كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني أبو عبد الله
قلت أرأيت ما أخذ من أهل البادية من إبلهم وبقرهم وغنمهم في أي شيء يوضع قال يرد على فقرائهم على كل قوم ما أخذ من أغنيائهم من ذلك وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال يؤخذ من حراشي أموالهم فيوضع في فقرائهم قلت وكذلك جميع
الزكاة يضع الإمام زكاة كل قوم على فقرائهم قال نعم قلت وكذلك الفطرة سبيلها سبيل الزكاة قال نعم
قلت أرأيت إن احتاج غيرهم من المسلمين فوضع الإمام زكاة غيرهم فيهم أيسعهم ذلك قال نعم قلت أرأيت إن كان كلا الفريقين فيهم فقراء أيهم أحق أن يوضع فيه ذلك قال فقراء الذين أخذ ذلك منهم
قلت أرأيت ما يؤخذ من بني تغلب مما ذكرت أنه يضاعف عليهم ما سبيل ذلك الذي يؤخذ منهم قال سبيله سبيل الخراج لأن عمر بن الخطاب بلغنا عنه أنه ضاعف عليهم في أموالهم مكان الخراج
قلت أرأيت قول الله تعالى في كتابه { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } ما بلغك في هذا قال هذا ما غنم المسلمون من العدو وفيما غنم العسكر من كل شيء كان خمسه لبيت المال وما بقي قسم بين الذين أصابوه خاصة دون المسلمين فيكون للراجل منهم سهم وللفارس سهمان وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم
قلت أرأيت قوله تعالى { فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } ما تفسير ذلك قال بلغنا عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يقول خمس الله
والرسول واحد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء في الفقراء والمساكين فصار ذلك على خمسة أسهم فأن لله خمسه وللرسول فهذا واحد ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
قلت أرأيت من يجب له في بيت مال المسلمين حق من هو قال كل من غزا أخذ عطاءه من بيت المال فأعطاه ذريته من بيت المال والموالي والعرب في هذا سواء والأغنياء والفقراء في هذا سواء
قلت أرأيت من كان غنيا من المسلمين ثم لا يغزو وليس في الديوان ولا يلي المسلمين شيئا هل يعطيه الإمام من بيت المال شيئا قال لا
قلت أرأيت المساكين والفقراء من المسلمين جميعهم عربهم ومواليهم وغير ذلك منهم أيجب له حق في بيت المال قال نعم يجب لهم مما في بيت المال من الزكاة ومن الخمس والعشر وينبغي للإمام أن يتقي الله في المسلمين فلا يدع فقيرا إلا أعطاه حقه من ذلك قلت
ويعطى الإمام الفقراء من ذلك ما يغنيهم قال نعم
قلت أرأيت الرجل إذا كان محتاجا وله عيال أيعطيه الإمام ما يغنيه وعياله قال نعم
قلت أرأيت قول الله في كتابه { والعاملين عليها } ما يجب لهم في بيت المال قال يفرض لهم الإمام رزقا مما يلي ويلون ويعطيهم من ذلك قدر ما يرى
قلت أرأيت قوله { والمؤلفة قلوبهم } هل يجب لهم في الزكاة شيء قال لا وإنما كان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يتألف الناس على الإسلام ويعطيهم من ذلك وأما اليوم فلا
قلت أرأيت الإمام ما الذي يجب له في بيت المال قال يجب له من ذلك قدر ما يغنيه من العطاء ويفرض له عطاء من بيت المال فأما ما سوى ذلك فلا حق له فيه بلغنا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه حين ولي انطلق بشيء يبيعه فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أين يا خليفة رسول الله فقال معي شيء أبيعه أستعين به في نفقتي فمنعوه وفرضوا له رزقا من بيت المال
قلت أرأيت الأمير إذا استعمل على الجيش فأصابوا غنائم ما يجب لأميرهم من ذلك قال هو كرجل من الجند
قلت أرأيت أهل الذمة هل يجب لهم في بيت المال شيء
قال لا
قلت أرأيت ما أخذ منهم مما يمرون به على العاشر ومن بني تغلب هل يرد على فقرائهم قال لا ولا يكون لأهل الذمة في بيت المال شيء قلت وإن كانوا فقراء قال لا قلت فإن كان أهل الذمة من بني تغلب أو من غيرهم ليس لهم حرفة ولا مال ولا يقدرون على شيء فلا يجب لهم شيء ولا عليهم شيء قال نعم وإنما يوضع الخراج على رؤس من أهل الذمة بقدرهم على المحترف اثنا عشر درهما وعلى الرجل الحسن الحال منهم الوسط أربعة وعشرون درهما وعلى الغني منهم المكثر ثمانية وأربعون لا يزاد عليهم على ذلك شيء بلغنا فيه غير حديث
كمل كتاب الزكاة والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه
ويتلوه كتاب الصيام
(1) *
أبو الحسن محمد بن الحسن قال قرأت نسخة هذا الكتاب على أبي بكر محمد بن عثمان فقلت له حدثك أبو جعفر محمد بن سعدان قال أخبرنا أبو سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني قال أخبرنا محمد بن الحسن إلى آخر هذا الكتاب ثم قلت له أروي هذا عنك قال نعم
وعارضت به أبا سليمان موسى بن سليمان قال أخبرنا محمد بن الحسن عن طلحة بن عمرو الموصلي عن مجاهد أنه كان يكره أن يقول1
كتاب الصوم
الرجل جاء رمضان وذهب رمضان ولكن ليقل جاء شهر رمضان وذهب شهر رمضان قال لا أدري لعل رمضان اسم من أسمائه تعالى قلت أرأيت رجلا تسحر وهو لا يعلم بطلوع الفجر وقد طلع
الفجر ثم علم بعد ذلك أنه كان أكل والفجر طالع وذلك في رمضان قال يتم صوم يومه ذلك وعليه قضاؤه ولا كفارة عليه قلت فلم ألقيت عنه الكفارة قال لأنه أكل وهو لا يعلم بطلوع الفجر
قلت فإن أفطر وهو يرى أن الشمس قد غابت ثم تبين له بعد ذلك أنها لم تغب قال عليه أن يمكث حتى تغيب الشمس ثم يفطر
وعليه قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه لأنه ظن أن الشمس قد غابت
أخبرنا محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب بنحو ذلك
قلت أرأيت رجلا أجنب في شهر رمضان ليلا فترك الغسل حتى طلع الفجر قال يتم صومه ذلك وليس عليه شيء قال وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم يومه ذلك وذلك في شهر رمضان قلت فإن
احتلم نهارا في شهر رمضان قال فكذلك أيضا
قلت أرأيت رجلا ذرعه القيء وهو صائم قال لا يضره ذلك شيئا قلت فإن كان هو الذي استقاء عمدا قال فعليه قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه قلت ولم وقد تقيأ عمدا قال إنما
الكفارة في الأكل والشرب والجماع أخبرنا محمد عن أبي يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي رضي الله عنه بذلك قلت أرأيت رجلا احتجم وهو صائم قال إن فعل ذلك لم يضره شيء قلت أفتكره له أن يحتجم قال إن خاف أن يضعفه
فأحب إلي أن لا يفعل
محمد عن أبي يوسف عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم قال فشكا إليه الناس الدم فرخص للصائم أن يحتجم
محمد عن أبي حنيفة عن أبي السوار عن أبي حاضر عن عبد الله ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة
محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن أبي العطوف عن الزهري
أن سعد بن مالك وزيد بن ثابت كانا يحتجمان وهما صائمان
قلت أرأيت المرأة تطهر من حيضها في بعض النهار قال فلتدع الأكل والشرب بقية يومها وعليها قضاء ذلك اليوم والأيام التي كانت فيها حائضا لأنه لا يحسن بها أن تأكل وتشرب وهي طاهرة والناس صيام قلت فإن أكلت قال لا شيء عليها في ذلك قلت ولم يكون عليها قضاء ذلك اليوم ولا يكون عليها كفارة قال لأنها قد كانت في أول النهار مفطرة الأكل والشرب لها حلال
قلت أرأيت الصائم هل يقبل أو يباشر قال نعم إذا كان يأمن على نفسه على ما سوى ذلك
أخبرنا محمد عن أبي حنيفة عن زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم
محمد عن أبي حنيفة عن الهيثم عن عامر عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيب من وجهها وهو صائم
قلت أرأيت رجلا أسره العدو فالتبست عليه الشهور فلم يدر
أي شهر رمضان فتحرى شهرا فصامه فإذا هو شهر رمضان قال فصيامه تام جائز عنه وهو بمنزلة من قد علم
قلت أرأيت إن كان قد مضى شهر رمضان وهو لا يعلم بمضيه ولم يصمه فصام شهرا بعد شهر رمضان ينوي به شهر رمضان ثم علم بعد أن شهر رمضان قد كان مضى قال يجزى عنه صومه من شهر رمضان
قلت فإن تحرى شهرا فصام قبل شهر رمضان وقبل أن يدخل وقبل أن يجب عليه صيامه قال لا يجزيه
قلت فإن مضى شهر رمضان فكل شهر صامه ينوي به صيام شهر رمضان أجزاه عنه قال نعم
قلت فإن صام شهر رمضان ينوي به تطوعا بصيامه وهو لا يعلم أنه شهر رمضان هل يجزى عنه من شهر رمضان قال نعم لأنه صام شهر رمضان ولا يكون شهر رمضان تطوعا
قلت فلولا أن رجلا أصبح صائما في أول يوم من شهر رمضان ولا ينوي أنه من شهر رمضان و لا يعلم أن ذلك اليوم من شهر رمضان ونوى بصيامه تطوعا ثم علم بعد ذلك أن يومه ذلك كان من رمضان هل يجزى عنه قال نعم وليس عليه قضاء ذلك اليوم
قلت فإن أصبح ينوي الإفطار في أول يوم من شهر رمضان وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان وهو يظن أنه من شعبان فاستبان له قبل انتصاف النهار أنه من شهر رمضان فصامه هل يجزى عنه قال نعم إن لم يكن أكل أو شرب قبل أن يستبين له فإن كان أكل أو شرب فعليه قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه وإنما سقطت عنه الكفارة لأنه لم ينو أن يكون مفطرا في شهر رمضان إنما نوى أن يكون مفطرا في شعبان قلت فإن علم أن ذلك اليوم من شهر رمضان بعد انتصاف النهار قال فليصم بقية يومه ذلك وعليه قضاء ذلك اليوم قلت فان أصبح في أول يوم من شهر رمضان مفطرا وهو يرى أنه من شعبان فأكل وشرب ثم استبان له بعد ذلك أن يومه ذلك من شهر رمضان أيدع الطعام بقية يومه قال نعم وعليه قضاء ذلك اليوم
قلت أرأيت إن كان مسافرا في شهر رمضان فطلع عليه الفجر وهو ينوي أنه مفطر ثم دخل مصره من يومه ذلك بعد الزوال ولم يأكل ولم يشرب هل يجزيه صيام يومه ذلك قال لا لأنه أصبح مفطرا ينوي الإفطار قلت فإن أكل أو شرب هل عليه كفارة
قال لا لأنه مفطر غير أني أستقبح له أن يأكل ويشرب في شهر رمضان والناس صيام وهو مقيم في مصره
قلت أرأيت رجلا أصبح صائما في أول يوم من شهر رمضان والناس مفطرون لا يعلمون أن ذلك اليوم من شهر رمضان هل يجزى عنه صوم ذلك اليوم من شهر رمضان قال نعم وقد أساء حين تقدم جماعة الناس بالصيام
قلت أرأيت رجلا أبصر هلال شهر رمضان وحده ولم يبصره أحد غيره فرد عليه الإمام شهادته قال عليه أن يصوم ذلك اليوم ولا يفطر ولا ينبغي له أن يفطر وقد أبصر الهلال قلت فإن أفطر هل عليه الكفارة قال لا قلت لم قال لأنه إذا أفطر
على شبهة لم يكن عليه كفارة قلت أفيصوم والناس مفطرون قال نعم لأنه لا يسعه أن يصبح مفطرا وقد استيقن أن يومه ذلك من شهر رمضان
قلت أرأيت رجلا قبل امرأته وهو صائم فأنزل قال عليه أن يتم صوم ذلك اليوم وعليه قضاؤه ولا كفارة عليه ولا يكون على المرأة قضاء ولا كفارة إلا أن يكون منها مثل ما كان من الرجل
قلت وكذلك المرأة إذا رأت في منامها مثل ما يرى الرجل من الحلم كان عليها مثل ما على الرجل من الغسل قال نعم
محمد قال حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها بالغسل
محمد عن أبي حنيفة عن سعيد بن المرزبان عن أنس بن مالك قال سألت أم سليم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل فقال لها إذ كان منها مثل ما يكون منه فلتغتسل
قلت أرأيت الرجل يأكل أو يشرب أو يجامع ناسيا لصومه في شهر رمضان قال عليه أن يتم صوم ذلك اليوم ولا قضاء عليه
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو من ذلك في الأكل والشرب خاصة
قلت فإن تمضمض رجل في شهر رمضان فسبقه الماء فدخل حلقه قال عليه قضاء ذلك اليوم إذا كان ذاكرا لصومه فإن كان ناسيا لصومه فلا شيء عليه
محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم بذلك
قلت أرأيت رجلا استعط في شهر رمضان وهو صائم قال عليه قضاء ذلك اليوم قلت فإن اكتحل وهو صائم فوجد طعم الكحل في حلقه قال ليس عليه قضاء ولا كفارة قلت من أين اختلفا قال لأن السعوط يدخل رأسه والكحل لا يدخل رأسه وإنما الذي يوجد منه ريحه مثل الغبار والدخان يدخل حلقه
قلت أرأيت رجلا احتقن في شهر رمضان أصابه حصر قال عليه قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه
قلت أرأيت رجلا طلع له الفجر في شهر رمضان وهو في أهله ثم بدا له أن يسافر هل له أن يفطر قال لا يفطر ذلك اليوم لأنه خرج من مصره مسافرا وقد طلع له الفجر
قلت أرأيت رجلا أصبح صائما تطوعا ثم بدا له فأفطر قال عليه يوم مكان يومه ذلك
قلت أرأيت رجلا أغمى عليه في شهر رمضان يوما فلم يفق حتى الغد بعد الظهر قال أما اليوم الذي أغمى عليه فيه فصيامه تام وأما اليوم الذي أفاق فيه فعليه قضاؤه قلت فإن أغمى عليه ليلا في شهر رمضان فلم يفق حتى غابت الشمس من بعد الغد قال أما اليوم الأول فليس عليه قضاؤه وأما اليوم الآخر فعليه قضاؤه
قلت وكذلك الصلاة قال أما الصلاة فعليه أن يقضيها إذا أغمى عليه يوما وليلة فإن كان أكثر من يوم وليلة فلا قضاء عليه في الصلاة
قلت أرأيت رجلا نظر إلى امرأة في شهر رمضان فأنزل قال صومه تام جائز ولا قضاء عليه إلا أن يكون مس المرأة فأنزل
قلت أرأيت رجلا جامع امرأته في شهر رمضان نهارا متعمدا لذلك قال عليه أن يتم صوم ذلك اليوم ويقضي يوما مكانه وعليه أن يعتق رقبة فإن لم يجد رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وكذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
قلت فكل صيام لم يذكره الله تعالى في كتابه متتابعا فله أن يفرقه إذا أراد أن يقضيه قال نعم قلت وما كان في القرآن متتابعا فليس له أن يفرق إذا كان يقضيه قال نعم
قلت وكذلك إن أكل وشرب في شهر رمضان متعمدا فعليه ما على من جامع من القضاء والكفارة قال نعم قلت وعلى المرأة مثل ذلك إذا هي طاوعته قال نعم قلت فإن كان غلبها على نفسها
فعليها قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليها قال نعم قلت فإن جامعها أياما في شهر رمضان فإنما عليه كفارة واحدة ما لم يكفر تلك الكفارة قال نعم قلت فإن هو كفر تلك الكفارة ثم عاد قال فعليه كفارة أخرى أيضا قلت وكذلك الأكل والشرب هو بمنزلة الجماع في كل وجه من ذلك قال نعم
قلت أرأيت رجلا جامع امرأته في شهر رمضان نهارا ثم حاضت في ذلك اليوم قال فعليها قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليها وعلى زوجها قضاء ذلك اليوم والكفارة قلت فلم وضعت عن المرأة الكفارة قال لأنها حاضت في ذلك اليوم
قلت أرأيت رجلا أصبح صائما في غير شهر رمضان يريد قضاء رمضان ثم أكل وشرب متعمدا قال قد أساء وعليه القضاء ولا كفارة عليه
قلت أرأيت رجلا مسافرا أصبح صائما في شهر رمضان ثم أفطر قال عليه القضاء ولا كفارة عليه
محمد قال أخبرنا أبو حنيفة عن مسلم الأعور عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج من المدينة إلى مكة في شهر
رمضان فشكا إليه الناس في بعض الطريق الجهد فأفطر حتى أتى مكة
محمد عن أبي حنيفة عن الهيثم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان لليلتين خلتا من شهر رمضان فصام حتى إذا أتى قديدا شكا إليه الناس الجهد
فأفطر بقديد ثم لم يزل مفطرا حتى أتى مكة فأي ذلك فعلت فحسن إن صمت فقد صام النبي صلى الله عليه وسلم وإن أفطرت فقد أفطر النبي صلى الله عليه وسلم وإن سافرت في شهر رمضان
قلت أرأيت رجلا كان عليه صيام أيام من شهر رمضان فلم يقضها حتى دخل شهر رمضان آخر فصام تلك الأيام التي كانت عليه من شهر رمضان الماضي في هذا الشهر الآخر قال فصيامه ذلك جائز من رمضانه هذا الداخل ولا يكون قضاء لذلك الماضي
قلت أرأيت رجلا تسحر في شهر رمضان فشك في الفجر طلع أم لم يطلع قال أحب إلي إذا شك أن يدع الأكل والشرب قلت فإذا أكل وهو شاك في الفجر قال صومه تام
قلت فإذا مضى شهر رمضان وعليه منه صيام أيام فصامه في الرمضان الآخر قال يجزيه من هذا الثاني ولا يجزيه من الأول
قلت أرأيت أهل مصر صاموا شهر رمضان لغير رؤيته وفيهم رجل لم يصم معهم حتى رأى الهلال من الغد فصام أهل ذلك المصر ثلاثين يوما وصام الرجل تسعة وعشرين يوما ثم أفطروا جميعا لرؤيته قال ليس على الرجل قضاء ذلك اليوم الذي صامه أهل مصره لأنهم لم يصوموا لرؤية الهلال ولأنهم لا يعلمون أصابوا الصيام أم لا وقد أخطؤا حين صاموا لغير رؤية الهلال إلا أن يكونوا رأوا هلال شعبان ثم عدوا ثلاثين يوما ثم صاموا شهر رمضان لغير رؤية فقد أصابوا وأحسنوا وعلى من لم يصم معهم القضاء
قلت أرأيت رجلا أتى امرأته نهارا فيما دون الفرج فأنزل قال عليه قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه لأنه لم يخالطها وإنما الكفارة بالمخالطة ليست بالماء ألا ترى أنه لو خالطها ثم لم ينزل كانت عليه الكفارة والقضاء وأما المرأة فلا كفارة عليها ولا قضاء ولا غسل إلا أن يكون خالطها فإن خالطها فعليها الكفارة إذا التقى الختانان وغابت الحشفة فقد وجب الغسل عليهما جميعا والقضاء والكفارة أنزل أو لم ينزل
محمد عن أبي حنيفة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل على المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل
قلت أرأيت رجلا أكل في شهر رمضان أو شرب أو جامع ناسيا فظن أن ذلك يفسد عليه صومه فأكل وشرب وجامع متعمدا لذلك ما عليه قال عليه أن يقضي ذلك اليوم ولا كفارة عليه قلت وكذلك لو تسحر بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم بطلوعه أو أفطر قبل غروب الشمس وهو يرى أن الشمس قد غابت فأكل بعد ذلك أو شرب متعمدا لذلك قال نعم لا كفارة عليه لأن صيامه كان فاسدا ولأنه قد وجب عليه قضاء ذلك اليوم حين أكل قبل غروب الشمس أو تسحر بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم بطلوعه
قلت وكذلك لو أنه أكره على طعام أو شراب في رمضان فأكل وشرب ثم تعمد الأكل والشرب والجماع بعد ذلك قال نعم لا كفارة عليه وعليه قضاء ذلك اليوم قلت لم وضعت عنه الكفارة قال لأن صومه قد كان فسد قبل أن يتعمد لشيء من ذلك قلت وكذلك لو أن امرأة استكرهها رجل في شهر رمضان وهي صائمة ثم طاوعته بعد ذلك أيضا لم يكن عليها كفارة لأن صومها قد كان فسد حين استكرهها وعلى الرجل القضاء والكفارة قال نعم
وقال أبو حنيفة السعوط والحقنة في شهر رمضان يوجبان القضاء ولا كفارة عليه وكذلك ما أقطر في أذنه وكذلك كل جائفة أو آمة داواها صاحبها بزيت أو سمن فخلص إلى الجوف والدماغ في قوله وإن داواها بدواء يابس فلا شيء عليه وقال أبو يوسف لا نرى عليه القضاء في الآمة والجائفة وقال أبو حنيفة ومحمد إن أقطر في إحليله فلا قضاء عليه وقال أبو يوسف عليه القضاء ثم إن محمدا شك في ذلك و وقف فيه
قلت أرأيت الرجل يسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه قال عليه أن يصوم بقية ذلك الشهر وليس عليه قضاء ما مضى من الشهر وهو كافر
محمد عن أبي يوسف عن إسمعيل بن مسلم عن الحسن البصري أنه قال في الذمي يسلم في النصف من رمضان إنه يصوم بقيته ولا قضاء
عليه فيما مضى قال وبلغنا عن إبراهيم النخعي مثله فإن أسلم غدوة في يوم من شهر رمضان قبل أن يطعم فإنه يتم صوم يومه ذلك ولا قضاء عليه
قلت أرأيت المرأة تكون أيام حيضها ثلاثة أيام فتحيض ثلاثة أيام ثم تطهر فتمكث طاهرا ثلاثة أيام ثم ترى الدم في اليوم الرابع يومها ذلك كله والغد وقد صامت الأيام الثلاثة التي طهرت فيها من شهر رمضان هل يجزي عنها قال لا لأنه قد كانت فيها حائضا وقد استبان لها ذلك حين رأت الدم في اليوم الرابع قلت فإن تمادى بها الدم ما بينها وبين عشرة أيام فهي حائض قال نعم قلت فتلك الأيام التي رأت الدم والطهر فيها لا تصوم فيها ولا تصلي قال نعم
قلت أرأيت لو كان حيضها ثلاثة أيام فحاضتها فطهرت يوما فرأت الدم من الغد فرأته يومها ومن الغد قال هي حائض قلت فإن كانت صامت ذلك اليوم الذي طهرت فيه من رمضان أتعيد صومها قال نعم لأنها حائض بعد ولا يكون الطهر يوما واحدا
قلت فإذا طهرت ثلاثة أيام ثم رأت الدم في اليوم الرابع قال هي حائض قلت فإن كانت صامت في هذه الأيام الثلاثة
قضاء من رمضان أيجزيها ذلك قال لا لأنها حائض بعد قلت فهذه بمنزلة الأولى التي لم تستكمل أيام حيضها قال نعم
قلت أرأيت المرأة يكون أيام حيضها ستة أيام فتحيض سبعة أيام زيادة يوم على وقت أيام حيضها أترى ذلك حيضا قال نعم قلت وكذلك لو رأت يومين أو ثلاثة قال نعم
قلت أرأيت أن تمادى بها الدم حتى تراه خمسة أيام بعد الستة قال ما زاد على أيام حيضها الستة فهي مستحاضة قلت لم قال لأنه إذا زادت على العشرة الأيام يوما أو أكثر من ذلك فهي فيه مستحاضة عندنا قلت فكل شيء زاد على أيام حيضها ما لم يزد على العشرة فهي فيه حائض قال نعم قلت فإن كانت صامت بعد ما مضى أيام حيضها وهذه الأيام من شهر رمضان ثم جاوز الدم العشرة أجزاها لأنها فيه مستحاضة قال نعم قلت فإن لم يجاوز الدم العشرة الأيام لم يجزها قال نعم لأنها حائض فعليها أن تعيد الصيام
قلت أرأيت المرأة النفساء أول ما تلد ينقطع عنها الدم في تمام ثلاثين يوما ثلاثة أيام ثم يعاودها الدم سبعة أيام أخر أتراها نفساء
بعد قال نعم قلت فإن كانت صامت تلك الثلاثة الأيام من شهر رمضان أجزاها قال نعم قلت من أين أخذت في الحيض العشرة وفي النفاس الأربعين قال للأثر الذي بلغنا عن عثمان بن أبي العاص الثقفي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تقعد النفساء ما بينها وبين أربعين يوما وبلغنا نحو من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تقعد النفساء ما بينها وبين أربعين يوما وبلغنا عن أنس بن مالك أنه قال في الحيض ثلاثة أيام أو أربعة أيام
أو خمسة أو ستة تقعد ما بينها وبين العشرة
قلت أرأيت رجلا كان عليه صيام شهرين متتابعين من ظهار أو قتل فمرض فأفطر يوما قال يستقبل الصيام
قلت أرأيت إن وافق صيامه ذلك يوم النحر وأيام التشريق ويوم الفطر فأفطر وهذه الأيام لا بد من أن يفطر فيها كيف يصنع قال يستقبل الصيام لأنه مفطر في هذه الأيام وهذه الأيام ليست بأيام صوم قلت فكل صوم كان عليه من رمضان أو كفارة يمين أو جزاء صيد أو نذر جعل لله عليه فصامه في هذه الأيام لم يجز عنه قال نعم لا يجزى ذلك عنه
قلت أرأيت إن صام شهرين متتابعين كانا عليه من ظهار أو قتل فوافق أحدهما شهر رمضان فصام شهر رمضان ينوي به الشهرين المتتابعين وقال أقضي شهر رمضان بعد الفطر قال لا يجزى ذلك عنه وشهر رمضان الذي صامه هو شهر رمضان نفسه ولا يجزي
عنه من الشهرين المتتابعين وعليه أن يستقبل الشهرين المتتابعين
قلت أرأيت من كان عليه صيام ثلاثة أيام من كفارة يمين أيتابع بينهن قال نعم بلغنا أنه في قراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات
قلت أرأيت الصوم في جزاء الصيد وفي المتعة أمتتابع أو متفرق قال إن تابع أجزاه وإن فرق أجزاه قلت وكذلك قضاء شهر رمضان قال نعم قلت فكل شيء متتابع أفطر فيه يوما فعليه أن يستقبل الصيام قال نعم
قلت أرأيت الرجل يصوم شهرين متتابعين من ظهار عليه فيجامع
امرأته التي ظاهر منها بالليل قال عليه أن يستقبل الصوم لأن الله تبارك وتعالى يقول { فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } قلت أرأيت إن جامعها نهارا ناسيا لصومه قال عليه أن يستقبل الصوم من أوله قلت لم ولم يفطر قال لأن الله تعالى يقول { من قبل أن يتماسا } وهذا لا يكون أهون من جماعه بالليل مفطرا ولكن عليه أن يستقبل الصيام في هذين الوجهين جميعا لأنه قد جامع وقد قال الله تعالى { من قبل أن يتماسا } وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يجزيه صومه ذلك ولا يستقبل ولو جامع غيرها من نسائه بالنهار ناسيا أو بالليل ذاكرا أو ناسيا فليس عليه شيء
قلت فلو كان عليه صيام شهرين من قتل أو صيام من كفارة يمين أو قضاء رمضان فجامع ليلا أو نهارا ناسيا لصومه لم يضره وأتم ما بقي من صومه قال نعم
قلت أرأيت المرأة يجب عليها شهران متتابعان فتحيض فيهما أتستقبل الصيام أم كيف تصنع قال إن كان الحيض يصيبها في كل شهر لا بد لها منه فعليها أن تقضي أيام حيضها ولا تستقبل الصيام
وتصل ذلك بالشهرين
أخبرنا محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن الشعبي أنه قال في المرأة يكون عليها صيام شهرين متتابعين فتحيض فيهما إنها تصله بالشهرين ولا تستقبل
أخبرنا محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال تستقبل فقلت لأبي حنيفة بم تأخذ قال آخذ بحديث الشعبي
قلت أرأيت لو كانت فرغت من الشهرين وقد كانت حاضت في كل شهر خمسة أيام أتصوم هذه العشرة الأيام وتصلها بالشهرين قال نعم قلت فإن أفطرت فيها ما بينها وبين الشهرين يوما من غير حيض أتستقبل الصيام قال نعم لأنها إذا أفطرت من غير حيض فعليها أن تستقبل
الصيام قلت وهي بمنزلة الرجل في كل ما ذكرت لك إلا في الحيض قال نعم
قلت أرأيت الرجل يجب عليه صيام شهرين متتابعين من ظهار فيمرض منهما فيفطر لأنه لا يستطيع أن يصوم لمرضه أيجزيه أن يطعم ستين مسكينا قال نعم قلت فإن كان إنما مرض ثلاثة أيام أو أربعة أيام لم يكمل الشهرين في مرضه قال نعم يجزيه أن يطعم قلت لم قال إذا كان في حال لا يستطيع فيه الصيام أجزاه الطعام
قلت أرأيت إذا صام من ظهار أو من قتل أو من صيام واجب عليه غير ذلك فأكل ناسيا هل يكون مفطرا قال لا لأنه لو فعل هذا في شهر رمضان ناسيا لم يضره
قلت أرأيت الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين من ظهار فصام عن كفارة ظهاره فجامع امرأة له أخرى غير التي ظاهر منها ليلا أو نهارا ناسيا لصومه هل عليه شيء قال لا وصومه تام
قلت أرأيت الرجل يظاهر من أربع نسوة له فيعتق أربع رقاب عن ظهاره منهن هل يجزيه ذلك قال نعم قلت فإن لم يجد ما يعتق فصام ثمانية أشهر متتابعات قال يجزيه من كل ظهاره قلت فإن كان لا يستطيع الصوم فأطعم مائتين وأربعين مسكينا هل يجزيه إذا ما أطعم كل مسكين نصف صاع من حنطة قال نعم يجزيه قلت لم يجزيه وهذا لم يجعل لكل امرأة منهن شيئا معلوما قال أستحسن
ذلك وأدع القياس فيه
قلت أرأيت إن صام شهرين متتابعين ثم أفطر يوما ثم صام شهرين متتابعين ثم أفطر يوما حتى صام ثمانية أشهر كلما أتم شهرين أفطر يوما يريد بصوم كل شهرين كفارة عن امرأة منهن قال ذلك يجزيه قلت فإن أعتق رقبة عن إحداهن ولم ينوها بعينها هل له أن يجامع أيتهن شاء ويجعل العتق عنها قال نعم
قلت أرأيت إن صام شهرين متتابعين ينوي عن واحدة منهن بعينها ثم جامع أخرى غير التي صام عنها ليلا هل يفسد عليه الصيام الذي صام عنها قال لا لأنه لم يجامع التي صام عنها إنما جامع غيرها
قلت فإن صام شهرين متتابعين عن واحدة منهن لم يسمها بعينها ثم جامع ثلاثا منهن بالليل أله أن يجعل تلك الشهرين عن التي لم يجامع قال نعم قلت فإن كان ذلك الجماع قبل مضى الشهرين قال وإن كان
قلت فإن صام شهرين متتابعين عن واحدة منهن ثم مرض بعد شهرين فأطعم ستين مسكينا عن أخرى فلما فرغ من الطعام أيسر واشترى رقيقين فأعتقهما عن الباقيتين أيجزيه ذلك قال نعم
أخبرنا محمد عن أبي يوسف عن إسمعيل بن مسلم عن سليمان الأحول عن طاوس قال ظاهر رجل من امرأته فأبصرها في القمر وعليها خلخال فضة فأعجبته فوقع عليها قبل أن يكفر فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يستغفر الله ولا يعود حتى يكفر
قلت أرأيت الرجل يظاهر من امرأته أله أن يجامعها قبل أن يكفر قال لا ليس له أن يجامعها حتى يكفر وأكره للمرأة أن تدعه يقربها حتى يكفر قلت فإن قربها قبل أن يكفر هل ترى عليه شيئا فيما صنع قال لا إلا أنه يستغفر الله تعالى ولا يعود وكذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر الذي واقع امرأته قبل أن يكفر أن يستغفر الله تعالى
قلت أرأيت الرجل إذا تسحر في صوم واجب عليه من رمضان أو غيره فشك وكان أكبر رأيه أنه تسحر والفجر طالع قال أحب إلى أن يقضي ذلك اليوم آخذا له في ذلك بالثقة قلت فعليه أن يدع
السحر وهو يعلم أن عليه ليلا قال نعم
قلت أرأيت رجلا أصبح صائما ينوي بها قضاء رمضان ثم علم أنه ليس عليه شيء من شهر رمضان أله أن يفطر قال نعم إن شاء ولا يكون عليه قضاء ذلك اليوم قلت فإن صامه أتراه أحسن من أن يفطر قال نعم
قلت أرأيت الرجل يصوم ثلاثة أيام في الحج وهو متمتع ثم يجد من الهدي في اليوم الثالث أيكون صومه منتقضا قال نعم
أخبرنا محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم بذلك وكذلك بلغنا عن حماد عن إبراهيم
قلت فإذا أفطر ذلك اليوم هل عليه قضاؤه قال لا قلت لم
قال لأن صومه ذلك قد انتقض قلت وكذلك لو صام ثلاثة أيام من كفارة يمين ثم وجد في اليوم الثالث ما يطعم وأيسر قال نعم قلت وكذلك كل صوم من ظهار أو قتل إذا وجد ما يعتق بطل صومه وإن أفطر لم يكن عليه قضاؤه قال نعم
قلت أرأيت المرأة تصبح صائمة تطوعا ثم تفطر متعمدة لذلك ثم تحيض في آخر يومها ذلك قال عليها قضاء يومها ذلك قلت ولم وقد حاضت قال لأنها بمنزلة امرأة قالت لله علي أن أصوم هذا اليوم ثم تحيض فيه فعليها قضاؤه
