كتاب:الحيوان
المؤلف:أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

( في زمانِ تبيض فيه الخَفاف ** شُ وتُسقَى سُلافَةَ الجِرْيَالِ ) ( ويقيم العُصفورُ سِلماً مع الأيْ ** مِ وتحمِي الذِّئابُ لحمَ السِّخالِ ) يقول : إذا ظهر الإمامُ فآية ذلك أنْ تبيض الخفافيش وهي اليومَ تلِدُ وتحلُّ لنا الخمرُ وتسالِمُ الحيّاتُ العصافيرَ والذئابُ السِّخَالَ .
سجود عيسى بن عقبة ورَوَوْا في طولِ سجودِ عيسى بنِ عُقبة أنه كان يطيل ذلك حتى يظنّ العصفورُ أنه كالشيء الذي لا يُخافُ جانبه وحتى يظنّ العصفورُ أنه سارية فيسقط عليه .
وذكر عُمَرُ بن الفضل عن الأعمش عن يزيد بن حَيّان قال :

كان عيسى بن عقبة إذا سجد وقعت العصافيرُ عَلَى ظهره من طولِ سجوده .
وكان محمدُ بنُ طلحةَ يسجُد حتى إن العصافير ليَسْقُطْنَ على ظهره ما يحسِبَنْه إلا حائطاً .

مثل الشيخ والعصفور
وفي المثل : أنَّ شيخاً نصَبَ للعصافير فَخّاً فارْتَبْنَ به وبالفخ وضربه البرد فكلما مشى إلى الفخِّ وقد انضمَّ عَلَى عصفور فقبض عليه

ودقَّ جناحَه وألقاه في وعائه دَمعت عينُه مما كان يَصُكُّ وجهَه من برد الشّمال قال : فتوامَرَت العصافيرُ بأمره وقلن : لا بأس عليكنَّ فإنه شيخٌ صالحٌ رحيم رقيقُ الدَّمعة قال : فقال عصفورٌ منها : لا تنظروا إلى دموع عينَيه ولكن انظروا إلى عمل يديه .
استطراد ومن أمثال العامّة للشيء تتعرّفه بغير مَؤُونة : الحجَرُ مَجّان والعصفور مجّان .

قال : ويقال عصفور وعصفورة . وأنشد قوله : ( ولو أنها عصفورةٌ لحسبْتَها ** مُسَوّمَةٌ تدعو عُبيداً وأزنما ) شعر فيما يصوِّره الفَزَع وقال في هذا المعنى جريرٌ وإن لم يكن ذكر العصفور حيث يقول : ( مازلتَ تحسِبُ كلَّ شيءٍ بَعْدَهم ** خيلاً تشدُّ عليكمُ ورجالا ) قال يُونس : أخذَ هذا المعنى من قولِ اللّه : يَحْسَبُونَ كلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ . )
وقال الشاعر : ( كأن بِلادَ اللّهِ وهْيَ عريةٌ ** عَلَى الخائفِ المطلوبِ كِفَّةُ حابِل )

( يُؤَدِّى إليه أنَّ كلَّ ثنِيَّةٍ ** تَيَمَّمَهَا تَرْمِي إليه بقاتل ) وقال بشّارٌ في شبيه ذلك : ( كأنَّ فؤاده كرةٌ تنزى ** حذارَ البينِ لو نفعَ الحذارُ ) ( جفتْ عيني عن التغميض حتى ** كأنّ جفونها عنه قصارُ ) ( يروعهُ السرارُ بكل ِّ أمرٍ ** مخافةَ أن يكونَ به السرارُ ) وقال عُبيدُ بن أيُّوب : وقال أبان اللاَّحقيُّ : حديث الغاضري ومن مُلح أحاديثِ الأصمعيّ قال : حدَّثني شيخٌ من أهل المدينة وكان عاليَ السِّنِّ قال : قال الغاضري : كانت هذه الأرضُ لقومٍ

ابتدؤوها وشقُّوها وكانت الثمرة إذا أدركتْ قال قائلهم لقيِّمه : اثلُمِ الحائط ليصيبَ المارُّ مما فيه والمعْتَفي ثم يقول : أرْسِلْ إلى آل فلان بكذا وكذا وإلى آل فلان بكذا وكذا فإذا بيعَت الثمرة قال : أرسل إلى فلان بكذا وكذا ودينار وإلى فلان بكذا وكذا فيضج الوكيل فيقول : ما أنت وهذا لا أمَّ لك فلما عُمِرت الأرضون وأغَنَّتْ أُقْطِعَها قومٌ سواهم فإنَّ أحدهم ليسدُّ حائطَه ويصغّر بابَه ثم يُدْلِجُ فيمرُّ فيقول : ما هذه الثُّلمة ويستطيف من وراء الحائط فهو أطول من مَعقِل أبي كريز .


وإذا دخل حائطه دخل معه بقَذَّافة فإذا رأى العصفورَ على القنا رماه فيقع العصفورُ مَشْوِيّاً على قُرْص والقُرْص كالعصفور .

العصافير الهبيرية
وبحمْص العصافيرُ الهُبَيريّة وهي تطعم على رفوف وتكون أسمَنَ من السُّمانَى وأطيبَ من كلّ طير وهي تُهدَى إلى ملوكنا وهي قليلةٌ هناك .
وقال الرَّاعي : ( ما زال يركبُ رَوْقَيهِ وكَلْكَلَه ** حتى اسْتَثَارَ سَفاةً دونَها الثَّأَدُ )

( حتى إذا نَطَقَ العصفورُ وانكشفَتْ ** عَمَايةُ الليل عنه وهو مُعتمِدُ ) وقال الراعي : ( وأصْفَر مجدول من القِدِّ مارِن ** يُلاثُ بعينَيها فيُلْوى ويُطْلَقُ ) ( لَدَى ساعِدَيْ مَهْرِيّة شَدَنيةٍ ** أُنِيخَتْ قليلاً والعصافيرُ تنطقُ )

صيد العصافير
قال : وتُصاد العصافيرُ بأهونِ حيلة وذلك أنهم يعملون لها مِصْيَدَةً ويجعلون لها سَلَّة في صورة المِحْبرة التي يقال لها : اليهودية المنكوسة الأنبوبة ثم يُنْزَل في جوفها عصفورٌ واحد فتنقضُّ عليه العصافيرُ ويدْخُلْن عليه وما دخل منها فإنه لا يجد سبيلاً إلى الخروج منها

فيصيد الرجُلُ منها في اليوم الواحد المئين وهو وادع وهنّ أسرعُ إلى ذلك العصفورِ من الطير إلى البُوم إذا جُعِلن في المصائد .
ومتى أخذ رجلٌ فراخ العصافير من أوكارها فوضعها في قفص بحيث تراها الآباءُ والأمّهات فإنها تأتيها بالطُّعم على الخطَر الشديد والخوف من الناس والسَّنانير مع شدة حذرها ودِقَّة حسِّها ليس ذلك إلا لبرّها بأولادها وشدة حبّها لها .

في العقارب والفأر والسنانير والجرذان
نقول في العقارب والفأرِ والجرذَان بما أمكن من القول وإنما ذكرنا العقارِبَ مع ذكرنا للفأر للعداوة التي بين الفأر والعقارب كما رأينا أن نذكُر السّنانير في باب ذكر الفأرِ للعداوة التي بينهما .
فإِن قلت : قد عرَفنا عداوة الفأر للعقرب فكيف تُعادي الفأرةُ السنّور والفأرة لا تقاوم السنّور قيل : لعَمري إن جِرذانَ أنطاكِيَة لَتُساجِلُ السنانيرَ في الحربِ التي

بينهما وما يقوم لها ولا يقوى عليها إلا الواحد بَعْدَ الوَاحِد وهي بخراسان قويَّةٌ جدّاً وربما قطعتْ أُذنَ النائم .
وفي الفأر ما إذا عضَّ قتل أخبرني أبو يونس الشريطي أنه عاين ذلك .
وأنا رأيتُ سنّوراً عندنا ساور جُرذاً في بيت الحطَب فأفلَتَ الجُرذُ منه وقد فقأ عينَ السِّنَّوْر .
قتال الحيوان والقتالُ يكونُ بين الدِّيَكةِ وبين الكباشِ والكلاب والسُّمَانَى والقَبج وضروبٍ مما يقبل التَّحريشَ ويواثبُ عند الإغراء .
ويزعمون أنهم لم يَروا قتالاً قطُّ بينَ بهيمتين ولا سبعين أشدَّ من قتال يكونُ بين جُرذين فإذا ربط أحدُهما بطرَف خيطٍ وشُدَّ رِجْل

الآخر بالْطّرَف الآخر من الخيط فلهما عند ذلك من الخلب والخَمْش والعضِّ والتَّنْييبِ والعفاس ما لا يوجد بين شيئين من ذوات العِقار والهراش إلا أن ذلك ما داما في الرِّباط فإذا انحلَّ أو انقطع ولَّى كلُّ واحد منهما عن صاحبه وهربَ في الأرض وأخذ في خلاف جهته الآخر .
وإن جُعِلا في إناء من قوارير أعني الجُرذَ والعقرب وإنما ذكرت القوارير لأنها لا تستر عن أعيُن الناس صَنيعَهما ولا يستطيعان الخُروجَ لمَلاسة الحيطان فالفأرة عند ذلك تختِلُ العقربَ

فإن قبضَتْ على إبرتها قَرَضَتها وإن ضربها العقربُ ضرباً كثيراً فاستنفَدتْ سمّها كان ذلك من أسباب حتفها .

قتال العقارب والجرذان
ودخلت مرة أنا وحَمْدان بن الصباح عَلَى عبيد بن الشُّونِيزي فإذا عنده بَرنِيّة زَجاج فيها عشرون عقرباً وعشرون فأرةً فإذا هي تقتتل فخيِّل لي أن تلك الفأرَ قد اعتراها ورمٌ من شدةِ وقْع اللسع ورأيت العقاربَ قد كلَّتْ عنها وتاركتْها ولم أر إلا هذا المقدارَ الذي وصفت .
وحدثنا عنها عبيدٌ بأعاجيبَ ولو كان عبيدٌ إسناداً لخبّرت عنه ولكنَّ موضِعَ البياض من هذا الكتابِ خيرٌ من جميع ما كان لعبيد .
تدبير في الجرذ
وللجُرذِ تدبير في الشيء يأكلُه أو يَحسُوه فإنه ليَأتي القارورةَ الضَّيِّقَة

الرأس فيحتال حتى يُدْخلَ طرفَ ذَنَبه في عُنِقها فكلَّما ابتلّ بالدُّهنِ أخرجه فلطعَه ثم أعاده حتى لا يدعَ في القارُورة شيئاً .
ورأيتُ من الجرْذان أعجوبةً وذلك أن الصيادة لما سقطت عَلَى جُرذٍ منها ضخمٍ اجتمعْن لإخراجه وسلِّ عُنقِه من الصيَّادة فلما أعجزهنَّ ذلك قرضْنَ الموضِعَ المنضمَّ عليه من جميع الجوانب ليتسع الخَرْقُ فيجذبْنه فهجَمْتُ على نُحاتَةٍ لو اعتمَدْتُ بسكين عَلَى ذلك الموضع لظننْت أنه لم يكن يمكنني إلا شبيهٌ بذلك .
وزعم بعضُ الأطباء أن السنورَ إنما يدفِنُ خُرأه ثم يعودُ إلى موضعه فيشتمّه فإن كان يجدُ من ريحه بعدُ شيئاً زاد عليه من التراب لأنّ الفأرةَ لطيفة الحِسِّ جيِّدةُ الشّمّ فإذا وجدَتْ تلك الرائحة عرفَتْها فأمعنَتْ في الهربِ فلذلك يصنَع السنَّورُ ما يصنَع .
ولا يشكُّ الناسُ في أن أرضَ سبأ وجنّتَيها إنما خرِبتا حين دخلهما

سيلُ العرِم والعرِم : المسَنّاة وأن الذي فجَّر المسنَّاة وسبّب لدخول الماء الفأرة .
والسّيل إذا دخل أخْرَبَ بقدر قوَّته وقوّتُه من ثلاثة أوجه : إمّا أنْ تدفعه ريحٌ في مكان يفْحُشُ فيه الريح وإما أن يكون وراءه وفوقه ماءٌ كثير وإما أن يُصيبَ حَدُوراً عميقاً .

حديث ثمامة عن الفأر
وأما حديث ثمامةَ فإنه قال : لم أرَ قطُّ أعجبَ من قتال الفأر كنتُ في الحبْس وحْدي وكان في البيت الذي أنا فيه جُحرُ فأر يقابلُه جُحر آخر فكان الجُرذ يخرُج من أحد الجُحْرين فيرقص ويتوعّد ويضرب بذنبه ثم يرفع صدره ويهزُّ رأسه فلا يزال كذلك حتى يخرجَ الجرذ الذي يقابله فيصنع كصنيعه فبينما هما إذ عَدَا أحدُهما فَدَخل جُحره ثم صنع الآخرُ مثلَ ذلك فلم يزل ذلك دأبَهما في الوعيد وفي الفِرار وفي التحاجُز وفي ترك التّلاقي إلا أني في كل مرةٍ أظنُّ

للذي يظهَرُ لي من جدهما واجتهادهما وشدة توعُّدِهما أنهما سيلتقيان بشيء أهوَنُه العضّ والخمْش ولا واللّه إن التقَيا قطُّ فعجبتُ من وعيدٍ دائمٍ لا إيقاعَ معه ومن فِرار دائمٍ لا ثباتَ معه ومن هرب لا يمنعُ من العَودة ومن إقدامٍ لا يوجبُ الالتقاء كيف يتوعّدُ صاحبه ويتوعدُه الآخر وبأيّ شيء يتوعدُه وهما يعلمان أنهما لا يلتقيان أبداً فإن كان قتالهما ليس هو إلا الصَّخَب والتَّنْييب فلِمَ يفرُّ كلّ واحدٍ منهما حتى يدخل جحره وإن كان غير ذلك فأيّ شيء يمنعهما من الصَّدْمة وهذا أعجبُ .
أطول الحيوان ذماءً وأقصره وتقول العرب : الضبُّ أطولُ شيء ذَماءً .
ولا أعلَمُ في الأرض شيئاً أقصَرَ ذَماءً ولا أضعَفَ مُنّة ولا أجدَر أن يقتُلَه اليسير من الفأر .

لعب السنور بالفأر
وبلغ من تحرُّزِهِ واحتياطه أنه يسكن السقوف فربما فاجأه السِّنَّور وهو يريد أن يعبُر إلى بيته والسِّنَّور في الأرض والفأرةُ في السّقف ولو شاءت أن تدخل بيتها لم يكن للسِّنَّور عليها سبيل فتتحيَّر فيقول السِّنّور بيده كالمشير بيساره : ارجِع فإذا رجعت أشار بيمينه : أن عُدْ فيعود وإنما يطلب أن تَعيا أو تَزْلَق أو يُدَارَ بها ولا يفعل ذلك بها ثلاثَ مرَّات حتى تسقط إلى الأرض فيثبَ عليها فإذا وثَبَ عليها لعِبَ بها ساعةً ثم أكلها وربما خلَّى سبيلها وأظهر التغافل عنها فتمعِن في الهرَب فإذا ظنّتْ أنها نجتْ وثَبَ عليها وثْبة فأخذها فلا يزال كذلك كالذي يحبُّ أن يسخَرَ من صاحبه وأن يخدعه وأن يأخُذَهُ أقوى ما يكون طمعاً في السَّلامة وأن يُورِثَه الحسرَةَ والأسَفَ وأن يلذَّ بتنغيصه وتعذيبه .
وقد يفعل مثلَ ذلك العقابُ بالأرنب ويفعل مثل ذلك السِّنَّورُ بالعقرب .

أكل الجرذان واليرابيع والضباب والضفادع
وقال أبو زيد : دخلتُ على رُؤبةَ هو يَمُلُّ جرذاناً فإذا نضجت أخرَجَها من الجمْر فأكلها فقلت له : أتأكل الجرذان قال : هي خيرٌ من اليرابيع والضِّباب إنها عندكم تأكل التَّمْر والجُبْن والسويق والخبز وتحسُو الزَّيتَ والسمن .
وقد كان ناسٌ من أهل سِيف البحْر من شِقِّ فارس يأكلون الفأر والضفادع ممقورةً ومملوحة وكانوا يسمونها : جَنْك جَنْك ووَال وَال .
وقال أوسُ بنُ حجَر :

( لحَينَهُمُ لَحّى َ العصَا فطَردنَهم ** إلى سَنَة جِرذانُها لم تَحَلَّمِ ) يقال : تَحَلَّم الصَّبِيُّ : إذا بدأ في السِّمَن فإذا زاد عَلى المقدار قيل قد ضَبَّبَ أي سَمِنَ سِمَناً متناهياً .
ويقال : أسْرق من زَبَابَة والزَّبابة : الفأرة ويقال : أسْرَق من جُرَذ .


وقال أنس بن أبي إياس لحارثة بن بدرً حينَ ولِيَ أرض سُرَّق : ( أحارِ بن بدر قد وليتَ تولايةً ** فكنْ جرذاً فيها تخونُ وتسرقُ ) ( وباهِ تميماً بالغنى إنّ للغنى ** لساناً به المرء الهيوبةُ ينطق ) ( فإنّ جميعَ الناسِ إما مكذبٌ ** يقول بما تهوى وإما مصدقُ ) ( يقولون أقوالا ولا يعلمونَها ** وإن قيلَ هاتوا حققوا لم يحققوا ) ( فلا تحقرنْ يا حارِ شيئاً أصبته ** فحظكَ من ملك العراقين سرقُ ) فلما بلغَتْ حارثَةَ بنَ بدر قال : لا يعمَى عليك الرُّشْد .

طلب كثرة الجرذان
قال : ووقفت عجوزٌ عَلَى قيس بن سعد فقالت : أَشكو إليك قلَّة الجُرذان قال : ما ألطَفَ ما سألتِ لأمْلأَنَّ بيتَك جُِرذاناً تذكر أنَّ بيتها قَفْرٌ من الأَدَم والمأدوم فأكثِرْ لها يا غلامُ من ذلك قال : وسمعت قاصّاً مدينيّاً يقول في دعائه : اللهمّ أكثِرْ جُِرذاننا وأقِلّ صِبياننا .
فزع بعض الناس من الفأر
وبين الفأرِ وبينَ طباعِ كثير من الناس منافرةٌ حتى إنّ بعضهم لو وطئ عَلَى ثعبان أو رُمِيَ بثُعبان لكان الذي يدخله من المكروه والوَحْشَةِ والفزَع أيسرَ مما يدخُله من الفأرة لو رُمِيَ بها أو وطئ عليها .
وخبرني رجالٌ من آل زائدة بن مقسم أن سليمان الأزرق دُعِيَ

لحيّة شَنْعَاء قد صارت في دارهم فدخلَتْ في جُحر وأنه اغتصبها نفسها حتى قبضَ على ما ألفى منها ثم أدارها على رأسه كما يُصْنَع بالمِخْراق وأهوى بها إلى الأرض ليضربها بها فابتَدَرَتْ من حلْقها فأرة كانت ازْدَرَدَتْها فلما رأَى الفأرةَ هرَب وصرخ صرخة قالوا : فأخذ مشايخُنا الغِلمانَ بإخراج الفأرةِ وتلك الحيّة الشنعاء إلى مجلس الحيّ ليعجِّبوهم من إنسانٍ قتَلَ هذه وفرَّ من هذه .

علة نتن الحيات
وسألتُ بعضَ الحوَّائين ممن يأكلُ الأَفاعيَ فما دونها فقلت : ما بالُ الحيات مُنتنة الجلود والجرُوم قال : أمَّا الأفاعي فإنَّها ليست بمنتنة لأنها لا تأكل الفأر وأما الحيَّات عامة فإنها تطلبُ الفأرَ طلباً شديداً وربما رأيتُ الحيَّة وما يكونُ غلظها إلا مثل غلظ إبهام

الكبير ثم أجدُها قد ابتلعت الجُرذَ أغْلَظَ من الذّراع فأنكرَ نتنَ الحيَّات إلا من هذا الوجه ولم أر الذي قال قولاً .
ودخل أعرابيٌّ بعضَ الأمصار فلقِيَ من الجِرذان جَهداً فرجز بها ودعا عليها فقال : ( يعجلُ الرحمنُ بالعقاب ** لعامراتِ البيت بالخراب ) ( حتى يُعجِّلنَ إلى الثياب ** كحلُ العيونِ وقصِ الرقاب ) ( مستتبعاتٍ خلفةَ الأذنابِ ** مثل مداري الحصن السلاَّب )

ثم دعا عليهنَّ بالسَّنَّور فقال : ( أَهْوَى لهنَّ أَنمَرُ الإهاب ** منهرتُ الشِّدْقِ حديدُ النَّابِ ) كأنما بُرْثِنَ بالحِرابِ

التشبيه بالجرذان
وتُوصَف عضلُ الحفَّار والماتح والذي يعمَل في المعادن فتُشَبَّه بالجُرْذان إذا تَفلَّقَ لحمه عن صلابة وصار زِيَماً قال الرَّاجز : أعدَدتُ للوردِ إذا الوِرْدُ حَفَزْ غَرْباً جَرُوراً وجُلالاً خُزَخِزْ

( وماتِحاً لا ينْثني إذا احتَجَزْ ** كأنَّ جوفَ جلدِه إذا احتَفَزْ ) في كلِّ عُضو جُرَذَينِ أَو خُزَز

أنواع الفأر
والزَّبابُ والخُلْد واليرابيع والجرذان كله فأر ويقال لولد اليرابيع دِرص وأدراص والخلْد أَعمى لا يزال كذلك والزّبابُ أَصمُّ لا يزالُ كذلك وأنشد : ( وهمُ زَبابٌ حائرٌ ** لاَ تسمعُ الآذَانُ رَعْدا ) هكذا أَنشَدونا .
شعر وخبر في الفأر
وأنشد الأصمعي لمزرِّد بن ضِرار في تشبيه الجرع في حُلوق الإبل

بجثمان الزَّبابِ وهو الشكل الذي وصفناه فقال في وصف ضيف له سقاهُ فوصف جَرْعه : ( فقلتُ له اشرب لو وجدتَ بهازراً ** طوالَ الذري من مفرهاتٍ خناجر ) ( ولكنما صادفتَ ذوداً منيحة ** لمثلكَ يأتي للقرى غير عاذرِ ) ( فأهوى له الكفين وامتد حلقهُ ** بجرعٍ كأثباج الزبابِ لازنابر ) وقال أعرابيٌّ وهو يطنُز بغريم له ويذكر قرْض الفأر

الصِّكاك عند فراره منه : الزم الصَّكّ لا يقرِضه الفأر تهزَّؤوا به : ( التابعي ناشراً عندي صحيفته ** في السوق بين قطينِ غيرِ أبرارِ ) ( جاءوا إليّ غضاباً يلغطون معاً ** يشفى إراتهمُ أنْ غابَ أنصارِى ) ( لما أبوا جهرةً إلا مُلازَمَتي ** أجمعتُ مكراً بهم في غير إنكارِ ) ( وقلتُ إني سيأتيني غداً جلبي ** وإن موعدكم دار ابن هبارِ )

( وما أواعدهمْ إلا لأربهمْ ** عني فيخرِجُني نقضي وإمراري ) ( وما جلبتُ إليهم غير راحلة ** تخدي برحلي وسيفٍ جفنهُ عاري ) ( إنَّ القضاءَ سيأتي دونه زمنٌ ** فاطو الصحيفة واحفظها من الفارِ ) ( وصفقةٍ لا يقال الربحَ تاجرها ** وقعتُ فيها وقوع الكلب في النار ) والعربُ تعيبُ الإنسانَ إذا كان ضيِّق الفمِ أو كان دقيقَ الخطم يشبّهون ذلك بفمِ الفأرة وقال عَبْدةَ بن الطبيب : يشبهون ذلك بفهم الفأرة . وقال عبدة بن الطبيب : ( ما معَ أنكَ يومَ الوردِ ذو لغطٍ ** ضخمُ الجزارة بالسلمينِ وكارُ )

( تكفي الوليدة في النادي مؤتزراً ** فاحلب فإنك حلابٌ وصرارُ ) ( ما كنت أولَ ضبٍّ صاب تلعتهُ ** غيثٌ فأمرعَ واسترخت به الدارُ ) ( تدعو بنييكَ عباداً وحذيمةً ** فا فأرة شجها في الجُحر محفارُ )

شعر أبي الشمقمق في الفأر والسنور
وقا لأبو الشمقمق في الفأر والسنور : ( ولقد قلتُ حين أقفرَ بيتي ** من جراب الدقيقِ والفخارَه ) ( ولقد كان آخلاً غير قفر ** مخصباً خيرهُ كثير العماره ) ( فأرى الفأر قد تحنبن بيتي ** عائذاتٍ منه بدار الإماره ) ( ودعا بالرحيل ذبانُ بيتي ** بين مقصوصةٍ إلى طياره ) ( وأقامَ السنورُ منهُ من شدةِ الجو ** عِ وعيش فيه أذى ومراره )

( قلتُ لما رأيتهُ ناكس الرأ ** سِ كئيباً في الجوف منه حراره ) ( ويكَ صبراً فأنتَ من خير سنَّ ** ور رأتهُ عينايَ قطُّ بحاره ) ( قال : لا صبر لي وكيف مقامي ** ببيوتٍ قفر كجوفِ الحماره ) ( قلتُ : سر راشداً إلى بيت جارٍ ** مخصبٍ رحلهُ عظيمِ التجاره ) وإذا العنكبوتُ تغزلُ في دنى ِّ وحبِّي الكوزِ والقرقارَه

( سقط : بيت الشعر ) ( وأصاب الجحام كلبي فأضحى ** بين كلب وكلبة عياره ) وقال أيضاً : ( ولقد قلتُ حين أجحرني البر ** دُ كما تجحرُ الكلابُ ثعاله ) ( في بييتٍ من الغضارة ى ِ قفر ** ليس فيه إلا النوى والمخاله ) ( عطلتهُ الجرذان من قلة الخير ** وطار الذبابُ نحو زُباله ) ( هار بات منهُ إلى كلِّ خصبٍ ** جيدة لمْ يرتجينَ منهُ بلاله ) ( وأقام السنورُ فقيه بشرٍ ** يسأل الله ذا العلا والجلاله ) ( أن يرى فأرةً فلم ير شيئاً ** ناكساً رأسُهُ لطول الملاله ) ( قلت لما رأيته ناكس الرأس ** س كئيباً يمشي على شرِّ حاله ) ( قلتُ صبراً يا نازُ رأسَ السنا ** نير وعللته بحسن مقاله ) ( قال : لا صبر لي وكيف مقامي ** في قفار كمثل بيد تباله ) ( لا أرى فيه فأرة أنغض الرأ ** س ومشي في البيت مشي خَيَاله )

( قلت : سر راشداً فخارَ لك الله ** ولا تعدُ كربجَ البقاله ) ( فإذا ما سمعت أنَّا بخير ** في نعيم من عيشةٍ ومناله ) ( فائتنا راشداً ولا تعدونا ** إن منْ جازَ رحلنَا في ضلاله ) ( ثمَ ولي كأنه شيخُ سوء ** أخرجوه من محبس بكفاله ) وقال أيضاً : ( نزل الفأرُ ببيتي ** رفقةً من بعد رفقه ) ( حلقاً بعد قطارٍ ** نزلوا بالبيت صَفقه )

( ابن عرس رأس بيتي ** صاعداً في رأس نبقه ) ( سيفه سيفٌ جديدٌ ** شقه من ضلعِ سلقه ) ( جاءنا يطرق بالليل ** فدق الباب دقه ) ( دخل البيت جهاراً ** لم يدع في البيت فِلْقه ) ( وتترسْ برغيف ** وصفقْ نازُويه صفقه ) صفقة أبصرتُ منها في سوادِ العين زرقه ( زرقة مثل ابنِ عرس ** أغبشٌ تعلوهُ بلقه ) وقال أيضاً : ( أخذ الفأرُ برجلي ** جفلوا منها خِفَافِي ) ( وسراويلاتِ سوء ** وتبابينَ ضعافِ )

( سقط : بيتين الشعر ) ( درجوا حولي بزفن ** ويضرب بالدفاف ) ( قلت : ما هذا ؟ فقالوا : ** أنت من أهل الزفاف ) ( ساعةً ثمتَ جازوا ** عن هوايَ في خلافِ ) ( نقروا استي وباتوا ** دون أهلي في لحافِي ) ( لعقوا استى وقالوا ** ريحُ مِسك بسلاَفِ ) ( صفعوا نازويه حتى ** استهلَّت بالرُّعافِ )

أحاديث في الفأرة والهرة
يُرْوَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : خمسٌ يُورِثْنَ النسيان : أكلُ التفاح وسُؤر الفأرة والحِجَامةُ في النقرة ونبذُ القَمْلة والبولُ في الماء الراكد .
وابن جُريجٍ قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمعَ جابر بن عبد اللّه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : إِذا رَقَدْتَ فَأَغْلِقْ بابَكَ وخَمِّر إناءَكَ وأوْكِ سِقاءَك وأطْفِئْ مصباحَك فإن الشيطان لا يفتح غَلَقاً

ولا يكشف إناءً ولا يحل وكاءً وإن الفأرة الفُويسقة تحرِّق على أهل البيت .
قالوا : في قول النبي صلى الله عليه وسلم في السنانير : إنهنّ من الطَّوَّافات عليكم وفي تفريقه بين سُؤر السِّنَّور وسُؤر الكلب دليلٌ عَلَى حُبِّه لاتخاذهنَّ وليْس لاتخاذهنّ وجهٌ إلا إفنَاءَ الفأر وقتلَ الجُِرذان فكأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كما أحبَّ استحياءَ السنانير فقد أحبَّ وعن نافع عن ابن عُمَر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : عُذبتِ امرأةٌ في هرّة سجنتْها ويقال : رَبَطَتْها فلم تطْعمها ولم تَسْقها ولم تُرْسِلْهَا تأكل من خَشَاش الأرض .
وعن أبي سلَمة عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : دخلَتِ امرأةٌ ممن كان قبلكم النارَ في هرَّة ربطتها فلا هي

أطعَمَتهَا ولا هي تركتْهَا تُصيب من خِشاش الأرض حتى ماتت فأدخِلَتِ النارَ كلما أقبلَتْ نهشَتْهَا وكلما أدْبرتْ نَهَشَتها .
قال : وذكَرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم صاحبَ المِحْجَنِ يجرُّ قُصْبَه في النار حتى قال : وحتى رأيتُ فيها صاحِبةَ الهِرَّةِ التي رَبَطتهَا فلم تدعْها تأكلُ من خشاش الأرض .

وصف السنور بصفة الأسد
قال ابن يسير في صفة السِّنَّور فوصفه بصفةِ الأسَد إلا ما وصفَه به من التنمير فإن السنوْر يوصفُ بصفة الأسد إذا أرادوا به الصورةَ

والأعضاء والوثوب والتخَلُّع في المشي ألا إن في السنانير السودَ والنُّمر والبُلْق والخلنْجِيَّة وليس في ألوانِ الأسد من ذلك شيء إلا كما تروْنَ في النوادر : من الفأرة البيضاء والفاخِتة البيضاء والوَرَشَان الأبيض والفَرَس الأبيض فقال ابن يسير في دعائهِ على حمام ذلك الجار حين انتهى إلى ذكر السنور : ( مما أُعِيرَ مفر أغضف ضيغمٍ ** عن كلِّ أعصلِ كالسنانِ هصُور )

( متَسربِلٍ ثوبَ الدُّجى أوْ غبشةً ** شبت على متنيه بالتنمير ) ( يختصُّ كلَّ سليلِ سابقِ غايةِ ** محضِ النجارِ مهذبٍ مخبُورِ ) فزع الناقة من الهر وإذا وصفوا الناقة بأنها رُواع شديدة التفزُّع لفَرط نشاطها ومَرَحِهَا وصفوها بأن هِرَّا قد نَيَّبَ في دفِّها وأكثرُ ما يذكرون في ذلك الهِرّ لأنه يجمعُ العضَّ بالناب والخمشَ بالمخالب وليس كل سَبُعٍ كذلك .
وقال ضابئ بن الحارث :

( بأدماءَ حُرجُوجٍ ترى تحتَ غَرْزِها ** تهاويلَ هِرًّاً َوْ تَهاوِيلَ أَخْيَلا ) وقد أوس بن حَجَر : ( كأنَّ هرّاً جنيباً تحتَ مَغْرِضها ** والتَفَّ ديكٌ برجْلَيْهَا وخنزيرُ ) وقال عنترة : ( وكأَنَّما ينأَى بجانبِ دفِّها ال ** وَحْشِيِّ من هَزِجِ العَشِيِّ مُؤوَّمِ ) ( هِرٍّ جَنيبٍ كلما عَطَفَتْ له ** غَضْبَى اتّقَاهَا باليدين وبالفمِ )

السنور في الهجاء
ومما يقع في باب الهجاء للسنور قول عبد اللّه بن عمرو بن الوليد في أمِّ سعيد بنت خالد : ( وما السِّنَّوْرُ في نَفْسِي بأَهلٍ ** لِغِزْلانِ الخمائلِ والبرَاقِ ) ( فطلِّقها فَلَسْتَ لها بأهْل ** ولو أَعْطيْتَ هِنداً في الصَّداقِ )
الرجم بالسنانير
قال صاحب الكلب : قالوا : ولما مات القصبيّ وكان من موالي بني ربيعة بن حنظلة وهو عمرو القصبي ومات بالبصرة رُجم بالسنانير الميّتة قال : وقد صنعوا شبيهاً بذلك بخالد بن طليق حين

زعم أهله أن ذلك كان عن تدبير محمد بن سليمان .
وقالوا : ولم نر الناس رَمَوْا أحداً بالكلاب الميّتة والكلابُ أكثر من السنانير حيَّة وميّتة فليس ذلك إلا لأن السنانير أحقرُ عندهم وأنتن .
استطراد لغوي قال : ويقال للجرذان العِضلان وأولاد الفأرِ أدراص والواحد دِرْص وكذلك أولاد اليرابيع يقال : أدراص ودُروص وقال أوسُ بن حَجَر : قال : واليرابيع ضربٌ من الفأْر قال : ويقال : نفَّق اليربوع ينفِّق تنفيقاً إذا عمل النافقاء وهي إحدى مجاحره ومحافره وهي النافقاء والقاصعاء والدَّامَّاء والراهِطاء وقال الشاعر :

( فَمَا أُمُّ الرُّدَيْنِ وَإنْ أدَلَّتْ ** بِعالمةٍ بأَخْلاقِ الكِرامِ ) ( إذا الشيطانُ قَصَّع في قفَاهَا ** تنفّقْنَاه بالحَبْل التُّؤَامِ ) فإذا طلِبَ من إحدى هذه الحفائر نافق أي فخرج النّافقاء وإن طُلِب من النافقاء قصَّع ويقال : أنفقته إنفاقاً : إذا صاح به حتى يخرُج ونَفِقَ هو : إذا خَرَجَ من النافقاء .

احتيال اليربوع
وفي احتيالِ اليرابيعِ بالنافقاء والقاصِعاء والدَّامّاء والرَّاهطاء وفي جَمْعها الترابَ على نفسِ باب الجُحْر وفي تقدمها بالحيلة والحِراسة وفي تغليطِها لمن أرادها والتَّوريةِ بشيء عن شيء وفي معرفتها بباب الخديعة وكيف تُوهِم عَدُوّها خلاف ما هي عليه ثم في وطئها على زمَعاتها في السهولة وفي الأرض اللينة كي لا يعرِفَ أثرها الذي يقتَصُّه وفي استعمالها

واستعمال بعض ما يقاربها في الحيلة التوبِير والتوبير : الوطْء على مآخِير أكفِّها العجبُ العجيب .
وزعم أبو عَقيل بن دُرُسْت وشدَّادٌ الحارثيّ وحسين الزهريّ أن الزباء الروميّة إنما عمِلت تلك الأنفاق التي ذكرها الشاعرُ فقال :

( أقام لها على الأنفاقِ عَمرٌ و ** ولم تشعُرْ بأَنَّ لَهَا كمينَا ) على تدبير اليرابيع في محافيرها هذه ومخارجِها التي أعدَّتها ومداخِلها وعلى قدر ما يفجَؤُها من الأمر .
وأن أهل تُبَّت والرُّوم إنما استخرجوا الاحتيال بالأنفاق والمطامير والمخارق على تدبير اليرابيع .
اشتقاق المنافق وإنما سمّى اللّه عزّ وجلّ الكافرَ في باطنه المورِّيَ بالإيمان والمستتر

بخلاف ما يُسِرّ بالمنافق على النافقاء والقاصعاء وعلى تدبير اليربوع في التورية بشيء عن شيء قال الشاعر : ( إذا الشيطانُ قَصَّع في قَفَاها ** تنففَّناه بالحَبْل التُّؤَامِ ) وهذا الاسمُ لم يكن في الجاهلية لمن عمِل بهذا العمل ولكن اللّه عزّ وجلّ اشتق لهم هذا الاسم من هذا الأصل .
كلمات إسلامية وقد علمْنا أن قولهم لمن لم يُحجّ : صَرُورة ولمن أدرك الجاهلية والإسلام : مخضرم قولهم وتسميتهم لكتاب اللّه : قرآناً فرقاناً وتسميتهم للتمسُّح بالتراب : التيمُّم وتسميتَهم للقاذف ب فاسق أن ذلك لم يكنْ في الجاهلية .
وإذا كان للنابغة أن يبتدئ الأسماء على الاشتقاق من أصْل اللغة كقوله : والنُّؤيُ كالحَوضِ بالمظْلومة الجَلَد )


وحتى اجتمعت العَرب على تصويبه وعلى اتباع أثره وعلى أنها لغة عربية فاللّه الذي لهُ أصلُ اللغةِ أحقُّ بذلك .
شعر شمّاخ في الزّموع وذكر شمَّاخُ بنُ ضرار الزَّموع وكيف تطأ الأرنبُ عَلَى زَمَعاتها لتغالِطَ الكِلاب وجميعَ ما يطالبها فذكر بديئاً شأْن العَيرِ والعانة فقال : ( إذا ما اسْتافَهُنَّ ضَرَبْنَ منهُ ** مكان الرُّمح من أنف القَدُوعِ ) ( وقد جعَلتْ ضَغَائِنهنّ تبدُو ** بما قد كان نالَ بلا شفيعِ ) ( مُدِلاَّتٍ يُرِدْنَ النّأيَ منه ** وهُنَّ بِعَينِ مُرْتَقِبٍ تَبُوعِ ) ثم أخذ في صفة العُقاب وصار إلى صفة الأرنب فقال : ( كأنَّ مُتُونَهُنَّ مولِّياتٍ ** عِصِى ُّ جناحِ طالبةٍ لَمُوعِ )

( سقط : بيت الشعر ) ( قليلا ما تريث إذا استفادت ** غريض اللحم عن ضرم جزوع ) ثم قال : ( فما تنفكُّ بين عويرضاتٍ ** تجرُّ برأسِ عكرشةٍ زموعِ ) ( تطاردُ سيد صاراتٍ ويوماً ** على خزانِ قارتاتن الجوعِ ) ( تلوذ ثعالبُ الشرفينِ منها ** كما لاذ الغريمُ من التبيعِ ) ( نماها الغزُّ في قطن نماها ** إلى فرخين في وكر رفيع ) ( ترى قطعاً من الأناش فيها ** جماجمهنَّ كالخشل النزيعِ ) والزَّموع : التي تمشي على زَمعاتها : مآخير رِجْليها

قال أبو المفضل : توبِّر بيديها وتمشي عَلََى زَمَعاتها عَلَى رجليها وهي مواضع الثُّنَن من الدوابِّ والزَّمَعِ المعلَّقِ خلفَ الظِّلف من الشاة والظبي والثور قال : وكل ذلك توْبير وهو أن تطأ عَلَى مآخير قوائمها كي لا يعرفَ أثرها إنسانٌ ولا كلب .
وذكر أنها تطاردُ ذئباً مرّةً وخُزَزاً مرةً وهو الذَّكر من الأرانب والعِكْرِشة : الأنثى والخِرْنِق : ولدها فإذا قلتَ أرنب أو عُقاب فليس إلا التأنيث هذه العُقاب وهذه الأرانب إلا أن تقول : خزَز .
وقطَن : جَبَل معروف والأحناش : الحيات وأحناش الأرض : الضبّ والقنفذ واليربوع وهي أيضاً حشرات الأرض فجعل الحيةَ

حنشاً على قولهم : قد آذَتْني دوابُّ رأسي : يعنون القمل )
وعلى قوله تعالى : مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلا دَابَّة الأرضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ .
قال أبو المفضَّل العنبري : ما أراد إلا الحيّات بأعيانها في هذا الموضع فإن العِقبان أسرعُ إلى أكل الحيّات من الحيّات إلى أكل الفأر .
ويدلُّ على أنه إنما أراد رؤوسَ الحيَّات بأعيانِها قوله : ( ترَى قِطعاً من الأحناش فيها ** جَمَاجِمُهُنَّ كالخَشَلِ النزيعِ ) لأن أرؤُسَ الحياتِ سخيفةٌ قليلة اللّحم والعظام فلذلك شبَّهها بالخَشَل النزيع والخشل : المُقْل السخيف اليابس الخفيف .
شعر فيه ذكر المقل والحتيّ قال خلف الأحمر : ( سقى حجاجنا نوء الثريا ** على ما كان من مطل وبخلِ ) ( هم جمعوا النعالَ فأحرزوها ** وسدوا دونها باباَ بقفلِ )

( إذا أهديت فاكهةً وشاةً ** وعشر دجائجٍ بعثوا بنعلِ ) ( ومسواكينِ طولهما ذرَاعٌ ** وعشر من رديِّ المقلِ خشل ) ( أناسٌ تائهونَ لهم رواءٌ ** تغيمُ سماؤهم من غير وبلِ ) ( إذا انتسبوا ففرعٌ من قُريش ** ولكنْ الفعالَ فعالُ عكلٍ ) والحَتِيّ المقلُ عَلَى وجهه وقال أبو ذؤيب : ( لا دَرَّ درِّيَ إن أطعمتُ نازلَهمْ ** قِرْفَ الحتيِّ وعندي البُرُّ مكنوز )

للسنور فضيلة على جميع أصناف الحيوان ما خلا الإنسان
وإذا قال القائل : فلانٌ وضعَ كتابًاً في أصناف الحيوان فليس يدخل فيها الملائكةُ والجنُّ وعلى هذا كلام الناس .
وللحيوان موضع آخر وهو قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : وَإنَّ الدَّارَ الآخرةَ لَهيَ الحَيَوانُ .
قد علمْنا أن العُجْم من السِّباع والبهائم كلما قرُبت من مُشاكلَة الناس كان أشرف لها والإنسان هو الفصيح وهو الناطق .
إطلاق الناطق على الحيوان وقد يشتقُّون لسائر الحيوان الذي يُصَوِّتُ ويصيح اسم الناطق إذا قرنوه في الذكر إلي الصامت ولهذا الفرق أعطوه هذه المشاكلةَ وهذا الاشتقاق فإذا تهيأ من لسانِ بعضها من الحروف مقدارٌ يَفضُلُ به عَلَى مقادير الأصناف الباقية كان أولى بهذا الاسم عندهم

فلما تهيأ للقَطاةِ ثلاثة أحرف قاف وطاء وألف وكان ذلك هو صوتها سمَّوها بصوتها ثم زعموا أنها صادقةٌ في تسميتها نفسها قطا قال الكمِيت : ( كالناطقات الصادقا ** تِ الواسقاتِ مِنَ الذَّخائرْ ) وقال الآخر وذَكرَ القطاة : ( وصادقةٍ قد خَبّرَتْ ما بعَثتْها ** طُرُوقًاً وباقي الليل في الأرض مُسْدِفُ ) فجعلها مُخْبِرة وجعل خبرها صدقًا حين زعمتْ أنها قطًا وإنه كانت القطاة لم تَرُمْ ذلك .
والعرب تتوسع في كلامها وبأي شيء تفاهَم الناسُ فهو بيانٌ إلا أن بعضه أحسنُ من بعض والذي تهيأ للشاةِ قولها : ما ولذلك قال ذو الرُّمة : ( لا يرفعُ الصَّوْتَ إلا ما تخوّنه ** داعٍ ينايه باسم الماء مبغُومُ )

وقال أبو عبَّاد النميريّ لخربَق العُمَيري وكان يتعشَّقه ورآه قد اشترى أُضْحِى ةَ فقال : ( يا ذابح الماه ماه ** فعلْتَ فعل الجفاه ) ( أما رَحِمْتَ مِنَ المو ** تِ يا خريبق شاه ) والصبيان هم الذين يسمون الشاة : ماه كأنهم سموْها بالذي سمعوه منها حينَ جهلوا اسمها .
وزعم صاحبُ المنطق أن كل طائر عريض اللسان والإفصاح بحروف الكلام منه أوجَد .
ولابن آوى صياح يشبهُ صياحَ الصبيان وكذلك الخنزير وقد تهيأ للكلب مثلُ : عَفْ عَفْ ووَوْ ) وَوْ وأشباه ذلك وتهيَّأ

للغراب القاف وقد تهيَّا للهزاردَسْتان وهو العندليب ألوانٌ أُخر وقد تهيَّأ للببغاء من الحروف أكثر فإذا صرْتَ إلى السنانير وجدتها قد تهيَّأ لها من الحروفِ العددُ الكثير ومتى أحبَبتَ أن تعرِفَ ذلك فتسمّعْ تجاوُبَ السنانيرِ وتوعُّدَ بعضها لبعض في جوف الليل ثم احصِ ما تسمعه وتتبَّعْه وتَوَقَّفْ عنده فإنك ترى من عدد الحروف ما لو كان لها من الحاجات والعقولِ والاستطاعات ثمّ ألّفَتْهَا لكانت لغة صالحة الموضع متوسِّطة الحال العلة في صعوبة بعض اللغات واللغاتُ إنما تشتدُّ وتعسُرُ عَلَى المتكلم بها عَلَى قدْر جهله بأماكنها التي وَُضعت فيها وعَلَى قدْر كثرةِ العدد وقلَّته وعلَى قدْر مخارجها وخفَّتها وسَلَسهَا وثقلها وتعقُّدِها في أنفسها كفرق ما بين الزِّنجي والخُوزي فإن الرجل يتنخَّس في بيع الزّنج وابتياعهم شهراً واحداً فيتكلَّمُ بعامّة كلامِهم ويبايع الخُوزَ ويجاورُهم زمانًاً فلا يتعلَّق منهم بطائل .


