كتاب : البهجة في شرح التحفة
المؤلف : أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي
باب الوكالة
بفتح الواو وكسرها بمعنى التفويض يقال : وكله بأمر كذا فوض إليه فيه وتقع بمعنى الحفظ والرعاية ومنه قوله تعالى : ألا تتخذوا من دوني وكيلاً } ( الإسراء : 2 ) قيل : حفيظاً ، وقيل كفيلاً ، وقيل ضامناً كما في ضيح ( وما يتعلق بها ) من تداعي الوكيل والموكل وانعزاله بالموت ونحو ذلك . وشرعاً قال ابن عرفة : نيابة ذي حق غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروطة بموته ، فتخرج نيابة إمام الطاعة أميراً أو قاضياً أو صاحب صلاة والوصية اه . فخرجت نيابة إمام الطاعة أميراً أو قاضياً بقوله : غير ذي إمرة وخرج بقوله : ولا عبادة إمامة الصلاة وبقوله غير مشروطة الخ . الوصية لأن الوصي لا يقال فيه وكيل عرفاً ، ولذا فرقوا بين فلان وكيلي ووصيي وقوله لغيره : يتعلق بنيابة وكذا قوله فيه وضميره يعود على حق ، لكن إن جعل غير الأول صفة لذي الأولى بطل جميعه في الإمام يوكل في حق نفسه من نكاح ونحوه ، وإن جعلته صفة لحق لم يصح إلا على ضرب من المجاز وهو مجتنب في الحدود ، فالأولى إسقاط ذي الثانية . وكيفية وثيقتها إن كان مفوضة وكل فلان فلاناً توكيلاً مفوضاً مطلقاً ويكفيه ذلك كما يأتي عند قوله وحيثما التوكيل بالإطلاق الخ . وإن كانت مخصوصة قلت : وكّل فلان فلاناً على بيع دوابه أو شراء سلعة كذا ، ونحو ذلك . ويتعين أن يبيع بثمن المثل وأن يشتري له ما يليق به كما يأتي عند قوله : وليس يمضي غير ما فيه نظر الخ . وإن كانت مخصوصة بالخصام قلت : وكّله على طلب حقوقه واستخراج منافعه أينما كانت أو من فلان وقبض ما يجب له قبضه جاعلاً له فيه الإقرار والإنكار ، وأخذ الضمان والرهان وتقاضي الأيمان وقبلها والصلح وأخذ النسخ وإعطائها وضرب الآجال والتزامها توكيلاً تاماً وقبض الوكيل ذلك شهد عليهما من أشهداه بما فيه وهما بأتمه وعرفهما ، وفي كذا فإن سقط القبول فلا يضر إن قام بالوكالة داخل ستة أشهر كما يأتي عند قوله : والزوج للزوجة كالموكل الخ . كما لا يضر أيضاً سقوط معرفة القدر ، ولذلك لم نذكره وإن سقط الإقرار والإنكار جرى على ما يأتي للناظم في قوله : والنقص للإقرار والإنكار الخ . وإن سقط ذكر القبض أو الصلح أو أخذ الضمان والرهان أو تقاضى الأيمان لم يضر ذلك . ولكن لا يتولى القبض ولا يمضي صلحه إلا على ما يأتي عند قوله : وحيثما التوكيل بالإطلاق الخ . ولا تحليفه إلا على ما يأتي أيضاً عند قوله : والنقص للإقرار الخ . وإن سقط الإشهاد ففي ابن سلمون إذا شهد شاهدان بمعرفة الوكالة ولم يبينا في شهادتهما أن الموكل أشهدهما بها فشهادتهما ساقطة ونحوه في البرزلي عن ابن الحاج ، وتقدم نحو ذلك في الضمان عند قوله : ولا اعتبار الخ .يَجُوزُ تَوْكِيلٌ لِمَنْ تَصَرَّفَافي مَالِهِ لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفا
( يجوز توكيل ) فعل وفاعل ( لمن ) يتعلق بيجوز لا بتوكيل ومتعلق توكيل محذوف أي في كل ما يقبل النيابة ( تصرفا ) صلته ( في ماله ) يتعلق به ، ويريد أن من جاز له التصرف في ماله بمعاوضة مالية جاز له أن يوكل في قابل النيابة فتدخل الزوجة والمريض إذ كلاهما له التصرف ، ولو في زائد الثلث بالمعاوضة ويخرج المحجور عليه فليس له أن يوكل لأنه ليس له التصرف بما ذكر اتفاقاً كما في ( ح ) قال : إلا ما يفهم من مسألة العتق وهي أن يعطي العبد مالاً لمن يشتريه لنفسه من سيده ، وأصله لابن عرفة ، لكن ظاهر النظم بحسب مفهومه أن المحجور لا يوكل ولو في طلب حقوقه وهو الذي يقتضيه ابن شاس وابن الحاجب ومن تبعهما ، والذي به العمل كما في المتيطية والمعيار أن له أن يوكل على طلب حقوقه والخصومة فيها حضر وصيه أو غاب ، كما له أن يطلبها بنفسه كذلك إلا أنهم قالوا لا يقبض المال إذا تعين وبهذا أفتى الغبريني وعليه درج ناظم العمل حيث قال :
وطلب الحق لتوكيل لمن
حضر أو غاب وصيه قمن
فيقيد مفهوم الناظم ما على ما به العمل بالمعاوضة كما قررنا فلا يشمل طلب الحقوق كما هو ظاهره ، وظاهر كلامهم أن له أن يوكل على طلب حقوقه ولو وكل عليها محجوراً أيضاً . وقولنا في قابل النيابة احترازاً مما لا يقبلها كاليمين والمعصية كالظهار ونحوه ، واختلف في الوكالة على القيام بالوظائف كالإمامة والقراءة والأذان فاختار القرافي عدم جوازها لغير عذر . قال : ولا يستحق النائب ولا المنوب عنه شيئاً ، واختار اللقاني والأجهوري جوازها وارتضاه الملوي وألف في ذلك . ( لمن ) يتعلق بتوكيل ( بذاك ) يتعلق بقوله ( اتصفا ) والجملة صلة والإشارة ترجع للتصرف في المال أي كما اشترط في الموكل أن يكون ممن يصح تصرفه كذلك يشترطفي الوكيل أيضاً أن يكون ممن يصح تصرفه ، فلا يجوز أن يكون الوكيل محجوراً عليه لأنه تضييع للمال ، وقد نهى عنه قاله اللخمي ، وابن شاس ومن تبعهما ، ابن عرفة : وعليه عمل بلدنا وظاهر كتاب المديان من المدونة ، وصرح به في العتبية أن المحجور يجوز كونه وكيلاً عن غيره . ابن رشد : وذلك مما لا خلاف فيه لأن للرجل أن يوكل من رضي توكيله من رشيد أو سفيه ويلزمه من فعل السفيه ما يلزمه من فعل الرشيد وعلى طريقة ابن رشد هذه درج ناظم عمل فاس حيث قال :
وجوزوا التوكيل للمحجور
عليه والإيصاء في الأمور
قال شارحه : يريد أن الإنسان يجوز له أن يوكل سفيهاً محجوراً عليه في خصومة أو تصرف في مال ، وأو يوصى إليه بتنفيذ وصية لا بالنظر في مال الولد اه . لكن ينبغي أن يقيد الخلاف بما إذا لم يفوض إليه وإلاَّ فيمنع لظهور التضييع حينئذ ويقيد جواز كونه وكيلاً أيضاً بما إذا كان الموكل رشيداً عالماً بحجره كما في حاشية ابن رحال هنا ، وهو ما أفتى به أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم وسيأتي ذلك عند قوله : ومن على قبض صبياً قدما الخ .
تنبيهات . الأول : هذا كله في الحقوق المالية ، وأما الحقوق البدنية كضرر زوج وقيام بعيب الزوج ونحوه فللمحجور أن يوكل من يخاصم عنه فيها قطعاً ولا قيام فيها لوليه إلا بتوكيله كما للمتيطي وغيره قال الغرناطي في وثائقه : والمحجور لا يوكل إلا فيما هو من ضرر البدن وفي الشروط المشترطة له وفي طلب النفقة والكسوة أي من وليه ، فلو كانت المحجورة متزوجة وطلبت من وليها أن يسكن زوجها بها في دارها وأن تنفق على نفسها من مالها لرغبتها في الزوج ومخافة طلاقه فإنها تجاب ، ولا مقال لوليها . وانظر الحجر من البرزلي وسيأتي إن شاء الله في بيع الفضولي .
الثاني : إذا وكل المحجور وليه فبمجرد قبول الولي لتوكيله يصير المحجور رشيداً ولا يصدق الولي في أنه لم يخرجه من الحجر قاله في الكراس الثاني من أنكحة المعيار قال : ونزلت فحكم فيها بذلك .
الثالث : تقدم أنه لا بد أن يضمن الموثق في رسم الوكالة أن الموكل أشهدهما بها فإن لم يبينا أن الموكل أشهدهما بها فشهادتهما باطلة لا يعمل بها . قاله ابن الحاج ونقله ابن سلمون في فصل بيع الوكيل ونقله ( ح ) أيضاً مسلماً .
وَمُنِعَ التَّوْكِيلُ لِلذَّمِّيِّ
وَلَيْسَ إنْ وُكّلَ بِالْمَرْضِيِّ
( ومُنِعَ ) فعل وفاعل ( التوكيل ) مفعول به ( للذمي ) يتعلق بما قبله يليه أي ومنع العلماء رضي الله عنهم أن يوكل المسلم الذمي لأنه لا يتقي الحرام في بياعاته وسائر معاملاته وظاهرهولو قارضه لأن القراض توكيل وفي ذلك نزاع ، وكذا مشاركته إذ كل من الشريكين وكيل عن الآخر إلا أن لا يغيب عنه وظاهره منع توكيله ، ولو في خصومة عنه وظاهره أيضاً منعه في كل شيء وليس كذلك ، بل توكيله على قبول نكاح أو دفع هبة ونحو ذلك لا يمنع وكذا مساقاته إن كان لا يعصر حصته خمراً وبمنزلة الذمي من ظهر منه عند القاضي لدد وتشغيب في الخصومات فيمنع ولا يقبله القاضي وكيلاً ، إذ لا يحل له إدخال اللدد على المسلمين قاله ابن فرحون . والمراد بالذمي الكافر فيشمل المؤمن وعبده النصراني ونحوهما ( خ ) ومنع ذمي في بيع أو شراء أو تقاض وعدوّ على عدوه ( وليس ) فعل ناقص ( أن وكَّل ) بفتح الهمزة والكاف المشددة في تأويل مصدر اسمها ، وفاعل وكَّل ضمير يعود على الذمي ومفعوله محذوف أي وليس توكيل الذمي المسلم ( بالمرضي ) خبر ليس جر بالباء الزائدة قال الشعباني : الوكالات أمانات فينبغي لأولي الأمانات أن لا يتوكلوا لأولي الخيانات ، وعن مالك : كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة اه . والتعبير بينبغي يقتضي الكراهة وهو ظاهر النظم ، وبها صرح غير واحد وسواء كان توكيل الذمي للمسلم بأجرة أم لا . وكله في خصومة أو بيع أو شراء ، وهذا ما لم يكن المسلم تحت يد الذمي كأجير الخدمة وإلاَّ فيمنع انظر ضيح .
وَمَنْ عَلَى قَبْضٍ صَبِيّاً قَدَّمَا
فَقَبْضُهُ بَرَاءةٌ لِلْغُرَمَا
( ومن ) اسم شرط ( على قبض ) يتعلق بقدما ( صبياً ) مفعول ( قدما ) بفتح الدال المشددة مبني للفاعل وضميره المستتر يعود على من وألفه للإطلاق ( فقبضه ) مبتدأ ( براءة ) خبره ( للغرما ) يتعلق به ، والجملة في محل جزم جواب الشرط ، ويجوز أن تكون من موصولة ودخلت الفاء في خبرها لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام ، ومعناه أن من قدم صبياً على قبض دين ونحوه من وديعة وعارية وغير ذلك من الحقوق فإن الدافع يبرأ من ذلك أن ثبت الدفع ببينة لأنه قد رضي به ونزله منزلته وسواء أوصله الصبي لربه أو أتلفه ولا ضمان عليه ولو ثبت تعديه عليه ، فإن لم يثبت الدفع فلا يبرأ . ولو أقر الصبي لقول ( خ ) وإن قال أي الوكيل غير المفوض قبضت وتلف برىء وإن لم يبرأ الغريم إلا ببينة ولا مفهوم للصبي بل البالغ المحجور كذلك ، وإنما خصص الصبي بالذكر ليفهم غيره بالأحرى ولا مفهوم لقبض بل لو وكله على البيع أو الشراء أو نحو ذلك لكان فعله ماضياً ويبرأ المشتري بدفع الثمن إليه لأن من وكل على بيع شيء فهو موكل على قبض ثمنه إلا أن يشترط عليه أن لا يقبضه إلا بتوكيله على القبض ، نص عليه ابن الحاج كما في ابن عرفة وابن سلمون وغيرهما . وتوكيله على البيع نص عليه أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيمكما في وصايا المعيار . وقيده بما إذا كان الموكل له رشيداً عالماً بحجره ، واعتمد ابن رحال قيده المذكور كما مر قريباً .
قلت : أما التقييد بكون الموكل رشيداً فظاهر لما مرّ من أن المحجور لا يوكل على ما فيه معاوضة ولا يقبض حقوقه الواجبة له ، وإذا لم يقبضها بنفسه فكذلك بوكيله وإلا بطلت فائدة الحجر فيقيد النظم بهذا القيد ، ولا يبرأ الغريم بالدفع إليه حينئذ ، وأما التقييد بكونه عالماً بحجره فلا تظهر له ثمرة لأن تصرفه بالبيع والقبض ونحوهما لا يرد لدعوى الموكل عدم العلم بحجره ولا يوجب تضمين المحجور أو الغريم كما لا يخفى ، بل لو ثبت عدم علمه حين التوكيل لم يرد تصرفه لتعلق حق الدافع والمشتري بذلك والتفريط إنما جاء من قبله حيث لم يتثبت . ولا يقال ثمرته تظهر في تصرفه بعدم المصلحة . لأنا نقول الوكيل من حيث هو رشيد أو محجور علم الموكل بحجره أم لا معزول عن غير المصلحة ، فلا فرق في هذا بين المحجور وغيره كما يأتي في قوله : وليس يمضي غير ما فيه نظر الخ . والله أعلم . وهنا تم الكلام على الموكل والوكيل اللذين هما الركنان الأولان من أركان الوكالة ، وسيأتي الركن الثالث والرابع اللذان هما الموكل فيه والصيغة عند قوله ، وحيثما التوكيل الخ وعند قوله : والزوج للزوجة كالموكل الخ .
تنبيه : ما ذكره ابن الحاج وتبعه الناظم ظاهر في جواز توكيل المحجور كما في البرزلي ، وهي طريقة ابن رشد كما مرّ فدرج الناظم أولاً على طريقة اللخمي وهنا على طريقة ابن رشد ، فلو قال إثر قوله : لمن بذاك اتصفا ما نصه :
وقيل في المحجور ذي التقديم
في قبضه براءة الغريم
لكفاه في الإشارة لطريقة ابن رشد وسلم من التناقض في الكلام والجواب عنه بكون ما هنا فيما بعد الوقوع وما مر في الجواز ابتداء غير ظاهر لأن ظاهر كلام اللخمي ومن وافقه أن وكالة المحجور لا تنعقد لأن الأصل فيما لا يجوز عدم الانعقاد ، وإذا لم تنعقد فلا تترتب عليها الآثار من لزوم تصرفاته للموكل ، وما ذاك إلا لكون توكيله بمنزلة التوكيل على غير النظر فهو كالتوكيل على المعصية لأن الغالب أن المحجور لا يتصرف إلا بغير النظر ، ولذا قال ابن عرفة : أصل المذهب منع التوكيل على غير وجه النظر قال : ويأتي نقل اللخمي عن المذهب منع توكيل السفيه اه . وقد عللوا عدم الجواز بأن وكالته تضييع للمال وعليه فلا يلزمه بيعه ، ولو وافق السداد ولا يبرأ الغريم بالدفع إليه وهو ظاهر إن لم يعلم الموكل بحاله وعلم الغريم بحجره ولو جهل انعقاد وكالته لأن الجهل في الأحكام لا يفيد ، وأما إن لم يعلم بحجره فالظاهر البراءة لا من جهة صحة وكالته ، بل لأن الموكل إن علم به فهو المسلط له على إتلاف ماله وإن لم يعلم فالتفريط جاء من قبله فليس تضمين الغريم بأولى من تضمينه . هكذا ينبغي تفصيل هذه الطريقة وما في ( ح ) عند قوله : إلا أن يقول وغير نظر مما يقتضي خلاف التفصيل المذكور غير ظاهر فتأمله والله أعلم .
وَجَازَ لِلْمطْلُوبِ أنْ يُوَكِّلاَ
وَمَنْعُ سَحْنُونٍ لَه قَدْ نُقِلاَ( وجاز للمطلوب ) يتعلق بجاز ( أن يوكلا ) في تأويل مصدر فاعله ( ومنع ) مبتدأ ( سحنون ) مضاف إليه ( له ) يتعلق بالمبتدأ وضميره للمطلوب بتقدير مضاف أي لتوكيله ، ويحتمل أن يعود على المصدر المؤول أي ومنع التوكيل جملة ( قد نقلا ) بالبناء للمفعول ونائبه يعود على المبتدأ ، والجملة خبره ومعناه أن المطلوب يجوز له أن يوكل من يخاصم عنه على المشهور المعمول به ، كما يجوز ذلك للطالب . ونقل عن سحنون أنه كان لا يقبل من المطلوب وكيلاً إلا أن يكون امرأة لا يخرج مثلها أو مريضاً أو مريداً سفراً أو كان في شغل الأمير أو على خطة لا يستطيع مفارقتها ونحو ذلك من الأعذار ، ولما قيل له لأي شيء تفعل هذا ومالك يقبل الوكيل مطلقاً ؟ قال : قال عمر بن عبد العزيز : تحدث للناس أقضية الخ . ووقع له أيضاً في رسالة لقاضي القضاة بقرطبة المنع من التوكيل جملة طالباً أو مطلوباً . ابن عرفة : وفي جوازها لغير عذر . ثالثها : للطالب لا للمطلوب للمعروف مع قول المتيطي هو الذي عليه العمل ، ونقله عن سحنون وفعله اه . فقول الناظم : ومنع سحنون الخ يحتمل أن يكون أشار به لقوله الأول أو الثاني .
وَحَيْثُمَا التَّوْكِيلُ بِالإِطْلاَقِ
فَذلِكَ التَّفْوِيضُ بِاتِّفَاقِ
( وحيثما ) اسم شرط ( التوكيل ) فاعل بفعل مقدر تقديره وقع ( بالإطلاق ) في محل الحال منه ( فذلك ) مبتدأ ( التفويض ) خبر والجملة جواب الشرط والفاء رابطة بينهما ( باتفاق ) في محل الحال من التفويض ، ومعناه أن التوكيل إذا وقع مطلقاً ولم يقيد بالتفويض ولا بأمر مخصوص كقوله : وكلتك أو أنت وكيلي فإن ذلك هو التفويض باتفاق فيعم جميع الأشياء ، وأحرى إذا نص على التعميم كقوله : وكلتك على جميع أموري أو أقمتك مقامي في جميع الأمور ، ولم أستثن عليك فصلاً من الفصول فيمضي فعله في كل شيء وإن كان نظراً إلا في طلاق زوجته وإنكاح بكره وبيع دار سكناه أو عبده إلا أن يقول : وكلتك بما إلي من تطليق نسائي وعتق عبيدي وبيع أملاكي فيمضي فعله في الجميع فإن نص على التخصيص كقوله : وكلتك على قبض ديني أو علىبيع ثوبي أو على فلان أو بمخاصمة خصمائي فهي وكالة خاصة بالخصام ، وقبض الدين والبيع من فلان . ابن فرحون : الوكالة على طلب الآبق لا تشمل الخصومة فيه اه . وما ذكره الناظم من أنه إذا لم يقيد بتعميم ولا بتخصيص يكون تفويضاً باتفاق هو طريقة ابن رشد ، وطريقة ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب أن الإطلاق لا يصح به توكيل ، بل حتى ينص على التعميم أو التخصيص وعليها درج ( خ ) إذ قال : صحت الوكالة بما يدل عرفاً لا بمجرد وكلتك ، بل حتى يفوض أو يعين بنص أو قرينة وتخصص وتقيد بالعرف فلا يعده الخ . فلو قال له : اشتر لي عبداً فإنه يتقيد بما يليق به ، وكذا لو قال له : بع دوابي وكان العرف يقتضي تخصيص بعض أنواعها فإنه يتخصص به ، ولو قال : بع بما باع به فلان فرسه فالعمل بما باع به فلان مشترط في حق الوكيل لا في حق الموكل .
قلت : ويمكن تمشية الناظم على هذه الطريقة بحمل الإطلاق في كلامه على أنه نص له عليه أو على مرادفه كقوله : وكلتك وكالة مطلقة أو مفوضة أو غير مقيدة بشيء دون شيء أو بما إلي من قليل أو كثير أو على جميع الأمور ونحو ذلك مما فيه التنصيص على إطلاق يده في التصرف ومراده بالاتفاق اتفاق أهل هذه الطريقة ، وهذا أولى وأقرب من تمشيته على الطريقة الضعيفة . المتيطي : إن لم يسم شيئاً بل قال : وكلته وكالة مفوضة جاز فعله عليه في كل شيء من البيع والصلح وغيرهما ، وإن قال : وكلته وكالة مفوضة جامعة لجميع وجوه التوكيل ومعانيه كان أبين اه . ابن شاس . يشترط فيما فيه التوكيل أن يكون معلوماً في الجملة ويستوي كونه منصوصاً عليه أو داخلاً تحت عموم اللفظ أو معلوماً بالقرائن أو بالعادة اه . ابن عرفة : شرط صحة الوكالة علم متعلقها خاصاً أو عاماً الخ . قال وقول ابن شاس بالعادة هو كقولها في ذبح الولد أضحية أبيه وإنكاحه أخته حسبما ذكره في الأضحية والنكاح فتأمل قوله : أو داخلاً تحت عموم الخ .
قلت : ومن العادة قول الناظم الآتي : وغائب ينوب في القيام الخ . وقوله : والزوج للزوجة كالموكل الخ . وهذا إذا لم يقع التعميم إثر تخصيص ، وإلاَّ ففي البرزلي عن ابن عتاب الذي جرى به العمل وأفتى به الشيوخ : أنه متى انعقد في وثيقة التوكيل تسمية شيء ، ثم ذكر بعد ذلك التفويض أنه إنما يرجع لما سمى وإن لم يسم شيئاً ، وذكر التفويض التام فهو عام في الجميع اه . ونحوه لابن رشد كما في ابن عرفة وهو المشار له بقول اللامية : وإن وقع التفويض إثر مقيد الخ وأما عكسه وهو أن يفوض ويعمم أولاً ثم يسمي بعض ما يدخل تحت ذلك اللفظ ويسكت عن الباقي . فقال البرزلي أيضاً : يجري على الخلاف الآتي في الهبة إذا قال : وهبت لولدي وسمى البعض وسكت عن البعض الآخر ، وأحفظ عن الطرر وعن بعض الأندلسيين دخول المسكوت عنه ، وأحفظ في بعض الروايات في الوكالات أنها تختص بما ذكر خاصة .
قلت : أفتى أبو الحسن في نوازله فيمن حبس على ولده جميع أملاكه ، وذكر بعض الأملاك وترك البعض الآخر أنه يدخل الجميع قال : لأن المخصوص داخل بلفظ الخصوص والعموم والمتروك داخل بلفظ العموم فقط ، فهو كمن باع جميع أملاكه وسمى بعضها وترك البعض الآخر فيلزمه البيع في الجميع على الراجح ، انظر ابن هلال وشراح المتن في التناول ، وهذا أنسببمسألة الوكالة المذكورة فيترجح فيها العموم إن كان يعلم بما لم يسمه ، وأما من قال : وهبت لولدي أو أوصى عليه وسمى البعض دون البعض ، فاختار ابن رشد فيها عدم العموم قائلاً لأن لفظ ولدي يقع على الواحد والجمع فلا يدخل إلا ما سماه وإن كان ناظم العمل درج في الوصية على التعميم حيث قال :
ومن على أولاده أوصى وما
سمى سوى البعض فذاك علما
تنبيهان . الأول : معنى كون التفويض راجعاً للمقيد أنه تفويض في أحوال ذلك الخاص من كونه جعل له فعل ذلك في أي زمان وفي أي الأسواق والأمكنة شاء وأن يتحاكم في الخصومة عند أي قاض شاء أو يبيع ممن شاء ونحو ذلك . هكذا في ابن عرفة عن ابن عبد السلام ، بل وقع في السماع فيمن وكلت رجلاً على خصومة في قرية وأنها فوضت إليه وأمره جائز فيما يصنع ولم تذكر بيعاً ولا صلحاً فباع الوكيل القرية بعد أن صالح فيها أن الصلح لازم لها دون البيع . ابن رشد : الأصل أن الوكيل لا يتعدى ما سمى له ، وإنما أجاز في هذا السماع صلحه لقول موكلته فوضت إليه في الخصومة وجعلت أمره جائزاً فيما يصنع فلم يخالف قول أصبغ ليس لوكيل الخصومة صلح أي لأنه لم يذكر له فيها تفويضاً ولا قول . عيسى : من وكل على قبض ديونه وفوض إليه النظر فيها لا يجوز صلحه لإمكان تفويض صرف النظر في قول عيسى لتعجيل ما يقتضي النظر تعجيله وتأخير ما يقتضي النظر تأخيره اه .
قلت : وانظر على ما في السماع إذا قال : وكلته على الخصام توكيلاً مفوضاً هل يشمل توكيله الإقرار والإنكار لأنهما من عوارض الخصام فيرجع لهما لتفويض أشد من رجوعه للصلح فتأمله . والله أعلم . قال فضل : ومن وكل وكالة مفوضة فيجوز صلحه إذا كان نظراً وأما من وكل على تقاضي دين أو خصومة أو أمر معين وفوض إليه النظر فلا يجوز صلحه وإن كان نظراً حتى ينص له على ذلك قال : وقاله جميع أصحابنا . واقتصر عليه في المتيطية والفشتالية وابن رحال وظاهرهم أنه المعتمد دون ما تقدم عن السماع فتأمله وهو ظاهر قول اللامية :
وكل وكيل فامنعن صلحه سوى
وكيل بتفويض يصادف منهلا
فمراده بوكيل التفويض الوكيل المفوض إليه في جميع الأمور لأنه إذا أطلق إنما ينصرف إليه لا الوكيل المخصوص المتقدم في السماع كما قرره به بعض شراحها ، وبالجملة فما لفضل وصاحب اللامية هو الذي تقدم عن ابن عتاب أن به العمل وما وفق به ابن رشد بين كلام الأئمة يظهر من المتيطي وغيره أنه مقابل فتأمله .
الثاني : قال في كتاب الغرر من المدونة : وأما الدور والأرضون والعقار فالنقد فيها جائز بشرط قربت الغيبة أو بعدت قالوا : يحتمل أن يكون عطف العقار على ما قبله من عطف العام على الخاص ، ويحتمل أن يكون من عطف المغاير وأن المراد به البساتين فيؤخذ منه أن من وكل على بيع عقار أن الدور لا تدخل في الوكالة ونزلت في الأندلس ، وحكم فيها بعدم الدخول حتى ينص على الدور قاله البرزلي . ابن شاس : ومخصصات الموكل معتبرة فلو قال : بع من زيد لم يبع من غيره وإن عين زمناً أو سوقاً تتفاوت الأغراض في كل منهما وجب اتباعه . ابن عرفة : وفي كتاب القراض ومنه تأخير بيع سلعه لما يرجى له سوق أي فإن باع قبله ضمن ولو وكله علىشراء سلعة فلان بخصوصه بها فاشتراها فتبين أنها لغيره أدخلها في سلع فلان المذكور ، فذلك عيب يوجب للموكل القيام بنقض البيع قاله المازري .
وَلَيْسَ يَمْضِي غَيْرُ مَا فِيهِ نَظَرْ
إلاَّ بِنَصَ فِي الْعُمُومِ مُعْتَبَرْ
( وليس ) فعل ناقص ( يمضي ) مضارع مضى الثلاثي خبرها مقدم ( غير ) اسمها مؤخر ( ما ) موصول مضاف إليه ( فيه ) خبر عن قوله ( نظر ) والجملة صلة ما ( إلا ) استثناء ( بنص ) يتعلق بيمضي أي لا يمضي غير النظر بسبب من الأسباب أو بشيء من الأشياء إلا بنص ( في العموم ) يتعلق بقوله ( معتبر ) الذي هو صفة لنص ، والتقدير لا يمضي غير النظر من المفوض إليه وأحرى المخصوص إلا بنص معتبر في العموم كأن يقول وكلتك على النظر وغير النظر فيمضي حينئذ غير النظر ( خ ) فيمضي النظر إلا أن يقول وغير نظر إلا الطلاق الخ . وما ذكره من أنه يمضي غير النظر إذا نص له عليه نحوه لابن بشير وابن شاس وابن الحاجب واعترضه ابن عرفة وكذا ( خ ) في ضيح قائلاً : فيه نظر إذ لا يأذن الشرع في السفه فينبغي أن يضمن الوكيل إذ لا يحل لهما ذلك اه . فقوله ينبغي الخ ظاهر إذا كان الوكيل رشيداً لأنه إذا باع ما يساوي مائة بخمسين مثلاً وتعذر رده صار بمنزلة المودع عنده يحرق الوديعة بإذن ربها فإنه يضمنها وبه تعلم أن قياس ( خ ) عدم الضمان على نفي القود غير ظاهر إذ لا يلزم من نفي القود في قطع اليد بإذن ربها عدم الغرم في المال لأن القود عين والحدود تدرأ بالشبهات بخلاف الغرم انظر عند قول ( خ ) في الدماء ، ولو قال : إن قتلتني أبرأتك وانظر ما مر عند قوله : ومن على قبض صبياً قدما الخ . وشمل قوله غير ما فيه نظر ما فيه مفسدة راجحة أو مرجوحة أو مساوية وما لا مصلحة فيه ولا مفسدة ، لأن هذه الأقسام ليست من باب ما هو أحسن قاله في أوائل أحباس المعيار . قال : والوصي في ذلك كالوكيل ابن عرفة : وظاهر قول أبي عمران إن قدر الغبن في بيع الوصي والوكيل ما نقص عن القيمة نقصاً بيناً وإن لم يبلغ الثلث وهو صواب لأنه مقتضى الروايات في المدونة وغيرها إذا باع الوكيل أو ابتاع بما لا يشبه من الثمن لم يلزمك اه . أي : ولو التزم له إتمام النقص ونقله ( ح ) عند قول المتن ولا بغبن ولو خالف العادة الخ . وما ذكره عن المدونة وهو قول ( خ ) في الوكالة وتعين في المطلق نقد البلد ولائق به وثمن المثل والأخير ، وقال أيضاً في الإجارة عاطفاً على ما لا يمضي : وكراء وكيل بمحاباة أو بعرض الخ . وقوله خبر أي في إمضاء فعله أو نقضه وأخذ سلعته إن كانت قائمة فإن فاتت خير في الإمضاء أو تضمينه القيمة .
تنبيهات . الأول : يمكن أن يكون المراد بغير النظر الذي يمضي بالنص عليه على ما في النظم ومن معه هو ما لا تنمية للمال فيه كعتق وهبة وصدقة أريد بها ثواب الآخرة ، لأن فيها مصلحة في نفس الأمر وإن كانت لا تنمية فيها ، أو المراد به ما ليس نظر عند الناس ، وهو عبد الوكيل نظر كشراء جارية رخيصة لا تليق بالموكل أو يشتري بأزيد من القيمة لسهول العهدة فيذلك البائع أو يبيع بأنقص كذلك أيضاً فيسقط الاعتراض حينئذ عن الناظم ومن وافقه .
الثاني : قال ابن بشير : إن قال له بع بعشرة فباع باثني عشر أو بع بالدين بعشرة فباع بها نقداً . فقولان مبنيان على الخلاف في شرط ما لا يفيد هل يوفي به أم لا ؟ ابن عرفة : والأظهر إن كان ذلك من بيع ما فيه شفعة أن يكون للآمر مقال لجواز تعلق قصده بشركة الشفيع دون غيره اه . ولو قال له بعها بعشرة بالنقد فباعها إلى أجل لعدم وجود من يشتريها في ذلك البلد الذي سافر إليه بالنقد لزمته القيمة كما في البرزلي عن ابن رشد ابن عرفة : ولو قال له بعها بعشرة نقداً فباعها بذلك وقيمتها أكثر فلا مقال للآمر ، ثم قال أيضاً : وإن قال بعها بثمن إلى أجل فباعها به نقداً ، وقيمة السلعة أكثر من ذلك غرم الوكيل القيمة إذ لا ينظر لما سمي بل إلى القيمة لأنه يقول : إنما سميت العشرة خوف بيعها بأقل منها قال : واختلف في كون التسمية للثمن مسقطة عن المأمور النداء والشهرة والمبالغة في الاجتهاد . على قولين بالإمضاء وعدمه لأن القصد عدم النقص عن الثمن وطلب الزيادة انظر ذلك فيه إن شئت .
الثالث : من غير النظر أيضاً أن يدفع الوكيل الدين ونحوه بغير إشهاد ( خ ) وضمن أن أقبض الدين ولم يشهد الخ . وتقدم نحوه في الضامن والمقارض مثل الوكيل في ذلك ، وسيأتي قول الناظم : ومن له وكالة معينة . الخ . . ولا فرق في هذا بين المفوض وغيره ، ويسوغ للموكل تضمينه وإن علم ببراءة الوكيل لأنه الذي أتلف عليه ماله حيث لم يشهد ما لم يدفعه العامل أو الوكيل بحضرة رب المال وإلاَّ فلا ضمان لأن التفريط حينئذ من ربه .
وَذَا لَهُ تَقْديمُ مَنْ يَرَاهُ
بِمِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ
( وذا ) مبتدأ والإشارة للوكيل المفوض إليه ( له ) خبر عن قوله ( تقديم ) مبتدأ وسوغ الابتداء به العمل ويحتمل أن يكون فاعلاً بمحذوف أي : وذا يجوز له تقديم ( من ) موصول مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله ( يراه ) صلة والرابط الضمير البارز ومفعوله الثاني محذوف وفاعله ضمير مستتر يعود على ذا ( بمثله ) يتعلق بتقديم وهو على حذف مضاف أي بمثل تقديمه ، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول ( أو بعض ) معطوف على بمثل ولم يعد الخافض لعدم لزومه على حد قوله : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } ( النساء : 1 ) وهو مذهب ابن مالك إذ قال : وليس عندي لازماً الخ . ( ما ) موصول ( اقتضاه ) صلته ، والمعنى أن المفوض إليه له أن يقدم بمثل تقديمه أو ببعض ما اقتضاه تقديمه من فصوله من يراه أهلاً لذلك . والحاصل ، أن له أن يوكل وكيلاً مفوضاً إليه أو مخصوصاً ببعض الأمور لأنه قائم مقام موكله فما جاز لموكله يجوز له ، وهذا هو الذي استظهره ابن رشد وفي ضيح أنه المعروف من المذهب ، وقال ابن ناجي في كتاب الشهادات من المدونة : والعمل عندنا أن المفوض إليه لا يوكل إلا بالتنصيص عليه ، وكذا العمل عندنا أنه لا يحل عنه العصمة ولا يبيع عنه الربع للعرف وإلا فالأصل دخوله اه . ونحوه ذكرهفي إرخاء الستور منها . وأفهم قوله للعرف أن هذه الأمور إنما خرجت عندهم لأجل العرف وأن المدار في ذلك عليه ، فإن جرى عرف بلد بمثل ذلك عملوا عليه وإلاَّ فلا . وحينئذ فقول ( خ ) وتخصص وتقيد بالعرف شامل للمفوض والمخصوص خلافاً لبعض شراحه لأن ما خرج عن العرف لم يقصد إليه ، ولهذا خرج بيع دار السكنى وبيع العبد القائم بأموره كما مر وقد قال ابن عرفة ما نصه : والحاصل أن بين متعلق التوكيل خصوصاً أو عموماً لزم قصره عليه وإعماله فيه إلا ما خص ولو بعادة اه . فهو صريح في تخصيص التفويض بالعرف والله أعلم .
وَمَنْ عَلَى مُخَصَّصٍ وُكِّلَ لَمْ
يُقَدِّمْ إلا إنْ بِهِ الْجَعْلُ حَكَمْ
( ومن ) اسم شرط أو موصول ( على مخصص ) بفتح الصاد صفة لمحذوف يتعلق بقوله : ( وكل ) بالبناء للمفعول فعل الشرط أو صلة ( لم يقدم ) بكسر الدال المشددة جواب الشرط أو خبر عن الموصول ( إلا ) استثناء ( أن ) شرط ( به ) يتعلق بحكم آخر البيت وضميره للتقديم المفهوم من قوله لم يقدم ( الجعل ) بفتح الجيم فاعل بفعل محذوف يفسره ( حكم ) وهو إما بمعنى الفاعل أي الجاعل أو على حذف مضاف أي ذو الجعل ، والمراد به الموكل على كل تقدير ، ومعناه أن من وكل على شيء مخصوص كبيع سلع مثلاً لم يجز له أن يقدم أي يوكل غيره على فعله إلا إذا حكم الجاعل له بالتقديم أي جعل له موكله ذلك بنص أو قرينة كأن يكثر ما وكل عليه بحيث لا يمكنه الاستقلال به وحده ، فيوكل حينئذ من يعينه فقط ، وإن لم ينص له عليه وكشريف قد وكِّل على بيع دواب مثلاً لا تليق به مباشرة بيعها وعلم الموكل بحاله أو كان مشهوراً عند الناس بأنه لا يلي ذلك بنفسه ، فله أن يوكل في الحالتين ويحمل الموكل في الثانية على أنه علم بحاله ولا يصدق في أنه لم يعلم فإن لم يعلم الموكل ولا اشتهر الوكيل بذلك فليس له التوكيل ، وهو ضامن حيث لم يعلم الوكيل الثاني بتعديه في توكيله وإلاَّ فالضمان عليه كما في ( خ ) وإلى هذا أشار بقوله عاطفاً على الممنوع وتوكيله إلا أن يليق به أو يكثر فلا ينعزل الثاني بعزل الأول الخ .
تنبيهات . الأول : الوصي مثل المفوض ومقدم القاضي مثل المخصوص قاله أبو الحسن . قالوا للوصي أن يوصي بلا خلاف ويوكل والوكيل المخصوص ومقدم القاضي ليس لهما أن يوكلا بلا خلاف ، ونقل ( ح ) عنه في باب الحجر أن المشهور في مقدم القاضي عدم التوكيل وهو معنى قول اللامية :
بتوكيل ذي التقديم من عند حاكم
بلا إذنه قولان بالمنع فاعملا
وتأمل قوله : بالمنع فاعملا مع ما في نوازل الرهن من المعيار عن الإمام السنوسي أن الذي به العمل وانعقدت عليه الوثائق جواز توكيله ونحوه في المتيطية عن بعض الموثقين .الثاني : قال في المتيطية : وإذا وكلته وكالة على الخصام وجعلت له أن يوكل من يرى توكيله . قلت : وأذن له أن يوكل عنه من شاء بمثله أو بما شاء من فصوله وتكمل العقد . فإن قلت : وأذن له أن يوكل عنه من شاء ولم تزد بمثله أو بما شاء منه لم يكن للوكيل الثاني أن يخاصم عن الموكل الأول حتى يجعل له من الإقرار والإنكار مثل ما جعله للأول ، وقال بعد ذلك : وإن وكلته وكالة مفوضة جامعة لفصوله وجعلت للوكيل أن يوكل من شاء بما شاء من فصوله فلا بد أن يقول الموثق : والتزم الموكل لوكيل وكيله مثل ما التزم لوكيله وإلا لم يكن للثاني أن يوكل غيره اه فانظره .
الثالث : إذا جاز للوكيل أن يوكل بما قبضه الثاني من المال يلزمه دفعه لمن أراد قبضه منه من موكله أو رب المال لأنه يبرأ بالدفع لكل منهما ، وإن باع كل منهما شيئاً واحداً فالعبرة بالأول كما قال ( خ ) وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض الخ . ولو جاء رجل بكتاب فيه الأمر بأن يدفع لحامله من دينه كذا فاعترف المدين أنه خط رب الدين لم يقض عليه بالدفع ، وكذا إذا صدقه في أنه أمره أن يدفع إليه بخلاف ما لو أتاه بوكالة فأقر له بصحتها وأبى من الدفع فإنه يقضي عليه ، فإن أنكر الموكل الوكالة بعد ذلك غرم الحق ثانياً لأنه إنما قضى عليه بإقراره كما في البرزلي وما ذكره من أنه إذا أقر له بالوكالة يقضي عليه نحوه في الباب السبعين من التبصرة وذكره في الفصل السادس في حكم الوكالة منها أيضاً ، وهو مخالف لما ذكره في الفصل الخامس من أن الخصم إذا صدق الوكيل لم يجبره الحاكم على الدفع على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة وهو الموافق لما في المدونة وتبصرة اللخمي كما في ( ح ) وفي البرزلي أيضاً : إذا قبض رجل دينك بغير إذنك وأخبرك القابض بذلك ورضيت لم ترجع على الغريم .
وَما مِنَ التَّوْكِيلِ لاثَّنَيْنِ فَمَا
زَادَ مِنَ المَمْنُوعِ عِنْد العُلَمَا
( وما ) مبتدأ موصول ( من التوكيل ) يتعلق بالاستقرار صلة ( لاثنين ) يتعلق بالتوكيل ( فما ) معطوف على اثنين ( زاد ) صلة ما ومتعلقه محذوف أي عليهما ( من الممنوع ) خبر المبتدأ ( عند العلما ) يتعلق بالاستقرار في الخبر وهذا في الخصومة قال المتيطي : ولا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يوكل في الخصام أكثر من وكيل واحد يريد إلا برضا الخصم ( خ ) : وواحد في حضومة الخ : وأما في غيرها من بيع أو شراء أو تقاضضٍونحو ذلك فجائز ولكل الاستبداد . ( خ ) : ولأحد الوكلين الاستبداد إلا لشرط وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض .والنَّقْضُ لِلإِقْرَارِ والإِنْكَارِ مِنْ
تَوْكِيلِ الاخْتِصامِ بِالرَّدِّ قمِنْ
( والنقص ) مبتدأ ( للإقرار ) يتعلق به ( والإنكار ) معطوف عليه ( من توكيل ) يتعلق بالنقص أيضاً ( الاختصام ) مضاف إليه ( بالرد ) يتعلق بقوله ( قمن ) بفتح القاف وكسر الميم أي حقيق خبر المبتدأ ، ومعناه أن من وكل على الخصام ولم يجعل له موكله في الوثيقة الإقرار والإنكار فإن التوكيل قمن بالرد حقيق به لما على المطلوب من الضرر في ذلك إذ قرار الوكيل حينئذ لا يلزم الموكل ( خ ) : وليس له الإقرار إن لم يفوض أو يجعل له ولخصمه اضطراره إليه ، وهذا ظاهر إذا امتنع من الحضور مع وكيله أيضاً ، أما إذا قال لا أفوض ولا أجعل له الإقرار لئلا يرشيه الخصم ولكن أحضر مع الوكيل في المجلس أو قريباً منه لأقر بما يدعيه خصمي أو أنكره فإنه يجاب إلى ذلك كما في البيان ، واقتصر عليه في الشامل فليس المراد أنها ناقصة مطلقاً كما هو ظاهر النظم ، ولا سيما وقد أفتى ابن الشقاق بأنه لا يلزم بأن يجعل له الإقرار مخافة أن يرتشي الوكيل . نقله ابن رحال قال : وقد شاهدنا من ذلك من ارتشاء الوكلاء ما يعلمه الله اه . ومحل كونها ناقصة أيضاً إذا كان الوكيل مالكاً أمره أما إن كان صبياً أو مولى عليه أو وصياً أو مقدم قاض وكل بإذنه أو نائب بيت المال فإن وكالة هؤلاء لا تكون ناقصة بنقص الإقرار منها بل إن جعلوا له الإقرار فأقر بشيء من معنى الخصومة فإنه لا يلزمهم إقراره كما في وكالات المعيار ، وكذا الأب يوكل من يخاصم عن صغار ولده أو ناظر الأحباس يوكل من يخاصم عنها لأن أموال الأحباس كأموال الأيتام وإقرار الأب والوصي والناظر لا يجوز وهو في ذلك شاهد كما في البرزلي ، وتقدم شيء من ذلك عند قوله : ومن أبى إقراراً أو إنكاراً الخ . نعم إن وكل الوصي ونحوه فيما تولاه من المعاملات لمحجوره فإقرار الوكيل حينئذ لازم للوصي ويكلف الوصي بأن يجعل لوكيله الإقرار حينئذ كما لابن رشد وغيره وفهم من قوله : الاختصام الخ . أنه إن كان مفوضاً إليه يلزم إقراره للموكل وإن لم يكن جعله له وظاهر النظم أنه لا بد من جعل الإقرار والإنكار أو الحضور ، ولو كان الوكيل مولى عليه أو صبياً وهو كذلك على طريقة ابن رشد كما مرّ لأنه قال يلزمه من فعل الوكيل السفيه ما يلزمه من الوكيل الرشيد .