قلت أرأيت الرجل يصبح مفطرا ثم يبدو له أن يصوم قبل أن ينتصف النهار ولم يطعم شيئا أو يبدو له أن يصوم بعد زوال الشمس قال إذا كان قبل زوال الشمس وعزم على الصوم أجزاه وإذا صام بعد ما تزول الشمس لم يجزه ولم يكن صائما قلت فإن كان هذا الصيام قضاء من رمضان أو قضاء من صيام كان عليه قال
لا يجزيه لأنه أصبح مفطرا قلت فيجزيه أن يتطوع به ولا يجزيه من شيء كان عليه قال نعم
قلت أرأيت إن أصبح في شهر رمضان ينوي الإفطار غير أنه لم يأكل ولم يشرب قال عليه قضاء ذلك اليوم قلت فإن نوى الصوم قبل أن ينتصف النهار قال يجزيه قلت لم جعلت عليه قضاء ذلك اليوم قال أرأيت مريضا لا يستطيع الصيام أصبح ينوي الإفطار وكان على ذلك إلى الليل غير أنه لم يأكل ولم يشرب لأنه لم يشته الطعام ولا الشراب أيكون هذا صائما قلت لا قال فهذا وذاك سواء
قلت أرأيت رجلا في أرض الحرب مر به شهر رمضان وهو لا يعلم به ولا ينوي صومه ونوى الفطر فيه غير أنه لا يجد طعاما ولا شرابا أيجزيه هذا من صيام شهر رمضان قال لا وهذا وذاك سواء قلت أرأيت هذا الذي أصبح مفطرا إن ظن أن نيته قد أفسدت عليه صومه وأفتى بذلك فأكل قبل أن ينتصف النهار أو شرب أو جامع
قال عليه القضاء ولا كفارة عليه قلت لم ألقيت عنه الكفارة قال للشبهة التي دخلت
قلت أرأيت رجلا جن قبل شهر رمضان فلم يزل مجنونأ حتى
ذهب شهر رمضان كله ثم أفاق هل عليه قضاؤه قال لا لأنه كان مجنونا ولم يفق فيه قلت فإن أغمي عليه فكان كذلك حتى ذهب شهر رمضان قال عليه قضاؤه قلت من أين اختلفا قال المغمى عليه ليس عندنا بمنزلة المجنون المغلوب إنما المغمى عليه بمنزلة المريض فعليه قضاء شهر رمضان قال أرأيت إن كان مريضا ليس بمغمى عليه ألم يكن عليه قضاء رمضان إذا لم يصمه قلت بلى قال فهذا وذاك سواء
قلت أرأيت المريض يمرض قبل دخول شهر رمضان فلا يزال مريضا حتى ينسلخ شهر رمضان ثم يموت قال ليس عليه من قضاء
شهر رمضان شيء لأنه لم يصح ولم يبرأ حتى مات قلت فإن صح شهرا فلم يقض شهر رمضان حتى مات قال هذا عليه القضاء لأنه مات وعليه قضاء شهر رمضان قلت فإن صام عنه ابنه أيجزيه ذلك قال لا قلت لم قال للأثر الذي جاء عن عبد الله بن عمر وعن إبراهيم النخعي أنهما قالا لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد
قلت فإن أوصى أبوه حين مات أن يقضي عنه كيف تأمر أن يصنع قال يطعم عنه مكان كل يوم نصف صاع من حنطة قلت فكم الصاع قال قفيز بالحجاجي وهو ربع الهاشمي وهو ثمانية أرطال
قلت أرأيت إن صح بعد شهر رمضان عشرة أيام ثم مات
ما عليه أترى عليه قضاء شهر رمضان قال لا وإنما عليه قضاء العشرة الأيام التي صح فيها قلت فالمريض والمسافر في ذلك سواء قال نعم قلت فإن لم يبرأ حتى مات فليس عليه القضاء قال نعم ليس عليه في ذلك قضاء
قلت فالمسافر إذا أقام أياما بعد شهر رمضان ثم مات فعليه
بقدر ما أقام قال نعم وهو بمنزلة المريض في ذلك
قلت أرأيت الرجل يدخل شهر رمضان وهو صحيح ثم يجن ثم يفيق قبل رمضان عام مقبل قال يصوم هذا الرمضان الذي دخل فيه ثم يقضي ما بقي عليه من الأول قلت أرأيت الذي يجن في شهر رمضان فلا يفيق حتى يمضي هذا الرمضان الذي جن فيه ورمضان آخر قال عليه قضاء الأول قلت فمن أين اختلفا قال أستحسن إذا أوجبت عليه شيئا منه أن يقضي كله وهذا والثاني ليس عليه فيه شيء قلت فإن مكث عشرين سنة ثم أفاق في رمضان قال عليه أن يصوم ما بقي من هذا الشهر الذي أفاق فيه وعليه قضاء ما مضى منه وقضاء الأول الذي كان مفيقا فيه فجن
قلت أرأيت الرجل يسلم في النصف من شهر رمضان أو بعد ما يمضي منه أيام قال يصوم ما بقي منه ولا قضاء عليه فيما مضى
محمد عن أبي يوسف عن إسمعيل بن مسلم عن الحسن البصري أنه قال في الرجل يسلم في النصف من شهر رمضان إنه يصوم بقيته ولا قضاء عليه لما مضى منه وكذلك بلغنا عن إبراهيم النخعي
قلت فإن أسلم غدوة في يوم من شهر رمضان قبل أن يطعم
قال يتم صوم ذلك اليوم ولا قضاء عليه
قلت أرأيت إن أسلم في بعض النهار أترى له أن يأكل بقية يومه ويشرب قال لا قلت فإن فعل فعليه قضاء ذلك اليوم قال لا
قلت أرأيت الرجل يفطر في شهر رمضان متعمدا ثم يمرض في ذلك اليوم مرضا لا يستطيع معه الصوم قال عليه قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه قلت لم قال للمرض الذي أصابه
قلت أرأيت إن سافر ولم يمرض ولم يكن من نيته السفر قال عليه القضاء والكفارة لأن السفر من فعله فلا تبطل به الكفارة
قلت أرأيت الرجل يصبح في شهر رمضان صائما ثم يسافر وقد عزم على الصوم ثم يفطر في سفره ذلك هل عليه مع القضاء كفارة قال لا قلت لم قال للشبهة التي دخلت لأنه إنما أفطر وهو مسافر
قلت فإن كان مسافرا وقد عزم على الإفطار فقدم قبل نصف النهار أو بعده فأكل أو شرب متعمدا لذلك هل عليه كفارة قال لا ولكن عليه القضاء
قلت فإن عزم على الصوم فلما قدم استفتى فأفتى أن صومه لا يجزيه وأنه عاص فلما رأى ذلك أفطر قال عليه القضاء ولا كفارة عليه قلت لم قال للشبهة التي دخلت
قلت فإن كان صام في السفر أيجزيه قال نعم وهو أفضل من أن يفطر وإنما الإفطار رخصة
قلت أرأيت رجلا أكل ناسيا في رمضان ثم أكل بعد ذلك متعمدا وظن أن ذلك قد أفسد عليه صومه قال عليه القضاء وليست عليه الكفارة
قلت أفتكره للرجل أن يقضي شهر رمضان في أيام العشر قال لا
قلت أرأيت الغلام يحتلم في النصف من شهر رمضان ثم يفطر بعد ذلك متعمدا قال عليه القضاء والكفارة فيما أفطر بعد احتلامه في غير اليوم الذي احتلم فيه قلت وكذلك الجارية إذا أفطرت بعد ما حاضت قال نعم
قلت أرأيت الصائم أتكره له أن يقبل وهو صائم قال إن كان يملك نفسه فلا بأس بذلك قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل وهو صائم قال محمد أخبرنا بذلك أبو حنيفة
قلت أرأيت الرجل يتمضمض في شهر رمضان فيسبقه الماء فيدخل حلقه وهو ناس لصومه قال يمضي في صومه ذلك ولا يفطر ولا قضاء عليه قلت فإن كان ذاكرا لصومه قال عليه القضاء ولا كفارة عليه قال أخبرنا محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم بذلك قلت فلم ألقيت عنه الكفارة قال لأنه لم يدخله
جوفه على وجه الإفطار فلذلك ألقيت عنه الكفارة
قلت أرأيت الصائم يذوق الشيء بلسانه ولا يدخله حلقه قال لا يفطره ذلك وصومه تام قلت أفتكره له أن يعرض نفسه لشيء من هذا قال نعم
قلت أرأيت الصائم ينظر إلى امرأة حتى يمنى أترى عليه القضاء قال لا لأنه لم يصنع شيئا قلت فإن لمس أو قبل حتى يمنى قال يتم صومه ذلك اليوم وعليه القضاء وليست عليه كفارة ولا يكون على المرأة قضاء إلا أن يكون منها مثل ما كان من الرجل قلت فإن لمس حتى يمذي قال لا قضاء عليه ولا كفارة لأن المذي ليس بشيء
قلت أرأيت الصائم يحتجم قال نعم لا يضره ذلك قلت أفتكره له أن يحتجم قال إن خاف أن يضعفه فأحب إلي أن لا يفعل قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يحتجم الصائم ثم أنه رخص فيه بعد ذلك واحتجم وهو صائم محرم
قلت أرأيت الصائم يدخل الذباب جوفه أو الشيء من الطعام يكون بين أسنانه فيدخل جوفه هل يفطره ذلك وقد دخل جوفه وهو ذاكر لصومه وهو كاره قال لا يفطره ذلك وهو على صومه لأنه ليس بطعام ولأنه مغلوب
قلت أرأيت الرجل يجعل على نفسه أن يصوم شهرا أيصومه متتابعا أو متفرقا قال إن كان نوى شهرا بغير عينه فرق ذلك إن شاء
قلت أرأيت إن قال لله علي أن أصوم شعبان فلم يفعل أترى عليه قضاءه قال نعم قلت فهل ترى عليه كفارة يمين قال إن كان أراد يمينا فعليه كفارة يمين مع القضاء ويقضيه متفرقا إن شاء وإن كان لم يرد يمينا فليس عليه كفارة
قلت أرأيت إن قال لله علي أن أصوم شعبان فأفطر يوما أيقضي شعبان كله لأنه لم يتابع بين صومه قال لا ولكنه يقضي يوما مكان يومه لأنه لا يستطيع أن يصوم شعبان بعد ما قد مضى قلت فعليه القضاء لذلك اليوم وكفارة يمين إن كان أراد يمينا قال نعم قلت فإن كان قال لله علي أن أصوم شهرا متتابعا بغير عينه فأفطر يوما منه قال عليه أن يستقبل صوم الشهر من أوله إذا لم يكن
نوى شهرا بعينه لأنه جعل لله عليه صوم شهر متتابعا ولم ينو شهرا بعينه فإذا أفطر يوما ولم يتابع استقبل الصوم وإن نوى شهرا بعينه فجعل لله عليه أن يصومه متتابعا فأفطر فيه يوما صام يوما مكان يومه وعليه أن يكفر يمينه إن كان أراد اليمين أو نواها وإن لم يكن أراد اليمين فلا كفارة عليه وعليه أن يقضي ما أفطر
قلت أرأيت الرجل يجعل لله عليه أن يصوم سنة بعينها وهو يفطر يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق فصام السنة إلا هذه الأيام لأنها ليست بأيام صوم قال عليه قضاء هذه الأيام وكفارة يمين إن كان أراد اليمين
قلت أرأيت المرأة إذا جعلت لله عليها صوم تلك السنة وهي ممن تحيض أتقضي مكان أيام حيضها التي حاضت فيها قال نعم
قلت أرأيت الرجل يجعل لله عليه أن يصوم كل خميس يأتي عليه فيفطر خميسا واحدا قال عليه قضاؤه وكفارة يمين إن كان أراد يمينا قلت فإن أفطر خميسا آخر هل عليه في هذه اليمين الأخرى حنث قال لا لأنه قد حنث فيها مرة وكفر فيها يمينه فلا يحنث فيها ثانية
قلت أرأيت الرجل يجعل لله عليه أن قدم فلان أن يصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه أبدا فقدم فلان ليلا قال ليس عليه شيء لأن فلانا لم يقدم نهارا كما قال قلت فإن قدم فلان في يوم قد أكل فيه الرجل قال عليه أن يصوم ذلك اليوم فيما يستقبل كما جعل لله على نفسه وأما اليوم الذي أكل فيه فليس عليه شيء لأنه أفطر قبل قدوم فلان قلت وكذلك لو قدم فلان بعد الظهر ولم يطعم الرجل شيئا في ذلك اليوم وهو ينوي الإفطار قال نعم قلت فلو قدم فلان قبل أن ينتصف النهار ولم يأكل الرجل شيئا وهو ينوي الإفطار قال أما هذا فيصوم هذا اليوم يصومه فيما يستقبل أبدا
قلت أرأيت الرجل يقول لله علي أن أصوم غدا فيكون غدا الأضحى فلم يصمه أيكون عليه قضاؤ ذلك اليوم قال نعم وعليه كفارة يمين إن كان أراد يمينا قلت لم أوجبت عليه قضاءه قال لأن هذا يوم جعله لله عليه
قلت أرأيت الرجل يصبح صائما يوم النحر متعمدا لذلك قال ليس عليه قضاؤه إن أفطره وقال أبو يوسف عليه القضاء وهو مثل قوله لله علي وقال أبو حنيفة هو مختلف وهذا في
الجامع الصغير والكتاب الذي يسمى الهاروني
قلت أرأيت المرأة تقول لله علي أن أصوم يوم حيضي أتجعل عليها مكانه يوما قال لا ولا يكون عليها شيء وهذا مثل الرجل يصبح في يوم قد أكل فيه ثم قال لله علي أن أصوم هذا اليوم فليس عليه قضاؤه وهذا مثل امرأة حائض قالت لله علي أن أصوم هذا اليوم وهي حائض وليس عليها قضاؤه وهذا وذاك سواء في القياس
قلت أرأيت الصائم يكتحل بالإثمد والذرور والصبر وغيره
قال نعم لا يضره ذلك شيئا قلت فإن وجد طعمه في حلقه قال وإن وجد طعمه في حلقه فإنما طعمه مثل الدواء يذوقه فيدخل جوفه طعمه ومثل الدهن يدهن به شاربه ومثل الدخان ومثل الغبار يدخل طعمه في حلقه
ولو طعن الصائم برمح حتى يصل الرمح إلى جوفه لم يكن عليه القضاء ولا الكفارة
وإذا أكره الصائم حتى صب الماء في حلقه والشراب فعليه القضاء ولا كفارة عليه
وإذا كانت بالرجل جراحة جائفة فداواها بزيت أو بسمن فخلص ذلك إلى جوفه فعليه القضاء ولا كفارة عليه
ولو داواها بدواء يابس لم يكن عليه القضاء في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا قضاء عليه ولا كفارة في الدواء الرطب واليابس جميعا
فإذا صب في جوف النائم ماء أو شراب وهو صائم فعليه القضاء ولا كفارة عليه وكذلك المرأة بمنزلة الرجل في ذلك
قلت أرأيت الرجل يستاك بالسواك الرطب أو يبله بالماء وهو صائم قال لا بأس بذلك أن يستاك أول النهار أو آخره قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يستاك وهو صائم
قلت أرأيت المرأة الحامل والمرضع التي تخاف على الصبي أو الحامل تخاف على نفسها قال يفطران ويقضيان يوما مكان كل يوم ولا كفارة عليهما قلت فالشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم قال يفطر ويطعم لكل يوم نصف صاع من حنطة ولا شيء عليه غير ذلك
قلت أرأيت الصائم يأكل الطين أو الجص أو دخل جوفه حصاة قال ليس عليه شيء وصومه تام ولا يفطره ذلك إذا كان ناسيا وإن كان ذاكرا فعليه القضاء ولا كفارة عليه لأنه ليس بطعام
قلت فالصائم يمضغ العلك قال أكره له ذلك ولا يفطره قلت فالمرأة تمضغ لصبيها خبزا أو طعاما قال إن لم تجد من ذلك بدا فلا بأس به
أخبرنا محمد عن أبي يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن إبراهيم بذلك
باب صدقة الفطر
أخبرنا محمد عن أبي يوسف عن الحسن بن عمارة عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العدوي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعيرمحمد بن الحسن عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمرهم أن يؤدوا صدقة الفطر قبل أن يخرجوا إلى المصلى وقال أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم
قلت أرأيت المملوك من يؤدي عنه صدقة الفطر قال مولاه قلت فهل يسعه أن لا يؤدي عنه صدقة الفطر قال لا
قلت أرأيت الرجل يكون له المملوكون أيؤدي عن كل إنسان منهم نصف صاع من حنطة قال نعم قلت وإن كانوا صغارا أو كبارا قال نعم
قلت فهل يؤدي الرجل عن أم ولده صدقة الفطر قال نعم وكذلك المدبر قلت فهل عليه أن يؤدي عن مكاتبه صدقة الفطر قال لا قلت فهل يؤدي المكاتب عن نفسه قال لا
قلت أرأيت عبدا قد أعتق نصفه وهو يسعى في نصف قيمته هل يجب على مولاه أن يؤدي عنه صدقة الفطر قال لا قلت فهل يجب على العبد أن يؤدي عن نفسه قال لا في قول أبي حنيفة وهو عنده بمنزلة المكاتب وقال أبو يوسف ومحمد على العبد أن يؤدي عن نفسه وهو بمنزلة الحر إذا أعتق بعضه فقد عتق كله
قلت أفرأيت الرجل يكون له المملوكون يهود أو نصارى أو مجوس أو إماء هل يجب عليه فيهم صدقة الفطر قال نعم قلت لم وهم كفار قال لأن ذلك إنما يجب على المولى أن يؤدي عنهم وليس عليهم شيء
أخبرنا محمد عن أبي يوسف عن عبيدة عن إبراهيم أنه قال إذا كان للرجل عبد نصراني إنه يؤدي عنه صدقة الفطر
قلت أرأيت الرجل يكون له العبد وهو مجنون مغلوب لا يفيق ولا يعقل أيجب على مولاه فيه صدقة الفطر قال نعم وكذلك الأمة
قلت أرأيت الرجل يدخل أرض الحرب فيشتري رقيقا من رقيقهم فيخرجهم إلى دار الإسلام هل يجب عليه فيهم صدقة الفطر وهم كفار قال نعم قلت فأولادهم بمنزلتهم قال نعم
قلت فالرجل تكون له أم ولد نصرانية أو يهودية أو مدبرة
يهودية أو نصرانية هل يجب عليه فيهم صدقة الفطر قال نعم
قلت أرأيت رجلا له أولاد كبار رجال هل يجب عليه فيهم صدقة قال لا ولكن يجب عليهم أن يؤدوا عن أنفسهم قلت فإن كان ولده محتاجا وهو في عياله هل يجب عليه أن يؤدي عنه قال لا قلت فإن كان ولده صغيرا هل يجب عليه أن يؤدي عنه قال نعم قلت أرأيت إن كان لولده الصغير مال فأدى أبوه عنه من ذلك المال أيضمن له شيئا قال لا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا يؤدي عنه من ماله شيئا فإن أدى فهو ضامن وإنما عليه أن يؤدي عنه من مال الأب
قلت أفتكره أن يؤدي الرجل صدقة الفطر عن ولده من مال ولده وهو صغير في عياله ولا يؤدي من ماله قال لا أكره له ذلك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف قلت فإن لم يكن للابن مال
أيؤدي الأب عنه من ماله قال نعم
قلت فهل يجب على الرجل أن يؤدي عن امرأته وأخيه و أخته أو عن ابنة ابنه أو ابن عمه أو ابن عمته أو عن خاله أو عن خالته أو عن ذي رحم محرم منه وهم صغار أو كبار في عياله قال لا قلت وكذلك لا يؤدي عن أبويه وجده وجدته قال نعم
قلت أرأيت الرجل يكون محتاجا تحل له الصدقة هل يجب عليه صدقة الفطر وعلى عياله قال لا
قلت أرأيت الرجل يكون له الولد الصغير ولولده مملوك أيجب على أبيه أن يؤدي عن مماليك ابنه قال لا قلت فيعطى عن ولده ولا يعطى عن رقيق ولده قال نعم
قلت أرأيت إن كان لابنه مال أله أن يؤدي عنه وعن
ولده وعن رقيق ولده من مال ابنه قال نعم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف قلت فإن كان له أخ صغير في عياله وله مال أيجب أن يؤدي عنه صدقة الفطر قال لا
قلت أرأيت الوصي هل يجب عليه أن يؤدي عن اليتيم صدقة الفطر من مال اليتيم قال نعم
قلت فهل يعطي عن مملوكه صدقة الفطر قال نعم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا يؤدي عنهم شيئا
قلت أرأيت رجلين بينهما عبيد وإماء هل يجب عليهما فيهم صدقة الفطر قال لا لأنه ليس لواحد منهما عبد تام فلا يجب على الرجل في نصف عبد صدقة الفطر
قلت أرأيت صدقة الفطر دفعها قبل الصلاة أحب إليك أم بعدها قال أن يدفعها قبل الصلاة أحب إلي
قلت أرأيت الرجل أيستحب له أن يأكل شيئا قبل الخروج إلى وليست موجود بالأصل ولكن السياق يلزمها المصلى يوم الفطر قال نعم
قلت أرأيت الرجل يجب عليه صدقة الفطر وهو من أهل
خراسان وهو بالكوفة يبعث بها إلى خراسان هل يجزى عنه قال نعم وقد أساء حيث بعث بها إلى خراسان وهو مقيم بالكوفة وإنما ينبغي له أن يدفعها حيث تجب عليه قلت فإن ضاعت حيث بعث بها ولم تصل إلى من بعث بها إليه هل يجزيه ذلك قال لا وعليه صدقة الفطر ثانية يؤديها حيث وجبت عليه لأنها بمنزلة الدين وكل رقيق للتجارة فليس عليه صدقة الفطر وإنما صدقة الفطر على ما كان لغير التجارة منهم وفيما كان للغلة والخدمة
قلت أرأيت الرجل يجب عليه صدقة في نفسه وعياله فيعطيها مسكينا واحدا أيجزيه ذلك قال نعم لأن هذا بمنزلة الزكاة أعطى مثل قيمته من الزكاة مسكينا واحدا أجزاه ذلك
قلت أرأيت الرجل يكون عنده ولد ابنه وهو صغير في عياله وأبوهم حي أو ميت هل على جده أن يؤدي عنهم صدقة الفطر قال لا
قلت أرأيت المرأة لها زوج و ولد وزوجها محتاج وهي تعول زوجها و ولدها هل عليها أن تعطي عنهم صدقة الفطر قال لا
قلت أرأيت الرجل يموت مماليكه يوم الفطر أيؤدي عنهم صدقة الفطر قال نعم إذا انشق الفجر يوم الفطر فإنه يؤدي عنهم ماتوا أو عاشوا سواء في القياس وبه نأخذ
قلت أرأيت الرجل يمر يوم الفطر وأولاده صغار ثم يموت بعضهم قبل أن يؤدي عنهم قال يؤدي عنه أبوه
قلت أرأيت الرجل يموت عبده ليلة الفطر هل عليه فيه صدقة الفطر قال لا لأنه لم يصبح يوم الفطر حيا
قلت أرأيت الرجل يشتري العبد وهو فيه بالخيار ثلاثة أيام أو البائع فيه بالخيار فيمر يوم الفطر وهو عنده ثم يرده أو يأخذه على من صدقة الفطر وكيف إن كان اشتراه للتجارة قال إن أمضى البيع للمشتري فعلى المشتري صدقة الفطر وزكاة التجارة إن كان اشتراه للتجارة وإن كان رده كان صدقته على البائع قلت وكذلك إن كان البائع بالخيار فأمضى البيع فهو على المشتري وإن اختار نقض البيع فهو على البائع قال نعم
قلت من تحل له الصدقة أيجب عليه صدقة الفطر قال لا
محمد عن أبي يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن إبراهيم أنه قال إذا حلت الصدقة للرجل لم يجب عليه صدقة الفطر
قلت أرأيت الإمام كيف يصنع بما يأخذ من صدقة المسلمين وصدقة الإبل والبقر والغنم والمال وغيره مما أشبه ذلك قال يقسم صدقة كل بلاد في فقرائهم ولا يخرجها من تلك البلاد إلى غيرها
قلت أرأيت الإمام ما أخذ من أموال بني تغلب وصدقاتهم
أيقسمها في فقرائهم قال لا لأنها ليست بصدقة إنما هي بمنزلة الخراج فهي للمسلمين تدفع إلى بيت مالهم
قلت أرأيت الرجل يكون له مكاتب فيمكث سنين مكاتب ثم يعجز هل على مولاه صدقة الفطر فيه لما مضى قال لا
قلت أرأيت الرجل يشتري عبدا للتجارة فكاتبه فمكث سنين ثم عجز بعد ذلك ثم حال عليه الحول بعد ما عجز أيزكيه زكاة الفطر أم زكاة التجارة قال عليه زكاة الفطر لأنه قد خرج من حال التجارة حين كاتبه
قلت أرأيت رجلا له عبدان أحدهما للتجارة والآخر للخدمة أبقا جميعا فمكثا سنة ثم وجدهما هل عليه زكاتهما فيما مضى قال لا لأنهما كانا آبقين ولا يدري ما حالهما قلت وكذلك لو كانا مدبرين
أو أم ولد قال نعم
قلت أرأيت الرجل يتزوج المرأة على العبد فيدفعه إليها فجاء يوم الفطر وهو عندها ثم طلقها قبل أن يدخل بها أعليها زكاة الفطر قال نعم قلت فإن كان العبد عند الزوج ثم طلقها قبل أن يدخل بها فعليها زكاة الفطر قال لا
قلت أرأيت الرجل يعول ذوي قرابته من ذوي رحم محرم منه وليس فيهم ولد أعليه أن يؤدي عنه صدقة الفطر قال لا ألا ترى أنه لا يؤدي عن امرأته فكيف يؤدي عن هؤلاء
قلت أرأيت الرجل يشتري العبد للتجارة فيحول عليه الحول وهو لا يساوي مائتي درهم وليس له مال غيره هل عليه زكاة قال لا قلت فهل عليه صدقة الفطر قال لا لأنه للتجارة فلا تجب فيه صدقة الفطر
قلت أرأيت الرجل أن أخر صدقة الفطر حتى مضى يوم الفطر هل يجب عليه أن يؤديها بعد ذلك قال نعم قلت فإن كان
شهرا أو أكثر من ذلك قال وإن كان سنتين
قلت أرأيت صدقة الفطر هل يعطي منها اليهودي أو النصراني أو المجوسي قال لا يعطيها إلا المسلمين قلت فإن أعطى أهل الذمة هل يجزيه ذلك قال نعم
قلت أرأيت رجلا أسلم بعد طلوع الفجر يوم الفطر أيجب عليه
صدقة الفطر قال لا قلت فإن أسلم ليلة الفطر هل عليه صدقة الفطر قال نعم
قلت فإن كان له خمسة دراهم ليس له غيرها هل تجب عليه صدقة الفطر قال لا قلت فإن كان له مائتا درهم وهي لا تغنيه ولا تغنى عياله وعليه مائتا درهم دين أيجب عليه صدقة الفطر قال لا
قلت أرأيت الرجل يكون له الخادم والدار ليس له مال غيرها هل يجب عليه صدقة الفطر قال لا
قلت أرأيت الرجل ليس له طعام حنطة ولا شعير ولكن له ذرة أو سمسم أو نحو ذلك من الحبوب كم يؤدي من ذلك صدقة الفطر قال يؤدي من ذلك قيمة نصف صاع من حنطة أو قيمة صاع من شعير أو صاع من تمر
قلت أرأيت المضارب يشتري عبدا للتجارة على من تكون
صدقة الفطر قال ليس على رب المال ولا على المضارب شيء لأن هذا تجب فيه الزكاة زكاة التجارة
قلت أرأيت رجلا وجبت عليه صدقة الفطر فلم يؤدها حتى مضى الفطر واحتاج هل يجب عليه صدقة الفطر في حال حاجته أو بعد ما يصيب مالا قال نعم يجب عليه إذا أصاب مالا أن يؤدي
قلت أرأيت رجلا ارتد عن الإسلام قبل الفطر ثم أسلم يوم الفطر هل تجب عليه صدقة الفطر قال لا
قلت أرأيت العبد الآبق هل يجب على مولاه فيه صدقة الفطر قال لا قلت وكذلك العبد الغصب يغصبه الرجل قال نعم
قلت وكذلك العبد المبيع بيعا فاسدا قبل الفطر إذا قبضه المشتري فأعتقه بعد الفطر فليس على البائع فيه صدقة الفطر قال نعم قلت فعلى من تكون قال على المشتري
قلت أرأيت العبد يأسره العدو هل على مولاه صدقة الفطر قال لا
قلت أرأيت العبد إذا اشتراه مولاه للخدمة ثم أذن له في
التجارة واستدان فأغلق رقبته في الدين ولمولاه مال كثير هل عليه فيه صدقة الفطر قال نعم قلت فهل على المولى في رقيق العبد صدقة الفطر قال لا قلت من أين افترق العبد وعبيده قال عبيده للتجارة وعليه دين ولو لم يكن عليه دين لم يكن عليه فيهم صدقة الفطر وكان عليه صدقة التجارة
قلت أرأيت عبدا للتجارة لا يساوي مائتي درهم وليس لمولاه مال غيره هل يجب على مولاه زكاة التجارة قال لا قلت فهل عليه زكاة الفطر قال لا قلت لم قال من وجهين من قبل التجارة ومن قبل أنه لا يجب على مولاه صدقة
قلت أرأيت الرجل يبيع العبد بيعا فاسدا فلا يقبضه المشتري حتى يمضي الفطر ثم يقبضه فيعتقه على من زكاة الفطر وقد كان لغير التجارة قال زكاة الفطر على البائع قلت فلو كان المشتري قد قبضه قبل الفطر ثم رده بعد الفطر وهو لغير التجارة قال يكون على البائع لأنه قد رد عليه قلت فلو أعتقه المشتري أو باعه قال زكاة الفطر على المشتري
قلت أرأيت الرجل المعتوه له رقيق وهو غني هل عليه في نفسه ورقيقه زكاة الفطر قال نعم هو في ذلك بمنزلة اليتيم في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا شيء عليه في نفسه ولا في رقيقه
قلت أرأيت الرجل الكافر له عبد مسلم هل يجب على عبده زكاة الفطر أو على مولاه قال لا لأن مولاه كافر لا صلاة عليه ولا زكاة وإنما النظر إلى المولى في هذا
قلت المكاتب له رقيق هل عليه فيهم زكاة الفطر قال لا
قلت فالعبد الوديعة أو العارية أو الإجارة قال على رب العبد
قلت أرأيت العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر على من زكاة الفطر فيه قال على صاحب الرقبة
قلت العبد الذي يجني الجناية عمدا أو خطأ فيها قصاص أو ليس
فيها قصاص على من زكاة الفطر قال على رب العبد
قلت أرأيت رجلا رهن رجلا عبدا أو أمة من يؤدي عنه زكاة الفطر قال على الراهن إذا كان عنده وفاء بذلك الدين وفضل مائتي درهم فإن لم يكن عنده ذلك فليس عليه صدقة الفطر
قلت وكم زكاة الفطر قال نصف صاع من حنطة عن كل حر أو عبد صغير أو كبير
267
قلت أرأيت الرجل يكون بينه وبين رجل رقيق لغير التجارة أ يؤدي عنهم صدقة الفطر هو وصاحبه قال لا في قول أبي حنيفة وقال محمد على كل واحد منهما صدقة الفطر وهذا بمنزلة الغنم السائمة تكون بين الرجلين لأنا نرى قسمة الرقيق جائزة ويقسم الرقيق إذا كانوا بين رجلين
كتاب أبي بكر إلى هذا الموضع والله أعلم
باب الاعتكاف
أبو الحسن محمد بن الحسن قال حدثنا أبو بكر محمد بن عثمان قال حدثنا محمد بن سعدان عن الجوزجاني قال أخبرنا محمد عن أبي يوسف عن ليث بن أبي سليم عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وعن عائشة رضي الله عنهم أنهما قالا لا اعتكاف إلا بصوم
أخبرنا محمد عن أبي يوسف عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم قال مر عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان على قوم معتكفين في مسجد فقال عبد الله هل يكون اعتكاف إلا في المسجد الحرام قال حذيفة نعم كل مسجد له إمام ومؤذن فإنه يعتكف فيه
أخبرنا محمد عن أبي يوسف عن ليث بن أبي سليم عن الحكم عن مقسم عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قال ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه
وبلغنا عن حذيفة أنه قال لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة
وليس ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد لحاجة ما خلا الجمعة والغائط والبول فأما عيادة المريض وشهادة الجنازة فليس ينبغي له أن يخرج لذلك وكذلك ما سوى ذلك من الحوائج فإن خرج لجمعة أو غائط أو بول فدخل بيتا أو مر فيه فلا بأس بذلك ولا يفسد ذلك اعتكافه وليس ينبغي له أن يمكث في منزله بعد فراغه من الوضوء وليس ينبغي له أن يمكث بعد الجمعة وينبغي له أن يأتي الجمعة حين تزول الشمس فيصلي قبلها أربعا وبعدها أربعا أو ستا وما كان من أكل أو شراب فإنه يكون في معتكفه وإذا مرض المعتكف فخرج من المسجد يوما أو أكثر من نصف يوم فعليه أن يستقبل الاعتكاف إن كان اعتكافا واجبا وهذا قول أبي يوسف وقال
أبو حنيفة إذا خرج ساعة من المسجد من غير عذر استقبل الاعتكاف وكذلك إذا خرج من المسجد لغير حاجة يوما أو أكثر من نصف يوم فعليه أن يستقبل اعتكافه في قول أبي يوسف وكذلك لو أفطر يوما كان عليه أن يستقبل اعتكافه وكذلك لو واقع امرأته كان عليه أن يستقبل اعتكافه
ولا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها ولا تعتكف في مسجد جماعة
وإذا جعل الرجل على نفسه لله أن يعتكف شهرا أو ثلاثين يوما ولم ينو شهرا بعينه فإن ذلك سواء وهو متتابع عليه في ذلك الليل والنهار ويفتتح ذلك متى شاء
وإذا قال الرجل لله علي أن أعتكف شهرا بالنهار فله أن يعتكف بالنهار دون الليل وهو بمنزلة قوله لله علي أن لا أكلم فلانا شهرا بالنهار فهو كما قال
وإذا جعل الرجل لله على نفسه اعتكاف ثلاثين يوما ولم يقل متتابعا فهو متتابع وإذا افتتح الرجل ذلك واعتكف فعليه الليل والنهار فإن ترك شيئا من ذلك أفسد عليه اعتكافه وكان عليه أن يستقبل وليس هذا كالصوم ألا ترى أنه لو جعل لله على نفسه أن يصوم ثلاثين يوما ولم ينو متتابعا كان له أن يفرق إن شاء أو لا ترى أنه يفطر بالليل
وإذا جعل الرجل لله عليه أن يعتكف شهرا بعينه قد سماه فذهب ذلك الشهر قبل أن يفعل فعليه أن يعتكف شهرا سواه وعليه كفارة يمين إن كان أراد يمينا فإن لم يكن أراد يمينا فليس عليه كفارة
وإذا جعل الرجل لله على نفسه أن يعتكف شعبان فاعتكفه إلا يوما واحدا فعليه أن يقضي يوما مكانه
وإذا جعلت المرأة لله عليها أن تعتكف شهرا فحاضت فيه فعليها أن تقضي أيام حيضها وتصل بالشهر لأن أيام حيضها كأنها ليل فإن لم تصل الأيام التي تقضي بالشهر أفسدت على نفسها اعتكافها وكان عليها أن تستقبل الاعتكاف وليس الحيض كغيره لأن الحيض عذر يصيبها في كل شهر فإذا لم تصل الاعتكاف بالأيام التي تقضي أمرتها فأعادت هو بمنزلة الشهرين المتتابعين
وإذا اعتكف الرجل من غير أن يوجب على نفسه شيئا فهو معتكف فإن خرج من المسجد فقطع الاعتكاف فليس عليه شيء من قبل أنه لم يوجب على نفسه شيئا وهو معتكف ما أقام في المسجد تارك لذلك حتى يخرج منه
وإذا اعتكف الرجل وهو في المسجد ثم انهدم فهذا عذر