والجملة : أنَّ مِنْ أعْوَنِ الأسباب عَلَى تعلُّم اللغة فرط الحاجةِ إلى ذلك وعلى قدْر الضرورة إليها في المعاملةِ يكونُ البلوغُ فيها والتقصير عنها .
والسنور يناسبُ الإنسان في أمور : منها أنه يعطِسُ ومنها أنه يتثاءَب ومنها أنه يتمطَّى ويغسل وجهه وعينَيه بلعابه وتلطع الهرّةُ وبرَ جلدِ ولدِها بعد الكبر وفي الصغر حتى يصير كأن الدهان تجري في جلده .
ما يتهيأ للغربان من الحروف ويتهيأ لبعض الغِرْبان من الحروف والحكايةِ ما لا يَعْشِره الببغاء .

نفع الفأر
وزعمت الأطباء أن خُرْءَ الفأر يُسقاهُ صاحبُ الأسر فيُطْلَق عن

بوله والأسر هو حُصر البول ولكن لا يسمّى بذلك وهو الأسر بالألف دون الياء .
ويصيب الصبيَّ الحُصر فيحتمل من خرْء الفأر فيُطْلق عنه فقد تهيأ في خرء الفأر دواءان لداءين قاتلين مجْهزين ولذلك قيل لأعرابيّ قد اجتمعتْ فيه أوجاعٌ شداد : أيَّ شيءٍ تشتكي قال : أمّا الذي يعْمدني فحُصرٌ وأُسْر .

استطراد لغوي
يقال : خَثَى الثور يَخْثي خثْيًا وواحد الأخثاء خِثْيٌ كما ترى .
قال ابنُ الأعرابيّ : لا يكون النّجوُ جََعرًاً حتى يكون يابساً .
ويقال : ونَم الذُّبابُ واسم نجوِه : الونيم وقال الشاعر :

( وقد وَنَمَ الذُّبابُ عليه حتى ** كأنَّ ونِيمهُ نَقْط المِدَادِ ) وهو ونِيم الذُّباب وعُرَّة الطائر وصوم النّعام ورَوث الحمار وبعر البعير والشاةِ والظبي وخِثي البقر .
وقال الزُّبير : منْ أهْدَى لَنَا مِكْتلاً من عُرَّةٍ أّهدَيْيَا لهُ مِكْتَلاً منْ تمر .
قال : العرَّة اسمٌ لجميعِ ما يكونُ من جميعِ الحيوان ولذا قال الزبيرُ ما قال .
قال : ويقال : رَمَصَت الدجاجة وذرقت وسَلَحت فرذا صاروا إلى الإنسان والفأرة قالوا : خرء الإنسان وخُرء الفأرة ويقال

خروءة الفأرة أدخلوا الهاء فيه كما قالوا ذكورة للذُّكران وقد يُستعار ذلك لغير الإنسان والفأرة قالت دَخْتَنُوس بنتُ لقيط بن زُرارة في يوم شِعب جَبَلة : ( فرّت بنو أسَدٍ خرو ** ءَ الطَّير عن أربابها ) فلذلك يقال لبني أسد : خروء الطير وقيل لهم : عبيد العَصَا .
ببيت قاله صاحبهم بشر بن أبي خازم قالها لأوس بن حارثة :

ميسم الشعراء
فيحبُ على العاقل بعدَ أن يعرف مِيسم الشِّعرُ مَضَرّتَه أن يتَّقِي لسانَ أخسِّ الشُّعراء وأجهلهم شِعراً بشِطْر ماله بل بما أمكَن من ذلك فأما العربيُّ أو المولى الرَّاوية فلو خرجَ إلى الشعراء من )
جميع مِلكه لما عنّفْتُه .
والذي لا يكثرث لوقْع نِبَال الشعر كما قال الباخَرْزيّ : ( ما لي أرَى الناسَ يأخُذُونَ ويُعطُو ** نَ ويستَمْتعون بالنَّشَبِ ) ( وأنتَ مثلُ الحمار أبهَمُ لا ** تشكو جراحاتِ ألْسُنِ العَرَبِ ) ولأمر مّا قال حذيفةُ لأخيه والرماحُ شوارعُ في صدره : إياك والكلاَمَ المأثور .


وهذا مذهبٌ فَرَعتْ فيه العربُ جميع الأمم وهومذهبٌ جامع لأسباب الخير .

استطراد لغوي
قال : ويقال لموضع الغائط : الخَلاء والمذْهب والمخْرَج والكنيفُ والحُشُّ والمرحاض والمِرْفق .
وكل ذلك كناية واشتقاق وهذا أيضًاً يدلك على شدة هربهم من الدناءة والفُسولة والفحْش والقذَع .
وخبرني أبو العاص عن يونس قال : ليس الرجيع إلا رجيعَ

القول والسَّفر والجِرَّة قال اللّه تعالى : والسّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وقال الهذليُّ وهو المتنخِّل : ( أبيضَ كالرّجْعِ رسوبٌ ٍ إذا ** ما ثاخ في مُحْتَفَلٍ يَخْتلي ) وفي الحديث : فلما قدِمنا الشامَ وجدْنا مرافقهم قد استُقْبلَ بها القِبْلة فكنَّا ننحَرِف ونستغفرُ اللّه

( شعر ابن عبدل في الفأرة والسنَّور ) وقال ابن عَبدَل في الفأرة والسنَّور : ( يا أبا طلحةًَ الجوادَ أغثني ** بسجالي من سيبك المقسوم ) ( أحي نفسي فدتك نفسي فإني ** مفلسٌ قد علمتَ ذاك عديم ) ( أو تطوعْ لنا بسلفِ دقيق ** أجرُه إن فعلتَ ذاك عظيمْ ) ( قد علمتُم فلا تعامس عنِّي ** ما قضى الله في طعام اليتيم ) أراد : لا تعامَسُوا فاكتفى بالضمة من الواو وأنشد : ( فلو أنَّ الأطبَّاء كان حولي ** وكان مع الأطباء الأساة ) ( وكساء أبيعه برغيفٍ ** قد رقعنا خروقه بأديمْ ) ( وإكاف أعارنيه نَشِيطٌ ** هو لحافٌ لكلِّ ضيف كريمْ )

( ونبيدٍ مما يبيع صُهيبٌ ** يذر الشيخَ رمحه ما يقومْ ) ( ربِّ حلا فقد ذكرتُ أصيصي ** ولحافي حتى يغورَ النجومْ ) ( كل بيت عليه نصفُ رغيف ** ذاك قسمٌ عليهمُ معلومْ ) ( فر منه موليا فارُ بيتي ** ولقد كان ساكناً ما يريمْ ) ( قلتُ : هذا صومُ النصارى فحلوا ** لا تليحُوا شيوخَكم في السَّمومْ ) ( ضحكَ الفأرُ ثم قلن جميعاً ** أهو الحقُّ كلَّ يومٍ تصُومْ ) ( قلتُ : إن البراء قد قامَ في ال ** ناسِ بإذنٍ وأنتَ فينا ذميمْ ) ( حملوا زادهم على خنفسات ** وقراد مخيس مزمُومْ ) ( وإذا ضفدعٌ عليه إكاف ** علموه بعد النفار الرسيمْ ) ( خطموا أنفهُ بقطعة حبل ** يا لقومي لأنفِه المخطُومْ ) ( تصبُوا منجنيقهم حولَ بيتي ** يا لقومي لبيتيَ المهدومْ )

( وإذا في الغباء سمُّ بُرَيص ** قائمٌ فوقَ بيتنا بقدومْ ) ( قلنَ : لولا سنورتاهُ احتفرنا ** مسكناً تحتَ تمرهِ المركوم ) ( إن تُلاقِ سنورَتَاهْ فضاءً ** تذرانا وجمْعُنا كالهزيمْ ) ( عششَ العنكبوت في قعر دنى ** إن ذا من رَزِيتي لعظيم ) ( ليتني قد غمرت تدنى حتى ** أبصرَ العنكبوتَ فيه يعومْ ) ( غرقاً لا يغيثه الدهرَ إلا ** زبدٌ فوقَ رأسهِ مركوم ) ( مخرجاً كفه ينادي ذباباً ** أنْ أغثني فإنني مظلوم ) ( قال ذرني فلنْ أطيقَ دنواً ** من نبيذ يشمه المزكوم )

وقال في الفأر والسنور : ( قد قثال سنورنا وأعهدهُ ** قد كان عضباً مقوهاً لسنا ) ( لو أصبحت عندنا جنازتها ** لحنطت واشترى لها كفنَا ) ( ثم جمعنْا صحابتي وغدوا ** فيهم كريبٌ يبكي وقام لنا ) ( كلُّ عجوزٍ حلو شمائلها ** كانت لجرذانِ بيتنا شحنا ) ( من كلِّ حدباء ذاتِ خشخشةٍ ** أو جرذٍ ذي شوارب أرنا ) ( سقياً لسنورِة فجعتُ بها ** كانت لميثاء حقبةً سكنا ) قال : والفأر ضروب : فمنها الجُرذان والفأر المعروفان وهما كالجواميس والبقر وكالبُخْت والعِراب ومنها الزباب ومنها الخُلدْ

واليرابيع شكلٌ من الفأر اسم ولدِ اليربوع دِرص مثل ولد الفأر .
ومن الفأْر فأرةُ المِسك وهي دويْبةٌ تكونُ في ناحية تُبّت تصادُ لنوافجها وسُرَرِها فإذا اصطادها صائدٌ عصَب سُرّتَها بعصاب شديد وسُرّتها مدلاة فيجتمع فيها دمها فإذا أحكَم ذل ذبحها .
وما أكثَر من يأكلها فإذا ماتت قوّر السرةَ التي كان عصبَها له والفأْرة حيّة ثم دفنها في الشعير حتى يستحيلَ ذلك الدمُ المحتقِنُ هناك الجامدُ بعد موتها مِسكاً ذَكياً بعد أن كان ذلك الدَّمُ لا يُرام نَتْناً .
قال : وفي البيوت أيضاً قد يوجد فأْرٌ مما يقال له : فأْر المسك وهي جرذانٌ سودُ ليس عندها إلا تلك الرائحة اللازمةُ له .
قال : وفي الجِرذان جنْسٌ لها عبثٌ بالعقود والشُّنوف والدراهم والدنانير على شبيه بالذي عليه خُلُق العَقعَق إلا أن هذه الجرذان

تفرح بالدنانير والدراهم وبخشخاش الحلي وذلك أنها تخرجُها من حجورها في بعض الزمان فتلعب عليها وحواليها ثم تنقلها واحداً واحداً حتى )
فزعم الشَّرقيُّ بنُ القُطاميّ وقد رَوَوْهُ عن شَوكَر أن رجلاً من أهل الشام اطَّلع على جُرُذ يُخرجُ من جُحره ديناراً ديناراً فلما رآه قد أخرج مالاً صالحاً استخفَّه الحِرصُ فهمّ أن يأخُذَهُ ثم أدركه الحزْم وفتح له الرزقُ المقسوم باباً من الفطنة فقال : الرأيُ أن أمْسِك عن أخذه ما دامَ يخرجُ فإذا رأيتُهُ يُدخِلُ فعند أَوَّلِ دينار يغيّبه ويُعيده إلى مكانه أثِبُ عليه فأجترفُ المال .


قال : ففعلتُ وعدتُ إلى موضعي الذي كنتُ أراه منه فبينما هو يُخْرجُ إذ ترك الإخراج ثم جعل يرقصُ ويثبُ إلى الهواء ويذهبُ يَمنة ويَسرةً ساعة ثم أخذ ديناراً فولَّى به فأدخله الجُحر فلما رأيتُ ذلك قمتُ إلى الدنانير فأخذتها فلما عادَ ليأخذَ ديناراً آخر فلم يجد الدنانير أقبل يثبُ في الهواء ثم يضربُ بنفسه الأرضَ حتى مات .
وهذا الحديثُ من أحاديثِ النساء وأشباه النساء . ( باب آخر يدَّعونه للفأْر ) وهو الذي ينظر فيه أصحاب الفِراسة في قرض الفأر كما ينظر بعضهم في الخيلان وفي الأكتاف وفي أسرار الكفّ : ويزعمون أنَّ أبا جعفر المنصور نزلَ في بعض القُرَى فقرض الفأْرُ مِسْحاً له كان يجلسُ عليه فبعث به ليُرفَأَ فقال لهم الرفَّاء : إنَّ هنا أهل بيتٍ يَعْرفون بقَرضِ الفأْر ما ينال صاحب المتاعِ من خير أو شر فلا عليكم أن تعرضوه عليهم قبل أَن تصلحوه فبعث المنصورُ إلى

شيخهم فلما وقعت عينُه على موضعِ القرضِ وثَب وقام قائماً ثم قال : مَن صاحبُ هذا المِسح فقال المنصور : أنا فقام ثم قال : السلامُ عليك يا أميرَ المؤمنين ورحمةَ اللّه وبركاتُه واللّه لَتَلِيَنَّ الخِلافة أو أكون جاهلاً أو كذاباً .
ذكر هذا الحديث عَمرو بن مجمِّع السَّكوني الصَّرِيمي وقد قَضَى على بعض البلدان .

فأرة المسك
وسأََلت بعضَ العطارين من أصحابِنا المعتزلةِ عن فأْرةِ المسكِ فقال : ليس بالفأْرة وهو بالخِشف أشبه ثم قصَّ عَلَيَّ شأْن المسك وكيف يُصْطنع وقال لولا أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قد تطيَّب بالمِسْكِ لَمَا تطيّبْت به فأَمَّا الزبادُ فليس مما يقرب ثيابي منه شيء .


قلت له : وكيف يرتَضِع الجديُ من لَبَنِ خنزيرة فلا يحرمُ لحمه قال : لأنَّ ذلك اللبن استحال لحماً وخرجَ من تلك الطبيعة ومن تلك الصورة ومن ذلك الاسمِ وكذلك لحومُ الجلاَّلة فالمسكُ غيرُ الدَّم والخَلُّ غير الخمر والجوهرُ ليس يحرُم بعينه وإنما يحرم للأعراض والعِلَل فلا تَقَزَّزْ منه عند تذكرك الدَّم الحقين فإنه ليس به وقد تتحوَّل النار هواءً والهواءُ ماءً فيصير الشبه الذي بين الماء والنار بعيداً جدّاً .

بيت الفأر
والجِرذانُ لا تحفِرُ بيوتها على قارعةِ طريقِ وتجتنبُ الخفض لمكان المطَر وتجتنبُ الجوَادَّ لأن الحوافر تهدمُ عليها بيوتها فإذا أخرجها وقعُ حافر فرس مع هذا الصَّنيع دلّ ذلك على شدة الجري والوقع وقال امرؤ القيس يصفُ فرسَه : ( فللسوطِ ألهوبٌ وللرجل درةٌ ** وللزجرِ منه وقعُ أهوَجَ منعبِ )

( فأدرك لَمْ يعرق مناطُ عذارهِ ** يدرُّ كخُذْرُوفِ الوليد المثقبِ ) ( ترى الفأر في مستعكد الأرضِ لاجثاً ** إلى جَدَدِ الصحراء من شدِّ مُرَكبِ ) خفاهُنَّ : أظهرهنَّ وقرأ بعضهم : إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أَخْفِيها بفتح الألف أي أظهرها وقال امرؤ القيس : ( فإن تَدْفِنُوا الداءَ لا نخْفِهِ ** وإن تبعثوا الحربَ لا نقعُدِ )

وقال أعرابيّ : إن بني عامرٍ جَعَلَتنِي على حنديرة أعينُها تريد أن تختفيَ دمي .
وقال أبو عبيدة : أربعة أحرف تهمزُها عُقَيل من بين جميع العرب تقول : فأرة ومُؤْسَى وجُؤْنة وحُؤت .
فأصناف ما يقع عليه اسمُ الفأرة : فأرة البيش وفأرة البيت

وفأرة المِسْك وفأرة الإبل وفي فأرة المسك يقول حُمَيْدٌ الأرقَط : ( مَمْطورَة خالَطَ منها النَّشْرُ ** ذا أرَجٍ شُقِّقَ عنه الفأْرُ )
وفي فأرة الإبل قال الشاعر : ( كأَنّ فأرةَ مِسْك في مباءتها ** إذا بدا من ضياء الصُّبح تبشيرُ ) وهذا شبيهٌ بالذي قال الراعي وليس به : ( تبيتُ بناتُ القَفْر عند لَبَانِهِ ** بأَحْقَفَ من أنقاء تُوضِحَ هائلِ ) ( كأَن القِطارَ حرَّكتْ في مَبِيته ** جَذِيّةَ مِسكٍ في مُعَرَّس قافِلِ )

الأصمعي وأبو مهدية قال الأصمعيّ : قلت لأبي مهدية : كيف تقول : لا طيبَ إلا المِسْك قال : فأين أنتَ من العنبر قال : فقلت : لا طيب إلا المسك والعنبر قال : فأَين البان فقلتُ : لا طيب إلا المسك والعنبر والبان قال : فأَين أنت عنْ أدهان بحَجْر قال : فقلت : لا طيب إلا المسك والعنبر والبان قال : فأين أنت عن أدهان بحجرْ قال : فقلت : لا طيب إلا السك والعنبر والبان وأدهان بحَجْر قال : فأَين فأْرة الإبل صادرة قال الأصمعيّ : وفأْرة الإِبل .

فأرة البيش والسمندل
وفأْرة البيش دوْيَّبة تغْتذِي السُّمومَ فلا تضرها والبِيش سمّ وحكمه حُكم الطائر الذي يقال له : سَمَنْدَل فإنه يسقُط في النار فلا يحترق ريشَه .


ما لا يقبل الاحتراق ونُبِّيت عن أمير المؤمنين المأْمون أنه قال : لو أُخِذَ الطُّحْلَب فجفف في الظِّلِّ ثم أسقِطَ في النِّيران لم يحترق .
ولولا ما عاينوا من شأْن الطَّلَق والعُود الذي يُجاء به من كَحِرْ لاشتدَّ إنكارهم .
وزعم ابن أبي حرب أن قَيسّاً راهنَ عَلَى أن الصليبَ الذي في عُنقه من خشبٍ أنه لا يحترق لأنه من العود الذي كان صُلب عليه المسيح وأنه كان يفْتن بذلك ناساً من أَهل النظر حتى فطن له بعضُ المتكلمين فأَتاهم بقطعة عودٍ يكون بكِرمان فكان أبقى عَلَى النار من صليبه .

مساوي السنانير
قال صاحب الكلب : والسنور لصٌّ لئيم وشَرِهٌ خَؤُون فمن ذلك أن صاحب المنزل يرمي إليه ببعض الطعم فيحتملُه احتمالَ المُريب واللصِّ المغير حتى يُولج به خَلْفَ حُبّ أو رَاقود أو عِدْلٍ أو حطب ثم لا يأْكله إلا وهو يتلفَّت يميناً وشمالاً كالذي يخافُ أن يُسْلَبَ ما أُعطيَ أو يُعْثَرَ على سَرِقته فيعاقَب ثم ليس في الأرض خِبْثَةٌ إلا وهو يأْكلها مثل الخنافس والجِعْلان وبناتِ وَردان والأوزاغ والحيّاتِ والعقاربِ والفأْر وكلِّ نتن وكل خبْثة وكلِّ مستقذَر .
وهذه الأنعامُ تدخل الغيض فتجتنبُ مواضع السمومِ بطبائعها وتتخطاها ولا تلتفت لِفْتها وربما أشكل الشيءُ على البعير فيمتَحِنُه

بالشَّمة الواحدة فلا تغلط الإبلُ إلا في البيش وحده ولا تغلط الخيل إلا في الدِّفلى وحدَه .
والسنانيرُ تموت عن أكْل الأوزاغ والحيّات والعقارب وما لا يحصى عدده من هذه الحشرات فهذا يدلُّ عَلَى جهل بمصلحةِ المعاش وعَلَى حسٍّ غليظ وشَرَهٍ شدِيد . هَيْج الحيوان قالوا : وكل أنثى من جميعِ الحيوانِ ما خلا المرأةَ فلا بدَّ لها من هَيج في زمان معلوم ثم لا يُعْرف ذلك منها وفيها إلا بالدلائل والآثار أو ببعض المعاينة .
وإناثُ السنانير إذا هجن للسِّفاد آذَيْن بصياحهنَّ أهلَ القبائل ليلاً ونهاراً بشيء ظاهر قاهر عليّ لا يعتريهن فَترةٌ ولا مَلالةٌ ولا سآمة فربَّ رجُل حُرٍّ شديدِ الغَيرة وهو جالسٌ مع نسائه وهُنَّ يتردّدْن عَلَى مثل هذه الهيئة ويصرُخْن في طلب السِّفاد فكم من حرة قد خجِلت وحُرّ قد انتقضت طبيعته .


وليس لشيء من فحولتها مثلُ ذلك فكل جنس في العالم من الحيوان فذكورته أظهر هيجاً إلا السَّنانير .
وليس لشيء من فحولة الأجناس مثلُ الذي للجمل من الإزباد وهِجْران الرَّعْي وتركِ الماء حتى تنضمَّ أياطله ويتورَّمَ رأسُه ويكون كذلك الأيامَ الكثيرة وهو في ذلك الوقت لو حُمِّل على ظهره مع امتناعه شهراً من الطعام ثلاثةَ أضعافِ حِمْله لحملَهَا .
المكي وإسماعيل بن غَزْوان ونظر المكيّ إلى جمل قد أزبدَ وتلغّم وطار على رأسه منه كشقَق البِرْسِ وقد زمّ بأنْفه وهو )
يهدر ويقبقب لا يعقل شيئاً إلا ما هو فيه فقال لإسماعيل بن غزوان : واللّه لودِدْت أن أهل البصرةِ رأوني يوماً واحداً إلى الليل عَلَى هذه الصفة وأَنِّي خرجتُ من قليلِ مالي وكثيره فقال له إسماعيل : وأي شيء لك في ذلك قال : كنت واللّه لا أصبح حتى يوافِيَ داري جميعُ نساء أهل البصرة وجَواريكَ فيهنَّ فلا أبدأ إلا بهنّ قال إسماعيل : إنك واللّه ما سبقتَني إلا إلى القول وأما

حال بعض الحيوان عند معاينة الأنثى وللحمار والفرَس عندَ معايَنَةِ الحِجْر والأتان هَيْجٌ وصياحٌ وقلق وطلب والجملُ يقيم على تلك الصِّفةِ عاين أو لم يعاين ثم يُدنى من هذه الذُّكورة إناثُها فلا تسمحُ بالإمكان إلا بعد أن تسوَّى وتُدَارَى .

مقارنة بين السنور والكلب
قالوا : والسنانير إذا انتقل أربابها من دارٍ إلى دارٍ كان وطنُها أحبَّ إليها منهم وإن أثبَتت أعيانهم فإن هم حوّلوها فأنكرت الدار لم تقِمْ عَلَى معرفتهم فربما هربت من دارهم الحادثة ولم تعرف دارَهم الأولى فتبقى متردِّدة : إما وحْشية وإما مأخوذةً وإما مقتولة .
والكلب يخلِّي الدار ويذهب مع أهل الدار والحمام في ذلك كالسنور .

اختلاف أثمان السنور
قال صاحب الكلب : السنور يسوَى في صغره دِرهماً فإذا كبر لم يَسْوَ شيئاً وقال العمّيّ : ( فإنَّكَ فيما قد أَتَيْتَ من الْخَنَا ** سَفاهاً وما قد رِدْتَ فيهِ بإفراطِ ) ( كسِنَّوْرِ عَبْدِ اللّه بِيعَ بدِرْهَمٍ ** صغيراً فلمّا شَبَّ بِيعَ بقيراطِ ) وصاحب هذا الشعر لو غَبرَ مع امرئِ القيس بن حُجْر والنابغةِ الذُّبياني وزهير ابن أبي سُلْمَى ثم مع جرير والفرزدق والراعي والأخطل ثم مع بشار وابن هَرْمة وابن أبي عُيينة ويحيى بن نوفل

وأبي يعقوب الأعور ألف سنة لما قال بيتاً واحداً مرضياً أبداً .
وقد يضاف هذا الشعر إلى بشَّار وهو باطل . حُلاق الحيوان وزعم لي مَنْ لا أردُّ خبرَه أن الحُلاقَ قد يَعرض للسنانير كما يعرِض للخنازير والحمير .
وزعم لي بعضُ أهلِ النظر أنّ الزِّنج أشبهوا الحميرَ في كلِّ شيء حتى في الحُلاق فإنه ليس على ظهرها زنجيٌّ إلا وهو حَلَقيّ .
وقد غلط ليس عليها زنجيٌّ عليه مَؤُونة من أن يُنَاك وليس هذا تأويلَ الحُلاق وتأويلُ الحُلاق أن يكون هو الطالب .
والنبيذ يهتِكُ ستر الحَلَقيّ وينقُضُ عزْم المتجَمِّل وهم يشربون النبيذ أبداً وسوءُ الاحتمال له وسرعة السكْر إليهم عامٌّ فيهم .
وعندنا منهم أممٌ فلو كان هذا المعنى حقّاً لكان علمُه ظاهراً فخبَّرني صاحبُنَا هذا أن في منزل أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكِنْدي هرّين ذكرَين عظيمين يكونُ أحدُهما الآخَر ، وذلك كثيرا

ما يكون . وأن المنكوح لا يمانع الناكح ، ولا يلتمس منه مثل الذي يبذله له .

أكل الهرة أولادها
قالوا : والهرة تأكل أولادَها فكفاك بهذه الخصْلة لُؤْماً وشَرَهاً وعُقوقاً وغِلظَ قلب وقال السيِّد الحميريِّ وذكر مَسيرَ عائشة رضي اللّه تعالى عنها إلى البصرةِ مع طلحةَ والزُّبير حينَ شهِدَتْ ما لم يشهَدَا وأقدمت على ما نكَصا عنه : ( جاءت مع الأشقَينَ في هَودجٍ ** تُزْجي إلى البَصرةِ أجنادَها ) ( كأَنَّها في فِعْلِهَا هِرَّةٌ ** تُرِيد أن تأكلَ أولادها ) ولبئس ما قال في أُمِّ المؤمنين وبنت الصدّيق وقد كان قادراً على أن يوفِّر على عليٍّ رضي اللّه عنه فضْله من غير أن يشتُم الحَوَارِيِّينَ وأُمّهَاتِ المؤمنين ولو أراد الحقَّ لسار فيها وفي ذكرها سيرةَ علي بن أبي طالب فلا هو جعل عليّاً قدوة ولا هو رعَى للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حرمة .


وذكورة سنانير الجيران تأكلُ أولادَ الهرة ما دُمنَ صغاراً أو فوقَ الصغار شيئاً وتقتلها وتطلبها أشدَّ الطلب والأمهات تحرُسها منها وتقاتلُ دونَها مع عجزها عن الذكورة .
الألوان الأصيلة في الحيوان قال أبو إسحاق : السنور الذي هو السنور هو المنمّر وهو الأنمر وهو الذي يُقال له : البقّاليّ وذلك لكثرة اتخاذ البقالين لها من بين سائر السنانير لأنها أصيد للفأر .
قال : وجميعُ ألوانِ السنانير إنما هي كالشِّياتِ الدَّاخلةِ على اللون .
قال : وكذلك الحمار إنما هو الأخضر والألوانُ الأُخَرُ داخلةً عليه .
قال : فأَما الأسدُ فليْستْ بذاتِ شيات ولا تعدو لوناً واحداً ويكونُ ذلك اللونُ متقارباً غير متفاوتٍ .

أحوال إناث السنانير وذكورها
قال : ومن فضيلةِ ما في السنانير أنها تضَعُ في السَّنَةِ مرتين وكذلك الماعزة في القرى إلا ما داس الحبَّ .


قال : ويحدُث لإناث السنانير من القوة والشجاعة إذا كامها الفحل وهرب منها عند الفراغ فلو لِحقَتْهُ قطَّعته .
ويحدثُ للذكر استخذاءٌ كما يحدُث للذئب القويِّ إذا ناله الخدشُ اليسير ويحدث للضعيف من الجرأةِ عليه حتى يثبَ عليه فيأْكلَه فلا يمتنعَ منه كما قال الشاعر : ويحدث مثلُ ذلك للجرذ إذا خُصِي من الحَرْد على سائر الجِرذان حتى يثب فيقطِّعها وتهرب منه ضعفاً عنه .
وسائرُ الحيوانِ إنما يعتريه الضَّعفُ عن أمثاله إذا خُصي وترك أمثالُه على حالها .
قول زَرَادشت في الفأر والردُّ عليه ثم رجَعنا إلى قول زَرادُشتَ في الفأْر .
زعم زَرَادُشتُ أن الفأْرة من خَلْق اللّه وأن السنَّوْرَ من خَلْق الشيطان فقيل للمجوس : ينبغي على أصل قولكم أن يكون الشيءُ

الذي خلق اللّهُ خيراً كله ونفعاً كلُّه ومرفقا كله ويكونَ ما خلقَ الشيطان على خلافِ ذلك ونحن نجدُ عياناً أن الذي قلتم به خطأ رأينا الناس كلهم يرون أن الفأرَ بلاءٌ ابتلوا به فلم يجدوا بدّاً من الاحتيالِ لصرْف مضرَّته كالداء النازل الذي يلتمسُ له الشفاء ثم وجدناهم قد أقاموا السنانير مُقامَ التداوي والتعالُج وأقاموا الفأر مُقامَ الداء الذي أنزله اللّه وأمر بالتداوي منه فاجتلبوا لذلك السنانير وبناتِ عِرْس ثم نصبوا لها ألوانَ الصيَّادات وصنعوا لها ألوان السُّموم و المعجونات التي إذا أكلت منها ماتَت واسْتَفْرَهُوا السنانير واختاروا الصيَّادات .
واجتَبوا السِّنَّور دون ابن عِرس لأن ابنَ عِرسٍ يعمل في الفأر والطير كعَمل الذِّئبِ بِالغنم فأوّل ما يصنع بالفريسة أن يذبَحها ثم لا يأْكلُها إلا في الفَرْط والسّوْر يقتل ثم يأكل فالفار من السنورِ أشدُّ فَزَعاً وهو الذي قوبل به طباعها وطباعه .
وكما أن الذي يأكل الدجاجَ كثيرٌ وأن الذي جُعِل بإزائِه ابن آوى وكما أن الذي يأكل الغَنمَ كثيرٌ والذي جعِلَ بإزائها الذئب . )


والأسد أقوى منه على النعجة والنَّعجة من الذِّئب أشد فَرَقا .
والحيَّاتُ تُطَالِبُ الفأرَ والجِرذان وهي من السنور أشد فزَعاً .
وإن كان في الجُرذان ما يُساوي السنور فإنها منه أشد فزعاً .
فإن كنتم إنما جعلتموه من خلْق الشيطان لأكْلِهِ صِنفاً واحداً من خلق اللّه فالأصناف التي يأكلُها من خَلق الشيطان أكثر .
وزعم زَرَادُشْت أن السِّنَّوْرَ لو بال في البحر لقَتَلَ عشرة آلافِ سَمَكة .
فإن كان إنما استبْصَر في ذمِّه في قتل السمك فالسمكُ أحقُّ بأنْ يكون من خلق الشيطان لأن السمكَ يأكلُ بعضه بعضاً والذكر يتبع الأنثى في زمان طرْح البيض فكلما قذفتْ به التهمه وإن غرِق إنسان في الماء بحراً كان أو وادياً أو بعضُ ذواتِ الأربع فالسمكُ أسرعُ إلى أكله من الضِّباع والنسورِ إلى الجِيَف .
وعلى أنَّ اعتلاله على السنور وقوله : لو بال في البحر قتل عشرة آلافِ سمكة فما يقول فيمن زَعَم أن الجُرذَ لو بالَ في البحر قَتَلَ

مائة ألف سَمَكة وبأي شيء يَبين منه وهل ينبغي لمن كسر هذا القول الظاهر الكسْر المكشوف المُوق أن يفرح وهل تقرُّ الجماعةُ والأممُ بأنَّ في الفأر شيئاً من المرافق وهل يُمازجُ مضَرَّتَها شيءٌ من الخير وَإن قلَّ أو ليست الفأْرُ والجِرذانُ هي التي تأْكل كُتُبَ اللّه تعالى وكتبَ العِلْم وكتب الحساب وتقرِض الثِّيَابَ الثمينةَ وتطلب سِرَّ نوى القطن وتُفسد بذلك اللُّحُفَ والدَّواويج والجباب والأقبية والخفاتين وتحسُو الأدهان فإن عجزتْ أفواهُها أخرجَتْهَا

بأَذنابها أو ليست التي تنقب السِّلال وتقرض الأوكية وتأكل الجُرُب حتى يُعلَّقَ المتاعُ في الهواء إذا أمكن تعليقُه .
وتجلبُ إلى البيوتِ الحيّاتِ للعداوة التي بينها وبين الحيَّات و لحرْص الحيَّات على أكلها فتكون سبباً في اجتماعها في منازلهم وإذا كثُرن قتلنَ النفوس .
وقال ابن أبي العجوز : لولا مكان الفأر لما أقامت الحيَّاتُ في بيوت الناس إلا ما لا بال به من الإقامة .
وتقتل الفسيل والنخل وتهلك العلفَ والزرع وربما أهلكن القَرَاحَ كله وحملْنَ شعير الكدْس وبُرَّه .
أو ليس معلوماً من أخلاقها اجتذابُ فتائل المصابيح رغبةً في تلك الأدهان حتى ربما جذَبتْها )
جهلاً وفي أطرافها الأخر السُّرج

تستوقد فتحرق بذلك القبائلَ الكثيرة بما فيها من الناس والأموال والحيوان .
وهي بعدُ آكل للبيض وأصناف الفِراخ من الحيَّات لها .
فكيف لم تكن من هذه الجهة من خَلْق الشيطان .
هذا وبين طِباعها وطِباع الإنسانِ مُنافرةٌ شديدةٌ ووَحْشةٌ مفْرِطة وهي لاتأنسُ بالناس وإن طالتْ معايشتُها لهم والسِّنَّوْرُ آنسُ الخلق بهم .
وكيف تأنس بهم وهم لا يُقلعون عن قتلها ما لم تقلع هي عن مَساءتهم فلو كنَّ مما يؤكل لكان في ذلك بعض المرفق فكيف وإنها لتُلقى في الطريق ميّتة فما يعرض لها الكلبُ الجائع .
فالأمم كلها على التفادي منها واتخاذ السنانير لها .
وزَرَادُشْت بهذا العقل دعا الناس إلى نكاح الأمهات وإلى

التوضؤ بالبول وإلى التوكيل في نيك المُغِيبات وإلى إقامة سُورٍ للسُّنْبِ وصاحب الحائض والنفساء .
علة نجاح زرادشت ولولا أنَّه صادف دهراً في غاية الفسادِ وأُمَّةً في غاية البُعْد من الحرية ومن الغَيْرة والألفة ومن وقد زعم ناسٌ أن ذلك إنما كان وإنما تمَّ لأنه بدأ بالملك فدعاه على قدْر ما عرَف من طباعه وشهوته وخُلُقه فكان الملكُ هو الذي حَمَل على ذلك رعيَّتَه .
والذي قال هذا القولَ ليس يعرف من الأمور إلا بقدر ما باينَ به العامّة لأنه لا يجوز أن يكون الملكُ حملَ العامّة على ذلك إلا بعد أن

يكون زَرَادشتُ ألْفى على ذلك الفسادِ أجنادَ الملك ولم يكن الملك ليقوى على العامة بأجناده وبعشرة أضعاف أجناده إلا أن يكون في العامة عالمٌ من الناس يكونون أعواناً للأجناد على سائر الرعية .
وعلى أن الملوكَ ليس لها في مثل هذه الأمور عِلَّةٌ تدعو إلى المخاطرةِ بملكها وإنما غايةُ الملوكِ كل شيء لابد للملوك منه فأمَّا ما فضَل عن ذلك فإنها لا تخاطر بأصول المُلك تطلُب الفضول إلا من كان مُلْكه في نصاب إمامة وإمامتُه في نصاب نُبوّة فإنه يتَّبع كلّ شيء توجبه الشريعة وإن كان ذلك سبيلَ الرأي لأن الذي شرع الشريعة أعْلَمُ بغيب تلك المصلحة وقد ينبغي أن يكون ذلك الزمان كان أفسدَ زمان وأولئك الأهل كانوا شرّ أهل ولذلك لم تر قطُّ ذا دين تحوّل إلى المجوسِيَّة عن دينه ولم يكن ذلك المذهبُ إلا في شِقِّهِم وصُقْعهم من فارسَ )
والجبالِ وخراسان وهذه كلها فارسية .
أثر البيئة في العقيدة فإن تعجّبْت من استسقاطي لعَقْلِ كِسْرَى أبرَويز وآبائه

وأحْبَائه وقَرابينه وكُتَّابه وأطبائه وحكمائه وأساورته فإني أقول في ذلك قولاً تَعرف به أني ليس إلى العصبيّة ذهبت .
اعلم أني لم أعْنِ بذلك القولِ الذين وُلدوا بعدُ على هذه المقالة ونشؤوا على هذه الدِّيانة وغُذُوا بهذه النِّحلة ورُبُّوا جميعاً على هذه الملة فقد علِمْنا جميعاً أن عقولَ اليونانيةِ فوقَ الدِّيانة بالدهرية والاستبصار في عبادة البروج والكواكب وعقول الهند فوقَ الديانة بطاعة البُدِّ . وعبادة البِدَدَة وعقول العرب فوق الدِّيانة بعبادة الأصنام والخشب المنجور والحجر المنصوب والصخرة المنحوتة .
فداء المنشأ والتقليد داءٌ لا يُحْسِنُ علاجَه جالينُوس ولا غيرُه

من الأطباء وتعظيمُ الكبراءِ وتقليدُ الأسلاف وإلْفُ دينِ الآباء والأُنس بما لا يعرفون غيره يحتاج إلى علاج شديد والكلام في هذا يطول .
فإن آثرت أن تتعجب حتى دعاك التعجُّب إلى ذكر أبرويز فاذكر ساداتِ قُريش فإنهم فوق كسرى وآل كسرى .

