كتاب : أعيان العصر وأعوان النصر
المؤلف : الصفدي
وولي قضاء شيزر مدة، وناب عن القاضي بدر الدين بن جماعة بدمشق ومصر، ولما قدم السلطان من الكرك في سنة تسع وسبع مئة عزل قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وولى القاضي جمال الدين قاضي القضاة بالديار المصرية عوضه، فحكم فيها سنة، ثم إن السلطان أعاد ابن جماعة وبقي القاضي جمال الدين على قضاء العسكر ومدارس بيده. ثم إنه جهزه إلى الشام قاضي القضاة بعد نجم الدين بن صصرى، ثم إنه صرف بعد سنة بقاضي القضاة جلال الدين القزويني، وبقي بيد القاضي جمال الدين بدمشق مشيخة الشيوخ وتدريس الأتابكية، وباشرهما في شهر رجب الفرد سنة أربع وعشرين وسبع مئة، وكان البريد قد جاء بعزله في خامس عشري شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة.
وبقي في العادلية خمسة عشر يوماً انتقل إلى الصالحية. ولم يزل على وظائفه إلى أن توجه إلى الديار المصرية في خامس عشري القعدة سنة ست وعشرين وسبع مئة، وولي الأتابكية بعده الشيخ محي الدين بن جهبل، وكان في ولايته بدمشق فيه صرامة وعفة وقلة مخالطة للناس، وعليه سكينة ووقار.
وسمع الحديث من النجم محمد بن النشبي، وخرج له شيخنا البرزالي جزءاً من اثنين وعشرين شيخاً، حدث به بدمشق والقاهرة.
وأصله مغربي. وصلي عليه بدمشق صلاة الغائب في يوم الجمعة ثامن عشر صفر.
وكانت وفاته بالقاهرة رحمه الله تعالى يوم الأحد سادس صفر سنة أربع وثلاثين وسبع مئة.
سليمان بن قايماز بن عبد اللهالشيخ الصالح أبو الربيع عتيق كافور النوري.
قال شيخنا علم الدين البرزالي: كان رجلاً جيداً، سمعنا عليه بحلب ودمشق، وروى لنا عن ابن رواحة جزء ابن ملابس، وكان مقيماً بالمدرسة الأتابكية ظاهر حلب.
توفي رحمه الله تعالى رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وست مئة.
ومولده سنة إحدى وعشرين وست مئة بحلب.
سليمان بن محمد بن عبد الوهابالرئيس الصاحب فخر الدين أبو الفضل الشيرجي الأنصاري الدمشقي.
سمع من الشيخ تقي الدين بن الصلاح، وشرف الدين المرسي، ولم يحدث. وتعانى الكتابه، وكان من أعيان الرؤساء بل رأساً لتلك العصابه. فيه كرم، ولنار جوده ضرم، وعنده سؤدد وحشمه، وله رونق وطلاوة في النعمه، وولي نظر الدواوين، وجلس في صدور الدواوين.
ولما جاء التتار إلى دمشق في واقعة غازان، وبدا منهم في حق أهل دمشق ماشان لا مازان، ألزموه بوزارتهم، وأدخلوه في جزارتهم، فدخل في ذلك مكرهاً كالذي حاذى، وتجنب الظلم وما آذى. ولما رحلوا نزل به حتفه، ورغم بالدخول في القبر أنفه.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وست مئة في شهر رجب، ومشى الأعيان في جنازته إلى باب البريد، فورد مرسوم أرجواش نائب قلعة دمشق ورد الناس ومنعهم من المشي مع الجنازة، وضربوهم، ولما وصلت الجنازة إلى باب القلعة أُذن لولده شرف الدين في اتباعها.
سليمان بن محمد
بن موسى بن سليمان
فخر الدين، ابن القاضي عماد الدين محمد ابن القاضي.كان فخر الدين هذا يخدم في الجهات الديوانية، ثم إنه بطل بعد ذلك وخدم في ديوان الإنشاء، وكتب به مدة، ثم إنه توجه مع والده إلى الديار المصرية، وأقاما هناك، ثم دخل ديوان الإنشاء وكتب بالقاهرة، ثم إنه كتب الدرج مع الوزير، وحضر مع الوزير لما حضر السلطان في واقعة الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي، وعاد معهم، ثم إن نائب الشام كتب فيه يسأل أن يكون ناظر الحسبة بدمشق عوضاً عن أبيه، فرسم له بذلك، وخلع عليه، وكتب توقيعه بذلك ولم يبق إلا سفره، فانقطع ثلاثة أيام.
وتوفي رحمه الله تعالى في أول شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين وسبع مئة.
ومولده سنة خمس وسبع مئة.
وكان شكلاً حسناً عاقلا، ذاكراً للرئاسة ناقلا، يكتب خطأ جيدا ويعتني بما يكتبه متأيدا، إلا أنه ما سمعت له إنشاء، ولا ارتدى منه ظهارة ولا غشاء، وتجرع والده فقده، وعدم به من الحياة نقده، وتألم له أصحابه، وتربت يدا أترابه لما طمه ترابه، رحمه الله تعالى.
سليمان بن مهناابن عيسى الأمير علم الدين أمير العرب، قد تقدم ذكر أخيه أحمد، وسيأتي ذكر أخيه موسى ووالده مهنا إن شاء الله تعالى كل منهما في مكانه، وهو شقيق أحمد.
كان علم الدين هذا سليمان من الشجعان، والأبطال الفرسان، زائد الكرم والجود، ليس لنسمات مكارمه ركود، وكان المسلمون والمغل يخشونه ويهابونه، ويدارونه ويخافونه، يأكل إقطاع صاحب مصر ويأخذ أنعامه، وإقطاع ملك التتار وإنعامه، ولا يزال له بالبلاد الفراتية نواب وشحاني، وغلمان يستخرجون له الأموال من القفول وسكان المغاني.
وكان قد توجه مع قراسنقر إلى بلاد التتار، وأقام هناك سبع عشرة سنة، وله فيها ظهور واستتار، وجاء مع خربندا إلى الرحبة وكان مع المغل، وله مع حربهم على الإسلام عمل وشغل، ثم إنه عاد إلى بلاد الإسلام في سنة ثلاثين وسبع مئة أو ما قبلها، وعاد ودخل في الطاعة وأنعم السلطان عليه بإقطاع ولم يؤاخذه، ثم إنه ولي إمرة آل فضل بعد أخيه موسى.
ولم يزل على ذلك إلى أن قر جن سليمان وسكن فما نبس، وصح موته وما التبس.
وتوفي رحمه الله تعالى ظهر يوم الاثنين خامس عشري شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبع مئة.
ورسم الصالح إسماعيل لسيف بن فضل بالإمرة، واعتقل أخاه أحمد بن مهنا، على ما مر في ترجمته.
ولما عاد سليمان إلى بلاد المسلمين أقام ببلاد الرحبة وما حولها، وكان أبوه وعمه فضل وإخوته يرفدونه بالذهب وغيره، ويخوفونه من السلطان ويحذرونه من الوقوع في يده، وأخذوا يتعيشون به على السلطان ويمنونه بإحضاره، فلما فهم سليمان ذلك ركب بغير علمهم وما طلع خبره إلا من مصر، فقيل له في ذلك، فقال: هؤلاء يأخذون الإقطاعات والإنعامات من السلطان بسببي، وخير من فيهم يسير إلي مئتي دينار، فإذا رحت أنا إلى السلطان زال هذا كله، ولما وصل أقبل عليه السلطان وأمر له بإقطاع يعمل أربع مئة ألف درهم وأنعم عليه بمئتي ألف، ولم يزل كذلك إلى أن توفي أخوه بالقعرة، وكان في أيام الفخري وهو مع ألطنبغا في حلب فقال: أنا أتوجه إلى الفخري، فجاء إلى الفخري وهو نازل على خان لاجين، وتحيز له وأعرض عن ألطنبغا، وتوجه من دمشق إلى الناصر أحمد بالكرك، ورسم له بالإمرة عوض أخيه موسى، فاستقل بإمرة آل فضل إلى أن توفي سليمان بظاهر سلمية.
وكان مفرط الكرم، حكى الأمير حسام الدين لاجين الغتمي النائب بالرحبة قال: كنت والي البر بالرحبة، وكان سليمان بن مهنا قد أغار على قفل فأخذه في البرية، وجاء إلى الرحبة فجهزت إليه رأس غنم، وأحضرت له من سنجار حمل شراب، فلما أكل وشرب وانتشى قليلاً قال لي: يا حسام خذلك هذه الفردة، فأختها، فوجدتها ملأى من القماش الإسكندري، قال: فبعت ما فيها بتسعين ألف درهم.
وكان مقداماً شجاعاً، ومن إقدامه أنه عارض بريدياً وهو متوجه من بغداد ومعه جارية للسلطان الملك الناصر فأمسكها وافتضها وما انتطح فيها عنزان.
وكان معاقراً للشراب ليلاً ونهاراً لا يفارقه.
سليمان بن موسى بن بهرامتقي الدين السمهودي بن الهمام.
كان فاضلاً عالما، فقيهاً فاضلاً من الشر سالما، نحوياً شاعرا، عروضياً ماهرا، لا يعرف له أستاذ، وله مع ذلك بصر في هذه العلوم ونفاذ، جيد الحفظ حسن الفهم، ينفذ في الفرائض نفوذ السهم، ويدري من الأصول مسائل بأدلتها، وفوائد بجملتها، وأما تعبده وتقشفه وصبره على الفقر وتعسفه، فأمر عجيب، وشيء يصبح القلب منه وبه وجيب.
ولم يزل على حاله إلى أن راح إلى من أماته ويحييه، ويسكنه الجنان ويحييه.
وتوفي رحمه الله تعالى بسمهود في سنة ست وثلاثين وسبع مئة.
ومولده في سنة ثمان وخمسين وست مئة.
قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي رحمه الله: وأنشدني لنفسه:
لما في كلام العرب تسعة أوجه ... تعجّب وصف منكورةً وانف واشرط
وصلها، وزد، واستعملت مصدريّةً ... وجاءت للاستفهام والكفّ فاضبط
قلت: قد جمع بعض الأفاضل هذه التسعة في بيت وهو:
تعجّب بما اشرط زد صل انكره واصفاً ... وتستفهم انف المصدريّة واكففا
ومن شعر تقي الدين يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أضاء النور وانقشع الظلام ... بمولد من له الشرف والتّمام
ربيعٌ في الشهور له فخارٌ ... عظيم لا يحدّ ولا يرام
به كانت ولادة من تسامت ... به الدنيا وطاب بها المقام
نبيٌّ كان قبل الخلق طرّاً ... تقدّم سابقاً وهو الختام
وله في العروض أرجوزة.
سليمان بن موسى بن أبي العلاءالشيخ الصالح صفي الدين أبو العلاء الصوفي الكاتب.
كان سامرياً، ثم إنه أسلم وحسن إسلامه، ثم إنه أقام عند الصوفية سنين، وكان يباشر شيئاً من وقفهم، ويعمل الحساب مع العامل لأنه كان فيه ماهراً وعارفاً خبيراً إلى الغاية، وله مقدمة في صناعة الحساب والديوان وما يحتاج، وباشر عدة جهات وحصل أموالاً، وكان قد أسلم في الدولة الأشرفية.
وتوفي رحمه الله تعالى في رابع عشري شوال سنة ثلاث عشرة وسبع مئة.
سليمان بن هلال بن شبل بن فلاحالشيخ الإمام الفقيه المفتي القدوة الزاهد العابد القاضي الخطيب صدر الدين أبو الفضل القرشي الجعفري الحوراني الشافعي صاحب النووي.
قدم دمشق مراهقاً، وحفظ القرآن بمدرسة أبي عمر على الشيخ نصر بن عبيد، ورجع إلى البلاد، ثم قدم بعد سبع سنين، وتفقه بالشيخ تاج الدين، وبالشيخ محيي الدين، وأتقن الفقه وأعاد بالناصرية وناب في القضاء لابن صصرى مدة، ولاه ابن صصرى نيابته في ثالث ذي القعدة سنة ست وسبع مئة عوضاً عن القاضي جلال الدين القزويني لما ولي خطابة الجامع الأموي، وولي خطابة العقيبة واكتفى بها.
وكان أولاً خطيباً بداريا، يدخل دمشق على بهيم ضعيف. وحدث عن أبي اليسر والمقداد القيسي، وناب عن ابن الشريشي في دار الحديث. وكان مفرطاً في اتضاعه، على سمو قدره في العلم وارتفاعه، لم يغير ثوبه القطني ولا عمامته الصغيره، ولا رأى أحد في الحكم نظيره، إذا رأى أن الغريم ضعيف لا يقدر على أجرة رسول القاضي سعى هو بنفسه إليه وسمع جوابه، فأين يجد الناس هذا العلم أو هذا التقاضي، وربما توجه بنفسه إلى الشاهد وسمع شهادته وآثر بذلك فائدته وإفادته.
وعينه الأمير سيف الدين تنكز للاستسقاء بالناس فاستسقى بهم، ورحم به العالم في ساعة الإبلاس.
ولم يزل على حاله إلى أن نزلت على الداراني الدائره، ولحق بالأمم الخالية السائره.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن ذي القعدة سنة خمس وعشرين وسبع مئة.
ومولده بقرية بسرى من السواد سنة اثنتين وأربعين وست مئة، وكانت جنازته حفلة إلى الغاية.
وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطيار يعد بينه وبينه ثلاثة عشرة اسماً.
وكان لا يدخل الحمام ولا يتنعم في مأكل ولا ملبس، وأظنه كان يجيد اللعب بالشطرنج، والله أعلم.
سليمان القاضيعلم الدين التركماني الحنفي قاضي حماة.
أقام بحمص مدة مدرساً، ثم إنه نقل إلى قضاء حماة بعد وفاة القاضي نجم الدين بن العديم.
وكان يعرف القراءات، وله مشاركة في العلم.
توفي رحمه الله تعالى في مستهل شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وسبع مئة.
اللقب والنسبابن سلامة قاضي القضاة المالكي أحمد بن سلامة.
السنباطي قطب الدين محمد بن عبد الصمد.
سنجرالأمير الكبير العالم المحدث أبو موسى الأمير علم الدين التركي البرلي بالباء الموحدة والراء واللام، الدواداري.
قدم من الترك في حدود الأربعين وست مئة. وكان شكله مليحا ووجهه صبيحا، خفيف اللحيه، ربعة من الرجال في البنيه، صغير العين، صناع اليدين، حسن الخلق، سهل الخلق، شجاعاً فارساً، مجادلاً لأهل العلم ممارسا، خيرا دينا، كاملاً صينا، مليح الكتابه، سريع الإقبال والإجابه، يحفظ الكتاب العزيز، ويؤثر تلاوته على الإبريز، فيه اصطناع للفضلاء، وتقديم للنبلاء، أنشأ جماعة من الأفاضل وقدم زمرة ممن يناظر أو يناضل.
ولم يزل على حاله إلى أن انجر الموت إلى سنجر، وأصبح من تحت التراب والمحجر.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وست مئة في شهر رجب بحصن الأكراد، ودفن هناك.
وكان قد التجأ في الكسرة أيام غازان إليها.
ومولده سنة نيف وعشرين وست مئة.
قرأ القرآن على الشيخ جبريل الدلاصي وغيره. وحفظ الإشارة في الفقه لسليم الرازي، وحصل له عناية بالحديث وسماعه سنة بضع وخمسين، وسمع الكثير، وكتب بخطه وحصل الأصول.
وخرج له المزي جزأين عوالي. وخرج له البرزالي معجماً ضخماً في أربعة عشر جزءاً، وخرج له ابن الظاهري قبل ذلك شئياً.
وحج مرات. وكان يعرف عند المكيين بالستوري، لأنه أول من سار بكسوة للبيت بعد أخذ بغداد من الديار المصرية، وقبل ذلك كانت تأتيها الستور من الخليفة. وحج مرة هو واثنان على الهجن من مصر.
وكان أميراً في الأيام الظاهرية، ثم أعطي أمرية بحلب، ثم قدم دمشق، وتولى شد الدواوين مدة، ثم كان من أصحاب سنقر الأشقر، ثم أمسك، ثم أعيد إلى رتبته وأكثر، وأعطي خبزاً وتقدمةً على ألف في أيام الأشرف، وجعل مشد الدواوين بالقاهرة في ذي القعدة سنة أحدى وتسعين وست مئة، وتنقلت به الأحوال وعلت رتبته في دولة الملك المنصور حسام الدين لاجين، وقدمه على الجيوش في غزوة سيس.
وكان لطيفاً مع أهل الصلاح والحديث، يتواضع لهم ويؤانسهم ويحادثهم ويصلهم، وله معروف كثير وأوقاف بالقدس ودمشق، وكان مجلسه عامراً بالعلماء والشعراء والأعيان.
وسمع الكثر بمصر والشام والحجاز، وروى عن الزكي عبد العظيم، والرشيد العطار، والكمال الضرير، وابن عبد السلام، والشرف المرسي، وعبد الغني بن بنين، وإبراهيم بن بشارة، وأحمد بن حامد الأرتاحي، وإسماعيل بن عزون، وسعد الله بن أبي الفضل التنوخي، وعبد الله بن يوسف بن اللمط، وعبد الرحمن بن يوسف المنبجي، ولاحق الأرتاحي، وأبي بكر بن مكارم، وفاطمة بنت الملثم بالقاهرة، وفاطمة بنت الحزام الحميرية بمكة، وابن عبد الدايم، وطائفة بدمشق. وهبة الله بن زوين، وأحمد بن النحاس بالإسكندرية، وعبد الله بن علي بن معزوز، وبمنية بني خصيب، وبأنطاكية، وحلب، وبعلبك، والقدس، وقوص، والكرك، وصفد، وحماة، وحمص، وينبع، وطيبة، والفيوم، وجدة، وقل من أنجب من الترك مثله وسمع من خلق.
وشهد الوقعة وهو ضعيف، ثم التجأ بأصحابه إلى حصن الأكراد فتوفي به هناك، هذا ما أخبرني به شيخنا الذهبي عنه.
وأما ما أخبرني به شيخنا أبو الفتح من لفظه، وكان به خصيصاً ينام عنده ويسامره، قال: كان الأمير علم الدين قد لبس بالفقيري وتجرد وجاور بمكة، وكتب الطباق بخطه، وكانت في وجهه آثار الضروب من الحروب، وكان إذا خرج إلى غزوة خرج طلبه وهو فيه إلى جانبه شخص يقرأ عليه جزءاً من أحاديث الجهاد، وقال: إن السلطان حسام الدين لاجين رتبه في شد عمارة جامع ابن طولون، وفوض أمره إليه، فعمره وعمر وقوفه، وقرر فيه دروس الفقه والحديث والطب، وجعل من جملة ذلك وقفاً يختص بالديكة التي تكون في وسط سطح الجامع في مكان مخصوص بها، وزعم أن الديكة تعين الموقتين وتوقظ المؤذنين في السحر، وضمن ذلك كتاب الوقف، فلما قرئ على السلطان أعجبه ما اعتمده في ذلك، ولما انتهى إلى ذكر الديكة أنكر ذلك، وقال: أبطلوا هذا، لا يضحك الناس علينا.
وكان سبب اختصاصه بفتح الدين أنه سأل الشيخ شرف الدين الدمياطي عن وفاة البخاري فما استحضر تاريخها، ثم إنه سأل أبا الفتح عن ذلك فأجابه، فحظي عنده وقربه، فقيل له: إن هذا تلميذ الشيخ شرف الدين فقال: وليكن.
قلت: وغالب رؤساء دمشق وكبارها وعلمائها نشؤه.
وجمع الشيخ كمال الدين الزملكاني مدائحه في مجلدتين بخطه أو واحدة.
وكتب إليه علاء الدين الوداعي يعزيه في ولد اسمه عمر، ومن خطه نقلت:
قل للأمير وعزه في نجله ... عمر الذي أجرى الدموع أجاجا
حاشاك يظلم ربع صبرك بعد من ... أمسى لسكان الجنان سراجا
وقال فيه، ومن خطه نقلت:
علم الدين لم يزل في طلاب العل ... م والزهد سائحاً رحّالاً
فترى الناس بين راوٍ وراءٍ ... عنده الأربعين والأبدالا
وقال لما أخذ له في دويرة السميساطي بيتاً:
لدويرة الشيخ السميساطيّ من ... دون البقاع فضيلة لا تجهل
هي موطنٌ للأولياء ونزهةٌ ... في الدين والدنيا لمن يتأمّل
كملت معاني فضلها مذ حلّها ال ... علم الفريد القانت المتبتّل
أني لأُنشد كلّما شاهدتها ... ما مثل منزلة الدويرة منزل
وأنشدني إجازةً الحافظ شيخنا الفريد فتح الدين قال: أنشدني علم الدين الدواداري لنفسه:
سلوا عن موقفي يوم الخميس ... وعن كرّات خيلي في الخميس
شربت دم العدى ورويت منه ... فشربي منه لا خمر الكؤوس
وجاورت الحجاز وساكنيه ... وكان البيت في ليلي أنيسي
وأتقنت الحديث بكلّ قطرٍ ... سماعاً عالياً ملء الطّروس
أُباحث في الوسيط لكلّ حبرٍ ... وألقى القرم في حرّ الوطيس
فكم لي من جلادٍ في الأعادي ... وكم لي من جدالٍ في الطّروس
سنجر الجمقدارالأمير علم الدين سنجر.
كان أحد مقدمي الألوف أمراء المئين. وكان من جملة المشايخ أمراء المشور الذين يجلسون بحضرة السلطان.
شيخ قد أنقى، وقارب ورود ما هو أبقى، عظيم الجثة طوالا، أعجمي اللسان لا يجيب سؤالا، سليم الصدر، كبير المنزلة في الدولة عالي القدر.
نقله السلطان من مصر إلى الشام، وأتى به فجمل دمشق لما دخلها منشورة الأعلام. وكان هو أتابك العسكر، وصاحب الرخت الذي لا ينكر.
وكان له برك هائل، وعزم في المواكب والحروب جائل.
ولم يزل بدمشق على حاله إلى أن انتهى أمده، ومال من الحياة عمده.
وتوفي رحمه الله تعالى ... .
وكان قد أخرجه السلطان، من مصر في سابع شعبان، سنة ثلاثين وسبع مئة على خبز الأمير سيف الدين بهادرآص.
سنجر الأمير علم الدين الدميثريبضم الدال المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ثاء مثلثة وراء.
توفي - رحمه الله تعالى - يوم الخميس سابع المحرم سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة.
سنجر الأمير علم الديننائب قلعة دمشق المعروف بأرجواش، بهمزة مفتوحة وراء ساكنة وجيم مضمومة أو مفتوحة وواء بعدها ألف وشين معجمة.
له مآنة على أهل دمشق لا بل على أهل الشام، ونعمة لا ينكرها إلا من انتجع برق المكابرة أو شام، فإنه ضبط القلعة في أيام غازان، وأخذ بما صان أمرها وزان، وتثبت في عدم تسليمها، ومد أظافير المناوشة لهم ولم يخش من تقليمها، وصبر على المحاصرة، ولم يجنح إلى المكاشرة والمكاسرة، وأقام قياماً يشكره الله له يوم القيامه، وحقن دماء المسلمين بما عنده من العزيمة القوية والصرامه. وقيل: إن ذلك كان بمعاونة قبجق له في الباطن، وملاحظته لذلك في الحال الساكن. وأياً ما كان فله فيه الفضل الأوفى، والثناء المستوفى.
ولم يزل على حاله إلى أن أسلمه حصنه للمنايا، وتحكمت فيه يد الرزايا.
توفي - رحمه الله تعالى - ليلة السبت ثاني عشري الحجة سنة إحدى وسبع مئة، وحضر جنازته نائب السلطنة والأمراء والأعيان. ودفن في جبل قاسيون.
كان نائب القلعة في أيام أستاذه الملك المنصور، ولم يخرج مدة ولايته من القلعة، ولا سير. وقيده الأشرف وألبسه عباءةً ليقتله، ثم عفا عنه وخلع عليه، وذلك في سنة تسعين وست مئة، وأعاده إلى النيابة، وكان ذلك بعد عود الأشرف من عكا.
ولما اعتمد ما اعتمده في أمر القلعة أيام غازان عظم في النفوس، وكان التتار قد طلعوا فوق سطوح دار السعادة، وتسلطوا على القلعة ورموها بالنشاب، فرمى عليهم قوارير النفط، فاحترقت الأخشاب، وسقطت بهم السقوف بهم السقوف في النار، وفعل ذلك بالعادلية ودار الحديث الأشرفية.
وكان عبد الغني بن عروة الفقير يحكي عنه حكايات تدل على سلامة الباطن، وقد أوردت منها جانباً في ترجمة عبد الغني المذكور في حرف العين مكانه.
سنجر الأمير علم الدين الجاوليبالجيم: كان أميراً كبيراً من أمراء المشور الذين يجلسون في حضرة السلطان، سمع وروى، وبزغ نجمه في الفضل وما هوى.
وكان خبيراً بالأمور، مرت به تجارب الأيام والدهور، عارفاً بسياسة الملك وتدبيره، وفصل حاله وتحريره. ولي عدة ولايات من نيابات وغيرها، وكان فيها كافياً عارفاً بسبرها. وهو الذي مدن غزة ومصرها، وفتح عينها وبصرها، لأن الجاولي جاء ولياً في حماها، فعظم شأنها بولاية وحماها، وعمر بها قصراً للنيابة، فسيح الأرجاء، شاهق البناء، عالي الثناء، وعمر بها حماماً اتسع فضاؤه، وارتفع سماؤه، وتأرج هواؤه، وتموج ماؤه، وتفنن في الحسن بناؤه، وزهرت نجوم جاماته، وبهرت من رخامه زهرات خاماته. ثم إنه في النيابة الثانية عمر بها جامعا، لأنواع المحاسن جامعا، وبرقه يرى في سماء الإتقان لامعا، تسفل الثريا عن أهلة مئذنته المترفعه، وتبهت عيون النجوم في محاسن محرابه المتنوعه.
وكان - رحمه الله تعالى - يذكر أصحابه في مغيبهم، ويوفر من إحسانه قدر نصيبهم، ويكرمهم إذا حضروا، ويتمناهم إذا سافروا، ويستجليهم إذا سفروا. انتفع به جماعة من الكتاب والعلماء، وزمرة من الكبراء والأمراء.
ولم يزل على حاله إلى أن جاء ولي الموت إلى الجاولي فتلقاه بالكرامه، وراح إلى الله على طريق السلامه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في تاسع شهر رمضان سنة خمس وأربعين وسبع مئة، ودفن بتربته التي على الكبش ظاهر القاهرة، وأسند وصيته إلى الأمير سيف الدين العلائي. وكانت جنازته حفلةً إلى الغاية.
وفي أول أمره كان نائباً في الشوبك، ثم إنه نقل منها، وجعل أميراً في أيام سلار والجاشنكير. وكان يعمل الأستاذ دارية للسلطان الملك الناصر محمد، وكان يدخل إليه مع الطعام ويخرج على العادة.
وكان يراعي مصالح السلطان ويتقرب إليه، فلما حضر من الكرك جهزه إلى غزة نائباً في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وسبع مئة عوضاً عن سيف الدين قطلقتمر صهر الجالق بعد إمساكه، وأضاف إليه الحديث في الساحل والقدس وبلد سيدنا الخليل - عليه السلام - وأقطعه إقطاعاً هائلاً، كانت إقطاعات مماليكه تعمل عشرين ألفاً وخمسة وعشرين ألفاً وأكثر. وعمل نيابة غزة على القالب الجائر، وكان القاضي كريم الدين الكبير يرعاه، وكذلك القاضي فخر الدين ناظر الجيش. وكانت مكاتباتهم ما تنقطع عنه في كل جمعة، بل مع كل بريد.
وكان له إدلال على الكبار، فوقع بينه وبينه الأمير سيف الدين تنكز، فتراسل عليه هو والقاضي كريم الدين الكبير، فأمسكه السلطان في ثامن عشري شعبان سنة عشرين وسبع مئة، فاعتقل قريباً من ثماني سنين، ثم أفرج عنه في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة أو في سنة تسع وعشرين، وأمره أربعين فارساً مديدة، ثم أمره مئة، وقدمه على ألف، وجعله من أمراء المشور.
ولم يزل على ذلك إلى أن توفي السلطان الملك الناصر محمد، وكان هو الذي تولى غسله ودفنه.
ولما تولى الملك الصالح إسماعيل جهزه إلى حماة نائباً، فأقام بها مدة تقارب ثلاثة أشهر، ثم رسم له بنيابة غزة، فحضر إليها وأقام بها مدةً تقارب مدة نيابة حماة، ثم طلب إلى مصر على ما كان عليه. وفي هذه النيابة لغزة شرع في عمارة الجامع بغزة وكمله لما كان في مصر، ولما كان في النيابة الأولى عمر ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام جامعاً، سقفه منه حجر نقر، وعمر بغزة حماماً هائلاً ومدرسة للشافعية، وعمر خاناً للسبيل بغزة، وعمر الخان العظيم الذي في قاقون. وهو الذي مدن غزة، وبنى بها بيمارستاناً، ووقف عليه عن الملك الناصر أوقافاً جليلة، وجعل النظر فيها لنواب غزة، وعمر بغزة الميدان والقصر، وبنى الخان بقرية الكتيبة، وبنى القناطر بغابة أرسوف. وهو الذي بنى خان سلار الذي في حمراء بيسان، وله التربة المليحة الأنيقة التي بالكبش، وجدد إلى جانبها عمارة هائلة، وكل عمائره طريفة أنيقة مليحة متقنة محكمة.
ولما خرج نائب الكرك من مصر لنيابة طرابلس فوض إليه السلطان النظر على البيمارستان المنصوري.
وآخر من توجه إلى الكرك لحصار الناصر أحمد الأمير علم الدين الجاولي، وجلس في الحصار على عادة من تقدمه، فلما كان في بعض الأيام طلع الناصر أحمد من القلعة وشيخه وسبه وأساء عليه الأدب، فقال الجاولي: نعم أنا شيخ نحس، ولكن الساعة ترى حالك مع الشيخ النحس، ونقل المنجنيق من مكانه إلى مكان يعرفه، ورمى به، فلم يخطئ القلعة، وهدم منها جانباً، وطلع العسكر منه إليها، وأمسك أحمد قبضاً باليد، وذبح صبراً، وجهز رأسه إلى الصالح.
ولما خرج الأمير علم الدين الجاولي إلى دمشق في أيام سلار والجاشنكير لم يقدر سلار على رده لأجل البرجية، وكان الجاولي ينتمي إلى سلار ويحمل رنكه، وفي هذه المرة اشترى داره بدمشق التي هي الآن قبالة الجامع التنكزي من جهة الشمال، ووقع بينه وبين تنكز بسببها، فإنه أراد مشتراها منه، فما سمح له بذلك.
وقد وضع الأمير علم الدين شرحاً على مسند الإمام الشافعي - رضي الله عنه - ، وكان آخر وقت يفتي ويخرج خطه بالإفتاء على مذهب الشافعي.
وأجاز لي بخطه في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة أو في سنة تسع وعشرين وسبع مئة.
سنجر الخازنالأمير علم الدين الأشرفي.
كان الأمير علم الدين هذا فيه حشمه، وله ثروة زائدة ونعمه. يصحب الأفاضل، ويحب كل مناظر ومناضل، تنقل في المباشرة من الشد إلى ولاية القاهره، وربوع الثناء عليه في كل عامره. له ذوق وفهم، وعنده صدق حدس لا يخطئ العرض له سهم.
ولم يزل على حاله إلى أن طويت صحيفة عمره، وفرغ الأجل من أمره.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في ليلة السبت ثامن جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وسبع مئة.
وكان السلطان قد ولاه شد الدواوين مع الصاحب أمين الدين، وكان يغري بينهما، ويوقع فيما بينهما، ويقول لهذا: أنا ما أعرف إلا أنت. ويقول لهذا كذلك، ولكن كان هذا علم الدين رجلاً عاقلاً، وفيه سياسة، وعزله من الشد، وولاه القاهرة، فتولاها وأحسن إلى الناس، ثم عزله في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وسبع مئة، وولى الأمير سيف الدين قديدار مكانه، فوجد الناس في أول ولايته شدةً، ثم لان جانبه.
وأظن أن الخازن كان قد أمسك هو وبكتمر الحاجب وأيدغدي شقير وبهادر المعزي في سنة خمس عشرة وسبع مئة، والله أعلم.
سنجر الألفيالأمير علم الدين، أحد الأمراء بدمشق.
كان قد ولي نابلس.
وتوفي فجأة بالحسينية من وادي بردى في أوائل جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وسبع مئة.
سنجر مجد الدينالطبيب ببغداد، غلام ابن الصباغ.
كان طبيباً فاضلاً، مهر في الطب وتقدم فيها وفي كتابة الدواوين ونظرها. ولي نظر المدرسة النظامية وغيرها، وحصل أموالاً جمة، وكان لا يمشي إلى المريض إلا بأجرة وافرة نحو ستة دراهم وأكثر.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في أوائل شعبان سنة خمس عشرة وسبع مئة.
سنجر الأمير علم الدين المصريأحد أمراء دمشق.
توفي - رحمه الله تعالى - في يوم الأربعاء سابع عشر جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وست مئة.
قيل: إنه غص بشربة من المسكر - عفا الله عنه وسامحه - .
سنجر بن عبد الله الناصريالأمير علم الدين، أحد أمراء الشام.
كان أميراً مهيباً مشهوراً بالعقل والسكون، شجاعاً مقداماً معروفاً بكثرة الجهاد، ملازماً لما هو بصدده، قليل الدخول فيما لا يعنيه.
أصابه زيار في حصار بلاد سيس في ركبته، فكسر العظم، فحمل إلى حلب، فمات في الطريق، وحمل ميتاً، ودفن بالمقام ظاهر حلب.
وذلك في شهر رمضان سنة سبع وتسعين وست مئة.
وكان قد روى الحديث عن سبط السلفي. قال شيخنا علم الدين: سمعنا منه جزء موافقات الدهلي.
سنجر الأمير علم الدين المنصوريأحد أمراء دمشق.
توفي - رحمه الله تعالى - في المحرم سنة سبع وسبع مئة، ودفن بالصالحية.
وكان من أمراء طرابلس، فنقل إلى دمشق، وسكن بالديماس، وأقام بها شهرين وتوفي رحمه الله تعالى.
سنجر الأمير علم الدين الحمصيتنقل في الولايات، وتوقل في ذرا النيابات، وباشر في مصر والشام، وتجملت به الليالي والأيام. وكان ذا عفة وأمانه، وحرمة وصرامة وصيانه، تخلص الحقوق في أيامه، ويخشى المباشرون من نقضه وإبرامه.
ولم يزل على حاله إلى أن عزل من الحياه، ونودي عليه بالصلاه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في أواخر سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة.
وكان قد نقل من دمشق إلى طرابلس، فتوفي - رحمه الله تعالى - ولم يدخلها.
وكان قد باشر نيابة الرحبة، فأحسن إلى أهلها، وأنفق فيهم مستحقاتهم كاملة، وحمل منها إلى دمشق مئة ألف درهم في عام واحد، وهذا أمر لم نعهده في غير أيامه، بل دائماً يحمل من دمشق المال إلى الرحبة.
ثم إنه جهز لشد الدواوين بحلب. ثم إنه طلب إلى مصر، وجعل مشداً مع الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي الوزير، ثم خرج إلى طرابلس مشداً، ثم توجه إلى حلب، ثم طلب لشد الدواوين بمصر، فأقام بها مدة، وسلم السلطان إليه الأمير بدر الدين لؤلؤ، فعاقبه، ثم أخرج إلى دمشق، وأقام بها مدة.
ثم إنه استعفى من شد الدواوين بدمشق، وخرج إقطاعه لابن أيدغمش نائب دمشق، فتوجه منها إلى طرابلس، فمات قبل الدخول إليها.
سنجر الأمير علم الدين البروانيأحد أمراء الطبلخاناه بالديار المصرية.
وكان شجاعاً شهماً.
توفي فجأة في الحمام في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة، ودفن في القرافة.
سنجر الأمير الكبير علم الدين الزراق
كان من جملة أمراء دمشق، وكان يسكن بدار فلوس التي اشتراها الأمير سيف الدين تنكز - رحمه الله تعالى - وبناها وسماها بدار الذهب.
كان الأمير علم الدين قد توجه إلى الرحبة مجرداً، فتوجه وعاد ومرض ومات - رحمه الله تعالى - في رابع عشري شعبان سنة إحدى وعشرين وسبع مئة.
سنجر الطرقجيالأمير علم الدين، أحد الأمراء بدمشق.
كان ممن قدمه الأمير سيف الدين تنكز - رحمه الله تعالى - وأطنب في شكره وغالى، وكان ينتقل من الشد إلى غيره، ويعرض عنه، ثم يعود به إلى مدارج طيره.
ولم يزل معه إلى أن غضب عليه غضبة مضريه، هتك فيها الحجب الشمسية والقمريه، وأبعده إلى طرابلس فكان فيها حتفه، ورغم بالموت بها أنفه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - حادي عشري جمادى الآخرة، سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، ونقله ولده الأمير علي في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وسبع مئة إلى دمشق، ودفنه في تربته بالقبيبات.
كان قد نقل من ولاية البلد إلى شد الدواوين في خامس شهر رمضان سنة تسع عشرة وسبع مئة، وعوض عنه في الولاية بصارم الدين إبراهيم الجوكنداري. ثم جهزه الأمير سيف الدين تنكز إلى ولاية الولاة بالصفقة القبلية في خامس عشري شعبان سنة سبع وعشرين وسبع مئة. وأعيد إلى الحجوبية الأمير علاء الدين أوران، وخلت دمشق مدة أشهر من شد الدواوين.
الألقاب والنسبالسنجري: الأمير سيف الدين بهادر.
السنجاري: شهاب الدين الخطيب أحمد بن إبراهيم.
سنقر بن عبد الله الزينيالشيخ الإمام المسند الخير المعمر علاء الدين أبو سعيد الأرمني القضائي الحلبي.
اشتراه قاضي حلب زين الدين ابن الأستاذ، وسمع مع أولاده كثيراً، وكتبوا له في صغر وأنه لا يفهم بالعربي.
ثم سمع في سنة خمس، وما بعدها سمع من الموفق عبد اللطيف وعز الدين بن الأثير، والقاضي بهاء الدين بن شداد، وابن روزبة. وسمع الثلاثيات من ابن الزبيدي بدمشق، وسمع ببغداد من الأنجب الحمامي، وعبد اللطيف بن القبيطي، وجماعة، وسمع بمصر من عبد الرحيم بن الطفيل، وأكثر عن ابن خليل، وسمع منه المعجم الكبير بكماله.
وخرج له الشيخ شمس الدين مشيخة، وخرج له أبو عمرو المقاتلي، وأكثر عنه ابن حبيب وولداه.
وعمر وتفرد في الدنيا، وسمع الناس منه أشياء، وروى الكثير، وسمع منه ما هو عزيز من غيره، ومنه غزير. وما حدث ببعض مروياته، ولا حمل الكل من كلياته ولا جزئياته.
ولم يزل على حاله إلى أن استقر سنقر في قعر لحده، ولم يكن في ذلك نسيج وحده.
وتوفي - رحمه الله تعالى - يوم الخميس تاسع شوال سنة ست وسبع مئة.
وحدث أكثر من ثلاثين سنة، وتفرد بأشياء.
سنقر الأمير شمس الدين الجماليمملوك الأمير جمال الدين آقوش الأفرم.
أعرفه وهو في جملة البريدية، يسافر معنا في خدمة الأمير سيف الدين تنكز. ولما جاء الفخري، وجرى له ما جرى، جعل أخوه سيف الدين بهادر نائباً في بعلبك، ثم إنه أخذ طبلخاناة بعد موت الفخري فيما أظن.
ولما توفي بهادر المذكور تعصب الجراكسة مع أخيه سنقر هذا، وخلصوا له الإمرة ونيابة بعلبك، فتوجه إليها. ثم إنه حضر في أيام الكامل من استخرج من شمس الدين قراسنقر المذكور ميراث سيف الدين بهادر الجمالي منه، فقام في القضية الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي والأمير فخر الدين أياز، وشهد له جماعة من أمراء دمشق بأنه أخوه، وخمدت القضية بعد أن عزل من النيابة ببعلبك، ثم إنه عاد إليها وباشرها جيداً إلى أن كتب الأمير سيف الدين أرغون شاه إلى باب السلطان في ولاية الأمير بدر الدين بكتاش المنكورسي نيابة بعلبك، ونقل شمس الدين سنقر إلى طرابلس، فورد المرسوم بذلك، فتوجه الأمير شمس الدين سنقر إلى طرابلس، فأقام بها ضعيفاً تقدير شهرين أو أكثر. ثم إنه قضى، ومر شخصه وانقضى.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في أول شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وسبع مئة.
سنقر الأمير شمس الدين
المنصوري الأعسر
كان من كبار الأمراء في مصر والشام، وممن تجمل به الدول والأيام، عارفاً بما يتحدث فيه، خبيراً بالكلام الذي يخرج من فيه. وكانت له في الشام صورة كبيره، وعزمة شهيره، ومباشرة للأموال مثيره.ركب الأهوال ونكب، وسلب ماله وبين يديه سكب، ثم إنه انتصر، وشره في المباشرات وما اقتصر. وندب في المهمات مرات، وتولى الشد كرات.
ولم يزل إلى أن ثبت إعسار الأعسر من حياته، وأصبح ثمر روحه في يدي جناته.
وتوفي - رحمه الله تعالى - سنة تسع وسبع مئة.
كان مملوك الأمير عز الدين أيدمر الظاهري النائب بالشام، ودواداره، وكانت نفسه تكبر عن الدواداريه. ولما عزل مخدومه، وأرسل إلى مصر في الدولة المنصوريه، عرضت مماليكه على السلطان، فاختار منهم جماعة، منها سنقر هذا، فاشتراه وولاه نيابة الأستاذ درايه.
وفي سنة ثلاث وثمانين وست مئة أمره بالشام، ورتبه في شد الديوان والأستاذ دارية. وأقام بالشام، وله سمعة زائدة وعظمة إلى أن توفي الملك المنصور، وتولى الأشرف، فكان في خاطر الوزير شمس الدين بن السلعوس منه، فطلب إلى مصر، وعوقب وصودر، فتوصل بتزويج ابنة الوزير، وكتب صداقها بألف وخمس مئة دينار، فأعاده إلى الحالة الأولى.
ولم يزل إلى دولة الملك العادل كتبغا ووزارة الصاحب فخر الدين بن الخليلي، فقبض على الأمير شمس الدين المذكور وعلى الأمير سيف الدين أسندمر، وصودرا وأخذ من الأعسر قريباً من خمس مئة ألف درهم، وأهانه الوزير غير مرة، وعزله عن الشد بفتح الدين بن صبرة، وتوجه الأعسر صحبتهم إلى مصر.