تنبيه : إذا وكلته في خصومة على حق فجحده المطلوب وحلفه الوكيل فليس لك أن تحلف المطلوب ثانياً كما في المتيطية وابن عرفة ونقله ( ح ) عند قوله أو يعين بنص أو قرينة الخ . ويريدأن تحليف الوكيل لا يسقط بينة الموكل ، وإنما يسقط إعادة اليمين لأن الوكيل قد لا يكون له علم ببينة الموكل ، وقد قال ( خ ) فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان الخ . وانظر لو كان الوكيل عالماً بها وحلفه على إسقاطها هل لا قيام للموكل بها لأن قول الوكيل قول موكله ويدل له ما في معاوضات المعيار عن سيدي مصباح في امرأة أنكر وكيلها أن تكون عقدت لابنها هبة في أملاكها ، فلما ثبتت الهبة أظهر وكيلها عقد استرعاء مقدم التاريخ أنها غير ملتزمة لتلك الهبة إن صدرت منها أن إنكار الوكيل لعقد الهبة مسقط للقيام بالاسترعاء اه . أوله القيام لأنه لم يوكله على إسقاطها ويدل له ما يأتي في البيت بعده عن المدونة أن من وكل على الأخذ بالشفعة فأقر بإسقاطها وهو الذي في البرزلي عن أخوين ادعى أحدهما أن أباهما باع منه بعض الأملاك بكالىء أمه وأثبت ذلك وقال أخوه : إن ذلك كان توليجاً فقال : وكيل مدعي البيع من أين كان لأم موكله مالاً وما كانت أمه إلا أمة ثم تزوجها أبوهما فقال ابن حارث : أما الوثيقة فعقدها تام لإفساد فيه بوجه وإقرار الأب لابنه جائز ، وأما ما تكلم به الوكيل فإنه لا يلزم موكله إذ كان منه على وجه الغلط والسقط وبعد هذا كله فإنه لم يوكله على تكذيبه ، وإنما وكله على تصديقه وعلى طلب ما ادعى به قبل صاحبه ، وإنما يجوز إقراره عليه فيما يحدث من الوجوه في الخصومة غير الوجه الذي هو الأصل فإن قوله : ومن أين كان لها مال ساقط عن موكله للوجهين المذكورين . وقال ابن زرب : عقد الوثيقة صحيح غير أن الوكيل قد لبس مقالته وصير الأمر عندي مشكلاً لا يظهر فيه شيء أتقلد الجواب به اه باختصار .
قلت : والظاهر في المسألة ما لابن حارث ومسألة المدونة شاهدة له ، ويؤيده ما لابن الحاج فيمن وكل على الصلح والإقرار والإنكار فأقر المطلوب فثبت الحق فصالح الوكيل على ذلك بمثاقيل منجمة وأطلقه قال : لا يمضي الصلح ويجب على الوكيل غرم ما أقر به الغريم لتعديه بإطلاقه فتأمل ذلك . ولا سيما على ما يأتي في البيت بعده عن ( ح ) من أن من جعل لوكيله الإقرار إنما أراد الإقرار فيما هو من معنى الخصومة والله أعلم . وانظر ما مر عند قوله : ومنكر للخصم ما ادعاه الخ .
وَحَيْثُ الإقْرَارُ أَتَى بِمَعْزِلِ
عَنِ الخِصَامِ فَهْوَ غَيْرُ مُعْمَلِ
( وحيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( الإقرار ) مبتدأ وجملة ( أتى ) خبره والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة حيث ( بمعزل ) حال من فاعل أتى جر بالباء الزائدة ( عن الخصام ) يتعلق بمعزل ( فهو ) مبتدأ ( غير ) خبره ( معمل ) بفتح الميم اسم مفعول مضاف إليه والجملة جواب حيث والمعنى أن من وكل على الخصام في حق وجعل له فيه الإقرار والإنكار فأقر بشيء أجنبي من تلك الخصومة كإقراره أن موكله وهب داره لزيد أو لفلان عليهمائة ونحو ذلك فإقراره بذلك غير معمول به على الأصح عند ابن سهل وغيره خلافاً لفقهاء طليطلة حيث قالوا : يلزمه إقراره وإن لم يكن من معنى الخصومة ، واستدل ابن سهل على تصحيحه بقولها : ومن وكل على الأخذ بالشفعة فأقر أن موكله قد أسقطها فهو شاهد لا مقر انظر نصها في ( ح ) قال ابن عرفة مضعفاً لاستدلاله بمسألة الشفعة ما نصه : لا يلزم من لغو إقرار الوكيل على الشفعة لغو إقرار من جعل له الإقرار لعدم صدق الأخذ بالشفعة على إقراره بإسقاطها وصدق مطلق الإقرار على الإقرار بالهبة اه . قال ( خ ) عقبه ما قاله ابن عرفة من ضعف الاستدلال بمسألة الشفعة هو الظاهر ، لكن يؤخذ ذلك من أن الوكالة تخصص وتفيد بالعرف لأن من وكل على الخصام وجعل لوكيله الإقرار والإنكار إنما أراد الإقرار فيما هو من معنى الخصومة التي وكل فيها اه .
قلت : قد يرد تضعيف ابن عرفة للاستدلال بمسألة الشفعة بأن مطلق الإقرار الواقع أثر الخصومة إنما يرجع للوجوه الراجعة لها كالتفويض الواقع أثر المقيد على حسب ما مر عند قوله : وحيثما التفويض بالإطلاق الخ . ويدل له قول ابن حارث المار إنما يجوز إقراره فيما يحدث من الوجوه في الخصومة غير الوجه الذي هو الأصل الخ . إذ لا شك أن المقر بإسقاط الشفعة قد ذكر على أصل ما وكل فيه بالإبطال كما أنه في مسألة التنبيه المذكورة في البيت قبله قد ذكر على بينات أصل الحق الذي وكل على طلبه بالإسقاط والتكذيب مع أن الموكل لا نظر له في ذلك ، فلو صح الإقرار بالهبة الخارج عن الخصومة كما يقتضيه بحث ابن عرفة لصح الإسقاط الخارج عن الأخذ بالشفعة ، ومفهوم قول الناظم بمعزل عن الخصام أنه إذا لم يكن بمعزل عنه لصح الإقرار ولزم وهو كذلك على المعروف إذ هو فائدة رد الوكالة الناقصة عن الإقرار والإنكار كما مرّ في البيت قبله . قال ابن عات عن الكافي الذي به العمل أنه إذا جعل له الإقرار لزمه ما أقر به عند القاضي ، وزعم ابن خويز منداد أن تحصيل مذهب مالك أنه لا يلزمه إقراره إذا لم يكن مفوضاً إليه قال : واتفق الفقهاء فيمن قال ما أقر به فلان علي فهو لازم لي أنه لا يلزمه اه . ابن عرفة : فظاهر ابن عبد السلام أن قول ابن خويز منداد اتفق الفقهاء الخ . خلاف المعروف من المذهب والأظهر أنه ليس بخلاف لأن مسألة المذهب نص فيها على توكيله على الإقرار عليه ، ومسألة ابن خويز منداد إنما صدر منه أن ما أقر به فلان فهو لازم له فصار ذلك كقوله ما شهد به فلان علي فهو حق وهذا لا يلزمه ما شهد به اه .
قلت : وحاصل فرقه أن مسألة المذهب أذن له في الإقرار عنه بخلاف مسألة ابن خويز منداد فإنها محتملة للإذن وعدمه لأن ما في قوله : ما أقر به فلان الخ شرطية بدليل دخول الفاء في جوابها فصارت كقوله : ما شهد به فلان الخ . ويمكن أن يقرر الناظم بما يشمل مسألة ابن خويز منداد ومسألة الهبة ونحوها مما مر لأن الكل بمعزل عن الخصام والله أعلم .
تنبيه : قوله في المدونة فهو شاهد أي يحلف معه المشتري ويستحق ، ومحله إذا قال : إن موكله أسقطها بعد التوكيل والموكل حاضر في البلد فإن كان غائباً غيبة يتهم على الانتفاع بالمال أو أقر أنه أسقطها قبل توكيله فإن شهادته ساقطة للتهمة في الأولى ولإقراره بأنه إنما توكل في باطل في الثانية قاله ابن فرحون في فصل التوكيل ، وفي الباب الثاني والعشرين من تبصرته مانصه : وفي الطرر إذا قال الوكيل : قبض موكلي المال أي الذي وكلني على قبضه فإن قال قبضه بعد الوكالة لزم الإقرار ، وإن قال قبضه قبل الوكالة فلا عبرة بإقراره ولا شهادته لأنه إنما توكل في باطل وانفسخت وكالته . وانظره مع ما في ( ح ) عن أشهب ومع ما في أوائل وكالات المعيار في وكيل رب الحق يقر أن الضامن للمال إنما كان ضمانه له بجعل وتأمل قول اللامية :
فما بعد توكيل فيلزمه وما
قبيل وما نافى خصاماً نعم ولا
وَمَنْ عَلَى خُصُومَةٍ مُعَيَّنَهْ
تَوْكيلُهُ فالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ
( ومن ) اسم موصول مبتدأ ( على خصومة ) صلته ( معينه ) بفتح الياء صفة لخصومة ( توكيله ) فاعل بالمجرور ويجوز أن يكون توكيله مبتدأ خبره في المجرور قبله والجملة صلة من ( فالطول ) مبتدأ ( لن يوهنه ) بضم الياء وفتح الواو وكسر الهاء المشددة مضارع وهن المضعف وفاعله ضمير مستتر يعود على الطول وضميره البارز على التوكيل ، والجملة خبر الطول وجملة الطول وخبره خبر من ، ويجوز أن تكون من اسم شرط وتوكيله فاعل بفعل محذوف وجملة فالطول الخ جواب الشرط قاله اليزناسني ، ومعناه أن من وكل على خصومة معينة كقبض إرث أو قبض دين أو على مخاصمة فلان فالطول فيما بين التوكيل والقيام به أو فيما بعد المناشبة وقبل التمام لا يضعف ذلك التوكيل ولا يبطله هذا ظاهره . البرزلي : إذا وكله على قضية معينة فلا تنقضي إلا بتمامها قاله بعض الموثقين اه . ونقله ( ح ) وظاهره كالناظم أنه لا يسأل الموكل هل هو باق على وكالته ، وأما إن كان غائباً فالوكيل على وكالته وفهم منه أن المعينة إذا انقضت ليس له أن يخاصم في غيرها إلا بوكالة مستأنفة قال في اختصار المتيطية وإن كانت الوكالة مقيدة بخصومة فلان أو في شيء بعينه فلا بد من تجديد التوكيل لغير ذلك طال الأمر أم قصر اه . فعلم منه أنه لا يحتاج للتجديد في ذلك المعين ، وإنما يحتاج للتجديد في غيره على ما يأتي تفصيله ، وأشار إلى مفهوم معينة وهو إذا وكله على خصومة مبهمة فقال :
وَإنْ يَكُنْ قُدِّم لِلْمُخاصَمَهْ
وَتمَّ ما أرادَ مَعْ مَنْ خَاصَمَهْ
( وإن ) شرط ( يكن ) فعله واسمه ضمير الوكيل ( قدم ) بالبناء للمفعول نائبه ضمير الوكيل أيضاً ( للمخاصمة ) يتعلق بقدم والجملة خبر يكن ( وتم ) ما مضى يتم ( ما ) موصول فاعله ( أراد )صلته وفاعله ضمير الوكيل والرابط بينه وبين الموصول محذوف ( مع ) بسكون العين لغة في مع يتعلق بأراد ( من ) مضاف إليه ( خاصمه ) صلة من وضميره المستتر هو الرابط والبارز للوكيل ، ويجوز العكس والجملة من تم وما بعده معطوفة على قدم وكذا جملة قوله .
ورامَ أنْ يُنْشىءَ أُخْرَىفَلَهُ
ذَاكَ إذَا أطْلَقَ مَنْ وَكَّلْهُ
( ورام ) وفاعله ضمير الوكيل أيضاً ( أن ينشىء ) في تأويل مصدر مفعوله ( أخرى ) مفعول بقوله ينشىء على حذف الموصوف أي خصومة أخرى ( فله ) خبر عن قوله ( ذاك ) والإشارة للإنشاء والجملة جواب الشرط ( إذا ) ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه ( أطلق من ) موصول فاعل أطلق ( وكله ) صلة من والرابط الضمير المستتر والبارز للوكيل والجملة في محل جر بإضافة إذا
وَلَمْ يَجُز عَلَيْهِ نِصْفُ عَامِ
مِنْ زَمَنِ التَّوْكِيلِ لِلْخِصَامِ
( ولم يجز عليه نصف ) فاعل بيجز ( عام ) مضاف إليه ( من زمن ) يتعلق بيجز ( التوكيل ) مضاف إليه ( للخصام ) يتعلق بيجز أيضاً أي لم يجز من زمن التوكيل إلى وقت إرادة إنشاء الخصام نصف عام ، ومعناه أنه إذا وكله على خصومة مبهمة أي لم يذكر فيها مخاصمة فلان أو في أمر كذاكما في النهاية ، بل قال : وكلتك على المخاصمة عني من غير تعيين خصومة بعينها أو على مخاصمة خصمي كما في ( ح ) عن الذخيرة ، ويظهر أنها على مخاصمة من كان كذلك فخاصم الوكيل بعض الناس وتمَّ خصامه ثم أراد أن ينشىء خصومة أخرى مع الأول أو مع غيره ، فله ذلك بشرطين : أحدهما إذا أطلق الموكل في وكالته كما مرّ والثاني أن لا يجوز عليه نصف عام من الفراغ من الأولى لإنشاء الثانية ثم إن الصواب حذف الشرط الأول لأنه الموضوع فقوله : وإن يكن قدم للمخاصمة . أي : لمطلق المخاصمة لأنه قسيم قوله : ومن على خصومة معينة الخ . والصواب أيضاً أن يقول : من زمن الفراغ للخصام كما قررنا قال في المتيطية : وإذا وكله عن الخصام فخاصم عنه وانقضت تلك الخصومة ، فإن كانت الوكالة مطلقة وأراد أن يخاصم عنه بقرب انقضاء الأولى بالأيام أو اتصل بعض ذلك ببعض وتطاول سنين لم يحتج إلى تجديد ، وإن كان بين المطلبين الأشهر يعني ستة أشهر فعليه التجديد ، وكذا إن لم يخاصم عنه في أول التوكيل أو قربه حتى مضت الأشهر فيستحب التجديد ثم قال : وإن كانت مقيدة بمخاصمة فلان إلى آخر ما مرّ عنه قبل هذه الأبيات ثم قال : ولو قيد الوكالة بالدوام والاستمرار دامت أبداً ما لم يعزله اه باختصار . وقد قال في المقصد المحمود : وإن كانت الوكالة مبهمة فللوكيل أن يخاصم عنه في قضية أخرى بحدثان انقضاء الأولى وليس له ذلك في قضية مفسرة بمطالبة فلان ولا في المبهمة إذا طال الزمان نحو الستة أشهر ، وأما إذا اتصل الخصام فله التكلم عنه ، وإن طال الأمد فقوله : وأما إذا اتصل الخصام الخ هو عين قوله بحدثان انقضاء الأولى الخ . إلا أنه هناك فصل بالأيام كما مرّ عن المتيطي ، وهنا لم يفصل بشيء ، ويحتمل أن يكون مراده بالاتصال إنشاب الخصومة وابتداؤها في المبهمة مع بعض الناس ثم أمسك ستة أشهر وقام لإتمامها مع ذلك البعض ، ولكني لم أقف الآن على نص صريح فيه إلا ما يفهم من قول المتيطية المتقدم ، وكذلك إن لم يخاصم عنه في أول التوكيل الخ . وتأمله مع قول المجالس المكناسية الذي به العمل تجديد التوكيل بعد ستة أشهر . هذا إذا كانت فترة في خلل العمل ، وأما إن اتصل خصامه فلا ينسخه الزمان اه . وقوله : وليس له ذلك في قضية مفسرة الخ . أي ليس له أن يحدث خصومة أخرى بعد الفراغ من الخصومة المعينة كما مرّ ، ويفهم منه أن المعينة لا تبطل إلا بالفراغ منها ، فهذا مع ما مر عن المتيطي والبرزلي هناك شاهد على قول الناظم ؛ ومن على خصومة معينة الخ والله أعلم . والحاصل أنه إذا أسقط من الوثيقة الدوام والاستمرار ولم يتصل الخصام ولا كان بالحدثان ولم تكن الخصومة معينة ، فلا بد من التجديد على ما في النظم والمتيطية وغيرهما وإن وجد واحد مما مر فلا تجديد ولا فرق بين المفوض إليه وغيره كما في القوانين ، وأفتى ابن مرزوق بقول سحنون إنها لا تحتاج إلى التجديد مطلقاً . وظاهر نقل ابن عرفة والمتيطية وصاحب اللامية أن خلاف سحنون جار سواء كانت الخصومة معينة أم لا . اتصل الخصام أم لا . إلا أنه يسأل الموكل إن كان حاضراً أهو على وكالته . وظاهر نقل ابن سهل أن سحنوناً إنما قال بعدم التجديد في المعينة لأنه قال : وسئل سحنون عمن وكل على مخاصمة رجل فلم يقم الوكيل إلا بعد سنين الخ . ففرض السؤال في مخاصمة رجل ، وظاهره أنه معين وعليه فقول سحنون ليس بمخالف للقول بالتجديد لاختلاف الموضوع وهو ظاهر النظم لأنه اقتصر في المعينة على عدم التجديد وفي غيرها على التجديد ولم يذكر في ذلك الخلاف الذي ذكروه ، فلعله فهم أن المراد برجل في السؤال رجلمعين كما هو الظاهر لا أن المراد به الجنس كما فهموه فجعلوه مقابلاً .
تنبيه : تقدم عن النهاية أن المعينة هي التي قيدت بمخاصمة فلان أو كانت في شيء بعينه وأن المبهمة هي التي سقط منها ذلك ، وذلك يقتضي أنه إذا قال : وكلته على قبض ديني أو إرثي ولم يعين ممن أنها من المعينة ، وقولها في النكاح في توكيل الأب رجلاً على إنكاح ابنته ممن يراه من شاكلة لها وبما يرى من الصداق وأنه إن سقط منه دائمة مستمرة لم يعقد عليها بعد مضي ستة أشهر إلا بتوكيل ثان الخ . يقتضي أن ذلك ليس من المعينة وإلاَّ لم يحتج إلى التجديد فتأمله ، ويقتضي أيضاً أن التجديد بعد مضي ستة أشهر لا يختص بوكالة الخصام بل كذلك الوكالة على النكاح والبيع ونحوهما وهو كذلك كما في القوانين وغيرها وهو ظاهر قول ناظم العمل :
وبعد ستة من الشهور
قد جددوا وكالة الأمور
وَمَوْتُ مَن وَكَّلَ أَوْ وكيِلِ
يُبطِلُ مَا كانَ مِنَ التَّوْكِيلِ
( وموت ) مبتدأ ( من ) موصول مضاف إليه ( وكّل ) بفتح الكاف مشددة مبني للفاعل صلة ( أو وكيل ) معطوف على الموصول ( يبطل ) بضم الياء وكسر الطاء مضارع أبطل وفاعله ضمير يعود على المبتدأ والجملة خبره ( ما ) مفعوله ( كان ) صلة ما وهي تامة بمعنى وجد ( من التوكيل ) بيان لما ومعناه أن موت الموكل أو الوكيل يبطل التوكيل الذي وجد من الموكل وعزل الموكل للوكيل كموته إن أشهد به وأعلنه عند الحاكم ، ولم يفرط في إعلامه فإن اختل واحد من الثلاثة لم ينفعه عزله على القول بانعزاله بعزله وإن لم يعلم به ، وأما على القول بأنه لا ينعزل إلا إن علم فلا ينعزل قبله وإن أشهد وأعلنه وهو معنى قول ( خ ) وفي عزله بعزله ولم يعلم خلاف الخ . وظاهر النظم أنه يبطل بموت الوكيل ولو قال وارثه : أنا أقوم مقامه وكانت بأجرة وهو كذلك لأنها ليست بحق تورث ولأن الوكيل يستوفي منه المنفعة فتنفسخ الإجارة بموته ، وظاهره أيضاً أن التوكيل يبطل بموت الموكل ولو كان الوكيل مفوضاً إليه وله وكيل آخر تحته أو وكيل خصومة فيبطل الجميع وهو كذلك لانتقال الحق للغير وهم الورثة فلا يمضي عليهم شيء من تصرفاته إلا أن يكون غير عالم بموته أو يشرف وكيل الخصومة على تمامها بحيث لو أراد عزله لم يكن له ذلكعلى ما يأتي في قوله : وما لمن حضر في الجدال الخ . قاله في المدونة وما قررناه به من أن محل البطلان بموت الموكل إن علم الوكيل وإلا فلا هو أحد التأويلين وهو الراجح ( خ ) : وانعزل بموت موكله إن علم وإلا فتأويلان ومحلهما إذا كان من باع منه الوكيل أو ابتاع حاضراً ببلد موته وإلا اتفق التأويلان على عدم البطلان قاله الزرقاني .
وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ مُوَكّلُ
بِمَوْتِ مِنَ وَكَّلْهُ يَنْعَزِلُ
( وليس ) فعل ناقص ( من ) موصول وهي واقعة على الوكيل الثاني ( وكله ) صلتها والرابط الضمير البارز ( موكل ) بفتح الكاف فاعل وكله ، والمراد به الوكيل الأول ( بموت ) يتعلق بينعزل آخر البيت ( من ) موصول مضاف إليه ( وكله ) صلته وجملة ( ينعزل ) ومتعلقه خبر ليس ومعناه أن وكيل الوكيل لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا بعزله لأنه لما كان توكيله بإذن من رب المال إما بالصراحة أو بالتفويض على ما للناظم في قوله : وذا له تقديم من يراه الخ . على ما به العمل كما لابن ناجي أو بالعرف ككونه لا يليق به أو يكثر كما مرّ صار هذا الثاني وكيلاً له فلا ينعزل بموت الأول ولا بعزله بمثابة من وكل شخصين فلا ينعزل أحدهما بموت الآخر ولا بعزله . نعم للوكيل الأول عزل وكيله كما نص عليه غير واحد من شراح المتن .
والعَزْلُ لِلوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ
مِنْهُ يَحِقُّ بِوَفَاةِ الأوَّلِ
( والعزل ) مبتدأ ( للوكيل ) يتعلق به ( والموكّل ) بفتح الكاف المشددة معطوف على المجرور ( منه ) يتعلق بالموكل ( يحق ) بفتح الياء وكسر الحاء بمعنى يجب خبر المبتدأ ( بوفاة ) يتعلق به ( الأول ) مضاف إليه ، والمعنى أن الوكيل الأول والثاني وهو المراد بالموكل منه ينعزلان بموت الأول الذي هو رب المال ، وهذا البيت مستغنى عنه بعموم قوله فيما مر : يبطل ما كان من التوكيل . وكما ينعزلان بموته ينعزلان أيضاً بفلسه لانتقال الحق للغرماء ، فلا يلزمهم ما باع أو ابتاع إن علم على المشهور ، وكذا ينعزلان بطول جنونه جداً بحيث يفتقر معه إلى نظر القاضي في ماله وكذا ينعزلان بردته ولو بعد أيام الاستنابة حيث لم يقتل لمانع كحمل ونحوه ، وأما ردة الوكيل فلا توجب عزله وكذا الطلاق فإنه لا يوجب عزل الزوجة الوكيلة عن زوجها إلا أن يعلم أنه لا يرضى بتصرفها بعد انقطاع ما بينهما واستظهر ابن عرفة أن الزوج إذا كان وكيلاً لزوجته وجب انعزاله بطلاقها .
وَمَا لِمَنْ حَضَرَ فِي الْجِدَالِ
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ انْعِزَالِ
( وما ) نافية ( لمن ) موصولة واقعة على الوكيل تتعلق بالاستقرار في الخبر عن المبتدأ بعدها ( حضر ) صلتها ( للجدال ) يتعلق بالصلة ( ثلاث ) نائب عن المفعول المطلق ( مرات ) مضاف إليهوالأصل حضوراً ثلاث مرات فحذف المصدر وناب عنه عدده كقوله تعالى : فاجلدوهم ثمانين جلدة } ( النور : 4 ) أي جلداً ثمانين ( من ) زائدة ( انعزال ) مبتدأ خبره في المجرور المتقدم .
إلاَّ لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ لِسَفَرْ
ومِثْلُه مُوَكَّلٌ ذَاكَ حَضَرْ
( إلا ) استثناء ( لعذر ) يتعلق بالاستقرار في الخبر المتقدم على أنه بدل من مقدر ، والعامل في البدل هو العامل في المبدل منه أي : وما انعزال ثابت للحاضر للجدال لوجه من الوجوه إلا لعذر ( مرض ) مضاف إليه ( أو لسفر ) معطوف على مرض واللام زائدة ، ويحتمل أن يعطف على لعذر فليست زائدة ومعناه أنه لا انعزال للوكيل الذي حضر للجدال أي قاعد خصمه ثلاث مرات ولو في يوم واحد سواء عزله الموكل أو عزل هو نفسه لتعلق حق الخصم بخصومته إلا لعذر من مرض ظاهر أو سفر ، وعليه في السفر اليمين أنه ما استعمله ليوكل ، وكذا عليه أن يحلف في المرض الخفي فإن نكل لم يجز له العزل ، ولعل الوكيل إنما وجبت عليه اليمين ليسقط حق الخصم الذي يتعلق بعينه لا لينتفع الموكل إذ لا يحلف الإنسان لينتفع غيره ، ومثل المرض ظهور تفريطه من قلة قيامه بأمر الخصام أو يظهر ميله للخصم أو مسامحته في الحق فله عزله حينئذ ويوكل غيره أو يخاصم بنفسه قاله اللخمي وغيره . وحكى بعضهم عليه الاتفاق ولو كانت الوكالة بأجرة فظهر غشه ونحو ذلك مما مرّ كان عيباً وله أن يفسخ الوكالة وقولهم : يحلف في المرض الخفي كما في ( ز ) يقتضي أنه يحلف في هذه الأمور وإن ادعاها ولم تظهر ، وفي اختصار المتيطية ما يقتضي أنه لا بد من إثبات ذلك لأنه قال : فإن ظهر من الوكيل تفريط أو ميل مع خصمه أو غش ليبطل بذلك حق موكله أو مرض فللموكل عزله إذا ثبت ذلك اه . وكذا لا سبيل للعزل إذا تعلق للوكيل حق بالوكالة كأجرة ونحوها أو كان الحق لأجنبي ، وقد ذكر في اللامية جملة من ذلك فانظرها إن شئت . ( ومثله ) خبر عن قوله ( موكل ) بكسر الكاف المشددة وسوغ الابتداء به وصفه بالجملة وهي قوله : ( ذاك ) مفعول بقوله : ( حضر ) والمعنى أن الموكل إذا جادل خصمه ثلاث مرات فليس له أن يتخلى عن الخصام إلا لعذر من مرض أو سفر ، ومن ذلك أن يشتمه خصمه فيحلف أن لا يخاصمه بنفسه كما في التبصرة . قال ابن الفخار : فإن حلف أن لا يخاصمه دون عذر يوجب اليمين لم يكن له أن يوكل إلا برضا خصمه أو لعذر من سفر ونحوه . ومفهوم ثلاث مرات أنه إن جادله أقل منها ولم يتجه الحكم فله عزله وهو كذلك إن شهد به وأعلنه ولم يفرط في إعلامه بأن ترك إعلامه لبعده كما في ( ح ) وهذا على أحد قولين . تقدما عند قوله : وموت من وكل أو وكيل الخ . وقولي ولم يتجه الحكم الخ احترازاً مما إذا اتجه فلا عزل ، ولو قال حينئذ : إن وكيله جهل ما يخاصم به وإن حجته غير ما احتج به عنه ولم يعلم بما خاصم به عنه أو كان غائباً لم يقبل منه ذلك ولا يكون عذراً في عزله ولا دفع الحكم عنه إلا لوجه يدل علىصدقه في ذلك ، وكذا لو خاصم الموكل بنفسه وزعم أنه غلط أو بقيت له حجة كما في البرزلي والشامل .
ومَنْ لهُ مُوَكِّلٌ وعَزَلَهْ
لَخِصْمِهِ إنْ شَاءَ أنْ يُوَكِّلَهْ
( ومن ) مبتدأ موصول ( له ) خبر عن قوله ( موكل ) بفتح الكاف المشددة والجملة صلة وجملة قوله : ( عزله ) حالية مقدرة معها قد ( لخصمه ) خبر مقدم ( إن شاء ) شرط جوابه محذوف للدلالة عليه ( أن يوكله ) في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الضمير في لخصمه ، والمعنى أن من كان له وكيل في خصومة وقد عزله حيث يسوغ له عزله أو يرضي خصمه فإن لخصمه أن يوكل ذلك الوكيل في تلك الخصومة إن شاء أو في غيرها ولا حجة للأول في أنه اطلع عليه عوراته ووجوه خصوماته قاله في الاستغناء ؛ واقتصر عليه ابن سلمون وابن فرحون في تبصرته ، وله أي لابن فرحون في شرح ابن الحاجب ينبغي أن لا يمكن من توكيله لأنه صار كعدوه اه نقله ( ح ) .
وكُلُّ مَنْ عَلَى مَبِيعٍ وُكِّلاَ
كانَ لَهُ القَبْضُ إذَا مَا أُغْفِلاَ
( وكل ) مبتدأ ( من ) موصول مضاف إليه واقع على الوكيل ( على مبيع ) يتعلق بقوله ( وكلا ) بالبناء للمفعول ، والجملة صلة ( كان ) فعل ناقص ( له ) خبرها واللام بمعنى على ( القبض ) اسمها ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( ما ) زائدة ( أغفلا ) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير القبض ، والجواب محذوف للدلالة عليه ، ومعناه أن من وكل على بيع مبيع فباعه فإن عليه أن يقبض ثمنه إذا أغفل الموكل قبض الثمن أي سكت عنه لأنه كما عليه تسليم المبيع عليه قبض ثمنه ، وإن وكل على الشراء فعليه قبض السلعة أيضاً فإن لم يفعل حتى تعذر القبض ضمن فيهما وهذا ما لم يبعه لأجل بنص من الموكل وإلاَّ فلا يقبضه إلا بتوكيل مستأنف ( خ ) : وتخصص وتقيد بالعرف فلا يعده إلا على بيع فله طلب الثمن وقبضه أو اشتراه فله قبض المبيع ورد المعيب إن لم يعينه موكله الخ . ومفهوم أغفلا أنه إذا نص له على القبض أو على عمله فإن يعمل على ذلك فيقبضه في الأول دون الثاني فإن تعدى وقبضه في الثاني ضمن ولا ضمان على المشتري إن لم يعلم بالنهي ، وكان العرف دفع الثمن للوكيل فيما يظهر ، وظاهر النظم أنعليه القبض جرى عرف به أو بعدمه أو لا عرف أصلاً وهو كذلك في الطرفين دون الواسطة فإنه جرى بعدمه كبيع الدور والعقار فلا قبض عليه كما لأبي عمران . ولا يبرأ المشتري بالدفع إليه ، ويدل عليه الاستثناء في كلام ( خ ) ، إذ ما بعد الاستثناء هو ما إذا لم يكن عرف أصلاً ، وكذا يدل عليه قول الشامل وله أي الوكيل قبض ثمن ما وكل في بيعه إلا لعادة أو بعدم قبضه ونحوه لابن فرحون في تبصرته ، وما مر من أن وكيل الشراء عليه قبض السلعة محله إذا لم يصرح الوكيل للبائع بأن نقد الثمن على موكله ، وإلاَّ فلا . لأنه حينئذ لا يجب عليه دفع الثمن فلا يجب عليه قبض المثمن كما في ابن عرفة . ومفهوم قوله على مبيع أن من وكل على النكاح ليس عليه قبض الصداق لأنه لا يسلم المبيع أي البضع ولا يبرأ الزوج بالدفع إليه وهو كذلك كما يأتي إن شاء الله .
تنبيه : إذا سلم الوكيل السلعة المبيعة أو دفع الثمن في الشراء ولم يشهد ، فأنكر البائع أو المشتري ضمن لتفريطه بعدم الإشهاد ، وسواء كان مفوضاً إليه أم لا جرى عرف بترك الإشهاد أم لا ، على المشهور . وتقدم شيء من ذلك عند قوله : وليس يمضي غير ما فيه نظر الخ .
وغَائِبٌ يَنُوبُ فِي القِيَام
عَنْهُ أبٌ وابْنٌ وفِي الخِصَامِ
( وغائب ) مبتدأ وسوغه العموم أو كونه صفة لمحذوف وجملة : ( ينوب في القيام عنه أب وابن ) خبره ( وفي الخصام ) معطوف على في القيام والمجرورات الثلاث تتعلق بينوب وأب وابن فاعل به ، ومعناه أن الشخص الغائب إذا تسور عليه في عقاره أو أحدث عليه ضرر في ملكه أو أخذ شيء من ماله كدابة ونحوها فإنه يجوز لأبيه أو ابنه أن يقوم عنه فيثبت حقه بالبينة ويخاصم عنه فيأخذ النسخ ويعطيها بغير وكالة ، فإن آل الأمر إلى عجز المطلوب أشهد القاضي بما ثبت عنده ولا ينزع الشيء من يده ، وإن آل الأمر إلى عجز القائم فلا تنقطع حجة الغائب كما مرّ في باب القضاء . قال في المعين : وإذا قلنا بجواز المخاصمة عن الغائب فإلى أين تنتهي ؟ قال بعض الموثقين : يسمع القاضي البينة ويشهد على ثبوتها عنده ، ولا يخرج المدعى فيه من يد المطلوب إن ادعاه لنفسه ولا يقطع ما أحدث عليه من الضرر والعيب إذ لعل المطلوب إذا قدم لم يمنعه إلا أنه إذا أقر المطلوب بما في يده للغائب أخرجه من يده وأوقفه حيث يراه اه . ونحوه في المتيطية وغيرها ، وظاهر النظم أنه لا فرق بين قرب الغيبة وبعدها وهو أحد قولين ، وظاهره أيضاً أنه لا فرق بين الديون وغيرها ، وهو كذلك كما في نوازل المديان ونوازل الشهادات من البرزلي وابن الحاج ، ويبقى الدين بذمة الغريم إلا أن يخشى فقره أو سفره وظاهره أيضاً أن غير الأبوالابن لا يمكن ولو كان قريب القرابة كالأخ ونحوه ، وهو الذي في ( ق ) وأحد الأقوال الخمسة التي في ( ح ) وغيره عن ابن رشد عند قول ( خ ) وفي تمكين الدعوى لغائب بلا وكالة تردد الخ . والذي في نقل ضيح أنه على هذا القول يمكن الابن والأب وقريب القرابة ، ولعل المراد بقريب القرابة الأخ كما صرح به في الكراس الرابع من معاوضات المعيار عن اليزناسني قائلاً الذي مضى به عمل الموثقين أنه لا يباح ذلك إلا للوالد أو الولدة أو الأخ من جميع الجهات ثم قال : وقد ذكر ابن رشد في ذلك خمسة أقوال يمكن الأب والابن يمكن كل قائم وإن أجنبياً قاله ابن القاسم ، وسحنون يمكن الولي من إقامة البينة لا من الخصومة لا يمكن من واحد منهما يمكن كل قائم فيما يخشى فواته كالعبد والدابة والثوب لا فيما لا يفوت كالدين وغيره إلا الأب والابن قال : وما ذكرناه عن الموثقين هو الذي يجب به العمل إن شاء الله اه . وبأدنى تأمل تعلم أن القولين الأولين والخامس متفقة على تمكين الأب والابن وعلى هذه الفتوى عول ناظم العمل حيث قال :
وفي عقار غائب يحتسب
قيامه أخ أو ابن أو أب
والظاهر أن المراد بالأب والابن في النظم الجنس فيشمل الجد وإن علا والابن وإن سفل .
وَجَائزٌ إثْباتُ غَيْرِ الأجَنَبِي
لِمَنْ يَغِيبُ واخْتِصَامُهُ أُبي
( وجائز ) خبر مقدم ( إثبات ) مبتدأ ( غير الأجنبي ) مجروران بالإضافة ( لمن ) يتعلق بإثبات ( يغيب ) صلة من وهو بمعنى غاب فأوقع المضارع موقع الماضي ( واختصامه ) مبتدأ وجملة ( أبي ) مبني للمفعول بمعنى منع خبره ومعناه أن غير الأب والابن من باقي القرابة يمكن من إثبات حقوق الغائب عند القاضي خشية ضياعها بموت الشهود أو طرو فسق ولا يمكن من الخصومة بأخذ النسخ وإعطائها ، وكأن الناظم رحمه الله ترجح عنده من تلك الأقوال الخمسة الأول والثالث فاقتصر في الابن والأب على القيام والخصام وفي غيرهما من باقي القرابة على القيام فقط ولم يذكر لذلك مقابلاً ووجه ترجيح الأول ظاهر مما مرّ ووجه ترجيح الثالث أنه لا مضرة على المطلوب ولا على الغائب في إثبات ذلك بل ذلك من حفظ مال الغير الذي يجب على الناسفكيف بالقريب ، ولا سيما والقول الثاني يوافق هذا الثالث في تمكين القريب من القيام كما هو واضح ، وإنما خالفه فيما زاد على ذلك فهو قوي من جهة العزو وكثرة القائل ، وبهذا تعلم أن الناظم لم يخرج عن الأقوال الخمسة كما قيل ولا أنه جعل الثالث من تمام الأول بل هو تابع في ذلك لابن رشد كما يقتضيه سياق ابن سلمون . ونصه الصواب أن الأب والابن يمكنان من الإثبات والخصومة عن الغائب ومن عداهما من القرابة لا يمكن من شيء لا من الإثبات ولا من الخصومة ، وظاهر الروايات أن الأجنبي لا يمكن من شيء والله أعلم .
تنبيهات . الأول : الصبي كالغائب فيقوم عنه أخوه كالقول الأول وتجري فيه الأقوال الباقية وإذا قلنا بجواز القيام والخصام للابن والأب أو القيام فقط لغيرهما من القرابة أو القيام والخصام مطلقاً على القول به فقال ابن الحاج : ليس للقائم أن يوكل وإنما يتكلم بنفسه أو يترك قال : ويحتمل جواز ذلك عند العذر .
الثاني : ذكر البرزلي في آخر الشهادات من ديوانه أن العمل على عدم التوكيل ولو من قريب القرابة وعليه فعمل تونس مخالف لعمل فاس .
الثالث : محل الخلاف فيما لا حق فيه للمدعي ولا ضمان عليه فيه ولو وديعة فليس للمودع عنده أن يخاصم سارقها مثلاً ، أما ما له فيه حق كالمستأجر والمستعير عارية لا يغاب عليها والمرتهن رهناً كذلك وللغرماء وزوجة الغائب وأقاربه الذين تلزمه نفقتهم أو عليه فيه ضمان كالمستعير عارية يغاب عليها والمرتهن رهناً كذلك ، والغاصب إذا غصب منه شيء والحميل إذا أراد المدين السفر وخشي ضياع الحق ونحو ذلك فيمكن من الدعوى بلا وكالة اتفاقاً ويباع إن ثبت ملكه له في الدين والنفقة .
فصل في حكم تداعي الموكل والوكيلفيما قبضه الوكيل من دين وثمن مبيع وادعى أنه دفع ذلك لموكله وأنكر الموكل ذلك ، وحكى الناظم في ذلك أربعة أقوال أشار لأولها بقوله :
وَإنْ وَكيلٌ ادَّعَى إقْبَاضَ مَنْ
وَكَّلَهُ ما حَازَ فَهْوَ مُؤْتَمَنْ
( وإن ) شرط ( وكيل ) فاعل بفعل محذوف يفسره ( ادعى إقباض ) مفعوله ( من ) مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله ( وكله ) صلة من ( ما ) مفعول ثان لإقباض وجملة ( حاز ) صلة ما والرابط محذوف أي حازه ( فهو ) مبتدأ عائد على الوكيل ( مؤتمن ) خبره . والجملة جواب الشرط .
مَعْ طُولِ مُدَّةٍ وإنْ يَكُنْ مَضَى
شَهْرٌ يُصَدَّقُ مع يَمِينٍ تُقْتَضى ( صلى الله عليه وسلم )
1648 ;( مع ) بسكون العين ظرف متعلق بمؤتمن ( طول مدة ) مجروران بالإضافة ( وإن ) شرط ( يكن ) فعله واسمه ضمير الشأن . ( مضى . شهر ) فعل وفاعل خبر يكن ( يصدق ) بالجزم جواب الشرط ( مع ) بالسكون أيضاً يتعلق بما قبله ( يمين ) مضاف إليه ( تقتضى ) بالبناء للمفعول صفة ليمين .
وَإنْ يَكُنْ بِالفَوْرِ والإنْكَارِ لَهُ
فَالَقَوْلُ مَعْ حَلْفٍ لِمَنْ وَكَّلَهُ
( وإن يكن ) شرط وفعله ( بالفور ) يتعلق بالاستقرار في خبر يكن ( الإنكار ) بنقل حركة الهمزة للام اسم يكن ( له ) خبرها ( فالقول ) مبتدأ ( مع ) بالسكون أيضاً ( حلف ) بسكون اللام مضاف إليه والظرف يتعلق بالاستقرار في الخبر الذي هو ( لمن وكله ) والجملة جواب الشرط وهذا القول لمطرف . وحاصله إن ادعى الوكيل أنه دفع لموكله ما قبضه له ، وقد طالت المدة فيما بين القبض والإدعاء كسنة ونحوها فهو مصدق بلا يمين ، وإن قصرت المدة فيما بين القبض والادعاء كشهر ونحوه فهو مصدق أيضاً ، لكن بيمين . وإن قصرت المدة عن الشهر فالقول للموكل مع يمينه وكان الطول الكثير منزل منزلة الشاهدين عنده في الدلالة على البراءة والمتوسط بمنزلة الشاهد الواحد والقليل كالعدم .
