجدد لا تحتاج إلى ذلك، وقال الأخطل يهجو اللهازم:
قبيلة كشراك النعل دارجة ... إن يهبطوا العفو لا يوجد لهم أثر
كراك النعل في القلة، دارجة أي دارس نسلها، وقال القلاخ:
إني إذا ما كان الأمر معلا ... وأوخفت أيدي الخصوم الغسلا
وكان ذو الحلم أشد جهلاً ... من المجهول لم تجدني وغلا
ولم أكن دارجة ونعلا
معلا عجلا، والعفو الموضع الذي لم يوطأ. وقال بدر بن عامر لأبي عيال:
وتأمل السبت الذي أحذوكم ... فانظر بمثل إمامه فاحذوني
هذا مثل يقول تأمل ما صنعت بك فاصنع بي مثله. فأجابه أبو العيال:
قرب حذاءك قاحلاً أو لينا ... فتمن في التخصير والتلسين
قال الأصمعي: كانت العرب إذا تنوقت في النعال خصرت ولسنت، فقال له: قرب حذاءك الذي حذوتني حتى أحذوك مثله، وإنما كانوا يخصرون ويلسنون المدبوغ خاصة دون الخام، وقال أبو راش:

حذاني بعد ما خذمت نعالي ... دبية إنه نعم الخليل
بموركتين من صلوى مشب ... من الثيران عقدهما جميل
أي من الورك، والصلوان ما أكنف الذنب، ويروي مقابلتين أي لهما زمامان، وقال الأصمعي وسمعت من ينشد:
بموركتين شدهما طفيل ... بصرافين عقدهما جميل
صرافان شراكان يصرفان أي يصران للجدة.
بمثلهما يروح يريد لهواً ... ويقضي حاجة الرجل الرجيل
الرجيل القوي على المشي، والحاج جمع حاجة، ويقال أيضاً حاجة وحاج وساعة، وساع وقارة وقار، وراحة وراح، ويروى: يقضي الهم ذو الأرب الرجيل والأرب الحاجة.
وقال الطرماح يصف الرحال:
كمت تشبهها عتا ... ق قرائن السبت العواطل
كمت حمر شبه الرحال بالنعال، والعتاق الكرام، العواطل التي لا شرك عليها. وقال عمرو ذو الكلب:
وأبرح في طوال الدهر حتى ... أقيم نساءً بجلة بالنعال
أي أقتل رجالهم فتقوم النساء ينحن ويضربن صدورهن بالنعال، وقالت الخنساء:
ولكني رأيت الصبر خيراً ... من النعلين والرأس الحليق
وقال الكميت:
ومركوبة تمشي بأرجل غيرها ... جعلت لها نضواً لغيري مفقرا
يعني نعلاً، نضوا بالية، مفقر معير أي أعطيتها غيري يلبسها، وقال آخر:
تعاورتما حتى القديمة منكما ... جديد وقد أبلي قديمتها الدهر
يعني النعل والقدم. وقال آخر:
وميتة أطعمت خمساً أكلنها ... نضيجاً ولم يطبخ بنار نضيجها
إذا طرحت ماتت وإن رطبت مشت ... بشيعة أخرى ليس يبلى نسيجها
يعني نعلا، وخمساً يعني الأصابع، بشيعة أخرى يعني القدم.
وقال عمرو ذو الكلب:
ومقعد كربة قد كنت منه ... مكان الإصبعين من القبال
يعني مربأة أي توسطتها كما يتوسط القبال الإصبعين وأراد مكان القبال من الإصبعين فقلب.

أبيات معان في الجد والغنى والفقر
قال كعب بن زهير:
لعمرك لولا رحمة الله أنني ... لأمطو بجد ما يزيد ليرفعا
فلو كنت حوتاً ركض الماء فوقه ... ولو كنت يربوعاً سرى ثم قصعا
يشكو جده، أمطو أمد، يقول لو كنت حوتاً لرسبت من ضعف بختي وقصع دخل في قاصعاته.
إذا ما نتجنا أربعاً عام كفأة ... بغاها خنا سيرا فأهلك أربعا
نتجنا أربعاً يعني أربع نوق، وقال أبو عمرو: نتج فلان إبله كفأة وكفأة إذا فرقها فرقتين فضرب إحداهما الفحل سنة والأخرى سنة، خناسير أي دواهي فأهلك العام الأربع.
إذا قلت إني في بلاد مضلة ... أبي أن ممسانا ومصبحنا معا
يقول إذا قلت إني في بلاد مضلة من جدي أبي ممسانا ومصبحنا إلا أن نكون معاً فلا يفاقني ولا أفارقه. وقال الراعي يرثي:
أحاربن عبد للدموع البوادر ... وللجد أمسى عطفه في الجبائر
الجبائر ما يشد على الكسر من الخشب. وقال زهير:
والجد من خير ما أعانك إن ... وصلت إن الجدود تهتصر
من هصرت أي ثنيت وأملت، يقول ربما كان الجد لغيرك ثم تولي عنه فيصير لك، ويبين ذلك قوله بعد هذا البيت:
قد يقتني المرء بعد عيلته ... يعيل بعد الغنى ويفتقر
أنشد الرياشي عن الأصمعي:
نمى ما لهم فوق الوصوم فأصبحوا ... أبارق مال والوصوم كما هيا
الوصوم العيوب، أبارق مال أي جبال. وقال الراعي:
وخادع المجد أقوام ورق ... راح العضاه به والعرق مدخول
خادعوه لم يصدقوا قوله في المجد ولهم شيء من مال ظاهر علسهم كالعضاه تروح فتفطر بشيء من الورق، والعرق فاسد أي ليس باطنهم بجيد. وقال آخر:
وأكرم كريماً أن أتاك لحاجة ... لعاقبة إن العضاه تروح
يقال تروح الشجر وقد راح إذا تفطر، أي فهذا وإن كان فقيراً فسيستغني. وقال آخر مثله والشعر لغريض اليهودي:
ارفع ضعيفك لا يحربك ضعفه ... يوماً فتدركه العواق قد نمى
لا يحر لا يرجع وجزم لأنه جواب الأمر أي لا يصر ضعفه إليك فتدركه العواقب قد نمي أو ارتفع. ومثله للأضبط بن قريع:
لا تهين الفقير علك أن ... تركع يوماً والدهر قد رفعه