ولما وثب حسام الدين لاجين على كتبغا في ذي الحجة سنة ست وتسعين وست مئة، ورسم للأمير سيف الدين قبجق بنيابة الشام، ولي الأعسر الوزارة وشد الدواوين في شهر رجب سنة ست وتسعين وست مئة، ثم إنه قبض عليه، ثم ولي الوزارة بعد ذلك، وعامل الناس بالجميل، وتوجه لكشف الحصون في سنة سبع مئة أو في آخرها، ورتب عوضه في مصر عز الدين أيبك البغدادي. فاستمر الأعسر أمير مئة وعشرة مقدم ألف. وحج صحبة الأمير سيف الدين سلار.
وتوفي بمصر بعد أمراض اعترته.
وغالب مماليكه تأمروا بعده.
وفيه يقول علاء الدين الوداعي لما سبق الناس والأمراء أجمعين في عمارة الميدان، ومن خطه نقلت:
لقد جاد شمس الدين بالمال والقرى ... فليس له في حلبة الفضّل لاحق
وأعجز في هذا البناء بسبقه ... وكلّ جواد في الميادين سابق
وفيه يقول لما أمره السلطان بقطع الأخشاب من وادي مربين للمجانيق، ومن خطه نقلت:
مربّين شكراً لإحسانها ... فقد أطربتنا بعيدانها
ولولا الولاء لما واصلت ... ولا طاوعت بعد عصيانها
أتانا بها وهي مأسورةٌ ... وآسرةٌ أسد غيطانها
ولم نر من قبله غائراً ... أتى بالدّيار وسكّانها
ولا عدمت عدله ملّةٌ ... يدبّر دولة سلطانها
وفيه يقول الشيخ صدر الدين بن الوكيل موشحاً، وهو:
دمعي روى مسلسلا بالسّ ... ند عن بصري أحزاني
لما جفا من قد بلا بالرّم ... د والسّهر أجفاني
غزال أُنسٍ نافر ... سطت به التّمائم
وغصن بانٍ ناضر ... أزهاره المباسم
قلبي عليه طائر ... تبكي له الحمائم
إن غاب فهو حاضر ... بالفكر لي ملازم
كم قد لوى على الولا من موع ... د لم يفكر في عان
وقد كفا ما قد بلى بالكم ... د والفكر ذا الجاني
أزرى بغزلان النّقا ... وبانه وحقفه
كم حلّ من عقد تقىً ... بطرفه وظرفه
لم أنسه لمّا سقى ... من ثغره لإلفه
سلاف ريقٍ روّقا ... في ثغره لرشفه
قد احتوى على طلا وشه ... د ودرر مرجاني
قد رصّفا وكلّلا ب ... البرد والزّهر للجاني
أماله سكر الصّبا ... ميل الصّبا لقدّه
وفكّ أزرار القبا ... وحلّ عقد بنده
وسّدته زهر الرّبا ... وساعدي لسعده
وبتّ أرعى زغبا ... من فوق ورد خدّه
مثل الهوى هبّ على روضٍ ... ندي من طررٍ ريحاني
قد لطفا حتى غلا م ... ورّد مزهّر نعماني
خدٌّ به خدّ البكا ... في صحن خدّي غدرا
وردّ لمّا أن شكا ... سائل دمعي نهرا
كم مغرمٍ قد تركا ... بين البرايا عبرا
يا من إليه المشتكى ... الحال تغني النّظرا
زاد الهوى فانهملا دمع ... الصّدي كالمطر هتّان
وما انطفا واشتعلا في ... كبدي كالشّرر نيراني
يا فرحة المحزون ... وفرحةً لمن يرى
إن صلت بالجفون ... وصدت من جفني الكرى
فليس لي يحميني ... سوى الذي فاق الورى
شمس العلا والدين ... أبي سعيدٍ سنقرا
مولىً هوى كلّ علا وس ... ؤدد من معشر فرسان
وقد صفا ثمّ حلا في الم ... ورد للمعسر والعان
سنقر شاه الأمير شمس
الدين المنصوري
كان أميراً كبيرا، قد حوى مالاً غزيراً، وجوهراً نظيماً ومالاً نثيرا، واقتنى من السلاح والخيل ما يزيد في وصفه، ويكل اللسان وما وصل إلى نصفه. إلا أنه كان مبخلا، وإن كان مبجلا، ومذمما، وإن كان بالخز معمما.وكان به مرض مزمن، وتعلل مدمن، لا يزال به مصفرا، ونكد عيشه موفرا.
ولم يزل به إلى أن أنزله في بطن جدثه، وأقام عدمه الدليل على حدثه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في سنة سبع وسبع مئة.
جاء إلى صفد نائباً في سنة أربع تقريباً، بعد الأمير سيف الدين بتخاص، وأقام بها نائباً إلى سنة سبع وسبع مئة، ورسم بعزله، وأن يجيء الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار الكبير من الصبيبة إلى صفد نائباً، فما لحق المرسوم يجيء إلى صفد إلى أن توفي سنقرشاه - رحمه الله تعالى - .
وكان يلبس زميطية حمراء، قيمتها نصف وربع درهم، فقيل له في ذلك، فلبس قبعاً مزركشاً، وقال: من أنا ؟ فقالوا: الأمير سنقرشاه المنصوري، فخلعه، ولبس تلك الزميطية، وقال: من أنا؟ فقالوا كما قالوا أولاً، فقال: أنا هو ذاك إن لبست هذه أو ذاك.
وكان عنده جماعة من الأويراتية، وكان كثير الصيد، اصطاد مرة من غابة أرسوف خمسة عشر أسداً وضبوحين، وكان في الجملة أسد أسود كبير. وكان قليل المقام في المدينة، بل غالب أيامه يكون في الصيد. وكان قد أفنى الأسود من الغابات.
ولما توفي دفن بعين الزيتون في زاوية الشيخ قليبك. وابنته زوج الأمير سيف الدين أرقطاي نائب مصر.
سنقرشاه الأمير
شمس الدين الظاهري
كان أحد أمراء دمشق. وسكن بالعقيبة عند حمام الجلال.توفي - رحمه الله تعالى - في يوم الاثنين ثاني ذي الحجة سنة إحدى عشرة وسبع مئة، ودفن بكرة الثلاثاء بمقابر الصوفية، وحضر جنازته قاضي القضاة ونائب السلطنة وغيرهما من أعيان الأمراء والكتاب.
سنقر الأمير شمس الدين
الكمالي الحاجب
كان أحد الأكابر، والأمراء الذين تثني عليهم ألسنة الأقلام في ثغور أفواه المحابر.وكان في طبقة سلار والجاشنكير والجوكندار أمير جاندار، والكمال رابعهم، وقادمهم في كل أمر وتابعهم، حتى اشتهر أمرهم وتأزر نصرهم، ولذلك قال بعض عوام المصريين المطابيع:
لاكتبنّ القصص وقف فيك لسلاّر ... واقصد الجاشنكير ورح للكمالي
واقول لو يا مير في أيام عدلك ... كيف يكون لي معشوقٌ يا خد بدالي
ولما جرد العسكر من مصر صحبة كراي الذين توجهوا لإمساك أسندمر من حلب، كان الأمير الكمالي من جملتهم صحبة كراي، ودخلوا إلى دمشق في ذي القعدة سنة عشر وسبع مئة، ولما كان في تاسع عشر شهر ربيع الآخر أمسك السلطان أربعة أمراء: نائب الكرك آقوش، وبيبرس الدوادار، ونائب السلطنة، وسنقر الكمالي، وغيرهم، وأودعوا برجاً في القلعة معتقلين، وذلك في سنة اثنتي عشرة وسبع مئة.
سنقر الأمير شمس الدين
أستاذ الدار
أخرجه السلطان الملك الناصر حسن إلى الشام للحوطة على خيل الأمير سيف الدين طاز وغير ذلك في أوائل سنة تسع وخمسين وسبع مئة. فتوجه إلى حلب، وحضر بعد ذلك إلى دمشق، وبذل الجهد في موجود الأمير طاز، وكان إذ ذاك أمير طبلخاناه، فانحلت بالديار المصرية وهو في الشام تقدمة ألف وإمرة مئة، فعينها السلطان باسمه، وعظمت منزلته عند السلطان، وعاد إلى مصر بعد مدة على تسعة أشهر، ونفع جماعةً ممن خدمه بدمشق وحلب وغيرهما.وزادت وجاهته عند السلطان، وكان يقال: إنه أخو الأمير سيف الدين بكتمر المومني نائب حلب.
ولما جهز أخوه المذكور إلى حلب أقام بعد ذلك قريباً من نصف سنة، ثم إن السلطان تغير عليهما، وأمسك أخاه نائب حلب، وأخرجه إلى دمشق أمير طبلخاناه، فورد إليها في سنة ستين، وأقام بها قليلاً، ثم رسم بتوجهه من دمشق إلى صهيون بطالاً بغير إقطاع. فأقام بها مدة إلى أن توفي - رحمه الله تعالى - بصهيون، وورد الخبر بوفاته إلى دمشق في ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبع مئة.
وكان فيه مروءة وعصبية مع من يعرفه.
الألقاب والأنساب
السنهوري المادح أحمد بن مسعود.
السهروردي شهاب الدين
عبد المحمود بن عبد الرحمن.ابن أبي سوادةالقاضي بهاء الدين كاتب السر بحلب، اسمه علي بن علي بن محمد.
توفي - رحمه الله تعالى - في ضحى نهار السبت، منتصف شهر رجب الفرد سنة أربع عشرة وسبع مئة.
ومن شعره، وقد توفي القاضي عز الدين عبد العزيز بن القيسراني، مما كتبه إلى أخيه:
وحقّك ما تركت الكتب عمداً ... بتعزيةٍ على هذا المصاب
ولكن كلّما أثبتّ سطراً ... محته دموع عيني من كتابي
وكتب إليه أيضاً:
ولمّا قضى واستهدم الصّبر بعده ... وكنّا نرجّيه لإعدامنا كنزا
بكينا وأجرينا الدّموع تأسّفاً ... ولم يجدنا فيض الدّموع ولا أجزى
ولا تسألوا عن حالتي في رزيّتي ... وما حال مضنىً فارق الجاه والعزّا
السواملي: جمال الدين إبراهيم بن محمد.
سوتايبالسين المهملة، والواو الساكنة، والتاء ثالثة الحروف، وألف ممدودة وياء آخر الحروف: النوين الكبير الحاكم على ديار بكر بمجموعها.
كان رئيساً في نفسه، فريداً في أبناء جنسه، ذا عزم وجلد وحزم، وإثارة للحروب وهزم. عنده رئاسه، وحسن تدبير وسياسه، تحبه رعيته، لما صفت لهم طويته. ويدعون له على الدوام، ويختارون أيامه لو دامت أو عادت ولو في المنام.
ولم يزل على حاله إلى أن أتى السوء سوتاي فدمره، ولم ينفعه ما أتقنه من أمره ودبره.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة.
وكان قد عمر حتى تجاوز المئة، لأنه حكى عن نفسه أنه كان قد حضر واقعة بغداد، وهو بالغ، ورأى أربعة بطون من ولده وولد ولده وولد ولد ولده وأولادهم حتى إنهم أنافوا على الأربعين ذكوراً وإناثاً. وأكبر ولده بارنباي ثم طغاي.
وكان سوتاي أقطجيا لأبغا، والأقطجي بمنزلة أمير آخور. ولم يزل معظماً عند ملوك المغل. وهو جاء إلى ديار بكر، ونزل بها بتومانة بعد وفاة النوين آبك تاصميش، واستمر حاكماً من أوائل دولة أولجايتو سلطان إلى أواخر دولة السلطان بوسعيد ووفاته في بلد، وهي مدينة خراب بالقرب من الموصل، لأنه كان يشتو بها في كل سنة، ثم إنه نقل من بلد إلى الموصل ودفن في تربة كان بناها لنفسه من الموصل على دجلة.
وكان مرضه ثلاثة أشهر، وكان قد أضر قبل موته بسنوات، ولما مات حكم بعده على ديار بكر علي باشا خال بوسعيد، وجرت له حروب مع أولاده.
سوديالأمير سيف الدين، رأس نوبة الناصري.
كان من خواص أستاذه المقربين، وأعيانهم المدربين. له معرفة وفهم، وله نفوذ في الأحكام كما ينفد السهم.
اجتهد على سياقة نهر الساجور إلى حلب، وبذل فيه لكل صانع ما طلب. وأخذ أمره بكلتا يديه، وأنفق في سياقته غالب ما لديه. ثم إنه من فرحه عجل وطالع السلطان بوصوله، فجهز المطالعة في البريد على يد رسوله بناء على أنه في غد يدخل البلد، فتقطع في تلك الليلة، وساح في الجلد. فكانت منه هفوة، وخطأ ندم على ما مد فيه من الخطوة.
ولم يزل إلى أن لم يبق لسودي سؤدد، وذاب شحمه في القبر وتقدد.
وتوفي - رحمه الله تعالى - منتصف شهر رجب سنة أربع عشرة وسبع مئة يوم السبت، ودفن يوم الأحد بالقرب من تربة قراسنقر.
وكان السلطان قد جهزه لنيابة حلب بعدما توجه الأمير شمس الدين قراسنقر من البلاد، وراح إلى بلاد خربندا، فوصل إلى حلب في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وسبع مئة.
وقيل: إن طول النهر الذي حفره من الساجور إلى أن يصل قويق أربعون ألف ذراع، وعرضه ذراعان، وعمقه ذراعان تقريباً، وإن الذي أنفق عليه ثلاث مئة ألف درهم، النصف من مال السلطان، والنصف من مال سودي. ولم يظلم فيه أحد، بل حفر بالعدل والإنصاف.
الألقاب والأنساب
السوسي فخر الدين أحمد بن علي.
ابن سويد تاج الدين طالوت.
سلارسيف الدين
بالسين المهملة وبعدها لام مشددة وبعد الألف راء: الأمير سيف الدين التتري المنصوري الصالحي.كان أولاً من مماليك الصالح علي بن المنصور، فلما مات الصالح صار من خواص أبيه المنصور، ثم إنه اتصل بخدمة الأشرف، وحظي عنده، وأمره، وكان صديق السلطان حسام الدين لاجين ونائبه منكوتمر.
ندبوه لإحضار السلطان الملك الناصر محمد من الكرك فأحضره. وركن إلى عقله فاستنابه وقدمه على الجميع. وخضع له الناس.
وكان عاقلا، عارفاً بالأمور كاملا. ينطوي على دهاء، ويظهر قربك وهو ذو جفاء، سعيد الحركات في أموره، موفق الآراء في غيبته عن الملك وحضوره. اقترح أشياء ظريفة في لبس الفارس والفرس، ونسب إليه تقوم القيامة وذكرها ما اندرس. ونال من سعادة الدنيا ما لا يوصف كثره، ولا ينهض قدم تحمله عثره. وحصل من الذهب والفضة ما هو قناطير مقنطره، ومن اللآلي والجواهر ما تعجز عن مكاثرته السحائب المثعنجره.
وكان ساكناً وادعاً لا شر فيه ولا باطن سوء لمخالفيه ولا محالفيه. وساس الملك تلك المده، وداهن أعاديه وهم حوله على انفراد عده. وكان محباً لمن يخدمه، مكباً على من يصطنعه أو يقدمه.
ولما توجه الناصر إلى الكرك، تداها على الجاشنكير ولم يشركه في الوقوع في الشرك، فسلطنه بل سرطنه، وحببه للملك بل جننه، ودربه لذلك بل درنه. ومشى قدامه، إلا أن ذاك عير غير فطن وذاك خب خبعثنة. وما كان بأسرع من أن استحالت الدولة عليه، وفرت بأجمعها من بين يديه. وكان هو فيمن خامر، وقام مع الحزب الناصري وقامر. إلا أنه حاق به مكره، وأتعبه خماره وسكره، ومات في السجن جوعا، ولم يجد إلى الدنيا رجوعا. يقال إنه أكل من مداسه الكعاب، وتحقق أن الدنيا مومس بالية، وكان يظن أنها كعاب.
وتوفي - رحمه الله تعالى - معتقلاً بالقلعة في الديار المصرية في شهر ربيع الآخر سنة عشر وسبع مئة.
وكان يتحدث أن إقطاعه بضع وثلاثون طبلخاناه، واشتهر على ألسنة العوام وغيرهم أنه يدخله في كل يوم مئة ألف درهم. واستمر في النيابة إحدى عشرة سنة.
ولما ملك الجاشنكير استمر به في النيابه، وازداد عظمةً وسعاده، وأقام على ذلك تسعة أشهر. ولما عاد السلطان من الكرك تلقاه سلار إلى أثناء الرمل. ولما جلس على كرسي الملك أعطاه الشوبك، فتوجه إليها في جماعته، وتشاغل السلطان عنه، ونزح سلار عن الشوبك وطلب البرية، ثم إنه خذل، وسير يطلب من السلطان أماناً على أنه يقيم بالقدس لعبادة الله تعالى، فأجابه إلى ذلك، ودخل إلى القاهرة بعد أن بقي أياماً مشرداً في البرية مردداً بين العرب، ينوبه في كل يوم لهم ألف درهم وأربعون غرارة شعير.
ولما جاء عاتبه السلطان واعتقله، ومنع من الزاد إلى أن مات جوعاً، وأكل كعاب سرموزته، وقيل: أكل خفه، وقيل: إنهم دخلوا إليه وقالوا له: قد عفا السلطان عنك، فقام من الفرح ومشى خطوات يسيرة وسقط ميتاً.
وكان أمسر آدم، لطيف القد، أسيل الخد، لحيته في حنكه سوداء، وهو من التتار الأويراتية.
مات في أوائل الكهولة، ولعله ما بلغها - رحمه الله تعالى - وأذن السلطان للأمير علم الدين سنجر الجاولي أن يتولى دفنه وجنازته، فدفنه بتربته عند الكبش.
وكان - رحمه الله تعالى - ظريفاً في لبسه، اقترح أشياء في اللبس، وهي إليه منسوبة، منها المناديل السلارية والأقبية السلارية، وفي قماش الخيل وآلات الحرب.
قال شمس الدين الجزري: إنه أخذ له ثلاث مئة ألف ألف دينار، وشيء كثير من الحلي والجواهر والخيل والسلاح والغلال مما لا يكاد ينحصر.
قال شيخنا الذهبي، رحمه الله تعالى: وهذا شيء كالمستحيل، لأن ذلك يجيء وقر عشرة آلاف بغل، الوقر ثلاثون ألف دينار، وما علمت أن أحداً من السلاطين الكبار ملك هذا ولا ربعه. ثم تدبر - رحمك الله - إذا فرضنا صحة قولهم، دخله في كل يوم مئة ألف درهم، أما كان عليه فيها خرج ؟ فلو أمكنه أن يكنز في كل يوم ثلاثة آلاف دينار أكان يكون في السنة غير ألف ألف دينار ومئتي ألف دينار ؟ فتصير الجملة في عشرة أعوام عشرة ألف ألف دينار، وهذا لعله غاية أمواله، فلاح لك فرط ما حكاه الجزري واستحالته.
قال الجزري: نقلت من ورقة بخط علم الدين البرزالي قال: دفع إلي المولى جمال الدين بن الفويرة ورقةً بتفصيل بعض أموال سلار وقت الحوطة على داره في أيام متعددة: يوم الأحد: تسعة عشر رطلاً بالمصري زمرداً.
ياقوت: رطلان.
بلخش: رطلان ونصف.
صناديق ستة ضمنها جواهر فصوص ماس وغيره: ثلاث مئة قطعة.
لؤلؤ كبار مدرر من زنة درهم إلى مثقال: ألف ومئة وخمسون حبة.
ذهب: مئتا ألف وأربعون ألف دينار.
دراهم: أربع مئة ألف درهم وسبعون ألف درهم.
يوم الاثنين: ذهب: خمسة وخمسون ألف دينار.
دراهم: ألف ألف درهم وأحد وعشرون ألفاً.
فصوص بذهب: رطلان ونصف.
مصاغ عقود وأساور وزنود وحلق وغير ذلك: أربعة قناطير بالمصري.
فضيات أواني وهواوين وصدوره: ستة قناطير.
يوم الثلاثاء: ذهب: خمسة وأربعون ألف دينار.
ودراهم: ثمانية آلاف درهم.
براجم فضة وأهلة وصناديق: ثلاثة قناطير فضة.
ذهب: ألف ألف دينار وثمان مئة ألف درهم.
أقبية ملونة بفرو قاقم: ثلاث مئة قباء.
أقبية بسنجاب: أربع مئة قباء.
سروج مزركشة: مئة سرج.
ووجد عند صهره الأمير موسى ثمانية صناديق، فأخذت، كان من جملة ما فيها عشر حوائص مجوهرة سلطانية وتركاش ماله قيمة، ومئة ثوب طرد وحش.
وقدم صحبته من الشوبك خمسون ألف دينار وأربع مئة وسبعون ألف درهم، وثلاث مئة خلعة ملونة وخركاه أطلس معدني مبطنة بأزرق بابها زركش، وثلاث مئة فرس، ومئة وعشرون قطاراً بغال، ومثلها جمال. كل هذا سوى الغلال والأنعام والجواري والمماليك والأملاك والعدد والقماش. وذكر أنه عوقب كاتبه، فأقر أنه كان يحمل إليه كل يوم ألف دينار، وما يعلم بها غيره.
وقيل: إن مملوكاً دلهم على كنز له مبني في داره، ووجدوا فيه أكياساً، وفتحوا بركة فوجدوها ملأى أكياس ذهب.
قال شيخنا الذهبي: وحدثني شيخنا فخر الدين أن إنساناً حكى له، قال: دخل العام شونة سلار من أصناف الغلال ست مئة ألف إردب. وقال شيخنا الذهبي: ثم إنه مات البائس، يتحسر على الخبز اليابس.
وقلت أنا فيه:
في أمر سلاّر للألباب موعظةٌ ... لم يحتج العقل إذ يحتجّ برهانا
حوى كنوزاً إذا قارون قارنها ... طافت عليه من الأموال طوفانا
وبعد ذلك لم تقدر يداه على ... لبابة وقضى في الحبس جوعانا
فألف أفٍّ لدنيانا وزخرفها ... فما سمعناه عن سلاّر سلاّنا
الألقاب والأنساب
ابن السلار ناصر الدين أبو بكر بن عمر.
السلاري نائب مصر الأمير شمس الدين آقسنقر.
ابن سلام الشيخ شرف الدين الحسين بن علي.
سلامش
الأمير سيف الدين الظاهري.قارب التسعين.
كان من أمراء الديار المصرية. وكان صالحاً ديناً.
توفي - رحمه الله تعالى - في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة، ودفن برا باب النصر.
وكان أمير خمسين فارساً.
الألقاب والأنسابالسلامي الخواجة: مجد الدين إسماعيل بن محمد.
سيف الدينالشيخ الجليل الكبير الرجيحي بن سابق بن هلال بن يونس شيخ اليونسية.
كان له حرمة وافرة في الدولة، وعند أتباع جده وطائفتهم.
توفي - رحمه الله تعالى - يوم السبت خامس عشر شهر رجب سنة ست وسبع مئة، وصلي عليه بالجامع الأموي، وأعيد إلى الدار التي كان يسكنها داخل باب توما، وتعرف بدار أمين الدولة، فدفن بها، وحضره خلق من الأعيان والقضاة والأمراء.
وأجلس مكانه ولده فضل.
كان الشيخ سيف الدين مليح السيرة، ضخم الهامة جداً، هائل المنظر، محلول الشعر. ناهز السبعين سنة.
سيف بن سليمان
ابن كامل بن منصور بن علوان بن ربيعة الموازيني السلمي الزرعي، القاضي شرف الدين.
كان فقيهاً فاضلاً عفيفاً محترزاً، وله نظم، وعنده فوائد.
وولي عدة ولايات من أعمال دمشق نحواً من أربعين سنة. وكان فيها مشكوراً.
وولي بعلبك والقدس، وأقام به إلى أن توفي - رحمه الله تعالى - في ثالث عشري جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وسبع مئة.
ومولده سنة ثلاث وأربعين وست مئة.
وروي الحديث عن ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، ويوسف بن مكتوم، وغيرهم بدمشق والقدس.
سيف بن فضل بن عيسىالأمير سيف الدين من آل فضل الزواهر، ومن قوم عدادهم في الجماهر.
ولي إمرة آل فضل بعد ابن عمه أحمد بن مهنا، فما صفا له عيش ولا تهنا. وعزل عن الإمره، وخمدت منه الجمره، وما شرب من عزها كأس خمره، إلا أنه كان مطاعاً في الدوله، مشاراً إليه في الجوله، مقدماً في الدول القاهره، معنياً بأمور الباطنة والظاهره.
وكان قد أسره عمر بن موسى، ثم من عليه وأطلقه وجراحه لا تندمل منه ولا توسى.
ولم يزل على حاله إلى أن غص من الحسام بريقه، وشخص بصره من بريقه.
وقتل - رحمه الله تعالى - في أوائل سنة ستين وسبع مئة، قتله عمر بن موسى.
كان الأمير سيف الدين له وجاهة في الدولة من أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان كل قليل يتوجه إلى باب السلطان، ويعوده بما يختاره من الزيادات والإنعامات. وكان هو وإخوته وآل فضل أبيةً لا يدخلون في حكم أمير النقرة من أولاد مهنا، بل مرجع حوطاتهم وإفراجاتهم مختص به.
وكان قد ولي الإمرة بعد الأمير شهاب الدين أحمد بن مهنا في أيام الملك المظفر حاجي، فما مشى له حال، وضايقه أولاد مهنا، وقطعوا الطرقات على الناس وعجزوه، فأعيدت الإمرة إلى أحمد بن مهنا. وكان يرمى بعدم الصدق إلا أنه له الوجاهة في الدولة. ولقد رأيته وهو عند الأمير سيف الدين منجك نائب الشام بدار العدل، وقد جاء الأمير سيف الدين حيار بن مهنا من باب السلطان، وهو أمير النقرة، فجلس تحت الأمير سيف.
وقلت أنا فيه لما قتل - رحمه الله تعالى - :
سيف بن فضل كان في الدّهر لا ... يخاف من حينٍ ولا حيف
حتّى إذا ما خانه دهره ... أُنفذ حكم السّيف في سيف
سيفاه الأمير سيف الدينأحد أمراء الطبلخاناه بدمشق.
توفي - رحمه الله تعالى - في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة ست وخمسين وسبع مئة.
الألقاب والأنساب
السيف الحريري
اسمه أبو بكر.السيف البغدادياسمه عيسى بن داود
السيف الناسخيوسف بن محمد.
بنو سيد الناس: شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد. الشيخ فتح الدين محمد بن محمد بن محمد. وسعد الدين محمد بن محمد بن محمد.
وسعد الدين محمد بن محمد بن محمد.
السيد: ركن الدين النحوي، الحسن بن شرفشاه.
ابن سيد الأهل: الحسين بن علي.
ابن السيوفي: نجم الدين عيسى.
الألقاب والأنساب
السهروردي الشيخ شمس الدين
الكاتب أحمد بن يحيى.
حرف الشين
شاذي
الملك الأوحد تقي الدين بن الملك الزاهر مجير الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان بن يعقوب.كان أحد الأمراء بدمشق.
توجه مجرداً إلى جبال الجرد، فتوفي هناك في ثاني صفر سنة خمس وسبع مئة، وحمل إلى دمشق، ودفن بتربة الدار الأشرفية بسفح قاسيون.
وكان معظماً في الدولة أثيل المكارم عند الأفرم. وله اشتغال، وكان يحفظ القرآن العظيم، وسمع الحديث من الفقيه محمد اليونيني.
قال شيخنا البرزالي: وروي لنا عنه.
ومولده في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وست مئة بدمشق.
وكان له بالأمور دربة وخبرة تامة.
شاذي بن بدليكالأمير سيف الدين أخو الأمير شهاب الدين أحمد الساقي، المقدم ذكره.
كان أولاً من جملة البريدية بمصر، ثم إنه أعطي طبلخاناه بحلب، وأقام بها. وخرج على الصالح صالح، وحضر مع بيبغاروس إلى دمشق، وهرب معه. وكان في جملة من أمسك على حلب، وأحضروه إلى دمشق.
وكان في جملة من وسط بسوق الخيل بدمشق في شوال سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة.
الألقاب والأنساب
الشارعي
المحدث إسماعيل بن إبراهيم.الشارمساحي الشاعر
أحمد بن عبد الدائم.
ابن الشاطبيعلاء الدين علي بن يحيى.
الشاطبي يوسف بن أحمد.
شافع بن علي
ابن عباس بن إسماعيل بن عساكر الكناني العسقلاني ثم المصري: الشيخ الإمام الأديب ناصر الدين سبط الشيخ عبد الظاهر بن نشوان.روى عن الشيخ جمال الدين محمد بن مالك، وغيره.
وروى عنه الشيخ أثير الدين، وعلم الدين البرزالي، وجمال الدين إبراهيم الغانمي وغيره من الطلبة.
كتب المنسوب فأحسنه، وجود طريقه وأتقنه، فإذا خط غض الزهر عينه، وطلب من العقود دينه، وإذا نظم القريض نظرت النجوم بطرف غضيض، وإذا نثر فضح الدرر، ملأ الدنيا إنشاءً، وأبرزها كالنجوم زهرت عشاء.
وكثر من التصانيف وما ارتابت فيها العقول، وقال فسمع الناس ما يقول.
كتب الإنشاء بمصر زمانا، ونظم قلائده على جيد الزمان عقيانا. إلا أنه أضر بأخرة، فعدم الناس طروسه الموشاه، ورقاعه التي هي بالزاهر مفشاه، ولكن فوائد نظمه ونثره تسيل ملء الحقائب، وصوب قريحته إذا انجلت سحائب منه أعقبت بسحائب.
ولم يزل على حاله إلى أن شافه شافعاً حينه، وحل على وجوده من العدم دينه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في سنة ثلاثين وسبع مئة في سابع عشري شعبان، ودفن بالقرافة.
ومولده سنة تسع وأربعين وست مئة.
كان قد أصابه سهم في نوبة حمص الكبرى سنة ثمانين وست مئة في صدغه، فعمي بعد ذلك، ولازم منه بيته.
وكان جماعةً للكتب؛ أخبرني من لفظه شهاب الدين البوتيجي الكتبي بالقاهرة، قال: خلف ثماني عشرة خزانة كتباً نفائس أدبية، وكانت زوجته تعرف ثمن كل كتاب، وبقيت تبيع منها إلى أن خرجت من القاهرة سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.
وأخبرني البوتيجي أيضاً، قال: كان إذا لمس الكتاب وجسه، قال: هذا الكتاب الفلاني، وهو لي ملكته في الوقت الفلاني، وإذا أراد أي مجلد كان، قام إلى خزانته وتناوله منها كأنه الآن وضعه بيده.
اجتمعت به أنا في القاهرة سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، واستنشدني شيئاً من نظمي، فأنشدته لنفسي:
إن وردي من الحمام قريب ... فلهذا أمست دموعي مفاضه
ولكم جهد ما يكون بعيداً ... ومشيبي رشاش تلك المخاضه
فأنشدني من لفظه لنفسه:
قال لي من رأى صباح مشيبي ... عن شمالٍ من لمّتي ويمين
أيّ شيء هذا ؟ فقلت مجيباً ... ليل شكٍّ محاه صبح يقين
وأنشدني هو من لفظه لنفسه:
تعجّبت من أمر القرافة إذ غدت ... على وحشة الموتى بها قلبنا يصبو
فألفيتها مأوى الأحبّة كلّهم ... ومستوطن الأصحاب يصبو له القلب
فأنشدته أنا لنفسي:
ألا إنّ القرافة إن غدونا ... تميل لها القلوب ولا عجيبا
فما فينا مصابٌ قطّ إلاّ ... تضمّ له قريباً أو حبيبا
وأنشدني هو أيضاً لنفسه:
وبي قامةٌ كالغصن حين تمايلت ... وكالرّمح في طعن يقدّ وفي قدّ
جرى من دمي بحرٌ بسهم فراقه ... فخضّب منه ما على الخصر من بند
وأنشدته أنا لنفسي:
قد شدّ حبّي بندا ... في حمرةٍ مثل خدّه
كخاتمٍ من عقيقٍ ... قد زان خنصر قدّه
فقال: لو اتفق لك خنصر خصره لكان أحسن، فقلت:
في حمرة البند معنى ... ممن سباني بهجره
كخاتمٍ من عقيقٍ ... قد زان خنصر خصره
وكتبت له أستدعي إجازته، ونسخة ذلك: المسؤول من إحسان سيدنا الشيخ الإمام المفيد القدوة جامع شمل الأدب، قبلة أهل السعي في تحصيله والدأب:
أخي المعجزات اللائي أحرزن طرسه ... كأُفقٍ به للنيّرات ظهور
وما ثمّ إلا الشّمس والبدر في السّما ... وهذا شموسٌ كلّه وبدور
البليغ الذي أثار أوابد الكلم من مظان البلاغه، وأبرز عقائل المعاني تتهادى في تيجان ألفاظه، فجمع بين صناعة السحر والصياغه، وأبدع في طريقته المثلى فجلت عن المثل، وأنبت في رياض الأدب غروس فضل لا تقاس بدوحات البان ولا الأثل، وأظهر نظامه عقوداً حلت من الزمان كل ما عطل، وقال لسان الحال ممن يتعاطاه: مكره أخاك لا بطل، وجلا عند نثاره كلمات مقصورات في خيامه، وذر على كافور قرطاسه من أنفاسه مسك ختامه، ناصر الدين شافع بن علي
لا زال في هذا الورى فضله ... يسير سير القمر الطّالع
حتّى يقول النّاس إذ أجمعوا ... ما مالك الإنشا سوى شافع
إجازة كاتب هذه الأحرف ما يجوز له روايته من كتب الحديث وأصنافها، ومصنفات العلوم على اختلافها، إلى غير ذلك كيفما تأدى إليه من مشايخه الذين أخذ عنهم من قراءة أو سماع أو إجازة أو مناولة أو وصية. وإجازة ماله - فسح الله في مدته - من تأليف ووضع، وتصنيف وجمع، ونظم ونثر. والنص على ذكر مصنفاته وتعيينا في هذه الإجازة إجازةً عامة على أحد القولين في مثل ذلك. والله يمتّع بفوائده، وينظم على جيد الزّمن عنه بيد غيره من إنشائه.
أما بعد، فالحمد لله الذي أمتع من الفضلاء بكل مجيز ومستجيز، وأشهد من معاصري ذوي الدراية والرواية من جمع بين البسيط من علو الإسناد والوجيز. نحمده على نعمه التي يجب له عليها الإحماد، ونشكره على تهيئة فضلها المخول شرف الإسعاف والإسعاد، ونصلي على سيدنا محمد المعظمة رواة حديثه، وحق لهم التعظيم، العالية قدراً وسندا، من شأنه التبجيل والتفخيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وما أحقهم بالصلاة والتسليم.
وبعد، فإني وقفت على ما التمسه الإمام الفاضل، الصدر الكامل، المحدث الصادق، العلي الإسناد، الراقي درجات علم الحديث النبوي بعلو روايته السائرة على رؤوس الأشهاد، وهو غرس الدين خليل بن أيبك:
وحسبي به غرساً تسامى أصالةً ... إلى أن سما نحو السماء علاؤها
حوى من بديع النّظم والنّثر ما رقى ... إلى درجاتٍ لا يرام انتهاؤها
استجاز - أعزه الله - فأتى ببديع النظم والنثر في استجازته، وقال فأبدع في إبدائه وإعادته، وتنوع في مقالهما فأسمع ما شنف الأسماع، وأبان عما انعقد على إبداعه الإجماع، وقال فما استقال، ورتل آي محكم كتابه فتميز وحق له التميز على كل حال.
وقد أجبته إلى ما به رسم جملةً وتفصيلا، وأصلاً وفرعا، وأبديت به وجهاً من وجوه الإجابة جميلا، ما يجوز لي روايته من كتب الحديث وأصنافها، ومصنفات العلوم حسب إجازة ألافها، حسبما أجزت به من المشايخ الذين أخذت عنهم، وسألت الإجازة منهم، بقراءة أو سماع أو مناولة أو وصية، ومالي من تأليف ووضع، ونظم ونثر وجمع، كشعري المتضمنة الديوان المثبت فيه، ومناظرة الفتح بن خاقان المسمى شنف الآذان في مماثلة تراجم قلائد العقيان، وسيرة مولانا السلطان الملك الناصر المتضمنة أجزاء متعددة، وسيرة والده السلطان الشهيد الملك المنصور المتضمنها جزء واحد التي حسنتها على ألسنة الرعايا متعددة، وسيرة ولده الملك الأشرف، ونظم الجواهر في سيرة مولانا السلطان الملك الناصر، أيضاً نظماً، وما يشرح الصدور من أخبار عكا وصور، والإعراب عما اشتمل عليه البناء الملكي الناصري بسرياقوس من الإغراب، وإفاضة أبهى الحلل على جامع قلعة الجبل، وقلائد الفرائد وفرائد القلائد فيما لشعراء العصريين من الأماجد، ومناظرة ابن زيدون في رسالته، وقراضات الذهب المصرية في تقريظات الحماسة البصرية، والمقامات الناصرية، ومماثلة رسائل ما حل من الشعر، وتضمين الآي الشريفة والأحاديث النبوية في المثل السائر، والمساعي المرضية في الغزوة الحمصية، وما ظهر من الدلائل في الحوادث والزلازل، والمناقب السرية المنتزعة من السيرة الظاهرية، والدر المنظم في مفاخرة السيف والقلم، والحكام العادلة فيما جرى بين المنظوم والمنثور من المفاضلة، والرأي الصائب في إثبات ما لا بد منه للكاتب، والإشعار بما للمتنبي من الأشعار، وتجرية الخاطر المخاطر في مماثلة فصوص الفصول وعقود العقول مما كتب به القاضي الفاضل في معنى السعيد بن سناء الملك، وعدة الكاتب وعمدة المخاطب، وشوارد المصائد فيما لحل الشعر من الفوائد، ومخالفة المرسوم في الوشي المرقوم، ومالي غير ذلك من حل نظم ونظم حل، ورسائل فيما قل أو جل. وما يتفق لي بعد ذلك من نظم ونثر وتأليف وجمع حسبما التمسه مني بمقتضى إجازته، وإيدائه وإعادته. وكتب في يوم الأحد خامس عشر صفر سنة تسع وعشرين وسبع مئة.
وكتب بخط يده بعد ذلك: أجزت له جميع ذلك بشرطه، وكتب: شافع بن علي بن عباس.
وأنشدنا إجازة له:
أرى الخال من وجه الحبيب بأنفه ... وموضعه الأولى به صفحة الخدّ
وما ذاك إلا أنّه من توقّدٍ ... تسامى يروم البعد من شدّة الوقد
وأنشدني له إجازة، وقد احترقت الكتب أيام الأشرف:
لا تحسبوا كتب الخزانة عن سدى ... هذا الذي قد تمّ من إحراقها
لمّا تشتّت شملها وتفرّقت ... أسفت فتلك النار من زفراتها
وأنشدني إجازة له:
شكا لي صديقٌ حبّ سوداء أُغريت ... بمصّ لسانٍ لا تملّ له وردا
فقلت له: دعها تلازم مصّه ... فماء لسان الثّور ينفع للسّودا
وأنشدني له إجازة:
قل لمن أطرى أبا دلفٍ ... بمديحٍ زاد في غرره
كم رأينا من أبي دلفٍ ... خبره يربي على خبره
ثمّ ولّى بالممات وما ... ولّت الدّنيا على أثره
وأنشدني له إجازة في انكفاف بصره:
أضحى وجودي برغمي في الورى عدماً ... إذ ليس لي فيهم وردٌ ولا صدر
عدمت عيني ومالي فيهم أثرٌ ... فهل وجودٌ ولا عينٌ ولا أثر ؟
وأنشدني له إجازة:
لقد فاز بالأموال قومٌ تحكّموا ... ودان لهم مأمورها وأميرها
نقاسمهم أكياسها شرّ قسمةٍ ... ففينا غواشيها وفيهم صدورها
وأنشدني له إجازة في سجادة خضراء:
عجبوا إذا رأوا بديع اخضرارٍ ... ضمن سجّادةٍ بظلٍّ مديد
ثمّ قالوا: من أيّ ماءٍ تروّى ؟ ... قلت: ماء الوجوه عند السّجود
وأنشدني له إجازة في ممسحة القلم:
وممسحةٍ تناهى الحسن فيها ... فأضحت في الملاحة لا تبارى
ولا نكر على القلم الموافي ... إذا في ضمنها خلع العذارا
وأنشدني له إجازةً في شبابة:
سلبتنا شبّابةٌ بهواها ... كلّ ما ينسب اللّبيب إليه
كيف لا والمحسن القول فيها ... آخذٌ أمرها بكلتا يديه
وأنشدني له إجازة:
ومن عجبٍ أنّ السّيوف لديهم ... تكلّم من تأتمّه وهي صامته
وأعجب من ذا أنّها في أكفّهم ... تحيد عن الكفّ المدى وهي ثابته
وكتب إليه السراج الوراق، ومن خطه نقلت:
أيا ناصر الدين انتصر لي فطالما ... ظفرت بنصرٍ منك بالجاه والمال
وكن شافعاً فالله سمّاك شافعا ... وطابقت أسماءً بأحسن أفعال
وقدرك لم نجهله عند محمّدٍ ... لأن ابن عبّاسٍ من الصّحب والآل
قلت: يريد بمحمد هنا القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر.
وكتب إليه أيضاً، ومن خطه نقلت:
سيّدي اليوم أنت ضيفٌ كريمٌ ... فاق معنىً في جوده بمعان
لو رأى الفتح سؤدد الفتح هذا ... ما انتمى بعده إلى خاقان
أو رآه فتح المغارب صلّى ... بعلاه قلائد العقيان
وكأنّي أراكما في مجارا ... ة المعاني بحرين يلتقيان
وتطارحتما مذاكرةً تفتن ... ن منها أزاهر الأفنان
فإذا مرّ للصنائع ذكرٌ ... فاجعلاني في بعض من تذكران
ومن نثر الشيخ ناصر الدين شافع - رحمه الله تعالى - في شمعة، قوله:
شمعة ما استتم نبتها بروضة الأنس حتى نورن ولا نما بدوحة المفاكهة حتى أثمر. أومأ بنان تبلجها إلى طرق الهداية وأشار، ودل على نهج التبصر وكيف لا وهي علم في رأسه نار. كأنما هي قلم امتد بما أليق من ذهب، أو صعدة إلا أن سنانها من لهب، وحسبها كرماً أن جادت بنفسها، وأعلنت بإمتاعها على همود حسها، سائلها في الجود بامثالها مسؤول، ودمه بالعفو للصفو من سماحتها مطلول. تحيتها: عموا صباحاً بتألف فجرها، وتمام بدرها في أوائل شهرها. قد جمعت من ماء دمعها ونار توقدها بين نقيضين، ومن حسن تأثيرها وعين تبصرها بين الأثر والعين. كم شوهد منها في مدلهم الليل للشمس وضحاها، ومن تمام نورها للنجم إذا تلاها، وكم طوى باع أنملتها المضيئة رداء الليل إذا يغشاها. قد غيرت ببياض ساطع نورها على الليل من أثواب الحداد، وتنزلت منه منزلة النور الباصر ولا شبهة أن النور في السواد. إن تمايل لسان نورها فالإضاءة ذات اليمين وذات الشمال، وإن استقام على طريقة الإنارة فلما يلزم إنارتها من الإكمال. نارها إنما هو من تلاعب الهوى بحشاها، ونحولها بمكابدة تعذيبها بما من الاصفرار يغشاها. كم عقدت على سفك دمها مع البراءة من العقوق من محافل، وكم قتلت على إطفاء نائرها، ولا ثائرة من قاتل، فهي السليمة التي كم بات من زبان صرفها بليله السليم، وكم أجدى نفسها على نفسها بنفح روح ربها من عذاب أليم.