دفاع صاحب السنور
وقال المحتجُّ للسنانير : قد قالوا : أبر من هرَّة وأعق من ضَبٍّ وهذا قول الذينَ عاينوها تأكلُ أولادها وزعموا أن ذلك من شدة الحبِّ لها وقال بعضهم : إنما يعتريها ذلك من جنونٍ يعتريها عند الولادة وجوعٍ يذهبُ معه علمها بفرْقِ ما بين جِرائها وجِراء غيرها من الأجناس ولأنها متى أُشْبِعَتْ أو أطعمت شِطْرَ شِبَعها لم تعرض لأولادها والرد على الأمم أمثالها عملٌ مسخوط والعربُ لا تتعصب للسنّور عَلَى الضبِّ فيُتوهَّم عليها في ذلك خلافُ الحقِّ وإنما هذا منكم عَلَى جهة قولكم في السنور إذا نَجَث لنجْوه ثم ستره ثم عاودَ ذلك المكان

فشمّه فإذا وجد رائحةً زاد عليه من التراب فقلتم : ليس الكرمَ وستر القبيح أراد وإنما أراد تأنيس الفأر فنحنُ لا نَدَعُ ظاهر صنيعَه الذي لا حُكم له إلا الجميل لِمَا يدّعي مُدّعٍ من تصاريفِ الضمير وعلى أن الذي قلْتموه إن كان حقّاً فالذي أعطيتموه من فضيلة التدبير أكثر مما سلبْتموه من فضيلة الحياء .
العيون التي تسرج بالليل قال : والعيون التي تُسرج باللي : عيون الأسْد والأفاعي والسنانير والنُّمور .
والأُسْدُ سُجْر العيون وعيون السنانير منها زُرق ومنها ذهبية كعيون أحرار الطير وعِتاقها ( ثَريدٌ كأنّ السّمْنَ في حَجَرَاتِه ** نُجومُ الثُّريَّا أو عُيُون الضَّيَاوِنِ ) الضَّيون : السّنّور .


تحقيق في الألوان وإذا قال الناس : ثوب أزرق فإنهم يذهبون إلى لون واحد وإذا وصفوا بذلك العينَ وَقَعَ على لونين لأن البازي يسمى أزرق وكذلك العقاب والزُّرَّقُ وكل شيء ذهبيُّ العَين فإذا قالوا : سنور أزرق لم يُدْرَ أذهبوا إلى ألوان الثياب أم إلى ألوانِ عيون البزاة .
وقد قال صُحَارٌ العبديُّ حين قال له معاوية : يا أزرق قال : البازي أزرَق وأنشد : ( ولا عَيْبَ فيها غيرَ شُكْلَةِ عينِها ** كذاك عِتاقُ الطيرِ شُكْلٌ عيونُها ) والذهب قد يقال له أصفر ويقال له أحمر .
وقال بعض بني مَرْوَانَ لبعض ولد متمِّم بن نُويرة : يا أحمر قال : الذهَب أحمر فلذلك زعم أن ) عِتاقَ الطير شُكلٌ عيونها .
وقال الأخطل : ( وما زالت القَتْلَى تمُورُ دماؤُهم ** بدِجْلَةَ حتى ماءُ دِجلة أشكلُ ) فالشُّكلة عندهم تقع على الصُّفرة والحمرة إذا خالطا غيرهما .

الزرق العيون من العرب
فمن الزرق من الناس صُحارٌ العبديُّ وعبدُ الرحمن ابنُه وداوُد بن متمِّم بن نويرة والعباس بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ومرون بن محمد بن مروان وسعيد بن قيس الهمداني وزرقاءُ اليمامة وهي عَنْز من بنات لُقمان بن عادِيا .
ومن الزُّرق ممن كانوا يتشاءمون به : قيس بن زهير وكان أزرق وكان بكراً وابن بِكْرين وكانت البسوسُ زَرْقَاءَ وبكراً بنتَ بِكرين ولها حديث لا أحقّه .
وكانت الزّبّاء زرقاء والزرْق العيون من بني قَيس بن ثعلبةَ منهم المرقِّشان وغيرهما .


الحمر الحماليق من العرب والحمرُ الحماليق من بني شيبان وكان النعمان أزرقَ أقشرَ أحمرَ العينين أحمر الحماليق وفيه يقول أبو قُردودة حين نهى ابن عمار عن منادَمته : ( إني نهيتُ ابنَ عمار وقلتُ له ** لا تأمننْ أحمرَ العينينِ والشعرَهْ ) ( إن الملوك متى تنزلْ بساحتهمْ ** تطر بنارك من نيرانِهم شرره ) ( يا جفْنَةً كإزاء الحوض قد هدموا ** ومنطقاً مثلَ وشي اليمنةِ الحبرهْ ) شعر في الزرق وقال عبد اللّه بن همام السّلوليّ : وقال آخر : ( لقد زَرِقَتْ عيناك يا ابنَ مُكَعْبِرٍ ** كما كلُّ ضَبِّيٍّ من اللؤمِ أزرقُ )

وفي باب آخر يقول زُهير : ( فلما ورَدْنَ الماءَ زُرْقاً جِمامُه ** وَضَعْنَ عِصِيَّ الحاضر المتخيِّم ) معارف في حمرة العين وقال يونس : لم أرَ قرَشِيّاً قطُّ أحمرَ عروقِ العينين إلا كان سيِّداً شُجاعاً .
وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان أشكلَ العينين ضليع الفم . )
شعر في الدعاء على الفأر قال : ونزل أبو الرِّعْل الجرميّ بعض قرى أنطاكيَةَ فلَقي من جِرذانها شرّاً فدعا عليها بالسنانير فقال : ( يا رب شُعْثٍ بري الإسآد أوجههم ** ومُنْزِلَ الحُكم في طه وحاميمِ )

( أتحْ لشيخٍ ثوي بالشام مُغْترباً ** نائي النصير بعيدِ الدار مهمومِ ) ( تكنَفَتْهُ قريباتُ الخطة دُكُنٌ ** وقصُ الرقابِ لطيفاتُ الخراطيم ) ( حجنُ المخالب والأنياب شابةٌ ** غلبُ الرقاب رحيباتُ الحيازيمِ ) ( حتى أبيتَ وزادي غير منعكمٍ ** على النزيل ولا كرزي بمعكومِ ) وأنشدَني ابنُ أبي كريمة ليزيدَ بنِ ناجِيَة السَّعْدي : سعدِ بن بكر وكان لقيَ من الفأرجَهْداً فدعا عليهنّ بالسنانير فقال : ( أزهير مالك لا يهمك ما بي ** أخزى إله محمد أصحابي ) ( كحلُ العيون صغيرة آذانُها ** جُنح الحنادِس يعتورْنَ جِرابي ) ( شُمُّ الأنوفِ لريح كلِّ قفيةٍ ** يلحظنَ لحظ مروعٍ مرتابِ )

( دُكْنُ الجباب تدرعتْ أبدانها ** صُعلُ الرُّؤوسِ طويلةَ الأذنابِ ) ( شُخُت المخالب والأنايبِ والشوى ** ثجْل الخصور رَحيبة الأقرابِ ) ( أسقَى الإلهُ بلادهنَّ سحائباً ** غُرّ النَّشَاصِ بعيدةَ الأطنابِ ) ( تَرمِي بغُبْسٍ كالليوث تسَرْبَلَتْ ** منها الجلودُ مدارعَ السنجابِ ) ( غُلب الرِّقاب لطيفة أعجازُها ** فُطحِ الجباهِ رهيفةِ الأنيابِ ) ( مُتبهنْسَاتٍ للطرادِ كأَنها ** آسادُ بيشةَ أُدمجت بخضابِ ) ونحن نظنُّ أَنّ هذه القصيدةَ من توليد ابنِ أبي كريمة

معارف في السنور والسنّور ثاقبُ البصر بالليل وكذلك الفأرة سوداءُ العينين وهي في ذلك ثاقبة البصر .
والسنَّوْرُ ضعيفُ الهامة وهامته من مَقاتِله ولا يستطيعُ أنْ يذوقَ الطعامَ الحارّ والحامضَ . ( مقارنة بين السِّنور والكلب ) قال : وللسنور فضيلةٌ أخرى : أنه كثيرُ الأسماء القائمةِ بأنفسها غير المشتقات ولا أنها تجمع الصفاتِ والأعمالَ بل هي أسماءٌ قائمةٌ من ذلك : القطُّ والهِرُّ والضَّيْوَن والسنَّوْر .
وليس للكلب اسمٌ سِوَى الكلبِ ولا للدِّيك اسمُ إلا الديك .
وليس للأسد اسمٌ إلا الأسد اللَّيث وأمَّا الضيغم والخنابس والرِّئبالُ وغيرها فليست بمقطوعة والباقي ليست بأسماءٍ مقطوعةٍ ولا تصلح في كل مكان .


وكذلك الخمر فإذا قالوا : قهوة ومدامةً وسُلاَف وخَنْدَرِيسٌ وأشباه ذلك فإنما تلك أسماءٌ مشتركة وكذلك السيف وليس هذه الأسماءُ عند العامة كذلك .
قال : وعلى السّنور من المحبة ولا سيما من مَحَبَّة النِّساء ومعه من الإلف والأنس والدنُوِّ والمضاجعةِ والنوم في اللِّحاف الواحد ما ليس مع الكلب ولا مع الحمام ولا مع الدَّجاج ولا مع شيء مما يعايش الناس .
هذا ومنها الوحشي والأهليّ فلولا قُوّةُ حبِّه للناس لما كان في هذا المعنى أكثرَ من الكلابِ والكلاب كلّها أهلية .
قالوا : وليس بعجيبٍ إن يكون الكلبُ طيِّبَ الفم لكثرةِ ريقه ولبُعد قرابَتِه ومشاكَلَته للأَسد وإنما العجبُ في طيبِ فم السنَّور وكأنه في الشّبه من أشبال الأسد .
ومن يُقَبِّل أفواه السنانير وأجْراءها من الخرائد وربَّات الحِجال والمخدَّرات والمطهَّمات والقينات أكثر من أن يُحصى لهنَّ عدد وكلهنَّ يخبرنَ عن أفواهها بالطِّيب والسلامةِ مما عليه أفواهُ السباع وأفواهُ ذوات الجِرَّة من الأنعام .


وما رأينا وضيعة قطُّ ولا رفيعة قبَّلت فَمَ كلبٍ أو دِيكٍ وما كان ذلك من حارس قطُّ ولا من كلابٍ ولا من مكلِّب ولا من مُهَارِش .
والسنور يُخْضَب وتُصاغُ له الشنوف والأقْرطَة ويُتحف ويدلَّل .
ومَنْ رَأى السنوْر كيف يَختِلُ العُصفورَ مع حَذَرِ العُصفور وسُرعة طيرانه على أن جِهته في الصيدِ جِهةُ الفهد والأسد ومنْ رآه كيفَ يرتفعُ بوَثْبته إلى الجرادة في حال طيرَانها علم أنه أسْرَعُ من الجرادة .
وله إهابٌ فضفاضٌ وقميصٌ من جِلده واسعٌ يموج فيه بدنُه وهو مما يضبع لسعَة إبطيه ولو )
شاء إنسان أن يعقِدَ صُلْبَهُ ويَثْنِيَ أوَّلَه عَلَى آخِره كما يُثْنَى المِخْراق وكما يثنى قضيبُ الخيزُران لفَعَلَ .
ويوصفُ الفَرَسُ بأَنه رهِل اللَّبان رحيبُ الإهاب واسع

الآباط وعيب الحمار للكزَازة التي في يديه وفي منكبيهِ وانضمامهما إلى إبطيه وضِيق جلدِهِ وإنما يعدُو بعُنقه .

التجارة في السنانير
قالوا : وللسنور تجَّارٌ وباعة ودلاَّلون وناسٌ يعرفون بذلك ولها رَاضَة .
وقال السِّنْدِيُّ بن شاهك : ما أعياني أحدٌ من أهل الأسواق : من التجّار ومن الباعة والصنّاع كما أعياني أصحابُ السنانير يأخذون السنّوْر الذي يأكل الفِرَاخ والحمامَ ويواثب أقفاص الفواخِت والوراشين والدّباسِي والشَّفانين يودخِلُونه في دَنٍّ ويشدُّون رأسَه ثم يدحْرِجونه على الأرض حتى يَشْغَلَه الدَُّوَار ثم يدخِلونه في قفص فيه الفراخُ والحمام فإذا رآه المشتري رأى شيئاً عجباً وظنّ أنه قد ظفر بحاجته فإذا مضى به إلى البيت مَضى بشيطانٍ فيجْمع عليه

بليَّتين إحداهما أكْلُ طيوره وطيور الجيران والثانية أنه إذا ضَرِيَ عليها لم يطلُبْ سِواها .
ومررتُ يوماً وأنا أريدُ منزلَ المكّي بالأساورة وإذا امرأة قد تعلّقَت برجُل وهي تقول : بيني وبينك صاحبُ المسْلَحَة فإنك دَللْتَنِي عَلَى سِنَّوْرٍ وزعمتَ أنه لا يقربُ الفراخ ولا يكشفُ القدُور ولا يدنو من الحيوان وزعمت أنك أبصر الناس بسنور فأعطيتُك على بصرك و دلالتك دانِقاً فلما مضيتُ به إلى البيت مضيتُ بشيطان قد واللّه أهْلَكَ الجيرانَ بعد أن فرغَ منا ونحنُ منذ خمسةِ أيامٍ نحتال في أخذه وها هو ذا قد جئتك به فرُدَّ عَلَيَّ دانقي وخُذ ثمنه من الذي باعني ولا واللّه إن تُبْصِرُ من السنانير قليلاً ولا كثيراً .


قال الدلاّل : انظروا بأيِّ شيء تستقيلني ولا واللّه إنْ في ناحيتنا فتًى هو أبصرُ بسنور منِّي وذلك من مَنِّ سيِّدي ومولاي .
فقلتُ للدَّلاّل : ولا واللّه إن في هذه الناحية فتًى هو أشكر للّه منك .

أكل السنانير
وناس يأكلون السنانيرَ ويستطيبونها وليس يأكل الكلبَ أحَدٌ إلا في الفْرط .
والعامة تزعم أن من أكل السِّنَّوْر الأسود لم يَعْمَلْ فيه السحر والكلبُ لا يؤكل .
أكل الديك والديك خبيث اللحم عَضِله إلا أن يُخْصَى وتلك حيلة لأهل حِمْص وليست عندنا فيه حيلة كيفَ صبري عن مثلِ جُمجُمة الهرِّ تثنَّى بمُسْبَطِرٍّ متين ( ليس يَخفى عليك حين تراها ** أنها عُدّةٌ لداءٍ دفينِ )

سكينة التابوت قالوا : وزعم بعضُ أهل الكتاب وبعضُ أصحاب التفسير أن السَّكينة التي كانت في تابوت موسى كانت رأس هِرٍّ .
استطراد لغوي قالوا : وقلتم في الاشتقاق من اسم الكلب : كلَيب وكلاب ومَكْلَبة ومُكالب وأصاب القومَ كُلْبَة الزمان مثل هُلْبة وهي الشدَّة .
والكِلابُ واحِدُها كَلْب وتجمع على كلاب وأكلب وكليب كما يجمع البُخْت بَخيتاً وأبخُتاً .
والكَلاّب بتثقيل اللام : صاحب الكلاب والمُكَلِّب بتثقيل اللام وضمّ الميم : الذي يعلِّم الكِلاَبَ الصَّيْدَ وقال طُفيلٌ الغَنَويّ :

( تُبَارِي مَرَاخِيها الزِّجَاجَ كأنها ** ضِرَاءٌ أحسَّت نَبَأَةً من مكَلِّبِ ) وقال الآخر : ( خُوصٌ تَرَاحُ إلى الصُّدَاح إذا غَدَتْ ** فِعْلَ الضِّرَاءِ تَرَاحُ للكَلاَّبِ ) والكَلَب : داء يقع في الإبل فيقال كلِبت الإبلُ تَكْلَبُ كلَباً وأكلَب القَوم : إذا وقع في إبلهم الكَلَب ويقال كَلِب الكلبُ واستكلب : إذا ضَرِيَ وتعوَّدَ أكلَ الناس ويقال للرّجل إذا عضَّه الكلبُ الكلِبُ : قد كُلِبَ الرَّجلُ .
ويقال : إن الرَّجلَ الكلِبَ يَعَضُّ إنساناً آخر فيأتون رجلاً شريفاً فيقطُرُ لهم من دَمِ إصبعه فيَسْقُونَ ذلك الكلبَ فيبرَأ وقال الكُميت : ( أحلامكم لسِقَام الجهلِ شافيةٌ ** كما دِماؤكم يُشْفَى بها الكلَبُ )
قالوا : فقد يقولون للسنور هِرّ وللأنثى هِرّة ويقال من ذلك هرَّ الكلبُ يهرُّ هريراً وتسمَّى المرأةُ بهرَّة ويكنى الرّجُل أبا هِرٍّ وأبا هُريرة وقال الأعشى : ( ودِّعْ هُريرةَ إنَّ الركبَ مُرْتحِلُ ** وهل تُطيق وَداعاً أيها الرجلُ ) وقال امرؤ القيس : ( دارٌ لهرٍّ والرَّبابِ وفَرْتَنَى ** ولَمِيس قبْلَ تفرُّقِ الأيَّامِ )

وقال ابن أحمرَ : ( إنَّ امرأَ القيسِ عَلَى عَهْدِه ** في إرْثِ ما كان بناه حُجُرْ ) ( بَنَّتْ عليه الملك أطنابَها ** كأسٌ رَنَوْنَاةٌ وطِرْفٌ طَمِرّْ ) أطْباء الهرة وحملها قال : وللهرة ثمانية أطباء : أربعةٌ تقابلُ أربعة أوَّلهنَّ بين الإبط والصَّدْر وآخِرُهُنَّ عد الرُّفْغِ وتحمِلُ خمسين يوماً وتضع جراهَا عُمْياً وليس بين تفقيحها وتفقيح جراءِ الكلابِ إلا اليَسير .


إيثار الهرة والديك والهِرَّةُ من الخلْق الذي يؤثِر على نفسه ولها فضيلةٌ في ذلك على الدِّيك الذي له الفضيلة في ذلك على جميع الحيوان إلا أن الديك لا يفعل ذلك بالدجاج إلا مادام شابّاً ولا يفعل ذلك بأولاده ولا يعرفهم وإنما يفعل ذلك بالدجاجِ عَلَى غير الزِّواج وعَلَى غير القصد إلى واحدة يقصد إليها بالهوى .
والهِرَّة يُلقى إليها الشيء الطيبُ وهي جائعة فتدعو أولادها وقد استغنين عن اللبن وأطَقْنَ الأكل والتقمُّم والتكسُّب نعم حتى ربما فعلتْ ذلك بهنّ وهنَّ في العينِ شبيهاتٌ بها في العِظم فلا تزالُ ممسكة عن تلك الشحمة على جُوعها ومع شرهِ السنانير حتى يُقبِلَ ولدُها فيأكلَه .
ورجلٌ من أصحابنا ائتمنوه على مال فشدّ عليه فأخذه فلما لامه بعضُ نصحائه قال : يطرحون اللحم قُدّام السنِّورِ فإِذا أكله ضربوه .
فضَرَبَ شَرَهَ السنور مثلاً لنفسه .
والهرَّة ربما رموا إليها بقطعةِ اللحم فتقصدُ نحوها حتى تقف

عليها فإذا أقبلَ ولدها تجافتْ عنها وربما قبضتْ عليها بأسنانها فرمت بها إليه بعد شمِّ الرائحة وذَوق الطعم .
نقل الهرة أولادها )
والهرَّة تنقل أولادها في المواضع من الخوف عليها ولا سبيل لها في حملها إلا بفيها وهي تعرِف دِقَّةَ أطْرَافِ أنيابها وذَرَب أسنانها فلها بتلك الأنياب الحِدَاد ضربٌ من القبض عليها والعَضِّ لها بمقدار تبلغُ به الحاجة ولا تؤثِّر فيها ولا تؤذيها .
مخالب الهرة والأسد فأما كفُّها والمخالبُ المعقَّفة الحِدَادُ التي فيها فإنها مصونة في أكمامها فمتى وقعت كفُّها على وجه الأرض صارت في صوْن ومتى أرادت استعمالها نَشَرَتها وافرة غير مكلومةٍ ولا مثلومة كما وصف أبو زُبَيْدٍ كفَّ الأسد فقال :

( بحُجْن كالمحاجِنِ في قنُوبٍ ** يَقيها قِضَّةَ الأرضِ الدَّخيسُ ) أنياب الأفاعي كذلك مخالبها ومخالبُ الأسد وأنيابُ الأفاعي وقد قال الرَّاجز وهو جاهليّ : ( حتَّى دنا من رأس نَضْناض أصمّ ** فَخَاضَه بين الشِّراك والقَدَمْ )

زعم بعض المفسرين في السنانير والخنازير
وزعم بعض المفسرين أن السنور خلِق من عطسة الأسد وأن الخنزيد خُلِق من سلحة الفيل لأن أصحابَ التفسير يزعمون أن أهلَ

سفينةِ نوح لما تأََذَّوْا بكثرة الفأر وشكَوا إلى نوح ذلك سألَ ربَّه الفَرَج فأمره أن يأمُرَ الأسد فيعطِسَ فلما عطس خرج من منخرَيه زوجُ سنانير : ذكر وأنثى خرج الذَّكَر من المنْخر الأيمن والأنثى من المنخر الأيسر فكفَياهم مَؤُونة الجُرذان ولما تأَذَّوْا بري نَجْوهما شكوا ذلك إلى نوح وشكا ذلك إلى ربِّه فأمره أن يأمر الفيل فليَسْلح فَسَلَح زوجَ خنازير فكفياهم مَؤُونة رائحة النجو .
وهذا الحديثُ نافقٌ عند العوَامِّ وعندَ بعض القُصَّاص .
إنكار تخلُّق الحيوان من غير الحيوان فقد أنكر ناسٌ أن يكون الفأر تخلَّق في أرحام إناثها من أصلاب ذكورتها ومن أرحام بعض الأرضين كطينة القاطول

فإن أهلها زعموا أنهم ربما رأوا الفأرةَ لم يتمَّ خلْقُها بعدُ وإن عينيها لتَبِصَّان ثم لا يريمون حتى يتمَّ خَلقها وتشتدَّ حركتها .
وقالوا : لا يجوز لشيء خُلِقَ من الحيوان أن يُخلق من غير الحيوان ولا يجوز أن يكونَ شيءٌ له في العالم أصلٌ أن يؤلِّف الناسُ أشياءَ تستحيل إلى مثل هذا الأصل فأنكروا من هذا الوجْه تحويل الشبَهِ ذهباً والزّيبق فضة .
وقد علمنا أن للنُّوشاذُر في العالم أصلاً موجوداً وقد يصعِّدُون الشَّعر ويدبِّرونه حتى يستحيل كحجر النوشاذُر ولا يغادر منه شيئاً في عَمَلٍ ولا بَدَن .


وقد يدبِّرون الرّماد والقِلْي فيستحيل حجارة سوداً إذا عُمل منها أرْحاءٌ كان لها في الرّيْع فضيلة .
قالوا : وللمُردَارسَنْج في العالم أصلٌ قائم والرصاص يُدبَّر فيستحيل مُرداسَنْجا وللرّصاص في العالم أصل قائم فيدبِّرون المرداسنج فيستحيل رصاصاً .
وللتُّوتياء أصل قائم فيدبرون أقليميا النُّحاس فتستحيل تُوتياء .


وكذلك المينا له أصل قائم وقد عمِله الناس .
وكذلك الحجارة السُّود للطحين وغير ذلك .
فأما قولهم : لا يجوز أن يكون شيء من الحيوان يُخلقُ من ذكر وأنثى فيجيء من غير ذكر وأنثى فقد قلنا في جميع ذلك في صدْر كتابنا هذا بما أمكننا .
معارف في الحيّات قال : والحيَّة إن رأت حيّة ميتة لم تأكلها ولا تأكلُ الفأر ولا الجرذانَ الميتة ولا العصافير الميتة مع حرص الحية عليها ولا تأكل إلا لحمَ الشيء الحيِّ إلا أن يُدخلَ الحوّاءُ في حلوقها

اللحمَ إدخالاً فأما من تلقاء نفسها فإن وجدَته وهي جائعة لم تأكله .
فينبغي أن يكون صاحبُ المنطق إنما عَنَى بقوله : أخبثُ ما تكون ذواتُ السمومِ إذا أكلَ بعضها بعضاً لابتلاعَ دون كل شيء وهم لا يعرفون ذلك في الحيّات إلا للأسوَد فإنه ربما كان مع الأفاعي في جُونة فيجوع فيبتلعها وذلك إذا أخذها من قِبَل رؤوسها وإن رام ذلك من جهة )
الرأس فعضته الأفعى قتلتْه .
وزعموا أن الحيةَ لاَ تَصَّاعَدُ في الحائط الأملس ولا في غير الأمْلس فإنما يقول ذلك أصحاب المخاريق والذين يستخرجون الحياتِ بزعمهم من السقوف ويشمون أراييحَ أبدانها من أطراف القَصَب إذا مَسَحوها في ترابيع البيوت .


قالوا : وقد تصعد الحيّات في الدّرج وأشباه الدَّرَج لتطلبَ بيوتَ العصافير والفأرِ والخطاطيفِ والزَّرازير والخفافيش وتتحامى في السُّقُف .

في العقرب
وسنذكر تمامَ القوْل في العقْرب إذْ كنا قد ذكرنا من شأنها شيئاً في باب القول في الفأر .
ولمَّا قيل ليحيى بن خالد النازلِ في مُربَّعة الأحنف وزعموا أنهم لم يروْا رجُلاً لم يختلف إلى البيمارستانات ولا رجُلاً مسلماً ليس بنصرانيّ ولا رجلاً لم ينصِبْ نفسه للتكسب بالطب كان أطبَّ منه فلما قيل له : إن القينيّ قال : أنا مِثلُ العقرب أضرُّ ولا أنفع قال : ما أقلَّ عِلمه باللّه عزّ وجلّ لعَمْري إنها لتنفع إذا شُقَّ بطنها ثم شُدَّ على موضع اللَّسعة فإنها حينئذٍ تنفع منفعةً بينةً .

نفع العقرب
والعقربُ تُجعل في جوف فَخَّارٍ مشدودِ الرّأس مطيّن الجوانبِ ثم يوضع الفخَّارُ في تنّور فإذا صارت العقربُ رماداً سُقي من ذلك الرَّمادِ مَنْ به الحصاة مِقدارَ نصفِ دانقَ .
وقال حُنين : وقد يُسقى منه الدانق وأكثر فيفتِّتُ الحصاةَ من غير أن يضرَّ بشيء من الأعضاء والأخلاط وخيرُ الدواء ما قصَد إلى العضْو السقيم وسلِمَتْ عليه الأعضاء الصحيحة .
وقال يحيى : وقد تَلْسَعُ أصحابَ ضروبٍ من الحُمّيات العقاربُ فيُفيقُون وتلسع الأفاعيَ فتموت ومنها مايلسع بعضها بعضاً فيموت الملسوع فهي من هذا الوجه تكفي الناسَ مؤونةً وتُلَقى العقربُ في الدُّهن وتُتْركُ فيه حتى يأخُذ الدهن منها ويمتصّ ويجتذبَ قواها كلها بعد الموت فيكونُ ذلك الدهنُ يفرِّق الأورام الغِلاط وقد عَرَف ذلك حُنين .
بعض أعاجيب العقرب
ومِنْ أعاجيبها أنها لا تسبَحُ ولا تتحركُ إدا أُلقيت في الماء كيف كان الماءُ : ساكناً أو جارياً

والعقرب تطلبُ الإنسان وتقصِد نحوه فإذا قصَدَ نحوها فرَّتْ وهَربت وتقصِدُ أيضاً نحو الإنسان فإذا ضربَتْهُ هربتْ هربَ مَنْ قد أساء وتعلم أنها مطلوبة .
والزنابير تطالبُ من تعرَّض لها وتقصِد لِعَينه ولا تكادُ تعرض للكافّ عنها .
فصل ما بين المودَّة والمسالمة في الحيوان وبين العقارب وبين الخنافس مودة والمودَّة غيرُ المسالمة .
والمسالمة : أن يكون كل واحد من الجنسين لا يعرض للآخر بخير ولا شر بعد أن يكون كل واحد منهما مقرَّباً لصاحبه .
والعداوة أن يعرض كل واحد منهما لصاحبه بالشرّ والأذى والقتل ليس من جهةِ أن أحدهما طعامٌ لصاحبه .
والأسدُ ليس يثبُ على الإنسان والحمار والبقرة والشاة من جهة العداوةِ وإنما يثبُ عليه من طريق طلبِ المطعم ولو مرَّ به وهو غيرُ جائعٍ لم يعرض له الأسد والنمر على غير ذلك ولكن قد يقال : إن بين البَبْرِ والأسد مُسالمة .


والمودة : كما يكون بين العقارب والخنافس فإنَّ بعضها يتألف بعضاً وليست تلك بمسالمة وكما بين الحيَّات والوزغ فإنها تَساقَى السّمّ وتَزَاقُّ وكما بينَ ضروب من العقارب وأسودَ سالخ .
والأسْوَدُ ربَّما جاعَ في جُونة الحَوَّاء فأكل الأفعى وربما عَضَّتْهُ الأفعى فقتلتْه .
علاقة الرائحة بالطعم وريح العقارب إذا شويت مثلُ ريحِ الجراد .
وما زلتُ أظنُّ أن الطعم أبداً يتْبع الرائحة حتى حقَّق ذلك عندي بعضُ من يأكلها مشوية ونِيَّة أنه ليس بينها وبين الجراد الأعرابي السمين فرْق .

رؤية الخرق الذي في إبرة العقرب
وزعم لي بَختيشَوع بن جبريل أنه عاين الخرق الذي في إبرة

العقرب وإن كان صادقاً كما قال فما في الأرض أحدُّ بصراً منه وإنه لبعيدٌ وما هو بمستنكر .
وفي العقارب أعجوبةٌ أخرى لأنه يقال : إنها مائية الطِّباع وإنها من ذوات الذَّرْوِ والإنسال وكثرة الولد كما يعتري ذلك السَّمَكَ والضّبّ والخنزيرة في كثرة الخنانِيص .

موت العقرب بعد الولادة
قال : ومع ذلك إن حَتْفها في أولادها وإن أولادها إذا بلغْنَ وحانَ وقتُ الولادة أكلْن جلدَ بطنها من داخل حتى إذا خَرَقْنَهُ خَرَجْنَ منه وماتت الأُمُّ .
وقد يطأ الإنسانُ على العقرب وهي ميتة فتغترز إبرتها في رِجله فيلقى الجهدَ الجاهِدَ وربما أمْرَضَتْ وربّما قتلت .


قال : وفي أشعار اللُّغز قيلَ في أكل أولاد العقرب بطنَ الأمّ وأنّ عَطَبَهَا في أولادها : ( وحاملة لا يكْمُلُ الدَّهرَ حملُها ** تموتُ ويبقى حملها حينَ تَعْطَبُ ) وليس هذا شيئاً .
خبَّرني من أثق بعقله وأسكنُ إلى خبره أنه أرى العقرب عِياناً وأولادُها يخرُجْنَ من فيها وذكر عدداً كثيراً وأنها صِغارٌ بيضٌ على ظهورها نقط سُودٌ وأنها تحمل أولادها على ظهرها وأنه عاين ذلك مرةًاً خرى فقلت : إن كانت العقرب تلد مِنْ فيها فأخلِقْ بها أن يكون تلاقُحُها من

العقارب القاتلة
والعقاربُ القاتلةُ تكون في موضعين : بِشَهْرَزُور وقرى الأهواز إلا أن القواتلَ التي بالأهواز جرّارات لم نذكر عقاربَ نصيبين لأن أصلها فيما لا يشكُّون فيه من شَهْرَزُور حين حُوصِرَ أهلها ورُموا بالمجانيق وبكيزان محشوَّة من عقارب شَهْرَزُور حتَّى توالَدَتْ هناك فأعْطَى القومُ بأيديهم .

لغز في العقرب
ومن اللُّغز فيها في غير هذا الجنس : ( وما بكرةٌ مضبورة مقمطرة ** مسرةُ كبرٍ أن تُنال فتَمرضا ) ( بأشوسَ منها حين جاءت مُدِلةً ** لتقتل نفساً أو تصيب فتُمرضا ) ( فلما دنا نادي أوابا بنعم غيرها ** ديراً إذا نال الغريفة أو قَضَا ) ( استخراج العقارب بالجراد والكرَّاث ) قال : والعقارب تُسْتَخْرَجُ من بيوتها بالجراد : تُشَدُّ الجرادةُ في طرف عود ثم تُدْخَلُ الجُحْرَ فإذا عاينتْها تعلقتْ بها فإذا أُخرج العُودُ خرجت العقربُ وهي متعلقة بالجرادة .
فأما إبراهيم بن هانىء فأخبَرني أنه كان يُدْخِلُ في جُحْرها خُوط كرّاث فلا يبقى منها عقربٌ إلا تبعته .
ألسنة الحيات والأفاعي ألسنة الحيّات كلها سودٌ وألسنة الأفاعي حُمرٌ إلا أنها مشقوقة .


جرَّارات الأهواز وسنذكر عقارب الشتاء وعُقيرب الحِرِّ وكلَّ شيء من هذا الباب ولكنا نبدأُ بذكر جرَّارات الأّهواز .
ذكروا أنَّ أقتلها عقاربُ عَسكَر مُكْرَم وأنها متى ضَرَبَتْ رجُلاً فظنَّ أن تلك العضة عضَّةُ نملة أو وخزةُ شوكة فنال من اللحم تضاعَفَ ما به .
وربما باتت مع الرجل في إزاره فلم تضربْه .
وهي لا تدبُّ على كل شيء له غَفْر ولا تدبُّ على المُسوح وما أكثرَ ما تأوي في أصول الآجُرِّ الذي قد أُخرج من الأتاتين ونضِّد في الأنابير . )
وكان أهل العسكر يروْن أن من أصلح ما يُعالج به موضع اللسعة أن يُحجَم وكان الحجَّام لا يرضى إلا بدنانير ودنانير لأن ثناياه ربما نَصَلَتْ وجلدَ وجهه ربما تبطَّطَ من السمِّ الذي يرتفع إلى فيه

بمصَّته وجذْبته من أذناب المحاجم حتى عمدوا بعد ذلك إلى شيء من قُطْنٍ فحشَوْا به تلك الأنبوبة فإذا جذب بمصّتهِ فارتفع إليه من بخار الدَّمِ أجزاءٌ من ذلك السم تعلقت بالقطن ولم تنفُذْ إلى فيه والقطن ليس مما يدفع قوَّة المص ثم وقعوا بعد ذلك على حشيشةٍ فوجدوا فيها الشفاء .
من أعاجيب العقرب ومن أعاجيب ما في العقرب أنا وجدْنا عقارب القاطول يموتُ بعضُها عن لسع بعض ثم لا يموتُ عن لسعها شيء غير العقارب .
ونجدُ العقربَ تلسعُ إنسانًاً فيموت الإنسان وتسلع آخرَ فتموت هي فَدَلَّ ذلك على أنها كما تعطي تأخُذ وأن للناس أيضًاً سُمومًاً عجيبة ولذلك صار بعضهم إذا عضّ قتل .
ومن أعاجيبها أنها تضرب الطست أو القمقُم فتخرقُه وربما ضربتْه

فتثبُتُ فيه إبرتُها ثم تنصل حتى تَبين منها .
العنبر وأثره في الطيور والبالِ والعنِبر يقذفه البحرُ إلى عبريه فلا يأكل منه شيء إلا مات ولا ينقُره طائرٌ بمنقار إلا نصل فيه منقاره فإذا وضع رجليه نصلتْ أظفاره فإن كان قد أكلَ منه قتلَهُ ما أكل وإن لم يكن أكلَ والبحْريُّونَ والعطَّارُون يُخبرونَنَا أنهم ربما وجدوا فيه المنقارَ والظفر وإنَّ البال ليأكلُ منه اليسيرَ فيموت .
والبالُ : سمكة ربما كان طولها أكثر من خمسين ذراعاً .

أعاجيب لسع العقرب
ومن أعاجيب العقارب أنها تلسع الأفعى فتموتُ الأفعى ولا تموت هي وتلسع بعض الناس فتموتُ هي ولا ينال الملسوع منها مِن

المكروه قليل ولا كثير ويزعم العوامُّ أن ذلك إنما يكونُ لمن لسعتْ أمَّه عقربٌ وهو حَمْلٌ في بطنها .
وقد لسعت عقربٌ رجلاً مفلوجًا فذهبَ عنه الفالِجُ وقصةُ هذا المفلوج معروفة وقد عرفها صليبا وغيرهُ من الأطباء .
ومن العقارب طياراتٌ وجراراتٌ ومعقَّفات وخضرٌ وحمرٌ .
اختلاف السموم واختلاف علاجها وتختلف سمومُ العقارب بأسباب : منها اختلاف أجناسها كالجرّارة وغيرها ومنها اختلافُ التُّرب كفَرق ما بين جرّاراتِ عقارب شهرزور وعسكر مُكْرَم .
وتختلف مَضَرَّة سمومها على قدر طباع الملسوع ويختلف قدر سمومها على قَدْر مواضع اللسعة وعلى قدر اختلاف ما بين النهار والليل وعلى قدر ما صادفَت عليه الملسوع من غذائه ومن تفتُح منافسه وعلى قدْر ما تُصادَف عليه العقرب من الحَبلِ وغير الحَبَل وعلى قدر لَسْعَتِها في أوَّلِ الليل عند خروجها من جُحرها بعد أقامت فيه

شَتوَتَها وأشدُّ من ذلك أن تلسع أوّلَ ما تخرجُ من جُحْرها بعد أن أقامتْ فيه يومها .
قال ماسرْجويه : فلذلك اختلفت وجوه العلاج فصار ضَرْبٌ من العلاج يفيق عنه إنسانٌ ولا يُصلح أمر الآخر .
لسعة الزنبور وخبرني ثمامةُ عن أمير المؤمنين المأمون أنه قال : قال لي بختيشوع ابن جبريل وسَلْمَوَيْه وابن ماسَوَيه : إن الذبابَ إذا دُلِكَ به موضعُ لسعةِ الزنبور سكنَ فلسَعني زنبور فحككْتُ على موضعه أكثر من عشرين ذبابة فما سكَن إلا في قدْر الزمان الذي كان يسكن فيه من غير علاج فلم يبق في يدي منهم إلا أن يقولوا : كان هذا الزنبور حَتْفًاً قاضيًا ولولا هذا العلاج لَقَتَلَكَ .