ولا بأس بأن يخرج إلى مسجد آخر
ولا بأس بأن يشتري المعتكف ويبيع في المسجد وأن يتحدث بما بدا له من الحديث بعد أن لا يكون بمأثم
وليس في الاعتكاف صمت لأنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصمت
وإذا اعتكف الرجل اعتكافا واجبا فأخرجه السلطان مكرها أو غير سلطان فإن دخل مسجدا غير ذلك المسجد مكانه استحسنت أن
يكون على اعتكافه وأدع القياس في ذلك وإن أخذ في عمل غير ذلك أو حبسه حابس عن المسجد يوما أو أكثر من نصف يوم انتقض اعتكافه وكان عليه أن يستقبل اعتكافه
وإن خرج المعتكف لغائط أو بول من المسجد فلقي غريما له فلزمه يوما أو أكثر من نصف يوم انتقض اعتكافه إذا كان واجبا ولو حبسه ساعة أو نحو ذلك لم ينتقض اعتكافه أستحسن ذلك وأدع القياس فيه وأما في قول أبي حنيفة فإن اعتكافه فاسد
وقال أبو يوسف قال أبو حنيفة إذا خرج من المسجد ساعة أو أكثر لغير غائط ولا بول ولا جمعة فقد أفسد اعتكافه وعليه أن يستقبل الاعتكاف وكذلك إذا جامع امرأته فقد أفسد اعتكافه
وقال أبو يوسف ومحمد إذا خرج أكثر من نصف يوم أفسد اعتكافه وإذا خرج أقل من ذلك لم يفسد اعتكافه
والاعتكاف الواجب أن يقول الرجل لله علي اعتكاف كذا وكذا أو يجعل عليه ذلك إن كلم فلانا فكلمه أو إن قدم فلان فقدم أو إن برئ فلان من مرض كذا وكذا فبرئ فلان من ذلك المرض
والاعتكاف الذي ليس بواجب الذي يعتكفه وهو ينوي شيئا ولا يتكلم به
وإذا جعل الرجل لله عليه أن يعتكف يوما اعتكف ذلك اليوم متى شاء وإذا أراد أن يفعل دخل المسجد قبل طلوع الفجر فإذا غربت الشمس فقد قضى اعتكافه وإذا دخل بعد ما طلع الفجر فلا يجزيه من اعتكافه لأن هذا أقل من يوم وليس عليه أن يعتكف من الليل شيئا
ولو جعل لله عليه أن يعتكف يومين فإنه ينبغي له أن يدخل قبل غروب الشمس فيعتكف ليلة يومه والليلة المستقبلة والغد إلى أن تغيب الشمس وكذلك لو جعل لله على نفسه أن يعتكف أياما كثيرة أو قليلة دخل المسجد قبل غروب الشمس ثم اعتكف ليلته ويومه ذلك وما استقبل من الأيام والليالي حتى يستكمل العدد يدخل الليل في الاعتكاف ولا يدخل في الصوم لأنه معتكف بالليل ولا يصومه
وإذا جعل الرجل لله على نفسه اعتكاف شهر بعينه فإنه ينبغي له أن يدخل المسجد قبل أن تغيب الشمس فتغيب الشمس وهو في المسجد فيستقبل الشهر بأيامه ولياليه لأن الليلة من الشهر وليست من اليوم
وإذا جامع الرجل امرأته وهو في اعتكاف واجب فقد أساء وقد أفسد اعتكافه وعليه أن يستقبل اعتكافه وكذلك المرأة إذا جامعها زوجها ولو كانت مباشرة دون الجماع أنزل فيها فأوجب عليه فيه الغسل كان ذلك بمنزلة الجماع وكذلك المرأة يكون منها ما يكون من الرجل من الدفق وإن لم يكن أنزل ولا أنزلت فقد أساءا جميعا في ذلك ولا يفسد ذلك عليهما اعتكافهما في قول أبي يوسف وأما في قول أبي حنيفة فإن كانا خرجا من المسجد فقد فسد اعتكافهما
وإذا أوجب الرجل على نفسه اعتكافا ثم مات قبل أن يقضيه فلا يقضيه أحد عن أحد لأنه لا يكون اعتكافا إلا بصوم ولا يصوم أحد عن أحد وكذلك بلغنا عن عبد الله بن عمرو عن إبراهيم النخعي أنهما قالا ذلك ولكنه يطعم عنه لكل يوم نصف صاع من
حنطة لكل مسكين
وإذا مرض الرجل حين قال هذه المقالة فلم يزل مريضا حتى مات فلا شيء عليه ولا يكون عليهم أن يقضوا عنه شيئا من قبل أنه لم يصح
ولو جعل رجل عليه أن يعتكف ليلة أو يوما قد أكل فيه فليس عليه شيء
وإذا قالت المرأة لله علي أن أعتكف أيام حيضي فلا اعتكاف عليها
وكذلك لو قال الرجل لله علي أن أعتكف اليوم الذي يقدم
فيه فلان أبدا فقدم فلان ليلا فلا اعتكاف عليه وإن قدم نهارا في يوم قد أكل فيه الحالف فليس عليه أن يعتكف في ذلك اليوم وعليه أن يعتكف في كل يوم يأتي عليه مثل ذلك اليوم ولو قدم فلان في يوم بعد الظهر كان مثل ذلك أيضا
وإذا جعل الرجل لله على نفسه أن يعتكف شهرا قد سماه فإذا ذلك الشهر الذي قد سماه وعناه قد مضى ولا يعلم حين حلف بمضيه فلا شيء عليه ولا اعتكاف عليه وهو بمنزلة قوله لله علي أن أعتكف أمس
ولو أن معتكفا في اعتكاف واجب أحرم بالحج أو بالعمرة أو بهما جميعا لزمه الإحرام مع الاعتكاف ويقيم في اعتكافه حتى يفرغ فإن خاف أن يفوته الحج خرج فقضى حجته أو عمرته التي جعل لله على نفسه وكان عليه أن يستقبل الاعتكاف
ولو اعتكف الرجل في المسجد الحرام في اعتكاف واجب فذلك أفضل من اعتكافه في غيره وكذلك مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل من الاعتكاف فيما سواه إلا المسجد الحرام وكل ما عظم من المساجد وكثر أهله فهو أفضل ومسجد الجامع أفضل مما سواه
من المساجد بعد المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان مثله من مساجد الجماعة ما خلا هذين المسجدين
وإذا جعل الرجل لله على نفسه الاعتكاف ثم رجع عن الإسلام ثم أسلم فليس عليه اعتكاف هدم الشرك الاعتكاف
وإذا جعل العبد على نفسه الاعتكاف أو الأمة فمولاه أن يمنعه ذلك فإذا أعتقا كان عليهما أن يقضيا الاعتكاف الذي كانا أوجبا على أنفسهما وكذلك المرأة إذا جعلت على نفسها الاعتكاف فلزوجها أن يمنعها وأما أم الولد والمدبرة فهما بمنزلة العبد في ذلك فأما المكاتب فإذا جعل على نفسه اعتكافا معلوما كان عليه أن يعتكفه لأن المولى لا يستطيع أن يحول بينه وبين ذلك وكذلك العبد الذي قد أعتق بعضه وهو يسعى في نصف قيمته
وإذا أكل المعتكف ناسيا بالنهار فصومه تام ويمضي على اعتكافه
وإذا جامع بالنهار ناسيا فقد أفسد اعتكافه ولا يشبه الجماع في هذا الموضع الأكل والشرب لأن الجماع يحرم عليه بالليل كما يحرم عليه بالنهار ولم يحرم من قبل الصوم وصار الجماع بمنزلة الخروج من المسجد ألا ترى أنه لو خرج ناسيا كان خروجه كخروجه متعمدا فكذلك الجماع وأما الصوم في غير الاعتكاف إذا جامع فيه ناسيا فإن الجماع لا يفسد الصوم كما يفسد الاعتكاف
وإذ جعل الرجل على نفسه اعتكاف أيام معلومة إن كلم فلانا أو إذا دخل دار فلان أو فعل كذا وكذا ففعل ذلك فعليه أن يعتكف وليس عليه كفارة دون الاعتكاف
وإذا قال في يمينه إن شاء الله ووصلها بكلامه فليس عليه شيء
وإذا قال إن كنت دخلت دار فلان فعلى اعتكاف شهر وقد كان دخلها وهو لا يعلم يومئذ فعليه الاعتكاف الذي أوجبه على نفسه
وإذا أغمى على المعتكف أياما أو أصابه لمم في اعتكاف واجب عليه فعليه إذا برئ وصح أن يستقبل الاعتكاف ولو تطاول به اللمم وصار معتوها لا يفيق فمكث ذلك سنين كان هذا والفرائض التي
افترض الله تعالى عليه سواء في القياس لا يقضي ولا يكون عليه شيء ولكنا ندع القياس ونوجب عليه القضاء لأنه إذا أحرم بالحج ثم أصابه ذلك ثم أفق أوجبت عليه القضاء
وإذا جعل الأعمى أو المقعد على نفسه الاعتكاف لزمه كما يلزم الصحيح
وإذا جعل المريض على نفسه الاعتكاف وهو مريض لا يطيق ذلك ثم مات قبل أن يبرأ فلا شيء عليه
وإذا جعل الصحيح على نفسه اعتكاف شهر فمرت عليه عشرة أيام ثم مات فإنه ينبغي لورثته أن يقضوا عنه شهرا يطعم لذلك ثلاثين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من حنطة فإن أبوا أن يفعلوا ذلك لم يجبروا على شيء منه
ولا بأس بأن يلبس المعتكف والمعتكفة ما بدا لهما من الثياب ويأكلان ما بدا لهما من الطعام ويتطيبان ما بدا لهما من الطيب ويدهنان بما شاء من الدهن وليسا في ذلك كالمحرم
ولابأس بأن يعتكف العبد إذا أذن له مولاه أو الأمة أو أم الولد والمدبرة والمدبر وكذلك المرأة إذا أذن لها زوجها وليس له أن يمنعها وللمولى أن يمنع رقيقه الاعتكاف ولا مأثم عليه في ذلك إلا أن يكون قد أذن لهم فإن كان قد أذن لهم فإنى أكره له أن يمنعهم بعد ما قد كان أذن لهم فإن منعهم بعد الإذن فليس عليه شيء غير أنه قد أساء وأثم حين منعهم بعد الإذن
ولا بأس بأن ينام المعتكف في المسجد ولا يفسد الاعتكاف كلام ولا سباب ولا جدال غير أنه لا ينبغي له أن يتعمد لشيء من ذلك فيه مأثم
ولو نظر المعتكف إلى امرأته وأنزل لم يفسد ذلك عليه اعتكافه ووجب عليه الغسل
وإذا أخرج المعتكف سلطان في حد عليه أو له يوما أو أكثر من نصف يوم أفسد عليه اعتكافه
ولو سكر المعتكف ليلا لم يفسد عليه اعتكافه ولو كان رجل معتكف في مسجد وهو مؤذن فصعد إلى المنارة لم يفسد ذلك عليه اعتكافه ولو كان باب المئذنة خارجا من المسجد لم يفسد ذلك عليه اعتكافه
ولو نسي المعتكف فخرج من المسجد ثم ذكر بعد ذلك فدخل المسجد لم يفسد ذلك عليه اعتكافه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا بأس للمعتكف أن يخرج رأسه من المسجد إلى بعض أزواجه وأهله فيغسله وإن غسله في المسجد في إناء فلا بأس به
أخبرنا محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم ان عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تغسل رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو معتكف يخرج رأسه من المسجد فتغلسه
أخبرنا محمد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف أصبح في المكان الذي يريد أن يعتكف فيه
قال وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقبة أو خيمة فضربت له حيث أراد أن يعتكف فإذا قباب وخيام مضروبة فقال ما هذا قالوا لعائشة ولحفصة ولزينب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آلبر يردن بهن ثم أمر بخيمته فنقضت فلم يعتكف تلك العشر فلما دخل شوال اعتكف مكانها عشرا
قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في العشر الوسطى من رمضان فلما فرغ من اعتكافه أتاه جبريل عليه السلام فقال له إن ما تطلب وراءك قال فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة العشرين ثم قال إني أراني أسجد في ماء وطين فمن كان اعتكف معنا فليعد إلى معتكفه فقال أبو سعيد الخدري فهاجت السماء عشيته وكان عريش المسجد من جريد فوكف فقال أبو سعيد الخدري
فوالذي بعثه بالحق لقد صلى بنا المغرب ليلة إحدى وعشرين فوكف فقال أبو سعيد وإني لأنظر إلى جبهته وأرنبة أنفه في الماء والطين قال محمد حدثنا بهذا الحديث أبو يوسف عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري
294
وإذا قال الرجل لله علي أن أعتكف شهرا بالنهار دون الليل فله أن يعتكف بالنهار دون الليل إن شاء وإذا قال شهرا ونوى النهار دون الليل فعليه النهار والليل في ذلك وليست نيته ههنا بشيء وهو بمنزلة رجل قال لله علي أن لا أكلم فلانا شهرا ينوي النهار دون الليل فعليه الليل والنهار
وإذا جعل الرجل لله عليه أن يعتكف يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق فعليه أن يفطر ويعتكف أياما مكانها ويكفر يمينه إذا
مضت تلك الأيام إن كان أراد بذلك يمينا ولو اعتكف يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق كما جعل لله على نفسه وصام أجزاه ذلك وقد أساء لأنه لا ينبغي له أن يكون صائما في تلك الأيام وتلك الأيام ليست بأيام صوم ألا ترى أنه نهى عن صوم هذه الخمسة الأيام لأن صومها صوم
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في الصيام والاعتكاف من الجامع الكبير
وإذا قال الرجل لله علي أن أعتكف شهرا ولم ينو شهرابعينه فله أن يعتكف أي شهر شاء ولكن لا بد له من أن يتابع بين اعتكافه ولا يفرق
فإن قال نويت أن أعتكف بالنهار دون الليل لم تكن نيته تلك شيئا لأن الشهر يدخل فيه الليل والنهار والاعتكاف يجب بالليل والنهار فلذلك كان عليه الشهر متتابعا
وإن قال لله علي أن أصوم شهرا ولم ينو شهرا بعينه ولا متتابعا ولا نية له فإن شاء فرق بين صومه وإن شاء وصل لأن الصوم يكون بالنهار دون الليل فلذلك كان له أن يفرق إن شاء
وإذا قال لله علي اعتكاف شهر فعليه اعتكاف بصومه لا بد منه لأن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم والليل لا يكون فيه صوم
وإذا قال لله علي أن أعكف يوما وجب عليه أن يعتكف يوما يصوم فيه يدخل المسجد قبل طلوع الفجر فيقيم فيه صائما إلى أن تغيب الشمس ولا يخرج منه إلا لغائط أو بول أو جمعة
وإذا قال لله علي أن أعتكف ليلتين فعليه أن يعتكف ليلتين
بيوميهما يدخل المسجد قبل أن تغيب الشمس فيقيم فيه تلك الليلة ويصبح صائما ويقيم فيه الليلة الأخرى ويصبح صائما معتكفا إلى الليل
ولا يشبه قوله لله علي اعتكاف ليلة قوله لله علي اعتكاف ليلتين لأن الليلتين يكونان بيوميهما والليلة لا تكون بيوميهما ألا ترى أنه لو قال لله علي أن أعتكف ثلاثين ليلة دخل في ذلك الليل والنهار وكان بمنزلة لله علي أن اعتكف شهرا
ولو قال لله علي أن أعتكف يومين كان عليه اعتكاف يومين بليلتيهما فينبغي له إذا أراد ذلك أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس فيمكث فيه ليلته ويومه والليلة الأخرى ويومها
وإذا قال لله على أن أعتكف ثلاثين ليلة وقال نويت الليل دون النهار فليس عليه شيء لأن الصيام لا يكون إلا بالليل ولا يكون اعتكاف إلا بصوم
وإن قال لله علي أن أعتكف ثلاثين يوما وقال نويت النهار دون الليل فهو كما قال وإن شاء فرق اعتكافه وإن شاء جمع لأن هذا بمنزلة الصوم
وإذا قال لله على أن أعتكف شهر رمضان فعليه أن يعتكف بالليل والنهار فإن صامه ولم يعتكفه كان عليه قضاء اعتكافه فيعتكف شهرا مكانه متتابعا ويصوم فيه لأن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم فلما لم يعتكف في شهر رمضان وجب عليه قضاء الاعتكاف فلما وجب عليه ذلك وجب عليه مع ذلك الصوم فإن كان لم يعتكف حتى دخل شهر رمضان من قابل فصامه واعتكفه قضاء من اعتكاف الشهر الأول لم يجزه ذلك الشهر وعليه أن يعتكف شهرا يصوم فيه مكان الشهر الأول لأن الشهر الأول حين مضى وجب عليه قضاء اعتكافه بصوم فلا يجزيه من ذلك صوم وجب عليه من غير ذلك ولو أنه أفطر شهر رمضان الأول من عذر وجب عليه قضاؤه باعتكاف متتابع فإن قضاه باعتكاف متتابع أجزاه ذلك لأن الشهر وجب عليه صومه واعتكافه فقضى
ذلك ألا ترى أن رجلا لو قال لله علي أن اعتكف رجب وجب عليه صومه واعتكافه فإن أفطره كله ثم قضاه باعتكاف أجزاه فإن اعتكف مكانه شهر رمضان لم يجزه من الاعتكاف الذي وجب عليه
ولو قال لله علي أن أعتكف رجب فاعتكف مكانه شهر ربيع وذلك قبل أن يدخل شهر رجب أجزاه إن كان صامه مع اعتكافه لأنه شيء أوجبه على نفسه لله فإذا عجل قبل وقته أجزاه ألا ترى أن رجلا لو قال لله علي صوم يوم الخميس فصام يوم الأربعاء قضاء من يوم الخميس أجزاه ذلك وهو قول أبي يوسف وقال محمد أما في قولي فلست أرى ذلك يجزيه حتى يصومه بعد دخوله ألا ترى رجلا لو صام شهر رمضان قبل أن يدخل لم يجزه فكذلك هذا
وقال أبو يوسف لو أن رجلا قال لله علي أن أتصدق بدرهم غدا فتصدق به اليوم أجزاه ذلك فكذلك الصوم الذي أوجبه على نفسه يجزيه إذا عجله قال محمد وأما أنا فأرى الصدقة يجزيه تعجيلها ولا أرى تعجيل الصوم يجزيه وإنما أقيس ما أوجب على نفسه من
ذلك بما أوجب الله تعالى عليه فكما أن الزكاة يجزيه تعجيلها قبل وقتها فكذلك إذا أوجب على نفسه صدقة فعجلها قبل وقتها أجزاه وأما الصوم فلا يجزيه تعجيله كما لا يجزيه تعجيل ما أوجب الله عليه من الصوم
وقال أبو يوسف إذا قال لله علي أن أصلي ركعتين غدا فصلاهما اليوم أجزاه وقال محمد وأما أنا فلا أرى ذلك يجزيه أقيسه بما افترض الله عليه من الصلاة
وقال أبو يوسف ولو أن رجلا قال إذا جاء فلان فلله علي أن أصوم يوما فعجل صيام ذلك اليوم قبل أن يقدم فلان ثم قدم فلان بعد فعليه أن يصوم يوما ولا يجزيه صيام ذلك اليوم ولا يشبه هذا الوجه الأول لأن الأول أوجبه على نفسه بغير يمين وهذا إنما أوجبه على نفسه إذا قدم فلان وإنما يجب عليه بعد قدومه فلا يجزيه تعجيله وكذلك إذا قال إذا قدم فلان فلله علي أن أصلي ركعتين فعجل صلاتهما قبل قدوم فلان ثم قدم فلان فعليه قضاؤهما ولا يجزيه الأوليان وكذلك إذا قال إذا قدم فلان فلله علي أن أتصدق بدرهم فعجل صدقة الدرهم ثم قدم فلان إن ذلك لا يجزيه وعليه أن يتصدق بدرهم آخر
وإذا قال لله علي صوم شهر متتابع ولا ينوي شهرا بعينه فعليه أن يصوم شهرا متتابعا فإن أفطر منه يوما استقبل الشهر من أوله فإن كان قال لله علي أن أصوم شهرا متتابعا يعني رجب بعينه أو شهرا من الشهور بعينه فعليه صوم ذلك الشهر وإن أفطر يوما قضى ذلك اليوم وحده وليس عليه أن يستقبل صوم شهر ولكن إذا أراد بقوله لله علي يمينا كفر يمينه مع قضاء ذلك اليوم
وإذا قال لله علي صوم يوم فأصبح من الغد لا ينوي صوما فلم تزل الشمس حتى نوى أن يصومه من قضاء ذلك اليوم الذي أوجبه على نفسه فإن ذلك لا يجزيه من قضاء ذلك اليوم حتى يعزم عليه من الليل ولكن أحب إلي أن يتم صومه فيجعله تطوعا ولا يفطر وإن أفطر فلا قضاء عليه
وإذا قال لله علي صوم غد فأصبح من الغد لا ينوي ما ثم نوى صومه من قضاء ما عليه قبل الزوال أجزاه ذلك لأنه أوجب هذا اليوم بعينه عليه ألا ترى أن رجلا لو أصبح في يوم من شهر رمضان لا ينوي صومه ثم نوى صومه قبل الزوال أجزاه ذلك ولو أفطر يوما من شهر رمضان فوجب عليه قضاؤه فأصبح في يوم لا ينوي صومه ثم نوى صومه قضاء من الذي وجب عليه لم يجزه ذلك فكذلك هذا
وإذا قال لله علي أن أصوم غدا ثم أصبح ينوي أن يصومه تطوعا ولا يصومه مما أوجبه على نفسه فصومه ذلك مما أوجبه على نفسه ولا يكون تطوعا
ولو أن رجلا قال لله علي أن أصوم رجب بعينه ثم أنه ظاهر من امرأته فصام شهرين متتابعين أحدهما رجب أجزاه من الظهار وعليه أن يقضي رجب كما أوجب على نفسه وإن أراد يمينا لم يكن عليه كفارة يمين لأنه صام رجب كما حلف
ولو أن رجلا وجب عليه صوم شهرين متتابعين من ظهار فصام شهرين متتابعين أحدهما رمضان لم يجزه ذلك وكان صومه من رمضان خاصة وعليه أن يستقبل صوم شهرين متتابعين ولا يشبه شهر رمضان في هذا الوجه ما أوجب على نفسه لأن الرجل إذا أوجب على نفسه أن يصوم فكان الإيجاب من قبله كان ذلك والصوم الذي وجب بالظهار سواء ولم يكن أحدهما أوجب من صاحبه فمن أيهما صام ذلك الشهر أجزاه فأما شهر رمضان فإنه لا يكون أبدا إلا من شهر رمضان
ألا ترى لو أن رجلا صامه تطوعا كان من شهر رمضان
وما أوجبه على نفسه مما لم يجب عليه إلا بإيجابه على نفسه فكذلك بمنزلة الشهرين المتتابعين اللذين وجبا بالظهار
ألا ترى أن رجلا لو قال لله علي صوم الأبد كان ذلك واجبا عليه فإن ظاهر من امرأته ولم يجد ما يعتق أجزاه أن يصوم شهرين متتابعين
ألا ترى لو أن رجلا وجب عليه قضاء أيام من شهر رمضان فقضاها في شهر أوجبه على نفسه أجزاه ذلك وكان عليه أن يقضي مكان تلك الأيام من ذلك الشهر فكذلك هذا أو لا ترى أن شهر رمضان لا يشبه ما أوجبه على نفسه من هذا لأنه لو صام ذلك في شهر رمضان لم يجزه
مسألة من كتاب التحري
محمد بن الحسن قال حدثنا حازم بن إبراهيم البجلي عن سماك بن
حرب عن عكرمة مولى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل شهادة أعرابي وحده على رؤية هلال شهر رمضان قدم المدينة فأخبرهم أنه رآه فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصوموا بشهادته
قال محمد فهذا مما يدل على أن شهادة الواحد في أمر الدين جائزة و لا يقبل على هلال الفطر أقل من شاهدين رجلين حرين أو رجل و امرأتين لأن هلال الفطر و إن كان من أمر الدين ففيه بعض المنفعة لفطر الناس و تركهم الصوم فذلك يجري مجرى الحكم فلا تقبل فيه من الشهادة إلا ما يقبل في الأحكام و لا يقبل في هلال شهر رمضان قول مسلم ولا مسلمين إذا كانوا ممن تجوز شهادتهم و هما ممن يتهم فأما عبد ثقة أو امرأة مسلمة ثقة حرة أو أمة أو رجل مسلم ثقة إلا أنه محدود في قذف فشهادته في ذلك جائزة و إن كان الذي شهد بذلك في المصر و لا علة في السماء لم تقبل شهادته لأن الذي يقع في القلب
من ذلك أنه باطل فان كان في السماء علة من السماء علة من سحاب فأخبر أنه رآه من خلال السحاب أو جاء من مكان آخر فأخبر بذلك و هو ثقة فينبغي للمسلمين أن يصوموا بشهادته
مسألة في القيء من كتاب المجرد
الحسن بن زياد عن أبي حنيفة في صائم ذرعه القيء فخرج منه قليل أو كثير أو استقاء فقاء أقل من ملء الفم وهو في ذلك ذاكر أو ناس لصيامه لم يفسد صومه وكان على صيامه وإن تقيأ ملء فيه أو أكثر وهو ذاكر لصومه فعليه القضاء قال أبو عبد الله يعني إذا تكلف للقيء و إن كان ناسيا فلا شيء عليه وإن خرج من جوفه إلى حلقه ثم رده
وهو يقدر على رميه وهو ذاكر لصومه فعليه القضاء
وقال الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال إذا ذرعه القيء أو استقاء فخرج ملء الفم أو أكثر ثم رجع إلى حلقه وهو ذاكر لصيامه مثل الحمصة وهو القدر الذي يفطر من الأكل فطره ذلك وسواء ارتجع ذلك أو غلبه وإن كان الذي خرج من جوفه إلى فمه أقل من ملء الفم لم يفطره ما ارتجع منه وكذلك رواه عن أبي يوسف قال وسمعته يقول غير هذا القول يقول إذا كان القيء أقل من ملء الفم فارتجعه متعمدا فطره وإن غلبه لم يفطره
الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وإذا كان بين أسنانه لحم فتلمظه فدخل حلقه أو اجتمع من ريقه على لسانه فدخل حلقه فهو على صيامه
من المجرد
قال أبو حنيفة إذا أفطر الرجل في شهر رمضان نهارا وهو حاضر متعمدا فأكل طعاما أو شرب شرابا أو جامع امرأة في الفرج أو بعث له وجور فاتجر به أو دواء فأخذه وهو ذاكر لصومه فعليه القضاء
والكفارة وإن جامع امرأته فيما دون الفرج فأنزل ثم جامع في الفرج بعد ذلك أو أصبح ينوي الإفطار ثم نوى الصوم بعد ارتفاع النهار فظن أن ذلك قد أفسد عليه صومه أو لم يظن ذلك فأكل أو شرب أو جامع فعليه القضاء بلا كفارة وإن أكل ناسيا أو شرب ناسيا أو جامع ناسيا أو ذرعه القيء أو قاء ناسيا فظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك فعليه القضاء بلا كفارة وإن اكتحل بذور أو احتجم أو قبل امرأته بشهوة أو لامسها بشهوة أو جامعها فيما دون الفرج فلم ينزل فظن أن ذلك يفطره فأفطر متعمدا فعليه القضاء والكفارة فإن استفتى فقيها أو تأول فيه حديثا أنه قد فطره فعليه القضاء بلا الكفارة وإن هو اغتاب إنسانا أو قذف محصنة فظن أن ذلك قد فطره أو استفتى فيه فقيها أو تأول فيه حديثا ثم أفطر بعد ذلك فعليه القضاء والكفارة لأن الحديث فيه محتمل للتأويل إذ قيل قد أفطر على ما حرم الله وإذ قيل
إن الغيبة قد تفطر فجعل بتأويل ذلك على إفطار البر لا إفطار من الصيام يراد أنه قد حرف بره لأنه قد خرج من البر إلى الاثم والدليل اجتماع الناس أنه لا يكاد يسلم أحد من صيامه من أن يغتاب أو يكذب ولا سيما من العامة
بسم الله الرحمن الرحيم (1) *
محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كان يستحب للرجل أن يخرج يوم النحر قبل أن يطعم شيئا وأن يطعم يوم الفطر قبل أن يخرج قال وكتب شيخ من أهل البصرة يذكر عن عبد الله بن1
كتاب نوادر الصيام
بريدة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ومما يستحب يوم الفطر
قبل الخروج أن يستاك ويطعم ويمس طيبا إن وجده ويخرج الصدقة ثم يخرج وصدقته نصف صاع من حنطة أو سويق أو دقيق أو صاع من تمر أو صاع من شعير فإن أعطى قيمة ذلك دراهم أو فلوسا أجزاه وإن جمع لمسكين واحد عن نفر أجزاه وإن فرق طعاما عن واحد في مساكين أجزاه ويطعم الرجل عن ولده الصغير وعن نفسه وعن عبيده وإمائه الذين لغير التجارة الذين تلزمه نفقتهم وإن أطعم عن امرأته وعن ولده الكبار بأمرهم أجزى عنهم وليس عليه أن يفعل إنما عليهم أن يطعموا ولا يجب الطعام على محتاج له مسكن وخادم وثياب كفاف ومتاع بيت كفاف هذا محتاج إن أعطى من ذلك قبل وليس عليه أن يتصدق عن نفسه فإن كان له سوى ما وصفت لك مائتا درهم أو عشرون مثقالا
من ذهب أو قيمة ذلك من عرض فضل عن الكفاف الذي وصفت لك فعلى هذا زكاة الفطر ولا يسعه أن يقبلها من غيره
ولو كان مملوك بين اثنين لم يكن على واحد منهما فيه زكاة الفطر لأنه لا يملك مملوكا تاما
وليس على الرجل أن يؤدي عن مكاتبه وعليه أن يؤدي عن أم ولده ومدبره وليس على رقيق التجارة زكاة الفطر
وليس على الحبل زكاة الفطر وإن ولدته يوم الفطر فإن ولدته قبل طلوع الفجر من يوم الفطر فعليه
وإن مات مملوك من رقيقه يوم الفطر فعليه أن يطعم وإن انشق الفجر من يوم الفطر وهو يملكه وجب عليه أن يطعم عنه وليس يبطل ذلك موته
وعلى المسلم زكاة الفطر في رقيقه وإن كانوا على غير دين الإسلام وعلى مملوك الغلة زكاة الفطر على مولاه وكذلك عبد تاجر لا يريد مولاه التجارة فيه
وعلى المولى زكاة رقيق رقيقه إذا كانوا لغير التجارة فإن كانوا
للتجارة فليس عليه فيهم زكاة الفطر لأن فيهم زكاة المال إذا لم يكن على العبد دين محيط بقيمتهم
ولو أن رجلا مضت عليه سنون لا يتصدق بصدقة الفطر عليه أو جهله نسيانا فعليه أن يقضي ذلك ويتصدق به ومن كان عليه دين حل له الصدقة وليس عليه زكاة الفطر
وليس على المكاتب أن يؤدي عن نفسه زكاة الفطر ولا على مولاه فيه شيء وليس على رقيق المكاتب زكاة الفطر ولا على مولاه فيهم
وليس على الرجل زكاة الفطر فيمن يعول من قرابته اخوة كانوا أو عمومة أو محرما من نسب أو محرما من رضاع
وعلى اليتيم زكاة الفطر في نفسه إن كان غنيا يؤديها عنه وصيه وكذلك يلزمه الزكاة في رقيقه وفي هذا حجة على من قال لا زكاة على الصغير في ماله وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد ليس على
الصغير زكاة
وليس على أهل الذمة زكاة الفطر في رقيقهم وإن كان أحد من رقيقهم على الإسلام أجبروا على بيعه
وليس على نصارى بني تغلب زكاة الفطر في رقيقهم وليس يبعث
على زكاة الفطر ساعيا يجبيها من أداها فمن نفسه ومن تركها فلازم أنه عليه
ولو كان رقيق بين رجلين لم يكن على واحد منهما زكاة الفطر في رقيقه لأنه لا يملك مملوكا تاما ألا ترى أنه لو أعتق كل مملوك له لم يعتق منهم أحد ولو كانا متفاوضين بينهما رقيق فهو كذلك
ولو مر يوم الفطر على رجل وعنده عبد قد اشتراه قبل الفطر بالخيار فاستوجب بعد الفطر كان عليه زكاة الفطر فيه ولو فسخ البيع فيه كانت زكاته على البائع إذا كان الشري والأصل لغير التجارة وكذلك إن كان الخيار للبائع فتم البيع فعلى المشتري وإن انتقض البيع فعلى البائع وإن كان عقد البيع وقع يوم الفطر فعلى البائع في
الوجهين جميعا إن تم البيع أو انتقض والخيار للبائع أو للمشتري
وليس على الرجل في مملوك آبق زكاة الفطر ولا في عبد غصب والغاصب يجحده وإن رجع إليه لم يزك لما مضى وإن كان العبد غائبا عنه في حاجة له أو في عمل بأجر أو في صنعة فعليه زكاة الفطر عنه
فإن كان رجل في مصر وله رقيق في مصر آخر أو في ضيعة فإنه يؤدي زكاة الفطر عن رقيقه في المصر الذي هو فيه ولا يشبه المال إذا وجب عليه الزكاة في مصر حيث لا تحمل إلى غيره ومن حملها وأداها في غيره أجزت عنه
وليس في شيء من الحيوان زكاة الفطر ما خلا رقيق الخدمة وما كان من الرقيق للتجارة فليس فيهم زكاة الفطر لأن فيهم زكاة الأموال ولا تجتمع الزكاة من وجهين متفرقين في مال واحد
وليس في العقارات ولا في الضياع ولا في شيء من الأموال والعروض زكاة الفطر ما خلا رقيق الخدمة ورقيق التجمل ورقيق القنية
وإن كان الرهن مملوكا لغير التجارة وكان أصله للخدمة فعلى الراهن زكاة الفطر فيه إذا كان له فضل عن دينه وعن قوته الذي وصفت لك مائتي درهم أو أكثر أو عروض بمثلها وليس على المرتهن زكاة العبد الرهن وليس على الرجل زكاة الفطر في رقيق ابنه الصغير
ولو أن رجلا اشترى عبدا قبل الفطر فلم يقبض ولم ينقد حتى مضى يوم الفطر والشرى للخدمة فإن زكاة هذا العبد على المشتري وإن مات قبل أن يقبضه انتقض البيع فيه ولا زكاة على واحد منهما ولو أن مملوكا وجد به المشتري عيبا فرده يوم الفطر بعد القبض وكان الشري قبل الفطر فزكاة الفطر على المشتري إن رده بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض وكذلك لو رده بخيار الرؤية ولو لم يقبضه حتى رده بعيب أو بخيار رؤية فزكاة الفطر في هذا على البائع الذي رجع إليه العبد
ولو أن رجلا في يده عبد للتجارة قيمته خمسمائة درهم فباعه بأمة قبل الفطر بيوم للتجارة فلم يقبض ولم يدفع حتى وجبت الزكاة في ماله يوم الفطر وكان ذلك وقت زكاته فلم يفسخ البيع ولم يقبض حتى مضى
يوم الفطر ثم فسخ البيع بخيار الرؤية أو بعيب فإن زكاة العبد بالقيمة على البائع وأما بائع الجارية فإن كانت لغير تجارة فعليه زكاة الفطر فيها إذا انفسخ البيع قبل القبض بخيار الرؤية أو بعيب والزكاة على الذي يرجع إليه ذلك المملوك فإن كان للتجارة زكاة للتجارة وإن كان للخدمة زكاة للخدمة وكذلك إذا انفسخ البيع بخيار الشرط والقبض وغير القبض فيه سواء وأما خيار الرؤية والعيب فيختلف قبل القبض وبعده إذا كان قبل القبض فعلى ما وصفت لك وإن كان بعده فعلى الذي في ملكه قبل الفسخ ألا ترى أنه في ضمانه ما خلا خصلة واحدة إذا كان رده عليه بعيب وهو كاره فإن هذا يكون عليه زكاة الأوكس كوضيعة لحقته ولو كان هو الذي فسخ البيع ورده بعيب وهو يعرف الفضل فيما رد فحابى كان عليه ذلك فإن لم يعرف ذلك