وأنشدني لنفسه إجازة:
ولمّا أتانا ابن تيميةٍ ... وحقّق بالخبر منه الخبر
أذبنا عقيدة تجسيمه ... بريق بريق سيوف النّظر
وأنشدني أيضاً:
قالوا: ألا تنظر ما قد جرى ... من حنبليٍّ زاد في لغوه
فقلت: هذا خشكنان، أنا ... والله ما أدخل في حشوه
الألقاب والأنسابابن الشحام: نجم الدين عبد الرحيم بن عبد الرحمن.
ابن شراقي: علم الدين عبيد الله.
شرف بن أسد المصريشيخ ماجن، ماجن كما جن، ولا غسل ما حمل في ردنه من السخف ماء النيل ولا الأردن، خليع أربى على الجديد والخليع، وأنسى الناس ذكر صريع الدلاء بما له من الصنيع، ومتهتك ليس بعار من العار، ولا بمبال أي ثوبيه لبس أنقي من التقوى أو إزار من الأوزار ؟، ظريف يصحب الكتاب، ويعاشر الشعراء وأهل الآداب، ويشبب في المجالس على القينات، ويسبب الفتيان للفتيات، لو رآه ابن حجاج ما حجه، أو ابن الهبارية لكان هباءً في تلك المحجه. وكان يمدح الأكابر والأصاغر، ولا يزال ذا كيس فارغ وفم فاغر. وله عدة مصنفات مملوءة بالخرافات والترهات، من مشاشاة الخليج وزوائد المصريين التي كالروض البهيج، وهي موجودة بالديار المصرية بين عوامهم وخواصهم، وفي رفوف ذخائرهم ومناصهم.
ولم يزل على حاله إلى أن مجه المجون وابتلعته الحفره، ولقي من الله تعالى عفوه وغفره.
وتوفي رحمه الله تعالى بعد مرض مزمن في سنة ثمان وثلاثين أو سبع وثلاثين وسبع مئة، وكان في عشر السبعين.
ورأيته غير مرة، وأنشدني شيئاً كثيراً من أشعاره ومن بلاليقه وأزجاله وموشحاته.
ووضع كتاباً في مادة كتاب ابن مولاهم في الصنائع، إلا أن الذي لابن مولاهم في خمسين صنعة، والذي لابن أسد في ألف ومئتي صنعة، ومنها مئتا صنعة تختص بالنساء، وهذا عمل كثير واستقراء عتيد.
وكان عامي العلم، فاضلي الطباع، يقع في شعره الجناس والتورية والاستخدام وسائر أنواع البديع، وإن لم يكن ذلك في بعض المواضع قاعداً من حيث العلم.
وأنشدني من لفظه لنفسه قطعةً من تغزل شذت عني، ولم أحفظ منها إلا قوله:
الظبي يسلح في أرجاء لحيته ... والغصن يصفعه إن ماس بالقدم
وأنشدني من لفظه لنفسه بالقاهرة في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة بليقة، وهي:
رمضان كلّك فتوّه ... وصحيح دينك عليّه
وأنا في ذا الوقت معسر ... واشتهي الإرفاق بيّه
حتّى تروى الأرض بالنيل ... ويباع القرط بدري
واعطك الدرهم ثلاثه ... وأصوم شهرين وما أدري
وإن طلبتني في ذا الوقت ... فأنا أثبتّ عسري
فامتهل واربح ثوابي ... لا تربحني خطيّه
وتخلّيني أسقّف ... طول نهاري لا عشيّه
لك ثلاثين يوم عندي ... اصبر اعطي المثل مثلين
ون عسّفتني ذا الأيام ... ما اعترف لك قطّ بالدّين
وانكرك واحلف وقل لك ... أنت من اين وانا من اين
واهرب اقعد في قمامه ... أو قلالي بولشيّه
وآجي في عيد شوّال ... واستريح من ذي القضيّه
ولاّ خذ منّي نقيده ... في المعجّل نصف رحلك
صومي من بكره إلى الظهر ... وأقاسي الموت لآجلك
واصوم لك شهر طوبه ... ويكون من بعض فضلك
إيش أنا في رحمة الله ... من أنا بين البريّه
أنا إلاّ عبد مقهور ... تحت أحكام المشيّه
من زبونٍ نحس مثلي ... رمضان خذ ما تيسّر
أنت جيت في وقت لو كان ... الجنيد في مثلو أفطر
هوّن الأمور ومشّي ... بعلي ولا تعسّر
وخذ ايش ما سهّل الله ... ما الزبونات بالسويّه
الملي خذ منّو عاجل ... وامهل المعسر شويّه
ذي حرور تذوّب القلب ... ونهار أطول من العام
وانا عندي أيّ من صام ... رمضان في هذي الأيام
ذا يكون الله في عونو ... ويكفّر عنّو الآثام
وجميع كلامي هذا ... بطريق المضحكيّة
والله يعلم ما بقلبي ... والذي لي في الطويّه
ووضع فيما وضع حكايةً حكاها لي، وهي: اجتاز بعض النحاة ببعض الأساكفة فقال له: أبيت اللعن، واللعن يأباك، ورحم الله أمك وأباك، وهذه تحية العرب في الجاهلية قبل الإسلام، لكن عليك أفضل السلام، والسلم والسلام، ومثلك من يعز ويحترم ويكرم ويحتشم. قرأت القرآن، والتيسير والعنوان والمقامات الحريريه، والدرة الألفية، وكشفا الزمخشري، وتاريخ الطبري، وشرحت اللغة مع العربية على سيبويه ونفطويه، والحسين بن خالويه، والقاسم بن كميل، والنضر بن شميل، وقد دعتني الضرورة إليك، وتمثلت بين يديك، لعلك تتحفني من بعض صنعتك، وحسن حكمتك بنعل يقيني الحر، ويدفع عني الشر، وأعرب لك عن اسمه حقيقا، لأتخذك بذلك رفيقا، ففيه لغات مؤتلفه، على لسان الجمهور مختلفه؛ ففي الناس من كناه بالمداس، وفي عامة المم من لقبه بالقدم، وأهل شهرنوزه سموه بالسارموزة، وإني أخاطبك بلغات هؤلاء القوم، ولا إثم علي في ذلك ولا لوم. والثالثة بك أولى، وأسألك أيها المولى أن تتحفني بسارموزة، أنعم من الموزة، أقوى من الصوان، وأطول عمراً من الزمان، خالية البواشي، مطبقة الحواشي، لا يتغير علي وشيها، ولا يروعني مشيها، لا تنقلب إن وطئت بها جروفا، ولا تنفلت إن طحت بها مكاناً مخسوفا، لا تلتوق من أجلي، ولا يؤلمها ثقلي، ولا تمترق من رجلي، ولا تتعوج ولا تتلقوج، ولا تنبعج ولا تنفلج، ولا تقب تحت الرجل، ولا تلصق بخبز الفجل. ظاهرها كالزعفران، وباطنها كشقائق النعمان، أخف من ريش الطير، شديدة البأس على السير، طويلة الكعاب، عالية الأجناب، لا يلحق بها التراب، ولا يغرقها ماء السحاب، تصر صرير الباب، وتلمع كالسراب، وأديمها من غير جراب، جلدها من خالص جلود المعز، ما لبسها ذليل إلا افتخر بها وعز، مخروزة كخرز الخردفوش، وهي أخف من المنفوش، مسمرة بالحديد ممنطقه، ثابتة في الأرض الزلقه، نعلها من جلد الأفيلة الخمير لا الفطير. وتكون بالنزر الحقير.
فلما أمسك النحوي من كلامه وثب الإسكافي على أقدامه، وتمشى وتبختر، وأطرق ساعةً وتفكر، وتشدد وتشمر وتحرج وتنمر ودخل حانوته وخرج، وقد داخله الحنق والحرج، فقال له النحوي: جئت بما طلبته ؟ قال: بل بجواب ما قلته، فقال: قل وأوجز، وسجع ورجز. فقال: أخبرك أيها النحوي أن الشرسا بجزوى شطبطاب المتقرقل والمتقبعقب لما قرب من قرى قرق القرنقنقف طرق زرنات شراسيف قصر القشتنبع من جانب الشرسنكل، والديوك تصهل كنهيق زقازقيق الصولجانات والحرفرف الفرتاح ببيض القرقنطق والزعر برجوا حلبنبوا يا حيز من الطيز بحيح بحمندل بشمرد نوخاط الركبنبو شاع الخبربر بجفر الترتاح بن بسوشاخ على لؤي بن شمندح بلسان القرواق، ماز كلوخ أنك أكيت إرس برام المستنطح بالشمرلند مخلوط، والزيبق بجبال الشمس مربوط، علعل بشعلعل مات الكركندوس، أدعوك في الوليمة يا تيس تش يا حمار بهيمة، أعيذك بالزحواح، وأبخرك بحصى لبان المستراح، وأوقيك وأرقيك، وأرقيك برقوات مرقات قرقران البطون، لتخلص من داء السرسام والجنون.
ونزل من دكانه مستغيثاً بجيرانه، وقبض لحية النحوي بكفيه، وخنقه بإصبعيه حتى خر مغشياً عليه، وبربر في وجهه وزمجر، وناء بجانبه واستكبر، وشخر ونخر، وتقدم وتأخر، فقال النحوي: الله أكبر، الله أكبر، ويحك أأنت تجننت !؟ فقال له: بل أنت تخرفت، والسلام.
قلت: في غالب ألفاظ كلامه الذي عزاه إلى النحوي نظر وأغلاط كثيرة، والمقطع الذي ختم به الحكاية بارد ما ملح فيه ولا ظرف، وكان ينبغي أن يكون حاراً هزازاً نادراً حلواً حالياً خاليا، كما المعهود في مثل هذه الحكايات الموضوعة، كما لو قال له النحوي: ويلك ما هذا العفان، قال: من ذلك الهذيان، أو ما أشبه ذلك.
اللقب والنسبابن الشريشي: الشيخ كمال الدين أحمد بن محمد.
شطي بن عبيةالأمير بدر الدين أمير آل عقبة عرب البلقاء وحسبان والكرك إلى تخوم الحجاز.
كان شكلاً حسناً تام الخلق، محبوباً إلى القلوب بوجهه الطلق، يقربه السلطان ويدنيه، ويضمه إلى كنفه ويؤويه. يطلع إليه كل عام بقوده، ويفوز من إنعامه بجوده، ويجلسه في أعلى ذروة من طوده، ويحمده في وفادته عليه عقبى عوده.
وهو زعيم قومه، والمتغالي في سومه، إذا شط شطي عن دراهم نزلوا به عن أقدارهم، فكم على لبني عقبة من عقبه، وكم فك بجاهه لرقبائهم من رقبه.
ولم يزل على حاله إلى أن شط من شطي مزاره، وبعد عن الرؤية وإن قربت داره.
وتوفي رحمه الله تعالى ليلة عيد الأضحى سنة ثمان وأربعين وسبع مئة، لأنه كان قد توجه إلى قرب المدينة الشريفة النبوية، صلوات الله وسلامه على ساكنيها، ونزل على بني لام، ولما كان ليلة العيد شكا وقال: كتفي كتفي، فأحضر بعض جواريه ناراً وأحمت حديداً وكوته يسيرا، ثم إنها توجهت لتعيد الحديدة إلى النار، ولما جاءت وجدته قد قضى نحبه رحمه الله.
وأعطى مكانه لولديه أحمد ونصير.
وهو في هؤلاء العربان المذكورين نظير مهنا بن عيسى في آل فضل، إلا أن مهنا وأولاده أكبر عند الملوك، وأوجه عند سلاطين مصر، لكن كان الملك الناصر محمد يخلع على شطي الأطلس الأحمر والطرز الزركش أيضاً.
الشطنوفي: نور الدين علي بن يوسف.
شعبان بن أبي بكر بن شعبانالشيخ الصالح أبو البركات الإربلي الفقير القادري، صاحب الشيخ الحافظ جمال الدين بن الظاهري، لازمه مدة، وطاف معه يسمع على الأشياخ بمصر والإسكندرية ودمشق، وكان عنده أجزاء من عواليه، وخرج له ابن الظاهري مشيخةً وسمعها منه العلامة تاج الدين الفزاري والكبار.
سمع من عثمان الشارعي، وعلي بن شجاع، ومحمد بن أنجب النعال، وعبد الغني بن بنين، وكان يعرف شيوخه، ويحكي حكايات حسنة.
وتوفي رحمه الله تعالى في شهر رجب سنة إحدى عشرة وسبع مئة، عن سبع وثمانين سنة. وكانت جنازته من الجنائز التي يقل نظيرها، حضرها القضاة والعلماء والأمراء والصدور والكتاب والمشايخ وعامة الناس.
وكان قد خرج من إربل صبيا، ونشأ بحلب، ودخل القاهرة وأقام بها مدة، وعاد إلى دمشق، وأقام إلى أن مات في التاريخ.
شعبان
الأمير شهاب الدين ابن أخي الأمير سيف الدين ألماس أمير حاجب الناصري، أو لزمه. لما توفي الأمير شرف الدين أمير حسين بن جندر تزوج هذا شعبان ابنته مغل بجاه ألماس لأنه كان خالها، ولما غضب السلطان على ألماس وقتله أخرج هذا شعبان إلى غزة، فأقام بها مدة، ثم لما مات السلطان رجع إلى مصر لأنه كان بينه وبين الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي قرابة أيضاً، وخرج معه إلى حماة وحلب وحضر معه إلى دمشق، وهو أمير طبلخاناه، وأقام بها إلى أن جرى ليلبغا ما جرى، فأمسك هو وأخوه يلبغا وجهزوا إلى مصر، ثم أفرج عنه.
وبقي في مصر مدة، ثم جهز إلى حلب فأقام بها أميراً مدة، ثم حضر إلى دمشق أميراً في أوائل سنة أربع وخمسين وسبع مئة، وأقام بها إلى أن مرض.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثالث عشر شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبع مئة، وترك عليه ديوناً كثيرة، ولم يخلف شيئا.
وكان الأمير سيف الدين طقطاي الدوادار قد زوج ابنته من بنت أمير حسين، ثم إنه طلقها بعد مدة.
كان الأمير شهاب الدين شكلاً ظريفا، قريباً على القلوب خفيفا، تقلبت به الأحوال، ومرت عليه في الأنكاد أعوام وأحوال، وكان إذا حكاها أشجى القلوب وأنكاها، وأقذى العيون وأبكاها.
ولم يزل في سعده خاملا، ولثقل الديون حاملا، إلى أن راح إلى الله بحملته وذهب بجملته، رحمه الله تعالى.
شعبان بن محمد بن قلاوونالسلطان الملك الكامل سيف الدين، ابن السلطان الملك الناصر محمد، ابن السلطان الملك المنصور.
كان ملكاً مهيبا، وسلطاناً لو ترك أضرم الدهر لهيبا، يتوقد ذكاءً وفطنه، وينفذ نظره في المصالح نفوذ النار في القطنه، متطلعاً إلى الملك وسياسة الرعايا، ويعجز بذهنه من ناظر أو عايا، لم يخل بالجلوس للخدمة طرفي النهار مع لعبه ولهوه، ولا رمي أمر من مهمات الملك بذهوله عنه وسهوه.
وكان مستبداً برأيه جازما، آخذاً بالاحتياط حازما، وكان متطلعاً إلى جمع المال وإحرازه، وادخاره واكتنازه. وأقام ديواناً يرأسه للبذل، ولم يقبل في ذلك برهان لوم ولا حجة عذل.
وحليته دون إخوته أنه أشقر أزرق العين، محدد الأنف ليس بالشين.
ولم يزل على حاله إلى أن استراح له التعبان، وفتح من خلعه فك ثعبان لشعبان، وذلك يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وسبع مئة.
وكانت مدة ملكه سنةً واحدة وسبعة عشر يوماً، لأنه لما مات أخوه الصالح إسماعيل، على ما تقدم في ترجمته قيل: إنه أوصى له بالملك بعده، لأنه كان شقيقه، فاختلفت الخاصكية عليه، ومالت فرقة إلى أخيه حاجي المقدم ذكره، وفرقة إلى شعبان، فذكره الأمير سيف الدين أرغون العلائي للأمير سيف الدين ألملك النائب بمصر، فقال له: بشرط ألا يلعب بالحمام، فبلغه ذلك، فنقم هذا الأمر عليه.
ولما جلس على كرسي الملك أخرجه إلى الشام نائبا، ثم إنه من الطريق جهزه إلى صفد نائبا، وطلب الأمير طقزتمر نائب الشام ليبقى في نيابة مصر.
وكان جلوسه على تخت الملك يوم الخميس بعد دفن أخيه، وحلفوا له يوم الجمعة ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبع مئة. وحضر الأمير سيف الدين بيغرا إلى الشام، وحلف له أمراء دمشق، ثم إنه أخرج الأمير سيف الدين قماري أخا بكتمر إلى طرابلس، وأخرج الأمير حسام الدين طرنطاي البشمقدار إلى الشام.
وهابه الناس وأعظموه وخافوه، وفتح باب قبول البذل في الإقطاعات والوظائف، وجعل لذلك ديواناً قائم الذات. وكان يعين البذل في المناشير، وهو مبلغ ثلاث مئة درهم فما فوقها، فما استحسن الناس منه ذلك، وكانت نفسه في هذا الباب ساقطة.
وأنشدني من لفظه لنفسه الأديب جمال الدين محمد بن نباتة:
جبين سلطاننا المرجّى ... مبارك الطالع البديع
يا بهجة الدهر إذ تبدّى ... هلال شعبان في ربيع
ولم يزل على حاله إلى أن برز الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي إلى ظاهر دمشق، على ما سيأتي في ترجمته، وجرى من الأمير سيف الدين ملكتمر والأمير شمس الدين آقسنقر ما تقدم في ترجمته وترجمة المظفر حاجي، فخلع من الملك، ودخلوا به إلى السجن، وأخرجوا أخاه المظفر حاجي وأجلسوه على تخت الملك.
أخبرني من لفظه سيف الدين أسنبغا دوادار الأمير سيف الدين أرغون شاه، وكان أرغون شاه يومئذ أستاذ دار السلطنة، قال: مددنا السماط على أن يأكله الكامل، وجهزنا طعام حاجي إليه ليأكله في سجنه، لأن الكامل أخاه كان قد أمسكه واعتقله، فخرج حاجي أكل طعام السلطان، ودخل الكامل فأكل طعام حاجي في سجنه مكانه، وهذا أمر غريب، وكائن عجيب، فسبحان من بيده أزمة الأمور يصرفها كيف يشاء.
وقلت أنا في واقعته:
بيت قلاوون سعاداته ... في عاجلٍ كانت بلا آجل
حلّ على أملاكه للردى ... دين قد استوفاه بالكامل
شعيب بن محمد بن محمدابن محمد بن ميمون المري المغربي الأصل.
أخبرني العلامة شيخنا أثير الدين من لفظه، قال: أنشدنا المذكور من لفظه لنفسه، ومولده بساحل بر الحجاز بموضع يسمى قبر عنتر، ثاني عشر القعدة سنة ستين وست مئة، هكذا ذكر، وأنشدنا ما ذكر أنه نظمه:
هزّوا الغصون معاطفاً وورودا ... وجلوا من الورد الجنيّ خدودا
وتقلّدوا فترى النجوم مباسماً ... وتبسّموا فترى الثغور عقودا
وغدا الجمال بأسره في أسرهم ... فتقاسموه طارفاً وتليدا
فإذا ولدن أهلّة وإذا سرح ... ن جاذراً وإذا حملن أسودا
وإذا لووا زرد العذار على النّقا ... جعلوا اللّوى فوق العقيق زرودا
رحلوا عن الوادي فما لنسيمه ... أرجٌ ولم أر في رباه الغيدا
وذوت غصون البان فيه فلم تمس ... طرباً ولم أسمع به تغريدا
فكأنما هم بانه وغصونه ... وظبا رباه وظلّه ممدودا
نصبوا على ماء العذيب خيامهم ... فلأجلهم عذب العذيب ورودا
وتحمّلت ريح الصّبا من عرفهم ... مسكاً يضوع به النسيم وعودا
قلت: شعر جيد، له ديباجة ورونق، وكأنه وقف على أبيات لابن قلاقس الإسكندري رحمه الله ورأى منزعها، فراعى ذلك المنزع، وأبيات ابن قلاقس هي:
عقدوا الشعور معاقد التيجان ... وتقلّدوا بصوارم الأجفان
وتوشحوا زرداً فقلت أراقمٌ ... خلعت ملابسها على الغزلان
ومشوا وقد هزّ الشباب قدودهم ... هزّ الكماة عوالي المرّات
جرّوا الذوائل والذوابل وانثنوا ... فثنوا عناني محصنٍ وحصان
ولربّما عطفوا الكعوب فواصلوا ... ما بين ليث الغاب والثعبان
في حيث أذكى السمهريّ شراره ... رفع الغبار لها مثار دخان
وعلا خطيب السيف منبر راحةٍ ... تتلو عليه مقاتل الفرسان
وأبيات ابن قلاقس أمتن وأجزل، إلا أن في أبيات شعيب بيتاً نادراً جيدا ليس لابن قلاقس مثله، وهو قوله:
وإذا لووا زرد العذار على النقا ...... البيت
لما فيه من حسن الصناعة ودقة التخيل، وتطبيق مفاصل النصف الثاني على النصف الأول.
ومثل هذه الأبيات قطعة لأبي محمد عبد الله بن البين، وهي:
غصبوا الصّباح فقسّموه خدودا ... واسترهفوا قضب الأراك قدودا
ورأوا حصى الياقوت دون محلّهم ... فاستبدلوا منه النجوم عقودا
واستودعوا حدق المها أجفانهم ... فسبوا بهنّ ضراغماً وأسودا
لم يكف أن جلبوا الأسنّة والقنا ... حتى استعانوا أعيناً ونهودا
وتظافروا بظفائرٍ أبدوا لنا ... ضوء النهار بليلها معقودا
صاغوا الثغور من الأقاحي بينها ... ماء الحياة لو اغتدى مورودا
وكانت وفاة شعيب المذكور، رحمه الله، بالقاهرة سنة تسع عشرة وسبع مئة.
شعيب بن يوسف بن محمدالقاضي الفاضل شرف الدين أبو مدين، السيوطي المحتد، الأسنائي المولد.
قرأ الفقه على أبيه، وعلى أبي الحسن علي بن محمد الفوي. وقرأ النحو على تقي الدين بن الهمام السمهودي، والفرائض على عطا الله بن علي الأسنائي، وبحث المنهاج في الأصول على ابن غرة. وقرأ بعض عروض على الخطيب عبد الرحيم السمهودي.
واستنابه والده عنه في الحكم بأسوان، ثم إنه حضر بعد وفاة أبيه، رحمه الله، إلى القاهرة، فولاه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة مكان أبيه، واستمر إلى سنة تسع وعشرين وسبع مئة، ثم ولي قضاء إسنا وأدفو، ودرس بالمدرستين بأسوان وبالعزيه بإسنا.
وكان مع فضيلته خيراً في ذاته، منجمعاً عن لداته، حسن الصفات، مشغول الأوقات، قل من تعرض له بأذىً فسلم، أو أراده بسوء إلا وقابله الله بما علم، يعامل الله بسلامة صدره، فيقي الله عرضه كسوف بدره.
ولم يزل على حاله إلى أن اغتالت شعيباً شعوب، وقصفت قناة عمره ذات الكعوب.
توفي رحمه الله تعالى في ..... .
ومولده بإسنا سنة تسع وتسعين وست مئة.
قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي: شوش عليه بعض القضاة فلم يقم إلا أربعة أشهر، ثم عزل، ثم أرسل أبو العباس أحمد بن حرمي يذكر عنه قضية فلم يقم إلا شهراً واحداً وشنع عليه بأشنع منها.
وكان في عمل قوص ثلاثة قضاة، فصار الاثنان يقصدان أن يضما جهته إلى جهتيهما، فصرفا عن العمل، وأضيف إليه من كل جهة من جهات المذكورين جهة إلى جهته. ونظم بعضهم في ذلك:
إنّ القضاة ثلاثةٌ بصعيدنا ... قد حقّقوا ما جاء في الأخبار
قاضٍ بإسنا قد ثوى جنّة ... والقاضيان كلاهما في النار
هذا بحسن صفاته وفعاله ... وهما بما اكتسبا من الأوزار
وذكر كمال الدين له من هذا النوع وقائع عدة.
قلت: وكأن هذه الأبيات لكمال الدين جعفر رحمه الله تعالى. وهكذا نظم بعض أهل العصر، أظنه جمال الدين يوسف الصوفي رحمه الله تعالى في قاضي القضاة جلال الدين القزويني لما استناب القاضيين جمال الدين بن جملة، وفخر الدين المصري، رحمهم الله أجمعين وعفى عنهم، فقال:
قاضي القضاة ونائباه ثلاثة ... ............................
الألقاب والأنساب
الشقراوي
نجم الدين موسى بن إبراهيم.الشقاري عماد الدين يوسف
بن أبي نصير.
القاضي شقير أحمد بن عبد الله.
أمين الدين بن شقير
عبد الله بن عبد الأحد. وتقي الدين عمر بن عبد الله.
ابن الشماع: محمد بن عبد الكريم.ابن شكر الناسخ: محمد بن شكر. ونجم الدين يوسف بن أحمد.
شهاب بن علي بن عبد اللهالشيخ المبارك أبو علي المحسني.
شيخ أمي مقيم بتربة الفارس أقطاي بظاهر قلعة الجبل.
روى الكثير عن ابن المقير، وابن رواج، وتفرد بأجزاء.
وأخذ عنه شيخنا الذهبي، وقاضي القضاة العلامة تقي الدين السبكي، والوافي، وابن الفخر، وابن سامة، وطائفة.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وسبع مئة.
شهدة بنت عمرابن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن جرادة العقيلي الحلبي: السيدة الجليلة أم محمد بنت الصاحب كمال الدين أبي القاسم بن العديم.
سمعت بحلب من الكاشغري حضوراً سنة إحدى وعشرين وست مئة، وأجازها ثابت بن مشرف وغيره.
قال شيخنا البرزالي: وروت لنا عن الشيخ الحافظ ضياء الدين عمر بن بدر بن سعيد الموصلي حضوراً، ولم يرو لنا عنه سواها. وتزهدت وتركت اللباس الفاخر من حين توفى أخوها القاضي مجد الدين بن العديم.
توفيت رحمها الله تعالى بحلب في سنة تسع وسبع مئة.
ابن شواق: جلال الدين حسن بن منصور.
ابن شواق: علم الدين داود بن الحسن.
ابن شواق: علي بن منصور.
ابن الشياح: عبد العزيز بن محمد.
شيخوالأمير سيف الدين الساقي الناصري القازاني، من مماليك السلطان الملك الناصر.
كان أميراً بالقاهرة، ثم إنه خرج إلى دمشق في الأيام المظفريه بعد إمساك الأمير سيف الدين يلبغا، وصل إليها في شعبان سنة ثمان وأربعين وسبع مئة.
وكان من أحسن الأشكال وجهاً وقامه، ولبساً وعمامه. يتلو القرآن ويكتبه دائما، ويرى بعمل ما فيه قائما. وخطه روضة أينعت أزهارها، أو سماء تعاقبت فيها شموسها وأقمارها، لو رآه ابن هلال فتنه بدر وجهه، وعلم أنه ليس من طرزه ولا شبهه، ولو عاينه ابن مقلة قال: كذا يكون الإنسان، ومقل ما بيديه في حسن الخط من الإحسان. كتب بخطه المليح ربعة في ربع البغدادي الكبير، بقلم المحقق الذي يتعذر فيه التحرير، ووقفها بالجامع الأموي. وعنده مغالاة في الكتب النفيسة من كل فن.
وكان قد فوض إليه الأمير سيف الدين أيتمش النظر في أمر الجامع الأموي، فاسترفع حساب المباشرين، وتعب في أمره، وتولى أمره بنفسه، وفي ضمن هذا ورد المرسوم بطلبه إلى مصر في يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، فتوجه إلى القاهرة وأقام بها قريباً من عشرة أيام، ونزل به الأمر الذي وجب، وحل به القضاء المكنى أبا العجب.
وتوفي رحمه الله تعالى في إحدى الجماديين من السنة المذكورة، وكان قد أشيع أنه طلب للوزارة.
؟
شيخو
الأمير الكبير الأتابك سيف الدين الناصري.هو غير الأول، ومن صرح سعده وما تأول، وثبت سؤدده وما تحول، وكاد يكاثر أمواج البحار الزاخرة بما ملك وما تخول، وصدق الملك في أمره وما تقول، وكان قارون عصره، وعزيز مصره، وصاحب العقد والحل، والنقض والإبرام فيما حرم وما حل، وكانت الأمور به ماشيه، والخيرات فاشيه، وعيون حساده بأنوار سعوده عاشيه:
تعود على الدنيا عوائد فضله ... فأقبل منها كلّ ما كان أدبرا
بحلمٍ كأنّ الأرض منه توقّرت ... وجودٍ كأن البجر منه تفجّرا
فقوي بذلك حزبه، وأضاءت في الآفاق شهبه، وأنشأ خلقا كثيرا، وجعل في كل مملكة غير واحد أميرا، وأراهم من إحسانه وخلعه جنةً وحريرا، فكبر نوابه في البلاد وكثروا، وجروا طلقا في ميادين سعودهم وما عثروا.
ولم يزل على حاله إلى أن جرعه الدهر بغدره الأمرين، ونكد عيش جماعة كانوا على ملازمته مصرين، فجرح جراحة لم تندمل، وجعلت كل عين عليه بالدموع تنهمل.
وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة سادس عشري ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وسبع مئة.
كان قد حظي عند الملك المظفر، وزادت وجاهته حتى شفع في الأمراء إخوة يلبغا وفي الأمير عز الدين طقطاي الدوادار، وأخرجهم من سجن الإسكندرية، ثم إنه استمر في دولة الملك الناصر حسن أحد أمراء المشور، في اخر الأمر كانت القصص تقرأ عليه بحضرة السلطان في أيام الخدم، وصار زمام الدولة بيده، وساسها أحسن سياسة بسكون وعدم شر، وكان يمنع كل حزب من الوثوب على الآخر، وعظم شأنه.
ولم يزل على حاله إلى أن رسم السلطان بإمساك الوزير وأخيه الأمير سيف الدين بيبغاروس في طريق الحجاز، وكان شيخو قد خرج متصيداً إلى ناحية طنان، فلما كان يوم السبت رابع عشري شوال سنة إحدى وخمسين وسبع مئة رسم السلطان الملك الناصر حسن بإمساك الأمير سيف الدين منجك الوزير، وحلف الأمراء لنفسه، وكتب تقليد بنيابة طرابلس باسم الأمير سيف الدين شيخو، وجهز إليه مع الأمير سيف الدين طينال الجاشنكير، فتوجه إليه وأخذه من برا، وحضر به إلى دمشق، فوصل إليها ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة إحدى وخمسين، وعلى يده مرسوم السلطان بإقامته في دمشق أميراً على إقطاع الأمير سيف الدين تلك السلامي.
وتجهز تلك إلى القاهرة، فما وصل إلا وقد جاء على عقبه الأمير سيف الدين أرغون التاجي وعلى يده مرسوم بإمساكه وتجهيزه إلى باب السلطان، وتقييد مماليكه واعتقالهم بقلعة دمشق. ولما أمسك قرأ: " والفتنة أشدّ من القتل " ، وقال: أين الأيمان التي حلفناها ؟، وجهز سيفه صحبة الأمير سيف الدين طقتمر الشريفي، ثم جهز الأمير شيخو صحبة الأميرين مقيدا ومعهما الأمير سيف الدين جوبان وثلاثون جندياً يوصلونه إلى غزة، ولما وصلوا إلى قطيا توجهوا به إلى الإسكندرية، ولم يزل بها معتقلاً إلى أن خلع الملك الناصر حسن، وتولى الملك الملك الصالح صالح، فرسم بالإفراج عنه وعن بقية الأمراء الذين اعتقلوا مع الوزير منجك.
ووصل الأمير سيف الدين شيخو إلى القاهرة في رابع شهر رجب الفرد سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، ونزل الأشرفية، واستقر على عادته أولاً، وخرج مع السلطان الملك الصالح إلى الشام في واقعة بيبغاروس وتوجه إلى حلب هو والأمير طاز وأرغون الكاملي خلف بيبغاروس - على ما تقدم في ترجمة أرغون الكاملي - وعاد مع السلطان إلى القاهرة، ولما أقام بها صمم على العمل على إمساك بيبغاروس وأحمد الساقي وبكلمش بعد ما هربوا إلى الروم، فأمسكوا وحزت رؤوسهم، على ما تقدم في تراجمهم.
وصمم أيضاً على إمساك ابن دلغادر، فأمسك، ولم يزل به إلى أن أحضر إلى القاهرة ووسط وعلق على باب زويلة.
ثم إنه خرج بنفسه في طلب الأحدب الخارج بالصعيد، وأبعد في طلبه، وعدى مدينة قوص، فهرب أمامه وأمسك من جماعته جماعة كثيرة إلى الغاية، ووسطهم من مكان الظفر بهم إلى القاهرة، وأبلى في أمرهم بلاءً حسناً، وطهر الأرض منهم. وكان ذلك في أواخر سنة أربع وخمسين وسبع مئة وأوائل سنة خمس وخمسين. ولم يزل مظفراً منصوراً فيما يحاوله.
وقلت أنا فيه:
شيخو أمير الجيوش سار ... لأحدبٍ باسه لطيخ
أهمل أمر العقاب لمّا ... ريّش في ضعفه الفريخ
قولوا له أنت في ضلالٍ ... ما فيه خير وفيه ريخ
مالك قدّامه مطارٌ ... أنت صبيٌّ وذاك شيخو
ولم يزل على حاله إلى أن قيل له: إن الأمير سيف الدين جردمر أخا الأمير سيف الدين طاز والأمير ركن الدين عمر بن أحمد بن بكتمر الساقي قد أوقعا بينك وبين السلطان، وقد عزموا على الإيقاع بك، فتيقظ هو لهذا الأمر، وخلع السلطان الملك الصالح في يوم الاثنين ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبع مئة، وأخرج السلطان الملك الناصر حسن وأجلسه على التخت، وحلف له هو والعساكر، وأخرج الأمير سيف الدين طاز إلى حلب نائبا ومعه إخوته، واستقر هو بالقاهرة على حاله، كل الأمور راجعة إلى أمره، وزادت عظمته بعد ذلك، وزادت أملاكه وإقطاعه ومستأجراته بالشام وبالديار المصرية، وصار نوابه بالشام في كل مدينة أمراء كباراً، وخدموه وبالغوا، إلى أن قيل: إنه كان يدخل ديوانه من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته في كل يوم مبلغ مئتي ألف درهم وأكثر، وهذا شيء لم نسمع به في هذه الدولة التركية.
وعمر المدرسة العظيمة، والخانقاه المليحة، والتربة الحسنة في الصليبة، وقرر في المدرسة الأربعة مذاهب، ووقف عليها الوقوف العظيمة.
ولم يزل على حاله إلى أن كان يوم الخميس ثامن شعبان سنة ثمان وخمسين وسبع مئة، فخرج شخص من مماليك السلطان المرتجعية عن الأمير سيف الدين منجك يدعى باي قجا، لما جلس السلطان في دار العدل وأذن للخاصكية بالدخول، فوثب عليه وضربه بالسيف في وجهه وفي يده. وكانت واقعةً صعبة، ومات من الزحمة على ما قيل يوم ذاك جماعة، وكان يوماً عظيماً. وركب عشرة من مقدمي الألوف ملبسين وتوجهوا إلى قبة النصر، وأمسك باي قجا المذكور، وقرر فلم يقر على أحد، وقال: أنا قدمت إليه قصة لينقلني من الخاصكية إلى الإقطاع فما قضى شغلي، فبقي هذا الأمر في نفسي. ثم إنه بعد مدة سمر باي قجا وطيف به في الشوارع.
واستمر الأمير سيف الدين عليلاً من تلك الجراحة، ولم يصعد منها إلى القلعة إلى أن خرج السلطان إلى سرياقوس، ولم ينزل بها، ثم إنه دخل المدينة قبله.
وتوفي في ليلة الجمعة في التاريخ المذكور رحمه الله تعالى.
وما أحقه أن ينشد يوم موته:
ألا رحم الله الأمير فإنّه ... أصمّ به الناعي وإن كان أسمعا
وما كان إلاّ السيف لاقى ضريبة ... فقطّعها ثم انثنى فتقطّعا
الألقاب والنسبابن شيخ السلامية: فخر الدين عبد العزيز بن أحمد. والقاضي قطب الدين ناظر الجيش موسى بن أحمد. وولده صلاح الدين يوسف. وجمال الدين إبراهيم بن علي.
بنو الشيرازي: جماعة، منهم: كمال الدين أحمد بن محمد. وعماد الدين المحتسب محمد بن أحمد. وشمس الدين محمد بن محمد بن محمد.
الشيرازي: قطب الدين محمود بن مسعود. ونجم الدين إبراهيم بن عبد الرحمن.
حرف الصادالصابوني: أمين الدين عبد المحسن بن أحمد. وعلاء الدين علي بن يعقوب. ومجد الدين عيسى بن محمد. وجمال الدين أحمد بن يعقوب.
صاروجابفتح الصاد المهملة، وبعدها ألف وراء وواو وجيم وألف: الأمير صارم الدين المظفري، نسبة إلى مظفر الدين بن جندر.
أخبرني الأمير شرف الدين حسين بن جندر قال: قلت للسلطان يوماً وقد أجري ذكره وهو في الاعتقال: يا خوند، هذا ما هو مظفري نسبة إلى المظفر الجاشنكير، وإنما هذا هو مملوك أخي مظفر الدين، فقال: هكذا ؟! قلت: نعم، فما كان بعد ذلك إلا أيام حتى أفرج عنه.
وكان أولاً بالديار المصرية، ولما أعطى السلطان الأمير سيف الدين تنكز إمرة عشرة قبل توجهه إلى الكرك سلم الإقطاع إليه، وقال: هذا آغا متاعك، على رأي الترك، فأحسن صاروجا إلى تنكز وخدمه وثمر له إقطاعه.
ولما حضر السلطان من الكرك قيل له عنه إنه يميل إلى أمير موسى بن الصالح علي، فأمسكه في واقعة أمير موسى، ثم أفرج عنه بعد مدة تقارب العشرين سنة، وجهزه أميراً إلى صفد، فأقام بها مدة تزيد على السنة والنصف. ثم إنه نقل إلى دمشق على طبلخاناه، وكان الأمير سيف الدين يرعى له خدمته الأولى، وكان إذا خاطبه قال له: يا صارم.
ولم يزل مقيماً بدمشق إلى أن أمسك الأمير سيف الدين تنكز، فأمسك الأمير سيف الدين بشتاك لما حضر إلى دمشق الأمير صارم الدين صاروجا، واعتقل في قلعة دمشق في جملة من أمسك في تلك الواقعة، ثم إنه ورد المرسوم على الأمير علاء الدين ألطنبغا بأن يكحله، فدافع الأمير علاء الدين عنه يويمات يسيرة، ثم إنه خاف، فأمر بكحله، فعمي باصره، وكان ذلك عشية نهار، وفي صبيحة ذلك اليوم ورد المرسوم بالعفو عنه، ثم إنه رتب له ما يكفيه، وجهز إلى القدس، فأقام به مدة.
ثم إنه عاد إلى دمشق وأقام بها إلى أخريات سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، وتوفي رحمه الله تعالى.
وكان رجلاً خير الطباع، سليم الصدر، كثير المؤانسة والإمتاع، قل أن يكون في خزانته شيء، بل الجميع يفرقه على مماليكه الخواص، والذين هم على خدمته وملازمته غواص. وكان كتابه ومن يتحدث في بابه يشكون من ذلك، ويرون أن أيامهم بهذا مثل الليالي الحوالك.
وكان الأمير سيف الدين قد ولاه الحكم في البندق، ثم عزله منه وتغير عليه قليلاً، ثم عاد إلى الحنو عليه.
صاروجاالأمير صارم الدين، نقيب النقباء بالديار المصرية.
كان فيه دهاء وخدع، وصد عن الحق وصدع، لا يهاب أميراً ولا وزيرا، ولا يخاف كبيرا ولا صغيرا، له إقدام على السلطان، وعنده تختل ما يهتدي إليه الشيطان. قدمه السلطان وقربه، وأدناه لما عرفه وجر به كثيراً من مراده لما جربه. إلى أن خافه الأمراء، وهابه الكبراء.
ولم يزل على ذلك إلى أن فارق الحياة، فجاءه الموت فجاءه، وقطع من الحياة أصله ورجاءه.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة ست وثلاثين وسبع مئة.
كان نقيباً صغيراً، فلما توفي الأمير عز الدين دقماق نقيب النقباء أمره السلطان وجعله مكانه، وقدمه وعظمه، وصار يدخل إليه على ضوء الشمع، ويتحدث معه في كل ما يريد، حتى خافه الأمراء الكبار وخافه النشو ناظر الخاص، على ما فيه.
ثم إنه توجه مع السلطان في السنة المذكورة، لما وصل في تلك السفرة إلى خانق دندرا وعاد، فلما قارب القاهرة وقف صاروجا على بعض المعادي ليعدي الأطلاب، فوقف على بعض الجسور ومد يده بالعصا ليضرب شخصاً تعدى مكانه، فرفع يده بالعصا، فوقع من أعلى الفرس إلى الأرض ميتا.
الألقاب والنسب
ابن صارو شهاب الدين أحمد بن إبراهيم.
ابن صابر المقدم إبراهيم.
ابن الصباغ الكوفي صالح بن عبد الله.
ابن الصائغ المقرئ محمد بن أحمد.
صالح بن أحمد بن عثمان
صلاح الدين القواس، الشاعر البعلبكي.كان رجلاً خيرا، مضيء القلب نيرا، يعبر الرؤيا ويتكلم عليها مناسبا، ويجيد فهمها حاسبا. وينظم القريض، ويأتي به مثل زهر الروض الأريض. وكان كثير الاتضاع، غزير مادة الإمتاع. قد صحب الفقراء زمانا، وحفظ من كلامهم لؤلؤاً وجمانا. وسافر البلاد، وعلم منها ومن أهلها الطارف والتلاد.
ولم يزل على حاله إلى أن انفسد مزاج صالح، وتلقاه العيش بعد بشره بوجهه الكالح.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة في سادس عشر شهر ربيع الأول.
ومولده سنة ثمان وثلاثين وست مئة.