لا تهين أراد النون الخفيفة إلا أنه وصل الحرف بغيره فذهب، تركع تسقط وتضعف ويرتفع هو. وقال آخر:
لا تحرم المرء الكريم فإنه ... أخوك ولا تدري لعنك سائله
يقال لعني ولعنني، ولعلي ولعلني، وعلي وعني، وأنشد:
قلت لشيبان لعنك منهم
وقال آخر: الأشعر الرقبان الأسدي:
بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضر
أي عليك ضرة من المال وهو الكثير قال أبو زيد: يقال إن فلاناً لفي ضرة من مال يعتمد عليه وذلك إذا اعتمد على مال غيره من أقاربه فتلك الضرة. وقال الشماخ:
نبئت أن ربيعاً أن رعى إبلاً ... يهدي إلي خناه ثاني الجيد
أي صارت له إبل يرعاها أراد أن استغني واستطال بذلك، ثاني الجيد أي رخي البال غير مكترث. وقال آخر:
فما أخذا الديوان حتى تصعلكا ... زماناً وحت الأشبهان غناهما
الأشبهان عامان أبيضان، سنة شهباء بيضاء ليس فيها خضرة ولا كلأ. وقال آخر:
لما غدوت خلق الثياب ... أحمل عدلين من التراب
لعوزم وصبية سغاب
يعني اللثى وهو كالعسل يسيل من الشجر فيحمله المحتاج ثم يصفيه ويأكله، وأنشد:
إذا عارعين الفحل لم ير أهله ... بأهل ولم يقنع سويد بأربع
كانوا إذا بلغت إبل أحدهم ألفاً فقأ عين الفحل فإن بلغت ألفين فقأ العين الأخرى فذلك المفقئ والمعمي وكانوا يزعمون أن ذلك يطرد عنها العين والسواف والغارة، يقول فهذا لما كثر ماله تكبر على أهله واستصغرهم ولم يقنع بأربع نسوة. وقال آخر:
إن كنت ذا نخل وزرع وهجمة ... فإني أنا المثري المضيع المسود
المضيع الذي........
وقال آخر:
الفقر يزري بأقوام ذوي حسب ... وقد يسود غير السيد المال
ويقال في المثل لا تسأل بمصارع قوم ذهبت أموالهم، أي يموت واحد هاهنا وآخر هاهنا.
وقال آخر:
رمي الفقر بالأقوام حتى كأنهم ... بأطرار آفاق البلاد نجوم
وقال آخر:
يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم ... وترمي النوى بالمقترين المراميا
قال أوس بن حجر أو غيره:
من يك مثلي ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلي عذراً أو ليبلغ حاجةً ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
وقال آخر:
تركناهم ضياكلة أيامي ... يسوقون النعاج إذا أراحوا
الضيكل العريان، والأيم الذي لا امرأة له، يسوقون النعاج أي لا إبل لهم لأنا أخذناها.
وقال آخر من هذيل مالك بن خالد:
وجزال لمولاه إذا ما ... أتاه عائلاً قرع المراح
جزال يجزل له أي يقطع قطعة من ماله فيهبها له، عائلاً فقيراً، والمراح حيث تأوي الإبل إذا انصرفت من المرعى، يقول ليس له إبل فمراحه قرع. ومثله قول آخر منهم وهو مالك بن الحارث:
فلوموا ما بدا لكن فإني ... سأعتبكم إذا اتسع المراح
يقول ذلك لقوم لاموه على كثرة الغزو، يقول إذا انفسخ مراحي لكثرة إبلي كففت عن الغزو. وقال الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقرة أعف من القنوع
يسد به نوائب تعتريه ... من الأيام كالنهل الشروع
القنوع المسألة، قال الله عز وجل: " وأطعموا القانع والمعتر " والقناعة الرضا، نوائبه حقوق تغشاه كما تغشى الإبل النواهل الماء وهي عطاش. وقال آخر:
ما للفقير والغني طاقه ... من صدقات قومه بناقه
الغني هاهنا تتميم. وقال رؤبة:
وهي ترى ذا حاجة مؤتضا
أي مضطراً يقال اضطرني إليك أمر، وائتضني وأضني سواء فهو يؤضني وأجاءني مثله. وقال طرفة:
أتذكرون إذ نقاتلكم ... لا يضر معدماً عدمه
يقول نقاتلكم منا الغني الذي يدفع عن ماله والفقير الذي لا مال له. وقال النمر بن تولب:
هلا سألت بعاد ياء وبيته ... والخل والخمر الذي لم يمنع
كانوا كأنعم من رأيت فأصبحوا ... يلوون زاد الراكب المتمتع

الخل والخمر الخير والشر، يقال ما عند فلان خل ولا خمر أي ليس عنده خير ولا شر، لم يمنع أي أبيحت، يلوون أي يتعذر عليهم والأصل في اللي المطل والمنع، والمتمتع الذي يطلب زاد يوم أي متعة يوم أي أنهم افتقروا. وقال ساعدة يصف فقيراً:
صفر المباءة ذي هرسين منعجف ... إذا نظرت إليه قلت قد فرجا
أي خالي مبارك الإبل، هرسين خلقين ويروي: درسين، منعجف مهزول، فرج فتح فاه للموت. وقال آخر:
إذا قربت للسوق خلف بعضها ... كما خلفت يوم العداد الروادف
العداد يقول إذا عادهم قوم فجاودوا للعطاء، خلفت الروادف وهم الأتباع الذي يجيئون رادفة أي ليس لهم ديوان.
وقال الفرزدق:
فلا تقبلوا منهم أباعر تشترى ... بوكس ولا سود تضج فسولها
سودا أي دراهم رديئة، فسولها رديئها، وقال أعرابي:
يا رب أوجدني صؤاباً حياً ... فما أرى الطيار يغني شيئا
أراد مثل الصؤاب من الذهب، والطيار ما طارت به الريح من دقيق الذهب. وقال آخر وكان يعمل في معدن:
إذا أكلت درهماً في يومين ... ولم أصب غير صؤابين اثنين
كلاهما يصغر أن يقذي العين ... فأت حنيناً فاستعره خفين
هذا مثل: رجع بخفي حنين. وقال النابغة الجعدي:
وأبح جندي وثاقبة ... سبك كثاقبة من الجمر
وجديد حر الوجه حودث بال ... مثقال خبء خوالد الدهر
جندي يعني درهماً من ضرب أجناد الشأم، ثاقبة مضيئة يعني سبائك الذهب، وقوله: خوالد الدهر يعني الأيام، وأنشد ابن الأعرابي:
المال يغشى رجالاً ططباح بهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي
يريد الخشب العفن، وقال آخر المعلوط القريعي:
فليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسمت وجدود
أحاظ جمع حظ وهو البخت والجد أيضاً.

أبيات معان في القرابة والصهر والنسب
والنكاح والفرج والولاد
قال الشاعر:
مكنني بيت رفيع وجرأة ... وخال كعريان النجوم نزيع
نزيع غريب، أراد أن خاله ليس بقريب لأبيه فيضوي كما قال الآخر:
فتى لم تلده بنت عم قريبة ... فيضوي وقد يضوي رديم القرائب
وجاء في الحديث: اغتربوا لا تضووا. وقال آخر:
تنجبتها للنسل وهي غريبة ... فجاءت به كالبدر خرقاً معمما
فلو شاتم الفتيان في الحي ظالماً ... لما وجدوا غير التكذب مشتما
وقال آخر قاله جرير لابنه بلال:
إن بلالاً لم تشنه أمه ... لم يتشابه خاله وعمه
وقال عميرة التغلبي:
كسا الله حي تغلب ابنة وائل ... من اللؤم أظفاراً بطيئاً نصولها
فما بهم أن لا يكونوا طروقةً ... هجاناً ولكن عفرتها فحولها
يقول لم يؤتوا في لؤمهم من قبل أمهاتهم ولكن ألزقها بالعفر وهو التراب الآباء، والهجان الخالص الحسب الكريم.
ترى الحاصن الغراء منهم لشارف ... أخي سلة قد كان منها سليلها
الشارف الكبير والسلة السرقة يعرض بأنه مدخول النسب كأنه سرق نسبه، والهاء التي في سليلها ترجع إلى السلة، والحصان والحاصن بمعنى يعني المرأة.
فلا أعرفن ذا الشف يطلب شفه ... يداويه منكم بالأديم المسلم
الشف الزيادة والنقصان وهو ها هنا النقصان، لا أعرفن ذا نقص في حسبه يطلب إليكم فتزوجونه فيداوي نقصانه بشرفكم وصحتكم. وقال الأبيرد:
وينفق فيها الحنظليون ما لهم ... ليالي يبغي شقها من تتجرا
يعني ها هنا فضلها، وقال الكميت:
فأحسابكم لا تنحلوها سواكم ... فيقبل بعض المخفقين انتحالها
المخفق أصله الذي لا مال له وأراد الذي لا حسب له.
وقال آخر جزء بن كليب الفقعسي:
أراد ابن كوز والسفاهة كاسمها ... ليستاد منا أن شتونا لياليا
تبغ ابن كوز في سوانا فإنه ... غذا الناس ذقام النبي الجواريا
أي لينكح في ساداتنا أن أصابتنا شدة وقد كثرت الجواري مذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يئدون، فانكح حيث شئت.
وقال آخر:
قالوا تعز فلست نائلها ... حتى تمر حلاوة التمر