حُججُ الأَطِبّاء وكذلك همْ إذا سقَوا دواءً فضرّ أو قطعوا عِرْقًاً فضرّ قالوا : أنت مع هذا العلاج الصَّوابِ تجِدُ وقيل لي وقرأت في كتاب الحيوان إنّ ريحَ السَّذَابِ يشتدّ على الحيّات فألقيتُ على وجوه )
الأفاعي جُرَز السَّذَاب فما كان عندها إلا كسائر البَقْل .
فلو قلت لهم في هذا شيئًاً لقالوا : الحيّات غير الأفاعي وهذا باطلٌ الأفاعي نوع من الحيات وكلهم قد عمَّ ولم يخص .
ما يَدَّخر من الحيوان وجميع الحشرات والأحناش وجميع العقاربِ وهذه الدَّبّابات التي تعضُّ وتلسع التي تكمُن في الشتاء لا تأكلُ شيئاً في تلك الأشهر ولا تشرب وكذا كل شيء من الهمَج والحشرات مما لا يتحرّك في الشتاء إلا النملَ والذّرَّ والنحل فإنها قد ادخرت ما يكفيها وليست كغيرها مما تثبتُ حياتُه مع ترك الطعم .

حرص العقارب والحيات على أكل الجراد
وللعقرب ثماني أرجل وهي حريصة على أكل الجراد وكذلك الحيات وما أكثر ما تلدغ وتنْهش صاحب الجراد .
أثر المُرضِع في الرضيع ومن عجيب سمِّ الأفاعي ما خبرني به بعضُ من يخبُر شأن الأفاعي قال : كنت بالبادية ورأيت ناقة ترتعُ وفصيلها يرتضِعُ من أخلافها إذ نهَشَت الناقةَ على مشافرها أفعى فبقيتْ واقفةً سادرة والفصيلُ يرتضع فبينا هو يرتضعُ إذ خرَّ ميِّتاً .
فكان موتُه قبل موتِ أمَّه من العجب وكان مرورُ السمِّ في تلك الساعة القصيرة أعجبَ وكان ما صار من فضول سمها في لبنِ الضّرعِ حتى قَتَلَ الفصيلَ قبل أمه عجباً آخر .
والمرأةُ المرضِعُ تشربُ النبيذَ فيسكر عن لبنها الرضيع وتشربُ دواء المشْي فيعتري الرضيعَ الخِلْفة فلذلك يختار

الحكماء لأولادهم الظئر البريئة من ألأدواء : في عقلها وفي بدنها .
وتوهَّموا أن اللبن إنماجع في الفصيل لقرابة اللبنِ والدَّم فصار ذلك السمُّ أسرعَ إليه منه إلى أمه ولعل ضعفَ الفصيل قد أعان أيضاً على ذلك .

قصتان في من لسعته العقرب
قال أبو عُبَيْدةَ : لسعت أعرابيّاً عقربٌ بالبصرة فخيفَ عليه فاشتدّ جزَعُه فقالَ بعضُ الناس : ليس شيءٌ خيراً له من أن تُغْسَل له خصيةُ زنجي عَرِق وكانت ليلة غَمِقَة فلما سقَوه قطَبَ فقيل له : طعم ماذا تجد قال : طعمَُ قِرْبَةٍ جديدة .
وخبرني محمد وعليٌّ ابنا بشير أن ظئراً لسليمان بن رِياش لسعتها عقربٌ فملأت الدنيا صُرَاخاً فقال سليمان : اطلبوا لها هذه العقرب فإن دواءها أن تلسعها لسعة أخرى في ذلك المكان فقالت العجوز : قد برئتُ وقد سكنَ وجعي ولاحاجة لي إلى هذا العلاج قال :

فأتوْه بعقرب لا واللّه إن يُدرَى : أهي تلك أم غيرُها فأمرَ بها فأُمسكت فقالت : أنشُدكَ باللّه واللبن فأبى وأرسلها عليها فلسعتها فغُشِيَ عليها ومرَضتْ زمانًا وتساقط شعر رأسها فقيل لسليمان في ذلك فقال : يا مجانين لا واللّه إن ردَّ عليَّ رُوحها إلا اللسعةُ الثانية ولولا هِيَ لقد كانت ماتت . ( في القَمْل والصُّؤَاب ) وسنقول في القَمْل والصُّؤَاب ما وجدنا تمكينًا مِنَ القول إن شاء اللّه تعالى .
ذكروا عن إياسِ بن معاوية أنه زعم أن الصِّئبان ذكورةُ القَمْلِ

والقمل إناثها وأن القملَ من الشَّكل الذي تكون إناثه أعظمَ من ذكورته .
وذكروا عنه أنه قال : وكذلك الزَّرَارقة والبُزَاة فجعل البُزَاةَ في الإناث .
وليس فيما قال شيء من الصواب التَّسْديد وقد خبّرناكم عن حكايته في الشَّبُّوط حين جعله كالبغل وجعلَه مخلوقاً من بينِ البُنِّيِّ والزَّجْر .
والقمل يعتري مِنَ العَرَق والوسَخ إذا علاهما ثوبٌ أو رِيشٌ أو شعر حتى يكون لذلك المكانِ عَفَن وخُموم . ( أثر لون الشَّعر في لون القملة ) والقملة تكون في رأس الأسوَدِ سوداء ورأسِ الأبيض

الشعر بيضاءَ وتكون خصيفة اللون وكالحَبْل الأبرَق إذا كانت في رأس الأشمط وإذا كانت في رأس الخاضب بالحمرة كانت حمراء وإن كان الخاضب ناصلَ الخضاب كان في ولونها شُكْلة إلا أن يستولي على الشعر النُّصول فتعود وهذا شيءٌ يعتري القملَ كما تعتري الخضرةُ دَودَ البَقْلِ وجرادَه وذبابه وكلَّ شيءٍ يعيش فيه أثر البيئة في الحيوان وليس ذلك بأعجب من حَرَّة بن سُليم فإن من طباع تلك الحرة أن تُسَوِّدَ كل شيء يكونُ فيها : من إنسان أو فَرَس أو حِمَارٍ أو شاة أو بعير أو طائرٍ أو حيّة .
ولم نسمع ببلدة أقوى في هذا المعنى من بلاد الترك فإنها تصوِّر إبلَهم خيلَهم وجميعَ ما يعيش فيها على صورة التُّرك .

تولد القمل
والقمل يعرِضُ لثياب كلِّ الناس إذا عرض لها الوسخُ والعرق والخموم إلا ثيابَ المجذَّمين فإنهم لا يَقْمَلون .
وإذا قَمِلَ إنسانٌ وأفرط عليه ذلك زأبَق رأسه إن كنّ في رأسه أو جسده وإن كنّ في ثيابه فموَّتْنَ .
وقال أبو قطيفة لأصحابه : أتدرون ما يذْرأ القمل قالوا : لا قال : ذاك واللّه من قلة عنايتكم بما يصلحُ أبدانكم يذرأُ القملَ الفُساء .
فأما ثمامة فحدثني عن يحيى بن خالد البرمكي أن شيئين يُورِثان القَمل :

أحدُهما الإكثار من التِّين اليابس والآخر بخار اللُّبان إذا أُلقي على المجمرة .
وربما كان الإنسان قَمِل الطباع وإن تنظَّف وتعطَّر وبدَّل الثياب كما عَرَضَ لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوّام استأْذَنَا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في لباس الحرير فأذن لهما فيه ولولا أنهم كانا في حدِّ ضرورة لَمَا أذِنَ لهما فيه مع ما قد جاء في ذلك من التشديد .
فلما كان في خلافة عمر رأى عمر على بعض بني المغيرة من أخواله قميصَ حريرٍ فعَلاَه بالدِّرّة فقال المغيريُّ : أو ليس عبد الرحمن بنُ عوفٍ يلبسُ الحرير قال : وأنت مثل عبد الرحمن لا أمَّ لك . )


الاحتيال للبراغيث واحتاج أصحابنا إلى التسلُّم من عضّّ البراغيث أيامَ كنَّا بدمشق ودخلنا أنطاكيَة فاحتالوا لبراغيثها بالأسِرَّةِ فلم ينتفعوا بذلك لأن براغيثهم تمشي .
وبراغيثهم نوعان : الأبْجلُ البقّ إنما سمّوا ذلك الجنس على شبيهٍ بما حَكَى لي ثمامةُ عن يحيي بن خالدٍ البرمكيّ فإن يحيى زعمَ أن البراغيثَ من الخلق الذي يعرِضُ له الطيران فيستحيل بقًّا كما يعرض الطيرانُ للنَّمل وكما يعرض الطيرانُ للدَّعاميص فإن الدعاميصَ إذا انسلخت صارت فكان أصحابنا قد لَقُوا من تلك البراغيث جَهْدًا وكانت لها بليَّة أخرى : وذلك أن الذي تُسهِرُهُ البراغيث لا يستريح إلا أن يقتلها بالعرْك والقتْل وإلى أن يقبضَ عليها فيرميَ بها إلى الأرض من فوق سريره فيرى أنهَنَّ إذا صِرْنَ عشرينَ كان أهون عليه من أنْ يكُنَّ إحدى وعشرين فكان الرجلُ إذا رام ذلك من واحدة منها نتُنَتْ

يده وكانوا مُلوكاً ومثل هذا شديدٌ علَى مثلهم فما زالوا في جهد منها حتى لبِسوا قُمُصَ الحرير الصِّينيِّ وجعلوها طويلة الأردان والأبدان فناموا مستريحين .

خروج القمل من جسم الإنسان
وخبّرني كم شئت من أطبَّاء الناس وأصحاب التجارب منهم من يقشعر من الكذب ويتقزز منه أنهم رأوا القمل عِياناً وهو يخرج من جلد الإنسان فإذا كان الإنسان قمِلاً كان قمله مستطيلاً في شبيه بخلقة الديدانِ الصغار البيض .
ويُذكر أن مثلَ ذلك قد كان عرضَ لأيوبَ النبي صلى اللّه عليه وسلم حين كان امتُحِن بتلك الأوجاع حتى سُمِّي : المبتلَى .
وخبَّرني شيخٌ من بني ليث أنه اعتراه جَرَبٌ وأنه تطَلّى بالمَرّْتَك والدُّهن ثم دخل الحمَّام فرأى

وخبَّرني أبو موسى العباسيُّ صديقُنا أنه كان له غلامٌ بمصر وكان الغلام ربما أخذه إبرة ففتَح بها فتحاً في بعض جسده في الجِلْد فلا يلبثُ أن يطلع من تحت الجلد في القيحِ قملة .

قمل الحيوان
والقمل يُسرعُ إلى الدّجاجِ والحمام إذا لم يغتَسِلْ يكُنْ نظيف البيت وهو يعرض للقرْد ويتولَّد من وسَخِ جلد الأسير وما في رأسِه من الوسخ ولذلك كانوا يضجُّون ويقولون : أكلَنَا القِدُّ والقمل .
تلبيد الشعر وكانوا يلبِّدون شعورهم وذلك العمل هو التلبيد والحاجُّ الملبّد هو هذا وقال الشاعر : ( يا ربِّ ربَّ الراقصاتِ عشيَّةً ** بالقومِ بين مِنًى وبين ثَبيرِ ) ( زُحُفِ الرَّوَاحِ قد انقضت مُنَّاتهُمْ ** يحمِلْنَ كلَّ مَلَبِّد مأجُورِ )

وقال عبد اللّه بن العَجْلان النهديُّ : ( إني وما مارَ بالفُرَيْقِ وما ** قرْقَرَ بالجَلْهَتَيْنِ من سُرَبِ ) جماعة من القطا وغيره واحدتها سُرْبَة وعبر بها هاهنا عن الحُجَّاج . ( والعِتر عتر النَّسيك يخفر بال ** بُدْن لحِلّ الإحرامِ والنُّصُبِ ) وقال أميَّةُ بن أبي الصَّلت : ( شاحينَ آباطَهُمْ لم ينزِعُوا تَفَثاً ** ولمْ يسَلُّوا لهم قملاً وصِئبانَاً ) ويروى : لم يقرَبوا تَفَثاً قال اللّه عزّ وجلّ : ثمّ لْيَقضوا

تَفَثَهُمْ وما أقل ما ذَكَرَوا التَّفَثَ في الأشعار .
والتلبيد : أن يأخذ شيئاً من خِطْميٍّ وآسٍ وَسِدْر وشيئاً من صَمْغٍ فيجعله في أصول شعره وعلي رأسه كي يتلبد شعرهُ ولا يعْرق ويدخله الغبار ويخمَّ فيقمَل .
وكانوا يكرهون تسريح الشعر وقتل القمل فكان ذلك العمل يقلُّ معه القمل .
وقد قال النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم لكعب بن عُجْرة : هل آذاك هَوَامّف رأسِك تعيير هَوازن وأسدٍ بأكل القُرَّة وقال ابنُ الكلبيِّ : عُيّرَتْ هَوَازنُ وسدٌ بأكل القُرَّةِ وهما

بنو القملة وذلك أن أهل اليمن كانوا إذا حلقوا رؤوسهم بمِنًى وضع كل رجل منه على رأسِهِ قُبْضةً من دقيق فإذا حلقوا رؤوسهم سقط ذلك الشَّعرُ مع ذلك الدقيق ويجعلون الدقيق صدقةً فكان ناسٌ من الضُّركاء وفيهم ناسٌ من قيس وأسد يأخذون ذلك الشعر بدقيقه فيرمُون بالشعر وينتفعون بالدقيق . ) ( ألم تر جَرماً أنْجَدتْ وأبوكم ** مع الشعر في قصِّ الملبِّدِ شارِعُ ) ( إذا قرَّةٌ جاءت يقولُ أصبْ بها ** سوى القمل إني من هَوَازِنَ ضارعُ )

شعر في هجو القملين
وقال بعض العُقيليِّين ومرّ بأبي العلاء العُقيليّ وهو يتفلَّى فقال :

( وإذا مررت به مررتَ بقانصٍ ** متصيِّد في شَرْقةٍ مقرورِ ) ( للقملِ حولَ أبي العلاء مصارعٌ ** مِنْ بين مقتول وبينَ عقيرِ ) ( وكأنهنَّ لدي خُبُون قميصه ** فَذٌّ وتوأمُ سمسمٍ مقشورِ ) ( ضَرِجِ الأنامل من دماء قتيِلها ** حنِق علَى أخرى العدوِّ مغِيرِ ) وقال الحسنُ بنُ هانىء في أيوبَ وقد ذهب عني نسبُه وطالما رأيته في المسجد : ( مَن ينْأ عنه مصادُهُ ** فمصادُ أيوبٍ ثيابُه ) ( تكفيه فيها نظرةٌ ** فتعلُّ من عَلَق حِرَابُه ) ( يا رُبّ محترس بخب ** نِ الدرزِ تكنفُه صُؤابُه ) ( فاشي النكاية غير معلوم ** مٍ إذا دبَّ انسيابهُ )

( سقط : بيت الشعر ) ( أو طامري وائب ** لم ينجه عنه وثابه ) الطامريّ : البرغوث ثم قال : أهْوَى لهُ بمذلَّقِ الغَرْبَينِ إصْبَعُه نِصابُه ( للّه درُّك من أخي ** قنص أصابِعُه كِلابُه )

أحاديث وأخبار في القمل
وفي الحديث أن أكل التفاح وسُؤْرَ الفأر ونَبْذَ القملة يورث النّسيان .
وفي حديث آخر أنَّ الذي ينبذ القملة لا يُكفَى الهمّ .
والعامة تزعم أن لُبس النِّعال السودِ يورث الغمَّ والنسيان .
وتناول أعرابيٌّ قملة دبَّتْ عَلَى عُنقه ففدغَها ثم قتلها بين باطنِ إبهامه وسَبَّابته فقيل له : ما تصنع ويلك بحضرة الأمير فقال :

بأبي أنتَ وأميِّ : وهل بقي منها إلا خِرشاؤها يعني جلدَتَها وقِشرتها وكل وعاءٍ فهو خرشاء .
المأمون وسعيد بن جابر وحدثني إبراهيم بنُ هانىء قال : حدّثني سعيدُ بنُ جابر قال : لما كادت الأجناد تحيط ببغداد من جوانبها قال لنا المخلوع : لو خرجنا هكذا قُطْرَبُّل علَى دوابنا ثم رجعنا من فورنا كان لنا في ذلك نُشرة قال : فلما صرنا هناك هجمنا عَلَى موضعِ خَمَّارِين فرأي أناسًا قد تطافروا من بعض تلك الحانات فسأل عنهم فإذا هم أصحابُ قِمار ونَرْدٍ ونبيذٍ فبعث في آثارهم فرُدُّوا وقال لنا : أشتهي أن أسمع حديثَهم وأرى مجلسهم وقمِارهم قال : فدخلْنا

إلى موضعِهم فإذا تخت النَّرد قطعةُ لِبْد وإذا فصوص النَّردِ من طين بعضُه مسوَّد وبعضه متروك وإذا الكعبان من عُروة كوز محكّكة وإذا بعضُهم يتكئُ عَلَى دَنٍّ خالٍ وتحتهم بَوَار قد تنسَّرتْ قال : فبينا هو يضحك منهم إذ رأيت قملة تدب عَلَى ذيله فتغفَّلتُه وأخذْتها فرآني وقد تناولتُ شيئًا فقال لي : أي شيء تناولتَ فقلتُ : دُوَيْبَّة دبت علَى ذيلك من ثيابِ هؤلاء قال : وأيُّ دابة هي قلت : قملة قال : أرِنِيها فقد واللّه سمعت بها .
قال : فتعجبتُ يومئذ من المقادير كيفَ ترفَع رجالاً في السماء وتحطُّ آخرينَ في الثَّرى .

معارف وخبر في القمل
قال : والقردُ يتفلَّى فإذا أصاب قملةً رمى بها إلى فيه .
ونساء العوامِّ يعجِبُهُنَّ صوتُ قصْع القمل على الأظفار .
ورأيت مرةً أنا وجعفر بن سعيد بقَّالا في العتيقة وإذا امرأته جالسةٌ بين يديه وزوجها يحدَّثها وهي تفلِّي جيْبَها وقد جمعت بين باطن إبهامها وسَبَّابتها عدَّة قمل فوضعتها على ظفرِ إبهامهِا الأيسر ثم قلبت عليها ظفرها الأيمن فشدخَتْها به فسمعتُ لها فَرقعةً فقلت لجعفر : فما منعها أن تضَعَها بين حَجَرين قال : لها لذةٌ في هذه الفرقعة والمباشرةُ أبلغُ عندها في اللذة فقلت : فما تكرهُ مكانَ زوجها قال : لولا أن زوجها يُعجبُ بذلك لنهاها .
شعر لابن ميادة وقال ابن مَيَّادة :

( وسقتني سقاة المجد من آل ظالمٍ ** بأرشيةٍ أطرافها في الكواكب ) ( وإنَّ بأعلى ذي النخيل نسية ** يسيرون أعياراً شدادَ المناكبِ ) ( يشلنَ بأستاهٍ عليهنَّ دسمةَ ** كما شال بالأذناب سمرُ العقارب )

في البرغوث
والبرغوث أسودُ أحدبُ نَزَّاء من الخلق الذي لا يمشي صِرفاً .
وبما قال بعضهم : دبيبُها من تحتي أشدُّ عَلَيّ مِنْ عضِّها .


وليس ذلك بدبيب وكيف يمكنهُ الدَّبيبُ وهو مُلزَق عَلَى النِّطع بجلد جنب النائم ولكنّ البرغوثَ خبيثٌ فمتى أرادَ الإنسان أن ينقلب من جنب إلى جنب انقلب البرغوث واستلقى عَلَى ظهره ورفع قوائمه فدغدغه بها فيظنُّ من لا علم عنده أنه إنما يمشي تحت جنبه .
وقد ذكرنا من شأنه في مواضع ولو كان الباب يكبر حتى يكون لك مجموعاً ولم تعرفه تكلفت لك جمعه .

شعر في البرغوث
وقال بعضُ الأعراب : ليلُ البراغيث عنّاني وأنْصَبِني لا باركَ اللَّهُ في ليل البراغيثِ ( كأنهنَّ وجلدي إذْ خَلونَ به ** أيتامُ سَوْءٍ أغاروا في المواريثِ )

وقال محبوب بن أبي العشَنَّط النهشليّ : ( للنورِ فيه إذا مجَّ النَّدى أرجٌ ** يشفي الصداعَ ويشفي كلَّ ممغوثِ ) ( أملا وأحلى لعَينِي إن مررتُ به ** مِن كَرْخ بغدادَ ذِي الرُّمانِ والتُّوثِ ) ( الليلُ نِصفان : نصفٌ للهموم فما ** أقضى الرقادَ ونصف للبراغيثِ ) ( أبيتُ حين تُسامِينى أوائلها ** أنزو وأخلطِ تسبيحاً بتغويثِ )

( سُود مَداليجُ في الظلماء مؤذيةٌ ** وليس ملتمسٌ منها بمسبوثِ ) وقد جعل التوثَ بالثاء ووجه الكلام بالتاء وتعجيمها نقطتان من فوقها .
وقال آخر : ( لقد عَلِمَ البرُغوثُحين يَعَضَّنيِ ** ببغدادَ إني بالبلاد غريبُ ) وقال آخر : ( وَإنَّ امرأً تؤْذي البراغيثُ جِلدَه ** ويُخرجنَهُ من بيته لذليلُ ) ( ألاَ رُبّ برغوثٍ ترَكتُ مجدّلاً ** بأبيض ماضي الشّفرَتَيْنِ صَقيل ) وقال آخر : ) ( لِقيتُ منَ البرغوث جَهْداً ولا أرى ** أميراً عَلَى البرغوثِ يقضِي ولا يُعْدِي ) ( يقلِّبني فوقَ الفِرَاشِ دبيبُه ** وتصبح آثارٌ تَبيّنُ في جِلْدِي )

( ألا يا عبادَ اللّه مَنْ لقبيلةٍ ** إذا ظهرتْ في الأرض شدَّ مُغِيرُها ) ( فلا الدِّينُ ينهاها ولا هي تنتهي ** ولا ذُو سِلاحٍ من مَعَدٍّ يَضِيرُها ) وقال يزيد بن نُبيه الكِلابّي : ( أصبحتُ سالمتُ البراغيثَ بعدما ** مَضَتْ لية مني وقَلَّ رُقُودها ) ( فيا ليت شعري هل أزورنَّ بلدة ** قيلٌ بها أو باشُها وسنيدُها ) ( وهل أسمعن الدهرَ أصوات ضُمَّر ** تُطالِع بالركبانِ صُعراً خُدُودها ) ( وهل أرَيَن الدهرَ ناراً بأرْضها ** بنفسي وأهلي أرضُها ووفودها ) ( تراطنُ حولي كما ذرَّ شارقٌ ** ببغداد أنباط القُري وعبيدُها ) وقال آخر : لا بارك اللهُ في البرغوثِ إن له لذعاً شديداً كلذعِ الكيِّ بالنار ( أقولُ والنجمُ قد غارت أوائله ** وغَلَّسَ المدلجُ الساري بأسحارِ ) ( لبرقةٌ مِنْ براقِ الحزنِ أعمًرها ** فيها الظباءُ تُراعي غبَّ أمطارِ )

( أشفى لِدَائي من دربٍ به نبطٌ ** ومنزلٍ بين حَجام وجزار ) ( مَنْ ينحرُ الشول لا يُخطى قوائمَها ** بمُدية كشرارِ النار بتارِ ) ( إنَّ هذا المصلوبَ لا شك فيه ** هو من بعد صلبهِ مبعوثُ ) حلَّ من حيثُ ليس يأكله البقُّ ولا يهتدي له البرغوتُ ( بينَ حِنوى ْ مطيةٍ إنْ يسقها ** سائقاها فذاك سيرٌ مكيثُ ) ( فعليه الدبارُ والخزيُ لما ** قلتُ مَنْ ذا فقال لصٌّ خبيثُ ) وقال أبو الرماح الأسديُّ : ( تطاوَلَ بالفسطاط ليلي ولم يكن ** بِحنْو الغَضَى ليلٌ عَليَّ يطولُ )

( يؤرِّقُني حُدْبٌ صغارٌ أذلةٌ ** وإن الذي يؤذينَهُ لذليل ) ( إذا جُلتُ بعض الليل منهن جَوْلةً ** تعلَّقْنَ بي أو جُلْنَ حيثُ أجولُ ) ( إذا ما قتلناهنّ أُضعَفْنَ كَثْرَةً ** علينا ولا يُنعى لهنّ قتيلُ ) ( ألا ليت شعري هل أبيتَنَّ ليلة ** وليس لبرغوث عَلَيَّ سبيلُ ) وقال أبو الشَّمقمق : ( يا طولَ يومي وطول لَيْلَتِيَهْ ** إن البراغيثَ قد عَبِثْنَ بِيَهْ ) ( فيهنّ بُرغوثَةٌ مُجَوَّعَةٌ ** قد عقدَتْ بَنْدها بفقْحَتِيهْ ) وقال آخر : ( تطاولَ في بغدادَ ليلى ومن يكُنْ ** ببغدادَ يلبثْ ليله غيرَ راقدِ ) ( بلادٌ إذا جنَّ الظلامُ تقافزتْ ** براغيثها من بين مثنى وواحدِ )

( ديازجةٌ سود الجلود كأنها ** بغالُ بريد أرسلت في مداودِ ) وقال آخر : ( أرَّقَني الأُسَيْوِدُ الأسكُّ ** ليلةَ حَكَّ ليس فيها شكِّ ) ( أحُكُّ حتى مالهُ مَحَكَ ** أحُلُّ حتى مِرْفقي مُنقَكُّ ) وقال آخر : ( يا أُمَّ مَثْواي عَدِمْتُ وَجْهكِ ** أنقذني ربُّ العُلا من مِصْرِكِ ) ( ولذْعِ برغوثٍ أُرَاهُ مُهْلِكي ** أبيبُ ليلي دائمَ التحكُّكِ ) تحكُّكَ الأجربِ عند المبرَكِ وقال آخر : ( الحمد للّه برغوث يُؤَرِّقني ** أحَيْلِكُ الجلْدِ لا سمْعٌ ولا بصرُ )

وقال آخر : ( قبيلةٌ في طولها وعَرْضِها ** لم يُطْبِقُوا عينًا لهم بغُمْضِها ) ( عقارباً ترفضُّ من مُرَفَضِّها ** إن دام هذا هربتْ منْ أرضِها ) يا ربِّ فاقْتلْ بعضَها ببعضِها

معارف في البرغوث
قال : والبرغوثُ في صورة الفيل وزعموا أنها تبيض وتفرخ وأنهم رأوْا بيضَها رؤية العين والبراغيث تَنَاكَحُ وهي مستدبرةٌ ومتعاظلة وهي من الجنس الذي تطول ساعة كوْمِها .
استقذار القمل وليس الناسُ لشيء مما يعَضُّهم ويؤذيهم من الجرجس والبقِّ والبراغيثِ والذِّبان أشد استقذارًا منهم للقمل ومن العجب أنّ قرابته أمسُّ فأما قملة النِّسر وهي التي يقال لها بالفارسية : دَدَه وهي تكون بالجبل فإنها إذا عضّت قتلت .


القول في البعوض حدَّثني إبراهيم بن السِّنديِّ قال : لما كان أبي بالشام والياً أحبَّ أن يسوِّي بين القَحطانيِّ والعَدناني وقال : لسنا نقدِّمُكم إلا على الطاعة للّه عزّ وجلّ ولللخلفاء وكلُّكم إخْوة وليس للنَّزاريِّ عندي شيءٌ ليس لليَمانيِّ مثله .
قال : وكان يتغدّى مع جملة من جِلَّة الفريقين ويسوِّي بينهم في الإذن والمجلس وكان شيخ اليمانية يدخل عليه معتمًّا وقد جذب كوْرَ عمامته حتى غطى بها حاجبه وكان لا ينزِعها في حر ولا برد فأراد فتى من قيس وقد كان أبي يستخليه ويقرِّبه أن يُسْقطه من عين أبي ويوحِشَه منه فقال له ذات يوم ووجدَ المجلس خاليًا : إني أريدُ أن أقول شيئاً ليس يخرِجه مني إلا الشكر والحُرية وإلا المودة والنصيحة ولولا ما أعرفُ من تقزُّزك وتنطُّسِك وأنك

متى انتبهت على ما أَنا مُلْقِيه إليك لم آمَنْ أَنْ تستغشَّني وإن لم تُظْهِرْه لي إن هذا اليمانيّ إنما يعتم أبداً ويمدُّ طُرّةَ العمامة حتى يغطِّي بها حاجِبَيْهِ لأن به داءً لو عَلِمْتَ به لم تؤاكلْهُ .
قال : فقال أبي : فرَماني واللّه بمعنى كاد ينقضُ علييَّ جميع ما بيدي وقلتُ : واللّه لئن أكلت معه وبه الذي به إنّ هذا لهو البلاءُ ولئنْ منعت الجميع مؤاكلتي لأوحِشَنهم جميعاً بعد المباسطة والمباثَة والملابسة والمؤاكلة ولئن خصَصْتُه بالمنع أو أقعدتُه على غير مائدتي ليغضَبَنّ ولئن غضِب ليغضَبنّ معه كل قحطاني بالشام فبتُّ بليلة طويلة فلما كان الغَدُو جلست ودخلوا للسلام جرى شيءٌ من ذكر السمومِ وغرائبِ أعمالها فأقبل عَليَّ ذلك الشيخُ فقال : عندي من هذا بالمعاينةِ ما ليس عند أحد خرجت مع ابن اخي هذا ومع ابن عمّي هذا ومع ابني هذا أريد قَريتي الفُلانية فإذا بقُرب الجادّةِ بعير قد نهشته أفعى وإذا هو وافرُ اللحم وكل شيء )

واليه من الطير والسباع ميت ، فقمنا منه على قاب أرماح تتعجب ، وإذا عليه بعوض كثيرة .
فبينا أنا أقول لأصحابي : يا هؤلاء إنكم لترون العجَب : أولُ ذلك أن بعيراً مثل هذا يتفسَّخ من عَضةِ شيء لعله أن لا يكون في جسم عرقٍ من عروقه أو عَصَبة من عصَبه فما هذا الذي مَجَّه فيه وقذفه إليه ثم لم يرضَ بأن قتلَه حتى قتلَ كلّ طائر ذاق منه وكلّ سبُعٍ عضّ عليه وأعجب من هذا قتلُه لأكابر السِّباع والطيرِ وترْكه قتْلَ البعوضة مع ضَعفها ومهانتِها .
فبينا نحن كذلك إذ هبَّت ريحٌ من تلقاء الجى فةِ فطيّرت البعوض إلى شِقّنا وتسقط بعوضة على جبهتي فما هو إلا أن عضتْني إذ اسْمَأَدَّ وجهي تورَّم رأسي فكنت لا أضرِبُ بيدي إلى شيء أحكُّه من رأسي وحاجِبي إلا انتثر في يدي فحُمِلْت إلى منزلي في محمل

وعولِجْت بأنواع العلاجِ فَبَرَأت بعد دهر طويل على أنه أبقى عليَّ من الشَّين أنه تركني أقَرعَ الرأس أمرط الحاجبين .
قال : والقومُ يخوضون معه في ذلك الحديث خَوْضَ قوم قد قتَلوا تلك القصة يقيناً .
قال : فتبسمْت ونَكَس الفتى القيسيُّ رأسه فظن الشيخ أنه قد جرى بيننا في ذلك ذَرْء من القول فقال : إن هذا القيسيّ خبيث ولعله أن يكون قد احتال لكَ بحيلة قال إبراهيم : فلم أسمع في السموم بأعجبَ من هذا الحديث .
طلسمات البعوض ويزعم أهلُ أنطاكية أنهم لا يُبْعَضونَ لِطلَّسمٍ هناك

ولو ادعى أَهلُ عقْر الدَّير المتوسطة لأجمةِ ما بينَ البصرةَ وكَسْكَر لكان طِلَّسْمُهُمْ أَعجب .
ويزعم أَهلُ حِمْص أن فيها طِلَّسْماًَ من أَجلِهِ لا تعيشُ فيها العقارب وإنْ طُرحَتْ فيها عقَربٌ غريبةٌ ماتَتْ من ساعتها . و لَعَمري إنه ليجوزُ أَن تكون بلدة تضادُّ ضرباً من الحيوان فلا يعيش فيها ذلك الجنس فيدعي كذَّابو أهلها أَن ذلك برُقْية أَو دعوة أَو طلّسم .

ألم عضة البرغوث والقملة
والبرغوثُ إذا عض وكذاك القملة فيس هناك من الحُرقة والألم ما لَه مدةٌ قصيرة ولا طويلة .
وأما البعوضُ فأشهد أن بعوضةً عضتْ ظهر قدمي وأَنا بقرب كاذَة والعَوْجاء وذلك بعد أَن صلى الناسُ المغرب فلم أَزَل منها في أُكالٍ وحُرْقَة وأنا أَسير في السفينة إلى أن سِمعتُ أَذانِ العشاء .
ولذلك يقال : إن البعوضة لو ألحقت بمقدار جرْم الجرَّارة فإنَّها

أصغرُ العقارب ثم زيدتْ مم تضاعيف ما معها من السُّمِّ عَلَى حَسَبِ ذلك لكانت شَرّاً من الدُّوَيْبّة التي تسمى بالفارسية : دَدَهْ وهي أَكبر من القملة شيئاً وتكون بمهرجان قَُذُق فإنها مع صِغر جسمها تفسَخ الإنسان في أَسرعَ من الإشارة باليد وهي تعضُّ ولا تلسع وهي من ذوات الأفواهِ وهي التي بزعمهم يقال لها قملة النَّسر وذلك أن النّسر في بعض الزمان إذا سقط بتلك الأرض سقطت منه قملة تستحيل هذه الدابةَ الخبيثةَ .
والبعوضةُ من ذواتِ الخراطيم .
وحدّثني محمد بن هاشم السِّدريّ قال : كنتُ بالزُّطِّ فكنت واللّه أرَى البعوضَة تطير عن ظهر الثور فتسقط على الغُصْن من

الأغصان فتقلِس ما في بطنها ثم تعود .
والبعوضة تَغْمِس خرطومها في جلد الجاموس كما يغمِسُ الرجلُ أصابعَه في الثريد .
ومن العجب أن بين البصرة وواسط شطرين فالشَّطر الذي يلي الطّف وباب طنج يبيت أهله في عافية وليس عندهم من البَعوض ما يذكر والشطر الذي يلي زقاق الهِفَّة لا ينامُ أَهله من البعوض فلو كان هذا ببلاد الشام أَو بلاد مصر لأدَّعوا الطِّلَّسم .
وحدَّثني إبراهيم النَّظام قال : وردنا فم زقاق الهفة في أجَمة البصرة فأردنا النفوذ فمنعنا صاحبُ المسْلحة فأرَدْنا التأخُّر إلى الَهوْر الذي خرَجْنا منه فأبى علينا وورَدْنا عليه وهو سكران وأَصحابُه سُكارى فغضِب عََلَى مَلاَّح نَبَطِيٍّ فشدّهُ قِماطاً ثم رمى به في الأجمة على موضعِ

أرض تتصل بموضع أكواخ صاحب المسْلَحةَ فصاح الملاح : اقتلني أيَّ قتلة شئتَ وأرحْني فأبى وطرحه فصاح ثم عاد صياحُه إلى الأنين ثم خَفَتَ وناموا في كِلِلِهم وهم سكارى فجئتُ إلى المقموط وما جاوز وقت عتمةٍ فإذا هو ميتٌْ وإذا هو أَشد سواداً من الزنجي وأشد انتفاخاً من الزقِّ المنفوخ وذلك كله بقدر ما بين العشاء والمغرب فقلت : إنها لمَّا )
لسَبَتْه ولسَعته من كلِّ جانب لسْعا عَلى لسع إن اجتماعَ سمومها فيه أَرْبَتْ عَلَى نهشة أَفعى بعيداً فهي ضررٌ ومحنةٌ ليس فيها شيءٌ من المرافق .
نفع العقرب والعقاربُ بأكلها مَشويةً من بعينه ريح السّبَل فيجدُها صالحة ويرمَى بها في الزيت حتى إذا تفسَّخت وامتصَّ الزيتُ ما فيها من قواها

فطلوْا بذلك الدهنِ الخُصى التي فيها النفخ فرّق تلك الريح حتَّى تخمُصَ الجلِدة ويذهب الوجع .
فإذا سمعْتَ بدُهْن العقارب فإنما يعنون هذا الدهن . ( في البقّ والجِرجس والشَّرَّان والفَرَاش والأدي ) وقال اللّه تعالى : إنَّ اللّه لا يَسْتَحْيِِ أَنْ يَضْرِبَ مَثلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها قال : يريد فما دونها .
وهو قول القائل للرجل يقول : فلانٌ أسفلُ الناسِ وأنذلهُم

فيقول : هو فوق ذلك يضعُ قوله فوق في موضع : هو شَرٌّ من ذلك .
قال : وضروب من الطير لا تلتمسُ أرزاقها إلا بالليل منها الخُفَّاش والبُومة والصَّدى والضُّوْع وغُرابُ الليل .
وللبعوض بالنهار تؤذي بعض الأذى وإنما سلطانها بالليل وكذلك البراغيث .
وأما القملُ فأمره في الحالات مستوٍ وليس للذِّبَّانِ بالليل عملٌ إلا أنّي متى بيَّتَ معتي في القبة ما صار إليها وسكن فيها من الذِّبّان ولم أطرُدْها بالعشيِّ وبعد العصر فإني لا أجدُ فيها بعوضة واحدة .

شعر ورجز في البعوض
وقال الرَّاجز في خرطوم البعوضة :

وقال الهذليّ : ( كأنَّ وغَى الخَموشِ بجانِبَيْه ** وغَى رَكْبٍ أمَيْمَ ذوِي هِيَاطِ ) والخموش : أصناف البعوض والوغى : أصوات الملتفة التي لا يُبين واحدُها عن معنى وهو كما تسمع من الأصوات الجيشين إذا التقيا عَلَى الحرب وكما تسمعُ من ضجَّة السوق .
وقال الكُمَيت وهو يذكر قانصاً وصاحب قُتْرَة لأنه لا يَبتَنِي بيته إلاّ عند شريعةٍ ينتابها )
الوحْش فقال وهو يصف البعوض :

( به حاضرٌ من غير جِنٍّ تروُعه ** ولا أنسٌ ذو أَرْنانٍ وذُو زَجَلْ ) والحاضر : الذي لا يبرحه البعوض لأن البعوض من الماء يتخَلق فكيف يفارقه والماءُ الراكد لا يزال يولدُهُ فإن صار نطافاً أو ضَحْضَحاً استحال دعاميص وانسلخت الدَّعاميص فصارت فراشاً وبعوضاً وقال ذو الرُّمّة : ( وأيقنّ أنّ القِنْعَ صارتْ نِطافُه ** فَرَاشاً وأن البقْل ذاوٍ و يابسُ ) وصفَ الصَّيف وقال أبو وجْزَةَ وهو يصِفُ القانصَ والشريعة والبعوض :

( تَبِيتُ جارَتَهُ الأفعى وسامرُه ** رُمْدٌ به عاذِرٌ مِنهنَّ كالجَربِ ) رَُمْدٌ في لونها يعني البعوض وهي التي تسِامرُ القانِصَ وتُسْهِره والعاذِر : الأثر يقول : في جلده وقال الراجز يصف البَعُوض : ( ولَيلةٍ لم أدرِ ما كَراها ** أمارِسُ البَعُوضَ في دُجَاها ) ( كلُّ زَجُول خَفِقٍ حَشاها ** سِتٌّ لدَى إيفائها شَوَاها )

( لا يطْربُ السامعُ من غناَها ** حَنّانة أعظَمُها أذاها ) أرجل الجرادة والعقرب والنملة والسرطان وكذلك قوائم الجرادة هي ستّ : يدان ورجلان والميشاران وبهما تعتمد إذا نَزَت .
فأما العقرب فلها ثمان أرجل وللنملة ست أرجل .
وللسَّرَطان ثمان أرجل وهو في ذلك يستعين بأسنانه فكأنه يمشي على عَشر وعيناه في ظهره وما أكثر من يشويه ويأكله للشهوة لا للحاجة ولا للعلاج .