أنشدني شيخنا الذهبي، قال: أنشد المذكور قصيدته السائرة ذات الأوزان، وهي:
دائي ثوى بفؤادٍ شفّه سقم ... لمحنتي من دواعي الهمّ والكمد
بأضلعي لهبٌ تذكو شرارته ... من الضنى في محلّ الروح من جسدي
يوم النوى ظلّ في قلبي له ألمٌ ... وحرقتي وبلائي فيه بالرّصد
توجّعي من جوىً شبّت حرارته ... مع العنا قد رثى لي فيه ذو الحسد
أصل الهوى ملبسي وجداً به عدمٌ ... لمهجتي من رشا بالحسن منفرد
تتبّعي وجه من تزهو نضارته ... لمّا جنى مورثي وجداً مدى الأمد
هدّ القوى حسنٌ كالبدر مبتسم ... لفتننتي موهنٌ عند النوى جلدي
مودّعي قمرٌ تسبي إشارته ... إذا رنا ساطع الأنوار في البلد
مهدي الجوى مولعٌ بالهجر منتقمٌ ... ما حيلتي قد كوى قلبي مع الكبد
لمصرعي معتدٍ تحلو مرارته ... يا قومنا آخذٌ نحو الردى بيدي
قلبي كوى مالكٌ في النفس محتكمٌ ... لقصّتي وهو سولي وهو معتمدي
مروّعي سار لا شطّت زيارته ... لمّا انثنى قاتلي عمداً بلا قود
قلت: يقال إن هذه القصيدة تقرأ على ثلاث مئة وستين وجها.
وقد نظم الناس في هذا النوع قديما وحديثا، وأكثروا، وأحسن هذا النوع ما لم تظهر الكلفة عليه ويكون عذباً منسجما، وأقدم ما يوجد من هذا النوع قول أبي الحسن أحمد بن سعد الكاتب الأصبهاني، وكان بعد العشرين والثلاث مئة، وهو:
وبلدةٍ قطعتها بضامر ... خفيددٍ عيرانة ركوب
وليلة سهرتها لزائر ... ومسعدٍ مواصلٍ حبيب
وقينةٍ وصلتها بظاهرٍ ... مسوّدٍ ترب العلا نجيب
إذا غوت أرشدتها بخاطرٍ ... مسدّدٍ وهاجسٍ مصيب
وقهوة باكرتها لتاجرٍ ... ذي عندٍ في دينه وحوب
سورتها كسرتها بماطرٍ ... مبرّدٍ من جمّة القليب
وحرب خصم هجتها مكاثر ... ذي عدد في قومه مهيب
معرّد إبلٍ سقتها بباترٍ ... مهنّدٍ يغري الطلارسوب
وكم حظوظٍ نلتها من قادر ... ممجّدٍ بصنعة القريب
كافيت إذ شكرتها في سامرٍ ... ومشهد للملك الرقيب
والأبيات المشهورة، وبعض الناس نسبها لأبي العلاء المعري، وما أظن أنا ذلك، وهي:
جودي على المستنظر الصبّ الجوي ... وتعطّفي بوصاله لا تظلمي
ذا المبتلى المتفكّر القلب الدوي ... واستكشفي عن حاله وترحّمي
وصلي ولا تستنكري ذنبي البري ... وترأفي بالواله المستسلم
تبدي القلا بتغيّري الحب الأبي ... المتلفي بخباله المتحكّم
هذه الأبيات على كاملها من الكامل المسدس على أتم أنواعه، إلا أنه لحق الإضمار بعض أجزائها، فإذا حذفت الجزء الآخر من كل بيت، وجعلت القوافي عند قوله: بوصاله كانت الأبيات من شاذ الكامل المخمس. وأنشد العروضيون في مثله:
لمن الصبيّ بجانب الصحراء ... ملقى غير ذي مهد
فإذا حذفت من آخر كل بيت جزءين وجعلت القافية عند قوله وتعطفي كانت الأبيات من مربع الكامل، ومثله:
وإذا افتقرت فلا تكن ... متخشّعاً وتجمّل
فإذا اقتصرت على الشطر الأول من كل بيت، وجعلت القافية عند قوله الجوي كان من الضرب الرابع من الرجز، وصار البيت بيتين من مصرع الكامل المسدس، وإن حذفت من الشطر الأول جزءاً، وجعلت القافية عند قوله: الصب بقي معك بيتان مصرعان من أحذ الكامل المضمر، كقول زهير:
لمن الديار بقنّة الحجر ... أقوين من حجٍ ومن دهر
فإذا نقصت من الشطر الأول جزءين، وجعلت القافية عند قوله: المستنظر بقي بيتان من مربع الكامل المعرى، وإن شئت من الضرب الخامس من الرجز، وإن اقتصرت على الأجزاء الأول من الأبيات بقي مجموعها الأربعة الأجزاء بيتاً واحداً من مربع الكامل، وإن شئت من أقل أنواع الرجز المحدث، مثل قوله:
طيفٌ ألم ... بذي سلم
وهذه الأبيات الأربعة تقرأ على عدة وجوه.
صالح بن ثامر بن حامدالإمام القاضي الفرضي تاج الدين أبو الفضل الجعبري الشافعي.
سمع من ابن خليل، وعبد الحق المنبجي، والضياء صقر، والنظام البلخي، ومجد الدين بن تيمية، وعبد الله بن الخشوعي، والعماد عبد الحميد بن عبد الهاد.
وخرج له أمين الدين بن الواني مشيخة. وولي قضاء أماكن.
وروى عنه شيخنا علم الدين البرزالي، والواني، والطلبة.
كان حاكماً عاقلا، لا يقبل في الحق لائماً ولا عاذلا، خيراً عفيفا، سليم القلب من الشر نظيفا. طريقه طريق السلف، يرى وهو بريء من الكبر والتيه والصلف. وكانت يده في الفرائض طولى، وذهنه فيه قد بلغ مراماً ونال سولا. وكان طويلاً مليح الشكل حسن الأخلاق.
ولم يزل على حاله إلى أن أراد الله فناءه، وعمر به ربع الخير وفناءه.
وتوفي رحمه الله تعالى في صفر سنة ست وسبع مئة.
ومولده سنة بضع وعشرين وست مئة.
وولي قضاء بعلبك، وناب في الحكم بدمشق، وولي الخطابة، واستسقى بالناس. وكان جيد الأحكام. وله قصيدة طويلة في الفرائض.
وتولى نيابة الحكم بعده القاضي نجم الدين أحمد بن عبد المحسن الدمشقي.
ولما طلع ليستسقي بالناس في خامس جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وست مئة قعد الأمير علم الدين الدواداري أمام درج المنبر، ولما جاء القاضي تاج الدين الجعبري ليصعد المنبر، ويخطب قال له الدواداري: ما تستسقي بنا وأنت حاكم ! فما رأى القاضي في مثل ذلك الجمع أن يرجع ويصعد المنبر غيره، فقال: اشهدوا علي أنني قد عزلت نفسي من الحكم، فقال له الدواداري: اصعد الآن.
صالح بن عبد العظيمابن يونس بن عبد القوي بن ياسين بن سوار المسند تقي الدين العسقلاني.
سمع من النجيب عبد اللطيف الحراني وغيره، وأجاز لي سنة ثمان وعشرين بالقاهرة.
وتوفي رحمه الله تعالى ...
صالح بن عبد اللهشرف الدين أبو محمد الصصري ابن بواب المدرسة القيمرية بدمشق.
سمع بدمشق ومصر وحلب، وكتب وحصل، وتخرج، وسمع من خلق بعد سنة ثلاثين وسبع مئة، ثم إنه فتر واشتغل بالإسكندرية على ابن النصفي، وتلا بالسبع على أبي حيان.
وكان في القاهرة في خدمة القاضي جمال الدين إبراهيم ابن العلامة شهاب الدين محمود، يدور بأولاده ويسمعهم على الأشياخ، فلما توجه جمال الدين إلى كتاب السر في حلب استمر في خدمة القاضي علاء الدين بن فضل الله صاحب ديوان الإنشاء، فأثرى وحسنت حاله، وجاء إلى دمشق في قالب غير الأول، وأقام قليلاً، وخدمة الناس، وتوجه إلى القاهرة فأقام بها قليلاً.
وتوفي رحمه الله تعالى في رابع شوال سنة ثمان وأربعين وسبع مئة.
صالح بن عبد الله بن جعفرابن علي بن صالح بن الصباغ، الشيخ الإمام العالم الزاهد محيي الدين أبو عبد الله الأسدي الكوفي الحنفي.
كان فقيه بلده وإمامها في أنواع العلوم والتصوف والزهد والأدب، طلب لتدريس المستنصرية مراراً وامتنع. أجاز له الصغاني في سنة خمسين وست مئة.
وتوفي رحمه الله تعالى في سابع عشري صفر سنة سبع وعشرين وسبع مئة.
ومولده سنة تسع وثلاثين وست مئة بالكوفة.
مات هو يوم الجمعة، ومات قبله ليلة الجمعة الإمام السيد الشريف جمال الدين يوسف بن حماد الحسيني المشهدي، وكان شيخ الشيعة ومفتيها. وله قصائد نبوية، وشعره رقيق، وكان معظما بالمدينة النبوية وبالعراق.
صالح بن عبد الوهابابن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون الخطيب الفقيه العدل تقي الدين أبو البقاء ابن الشيخ الإمام مجد الدين الحنفي.
كان خطيب الجامع بالنيرب بدمشق.
سمع من ابن عبد الدايم.
وكان ذا هيئة مليحه وخطابة فصيحه، وفيه تودد للأنام، وسماحة يدخل بها في زمرة الكرام. وكان يجلس في حانوت الشهود تحت القلعه، وينفق من رفاقه بحسن خلقه كل سلعه.
ولم يزل إلى أن حل الخطب بالخطيب، وحنى الموت غصنه الرطيب.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثاني عشري شهر رجب الفرد سنة ست عشرة وسبع مئة.
ومولده يوم الأربعاء عاشر صفر سنة سبع وخمسين وست مئة.
وتولى الخطابة مكانه ولده مجد الدين إبراهيم على عادة والده وجده، ونظم أبوه اسمه عند ولادته فقال:
تيّمنت فيه غبطة باسم صالحٍ ... فسمّيته مستهدياً برشاده
عسى اللّه فينا أن يمنّ بفضله ... فيحييه عبداً صالحاً في عباده
صالح بن محمد بن قلاوونالسلطان الملك الصالح ابن السلطان الملك الناصر من ابنة الأمير سيف الدين تنكز رحمهم الله أجمعين.
لما كان في يوم الاثنين ثامن عشري جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة أخذ الأمير سيف الدين طاز والأمير علاء الدين مغلطاي أمير آخور ومن معهما من أرباب الحل والعقد، وخلعوا الملك الناصر حسن، وأجلسوا أخاه الملك الصالح على كرسي الملك بحضور أمير المؤمنين المعتضد أبي الفتح أبي بكر وحضور القضاة، وحلفوا له العساكر، وجهز الأمير سيف الدين بزلار إلى دمشق ليحلف العساكر الشامية.
ولما كان في يوم الجمعة آخر النهار ركب أمير آخور المذكور ومنكلي بغا الفخري إلى قبة النصر، وهو رابع شهر رجب الفرد، فركب الأمير طاز والسلطان الملك الصالح، فكانت النصرة للسلطان الملك الصالح عليهما، وعاد إلى القلعة منصوراً، ورسم بالإفراج عن الأمير شيخو وبيبغاروس والوزير منجك وغيرهم ممن كان معتقلاً. واستقرت الأحوال.
ولما خرج بيبغاروس وأحمد الساقي وبكلمش بالشام، على ما تقدم في ترجمة المذكورين، خرج الملك الصالح إلى الشام وجرد العساكر إلى دمشق، وجهز نائب الشام الأمير سيف الدين أرغون الكاملي، والأمير شيخو، والأمير طاز إلى حلب خلف ببيغاروس ومن معه، وأقام في دمشق إلى أن عاد شيخو وطاز، وصام شهر رمضان في دمشق، وصلى الجمعة في الجامع الأموي ثاني شوال، وخرج من الجامع وركب وتوجه بالعساكر إلى الديار المصرية.
ولم يزل على حاله إلى أن قيل للأمير سيف الدين شيخو إن السلطان قد اتفق مع الأمير طاز وأخيه جردمر على أنهم يمسكونك، فلما بلغه ذلك خلع الملك الصالح صالحاً، وأجلس السلطان الملك الناصر حسن في ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبع مئة على كرسي الملك، فسبحان من لا يحول ولا يزول.
وحضر الأمير عز الدين أيدمر الشمسي وحلف عساكر الشام للملك الناصر حسن، وأخرج الأمير طاز لنيابة حلب.
ولم يزل الملك الصالح على حاله عند والدته ابنة الأمير سيف الدين تنكز لا يركب ولا ينزل إلى أن ورد الخبر إلى الشام بوفاته رحمه الله تعالى في صفر سنة اثنتين وستين وسبع مئة.
وكان مولده في سنة سبع وثلاثين وسبع مئة.
؟
صالح بن مختار
ابن صالح بن أبي الفوارس تقي الدين أبو التقي الشيخ الإمام، إمام قبة الشافعي رضي الله عنه الأسنوي.سمع الكثير، وأجاز لي في سنة ثمان وعشرين آذنا في ذلك لعمر بن علي بن شعيب القرشي.
مولده في شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وست مئة.
وتوفي رحمه الله تعالى ..
اللقب والنسب
الصالح بن المنصور علي بن قلاوون.
والصالح بن الناصر إسماعيل بن محمد.
والصالح أخوه صالح بن محمد.
ابن صغير الطبيب ناصر الدين محمد بن محمد.
صالحة خاتون
بنت الملك مجير الدين يعقوب ابن السلطان الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب.لم يكن في وقتها أعلى نسباً منها.
توفيت رحمها الله تعالى في عشري شهر رجب الفرد سنة ست وعشرين وسبع مئة.
ومولدها سنة خمسين وست مئة تقريبا.
الألقاب والأنساب
ابن صبرة الأمير
عز الدين الحسين بن عمر
ابن الصباغ النحوي الكوفي
محيي الدين عبد الله بن جعفر.
ابن صبح الأمير
علاء الدين علي بن حسن.
الصائغ شمس الدين
محمد بن الحسن.ابن الصائغ محب الدينمحمد بن عبد الله.
ابن الصائغ أبو اليسرمحمد بن محمد بن محمد. وأخوه: محمد بن محمد بن محمد. وأخوه: ناصر الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد.
صدقة بن بيدمرالأمير بدر الدين ابن الأمير سيف الدين، تقدم ذكر والده.
كان هذا الأمير صدقة لو قال: أنا شقيق البدر، كل الناس صدقه، شاباً أجمع الناس على ظرفه وحلاوة تلوين طرفه، أسمر يهزأ قده إذا اهتز بالأسمر، وإذا افتر ثغره الأبيض رأى محبه الموت الأحمر، قد زانه الميل والهيف، وود الحمام لو غنى على قده أو هتف، لطيف الأخلاق، يفوق الناس بجماله على الإطلاق، لم يبقل خده، ولا انكف من سيف ناظره حده.
لم يزل في ميدان شبابه الغض، وعنفوان صباه الذي ما انفرط ولا انفض حتى صار القبر لجوهرة صدقة صدفه، ولقيه الموت في وسط شوطه وصدفه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - عبطة في أوائل شهر رجب سنة تسع وأربعين وسبع مئة في طاعون دمشق.
وكان أمير عشرة في طرابلس، وهو مضاف إلى دمشق.
اللقب والنسب
بنو صصرى، جماعة: قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن محمد. وأمين الدين سالم بن محمد. وشرف الدين محمد بن عبد الرحمن.
الصفدي، جماعة، منهم: زين الدين عمر بن داود. وولده شهاب الدين أحمد. ونور الدين علي بن إسماعيل. وأمين الدين درويش محمد بن علي. والشيخ نجم الدين الصفدي حسن بن محمد. وولده الخطيب كمال الدين محمد بن حسن.
صفنجيالأمير سيف الدين الركني، مملوك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير.
كانت له مكانة عند أستاذه، ونقل إلى دمشق. وكان ديناً مشكور السيرة.
توفي رحمه الله تعالى في رابع عشري صفر سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، ودفن بتربته بجبل قاسيون بالقرب من زاوية السيوفي.
صفيةبنت الشيخ الإمام العالم المحدث مجد الدين أحمد بن عبد الله بن المسلم بن حماد بن ميسرة الأزدي، أم محمد، وتدعى ست الشام.
قال شيخنا علم الدين البرزالي: روت لنا عن أصحاب ابن عساكر، ويحيى الثقفي وغيرهما.
وكانت امرأة صالحة مباركة. قصدت الحج فماتت بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصلي عليها بالحرم الشريف، ودفنت بالبقيع ثاني عشري ذي القعدة سنة أربع وسبع مئة.
ومولدها سنة سبع وأربعين وست مئة.
صفية بنت الإمام شرف الدينأحمد بن أحمد المعمرة، أم أحمد المقدسية، زوج الشيخ بهاء الدين بن العز عمر.
في الحجة يوم الأربعاء عشري الحجة سنة أربعين وسبع مئة، توفيت رحمها الله تعالى.
حدثت بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم.
صلغايالأمير سيف الدين الناصري، من أمراء الأربعين بدمشق.
كان يسكن جوار المدرسة القيمرية، وهو صهر الأمير زين الدين كتبغا الحاجب.
وكان أميراً ديناً خيراً، يسلم على من يلقاه في الطريق. وكان الأمير سيف الدين تنكز يحبه ولا يفارقه في صيوده.
وتوفي رحمه الله تعالى في عشري صفر سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، ودفن في مقبرة القبيبات.
اللقب والنسب
الصفي الهندي محمد بن عبد الرحيم.
ابن صف عذاره نجم الدين محمد بن يحيى.
ابن الصيرفي المحدث شرف الدين
حسن بن علي. ومجد الدين محمد بن محمد.
الصياح إبراهيم بن منير.
الصفدي الشيخ نجم الدين
الخطيب حسن بن محمد. وزين الدين الموقع عمر بن داود. ونور الدين علي بن إسماعيل.والصفدي: الطبيب.
وشهاب الدين الطبيب: أحمد بن يوسف.
والصفدي: سراج عمر شيخ سعيد السعداء.
صرغتمشالأمير سيف الدين الناصري رأس نوبة.
كان جميل الصوره، وصفات الحسن فيه محصولة محصوره، محياه كالبدر السافر في الظلام، أو الشمس إذا برزت من خلف الغمام. كتب وقرا، وأضاف أهل العلم وقرى، وعمر المدرسة المعروفة به بالقاهره، وجعل نجوم محاسنها في الإبداع زاهره، وكان يتلو القرآن على المشايخ، ويحب أن يكون في التجويد ذا قدم راسخ، إلا أن أخلاقه كان فيها شراسه، ونفسه فيها على احتمال الأذى نفاسه، فأقدم على عزل القضاه، واتبع السلطان في ذلك رضاه؛ لأنه كان قد انفرد بالتدبير، وثقلت وطأته على الدولة حتى خف عندها ثبير، وسالمته الأيام، وتيقظ سعده والناس عنه نيام، فكان مع جماله وبطشه يغلو عند من يعتبره بأرشه:
كالبدر حسناً وقد يعاوده ... عبوس ليث العرين في عبده
كأنّما مبرم القضاء به ... من رسله والحمام من رصده
ولم يزل عالي الكعب، مالي القلوب بالرعب في حتى أخذ " أخذةً رابيه " ، ولم تكن أنياب النوب عنه نابيه، فأمسكه الناصر حسن في العشرين من شهر رمضان سنة تسع وخمسين وسبع مئة. وكان ذلك آخر العهد به.
أول ما ورد إلى القاهرة في جلبة الخواجة المعروف بالصواف في سنة سبع وثلاثين أو ثمان وثلاثين وسبع مئة، فاشتراه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بثمانين ألف درهم، وخلع عليه تشريفاً كاملاً بحياصة ذهب، وكتب له توقيعاً بمسامحة كثيرة في متاجره، فقارب الثمن عنه مئة ألف درهم وهذا ما بلغنا ولا سمعنا به في هذه الدولة التركية، وأكثر ما بلغنا عن السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي، وكان أقباش مملوك الإمام الناصر قد اشتراه الإمام الناصر بخمسة آلاف دينار أظنها كانت رائجا، وهو الدينار بستة دراهم، أو دينار الجيش: اثنا عشر درهما، ومع ذلك فلم تكن لصرغتمش صورة عند أستاذه ولا مكانة، ومات وهو في الطباق من جملة آحاد الجمدارية.
وقد كنت يوماً عند القاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص وقد أنعم عليه السلطان بعشر طاقات أديم طائفي، فجاء إلى النشو يطلبها، وما احتفل به، وتردد مرات حتى أخذها، ثم إنه بقي بعد ذلك خامل الذكر إلى أيام المظفر حاجي، فخرج مع الأمير فخر الدين أياز السلاح دار لما جاء نائباً إلى حلب وهو معه مسفر حتى يقره في النيابة وعاد، ثم إنه جعل بعد ذلك يتقدم رتبة بعد رتبة إلى أن ورد مع السلطان الملك الصالح صالح إلى دمشق في واقعة بيبغاروس، وتوجه الأمير سيف الدين شيخو والأمير سيف الدين طاز إلى حلب خلف بيبغاروس، وبقي هو عند السلطان في دمشق يدبر أمره، إلى أن عاد السلطان إلى مصر، ولما وصلوا إليها عمل على الوزير علم الدين بن زنبور، وقام في أمره قياماً عظيماً، وبالغ في أمره إلى أن أمسكه وصادره، وأخذت منه أموال عظيمة، وقوى نفسه في أمره، وأعاره الأميران شيخو وطاز سكتةً في أمره لأنه توجع، وصمم عليهما، ومنها عظم، ولم يزل إلى أن أعيد الملك الناصر حسن إلى الملك وأخرج الأمير سيف الدين طاز إلى حلب، وبقي هو والأمير شيخو.
ولما جرح شيخو تلك الجراحة ومات منها انفرد الأمير صرغتمش بتدبير الملك، وعظم أمره وزاد مكانة، وعزل القضاة بمصر والشام، وغير النواب الكبار، وخضع السلطان له وصبر عليه وأرخى به طول الإمهال إلى أن أمسكه في التاريخ المذكور ومعه حاجب الحجاب الأمير سيف الدين طشتمر القاسمي وملكتمر المحمدي وابن تنكز وطرغاي وأولاد آراي، وجهز إلى ثغر الإسكندرية، وقضى الله أمره فيه دون الجماعة.
وعمر تلك المدرسة، وكان يتعصب لمذهبه كثيراً، وبالغ في عمارتها وزخرفها، وكان يؤثر الفضلاء ويقربهم، ويسأل عن مسائل في اللغة والفقه، ويعظم العجم ويؤثرهم.
وكان قد انفرد بالحديث في أمر الأوقاف، وأمر البريد في مصر والشام. وضاق الناس منه، فما كان يركب البريد بمصر أحد إلا بعلمه، ومنع أحداً من البريدية أن يحمل معه دراهم وذهباً أو قماشاً على ظهر خيل البريد، وأمر بأن يعتبروا في قطيا، وزاد في هذا وأمثاله. وبالغ في أمر الأوقاف، وعمرت الأوقاف في أيامه.
ووجدت بخطه في حائط المدرسة السلطانية بحلب مكتوبا:
أبداً تستردّ ما تهب الدنيا ... فيا ليت جودها كان بخلا
وكتب: صرغتمش الناصري. فلما رأيت ذلك عجبت من هذا الاتفاق، فكأنه كاشف نفسه بما وقع له، واستردت الدنيا ما وهبته، وأخذ السلطان من أمواله وحواصله شيئاً يعجز الوصف عنه.
وكنت أنا قد كتبت قصيدة أمدحه بها، لكني ما جهزتها إليه، وهي:
يا همّ لا تدخل إلى خاطري ... فإنّ لي صرغتمش الناصري
قد زيّن الله الليالي به ... لأنّه كالقمر الزاهر
وكّمل الله المعالي به ... فأصبحت في رونق باهر
والملك قد أضحى به في حمىً ... لأنّه كالأسد الخادر
غلّ يد الظلم وعدوانه ... وكفّ كفّ الخائن الجائر
مسدّد الآراء في فعله ... لأنّه ذو باطن طاهر
ما أبصر الناس ولم يسمعوا ... بمثله في الزمن الغابر
سيوفه إن سلّها في الوغى ... كبارقٍ تحت الدجى طائر
يغمدها في مهجات العدا ... فتكتسي قرب الدم المائر
يمينه للجود معتادة ... قد أخجلت صوب الحيا الماطر
فعن عطاءٍ جوده حدّثنا ... واللطف يرويه لنا عن جابر
كواكب السعد له قد غدت ... تخدمه في الفلك الدائر
ومذهب النعمان زاد فضله ... فشاع في البادي وفي الحاضر
وزاده حسناً إلى جماله ... فراق في الباطن والظاهر
أنشا له مدرسةً حسنها ... بين الورى كما لمثل السائر
فسيحة الأرجاء قد زخرفت ... بكلّ لونٍ راق للناظر
رخامها مختلفٌ لونه ... كمثل روض يانعٍ زاهر
وذهنه متّقدٌ بالذكا ... لأنّه ذو خاطرٍ حاضر
وعلمه زاد على غيره ... كلج بحرٍ طافحٍ زاخر
يسبق برق الجوّ إدراكه ... لا كامرئٍ في جهله عاثر
يقول من يسمع ألفاظه ... كم ترك الأوّل للآخر
فوصفه أعجز كلّ الورى ... من ناظم القول ومن ناثر
إنّ الثنا في وصفه قد غدا ... غنيمة الوارد والصادر
تلهو به الركبان في سيرهم ... لأنّه أعجوبة السامر
يلقى الذي يسعى إلى بابه ... بنائلٍ من جوده الغامر
فالله يرعاه ولم ينسه ... عند خطوب الزمن الغادر
لأنّه فوّض ما في نفسه ... منه إلى المقتدر القاهر
حرف الضادالضفدع الخياط: محمد بن يوسف.
؟
ضياء الدين المعبدي
الشيخ المشهور بالديار المصرية.كان حسن الشكل، ظريفاً، فيه عفة وديانه، وتنديبه ظريف، وتنديره حلو، وكانت له مكارم ووجاهه.
قال يوماً - وقد رأى الشيخ محمد القصار وهو في سماع يرقص - فقال له: يا قصار، أنجست الخرقة. فقال له القصار سريعاً: من دقك الخارج.
وأضافهم يوماً إنسان؛ وأحضر لهم توتاً، فلما أكلوه، فرغت الضيافة، فقال الشيخ ضياء الدين: يا جماعة، توته، توته، فرغت الحدوته.
قال لي شيخنا العلامة تقي الدين قاضي القضاة السبكي: هو الذي كان السبب في ولاية الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد قضاء الديار المصرية، وحلف عليه بالطلاق من زوجته ابنة ... وأخذه، وطلع به إلى السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين؛ وقال له جئتك بسفيان بن عيينة، أو الثوري، كما قال.
وتوفي الشيخ ضياء الدين - رحمه الله تعالى - في جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وسبع مئة بالقاهرة بزاويته بالقرب من جامع السلطان.
ضياء الدين بن خطيب بيت الآبار: محتسب القاهرة، وناظر البيمارستان المنصوري، اسمه يوسف بن أبي بكر.
حرف الطاء
طابطا
بالطاء المهملة وبعدها ألف وباء موحدة وطاء ثانية مهملة وألف، الأمير سيف الدين، والد الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي، أحد أمراء المئين مقدمي الألوف بحلب وبدمشق.كان رجلاً أميا، غراً غتميا، لا يعرف ما الناس فيه، ولا يدري الفرق بين الحليم والسفيه، ذاق فقد مثل ذلك الولد، وعدم الصبر عليه والجلد، فالعجب كل العجب حياته بعده، وكونه ما سكن فيه لحده.
لم يزل على حاله إلى أن غص بالموت، ونص عليه الفوت.
وتوفي - رحمه الله تعالى - بحلب في صفر سنة خمسين وسبع مئة.
وفد على البلاد لما حظي ولده عند الملك الناصر محمد، هو وولداه، الأمير سيف الدين أسندمر والأمير سيف الدين قراكز.
ولم يزل إلى أن خرج ولده يلبغا إلى حماة نائباً، فخرج هو وأولاده، ولما توجه يلبغا إلى حلب نائباً، توجهوا معه، وصار هو أمير مئة مقدم ألف، وأولاده أمراء. ولما جاء يلبغا نائباً إلى دمشق، حضروا معه، ولما جرى له ما جرى وهرب هربوا معه، ولما أمسك بحماة أمسكوا، وقيد هو وولده يلبغا، وجهزا إلى مصر، فلما وصلا إلى قاقون، تلقاهما الأمير سيف الدين منجك، وأطلعهما إلى قلعة قاقون، وأفرد كل منهم عن الآخر، ثم إنه أركب الأمير سيف الدين على البريد، وجهز إلى مصر، وأما ولده يلبغا فخنق، وحز رأسه، وجهز بعده.
ثم إن طابطا جهز إلى الإسكندرية، ولما تولى الملك الناصر حسن بعده؛ أفرج عنه، وأطلقه، وكان مدة مقامه في الحبس ثلاثة أشهر تقريباً، وأفرج عنه في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبع مئة. ثم إنه جهز أميراً إلى حلب، فأقام بها إلى أن توفي - رحمه الله تعالى - في التاريخ المتقدم.
طاجار
بالطاء المهملة وبعد الألف جيم وألف بعدها راء، الأمير سيف الدين الدوادار المارداني الناصري.
كان شكله مليحا، ووجهه صبيحا، مسترسل شعر الذقن في سواد، خفيف الحركة، لا يلحقه جواد، وكان يغلب عليه اللعب واللهو، والانشراح والزهو، لا يؤثر على الرقص شيئا، ولا يتخذ غير ظله فيئا، على أنه مكنه أستاذه تمكيناً كثيرا، وأحله من الدولة محلاً أثيرا، ركبه في البريد إلى الشام مرات، وتلقاه الناس بالخدم والمبرات، وحصل مالاً جزيلاً في مدة قريبه، واقتنى أشياء من كل صنف عجيبه.
ولم يزل في لهوه ومجونه، وعدم تثبته وسكونه، إلى أن راح فيمن راح، ونفضت من أمره الراح، في سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة.
وكان الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني الذي تقدم ذكره هو في خوشداشه الذي نبه عليه، وأشار بإصبعه إليه، فقربه السلطان، وولاه الدوادارية بعد إنفصال الأمير سيف الدين بغا الدودار، على ما تقدم في ترجمة بغا، بعناية القاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص وعناية القاضي شهاب الدين بن فضل الله، لأنه كان صغيراً وكرها سيف الدين بغا، وتوهما أنه يكون طوع ما يختارانه، ويحاولانه منه، فما كان إلا أن تقدم، وذاق طعم الوظيفة، فعاملها بضد ما توهماه فيه، وأملاه منه، وأمره السلطان طبلخاناه، وقال له: والك يا طاجار، ما كان دودار أمير مئة قط، وأنا أعطيك إمرة مئة، فاجعل بالك مني، واقض أشغالك في ضمن أشغالي ولا تقض أشغالي في ضمن أشغالك، وإذا دفع إليك أحد شيئاً من الذهب برطيلاً، احمله إلى كاتبي النشو.
وجهزه السلطان مع الأمير سيف الدين طشتمر الساقي إلى صفد، ليقره في النيابة، فأعطاه، على ما قيل، مئة ألف درهم، وجاء من صفد إلى عند الأمير سيف الدين تنكز، فأعطاه جملة، وكان تنكز في مرج الغسولة، فلما رأى خام الأمير سيف الدين تنكز، قال: والله هذا الخام ما هو للسلطان. فبلغ ذلك تنكز، وكان سبب الوحشة بينهما.
وكان تنكز إذا طلع إلى المرج، يأخذ حريمه معه، وهن تسع جوار موطوءات، كل واحدة ببيتها وخدمها وجواريها، ويضرب عليهن شقة كبيرة يحشر خامهن فيها، ثم إنه بعد ذلك حضر إلى الشام خمس ست مرات، وقد ذكرت في ترجمة تنكز ما اتفق له، عندما جاء إليه قبل إمساكه، وما دار بينهما، ثم إنه جهزه للسلطان صحبة الأمير سيف الدين بشتاك، لما حضر للحوطة على موجود تنكز، وعاد إلى مصر، فلما توفي السلطان الملك الناصر، تمكن من ولده الملك المنصور أبي بكر، فيقال: إنه هو الذي حسن له الفتك بقوصون، ولما شعر قوصون بذلك، خلع المنصور، ورتب أخاه الأشرف كجك، وأمسك طاجار وجماعة، وجهزهم إلى إسكندرية، فقتل طاجار مع بشتاك.
وكان كثير اللعب يخرج من قدام السلطان، وينزل إلى القاهرة، ويعمل سماعاً، ويرقص، إلى أن يجيء وقت الخدمة، فيطلع إلى القلعة.
وكان عليه في الرقص خفة وحركة وروح، وما تقرب إليه عماد الدين بن الرومي بشيء غير الرقص.
وكان إذا ساق في البريد في مهم السلطان ينام طول ليله، ويقوم بكرةً، فيركب خيل البريد الجياد، ويسوق مشواراً واحداً من المركز إلى المركز، فإذا وصل المركز، ونزل، قال لمماليكه: صفقوا. فيصفقون له، ويرقص إلى أن يشدوا له الخيل فيركب، ويفعل ذلك من باب مصر إلى باب دمشق، وكذا إذا عاد.
وكان بشتاك يحط عليه، ويكرهه، ويندب عليه قدام السلطان، ولما أمسك حمل من بيته إلى القلعة ستة صناديق مملوءة ذهباً، وكان السلطان قد زوجه ابنة الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي الوزير، وكانت أولاً زوج الأمير خضر ابن الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب حلب والشام.
وطاجار هو الذي عمر الخان الذي في جينين الذي ليس على درب مصر مثله بشد نجم الدين بن الزيبق، وعمر الحوض السبيل الذي في طريق غزة.
طازبعد الطاء المهملة والألف زاي، ابن قطغاج، بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبعدها غين معجمة وألف وجيم. الأمير سيف الدين أمير مجلس.
أول ما اشتهر ذكره في أيام الصالح إسماعيل.
وهو شكل تام طويل، نبيه نبيل، شجاع بطل، إذا أعمل فكره خمل معه الكيد من عدوه وبطل، حر النفس والطباع، ما لازم شيمته التي هو عليها من الرضاع، أبي الهمه، قوي العزمه، بريء من التهمه، حمل عسكر مصر بعدده وآلاته، وخيوله التي تربط في اصطبلاته.
ولم يزل أميراً إلى أن خلع الكامل شعبان، وأقيم المظفر حاجي، فكان هو أحد الأمراء الستة أرباب الحل والعقد.
ولما خلع المظفر، وأقيم السلطان الملك الناصر حسن زادت وجاهته وحرمته.
وهو الذي أمسك الأمير سيف الدين بيبغاروس في طريق الحجاز.
وهو الذي أمسك الملك المجاهد سيف الإسلام علي بن المؤيد هزبر الدين داود صاحب اليمن، وأحضره إلى مصر.
وهو الذي قام في نوبة الملك الناصر حسن لما خلع وأجلس الملك الصالح صالح على كرسي الملك.
وهو الذي قام على الأمير علاء الدين مغلطاي أمير آخور، والأمير سيف الدين منكلي بغا الفخري، لما ركبا إلى قبة النصر، وخرجا على الملك الصالح بعد أربعة أيام، وهرب الصالح، ودخل إلى والدته، فدخل الأمير طاز إليها، والتزم به لها، واخذه، وركبه، وتوجه به، ورزقهما الله تعالى النصر.
وهو الذي سعى في إخراج الأمراء المعتقلين الذين أمسكوا في نوبة الوزير منجك، وبدا منه كل خير، ونصره الله في كل موطن.
وكان في درب الحجاز يلبس عباءة وزربولاً، ويخفي نفسه، ويدخل في طلب بيبغاروس، ويتجسس على أخباره. ولما خرج بيبغا من الحبس ووصل إلى حلب نائباً، وحدثته نفسه بالخروج على الدولة، وفشا هذا الأمر وزاد، ووصل بيبغاروس إلى دمشق، جهز قطلوبك الفارسي إلى الأمير سيف الدين أرغون الكاملي، وهو على لد، يقول له: ما لي غريم دون المسلمين والسلطان إلا أنت وطاز، ولما بلغ ذلك إلى الأمير سيف الدين طاز قال: قد رضيت. وسير إليه يقول: أنا أمسكتك في درب الحجاز، وحججت بك، وما مكنت أحداً من أذاك، وأخرجتك من الحبس، وأعطيتك نيابة حلب، وأنت تعرفني جيداً، وأنا واصل إليك، إن أردت بارزتك وحدي، وإن أردت أنا وطلبي وأنت وطلبك، وما حاجة إلى قتال المسلمين وسفك دمائهم. ولما وصل الأمير سيف الدين طاز إلى غزة، ثم اجتمع بالأمير سيف الدين أرغون الكاملي، وتوجها إلى جهة بيبغاروس، وبلغه الخبر، هرب، وتفرق شمل من كان معه من العساكر، وساقا وراءه إلى حلب، وهرب هو إلى الأبلستين. وقلت أنا في ذلك:
قلت إذا بيبغا أراد خروجاً ... وهو يدري غريمه في الحجاز
بيبغا بيبغا طويرٌ ضعيف ... وعليه من طاز قد طاربازي
ثم إن الأمير طاز عاد هو والأمير سيف الدين شيخو إلى دمشق، وأخذ السلطان الملك الصالح، وتوجها به والعساكر المصرية إلى القاهرة، واستقروا بها، وجرى بعد ذلك لبيبغا وأحمد الساقي وبكلمش ما جرى، على ما تقدم في ترجمتهم.
ولم يزل الأمير سيف الدين طاز على حاله إلى ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبع مئة، فخلع الملك الصالح، وأعيد الملك الناصر حسن إلى الملك، ورسم للأمير سيف الدين طاز بالخروج إلى حلب نائباً، فخرج إليها، وأقام بها إلى أن ورد المرسوم عليه على يد الأمير سيف الدين منكلي بغا الناصري بحضوره إلى الباب الشريف على البريد في عشرة سروج، وذلك في أول سنة تسع وخمسين، فأقام بحلب يومين ثلاثة، ثم إنه خاشن الأمراء، وأمسكهم، ورسم عليهم، ثم أفرج عنهم بعد ما حوصر من القلعة، وركب في جماعته وطلبه ملبسين، وحضر إلى القطيفة، وعسكر طرابلس وحماة وحلب وجماعة من دمشق يسيرون خلفه منزلةً بمنزلة، وخرج ملك الأمراء أمير علي بمن بقي من عسكر دمشق لابسي السلاح، وقعد له على خان لاجين، فترددت الرسل بينهما، وآخر الأمر حلف له أمير علي نائب الشام على تمكينه من التوجه في عشرة سروج إلى باب السلطان، وتوجه إلى الكسوة، وهناك قيد، وتوجه به منكلي بغا، وأمسك إخوته، واعتقلوا في قلعة دمشق وفي قلعة صفد، وتوجهوا به إلى الكرك، وتوجهت أمه إليه وأم ولده موسى، وولده، ولم يضيق عليه بالكرك.
ثم إنه بعد إمساك صرغتمش في شهر رمضان سنة تسع وخمسين وسبع مئة رسم السلطان بنقله من الكرك إلى إسكندرية، فاعتقل بها، وكحله وهو في حبس الإسكندرية ولم يزل على حاله معتقلاً إلى أن خلع الملك الناصر حسن، وجرى له ما جرى فأفرج عنه في أول دولة الملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي بتدبير الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي، يقال: إنه أنعم عليه بمئة ألف درهم وقماش كثير فاختار أن يكون مقيماً بالقدس، فوصل إلى القدس فيما أظن في أوائل شهر رجب الفرد سنة اثنتين وستين وسبع مئة، ثم إنه جهز إلى دمشق، وفي مستهل المحرم سنة ثلاث وستين وسبع مئة حضر له برلغ مكتوب بالذهب مزمك بأن يكون طرخانا على عادة الأمير منجك، يقيم في أي مكان اختاره من الشام.
وكان قد ورد إلى دمشق في أواخر سنة اثنتين وستين، ونزل بالقصر الأبلق، وتوجه ملك الأمراء أمير علي لتلقيه، وكان هو قد عرج عن الطريق، فلم يلقه، وحضر طاز إلى دار السعادة، فلم يلق ملك الأمراء، فعاد إلى القصر، وتوجه ملك الأمراء إليه. وسلم عليه، ثم إنه سكن في الدار التي للأمير سيف الدين تنكز المعروفة بدار الذهب، وأقام بها مدة إلى أن مرض، وانتقل إلى القصر الأبلق، وطول فيه، فتوفي هناك - رحمه الله تعالى - في بكرة الاثنين عشري ذي الحجة سنة ثلاث وستين وسبع مئة، ودفن في مقابر الصوفية.
أبو طالبابن حميد القاضي الرئيس الصدر شمس الدين بن حميد.
كان في ديوان الجيش بدمشق، ولما طلب القاضي قطب الدين بن شيخ السلامية إلى مصر، حضر للقاضي شمس الدين توقيع بأن يكون ناظر الجيش عوضاً عن قطب الدين، فباشره في يوم السبت ثاني عشري ربيع الآخر، فباشر ذلك مدة، ثم حضر القاضي معين الدين بن حشيش من الديار المصرية على الوظيفة المذكورة، وباشر القاضي شمس الدين بن حميد عوضاً عن القاضي فخر الدين بن المنذر في جيش دمشق، وتوجه ابن المنذر إلى نظر جيش طرابلس.
طالوتالصدر الرئيس تاج الدين أبو علي بن الصدر نصير الدين عبد الله بن الشيخ وجيه الدين محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد التكريتي.
كان عاقلاً فيه خير ودين قوي، قرئ في داره صحيح البخاري.
وكان سمع من ناصر الدين عمر بن القواس، وحدث عنه بدمشق وبطريق الحجاز.
وتوفي - رحمه الله تعالى - ثاني جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة ثلاث وثمانين وست مئة.
طامغاربعد الطاء والألف ميم وغين معجمة وألف وراء: الأمير شهاب الدين بن الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، أحد أمراء الخمسين بالقاهرة.
وكان يسكن على بركة الفيل بالحبانية، حسن الشكل، صاحب صدقة ومعروف.
توفي - رحمه الله تعالى - في رابع عشري المحرم سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة، ودفن في تربتهم بالقاهرة.
وكان له أخ اسمه إبراهيم في بلاد التتار، أعرفه، وقد جاء مرة رسولاً من القان بوسعيد إلى السلطان الملك الناصر قبل وفاة أخيه المذكور بقليل.
طان يرقبطاء مهملة وبعد الألف نون وياء آخر الحروف وراء بعدها قاف: الأمير سيف الدين نائب حماة.