لسنا من المتأزمين إذا ... سر اللموس بشائب الفقر
أراد امرأة خطبها، المتأزمون أي لسنا ممن أصابته الأزمة نيل منه ما يراد، واللموس ضربه مثلاً في الحسب وأصله الناقة التي ليس لها طرق، يريد جاء الفقير لينكح في الأشراف، ويقال اللموس الطالب يلتمس ما عندنا، وقال آخر وهو كثير:
أحب من النسوان كل قصيرة ... لها نسب في الصالحين قصير
قصيرة مقصورة محبوسة، ونسب قصير أي تعرف بأبيها الأول ولا تحتاج أن تنسب إلى أكثر منه. وقال كثير:
وأنت التي حببت كل قصيرة ... إلي وما تدري بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطى، شر النساء البهاتر
ويروى البهائر والبهيرة الذليلة، وقال رؤبة:
قد رفع العجاج ذكرى فادعني ... باسم إذا الأنساب طالت يكفني
الأصمعي عن العلاء بن أسلم عن رؤبة قال أتيت النسابة البكري فقال من أنت؟ فقلت ابن العجاج، فقال قصرت وعرفت.
وأنشدنا الرياشي:
رأيت اللواتي كن يرغبن مرةً ... تخبأن في دهر أتاهن صالح
لقد طال هذا البقل حتى كأنما ... تربغ الغواني من قريش الأباطح
يقول جاءهم الخصب فامتنعوا أن ينكحوا إلا في الأكفاء. وقال الكميت:
يغشى المكاره في أسباب صهركم ... إن المكارم يغشى دونها الهول
هول وهولة يقول من أراد أن يخطب إليكم هاله ذاك مخافة أن يرد لشرفكم. وقال يمدح:
أبوك أبو الخير ابن عائشة التي ... دعت عمها من آل برة خالها
ابن عائشة عبد الملك بن مروان، وبرة بنت مر بن أد ولدت أسد بن خزيمة والنضر بن كنانة، وكل رجل أمه بنت عم أبيه فأخواله أعمامه وهو مقابل مدابر.
وقال الفرزدق يمدح خال هشام:
وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبوه أمه حي أبوه يقاربه
تلخيص البيت: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه، أي أبو أم الملك وهو هشام أبو هذا الممدوج وهو خال هشام. وقال عنترة:
إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أجحمت وتلاحظت ... ألفيت خيراً مزن معم مخول
يقول أنا عربي من قبل الأب، وكانت أمه سوداء يقال لها زبيبة فعير بها فقال: أحمي نسبي من أمي بالسيف فأكون خيراً من عربي محض الأبوين، نحو قوله:
كل امرئ يحمي حره ... أسوده وأحمره
وقوله: من معم مخول يريد قيس بن زهير وكان له عشرة عمومة وعشرة خؤولة، يقول: فأنا وإن كانت أمي أمة خير في الحرب منه، أحجمت كفت وتلاحظت للكر. وقال مالك يهجو قيس بن عاصم:
لحا الله أعلى تلعة حفشت به ... وقلتا أقرب ماء قيس بن عاصم
تلعة يعني صلب أبيه، حفشت دفعت، والقلت رحم أمه، والماء نطفة أبيه. وقال آخر:
وإذا الكريم أضاع مطلب أنفه ... أو عرسه لكريهة لم يغضب
مطلب أنفه فرج أمه لأنه إذا تمت أيامه في الرحم وأراد الخروج طلب بأنفه موضع المخرج، يقول متى لم يحم فرج أمه وأمرأته فليس يغضب من شيء يؤتي إليه، وقال آخر:
وما زلت خيراً منك مذع عض كارها ... بلحييك عادي الطريق ركوب
أي مازلت خيراً منك مذ ولدتك أمك، والعادي القديم، والركوب الذي يركب وهو أيضاً الذي به آثار، وهذه كناية، وقال النابغة وذكر نساءً سبين:
شمس موانع كل ليلة حرة ... يخلفن ظن الفاحش المغيار
شمس عفيفات فيهن نفار، وأزواجهن غيب وإذا غلبت المرأة ليلة هدائها قيل باتت بليلة شيبا، وإذا غلبت قيل باتت بليلة حرة، قال الأصمعي: موانع كل ليلة شيباء لأن ليلة شيباء هي التي يغلب فيها الزوج المرأة ولكنه عرف ما أراد....أنهن يمنعن في الليلة التي يقال فيها باتت بليلة حرة، وقوله: يخلفن ظن الفاحش المغيار يقول أن أساء الظن أخلفن ظنه لعفتهن.
وقال آخر: عروة بن الورد:
وكنت كليلة الشيباء همت ... بمنع الشكر أتأمها القبيل
الشكر الفرج وأتأمها أفضاها والأتوم المفضاة، ومثل قوله يخلفن ظن الفاحش قول النابغة:
موانع للأسرار إلا لأهلها ... ويخلفن ما ظن الغيور المشفشف

الأسرار جمع سر وهو النكاح، والمشفشف الذي قد شففه الغيرة وأصله المشفف. وقال النابغة:
فنكحن أبكاراً وهن بآمة ... أعجلنهن مظنة الأعذار
الآمة العيب، ارد نكحن ولم يختتن بعد، يقول أعجلتهن الخيل أي سبتهن قبل لن يبلغن وقت الختان وهو العذار.
وقال يصف جيشاً كثيراً:
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ... دحقت عليك بناتق مذكار
ويروي: طفحت عليك، أي اتسعت، أي غذوا غداذاء حسناً فنموا وكثروا، والناتق الكثيرة الولد أخذ من نتق السقاء وهو نفضه حتى يخرج ما فيه، ومذكار تلد الذكور، دحقت عليك بناتق أي هي نفسها ناتق، كقول الأخطل:
بنزوة لص بعد ما مر مصعب ... بأشعث لا يفلى ولا هو يقمل
لص يعني زفر بن الحارث مر به رأس مصعب بن الزبير وهو أشعث لا يفلى ولا هو يقمل.
وقال آخر:
جارية أعظمها أجمها ... بائنة الرجل فما تضمها
الأجم الفرج، وقال النابغة يصف الفرج:
وإذا لمست لمست أجثم جاثماً ... متحيزاً بمكانه ملء اليد
أي هو منبسط عريض في ارتفاع، متحيز قد ملأ مكانه لا جهة له يمضي فيها.
وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسة بالعبير مقرمد
المستهدف المرتبع، والعبير عند العرب الزعفران، مقرمد مطين.
وإذا نزعت نزعت من مستحصف ... نزع الحزور بالرشاء المحصد
المستحصف الذي يبس عند الغشيان والحزور الغلام وإنما خصه لأنه بطيء السقي يريد الضيق، والمحصد الشديد الفتل:
لا وارد منه يجوز إذا استقى ... صدراً ولا صدر يجوز لمورد
يقول من ورده لم يجز صدراً عنه ومن صدر عنه لم يرد مورداً غيره.
وقال أبو النجم يصف نساء:
غالي السلاح عاجز قتاله
السلاح الفرج وثمنه المهر. وقال الكميت:
قبيح بمثلى نعت الفتا ... ة إما ابتهاراً وإما ابتياراً
الإبتهار أن يذكر منها ومن نفسه الريبة كاذباً، والإبتيار أن يذكر ذلك صادقاً وأصله من البؤرة وهي الحفرة. ومثله له:
ولا حليلة جاري لست زاعمها ... تصبو إلي وساء الصدق والكذب
يقول قبيح أن أذكر ذلك صادقاً أو كاذباً. وأنشد الأصمعي:
صيرني جود يديه ومن ... أهواه في بردة الأخماس
يقال في المثل ليتنا في بردة الأخماس أي ليتنا تقاربنا وتدانينا ويراد بأخماس أن طوله خمسة أشبار. يعني رجلاً أعطاه ما وصل به إلى من يحب.
وقال خداش بن زهير:
لعمر التي جاءت بكم من شفلح ... لدى نسييها سابغ الإسب أهلبا
أزب جداعي كأن لدى إستها ... أغاني خرف شاربين بيثربا
الشفلح الرجل العظيم الشفة المنقلبها وكذلك هو الفرج العظيم الاسكتين وأراد ها هنا الرحم، والأهلب.......يقال في مثل من أمثال العرب إياك والأهلب الضروط جداعي منسوب إلى جداعة، خرف أراد قوماً يشربون في الخريف عند جداد النخل ويغنون وشربهم إذ ذاك الفضيخ.
قال المرار للمساور:
لست إلى الأم من عبس ومن أسد ... وإنما أنت دينار بن دينار
وإن تكن أنت من عبس وأمهم ... فأم عبسكم من جارة الجار
دينار بن دينار عبد ابن لأن دينار من أسماء العبيد والعرب تسمى الإست جارة الجار وهو الفرج.
وقال الكميت:
جاءت بكم فتحججوا ما أقول لكم ... بالظن أمكم من جارة الجار
وقال امرؤ القيس:
وآثر بالملحاة آل مجاشع ... رقاب إماء يعتبئن المفارما
الملحاة الشتم، يعتبئن يتخذن ما يتضيفن، وكتب عبد الملك إلى الحجاج يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب.
وقال عبد الرحمن بن حسان:
فتبازت فتبازخت لها ... جلسة الجازر يستنجي الوتر
البزاء أن تخرج المرأة عجيزتها لتدنيها منه والبزخ، أن يدخل البطن وتخرج الثنة والثنة بين السرة والعانة، شبه تبازخه بجلسة هذا الجازر الذي ينتزع عصب المتن فهو لشدة جذبه يتبازخ، والإستنجاء الأخذ.
وقال الشماخ:
فما زال ينجو كل رطب ويابس ... وينغل حتى نالها وهو بارز
أي نال القوس وهو بارز لا شيء لأنه قد أخذ أغصان الشجرة كلها. وقال آخر يصف رجلاً:
حضجر كأم التوأمين توكأت ... على مرفقيها مستهلة عاشر