شعر ورجز في البعوض
وقال الرَّاجز ووصَفَ حالَهُ وحَالَ البَعوض : ( لم أرَ كاليوم ولا مُذْ قَطِّ ** أطولَ من ليلي بنهر بَطِّ ) ( كأنما نجومُه في رُبْط ** أبيتُ بينَ خُطَّتي مشتطِّ )

( سقط : بيت الشعر ) ( من البعوض ومن التغطى ** إذا تغنين غناء الزط ) ( وهُنّ منّي بمكانِ القرطِ ** فثِقْ بوقْعٍ مثلِ وقْعِ الشَّرطِ ) وقال أيضاً : ( إذا البعوضُ زجَلَت أصواتُها ** وأخذ اللحنَ مغنِّياتُها ) ( لم تطرب السامعَ خافضاتُها ** كلُّ زجُولِ تُتَّقى شَذاتُها ) ( صغيرةٌ عظيمة ٌْ أذاتها ** تنقُص عن بُغيتها بُغاتُها ) ( ولا تصيبُ أبداً رُماتُها ** رامحةٌ خُرطومُها قَنَاتُها )

وأنشدني جعفر بن سعيد : ( ظَلِلْتُ بالبصرة في تَهْوَاشِ ** وفي براغيثَ أذاها فاشي ) ( من نافر منها وذي اهتماش ** يرفع جَنْبَيِّ عن الفراش ) ( فأنا في حَكَ وفي تخْراش ** تتركُ في جنبيِّ كالخراش ) ( وزوجةٍ دائمةِ الهراش ** تغلي كغلي المِرجَلِ التَّشَّاشِ ) ( تأكلُ ماجَمَّعت من تَهباش ** بل أمُّ معروف خَموشٌ ناشِ ) وقال رجل من بني حِمَّانَ وقَع في جُنْد الثغور : ( أأنصُرُ أهل الشام ممن يكيدهم ** وأهلي بنَجدٍ ساءَ ذلك من نصرِ )

( سقط : بيت الشعر ) ( براغيث ترذيني إذا الناس نوموا ** وبق أقاسيه على ساحل البحر ) ( فإن يك فرضٌ بَعدها لا أعُدْ لَهُ ** وإن بذلوا حُمْرَ الدنانيرِ كالجمْر )

في العنكبوت
قال اللّه عز وجل : مَثَل الَّذينَ اتخذوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلمُونَ ثم قال على إثر ذلك : وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضرِبُها للِنَّاسِ وَمَا يَعقِلها إلاّ العَالِمُونَ يريد ذكره بالوهَن وكذلك هو ولم يُرِدْ إحكام الصنعة في الرِّقَّة والصَّفاقة واستواء الرقعة وطول البقاء إذا كان لا يعمل فيه تعاوُرُ الأيام وسَلِمَ من جنايات الأيدي .

شعر في العنكبوت
وقال الحُدَّانيّ : ( يزهِّدُني في وُدِّ هارونَ أنه ** غَذَتْهُ بأَطْباءٍ مُلَعَّنَةٍ عُكْلُ ) ( كأنّ قَفَا هارُونَ إذْ قَامَ مُدْبراً ** قفا عنكبوت سَلّ من دُبْرِهَا غَزْلَ ) ( ألا ليت هاروناً يسافرُ جائعاً ** وليس عَلَى هارون خفٌّ ولا نعْلُ ) ( ولو أنَّ شيخاً ذا بَنِينَ كأنما ** على رأسِهِ من شاملِ الشَّيْب قَوْنَسُ ) ( ولم يَبْقَ من أضراسه غير واحدٍ ** إذ ا مَسَّه يَدْمى مِرَاراً ويَضْرَسُ ) ( تبيِّت فيه العنكبوتُ بناتِها ** نواشئَ حتى شِبْنَ أَوْ هُنّ عُنَّسُ ) ( لظَلَّ إليها رَانِياً وكأنه ** إذا كشّ ثورٌ من كريص مُنَمِّسُ )

( أجناس العنكبوت ونسْجها ) قال : ومن أجناس العنكبوت جنس رديء التدبير لأنه ينسِجُ سِترهُ على وجه الأرض والصخور ويجعله على ظهر الأرض خارجاً وتكونُ الأطرافُ داخلة فإذا وقع عليه شيءٌ مما يغْتَذِيه من شكل الذّبّان وما أشبه ذلك أخذه .
وأما الدقيق الصَّنعة فإنه يصعِّد بيته ويمدُّ الشَّعرة ناحيةَ القرون والأوتاد ثم يسدِّي من الوسط ثم يهيِّئُ اللُّحمة ويهيَّئُ مَصيدَتَه في الوسط فإذا وقع عليها ذباب تحرَّك ما هناك ارتبط ونشِبت به فيتركه على حاله حتى إذا وثق بوَهْنِهِ وضَعْفه غَلَّه وأدخَلَه إلى خزانته وإن كان جائعاً مصَّ من رطوبته ورمَى به فإذا فَرَغَ رمّ ما تشعَّثَ من نَسْجه .
وأكثرُ ما يقعُ عَلَى تلك المصيدة من الصَّيدِ عند غيبوبة الشمس .

وإنما اتنسج الأنثى . فأما الذكر فإنه ينقض ويفسد .
وولد العنكبوتِ أعجبُ من الفرُّوج الذي يظهر إلى الدنيا كاسباً محتالاً مكتفياً .
قال : وولد العنكبوت يقومُ عَلَى النسج ساعةَ يولد .
قال : والذي ينسِجُ به لا يخرجُ من جوفه بل من خارج جسده .
وقال الحُدَّانيُّ : ( كأن قفا هارون إذ قام مُدْبراً ** قفا عنكبوت سُلَّ من دُبْرها غزْلُ ) فالنحل العنكبوت ودود القزّ تختلف من جهات ما يقال إنه يخْرُج منها .

العنكبوت الذي يسمى الليث
ومن العناكبِ جنسٌ يصيد الذُّبابَ صيد الفهود وهو الذي يسمى : الليث وله ستُّ عيون وإذا رأى الذُّبابَ لطِئَ بالأرض وسكَّنَ أطرافه وإذا وثَبَ لم يخطئْ وهو من آفات الذّبّان ولا يصيدُ إلا ذِبّان الناس .


ذبان الأسد والكلاب وذِبَّانُ الأُسْدِ علَى حِدَة وذِبّانُ الكِلاب على حِدَة وليس يقوم لها شيءٌ وهي أشدُّ من الزنابير وأضرُّ من العقارب الطيّارة وفيها من الأعاجيب أنها تعضُّ الأُسْدَ كما يعضُّ الكلبَ وكذلك ذِبّانُ الكلأَ لما يغشَى الكَلأ من بعير وغير ذلك ولها عضٌّ مُنكَر ولا يبلغُ مبلغَ ذِبَّانِ الأُسْد .
فمن أعاجيبها سِوى شدةِ عضِّها وسَمِّها وأنها مقصورة علَى الأسد وأنها متى رأت بأسد دماً من جراح أو رمْي ولو في مقدار الخُديش الصغير فإنها تستجمعُ عليه فلا تقلعُ عنه حتى تقتله .
وهذا شبيهٌ بما يُرْوَى ويُخبَر عن الذَّرّ فإن الذَّرّ متى رأتْ بحيَّة خدْشاً لم تقْلِعْ عنه حتى تقتله وحتى تأكله .
ولوع النمل بالأراك ولقد أردتُ أن أغْرسَ في داري أراكةً فقالوا لي : إن الأراكة

إنما تنبت من حبِّ الأراك وفي نباتها عسْرٌ وذلك أن حبّ الأراك يغرس في جوف طين وفي قواصِرَ ويُسقى الماءَ أياماً فإذا نبتَ الحبُّ وظهر نباتُه فوق الطين وُضِعت القَوْصَرَة كما هي في جوف الأرض ولكنها إلى أنْ تصير في جوف الأرض فإن الذرَّ يطالبها مطالبة شديدة وإن لم تُحفظ منها بالليل والنهار أفسدتها .
فعمدتُ إلى منارات من صُفر من هذه المسارج وهي في غاية الملاسة واللِّين فكنتُ أَضَعُ القوصَرَة عَلَى التُّرسِ الذي فوق العمود الأملس فأجد فيها الذرّ الكثير فكنتُ أنقُل المنارةَ من مكان إلى مكان فما أفلحَ ذلك الحبُّ .

ضروب العناكب
قال : والعناكب ضروبٌ : منها هذا الذي يقال له الليث وه

و الذّي يصيد الذبّان صيد الفهد وقد ذكرنا في صدر هذا الكلام حِذقه ورفْقه وتأتّيه وحيلته .
ومنها أجناس طِوَالُ الأرجلُ والواحدةُ منها إذا مشت علَى جلْد الإنسان تبثَّر ويقال إن العنكبوت الطويلة الأرجل إنما اتخذت بيتاً وأعدَّت فيه المصايد والحبائل والخيوطَ التي تلتفُّ على ما يدخُل بيتها من أصناف الذّبان وصغارِ الزنابير لأنها حين علِمَتْ أنها لا بدّ لها من قوت وعرفت ضعفَ قوائمها وأنها تعجزُ عما يقْوَى عليه الليث احتالت بتلك الحيل .
فالعنكبوتُ والفأر والنحلُ والذَّرّ والنمل من الأجناس التي تتقدم في إحكام شأنِ المعيشة ومنها جنس رديء مشنوء الصورة غليظ الأرجل كثيراً ما يكون في المكان التَّرِب من الصناديق والقماطر والأسفاط وقد قيل : إنَّ بينه وبين الحيَّة كما بين الخنفساء والعقرب .


وإناث العناكب هي العوامل : تغزل وتنسج والذَّكَرُ أخرقِ ينقضُ ولا ينْسِجُ وإن كان ما قال صاحب المنطق حَقّاً فما أغرَبَ الأُعجوبة في ذلك وذلك أنه زعم أن العنكبوت تقْوَى على النَّسْج وعلى التقدمِ في إحكام شأن المعاش حين تولد .
الكاسب من أولاد الحيوان وقالوا : وأشياءُ من أولاد الحيوان تكونُ عالمةً بصناعتها عارفة بما يُعيشها ويُصْلحها حتى تكون في ذلك كأُمهاتها وآبائها حين تخرجُ إلى الدنيا وكالفرُّوج من وََلد الدجاج والحِسْل من ولد الضبِّاب وفرخ العنكبوت .
وهذه الأجناسُ مع الفأر والجرذان هي التي من بين جميع الخلق تدَّخرُ لنفسها ما تعيش به من الطُّعم .

في النحل
زعمَ صاحبُ المنطق أن خلِيَّة من خلايا النحل فيما سلف من الزمان اعتلتْ ومَرِض ما كان فيها من النحل وجاء نحلٌ من خَلِيَّةٍ أخرى

يقاتلُ هذا النحل حتى أخرجت العسل وأقبل القيِّم على الخلايا يقتل بذلك النحل الذي جاء إلى خليته .
قال : فخرج النحلُ من الخليَّة يقاتلُ النحلَ الغريب والرجل بينها يطردُ الغريب فلم تلسعه نحل الخليَّة التي هو حافظُها لدفعه المكروهَ عنها .
قال : وأجودُ العسل ما كان لونه لون الذهب .

نظام النحل
قال : والنحل تجتمع فتقسم الأعمال بينها فبعضَها يعملُ الشّمع وبعضها يعملُ العسل وبعضها يبني البيوتَ وبعضها يَسْتَقي الماء ويصبُّه في الثقْب ويلطخه بالعسل .
ومنه ما يبكِّر إلى العمل ومن النحل ما يَكفُّه حتى إذا نهضتْ واحدةٌ طارت كلها يقال : بَكَرَ بُكورَ اليَعْسوب يريد أمير النحل لأنها تتبعه غُدوةً إلى عملها

ومنها ما ينقل العسل من أطرافِ الشجر ومنها ما ينقل الشَّمعَ الذي تبني به فلا تزالُ في عملها حتى إذا كان الليل آبت إلى قال : والأرْي : عمل العسل يقال : أرت تأري أرْياً والأرْي في غير هذا الموضع : القيء وقال أبو ذؤيب : ( بأرى ِ التي تأرِي إلى كل مَغْربٍ ** إذا اصفرَّ ليطُ الشمس حان انقلابُها ) ومغارب : جمع مغرب وكل شيء واراك من شيء فهو مغرب كما جعله أبو ذؤيب والأصل مغرب الشمس وقال أبو ذؤيب : ( فباتَ بجَمْعٍ ثُمَّ تمَّ إلى مِنًى ** فأصبحَ رَأْداً يبتغي المزْجَ بالسَّحْلِ ) المزْجُ : العسل والسَّحْل : النقد .


ما له رئيس من الحيوان ومن الحيوان ما يكون لكل جماعة منها رأس وأمير ومنها ما لايكونُ ذلك له فأما الحيوان الذي لا يجد بدّاً ولا مصلحة لشأنه إلا في اتخاذ رئيس ورقيب فمثل ما يصنع الناس ومثلُ ما تتخذ النحلُ والغَرانيق والكَرَاكيّ .
فأما الإبل والحمير والبقر فإن الرياسة لفحْل الهجْمة ولعَير العانة ولثَور الرَّبرَب وذكورتها )
لاتتخذ تخذ الرُّقباء من الذُّكورة .
وقد زعم ناس أن الكراكيَّ لا تُرَى أبداً إلا فُرادَى فكأَن الذي يجمعها الذكر ولا يجمعُها إلا ولا أدري كيف هذا القول والنحل أيضاً تسير بسيرة الإبل والبقر والحمير لأن الرئيس هو الذي يورِدُها ويُصْدِرها وتنْهَضُ بنهوضه وتقع بوقوعه واليعسوب

هو فحلها فترى كما ترى سائر الحيوان الذي يتخذ رئيساً إنما هي إناث الأجناس إلا الناس فإنهم يعلمون أن صلاحهم في اتخاذ أمير وسيِّد ورئيس .
وزعم بعضهم أن رياسة اليعسوبِ وفحل الهجْمة والثورِ والعَير لأحد أمرين : أحدهما لاقتدار الذَّكر على الإناث والآخر لما في طباع الإناث من حبّ ذكورتها .
ولو لم تتأمَّرْ عليها الفحولُ لكانت هي لحبِّها الفحولِ تغدو بغدوِّها وتروح بَروَاحها .
قالوا : وكذلك الغرانيق والكراكيّ فأما ما ذكروا من رؤساء الإبل والبقر والجواميس والحمير فما أبعدهم في ذلك عن الصواب .
وأما إلحاقهم الغرانيقَ والكراكي بهذه المنزلة فليس علَى ما قالوا .
وعلى أنَّا لا نجدُ بُدّاً من أن يعلم أن ذكورتها أقوى على قسرِ الإناث وجمعها إليها من الإناث وعلى أنه لا بد من أن يكون بعض طاعة الإناث لها من جهة ما في طباعها من حبِّ ذكورتها

ولو كان اتخاذ الغرانيق والكراكيّ الرؤساءَ والرُّقباء إنما علته المعرفة لم يكن للغرانيق والكراكيِّ في المعرفة فضلٌ على الذّرِّ والنمل وعلى الذِّئب والفيل وعلى الثعلب والحمام .
وقد تخضع الحياتُ للحية والكلاب للكلب والدُّيوك للديكِ حتى لا تروِّمَه ولا تحاول مدافعتَه قصة في خنوع الكلب ولقد خرجت في بعض الأسحار في طلبِ الحديث فلما صرتُ في مربَّعة المحلَّة ثار إليّ عِدّةُ من الكلابِ من ضًخامها ومما يختارُه الحُرّاس فبينا أنا في الاحتيال لهنَّ وقد غشِينَني إذ سَكَتْنَ سكتةً واحدة معاً ثم أخذ كل واحد في شقًّ كالخائف المستخفي وسمعت نغمة إنسان فانتهزتُ تلك الفُرصةَ من إمساكهنَّ عن النُّباح فقلتُ : إنَّ هَهُنَا

لَعِلَّة إذ أقبلَ رجلانِ ومعها كلبٌ أزبُّ ضخمٌ دَوسر وهو في ساجور ولم أرَ كلباً قط أضخم منه فقلت : إنهنَّ إنما أمْسَكن عن النُّباح وتسترن من الهيبة له وهي مع ذلك لا تتخذ رئيساً .
سادة الحيوان )
ورُوِي عن عبّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة عن قسامة بن زُهير قال : قال أبو موسى : إن لكل شيء سادة حتى إن للنمل سادة فقال بعضهم : سادة النمل : المتقدِّمات .
وهذا تخريج ولا ندري ما معنى ما قال أبو موسى في هذا .
ولو كان اتخاذُ الرئيس من النحل والكراكيِّ والغرانيق والإبل والحمير والثيران لكثرة ما معها من المعرفة لكانت القرود والفيلة والذرّ والثعالبُ أولى بذلك فلا بد من معرفةٍ ولا بد

والحمام يُزْجَلْن من لُؤلؤة وهنَّ بَصريَّات وبغداديَّات وهنّ جُمَّاعٌ من هاهنا و هاهنا فلا تتخذ رئيساً . ( طعن ناس من الملحدين في آية النَّحل ) وقد طعنَ ناسٌ من الملحدين وبعضُ من لا علم له بوجوه اللغِة وتوسُّع العرب في لُغتها وفَهْمِ بعضها عن بعض بالإشارة والوحي فقالوا : قد علمْنا أن الشمع شيءٌ تنقله النحل مما يسقط على الشجر فَتَبني بيوت العسل منه ثم تنقل من الأشجار العسل الساقط عليها كما يسقط التَّرَنْجُبين والمنُّ وغير ذلك إلا أن مواضع الشمع وأبدانه خفيٌّ

وكذلك العسل أخفى وأقلّ فليس العسل بقيءٍ ولا رجْع ولا دخَلَ للنحلة في بطْنٍ قطُّ .
وفي القرآن قول اللّه عز وجل : وَأَوْحَى رَبُّك إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبْال بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثمَّ كُلي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاَسْلكِي سبُلَ رَبِّكِ ذُللاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فيهِ شِفَاءٌ للِنَّاسِ إنَّ في ذلكَ لآيةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرون .
ولو كان إنما ذهبَ إلى أنه شيءٌ يُلتَقَطُ من الأشجار كالصُّموغِ وما يتولد من طِباع الأنداء والأجْواء والأشجارِ إذا تمازجت لمان كا في ذلك عجبٌ إلا بمقدار ما نجده في أمور كثيرة .
قلنا : قد زعم ابن حائط وناسٌ ُ من جُهَّالِ الصُّوفيَّة أن في النحل أنبياء لقوله عز وجل : وَأوْحَى رَبُّك إلَى النَّحْل وزعموا أن الحَوَاريِّينَ كانوا أنبياء لقوله عز وجل : وَإذْ أَوْحَيْتُ إلى الحَوارِيِّينَ .
قلنا : وما خالف إلى أن يكون في النحل أنبياء بل يجبُ أن تكون النحل كلها أنبياء لقوله عز وجل على المخرج العامّ : وَأَوْحَى

رَبُّك إلَى النَّحُلِ ولم يخصّ الأمهات والملوكَ واليعاسيب بل أطلقَ القول إطلاقاً .
وبعدُ فإن كنتم مسلمين فليس هذا قولَ أحد من المسلمين وإلا تكونوا مسلمين فلِمَ تجعلون الحجة )
علي نبوة النحل كلاماً هو عندكم باطل قول في المجاز وأما قوله عز وجل : يَخْرجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ فالعسل ليس بشرابٍ وإنما هو شيء يحوَّلُ بالماء شراباً أو بالماء نبيذاً فسماه كما ترى شراباً إذ كان يجيء منه الشراب .
وقد جاء في كلام العرب أن يقولوا : جاءت السماءُ اليوم بأمر عظيم .
وقد قال الشاعر : ( إذا سقط السماءُ بأرْضِ قوْمٍ ** رَعيناه وإن كانوا غِضَابَا ) ومتى خرج العسلُ من جهةِ بطونها وأجوافها فقد خرج في اللغة من بطونها وأجوافها .


ومَنْ حمل اللغة علي هذا المركب لم يفهم عن العرب قليلاً ولا كثيراً وهذا الباب هو مفخرُ العربِ في لغتهم وبه وبأشباهه اتسعت وقد خاطبَ بهذا الكلام أهل تِهامة وهُذيلاً وضواحِيَ كِنانة وهؤلاء أصحابُ العسل والأعرابُ أعرَف بكل صَمْغَةٍ سائلة وعَسلة ساقطة فهل سمعتم بأحد أنكر هذا الباب أو طعنَ عليه من هذه الحجة

أحاديث في العسل
حُدِّثَ عن سفيان الثَّوريّ قال حدَّثنا أبو طُعْمة عن بكر بن ماعز عن ربيع ابن خُثَيْم قال : ليس للمريض عندي دواءٌ إلا العسل .


وعن هشام بن حسان عن الحسن أنه كان يعجبه إذا استمشي الرجُل أن يشربَ اللبنَ والعسل إبراهيمُ بنُ أبي يحيى قال : بلغني عن ابن عباس : أن النبيَّ صلى اللهّ عليه وسلم سُئِل : أبى ُّ الشراب أفضل قال : الحُلْو البارد .
وسفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : عليكم بالشفاءين : القرآن والعسلِ .
شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال : مضى رجل

إلى ابن مسعود فقال : إن أخي يشتكي بطنَه وقد نُعِتَت له الخمر فقال : سبحان اللّه ما كان اللّه ليجعلَ شفاءهُ في رجس وإنما جُعلَ الشفاءُ في اثنين : في القرآنِ والعسل .
سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة عن أبي المتوكّل الناجيّ عن أبي سعيد الخدريّ : أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال إن أخي يشتكي بطنَه فقال عليه السلام : اسقهِ عسلاً ثم )
أتاه فقال : قد فعلت قال : اسقهِ عسلاً ثم أتاه فقال قد فعلتُ فقال : اسقهِ عسلاً ثم أتاه الرابعَة فقال : صدق اللّه وكذئَبَ بطْنُ أخيك اسقه عسلاً فسقاه فبَرأ الرجُل .
قال : والذي يدلُّ على صحةِ تأويلنا لقول اللّه عز وجل : يَخْرُجُ

منْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِف أَلْوَانُهُ فيهِ شفَاءٌ لِلنَّاسِ أن تكون المعجوناتِ كلها إنما بالعسل وكذلك الأنْبَجات .
نفع العسل وإذا ألقي في العسل اللحمُ الغريضُ فاحتاجَ صاحبه إليه بعد شهر أخرَجه طريّاً لم يتغير .
وإذا قطَرَت منه قَطْرَة علي وجه الأرض فإن استدار كما يستدير الزِّئبقُ ولم يَتَفَشَّ ولم يختلط بالأرض والتراب فهو الصحيح وأجودُه الذهبي .
ويزعمُ أصحابُ الشراب أنهم لم يروا شراباً قطُّ ألذَّ ولا أحسنَ ولا أجمعَ لما يريدون من شراب وفيه أعجوبةٌ : وذلك أنهم لا يعملونه إلا بماء النّيل أكْدَرَ ما يكون وكلما كان أكدرَ كان أصْفى وإن عملوه بالصافي فسَد .


وقد يُلقَى العسلُ على الزّبيب وعلى عصير الكرْم فيجوِّدهم .
التشبيه بالعسل وهو المثَلُ في الأمور المرتفعة فيقولون : ماءٌ كأنه العسل ويصفُون كلَّ شيء حلْوٍ فيقولون : كأنه العسل ويقال : هو معسول اللسان وقال الشاعر : ( لسانُكَ معسولٌ ونفسُك شَحَّةٌ ** ودون الثُّرَيَّا مِن صديقِك مالكا )
التنويه بالعسل في القرآن وقال اللّه عزَّ وجل في كتابه وذكر أنهار الجنة فقال : مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتي وُعِد المُتَّقون فِيها أَنْهارٌ مِنْ مَاء غيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغيَّرْ طَعْمهُ وأَنهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ للشَّارِبينَ وأنْهَارٌ منْ عَسَلٍ مُصَفًّى فاستفتح الكلام بذكر الماء وختمه بذكر العسلِ وذكر الماء

واللبنَ فلم يذكرْهُما في نعتهما ووصفهما إلا بالسلامةِ من الأسَنِ والتغيُّر وذَكَرَ الخمر والعسلَ فقال : مِنْ خَمْر لَذَّةٍ للشَّاربين و مِنْ عَسَل مُصفَّى فكان هذا ضرباً من التفضيل وذكرها في مواضع أُخَر فنفى عنها عيوَب خَمْر الدنيا فقال عز وجل اسمه : لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزفُونَ فكان هذا القول

في القراد
يقال : أسمَعُ من قُراد وألزَقُ من قُرَاد وماهُو إلا قراد ثَفَر وقال الشاعر :

( هم السمنُ بالسنُّوتِ لا ألْسَ فيهم ** وهم يمنعون جارهم أن يُقَرَّدَا ) السنُّوت عند أهل مكة : العسل وعند آخرين : الكمُّون .
وقال الحطيئة : ( لَعَمْرُك ما قُرَادُ بنيكَُليْب ** إذا نُزِعَ القُرَادُ بمستطاعِ ) قال : وذلك أن الفحلَ يَمنَعُ أن يُخطَم فإذا نزعوا من قُرَاداتِه شيئاً لذّ لذلك وسكَنَ إليه ولانَ لصاحبه فعند ذلك يلقي الخطامَ في رأسه .


قال : وأخبرني فِراس بنُ خَنْدَقٍ وأبو برْزةَ قال : كان جحدرٌ إذا نزلت رُفْقةٌ قريباً منه أخذ شَنَّةً فجعل فيها قِردَاناً ثم نثرها بقرب الإبل فإذا وجدَتِ الإبلُ مَسّها نهضتْ وشدّ الشّنَّةَ في ذنب بعضِ الإبل فإذا سمعتْ صوتَ الشَّنّة وعمِلتْ فيها القردانُ نفرت ثم كان يثبُ في ذِروة ما ندّ منها ويقول : ارحم الغارَّة الضِّعاف يعني القِرْدان .
قال أبو بَرْزة : ولم تكن هِمَّتُه تجاوزُ بعيراً .

القراد في الهجو
قال رُشَيد بن رُمَيض : ( لنا عِزٌّ ومأوَانا قريبٌ ** ومَولى لا يدِبُّ مع القُرَادِ ) وهجاهم الأعشَى فقال : ( فلسنا لباغي المهمَلاتِ بِقِرْفَةٍ ** إذا ما طَمَا بالليلِ مُنْتشِرَاتها ) ( أبا مِسْمَعٍ أقْصِرْ فإن قصيدةً ** متى تأتِكمْ تُلْحَقْ بها أخَوَاتها )
وهجاهم حُضَين بن المنذرِ فقال :

( تنازعني ضبيعةُ أمْرَ قومِي ** وما كانتْ ضُبيعةُ للأمورِ ) ( وهل كانت ضُبيعةُ غيرَ عبدٍ ** ضَمَمناه إلى نسَبٍ شطيرِ ) وأوصاني أبي فحفظتُ عنهُ بفكِّ الغُلِّ عن عُنُقِ الأسير وأوصَى جَحْدَرٌ فَوَقى بَنيهِ بإرسال القُرَادِ على البَعيرِ قال : وفي القردان يقول الآخر قال : وبعضهم يجعلها في البراغيث وهذا باطلٌْ : ( ألا يا عبادَ اللّهِ مَنْ لِقَبيلةٍ ** إذا ظَهَرَتْ في الأرض شَدَّ مُغيرُها ) ( فلا الدِّينُ ينهاها ولا هي تنتهي ** ولا ذُو سلاحٍ من مَعَدٍّ يَضِيرُها ) فمن أصناف القِرْدان : الحَمْنان والحَلم والقِرشام والعَلُّ والطِّلْح .

شعر ومثل في القراد
وقال الطِّرمَّاح : ( لمَّا وَرَدَتِ الطوى ّ والحوضُ كال ** صيرة دفن الإزاء ملتبدهُ ) ( سافتْ قليلاً عَلى نصائبه ** ثم استمرَّت في طامسٍ تخده ) ( وقد لوى أنفهُ بمشفرِها ** طلحُ قراشيمَ شاحبٌ جسده ) علٌّ طويلُ الطوى كبالية السفع متى يلق العلو يصطعده

وفي لُزوق القُرادِ يقولُ الراعي : ( نبتَتْ مرافقهُنَّ فَوْقَ مَزِلَّةٍ ** لا يستطيعُ بها القُرَاد مَقيلا ) والعربُ تقولُ : ألْزَقُ من البرَام كما تقول : ألْزَقُ من القُراد وهما واحدٌ .
شعر لأمية في الأرض والسماء وذكر أميةُ بنُ أبي الصَّلْتِ خلق السماء وإنه ذكرَ من مَلاَسَتِها أن القُراد لا يَعْلقُ بها فقال : ( والأرضُ معقلنا وكانتْ أمنا ** فيها معاقلنا وفيها نولدُ ) ( فيها تلاميذ على قذفاتها ** حبسوا قياماً فالفرائص ترعد )

( فبنى الإله عليهم مخصوفة ** خلقاء لا تبلى ولا تتأود ) ( فلو أنه تحدو البرام بمتنها ** زلَ البرام عن التي لا تقردُ ) قال : القُرَادُ أول ُ ما يكون وهو الذي لا يكاد يُرَى من صِغَر قَمْقَامَة ثم يصير حَمْنَانة ثم يصير قراداً ثم يصير حَلَمة . )
قال : ويقال للقُراد : العَلّ والطِّلْح والقَتِين والبُرام وَالقِرْشام .


قال : والقُمّل واحدتها قمَّلة وهي من جنس القِردان وهي أصغر منها .

تخلق القراد والقمل
قال : والقِرْدانُ يتخلَّق من عرَق البعير ومن الوسخ والتلطُّخ بالثُّلُوط والأبوال كما يتخلَّق من جلد الكلب وكما يتخلق القملُ من عرق الإنسان ووسَخه إذا انطبق عليه ثوبٌ أو شعرٌ أو ريش .
والحَلَم يعرض لأُذنَيِ الكلب أكثرَ ذلك .
أمثال وأخبار في القراد
قال : ويقال أَقطَفُ مِنْ حَلمَة وألزَقُ من بُرَام وأذلُّ من قُرَاد وقال الشاعر :

( يكاد خَليلي من تقارُبِ شَخصِه ** يَعَضُّ القرَادُ باسْتِه وهو قائمُ ) وقال أبو حَنش لقيس بن زهير : واللّه لأنْتَ بها أذلُّ من قُراد فقدَّمَه وضَرَبَ عُنقَه .
وقال الراجز : من الخَلاءَ ومن الخُوِيِّ .
ويقال كلمة الثدي : القراد وقال عديُّ بن الرَّقاعِ :

( كأنَ قرَادَيْ صدرِه طَبعتْهُمَا ** بطينٍ من الجَوْلان كتّابُ أعْجَمِ ) والقُرَادُ يعرضُ لاسْتِ الجَملِ والنمل يعرضُ للخُصَى وقال الشاعر : ( وأنتَ مكانُك من وائل ** مكان القُرَاد مِنْ اسْتِ الجَملْ ) قال الممَّزِق : ( تُنَاخُ طليحاً ما تُرَاعُ من الشَّذا ** ولو ظلَّي في أوصالها العَلُّ يرتَقي )

ويروَى : فباتَتْ ثلاثاً لا تُرَاع يصف شدةَ جزعها من القردان .
وقال بشار بنُ بُرد : ( أعادي الهمَّ منفرداً بشوق ** عَلَى كَبِدي كما لزق القُرَادُ ) وكانوا إذا خافوا الجَدبَ والأزمة تقدموا في عمل العِلهِز والعلْهِز . قِردَانٌ يُعالج بدم الفصْد مع شيء من وَبر فيدّخرون ذلك كما يدّخرُ مَن خاف الحصار الأكارعَ والجاوَرْس .
والشُّعوبيّة تهجو العربَ بأكلِ العِلْهِز والفثِّ والدُّعاع

والهبيد والمغافير وأشباِه ذلك وقال ) ( لم يُعَلَّلْنَ بالمغافير والصَّمْ ** غِ ولا شَرْيِ حنظلِ الخُطْبانِ ) وقال الطِّرِمَّاح : ( لم تأكلِ الفثّ والدعاعَ ولم ** تنقف هَيبداً يَجْنيه مُهْتَبِدُه ) وقال الأصمعيُّ : قال رجلٌ من أهل المدينة لرجل : أيسْرُّك

أن تعيشَ حتى تجيء حَلَمةٌ من إفريقية مشياً قال : فأنت يسرُّك ذلك قال : أخافُ أن يقول إنسانٌ : إنها بمخيض فيُغْشَى عليَّ ومخيض على رأسِ بَريد من المدينة .
ويقولون : أمّ القرَاد للواحدِة الكبيرة منها ويتسمَّوْنَ بقرَاد ويكتنون بأبي قراد وقد ذكر ذلك أبو النجم فقال : للأرض من أمِّ القُرادِ الأطْحَلِ وفي العرب بنو قُراد .

في الحبارى
ونَُقولُ في الحُبارى بِقول مُوجز إن شاء اللّه تعالى .
قال ابنُ الأعرابي : قال أعرابيٌّ إنه ليقتلُ الحُبارَى هزلاً ظلمُ الناس بعضهم لبعض قال يقول : إذا كثرت الخطايا منَع اللّه عز وجل دَرَّ السَّحاب وإنما تصِيب الطيرُ من الحبِّ ومن الثمر عَلَى قدْر المَطر .


وقال الشاعر : ( يسقُط الطيرُ حيثُ ينْتَثِر الحَ ** بُّ وتغشَى منازلُ الكُرَماءِ ) وهذا مثل قوله : ( أَمَا رأيتَ الألسُنَ السِّلاطَا ** والأذرُعَ الواسعةَ السِّباطا ) إن الندَى حيثُ تَرَى الضِّغاطا

ما قيل من المثل في الحبارى
وقالوا في المثل : مات فلانٌ كَمَدَ الحُبارَى : وقال أبو الأسود الدؤلي : ( وزَيْدٌ ميَّتٌ كَمَدَ الحُبَارَى ** إذا ظعنت هُنيدةُ أو تُلمُّ ) وذلك أن الطير تتحسَّر

وتتحسّر معها الحُبارى والحُبارى إذا نُتِفتْ أو تحسّرتْ أبطأ نبات ريشها فإذا طار صُوَيحِباتها ماتت كمداً .
وأما قوله : أو تلمّ يقول : أوْ تقارِب أن تَظْعَن .
وقال عثمان بن عفان رضي اللّه عنه : كلُّ شيء يحبُّ ولدَهُ حتى الحُبارى يضرب بها المثل في المُوق .

سلاح الحبارى وغيرها من الحيوان
قال : وللحبارَى خِزانة بين دُبُره وأمعائه له فيها أبداً سَلْحٌ رقيق لزج فمتى ألحّ عليها الصقرُ وقد علمت أن سُلاحها منْ أجود سِلاحها وأنها إذا ذرقتْهُ بقي كالمكتوف أو المدبَّقُ المقيَّد فعند ذلك تجتمع الحبارياتُ على الصقر فينتفن ريشَه كلَّه طاقةً طاقةً وفي ذلك هلاكُ الصقر .


قال : وإنما الحُبارى في سُلاحِها كالظَّرابيِّ في فُسائها وكالثعلب في سُلاحه وكالعقرب في إبرتها والزنبور في شعرته والثور في قرنه والدِّيك في صِيصِيَته والأفعى في نابها والعُقابِ في كفَّها والتمساح في ذنبه .
وكلُّ شيء معه سلاحٌ فهو أعلم بمكانه وإذا عدم السِّلاحَ كان أبعصَرَ بوجوه الهرب كالأرنب في إيثارها للصَّعْداء لقصر يديها وكاستعمال الأرانب للتوبير والوطء على الزَّمَعات واتخاذ اليرابيعِ القاصعاءَ والنَّافقاء والدَّامَّاء والراهِطاء .

شعر في الحبارى
وقال الشاعر : ( وهم تركوك أسْلَحَ مِنْ حُبَارَى ** رأَتْ صقراً وأَشْردَ من نَعَامِ ) يريد : نعامة وقال قيسُ بن زهير : ( متى تتحزَّمْ بالمناطق ظالماً ** لتجري إلى شَأوٍ بعيد وتسبحِ ) ( تكُنْ كالحُبارَى إن أصيبتْ فمِثْلُها ** أُصيبَ وإن تفْلِتْ من الصَّقْر تسْلحِ ) وقال ابن أبي فَنَنٍ يصفُ ناساً من الكُتَّابِ في قصيدة له ذكرَ فيها خيانَتَهم فقال :

( رَأَوْا مالَ الإمامِ لهمْ حَلالا ** وقالوا الدِّينُ دين بنَي صَهارى ) ( ولو كانوا يحاسبُهمْ أمينٌ ** لقد سَلَحُوا كما سَلَح الحُبارَى ) الخرب والنهار والخَرَب : ذكَر الحُبارى والنهارُ : فرْخ الحُبارى وفرخها حارض ساقطٌ لا خير فيه وقال متمِّمُ ( وضَيفٍ إذا أَرغى طُروقاً بَعيرَه ** وعانٍ ثوى في القِدِّ حتى تكنَّعا ) ( وأرملةٍ تمشي بأشعثَ مُحْثَل ** كفَرْخ الحُبَارَى رأسُه قد تصَوَّعا ) وقال أعرابيّ :

( أحبُّ أنْ أصطادَ ضبّاً سَحْبَلا ** وخَرَباً يرعى ربيعاً أرملا ) فجعل الخَرَب أرمَل لأن ريشه يكون أكثر وقد ذكرنا ما في هذا الباب فيما قد سلف من كتابنا .

خبر فيه ذكر الحبارى
وقال أبو الحسن المدائنيّ : قال سعيد النّواءُ : قدِمْت المدينةَ فلقيتُ عليَّ بن الحسين فقلت : يا ابنَ رسولِ اللّه متى يُبْعثَُ أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب قال : إذا بُعِثَ الناس .
قال : ثم تذاكرنا أَيامَ الجملَ فقال : ليته كان ممنوعاً قبل ذلك بعشرين سنة أو كلمة غير هذه قال : فأتيت حسن بن حسَنٍ فذكرتُ له ما قال فقال : لَوَدِدْتُ واللّه أنه كان يقاتلهم إلى اليوم قال : فخرجت من فَوري ذلك إلى عليِّ بن الحسين فأخبرته بما قال فقال : إنه لقليلُ الإبقاء على أبيه .


قال : وبلغ الخبرُ المختارَ فقال : أيُضَرِّبُ بين ابنَي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأقتلنَّه فتواريت ما شاء اللّه ثم لم أشعر إلا وأنا بين يديه فقال : الحمد للّه الذي أمكنَني منكقال فقلت : أنت استمكنْتَ منِّي أمَا واللّه لولا رؤيا رأيتها لَمَا قَدرْتَ عليّ قال : وما رأيت فقلت : رأيتُ عثمان بن عفان فقالت : أنت عثمانُ بنُ عفان فقال : أنا حُبَارى تركتُ أصحابي حَيَارى لا يهود ولا نصارى .
فقال : يا أهل الكوفة انظروا إلى ما أرى اللّه عدوّكم ثم خلَّى سبيلي وِقد رُوي هذا الكلامُ عن شُتَيْر بن شَكَل أَنه رأَى معاوية في النوم فقال الكلامَ الذي رُوي عن عثمان .
ووجْهُ كلامِ عليِّ بن الحسين الذي رواه عنه سعيدٌ النواءُ إن كان صادقاً فإنه للذي كان يسمعُ من الغالية من الإفراط والْغلوِّ والفُحْش .
فكأنه إنما أرادَ كسرهم وأن يحُطَّهم عن الغلوّ إلى القصْد

فإن دين اللّه عزّ وجلّ بَيْنَ التقصير والغلوّ وإلا فعليُّ بن الحسين أَفْقَهُ في الدين وأعلمُ بمواضع الإمامة من أن يخفَى عليه فضلُ ما بين عليِّ بين طلحة والزُّبير .
شعر ومعرفة في الحبارى وقال الكميت : والحبارى طائرٌ ٌ حسن وقد يُتَّخَذُ في الدور .
وناسٌ كثيرٌ من العرب وقريش يستطيبون مَحْسِيَّ الحُبارَى جدّاً .
قال : والحُبارى من أَشد الطير طيراناً وأَبعَدها مَسْقَِطاً وأَطولها شوْطاً وأقلِّها عُرْجةً وذلك أَنها تُصْطاد بظهر البَصرة

عندنا فيشقَّق عن حواصلها فيوجد فيه الحبّة الخضراءُ غَضّةً لم )
تتغير ولم تفسُد .
وأَشجار البُطم وهي الحبّة الخضراء بعيدةُ المنابت مِنَّا وهي عُلوية أو ثغْريّة أو جَبَلِيَّة فقال الشاعر : ( ترتعي الضّرْوَ من بَرَاقش أَو هيلا ** نَ أو يانعاً من العُتُمِ )

شجر الزيتون والضّرو شجر البُطُم وهي الحبَّة الخضراء بالجبال شجرتها .
وقال الكَودَن العِجْليّ ويروى العُكْلي : البطم لا يعرفه أهل الجَلْس وبلاد نجد هي الجلس وهو ما ارتفع والغور هو ما انخفض .
وبَراقِشُ : واد باليمن كان لقوم عاد وبراقشُ : كلبةٌ كانت تتشاءم بها العرب وقال حمزة بن بيض :

( بل جناها أَخٌ عَلَيَّ كريمٌ ** وعَلَى أَهلِها بَرَاقِشُ تجْنِي ) ( القول في الضأْن والمعز ) قال صاحب الضَّأن : قال اللّه تبارك وتعالى : ثَمانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضّأْن اثْنَين وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ فقدَّم ذِكرَ الضأن .
وقال عزّ وجلّ : وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظيمٍ وقد أَجمعوا على أَنه كبشٌ ولا شيءَ أَعظمُ مما عظّم اللّه عزّ وجلّ ومِنْ شيء فُدِيَ به نبيٌّ .
وقال تعالى : إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجةٌ وَاحِدةٌ ولم يقل إنَّ هذا أَخي له تسعٌ وتسعونَ عَنْزَاً وَلي عنزٌ واحدة لأن الناس يقولون : كيف النعجة يريدون الزوجة .
وتسمي المها مِنْ بقَر الوحش نعاجاً ولم تسمّ بعُنُوز وجَعلهُ اللّه عزّ وجلّ السّنّةَ في الأضاحي والكبشُ للعقيقة وهدية العُرْس

وجعل الجذَع من الضأن كالثّنِيِّ من المعْز في الأُضْحِيَة .
وهذا ما فضَّل اللّه به الضأن في الكتاب والسُّنّة . ( فضل الضأْن على المعز ) تولَّد الضأن مرة في السّنَة وتُفْرِد ولا تُتئِم والماعزة قد تولَّد مرتين وقد تضعُ الثلاثَ وأكثرَ وأقلَّ .
والبركة والنَّماء والعددُ في الضأن والخنزيرةُ كثيرةُ الخنانيص يقال إنها تلد عشرينَ خِنَّوصاً ولا نماء فيها .
قال : و

فضل الضأن على المعز
أن الصوف أغلى وأثمنُ وأكثرُ قدراً من الشعر والمثلُ السائر : إنما فلانٌ كبشٌ من الكِباش وإذا هجَوه

قالوا : إنما هو تيسٌ من التيوس إذا أرادوا النتن أيضاً فإذا أرادوا الغاية في الغباةِ قالوا : ما هو إلا تيسٌ في سفينة .
والحُمْلاَنُ يلعبُ بها الصبيان والجداءُ لا يُلعبُ بها ولبنُ الضأن أطيبُ وأخثَرُ وأدسم وزُبْده أكثر ورؤوس الضأن المشوِيّةُ هي الطيبة المفضلة ورؤوس المعْز ليس عندها طائل .
ويقال رؤوس الحُملان ولا يقال رؤوس العِرْضان .
ويقال لِلُّوطِيِّ الذي يلعب بالحُدَّر من أولاد الناس : هو يأكل رؤوس الحُملان لمكان ألية الحَمل ولأنه أخْدل وأرطب ولم يقولوا في الكناية والتعريض : هو يأكل رؤوس العِرضان .
والشِّواءُ المنعوتُ شِواءُ الضأن وشحمُه يصير كلُّه إهالةً أوَّله وآخرُهُ والمعْز يبقى شحمُه على حاله وكذلك لحمه ولذلك صار الخبَّازون الحُذَّاقُ قد تركوا الضأن لأن المعْز يبقى شحمه ولحمه فيصلح

لأن يسخَّن مراتٍ فيكون أربَحَ لأصحاب العُرس .
والكباشُ للهدايا وللنطاح فتلك فضيلةٌ في النجدة وفي الثقافة ومن الملوك من يُرَاهِنُ عليها والكبشُ الكراز يحمل الراعيَ وأداةَ الراعي وهو له كالحمار في الوقير ويعيش الكرَّازُ عشرين سنة .
وإذا شَبِقَ الراعي وَاغتَلم اختارَ النعجة على العنز وإذا نعتوا شكلاً من أشكال مشي البراذِين الفُرَّه قالوا : هو يمشي مشْي النِّعاج .