كان حظه عند المظفر قد توفر، وذنبه وخطأه قد تكفر، لا يرى فعله إلا مليحا، ولا يجد وجه وده إلا صبيحا، أثيل المكانه، أثير الاستكانه، إذا شفع فلا يرد، وإذا منع فلا يصد، لا يكاد يصبر عن رؤيته، ولا يراه يحاول أمراً إلا فداه بمهجته، فلذلك أغدق سحائب إنعامه، وروق له شراب إكرامه.
ولم يزل حاله عنده مستصحبا، إلى أن قال له اللحد: مرحبا.
وجاء الناصر حسن بعده، فأجراه على ما اعتاد، وسلم منه رسن المحبة له واقتاد، وارتاح إلى تعظيمه وارتاد، ولم يزل في أوائل الدولة الناصرية معظم الجانب، مقدم الوجاهة إلى قود المقانب، إلى أن طلع الأمير علاء الدين مغلطاي من الاصطبل، وزحف على هلاك تلك الدولة، وضرب الطبل، فأمسك الوزير منجك وغيره، فأطار بالشر في الآفاق طيره، وكان الأمير سيف الدين طان يرق فيمن أخرجه، ووغر خاطر السلطان عليه، وأحرجه، فخرج إلى حماة نائبا، وباشر أمرها، فأحسن إلى أهلها ذاهباً وآيبا.
أول ما ظهر من أمره أنه كان معظماً عند الملك المظفر حاجي، وحضر في أيامه إلى حلب في البريد، وجاء على يده كتاب من المظفر إلى الأمير سيف الدين يلبغا نائب الشام، يقول فيه: إننا قد تراهنا - نحن والخاصكية الأمير سيف الدين الجيبغا وغيره - أنه إن حضر إليك الأمير سيف الدين طان يرق أنك تضربه، وقال المشار إليهم: أنك ما تضربه، فلا تدعنا نغلب معهم، وحضر على يده كتب المذكورين أنه إن ضربه يكن خفية، فما أمكن يلبغا إلا أن ضربه في خفية ضرباً يسيراً خفيفاً.
ولم يزل أميراً، ثم كبر، وزاد عظمةً في أيام الناصر وأيام الوزير منجك، ولما جرى ما جرى من إمساكه، طلب الأمير سيف الدين أسندمر العمري من حماة، وجهز إليها الأمير سيف الدين طان يرق، فوصل إليها في يوم الاثنين سادس عشر ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وسبع مئة، وأخرج إلى حماة في يومه، ولم يمهل، وأقام بحماة إلى أن رسم للأمير سيف الدين أرغون الكاملي بنيابة دمشق، فرسم للأمير سيف الدين طان يرق بالحضور إلى دمشق، والإقامة بها بطالاً، فوصل إليها في شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، وأقام بها بطالاً لازماً بيته.
ولما تحرك بيبغاروس، وأراد الحضور إلى دمشق وتوجه أرغون الكاملي بالعساكر إلى لد أخذ الأمير سيف الدين طان يرق معه، وكتب إلى السلطان في معناه، فجاء الأمير عز الدين طقطاي الدوادار إلى لد ومعه تقليد للأمير سيف الدين طان يرق بنيابة حماة، وتشريفه، فلبسه هناك، وأقام إلى أن حضر السلطان، ودخل إلى دمشق مع الأمير سيف الدين طان يرق وأرغون الكاملي، وتوجه معهم إلى حلب. ولما عادوا من حلب، قعد هو في حماة مباشراً نيابتها، وذلك في أواخر شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة. ولم يزل بها نائباً إلى أن خلع الملك الصالح صالح، وأعيد الملك الناصر حسن إلى الملك، فخرج الأمير سيف الدين طبجق لإحضار الأمير سيف الدين طان يرق من حماة، والتوجه به إلى مصر، ولما وصل إلى دمشق حضر المرسوم إلى الأمير علاء الدين أمير علي نائب الشام، بأنه يؤخر طان يرق بدمشق، ويدعه مقيماً بها، فأقام بها حسبما رسم به، ثم إنه أعطي إقطاع الأمير سيف الدين قردم وتقدمته، لما توفي بدمشق في التاريخ الذي يذكر في ترجمته.
وتوجه الأمير سيف الدين طان يرق إلى الحجاز في سنة ست وخمسين وسبع مئة، وعاد إلى دمشق، فأقام بها، ثم ورد المرسوم بإمساكه في سنة تسع وخمسين وسبع مئة، واعتقل بقلعة دمشق مدة من الأشهر، ثم ورد المرسوم بالإفراج عنه، وبقي بطالاً بدمشق. ثم ورد المرسوم بتجهيزه في صفد، فتوجه إليها، وأقام بها، إلى أن أمسك في أواخر سنة تسع وخمسين أو أوائل سنة ستين، وجهز إلى الإسكندرية مع جملة من أمسك، فأقام في الاعتقال إلى أن خلع الملك الناصر حسن بن محمد، وجرى له ما جرى، فأفرج عنه، وأنعم عليه بمبلغ مئة ألف درهم - على ما قيل - وبخيل وبقماش، وأعطي إمرة مئة وتقدمة ألف فارس بدمشق - ووصل إلى دمشق في بكرة الجمعة سادس شعبان سنة اثنتين وستين وسبع مئة. وجرى لبيدمر نائب الشام ما جرى من الخروج على يلبغا، فلازمه، وتوجه معه بالعسكر إلى غباغب، وجاءهم الخبر بهروب منجك وكسرته، فعادوا إلى دمشق.
ولما بات ما أصبح له صباح في دمشق، وتوجه هو وتومان تمر نائب طرابلس إلى نحو يلبغا، وحضروا معه إلى دمشق، ورسم له السلطان بنيابة حماة، فتوجه إليها، وهذه النيابة الثالثة وذلك في شوال سنة اثنتين وستين وسبع مئة، ولم يزل على حاله في نيابة حماة إلى أن ورد الأمير ناصر الدين محمد العمري من مصر متوجهاً إليه ليأخذه من نيابة حماة، ويتوجه به إلى طرابلس، ليقيم بها أميراً وذلك في أول المحرم سنة أربع وستين وسبع مئة.
الألقاب والنسب
الطباخي نائب حلب
الأمير سيف الدين بلبان.ابن الطبال الحنبليعماد الدين إسماعيل بن علي.
ابن الطبيل محمد بن أبي بكر.
الطبري صفي الدين أحمد
بن محمد ونجم الدين محمد بن أحمد.طرجيبضم الطاء المهملة والراء وبعدها جيم وياء آخر الحروف: الأمير سيف الدين السلاح دار الناصري.
كان في زمن الملك الناصر محمد أمير سلاح، كان في تلك الرفعة الأرغونية مقدما، وفي تلك الزمرة معظما، له الوجاهة في الخاصكية المقربين، والتقدم في الأمراء المدربين، وخوشداشيته كلهم كتف واحده، ويد أناملها في البطش متعاضده.
ولم يزل في جاهه المتمنع، وعزه الذي هو مترفه مترفع، إلى أن طرح طرجي في قبره، وعز على ذي قرابته معالجة صبره.
وتوفي - رحمه الله تعالى - هو والأمير سيف الدين منكلي بغا السلاح دار في جمعة واحدة في شهر ربيع الأول أو الآخر سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة.
وفي هذه المدة القريبة ورد الخبر بوفاة الأمير سيف الدين أرغون الدوادار نائب حلب، وكان خواشداشهما، فقال السلطان الملك الناصر: لا إله إلا الله ما هذه إلا آجال متقاربة. وتوهم الناس شيئاً في هذا الأمر، والله أعلم لحقيقته.
طرجيالأمير سيف الدين أخو الأمير سيف الدين أرغون شاه.
لما توفي الأمير عز الدين أيدمر الطوماري والي الولاة بالصفقة القبلية كتب أرغون شاه إلى السلطان، وسأل أن تكون طبلخاناه المذكور لأخيه، فأجيب إلى ذلك، ثم توفي الأمير نور الدين علي بن حسن بن الأفضل، فأعطي طبلخانته، وكان مقيماً في الديار المصرية، فوصل على الإقطاع المذكور إلى دمشق في إحدى الجماديين سنة تسع وأربعين وسبع مئة، وأقام بدمشق. فلما مات الأمير سيف الدين قرابغادوادار أرغون شاه كان حوله يمرضه، وأسند وصيته إليه، فمات بعده بخمسة أيام بصق دماً ومات في شوال سنة تسع وأربعين وسبع مئة في طاعون دمشق، رحمه الله تعالى.
ابن طرخان: شمس الدين محمد بن أبي بكر.
طرغايالأمير سيف الدين الجاشنكير الناصري.
أصله من مماليك الطباخي، وهو خوشداش الأمير علاء الدين أيدغمش.
كان ساكناً عاقلا، إلى الموادعة راكنا، ليس في شيء من الشر وإن هان، ولا ممن يدفف على جريح وإن ظهر له البرهان.
ولم يزل معظما في بيت السلطان، وسعادته متواصلة الأسطان، إلى أن أخرجه السلطان لنيابة حلب، وأمسك بقرون حماة وحلب، ودخل حلب في ربيع الأول أو أول ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وسبع مئة، ولم يزل فيها مقيماً على حاله إلى أن أمسك الأمير سيف الدين تنكز، وصار في مصر، فعزله السلطان من حلب، وعزل نواب الشام أجمعين، فتوجه إلى مصر، وأقام بها إلى أن توفي الأمير سيف الدين آروم بغا نائب طرابلس، فأخرجه الملك الصالح إسماعيل إلى طرابلس نائباً في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، فأقام بها نائباً، إلى أن داناه الحين فاجتاجه، واستقى روحه من بئر جسده، وامتاحه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - سادس شهر رمضان سنة أربع وأربعين وسبع مئة.
وحضر بعده إلى طرابلس نائباً الأمير شمس الدين آقسنقر.
اللقب والنسب
طرنا نائب صفد، الأمير سيف الدين بلبان.
ابن الطراح قوام الدين الحسن بن محمد.
الطرقجي الأمير علم الدين سنجر.
طرنطاي
الأمير حسام الدين البشمقدار.حضر إلى الشام على البريد هو والأمير سيف الدين تنكز نائب الشام والأمير سيف الدين أرقطاي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين عشرة وسبع مئة.
كان بدمشق حاجبا، وحبه على القلوب لإحسانه واجبا، ولم يزل عند تنكز في غاية العظمه، وأمور الدولة به منتظمه، إلى أن وقع بينهما في سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة فزالت تلك الألفه، والتحفت بالوحشة تلك التحفه، وعزله من الوظيفة، وأنزله من تلك الرتبة المنيفه، ولم يكن بدمشق في آخر وقت أحسن منه حالا، ولا أوسع أملاكاً وأكثر أموالا، إقطاع في الكثرة مطاع، وحواصل لا يصل إليها الاقتطاف بالاقتطاع، ومماليك كأنهم الكواكب، وجند إذا ركبوا زانوا المواكب.
ولم يزل ينتقل من مصر إلى الشام إلى غزة إلى حمص إلى أن حسم حسامه، وآن اقتسار جسده بالبلى واقتسامه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - بكرة الجمعة خامس شعبان سنة ثمان وأربعين وسبع مئة، وقد عدى السبعين.
وحدث عن عيسى المطعم وغيره.
وكان بدمشق أميراً بعد ما عزل من الحجوبية، فلما ورد الأمير علاء الدين ألطنبغا إلى دمشق نائباً، كان عنده مكين المنزلة، خاصاً به، ولما توجه بالعسكر إلى حلب وراء طشتمر حمص اخضر، كان هو المشير المدبر الحال العاقد، وتنكر له الفخري كثيراً، فلما هزم ألطنبغا ولاه الفخري نيابة حمص.
ثم إن السلطان الملك الصالح في أول ملكه أعطاه نيابة غزة، فتوجه إليها في خامس عشري شهر رجب الفرد سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، وأقام بها نائباً سنةً أو أزيد بقليل، ثم طلبه إلى الديار المصرية، فتوجه إليها في شعبان سنة أربع وأربعين وسبع مئة، وأقام بها حاجباً.
ولما أن توفي الأمير علم الدين الجادلي أعطي إقطاعه وكان إقطاعاً كبيرا، فأقام بمصر حاجباً كبيراً، وكان منجمعاً، لا يدرى به، ولا يدرأ شيئاً، إلى أن توفي الصالح، فأخرج إلى حمص نائباً على البريد، عوضاً عن الأمير سيف الدين إياز الساقي، ووصل إلى دمشق، وتوجه إلى حمص على البريد، فوصل المرسوم بأن يرد إلى دمشق، ليقيم بها، ويتوجه الأمير سيف الدين قطلقتمر الخليلي الحاجب بدمشق، فرد الأمير حسام الدين من منزلة القسطل، أو يريج العطش، فعاد، وأقام بدمشق أميراً مدة يسيرة.
ثم لما أمسك الأمير سيف الدين الملك النائب بصفد جهز نائب غزة الأمير سيف الدين أراق إلى صفد نائباً، ونقل الأمير سيف الدين أولاجا من نيابة حمص إلى نيابة غزة وجهز الأمير حسام الدين البشمقدار إلى نيابة حمص، فأقام بها مدة يسيرة. ولما برز الأمير سيف الدين يلبغا اليحوي إلى ظاهر دمشق في أيام الكامل، كان الأمير حسام الدين أول من جاء إليه، وهو في محفة، ولما ولي السلطان الملك المظفر استمر به في دمشق.
ولم يزل بها أميراً مقدم ألف، إلى أن توفي في التاريخ المذكور - رحمه الله تعالى - ولم يخلف ولداً غير ولده الأمير علاء الدين علي أحد أمراء الطبلخانات.
طرنطايأحد أمراء العشرات بدمشق، الأمير حسام الدين الجوكنداري.
أول ما علمت من أمره أن الأمير سيف الدين تنكز - رحمه الله تعالى - ولاه مدينة غزة والبر بها في خامس شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة، ثم إنه جاء من غزة، وولاه جعبر، فأقام بها إلى أن توفي الأمير شهاب الدين أحمد بن برق، فطلبه من جعبر، وولاه مدينة دمشق، وخلع عليه خلعة أمير عشرة.
وكان شكلاً حسناً، طويلاً أبيض مشرباً حمرة، كثير المكارم والخدمة للناس، والتقرب إليهم.
وكنت قد كتبت له توقيعاً بولاية غزة، ونسخته.
رسم بالأمر العالي، لا زال يدخر لكل مهم حساما، ويطلع في أفق الولاية كل بدر إذا غاب شهابها أخذ كماله وأربى عليه تماما، أن يرتب المجلس السامي الأميري الحسامي في كذا، سالكاً في هاتين الولايتين ما يجب لهما من الطرق التي تحمد منها العواقب، ويظهر فيها من لمعات الحسام ما يشخص له طرف الشهاب الثاقب، ويبدي فيها من حسن السياسة ما يتساوى في أمنه أهل المراقد والمراقب، لما علم من علو همته في الأوقاف المهمه، وعهد من نهضته في الأمور التي حراسته في جيدها تميمة وسياسته لحسنها تتمه، فليتول ما فوض إليه ولايةً تكون من الشدة والرفق قواما، وتجلو شمس معدلته من ألق الظلم ظلاما، وتعلي المحق على المبطل، فإن له مقالاً ومقاما، وليجتنب أخذ البريء بصاحب الذنب، وليحذر الميل على الضعيف الذي لا جنب له، ويترك صاحب الجنب وعمارة البلاد، فهو المقدم من هذا المهم، والمقصود بكل لفظ تم له المعنى أو لم يتم، فليتوخ العدل فإنه أنفع للبلاد، من صوب العهاد والسحب الماطرة، وألذ لأهل القرى من ولوج الكرى في الجفون الساهرة، فإنه لا غيث مع العيث، ولا حلم مع الظلم، وليتعمد الإنصاف بين الخصوم فما كل نار ضرم، ولا كل شحم يراه في الورى ورم، وليصل باع من لاله إلى الحق وصول، وليتذكر قوله عليه الصلاة والسلام كلكم راع وكل راع مسؤول، فليكن تقوى الله عز وجل ركنه السديد، وذخره العتيد، وكنزه الذي ينمي على الإنفاق، وكل كنز على طول المدى يبيد، والله يحرس سرحه، ويرعاه، ويوفق لكل خير مسعاه، والاعتماد في ذلك على الخط الكريم أعلاه، والله الموفق بمنه وكرمه. إن شاء الله تعالى.
طشبغابفتح الطاء المهملة وسكون الشين المعجمة وباء موحدة وغين معجمة بعدها ألف: الأمير سيف الدين الدوادار الناصري.
كان شكلاً حسناً إلى الغايه، ووجهه في الجمال آيه، يكتب خطاً كأن سطوره جداول قد ترقرقت، أو عقود جواهر قد تنظمت وتنسقت.
وباشر الوظيفة في المرة الأولى بصلف زانه لما زاد، وأمانة فاز بها الجنيد لما قاربها أو قد كاد، إلى أن وقع بينه وبين القاضي علاء الدين بن فضل الله صاحب ديوان الإنشاء، فأخرج إلى دمشق بطالا، وجرى غمام دمعه على ما فارق من مصر هطالا، وأقام بها.
ثم أعطي إمره، وقدم في دمشق على زمره، وتزوج ابنة الأمير سيف الدين أيتمش نائب دمشق فتعلى، وجاء إليه إقبال كان عنه تولى، ثم أعيد إلى الدوادارية بمصر، فأقام فيها مدة يسيره، وأعيد إلى دمشق على تلك الوتيره، فأقام بها قليلاً إلى أن محيت آيته، وانتهت من الحياة غايته.
وتوفي - رحمه الله - بدمشق ثاني عيد رمضان سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة.
كان هذا طشبغا أولاً عند آنوك ابن السلطان الملك الناصر جمداراً صغيراً، وكان صورة بديعة الحسن، كان آنوك - على ما قيل - يحمل سر موزة طشبغا هذا على جسده تحت قميصه، ويقول له: يا طشبغا أنا جمدارك، ما أنت جمداري. ثم إنه كان دواداراً صغيراً في أيام الملك الصالح. ولم يزل إلى أن أخرج الأمير سيف الدين جرجي من الدوادارية في أول دولة الملك الناصر حسن في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبع مئة، فعمل الدوادارية بصلف زائد، وضبط موقعي الدست والقصص التي تدخل إلى دار العدل والتي تخرج، والكتب التي تكتب والتواقيع قبل دخولها في العلامة وبعدها، فإذا تأملها أولاً وآخراً أعطاها من يده لأربابها، ولم يسمع عنه في تلك المدة أنه قبل لأحد شيئاً.
ولم يزل على حاله إلى أن وقع بينه وبين القاضي علاء الدين كاتب السر بسبب شخص من الموقعين يعرف بابن البقاعي، انتصر له طشبغا، وحضر إلى الديوان في حفدته، وسل عليه السيف، وأساء أدبه عليه، وضربه بيده، فتشاكيا إلى الأمراء وإلى النائب، فرسم بإخراج الدوادار إلى دمشق، فوصلها على البريد في يوم عيد الأضحى سنة تسع وأربعين وسبع مئة، فأقام بها مديدة بطالاً، ثم أعطي طبلخاناه بدمشق، وزوجه نائب دمشق الأمير سيف الدين أيتمش بابنته بعدما شاور السلطان والأمراء في ذلك، وأقام بدمشق إلى أن أمسك الوزير منجك، فطلب إلى مصر لأن الأمير علاء الدين مغلطاي كان زوج أخت امرأة طشبغا، فتوجه إليها يوم السبت ثاني عشري القعدة سنة إحدى وخمسين وسبع مئة، ولما دخل على السلطان أقبل عليه إقبالاً كبيرا، وولاه الدوادارية، وقدم المصريون له شيئاً كثيرا.
ولما جرى للأمير سيف الدين أرغون الكاملي ما جرى، وحضر إلى دمشق من حلب، أرسل السلطان طشبغا الدوادار إليه بناءً على أنه في حلب، فوجده في الرملة متوجهاً إلى باب السلطان، فعاد به إلى مصر، وحضر معه إلى نيابة حلب، فوصلا إلى دمشق في يوم الأحد بعد العصر خامس صفر سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، فأعطاه نائب حلب شيئاً كثيراً إلى الغاية وفي يوم الاثنين سابع عشري صفر توجه من دمشق عائداً إلى مصر.
ثم إنه لما جرى ما جرى، وخلع الملك الناصر وتولى الملك الصالح صالح أقام على الدوادارية مديدة، ثم إنه حضر إلى دمشق في حادي عشري شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، وأقام بها بطالاً.
ومرض مدة، ثم توفي - رحمه الله تعالى - في التاريخ المذكور.
وكان يكتب كتابة حسنة منسوبة، وكان فيه ميل إلى الفضلاء، كان بدمشق يسير يستعير مني التذكرة التي لي جزءاً بعد جزء يطالعها.
طشتمرالأمير سيف الدين حمص أخضر الساقي الناصري.
كان شكلاً ضخما، ووجهه ممتلئ لحما، قد طالت مدته في الإمره، وجمع من أزاهر الذهب والفضة كل حضره، فزادت أملاكه، ونمت أجورها، وعظمت خزائنه، وملئت بالأموال حجورها، إلا أنه كان عطاؤه عطاء الملوك، وإذا جاء وهب الجواهر التي في السلوك. وفيه بر للفقراء وإيثار، وجود لهم على طول المدى مدرار، وأمسكه السلطان مرتين، ولم يتمكن من أذاه كرتين. ثم إنه أخرجه إلى صفد نائبا، فترك فوده لذلك الهول شائبا، لأنه كان يستقل نيابة دمشق استكباراً وعلوا، واستهتاراً منه وعتوا، فأقام بها إلى أن رسم له بإمساك تنكز، فحضر إليه، وأمسكه، وأخذ ثأره منه وأدركه.
ثم إنه توجه إلى حلب نائبا، بل جاء هاماً مالكاً صاحبا، فأظهر فيها من العظمة ما أظهر، وأبدى فيها من البذخ ما أرمد عيون أهلها وأسهر.
ثم إنه قام في ناصر أحمد الناصر، ورام غاية ما كانت تبعد عليه إلا أن جده قاصر، فتعكس وهرب إلى البلاد الرومية في فصل تفاقم برده وبرده، ولم يقاوم جليده جلده، وقاس شقة الطريق، وقاسى أهوالا، ورأى أوحالاً صعبت عليه أحوالا.
ثم إنه عاد وجعل في مصر نائبا، ولم يدر أنه سهم القدر إذا أرسل كان صائبا، فأمسك بعد مدة قصيره، وذهب به إلى الكرك والعيون لفقده غير بصيره، فقتل هو والفخري صبراً بالسيف، وتحيفهما الحين والحيف.
وكانت قتلته في أول المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة.
وإنما كان يسمى حمص أخضر لأنه لما كان في الطباق كان يأكله كثيراً، فسماه خوشداشوه بذلك.
وكان في طبقة أرغون الدوادار وتلك الرفعة، وأراد السلطان مرةً إمساكه وإمساك أخيه قطلوبغا الفخري، وكان يدعوه أخي، وأنا شاك في إمساك الفخري في هذه المرة، فوقف الحرافيش تحت القلعة، واستغاثوا، ودخل خوشداشيته على السلطان، فأفرج عنهما، وعلم أنه لا قبل له بهما.
ثم إنه لما أمسك الأمير سيف الدين أرغون الدوادار وجهزه إلى حلب نائباً أمسكهما، وكان الأمير سيف الدين تنكز تلك الأيام في القاهرة، فشفع فيهما، فأفرج عنهما، وقال له: يا أمير، هذا المجنون - يعني الفخري - خذه معك إلى الشام، وهذا العاقل - يعني طشتمر - دعه عندي. فخرج الفخري إلى الشام، وأقام طشتمر في القاهرة وهو مستوحش الباطن.
ولما توجه السلطان إلى الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة كان طشتمر أحد الأمراء الأربعة الذين جعلهم مقيمين في القاهرة.
وكان في أول أمره مليحاً حسن الصورة، وكان القاضي كريم الدين يتولى عمائره بنفسه، وهو الذي عمر له الدار التي عند حدرة البقر والإصطبل، ولها تلك البوابة العظمى والربع التي إلى جانبها التي ليس في القاهرة مثلها.
ولما جهزه إلى صفد في سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة، استعفى وتضرع، وطلب الإقالة فدخل قوصون إلى المرقد، وخرج مرتين، وفي الثالثة قال له: بس الأرض، ولا تتكلم كلمة واحدة، فباس الأرض، وتوجه إلى بيته، وجهز إليه السلطان خيولاً بسروجها وأنعاماً. وفي يوم الخميس أجلسه بين يديه بعد الخدمة، وقال له: ما أجهزك إلى الشام إلا لتقضي لي فيه شغلاً. وأكب على رأسه، يقبله، وودعه.
قلت: وكان ذلك الشغل المشؤوم إمساك تنكز. وجهز معه طاجار الدوادار، وقال: بعدما توصله إلى صفد؛ توجه إلى دمشق، وقل للأمير نائب الشام: هذا خوشداشك الكبير، وقد صار جارك، فراعه، ولا تعامله معاملة من تقدم.
ومرض في صفد مرضة عظيمة، أشرف فيها على التلف، وعمر له قبراً في مغارة يعقوب بصفد، وفرغ منه، ثم إنه عوفي بعد ذلك.
ثم إن السلطان جهز إليه للقبض على تنكز مع بهادر حلاوة الأوشاقي، فتوهم، وظن أن ذلك مكيدة لإمساكه نفسه، وقام من صفد المؤذن قبل انفجار الصبح، وساق منها في جماعته حتى وصل إلى المزة قبل الظهر، وهذا سوق عظيم لا يفعله غيره، لأن دمشق عن صفد مسافة يومين وأكثر، ثم إن الطريق محجر ووعر، لا يتمكن الفارس أن يسوق فيه. ولما أمسكه - على ما تقدم في ترجمة تنكز - وجهزه إلى باب السلطان مقيداً دخل إلى دمشق، ونزل في النجيبية وحدثته نفسه بنيابة الشام، فورد إليه المرسوم بالتوجه إلى باب السلطان، فسار إليه من صفد على البريد، ولما وصل إليه شكره وأمر له بنيابة حلب، فورد إليها، وأقام بها نائباً، إلى أن خلع الملك المنصور أبو بكر، وولي الملك الأشرف كجك، وطلب الناصر أحمد إلى القاهرة، فامتنع، وجهز الفخري لمحاصرة الكرك، فلما بلغ ذلك طشتمر قام وقعد، وقلق لذلك قلقاً زائداً واضطرب اضطراباً عظيماً، وقال: هذا أمر ما أوافق أنا عليه أبداً، لأننا حلفنا لأستاذنا ولأولاده من بعده غير مرة، ولما أمسكنا تنكز، حلفنا له ولهم، والسلطان قد مات، وهذا سيدي أحمد في الكرك ووالده أعطاه إياها، فكيف يليق بنا - معاشر مماليكه - أن نخلع ابنه الواحد من ملكه الذي نص عليه، وقرره، ونهجج أولاده وحريمه إلى قوص، ونحاصر ولده الأكبر في الكرك، أيش يقول العدو عنا ؟! وسير كتبه بهذه المادة، وما جرى مجراها إلى قوصون وإلى الأمراء الكبار وإلى ألطنبغا نائب دمشق، وتواتر منه ذلك، وتحامل عليه ألطنبغا، واتفق مع قوصون أنه يتوجه إلى محاربته بعسكر دمشق وإمساكه أو طرده، فجرى ما ذكرته في ترجمة ألطنبغا. ولما برز طشتمر من حلب، وعلم أن ما في يده من أمراء حلب شيئاً خرج من حلب، وترك خزانته وحواصله بها، وحمل ما يقدر عليه من الذهب الفضة والحوائص وما أشبه ذلك، ولحقه بعض عساكر حلب، وما أقدموا عليه وجعل كلما مر على قلعة من حصون حلب ناوشه عسكرها القتال، وهو يخلص من الجميع، ودخل إلى الروم في أمطار عظيمة وثلوج زائدة، وبقي هناك إلى أن ملك الفخري دمشق، وانهزم ألطبنغا ومن معه إلى مصر، على ما تقدم. وكتب الفخري إلى الناصر أحمد يطلب حضوره إلى دمشق، فشرع يدافعه من وقت إلى وقت، حتى فهم عنه أنه ما يحضر إلا بعد حضور طشتمر، فجهز الفخري البريد إلى أرتنا حاكم الروم، واجتهد في حضور طشتمر كل الاجتهاد. فلما كان في شهر رمضان، وصل طشتمر إلى دمشق، وكان قد خرج من حلب في أوائل جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة، وقاسى في الطرقات مشاق ومصاعب، ونجا من الموت مرات. ثم إن الفخري وطشتمر توجهوا بالعساكر الشامية، ولما وصلوا إلى غزة بلغهم أن الناصر أحمد توجه من الكرك إلى القاهرة، فدخلوا إلى مصر بعده، وأقبل عليهما وقررا له الملك تقريراً ما فرح به غيره، لاجتماع العساكر بمصر والشام والقضاة بمصر والشام والخليفة، وكان يوماً عظيماً، قل أن وقع في مصر مثله، ثم إنه قرر طشتمر في نيابة مصر، وبعث الفخري إلى دمشق نائباً. فأقام وطشتمر في النيابة تقدير أربعين يوماً، وعمل النيابة بعظمة زائدة إلى الغاية القصوى، وتحجر على السلطان زائداً، ومنع الناس من الدخول إليه فصبر السلطان عليه، إلى أن خرج الفخري إلى الشام، وتوسط الرمل، وطلب طشتمر، فدخل إليه فأمسكه في القصر عنده، وجهز ألطنبغا المارداني في الحال وغيره لإمساك الفخري، وخرج السلطان من القاهرة، وتوجه إلى الكرك، وأخذ طشتمر معه معتقلاً، وجهز إلى ألطنبغا ليجهز الفخري إليه إلى الكرك، فوصل إليه، وجعل الاثنين في الاعتقال بقلعة الكرك، فأقاما مدة يسيرة، فقيل: إن السلطان بات برا الكرك ليلة، وأنهما كسرا باب محبسهما، وخرجا منه، وجاء الخبر، فأمر بإحضارهما إليه، وضرب عنقهما بالسيف صبراً، رحمهما الله تعالى.
وقلت أنا فيه؛ لما قتل - رحمه الله تعالى - :
طوى الردى طشتمراً بعدما ... بالغ في دفع الأذى واحترس
عهدي به كان شديد القوى ... أشجع من يركب ظهر الفرس
ألم تقولوا حمّصاً أخضرا ... تعجبّوا بالله كيف اندرس
وقد بسطت ترجمته في تاريخي الكبير أكثر من هذا، وهو الذي عمر الحمامين المليحين اللذين في الزريبة بالقاهرة، وعمر الربع العظيم الذي في الحريريين داخل القاهرة، وعمر حماماً حسناً بصفد، وقال بهاء الدين الرهاوي لما اجتمع بالفخري في دمشق:
قد أقبل الفخري في موكبٍ ... أعاذه الله من العين
والحمّص الأخضر في فرحة ... لأجلها صار بقلبين
طشتمرطلليه، الأمير سيف الدين، بالطاء المهملة وبعدها لامان متحركان بالفتح وبعدما ياء آخر الحروف ساكنة وهاء، إنما عرف بهذا لأنه كان إذا تكلم بشيء قال في آخره: طلليه، كأنه يغني بها.
كان من المماليك الناصرية، وعظم أخيراً في أيام المظفر حاجي، وجعل أمير سلاح، وهو من أمراء المشور، والذين يكتبون إليهم نواب الشام قرين مطالعات السلطان.
ولم يزل في هذه الرتبة إلى أن صار ربع الحياة من طلليه طللا، وحمل إلى قبره وقد نشرت الرحمة عليه ظللا.
لأنه توفي - رحمه الله تعالى - في طاعون مصر في شوال سنة تسع وأربعين وسبع مئة.
ططقالأمير سيف الدين الأحمدي، نسبةً إلى الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي؛ أمير جاندار، وقد تقدم ذكره في مكانه.
كان عارفاً خبيرا، درباً بالأمور لا كمن لا يعرف قبيلاً ولا دبيرا، يكتب فيكبت حساده، ويقرأ فيرقا ويعلو أضداده، استراح به أرغون الكاملي مدة نيابته لما كان له دوداراً، ورأى من العز والعظمة ما لم يره كسرى ولا دارا، وعمل النيابة بالرحبة جيدا، وكان من العربان منصوراً مؤيدا، فابتسم به ذلك الثغر بعد قطوبه، ومعاناة كروبه، ومداناة حروبه. إلى أن جاءه الأمر الذي لا تمنع منه الحصون، وأذاع من حينه السر المصون.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في رابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبع مئة.
كان المذكور من مماليك الأحمدي، أمير جاندار، ولما تأمر الأمير سيف الدين أرغون الكاملي، أخذ جماعة من مماليك الأحمدي، فكان هذا ططق المذكور دواداره، وكان عاقلاً خبيراً مهذباً مدرباً، فاستراح به الكامل في نيابة حلب ودمشق، وكان بدمشق أمير عشرة، ولما عادوا إلى حلب ثانياً من دمشق أعطي إمرة طبلخاناه، ولما طلب الكاملي إلى مصر، توجه معه، وأمسك الكاملي على ما تقدم في ترجمته، بقي بطالاً مدة، ثم إنه أعطي طبلخاناه، وجهز إلى دمشق، فحضر إليها، وعرض جنده بدار السعادة في رابع عشر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وسبع مئة، وأقام بدمشق قليلا، ثم طلب إلى دمشق قليلا، ثم طلب إلى مصر، وعاد صحبة السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن حاجي، لما وصل دمشق في واقعة الأمير سيف الدين بيدمر، ولما كان بعد عيد رمضان ألبس الأمير ططق تشريفاً، وأعطي تقدمة ألف، وجهز إلى الرحبة في أوائل شوال سنة اثنتين وستين وسبع مئة. وكان بها نائباً، فسد ثغرها، وشد أمرها، ومنعها من أذى العربان إلى أن توفي، رحمه الله تعالى.
وكان يودني، ويثني علي ثناء كثيراً، ولم أجتمع به، وكتبت إليه، وهو بحلب لما أظفرهم الله تعالى بأحمد الساقي وبكلمش وبيبغاروس وقراجا بن دلغار قصيدةً وهي:
يا حسنه لمّا رمق ... لم يبق في جسمي رمق
أحوى اللّواحظ ناعس ... أنفى جفوني بالأرق
حلو المقبل باردٌ ... ملأ الجوانح بالحرق
حسد الصباح جبينه ... لضيائه حتّى انفلق
فالورد مثل خدوده ... وعليه كالطّلّ العرق
والثغر ليلٌ صبحه ... فرق وفي الخدّ الشّفق
شكري ليالي وصله ... شكر العفاة ندى ططق
فهو الدوادار الّذي اص ... طبح الفضائل واغتبق
أفعاله من حكمةٍ ... تجري على نسق اليسق
وسكوته لسكونه ... وإذا تكلّم قال حق
كم مسلمٍ بيراعه ... بين الأنام قد ارتزق
وإذا برى أقلامه ... أبدى الأزاهر في الورق
تغنى الملوك برأيه ... إن حان أمرٌ أو طرق
أثنى العدوّ عليه حت ... ى قال حاسده صدق
تشكو دمشق فراقه ... فنسيمها بادي القلق
يعتّل عند هبوبه ... وله الغدير صفا ورق
وكأنّ نشر رياضها ... منه استعار أو استرق
طوبى لمن بجنابه ... قد لاذ يوماً واعتلق
من يمن طلعته وهي ال ... أعدا وصاروا في وهق
أرأيت أحمد إذ غدا ... في نار بكلمش احترق
وأتى كذلك بيبغا ... فتلاهما عطف النسق
حزّت رؤوسهم وذ ... لك من عجائب ما اتفق
مرقوا من الدين الحني ... ف لذاك راحوا في المرق
وتمام كلّ مسرّةٍ ... إمساك من منهم أبق
هذا قراجا الغادر ال ... باغي على كل الفرق
وافى لمصرع حينه ... وبحبل طغواه اختنق
كم هز رمح رزيّة ... وسهام بغي قد رشق
مات الملوك بغصّةٍ ... منه وعمّهم الشرق
قد كان فرعون الوغى ... لكن تداركه الغرق
بسعادة سيفية ... أعطاكها رب الفلق
لم تسر قط لغارة ... إلا ونصرك قد سبق
وكأن ذكرك في الملا ... مسك تأرج وانفتق
فاسلم ودم في نعمة ... ما هب ريح أو خفق
طغايالأمير سيف الدين الكبير.
لم يكن في مماليك أستاذه من حاز جماله، ولا بلغ القمر كماله، ولا ملك الرمح قده، ولا رأى السيف مضاء جفنه ولا حده، وكان شاباً أبيض طويلا، لا تجد العيون لجماله نداً ولا مثيلا، قد فات الوصف، وفاق ثغره عقد الجوهر في الرصف.
وأما مكانته فما ملكها في وقته أحد ولا حازها، ولا داناها فضلاً عن أن يكون جازها. كان السلطان يكون مع خواصه يمزح، ويجول في ميدان خلوته ويمرح، حتى يقال: جاء طغاي، وكل منهم ينزوي، ويميل إلى مكانه المعروف به وينضوي، وكان يضع يده في حياصة أكبر الخواص، والذي لا يجد السلطان عنه مناص، ويخرج به إلى برا، ويرميه إلى الأرض، ويضربه مئتي دبوس، وهلم جرا. هذا والسلطان يرى ويسمع، وماله إلى خلاص ذلك نظر يطمح، ولا أمل يطمع، وحسبك أن تنكز ما كان يطير إلا بجناحه، ولا يتوصل إلى نيل مقاصده إلا بنجاحه.
ولم يزل على حاله إلى أن زالت سعادته، وفرغت من الإقبال عليه مائدته، فاستحال عليه وما استحيا، وأعرض عنه ولم يسمع فيه لوماً ولا لحيا، وأخرجه إلى صفد، وأحوجه بعد العطاء الجزيل والصفد، وبعد قليل أخذه من صفد في صفد، وعمد إليه سيفاً، فأغمده في جفن حبسه، وفقد الناس مثله في أبناء جنسه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في الإسكندرية.
وكان سبب تغيره عليه أمور منها أنه لما مرض السلطان احتاج إلى أن يحلق رأسه، فحلقه، وحلق مماليك السلطان رؤوسهم، ولم يحلق طغاي ذؤابته، وكانت سوداء طويلة، مليحة إلى الغاية، ثم إنه طلب كلاً منهم على انفراد، وقال له فيما بينه وبينه. يكون نظرك على أولادي وحريمي ومماليكي؛ فأنت الذي يتم لك الأمر بعدي. فكل منهم تنصل، وبكى، وقال: هذا أمر لا يكون أبداً، ولا أوفق عليه، والله يجعلنا فداء مولانا السلطان، ولم ير من أحد من هؤلاء المقربين إقبالاً على ما قاله، فلما قال مثل ذلك لطغاي؛ رأى منه إقبالاً، وشم من أنفاسه الميل إلى طلب الملك، فكتم ذلك في باطنه، وأخرجه إلى صفد نائباً في ثالث عشري صفر سنة ثماني عشرة وسبع مئة، فحضر إليها يوم الخميس ثاني شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، وأقام بها تقدير شهرين، وحضر الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي على البريد، وقال له: قد رسم لك بنيابة الكرك، فبات على ذلك، وجهز إليه له، وكان مع مغلطاي كتب السلطان إلى أمراء صفد بإمساكه، فلما كان يوم الخميس، ركب عسكر صفد، ووقفوا في الميدان، فلما علم ذلك قال: يا خوشداش، عليك سمع وطاعة لمولانا السلطان. قال: نعم. وحل سيفه بيده، فأحضر له القيد، وقيد، وتوجه به إلى مصر، وقد رأيته وقد خرج من دار النيابة بصفد، ليركب البغل الذي أحضر له، وكلما هم بالركوب تعلق فيه مماليكه، ومنعوه من الركوب، وبكى هو، وبكوا، وفعلوا ذلك مرات، وهو من طول قامته ظاهر عنهم ببعض صدره، وكان وجهه مبدعاً في الحسن، بارعاً في الجمال.
وتوجه به إلى إسكندرية، وذلك في ثامن جمادى الأولى من السنة المذكورة، وكان آخر العهد به، وقبره ظاهر في إسكندرية في تربة يزوره الناس كما يزورون قبور الصالحين. وهو الذي عمر الخان الذي للسبيل بالقصير المعيني - رحمه الله تعالى - .
ولما وصل إلى صفد كان الأمير سيف الدين تنكز يجهز إليه كل يوم والثاني حملي فاكهة وحلوى وكذلك الصاحب شمس الدين غبريال، ما أخلا بذلك مدة مقامه بصفد، وحضر إليه يوماً بريدي وعلى يده كتاب من الأمير سيف الدين تنكز على العادة، فيما كان يكتب به إلى نواب الشام في مهمات الدولة، فلما رأى الكتاب رمى البريدي إلى الأرض، وضربه مئتي عصاً، وقال: والك ! أنا إلى الآن ما برد خدي من ركبة السلطان وفخذه، وصار تنكز يأمر علي، وينهي.
وقال يوماً للأمير علم الدين سنجر الساقي مشد الديوان بصفد: والله، أنا مالي عند السلطان ذنب أخافه، ولا أخشاه، ولكن أخشى ممن يستشيره في أمري، فإنا كنا إذا استشارنا في أمر أحد قد غضب عليه نقول: يا خوند، اقتله. فأنا أخشى من مثل هؤلاء محاضر السوء.
وقلت - وقد داخلتني رقة عظيمة - وقد رأيته ومماليكه يودعونه:
تشفّى مماليك المليك بحادثٍ ... ألمّ بمن عنه الثّناء يطيب
وقالوا: طغى فينا طغاي وما طغى ... ومن أين للوجه المليح ذنوب
طغايابن سوتاي، هو الحاج طغاي بن النوين سوتاي.
لما توفي سوتاي والده، وثب على الحكم على التومان الذي بديار بكر علي باشاخال بوسعيد، فحاربه الحاج طغاي غير مرة، وانكسر الحاج طغاي غير مرةً، ويعود إلى حرب علي باشا، وما يعود عنه إلى أن قال علي باشا: ما رأيت أقوى من وجه هذا، ولكن هذا حمار حرب.
ولم يزل بعد قتل علي باشا في محاربة قوم بعد قوم من التتار، وهو ملاحظ المسلمين متحيز إليهم، إلى أن قتله إبراهيم شاه بن بارنباي أخيه على ما تقدم في ترجمة إبراهيم شاه، وجاء الخبر بقتله من نواب الثغور والأطراف في يوم عاشوراء سنة أربع وأربعين وسبع مئة. وحز إبراهيم شاه رأسه بيده.
كان المذكور حمار حرب، وحمال طعن وضرب، لا يرجع عن القتال ولا ينثني، ولا يطأطئ رأسه لرزية ولا ينحني، إلى أن غدر به ابن أخيه، وشده في أواخيه، ولم تنفعه قرابه، وما جرد سيفه إلا أن يكون عنق عمه قرابه، فأصبح بين قومه مخذلا، وأمسى على التراب مجدلا، على أنه كان ردءاً للمسلمين، وبدءاً وعوداً في الذب عن المؤمنين، فالله يرحمه قتيلا، ولا يحرمه من أجره نقيراً ولا فتيلا.