وَقِيلَ إنَّ القَوْلَ لِلْوَكِيلِ
مَعَ اليَمِينِ دُونَ ما تَفْصِيلِ
( وقيل إن ) بكسر الهمزة ( القول ) اسمها ( للوكيل ) خبرها ( مع ) ظرف يتعلق بالاستقرار في الخبر ( اليمين ) مضاف إليه ( دون ) يتعلق بالاستقرار أيضاً ( ما ) زائدة ( تفصيل ) مضاف إليه أي دون تفصيل بين الطول وعدمه ولا بين مفوض إليه وغيره ، ولا بين أن يدعي الدفع إلى موكله في حياته أو بعد موته ، ولا بين ما قبضه الوكيل ليدفعه لفلان أو ليشتري به سلعة فلم يدفع ولم يشتر ، وادعى رد ذلك . وهذا القول هو المشهور ومذهب المدونة فكان على المصنف أن يصدر به ( خ ) وصدق في الرد كالمودع فلا يؤخر للإشهاد أي ليس للمودع ولا للوكيل أن يقول لا أدفع له حتى أشهد عليه إذ لا نفع لهما في ذلك لتصديقهما بيمين ونحوه لابن شاس وابن الحاجب ، واعترض بأن لهما نفعاً في الإشهاد وهو سقوط اليمين وهو الذي تقتضيه أصول المذهب كما لابن عرفة ، وعليه فإذا أخر الدفع للإشهاد فتلف لم يضمن بخلافه على ما لابن شاس فإنه يضمن انظر بعد هذا عند قوله : والزوج للزوجة كالموكل الخ . ومحل التصديق على هذا القول إنما هو فيما قبضاه بغير إشهاد أما ما قبضاه بإشهاد مقصود به التوثق فلا يصدقان في رده إلا ببينة كما في ( ح ) وجعله معنى التشبيه في قول ( خ ) كالمودع . وفي البرزلي ما يفعله الناس اليوم إذا أعطاه قراضاً أو بضاعة أو لفتح حانوت يأتون إلى العدول ويكتبون رسماً بذلك عند البينة المقصودة للتوثق اه . ونحوه في الخرشي عند قول ( خ ) في الشركة ولمقيم بينة الخ . وظاهر كلامهم أنهلا يشترط علم المشهود عليه بقصد التوثق ولا فهمه ذلك . انظر شرح الشامل في الوديعة .
وَقِيلَ إنْ أنْكَرَ بَعْدَ حِينِ
فَهْوَ مُصَدَّقٌ بِلاَ يَمِينِ
( وقيل إن أنكر ) الموكل القبض ( بعد حين ) أي سنة ( فهو ) أي الوكيل ( مصدق بلا يمين .
وإنْ يَمُرَّ الزَّمَنُ القَلِيلُ
فَمَعْ يَمينٍ قَوْلُهُ مَقْبُولُ
وإن يمر الزمن القليل ) بين قبضه وادعائه الدفع وذلك ما دون السنة ( فمع يمين قوله ) أي الوكيل ( مقبول ) وهذا قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم ، وقد فارق القول الأول في أنه يقبل قوله فيما دون السنة الصادق بالشهر واللحظة والظرف الأول يتعلق بقوله أنكر والجملة بعده جواب الشرط ، والظرف الثاني يتعلق بقوله مقبول ، والجملة جواب أيضاً ويمر مجزوم مدغم يجوز في رائه الفتح والكسر والضم ، والثالث أفصح وأكثر كما قالوه في كل مدغم لقيه ساكن أو ضمير .
وَقيلَ بَلْ يَخْتَصُّ بِالمُفَوِّضِ
إلَيْهِ ذَا الحكْمُ لِفَرْقٍ مُقْتَضِي
( وقيل بل يختص ب ) الوكيل ( المفوض إليه ذا ) فاعل يختص ( الحكم ) بالرفع صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان أو بدل ، والمراد بالحكم ما مرّ من التصديق بيمين مع القرب وبدونها مع البعد ( لفرق ) يتعلق بيختص ولامه للتعليل ( مقتضى ) صفة لفرق أي لفرق اقتضى التخصيص المذكور وهو شدة الوثوق بالمفوض إليه دون غيره .
وَمَنْ لَهُ وكالَةُ مُعَيَّنهْ
يَغْرَمُ إلاَّ أنْ يُقِيمَ البَيِّنَهْ
( و ) هو ( من له وكالة معينة ) أي مخصوصة بشيء معين فإنه ( يغرم ) ما أنكره فيه موكله طال ما بين القبض والادعاء أم لا ( إلا أن يقيم البينة ) على ما دفع إليه ، وهذا قول أصبغ فقوله : ومنله الخ من تمام القول الرابع وهي مبتدأ والجملة بعدها صلتها وجملة يغرم بفتح الياء والراء خبرها .
تنبيهات . الأول : ما تقدم من أن المشهور من الأقوال تصديق الوكيل مطلقاً محله إذا لم يتعد وإلا فلا يصدق ، وقد سئلت عن امرأة وكلت شقيقها على قبض دراهم من شخص فأخذ الوكيل عن الدراهم حريراً وادعى دفعه لموكلته فأجبت بأنه لا يصدق ولا تبرأ ذمة الغريم من الدراهم لأن من ثبت عداؤه فقد زالت أمانته ، وإذا تعذر الرجوع على الغريم رجعت على الوكيل لأن غريم الغريم غريم ، وفي كتاب الوديعة من ابن يونس فيمن بعث مع رجل مالاً يوصله لرجل آخر فقال : لم أجد الرجل ورددت المال للباعث أنه لا يصدق في رده لأنه متعد في الرد فإن الواجب عليه إذا لم يجده إيداعها له فإذا كان متعدياً في الرد وجب عليه الضمان فإذا صارت في ذمته لتعديه وجب أن لا يقبل قوله رددتها اه . ونقله أبو الحسن وغيره ، وقال اللخمي : اختلف فيمن استقرض دراهم من رجل فأمر الرجل غريمه أن يدفعها إليه فأخذ المستقرض عنها عرضاً قال : والصواب أن ذلك بيع حادث ولا يرجع المقرض إلا بما أمره بدفعه إليه اه .
الثاني : كما يصدق الوكيل في الرد كذلك يصدق في التلف ، ولا فرق بين أن يدعي تلف الثمن أو المشتري بالفتح أو البيع سواء أسلفك الثمن الذي وقع به الشراء أم لا . ففي ابن يونس قال مالك فيمن أمر رجلاً يشتري له لؤلؤاً من مكة وينقد عنه فقدم ، وزعم أنه ابتاعه له ونقد فيه ثم تلف اللؤلؤ فيحلف أنه قد ابتاع له ما أمره به ونقد عنه ويرجع بالثمن على الآمر لأنه أمينه قال بعض القرويين : والفرق بين هذه المسألة وبين الذي أمر غريمه أن يكتال الطعام في غرائره فيدعي ضياعه بعد الكيل أن مسألة الغرائر ادعى ضياع ما في ذمته فلا يبرأ حتى يثبت زواله من ذمته . وفي مسألة اللؤلؤ إنما ادعى ضياع ما صرف فيه الثمن الذي أسلفه وهو اللؤلؤ ، ولو ادعى أنه أخرج الثمن فضاع قبل شرائه له لم يضمن إلا ببينة كمسألة الغرائر ولو كان السلم مما يجوز بيعه قبل قبضه فوكله على بيعه فقال : أنا بعته وضاع الثمن فههنا يصدق مع يمينه كمسألة اللؤلؤ ، وقد قال ابن القاسم في المستخرجة : فيمن له على رجل دين أمره أن يشتري له به سلعة أو عبداً وهو في بلد آخر ، فلما قدم قال اشتريته وهلكت السلعة أو أبق العبد فالمصيبة من الآمر اه . ابن يونس وقال في السلم الأول قال ابن القاسم : وإذا كان غائباً ببلد آخر لم يجز له أن يأمره بشراء سلعة بدينه الذي له عليه إلا أن يوكل وكيلاً في ذلك البلد يقبضها . قال : ولو ادعى المأمور أنه اشتراها وتلفت فإن كان الآمر أو وكيله معه في البلد فالقول للمأمور ، وإن لم يكونا معه في البلد فإن أقام بينة على الشراء فقوله وإلا فهو ضامن له اه منه . فانظره مع ما في المستخرجة وقال قبل ذلك ومن له على رجل مال فقال له أسلمه لي في طعام لم يجز حتى يقبض منه ويبرأ من التهمة ثم يدفعه إليه لأنه يتهم أن يعطيه من عنده فيدخله فسخ الدين في الدين وهذا في السلم وما قبله في الشراء نقداً اه منه . وهذه المسائل تقع كثيراً فلذا نقلناها .
الثالث : إذا وكلته على شراء سلعة معينة فاشتراها الوكيل لنفسه فلابن القاسم في الثمانية هي للموكل ، وروى ابن نافع عن مالك هي للوكيل وبه قال ابن الماجشون . وعليه فيصدق أنه اشتراها لنفسه ، وقيل لا يصدق إلا إن أشهد عند الشراء أنه يشتري لنفسه ، وهذا بناء على أنهيجوز للوكيل على البيع ونحوه عزل نفسه ابن زرقون . وهو المشهور وانظر ابن عرفة أواخر الوكالة ، فقد ذكر في ذلك أقوالاً سبعة ، واقتصر ( ز ) و ( خش ) عند قول ( خ ) وهل تلزم أوان وقعت بأجرة الخ على أنها للوكيل ، وانظر ما يأتي للناظم في آخر اختلاف المتبايعين .
والزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ كالمُوَكِّلِ
فِيما مِنَ القَبْضِ لِمَا باعَت يَلي
( والزوج ) مبتدأ ( للزوجة ) يتعلق بالخبر الذي هو قوله ( كالموكل ) بفتح الكاف واللام بمعنى عن ( فيما ) يتعلق به أيضاً ( من القبض ) بيان للموصول ، ومن زائدة لا تتعلق بشيء ، ويجوز أن تتعلق بيلي آخر البيت ، ومن لتقوية العامل لضعفه بالتأخير ( لما ) يتعلق بالقبض ( باعت ) صلة ما الثانية ( يلي ) صلة ما الأولى والرابط محذوف فيهما ، والتقدير والزوج كالوكيل عن زوجته فيما يليه من قبض ثمن ما باعته فيقضى له بقبضه ممن هو عليه وإن لم توكله عليه ويصدق في دفعه لها إن أنكرت على المشهور من الأقوال المتقدمة لأنه وكيل عنها بالعادة ولا مفهوم للقبض بل سائر التصرفات من البيع والشراء وغيرهما كذلك حيث كانت عادة البلد تصرف الأزواج لأزواجهم بذلك . ابن رشد : يحكم للزوج بحكم الوكيل فيما باع واشترى لامرأته وإن لم تثبت وكالته للعرف الجاري من تصرف الأزواج لأزواجهم في أمورهن اه . وقال ابن عرفة في حمل الزوج في بيعه وشرائه لزوجته على الوكالة وإن لم تثبت أو حتى تثبت دليلا سماع . ابن القاسم في كتاب المديان وسماع عبد الملك في كتاب الدعوى اه . وهذا صريح في أن الزوجة لا مقال لها في رد ما باعه زوجها أو اشتراه لها أو قبضه وتلف قبل دفعه لها للعرف المذكور فإن لم يكن عرفهم ذلك أو لا عرف أصلاً كما عندنا اليوم حسبما في ( ت ) أو كان بين الزوجين مشاورة كما لابن رحال فلها رد ذلك وتضمينه إن تلف المقبوض وهو الجاري على ما في نوازل الصلح والرهن من المعيار فيمن رهن أو باع مال زوجته ، فأنكرت الإذن له أنها تحلف وترد ذلك ، ثم إنهقد تقدم أن الوكالة تكون بالنص وبالعادة ( خ ) بما يدل عرفاً الخ ، ولهذا أفتى أصبغ بن محمد كما في البرزلي و ( ق ) فيمن غار عليهم العدو وعادتهم من وجد حينئذ فرساً لجاره ركبها لما يروه من العجلة فركب رجل فرس جاره وخرج بها فاضطرته خيل العدو فنزل عنها وهرب فقام صاحبها عليه بأنه لا ضمان عليه لأن العادة كالوكالة قياساً على مسألة الأضاحي ، البرزلي : يريد والأنكحة والأيمان .
قلت : ومراده بالأضاحي ما أشار له ( خ ) في الأضحية بقوله وصح إنابة بلفظ أو بعادة كقريب الخ . وبالأنكحة ما أشار له أيضاً بقوله في النكاح ، وإن أجازه مجبر في ابن وأخ وجد فوض له أموره ببينة جاز الخ . وبالأيمان ما أشار له أيضاً بقوله فيها وبر إن غاب بقضاء وكيل تقاض أو مفوض وهل ثم وكيل ضيعة أوان عدم الحاكم الخ . ولذلك أيضاً أفتى ابن عرفة وغيره بتصديق الأخ في دفعه لأخته ما قبضه لها من كراء رباعها سنين كما في ابن ناجي محتجين بأنه وكيل لها عادة ، فلو قال الناظم بدل هذا البيت ما نصه :
وصححت بالنص أو بالعاده
فالزوج والشبه على الوكاله
وقد مر ذلك إثر قوله : ومن على قبض صبياً قدما الخ . لأجاد لتكون فيه إشارة إلى أن صيغة الوكالة اللفظ أو ما يقوم مقامه كما مرّ أي فتصرف الزوج ونحوه من أخ أو ابن أو أب محمول على الوكالة مع العرف بذلك . ابن شاس : ولا بد مع الصيغة من القبول فإن وقع بالفور فواضح وإن تأخر ففي لغوه قولان . وعلى الثاني اقتصر ناظم العمل حيث قال :
وليس يشترط للوكيل
يوماً إذا وكل من قبول
يريد : إنه لا يشترط القبول بالفور بل إذا قام بها داخل ستة أشهر كفاه ذلك على التفصيل المتقدم .
وَمَوْتُ زَوْجٍ أَوْ وكيلٍ إنْ عَرَضْ
مِ غَيْرِ دَفْعِ ما بِتَحْقِيقٍ قَبَضْ
( وموت زوج ) مبتدأ ومضاف إليه ( أو وكيل ) معطوف عليه ( إن عرض ) شرط وفعله ( منغير ) يتعلق بمحذوف حال من فاعل عرض ( دفع ) مضاف إليه ( ما ) موصول مضاف إليه أيضاً من إضافة المصدر لمفعوله ( بتحقيق ) يتعلق بقوله ( قبض ) والجملة صلة والرابط محذوف أي قبضه ، وأفرد الضمير لكون العطف بأو .
مِنْ مالِهِ يَأْخُذُ ذاك قَائِمُ
بالفَوْرِ والعكسُ لِعكْسٍ لازِمُ
( من ماله ) يتعلق بقوله ( يأخذ ) والجملة جواب الشرط وارتفع الفعل لقول ابن مالك . وبعد ماض رفعك الجزا حسن . ( ذاك ) مفعول به والإشارة للمقبوض بالتحقيق ( قائم ) فاعل بيأخذ ( بالفور ) يتعلق بعرض أو بقائم على وجه التنازع ، والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ ، ومعناه أن الوكيل بالعادة كالزوج ونحوه أو الوكيل بالنص إذا عرض موت أحدهما بفور ما قبضه بالتحقيق من أثمان المبيعات التي باعها أو الديون التي اقتضاها ونحو ذلك ولم تعلم براءته من ذلك ، وهو معنى قوله من غير دفع ما بتحقيق الخ . فإن الزوجة والموكل يأخذان ذلك المقبوض من تركة الوكيل أو الزوج إن قاما حينئذ وادعيا عدم الدفع ، وظاهره أنه لا فرق بين المقبوض إليه وغيره . ( والعكس ) مبتدأ ( لعكس ) يتعلق بالخبر الذي هو ( لازم ) أي : والعكس الذي هو عدم الأخذ لازم للعكس وهو عروض الموت بعد طول كالشهر ونحوه ، وإنما على من يظن به العلم من الورثة اليمين أنهم لا يعلمون بقاء شيء من ذلك بيد الوكيل . ابن عرفة : وإن مات يعني الوكيل بحدثان قبضه كان في ماله وبعده مما يمكن فيه القضاء والدفع فلا شيء عليه اه . وقال ابن أبي زمنين : إن مات الزوج والوكيل بحدثان ما جرى على أيديهما فذلك في أموالهما إذا عرف القبض وجهل الدفع والمرأة والوكيل يدعيان ذلك ، وإن كان الموت بغير الحدثان فلا شيء في أموالهما اه . وبهذا أفتى ابن لب في رجل قبض ميراث زوجته في أبيها وتوفي ، وأن الزوج إن مات بحدثان القبض فذلك لازم لتركته بعد يمين القضاء ، وإن كان بعد الشهر ونحوه حمل على أنه قد دفع ما قبض هذا إن كان القبض بإذن الزوجة فإن كان تجاسر أو تحامل عليها فهو في ماله وتركته اه . بنقل ( م ) ببعض اختصار ، وقوله إن كان القبض بإذن الزوجة الخ . يعني إن كان العرف أن الزوج لا يتصرف لزوجته وإلاَّ فهو وكيل بالعادة كما مرّ . وفهم من قوله قائم بالفور أن الزوجة والموكل حاضران بالبلد ، وأما إن كانا غائبين وقبض الوكيل ومات في غيبتهما فذلك في ماله من غير تفصيل ، وفي ابن سلمون ومن وكّل وكيلاً على النظر في غلاته وغاب ثمقدم وقد مات الوكيل حلف المكترون لحوانيته ودوره وكان القول قولهم ورجع هو به في مال الوكيل إلا أن يذكر لذلك سبباً قبل موته من سبب أو إنفاق يعرف وكذلك الوصي اه .
قلت : ويقيد بما يأتي في باب الكراء من أن القول للمكتري في سالف المدة ما عدا شهرين من آخرها فإن القول فيهما قول المكري إنه لم يقبض كراءهما على ما به العمل بفاس قاله المكناسي وغيره ، وكذا يقيد أيضاً بما في المعين من أن الوكيل أو الزوج إذا أقر عند سفرهما أو مرضهما أو دون ذلك ببقاء ذلك بأيديهما ، ثم اختلفا بعد ذلك أو بعد الصحة أو القدوم لكلف الوكيل البينة على الدفع وإلاَّ حلف الآخر وغرم اه . وإذا كان يكلف البينة في الحياة فكذلك في الموت لأنه بإقراره صار كالدين في ذمته كما صرح به في المعين أثر ما مر عنه ، ومفهوم قوله : وموت الخ . أن العزل ليس كذلك بل يصدق الوكيل إن ادعى الدفع قبل العزل على المشهور كما مرّ لا أن ادعاه بعده فلا يصدق إلا ببينة لأنه بعد العزل ليس أميناً له .
باب الصلحوهو لغة قطع المنازعة مأخوذ من صلح الشيء بفتح اللام وضمها إذا كمل وهو يذكر ويؤنث . والأصل فيه قوله تعالى : لا خير في كثير من نجواهم } ( النساء : 114 ) الآية . وقوله تعالى : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً } إلى قوله : فلا جناح عليهما أن يصلحا } ( النساء : 128 ) وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً ) . وقوله : حرم حلالاً أي كصلحه على دنانير بثوب على أنه لا يلبسه أو لا يبيعه . واصطلاحاً قال ابن عرفة : هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه . البرزلي : وصلح المواريث أخص وهو معاوضة عن دعوى تنقل الوارث عن نصيبه اه . فقوله عن حق يدخل فيه صلح الإقرار . وقوله : أو دعوى بعوض هو صلح الإنكار ، وقوله : بعوض متعلق بانتقال ويخرج به الانتقال بغير عوض ، وقوله : لرفع نزاع أو خوف الخ . يخرج به الانتقال لغير رفع ولا لخوف وكبيع الدين ونحو ذلك من البياعات ويدخل في قوله : أو خوف الصلح عن إقرار أو إنكار مثال الأول أن يقر له بثوب مثلاً وخاف إن طالبه به خاصمه وأطلق في الحق فيشمل الانتقال عن بعضه أو عن كله فيسقط اعتراض ( ح ) وقول طفي : لا نسلم أن الصلح هو الانتقال بل هو معاوضة والانتقال معلول لها كالانتقال في البيع مفرع عنه معلول له الخ . يريد بأن الانتقال لازم لعقد المعاوضة فتعريف ابن عرفة له تعريف بالخاصة اللازمة كالضاحك في تعريف الإنسان على أن عقد المعاوضة والانتقالبعوض بمعنى واحد وكيفية وثيقته ستأتي عند قوله : ولا بإعطاء من الوارث الخ .
والصُّلْحُ جائِزٌ بالاتِّفاقِ
لكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الإطْلاَقِ
( والصلح ) مبتدأ ( جائز ) خبره ( بالاتفاق ) يتعلق به ( لكنه ) حرف استدراك والضمير اسمه وهو عائد على الجواز المفهوم من جائز ( ليس ) فعل ناقص واسمها ضمير الجواز أيضاً ( على الإطلاق ) خبر ليس والجملة خبر لكن ، والمراد بالجواز الإذن فيشمل المستوى الطرفين والمندوب والواجب أي فيجوز للخصمين فعله وقد يندب لهما أو يجب ، وكذا يندب للقاضي أن يأمر به أو يجب كما تقدم في قول الناظم :
ما لم يخف بنافذ الأحكام
فتنة أو شحناً أولي الأرحام
وخرج بالاستدراك الحرام والمكروه فيفسخ في الحرام ويمضي في المكروه ، وقول أصبغ ينفذ الحرام ويمضي مراده بالحرام ما حرم على دعوى أحدهما دون الآخر كما يأتي لا الحرام مطلقاً وإلا لم يسعه أن يقول بالفسخ فيما إذا اتفقت دعواهما عليه فإطلاق ابن سلمون وضيح وغيرهما قول أصبغ لإمضاء الحرام غير سديد ، والمراد بالمكروه ما هو ممنوع على ظاهر الحكم انظر المجالس المكناسية ، وهذا هو المكروه الذي خالف فيه ابن الماجشون . وقال : يفسخ بالحدثان ما لم يطل ، وأما المكروه المحض فيمضي قطعاً . ابن عرفة : وهو من حيث ذاته مندوب إليه وقد يعرض وجوبه عند تعين مصلحة أي كقوله تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } ( الحجرات : 9 ) الآية . وحرمته وكراهته لاستلزامه مفسدة واجبة الدرء أو راجحته . ابن رشد : لا بأس بندب القاضي الخصمين إليه ما لم يتبين الحق لأحدهما وإن أباه أحدهما فلا يلح عليهما إلحاحاً يوهم الإلزام . البرزلي : وقد عزل ابن عبد السلام بعض القضاة لما جبرهما عليه اه .
قلت : وهو يقتضي أن ذلك جرحة فيه ، وقد تقدم عند قول الناظم : والصلح يستدعي له إن أشكلا . . . الخ . أن الخصم إذا صالح أو رضي اليمين لاضطراره بالحكم لا يلزمه شيء من ذلك ، وشمل كلام الناظم : الصلح على الإقرار وعلى الإنكار قال في المفيد : اتفق العلماء على جواز الصلح على الإقرار والإنكار إن كان عن طوع من المتصالحين اه . وفي مسائل القاضي عبد الوهاب الصلح على الإنكار جائز عندنا . وعند أبي حنيفة وأصحابه وجابر بن زيد والشعبي والحسن البصري . وقال الشافعي : الصلح باطل ولا يملك المدعي ما يأخذه من الصلح ، ويجب عليه أن يرده ، وبه قال ابن أبي ليلى اه ونحوه في ابن سلمون ، فمراد الناظم اتفاق أهل المذهب وما نقله عياض عن ابن الجهم عن بعض الأصحاب من عدم جوازه في الإنكار بلغ الغاية في الشذوذ بحيث لا ينبغي أن يعتبر ، ولما قدم أنه غير جائز على الإطلاق بين وجه ذلك فقال :وهو كَمِثْلِ البَيْع في الإقْرارِ
كَذَاكَ لِلْجُمْهُورِ في الإنْكَارِ
( وهو كمثل البيع في الإقرار كذاك للجمهور في الإنكار ) أي إنما لم يجز على الإطلاق لأنه مثل البيع والبيع منه ما هو جائز وغير جائز فهو كالتعليل لعدم الجواز على الإطلاق ، لكن الصلح على الإقرار تعتبر فيه شروط البيع وانتفاء مانعه اتفاقاً . وكذا الصلح على الإنكار تراعى فيه شروط البيع أيضاً وانتفاء موانعه على دعوى المدعي والمدعى عليه ، وظاهر الحكم على مذهب مالك وجمهور أصحابه وهو المشهور الذي اقتصر عليه ( خ ) وغيره خلافاً لابن القاسم في اشتراطه شروط البيع في دعوى المدعي والمدعى عليه فقط ، ولأصبغ في اشتراطه عدم اتفاق دعواهما على فساد مثال المتوفر للشروط أن يدعي عليه بعشرة حالة فأقر بها أو أنكرها فصالحه بثمانية حالة أو بعرض حال ، ومثال الممتنع على ظاهر الحكم فقط أن يدعي بمائة درهم حالة فيصالحه على أن يؤخره بها إلى شهر أو على خمسين منها يدفعها عند الشهر ، فالصلح جائز على دعوى المدعي والمدعى عليه لأن الأول أخره بالكل أو بالبعض وأسقط الباقي والثاني افتدى من اليمين وممتنع على ظاهر الحكم لأنه سلف جر نفعاً ، فهذا ممنوع عند الجمهور لعدم انتفاء مانع البيع الذي هو القرض هنا جائز عند ابن القاسم وأصبغ ، ومثال الممتنع على دعواهما معاً فقط أن يدعى عليه بدراهم وطعام من بيع فيقر بالطعام وينكر الدراهم فيصالحه على طعام مؤجل أكثر من طعامه أو يعترف بالطعام ويصالحه على دنانير مؤجلة أو على دراهم أكثر من دراهمه ، فلا يجوز اتفاقاً لما فيه من سلف بزيادة على دعوى المنكر ، ومن فسخ الدين على دعوى المدعي ومن الصرف المؤخر في الصلح بدنانير ، ومثال ما يمتنع على دعوى المدعي وحده أن يدعي بدنانير فيصالحه بدراهم لأجل فيمتنع على دعواه ، ويجوز على دعوى المنكر لأنه افتداء فهذا جائز عند أصبغ ممتنع عند غيره ، ومثال ما يمتنع على دعوى المدعى عليه أن يدعى بطعام من قرض فيقول المنكر : بل من سلم فيصالحه بدراهم حالة فلا يجوز على دعوى المنكر لأنه بيع للطعام قبل قبضه جائز على دعوىالآخر ، وإذا قلنا بجواز الصلح على الإنكار بشروطه فإنما ذلك في ظاهر الأمر ، وأما في باطن الأمر فلا يحل للظالم منهما فإن كان هو المنكر فهو غاصب في الباقي عنده حتى يوفيه وإن كان هو المدعي فكذلك حتى يرد ما أخذ ( خ ) ولا يحل لظالم الخ . فمقابل الجمهور في النظم هو قول ابن القاسم وأصبغ لا ما حكاه ابن الجهم عن بعض الأصحاب لأن كلامه ليس في جواز الصلح على الإنكار بل في كونه مثل البيع ، أما جوازه فمستفاد من عموم البيت قبله كما مرّ . ومراده بالبيع البيع الأعم الشامل للقرض والصرف والإجارة وغير ذلك إذ الجميع بيع في الحقيقة كما يأتي ، وهذا إن كان على ما يخالف المدعي به جنساً أو صفة فإن كان على بعض المدعي به فهو هبة . وترك الناظم هذا القسم لوضوحه فالكاف في قوله كمثل زائدة وهو خبر عن الضمير المنفصل ، وفي الإقرار حال من الضمير في مثل لأنه بمعنى مماثل ، وقوله كذلك خبر عن مبتدأ محذوف أي وهو كذلك الخ . والمجروران بعده في موضع الحال من الضمير في الخبر .
فَجَائِزٌ في البَيْع جازَ مُطْلَقا
فِيهِ وما اتُّقِي بِيْعاً يُتَّقَى
( فجائز ) مبتدأ سوغه تعلق ( في البيع ) به ( جاز ) خبره ( مطلقا ) حالاً ( فيه ) يتعلق بجاز ( وما ) مبتدأ ( اتقى ) بالبناء للمفعول صلته ( بيعاً ) منصوب على إسقاط الخافض ( يتقى ) بالبناء للمفعول خبر عن الموصول وليس في هذا زيادة على ما أفهمه البيت الذي قبله أي فيجوز الصلح عن دين بما يباع به كدراهم في الذمة يصالح عنها بعرض حال ، وبالعكس لأنه محض بيع وكدراهم حالة يصالح عنها بدنانير نقداً . وبالعكس لأنه محض صرف وكذهب حال يصالح ببعضه نقداً أو دراهم حالة ببعضها كذلك لأنه محض هبة وكذا بذلك البعض أو الكل إلى أجل إن كان عن إقرار لا عن إنكار لأن التأخير بالبعض المصالح به سلف جر نفعاً بسقوط اليمين عنه بتقدير نكول المدعى عليه وانقلابها وبعدم ضياع حقه كله بتقدير حلف المدعى عليه المذكور ، وهكذا يقال في جميع الصور التي فيها الصلح على الإنكار بالكل إلى أجل أو البعض إلى أجل ، وقوله : يتقي أي يمتنع فيمتنع بمجهول أو غرر أو إن دعا إلى ضع وتعجل أو حط الضمان وأزيدك أو سلف جر نفعاً أو ضمان بجعل أو صرف مؤخر أو بدل كذلك أو بيع للطعام قبل قبضه أو بيع ذهب بذهب معهما أو مع أحدهما غيره أو فضة كذلك أو بيع لحم بحيوان أو بيع دين بدين أو فسخ دين في دين ، أو دوران الفضل من الجانبين كصلحه بذهب أقل مما عليه مع اختلافهما سكة وصياغة أو جودة ورداءة أو بفضة كذلك وهكذا . وهذا كله يدخل تحت الكاف في قوله :كالصُّلْحِ بِالْفِضَّة أو بِالذَّهبِ
تَفَاضُلاً أو بِتأخُّر أُبي
( كالصلح ) عن إقرار أو إنكار ( بالفضة أو بالذهب ) عن مثليهما ( تفاضلاً ) لما في ذلك من ربا الفضل ( أو ) الصلح بأحدها عن الآخر ( بتأخر ) أي مع تأخير ( أُبي ) أي منع مثله في الصرف لا التأخير الذي لا يمنع مثله كحل صرة أو استقرضه من رجل بجانبه فلا يمنع وأبى آخر البيت بالبناء للمفعول صفة لتأخير ، وقوله : كالصلح خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك كالصلح الخ . وتفاضلا حال بمعنى متفاضلاً .
والصُّلْحُ بِالْمَطْعُومِ فِي الْمُطْعُومِ
نَسِيئَةً رُدَّ عَلَى العُمومِ
( والصلح ) مبتدأ ( بالمطعوم في ) أي عن ( المطعوم ) تفاضلا في الجنس الواحد أو ( نسيئة ) في المتفق والمختلف ( رد ) بالبناء للمفعول خبر ( على العموم ) يتعلق به كانا في مسألة النسيئة ربويين أو أحدهما أم أقل من المصالح عنه أو أكثر ونسيئة حال .
والوَضْعُ منْ دَينٍ عَلَى التَّعْجِيلِ
أَوِ المَزِيدُ فِيهِ للتَّأْجِيلِ
( والوضع ) مبتدأ ( من دين على التعجيل ) ينطقان به كأن يدعي عليه بعشرة دنانير أو عشرة أثواب فأقر بذلك أو أنكره وصالحه على ثمانية معجلة لما فيه من ضع وتعجل ، وهو ممتنع في العين وغيرها بخلاف حط الضمان وأزيدك فهو خاص بغير العين كأن يدعي عليه بعشرة أمداد أو أثواب إلى شهر ، فيقر أو ينكر وصالحه على اثني عشر مؤجلة أو ثمانية معجلة . ووجه المنع في الأول أن من عجل ما أجل يعد مسلفاً فقد أسلف الآن ثمانية ليقتضي عند الأجل عشرة من نفسه ، وكذا في الثاني لأنه قد انتفع على سلفه الذي هو تعجيله قبل أجله بحطيطة الضمان عنه ولأن فيه أيضاً ضماناً بجعل لأنه أدخل الثياب في ضمانه بجعل وهو الزيادة . ( أو المزيد ) معطوف على المبتدأ ( فيه للتأجيل ) يتعلقان به أيضاً لما فيه من سلف بزيادة كان الصلح عن إقرار أو إنكار وخبر المبتدأ محذوف أي والوضع منه أو الزيادة فيه مردودة كذلك .
وَالْجَمْعُ في الصُّلْحِ لبيْعٍ وسَلَفْ
ومَا أَبانَ غَرَراً بِذَا اتَّصَفْ
( والجمع ) مبتدأ ( في الصلح لبيع ) يتعلقان به ( وسلف ) معطوف على ما قبله كأن يدعي عليه بدينار حال فيقرأ وينكر وصالحه على أن يأخذ منه ثوباً أو طعاماً أو عبداً بنصف دينار وأخرهبالنصف الآخر إلى أجل . ( وما ) موصول معطوف على المبتدأ وجملة ( أبان غرراً ) صلته كأن يصالحه عما أقرّ به أو أنكره بعبد آبق أو بعير شارد أو بمجهول كحظ من دار لا يعرفان أو أحدهما قدره ( بذا ) يتعلق بقوله ( اتصف ) والإشارة للمنع والرد والجملة خبر المبتدأ وما عطف عليه .
وَالصُّلْحُ بالطَّعَام قَبْلَ القَبْضِ
مِنْ ذِمَّةٍ فَذَاكَ غَيْرُ مَرْضِي
( والصلح ) مبتدأ ( بالطعام ) يتعلق به ( قبل القبض ) حال ( من ذمة ) يتعلق بالقبض أو حال من الطعام ومن بمعنى في ( فذاك ) مبتدأ ( غير ) خبره ( مرضي ) بفتح الميم وكسر الضاد وتخفيف الياء للضرورة لأن أصلها التشديد مضاف إليه ، والجملة خبر المبتدأ ودخلت الفاء عليه لعموم المبتدأ ، وإنما لم يجز بالطعام المذكور لأنه بيع له قبل قبضه كان عن إقرار أو إنكار ، وهذا إنما يأتي في الطعام الذي في الذمة من بيع فلو قال بيعة بدل قوله ذمة لأجاد ليخرج طعام القرض والأمانة ثم يقول في الشطر الأول بعده . فإن يكن قرضاً أو الأمانة الخ .
وإنْ يَكُنْ يُقْبَضُ مِنْ أمَانَهْ
فَحالةُ الجوَّازِ مُسْتَبَانَهْ
( فإن يكن ) شرط واسمه ضمير الطعام ( يقبض ) بالبناء للمفعول خبر يكن ( من أمانه ) يتعلق به ( فحالة الجواز مستبانة ) مبتدأ وخبر الجملة جواب الشرط ، ولما كان في قول الناظم وهو كمثل البيع نوع خفاء أشار بهذه الأبيات على سبيل التمثيل لإيضاح وجه كونه مثل البيع ، وإلاَّ فمسائله كثيرة لا تنحصر فيما ذكر ولكثرتها وتشعبها قال بعضهم : من أتقن باب الصلح وبيوع الآجال فقد أتقن مذهب مالك وقول بعضهم في جمع المسائل التي تتقى هنا :جهلاً وفسناً ونسا وحط ضع
والبيع قبل القبض إن صالحت دع
وغرراً وسلفاً مع بيع
وسلفاً مقترناً بنفع
واضح قصوره مما مرّ من الأمثلة وما أحسن قول الناظم : وهو كمثل البيع الخ ( خ ) : الصلح على غير المدعى به بيع أو إجارة وعلى بعضه هبة الخ . والأولان داخلان في النظم كما مرّ ، وتقدم أنه ترك الثالث لوضوحه أو هبة للبعض المتروك وهي لازمة إن قبلها في حياة الواهب لأنها مقبوضة لا إن ردها أو سكت حتى مات فلا تلزم ، وإن حلت لك عليه عشرة فقلت له : إن أتيتني بخمسة لشهر أسقطت عنك ما بقي لزمك ذلك إن أتى بها عند الشهر فإن أتى بها بعده بيوم أو بقي منها درهم لم يلزمك كما في الالتزامات وصورة الإجارة أن يدعي عليه بمعين كثوب حاضر مثلاً فيقر أو ينكر ويصالحه بمنافع معينة أو مضمونة لا إن ادعى بغير معين كدراهم فيمنع لأنه فسخ دين في دين لأن قبض الأوائل ليس كقبض الأواخر على المذهب ، ثم هذه الأقسام الثلاثة تجري في كل من صلح الإقرار أو الإنكار أو السكوت . أما الإقرار فظاهر ، وأما الإنكار فبالنظر للمدعي به ، وأما السكوت فهو راجع إلى أحدهما .
تنبيه : صلح الراعي فيما وجب عليه غرمه بتفريط ونحوه يجري على ما مرّ فإن عرفت قيمة المستهلك جاز كان المصالح به قدر القيمة أو أقل أو أكثر ، وإن صالح بمؤخر بعد معرفة القيمة جاز أيضاً إن كان بدراهم قدر القيمة أو أقل ، ولا يجوز بأكثر وإن صالح بمؤخر غير دراهم كعرض منع مطلقاً ، وإن وقع الصلح قبل معرفة القيمة فهو فاسد على الأصح لأن الصلح بيع للقيمة وهي قبل معرفتها مجهولة ، وكذا إن قتل بقرة مثلاً فلا يجوز له الصلح بمثلها قبل فوات لحمها لأنه من بيع اللحم بالحيوان إذ ربها مخير في أخذ لحمها أو قيمتها فإن فات وعرفت قيمتها جاز حينئذ وتأمل قول ( خ ) في الصلح وإن صالح بمؤخر عن مستهلك الخ . ثم إنهما يرجعان للخصومة في جميع الصور الممنوعة إلا أن يستأنفا صلحاً آخر ، فإن فات المصالح به كعرض قبل فسخه صحح بالقيمة كما يصحح البيع الحرام إذا فات . ابن سلمون : وإذا فات الصلح الذي يقع به الحرام فسخ وصحح بالقيمة اه . وتأمل قول ( خ ) آخر الاستحقاق وقول الناظم فيما يأتي : ولا يجوز نقض صلح أبرما الخ . وإنما أشرنا إلى هذا الفقه هنا وإن كان هو مضمن قول الناظم الآتي : وإن يفت ما الصلح فيه يطلب . . . الخ . تدريباً وتمريناً وإجراء على ما مرّ في النظم ولذا كان حق الناظم أن يقدم ذلك البيت هنا كما أن حقه أن يقدم قوله : ولا يجوز نقض صلح أبرما . . . الخ . والبيت الذي بعده لأن ذكر ذلك كله هنا أنسب وأقعد بالمقام ومثل الراعي فيما ذكر الغاصب والمكتري والمرتهن والصانع والسارق إذا صالحوا فيما يجب عليهم غرمه فإن وجدوا ما ادعوا تلفه بعد الصلح فهو لهم إلا أن يموهوا في الذات فيكون لربه فإن موهوا في الصفة فيرجع عليهم بفضل الغيبة . وكذا إن ادعى عليه بسرقة فصالح وهو منكر ثم وجد فهو له ، فإن صالح على شرط إن وجد فهو لربه فالظاهر فساده للتردد بين السلفية والثمنية ، وتأمل قول ( خ ) في الغصب وملكه إن اشتراه أو غرم قيمته الخ . وإن وجد الغارم في المصالح به عيباً فليس له القيام به لثقل الخصومة كما في ( ز ) وإذا استهلك عجلاً يمنح به فإنه يغرم قيمته على أنه يمنح به فيقال ما قيمة هذا العجل أو الخروف على أنه يمنح به قاله القوري ، وإذا اشترى عبداً ونحوه بمائة ونقدها فاطلع على عيب وأثبته أو أقرّ به البائع فصالحه على ترك القيام به بمعجل كعشرةدنانير من سكة نقده أو عرض جاز اتفاقاً . وكذا إن تأخر العرض الموصوف أو العشرة بغير شرط لا بعشرة مؤجلة أو حالة من سكة أخرى أو بعرض مؤجل ولو وصف فيمنع لأن الصلح على العيب ابتداء بيع بعد فسخ الأول على المشهور ، ولما فسخ ترتب للمشتري في ذمة البائع مائة أخذ عن تسعين منها عبداً ، والعشرة التي أخره بها سلف فصار الصلح مشتملاً على البيع والسلف بالنسبة إلى العشرة وعلى فسخ دين في دين بالنسبة للعرض ، وعلى بيع ذهب وعبد بذهب في العشرة التي من سكة أخرى ، وأجاز ذلك أشهب بناء على أن البيع الأول لم يفسخ وسبب الخلاف اختلافهم فيمن ملك أن يملك هل يعد مالكاً أم لا ؟ فابن القاسم والمشهور أي أن المشتري لما كان قادراً على حل البيع صير البيع منحلاً ، وأشهب رأى أن القدرة على حل البيع أعم من حله ولا يلزم من وجود الأعم وجود الأخص ابن عبد السلام : وهذا أصح فلو صالح قبل نقدها بتسعين وتأخير العشرة الباقية إلى شهر مثلاً ، فالجواز على المشهور دون الشاذ لأنه على المشهور بيع مستأنف بحال وهو التسعون التي يعجلها المشتري ومؤجل وهو العشرة الباقية أو العرض الموصوف ، وعلى الشاذ أخره البائع بالعشرة الباقية أو العرض ليترك العيب ، فالتأخير سلف جر نفعاً بالنسبة للعشرة وفسخ دين في دين بالنسبة للعرض لأن البائع وجب له على المشتري عشرة بقية المائة فسخها في عرض إلى أجل ، وهذا كله إذا لم يفت العبد ونحوه بشيء من مفوتات الرد به كالتدبير في العبد والتفصيل في الشقة ونحوهما ، وإلاَّ فلا يجوز الصلح إلا إذا علم قيمة العيب ولو كان البيع بدنانير نقداً وقبضها البائع والمبيع داراً أو غيرها فقام المشتري بعيب يوجب الرد فاصطلحا على دنانير منجمة لم يجز على مذهب ابن القاسم لأنه إن قدر ابتداء بيع بعد فسخ الأول دخله بيع وسلف وإن قدر تتميماً للأول دخله عرض وذهب بذهب مع ما فيه من التأخير قاله الطرابلسي في تقييده على المدونة .
فصل
وَلِلأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ
وَلَوْ بِدُونِ حَقِّهِ المَأْثُورِ
( وللأب ) خبر مقدم ( الصلح ) مبتدأ ( عن المحجور ) يتعلق به ( ولو ) إغيائية وكان مقدرة بعدها لقول ابن مالك : ويحذفونها ويبقون الخبر الخ ( بدون ) خبر كان المقدرة واسمها ضمير يعود على الصلح ( حقه ) مضاف إليه ( المأثور ) صفة له .