وقال اللّه عزّ وجلّ : وَمِنْ أَصوَافِها وَأَوْبَارِها وَأَشْعَارِهَا فقدّم الصُّوف .
والبُخْت هي ضأن الإبل منها الجمّازات والجواميس هي ضأن البقر يقال للجاموس الفارسية : كاوْماش .
ولا يُذْكرُ الماعزُ بفضيلةٍ إلا ارتفاعَ ثمن جلده وغَزَارةَ لبَنه فإذا صِرْتَ إلى عدَدِ كثرة النِّعاج )
وجلودِ النعاج والضأن كلِّها أرْبَى ذلك على ما يفضُلُ به الماعزُ الضأن في ثمنِ الجلد والغَزر في اللبن .

قول ابنة الخس ودغفل في المعز
وقيل لابنة الخُسّ : ما تقولين في مائة من الماعز قالت : قِنًى

قيل : فمائة من الضأن قالت : غِنًى قيل : فمائة من الإبل قالت : مُنًى وسئل دَغْفل بن حنظلة عن بني مخزوم فقال : مِعزَى مَطيرة عليها قُشَعْرِيرة إلا بني المغيرة فإن فيهم تشادُقَ الكلام ومصاهرة الكرام .

ما قيل من الأمثال في العنز
وتقول العرب : لهو أصْرَدُ من عَنزٍ جَرْباء وتقول العرب : العنز تُبْهِي ولا تُبْنِي لأن العنز تصعَد على ظهور الأخْبِيةِ

فتقطعها بأظلافها والنعجةَ لا تفعل ذلك .
هذا وبيوتُ الأعراب إنما تُعْمَلُ من الصوف والوبَر فليس للماعز فيها معونة وهي تخرِّقها وقال الأول : ( لو نزلَ الغيثُ لأَبْنَيْنَ امرأً ** كانت له قبَّةٌ سَحْقَ بجادْ ) أبناه : إذا جعل له بناء وأبنية العرب : خيامهم ولذلك يقولون : بنى فلانٌ على امرأته البارحة

ضرر لحم الماعز
وقال لي شمؤون الطبيب : يا أبا عثمان إياك ولحم الماعز فإنه يورثُ الهمَّ ويحرِّك السّوداء ويورثُ النِّسيان ويُفسدُ الدمَ وهو واللّه يخبِّل الأولاد .


وقال الكلابيُّ : العُنُوق بعد النُّوق ولم يقل : الحمَل بعد الجمَل .
وقال عمرُو ابن العاص للشيخ الجُهنيِّ المعترض عليه في شأن الحكَمين : وما أنتَ والكلامَ يا تيس جُهينة ولم يقلْ يا كبشَ جُهينة لأن الكبشَ مدحٌ والتَّيس ذمٌّ .
وأما قوله : إن الظّلف لا يُرَى مع الخُفِّ فالبقرُ والجواميس والضأن والمعْز في ذلك سواء .
قال : وأُتُيَ عبدُ الملكِ بن مرْوان في دخوله الكوفة على موائد بالجِداء فقال : فأين أنتم عن العماريس فقيل له : عماريس الشّام أطيب .
وفي المثل : لهو أَذَلُّ من النقَد النقَد هو المعز وقال الكذّابَ الحِرْمازيُّ :

( لو كنتمُ قولاً لكنتمُ فَندَا ** أو كنتمُ ماءً لكنتمُ زَبَدا ) ( أو كنتمُ شاءً لكنتم نَقَدا ** أو كنتم عوداً لكنتم عُقَدا )

اشتقاق الأسماء من الكبش
قال : والمرأة تسمى كَبْشَةً وكُبَيشة والرجل يكنى أبا كَبْشة وقال أبو قُردودة : ( كبيشة إذ حاولتْ أن تَبِ ** ينَ يستبقُ الدمعُ مني استباقا ) ( وقامتْ تريكَ غداة الفراقِ ** كشحاً لطيفاً وفخذاً وساقا ) ( ومنسدلاً كمثاني الحبا ** ل توسعه زَنْبقاً أو خلاقا ) ( كبيشةُ عِرْسي تريدُ الطَّلاقا ** وتسألُني بعْدَ وَهْنٍ فِراقا )

قول القصاص في تفضيل الكبش على التيس
وقال بعض القُصّاص : ومما فضل اللّه عزّ وجلّ به الكبْش أن جعله مستورَ العورة من قُبُل ومن دبُر وممَّا أهان اللّه تعالى به التيس أن جعله مهتوكَ الستر مكشوف القبُل والدُّبُرِ .
التيس في الهجاء
وقال حسّان بن ثابتٍ الأنصاريُّ : ( سألت قريشاً كلها فشرارُها ** بنو عامر شاهتْ وجوهُ الأعابِدِ ) ( إذا جلسوا وسْطَ النَّدِيِّ تجاوبوا ** تجاوُبَ عِتْدَان الربيعِ السَّوافِدِ ) وقال آخر : ( أعثمانُ بنُ حَيّانَ بنِ أدم ** عَتوٌ ُ في مَفارِقِه يبولُ )

( ولو أني أشاءُ قد ارفأنَّتْ ** نَعامَتُه ويعلمُ ما أقولُ ) وقال الشاعر : ( سُمِّيتَ زَيداً كي تزيد فلم تُزِدْ ** فعادَ لك المسْمِي فسَمَّاك بالقَحْرِ ) ( نتن التُّيوس ) فالتَّيس كالكلب لأنه يقزَحُ ببوله فيريدُ به حاقَّ خَيشومه وبول التَّيس من أخْثَر البَولِ وأَنتنِه وريحُ أبدانِ التُّيوس إليها ينتهي

المثَل ولو كان هذا العرَضُ في الكبش لكان أعذرَ له لأن الخموم واللخَن والعفَن والنَّتْن لو عرض لجلدِ ذي الصُّوفِ المتراكم الصَّفيق الدقيق والملتفِّ المستكثِف لأن الرِّيح لا تتخلَّله والنسيم لا يتخرّقه لكان ذلك أشبه .
فقد علِمْنا الآن أن للتيسِ مع تخلخل شعره وبروز جلده وجفوف عرَقه وتقطع بخارِ بدنه فضلاً ليس لشيء سواه والكلبُ يُوصَفُ بالنَّتْن إذا بلّه المطَر والحيَّات توصفُ بالنّتن ولعل ذلك أن يجدَه من وَضع أنفه على جلودها .
وبولُ التّيس يخالط خَيشومَه وليس لشيء من الحيوان ما يشْبِهُ هذا إلا ما ذكرْنا من الكلب على أن صاحب الكلب قد أنكَرَ هذا .
وجلود التُّيوس وجلود آباط الزِّنْج مُنتِنَة العرَق وسائر ذلك سليم والتيس إبطٌ كله ونتْنه في الشتاء كنتْنه في الصيف وإنا لندخل السكّةَ وفي أقصاها تَيَّاس فنجِدُ نتْنها من أدناها حتى

لا يكاد أحدُنا يقطعُ تلك السكة إلا وهو مخمَّرُ الأنف إلاما كان مما طبَعَ اللّه عزّ وجلّ عليه البَلَوِيّ )
وعليّاً الأسواري فإن بعضَهما صادقَ بعضاً على استطابة ريح التيوس وكان ربما جلسا على باب التَّيَّاس ليستنشقا تلك الرائحة فإذا مرَّ بهما من يعرفهما وأنكر مكانهما ادّعيا أنهما ينتظران بعض من يخرجُ إليهما من بعض تلك الدُّور .
المكّيّ وجاريته فأما المكي فإنه تعشَّقَ جاريةً يقال لها سَنْدَرة ثم تزوجها نَهاريَّة وقد دعاني إلى منزلها غيرَ مرّة وخَبَّرني أنها كانت ذاتَ صُنان

وأنه كان معجَباً بذلك منها وأنها كانت تعالجه بالمرتك وأنه نهاها مراراً حتى غضب عليها في ذلك قال : فلما عرَفَتْ شهوتي كانت إذا سألَتْني حاجة ولم أقضها قالت : واللّه لأتَمَرَْتَكَنَّ ثم واللّه لأتَمرتكَنَّ ثمَّ واللّه لأتَمَرْتكنَّ فلا أجِدُ بُدّاً من أن أقضي حاجتها كائناً ما كان .
اشتهاء ريح الكرياس وحدّثني مُويس بن عمران وكان هو والكذب لا يأخذان في طريق ولم يكن عليه في الصدق مَؤونة لإيثاره له حتى كان يستوي عنده ما يضرُّ وما لا يضر قال : كان عندنا رجل يشتهي ريح الكِرْياس لا يشفيه دونه شيء فكان قد أعدَّ مِجْوَباً أو سكة حديد في صورة المِبرد فيأتي الكراييس التي تكون في الأزقة القليلة

المارة فيخرِق الكِرياس ولا يبالي أكان من خزَف أو قال : فلقي الناسُ من سَيَلان كرايِيسهم شرّاً حتى عثَروا عليه فما منعَهُم من حبسه إلا الرحمة له من تلك البليّة مع الذي رأوا من حسن هيئته فقال لهم : يا هؤلاء لو مررتم بي إلى السلطانِ كان يبلغُ من عقابي أكثر مما أبلغ من نفسي قالوا : لا واللّه وتركوه .

نتن العنز
قالوا : وهذا شأنُ التَّيس وهو أبو العنز ولا تلد الحيَّة إلا حيّة ولا بد لذلك النّتْن عن ميراث في ظاهر أو باطن وَأَنْشدوا لابن أحمر : ( إني وجدْت بني أعْيَا وجاملهم ** كالعنز تَعطفُ رَوقَيها فتَرتضعُ ) وهذا عيب لا يكون في النِّعاج .
مثالب العنز
والعَنز هي التي ترتضع من خِلفِها وهي مُحَفَّلة حتى تأتيَ

على أقصى لبنِها وهي التي تنزع الوتد وتقلِبُ المِعْلَف وتنثر ما فيه .
وإذا ارتعتِ الضائنة والماعزة في قصيل نبتَ ما تأكله الضائنة ولا ينبت ما تأكله الماعزة لأن الضائنة تقرِض بأسنانها وَتقطع والماعزة تقبض عليه فتثيره وتجذبه وهي في ذلك تأكله ويضرب ( فكانتْ كَعَنْزِ السُّوءِ قامتْ بظِلْفِها ** إلى مُدْيَةٍ تحتَ التُّرابِ تُثيرُها )

تيس بني حمان
وقال الشاعر : ( لَعَمْرُك ما تَدْرِي فَوَارِسُ مِنْقَرٍ ** أَفِي الرأْسِ أَمْ فِي الإستِ تُلْقَى الشَّكائمُ ) ( وألْهى بَني حِمَّانَ عَسْبُ عَتودِهم ** عن المجْد حتى أحرزَتْهُ الأكارِمُ ) وذلك أن بني حمَّان تزعم أن تيسهم قرَعَ شاةً بعد أن ذُبح وأنه ألقحها .
أعجوبة الضأن
قالوا : في الضأن أعجوبةٌ وذلك أن النعجة ربما عظمت ألْيَتُها حتى تسقطَ على الأرض ويمنعها ذلك من المشي فعند الكبش رِفقٌ في السِّفاد وحِذْقٌ لم يُسْمَعْ بأعجبَ منه وذلك أنه يدنو منها ويقف منها موقفاً يعرِفُه ثم يصكّ أحدَ جانبي الأليةِ بصدره بمقدارٍ من

الصكّ يعرفه فيفرج عن حياها المقدار الذي لا يعرفه غيرُه ثم يسفَدُها في أسرَعَ من اللَّمح .

فضل الضأن على الماعز
وقالوا : والضأنُ أحمَلُ للبرد والجَمد ولِلرِّيح والمطر .
قالوا : ومن مفاخر الضأن على المعز أن التمثيل الذي كان عند كسرى والتَّخييرَ إنما كان بين النعجة والنخلة ولم يكن هناك للعنز ذِكر وعلى ذلك الناسُ إلى اليوم .
والموتُ إلى المعزَي أسْرَع وأمرَاضها أكثر وإنما معادِن الغنَم الكثير الذي عليه يعتمدُ الناسُ الجبالُ والمعز لا تعيش هناك وأصوافُ الكِباش أمنَعُ للكِباشِ من غِلَظ جُلودِ المعز ولولا أن أجوافَ الماعز أبردُ وكذلك كُلاها لَمَا احتَشَتْ من الشّحم كما تحتشي .
جمال ذكورة الحيوان وقبح التيوس
وذكورة كلِّ جنس أتمُّ حُسناً من إناثها وربما لم يكنْ للإناث شيءٌ من الحُسنِ وتكون الذكورةُ في غاية الحسن كالطواويس

والتَّدارج وإناثها لا تدانيها في الحُسن ولها من الحسن مقدارٌ وربما كُنَّ دونَ الذُّكورة ولهنّ من الحسن مقدار كإناث الدَّراريج والقَبَج والدجاج والْحمام والوراشين وأشباه ذلك .
وإذا قال الناس : تيّاس عُرِف معناه واستُقْذِرَتْ صناعته وإذا قالوا : كَبَّاش فإنما يعنُون بيعَ الكبَاش واتخاذها للنِّطاح .
والتُّيوسُ قبيحة جدّاً وزاد في قبحها حُسْن الصَّفايا .
وإذا وصفوا أعذاق النخلِ العِظام قالوا : كأنَّها كِباش .
وقال الشاعر : كأنَّ كِباشَ السَّاجِسِيَّةِ عُلِّقت دُوينَ الخوافي أو غرايرَ تاجِرِ وصَوّر عُبيدُ اللّه بن زياد في زقاق قصره أسداً وكلباً وكبشاً فقَرَنَه مع سَبُعين عظيمَي الشأن : وحشيًّ وأهليّ تفاؤلاً به . )

شعر في ذم العنز
ومما ذمُّوا فيه العنز دونَ النعجةِ قولُ أبي الأسودِ الدُّؤَلي : ( ولستُ بمعراضٍ إذا ما لقيته ** يعبِّس كالغَضْبان حين يقولُ ) ( ولا بِسبس كالعنز أطولُ رِسْلها ** ورِئمانها يومان ثم يزولُ ) وقال أبو الأسود أيضاً : ( ومن خير ما يتعاطي الرجالُ ** نصيحةُ ذي الرأي للمجتبيها ) ( فلا تكُ مثلَ التي استخرجتْ ** بأظلافها مديةً أو بفيها ) ( فقام إليها بها ذابح ** ومن تدع يوماً شعوبُ يجيها )

وقال مسكين الدارميّ : ( إذا صَبَّحَتْني من أُناسٍ ثَعالبٌ ** لترفع ما قالوا مَنَحْتُهُم حَقْرَا ) ( فكانوا كعنزِ السَّوءِ تثغُو لحَيْنها ** وتحفِرُ بالأظلافِ عن حتفها حَفْرَا ) وقال الفرزدق : ( وكان يُجيرُ الناس من سيف مالكٍ ** فأصبح يبغي نفسه من يُجيرُها ) ( وكان كعنز السُّوء قامت بظلفها ** إلى مُدْية تحت التراب تثيرها ) أمنية أبي شعيب القلال وقال رمضانُ لأبي شُعيبٍ القَلاَّل وأبو الهُذَيل حاضر : أيَّ شيء تشتهي وذلك نصفُ النهار وفي يومٍ من صَيف البصرة قال أبو شعيب : أشتهي أن أجيءَ إلى بابِ صاحب سَقَط وله على باب حانوته أليةٌ معلقة من تلك المبزَّرة المشرّجة وقد اصفرّت ووَدكُها يقطر من

حاقِّ السِّمَن فآخُذَ بحِضْنها ثم أفتح لها فمي فلا أزال كَدْماً كدماً ونهشاً نهشاً وودكها يسيلُ على شِدْقي حتى أبلغَ عَجْب الذّنب قال أبو الهذيل : ويلك قتلتَني قتلتني يعني من الشهوة .

باب في الماعز
قال صاحب الماعز : في أسماء الماعز وصفاتها ومنافعها وأعمالها دليلٌ على فضلها فمن ذلك أن الصفية أحسن من النعجة وفي اسمها دليل على تفضيلها ولبنها أكثر أضعافاً وأولادُها أكثرُ أضعافاً وزُبْدُها أكثرُ وأطيب .
وزعم أبو عبد اللّه العتبيّ أن التيس المشْراطيّ قرع في يومٍ

واحد نيِّفاً وثمانين قَرْعَة وكان قاطعَ الشهادة وقد بِيع من نسل المِشْراطيّ وغيره الجديُ بثمانين درهماً والشاةُ بنحوٍ من ذلك وتحلب خمسة مَكاكيك وأكثر وربما بيع الجلد جلد الماعز فيشتَريه الباضورَكي بثمانين درهماً وأكثر .
والشاة إذا كانت كذلك فلها غَلَّةٌ نافعة تقوم بأهل البيت .
والنعال البقريّة من السِّبت وغير السِّبت مقسومٌ نفعُها بين الماعز والبقر لأن للشُّرُك من جلودها خطَراً وكذلك القِبال والشِّسْع .
ووصفَ حُميد بن ثَوْر جلداً من جلودها فقال : ( تتابَعَ أعوامٌ علينا أطَبْنها ** وأقبَلَ عامٌ أصْلحَ الناسَ واحدُ )

( سقط : بيت الشعر ) ( وجاءت بذي أونين ما زال شابه ** تعمر حتي قيل ها مات خالد ) وقال راشد بن سِهابُ : ( ترى رائداتِ الخيل حول بيوتنا ** كمِعْزَى الحجاز أعْوَزَتْها الزَّرائبُ )

لحم الماعز والضأن
ومن منافعها الإنتفاعُ بشحم الثرْب والكلية وهما فوق شحم الألْية وإذا مدحوا اللحمَ قالوا : لحم الماعز الخَصيِّ الثَّنيّ وقال الشاعر :

( كأن القوم عُشُّوا لَحمَ ضأنٍ ** فَهُمْ نَعِجُون قد مالت طُلاَهمْ ) والمَمرورون الذين يصرَعون إذا أكلوا لحم الضأن اشتدَّ ما بهم حتى يصرعَهم ذلك في غيرِ أوان الصرْع .
وأوان الصَّرْع الأهِلَّةُ وأنصاف الشهور وهذان الوقتان هما وقتُ مدِّ البحر وزيادة الماء ولزيادة القمر إلى أن يصيرَ بدراً أثرٌ بيِّنٌ في زيادة الدِّماء والأدمغة وزيادة جميع الرطوبات .

أمثال في المعز والضأن
ويقال : فلانٌ ماعزٌ من الرِّجال وفلانٌ أمْعَزُ مِنْ فلان والعِتاق مَعْزُ الخَيْل والبراذين ضأنها وإذا وصفوا الرّجُل بالضعف والموق قالوا : ماهو إلا نعجةٌ من النعاج ويقولون في التقديم

وقال الشاعر : ( نشبى وما جمعتُ من صفدَ ** وحويتُ من سبدَ ومن لبدِ ) ( هم تقاذفت الهموم بها ** فنزعن من بلدٍ إلى بلدِ ) ( يا روحَ منْ حسمت قناعتُه ** سَببَ المطامع من غدٍ وغدِ ) ( من لم يكنْ لله متهماً ** لم يمسِ محتاجاً إلى أحدِ ) وهذا شعر رويتُه على وجْه الدهر .
وزعم لي حُسَين بن الضّحّاك أنه له وما كان لِيَدَّعيَ ما ليس له .
وقال لي سعدانُ المكفوف : لايكون : فنَزَعْنَ من بلد إلى بلَد بل كان ينبغي أن يقول : فنازعن .

فضل الماعز وقال : والماعزة قد تُولَّد في السنة مرتين إلا ما ألقي منها في الدِّياس ولها في الدِّياس نفعٌ موقعُه كبير وربما باعوا عندنا بطنَ الماعز بثمنِ شاةٍ من الضأن .
قال : والأقِط للمعز وقرونها هي المنتفع بها .
قال : والجدْيُ أطيبُ من الحمل وأكرم وربما قدموا على المائدةِ الحملَ مقطوع الألية من أصل الذَّنَب ليوهِمُوا أنه جَدْي . )
وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وعقولُ الخلفاء فوقَ عقولِ الرّعية وهم أبْصَرُ بالعيش استعملوا ذلك أو تركوه فقال : أتُرَوْنَ أني لا أعرِفُ الطيبات لبابُ البُرّ بصغار المعزى .


وملوكنا يُحمَل معهم في أسفارهم البعيدة الصفايا الحواملُ المعروفاتُ أزمانِ الحمل والوضع ليكون لهم في كل منزلٍ جِداءٌ مُعَدَّة وهم يقدرون على الحُملانِ السِّمان بلا مؤونة .
والعَناق الحمراء والجِداءُ هي المثل في المعْز والطِّيب ويقولون : جِداء البَصرة وجِداء كَسْكر .
وسلْخ الماعز على القَصَّاب أهوَن والنَّجّار يذكر في خصال السَّاج سَلَسَهُ تحت القَدُوم والمثقَب والميشار .

أمارات حمل الشاة
وقيل لأعرابي : بأي شيءٍ تعرفُ حملَ شاتك قال : إذا تورَّم حيَاها ودجَتْ شَعْرتها واستفاضت خاصرتها .


وللداجي يقال : قد كان ذلك وقد دَجَا ثوبُ الإسلام وكان ذلك وثَوبُ الإسلام داجٍ . ( المِرْعِزِيِّ وقرابة الماعزة من الناس ) قال : وللماعز المِرْعِزِيّ وليس للضأن إلا الصوف .
والكِسَاءُ كلها صوفٌ ووبر وريشٌ وشعرٌ وليس الصوف إلا للضأن وذوات الوبر كالإبل والثعالب والخُزَز والأرنب وكلاب

الماء والسّمُّور والفَنَك والقاقُم والسِّنجاب والدِّباب .
والتي لها شعر كالبقر والجواميس والماعز والظباء والأُسْد والنمور والذئاب والبُبور والكلاب والفهود والضباع والعِتاق والبراذين والبغالِ والحمير وما أشبه ذلك .
والإنسان الذي جعله اللّه تعالى فوقَ جميع الحيوان في الجمال والاعتدال وفي العقل والكرم ذو شعر .
فالماعزة بقرابتها من الناس بهذا المعنى أفخر وأكرم .

الماعز التي لا ترد
وزعم الأصمعيُّ أن لبني عُقَيلٍ ماعزاً لا ترِد فأحَِسَبُ واديَهم أخصبَ واد وأرطبه أليس هذا من أعجب العجَب .
جلود الماعز
ومن جلودها تكون القِربُ والزِّقاق وآلة المشاعِل وكلُّ نتِحْي وسعْن ووَطْب وشُكَيَّة وسِقاءٍ ومَزَادَةٍ مسطوحةً كانت أو مثلوثة ومنها مايكون الخون وعِكْمُ السَّلْف والبطائن

والجُرُب ومن الماعزة تكون أنطاع البُسط وجِلال الأثقال في الأسفار وجِلال قِبابِ الملوك وبقباب الأدَم تتفاخر العرب وللقباب الحمر قالوا : مضر الحمراء وقال عَبيد بن الأبرص : ( فاذهبْ إليكَ فإني من بني أسَدٍ ** أهلِ القِباب وأهلِ الجُردِ والنادي )

الفخر بالماعز
وقالوا : وفخرتم بكبشة وكبيشة وأبي كبشة فمِنَّا عنز اليمامة وعنز وائل ومنا ماعز بن مالك صاحب التوبة النَّصوح .


وقال صاحبُ الماعز : وطعنتم على الماعزة بحفرها عن حتفها فقد قيل ذلك للضأن . من ذلك البكري للغنبرية وهي قيلة وصار معها إلى النبي فسأله الدهناء فاعترضت عنه قيلة فقال لها البكري : إني وإياك كما قال القائل : عن حتفها تبحث ضأن بأظلافها فقالت له العنبرية : مهلاً فإنك ما علمت : جواداً بذي الرجل هادياً في الليلة الظلماء عفيفاً عن الرفيقة فقال : لا زلت مصاحباً بعد أن أثنيت علي بحضرة الرسول بهذا

ضرر الضأن ونفع الماعز
وقالوا : والنعجة حرب واتخاذها خسران إلا أن تكون في نعاج سائمة لأنها لا ترفع رأسها من الأكل . والنعجة آكلُ من الكبش

والحجر آكل من الفحل والرمكة آكل من البرذون . والنعجة لا يقوم نفعها بمؤونتها . والعنز تمنعُ الحيَّ الجلاء فإن العرب تقول : إن العنوق تمنع الحيَّ الجلاء .
والصفية من العراب أغرر من بخُتيةٍ بعيداً .
ويقال : أحمق من راعي ضأن ثمانين .

كرم الماعز
وأصناف أجناسِ الأظلاف وكرامها بالمعز أشبه لأن الظباء والبقر من ذوات الأذناب والشعر وليست من ذوات الألايا والصوف . والشمُل والتعاويذ والقلائد إنما تتخذ للصفايا ولا تُتخذ

للنعاج ولا يخاف على ضروعها العين والنفس .
والأشعار التي قيلت فلي الشاء إذا تأملتها وجدت أكثرها في المعز : في صفاياها وفي حوها وفي تيوسها وفي عنوقها وجدائها . وقال مخارق ابن شهاب المازني وكان سيداً كريماً وكان شاعراً فقال يصف تيس غنمه : ( وراحت أصَيلاناً كأن ضروعَها ** دلاء وفيها واتدُ القرن لبلب ) ( له رعثات كالشُّنوف وغُرَّةٌ ** شديخٌ ولون كالوذيلة مذُهبُ ) ( إذا دوحةٌ من مخلف الضال أربلت ** عطاها كما يعوذُرى الضال قرْهَبُ )

( تلاد رقيق الخدّ إنْ عُدَّ نجرهُ ** فصردان نعمَ النجر منه وأشعب ) أبو الغُرِّ والحوِّ اللواتي كأنها من الحسن في الأعناق جزعٌ مثقبُ ( إذا طاف فيها الحالبانِ تقابلت ** عقائلُ في الأعناقِ منها تحلبُ ) ( ترى ضيفها فيها يبيت بغبطةٍ ** وضيفُ ابن قيس جائعٌ يتحوبُ ) قال : فوفد ابن قيس هذا على النعمان فقال له : كيف المخارقُ فيكم قال : سيد شريف من رجل يمدح تيسه ويهجو ابن عمه

وقال الراجز : أنعتُ ضاناً أمجرتْ غثاثاً والمِجَر : أن تشربَ فلا تروى . وذلك من مثالبها . )
وقال رجل لبعض ولد سليمان بن عبدِ الملك : ماتت أمُّك بغراً وأبوك بشما .
وقال أعرابي : ( مولى بني تيمٍ ألستَ مؤدياً ** منيحتنا كما تؤدى المنائح ) ( فإنك لو أديت صعدةَ لم تزلْ ** بعلياء عندي ما ابتغى الربحَ رابح ) ( ولو أشليتْ في ليلةٍ رجبيةٍ ** لأرواقها هطلٌ من الماء سافحُ )

( لجاءت أمامَ الحالبينِ وضرعُها ** أمامَ صفاقَيها مبدٌّ مضارحُ ) ( وويلُ أمها كانت نتيجةَ واحد ** ترامى بها بيدُ الإكام القراوح ) أصناف الظلف وأصناف الحافر ليس سبيلُ الظلفِفي التشابه سبيلَ أصناف الحافر والخفة . واسم النعم يشتمل على الإبل والبقر والغنم . وبعد بعض الظلف من بعض كبعده من الحافر والخف لأن الظلف للضأن والمعز والبقر والجواميس والظباء والخنازير وبقر الوحش وليس بين هذه الأجناس تسافد ولا تلاقح لا الغنم في الغنم من الضأن والماعز ولا الغنم في سائر الظلف ولا شيء من سائر تلك الأجناس تسافدُ غيرها أو تُلاقِحُها . فهي تختلف

في الصوف والشعر وفي الأنس والوحشة وفي عدم التلاقح والتسافد وليس كذلك الحافر والخف . ( رجَز في العنز ) وقال الراجز : ( لَهَفي على عنْزين لا أنساهما ** كأنَّ ظِلَّ حَجَرٍ صُغْرَاهُما ) قوله : صالغٌ يريد انتهاء السنّ والمعطرة : الحمراء مأخوذة من العِطر وقوله : كأن ظلّ حجَر صُغراهما يريد أنها كانت سوداء لأن ظِلَّ الحجَر يكونُ أَسودَ وكلما كان الساتر أشدَّ اكتنازاً كان الظلُّ أشدَّ سواداً .
قولهم أظل من حجر وتقول العرب : ليس شيءٌ أظلَّ من حجَر ولا أدفأ من شجَر وليس يكون ظلٌّ أبرَدَ ولا أشدَّ سواداً من ظلِّ جبل وكلما كان أرفع

سَمْكاً وكان مَسْقِطَ الشمس أبعَد وكان أكثر عرضاً وأشدَّ اكتنازاً كَان أشدَّ لسواد ظله .
ويزعم المنجِّمون أن الليلَ ظلٌّ الأرض وإنما اشتدَّ جدّاً لأنه ظلُّ كُرةِ الأرض وبقدر ما زاد بدنها في العِظَم ازدادَ سوادُ ظِلِّها .
وقال حميد بن ثَور : ( إلى شَجَرٍ ألمَى الظلالَ كأنها ** رواهبُ أحْرَمْنَ الشرابَ عُذُوبُ ) والشفَّة الحمَّاء يقال لها لَمْياء يصِفُون بذلك اللِّثة فجعَل ظِلَّ الأشجار الملتفَّة ألمى .

أقط الماعز
( لنا غَنَمٌ نُسوِّقها غِزارٌ لنا ** كأنَّ قرُونَ جِلَّتِها العِصِيُّ ) فدلّ بصفة القرون عَلَى أنها كانت ماعزة ثم قال : ( فتمْلأُ بيتَنا أَقِطاً وسَمْناً ** وحَسْبُكَ من غِنًى شِبعٌ ورِيُّ ) فدلَّ عَلَى أن الأقط منها يكون .
استطراد لغوي وقال : ويقال لذواتِ الأظلاف : قد ولِّدت الشاة والبقرة مضمومة الواو مكسورة اللام مشدودة يقال هذه شاة تُحلَب قفيزاً ولا يقال تحلُب والصواب ضم التاء وفتح اللام .
ويقال أيضاً : وضعَتْ في موضع وُلِّدت وهي شاة رُبَّى من حينِ تضعُ إلى خمسةَ عشَرَ يوماً وقال أبو زيد : إلى شهرين مِنْ غنم

رُباب مضمومة الرَّاء عَلَى فُعال كما قالوا : رَجُل ورُجال وظئر وظؤار وهي رُبَّى بيّنة الرِّباب والرِّبَّة بكسر الرّاء ويقال هي في رِبابها وأنشد : حَنِينَ أمِّ البَوِّ في رِبابها والرِّباب مصدر وفي الرُّبى حديث عمر : دَعِ الرُّبَّى والماخِض والأَكولة وقال أبو زيد : ومثل الرّبّى من الضأن الرّغوث قال طَرَفة : ( فليتَ لنا مكانَ المَلْكِ عَمرٍ و ** رَغُوثاً حَوْلَ قُبَّتِنا تخُور )

وقالوا : إذا وضعت العنز ما في بطنها قيل سَليل ومَلِيط وقال أبو زيد : هي ساعةَ تضعَه من الضأن والمعز جميعاً ذكراً كان أو أنثى : سخلةٌ وجمعُها سَخْل وسِخَال فلا يزال ذلك اسمَه ما رضعَ اللبَن ثم هي البَهْمة للذكر والأنثى وجمعُها بَهْم وقال الشاعر : ( وليس يَزْجُرُكُم ما تُوعَظُون به ** والبَهْمُ يزجرُها الراعي فتنزجرُ ) ويروى : يُزْجَر أحياناً وإذا بلغَتْ أربعة أشرٍ وفُصِلتْ عن أمهاتها وأكلَتْ من البقل واجترّت فما كان من أولاد المعز فهو جَفْر والأنثى جَفْرة والجمع جِفَار ومنه حديث عمر رضي اللّه عنه حين قضى في الأرنبِ يُصِيبها المحرمُ بجَفْر .
فإذا رَعَى وقوِيَ وأتى عليه حولٌ فهو عريض وجمعه عِرْضان والعَتُود نحوٌ منه وجمعه أعْتِدة وعِتْدان وقال يونس : جمعه أعْتدة وعتد وهو في ذلك كلِّه جدْيٌ والأنثى عَناق وقال الأخطل : )

وعند , هو في ذلك كلمه جدي ، والأنثى عناق ، وقال الأخطل : ( واذْكرْ غُدَانةَ عِتْداناً مُزَنَّمَةً ** من الحبلَّق يُبْنَى حولها الصِّيَرُ ) ويقال له إذا تبع أمَّه وفطِم : تِلوٌ والأنثى : تِلوة لأنه يتلو أمَّه .
ويقال للجَدْي : إمَّر والأنثى أَمَّرَةٌ وقالوا : هِلّع وهِلّعة والبدرة : العَناق أيضاً والعُطعُط : الجدي فإذا أتى عليه الحولُ فالذكر تيس والأنثى عَنْز ثم يكون جذَعاً في السَّنة الثانية والأنثى جَذَعة ثم ثَنِيّاً في الثالثة والأنثى ثَنِيَّة ثم يكون رَباعياً في الرابعة والأنثى رباعيَة ثم يكون سَديساً والأنثى سَدِيس أيضاً مثل الذكر بغير هاء ثم يكون صالغاً والأنثى صالغة والصالغُ بمنزلة البازل من الإبل والقارحِ

من الخيل ويقال : قد صَلَغَ يَصْلغُ صُلوغاً والجمع الصُّلَّغ وقال رؤبة : والحربُ شهباءُ الكباشِ الصُّلَّغ وليس بعد الصالغ شيءٌ .
وقال الأصمعيّ : الحُلاّم والحُلاّن من أولاد المعز خاصة وجاء في الحديث : في الأرنب يصيبها المحرِمُ حُلاَّم قال ابن أحمر : ( تُهدِي إليه ذراعَ البكْر تَكرمَةً ** إمّا ذَكِيّاً وإمّا كان حُلاَّنا ) ويروى : ذراع الجدي ويروى : ذَبيحا والذبيح هو الذي أدْرَك أن يضحَّى به وقال مهلهل بنُ ربيعة :

( كلُّ قتيلٍ في كليبٍ حُلاَّمْ ** حتى ينال القتلُ آلُ هَمامْ ) وقالوا في الضأن كما قالوا في المعز إلا في مواضع قال الكسائي : هو خروف في موضع العريض والأنثى خروفة ويقال له حَمَل وَالأنثى من الحِمْلان رِخل والجمع رُخال كما يقال ظئر وظؤار وَتَوأم وتؤام والبَهْمة : الضأن وَالمعز جميعاً فلا يزال كذلك حتى يَصِيف فإذا أكل وَاجترّ فهو فرير وفُرارة وفُرفور وعمرُوس وهذا كله حينَ يسمَنُ ويجتر والجِلاَم بكسر الجيم وتعجيم نقطة من تحت الجيم قال الأعشى :

( سَوَاهِمُ جِذْعانها كَالجِلام ** وَأقرَحَ منها القيادُ النسورا ) يعني الحوافر .
واليَعْر : الجدي بإسكان العين وقال البُريقُ الهذليّ : مُقِيماً بأملاح كما رُبط اليَعْرُ والبذَجُ : من أولاد الضأن خاصة وقال الراجز : ) ( قد هَلَكَتْ جارتُنا من الهَمَجْ ** فإن تجُعْ تأكل عَتُوداً أو بَذَجْ )

والجمع بذجَان .
دعاء أعرابي وقال أعرابيّ : اللَّهم مِيتَةً كمِيتَةِ أبي خارجة قالوا : وما ميتة أبي خارجة قال : أكل بذَجَاً وَشرب مِشعَلاً ونام في الشمس فأتَتْه المنيَّةُ شبْعان ريانَ دفآن .
تيس بني حمان وفي المثل : أغلم من تيس بني حِمّان وبنو حمّان تزعم أنه قَفَط سبعين عنزاً وقد فُريت أوداجه . زعم لصاحب المنطق وقد ذكر أرسطوطاليسُ في كتاب الحيوان أنه قد ظهر ثورٌ

وَثَب بعد أنْ خُصي فنزا على بقرةٍ فأحلبَها .
ولم يَحْكِ هذا عن مُعاينةٍ والصدورُ تضيق بالردِّ على أصحاب النظر وتضِيق بتصديق هذا الشَّكْل .
أحاديث وآثار في الغنم قال : وحدَّثنا سعد بن طريق عن الأصبغ بن نُباتة قال : سمعت عليّاً يقول : ما أَهْلُ بيتٍ لهمْ شاةٌ إلا يُقَدَّسُون كُلَّ لَيْلَةٍ .
وقال : حدثنا عنبسة القطَّان قال حدَّثنا السكن بن عبد اللّه بن عبد الأعلى القرشيّ عن رجل من الأنصار أن رسول اللّه

صلّى اللّه عليه وسلم قال : امْسَحُوا رُعامَ الشَّاءِ ونَقُّوا مرابِضَها مِنَ الشَّوْكِ والحِجَارَةِ فإنَّها فِي الجَنَّةِ .
وقال : ما مِنْ مُسْلمٍ له شاةٌ إلا قدِّس كُلَّ يومٍ مَرَّةً فإنْ كانَتْ لَهُ شَاتانِ قُدِّسَ في كلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ قال : وحدثنا عنبسة القطان بهذا الإسناد أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : أُوصِيْكُمْ بالشَّاءِ خَيْراً فَنَقُّوا مَرابِضَها مِنَ الحِجَارةِ والشَّوْكِ فَإنَّها فِي الجَنَّةِ .
وعن محمد بن عجلان عن وهب بن كَيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء العامريّ من بني عامر بن لؤَيّ أن رجلاً مرَّ على أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه وهو بالعقيق فقال : أين تريد قال : أريد غُنَيمة لي قال : امسح رُعامها وأطِبْ مُرَاحها

وصلِّ في جانبِ مُراحها فإنها من دوابِّ الجنة . )
وعن فرج بن فضالة عن معاوية بنُ صالح عن رجل من أصحاب أبي الدرداء أنه عَمِلَ طعاماً اجتهد فيه ثم دعاه فأكل فلما أكل قال : الحمد للّه الذي أطعَمَنَا الخميرَ وأَلبسَنا الحَبيرَ بعد الأسودَينِ : الماء والتمر قال : وعند صاحبِه ضائنة له فقال : هذه لك قال : نعم قال : أطِبْ مُراحها واغسِلْ رُعامها فإنها من دوابِّ الجنة وهي صفوة اللّه من البهائم .
قال : وحدَّثنا إبراهيم بن يحيى عن رجل عن عطاء بن

أبي رباح عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : إن اللّه عزّ وجلّ خَلَقَ الجنة بيضاءَ وخيرُ الزِّيِّ البياض قال : وبعث إلى الرُّعيان : من كانت له غنمٌ سُودٌ فليَخْلِطْها بعُفْر فإنَّ دمَ عفراءَ أزكى من دمِ سَودَاوين .
وحدثنا أبو المقدام قال : حدَّثنا عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء عن ابن عباس أن رسولَ اللّه صلّى اللّهُ عليه وسلم دعا بالرُّعاة فجُمعوا له فقال : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْعَى غَنَماً سُوداً قال : وجاءته امرأةٌ فقالت : يا رسول اللّه إني اتخذت غنماً

رجوت نسلها ورِسلها وإني لا أُراها تنمو قال : فما ألوانها قالت : سود قال : عفِّري أي اخلطي فيها بِيضاً .
قال : وحدثنا طلحة بنُ عمرو الحضْرَميّ عن عطاء أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال : الغَنَمُ بَرَكَةٌ مَوْضُوعَةٌ والإبلُ جمالٌ لأَهْلِها والخيرُ مَعْقُودٌ في نَواصِي الخَيْلِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ حنظلةُ بن أبي سفيان المكّي قال : سمعت طاووساً يقول : من هاهنا أطلعَ الشيطان قرنَيه من مطلع الشمس والجفاءُ والكِبْرُ في أهل الخيل والإبل في الفدَّادينَ أهل الوبر والسكينةُ في أهل الغنم .