ولم يحاب فعليه زكاة الأوكس كوضيعة لحقت التاجر في هذا الوجه وصاحب الخدمة عليه زكاة الذي رد إذا كان بعد القبض وإذا كان قبله فعليه زكاة الذي يرجع إليه
ولو أن عبدا وقعت عقدة البيع فيه قبل الفطر ثم مات يوم الفطر قبل القبض والنقد انفسخ البيع وكلاهما صاحب خدمة البائع والمشتري ليس الواحد منهما تاجرا فليس على واحد منهما زكاة ألا ترى أن المشتري يزكي الثمن مع ماله والبائع لا يزكي الثمن ويزكي العبد
قال أبو حنيفة الصاع الأول ثمانية أرطال فيجزى نصف صاع من الحنطة والدقيق والسويق أو صاع من تمر أو شعير وكذلك قال محمد فإن كان المختوم خمسين رطلا فهو عن اثنى عشر إنسانا
ونصف وإذا كان أربعين رطلا فهو على عشر أناسى إذا كان حنطة فإن كان شعيرا فهو عن خمسة وكذلك إن كان تمرا والزبيب صاع في قول أبي يوسف ومحمد وفي قول أبي حنيفة نصف صاع
قلت أرأيت الرجل يبيع العبد بيعا فاسدا فلا يقبضه المشتري يمضي يوم الفطر ثم يقبضه فيعتقه على من زكاة الفطر وقد كان لغير التجارة قال زكاة الفطر على البائع قلت فلو كان المشتري قد قبضه قبل الفطر ثم رده بعد الفطر وهو لغير التجارة قال تكون على البائع لأنه قد رد عليه قلت فلو أعتقه المشتري أو باعه قال زكاة الفطر على المشتري والحمد لله رب العالمين
في كتاب المجرد
قال أبو حنيفة وإن عجل زكاة الفطر عنه وعمن تجب عليه من ولده ورقيقه لسنة أو سنتين أجزاه ذلك وإن لم يؤد ذلك عنهم حين وجبت عليهم حتى مضت سنتان أو ثلاث وجب عليه أن يعطى عنهم من حين مضى زكاة الفطروقال أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي في كتابه من أصبح
في يوم من شهر رمضان ولم ينو في الليلة التي قبله صوما ثم أكل أو شرب أو جامع متعمدا فإن أبا حنيفة كان يقول عليه القضاء بلا كفارة وكان أبو يوسف ومحمد يقولان إذا كان ذلك منه قبل الزوال فعليه القضاء والكفارة وإذا كان بعد الزوال فعليه القضاء بلا كفارة وهو كما قال أبو حنيفة
وقال أبو يوسف الصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي وفي قول أبي حنيفة ثمانية أرطال تتمة نوادر الصوم
باب ما يجب منه إفطار الصوم وما يجب فيه القضاء والكفارة وما يجب القضاء ولا تجب الكفارة وما يجوز من الشهادة على هلال رمضان وما لا يجوز
قال وسئل محمد بن الحسن عمن ابتلع جوزة رطبة وهو صائمقال عليه القضاء ولا كفارة عليه قيل فإن ابتلع لوزة رطبة أو حنطة صغيرة قال عليه القضاء والكفارة فقيل له ابتلع هليلجة
قال عليه القضاء والكفارة أراد به الدواء أو لم يرد به وكذلك إن أكل مسكا أو غالية أو زعفرانا فعليه القضاء والكفارة
محمد في رجل أفطر في شهر رمضان من عذر والشهر ثلاثون يوما فقضى شهر رمضان آخر وهو تسعة وعشرون يوما قال عليه أن يقضي بعدد ما كان شهر رمضان إن كان ثلاثين يوما فثلاثين وإن كان تسعة وعشرين يوما فتسعة وعشرين يوما لقوله تعالى { فعدة من أيام أخر }
محمد قال إذا شهد رجل واحد وبالسماء علة قبلت شهادته وحده إذا كان عدلا وأما على الفطر فلا تقبل إلا شهادة رجلين إذا كان بالسماء علة وإن لم يكن بالسماء علة لم أقبل شهادة رجل حتى يكون أمرا ظاهرا وكذلك لو شهدت امرأة وهي عدلة فشهادتها
جائزة وكذلك لو شهد رجل على شهادة رجل فهو جائز ويجوز في ذلك شهادة المحدود في القذف إذا كان عدلا ولا تجوز شهادة الفاسق وتجوز شهادة العبد إذا كان عدلا
محمد في رجل جامع امرأته نهارا ناسيا في شهر رمضان ثم ذكر وهو مخالطها فقام عنها أو جامعها ليلا فانفجر الصبح وهو مخالطها فقام عنها من ساعته قال هما سواء ولا قضاء عليه وذكر عن أبي يوسف أنه قال يقضي الذي كان وطؤه بالليل ولا يقضي الذي كان وطؤه بالنهار
قلت أرأيت لو أن صائما ابتلع شيئا كان بين أسنانه قال ليس عليه القضاء قلت وإن كان سمسما بين أسنانه فابتلعها قال
لا قضاء عليه لأن ذلك مغلوب لا حكم له كالذباب وإن تناول سمسما ابتداء أفطر
وقال أبو حنيفة الصوم في رمضان لرمضان ولا يكون لغيره إذا كان مقيما وإن كان مسافرا فإن صامه من صوم واجب عليه أجزاه من الواجب وكان عليه قضاء رمضان وقال أبو يوسف ومحمد هما سواء وهو من رمضان ولا يجزيه من غيره مريضا كان أو مسافرا
وقال أبو يوسف في رجل قال لله علي أن أصوم هذا اليوم شهرا فعليه أن يصوم ذلك اليوم كلما دار حتى يتم شهرا أربعة أيام أو خمسة حتى يستكمل ثلاثين يوما منذ قال هذا القول
ولو قال لله علي أن أصوم هذا الشهر يوما كان عليه أن يصوم ذلك الشهر بعينه متى شاء فهو في سعة ما بينه وبين أن يموت
ولو قال لله علي أن أصوم هذا اليوم غدا فإن كان قبل الزوال ولم يأكل ولم يشرب فعليه صوم ذلك اليوم وإن قال هذا القول بعد الزوال أو أكل أو شرب فلا شيء عليه
ولو قال لله علي أن أصوم أمس فلا شيء عليه
ولو قال لله علي أن أصوم غدا اليوم كان عليه أن يصوم غدا وإنما عليه الأول من اللفظ ليس الآخر
ولو قال لله علي صوم الأيام ولا نية له كان عليه سبعة أيام لأنه كلما مضت الجمعة عادت وهذا قول أبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة عليه عشرة أيام لأن أكثر ما يستحق اسم الأيام في اللغة إنما هو عشرة أيام ألا ترى أنك تقول ثلاثة أيام وعشرة أيام ولا تقول أحد عشر أيام وإذا قال لله علي أن أصوم أياما ولا نية له فعليه صيام ثلاثة أيام
ولو قال لله علي صيام الشهور كان عليه اثنا عشر شهرا وهذا قول أبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يقع ذلك على صيام عشرة أشهر
ولو قال لله علي صيام الجمع على مدى الشهور ولا نية له فعليه أن يصوم كل جمعة تأتي عليه في ذلك الشهر
ولو قال لله علي أن أصوم أيام الجمعة فإن عليه سبعة أيام
ولو قال لله علي صوم الجمعة فهذا يقع على وجهين على أيام الجمعة السبعة وقد يقع على الجمعة بعينها فأي ذلك نوى لزمه فإن لم يكن له نية فهذا على أيام الجمعة السبعة
ولو قال لله علي أن أصوم كذا كذا يوما فهو على أحد عشر يوما وإن كان له نية صرف الأمر إلى نيته
ولو قال لله علي أن أصوم كذا وكذا فهو على أحد وعشرين يوما إلا أن ينوي غير ذلك فيكون كما نوى
ولو قال لله علي أن أصوم بضعة عشر يوما لزمه صيام ثلاثة عشر يوما لأن البضع من ثلاثة إلى سبعة فوضعناه على الأقل من اسم البضع
ولو قال لله علي صوم السنين كان هذا صوم الدهر والسنون مخالف للشهور لأنه لا غاية للسنين تنتهيها وأما الشهور فلها غاية في كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } على هذا يصرف يمينه إن لم يكن له نية فإن كانت له نية يصرف إلى نيته وهو على قياس قول أبي يوسف ومحمد وأما في قياس قول أبي حنيفة يرى على ما وصفنا قبل هذا
ولو قال لله علي صوم الزمان فهو ستة أشهر إن لم يكن له نية
وكذلك الحين
تمت النوادر والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ويتلوها كتاب المناسك
بسم الله الرحمن الرحيم (1) *
قال أبو حنيفة وإذا أردت أن تحرم بالحج إن شاء الله فاغتسل1
كتاب المناسك
أو توضأ والغسل أفضل ثم البس ثوبين إزارا ورداء جديدين أو غسلين وادهن بأي دهن شئت وصل ركعتين وقل اللهم إني أريد
الحج فيسره لي وتقبله مني ثم لب في دبر صلاتك تلك وإن شئت بعد ما يستوي بك بعيرك قال والتلبية أن تقول لبيك اللهم لبيك
لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك فإذا لبيت
فقد أحرمت فاتق ما نهى الله عنه من قتل الصيد والرفث والفسوق والجدال
ولا تشر إلى صيد ولا تدل عليه ولا تغط رأسك ولا وجهك ولا تلبس قباء ولا قميصا ولا سراويل ولا قلنسوة ولا ثوبا مصبوغا بالعصفر ولا بالزعفران ولا بالورس فإن كان قد غسل حتى لا ينفض فلا بأس بأن تلبسه ولا تمس طيبا بعد إحرامك
ولا تدهن وارفق بحك رأسك ولا تغسل رأسك ولا لحيتك بالخطمى ولا تقص أظفارك وأكثر من التلبية في دبر كل صلاة وكلما لقيت ركبا وكلما علوت شرفا وكلما هبطت واديا و بالأسحار ومتى تستيقظ من منامك
فإذا قدمت مكة فلا يضرك ليلا دخلتها أو نهارا فادخل المسجد
ثم ابدأ بالحجر الأسود فاستلمه إن استطعت من غير أن تؤذي مسلما فإن لم تستطع ذلك فاستقبله وكبر وهلل واحمد الله وصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم خذ على يمينك على باب الكعبة فطف سبعة
أشواط ترمل في الثلاثة الأول في كل شوط منها من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود فإن زحمك الناس في رملك ذلك فقم فإذا وجدت مسلكا فارمل وطف الأربعة الأشواط الأخر مشيا على هينتك وكلما مررت بالحجر الأسود في طوافك هذا فاستلمه إن استطعت
من غير أن تؤذي مسلما فإن لم تستطع فاستقبله وكبر وهلل وإن افتتحت به الطواف وختمت به أجزاك وليكن طوافك في كل شوط من وراء الحطيم ثم ائت المقام فصل عنده ركعتين أو حيث تيسر
عليك من المسجد فإذا فرغت منها فعد إلى الحجر الأسود فاستلمه
فإن لم تستطع فاستقبله وكبر وهلل ثم اخرج إلى الصفا فابدأ بها وقم عليها مستقبل الكعبة فتحمد الله وتثني عليه وتهلل وتكبر وتلبي
وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتدعو الله بحاجتك ثم اهبط منها نحو المروة فامش على هينتك مشيا حتى تأتي بطن الوادي فاسع في بطن الوادي سعيا فإذا خرجت منه فامش على هينتك حتى تأتي المروة فتصعد عليها وتقوم مستقبل الكعبة فتحمد الله وتثني عليه وتهلل وتكبر وتلبي وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو الله بحاجتك وطف بينهما هكذا سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة وتسعى في بطن الوادي في كل شوط ثم تقيم بمكة حراما
لا يحل لك شيء حتى تطوف بالبيت كلما بدا لك وتصلي لكل أسبوع ركعتين حتى تروح مع الناس إلى منى يوم التروية فتبيت بها
ليلة عرفة وتصلي بها الغداة يوم عرفة ثم تغدو إلى عرفات فتنزل بها مع الناس فإن صليت الظهر والعصر مع الإمام فحسن وإن صليتهما في منزلك فصل كل واحدة منهما لوقتها في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا بأس بإن يصليهما الحاج في منزله كما يصليهما مع الإمام في وقت واحد لأن العصر إنما قدمت من أجل الوقت
بلغنا ذلك عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم فإذا صلى العصر راح
إلى الموقف فوقف به فحمد الله تعالى وهلل وكبر ولبى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الله تعالى بحاجته فإذا غربت
الشمس دفع على هينته حتى يأتي المزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وأقامة واحدة ثم يبيت بها فإذا انشق الفجر صلى الفجر ووقف مع الناس فحمد الله وأثنى عليه وهلل وكبر ولبى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الله بحاجته فإذا أسفر دفع قبل أن تطلع الشمس حتى يأتي منى فيأتي جمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات مثل حصى الخذف ويكبر مع كل حصاة ويقطع التلبية عند أول حصاة يرمى بها جمرة العقبة ولا يرمى يومئذ
من الجمار شيئا غيرها ولا يقوم عندها حتى يأتي منزله فيحلق أو يقصر والمحلق أفضل ثم قد حل له كل شيء إلا النساء
370
ثم يزور البيت من يومه ذلك إن استطاع أو من الغد أو من بعد الغد ولا يؤخره إلى بعد ذلك فيطوف به أسبوعا ويصلي ركعتين ثم قد حل له النساء ثم يرجع إلى منى فإذا كان الغد من يوم النحر رمى
الجمار الثلاث حين تزول الشمس يبدأ بالتي تلي المسجد فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يأتي المقام الذي يقوم فيه الناس فيقوم فيه فيحمد الله ويثني عليه ويهلل ويكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بحاجته ثم يأتي الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات
كذلك ثم يقوم حيث يقوم الناس فيصنع في قيامه كما صنع في الأول ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها في بطن الوادي بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ولا يقيم عندها فإذا كان من الغد رمى
الجمار الثلاث حين تزول الشمس كذلك ثم ينفر إن أحب من يومه وإن أقام إلى الغد فعل كما فعل بالأمس ثم ينفر وقد كان يكره له إذا نفر أن يقدم ثقله ثم يأتي الأبطح فينزل به ساعة ويطوف
طواف الصدر ويصلي ركعتين ثم يرجع إلى أهله فإن كان الذي أتى مكة لطواف الزيارة بات بها أو أقام بها فنام متعمدا أو في الطريق فقد أساء وليس عليه شيء
باب القران
من أراد القران فعل مثل ذلك غير أنه يقول اللهم إنيأريد العمرة والحج ويلبي بهما يقول لبيك بعمرة وحجة معا وإن شاء اكتفى بالنية ويبدأ إذا دخل مكة بطواف العمرة بالبيت وسعيها بين الصفا والمروة نحو ما وصفناه في الحج ثم يطوف للحج بالبيت ويسعى له بين الصفا والمروة وإذا رمى جمرة العقبة يوم النحر ذبح هدي القران وتجزيه الشاة والبقر أفضل من الشاة والجزور أفضل من البقرة ولو كان ساق هديه معه كان أفضل من ذلك كله
ثم يحلق أو يقصر
وإذا طاف الرجل بعد طواف الزيارة طوافا ينوي به التطوع أو طواف الصدر وذلك بعد ما حل النفر فهو طواف الصدر
ولا بأس بأن يقيم بعد ذلك ما شاء ثم يخرج ولكن أفضل ذلك أن يكون طوافه حين يخرج
وأما العمرة المفردة فإنه يتأهب لها مثل ما وصفناه في الحج
ويتقي فيها ما يتقيه فيه حين يقدم مكة ويدخل المسجد فيبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة كذلك ثم يحلق أو يقصر ثم قد فرغ من عمرته وحل له كل شيء ويقطع التلبية في العمرة حين يستلم الحجر الأسود عند أول شوط من الطواف بالبيت
وكذلك إن أراد التمتع ولم يسق هديا ويقيم بمكة بعد الفراغ من العمرة حلالا فإذا كان يوم التروية وأراد الرواح إلى منى لبس الإزار والرداء ولبى بالحج إن شاء من المسجد أو من الأبطح أو من أي الحرم شاء وإن شاء من أحرم بالحج قبل يوم التروية وما تقدم بإحرامه بالحج فهو أفضل ويروح مع الناس إلى منى فيبيت بها ليلة
عرفة ثم يغدو إلى عرفات ويعمل ما وصفناه في الحج المفرد غير أنه إذا طاف للعمرة في أشهر الحج فعليه هدي المتعة يذبحه يوم النحر بعد رمي الجمرة ويحلق أو يقصر ثم يزور البيت فيطوف به أسبوعا يرمل في الثلاثة الأول ويمشي في الأربعة الأواخر على هينته ويصلي ركعتين ويسعى بين الصفا والمروة على ما سبق الوصف به ثم ينصرف إلى منى فإن ساق هديا لمتعته فعل في العمرة مثل ما وصفناه وقلد هديه إذا أحرم فإن من السنة أن يقلد الرجل هديه بعد ما يحرم وإذا طاف للعمرة وسعى أقام حراما
ولم يقصر فإذا كانت عشية التروية أحرم بالحج وإن أحب أن يقدم الإحرام ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة لحجته فعل وإن أحب أن يؤخر ذلك إلى يوم النحر فعل وكذلك المتمتع الذي لم يسق الهدى معه فإن طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة يوم النحر ولم يطف بين الصفا والمروة
وإن لم يكن فعله قبل أن يروح إلى منى رمل يوم النحر في طوافه وطاف بين الصفا والمروة ولا يدع الحلق في جميع ذلك ملبدا كان أو مضفرا أو عاقصا
والمرأة بمنزلة الرجل في جميع ما وصفناه غير أنها تلبس ما بدا لها من الدرع والقميص والخمار والخف والقفازين وتغطي رأسها
ولا تغطي وجهها ولا تلبس المصبوغ بورس أو زعفران أو عصفر إلا أن يكون قد غسل ولا حلق عليها إنما عليها التقصير ولا رمل عليها في الطواف بالبيت ولا سعى عليها بين الصفا والمروة ولكنها تمشى مشيا وتستر كل شيء منها إن أحبت إلا الوجه
وتسدل على وجهها إن أرادت ذلك وتجافي عن وجهها
باب الطواف
ذكر حديث صبي بن معبد أنه قرن فطاف طوافين وسعى سعيين فذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال هديت لسنة نبيكوعن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وعن علي أنه كان يطوف طوافين
ويسعى سعيين
والطواف الذي يطوفه القارن لحجته بعد طواف العمرة ليس بواجب وإنما الطواف الواجب في الحج طواف الزيارة يوم النحر وطواف الصدر أيضا أحب إلا على الحيض
إذا قدم القارن مكة فلم يطف حتى وقف بعرفة أو طاف للعمرة ثلاثة أشواط فقط كان رافضا لعمرته وعليه دم لرفضها وقضاؤها وقد سقط عنه دم القران قال محمد لا يكون رافضا لعمرته حتى يقف بعرفة بعد الزوال وإن كان طاف أربعة أشواط لعمرته لم يصر
رافضا لها بالوقوف بعرفة وأتمها يوم النحر وهو قارن فإن لم يطف لعمرته حين قدم مكة ولكنه طاف وسعى لحجته ثم وقف بعرفة لم يكن رافضا لعمرته وكان طوافه وسعيه للعمرة دون الحجة وهذا رجل لم يطف لحجته فعليه أن يرمل في طواف يوم النحر ويسعى بين الصفا والمروة وإن طاف وسعى للحج ثم طاف وسعى للعمرة لم يكن يلزمه شيء ولم تكن نيته في ذلك شيئا وكان الأول عن العمرة والثاني عن الحج فإن طاف طوافين لهما ثم سعى سعيين فقد أساء ولا شيء عليه فإن كان طافهما على غير وضوء ثم سعى يوم النحر فعليه دم من أجل طوافه للعمرة على غير وضوء
ويرمل في طواف الحج يوم النحر ويسعى بين الصفا والمروة استحسانا وإن لم يفعل فلا شيء عليه وقال محمد ليس عليه أن يعيد الطواف وإن أعاد فهو أفضل والدم عليه على كل حال وإن طافهما جنبا فعليه دم لطواف العمرة ويعيد السعي للحج فإن لم يعد
فعليه دم والقياس في الجنب والذي على غير وضوء سواء إلا أن الجنب أشدهما حالا والحائض كالجنب في هذا
مفرد أو قارن طاف طواف الزيارة على غير وضوء ولم يطف طواف الصدر حتى رجع إلى أهله كان عليه دمان أحدهما لطوافا على غير وضوء والآخر لترك طواف الصدر فإن كان قد طاف للصدر سقط عنه الدم من أجله وإن كان طاف للزيارة جنبا ولم يطف للصدر حتى رجع إلى أهله فإنه يعود إلى مكة باحرام جديد فيطوف طواف الزيارة ويريق لتأخيره دما ويطوف طواف الصدر وإن
لم يرجع فعليه بدنة لطواف الزيارة وشاة لترك طواف الصدر وعلى الحائض مثل ذلك للزيارة وليس عليها لطواف الصدر شيء وإن كان طاف للزيارة جنبا وطاف للصدر طاهرا في آخر أيام التشريق كان طواف الصدر مكان طواف الزيارة وقد أخره فعليه دم لتأخيره وصار كأنه لم يطف للصدر فعليه لتركه دم وإن كانت امرأة حائض
فطافت يوم النحر حائضا ثم طهرت من الغد وطافت للصدر في آخر أيام التشريق كان طواف الصدر للزيارة وعليها لتأخيره دم وعليها دم لترك طواف الصدر وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد ليس عليها لتأخير طواف الزيارة شيء
وإن طاف الأقل من طواف الزيارة طاهرا ولم يطف للصدر ورجع إلى أهله فعليه أن يعود الإحرام الأول ويقضي بقية الزيارة ويريق لتأخيره دما ويطوف للصدر وإن كان طاف الأكثر منه أجزاه أن لا يعود ويبعث بشاتين إحدهما لما بقي منه والأخرى للصدر
وإن كان طاف الأقل منه وطاف للصدر في آخر أيام التشريق فإنه يكمل طواف الزيارة من طواف الصدر وعليه في قول أبي حنيفة لتأخير ذلك دم لأنه أكثره وعليه لتركه من طواف الصدر أيضا دم
وإن كان المتروك من طواف الزيارة أقله أكمل ذلك من طواف الصدر ولم يكن عليه لواحد منهما دم ولكن عليه الصدقة
قال أبو الفضل وجملته أن عليه في ترك الأقل من طواف
الزيارة دما وفي تأخير أقله صدقة وفي ترك الأكثر من طواف الصدر دم وفي ترك أقله صدقة وفي طواف الصدر جنبا دم وفي طوافه على غير وضوء صدقة وسوى في رواية أبي حفص بينه وبين الجنب في ذلك وفي طواف الزيارة جنبا إعادة أو بدنة وفي طوافه على غير وضوء شاة وفي طوافه منكوسا أو محمولا أو طواف أكثره
كذلك بغير عذر الإعادة إن كان هناك وشاة إن كان قد رجع وكذلك طوافه بين الصفا والمروة محمولا أو راكبا
وإذا طاف المعتمر أربعة أشواط من طواف العمرة في أشهر الحج ثم حج من عامه فهو متمتع وإن كان طاف الأكثر منه في شهر رمضان لم يكن متمتعا
ولو جامع المعتمر بعد ما طاف الأكثر من طوافه لم تفسد عمرته ومضى فيها وعليه دم وإن جامع بعد ما طاف ثلاثة أشواط منه فسدت عمرته ومضى فيها وعليه دم للجماع وعمرة مكانها وإن كان طاف للعمرة في شهر رمضان جنبا أو على غير وضوء لم يكن متمتعا إن أعاده في شوال أو لم يعده
كوفى اعتمر في أشهر الحج فطاف لعمرته ثلاثة أشواط وفرغ مما بقي عليه منها وحل ورجع إلى أهله ثم ذكر ذلك فرجع إلى مكة فقضى ما بقي عليه من عمرته من طواف البيت والصفا والمروة وحل وحج من عامه فهو متمتع وإن كان طاف أربعة أشواط لم يكن متمتعا
وترك الرمل في طواف الحج والعمرة والسعي في بطن الوادي بين الصفا والمروة لا يوجب شيئا غير أنه فيه مسيء إذا كان لغير عذر وكذلك ترك استلام الحجر
وإذا طاف الطواف الواجب في الحج أو العمرة في جوف الحطيم قضى ما ترك منه إن كان بمكة وإن كان قد رجع إلى أهله فعليه دم
قارن طاف لعمرته ثلاثة أشواط وسعى بين الصفا والمروة ثم طاف لحجته كذلك ثم وقف بعرفة فإن الأشواط التي قضاها للحج محسوبة من طواف العمرة ويقضي شوطا واحدا من طواف العمرة ويعيد طواف الصفا والمروة لعمرته ولحجته وهو قارن وإن رجع إلى الكوفة قبل أن يفعل ذلك فعليه دم لترك ذلك الشوط ودم لترك السعي في الحج قال وقوله في هذا الجواب لعمرته غير سديد إلا أن يريد به الاستحباب ويكره له أن يجمع بين أسبوعين من الطواف قبل أن يصلي في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا بأس
بذلك إذا انصرف على وتر ثلاثة أسابيع أو خمسة أو نحو ذلك وإذا طاف قبل طلوع الشمس لم يصل حتى تطلع الشمس وترتفع وكذلك إن طاف بعد العصر لم يصل حتى يصلي المغرب ولا يجزيه المكتوبة من ركعتي الطواف
ويكره له أن ينشد الشعر في طوافه أو يتحدث أو يبيع أو يشتري وإن فعله لم يفسد عليه طوافه ويكره له أن يرفع صوته بقراءة القرآن فيه ولا بأس بقراءته في نفسه وإن طافت المرأة مع الرجل
لم تفسد عليه طوافه
وإذا خرج الطائف من طوافه لصلاة مكتوبة أو جنازة أو تجديد وضوء ثم عاد بنى على طوافه وإن أخر الطائف ركعتيه حتى خرج من مكة لم يضره بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه طاف قبل طلوع الشمس ثم خرج حتى إذا كان بذي طوى وارتفعت الشمس صلى ركعتين ثم قال ركعتان مكان ركعتين قال والصلاة لأهل
مكة أحب إلى وللغرباء الطواف
رجل طاف أسبوعا وشوطا أو شوطين من أسبوع آخر ثم ذكر أنه لا ينبغي له أن يجمع بين أسبوعين قال يتم الأسبوع الذي دخل فيه وعليه لكل أسبوع ركعتان
ولا بأس بأن يطوف وعليه خفاه أو نعلاه إذا كانا طاهرين وإن كان عليه ثوب فيه دم أو بول أكثر من قدر الدرهم كرهت له ذلك ولم يكن عليه شيء
واستلام الركن اليماني حسن وتركه لا يضره وإذا رمل في
طوافه كله لم يكن عليه شيء وإن مشى في الشوط الأول ثم ذكر ذلك لم يرمل إلا في شوطين وكذلك إن مشى في الثلاثة الأول ثم ذكر لم يرمل فيما بقي
وإن جعل لله عليه أن يطوف زحفا فطاف كذلك أعاده إن كان بمكة وأراق لذلك دما إن كان قد رجع إلى أهله وإن
طاف بالبيت من وراء زمزم أو قريبا من ظلة المسجد أجزاه وإن طاف من وراء المسجد فكانت حيطانه بينه وبين الكعبة لم يجزه وعليه أن يعيده فالله أعلم
باب السعي بين الصفا والمروة
وإذا سعى بين الصفا والمروة فرمل في سعيه كله من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا فقد أساء ولا شيء عليه وكذلك إن مشي في جميع ذلك أجزاه وإن بدأ بالمروة وختم بالصفا حتى فرغ أعاد شوطا واحدا لأن الذي بدأ فيه بالمروة ثم أقبل منها إلى الصفا لا يعتد به وإن ترك السعي فيما بين الصفا والمروة رأسا في حج أو عمرة فعليه دم وكذلك إن ترك منه أربعة أشواط وإن ترك ثلاثة أشواط أطعم لكل شوط مسكينا نصف صاع من حنطة إلا أن يبلغ ذلك دما فيطعم حينئذ منهما شاء وكذلك إن فعله راكبا
ويجوز سعي الجنب والحائض إذا كانا قد طافا على الطهارة
ولا يجوز السعي قبل الطواف ويجوز بعد أن يطوف الأكثر من الطواف ويكره له ترك الصعود على الصفا والمروة في السعي بينهما ولا يلزمه بتركه شيء وإن سعى بعد ما حل من حجته وواقع النساء أجزاه وإن أخره حتى مضت أيام النحر فعليه دم إن كان رجع إلى أهله والدم أحب إلى من الرجوع وإن رجع رجع بإحرام جديد فإن كان بمكة سعى وليس عليه شيء
ولا ينبغي له في العمرة أن يحل حتى يسعى بين الصفا والمروة لأن الأثر جاء فيها أنه إذا طاف وسعى وحلق أو قصر حل و جاء في الحج
أنه إذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر حل له كل شيء إلا النساء فإذا طاف بالبيت حل له النساء والسعي بين الصفا والمروة واجب في الحج والعمرة
باب الخروج إلى منى
ويستحب للحاج أن يصلي الظهر يوم التروية بمنى ويقيم بها إلى صبيحة يوم عرفة وإن صلى الظهر بمكة لم يضره وإن بات بمكة ليلة عرفة وصلى بها الفجر ثم غدا منها إلى عرفات ومر بمنى أجزاه وقد أساءوينزل حيث أحب من عرفات ويصعد الإمام المنبر ويؤذن
المؤذن وهو عليه فإذا فرغ قام الإمام خطب فحمد الله وأثنى عليه ولبى وهلل وكبر وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم ثم دعا الله تعالى بحاجته ثم ينزل ويقيم المؤذن فيصلي الإمام الظهر فإذا سلم منها قام المؤذن فأقام للعصر ثم يصلي الإمام العصر بالناس ويكره للإمام أن يتطوع بينهما فإن أدركه رجل في العصر وقد صلى الظهر في منزله لم يجزه العصر في قول أبي حنيفة
وكذلك إن صلى مع الإمام الظهر ثم صلى العصر وحده فإن أدرك مع الإمام شيئا من العصر أجزاه وقال أبو يوسف ومحمد يجزيه إن صلاهما مع الإمام أو وحده وإن كان الإمام سبقه الحدث في الظهر فاستخلف رجلا منهم فإنه يصلي بهم الظهر والعصر جميعا فإن فرغ من العصر قبل أن يرجع الإمام فإن الإمام لا يصلي العصر ما لم يدخل وقتها في قول أبي حنيفة وليس في هاتين الصلاتين جهر فإن خطب قبل الزوال أو ترك الخطبة وصلى الصلاتين بعد الزوال جاز وقد أساء فإن كان يوم غيم فاستبان أنه صلى الظهر قبل الزوال وصلى العصر بعده فالقياس أن يعيد الظهر وحدها ولكني أستحسن أن يعيد الخطبة والصلاتين جميعا
وإن أحدث الإمام بعد الخطبة قبل أن يدخل في الصلاة فأمر رجلا قد شهد الخطبة أو لم يشهدها أن يصلي بهم أجزاه وإن تقدم رجل من الناس بغير أمر الإمام فصلى بهم الصلاتين لم يجزهم في قول أبي حنيفة
ولا جمعة بعرفة وإن نفر الناس عن الإمام فصلى وحده
الصلاتين أجزاه وإن مات الإمام فإن صلى بهم خليفته أو ذو سلطان أجزاهم وإن لم يكن فيهم ذو سلطان صلوا كل واحدة لوقتها في قول أبي حنيفة
ومن وقف بعرفة قبل زوال الشمس لم يجزه ومن وقف بعد زوال الشمس أو ليلة النحر قبل انشقاق الفجر أو مر بها مارا وهو يعرفها أو لا يعرفها أجزاه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفة فقد فاته الحج ومن وقف بها بعد الزوال ثم أفاض من ساعته أو أفاض قبل
غروب الشمس أو صلى بها الصلاتين ولم يقف وأفاض أجزاه وعليه دم فإن رجع و وقف بها بعد ما غابت الشمس لم يسقط عنه الدم
وإذا وقف هناك المغمى عليه أجزاه و وقوف الحائض والجنب ومن قد صلى الصلاتين ومن لم يصل جائز
وإذا توجه القارن إلى عرفات ليقف بها قبل أن يطوف لعمرته خوفا من فوت الحج ثم طمع أن لا يفوته فرجع وطاف وسعى لعمرته ثم ذهب فوقف أجزته عمرته استحسانا
وفي نوادر ابن سماعة قال في قول أبي حنيفة هو رافض للعمرة حين توجه إلى عرفة وفي الجامع الصغير ان أبا حنيفة قال لا يكون رافضا حتى يقف
وإذا وقف القارن بعرفة قبل أن يطوف للعمرة فهو رافض لها إن نوى الرفض أو لم ينو
وإذا جامع القارن بعرفة قبل زوال الشمس وقد طاف لعمرته قال عليه دمان ويفرغ من عمرته وحجته وعليه قضاء الحج وإن كان واقع بعد الزوال أو واقع يوم النحر قبل أن يرمي الجمرة أو بعدها فهو سواء وعليه جزور للحج وشاة للعمرة وعليه دم القران ولم تفسد حجته وعمرته وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إذا جامع بعد ما يقف بعرفة فعليه جزور وحجته تامة وكذلك لو جامع بعد ما حل قبل أن يطوف بالبيت ومن جامع ليلة عرفة قبل أن يأتي عرفات
فسد حجه وعليه شاة ويأتي عرفات فيقف بها ويفرغ من حجه وعليه الحج من قابل وإذا وقف القارن بعرفة ولم يطف للعمرة ثم جامع فعليه جزور للجماع ويفرغ من حجه وعليه دم لرفض العمرة وقضاؤها بعد أيام التشريق
ومن دخل مكة بغير إحرام فخاف الفوت إن رجع إلى الميقات فأحرم ووقف بعرفة أجزاه وعليه دم لترك الوقت
وإذا وقف الحاج بعرفة ثم أهل وهو واقف بحجة أخرى فإنه يرفضها وعليه دم لرفضها وحجة وعمرة مكانها ويمضي في التي هو فيها وإن أهل بعمرة رفضها أيضا وعليه دم لرفضها وعمرة مكانها ويمضي في الحجة التي هو فيها وكذلك لو كان أهل بالحج ليلة المزدلفة بالمزدلفة فهو أيضا رافض ساعة أهل وكذلك لو كان أهل بعمرة ليلة المزدلفة فهو أيضا رافض في قول أبي يوسف ومحمد
ويجمع الإمام بين صلاة المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامة
فان تطوع بينهما أقام للعشاء إقامة أخرى فإن صلى رجل المغرب بعرفات حين غربت الشمس أو صلاها قبل أن يبلغ المزدلفة قبل أن يغيب الشفق أو بعد ما غاب قال عليه أن يعيدها في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يعيدها
ويغلس بصلاة الفجر بالمزدلفة حين ينشق له الفجر ثم يقف حتى إذا اسفر دفع قبل طلوع الشمس
