كتاب : معانى القرآن للفراء
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء
وقوله: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ...}.
حدثنا الفراء قال: حدثنى الكسائى عن رجل من بنى أميه يقال له: يحيى بن سعيد الأموى قال: سمعت ابن جريج يقرأ: "فشاربونَ شَرْب الهيم" بالفتح، قال: فذكرت ذلك لجعفر ابن محمد قال: فقال: أو ليست كذاك؟ أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه بعث بُدَيل ابن ورقاء الخزاعى إلى أهل منى، فقال: إنها أيامُ أَكْلٍ وَشَرْب وبِعالٍ.
قال الفراء: البِعال: النكاح، وَسائر القراء يرفعون الشين: "فشاربونَ شُرْب الهِيم"
"والهيم": الإبل التى يصيبها داء فلا تَروَى من الماء، واحدها: أهيم، والأنثى: هيماء.
ومن العرب من يقول: هائم، وَالأنثى هائمة، ثم يجمعونه على هيم، كما قالوا: عائط وعيط، وَحائل وحُول، وهو فى المعنى: حائل حُوْل إِلا أن الضمة تركت فى هيم لئلا تصير الياء واوا. وَيقال: إن الهيم الرمل. يقول: يشرب أهل النار كما تشربُ السِّهْلة قال قال الفراء: الرملة بعينها السهلة، وهى سهلة وَسهلة.
{ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ }
وقوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونََ...}.
يعنى: النُّطَف إذا قدفت فى أرحام النساء.
{ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ }
وقوله: {أأنتُمْ تَخْلُقُونَهُ...}.
تخلقون تلك النطف أم نحن الخالقون. وقد يقال للرجل: مَنى وأمنى، ومَذى وأمذى، فأمنى أكثى من منى، ومذى أكثر من أمذى.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )
{ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ }
وقوله: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ....}.
أى: تنبتونه.
{ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ }
وقوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ...}.
تتعجبون مما نزل بكم فى زرعكم، ويقال: معنى تفكهون: تندمون.
{ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ }
وقوله: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ...}.
يقال: إنا لمعذَّبون، ويقال: إنا لمُولَع بنا وهو من قبلهم.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )
{ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ }
وقوله: {لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً...}.
وهو الملح المر الشديد المرارة من الماء.
{ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ }
وقوله: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ...}.
يعنى منفعة للمسافرين إذا نزلوا بالأرض الِقىِّ يعنى: القفر.
{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }
وقوله: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ...}.
حدثنا الفراء قال: وحدثنى أبو ليلى السجستانى عن أبى جرير قاضى سجستان قال: قرأ عبدالله بن مسعود: "فلا أُقْسِمَ بموقعِ النُّجومِ" والقراء جميعاً على: مواقع.
حدثنا الفراء قال: حدثنى الفضيل بن عياض عن منصور عن المنهال بن عمرو رفعه إلى عبدالله فيما أعلم شك الفراء [/ب] قال: فلا أقسم بموقع النجوم، قال: بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبى صلى الله عليه نجوما.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )
{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }
وقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ...} يدل على أنه القرآن.
ويقال: فلا أقسم بموقع النجوم، بمسقط النجوم إذا سقطن.
{ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ }
وقوله: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ...}.
حدثنا الفراء قال: حدثنى حِبَّان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: لا يمسّ ذلك اللوحَ المحفوظ إلا المطهرون يقول: الملائكة الذين طهروا من الشرك. ويقال: لا يمسه: لا يجد طعمه ونفعه إلا المطهرون من آمن به.
{ أَفَبِهَاذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ }
وقوله: {أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ...} مكذبون وكافرون، كلّ قد سمعته.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )
{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }
وقوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ...}.
جاء فى الأثر: تجعلون رزقكم: شكركم، وهو فى العربية حسن أن تقول: جعلت زيارتى إياك أنك استخففت بى، فيكون المعنى: جعلت ثواب الزيارة ـ الجفاء. كذلك جعلتم شكر الرزق ـ التكذيب.
{ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ }
وقوله: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ...} يعنى: النَّفْس عند الموت
{ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ }
وقوله: {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ...} يعنى: أهل الميت عنده.
ينظرون إليه. والعرب تخاطب القوم بالفعل كأنهم أصحابه، وإنما يراد به بعضهم: غائباً كان أو شاهداً، فهذا من ذلك كقولك للقوم: أنت قتلتم فلاناً، وإنما قتله الواحد الغائب. ألا ترى أنك قد تقول لأهل المسجد لو آذوا رجلا بالازدحام: اتقوا الله، فإنكم تؤذون المسلمين، فيكون صوابا. وإنما تعظ غير الفاعل فى كثير من الكلام، ويقال: أين جواب (فلولا) الأولى، وجواب التى بعدها؟ والجواب فى ذلك: أنهما أجيبا بجواب واحد وهو ترجعونها، وربما أعادتِ العرب الحرفين ومعناهما واحد. فهذا من ذلك، ومنه: {فَإِمَّا يَأْتِيَنّكُمْ مِنِّى هُدًى فَمن تَبِعَ هُداىَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم}. أجيبا بجواب واحد وهما جزاءان، ومن ذلك قوله: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَّيُحِبُّون أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُم}.
وقوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إذا مِتُّم وكُنتُم تُراباً وعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُون} وقد فسِّر فى غير هذا الموضوع.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )
{ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ }
وقوله: {غَيْرَ مَدِينِينَ...} مملوكين، وسمعت: مجزبين.
{ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ }
وقوله: {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ...} من أهل جنة عدن.
{ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ }
{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ...}.
حدثنا الفراء قال: وحدثنى شيخ عن حماد بن سلمة عن عبدالله بن شقيق عن عائشة عن النبى صلى الله عليه أنه قال: "فَروح وريحان" وقراءة الحسن كذلك، والأعمش وعاصم والسُّلَمى وأهل المدينة وسائر القراء (فرَوحٌ)، أى: فروح فى القبر، ومن قرأ (فرُوحٌ) يقول: حياة لا موت فيها، (وريحان): رزق.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )
{ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ }
وقوله: {فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ...}.
أى: فذلك مسلّم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت أَن وهو معناها كما تقول: أنت مصدّق مسافر عن قليل إذا كان قد قال: إنى مسافر عن قليل.
وكذلك تجد معناه: أنت مصدق أنك مسافر، ومعناه: فسلام لك أنت من أصحاب اليمين. وقد يكون كالدعاء له، كقولك: فسقيا لك من الرجال، وإن رفعت السلامَ فهو دعاء.
والله أعلم بصوابه.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الحديد )
{ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
قوله عز وجل: {هُوَ الأَوَّلُ...}.
يريد: قبل كل شىء. {وَالآخِرُ...} بعد كل شىء.
{وَالظَّاهِرُ...} على كل شىء علما، وكذلك {وَالْبَاطِنُ...} على كل شىء علما.
{ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }
وقوله: {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ...} ممّلكين فيه، وهو رزقه وعطيته.
القراء جميعا على: {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ...} ولو قرئت: وقد أُخِذَ ميثاقكم. لكان صواباً.
{ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }
وقوله: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ...}.
يقرأ بالرفع والنصب: فمن رفعه جعل الفاء عطفا ليست بجواب كقولك: من ذا الذى يحسن ويجمل؟ ومن نصب جعله جوابا للاستفهام، والعرب تصل (مَن) فى الاستفهام بـ (ذا) حتى تصير كالحرف الواحد. ورأيتها فى بعض مصاحف عبدالله: منذا متصلة فى الكتاب، كما وصل فى كتابنا وكتاب عبدالله {يَابْنَ أُمَّ}.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحديد )
{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
وقوله: {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ...} أى: يضىء بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، والباء فى "بأيمانهم" فى معنى فى، وكذلك: عن.
وقوله: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ...}.
ترفع البشرى، والجنات، ولو نويت بالبشرى النصبَ توقع عليها تبشير الملائكة، كأنه قيل لهم: أبشروا ببشراكم، ثم تنصب جناتٍ، توقع البشرى عليها.
وإن شئت نصبتها على القطع؛ لأنها نكرة من نعتِ معرفةٍ، ولو رفعتَ البشرى باليوم كقولك: اليوم بشراكم اليوم سروركم، ثم تنصب الجنات على القطع، ويكون فى هذا المعنى رفع اليوم ونصبه كما قال الشاعر:
زَعم البوارِحُ أنَّ رِحلتنا غدا * وبذاك خبرنا الغُدافُ الأسود
وقوله: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ...} وهى فى قراءة عبدالله: "ذلك الفوز العظيم" بغير هو.
وفى قراءتنا "ذلك هو الفوز العظيم": كما كان فى قراءتنا "فإنَّ اللهَ هُو الغَنِىّ الحميد" وفى كتاب أهل المدينة: "فإن الله الغنى الحميد".
{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }
وقوله: {لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظُرُونَا...} وقرأها يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة (أَنْظِرُونا). ومن أنظرت، وسائر القراء على (انْظُرُونَا) بتخفيف الألف، ومعنى: انظرُونا. انتظِرونا، ومعنى أنظِرونا، أخرونا كما قال: {أَنْظِرْنى إلى يوم يُبعثون}، وقد تقول العرب: "انظِرْنى" وهم يريدون: انتظرنى تقويةٌ لقراءة يحيى، قال الشاعر:
أبا هندٍ فلا تَعْجَل علينا * وأَنْظِرنا نُخَبِّرْك اليقِينا
فمعنى هذه: انتظرنا قليلاً نخبرك؛ لأنه ليس هاهنا تأخير، إنما استماع كقولك للرجل: اسمع منى حتى أخبرك:
وقوله: {قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ...}.
قال المؤمنون للكافرين: ارجعوا إلى الموضع الذى أَخذنا منه [/ب] النور، فالتمسوا النور منه، فلما رجعوا ضرب الله عز وجل بينهم: بين المؤمنين والكفار بسور، وهو السور الذى يكون عليه أهل الأعراف.
وقوله: {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} الجنة، {وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ...} النار، وفى قراءة عبدالله: ظاهرة من تلقائه العذاب.
{ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَى وَلَاكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }
وقوله: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ...} على دينكم فى الدنيا، فقال المؤمنون: {بَلَى وَلَاكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ...} إلى آخر الآية.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحديد )
{ فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
وقوله: {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ...}.
القراء على الياء، وقد قال بعض أهل الحجاز [لا] تؤخذ والفدية مشتقة من الفداء، فإذا تقدم الفعل قبل الفدية والشفاعة والصيحة والبينة وما أشبه ذلك، فإنك مؤنث فعله وتذكّره، قد جاء الكتاب بكل ذلك.
وقوله عز وجل: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ...} أى: هى أولى بكم.
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
وقوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ...}.
وفى يأن لغات: من العرب من يقول: ألم يأن لك، وأَلم يئن لك مثل: يَعِنْ، ومنهم من يقول: أَلم يَنَلْ لك باللام، ومنهم من يقول: أَلم يُنلْ لك، وأَحسنهن التى أَتى بها القرآن وقوله: {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ...}.
قرأها عاصم، وبعض أهل المدينة (نزَل) مشددة، وقرأها بعضهم: "وما نَزَل مخففة" وفى قراءة عبدالله: وما أنزل من الحق، فهذا قوةٌ لمن قرأ: نَزّل.
وقوله: {وَلاَ يَكُونُواْ...}.
فى موضع نصب، معناه: ألم يأنِ لهم أن تخشع قلوبهم، وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب، ولو كان جزما كان صوابا على النهى.
{ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ }
وقوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ...}.
قرأها عاصم: إنّ المصَدِّقين والمصَدِّقات بالتخفيف للصاد، يريد: الذين صدّقوا الله ورسوله، وقرأها آخرون: إِن المصَّدّقين يريدون: المتصدقين بالتشديد، وهى فى قراءة أُبّى: إن المتصدقين والمتصدقات بتاءٍ ظاهرة، فهذه قوة لم قرأ إن المصّدّقين بالتشديد.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحديد )
{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }
وقوله: {أُوْلَائِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ...} انقطع الكلام عند صفة الصديقين.
ثم قال: {وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ...} يعنى: النبيين لهم أجرهم ونورهم، فرفعتَ الصديقين بهم، ورفعت الشهداء بقوله: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ...}.
{ اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }
وقوله: {وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ...}.
ذكر ما فى الدنيا، وأنه على ما وصف، وأما الآخرة فإنها إما عذاب، وإما جنة، والواو فيه واو بمنزلة واحدة؛ كقولك: ضع الصدقة فى كل يتيم وأرملة، وإن قلت: فى كل يتيم أو أرملة، فالمعنى واحد والله أعلم.
{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }
وقوله: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ...}.
أى ما أصاب الآدمى فى الأرض من مصيبة مثل: ذهاب المال، والشدة، والجوع، والخوف {وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ} الموت فى الولد، وغير الولد، والأمراض {إِلاَّ فِي كِتَابٍ} يعنى: فى العلم الأول، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرأَ تلك النفس أى: نخلقها، إن ذلك على الله يسير، ثم يقول: إن حفظ ذلك من جميع [/ا] الخلق على الله يسير، ثم أدّب عباده، فقال: هذا {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ}. أى: لا تحزنوا: {وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ...}، ومن قرأ: بما أتاكم بغير مد يجعل الفعل ـ لما.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحديد )
{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }
وقوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ...}.
هذه اليهود بخلت حسدا أن تُظهِر صفة النبى صلى الله عليه وسلم حسداً للإسلام؛ لأنه يُذهب ملكهم.
وقوله: {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ...}.
وفى قراءة أهل المدينة بغير ـ هو ـ دليل على ذلك.
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }
وقوله: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ...}.
ذكر أن الله عز وجل أنز ل: القلاة والكلْبَتين والمِطرقة. قال الفراء: القلاة: السِّندان.
وقوله: {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ...}.
يريد: السلاح للقتال، ومنافع للناس مثل: السكين، والفأس، والمز وما أشبه ذلك.
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
وقوله: {النُّبُوَّةَ...}.
وفى مصحف عبدالله بالياء بياءين: النِّبييّة بباءين والهمزة فى كتابه تثبت بالألف فى كل نوع، فلو كانت همزة لأثبَتت بالألف، ولو كانت الفعولة لكانت بالواو، ولا تخلو أن تكون مصدر النبأ أو النبيّية مصدرا فنسبت إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
والعرب تقول: فعَل ذلك فى غُلوميته، وفى غلومته، وفى غلاميته، وسمع الكسائى العرب تقول: فعل ذلك فى وليديته يريد: وهو ليد أى: مولود، فما جاءك من مصدر لاسم موضوع، فلك فيه: الفُعولة، والفُعولية، وأن تجعله منسوباً على صورة الاسم، من ذلك أن تقول: عبد بين العبودية، والعبودة والعبدية، فقس على هذا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحديد )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وقوله: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ...}.
الكفل: الحظ، وهو فى الأصل ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عن السقوط، يقول: يحصنكم الكِفل من عذاب الله، كما يحصّن هذا الراكب الكفلُ من السقوط.
{ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
وقوله: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ...}.
وفى قراءة عبدالله: لكى يعلم أهل الكتَاب ألا يقدرون، والعرب تجعل لا صلة فى كل كلام دخل فى آخره جحد، أو فى جحد غير مصرح، فهذا مما دخل آخره الجحد، فجعلت (لا) فى أوله صلة. وأما الجحد السابق الذى لم يصرح به فقوله عز وجل: {ما مَنَعكَ ألاّ تسجُدَ}.
وقوله: {ومَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذَا جاءَتْ لا يُؤمِنُون}.
وقوله: {وَحَرَامٌ عَلى قَرْيةٍ أهْلَكْناهَا أنّهُم لا يَرْجِعُون}.
وفى الحرام معنى الجحد والمنع، وفى قوله: (وما يشعركم) فلذلك جعلت (لا) بعده صلة معناها السقوط من الكلام.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( المجادلة )
{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }
قوله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا...}.
نزلت فى امرأة يقال لها: خولة بنت ثعلبة، وزوجها أوس بن الصامت الأنصارى، قال لها [/ب] إن لم أفعل كذا وكذا قبل أن تخرجى من البيت فأنت علىّ كظهر أمى، فأتت خولة رسول الله صلى الله عليه تشكو، فقالت: إن أوس بن الصامت تزوجنى شابة غنية، ثم قال لى كذا وكذا وقد ندم، فهل من عذر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه: ما عندى فى أمرك شىء، وأنزل الله الآيات فيها، فقال عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ}، وهى فى قراءة عبدالله: (قد يسمع الله)، "والله قد يسمع تحاوركما"، وفى قراءة عبدالله: "قول التى تحاورك فى زوجها" حتى ذكر الكفّارة فى الظهار، فصارت عامة.
{ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }
وقوله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ...}.
قرأها يحيى والأعمش وحمزة (يظّاهرون)، وقرأها بعض أهل الحجاز كذلك، وقرأها الحسن ونافع" يظَّهَّرُون" فشدد، ولا يجعل فيها ألفا، وقرأها عاصم وأبو عبد الرحمن السلمى (يُظاهِرون) يرفعان الياءَ، ويثبتان الألف، ولا يشددان، ولا يجوز فيه التشديد إذا قلت: (يظاهرون) وهى فى قراءة أبىّ: يتظاهرون من نسائهم قوة لقراءة أصحاب عبدالله.
وقوله: {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ...}.
الأمهات فى موضع نصب لما ألقيت منها الباء نصبتَ، كما قال فى سورة يوسف: {مَا هذا بَشراً} إنما كانت فى كلام أهل الحجاز: ما هذا ببشر؛ فلما ألقيت الباء ترك فيها أثر سقوط الباء وهى فى قراءة عبد الله "ما هن بأمهاتهم"، وأهل نجد إذا ألقوا الباء رفعوا، فقالوا "ما هذا بشر"، "ما هن أمهاتهم".
أنشدنى بعض العرب:
رِكابُ حُسَيلٍ آخرَ الصيفِ بُدَّن * وناقةُ عمرو ما يُحلّ لها رحل
ويزعم حسل أنه فرع قومه * وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل
{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
وقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ...}.
يصلح فيها فى العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا، وفيما قالوا. يريد: يرجعون عما قالوا، وقد يجوز فى العربية أن تقول: إن عاد لما فعل، يريد إن فعله مرة أخرى، ويجوز: إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تقول: حلف ان يضربك فيكون معناه: حلف لا يضربك وحلف ليضربنك.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المجادلة )
{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }
وقوله: {كُبِتُواْ...}.
غيظوا وأحزِنُوا يوم الخندق {كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} يريد: من قاتل الأنبياء من قبلهم.
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
وقوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى...}.
القراء على الياءِ فى بكون، وقرأها بعضهم: ما تكون؛ لتأنيث: النجوى.
وقوله: {ثَلاَثَةٍ...}.
إن شئت خفضتها على أنها من نعت النجوى، وإن شئت أضفت النجوى إليها، ولو نصبت على أنها لكان ـ كان صوابا.
وقوله: {وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ...}.
وهى فى قراءة عبدالله: "ولا أربعة إلاَّ هو خامسُهم" لأن المعنى غير مضمور له، فكفى ذكر بعض العدد من بعض.
وقوله: {وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ...}.
موضع: أدنى، وأكثر. خفض لاتباعه: الثلاثة، والخمسة، ولو رفعه رافع كان صواباً، كما قيل: {ما لكُم من إِله غيرُه}، كأنه قال: ما لكُم إله غيره.
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ * ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
[/ا] وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى...}.
نزلت فى اليهود والمنافقين، وكانوا إذا قاعدوا مسلماً قد غزا له قريب فى بعض سرايا رسول الله صلى الله عليه تناجى الاثنان من اليهود والمنافقين بما يوقع فى قلب المسلم أن صاحبه قد قتل، أو أصيب، فيحزن لذلك، فنهوا عن النجوى.
وقد قال الله: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ...}
وقوله: {وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ...}.
قراءة العوام بالألف، وقرأها يحيى بن وثاب: وينتجون، وفى قراءة عبدالله: إذا انْتجَيْتُمْ فلا تَنْتَجُوا.
وقوله: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ...}.
كانت اليهود تأتى النبى صلى الله عليه، فيقولون: السام عليك: فيقول لهم: وعليكم، فيقولون: لو كان محمد نبياً لاستجيب له فينا؛ لأنّ السام: الموت، فذلك قوله: {لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}: أى: هلاَّ.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المجادلة )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
وقوله: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ...}.
قرأها الناس: تفَسَّحُوا، وقرأ الحسن: تفاسحوا، وقرأ أبو عبدالرحمن: فى المجالِس، وتفاسحوا، وتفسَّحوا متقاربان مثل: تظاهرون، وتظَّهرون، وتعاهدته وتعهَّدته، راءيت ورأّيت، ولا تُصاعر وَلا تُصعِّر.
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ...}.
قرأ الناس بكسر الشين، وأهل الحجاز يرفعونها، وهما لغتان كقولك: يَعْكِفُونَ ويَعْكُفُون، ويعرِشون، ويعرُشون.
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
وقوله: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً...}.
كانوا قد أُمروا أن يتصدقوا قبل أن يكلموا رسول الله صلى الله عليه ـ بالدرهم ونحوه، فثقُل ذلك عليهم، وقلَّ كلامهم رسول الله صلى الله عليه بخلاً بالصدقة، فقال الله: {أَأشْفَقْتُمْ...} أى: أبخلتم أن تتصدقوا، فإن فعلتم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فنَسخت الزكاة ذلك الدرهم.
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً...}.
نزلت فى المنافقين كانوا يوالون اليهود "ما هم منكم" من المسلمين، " ولا منهم" على دين المنافقين؛ هم يهود.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المجادلة )
{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَائِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ }
وقوله: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ...}.
غلب عليهم.
{ كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }
وقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي...}.
الكتاب: يجرى مجرى القول، تدخل فيه أن، وتستقبل بجواب اليمين؛ لأنك تجد الكتاب قولا فى المعنى كُنى عنه بالكتابِ، كما يكنّى عن القول: بالزعم، والنداء، والصياح، وشبهه.
{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَائِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَائِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
[/ب] وقوله: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...}.
نزلت فى حاطب بن أبى بلتعة، وذلك أنه كتب إلى أهل مكة: أن النبى صلى الله عليه يريد أن يغزوكم فاستعدوا لمّا أراد رسول الله صلى الله عليه افتتاح مكة، فأتَى النبىَّ صلى الله عليه بذلك الوحى، فقال له: ما دعاك إلى ما فعلت؟ قال: أحببت أن أتقرب إلى أهل مكة لمكان عيالى فيهم، ولم يكن عن عيالى ذابُّ هناك، فأنزل الله هذه الآية.
الجماعة من أهل الكوفة والبصرة والحجاز على: كَتَبَ فِى قُلُوبِهِم، وقَرأ بعضهم: كُتِبَ
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الحشر )
{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ ياأُوْلِي الأَبْصَارِ }
قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ...}.
هؤلاء بنو النضير: كانوا قد عاقدوا رسول الله صلى الله عليه عَلَى ألا يكونوا مع، ولا عليه، فلما نُكب المسلمون يوم أُحد غدروا، وركب حُيّى بن أخطب إلى أبى سفيان وَأصحابِه من أهل مكة، فتعاقدوا على النبى صلى الله عليه، وأتاه الوحى بذلك، فقال للمسلمين: أُمرت بقتل حيى، فانتدب له طائفة من المسلمين فقتلوه، وغدا عليهم النبى صلى الله عليه، فتحصنوا فى دورهم، وجعلوا ينقبون الدار إلى التى هى أحصن منها، ويرمون النبى صلى الله عليه بالحجارة التى يخرجون منها، وجعل المسلمون يهدمون دورهم ليتسع موضع القتال، فذلك قوله [عز وَجل]: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} واجتمع القراء على (يُخْرِبون) إِلا عبدالرحمن السلمى، فإنه قرأ (يخرّبون)، كأنَّ يخرّبون: يهدّمون، ويُخْرِبون ـ بالتخفيف: يخرجون منها يتركونها، ألا ترى أنهم كانوا ينقبون الدار فيعطلونها؟ فهذا معنى: (يُخْرِبون) والذين قالوا (يخرّبون) ذهبوا إلى التهديم الذى كان المسلمون يفعلونه، وكل صواب. والاجتماع من قراءة القراء أحب إلىّ.
[وقوله تبارك وتعالى: {فَاعْتَبِرُواْ ياأُوْلِي الأَبْصَارِ...}:
يا أولى العقول، ويقال: يا أولى الأبصار: يا من عاين ذلك بعينه].
وقوله: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ ...}.
[هم] أول من أجلى عن جزيرة العرب، وهى الحجاز.
{ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ }
وقوله: {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ...}.
حدثنا الفراء قال: حدثنى حِبَّان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: أمر النبى صلى الله عليه بقطع النخل كله ذلك اليوم، يعنى: يوم بنى النضير إلاّ العجوة. قال ابن عباس: فكل شىء من النخل سوى العجوة، هو اللين.
قال الفراء: واحدته: لِينة، وفى قراءة عبدالله: "ما قطعتم من لِينَةٍ ولا تركتم قُوَّماً على أصوله إلا بإذن الله"، يقول: إلا بأمر الله.
وقوله: {أُصوله...}.
ذهب إلى الجمع فى اللين كله، ومن قال: أُصُولها ـ ذهب إلى تأنيث النخل؛ لأنه يذكر ويؤنث.
{ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وقوله: {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ...}.
كان النبى صلى الله عليه قد أحرز غنيمة بنى النَّضِير وقُريظة وفَدَك، فقال له الرؤساء: خذ صفَّيك من هذه، وأفردنا بالربع، فجاء التفسير: إن هذه قُرًى لم يقاتلوا عليها بخيل، ولم يسيروا إليها على الإبل؛ إنما مشيتم إليها على أرجلكم، وكان بينها وبين المدينة ميلان، فجعلها النبى صلى الله عليه لقوم من المهاجرين، كانوا محتاجين وشهدوا بدراً.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحشر )
{ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
ثم قال: {مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى...}.
هذه الثلاث، فهو لله وللرسول خالص.
ثم قال: {وَلِذِي الْقُرْبَى...}.
لقرابة رسول الله صلى الله عليه {وَالْيَتَامَى}. يتامى المسلمين عامة، وفيها يتامى بنى عبدالمطلب {وَالْمَسَاكِينِ} مساكين المسلمين ليس فيها مساكين بنى عبدالمطلب.
ثم قال: كَىْ لا يَكُونَ ذلك الفَىء دُولة بين الأغنياء ـ الرؤساء ـ يُعمل به كما كان يعمل فى الجاهلية، ونزل فى الرؤساء: {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ...} فرضُوا. والدُّولة: قرأها الناس برفع الدال إلا السُّلَمىّ ـ فيما أعلم ـ فإنه قرأ: دَولة: بالفتح، وليس هذا للدَّولة بموضع إنما الدُّولة فى الجيشين يَهزم هذا هذا، ثم يُهزَم الهازم، فتقول: قد رجعت الدولة على هؤلاء، كأنها المرة، وَالدُّولة فى المِلْك والسنن التى تغيَّر وتبدّل على الدهر، فتلك الدُّولة.
وقد قرأ بعض العرب: (دولةٌ)، وأكثرهم نصبها وبعضهم: يكون، وبعضهم: تكون.
{ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
وقوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ...}.
يعنى: الأنصار، يحبون من هاجر إليهم لما أُعطىَ المهاجرون ما قسم لهم النبى صلى الله عليه من فىء بنى النضير لم يأمن على غيرهم أن يحسدهم إذا لم يقسمْ لهم. فقال النبى صلى الله عليه للأنصار: إن شئتم قسمتم لهم من دوركم وأموالكم، وقسمت لكم كما قسمت لهم، وإما أن يكون لهم القِسم، ولكم دياركم وأموالكم، فقالوا: لا، بل تقسم لهم من ديارنا وأموالنا ولا نشاركهم فى القَسم، فأنزل الله جل وعز هذه الآيات ثناء على الأنصار، فقال: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ...} يعنى المهاجرين: {وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ...} الآية.
{ وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
وفى قراءة عبدالله {وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ...} يعنى المهاجرين: يقولون ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخواننا الذين تبوءوا الإيمان من قبل، وألّف بين قلوبنا، ولا تجعل فيها غَمَرا للذين آمنوا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحشر )
{ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }
وقوله: {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ...}.
يقول: أنتم يا معشر المسلمين أهيب فى صدورهم [يعنى بنى النضير] من عذاب الله عندهم، وذلك أن بنى النضير كانوا ذوى بأس، فقذف الله فى قلوبهم الرعب من المسلمين، ونزل فى ذلك: {تَحْسَبُهُمْ} يعنى: بنى النضير جيمعاً، وقلوبهم مختلفة، وهى فى قراءة عبدالله: وقلوبهم أشت، أى: أشد اختلافاً.
وقوله: {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ...}.
قرأ ابن عباس: جدار، وسائر القراء: جدر على الجمع.
{ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ }
وقوله: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ...}.
وهى فى قراءة عبدالله: فكان عاقبتهُما أنهما خالدان فى النار، وفى [/ب] قراءتنا {خَالِدِينَ فِيهَا} نصب، ولا أشتهى الرفع، وإن كان يجوز؛ وذلك أن الصفة قد عادت على النار مرتين، والمعنى للخلود، فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الأخرى نصبت الفعل، فهذا من ذلك، ومثله فى الكلام قولك: مررت برجل على بابه متحملا به، ومثله قول الشاعر:
والزعفرانُ على ترائبُها * شَرِقاً به اللباتُ والنحْرُ
لأن الترائب هى اللبات ها هنا، فعادت الصفة باسمها الذى وقعت عليه أولا، فإذا اختلفت الصفتان: جاز الرفع والنصب على حسن. من ذلك قولك: عبدالله فى الدار راغبٌ فيك. ألا ترى أن (فى) التى فى الدار مخالفة (لفى) التى تكون فى الرغبة؛ والحجة ما يعرف به النصب من الرفع، ألا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الأولى، إلاّ أنك تقول: هذا أخوك فى يده درهم قابضا عليه، فلو قلت: هذا أخوك قابضاً عليه فى يده درهم لم يجز. وأنت تقول: هذا رجل فى يده درهم قائمٌ إلى زيد. ألا ترى أنك تقول: هذا رجل قائم إلى زيد فى يده درهم، فهذا يدل على المنصوب إذا امتنع تقديم الآخر، ويدل على الرفع إذا سهل تقديم الآخر.
{ لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَآئِزُونَ }
وقوله: {لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ...}.
وفى قراءة عبدالله: ولا أصحاب النار، ولا صلةٌ إذا كان فى أول الكلام جحد، ووصل بلا من آخره. وأنشد فى بعض بنى كلاب.
إرادة ألاّ يجمع الله بيننا * ولا بينها أخرى الليالى الغوابر
معناه: إرادة ألا يجمع الله بيننا وبينها، فوصل بلا.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الممتحنة )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ }
قوله عز وجل: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ...}.
دخول الباء فى: المودة، وسقوطها سواء، هذا بمنزلة قولك: أظن أنك قائم، وأظن بأنك قائم، وأريد بأن تذهب، وأريد بأن تقوم. وقد قال الله جلَّ وعز:
{ومَنْ يُرِدْ فيه بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ} فأدخل الباء، والمعنى: ومن يرد فيه إلحادا.
أنشدنى أبو الجراح:
فلمّا رجتْ بالشُّرب هزَّلها العصا * شحيحٌ لهُ عند الإزاءِ نهيمُ
معناه: فلما رجت أن تشرب. ونزلت هذه السورة فى حاطب بن أبى بلتعة، لما أراد رسول الله صلى الله عليه أن يغزو أهل مكة، قدمت عليه امرأة من موالى بنى المطلب، فوصلها المسلمون، فلما أرادت الرجوع أتاها حاطب بن أبى بلتعة، فقال: إنى معطيك عشرة دنانير، وكاسيك بردا على أن تبلغى أهل مكة كتابا، فكتب معها، ومضت تريد مكة، فنزل جبريل على النبى صلى الله عليهما بالخبر، فأرسل عليًّا والزبير فى إثرها، فقال: إن دفَعَتْ إليكما الكتاب [وإلا فاضربا] [/ا] عنقها فلحقاها، فقالت: تنحيا عنى، فإنى أعلم أنكما لن تصدقانى حتى تفتشانى، قال: فاخَذَت الكتاب، فجعلته بين قرنين من قرونها، ففتشاها، فلم يريا شيئا، فانصرفا راجعين، فقال على للزبير: ماذا صنعنا؟ يخبرنا رسول الله أن معها كتابا ونصدقها؟ فكرّا عليها، فقالا: لتخرِجِنَّ كتابك أو لنضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجت الكتاب.
وكان فيه: من حاطب بن أبى بلتعة إلى أهل مكة:
أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه يريد أن يغزوكم، فخذوا حذركم مع أشياء كتب بها، فدعا رسول الله صلى الله عليه بحاطب، فأقرّ له، وقال: حملنى على ذلك أن أهلى بمكة وليس من أصحابك [أحد] إلا وله بمكة من يذب عن أهله، فأحببت أن أتقرّب إليهم ليحفظونى فى عيالى، ولقد علمت أن لن ينفعهم كتابى، وأن الله بالغ فيهم أمره، فقال عمر بن الخطاب: دعنى فأضرب عنقه، قال: فسكت النبى صلى الله عليه، ثم قال: وما يدريك لعل الله قد نظر إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
قال الفراء: حدثنى بهذا حِبان بإسناده.
وقوله: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ...}. مِن صلة الأولياء، كقولك: لاتتخذنّه رجلا تلقى إليه كلّ ما عندك.
وقوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ...}. إِن آمنتم ولإن آمنتم، ثم قال عز وجل: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي...} فلا تتخذونهم أولياء.
{ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
وقوله: {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ...}. قرأها يحيى بن وثاب: يُفصِّل بينكم، قال: وكذلك يقرأ أبو زكريا، وقرأها عاصم والحسن يَفْصل، وقرأها أهل المدينة: يُفْصَل.
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }
وقوله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...}. يعنى حاطبا، "فيهم" فى إبراهيم. يقول: فى فعل إبراهيم، والذين معه إذا تبروءا من قومهم. يقول: ألا تأسيت يا حاطب بإبراهيم؛ فتبرأ من أهلك كما برىء إبراهيم؟ ثم قال: {إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} أى: قد كانت لكم أسوة فى أفاعيلهم إلاّ فى قول إبراهيم: لأستغفرن؛ فإِنه ليس لكم فيه أسوة.
وقوله: {إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ...}. إن تركتَ الهمز من برآء أشرت إليه بصدرك، فقلت: بُرَاء. وقال الفراء: مدّة، وإشارة إلى الهمز، وليس يضبَط إلاّ بالسمع، [ولم يجرها]. ومن العرب من يقول: إِنا بِراءٌ منكم، فيجرى، ولو قرئت كذلك كان وجها.
وقوله: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا...}. أى: فقولوا هذا القول أنتم، ويقال: إنه من قيل إبراهيم عليه السلام وقومه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الممتحنة )
{ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
وقوله: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً...}. لا تظهَرنّ علينا الكفار فيروا أنهم على حق، وأنّا على باطل.
{ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وقوله: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً...}.
يقول: عسى أن ترجع عدواة بينكم إلى المودة، فتزوج النبى صلى الله عليه أمّ حبيبة بنت أبى سفيان، فكانت المصاهرة مودة.
{ لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
وقوله: {لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ...}.
هؤلاء خزاعة كانوا عاقدوا النبى صلى الله عليه ألا [/ب] يقاتلوه، ولا يخرجوه، فأمر النبى صلى الله عليه ببرهم، والوفاء لهم إلى مدة أجلهم، ثم قال:
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ...} أن تنصروهم، يعنى الباقين من أهل مكة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الممتحنة )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
وقوله: {إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ...}.
يعنى: فاستحلفوهن، وذلك أن النبى صلى الله عليه لما صالح أهل مكة بالحديبية فلما ختم الكتاب خرجت إليه سُبَيْعة بنت الحارث الأسلمية مُسْلِمَةً، فجاء زوجها فقال: ردَّها علىَّ فإِن ذلك فى الشرط لنا عليك، وَهذه طينة الكتابة لم تجفف، فنزلت هذه الآية {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ...}.
فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه: ما أخرجكِ إلينا إلا الحرص على الإسلام والرغبة فيه، ولا أخرجك حدث أحدثتِه، ولا بغض لزوجك، فحلفتْ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه زوجها مهرها، ونزل التنزيل: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ...}.
من كانت له امرأة بمكة أبت أن تُسلم فقد انقطعت العصمة فيما بينها وبين زوجها، ومن خرج إلى المسلمين من نسائهم مُسْلمةً، فقد انقطعت عصمتها من زوجها الكافر، وللمسلمين أن يتزوجوها بغير عدة.
وقوله: {وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ...}.
يقول: اسألوا أهل مكة أن يردوا عليكم مهور النساء اللاتى يخرجن إليهم منكم مرتدات، وليسألوا مهور من خرج إليكم من نسائهم.
وقوله: {وَلاَ تُمْسِكُواْ...}.
قرأها يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة مخففة، وقرأها الحسن: تُمسّكوا، ومعناه متقارب.
والعرب تقول: أمسكت بك، ومسكت بك، وتمسّكت بك.
{ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }
وقوله: {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ...} أعجزكم. وهى فى قراءة عبدالله:
"وإن فاتكم أحد من أزواجكم"، وأحدٌ يصلح فى موضع ـ شىء، وشىء يصلح فى موضع أحد فى الناس، فإذا كانت شىء فى غير الناس، لم يصلح أحد فى موضعها.
وقوله: {وَإِن فَاتَكُمْ...}.
يقول: أعجزكم إن ذهبت امرأة فلحقت بأهل مكة كافرة، وليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم، يقول: فغنمتم، فأعطوا زوجها مهرها من الغنيمة قبل الخمس.
[حدثنا محمد بن الجهم] حدثنا الفراء قال: حدثنى قيس بن الربيع عن الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق أنه قرأ "فعاقبتم"، وفسرها: فغنمتم، وقرأها حميد الأعرج: فعقّبتم مشددة، وهى كقولك: تصعّر، وتصاعر فى حروف قد أنبأتك بها فى تآخى: فعلت، وفاعلت.
{ ياأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وقوله: {وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ...}.
قرأها السُّلَمى وحده: ولا يقتّلن أولادهن، وذكر أن النبى صلى الله عليه لما افتتح مكة قعد على الصفا وإلى جنبه عمر، فجاءه النساء يبايعنه؛ وفيهن بنت عتبة، فلما قال رسول الله صلى الله عليه: {لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} يقول: لا تعبدن الأوثان، ولا تسرقن، ولا تزنين. قالت هند: وهل تزنى الحرة؟ قال: فضحك عمر، ثم قال: لا، لعمرى، ما تزنى الحرة. قال: فلما قال: لا تقتلن أولادكن، هذا فيما كان أهل الجاهلية يئدون، فبويعوا على ألا يفعلوا، فقالت هند: قد ربيناهم صغارا، وقتلتموهم كبارا.
وقوله: {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ...}.
كانت المرأة تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هذا ولدى منك. فذلك البهتان المفترى [/ا].
المعاني الواردة في آيات سورة ( الممتحنة )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ }
وقوله: {لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخِرَةِ...}.
يقول: من نعيم الآخرة وثوابها، كما يئس الكفار من أهل القبور، يقول: علموا ألا نعيم لهم فى الدنيا، وقد ماتوا ودخلوا القبور.
ويقال: كما يئسَ الكفار من أصحابِ القبورِ: من ثواب الآخرة ونعيمها.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الصف )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }
قوله عز وجل: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ...}.
كان المسلمون يقولون: لو نعلم أى الأعمال أحب إلى الله لأتيناه، ولو ذهبَتْ فيه أنفسنا وأموالنا، فلما كانت وقعة أحد فتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شُجّ وكسرت رِباعِيتَهُ فقال: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} لذلك. ثم قال: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ [أَن تَقُولُواْ...} فأن فى موضع رفع لأن (كبر) بمنزلة قولك: بئس رجلاً أخوك، وقوله: كَبُرَ مَقْتاً عند الله]: أضمر فى كبر آسما يكون مرفوعا. وأما قوله {كَبُرَتْ كَلمة} فإن الحسن قرأها رفعا، لأنه لم يضمر شيئا، وجعل الفعل للكلمة، ومن نصب أضمر فى كبرت اسما ينوى به الرفع.
{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ }
وقوله: {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ...} بالرصاص، حثهم على القتال.
{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }
وقوله: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ...}.
قرأها يحيى أو الأعمش شك الفراء: "والله متمُّ نورِه" بالإضافة، ونونها أهل الحجاز: متمٌّ نورَه. وكلٌّ صواب.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الصف )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
وقوله: {هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ...} {تُؤْمِنُونَ...}.
وفى قراءة عبدالله: آمنوا، فلو قيل فى قراءتنا: أن تؤمنوا؛ لأنه ترجمة للتجارة. وإذا فسرْت الاسم الماضى بفعل جاز فيه أن وطرحها؛ تقول للرجل: هل لك فى خير تقوم بنا إلى المسجد فنصلى، وإن قلت: أن تقوم إلى المسجد كان صوابا. ومثله مما فسر ما قبله على وجهين قوله: {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}: أنَّا، وإنا، فمن قال: أنا ها هنا فهو الذى يدخل (أَنْ) فى يقوم، ومن قال: إنا فهو الذى يلقى (أنْ) من تقوم، ومثله: {عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا} و (إِنَّا).
{ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
وقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ...}.
جزمت فى قراءتنا فى هل. وفى قراءة عبدالله للأَمر الظاهر، لقوله: (آمِنوا)، وتأويل: هل أدلكم أمر أيضاً فى المعنى، كقولك للرجل: هل أنت ساكت؟ معناه: اسكت، والله أعلم.
{ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }
وقوله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا...}.
فى موضع رفع؛ أى: ولكم أخرى فى العاجل مع ثواب الآخرة، ثم قال: {نَصْرٌ مِّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}: مفسّر للأخرى، ولو كان نصرا من الله، لكان صوابا، ولو قيل: وآخر تحبونه يريد: الفتح، والنصر ـ كان صوابا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الصف )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }
وقوله: {كُونُواْ أَنصَارَ اللَّهِ...}.
قرأها عاصم بن أبى النَّجود مضافا، وقرأها أهل المدينة: أنصاراً الله، يفردون الأنصار، ولا يضيفونها، وهى فى قراءة عبدالله: أنتم أنصار الله.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الجمعة )
{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
قوله عز وجل: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ...}.
يقال: إنهم ممن لم يسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه، ثم أسلم، ويقال: هم الذين يأتون من بعد. (وآخرين) فى موضع خفض؛ بَعث فى الأميين وفى آخرين منهم. ولو جعلتها نصبا بقوله: {ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُم} ويعلم آخرين فينصب على الرد على الهاء فى: يزكيهم، ويعلمهم.
{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
وقوله: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً...}.
يحمل من صلة الحمار؛ لأنه فى مذهب نكرة، فلو جعلت مكان يحمل حاملا لقلت: كمثل الحمار حاملا أسفارا. وفى قراءة عبدالله: كمثل حمار يحمل أسفارا. والسِّفْر واحد الأسفار، وهى الكتب العظام. شبه اليهود، ومن لم يسلم إذ لم ينتفعوا بالتوراة والإنجيل. وهما دليلان على النبى صلى الله عليه ـ بالحمار الذى يحمل كتب العلم ولا يدرى ما عليه.
{ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }
وقوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ...}.
أدخلت العرب الفاء فى خبر (إنّ)؛ لأنها وقعت على الذى، والذى حرف يوصل، فالعرب تدخل الفاء فى كل خبرٍ كان اسمه مما يوصل مثل: من، والذى وإلقاؤها صواب، وهى فى قراءة عبدالله: "إن الموتَ الذى تفرُّون منه ملاقيكُم"، ومن أدخل الفاء ذهب بالذى إلى تأويل الجزاء إذا احتاجت إلى أن توصل، ومن ألقى الفاء فهو على القياس؛ لأنك تقول: إن أخاك قائم، ولا تقول: إن أخاك فقائم. ولو قلت: إن ضاربك فظالم كان جائزا؛ لأن تأويل: إن ضاربك، كقولك: إن من يضربك فظالم، فقس على هذا الاسم المفرد الذى فيه تأويل الجزاء فأدخل له الفاء.
وقال بعض المفسرين: إن الموت هو الذى تفرون منه، فجعل الذى فى موضع الخبر للموت. ثم قال: ففروا أولا تفروا فإنه ملاقيكم. ولا تجد هذا محتملا فى العربية والله أعلم بصواب ذلك.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الجمعة )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
وقوله: {مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ...}.
خفضها الأعمش فقال: الْجمعة، وثقلها عاصم وأهل الحجاز، وفيها لغة: جُمَعَة، وهى لغة لبنى عقيل لو قرىء بها كان صوابا. والذين قالوا: الجمعة: ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يوم جُمَعَة؛ كما تقول: رجل ضُحَكة للذى يُكثر الضحك.
وقوله: {فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ...}.
وفى قراءة عبدالله: "فامضوا إلى ذكر الله"، والمضى والسعى والذهاب فى معنى واحد؛
لأنك تقول للرجل: هو يسعى فى الأرض يبتغى من فضل الله، وليس هذا باشتداد.
وقد قال بعض الأئمة: لو قرأتها: "فاسعوا" لاشتددت يقول: لأسرعت، والعرب تجعل السعى أسرع من المضى، والقول فيها القول الأول.
وقوله: {وَذَرُواْ الْبَيْعَ...}.
إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء؛ لأن المشترِى والبيِّع يقع عليهما البيِّعان، فإذا أذن المؤذن من يوم الجمعة حرم البيع والشراء [/ا].
{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
وقوله: {فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ...}.
هذا: إِذْنٌ، وإباحةٌ، من شاء باع، ومن شاء لزم المسجد.
{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }
وقوله: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا...}.
فجعل الهاء للتجارة دون اللهو، وفى قراءة عبدالله: "وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضوا إليها". وذكروا أن النبى صلى الله [عليه] كان يخطب يوم الجمعة، فقد دِحْيَة الكلبى بتجارة من الشام فيها كل ما يحتاج إليه الناس، فضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه؛ فخرج جميع الناس إليه إلاّ ثمانية نفر، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً} يعنى: التجارة التى قدِم بها، {أَوْ لَهْواً}: يعنى: الضرب بالطبل. ولو قيل: انفضوا إليه، يريد: اللهو كان صوابا، كما قال: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} ولم يقل: بها. ولو قيل: بهما، وانفضوا إليهما كما قال: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فاللهُ أولى بهِمَا}، كان صوابا وأجود من ذلك فى العربية أن تجعل الراجع من الذكر للآخرِ من الاسمين وما بعد ذا فهو جائز. وإنما اختير فى انفضوا إليها ـ فى قراءتنا وقراءة عبدالله؛ لأن التجارة كانت أهم إليهم، وهم بها أسرّ منهم بضرب الطبل؛ لأن الطبل إنما دل عليها، فالمعنى كله لها.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( المنافقون )
{ إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }
قوله عز وجل: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ...}.
يقول القائل: قد شهدوا للنبى صلى الله عليه، فقالوا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} فكيف كذَّبهم الله؟.
يقال: إنما أكذبَ ضميرهم؛ لأنهم أضمروا النفاق، فكما لم يَقبل إيمانهم وقد أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين؛ لأنهم أضمروا غير ما أظهروا.
{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }
وقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ...}.
من العرب من يجزم بإذا، فيقول: إذا تقم أقمْ، أنشدنى بعضهم:
وإذا نطاوِعْ أمرَ سادتِنا * لا يَثْنِنا جُبن ولا بُخْلُ
وقال آخر:
واستغْنِ ما أغناك ربُّك بالغِنى * وإذا تُصبْك خصاصةٌ فتجمَّل
وأكثر الكلام فيها الرفع؛ لأنها تكون فى مذهب الصفة، ألا ترى أنك تقول:
الرُّطب إذا اشتد الحر، تريد فى ذلك الوقت. فلما كانت فى موضع صفة كانت صلة للفعل الذى يكون قبلها، أو بعد الذى يليها، كذلك قال الشاعر:
وإذا تكون شديدةٌ أُدْعَى لها * وإذا يحاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُندُبُ
وقوله: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ...}.
خفف الأعمش، وثقل إسماعيل بن جعفر المدنى عن أصحابه وعاصم، فمن ثقل فكأنه جمع خشبة خِشابا، ثم جمعه [/ب] فثقل، كما قال: ثمار وثُمُرٌ. وإن شئت جمعته، وهو خشبة على خُشُب، فخففت وثقلت، كما قالوا: البدَنة، والبُدُن والبُدْن، والأَكُم والأَُكُم.
والعرب تجمع بعض ما هو على صورة خشبة أرى على فُعْل؛ من ذلك: أجمة وأُجْم، وبَدَنة وبُدْن، وأكَمة وأُكْم.
ومن ذلك [من] المعتل: ساحة وسُوح، وساق وسُوق، وعانة وعُون، ولابة ولُوب، وقارة وقور، وحياة وحى، قال العجاج:
* ولو ترى إذ الحياة حِىّ *
وكان ينبغى أن يكون: حُوى، فكسر أولها لئلا تتبدل الياء واوا، كما قالوا: بيض وعِين.
وقوله: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ...}.
جبنا وخوفا، ثم قال: "هم العدو"، ولم يقل: هم الأعداء، وكل ذلك صواب.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ }
وقوله: {لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ...}.
حركوها استهزاء بالنبى صلى الله عليه وسلم ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة: "لَوَوْا رءوسهم" بالتخفيف.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المنافقون )
{ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَاكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَاكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }
وقوله: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ...}.
كان النبى صلى الله عليه وسلم فى غزاة من غزواته، فالتقى رجل من المسلمين يقال له: جِعال وآخر من المنافقين على الماء فازدحما عليه، فلطمه جعال، فأبصره عبدالله بن أبى، فغضب، وقال: ما أدخلْنا هؤلاء القوم دارنا إلاّ لنُلطمَ ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوى جعال!، ثم قال: إنكم لم منعتم أصحاب هذا الرجل الطعام لتفرقوا عنه، وانفضوا، فذلك قوله: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ...} ثم قال عبدالله بن أبى: {لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} وسمعها زيد بن أرقم، فأخبر بها النبى صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...}، ويجوز فى القراءة: "لَيُخْرَجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ" كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلا، قرأ بعضهم: لنُخْرِجَن الأعزَّ منها الأذل أى: لنخِرجن الأعزَّ فى نفسه ذليلا.
{ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ }
وقوله: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ...}.
يقال: كيف جزم (وأكن)، وهى مردودة على فعل منصوب؟
فالجواب فى ذلك أن ـ الفاء ـ لو لم تكن فى أصدق كانت مجزومة، فلما رددت (وأكنْ)، ـ ردّت على تأويل الفعل لو لم تكن فيه الفاء، ومَن أثبت الواو ردَّه على الفعل الظاهر فنصبه، وهى فى قراءة عبدالله، "وأكونَ من الصالحين".
وَقد يجوز نصبها فى قراءتنا، وإن لم تكن فيها الواو؛ لأن العربَ قد تسقط الواو فى بعض الهجاء، كما أسقطوا الألف من سليمن وأشباهه، ورأيت فى بعض مصاحف عبدالله: فقولا: فقلا بغير واو.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( التغابن )
{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
قوله جل وعز: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ...}.
يريد: إلا بأمر الله، {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} عند المصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويقال: يهد قلبه إذا ابتُلى صبر، وإذا أُنعم عليه شكر، وإذا ظُلِمَ غفر، فذلك قوله يهد قلبه [/ا].
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وَقوله: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ...}.
نزلت لما أمِر الناس بالهجرة من مكة إلى المدينة، فكان الرجل إذا أراد أن يهاجر تعلقت به امرأته وولده، فقالوا: أين تضعنا، ولمن تتركنا؟ فيرحمهم، ويقيم متخلفاً عن الهجرة، فذلك قوله: {فَاحْذَرُوهُمْ} أى: لا تطيعوهم فى التخلف.
وقوله: {وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ...}.
نزلت فى أولاد الذين هاجروا، ولم يطيعوا عيالاتهم لأنهم قالوا لهم عند فراقهم للهجرة: لئن لم تتبعونا لا ننفق عليكم، فلحقوهم بعد بالمدينة، فلم ينفقوا عليهم، حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه فنزل: وإن تعفوا وتصفحوا، وتنفقوا عليهم، فرخص لهم فى الإِنفاق عليهم.
{ فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
وقوله: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ...}.
يقال: من أدَّى الزكاة فقد وُقِى شح نفسه، وبعض القراء قد قرأ "ومَنْ يُوقَ شِحَّ نَفْسِه"، بكسر الشين، ورفَعها الأغلب فى القراءة.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الطلاق )
{ ياأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }
قوله عز وجل: {ياأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ...}.
فينبغى للرجل إذا أراد أن يطلق امرأته للعدة أمهلها حتى تحيض حيضة، ثم يطلقها، فإذا حاضت حيضة بعد الطلاق طلقها أخرى، فإن حاضت بعد التطليقتين طلقها ثالثة، فهذا طلاق العدة، وقد بانت منه، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
وطلاق السنة: أن يطلقها طاهراً فى غير جماع، ثم يدعها حتى تحيض ثلاث حيضات، فإذا فعل ذلك بانت منه، ولم يَحلّ له نكاحها إلا بمهر جديد، ولا رجعة له عليها.
قوله: {وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ...} الحيض.
وقوله: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ...}.
التى طُلّقن فيها، ولا يَخرجن من قِبَلِ أنفسِهن {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ}، فقال بعضهم: إلاّ أن يأتين بفاحشةٍ [إلا أن تُحدِث حدًّا؛ فَتُخْرَجَ ليقام عليها، وقال بعضهم: إِلاّ أن يأتين بفاحشة] إِلاّ أن يعصين فيخرُجن، فخروجها فاحشة بينة.
وقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ...}.
يقول فى التطليقة الباقية بمعروف أو سرحوهن بمعروف. قال: والمعروف: الإحسان.
وقوله: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً...}.
هذا الرجعة فى التطليقتين.
وقوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ...}.
إذا حاضت حيضة بعد التطليقتين إلى أن تحيض الثالثة، ولا تغتسل، فله رجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }
وقوله: {بَالِغُ أَمْرِهِ...}.
القراء جيمعاً على التنوين. ولو قرئت: بالغ أمرِه [على الإضافة] لكان صوابا، ولو قرىء: بالغٌ أمرُه بالرفع لجاز.
{ وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }
وقوله: [/ب] {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ...}.
يقول: إن شككتم فلم تدروا ماعدتها، فذكروا: أن مُعاذ بن جبل سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: قد عرفنا عدة التى تحيض، فما عدة الكبيرة التى قد يئست؟ فنزل { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ} فقام رجل فقال: يا رسول الله! فما عدة الصغيرة التى لم تحض؟ فقال: واللائى لم يحضن بمنزلة الكبيرة التى قد يئست عدتها: ثلاثة أشهر. فقام آخر فقال: فالحوامل ما عدتهن؟ فنزل: {وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ...}؛ فإذا وضعت الحامل ذا بطنِها حلّت للأزواج، وإن كان زوجها الميت على السرير لم يدفن.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الطلاق )
{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى }
وقوله: {مِّن وُجْدِكُمْ...}.
يقول: على قدر ما يجد أحدكم؛ فإن كان موسّعاً وسَّع عليها فى: المسكن، والنفقة وإن كان مُقْتِراً فعلى قدر ذلك، ثم قال: {وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ...} ينفق عليها من نصيب ما فى بطنها، ثم قال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أجر الرضاع.
وقوله: {وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ...}.
يقول: لا تضارّ المرأةُ زوجها، ولا يضرّ بها، وقد أجمع القراء على رفع الواو من: "وُجْدكم"، وعلى رفع القاف من "قُدِر" [وتخفيفها] ولو قرءوا: قدِّر كان صوابا. ولو قرءوا مِنْ "وَجْدِكم" كان صوابا؛ لأنها لغة لبنى تميم.
{ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً }
وقوله: {فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً...}.
فى الآخرة، {وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً...}، فى الدنيا، وهو مقدّم ومؤخر، ثم قال: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} من عذاب الدينا {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً...} النارَ وعذابَها.
{ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً }
وقوله: {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً...} {رَّسُولاً...}.
نزلت فى الكتاب بنصب الرسول، وَهو وجه العربية، ولو كانت رسولٌ بالرفع كان صوابا؛ لأن الذكر رأس آية، والإستئناف بعد الآيات حسن. ومثله قوله: "التائبون" وقبلها: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، فلما قال: {وذلك هو الفوزُ العظيمُ} استؤنف بالرفع، ومثله: {وتَرَكَهُمْ فى ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ}، ومثله: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} ثم قال: {فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ}، وهو نكرة من صفة معرفة، فاستؤنف بالرفع، لأنه بعد آية.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الطلاق )
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }
وقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ...}.
خلق سبعاً، ولو قرئت: "مثلُهن" إذ لم يظهر الفعل كان صوابا.
تقول فى الكلام: رأيت لأخيك إبلا، ولوالدك شاء كثير، إذا لم يظهر الفعل.
قال يعنى الآخِر جاز: الرفع، والنصب إذا كان مع الآخر صفة رافعة فقس عليه إن شاء الله.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( التحريم )
{ ياأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }
قوله جلّ وعز: {ياأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ...}.
نزلت فى ماريَّة القبطية، وَكان النبى صلى الله عليه يجعل لكل امرأة من نسائه يوماً، فلما كان يوم عائشة زارتها حفصة بنت عمر، فخلا بيتها، فبعث النبى صلى الله عليه إلى مارية القبطية، وكانت مع النبى صلى الله عليه فى منزل حفصة، وجاءت حفصة إلى منزلها فإذا الستر مرخى، وخرج النبى صلى الله عليه وسلم فقال: أتكتمين علىَّ؟ فقالت: نعم، قال: فإنها علىَّ حرام يعنى مارية، وأخبرك: أن أباك وأبا بكر سيملكان من بعدى، فأخبرت حفصة عائشة الخبر، ونزل الوحى على النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، فدعا حفصة قال: ما حملك على ما فعلتِ؟ قالت له: ومن أخبرك أنى قلت ذلك لعائشة؟ قال: "نبأنى العليم الخبير" ثم طلق حفصة تطليقة، واعتزل نساءه تسعة وعشرين يوماً. ونزل عليه: {لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} من نكاح مارية، ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ...} يعنى: كفارة أيمانكم، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم رقبة، وَعاد إلى مارية.
قال [الفراء] : حدثنى بهذا التفسير حِبان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس، ثم قال: "عرف بعضه" يقول: عرف حفصة بعض الحديث؛ وترك بعضاً، وقرأ أبو عبدالرحمن السلمى"عَرَف" خفيفة.
[حدثنا محمد بن الجهم] حدثنا الفراء قال: حدثنى محمد بن الفضل المروزى عن عطاء عن أبى عبدالرحمن السلمى"عَرَف" خفيفة.
حدثنا الفراء، وحدثنى شيخ من بنى أسد يعنى الكسائى عن نعيم عن أبى عمرو عن عطاء عن أبى عبدالرحمن قال: كان إذا قرأ عليه الرجل: "عَرَّف بعضه" بالتشديد حصبه بالحصباء، وَكأن الذين يقولون: عرَف خفيفة يريدون: غضب من ذلك وَجازى عليه، كما تقول للرجل يسىء إليك: أما والله لأعرفن لك ذلك، وقد لعمرى جازى حفصة بطلاقها، وهو وجه حسن، [وذكر عن الحسن البصرى أنه قرأ عرف بالتخفيف كأبى عبدالرحمن].
{ إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }
وقوله: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ...}.
يعنى: عائشة وحفصة، وذلك: أن عائشة قالت: يا رسول الله، أما يوم غيرى فتتمه، وأما يومى فتفعل فيه ما فعلت؟ فنزل: إن تتوبا إلى الله من تعاونكما على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} زاغت ومالت {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} تعاونا عليه، قرأها عاصم وَالأعمش بالتخفيف، وقرأها أهل الحجاز: "تظَّاهرا" بالتشديد {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ}: وليه عليكما {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} مثلُ أبى بكر وعمر الذين ليس فيهم نفاق، ثم قال: {وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} بعد أولئك، يريد أعوان، ولم يقل: ظهراء، ولو قال قائل: إن ظهيراً لجبريل، ولصالح المؤمنين، والملائكة ـ كان صوابا، ولكنه حسن أن يجعل الظهير للملائكة خاصة، لقوله: (والملائكة) بعد نصرة هؤلاء ظهير.
وأما قوله: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} فإنه موحد فى مذهب الجميع، كما تقول: لا يأتينى إلا سائس الحرب، فمن كان ذا سياسة للحرب فقد أمر بالمجىء واحداً كان أو أكثر منه، ومثله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، هذا عامٌّ [/ب] وليس بواحد ولا اثنين، وكذلك قوله: {والَّلذانِ يأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهما}، وكذلك: {إنّ الإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ}، و {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً}، فى كثير من القرآن يؤدى معنى الواحد عن الجمع.
وقرأ عاصم والأعمش: "أنْ يُبْدلَهُ" بالتخفيف، وقرأ أهل الحجاز، "أن يبَدِّله" [بالتشديد] وكلٌّ صواب: أبدلت، وبدّلت.
{ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }
وقوله: {سَائِحَاتٍ...}.
هنّ الصائمات، قال: ونرى أن الصائم إنما سمّى سائحاً لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد، فكأنه أخذ من ذلك. والله أعلم.
والعرب تقول للفَرس إذا كان قائماً على غير علف: صائم، وذلك أن له قُوتَيْن. قُوتاً غدوة وقوتا عشية؛ فشبه بتسحر الآدمى وإفطاره.
المعاني الواردة في آيات سورة ( التحريم )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
وقوله: {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ...}.
علِّموا أهليكم ما يدفعون به المعاصى، علموهم ذلك.
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وقوله: {تَوْبَةً نَّصُوحاً...}.
قرأها بفتح النون أهلُ المدينة والأعمش، وذكر عن عاصم والحسن "نُصُوحاً"، بضم النون، وكأن الذين قالوا: "نُصوحاً" أرادوا المصدر مثل: قُعودا، والذين قالوا: "نَصوحا" جعلوه من صفة التوبة، ومعناها: يحدّث نفسه إذا تاب من ذلك الذنب ألاّ يعود إليه أبداً.
وقوله: {يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا...}.
لا يقوله كل من دخل الجنة، إنما يقوله أدناهم منزلة؛ وذلك: أن السابقين فيما ذكر يمرون كالبرق على الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم كالفرس الجواد، وبعضهم حَبْوًا وَزحفاً، فأولئك الذين يقولون: {رَبَّنَا أتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} حتّى ننجو.
ولو قرأ قارىء: "ويدخلْكم" جزماً لكان وجهاً؛ لأن الجواب فى عسى فيضمر فى عسى ـ الفاء، وينوى بالدخول أن يكون معطوفاً على موقع الفاء، ولم يقرأ به أحدٌ،
ومثله: {فَأَصَّدَقَ وأكُنْ مِنَ الصَّالِحِين}.
ومثله قول الشاعر:
فأبلونى بليتكُم لعلى * أصالحكم، واستدرجْ نَويَّا
فجزم لأنه نوى الرد على لعلى.
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ }
وقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ...}.
هذا مثل أريد به عائشة، وحفصة فضرب لهما المثل، فقال: لم ينفع امرأة نوح وامرأة لوط إيمانُ زوجيهما، ولم يضر زوجيهما نفاقُهما، فكذلك لا ينفعكما نُبوُّة النبى ـ صلى الله عليه ـ لو لم تؤمنا، ولا يضره ذنوبكما، ثم قال: {وضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْن} فأمرهما أن تكونا: كآسية، وكمريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها. والفرج ها هنا: جيب درعها، وذكر أن جبريل: ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفخ فى جيبها، وكل ما كان فى الدرع من خرْق أو غيره يقع عليه اسم الفرج. قال الله تعالى: {وَمَالَهَا مِنْ فُرُوجٍ} يعنى السماء من فطور ولا صدوع.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الملك )
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }
قوله عز وجل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً...}.
لم يوقع البلوى على أىّ؛ لأن فيما بين أى، وبين البلوى إضمار فعل، كما تقول فى الكلام: بلوتكم لأنظر أيُّكم أطوع، فكذلك، فأعمل فيما تراه قبل، أى مما يحسن فيه إضمار النظر فى قولك: اعلم أيُّهم ذهب [/ا] وشبهه، وكذلك قوله: {سَلْهُمْ أَيُّهم بِذَلِكَ زَعِيمٌ} يريد: سلهم ثم انظر أيهم يكفل بذلك، وقد يصلح مكان النظر القولُ فى قولك: اعلم أيهم ذهب؛ لأنه يأتيهم؛ فيقول. أيكم ذهب؟ فهذا شأن هذا الباب، وقد فسر فى غير هذا الموض. ولو قلت: اضرب أيّهم ذهب. لكان نصبا؛ لأن الضرب لا يحتمل أن يضمر فيه النظر، كما احتمله العلم والسؤال والبلوى.
{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ }
وقوله: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ...}.
[حدثنى محمد بن الجهم قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى بعض أصحابنا عن زهير بن معاوية الجُعفى عن أبى إسحق: أنّ عبدالله بن مسعود قرأ "من تفوّت".
حدثنا محمد بن الجهم، حدثنا الفراء قال: وحدثنى حِبان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة: أنه قرأ: "تفوّت" وهى قراءة يحيى، وأصحاب عبدالله، وأهل المدينة وعاصم.
وأهل البصرة يقرءون: "تفاوتٍ" وهما بمنزلةٍ واحدة، كما قال: "ولا تُصَاعِرْ، وتُصَعّر" وتعهّدت فلانا وتعاهدته، والتفاوت: الاختلاف، أى: هل ترى فى خلقه من اختلاف، ثم قال: فارجع البصر، وليس قبله فعل مذكور، فيكون الرجوع على ذلك الفعل، لأنه قال: ما ترى، فكأنه قال: انظر، ثم ارجع، وأما الفطور فالصدوع والشقوق.
{ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ }
وقوله: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً...}.
يريد: صاغرا، وهو حسير كليل، كما يحسَر البعيرُ والإِبلُ إذا قوّمت عن هزال وكلال فهى الحسرى، وواحدها: حسير.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الملك )
{ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ }
وقوله: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ...} تقطع عليهم غيظا.
{ فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ }
وقوله: {فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ...}.
ولم يقل: "بذنوبهم" لأنّ فى الذنب فعلا، وكل واحد أضفته إلى قوم بعد أن يكون فعلا أدّى عن جمع أفاعيلهم، ألا ترى أنك تقول: قد أذنب القوم إذنابا، ففى معنى إذناب: ذنوب، وكذلك تقول: خرجَتْ أعطيته الناس وعطاء الناس فالمعنى واحد والله أعلم.
وقوله: {فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ...}. اجتمعوا على تخفيف السُّحْق، ولو قرئت: فسُحُقاً كانت لغة حسنة.
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }
وقوله: {فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا...} فى جوانبها.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الملك )
{ أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }
وقوله: {أَأَمِنتُمْ...} يجوز فيه أن تجعل بين الألفين ألفا غير مهموزة، كما يقال: {آانتم}، {آإذ مِتْنا}. كذلك، فافعل بكل همزتين تحركتا فزد بينهما مدة، وهى من لغة بنى تميم.
{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
وقوله: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ...}.
تقول: قد أكبَّ الرجل: إذا كان فعله غير واقع على أحد، فإذا وقع الفعل أسقطت الألف، فتقول: قد كبّه الله لوجهه، وكببتُه أنا لوجهه.
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَاذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ }
وقوله: {وَقِيلَ هَاذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ ...}.
يريد: تَدْعُونَ، وهو مثل قوله: تَذْكُرون، وتَذَكَّرون، وتخبرون و تختبرون، والمعنى واحد والله أعلم.
وقد قرأ بعض القراء: "ما تَدْخَرون" يريد: تدّخرون، فلو قرأ قارىء: "هذا الذى كُنتم به تدْعون" كان صوابا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الملك )
{ قُلْ هُوَ الرَّحْمَانُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }
وقوله: {فَسَيَعْلَمُون...}.
قراءة العوامّ "فستعلمون" بالتاء.
[حدثنا محمد بن الجهم قال: سمعت الفراء وذكر محمد بن الفضل [/ب] عن عطاء عن أبى عبدالرحمن عن على (رحمه الله) فسيعلمون بالياء، وكل صواب.
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ }
وقوله: {إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً...}.
العرب تقول: ماء غور، وبئر غور، وماءان غور، ولا يثنون ولا يجمعون: لا يقولون: ماءان غوران، ولا مياه أغوار، وهو بمنزلة: الزَّوْر؛ يقال: هؤلاء زور فلان، وهؤلاء ضيف فلان، ومعناه: هؤلاء أضيافه، وزواره. وذلك أنه مصدر فأُجرى على مثل قولهم: قوم عدل، وقوم رِضا ومَقْنَع.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( القلم )
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }
قوله عز وجل:{ن وَالْقَلَمِ...}.
تخفى النون الآخرة، وتظهرها، وإظهارها أعجب إلىّ؛ لأنها هجاء، والهجاء كالموقوف عليه وإن اتصل، ومن أخفاها بنى على الاتصال. وقد قرأت القراء بالوجهين؛ كان الأعمش وحمزة يبينانها، وبعضهم يترك التبيان.
{ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ }
وقوله: {وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ...}.
مقطوع، والعرب تقول: ضعُفت مُنتى عن السفر، ويقال للضّعيف: المنينُ، وهذا من ذلك، والله أعلم.
{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }
وقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ...} أى: دين عظيم.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
{ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ }
وقوله: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ...} {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ...}.