إنْ خَشِيَ الفَوْتَ عَلَى جَمِيعِ ما
هُوَ بِهِ يَطْلُبُ مَنْ قَدْ خَصَمَا
( إن خشي ) شرط ( الفوت ) مفعوله ( على جميع ) يتعلق به ( ما ) مضاف إليه ( هو ) مبتدأ يعود على الأب ( به ) يتعلق بقوله ( يطلب ) بضم اللام مبنياً للفاعل ( من ) مفعول يطلب وجملة ( قدخصما ) صلة والرابط محذوف . والجملة من يطلب ومعموله خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر صلة ما . والرابط هو المجرور بالباء وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه . والمعنى أن الأب يجوز له الصلح عن محجوره الصغير أو السفيه ذكراً أو أنثى حيث سلم من الموانع المتقدمة ولو كان الصلح بأقل من حقه إن خشي أي الأب فوات جميع الحق الذي الأب يطلب به من قد خصمه لكونه منكراً ولا بينة أصلاً أو يخشى تجريحها وسقوطها وصلحه محمول في ذلك على النظر وهو مصدق فيما يذكر ولا فرق في ذلك بين أن يصالح عنه فيما طلب له من حقه أو فيما طلب به إذا خشي أيضاً أن يثبت عليه جميع الحق فيعطي بعض ما يطلب به كما في البرزلي أوائل البيوع ، ومفهوم الشرط أنه إن كان الحق لا خصام فيه أو فيه خصام ، لكن ببينة لا يخشى عليها لا يجوز صلحه بأقل لأنه ليس بنظر ، فإن فعل كان للمحجور القيام ببقية حقه على الغريم ، ثم لا رجوع للغريم على الأب إلا أن يكون ضمن له الدرك فيرجع عليه حينئذ وإن كان الغريم عديماً فللمحجور الرجوع على الوالد قاله مالك وجميع أصحابه نقله ابن سلمون ونحوه في المفيد وفهم من هذا أن تحمل الأب من باب الحمل لا من باب الحمالة ، وإلاَّ لم يكن للولد رجوع على أبيه إذ لو رجع عليه لرجع الأب عليه . وقال البرزلي في نوازل الصلح : وإن خاف المدعى عليه أن يولج المدعي الدعوى إلى غيره ، فليأخذ منه بالصلح كفيلاً على أنه متى أدركه فيه درك من توليج أو رفع إلى غيره فالحميل ضامن بذلك فإن كان كذلك لزم الضامن دعوى المدعى عليه اه . وقد علمت بهذا أن التحمل من الأب وغيره في مثل هذا محمول على الحمل إذ لا يقصد به غيره في مثل ذلك لأن الخصم يقصد بذلك التحصين لنفسه فلا معنى لحمله على الحمالة لكون المقام ينبو عنه . وقد قال ( خ ) في النكاح : ولا يرجع أحد منهم إلا أن يصرح بالحمالة أو يكون بعد العقد الخ . ولا فرق بين الصلح وقيام الزوجة بضررها بعد الخلع وغير ذلك كما مرّ تحصيله في باب الضمان . وفي أواخر الكراس الأول من أنكحة اختصار البرزلي فيمن تزوج امرأة لها دار فأباح له والدها أو أمها أو وصيها السكنى طول العصمة والتزم أحدهم ضمان الدرك في ذمته ثم توفي الضامن فإنه يوقف من تركته بقدر أقل الزوجين عمراً ونحوه في فصل المتعة أوائل النكاح من ابن سلمون ثم قال البرزلي : وهذا إذا فسرنا الدرك بأنه ضمان المال وإن قلنا ضمان الدرك هو العهدة فيما يلحق من درك المحجورة فينظر في هذا حينئذ هل هو صلاح لها أم لا ؟ فذكر أن ضمان الدرك على وجهين فانظره .
تنبيه : قال في الطرر : إن صالح الأب عن ابنه الصغير استغنيت في قطع الدعاوى عن ذكر الاسترعاء وبيناته لأن استرعاءه لا يعمل في الصغير لأن إقرار أبيه غير لازم ، وإنما يحسن الاسترعاء أن يستجلب به إقرار من يلزمه إقراره لغيره ، وكذا الوصي فيمن يلي عليه . البرزلي :ولهذا لا يبرأ عنه إلا في المعينات ولا يعمم الإبراء ، وكذا في الأحباس ومن فعل ذلك فهو جهل منه اه . وانظر آخر الإقرار من ( ح ) وسيأتي حكم الوصي ثم استثني من مفهوم الشرط ما إذا عفا الأب عن نصف صداق البكر لأنه وإن لم يكن استثناء صريحاً فهو في قوته فقال :
والبِكْرُ وَحْدَهَا تُخَصُّ هَا هُنَا
بِعَفْوِهِ عَنْ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَا
( والبكر ) مبتدأ ( وحدها ) حال من الضمير في قوله : ( تخص ) بالبناء للمفعول عملاً بقول ابن مالك . والحال إن عرف لفظاً فاعتقد تنكيره الخ . والجملة خبر ( ههنا ) اسم إشارة للمكان يتعلق بتخص لأنه ظرف ( بعفوه ) يتعلق بتخص أيضاً ( عن مهرها قبل البنا ) ء يتعلقان بعفوه وضميره البارز يعود على الأب فيخرج بذلك غيره من جد ووصي ونحوهما فهذا البيت هو قوله في الخلع :
وللأب الترك من الصداق
أو وضعه للبكر في الطلاق
وظاهره جواز عفوه قبل البناء سواء طلقها الزوج أو أراد إمساكها وهو كذلك فيما بعد الطلاق اتفاقاً ظهرت مصلحة أم لا لقوله تعالى : إلا أن يعفون أو يعفو الذي } ( البقرة : 237 ) الآية وكذا فيما إذا أراد إمساكها وظهرت المصلحة فيتفق على جواز عفوه كما يتفق على المنع إن تحقق عدمها فإن جهل الحال فمنعه مالك لأن الأصل عدم المصلحة وأجازه ابن القاسم لأن أفعاله محمولة على المصلحة حتى يظهر خلافها . هذا أحد التأويلين والتأويل الآخر يقول : كل من مالك وابن القاسم يقول بجواز عفوه عند جهل الحال لأن فعله حينئذ محمول على المصلحة ، ويحمل ظاهر قول مالك لعدم جوازه قبل الطلاق على ما إذا تحقق عدمها كما مرّ ، وعلى هذا التأويل فلا خلاف بين الإمامين أصلاً ، وبهذا تعلم أن التأويل بالوفاق أرجح لمساعدته لما قالوه في غير ما موضع من أن أفعال الأب محمولة على المصلحة ، ولهذا أطلق الناظم رحمه الله ولم يقيد بكونه بعد الطلاق ولا قبله وإلى هذه المسألة أشار ( خ ) بقوله وجاز عفو أبي البكر عن نصف الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق . ابن القاسم : وقبله لمصلحة وهل وفاق : تأويلان الخ . وفهم من قوله قبل البناء أنه ليس له العفو بعده وأحرى بعد الموت إلا أن يكون المحيط بإرثها فإن فعل فلها أو لوارثها نقضه كانت رشيدة أو سفيهة .ثم أشار إلى حكم الوصي وأنه لا يجوز له العفو وإن كان مجبراً وإنما يجوز له الصلح إن كان نظراً فقال :
ولِلْوصِيِّ الصُّلْحُ عَمَّن قَدْ حَجَرْ
يَجُوزُ إلاَّ مَعَ غَبْنٍ أَوْ ضَرَرْ
( وللوصي ) يتعلق بيجوز بعده ( الصلح ) مبتدأ ( عمن ) يتعلق بالصلح ( قد حجر ) صلة من والرابط محذوف أي حجره ( يجوز ) خبر المبتدأ ( إلا ) استثناء ( مع غبن ) يتعلق بيجوز أي الصلح عن المحجور للسالم من الموانع المتقدمة يجوز للوصي في كل حال إلا مع غبن أو بخس في حقه الذي يطلبه ( أو ضرر ) في الصلح عما يطالب هو به ، وشمل النظم صلحه عن محجوره في يمين القضاء حيث رأى عزيمة الغريم عليها وتعرف عزيمته بقرائن الأحوال . وحاصل البيت أن صلح الوصي عن اليتيم فيما طلب له من حق أو طلب به بأن يأخذ بعض حقه الذي يطلب له إذا خشي أن لا يصلح له ما ادعاه أو يعطي من ماله بعض ما يطلب به إذا خشي أن يثبت عليه جميع ما يطلب به جائز خلافاً لابن الماجشون في أنه يجوز فيما طلب له لا فيما طلب به . ابن رشد : والصواب أن لا فرق بين الموضعين كمذهب ابن القاسم نقله البرزلي في الوكالات وأوائل البيوع ونحوه في الشارح والمفيد وابن سلمون قالوا : وصلحه محمول أبداً على السداد والنظر حتى يثبت خلافه فإن قام أحد يتعقبه نظر فيه السلطان فإن رآه نظراً وسداداً أمضاه وإلاَّ نقضه . وفي المعيار ما معناه أن المحجور إما أن يكون طالباً أو مطلوباً فالأول إن ثبت حقه في الحال أو يرجى ثبوته في المآل ، فالصلح ممنوع وإن كان غير ثابت ولا يرجى ثبوته فالصلح مشروع والثاني إن كان ما يطالب به غير ثابت ولا مرجو الثبوت لم يجز الصلح ، وإن كان ثابتاً أو مرجو الثبوت جاز بمثل الحق فأقل على الراجح وهو قول ابن القاسم . وهذا هو معنى ما مرّ عن البرزلي وغيره ، وهذا التفصيل يجري في الأب أيضاً فإن صالح الوصي بغير النظر جرى على ما مرّ في الأب وسواء كان صلحهما عن إقرار أو إنكار إذ الصلح بيع فيجري فيه قول ( خ ) : والولي والأب له البيع مطلقاً وإن لم يذكر سببه ثم وصيه وهل كالأب أو إلا الربع فببيان السبب خلاف الخ . وسيأتي مثله للناظم في فصل مسائل من أحكام البيع ثم لا ضمان على الوصي إن باع أو صالح بغبنبعد الاجتهاد إن حصل مفوت ولم يمكن تداركه لذهاب من عليه الحق وهو محمول على الاجتهاد حتى يثبت تقصيره كما أنه إذا أنفق التركة على الأيتام ثم ظهر دين فلا غرم عليه قال معناه البرزلي أيضاً ، ثم إن مقدم القاضي كالوصي قال في المدونة : وإن لم يكن للطفل اليتيم وصي فأقام له القاضي خليفة كان كالوصي في جميع أموره اه . لكن يستثنى من كلامها كما في ( ح ) عن نص ( خ ) المتقدم أيضاً أنه أي مقدم القاضي لا يوكل على خلاف فيه تقدم في باب الوكالة ، وإذا كان كالوصي فيجري صلحه على صلح الوصي المتقدم إلا أن صلحه محمول على غير السداد كبيعه حتى يثبت السداد ، ولا يبعد أن يكون الناظم أطلق الوصي وأراد ما يشمل مقدم القاضي ، وأما ناظر المساكين فيظهر أنه كمقدم القاضي إن تبين السداد مضى صلحه ولا يعكر عليه ما في نوازل الصلح من المعيار عن ابن رشد من أنه لا يصالح عنهم إلا من ماله الخاص به لأن ذلك مع ثبوت الحق والله أعلم .
وأما وكيل الغائب فليس له أن يصالح عن موكله الغائب إلا أن ينص له على ذلك وليس للقاضي عزله عن الوكالة ما دام الموكل حياً ولو ثبت ببينة أنه سيىء النظر كما في وكالات البرزلي ونحوه في المعيار ، وأما الشريك في الدابة ونحوها يصالح مستحقها مثلاً على مال يدفعه من يده ويسلمها للمستحق ، أو بالعكس فإن ذلك لا يلزم الشريك الآخر إلا أن يكونا متفاوضين قاله البرزلي والمعيار أيضاً .
وَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ صُلْح أُبْرِمَا
وَإنْ تَرَاضَيا وَجَبْراً أُلْزِمَا
( ولا ) نافية ( يجوز نقض ) فاعل ( صلح ) مضاف إليه ( أبرما ) بضم الهمزة مبنياً للمفعول من أبرمه إذا أحكمه صفة لصلح ( وإن تراضيا ) مبالغة في عدم الجواز ( وجبراً ) مصدر بمعنى المفعول حال من الضمير في ( ألزما ) بالبناء للمفعول ونائبه ألف التثنية العائد على المتصالحين ومفعول الثاني محذوف ، والجملة معطوفة على جملة أبرما والمبالغة مؤخرة عنهما في التقدير ، ومعناه أنه لا يجوز نقض صلح عن إنكار انبرم بينهما على الوجه الجائز وألزماه جبراً وإن تراضيا على نقضه ، ففي البرزلي إذا ثبت الصلح بوجه جائز بعد أن تناكرا ، لم يجز نقضه لأنه رجوع عن معلوم إلى مجهول ، ومن أحكام ابن حبيب عن مطرف : كل مصطلحين تم صلحهما وأشهدا عليه ، ثم أرادا نقضه ويرجعان للخصومة لا يجوز لأنه من وجه المخاطرة ، وأجمع أصحابنا عليه اه باختصار وعنه أفصح ( خ ) في الاستحقاق بقوله : وإلاَّ ففي عوضه كالإنكار على الأرجح لا إلى الخصومة واحترزت بقولي عن إنكار عما إذا كان عن إقرار فإنه يجوز نقضه بتراضيهما لأنه إقالة وعنه وقع الاحتراز في النقل بقوله : بعد أن تناكرا وقوله يرجعان للخصومة الخ ، إذ لا تناكر ولا رجوع للخصومة في الإقرار وبقولي بوجه جائز عما إذا وقع على وجه فاسد ولو على دعوى أحدهما أوظاهر الحكم كسلف جر نفعاً أو بيع ذهب بذهب مع أحدهما غيره أو ضع وتعجل ، ونحو ذلك فإنه ينقض ولو تراضيا على عدم نقضه وما يقتضيه كلام صاحب المعيار في نوازل الصلح منه أنه نقضه إذا وقع بذهب مع أحدهما غيره إنما هو إذا لم يشهد كل واحد منهما أو أحدهما في وثيقة الصلح بإبطال كل دعوى يقوم بها أو بينة يستظهر بها وإلاَّ فلا ينقض . ولو قام أحدهما بنقضه قائلاً ولا فرق في ذلك بين حق الله وحق العبد لأنه قد كذب دعواه وأبطل بينته الخ غير ظاهر لأنه يسلم أن كل ما فسد على دعواهما أو دعوى أحدهما فسد على ظاهر الحكم ، وإذا فسخ الفاسد على ظاهر الحكم مع اتفاقهما على صحته في الظاهر كما مرّ ، فكذلك ما كان فاسداً على دعواهما أو أحدهما إذ لا أقل أن يكون بعد رجوع مدعي الفساد إلى صحته بمنزلة الفاسد على ظاهر الحكم الذي نفيا عنه الفساد في الظاهر فإبطال الدعاوى والبينات حينئذ التي توجب نقضه لا يسقط ما أوجبته دعواه أولاً من الفساد ولو كان إسقاط دعواه ثانياً يوجب تكذيب دعواه أولاً ولو في حق الله كما قال : للزم أن المرأة إذا ادعت انقضاء العدة ثم كذبت نفسها أن تصدق في تكذيبها نفسها وأن الرجل إذا استلحق ولداً ثم أراد أن ينفيه بلعان يمكن من ذلك إلى غير ذلك مما يطول جلبه وللزم أيضاً أن تمكنه من أكل الربا الثابت بدعواه الأولى ، وأيضاً لا يلزم من إسقاط الدعاوى والبينات تكذيب نفسه فيما ادعاه أولاً كما هو واضح ، وقد علمت أن الفاسد على ظاهر الحكم يفسخ على المشهور المعمول به ، ولو لم يقم بفسخه أحدهما مع اتفاق دعواهما على صحته في الظاهر لحق الله تعالى فأحرى ، هذا وإبطال الدعاوى والبينات إنما يعمل به في حق العبد الذي له إسقاطه بالتزام عدم القيام فيه لا في حق الخالق سبحانه فتأمله منصفاً فالصواب فيما يظهر ما أفتى به غيره من وجوب نقض الصلح المذكور ، وبه كنت أفتيت قبل الوقوف على ما للمعيار وغيره في عين النازلة وهي أن وارثاً ادعى في التركة ذهباً وأثاثاً وصالح عن الجميع بذهب ، وأسقط الدعاوى والبينات ، وهذه المسألة تقع كثيراً وفيها من الربا المعنوي ما أشار له ( خ ) بقوله : كدينار أو درهم وغيره بمثلها الخ .
ثم استثنى مما قبله فقال :
وَيُنْقَضُ الواقِعُ فِي الإنْكَارِ
إنْ عَادَ مُنْكِرٌ إلَى الإقْرَارِ
( وينقض ) بالبناء للمفعول ( الواقع ) نائبه على حذف الموصوف أي الصلح الواقع ( في الإنكار ) يتعلق بالواقع ( إن عاد ) شرط ( منكر ) فاعل بعاد ( إلى الإقرار ) يتعلق بعاد ، وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه ولو قال :ما لم يقم بعد بكالإقرار
فإنه في النقض بالخيار
لكان أصرح في الاستثناء ، وأفاد أن موضوع البيت الأول في الإنكار وأن النقض غير واجب بل رب الحق بالخيار وأن مثل الإقرار قيام البينة على ما يأتي والله أعلم . وحاصله أن محل عدم نقض الصلح بعض الحق في الإنكار إذا لم يقم المدعي بإقرار المنكر أو يقيم بينة بالحق لم يعلمها ونحو ذلك ، وإلاَّ فله نقض الصلح والرجوع بباقي حقه بعد يمينه أنه لم يعلم بها أو نسيها ، وفي معنى ذلك وجود الوثيقة بالحق بعده ولم يكن علم بها وقته أو علم بالبينة وهي بعيدة كخراسان من إفريقية ، وأشهد معلناً عند الحاكم أنه يقوم بها أو ادعى تلف الوثيقة ، وأشهد معلناً أيضاً أنه يقوم بها إن وجدها ، بل ظاهر ابن فتوح والمقصد المحمود وغيرهما أن له النقض في هذه وإن لم يشهد ، وكذا إن صالح لبعد بينة جداً وأشهد سراً أنه يقوم بها وفي معناها أيضاً فيما يظهر ما إذا تقدم شعور بالوثيقة وأشهد سراً أنه يقوم بها إن ظفر بها ، وكذا إن كان المقر يقر سراً ويجحد علانية خوف أن يطلبه به عاجلاً فأشهد الطالب بينة سراً أو علانية على إنكاره ، وعلى أنه إنما يصالحه على التأخير سنة مثلاً ليقر له بالحق علانية ثم صالحه على التأخير المذكور ، فإن ذلك التأخير لا يلزمه وله أن يأخذه بحقه عاجلاً ، وقد علمت أن المدعى عليه في هذه مقر حال الصلح ، ولذلك لم يمكن المدعي من نقض الصلح إلا بتقديم بينة الاسترعاء لاحتمال أن يكون أقرّ له قبل عقد الصلح والتأخير وقع طوعاً وهذا كله يدخل تحت الكاف في قوله بكالإقرار الخ . وقد ألم ( خ ) بهذه الأمور حيث قال : ولا يحل لظالم فلو أقر بعده أو شهدت بينة لم يعلمها أو أشهد وأعلن أنه يقوم بها أو وجد وثيقة بعده فله نقضه كمن لم يعلن أو يقر سراً فقط على الأحسن لا أن علم ببينة ولم يشهد ، أو ادعى ضياع الصك فقيل له : حقك ثابت فأت به فصالحه ثم وجده الخ . والمراد بالبينة ما يشمل الشاهد واليمين كما هو ظاهره ، وما قاله الشيخ بناني في حاشيته من أن المراد بها الشاهدان فقط لا يعول عليه لأنه خلاف مذهب ابن القاسم ، وقد نقل هو بنفسه عند قول ( خ ) في القضاء فلا بينة إلا لعذر كنسيان أن المراد بها ما يشمل الشاهد واليمين على مذهب ابن القاسم ، ولأن الصلح مآل أو آيل إليه .
واعلم أن كل بينة أشهدتها بغير علم الخصم أن ما تفعله معه فيما يستقبل من صلح أو نكاح أو خلع أو هبة أو بيع فإن ما تفعله ليقر لك أو خوفاً منه أو لغيبة بينتك ونحو ذلك تسمى بينة سر واستحفاظ واسترعاء فقولهم : أشهد سراً أي أستحفظ وأسترعي ثم إن هذا الاستحفاظينفع في التبرعات كالعتق والطلاق بغير عوض والحبس والهبة ونحو ذلك مطلقاً ثبتت التقية أم لا . ويصدق المسترعي فيما يذكره ، ولو لم يعرف إلا من قوله كما في ابن سهل وغيره . وأما المعاوضات ومنها طلاق الخلع فإذا أثبت أنه باع له قهراً أو زوجه قهراً أو خالعها قهراً ونحو ذلك بالضرب والسجن أو أنه كان يخوفه بهما حتى عقد معه ما ذكر سواء استمر التخويف إلى العقد أو انقطع قبله بنحو الشهر والشهرين ، ثم وقع العقد لأن الأصل الاستصحاب فله نقض ذلك ولو لم يسترع إذ لا يحتاج له مع ثبوت الاستطالة والقهر بالسجن والضرب أو التهديد بهما ، وإن لم يثبت القهر بما ذكر بل ثبت في الجملة أنه من ذوي الاستطالة والتعدي أو أنه كان يجحده أو أنه كان يحوز النساء بغير نكاح ونحو ذلك ، فهذا لا يقبل من البائع ولا من الولي ولا من المصالح أنه فعل ذلك لجحده أو خوفاً من سطوته إلا بتقدم استرعاء لأنه لا يلزم من جحده وسطوته أن يكون فعل معه ذلك على غير رضا ، بل حتى يقوم الدليل عليه من الاسترعاء المذكور ، ولا بد من القيام بفور زوال التقية من سطوة ونحوها في جميع الأقسام المذكورة ، فإذا سكت بعد زوالها السنة ونحوها فلا قيام له كما في ابن سهل وابن سلمون وغيرهما .
قلت : والذي يوجبه النظر أن الفور هو ما دون الشهر لأن من بيع ماله بحضرته أو وهب وهو ساكت بلا مانع يمضي عليه ذلك بسكوته ولو سكت أقل من شهر وليس له إلا الثمن ، وهذا أحرى منه لأنه هو المتولي لتفويته بنفسه .
تنبيه : محل القيام ببينات السر والإعلان التي تقدمت إذا لم يلتزم في وثيقة الصلح أنه متى قام عليه بدعوى أو بينة فدعواه باطلة وبيناته زور المسترعاة وغيرها ، وإلا فلا تسمع لهذا المدعي بينة كان عارفاً بها حين الصلح أم لا . بعيدة الغيبة أو قريبة استرعائية أو غيرها قاله في المتيطية أي : لأن الحق في مثل هذا للمدعي والصلح وقع على وجه جائز ، فلذا لزمه ما التزمه من إسقاط الدعاوى والبينات بخلاف ما تقدم في البيت قبل هذا والله أعلم . وهذه المسألة أعني مسألة الاسترعاء طويلة الذيل فلنكتف منها بما مر ، ومن تعلق له غرض بها ، فليراجع الباب الخامس والثلاثين من التبصرة الفرحونية ، ونوازل الصلح من المعيار ، وشراح نظم العمل عند قوله : وفي المعاوضات الاسترعاء مع الخ وشراح اللامية وغير ذلك .
والتَّرِكَاتُ مَا تكُونُ الصُّلْحُ
مَعْ عِلْمِ مِقْدَارٍ لَها يَصِحُّ
( والتركات ) مبتدأ ( ما ) موصولة ( تكون ) بمعنى توجد صلتها والموصول صفة للتركات أي والتركات التي توجد ويجوز أن تكون ما خبر تكون الناقصة واسمها ضمير التركات والجملة في محل نصب حال أي والتركات أي شيء تكون أي كائنة أي شيء عيناً أو عرضاً أو طعاماً أو مختلفة ( الصلح ) مبتدأ ثان ( مع ) بسكون العين يتعلق بالصلح ( علم مقدار ) مخفوضان بالإضافة( لها ) يتعلق بمقدار أو بمحذوف صفة له ( يصح ) خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول والرابط الضمير في لها وشمل كلامه صلح الزوجة وغيرها من سائر الورثة إذ ما قيل في الزوجة يقال في غيرها وحينئذ فإذا كانت التركة نوعاً واحداً كطعام أو عرض مثلاً جاز أن يصالح به في ذلك النوع بعد معرفة قدره بأقل أو أكثر من حظه فيأخذ بعض حظه ويسلم الباقي أو يأخذ فيه شيئاً من عند الوارث إن جاز بيعه به لا نحو حيوان بلحمه من جنسه كما مرّ ، وإن كانت التركة أنواعاً ففي المدونة : ومن مات وترك زوجة وولداً وخلف دنانير ودراهم حاضرة وعروضاً حاضرة وغائبة وعقاراً فصالح الولد الزوجة على دراهم من التركة ، فإن كانت قدر موروثها من الدراهم فأقل جاز اه . اللخمي : لأنها أخذت حظها أو بعضه في الدراهم ووهبت نصيبها في الدنانير والعروض الحاضرة والغائبة والعقار فيراعى فيها الحوز أبو الحسن : وكذا إن صالحها على عروض قدر موروثها فأقل أو على دنانير كذلك ، وقولها ودراهم حاضرة يؤخذ منه أن النوع المأخوذ منه لا بد من حضوره وهو كذلك ، لأنه إن كان بعضه غائباً لزم النقد بشرط في الغائب . نعم إن صالحت على أن تأخذ ما صالحت به من الحاضر والغائب جاز ذلك ، ولو كان الغائب ديناً والمدين غير مقر لأنها حينئذ تبعت ميراثها في ذلك النوع وتركت ما سواه بغير عوض ، وأما غير النوع المأخوذ منه فلا يشترط حضوره ولا معرفة قدره ولا إقرار المدين الذي هو في ذمته كما يفهم من قولها : وعروضاً حاضرة وغائبة . وقد صرح بذلك اللخمي وذلك لأنه هبة وهبة المجهول والغالب جائزة ، وقد تبين بهذا أن علم المقدار إنما يشترط في النوع المأخوذ منه لا في غيره خلاف ظاهر إطلاق الناظم ، وظاهره أيضاً جواز الصلح مع علم المقدار كانت نوعاً واحداً أو أنواعاً من التركة أو من غيرها وليس كذلك ، فإنه إذا كانت أنواعاً كما في المثال لا يجوز الصلح من غيرها مطلقاً كان المصالح به ذهباً أو فضة أقل من نصيبها أو أكثر وعن ذلك احترز في المدونة بقوله : من التركة وذلك لما فيه من بيع ذهب بذهب مع أحدهما غيره إن كان الصلح بذهب أو بيع فضة بفضة كذلك إن كان الصلح بها . نعم إن وقع صلحها في المثال المذكور بعرض من غيرها جاز إن عرفت الزوجة والولد قدر جميع التركة وحضر جميعها حقيقة في العين والعرض ، ولو حكماً بأن كان قريب الغيبة وأقر المدين بما عليه إن كان فيها دين وحضر المدين وقت الصلح كما أشار لذلك ( خ ) بقوله : لا من غيرها مطلقاً إلا بعرض إن عرفا جميعها وحضر وأقر المدين وحضر الخ . وانظر بقية ما يتعلق بذلك في شروحه ونحوه قول المدونة : فأما على عروض من ماله نقداً فذلك بعد معرفتها وحضور أصنافها وحضور من عليه الدين وإقراره وإن لم يقفا على معرفة ذلك كله لم يجز اه ابن ناجي : وظاهرها يتناول أنهم لو اتفقوا على أنهم اطلعوا على جميع التركة ولم ينصوا عليها بالتسمية أنه كافٍ ، وأفتى شيخنا رحمه الله غير ما مرة بعدم الجواز إلا مع التسمية وهو بعيد اه . قال ( ح ) : انظر لو صالحها على عرض من التركة مع وجود الشروط التي ذكر في معرفتها لجميع المتروك الخ . فذلك جائز والله أعلم اه . ولعله لذلك أطلق ( خ ) في العرض . ومفهوم قوله : مع علم مقدار أنه إذا جهل قدرها وهي نوع واحد أو جهل قدر المأخوذ منه أو كانت أنواعاً لم يجز وهو كذلك لما قدمه من أن الصلح مثل البيع ، ومن جملة ما يتقي في البيع الجهل ، ولذا كان الأنسب أن يذكر هذا البيت في الأبيات المذكورة قبل هذا الفصل لأنه باعتبار مفهومه من جملة ما امتنع في البيع .تنبيه : إن سقطت معرفة القدر من وثيقة الصلح أو البيع أو غيرهما مما يتقى فيه الجهل فلا يمين لمدعيه على نافيه بحال إلا أن يدعي على نافيه أنه كان عالماً بجهله فتجب له اليمين عليه . فإن حلف وإلاَّ حلف مدعيه وفسخ العقد عن نفسه ، فإن اعترف الخصم أنه كان عالماً بجهل صاحبه عند العقد وجب الفسخ لفساد العقد حينئذ ولو تراضيا على إتمامه وهذا إذا عين مدعي العلم قدره ، وإلاَّ فيسأل مدعي العلم عن قدره كحظ من ميراث يحتاج في جمعه إلى إعمال حساب وفريضة ، وليست الفريضة عندهما فيقول الموثق باع له جميع حظه المنجز له بالإرث من كذا . وفي الوراثة مناسخات فإن عرفه مدعي العلم جرى على ما مرّ وإلاَّ فيفسخ من غير يمين كذا ينبغي ولم أره منصوصاً ، وتقع هذه المسألة كثيراً في البوادي وبعض الحواضر إذ كثيراً ما يبيعون حظوظ المواريث قبل حسابها وضرب فريضتها ويكتب موثقوهم باع له جميع حظه ، ولا يبين قدره فتأمل هذا مع ما تقدم عن ابن ناجي وشيخه ، فلعل ما قاله شيخه إنما هو عند النزاع أي لا بد من التسمية منهما معاً حينئذ ، وإلا فلا . وحينئذ فلا فرق في مثل هذا بين أن يقول في الوثيقة عرفاً قدره أم لا والله أعلم .
وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ بِاقْتِسَامِ ما
في ذِمَّةٍ وإنْ أَقَرَّ الغُرمَا
( ولا يجوز الصلح ) فعل وفاعل ( باقتسام ) يتعلق بيجوز ( ما ) موصول مضاف إليه وهي واقعة على الدين عيناً كان أو غيره ( في ذمة ) يتعلق بمحذوف صلة ( وإن أقر الغرما ) ء جملة شرطية إغيائية حذف شرطها للدلالة عليه ، وظاهره أنه لا يجوز ذلك ، ولو اتحدت الذمة وليس كذلك . فلو قال بذمم بدل قوله في ذمة لطابق النقل . قال في المدونة : وإن ترك ديناً على رجال لم يجز للورثة أن يقتسموا الرجال فيصير ذمة بذمة وليقتسموا ما على كل رجل قال مالك : سمعت بعض أهل العلم يقول : الذمة بالذمة من وجه الدين بالدين . وقولها وليقتسموا ما على كل رجل الخ . زاد الأجهوري كما في طفي أي حيث جاز بيعه كما هو الظاهر اه . أي بأن يكون الدين مختلفاً جنسه كعين وعرض مثلاً على واحد فيأخذ أحدهما العين والآخر العرض ، فإن كان عيناً فقط كذهب وفضة فلا يجوز قسمه على أن يأخذ هذا الذهب والآخر الفضة لما فيه من الصرف المؤخر ، وأما إن كان نوعاً واحداً كعرض فقط أو ذهب فقط مثلاً أو أنواعاً على رجل أو رجال ، واتفقوا على أن كلاًّ يقتضي نصيبه من النوع الواحد أو النوعين ، فيجوز كما يدل له ما في المدونة في الشركاء يشخص أحدهم للاقتضاء بعد الإعذار إليهم في الخروج أو التوكيل فيمتنعون من أنهم لا يدخلون مع الشاخص فيما اقتضى ولو توى ما على الغريم . أبو الحسن : دلت هذه المسألة على جواز قسمة ما على الغائب اه . وكذا صرح به ابن حبيب . وتوى : بالتاء المثناة فوقالتلف والهلاك لا بالمثلثة لأنه من الإقامة ، ومفهوم قوله باقتسام ما في ذمة الخ . أن الصلح باقتسام العرض الحاضر بما في الذمة جائز فمن ترك عروضاً حاضرة وديوناً جاز أن يأخذ بعض الورثة العروض والآخر الديون إن حضر الغرماء وأقروا ، أو جمع بينه وبينهم والأحكام تنالهم وهم أملياء ( خ ) : وجاز أخذ وارث عرضاً وآخر ديناً إن جاز بيعه الخ .
تنبيه : إذا وقع الصلح باقتسام ما في الذمة أو الذمم على الوجه الفاسد فاقتضى أحدهم حصته فللآخرين الدخول معه ، كما إذا اقتضى أحدهم حقه من غير قسمة أصلاً أو صالح عنها إلا أن يكون المقتضي أو المصالح أعذر إليهم في الخروج أو التوكيل فامتنعوا كما مرّ عن المدونة وهو قول ( خ ) وإن صالح أحد وليين وارثين وإن عن إنكار فلصاحبه الدخول معه الخ . وإذا دخل معه وطلب الشاخص أجرة الاقتضاء من صاحبه وجبت له بعد حلفه أنه ما خرج لذلك متطوعاً كما لابن الحاج . قال البرزلي : إلا أن تشهد العادة أن مثله لا يأخذ الأجرة فيما ولى فعله اه . وهذه المسألة والتي بعدها لهما تعلق ببابي الصلح والقسمة وفي القسمة ذكرهما أكثرهم .
والزَّرْعُ قَبْلَ ذَرْوِهِ والثَّمَرْ
مَا دَامَ مُبْقَى فِي رُؤُوسِ الشَّجَرْ
( والزرع ) بالخفض عطف على ما أي لا يجوز الصلح باقتسام ما في الذمة ولا باقتسام الزرع ( قبل ذروه ) والظرف يتعلق باقتسام ( والثمر ) معطوف على ما قبله يليه ( ما ) ظرفية مصدرية تتعلق باقتسام ( دام ) صلتها واسم دام يعود على الثمر ( مبقي ) بسكون الباء خبرها ( في رؤوس الشجر ) يتعلق بمبقي ومعناه أنه لا يجوز قسم الزرع في الأندر قبل تصفيته ولا الثمر في رؤوس الأشجار بعد بدو صلاحه بالتحري لأنهما ربويان والشك في التماثل كتحقق التفاضل بل حتى يصفى الزرع ويجنى الثمر ويقسم كل بمعياره فإن وقع واقتسموه جهلاً لم يجز ، وكان على الشركة وما أصابه من جائحة فبينهم وشمل قوله قبل ذروه قسمه في فدانه بعد بدو صلاحه ، ولو قسم بأرضه أو قتاً أو زرعاً للعلة المذكورة ، وأما قبل البدو فيجوز قسم كل من الزرع والثمر على الجد لا على التبقية ، ولا مفهوم لقوله في رؤوس الشجر بل قسمه كذلك في جرينه أو غيره بالتحري للعلة السابقة ويستثنى من قوله ما دام مبقي الخ . أما إذا اختلفت حاجة أهله مع بقية الشروط المشار لها بقول ( خ ) إلا الثمر والعنب إذا حل بيعهما ، واختلفت حاجة أهلهما وإن بكثرة أكل وقل وحل بيعه واتحد من بسر ورطب لا تمر وقسم بالقرعة بالتحري .
ولاَ بِإعْطَاءٍ مِنَ الوُّرَّاثِ
لِلعَيْنِ فِي الكالِىءِ والمِيْرَاثِ
( ولا بإعطاء ) معطوف على قوله باقتسام في البيت قبله ولا لتأكيد النفي أي : ولا يجوز الصلح باقتسام بما في الذمة ولا بإعطاء ( من الوراث ) يتعلق بإعطاء ( للعين في الكالىء ) بالهمزيتعلقان بإعطاء أيضاً والمجرور الأول مفعول ثان لإعطاء ، ومفعوله الأول محذوف تقديره الزوجة ( والميراث ) معطوف على الكالىء وموضوع النظم أنه ليس في التركة ذهب ولا ورق ولا دين على غائب ولا سلم في طعام ولا شيء غائب ووقع الصلح بعد المعرفة بجميع ما في التركة من عقار وأثاث ورقيق وحيوان ونحو ذلك بدنانير أو دراهم من عند الوارث في الكالىء والميراث صفقة واحدة كما في المتيطية والوثائق المجموعة والعلة في ذلك الجهل بالقدر المشترك كما يأتي ، ولا مفهوم للصلح ولا للكالىء بل المدار على وجود الدين ، ففي الوثائق المجموعة أوائل بيوعها ما نصه : وإذا أوصى بقطيع من ماله أو كان عليه دين لم يجز لأحد من الورثة قبل أداء الدين أو تنفيذ الوصية بيع شيء من التركة لا مشاعاً ولا مقسوماً وإن باع شيئاً وإن قل فسخ البيع لقوله تعالى : من بعد وصية يوصي بها أو دين } ( النساء : 12 ) اه وقال فيها أيضاً في باب الصلح : ولا يجوز الصلح بدنانير أو دراهم صفقة واحدة عن الكالىء والميراث لأن الجهل يدخله إذ لا ميراث إلا بعد أداء الدين ، وينبغي أن يباع من التركة بقدر الدين ويعرف ما بقي بعد ذلك ويقع الصلح على نصيبها منه ولعله يباع في الكل ثلث العقار أو ربعه أو سدسه أو من العبيد والإماء والوطاء وغير ذلك ، فلا يدري كم يباع في الدين من التركة فإذا لم يعرف وقع الجهل في نصيبها من الباقي اه . ونحوه في المتيطية قائلاً : وهكذا روى أشهب وقاله ابن العطار وابن زرب وفضل بن مسلمة وغيرهم من الموثقين ، وفهم من قول الناظم في الكالىء والميراث الخ . أنها أعطيت أكثر من مبلغ صداقها إذ حينئذ تكون العين في مقابلة الكالىء والميراث . وأما إن كان ما أعطيته قدر كالئها فأقل فيجوز لأنها أخذت صداقها أو بعضه ووهبت الباقي قاله أبو الحسن في بعض أجوبته .
قلت : لأنه يجوز للوارث أن يؤدي الدين من عنده لتسلم له التركة إذ رب الدين لا حق له في عينها وهنا كذلك لأنهم أدوا الدين أو بعضه لتسلم الزوجة لهم فيما عداه ، وظاهر قوله من الوراث أن العين من عندهم وهو كذلك لأن الموضوع أنه لا عين في التركة كما مرّ ، فإن كان فيها عين وصالحوها على عين من عندهم فلا يجوز أيضاً كما مرّ عند قوله : والتركات ما تكون الصلح . الخ . وما أحسن تقديم هذا البيت هناك لما بينهما من الارتباط ولأن هذا مفهوم ما هناك وإن صالحها على عين منها فإن كان قدر كالئها فأقل جاز ، وكذا إن كان بأكثر من كالئها ، ومن ميراثها في العين لأنهم أدوها كالئها وميراثها في العين من العين والزائد على ذلك في مقابلة ما ينوبها في غيرها ، والفرض أنهم أحاطوا بمعرفة جميع المتروك ولا دين ولا سلم في طعام كما مرّ ومفهوم قوله للعين أنه إذا كان بإعطاء عرض فإن كان من عندهم فكذلك لأن العلة السابقة تأتي فيه ، وإن كان منهما جاز لأنه إن كانت قيمته قدر الكالىء أو أقل فواضح وإنكانت أكثر فالظاهر الجواز أيضاً في الموضوع المذكور لأنها اشترت العرض بكالئها وبنصيبها من الميراث في غيره فتأمله ، ومفهوم قوله في الكالىء والميراث أنه إذا كان في صفقتين جاز أيضاً ، وكيفية وثيقتها أشهدت فلانة وبنوها فلان وفلان وهم المحيطون معها بوارثة المتوفى فلان أنها طلبت بنيها المذكورين بميراثها في أبيهم المذكور وبكالئها عليه قدره كذا ، وقد خلف داراً في محل كذا حدودها كذا وأملاكاً بقرية كذا مجاورة لكذا ومملوكة تسمى كذا ونعتها كذا وطعاماً قمحاً وشعيراً مبلغ القمح كذا والشعير كذا بكيل كذا ودواب بغلاً كذا وصفته كذا وفرساً كذا وصفته كذا . وتنازعوا في بعض ذلك ثم صالحت عن كالئها المذكور بعرض كذا صفته كذا وقبضته بعد معرفتها بقدره ومبلغه ثم صالحت عن ميراثها المذكور بكذا وكذا ديناراً قبضتها منهم على فرائضهم في المتوفى ، وبحسب ذلك يكون اشتراكهم فيما خرجت لهم عنه على البراءة من العهدة في الرقيق المذكورين وقبض المصالحون المذكورون جميع التركة المذكورة وقطعت فلانة حجتها عنهم فيها وفي كالئها ، ولم يبق لها دعوى ولا مطلب حق بوجه بعد معرفتهم أجمعين بقدر ما تصالحوا عليه وما قطعت عنهم الدعوى فيه وتساقطوا البينات المسترعاة وغيرها . والاسترعاء في الاسترعاء واعترف جميعهم أنه ليس في التركة ذهب ولا ورق ولا دين على غائب ولا سلم في طعام ولا شيء غائب فمتى قام أحدهم بدعوى متقدمة على هذا فهي باطلة وبيناته زور آفكة شهد عليهم الخ . هكذا في الوثائق المجموعة والمتيطية ثم قال بإثر ذلك : ولا يجوز الصلح بدنانير أو دراهم في صفقة واحدة عن الكالىء والميراث إلى آخر ما تقدم ، وقد علمت أنه إذا وقع صفقتين لا فرق بين أن يكتب في كتاب واحد ويوم واحد كما هنا أو كتابين ويومين ، وظاهرهما أن العرض الذي أعطيته في الكالىء كان من التركة أو من عندهم وهو ظاهر لأنهم أدوا الدين لتسلم لهم التركة وظاهرهما أيضاً أنهم إن صالحوها عن ميراثها بعرض منها أو من غيرها لم يمنع ، وأنه لا مفهوم للدنانير والدراهم إذ المدار على تعداد الصفقة لانتفاء الجهل بتعددها ، وينبغي أن يقيد المنع مع اتحادها بما إذا لم يقوم كل فرد من أفراد المتروك على حدته أما إن قومت وضعت قيمتها وعلم قدر جملتها فيجوز في الموضوع المذكور لانتفاء علة المنع حينئذ والله أعلم .
تنبيهان . الأول : بما مر من النص المتقدم يظهر لك ما في قول أبي الحسن في شرح المدونة ما محصله قالوا : لا يجوز الصلح على الكالىء والميراث صفقة واحدة وإنما يجوز صفقتين ولا فرق عندي بين الصفقة الواحدة والصفقتين لأنه مجهول حتى الآن إلا أن يخرج ما ينوب الكالىء فحينئذ يصح هذا اه . لما علمت من أنه لا يمكن تصوره صفقتين إلا بإخراج ما ينوب كل واحد منهما كما مر فتأمله .