والمزدلفة كلها موقف إلا محسر وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وأحب إلى أن يكون وقوفه بالمزدلفة عند الجبل الذي يقال له
قزح من وراء الإمام وأحب له أن يكون موقفه بعرفة أيضا من وراء الإمام فإذا أفاض من جمع دفع على هينته كما يفيض من عرفات ومن تعجل من المزدلفة بليل لغير عذر فعليه دم وإن كان لعذر مرض أو غيره أو كانت امرأة فلا شيء عليه وإن أفاض منها بعد طلوع الفجر قبل أن يصلي الناس الفجر فقد أساء ولا شيء عليه وكذلك لو مر بها مارا بعد الفجر من غير أن يبيت بالليل بها لم يكن عليه شيء وكذلك إن كان بها نائما أو مغمى عليه ولم يقف مع الناس حتى أفاضوا
باب رمي الجمار
ويبدأ إذا وافى منى برمي جمرة العقبة ثم بالذبح إن كان قارنا أو متمتعا ثم بالحلق وإذا لم يرم جمرة العقبة يوم النحر حتى جاء الليل رماها ولا شيء عليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للرعاء في الرمي ليلا وإن لم يرمها حتى يصبح من الغد رماها وعليه دم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يرميها ولا دم عليهوإن ترك منها حصاة أو حصاتين إلى الغد رمى ما ترك وتصدق لكل حصاة بنصف صاع حنطة على مسكين إلا أن يبلغ دما فيتصدق بما شاء وإن كان ترك الأكثر منها فعليه دم في قول أبي حنيفة وإن ترك رمى إحدى الجمار في اليوم الثاني فعليه صدقة لأنه أقلها حتى يترك الأكثر من النصف وإن ترك الرمي كله في سائر الأيام إلى آخر
أيام الرمي رماها على التأليف وعليه دم في قول أبي حنيفة ولا دم عليه في قول أبي يوسف ومحمد وإن تركها حتى غابت الشمس من آخر أيام الرمي سقط عنه الرمي وعليه دم واحد في قولهم جميعا
فان بدأ في اليوم الثاني بجمرة العقبة فرماها ثم بالوسطى ثم بالتي تلي المسجد ثم ذكر ذلك من يومه قال يعيد على الجمرة الوسطى وجمرة العقبة وإن رمى كل جمرة بثلاث حصيات ثم ذكر ذلك قال يبدأ فيرمى الأولى بأربع حصيات ثم يعيد على الوسطى بسبع حصيات وكذلك على الثالثة وإن رمى كل واحدة بأربع أربع قال يرمي كل واحدة بثلاث ثلاث وإن استقبل رميها فهو أفضل وإن رمى
جمرة العقبة من فوق العقبة أو لم يكبر مع كل حصاة أو جعل مكان التكبير تسبيحا أجزاه وكذلك إن رماها بحجارة أو بطين يابس وكل شيء رماها به من الأرض فإن رمى إحدى الجمار بسبع حصيات جميعا قال هذه واحدة يرميها الآن بستة وإن رماها بأكثر من سبع حصيات
لم تضره تلك الزيادة وإن نقص حصاة لا يدري من أيتهن نقصها أعاد على كل واحدة منهن حصاة حصاة وإن قام عند الجمرة و وضع الحصاة عندها وضعا لم يجزه وإن طرحها طرحا أجزاه وقد أساء وإن رماها من بعيد فلم تقع الحصاة عند الجمرة ولا قريبا منها لم تجزه وإن وقعت قريبا منها أجزاه وقد أساء فإن رماها بحصى أخذها من عند الجمرة أجزاه وقد أساء وإن لم يقم عند الجمرتين
اللتين يقوم الناس عندهما لم يلزمه شيء وإن كان أيام منى بمكة غير أنه كان يأتي منى فيرمي الجمار قال قد أساء وليس عليه شيء وإذا رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس أجزاه بلغنا ذلك عن عطاء وإن رماها يوم الثاني قبل الزوال
لم يجزه وكذلك اليوم الثالث وأما اليوم الرابع فإنه يجزي رميها فيه قبل الزوال استحسانا في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا يجزيه وهو وما قبله سواء وأحب إلى أن يرمي الجمار بمثل حصى الخذف وإن رمى بأكبر من ذلك أجزاه
وليس في القيام عند الجمرتين دعاء موقت ويرفع يديه عندهما حذاء منكبيه والرجل والمرأة في رمي الجمار سواء وإن رماها راكبا أجزاه والمريض الذي لا يستطيع رمى الجمار يوضع الحصى في كفه حتى يرمي به وإن رمى عنه أجزاه وكذلك المغمى عليه والصبي الذي يحج به أبوه يقضي المناسك ويرمي الجمار وإن تركه لم يكن عليه شيء وكذلك المجنون يحرم عنه أبوه
باب الحلق
والحلق أفضل من التقصير والتقصير يجزي وإن قصر أقل من النصف أجزاه وهو مسيء وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل كم تقصر المرأة فقال مثل هذه يعني مثل الأنملة فإن قصرت ذلك المقدار من أحد جانبي رأسها وذلك يبلغ النصف أو دونه أجزاهاوإذا جاء يوم النحر وليس على رأسه شعر أمره الموسى على رأسه وإن حلق رأسه بالنورة أجزاه والموسى أحب إلي
وأكره له أن يؤخر الحلق حتى تذهب أيام النحر فإن أخره فعليه دم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء عليه وأكره له أن يؤخره في حج أو عمرة حتى يخرج من الحرم فإن فعله وخلق في غير الحرم فعليه دم ويجزيه في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا شيء عليه وإن أخر الحلق في العمرة شهرا غير أنه مقيم بمكة لم يحل حتى يحلق فلا شيء عليه
وليس على المحصر حلق إذا حل وإن حلق أو قصر فحسن وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف أرى عليه أن يحلق فإن لم يفعل فلا شيء عليه
وليس على الحاج إذا قصر أن يأخذ شيئا من لحيته أو أظفاره أو شاربه أو يتنور وإن فعل لم يضره
وإن حلق المحرم رأس حلال تصدق بشيء وإن حلق رأس محرم بأمره أو بغير أمره فعلى المحلوق دم وعلى الحالق صدقة وكذلك إن أكرهه على ذلك وكذلك الجواب في قص الأظفار
وإذا أخذ المحرم من شاربه أو من رأسه شيئا أو لمس لحيته فانتثر منها شعر قال عليه في كل ذلك صدقة فإن أخذ ثلث رأسه أو ثلث لحيته فعليه دم وإن نتف إبطيه أو أحدهما أو أطلى بنورة
فعليه دم وإن حلق موضع الحجامة فعليه دم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد عليه صدقة وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم في قولهم جميعا وعلى القارن في كل ذلك كفارتان
وإذا أصاب المحرم أذى في رأسه فحلق قبل يوم النحر فعليه ما قال الله جل ذكره { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } والصيام ثلاثة أيام والصدقة ثلاثة أصوع من حنطة يتصدق بها على ستة مساكين والنسك شاة وكذلك كل ما اضطر إليه مما لو فعله غير مضطر كان عليه دم فإذا فعله مضطرا فعليه أي هذه الكفارات شاء يكفر في أي بلد شاء إلا النسك فإنه لا يجزي إلا بمكة وإذا فعله غير مضطر فعليه دم لا يجزيه غيره
وكل دم وجب عليه في شيء من أمر الحج والعمرة فإنه لا يجزيه ذبحه إلا بمكة أو حيث شاء من الحرم وإذا ذبحه بها ثم سرق لم يكن عليه شيء وإن سرق قبل الذبح فعليه بدله
ويجزيه ذبح ما وجب عليه من الدماء قبل يوم النحر وبعده بمكة ما خلا دم القران ودم المتعة فإنه لا يجزيه ذبح هذين الدمين قبل يوم النحر وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يجزيه وكذلك هدي المحصر بالحج لا يجزي ذبحه قبل يوم النحر فأما ما سوى ذلك من التطوع وغيره فيجزيه أن يذبحه قبل يوم النحر وذبحه يوم النحر أفضل ولا يأكل من شيء من الهدي إلا من هدي المتعة والقران والتطوع والأضحية فإنه يأكل الثلثين منها ويتصدق بالثلث وإن أكلها كلها لم يكن عليه شيء وينتفع بجلود هذه الأربع ولا ينتفع
بجلود غيرها
ولا يعطى الجزار منها ولا من غيرها شيئا ولا ينبغي له أن يبيع شيئا من لحوم الهدايا فإن فعل فعليه قيمته يتصدق بها وإذا لم يبق على المحرم غير التقصير فبدأ بقص أظفاره أو أخذ من لحيته أو شاربه شيئا فعليه كفارة ذلك لأنه محرم ما لم يقصر أو يحلق
باب كفارة قص الأظفار
وإذا أخذ المحرم أظفار يديه ورجليه فعليه دم وإن قص من أظفاره واحدا أو اثنين فعليه لكل ظفر صدقة نصف صاع حنطة إلا أن يبلغ ذلك دما فيطعم منه ما شاء وإن كان قارنا ضوعف عليه الكفارة وإن قص ثلاثة أظافير فعليه دم استحسانا في قول أبي حنيفة الأول ثم رجع عنه وقال لا أرى عليه دما حتى يقص أظافير يد كاملة أو رجل كاملة وهو قول أبي يوسف ومحمد إلا أن محمدا قال إذا قصخمسة أظافير متفرقة من يدين أو رجلين أو يد ورجل فعليه دم وإذا انكسر ظفر المحرم فانقطع منه شظية فقلعه لم يكن عليه شيء وإذا قص أظافير إحدى يديه ولم يكفر حتى قص أظافير اليد الأخرى أو الرجل الأخرى فإن كان ذلك في مجلس واحد فعليه دم واحد وإن كان في مجلسين فعليه دمان في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد عليه دم واحد ما لم يكفر وكذلك الحكم في الجماع مرة بعد أخرى مع امرأة واحدة أو مع نسوة وإذا أصابه الأذى في أظفاره حتى قصها فعليه أي الكفارات الثلاث شاء
باب جزاء الصيد
محرم دل محرما أو حلالا على صيد فقتله قال على الدال جزاؤه بلغنا ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما فإن كان الدال حلالا في الحرم لم يكن عليه شيء
وإذا اشترك رهط محرمون في قتل صيد فعلى كل واحد منهم جزاء كامل وإن كان فيهم قارن فعليه جزاؤه مرتين
وإن كان قتل حلالان صيدا في الحرم بضربة واحدة فعلى كل واحد منهما نصف الجزاء
وإذا قتل المحرم صيدا حكم عليه عدلان بقيمته في الموضع الذي
أصابه فيه ثم يكون القاتل بالخيار إن شاء كفر بالهدي وإن شاء بالطعام وإن شاء بالصيام في قول أبي حنيفة وأبي يوسف بلغنا ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال محمد الخيار إلى الحكمين
فيما يوجبانه فإن حكما به هديا نظر إلى نظيره من النعم الذي يشبهه في المنظر ولا ينظر إلى قيمته فيكون في الظبي شاة وفي الأرنب عناق أو جدي وما لم يكن له نظير من النعم مثل الحمامة ونحوها فعليه القيمة وإن حكم الحكمان بالطعام أو الصيام فعل كما قال أبو حنيفة وقال ابن أبي ليلى عليه في الحمامة قيمة شاة وفي البيضة درهم
وإذا رمى الحلال صيدا من الحل في الحرم أو من الحرم في الحل فقتله فعليه جزاؤه وكذلك إرسال الكلب
ولا يحل أكل ما ذبحه المحرم من الصيد فإن أدى المحرم جزاءه
ثم أكل منه فعليه قيمة ما أكل منه في قول أبي حنيفة وإن كان قتله غيره لم يكن عليه شيء فيما أكل وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء عليه في أكله أيضا ويستغفر الله تعالى
وإذا أصاب الحلال صيدا في الحل فذبحه فلا بأس بأن يأكله المحرم
محرم كسر بيضة صيد قال عليه قيمتها فإن كان فيها فرخ ميت فعليه قيمة الفرخ حيا آخذ له بالثقة وكذلك إن ضرب بطن ظبي فطرحت جنينا ميتا ثم ماتت فعليه جزاؤهما جميعا آخذ فيه بالثقة
وإذا عطب الصيد بفسطاط المحرم أو بحفيرة حفرها للماء أو فزع منه الصيد فاشتد فتكسر فلا شيء عليه وإن كان هو أفزعه أو حركه فهو ضامن له
محرم اصطاد صيدا فأرسله محرم آخر من يده قال لا شيء عليه وإن قتله في يده فعلى كل واحد منهما جزاؤه وعلى القاتل قيمته للذي كان في يده
رجل احرم وفي يده صيد قال عليه أن يرسله فإن أرسله من يده إنسان قال عليه قيمته للذي كان في يده في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء عليه استحسانا وإن أرسله الذي كان في يده ثم حل فوجده في يد رجل آخر أخذه منه وكان أحق به وإن كان صاده في إحرامه ثم أرسله فالذي في يده
أحق به
محرم قتل سبعا قال إن كان السبع ابتدأه فلا شيء عليه
وإن كان هو ابتدأ السبع فعليه قيمته لا يجاوز به دما والسباع كلها في ذلك سواء ما خلا الكلب والذئب فإنه ليس عليه فيهما شيء وإن ابتدأهما لأنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقتل المحرم الفارة والغراب والحدأة والعقرب والحية والكلب العقور
وإن قتل القارن السبع ابتداء فعليه قيمتان لا يجاوز بهما دمين وكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير مما لم يأت فيه أثر إن ابتدأه محرم فقتله فعليه قيمته لا يجاوز به دما وإن ابتدأه السبع أو ذو مخلب من الطير فلا شيء عليه وفي اليربوع والأرنب قيمتهما
وإذا بلغت قيمة المقتول حملا أو عناقا لم يجزه الحمل والعناق في الهدي ما لم تبلغ قيمة المقتول ثمن جذع عظيم من الضأن أو ثنى من غيرها فعليه الصدقة أو الصيام وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى يجزى ذلك في جزاء الصيد للآثار التي جاءت ولأن الرجل قد يسمى الثوب والدراهم هديا ألا ترى أنه لو قال لله على أن أهدى هذه الدراهم كان عليه أن يفعل ولان الهدي قد يكون عناقا وجديا وفصيلا ألا ترى أنه لو أهدى ناقة فنتجت كان ولدها هديا معها ينحر ولو كان غير هدي لتصدق به ولم ينحر
محرم رمى صيدا فجرحه ثم كفر عنه ثم رآه بعد ذلك فقتله قال عليه كفارة أخرى ولو لم يكفر عنه في الأولى لم يضره ولم يكن عليه فيها شيء إذا كفر في هذه الأخيرة إلا ما نقصته الجراحة الأولى
محرم جرح صيدا ثم كفر عنه قبل أن يموت ثم مات أجزته
الكفارة التي أداها
وإذا أحرم الرجل وله في منزله صيد لم يكن عليه إرساله إنما يرسل ما يكون في يديه
وللمحرم أن يذبح الشاة والدجاجة والبط الذي يكون عند الناس وكل ما ليس بصيد والحمام أصله صيد فلا ينبغي للمحرم أن يذبح شيئا منه
والذي يرخص فيه للمحرم من صيد البحر هو السمك خاصة ولا يرخص له في طير البحر لأنه ليس من صيد البحر لأنه مما يعيش في البر
محرم صاد ظبية فولدت عنده قبل أن يحل أو بعد ما حل ثم ذبحها و ولدها في الحل أو في الحرام فعليه جزاؤها جميعا
وأكره للمحرم أن يشتري الصيد وأنهاه عنه فإن اشترى محرم من محرم أو حلال صيدا أمرته أن يخلي سبيله فإن عطب في يده فعليه جزاؤه وعلى البائع أيضا جزاؤه إن كان محرما
وإذا صاد المحرم صيدا فحبسه عنده حتى مات فعليه جزاؤه وإن كان لم يقتله
محرم أو حلال أخرج صيدا من الحرم قال يؤمر برده إلى الحرم وإرساله فيه فإن أرسله في الحل فعليه جزاؤه
وكل شيء صنعه المحرم بالصيد مما يتلفه أو يعرضه للتلف فعليه جزاؤه إلا أن يحيط علمه بأنه قد سلم منه
ولا ينبغي للحلال أن يعين المحرم على ذبح الصيد لأنه معصية ولا يشتريه منه وإن أعانه على شيء من ذلك لم يكن على الحلال فيه إلا الاستغفار وسواء أصاب المحرم الصيد بعمد أو خطأ وكان ذلك أول ما أصابه أو قد أصاب قبله وعليه الجزاء في جميع ذلك
وإذا قتل الحلال الصيد في الحرام فعليه قيمته وله أن يهدي بها وأن يطعم ولا يجزيه الصوم
ومن دخل الحرم بصيد فعليه أن يرسله فإن باعه رد البيع فيه إن كان قائما وإن كان فائتا فعليه جزاؤه وكذلك بيع المحرم للصيد من محرم أو حلال فاسد
رجل أدخل الحرم بازيا أو صقرا فعليه إرساله فإن أرسله فجعل يقتل حمام الحرم لم يكن عليه من ذلك شيء ولا خير فيما يترخص فيه أهل مكة من الحجل واليعاقيب ولا يدخل شيء منه الحرم حيا وإذا رمى صيدا بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم فعليه جزاؤه وأكره أكله فإن كان الرامي في الحل والصيد في الحل إلا أن بينهما قطعة من الحرم فمر فيها السهم قال لا شيء عليه ولا بأس بأكله
وإذا رمى الصيد في الحل فيصيبه السهم فيدخل الحرم فيموت فيه قال أستحسن ترك أكله ولا جزاء فيه
وإذا ذبح الهدي في جزاء الصيد بالكوفة وتصدق به أجزاه من الطعام إذا أصاب كل مسكين قيمة نصف صاع ولم يجزه من الهدي
وإن أكل من جزاء الصيد فعليه قيمة ما أكل فإن أكله كله بعد ما ذبحه بمكة فعليه قيمته مذبوحا يتصدق به إن شاء على مسكين واحد وإن شاء على مساكين وأما إذا حكم عليه بجزاء الصيد
طعاما فلا يعطى كل مسكين أكثر من نصف صاع فإن أعطى كل مسكين نصف صاع ففضل منه مد تصدق به على مسكين فإن حكم عليه بالصيام صام مكان نصف صاع يوما فإن فضل مد تصدق به إن شاء وإن شاء صام له يوما وله أن يفرق الصوم في جزاء الصيد
محرم قتل جرادة قال بلغنا عن عمر رضي الله عنه أنه قال تمرة خير من جرادة وليس عليه في قتل البعوض والذباب والنملة
والحلمة والقرد شيء وأكره له قتل القملة وما تصدق به فهو خير منها
بيض صيد شواه محرم وأدى جزاءه فلا بأس على الحلال أو المحرم أن يأكله وجزاء البيض القيمة بلغنا عن عمر وعبد الله بن مسعود أنهما قالا فيه القيمة
محرم أصاب صيدا كثيرا على وجه الإحلال والرفض لإحرامه قال عليه لذلك كله دم واحد ولو أصاب صيدا وهو حرام ثم أصاب آخر وهو على نيته في الإحرام فعليه جزاء لكل واحد منهما علا حدة
ولا يتصدق من جزاء الصيد على ولده ونوافله ولا على أبويه وأجداده وإن أعطى منه ذميا أجزاه وفقراء المسلمين أحب إلى وإذا بلغ جزاء الصيد جزورا فهو أحب إلى من أن يشتري بقيمته أغناما وإن اشترى أغناما فذبحها وتصدق بها أجزاه وليس عليه أن
يعرف بالجزور في جزاء الصيد ولا أن يقلده وإن فعل لم يضره وكذلك هدي الإحصار والكفارات
وإذا رمى الصيد وهو حلال ثم أحرم فليس عليه شيء وإن رمى طائرا على غصن شجرة أصلها في الحل أو في الحرم لم ينظر إلى أصلها ونظر إلى موضع الطائر فإن كان ذلك الغصن في الحل فلا جزاء عليه فيه وإن كان في الحرام ففيه الجزاء وأما في قطع الغصن فينظر إلى أصل الشجرة فإن كان في الحل فله أن يقطعه وإن كان في الحرم
فليس له أن يقطع الغصن
ولا يقطع من شجر الحرم ما نبت بنفسه مما لا ينبته الناس فإن قطعه رجل حلال أو محرم أو قارن فعليه قيمته وأما ما أنبته إنسان مما ينبت بنفسه أو مما ينبته الناس أو ينبت بنفسه مما ينبته الناس فلا بأس بقطعه
وإن قطع رجلان شجرة من الحرم مما لا يقطع فعليهما قيمة واحدة ولا يجوز فيها الصيام إنما يهدي أو يطعم لكل مسكين نصف صاع حنطة بقيمتها بالغة ما بلغت ولا أحب له أن ينتفع بتلك الشجرة التي غرم قيمتها وإن انتفع بها فلا شيء عليه وإن غرسها فنبتت فله أن يقطعها ويصنع بها ما شاء وما تكسر من شجر الحرم ويبس حتى سقط فلا بأس بالانتفاع به
ولا يرعى حشيش الحرم ولا يقطع إلا الإذخر فإنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه وهذا قول أبي حنيفة
ومحمد وقال أبو يوسف لا بأس بأن يرعى الحشيش ولا يحتش وقال ابن أبي ليلى يحتش ويرعى
وإذا قتل المحرم البازى المعلم فعليه في الكفارة قيمته غير معلم
باب المحصر
ويبعث المحصر بالحج بثمن هدي يشتري له بمكة فيذبح عنه يوم النحر ويحل وعليه عمرة وحجة فإذا بعث به فإن شاء أقام مكانه وإن شاء رجع وليس عليه أن يقصر وقال أبو يوسف إن قصر فحسنوالمحصر بالعمرة يواعدهم يوما يذبح فيه الهدي عنه فإذا ذبح
حل و عليه عمرة مكانها والقارن يبعث بهديين فإذا ذبحا وحل فعليه عمرتان وحجة يقضيها بقران أو إفراد كما يشاء
وإذا بعث المحصر بالهدي ثم قدر على الذهاب وإدراك الهدي قبل أن يذبح لم يسعه أن يقيم ولم يحل بالهدي إن أقام وإن لم يقدر على إدراكه أجزاه استسحانا
والإحصار بالمرض والعدو سواء وكذلك المرأة تحرم بالحج وليس لها محرم ويخرج معها فهي بمنزلة المحصر وكذلك إن أهلت بحجة سوى حجة الإسلام فمنعها زوجها وحللها فعليها هدي وعمرة وحجة وتحليلة لها أن ينهاها ويصنع بها أدنى ما يحرم عليها في الإحرام من قصر ظفر أو غيره ولا يكون التحليل بالنهي ولا بقوله قد حللتك وكذلك المملوك يهل بغير إذن مولاه
وإذا بعث المحصر بالحج بهديين حل بأولهما وإن حل المحصر قبل أن ينحر عنه هديه فعليه دم لإحلاله ويعود حراما كما كان حتى ينحر عنه هديه فإن كان المحصر معسرا لم يحل أبدا إلا بدم
وكل شيء صنعه الحصر قبل أن يحل فهو بمنزلة المحرم الذي ليس بمحصر
وإذا قدر المحصر على الذهاب إلى مكة فمضى وأدرك هديا صنع به ما شاء
466
وإذا ذبح عن المحصر هديه في غير الحرم لم يجزه فإن حل في موضعه ثم علم بذلك قال يعود حراما وعليه لإحلاله ويبعث بدم لإحصاره إن كان الإحصار باقيا
ويجزيه لهدي الإحصار الجذع العظيم من الضأن والثنى من غيرها فإن أكل منه الذي هو معه بعد ما ذبحه فهو ضامن لقيمة ما أكل ويتصدق به
عن المحصر فإن قدم مكة فطاف وسعى لعمرته وحجته ثم خرج إلى بعض الآفاق قبل أن يقف بعرفة فأحصر قال يبعث بهدي يحل به وعليه حجة وعمرة مكان حجته وليس عمرة مكان عمرته لأنه قد فرغ منها ويقصر وعليه دم لأنه قصر في غير مكة وإذا وقف بعرفة ثم أحصر لم يكن محصرا لأنه قد فرغ من حجته ولكن يكون حراما حتى يصل إلى البيت فيطوف طواف الزيارة وطواف الصدر ويحلق أو يقصر وعليه لترك الوقوف بالمزدلفة دم ولرمي الجمار دم ولتأخير الحلق دم ولتأخير الطواف دم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد ليس عليه لتأخير الحلق والطواف شيء
وإذا قدم الحاج مكة فأحصر بها لم يكن محصرا بها وإذا بعث القارن
بهديين ولم يبين أيهما للحج وأيهما للعمرة لم يضره
رجل أهل بعمرتين معا فسار إلى مكة ليقضيهما ثم أحصر قال يبعث بهدي واحد يحل به من عمرة واحدة لأنه حيث سار صار رافضا لإحداهما وعليه هدي لرفضها وعليه عمرتان وإن لم يكن سار ولا أخذ في شيء من عملهما حتى أحصر قال يبعث بهديين لهما فإذا نحرا عنه حل وكانت عليه عمرتان
رجل أهل بشيء واحد لا ينوي به حجة ولا عمرة ثم أحصر قال يبعث بهدي فيحل به وعليه عمرة استحسانا ولو لم يحصر كان له أن يختار إن شاء عمرة وإن شاء حجة ما لم يطف بالبيت فإذا طاف قبل أن ينوي شيئا جعلته عمرة وكذلك لو جامع قبل أن ينوي شيئا جعلته عمرة وعليه دم الجماع وعمرة وقضاؤها ولو أهل بشيء واحد وسماه ثم نسيه وأحصر بعث بهدي واحد فحل به وعليه عمرة وحجة وكذلك إن لم يحصر و وصل إلى البيت رأيت له أن يجعله عمرة وحجة آخذ له في ذلك بالثقة ويكون عليه ما يكون على القارن ولو جامع قبل أن يصل إلى البيت وقبل أن ينوي أن تكون عمرة وحجة فعليه هدي واحد للجماع ويجعل إحرامه لعمرة وحجة ولو أهل بشيئين ثم نسيهما ثم أحصر بعث بهديين فإذا ذبحا عنه وحل كانت عليه عمرتان وحجة أجعله بمنزلة
القارن وأضع أمره على ما يهل به الناس أستحسن ذلك وكان القياس أن يكون عليه حجتان وعمرتان
وإن لم يحصر و وصل إلى البيت جعل إحرامه عمرة وحجة وعمل ما يعمله القارن وكان القياس أن يقضي عمرة وحجة مع الناس وعليه دم القران وعليه دم آخر وعمرة وحجة فإن كان الذي أهل به حجتين فقد قضى إحداهما وعليه لرفض الأخرى هذا الدم وعليه عمرة وحجة مكانها وإن كان إهلاله بعمرتين فقد قضى إحداهما وعليه لرفض الأخرى ذلك الدم وعمرة
باب الجماع
وإذا جامع الرجل امرأته وهما مهلان بالحج قبل أن يقفا بعرفة فعلى كل واحد منهما شاة ويمضيان في حجتهما وعليهما الحج من قابلولا يفترقان وليست الفرقة بشيء فإن كان قارنا فعليه شاتان وقضاء عمرة وحجة إن لم يكن طاف بالبيت وقد سقط عنه دم القران وإن كان طاف بالبيت قبل الجماع فكذلك الجواب إلا أنه ليس عليه قضاء العمرة وإن جامع بعد ما وقف بعرفة فعليه جزور وشاة
وإذا جامع الحاج بعد ما وقف بعرفة فأهدى جزورا ثم جامع بعد ذلك فعليه شاة وإذا طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة
وقد قصر ثم جامع فليس عليه شيء وإن لم يكن قصر فعليه دم
اللمس والتقبيل من شهوة والجماع فيما دون الفرج أنزل أو لم ينزل لا يفسد الإحرام ولكنه يوجب الدم والنظر لا يوجب شيئا وإن أنزل
وحكم الجماع في الحج والعمرة واحد إن كان عن نسيان أو تعمد أو في حال نوم أو بإكراه أو بطوع إلا في الإثم
وكذلك الحلال والحرام والبالغ وغير البالغ والعاقل والمعتوه كل ذلك يفسده
رجل أهل بعمرة وجامع فيها ثم أهل بأخرى ينوي قضاءها قال هي هي وعليه دم للجماع ويفرغ منها وعليه عمرة وكذلك لو كانت حجة فإن جامع في العمرة ثم أضاف إليها حجة لم يكن قارنا والحجة له لازمة يقضيهما جميعا ولا يلزمه دم القران إذا كانت إحدهما فاسدة وكذلك يسقط عنه دم ترك الوقت إذا أفسد ما أحرم به
محرم بعمرة جامع النساء ورفض إحرامه فأقام حلالا يصنع ما يصنع الحلال في الجماع والصيد والطيب وغيره قال عليه أن يعود حراما كما كان ويمضي في عمرته وعليه دم واحد لإحلاله ولجميع ما صنع فيه من جماع وقتل صيد وغير ذلك وعليه عمرة مكان عمرته
باب الدهن والطيب
ويكره للمحرم الادهان والتطيب فإن ادهن ببنفسجأو زنبق أو غيره من الدهن فأكثر فعليه دم وإن ادهن بزيت غير مطبوخ فعليه دم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد عليه صدقة وإن كان زيت قد طبخ وجعل فيه طيب فعليه دم وإن ادهن شقاق رجله بزيت أو بشحم أو بسمن لم يكن عليه شيء
ويكره للمحرم أن يشم الريحان والطيب وإن شمه فلا شيء عليه
فإن كان دهن ادهن به قبل أن يحرم ثم وجد ريحه بعد ما أحرم لم يضره وكذلك إن أجمر ثيابه قبل أن يحرم ثم لبسها بعد ما أحرم
ولا بأس بأن يأكل الطعام الذي قد صنع فيه الزعفران أو الطيب وإن أكل الزعفران من غير أن يكون في الطعام فعليه الدم إذا كان كثيرا وإن كان في طعام لم تمسه النار مثل الملح
فلا بأس به أيضا ألا ترى أنه يأكل الزيت ولا يدهن به وإن مس طيبا فإن لزق به منه شيء تصدق بصدقة وإن كان لم يلزق به منه شيء فلا شيء عليه إلا أن يكون ما لزق به كثيرا فعليه دم
وإذا استلم الركن فأصاب فمه أو يده خلوف كثير فعليه دم وإن كان قليلا فعليه طعام
ولا بأس بأن يكتحل المحرم بكحل ليس فيه طيب فإن كان فيه طيب فعليه صدقة إلا أن يكون ذلك مرارا كثيرة فعليه دم وإن كان من أذى فعليه أي الكفارات الثلاث شاء وكذلك لو تداوى بدواء فيه طيب فالزقه على جرحه أو شربه شربا وإن داوى
قرحة بدواء فيه طيب ثم خرجت به قرحة أخرى والأولى على حالها فداوى الثانية مع الأولى فليس عليه إلا كفارة واحدة ما لم تبرأ الأولى
وللمحرم أن يبط القرحة ويجبر الكسر ويعصب عليه الخرق وينزع ضرسه إذا اشتكى ويحتجم ويغتسل ويدخل الحمام
فإن غسل رأسه ولحيته بالخطمى قال عليه دم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد عليه صدقة لأن الخطمى ليس بطيب وإنما جعلنا فيه صدقة لأنه يقتل الدواب وإن خضب رأسه ولحيته بالحناء فعليه دم وإن خضبهما بالوسمة فليس عليه شيء إذا لم يكن يغطي رأسه
وإن خاف أن يقتل الدواب أطعم شيئا وإن خضبت المحرمة يدها بالحناء فعليها دم
وقد قال في باب قبل هذا في الطيب إذا كان كثيرا فاحشا فعليه دم وإن كان قليلا فعليه صدقة وقال محمد يقوم ما يجب فيه الدم فينظر إلى هذا القدر منه فيجعل من الصدقة بحساب ذلك
باب اللبس
ولا بأس بأن يلبس المحرم القباء ويدخل فيه منكبيه ولا يدخلفيه يديه ولا يزره عليه فإن زره عليه يوما أو أكثر فعليه دم وإن كان أقل من يوم فعليه صدقة
ولا بأس بأن يلبس الخز والبرود وما قد صبغ بلون الهروى إذا لم ينفض وإن لبس مصبوغا بالعصفر أو بالورس أو الزعفران مشبعا يوما إلى الليل أو أكثر فعليه دم وإن كان أقل من يوم فعليه صدقة وكذلك إن لبس قميصا أو سراويل أو قلنسوة يوما فعليه دم وإن جمع ذلك كله في يوم فعليه دم واحد وكذلك إن غطى وجهه يوما فعليه دم
ولا بأس بأن يلبس الهميان أو المنطقة يشد بها حقوته فيها نفقته ويتوشح بالثوب ولا يعقد على عنقه ولا يخله بخلال وإن فعله لم يكن عليه شيء
ويكره له أن يعصب رأسه وإن فعله يوما فعليه صدقة وإن عصب شيئا من جسده لعلة أو غير علة لم يكن عليه شيء وأكرهه لغير علة
وإن غطى المحرم ربع رأسه أو وجهه يوما فعليه دم وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة وأما المحرمة فإنها تغطي كل شيء منها إلا وجهها فإن غطته يوما فعليها دم ويكره للمحرمة
لبس البرقع
فإن لبس المحرم ما لا يحل له من الثياب أو الخفاف يوما أو أكثر لضرورة فعليه أي الكفارات الثلاث شاء وإن غدى المساكين وعشاهم في هذه الكفارات أجزاه في قول أبي ويوسف ولم يجزه في قول محمد
ولا بأس بإن يلبس المحرم الطيلسان ولا يزره عليه فإن زره يوما فعليه دم وإن دخل تحت ستر الكعبة حتى غطاه فان كان الستر يصيب وجهه ورأسه كرهته له وإن كان متجافيا عنه فليس عليه شيء فإن كان المحرم نائما فغطى رجل رأسه و وجهه بثوب يوما كاملا فعليه دم ألا ترى أنه لو انقلب في نومه على صيد فقتله كان عليه جزاؤه
صبي أحرم عنه أبوه وجنبه ما يجنب المحرم فلبس ثوبا أو أصاب طيبا أو صيدا قال ليس عليه شيء
باب النذر
وإذا حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث فعليه حجة أو عمرة فإن جعلها حجة ومشى لم يركب حتى يطوف طواف الزيارة وإن جعلها عمرة وقرنها بحجة الإسلام أو اعتمر بها قبلها أجزاه فإن قرن راكبا فعليه دم لركوبه سوى دم القران
وكل من وجب عليه دم في المناسك جاز له أن يشارك ستة نفر قد وجب عليهم الدماء أيضا فيها وإن اختلفت أجناسها من دم متعة وإحصار وجزاء الصيد وغير ذلك ولو كان ذلك كله جنس واحد كان أحب إلى
وإذا نذر المشي إلى بيت الله ونوى مسجد المدينة أو بيت المقدس لم يكن عليه شيء وإن لم يكن فيه نية فهو على المسجد الحرام وإن نذر إتيان مكة لم يلزمه شيء
وإن قال إن كلمت فلانا فعلى حجة يوم أكلمه ينوى
أن تجب عليه يوم يكلمه فكلمه وجبت عليه حجة يقضيها متى شاء ولم يكن محرما بها يومئذ ما لم يحرم ألا ترى أنه لو قال لله على حجة اليوم كانت واجبة عليه يحرم بها متى شاء
رجل قال لآخر علي حجة إن شئت فقال قد شئت قال هي عليه وقوله على حجة وقوله لله علي حجة سواء وهي واجبة وإن قال إن فعلت كذا فأنا أحج بفلان فحنث فإن كان
نوى فأنا أحج وهو معي فعليه أن يحج وليس عليه أن يحج به وإن كان نوى أن يحجه فعليه أن يحجه كما نوى وإن أرسله فأحجه جاز وإن أحج معه جاز وإن لم يكن له نية فعليه أن يحج هو وليس عليه أن يحجج فلانا وإن كان قال فعلي أن أحجج فلانا فعليه أن يحججه كما قال