المفتون ها هنا بمعنى: الجنون: هو فى مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأى، وإن شئت جعلته بأيكم: فى أيكم أى: فى أى الفريقين المجنون، فهو حينئذ اسم ليس بمصدر.
{ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }
وقوله: {وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ...}.
يقال: ودوا لو تلينُ فى دينك، فيلينون فى دينهم، وقال بعضهم: لو تفكر فيكفرون، أى: فيتبعونك على الكفر.
{ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ }
وقوله: {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ...}. المهين، ها هنا: الفاجر. والهماز: الذي يهمز الناس.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
{ هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ }
وقوله: {مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ...} نميم ونميمة من كلام العرب.
{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ }
وقوله: {عُتُلٍّ...}.
فى هذا الموضع هو الشديد الخصومة بالباطل، والزنيم: الملصق بالقوم، وليس منهم وهو: المدعى.
{ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ }
وقوله: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ...}.
قرأها الحسن البصرى وأبو جعفر المدنى بالاستفهام "أ أن كان"، وبعضهم. "أن كان" بألف واحدة بغير استفهام، وهى فى قراءة عبدالله: ولا تُطِعْ كلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ أن كان: لا تطعه أَنْ كان ـ لأِنْ كان ذا مالٍ.
ومن قرأ: أ أن كان ذا مال وبنين، فإِنه وبّخه: ألأَِنْ كان ذا مالٍ وبنين تطيعه؟ وإن شئت قلت: ألأَِن كان ذا مالٍ وبنين، إذا تليت عليه آياتنا قال: أساطير الأولين. وكلٌّ حسن.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ }
وقوله: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ...}.
أى: سنسمه سِمَة أهل النار، أى سنسوّد وجهه، فهو وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة فإِنه فى مذهب الوجه؛ لأن بعض الوجه يؤدّى عن بعض.
والعرب تقول: أما والله لأسمنّك وسماً لا يفارقك. تريد : الأنفَ، وأنشدنى بعضهم:
لأعْلِطَنَّكَ وسْماً لا يفارقه * كما يُحَزّ بِحُمىَّ المِيسمِ البَحرُ
فقال: الميسم ولم يذكر الأنف، لأنه موضع السمة، والبحر: البعير إذا أصابه البَحَر، هو داء يأخذ البعير فيوسم لذلك.
{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ }
وقوله: {بَلَوْنَاهُمْ...}.
بلونا أهل مكة كما بلونا أصحاب الجنة، وهم قوم من أهل اليمن كان لرجل منهم زرع، ونخل، وكرم، وكان يترك للمساكين من زرعه ما أخطأه المنجل، ومن النخل ما سقط على البسط، ومن الكرم ما أخطأه القطاف. كان ذلك يرتفع إلى شىء كثير، ويعيش فيه اليتامى والأرامل والمساكين فمات الرجل، وله بنون ثلاثة؛ فقالوا: كان أبونا يفعل ذلك، والمال كثير، والعيال قليل، فأمّا إِذ كثر العيال، وقلّ المال فإنا ندع ذلك، ثم تآمروا أن يصرموا فى سَدَف: فى ظلمة ـ باقية من الليل لئلا يبقى للمساكين شىء، فسلط الله على ما لهم نارا فأحرقته، فغَدوا على ما لهم ليصرموه، فلم يروا شيئا إلا سوادا؛ فقالوا: "إنا لضالُّون"، ما هذا بمالنا، ثم قال بعضهم: بل هو مالنا حرمناه بما صنعنا بالأرامل والمساكين، وكانوا قد أقسموا ليصرمنها أول الصباح، ولم يستثنوا: لم يقولوا: إن شاء الله، فقال أخ لهم أوسطهم، أعدلهم قولا: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحون؟ فالتسبيح ها هنا فى معنى الاستثناء، وهو كَقوله: {واذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}.
{ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ }
وقوله: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ...}.
لا يكون الطائف إِلاَّ ليلا، ولا يكون نهاراً، وقد تكلم به العرب، فيقولون: أطفت به نهاراً وليس موضعه بالنهار، ولكنه بمنزلة قولك: لو ترك القطا ليلا لنام؛ لأنَّ القطا لا يسرى ليلا، قال أنشدنى أبو الجراح العقيلى:
أطفت بها نهاراً غير ليلٍ * وألهى ربَّها طلبُ الرّخال
والرَّخِل: ولد الضأن إذا كان أنثى.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
{ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ }
وقوله: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ...}. كالليل المسود.
{ فَانطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ }
وقوله: {فَانطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ...} {أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ...}.
وفى قراءة عبدالله: "لا يدخلنها"، بغير أن، لأنّ التخافت قول، والقول حكاية، فإذا لم يظهر القول جازت "أن" وسقوطها، كما قال الله: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن} ولم يقل: أنّ للذّكر، ولو كان كان صوابا.
{ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ }
وقوله: {وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ...}.
على جدٍّ وقدرة فى أنفسهم [/ب] والحرد أيضاً: القصد، كما يقول الرجل للرجل: قد أقبلت قِبلك، وقصدت قصدك، وحَرَدْتُ حَردك، وأَنشدنى بعضهم:
وجاء سيلٌ كان من أمر الله * يحرِد حَرْدَ الجنة المُغِلَّهْ
يريد: يقصد قصدها.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ }
وقوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ...}.
يقول بعضهم لبعض: أنت الذى دللتنا، وأشرت علينا بما فعلنا. ويقول الآخر: بل أنت فعلت ذلك، فذلك تلاومهم.
{ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ }
وقوله: {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ...}.
القراء على رفع "بالغة" إلاّ الحسن، فإنه نصبها على مذهب المصدر، كقولك: حقاً، والبالغُ فى مذهب الحق يقال: جيِّد بالغ، كأنه قال: جيّد حقا قد بلغ حقيقة الجودة، وهو مذهب جيد وقرأه العوام، أن تكون البالغة من نعت الأيمان أحب إلىّ، كقولك ينتهى بكم إلى يوم القيامة أيمان علينا بأنَّ لكم ما تحكمون، فلما كانت اللام فى جواب إِنّ كسرتها، ويقال: أئن لكم ما تحكمون بالاستفهام، وهو على ذلك المعنى بمنزلة قوله: {أئذا كُنا تراباً} {أئنا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحافِرَة}.
{ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ }
وقوله: {سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ...}.
يريد: كفيل، ويقال له: الحميل؛ والقبيل، والصبير، والزعيم فى كلام العرب: الضامن والمتكلم عنهم، والقائم يأمرهم:
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ }
وقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ...}.
وفى قراءة عبدالله: "أم لهم شرك فليأتوا بشركهم". والشّرك، والشركاء فى معنى واحد، تقول: فى هذا الأمر شِرْك، وفيه شركاء.
{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ }
وقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ...}.
القراء مجتمعون على رفع الياء [حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى سفيان عن عمرو ابن دينار عن ابن عباس أنه قرأ "يوم تكشف عن ساق"، يريد: القيامة والساعة لشدتها قال: وأنشدنى بعض العرب لجد أبى طرفة.
كشفَتْ لهم عن ساقها * وبدا من الشرِّ البراحُ
{ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَاذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ }
وقوله: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَاذَا الْحَدِيثِ...}.
معنى فذرنى ومن يكذب أى: كِلْهم إِلىّ، وأنت تقول للرجل: لو تركتك ورأيك ما أفلحت،: أى: لو وكلتك إلى رأيك لم تفلح، وكذلك قوله: {ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وحِيداً}، و (من) فى موضع نصب، فإذا قلت: قد تُرِكتَ ورأيَك، وخُليت ورأيك نصبت الرأى؛ لأن المعنى: لو ترِكتَ إلى رأيك، فتنصب الثانى لحسن هذا المعنى فيه، ولأنّ الإسم قبله متصل بفعل.
فإذا قالت العرب: لو تركت أنت ورأيُكَ، رفعوا بقوة: أنت، إذ ظهرت غير متصلة بالفعل. وكذلك يقولون: لو ترك عبدالله والأسدُ لأكله، فإِن كنّوا عن عبدالله، فقالوا: لو ترك والأسدَ أكله، نصبوا؛ لأن الإسم لم يظهر، فإن قالوا: لو ترك هو والأسد، آثروا الرفع فى الأسد، ويجوز فى هذا ما يجوز فى هذا إلا أن كلام [/ا] العرب على ما أنبأتك به إلا قولَهم: قد ترك بعضُ القوم وبعض، يؤثرون فى هذا الإتباعَ؛ لأن بعضَ وبعضٌ لما اتفقتا فى المعنى والتسمية أختير فيهما الإتباع والنصب فى الثانية غير ممتنع.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
{ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ }
وقوله: {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ...}.
يقول: أعندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه، ويجادلونك بذلك.
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ }
وقوله: {وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ...}.
كيونس صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تضجر بهم؛ كما ضجر يونس حتى هرب من أصحابه؛ فألقى نفسه فى البحر؛ حتى التقمه الحوت.
{ لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }
وقوله: {لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ...}.
حين نبذ ـ وهو مذموم، ولكنه نبد عير مذموم، {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ...}.
وفى قراءة عبدالله: "لولا أن تداركته"، وذلك مثل قوله: {وَأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} {وأخذت} فى موضع آخر؛ لأن النعمة اسم مؤنث مشتق من فعل، ولك فى فعله إذا تقدم التذكير والتأنيث.
وقوله: {لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ...}. العراء الأرض.
[حدثنا محمد بن الجهم قال: حدثنا الفراء].
{ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ }
وقوله: {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ...}.
يقول: أعندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه، ويجادلونك بذلك.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القلم )
{ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }
وقوله: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ...}.
قرأها عاصم والأعمش: (ليُزلِقونك) بضم الياء، من أزلقتُ، وقرأها أهل المدينة: (ليَزلقونك) بفتح الياء من زَلَقْتُ، والعرب تقول للذى يحلق الرأس: قد زلقه وأزلقه. وقرأها ابن عباس: "ليُزْهقونك بأبصارهم" حدثنا محمد قال: سمعت الفراء قال: حدثنا بذلك سفيان بن عيينة عن رجل ابن عباس، وهى فى قراءة عبدالله بن مسعود كذلك بالهاء: "ليزهقونك"، أى: ليلقونك بأبصارهم؛ وذلك أن العرب كان أحدهم إذا أراد أن يعتان المال، أى: يصيبه بالعين تجوّع ثلاثاً، ثم يتعرض لذلك المال فيقول: تالله مالا أكثر ولا أحسن [يعنى ما رأيت أكثر] فتسقط منه الأباعر، فأرادوا برسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلم مثل ذلك فقالوا: ما رأينا مثل حججه، ونظروا إليه ليعينوه، فقالوا: ما رأينا مثله، وإنه لمجنون، فقال الله عز وجل: {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ...}. ويقال: (وإن كادوا ليزلقونك) أى: ليرمون بك عن موضعك، ويزيلونك عنه بأبصارهم، كما تقول: كاد يصرعنى بشدة نظره، وهو بيِّن من كلام العرب كثير، كما تقول: أزهقت السهم فرهَق.
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ }
وقوله: {وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ...}.
كيونس صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تضجر بهم؛ كما ضجر يونس حتى هرب من أصحابه؛ فألقى نفسه فى البحر؛ حتى التقمه الحوت.
{ لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }
وقوله: {لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ...}.
حين نبذ ـ وهو مذموم، ولكنه نبد عير مذموم، {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ...}.
وفى قراءة عبدالله: "لولا أن تداركته"، وذلك مثل قوله: {وَأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} {وأخذت} فى موضع آخر؛ لأن النعمة اسم مؤنث مشتق من فعل، ولك فى فعله إذا تقدم التذكير والتأنيث.
وقوله: {لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ...}. العراء الأرض.
[حدثنا محمد بن الجهم قال: حدثنا الفراء].
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الحاقة )
{ الْحَاقَّةُ * مَا الْحَآقَّةُ }
قوله عز وجل: {الْحَاقَّةُ... مَا الْحَآقَّةُ...}.
والحاقة [/ب]: القيامة، سميت بذلك لأن فيها الثواب والجزاء، والعرب تقول: لما عرفت الحقة منى هربت، والحاقة. وهما فى معنى واحد.
وَالحاقة: مرفوعة بما تعجبت منه من ذكرها، كقولك: الحاقة ماهى؟ والثانية: راجعة على الأولى. وكذلك قوله: {وأصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أصْحَابُ الْيَمِين} و {القارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} معناه: أى شىء القارعة؟ فما فى موضع رفع بالقارعة الثانية، والأولى مرفوعة بجملتها، والقارعة: القيامة أيضاً.
{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ }
وقوله: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً...}.
والحسوم: التِّباع إذا تتابع الشىء فلم ينقطع أوله عن آخره، قيل فيه: حسوم، وإنما أُخذ ـ والله أعلم ـ من حسم الداء إذا كُوى صاحبُه؛ لأنه يكوى بمكواةٍ، ثم يتابع ذلك عليه.
{ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ }
وقوله: {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ...}. من بقاءٍ، ويقال: هل ترى منهم باقياً؟، وكل ذلك فى العربية جائز حسن.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحاقة )
{ وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ }
وقوله: {وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ...}.
قرأها عاصم والأعمش وأهل المدينة: (ومن قَبله)، وقرأ طلحة بن مصرِّف والحسن، أو أبو عبدالرحمن ـ شكّ الفراء ـ : (ومن قِبَلهُ)، بكسر القاف. وهى فى قراءة أبىّ: (وجاءَ فِرْعَوْنُ ومَن مَعَه)، وفى قراءة أبى موسى الأشعرى: "ومن تِلْقَاءَه" ، وهما شاهدان لمن كسر القاف؛ لأنهما كقولك: جاء فرعون وأصحابه. ومن قال: ومن قَبْلَهُ: أراد الأمم العاصين قبله.
وقوله: {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ...}.
الذين ائتفكوا بخطئهم.
{ فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً }
وقوله: {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً...}.
أخذة زائدة، كما تقول: أربيتَ إذا أخذ أكثر مما أعطاه من الذهب والفضة، فتقول: قد أربيت فَرَبا رِباك.
{ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }
وقوله: {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً...} لنجعل السفينة لكم تذكرة: عظة.
وقوله: {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ...}.
يقول: لتحفظها كل أذن؛ لتكون عظة لمن يأتى بعد.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحاقة )
{ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً }
وقوله: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا...}
ولم يقلْ: فدككن؛ لأنه جعل الجبال كالواحد وكما قال: {أنّ السَّمَاواتِ والأَرْضَ كانَتَا رَتْقاً} ولم يقل: كنّ رتقا، ولو قيل فى ذلك: وحملت الأرض والجبال فدكَّت لكان صوابا؛ لأن الجبال والأرض كالشىء الواحد.
وقوله: {دَكَّةً وَاحِدَةً...}.
ودكُّها: زلزلتها.
{ وَانشَقَّتِ السَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ }
وقوله: {وَانشَقَّتِ السَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ...} وَهْيُهَا: تشققها.
{ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }
وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ...} يقال: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحاقة )
{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ }
وقوله: {لاَ يخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ...}.
قرأها يحيى بن وثاب بالياء، وقرأها الناس بعد ـ بالتاء ـ (لا تخفى)، وكلٌّ صواب، وهو مثل قوله: {وأَخذَ الذينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ}. وأخذت.
{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ }
وقوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ...}.
نزلت فى أبى سلمة بن عبد الأسد، كان مؤمنا، وكان أخوه الأسود كافرا، فنزل فيه: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ...}.
{ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ }
وقوله: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ...} أى: علمت، وهو مِن علم مالا يعابَن، وقد فسِّر ذلك فى غير موضع.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحاقة )
{ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ }
وقوله: {فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ...}
فيها الرضاء، والعرب [/ا] تقول: هذا ليل نائم، وسر كاتم، وماء دافق، فيجعلونه فاعلا، وهو مفعول فى الأصل، وذلك: أنهم يريدون وجه المدح أو الذم، فيقولون ذلك لا على بناء الفعل، ولو كان فعلا مصرحا لم يُقَل ذلك فيه، لأنه لا يجوز أن تقول للضارب: مضروب، ولا للمضروب: ضارب؛ لأنه لا مدح فيه ولا ذم.
{ يالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ }
وقوله: {يالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ...}.
يقول: ليت الموتة الأولى التى منها لم أحىَ بعدها.
{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ }
وقوله: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ...}.
ذكر أنها تدخل فى دبر الكافر، فتخرج من رأسه، فذلك سَلْكُه فيها. والمعنى:
ثم اسلكوا فيه سلسلة، ولكن العرب تقول: أدخلت رأسى فى القلنسوة، وأدخلتها فى رأسى، والخاتَم يقال: الخاتم لا يدخل فى يدى، واليد هى التى فيه تدخل من قول الفراء.
قال أبو عبدالله [محمد بن الجهم]: والخف مثل ذلك، فاستجازوا ذلك؛ لأن معناه لا يُشكل على أحد، فاستخفوا من ذلك ما جرى على ألسنتهم.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الحاقة )
{ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ }
وقوله: {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ...} يقال: إنه ما يسيل من صديد أهل النار.
{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ }
وقوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ...} يقول: لو أن محمدا صلى الله عليه تقوّل علينا ما لم يؤمر به {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ...}، بالقوة والقدرة.
{ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ }
وقوله: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ...}.
أحد يكون للجميع وللواحد، وذكر الأعمش فى حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه
قال: (ألم تَحل الغنائم لأحد سُودِ الرءوس إلاّ لنبيكم صلى الله عليه وسلم)، فجعل: أحداً فى موضع جمع. وقال الله جل وعز: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} فهذا جمع؛ لأنّ بين ـ لا يقع إلاّ على اثنين فما زاد.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( المعارج )
{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ }
قوله: {سَأَلَ سَآئِلٌ...}.
دعا داعٍ بعذاب واقع، وهو: النضر [بن الحارث] بن كَلدةَ، قال: اللهم إن كان ما يقول محمد هو الحق من عندك فأمطرْ علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فأُسر يوم بدر، فقتل صبرا هو وعقبة.
وقوله: {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ...}.
يريد: للكافرين، والواقع من نعت العذاب. واللام التى فى الكافرين دخلت للعذاب لا للواقع.
{ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ }
وقوله: {ذِي الْمَعَارِجِ...}.
من صفة الله عز وجل؛ لأن الملائكة تعرُج إلى الله عز وجل، فوصف نفسه بذلك.
{ تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }
وقوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ...}.
يقول: لو صعد غير الملائكة لصعدوا فى قدر خسمين ألف سنة، وأما (يعرج)، فالقراء مجتمعون على التاء، وذكر بعض المشيخه عن زهير عن أبى إسحق الهمدانى قال: قرأ عبدالله "يعرج" بالياء وقال الأعمش: ما سمعت أحداً يقرؤها إلا بالتاء. وكلٌّ صواب.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المعارج )
{ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً }
وقوله: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً...}.
يريد: البعث، ونراه نحن قريباً؛ لأن كلّ ما هو آت: قريب.
{ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً }
وقوله: {ولا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً...}.
لا يَسْأَل ذو قرابة عن قرابته، ولكنهم يُعَرَّفُونهم [بالبناء للمجهول] ساعة، ثم لا تعارف بعد تلك الساعة، وقد قرأ بعضهم: (ولا يُسْأَلُ حَميمٌ حَمِيماً) لا يقال لحميم: أين حميمك؟ ولست أشتهى ذلك؛ لأنه مخالف للتفسير، ولأن القراء مجتمعون على (يَسأَل).
{ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ }
وقوله: {وَفَصِيلَتِهِ...} هى أصغر آبائه الذى إليه ينتمى.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المعارج )
{ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى }
وقوله: {ثُمَّ يُنجِيهِ...} أى: ينجيه الافتداء من عذاب الله.
قال الله عز وجل: {كَلاَّ} أى: لا ينجيه ذلك، ثم ابتدأ، فقال: {إِنَّهَا لَظَى...} ولظى: اسم من أسماء جهنم؛ فلذلك لم يُجِرْه.
{ نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى }
وقوله: {نَزَّاعَةٌ لِّلشَّوَى...}.
مرفوع على قولك: إنها لظى، إنها نزاعة للشوى، وإن شئت جعلت الهاء عمادا، فرفعت لظى بنزاعة، ونزّاعة بلظى؛ كما تقول فى الكلام: إِنَّه جاريتُك فارهة، وإنها جاريتُك فارهة. والهاء فى الوجهين عماد. والشَّوَى: اليدان، والرجلان، وجلدة الرأس يقال لها: شواة، وما كان غير مقتَل فهو شوًى.
{ تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى }
وقوله: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى...}.
تقول للكافر: يا كافر إلىّ، يا منافق إلىّ، فتدعو كل واحد باسمه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المعارج )
{ وَجَمَعَ فَأَوْعَى }
وقوله: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى...}.
يقول: جمع فأوعى، جعله فى وعاء، فلم يؤد منه زكاة، ولم يصل رحما.
{ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ }
وقوله: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً...}.
والهلوع: الضجور وصفته كما قال الله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً...} {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً...} فهذه صفة الهلوع، ويقال منه: هلِع يهلَع هلَعاً مثل: جزِع يجزَع جزعا، ثم قال: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ...} فاستثنى المصلين من الإنسان، لأن الإنسان فى مذهب جمع، كما قال الله جل وعز: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا}.
{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ }
وقوله: {حَقٌّ مَعْلُومٌ...}.
الزكاة؛ وقال بعضهم: لا، بل سوى الزكاة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المعارج )
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }
وقوله: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ...}.
يقول القائل: هل يجوز فى الكلام أن تقول: مررت بالقوم إِلاَّ بزيد، تريد: إلاَّ أنى لم أمرر بزيد؟ قلت: لا يجوز هذا، والذى فى كتاب الله صواب جيد؛ لأن أول الكلام فيه كالنهى إذ ذُكِر: {والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون...} يقول: فلا يلامون إلاّ على غير أزواجهم، فجرى الكلام على ملومين التى فى آخره. ومثله أن تقول للرجل: اصنع ما شئت إلا [على] قتل النفس، فإنك معذب، أو فى قتل النفس، فمعناه إلا أنك معذب فى قتل النفس.
{ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ }
وقوله: {وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ...}.
والعزون: الحلق، الجماعات كانوا يجتمعون حول النبى صلى الله عليه فيقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة ـ كما يقول محمد صلى الله عليه ـ لندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل الله: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ...}.
قرأ الناس: "أن يُدخَل" لا يسمّى فاعُله [/ا] وقرأ الحسن: "أن يَدخُلَ"، جعل له الفعل، ثم بيّن الله عز وجل فقال: ولم يحتقرونهم، وقد خَلَقْنَاهم جميعاً "مما يعلمون" من تراب.
{ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ }
وقوله: {إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ...}. الإيفاض: الإِسراع. وقال الشاعر:
لأنْعتنْ نعامةً ميفاضا * خَرْجاءَ ظلت تطلبُ الإضاضَا
قال: الخرجاء فى اللون، فإذا رُقِّعَ القميص الأبيض برقعةٍ حمراء فهو أخرج، تطلب الإضاضا: أى تطلب موضعا تدخل فيه، وتلجأ إليه. قرأ الأعمش وعاصم: "إلى نَصْبٍ" إلى شىء منصوب يستبقون إِليه، وقرأ زيد بن ثابت: "إلى نُصُب يوفضون" فكأنّ النُّصبَ الآلهة التى كانت تعبد [من دون الله]، وكلٌّ صواب، وهو واحد، والجمع: أنصاب.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( نوح )
{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قوله عز وجل: {أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ...}.
أى: أرسلناه بالإنذار. (أن): فى موضع نصب؛ لأنك أسقطت منها الخافض. ولو كانت إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أنذر قومك ـ بغير أن؛ لأن الإرسال قول فى الأصل، وهى، فى قراءة عبدالله كذلك بغير أن.
{ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
وقوله: {وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى...}.
سمّى عندكم تعرفونه لا يميتكم غرقا ولا حرقا ولا قتلا، وليس فى هذا حجة لأهل القدر لأنه إنما أراد مسمّى عندكم، ومثله: {وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عليه} عندكم فى معرفتكم.
وقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ...}.
من قد تكون لجميع ما وقعت عليه، ولبعضه. فأما البعض فقولك: اشتريت من عبيدك، وأما الجميع فقولك: رَوِيت من مائك، فإذا كانت فى موضع جمع فكأنّ مِنْ: عن؛ كما تقول: اشتكيت من ماء شربته، وعن ماء شربته كأنه فى الكلام: يغفر لكم عن أذنابكم، ومن أذنابكم.
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً }
وقوله: {لَيْلاً وَنَهَاراً...}.
أى: دعوتهم بكل جهة سرًّا وعلانية.
المعاني الواردة في آيات سورة ( نوح )
{ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً }
وقوله: {وَأَصَرُّواْ...}.
أى: سكتوا على شركهم، {وَاسْتَكْبَرُواْ...} عن الإيمان.
{ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }
وقوله: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ...}.
كانت السنون الشدائد قد ألحّت عليهم، وذهبت بأموالهم لانقطاع المطر عنهم، وانقطع الولد من نسائهم، فقال: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}.
{ مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً }
وقوله: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً...}. أى: لا تخافون لله عظمة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( نوح )
{ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً }
وقوله: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً...}.
نطفةً، ثم علقةً، ثم مضغةً، ثم عظماً.
{ أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً }
وقوله: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً...}.
إن شئت نصبت الطباق [/ب] على الفعل أى: خلقهن مطابِقاتٍ، وإن شئت جعلته من نعت السّبع لا على الفعل، ولو كان سبع سمواتٍ طباقٍ بالخفض كان وجهاً جيداً كما تقرأ: "ثِيابُ سُنْدسٍ خُضْرٍ"، و "خضرٌ".
{ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً }
وقوله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً...}.
ذكر: أن الشمس يضىء ظهرُها لما يليها من السموات، ووجهها يضىء لأهل الأرض. وكذلك القمر، والمعنى: جعلَ الشمس والقمر نوراً فى السماوات والأرض.
المعاني الواردة في آيات سورة ( نوح )
{ لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً * قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً }
وقوله: {سُبُلاً فِجَاجاً...}.
طرقاً، واحدها: فج، وهى الطرق الواسعة.
[حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد] حدثنا الفراء قال: حدثنى هشيم عن مغيرة عن إِبراهيم أنه قرأ: {مَالُهُ وَوَلَدُهُ...}.
{ وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً }
وقوله: {وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً...}.
الكُبَّار: الكبير، والعرب تقول كُباَر.
ويقولون: رجل حُسَّان جُمَّال بالتشديد. وحُسَان جُمَال بالتخفيف فى كثير من أشباهه.
{ وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً }
وقوله: {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً...}.
هذه آلهة كان إبليس جعلها لهم. وقد اختلف القراء فى وَدَّ، فقرأَ أهل المدينة: (وُدًّا) بالضم، وقرأ الأعمش وعاصم: (وَدًّا) بالفتح.
ولم يجروا: (يَغُوثَ، ويَعُوقَ)؛ لأن فيها ياء زائدة. وما كان من الاسماء معرفة فيه ياء أو تاء أو ألف فلا يُجرى. من ذلك: يَملِك، ويزيد، ويعمَر، وتغلب، وأحمد. هذه لا تُجرى لما زاد فيه. ولو أجريت لكثرة التسمية كان صوابا، ولو أجريت أيضا كأنه يُنْوىَ به النكرةُ كان أيضا صوابا.
وهى فى قراءة عبدالله: "ولا تَذَرُنَّ وَدَّا ولا سُواعاً ويَغوثاً ويَعَوقاً ونَسْراً" بالألف، {وقَدْ أَضَلُّوا كثيرا} يقول: هذه الأصنام قد ضّل بها قوم كثير. ولو قيل: وقد أضلّت كثيرا، أو أضللن: كان صوابا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( نوح )
{ مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً }
وقوله: {مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ...}.
العرب تجعل (ما) صلة فيما ينوى به مذهب الجزاء، كأنك قلت: إن خطيئاتهم ما أغرقوا وكذلك رأيتُها فى مصحف عبدالله، فتأخرها دليل على مذهب الجزاء، ومثلها فى مصحف عبدالله: {أىَّ الأجَلَيْنِ ما قضيتُ فلا عُدْوانَ عَلَىّ} ألا ترى أنك تقول: حيثما تكن أكن، ومهما تقل أقلْ. ومن ذلك: {أَيًّا مَّا تَدْعُو فَلَه الأَسْماءُ الحسنى} وصل الجزاء بما، فإذا كان استفهاماً لمْ يصلوه بما؛ يقولون: كيف تصنع؟ وأين تذهب؟ إذا كان استفهاماً لم يوصل بما، وإذا كان جزاء وُصِل وتُرِك الوصل.
{ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }
وقَوله: {دَيَّاراً...}.
وهو من دُرت، ولكنه فيْعال من الدوران، كما قرأ عمر بن الخطاب {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيّامُ}، وهو مِن قمتُ.
{ رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً }
وقوله: {إِلاَّ تَبَاراً...}: ضلالا.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الجن )
{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً }
قوله: عز وجل: {قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ...}.
القراء مجتمعون [/ا] على (أُوحِىَ) وقرأها جُوَيّة الأسدى: "قُلْ أُحِىَ إِلَىَّ" من وحيتُ، فهمز الواو؛ لأنها انضمت كما قال: {وإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}.
وقوله: {اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ...}.
ذكر: أن الشياطين لما رُجمت وحُرِست منها السماء قال إبليس: هذا نبىٌّ قد حدث، فبث جنوده فى الآفاق، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكة، فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخلة قائماً يصلى ويتلو القرآن، فأعجبهم ورقّوا له، وأسلموا، فكان من قولهم ما قد قصّه الله فى هذه السورة.
وقد اجتمع القراء على كسر"إِنا" فى قوله: {فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}، واختلفوا فيما بعد ذلك، فقرءوا: وإنّا، وأَنَّا إلى آخر السورة، وكسروا بعضاً، وفتحوا بعضاً.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال]: حدثنا الفراءُ قال: فحدثنى الحسن بن عياش أخو أبى بكر بن عياش، وقيس عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن قيس أنه قرأ ما في الجنِّ، والنجم: (وأنا)، بالفتح. قال الفراءُ: وكان يحيى وإبراهيم وأصحاب عبدالله كذلك يقرءون. وفتح نافع المدنى، وكسر الحسن ومجاهد، وأكثر أهل المدينة إلا أنهم نصبوا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ}
[حدثنا محمد قال:] حدثنا الفراء قال: وحدثنى حِبَّان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: أُوحى إِلى النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد اقتصاص أمر الجن: {وَأنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلاَ تَدْعُواْ} .
وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن، ويفتح ما كان من الوحى. فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا "أنَّ" فى كل سورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحت "أن" لوقوع الإيمان عليها، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن فى بعض ما فتح، ويقبح فى بعض، ولا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإن الذى يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنَّ كما قالت العرب.
إذا ما الغانيات بَرَزْنَ يوماً * وزَجّجن الحَواجبَ والعُيونا
فنصب العيون باتباعها الحواجب، وهى لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل، وكذلك يضمر فى الموضع الذى لا يحسن فيه آمنَّا، ويحسن: صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوّى النصب قوله: {وَأَنْ لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} .
فينبغى لمن كسر أن يحذف (أنْ) من (لو)؛ لأنّ (أنْ) إذا خففت لم تكن فى حكايةٍ، ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلتَ لفعلتُ، ولا تدخِل (أنْ).
وأمَّا الذين كسروا كلها فهم فى ذلك يقولون: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا} فكأنهم أضمروا يميناً مع لو، وَقطعوها عن النسق على أول الكلام، فقالوا: والله أن لو استقاموا. وَالعرب تدخل أن فى هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر:
فأقسمُ لو شىء أتانا رسُوله * سواك، ولكن لم نجدْ لكَ مدفَعا
وأنشدنى آخر:
أمَا واللهِ أنْ لو كُنتَ حُرًّا * وما بِالحرِّ أنتَ ولا العتيقِ
ومن كسر كلها ونصب: {وأن المساجد لله} خصَّه بالوحى، وجعل: وأنْ لو مضمرة فيها اليمين على ما وصفت لك.
{ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً }
وقوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا...}.
[حدثنا أبو العباس قال:] حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو إسرائيل عن الحكم عن مجاهد فى قوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} قال: جلالْ ربنا.
{ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً }
وقوله جل وعز: {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً...}.
الظن ها هنا: شك.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الجن )
{ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً }
وقوله عز وجل: {فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ...}. إذ بعث محمد صلى الله عليه يجد له شهاباً رصداً قد أرصد به له ليرجمه.
{ وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً }
وقوله عز وجل: {وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ...}.
هذا من قول كفرةِ الجن قالوا: ما ندرى ألخير يراد بهم فُعِل هذا أم لشر؟ يعنى: رجم الشياطين بالكواكب.
{ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً }
وقوله عز وجل: {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً...}.
كنا فرقا مختلفةً أهواؤنا، والطريقة طريقة الرجُل، ويقال أيضا [/ا] للقوم هم طريقة قومهم إذا كانوا رؤساءهم، والواحد أيضا: طريقة قومه، وكذلك يقال للواحد: هذا نظورةُ قومه للذين ينظرون إليه منهم، وبعض العرب يقول: نظيرة قومه، ويجمعان جيمعا: نظائر.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الجن )
{ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً }
وقوله تبارك وتعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ...}.
على اليقين علمنا.
وقد قرأ بعض القراء: "أن لن تَقوَّل الإنسُ والجنُّ" ولست أسميه.
{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً }
وقوله عز وجل: {فَلاَ يَخَافُ بَخْساً ...} لا يُنْقَص من ثواب عمله {وَلاَ رَهَقاً...}.
ولا ظلماً.
{ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَائِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً }
وقوله عز وجل: {وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ...} وهم: الجائرون الكفار، والمقسطون: العادلون المسلمون
وقوله عز وجل: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَائِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً...}.
يقول: أمّوا الهدى واتبعوه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الجن )
{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً }
وقوله عز وجل: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ...}: على طريقة الكفر {لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً} يكون زيادة فى أموالهم ومواشيهم، ومثلها قوله: {ولَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ} يقول: تفعل ذلك بهم ليكون فتنة عليهم فى الدنيا، وزيادة فى عذاب الآخرة.
{ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }
وقوله عز وجل: {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً...}.
نزلت فى وليد بن المغيرة المخزومى، وذكروا أن الصَّعَدَ: صخرة ملساء فى جهنم يكلَّف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حَدَر إلى جهنم، فكان ذلك دأبَه، ومثلها فى سورة المدثر: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً}.
{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً }
وقوله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ...}.
فلا تشركوا فيها صنما ولا شيئا مما يعبد، ويقال: هذه المساجد، ويقال: وأن المساجد لله، يريد: مساجدَ الرجلِ: ما يسحد عليه من: جبهته، ويديه، وركبتيه، وصدور قدميه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الجن )
{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }
وقوله عز وجل: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ...}.