الحضجر العظيم البطن شبهه بإمرأة حامل باثنين وقد استوفت تسعة أشهر واستهلت العاشر أي رأت هلاله، ويقال أهللنا الهلال واستهللناه، وقد توكأت على مرفقيها للطلق. وقال أبو خراش لامرأة لامته على ترك القتال:
لامت ولو شهدت لكان نكيرها ... ما يبل مشافر القبقاب
القبقاب في صوته. يقول لو شهدت لكان نكيرها أن تبول. وقال آخر:
قد أقبلت عمرة من عراقها ... تضرب قنب عيرها بساقها
قد بلت السرج بخاقباقها
القنب جلد الذكر من كل شيء، والخاق باق الفرج سمي بذلك لصوته عند الجماع.
وقال جرير:
وسودا من نبهان تثنى نطاقها ... بأخجى قعور أو جواعر ذيب
أخجى فرج كثير الماء، جواعر ذئب وصفها بالرسخ والذئب أرسح، والجاعرة موضع الرقمتين من إست الحمار.
وقال أيضاً:
تفلق عن أنف الفرزدق عارد ... له فضلات لم تجد من يقورها
عارد غليظ يعني بظراً، يقورها يختنها. وقال يذكر بني منقر وما فعلوا بجعثن:
هم رجعوها مسحرين كأنما ... بجعثن من حمى المدينة قفقف
وتحلف ما أدموا الجعثن مثبرا ... ويشهد حوق المنقرى المحرف
مسحرين أراد أنهم فجروا بها في الليل ثم رجعوها حين دخلوا في السحر، والمثبر الموضع الذي تنتج فيه الناقة فيقع فيه دمها وسلاها فهي لا تكاد تنساه يقال مرت الناقة على مثبرها إذا مرت عليه وشمته، والحوق ما حول الكمرة وهو موضع الختان، والمحرف الذي أدخل فيه المحراف وقالت ابنة الحمارس:
هل هي إلا حظوةً أو تطليق ... أو صلف ما بين ذاك تعليق
قد وجب المهر إذا غاب الحوق
الصلف أن لا تحظى المرأة عند زوجها. وقال أيضاً: يعني جريراً:
أجعثين قد لاقيت عمران شارباً ... على الحبة الخضراء ألبان أيل
هو عمران بن مرة وهو الذي كان يرميها به جرير، أراد أنه شرب لبن أيل مع الحبة الخضراء فهاجت غلمته، وقال الفرزدق:
وأنتم بنو الخوار يعرف ضربه ... وأمكم فخ قذام وخيضف
الفخ الجفر وهي البئر التي لم تطو يريد ذلك سعتها، قذام واسع الفم كثير الماء يقال قذم قذماً يعني فرجها، خيضف ضروط.
وقال الفرزدق:
أرى أم غيلان حرامها ... حمار العصا من تفل ما كان ريقا
فما نال راق مثلها من لعابه ... علمناه مما سار غرباً وشرقا
كان جرير أصابته حمرة فتورم وكان رجل من بني تميم يرقى من الحمرة فأتاه جرير فقال له الرجل ما تجعل لي أن داويتك حتى تبرأ فقال حكمك، فرقاه حتى برأ ثم سأله أن يزوجه أم غيلان ابنته فزوجه إياها.
وقال الفرزدق حين ذكر أنه خطب إلى آل بسطام بن قيس:
وما استعهد الأقوام من زوج حرة ... من الناس إلا منك أو من محارب
لعلك في حدرإ لمت على الذي ... تخيرت المعزى على كل حالب
عطية أو ذي بردتين كأنه ... عطية زوج للأتان وراكب
استعهدوا اشترطوا يقول كأنك يا جرير إذ لمت أهلها في تزويجهم إياي لمتهم على عطية الذي تخيرته المعزى يعني أبا جرير ولمتهم على رجل ذي بردتين زوج للأتان وراكب كأنه عطية يعني جريراً. وقال أيضاً:
والجعفرية غير فارحة لها ... أم لها بغلامها المسرور
ويفر حين يشب منها إن دعت ... ويريد حين يموص للتطهير
يقول لا تفرح أم الجارية منهم تلد غلاماً لأنه يفعل بأمه، والمسرور المقطوع السرة، يفر يعني الابن يفر منها حين تدعوه إلى الفجور بها ما دام طفلاً فإذا احتلم وماص أي اغتسل أراد بذلك، والموص الغسل.
وقال يذكر نساء سبين:
إذا حركوا أعجازها صوتت لهم ... مفركةً أعجازهن المواقع
من قولك جمل موقع أي به آثار الدبر لكثرة ما حمل عليه يريد أنهن فعل بهن مراراً كثيرة فتوقعت أعجازهن.
وقال وذكر تميماً:
لو كان بال بعامر ما أصبحت ... بشمام تفضلهم عظام جزور
يقول لو كان تميم ولد عامراً لما أصبحوا ولو اجتمعوا على جزور يأكلونها لفضل من أعضائها ولا يستوفونها لقتلهم.
وقال بعض الرجاز:
لقد بعثت صاحباً من العجم ... ومن أولى الأحلام والبيض اللمم