وإن قال إن فعلت كذا فعلى أن أهدى كذا لشيء من ماله فعليه أن يهديه فإن كان ذلك دارا أو شيئا لا يستطيع أن يهديه فعليه أن يهدي قيمته وما أوجب هديه من ذلك تصدق به على مساكين مكة وإن أعطاه حجبة البيت أجزاه وكذلك إن قال فثوبي هذا ستر البيت أو قال فأنا أضرب به حطيم الكعبة فعليه أن يهديه أستحسن هذا لأن إيمان الناس عليه
وإن قال فكل مالي هدي فعليه أن يهدي ماله كله بلغنا عن إبراهيم أنه قال في مثل هذا يتصدق بماله كله ويمسك منه قدر ما يقوته فإذا أفاد مالا تصدق بمثل ما أمسك
وإن قال إن فعلت كذا فغلامي هذا هدى ثم باعه ثم فعل ذلك لم يكن عليه شيء وإن كان الغلام في غير ملكه يوم حلف ثم اشتراه ثم فعل ذلك لم يلزمه أيضا شيء وإن قال إن كلمت فلانا فهذا المملوك هدي يوم أشتريه فكلمه ثم اشتراه فعليه أن يهديه وإن اشتراه أولا ثم كلمه لم يكن عليه شيء
وإن قال فهذه الشاة هدى إلى البيت أو إلى مكة أو إلى الكعبة وهو يملكها فعليه أن يهديها وإن قال إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام لم يلزمه أن يهديها في قول أبي حنيفة ويلزمه في قول أبي يوسف ومحمد
قال وكل شيء يجعله على نفسه من المتاع و الدقيق فإنما عليه أن يبيعه ويتصدق به على مساكين أهل مكة وإن تصدق بالكوفة أجزاه
وكل هدي جعله على نفسه من الإبل والبقر والغنم فعليه أن يذبحه بمكة ويتصدق بلحمه على مساكين أهل مكة وغيرهم فإن كان ذلك في أيام النحر فعله بمنى وإن كان في غير أيام النحر فعله بمكة
وإن قال إن فعلت كذا فعلي هدي ففعله فعليه ما استيسر من الهدي شاة فإن نوى من الإبل أو البقر كان عليه ما نوى ولا يذبحها إلا بمكة وإن قال علي بدنة فإن كان نوى شيئا من البدن بعينه فعليه ما نوى وإن لم تكن له نية فعليه بقرة أو جزور ينحرها
حيث شاء إلا أن يكون نواها بمكة فلا ينحرها إلا بمكة وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف أرى أن تنحر البدن بمكة
ولا يقلد إلا هدي متعة أو قران أو تطوع من الإبل والبقر ولا يقلد الغنم والتجليل حسن وإن تركه لم يضره والتقليد
أوجب منه وإن جلله مع التقليد فهو حسن
وأكره الإشعار وقال أبو يوسف ومحمد نرى أن يشعر البدنة وإن لم يشعر لم يضره وقال ابن أبي ليلى الإشعار في الجانب الأيسر من السنام وإن أشعر أو جلل لم يكن محرما إنما يكون محرما بالتقليد ومن ساق معه هديا وهو يؤم البيت ثم قلده فقد وجب عليه الإحرام فإن كان نوى حجا أو عمرة فهو على ما نوى وإن لم تكن له نية فالخيار إليه يوجب على نفسه أيهما شاء وإن قلد شاة معه لم يصر محرما وإن بعث بهديه مقلدا ثم خرج لم يصر
محرما حتى يدرك هديه فإذا أدركه وأخذه وسار معه صار محرما إلا في بدنة المتعة فإنه يصير محرما حين يخرج
فإن اشترك قوم في هدي المتعة وهم يؤمون البيت فقلده بعضهم بأمر أصحابه فقد أحرموا وإن قلده بغير أمرهم صار هو محرما دونهم
ويقلد الرجل هديه بماء شاء من نعل وعروة أدم وما أشبه ذلك ويتصدق بجلاله إذا نحره
رجل ساق بدنة لا ينوي بها الهدي قال إذا ساقها إلى مكة فهي هدي
ولا يجزى في الهدايا والضحايا إلا الجذع من الضأن إذا كان عظيما فما فوق ذلك أو الثني من المعز والإبل والبقر ولا يجزى فيها العوراء والمقطوعة الأذن أو الذنب إن اشتراها كذلك أو حدث
بعد الشراء فإن كان الذاهب من العين أو الأذن أو الذنب الثلث أجزته وإن كان أكثر من ذلك لم تجزه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إذا كان الباقي أكثر من الذاهب أجزاه وقال أبو يوسف أخبرت أبا حنيفة بقولي هذا فقال قولي كذلك ويجزى
الخصى والمكسورة القرن
فإن اشترى هديا ثم ضل منه فاشترى مكانه آخر وقلده وأوجبه ثم وجد الأول قال إن نحرهما فهو أفضل وإن نحر الأول وباع الآخر جاز لأن الآخر لم يكن واجبا عليه وإن باع الأول ونحر الآخر أجزاه إلا أن تكون قيمة الأول أكثر فيتصدق بالفضل
قال وهدي المتعة والتطوع في هذا سواء وإن عرف بهدي المتعة فهو حسن وإن تركه لم يضره
رجل اشترى بدنة لمتعته ثم اشترك فيها ستة نفر بعد ما أوجبها لنفسه خاصة قال لا يسعه ذلك وإن كان نوى ذلك حين اشتراها وسعه أن يفعله
وإذا ولدت البدنة بعد ما اشتراها لهديه ذبح ولدها معها فإن باع الولد فعليه قيمته فإن اشترى بها هديا فذبحه فحسن وإن تصدق بها فحسن
وإذا مات أحد الشركاء في البدنة أو الأضحية فرضي وارثه فنحرها
عن الميت معهم أجزاهم وإن كان أحد الشركاء في البدنة كافرا أو مسلما يريد اللحم دون الهدي لم يجزهم
ولا يركب البدنة ولا يحلب ولكن ينضح ضرعها بالماء البارد حتى يتقلص ويذهب لبنها وما حلب قبل ذلك تصدق به أو بقيمته إن كان قد استهلكه وإن ركبها أو حمل متاعه عليها للضرورة ضمن ما نقصها ذلك وأي الشركاء فيها نحرها يوم النحر أجزاهم
وإذا عطب الهدي في الطريق نحر فإن كان عن واجب فهو لصاحبه يصنع به ما شاء وعليه هدى مكانه وإن كان تطوعا نحره وصبغ نعله في دمه ثم ضرب به صفحته ولم يأكل منه شيئا ويتصدق به فإن أكل أو أطعم منه غنيا تصدق بقيمة ذلك ويتصدق بجله وخطامه
وإذا أخطأ الرجلان فنحر كل واحد منهما هدي صاحبه أو أضحيته
عن نفسه أجزاها استحسانا ويأخذ كل واحد منهما هديه من صاحبه
وإن نحر هديه قائما أو أضجعه فأي ذلك فعل فهو حسن وقد بلغنا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينحرونها قياما معقولة الأيدي اليسرى ولا أحب أن يذكر مع اسم الله
غيره ولا يذبح البقرة والغنم قياما ويستحب له أن يذبح هديه أو أضحيته بيده ولا أحب أن يذبحه له يهودي أو نصراني وإن ذبحه جاز وإذا ذبحه يوم النحر بعد طلوع الفجر أجزاه ولا يجزيه ذبحه قبل طلوع الفجر إن كان لمتعة
وإن جعل ثوبه هديا أجزاه أن يهدي قيمته
قال وكذلك لو جعل شاة من غنمه هديا أجزاه أن يهدي قيمتها وفي رواية أبي حفص أجزاه أن يهدي مثلها ألا ترى أنه يعطى في الزكاة قيمة الشاة فيجوز وكذلك إن أهدى مكان الشاة جزورا أجزاه وقد أحسن
وقد قالوا في الجامع إذا قال لله علي أن أهدي شاتين فأهدى شاة تساوي شاتين لم تجزه وقال في نوادر ابن سماعة لا يجوز أن يتصدق بقيمتها لأن فيه ذبحا مع الصدقة وإن بعث قيمة شاة إلى مكة فاشترى له بها مثلها فذبحت جاز
باب الحج عن الميت وغيره
رجل دفع إلى رجل مالا ليحج به عن ميت فلم يبلغ مال الميت النفقة فأنفق المدفوع إليه من ماله ومال الميت قال إن كان الأكثر من مال الميت وكان يبلغ الكراء وعامة النفقة فهو جائز وإلا فهو ضامن ويرده ويحج من حيث يبلغ
وإن أنفق المدفوع إليه من مال نفسه وفي مال الميت وفاء بحجه رجع به في مال الميت إذا كان قد دفع إليه وإذا نوى المجهز أن يقيم بمكة بعد النفر خمسة عشر يوما بطلت نفقته من مال الميت فان بدا له بعد ما نوى المقام بمكة أن يرجع فنفقته من مال الميت وإن أوصى
أن يحج عنه بألف درهم فبلغت الألف حججا فإن شاء الوصي أحج عنه رجالا في سنة واحدة وهو أفضل وإن شاء دفع كل سنة حجة
وإذا حج العبد بإذن مولاه فأصاب صيدا فعليه صيام وإن جامع مضى فيه حتى يفرغ منه وعليه هدي إذا عتق وحجة مكان هذه ينوي حجة الإسلام وإن لم يجامع ولكنه فإته الحج فانه يحل بالطواف والسعي والحلق وعليه إذا عتق حجة سوى حجة الإسلام وكل شيء يجب فيه الدم فعليه ذلك الدم إذا عتق وكل شيء يجب فيه الصيام فعليه أن
يصومه فان أطعم عنه مولاه أو ذبح عنه لم يجزه إلا في هدي الإحصار فإن على مولاه أن يبعث عنه بهدي يحل به لأنه دخل فيه بإذنه فعليه أن يحلله وعلى الغلام إذا عتق حجة وعمرة
وإذا أراد الرجل أن يحج رجلا عن نفسه فأحب إلي أن يحج رجلا قد حج عن نفسه وإن كانت الحجة عن الذي يحج فالصرورة أحب إلي
والحج التطوع عن الصحيح جائز
ويجوز حجة الإسلام عن المريض الذي لا يستطيع الحج إذا لم يزل مريضا حتى مات وإن صح فعليه حجة الإسلام
وإذا جهز وصى الميت رجلا يحج عن الميت فجامع في إحرامه فعليه أن يرد النفقة كلها وعليه ما على الجامع ولو قرن مع حجه عمرة عن الميت كان مخالفا في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إذا قرن عن الميت أجزاه استحسانا ودم القران على المحرم وكذلك لو أمر بالعمرة عن الميت فقرن معها حجة إلا أن نفقة ما بقي
من الحج في قول أبي يوسف ومحمد على المحرم وإن كان أمر بالحج فبدأ فاعتمر ثم حج من مكة كان مخالفا في قولهم جميعا
وكل دم يلزم المجهز فهو عليه في ماله إلا دم الإحصار فإن على وصى الميت أن يبعث بهدي من الدراهم التي دفعها إليه للحج فيحل به ويرد ما بقي من الدراهم على وصى الميت ليحج بها إنسانا من حيث يبلغ وعلى المجهز ما يكون على المحصر
وإن أمره رجلان بالحج فأهل بحجة عنهما كان ضامنا
لما لهما جميع ولا يستطيع أن يجعل الحجة لواحد منهما لأنها قد لزمته فإن أمره أحدهما بالحج والآخر بالعمرة ولم يأمراه بالجمع فجمع بينهما كان مخالفا أيضا وإن أمراه بالجمع جاز وهدى المتعة عليه في ماله فإن كان معسرا فعليه الصوم وكذلك إن كان الآمر بهما واحدا
رجل استأجر رجلا ليحج عنه ففعل قال لا تجوز الإجازة وله نفقة مثله
ويجوز حجة الإسلام عن المسجون إذا مات فيه قبل أن يخرج
والحاج عن غيره إن شاء قال لبيك عن فلان وإن شاء اكتفى بالنية فإن كان الميت أوصى بالقران فخرج هذا المجهز يؤم البيت وقد ساق هديا فقلده قال يكون محرما بهما جميعا وكذلك إن
لم يكن الهدي لقرانه وإنما هو من نذر كان عليه أو من جزاء صيد أو من جماع في إحرام قبل هذا أو إحصار كان قبل هذا فساق معه لذلك بدنة وقلدها فقد أحرم
رجل أمره رجلان أن يحج عن كل واحد منهما فأهل بحجة عن أحدهما لا ينوي واحدا منهما قال له أن يصرفها إلى أيهما شاء في قول أبي حنيفة ومحمد استحسانا وقال أبو يوسف أرى ذلك عن نفسه وهو ضامن لنفقتهما قال وكذلك الرجل يهل بحجة عن أحد أبويه فله أن يجعلها عن أيهما شاء
وإذا أهل الرجل عن نفسه وعن ابنه وهو صغير معه ثم
أصاب صيدا كان عليه دم واحد ولم يلزمه من جهة إهلاله عن ابنه شيء
وإذا أم الرجل البيت فأغمي عليه فأهل عنه أصحابه بالحج ووقفوا به في المواقف وقضوا به النسك كله قال يجزيه ذلك عن حجة الإسلام في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا يجزيه فإن أصاب الذي أهل عنه صيدا فعليه الجزاء من أجل إحرامه عن نفسه إن كان محرما وليس عليه لإهلاله من جهة إهلاله عن المغمى عليه شيء
وإذا حج الرجل عن أبيه أو أمه حجة الإسلام من غير وصية أوصى بها الميت قال يجزيه إن شاء الله تعالى بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أما قبل منك فالله أحق أن يقبل
رجل أوصى بحجة فأحج الوصي عنه رجلا فهلك النفقة من ذلك الرجل قال يحج عنه حجة أخرى من ثلث ما بقي من المال وإن أوصى بحجة وبعتق نسمة والثلث لا يبلغهما بدئ بالذي بدأ به إلا أن يكون حجة الإسلام فيبدأ بها على كل حال
وإذا أوصى أن يحج عنه من ثلثه ولم يقل حجة حج عنه بجميع الثلث وإذا أوصى أن يحج عنه رجل حجة فأحجوه فلما قدم فضل معه كسوة ونفقة قال ذلك لورثة الميت وإن أوصى فقال أحجوا فلانا حجة ولم يقل عني ولم يسم كم يعطي قال يعطى قدر ما يحجه وله أن لا يحج به إذا أخذه وإذا أوصى أن يحج عنه رجل بعينه أو بغير عينه وأوصى بوصايا لأناس بأكثر من الثلث قسم الثلث بينهم بالحصص ويضرب فيه للحج بأدنى ما يكون من نفقة الحج ويحج بحصة الحج من ذلك حيث يبلغ
وإذا أهلت المرأة بحجة الإسلام لم يكن لزوجها أن يمنعها إذا كان لها ذو رحم محرم يخرج معها وإن لم يكن لها محرم فله أن يمنعها وهي بمنزلة المحصر وإن أهلت بغير حجة الإسلام فله منعها من الخروج
إن كان لها محرم أو لم يكن وهي بمنزلة المحصر إلا أنها تحلل بتحليل زوجها إياها وكذلك المملوك إذا أهل بغير إذن المالك وإن أذن لعبده أو أمته في الإحرام فأحرم كرهت له أن يمنعه وإياها فإن باع الأمة كان للمشتري أن يحللها
وإن أهلت المرأة بحجة تطوع بغير إذن الزوج فحللها تم جامعها ثم بدا له أن يأذن لها من عامه ذلك قال عليها أن تحج بإحرام مستقبل وعليها دم وليس عليها شيء غير ذلك وإن كانت تلك السنة قد مضت فعليها مع ذلك عمرة والله أعلم
باب المواقيت
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن ولأهل اليمن يلملم ولأهل العراق ذات عرق وبلغنا عنه صلى الله عليه وسلمأنه قال من وقتنا له وقتا فهو له وقت ولمن مر به من غير أهله من أراد الحج فكل من أراد مكة لحاجة أو إحرام والوقت بينه وبينها فلا يجاوز الوقت إلا محرما ومن كان من وراء الوقت إلى مكة فله أن يدخلها لحاجته بغير إحرام بلغنا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه خرج من مكة إلى قديد ثم رجع إلى مكة فدخلها بغير إحرام
وإذا أراد الإحرام وأهله في الوقت أو دون الوقت إلى مكة فوقته من أهله فإن تعداه حتى يدنو من الحرم ثم أحرم أجزاه وليس عليه شيء فإن دخل مكة فأحرم منها فعليه أن يخرج من الحرم فيلبي فإن لم يفعل حتى يطوف بالبيت فعليه دم
كوفي أراد بستان بني عامر لحاجة ثم بدا له بعد ما قدم البستان
أن يحج فأحرم من البستان فلا شيء عليه وإن أراد أن يدخل مكة بغير إحرام لحاجة فله ذلك
وليس للرجل من أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة أن يقرن ولا أن يتمتع وهم بمنزلة أهل مكة ألا ترى أن له أن يدخل مكة بغير إحرام وكذلك المكي إذا خرج من مكة لحاجة له فبلغ الوقت ولم يجاوزه فله أن يدخل مكة بغير إحرام فإن جاوز الوقت لم يكن له أن يدخل مكة إلا بإحرام
و وقت أهل مكة للإحرام بالحج الحرم وللإحرام بالعمرة التنعيم فإن أهل بالعمرة خارجا من الحرم غير التنعيم أجزاه وكان ذلك وقتا له
كوفي جاوز الوقت نحو مكة ثم أحرم بالحج و وقف بعرفة وقد خاف الفوت إن رجع أو لم يخف قال عليه دم لترك الوقت وإن رجع إلى الميقات قبل أن يأتي عرفة فلم يلب منه فهذا بمنزلة من لم يرجع إليه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إذا رجع إلى الوقت سقط عنه الدم لبى أو لم يلب وإن لبى حين رجع إلى الوقت سقط عنه الدم في قولهم جميعا فإن كان هذا الكوفي قرن ولم يرجع إلى الميقات فعليه دم واحد لترك الوقت وكذلك إن أهل بعمرة ثم أهل بمكة بحجة وإن بدأ فأهل بالحجة ثم دخل مكة
فأهل بعمرة أيضا كان عليه دمان لأنه قد ترك الوقت في العمرة أيضا
كوفي دخل مكة بغير إحرام لحاجة له قال عليه عمرة أو حجة أي ذلك شاء فإن رجع إلى وقته فأهل بحجة الإسلام أجزاه من حجة الإسلام ومن دخوله الأول بغير إحرام استحسانا وإن أقام بمكة حتى ذهب عامه ذلك ثم أحرم بحجة الإسلام من الوقت لم يجزه من دخوله الأول وعليه لدخوله حجة أو عمرة وإذا جاوز الوقت ثم أحرم بالحج ففاته سقط عنه دم ترك الوقت
ومن جاوز وقته غير محرم ثم أتى وقتا آخر فأحرم منه أجزاه ولو كان أحرم من وقته كان أحب إلي
عبد دخل مع مولاه مكة بغير إحرام ثم أذن له مولاه فأحرم بالحج قال عليه إذا عتق دم لترك الوقت وليس هو كالنصراني يدخل مكة ثم يسلم ثم يحرم من مكة
غلام دخل مكة بغير إحرام ثم احتلم بمكة وأحرم بالحج قال ليس عليه لترك الوقت شيء وإن كان أهل به قبل أن يحتلم ثم احتلم قبل أن يطوف بالبيت وقبل أن يقف بعرفة لم يجزه من حجة الإسلام إلا أن يجدد إحرامه قبل أن يقف بعرفة فيجزيه حينئذ من حجة الإسلام وأما العبد فلا يجزيه من حجة الإسلام وإن جدد إهلاله بعد العتق إلا أن يكون أخر الإهلال حتى عتق ثم أهل فيجزيه
وإذا دخل الرجل مكة بغير إحرام فجعلت عليه حجة أو عمرة
فأهل بها بعد سنة من وقت غير وقته الأول هو أقرب منه قال يجزيه وليس عليه شيء
باب الذي يفوته الحج
رجل أهل بحجة ففاته قال يحل بعمرة وعليه الحج من قابل بلغنا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما
فإن كان أهل بعمرة وحجة فقدم مكة وقد فاته الحج قال يطوف بالبيت وبالصفا والمروة لعمرته ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة لحجته ويحل وعليه الحج من قابل قال ولا أعد طوافه بالبيت لحجته الفائتة كعمرة مستقبلة ولا يكون به متمتعا إن فعله في أشهر الحج من قابل ولكنه إحلال من حجة قد فاتته
رجل أهل بحجة فجامع فيها ثم قدم وقد فاته الحج قال عليه دم لجماعه ويحل بالطواف والسعي وعليه الحج من قابل وإن كان أصاب في حجه صيدا فعليه كفارته
رجل أهل بحجة فقدم مكة وقد فاته الحج فأقام حراما حتى يحج مع الناس من قابل بذلك الإحرام قال لا يجزيه من حجته لأن حجته قد فاتته وصارت عمرة ولا يستطيع أن يحول هذه العمرة حجة فإن قدم وقد فاته الحج فأهل بحجة أخرى قال يطوف للذي قد فاتته ويسعى ويحل بعمرة ويرفض التي أهل بها وعليه فيها ما على الرافض وعليه قضاء الفائتة وإن نوى بهذه التي أهل بها قضاء تلك الفائتة فهي هي وإن أهل بعمرة رفضها أيضا ومضى في عمل الفائتة
رجل أهل بحجتين ثم قدم مكة وقد فاته الحج قال يحل بعمرة وعليه عمرة وحجتان ودم وإذا ساق الهدي للقران فقدم وقد فاته الحج قال يصنع بهديه ما شاء وكذلك إن لم يفته ولكنه جامع
وإذا ساق الرجل هديا لقرانه فنتج في الطريق ثم نحر أمه وقد وهب الولد أرباعه قال عليه قيمة الولد وقيمة ما ولد أيضا فإن كان قد كفر عن الولد يوم وهبه أو باعه ثم حدث له ولد لم يكن عليه من قبل ولده شيء ألا ترى أن رجلا لو أخرج عشراء من الظباء من الحرم فكفر عنها ثم ولدت ثم ماتت هي و ولدها لم يكن عليه فيها ولا في ولدها شيء وإن لم يكن كفر عنها كان عليه فيها وفي ولدها الكفارة
محرم بالحج قدم مكة وطاف بالبيت ثم خرج إلى الربذة لحاجة
فأحصر بها ثم قدم مكة بعد فوت الحج قال عليه أن يحل بعمرة ولا يكفيه طوافه الأول لأن عليه أن يحل بعمل عمرة بعد يوم النحر
رجل أهل بعمرة في أشهر الحج ثم قدم مكة بعد يوم النحر قال يقضي عمرته وليس عليه شيء
وإذا أهل الحاج صبيحة يوم النحر بحجة أخرى لزمته ويقضي ما بقي عليه من الأولى وعليه لجمعه بينهما دم ويقيم حراما إلى الحول وإذا قدم الحاج مكة فأدرك الوقوف بالمزدلفة لم يكن مدركا للحج
رجل أهل بحجتين أو بعمرتين متى يكون رافضا لإحداهما قال حين يسير متوجها إلى مكة نوى الرفض أو لم ينو في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف أراه رافضا حين أهل قبل أن يسير وقال محمد لا يلزمه إلا إحداهما وكذلك لو أهل بإحداهما ثم أهل بالأخرى
وإذا قدمت المرأة مكة محرمة بالحج حائضا مضت في حجتها غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وعليها طواف الصدر ولا كفارة عليها لتأخير طواف الزيارة بعذر الحيض وإن قدمت طاهرة وطافت للزيارة يوم النحر ثم حاضت فليس عليها طواف الصدر
وليس على أهل مكة ومن دون المواقيت إليها طواف الصدر
ومن نوى المقام بمكة من أهل الآفاق واتخذها دارا سقط عنه طواف الصدر فان بدا له الخروج بعد ذلك لم يلزمه طواف الصدر وإن نوى مقام أيام ثم يصدر لم يسقط عنه طواف الصدر وإن نوى مقام سنة
رجل قصد مكة للحج فدخلها بغير إحرام ووافاها يوم النحر وقد فاته الحج فأحرم بعمرة وقضاها أجزاه وعليه دم لترك الوقت وإن لم يحرم بعمرة ولكنه أحرم بحجة فهو محرم حتى يحج مع الناس من قابل وينبغي له أن يرجع إلى الوقت ويلبي منه
ومن فاته الحج لم يسعه أن يقيم في منزله حراما من غير عذر ولا يحل بالهدي إن بعث به لأن هذا ليس بمحصر
باب الجمع بين إحرامين
والعمرة لا تضاف إلى الحجة والحجة تضاف إلى العمرة قبل أن يعمل فيها شيئا وبعد ما يعمل فيها فمن أهل بالحج أولا ثم أضافإليها عمرة فقد أساء ولزمته و هو قارن ومن أهل بالعمرة أولا ثم أهل بالحجة فهذا قارن وقد أحسن وأصاب السنة فان أهل بالحج فطاف له شوطا ثم أهل بالعمرة رفضها وعليه قضاؤها ودم للرفض وأما المكي فإنه لا يقرن بين الحج والعمرة ولا يضيف العمرة إلى الحج ولا الحج إلى العمرة فإن قرن بينهما رفض العمرة ومضى في الحج وكذلك أهل المواقيت ومن دونهم إلى مكة لا متعة لهم ولا قران لقوله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } وكذلك إن أحرم المكي أولا بالعمرة من وقتها ثم أحرم بالحج رفض عمرته وإن مضى عليهما حتى يقضيهما أجزاه وعليه دم لجمعه بينهما وإن طاف للعمرة شوطا أو ثلاثة أشواط ثم أحرم بالحج رفض الحج في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يرفض العمرة وهو استحسان ذكره في كتاب ابن سماعة وإن كان طاف لها أربعة أشواط ثم أهل بالحج قال هذا يفرغ مما بقي من عمرته ويفرغ من
حجته وعليه دم لأنه أهل بالحج قبل أن يحل من العمرة وهو مكي ولا ينبغي لأهل مكة أن يجمعوا بينهما ولو كان كوفيا لم يكن عليه هذا الدم وذكر في كتاب نوادر ابن سماعة في إحرام المكي بالحج بعد ما طاف أربعة أشواط بالعمرة أنه ليس بقارن ولكنه محرم بشيئين إن أصاب صيدا كان عليه جزاءان وقال أبو يوسف في الإملاء إن رفض الحج فهو أفضل
كوفي أهل بحجة وطاف لها ثم أحرم بعمرة قال يرفض عمرته وكذلك إن أهل بها بعرفة فإن أهل بها يوم النحر قبل أن يحل من حجته أو بعد ما حل قبل أن يطوف أمرته برفضها فإن لم يرفضها ومضى فيها أجزاه وعليه دم إن كان أهل بها قبل أن يقضي حجته وإن
أهل بها بعد ما حل من الأول مضى عليها وليس عليه شيء إن لم يكن ترك الوقت فيها
مكي أهل بالحجة وطاف لها شوطا ثم أهل بالعمرة قال يرفض العمرة فان لم يرفضها وطاف لها وسعى وفرغ منها أجزاه وعليه دم لأنه أهل بها قبل أن يفرغ من حجته
محرم بعمرة جامع ثم أضاف إليها عمرة أخرى قال يرفض هذه
ويمضي في الأولى فإن نوى رفض الأولى والعمل في الثانية لم يكن عليه إلا الأولى وكذلك لو لم يكن جامع في الأولى ولكنه طاف لها شوطا ثم أحرم بالثانية وكذلك هذا في الحجتين وإذا أهل بحجتين جميعا ثم جامع قبل أن يسير قال عليه للجماع دمان ويمضي في إحداهما ويرفض الأخرى وعليه قضاء التي مضى فيها وعمرة وحجة ودم مكان الحجة التي رفضها وإن كان ذلك بعد ما سار فعليه دم واحد وهذا قول أبي حنيفة
وإذا كان للكوفي أهل بالكوفة وأهل بمكة يقيم عند هؤلاء سنة وعند هؤلاء سنة فاعتمر في أشهر الحج وحج من عامه لم يكن متمتعا فإن لم يكن له بمكة أهل واعتمر من الكوفة في أشهر الحج وقضى عمرته ثم خرج إلى مصر من الأمصار ليس فيه أهله ثم حج من عامه كان متمتعا ما لم يرجع إلى المصر الذي فيه أهله فإذا رجع إلى المصر الذي فيه أهله ثم حج من عامه لم يكن متمتعا بلغنا ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما وسعيد بن المسيب وإبراهيم فإن كان له بالكوفة
أهل وبالبصرة أهل فرجع إلى أهله بالبصرة ثم حج من عامه لم يكن متمتعا
وإذا خرج المكي إلى الكوفة لحاجة فاعتمر منها وحج من عامه لم يكن متمتعا وإن قرن من الكوفة كان قارنا ألا ترى أن
كوفيا له قرن بين حجة وعمرة وطاف لعمرته في أشهر الحج ثم رجع إلى أهله ثم وافى الحج فحج كان قارنا ولم يبطل دم القران عنه برجوعه إلى أهله كما يبطل دم المتعة
وإن اعتمر الكوفي في أشهر الحج وساق هديا لمتعته وهو يريد الحج فطاف لعمرته ولم يحلق ثم رجع إلى أهله ثم حج كان متمتعا لأنه لم يرجع إلى أهله حلالا وليس المكي كذلك وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد إذا رجع الكوفي إلى أهله بعد ما طاف الأكثر من طوافه فهو بمنزلة المكي لأنه رجع وقد قضى عمرته ألا ترى أنه لو لم يكن معه هدي ثم حج من عامه لم يكن متمتعا
رجل أهل بعمرة في أشهر الحج وساق هديا لمتعته ثم بدا له أن يحل وينحر هديه ويرجع إلى أهله ولا يحج قال له ذلك فإن فعل ذلك ثم حج من عامه قال لا شيء عليه وإذا أراد أن ينحر هديه ويحل ولا يرجع إلى أهله ويحج من عامه لم يكن له ذلك فإن فعله ثم رجع إلى أهله ثم حج قال لا شيء عليه وإن فرغ من عمرته وحل ونحر هديه ثم أقام بمكة حتى حج من عامه فعليه دم لمتعته وعليه دم آخر لأنه حل قبل يوم النحر ولم يكن ينبغي له
ذلك
رجل أهل بعمرة في أشهر الحج ثم أفسدها بالجماع فلما فرغ منها أهل بأخرى ينوي قضاءها ثم حج من عامه قال لا يكون متمتعا وكذلك إن كان دخل مكة في العمرة الأولى قبل أشهر الحج ولو خرج من مكة حتى جاوز وقتا من المواقيت ثم أهل بعمرة في أشهر الحج ثم حج من عامه فإن كان جاوز الوقت قبل أشهر الحج كان متمتعا وإن كان لم يجاوز الوقت إلا في أشهر الحج فليس بمتمتع لأن أشهر الحج أدركته وهو فيها فهو بمنزلة أهلها فإن كان دخوله الأول في أشهر الحج بعمرة فأفسدها ثم كانت حاله كما ذكرت لك لم يكن متمتعا إلا أن يرجع إلى أهله فإن رجع إلى أهله ثم اعتمر
وحج من عامه كان متمتعا في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إذا دخلت عليه أشهر الحج وهو بمكة أو دخل بعمرة فاسدة ثم خرج فجاوز وقتا من المواقيت ثم اعتمر وحج من عامه فهو متمتع وإن دخل بعمرة فاسدة في أشهر الحج فقضاها ثم خرج حتى جاوز الوقت ثم قرن عمرة وحجة كان قارنا لأنه لو كان من أهل مكة كان قارنا
ولو قضى عمرته الفاسدة ثم أهل من مكة بعمرة وحجة قال يرفض العمرة لأنه بمنزلة أهل مكة ولو كان أهل بعمرة في أشهر الحج فطاف لها شوطا ثم أهل بحجة رفض حجته في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يرفض العمرة ما لم يكن طاف لها أربعة أشواط
وإذا ترك المكي أو الكوفي الوقت في العمرة وطاف لها شوطا ثم أراد أن يلبي من الوقت لم ينفعه ولم يسقط عنه الدم
باب التلبية
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملكلا شريك لك وإن زاد فحسن وإن اقتصر فحسن
و بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه خرج من مسجد الخيف يلبي فقال قائل لا يلبي هاهنا فقال أجهل الناس أم طال عليهم العهد لبيك عدد التراب لبيك وبلغنا عن ابن عمر رضي الله عنهما
أنه كان يزيد في التلبية لبيك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل لبيك إله الحق لبيك
والحاج والقارن سواء في قطع التلبية لا يقطعان حتى يرميان جمرة العقبة يوم النحر بأول حصاة بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة
ويقطع المعتمر التلبية حين يستلم الحجر في أول الطواف وبلغنا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس رضي الله عنهما
ويستحب للمحرم أن يلبي في دبر كل صلاة أو لقى رفقة أو علا شرفا أو هبط واديا وبالأسحار وحين يستيقظ من منامه وما أكثر من التلبية فهو أفضل وبلغنا عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال
أفضل الحج العج والثج وقال ارفعوا أصواتكم بالتلبية فإنها شعار الحج
ولو لم يلب القارن أو المفرد بالحج أو العمرة إلا مرة واحدة
فقد أساء ولا شيء عليه ومن فاته الحج لبى كما يلبي المعتمر ومن أفسد حجه بالجماع لبى كما يلبي من لم يفسد حجه والمحصر يلبي حتى يذبح عنه ومن لبى وهو لا يريد الإحرام لم يكن عليه شيء
وإن أراد الإحرام صار محرما بما نوى وكذلك إن كبر أو هلل أو سبح ينوي به الإحرام والإيجاب على نفسه من ساعته كان محرما
وإذا توضأ الأخرس ولبس ثوبين وصلى ركعتين وهو يريد الإحرام فلما انصرف نوى الإحرام بقلبه وحرك لسانه كان محرما
والمرأة بمنزلة الرجل في التلبية غير أنها لا ترفع صوتها بها قال ولا يكون محرما إلا بالتلبية والتلبية الأولى بمنزلة تكبير الصلاة في افتتاحها والتلبية بعد ذلك بمنزلة التكبير في الصلاة بعد تكبير الافتتاح
باب الصيد
رجل رمى صيدا في الحل وهو في الحل فأصابه في الحرم قال عليه الجزاء لأنه من جنايته وهو قول أبي حنيفة فيما أعلم
ولو أرسل كلبه في الحل على صيد في الحل فطرد الكلب الصيد حتى قتله في الحرم لم يكن عليه جزاء لأن هذا ليس من جنايته ولا يشبه الرمية فإن زجر الكلب بعد ما حل في الحرم فانزجر وأخذ الصيد فقتله فعليه جزاؤه استحسانا ولو أرسل كلبا
في الحرم على ذئب فأصاب صيدا في الحرم لم يكن عليه جزاء ولو أرسل المجوسي كلبا على صيد في الحرم فزجره محرم فانزجر فقتل الصيد كان على المحرم جزاءه ولم يؤكل الصيد
ولو نصب المحرم شبكا للصيد فأصاب صيدا فعليه جزاؤه وإن كان نصبه لذئب أو سبع قد آذاه أو ابتدأه فوقع فيه صيد لم يكن عليه شيء
محرم دل محرما على صيد وأمره بقتله فأمر المأمور ثانيا بقتله فقتله كان على كل واحد منهم جزاء كامل
ولو أخبر محرم محرما بصيد فلم يره حتى أخبره محرم آخر به فلم يصدق الأول ولم يكذبه ثم طلب الصيد فقتله كان على كل واحد
منهم الجزاء وإن كذب الأول به لم يكن على الأول جزاء
محرم أرسل محرما إلى محرم فقال إن فلانا يقول لك إن في هذا الموضع صيدا فذهب فقتله كان على المرسل والرسول والقاتل جميعا جزاء
وإن دل محرم محرما على صيد هو يراه ويعلم به فقتله لم يكن على الدال إذا قتله شيء
محرم استعار من محرم سكينا ليذبح بها صيدا فأعارها إياه فذبح بها الصيد فلا جزاء على صاحب السكين ويكره له ذلك
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد (1) * حدثنا أبو عصمة قال أخبرنا أبو سليمان قال سمعت محمدا يقول1
كتاب التحري
إذا خرج الرجل بزكاة ماله يريد أن يتصدق بها فأعطاه قوما ولم يحضره عند إعطائها أن الذين أعطاهم فقراء ولا أغنياء ذهل عن