يريد: النبى صلى الله عليه ليلة أتاه الجن ببطن نخلة. {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً...} كادوا يركبون النبى صلى الله عليه رغبةً فى القرآن، وشهوة له.
وقرأ بعضهم: "لُبُدا" والمعنى فيهما - والله أعلم - واحد، يقال: لُبدَةٌ، ولِبدة.
ومن قرأ: "لُبَّداً" فإنه أراد أن يجعلها من صفة الرجال، كقولك: رُكّعاً، وركوعا، وسجَّدا، وسجودا.
{ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً }
وقوله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي...}
قرأ الأعمش وعاصم: "قُلْ إنما أدعُو ربِّى" وقرأ عامة أهل المدينة كذلك، وبعضهم: (قال)، وبعضهم: (قل).
[حدثنا أبو العباس قال:] حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: وحدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبى عبدالرحمن السُّلَمى، عن على بن أبى طالب ـ رحمه الله ـ أنه قرأها: (قال إنما أَدْعُو رَبِّى).
اجتمع القراء على: {لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً...} بنصب الضاد، ولم يرفع أحد منهم.
{ قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً }
وقوله عز وجل: {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً...}
ملجأ ولا سرباً ألجأ إليه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الجن )
{ إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً }
وقوله عز وجل: {إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ...}.
يكون استثناء من قوله: "لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا أن أبلغكم ما أرسلت به".
وفيها وجه آخر: قل إنى لن يجيرنى من الله أحد إنْ لم أبلغ رسالته، فيكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاءِ كقولك للرجل: إِلا قياماً فقعودا، وإلا عطاء فردا جميلا. أى إلا تفعل إلا عطاء فردا جميلا فتكون لا منفصلة من إِن ـ وهو وجه حسن، والعرب تقول: إِن لا مال اليوم فلا مال أبدا ـ يجعلون (لا) على وجه التبرئة، ويرفعون أيضا على ذلك المعنى، ومن نصب بالنون فعلى إِضمار فعل، أنشدنى بعض العرب:
فإن لا مَال أعطيه فإنى * صديق من غُدو أو رَواح
{ إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }
وقوله عز وجل: {إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ...}.
فإنه يطلعه على [/ا] غيبه.
وقوله عز وجل: {يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً...}.
ذكروا أن جبريل ـ صلى الله عليه ـ كان إذا نزل بالرسالة إلى النبى صلى الله عليه نزلت معه ملائكة من كل سماء يحفظونه من استماع الجن الوحىَ ليسترقوه، فيلقوه إلى كهنتهم، فيسبقوا به النبى صلى الله عليه، فذلك الرَّصَد من بين يديه ومن خلفه، ثم قال جل وعز: {لِّيَعْلَمَ...} يعنى محمداً صلى الله عليه: {أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ ...} يعنى جبريل صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: هو محمد صلى الله عليه، أى: يعلم محمد أنه قد أبلغ رسالة ربه.
وقد قرأ بعضهم: "لِيُعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا" يريد: لتعلم الجنّ والإنس أن الرسلَ قد أبلغت لاهم بما رجوا من استراق السمع.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( المزمل )
{ ياأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً }
اجتمع القراء على تشديد: المُزَّمِّل، والمُدَّثِّر، والمزمّل: الذى قد تزمّل بثيابه، وتهيأ للصلاة، وهو رسول الله صلى الله عليه.
وقوله عز وجل: {قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً...}.
يريد: الثلث الآخِر، ثم قال: {نِّصْفَهُ...}.
والمعنى: أو نصفه، ثم رخص له فقال: {أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً...} من النصف إلى الثلث أو زد على النصفِ إلى الثلثين، وَكان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس، فلما فرضت الصلاة نسخَتْ هذا، كما نَسخَت الزكاةُ كلَّ صدقة، وشهر رمضان كلَّ صوم.
{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }
وقوله عز وَجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً...}.
يقول: اقرأه على هِينتك ترسلا.
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً }
وقوله عز وجل: {سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً...}.
أى: ليس بالخفيف ولا السَّفْساف؛ لأنه كلام ربنا تبارك وتعالى.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المزمل )
{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً }
وقوله عز وجل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً...}.
يقول: هى أثبت قياما. {وَأَقْوَمُ قِيلاً...} يقول: إن النهار يضطرب فيه الناس، ويتقلبون فيه للمعاش، والليل أخلى للقلب، فجعله أقوم قيلا.
وقال بعضهم. إن ناشئة الليل هى أشد على المصلى من صلاة النهار؛ لأن الليل للنوم، فقال: هى، وإن كانت أشد وطئا فهى أقوم قيلا، وقد اجتمع القراء على نصب الواو من وطئاً وقرأ بعضهم: "هى أشَدُّ وطئاً" قال: قال الفراء: أكتب وطئا بلا ألف [وقرأ بعضهم: هى أشد وِطَاء] فكسر الواو ومده يريد: أشد علاجا ومعالجة ومواطأة. وأمَّا الوِطء فلا وِطء لم نروه عن أحد من القراء.
{ إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً }
وقوله عز وجل: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً...}.
يقول: لك فى النهار ما يقضى حوائجك. وقد قرأ بعضهم: "سبخا" بالخاء، والتسبيخ: توسعة الصوف والقطن وما أشبهه، يقال: سبِّخى قطنك. قال أبو الفضل: سمعت أبا عبدالله يقول: حضر أبو زياد الكلابى مجلس الفراء فى هذا اليوم، فسأله الفراء عن هذا الحرف فقال: أهل باديتنا يقولون: اللهم سبِّخ عنه للمريض والملسوع ونحوه.
{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً }
وقوله عز وجل: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً...}.
أخْلِص لله إخلاصا، ويقال للعابد إذا ترك كل شىء، وأقبل على العبادة: قد تبتل، أى: قطع كل شىء إلا أمر الله وطاعته.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المزمل )
{ رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ اله إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً }
وقوله عز وجل: {رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ...}.
خفضها عاصم والأعمش، ورفعها أهل الحجاز، والرفع يحسن إِذا انفصلت الآية من الآية، ومثله: {وتَذَرُونَ أحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللهُ رَبُّكُمْ} [/ا] فى هذين الموضعين يحسن الاستئناف والإتباع.
وقوله عز وجل: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً...}.
كفيلا بما وعدك.
{ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً }
{وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً...}.
والكثيب: الرمل، والمهيل: الذى تحرك أسفله فينهال عليك من أعلاه، والمهيل: المفعول، والعرب تقول: مهيل ومهيول، ومكيد ومكيود، قال الشاعر:
وناهزُوا البيعَ من تِرْعِيَّةٍ رَهِقٍ * مُستَأْرَبٍ، عَضَّه السُّلطانُ مَديُونُ
قال، قال الفراء: المستأرَب الذى قد أُخذ بآرابه، وقد أُرِّب.
{ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً }
وقوله عز وجل: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً...}.
معناه: فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم، وكذلك هى فى قراءة عبدالله سواء.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المزمل )
{ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً }
وقوله عز وجل: {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ...}.
بذلك اليوم، والسماء تذكر وتؤنث، فهى ها هنا فى وجه التذكير. قال الشاعر:
فلو رَفع السماءُ إليه قوماً * لحقنا بالنجومِ مع السحابِ
{ إِنَّ هَاذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً }
وقوله عز وجل: {فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً...}.
طريقا ووجهة إلى الله.
{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وقوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ...}.
قرأها عاصم والأعمش بالنصب، وقرأها أهل المدينة والحسنُ البصرى بالخفض، فمن خفض أراد: تقوم أقل من الثلثين. وأقل من النصف. ومن الثلث. ومن نصب أراد: تقوم أدنى من الثلثين، فيقوم النصف أو الثلث، وهو أشبه بالصواب، لأنه قال: أقل من الثلثين، ثم ذكر تفسير القلة لا تفسير أقل من القلة. ألا ترى أنك تقول للرجل: لى عليك أقل من ألف درهم ثمانى مائة أو تسع مائة، كأنه أوجه فى المعنى من أن تفسر ـ قلة ـ أخرى [/ب] وكلٌّ صواب.
{وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ...} كان النبى صلى الله عليه، وطائفة من المسلمين يقومون الليل قبل أن تفرض الصلاة، فشق ذلك عليهم، فنزلت الرخصة. وقد يجوز أن يخفض النصف، وينصب الثلث لتأويل قوم: أنّ صلاة النبى صلى الله عليه انتهت إِلى ثلث الليل، فقالوا: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من الثلثين، ومن النصف، ولا تنقص من الثلث، وهو وجه شاذ لم يقرأ به أحد. وأهل القراءة الذين يُتَّبعون أعلم بالتأويل من المحدثين. وقد يجوز، وهو عندى: يريد: الثلث.
وقوله عز وجل: {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ...}.
أن لن تحفظوا مواقيت الليل {فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ...} المائة فما زاد. وقد ذكروا: أنه من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين، وكل شىء أحياه المصلى من الليل فهو ناشئة.
وقوله عز وجل: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ...} يعنى: المفروضة.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( المدثر )
{ ياأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ }
قوله تبارك وتعالى: {ياأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ...}.
يعنى: المتدثر بثيابه لينامَ.
{ قُمْ فَأَنذِرْ }
وقوله عز وجل: {قُمْ فَأَنذِرْ...}.
يريد: قم فصلّ، ومرْ بالصلاة.
{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }
وقوله تبارك وتعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ...}.
يقول: لا تكن غادرا فتدنس ثيابك، فإن الغادر دنِس الثياب، ويقال: وثيابك فطهر، وعملك فأصلح. وقال بعضهم: وثيابك فطهر: قصر، فإن تقصير الثياب طُهْرة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المدثر )
{ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ }
فقوله عز وجل: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ...}.
كسره عاصم والأعمش والحسن، ورفعه السلمى ومجاهد وأهل المدينة فقرءوا: "والرجزُ فاهجر" وفسر مجاهد: والرجز: الأوثان، وفسره الكلبى: الرجز: العذاب، ونرى أنهما لغتان، وأن المعنى فيهما [/ا] واحد.
{ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ }
وقوله عز وجل: {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ...}.
يقول: لا تُعط فى الدنيا شيئا لتصيب أكثر منه، وهى فى قراءة عبدالله: "ولا تَمْنُن أنْ تَسْتَكْثِرَ" فهذا شاهد على الرفع فى "تستكثر" ولو جزمه على هذا المعنى كان صوابا، والرفع وجه القراءة والعمل.
{ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ }
وقوله عز وجل: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ...}.
يقال: إنها أول النفختين.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المدثر )
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً }
وقوله عز وجل: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً...}.
[الوحيد] فيه وجهان، قال بعضهم: ذرنى ومن خلقته وحدى، وقال آخرون: خلقته وحده لا مال له ولا بنين، وهو أجمع الوجهين.
{ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً }
وقوله تبارك وتعالى: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً...}.
قال الكلبى: العُروض والذهب والفضة، [حدثنا أبو العباس قال:] حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس عن إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد فى قوله: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً}، قال: ألف دينار، ونرى أن الممدود جُعل للعدد؛ لأن الألف غايةُ العدد، يرجع فى أول العدد من الألف. ومثله قول العرب: لك على ألف أقدع، أى: غاية العدد.
{ وَبَنِينَ شُهُوداً }
وقوله: {وَبَنِينَ شُهُوداً...}.
كان له عشرة بنين لا يغيبون عن عينيه فى تجارة ولا عمل، والوحيد: الوليد بن المغيرة المخزومى.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المدثر )
{ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ }
وقوله: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ...}.
فذكروا أنه جمع رؤساء أهل مكة فقال: إن الموسم قددنا، وقد فشا أمر هذا الرجل فى الناس، ما أنتم قائلون فيه للناس؟ قالوا: نقول: مجنون. قال: إذًا يؤتى فيكلّم، فيُرى عاقلا صحيحاً، فيكذبوكم، قالوا: نقول: شاعر. قال: فهم عرب قد رووا الأشعار وعرفوها، وكلام محمد لا يُشْبِهُ الشِّعرَ، قالوا: نقول: كاهن، قال: فقد عرفوا الكهنة [/ب]، وسألوهم، وهم لا يقولون: يكون كذا وكذا إن شاء الله، ومحمد لا يقول لكم شيئاً إلا قال: إن شاء الله، ثم قام، فقالوا: صبأ الوليد. يريدون أسلم الوليد. فقال ابن أخيه أبو جهل: أنا أكفيكم أمره، فأتاه فقال: إن قريشاً تزعم أنك قد صبوت وهم يريدون: أن يجمعوا لك مالاً يكفيك مما تريد أن تأكل من فضول أصحاب محمد ـ صلى الله عليه ـ فقال: ويحك! والله ما يَشبعون، فكيف ألتمس فضولهم مع أنى أكثر قريش مالا؟ ولكنى فكرت فى أمر محمد ـ صلى الله عليه ـ، وماذا نَرُد على العرب إذا سألتنا، فقد عزمْت على أن أقول: ساحر. فهذا تفسير قولُه: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} القول فى محمد صلى الله عليه.
{ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ }
وقوله: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ...}.
قتل أى: لُعن، وكذلك: {قاتلهم الله} و {قُتِلَ الإِنْسَانُ ما أَكْفَرَهُ}، ذكِر أنهن اللعن.
{ ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ }
وقوله: {ثُمَّ نَظَرَ... ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ...}.
ذكروا: أنه مرَّ على طائفة من المسلمين فى المسجد الحرام، فقالوا: هل لك إلى الإسلام يا أبا المغيرة؟ فقال: ما صاحبكم إِلاَّ ساحر، وما قوله إِلاَّ السحر تعلَّمه من مسيلمة الكذاب، ومن سحرة بابل، ثم قال: ولَّى عنهم مستكبراً قد عبَس وجهه وبسَر: كلَح مستكبراً عن الإيمان.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المدثر )
{ فَقَالَ إِنْ هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ }
فذلك قوله: {إِنْ هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ...} يأثره عن أهل بابل.
{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ }
قال الله جل وعز: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ...}.
وهى اسم من أسماء جهنم، فلذلك لم يُجْزَ، وكذلك "لظى".
{ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ }
وقوله: {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ...}.
مردود على سقر بنية التكرير، كما قال: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وكما قال فى قراءة عبدالله: {وَهَذَا بَعْلِى شَيْخاً} ولو كان "لواحةً للبشر" كان صوابا.
كما قال: {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِّلْبَشَرِ} . وفى قراءة أبى: "نذِيرٌ لِلْبشَر"
وكل صواب. وقوله: {لَوَّاحَةٌ لِِّلْبَشَرِ...}.
تسوِّد البشرة بإحراقها.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المدثر )
{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَاذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ }
وقوله: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ...}.
فإن العرب تنصب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر فى الخفض والرفع، ومنهم من يخفف العين فى تسعة عشر، فيجزم العين فى الذُّكران، ولا يخففها فى: ثلاث عشرة إلى تسع عشرة؛ لأنهم إنما خفضوا فى المذكر لكثرة الحركات. فأما المؤنث، فإن الشين من عشْرة ساكنة، فلم يخففوا العين منها فيلتقى ساكنان. وكذلك: اثنا عشر فى الذكران لا يخفف العين؛ لأن الألف من: اثنا عشر ساكنة فلا يسكن بعدها آخر فيلتقى ساكنان، وقد قال بعض كفار أهل مكة وهو أبو جهل: وما تسعة عشر؟ الرجل منا يطبق الواحد فيكفه عن الناس. وقال رجل من بنى جمح كان يُكنى: أبا الأشدين: أنا أكفيكم سبعة عشر، واكفونى اثنين؛ فأنزل الله: {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً...}، أى: فمن يطبق الملائكة؟ ثم قال: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ } فى القلة {إِلاَّ فِتْنَةً...} على الذين كفروا ليقولوا ما قالوا، ثم قال: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ...} يقيناً إلى يقينهم؛ لأنَّ عدة الخزنة لجهنم فى كتابهم: تسعة عشر، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِيمَاناً...} لأنها فى كتاب أهل الكتاب كذلك.
{ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ }
وقوله: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ...}.
قرأها ابن عباس: "والليل إذَا دَبر" ومجاهد وبعض أهل المدينة كذلك وقرأها كثير من الناس"واللَّيْل إذْ أَدْبَر":
[حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال:] حدثنا الفراء قال: حدثنى بذلك محمد بن الفضل عن عطاء عن أبى عبدالرحمن عن زيد أنه قرأها" "والليل إذْ أَدْبَر" وهى فى قراءة عبدالله: "والليل إذا أدبر". وقرأها الحسن كذلك: "إذا أدبر" كقول عبدالله.
[حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد] قال حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس عن على بن الأقمر عن رجل ـ لا أعلمه إلاّ الأغر ـ عن ابن عباس أنه قرأ: "والليل إذا دَبَر".
وقال: إنما أدبر ظهر البعير [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد] قال حدثنا الفراء قال: وحدثنا قيس عن على بن الأقمر عن أبى عطية عن عبدالله بن مسعود أنه قرأ "أدبر" [ قال الفراء: ما أرى أبا عطية إلاَّ الوادعى بل هو هو، وقال الفراء: ليس فى حديث قيس إذ، ولا أراهما إلا لغتين]. يقال: دبر النساء والشتاء والصيف أدبر. وكذلك: قَبَل وأقبل، فإذا قالوا: أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بألف، وإنهما فى المعنى عندى لواحد، لا أبعد أَن يأتى فى الرجل ما أتى فى الأزمنة.
{ إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ }
وقوله: {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ...}.
الهاء كناية عن جهنم.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المدثر )
{ نَذِيراً لِّلْبَشَرِ }
وقوله: {نَذِيراً لِّلْبَشَرِ...}.
كان بعض النحويين يقول: إن نصبت قولُه: "نذيراً" من أول السورة يا محمد قم نذيراً للبشر، وليس ذلك بشىء وَالله أعلم؛ لأنّ الكلام قد حدث بينهما شىء منه كثير، ورفعه فى قراءة أبىّ ينفى هذا المعنى. ونصبه من قوله: {إِنَّها لإحدى الكُبر نذيراً} تقطعه من المعرفة؛ لأن "إحدى الكبر" معرفةٌ فقطعته منه، ويكون نصبه على أن تجعل النذير إنذاراً من قوله: {لاَ تُبْقِى وَلاَ تَذَرُ} لواحة [تخبر بهذا عن جهنم إنذاراً] للبشر، والنذير قد يكون بمعنى: الإنذار. قال الله تبارك وتعالى: {كَيْفَ نَذِير} و {فَكَيْفَ كان نكِير} يريد: إنذارى، وانكارى.
{ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ }
وقوله: {إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ...}.
قال الكلبى: هم أهل الجنة [حدثنا أبو العباس قال] حدثنا الفراء قال: وحدثنى الفضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن المنهال رفعه إلى على قال: {إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ} قال: هم الوِلْدانُ، وهو شبيه بالصواب؛ لأن الولدان لم يكتسبوا ما يرتهنون به وفى قوله: {يَتَسَآءَلُونَ... عَنِ الْمُجْرِمِينَ... مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ...} ما يقوى أنهم الولدان؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}.
{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ }
وقوله: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنْفِرَةٌ...}.
قرأها عاصم والأعمش: "مستنفِرة" بالكسر، وقرأها أهل الحجاز "مستنفَرة" بفتح الفاء وهما جميعاً كثيرتان فى كلام العرب، قال الشاعر:
أمْسِكْ حِمارَكَ إِنَّهُ مُسْتنفِرٌ * فى إِثرِ أحْمِرَةٍ عَمْدنَ لِغُرّبِ
والقسورة يقال: إنها الرماة، وقال الكلبى بإسناده: هو الأسد.
[حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق أبى سفيانّ الثورى عن عكرمة قال: قيل له: القسورة، الأسد بلسان الحبشة، فقال: القسورة، الرماة، والأسد بلسان الحبشة: عنبسة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المدثر )
{ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً }
وقوله: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً...}.
قالت كفار قريش للنبى صلى الله عليه [/ا]: كان الرجل يذنب فى بنى إسرائيل، فيصبح ذنبه مكتوباً فى رقعة، فما بالنا لا نرى ذلك؟ فقال الله عز وجل: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً}.
{ كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ }
وقوله: {إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ...}.
يعنى هذا القرآن، ولو قيل: "إنها تذكرةٌ" لكان صوابا، كما قال فى عبس، فمن قال: (إنها) أراد السورة، ومن قال: (إنه) أراد القرآن.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( القيامة )
{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ }
قال أبو عبدالله: سمعت الفراء يقول: وقوله: {لاَ أُقْسِمُ...} كان كثير من النحويين يقولون: (لا) صلة قال الفراء: ولا يبتدأ بجحد، ثم يجعل صلة يراد به الطرح؛ لأن هذا الوجاز لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه. ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا: البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم فى كثير من الكلام المبتدأ منه، وغير المبتدأ: كقولك فى الكلام: لا والله لا أفعل ذاك؛ جعلوا (لا) وإن رأيتها مبتدأة ردًّا لكلامٍ قد كان مضى، فلو ألقيت (لا) مما ينوى به الجواب لم يكن بين اليمين التى تكون جوابا، واليمين التى تستأنف فرق. ألا ترى أنك تقول مبتدئا: والله إن الرسول لحق، فإذا قلت: لا والله إن الرسول لحق، فكأنك أكذبت قوما أنكروه، فهذه جهة (لا) مع الإقسام، وجميع الأَيْمان فى كل موضع ترى فيه (لا) مبتدأ بها، وهو كثير فى الكلام.
وكان بعض من لم يعرف هذا الجهة فيما ترى [/ا] يقرأ "لأقسم بيوم القيامة" ذكر عن الحسن يجعلها (لاما) دخلت على أقسم، وهو صواب؛ لأن العرب تقول: لأحلف بالله ليكونن كذا وكذا، يجعلونه (لاما) بغير معنى (لا).
{ وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ }
وقوله عز وجل: {وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ...}.
ليس من نفس بَرّة ولا فاجرة إِلاّ وهى تلوم نفسها إن كانت عملت خيراً قالت: هلا ازددت وإن كانت عملت سُوءًا قالت: ليتنى قصرت! ليتنى لم أفعل!
{ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ }
وقوله عز وجل: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ...}.
جاء فى التفسير: بلى نقدر على أن نسوى بنانه، أى: أن نجعل أصابعه مصمّتة غير مفصلة كخف البعير، فقال: بلى قادرين على أن نعيد أصغر العظام كما كانت، وقوله: "قادرين" نصبت على الخروج من "نجمع"، كأنك قلت فى الكلام: أتحسب أن لن نقوى عليك، بلى قادرين على أقوى منك. يريد: بلى نقوى قادرين، بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا. ولو كانت رفعا على الاستئناف، كأنه قال: بلى نحن قادرون على أكثر من ذا ـ كان صوابا.
وقول الناس: بلى نقدر، فلما صرفت إلى قادرين نصبت ـ خطأٌ؛ لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إِلى فاعل. ألا ترى أنك تقول: أتقوم إلينا؛ فإن حولتها إلى فاعل قلت: أقائم، وكان خطأ أن تقول: أقائماً أنت إِلينا؟ وقد كانوا يحتجون بقول الفرزدق:
على قسَمٍ لا أشتم الدهر مسلما * ولا خارجا مِنْ فىَّ زورُ كلام
فقالوا: إنما أراد: لا أشتم، ولا يخرج، فلما صرفها إلى خارج نصبها، وإِنما نصب لأنه أراد: عاهدتُ ربى لا شاتما أحدا، ولا خارجاً من فىّ زور كلام. وقوله: لا أشتم فى موضع نصب [/ب].
المعاني الواردة في آيات سورة ( القيامة )
{ بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ }
وقوله عز وجل: {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ...}.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس عن أبى حصين عن سعيد بن جبير فى قوله: {بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} قال: يقول: سوف أتوب سوف أتوب. وقال الكلبى: يُكثر الذنوبَ، ويؤخر التوبة.
{ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ }
وقوله عز وجل: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ...}.
قرأها الأعمش وعاصم والحسن وبعضُ أهل المدينة (بَرِق) بكسر الراء، وقرأها نافع المدنى "فإِذ بَرَق البصر" بفتح الراءِ من البريق: شخص، لمن فتح، وقوله "بَرق": فزع، أنشدنى بعض العرب:
نَعَانِى حَنانةُ طُوبالةً * تُسَفُّ يَبيسًا من العِشْرِقِ
فنفسَكَ فَانْعَ ولا تَنْعَنِى * وداوِ الكُلُومَ ولا تَبْرَقِ
فَتح الراءَ أى: لا تفزع من هول الجراح التي بك، كذلك يبرق البصر يوم القيامة.
ومن قرأ "بَرَق" يقول: فتح عينيه، ويرق بصره أيضا لذلك.
{ وَخَسَفَ الْقَمَرُ }
وقوله عز وجل: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ...}.
ذهب ضوءه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القيامة )
{ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ }
وقوله عز وجل: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ...}.
[وفى قراءة عبدالله] وجمع بين الشمس والقمر يريد: فى ذهاب ضوئها أيضا فلا ضوء لهذا ولا لهذه. فمعناه: جمع بينهما فى ذهاب الضوء كما تقول: هذا يوم يستوى فيه الأعمى والبصير أى: يكونان فيه أعميين جميعا. ويقال: جمعا كالثورين العقيرين فى النار. وإنما قال: جُمِع ولم يقل: جمعت لهذا؛ لأن المعنى: جمع بينهما فهذا وجه، وإن شئت جعلتهما جميعا فى مذهب ثورين. فكأنك قلت: جُمِع النوران، جُمِع الضياءان، وهو قول الكسائى: وقد كان قوم يقولون: إنما ذكرنا فعل الشمس لأنها لا تنفرد بجُمع حتى يشركَها غيرها، فلما شاركها مذكر كان القول فيهما جُمِعا، ولم يجر جمعتا، فقيل لهم: كيف تقولون الشمس [/ا] جُمعَ والقمر؟
فقالوا: جُمِعت، ورجعوا عن ذلك القول.
{ يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ }
وقوله عز وجل: {أَيْنَ الْمَفَرُّ...}.
قرأه الناس المفر بفتح الفاء [حدثنا أبو العباس قال، حدثنا محمد قال] وقال: حدثنا الفراء، قال: وحدثنى يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن رجل عن ابن عباس أنه قرأ: "أين المفِر" وقال: إنما المفَر مفَر الدابة حيث تفر، وهما لغتان: المفِر والمفَر، والمدِبُّ والمدَبُّ. وما كان يفعل فيه مكسورا مثل: يدِب، ويفِر، ويصِح، فالعرب تقول: مَفِر ومفَر، ومصِح ومَصَح، ومَدِب ومَدَب. أنشدنى بعضهم:
كأن بقَايا الأثر فوقَ متونه * مَدب الدَّبى فوق النقا وهو سارِح
ينشدونه: مَدَب، وهو أكثر من مَدِب. ويقال: جاء على مَدَب السيل، ومدِب السيل، وما فى قميصه مَصِح ولا مَصَحٌّ.
{ كَلاَّ لاَ وَزَرَ }
وقوله عز وجل: {كَلاَّ لاَ وَزَرَ...}.
والوزر: الملجأ.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القيامة )
{ يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ }
وقوله عز وجل: {يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ...}.
يريد: ما أسلف من عمله، وما أخر من سُنة تركها بعمل بها من بعده، فإن سنّ سنة حسنة كان له مثل من يعمل بها من غير أن يُنتقصوا، وإن كانت سنة سيئة عذب عليها، ولم ينقص من عذاب من عمل بها شيئا.
{ بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ }
وقوله عز وجل: {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ...}.
يقول: على الإنسان من نفسه رقباء يشهدون عليه بعمله: اليدان، والرجلان، والعينان، والذكر، قال الشاعر:
كأنَّ على ذى الظن عيناً بصيرةً * بمقعَدِه أو منظرٍ هو ناظرُه
يُحاذِرُ حتى يحسِبُ الناسَ كلَّهم * من الخوفِ لا تخفى عليهم سرائرُه
{ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }
وقوله عز وجل: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ...}.
جاء فى التفسير: ولو أرخى ستوره، وجاء: وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القيامة )
{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }
وقوله[/ب] عز وجل: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ...}.
كان جبريل صلى الله عليه وسلم إذا نزل بالوحى على محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن قرأ بعضه فى نفسه قبل أن يستتمه خوفا أن ينساه، فقيل له {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} فى قلبك {وَقُرْآنَهُ} وقراءته، أى: أن جبريل عليه السلام سيعيده عليك.
{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }
وقوله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ [فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ]...}.
إذا قرأه عليك جبريل عليه السلام "فاتبع قرآنه"، والقراءة والقرآن مصدران، كما تقول: راجحٌ بيَن الرجحان والرجوح. والمعرفة والعرفان، والطواف والطَوفان.
{ كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ }
وقوله عز وجل: {كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ...}. {وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ...}.
رويت عن على بن أبى طالب، رحمه الله: "بَلْ تُحِبُّون، وتَذَرُون" بالتاء، وقرأها كثير: "بل يحبون" بالياء، والقرآن يأتى على أن يخاطب المنزل عليهم أحيانا، وحينا يُجعلون كالغَيَب، كقوله: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فى الْفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القيامة )
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }
وقوله عز وجل: {وُجُوهٌ يُوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ...}.
مشرقة بالنعيم.
{ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ }
{وَوُجُوهٌ يُوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ...} كالحة.
{ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }
وقوله عز وجل: {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ...}.
والفاقرة: الداهية، وقد جاءت أسماء القيامة، والعذاب بمعانى الدواهى وأسمائها.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القيامة )
{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ }
وقوله عز وجل: {كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ...}.
يقول: إذا بلغت نَفْس الرجل عند الموت تراقيه، وقال مَن حوله: "مَنْ رَاقٍ؟" هل [من] مداو؟ هل من راق؟ وظن الرجلُ "أنه الفراق"، علم: أنه الفراق، ويقال: هل من راق إن ملَك الموت يكون معه ملائكة، فإذا أفاظ [/ا] الميت نفسه، قال بعضهم لبعض: أيكم يرقَى بها؟ من رقيت أى: صعدتُ.
{ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ }
وقوله عز وجل: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ...}.
أتاه أولُ شدة أمر الآخرة، وأشد آخر أمر الدنيا، فذلك قوله: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}، ويقال: التفت ساقاه، كما يقال للمرأة إِذا التصقت فخذاها: هى لَفّاء.
{ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى }
وقوله عز وجل: {يَتَمَطَّى...}.
يتبختر؛ لأن الظهر هو المَطَا، فيلوى ظهره تبخترا وهذه خاصة فى أبى جهل.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القيامة )
{ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى }
وقوله عز وجل: {مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى...}.
بالياء والتاء. من قال: يُمنَى، فهو المعنى، وتُمنى للنطفة. وكلٌّ صوابٌ، قرأها أصحاب عبدالله بالتاء. وبعض أهل المدينة [أيضا] بالتاء.
{ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى }
وقوله عز وجل: {أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى...}.
تظهر الياءين، وتُكسر الأولى، وتجزم الحاء. وإن كسرت الحاء ونقلت إليها إعراب الياء الأولى التى تليها كان صوابا، كما قال الشاعر:
وكأنها بين النساء سبيكة * تمشى بِسُدَّةِ بيتها فتَعَىّ
أراد: فتعيا.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الإنسان )
{ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }
قوله تبارك وتعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ...}.
معناه: قد أتى على الإنسان حين من الدهر. "وهل" قد تكون جحدا، وتكون خبرا. فهذا من الخبر؛ لأنك قد تقول: فهل وعظتك؟ فهل أعطيتك؟ تقرره بأنك قد أعطيته ووعظته والجحد أن تقول: وهل يقدر واحد على مثل هذا؟.
وقوله تبارك وتعالى: {لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً...}.
يريد: كان شيئا، ولم يكن مذكورا. وذلك من حين خلقه الله من طين إلى أن نفخ فيه الروح.
{ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً }
وقوله عز وجل: {أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ...}.
الأمشاج: الأخلاط، ماء الرجل، وماء المرأة، والدم، والعلَقة، ويقال للشىء من هذا إذا [/ب] خلط: مشيج؛ كقولك: خليط، وممشوج، كقولك: مخلوط.
وقوله: {نَّبْتَلِيهِ...} والمعنى والله أعلم: جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، فهذه متقدَّمة معناها التأخير، إنما المعنى: خلقناه وجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه.
{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }
وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ...}.
وإلى السبيل، وللسبيل. كل ذلك جائز فى كلام العرب. يقول: هديناه: عرّفناه السبيل، شكر أو كفر، و (إما) ها هنا تكون جزاء، أى: إن شكر وإن كفر، وتكون على (إما) التى مثل قوله: {إِما يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} فكأنه قال: خلقناه شقيا أو سعيدا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الإنسان )
{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً }
وقوله عز وجل: {سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً...}.
كتبت "سلاسل" بالألف، وأجراها بعض القراء لمكان الألف التى فى أخرها. ولم يجر بعضهم. وقال الذى لم يجر: العرب تثبت فيما لا يجرى الألف فى النصب، فإِذا وصلوا حذفوا الألف، وكلٌّ صواب. ومثل ذلك قوله: {كانَتْ قَوَارِيراً} أثبتت الألف فى الأولى؛ لأنها رأس آية، والأخرى ليست بآية. فكان ثباتُ الألف فى الأولى أقوى لهذه الحجة، وكذلك رأيتها فى مصحف عبدالله، وقرأ بها أهل البصرة، وكتبوها فى مصاحفهم كذلك. وأهل الكوفة والمدينة يثبتون الألف فيهما جميعا، وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد فى معنًى نصب بكتابين مختلفين. فإن شئت أجريتهما جميعا، وإن شئت لم تجرهما، وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف فى كتاب أهل البصرة. ولم تجر الثانية إذ لم يكن فيها الألف.
{ إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً }
وقوله عز وجل: {يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً...}.
يقال: إنها عين تسمى الكافور، وقد تكون كان مزاجها كالكافور لطيب ريحه، فلا تكون حينئذ اسماً، والعرب [/ا] تجعل النصب فى أى هذين الحرفين أحبوا. قال حسان:
كأنَّ خبيئَةً من بيت رأْسٍ * يكونُ مِزاجُها عَسلٌ وماءُ
وهو أبين فى المعنى: أن تجعل الفعل فى المزاج، وإن كان معرفة، وكل صواب. تقول: كان سيدَهم أبوك، وكان سيدُهم أباك. والوجه أن تقول: كان سيدَهم أبوك؛ لأن الأب اسم ثابت والسيد صفة من الصفات.
{ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً }
وقوله عز وجل: {عَيْناً...}.
إن شئت جعلتها تابعة للكافور كالمفسِّرة، وإن شئت نصبتها على القطع من الهاء فى "مزاجها".
وقوله عز وجل: {يَشْرَبُ بِهَا...} ، و "يَشْرَبُهَا".