الثاني : ظاهر الوثائق المجموعة أوائل البيوع حسبما مرَّ أن البيع يفسخ إن وقع قبل أداء الثمن وإن التزمه الورثة وكان في الباقي وفاء بالدين وهو رواية أشهب عن مالك ، وقال ابن القاسم : لايفسخ إن التزم الورثة الدين . ابن رشد : وهو أظهر لأنه اختلف في فساد البيع إذا طابقه نهي فكيف إذا لم يطابقه ، وفي المعيار والدر النثير عن أبي الحسن في ورثة باع أحدهم نصيبه من الملك قبل أن يخرج الدين ما نصه : إن التزم الورثة الدين الآن فقال ابن القاسم : لا يبطل البيع ولا تضرهم الجهالة . وقال أشهب : يبطل ثم إن لم يلتزم الورثة الدين فحينئذ يباعمن التركة بمقدار الدين ويبقى الباقي له منه ما اشترى ويرجع لما استحق من يده اه . وقال في الشامل : وأصله للمازري ومنع وارث من بيع قبل وفاء دين فإن فعل ولم يقدر الغرماء على أخذ دينهم إلا بالفسخ فلهم ذلك إلا أن يدفعه الوارث من ماله على الأشهر اه . زاد المازري . لأن النهي عن البيع لحق المخلوقين وقد سقط اه . وهذا إذا علموا بالدين أو كان الميت مشهوراً به وإلاَّ لم ينقض البيع ويتبع الغرماء الورثة بالثمن كما في المدونة والقسمة كالبيع انظر ( ح ) وشرح الشامل في الفلس والقسمة ، وسيأتي نص المازري الذي اختصره في الشامل آخر الفلس ، وقد أشرنا في باب القسمة من هذا الشرح إلى أن بيع الورثة ماض كان بمحاباة أم لا ؟ فانظره هناك . وإذا تقرر هذا فلا يفسخ الصلح المذكور في النظم على ما لابن القاسم لأن الورثة قد أسقطوا حقهم ، وهذا على فرض كون الصلح في مسألتنا كالبيع ولم يظهر لي لأنه إذا فرضنا أن التركة ثلاثة أثواب وفرس مثلاً والأولاد سبعة ذكور والزوجة لها عليه من الكالىء ثلاثة دنانير فصالحوها بأربعة دنانير صفقة عن الجميع فقطعاً هي قد باعت نصيبها بعضه للدين وهو ثلاثة أرباعه وبعضه لغيره وهو الربع في المثال المذكور ، ولا علينا كان نصيبها يساوي ذلك أو يزيد عليه أو ينقص عنه لأن ذلك راجع للغبن وهو جائز ، وكذا الأولاد باعوا ثلاثة أرباع أنصبائهم للدين وبقي لهم الربع واشتروا ثلاثة أرباع أنصبائهم لأنفسهم كما اشتروا نصيب الزوجة المبيع للدين ولغيره فهم بائعون مشترون وهي بائعة فقط فلا جهل لا من جهتها ولا من جهتهم إلا من جهة كون قيمة المبيع قدر الثمن أو أقل أو أكثر ، وذلك لا يضر في البيعات وإذا صح هذا في المثال المذكور فكذلك غيره في الأمثلة فأي جهل حينئذ يؤدي لفسخ الصلح المذكور ، وقديماً كنت متأملاً في فسخ الصلح وأدائه للجهل فلم يتبين لي وجه الجهل فيه بحال لأن كون الأمر آل في المثال المذكور إلى أن المبيع للدين ثلاثة أرباع المتروك وبقي ربعه باعت الزوجة نصيبها منه بدينار إذ ما زاد على الدين هو ثمن باقي واجبها . وأما مسألة بيع الورثة قبل الدين فليست كهذه كما هو واضح ومنشأ الخلاف فيها هل النهي عن البيع قبل الدين لحق الله أو لحق المخلوقين ؟ وذكر ابن عرفة في باب الفلس القولين ، ونقل عن ابن محرز أن كونه لحق المخلوقين أشبه بظاهر الكتاب ، وكلام الشامل مع كلام أبي الحسن المتقدم أول التقرير وفتواه المذكورة هنا يدلان على أرجحيته ، ولذلك فرعنا عليه بعض ما تقدم ، وإذا علمت هذا فتأمل وجه كون الصلح في مسألتنا مثل البيع قبل الدين مع أن رواية أشهب إنما هي في منع البيع قبل الدين كما في ابن عرفة وغيره لا في الصلح الذي مرّ تفسيره ، وإن كان نقل المتيطي يقتضي أنها في الصلح وأن الموثقين قالوا بها كما مرّ لأنهم إن قالوا ذلك إجراء فلم يظهر وجه المساواة إذ البيع في الصلح هنا للدين لا قبله ، والزوجة قد بقي لها من نصيبها فباعته بنسبة ما زيد لها على الدين ونسبة ذلك قد بقي لكل وارث مما بيده كما رأيته وذلك لا جهل فيه ، ولعله لذلك عبر في الوثائق المجموعة بقوله : وينبغي أن يباع الخ . المؤذنة بعدم الوجوب ، ولو فرضنا أن الصلح وقع بالدين فقط لكان المبيع فيه هو جميع المتروك ، ولو كان فيه فضل لأن ذلك الفضل يسلك فيه بالنسبة للزوجة سبيل المحاباة والهبة ، وكذا لو أخذت بعض دينها لكان جميع المتروك مبيعاً بذلك البعض أيضاً ، وإن كانوا قالوا ذلك لكون روايته في صلح النازلة بالخصوص فليس لنافيه إلا محض التقليد ، والتمسك حينئذ بمذهب ابن القاسم أولى لأنه إذا كان مذهبه أرجح في البيع قبل الدين فكذلكهذا الصلح أو أحرى لأنه بيع للدين ، ولهذا والله أعلم لم يعرج ( خ ) ولا ابن عرفة ولا غيرهما من غالب المحققين على مسألة الصلح المذكورة .
وَحَيْثُ لاَ عَيْنَ وَلاَ دَيْنَ وَلاَ
كالِىءٍ سَاغَ مَا مِنْ إرْثٍ بُذِلاَ
( وحيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( لا ) نافية للجنس ( عين ) اسمها وخبرها محذوف أي موجودة في التركة ( ولا دين ) إعرابه كالذي قبله والجملة معطوفة على الجملة قبلها ( ولا كالىء ) يقال فيه ما قيل في الذي قبله ( ساغ ) جواب حيث ( ما ) فاعل ساغ ( من إرث ) بيان لما ( بذلا ) بالبناء للمفعول صلة ما والمعنى أنه إذا لم يكن شيء مما ذكر في التركة فإنه يجوز الإرث الذي أعطي للزوجة من التركة قلّ أو كثر صلحاً عن واجبها فيها كما لو كان فيها عرض وطعام وعقار فأعطيت العرض أو بعضه صلحاً عن اتباع نصيبها فيما عداه كانت قيمته أقل من قيمة نصيبها في الجميع أو أكثر أو مساوية ، ويجوز أن تكون من ليست بياناً لما بل بمعنى عن تتعلق بقوله بذلا أي ساغ الشيء الذي بذل لها عن إرثها من عند الوارث سواء كان المبذول عيناً أو غيرها بشرط أن يجوز بيعه بها لا بلحم مثلاً من غيرها ، وفيها حيوان من جنسه أو العكس كما مرّ فأطلق اتكالاً على ذلك . ومفهوم ولا عين أنه إذا كان فيها عين لم يجز بعين من عند الوارث ، بل بعرض كما مرّ تفصيله مع مفهوم قوله : ولا دين عند قوله : والتركات ما تكوّن الخ . ولذا كان الأنسب تقديم هذا البيت ، والذي قبله هناك ، ومفهوم ولا كالىء هو البيت الذي قبله حيث لم يكن فيها عين أو دين ، وإلاَّ فقد تقدم تفصيله أيضاً .
وَإنْ يَفُتْ ما الصُّلْحُ فِيهِ يُطْلَبُ
لَمْ يَجْزِ إلاَّ مَعْ قَبْضٍ يَجِبُ
( وإن يفت ) شرط وفعله ( ما ) موصولة فاعل يفت ( الصلح ) مبتدأ ( فيه ) يتعلق بقوله ( يطلب ) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ والجملة صلة ما والرابط المجرور بفي ( لم يجز ) جواب الشرط وفاعله ضمير يعود على عقد الصلح ( إلا ) استثناء من مقدر أي لم يجز مع حال من الأحوال إلا ( مع ) يتعلق بيجز كقولك : ما مررت إلا مع زيد ( قبض ) مضاف إليه ( يجب ) في محل الصفة لقبض ، والمعنى أنه إذا فات الشيء الذي الصلح يطلب فيه وهو المصالح عنه لم يجز عقد الصلح فيه إلا مع قبض يجب للمصالح به كما إذا غصبه عبداً أو سرقه ثوباً ، وفات ذلك بذهاب عينهونحو ذلك فلا يجوز الصلح في ذلك إلا بقبض المصالح به ناجزاً لأنه لما فات ترتبت قيمته ديناً في ذمة المتعدي فالصلح عنه صلح عن القيمة فلا يجوز بالتأخير إلا بدراهم قدر قيمته أو أقل أو ذهب كذلك وهو مما يباع به كما مرّ مستوفى تفصيله في التنبيه قبل هذا الفصل ، ومفهوم أن يفت أنه لو كان قائماً جاز ولو بالتأخير وهو كذلك .
وَجَائِزٌ تَحَلُّلٌ فيما ادُّعِي
وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي
( وجائز ) خبر عن قوله ( تحلل ) سوغ الابتداء به تعلق ( فيما ادعي ) به ويجوز أن يكون جائز مبتدأ وتحلل أغنى عن الخبر على مذهب من لا يشترط الاعتماد وادعى صلة ما والعائد محذوف أي به وجملة قوله : ( ولم تقم بينة للمدعي ) حالية أي لم تقم له بينة أصلاً مع جهلهما بقدره ، فإن قامت به ورجع أحدهما لقولها : فالصلح حينئذ حقيقي يعتبر في جوازه الشروط المتقدمة فقوله فيما ادعى الخ يدخل فيه ما إذا جهل أو نسي كل منهما قدر المدعي به مع اعترافهما بأصل وجوده أو به بينة ولم يرجع أحدهما لقولها ، وما إذا علماه وسماه المدعي دون الآخر ، ولا بينة أيضاً أو به بينة ولم تعين قدره على القول بعدم قبولها كما مرّ عند قوله : ولم يحقق عند ذاك العددا الخ . وسواء كان المدعى به حظاً في عقار أو غيره لا في هذا ولا فيما إذا جهلا معاً لكن فيما إذا سماه المدعي وعلمه دون الآخر لا بد من اعتبار شروط الصلح ، لأن الآخر إما أن يكون منكراً لما ادعى به عليه جملة فيكون افتداءاً من اليمين أو مقراً به لا بقدره أو به وبقدره والكل داخل في قوله :
وهو كمثل البيع في الإقرار
كذاك للمحجور في الإنكار
فيجب إخراج هذا من عموم كلامه هنا لئلا يؤدي للتكرار ولأنه عبر بالتحلل وهو إنما هو منقول فيما إذا جهلاه معاً أما إن علمه وسماه أحدهما فهو وإن عبر عنه بعضهم بالتحلل أيضاً باعتبار المدعى عليه ، لكن المنصوص في المدونة وهو الأول وهو التحلل الحقيقي فإن علمه المدعي ولم يسمه لم يجز الصلح وإن وقع بطل إذا علم المدعى عليه بعلم المدعي المدعى وأما إن لم يعلم بعلمه وقت العقد فهي كالصبرة يعرف البائع كيلها دون المبتاع فيخير حينئذ في الفسخوعدمه قاله أبو الحسن . وإنما جاز الصلح فيما جهلاه أو نسياه مع أن الصلح بيع يشترط فيه عدم الجهل لأن اشتراط الشيء إنما هو مع القدرة عليه ولا قدرة هنا فيجوز الصلح على وجه التحلل في حظ من دار لا يعرفان قدره ، وكذا في دراهم لا يعرفان عددها بعرض أو ذهب أو دراهم عاجلاً لا بالتأخير ، وتأمل لم لم يشترطوا هنا تحقق التماثل في الدراهم بالدراهم ؟ لأن ذلك على وجه التحلل . أبو الحسن : كل موضع لا يقدران على الوصول إلى معرفة ذلك فالصلح فيه جائز على معنى التحلل ، ومثله بيع الصبرة لا يعرفان كيلها ، ومثله لابن القاسم في المتجاعلين على حفر بئر أي جهلا جميعاً صفة الأرض من رخو أو صلابة اه . أو يقال وهو الظاهر محل جوازه في الدراهم بالدراهم في المسألة المذكورة كما في المدونة إن كان لا يشك أن المأخوذ من الدراهم الآن أقل من المدعي بها ، وإلاَّ منع كما قالوا فيمن استهلك صبرة من قمح مثلاً لا يصالح على التحري بمكيله من جنسه إلا أن يتحقق أن المأخوذ أدنى من كيل الصبرة لأنه أخذ لبعض الحق وقيمة للباقي كما في ( ق ) أول باب الصلح ، ثم إن هذا البيت كالاستثناء من قوله : فيما مر وكل ما اتقى بيعاً يتقي الخ . لكن جاز الجهل في بعض أفراد الصلح على وجه التحلل كما جاز في بعض أفراد البياعات كالصبرة ونحوها .
وَالصُّلح فِي الكالِىءِ حَيْثُ حَلاَّ
بِالصَّرْفِ فِي العَيْنِ لِزَوْجٍ حَلاَّ
( والصلح ) مبتدأ ( في الكالىء ) بالهمز يتعلق به ( حيث ) ظرف زمان هنا على قلة فيه مجرد عن معنى الشرط يتعلق بالصلح ، ويجوز أن يكون ظرف مكان مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه والأول أظهر معنى ( حلا ) جملة فعلية في محل جر بإضافة حيث على كلا الوجهين ( بالصرف ) يتعلق بالصلح على الأول أو بحل آخر البيت على الثاني لا بالصلح لما يلزم عليه من الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي ( في العين ) يتعلق بالصرف ( لزوج ) يتعلق بقوله : ( حلا ) الذي هو جواب حيث على الثاني ، والجملة من حيث وجوابها خبر المبتدأ . وحلا الأول ضد أحل ، والثاني ضد حرم وبينهما جناس تام ، والمعنى على الأول والصلح في الكالىء وقت حلول أجله بالصرف في العين جائز لزوج ، وعلى الثاني والصلح في الكالىء إذا حل أجله جائز للزوج بالصرف في العين وأشعر قوله لزوج أن المراد بالكالىء في كلامه دين الزوجة من صداقها ، وإنما جاز لأنه من باب صرف ما في الذمة وعليه فلا خصوصية لدين الزوجة ولا الزوج ، بل كل دين من عين في الذمة يجوز صرفه بعد حلول أجله لا إن لم يحل كما أشار له ( خ ) بقوله في الصرف عاطفاً على المنع أو بدين تأجل ، وإن من أحدهما فمفهوم قوله : إن تأجل هو قول الناظم هنا حل أي يجوز صرف ما حل منه كلاً أو بعضاً بمعجل لا بمؤجل ، فإنهلا يجوز ولو تعجله لوقوعه فاسداً باشتراط تأخيره كما في المدونة ؛ وانظر لو وقع بدنانير عن دراهم أو بالعكس وجعل التأخير بدون شرط ، ونقل أواخر الصلح من المعيار جواز ذلك .
قلت : ومثله يقال في تأخير الحوز في التصيير بغير شرط بل هو أحرى ومحل النظم إن اتفقا على الحلول أو قامت به بينة ، فإن اختلفا في الحلول وعدمه ولا بينة فسد لأنه صرف مستأخر بالنسبة لمنكره كما مرّ ، ويحتمل أن يعمم في كلامه أولاً فيراد بالكالىء مطلق الدين المؤخر كان لزوجة أو غيرها طعاماً كان أو عرضاً أو عيناً . وقوله : بالصرف في العين لزوج إشارة لحكم بعض ما شمله العموم المذكور إذ لا مفهوم حينئذ للصرف ولا للزوج ، فيكون كقول ( خ ) في الصلح : وجاز عن دين بما يباع به الخ . وقد تقدم هذا عند قوله : وكل ما اتقى بيعاً يتقي اه .
باب النكاح وما يتعلق بهمن صحة وفساد ومن له الإجبار من الأولياء وترتيبهم إلى غير ذلك وهو لغة الضم والتداخل ، ويطلق على الوطء والعقد وأكثر استعماله في الوطء ، ويسمى به العقد لكونه سبباً فيه ، وهل هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد أو العكس أو حقيقة ؟ فيهما أقوال . أصحها الأول ابن عبد السلام ، والثاني أقرب لغة والأول أقرب شرعاً أي حتى قيل لم يرد في القرآن إلا للعقد ولو في قوله تعالى : حتى تنكح زوجاً غيره } ( البقرة : 230 ) لأن المعنى حتى يعقد عليها لكن السنة بينت أن لا عبرة بالعقد في التحليل ، بل حتى يحصل الوطء بعده ، وقيل هو في هذه الآية بمعنى الوطء كما أنه كذلك في قوله تعالى : الزاني لا ينكح } ( النور : 3 ) الخ وثمرة الخلاف على الأولين من زنى بامرأة هل تحرم على ابنه وأبيه أم لا ؟ قاله ( تت ) وقال ابن عرفة : عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر اه . فقوله عقد جنس وعبّر به لأنه يفتقر إلى إيجاب وقبول . وقوله : على مجرد متعة من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والتقدير على متعة التلذذ المجردة ، وخرج به العقد على المنافع كالإجارة ونحوها ، ولم يقل عقد معاوضة كالبيع لأن المعاوضة هنا غير مقصودة والمقصود المعاشرة ، ولذا يقولون : النكاح مبني على المكارمة وخرج بالمجردة العقد على شراء الأمة للوطء ، وقوله : بآدمية خرج به العقد على الجنية . وقوله : غير موجب الخ حال من التلذذ أي حال كون التلذذ بتلك الآدمية غير موجب قيمتها ، وأخرج به الأمة المحللة إن وقع بينة . وقوله : ببينة حال من التلذذ أيضاً أخرج به صور الزنا المشار لها بقول ( خ ) : أو وجدا فيبيت وأقرّا به وادعيا النكاح حدا . الخ . وشمل قوله : ببينة الخ البينة الحقيقية والحكمية كتصديق الطارئين والخصي فيها لأنهما يصدقان في كون النكاح كان ببينة ، وأما الفشو والعدل الواحد فإنه وإن قام كل منهما مقامها في نفي الحد فإنما ذلك لكونهما شبهة لا لثبوت النكاح بهما ، ولذا كان يفسخ .
فإن قلت : الفسخ بطلاق وهو فرع النكاح . فالجواب : أن الطلاق إنما لزم مؤاخذة لهما بالإقرار أن العقد كان بشاهدين فدرأنا الحد للشبهة وألزمنا الطلاق مراعاة للإقرار قاله ابن رشد . وقوله : غير عالم صفة لعقد أو حال من المتعة أي حال كون المتعة المعقود عليها غير عالم عاقدها حرمتها فإن علم حرمتها فزنا وهل مطلقاً حرمها الكتاب كالأخت أو الإجماع كبنت الأخ من الرضاع أو إنما يكون زناً إن كان تحريمها بالكتاب لا بغيره ؟ قولان . المشهور الثاني . وقول بعضهم صوابه أو الكتاب أو الإجماع على الآخر ، وقول آخرين صوابه أو والإجماع بزيادة الواو بعد أو كله لا حاجة إليه لأن من اعتبر الإجماع يعتبر الكتاب إذ كل ما في الكتاب مجمع عليه على أن من قال باعتبار الإجماع يقول باعتبار الكتاب بالأحرى .
تنبيه : فهم مما مرّ أن الطارئين إذا تقاررا على النكاح واتفقا عليه قبل قولهما ، وأما إن كانا من أهل البلد ففي أقضية البرزلي لا يقضي القاضي بقولهما أنهما زوجان إلا بعد إثبات أصل النكاح قال : والعمل اليوم أنهما لا بد أن يثبتا عند قاضي الأنكحة أنه يحوزها بحوز الزوجية بجماعة من الموضع الذي هما به ، وكذا إذا طلقها وأراد ارتجاعها ولم يأتيا بالصداق أو تجحده المرأة ولم يعثرا على شاهدي النكاح ، فلا بد من تعريف القاضي بأنه كان يحوزها واستعمال موجب الارتجاع فيسمع الطلاق منهما ويعملان على موجب الرجعة اه . وستأتي كيفية وثيقة النكاح عند قوله : والمهر والصيغة الخ .
وَبِاعْتبَارِ النَّاكِحِ والنِّكَاحُ
واجِبٌ أَوْ مَنْدوُبٌ أَوْ مُبَاحُ
( وباعتبار الناكح ) يتعلق بمحذوف خبر عن قوله . ( النكاح ) على حذف مضاف أي حكمالنكاح يختلف باعتبار حال الناكح ويدل على حذف الخبر والمضاف المذكورين قوله : ( واجب أو مندوب أو مباح ) أو حرام أو مكروه فتعرض له الأحكام الخمسة ، فيجب على الراغب فيه إن خشي العنت ولم يكفه الصوم أو التسري ولو مع اتفاق عليها من حرام ، وإن أعفه أحدهما فالنكاح أولى والمرأة مثل الرجل إلا في التسري . ابن عرفة : وقد يوجبه عليها عجزها عن حفظها أو سترها إلاّ به ويندب إن لم يخش العنت رجا نسله أو لا ، ولو قطعه عن عبادة غير واجبة وكذا إن كان لا أرب له في النساء ورجا نسله وإلاَّ فمباح حيث لم يقطعه عن عبادة كالعقيم والشيخ الفاني والخصي والمجبوب ، ويكره لغير الراغب فيه ويقطعه عن عبادة غير واجبة ، وظاهر المازري ولو رجا النسل وصرح به . ( ز ) : ويحرم فيما عدا الأول من هذه الأقسام إن خشي ضرراً بالمرأة بعدم وطء أو نفقة أو كسب محرم ، ولو راغباً فيه لم يخش عنتاً ، ولابن بشير عن بعضهم كما في ابن عرفة تقسيم آخر . قال : إن خاف العنت وجب وإلاَّ حرم إن أضر بالمرأة لعجزه عن الوطء أو مطلق النفقة أو للأمن من مال حرام وإلاَّ ندب إليه إن تشوق إليه وتشوش عليه فعله إن تركه وإلاَّ كره له إن لم تكن له حاجة أو قدر على التعفف وتزويجه يضيق حاله ومباح إن تساوت أحواله اه . وما تقدم من أنه يجب على من خشي العنت ولو مع إنفاق من حرام هو ما يفيده كلام ابن بشير المتقدم وكلام الشامل ، واعترضه ابن رحال بأن الخائف من العنت مكلف بترك الزنا كما هو مكلف بترك التزوج الحرام ، فلا يحل فعل محرم لدفع محرم وإنما يصار لمثل هذا عند الإكراه كالمرأة لا تجد ما يسد رمقها إلا بالزنا اه .
قلت : نحوه قول القلشاني عاطفاً على الممنوع ما نصه : أو بكسب من مال لا يحل الخ . وقد يرد بأن ما قالوه هو من باب ارتكاب أخف الضررين كما أن ما فعلته المرأة المذكورة كذلك لأن الإضرار بالزوجة بعدم الإنفاق أخف من الزنا لأن الإنفاق يمكن إسقاطه لأنه حق لها وإطعامها من الحرام يمكن التحلل منه ، وأيضاً فإن كلاً منهما مترقب فيمكن عدم حصوله لقوله تعالى : إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } ( النور : 32 ) الآية . ولأنه يزجز عن الإضرار وإطعامها الحرام وإلاَّ طلق عليه على أن إطعامها الحرام فسق والفاسق غير كفء فللزوجة الفسخ ولها الرضا كما يأتي عند قوله : وحيثما زوج بكراً غير الأب . وبالجملة ، فهذا يجب عليه التزوج كما يجب عليه ترك الإنفاق من حرام فهو مكلف بأمرين فيرتكب أخفهما . ثم إن فائدته غض البصر وتحصين الفرج والإطلاع على معظم لذة من لذات الجنة ، وكثرة النسل لقوله عليه السلام : ( تناكحوا تناسلوا ) الحديث . ويستحب نكاح البكر لقوله عليه السلام : ( عليكم بنكاح الأبكار فإنهن أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير ) وقال : ( هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك ) وأنيخطب يوم الجمعة بعد صلاة العصر ويكره صدر النهار كما في الطرر ، وأن يعقد في شوال كما فعل عليه الصلاة والسلام بعائشة رضي الله عنها ، وأن يبني به وأن يخالف الجهال في تركهم فعل ذلك في المحرم ، بل يقصد العقد والدخول فيه تمسكاً بما عظم الله ورسوله من حرمته ورجاء بركته كما في آخر السفر الأول من المعيار قاله ( م ) .
والمَهْرُ والصِّيغَةُ والزَّوْجَانِ
ثُمَّ الْوَلِيُّ جُمْلَةُ الأرْكانِ
( والمهر ) مبتدأ ( والصيغة والزوجان ) معطوفان عليه ( ثم ) للترتيب الإخباري ( الولي ) معطوف أيضاً ( جملة الأركان ) خبر ، ويجوز العكس ، ومراده كابن الحاجب و ( خ ) بالركن ما لا توجد الحقيقة الشرعية إلا به فتدخل الخمسة التي في النظم لأن العقد لا يتصور إلا من عاقدين وهما شرعا الولي والزوج ، ومن معقود عليه وهي الزوجة والصداق نصاً كما في نكاح التسمية أو حكماً في التفويض إذ الصداق فيه موجود حكماً لأنهما لم يدخلا على إسقاطه ولو دخلا على إسقاطه لم يصح كما يأتي ولا يتصور أيضاً إلا بصيغة وقد خصها الشرع بما يأتي في قوله فالصيغة النطق الخ . وقد عد في الشامل هذه الأركان شروطاً لأن النكاح الذي هو العقد معنى من المعاني والزوجان والولي والصداق ذوات فلا يصح تفسيره بها ، وأركان الشيء أجزاؤه ، وهذه خارجة عنه . وكذا الصيغة خارجة عنه إذ بها يوجد العقد الذي هو الربط ، وجعل ابن محرز الولي والصداق والشهود شروطاً والزوجين ركناً وهو أظهر ولا يعكر عليه ما مرّ لأن المقصود من الزوجين رضاهما والرضا معنى يصح تفسير النكاح به ، ولذا قال ( ح ) : الظاهر أن الزوج والزوجة ركنان والولي والصيغة شرطان ، وأما الصداق والشهود فليسا بركنين ولا شرطين لأن الشهادة شرط في الدخول لا في العقد والصداق لا يشترط التعرض له ، وإنما يشترط أن لا يدخلا على إسقاطه اه باختصار فقوله : والولي الخ يريد إن كان غير مجبر وإلاَّ فرضاه ركن لا شرط تأمل . وقد علمت أن من نظر إلى أن العقد الشرعي لا يوجد إلا بها عدها أركاناً ، ومن نظر إلى كونها خارجة عنه وأنها غيره لم يصح تفسيره بها عدها شروطاً ، ومن نظر إلى أن العقد لغة يوجد في نفسه من عاقد وهو الزوج والزوجة ، لكن يشترط في صحته شرعاً الولي والصيغة جعل الأولين ركنين والثانيين شرطين ، والكل صحيح معنى والله أعلم ، فإن زوجت نفسها بغير ولي فسخ ولو طال وهل بطلاق ؟ قولان : لابن القاسم وابن نافع . وكيفية وثيقته تزوج فلان الفلاني فلانة الفلانية البكر في حجر والدها المذكور ، وتحت ولاية نظره الحل للنكاح على صداقمبارك مبلغ قدره كذا وكالته كذا يؤديه لها تقاضياً بحسب كذا آخر كل عام تزوجها بكلمة الله العلية ، وعلى سنة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى اليمين والأمان ، وما جاء في محكم القرآن من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أنكحه إياها والدها المذكور أو وصيها المجبر بماله من الإجبار عليها حسبما يرسم الإيصاء أعلاه أو حوله ، أو وليها أخوها فلان أو عمها أو ابن عمها وقبله الزوج المذكور قبولاً تاماً وارتضاه وألزمه نفسه وأمضاه ، والله يوفق بينهما لما يحبه ويرضاه عرفاً قدره شهد عليهما به وهما بأتمه أو أكمله وعرفهما ، وفي كذا ، ولا شك أن الوثيقة تضمنت الأركان المذكورة واحترزت بقولي البكر من الثيب فلا بدّ من إذنها زوجها أبوها أو غيره كما يأتي في قوله : وتأذن الثيب بالإفصاح الخ . فإن سقط ذلك من الرسم ولم يبين بكراً ولا ثيباً فلا كلام للزوج كما قال ( خ ) : ولا رد بالثيوبة إلا أن يقول عذراء الخ . وسيأتي قول الناظم أيضاً : والزوج حيث لم يجدها بكراً الخ . وبقولي في حجر والدها مما لو كانت بكراً وليست في حجره كالمرشدة ومثلها المعنسة فلا بدّ من إذنهما أيضاً كما يأتي في نظائره عند قوله : واستنطقت لزائد في العقد الخ . وبقولي : الحل للنكاح الخ . احترازاً من الموانع التي تمنع تزوجها من عدة وفاة أو كونها في نكاح آخر ونحو ذلك فإن سقط ذلك من الرسم لم يضر لأن الأصل انتفاء المانع ، وفي المعيار عن ابن المكودي أن النكاح على السلامة والصحة إن سقط من رسمه خلو من زوج وفي غير عدة وأنه لا يحتاج إلى ذكره ، وسيأتي عند قول الناظم وحيثما العقد لقاض قد ولى الخ . ما إذا سقط ذلك في الثيب وأن ( ح ) استظهر أن سقوطه غير مضر وفي الفشتالي ما يخالفه وبقولي على صداق مبارك الخ . مما لو نصوا على إسقاطه فالعقد فاسد يفسخ قبل البناء اتفاقاً وفي فسخه بعده وتصحيحه بصداق المثل . قولان ، وإن لم يتعرضوا له أصلاً فهو نكاح تفويض وسيأتي عند قوله : أو ما فوّضا فيه وحتماً للدخول فرضا الخ ، وبقولي مبلغ نقده كذا مما لو لم يتعرضوا لقدره وسيأتي في قوله :
والزوج والزوجة مهما اختلفا
في قدر مهر والنكاح عرفا
أي : عرف ببينة أو إقرار ولا تسقط البينة لجهلها القدر ، وقد أنكر أحدهما النكاح من أصله كما مرّ عند قوله : ولم يحقق عند ذاك العددا الخ . وقولي مبلغ نقده كذا الخ . لا بد فيه من بيان السكة كما يأتي عند قوله : وكل ما يصح ملكاً يمهر الخ . فإن قالوا نقدها كذا أو أقبضها أو عجل لها أو قدم ، ونحوه بصيغة الماضي في الجميع فذلك مقتض لقبضه وإن قالوا النقد من ذلك كذا أو مبلغ النقد ونحوه ، فهو مقتض لبقائه وإن قالوا : نقده كذا بالمصدر فقولان . قال ذلك كله في الشامل ونحوه قول ناظم العمل : إن قيل نقده كذا لا نقد الخ . فإن قالوا : مبلغ نقده كذا يؤديه ليلة الدخول بها والدخول مختلف . فقيل : يفسخ للجهل بليلة الدخول . وقيل : لا ، وبه العمل قال ناظمه :
والنقد إن أجل بالدخول
إليه من عقد على الحلول
وسيأتي بقية الكلام عليه عند قوله وأمد الكوالىء المعينة ، وبقولي وكالته كذا الخ . مما لو بينوا قدر الصداق ولم يتعرضوا لنقد ولا لكالىء فيجري على ما قالوه في الاختلاف في أصل الأجل في البيع فيما يظهر فيحمل على الحلول إلا لعرف على أنه قد نقل البرزلي عن ابن رشد فيمسائل الأنكحة أنه محمول على الحلول حيث لم يذكروا تأجيلاً ولا ضده ، واقتصر عليه في الشامل ونحوه في المدونة ، لكن قال أبو الحسن : لو اتفق هذا في زمننا لكان النكاح فاسداً لأن العرف جرى بأنه لا بد من الكالىء فيكون الزوجان قد دخلا على الكالىء ولم يضربا له أجلاً اه . وانظر ما يأتي عند قوله : وأمد الكوالىء المعينة الخ . وبقولي بحسب كذا آخر كل عام الخ . مما لو ذكروا الكالىء ولم يتعرضوا لأجله فسيأتي في قوله : وأجل الكالىء مهما أغفلا الخ . والكلمة العلية هي قول لا إله إلا الله محمد رسول الله . إذ لا يحل لكافر أن يتزوج مسلمة . وقيل هي قوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ( البقرة : 229 ) والدرجة التي قال تعالى : وللرجال عليهن درجة } ( البقرة : 228 ) الآية هي الطلاق الذي بيده ، وقيل الشهادة التي هي أكمل من شهادة المرأة ، وقيل غير ذلك . وقولي : بما له من الإجبار الخ راجع للوصي المجبر ، وتقول في الأب بما ملكه الله من أمرها وذلك كله ظاهر في عدم الاستئمار والمشاورة وإن كانت مشاورتهما أحسن وأحوط ليخرج من الخلاف ، وقولي حسبما برسم الإيصاء الخ إشارة إلى أنه لا بد من نسخ رسم الإيصاء لئلا تدعي أنه ليس بوصي عليها ، وهذا إذا أنكحها المجبر فإن زوجها غيره زدت في الأوصاف المتقدمة البالغ فتقول البكر البالغ الخ . وقلت : أنكحها أخوها أو ابن عمها كما أشرنا إليه ولا بد حينئذ من أن نقول بإذنها ورضاها وتفويضها ذلك إليه تلقاه منها شهيداه أو غيرهما حسبما أعلاه أو حوله بعد أن استؤمرت وأعلمت بالزوج بعلاً ، وبما بذل لها من الصداق مهراً فصمتت أو بكت ونحو ذلك كما يأتي في قوله : والصمت إذن البكر في النكاح الخ . ولا تزوج إلا بعد البلوغ وثبوت أنه لا أب لها ولا وصي وأن الصداق صداق مثلها إلى غير ذلك كما يأتي في قوله :
وحيثما زوج بكراً غير الأب
فمع بلوغ بعد إثبات السبب
الخ . ويقبل قولها في البلوغ عند إرادة النكاح إذا أشبه قولها كما في البرزلي وفي المعيار عن ابن الحاج أنه يعرف بلوغها في وجهها وقدها ويخبره ثقات النساء فيشهد الشاهد به معتمداً على ذلك الخ . فإن ادعت بعد العقد أنها غير بالغة وقد كانت أقرب به حين العقد ، فلا يلتفت إلى دعواها لأن إقرارها عامل في مثل هذا ، فإن نظر إليها النساء فشهدن بعدم البلوغ ففي البرزلي ونقله ( ح ) أنه يفسخ النكاح ، وفي المعيار أواخر الكراس الأول من الأنكحة عن اليزناسني أن البينة بعدم بلوغها لا تقبل قائلاً قد جاءت الروايات بطرح البينة المقابلة لما أقرت به المرأة فيما تصدق فيه من ذلك دعوى المرأة الإصابة بعدم إرخاء الستر ، وينكرها الزوج ويقيم بينة بالنساء أنها عذراء فيغرم جميع الصداق ومن ذلك لو أقرت المطلقة أنها دخلت في الحيضة الثالثة فينظرنها النساء فلا يرين دماً بها فإنها تبين بمجرد قولها . واحتج أيضاً بأن النساء يعتمدن في شهادتهن على عدم البلوغ بعدم الإنبات وهي قد تزيل الشعر بحيث لا يرى الناظر شيئاً .
قلت : وأيضاً فإن البلوغ لا ينحصر في الإنبات بل يكون بالاحتلام والسن ، وما للبرزلي هو الذي يقتضيه ابن هلال والفائق كما في شرح ناظم العمل عند قوله : وجاز للنسوة للفرج النظر الخ . وإذا قلنا بقبول بينتها بعدم إقرارها به أو لم يضمن الشهود إقرارها به فإن شهدت بينة بعدم البلوغ بعد أن صرح شهود الصداق بالبلوغ فذلك من التعارض . ولا يقال تصريحهم فيرسم الصداق بالبلوغ مجرد حكاية ، لأنا نقول الحكاية المجردة جرت عادتهم بالتبرىء منها فيقولون : قبل فلان لزوجه بزعمه ولا وارث له سوى من ذكر في علم من علمه إلى غير ذلك ، فكذلك هؤلاء حيث قالوا : البالغ ولم يزيدوا بزعمها علم أن شهادتهم بالبلوغ مقصودة قاله في المعيار عن ابن عطية الونشريسي ، وإذا ثبت التعارض فيجري ذلك على ما مرّ في آخر الشهادات فانظر ذلك هناك . وقوله : جرت العادة الخ ، ظاهر إذا كان الشهود من أولي العلم وإلاَّ فلا . وتأمل ما قالوه من الفسخ مع ما في ضيح وابن عبد السلام من أن شهادة النساء لا تعمل فيما يوجب الفراق ، ونقله شارح نظم العمل في المحل المذكور ، وقولي وقبله الزوج الخ . أي بفور علمه بالإيجاب ولا يضر التأخير اليسير فإن تأخر الإشهاد على الزوج بالقبول أو على الولي بالإيجاب كما لو عقد الأب النكاح على ابنه المالك أمر نفسه أو يعقد الولي على وليته ويتأخر إعلامها أو ينعقد النكاح بين الزوجين ويتأخر إعلام الولي ، فذلك كله هو النكاح الموقوف ثالث الأقوال فيه كما في الفشتالي : إن قرب جاز وإن بعد لم يجز ، ومحل الخلاف إذا لم يدع الوكالة ولم يقر بالافتيات اه . وهو معنى قول ( خ ) وصح إن قرب رضاها بالبلد ولم يقرّ به أي بالافتيات حال العقد الخ ، وقال أيضاً : وحلف رشيد وأجنبي وامرأة أنكروا الرضا والأمر حضوراً إن لم ينكروا بمجرد علمهم وإن طال كثير الزم الخ . وحد القرب اليومان عند سحنون والثلاثة على ما أفتى به ابن لب قائلاً ، وبه العمل في هذه الأزمنة .
وسبب الخلاف بين القولين الأولين من الثلاثة هل الخيار الحكمي كالشرطي أم لا ؟ ومفهوم قوله : بالبلد أنه إذا كان بغير البلد لم يصح فمن سحنون : قلت لابن القاسم فيمن زوج ابنه الكبير المنقطع عنه وهو غائب فبلغه ذلك فرضي وكان بعيداً عن موضعه فقال : لا يقام على هذا النكاح وإن رضي لأنهما لو ماتا لم يتوارثا اه . فالغائب تارة يكون غائباً عن محل العقد حاضراً بالبلد ، وتارة يكون غائباً عن الوطن قاله ابن عرضون في جواب له .
قلت : وتأمله مع ما مرّ من أن حد القرب اليومان والثلاثة فلعل هذا إنما يتمشى على قول عيسى من أن حد القرب كون العقد بالسوق أو بالمسجد ويصار إليها بالخبر من وقته واليوم بعد اه ، ووقعت نازلة وهي أن رجلاً زوج ولده المالك أمره أو أخاه وقبل له ذلك ولم يسمع من المعقود عليه ردّ ولا قبول حتى مات بعد ثلاثة أعوام ، والحال أن العاقد لم يدع توكيلاً ولا أقر بافتيات فأجاب ابن عرضون والقصار وغيرهما بأن عاقد نكاح غيره وإن غائباً يحمل على الإذن لأن الغالب أنه لا يعقد أحد نكاح غيره إلا بإذنه ، وقاله ابن رشد اه . من الزياتي باختصار ، ثم إنه تقدم حكم ما إذا سقط من الوثيقة معرفة القدر عند قوله : والتركات ما تكون الصلح الخ . كما تقدم أيضاً حكم ما إذا سقطت المعرفة أو التعريف عند قوله : ويشهد الشاهد بالإقرار الخ . وتقدم أيضاً حكم ما إذا سقط وهو بأتمه .
تنبيهان . الأول : يثبت النكاح بعد الموت بشهادة العدل الواحد ولو الخاطب على قبول الزوج أو توكيل الزوجة لأنه غير عاقد فليس شاهداً على فعل نفسه وذلك راجع للمال فيثبت بالشاهد واليمين كما مرّ ، وسواء أخذ الخاطب على خطبته أجراً أم لا على ما به العمل كما لابن ناجي .الثاني : لا يلزم الزوج تعجيل النقد إلا أن يدعى للبناء وهو بالغ وهي ممن تطيق الوطء ، وإن لم تحض بخلاف ما لو أصدقها معيناً كعرض ورقيق ونحوهما فيجب تعجيله ، ولا يجوز اشتراط تأخيره كالبيع ( خ ) ووجب تسليمه إن تعين وإلاَّ فلها منع نفسها الخ . ويقبضه مجبر ووصي لا غيرهما ولو تولى عقد النكاح إلا بوكالة منصوص فيها على القبض أو يتطوع بضمانة قال الغرناطي : تسمى في الوثيقة الزوجين وعدد الصداق ومن أي سكة هو وقبض النقد أو حلوله وفي تأجيله إلى البناء خلاف وتسمى قابضة ومن يجوز له قبضه أو تطوع القابض بضمانه الخ .
وفي الدُّخُولِ الخَتْمُ في الإشْهَادِ
وَهُوَ مُكَمِّلٌ في الانْعِقَادِ
( وفي الدخول ) خبر عن قوله ( الختم في الإشهاد ) يتعلق بالختم ( وهو ) مبتدأ ( مكمل ) خبره ( في الانعقاد ) يتعلق به أو بمحذوف حال من المبتدأ أي الواجب في الإشهاد كونه عند الدخول وهو حال كونه كائناً في الانعقاد أي عند العقد محصل الكمال . أي : الندب خوف موت أحدهما أو إنكاره فعلم منه أن الإشهاد ليس شرطاً في صحة النكاح ولا ركناً فيه لوجود العقد وصحته بحصول الإيجاب من الولي والقبول من الزوج ، وإنما هو شرط في الدخول فإن دخل بغير إشهاد فسخ بطلقة بائنة كما قال ( خ ) وفسخ إن دخل بلاه ولا حدّ إن فشا ولو علم فإن لم يكن فشو حد إن أقرا بالوطء وإلا عوقبا فقط ، ولو جهلا وجوب الإشهاد ابن يونس والباجي : والشاهد الواحد لهما بالنكاح ومعرفة ابتنائهما باسم النكاح ، وذكره ، وإظهاره كالأمر الفاشي في سقوط الحد قاله ابن الماجشون وأصبغ . وإذا فسخ فلهما المراجعة بعد الاستبراء بثلاث حيض وتحرم على آبائه وأبنائه فإن عقد الأب على ابنه في غيبته القريبة بحيث لو رضي لصح ، لكنه لم يرض فتحرم على أصوله وفصوله أيضاً ، وإن عقد عليه في حال غيبته البعيدة بحيث لو رضي لم يصح على ما مر تفصيله لم تحرم قاله ابن حبيب . وظاهر النظم كغيره أنه يفسخ وإن طال وولدت الأولاد وأن الشهرة وحدها من غير إشهاد لا تكفي في عدم الفسخ وهو ما ذكره الشارح عن بعض شراحالرسالة قال : وأفتى ابن لب بأن الإشهاد بالنكاح وشهرته مع علم الولي والزوجين يكفي وإن لم يحصل إشهاد قال : وهكذا كانت أنكحة كثير من السلف وفي الجواهر ولم تكن أنكحة السلف بإشهاد اه .