ذلك ولم يسألوه فلما أعطاهم تفكر في ذلك فلم يدر أغنياء هم أم لا فان ذلك يجزيه فإن علم على أي هيئة كانوا حين أعطاهم فوقع في قلبه أن بعضهم كان محتاجا عليه هيئة المحتاج وأن بعضهم كان غنيا عليه هيئة الأغنياء وكان على ذلك أكبر رأيه وذلك بعد الإعطاء أجزته عطيته لمن كان أكبر رأيه أنه فقير ولم تجزه عطيته لمن أكثر رأيه أنه غني لأن من خرج بزكاة ماله يريد أن يتصدق بها فهو عندما يريد أن يعطيها الفقراء فمن أعطى من الناس فهو فقير يجزيه عطيته إياه إلا أن يكون أعطى من أكثر رأيه أنه غني فإذا كان على ذلك لم تجزه عطيته إلا أن يعلم أنه فقير فتجزيه عطيته
فأما إذا أعطى رجلا يرى أنه فقير ولم يسأله ولم يأت من أمره أمر يدل على أنه فقير فظن أنه فقير فأعطاه أو أعطاه على غير ظن حضره ثم ظن بعد العطية أنه فقير ثم علم بعد ذلك أنه غني لم يجزه ما أعطاه لأنه أعطاه على غير مسألة ولا دلالة
وإن كان الرجل سأله وأخبره أنه محتاج فأعطاه ثم علم بعد ذلك أنه غني فان أبا حنيفة قال في ذلك يجزيه زكاته وكذلك قول محمد وأما في قول أبي يوسف فلا يجزيه إذا علم أنه غني وقال هو بمنزلة رجل توضأ بماء غير طاهر ثم صلى وهو لا يعلم فهو يجزيه ما لم يعلم فإذا علم أعاد الوضوء وأعاد الصلاة
وقال محمد لا تشبه الصلاة الصدقة لأن هذا لا تعد صلاته صلاة لأنه صلى على غير وضوء والمتصدق صدقته جائزة عليه ألا ترى أنه لو أراد أن يأخذها من الذي أعطاها إياه لم يكن له ذلك في الحكم لأنها صدقة نافذة جائزة لا رجوع فيها ولو كان له أن يأخذها من المتصدق عليه لأنها ليست بصدقة كان هذا قياس الصلاة بغير وضوء لأن الصلاة بغير وضوء ليست بصلاة فينبغي أن تكون هذه ليست بصدقة وينبغي لصاحبها أن يأخذها من المتصدق عليه فإذا كان لا يقدر على أخذها منه كانت صدقة تامة فكيف يغرمها صاحبها مرتين ولم يكن على صاحبها أكثر من الذي صنع وقد وافقنا أبو يوسف أن الصدقة لا ترد على صاحبها ولكنها نافذة للمتصدق عليه ولذلك افترقت الصدقة والصلاة على غير وضوء
إنما مثل الصدقة على الغني إذا تصدق عليه وهو لا يعلم ثم علم بعد ذلك رجل صلى وتحرى القبلة أو أخبره مخبر أن القبلة كذا فصلى بقوله أو بتحريه حتى إذا فرغ علم أنه صلى لغير القبلة فصلاته تامة ولا إعادة عليه فيها لأنه صلى ولم يكن عليه أكثر من الذي صنع
فكذلك الصدقة على الغني إذا لم يعلم وسأله وأخبره أنه فقير فليس عليه أكثر مما صنع ولو لم يخبره أنه فقير ولم يسأله عن ذلك ولكنه صادفه في مجلس الفقراء قد صنع صنيع أصحاب المسألة فأعطاه كان هذا بمنزلة من سأله وأخبره أنه فقير لأن هذا دلالة على الفقر بمنزلة المسألة وقد يجيء من هذا ما هو أدل من المسألة أو قريب منها أو مثلها
وكذلك في قول أبي حنيفة ومحمد إن أعطى ذميا من زكاته وقد أخبره
أنه مسلم أو عليه سيما فأعطاه من زكاته ثم علم أنه ذمي أجزاه ذلك
وكذلك إن أعطاه ولدا أو والدا وهو لا يعلم ثم علم أجزاه ذلك
وإن أعطاه عبدا له أو مكاتبا له وهو لا يعلم به أو أخبره أنه حر فأعطاه ثم علم بعد ذلك أنه عبد له عليه دين أو مكاتب لم يجزه
ذلك لأن هذا ماله أعطاه ماله فصار ماله بعضه في بعض فلا يجزى ذلك من شيء فأما ما أعطى ولدا أو والدا وهو لا يعلم ثم علم بعد ذلك أجزاه في قول أبي حنيفة ومحمد
أبو سليمان قال أخبرنا محمد قال أخبرنا إسرائيل عن أبي الجويرية الجرمي عن معن بن يزيد السلمي قال خاصمت أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لي عليه وذلك أن أبي أعطى صدقته رجلا في المسجد وأمره أن يتصدق بها فأتيته فأعطانيها ثم أتيت أبي فعلم بها فقال والله يا بني ما إياك أردت بها فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال يا يزيد لك ما نويت ويا معن لك ما أخذت
قال محمد قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مجزيا عن يزيد وجعله لمعن فكذلك نقول
ولو أن رجلا توضأ في ليلة مظلمة في سفر ثم قام عامدا إلى الصلاة فصلى ولم يحضره نية حتى صلى في تحري القبلة فلما قضى صلاته علم أنه صلى لغير القبلة فانه يعيد صلاته وإن كان حين فرغ لم يدر أصلى إلى القبلة أو إلى غيرها فان كان أكبر رأيه أنه صلى إلى القبلة فصلاته تامة وإن كان أكبر رأيه أنه صلى إلى غير القبلة أعاد صلاته وإن لم يكن له في ذلك رأى أو كان قد ركب فمضى عن ذلك الموضع فلم يجز له رأى في تحري القبلة ولا غيرها فصلاته تامة لأنه حين قام عامدا إلى الصلاة حتى دخل فيها فصلى فهو عندنا على تحري القبلة حتى يعلم غير ذلك ولو كان حين انتهى إلى موضع الصلاة شك فلم يدر
أين القبلة فلم يتحر أكبر رأيه حتى مضى فصلى إلى بعض تلك الوجوه بغير تحر ولا أكبر رأيه حتى فرغ من صلاته فعليه أن يعيد صلاته إلا أن يعلم أنه صلى للقبلة فان كان أكبر رأيه أنه صلى للقبلة إلا أن
ذلك إنما كان منه بعد دخوله في صلاته لم تجزه تلك الصلاة حتى يستقبلها بتكبير مستقبل لأنه افتتحها على غير التحري وكان الواجب عليه حين شك فلم يدر أين القبلة أن يتحرى فيمضي على أكبر ظنه ورأيه فلما افتتح على غير تحر لم يجزه التحري بعد الافتتاح إلا بتكبير مستقبل
ولو تحرى فكان أكبر رأيه وجها من تلك الوجوه أنه القبلة فتركه وصلى إلى غيره فقد أساء وأثم وصلاته فاسدة
وإن علم بعد ما فرغ منها أنه صلى إلى القبلة لأن قبلته التي ظن أنها القبلة فقد صلى إلى غير القبلة التي وجبت عليه فعليه أن يعيد الصلاة
ولو علم أنها القبلة بعد ما افتتح الصلاة لم يجزه ذلك الافتتاح حتى يفتتح افتتاحا مستقبلا ويعيد صلاته
ولو أن رجلا دخل مسجدا لا محراب فيه وقبلته مشكلة وفيه قوم من أهله فتحرى الداخل القبلة فصلى فلما فرغ علم أنه قد أخطأ القبلة فعليه أن يعيد صلاته لأنه قد كان يقدر على أن يسأل عن ذلك فيعلمه بغير تحر وإنما يجوز التحري إذا أعجزه من يعلمه بذلك وأما إذا كان له من يعلمه بذلك لم يجزه التحري ألا ترى لو أن رجلا أتى ماء من المياه فطلب الماء فلم يجده حتى صلى بتيمم ثم سألهم فأخبروه لم تجزه صلاته حتى يتوضأ ويعيد الصلاة ولو سألهم فلم يخبروه أو لم يكن بحضرته من يسأله فطلب فلم يجد فتيمم وصلى ثم وجد الماء أجزته صلاته ولم يكن عليه غير ما صنع وكذلك القبلة فيما وصفت لك
ولو أن رجلا كانت له غنم مساليخ ذكية فاختلطت بها شاة
مسلوخة ذبيحة مجوسي أو ذبيحة مسلم ترك التسمية عمدا أو ميتة فلم يدر صاحب الغنم أيتهن هي فانه لا ينبغي له أن يأكل منه شيئا حتى يتحرى فيلقى من ذلك الذي يظن أنه ميتة ويأكل البقية وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
وكذلك لو كان الذكي شاتين والميتة واحدة فأما إذا كاتب الميتة اثنتين والذكية واحدة فلا تجزى ها هنا لأن الغالب هو الحرام ولا ينبغي أن ينتفع بشيء من ذلك وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
وكذلك لو كانت واحدة ميتة وواحدة ذكية لم يأكل من ذلك شيئا بتحر ولا غيره إلا في خصلة واحدة إن كان له في الذكي علم ودلالة تدل عليه حتى يعرف بذلك من الميتة فلا بأس بأكل ذلك بالدلالة والعلم الذي يعلم به وإنما افترق الغالب من ذلك وغيره لأن الغالب يقع عليه التحري إذا كان غالبا وهو حلال وفي ذلك وجوه كثيرة من الفقه منها أن رجلا لو كان له زيت فاختلط به بعض ودك ميتة أو شحم خنزير إلا أن الزيت هو الغالب على ذلك لم نر بأسا بأن يستصبح به وأن يدبغ به الجلود ثم يغسله وأن يبيعه ويبين عيبه ولو كان ودك الميتة أو شحم الخنزير هو الغالب على الزيت أو كانا سواء لا يغلب واحد منهما على صاحبه لم ينبغ أن ينتفع بشيء منه ولا يباع ولا يستصبح به ولا يدهن به جلد ولا غير ذلك لأن ودك الميتة وشحم الخنزير إذا كانا الغالبين على الزيت فكأنه لا زيت معهما وكان ذلك كله ميتة وشحم الخنزير ولا ينبغي الانتفاع بذلك على حال
أبو سليمان قال أخبرنا محمد قال أخبرنا زمعة بن صالح عن
أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال جاء نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن لنا سفينة في البحر وقد احتاجت إلى الدهن ووجدنا ناقة كثيرة الشحم ميتة أفندهنها بشحمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بشيء وكذلك نقول إذا كانت الميتة هي الغالبة فكأنها ميتة كلها
وقال أبو حنيفة لو أن قوما من المسلمين وجدوا موتى فيهم كافر أو كافران لا يعرف الكافر من المسلم غسلوا وكفنوا وصلى عليهم ونوى المصلون بالصلاة والدعاء المسلمين منهم دون الكافرين وصلى عليهم جماعة وإن كانوا كفارا فيهم المسلم والمسلمان لم يصل على أحد منهم ويغسلون ويكفنون ويدفنون ولا يصلى على أحد منهم
وكذلك قول أبي يوسف وقول محمد ويدفنون في قول محمد في مقابر المشركين فأما الأولون الذين أكثرهم المسلمون فانهم يدفنون في مقابر المسلمين
وإن كانوا نصفين من الكافرين والمسلمين لم يصل على أحد منهم حتى يكون الأكثر من المسلمين وهذا أيضا يدلك على الوجه الأول فان كان بأحدهما علامة من علامات المسلمين أو كان بأحدهما علامة من علامات المشركين فهذه دلالة فيصلى على الذي به علامة المسلمين ويترك الذي به علامة المشركين ومن علامات المسلمين الختان والخضاب ولبس السواد مما يعرف به المسلم من الكافر
وإذ أكان الرجل في سفر ومعه ثوبان لا ثوب معه غيرهما في أحدهما نجاسة خفية والآخر طاهر وليس معه ما يغسلهما به فانه يتحرى الذي يظن أنه لا نجاسة فيه ثم يصلى فيه ويدع الآخر
وكذلك إن كان معه ثلاثة أثواب نجسان وثوب طاهر وكذلك ما كثر من
5 ذلك أو قل فانه يتحرى فيصلي في الثوب الذي يظن أنه طاهر منها ولا يشبه هذا ما وصفت لك قبله من الغنم بعضها ميتة إذا كان الغالب عليها الميت لأن هذه الثياب لو كانت كلها نجسة لكان عليه أن يصلى في بعضها ثم لا يعيد صلاته لأنه مضطر إلى الصلاة فيها والذي وصفت لك من الغنم ليس بمضطر إليها
فإن كان في موضع لا يجد من الطعام غير تلك الغنم استوت حالها وحال الثياب فتحرى وأكل
فان تحرى ثوبا من الثوبين فكان أكبر ظنه أنه هو الطاهر فصلى فيه الظهر ثم تحول رأيه فكان أكبر رأيه أن الآخر هو الطاهر فصلى فيه العصر فان العصر لا يجزيه لأن الظهر قد أجزته ولا يجزيه غيرها لأنه قد فرغ منها على تمام فلا تفسد بعد التمام إلا باليقين فإذا استيقن أن الثوب الذي صلى فيه الظهر هو النجس أعاد صلاة الظهر فأجزته
صلاة العصر فان لم يحضره تحر حتى صلى أو لم يعلم أن في واحد منهما نجاسة حتى صلى وهو ساه فصلى في أحدهما الظهر وصلى في الآخر العصر وصلى في الأول المغرب وصلى في الآخر العشاء ثم نظر فإذا في أحدهما قذر ولا يدري أهو الأول أو الآخر فان صلاة الظهر والمغرب جائزتان وصلاة العصر والعشاء فاسدتان لأنه صلى الظهر في أحدهما فتمت صلاته فلا يفسد بعد تمامها إلا بيقين وكذلك كل صلاة صلاها في ذلك الثوب فهي بمنزلتها
وأما ما صلى في الثوب الثاني فان ذلك لا يجزيه لأنه إن أجزاه لم يجزه الأول لأنا قد علمنا أن أحدهما نجس فلا يستقيم أن يجزيا جميعا
ولو أن رجلا كان في سفر ومعه آنية ثلاثة في كل إناء ماء أحدها نجس والآخران طاهران ولم يعرف الطاهر من غيره فانه يتحرى ويتوضأ ويصلي لأن الأكثر منها الطاهر فالتحري يجزيه وإن كان اثنان منها نجسين وواحد طاهر أهراقها كلها وتيمم وصلى فان تيمم وصلى ولم يهرقها أجزاه ذلك لأنه لا تحرى عليه في ذلك ولكن الأفضل له أن يهريقها حتى يعلم أنه لا ماء معه ثم بتيمم وكذلك إن كان إناءين أحدهما طاهر والآخر نجس أهراقهما وتيمم وصلى وهذا بمنزلة ما وصفت لك من الغنم قبله إذا كان أكثر الآنية نجسا تيمم ولم يتحر وإن كان أكثرها طاهرا فتحرى وتوضأ وصلى أجزاه ذلك ما لم يعلم أنه توضأ بماء نجس
ولو أن رجلا له جوار أعتق واحدة منهن بعينها ثم نسيها فلم يدر أيتهن أعتق لم يسعه أن يتحرى في هذا فيطأهن على التحري حتى يعلم أيتهن الحرة من غيرها وكذلك لا يسعه أن يبيع منهن شيئا وكذلك لا يسع الحاكم أن يخلي بينه وبينهن حتى يبين المعتقة من غيرها
وكذلك رجل له أربع نسوة طلق منهن واحدة ثلاثا بعينها ثم نسيها فلم يعرفها فليس له أن يقرب منهن شيئا بتحر حتى يعلم المطلقة بعينها من غيرها وكذلك إن متن كلهن إلا واحدة لم يسعه أن يقربها حتى يعلم أنها غير المطلقة وكذلك ينبغي للقاضي إذا رفعت إليه أن يمنعها منه حتى يبين فيخبر أنها غير المطلقة فإذا أخبر بذلك استحلفه البتة ما طلق هذه بعينها ثلاثا ثم خلى بينه وبينها فان كان حلف وهو جاهل بما حلف عليه فليس ينبغي له أن يقربها
ولو كان له جوار فأعتق واحدة منهن بعينها ثم نسيها فباع منهن
ثلاثا فحكم عليه القاضي بأن أجاز بيعهن وجعل الباقية هي المعتقة فأعتقها وحكم بذلك وكان ذلك من رأيه ثم رجع بعض اللاتي باع إليه بشراء
أو هبة أو ميراث أو غير ذلك فليس ينبغي له أن يطأها لأن القاضي قضى في ذلك بغير علم فليس ينبغي له أن يطأ شيئا منهن بالملك إلا أن يتزوجها فإن فعل فلا بأس بأن يطأها لأنها على إحدى خصلتين إما حرة فتحل بالنكاح وإما أمة فتحل بالملك
ولا يجوز التحري في الفروج كما يجوز التحري فيما وصفت لك قبله من جميع هذه الوجوه من الميتة وغيرها لأن التحري يجوز في كل ما جازت في الضرورة ألا ترى أن الميتة يجوز أكلها في الضرورة وكل ما جاز العمل به في الضرورة وصاحبه يعلم أنه حرام فإذا كان مشكلا وكان الغالب عليه الحلال أجزاه في ذلك التحري وأما الفروج فانه لا يجوز التحري فيها فإنها لا تحل بضرورة أبدا ولا بغيرها فكذلك لا يجوز التحري فيها
ولو أن قوما عشرة أو أقل كانت لكل رجل منهم جارية فأعتق أحدهم جاريته ولم يعرفوا الجارية المعتقة فلكل رجل منهم أن يطأ
جاريته حتى يعلم أنها المعتقة بعينها فان كان أكبر رأى أحدهم أنه هو الذي أعتق فأحب إلى أن لا يقربها حتى يستيقن ذلك وإن قرب لم يكن ذلك عليه حراما لأن كل واحد منهم على حدته لم يعلم أنه أعتق فجاريته له حلال حتى يعلم أنه قد أعتقها ولكن لو اشتراهن جميعا رجل واحد قد علم ما قال أحدهم من العتق لم يحل له أن يقرب واحدة منهن جميعا حتى يعرف المعتقة ولو اشتراهن كلهن إلا واحدة حل له 2 أن يطأهن جميعا فان فعل ثم اشترى الباقية اجتمعن جميعا في ملكه لم يحل له أن يطأ منهن شيئا ولا يبيع شيئا منهن حتى يستبين له المعتقة منهن
وكذلك لو اشترى كلهن بعض أصحاب الجواري إلا جارية منهن حل له أن يطأهن كلهن التي كانت عنده وغيرها فإن اشترى الباقية فاجتمعن في ملكه لم ينبغ له أن يقرب منهن شيئا لأنه قد استيقن
حين اجتمعن في ملكه أن إحداهن حرة فهو إن وطئ إحداهن وطئها بغير علم ولا يدري أحرة هي أم لا وإحداهن حرام عليه لا شك فيه فإذا بقيت واحدة لم يشترها لم يعلم أن فيما اشترى حراما عليه ولا شك فيه فإذا لم يعلم ذلك لم يحرم شيء من ذلك إلا باليقين ولا يكون اليقين إلا باجتماعهن جميعا في ملكه
ومما يدلك أيضا أن التحري لا يجوز في الفروج أن المعتق لجارية من رقيقه إذا نسيها ثم مات أن القاضي لا يوجب في ذلك تحريا فيقول للورثة أعتقوا أيتهن شئتم أو أعتقوا التي أكبر ظنكم أنها حرة ولكنه يسألهم عن ذلك فان استيقنوا منه شيئا أمضاه على ما استيقنوا فأعتقوا الذي زعموا أن الميت أعتقها بعينها واستحلفوا على ما بقي منهن على علمهن فان لم يعرفوا من ذلك شيئا أعتقن جميعا فأبطل من قيمتهن قيمة واحدة وسعين فيما بقي فإن كن عشرا أبطل من قيمة كل واحدة منهن عشرا وسعت كل واحدة في تسعة أعشار قيمتها
أبو سليمان قال سمعت محمدا يقول في رجل له عبد فآجره من
رجل سنة بمائة درهم للخدمة فخدمه العبد ستة أشهر ثم إن المولى أعتقه فالعبد بالخيار إن شاء مضى على إجارته وإن شاء فسخها فيما بقي فإن فسخها في ما بقي بطل نصف الأجر وأخذ المولى من المستأجر نصف الأجر وكان له دون العبد وإن مضى العبد على إجارته أجزاه ذلك فليس له بعد ذلك أن ينقضها فإن مضى عليها حتى تتم السنة فالأجر كله واجب على المستأجر نصفه للسيد حصة الشهور التي مضت وهو عبد قبل أن يعتق العبد والنصف الباقي للعبد حصة الشهور التي بقيت بعد العتق وليس للعبد أن يقبض شيئا من الأجر إلا بوكالة المولى إنما الذي يقبض
الأجر المولى لأنه هو الذي ولى الإجارة فيقبض الأجر كله فيكون له نصفه وللعبد نصفه فإن كان المولى حين آجر العبد ستة مائة درهم عجل له المستأجر المائة قبل أن يعمل العبد شيئا ثم إن العبد خدم المستأجر ستة أشهر ثم أعتقه المولى فالعبد أيضا بالخيار إن شاء مضى على الإجارة وإن شاء فسخها فان فسخها فالقول في ذلك كالقول في المسألة الأولى وإن مضى على الإجارة حتى يخدم السنة كلها فالأجر كله للمولى ولا شيء للعبد منه لأن المولى قد كان ملك الأجر كله قبل أن يعتق العبد فلا يتحول شيء من ملك الآجر إلى العبد بعد عتقه فإذا لم يقبض الأجر فإنما يجب الأجر بالعمل يوما بيوم وشهرا بشهر فإذا أعتق العبد في بعض السنة فعمل ما بقي منها كان له أجر ما بقي لأن ذلك لم يملكه المولى حين عتق العبد
وكذلك لو كان الأجر دنانير أو شيئا بما يكال أو يوزن أو عرضا من العروض أو جارية أو ثوبا بعينه أو غير ذلك إذا قبضه المولى بإذن المستأجر قبل أن يعتق العبد فقد ملكه المولى فإذا مضى العبد على الإجارة كان الذي قبض المولى له دون العبد وإن كان المولى لم يقبض ذلك والأجر جارية بعينها فعمل العبد وهو مملوك نصف السنة ثم عتق
فعمل نصف السنة الأخرى ولم يكن المولى قبض الجارية فنصفها للمولى ونصفها للعبد والذي يلي قبضها من المستأجر المولى لأنه هو الذي ولى الإجارة فيدفع نصفها إلى العبد ويكون له نصفها ولو كان المولى قبض الجارية قبل العتق والمسألة على حالها سلمت الجارية كلها للمولى ولم يكن للعبد منها قليل ولا كثير ألا ترى أن رجلا لو زوج جارية له من رجل بصداق وقبضه المولى أو لم يقبضه حتى أعتقها المولى فهي بالخيار إن شاءت أقامت مع زوجها وإن شاءت فارقته فإن اختارت نفسها ولم يكن الزوج دخل بها بطل صداقها وكانت فرقة بغير طلاق وإن اختارت زوجها كان الصداق لمولاها إن كان قبض الصداق أو لم يقبض وهذا الوجه إذا لم يقبض الصداق يخالف الإجارة إذا لم يقبض الأجر لأن الصداق يجب بالنكاح حين يقع لا يجب منه شيء دون شيء وأن الإجارة إنما تجب بالعمل كلما عمل يوما وجب له أجره فلهذا اختلفا إذا لم يقبض الصداق والأجر أما إذا قبضها المولى جميعا فهو سواء في جميع ما وصفت
ولو أن رجلا قال لعبده آجر نفسك بمائة درهم ممن شئت فآجر نفسه من رجل سنة بمائة درهم كما أمره مولاه فخدم المستأجر ستة أشهر ثم أعتقه المولى فالعبد أيضا بالخيار إن شاء فسخ الإجارة
فأخذ العبد نصف الأجر حصة ما مضى من الشهور فدفع ذلك إلى مولاه وإن شاء مضى على الإجارة حتى يتم وأخذ العبد الأجر كله وأعطى مولاه نصفه وأخذ نصفه وليس للمولى على المستأجر سبيل في قبض شيء من الأجر إلا بوكالة من العبد لأن العبد هو الذي ولى الإجارة وإن كان العبد قبض الأجر قبل العمل ثم أعتقه المولى بعد ما عمل نصف السنة فالعبد أيضا بالخيار إن شاء نقض الإجارة ورد على المستأجر نصف ما أخذ منه من الأجر وإن كان المولى أخذ ذلك من عبده فاستهلكه كان للمستأجر أن يأخذ العبد بذلك حتى يؤديه هو إليه ولا سبيل له على المولى وللعبد أن يرجع على المولى فيأخذ منه نصف ما أخذ إن كان قائما بعينه عرضا أو غيره وإن كان المولى استهلكه كان له أيضا أن يرجع على المولى بنصف ما قبض لأن هذا المال لم يجب على المولى للعبد في حال رقه إنما وجب له بعد العتق وبعد فسخ الإجارة ألا ترى أن المستأجر لا سبيل له على المولى وإن كان العبد معدما لأن المولى قبض ذلك من العبد يوم قبض ولا دين على العبد ولو كان على العبد يومئذ دين لكان للغريم أن يأخذ
المولى بما أخذ من مال عبده حتى يدفعه إليه قضاء من دينه فلذلك كان للعبد أن يرجع على المولى بما أخذ منه حتى يوفيه المستأجر وإن اختار العبد المضي على الإجارة فمضى حتى أتم الخدمة فان كان لم يقبض الأجر في حال رقه فالأجر بين المولى وعبده نصفان نصف للمولى حصة ما مضى من الشهور ونصفه للعبد فان كان العبد قبض الأجر في حال رقه ثم مضى على الإجارة حتى انتهى فالأجر كله للمولى دراهم كانت أو دنانير أو كيلا أو وزنا أو عرضا من العروض كائنا ما كان
فإن قال قائل وكيف يكون للعبد أن يفسخ الإجارة وهو الذي وليها قيل له لأنها تمت في حال رقه بإذن المولى له في ذلك ألا ترى لو أن أمة زوجت نفسها بإذن مولاها ثم أعتقت كان لها الخيار إن شاءت أقامت مع زوجها وإن شاءت فارقته وهي التي وليت النكاح وكذلك العبد إذا ولى الإجارة فإن قال قائل وكيف يكون للعبد أن يفسخ الإجارة في وجه من هذه الوجوه وقد كانت جائزة قيل له لأن الإجارة تفسخ بعذر فالعتق من أفضل العذر لأن الأمر رجع إلى العبد وصار أحق بنفسه من المولى ألا ترى أن رجلا لو توفى فأوصى إلى
رجل وترك ابنا صغيرا فآجره الوصي في عمل من الأعمال فلم يتم العمل حتى بلغ الغلام مبلغ الرجال فهو بالخيار إن شاء مضى على العمل حتى يتمه وأخذ الأجر كله وإن شاء فسخ الإجارة فيما بقي وكان له أجر ما مضى وهذا قول أبي حنيفة فإذا كان للغلام أن ينقض الإجارة والأجر له فالعبد أحرى أن ينقض الإجارة إذا أعتق والأجر يكون لمولاه إن كان قد قبضه في حال الرق
وكذلك لو أن الأب نفسه آجر ابنه وهو صغير في عمل من الأعمال سنين معلومة بأجر معلوم فبلغ الغلام قبل أن يتمم السنون فهو بالخيار إن شاء فسخ الإجارة وإن شاء مضى عليها وكانت حاله كحال الذي آجره الوصي
ولو كان الوصي أو الوالد آجر دارا للصغير سنين معلومة فبلغ الغلام فأراد أن يبطل الإجارة لم يكن له ذلك ولا يشبه هذا في
هذا الوجه إجارة نفسه لأن الوالد والوصي في مال الصغير بمنزلة الوكيلين اللذين يوكلهما الكبير ألا ترى أن الكبير لو وكل رجلا يؤاجر داره فآجرها كما وكله لم يكن له أن ينقض إجارة وكيله فكذلك هذا
ولو آجر العبد نفسه وهو محجور عليه رجلا سنة بمائة درهم فخدمه ستة أشهر ثم أعتق العبد فالقياس في هذا أنه لا أجر
للعبد فيما مضى لأن المستأجر كان ضامنا له ولا يجتمع الأجر والضمان ولكنا نستحسن إذا سلم العبد أن يجعل له الأجر فيما مضى فيأخذه العبد فيدفعه إلى مولاه فيكون ذلك لمولاه دونه وتجوز الإجارة فيما بقي من السنة وليس للعبد أن يقبض ذلك لأن الإجارة فيما بقي إنما جازت بعد ما أعتق العبد فليس للعبد أن ينقض ما جاز بعد عتقه لأنه إنما جاز بغير إجارة المولى ألا ترى أن أمة لو تزوجت رجلا بغير أمر مولاها فأعتقها المولى جاز نكاحها عليها ولم يكن لها خيار في إبطاله لأنه إنما جاز بعد العتق وكذلك الإجارة بما جاز ما بقي منها بعد العتق لم يكن للعبد إبطال ذلك ولكن الإجارة تلزم
العبد ويكون للمولى أجر ما مضى من الشهور قبل العتق ويكون أجر ما بقي من الشهور بعد العتق للعبد فان كان العبد قبض الأجر في حال الرق وهو دراهم أو دنانير أو شيء مما يكال أو يوزن أو عرض من العروض أو لم يقبض ذلك فهو سواء يكون للمولى من ذلك حصة ما مضى من الشهور وللعبد حصة ما بقي من الشهور بعد ما عتق ولا يشبه هذا الوجه فيما قبض العبد من الأجر ما مضى قبله من الإجارات بإذن المولى وإجارة المولى لأن العبد لما قبض الأجر في هذا الوجه فقد قبض شيئا ليس بجائز ولا يجب به الأجر حتى يجوز بعد العمل فلما أعتق العبد وقد قبض الأجر فان كان لم يعمل شيئا ولم يمض من السنة شيء فإنما جازت الإجارة بعد العتق ووجب الأجر بعد العتق وصار الأجر كله للعبد فإن كان قد مضى من الشهور شيء قبل العتق وجب أجر ذلك للمولى بالعمل دون القبض فصار ذلك بمنزلة من لم يقبض فأما أجر ما لم يمض من العمل فإنه لا يجب بالقبض حتى تجوز الإجارة وإنما جازت الإجارة بعد العتق فصار ذلك للعبد دون المولى فلذلك افترق جواز الإجارة قبل العتق وجوازها بعد العتق فيما قبض
العبد من الأجر
آخر كتاب التحري والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل
بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي الحمد لله الواحد العدل (1) *
قال محمد بن الحسن لا بأس بأن ينظر الرجل من أمه أو من ابنته1
كتاب الاستحسان
البالغة أو من أخته أو من كل ذات محرم منه من رحم أو رضاع إلى شعرها أو إلى صدرها أو إلى ثديها أو عضدها أو ساقها أو قدمها ولا ينبغي له أن ينظر إلى بطنها أو إلى ظهرها أو إلى ما بين سرتها حتى يتجاوز الركبة وكذلك كل ذات محرم من نكاح نحو امرأة الأب وامرأة الابن وأم الزوجة وابنة الزوجة إذا كان قد دخل بأمها فإن كان ينظر إلى شيء من ذلك منها أو من ذات محرم ممن وصفت لك لشهوة فليس ينبغي له أن ينظر إلى ذلك وكذلك إذا كان أكبر ظنه أنه إن نظر اشتهاها فينبغي له أن يغض بصره
وإن أمن على نفسه فلا بأس بأن يسافر بها ويكون محرما لها وتسافر معه لا محرم معها غيره فان كان يخاف على نفسه فلا يسافرن معها ولا يخلون معها ولا ينبغي لها إن خافت ذلك منه أن تخلو معه في بيت ولا تسافر معه فأما إذا أمنا ذلك أو كان عليه أكبر رأيهما
فلا بأس بالخلوة معها والسفر بها
وكل شيء من هذا الذي وصفت لك لا بأس بأن ما ينظر إليه من أمه أو ذات رحم محرم منه فلا بأس بأن يمسه منها ولا بأس بأن يمس شعر أمه ويغسله ويدهنه أو يمس ساقها ورجلها ويغمز ذلك لها ويمس صدرها وثديها وعضدها ووجهها وذراعيها وكفيها ويكره له أن يمس منها ما كرهنا له النظر إليه إذا كانت مجردة له فإن كانت غير مجردة له واحتاج إلى حملها أو النزول بها فلا بأس بأن يحملها وينزلها متواخذا بظهرها أو ببطنها وكذلك كل ذوات المحرم منه من جميع ما وصفت فإن كان يخاف على نفسه أن يشتهي إن يمس شيئا من ذلك وكان عليه أكبر ظنه فليتجنب ذلك بجهده
وقال أبو حنيفة إذا بلغت الأمة لم ينبغ أن تعرض في إزارها وقال محمد وكذلك قولنا وإن بلغت أيضا أن تشتهي وتجامع مثلها
لم ينبغ أن تعرض في إزارها
ولا ينبغي للرجل أن ينظر من أمة غيره إذا كانت بالغة أو تشتهي مثلها أو توطأ إلا ما ينظر إليه من ذوات المحرم ولا بأس بأن ينظر إلى شعرها وإلى صدرها وإلى ثديها وعضدها وقدمها وساقها ولا ينظر إلى بطنها ولا إلى ظهرها ولا إلى ما بين السرة منها حتى يجاوز الركبة وكل ما لم ينظر إليه منها فلا ينبغي له أن يمسه مكشوفا وإن لم يره ولا غير مكشوف إلا أن يضطر إلى حملها أو إلى النزول بها ولا بأس بأن يمس منها ما يحل له النظر إليه لا بأس بأن يمس ساقها وصدرها وشعرها وعضديها بلغنا أن ابن عمر مر بجارية تباع فضرب في صدرها ومس ذراعيها وقال اشتروا ثم مضى وتركها
فهذا ونحوه لا بأس به ممن أراد الشراء أو ممن لم يرد فان كان يخاف على نفسه أن يشتهي إن مس ذلك منها أو كان عليه أكبر رأيه فليجتنب أن يمسها وكذلك إن كانت الجارية هي التي تمسه فلا بأس بأن تمس منه كل شيء إلا ما بين السرة إلى الركبة ولا بأس بأن تدهن رأسه وتسرحه وتدهن شعره وصدره وظهره وساقه وقدمه وتغمز ذلك إلا أن يشتهي أو يكون أكبر رأيه على أنها إن فعلت ذلك اشتهاها أو اشتهت فينبغي له أن ينهاها أن تعرض لذلك
منه ألا ترى أن أمة امرأة الرجل تخدمه وتدهنه وتغمز رجله وتخضبه فلا يكون بذلك بأس ما لم يشته أو يكون أكبر رأيه على أنه يشتهي إن فعلت أو على أنها تشتهي إن فعل فإن كان أكبر رأيه على ذلك فليجتنبه وكذلك لا بأس بأن تنظر منه إلى كل شيء ما خلا ما بين السرة والركبة ولا بأس بأن تنظر إلى السرة إنما يكره أن تنظر إلى ما تحت السرة ولا ينبغي أن تنظر إلى الركبة لأن الركبة من العورة
وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفا إلا الوجه والكف
والكف ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها وهذا قول أبي حنيفة وقال الله تبارك وتعإلى { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } ففسر المفسرون أن ما ظهر منها الكحل والخاتم والكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف فرخص في هاتين الزينتين ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وكفها إلا أن يكون إنما ينظر إلى ذلك اشتهاء منه لها فان
كان ذلك فليس ينبغي له أن ينظر إليه وإن دعي إلى شهادة عليها أو أراد تزويجها أو كان حاكما فأراد أن ينظر إلى وجهها وكفها ليجيز إقرارها عليها وليشهد الشهود على معرفتها وإن كان إن نظر
إليها أو كان عليه أكبر رأيه فلا بأس بالنظر إلى وجهها وإن كان على ذلك لأنه لم ينظر إليها ههنا ليشتهيها إنما النظر إليها لغير ذلك فلا بأس بالنظر إليها وإن كان في ذلك شهوة إذا كان على ما وصفت لك ولا ينبغي له أن يمس يدها ولا وجهها إذا كانت شابة ممن تشتهي فأما إذا كانت عجوزا ممن لا تشتهي فلا بأس بمصافحتها ومس يدها وإن كانت عليها ثياب فلا بأس بأن يتأملها أو يتأمل جسدها ما لم تكن ثياب تصفها فان كانت ثيابها تلزق بجسدها حتى يستبين له جسدها فينبغي أن يغض بصره عن ذلك وإن كانت ثيابها لا تصف شيئا من جسدها فلا بأس بالنظر إليها لأنه
إنما ينظر إلى الثياب وإلى القامة فلا بأس بذلك