سواء فى المعنى، وكأن يشرب بها: يَروَى بها، وينقَع. وأما يشربونها فبيّن، وقد أنشدنى بعضهم:
شَرِبْنَ بِمَاءِ البحرِ ثمَّ تَرَفَّعتْ * مَتى لُججٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نئيجُ
ومثله: إنه ليتكلم بكلام حسن، ويتكلم كلاماً حسناً.
وقوله عز وجل: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً...}.
أيها أحب الرجل من أهل الجنة فجرها لنفسه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الإنسان )
{ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً }
وقوله عز وجل: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ...}.
هذه من صفاتهم فى الدنيا، كأن فيها إضمار كان: كانوا يوفون بالنذر.
وقوله عز وجل: {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً...}.
ممتد البلاء، والعرب تقول: استطار الصدع فى القارورة وشبهها، واستطال.
{ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً }
وقوله عز وجل: {عَبُوساً قَمْطَرِيراً...}.
والقمطرير: الشديد، يقال: يوم قمطرير، ويوم قماطر، أنشدنى بعضهم:
بَنِى عمِّنا، هل تذكُرونَ بَلاءَنا * علَيكُمْ إذا ما كانَ قُمَاطِرُ
{ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً }
وقوله عز وجلك {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا...}.
منصوبة كالقطع. وإن شئت جعلته تابعاً للجنة، كأنك قلت: جزاؤهم جنة متكئين فيها.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الإنسان )
{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً }
وقوله جل ذكره: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا...}.
يكون نصباً على ذلك: جزاؤهم جنة متكئين فيها، ودانيةً ظلالها. وإن شئت جعلت: الدانية تابعة للمتكئين على سبيل القطع الذى قد يكون رفعاً على [/ب] الاستئناف. فيجوز مثل قوله: {وَهَذَا بَعْلِى شَيْخاً} "وشيخٌ"، وهى فى قراءة أبى: "ودانٍ عليهم ظلالها" فهذا مستأنف فى موضع رفع، وفى قراءة عبدالله: "ودانياً عليهم ظلالها"، وتذكير الدانى وتأنيثه كقوله: {خَاشِعاً أبْصَارُهم} فى موضع، وفى موضع {خاشعةً أبصارهم}. وقد تكون الدانيةُ منصوبة على مثل قول العرب: عند فلان جاريةٌ جميلةٌ، وشابةً بعد طريةً، يعترضون بالمدح اعتراضاً، فلا ينوون به النسق على ما قبله، وكأنهم يضمرون مع هذه الواو فعلا تكون به النصب فى إحدى القراءتين: "وحوراً عيناً". أنشدنى بعضهم:
ويأوى إلى نسوة عاطلاتٍ * وشُعثا مراضيعَ مثل السعالِى
بالنصب يعنى: وشعثا، والخفض أكثر.
وقوله عز وجل: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً...}.
يجتنى أهل الجنة الثمرة قياماً وقعوداً، وعلى كل حال لا كلفة فيها.
{ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ }
وقوله عز وجل: {كَانَتْ قَوَارِيرَاْ...}.
يقول: كانت كصفاء القوارير، وبياض الفضة، فاجتمع فيها صفاء القوارير، وبياض الفضة.
{ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً }
وقوله عز وجل: {قَدَّرُوهَا...}.
قدروا الكأس على رِى أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه، وهو ألذ الشراب.
وقد رَوى بعضهم عن الشعبى: (قُدِّروها تَقْدِيراً). والمعنى واحد، والله أعلم، قدِّرت لهم، وقدِروا لها سواء.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الإنسان )
{ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً }
وقوله: {كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً...}.
إنما تسمى الكأس إذا كان فيها الشراب، فإذا لم يكن فيها الخمر لم يقع عليها اسم الكأس. وسمعت بعض العرب يقول للطبق الذى يُهدى عليه الهدية: وهو المِهْدَى، ما دامت عليه الهدية، فإذا كان [/ا] فارغا رجع إلى اسمه إن كان طبقاً أو خواناً، أو غير ذلك.
وقوله عز وجل: {زَنجَبِيلاً... عَيْناً...}.
ذكر أن الزنجبيل هو العين، وأن الزنجبيل اسم لها، وفيها من التفسير ما فى الكافور.
وقوله عز وجل: {تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً...}.
ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكر أنه صفة للماء لسلسلته وعذوبته، ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الإجراء فيه أكثر، ولم نَر أحدا من القراء ترك إجراءها وهو جائز فى العربية، كما كان فى قراءة عبدالله: {وَلاَ تَذَرُنّ وَدًّا ولا سُوَاعاً ولا يَغُوثاً ويَعُوقاً} بالألف. وكما قال: "سلاسلا"، و"قواريرا" بالألف، فأجروا ما لا يجرى، وليس بخطأ، لأن العرب تجرى ما لا يجرى فى الشعر، فلو كان خطأ ما أدخلوه فى أشعارهم، قال متمم بن نويرة:
فما وجد أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ * رأين مَجَرًّا من حُوارٍ ومصْرعَا
فأجرى روائم، وهى مما لا يجرى فيما لا أحصيه فى أشعارهم.
{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً }
وقوله عز وجل: {مُّخَلَّدُونَ...}.
يقول: محلّون مُسَورون، ويقال: مُقَرطون، ويقال: مخلدون دائم شبابهم لا يتغيرون عن تلك السنن، وهو أشبهها بالصواب ـ والله أعلم ـ وذلك أن العرب إذا كبر الرجل، وثبت سواد شعره قيل: إنه لمخلد، وكذلك يقال إذا كبر ونبتت له أسنانه وأضراسه قيل: إنه لمخلد ثابت الحال. كذلك الوُلدانُ ثابتة أسنانهم.
{ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً }
وقوله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً...}.
يقال: إذا رأيت ما ثَمّ رأيت نعيما، وصلح إضمار (ما) كما قيل: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}. والمعنى: ما بينكم، والله أعلم. ويقال: إذا رأيت [/ب] ثم، يريد: إذا نظرت، ثم إذا رميت ببصرك هناك رأيت نعيما.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الإنسان )
{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }
وقوله عز وجل: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ...}.
نصبها أبو عبدالرحمن وعاصم والحسن البصرى، جعلوها كالصفة فوقهم. والعرب تقول: قومك داخل الدار، فينصبون داخل الدار؛ لأنه مَحَل، فعاليهم من ذلك. وقد قرأ أهل الحجاز وحمزة: "عَالِيهم" بإرسال الياء، وهى فى قراءة عبدالله: "عاليتُهم ثيابُ سُنْدُسٍ" بالتاء. وهى حجةٌ لمن أرسل الياءَ وسكنها. وقد اختلف القراء فى: الخضر والسندس، فخفضهما يحيى بن وثاب أراد أن يجعل الخضر من صفة السندس ويكسر على الاستبرق ثيابَ سندس، وثيابَ استبرق، وقد رفع الحسن الحرفين جميعاً. فجعل الخضر من صفة الثياب، ورفع الاستبرق بالرد على الثياب، ورفع بعضهم الخضر، وخفض الاستبرق ورفع الاستبرق وخفض الخضر، وكل ذلك صواب. والله محمود.
وقوله عز وجل: {شَرَاباً طَهُوراً...}.
يقول: طهور ليس بنجس كما كان فى الدنيا مذكوراً بالنجاسة.
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً }
وقوله عز وجل: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ...}.
(وُ) ها هنا بمنزلة (لا)، وأو فى الجحد والاستفهام والجزاء تكون فى معنى (لا) فهذا من ذلك. وقال الشاعر:
لا وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجِدْتُ وَلا * وَجْدُ عَجُولٍ أَضَلَّهَا رُبَعُ
أَوْ وَجْدُ شيخٍ أصَلَّ ناقَتهُ * يَوْمَ توافَى الحجيجُ فاندفعُوا
أراد: ولا وجد شيخ وقد يكون فى العربية: لا تطيعن منهم من أثم أو كفر. فيكون المعنى فى (أو) قريباً من معنى (الواو). كقولك للرجل: لأعطينك سَألت، أو سكتَّ معناه: لأعطينك على كل حال.
{ نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً }
وقوله [/ا] عز وجل: {وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ...}.
والأسر؛ الخَلْق. تقول: لقد أُسِر هذا الرجل أحسنُ الأسر، كقولك: خُلِقَ أحْسَن الخَلْق.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الإنسان )
{ إِنَّ هَاذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً }
وقوله عز وجل: {إِنَّ هَاذِهِ تَذْكِرَةٌ...}.
يقول: هذه السورة تذكرة وعظة. {فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً...} وِجهة وطريقاً إلى الخير.
{ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }
وقوله عز وجل: {وَمَا تَشَآءُونَ...}.
جواب لقوله: {فَمَنْ شَاءَ اتّخذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}.
ثم أخبرهم أن الأمر ليس إليهم، فقال: {وَمَا تَشَآءُونَ} ذلك السبيل {إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} لكم، وفى قراءة عبدالله {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} والمعنى فى (ما) و (أن) متقارب.
{ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }
وقوله عز وجل: {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ...}.
نصبت الظالمين؛ لأن الواو فى لها تصير كالظرف لأعدّ. ولو كانت رفعاً كان صوابا، كما قال: {والشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} بغير همز، وهى فى قراءة عبدالله: "وللظالمين أعد لهم" فكرر اللام فى (الظالمين) وفى (لهم)، وربما فعلت العرب ذلك. أنشدنى بعضهم:
أقول لها إذا سألت طلاقا * إلامَ تسارعين إلى فراقى
وأنشدنى بعضهم:
فأصبحْنَ لا يَسلنهُ عن بما به * أصعَّد فى غاوى الهَوى أم تصوَّبا؟
فكرر الباء مرتين. فلو قال: لا يسلنه عما به، كان أبين وأجود. ولكن الشاعر ربما زاد ونقص ليكمل الشعر. ولو وجهت قول الله تبارك وتعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، عن النَّبَإِ الْعَظِيم} إلى هذا الوجه كان صواباً فى العربية.
وله وجه آخر يراد: عم يتساءلون يا محمد! ثم أخبر، فقال: يتساءلون عن النبإ العظيم، ومثل هذا قوله فى المرسلات: {لأَِىِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} تعجباً، ثم قال: {ليوم الفصل} أى: أجلت ليوم الفصل.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( المرسلات )
{ وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً }
[/ب] قوله عز وجل: {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً...}.
يقال: هى الملائكة، وأما قوله: (عرفا) فيقال: أُرْسِلَتْ بالمعروف، ويقال: تتابعت كعرف الفرس، والعرب تقول: تركتُ الناس إلى فلان عُرفا واحداً، إذا توجهوا إليه فأكثروا.
{ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً }
وقوله عز وجل: {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً...}.
وهى الرياح.
{ والنَّاشِرَاتِ نَشْراً }
وقوله عز وجل: {والنَّاشِرَاتِ نَشْراً...}.
وهى: الرياح التى تأتى بالمطر.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المرسلات )
{ فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً }
وقوله عز وجل: {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً...}.
وهى: الملائكة، تنزل بالفرْق، بالوحى ما بين الحلال وَالحرام وبتفصيله، وهى أيضاً.
{فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً...}.
هى: الملائكة تلقى الذكر إلى الأنبياء.
{ عُذْراً أَوْ نُذْراً }
وقوله عز وجل: {عُذْراً أَوْ نُذْراً...}.
خففه الأعمش، وثقل عاصم: (النُّذر) وحده. وَأهل الحجاز والحسن يثقلون عذراً أو نذراً. وهو مصدر مخففاً كان أو مثقلا. ونصب عذراً أو نذراً أى: أرسلت بما أرسلت به إعذاراً من الله وَإِنذاراً.
{ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ }
وقوله عز وجل: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ...}.
ذهب ضوءها.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المرسلات )
{ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ }
وقوله عز وجل: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ...}.
اجتمع القراء على همزها، وهى فى قراءة عبدالله: "وقِّتت" بالواو، وقرأها أبو جعفر المدنى: "وُقِتتْ" بالواو خفيفة، وإنما همزتْ لأن الواو إذا كانت أول حرف وضمت همزت، من ذلك قولك: صَلّى القوم أُحدانا. وأنشدنى بعضهم:
يَحل أحِيدهُ، ويُقالُ: بَعْلٌ * ومِثلُ تَموُّلٍ منهُ افتقارُ
ويقولون: هذه أجوهٌ حسان ـ بالهمز، وذلك لأن ضمة الواو ثقيلة، كما كان كسر الياء ثقيلا.
وقوله عز وجل: {أُقِّتَتْ...}. جمعت لوقتها يوم القيامة [/ا].
{ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ }
وقوله عز وجل: {لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ..}.
يعجب العباد من ذلك اليوم ثم قال: {لِيَوْمِ الْفَصْلِ...}.
{ أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ }
وقوله عز وجل: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ...} {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ...}.
بالرفع. وهى فى قراءة عبدالله: "ألم نهلك الأولين وسنتبعهم الآخرين"، فهذا دليل على أنها مستأنفة لا مردودة على (نهلك)، ولو جزَمت على: ألم نقدّر إهلاك الأولين، وإتباعهم الآخرين ـ كان وجهاً جيداً بالجزم؛ لأنّ التقدير يصلح للماضى، وللمستقبل.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المرسلات )
{ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ }
وقوله عز وجل: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ...}.
ذكر عن على بن أبى طالب رحمه الله، وعن أبى عبدالرحمن السلمى: أنهما شدَّدا، وخففها الأعمش وعاصم. ولا تبعدن أن يكون المعنى فى التشديد والتخفيف واحداً؛ لأن العرب قد تقول: قدِّر عليه الموتُ، وقدّر عليه رزقه، وقُدِر عليه بالتخفيف والتشديد، وقد احتج الذين خففوا فقالوا: لو كان كذلك لكانت: فنعم المقدّرون. وقد يجمع العرب بين اللغتين، قال الله تبارك وتعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}، وقال الأعشى:
وأنْكرتْنى، وما كان الَّذى نَكِرتْ * من الحوادثِ إلاَّ الشيبَ والصَّلَعا
{ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْواتاً }
وقوله عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً...} {أَحْيَآءً وَأَمْواتاً...}.
تكفتهم أحياء على ظهرها فى بيوتهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتاً فى بطنها، أى: تحفظهم وتحرزهم. ونصبك الأحياءَ والأموات بوقوع الكفات عليه، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفاتَ أحياءٍ، وأمواتٍ، فإذا نونت نصبت ـ كما يقرأ من قرأ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً}، وكما يقرأ: {فَجَزَاءٌ مِثْلَ ما قتل}، ومثله: {فِدْيَةٌ طعامَ مِسْكِينٍ} [/ب].
{ انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ }
وقوله عز وجل: {إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ...}.
يقال: إنه يخرج لسانٌ من النار، فيحيط بهم كالسرادق، ثم يتشعب منه ثلاث شعب من دخان فيظللهم، حتى يفرغ من حسابهم إلى النار.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المرسلات )
{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ }
وقوله عز وجل: {كَالْقَصْرِ...}
يريد: القصر من قصور مياه العرب، وتوحيده وجمعه عربيان، قال الله تبارك وتعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّون الدُّبَر}، معناه: الأدبار، وكأن القرآن نزل على ما يَستحب العرب من موافقة المقاطع، ألا ترى أنه قال: {إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ}، فثقل فى (اقْتَربَت)؛ لأن آياتها مثقلة، قال: {فَحاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وعذَّبناها عَذاباً نُّكْراً}. فاجتمع القراء على تثقيل الأول، وتخفيف هذا، ومثله: {الشَّمْسُ والْقَمَرُ بحُسْبَانٍ}، وقال: {جَزَاءً مِّنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً} فأجريت رءُوس الآيات على هذه المجارى، وهو أكثر من أن يضبطه الكتاب، ولكنك تكتفى بهذا منه إن شاءَ الله.
ويقال: كالقَصَر كأصول النخل، ولست أشتهى ذلك؛ لأنها مع آيات مخففة، ومع أن الْجَمَلَ إنما شُبه بالقصر، ألا ترى قوله جل وعز: {كَأَنَّهُ جِمالاتٌ صُفْر}، والصُّفر: سُود الإبل، لا ترى أسوَدَ من الإبل إلاّ وهو مشربٌ بصفرة، فلذلك سمتِ العربُ سودَ الإبل: صفرا، كما سمّوا الظبَّاء: أُدْماً لما يعلوها من الظلمة فى بياضها، وقد اختلف القراء فى "جمالات" فقرأ عبدالله بن مسعود وأصحابه: "جمالةٌ".
قال: [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: وحدثنى محمد بن الفضل عن عطاء عن أبى عبدالرحمن يرفعه إلى عمر بن الخطاب (رحمه الله) أنه قرأ: "جِمالاتٌ" وهو أحب الوجهين إلىّ؛ لأن الجِمالَ أكثرُ من الجمالة فى كلام العرب. وهى تجوز، كما يقال: حجر وحجارة، وذَكَر وذِكاره إلاّ أن الأول أكثر، فإذا قلت: جِمالات، فواحدها: جِمال، مثل ما قالوا: رجالٌ ورجالات، وبيوت وبيوتات، فقد يجوز أن تجعل واحد الجمالات جمالة، [وقد حكى عن بعض القراء: جُمالات]، فقد تكون من الشىء المجمل، وقد تكون جُمالاتٌ جمعا من جمع الجِمال. كما قالوا: الرَّخِلُ والرُّخالُ، والرِّخال.
{ هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ }
وقوله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ...}.
اجتمعت القراء على رفع اليوم، ولو نُصب لكان جائزا على جهتين: إحداهما ـ أن العرب إذا أضافت اليوم والليلة إلى فعلَ أو يفعل، أو كلمة مجملةٍ لا خفض فيها نصبوا اليوم فى موضع الخفض والرفع، فهذا وجه. والآخر: أن تجعل هذا فى معنى: فِعلٍ مجمَلٍ من "لا ينطقون" ـ وعيدُ الله وثوابه ـ فكأنك قلت: هذا الشأن فى يومِ لا ينطقون. والوجه الأول أجود، والرفع أكثر فى كلام العرب. ومعنى قوله: هذا يومُ لا ينطقون ولا يعتذرون فى بعض الساعات فى ذلك اليوم. وذلك فى هذا النوع بيّن. تقول فى الكلام: آتيك يوم يقدُم أبوك، ويوم تقدَم، والمعنى ساعة يقدم وليس باليوم كله ولو كان يوماً كلّه فى المعنى لما جاز فى الكلام إضافته إلى فعل، ولا إلى يَفعَل، ولا إلى كلام مجمل، مثل قولك: آتيتك حين الحجاجُ أميرٌ.
وإنما استجازت العربُ: أتيتك يوم مات فلان، وآتيتك يوم يقدم فلان؛ لأنهم يريدون: أتيتك إذ قدم، وإذا يقدَم؛ فإذ وإذا لا تطلبان الأسماء، وإنما تطلبان الفعل. فلما كان اليوم والليلة وجميع المواقيت فى معناهما أضيفا إلى فعلَ ويفعَلُ وإلى الاسم المخبر عنه، كقول الشاعر:
[/ب] أزمان من يرد الصنيعة يصطنع * مِننًا، ومن يرد الزهادة يزهد
{ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ }
وقوله عز وجل: {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ...}.
نويت بالفاء أن يكون نسقا على ما قبلها، واختير ذلك لأن الآيات بالنون، فلو قيل: فيعتذورا لم يوافق الآيات. وقد قال الله جل وعز: {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} بالنصب، وكلٌّ صواب. مثله: {مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفهُ} و (فيضاعفَه)، قال، قال أبو عبدالله: كذا كان يقرأ الكسائى، والفراء، وحمزة، (فيضاعفُه).
المعاني الواردة في آيات سورة ( المرسلات )
{ فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ }
وقوله جل وعز: {فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ...}.
إن كان عندكم حيلة، فاحتالوا لأنفسكم.
{ وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ }
وقوله تبارك وتعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ...}.
يقول: إذا أُمروا بالصلاة لم يصلوا.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( النبأ )
{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }
قوله عز وجل: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ... عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ...}.
يقال: عن أى شىء يتساءلون؟ يعنى: قريشا، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: يتساءلون عن النبأ العظيم، يعنى: القرآن. ويقال: عم يتحدث به قريش فى القرآن. ثم أجابَ، فصارت: عم يتساءلون، كأنها [فى معنى]: لأى شىء يتساءلون عن القرآن، ثم إنه أخبر فقال: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ...} بين مصدّق ومكذّب، فذلك اختلافهم. واجتمعت القراء على الياء فى قوله: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ...}. وقرأ الحسن وحده: "كلا ستعلمون" وهو صواب. وهو مثل قوله ـ وإن لم يكن قبله قول ـ : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} وسَيُغْلَبُون.
وقوله: {ثَجَّاجاً} كالعَزَالِى:
{ وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً }
وقوله عز وجل: {وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً...}.
مثل: {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ} {وإذا السماءُ فُرِجَتْ} معناه واحد، والله أعلم. بذلك جاء التفسير.
{ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً }
[/ا] وقوله عز وجل: {لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً...}.
حُدِّثت عن الأعمش أنه قال: بلغنا عن علقمة أنه قرأ "لَبِثين" وهى قراءة أصحاب عبدالله. والناس بعد يقرءون: (لابثين)، وهو أجود الوجهين؛ لأن (لابثين) إذا كانت فى موضع تقع فتنصب كانت بالأف، مثل: الطامع، والباخل عن قليل. واللّبِثُ: البطىء، وهو جائز، كما يقال: رجل طمِعٌ وطامع. ولو قلت: هذا طمِعٌ فيما قبلك كان جائزاً، وقال لبيد:
أوْ مِسْحَلٌ عَملٌ عضادةَ سَمْحَجٍ * بسَرَاتِها نَدَبٌ له وكُلومُ
فأوقع عمل على العضادة، ولو كانت عاملا كان أبين فى العربية، وكذلك إذا قلت للرجل: ضرّابٌ، وضروبٌ فلا توقعنهما على شىء لأنهما مدح، فإذا احتاج الشاعر إلى إيقاعهما فَعَل، أنشدنى بعضهم:
* وبالفأسِ ضرَّابٌ رءوس الكرانفِ *
واحدها: كرِنافة، وهى أصول السقف. ويقال: الحُقْبُ ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، اليوم منها ألف سنة من عدد أهل الدنيا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النبأ )
{ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً }
وقوله عز وجل: {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً...}.
[حدثنا أبو العباس قال]: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى حِبَّان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: لا يذوقون فيها برد الشراب ولا الشراب، وقال بعضهم: لا يذوقون فيها برداً، يريد: نوما، قال الفراء: وإن النوم ليبردُ صاحبه. وإن العطشانَ لينامَ؛ فيبرد بالنوم.
{ جَزَآءً وِفَاقاً }
وقوله عز وجل: {جَزَآءً وِفَاقاً...}.
وفقا لأعمالهم.
{ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً }
وقوله عز وجل: {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً...}.
خففها على بن أبى طالب رحمه الله: "كِذَابا"، وثقلها عاصم والأعمش وأهل المدينة والحسن البصرى.
وهى لغة يمانية فصيحة يقولون: كذبت به كِذَّابا، وخرّقت القميص خِرّاقا، وكل فعّلت فمصدره فِعّال فى لغتهم مشدد، قال لى أعرابى منهم [/ب]: على المروة: آلحلقُ أحب إليك أم القِصَّار؟ يستفتينى.
وأنشدنى بعض بنى كلاب:
لقدْ طالَ ما ثَبَّطْتَنِى عنْ صَحابتىِ * وعن حِوَجٍ قِضَّاؤها من شِفائيا
وكان الكسائى يخفف: {لا يَسْمَعون فِيهَا لغْوا ولا كِذَاباً} ؛ لأنها ليست بمقيدة بفعل يصيرها مصدرا. ويشدّد: {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً... }؛ لأن كذبوا يقيّد الكذِابَ بالمصدر، والذى قال حَسَن. ومعناه: لا يسمعون فيها لغوا. يقول: باطلاً، ولا كذابا لا يكذب بعضهم بعضا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النبأ )
{ رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَانِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً }
وقوله عز وجل: {رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...}.
يخفض فى لفظ الإعراب، ويرفع، وكذلك: {الرَّحْمَانِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً...} يرفع "الرحمنُ" ويخفض فى الإعراب. والرفع فيه أكثر. قال والفراء يخفض: (ربِّ)، ويرفع "الرحمنُ".
المعاني الواردة في آيات
سورة ( النازعات )
{ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً }
وقوله عز وجل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً...} إلى آخر الآيات.
ذكر أنه الملائكة، وأنّ النزع نزعُ الأنفس من صدور الكفار، وهو كقولك: والنازعات إغراقا، كما يُغرِق النازِع فى القوس، ومثله: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً...}. يقال: إنها تقبض نفس المؤمن كما يُنْشطُ العقال مِن البعير، والذى سمعت من العرب أن يقولوا: أنشَطتُ وكأنما أُنشِطَ من عقال، وربطها: نشطها، فإذا ربطتَ الحبلَ فى يد البعير فأنت ناشط، وإذا حللته فقد أنشطته، وأنت منشط.
{ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً }
وقوله عز وجل: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً...}.
الملائكة أيضا، جعل نزولها من السماء كالسباحة. والعرب تقول للفرس الجواد [/ا] إنه لسابح: إذا مرَّ يتمطّى.
{ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً }
وقوله عز وجل: {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً...}.
وهى الملائكة تسبق الشياطين بالوحى إلى الأنبياء إذ كانت الشياطين تسترق السمع.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النازعات )
{ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً }
وقوله عز وجل: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً...}.
هى الملائكة أيضا، تنزل بالحلال والحرام فذلك تدبيرها، وهو إلى الله جل وعز، ولكن لما نزلت به سميت بذلك، كما قال عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}، وكما قال: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ}، يعنى: جبريل عليه السلام نزّله على قلب محمد صلى الله عليهما وسلم، والله الذى أنزله، ويسأل السائل: أين جواب القسم فى النازعات؟ فهو مما ترك جوابُه لمعرفة السامعين، المعنى وكأنه لو ظهر كان: لتبعثُنّ، ولتحاسبُنّ؛ ويدل على ذلك قولهم: إذا كنا عظاما ناخرة
ألا ترى أنه كالجواب لقوله: لتبعثن إذ قالوا: إذا كنا عظاما نخرة نبعث.
{ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ }
وقوله عز وجل: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ...}.
وهى: النفخة الأولى {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ...} وهى: النفخة الثانية.
{ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ }
وقوله عز وجل: {الْحَافِرَةِ...}.
يقال: إلى أمرنا الأول إلى الحياة، والعرب تقول: أتيت فلاناً ثم رجعت على حافرتى، أى رجعت إلى حيث جئت. ومن ذلك قول العرب: النقد عند الحافرة. معناه: إذا قال: قد بعتُك رجعتُ عليه بالثمن، وهما فى المعنى واحد. وبعضهم: النقد عن الحافر. قال: وسألت عنه بعض العرب، فقال: النقد عند الحافر، يريد: عند حافر الفرس، وكأن هذا المثل جرى فى الخيل.
وقال بعضهم: الحافرة الأرض التى تحفر فيها قبورهم فسماها: الحافرة. والمعنى: المحفورة. كما قيل: ماء دافق، يريد: مدفوق.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النازعات )
{ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً }
وقوله: {أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّاخِرَةً...} حدثنا الفراء قال: حدثنى قيس بن الربيع عن السدى عن عمرو بن ميمون قال: سمعت عمر بن الخطاب يقرأ: "إِذا كُنَّا عِظَاماً نَاخِرَةً"، حدثنا الفراء قال: حدثنى الكسائى عن محمد بن الفضل عن عطاء عن أبى عبدالرحمن عن علىّ رحمه الله أنه قرأ "نَخِرَةً"، وزعم فى إسناده هذا: أنّ ابن عباس قرأها "نخرة" [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء] قال: وحدثنى شريك بن عبدالله، ومحمد بن عبدالعزيز التيمى أبو سعيد عن مغيرة عن مجاهد قال شريك: قرأ ابن عباس. "عظاما ناخرة" وقال محمد بإسناده عن مغيرة عن مجاهد. قال: سمعت ابن الزبير. يقول على المنبر: ما بال صبيان يقرءون: (نخرة)، وإنما هى (ناخرة) [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء [ /ب] قال: وحدثنى مندل عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس أنه قرأ: (ناخرة). وقرأ أهل المدينة والحسن: (نخرة) ، و (ناخرة). أجود الوجهين فى القراءة، لأن الآيات بالألف. ألا ترى أن (ناخرة) مع (الحافرة) و (الساهرة) أشبه بمجىء التنزيل، و (الناخرة) و (النخرة) سواء فى المعنى؛ بمنزلة الطامع والطمِع، والباخل والبخِل. وقد فرق بعض المفسرين بينهما، فقال: (النخرة): البالية، و (الناخرة): العظمُ المجوف الذى تمر فيه الريخ فينخر.
{ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ }
وقوله عز وجل: {فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ...}.
وهو وجه الأرض، كأنها سميت بهذا الإسم، لأن فيها الحيوان: نومَهم، وسهرهم [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء، قال: حدثنى حِبَّان بن على عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال: (الساهرة): الأرض، وأنشد:
ففيها لحمُ ساهرةٍ وبحرٍ * ومَا فاهوُا به لهمُ مُقِيمُ
{ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى }
وقوله عز وجل: {طُوًى...}.
هو واد بين المدينة ومصر، فمن أجراه قال: هو ذكرٌ سمينا به ذكراً، فهذا سبيل ما يُجْرى، ومن لم يجره جعله معدولا [/ا] عن جهته. كما قال: رأيت عمر، وذفر، ومضر لم تصرف لأنها معدولة عن جهتها، كأن عمر كان عامراً، وزفر زافراً، وطوى طاوٍ، ولم نجد اسماً من الياء والواو عدل عن جهته غير طوى، فالإجراء فيه أحب إلىّ: إذ لم أجد فى العدول نظيراً.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النازعات )
{ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى }
وقوله عز وجل: {نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى...}.
إحدى الكلمتين قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى} والأخرى قوله: {أَنَا رَبُّكُم الأعْلَى} .
وقوله جل وعز: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى}.
أى: أخذه الله أخذاً نكالاً للآخرة والأولى.
{ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا }
وقوله تبارك وتعالى: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ...}.
يعنى: أهل مكة ثم وصف صفة السماء، فقال: بناها.
{ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا }
وقوله عز وجل: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا...}. أظلم ليلها.
وقوله جل وعز: {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا...}. ضوءها ونهارها.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النازعات )
{ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }
وقوله تبارك وتعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا...}.
يجوز نصب الأرض ورفعها. والنصب أكثر فى قراءة القراء، وهو مثل قوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنازِلَ}، مع نظائر كثيرة فى القرآن.
{ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }
وقوله عز وجل: {مَتَاعاً لَّكُمْ...}.
خلق ذلك منفعة لكم، ومتعة لكم، ولو كانت متاع لكم كان صوابا، مثل ما قالوا: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنْ نَهَارٍ بَلاَغٌ}، وكما قال: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وهو على الاستئناف يُضْمَر له ما يرفعه.
{ فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى }
وقوله عز وجل: {فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ...}.
وهى القيامة تطم على كل شىء، يقال: تَطِمُ وتطُمُّ لغتان.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النازعات )
{ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }
وقوله تبارك وتعالى، {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى...}.
مأوى أهل هذه الصفة، وكذلك قوله: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى...}.
مأوى مَن وصفناه بما وصفناه به من خوف ربه ونهيه [/ب] نفسه عن هواها.
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا }
وقوله عز وجل: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا...}.
يقول القائل: إنما الإرساء للسفينة والجبال، وما أشبههن، فكيف وصفت الساعةُ بالإِرساءِ؟ قلت: هى بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست، ورسوّها قيامها، وليس قيامها كقيام القائم على رجلِه ونحوه، إنما هو كقولك: قد قام العدل، وقام الحق، أى: ظهر وثبت.
{ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا }
وقوله عز وجل: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا...}.
أضاف عاصم والأعمش، ونوّن طلحة بن مصرف وبعض أهل المدينة، فقالوا: "منذرٌ من يخشاها"، وكلٌّ صواب وهو مثل قوله: "بَالِغٌ أَمْرِه" ، و "بَالِغُ أمْرِه" و "مُوهِنٌ كَيْدَ الْكافِرِين" و {موهنُ كيدِ الكَافرِينَ} مع نظائر له فى القرآن.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النازعات )
{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا }
وقوله تبارك وتعالى: {إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا...}.
يقول القائل: وهل للعشى ضحا؟ إنما الضحا لصدر النهار، فهذا بيّن ظاهر من كلام العرب أن يقولوا: آتيك العشية أو غداتها، وآتيك الغداة أو عشيتها. تكون العشية فى معنى: آخِر، والغداة فى معنى: أول، أنشدنى بعض بنى عقيل:
نحن صبحنا عامراً فى دارها * عشية الهلال أو سَرارِها
أراد عشية الهلال أو عشية سَرار العشية، فهذا أسد من آتيك الغداة أو عشيتها.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( عبس )
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَآءَهُ الأَعْمَى }
[/ا] قوله عز وجل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى... أَن جَآءَهُ الأَعْمَى...}
ذلك عبدالله بن أم مكتوم وكانت أم مكتوم أم أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نفر من أشراف قريش ليسألوا عن بعض ما ينتفع به، فكرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع كلامه؛ فأنزل الله تبارك وتعالى، {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، يعنى: محمداً صلى الله عليه وسلم، {أَن جَآءَهُ الأَعْمَى}، لأن جاءَه الأعمى.
{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى }
ثم قال جل وعز: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى...}.
بما أرد أن يتعلَّمه من عِلْمِك، فعطف النبى صلى الله عليه وسلم على أن ابن أم مكتوم، وأكرمه بعد هذه الآية حتى استخلفه على الصلاة، وقد اجتمع القراءُ على: {فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى...} بالرفع، ولو كان نصباً على جواب الفاء للعلّ ـ كان صوابا.
أنشدنى بعضهم:
علَّ صروفَ الدَّهر أو دولاتِها * يُدلْنَنَا اللَّمَّة من لَمّاتها
فتستريحَ النفس من زفْراتها * وتُنْقعَ الغلَّةُ من غُلاتها
وَقد قرأ بعضهم: "أأن جاءَه الأعمى" بهمزتين مفتوحتين، أى: أن جاءَه عبس، وهو مثل قوله: "أأنْ كان ذا مالٍ وبَنِينَ".
{ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى }
وقوله عز وجل: {فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى...}.
ولو قرأ قارىءٌ: "تَصَدّى" كان صوابا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( عبس )
{ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ }
وقوله عز وجل: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ...}.
هذه السورة تذكرة، وإن شئت جعلت الهاء عماداً لتأنيث التذكرة.
{فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ...}.
ذكر القرآن رجع التذكير إلى الوحى.
{فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ...}.
لأنها نزلت من اللوح المحفوظ مرفوعة عند ربك هنا لك مطهرة، لا يمسها إلا المطهرون، وهذا مثل قوله: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً}.
جعل [/ب] الملائكة والصحف مطهرة؛ لأن الصحف يقع عليها التطهير، فجعل التطهير لمن حملها أيضاً.
{ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ }
وقوله عز وجل: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ...}.
وهم الملائكة، واحدهم سافر، والعرب تقول: سفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحى الله تبارك وتعالى وتأديبه كالسفير الذى يصلح بين القوم، قال الشاعر
وما أدعُ السِّفارةَ بينَ قومى * وما أمْشى بغشٍّ إن مَشَيْتُ
والبررة: الواحد منهم فى قياس العربية بار؛ لأن العرب لا تقول: فَعَلة يَنْووُنَ به الجمع إلا والواحد منه فاعل مثل: كافر وكفرة، وفاجر فجرة. فهذا الحكم على واحده بار، والذى تقول العرب: رجل بَرّ، وامرأة برة، ثم جمع على تأويل فاعل، كما قالوا: قوم خَيَرَة بَرَرَة. سمعتها من بعض العرب، وواحد الخَيرَة: خيّر، والبررة: برٌّ. ومثله: قوم سَراةٌ، واحدهم: سِرىّ. كان ينبغى أن يكون ساريا. والعرب إذا جمعت: ساريا جمعوه بضم أوله فقالوا: سُراة وغُزاة. فكأنهم إذ قالوا: سُرَاة: كرهوا أن يضموا أوله. فيكون الواحد كأنه سارٍ، فأرادوا أن يفرقوا بفتحة أول سَراةٍ بين: السرىّ والسارى.
{ قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ }
وقوله عز وجل: {مَآ أَكْفَرَهُ...}.
يكون تعجبا، ويكون: ما الذى أكفره؟ وبهذا الوجه الآخر جاء التفسير، ثم عجّبه، فقال {مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ...} ثم [/ا] فسّر فقال: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ...} أطورا نطفة، ثم علقة إلى آخر خلقِه، وشقيا أو سعيدا، وذكرا أو أنثى.
المعاني الواردة في آيات سورة ( عبس )
{ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ }
وقوله عز وجل: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ...}.
معناه: ثم يسره للسبيلِ، ومثله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}، أى: أعلمناه طريق الخير وطريق الشر.
{ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ }
وقوله عز وجل: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ...}.
جعله مقبورا، ولم يجعله ممن يُلقَى للسباع والطير، ولا ممن يلقى فى النواويس، كأن القبر مما أكرم المسلم به، ولم يقل: فقبره؛ لأنّ القابر هو الدافن بيده، والمُقبِر: الله تبارك وتعالى؛ لأنه صيره ذا قبر، وليس فعله كفعل الآمى. والعرب تقول: بترتُ ذنب البعير، والله أبتره. وعضبت قرن الثور، والله أعضبه، وطردت فلانا عنى، والله أطرده صيّره طريدا، ولو قال قائل: فقبره، أو قال فى الآدمى: أقبره إذا وجهه لجهته صلح، وكان صوابا؛ ألا ترى أنك تقول: قتل فلان أخاه، فيقول الآخر: الله قتله. والعرب تقول: هذه كلمة مُقتلة مُخيفة إذا كانت من قالها قُتِل قيلت هكذا، ولو قيل فيها: قاتلة خائفة كان صوابا، كما تقول: هذا الداء قاتلك.
{ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ }
وقوله تبارك وتعالى: {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ...}.
لم يقض بعض ما أمره.
المعاني الواردة في آيات سورة ( عبس )
{ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً }
وقوله عز وجل: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً...}.
قرأ الأعمش وعاصم (أنا) يجعلانها فى موضع خفض أى: فلينظر إلى صبِّنَا الماء إلى أن صَبَبْنا، وفعلنا وفعلنا. وقرأ أهل الحجاز والحسن البصرى: (إنا) يخبر عن صفة الطعام بالاستئناف، وكلٌّ حسن، وكذلك قوله جل وعز: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقبةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ}، و {إِنا دمرناهم}. وقد يكون موضع "أنا" ها هنا فى (عبس) إذا فتحتْ رفعا كأنه استأنف فقال: طعامُه، صَبُّنا الماء، وإنباتُنا كذا وكذا.
{ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً }
وقوله تبارك وتعالى: {حَبّاً...}.
الحب: كل الحبوب: الحنطة والشعير، وما سواهما. والقضب: الرَّطبةُ، وأهل مكة يسمون القتَّ: القضب. والحدائق: كل بستان كان عليه حائط فهو حديقة. وما لم يكن عليه حائط لم يُقَل: حديقة. والغُلْب: ما غلظ من النخل. والأبّ: ما تأكله الأنعام. كذلك قال ابن عباس.
{ مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }
وقوله تبارك وتعالى: {مَّتَاعاً لَّكُمْ...}.
أى: خلقناه متعةً لكم ومنفعة. ولو كان رفعا جاز على ما فسرنا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( عبس )
{ فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ }
وقوله عز وجل: {الصَّآخَّةُ...}: القيامة.
{ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ }
وقوله عز وجل: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ...}.
يفر من أخيه: من، وعن فيه سواء.
{ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }
وقوله عز وجل: {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ...}.
أى: يشغله عن قرابته، وقد قرأ بعض القراء: "يعنيه" وهى شاذة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( عبس )
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ }
وقوله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ...}.
مشرقة مضيئة، وإذا ألقت المرأة نقابها، أو برقعها قيل: سفرت فهى سافرٌ، ولا يقال: أسفرت.
{ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ }
وقوله عز وجل: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ...}.
ويجوز فى الكلام: قَتْرة بجزم التاء. ولم يقرأ بها أحدٌ.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( التكوير )
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }
قوله عز وجل: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ...} ذهب ضوءُها.
{ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ }
وقوله تبارك وتعالى: [/ا] {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ...}.
أى: انتثرت وقعت على وجه الأرض.
{ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ }
وقوله جل وعز: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ...}.
والعشار: لُقُح الإبل عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم.
المعاني الواردة في آيات سورة ( التكوير )
{ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ }
وقوله عز وجل: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ...}.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو الأحوص سلام إبن سليم عن سعيد بن مسروق عن عكرمة قال: حشرها: موتها.
{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ }
وقوله عز وجل: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ...}.
أفضى بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا.
{ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }
وقوله عز وجل: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ...}.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بن مسروق أبى سفيان عن عكرمة فى قوله: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} قال: يقرن الرجل بقرينه الصالح فى الدنيا فى الجنة، ويقرن الرجل الذى كان يعمل العمل السيء بصاحبه الذى كان يعينه على ذلك فى النار، فذلك تزويج الأنفس. قال الفراء: وسمعت بعض العرب يقول: زوجت إبلى، ونهى الله أن يقرن بين اثنين، وذلك أن يقرن البعير بالبعير فيعتلفان معا، ويرحلان معا.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى حِبَّان عن الكلبى عن أبى صالح عن أبيه عن ابن عباس، وحدثنى على بن غراب عن ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ... بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ...} وقال: هى التى تسأل ولا تسأل
وقد يجوز أن يَقرأ: {بِأىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}، والمعنى: بأى ذنب قُتِلْتُ. كما تقول فى الكلام: عبدالله بأى ذنب ضرِبَ، وبأى ذنب ضُرِبْتُ. وقد مرّ له نظائر من الحكاية، من ذلك [/ب] قول عنترة:
الشاتِمى عِرضى ولم أشتمها * والناذرين إذا لقيتهما دمى
والمعنى: أنهما كانا يقولان: إذا لقينا عنترة لنقتلنه. فجرى الكلام فى شعره على هذا المعنى واللفظ مختلف، وكذلك قوله
رَجْلان من ضَبة أخبرانا * إنا رأينا رجلا عريانا
والمعنى: أخبرانا أنهما، ولكنه جرى على مذهب القول، كما يقول: قال عبدالله: إنه إنه لذاهب وإنى ذاهب، والذهاب له فى الوجهين جميعا.
ومن قرأ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ...} ففيه وجهان: سئلتْ: فقيل لها: {بِأَىِّ ذَنب قُتلتِ...} ثم يجوز قُتلتْ. كما جاز فى المسألة الأولى، ويكون سئلت: سئل عنها الذين وأدُوها. كأنك قلت: طلبتْ منهم، فقيل: أين أولادُكم؟ وبأى ذنب قتلتموهم؟ وكل الوجوه حسنٌ بيّنٌ إِلاَّ أن الأكثر (سُئلتْ) فهو أحبُّها إلىّ.
المعاني الواردة في آيات سورة ( التكوير )
{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ }
وقوله عز وجل: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ...}.
شدّدها يحيى بن وثاب، وأصحابه، وخففها آخرون من أهل المدينة وغيرهم. وكلٌّ صواب، قال الله جل وعز: {صُحُفاً مُّنَشَّرَةً}، فهذا شاهد لمن شدّد، ومنشورة عربى، والتشديد فيه والتخفيف لكثرته، وأنه جمع؛ كما تقول: مررت بكباش مذبّحة، ومذبوحةٍ، فإذا كان واحدا لم يجز إلا التخفيف، كما تقول: رجل مقتول، ولا تقول: مُقَتَّل.
{ وَإِذَا السَّمَآءُ كُشِطَتْ }
وقوله جل وعز: {وَإِذَا السَّمَآءُ كُشِطَتْ...}.
نُزعت وطويت، وفى [/ا] قراءة عبدالله: "قشطت" بالقاف، وهما لغتان، والعرب تقول: القافور والكافور، والقَفُّ والكَفُّ ـ إذا تقارب الحرفان فى المخرج تعاقبا فى اللغات: كما يقال: جدف، وجدث، تعاقبت الفاء الثاء فى كثير من الكلام، كما قيل: الأثافى والأثائى، وثوب فُرْقبى وثُرقبى، ووقعوا فى عاثورِ شَرّ، وعافور شر.
{ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ }
وقوله عز وجل: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ...}.
خففها الأعمش وأصحابه، وشددها الآخرون.
المعاني الواردة في آيات سورة ( التكوير )
{ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ }
وقوله تبارك وتعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ ...}.
جواب لقوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ولما بعدها، {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} قربت.
{ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ }
وقوله عز وجل: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ...}.
وهى النجوم الخمسة تَخنُس فى مجراها، ثم ترجع وتكنِس: تستتر كما تكنس الظباء فى المغار، وهو الكِناسُ. والخمسة: بَهرام، وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرة، والمشترى.
وقال الكلبى: البِرْجيس: يعنى المشترى.
{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ }
وقوله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ...}.
اجتمع المفسرون: على أن معنى "عسعس": أدبر: وكان بعض أصحابنا يزعم أن عسعس: دنا من أوله وأظلم، وكان أبو البلاد النحوى ينشد فيه
عَسْعَسَ حتى لو يشاءُ ادّنا * كان له من ضوئهِ مَقْبسُ
يريد: إذ دنا، ثم يلقى همزة إذ، ويُدغم الذال فى الدال، وكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع.
المعاني الواردة في آيات سورة ( التكوير )
{ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ }
وقوله: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ...}.
إذا ارتفع النهار، فهو تنفس الصبح.
{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }
وقوله عز وجل: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَريمٍ...}.
يعنى: جبريل صلى الله عليه، وعلى جميع الأنبياء.
{ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ }
وقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ...} [/ب].
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبى النجود عن زر بن حبيش قال: أنتم تقرءون: (بضنين) ببخيل، ونحن نقرأ (بظنين) بِمتَّهم. وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت(بضنين) وهو حسن، يقول: يأتيه غيب السماء، وهو منفوس فيه فلا يضن به عنكم، فلو كان مكان: على ـ عن ـ صلح أو الباء كما تقول: ما هو بضنين بالغيب. والذين قالوا: بظنين. احتجوا بأن على تقوّى قولهم، كما تقول: ما أنت على فلان بمتهم، وتقول: ما هو على الغيب بظنين: بضعيف، يقول: هو محتمل له، والعرب تقول للرجل الضعيف أو الشىء القليل: هو ظنون. سمعت بعض قضاعة يقول: ربما دلّك على الرأى الظنون، يريد: الضعيف من الرجال، فإن يكن معنى ظنين: ضعيفاً، فهو كما قيل: ماءٌ شريب، وشروب، وقرونى، وقرينى، وسمعت: قرونى وقرينى، وقرُونتى وقرينتى ـ إلا أنّ الوجه ألاّ تدخِل الهاء. وناقة طعوم وطعيم، وهى التى بين الغثّة والسمينة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( التكوير )
{ فَأيْنَ تَذْهَبُونَ }
وقوله عز وجل: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ...}.
العرب تقول: إلى أينَ تذهب؟ وأينَ تذهب؟ ويقولون: ذهبت الشامَ، وذهبت السوق، وانطلقت الشام، وانطلقت السوق، وخرجت الشام ـ سمعناه فى هذه الأحرف الثلاثة: خرجت، وانطلقت، وذهبت. وقال الكسائى: سمعت العرب تقول: انطُلِقَ به الفورَ، فتنصب على معنى إلقاء الصفة، وأنشدنى بعض بنى عُقَيل.
تَصيحُ بنا حَنيفةُ إذ رأتنا * وأىّ الأرض تذهبُ للصِّياح
يريد: إلى أى الأرض تذهب [/ا] واستجازوا فى هؤلاء الأحرف إلقاءَ (إلى) لكثرة استعمالهم إياها.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الانفطار )
{ إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ }
قوله عز وجل: {إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ...}: انشقت.
{ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ }
وقوله جل وعز: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ...}.
خرج ما فى بطنها من الذهب والفضة، وخرج الموتى بعد ذلك، وهو من أشراط الساعة: أن تخرج الأرضُ أفلاذَ كبدها من ذهبها وفضتها. قال الفراء: الأفلاذ القِطَعُ من الكبد المشرح والمشرحة، الواحد فلِذٌ، وفِلْذةٌ.
{ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ }
وقوله تبارك وتعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ} من عملها {وَأَخَّرَتْ...}.
وما أخرت: ما سنت من سنة حسنة، أو سيئة فعُمل بها.
وجواب: {إذا السَّماء انفطَرتْ} قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الانفطار )
{ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ }
وقوله جل وعز: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ...}.
قرأها الأعمشُ وعاصم: "فَعَدَلك" مخففة. وقرأها أهل الحجاز: "فعدَّلك" مشددة. فمن قرأها بالتخفيف فوجهه والله أعلم: فصرفكَ إلى أىِّ صورةٍ شاءَ إما: حَسَنٌ، أو قَبيحٌ، أو طويل، أو قصير.
قال: [حدثنا الفراء قال]: وحدثنى بعض المشيخة عن ليثٍ عن ابن أبى نَجِيح أنه قال: فى صورة عمٍّ فى صورة أبٍ، فى صورة بعض القرابات تشبيها.
ومن قرأ: "فعدَّلك" مشددة، فإنه أراد ـ والله أعلم: جعلك معتدلا معدّل الخلق، وهو أعجب الوجهين إِلىّ، وأَجودُهما فى العربية؛ لأنك تقول: فى أى صورة ما شاء ركبك، فتجعل ـ فى ـ للتركيب أقوى فى العربية من أن يكون فى للعدل؛ [/ب] لأنك تقول: عَدَلتك إلى كذا وكذا، وصرفتك إلى كذا وكذا، أجود من أن تقول: عَدلتك فيه، وصَرفتك فيه.
{ كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ }
وقوله جل وعز: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ...}.
بالتاء، وقرأ بعض أهل المدينة بالياءِ، وبعضهم بالتاءِ، والأعمشُ وعاصمٌ بالتاء، والتاء أحسنُ الوجهين لقوله: "وإِنَّ عَلَيكُم" ولم يقل: عليهم.
{ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ }
وقوله جل وعز: {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ...}.
يقول: إذا دخلوها فليسوا بمُخْرَجين منها. اجتمع القراء على نصب {يَوْمَ لا تَمْلِكُ} والرفع جائز لو قُرِىءَ به. زعم الكسائى: أن العرب تُؤثر الرفعَ إذا أضافوا اليوم إلى يفعل، وتفعلُ، وأفعلُ، ونفعلُ فيقولون: هذا يومُ نفعلُ ذاك، وأفعل ذاك، ونفعلُ ذاك. فإذا قالوا: هذا يومَ فعلتَ، فأضافوا يوم إلى فعلتُ أو إلى إِذْ آثروا النصب، وأنشدونا:
عَلى حينَ عاتبْتُ المشيبَ على الصِّبا * وقُلتُ أَلَمَّا تَصْحُ والشَّيبُ وازِعُ؟
وتجوز فى الياءِ والتاءِ ما يجوز فى فعلت، والأكثر ما فسّر الكسائى.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( المطففين )
{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ }
قوله عز وجل: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ...}.
نزلت أول قدوم النبى صلى الله عليه إلى المدينة، فكأن أهلها إذا ابْتاعوا كَيْلاً أو وزناً استوفَوْا وأفرطوا. وإذا باعوا كيلا أو وزناً نقَصُوا؛ فنزلت {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} فانتهَوْا، فهم أوفى الناس كيْلاً إلى يومهم هذا.
[قال] قال الفراء: ذُكِرَ أن "ويل" وادٍ فى جهنم، والويل الذى نعرف.
{ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ }
وقوله عز وجل: {اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ...}.
يريد: اكتالوا من الناس، وهما تعتقبان: عَلَى ومِن ـ فى هذا الموضع؛ لأنه حقّ عليه؛ فإذا قال: اكتلتُ عليك، فكأنه قال: أخذتُ ما عليك، وإذا قال: اكتلت منك، فهو كذلك: استوفيت منك.
{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }
وقوله عز وجل: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ...}.
الهاء فى موضع نصب، تقول: قد كِلتك طعاما كثيرا، وكِلتنى مثله. تريد: كِلتَ لى، وكِلتُ لك، وسُمِعَت أعرابية تقول: إذا صَدَرَ الناس أتينا التاجر، فيكيلنا المُدَّ والمُدَّين إلى الموسم المقبل، فهذا شاهد، وهو من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم من قيس.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المطففين )
{ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }
وقوله عز وجل: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ...}.
هو تفسير اليوم المخفوض لمّا ألقى اللام من الثانى ردّه إلى "مبعوثونَ، يومَ يقومُ النّاسُ" فلو خفضت يومَ بالرَّد على اليوم الأوَّلِ كان صوابا.
وقد تكونُ فى موضع خفض إلاَّ أنها أضيفت إلى يفعلُ، فنصبت إذ أضيفت إلى غير محضٍ، ولو رفع على ذلك {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ} كما قال الشاعر:
فَكُنْتُ كذى رِجْلين: رجلٌ صحيحةٌ * وأخرى رمَى فيها الزَّمانُ فَشَلَّتِ
{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ }
وقوله عز وجل: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِِجِّينٌ...}.
ذكروا أنها الصخرة التى تحت الأرض، ونرى أنه صفة من صفاتها؛ لأنه لو كان لها اسما لم يجر.
وإِن قلت: أجريتُه لأنى ذهبت بالصخرة إلى أنها الحجر الذى فيه الكتاب كان وجها.
{ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }
وقوله عز وجل: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ...}.
يقول: كثرت المعاصى والذنوب منهم، فأَحاطت بقلوبهم فذلك الرَّين عليها. وجاء فى الحديث: ان عمرَ بن ِالخطاب رحمه الله، قال للأسيفع أصبَح قدرِين به. يقول: قد أحاط بماله [/ب]، الدين وأنشدنى بعض العرب:
* لم ترو حتى هجرت ورين بى *
يقول: حتى غُلبتُ من الإعياء، كذلك غلبَةُ الدَّينِ، وغلبةُ الذنوبِ.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المطففين )
{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ }
وقوله عز وجل: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ...}.
يقول القائل: كيف جمعت (عِلِّيون) بالنون، وهذا من جمع الرجال؛ فإن العرب إذا جمعت جمعا لا يذهبون فيه إلى أن له بناءً من واحد واثنين، فقالوه فى المؤنث، والمذكر بالنون، فمن ذلك هذا، وهو شىء فوق شىء غير معروف واحده ولا أثناه.
وسمعتُ بعضَ العرب يقول: أَطْعَمَنا مرقة مَرَقَيْن يريد: الألحُمَ إذا طبخت بمرق.
قال، وقال الفراء مرة أخرى: طبخت بماء واحد. قال الشاعر:
قد رَوِيَتْ إلا الدُّهَيْدِهينَا * قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرينَا
فجمع بالنون؛ لأنه أراد: العدد الذى لا يُحَدُّ، وكذلك قول الشاعر:
فأصبحت المذَاهِبُ قد أذاعت * بِهَا الإعصارُ بعد الوابلينا
أراد: المطر بعد المطر غير محدود. ونرى أن قول العرب:
عشرون، وثلاثون؛ إذ جعل للنساء وللرجال من العدد الذى يشبه هذا النوع، وكذلك عليّون: ارتفاعٌ بعد ارتفاع؛ وكأنه لا غاية له.
{ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ }
وقوله عز وجل: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ...}.
يقول. بريق النعيم ونداء، والقراء مجتمعون على (تعرف) إلا أبا جعفر المدنى؛ فإنه قرأ: "تُعرَفُ فى وجُوهِهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيم"، و "يُعرف" أيضا يجوز؛ لأنّ النَّضْرَةَ اسمٌ مؤنثٌ مأخوذ من فعلٍ وتذكير فعله قبله [/ا] وتأنيثه جائزان.
مثل قوه: {وأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} وفى موضع آخر: {وأخذَت}.
{ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }
وقوله عز وجل: {خَاتَمُهُ مِسْكٌ...}.
قرأ الحسنُ وأهل الحجاز وعاصم والأعمش "ختامه مسك". حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: [و] حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السَّائب عن أبى عبدالرحمن عن علىّ أنه قرأ "خَاتَمُهُ مِسْكٌ" [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء قال: [و] حدثنى أبو الأحوص عن أشعث بن أبى الشعناء المحاربى قال: قرأ علقمة بن قيس" خاتَمُهُ مِسْكٌ". وقال: أما رأيت المرأة تقول للعطار: اجعل لى خاتمه مسكا تريد: آخره، والخاتم والختام متقاربان فى المعنى، إلا أن الخاتم: الاسم، والختام: المصدر، قال الفرزدق:
فَبِتْنَ جنابَتىَّ مُصَرَّعَاتٍ * وبِتُّ أفُضُّ أَغْلاَقَ الخِتامِ
ومثل الخاتم، والختام قولك للرجل: هو كريم الطابع، والطباع، وتفسيره: أنّ أحدهم إذا شرب وجد آخر كأسه ريح المسك.
المعاني الواردة في آيات سورة ( المطففين )
{ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ }
وقوله عز وجل: {وَمِزَاجُهُ...}.
مزاج الرحيق {مِن تَسْنِيمٍ...} من ماء يتنزل عليهم من مَعالٍ. فقال: {من تسنيم، عيناً} تتسنمهم عينا فتنصب (عينا) على جهتين: إحداهما أن تنوِىَ من تسنيمِ عينٍ، فإذا نونت نصبت. كما قرأ من قرأ {أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ، يتيماً}، وكما قال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً}، وكما قال من قال: {فَجَزَاءٌ مِثْلَ ما قَتلَ مِنَ النِّعمِ} والوجه الآخر: أَن تَنْوِىَ من ماء سُنِّم عينا.
كقولك رفع عينا يشرب بها، وإن [لم] يكن التسنيم اسماً للماء فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كان اسماء للماء فالعين معرفة، فخرجت أيضا نصبا.
{ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ }
وقوله جل وعز: {فَاكِهِينَ...}: مُعجَبين، وقد قرِىء: "فَكِهين"
وكلّ صواب مثل: طمِع وطامع.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الانشقاق )
{ إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ }
قوله عز وجل: {إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ...}.
تشقق بالغمام.
{ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }
وقوله عز وجل: [/ب] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ...}.
سمعت وحق لها ذلك. وقال بعض المفسرين: جواب {إِذا السّماء انشقت} قوله: {وأذنت} ونرى أنه رأى ارتآه المفسر، وشبهه بقول الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُها} لأنا لم نسمع جواباً بالواو فى" إذ" مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا فى "إذا" إذا ابتدئت، وإنما تجيب العرب بالواو فى قوله: حتى إذا كان، و "فلما أن كان" لم يجاوزوا ذلك.
قال الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِن كلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، واقْتَرَبَ} بالواو، ومعناه: اقترب. والله أعلم. وقد فسرناه فى غير هذا الموضع.
{ وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ }
وقوله عز وَجل: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ...}.
بسطت ومُدِّدت كما يمدّد الأديم العكاظى والجواب فى: {إذا السماءُ انشقَّت}، وفى {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ} كالمتروك؛ لأنَّ المعنى معروف قد تردّد فى القرآن معناه فعرف. وإن شئت كان جوابه: يأيها الإنسان. كقول القائل: إذا كان كذا وكذا فيأيها الناس ترون ما عملتم من خير أو شر. تجعل يأيها الإنسان هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، وقد فسِّر جواب: إذا السماء ـ فيما يلقى الإنسان من ثواب وَعقاب ـ وكأن المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا انشقت السماء.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الانشقاق )
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ }
وقوله جل وعز: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ...}.
يقال: إن أيمانهم تُغل إلى أعناقهم، وتكون شمائلهم وراءَ ظهورهم.
{ فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً }
وقوله عز وجل: {فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً...}.
الثبور أن يقول: واثبوراه، واويلاه، والعرب تقول: فلان يدعو لَهَفه إذا قال: والهَفَاه.
{ وَيَصْلَى سَعِيراً }
وقوله: {وَيَصْلَى سَعِيراً...}.
قرأ الأعمش وعاصم: "ويَصْلَى"، وقرأ الحسن والسلمى وبعض أهل المدينة: "ويُصَلَّى" وقوله: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}.
يشهد للتشديد لمن قرأ "ويُصَلَّى" ، و "يَصْلى" أيضاً جائز لقول الله عز وجل: {يَصْلَوْنَها}، و {يَصْلاَها}. وكل صواب واسع [/ا].
المعاني الواردة في آيات سورة ( الانشقاق )
{ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً }
وقوله عز وجل: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ... بَلَى...}.
أن لن يعود إلينا إلى الآخرة. بلى ليحورَنَّ، ثم استأنف فقال: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً...}.
{ فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ }
وقوله عز وجل: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ...}.
والشفق: الحمرة التى فى المغرب من الشمس [حدثنا أبو العباس قال:] حدثنا محمد قال: حدثنا الفراءُ قال: حدثنى ابن أبى يحيى عن حسين بن عبدالله بن ضُمَيرة عن أبيه عن جده رفعه قال: الشفق: الحمرة. قال الفراء: وكان بعض الفقهاء يقول: الشفق: البياض لأنّ الحمرة تذهب إذا أظلمت، وإنما الشفق: البياض الذى إذا ذهب صُلِّيت العشاء الآخرة، والله أعلم بصواب ذلك. وسمعْتُ بعض العرب يقول: عليه ثوبٌ مصبوغ كأنه الشفق، وكان أحمر، فهذا شاهد للحمرة.
{ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ }
وقوله عز وجل: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ...}: وما جمع.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الانشقاق )
{ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ }
وقوله تبارك وتعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ...}.
اتساقه: امتلاؤه ثلاث عشرة إلى ست عشرة فيهن اتساقه.
{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ }
وقوله عز وجل: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ...}.
[حدثنا أبو العباس قال: ] حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى قيس بن الربيع عن أبى إسحاق: أن مسروقا قرأ: "لتركَبنَّ يا محمد حالاً بعد حال" وذُكر عن عبدالله بن مسعود أنه قرأ "لَتركبَنّ" وفسر "لتركبَن" السماء حالاً بعد حال.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال:]، حدثنا الفراء قال: و حدثنى سفيان بن عيينة عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ "لتركبَنَّ" وفسر: لَتصِيرَن الأمورُ حالا بعد حال للشدة. والعرب تقول: وقع فى بناتِ طبق، إذا وقع فى الأمر الشديد، فقد قرأ هؤلاء: "لتركبَن" واختلفوا فى التفسير. وقرأ أهل المدينة وكثير من الناس: "لتركبُن طَبَقاً" يعنى: الناس عامة! وَالتفسير: الشدة وقال بعضهم فى الأول: لتركبَن أنت يا محمد سماءً بعد سماء، وَقرئت: "لَيَرْكَبُنَّ طبَقاً عنْ طَبَقٍ" وَمعانيهما معروفة، "لتركبُنَّ"، كأنه خاطبهم، "وَلَيَرْكبُنَّ" أخبر عنهم.
{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ }
وقوله عز وجل: {بمَا يُوعُونَ...}.
الإيعاء: ما يجمعون فى صدورهم من التكذيب والإثم. والوعى لو قيل: وَالله أعلم بما يوعون [/ب] لكَان صوابا، ولكنه لا يستقيم فى القراءَة.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( البروج )
{ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ }
قوله عز وجل: {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ...}.
اختلفوا فى البروج، فقالوا: هى النجوم، وقالوا: هى البروج التى تجرى فيها الشمس والكواكب المعروفة: اثنا عشر برجاً، وَقالوا: هِى قصور فى السماءِ، والله أعلم بصواب ذلك.
{ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ }
وقول جل وَعز: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ...}.
ذكروا أنه القيامة، {وَشَاهِدٍ...} يوم الجمعة، {وَمَشْهُودٍٍ...} يوم عرفة، وَيقال: الشاهد أيضاً يوم القيامة، فكأنه قال: واليوْم الموعوْد وَالشاهد، فيجعلُ الشاهد من صلة الموعود، يتبعه فى خفضه.
{ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ }
وقوله جل وعز: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ...}.
يقال فى التفسير: إن جواب القسم فى قوله: "قُتِلَ"، كما كان جواب {وَالشّمسِ وَضُحَاها} فى قوله! {قَدْ أفْلَحَ}: هذا فى التفسير، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يُسْتَقْبَل بها أو "لا" أو "إن" أو "ما" فإن يكن كذلك فكأنه مما ترك فيه الجواب: ثم استؤنف موضع الجواب بالخير، كما قيل: يأيها الإنسان فى كثير من الكلام.
وقوله جل وعز: {الأُخْدُودِ...}.
كان مالك خدّ لقوم أخاديد فى الأرض، ثم جمع فيها الحطب، وألهب فيها النيران، فأحرق بها قوما وقعد الذين حفروها حولها، فرفع الله النار إلى الكفرة الذين حفروها فأحرقتهم، ونجا منها المؤمنون، فذلك قوله عز وجل: {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} فى الآخرة {وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ} فى الدنيا. ويقال: إنها أحرقت من فيها، ونجا الذين فوقها.
واحتج قائل هذا بقوله: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} ، والقول الأول أشبه بالصواب، وذلك لقوله: {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهنَّمَ، ولَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} ولقوله فى صفة الذين آمنوا {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} ، يقول: فازوا من عذاب الكفار، وعذاب الآخرة، فأكْبِر به فوزا.
وقوله عز وجل: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ...}.
يقول: قتلهم النار، ولو قرئت: "النارُ ذاتُ الوَقُودِ"، بالرفع كان صوابا، وقرأ أبو عبدالرحمن السُّلْمّى، {وكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهم}. رفع الشركاء بإعادة الفعل: زينه لهم شركاؤهم. كذلك قوله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} قتلتهم النار ذات الوقود. ومن خفض: "النارِ ذاتِ الْوَقُودِ" وهى فى قراءة العوام ـ جعل النار هى الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قال: قتل أصحاب النار ذات الوقود.
المعاني الواردة في آيات سورة ( البروج )
{ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ }
وقوله عز وجل: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ...}.
خفضه يحيى وأصحابه.
وبعضهم رفعه جعله من صفة الله تبارك وتعالى. وخفْضُه من صفة العرش، كما قال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} فوصف القرآن بالمَجَادة.
وكذلك قوله: {فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} .
من خفض جعله من صفة اللوح، ومن رفع جعله للقرآن، وقد رفع المحفوظ شيبة، وأبو جعفر المدنيان.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الطارق )
{ وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ }
قوله عز وجل: {وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ...}.
الطارق: النجم؛ لأنه يطلع بالليل، وما أتاك ليلا فهو طارق، ثم فسره فقال:
{النَّجْمُ الثَّاقِبُ...} والثاقب: المضىء، والعرب تقول: أثقب نارك ـ للموقِد، ويقال: إن الثاقب: هو النجم الذى يقال له: زحل، والثاقب: الذى قد ارتفع على النجوم. والعرب تقول للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعا: قد ثقّب. كل ذلك جاء فى التفسير.
{ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ }
وقوله عز وجل: {لَّمَّا عَلَيْهَا...}.
قرأها العوام "لمّا"، وخففها بعضهم. الكسائى كان يخففها، ولا نعرف جهة التثقيل، ونرى أنها لغة فى هذيل، يجعلون إلاّ مع إنِ المخففة (لمّا). ولا يجاوزون ذلك. كأنه قالك ما كل نفس إلا عليها [/ب] حافظ.
ومن خفف قال: إنما هى لام جواب لإن، (وما) التى بعدها صلة كقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ ميثاقهم} يقول: فلا يكون فى (ما) وهى صلة تشديد.
وقوله عز وجل: {عَلَيْهَا حَافِظٌ...}.
الحافظ من الله عز وجل يحفظها، حتى يُسلمها إلى المقادير.
{ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ }
وقوله عز وجل: {مِن مَّآءٍ دَافِقٍ...}.
أهل الحجاز أفعل لهذا من غيرهم، أن يجعلوا المفعول فاعلا إذا كان فى مذهب نعت، كقول العرب: هذا سرٌّ كاتم، وهمٌّ ناصبٌ، وليلٌ نائمٌ، وعيشةٌ راضيةٌ. وأعان على ذلك أنها توافق رءوس الآيات التى هنّ معهن.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الطارق )
{ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئِبِ }
وقوله عز وجل: {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئِبِ...}.
يريد: من الصلب والترائب وهو جائز أن تقول للشيئين: ليخرجن من بين هذين خير كثير ومن هذين. والصلب: صلب الرجل، والترائب: ما اكتنف لَبّاتِ المراة مما يقع عليه القلائد.
{ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ }
وقوله عز وجل: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ...}.
إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال:] حدثنا الفراء قال: وحدثنى مندل عن ليث عن مجاهد قال: إنه على رد الماءِ إلى الإحليل لقادر.
{ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ }
وقوله جل وعز: {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ...}.
نبتدىء بالمطر، ثم ترجع به فى كل عام.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الطارق )
{ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ }
وقوله عز وجل: {وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ...}.
تتصدع بالنبات.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الأعلى )
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى }
قوله عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ...}، و {باسم ربك}.
كل ذلك قد جاء وهو من كلام العرب.
{ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى }
وقوله عز وجل: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى...}.
قدّر خلْقه فهدى الذكر لِمَأْتى الأنثى من البهائم.