قلت : وهذا الذي يدل عليه قول ابن سلمون فإن كان النكاح والدخول شائعاً مشتهراً سقط الحد باتفاق وثبت النكاح اه . فتأمل قوله وثبت النكاح . قال سيدي أحمد البعل في جواب له نقله العلمي في نوازله بعد أن ذكر ما نصه : من أراد سلوك ما نقله الموثقون فليفسخ كل نكاح دخل صاحبه بغير إشهاد للنصوص الواردة بذلك ، وما يفهم من عدم فسخه على ما للأقدمين عملاً على الشهرة لا يعول عليه لأن الموثقين سبقونا إلى كلامهم فلو عدلوا عنه إلى الفسخ ، فلما فهم منهم أنهم لا يكتفون فيه بالشهرة اه باختصار .
قلت : تأمله مع تعليلهم الفسخ بأنه سد لذريعة الفساد إذ لا يشاء إثنان يجتمعان في خلوة على فساد إلا فعلا مثل ذلك وادعيا سبق عقد بغير إشهاد فيؤدي إلى ارتفاع حد الزنا والتعزير الخ . ولا شك أن الشهرة ينتفي بها التعليل المذكور والحكم يدور مع علته . ولذا قال ابن شاس : ليس الإشهاد ركناً ولا شرطاً في العقد ، وإنما هو شرط في الدخول والمقصود إعلان النكاح وإشهاره ليتميز عن الزنا ، وإنما شرح الإشهاد لرفع الخلاف المتوقع بين الزوجين وإثبات حقوقهما ، وعلى هذا جرت أنكحة الصحابة رضي الله عنهم ما كانت بشهادة اه .تنبيه : ذكر في المعيار أواخر الكراس الثالث من أنكحته أن رجوع الشهود عن الشهادة بالنكاح بعد شهرته بالعقد والبناء غير مؤثر فانظره .
فالصِّيغَةُ النُّطْقُ بِما كأنكَحَا
مِنْ مُقْتضٍ تَأبُّداً مُستوضحا
( فالصيغة ) مبتدأ ( النطق ) خبره ويجوز العكس ( بما ) يتعلق بالنطق ( كأنكحا ) صلة ما ( من ) بيان لما ( مقتض ) صفة لمحذوف ( تأبدا ) مفعول بمقتض ( مستوضحا ) نعت له أي الصيغة من الولي هي النطق بما هو كأنكحا من كل لفظ مقتض التأبد الواضح فأدخلت الكاف زوجت ، فإنه ينعقد النكاح به كأنكحت اتفاقاً وأدخلت أيضاً بعت وملكت ووهبت وتصدقت ومنحت وأعطيت ونحو ذلك حيث قصد بها النكاح وظاهره سمي معها صداقاً أم لا . إذ المدار عنده على كونها تقتضي التأبيد لا إن لم يقصد بها النكاح فلا ينعقد كما في شراح ( خ ) ومفهوم قوله : تأبدا الخ إنه لا ينعقد بنحو : أعمرت أو أوصيت أو وأجرتها لك أو أعرتها أو رهنتها لاقتضائها التوقيت دون التأبيد ، وعدم اللزوم في الوصية وظاهره ولو قصد بها النكاح أو سمي معها الصداق ، وما ذكره من أنه ينعقد بكل لفظ يقتضي التأبيد هو لابن القصار وعبد الوهاب والباجي وابن العربي ودرج عليه ابن الحاجب فقال : الصيغة كل لفظ يقتضي التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت وكذلك وهبت بتسمية الصداق . وقال في المقدمات : لا ينعقد بما عدا أنكحت وزوجت إلا لفظ الهبة حيث قرن بصداق وشهره في الشامل فقال : وصيغة بأنكحت وزوجت وفي وهبت مشهورها إن ذكر مهراً صح وإلاَّ فلا . وقيل : يصح ببعت وتصدقت بقصد نكاح ، وقيل : بتحليل وإباحة وكل لفظ يقتضي تمليكاً مؤبداً إلا إجارة وعارية ورهناً ووصية الخ . فأنت تراه حكى ما لابن العربي ومن معه بصيغة . قيل : المقتضية للتضعيف فيكون ما في المقدمات هو الراجح كما في شراح ( خ ) وأفهم قوله : كأنكحا أن المضارع ليس كالماضي ونحوه في الالتزامات قائلاً الأصل في المضارع الوعد ، وفي الماضي اللزوم ونحوه لشراح المتن عند قوله في الخلعوالبينة إن قال : إن أعطيتني ألفاً فارقتك أو أفارقك إن فهم الالتزام والوعد إن وطئها الخ . وقال في ضيح المضارع في النكاح كالماضي وموه لأبي الحسن قائلاً يؤخذ منها أن لفظ المستقبل في النكاح كالماضي بخلاف البيع اه . وفي الإلتزامات أن المضارع إنما يدل اللزوم مع قرينة دالة عليه تفهم من سياق الكلام بخلاف وقرائن الأحوال اه . وينبغي أن يكون هذا هو المعتمد ، وأما الصيغة من الزوج فهي قبلت ونحوه مما يدل على القبول وأفهم قوله النطق أن غيره من إشارة أو كتابة لا يكفي ، ومنه يعلم حكم المسألة الأمليسية وهي ما جرت به عادة البلاد من أن الرجل يوجه من يخطب له فيجاب بالقبول ويتواعدون للعقد ليلة البناء ، ثم يبعث الرجل بحناء وحوائج تتزين بها ويولول النساء ويسمع الناس والجيران فلان تزوج فلانة سئل عن ذلك أبو سالم بن إبراهيم الجلالي فقال : أما إن كانت العادة المذكورة جارية عندهم مجرى العقد المصطلح عليه بحيث يرتبون على تلك الأمور من إرسال الحناء وغيرها آثار النكاح ، وأن المواعدة للعقد ليلة البناء ليست هي عندهم لإنشاء العقد بل للإشهاد بقدر المهر وأجله ، وتحقيق ما قبض منه وما بقي خوف التنازع في ذلك فلا إشكال في لزوم النكاح وترتب آثاره عليه ، وأما إن كانت العادة المذكورة إنما هي عندهم توطئة للعقد وأمارة على ميل كل لصاحبه فلا إشكال في عدم اللزوم وإن جهل الحال بحيث لو سئل أهل البلد هل يقصدون العقد المنبرم أو الوعد ، وأن الانبرام إنما يقع ليلة البناء لم يجروا شيئاً فهذا محل الإشكال على ماذا يحمل هل الانبرام أو الوعد . ولعل هذا القسم هو محل الخلاف ، فمن قال إنها تنزل منزلة العقد المنبرم ويقول : إن أركان النكاح كلها حاصلة لأن الدلالة الفعلية أقوى من القولية ، ومن قال بعدم اللزوم يقول : إن تلك الأوصاف غير العقد فلا تنزل منزلته ولا يترتب عليها حكم فمما يدل على اللزوم جواب الشريف المزدغي في يتيمة عقد عليها أخوها بغير وكالة غير أن الناس حضروا وأكلوا وكان يبعث لها بالحناء والفاكهة والصابون في المواسم والأعياد قال فيه : إن صبغت بالحناء وأكلت من تلك الفاكهة مع علمها لزمها النكاح اه . ونحوه كما يأتي للعبدوسي وابن لب والبرزلي ، وما ذكره المزدغي وابن لب والعبدوسي يؤخذ من قول المتن وإن طال كثيراً لزم بالأخرى وما ذكره البرزلي يقيد بالطول الذي في المتن والله أعلم . ومما يدل على عدمه جواب أبي العباس البقيني في رجل خطب يتيمة من أخيها ، واتفقوا على الزواج بعدد معلوم وحوائج وحضروا بمجلس واحد وأكلوا دون أن تقع بينهم شهادة وأعطاها العفصة وألقتها في رأسها ، ثم إن الرجل فقد أو أسر هل يصح لغيره العقد عليها أم لا ؟ فقال : لا نكاح بينهما ولا توارث ولا عدة ، وبهذا جرت عادة المفتين ، وأنه إذا لم يقع إشهاد فلا نكاح ، وكان شيخنا سيدي إبراهيم بن فتوح يستشكل هذا ، ولا سيما إذا عظم التراكن فيما مثل هذه المسألة اه . هذا ملخص ما نقلوه من جواب الجلالي المذكور ، ولم أقف على جوابه بعينه ، ويؤيد ما للمزدغي ما أفتى به ابن لب والعبدوسي فيمن عقدعليها وليها بغير وكالة من أنها إذا هنيت حين العقد فلم تنكر ، أو حضرت صنيع وليمتها دون إظهار نكير لزمها النكاح ، وكذا نقل البرزلي عن الرماح أن النكاح إذا كان مشهوراً فإنه يغني عن توكيل البكر أو الثيب اه ، ويؤيد ما للبقيني ما أجاب به السرقسطي في امرأة خطبت من والدها وأكلوا الطعام قال : إن ثبت أن والد الزوجة قال : زوجت ابنتي البكر فلانة من فلان وسمع من الزوج أنه قال : تزوجتها فإنهما يتوارثان وإلاَّ فلا اه . وقال أيضاً في جواب آخر عن مثل النازلة الصيغة وهي اللفظ الدال على التزويج والتزوج ركن من أركان النكاح لا ينعقد إلا بها ، فإن حصلت من الزوج والأب والأب مجبر حصل النكاح وإلاَّ فلا اه . وبمثله أجاب ( ق ) وابن سراج كما في المعيار وغيره إلا أن البقيني علل بعدم الإشهاد وهم عللوا بفقد الصيغة قالوا : وهو الصواب في التعليل لما مر أن الإشهاد ليس شرطاً ولا ركناً .
قلت : اللهم إلا أن يكون جوابه في قوم عادتهم أن كل ما يفعلونه قبل الإشهاد لغو وقولهم وهو الصواب في التعليل يقتضي إن قوله في السؤال ، واتفقوا على الزواج الخ . أنهم عقدوا لا أنهم تواعدوا وإلاَّ ما حسن التعليل بفقد الإشهاد أو الصيغة لأن الذي لا عقد فيه لا يعلل بذلك لأنهم يقولون عقد فاتت فيه الصيغة أو الإشهاد ولا يقولون وعد فات فيه ما ذكر ، وقوله : بعد ولا سيما إن عظم التراكن الخ . لا ينافي ذلك لأن التراكن وإن بلغ ما بلغ لا يكون عقداً فالمراد بالتراكن العقد أي ولا سيما إن عظم ما يدل على العقد الخ . والتعليل بفقد الصيغة هو الجاري على ما في النظم وغيره ، وقال في اللباب : الصيغة من الولي لفظ الخ . وبهذا يحسن مقابلة ما للبقيني بما للمزدغي ونصيرنا زلتاهما متحدتي المعنى وإن الافتيات على المرأة وقع فيهما ، وزادت نازلة الثاني بفقد الصيغة لأن قوله : اتفقوا محتمل للاتفاق مع الصيغة أو مع عدمها ، والمحتمل لا دليل فيه ، ولذا قالوا : الصواب التعليل بفقدها ، لكن حيث زادت نازلة الثاني بما ذكر أدى ذلك إلى اختلاف موضوع النازلتين وإن اتحدتا في الافتيات ، وبهذا استشكلت المقابلة بين النازلتين ، وعندي أنه مشكل من جهة أخرى ، وذلك أن سيدي إبراهيم الجلالي أجمل في جوابه على حسب ما نقلوه عنه ووقفنا عليه لأنه لم يبين ما المراد بقول السائل فيجاب بالقبول الخ . لأنه إن كان معناه أن الإيجاب وقع من الولي بشيء من الألفاظ المتقدمة في تقرير النظم من غير استئمار للمرأة ولا توكيل منها ، وثبت ذلك ببينة أو إقرار بعد الموت أو النزاع فالمرأة حينئذ مفتات عليها فيجري حكمها على قول ( خ ) وصح إن قرب رضاها بالبلد ولم يقر به حال العقد الخ . والزوج هنا غير مفتات عليه إن كان خاطباً لنفسه لأن الخاطب حينئذ وكيله إذ الفرض أن الخطبة بإذنه ، فقول الخاطب فلان يقول لك زوج وليتك مني أو يخطب منك وليتك بمنزلة قول ( خ ) ويزوجني ففعل الخ ، فالصيغة حينئذ موجودة من الولي إلا أنها تارة توجد بلفظ الإنكاح والتزويج وتارة بغيرهما فيجري ذلك على ما مرّ في تقرير النظم ولا يخفى أنهم قصدوا بها النكاح حتى رتبوا عليها الولاول ونحوها ، وإن كان الإيجاب وقع من المخطوبة أو كان الباعث يخطب لولده لا لنفسه والموضوع بحاله فالافتيات وقع على الولي في الأولى ولا يصح النكاح بحال ولو أجازه الولي لأن عاقده امرأة وعلى الزوج في الثانية يجري حكمه على ما أشار له ( خ ) بقوله : وحلف رشيد وأجنبي إلى قوله : وإن طال كثيراً لزم الخ . وإن كان الافتيات على الزوج والزوجة فيجري كل على حكمه على قول مرجوح فيه كما يأتي ، وعلى هذا القسم أعني الافتيات علىالزوجة فقط أو على الزوج فقط أو على الزوجين على القول المرجوح يتنزل جواب المزدغي ، ومن ذكر معه لأن قبول الهدايا وحضور الوليمة والسكوت حين الشهرة أقوى من قول المتن وإن طال كثيراً لزم الخ . وإن كان معناه يجاب بالقبول غالباً أي غالب أحوالهم أن يكون الإيجاب من الولي بشيء من تلك الألفاظ المتقدمة وتصدر عنه حينئذ تلك الأفعال ، فينبغي أن يكون الحكم للغالب ويجري حينئذ حكمه على الوجه الذي قبله وإن كان قوله في السؤال فيجاب بالقبول الخ . معناه أنهم أجابوه بإظهار ما يدل عليه من سرور وميل وليس هناك غالب ولا يدري هل كانت هناك صيغة أم لا ؟ وتوكيل واستئمار أم لا ؟ كما هو ظاهر جوابه بدليل قوله : بحيث يرتبون إلى قوله من إرسال الحناء ، وبدليل قوله الدلالة الفعلية أقوى الخ . فلا يخفى أن هذا لا يتنزل عليه جواب المزدغي ومن معه لأن المحقق حينئذ هو الميل والسرور ، وبعث الهدايا وقبولها وغير ذلك من الصيغة ونحوها محتمل مشكوك هو في حكم العدم ، ونازلة المزدغي صرح السائل فيها بالعقد فظاهره أنه إنما فات فيها التوكيل والاستئمار وغير ذلك من الأركان كله موجود ، وهذا لا يتنزل عليه جواب اليقيني إن قلنا أن قوله في السؤال اتفقوا معناه تعاقدوا كما مرّ ، وأما إن قلنا معناه وقع منهم ما يدل على الاتفاق ولا يدري بماذا هو ولا أنه كان بحضور المرأة أو توكيلها ولا يدرون ذلك فهو حينئذ أشبه شيء بهذا الاحتمال الذي نحن فيه ، لكن لا ينبغي أن يعلل بعدم الإشهاد ولا بفقد الصيغة ، بل بعدم وجود العقد من أصله إذ المحقق حينئذ هو وجود تلك الأفعال وغيرها محتمل في حكم العدم وهي وحدها لا دلالة فيها على العقد لأنها محتملة للعقد والوعد والمحتمل لا دلالة فيه ، فإن كانت عادتهم وغالب أحوالهم أنهم يريدون بها انبرام العقد ، وأنها لا تكون إلا بعده فيحسن حينئذ التعليل بفوات الصيغة التي هي اللفظ الدال على التزويج والتزوج الخ . ومقابله من يقول أن النكاح ينعقد بغير صيغة بل بإشارة ونحوها ولو ممن يتأتى منه النطق وهو ظاهر قول المقري في قواعده كل نكاح ، فالمعتبر في انعقاده ما دلّ على معناه لا في صيغة مخصوصة ويكون حينئذ الخلاف في القسم الأول من أقسام صدر الجواب لا في القسم الثالث الذي هو جهل الحال بما يريدون بتلك الأفعال لما علمت من أن المحتمل لا تثبت به الأحكام ، وبالجملة إن حملنا السؤال في الأمليسية على المعنى الأول ، فالحكم ظاهر وإن حملناه على الثاني كما هو مقتضى جواب سيدي إبراهيم المذكور فلا يحسن الاستدلال بما للمزدغي ولا بما للبقيني إن قلنا أن قوله في السؤال اتفقوا معناه تعاقدوا ، وإن قلنا معناه وقع بينهم اتفاق فيفصل فإن كان غالب أحوالهم أنهم يقصدون بتلك الأفعال الانبرام فيجري الخلاف بين من يشترط الصيغة المخصوصة ومن لا يشترطها كالمقري في أول الأقسام فقط لا بين من يشترط الصيغة وبين المزدغي المذكور ولا في القسم الثالث إذ الأفعال المحتملة لا يثبت بها نكاح . اللهم إلا أن يقال وجه الاستدلال بما للمزدغي أن رضا الزوجة من أركان النكاح ، وقد قام مقام رضاها أكلها وصبغها بالحناء أو حضور وليمتها ونحو ذلك . وإذا قامت الدلالة الفعلية مقام ركن من جانب فكذلك تقوم مقامه من جميع الجوانب كما في نازلتنا لكنه يحتاج لوصي بسفر عنه ، ويكون حينئذ ما للمزدغي تقوية لما للمقري من عدم اشتراط صيغة مخصوصة فتحسن المقابلة حينئذ بين المزدغي ، ومن يشترط صيغة مخصوصة لكن في القسم الأول فقط كما مرّ لأن للمزدغي ومن معه إنما هو لكون العادة قطعت بأن ذلك الفعل يدل على رضاها . وعلى القسمالأول ينبغي أن يحمل قول ناظم العمل : وفي النكاح إن بدا القبول الخ . فتأمل هذا الذي ذكرناه بإنصاف ولا تغتر بما سبق للأذهان من الانحراف .
فإن قلت : الزوجة في نازلة المزدغي ومن معه مفتات عليها وحكمها منصوص للأقدمين كما قال ( خ ) أو أفتيت عليها وصح أن قرب رضاها بالبلد الخ . فما وجه نسبتها للمتأخرين . قلت : المنصوص للأقدمين أن رضاها لا يكون إلا بالنطق كما يأتي ، وهؤلاء جعلوا تلك الأفعال قائمة مقام نطقها لأن تلك الأفعال بمقتضى العادة كالنطق أو أقوى فلعله لذلك نسبت إليهم .
تنبيهات . الأول : مما يشبه الأمليسية ما جرت عادة أهل فاس أنه إذا حصل الإيجاب من ولي الزوجة يتواعد مع أهل الزوج ليوم ووقت يجتمعون فيه في المسجد مع أهل الوجاهات من الشرفاء وغيرهم ، فيجتمعون ويسمع الحاضرون من ولي الزوجة أنه زوج وليته من فلان ويقبل ولي الزوج أو من يدعي النيابة عنه ويعينون الصداق ويقرؤون الفاتحة وينصرفون ولا يسمعون من الزوج قبولاً ولا من المرأة توكيلاً لعدم حضورهما ، ثم يطرأ موت أو نزاع فيحتج الزوج بأنه لم يحضر ولم يرض ، والمرأة بأنها لم توكل ، والحكم في هذه ظاهر مما مر إذ الصيغة فيها موجودة من الولي ولكن وقع الافتيات على الزوج والزوجة على زعميهما . فإن ثبت أنه وجد من الزوجة والزوج ما يدل على رضاهما لزمهما النكاح على خلاف ما يأتي في النكاح الموقوف على الطرفين ، فإن لم يثبت شيء فقال القصار في جواب له نقله الزياتي فيمن عقد عليه أبوه أو أخوه نكاحاً ولم يسمع من الزوج إذن ولا قبول حتى مات بعد ثلاثة أعوام ، والحال أن العاقد لم يدع توكيلاً ولا افتياتاً ما نصه : عاقد نكاح غيره وإن غائباً يحمل على الإذن لأن الغالب أنه لا يعقد أحد نكاح غيره إلا بإذنه ، وجواب أخينا السراج بغير ذلك خلاف الصواب وحمل على أكل أموال الناس كجوابه بعدم انعقاد النكاح قبل الإشهاد وما وقع من ذلك لغيره إنما هو في قطر عادتهم أن كل ما فعلوه قبل الإشهاد لغو وليس قطرنا كذلك اه . ونحوه لابن عرضون كما مرّ وصدق رحمه الله في كون قطرنا ليس كذلك إذ من مارس أنكحة فاس ونواحيها وجدها لا تقع إلا بإذن من الزوجين ، وظاهر تعليله وصدر جوابه أن ذلك جار حتى في غيبة الزوجين معاً كما هي عادة فاس ، وقوله : وجواب أخينا السراج الخ . يريد أن السراج أفتى في مثل النازلة بعدم ثبوت النكاح قائلاً لأنه لا ينعقد إلا بقبول الزوج وقبوله لم يثبت . والحاصل أن الافتيات إما على الزوج أو على الزوجة أو على الولي كما تقدم ذلك عند قوله : والمهر والصيغة الخ . والافتيات على الولي المجبر أو على غيره فيه تفصيل يأتي في ترتيب الأولياء وعلى الزوجة والزوج هو المشار إليه بقول ( خ ) عاطفاً على ما لا بد فيه من النطق أو أفتيت عليها الخ . وبقوله : وحلف رشيد وأجنبي إلخ إذ ذاك كله في النكاح الموقوف ، وقد تقدم عن الفشتالي أن فيه أقوالاً ثلاثة والنكاح الموقوف كما للباجي الذي وقف على إجازة الولي أو أحد الزوجين ، فهذا موقوف أحد طرفيه والموقوف طرفاه أن يوقف على رضا الزوج والزوجة ، والصحيح فيه الفسخ مطلقاً وأما على أحدهما فيصح بالقيد المذكور في ( خ ) ابن رشد : إذا زوج الرجل وليته البكر أو الثيب أو ابنه الكبير أو الأجنبي في مغيبهم فلا يخلو إما أن يزعم حين العقد أنه أذن له فيه الغائب فلا يفسخ النكاح حتى يقدم الغائب فإن صدقه جاز النكاح وإن بعد وإن أنكر الإذن حلف ولم يلزمه ، وإن قال لم آمره ولكنيأرضى النكاح جاز النكاح في القرب دون البعد على المشهور ، وأما إن يزعم حين العقد أنه لم يأذن له وأنه مفتات في عقده فالنكاح فاسد اتفاقاً قرب أو بعد ، وأما أن يعقد ويسكت ولا يبين شيئاً فهو محمول على التوكيل حتى يثبت خلاف ذلك انتهى باختصار بنقل الزياتي . لكن ما ذكره من الاتفاق على الفساد في الوجه الثاني خلاف تفسير الباجي للنكاح الموقوف الجائز عندنا من أنه الذي يعقده الولي على وليته ، ويشترط إجازتها وأنه لم يستأذنها الخ . فهو كما لابن عرفة قادح في الاتفاق المذكور وإن كان ( خ ) درج في قوله ولم يقر به حال العقد على ما لابن رشد انظر شرح العمل عند قوله :
ومن تحمل عن ابنه النكاح
وحمل الصداق عنه ليراح
الثاني : قال في التكميل عن ابن أبي زيد في الرجل يقول : زوجت ابنتي فلاناً إن رضي أن له الرضا بإجماع . قال : وسئل العبدوسي عمن أشهد أنه أنكح ابنته البكر من فلان بصداق مسمى فلم يبلغه الخبر إلا بعد سنين ، فأجاب : هذا يجاب للرجل المذكور فيها فإن قبله الزوج حين بلغه صح نكاحه قرب أم بعد ، ولا يجري فيه الخلاف الذي في النكاح الموقوف قال : وكثير من الطلبة يلبس عليه الفرق بين الصورتين اه . ونحوه للقوري وذكر في نوازل الزياتي عن العبدوسي أن الفرق بين نكاح الإيجاب والنكاح الموقوف هو أن الإيجاب نكاح يعقده الأب على ابنته من غير أن يقصد العقد على الزوج ، فهذا يصح مهما قبله الزوج ولو بعد طول وإن كان صغيراً وقبله بعد البلوغ أو قبله وكان في سن من يميز معنى ذلك ولم يرده بعد رشده فإنه منبرم أيضاً بخلاف الموقوف فإنه الذي يقصد به العقد على الزوج فإن قبله بالقرب ، وكان أهلاً للقبول صح ، وإن طال فسد على المشهور اه .
قلت : وكأن هذا الفرق أخذه من كلام ابن رشد المتقدم وتأمل قوله : ولا يجري فيه الخلاف الذي في النكاح الموقوف الخ . مع أن نازلته هي عين قول ( خ ) وصح إن مت فقد زوجت ابنتي بمرض وهل إن قيل بقرب موته تأويلان الخ . لأن مسألة المرض راجعة بعد الموت لنازلته إذ الإيجاب وقع فيها معلقاً على الموت ، ونازلة العبدوسي لا تعليق فيها ، لكن اتحدتا بعد وقوع المعلق عليه ، ولذا قال العوفي فيها التعليق وقع في الحياة ولا عبرة بطول مرضه أو قصره والإيجاب وقع مع الموت وهو الذي يشترط القبول عقبه اه . وقد ذكر ابن رشد أن الأقوال الثلاثة التي في النكاح الموقوف تجري في مسألة المرض هذه كما في ضيح . اللهم إلا أن يكون مراد العبدوسي لا يجري فيه الخلاف الذي في الموقوف نصاً بل تخريجاً ، لكن يقال هي وإن لم يجر فيها الخلاف الذي في الموقوف نصاً ، لكن يجري فيها الخلاف الذي في مسألة المرض نصاً لأنها عينها على أن نازلته هي المتقدمة عن ابن القاسم عند قوله : والمهر والصيغة الخ . ومسألة الإجماع المتقدمة ليس فيها التصريح بأن له القبول ولو بعد طول ، بل هذه ظاهرة فيه فتحمل على القرب أي له الرضا بالقرب بإجماع ، وأما بعد طول ففيه خلاف بدليل مسألة المرض وتخريج ابن رشد للأقوال يقتضي أنه لم يسلم الإجماع المتقدم وإلاَّ ما صح له التخريج لما تقرر في علم الأصول أن من قواد ( ح ) القياس كونه في محل نص أو إجماع ، وقد علمت أن المشهور في الموقوف اشتراط القرب فيعلم منه اشتراط الفور بين القبول والإيجاب إلا الفصل اليسير ، وينبغي أن يراعي ذلكالتشهير أيضاً في مسألة المرض وما في معناها وهذا ما لم يكن زوجها من صغير وإلاَّ فلا يضر تأخير القبول اتفاقاً .
الثالث : قال ابن عرضون ونقله في نوازل العلمي فيمن عقد ليلة الثاني والعشرين بعد العشاء وشهد على الزوج بالقبول يوم الخامس والعشرين : هل تحسب تلك الليلة من الثالث والعشرين ويكون القبول داخل الثلاثة الأيام ما نصه : إن كان الأمر كما ذكر فلا يفسخ النكاح الموصوف اه . قلت : وفي أنكحة المعيار في رجل عقد النكاح على أخته يوم الخميس وشهد على الزوجة يوم الجمعة وقد كان رجع الزوج عنه عشية يوم الخميس أن النكاح منعقد بإجازة الزوجة ورجوع الزوج يعد طلاقاً يلزمه النصف فانظره .
الرابع : قال في ضيح في المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل : ومنها المرأة تزوج وهي حاضرة فتسكت ولا تنكر حتى يدخل بها الزوج ثم تنكر النكاح وتقول : لم أرض الخ . وسئل ابن مرزوق عمن علاتهم عدم الكتب حين العقد هل يكلف الزوج بعد البناء إثبات النكاح وأن القبول وقع ناجزاً فقال : دعوى المرأة عدم الرضا بعد البناء لا تقبل إلا ببينة ولا تعزل عن الزوج بمجرد دعواها ومحمل النكاح على الصحة حتى يتبين الفساد .
وَرُبْعُ دِينارٍ أَقَلُّ المُصْدَقِ
وَلَيْسَ لِلأَكْثَرِ حَدَّ ما ارْتُقِي
( وربع ) خبر ( دينار ) مضاف إليه ( أقل ) مبتدأ ( المصدق ) بضم الميم وسكون الصاد اسم مفعول مضاف إليه أي أقل الصداق ربع دينار ذهباً وصرفه اثنا عشر درهماً شرعياً كصرفه في باب الدية ، والصرف واليمين والسرقة بخلاف صرفه في الزكاة والجزية فعشرة دراهم فقط ، وقد نظم ذلك ( تت ) فقال :
ديات وصرف مع يمين وسارق
نكاح زكاة جزية تم عدها
فصرف أخيرها بعشر دراهم
وللباقي زده اثنين غاية عدها
وسيأتي في بيع الحاضن أن صرفه هناك ثمانية دراهم . ( وليس ) فعل ناقص ( للأكثر ) خبرها مقدم ( حد ) اسمها مؤخر ( ما ) نافية ( ارتقي ) بالبناء للمفعول ، والجملة صفة لحد أي ليس لأكثره حد من نعته وصفته لا يرتقي عليه ولا يتجاوز لقوله تعالى : وآتيتم إحداهن قنطاراً } ( النساء : 20 ) ابن رشد : والقنطار ألف دينار ومائتا دينار إلا أن اليسارة فيه أحب لأهل العلم والمغالاة فيه مكروهة كما في ( خ ) وغيره قال في المقدمات : كانت صدقات أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبناته على قدر علو قدره وقدرهن اثنتي عشرة أوقية ونشاً والأوقية أربعون درهماً ، والنش عشرون درهماً فذلك خمسمائة درهم .أَوَ مَا بِهِ قُوِّمَ أَوْ دَرَاهِمُ
ثَلاَثَةٌ فَهْيَ لَهُ تُقَاومُ
( أو ) للتنويع ( ما ) موصولة واقعة على العرض ونحوه معطوفة على ربع ( به ) يتعلق بقوله : ( قوم ) والجملة صلة والرابط الضمير النائب في قوم والضمير المجرور يعود على ربع أي أقل الصداق ربع دينار أو عرض قوم به يوم العقد يعني أو بثلاثة دراهم فأيهما ساواه صح به النكاح ، ولو نقص عن الآخر كما في ( ز ) وقيل لا يعتبر التقويم إلا بالدراهم . ( أو ) للتنويع أيضاً ( دراهم ) معطوف على ربع أيضاً ( ثلاثة ) صفة ( فهي ) مبتدأ والفاء سببية ( له ) يتعلق بقوله ( تقاوم ) أي تعادل وتماثل والجملة خبر والضمير المجرور يعود على ربع ، ومفهوم أقل أنه إن نقص عما ذكر فسد وهو كذلك ( خ ) وفسد إن نقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم خالصة أو مقوم بهما وأتمه إن دخل وإلاَّ بان لم يتمه فسخ فملخصه أنه إن بنى لزمه إتمامه وإلاَّ فإن أراده لزمه الإتمام أيضاً فإن لم يرده وعزم على عدم الإتمام فسخ وإلاَّ بقي له الخيار إلا أن تقوم الزوجة بحقها لتضررها قاله ( ز ) وقوله : فسخ أي على المشهور . وقال ابن وهب : لا يفسخ وإن وقع بالدرهم والشيء اليسير كالشافعي قائلاً لا حدَّ لأقله كما لا حد لأكثره فكل ما جاز أن يكون ثمناً لشيء أو أجرة لشيء جاز أن يكون مهراً وبه قال أحمد وإسحاق . وقال أبو حنيفة : أقله دينار أو عشرة دراهم . وقوله : فسخ أي بطلاق لأنه مختلف فيه ولها نصف المسمى كما قال ( خ ) وسقط بالفسخ قبله الإنكاح الدرهمين فنصفهما الخ .
ولما ذكر أقل الصداق ذكر قدر الثلاثة دراهم الشرعية بدراهم وقته فقال :
وَقَدْرُهَا بِالدَّرْهِم السَّبْعَينِي
نحوٌ مِنَ العِشْرِينَ في التَّبْيِينِ
( وقدرها ) مبتدأ والضمير للثلاثة دراهم ( بالدرهم ) يتعلق بالمبتدأ ( السبعيني ) صفة وهو نسبة إلى سبعين أحد العقود أي الدرهم الذي سبعون منه في الأوقية الشرعية والأوقية الشرعية أربعون درهماً شرعياً قال ابن جزي : إن الدراهم كانت في الأندلس سبعين في الأوقية ، ثم ردت ثمانين في الأوقية ونحوه في ( ق ) قاله ( ت ) ( نحو ) خبر المبتدأ ( من العشرين ) يتعلق به ( في التبيين ) في موضع الصفة لنحو قال الشارح عن بعضهم أن الدرهم الشرعي فيه من دراهمنا يعني السبعينيةستة دراهم وثلاثة أعشار الدرهم قال : ولا شك إنك إذا ضربت ثلاثة في ستة وثلاثة أعشار كان الخارج ثمانية عشر وتسعة أعشار . ولذا قال الناظم : نحو أي يقرب من العشرين ، وقد يكون فيها مع ذلك غش أو نقص فلذا قال :
وَيَنْبَغِي في ذاكَ الاحْتِياطُ
بخَمْسَةٍ بِقَدْرِها تُنَاطُ
( وينبغي ) مضارع ( في ذاك ) يتعلق به والإشارة للتبيين ( الاحتياط ) فاعل ( بخمسة ) يتعلق بالاحتياط أي بزيادة خمسة على العشرين فتكون خمسة وعشرين ( بقدرها ) يتعلق بقوله : ( تناط ) بالبناء للمفعول والجملة تعليل لما قبلها أي ينبغي الاحتياط في ذلك البيان بزيادة خمسة إذ يقدرها مع العشرين تناط وتضبط الثلاثة الشرعية ، والنوط التعليق يقال ناطه ينوطه أي علقه ، ومعنى التعليق هنا الضبط لأنه يفسر في كل شيء بما يناسبه ، ألا ترى أنه في تعليق القدرة بالممكنات بمعنى التأثير ، وفي تعليق العلم بالمعلومات بمعنى الانكشاف ، وفي تعليق المجرور بعامله بمعنى أنه معمول له والله أعلم .
تنبيهان . الأول : ما ذكره الشارح عن بعضهم من أن الدرهم الشرعي فيه من الدراهم السبعينية ستة دراهم وثلاثة أعشار الخ . غير ظاهر إذ الذي تقتضيه القسمة الحيسوبية على ما مرّ من أن سبعين منها في الأوقية والأوقية أربعون درهماً شرعياً أن يكون كل درهم شرعي فيه من الدراهم السبعينية درهم وثلاثة أرباع الدرهم ، فالثلاثة دراهم على هذا هي خمسة دراهم سبعينية وربع درهم ، فيشكل حينئذ قول الناظم نحو من العشرين الخ . اللهم إلا أن يقال معناه نحو من العشرين ربعاً منه أي من الدرهم السبعيني ونحو الشيء ما يزيد عليه بيسير أو ينقص عنه كذلك كما قاله شراح المتن في فصل الحيض عند قوله النصف ونحوه الخ .
الثاني : قدر الثلاثة الشرعية بالدرهم الفاسي الإسماعيلي عشرة دراهم أي عشر مزونات إسماعيلية هي ثلاثة دراهم شرعية لأن الدرهم الشرعي فيه من الدراهم أي المزونات الإسماعيلية ثلاثة وثلث بالوزن المرضي قاله ( ت ) .
قلت : وسمعت من أشياخنا أن الدرهم السليماني الذي فيه ست مزونات سليمانية هو الدرهم الشرعي أو يقرب منه ، فينبغي الزيادة على ذلك للاحتياط .وَمِنْهُ ما سُميَ أَوْ ما فُوِّضا
فِيهِ وحَتْماً لِلدُّخُولِ فُرِضَا
( ومنه ) خبر عن ( ما ) الموصولة وصلتها ( سمي ) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير الصداق والرابط بين الموصول وصلته محذوف وإن لم تتوفر شروط حذف العائد فهو كقوله :
ومن حسد يجور على قومي
وأي الدهر ذو لم يحسدوني
أي : ومن النكاح النكاح الذي سمي الصداق فيه وقدر كما يسمى الثمن في المبيع إلا أنه يجوز فيه خفيف الغرر لبناء على المكارمة دون البيع ( خ ) الصداق كالثمن ثم قال : وجاز بشورة وعدد من كإبل أو رقيق أو صداق مثل ولها الوسط حالاً الخ ثم إذا سمي عيناً ودفع عنها حلياً وشورة كما هي عادة أهل البوادي يسمون الصداق دنانير أو دراهم ، ثم يأتي الزوج بكسوة وحلي ذهب أو فضة ويقول : اشتريت هذا بكذا وهذا بكذا فأفتى السيوري بفساد النكاح .
قلت : يريد ويفسخ قبل البناء فقط ومحل فساده كما للبرزلي إذا لم يكن ما يأتي به معروفاً لا يختلف في عوائدهم وإلاَّ جاز لأن العادة كالشرط وكأنه تزوجها بتلك الكسوة وذلك الحلي ابتداء لأن الضمائر منعقدة على أن الصداق هو تلك السلع وذلك الحلي والتسمية لغو ولا يحتاج إلى حيازة لأنه ليس بتصيير كما يأتي في فصله وما علل به بعضهم إطلاق فتوى السيوري من أن ذلك يؤول إلى ربا النسا في النقد لأن العادة كالشرط يرد بأن النقد المسمى في العقد لم يتقرر في الذمة حيث كان العرف أنه يأتي بغيره ، فكأن النكاح انعقد ابتداء على شورة يأتي بها قيمتها كذا . ويؤيد هذا ما في بيوع البرزلي من أنه إذا سمي في البيع دنانير ، والمقصود صرفها بدراهم أو وقع البيع بجزء من دينار إلى أجل ودخلا على أن يعطيه فضة قدرها كذا جاز ذلك . ويكون التعامل بالفضة لا بالذهب ، وقد نص عليه أواخر صرف المدونة ، وذكر في المعيار عن ابن مرزوق فيمن اشترى شقصاً بدراهم ونقد زيتاً أنهما إن دخلا على ذلك ابتداء فالشفعة بالزيت وبمثل ما للبرزلي أفتى أبو الفضل بن راشد وغيره ، وأفتى جماعة منهم أبو سالم الجلالي بما للسيوري من الإطلاق وقد علمت ضعفه والله أعلم . قاله أبو العباس الملوي وقال ناظم العمل :
وما إلا صدقة من مجرد
تسمية العين بلا تخلد
بذمة مقوماً فجائز الخ .
( أو ) عاطفة ( ما ) موصولة واقعة على النكاح معطوفة على ما الأولى ( فوضا ) بالبناء للمفعول صلتها ونائبه ضمير الصداق ( فيه ) يتعلق بالصلة هو الرابط والتفويض كما لابن عرفة عقد دون تسمية مهر ، ولا إسقاطه ولا صرفه لحكم أحد فخرج بالقيد الأول نكاح التسمية ، وبالثاني النكاح الذي دخلا على إسقاط الصداق فيه فإنه فاسد يفسخ قبل البناء كما في الشامل وبالثالثنكاح التحكيم . قال الرصاع : ويرد عليه إذا جرت العادة والعرف بمهر ، ولم تقع تسمية فعن اللخمي أنه تفويض ، وعن المازري أنه يسميه . وقال ابن رحال : هذا لا يرد على حد ابن عرفة لأنه حيث كان المهر معروفاً عندهم عادة فالتسمية فيه موجودة ونص ما في المعيار والبرزلي . سئل المازري عن أنكحة البادية والعادة أنهم لا يسمون صدقاتهم ولا يشهدون عليها وقت العقد بل عند البناء والصداق عندهم معروف لا يزاد عليه لجمال ولا ينقص عنه لقبح ، فهل يحكم له بحكم التفويض يسقط في الموت ويجب الميراث ويسقط بالطلاق قبل البناء ؟ فقال : إن انتهت العادة بأنهما ما سكتا عن التسمية إلا للعلم بها وتفاهمهما أن كل واحد منهما عقد عليها فهو نكاح سمي صداقه وإن سكت عن التسمية والزوج غير ملتزم إليها بل فوض الصداق إليه أو إليها فيفرض صداق المثل ، فهذا حكمه حكم التفويض فلها منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها ثم قال : ولو أشكل الأمر في قصدها فالأصل أنه تفويض إذا زعم أنه كذلك اه باختصار . ثم إذا انعقد النكاح على التفويض فلها منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل أو أكثر لزمها ، وإن فرض لها أقل لم يلزمها ، وله حينئذ أن يطلق ولا شيء عليه كما لا شيء عليه في الموت وفيه الإرث ، فإن لم يفرض لها حتى دخل لزمه صداق المثل كما قال : ( وحتماً للدخول فرضا ) فاللام بمعنى بعد كقوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس } ( الإسراء : 78 ) أي فرض صداق المثل بعد الدخول فرضاً حتماً أي وجوباً محتماً صفة لمصدر محذوف بمعنى محتماً وللدخول يتعلق بفرض ، وأما قبل الدخول فلا يتحتم الفرض إذ لها أن لا تمنع نفسها قبله كما مرّ وله أن يفارق ولو بعد إرادة الدخول . وقول المدونة ليس للزوج البناء حتى يفرض معناه إذا منعت نفسها منه قبل الفرض ، وبالجملة إن أراد الدخول ومكنته جاز إلا أنه يكره دون أن يقدم ربع دينار ، وإن امتنعت من تمكينه حتى يفرض لها لزمه أحد أمرين : إما الفراق أو الفرض ، ولا يحمل النظم على هذا الأخير بجعل اللام للتعليل على حذف الإرادة لأن قوله حتماً ينافيه إذ لا يتحتم الفرض في هذا الوجه كما لا يتحتم عليه إذا لم يرد الدخول وطلبته هي بالفرض ، بل يجبر على أحد الأمرين السابقين ( خ ) ومهر المثل ما يرغب به مثله فيها باعتبار دين وجمال وحسب ومال وبلد وأخت شقيقة أو لأب الخ والحسب ما يعد من مفاخر الآباء ككرم ومروءة .وكُلُّ ما يَصِحُّ مِلْكاً يُمْهَرُ
إلاَّ إذَا ما كَانَ فِيهِ غَرَرُ
( وكل ) مبتدأ ( ما ) موصول مضاف إليه ( يصح ) صلة ( ملكاً ) تمييز محول عن الفاعل أي ملكه ( يمهر ) خبر ( إلا ) استثناء ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( ما ) زائدة ( كان ) فعل ناقص ( فيه ) خبر كان ( غرر ) اسمها والضمير المجرور بفي يعود على ملكاً على حذف مضاف أي إلا إذا كان في بيعه غرر إذ الغرر إنما هو من عوارض البيع لا من عوارض الملك ، والجملة في محل جر بإضافة إذا وجوابه محذوف أي : فلا يصح كونه مهراً ، وبهذا تكون عبارته مساوية لقول ابن زرقون ، ولا يجوز أن يكون صداقاً إلا ما يجوز ملكه وبيعه وحاصل معنى النظم أن كل ما يصح ملكه يصح كونه مهراً إلا أن يكون في بيعه غرر كثير كعبد آبق وجنين وبعير شارد وثمرة لم يبد صلاحها ونحو ذلك كجهل بكقدره ويفهم منه أن ما يصح تملكه ولكنه لا يباع أصلاً كجلد الميتة والأضحية والزيت المتنجس والمدبر وأم الولد لا يكون صداقاً بالأحرى لأنه إذا كان لا يصدق ما يصح بيعه لولا الغرر ، فأحرى الذي لا يصح بيعه أصلاً فالناظم نص على المتوهم ليفهم غيره بالأحرى ، فعبارته رحمه الله وافية بالمقصود والله أعلم ( خ ) الصداق كالثمن وشمل قوله ملكاً الذوات والمنافع فيدخل فيه نحو قوله تعالى : على أن تأجرني ثماني حجج } ( القصص : 27 ) على المذهب ، ويؤيده الحديث أنكحها بما معك من القرآن وشرع من قبلنا شرع لنا كما في البرزلي وقولي كثير احترازاً من اليسير ، فإنه يغتفر في الصداق فيجوز بشورة وصداق مثل كما مرّ ، ولا يجوز ذلك في البيع فالغرر اليسير يفترق فيه النيع والنكاح . ابن سلمون : ولا بد من بيان السكة إن كان الصداق دنانير أو دراهم ، فإن سقط ذكرها كان لها السكة الجارية في البلد في تاريخ النكاح فإن اختلفت أخذت من الأغلب فإن تساوت أخذت من جميعها بالسوية كمن تزوج برقيق ولم يصف حمراناً ولا سوداناً اه . ونحوه في المتيطية ، ومثل هذا يأتي في البيع إن شاء الله .والمَهْرُ والصَّدَاقُ ما قَدْ أُصْدِقَا
وفي الْكِتابِ بالمَجازِ أُطْلِقَا
( والمهر والصداق ) مبتدأ ومعطوف عليه ( ما ) موصول خبر ( قد أصدقا ) بالبناء للمفعول صلة ( وفي الكتاب بالمجاز ) يتعلقان بقوله : ( أطلقا ) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير الصداق وألفه للإطلاق لا للتثنية ( وفي ) بمعنى ( على ) ويحتمل وهو الظاهر أن الباء في قوله بالمجاز زائدة لا تتعلق بشيء لأنه منصوب على المفعولية المطلقة جر بالباء الزائدة أي إطلاقاً مجازياً ومعناه أن المهر والصداق اسمان لشيء واحد وهو ما يدفع للزوجة صداقاً ، ويطلق الصداق وحده على الكتاب الذي تقع فيه شهادة النكاح مجازاً ، وإنما حقه أن يسمي كتاب الصداق أو كتاب النكاح قاله ابن سلمون . ولعل الناظم إنما ذكر هذه المسألة مع أن مرجعها إلى اللغة التي لم تقصد بهذا النظم لينبه على أن المرأة إذا اعترفت بإعطاء صداقها لزوجها أو غيره ، فزعم الزوج أو الغير أنها أعطته ما فيه هبة عليه وزعمت هي أنها أعطته رسمه ليكون وديعة عنده ، فإن القول لها لأنها ادعت ما هو عرف الناس من إطلاق الصداق على الرسم المكتوب فيكون البيت المذكور راجعاً لبيان الأحكام المقصودة من هذا النظم على هذا الاعتبار إذ لا زال على ذلك عرف الناس إلى الآن والله أعلم .