كان أبوه غائباً حتى فطم ... فعاش لم يغيل ولم يلق الرقم
جمع حلم، أي هو من المحتلمين، والبيض اللمم الشيوخ أي هو بين المحتلم والشيخ، والغيل أن ترضعه أمه وهي حامل.
وقال رجل من كلب:
تمطت به أمه في النفاس ... وليس بيتن ولا توأم
أي نضجت حمله ولم يكن معه آخر في بطن أمه، فيضعف. كما قال عنترة:
يحذي نعال السبت ليس بتوأم
وقال أبو دهبل:
تمطت به بيضاء فرع نجيبة ... هجان وبعض الوالدات غرام
وقال أبو كبير يصف رجلاً:
ممن حملن به وهن عواقد ... حبك النطاق فعاش غير مثقل
ويروي: غير مهبل، الحباك ما يشد به النطاق مثل التكة.
حملت به في ليلة مزؤودة ... كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل
مزؤودة فيها زؤد وذعر كذلك قال الأصمعي، ويرويه بعضهم مزؤودةً ويجعله حالاً للمرأة ويقال إن المرأة إذا حملت وهي مذعورة فأذكرت جاءت به لا يطاق.
فأتت به حوش الجنان مبطناً ... سهداً إذا ما نام ليل الهوجل
ومبرءاً من كل غبر حيضة ... وفساد مرضعة وداء معضل
حوش الجنان أي وحشي الفؤاد، مبطن خميص، سهد لا ينام هوجل وخم، أي لم تحمل أمه في بقية الحيض ولا أرضعته وزوجها يأتيها، والمعضل العظيم.
وقال القتال الكلابي يمدح قوماً:
طول أنضية الأعناق لم يجدوا ... ريح الإماء إذا راحت بأزفار
لم يرضعوا الدهر إلا ثدي واضحة ... لواضح الوجه يحمي باحة الدار
الرياشي عن الأصمعي عن أبي طرفة الهذلي عن جندب عن شعيب قال رأيت المولود قبل أن يغتذي من غير أمه فعلى وجهه مصباح من البيان يعني من بيان الشبه، يقول كأن ألبان النساء تغيره.
وقال رؤبة يصف تميماً كيف حملت به أمه:
حتى إذا الراجي لها توقعا ... مدت يديها جمعةً وأربعا
أي لم تعجل بولادته وجعل الفعل لها أي هي مدت يديها أيام نفاسها.
إن تميماً لم يراضع مسبعا
أي مهملاً أي لم يدافع إلى الظؤورة، يقال أسبعت عبدي أي أهملته. وقال:
أشريةً في قرية ما أشفعا ... وغضبة في هضبة ما أمنعا
كالشمس إلا تمد الإصبعا
الشري شجر الحنظل الواحدة شرية، في قرية نمل، ما أشفع ما أكثر وهو من شفع أي ازداد غضبة صلبة، وإنما هذا مثل ضربه في كثرة نسله وعزه وقال هو كالشمي إلا أن توميء إليه.
وأنشد ابن الأعرابي لأوس:
والفارسية فيهم غير منكرة ... فكلهم لأبيه ضيزن سلف
الضيزن الذي يخلف على امرأة أبيه ها هنا، ويقال في غير هذا جعلته إلي ضيزناً أي لزازاً، وقال أبو كبير يمدح قوماً:
سجراء نفسي غير جمع أشابة ... حشداً ولا هلك المفارش عزل
السجير الصفي، أشابة أخلاط أي ليست فرشهم التي يأوون إليها فرش سوء يعني نساءهم، والهلك جمع هلوك وهي التي تتهالك أي تتكسر وتغنج توصف الفاجرة بذلك، والحشد الذين يحتشدون ولا يدعون جهداً، والأعزل الذي لا سلاح معه. وقال رؤبة:
فقل لذاك الشاعر الخياط
يعني أبا نخيلة الراجز، خاط فلان إلى بني فلان إذا ذهب إليهم يريد أنه مدخول النسب يخيط إلى القوم فينتهي إليهم. وقال آخر:
ما ولدتكم حية ابنة مالك ... سفاحاً ولا كانت أحاديث كاذب
ولكن نرى أقدامنا في نعالكم ... وآنفنا بين اللحى والحواجب
أي نرى مثل آنفنا في الشبه يعني أن القرابة بيننا تشبهكم بنا، وقال آخر:
وقد كتب الشيخان لي في صحيفتي ... شهادة عدل أدحضت كل باطل
يعني والديه بينا في صحيفة وجهه شبههما. وقال آخر:
أما اليدان فلاتنا ضل عنهما ... ما لم يكن منك القفا والحاجب
يعني يدي المولود يقول ليس شبهها لك بشيء حتى يشبهك القفا والحاجب. وقال آخر:
وكم من قاذف لك نال خبراً ... فأدرك ما أراد وما تريد
هذا رجل دعى انتسب إلى العرب وليس منهم فلما نسب إلى من ادعاه قذف فرضي وهو مشتوم.
وقال الحارث بن ظالم يذكر قريشاً:
فلو أني أشاء لكنت منهم ... وما سيرت أتبع السحابا

أي لم أتبع الكلأ كما يفعل غيرهم وقريش لا تفعل ذلك وسمى الكلأ سحاباً لأنه به يكون وكذلك يسمونه الندى لأنه من الندى يكون. وقال النابغة ليزيد بن الصعق:
وكنت أمينه لو لم تخنه ... ولكن لا أمانة لليماني
ويزيد بن الصعق من قيس وإنما سماه يمانياً لأن منزله كان من ناحية اليمن، ومثله قولهم لسهيل يمان لأنه يستقل ناحية اليمن والثرايا شآمية لأنها تستقل ناحية الشام، وقولهم الركن اليماني لأنه من ناحية اليمن. وقال الشماخ:
أنا الجحاشي شماخ وليس أبي ... بنسخة لنزيغ غير موجود
منه ولدت ولم يؤشب به حسبي ... لما كما عصب العلباء بالعود
نسب نفسه إلى جده جحاش، بنسخة بدفعة وهو ولد الزناء والنسخة الزنية، نزيع غريب، لما جمعا، كما يعصب العود إذا انكسر بالعلباء. وقال الراعي يهجو الحلال:
وإني لداعيك الحلال، وعاصما ... أباك وعند الله علم المغيب
أبي للحلال رخوةً في فؤاده ... وأعراق سوء في رجيع معلب
أي أبي للحلال أن يكون رجلاً ضعف في قلبه، وأعراق رديئة في حسبه الخامل الرث، والرجيع الشيء ينكر فيرمي ثم يعاد إلى استعماله، والمعلب المشدود بالعلباء كقول الشماخ:
كما عصب العلباء بالعود
وقال الأخطل:
علي ابن أبي العاصي قريش تعطفت ... له صلبها، ليس الوشائظ كالصلب
تعطفها عليه ولادتها إياه من جميع قبائلها والوشيظة الزائدة اللاحقة. وقال النابغة ليزيد بن سنان:
جمع محاشك يا يزيد فإنني ... أعددت يربوعاً لكم وتميماً
عيرتني النسب الكريم وإنما ... ظفر المفاخر أن يعد كريما
محاشك يريد قوماً وسماهم محاشا لأنهم تحالفوا عند نار حتى محشتهم فأما المحاش مفتوح الأول فهو المتاع والأثاث، وقوله عيرتني النسب الكريم كان يزيد بن سنان سابه وقال له: والله ما أنت من قيس ولا أنت إلا من قضاعة، يقول عيرتني بنسب كريم فهذا ظفر وغنم.
وقال الكميت لقضاعة في تحولهم إلى اليمن:
رأيتكم من مالك وادعائه ... كرائمة الأوتاد من عدم النسل
وحظك من قحطان إن كنت منهم ... ومن مالك حظ البغي من الحمل
أراد أنهم يقولون قضاعة بن مالك بن حمير وإنما هو قضاعة بن معد بن عدنان، والبغي إذا حملت حزنت، والأوتاد هاهنا الأصل.
وقال لجذام في تحولهم إلى اليمن:
فإن جذماً فارقت اذتبا عدت ... بريش أبي دودان معروفة النسل
وكان اسمكم لو يزجر الطير عائف ... لبينكم طيراً مبينة الفأل
يقول أينما ذهبت فهي معروفة أنها من بني أسد بن خزيمة، يقول أنتم جذام والانجذام الانقطاع. وقال لقريش:
بني ابنة مر أين برة عنكم ... وعنا التي شعبا تصير شعوبها
وأين ابنها عنا وعنكم وبعلها ... خزيمة؟ والأرحام وعثاء حوبها
برة بنت مر بن أد أخت ضبة وهي أم أسد بن خزيمة وأم النضر بن كنانة، شعباً حياً واحداً، والحوب الإثم، والوعث المكان الصعب.
ملأتم حياض المحلبين عليكم ... وأثآؤكم منا تضب ندوبها
يريد أحسنتم إلى أعدائكم وأسأتم إلينا، تضب تقطر دماً، ندوبها جروحها، والإثآء جمع ثأي.
ستتركنا قربي لؤي بن غالب ... كسامة إذ أودت وأودى عتيبها
سامة بن لؤي أخو كعب بن لؤي فارق قريشاً ولحق باليمن، وعتيب قبيل منهم وهو اليوم في بني شيبان.
فقائبة ما نحن غدوا وأنتم ... بني غالب إن لم تفيئوا وقوبها
يقول إن لم ترجعوا عما أنتم عليه فارقنا غدا كفراق الفرخ لبيضته إذا خرج لم يعد إليها والقائبة البيضة والقوب الفرخ.
وقال:
ومن عضة من آجر ما نبتم ... نضاراً عيصه الأشب النضير
العضة شجرة وجمعها عضاه، وآجر يريد هاجر أم إسماعيل عليه السلام، عيصه أصله، والأشب الملتف.
وقال أيضاً في نحو ذلك يذكر ماله:
وميراث ابن آجر حيث ألقى ... باصل الضنء ضئضئه الأصيل
ابن آجر إسمعيل صلوات الله عليه، والضنء الولد والضئضئ الأضل فلان من ضئضئ صدق أي من نجل صدق.
وقال:
لكم مسجدا الله المزوران والحصى ... لكم قبصه من بين أثري وأقترا