قال وحدثنا بكر بن خُنيس عن يحيى بن عُبَيد اللّه بن عبد اللّه بن مَوْهب عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : رأسُ الكفر قِبَلَ المشرق والفخرُ والخُيلاءُ في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم والإيمانُ يمانٍ والحكمة يمانية .
وعن عوف بن أبي جَميلة عن الحسن أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : الفخرُ في أهل الخيل والجفاءُ في أهل الإبل والسكينة في أهل الغنم .
وعن عثمان بن مقْسَم عن نافع أن ابنَ عمرَ حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : السكينة في أهل الغنَم .
جاءت سُليمٌ ولها فَديدُ . )


أخبار ونصوص في الغنم وكان من الأنبياء عليهم السلام مَنْ رعى الغنم ولم يَرع أحدٌ منهم الإبل وكان منهم شعيب وداود وموسى ومحمد عليهم السلام قال اللّه جلّ وعزّ : وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى قال هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيهَا وأهُشُّ بهَا عَلَى غَنَمِي وَليَ فِيها مَآرِبُ أُخْرَى .
وكان النبي صلّى اللّه عليه وسلم يرعى غُنَيمات خديجة .
والمعْزبون بنزولهم البُعدَ من الناسِ في طباع الوحش .
وجاء في الحديث : من بَدَا جَفا .
ورِعاءُ الغنم وأربابها أرقُّ قلوباً وأبعد من الفظاظة والغلظة .
وراعى الغنم إنما يرعاها بقرب الناس ولا يُعْزِبُ ولا يبدو ولا ينتجع قالوا : والغنم في النوم غُنْمٌ .
وقالوا في الغنم : إذا أقبلتْ أقبلتْ وإذا أدبرت أقبلت .


الحامي والسائبة والوصيلة وكان لأصحاب الإبل مما يحرمونه على أنفسه : الحامي والسائبة ولأصحاب الشاءِ الوصيلة .
والعتيرة أيضاً من الشَّاء وكان أحدهم إذا نذر أن يذبحَ من العتائر والرجبية كذا وكذا شاة فبلغ الذي كان يتمنَّى في نذره

وشحّ على الشاء قال : والظِّباء أيضاً شاء وهي تُجْزِي إذا كانت شاء : فيجعل عتائره من صيدِ الظباء وقال الحارث بن حِلِّزة : ( عنَتاً باطلاً وظُلماً كما تُعْ ** تتَرُ عن حجْرَةِ الرَّبيضِ الظّباءُ ) وقال الطّرِمَّاح : ( كَلَوْنِ الغَرِيِّ الفَرْدِ أجْسَدَ رأسَه ** عَتائرُ مظلومِ الهَديِّ المذبَّحِ ) ومنها الغَدويُّ والغَذَوِيّ جميعاً وقال الفرزدق : ( ومهورُ نِسْوَتِهِمْ إذا ما أنكَحُوا ** غَذَوِيُّ كلِّ هبَنْقَعٍ تِنْبَالِ )

ميل الحيوان على شقه الأيسر وقال أبو عتَّاب : ليس في الأرض شاة ولا بعيرٌ ولا أسَدٌ ولا كلْبٌ يريدُ الرُّبوض إلا مال على شِقِّه الأيسر إبقاءً على ناحية كبده .
قال : ومتى تفقدتم الصفايا التي في البيوت والنعاجَ والجِداء والحُمْلاَن وجدتموها كذلك . )
معالجة العقاب الفريسة قال : والعقاب تستعمل كفها اليمنى إذا أصْعَدَتْ بالأرانب والثعالب في الهواء وإذا ضربتْ بمخالبها في بطون الظِّباء والذئاب فإذا اشتكت كبدها أحسّت بذلك فلا تزال إذا اصطادت شيئاً تأكلُ من كبدِه حتى تبرأ وإن لم تُعاين فريسة فربما جلَّت على الحمار الوحشيِّ فتنقضُّ عليه انقضاضَ الصخرة فَتقدُّ بدابرتها ما بين عجْب ذنبه إلى منسِجه وقد ذكرنا من شأنها في باب القول فيها ما فيه كفاية .
أخذ الحيوان على يساره حين يهرب قال : وليس في الأرضِ هاربٌ من حَرْبٍ أو غيرها استعملَ

الحُضْر إلا أخَذَ على يساره إذا ترك عَزْمَه وسَوْم طبيعته وأنشد : ( تخامَصَ عن وحْشِيِّه وهو ذاهلٌ ** وفي الجوف نارٌ ليس يخبو ضِرامُها ) وأنشد الأصمعي للأعشى : ( ويسَّر سَهْماً ذا غِرَار يسوقُهُ ** أمين القُوَى في ضالةِ المترنّمِ ) ( فمرّ نَضِيَّ السَّهْمِ تحت لبانِه ** وحالَ على وحْشِيِّهِ لم يعَتِّمِ ) قال : ووضع : على موضع : عن .
ميل شقشقة الجمل ولسان الثور وفي بابٍ آخرَ يقول أوسُ بن حَجَر : وذلك أنه ليس في الأرض

جملٌ هاج وأخرج شِقْشِقَتَه إلا عدَلَ بها إلى أحدِ شِقَّي حنَكه والثورُ إذا عدا عدل بلسانه عن شِقِّ شماله إلى يمينه وقال عَبْدَةَ بن الطبيب : ( مُستَقبِلَ الريحِ يهفو وهو مُبْتَرِكٌ ** لِسانه عن شِمَالِ الشِّدقِ معدولُ ) حال الثور عند الكر والفر قال : وإذا كرَّ الكلبُ أو الثور فهو يصْنَعُ خلاف صَنيعِه عند الفرّ وقال الأعشى : ( فلما أضاء الصبحُ قام مبادراً ** وحان انطلاقُ الشاةِ من حيثُ يمما )

( فصبحهُ عندَ الشروق غديةٍ ** كلابُ الفتى البكري عوف بن أرقما ) ( فأطلَقَ عن مجنوبِها فاتبعنَه ** كما هيَّج السامي المعسلُ خشْرَما ) ( فأنحَى علَى شُؤمي يديهِ فذَادها ** بأظمأَ من فرع الذؤابةِ أسحَما )
ثم قال : ( وأدَبَر كالشِّعْرَى وُضُوحاً ونُقْبَة ** يُواعِسُ من حُرِّ الصّرِيمةُ مُعظَما ) علة غزو العرب أعداءهم من شق اليمين قال : ولعلمِ العرب بأن طبع الإنسان داعيةٌ إلى الهرب من شِقِّ

الشمال يحبُّون أن يأتوا أعداءهم من شِقَّ اليمين قال : ولذلك قال شُتيم بن خُويلد : وأما روايةُ أصحابنا فهي : فجئناهم من أيمنِ الشق عندهم .
الأعسر من الناس واليَسَر وإذا كان أكثُر عمل الرجُل بيساره كان أعسَر فإذا استوى عملاً بهما قيل أعسرُ يسَرَ فإذا كان أعسر مُصْمَتاً فليس بمستوى الخلق وهو عندهم إذا كان كذلك فليس بميمون الخلْق ويشتقُّون من اليد العُسْرى العُسْر والعُسرة فلما سمَّوها الشِّمال أجْرَوْها في الشؤْم وفي المشؤُوم على ذلك المعنى وسموها اليد اليَسارَ واليدَ اليسرى على نَفْي العُسر والنكَد كما قالوا : سليم ومفازة ثم أفصحوا بها في موضعِ فقالوا اليد الشؤْمَى .


مما قيل من الشعر في الشمال ومما قالوا في الشمال قولُ أبي ذُؤيب : ( أ بِالصَّرمِ من أسماء جَدَّ بكَ الذي ** جَرَى بيننا يومَ استَقَلَّت رِكَابُها ) ( زجَرْتَ لها طَيْرَ الشِّمالِ فإن يكن ** هَوَاك الذي تهوى يُصِبْكَ اجْتنَابُها ) وقال شُتيم بن خويلد : ( وقلتُ لسَيّدِنا يا حليم ** إنّك لم تَأْسُ أَسْواً رفيقَا ) ( زجرتَ بها ليلةً كلها ** فجئت بها مُؤيِداً خَنفقيما )

( أَطَعْتَ غُرَيِّبَ إبْطَ الشِّمَال ** تُنَحِّي لحِد المَواسِي الحُلوقا ) وقال آخر : ( وهوَّنَ وجدْي أنني لم أكنْ لهم ** غرابَ شِمَال ينفضُ الرِّيشَ حاتما ) وإذا مال شِقُّة قالوا : احْولَّ شِقُّه وقال الأشتر بن عُمارة : ( عَشِيَّةَ يدعو مِعْتَرٌ يالَ جَعْفَرٍ ** أخوكم أخوكم أحُوَلُ الشِّقِّ مائِلُه ) وقال آخر : )

( أيَّ أخ كانَ لي وكنتُ له ** أشفَق من والدٍ على ولدِ ) ( حتى إذا قاربَ الحوادثُ من ** خَطْوِي وحلَّ الزمانُ من عُقَدي ) ( احوَلّ عنِّي وكان ينظُر مِن ** عيني ويرمي بِساعدِي ويَدِي ) الوقت الجيد في الحمل على الشاء قال الأصمعيّ : الوقت الجيِّد في الحمل على الشاء أن تخلَّى سبعةَ أشهُرٍ بعد ولادها ويكون حملها خمسة أشهر فتولَّد في كل سنَة مرة فإن حُمِل عليها في كل سنة مرتين فذلك الإمغال يقال : أمغَل بنو فُلانٍ فهم مُمْغلون والشاةُ ممغل .
وإذا وُلِّدت الشاةُ ومضَى لها أربعةُ أشهر فهي لجبة والجميع

اللِّجاب واللَّجبات وذلك حين استطراد لغوي قال : والأير من البعير : المِقْلَم ومن الحافر الجُرْدَان ومن الظلف كله : القضيب ومن الفرَس العتيق : النَّضِيّ زعم ذلك أبو عبيدة .
وما أراد من الحافر الفحلَ فهو الوِداق وهو من الإبل الضَّبَعة ومن الضأن الحُنوّ ويقال : حنَت تحنو حُنُوّاً وهي نعجةٌ حانٍ كما ترى وما كان من المعْز فهو الحِرْمَة ويقال : عنز حَرْمَى وأنكر بعضهم قولهم : شاةٌ صارف وزعم أنه مولد .
قال : وهو من السباع الإجعال يقال : كلبةٌ مُجْعِل فإذا عظُم بطنها قيل أجَحَّتْ فهي مُجِحّ .


وما كان من الخف فهِو مِشْفَر وما كان من الغنم فهو مِرَمّة وما كان من الحافر فهو جَحْفَلةٌ .
وإذا قلتَ لكلِّ ذات حمْلٍ وضعتْ جاز فإذا ميزْتَ قلت للخف : نُتِجَتْ وللظِّلف : ولِّدت والبقرةُ تجري هذا المجرى وقلتَ للحافر : نتِجَتْ .
ويقال للحافر من بين هذا كله إذا كان في بطنها ولد : نَتوج وإذا عظم بطنُ الحافر قيل قد أعقّتْ فهي عَقوق والجماعُ عُقُقٌ وبعضهم يقول : عقائق .
ويقال للبقرة الوحشية نعجة والبقرة تجري مجرى الضائنة في حالها .
وما كان من الخف فصوته بُغام فإذا ضجَّتْ فهو الرُّغاء فإذا طرِّبت في إثر ولَدها قبل حنَّتْ قال : والإلماعُ في السباع وفي الخيل دون البهائم وهو أن تشرق ضروعها .


قال : والخروف في الخيل والضأن دون البهائم كلها .
قال : ويقال للطير : قد قمطها يقمطها ويقال للتيس والكلب : قد سَفِدَ يُسْفَد سِفاداً ويقال في )
الخيل : كامها يكُومُها كَوْماً وكذلك في الحافر كلِّه وفي في الحمار وحده : باكها يبُوكها بَوْكاً .
قولهم : ما له سَبَد ولا لَبَد وتقول العرب : ما له عندي سَبَدٌ ولا لَبَد فقدّموا السّبَد ففي هذا المعنى أنهم قدموا الشَّعر على الصوف .
فإن قال قائل : فقد قدَّموا في مواضع كثيرةٍ ذكرَ ما هو أخَسُّ فقالوا : ما له عندي قليلٌ ولا كثير والعِير والنَّفير حتى قالوا : الخلّ والزيت وقالوا : ربيعة ومُضَر وسُلَيم وعامر والأوس

والخزرج وقال اللّه : لاَ يُغادِرُ صَغِيرةً ولاَ كَبِيرةً إلاَّ أَحْصَاهَا .
والذي يدلُّ على أن ذلك الذي قلنا كما قلنا قولُ الراعي : ( حتى إذا هبَطَ الغِيطانَ وانقطعت ** عنه سلاسل رَمْل بينها عُقَدُ ) ( لاقى أطيْلِسَ مَشّاءً بأكْلُبِهِ ** إثْرَ الأوابد ما يَنْمِي له سَبَدُ ) فَقَدَّمَ السَّبدَ ثم قال : وقال الراعي : ( أما الفقيرُ الذي كانت حَلُوبَتُه ** وَفْقَ العِيالِ فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ ) وهو لو قال : لم يُترك له لَبَد ولو قال : ما ينمي له لَبَدَ لقام الوزْنُ ولكان له معنى فدلَّ ذلك على أنه إنما أراد تقديم المقدَّم .

مفاخرة بين صاحب الضأن وصاحب الماعز
قال صاحب الضأن : فَخَرتم على الضأن بأن الإنسان ذو شعر وأنه

بالماعز أشبه فالإنسان ذو أْليةٍ وليس بذي ذنب فهو من هذا الوجه بالضأن أشبه .
قال صاحبُ الماعز : كما فخرتم بقوله : ثمَانِية أَزْوَاجٍ مِنَ الضّأنِ اثْنَيْنِ وقلتم : فقد قدَّمها فقال اللّه : يَا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ .
فإن وجب لضأنك التقديمُ على الماعز بتقديم هذه الآية وجَبَ للجنِّ التقديمُ بتلك الآية .

في الضفادع
علَّمك اللّه علماً نافعاً وجعلَ لك من نفسك سامعاً وأعاذك من العُجْبِ وعرّفك لباسَ التقوى وجَعَلك من الفائزين .
اعلمْ رحمك اللّه تعالى أن اللّه جل وعز قد أضاف ست سُوَر من كتابه إلى أشكال من أجناس الحيوان الثلاثة منها مما يسمونها باسم البهيمة وهي سورة البقرة وسورة الأنعام وسورة الفيل وثلاثة منها مما يعدون اثنتين منها من الهمج وواحدةً من الحشرات .
فلو كان موقعِ ذِكر هذه البهائم وهذه الحشرات والهمج من الحكمة والتدبير موقِعَها من قلوب الذين لا يعتبرون ولا يفكرون ولا يميزون

ولا يحصلون الأمور ولا يفهمون الأقدار لما أضاف هذه السور العظامَ الخطيرة و الشريفة الجليلة إلى هذه الأمور المحقّرة المسْخِفَة والمغمورة المقهورة .
ولأمر ما وضعها في هذا المكان ونوَّه بأسمائها هذا التنويه فافهم فإن الأديبَ الفَهِم لا يعوِّد قلبَه الاسترسال وخُذْ نفسَك بالفكرة وقلبَك بالعبْرة .
وأنا ذاكرٌ من شأن الضفدع من القول ما يحضر مثلي وهو قليلٌ في جنب ما عند علمائنا والذي عند علمائنا لا يحَسُّ في جنب ما عند غيرهم من العلماء والذي عند العلماء قليل في جنب ما عند الأنبياء والذي عند الأنبياء قليل في جنب ما عند اللّه تبارك وتعالى .
من ذلك الضِّفدِع لا يصيحُ ولا يمكنه الصياح حتى يدخل حنكَه الأسفل في الماء فإذا صار في فمه بعض الماء صاح ولذلك لا تسمعُ للضفادعِ نقيقاً إذا كُنَّ خارجاتٍ من الماء .

زعم في الضفادع
والضفادعُ من الحيوان الذي يعيشُ في الماء ويبيضُ في الشطّ مثل الرّق والسُّلحفاة وأشباه ذلك . )
والضفادعُ تنقّ فإذا أبصرت النار أمسكت . ( زعم في الضفادع ) والضفادع من الحيوان الذي يُخلقَ في أرحام الحيوان وفي أرحام الأرَضِين إذا ألقحتها المياه لأن اليَخَّ يخراسان يُكبس في الآزاج ويحالُ بينه وبين الرِّيح والهواء والشمس بأحكمِ ما يقدرون عليه وأوثقه ومتى انْخرق في تلك الخزانة خَرْقٌ في مقدار مَنْخِر الثور حتى تدخلَه الريح استحال ذلك اليخُّ كله ضفادع .
ولم نعرف حقَّ هذا وصدقَه من طريق حديث الرجل والرجلين بل نجدُ الخبرُ عنه كالإطباق
أعجوبة في الضفادع
وفيها أعجوبة أخرى : وذلك أنا نجد من كِبارها وصغارها الذي لا يحصى في غِبِّ المطر إذا كان المطر ديمة ثم نجدُها في

المواضع التي ليس بقربها بحرٌ ولا نهرٌ ولا حوضٌ ولا غديرٌ ولا وادٍ ولا بيرٌ ونجدها في الصَّحاصح الأماليس وفوق ظهورِ مساجد الجماعة حتى زعم كثيرٌ من المتكلفين ومن أهل الخسارة وممن لا يحتفل بسوء الحال عند العلماء ولا يكترث للشكّ أنها كانت في السحاب .
ولذلك طمع بعضُ الكذَّابين ممن نَكْرَهُ اسمه فذكر أن أهل أيذَج مُطِروا مرةً أكبر شبابيطَ في الأرض وأسمنَها وأعذَبها وأعظمها وأنهم اشتوَوا وملَّحوا وقرّسوا وتزوَّدَ منه مسافرهم وإنما تلك الضفادع شيءٌ يخلق في تلك الحال بمزاوجَة الزمان وتلك المطرة وتلك الأرض وذلك الهواء .

معارف في الضفدع
والضفادعُ من الخلْق الذي لا عظامَ له .


ويزعم أصحاب الغرائب أن العَلاجيمَ منها الذكورة السود .
وتزعمُ الأعرابُ أن الضفدِع كان ذا ذنب وأن الضَّبَّ سلبه إياه وذلك في خُرافة من خرافات الأعراب ويقول آخرون : إن الضفدع إذا كان صغيراً كان ذا ذنب فإذا خرجتْ له يدانِ أَو رجلان سقَطَ .
جملة من الأمثال وتقول العرب : لا يكون ذلك حتى يُجمع بين الأرْوَى والنعام وحتى يُجمع بين الماء والنار وحتى يشِيبَ الغراب وحتى يَبيْضَّ القار وحتى تقع السماءُ على الأرض .
ومن حديث الأمثال : حتى يجيءَ نشيطٌ من مَرْو وهو لأهل

البصرة وحتى يجيء مصْقلة من طَبرِسْتانَ وهو لأهل الكوفة .
وقال اللّه عزّ وجلّ : وَلاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى يَلِجَ الجَملُ في سَمِّ الخِيْاطِ .
وتقول العرب : لا يكون ذلك حتي يُجمع بين الضب والنون وحتى يُجمع بين الضفدع والضَّبّ وقال الكميت : ( يؤلِّفُ بين ضِفْدِعةٍ وضَبٍّ ** ويَعجبُ أن نَبَرَّ بني أبينا ) وقال في النون والضبّ : ( ولو أنهم جاؤُوا بشيء مُقارب ** لشيءٍ وبالشكْل الموافق للشِّكلِ )

معارف في الضفدع
وهو من الخلق الذي لا يصاب له عَظْم والضفدعُ أجْحظ الخلقِ عيناً

والأسد تنتابُها في الشرائع وفي مَناقِع المياه والآجام والغياضِ فتأكلها أكلاً شديداً .
وهي من الخلق المائيّ الذي يصبرُ عن الماء أياماً صالحة والضفادع تعظُم ولا تسمَن كالدُّرّاج والأرنب فإنَّ سِمَنهما أن يحتملا اللحم .
وفي سواحل فارس ناسٌ يأكلونها .

قول مسيلمة في الضفدع
ولا أدري ما هيّجَ مسيلمةَ على ذكْرِها ولِمَ ساء رأيه فيها حيثُ جعلَ بزعمه فيما نزل عليه من قرآنه : يا ضفْدَعُ نِقَّي كَمْ تَنقِّين نصفُكِ في الماء ونصفُكِ في الطين لا الماء تُكَدِّرِين ولا الشارب تمنعين .
معيشة الضفادع مع السمك
والضفادعُ من الخلْق الذي يعيشُ مع السمك في الماء وليس كل شيء يعيشُ في الماء فهو سَمَك وقد قال الصَّلتانُ العبْدِيّ في القضاء الذي

قضى بين جرير والفرزدق و الفصْلِ الذي ( فإن يكُ بحرُ الحنظليَّين زاخراً ** فما تستوي حِيتانُه والضفادعُ ) ( طلب الحيَّات والضفادع ) والحيات تأني مناقِعَ الماء تطلب الضفادع والفأر تكون بقرب المياه كثيرةً فلذلك تأتي الحياتُ تلك المواضعَ ولأن صيدها من أسهل الصيد عليها وهي تعرف صيْدها ألا تراها تحيدُ عن ابن عُرْسٍ وإن رأتْ جُرَذاً أكبر منه لم تنهْنِهْه دون أَن تبتلعه وترى الوَرَلَ فتفرُّ منه وترى الوَحَرة فتشدُّ عليها وترى القُنفُذ وإن صغُر

فلا تجترئُ أنْ تمرّ به خاطفة وترى الوَبْرة وهي مثلُ ذلك القنفذِ مرتين فتأكلها .
ولطلبها الضفادعَ بالليل في الشرائع يقول الأخطل : ( ضفادعُ في ظلْماء ليلٍ تجاوبَتْ ** فدلَّ عليها صوتها حَيَّةَ البحرِ ) وقد سرَق معناه بعضُ الشُّعراء فقال وهو يذكر الضفدع وأنه لا ينقّ حتى يدخل حنَكه الماء : ( يُدْخِل في الأشداق ماءً ينصفُهُ ** كيما ينِقَّ والنَّقيقُ يُتلفه )

شعر في الضفادع
وقال زهير : ( يُحيلُ في جدولٍ تحبُو ضفادِعُه ** حَبْو الجوارِي ترى في مائه نُطُقَا )

( يخرُجْن من شَرَبَاتٍ ماؤها طحِلٌ ** على الجُذوع يخَفْنَ الغَمّ والغَرَقا ) وقال أَوسُ بن حجَر : ( فباكَرْنَ جَوْناً للعلاجيم فوقَهُ ** مَجالِسُ غَرْقَى لا يُحَلاَ ناهِلُه ) جون قال : يريد غديراً كثيرَ الماء قال : وإذا كثر الماءُ وكثر عُمْقُه اسودَّ في العين والعلاجيم : الضفادع السود وجعلها غرقى يقول : هي فيما شاءت من الماء كقولك : فلان في خير غامر من قِبَل فلان وجعل لها مجالس حول الماء وفوقه لأن هذه الأجناس التي تعيش مع السمك في الماء وليست بسمك أكثرُ حالاتهن إذْ لم تكن سمكا خالصاً

أن تظهر علَى شُطوط المياه وفي المواضع التي تبيض فيها من الدَّغَل وذلك كالسّرطان والسُّلحفاة والرَّق والضفدع وكلبِ الماء وأشباه ذلك .
استطراد لغوي ويُقال : نقّ الضفْدِع ينقُّ نقيقاً وأنقض ينقِضُ إنقاضاً وقال رُؤبةُ : ) ( إذا دنا منهن إنقاض النُّقُقْ ** في الماء والساحلُ خضخاضُ البَثَقْ ) وقد زعم ناسٌ أن أبا الأخْزَر الحِمّاني حيث قال : تسمُّع القِنْقِنِ صوتَ القنقِن

إنما أراد الضفدع قالوا : وكذلك الطِّرماحُ حيث يقول : ( يخافِتْنَ بعض المضغِ من خشيةِ الرّدَى ** ويُنْصِتْنَ للصوتِ انتصاتَ القناقِنِ ) قالوا : لأن الضفِدع جيِّد السمع إذا تركَ النقيق وكان خارجاً من الماء وهو في ذلك الوقتِ أَحذر من الغراب والعصفور والعَقْعَق وأسمعُ من فرَس وأسمع من قُراد وأسمع من عُقاب وبكل هذا جاء الشعر .

ذكر ما جاء في الضفادع في الآئار
إبراهيم بن أبي يحيي عن سعيد بن أَبي خالد بن فارض

عن سعيد بن لمسيب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع .
قال : وحدَّثنا سعيد عن قتادة قال : سمعتُ زُرارةَ يحدِّث أنه سمع عبد اللّه بن عَمْرو يقول : لا تسبُّوا الضفادع فإنَّ أصواتها تسبيح .
قال : وحدثنا هشامٌ صاحبُ الدّستوائي عن قتادة عن زُرارةَ بنِ أوفى عن عبد اللّه بن عمرو أنه قال : لا تقتلوا الضفادعَ فإن

نقيقهُنَّ تسبيحِ ولا تقتلوا الخفاش فإنه إذا خرب بيت المقدس قال : يا ربِّ سلِّطني على البحر حتى أغرقهم .
وعن حماد بن سَلمةَ عن قتادة عن زُرارة قال : قال عبد الله بن عمرو : لا تقتلوا الخفاش فإنه استأذن البحر أن يأخذ من مائه فيطفئَ بيتَ المقدس حيث حرِّق ولا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح .
وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذِئب وفي إسناد له : أن طبيباً ذكر الضِّفدِعِ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ليُجْعل في دواء فنهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قتل الضفدع .
ما يوصف بجودة الحراسة وشدة الحذر والعربُ تصف هذه الأصناف التي ذكرناها بجودة الحراسة وبشدة الحذَر وأعطَوا الثعلبَ والذَّئب أموراً لا يبلغها كثيرٌ من الناس .
قول صاحب المنطق في الغرانيق )

قول صاحب المنطق في الغرانيق
وقال صاحبُ المنطق في الغرانيق قولاً عجيباً فزعم أن الغرانيق من الطيور القواطع وليست من الأوابد وأنها إذا أَحسّتْ بتغيُّرِ الزمان اعتزمت على الرجوع إلى بلادها وأوكارها وذكر أنها بعيدةٌ سحيقة قال : فعند ذلك تتخذ قائداً وحارساً ثم تنهض معاً فإذا طارت ترفعت في الجواء جدّاً كي لا يعرض لها شيء من سباع الطير أو يبلغَها سهمٌ أَو بُنْدُق وإن عاينَتْ غيماً أو مطراً أو خافَتْ مطراً أو سقطتْ لطلبِ ما لا بدَّ لها منه من طعم أو هجم عليها الليل أمسكَتْ عن الصياح وضمَّتْ إليها أجنحتها فإذا أرادت النوم أدخل كل واحد منها رأسَه تحتَ جناحِه لأنه يرى أن الجناح أحْمَلُ لما يَرِدُ عليه من رأسه أَو بعض ما في رأسه : من العين وغير ذلك ويعلم أنه ليس بعد ذهابِ الرأس حياة ثم ينام كل واحد

منها وهو قائم على رجليه لأنه يظن أنه إن مكَّنهما نام إن كان لا يحب النوم أوْ نام ثقيلا إن كان يحب أن يكون نومّه غراراً فأما قائدها وسائقها وحارسُها فإنه لا ينامُ إلا وهو مكشوفُ الرأس وإن نام فإن نومُه يكونُ أقلُّ من الغِشاش وينظُرُ في جميع النواحي فإن أحسَّ شيئاً صاحَ بأعلى صوته .
صيد طير الماء وسألتُ بعضَ من اصطادَ في يومٍ واحد مائة طائر من طير الماء فقلت له : كيف تصنعون قال : إن هذا الذي تراه ليس من صيْدِ يوم واحد وإن كلَّه صِيدَ في ساعة واحدة قلت له : وكيف ذاك قال : وذلك أنا نأتي مناقعَ الماء ومواضِع الطير فنأخذ قَرعةً يابسة صحيحة فنرمي بها في ذلك الماء فإذا أَبصرها الطير تدنو منه بدفع الرِّيحِ لها في جهته مرة أو مرتين فِزع فإذا كثر ذلك عليه أنس وإنما ذلك

الطير طير الماء والسّمكِ فهي أبداً على وجه الماء فلا تزالُ الرِّيح تقرِّبها وتباعدها وتزداد هي بها أُنْساً حتى ربما سَقَط الطائرُ عليها والقرعة في ذلك إما واقفةٌ في مكان وإما ذاهبةٌ وجائية فإذا لم نرها تنفرُ منها أخذنا قَرعة أُخرى أو أخذناها بعينها وقطعنا موضِعَ الإبريق منها وخرَقْنا فيها موضِعَ عينين ثم أخَذَها أحَدُنا فأدخَلَ رأسَه فيها ثم دخل الماء ومشى فيه إليها مشياً رُويْداً فكلما دنا من طائر قبض على رجليه ثم غمسه في الماء ودقّ جَناحَه وخَلاّهُ فبقي طافياً فوق الماء يسبحُ برجليه ولا يطيقُ الطيران وسائرُ الطير لا ينكر انغماسه ولا يزال كذلك حتى يَأتيَ على آخر الطير فإذا لم يبق منها شيء رَمى بالقرعة عن رأسه ثمّ نلقطها ونجمعها ونحملها .
علاج الملسوع )
قال : ومن جيِّدِ ما يُعالجَ به الملسوعُ أن يُشَقَّ بطنُ الضفدع

ثم يرفَد به موضع اللسعة ولسنا نعني لدغة الحية وإنما نعني لسعة العقرب .
والضفدع إذا رأى النار أمسك عن النقيق وإذا رأى الفجر . والأُسدُ إذا رأت النار أحجمت عن الإقدام وإذا اشتد الأصوات .
استطراد لغويّ قال : ويقال للضفدع : نقّ ينقّ وهدر يهدِر وقال الراعي :

قول صاحب المنطق في الضفادع والسمك
وأما قولُ صاحبُ المنطق في أن الضفادع لا تنقّ حتى تُدِخَلَ فكها الأسفل في الماء لزن الصوت لا يجيئُها حتى يكون في فكها ماء فقد قال ذلك وقد وافقه عليه ناسٌ من العلماء وادعوا في ذلك العِيان .
فأما زعمه أَن السمكة لا تبتلع شيئاً من الطعم إلا ببعض الماء فأيُّ عيان دلَّ على هذا وهذا عَسِرٌ .

القول في الجراد أَحضِرْني على اسم اللّه ذِهنك وفرِّغْ لما أُلقيه إليك قَلْبَكَ فربَّ حرْف من حروف الحكم الشريفة والأمثال الكريمة قد عَفا أثرُه ودثر ذكرُه ونبا الطَّرفُ عنه ولم يُشغَل الذهنُ بالوقوف عليه وربَّ بيتٍ هذا سبيله وخطبةٍ هذه حالها .
ومدارُ الأمر على فهم المعاني لا الألفاظ والحقائق لا العبارات فكم من دارس كتاباً خرَج غُفْلاً كما دخل وكم من متفهِّم لم يفهم ولن يستطيع الفهم إلا من فرَّع قلبه للتفهم كما لا يستطيعُ الإفهام إلا من صحت نيتُه في التعليم .

فضل الإنسان على سائر الحيوان
فأقول : إن الفرق الذي بين الإنسان والبهيمة والإنسان والسَّبُع والحشرة والذي صَبَّرَ الإنسان إلى استحاق قول اللّه عز وجلَّ : وَسَخَّرَ لَكمْ ما في السَّموَاتِ وما في الأرْضِ جَميعاً مِنْهُ ليس

هو الصورة وأنه خُلِقَ من نطفة وأن أباه خلق من تراب ولا أنه يمشي على رجليه ويتناول حوائجه بيديه لأن هذه الخصالَ كلها مجموعة في البُلْه والمجانين والأطفال والمنقوصين .
والفرق الذي هو الفَرق إنما هو الاستطاعة والتمكين وفي وجُودِ الاستطاعة وجودُ العقل والمعرفة وليس يوجِبُ وجودُهما وُجودَ الاستطاعة .
وقد شرَّف اللّه تعالى الجانَّ وفَضّله على السّبُع والبهيمة بالذي أَعطاه من الاستطاعة الدالة عَلَى وجود العقل والمعرفة .
وقد شَرَّف اللّه الملائكةِ وفضلهم عَلَى الجانّ وقدمهم علَى الإنسان وألزمهم من التكليف عَلَى حسب ما خوَّلهم من النعمة وليست لهم صورة الإنسان ولم يخْلَقُوا من النُّطَف ولا خلُق أبوهم من التراب وإنما الشأنُ في العقل والمعرفة والاستطاعة .
أفتظنُّ أَن اللّه عز وجل يخصُّ بهذه الخصال بعضَ خلقِه دون بعض ثم لا يطالبهم إلا كما يطالب بعضَ من أعدمه ذلك وأعْراه منه َ فِلمَ أعطاه العقل إلا للاعتبار والتفكير ولِمَ أعطاه المعرفة إلا ليؤْثر

الحقَّ على هواه ولِمَ أعطاهُ الاستطاعة إلا لإلزام الحجة .
فهل فكَّرتَ قطُّ في فصل ما بينك وبين الخلق المسخَّر لك وبين الخلق الذي جُعِل لك والخلق المسلط عليك وهل فكَّرت قط في فصل ما بين ما جعله عليك عادياً وبين ما جعله لك غاذياً وهل فكرتَ قطُّ في فصل ما بين الخلق الذي جُعل لك عذاباً والخلق الذي جعُل لك قاتِلاً وبين ما آنسه بِك وبين ما أوْحَشَهُ منك وبين ما صغَّره في عينك وعظّمه في نفسك وبين ما عظَّمه في عينك وصغَّره في نفسك .
بل هل فكرت في النحلة والعنكبوت والنملة أنت ترى اللّه تقدَّس وعزّ كيف نوّه بذكره ورفع من قدرها وأضاف إليها السُّوَر العظامَ والآياتِ الجسامَ وكيفَ جعل الإخبارَ عنها قرآناً وفرقاناً حيث يقول : وَأَوْحَى ربُّكَ إلى النَّحْلِ فقفْ عَلَى صغر النحلة وضعْفَ أيْدِها ثم ارْم بعقلك إلى قول اللّه : ثمَّ كلي مّنْ كلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً فإنك تجدُها

أكبر من الطَّود وأوسعَ من الفضاءِ ثم انظر إلى قوله : حَتَّى إذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ فما ترى في )
مقدار النملة في عقل الغبيِّ وغير الذّكيّ فانظر كيف أَضاف الوادي إليها وخبر عن حذرها ونصحها لأصحابها وخوفها ممن قد مُكّنَ فإنك تجدُها عظيمةَ القدر رفيعةَ الذكر قد ( عَجزُ الإنسان وصِغَرُ قَدْرِهِ ) وخبِّرني عن اللّه تعالى أمَا كان قادراً أن يعذِّب الكنعانيينَ والجبابرة والفراعنة وأبناءَ العمالقة : من نَسْلِ عاد وثمود وأهل العتوِّ والعُنُود بالشياطين ثم بالمردةَ ثم بالعفاريت ثم بالملائكة الذين وكّلهم اللّه تعالى بسَوْق السحاب وبالمدِّ والجزْر وبِقبضِ أرواح الخلق وبقلب الأرَضين وبالماء والريح وبالكواكب والنيران وبالأسْد والنمور والبُبُور وبالفيَلة والإبل وبالجواميس وبالأفاعُي والثعابين وبالعقارب والجرارات وبالعقبان والنسور وبالتماسيح وباللُّخم والدُّلفِين .


فلمَ عذَّبهم بالجراد والقُمَّل والضفادع وهل يتلقَّى عقلك قبل التفكير إلا أنه أراد أن يعرِّفهم عجْزهم ويذكَّرهم صِغَر أقدارِهم ويدُلَّهم على ذلك بأذلِّ خلقه ويعرفهم أن له في كل شيء جُنْداً وأن القَويَّ من قَوَّاهُ وأعانه والضعيف من ضَعَّفه والمنصورَ من نصرَه والمخذول من خَلاّه وخذله وأنه متى شاء أن يقتل بالعسل الماذي والماء الزُّلال كما يقتلُ بالسمّ الساري والسيف الماضي قتل .
ولِمَ كان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم إذا رأى على جسده البَثْرةَ ابتهلَ في الدعاء وقال : إن اللّه ولم قال لنا : فَأَرْسَلَنَا عَليْهِمُ الطُّوفَانَ وَالجَرَادَ والقُمَّلَ والضَّفادِع وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاَتٍ . فافهمْ عنه تعالى ذكره وتقدست أسماؤه قوله : آيات ثم قال : مُفَصَّلات فهل وقفت قطُّ عَلَى هذه الآياتِ وهل توهّمْت تأويلَ قوله : هذا آية وغيرْ آية وهل وقفت علَى فصل ما بين الآية وغير الآية وإذا كانت مفصَّلات كان ماذا وإذا لم تكن مفصلات كان ماذا .


فافهم قوله : فَأَرْسلَنَا عَلَيْهِم وما في الأرض أنقصُ معرفة وعلماً ولا أضعفُ قوة وبطشاً ولا أوْهَنُ رُكناً وعَظماً من ضِفدِع فقد قال كما ترى : فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ والْجَرَاد والقمَّلِ والضَّفَادِعَ والدَّمَ فقد جعله كما ترى أُفضل آياته والعذابَ الذي أرسله عَلَى أعدائه .
وقد قال جل وعز : فإذَا جاءَ أَمْرُنَا وفارَ التَّنُّورُ فأظهر الماء جلّ ثناؤه من أبعد مواضع الماء من ظنونهم وخَبَّرَنا بذلك كي لا نخلِيَ أنفسنا من الحذر والإشفاق ولنكون علماء بالعِلم الذي أعطانا ولنكون راجين خائُفين ليصحّ الاختيار ويحسُنَ الاختبار : فَتَبَارَكَ اللّه أَحسَنُ )
الخَالِقينَ ما أحسنَ ما قدَّر وأتقَنَ ما برأ .
وكان السبب الذي سلطه اللّه تعالى عَلى العَرِم وهو مُسَنَّاةُ جَنّتَيْ بلادِ سبإ جُرَذاً فهو الذي خَرقه وبدَّل نعمتَهم بؤساً ومُلكهُمْ يَبَاباً وعِزَّهمْ ذلاَّ إلى أن عادوا فقراء فقال اللّه : وَبَدَّلنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكلٍ خَمطٍ وأَِثلٍ وشَيءٍ مِنْ سِدْر قَليل هذا بعد

أن قال : لَقَدْ كانَ لِسَبأ في مسَاكِنهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَال كُلُوا من رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفْورٌ فَأَعْرَضوا فَأَرْسَلْنَا عَليْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ .
شعر في سد مأرب وقال الأعشى : ( ففي ذاكَ للمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ ** ومأربُ قفَّى عليه العَرِمْ ) ( رُخامٌ بنَتْه لهم حميرٌ ** إذا جاء ماؤُهُمُ لم يَرِمْ ) وأنشد أبو عمرو بنُ العلاء : ( من سَبَأ الحاضرِينَ مَأْرِبَ إذ ** يبْنُونَ منْ دونِ سَيلهِ العَرِمَا )

معارف في الجراد

ثم انظر إلى الجراد وهذا باب القول فيه .
قال : فأولُ ما يبدو الجرادُ إذا باض سَرْءٌ وسَرؤُه : بيضُه .
يقال : سَرأَتْ تَسرأ سَرْءاً .
فانظر الآن فكم ترى فيه من أعجوبةٍ ومن آيةٍ بليغة فأوَّل ذلك التماسُها لبيضها الموضعَ الصَّلد والصخور الصُّمَّ المُلْسَ ثقةً بأنها إذا ضربَتْ بأذنابها فيها انفرجت لها .