وَيُكْرَهُ النِّكَاحُ بالمُؤَجَّلِ
إلا إذَا ما كانَ مَعْ مُعَجَّلِ
( ويكره ) بالبناء للمفعول ( النكاح ) نائبه على حذف مضاف أي عقد النكاح ( بالمؤجل ) يتعلق بيكره أي يكره عقده بالصداق المؤجل كله بدليل قوله : ( إلا ) استثناء ( إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( ما ) زائدة ( كان ) فعل ناقص واسمها ضمير المؤجل ( مع ) بسكون العين ( معجل ) مضاف إليه والظرف يتعلق بمحذوف خبرها ، ويحتمل أن تكون تامة أي إلا إذا كان المؤجل مصحوباً بمعجل أو وجد المؤجل مع معجل بأن عقداه على أن بعضه مؤجل وبعضه معجل فلا كراهة عند ابن القاسم ، وعليه عمل الناس اليوم حتى أنه في القوانين جعل ذلك مستحباً ، وكرهه مالك بالمؤجل مطلقاً ، وعليه اقتصر ( خ ) حيث قال : وكراهته كالمغالاة فيه والأجل الخ . ثم إذا قلنا بصحته بالمؤجل مع كراهته أو بدونها فلا بد أن يكون الأجل معلوماً . قال في الشامل : وفسد بمؤجل بعضه بكمشيئته أو بكموت أو فراق . وقال ( خ ) أيضاً عاطفاً علىالفاسد ما نصه : أو بعضه لأجل مجهول أو لم يقيد الأجل الخ . والمراد أنه يفسخ قبل البناء وإن رضي بتعجيله ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل كما لشراحه ، وإذا قلنا لا بد من علم الأجل فاختلف في الحد الذي يؤجل إليه ففي ابن سلمون والكالىء هو المؤخر وتأجيله إلى العشرين فما دون جائز باتفاق وهو معنى قوله :
وَأَمَدُ الكَوالِىءِ المُعَيَّنَهْ
سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِعِشْرِينَ سَنَهْ
( وأمد الكوالىء ) مبتدأ ومضاف إليه ( المعينه ) بفتح الياء صفة أي المعينة آجالها كقوله تعالى : في عيشة راضية } ( القارعة : 7 ) ( ستة أشهر ) خبر لمبتدأ مضمر أي الحائز من ذلك التأجيل ستة أشهر الخ . والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول ، ويحتمل أن يقدر هذا الإضمار قبل قوله : وأمد الخ . أي والجائز من أمد أي أجل الكوالىء المعينة آجالها هو ستة أشهر ( لعشرين سنه ) واللام بمعنى إلى وسنة تمييز .
بِحَسَبِ المهُورِ في المِقْدَارِ
وَنِسْبَةِ الأزْوَاجِ والأَقْدَارِ
( بحسب ) خبر لمبتدأ مضمر أي وذلك يختلف بحسب اختلاف ( المهور في المقدار ) أي في مقدارها قلة وكثرة حال معاقبة للضمير ( و ) يختلف بحسب ( نسبة الأزواج ) صغراً وكبراً ولو قال وسني الأزواج ( والأقدار ) لكان أحسن قاله ( م ) قال ابن أبي لبابة : إن كان الزوجان صغيرين أجل الكالىء لعشرين سنة ونحوها . ابن عرفة ، عن التونسي : التحقيق أنهم إنما كرهوا البيع والنكاح إلى بعيد الأجل الذي لا يجاوز عمر الإنسان لأنه يصير غرراً كحلوله بموته ولو نكح أو اشترى ابن ستين إلى عشرين لم يجز لأن الغالب أنه لا يعيش لذلك بخلاف ابن العشرين لأن حياته له مما الغالب أنه يعيش له جائز اتفاقاً وما لا يعيش إليه غير جائز اتفاقاً . وقول الناظم : والأقدار أي بحسب ضعة الأقدار وارتفاعها . وظاهره بل صريحه أن الاختلاف بما ذكر إنما يعتبر داخل العشرين ، وأما ما زاد عليها لا يجوز تأجيله إليه ويفسخ وهو رأي ابن وهب ، وبه كان يقول ابن القاسم أيضاً ، ثم رجع ابن القاسم إلى أنه لا يفسخ في الثلاثين ولا في الأربعين بل فيما فوقها ،وعنه أيضاً لا يفسخ إلا في الخمسين لأنه كما للبساطي مظنة إسقاطه وظاهره ، ولو كان الزوجان صغيرين يبلغه عمرهما ظاهراً وهو المعتمد وعليه حمل الشراح قول ( خ ) أو زاد على خمسين سنة وعنه أيضاً لا يفسخ إلا في السبعين والثمانين . ابن عرفة : ما أجل لأجل مجهول يفسخ قبل البناء فإن بنى جاز النكاح وما بمائة نقداً ومائة لموت أو فراق المشهور كذلك ، ومفهوم المعينة أي آجالها أن الأجل إذا لم يعين كان فاسداً كما مر .
ويترتب على ذلك فروع . الأول : إذا كان العرف أن الصداق إلى موت أو فراق ، ولكن عند الإشهاد يكتبونه على الحلول وطلبت الزوجة قبضه واحتجت بالكتابة المذكورة ، فهل تمكن من قبضه من الزوج إذا لم يكن طلاق ؟ ففي البرزلي أنه سئل ابن عرفة عن ذلك فقال : اختلف فيها الشيوخ فقيل : يقضي لها ، وقيل : لا لجري العادة بأنه لا يطلب إلا إلى موت أو فراق فألزم كون أنكحتهم فاسدة لأن العادة كالشرط فالتزمه قال : وفرق بين ما جرت العادة بتأخيره وبين ما جرت العادة بأن المرأة لا تقوم بطلبه ، ونقله العلمي أيضاً وزاد إثره عنه كان شيخنا ابن عبد السلام لا يقضي به ، ثم كتب لبعض تلامذته بالقضاء به كدين حال اه . وتأمل قوله : وفرق بين ما جرت العادة بتأخيره الخ . فإن الظاهر أنه لا فرق بينهما على أنه إذا جرى العرف في شيء بما يوجب فساده فلا وجه للتحرز منه إلا بالإشهاد بما يوجب جوازه من حلول أو أجل معلوم ، ونحو ذلك ، فكيف يقال بإلغاء الإشهاد المذكور ، اللهم إلا أن يقال أن قصدهم به عدم التحرز لكون عرفهم جرى بذلك فتأمله . ثم ذكر العلمي المذكور في نوازل الإقرار عن أبي عبد الله القوري وأبي العباس أحمد الزقاق أن المرأة لا تمكن من قبض الكالىء بعد حلوله ولا يقضى لها بقبضه إلا عند موت أو فراق لأن العادة جرت بذلك اه . وذكر ابن سلمون أول الأنكحة القولين القضاء للمتقدمين وعدمه للمتأخرين قال : وعليه القضاء الآن اه . وظاهر قولهم لجري العادة الخ . أنه يحل بالطلاق كما يحل بالموت فإذا طلقها وبعضه لم يحل أدى لها الجميع للعادة المذكورة ، ورأيت بعض أهل سجلماسة طلق زوجته فطالبته بما لم يحل منه فأمرها القاضي إن ثبت أن عادتهم ذلك .
الثاني : إذا تزوجها بمائة ولم يسم نقداً ولا كالئاً فهي حالة كما مرّ عن المدونة عند قوله : والمهر والصيغة الخ . وقد تقدم هناك أن أبا الحسن قال : إذا اتفق هذا في زماننا فالنكاح فاسد لأن العرف جرى أنه لا بد من الكالىء فيكونان قد دخلا عليه ولم يضربا له أجلاً ، لكن قال في الفائق عن بعضهم : إن قول أبي الحسن إنما يجري على قول ابن مغيث عن بعضهم أنه إذا كان أجل الكوالىء متعارفاً عند قوم فتزوج على نقد وكالىء ولم يضربا له أجلاً فإنهما يحملان على العرف ويكون النكاح صحيحاً ، وأما على المشهور من أنه لا يراعي العرف ويكون النكاح فاسداً فالجاري عليه صحة النكاح ويحكم بالحلول ولا يعتبر العرف إذ لا يفسر ما أبهمه المتعاقدان وهو خلاف قول أبي الحسن في المسألة اه . وما ذكره ابن مغيث نقله ابن سلمون وغيره .
قلت : وهذا يشبه ما قالوه في البيع فيمن ابتاع سلعة بثمن وادعى أنه مؤجل . وقال البائع : حال من أن السلعة إذا كان لها أجل معروف تباع عليه فالقول لمدعيه فانظر ذلك عند قول ( خ ) في الإقرار وقبل أجل مثله في بيع الخ . وعند قوله في اختلاف المتبايعين فالقول لمنكرالتقضي الخ . وهذا كله إذا كان للكالىء أجل معروف غير الموت والفراق ، أما إذا كان لا عادة لهم فيه إلا هذين كما مرّ في الفرع قبله أو تارة بهما وتارة بغيرهما فلا إشكال في الفساد ، ولعله مراد أبي الحسن ، وبالجملة فالكلام فيما قاله أبو الحسن ثبت بمجرد العادة وتأجيله بالموت والفراق كذلك فيكون فاسداً لأنه إذا فسد للعادة بتأخيرهما مع الإشهاد بما يوجب الصحة على خلاف فيه على ما مرّ فينبغي أن يتفق على فساده فيما إذا لم يقع إشهاد أصلاً . وقال ابن مغيث وصاحب الاستغناء : إنما هو فيما إذا ثبت الكالىء بالنص أو بالإقرار وكان عرفهم تأجيله بغير الموت والفراق كما يعلم من كلاميهما المتقدم فالغرر في الموت والفراق أشد منه في غيرهما فقول الفائق أن ما لأبي الحسن جار على ما لابن مغيث يريد في مراعاة مطلق العرف لا من كل وجه . وقوله : وأما على المشهور الخ . ما ذكره من أن المشهور عدم مراعاة العرف هو ظاهر قول الناظم الآتي : وأجل الكالىء مهما أغفلا الخ . وهو ظاهر المتيطية والفشتالي وابن سلمون وغيرهم وظاهرهم أن ما لابن مغيث مقابل ، ولكن قد علمت من الفرع الذي قبل هذا أن المتأخرين على اعتباره وعليه جاءت فتاويهم كما مرّ عن القوري والزقاق ، وفي المعيار عن العبدوسي في امرأة ضاع رسم صداقها فطلبت هي أو ورثتها كالئها بعد موت زوجها أن المتأخرين اختلفوا ، فمنهم من قال : يقضي لها بكالىء مثلها مع يمينها إذ العادة ترك طلبها له إلا عند موت أو فراق ، ومنهم من قال : لا يقبل قولها لأن الأصل البراءة وقد يتزوجها بغير كالىء ويلزم الورثة اليمين إذا ادعت عليهم معرفة ذلك ، وبالأول أفتى أبو الحسن الصغير وبالثاني أفتى غيره اه .
قلت : ما أفتى به أبو الحسن نقله صاحب الدر النثير والبرزلي عن أبي صالح ، وأفتى به غير واحد من المحققين كابن هلال والونشريسي وابن عرضون حسبما في الزياتي وغيره ، واقتصر عليه غير واحد حتى قالوا إنه لا تهمة في إقرار الزوج لزوجته في المرض بكالئها لأنه لو لم يقر به لأخذته من تركته بدون إقرار للعادة المذكورة ، فلو لم تراع العادة المذكورة عندهم ما أفتوا بوجود الكالىء وببقائه في ذمته مع أنه قد يتزوجها بدونه ، كيف وقد تقدم في الفرع قبله أن المتأخرين على عدم تمكينها من طلبه لتلك العادة وأن القضاء بقولهم وظاهرهم أنها تحاصص به أرباب الديون الثابتة بالبينة لأن العرف قائم مقام شاهد أو شاهدين كما مرّ والشاهد الواحد يحاصص به صاحبه مع ذي الشاهدين وأن كالئها لا يبطل بطول الزمان كالديون على المعتمد فيها ، وممن أفتى بأنه لا كالىء لها إذا قامت البينة عليه ابن لبابة ونحوه لسيدي إبراهيم اليزناسني حسبما في نوازل الدعاوى من المعيار فتبين أن المعتمد عند أكثر المتأخرين هو مراعاة العرف المذكور ، وعليه فيكون النكاح معه فاسداً عندهم لأنه لموت أو فراق وما لابن مغيث فيما إذا كان العرف مضبوطاً بغيرها كما مرّ والعادة اليوم عندنا أنه يكتب مؤجلاً من العشرة إلى العشرين كما للناظم ، ولكن لا يطلب إلا بموت أو فراق فيجري فساده على الخلاف المتقدم إن كانوا لا يقصدون فيما يظهر بضرب الأجل الخروج من الفساد كما مرّ فحرر النقل في ذلك ، وانظر الشراح عند قول ( خ ) أو بعضه لأجل مجهول والله أعلم .
الثالث : في أنكحة المعيار سئل اللخمي عمن يقول يكون الصداق وقت الابتناء ولم يعين وقته هل يفسد ؟ فأجاب : بأن النكاح جائز وهو القياس لأن الثمن يدفع عند قبض المبيع لأنه متىعجلت السلعة تعجل قبض الثمن ومتى تأخرت تأخر . قال سيدي العربي الفاسي : وهو الأشبه لأن مراد الناس بذلك أن وقت قبض النقد من حين العقد إلى حين البناء فيكون على معنى الحلول الخ . وعلى هذا عمل فاس قال ناظمه :
والنقد إن أجل بالدخول
إليه من عقد على الحلول
لأن المعنى أن النقد على الحلول فتطلبه المرأة متى مكنت من سلعتها ، وذلك في طوقها من الآن كما أن السلعة في البيع كذلك خلافاً للسيوري القائل بفساد النكاح إن لم يعلم وقت الدخول وهو ظاهر قول ( خ ) وإلى الدخول إن علم الخ . ومحل ما للخمي ومن معه إذا كانت مطيقة وهو بالغ فإن كانت غير مطيقة أو كان هو غير بالغ تعين على التنصيص على الحلول أو يعين الأجل .
الرابع : إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول في النكاح المؤجل نقده بليلة البناء وهي مجهولة أو كان كالئه إلى غير أجل ، وقلنا بفساد النكاح فالذي في ضيح عن ابن رشد : أنه لا صداق في الفاسد لصداقه على الصحيح ، وإنما فيه الميراث . ونقل العلمي عن والده أن الذي ارتضاه المتأخرون ، وبه كان يفتي العبدوسي وابن آملال إجراؤه مجرى نكاح التفويض فيه الإرث دون الصداق . قال : وبه العمل ونقل قبل ذلك عن سيدي العربي الفاسي وسيدي محمد بن سودة أنهما أفتيا فيه بلزوم الإرث والصداق معاً . قال ابن سودة : واللازم فيه هنا المسمى ، وذكر أبو الحسن أوائل النكاح الثاني من المدونة في الفاسد لصداقه أقوالاً يمضي بالعقد يفسخ قبل ويثبت بعد ، فإن طلق قبل الدخول لم يكن لها شيء كالتفويض يفسخ قبل وبعد قال : واختلف في تأويل قول مالك في الفسخ قبل فمنهم من جعله على الإيجاب عقوبة له لئلا يعود إلى مثل ذلك ، ومنهم من جعله على الاستحباب والاحتياط ليخرج من الخلاف انتهى باختصار . فانظره وهذه الفروع لها تعلق أيضاً بما يأتي في قوله :
وأجل الكالىء مهما أغفلا الخ
فصل
( في ) تعيين ( الأولياء ) من هم وترتيبهم ( وما يترتب على الولاية ) من توكيل المالكة والوصية والمعتقة وأن المرأة لا تعقد نكاح امرأة لأن الولي متى أطلق فالمراد به ولي المرأة ، وكذا ولي الزوجإذا كان رقيقاً أو محجوراً كما يأتي والأولياء جمع ولي . ابن عرفة : هو من له على المرأة ولاية ملك أو أبوة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة أو سلطنة أو ذو إسلام فالإخوة للأم لغو ، وروي على أن زوج أخ لأم مضى اه . فقوله : على المرأة يشمل الحرة والأمة ، وقوله : أو أبوة يشمل الجد للأم وليس بمراد . وقوله : أو تعصيب كان شقيقاً أو لأب ، ويدخل فيه العم وابن العم ، وقوله : أو إيصاء يشمل الوصي ووصيه . وقوله : أو كفالة يشمل الكافلة والمذهب أنه لا ولاية لها كما في ( ز ) وقوله : أو سلطنة يعني القاضي أو نائبه . وقوله : أو ذو إسلام معطوف على قوله : من له على المرأة ولاية وهو أعم الولايات قاله ميارة .
وَعَاقِدٌ يَكُونُ حُرًّا ذَكَرَا
مُكَلّفاً والقُرْبُ فِيهِ اعْتُبِرَا
( وعاقد ) مبتدأ سوغه العموم أو كونه صفة لمحذوف أي شخص عاقد ( يكون ) اسمه ضمير مستتر ( حراً ) خبره ( ذكرا ) خبر بعد خبر ، والجملة من يكون وخبرها خبر المبتدأ ( مكلفاً ) خبر بعد خبر أيضاً ( والقرب ) مبتدأ ( فيه ) يتعلق به أو بقوله ( اعتبرا ) بالبناء للمفعول . والجملة خبر القرب والجملة من القرب وما بعده حال ، والمعنى أنه يشترط في كل عاقد على وليه أن يكون حراً ذكراً مكلفاً أي عاقلاً بالغاً ، وأن يكون قريباً من المنكحة بحيث يكون أحق ممن هو أبعد ، وهذا حيث يمكن وجوده وإلاَّ فلا يشترط كما إذا لم يكن لها قريب أصلاً . ابن عرفة : شرط الولي عقله وبلوغه وحريته وذكوريته فالمعتوه أو الصبي ساقط وكذا ذو الرق والمرأة ويوكلان لعقد ما وكلا أو أوصيا عليه أو ملكته المرأة في الإناث ويليانه في الذكور اه . وزاد ابن الحاجب كونه مسلماً لا كافراً حلالاً لا محرماً ، ولعل الناظم إنما أسقط الإسلام لأن الكافر ليس مسلوب الولاية على الإطلاق ، بل على المسلمة فقط لا الكافرة إذ له أن يزوجها لمسلم وأسقط كونه حلالاً لأن عدم الإحرام ليس شرطاً في الولي فقط ، بل هو شرط حتى في الزوجة والزوج ( خ ) : ومنع إحرام من أحد الثلاث الخ . أي : ويفسد النكاح بسببه قبل البناء وبعده وأما العدالة والرشد فشرط كمال فيه فقط ( خ ) لا فسق أي فلا يسلب الولاية وإنما يسلب الكمال فقط في ثم قال : وعقد السفيهذو الرأي بإذن وليه فأفاد أن السفيه إن كان ذا رأي يعقد على وليته لكن بإذن وليه ، وأما اشتراط القرب الذي في النظم فمعناه أنه شرط في الجواز ابتداء فإن وقع ففي صحته تفصيل فالولي المجبر لا يصح أن يعقد أحد على وليته بدونه وإن عقده غير مجبر أبعد مع وجود أقرب منه صح ( خ ) وصح بأبعد مع أقرب إن لم يجبر ولم يجز ، وقال أيضاً : وصح بها في دنية مع خاص لم يجبر الخ . فقوله : والقرب الخ . كلام مجمل يفصله ما بعده من ترتيب الأولياء ، واختلف هل الولاية حق للولي فله العقد عليها بغير تفويضها وهو لابن حبيب ، أو حق للمرأة فلا يعقد عليها الولي إلا بتفويض منها له على ذلك ما عدا الأب وهو قول ابن القاسم . قولان حكاهما في ضيح .
قلت : الظاهر أن محل هذا الخلاف إذا وجدت الكفاءة ورضيت بالزوج والصداق هل لا يتولى العقد حينئذ حتى تأذن له فيه أو له أن يعقد بغير إذن لوجود الرضا ؟ فمعنى كونها حقاً لها على الثاني أنه لا بد من إذنها في العقد لوليها فقط كما يرشد له قول ( خ ) ورضا البكر صمت كتفويضها قالوا لجواز أن تكون حلفت أن لا تتزوج بعقده ، وهذا في الولاية العامة والخاصة المتعددة كشقيقين لها حلفت أن لا تتزوج بعقد أحدهما ، فلا بد حينئذ من إذنها له في العقد وليس المراد أن لها أن تأذن لمن شاءت ولو لأجنبي إذ هذا لم يقله أحد والله أعلم .
ولما كان القرب المشترط في الولاية معتبراً بالأقرب فالأقرب لا مطلقاً بين الأقرب من غيره مقدماً على ذلك الملك المقدم على سائر القرابة فقال :
والسَّبْقُ لِلْمَالِكِ فابنٍ فأبِ
فالأخُ فابْنِه فَجدِّ النِّسَبِ
( فالسبق ) مبتدأ ( للمالك ) خبره أي فيعقد على أمته ولو كان لها أب أو ابن حران ولا ولاية لهما معه ( فابن ) بالجر عطف على المجرور قبله أي فإن لم يكن مالك فالابن وإن سفل يقدم على من بعده وظاهره ولو من زنا وهو كذلك إن ثيبت بحلال ثم زنت فأتت به منه لا أن ثيبت ابتداء بزنا فأتت به أو كانت مجنونة أو سفيهة ولو بتحديد حجر في وقت يجوز فإن الأب ووصيه يقدمان عليه ( فأب ) بالجر أيضاً عطف على ما مر والمراد به الشرعي لا مطلق من خلقت من مائه إذ الأب الزاني لا عبرة به والوصي قائم مقام الأب كما يأتي ( فالأخ ) بالجر أيضاً والمراد به لغير أم ( فابنه ) بالجر أيضاً وإن سفل ( فجد ) بالجر أيضاً ( النسب ) مضاف إليه أي وإن علا واحترز بالنسب من الجد للأم فإنه لا ولاية له وما ذكره من تقديم الأخ على الجد هو المشهور وقال المغيرة : الجد قبل الأخ وهذا أحد الأبواب التي يتقدم فيها الأخ وابنه على الجد المشار إليها بقول ( عج ) :
بغسل وإيصاء ولاء جنازة
نكاح أخاً وابناً على الجد قدم
وعقل ووسطه بباب حضانة
وهو مع الآباء في الإرث والدموهذا كله في الجد دنية فالجد الثاني يقدم عليه العم لأن الجد الثاني بالنسبة للعم كالجد الأول بالنسبة للأخ فكما يقدم الأخ وابنه على الجد كذلك يقدم العم وابنه على أبي الجد قاله بعض .
فالأقْرَبِينَ بَعْدُ بالتَّرْتِيبِ
بحَسَبِ الدُّنوِّ في التَّعْصِيبِ
( فالأقربين ) عطف على المجرور أيضاً ( بعد ) بالضم لقطعه عن الإضافة ( بالترتيب ) في موضع نصب عن الحال من الأقربين أي فالسبق بعدما ذكر للأقربين حال كونهم مرتبين ( بحسب الدنو في التعصيب ) في الميراث فيقدم العم الشقيق على الذي للأب وابن العم الشقيق على ابن العم للأب وهكذا كما أن الشقيق في الأخوة وفصولها مقدم على غيره ( خ ) : وإن تنازع الأولياء المتساوون في العقد نظر الحاكم الخ . وبقي على الناظم المولى الأعلى لأنه عاصب ثم الأسفل على خلاف فيه ، ثم الكافل ثم الحاكم ثم ولاية الإسلام فإن عقد الأبعد من هذه المراتب مع وجود الأقرب وعلمه به فإما أن يكون الأقرب مجبراً أم لا ففي الأول لا يجوز ولو أجازه المجبر كما أفاده ( خ ) بقوله وبأبعد مع أقرب إن لم يجبر ولم يجز . وقال أيضاً : وصح بها في دنية مع خاص لم يجبر كشريفة دخل وطال واحترزت بقولي وعلمه به مما إذا لم يعلم به كالقاضي مثلاً يثبت عنده أنه لا ولي للمرأة فيزوجها ثم يتبين أن لها ولياً كولد ونحوه ، فإن النكاح صحيح جائز ابتداء كما في ( ح ) عند قوله : وعزر شاهداً بزور الخ . وقال ( خ ) أيضاً : وإن أجازه مجبر في ابن وأخ وجدفوض له أموره ببينة جاز الخ . وظاهره كالناظم أن ذا المرتبة من هذه المراتب لا بد أن يتولى العقد بنفسه أو وكيله وإن غيره إن تولاه بحضرته وسكوته لا عبرة بعقده بل يجري على التفصيل المتقدم من كون المرأة دنية أو كون الولي مجبراً أو غير مجبر إلا أنه أبعد وهو كذلك كما ذكره ابن الحاج في نكاح الخال مع حضور الأخ الشقيق ورضاه دون توكيل منه قال : حضوره كغيبته ، وقال ابن حبيب : إذا كان الأقرب حاضراً وعلم ولم يغير فيحمل على الرضا والتسليم .
قلت : فيؤخذ من كلام ابن الحاج أن مجرد السكوت والرضا لا يكون كافياً في التوكيل ، والظاهر أنه لا يبعد أن يجري هذا على كون السكوت إذناً وليس بإذن وهي قاعدة خلافية . ورجح ابن رشد أنه ليس بإذن قائلاً لا خلاف أن السكوت ليس برضا لأن الإنسان قد يسكت وهو غير راض ، وإنما الخلاف هل هو إذن أم لا ؟ انظر ( ح ) عند قوله في الإقرار لا أقر الخ . ولا يخفى أن الرضا من أفعال القلوب لا يقطع بوجوده بمجرد السكوت ، وإذا كان السكوت ليس إذناً كما هو الراجح فالرضا وحده ، وإن دلت عليه القرائن غير معتبر لقوله في النقل حضوره كغيبته ، وحينئذ فمع الدخول والطول يصح في الشريفة كما يصح في الدنية مطلقاً ومع القرب فللأقرب أو الحاكم إن غاب الرد كما في ( خ ) هذا هو الظاهر خلافاً لما استظهره ( ز ) ومن تبعه من أنه لا حق للأقرب لأن سكوته إقرار للنكاح .
تتمة : إذا أعطى الرجل ابنته لمن يكفلها ويحضنها له فلا كلام لأمها إن فعل ذلك لفقر أو حاجة كما في المدونة وظاهرها أعطاها لمحرم منها أو غيره ، وهو كذلك مع كراهة في غير المحرم المأمون إن كان ذا أهل وإلا لم يجز ابن عرفة : وليس له أخذها ممن أعطاها له دون إساءة وضرر منه بها لأنه وهبه حضانتها وملكه منفعتها بنفقتها فأشبه عقد الإجارة انظر بقيته . ومع هذا فلا يزوجها الكافل مع وجود الأب أو غيره من الأولياء على المشهور إلا أن يجعل له نكاحها عند إعطائها له أو بعده فيكون وكيلاً عنه فيه . وأما الحاكم فلا يزوج إلا بشروط تأتي عند قوله : وحيثما العقد لقاض ولي .
وَلْوَصِيِّ العَقْدُ قَبْلَ الأوْليا
وقيلَ بَعْدَهُمْ وما إنْ رُضِيا
( وللوصي ) خبر عن قوله : ( العقد ) والظرف في قوله : ( قبل الأوليا ) ء يتعلق بالاستقرار في الخبر ( و ) نائب فاعل ( قيل ) الجملة المقدرة بعده إذ التقدير وقيل العقد له ( بعدهم ) فالظرف يتعلق بالاستقرار المقدر في الخبر المحذوف مع مبتدئه ( وما ) نافية ( إن ) زائدة ( رضيا ) بالبناء للمفعول نائب ضمير القول المتقدم ثم إن تقديم الوصي على الأولياء هو المستفاد مما مرّ من أن وكيل كل بمنزلته لأن الوصي على النظر للأولاد وكيل الأب فهو في مرتبته على المشهور ، ومقابله لابن الماجشون أن الأولياء مقدمون عليه وهو ضعيف . قال في الوثائق المجموعة : فإن زوجها أحد الأولياء بغير إذن الوصي فسخه الوصي ما لم يطل وتلد الأولاد اه .قلت : ولعل هذا في غير الدنية وإلاَّ فليس له فسخه كما مر في ولاية الإسلام .
وبَعْضٌ اسْتَحَبَّ للوَصِيِّ
أنْ يُسْنِدَ العَقْدَ إلى الوَلِيِّ
( وبعض ) وهو ابن السليم قاضي قرطبة ( استحب للوصي أن يسند العقد إلى الولي ) حتى يخرج من الخلاف المذكور ، وهذا الخلاف والاستحباب المذكور إنما هما في البالغ بكراً كانت أو ثيباً وفي الوصي غير المجبر بدليل قوله الآتي : وكالأب الوصي فيما جعلا أب له الخ . فقوله : وبعض مبتدأ والتنوين عوض عن المضاف إليه أي بعض العلماء ، وجملة استحب بالبناء للفاعل خبره وأن ومعمولها في تأويل مصدر منصوب باستحب .
والمَرْأَةُ الوَصِيُّ لَيْسَتْ تَعْقِدُ
إلاَّ بِتَقْدِيمِ امْرِىءٍ يُعْتَمَدُ
( والمرأة ) مبتدأ ( الوصي ) صفة وجملة قوله : ( ليست تعقد ) خبره واسم ليس ضمير المرأة ( إلا ) استثناء ( بتقديم ) يتعلق بتعقد ( امرىء ) مضاف إليه ( يعتمد ) بالبناء للمفعول صفة لامرىء والمعنى أن المرأة الوصي على أنثى ومثلها المالكة لأمتها والمعتقة لها بكسر التاء لانعقد على محجورتها ولا على أمتها أو معتقتها بفتح التاء إلا بتقديم امرىء يعتمد عقده بأن يكون حراً ذكراً مكلفاً أي عاقلاً بالغاً وهذا مفهوم قوله : فيما تقدم ذكراً الخ . والعبد كالمرأة لا يعقد على وليته إلا بتوكيل أيضاً ( خ ) ووكلت مالكة أو وصية أو معتقة وإن أجنبياً كعبد أو صبي الخ . ولا بد أن يكون الوكيل توفرت فيه شروط الولاية مما عدا القرب المتقدم ( خ ) وصح توكيل زوج الجميع لا ولي إلاَّ كهو الخ . فإن لم توكل وعقدت هي أو العبد بأنفسهما فسخ النكاح أبداً وإن طال وولدت الأولاد وسواء أوصاها بجبرها على النكاح أو لا إجازة الأولياء أولاً ولها المسمى بالدخول ويفسخ بطلاق لأنه من المختلف فيه ، ولذا وجب فيه الإرث ( خ ) : وهو طلاق إن اختلف فيه كمحرم وشغار ونكاح العبد والمرأة وفيه الإرث الخ . وأما المرأة الوصي على ذكر والعبد الوكيل عن الزوج فسيأتيان في قوله : والعبد والمرأة مهما أوصيا الخ .والعَبْدُ والمَحْجُورُ مَهْمَا نَكَحَا
بِغَيْرِ إذْنٍ فَانْفِسَاخٌ وَضَحَا
( والعبد ) القن أو من فيه شائبة رق مبتدأ ( والمحجور ) صبياً أو بالغاً معطوف عليه ( مهما ) اسم شرط ( نكحا ) أي عقدا فعل الشرط ( بغير إذن ) من السيد أو الولي يتعلق بفعل الشرط ( فانفساخ ) مبتدأ وسوغه اقترانه بفاء الجزاء كقولهم : إن ذهب عير فعير في الرباط قاله اليزناسني ( وضحا ) أي بان وظهر خبر المبتدأ ، والجملة جواب الشرط وظاهره تحتم الفسخ وإن أجازه السيد أو الولي ، وهذا وإن كان هو القياس عند بعض ، وصححه الباجي لأنه نكاح بخيار لكنه خلاف المشهور في العبيد من أن السيد مخير بين فسخ النكاح وإمضائه ، وخلاف المنصوص في المحجور من أن لوليه الخيار أيضاً فيجب أن يكون معنى قوله : فانفساخ وضحا إن شاء الولي أو السيد ، ومنشأ الخلاف هل الخيار الحكمي كالشرط ؟ وعلى المشهور من أنه ليس كالشرطي فالفسخ بطلقة حتى في حق الصبي لأنه نكاح صحيح كما في ( ح ) وقد قال ( خ ) وللسيد رد نكاح عبده بطلقة فقط بائنة إن لم يبعه أو يعتقه . وقال أيضاً : ولولي صغير فسخ عقده بلا مهر الخ . وقال أيضاً : ولولي سفيه فسخ عقده ولو ماتت وتعين لموته الخ . ومحل الخيار في فسخه إن لم يخرج من الولاية فإن لم يطلع عليه حتى خرج منها ثبت النكاح على الأصح ، فلو تزوج السفيه بعد ثبوت رشده عند القاضي وحكم له به فهو ماض وفيه الصداق والميراث قولاً واحداً والحكم ماض ولا يرد بشهادة من شهد بسفهه ولو كانوا أعدل لحكم القاضي بشهادة الأولين وفات موضع الترجيح ، وإنما يسفه في المستقبل قاله البرزلي . وكذا الصبي إن لم يطلع عليه حتى بلغ رشيداً وشمل قوله : بغير إذن ما إذا فقد إذن أحد السيدين دون الآخر فإن الذي لم يأذن فسخه ، وأما المحجور إن كان ذا وصيين وأذن له أحدهما أو أجاز دون الآخر فالظاهر أنه إن تعينت المصلحة في الفسخ أو البقاء عمل بذلك ، وإن استوت فالقول لمريد الفسخ فتأمله ، ثم إذا فسخ قبل البناء فلا شيء لها في الجميع وإن فسخ بعده فلها ربع دينار في حق العبد والسفيه كما قال :
وَرُبْعُ دِينَارٍ لَهَا بِمَا اسْتَحَلْ
مِنْها إنِ ابْتَنى وذَا بِهِ العَمَلْ
( وربع ) بسكون الباء مبتدأ ( دينار ) مضاف إليه ( لها ) خبر المبتدأ والضمير لزوجة السفيه أوالعبد لا لزوجة الصبي الداخل في المحجور فلا شيء لها بدخوله وجزم أبو الحسن بأن لها ما شأنها ( بما ) الباء سببية تتعلق بالاستقرار في الخبر ( استحل ) بالبناء للفاعل صلة ما ( منها ) على حذف مضاف أي من بضعها يتعلق باستحل ( أن ابتنى ) بها العبد أو السفيه لا الصبي كما مرّ وجواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه ( وذا ) مبتدأ والإشارة لوجوب ربع دينار لها ( به ) خبر عن قوله ( العمل ) والجملة خبر ذا ثم إذا عتق العبد ولو مكاتباً فإنه يتبع بما بقي من الصداق بخلاف السفيه فلا يتبع بشيء لأن الحجر عليه لحق نفسه وحجر العبد لحق سيده ، وقد زال بالعتق ( خ ) : واتبع عبد ومكاتب عتقاً بما بقي إن لم يبطله سيد أو سلطان الخ . وروى ابن وهب عن مالك : لا شيء لها في السفيه لا ربع دينار ولا غيره . ابن حبيب : وهو القياس أي لأن تسليط السفيه على شيء لا غرم فيه كالصغير .
وإنْ يَمُتْ زَوْجٌ فالإرْثُ هَدْرُ
والعَكْسُ لِلحَاجِرِ فِيهِ النَّظَرُ
( وإن يمت ) شرط ( زوج ) فاعل يمت وهو على حذف الصفة أي حر إذ العبد لا يتوهم فيه الإرث فهذا من تتمة الكلام على المسألة إلا أنه خاص بالمحجور ولو قال : وإن يمت حر ( فالإرث هدر ) لكان أظهر ، ومعناه أن المحجور العاقد لنكاحه صبياً كان أو سفيهاً دخل أم لا ، إذا مات قبل فسخ نكاحه لا إرث لزوجته منه ( والعكس ) مبتدأ ( للحاجر ) خبر عن قوله ( فيه النظر ) والجملة خبر العكس والمجرور بفي يتعلق بالنظر ، والمعنى أن زوجة الصبي أو السفيه إذا ماتت في الموضوع المذكور فإن حاجره ينظر في ذلك فإن رأى أنه يرث أكثر مما يلزمه من الصداق أمضاه وإلاَّ رده وشمل كلامه ما إذا كان ذا وصي ، فلما مات وصيه تزوج ومات فإن النظر في ذلك للحاكم وتقدم قول ( خ ) : ولولي سفيه فسخ عقده ولو ماتت وتعين لموته الخ . فقوله : ولو ماتت وتعين لموته الخ . جار مثله في الصغير أيضاً وهذه المسألة يلغز بها فيقال زوجان أحدهما يرث الآخر ولا يرثه الآخر وهما حران ليس بهما مانع ، ومفهوم قوله : للحاجر أنه لو كان مهملاً لكان للحاكم النظر أيضاً على مذهب ابن القاسم الذي يعتبر الحال لا الولاية ، وبه العمل ومحل النظر أيضاً إذا لم يعقد وقد أونس منه الرشد وإلاَّ فالعبرة بالحال أيضاً والنكاح ثابت على مذهبه لا خيار فيه للولي لقول ناظم العمل :
وينتفي الحجر إذا بدا الرشاد
فمن تصرف مضى ولا فساد
تتمة : يجوز للسيد أن يهب أمته لعبده يطؤها بملك اليمين وينتزعها منه إن شاء كما في ( ق ) في باب الخيار عند قوله : وفي زواله بموت الزوجة وطلاقها الخ . وهذا أقرب للسيد منأن يزوجها إياه إذ ليس له حينئذ تطليقها عليه إلا برضاه .
وعاقِدٌ عَلَى ابْنِهِ حَالَ الصِّغَرْ
عَلَى شُروطٍ مُقْتَضَاةٍ بالنَّظَرْ
( وعاقد ) مبتدأ وسوغه كونه صفة لمحذوف وعاملاً في قوله : ( على ابنه ) وقوله ( حال ) مفعول فيه أي وقت ( الصغر على شروط ) يتعلق بعاقد ( مقتضاة بالنظر ) صفة لشروط والخبر محذوف أي يصح عقده ويجوز ، ويحتمل أن يكون قوله عاقد على حذف مضاف أي وعقد عاقد على ابنه الخ . صحيح جائز . ولما كانت الصحة لا تستلزم اللزوم ، إذ الشيء قد يكون صحيحاً غير لازم نبه على أن اللزوم فيه تفصيل بقوله :
إنِ ابْنُهُ بَعْدَ البُلُوغِ دَخَلاَ
مَعْ عِلمِهِ يَلْزَمُهُ مَا حَمَلاَ
( إن ابنه ) فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ( بعد البلوغ ) يتعلق به ( دخلا ) المفسر لذلك المحذوف على حد قوله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك } ( التوبة : 6 ) الآية ( مع ) بالسكون ( علمه ) مضاف إليه والظرف يتعلق بالمفسر قبله يليه ( يلزمه ) جواب الشرط ورفعه لكون الشرط ماضياً لقول ابن مالك : وبعد ماض رفعك الجزا حسن . ( ما ) موصولة فاعل يلزمه ( حملا ) صلة وألفه للإطلاق وفاعله ضمير العاقد والعائد على الموصول محذوف أي ما حمله أبوه عنه من الشروط .
وَحَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ وَإنْ بَنَى فَما
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهَبْهُ عَلِمَا
( وحيث ) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ( لم يبلغ ) في محل جر بإضافة حيث ( وإن ) إغيائية ( بنى ) فعل ماض فاعله ضمير الابن وجملة ( فما يلزمه شيء ) جواب حيث ( وهبه ) من أفعال القلوب لازم لصيغة الأمر ومفعوله الأول الضمير المتصل به وجملة ( علما ) في محل مفعوله الثاني أي وهبه عالماً بها .