يعني المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والحصى العدد الكثير، والقبص الكثرة أثري أكثر، وأقتر أقل أراد الناس جميعاً.
وقال الأخطل يمدح دارماً:
حصى يتحدى قبصه كل فاتك
يتحدى يتعمد ويقصد، والفتك لمساماة وقال الكميت:
لقد ما رأيت الناس أبناء علة ... وأرحامهم أكراش دمن تجرر
وكادت عياب الود منا ومنهم ... وإن قيل أبناء العمومة تصفر
الكرش تمرغ في التراب، والسرجين ليطيب ريحها، وعياب الود الصدور، وتصفر تخلو، ويقال: الكرش البعير بعينه. وقال:
وكان يقال إن بني نزار ... لعلات فأمسوا تؤمينا
تنبه بعد رقدته نزار ... لهم بالملحقات معاندينا
علات أمهات متفرقات، وتوأمين لبطن واحد، وأراد اجتماع كلمتهم أراد كأن نزاراً انتبه لهم حتى ائتلفوا فصاروا كحي واحد، والملحقات الخصال تلحقهم بالمتالف.
وقال خداش بن زهير:
أنفنا لهم أن يساموا اللفاء ... بشجناء من رحم توصل
اللفاء النقصان، وشجناء اشتباك الرحم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرحم: إنها شجنة من الله عز وجل، وشجر متشجن ملتف. وقال الكميت:
رأيت به الأحساب كانت مصونةً ... وآدمة الأرحام بالوصل بلت
آدمة جمع أديم، نديت بالصلة.
وقال الراعي وذكر إبله:
ولكنها لاقت رجالاً كأنهم ... على قربهم لا يعلمون الجوامعا
يريد الأرحام التي تجمع بيننا وبينهم. وقال الحصين بن الحمام:
يا أخوينا من أبينا وأمنا ... إليكم، وعند الله والرحم العذر
معنى إليكم أي تنحوا عنا وأبعدوا مثل قول الآخر:
إليكم يا بني بكر إليكم
وكقول المرار بن سعيد الفقعسي:
إليكم يا لئام الناس إني ... نشعت العز في أنفي نشوعاً
النشوع بالفتح الوجور والضم المصدر، وقوله: عند الله والرحم العذر يقول: قد علم أنا قد أعذرنا فيما بيننا وبينكم والرحم فلو كانت ممن يتكلم لقد بينت أنا قد أعذرنا عندها.
وقال كثير لخزاعة وذكر بني أمية:
إذا لم تكونوا ناصري أهل حقها ... وملفين عند النصر ممن يجيبها
فسيروا براءً في تفرق مالك ... بنصح وأرحام يئط قريبها
يريد إن لم تكونوا ناصري بني أمية فسيروا براء الصدور من غش مالك في الإصلاح فيما بينهم، يريد مالك بن النضر بن كنانة، يئط يتحرك ويعطف.
وقال القلاخ بن حزن المنقري:
أنا القلاخ بن جناب بن جلا ... أبو خناثير أقود الجملا
جلا الواضح المتكشف، أراد أنا ابن جلا وهكذا جاء هذا الحرف خناثير وخناسير الدواهي، أقود الجمل يقال ما استسر من قاد جملاً أي أنا مكشوف ظاهر لا أخفي. وتمثل الحجاج بقول الآخر وهو سحيم بن وثيل الرياحي:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
أي يطلع على الثنايا وهي ما علا من الأرض وغلظ، ومثله قولهم فلان طلاع أنجد، وهي جمع نجد. وقول هند بنت عتبة بن ربيعة:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
يقال أرادت بالطارق النجم شبهت أباها بنجم في علوه وشهرة مكانه، قال الله عز وجل: " وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب " وقيل للنجم طارق لأنه يطلع ليلاً وكل آت ليلاً فهو طارق، وقول الأعشى:
وما كنت قلا قبل ذلك أرزيبا
القل القليل، والأرنب الدعي، وقال آخر:
موالينا إذا غضبوا علينا ... وإن نغضب فليس لنا موال
أي إذا غضبوا قالوا ما لكم لا تغضبون ونحن بنو عمكم وإن غضبنا أنكروا القرابة. وقال آخر:
أبو راشد مولاي ما طل حقه ... وإن كانت الأخرى فمولى بني سهم
وقال آخر وذكر قبيلة من الأنصار يقال لها خطمة:
وإن قروم خطمة أنزلوني ... بحيث يرى من الخضل الخروت
الخضل ضرب من الخرز، والخروت الثقب والثقب تكون في وسط الخرز، يقول أنا أوسطهم نسباً. وقال زهير ومدح رجلاً:
فضله فوق أقوام ومجده ... ما لن ينالوا وإن جادوا وإن كرموا
قود الجياد وإصهار الملوك وصب ... ر في مواطن لو كانوا بها سئموا

إصهار بكسر الألف يقال فلان مصهر بنا من القرابة لا من الصهر. وقال الحارث بن حلزة:
وولدنا عمرو بن أم أناس ... من قريب لما أتانا الحباء
مثلها تخرج النصيحة للقو ... م فلاةً من دونها أفلاء
يريد عمرو بن حجر الكندي وكان جد عمرو بن هند وهند هي بنت عمرو بن حجر آكل المرار وكانت أم عمرو بن حجر أم أناس بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة، يقول النسب قريب، والحباء خطبة الملك عمرو بن حجر إليهم وتصييره إياهم موضعاً لصهره، ثم قال مثل هذه القرابة تخرج نصحنا لك، ثم قال فلاة يعني نصيحة كثيرة واسعة مثل الفلاة الكبيرة التي دونها أفلاء كثيرة. وقال لبيد:
إن أبانا كان حلواً بسراً ... بني عمراً وأرب عمرا
اسم ابنته بسرة فناداها ورخم فقال بسرا، بني أي جعل ابناً له، وأرب جعل له ربيباً، وعمرو من بعض أولاد الملوك. وقال آخر:
آليت لا أعطي غلاماً أبداً ... دلاته إني أحب الأسودا
الأسود ابنه ودلاته أي سجله ونصيبه من قلبي، وقال الربيع بن ضبع:
وإن كنائني لنساء صدق ... وما ألي بني ولا أساؤا
قال أبو عمرو سألني القاسم بن معن عن هذا البيت فقلت: ما أبطأوا، فقال: ما تركت شيئاً، قال: وكل مبطئ فقد ألي، وألي فعل من ألوت. وقال آخر:
حتى إذا قملت بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا
وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللئيم العاجز الخب
قملت كثرت، والبطون القبائل، وأراد قلبتم ظهر المجن لنا ثم أدخل الواو، ومثله قول الله عز وجل: " حتى إذا جاءها وفتحت أبوابها " ، والجواب في فتحت فأدخل الواو، وقال ابن الدمينة يمدح رجلاً أو قوماً:
إذا سفر وأبعد التهجر والسري ... جلوا عن عراب السن بيض الصحائف
أي جلوا عمائمهم عن وجوه يعرب سنها عن كرم أصولهم كما قيل في المثل: إن الجواد عينه فراره، يقول: إذا رأيته أغناك منظره عن أن تفر عنه، والسن أي هي مسنونة سناً غريباً، ويروي السن بضم السين وهو جمع سنة الوجه، كقول ذي الرمة:
تريك سنة وجه غير مقرفة ... ملساء ليس بها خال ولا ندب
والصحائف صحائف وجوههم. وقال ذو الرمة:
فأبصرت صحيفة وجهي قد تغير حالها
وقال رؤبة:
إن كنت أعمي فالقنا بالأشهاد ... تنبئك من لم يحصه ذو أسباد
إن تميماً كان قهباً من عاد
يقول: إن كنت أعمي عن طريقنا فالقنا مع الأشهاد تنبئك هذا جميع من ها هنا وها هنا ما لم يحصه ذو المال، والقهب المسن، وقوله: من عاد يريد شرفنا قديم وذكرنا.