ويقال: قدّر فهدى وأضل، فاكتفى من ذكر الضلال بذكر الهدى لكثرة ما يكون معه. والقراءُ مجتمعون على تشديد (قدّر). وكان أبو عبدالرحمن السلمى يقرأ: قَدَر مخففة، ويرون أنها من قراءة على بن أبى طالب (رحمه الله) [/ا] والتشديد أحب إلىّ لاجتماع القراء عليه.
{ فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى }
وقوله عز وجل: {فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى...}.
إذا صار النبت يبساً فهو غثاء. والأحوى: الذى قد اسودّ عن العتق ويكون أيضاً: أخرج المرعى أحوى، فجعله غثاءً، فيكون مؤخَّرا معناه التقديم.
وقوله عز وجل: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى... إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ...}.
لم يشأ أن ينسى شيئا، وهو كقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّماوَاتُ والأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّك} ولا يشاء. وأنت قائل فى الكلام: لأعطينك كل ما سألت إلاَّ ما شئتُ، وإلاَّ أَن أشاءَ أن أمنعَك، والنية ألا تمنعه، وعلى هذا مجارى الأيمان يستثنى فيها. ونية الحالف التمام.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الأعلى )
{ وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى }
وقوله تبارك وتعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى...}.
يتجنب الذكرى فلا يذكر.
{ الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى }
وقوله جل وعز: {النَّارَ الْكُبْرَى...}.
هى السفلى من أطباق النار.
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى }
وقوله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى...}.
عمِل بالخير وتصدق، ويقال: قد أفلح من تزكى: تصدق قبل خروجه يوم العيد.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الأعلى )
{ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }
{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى...}.
شهد الصلاة مع الإمام.
{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا }
وقوله عز وجل: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا...}.
اجتمع القراء على التاء، وهى فى قراءة أبىّ: "بَلْ أَنْتُمْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ" تحقيقاً لم قرأ بالتاء.
وقد قرأ بعض القراء: "بَلْ يُؤْثِرُونَ".
{ إِنَّ هَاذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى }
وقوله عز وجل: {إِنَّ هَاذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى...}.
يقول: مَن ذكر اسم ربه فصلى وعمل بالخير، فهو فى الصحف الأولى كما هو فى القرآن.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الغاشية )
{ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً }
[تَصْلَى، وتُصْلَى] قرءَاتان.
{ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ }
وقوله عز وجل: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ...}.
وهو نبت يقال له: الشِّبْرِق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، وهو سم.
{ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً }
وقوله عز وجل: {لاَّ يُسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً...}:
حالفة على كذب، وقرأ عاصم والأعمش وبعض القراءِ: "لا تُسْمَعُ" بالتاء، وقرأ بعض أهل المدينة: "لا يُسمع فيها لاغيةٌ": ولو قرئت: "لا تُسمع فيها لاغيةٌ" وكأنه للقراءة موافق؛ لأن رءوس الآيات أكثرها بالرفع.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الغاشية )
{ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ }
وقوله عز وجل: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ...}.
يقال: مرفوعة مرتفعة: رفعت لهم، أشرفت، ويقال مخبوءة رفعت لهم.
{ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ }
وقوله عز وجل: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ...}.
بعضها إلى جنب بعض، وهى الوسائد واحدها: نُمْرُقة. قال: وسمعت بعض كلب يقول: نِمْرِقة بِكسر النون والراء.
{ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ }
وقوله عز وجل: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ...}.
هى: الطنافس التى لها خَمْل رقيق (مَبْثُوثَةٌ): كثيرة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الغاشية )
{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }
وقوله عز وجل: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ...}.
عجّبهم من حمل الإبل أنها تحمل وِقرها باركة ثم تنهض به، وليس شىء من الدواب يطيق ذلك إلاّ البعير.
{ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ }
وقوله عز وجل: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ...}.
بمسلِّط، والكتاب (بمصيطر)، و (المصيطرون): بالصاد والقراءة بالسين، ولو قرئت بالصاد كان مع الكتاب وكان صوابا.
{ إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ }
وقوله عز وجل: {إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ...}.
تكون مستثنيا من الكلام الذى كان التذكير يقع عليه وإن لم يُذكَر، كما تقول فى الكلام: اذهب فعِظ وذكِّر، وعُمّ إلاّ من لا تطمع فيه، ويكون أن تجعل: {مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ} منقطعا عما قبله. كما تقول فى الكلام: قعدنا نتحدث ونتذاكر الخير إلاّ أن كثيرا من الناس لا يرغب، فهذا المنقطع.
وتعرف المنقطع من الاستثناءِ بِحُسْن إن فى المستثنى؛ فإذا كان الاستثناء محضا متصلا لم يحسن فيه إن. ألا ترى أنك تقول: عندى مائةٌ إلاّ درهما، فلا تدخل إن ها هنا فهذا كاف من ذكر غيره.
وقد يقول بعض القراء وأهل العلم: إن (إلا) بمنزلة لكن، وذلك منهم تفسير للمعنى، فأما أن تصلح (إلاّ) مكان لكن فلا؛ ألا ترى أنك تقول: ما قام عبدالله ولكن زيد فَتُظْهِرُ الواوَ، وتحذفها. ولا تقول: ما قام عبدالله إلا زيد، إلاّ أن تنوىَ: ما قام إلا زيد لتكرير أَوَّل الكلام.
سئل الفراء [/ا] عن {إِيَابَهُمْ} فقال: لا يجوز على جهة من الجهات.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الفجر )
{ وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ }
قوله عز وجل: {وَالْفَجْرِ...} {وَلَيالٍ عَشْرٍ...}.
[حدثنا أبو العباس قال]: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى قيس بن الربيع عن أبى إسحق عن الأسود بن يزيد فى قوله: {وَالْفَجْرِ} قال: هو فجركم هذا. {وَلَيالٍ عَشْرٍ} قال: عشر الأضحى. {وَالشَّفْعِ...} يوم الأضحى، و {وَالْوَتْرِ...} يوم عرفة.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال]: حدثنا الفراء قال: وحدثنى شيخ عن عبدالملك ابن أبى سليمان عن عطاء قال الله تبارك وتعالى: الوتر والشفع: خلقُه.
قال حدثنا الفراء قال: وحدثنى شيخ عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: الوتر آدم، شُفِع بزوجته. وقد اختلف القراءُ فى الوتر: فقرأ الأعمش والحسن البصرى: الوِتر مكسورة الواو، وكذلك قرأ ابن عباس، وقرأ السلمى وعاصم وأهل المدينة "الوَتر" بفتح الواو، وهى لغة حجازية.
{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ }
وقوله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ...}.
ذكروا أنها ليلة المزدلفة، وقد قرأ القراءُ: "يَسرى" بإثبات الياء، و "يسر" بحذفها، وحذفها أحب إلىّ لمشاكلتها رءوس الآيات، ولأن العرب قد تحذف الياء، وتكتفى بكسر ما قبلها منها، أنشدنى بعضهم.
كفّاكَ كفٌّ ما تُلِيقُ دِرْهَماً * جوداً، وأخرى تُعطِ بالسيف الدِّما
وأنشدنى آخر:
ليس تَخفَى يسارتى قدر يوم * ولقد تَخفِ شيمتى إعسارى
{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ }
وقوله عز وجل: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ...}.
لذى عقلِ: لذى سِتْر، وكله يرجع إلى أمر واحد من العقل، والعرب تقول: إنه لذو حجر إذا كان قاهرًا لنفسه ضابطا لها، كأنه أخذ من قولك: حجرت على الرجل.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الفجر )
{ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ }
وقوله جل وعز [/ب] {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ...}.
لم يجر القراء (إرم) لأنها فيما ذكروا اسم بلدة، وذكر الكلبى بإسناده أن (إرم) سام بن نوح، فإن كان هكذا اسما فإنما ترِك إجراؤه لأنه كالعجمى. و (إِرم) تابعةٌ لعادٍ، و (العِماد): أنهم كانوا أهل عَمَد ينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم:
{ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ }
وقوله عز وجل: {جَابُواْ الصَّخْرَ...} خرقوا الصخر، فاتخذوه بيوتاً.
{ وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ }
وقوله عز وجل: {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ...}.
كان إذا غضب الرجل مدّه بين أربعة أوتاد حتى يموت معذبا، وكذلك فعل بامرأته آسية ابنة مزاحم، فسمى بهذا لذلك.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الفجر )
{ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ }
وقوله عز وجل: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ...}.
هذه كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب، تُدخل فيه السوط. جرى به الكلام والمثل. ونرى ذلك: أن السوط من عذابهم الذى يعذبون به، فجرى لكل عذاب إِذ كان فيه عندهم غاية العذاب.
{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }
وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ...}. يقول: إليه المصير.
{ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ }
وقوله جل وعز: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ...}.
خفف عاصم والأعمش وعامة القراء، وقرأ نافع [أ] وأبو جعفر: (فقدّر) مشددة، يريد (فقتّر) وكلٌّ صواب.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الفجر )
{ كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ }
وقوله عز وجل: {كَلاَّ...}.
لم يكن ينبغى له أن يكون هكذا، ولكن يحمده على الأمرين: على الغنى والفقر.
{ وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }
وقوله عز وجل: {وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ...}.
قرأ الأعمش وعاصم بالألف وفتح التاء، وقرأ أهل المدينة: "ولا تَحُضُون"، وقرأ الحسن البصرى: "ويحُضون، ويأكلون"، وقد قرأ بعضهم: "تُحاضون" برفع التاء، وكل صواب. كأن "تُحاضون" تحافظون، وكأن، "تُحضون" تأمرون بإطعامه، وكأنَّ تَحاضُّون: يحض بعضكم [/ا] بعضا.
{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً }
وقوله عز وجل: {أَكْلاً لَّمًّا...} أكلا شديدا {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً...} كثيرا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الفجر )
{ يَقُولُ يالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }
وقوله عز وجل: {يَقُولُ يالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي...}.
لآخرتى التى فيها الحياة والخلود.
{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ }
وقوله عز وجل: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ...}.
قرأ عاصم والأعمش وأهل المدينة: "لا يعذِّب عذابَه أَحَدٌ، ولا يُوثِقُ" بالكسر جميعا.
وقرأ بذلك حمزة [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال حدثنا الفراء قال: وحدثنى عبدالله بن المبارك عن خالد الحذاء عن أبى قِلابة عمن سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ: "فَيَوْمَئِذٍ لا يُعذَّب عذابَه أَحَدٌ، ولا يُوثَق وَثاقَه أَحَد" بالفتح. وقال [ أبو عبدالله] محمد بن الجهم: سمعت عبدالوهاب الخفاف بهذا الإسناد مثله [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد]. قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى عبدالله بن المبارك عن سليمان أبى الربيع عن أبى عبدالرحمن السلمى أنه قرأ: "لا يُعذِّبُ عَذَابَه أَحَدٌ، ولا يُوثِقُ" بالكسر، فمن كسر أراد: فيومئذ لا يعذِّب عذاب الله أحد، ومن قال: "يعذَّب" بالفتح فهو أيضا على ذلك الوجه: لا يعذَّبُ أحدٌ فى الدنيا كَعذاب الله يومئذ. وكذلك الوجه الأول، لا ترى أَحدا يعذب فى الدنيا كعذاب الله يومئذ. وقد وجّهه بعضهم على أنه رجلٌ مسمّى لا يعذَّب كعذابه أحد.
{ ياأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً }
وقوله عز وجل: {ياأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ...}.
بالإيمان والمصدِّقة بالثواب والبعث {ارْجِعِي...} تقول لهم الملائكة إِذا أُعطوا كتبهم بأيمانهم {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} إلى ما أعد الله لك من الثواب. وقد يكون أن يقولوا لهم هذا القول ينوون: ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع. وأنت تقول للرجل: ممن أنت؟ فيقول: مضرى. فتقول: كن تميميا، أو قيسيا. أى: أنت من أحد هذين. فيكون "كن" صلةً كذلك الرجوع [/ب] يكون صلة لأنه قد صار إلى القيامة، فكأن الأمر بمعنى الخبر، كأنه قال: أيتها النفس أنت راضية مرضية.
وقرأ ابن عباس وحده: "فادخلى فى عبدى، وادخلى جنتى" والعوام (فى عبادى).
المعاني الواردة في آيات
سورة ( البلد )
{ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ }
وقوله عز وجل: {وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ...}.
يقول: هو حلال لك أحله يوم فتح مكة لم يحل قبله، ولن يحل بعده.
{ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ }
وقوله عز وجل: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ...}.
أقسم بآدم وولده، وصلحت (ما) للناس، ومثله: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} وهو الخالق الذكر والأُنثى ومثله {فَانكِحُوا مَا طابَ لَكُم مِن النِّسَاءِ}، ولم يقل: من طاب. وكذلك: {ولا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِن النِّساءِ} كل هذا جائز فى العربية. وقد تكون: (ما) وما بعدها فى معنى مصدر، كقوله: {والسَّماءِ وَمَا بَنَاهَا}، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}، كأنه قال: والسماء وبنائها ونفس وتسويتها. ووالد وولادته، وخلقه الذكر والأنثى، فأينما وجّهته فصواب.
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ }
وقوله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ...}.
يقول: منتصبا معتدلا، ويقال: خلق فى كبد، إنه خلق يعالج ويكابد أمر الدنيا وأمر الآخرة، [/ا] ونزلت فى رجل من بنى جمح كان يكنى: أبا الأشدين، وكان يجعل تحت قدميه الأديم العكاظى، ثم يأمر العشرة فيجتذبونه من تحت قدميه فيتمزق الأديم. ولم تزل قدماه. فقال الله تبارك وتعالى: {أَيَحْسَبُ} لشدته {أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} والله قادر عليه. ثم قال: يقول: أنفقت مالاً كثيراً فى عداوة محمد صلى الله عليه وهو كاذب، فقال الله تبارك وتعالى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} . فى إنفاقه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( البلد )
{ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً }
وقوله عز وجل: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً...}.
اللبد: الكثير. قال بعضهم واحدته: لُبدة، ولُبَد جماع. وجعله بعضهم على جهة: قُثَم، وحُطَم واحدا، وهو فى الوجهين جميعا الكثير. وقرأ أبو جعفر المدنى. "مالاً لُبَّدا" مشددة مثل رُكّع، فكأنه أراد: مالا لابِدٌ، ومالان لابدان، وأموالٌ لبَّد. والأموال والمال قد يكونان معنى واحد.
{ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ }
وقوله عز وجل: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ...}.
النجدان: سبيل الخير، وسبيل الشر. قال: [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] حدثنا الفراء قال: [حدثنى الكسائى قال: حدثنى قيس] وحدثنى قيس عن زياد بن علاقة عن أبى عمارة عن على رحمه الله فى قوله جل وعز: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ} قال: الخير والشر.
{ فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ }
وقوله عز وجل: {فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ...}.
ولم يُضَم إلى قوله: [فلا اقتحم] كلام آخر فيه (لا)؛ لأن العرب لا تكاد تفرد (لا) فى الكلام حتى يعيدوها عليه فى كلام آخر، كما قال عز وجل: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} و {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، وهو مما كان فى آخره معناه، فاكتفى بواحدة من أخرى. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بشيئين، فقال: {فَكّ رَقبةً، أو أطعم فى يومٍ ذى مسغبة}، ثم كان [من الذين آمنوا] ففسرها بثلاثة أشياء، فكأنه كان فى أول الكلام، فلا فعل ذا ولاذا ولاذا.
وقد قرأ العوام: {فَكُّ رَقَبةٍ أو إِطعامٌ} ، وقرأ الحسن البصرى: "فَكَّ رقبةً" وكذلك على بن أبى طالب [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء قال: وحدثنى محمد بن الفضل المروزى عن عطاء عن أبى عبدالرحمن عن على أنه قرأها:
"فَكَّ رقبةً أو أطعمَ" وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية؛ لأن الإطعام: اسم، وينبغى أن يرد على الاسم اسم مثله، فلو قيل: ثم إن كان أشكلُ للإِطعام، والفك، فاخترنا: فَكَّ رقبةً لقوله: " ثم كان"، والوجه الآخر جائز تضمر فيه (أَنْ)، وتلقى [/ب] فكيون مثل قول الشاعر:
ألا أيهاذا الزَّاجِرى أحْضُرَ الْوغى * وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أنتَ مُخْلِدِى
ألاى ترى أن ظهور (أن) فى آخر الكلام يدل: على أنها معطوفة على أخرى مثلها فى أول الكلام وقد حذفها.
المعاني الواردة في آيات سورة ( البلد )
{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ }
وقوله عز وجل: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ...}.
ذى مجاعة، ولو كانت "ذا مسغبة" تجعلها من صفة اليتيم، كأنه قال: أو أطعم فى يوم يتيما ذا مسغبة أو مسكيناً [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء قال: وحدثنى حِبَّان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس: أنه مرّ بمسكين لاصق بالتراب حاجةً، فقال: هذا الذى قال الله تبارك وتعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ} {والموصَدة} : تهمز ولا تهمز، وهى: المطبقة.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الشمس )
{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا }
وقوله عز وجل: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا...} ضحاها: نهارها، وكذلك قوله: {والضُّحى} هو النهار بكسر الضحى: من ضحاها، وكل الآيات التى تشاكلها، وإن كان أصل بعضها بالواو.
من ذلك: تلاها، وطحاها، ودحاها لما ابتدئت السورة بحروف الياء والكسر اتّبعَها ما هو من الواو، ولو كان الابتداء للواو لجاز فتح ذلك كله. وكان حمزة يفتح ما كان من الواو، ويكسر ما كان من الياء، وذلك من قلة البصر بمجارى كلام العرب، فإذا انفرد جنس الواو فتحته، وإذا انفرد جنس الياء، فأنت فيه بالخيار إن فتحت وإن كسرت فصواب.
{ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا }
وقوله عز وجل: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا...} قال الفراء: أنا أكسر كلاَّ [/ا]، يريد اتبعها يعنى اتبع الشمس، ويقال: إذا تلاها فأخذ من ضوئها، وأنت قائل فى الكلام: اتبعت قول أبى حنيفة، وأخذت بقول أبى حنيفة، والاتباع والتلوُّ سواء.
{ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }
وقوله عز وجل: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا...}:
جلّى الظلمة، فجاز الكناية عن الظلمة ولم تُذْكر لأنّ معناها معروف، ألا ترى أنك تقول: أصبَحت باردةً، وأمست باردة، وَهبت شَمالا، فكنى عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر؛ لأن معناها معروف.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الشمس )
{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }
وقوله عز وجل: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا...}.
عرفها سبيل الخير، وسبيل الشر، وهو مثل قوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا }
وقوله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا...}.
يقول: قد أفلحت نفس زكَّاها الله، وقد خابت نفس دسّاها، ويقال: قد أفلح من زكّى نفسَه بالطاعة والصدقة، وقد خاب من دسَّى نفسه، فأخملها بترك الصدقة والطاعة، ونرى ـ والله أعلم ـ أنّ دساها من: دسّسْت، بُدّلَت بعض سيناتها ياء، كما قالوا: تظينت من: الظن، وتقضيت يريدون: تقضضتُ من: تقضُّض البازى، وخرجت أتلعّى: ألتمس اللُّعاع أرعاه. والعرب تبدل فى المشدد الحرف منه بالياء والواو من ذلك ما ذكرنا لك، وسمعت بعض بنى عقيل ينشد:
* يشبو بها نشجانه [من النشيج] *
هذا آخر بيت، يريد: يَشُب: يظهر، يقال: الخمار الأسود يشب لون البيضاء فجعلها واوا، وقد سمعته فى غير ذلك، ويقال: دويّه وداويّه، ويقال: أما فلان فصالح وأيما، ومن ذلك قولهم: دينار أصله دِنّار، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير، ولم يقولوا: ديانير، وديوان كان أصله: دِوّان لجمعهم إياه: دواوين [/ب]، وديباج: ديابيج، وقيراط، قراريط، كأنه كان قِرّاط، ونرى أن دسّاها دسسها؛ لأن البخيل يخفى منزله وماله، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابى، لئلا يستتر عن الضيفان، ومن أراده، وكل صواب.
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ }
وقوله: {بِطَغْوَاهَآ...}.
أراد بطغيانها إلاّ أن الطغوى أَشكلُ برءوس الآيات؛ فاختير لذلك. ألا ترى أنه قال: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ} ومعناه آخر دعائهم، وكذلك {دَعْوَاهُمْ فيها سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} ودعاؤهم فيها هذا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الشمس )
{ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا }
وقوله عز وجل: {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا...}.
يقال: إنهما كانا اثنين فلان ابن دهر، والآخر قدار، ولم يقل: أشقَيَاها، وذلك جائز لو أتى؛ لأن العرب إذا [أضافت] أفعل التى يمدحون بها وتدخل فيها (من) إلى أسماء وحدوها فى موضع الاثنين والمؤنث والجمع، فيقولون للاثنين: هذا أفضل الناس، وهذان خير الناس، ويثنون أيضا، أنشدنى فى تثنيته أبو القمقام الأسَدى:
ألا بكرَ النَّاعِى بِخيرَىْ بنى أسد * بعمرِو بن مسعودٍ، وبالسِّيِّدِ الصَّمَدْ
فإِنْ تَسَلُونى بالبيانِ فإِنَّه * أبو مَعْقِل لا حىَّ عنْه، ولاَ حَدَدْ
قال الفراء: أى لا يكفى عنه حيٌّ، أى لا يقال: حىَّ على فلان سواه، ولا حدد: أى لا يَحدُ عنه لا يحرم، وأنشدنى آخر فى التوحيد، وهو يلوم ابنين له:
يا أخبثَ الناسِ كل الناس قد علموا * لو تستطيعانِ كُنَّا مِثْل مِعْضاد
فوحَّد، ولم يقل: يا أخبثى، وكل صواب، ومن وحَّد فى الإثنين قال فى الأنثى أيضا: هى أشقى القوم، ومن ثنى قال: هى شُقْيا النسوة على فُعْلَى.
وأنشدنى المفضل الضبى:
غَبَقْتُك عُظْمَاها سَنَاماً أو انبرى * برزقك براق المتون أريب
{ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا }
وقوله عز وجل: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ...}
نصبت الناقة على التحذير حذرهم إياها، وكل تحذير فهو نصب [/ا] ولو رفع على ضمير: هذه ناقة الله، فإِن العرب قد ترفعه، وفيه معنى التحذير، ألا ترى أن العرب تقول: هذا العدوُّ هذا العدوُّ فاهربوا، وفيه تحذير، وهذا الليلُ فارتحلوا، فلو قرأ قارىء بالرفع كان مصيباً
أنشدنى بعضهم:
إن قوماً منهم عميرٌ وأشباهُ * عُمَيْرٍ ومنهُم السَّفَّاحُ
لجديرون بالوفاءِ إذا قا * ل أَخو النجدة: السلاحُ السلاح
فرفع، وفيه الأمر بلباس السلاح.
{ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا }
وقوله عز وجل: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا...}.
يقول القائل: كيف كذبوه فعقروها؟ ونرى أن الكلام أن يقال: فعقروها فكذبوه، فيكون التكذيب بعد العقر. وقد يكون على ما ظنّ، لأنك تقول: قتلوا رسولهم فكذبوه، أى: كفى بالقتل تكذيبا، فهذا وجه، ويكون فكذبوه كلمة مكتفى بها، ويكون قوله: {فعقروها} جوابا لقوله: {إذ انْبَعَث أَشْقَاها}، فعقروها. وكذلك جاء التفسير. ويكون مقدما وَمؤخرا؛ لأن العقر وقع بالتكذيب، وإذا وقع الفعلان معا جاز تقديم أيهما شئت. من ذلك: أعطيتَ فأحْسنت، وإن قلت: أحسنت فأعطيت كان بذلك المعنى؛ لأن الإعطاء هو الإِحسان، والإحسان هو الاعطاء، كذلك العقر: هو التكذيب. فقدمتَ ما شئتَ وأخرت الآخر.
ويقول القائل: كيف قال: فكذبوه ولم يكذبوه قبل ذلك إذ رضوا بأن يكون للناقة شِربٌ ولهم شِرب فجاء فى التفسير: أنهم كانوا أقرُّوا بهذا غير مصدقين له:
وقوله عز وجل: {فَدَمْدَمَ..}.
أرجف بهم. {فَسَوَّاهَا...} عليهم.
ويقال: فسوَّاها: سوّى الأمة، أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوَّى بينهم.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الشمس )
{ وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }
وقوله عز وجل: {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا...}.
أهل المدينة يقرءون: "فلا يخاف عقباها" بالفاء، وكذلك هى فى مصاحفهم، وأهل الكوفة والبصرة: "ولا يخاف عقباها" بالواو فى التفسير أجود؛ [/ب] لأنه جاء: عقرها ولم يخف عاقبة عقرها، فالواو ها هنا أجود، ويقال: لا يخاف عقباها. لا يخاف الله أن ترجع وتعقب بعد إهلاكه، فالفاء بهذا المعنى أجود من الواو وكل صواب.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الليل )
{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى }
قوله عز وجل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى...}.
هى فى قراءة عبدالله "والذكرِ والأنثى" فلو خفض فى قراءتنا "الذكر والأنثى" يجعل "وما خلق" كأنه قال: والذى خلق من الذكر والأنثى، وقرأه العوام على نصبها، يريدون: وخلقه الذكر والأنثى.
{ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى }
وقوله عز وجل: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى...}.
هذا جواب القسم، وقوله: "لشتى" يقول: لمختلف، نزلت فى أبى بكر بن أبى قحافة رحمه الله، وفى أبى سفيان، وذلك أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه اشترى تسعة رجال كانوا فى أيدى المشركين من ماله يريد به الله تبارك وتعالى؛ فأنزل الله جل وعز فيه ذلك: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى...} {بِالْحُسْنَى...} أبو بكر {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى...} للعود إلى العمل الصالح.
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }
وقوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى...}.
يقول: قد خلق على أنه شقى ممنوع من الخير، ويقول القائل: فكيف قال: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} فهل فى العسرى تيسير؟ فيقال فى هذا إِجازته بمنزلة قول الله تبارك وتعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. والبشارة فى الأصل على المفرح والسار؛ فإذا جمعت فى كلامين: هذا خير: وهذا شر جاز التيسير فيهما جميعا.
وقوله عز وجل: {فَسَنُيَسِّرُهُ} سنهيئه. والعرب تقول: قد يسّرَت الغنم إذا ولدت وتهيأت للولادة: وقال الشاعر:
هما سيدانا يزعمان وإنما * يسوداننا أن يسَّرت غنماها
المعاني الواردة في آيات سورة ( الليل )
{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى }
وقوله [/ا] عز وجل: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى...}.
يقول: من سلك الهدى فعلى الله سبيله، ومثله قوله: {وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} يقول: من أرادَ اللهَ فهو على السبيل القاصد، ويقال: إن علينا للهدى والإضلال، فترك الإضلال كما قال: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرّ}، وهى تقى الحرّ والبرد.
{ وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى }
وقوله جل وعز: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى...}.
لثواب هذه، وثواب هذه.
{ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى }
وقوله تبارك وتعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى...}.
معناه: تتلظى فهى فى موضع رفع، ولو كانت على معنى فعل ماض لكانت: فأنذرتكم نارا تلظّت.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء، قال: حدثنى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال، "فاتت عبيدَ بن عمير ركعةٌ من المغرب، فقام يقضيها فسمعته يقرأ: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى}: قال الفراء ورأيتُها فى مصحف عبدالله: "تتلظّى" بتاءين.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الليل )
{ لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأَشْقَى }
وقوله عز وجل {لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأَشْقَى...}.
إِلاّ من كان شقيا فى علم الله.
{ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى }
وقوله عز وجل: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى...}.
لم يكن كذّب بردٍّ ظاهر، ولكنه قصّر عما أمِر به من الطاعة، فجُعل تكذيبا، كما تقول: لقى فلان العدو؛ فكذب إِذا نكَل ورجع. قال الفراء: وسمعت أبا ثَرْوان يقول: إِنّ بنى نمير ليس لجدهم مكذوبة. يقول: إذا لَقُوا صدقوا القتال ولم يرجعوا، وكذلك قول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كاذِبَةٌ} يقول: هى حق.
{ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى }
وقوله عز وجل: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى...} أبو بكر.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الليل )
{ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى }
وقوله عز وجل: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى...}.
يقول: لم ينفق نفقته مكافأة ليد أحد عنده، ولكن أنفقها ابتغاء وجه ربه، فإلاّ فى هذا الموضع بمعنى (لكن) وقد يجوز أن تجعل الفعل فى المكافأة مستقبلا، فتقول: ولم يُرد مما أنفق مكافأةً من أحد. ويكون موقع اللام التى فى أحدٍ ـ فى الهاء التى [/ب] خفضتها عنده، فكأنك قلت: وماله عن أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، وكلا الوجهين حسن، قال الفراء: ما أدرى أى الوجهين أحسن، وقد تضع العرب الحرف فى غير موضعه إذا كان المعنى معروفا
وقد قال الشاعر:
لقد خفت حتى ما تزيدُ مخافتى * على وعلٍ فى ذى المكاره عاقِل
والمعنى: حتى ما تزيد مخافة (وعل) على مخافتى، ومثله من غير المخفوض قول الراجز:
إن سراجا لكريم مفخره * تحلى به العين إذا ما تجهره
قال الفراء: حلِيت بعينى، وحلَوت فى صدرى والمعنى: تحلى بالعين إذا ما تجهره، ونصبُ الابتغاء من جهتين: من أن تجعل فيها نية إنفاقه ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه. والآخر على اختلاف ما قبْلَ إلاّ وما بعدها: والعرب تقول: ما فى الدار أحد إِلاَّ أكلباً وأحمرةً، وهى لغة لأهل الحجاز، ويتبعون آخر الكلام أوله فيرفعون فى الرفع، وقال الشاعر فى ذلك.
وبلدةٍ ليس بها أنيس * إِلاّ اليعافير وإِلاّ العيس
فرفع، ولو رفع (إلا ابتغاء وجه ربه) رافع لم يكن خطأ؛ لأنك لو ألقيت من: من النعمة لقلت: ما لأحد عنده نعمةٌ تجزى إِلا ابتغاء، فيكون الرفع على اتباع المعنى، كما تقول: ما أتانى من أحد إِلاَّ أبوك.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الضحى )
{ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى }
قوله عز وجل: {وَالضُّحَى... وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى...}.
فأمّا الضحى فالنهار كله، والليل إذا سجى: إذا أظلم وركد فى طوله، كما تقول: بحر ساج، وليل ساج، إِذا ركد وسكن وأظلم.
{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }
وقوله عز وجل: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى...}.
نزلت فى احتباس الوحى عن النبى صلى الله عليه وسلم خمس عشرة [ليلة]، فقال المشركون: قد ودّع محمدا صلى الله عليه وسلم ربُّه، أو قلاه التابع الذى يكون معه، فأنزل الله جلّ وعزّ: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} يا محمد، {وَمَا قَلَى} يريد: وما قلاك، فألقيت الكاف، كما يقول: قد أعطيتك وأحسنتُ ومعناه: أحسنت إليك، فتكتفى بالكاف الأولى من إعادة الأخرى، ولأن رءوس الآيات بالياء، فاجتمع ذلك فيه.
{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }
وقوله عز وجل: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى...}.
وهى فى قراءة عبدالله: "ولسيعطيك [ربك فترضى]" والمعنى واحد، إلا أن (سوف) كثرت فى الكلام، وعرِف موضعها، فترك منها الفاء والواو، والحرف إذا كثر فربما فعل به ذلك، كما قيل: أَيشٍ تقول، وكما قيل: قم لا بَاك، وقم لا بِشانئك، يريدون: لا أبالك، ولا أبا لشانئك، وقد سمعتُ بيتاً حذفت الفاء فيه من كيف، قال الشاعر:
من طالبين لِبُعران لنا رفضت * كيلا يُحسون من بعراننا أثرا
أراد: كيف لا يحسون؟ وهذا لذلك.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الضحى )
{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى }
وقوله عز وجل: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى...}.
يقول: كنت فى حجر أبى طالب، فجعل لك مأوى، وأغناك عنه، ولم يك غنى عن كثرة مال، ولكنّ الله رضّاه بما آتاه.
{ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى }
وقوله عز وجل: {وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى...}.
يريد: فى قوم ضلاّل فهداك {وَوَجدَكَ عائلاً} : فقيرا، ورأيتها فى مصاحف عبدالله "عديما"، والمعنى واحد.
{ وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى }
وقوله عز وجل: {فَأَغْنَى...} و "فآوى" يراد به (فأغناك) و (فآواك) فجرى على طرح الكاف لمشاكلة رءوس الآيات. ولأنّ المعنى معروف.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الضحى )
{ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ }
وقوله عز وجل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ...}.
فتذهب بحقه لضعفه، وهى فى مصحف عبدالله "فلا تكهر"، وسمعتها من أعرابى من بنى أسد قرأها علىّ.
{ وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ }
وقوله عز وجل: {وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ...}.
السائل على [/ب] الباب يقول: إِمّا أعطيته، وإِمّا رددته ردًّا لينا.
{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }
وقوله تبارك وتعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ...}.
فكان القرآن أعظم نعمة الله عليه، فكان يقرؤه ويحدث به، ويغيره من نعمه.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الشرح )
{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }
قوله عز وجل: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ...}.
نلين لك قلبك.
{ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ }
{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ...}، يقول: إثم الجاهلية، وهى فى قراءة عبدالله: "وحللنا عنك وِقْرك"، يقول: من الذنوب.
{ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ }
وقوله عز وجل: {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ...}.
فى تفسير الكلبى: الذى أثقل ظهرك، يعنى: الوِزر.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الشرح )
{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }
وقوله عز وجل: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ...}.
لا أُذكر إِلاَّ ذُكِرتَ معى.
{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً }
وقوله عز وجل: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً...}.
وفى قراءة عبدالله: مرةً واحدةً ليست بمكرورة. قال حدثنا الفراء، وقال: وحدثنى حِبَّان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: لا يغلب يسرين عسرٌ واحد.
{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ }
وقوله عز وجل: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ...}.
إذا فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك فى الدعاء وارغب. قال الفراء: فانصب من النَّصَب.
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: قيس بن الربيع عن أبى حصين، قال: مرّ شريح برجلين يصطرعان، فقال: ليس بهذا أُمِرَ الفارغ، إنما قال الله تبارك وتعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}، فكأنه فى قول شريح: إذا فرغ الفارغ من الصلاة أو غيرها.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( التين )
{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ }
قوله عز وجل: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ...}.
قال ابن عباس: هو تينكم هذا وزيتونكم، ويقال: إنهما جبلان بالشام، وقال مرة أخرى: مسجدان بالشام، أحدهما الذى كلّم الله تبارك وتعالى موسى صلى الله عليه وسلم عليه. قال الفراء: وسمعت [/ا] رجلا من أهل الشام وكان صاحب تفسير قال: التين جبال ما بين حلوان إلى همدان، والزيتون: جبال الشام، {وَطُورِ سِينِينَ...}: جبل.
{ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ }
وقوله عز وجل: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ...}.
مكة، يريد: الآمِن، والعرب تقول للآمن. الأمين، قال الشاعر:
ألم تعْلى يا أسْم ويْحكِ أننى * حَلفتُ يميناً لا أخون أمينى؟
يريد؛ آمنى.
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }
وقوله عز وجل: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ...}.
يقول: إِنا لنبلغ بالآدمى أحسن تقويمه، وهو اعتداله واستواء شبابه، وهو أحسن ما يكون، ثم نرده بعد ذلك إلى أرذل العمر، وهو وإن كان واحدا، فإنه يراد به نفعل ذا بكثير من الناس، وقد تقول العرب: أَنْفَق ماله على فلان، وإنما أنفق بعضه، وهو كثير فى التنزيل؛ من ذلك قوله فى أبى بكر: {الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى} لم يُرد كل ماله؛ إنما أراد بعضه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( التين )
{ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ }
ويقال: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ...}.
إلى النار؛ ثم استثنى فقال: {إِلاَّ الذين آمنوا} استثناء من الإنسان: لأنّ معنى الإنسان: الكثير. ومثله: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} وهى فى قراءة عبدالله "أسفل السافلين"، ولو كانت: أسفل سافل لكان صوابا؛ لأنّ لفظ الإنسان. واحدٌ، فقيل: "سافلين" على الجمع؛ لأن الإنسان فى معنى جمع، وأنت تقول: هذا أفضل قائم، ولا تقول: هذا أفضل قائمين؛ لأنك تضمر لواحد، فإذا كان الواحد غير مقصود له رجع اسمه بالتوحيد وبالجمع كقوله {والَّذِى جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ أُولَئكَ هُمُ الْمُتَّقُون} وقال فى عسق: {وإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ} فردّ الإنسان على جمع، ورد تصبهم على الإنسان للذى أنبأتك به.
{ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ }
وقوله عزَّ وجلَّ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ...} [/ب].
يقول: فما الذى يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم، كأنه قال، فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما تبين له من خلقنا الإنسان على ما وصفنا.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( العلق )
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }
وقوله عزَّ وجلَّ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ...}.
هذا أول ما أنزل على النبى صلى الله عليه من القرآن.
{ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ }
وقوله عز وجل: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ...}.
قيل: من علق، وإنما هى علقةٌ، لأنّ الإنسان فى معنى جمع، فذهب بالعلق إلى الجمع لمشاكلة رءوس الآيات.
{ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى }
وقوله عز وجل: {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى...}.
ولم يقل: أن رأى نفسه؛ والعرب إذا أوقعت فعلا يكتفى باسم واحد على أنفسها، أو أوقعته من غيرها على نفسه جعلوا موضع المكنى نفسه، فيقولون: قتلتَ نفسك، ولا يقولون: قتلتَك قتلته، ويقولون: قتل نفسَه، وقتلتُ نفسى، فإذا كان الفعل يريد: اسما وخبرا طرحوا النفس فقالوا: متى تراك خارجاً، ومتى نظنك خارجاً؟ وقوله عز وجل: {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} من ذلك.
المعاني الواردة في آيات سورة ( العلق )
{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى }
وقوله جل وعز: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى...}.
نزلَت فى أبى جهل: كان يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مصلاّه، فيؤذيه وينهاه، فقال الله تبارك وتعالى، {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى}؟ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم.
{ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى }
ثم قال جل وعز: {أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى...}.
وفيه عربية، مثله من الكلام لو قيل: أرأيت الذى ينهى عبداً إذا صلّى وهو كاذب متولٍّ عن الذكر؟ أى: فما أعجب من ذا.
{ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ }
ثم قال: وَيْلَهُ!، {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى...}.
يعنى: أبا جهل، ثم قال: {كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ...}.
ناصيته: مقدم رأسه، أى: لَنَهْصرنها، لنأخذن بها لَنُقْمِئَنَّه ولنذلّنه، ويقال: لنأخذن بالناصية إلى النار، كما قال جلّ وعز، {فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِى والأَقْدَامِ}، فيُلقَون فى النار، ويقال: لتسوّدَنَّ وجهه، فكفَتِ الناصية من الوجه؛ لأنها فىّ مقدّم الوجه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( العلق )
{ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ }
وقوله عز وجل: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ... نَاصِيَةٍ...}.
على التكرير، كما قال: {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللهِ} المعرفة تُرد على النكرة بالتكرير، والنكرة على المعرفة، ومن نصب (ناصيةً) جعله فعلا للمعرفة وهى جائزة فى القراءة.
{ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ }
وقوله عز وجل: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ... سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ...}.
فهم أقوى وهم يعملون بالأيدى والأرجل، والناقة قد تزْبِن الحالب وتركضه برجلها.
وقال الكسائى: بأَخَرة واحد الزبانية زِبْنِىٌّ
وكان قبل ذلك يقول: لم أسمع لها بواحد، ولست أدرى أقياسًا منه أو سماعاً. وفى قراءة عبدالله: "كَلاَّ لئِن لَّمْ يَنْتَهِ لأسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ"، وفيها: "فَلْيَدْعُ إلىّ نَادِيَه فَسَأَدْعُو الزَّبَانِيَة".
{ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ }
وقوله عز وجل: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ...} قومه.
والعرب تقول: النادى يشهدون عليك، والمجلس، يجعلون: النادىَ، والمجلس، والمشهد، والشاهد ـ القوم قوم الرجل، قال الشاعر:
لهمْ مجلِسٌ صُهْبُ السِّبَالِ أذِلَّةٌ * سواسيةٌ أحرارُها وعبيدُها
أى: هم سواء.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( القدر )
{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }
وقوله عز وجل: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ...}.
كل ما كان فى القرآن من قوله: "وما أدراك" فقد أدراه، وما كان من قوله: "وما يدريك" فلم يدره.
{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ...}.
[/ب] يقول: العمل فى ليلة القدر خير من العمل فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وليلة ـ القدر ـ فيما ذكر حِبَّان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس فى كل شهر رمضان.
{ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ }
وقوله عز وجل: {تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا...}.
يقال: إن جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل ومعه الملائكة، فلا يَلْقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلّموا عليه، [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو بكر بن عياش عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {مِنْ كِلِّ امرىءٍ سَلاَمٌ} فهذا موافق لتفسير الكلبى، ولم يقرأ به أحد غيرُ ابن عباس.
وقول العوام: انقطع عند قوله: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}، ثم استأنف فقال: {سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} و (المطلِع) كسره يحيى بن وثاب وحدَه، وقرأه العوام بفتح اللام (مطلَع). وقول العوام أقوى فى قياس العربية؛ لأن المطلَع بالفتح هو: الطلوع، والمطِلع: المشرق، والموضع الذى تطلع منه إِلاَّ أن العرب يقولون: طلعت الشمسُ مطلِعا فيكسرون. وهم يريدون: المصدر، كما تقول: أكرمتك كرامةً، فتجتزىء بالاسم من المصدر. وكذلك قولك: أعطيتك عطاء اجتزى فيه بالاسم من المصدر.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( البينة )
{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }
قوله عز وجل: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ...}.
يعنى: النبى صلى الله عليه وسلم، وهى فى قراءة عبدالله: "لَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُون وأَهْلُ الْكِتابِ مُنْفَكِّين".فقد اختَلف التفسير، فقيل: لم يكونوا منفكين منتهين حتى [/ا] تأتيهم البينة.
يعنى: بعثه محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن: وقال آخرون: لم يكونوا تاركين لصفة محمد صلى الله عليه وسلم فى كتابهم: أنه نبىٌّ حتى ظهر، تفرقوا واختلفوا، ويصدّق ذلك.
{ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً }
وقوله عَزَّ وَجَل: {رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ...}.
نكرة استؤنف على البينة، وهى معرفة، كما قال: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وهى فى قراءة أُبى: "رَسُولاً مِنَ اللهِ" بالنصب على الانقطاع من البيِّنة.
{ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ }
وقوله عز وجل: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ...}.
وقد يكون الانفكاك على جهةِ يُزال، ويكون على الانفكاك الذى تعرفه، فإذا كنت على جهة يَزال فلا بد لها من فعل، وأن يكون معها جحد، فتقول، ما انفككت أذكرك، تريد: ما زلت أذكرك، فإِذا كانت على غير معنى: يزال، قلت: قد انفككت منك، وانفك الشىء من الشىء، فيكون بلا جحد، وبلا فعل، وقد قال ذو الرمة:
قلائص لا تنفك إِلاّ مُناخة * على الخسف أو ترمى بلداً قفرا
فلم يدخل فيها إلا (إِلاَّ) وهو ينوى بها التمام وخلاف: يزال، لأنك لا تقول: ما زلت إلا قائماً.
المعاني الواردة في آيات سورة ( البينة )
{ وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ }
وقوله تبارك وتعالى: {وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ...}.
العرب تجعل اللام فى موضع (أن) فى الأمر والإرادة كثيراً؛ من ذلك قول اللهِ تبارك وتعالى: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم}، و {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا}. وقال فى الأمر فى غير موضع من التنزيل، {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وهى فى قراءة عبدالله، "وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ" وفى قراءة عبدالله: "ذلك الدين القيمة" وَفى قراءتنا "وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" وهو [/ب] مما يضاف إلى نفسه لاختلاف لفظيه. وقد فسر فى غير موضع.
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ }
وقوله جل وعز: {أُوْلَائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ...}.
البرية غير مهموز، إلا أن بعض أهل الحجاز همزها؛ كأنه أخذها من قول الله جل وعز برأكم، وبرأ الخلق، ومن لم يهمزها فقد تكون من هذا المعنى. ثم اجتمعوا على ترك همزها كما اجتمعوا على: يَرَى وتَرى ونرى. وإن أخِذتْ من البَرَى كانت غير مهموزة، والبرى: التراب سمعت العرب تقول: بفيه البرى، وحمّى خيبرى، وشرُّ ما يرى [فإنه خيسرى].
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الزلزلة )
{ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا }
قوله عز وجل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا...}.
الزِّلزال مصدر، قال حدثنا الفراء قال، وحدثنى محمد بن مروان قال: قلت: للكلبى: أرأيت قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} فقال: هذا بمنزلة قوله: {وَيُخْرِجُكُم إِخْرَاجاً} قال الفراء، فأضيف المصدر إلى صاحبه وأنت قائل فى الكلام: لأعطينَّك عطيتك، وأنت تريد عطية، ولكن قرّبه من الجواز موافقة رءوس الآيات التى جاءت بعدها.
والزِّلزال بالكسر: المصدر والزَّلزال بالفتح: الاسم. كذلك القَعْقاع الذى يقعقع ـ الاسم، والقِعقاع المصدر. والوَسواس: الشيطان وما وسوس إليك أو حدثك، فهو اسم والوِسواس المصدر.
{ وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا }
وقوله عزَّ وجلَّ: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا...}.
لفظَتْ ما فيها من ذهب أو فضة أو ميّت.
{ وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا }
وقوله جل وعز: {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا...}.
الإنسان، يعنى به ها هنا: الكافر؛ قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا...}. تخبر بما عَمِلَ [/ا] عليها من حسن أو سيىء.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الزلزلة )
{ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }
وقوله عز وجل: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا...}.
يقول: تحدِّث أخبارها بوحى الله تبارك وتعالى، وإِذنه لها، ثم قال: {لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ...} فهى ـ فيما جاء به التفسير ـ متأخرة، وهذا موضعها. اعترض بينهما {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً...}، مقدم معناه التأخير. اجتمع القراء على (لِيُرَوْا)، ولو قرئت: (ليَرَوا) كان صوابا.
وفى قراءة عبدالله مكان (تحدّث)، (تُنَبِّىءْ)، وكتابها (تنبّأ) بالألف.
{يَرَهُ...} تجزم الهاء وترفع.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( العاديات )
{ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً }
قوله عز وجل: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً...}.
قال ابن عباس: هى الخيلُ، والضبيح: أصواتٍ أنفاسها إذا عدون. قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى بذلك حِبَّان بإسناده عن ابن عباس.
{ فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً }
وقوله عز وجل: {فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً...}.
أورت النار بحوافرها، فهى نار الحُباحب. قال الكلبى بإسناده: وكان الحباحب من أَحياء العرب، وكان من أبخل الناس، فبلغ به البخل، أنه كان لا يوقد ناراً إِلاَّ بليل، فإذا انتبه منتبه ليقتبس منها أطفأها، فكذلك ما أورت الخيل من النار لا ينتفع بها، كما لا ينتفع بنار الحباحب.
{ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً }
وقوله عز وجل: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً...}.
أغارت الخيل صبحا، وإنما كانت سريَّة بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى كنانة، فأبطأ عليه خبرها، فنزل عليه الوحى بخبرها فى العاديات، وكان على بن أبى طالب رحمه الله يقول: هى الإبِلُ، وذهب إلى وقعة بدر، وقال: ما كان معنا يومئذ إلا فرس عليه المقداد بن الأسود.
المعاني الواردة في آيات سورة ( العاديات )
{ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً }
وقوله عز وجل: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً...}.
والنقع: الغبار، ويقال: التراب.
وقوله عز وجل: {بِهِ نَقْعاً} يريد [/ب]: بالوادى، ولم يذكره قبل ذلك، وهو جائز؛ لأن الغبار لا يثار إلاّ من موضع وإن لم يذكر، وإذا عرف اسم الشىء كُنّى عنه وإن لم يَجْرِ له ذكر.
قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، يعنى: القرآن، وهو مستأنف سورة، وما استئنافه فى سورة إِلاّ كذكره فى آية قد جرى فيما قبلها، كقوله: {حم، والكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}، وقال الله تبارك وتعالى: {إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّى حتَّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ} يريد: الشمس ولم يجر لها ذكر.
{ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً }
وقوله عز وجل: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً...}.
اجتمعوا على تخفيف (فوسطن)، ولو قرئت "فوسّطن" كان صوابا؛ لأن العرب تقول: وسَطت الشىء، ووسَّطته وتوسَّطته، بمعنى واحد.
{ إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ }
وقوله عز وجل: {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ...}.
قال الكلبى وزعم أنها فى لغة كندة وحضرموت: "لَكَنُود": لَكفور بالنعمة.
وقال الحسن: {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} قال: لَوّام لربه يُعد المسيئات، وينسى النعم.
المعاني الواردة في آيات سورة ( العاديات )
{ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ }
وقوله عز وجل: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ...}.
يقول: وإن الله على ذلك لشهيد.
{ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }
وقوله تبارك وتعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ...}.
قد اختلف فى هذا؛ قال الكلبى بإسناده: لشديد: لبخيل، وقال آخر: وإنه لحب الخير لقوىٌّ، والخير: المال. ونرى والله أعلم ـ أن المعنى: وإنه لِلْخير لشديد الحب، والخير: المال، وكأن الكلمة لما تقدم فيها الحب، وكان موضعه أن يضاف إليه شديد حذف الحب من آخرة لمّا جرى ذكره فى أوله، ولرءوس الآيات، ومثله فى سورة إبراهيم: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ} والعصُوف لا يكون للأَيام؛ إنما يكون للريح [/ا] فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره، كأنه قيل: فى يوم عاصف الريح.
{ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ }
وقوله عز وجل: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ...}.
رأيتها فى مصحف عبدالله: "إذا بحث ما فى القبور"، وسمعت بعض أعراب بنى أسد، وقرأها فقال: "بحثر" وهما لغتان: بحثر، وبعثر.
المعاني الواردة في آيات سورة ( العاديات )
{ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ }
وقوله عز وجل: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ...} بُيّن.
{ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ }
وقوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ...}.
وهى فى قراءة عبدالله: "بأنه يومئذ بهم خبير".
المعاني الواردة في آيات
سورة ( القارعة )
{ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ }
قوله عز وجل: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ...}.
يريد: كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا، كذلك الناس يومئذ يجول بعضهم فى بعض.
{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ }
وقوله عز وجل: {كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ...} وفى قراءة عبدالله: "كالصوف المنفوش"، وذكِر: أن صُوَر الجبال تسيّر على الأرض، وهى فى صور الجبال كالهباء.
وقوله عز وجل: {كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}.
لأن ألوانها مختلفة، كألوان العهن.
{ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ }
وقوله عز وجل: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ...}.
ووزنه، والعرب تقول: هل لك فى درهم بميزان درهمك ووزن درهمك، ويقولون: دارى بميزان دارك ووزن دارك، وقال الشاعر:
قد كنتُ قبلَ لقائِكم ذا مِرَّةٍ * عندى لكلٍ مخاصم ميزانه
يريد: عندى وزن كلامه ونقضه.
المعاني الواردة في آيات سورة ( القارعة )
{ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ }
وقوله جل وعز: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ...}.
صارت مأواه، كما تؤوى المرأة ابنها، فجعلها إذ لا مأوى له غيرها أمًّا له.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( التكاثر )
{ أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ }
قوله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ...}.
نزلت فى حيين من قريش تفاخروا: أيهم أكثر عددا؟؛ وهما: بنو عبد مناف وبنو سهم فكثرت [/ب] بنو عبد مناف بنى سهم، فقالت بنو سهم: إن البغى أهلكنا فى الجاهلية، فعادّونا بالأحياء وَالأموات فكثَرتهم بنو سهم، فأنزل الله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ} حتى ذكرتم الأموات ، ثم قال لهم: {كَلاَّ...} ليس الأمر على ما أنتم [عليه]، وقال {سَوْفَ تَعْلَمُونَ... ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ...}. والكلمة قد تكررها العرب على التغليظ والتخويف، فهذا من ذاك.
{ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ }
وقوله عز وجل: {عِلْمَ الْيَقِينِ...}.
مثل قوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}. المعنى فيه: لو تعلمون علما يقينا.
{ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ }
وقوله عز وجل: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ...}.
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا...} مرتين من التغليظ أيضا. {لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ...} عينا لستم بغائبين، فهذا قراءة العوام أهل المدينة، وأهل الكوفة وأهل البصرة بفتح التاء من الحرفين.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: وحدثنى محمد بن الفضل عن عطاء عن أبى عبدالرحمن السلمى، عن على رحمه الله أنه قرأ "لَتُرَوُن الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّها"، بضم التاء الأولى، وفتح الثانية. والأوّل أشبه بكلام العرب، لأنه تغليظ، فلا ينبغى أن يختلف لفظه، ألا ترى قوله: {سَوْفَ تَعْلَمُون، ثُمَّ كَلاَّ سوْف تَعلَمون}؟ وقوله عز وجل: {إِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا}.
ومن التغليظ قوله فى سورة: {قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدونَ} مكرر، كرر فيها وهو معنى واحد، ولو رفعت التاء فى الثانية، كما رفعت الأولى كان وجها جيدا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( التكاثر )
{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }
وقوله عز وجل: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ...}.
قال: إنه الأمن والصحة. وذكر الكلبى بإسناده أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا فى أمر فرجعوا جياعا، فدخلوا على رجل من الأنصار، فأصابوا تمرا وماءا باردا، فلما خرجوا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إِنكم ستسألون عن هذه وعن هذا؛ فقالوا: فما شكرها يا رسول الله؟ قال: أن تقولوا: الحمد لله[/ا].
وذُكِر فى هذا الحديث: أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث لا يُسأل عنهن المسلم: طعام يقيم صلبه، وثوب يوارى عورته، وبيت يكنه من الحر والبرد).
المعاني الواردة في آيات
سورة ( العصر )
{ وَالْعَصْرِ }
قوله عز وجل: {وَالْعَصْرِ...}.
وهو الدهر أقسم به.
{ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ }
وقوله عز وجل: {لَفِى خُسْرٍ...}.
لفى عقوبة بذنوبه، وأن يخسر أهله، ومنزله فى الجنة.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الهمزة )
{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }
قوله عز وجل: {ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ...}.
وإنما نزلت فى رجل واحد كان يهمز الناس، ويلمِزهم: يغتابهم ويعيبهم، وهذا جائز فى العربية أن تذكر الشىء العام وأنت تقصد قصد واحد من هذا وأنت قائل فى الكلام عند قول الرجل: لا أزورك أبدا، فتقول أنت: كل من لم يزرنى فلست بزائره، وأنت تريد الجواب، وتقصد قصده، وهى فى قراءة عبدالله: "وَيْلٌ لِلْهُمَزَةِ اللُّمَزَةِ".
{ الَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ }
وقوله عز وجل: {الَّذِى جَمَعَ مَالاً...}.
ثقّل: جمّع. الأعمش وأبو جعفر المدنى، وخففها عاصم ونافع والحسن البصرى، واجتمعوا جميعا على {وَعَدَّدَهُ} بالتشديد، يريدون: أحصاه. وقرأها الحسن: "وعدَدَه" خفيفة فقال بعضهم فيمن خفف: جمَع مالا وأحصى عدده، مخففة يريد: عشيرته.
{ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ }
وقوله عز وجل: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ...}.
يريد: يخلده وأنت قائل للرجل: أتحسب أنّ مالك أنجاك من عذاب الله؟ ما أنجاك من عذابه إلاّ الطاعة، وأنت تعنى، ما ينجيك. ومن ذلك قولك للرجل يعمل الذنب الموُبق: دخل والله النار، والمعنى: وجبت له النار.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الهمزة )
{ كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ }
وقوله عز وجل: {لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ...}.
قرأها العوام: "لَيُنْبَذَنَّ" على التوحيد، وقرأها الحسن البصرى وحده [/ب] "لَيُنْبَذَانِّ فى الحطمة" يريد: الرجل وماله، والحطمة، اسم من أسماء النار، كقوله: جهنم، وسقر، ولظى فلو ألقيت منها الألف واللام إِذ كانت اسما لم يَجرِ.
{ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ }
وقوله عز وجل: {تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ...}.
يقول: يبلغ ألمها الأفئدة، والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد. العرب تقول: متى طلعتَ أرضنا، وطلعتُ أرضى، أى: بلغت.
{ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ }
وقوله جل وعز: {مُّؤْصَدَةٌ...}.
وهى المطبَقة، تهمز ولا تهمز.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الهمزة )
{ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ }
وقوله عز وجل: {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ...}.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء، قال: حدثنى إسماعيل بن جعفر المدنى قال: كان أصحابنا يقرءون: (فى عَمَد) بالنصب، وكذلك الحسن. وحدثنى به الكسائى عن سليمان بن أرقم عن الحسن: (فى عَمَد).
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال: حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس بن الربيع عن أبى إسحق عن عاصم بن ضمرة السلولى عن على رحمه الله أنه قرأها: "فى عُمُد مُمَدَّدَةٍ".
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد] قال حدثنا الفراء، قال: حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء عن أبى عبدالرحمن عن عبدالله بن مسعود، وزيد بن ثابت أنهما قرآ: "فى عُمُد مُمَدَّدَة". قال الفراء: والعُمُد، والعَمَد جمعان للعمود، مثل: الأديم، والأُدُم، والأَدَم، وَالإهَاب، والأُهُب، والأَهَب، والقضيم والقَضَم والقُضُم ويقال: إنها عُمُد من نار.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الفيل )
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ }
قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ...}.
يقول: ألم تُخبرَ عن الحبشة، وكانوا غزوا البيت وأهلَ مكة، فلما كانوا بذى المجاز مروا براعٍ لعبد المطلب فاستاقوا إبله، فركب دابته وجاء إلى مكة، فصرخ بصراخ الفزع ثم أخبرهم الخبر، فجال عبدالمطلب فى متن فرسه ثم لحقهم، فقال له رجلان من كندة وحضرموت: ارجع [/ا]، وكانا صديقين له، فقال: والله لا أبرح حتى آخذ أبلى، أو أُوخَذَ معها، فقالوا لأَصْحمة رئيس الحبشة: ارددها عليه؛ فإنه آخذها غدوة، فرجع بإبله، وأخبر أهل مكة الخبر، فمكثوا أياما لا يرون شيئًا، فعاد عبد المطلب إلى مكانهم فإِذا هم كما قال الله تبارك وتعالى: "كالْعَصْف المَأْكُولِ" قد بعث الله تبارك وتعالى عليهم طيرا فى مناقيرها الحجارة كبعر الغنم، فكان الطائر يرسل الحجر فلا يخطىء رأس صاحبه، فيخرج من دبره فقتلتهم جميعا، فأخذ عبد المطلب من الصفراء والبيضاء يعنى: الذهب والفضة ما شاء، ثم رجع إلى أهل مكة فأخبرهم، فخرجوا إلى عسكرهم فانتبهوا ما فيه.
{ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ }
وقوله عز وجل: {أَبَابِيلَ...}.
لا واحد لها مثل: الشماطيط، والعباديد، والشعارير كل هذا لا يفرد له واحد، وزعم لى الرؤاسى وكان ثقة مأمونا: أنه سمع واحدها: إِبَّالة لا ياء فيها. ولقد سمعت من العرب من يقول: "ضِغث على إبَّالة" يريدون: خِصب على خِصب. وأمّا الإيبالة: فهى الفضلة تكون على حمل الحمار أو البعير من العلف، وهو مثل الخِصبِ على الخصب، وحمل فوق حمل، فلو قال قائل: واحد الأبابيل إيبالة كان صوابا، كما قالوا: دينار دنانير. وقد قال بعض النحويين، وهو الكسائى: كنت أسمع النحويين يقولون: أبوك مثل العِجّول والعجاجيل.
{ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ }
ويقال: {سِجِّيلٍ...} كالآجر مطبوخ من طين، فقال الكلبى: حدثنى أبو صالح قال: رأيت فى بيت أم هانىء بنت أبى طالب، نحوا من قفيز من تلك الحجارة سودا مخططة بحمرة.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الفيل )
{ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }
وقوله عز وجل: {كَعَصْفٍ...}.
والعصف: أطراف الزرع قبل أن يدرك ويسنبل.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( قريش )
{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ }
قوله عز وجل: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ...}.
يقول القائل: كيف ابتدىء الكلام بلام خافضة ليس بعدها شىء يرتفع بها؟ فالقول فى ذلك على وجهين.
قال بعضهم: [/ب] كانت موصلة بألم تر كيف فعل ربك، وذلك أنه ذكَّر أهل مكة عظيم النعمة عليهم فيما صنع بالحبشة، ثم قال: {لإِيلاَفِ قُرَيشٍ} أيضاً، كأنه قال: ذلك إلى نعمته عليهم فى رحلة الشتاء والصيف، فتقول: نعمة إلى نعمة، ونعمة لنعمة سواء فى المعنى.
ويقال: إنه تبارك وتعالى عجَّب نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: اعجب يا محمد لنعم الله تبارك وتعالى على قريش فى إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، ثم قال: فلا يتشاغلُن بذلك عن اتباعك وعن الإيمان بالله. {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ...} و "الإيلاف" قرأ عاصم والأعمش بالياء بعد الهمزة، وقرأه بعض أهل المدينة "إلا فِهم" مقصورة فى الحرفين جميعا، وقرأ بعض القراء: (إلْفِهم). وكل صواب. ولم يختلفوا فى نصب الرحلة بإيقاع الإيلاف عليها، ولو خفضها خافض يجعل الرحلة هى الإيلاف كقولك: العجبُ لرحلتهم شتاء وصيفا. ولو نصب، إيلافَهم، أو إلفَهم على أن تجعله مصدرًا ولا تكرُّه على أول الكلام كان صوابا؛ كأنك قلت: العجب لدخولك دخولا دارَنا يكون الإيلاف وهو مضاف مثل هذا المعنى كما قال: {إذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.
{ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }
وقوله عز وجل: {أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ...}.
بعد السنين التى أصابتهم، فأكلوا الجيف والميتة، فأخصبت الشام فحملوا إلى الأبطح، فأخصبت اليمن فحُمِلت إلى جُدَّة. يقول: فقد أتاهم الله بالرزق من جهتين وكفاهم الرحلتين، فإن اتبعوك ولزموا البيت كفاهم الله الرحلتين أيضا كما كفاهم.
وقوله عز وجل: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ...}.
يقال: إنها بلدة آمنة، ويقال: من الخوف: من الجذام، فكفوا ذلك، فلم يكن بها حينئذ جذام. وكانت رحلة الشتاء [/ا] إلى الشام، ورحلة الصيف إلى اليمن، ومن قرأ: "إلفهم" فقد يكون مِن: يُؤلَفون، وأجود من ذلك أن يكون من [يألفون رحلة الشتاء ورحلة الصيف والإيلاف] من: يؤلِفون، أى: أنهم يهيئون ويجهزون.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الماعون )
{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ }
قوله عز وجل: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ...}.
وهى فى قراءة عبدالله: "أرأيتك الذى"، والكاف صلة تكون ولا تكون، والمعنى واحد.
{ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ }
وقوله عز وجل: {يَدُعُّ الْيَتِيمَ...}.
من دععت وهو يُدعّ: يدفعه عن حقه، ويظلمه. وكذلك: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ}.
{ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }
وقوله عز وجل: {وَلاَ يَحُضُّ...}.
أى: لا يحافظ على إطعام المسكين ولا يأمر به.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الماعون )
{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ }
وقوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ...} يعنى: المنافقين {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} يقول: لاهون كذلك فسّرها ابن عباس، وكذلك رأيتها فى قراءة عبدالله.
{ الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }
فقوله عز وجل: {الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ...}.
إن أبصرهم الناس صلّوا، وإن لم يرهم أحد تركوا الصلاة. {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ...} قال: وحدثنا الفراء قال: وحدثنى حِبَّان بإِسناده قال: "الماعون": المعروف كله حتى ذكر: القصعة، والقدر، والفأس.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] قال: حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس ابن الربيع عن السُّدى عن عبد خير عن على قال: "الماعون": الزكاة.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس بن الربيع عن خصيفِ عن مجاهد عن على رحمه الله بمثله قال: وسمعت بعض العرب يقول: الماعون: هو الماء،
وأنشدنى فيه:
* يَمجُّ صَبيرهُ الماعُونَ صَبًا *
قال الفراء: ولست أحفظ أوله الصبير: السحاب.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الكوثر )
{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }
قوله عز وجل: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ...}.
قال ابن عباس: هو الخير الكثير. ومنه القرآن.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: وحدثنى مندل بن على العنزى بإسناد رفعه إلى عائشة قال: "الكوثر" نهر فى الجنة. فمن أحب أن يسمع صوته فليدخل أصبعيه فى أذنيه.
{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }
وقوله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ...}.
يقال: فصل لربك يوم العيد، ثم انحر.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس عن يزيد بن يزيد ابن جابر عن رجل عن على قال فيها: النحر أخذك شمالك بيمينك فى الصلاة، وقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} استقبل القبلة بنحرك، وسمعت بعض العرب يقول: منازلنا تتناحر هذا بنحر هذا أى: قبالته. وأنشدنى بعض بنى أسد:
أبا حَكَم ها أنت عَمُّ مُجالِدٍ * وسيِّدُ أهلِ الأَبْطَحِ المتناحرِ
فهذا من ذلك ينحر بعضه بعضا.
{ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ }
وقوله عز وجل: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ...}.
كانوا يقولون: الرجل إذا لم يكن له ولد ذكر ـ أبتر ـ [/ب] أى: يموت فلا يكون له ذِكر. فقالها بعض قريش للنبى صلى الله عليه وسلم، فقال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ} مبغضك، وعدوّك هو الأبتر الذى لا ذكر له بعمل خير، وأما أنت فقد جعلت ذكرك مع ذكرى، فذلك قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( الكافرون )
{ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ }
قوله عز وجل: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ...}.
فقالوا للعباس بن عبدالمطلب عم النبى صلى الله عليه وسلم: قل لابن أخيك يستلم صنما من أصنامنا فنتبعه، فأخبره بذلك العباس، فأتاهم النبى ـ صلى الله عليه ـ وهم فى حلقة؛ فاقترأ عليهم هذه السورة فيئسوا منه وآذوه، وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم، ثم قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ}: الكفر، {وَلِىَ دِينِ} الإسلام. ولم يقل: دينى؛ لأن الآيات بالنون فحذفت الياء، كما قال: {فَهُوَ يَهْدِينِ، والّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ}.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( النصر )
{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً }
قوله: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ...}.
يعنى: فتح مكة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً...}.
يقول: ورأيت الأحياء يسلم الحى بأسره، وقيل ذلك إنما يسلم الرجل بعد الرجل.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }
وقوله عز وجلَّ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ...}.
يقول: فصلّ. وذكروا أنه قال ـ صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه السورة: نُعيَتْ إِلىَّ نفسى.
المعاني الواردة في آيات
سورة ( المسد )
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }
قوله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ...}.
ذكروا أن النبى صلى الله عليه وسلم قام على المروة، فقال: يا آل غالب، فاجتمعت إليه، ثم قال: يا آل لؤى، فانصرف ولد غالب سوى لؤى، ثم قال ذلك حتى انتهى إلى قصى. فقال أبو لهب: فهذه قصى قد أتتك فما لهم عندك؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أمرنى أن أنذر عشيرتى الأقربين، فقد أبلغتكم، فقال أبو لهب: أما دعوتنا إِلاَّ لهذا؟ تبّاً لك، فأنزل الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وفى قراءة عبدالله: "وقد تب" فالأول: دعاء، والثانى: خبر. قال الفراء: "تب" : خسر، كما تقول للرجل، أهلكك الله، وقد أهلكك، أو تقول: جعلك الله صالحا، وقد جعلك.
{ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }
وقوله عز وجل: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ...}، ترفع الحمّالةُ وتنصب، فمن رفعها فعلى جهتين: يقول: سيصلى نار جهنم هو وامرأته حمالةُ الحطب تجعله من نعتها، والرفع الآخر وامرأتُه حمالةُ الحطب، تريد: وامرأته حمالة الحطب فى النار، فيكون فى جيدها هو الرافع، وإن شئت رفعتها بالحمالة، كأنك قلت: ما أغنى عنه ماله وامرأته هكذا. وأما النصب فعلى جهتين:
إحداهما [/ا] أن تجعل الحمالة قطعا؛ لأنها نكرة؛ ألا ترى أنك تقول: وامرأته الحمالة الحطب، فإذا ألقيت الألف واللام كانت نكرة، ولم يستقم أن تنعت معرفة بنكرة.
والوجه الآخر: أن تشتمها بحملها الحطب، فيكون نصبها على الذم، كما قال صلى الله عليه وسلم سيّد المرسلين سمعها الكسائى من العرب. وقد ذكرنا [مثله] فى غير موضع.
وفى قراءة عبدالله: "وامرأته حمالةً للحطب" نكرة منصوبة، وكانت تنُم بين الناس، فذلك حملها الحطب يقول: تُحرِّش بين الناس، وتقود بينهم العداوة.
{ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }
وقوله جل وعز: {فِى جِيدِهَا}: فى عنقها {حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ...}.
وهى: السلسلة التى فى النار، ويقال: من مَسد: هو ليف المُقْل.
المعاني الواردة في آيات