وحاصل معناه أن عقد العاقد على ابنه الصغير على شروط اقتضاها نظره للغبطة في المنكوحة كطلاق من يتزوج عليها أو عتق من يتسرى بها صحيح جائز . وكذا إن عقد الصغير نفسه على تلك الشروط وأجازه وليه ، وإنما يبقى النظر في اللزوم فإن بلغ ورضي بتلك الشروط صريحاً أو دخل بعد بلوغه وعلمه به لزمته وإن لم يدخل أو دخل غير عالم لم يلزمه شيء كما أنهإذا لم يبلغ لم يلزمه شيء أيضاً مطلقاً دخل أم لا علم أم لا . وبالجملة فالشروط إذا لم يرض تلزمه بثلاثة قيود البلوغ والدخول والعلم فإن فقد الأول أو الثالث فلا تلزمه والقول للزوج بيمينه في عدم العلم ويسقط حق الزوجة لأنها مكنت من نفسها من لا تلزمه الشروط ، وإن فقد الثاني وهو الدخول مع وجود البلوغ والعلم فلا يسقط حقها ، ولكن للزوج الخيار في التزام النكاح لشروطه أو رده فإن رده فالفسخ بغير طلاق ولا صداق كما قال :
والحَلُّ بالفَسْخِ بِلاَ طَلاَقِ
إنْ رَدَّ ذَاكَ وبِلاَ صَداقِ
لا عليه ولا على أبيه وهو ظاهر قول أصبغ ، واختاره ابن رشد وإياه تبع الناظم ، والراجح أن الفسخ بطلاق كما مرّ لأنه نكاح صحيح ، وقد اقتصر ابن فتحون على أن الفسخ في ذلك بطلاق وهل يلزمه نصف الصداق أم لا ؟ قولا ابن القاسم في المدونة والمجالس . وعلى ما لابن فتحون درج ( خ ) حيث قال : وإن زوج بشروط وأجيزت وبلغ وكره فله التطليق ، وفي نصف الصداق قولان عمل بهما الخ . والراجح الأول كما لشراحه وإن طلق قبل علمه بالشروط ففي النصف قولان أيضاً كما في ضيح فقوله : والحل مبتدأ خبره بالفسخ وبلا طلاق حال . وقوله : إن رد ذاك شرط ومعموله وجوابه محذوف للعلم به وبلا صداق معطوف على قوله : وبلا طلاق ثم محل الفسخ بطلاق أو غيره إنما هو إذا تمسكت بشرطها وأما إن رضيت بإسقاطه فلا . وإذا أسقطت فلا كلام لأبيها ولو محجوراً عليها خلافاً لابن العطار . وعن ابن وهب أن الصغير يلزمه ما عقد عليه أبوه من الشروط دخل بها أم لا لأنه الناظر له . وقيل : لا تلزمه وإن دخل بعد بلوغه وعلمه ذكرهما ابن سلمون . ومفهوم قوله : على شروط أنه إذا زوجه بدونها لزمه النكاح ولا مقال له إن كان له مال كما يأتي عند قوله : والعبد والمرأة مهما أوصيا . الخ . وإن كان عديما وكتب الأب عليه الصداق فقال ابن القاسم في الأسمعة : إن لم يدخل الابن حتى بلغ فهو مخير إن شاء دخل بما كتب عليه وإن شاء فارق ولا شيء عليه ، وإن دخل قبل أن يبلغ أو يحوز أمره فالصداق على الأب أو دخل بعد أن كبر ولم يعلم ، فالصداق على الأب والشرط باطل ابنرشد : قوله إذا زوج الأب ابنه وهو صغير لا مال له أن الصداق على الأب وأنه إن كتبه عليه لم يلزمه إلا أن يلتزمه بعد البلوغ وأنه إن دخل قبل البلوغ أو بعده ولم يعلم سقط عنه ولزم الأب وكان شرطه باطلاً صحيح ، إذ ليس للأب أن يوجب عليه ديناً ويلزمه إياه اه . وتأمل قول ( خ ) : وصداقهم أن أعدموا على الأب وإن مات أو أيسر وأبعد الخ ومفهوم قوله : حال الصغر إن عقده للسفيه علي شروط لا كلام له ابن رشد : وهو ظاهر ( خ ) وغيره ، لأن قبول السفيه للشروط معتبر كطلاقه وإذا دخل الصغير بعد بلوغه وعلمه لزمته ولو كان سفيهاً كذا وجدته مقيداً ، وظاهره ولو على القول يجبر السفيه المشار له بقول ( خ ) وجبر أب ووصي وحاكم مجنوناً إلى قوله : وفي السفيه خلاف فانظره .
تنبيه : طلاق الصغير في حال صغره غير معتبر بخلاف السفيه وليس لولي الصغير أن يطلق عنه إلا بعوض كما أشار له ( خ ) في الخلع بقوله : وموجبه زوج مكلف وولي صغير الخ . ولا نفقة للزوجة على الصغير كما أشار له أيضاً بقوله يجب لممكنة مطيقة للوطء على البالغ الخ .
فصل
( فيمن له الإجبار ) من الأولياء ( وما يتعلق به ) كمنعه من الضرر واستحباب إذن البكر ذات الأب وإنكاح غير الأب وكون الصمت في البكر إذناً ونحو ذلك .
ولما كان الأب لا يجبر في القليل من الصور قدم الكلام عليه ليتفرغ لصور الجبر فقال :
ثُيُوبَةُ النِّكاحِ وَالْمِلْكِ مَعَا
لِلأبِ الإحْبَارُ بِهَا قَدْ مُنِعَا ( ثيوبة ) مبتدأ ( النكاح ) مضاف إليه ( والملك ) معطوف على النكاح أي وثيوبة الملك ( معا ) حال ( للأب ) يتعلق بمنع آخر البيت ( الإجبار ) مبتدأ ثان ( بها ) يتعلق به والباء سببية أو بمعنى مع وضميره للثيوبة ( قد ) للتحقيق ( منعا ) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول والرابط الهاء في بها والنائب في منع ضمير الإجبار ، والمعنى أن الأب الحر قد منع إجباره في بنته الحرة البالغة الثيبة بنكاح صحيح أو فاسد كما سيصرح به في قوله : وكالصحيح ما بعقد فاسد الخ . وفي بنته القن إذا عتقت بعد أن ثيبت بوطء السيد وهي بالغ فلا جبر له في هاتين الصورتين ومفهوم النكاح أن ثيوبة غيره كالزنا لا تمنع إجباره وهو كذلك على الراجح من الخلاف الآتي في قوله : وبالحرام الخلف فيها يجري الخ . ثم إن قيد البلوغ معتبر في الصورتين كما قررنا بدليل قوله :كما لهُ ذلِكَ في صِغَارِ
بَنَاتِهِ وَبالِغ الأبْكَارِ
( كما ) الكاف بمعنى مثل وما مصدرية ( له ) خبر عن قوله ( ذلك ) والإشارة للإجبار ( في صغار ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ( بناته ) مضاف إليه من إضافة الصفة للموصوف ( وبالغ ) معطوف على صغار ( الأبكار ) مضاف إليه إضافة الصفة للموصوف أيضاً والمعنى لا إجبار للأب مع الثيوبة مماثلاً لإجباره صغار البنات اللائي لم يبلغن ثيبات كن أو أبكاراً أو بالغ الأبكار فالنفي المفهوم من المنع مسلط على المقيد بقيده الذي هو المماثلة لا على القيد فقط أي لا إجبار له على الثيبات مثل كونه له على صغار البنات والأبكار البالغات ، وكذا يجبر التي ثيبت بزنا كما مر والمجنونة ولو ثيبت بنكاح ومحل جبره إذا لم يرد تزويج من ذكر من ذي عاهة وإلاَّ فلا كما يأتي في قوله : والأب إن زوجها من عبد الخ . ومحله أيضاً في البكر البالغ إذا لم يرشدها ولم تقم ببيتها سنة وإلا بأن رشدها أو أقامت ببيتها مع زوجها سنة من غير مسيس فلا جبر ( خ ) : وجبر المجنونة والبكر ولو عانساً إلا لكخصي على الأصح والثيب إن صغرت أو بعارض أو بحرام إلا بفاسد وبكراً رشدت أو أقامت ببيتها سنة الخ . وأما من ثيبت بنكاح أو ملك قبل البلوغ وما تأيمت أو عتقت إلا بعده فهي داخلة في قوله : ثيوبة النكاح الخ إذ يصدق عليها أنها بالغ ثيبت بنكاح أو ملك ولا يعول على ظاهر قوله الآتي : كواقع قبل البلوغ الوارد الخ .
ويُسْتَحَبُّ إذْنُهَا والسَّيِّدُ
بالجَبْرِ مُطْلقاً لَهُ تَفَرُّدُ
( ويستحب ) مضارع مبني للمفعول ( إذنها ) بالرفع نائبه أي يستحب للأب أن يستأذن ابنته البكر البالغ عند تزويجها أي يشاورها فيه ويكون بواسطة من لا تستحي منه فقد لا تريده أو يكون بها عيب يمنعها منه . ولما قدم أن الأب يجبر صغار البنات وبوالغ الأبكار وأنه يستحب له استئذان الأبكار البوالغ نبه على أن السيد له الجبر لأرقائه مطلقاً ذكوراً أو إناثاً ثيبات أو أبكاراً فقال : ( والسيد ) مبتدأ ( بالجبر ) يتعلق بتفرد آخر البيت ( مطلقاً ) حال من ضمير الاستقرار في الخبر ( له ) خبر عن قوله ( تفرد ) مصدر تفرد بمعنى انفرد أي وللسيد التفرد بالجبر عن سائر الأولياء كائن له مطلقاً ولا يدخل في الإطلاق كانت مضرة في التزويج أم لا إذ لا جبر له مع الضرر ( خ ) وجبر المالك أمة وعبداً بلا إضرار أي كتزويجها من أبرص أو مجذوم ونحوهماولا يدخل فيه أيضاً كان ذا شائنة أم لا إذ لا جبر له في ذي الشائبة من الإناث على ما اختاره اللخمي والمراد بالسيد الجنس فيشمل الواحد والمتعدد والحر والعبد والذكر والأنثى إلا أن الأنثى لا تعقد بنفسها بل توكل ، كما أن السيد العبد نحو المكاتب كذلك ( خ ) ووكلت مالكة ومكاتب في أمة طلبت فضلاً ولا يدخل فيها أيضاً كان مالك الكل أو البعض إذ لا جبر لمالك البعض وإن كان هو كمالك الجميع في الولاية على الأمة وفي رد نكاح العبد والأمة إن تزوجا بغير إذنه لأن ذلك يعيبه كما له رد تزوج نكاح المكاتب أو المكاتبة بغير إذنه للعلة المذكورة بل يتحتم الرد في الأمة ولو عقد لها أحد الشريكين دون الآخر .
تنبيه : للوصي أن يزوج رقيق محجوره بالمصلحة كما في ابن الحاجب ، وظاهره أنه يجبره على ذلك لأنه نائب المالك .
والأَبُ إنْ زوَّجهَا مِنْ عَبْدِ
فَهْوَ مَتَى أَجْبَرَ ذُو تَعَدِّ
( والأب ) مبتدأ ( إن زوجها ) شرط والضمير المنصوب يعود على مجبرته ( من عبد ) يتعلق به ( فهو ) مبتدأ ( متى أجبر ) شرط ( ذو تعد ) خبر المبتدأ الثاني ، والجملة منه ومن خبره جواب إن ودخلت الفاء عليه لكونه لا يصلح أن يكون شرطاً ، والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول ، وأما الشرط الثاني وهو قوله : متى أجبر فجوابه محذوف للدلالة عليه والمعنى أن الأب إذا أجبر مجبرته على التزويج من عبد ونحوه كمبروص ومجذوم فهو متعد في ذلك الجبر قال في المعين : وليس للأب أن يزوج ابنته من عبد لما يلحقها في ذلك من المعرة . وقال سحنون في السليمانية : إذا أراد الأب أن يزوج ابنته مجنوناً أو مجذوماً أو أبرص أو أسود أو من ليس لها بكفء وأبت الابنة ذلك كان للسلطان منعه لأن ذلك ضرر اه بنقل الشارح . وفي الطرر قال المشاور : ولا يزوج ابنته البكر من المجذوم إلا برضاها ولا يكون صمتها في هذا رضا ولا بد لها من الكلام لأنه عيب ، ثم قال بعد أسطر : وقال سحنون في السليمانية : إن أراد أبوها أنيزوجها من أسود أو أبرص أو أجذم أن السلطان يمنعه من ذلك لأن ذلك ضرر ، وقول سحنون في هذا أحسن اه . بنقل ( ت ) وقال : أعني ( ت ) إثره ما نصه : فلم يقيد يعني سحنوناً فيما نقل عنه صاحب الطرر ذلك بما إذا أبت الابنة كما قيده بذلك في نقل المعين .
قلت : الظاهر أنه لا مخالفة بين النقلين لأن قوله في الطرر أن السلطان يمنعه دليل على أن الابنة قد أبت وإلا لم يكن للسلطان كلام لأن لهما ترك الكفاءة كما قال ( خ ) ولها وللولي تركها كما أنه لا مخالفة بين كلام سحنون المنقول في الطرر والمعين وبين كلام المشاور أيضاً لأن المشاور قيد ذلك برضاها فيستفاد منه أنها إذا لم ترض لم تزوج وهو قول سحنون ، إذا أبت كان للسلطان أي عليه منعه ، فاللام بمعنى على لا للتخيير إذ من وظيفته رفع الضرر . وقال ابن أبي زمنين : إن الأب إذا زوج ابنته البكر عنيناً أو خصياً أو مجبوباً جاز ذلك عليها علمت أم لا إذا كان ذلك نظراً لها اه . وما ذكره أصله لابن حبيب ولما نقله في المتيطية ، ونقل قول سحنون المتقدم قال ما نصه : وقول سحنون أجرى على الأصول وأقوى عند ذوي التحصيل من قول ابن حبيب اه . ولهذا قال في الطرر : وقول سحنون أحسن الخ . وبالجملة فما لابن أبي زمنين خلاف الأصح المشار إليه بقول ( خ ) : إلا لكخصي على الأصح إذ ما ذكره سحنون ، والمشاور كله داخل تحت الكاف من قوله : إلا لكخصي كما لشراحه وما لابن أبي زمنين مقابل له ثم ظاهر ما مرّ أنه لا يجبرها من الأبرص ولو قل برصه وهو المعتمد خلافاً لما أفتى به السيوري من أن البرص القليل لا كلام لها فيه ، وقد قال بعض لامرأة كثرت شكواها من زوجها وتعذر عليها إثبات ضرره : ادعي عليه أن به برصاً في دبره فإنه يستحي أن يكشف نفسه للرجال ويطلقك ففعلت وطلقها ، والغالب أن البرص في الدبر لا يكون إلا قليلاً إذ لو انتشر عنه لجازت رؤيته ، وكذا الجذام المحقق ولو قل لأنه أشد ضرراً ولأن القليل قد ينتشر ، ومفهوم قول الناظم متى أجبر أنها إذا رضيت لم يكن متعدياً وهو كذلك كما مرّ ، لكن يقيد بما إذا كانت رشيدة ولا عصبة لها فإن كانت سفيهة أو كان لها عصبة فلا عبرة برضاها في الأولى ، وللعصبة منعها في الثانية قاله اليزناسني . وأصله في المفيد كما في ( م ) وهو قيد صحيح جار في جميع مسائل الكفاءة على ما يقتضيه جواب العبدوسي في وصي مجبر زوج أخت مجبرته من غير كفء فقام إخوته وأرادوا فسخ النكاح بعد أن أثبتوا بشهادة الشهود أنه غير كفء لها فقال : شهادتهم بأنه غير كفء لها شهادة مجملة لا بد من استفسارها فإن قالوا مثلاً هو سكير شريب أو مستغرق المال بالربا والغصوبات أو غير ذلك مما يقدح في الكفاءة شرعاً فإنه يعذر في ذلك للوصي والزوج فإن لم يكن عندهما مدفع فسخ النكاح انتهى باختصار ، فتأمل قوله : أو غير ذلك مما يقدح في الكفاءة الخ . فإنه شامل لجميع الأوصاف التي تقدح فيها وأفهم كلام العبدوسي أن الفاسق بالجارحة كالزاني وكثير الأيمان بالطلاق غير كفء وهو المعتمد كما يفهم من جواب اليزناسني نقله في المعيار قبل جواب العبدوسي المتقدم قال : فيه الكفاءة معتبرة في الدين بلا خلاف وإن كان فاسقاً فلا خلاف منصوص أن تزويج الوالد منه لا يصح ، وكذلك غيره من الأولياء وإن كان وقع ذلك فللزوجة ولمن علم لها فسخ النكاح ، وكان بعضهم يهرب من الفتوى بذلك ويرى أنه يؤدي إلى فسخ كثير من الأنكحة اه . وأصل حاصل هذا الكلام لابن بشير كما في ( ح ) وابن سلمون وغيرهما ، وظاهر كلامهم أنه نكاح فاسد يتحتم فسخه وهو ما يقتضيه نص اللخمي الآتي وهو مافهمه ( ح ) أيضاً من قول ابن بشير لا يصح اه . وظاهر كلام اليزناسني أنه حمل قوله : لا يصح على أنه لا يلزم بدليل قوله فلزوجة ، ولمن قام لها الخ . لأنه جعل ذلك لهما ، وهو ظاهر قول الشامل فلها فسخ نكاح الفاسق بجارحة ، ونحوه قول ابن الحاجب أيضاً لا خلاف أن للزوجة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق ، ونقل ( ح ) عن الفاكهاني أن المشهور صحة نكاح الفاسق وأنه لا يفسخ ، وذكر في المعيار عن أبي الفضل العقباني أن فسقه إن كان بكثرة الأيمان بالطلاق فعيب أو باستغراق ذمته بالحرام ، فهذان الوجهان يوجبان الفسخ لأن المرأة تكون معه في زنا في الوجه الأول وتبقى تحت مضيعة في الوجه الثاني وذلك أعظم الضرر قال : وهناك وجوه أخر من الفسق لا توجب ما أوجبه هذا من الفسخ ثم قال في جواب آخر عن نكاح الفاسق : إن التعرض لفسخه أمر عسير لأن تغيير المنكر إن أدى إلى منكر أعظم منه سقط الأمر عنه ، ونحن نميل في هذه الأزمنة لما مال إليه من قال من الشيوخ : لو أخذ بهذا لفسخت أكثر الأنكحة إذ قل من يخلو عن الفسق بالجوارح الخ فقوله : وذلك من أعظم الضرر دليل على أن النكاح صحيح لو لم تقم هي أو بعض أوليائها بالفسخ في الوجه الثاني ، وكذا في الوجه الأول لأنه علله بأن كثرة الأيمان منه عيب يوجب لها ولمن قام لها الفسخ ، وبالجملة فظاهر كلام ابن بشير أن الفاسق بأي وجه كان فسقه بزنا أو بشرب خمر أو كثرة أيمان أو غير ذلك لا يصح نكاحه ، وهل معنى قوله لا يصح نكاحه لا يلزم وهو ظاهر ما مرّ عن الشامل والعقباني واليزناسيني وابن الحاجب ، أو معناه أنه فاسد فلا يصح ولو رضيت هي وأولياؤها وهو ما فهمه منه ( ح ) وقوة كلامه تعطي أنه الراجح ويدل له ظاهر كلام اللخمي الآتي ففي نهاية المتيطي عنه ما نصه : يؤمر الأب في تزويج ابنته بأربع ، أن يكون الزوج كفأ في ديته وماله وحسبه سالماً من العيوب التي يجتنبها النساء فإن كان كسبه حراماً أو كثير الأيمان بالطلاق ، أو ممن يشرب الخمر لم يكن له أن يزوجها منه فإن فعل فرق الحاكم بينهما لأن الأب وكيل لابنته وإذا فعل الوكيل ما ليس بنظر رد فعله اه . وفي ( تت ) عند قوله : وجبر وصي أمره به أب أو عين الزوج الخ ما نصه : إذا قال له زوجها من فلان بعد عشرين سنة ألزمها الولي النكاح أن فرض فلان مهر المثل ولم يكن فاسقاً ولا حجة لها في كونه الآن ذا زوجة ، وكان وقت الإيصاء عزباً اه . ومثل الفاسق بالجارحة الفاسق بالاعتقاد كما يأتي ، وعلى هذا فقول ( خ ) ولها وللولي تركها الخ مقيد بما مر عن المفيد ويقال : إن المراد بالولي الجنس أي ولها ولجميع الأولياء وأما إرجاع الضمير في تركها لخصوص الحال كما في ( خ ) فخلاف المتبادر وبعد هذا يكون بحسب ظاهره ماشياً على ظاهر ما لابن الحاجب والعقباني وغيرهما ، ثم إذا قلنا بتحتم الفسخ على ما في ( ح ) أو بعدم تحتمه على ظاهر من تقدم فظاهر كلامهم أنه يفسخ قبل الدخول وبعده ، وإن كان ابن زرب جزم بعدم فسخه بعد الدخول والمراد بالحال في كلام ( خ ) السلامة من العيوب إلا النسب والحسب بدليل قوله : والمولى وغير الشريف الأقل جاهاً كفء الخ . وما تقدم من أن العبد ليس بكفء هو المعتمد من أحد التأويلين في قوله : وفي العبد تأويلان الخ . قال ( تت ) واقتصر ( خ ) على أن الكفاءة الدين والحال لأنه قول مالك وزاد ابن القاسم : المال . قيل : واتفق عليه أصحاب مالك اه ونحوه . لابن فتوح ، وفي النهاية عن اللخمي أنه إن كان عاجزاً عن السعي يرى أنها تكون معه في ضيعة أو يسعى من وجه يدركها منه معرة كالذي يتكفف الناس فإن الأب يمنع من تزويجها له ويفسخ نكاحه إن فعلله اه . وفي الوثائق المجموعة ومختصر المتيطية أن الكفاءة المعتبرة عند ابن القاسم في الحال والمال وبه القضاء وعند ابن الماجشون في الحال والمال والدين اه . وممن ذكر أن المال معتبر في الكفاءة ابن هلال في نوازله والعبدوسي صدر أنكحة المعيار ، ولذا صدر به ( خ ) حيث قال : وللأم التكلم في تزوج الأب الموسرة المرغوب فيها من فقير الخ . وقال ابن عرفة : الكفاءة المماثلة والمقاربة مطلوبة بين الزوجين وفي كونها حقاً للولي والزوجة أو للزوجة الثيب دون وليها فيصح إسقاطها . ثالثها : حق لله تعالى وبه القضاء اه . وأصله في المتيطية قال فيها ، ولابن الماجشون أنها شرط في صحة النكاح وهو اختيار ابن القاسم وبه القضاء والفتوى ، ونقله في معتمد الناجب في شرح ابن الحاجب قال بعضهم : وانظر كيف يلتئم كونها شرطاً في صحة النكاح على المعمول به مع قولهم لها وللولي تركها ، اللهم إلا أن يقال قد تبدل العمل وإلاَّ فشرط الصحة ليس لأحد تركه .
قلت : كونها حقاً للزوجة والولي هو المشهور كما يقتضيه تصدير ابن عرفة به واقتصار ( خ ) وغيره عليه ولا يلزم من كونه مشهوراً أن يكون معمولاً به ، وحينئذ ف ( خ ) يدور مع المشهور وإن كان العمل بغيره ثم قال ابن عرفة : إثر ما مر وفي كونها في الحال والمال أو فيهما ، وفي الدين أو في الحال والدين أو في الدين فقط . خامسها : في النسب لا المال الأول للمتيطي مع ابن فتحون عن ابن القاسم قائلين به الحكم الخ ، ففهم منه أن المعتمد عنده هو الأول ، ولذا صدر به وهو خلاف ما مرّ عن ( خ ) من أنها الدين والحال فقط ، وأن هذا قول مالك وقد تبين من جميع ما مرّ أن المعتبر في الكفاءة الدين الشامل للإسلام بلا خلاف ، وهل يعتبر فيها الدين بمعنى عدم الفسق أيضاً وهو المعتمد كما مرّ عن ابن بشير وابن الحاجب وغيرهما . وهو ظاهر إطلاق ( خ ) لأن قوله : الدين الشامل للإسلام وعدم الفسق أو لا يعتبر الدين بمعنى عدم الفسق وهو ما شهره الفاكهاني ، وبه القضاء عند المتيطي ومن معه ، وتصدير ابن عرفة به يؤذن بترجيحه ، ولكن فتاوى المتأخرين إنما هي على الأول كما مر فيتعين المصير إليه لاعتمادهم إياه ، ولهذا لم يعرج ( خ ) ولا ابن الحاجب ولا صاحب التلقين ولا صاحب الشامل ولا غيرهم من الفحول على الثاني بل قولهم لها وللولي تركها دليل على أن الكفاءة ليست شرط صحة وأن المرأة والولي في نكاح الفاسق بالخيار ، إذ لو كان نكاحه صحيحاً لازماً كما للفاكهاني ما كان لها أو لوليها الخيار والقيام بفسخه إذا وقع . وفي الحديث : ( من زوج كريمته من فاسق وهو يعلم فقد قطع رحمها ) أي : خؤولة ولدها منه وذلك أنه يطلقها ثم يصير معها على السفاح فيكون ولدها لغير رشدة فذلك قطع الرحم ، وفي جواب لأبي يحيى السراج في رجل ثبت أنه مدمن على شرب الخمر أنكحه رجل ابنته غير عالم بأنه على الصفة المذكورة ثم إن والدها توفي فقام بعض أولاده بالفسخ لإدمان الزوج على الخمر المؤدي للأيمان الحانثة ما نصه : إنه يقبل قوله ويفسخ النكاح بذلك اه . وظاهره ولو بعد الدخول ولو مأموناً عليها وهو ظاهر لأن الشرب المؤدي للأيمان عيب كما مرّ عن العقباني وكذا زناه على ما في ( ح ) عن ابن خويز منداد بل فسقه من حيث هو عيب يوجب لها الخيار حيث لم تعلم به ولو بعد الدخول خلافاً لما مر عن ابن زرب ، وبهذا كله تعلم أنه لا يتحتم فسخ نكاحالفاسق كما يقتضيه كلام ( م ) لأن ما كان لها وللولي تركه لا يتحتم عليها فسخه ، وعبارة الشامل : وللمرأة والولي على الأصح ترك كفاءة غير إسلام فلها فسخ نكاح الفاسق الخ . وفي البرزلي عن المدونة : ليست الكفاءة بشرط في النكاح خلافاً لسفيان فوجب حينئذ أن يكون الضمير في قول ( ح ) تركها عائداً على الكفاءة كما هو المتبادر منه وأن معنى قول ابن بشير لا يصح أي لا يلزم كما مر ، وقد يقال وهو الظاهر أن ما ل ( خ ) من تحتم الفسخ وهو ظاهر كلام اللخمي المتقدم إنما هو إذا كانت البنت غير رشيدة لأن رضاها حينئذ لا يعتبر ، وعليه يحمل قول من قال إن الكفاءة شرط صحة ، ثم إن المعتبر فيها أيضاً الحال أي السلامة من العيوب والمال بأن لا يكون فقيراً لأن فقره مظنة عجزه عن الصداق والنفقة وغيرهما من حقوق الزوجة ، والمعتبر فيها أيضاً الحرية ، فهذه الأربع لا بدّ منها على الراجح وإن كان الخلاف في جميعها ما عدا الإسلام فلو قال الناظم :
والأب إن زوج من كعبد . لشمل الأربعة . وزيد عليها النسب ، وقد تقدم اعتباره في قول ( خ ) والمولى وغير الشريف كفء الخ . وزيد أيضاً الصنعة فذو الصنعة الدنيئة كالحياكة والحجامة والفران والحمامي ليس كفأ لمن صنعته لأهل المروءة كالنجارة والحرارة والبناية ونحوها كما في ابن عرفة ، وقد نظم الإمام القصار هذه الست مع قطع النظر عن الراجح فيها فقال :
شرط الكفاءة ستة قد حررت
ينبيك عنها بيت شعر مفرد
نسب ودين صنعة حرية
فقد العيوب وفي اليسار تردد
هذا وفي شرح ابن رحال ما نصه : قول المصنف والمولى وغير الشريف كفء الخ . وهو الذي صرحوا بتشهيره ، ولكن تقدم في كلامهم ما يدل على أن المعتبر هو المعرة بحسب العادة في البلد والأشخاص والأزمان ، وإذا ثبت ذلك فالمولى وهو المسمى في عرفنا بالحرطاني في تزويجه معرة عظيمة فلا يكون كفأ قطعاً وأحرى العبد ، فليتنبه الفقيه لهذه القاعدة فهي المعتمد المشهور ، وكذا من قرب إسلامه أو إسلام أبيه فإن فيه عند الأكابر معرة ، وكذا الفقير باعتبار الأغنياء والتجار وكذا أهل الحرف الدنيئة كالمداحين في الأسواق والذين يتكلمون بالملحون في الولائم المسمون بالشعراء ونحو ذلك . وهذا كله يدل عليه كلام الناس ، ولا سيما كلام اللخمي فإنه مشتمل على ما ذكرناه قطعاً انتهى باختصار . ونقل قبل ذلك عن اللخمي كلاماً يدل على أن المدار على المعرة وعلى هذا فالأمور الستة كلها معتبرة والله أعلم . وأما الفسق بالاعتقاد فعلى ثلاثة أوجه ما هو كفر بإجماع فيجب فيه الفراق والفسخ بغير طلاق ويثبت ذلك ببينة علمت بذلك حين العقد أو بإقرار الزوج أو إقرارها مع تصديق زوجها وإن لم يصدقها لم يقبل قولها ، لكن يستحب أن يفارقها وما ليس بكفر بإجماع فلا يجب عليه فراقها ويجب عليه إرشادها وتعليمها وما هو مختلف فيه ، فينظر إلى الزوجين فإن اتفقا على القول بعدم التكفير جاز لهما البقاء ، وإن أخذا بالقول بالتكفير وجب عليهما الفراق ، وكذا إن أقر الزوج خاصة وجب الفراق قاله العبدوسي ، والمراد بالمختلف فيه كل من دخل تحت قول ( خ ) في الإمامة وأعاد بالوقت في كحروري إذ قد دخل في ذلك القدري والشيعي والمعتزلي وغيرهم ممن اختلف في تكفيره ، ولذا كان لا يقضى على الزوج بفراقها إن أخذت بتكفيره ، والمراد بمن وقع الإجماع على كفره منكر علم الله أي أن الله لا يعلم الأشياء تفصيلاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وكذا منكرالبعث والشاك فيه ونحو ذلك من عدم التفريق بين الله تعالى ورسوله ، فإذا وجد أحد الزوجين صاحبه يعتقد ذلك فقبل الدخول يجدد العقد بغير استبراء بعد التعليم ويجدده بعد الدخول بعد الاستبراء . وقوله وإن لم يصدقها الخ . يعني إن زعمت أنها حين العقد كانت مبتدعة بما يوجب كفرها ، وأما الآن فهي على خلاف ذلك لا أنها مبتدعة الآن لأنها حينئذ تكون مرتدة والعياذ بالله ، والمراد بما ليس بكفر بإجماع ذو الهوى الخفيف كتفضيل علي رضي الله عنه على الشيخين رضي الله عنهما ، وفهم من قول ( ح ) : كحروري الخ أن المشهور فيهم أنهم فساق وإلا لبطلت الصلاة خلفهم وفي المدونة لا يزوج القدري .
تنبيه : إذا قلنا إن الفسق عيب على ما مر فانظر هل لا فرق فيه بين وجوده حين العقد أو طروه بعده فهو حينئذ كالجنون يطرأ على الزوج فلها الفسخ بسببه فتأمله فإن الزوج إذا طرأ عليه كثرة الحلف بالأيمان أو استغراق ذمته لا يلزمها أن تقيم معه على أن يطعمها من حرام مع وجود الأحكام ، ولعل ما في البرزلي من أن المرأة الصالحة تكون عند ذوي الغصوبات في الأموال تسأله طلاق نفسها فإن أبى أكلت من ماله ولا حرج محله إذا فقدت الأحكام وإلاَّ فهي مكلفة بترك الحرام لأن أكل المغصوب مع العلم به غصب والله أعلم .
فائدة : قال ابن عرفة : قد امتحن التونسي في فتواه لمن تعلقت نفسه بشيعية جميلة بقوله من تشيعه بتفضيل علي على أبي بكر دون سب فليس بكافر فشنع عليهم تقسيمهم لغير كافر . قال ابن الحاج : ووافق فقهاء عصره على استتابته سداً للذريعة . قال البرزلي : لما قسمهم التونسي في فتواه إلى قسمين من يفضل علياً على غيره دون سب للغير فليس بكافر ، ومن يفضله ويسب غيره فهو بمنزلة الكافر لا تحل مناكحته . قالت عامة القيروان : هو بتقسيمه الشيعة إلى قسمين كافر وأفتوا باستتابته سدّاً للذريعة فأبى أن يتوب فقال له شيخ من الفقهاء : أَما لك ذنوب سابقة تتوب منها ؟ فصعد المنبر وقال : إنما أتوب من ذنوبي أو نحو هذا فقالت العامة : لما ارتد التونسي صار وجهه كأنه وجه كافر ، ولما تاب صار وجهه وجه مؤمن ثم قال عن بعضهم : إن الشيعة على ثلاثة أقسام ، القسمان الأولان والثالث القائلون أن جبريل عليه السلام أخطأ في الوحي ، وإنما الرسول علي ، وهذا القسم كافر بإجماع . وذكر ابن شرف أنه شاهد قصة التونسي وأنه طلب منه الرجوع على عيون الأشهاد على المنبر فأبى ، ثم طلب منه أن يرجع على أيدي الخاصة فأبى ، ثم طلب منه أن يرجع على يد القاضي وشهوده فأبى ، قال عياض في المدارك : والذي أفتى به هو الحاوي على الفقه والحق إلاَّ أنهم أرادوا حسم هذا الباب في الشيعة لتقع النفرة منهم اه باختصار . وقوله في القسم الثاني : منزل منزلة الكافر خلاف المشهور من أنه ليس بكافر والواجب أدبه بالاجتهاد كما قال ( خ ) : أو سب من لم يجمع على نبوته أو صحابياً الخ . ثم على ظاهر ما ذكره الفقهاء من سد الذريعة بفسخ نكاح الفاسق بالاعتقاد مطلقاً سداً للذريعة ولا يفصل فيه التفصيل المتقدم لأن المطلوب حسم هذه البدعة من أصلها وإنكاحهم يؤدي إلى إقرارها وزيادة انتشارها ولهذا قال في المدونة : لا يزوج القدري وظاهره مطلقاً . وانظر هل يقال ببطلان الصلاة خلفهم على هذا أي سداً للذريعة أيضاً .وكَالأبُ الوصِيُّ فِيما جَعَلاَ
أبٌ لَهُ مُسوَّغٌ ما فَعَلاَ
( وكالأب ) خبر عن قوله ( الوصي ) وقوله ( فيما ) يتعلق بالاستقرار في الخبر ( جعلا ) صلة ما وألفه للإطلاق والرابط بينه وبين الموصول محذوف أي جعله ( أب ) فاعل ( له ) يتعلق بجعل وضميره للوصي ( مسوغ ) خبر عن قوله ( ما ) . وقوله : ( فعلا ) صلة وألفه للإطلاق أيضاً ، وفاعله ضمير الوصي والرابط محذوف ، والجملة من المبتدأ والخبر في معنى التأكيد لما أفادته الجملة الخبرية قبلها ، ومعناه أن الوصي ووصي الوصي كائن كالأب سائغ فعله فيما جعل له الأب من جبر البنات صراحة أو ضمناً كزوّجها صغيرة أو كبيرة أو قبل البلوغ وبعده أو عين له الزوج فيجبرها الوصي ووصيه وإن سفل في ذلك كله على المشهور . وهي للزوج المعين في الأخيرة إذ بذل لها مهر المثل ولم يكن فاسقاً ولا حجة لها في كونه ذا زوجة أو سرية الآن ، وكان يوم الإيصاء عزباً فإن أبى أن يبذل مهر المثل أو كان فاسقاً أو به عيب سواء كان فسقه أو عيبه حين الوصية أو طرأ بعدها لم تجبر عليه ، وكذا إن أراد الوصي أن يجبرها في الصور الأول من فاسق ونحوه كما مر في البيت قبله ، وهذا يدل على أن الوصي ليس كالأب من كل وجه ، بل إنما هو مثله في الجبر في التزويج بمهر المثل قاله ( ز ) وتأمله مع قول ( خ ) وجاز الرضا بدونه أي المثل للمرشدة وللأب ولو بعد الدخول وللوصي قبله لا المهملة الخ . فإن لم ينص له على الجبر صراحة ولا ضمناً بل قال له : زوجها ممن أحببت أو زوجها وأطلق أو أنت وصي على بناتي أو على بضع بناتي أو على بعض بناتي إذ البعض مبهم ففي الجبر في كل من الصور الخمس قولان مشهوران أشار لذلك ( ح ) بقوله : وجبر وصي أمره أب به أو عين الزوج وإلا فخلاف . قال ( ز ) والراجح الجبر في الجميع إذا أتى في الصيغتين الأوليين من الخمس بلفظ التزويج أو بلفظ الإنكاح وإلا لم يجبر وأما إن قال وصي فقط أو على مالي فلا جبر اتفاقاً اه . أي : وإن كان له العقد قبل الأولياء كما مرّ ، لكن قال بعضهم : الصواب قصر الخلاف في لفظ ( خ ) على الصيغتين الأوليين قال : وما ذكر من ترجيح الجبر صحيح كما يفيده ابن أبي زمنين وغيره : وإن كان ابن رحال رجح عدم الجبر قائلاً هو الظاهر من كلام الناس لأنه إذا اختلف في الجبر الموصى به صراحة فكيف بغيره فانظر ذلك .
وَحَيْثُمَا زَوَّجَ بِكْراً غَيْرُ الأبْ
فَمَعْ بُلُوغٍ بَعْدَ إثْبَاتِ السَّبَبْ
( وحيثما ) ظرف مكان مضمن معنى الشرط ( زوج ) فعل الشرط ( بكراً ) مفعول ( غير ) بالرفع فاعل ( الأب ) مضاف إليه ( فمع ) بالفاء وسكون العين جواب الشرط وهي داخلة على مبتدأ محذوف مع خبره أي فشرط تزويجه كونه مع وجود ( بلوغ ) وقوله ( بعد إثبات السبب ) معطوفبحذف العاطف على الظرف قبله من عطف العام على الخاص إذ البلوغ من جملة الأسباب ، والظرفان يتعلقان بذلك المحذوف أي مع بلوغ بعد إثبات السبب ، والمعنى أن البكر إذا زوجها أخوها أو عمها أو كافلها أو وصيها غير المجبر ، ونحو ذلك ممن لا جبر له عليها كالقاضي ونحوه ، فشرط صحة تزويجه كونه مع وجود بلوغها وبعد إثبات باقي الأسباب غير البلوغ من توكيلها وكفاءة الزوج ورضاها به وبالصداق ، وأنه صداق مثلها وأنها يتيمة لا أب لها ولا وصي لها أو لها أب مفقود أو أسير أو بعيد كإفريقية من مصر وأنها خلو من زوج وعدة ، وأنها صحيحة غير محرمة بحج أو عمرة ولا محرمة على الزوج فإن اختل واحد من هذه الأسباب بإقرار الزوج أو بينة فسد النكاح فيما عدا صداق المثل أما هو فيخير الزوج في تكميله أو يفسخ ولا عبرة برضاها إن كانت مهملة غير رشيدة فإذا لم يعثر عليه حتى دخل كمله وجوباً وإن كانت رشيدة مضى عليها قبله وبعده كما مرّ وإن لم يقر الزوج ولا شهدت البينة وسقط من الوثيقة شيء من ذلك ففي التوكيل والرضا بالزوج القول لها في عدم ذلك إن كان النزاع قبل الدخول لا بعده كما مرّ في التنبيه الثالث عند قوله : فالصيغة النطق بما كأنكحا الخ . وفي البرزلي عن ابن رشد على ما يعطيه سياقه أوائل الأنكحة فيمن زوج ابنته من خمسة عشر سنة وادعت بعد الدخول عدم البلوغ أن النكاح ماض ولا يقبل قول وليها أنها غير بالغ ، وظاهره أنه لا ينظرها النساء لأن نظرهن مقصور على الإنبات أو معرفة ذلك في وجهها وقدها والبلوغ لا ينحصر في ذلك كما مرّ عند قوله : والمهر والصيغة الخ . وفي السادس عشر من الفائق أنها تكلف بإثبات عدم بلوغها ولا يقبل في ذلك أقل من امرأتين وإن بينة البلوغ وعدمه إن تعارضتا صير للترجيح ، وقد تقدم هناك عن ابن المكوى أن النكاح على الصحة والسلامة وإلا سقط من رسمه خلو من زوج وعدة يعني : وكذلك الكفاءة واليتم لأن الأصل في العقود الصحة وفي الوثائق الفشتالية أنه إن سقط من الرسم في نكاح الثيب خلو من عدة وادعت بعد العقد أنها حامل أو لم يأتها قرء فمنهم من قال يقبل قولها ويفسخ النكاح ، وبه قال ابن عتاب ، ومنهم من قال لا يقبل قولها ، وبه قال ابن القصار والأول أبين اه . فما مر عن ابن المكوى جار على ما لابن القصار إذ الظاهر أنه لا فرق بين البكر والثيب ولا بين تزويج القاضي وغيره ممن لا جبر له في هذا ، وكذا فيما عداه من البلوغ والكفاءة واليتم وغير ذلك من الأسباب مما عدا الرضا والتوكيل فيجري في ذلك كله الخلاف المذكور لأن الكل موانع فما قيل في أحدها يقال في الآخر وبه تعلم ما في قول ( ح ) لم أر فيه نصاً ، ومفهوم قوله : فمع بلوغ الخ . أن غير البالغ لا يصح تزويجها وهو كذلك ( خ ) إلا يتيمة خيف فسادها وبلغت عشراً وشوور القاضي أي فإن غير الأب ممن لا جبر له يزوج غير البالغ بهذه الشروط الثلاثة ، وسواء كانت فقيرة أو غنية إذ مع خوف الفساد لا يشترط فقرها خلافاً ل ( ز ) فإن اختلت أو واحد منها صح إن دخل وطال ، وإذا فسخحيث لم يطل فهو طلاق وفيه الميراث إن مات أحدهما قبل الفسخ وفيه جميع المسمى إن دخل أو مات ونصفه إن طلق والطول بمضي مدة تلد فيها ولدين فأكثر بالفعل أو قدرها إن لم تلدهما والسنة والولد الواحد لغو كما في ابن عرفة . وفي الفشتالية وأبي الحسن أن المشهور فسخه أبداً ، ويؤيده أن الباجي عزاه لمالك وأصحابه وعزا الآخر لابن القاسم وحده في الموازية .
وحُيْثُمَا العَقْدُ لِقَاضٍ وُلِّي
فَمَعْ كُفْءٍ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ
( وحيثما ) شرط كالذي قبله ( العقد ) نائب فاعل فعل مقدر يفسره ما بعده ( لقاض ) يتعلق بقوله ( ولي ) المفسر لذلك المقدر ( فمع ) الفاء داخلة على محذوف جواب الشرط كما مرّ نظيره فى البيت قبله أي : فشرط صحته كونه مصحوباً لوجود ( كفء ) و ( بصداق المثل ) وغير ذلك من باقي الأسباب ففيه حذف الواو مع ما عطفت لدلالة ما في البيت قبله عليه ، وليس هذا البيت بضروري الذكر مع الذي قبله لأن غير الأب يشمل حتى القاضي كما مرّ ، وإنما ذكره عقبه لئلا يتوهم قصور الحكم في الذي قبله على ولي النسب قاله ( م ) .
تنبيهان . الأول : إنما تكون الولاية للقاضي إن كان يقيم السنة ويهتبل بما يجوز به العقد ، وإلاَّ فلا قاله ابن لبابة ونقله ( ق ) .
الثاني : إذا شهد الشهود بأنه كفء أو غير كفء فلا تقبل شهادتهم إلا بعد استفسارها لأن الكفاءة تختلف في نظر العلماء فلا تقبل مجملة حتى يقولوا هو كفء لها في الحال والمال والدين والحرية على نحو ما مرّ قبل هذين البيتين ، أو يقولوا هو غير كفء لها لكونه فاسقاً بالجارحة أو بالاعتقاد أو لكونه عبداً أو فقيراً أو نحو ذلك ، وإن تعارض شهود الكفاءة وعدمها أو غير ذلك من الأسباب فقد تقدم حكم ذلك آخر الشهادات ثم لا فرق بين أن تكتب الأسباب المذكورة في رسم على حدته ويكتب رسم النكاح تحتها أو حولها أو عرضها ويحال عليها ، وبين أن تضمن في رسم النكاح نفسه بأن يقولوا في آخر الوثيقة المتقدمة كيفيتها عند قوله : والمهر والصيغة الخ .