أبيات معان في المدح
قال عبد الرحمن بن حسان:
ما زال ينمي جده صاعداً ... من لد أنٍ فارقه الحال
الحال العجلة التي يدب عليها الصبي إذا بدأ يمشي، يريد منذ كان صغيراً.
وقال الفرزدق:
أرى المقسم المختار عيلان كلها ... إذا هو لم يجتر نفيلاً تحللا
يقول إذا أقسم أن فلاناً خير قيس فلم يقل إلا بني نفيل تحلل من يمينه لأنه قد حنث حتى يستثني بني نفيل.
وقال أيضاً:
لنا العزة القعساء والعدد الذي ... عليه إذا عد الحصى يتحلف
القعساء الممتنعة، يتحلف أي يحلف ما لأحد مثل عددنا.
وقال البعيث:
نعز بنجد كل من لقط الحصى ... ونعلو رؤوس الناس عند المواسم
أي نقول لنا يوم كذا ونلقط حصاة ويوم كذا ونلقط حصاة.
وقال الأغلب:
عهدي بقيس وهي من خير الأمم ... لا يطأون قدماً على قدم
أي هم رؤساء ليسوا أتباعاً يطأون أعقاب غيرهم.
وأنشد ابن الأعرابي:
إن لقيس عادةً تعتادها ... سل السيوف وخطا تزدادها
وهذا مثل قول كعب بن مالك:
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا
وقال الفرزدق:
سيعلم من سامي تميماً إذا سمت ... قوائمه في البحر من يتخلف
أي إذا غرق في البحر فارتفعت قوائمه. وقال الأخطل:
إن العرارة والنبوح لدارم ... والمستخف أخوهم الأثقالا
العرارة النجدة والشدة، والنبوح العدد والجماعة واحدها نبح. قال عمرو بن معد يكرب:
ألف الخيل بالخيل ... وأغشى النبح بالنبح
وقال العجاج:

قوم لهم عرارة التدكل ... ما فتئوا من أول وأول
على العدي وسخرة الموفل
العرارة الشدة، والتدكل مثل التدلل يقال: هم يتدكلون على السلطان أي يمتنعون عليه، ما فتئوا ما زالوا كذلك من أول زمن، والمؤفل الضعيف يقال قد أفل.
وقال الكميت يمدح رجلاً بطوله:
إذا لبس الأبطال أثواب يومها ... إلى الروع غالت من سواه وغالها
يعني الدرع يقول هي تطول غيره وهو يطولها. وقال عنترة يمدح بالطول:
بطل كأن ثيابه في سرحة
أي كأن ثيابه على شجرة. وقال آخر:
طويل نجاد السيف ليس بحيدر ... إذا اهتز واسترخت عليه الحمائل
النجاد حمائل السيف، والحيدر القصير، واسترخت أي اتسعت من قولهم في بال رخي أي واسع والبال الحال، والهزة الخفة تأخذه للمعروف. وأنشد الأصمعي:
بيض جعاد كأن أعينهم ... يكحلها في الملاحم السدف
أي لا تنقلب فيظهر باطنها من الفزع، والسدف الظلمة. وأنشد للأعشى:
كذلك فافعل ما حييت إليهم ... وأقدم إذا ما أعين القوم تزرق
إذا فزع الإنسان وبرق انقلبت حماليق عينيه فغاب السواد. وأنشد:
بيض جعاد كأن أعينهم ... تكحل يوم الهياج بالعلق
العلق الدم، وصفهم بحمرة الأعين لشدة الغضب في الحرب ولذلك شبهت عيون الكلاب بنوار العضرس وهي بقلة حمراء الزهرة لأن أعينها تحمر إذا آسدتها من شدة الغضب. وقال ابن هرمة:
وله مكارم أرضها معلومة ... ذات الطوي وله نجوم سمائها
أرضها أصلها، أي هو معروف له معلوم، ذات الطوي أي في ذات الطوي وهي السنة الجدباء التي تطوي الناس فيها ويجوعون وله نجوم سماء تلك السنة يعني بالنجوم أمطارها وخصبها أي الذي يكون فيها من خصب وخير عنه فكأنه قال له نجومها مطيرها.
وقال أبو وجزة:
وأرى كريمك لا كريمة دونه ... وأرى بلادك منقع الأجواد
أي من أكرمته فليس تدخر عنه كريمة من مالك، ومنقع الأجواد مروى العطاش يقال جيد الرجل فهو مجود إذا عطش وبه جواد فكأنه من الجمع الذي جاء على غير واحده يعني الأجواد.
وقال أبو المثلم الهذلي:
حامي الحقيقة نسال الوديقة مع ... تاق الوسيقة جلد غير ثنيان
أي يحمي ما يحق عليه ويعدو في شدة الحر حتى تدق الشمس وتدنو، معتاق الوسيقة يقول إذا طرد طريدة أنجاها من أن تدرك يقال أعتقه أي أنجاه، والثنيان دون السيد.
وقال ساعدة الإيادي:
ألا يا فتى ما عبد شمس بمثله ... يبل على العادي وتؤبي المخاسف
هو الطرف لم يحشش مطى بمثله ... ولا أنس مستوبد الدار خائف
أراد أي فتى هو عبد شمس، ثم استأنف فقال بمثله يغلب على العدو، والمخاسف من الخسف وهو النقصان، والطرف الكريم، لم يحشش لم يحم في السير بمثله، والأنس الحي أي لم يقم بشانهم مثله، مستوبد من الوبد وهو القشف وسوء الحال، ويروى: لم يخشش من الخشاش أي لم يزم. وقال زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفرى
تفري تقطع ما قدرت، وخالقة الأديم مقدرته. وقال:
وليس مانع ذي قربى ولا حسب ... يوماً ولا معدماً من خابط ورقا
يريد ولا معدماً خابطاً ورقاً، والإعدام أن يمنع الإنسان ما يريد، فيقول قد عدمته، وأراد بقوله: من خابط خابطاً كقولك: ما رأيت من أحد وما رأيت أحداً، ويقال للرجل إن خابطه ليجد ورقاً أي إن سائله ليجد عطاء وسمى من طلب بغير يد ولا رحم خابطاً.
وقال أيضاً:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل
هنالك أن يستخبلوا المال يخبلوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
القطين الحشم والأهل، يقول يلزمونهم حتى يسمنوا وجمع القطين قطن. وقال لبيد:
فتكنسوا قطناً تصر خيامها
وقال جرير يهجو بني الفدوكس ورهط الأخطل:
هذا ابن عمي في دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إلي قطينا
فقيل: يا أبا جزرة أما وجدت في تميم مفخراً تفخر به عليهم حتى فخرت بالخلافة لا والله ما صنعت شيئاً في هجائهم، والقطين ها هنا العبيد، والقطين في مكان آخر السكان، قال الأخطل:
خف القطين فراحوا منك أو بكروا