طغايمملوك الأمير سيف الدين تنكز وأمير آخوره.
كان في آخر وقت قد تمكن من أستاذه تمكناً زائدا، وأصبح لولا الخوف من السلطان جعله للجيوش قائدا، وكان لا يخالفه في أمر، ولا يرجع إلى غير رأيه بخلاف زيد ولا عمرو، فكان هو وسيف الدين جنغاي المقدم ذكره - قد استحوذا على عقله، ومن سواهما عنده أخبر بنقله، على أن طغاي وجنغاي لم ير الناس منهما إلا ما أحبوه، ولم يحركا على أحد ساكناً، وإن كان الناس قد أوقدوا جمر الفتن، وشبوه.
وما زال عند مخدومه في مكانة تسفل زحل عن تربها، وتصغر الشمس عن أن تكون في رتبة تربها، إلى أن أمسك، وقيل له: بعيد بين يومك وأمسك، ففصل السيف جسده نصفين، وكان ألفاً واحداً فأصبح ألفين.
وكان ذلك في المحرم سنة إحدى وأربعين وسبع مئة.
يقال عن هذا طغاي: إنه خلص من أستاذه من الإقطاعات في الحلقة الأويراتية والوافدية ألف إقطاع، والسلطان نقم عليه ما نسب إلى أستاذه، وكان أولاً إذا راح في البريد إلى مصر أكرمه، وعظمه، وخلع عليه الخلع السنية، وأنعم عليه الإنعامات الوافرة، ولكن سبحان من لا يتغير، ولا يحول ولا يزول.
وكان قد حصل أموالاً عظيمة، فأخذت ونهبت، ووسطه الأمير سيف الدين بشتاك في سوق الخيل يوم الموكب، ووسط خوشداشة جنغاي على ما تقدم.
طغايالخوندة الكبرى زوج السلطان الملك الناصر وأم ابنه آنوك المقدم ذكره، وكانت جاريته أولاً، ثم إنه أعتقها، وتزوجها، وقيل: إنها أخت الأمير سيف الدين أقبغا عبد الواحد المقدم ذكره.
كانت بديعة الحسن، باهرة الجمال الذي لا يطيق وصفه القالة اللسن.
رأت من السعادة، ما لا يراه غيرها من زوجات ملوك مصر الذاهبات، وتنعمت في ملاذ ما وصلت إليها يد الناهبات، لم يدم على محبة أحد غيرها، ولا نأى قسه عن ديرها، ولا عقل مجنونه عن ليلاها، ولا وقفت به جمال غرامه إلا في عقبة إيلاها، لأن نياق أشواقه؛ كانت كثيرة الشرود، سريعة الانتقال والانفتال عن مراعي زرود، وكانت فيما بعده معظمةً في كل دوله، مكرمة في كل زمان أحال الله حوله.
ولم تزل كذلك إلى أن كسفت شمسها وهانت في الثرى بعدما عز على كف الثريا لمسها.
وتوفيت - رحمها الله تعالى - في شوال سنة تسع وأربعين وسبع مئة في طاعون مصر.
كانت هي الخوندة الكبرى بعد بنت نوكاي، وهي أكبر الزوجات، مقدمة حتى على ابنة الأمير سيف الدين تنكز.
حج بها القاضي كريم الدين الكبير، واحتفل بها، وحمل لها البقل في محائر طين على ظهور الجمال، وأخذ لها البقر الحلابات، تكون معها في الطريق؛ ليؤخذ لبنها ويجبن، ويصنع لها في الغداء والعشاء المقلو السخن، وناهيك بمن وصل إلى هذين النوعين البقل والجبن، وهما أحسن ما يذكر، فما عساه يكون بعد ذلك. ثم إنه حج بها الأمير سيف الدين بشتاك في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة، إلا أن هذه الحجة دون تلك.
أخبرني من لفظه القاضي علم الدين بن قطب الدين ناظر الجيوش، وكان أولاً مستوفي ديون تنكز، قال: إذا جهز الأمير - يعني تنكز - إلى مصر تقادم ما يكتب على أحد شيئاً، إلا على السلطان وعلى قوصون وعلى الخوندة طغاي. وبالجملة فقد رأت ما يراه غيرها، وعظمت بعد زوجها في أيام ملوك مصر أولاد زوجها كثيراً إلى الغاية، إلى أن توفيت - رحمها الله تعالى.
طغاي تمرالأمير سيف الدين الناصري الساقي.
لم يكن بعد طغاي الكبير أحسن منه، ولا من يروي القمران الجمال البارع إلا عنه. وكان طغاي تمر هذا أظرف وأمشق، وما تدري إذا نظر إليك أسلبك فؤادك أم شق، وطغاي كان أبيض مشرباً حمره، وهذا مع حمرته تعلوه سمره، مع لطف الحركة إذا تثنى، وخفة الهيف، فلولا جوارح طرفه غرد الحمام على غصن قده وتغنى.
زوجه السلطان ابنته، وكان في وقته منيته ومحنته، فهو أحد الأربعة الذين يبيتون عند السلطان، وتخرب بهم الدور وتعمر بهم الأوطان. وكان ساكناً عاقلاً مهيبا، وادعاً للشر لبيبا، وما كان يلازم السلطان مثل غيره، ولا يتطرح عليه، ولا يرى الناس أنه ممن يشار إليه.
ولم يزل راقياً في مطالع سعوده، ومعارج صعوده، إلى أن خسف قمره، وذوى من غصنه ثمره.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في أوائل سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، أو أواخر سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة.
ولما زوجه السلطان ابنته، لم يعمل له زفة، لكنه رسم للقاضي تاج الدين إسحاق ناظر الخاص أن يعمل ورقه بمكارمة الأمراء لقوصون في عرسه، فعمل بها ورقة وأحضرها إلى السلطان، فقال: كم الجملة. قال: خمسون ألف دينار. فقال: أعط نظيرها لطغاي تمر، فإنا عملنا له زفة قال الأمراء: هؤلاء يصادروننا بحسن عبارة.
وكان أحد الأربعة الخواص المقرين هو وبكتمر الساقي وقوصون وبهادر التمرتاشي.
ولما توفي - رحمه الله تعالى - وجد السلطان عليه وجداً عظيماً، وكتب إلى تنكز يعرفه بموته في جملة كتاب، فذهل هو وكاتب السر عن الجواب عن هذا الفصل، فجاء الجواب من السلطان إلى تنكز بالإنكار عليه، وقال: أكتب إليك أعرفك بموت صهري، وما تجهز الجواب إلي عن ذلك، ولا تعزيني فيه.
طغاي تمرالأمير سيف الدين النجمي الدوادار.
كان دوادار الصالح إسماعيل والكامل شعبان والمظفر حاجي. كان من أحسن الأشكال وأتمها، وأبدع الوجوه وأجملها في بسطها وضمها، مديد القامه، يكاد إذا خطا تسجع عليه الحمامه، تقدم في الدول؛ وصارت له وجاهة وعظمه، ونضد السعد دره على جيده ونظمه، وخدمه الناس وقدموا، وعكموا الحمول إلى بابه وقدموا.
ولم يزل على حاله إلى أن عبث به أغرلو فيمن عبث، ولم يقدر على دفع حادث حدث منه، ولا على إزالة خبث ولا خبث، فأخرجه إلى الشام، وألحقه بمن أخذه في غزة على غره، وأجراه على عادة سفكه المستمره، وفصل رأسه عن جسده، وشفى منه غلة غيظه وحسده، وذلك في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبع مئة.
وطغاي تمر هذا أول دوادار أخذ إمرة مئة، وتقدمة ألف، وذلك في أول دولة المظفر، وعمر في الأيام الصالحية الخانقاه التي أنشأها برا باب المحروق ظاهر القاهرة، وهي مليحة إلى الغاية، وعمر الدار التي ... .
ولما كانت واقعة الحجازي وآقسنقر وأولئك الأمراء - على ما تقدم في ترجمة آقسنقر - رمى هو سيفه بنفسه، وبقي بلا سيف بعض يوم في أيام المظفر، ثم إن السلطان أعطاه سيفه واستمر به في الدوادارية على عادته، ثم لما كان بعد شهر أخرج هو والأمير نجم الدين محمود بن شروين الوزير والأمير سيف الدين بيدمر البدري على الهجن إلى الشام، ثم إنه لحقهم الأمير سيف الدين منجك، وقضى الله أمره فيهم هناك - رحمهم الله أجمعين - وذلك بتدبير أغرلو المقدم ذكره.
؟
طغجي
بالطاء المهملة والغين المعجمة والجيم: الأمير سيف الدين الأشرفي مملوك الملك الأشرف خليل بن قلاوون.كان خليل مولاه خليل، وحبيب مخدومه الجليل، أمره وقدمه، وخرب به ربع غيره وهدمه وحوله إلى الإمرة وخوله، ومد يده في الخزانة فمد باعه وطوله، وأعطاه النفائس، وكان به يفاخر القمرين ويقايس، ولكنه زالت سعادته العظمى بعد مخدومه الأشرف، وبالغ في التوقي والحذر وأسرف، إلى أن اعتورته الصوارم والذوابل، وهبرته وألقي على المزابل، وذلك في سنة ثمان وتسعين وست مئة في شهر ربيع الآخر.
كان قد استمر على إمرته بعد قتلة الأشرف في الدولة العادلية كتبغا، وفي الدولة المنصورية لاجين، فقام وقعد لحينه، وكان لما قتل كرجي الملك المنصور حسام الدين لاجين توجه طغجي إلى دار نائبه منكوتمر، ودق عليه الباب، فأخرجوه، فعلم أنهم قد قتلوا أستاذه، فاستجار بطغجي فأجاره، وحلف له، ثم إنهم توجهوا به إلى الجب، فاغتنم كرجي غفلة طغجي، وأطلع منكوتمر من الجب وذبحه. واتفقوا على إحضار الملك الناصر محمد من الكرك للملك، وأن يكون طغجي نائباً له، وحلفوا له على ذلك فبقي في النيابة أربعة أيام، فلما قدم الأمير بدر الدين بكتاش من تجريدة حلب ومن معه من الأمراء طلع طغجي وكرجي وغيرهما لملتقى الأمراء برا القاهرة، فلما التقوا تباله عليهم أمير سلاح وقال لطغجي: كان عادة السلطان يطلع إلينا ويتلقانا. فقال: وأين هو السلطان ؟ قد قتلناه. فعرج بفرسه عنه، وقال: إليك عني، أكلما قام للمسلمين سلطان، وثبتم عليه، وقتلتموه ! فاعتوره أعوان السلطان الذي قتل بالسيوف، وقتلوه ظاهر القاهرة، ورمي على مزبلة هناك، وحجه الخلائق للفرجة والعبرة، ثم إنه دفن بتربته، وقد نيف على الثلاثين.
ومن حلاوة شكله وظرفه ومحاسنه أطلع الناس تفاصيل قماش وسموها طغجي. ويقال: إنه كان بخدمة الأشرف في البلاد الحلبية، فمر السلطان بقرية جيلان، فقال له: ما اسم هذه القرية يا طغجي ؟ فقال له: جيلان، فقال له السلطان: اقعد. فنزل عن مركوبه، وقعد على الأرض، فقال له السلطان: قم، واركب. فقال: السلطان رسم بالقعود وما أقوم. فقال: قم، وخذها لك، فباس الأرض ورجله، وركب معه.
طقتمرالمير سيف الدين الصلاحي الناصري.
كان فيه عسف وجور، وله تسلسل على أموال الناس ودور، لا يرحم من بكى، ولا يسمع من شكى، تردد تكراره إلى الشام، وتحدد استكباره، واستكثاره في كل عام، إلى أن أراح الله من عتوه، وأزاح ما يكابده الناس من غلوه في الظلم وعلوه.
ومالت النوائب إليه وهو في حمص نائب، وأصابته المنية بسهم المصائب، وذلك في سنة سبع وأربعين وسبع مئة.
كان أميراً في أواخر الأيام الناصرية محمد، وحضر في خدمة بشتاك لما قدم للحوطة على موجود تنكز، ثم توجه معه إلى القاهرة ولما خلع المصريون الناصر أحمد، وأقاموا الصالح، ورد هو في البريد للبشارة، وحلف العساكر. وعاد وتقدم في الأيام الصالحية، وحضر إلى الشام لتحصيل الهجن والنياق والشعير برسم الحجاز من دمشق وحلب وحماة، فثقلت وطأته على الناس، وبطل ذلك بموت الصالح - رحمه الله تعالى - ، فعاد إلى القاهرة، وتقدم عند الكامل شعبان، وحضر إلى دمشق، واستخرج منها ثماني مئة ألف درهم لأجل حج الكامل، وضيق على الناس، ومنع أن يصرف لأحد شيئاً من الأموال، وقبضها وتوجه بها إلى القاهرة، واختص بالكامل كثيراً، فلما خلع الكامل وملك المظفر حاجي أخرجه إلى حمص نائباً، فتوجه إليها، وأقام بها قريباً من أربعين يوماً، وتوفي - رحمه الله تعالى.
طقتمر
الأمير سيف الدين الأحمدي، يعرف في بيت السلطان بطاسه. لما أمسك الأمير سيف الدين أقبغا عبد الواحد جعل هذا مكانه في الأستاذ دارية أيام المنصور أبي بكر.كان رجلاً عاقلا، ناقماً على من نبذ عهده ناقلا، ولي نيابات عديدة، واستجلى من كل ناحية وجه خريده، وما فارق بلداً إلا وأهلها بالخير يذكرونه، ويدعون له ويشكرونه، فما كان إلا طاسةً بالخير تقلب، وتفرغ الحسنة على الناس وتغلب.
ولم يزل إلى أن نقر الموت طاسة فطن، وحقق العدم منه ما ظن.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في أواخر سنة سبع وأربعين وسبع مئة.
وكان قد أخرج أولاً إلى نيابة صفد، فأقام بها مدة، وجهز بعدها إلى حماة نائباً بعد الأمير علم الدين الجاولي، وأقام بها إلى أن حضر الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي إلى دمشق نائباً، فتوجه هو إلى حلب نائباً عوضه، فأقام بها نائباً إلى أن برز اليحيوي إلى ظاهر دمشق في أيام الكامل، وجاء إليه جميع نواب الشام، إلا طقتمر طاسه، فإنه لم يحضر إليه، ونقم ذلك عليه، ولما انتصر يلبغا، وولى المظفر حاجي كتب يلبغا فيه، فعزل من نيابة حلب، وتوجه الأمير سيف الدين بيدمر البدري عوضه إلى حلب، وطلب الأحمدي المذكور إلى القاهرة، فأقام بها أميراً بقية السنة، وجاء الخبر بوفاته - رحمه الله تعالى - .
طقتمرالأمير سيف الدين الشريفي السلاح دار.
كان المذكور بدمشق أميرا، ومحله بها يراه الناس أثيرا، أقام بها مدة وهو في عافية وصحة كافيتها شافية إلى أن ضعف بصره، ودخل تحت الشعاع قمره، وكان يمشي وبين يديه مملوك له يعرفه بالناس لأجل السلام ومشاغلتهم بما عنده من الكلام، إلى أن انكف ناظراه، ومحي قمراه، فانقطع بعد ذلك في بيته تقدير أربع سنين، وجاءه ما نسي به عماه، وود أهله لو دام لهم أنسه في حماه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في حادي عشر شوال سنة خمسين وسبع مئة. وكان يسكن جوا باب الصغير عند بيت الصاحب شمس الدين، وخلف ولدين، يخالهما الناظر في سماء الحسن فرقدين.
طقتمرالأمير سيف الدين النائب ببهسنا.
كان من مماليك الأمير سيف الدين جركس نائب قلعة الروم، أفردت له نيابة الرها، وأقام فيها مدة، إلى أن ورد الأميران سيف الدين شيخو وسيف الدين طاز في واقعة بيبغاروس إلى حلب، فرسم له بنيابة بهسنا، فأقام بها نائباً إلى أن توفي - رحمه الله تعالى - ببهسنا، وجاء البريد بموته إلى دمشق في شهر المحرم سنة سبع وخمسين وسبع مئة.
وكان شجاعاً شهماً مقداماً، وفيه تودد وخدمة للناس.
طقصباالأمير سيف الدين المؤيدي، مملوك الملك المؤيد صاحب حماة.
وكان المذكور من بعض أمراء حماة، وصهر أستاذه الملك الأفضل، لأن المؤيد زوجه ابنته في حياته، لأنه اشتراه صغيراً، ورباه، وأحسن تربيته، فأنتشأ نشأة سعيده، وسلك طريقة حميده، وكان تام العقل، صادق النقل، جيد السياسه، كامل النفاسه، له وجه يستحي البدر من رؤيته، وتظهر على الغصن كسرة من خطرته، بعيون لو رقرقها لنوء الثريا لاستهل، أو رنا إلى الأسد لاستذل، مديد القامه، ظريف الهامه، من رآه أحبه بديها، وعلم أنه لا يجد له شبيها.
ولم يزل على حاله، إلى أن هصرت يد الموت ثمر غصنه، وأنزلته من منيع حصنه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبع مئة.
وكان محبوباً إلى أستاذه، يعظمه كثيراً، ويرسله في مهماته إلى السلطان، ويجهز تقادمه معه وأقواده، فيقبل السلطان عليه، وينعم عليه، ويؤثره، ويختاره، بخلاف باقي خوشداشيته، ولما مات المؤيد استمر على إمرته في خدمة الأفضل ابن أستاذه، وكان خوشداشه الأمير سيف الدين أرغون الأفضلي بطالاً بدمشق، فأنعم عليه بإقطاع خوشداشه طقصبا، فتوجه من دمشق إلى حماة.
طقزتمربضم الطاء المهملة والقاف وسكون الزاي وفتح التاء ثالثة الحروف وضم الميم وبعدها راء: الأمير الكبير المقدم سيف الدين الناصري.
كان أمير مئة مقدم ألف، قديم الهجرة في دولة الناصر، معظماً فيها يشار إليه بالأصابع، وتعقد عليه الخناصر، كثير الأدب والحياء، عديم المحاباة والرياء، لم يكن يتحيز في أيام أستاذه إلى فئة قط، ولم يمتد له لسان فضول فيحتاج لقط، لا جرم أنه تقدم من تقدم وتأخر، وسبق من سبق وعثر، وهو في ميدانه إمام البرق المتألق في السحاب المسخر، وحصل الأملاك العتيده، وأصل الأموال العديده، ولم يكن أحد يضاهيه، ولا يظاهره ولا يضافيه. صاهر ملكين، وظواهر بعلو مجده فلكين، ونص السلطان على أنه يكون بعده بمصر نائبا، ثقة منه أن الزمان يجيء إليه من الذنوب تائبا، وناب بمصر وحماة وحلب ودمشق، وأعمل أقلامه في العلائم بالمد والمشق.
ولم يزل على حاله إلى أن لفته الأرض في ملاءتها وصحنته المنية في صلاءتها.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في تاسع جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وسبع مئة.
وكان الأمير سيف الدين طقزتمر أولاً مملوك المؤيد صاحب حماة، وقدمه للسلطان، وأقبل عليه، وقدمه، وأمره، وما كان يعد نفسه في بيت السلطان إلا غريباً، لأنه لم يكن له خوشداش يعتضد به. ولم يزل كبيراً معظماً من طبقة أرغون ومن بعده إلى آخر وقت، تقلبت عليه ثلاث أربع طبقات وراحت، وهو على حاله، لم يتغير عليه السلطان قط.
وهو الذي ينسب إليه حكر طقزتمر ظاهرة القاهرة، وفيه الحمام المليح، وله الربع الذي برا باب زويلة، وكان أولاً يعرف بدار التفاح، وله غير ذلك.
وزوج السلطان ابنته بابنه الملك المنصور أبي بكر، وتزوج ابنته الأخرى الملك الصالح إسماعيل، وجاء في خطبتها إلى دمشق الأمير سيف الدين ملكتمر الحجازي، وأوصى السلطان بأن يكون بعده نائباً، فلما أحضر له المنصور التشريف بالنيابة اقتنع، فقال له: كنت امتنعت لما وصى السلطان بذلك ؟ ولم يزل بمصر نائباً ذينك الشهرين مدة سلطنة أبي بكر إلى أن جرى ما جرى وخلع.
ولما تولى الأشراف كجك طلب طقزتمر نيابة حماة، فأمروا له بها، وكان بها إذ ذاك الملك الأفضل محمد بن المؤيد، فأخرج الأفضل من حماة إلى دمشق، وحضر طقزتمر إلى حماة نائباً، فهو أول من خرج إليها نائباً بعد صاحبها الأفضل. ولقد سمعت الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب دمشق يقول في دار عدله، وقد جاء الخبر بذلك: كل شيء تزرعه تحصده، إلا ابن آدم إذا زرعته حصدك، هذا طقزتمر مملوك بيت أصحاب حماة قدموه لأستاذنا، وزرعوه بذلك فحصدهم، وأخرجهم منها.
ولم يزل بحماة مقيماً إلى أن تحرك طشتمر في حلب، وسأله أن ينضم إليه، فتوجه إليه إلى بعض الطريق، ولما خرج ألطنبغا من دمشق وعلم بذلك أرسل إليه، فعاد من أثناء الطريق إلى حماة ولما بلغ طشتمر ذلك ضعفت نفسه، وهرب إلى بلاد الروم - كما تقدم - ولم يزل طقزتمر بحماة إلى أن بلغه وصول الفخري إلى دمشق، ونزوله على خان لاجين، فأرسل إليه، فحضر إلى عنده، وقوي جأش الفخري بذلك، ولم يزالا على خان لاجين إلى أن حضر ألطنبغا، وهرب، ودخل الفخري وطقزتمر إلى دمشق، وتوجه هو والأمير بهاء الدين أصلم وغيرهما من الأمراء الكبار إلى الناصر أحمد بالكرك، ليحضر إلى دمشق، فامتنع من الحضور، ثم إنه توجه مع العساكر الشامية إلى مصر، وأقام بمصر إلى أن جرى للناصر أحمد ما جرى. وتسلطن الصالح إسماعيل، ورسم للأمير سيف الدين طقزتمر بنيابة حلب، ونقل الأمير علاء الدين أيدغمش منها إلى نيابة دمشق، وتوجه كل منهما لمحل نيابته، والتقيا على القطيفة.
ولما توفي الأمير علاء الدين أيدغمش، رسم لطقزتمر بنيابة دمشق، ونقل الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني من نيابة حماة إلى حلب، وحضر الأمير سيف الدين طقزتمر إلى دمشق، ودخلها في نصف شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، وأقام بها نائباً إلى أن توفي الملك الصالح إسماعيل وتولى الملك الكامل شعبان، وحضر الأمير سيف الدين بيغرا، وحلف عسكر الشام له، وجاء معه تشريف باستقراره في النيابة على حاله بدمشق. وبعد ثلاثة أيام أو أربعة أيام ورد الأمير بيبغاروس، ليحضر إلى مصر، ويكون بها نائباً عوضاً عن الأمير سيف الدين ألملك، فلم تطب نفسه للخروج من دمشق، ومرض، وحصل له فالج وعدم نطق، وكتب مطالعةً، واستعفى فيها من التوجه إلى مصر، وأن يكون مقيماً بدمشق، وكتب إلى الأمراء، ودخل عليهم، وتشفع إليهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالخليل - عليه السلام - ، ثم إن جماعته خوفوه عقبى ذلك، فوجد من نفسه خفة، وجهز الأمير فخر الدين أياز الحاجب على البريد يسأل الحضور إن كان ولا بد في محفة لعجزه عن ركوب الفرس، ففرح السلطان بذلك، وخلع على فخر الدين أياز، وحضر بعده ثانياً الأمير سيف الدين بيبغاروس لطلبه، فخرج في محفة، وهو متثاقل مرضاً يوم السبت خامس جمادى الأولى، ووجد نشاطاً في الطريق.
ولما وصل إلى بلبيس سير ولده أمير حاج وأستاذ داره قشتمر يسألان له الإعفاء من النيابة، فأجيب إلى ذلك، ودخل إلى بيته، ولم يطلع إلى القلعة، وأقام في القاهرة ثلاثة أيام وقيل خمساً، وتوفي - رحمه الله تعالى - في التاريخ المذكور.
طقطايالأمير عز الدين الناصري الجمدار.
كان بدمشق أميراً من جملة أمرائها. وكبيراً في عداد كبرائها، فيه خير وسكون، وميل إلى أهل الفضل وركون، وجهز إلى نيابة الكرك والقيام بما فيها من الدرك، فأقام بها مدة، ثم عاد، ونسي من دمشق ما هو أقدم من عهد عاد، فجبر الله بعوده قلبه، وشد أزره وصلبه.
ولم يزل على حاله إلى أن جمدت عين الجمدار، ولم يعد له في مدى الحياة مدار.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في رابع عشر شعبان سنة ثمان عشرة وسبع مئة.
طقطايالسلطان صاحب القبجاق، هو طقطاي بن منكوتمر بن سابرخان بن الطاغية الأكبر جنكزخان المغلي، ومنهم من يقول فيه: توقتقاي بتائين ثالثي الحروف بدل الطائين وزيادة قاف بعد التاء الثانية.
وكان مع كفره فيه عدل، وله جود على أهل الخير وبذل، وميل إلى من تدين من أهل الملل، ومن تظاهر بصلاح من أرباب النحل، إلا أنه كان يرجح الإسلام، ويحب الأئمة الأعلام، وكان له ميل عظيم إلى السحره، وله التفات إليهم، يعطر من الجو سحره، وكان يعظم الأطباء، ويقدم منهم الألباء. وممالكه واسعه، وحدوده شاسعه، وجيشه يربي على الرمل، ويفوق من النبات عد الخمل. جهز مرةً إلى بعض الجهات من كل عشرة واحداً، فبلغ ذلك مئتي ألف فارس، ممن يعاني الحروف ويمارس. وكان له ولد كان محياه البدر في التمام، أو الشمس إذا انجاب عنها الغمام، فأسلم، وكان يحب سماع القرآن، ولا يزال هو ومن يتلوه في قران، ومات - رحمه الله تعالى - ، قبل أبيه فذاق كؤوس العلقم لفراقه، ولم تطفئ دموعه غلة احتراقه.
ولم يزل طقطاي على حاله إلى أن أهلك الله نمروذه، وكف كف الموت مديته المشحوذه.
وكان هلاكه في سنة اثنتي عشرة وسبع مئة. وكانت مدة ملكه ثلاثاً وعشرين سنة، لأنه جلس على التخت وعمره سبع سنين.
ولما مات طقطاي تولى أخوه أزبك - وقد تقدم ذكره - ، وقيل إنه جرد من عسكره، من كل عشرة واحداً، فبلغ ذلك مئتي ألف وخمسين ألف فارس وكان ابنه ذلك المليح قد نوى أنه إن ملك لا يترك في مملكته غير الإسلام، فمات، وترك ابنه صغيراً، ولما مات طقطاي؛ أوصى لابن ابنه المذكور، فلم يتم له الأمر، وولي بعده ابن أخيه أزبك المذكور، وجلس على التخت في أواخر رمضان سنة اثنتي عشرة وسبع مئة. وهذه المملكة هي المعروفة ببلاد بركة ابن عم هولاكو، قال الفاضل علاء الدين النعمان: إن طول هذه المملكة ثمانية أشهر، وعرضها ستة أشهر. والله أعلم.
؟
طقطاي
الأمير عز الدين الدوادار.كان من مماليك السلطان الملك الناصر، ولكنه أعطاه للأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي في جملة ما أعطاه، وقال له: هذا يكون دوادارك، فحضر معه إلى حماة، وتوجه معه إلى حلب، وحضر معه إلى دمشق، ولم يفارقه إلى أن جرى ليلبغا ما جرى.
هو لطيف النفس، ثقيل الرأس، سهل القياد، صوفي الاعتقاد، حسن الأخلاق، منفعل للخير على الإطلاق، يرعى أصحابه، ويذكر أحبابه، ليس فيه شر ألبته، ولو رأى منه جزءاً حسم أمره وبته، كأنما ربي في الخوانق، ونشأ فيها، فهو شيخ العقل على أنه غرانق، كثير الرياضة والتأني، بريء من التكلف والتعني.
ولم يزل على حاله إلى أن قط عمره، وحط إلى الحضيض بدره.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في أواخر المحرم سنة ستين وسبع مئة.
كان يلبغا يقول: هذا قرابتي وخوشداشي، وكان قد سلم قياده إليه، فهو النائب، وحديث الناس معه في سائر الأمور، ولم يكن يقرر شيئاً فيخالفه. أعطاه الملك الكامل شعبان. وهو بدمشق - إمرة عشرة، فكتبت إليه:
يا سيّداً ربّ العلى ... لكلّ خير يسّره
ومن حباه طلعةً ... بالبشر أمست مقمره
ومن له محاسنٌ ... ترضي الكرام البرره
تهنّ أمر إمرةٍ ... أنباؤها مشتهره
بها الوجوه قد غدت ... ضاحكةً مستبشره
تنالها كاملةً ... مضروبةً في عشره
وكان هذا القول مني تكهناً في حقه، لأنه صار فيما بعد أمير مئة مقدم ألف.
ولما خلع الكامل وجلس المظفر على كرسي الملك توجه إليه من دمشق على البريد، فرعى له حق خدمته، وأعطاه طبلخاناه، ولم يزل حظياً عند أستاذه إلى أن توجه معه في وقت خروجه على المظفر، وصارا في حماة، فأمسكه الأمير سيف الدين قطليجا الحموي نائب حماة، وجهز صحبة إخوة يلبغا إلى مصر، فجهز إلى الإسكندرية. ثم إن الأمير سيف الدين شيخو والأمير سيف الدين صرغتمش شفعا فيه، فأفرج عنه، وذلك في سنة ثمان وأربعين وسبع مئة، فأقام في مصر، وأعطي إمرة عشرة، وتزوج بالقاهرة بزوجة الأمير سيف الدين طغاي تمر الدوادار وهي أخت الأمير سيف الدين طاز، ثم أعطي طبلخاناه، وصار خصيصاً بالأمير سيف الدين شيخو.
ولما توجه الأمير سيف الدين طاز إلى الحجاز كان هو معه، وأمسكا بيبغاروس، وتوجها به إلى مكة، ولما عاد الركب، سبق هو وجاء إلى السلطان الملك الناصر حسن بخبره وبخبر إمساك المجاهد صاحب اليمن، فخلع عليه، ووصله. ثم إنه حضر مع الأمير سيف الدين بيغاروس ليقره في نيابة حلب، فأقره، وعاد، وقد شم من أنفاسه الخروج على السلطان الملك الصالح، وذلك في شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، ولما عاد من حلب في هذه المرة؛ ولاه السلطان الملك الصالح الدوادارية عوضاً عن طشبغا، فكتبت أنا إليه:
هذا الدّوادار الّذي أقلامه ... تذر المهارق مثل روضٍ نافحٍ
تجري بأرزاق الورى فمدادها ... وبلٌ، تحدّر من غمامٍ سافحٍ
أستغفر الله العظيم، غلطت، بل ... نهرٌ جرى من لجّ بحرٍ طافحٍ
وإذا تكون كريهة فيمينه ... تسطو بحدّ أسنّةٍ وصفائحٍ
يا فخر دهرٍ قد حواه، فإنّه ... عزّ لمولانا المليك الصّالحٍ
ولما أراد بيبغا الخروج، وحلف الأمير سيف الدين العسكر للسلطان الملك الصالح حضر الأمير عز الدين إلى دمشق في شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة، وأقام قليلاً، وتوجه صحبة أرغون الكاملي إلى لد، وفارق أرغون، وتوجه إلى مصر، ثم إنه عاد في شعبان ومعه تقاليد للأمير بدر الدين بن خطير بنيابة طرابلس، والأمير سيف الدين طان يرق بنيابة حماة، وبنيابة صفد للأمير شهاب الدين أحمد بن صبح، ثم إنه توجه عائداً إلى مصر، وتوجه مع السلطان الملك الصالح إلى دمشق، ثم توجه مع الأمراء شيخو وجطاز وأرغون إلى حلب خلف بيبغا، ولما عادوا عاد معهم، وتوجه صحبة السلطان إلى مصر.
ثم إنه حضر في ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة متوجها إلى حلب، ليجهز العسكر خلف بيبغاروس وأحمد وبكلمش، فاتفق من سعده أنه لما وصل إلى حلب جاء أحمد وبكمش ممسوكين في ثاني عشري الحجة، فحز رأسيهما، وجهزا إلى مصر، وأقام هو بحلب إلى أن وصل بيبغاروس في ثالث عشري المحرم سنة أربع وخمسين، فحز رأسه، وجهز صحبته إلى مصر.
ثم إنه عاد إلى حلب، وتوجه بالعساكر صحبة أرغون الكاملي إلى البلاد الرومية، ووصلوا إلى قيصرية، ولم يزالوا إلى أن أمسك ابن دلغار، وصار عند ناصر الدين محمد باك بن أرتنا، فعادت العساكر بعدما قاسوا شدائد ومشاق ومتاعب يعجز الواصف عنها، وعاد الأمير عز الدين بالخبر، فدخل إلى دمشق في خامس شهر رجب الفرد سنة أربع وخمسين وسبع مئة، ولما وصل إلى الأبواب السلطانية أعطي إمرة مئة وتقدمة ألف كانت بيد الأمير سيف الدين بلبان السناني، وقيل: إنه زادوه على ذلك بلدين آخرين من قرى مصر.
ولم يزل في عظمة ورفعة، إلى أن جرح الأمير سيف الدين شيخو في يوم الخميس ثامن شعبان سنة ثمان وخمسين وسبع مئة، وكان هو في جملة من ركب إلى قبة النصر في السلاح، وتظاهر بالتعصب الزائد، وتحيز إلى تلك الفئة، فلما توفي الأمير سيف الدين شيخو في سادس عشري ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وسبع مئة أمسك هو والأمير صلاح الدين خليل بن قوصون، والأمير سيف الدين قطلوبغا الذهبي، والأمير سيف الدين قجا أمير شكار، وجهزوا إلى الإسكندرية، ليعتقلوا بها، ورسم للأمير سيف الدين علم دار أن يكون عوضه في الدوادارية.
من العجيب ما حكاه لي ناصر الدين محمد العلائي البريدي المصري؛ قال: كنا وقوفاً بين يدي الأمير عز الدين طقطاي الدوادار قبل إمساكه بسبعة ثمانية أيام، وقد سير إليه علم دار رسالةً يشفع عنده في بعض البريدية أن يجهزه في شغل عينه، فتأذى الأمير سيف الدين طقطاي، وقال: الأمير علم دار يجهزه من عنده، فما كان بعد ذلك إلا قدر يسير، وولي وظيفته، وجهز ذلك البريدي في الشغل الذي كان عينه، وأقام الأمير عز الدين والجماعة في ثغر الإسكندرية مدة يسيرة، ثم إنه أفرج عنهم، وحضر الأمير عز الدين إلى دمشق، ومعه علاء الدين ألطنبغا الأبو بكري مقدم البريدية متوجهاً به إلى طرابلس ليكون بها مقيماً في جملة بحرية القلعة بطرابلس، وأن يعين له إقطاع يعمل خمسة ستة آلاف درهم، وكان وصوله إلى دمشق في يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة تسع وخمسين وسبع مئة، وتردد إليه أهل دمشق من أرباب السيوف والأقلام وغيرهم، ونزل في دار الأمير سيف الدين جوبان بالعقيبة، وتوجه إلى طرابلس، وأقام بها مدة تزيد على الشهرين، ثم رسم له بالحضور إلى دمشق، فحضر إليها، وأقام بها كذلك ثم رسم بعوده إلى طرابلس، فتوجه إليها وأقام بها كذلك؛ إلى أن ورد الخبر بوفاته بطرابلس المحروسة في أواخر شهر الله المحرم سنة ستين وسبع مئة - رحمه الله تعالى - فسبحان من لا يحول ولا يزول.
طلحةالشيخ الإمام المقرئ النحوي الأصولي علم الدين الشافعي. كان في أصله مملوكاً، يدعى سنجر، فغير اسمه بطلحة.
قرأ بالسبع على الشيخ موفق الدين بن أبي العلاء ببعلبك، وتوجه بعدما تميز وتصدر، وقرأ الناس عليه علومه بعد العشرين وسبع مئة إلى الشيخ برهان الدين الجعبري، وأخذ عنه وأجازه.
كان يعرف الحاجبية معرفة من أتقن العربية، وأصبح كما تمنى الشاعر عالماً بما في ضمير الحاجبية، ويعرف مختصر ابن الحاجب ويشرحه، ويحل لفظه ويسرحه، وكان يقرئ القراءات السبع، ويتفيهق في التلفظ بها كما يزأر السبع، ونغمه في التلاوة طيب لذيذ، وصوته يكاد يحيا به الوقيذ، وكان يقرأ بالجوق في الختم فيطرب الناس بلحنه، وإذا قرأ في الجامع تحقق الناس أن حلاوة السكر في صحنه.
ولم يزل على حاله إلى أن عدم أهل حلب فوائده وفقدوها، وقال الناس: رحم الله أعظماً دفنوها.
وتوفي - رحمه الله تعالى - سنة خمس وعشرين وسبع مئة بحلب وقد نيف على الستين.
قرأت عليه بحلب مدة مقامي قطعة جيدة من كتاب البيوع في التعجيز لأنه كان أخذه عن الجعبري. وكنت أسمع دروسه في الجاجبية وفي مختصر ابن الحاجب، وكان يراعي الإعراب في كلامه حتى في وقت بحثه وجداله، وكان شيخاً طوالاً، أزرق العين بلحية سوداء.
طلحة بن الخضر
ابن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن حسن بن علي، الصدر شمس الدين القرشي الدمشقي.
قال شيخنا البرزالي: روى لنا عن ابن علان، وسمع من الصدر البكري وجماعة. وكان من أعيان الشهود ومن أرباب البيوت والثروة بدمشق.
توفي - رحمه الله تعالى - في شهر رجب سنة تسع وتسعين وست مئة.
طلحة بن محمدابن علي بن وهب، الشيخ ولي الدين بن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد.
توفي بالقاهرة سنة ست وتسعين وست مئة، وكان موته وموت ابن الصاحب فخر الدين في يوم واحد.
طوغانالأمير سيف الدين طوغان.
ولي الشد بدمشق مرات، وتولى نيابة البيرة، فأمسكه أهل قلعتها وقيدوه، لما أمسك أسندمر وجهزوه، فأمضى ذلك وهو في ذي الحجة سنة عشر وسبع مئة، ولكن أنكر السلطان عليهم فيما بعد، وتوجهوا به إلى مصر، ثم إنه أفرج عنه، وأعيد إلى دمشق، فشد أهل الدواوين في صفر سنة إحدى عشرة وسبع مئة. ثم أمسك في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وسبع مئة، وجهز إلى مصر هو وجماعة من الأمراء منهم بيبرس المجنون، وسنجر البرواني، وبيبرس التاجي، وكشلي، ثم أفرج عنه بعد مدة طويلة، وجهز نائب قلعة صفد، فجاء إليها، وعمرها، ورمها، ولم شعثها، وهو مع ذلك بطال، وفيما بعد مدة أظنه أعطي إمرة عشرة. وكان ينفق في الصناع والفعول من ماله، إلا أنه كان ظالماً عسوفا، عديم الرحمة عبوسا، لا يكاد يبتسم أبداً.
وكان آيةً في الكرم، وغاية في الجود، يخجل الغيث إذا احتد برقه واضطرم، لا يغسل قباءه أبدا، ولا يرى له في اقتنائه مستندا، بل يلبسه، فإذا استخ وهبه، ونزعه عن جسده لغيره وسلبه. وكان في أخلاقه حدة وشراسه، وشدة تقطع من الحلم أمراسه.
ولم يزل على حاله في قلعة صفد إلى أن طوي خبر طوغان، بعد ما كان سائراً من مصر إلى موغان.
وتوفي - رحمه الله تعالى - سنة أربع وعشرين فيما أظن.
وكان يحكى عنه عجائب، منها أنه كان يوماً في قلعة البيرة جالساً وعنده المباشرون يعملون الحساب، فنعس هو لحظة وغفا وانتبه، فقال للناظر: اكتب على طوغان جناية مبلغ مئتي درهم لكونه يكون في شغل مولانا السلطان وينعس. فما أمكن الناظر والمباشرين إلا امتثال أمره، وقال لخزنداره: هات مئتي درهم، فأحضرها، ووضعها في صندوق الحاصل، فلما كان بعد أيام نعس الناظر، فجناه خمس مئة درهم.
وكان يوماً في صفد جالساً على البرج والهواء يتخفق في أعلى القلعة، فلعب الهواء بذيله، فوضعه تحت فخذه، فلعب الهواء به ثانياً، فشال فخذه ووضعه تحته، فلعب به ثالثاً فنزعه عنه وألقاه على الأرض، وضربه بالعصي إلى أن قطعه.
وكان الأمير سيف الدين أرقطاي كثير البسط والانشراح، فجاءه بعض أمراء العربان فانبسط عليه، وقال: أطلعوه القلعة، فجاؤوا به وهو واقف في عمارة القلعة، فلما رآه، قال: هات قيداً، وقيده به، وأداره في العمل تحت الحجارة والكلس، فقالوا: يا خوند إنما ملك الأمراء يلعب معه. فقال: والك، أنا عندي لعب !؟ وتعب الناس في خلاصه منه، إلى أن اجتمع به في الخدمة، وشفع فيه حتى أطلقه.
وكان يقف في عمارة القلعة من طلوع الشمس إلى مغيبها، وإذا كان الليل نام على قفاه، ورفع رجليه مع الحائط، وقد عصبها بالفصاديات، وقمطها، ويعطي الصانع الدراهم من عنده، وهو يضربه بالعصا التي في يده، وقلما ضرب أحداً إلا أجرى دمه، لأنه ما كان يكون في يده عصاً إلا ما تصلح أن تكون نصاب دبوس، رحمه الله.
وفيه يقول علاء الدين الوداعي - وقد كان عنده في البيرة كاتب درج - ، ومن خطه نقلت:
يا جيرةً قربهم مرادي ... وحظ قلبي ولحظ عيني
طوغان، طوفان راحتيه ... قد حال بينكم وبيني
فلا سبيل إلى لقاءٍ ... من بين لجين في لجين
اللقب والنسبالطوسي: شارح الحاوي عبد العزيز بن محمد.
الطوفي: نجم الدين الحنبلي سليمان بن عبد القوي. ونجم الدين الرافضي عبد القوي بن عبد الكريم.
طوير الليل: تاج الدين محمد بن علي.
طيبرس بن عبد اللهالشيخ الإمام العالم الفقيه النحوي علاء الدين الحنفي المعروف بالجندي.
ذكر أنه قدم من بلاده إلى البيرة، فاشتراه بعض الأمراء بها، وعلمه الخط والقرآن العظيم. وتقدم عنده وأعطاه إقطاعاً وأعتقه.