ذنب الجرادة وإبرة العقرب
ومعلومٌ أن ذنَب الجرادةَ ليس في خلقة المسمارِ ولا طرف ذنبها كحدِّ السِّنان ولا لها من قوة الأسْر ولذنبها من الصّلابة ما إذا اعتمدَتْ به على الكُدْيِةَ والكَذّانة جرح فيهما فكيف وهي

تتعدى إلى ما هو أصلبُ من ذلك وليس في طرف ذنبها كإبرة العقرب .
وعَلَى أن العقرب ليس تخرق القمقم من جهة الأيْد وقوة البدن بل إنما ينفرجُ بطبعٍ مجعول هناك وكذلك انفراجُ الصخورِ لأذناب الجراد .
ولو أن عُقاباً أرادتْ أن تخرق في جلد الجاموس لما انخرق لها إلا بالتكلُّفِ الشديدِ والعُقابُ فإذا غرزَت الجرادة وألقت بيضها وانضمَّت عليها تلك الأخاديد التي أحدثتْها وصارت كالأفاحيص لها وصارت حافظةً لها ومربِّية وصائنة وواقية حتى إذا جاء وقتُ دبيبِ الرُّوح فيها أحدث اللّهُ في أمرها عجباً آخر فسبحان من استخزنها حكمتَه وحشاها بالأدلة عليه وأنطقَها بأنها مدبرة ومُذلَّلةٌ ميسرة ليفكر مفكر ويعتبر معتبر ذَلِكمُ اللّهُ رَبُّ العَالمِينَ وتبارك اللّه ربُّ العالمين .

مراتب الجراد
وقال الأصمعي : يقال : قد سرأت الجرادة تسرأ سَرْءًا فإذا خرج من بيضه فهو دَباً والواحدة دَباة ويخرج أصهَبَ إلى البياض فإذا اصفرَّ وتلوَّنت فيه خطوطٌ واسودَّ فهو بُرقان يقال رأيت دباً بُرقاناً والواحدة بُرقانة فإذا بدت فيه خطوطٌ سُودٌ وبيضٌ وصُفر فهو المسَيَّح فإذا بدا حجْمُ جناحِه فذلك الكُتْفان لأنه حينئذٍ يكتف المشي واحدة كتفانة قال ابن كناسة : ( يكتِفُ المشْيَ كالذي يتخطَّى ** طنُباً أو يشكُّ كالمتمادِي ) يصف فرساً فإذا ظهرت أجنحتُه وصار أحمرَ إلى الغبْرة فهو الغَوْغاء والواحدة غوغاءه وذلك حين يستقلُّ ويموجُ بعضه في بعضِه

ولا يتوجَّهُ جهةً ولذلك قيل لرعاع الناس غوغاء فإذا بدتْ في لونه الحمرة والصفرة وبقي بعضُ الحمرة واختلف في ألوانه فهو الخيفان والواحدة خَيفانة ومن ثمَّةَ قيل للفَرَس خَيفانة .
فإذا اصفرّت الذكورةُ واسودّت الإناثُ ذهبت عنه أسماء غير الجراد فإذا باض قيل غَرَزَ الجرادُ وقد رزَّ .
فإذا كثر الجرادُ في السماء وكثُف فذلك السُّدُّ ويقال : رأيتُ سُدًّا مِنْ جَرادٍ ورأيتُ رِجْلاً من ) جَرادٍ للكثير منه وقال العجاج : سَيْرَ الجراد السُّدِّ يرتاد الخَضِرْ

مثل في الجراد
و مما تقول العرب : أصْرَد منْ جرادة وإنما يُصْطاد الجراد بالسّحَر إذا وقع عليه الندى طلبَ مكاناً أرفع من موضعه .


فإن كان مع النَّدى بَرَدٌ لبَدَ في موضعه ولذلك قال الشاعر : ( وكتيبةٍ لبَّسْتُها بكتيبةٍ ** كالثائر الحيران أشرفَ للنَّدَى ) الثائر : الجراد أشرف : أتى على شَرَف للندى : أي من أجْل الندى .
ويقال : سخّتِ الجرادة تسخُّ سَخّاً ورزَّت وأرزّت وجرادةٌ رزَّاءُ ورازّ ومُرِزّ : إذا غمزَت ذنبها في الأرض وإذا ألْقَت بيضها قيل : سَرأت تَسْرأ سَرْءًا .
ويقال : قد بَشرَ الجرادُ الأرضَ فهو يبشرها بشراً : إذا حَلقَها فأكل ما عليها ويقال : جَردَ الجرادُ : إذا وقع على شيء فجردَه وأنشدني ابن الأعرابي : كما جَرَد الجارودُ بكرَ بْنَ وائل ولهذا البيت سُمِّي الجارود .


وأنشدني آخر : ( يقول أمِيرٌ : ها جَرادٌ وضبَّةٌ ** فقد جَردَت بيتي وبيتَ عِياليا ) وهذا من الاشتقاق .
ومنه قيلُ ثوب جَرْدٌ بإسكان الراء إذا كان قد انجرد وأخْلَق قالت سُعدَى بنت الشَّمَرْدان : ( سَبَّاءُ عادية وهادي سُرْبةٍ ** ومُقاتلٌ بطلٌ وليثٌ مِسْلعُ ) ( أجَعلتَ أسعدَ للرِّماح دريئة ** هبِلتْكَ أُمُّكَ أيَّ جَرْدٍ ترقعُ ) تطيرُّ النابغة ويدخلُ في هذا الباب ما حدّثنا به الأصمعيّ قال : تجهز النابغةُ

الذبيانيُّ مع زَبَّان بن سَيَّارٍ الفزاريّ للغزو فلما أراد الرحيلَ نظرَ إلى جرادة قد سقطتْ عليه فقال : جرادَةٌ تجرُد وذات لونين غيري منْ خرج في هذا الوجه : ولم يلتفتْ زَبّانُ إلى طِيرته وزجْره ونفذ لوجهه فلما رجع إلى موضعه الذي كان النابغةُ فارقه فيه وذكر ما نال من السلامة والغنيمة أنشأ يذكر شأن )
النابغة فقال : ( تخبّر طيرَهُ فيها زيادٌ ** لتُخبره وما فيها خَبيرُ ) ( أقامَ كأنَّ لُقمانَ بنَ عادٍ ** أشارَ له بحكمته مَشيرُ ) ( تعَلَّمْ أنهُ لا طيْرَ إلا ** على متَطيِّر وهو الثِّبورُ ) ( بلى شيءٌ يوافقُ بعضَ شيء ** أحاييناً وباطله كثيرُ ) واسم النابغة زياد بن عمرو وكنيته أبو ثُمامة وأنشدني أبو عبيدة : ( وقائلةٍ : مَنْ أَمّها واهتَدَى لها ** زيادُ بنُ عمرو أمَّها واهتدى لها ) استطراد لغوي قال : ويقال أبشرت الأرض إبشاراً : إذا بُذِرَتْ فخرج منها

بذرها فعند ذلك يقال : ما أحَسَنَ بَشرةَ الأرض .
وقال الكميت وكنية الجراد عندهم : أمُّ عوف وجناحاها : بُرْدَاها ولذا قال : وأنشدنا أبو زيد : ( كأن رِجْليهِ رجْلا مُقْطفٍ عَجِلٍ ** إذا تجاوَبَ مِنْ بُرْدَيْهِ ترنيمُ ) يقول : كأنَّ رجلَي الجندب حين يضربُ بهما الأرض من شدة الحرِّ والرَّمضاء رِجلا رجل مُقْطِف والمقطف : الذي تحته دابَّةٌ قَطوف فهو يهمزُها برجليه .

شعر في الجندب والجراد
وقال أبو زبيدٍ الطائي يصفَ الحرَّ وشدته وعملَ الجندب بكُراعيه : ( أيُّ ساعٍ سَعَى ليقْطع شَرْبي ** حينَ لاحَتْ للصابح الجوزاءُ ) ( واستَكَنّ العُصْفُورُ كَرْهاً مع الضَّ ** بُّ أوفى في عودِهِ الحِرباءُ ) ( ونفَى الجندَبُ الحصَى بكُراعَ ** يهِ وأذْكَتْ نيرانَها المعزاءُ ) وأنشد أبو زيد لعوف بن ذِرْوَة في صفة الجراد : ( قد خفت أن يحدَرَنا للمِصْرَينْ ** ويتركَ الدِّينَ علينا والدَّينْ ) ( زَحْفٌ من الخَيْفانِ بعد الزّحْفَيْنْ ** مِنْ كلِّ سَفْعاء القَفا والخدَّينْ )

( مَلعونةٍ تسلَخْ لوناً عن لونْ ** كأنها مُلتفَّةٌَ في بُرْدينْ ) أنصبَه مُنصِبُه في قِحْفَين وعلى معنى قوله : ( تُنحي عَلَى الشمراخ مثلَ الفأسينْ ** أو مثلَ مِئشار عليظِ الحرفينْ ) قال حمادٌ لأبي عطاء : ( فما صفراءُ تُكنَى أمَّ عوفٍ ** كأن رُجَيْلتَيْها مِنْجَلانِ )

تشبيه الفرس بالجرادة
ويُوصَفُ الفرسُ فيشبه بالجرادة ولذا قال الشاعر :

( فإذا أتيتَ أباكَ فاشترِ مثلها ** إنَّ الرِّداف عن الأحبَّة يَشْغَلُ ) ( فإذا رفعْتَ عِنانَها فجرادةٌ ** وإذا وضعْتَ عنانَها لا تفشل ) ولم يرض بشرُ بن أبي خازِم بأن يشَبهه بالجرادة حتى جعله ذكراً حيث يقول : ( بكلِّ قِيادِ مُسْنِفَةٍ عَنُودٍ ** أضَرَّ بها المسالِح والعِوارُ ) ( مُهارِشَةِ العِنَانِ كأنّ فيها ** جَرَادَةَ هَبْوةٍ فيها اصفرارُ ) فوصفها بالصُّفرة لأنَّ الصفرة هي الذكورة وهي أخفُّ أبداناً وتكونُ لخفة الأبدان أشدُّ

تشبيه مسامير الدرع بحدق الجرادة
ويوصف قَتيرُ الدِّرع ومساميرُها فيشَبَّه بحدَق الجراد وقال قيس بن الخطيم :

( ولما رأيتُ الحرب حرباً تجرَّدَتْ ** لبست مع البردَيْنِ ثوبَ المحاربِ ) ( مضاعفةً يغشَى الأناملَ فضلُها ** كأنَّ قتيريْهَا عيونُ الجنادبِ ) وقال المقنَّع الكِنْديّ : ( ولي نَثرةٌ ما أبْصَرَتْ عينُ ناظرٍ ** كصُنْعٍ لها صُنعاً ولا سَرْدِها سَرْدَا ) ( تلاحَمَ منها سَردُها فكأنما ** عيونُ الدَّبا في الأرضِ تجردُها جَرْدا ) وقال عمرو بن معد يكرِبَ : ( تمناني ليقاني أبيٌّ ** وددتُ وأين ما منِّي ودادِي ) ( تمناني وسابغتي دلاصٌ ** خَوس الحسِّ محكمةُالسرادِ ) ( مضاعفةٌ تخيرَّها سُليمٌ ** كأنَّ سِكاكَها حَدَقُ الجرادِ )

تشبيه وسط الفرس بوسط الجرادة
ويوصفُ وسط الفرَس بوَسط الجرادة قال رجلٌ من عبد القيس يصف فرَساً :
تشبيه الحباب بحدق الجراد
ويوصفُ حَباب الشراب بحدق الجراد قال المتلمِّس : ( كأني شاربٌ يومَ استَبدُّوا ** وحثّ بهم وراءَ البِيدِ حادِي ) ( عُقاراً عُتِّقَتْ في الدّنِّ حتى ** كأنَّ حَبابَها حَدَقُ الجراد )
لعاب الجندب
وإذا صفا الشَّرابُ وراقَ شبَّهوه بلُعاب الجندب ولذا قال الشاعر :

( صفراء من حَلَبِ الكرومِ كأنّها ** ماءُ المفاصِل أو لُعابُ الجُنْدُبِ ) ولُعاب الجندب سمٌّ عَلَى الأشجار لا يقع على شيء إلا أحرقه .
زعم في الدَّبا ولا يزالُ بعضُ من يدَّعي العِلمَ يزعمُ أن الدَّبا بُريد الخُضرة ودونها النهر الجاري فيصيرُ بعضه جسراً لبعضِ وحتى يعبُر إلى الخضرة وأن تلك حيلة منها .
وليس ذلك كما قال : ولكنّ الزَّحفَ الأول من الدبا يريد الخضرة فلا يستطيعها إلا بالعبور إليها فإذا صارت تلك القطعة فوق الماء طافيةً صارت تلك لعمري أرضاً للزحف الثاني الذي يريد الخضرة فإن سمَّوا ذلك جسراً استقام فأما أن يكون الزحفُ الأولُ مهَّد للثاني وَمكّن له وآثرَه بالكفاية فهذا ما لا يُعرُف .
ولو أن الزحْفين جميعاً أشرفا على النهر وأمسَكَ أحدُهما عن تكلُّف العبور إلى أن يمهِّد له الآخر كان ذلك قولاً .
استطراد لغوي ويقال في الجراد : خِرقة من جراد والجميع خِرَق وقال الشاعر :

( وكأنها خِرَقُ الجرَادِ ** يثورُ يومَ غُبارِ ) ويقال للقطعة الكثيرة منها رجْل جراد ورجلةٌ من جراد والثَّوْل : القطعة من النحل .
وتوصف كثرة النّبْلِ ومرورها وسرعة ذلك بالجراد وقال أبو النجم : ( كأنما المَعْزاءُ من نِضالها ** رجلُ جرادٍ طار عن حِدَالها )


وإذا جاء منه ما يسدُّ الأفق قالوا : رأينا سُدّاً من جراد وقال المفضل النُّكريّ : ( كأنَّ النَّبلَ بينهمُ جرادٌ ** تُهيِّجه شآمِيَةٌ خَرِيقُ ) والمرتجل : الذي قد أصابَ رجْل جرادٍ فهو يشويه .
وقال بعضُ الرُّجَّاز وهو يصف خيلاً قد أقبلت إلى الحيّ : ولأن الحفانَ أتمُّها أبداناً قال ابنُ الزِّبَعرَى : ( ليتَ أشياخي ببدرِ شهدوا ** جَزَع الخزرجِ من وقعِ الأسلْ ) ( حينَ ألقتْ بِقُباء بَرْكَها ** واستَحَرَّ القتلُ في عبدِ الأشَل )

( ساعةً ثمَّ استخفوا رَقصاً ** رَقَصَ الحفان في سَفْحِ الجَبَلْ ) ( وقبلنا الضَّعف منْ ساداتِهمْ ** وعدلنا مَيلَ بدرٍ فاعتَدَل )

طيب الجراد الأعرابي
والجرادُ الأعرابيُّ لا يتقدمه في الطِّيب شيء وما أُحصِي كم سمِعتُ من الأعرابُ مَنْ يقول : ما شبِعتُ منه قطُّ وما أدعُهُ إلا خوفاً من عاقبته أو لأني أعيا فأتركه .
أكل الجراد والجرادُ يطيب حارّاً وبارداً ومشويّاً ومطبوخاً ومنظوماً في خيط ومجعولاً في الملَّة .
والبيض الذي يتقدَّمُ في الطيب ثلاثةُ أجناس : بيض الأسْبور وبيض الدَّجاج وبيضُ الجراد فوقَ بيض الأسبور

في الطيب وبيضُ الأسبور فوق بيض الدَّجاج .
وجاء في الأثر أن الجراد ذكرَ عندَ عمر فقال : ليت لنا منه قَفْعَةً أو قفعتين .
والجرادُ المأكولُ ضروبٌ فمنه الأهوازيّ ومنه المذنّب وأطيبُه الأعرابيّ وأهل خُراسان لا يأكلونه .
قصة في الولوع بأكل الجراد وحدَّثني رَتْبيل بن عمرو بن رَتْبيل قال : واللّه إني لجالس على باب داري في بني صبير إذ أقبلت امرأةٌ لم أر قط أتم حسناً ومِلحاً

وجسماً منها ورأيت في مشيها تأوُّداً ورأيتها تَتَلَفَّتُ فلم ألبَثْ أن طلعتْ أخرى لا أدري أيتهما أقدِّم إذ قالت التي رأيتها بديًّا للأُخرى : ما لك لا تلحقيني قالت : أنا منذ أيام كثيرة أُكثرُ أكلَ هذا الجراد فقد أضعفَني فقالت : وإنك لتحبِّينَه حُبًّا تحتملين له مثلَ ما أرى بكِ من الضَّعف قالت : واللّه إنه لأحبُّ إليَّ من الحبل .

طرفة في الجراد
وقال الأصمعي : قال رجلٌ من أهل المدينة لامرأته : لاجزَاكِ اللّه خيراً فإنك غيرُ مُرْعِيَةٍ ولا مبقية قالت : لأنا واللّه أرْعَى وأٍ بقى من التي كانت قبلي قال : فأنت طالقٌ إن لم أكنْ كنتُ آتيها بجرادةٍ فتطبخ منها أربعة ألوان وتَشْوي جنبَيها فرفعَتهُ إلى القاضي فجعل القاضي يفكر ويطلبُ له المخرج فقال للقاضي : أصلحك اللّه أأشكلتْ عليك المسألة هي طالقٌ عشرين .

تشبيه الجيش بالدبا
ووصف الراجزُ حرباً فوصفَ دنوَّ الرّجَّالة من الرّجَّالة فقال : أو كالدَّبا دبّ ضُحًى إلى الدَّبَا و أبي إسحاق في آية الضفادع وقرأ بعضُ أصحابنا بحضرة أبي إسحاق : وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرنَا بِهَا فَما نَحْنُ لكَ بمُؤْمِنِينَ فأرْسَلْنَا عََلَيْهِمْ الطُّوفانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاَتٍ فقال رجلٌ لأبي إسحاق : انظر كيف قرَنَ الضفادعَ مع ضعفها إلى الطوفان مع قوة الطوفان وغلبته قال أبو إسحاق : الضفادعُ أعجبُ في هذا الموضع من الطوفان وإذا أراد اللّه تعالى أن يصيِّر الضفادعَ أَضرَّ من الطوفان فعل .

شعر في تشبيه بالجراد
وقال أبو الهنْدِي :

( لمَّا سِمعتُ الدِّيك صاحَ بسُحْرة ** وتوسّط النَّسْرانِ بَطْنَ العقربِ ) ( وتتابعَتْ عُصَب النُّجوم كأنها ** عُفْرُ الظِّباء على فروعِ المرْقَبِ ) ( وبَدا سُهَيلٌ في السماء كأنه ** ثَوْرٌ وعارضَه هِجَانُ الرّبْرَب ) ( صفراءُ تنْزُو في الإناء كأنها ** عَيْنُ الجرادةِ أو لعابُ الجُنْدُبِ ) ( نَزْوَ الدَّبا مِنْ حَرِّ كلِّ ظهيرة ** وقَّادَةٍ حِرْباؤُها يتقلَّبُ ) وقال أبو الهنديّ أيضاً : ( فإنَّ هذا الوطْبَ لي ضائرٌ ** في ظاهر الأمر وفي الغامض ) ( إنْ كُنْتَ تَسْقِيني فَمِنْ قَهْوَةٍ ** صفراءَ مثلِ المُهْرَةِ الناهضِ ) ( تنْزُو الفقاقيعُ إذا شُعْشِعَتْ ** نَزْوَ جَرَادِ البلدِ الرَّامِض ) وقال الأفْوهُ : ( بمناقِبٍ بِيضٍ كأنَّ وجُوهَهُمْ ** زَهرٌ قُبيلَ ترَجُّل الشَّمسِ )

( دَبُّوا كمنتشر الجرادِ هَوَتْ ** بالبطن في دِرعٍ وفي تُرْسِ ) ( وكأنها آجالُ عادِية ** حَطَّتْ إلى إجْل من الخُنْسِ ) أقوال فيما يضر من الأشياء وروى الأصمعي وأبو الحسن عن بعض المشايخ قال : ثلاثة أشياءَ ربما صرعتْ أهلَ البيت عن آخرهم : أكلُ الجراد ولحوم الإبل والفُطْر من الكمْأة .
وقال غيرُهما : شربُ الماء في الليل يورث الخبل والنظر إلى المختصر يُورث ضعف القلب والاطلاع في الآبار العادِيَّة ينقُض التركيب ويُسوِّل مصارعَ السَّوء فأما الفُطْر الذي يُخْلق في ظلِّ شجر الزيتون

فإنما هو حتفٌ قاض وسمٌّ ناقع وكل شيء يخلق تحت ظلال الشجر يكون رديئاً وأردؤه شجر الزيتون وربما قتل وإن كان مما اجتنبوه من أوساط الصحارى قالوا : ومما يقتُلُ : الحمَّامُ على الْمِلأة والجماع على البِطْنة والإكثارُ من القديدِ اليابس .
وقال الآخر : شربُ الماء البارد على الظمإ الشديد إذا عجّل الكرْعَ وعظّم الجرع ولم يقطع النفس يقتُل . )
قالوا : وثلاثٌ تورثُ الهُزال : شرب الماء عَلَى الرّيق والنوم على غير وِطاء وكثرة الكلام برفع الصوت .
والجماعُ على الامتلاء من الطعام ودخوله وربما خِيف عليه أن يكون قاتل نفسه .
وقالوا : وأربعةُ أشياء تسرعُ إلى العقل بالإفساد : الإكثار مِنَ البَصل والباقلَّى والجماع والخُمَار .


وأما ما يذكرون في الباب من الهمِّ والوحدة والفِكرة فجميع الناس يعرفون ذلك وأما الذي لا يعرفه إلا الخاصة فالكفاية التامة والتعظيم الدائم وإهمال الفكر والأنَفُ من التعلمُّ هذا قول أبي إسحاق .
وقال أبو إسحاق : ثلاثة أشياء تخلِق العقلَ وتُفسِد الذهِن : طول النظر في المرآة والاستغراق في وقال مُعمّر : قُطعت في ثلاثة مجالس ولم أجِدْ لذلك علةً إلا أني أكثرتُ في أحد تلك الأيام من أكل الباذنجان وفي اليوم الآخر من أكْل الزيتون وفي اليوم الثالث مِنْ الباقلَّي .
وزعم أنه كلم رجلاً من الملْحدين في بعض العَشايا وأنه علاه عُلُوًّا ظاهراً قاهراً وأنه بَكَرَ على بقيةِ ما في مسألته من التخريج فأجْبَلَ وأصْفَى فقال له خصمه : ما أحدثتَ بعدي قال : قلتُ : ما أتَّهِمُ إلا إكثاري البارحةَ من الباذنجان فقال لي وماخالف إلى التُّهمة : ما أشكُّ أنك لم تُؤْتَ إلا منه .


وقال لي مَن أثقُ به : ما أخذت قط شيئاً من البلاذُر فنازعت أحداً إلا ظَهرتُ عليه .
وقال أبو ناضرة : ما أعرف وجهَ انتفاع الناس بالبلاذُر إلا أن يؤخذ للعصب قلت : فأي شيءٍ بقي بعد صلاحِ العصب وأنتم بأجمعكم تزعمون أن الحسّ للعصب خاصة .

في القطا
تقول العرب : أصْدَق من قطاة وأهْدَى من قطاة .
وفي القطا أُعجوبةٌ وذلك أنها لا تضعُ بيضها أبداً إلا أفراداً ولا يكونُ بيضها أزواجاً أبداً وقال أبو وَجزَة : ( وَهُنَّ يَنْسُبْنَ وَهْناً كُلَّ صادقةٍ ** باتَتْ تُبَاشِرُ عُرْماً غير أزواج ) والعُرم التي عَنَى : بيض القطا لأنها منقَّطة وقال الأخطل :

( شَفَى النَّفْسَ قَتْلِى مِنْ سُليمٍ وعامرٍ ** ولم يَشْفِها قتلَى غَنِى ٍّ ولا جَسْرِ ) ( ولا جُشَمٍ شرِّ القبائل إنهم ** كبَيْضِ القطا ليسوا بسودٍ ولا حُمْرِ ) وقال مَعْقل بن خويلد : ( أبا مَعْقِل لا توطِئَنْكم بَغَاضتي ** رؤوسَ الأفاعي في مَرَاصِدِها العُرْمِ ) يريد : الأفاعي العُرْمِ في مراصدها وهي منقَّطة الظهور وما أكثرَ ما تبيض العُقاب ثلاث بيضات إلا أنها لا تلحم ثلاثةً بل تخرج منهنَّ واحدة وربما باضت الحمامةُ ثلاثَ بيضات إلا أن واحدة تفسد لا محالة وقال الآخر في صفة البيض :

( نتوجٍ ولم تُقرِفْ لِمَا يُمتنى له ** إذا أنْتَجَتْ ماتَتْ وحيَّ سَليلُها ) يعني البيضة نَتوج حامل : ولم تُقْرِف : لم تُدَانِ لما يُمتنَى : أي للضِّراب والامتناء : انتظارك الناقة إذا ضُربت ألاقحٌ هي أمْ لا .
وقال ابنُ أحمر : ( بتيْهاءَ قَفْرٍ والمطيُّ كأنها ** قطا الحزْن قد كانت فِراخاً بُيوضُها ) وذلك أنها قد كانت قبل ذلك الوقت تشرَب من الغُدُر فلما أفرخت صافت فاحتاجت إلى طلب الماء من مكان بعيد فذلك أسرعُ لها .

تشبيه مشي المرأة بمشي القطاة
ويشبَّه مشيُ المرأةِ إذا كانت سمينة غير خرّاجة طوّافة بمشي القطاة في القرمطة والدَّلِّ وقال ابنُ ميّادة : ( إذا الطِّوال سَدَوْنَ المشيَ في خطَلٍ ** قامت تريك قَوَاماً غير ذي أوَدِ ) ( تمشي ككدْريَّة في الجَوِّ فاردة ** تَهْدِي سُروب قطاً يشرَبْنَ بالثَّمدِ ) وقال جِران العَود : وقال الكميت : ( يمشينَ مشيَ قطَا البِطاحِ تأوُّداً ** قُبّ البُطُون رَواجحَ الأكفالِ )

شعر في التشبيه بالقطاة
وقال الآخرُ في غير هذا المعنى : ( كَأَنَّ القَلْبَ لَيْلةَ قِيلَ يُغدَى ** بِلَيْلَى العامِرِيَّةِ أو يُراحُ ) ( قَطاةٌ غَرَّها شَرَكٌ فباتَتْ ** تُجاذِبُه وَقَدْ عَلِقَ الجَناحُ ) وقال آخر : ( وَكُنَّا كَزَوْجٍ مِنْ قَطاً بمفازةٍ ** لَدَى خَفْضِ عَيْشٍ ُونِقٍ مُورِقٍ رَغْدِ ) ( فَخَانَهُمَا ريبُ الزَّمَنِ فأُفرِدا ** ولَمْ تَرَ عَيْني قَطُّ أقْبَحَ مِنْ فَردِ )

شعر في صدق القطاة
وفي صدق القطاة يقولُ الشاعر : ( وصادقة ما خبَّرت قد بعثتُها ** طُروقاً وباقي الليل في الأرض مُسْدِفِ ) ( ولو تركتْ نامتْ ولكن أعشَّها ** أذى من قِلاص كالحَنيِّ المُعَطَّفِ ) وتقول العرب : لو تُرِك القطا لنام ويقال : أَعْشَشْتُ القوم إعشاشاً : إذا نزلْتَ بهم وهم كارهون لك فتحوّلوا عن منزلهم .
وقال الكميت : ( لا تكذبُ القوْلَ إن قالت قَطَا صدَقَتْ ** إذ كلُّ ذي نِسْبَة لا بد ينتحلُ ) وقال مُزاحمٌ العُقيليّ في تجاوب القطاةِ وفرْخِها : ( فنادتْ وناداها وما اعْوَجَّ صَدْرُها ** بِمِثْلِ الذي قالتْ له لم يُبدَّلِ )

والقطاة لم تُرد اسم َنفسها ولكن الناس سموها بالحروف التي تخرج من فيها وزادَ في ذلك أنها على أبنيةِ كلام العرب فجعلوها صادقَةَ ومُخبرة ومُريدة وقاصدة .
استطراد لغوي ويقال سِرْبُ نساءٍ وسِربُ قطاً وسِرْبُ ظباء كل ذلك بكسر السين وإسكان الراء فإذا كان من الطريق والمذهب قالوا : خَلِّ سَرْبَهُ و : فلانٌ خَلِيُّ السَّرْب بفتح السين وإسكان الراء وهذا عن يونس بن حبيب وقال الشاعر : ( أما القطاةُ فإنِّي سَوْفَ أَنْعتُها ** نعتاً يوافقُ نَعْتي بعضَ ما فيها ) ( سَكّاءُ مخطوفَة في ريشها طَرَقٌ ** سُودٌ قوادمها صُهْبٌ خوافِيها )

ويقال في ريشها فَتَخ وهو اللِّين ويقال في جناحه طرَق : إذا غطى الرِّيشُ الأَعلى الأسفلَ وقال ذو الرُّمَّة : ( طراقُ الخَوافي واقعٌ فوقَ رِيعةٍ ** ندى ليْلِه في ريشِه يترقْرَقُ ) ويقال : اطَّرقَت الأرض : إذا ركب الترابُ بعضُه بعضاً ولزمَ بعضُه بعضاً فصار كطِراق النِّعال طَبَقاً وقال العجاج : فاطَّرَقَتْ إلا ثلاثاً دُخَّسا والطَّرْق بإسكان الراء : الضرْب بالحصى وهو من فِعال الحُزَاة والعائفين : وقال لبيدٌ أو البَعيث : )

( لعمرك ما تدري الطوارقُ بالحصَى ** ولا زاجراتُ الطير ما اللّهُ صانعُ ) قال : ويقال طرَّقت القطاةُ ببيضِها : إذا حان خروجه وتعضلّت به شيئاً قال أبو عبيد ولا يقال ذلك في غير القطاة وغَرَّهُ قولُ العَبْدِيِّ : ( وقد تخذتْ رِجلي لدى جَنْبِ غرزِها ** نسيفاً كأُفْحوصِ القَطاة المطرِّقِ ) وهذا الشاعرُ لم يقلْ إن التطريق لا يكونُ إلا للقطاة بل يكونُ لكل بَيَّاضةٍ ولكلِّ ذاتَ ولد وكيف يقول ذلك وهم يروُون عن قابلة البادية أنها قالت لجاريةِ تسمى سَحَابة وقد ضربها المخاضُ وهي تُطْلَق عَلَى يدها : ولا تُرينا طَرَفَ البُظَيْرِ

وقال أوسُ بنُ حجر : ( بكلِّ مكان ترى شطبةً ** مولية ربها مسبطرْ ) ( وأحمَر جعداً عليه النسو ** رُ وفي ضبنه ثعلبٌ منكسرْ ) ( وفي صدره مثلُ جيب الفتا ** ةِ تشهق حيناً وحيناً تَّهرّْ ) ( فإنا وإخوتَنا عامراً ** على مثلِ ما بيننا نأتمرْ ) ( لنا صرخةٌ ثم إسكاتةٌ ** كما طرقتْ بنفاسٍ بِكِرْ ) فهذا كما ترى يردُّ عليه .
ولادة البكر وإنما ذكر أوسُ بن حجرٍ ِ البِكرَ دون غيرها لأن الوِلاد على

البِكر أشدّ وخروج الولد أعسر والمخرج أكزّ وأضيق ولولا أن البِكر أكثر ما تلدُ أصغرُ جثةً وألطفُ جسماً إلى أن تتسع الرحم بتمطِّي الأولاد فيها لكانَ أعسر وأشقّ .

أجود قصيدة في القطا
( بلادٌ مروراةٌ يحارُ بها القطا ** ترى الفرخَ في حافاتها يتحرقُ ) ( يظلُّ بها فَرخَ القطاةِ كأنهُ ** يتيمٌ جفا عنهُ مواليهِ مُطرقُ ) ( بديمومة قد مات فيها وعينُه ** على موته تغْضى مِراراً وثرمقُ ) ( شبيهٌ بلا شيء هنالك شخصهُ ** يواريه قيضٌ حولَه متفلقُ )

( له محجرٌ ناب وعينٌ مريضةٌ ** وشدقٌ بمثل الزعفرانِ مخلقُ ) ( تُعاجيه كحلاءُ المدامعِ حرةٌ ** لها ذنبٌ وحفٌ وجيدٌ مطوقُ ) ( سِماكيةُ كدريةٌ عُرْعُرِيَّة ** سُكاكيَّة غبراء سمراءُ عسلقُ ) ( إذا غادرتْه تبتغي ما يُعيشُه ** كفاها رَذَاياها النجاء الهبنقُ ) ( غدت تستقي من منهل ليس دونه ** مَسيرةَ شَهْر للقَطا متعلَّقُ ) ( لأزغَبَ مطروحٍ بجوزِ تنُوفة ** تلظَّى سَمُوماً قيظه فهو أورقُ ) ( تراه إذا أمسى وقد كاد جلدُه ** من الحرِّ عن أوصاله يتمزقُ )

( غدت فاستقلَّت ثم ولَّت مُغيرةً ** بها حِين يزْهاها الجناحانِ أولقُ ) ( تيممُ ضحضاحاً من الماء قد بدتْ ** دعاميصه فالماء أطحلُ أورقُ ) ( فلما أتتهُ مقذ حراً تغوثَتْ ** تغوثَ مخنوقٍ فيطفو ويغرقُ ) ( فلما ارتوَتْ مِن مائه لم يكُنْ لها ** أناةٌ وقد كادتْ من الري تبصقُ ) ( طمتْ طَموة صُعداً ومدَّتْ جِرانَها ** وطارت كما طار السحابُ المحلقُ )

شعر البعيث في القطا
وقال البعيث :

( نجتْ بُطوالات كأنَّ نجاءها ** هُوِي القطا تعروُ المناهلَ جُونَها ) ( طَوَين سقاء الخمسِ ثُمَّتْ قلصت ** لوردِ المياهِ واستتبتْ قرونُها ) ( إذا ما وَردْنَ الماء في غَلسِ الضُّحى ** بلَلْنَ أداوَي ليس خرزٌ يشينُها ) ( أداوَي خفيفاتِ المحاملِ أشنقتْ ** إلى ثُغَرِ اللبات منها حصينها ) ( جَعَلْنَ حَبابَ الماء حين حملنه ** إلى غُصصٍ قد ضاق عنها وتينها ) ( إذا شئْن أن يسمعنَ والليلُ واضعٌ ** هذا ليلهُ والريح تجري فُنُونُها ) ( تناوَمَ سربٌ في أفاحيصه السفا ** وميتةُ الخرشاء حيٌّ جَنينها ) ( يروَّين زغباً بالفلاةِ كأنَّها ** بقايا أفاني الصيفِ حُمراً بطونها ) يروِّين من قولك : روّيت : أي حملت في رواية .

( سقط : بيت الشعر ) ( إذا ملأت منها قطاة سقاءها ** فلا تعكم الأخرى ولا تستعينها )
ذكر نوادر وأحاديث وأشعار وكلام يتمُّ بها هذا الجزء قالوا : خرِف النَّمْرُ بن تولب فكان هِجّيراه : اصبَحوا الركْب اغْبِقُوا الركْب .
وخرِفت امرأةٌ من العرب فكان هِجِّيراها : زوِّجوني زوِّجوني فقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : لَمَا لهِج به أخو عُكل خيرٌ مما لهجتْ به صاحبتُكم .
وحدثني عبد اللّه بن إبراهيم بن قُدامة الجمحي قال : كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا رأى رجلاً يَضْرِبُ في كلامه قال : أشهدُ أن الذي خلَقَكَ وخلقَ عمرو بنَ العاص واحد .


وقال عليُّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه لصعصعة بن صُوحان في المنذر بن الجارود : ما وجدْنا عند صاحبك شيئاً قال : إن قلتَ ذاك إنه لنظَّارٌ في عِطفَيه تَفَّالٌ في شِرَاكيه تُعجبه حُمرةُ بردَيه .
قال : وحدّثنا جريرُ بنُ حازم القَطَعيّ قال : قال الحسن : لو كان الرجُل كلما قال أصاب وكلما عمل أحسنَ لأوشك أن يُجَنَّ من العُجْب .
عن أبان بن عثمان قال : سمعتُ أبا بلال في جِنازةٍ وهو يقول : كلُّ مِيتةٍ ظَنونٌ إلا ميتة الشَّجَّاء قالوا : وما ميتة الشّجَّاء قال :

أخذها زيادٌ فقطع يديها ورجليها فقيل لها : كيف تَرَيْنَ يا شَجَّاء فقالت : قد شغلني هَول المُطَّلَع عن بَرْد حَديدِكم هذا . )
قال : وقيل لرابعة القيسيَّة : لو أذِنْتِ لنا كلَّمْنا قومَكِ فجَمعوا لك ثمن خادمٍ وكان لك في ذلك مَرْقفقٌ وكفتْكِ الخدمةَ وتفرَّغت للعبادة فقالت واللهّّ إني لأستحيي أن أسأل الدنيا من يملك الدنيا فكيف أسأل الدنيا من لا يملكها .
والناسكات المتزهدات من النساء المذكورات في الزُّهد والرياسة من نساء الجماعة وأصحاب الأهواء فمن نساء الجماعة : أمُّ الدرداء ومُعاذةُ العدَوية ورابعة القيسيَّة .


ومن نساء الخوارج : الشّجاء وحمادة الصُّفرية وغزالة الشَّيْبانية قُتِلْنَ جميعاً وصُلبت الشجاء وحمادة قتل خالدُ بن عتّاب غَزَالة وكانت امرأَةَ صالح بن مُسرِّح .
ومن نساء الغالية : الميلاء وحُمَيدة وليلى الناعظية .
محمد بن سلام عن ابن جُعْدُبة قال : ما أبرم عُمر بنُ الخطاب أمراً قط إلا تمثل ببيت شعر .


وعن أبان بن عثمان قال عبد الملك : لقد كنت أمشي في الزَّرْع فأتَّقي الجُندبَ أن أقتله وإن الحجاجَ ليكتب إليَّ في قتل فئامٍ من الناس فما أحفِلُ بذلك .
وقيل له وقد أمر بضرب أعناق الأسَراء : أقْسَتك الخلافةُ يا أمير المؤمنين وقد كنت رؤوفاً قال : كلا ما أقسَتْني ولكن أقساني احتمال الضغن على الضغن .
قالوا : ومات يونسُ النحويُّ سنة اثنتين وثمانين ومائة هو ابن ثمان وثمانين سنة وقال يونس : ما وحدثني محمد بن يَسير قال : قال أبو عمرو المَدَايني : لو كانت البَلايا بالحِصص ما نالني كل ما نالني : اختلفت جاريتي بالشاة إلى التّياس وبي إلى حملها حاجة فرجعت جاريتي حاملاً والشاة حائلاً .
محمد بن القاسم قال : قال جرير : أنا لا أبتدي ولكني أعْتَدِي .
وقال القَيني : أنا مثل العقرب أضرُّ ولا أنفع .
وقال القينيّ : أنا أصدق في صغار ما يضرُّني لأكذبَ في كبارِ ما ينفعني .


قال أبو إسحاق : استراح فلانٌ من حيث تعبَ الكرامُ .
وقال الحجاج : أنا حديدٌ حقود حسود .
وحدثني نُفَيع قال : قال لي القَيْنيِ : أنا لا أصدُق مادام كذبي يخفى .
قال : وذُكر شبيب بن شيبة عند خالد بن صفوان فقال خالد : ليس له صديق في السر ولا عدوٌّ في العلانية . )
وقال أبو نخيلة في شبيب بن شبيبة : ( إذا غدَتْ سعدٌ على شَبيبِها ** على فتاها وعلى خطيبها ) ( مِنْ مطلع الشمس إلى مغيبها ** عجِبْتَ مِن كثرتها وطِيبها )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11