والقطان المقيمون واحدهم قاطن، قال الأصمعي قال أبو عمرو بن العلاء: لا أعرف الاستخبال وأراه قال يستخولوا والإستخوال أن يملكوهم إياه، وقال أبو عبيدة أنشدنا أبو عمرو: يستخولوا المال يخولوا، وقال لم أسمع يستخبلوا، وقال يونس بلى قد سمعه ولكن نسي.
وقال غير الأصمعي: الإستخبال أن يستعير الرجل من الرجل إبلاً فيشرب من ألبانها وينتفع بأوبارها فإذا أخصب ردها، ييسروا من الميسر، يغلوا في الميسر أي يأخذون سمان الإبل لا ينحرون الأغالية. وقال:
هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفواً ويظلم أحياناً فيظلم
أي يطلب إليه في غير موضع الطلب فيحمل ذلك لهم، وأصل الظلم كله وضع الشيء في غير موضعه، منه من أشبه أباه فما ظلم وقال:
وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم
الخليل الفقير والخلة الفقر، والحرم المنع، يقول ليس لمالي منع عليه، أبو عبيدة: حرم إذا كان يحرم لا يعطى منه، وقال غيره حرم مقمور أي لا يعتل عليه بذلك. وقال:
تهامون نحديون كيداً ونجعةً ... لكل أناس من وقائعهم سجل
يقول يأتون تهامة ونجداً لا يمنعهم بعد المكان من أن يغزوه وينتجعوه، سجل نصيب وأصل السجل الدلو مملوءة ماء.
وقال العجاج يمدح رجلاً:
حلو المساهاة وإن عادى أمر ... مستحصد غارته إذا اترز
المساهاة المياسرة، مستحصد شديد الفتل، غارته فتله يقال حبل مغار، وأحصدت الحبل فتلته:
أمره يسراً فإن أعيا اليسر ... والتاث إلا مرةً الشزر شزر
أي فتله، واليسر مخفف فحركه ضرورة وهو الفتل على اليمين سهل، والشزز فتل على اليسار وهو أعسر من الأول، والمعنى أنه يستعمل السهولة أولاً فإن لم يأته الأمر على ذلك استعمل الشدة وهو أعسر من الأول. وقال:
يرتاح أن تبرد ريح الشمال
أي يسر بأن يشتد الزمان ليصنع المعروف. وقال عمرو بن قميئة يصف الجدب:
يثوب عليهم كل ضيف وجانب ... كما رد دهداه القلاص نضيحها
الجانب الغريب، دهداه صغار الإبل، والقلاص إناث الإبل، والنضيج الحوض، يقول يعود الأضياف إليهم كما يعود هذا إلى النضيج. وقال الحارث بن حلزة:
لا يرتجى للمال يهلكه ... طلق النجوم إليه كالنحس
لله هنالك لا عليه إذادنعت أنوف القوم للتعس
لا يرتجي لا يخاف لا هلاك المال يقول لا ينفق المال في نجم مبارك ليخلف عليه ولكنه ينفقه في كل وقت، إليه أي عنده، يقول فالفضل له في هذا الزمان لا عليه إذا دعى على القوم بالتعس، دنعت تدنع دنعاً ودنوعاً دقت ولؤمت. وقال الحطيئة:
هم القوم الذين إذا ألمت ... من الأيام مظلمة أضاءوا
هم القوم الذين علمتموهم ... لدى الداعي إذا رفع اللواء
وقال أوس بن حجر:
تجرد في السربال أبيض حازم ... مبين لعين الناظر المتوسم
هذا مثل، أي هو متجرد للأمور كما تقول: والله لئن تجردت لك لأعلمنك، أبيض نقي العرض من الدنس. ومثله:
أمك بيضاً من قضاعة في البيت الذي تستظل في طنبه
أي نقية الحسب. وقال أبو ذؤيب:
المانح الأدم كالمرو الصلاب إذ ... ما خارد الخور واحتث المجاليح
المحاردة إن لا تدر، والمجاليح التي تدر في الشدة، ويقال الجيدة الأكل، احتثت استزيد في درتها.
وقال أيضاً:
وصرح الموت من غلب كأنهم ... جرب يدافعها الساقي منازيح
صرح كشف، غلب غلاظ الرقاب، منازيح طلبت الماء من مكان بعيد فهو أحرص لها.
وقال المتنخل:
أجزت بفتية بيض خفاف ... كأنهم تملهم سباط
سباط إسم للحمى وذلك أن صاحبها يسبط عليه، أسبطت عليه الحمى إذا أخذته فتمدد واسترخى أي هم من الغزو والشحوب هكذا. وقال:
السالك الثغرة اليقظان كالئها ... مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل
الثغرة والثغر سواء وهو موضع المخافة، والكالئ الحافظ، والخيعل ثوب يخاط أحد جانبيه ويترك الآخر، والهلوك المتثنية المتكسرة، والفضل من صفة الهلوك وكان ينبغي أن يكون جراً ولكنه رفعه على الجوار للخيعل.
ومثله للعجاج:
كأن نسج العنكبوت المرمل
ومثله جحرضب خرب ومثله لامرئ القيس:
كبير أناس في بجاد مزمل

أراد أنه آمن لا يخاف فهو يمشي على هينته. وقال آخر من هذيل وهو معقل بن خويلد:
فما العمران من رجلي عدي ... وما العمران من رجلي فئام
وأنهما لجوابا خروق ... وشرابان بالنطف الطوامي
العدي القوم الذين يحملون في الرجالة أي ما هما من رجلين، على التعجب يريدهما فاضلان لهذا وهذا وهما أيضاً جواباً خروق، والطوامي التي تركت فطمت أي ارتفعت مما لا تورد، يقال: أراد ما هما من رجال العدو ولكنهما جواباً خروق، والأول أجود. وقال الأخطل:
لعمري لقد ناطت هوازن أمرها ... بمستر بعين الحرب شم المناخر
المستربع للشيء الحامل له، ربعت الحجر إذا أشلته.
وقال الفرزدق:
فذاك أبي وأبوه الذي ... لمقعده حرم المسجد
أي لا ينطق عنده يفحش كما لا ينطق في المسجد، وقول الراعي:
فوارس أبطال لطاف المآزر
أي هم خماص البطون. وقال رجل من الخوارج:
لطاف براها الصوم حتى كأنها ... سيوف يمان أخلصتها سمومها
يعني رجالاً أضمرها الصوم فشبهها بسيوف، سمومها خروقها تبين أنها خالصة وذلك أن ثقوب العتق غير ثقوب الحدث أي ذات خروق تدل على عتقها. وقال الأعشى وذكر ناراً:
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي اشم تقاسما ... بأسحم داج عوض ما نتفرق
يقول حالف الجود أن لا يفارقه وهما في الرحم وهو أسحم داج، عوض يفتح ويضم والفتح أكثر وهو الدهر، وأراد لا نتفرق أبداً. وقال يمدح هوذة:
فتىً لو ينادي الشمس ألقت قناعها ... أو القمر الساري لألقى المقالدا
ينادي يجالس من النادي، ألقت قناعها أي ذهب نورها وحسنها بحسنه، ولألقى القمر المقاليد إليه أي أقر له بالحسن، ويقال المقاليد المفاتيح واحدها إقليد.
وقال أيضاً:
هضوم الشتاء إذا المرضعا ... ت جالت جبائر أعضادها
أصل الهضم الظلم، يقول يقرى في الشتاء ويطعم فيذهب بشدته، والجبائر أسورة النساء من دون تجعل في الأعضاد، جالت من الهزال.
وقال أيضاً:
نهار شراحيل بن عمرو يريبني ... وليل أبي ليلى أمر وأعلق
نهاره ظاهره وليله باطنه. وأنشد للأعشى:
فلا تحسبني كافراً لك نعمة ... على شاهدي يا شاهد الله فاشهد
شاهدي لساني، وشاهد الله من يشهد ألا إله إلا الله، ويقال الملك الموكل به. وقال الأعشى:
ربي كريم لا يكدر نعمةً ... وإذا تنوشد في المهارق أنشدا
لا يكدر نعمة بالمن وإذا ناشدوه بالمهارق وهي كتب الأنبياء أنشدهم أي أجابهم وفي بمعنى الباء. ويقال لبيد يذكر عامر بن الطفيل.
ومقسم يعطى العشيرة حقها ... ومغذمر لحقوقها هضامها
المقسم الذي يعطيها مالها، والمغذمر الذي يحطم حقوقها ويكسرها، ويقال هو الذي يضرب حقوق الناس بعضهم ببعض ويهضم من ماله للناس ويعطي هذا ما يأخذ من هذا، ومنه قيل للحادي إنه لذو غذامير في حدائه، هضامها يهتضمها يحتملها. وقال:
وهم العشيرة أن يبطيء حاسد ... أو أن يلوم مع العدي لوامها
أي لا يقدر حاسد أن يبطيء الناس عنهم بأن يقول فيهم قول سوء لا يقدر لائم على لومهم، قال وهذا مثل قول مطرود بن كعب الخزاعي:
أخلصهم عق لباب لهم ... من لوم من لام بمنجاب
المنجاب المنكشف. وقال القطامي يمدح قريشاً:
قوم ثبتوا الإسلام وامتنعوا ... قوم الرسول الذي ما بعده رسل
يريد: هم ثبتوا الإسلام وامتنعوا ممن أرادهم، قوم الرسول مستأنف أي وهو أيضاً قوم الرسول.
وقال أيضاً:
وتراه يفخر أن تحل بيوته ... بمحلة الزمر القصير عنانا
يفخر أي يأنف فخرت عن الشيء أنفت منه، والزمر القليل الخير. ابن أحمر:
وذي بدن أو مسبل فوق قارح ... جميل الدجى يعدو بلدن مقوم
بدن درع قصيرة، ومسبل سابغة، أي بعد النعاس وبعد تغشي الكرى جميلاً لا يؤثر فيه السهر.
وقال يذكر إبلاً:
عليهن أطراف من القوم لم يكن ... طعامهم حباً بزغبة أغبرا
أطراف جمع طرف وهو العتيق من الخيل استعاره للناس، حباً يعني حنطة. وقول الأعشى:

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5