فلما توفي أستاذه قدم إلى دمشق وقد جاوز العشرين سنة، وتفقه بها على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، واشتغل بالنحو واللغة والعروض والأدب والفرائض والأصلين حتى فاق أقرانه، وسمت همته، فصنف في النحو وغيره، ونظم كتاب الطرفة في النحو، وجمع فيه بين ألفية ابن مالك ومقدمة ابن الحاجب، وزاد عليهما، وهي تسع مئة بيت، وقرأها عليه جماعة، منهم الشيخ صلاح الدين البطايني، وشرحها. وكان الشيخ شمس الدين بن عبد الهادي يثني عليهما. وكان مغرى بالنظم من صغره، وكان حسن المذاكرة، لطيف المعاشرة، مخبره أحسن من منظره، كثير التلاوة، يصلي بالليل كثيراً.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة تسع وأربعين وسبع مئة بالصالحية في طاعون دمشق.
وكان مولده سنة ثمانين وست مئة تقريباً.
وأنشدني من لفظه المولى الشيخ محيي الدين أبو زكريا يحيى بن يوسف بن يعقوب الرحبي الشافعي، قال: أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ علاء الدين المذكور قال: وهو أول شيء نظمته بالبيرة قال:
وكلّما القلب ناجاني بهجرك لي ... وهل تعود فأقوالي: عسى وبلى
قد كان قربك عكس اللّفض مدّته ... كما مقامي اللّغط هري بلا
وبه قال: أنشدني المذكور لنفسه:
بكفر بطنا لقد طبنا على نزهٍ ... من مشمشٍ كنجوم غشّت الشّجرا
أحلى من الوصل لكن في لطافته ... أرقّ من نسمةٍ هبّت لنا سحرا
كدت تذوّبه الألحاظ من عجبٍ ... لما رأت قد بدت في لطفه الصّورا
وبه قال: أنشدني من لفظه لنفسه في كيال مليح له رفيق اسمه الشمس يلقب الثور لقبحه ويلقب أيضا بالدقن لطول لحيته:
نفسي الفداء لكيّال برى جسدي ... بأربعٍ زيّنتها أربعٌ أخر
في ردفه عظمٌ في خصره هضم ... في ريقه شهدٌ في طرفه حور
كأن وجنته في النّقع إذ غرقت ... ياقوتةٌ فوق تبرٍ تحتها درر
من أجله الشّمس من أنواره كسفت ... فمن رأى الشّمس غشّى نورها القمر
رفيقه الدّقن ثورٌ إنّ ذا عجبٌ ... خشفٌ ترافقه الثيران والبقر
وبه قال: أنشدني من لفظه لنفسه:
قد بتّ في قصر حجّاجٍ فذكّرني ... بضنك عيشة من في النّار يشتعل
بقٌّ يطير وبقٌّ في الحصير سعى ... كأنّه ظللٌ من فوقها ظلل
وبه قال: أنشدني من لفظه لنفسه:
قاربت ستين عاماً والشباب ظلا ... مه على شعري ما شيب بالنّور
وكان شاهد زورٍ للشباب فلا ... تستعجبوا من سواد الشّاهد الزّور
وبه قال: أنشدني من لفظه لنفسه في عطار:
احتجت إلى قطر نباتٍ وسنا ... فابتعتهما من ذي اعتدال وسنا
من وجهه ومنطقه كم سلبت ... أجفان متيّميّ هواه وسنا
طيبالأمير سيف الدين.
كان من جملة الأمراء بصفد، ثم إنه نقل إلى دمشق وأقام بها قريباً من سنة، ثم إنه توجه صحبة العساكر إلى صفد لحصار أحمد الساقي، ولما سلم نفسه أحمد توجه به الأمير طيب إلى باب السلطان صحبة من توجه معه من الأمراء فرسم له السلطان في الديار المصرية بالإقامة فأقام بها، وذلك من أوائل سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة ولما خرج الأمير علاء الدين مغلطاي والأمير سيف الدين منكلي بغا الفخري على السلطان الملك الصالح أول دولته كان معهما، فرسم باعتقاله، وذلك في شهر رجب سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، ثم إنه أفرج عنه وورد إلى صفد وأقام بها بطالاً.
ثم إنه توجه صحبة الأمير علاء الدين ألطنبغا برفاق نائب صفد إلى دمشق لما راح إلى بيبغاروس، وهرب معهم لما هربوا، ودخلوا البلاد الرومية، ثم إن الأرض أضمرته، ولم أسمع له خبرا إلى أن ورد مرسوم السلطان بتجهيزه من ثغر إسكندرية إلى تلك البلاد، أعني الشرقية من ولاية إلى ولاية وكان ذلك في شهر رمضان أو ما بعده، سنة ست وخمسين وسبع مئة.
اللقب والنسب
ابن أبي الطيب نجم الدين
وكيل بيت المال عمر بن أبي القاسم. وولده نجم الدين محمد بن عمر.الطيبي: محمد بن بادي. وشمس الدين الطيبي موقع طرابلس: أحمد بن يوسف.
طيبرس
الأمير علاء الدين الساقي أحد أمراء الطبلخانات بدمشق.
توفي رحمه الله تعالى في العشر الأول من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وسبع مئة.
طيبغاالأمير سيف الدين السلاح دار الناصري المعروف بقوين باشي، بقاف وواو وياء آخر الحروف وبعدها نون وباء موحدة وألف وشين معجمة وياء آخر الحروف.
كان شكله تاماً طويلا، وخده أسيلا، ذقنه في حنكه سوداء، وعمته مليحة ووجنته مرداء، خيراً لا شر فيه، يحبه تنكز ويعظمه ويعرف له حقه ويوفيه، وولاه نيابة حمص فأقام فيها على حال شديده، وسيرة في العدل سديده، ثم إنه نقله إلى نيابة غزه، وأراد له بذلك التقدم والعزه، فأقام فيها مدة يسيرة مريضا، ورأى من السقم مدىً طويلا عريضا، إلى أن فارق وجوده، وأطال البلى تحت الأرض هجوده.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن عشري ربيع الأول سنة اثنتين وسبع مئة.
وكان له ولد كأنه القمر إذا بدر في أفقه، أو الغزال في لي عنقه، فمات في حياته، وجرعه كأس وفاته، وصبر هو والناس على فقده، وودوا لو شركوه في سكنى لحده.
طيبغاالأمير علاء الدين طيبغا حاجي.
أعرفه بالقاهرة، وهو رأس نوبة الجمدارية، ثم إنه خرج إلى دمشق، واختص بالأمير سيف الدين تنكز، وكان يقربه ويدنيه، ولما أمسك تنكز، وحضر بعده بشتاك، أمسك الأمير علاء الدين طييبغا حاجي والأمير سيف الدين ألجيبغا العادلي، وأودعا قلعة دمشق في الاعتقال، ولم يزالا إلى أن مرض السلطان مرض موته، وعوفي قليلاً فأفرج عنهما وعن غيرهما من الذين كانوا في الاعتقال بمصر والشام، وجهزه الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري في أول دولة الناصر أحمد إلى حلب ليكون بها نائبا فتوجه إليها، وأقام بها نائبا بعد حمص أخضر إلى أن وصلها الأمير علاء الدين أيدغمش نائباً.
وكان قد جهز في سنة اثنتين وأربعين إلى حلب أميرا، فتوجه إليها، وبعد ذلك عمل النيابة بها، ولما عزل منها أقام بها إلى أن توفي رحمه الله تعالى في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة تقريباً، وحضر تابوته إلى دمشق ودفن بها.
وكان عاقلا ساكنا وافر الحشمة كثير الحياء.
طيبغاالأمير علاء الدين الإبراهيمي.
كان أميراً بصفد من جملة الطبلخانات، ورسم له بنيابة قلعة صفد عوضا عن الأمير شهاب الدين بن لافي، وباشر ذلك مدة قليلة دون الشهر، وعزل بالأمير صلاح الدين بن الخشاب.
وتوفي الإبراهيمي بعد عزله بقليل في شهر شوال سنة ست وخمسين وسبع مئة.
طينالبفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون وألف ولام.
الأمير سيف الدين الأشرفي الحاجب بمصر الناصري نائب السلطنة بطرابلس وغزة وصفد.
كان أميراً كبيرا، درباً بالأمور خبيرا، ما أقام ببلد إلا وأحبه أهلها وانتفع العرفان بها وانتفى جهلها.
أول ما ورد إلى طرابلس نائباً بعد الأمير شهاب الدين قرطاي قوى نفسه، وصوب رأيه وتخمينه وحدسه، وأخذ في معاكسة الأمير سيف الدين تنكز ومعاندته، ومنافسته في الأمور ومنابذته، فكتب به إلى السلطان وعزله، وأراه الذل في المنزل الذي نزله.
ورسم له بنيابة غزة، فتوجه إليها وقد جعل إصبعه فيها تحت رزه، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، فأقام بها قليلا، ثم طاوع أن يكون في الجنة لا في النار ذليلا، فأعيد إلى طرابلس ثانيا، ورجع إليها شاكراً حامداً ثانيا، ووطن نفسه على الطاعة لمن قهره، والخضوع لمن كان سائله فنهره، فمشت حاله، وارتفع خبره وانتصب حاله. ثم إنه عزل من طرابلس، ثم أعيد إليها ثالثا، ثم عزل وجهز إلى صفد نائبا، فأقام بها إلى أن تحتم الأجل، وتختم بالوجل.
وتوفي بصفد رحمه الله تعالى في نهار الجمعة خامس شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة.
وكان في النيابة الثانية بطرابلس فلما أمسك تنكز عزل منها لما عزل نواب الشام وحضر إلى دمشق وأقام بها أميراً، ولما كان الفخري بدمشق جهزه إلى طرابلس نايبا، فتوجه إليها ثالث مرة نائبا، ولم يزل بها إلى أن رسم له الصالح بالتوجه إلى صفد، فتوجه من طرابلس إليها وأقام بها إلى أن توفي في التاريخ المذكور، ودفن في مغارة يعقوب عليه السلام بصفد في قبر كان طشتمر حمص أخضر قد أعده لنفسه.
ولما أتى في المرة الثانية إلى طرابلس في شهر ربيع الآخر في سنة خمس وثلاثين وسبع مئة كان يجهز مطالعته إلى السلطان مفتوحة على يد البريدي الذي هو من جهته، ليقف عليها تنكز ويقرأها ويختمها ويجهزها.
وكان السلطان قد جهزه بمصر هو والأمير ركن الدين بيبرس الحاجب إلى اليمن نجدةً لصاحبها، ومعهما ألف فارس في شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وسبع مئة.
وكتب إليه مرة كتاباً من طرابلس يهنئ فيه الأمير سيف الدين تنكز بقدومه من صيد الطير، ويذكر فيه أنه هو كان أيضا غائباً في الصيد، فكتبت أنا الجواب إليه عنه ونسخته: أعز الله أنصار المقر الكريم العالي المولوي الأميري السيفي، وجمع شمل المسرات إليه جميعا، وجعل حرمه على الخطوب محرما وزمنه كله ربيعا، وأظفره من الصيد بما يلقى لديه في الدو صريعا، ويخر له من الجو صريعا، المملوك يقبل اليد الكريمة التي أصبح الجود لها مطيعا، ويخدم بالدعاء الذي يظن لصدقه في رفعه أن الله يكون له سميعا، ويصف الولاء الذي إذا دعا الإخلاص لباه سريعا، ويبث الثناء الذي ملأ الأسماع جمره جوهرا، والصحف بديهاً بديعا، وينهي ورود المشرفة العالية، فوقف منها على أسطار البلاغة التي أخرج العي منها خائفا يترقب، واستجلى منها كواعب البيان التي إذا لمحها هلال الأفق غطى نوره بكمه الأزرق وتنقب، ورعى منها العبارة التي إذا أثنى البليغ عليها فقد قابل درها المنظم بالجزع الذي لم يثقب، فقابل ذلك بالشكر لله تعالى على عود مولانا إلى وطنه، وقرار قلبه وقرة عينه بما ناله من اجتماعه بمسكنه وسكنه، بعد أن عرضت صيوده على مواقد النيران، وضربت أطيارها قباب أشلائها على طريق الوحش تتقارع منها على قرى الضيفان، ونثر على سندس الربيع من ريشها الأزرق ياقوت ومن دمها الأحمر مرجان، وغدت وجنة الأرض وفمها من الدماء مضرج ومن الريش خيلان، فالله يكمل لمولانا المسرة التامه، ويبهج خاطره الكريم بأفراحه العامة للخاصة والعامه، ويجعل عداه في قبضة قنصه، ويجرع كلاً منهم كؤوس غصصه، حتى يكونوا كصيوده بين يديه طرحى معفرين في الثرى كأشلائها معقرين جرحى، وولدا مولانا الجنابان العاليان: المظفري موسى والناصري محمد مخصوصان بتحية تجاري لطفهما، وثناء يباري في الطيف وصفهما، إن شاء الله تعالى.
؟
طي الحوراني
كان قيماً بدار الحديث الظاهرية.أمسك وضرب بدار الوالي، فاعترف بقتل الشيخ زكي الدين السمرقندي الحنفي، فشنقوه على باب الظاهرية بكرة الثلاثاء عاشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى وسبع مئة.
الطيوري الحاسب: علي بن عثمان.
حرف الظاء
ظافر بن أبي غانم
ابن سيف بن طي بن محمد بن سالم فتح الدين أبو الفتح الأرفادي الحلبي الطائي.أخبرني العلامة أبو حيان قال: كان المذكور بالقاهرة، وله نظم منه قوله:
ولقد ظننت بأننا ما نلتقي ... حتى رأيتك في المنام مضاجعي
فوقعت في نومي لوجهك ساجداً ... ونثرت من فرحي عليك مدامعي
ظافر بن محمدابن صالح بن ثابت زين الدين الأنصاري الجوجري المحتد، العدوي، نسبة إلى فقراء الشيخ عدي، يعرف بالطناني، بفتح الطاء المهملة وبعدها نون مخففة وبعدها ألف ونون ثانية، وهي بلدة بالديار المصرية بها ولد.
أخبرني العلامة أثير الدين قال: كان المذكور رجلاً فقيراً، كثير الانبساط، يظهر الخرق. ويذكر عنه بعض من خالطه صلاحاً وديانه، وتنسب له كرامه. ورأيته بدمياط، وله نظم كثير، من ذلك قوله:
تميس فتخجل الأغصان منها ... وتزري في التلفت بالغزال
وتحسب بالإزار بأن تغطّت ... وقد أبدت به شكل الجمال
سلوها لم تغطّي البدر عمداً ... وتسمح للنّواظر بالهلال
ولم تصلي الحشا بالعتب ناراً ... وفي ألفاظها برد الزّلال
ولم فضحت بمعصمها اعتصامي ... وأطبقت العقيق على الّلآلي
ويبدي حالها أمراً عجيباً ... ظهوراً في خفاء مثل حالي
فإن حاكت بوفر الرّدف وجدي ... فقد حاكى بها الخصر انتحالي
حلالٌ في الغرام بها عذابي ... كما عذب اللّما منها حلا لي
اللقب والنسب
ابن الظاهري شهاب الدين
أحمد بن عبد الرحمن. والحافظ جمال الدين أحمد بن محمد.
وفخر الدين بن الظاهري: عثمان بن محمد.
ظهير بغاالأمير سيف الدين أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية.
كان قريباً للسلطان الملك الناصر محمد.
حضر إلى الديار المصرية في سنة ست وعشرين وسبع مئة بعد خروج الأمير سيف الدين أرغون النايب إلى حلب، وأظنه أخذ تقدمته، وعظمه السلطان لما وصل وأعطاه إمرة مئة.
وكان الأمير سيف الدين يكتب بالمغلي، وكان إذا حضر كتاب من بوسعيد بالمغلي، ولم يكن الأمير سيف الدين أيتمش حاضراً يقرأه الأمير سيف الدين ظهير بغا، ويكتب جوابه بالذهب أو بالمداد، ولم أر أحداً أكثر من أقاربه بتلك البلاد، كانوا يفدون عليه في كل وقت طول السنة من مئتي نفس فما دونها إلى العشرة مدة مقامه في الديار المصرية، فمنهم من يقيم بالديار المصرية، ومنهم من يختار العود ويعود وقد بره ووصله وحمله وحمله.
ولم يزل على حاله بالديار المصرية إلى أن توفي في سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة.
ظهير بن أمير حاج بن عمرالشيخ ظهير الدين الأرزنجاني، بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي وبعدها نون وجيم وبعدها ألف ونون وياء النسبة.
ورد إلى دمشق صحبة الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى من مصر، لأنه كان يصحبه وهو في مصر إلى أن حضر إلى دمشق، وكان عنده عزيزاً مكرماً، ولكنه لا يدخل في أمر ولاية ولا عزل، وما أعرف أنه كان بيده شيء من الولايات غير نظر مسجد النارنج لا غير.
ولم يزل عنده معظما إلى أن قال عنه حمزة التركماني للأمير سيف الدين تنكز: إن القاضي جمال الدين ابن جملة رشا ناصر الدين الدوادار بألف دينار حتى سعى له في قضاء الشام، فتنكر له تنكز، فأنكر ذلك، فسلمه تنكز إلى قاضي القضاة ابن جملة، فبالغ في تعزيره وأركبه حماراً، وطاف به في الأسواق، وهو يضرب بالدرة إلى أن رق له الناس وأحضر إلى تنكز في تلك الحال، فرحمه، وجرى على القاضي بسببه ما يأتي شرحه في ترجمته، وعزل من منصبه وحكم بفسقه وباعتقاله.
ولم يزل الشيخ ظهير الدين على حاله إلى أن توفي رحمه الله تعالى في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وسبع مئة بدمشق.
حرف العين
الألقاب والأنساب
العابر الحنبلي شهاب الدين
أحمد بن عبد الرحمن.والعابر الحنبلي زين الدينعلي بن أحمد الآمدي.
عامر بن محمدابن علي بن وهب: هو عز الدين ابن الشيخ الإمام العلامة أوحد المجتهدين تقي الدين بن دقيق العيد القشيري المصري.
سمع من العز الحراني، وابن الأنماطي، وغيرهما.
جلس بحانوت العدول لما تعدل، وأورق غصن فضله وتهدل، وأقام على هذه القدم مده، ورفض هذا الضابط الضاغط لما قاساه فيه من الشده، ثم إنه خالط أهل المعاصي، وتوقل معهم هضبات تلك الصياصي، فأثرت فيه تلك الخلطه، وأصبح في بيته الصحيح غلطه، وأخرجته عن طريق أهله تلك العشره، وأمسى كما يقوله الناس: إزليط العثره، حتى إن أباه جفاه، ولفظه من حسابه ونفاه، ولما تولى والده قدس الله روحه، القضاء أقامه وأنزله من حانوت العدول لعلمه أنه على غير الاستقامة، فيا ضيعة اسمه، ويا خيبة حدس أبيه ووهمه لأنه سماه باسم أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح، أمين هذه الأمة كما جاء في الأحاديث الصحاح.
قد يبعد الشيء من شيء يشابهه ... إنّ السماء نظير الماء في الزرق
وكان الشيخ تقي الدين قدس الله روحه قد سمى أولاده بأسماء الصحابة العشرة رضي الله عنهم.
ولم يزل عز الدين المذكور على حاله إلى أن هدم الموت ما عمر من عامر، وأضر به الداء المخامر.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة إحدى عشرة وسبع مئة في القاهرة.
العاقولي: جمال الدين عبد الله بن محمد.
عائشة بنت محمدابن المسلم بن سلام بن البهاء الحراني الشيخة الصالحة أم محمد.
سمعت من إسماعيل بن أحمد العراقي، ومحمد بن أبي بكر المعروف بابن النور البلخي، ومحمد بن عبد الهادي المقدسي، وإبراهيم بن خليل، وعبد الرحمن ابن أبي الفهم اليلداني.
أجازت لي بدمشق سنة تسع وعشرين وسبع مئة. وكتب عنها بإذنها عبد الله بن المحب.
وتوفيت رحمها الله تعالى في شوال سنة ست وثلاثين وسبع مئة.
وهي أخت المحدث محاسن، ومولدها سنة سبع وأربعين وست مئة.
وكان قد سمعها أخوها في الخامسة، وسمعت من فرج القرطبي، والبلخي، وابن عبد الدائم والعماد وعبد الحميد، وتفردت، وروت جملة صالحة، وكانت خيرة قانعة فقيرة، تعمل في الحياكة.
سمع منها أبو هريرة ابن شيخنا الذهبي، وأولاد المحب والطلبة، وروت فضائل الأوقات للبيهقي عن ابن خليل، وخرج لها ابن سعد.
عائشة أم محمدابنة العدل زين الدين إبراهيم بن أحمد بن عثمان بن عبد الله بن غدير الطائي الدمشقي المعروف بابن القواس.
حجت غير مرة وجاورت بمكة سنين، وهي زوجة علاء الدين بن صدر الدين بن المنجا.
أجازها ابن مسلمة، ومكي بن علان، والبهاء زهير القوصي، وابن زيلاق، وابن دفترخوان، والسليماني، والنور وعلي بن سعيد، والتلعفري، وهؤلاء السبعة أعيان الشعراء.
توفيت رحمها الله تعالى سادس ذي القعدة سنة ثماني عشرة وسبع مئة.
ومولدها سنة خمس وأربعين وست مئة تقريباً.
عبادة بن عبد الغنيالإمام المفتي زين الدين أبو سعد الحراني المؤذن الشروطي الحنبلي.
كان قد طلب الحديث في وقت، ودار على الشيوخ قليلاً، ونسخ جملة من الأجزاء سنة بضع وتسعين وست مئة، ثم إنه تقدم في الفقه وناظر، وتميز في الفروع وفاكر بها وحاضر، فرأى أنه ارتفع عن هذه الدرجه، وأعدم بذاك الناس من حسن ضرجه، وكان عنده صحيح مسلم، عن القاسم الإربلي.
ولم يزل على حاله إلى أن حكم الموت فساده في عباده، وأباده الله تعالى فيمن أباده.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة إحدى وسبعين وست مئة.
اللقب والنسب
ابن عبادة الوكيل شهاب الدين أحمد بن علي
عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان
الشيخ الإمام الفاضل الزاهد الورع تقي الدين بن تمام التلي الصالحي الحنبلي.سمع من يحيى بن قميرة، وخطيب مردا، والكفرطابي، وإبراهيم بن خليل، وجماعة، والمرسي، واليلداني، وقرأ النحو على ابن مالك، وعلى ولده بدر الدين.
كان رجلاً صالحا، دائم البشر لا يرى كالحا، ديناً خيرا، صيناً يرى وجهه في الظلمات نيرا، نزهاً محبوباً إلى القلوب، صلفاً طول عمره في الزهد على أسلوب، فقيراً لا يملك شيئا، ولا يجد له في الأرض فيئا، حسن الشعرة والمنادمه، مليح الذاكرة برئيا في المصادقة من المصادمه، ظريف البزة مع الزهد والقناعه، نظيف الملبس في الجمعة والجماعه، وله النظم الذي هو أسرى من النسيم وأسنى من العقد النظيم، يكاد يرشفه السمع راحا، ويداوي من قلوب أهل الكآبة جراحا، قد انسجم لفظه فهو صوب غمامه، ولذ تركيبه فهو صوت حمامه، تمكنت القوى في قوافيه، وطاب تلاف النفوس في تلافيه.
ولم يزل على حاله إلى أن كسف بدر ابن تمام في تمامه، وغرد الحمام بل ناح على كأس حمامه.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثماني عشرة وسبع مئة ليلة السبت ثلاث شهر ربيع الآخر.
ومولده سنة خمس وثلاثين وست مئة.
وسيأتي ذكر أخيه الشيخ محمد إن شاء الله تعالى في المحمدين.
أخبرني القاضي شرف الدين أبو بكر بن القاضي شمس الدين بن شيخنا أبي الثناء محمود، قال: كان جدي، يعني القاضي شهاب الدين محموداً، قد أذن لغلامه الذي نفقته معه أنه مهما طلب منه الشيخ تقي الدين من الدراهم يعطه بغير إذنه، قال: فما كان يأخذ منه إلا ما هو مضرور إليه انتهى.
قلت: وكان قد صحبه أكثر من خمسين سنة، وكان قد حج وجاور واجتمع بالتقي الحوراني وبقطب الدين ابن سبعين، وسافر وطوف البلاد، وأقام بالديار المصرية مدة، وصحب الفقراء والفضلاء، وتفرد عن ابن قميرة بالجزء الرابع من حديث الصفا، وخرج له فخر الدين بن البعلبكي مشيخة، قال: شيخنا البرزالي: قرأتها عليه، وكان زاهداً متقللاً من الدنيا، لم يكن له أثاث ولا طاسة ولا فراش ولا سراج ولا زبدية، وبيته خال من جميع ذلك، أنشدني شيخنا العلامة شهاب الدين محمود إجازةً لنفسه ما كتبه من الديار المصرية إلى الشيخ تقي الدين ابن تمام:
هل عند من عندهم برئي وأسقامي ... علمٌ بأنّ نواههم أصل آلامي
وأنّ جفني وقلبي بعد بعدهم ... ذا دائمٌ وجدهم فيهم وذا دامي
بانوا فبان رقادي يوم بينهم ... فلست أطمع من طيفٍ بإلمام
كتمت شأن الهوى يوم النّوى فنمى ... بسرّه من دموعي أيّ نّمام
كانت لياليّ بيضاً في دنوّهم ... فلا تسل بعدهم ما حال أيامي
ضنيت وجداً بهم والنّاس تحسب بي ... سقماً فأُبهم حالي عند لوّامي
وليس أصل ضنى جسمي النحيل سوى ... فرط اشتياقي إلى لقيا ابن تّمام
مولى متى أخل من برء برؤيته ... خلوت فرداً بأشجاني وأسقامي
نأى ورؤيته عندي أحبّ إلى ... قلبي من الماء عند الحائم الظامي
وصدّ عني فلن يسأل لجفوته ... عن هائمٍ دمعه من بعده هام
يا ليت شعري ألم يبلغه أنّ له ... أخاً بمصر حليف الضّعف من عام
ما كان ظنّي هذا في مودّته ... ولا الحديث كذا عن ساكني الشام
فكتب الجواب ابن تمام عن ذلك:
يا ساكني مصر فيكم ساكن الشام ... يكابد الشّوق من عامٍ إلى عام
الله في رمقٍ أودى السّقام به ... كم ذا يعلّل فيكم نضو أسقام
ما ظنّكم ببعيد الدار منفردٍ ... حليف همّ وأحزانٍ وآلام
يا نازحين متى تدنوا النّوى بكم ... حالت لبعدكم حالي وأيّامي
كم أسأل الطّرف عن طيفٍ يعاوده ... وما لجفني من عهدٍ بأحلام
استودع الله قلباً في رحالكم ... عهدته منذ أزمانٍ وأعوام
وما قضى بكم في حبكم أرباً ... ولو قضى فهو من وجدٍ بكم ظام
من ذا يلوم أخا وجدٍ بحبّكم ... فأبعد الله عذّالي ولوّامي
في ذمّة الله قومٌ ما ذكرتهم ... إلا ونمّ بوجدي مدمعي الدّامي
قوم أذاب فؤادي فرط حبّهم ... وقد ألمّ بقلبي أيّ إلمام
وما اتخذت سواهم عنهم بدلاً ... ولا نقضت لعهدي عقد إبرام
ولا عرفت سوى حبي لهم أبدا ... حباً يعبّ؟ر عنه جفني الهامي
يا أوحداً أعربت عنه فضائله ... وسار في الكون سير الكوكب السّامي
في نعت فضلك حار الفكر من دهشٍ ... وكلّ ظامٍ سقي من بحرك الطّامي
لا يرتقي نحوك السّاري على فلكٍ ... فكيف من رام أن يسعى بأقدام
منك استفاد بنو الآداب ما نظموا ... وعنك ما حفظوا من رقم أقلام
أنت الشّهاب الذي سامى السّماك علاً ... وفيض فضلك فينا فيض إلهام
لمّا رأيت كتاباً أنت كاتبه ... وأضرم الشّوق عندي أيّ إضرام
أنشدت قلبي هذا منتهى أربي ... أعاد عهد حياتي بعد أعوام
يا ناظريّ خذا من خدّه قبلاً ... مهو الحرير بتقبيلٍ وإكرام
ثم اسرحا في رياضٍ من حدائقه ... وقد زهي زهرها الزّاهي بأكمام
من ذا يوفّيه في ردّ الجواب له ... عذراً إليك ولو كنت ابن بسّام
فكم جنحت ولي طرفٌ يخالسه ... وأنثني خجلاً من بعد إحجام
يا ساكناً بفؤادي وهو منزله ... محلّ شخصك في سرّي وأوهامي
حقاً أراك بلا شكّ مشاهدةً ... ما حال دونك إنجادي وإتهامي
ولذّ عتبك لي يا منتهى أربي ... وفي العتاب حياةٌ بين أقوام
حوشيت من عرضٍ يشكى ومن ألمٍ ... لكنّ عبدك أضحى حلف آلام
ولو شكا سمجت منه شكايته ... إنّ الثمانين تستبطي يد الرّامي
وحيد دارٍ فريدٌ في الأنام له ... جيران عهدٍ قديم بين آكام
طالت بهم شقّة الأسفار ويحهم ... أخفوا وما نطقوا من تحت أرجام
أبلى محاسنهم مرّ الجديد بهم ... وأبعد العهد عنهم بعد أيام
فلا عداهم من الرّحمن رحمته ... فهي الرّجاء الذي قدّمت قدّامي
وكم رجوت إلهي وهو أرحم لي ... وقلّ عند رجائي قبح آثامي
فطال عمرك يا مولاي في دعةً ... ودام سعدك في عزٍّ وإنعام
ولا خلت مصر يوماً من سناك بها ... ولا نأى نورك الضّاحي عن الشّام
وأنشدني العلامة أبو حيان قال: أنشدنا لنفسه ابن تمام:
وقالوا: تقول الشّعر قلت أُجيده ... وأنظمه كالدّرّ راقت عقوده
وأبتكر المعنى البديع بصنعةٍ ... يحلّى بها عطف الكلام وجيده
ويحلو إذا كرّرت بيت قصيدةٍ ... وفي كلّ بيتٍ منه يزها قصيده
ولكنّني ما شمت بارق ديمةٍ ... ولا عارضٍ فيه ندى أستفيده
فحسبي إلهٌ لا عدمت نواله ... وكلّ نوالٍ يبتديه يعيده
وأنشدني أيضا قال: أنشدني لنفسه:
وقالوا صبا بعد المشيب تعلّلاً ... وفي الشّيب ما ينهى عن اللهو والصّبا
نعم قه صبا لمّا رأى الظّبي آنساً ... يميل كغصن البان يعطفه الصّبا
أدار التفاتاً عاطل الجسيد حالياً ... وفي لحظه معنىً به الصبّ قد صبا
ومزّق أثواب الدّجا وهو طالعٌ ... وأطلع بدراً بالجمال تحجّبا
جرى حبّه في كلّ قلبٍ كأنّما ... تصوّر من أرواحنا وتركّبا
وأنشدني، قال: أنشدنا لنفسه:
أُكاتبكم وأعلم أنّ قلبي ... يذوب إذا ذكرتكم حريقا
وأجفاني تسحّ الدّمع سيلاً ... به أمسيت في دمعي غريقا
أُشاهد من محاسنكم محيّاً ... يكاد البدر يشبهه شقيقا
وأصحب من جمالكم خيالاً ... فأنّى سرت يرشدني الطريقا
ومن سلك السّبيل إلى حماكم ... بكم بلغ المنى وقضى الحقوقا
ومن شعره:
طرقتك من أعلى زرود ودونها ... عنقا زرود ومن تهمامة نفنف
تتعسّف المرمى البعيد لقصدها ... يا حبّذا المرمى وما تتعسّف
ومنه:
معانٍ كنت أشهدها عياناً ... وإن لم تشهد المعنى العيون
وألفاظ متى فكّرت فيها ... ففيها من محاسنها فنون
ومنه:
تبدّى فهو أحسن من رأينا ... وألطف من تهيم به العقول
وأسفر وهو في فلك المعاني ... وعنه الطّرف ناظره كليل
له قدٌّ يميل إذا تثنّى ... كذاك الغصن من هيفٍ يميل
وخدٌّ ورده الجوريّ غضٌّ ... وطرفٌ لحظه سيفٌ صقيل
وخالٌ قد طفا في ماءٍ حسنٍ ... فراق بحسنه الخدّ الأسيل
تخال الخدّ من ماءٍ وجمرٍ ... وفيه الخال نشوانٌ يجول
وكم لام العذول عليه جهلاً ... وآخر ما جرى عشق العذول
قلت: وهو مأخوذ من قول أبي الطيب:
مالنا كلّنا جوٍ يا رسول ... أنا أهوى وقلبك المتبول
كلّما عاد من بعثت إليها ... هام فيها وخان فيما يقول
وإذا خامر الهوى قلب صبٍّ ... فعليه لكلّ عينٍ دليل
أفسدت بيننا الأمانات عينا ... ها وخانت قلوبهنّ العقول
وقال ابن سناء الملك:
راح رسولاً وجاءني عاشق ... وعاقه عن رسالتي عائق
وعاد لا بالجواب بل بجوىً ... أخرسه والهوى به ناطق
وذكرت أنا بقول ابن تمام رحمه الله ما قلته أنا ومن مادته أخذت، وعلى منواله نسجت:
ألحّ عذولي في هواه وزاد في ... ملامي، فقلت: احتل على غير مسمعي
فلم يدر من فرط الولوع بذكره ... مصيبته حتى تعشقه معي
وقلت أنا أيضاً على هذه المادة:
بي غزالٌ لمّا أطعت هواه ... أخذ القلب والتّصبر غصبا
ما أفاق العذول من سكرة العذ ... ل عليه حتى غدا فيه صبّا
عبد الله بن أحمد بن عبد اللهابن أحمد بن محمد، الشيخ الإمام الصالح المحدث أبو محمد بن الشيخ المحدث محب الدين السعدي المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي.
سمعه والده، وحفظه القرآن، وطلب بنفسه في سنة سبع وتسعين، ولحق ابن القواس، وابن عساكر الشرف، والغسولي، والناس بعدهم، وكان عنده عوال عن ابن البخاري وبنت مكي وعدة، وانتقى له شيخنا الذهبي جزءاً، وانتقى هو لبعض مشايخه ونسخ عدة أجزاء.
وخلف عدة أولاد، وكان من أهل الخير والصيانه، وأولي الصلاح والديانه، حسن الشكل واللحية السوداء، والوجه كأنه بدر في الليلة الظلماء، طيب الصوت لذيذ النغمه، إذا تلا كأنما صب على الآذان صوب نعمه، يقرأ سريعاً مع فصاحه، ويخيط بإيراده ما في القلوب من جراحه.
نفع الناس بمواعيده العامه، وأفاض عليهم فيها ملابس التقوى التامه، وكان له محبون وزبون يدفع بهم الحرب الزبون، وكان يقرأ في الحائط الشمالي ومجلسه حافل غاص، وسمعته غير مرة.
ولم يزل على حاله إلى أن طالت منه الرقده، وأذاق الله الناس فقده.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة اثنتين وثمانين وست مئة.
عبد الله بن أحمد بن عليابن أحمد الشيخ الإمام الفقيه النحوي جلال الدين بن الشيخ فخر الدين بن الفصيح العراقي الكوفي الحنفي، قد تقدم ذكر والده في الأحمدين.
وكان هذا جلال الدين همته مباركه، وعنده في العلوم مشاركه، وقدم إلى دمشق، وسمع بها وسمع أولاده. إلا أنه عجل عليه حتفه، ورغم بالتراب أنفه.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة خمس وأربعين وسبع مئة.
ومولده سنة اثنتين وسبع مئة.
وكان قد سمع ببغداد من جماعة، وسمع بدمشق من شيخنا الذهبي، ومن الجزري.
عبد الله بن أحمد بن يوسفابن الحسن الفقيه الفاضل جلال الدين أبو اليمن الزرندي، بالزاي والراء المفتوحة وبعدها نون ساكنة، الشافعي.
سمع بالحرمين، وبحماة، وحلب، والساحل، وغير ذلك، وقرأ كثيراً، وله عدة محافيظ، وكتب المشتبه، وسمع أبا العباس الجزري، والمزي، والذهبي، وغيرهم من الموجودين.
وكان شاباً فيه يقظه، وطلب في كل لحظه، لا يفتر ولا يني، ولا يعدل عن الدأب ولا ينثني.
ولم يزل على حاله إلى أن قصف، ومحق بدره بعدما خسف.
وتوفي رحمه الله تعالى في العشر الأخير من شعبان سنة تسع وأربعين وسبع مئة. بالطاعون.
ومولده سنة عشرين وسبع مئة.
عبد الله بن أحمد بن محمد بن سليمانالقاضي تاج الدين بن القاضي الشيخ شهاب الدين بن غانم. تقدم ذكر والده رحمه الله تعالى.
كان شاباً غضا، طري البشرة بضا، كتب في ديوان الإنشاء بدمشق فأخجل الحدائق، وتعثرت وراء أشرعته البوارق، يكاد قلمه يفوت الطرف تسرعا، ويظن من يراه أنه لم يعمل أقلامه تبرعا، وكان الناس يتعجبون من كتابته البديعه، وحركة يده السريعه.
ولم يزل على حاله إلى أن عثرت قوائم جواده، وأصاب سهم المنية حبة فؤاده.
وتوفي رحمه الله تعالى يوم الثلاثاء سادس المحرم ثمان وعشرين وسبع مئة.
ومولده سنة ثلاث وتسعين وست مئة.
ووجدت بخطه أبياتاً كتبها للقاضي علاء الدين بن الأثير:
ومثلك إن أبدى الجميل أعاده ... وإن جاد بالمعروف عاد كمّلا
وما زلت تغني بالنّدى كلّ مقترٍ ... مقلّ فتولي العالمين تطوّلا
وما جاءك المسكين قطّ مؤمّلا ... جميلك إلاّ نال ما كان أمّلا
لك اشتهرت يا بن الأثير مآثرٌ ... بآثارها الحسنى ملأت بها الملا
وجودك قد عمّ الوجود وأهله ... فما منزلٌ من فيض فضلك قد خلا
وأنت فلم تبرح تغيث ولم تزل ... تعين ذوي الحاجات منك تفضّلا
فلا زلت محروس المقرّ مبلّغا ... أمانيك مشكور الندى دائم العلا
ورثاه والده بشعر كثير، ومنه ما كتبه تحت خطه بعد وفاته:
آها لكاتبها وما ... فعلت بأنملها الظراف
نوب المنون العارضا ... ت لكلّ حيٍّ بالتّلاف
أفرطت في تفريطهنّ ... بما أفتن من التلاق
تجتاح أرواح الورى ... بظواهرٍ منها خواف
لتعيدهم كمرامدٍ ... بالريح تنسفها السّواف
أجّجن نيران الجحيم ... أسىً بقلبي والشّغاف
وأطلن سقماّ ماله ... إلاّ علاج الموت شاف
عبد الله بن أحمد
الوزير علم الدين بن القاضي تاج الدين بن زنبور.كان كاتباً سعيد البدايه، متصرفاً له في التدبير عنايه، جمع له من الوظائف الجليلة ما لم يجمع لغيره، ودانت له الأيام حتى ذل الأُسود لعيره، وجمع له من الأموال ما تقصر عنه أمواج الأمواه، وتكل عن وصفه أفواج الكلم من الأفواه، واقتنى من الأملاك ما يحار له الأملاك، وحاز من الإنعام ما يقف السابح في ذكره إن عام، وأما المراكيب والمراكب والملابس التي تفخر بها الكواكب، فشيء زاد على المعهود مقداره، وضاقت في البر والبحر أقطاره.
وعاند أولاً وكاد يدركه العطب، ونهض من وهدة الخطب إلى ذروة المنبر من العز وخطب، ثم إنه استقل من يعانده، واستذل من يراوده، فوقع هو في هوة لا يصل من ينتاشه إلى قرارها، وتاه في موماة هلاك لا ينجيه الحذر من فرارها، فأخذ من مأمنه، وثار إليه الشر من مكمنه، فأصبح علمه منكسا، وقلمه مركسا، ونزلت به من الزمان بليه، وأمست حلية المنصب من ابن زنبور خليه، يطلب من ينصره فلا يجده، ويروم من يعضده فلا يعده ولا يعده، وتنوع له العذاب، وتفرع من الهوان ما أذله وأذاب، إلى أن تقطعت القلوب له رحمه، وجاءه الفرج فلم يخلص إليه من الزحمه، عادة من الزمان أجرى الناس عليها، وأجراهم بعد غاياتهم إليها.
ثم إنه جهز إلى قوص، مع حظه المنقوص، ففارق أربعة رق له فيها الحسدة: مناصبه ووطنه وماله وولده، فبات وزيراً سعيدا، وأصبح فقيراً في البلاد طريدا، فلا رغبة لعاقل في العليا، ومرحباً بإقبال هذه الدنيا، فقد:
تفانى الرجال على حبّها ... وما يحصلون على طائل
ولم يزل بقوص، والذل يغور به ويغوص، إلى أن اندفع إلى القبر واندفن، وخرج من دنياه وما معه غير الكفن.
وتوفي بقوص رحمه الله تعالى في ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وسبع مئة.
أول ما علمته من أمره أن القاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص استخدمه كاتب الإصطبلات بعد أولاد الجيعان في أواخر أيام الملك الناصر محمد، وبقي القاضي علم الدين على هذه الوظيفة إلى أن خرج القاضي علم الدين بن القطب من مصر إلى دمشق، فخلت عنه وظيفة استيفاء الصحبة، وخرج إلى حلب وكشف القلاع، وحصل أموالاً. وبقي على ذلك إلى أن أمسك جمال الكفاة في واقعته الأخيرة، ومات تحت العقوبة، فنقل القاضي موفق الدين إلى نظر الخاص، فبقي قليلاً، وطلب الإعفاء فأعفوه، وتولى علم الدين بن زنبور الخاص، وأضيف إليه من الجيش بعد القاضي أمين الدين، ولم يزل على ذلك إلى أن أمسك الأمير سيف الدين منجك الوزير، فأضيفت الوزارة إلى ابن زنبور، وهذا أمر ما اتفق لغيره أبداً، ولا سمعنا به وإنما كان الجيش والخاص مع جمال الكفاة، وهذه الوظائف الثلاث، هي عبارة عن الدولة إلا كتابة السر، فعلم الدين بن زنبور، أول من جمع له هذه الوظائف.
وبقي على ذلك إلى أن خرج السلطان الملك الصالح صالح إلى الشام في واقعة بيبغاروس، فحضر معه إلى دمشق وأظهر في دمشق عظمة زائدة، وروع الكتاب ومباشري الأوقاف ولكنه لم يضرب أحداً، ولا كشف رأسه، وتوجه مع السلطان عائداً إلى مصر، في أوائل ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة. ولما وصل عمل السلطان سماطا عظيماً، وخلع فيه على الأمراء كبارهم وصغارهم، وكان تشريف الأمير صرغتمش ناقصاً عن غيره، وكان في قلبه من الوزير، فدخل إلى الأمير سيف الدين طاز وأراه تشريفه، وقال: هكذا يكون تشريفي، واتفق معه على إمساك ابن زنبور. وخرج من عنده وطلبه وأهانه وضربه ورسم عليه وجد في ضربه، ومصادرته، فأخذ منه من الذهب والفضة والقماش والأصناف والكراع والأملاك ما يزيد على الحد، ويتوهم الناقل لذلك أنه ما يصدق في ذلك، ويستحيي العاقل من ذكره. وبقي ف العقوبة زماناً، وكان الأمير سيف الدين شيخو يعتني به في الباطن، فشفع فيه وخلصه وجهزه إلى قوص فأقام بها إلى أن مات في التاريخ المذكور، وقيل: إنه سم، وقيل: نهشه ثعبان، والله أعلم.
وتولى الوزارة بعده القاضي موفق الدين وتولى الخاص القاضي بدر الدين كاتب يلبغا، وتولى القاضي تاج الدين أحمد بن أمين الملك نظر الجيش.
وبلغنا أنه لما أعيد الملك الناصر حسن إلى الملك أعيدت المصادرة على من بقي من ذوي قرابة ابن زنبور، وأنه أخذ له، ومنهم جملة من المال، وأما ما أخذ منه في المصادرة في حياته فنقلت من خط الشيخ بدر الدين الحمصي من ورقة بخطه، على ما أملاه القاضي شمس الدين محمد البهنسي: أواني ذهب وفضة ستون قنطاراً. جوهر ستون رطلاً. لولو أردبان. ذهب مصكوك مئتا ألف وأربعة آلاف دينار، ضمن صندوق، ستة آلاف حياصة، ضمن صناديق زركش: ستة آلاف كلوته، وذخائر عدة، قماش بدنه: ألفان وست مئة فرجية. بسط: ستة آلاف. صنجة دراهم: خمسون ألف درهم. شاشات: ثلاث مئة شاش. دواب عاملة: ستة آلاف. حلابة: ستة آلاف. معاصر سكر: خمس وعشرون معصرة. وخيل وبغال: ألف، دراهم ثلاثة أرداب. إقطاعات سبع، كل إقطاع: خمسة وعشرون ألف درهم. عبيد: مئة. خدم: ستون. جواري: سبع مئة. أملاك القيمة عنها. ثلاث مئة ألف دينار. مراكب: سبع مئة. رخام القيمة عنه: مئتا ألف درهم. نحاس: قيمته أربعة آلاف دينار. سروج وبدلات خمس مئة. مخازن ومتاجر: أربع مئة ألف دينار. نطوع: سبعة آلاف. دواب: خمس مئة. بساتين: مئتان. سواقي: ألف وأربع مئة.
عبد الله بن أحمد بن محمدابن محمد بن نصر الله الشيخ فخر الدين بن الشيخ الإمام تاج الدين ابن المغيزل الحموي شيخ الشيوخ بحماة.
كان رجلاً مباركاً، ولي المشيخة بعد والده وأقام فيها أكثر من أربعين سنةً. ووليها بعده قاضي القضاة شرف الدين البارزي.
سمع بقراءة شيخنا البرزالي بحماة على والده سنة خمس وثمانين وست مئة. وكان منقطعاً يصوم دائماً ويتعبد، ولم يكن قد تأخر في بني المغيزل مثله.
وتوفي رحمه الله تعالى في تاسع عشري شهر رمضان ثلاث وثلاثين وسبع مئة.
عبد الله بن أحمد بن عبد الحميدابن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي.
قال شيخنا علم الدين البرزالي: روى لنا عن إبراهيم بن خليل وغيره، وكان فقيهاً كتب الكثير وسمع وكتب الطباق: وصار نقيباً للقاضي الحنبلي قبل موته بشهر.
وتوفي رحمه الله تعالى في شعبان سنة تسع وتسعين وست مئة.
ومولده سنة إحدى وخمسين وست مئة.
وله حضور على خطيب مردا، وهو في ثاني سنة من عمره، وسمع من جده وعم والده الفقيه محمد بن عبد الهادي وابن عبد الدائم وغيرهم.
عبد الله بن أحمد بن عليابن المظفر - وسيأتي تمام نسبه في ترجمة ولده القاضي فخر الدين محمد - القاضي الصدر الكبير الرئيس بهاء الدين ابن الحلي ناظر الجيوش بالديار المصرية.
كان من أعيان المصريين وصدورهم ونجوم مباشريهم وبدورهم، قال شيخنا البرزالي: روى لنا عن النجيب عبد اللطيف الحراني.
وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة عاشر شوال سنة تسع وسبع مئة. ودفن بالقرافة. وتولى الوظيفة بعده القاضي فخر الدين كاتب المماليك.
عبد الله بن أبي بكر بن عرامبفتح العين المهملة وتشديد الراء وبعدها ألف وميم: الأسواني المحتد، الإسكندراني الدار والوفاة.
سمع الحديث، وصحب الشيخ أبا العباس المرسي، وأمه بنت الشيخ الشاذلي.
كان يقرئ النحو بإسكندريه، ويألف به كل ذي نفس سنيه، وأفعال سريه، فأفات الجهل وأفاد العلم، وساد الناس لما ساسهم بالحلم، وكان يذكر عنه كرامات، ويشاهد له في الصلاح مقامات.
ولم يزل على حاله إلى أن عرى الموت ابن عرام حياته، وقدر له بالسوء بياته.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وعشرين وسبع مئة.
ومولده بدمنهور سنة أربع وخمسين وست مئة.
عبد الله بن تاج الرئاسةالصاحب الرئيس الوزير الكبير أمين الملك وزير الديار المصرية والشامية.
لما استسلم الجاشنكير الأمير ركن الدين بيبرس النصارى اختبأ الصاحب أمين الدين هو والصاحب شمس الدين غبريال تقدير شهر، ولما طال الأمر عليهما ظهرا وأسلما. وهو ابن أخت السديد الأعز المذكور المشهور في الدولة الظاهرية المنصورية، وكان خاله مستوفياً، وبه تخرج، وعليه تدرب، ولما مات رتب هو مكانه ومال في الاستيفاء، السعادة الزائدة والدنيا العريضة، وزر بعد ذلك ثلاث مرات، وهو يتأسف على وظيفة الاستيفاء.
وكان رئيساً كبيرا، كاتباً منفذاً وزيرا، قد درب الأمور وباشرها، ورأى المناصب الجليلة وعاش بها وعاشرها، ولم أر من يكتب أسرع منه ولا أقوى، ولا أعرف بالمصطلح في الدولة ولا أحوز لمعرفة عوائدها ولا أحوى، يكون مرتفقاً على مدوره، والورقة في يده اليسرى مهوره، فيأخذ القلم ويكتب ما يريده ويلقيه أسرع من البرق، وأعجل من الشمس التي يكون ضؤوها في الغرب وهي في الشرق، وكان إذا وضع القلم في أول السطر وكتبه لا يرفعه إلى آخره قدرةً على الكتابة، كأنما يمد بسبب.
وكان مع جلالة منصبه كثير الأدب، زائد التواضع إذا أمر أو نهى أو طلب، وكتب بخطه المليح ربعة مليحه، واعتنى بأمرها فجاءت جيدة صحيحه، وكان يتغالى في أمداح النبي صلى الله عليه وسلم، ويكتبها بخطه ممن أنشدها أو تكلم.
ولم يزل بدمشق على نظر الدواوين إلى أن طلب إلى مصر ليعاد إلى الوزاره، فتوجه إليها، ولم يصل إلا وأمره قد نقصه من حسن العباره، فأقام في بيته بطالا إلى أن قبض عليه، وأخذ روحه قبل ما لديه.
وتوفي رحمه الله تحت المصادرة والعقاب، وطلب الأموال منه بلا حساب، وذلك في سنة أربعين وسبع مئة.
وكان قد ولي الوزارة عوضاً عن الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب بالديار المصرية في شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وسبع مئة، ثم عزل منها وتولى الوزارة بعده الأمير بدر الدين بن التركماني في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وسبع مئة، وصودر وأفرج عنه، ثم إنه ولي الوزارة ثانياً، فعمل عليه القاضي كريم الدين الكبير وفخر الدين وأخرجاه إلى طرابلس ناظراً بمعلوم الوزارة في مصر، فوصل إليها في شهر ربيع الأول سنة ثماني عشرة وسبع مئة، وأقام بها إلى أن حج فيما أظن واستعفى من المباشرة، وسأل الإقامة في القدس يعبد الله تعالى هناك، فأجيب إلى ذلك، فتوجه إليها في المحرم سنة عشرين وسبع مئة، وله راتب يكفيه، في كل مرة يعزل شاماً ومصراً.
ولم يزل بالقدس مقيماً، إلى أن أمسك القاضي كريم الدين الكبير في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة، فطلب إلى مصر على البريد، ولما وصل في خامس عشري ربيع الآخر ولاه السلطان الوزارة مرة ثالثة.
أخبرني الصاحب أمين الدين رحمه الله تعالى قال: لو علمت أنه بقي في الدنيا وظيفة يقال لها نظر خاص ما خرجت من القدس، قلت: لم ذاك يا مولانا الصاحب ؟ قال: لأن ناظر الخاص يدخل إلى السلطان بكرة النهار فيتحدث معه بكل ما يريد أن يطلقه وينعم به على خواصه وجواريه ومن يختاره، ويدخل بعده ناظر الجيش فيتحدث معه في إقطاعات الأمراء والجند بالديار المصرية والشامية من الزيادات والنقصان والإفراجات، ويدخل كاتب السر فيقرأ البريد عليه وفيه من الولايات والعزل جميع ما بالشام، وأدخل أنا بعد ذلك، فيقول: اخرج احمل لناظر الخاص كذا وكذا فأنا فلاح لذلك المولى، وليس لي مع السلطان حديث إلا في فندق الجبن، دار التفاح، صناعة التمر، جهات القاهرة ومصر، فعلمت صحة ما قاله.
وأقام في الوزارة إلى أن كثر الطلب عليه، فدخل إلى السلطان وقال: يا خوند ما يصلح للوزارة إلا واحد من مماليك مولانا السلطان يكون أمير مئة مقدم ألف، واتفقا على الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي، فقال له السلطان. اخرج نفذ أشغالك إلى آخر النهار وانزل إلى بيتك واسترح، وأعلم الناس أن الوزير فلان. فخرج ونفذ الأشغال، وكتب على التواقيع، وأطلق ورتب إلى آخر النهار، ونزل آخر النهار إلى بيته بالمشاعل والفوانيس على عادة الوزير، والنظار والمستوفون والمنشدون قدامه، ولما نزل على باب بيته قال: يا جماعة مساكم الله بالخير، ووزيركم غداً علاء الدين مغلطاي الجمالي، وكان ذلك عزلاً لم يعزله وزير غيره في الدولة التركية، وذلك يوم الخميس ثامن شهر رمضان سنة أربع وعشرين وسبع مئة.
ثم لازم بيته يأكل مرتبه إلى أن عمل الاستيمار في أيام الجمالي، ووفر فيه جماعة، فطلب هو من السلطان أن يتصدق عليه بوظيفة، فقال السلطان تكون ناظر الدولة كبيراً مع الوزير، فباشر النظر في شوال سنة ثمان وعشرين وسبع مئة هو والقاضي مجد الدين بن لفيتة أربعين يوماً فكان حمله على الجميع ثقيلاً. فاجتمع الكتاب بأجمعهم عليه، وقاموا كتفاً واحدة، فما كان إلا أن كان يوماً وهو قاعد في باب الوزير لخدمة العصر، وإذا خادم صغير خرج من القصر وجاء إلى باب الوزير وأغلق دواته وقال: يا مولانا بسم الله الزم بيتك، فلزم بيته.
ولما أمسك الصاحب شمس الدين غبريال وجاء السلطان من الحجاز وطلب غبريال إلى مصر رسم السلطان للصاحب أمين الدين بمكانه ناظر النظار بدمشق، وذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، فأقام بها بعمل الوزارة إلى أن أمسك السلطان النشو ناظر الخاص في سنة أربعين وسبع مئة، طلب الصاحب أمين الدين إلى مصر ليوليه الوزارة، فعمل الكتاب عليه وسعوا في أمره إلى أن انثنى عزمه عنه، فأقام في بيته قليلاً، ثم أمسك هو ووالده القاضي تاج الدين ناظر الدولة والقاضي كريم الدين مستوفي الصحبة، وصودروا، وبسط عليهم العذاب إلى أ توفي هو رحمه الله تعالى تحت العقاب في سنة أربعين وسبع مئة.
وكان الصاحب أمين الدين كثير التواضع والأدب مع جميع الناس كبارهم وصغارهم، وكان قد أسن وكبر، ولا يدخل عليه أحد إلا يقوم له، ويحكى عقيب ذلك أن خاله كان إذا جاء إلى قوم يقول بالله لا تقوموا فإن هذا دين يشق علي وفاؤه.
ولما حضر إلى دمشق أحبه الأمير سيف الدين تنكز أخيراً محبة كبيرة، وكان يثني على آدابه وحشمته.
ولما عمل نظر الدولة مع الجمالي كنت بالديار المصرية فطلبني وقال: أشتهي أن تكتب عني المكاتبات والأجوبة، ورتب لي عليه شيئاً، وكنت أبيت معه وأصبح وأنا في جامكيته وجرايته وقماشه، فيعاملني بآداب كثيرة وحشمة زائدة، رحمه الله تعالى. إذا جاءته قصة أو كتاب قلب ذاك وكتب في ظهره: مولانا يتصدق ويكتب بكيت وكيت.
ولما رسم له بنظر النظار بدمشق كنت إذ ذاك في ديوان الإنشاء بالديار المصرية، وكتبت له توقيعاً شريفاً بذلك ونسخته: الحمد لله الذي جعل ولي أيامنا الزاهرة أمينا وأحله ضمائر من ضمائرنا الظاهرة مكانا أينما توجه وجده مكينا، وخصه بالإخلاص لدولتنا القاهرة فهو يقيناً يقينا، وعضد بتدبيره ممالكنا الشريفة فكان على نيل الأمل الذي لا يمين يمينا، وفجر خلاله نهراً أصبح على نيل السعود معيناً معينا، وزين به آفاق المعالي فما دجا أمر إلا وكان فكره صبحاً مبينا، وجمل به الرتب الفاخرة، فكم قلد جيدها عقداً نفيسا، ورصع في تاجها دراً ثمينا، وأعانه على ما يتولاه فهو الأسد الأسد الذي اتخذ الأقلام عرينا.
نحمده على نعمه التي خصتنا بولي تتجمل به الدول، وتغنى الممالك بتدبيره عن النصار والخول، وتحسد أيامنا الشريفة عليه أيام من مضى من الملوك الأول، وتحل السعود حيث حل إذ لم يكن لها عنه حول.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نستمطر بها صوب الصواب، ونرفل منها في ثوب الثواب، وندخر منها حاصلاً ليوم الحساب، ونعتد برها واصلاً ليوم الفصل والمآب.
ونشهد أن سيدنا محمداً عبده الصادق الأمين، ورسوله الذي لم يكن على الغيب بضنين، وحبيبه الذي فضل الملائكة المقربين، ونجيه الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حجة على الملحدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين صحبوا ووزروا، وأيدوا حزبه ونصروا، وبذلوا في نصحه ما قدروا، وعدلوا فيما نهوا وأمروا، صلاةً لهم تكون لهم هدىً ونوراً إذا حشروا، ويضوع بها عرفهم في الغرف ويطيب نشرهم إذا نشروا، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن أشرف الكواكب أبعدها دارا، وأجلها سراً وأقلها سرارا، وأدناها مبارا وأعلاها منارا، وأطيب الجنات جناباً ما طاب أرجاً وثمارا، وفجر خلاله كل نهر تروع حصاه حالية العذارى، ورنحت معاطف غضونه سلافة النسيم فتراها سكارى، وتمد ظلال الغصون، فتخال أنها على وجنات الأزهار تدب عذارا. وكانت دمشق المحروسة لها هذه الصفات، وعلى صفاها تهب نسمات هذه السمات، لم يتصف غيرها بهذه الصفة، ولا اتفق أولو الألباب إلا على محاسنها المختلفة، فهي البقعة التي يطرب لأوصاف جمالها الجماد، والبلد الذي ذهب المفسرون إلى أنها إرم ذات العماد، وهي في الدنيا أنموذج الجنة التي وعد بها المتقون، ومثال النعيم للذين عند ربهم يرزقون، وهي زهرة ملكنا، ودرة سلكنا، وقد خلت هذه المدة ممن يراعي مصالح أحوالها، ويرعى نجوم أموالها، ويدبر أمر مملكتها أجمل تدبير، ويحمي حوزتها ويحاشيها من التدمير، فيسم منها غفلا، ويحلي عطلا، ويملأ خزائنها خيراً يجلى، إذا ملأنا ساحتها خيلاً ورجلا. تعين أن ننتدب لها من خبرناه بعداً وقربا، وهززناه مثقفاً لدناً وسللناه عضبا، وخبأناه في خزائن فكرنا فكان أشرف ما يدخر وأعز ما يخبا، كم نهى في الأيام وأمر، وكم شد أزراً لما وزر، وكم غنيت به أيامنا عن الشمس، وليالينا عن القمر، وكم رفعنا راية مجد فتلقاها عرابة فضله بيمين الظفر، وكم علا ذرى رتب تعز على الكواكب الثابتة، فضلاً عمن يتنقل في المباشرات من البشر، وكم كانت الأموال جمادى فأعادها ربيعاً غرد به طائر الإقبال في الجهات وصفر.
وكان المجلس العالي القضائي الوزيري الصاحبي الأميني هو معنى هذه الإشاره، وشمس هذه الهالة وبدر هذه الداره، نزل من العلياء في الصميم، وفخر بأقلامه التي هي سمر الرماح كما فخرت بقوسها تميم، وتحفظت الموال في دفاتره التي يوشيها فأوت إلى الكهف والرقيم، وقال لسان قلمه " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " ، و:
عقم الزمان بأن يجيء بمثله ... إنّ الزمان بمثله لعقيم
وتشبه به أقوام فبانوا وبادوا، وقام منهم عباد العباد، فلما قام عبد الله يدعوه كادوا.
أردنا أن ينال الشام فضله، كما نالته مصر فما يساهم فيه سواهما ولا يقول لسان الملك لغيره:
حللت بهذا حلّة بعد حلّة ... بهذا فطاب الواديان كلاهما
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري أعلاه الله وشرفه، أن يفوض إليه تدبير الممالك الشريفة بالشام المحروس ونظر الخواص الشريفة والأوقاف المبرورة على عادة من تقدمه في ذلك وبمعلومه الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت، وهو في الشهر مبلغ أربعة آلاف وست مئة وثلاثة وسبعين. تفصيله عن: نظر المملكة الشريفة بالشام المحروس: أربعة آلاف ومئة وثلاثة وثلاثين، مبلغ ألفان وسبع مئة وثلاثة وثلاثين: ثمن لحم وتوابل، ألف وثلاث مئة وخمسون، خارجاً عما باسم كتابة النظر، وهو في الشهر قمح غرارة ونصف، دراهم: مئة وخمسون. عن نظر الخاص الشريف، غلات عن الوظيفتين: تسع وعشرون غرارة، مبلغ وثمن لحم وتوابل: ثلاثة أرطال بالدمشقي: خمس مئة وأربعون درهماً، تفصيله: قمح تسع غرائر، شعير عشرون غرارة، أصناف المشاهرة: بالوزن الدمشقي، سكر بياض اثنان وعشرون رطلاً ونصف، حطب: تسعة قناطير. وفي اليوم بالدمشقي، خبز: خمسة عشر رطلاً، شمع: أوقية ونصف، ماء ورد: أوقية ونصف، صابون: أوقية ونصف، زيت طيب: نصف رطل، والكسوة والتوسعة والأضحية والأتبان على العادة لمن تقدمه في ذلك.
فليتلق هذه الولاية بالعزم الذي نعهده، والحزم الذي شاهدناه ونشهده، والتدبير الذي يعترف له الصواب ولا يجحده، حتى تثمر الأموال في ورق الحساب، وتزيد نمواً وسمواً فتفوق الأمواج في البحار وتفوت المطر في السحاب. مع رفق يكون في شدته، ولين يزيد مضاء حدته، وعدل يصون مهلة مدته، فالعدل يعمر، والجور يدمر ولا يثمر، بحيث إن الحقوق تصل إلى أربابها، والمعاليم تطلع بدورها كاملة في كل هلال على أصحابها، والرسوم لا تزاد على الطاقة في بابها، والرعايا يجنون ثمن العدل متشابها، وإذا أنعمنا على بعض أوليائنا بجمل فلا تكدر بأن تؤخر، وإذا استدعيناه إلى أبوابنا بمهم فليكن الإسراع إليه يخجل البرق المتألق في السحاب المسخر فما أردناك إلا أنك سهم خرج من كنانة، وشهم لا يثني إلى الباطل عيانه ولا عنانه، فاشكر هذه النعم على منائحها، وشنف الأسماع بمدائحها، متحققاً أن في النقل بلوغ العز والأمل، وأنه:
لو كان في شرف المأوى بلوغ منى ... لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل
فاستصحب الفرح والجذل بدل الفكر والجدل، وسر على بركة آرائنا الشريفة وقل: وفي بلاد من أختها بدل، واختر ما اختارته لك سعادتنا المؤبدة المؤيدة فطرفها بالذكاء مكتحل:
إن السعادة فيما أنت فاعله ... وفّقت مرتحلاً أو غير مرتحل
فما آثرنا بتوجهك إلى الشام إلا ليأتيك المجد من هنا وهنا، ولأنك إذا كنت معنا في المعنى فما غبت في الصورة عنا، وابسط أملك " إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين " ، ونزه نفسك فقد أويت " إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعين " ، والوصايا كثيرة وأنت ابن بجدتها علماً ومعرفة، وفارس نجدتها الذي لا يقدم على أمر حتى يعرف مصرفه، فما نحتاج أن نرشدك منها إلى علم، ولا أن نشير إليك فيها بأنملة قلم، وتقوى الله تعالى هي العروة الوثقى، والكعبة التي من يطوف بها " فلا يضلّ ولا يشقى " ، فعض بالناجذ عليها وضم يديك على معطفيها، والله يتولى ولايتك، ويعين دربتك في الأمور وعنايتك، والخط الشريف أعلاه الله تعالى وشرفه أعلاه، حجة بثبوته والعمل بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وأنشدني لنفسه إجازة ما كتبه شيخنا العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود عندما ولي الوزارة الأخيرة سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة:
تبلّجت الدّنيا وأشرق نورها ... وعاودها بعد النّفور سرورها
وماست بأعطاف الممالك نفحةٌ ... من العزّ عمّ الخلق طيباً مرورها
وردّت على دست الوزارة بهجةٌ ... إذا لم تكنها الشمس فهي نظيرها
فأربت على ماضي الدّهور لكونها ... أُعيدت إلى المولى الوزير أُمورها
وصاحبها حكماً فكلّ محكّمٍ ... يباشرها من عنده يستعيرها
وما رسمت من بعده باسم غيره ... فساوى الورود الآن منها صدورها
وهل يطرق الآمال أرجاء ربّته ... على مفرق الشّعرى العبور عبورها
أمين الدّنا والدين والملك والعلى ... ومعلي سنا آرائها ومشيرها
فأشرقت الأقطار بعد قطوبها ... بمرآه وافتّرت سروراً ثغورها
ولم لا ترى تلك الثغور بواسماً ... وآراؤه حول الممالك سورها
ولم يدر إن أثرى ثرى الملك بالنّدى ... أيمناه أحيت تربها أم بحورها
وقد كانت الآمال ماتت فردّها ... به نشر بشرى كان فيها نشورها
ولو نذرت من قبلها رتبةٌ علت ... لحقّ عليها أن توفّى نذورها
يلوح بأجياد التقاليد وصفه ... فتشرق بالدرّ الثمين سطورها
وتبدو معاني نفسه في مدادها ... كما تتبدّى في الليالي بدورها
إذا ما سطت أقلامه وضراغم ... لها الطّرس غابٌ والصّرير زئيرها
وإن أجرت الأرزاق فهي غمائم ... يسير إلى الآفاق منها مطيرها
وإن دبّحت طرساً فأبهج روضه ... يناظر زهر النيّرات نضيرها
وإن سجعت في مهرقٍ فحمائم ... لها الكتب دوحٌ والقلوب طيورها
أتانا به لطف الإله بخلقه ... وكلّ امرئ هادي العيون قريرها
إذا أجدبت أرضٌ وغاض معينها ... فمن راحتيه روضها وغديرها
فأخصب واديها وأمرع ربعها ... وأُصلح غاويها وأثرى فقيرها
بحجته معنى الجلالة سافرٌ ... وأضفى ستور الكاملين سفورها
ويدنيه منّا فضله في علوّه ... كشمس الضحى تعلو ويقرب نورها
وقد لحظ الأعمال أوّل نظرةٍ ... تساوى لديه نأيها وحضورها
ووافت حمول المال من كلّ وجهة ... ثقالا هواديها بطيّا مسيرها
ولم يك عن عسفٍ ولكن أثارها ... وقد خفيت من كل قطرٍ خبيرها
فأضحت بيوت المال ملأى برأيه ... تغصّ ولا يخشى انتقاصاً غريرها
وقد أخصبت منه الخزائن فاغتدت ... كروضة حسن والدلال زهورها
ولو لم تكن قد أصبحت وهي جنّة ... به ما علا الأبرار منها حريرها
أيا مالك النّعمى الذي لنواله ... مناهل لم يكدر لديّ نميرها
لقد كنت أخشى أن أموت وما أتى ... بما كنت أرجو من علاك بشيرها
وقد كنت بالعقبى من الله واثقا ... وإن أبطأت أيامها وشهورها
وإنك ما استنصرت إلاّ بربك الع ... ليّ ولم ينس العباد نصيرها
ومن يكن الرحمن حافظ نفسه ... فكيد أعادي نفسه لا يضيرها
فدونكها يصفي لك العزّ وردها ... ويضفي جبير السّعد منك جبورها
فقد يئست منها وقد آل أمرها ... إليك نفوس زال عنها غرورها
فأكرم بملكٍ أنت منه أمينه ... ودولة ملك أنت فيها وزيرها
وعش وابق ما غنّى الحمام بدوحه ... وبارى هديل الورق منها هديرها
يقبل الأرض التي يود لو فاز بلثم أعتابها، أو كحل ناظره الذي قذي بالبعد عنها بلثم ترابها، ويتمنى لو قام لديها بفرض التهنئة منشدا، أو مثل بها بين الأولياء منبهاً لهم على تكرار السجود لله تعالى ومرشدا. وينهي ورود البشرى التي كانت الآمال تترقب ورودها، والتهاني التي كانت الأماني تتنجز من الدهر وعودها، والنعم التي كانت الأولياء تخشى أن تجود بأنفسها قبل أن ترى وجودها، فالحمد لله على هذه المنن التي أجابت من سأل، وتركت المملوك وأمثاله من الأولياء يصحبون الدنيا بلا أمل، وأعادت على النواظر نضارة نورها وإضاءة نورها، وردت إلى القلوب ما بعد من آمالها أو نفر من سرورها، وفسحت للأولياء في أرجاء الرجاء مجالا، وأجرت سوابق الإحسان في مضمار المعنى فغدت لها المحامد غررا، والأثنية المشرقة أحجالا، ثم الحمد لله على هذه المنة التي لا يقدر الشكر قدرها، ولا يدرك سرار الانتهاء بدرها، ولا تزال الأقدار تعاضد نهيها وأمرها، والسعادة ترفه بيمن خياطتها الممالك بيض جيوشها المرهفة وسمرها، والمملوك فقد اجتنى ثمر دعائه الصالح، وأخذ من هذه التهنئة حظ المقيم الملازم بالأبواب العالية مع أنه النائي النازح، والله يجعل هذه المنة فاتحة ما يستقبل من أمثالها، ويمتع الأولياء كافة بما أنجزت لها الأيام من وعود آمالها بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
عبد الله بن جعفر بن علي بن صالحمحيي الدين الأسدي الكوفي النحوي الحنفي، ابن الصباغ.
أجاز له رضي الدين الصاغاني، والموفق الكواشي، وبالعامة من ابن الخير، وألقى الكشاف مرات دروسا، وجلا من آدابه، على الطلبة عروسا، وسقى من فضائله المتنوعة غروسا، وكانت له جلالة وأبوة وأصالة، عرض عليه تدريس المستنصرية فأبى، وصار له بهذا الإعراض حديث ونبا، وكانت فضائله موصوفه، وهو في ذلك الزمان فاضل الكوفه.
ولم يزل على حاله إلى أن أصبح الموت بابن الصباغ صبا، وصبت الأحزان عليه سحائب الدموع صبا.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وعشرين وسبع مئة.
ومولده سنة تسع وثلاثين وست مئة.
كان فيه عبادة وزهادة، وكتب عنه عفيف الدين المطري، وأجاز للشيخ تقي الدين بن رافع، ونظم الفرائض.
عبد الله بن جعفر
عفيف الدين التهامي أحد كتاب الإنشاء للملك المؤيد صاحب اليمن، كان دينا حسن السيره، طاهر السريره.
نقلت من خط الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليمني، قال: كان عفيف الدين يملي على أربعة قريضاً من فيه، على غرض طالبه ومستفتيه، من غير لعثمه، ولا فأفأة ولا تمتمه، في أوزان مختلفه، وقواف غير مؤتلفه، وبلغ السبعين، وهو مشتمل برداء الدين.
وقال: توفي سنة أربع عشرة وسبع مئة ببلده من أعمال الجثة.
قال يمدح المؤيد وقد سار إلى عدن من تعز، وعيد بها:
أعلمت من قاد الجبال خيولا ... وأفاض من لمع السيوف سيولا
وأماج بحراً من دلاصٍ سابحٍ ... جرّت أسود الغاب منه ذيولا
ومن القسىّ أهلةً ما تنقضى ... منها الخضاب عن النصول نصولا
وتزاحمت سمر القنا فتعانقت ... قرباً كما يلقى الخليل خليلا
فالغيث لا يلقى الطريق إلى الثرى ... والريح فيها لا تطيق دخولا
سحبٌ سرت فيها السيوف بوارقاً ... وتجاوبت فيها الرعود صهيلا
طلعت أسنّتها نجوماً في السما ... فتبادرت عنها النجوم أُفولا
تركت ديار الملحدين طلولا ... مما تبيح بها دماً مطلولا
والأرض ترجف تحتها من أفكلٍ ... والجوّ يحسب شلوه مأكولا
حطمت جحافلها الجحافل حطمةً ... تدع الحمام مع القتيل قتيلا
طلبوا الفرار فمّد أشطان القنا ... فأعاد معقلهم بها معقولا
عرفوا الذي جهلوا فكلّ غضنفرٍ ... في النّاس عاد نعامة إجفيلا
ملك إذا هاجت هوائج بأسه ... جعل العزيز من الملوك ذليلا
بحر إلى بحر يسير بمثله ... والملح أحقر أن يكون مثيلا
وقال: وقد أمر المؤيد أن تطرح دراهم في بركة صافية، وأن ينزل الخدام والحاضرون للغوص عليها:
أرى بركة قد طما ماؤها ... وفي قعرها ورقٌ منتثر
فيا ملك الأرض هذي السّما ... وهذي النجوم وأنت القمر
وقال: وقد أمر المؤيد أن يقطع الندامى عناقيد عنب، فقطع عفيف الدين عنقوداً وحمله إلى السلطان وهو يقول:
جاء ابن جعفر حاملاً بيمينه ... عنقود كرم وهو من نعماكا
يقضي الزمان بأنّ نصرك عاجلٌ ... يأتي إليك برأس من عاداكا
وقال: وقد حضر خروف المغني من الشام سنة ثلاثين وسبع مئة، وغنى بين يدي السلطان:
إن أيامكم لأمنٌ ويمنٌ ... وأمانٌ في كل بدوٍ وحضر
هيبةٌ منك صالحت بين سرحا ... نٍ وسنحلٍ وبين صقر وكدري
ومن المعجزات أنّ خروفاً ... يرفع الصوت وهو عند الهزبر
قلت: كذا نقلته من خط الشيخ تاج الدين اليمني قوله: أمن ويمن وأمان، والأمن والأمان واحد.
عبد الله بن أبي جمرةخطيب غرناطة المالكي.
روى عن أبي الربيع بن سالم وأقام مدة بسبته لا يخرج عنها جمعته ولا سبته.
ثم إنه ولي خطابة غرناطه، وغدق به صاحبها ذاك وناطه، وكان ذلك في آخر عمره ونهاية أمره.
خطب يوم جمعة وسقط ميتاً من أعلى المنبر، وكان ذلك آية لمن عق ومن بر، وذلك بعد سنة عشر وسبع مئة.
عبد الله بن حسنابن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور، الشيخ الفقيه الإمام المحدث اللغوي المفتي قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد بن العلامة شرف الدين بن الحافظ جمال الدين بن الحافظ تقي الدين الدمشقي الصالحي الحنبلي.
سمع حضورا سنة ثمان وأربعين، وحدث عن مكي بن علان، والعراقي، والكفرطابي، ومحمد بن سعد، سمع منه صحيفة همام والعماد بن عبد الهادي، واليلداني، وخطيب مردا، وعلي بن يوسف الصوري، وإبراهيم بن خليل، وأبي المظفر سبط الجوزي، وطائفة. وحدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الهادي، وطلب قليلا بنفسه، وقرأ على ابن عبد الدائم والشيخ شمس الدين، روى الكثير وتفرد، وكان يمل ولا يحتمل تطويل المحدثين، تفقه وبرع في مذهبه، وأفتى ودرس في حال تقلبه.
وكان خيراً وقورا، ساكناً صبورا، حسن السمت، لا يرى في حاله عوج ولا أمت، لين العريكه، من جالسه صار في أمره وما هو فيه شريكه، تقلد الحكم بعد عز الدين المقدسي فما غير زيه، ولا حول نديه، ولا ركب بغلة، ولا حضر المواكب ولا مشى في حفلة، بل كان يركب حماره، وجعل ذلك دليلاً وأماره.
وكان طويل القامة رقيقا، دقيق الصوت رفيقا. مليح الذهن حسن المحاوره، متع المحاضره، ولم يكن محذلقاً في أموره، ولم يكن عنده فطنة في غيبته ولا في حضوره.
ولم يزل على حاله إلى أن جاءه الأجل فبغته، ولم يخطه الذي وصفه ونعته، حكم بالبلد إلى العصر، وطلع إلى الجبل ففاجأه الموت وهو يتوضأ للمغرب سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة.
وكانت ولايته سنة وشهرين.
ومولده سنة ست وأربعين وست مئة.
وأجاز لي رحمه الله تعالى في سنة تسع وعشرين وسبع مئة، وكتب عنه بإذنه عبد الله بن أحمد بن المحب.
وكان وصول تقليده بالقضاء إلى دمشق يوم الثلاثاء سابع عشري شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة.
عبد الله بن الحسينابن أبي التائب بن أبي العيش، الشيخ المسند المعمر الشاهد، بدر الدين أبو محمد الأنصاري.
سمع مع أخيه إسماعيل كثيراً من مكي بن علان، والرشيد العراقي، وابن النور البلخي، وعثمان بن خطيب القرافة، وإبراهيم بن خليل، وعبد الله بن الخشوعي، وعدة. وروى الكثير على ضعفه، وتفرد بالرواية، ولو طلب الإعفاء من الطلبة لم تعفه، وعمر دهرا، وخاض من العمر المديد نهرا، وكان لا يصدق في مولده في آخر عمره، ويزعم أنه تجاوز المئة، فما أصبره على جمره، ثم إنه شرع في الطلب على الروايه، وبان للناس منه الغوايه.
ولم يزل على حاله إلى أن نزل بابن أبي العيش الموت، وحضره مع كثرة التسميع الفوت.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وست مئة.
وألحق مرة بخطه الوحش اسمه مع أخيه فيما لم يسمعه فما روى من ذلك كلمة واحدة، وأجاز لي بدمشق بخطه سنة تسع وعشرين وسبع مئة.
عبد الله بن خطلباابن عبد الله جمال الدين الغساني أحد مقدمي الحلقة بالقاهرة.
أخبرني العلامة أثير الدين من لفظه قال: مولده رابع عشر شعبان سنة سبع وعشرين وست مئة، وأنشدني: قال: أنشدني من لفظه لنفسه:
أستغفر الله من أشياء تخطر لي ... من ارتكاب دنيّاتٍ من العمل
ومن ملاحظتي طوراً مسارقةً ... وتراةً جهرة للفاتر المقل
من كلّ أحوى حوى رقّي ورقّ له ... قلبي وقد راق لي في وصفه غزلي
من أحسن الناس وصفا قد شغفت به ... وهو الذي حسنه العصيان حسّن لي
فالشمس تفخر إن قيست ببهجته ... والبدر منه وغصن البان في خجل
فجلّ جامع ما في الناس من حسن ... ومن على كلّ قلب الجمال ولي
عبد الله بن ريحانابن عبد الله، الشيخ جمال الدين التقوى القليوبي.
سمع من ابن المقير، والساوي، وابن الصابوني، وابن رواج، وابن الجميزي، وسبط السلفي، وغيرهم. وقرأ بنفسه على بعضهم، وكان يسكن بالمدرسة الكاملية بالقاهرة، وينادي بقيسارية التجار، وكان عسراً في التحديث.
قال شيخنا علم الدين البرزالي: قرأت عليه جزء الصولي عن ابن رواج بجامع الحاكم.
وتوفي في نصف صفر سنة عشر وسبع مئة.
ومولده سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين وست مئة بالقاهرة.
عبد الله بن سعيد الدولةالوزير موفق الدين.
أول ما علمته من أمره أنه كان رحمه الله ناظر البيوت في آخر أيام الملك الناصر محمد، ثم إنه بعد ذلك تولى نظر الدولة، وأمسك مع القاضي جمال الدين جمال الكفاة، ونجاه الله من تلك الفتنة وكانت واقعة عجيبة، وصودر فيها جماعة، ومات آخرون وهلك جماعة من العقوبة.
ثم إنه تولى نظر الخاص بعد جمال الكفاة، ولما تولى نظر الخاص كتب اسمه: عبد الله، وقبل ذلك إنما كان اسمه: هبة الله، وكذا كان يكتبه، فلما ولي الخاص كتب: عبد الله، واستمر على ذلك إلى آخر وقت، ثم إنه طلب الإعفاء من نظر الخاص، وأعيد إلى نظر الدولة، وتولى علم الدين بن زنبور نظر الخاص، ولم يزل موفق الدين على نظر الدولة إلى أن أمسك ابن زنبور الوزير، فتولى موفق الدين الوزارة، وأقيم معه الأمير ناصر الدين محمد بن المحسني مشيراً، وكان يجلس معه إلى آخر وقت.
وكان القاضي موفق الدين خيرا، باطنه لا يزال بمحبة الفقراء نيرا، يميل إلى الصلحاء ويبرهم، ويحسن إليهم بما يستروح إليه سرهم، ولا يرد فقيرا، ولو كان ما يعطيه نقيرا، ولا يزال على مصالحهم يثابر، وليس كمن يأخذ من نهاوش ويضعه في نهابر.
وكانت أخلاقه سهله، وغضبه مثل ثم تقتضي التراخي والمهله، دائم البشر، فائح النشر، وكان يحب الفضلاء ويدنيهم، ويود قربهم ويعينهم ويغنيهم، وخطه حسن جيد نقش، حلو الأوضاع رقش. وكان من غريب الاتفاق، أنه تزوج باتفاق، وهي جارية سوداء أظنها كانت من حظايا الصالح إسماعيل، اتصل بها بعده لأن صبره فيها عيل، ودخلت إليه بخدم كثير، وفرش وثير وجد منه عثير، وكان يتكلف في النفقة عليها كل يوم جمله، وينهض من ذلك بما لا يطيق غيره حمله، ولعله لمح منها ما هاله فحصل له الهلع، وأراد الله أن يختار له من السعود سعد بلع، وليس ذلك بدعاً فلولا الأغراض الفاسدة ما نفقت السلع، وما الوزير موفق الدين فرداً في هذه المسأله، ولا هو بأول من نصر حجة مبطله، فقد صنف ابن الجوزي كتاباً سماه تنوير الغبش في فضائل الحبش وقصيدة ابن الرومي القافية التي يصف بها السوداء تقارب المئتي بيت، وأحسنها:
أكسبها الحبّ أنها صبغت ... صبغة حبّ القلوب والحدق
وقال الشريف الرضي من أبيات:
وما كان سهم الطّرف لولا سواده ... ليبلغ حبّات القلوب إذا رمى
إذا كنت تهوى الظبي ألمى فلا تلم ... جنوني على الظبي الذي كلّه لمى
ولم يزل الوزير موفق الدين في الوزاره، إلى أن جاءه الأجل وزاره، وأبعد من اتفاق مزاره.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثاني عشري ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وسبع مئة، وتأسف الناس عليه وعدمه الفقراء، فإنه كان لهم ثمالاً، وبدعائهم له سلم من آفات أصابت غيره.
عبد الله بن أبي السعاداتابن منصور بن أبي السعادات بن محمد، الإمام الفاضل أبو بكر نجم الدين بن الأنباري البغدادي البابصري شيخ المستنصرية، المقرئ، خطيب جامع المنصور.
سمع ابن بهروز الطبيب، والأنجب الحمامي، وأحمد المارستاني، ولي مشيخة المستنصرية، بعد العماد ابن الطبال، وتفرد بأجزاء وحمل عنه أهل بغداد.
وتوفي سنة عشر وسبع مئة في ثاني عشر شهر رمضان وله اثنتان وثمانون سنة.
ومن مسموعاته الإبانة الصغيرة لابن بطه على أحمد المارستاني بسماعه من ابن اللحاس، وموطأ القعنبي على ابن العليق عن شهده، ومسند عبد ابن حميد بفوت يسير من أوله، والجزء الثالث من ذم الكلام للأنصاري على ابن بهروز.
عبد الله بن سعدابن مسعود بن عسكر الماسوحي الفقيه المحدث الشافعي.
كان عارفاً بالفروع، جيد المشاركة يروق ويروع، كثير النقل، صحيح العقل.
تفقه بالشيخ برهان الدين، وسمع على الحجار، والمزي، والشيخ برهان الدين وغيرهم، وكتب الأجزاء والطباق.
وولده سنة اثنتي عشرة وسبع مئة تقريباً.
عبد الله بن شرفابن نجدة المرزوقي، علم الدين.
أخبرني الإمام العلامة أثير الدين قال: كان المرزوقي يحضر معنا عند قاضي القضاة تقي الدين ابن رزين، وكان معيداً بالمشهد الحسيني. ألف شرحاً للتنبيه وأنفذه إلى الشيخ بهاء الدين بن النحاس، فكتب عليه نثراً يصفه، وأعاده فأنفذ المرزوقي أبياتاً يشكره على ذلك وهي:
يا مالك الرق والقياد ... ومن له الفضل والأيادي
ومن تحلّى التقى لباساً ... وأرشد الناس للسّداد
ومن علا ذروة المعالي ... وخلّف الناس في وهاد
ومن غدا في العلوم بحراً ... آذيّه الدهر في ازدياد
وصار مدح الأنام وقفاً ... على علاه إلى التنادي