ولا بأس بأن تنظر المرأة التي لا نكاح بينها وبين الرجل منه إلى جميع جسده ووجهه ورأسه إلا ما بين سرته إلى ركبته فإن ذلك عورة ولا ينبغي لها أن تنظر إليه ولا بأس بأن تنظر إلى السرة أيضا إنما يكره أن تنظر إلى ما تحتها فأما السرة خاصة فلا بأس بالنظر إليها ولا ينبغي لها أن تنظر إلى الركبة لأن الركبة من العورة ولا ينبغي لها أن تمس منه قليلا ولا كثيرا إذا كانت شابة يشتهي مثلها أو كان شابا يجامع مثله فان كانا كبيرين لا يجامع مثله ولا يجامع مثلها فلا بأس بالمصافحة
ويكره غير ذلك وإذا كانت المرأة إذا نظرت إلى بعض ما وصفت
لك من الرجل وقعت في قلبها له شهوة أو كان على ذلك أكبر رأيها فأحب إلى أن تغض بصرها عنه
والرجل من الرجل لا ينبغي له أن ينظر منه إلا ما تنظر منه المرأة ولا ينبغي له أن ينظر من الرجل إلى ما بين سرته إلى ركبته ولا بأس بالنظر إلى سرته ويكره النظر منه إلى ركبته وكذلك المرأة من المرأة
محمد قال أخبرنا قدامة بن موسى بن عمر بن قدامة بن مظعون عن أبيه قال صليت إلى جانب ابن عمر وكنت فتى من الفتيان أتزر على صدري كما يتزر الفتيان فأدخل ابن عمر إصبعه فحط إزاري حتى أبدأ السرة ثم قال هكذا فاتزر يا ابن أخي
وبلغنا عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا اتزر أبدا عن سرته والسرة ليست من العورة ولكن ما تحتها من العورة فلا ينبغي أن ينظر إليه الرجل من الرجل والمرأة من المرأة حتى يأتي العذر فإذا جاء العذر فلا بأس بالنظر إلى ذلك
لا بأس إذا أرادت المرأة الولادة أن تنظر المرأة منها إلى موضع الفرج وغيره وكذلك الرجل يريد أن يحتقن أو يختتن وهو كبير ولا بأس بأن يحقنه أو يختنه رجل لأن هذا موضع عذر
فإن أصاب امرأة جرح أو قرحة في موضع لا يحل للرجال أن ينظروا إليه فلا بأس بأن تعلم امرأة دواء ذلك الجرح أو تلك القرحة فتكون هي التي تداوي به ألا ترى أن الجارية البكر الحرة إذا
تزوجها الرجل فمكثت عنده لا يصيبها فرافعته إلى القاضي أجله سنة فان وصل إليها وإلا فرق بينهما فإن مضت السنة فقال قد وصلت
إليها وقالت لم يصل إلي نظر إليها النساء فإن قلن هي بكر على حالها خيرت وإن قلن هي ثيب كان القول قول الزوج مع يمينه أفلا ترى أنه لا بأس بنظر النساء في هذه الحال لأنها حال عذر وكذلك رجل اشترى جارية على أنها بكر فقبضها فقال وجدتها ثيبا وأراد ردها على البائع أو يمينه بالله لقد باعها وقبضها وإنها لبكر فإن النساء ينظرن إليها فإن قلن هي بكر فلا يمين على البائع وإن قلن إنها ثيب استحلف البائع بالله البتة لقد باعها وقبضها المشتري وإنها لبكر فإن حلف على ذلك لن لم ترد عليه وإن نكل عن اليمين ردت عليه أفلا ترى أنه لا بأس بأن ينظر النساء في هذه الحال في أشياء كثيرة نحو ذلك فإن لم يجدوا امرأة تداوى الجرح الذي بها أو القرحة ولم يقدروا على امرأة تعلم ذلك وخافوا على المرأة التي بها الجرح أو القرحة أن تهلك أو يصيبها بلاء أو دخلها من ذلك وجع لا يحتمل أو لم يكن يداوي الموضع الجرح إلا رجل فلا بأس بأن يستتر منها كل شيء إلا موضع الجرح
أو القرحة ثم يداويه الرجل ويغض بصره بما استطاع عن عوره وذات محرم وغيرها في ذلك سواء
والعبد فيما ينظر إليه من مولاته والحر الذي لا قرابة بينه ولا بينها ولا حرمة سواء خصيا كان أو فحلا إذا كان قد بلغ مبلغ الرجال فلا ينبغي أن ينظر منها إلى شيء إلا إلى وجهها وكفها ولا يحل للخصي شيء يحرم على الفحل ولا تحل المثلة التي مثلت
به شيئا يحرم على غيره من العبيد والأحرار
فأما الزوجة والأمة تكون للرجل فلا بأس بأن ينظر منها إلى كل شيء فرج أو غيره أو يمسه
ولا بأس بأن يصيبها وهي حائض فيما دون الفرج ولا بأس بمباشرتها وإن لم يكن عليها إزار
محمد قال أخبرنا الصلت بن دينار عن معاوية بن قرة المزني قال سألت عائشة أم المؤمنين ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض قالت يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك قال محمد وبهذا نأخذ
وشعار الدم موضع الفرج فأما أبو حنيفة قال للرجل من امرأته وجاريته إذا كانت حائضا ما فوق الإزار وكره ما تحت الإزار
باب النظر واللمس من الأمة إذا أراد أن يشتريها
وإذا أراد الرجل أن يشتري جارية فلا بأس بأن ينظر إلى شعرها وصدرها وساقها وقدمها وثديها وإن اشتهى ذلك وإنما يكره لهأن ينظر إلى ذلك منها إذا كان إنما ينظر إليه ليشتهي بغير شراء ومس هذه المواضع منها إذا كان يشتهي إذا مسها أو كان أكبر رأيه على ذلك فإني أكره له مس شيء من هذه المواضع وإن كان يريد الشراء ولا يشبه النظر في هذا الوجه اللمس ألا ترى أن النظر لا يحرم عليه أمها ولا ابنتها حتى ينظر إلى الفرج مكشوفا بشهوة وإنه لو مس شيئا من هذه المواضع بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت هي على ابنه وأبيه فصار اللمس في هذه المواضع أشد من النظر فلذلك رخصنا في النظر وإن اشتهى وكرهنا في اللمس إن خاف الشهوة أو كان عليه أكبر رأيه
باب المرأة إذا ماتت مع الرجال
ولو أن امرأة ماتت مع الرجال لا امرأة معهم غيرها لم ينبغلهم أن يغسلوها وإن كانوا ذوي رحم محرم منها أبوها أو غيره ولكنهم ييممونها الصعيد فان كان أبوها أو ابنها أو أخوها أو ذو رحم محرم منها يتيممها بالصعيد يضرب بيديه الأرض ثم ينفض بهما ويمسح بهما وجهها ثم يضرب بيديه الأرض الثانية ثم ينفضهما كذلك ويمسح يديها إلى المرفقين ظاهر كفيه وباطنهما في ظاهر الذراعين وباطنهما ليس بين يديه وبين وجهها وذراعيها ويديها شيء
فان كان الرجال الذين معها لا محرم بينهم وبينها فان أحدهم يضع الثوب على يديه فيضرب به الأرض ثم ينفضه ويمسح بذلك وجهها ثم يعود فيضرب بالثوب وهو على يديه الأرض ثم ينفضه ويمسح يديها إلى المرفقين ويعرض بوجهه عن ذراعيها وكذلك يفعل بها زوجها إن كان معهم لأنها حين ماتت صارت غير زوجته وحل له
نكاح أختها ونكاح ابنتها إن كان لم يدخل بها ونكاح أربع سواها
قال بلغنا أن عمر بن الخطاب قال في امرأة له هلكت نحن كنا أحق بها إذا كانت حية فأما إذا ماتت فأولياؤها أحق بها أفلا ترى أنه لم ير لنفسه فيها حقا بعد موتها فكذلك نقول في غسلها والصلاة عليها
باب الرجل يموت مع النساء ليس معهن رجل
وإذا مات الرجل مع النساء ذوات المحرم منه صنعن به كما وصفتلك من التيمم في ذوات المحرم من الرجل في المرأة ولو كن لسن بذوات محرم منه فيتيممنه الصعيد كما وصفت لك من وراء الثوب إلا امرأته خاصة فإنها تغسله ثم يصلين عليه وتقوم المرأة الإمام منهن وسط الصف لا تتقدم الصف كما يتقدم الرجال ولا تشبه امرأة الرجل في هذا الزوج في غسل امرأته لأن المرأة عليها عدة من زوجها فهي بمنزلة امرأته حتى تنقضي عدتها والرجل لا عدة عليه وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أمر أسماء ابنة عميس رضي الله عنها أن تغسله فغسلته وأمر أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
امرأته أن تغسله فغسلته فهذا لا بأس به فأما أمته أو مدبرته أو مكاتبته أو أم ولده فإنهن لا يغسلنه ولكنهن ييممنه كما ييممنه النساء اللاتي لسن بذوات محرم منه إلا الأمة خاصة فانه لا بأس بأن تيممه وإن لم تجعل على يديها ثوبا فأما أم الولد فإنها تيممه من وراء الثوب وإن كانت عليها عدة لأن عدتها ليست من موته وإنما وجبت عدتها لأنها عتقت بموته فوجبت عليها العدة للعتق ألا ترى أنه لو أعتقها في مرضه حرمت عليه بالعتق وإن مات وهي في العدة لم تغسله فكذلك هذا إذا مات فعتقت حرمت عليه بالعتق كما تحرم في الحياة فليس ينبغي لها بعد ما صارت حرة أن تغسله
فكذلك امرأته لو فجر بها ابنه من بعد موته أو ارتدت عن الإسلام لم تغسله وإن رجعت إلى الإسلام بعد ردتها لم تغسله لأنها لو ارتدت في حياته ثم مات وهي في العدة لم تغسله فكذلك إذا ارتدت بعد موته فصارت في حال لا تغسله لم يحل لها أن تغسله بعد إسلامها
وإن ماتت امرأة مع رجال ومعهم غلمان لا يشتهون النساء لصغرهم ولا يجامع مثلهم فلا بأس بأن يعلموهم الغسل إن ضبطوا ثم يأمروهم أن يغسلوا المرأة وكذلك الجارية الصغيرة التي تموت مع الرجال وهي لا يشتهي مثلها ولم تبلغ أن تجامع لصغرها فلا بأس أن يغسلها الرجال وإن كانوا غير ذوي محرم منها
وإذا ماتت المرأة مع الرجال ومعهم امرأة من أهل الذمة فلا بأس بأن يعلموها الغسل ثم يخلوا بينها وبينها حتى تغسلها وكذلك الرجل يموت مع النساء ومعهن رجل من أهل الذمة فلا بأس بأن يعلمنه الغسل ثم يخلين بينه وبينه حتى يغسله
وكذلك إذا مات رجل مع النساء ومعهن صبيان صغائر من
الجواري لم يبلغن أن يشتهين ولا يجامع مثلهن فلا بأس بأن تصف النساء لهن الغسل إن ضبطنه ثم يخلين بينهن وبينه حتى يغسلنه
والخصي والمعتوه في ذلك سواء كله بمنزلة الرجل الكبير الصحيح الفحل في جميع ما وصفت لك وكذلك الرتقاء والمعتوهة هي بمنزلة غيرها من النساء في جميع ما وصفت لك
باب الشهادة في أمر الدين
وقال محمد بن الحسن إذا حضر رجل مسافر يريد الصلاة فلم يجد ماء إلا ماء في إناء أخبره رجل أنه قذر أو قال بال فيه صبي أو وقع فيه دم أو عذرة أو غير ذلك مما ينجسه فإنه ينبغي للرجل أن ينظر في حال الرجل الذي أخبره فان كان يعرفه وكان عنده عدلا مسلما رضيا لم يتوضأ بذلك الماء وتيمم وصلى وكذلك إن كان الرجل عبدا أو كانت امرأة حرة مسلمة أو أمة بعد أن تكون عدلا ثقة فيما قالت فان كانت غير ثقة أو كان الذي لا يدري أخبره ثقة أو غير ثقةفإنه ينظر في ذلك فان كان أكبر رأيه وظنه أنه صادق فيما قال تيمم أيضا ولم يتوضأ به فإن اهراق الماء ثم تيمم بعد ذلك وأخذ في ذلك بالثقة فهو أفضل وإن كان أكبر رأيه أن الذي أخبره بذلك كاذب توضأ ولم يلتفت إلى قوله وصلى وأجزاه ذلك ولا تيمم عليه ألا ترى أن عمر رضي الله عنه حين ورد حياض ماء حيا فقال عمرو بن العاص لرجل من أهل الماء أخبرنا عن السباع أترد ماءكم هذا فقال عمر لا تخبرنا عن شيء ألا ترى أن عمر قد كره أن يخبره ولو أنه لم يعد خبره
خبرا ما نهاه عن ذلك
فان كان ذلك الذي أخبره بنجاسة الماء في الإناء رجلا من أهل الذمة لم يصدق بقوله وإن وقع في قلب الذي قيل له إنه صادق فإنه
أحب إلي أن يهريق الماء ثم يتيمم ويصلي وإن توضأ ولم يهرق أجزاه وأحب إلي إذا وقع في قلبه أنه صادق أن يتيمم مع ذلك ويصلي وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب توضأ به ولم يلتفت إلى قوله وإن توضأ وصلى في الوجهين جميعا ولم يتيمم أجزاه ذلك لأن هذا شيء من أمر الدين ولا تقوم الحجة فيه إلا بمسلم ولكن ليفعل الذي ذكرت لك فانه أفضل وكذلك الصبي الذي لم يبلغ إذا عقل ما يقول والمعتوه إذا عقل ما يقول
ولو أن رجلا دخل على قوم من المسلمين يأكلون طعاما ويشربون شرابا لهم فدعوه إليه فقال له رجل مسلم ثقة قد عرفه بذلك إن هذا
اللحم الذي يأكلونه ذبيحة مجوسي أو خالطه لحم الخنزير وهذا الشراب الذي يشربونه قد خالطه الخمر فقال الذين دعوه إلى ذلك ليس الأمر كما قال وأخبروه أنه حلال وبينوا له الأمر على وجهه وأن الأمر كما ذكروا له فإنه ينظر في حالهم فإن كانوا عدولا ثقات يعرفهم بذلك لم يلتفت إلى قول الرجل الواحد وأخذ بقولهم وإن كانوا عنده غير عدول متهمين على ذلك أخذ بقوله ولهم يسعه أن يقرب شيئا من ذلك والرجل المسلم إذا كان عدلا ثقة في هذا وكذلك المرأة الحرة والأمة والعبد
فإن كان القوم غير ثقات إلا رجلين منهم فإنهما ثقتان وهما فيمن أخبراه بخلاف ما قال الرجل الواحد أخذ بقولهما وترك قوله وإن كان رجل واحد منهم ثقة نظر فيما أخبره به الرجلان مما اختلفا فيه فإن كان أكبر ظنه أن الذي زعم أنه حرام صادق أخذ بقوله وإن كان لا رأي له في ذلك وقد استوت الحالان عنده فلا بأس بأن يأكل ذلك ويشربه والوضوء بمنزلته في جميع ما وصفت لك إذا اختلفا فيه
فان كان الذي أخبره به أنه حلال رجلين ثقتين إلا أنهما مملوكان وكان الذي زعم أنه حرام رجلا واحدا حرا فلا بأس بأكله وإن
كان الذي زعم أنه حرام رجلين مملوكين ثقتين والذي زعم أنه حلال رجلا واحدا حرا ثقة لم ينبغ له أن يأكله وكذلك لو أخبره بأحد الأمرين عبد ثقة والذي أخبره بالأمر الآخر رجل حر ثقة نظر إلى أكبر ظنه في ذلك فلزمه ولم يلتفت إلى غير ذلك فان كان الذي أخبره بأحد الأمرين رجلين حرين ثقتين وكان الذي أخبره بالأمر الآخر رجلين مملوكين ثقتين أخذ بقول الرجلين الحرين وترك قول المملوكين لأنهما في الحجة بمنزلة المملوكين وشهادتهما تقطع في الحكم فهما أولى أن تقبل شهادتهما إذا كانا حرين من غيرهما ألا ترى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه شهد عنده المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة أم الأم السدس فقال ائت بشاهد آخر فجاء بمحمد بن مسلمة فشهد على مثل شهادته فأعطى أبو بكر
الجدة السدس وهذا شيء من أمر الدين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد عنده أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال ائت معك بشاهد على ذلك فهذا أفضل في الاحتياط والواحد مجزى
ألا ترى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما قال له ذاك إلا ليحتاط لغيره ولو لم يأت بشاهد غيره تقبل شهادته لأنه قد قبل شهادة
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في مثل ذلك شهدا عنده وحده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده المجوس فقال سنوا بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الخراج فأجاز عمر قوله وحده وأجاز قول
عبد الرحمن بن عوف في الطاعون حين أراد أن يدخل إلى الشام وكان بها الطاعون فاستشار عمر في الدخول فأشار إليه بعض المهاجرين بالدخول وقال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يا أمير المؤمنين أتفر من قدر الله فقال له قوم من أهل مكة لا تدخل فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا وقع هذا الرجس بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منها وأخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله وحديث آخر
أراد عمر بن الخطاب أن لا يورث المرأة من دية زوجها شيئا حتى شهد له الضحاك بن سفيان أنه أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها أشيم فأخذ بقوله
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى قيصر ملك الروم بكتابه يدعوه إلى الإسلام فكان حجة عليه وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كنت إذا لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثني به غيره استحلفته على ذلك وحدثني به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وصدق أبو بكر فكل هذا قد قبل منه شهادة رجل مسلم
وبلغنا أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو طلحة كانوا يشربون شرابا لهم من الفضيخ فأتاهم آت فأخبرهم أن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها فقمت إليها فكسرتها حتى اهراق ما فيها والحجج في هذا كثيرة
محمد قال أخبرنا حازم بن إبراهيم البجلي عن سماك بن
حرب عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة أعرابي وحده على رؤية هلال شهر رمضان قدم المدينة فأخبرهم أنه قد رآه فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوموا بشهادته
محمد قال أخبرنا وكيع عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة أن أعرابيا شهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤية الهلال فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال نعم فأمر الناس فصاموا فهذا مما يدلك على أن شهادة الواحد في
الدين جائزة ولا يقبل على هلال الفطر أقل من شهادة رجلين حرين
أو رجل وامرأتين لأن هلال الفطر وإن كان من أمر الدين ففيه بعض المنفعة بفطر الناس وتركهم الصوم فذلك يجري مجرى الحكم ولا يقبل فيه من الشهادة إلا ما يقبل في الأحكام ولا يقبل في هلال شهر رمضان قول مسلم ولا مسلمين إذا كانوا ممن لا تجوز شهادته وممن يتهم فأما عبد ثقة مسلم أو امرأة مسلمة ثقة حرة أو أمة أو رجل مسلم ثقة إلا أنه محدود في قذف فشهادته في ذلك جائزة
وإن كان الذي شهد بذلك في المصر ولا علة في السماء فشهد على ذلك لم تقبل شهادته لأن الذي يقع في القلب من ذلك أنه باطل فإن كان في السماء علة من سحاب فأخبره أنه رآه من خلل السحاب
أو جاء من مكان فأخبره بذلك وهو ثقة فينبغي أن يصوموا بشهادته
باب الشهادة في الرضاع
وإذا تزوج الرجل امرأة فجاءت امرأة مسلمة ثقة أو جاء رجل مسلم حر ثقة فأخبره أنهما أرضعا من لبن امرأة واحدة فأحب إلى أن يتنزه عنها ويطلقها ويعطيها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها والصداق كله إن كان دخل بها وأحب إلى لها أن لا تأخذ منه صداقا وأنتتنزه منه إن كان لم يدخل بها وإن قاما على نكاحهما لم يحرم ذلك عليها ولكن الأفضل أن يتنزها عن ذلك
وكذلك الرجل يشتري الجارية فيخبره رجل عدل ثقة أنها حرة الأبوين أو أنها أخته من الرضاعة فإن تنزه عن وطئها فهو أفضل وإن لم يفعل فذلك له واسع
محمد قال أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة
أن عقبة بن الحارث تزوج ابنة أبي إهاب التميمي فجاءت امرأة
سوداء فأخبرته أنها أرضعتهما جميعا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وقد قيل قال محمد فلو كان هذا حراما لفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم
بينهما ولكنه أحب أن يتنزه بقوله كيف وقد قيل
محمد قال أخبرنا محمد عن أبي كدينة البجلي عن الحجاج بن
أرطأة عن عكرمة بن خالد المخزومي قال قال عمر بن الخطاب لا يقبل
على الرضاع أقل من شاهدين قال محمد فبهذا نأخذ فإن قال قائل فمن أين افترق هذا وما وصفت قبله من الوضوء والطعام والشراب قيل له لا يشبه هذا الوضوء والطعام والشراب لأن الطعام والشراب والوضوء يحل بغير ملك بملكه صاحبه ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل كل طعامي هذا أو توضأ بمائي هذا أو اشرب شرابي هذا وسعه أن يفعل ذلك بغير بيع ولا هبة ولا صدقة
ولو أن رجلا قال لرجل طأ جاريتي هذه فقد أذنت لك في ذلك أو قالت له امرأة حرة مسلمة قد أذنت لك في وطئي لم يحل له الوطء بإذنها حتى يتزوج الحرة أو يشتري الأمة أو توهب له أو يصدق بها عليه أفلا ترى أن الفرج لا يحل له إلا بتزوج أو بملك المملوكة فلا ينقض النكاح ولا الشراء ولا الهبة ولا الصدقة بقول رجل واحد ولا بقول
امرأة واحدة فإذا كان النكاح والملك لا ينقضان بذلك وإنما حل الفرج بهما ولو لاهما ما حل الفرج والفرج على حاله حتى ينتقض الذي به حل الفرج ولا ينتقض إلا بشهادة رجلين عدلين أو بشهادة رجل وامرأتين فكذلك لا يحرم الفرج إلا بما ينتقض به النكاح والملك
وكذلك كل أمر لا يحل إلا بملك أو نكاح فإنه لا يحرم بشيء حتى ينتقض النكاح والملك ولا يكون الرجل الواحد المسلم ولا المرأة في ذلك حجة لأنه إنما حل من وجه الحكم ولا يحرم إلا من الوجه الذي حل به منه
ألا ترى أن عقدة النكاح وعقدة الملك لا ينقضهما في الحكم إلا رجلان أو رجل وامرأتان فإن كان الذي يحل بذلك لا يحل إلا به لم يحرم حتى ينتقض الذي به حل كل أمر يحل بغير نكاح ولا ملك إنما يحل بالإذن فيه فأخبر رجل مسلم ثقة أنه حرام فهو عندنا حجة في ذلك ولا ينبغي أن يؤكل ولا يشرب ولا يتوضأ منه
ولو أن رجلا مسلما اشترى لحما فلما قبضه أخبره رجل مسلم ثقة أنه ذبيحة مجوسي لم ينبغ له أن يأكله ولا يطعمه غيره ولا ينبغي له
أن يرده على صاحبه ولا يستحل منع البائع ثمنه لأن نقض الملك فيه لا يجوز بقول واحد ومنع الثمن لا يجوز بقول واحد ولا ينبغي له أن ينتقض ملكا ولا يمنع ثمنا بقول رجل واحد فان قال قائل كيف كرهت له أكله أو بيعه وإنما حل بالملك كما حلت في الجارية بالشراء قيل له إن حل ملك هذا بالإذن في أكله وشربه والوضوء به فليس بالملك حل ذلك منه ألا ترى أن صاحبه لو أذن في ذلك بغير بيع حل له ما لم أنه حرام فلما ملكه كان كأنه أذن له فيه ولا يشبه هذا مالا يحل إلا بالنكاح والملك ألا ترى أن الذي اشتراه لو قال له رجل مسلم ثقة قبل أن يشتريه إنه ذبيحة مجوسي وقد أذن له صاحبه في أكله لم يحل له أن يأكله فإن اشتراه كان على الحال التي كان عليها قبل الشراء فلا ينبغي له أن يأكله ولا يطعمه لأنه قد كان مكروها له أن يأكله قبل الشراء وقد أذن له فيه فكذلك يكره له ذلك بعد ملكه إياه
وكذلك الميراث والوصية في جميع ما وصفت لك بمنزلة الشراء والهبة والصدقة والوطء والأكل والشرب وغير ذلك
ولو أن رجلا اشترى من رجل طعاما أو اشترى جارية وقبض ذلك أو ورث ذلك ميراثا أو أوصى له به أو وهب له أو تصدق به عليه فأتاه رجل مسلم ثقة فشهد عنده أن هذا لفلان بن فلان غصبه منه البائع أو الميت أو المتصدق أو الواهب فأحب إلينا أن يتنزه عن أكله وشربه والوضوء منه ولباسه ووطئ الجارية وإن لم يتنزه عن شيء من ذلك كان في سعة وكان التنزه أفضل
وكذلك لو أن طعاما أو شرابا أو وضوءا في يد رجل أذن له فيه صاحبه وأخبره أنه له فقال له رجل آخر مسلم ثقة إن هذا الذي في يده هذا الطعام والشراب والوضوء غصبه من رجل وأخذه منه ظلما وإن الذي في يده ذلك يكذبه ويزعم أنه له وهو متهم غير ثقة فأحب إلينا أن يتنزه عن ذلك الذي أذن له فيه وإن أكل أو شرب أو توضأ كان في سعة من ذلك وإن لم يجد وضوءا غيره فهو في سعة وإن
توضأ ولم يتيمم ولا يشبه هذا في الطعام والشراب والوضوء الذي وصفت لك قبله من ذبيحة المجوسي ومن الشراب الذي خالطه الخمر ومن الوضوء الذي خالطه القذر لأن هذا إنما ذكر الشاهد أنه مغصوب ولم يذكر أنه حرام من قبل نفسه إنما ذكر أنه حرام لأن الذي كان في يديه لا يملكه وهو عندنا في الحكم للذي هو في يديه حتى يقوم شاهدا عدل أنه لغيره فإذا حكمنا بأنه للذي في يده حل أكله وشربه والوضوء منه وإن الذي ذكرت لك من ذبيحة المجوسي والشراب إنما أخبر عنه الرجل المسلم الثقة أنه حرم من قبل نفسه لما خالطه من الحرام وهذا يبين لك أن ما كان من أمر الدين الواحد فيه حجة وأخذه الطعام والشراب والوضوء من يدي الذي هو في يديه حتى يصير كغيره حكم ولا ينبغي أن يحكم بشهادة واحد وإن كان عدلا
ولو أن رجلا مسلما شهد عند رجل بأن هذه الجارية التي في يد فلان المقرة بالرق أمة لفلان غصبها منه والذي في يده يجحد ذلك
وهو غير مأمون على ما ذكر منه فأحب إلى أن لا يشتريها وإن اشتراها ووطئها فهو في سعة من ذلك
ولو أخبره بأنها حرة الأصل حرة الأبوين أو أنها كانت أمة لفلان الذي في يده فأعتقها والذي أخبره بذلك رجل مسلم ثقة فأحب إلي له أن يتنزه عن ذلك ولا يشتريها ولا يطأها فان اشتراها ووطئها فهو في سعة من ذلك إلا أنه أحب إلي أن لا يفعل فان قال قائل كيف جاز هذا وقد وصف الشاهد أنها حرمت من قبل نفسها قيل فكيف لم يشبه هذا الطعام والشراب والوضوء الذي حرم من قبل نفسه قيل له إنما هذا بمنزلة النكاح الذي يشهد فيه بالرضاع لأنه لا يحل الوطء إلا بملك ولا يشبه هذا الطعام والشراب والوضوء الذي يحل بالإذن فيه دون الملك الذي حرم من قبل نفسه
باب الرجل يبيع جاريته ويعلم المشتري أنها أمة لفلان
قال محمد إذا كانت الجارية لرجل فأخذها رجل آخر فأراد بيعها فليس ينبغي لمن علم أنها كانت لذلك الرجل أن يشتريها حتى يعلم أنها قد خرجت من ملكه إلى الذي هي في يديه بشراء أو هبة أو صدقة أو يعلم أنه قد وكله ببيعها وإذا علم ذلك فلا بأس بأن يشتريها منهفان قال الذي هي في يده إني قد اشتريتها أو وهبتها أو تصدق بها علي أو وكلني ببيعها فإن كان الرجل القائل ذلك عدلا مسلما ثقة
فلا بأس بأن يصدقه بذلك ويشتريها منه
وكذلك إن كان أراد أن يهبها له أو يتصدق بها عليه فلا بأس بأن يقبلها منه فإذا اشتراها حل له وطؤها إن أحب
وكذلك إن كان الذي أتاه به طعاما أو شرابا أو ثيابا قد علم أنها كانت لغيره فأخبره ببعض ما وصفت فلا بأس بأخذ ذلك منه وأكله وشربه فان كان الذي أتاه به غير ثقة فانه ينظر في ذلك فان كان أكبر رأيه أنه صادق فيما قال فلا بأس أيضا بشراء ذلك ووطئ الجارية وأكل ذلك وشربه ولباسه وقبوله منه بالهبة والصدقة وإن كان أكبر رأيه وظنه أنه كاذب فيما قال فليس ينبغي له أن يعرض لشيء من ذلك
وكذلك لو لم يعلم أن ذلك الشيء الذي هو في يده حتى أخبره الذي في يده بأنه لغيره وأنه وكله ببيعه أو وهب له أو تصدق به
عليه أو اشتراه منه فان كان عدلا مسلما ثقة صدقه بما قال وإن كان عنده غير ثقة فان كان أكبر رأيه وظنه أنه صادق فيما قال فلا بأس بالقبول في ذلك منه وشراه وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب فيما قال لم يقبل ذلك منه ولم يشتر من ذلك منه
وإن كان لم يخبره أن ذلك الشيء لغيره فلا بأس بشراء ذلك منه وإن كان غير ثقة وقبوله منه ما لم يعلم الذي اشتراه أو قيل له إنه لغيره إلا أن يكون مثله لا يملك مثل ذلك ولا يكون له فأحب
إلى أن يتنزه عن ذلك ولا يعرض له بالشراء ولا قبول صدقة ولا هبة فان اشترى وقبل وهو لا يعلم أنه لغيره وأخبره أنه له رجوت أنه في سعة من شراه وقبوله والتنزه أفضل
وإن كان الذي أتاه بذلك رجلا حرا أو امرأة حرة فهو بمنزلة ما ذكرت لك في جميع ما ذكرت لك وإن كان الذي أتاه عبدا أو أمة فليس ينبغي له أن يشتري منه شيئا ولا يقبل منه هبة ولا صدقة حتى يسأله عن ذلك وإن ذكر له أن مولاه قد أذن له في بيعه وفي صدقته وفي هبته فان كان ثقة مأمونا فلا بأس بأن يشتري ذلك منه وقبوله فان كان غير ذلك فهو على ما وقع في قلبه من تصديقه وتكذيبه إن كان أكبر ظنه أنه صادق فيما قال صدقه بقوله وإن كان أكبر ظنه أنه كاذب بما قال لم ينبغ له أن يعرض في شيء من ذلك
وكذلك الغلام الذي لم يبلغ والجارية التي لم تبلغ حرا كان أو مملوكا فإنه ينظر فيما أتاه من ذلك وفيما أخبره هل أذن له في بيعه وصدقته وهبته وشراه فان كان أكبر رأيه أنه صادق فيما قال صدقه وباعه واشترى منه وقبل هبته وصدقته وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب فيما قال لم ينبغ له أن يقبل من ذلك شيئا وإنما يصدق الصغير والصغيرة من الأحرار إذا قالا بعث بها إليك فلان وأمرنا أن نتصدق به عليك أو نهبه لك فان قالا المال مالنا
قد أذن لنا أبونا أن نتصدق به عليك أو نهبه لك لم ينبغ له أن يأخذه لأن أمر الوالد عليهما في هذا لا يجوز ألا ترى أن جارية لرجل أو غلاما صغيرا أو كبيرا لو أتيا رجلا بهدية فقالا له بعث بهذه إليك مولانا نظر فيما أتيا به فان كان أكبر رأيه أنهما قد صدقا صدقهما بما قالا وإن كان أكبر رأيه أنهما كذبا فيما قالا لم يقبل من ذلك شيئا وإنما هذا على ما يقع في القلب من التصديق والتكذيب أو لا ترى أن رجلا محتاجا لو أتاه عبد أو أمة لرجل صغيرين أو كبيرين بدراهم فقالا له إن مولانا بعث به إليك صدقة نظر فيما أتيا به فإن وقع في قلبه أنهما صادقان وكان على ذلك أكبر ظنه فلا بأس بقبول ذلك وإن كان أكبر ظنه أنهما كاذبان لم يقبل من ذلك شيئا فإنما هذا ونحوه على ما يقع في القلوب من التصديق والتكذيب
ولو أن رجلا علم أن جارية لرجل يدعيها فرآها في يد رجل يبيعها فقال إني قد علمت أنها كانت لفلان يدعيها وهي في يديه فقال الذي
في يده قد كانت كما ذكرت في يديه يدعيها أنها 6 له وكانت مقرة له بالرق ولكنها كانت لي وإنما أمرتها بذلك لأمر خفته وصدقته الجارية بما قال والرجل ثقة مسلم فلا بأس بشرائها منه وإن كان عنده كاذبا فيما قال لم ينبغ له أن يشتريها منه ولا يقبضها صدقة ولا هبة ولو لم يقل له هذا القول الذي وصفت لك ولكنه قال ظلمني وغصبني فأخذتها منه لم ينبغ له أن يعرض لها بشرى ولا هبة ولا صدقة وإن كان الذي أخبره بذلك ثقة أو غير ثقة وإن
قال له إنه كان ظلمني وغصبني ثم إنه رجع عن ظلمه فأقر بها لي ودفعها إلي فإن كان ثقة مأمونا فلا بأس بأن يقبل قوله ويشتريها إن أحب ويقبلها هبة أو صدقة وإن قال لم يقر بها لي ولكن خاصمته إلى القاضي فأقمت عليه بينه فقضى القاضي عليه بذلك لي أو استحلفته فأبى اليمين فقضى عليه بها فهذا والأول سواء إن كان عنده ثقة
مأمونا صدقه بما قال وإن كان عنده غير ثقة وكان أكبر رأيه أنه صادق فلا بأس بشرائها منه وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم ينبغ له أن يشتريها
وكذلك لو قال قضى لي القاضي عليه وأمرني فأخذتها من منزله أو قال قضى بها القاضي عليه فأجبره فأخذها منه ودفعها إلى لم أر بأسا أن يصدقه إن كان مأمونا بها وإن كان غير ثقة ووقع في قلبه أنه صادق فلا بأس أيضا بشرائها منه فإن قال قضى لي القاضي فأخذتها من منزله بغير إذنه فهذا والأول سواء
وإن قال قضى لي بها القاضي فجحدني قضاءه فأخذتها منه لم ينبغ له أن يشتريها منه وإنما هذا بمنزلة قوله اشتريتها منه ونقدته ثمنها ثم أخذتها بغير أمره من منزله فلا بأس بشرائها منه إذا كان عنده صادقا في قوله
فإن قال اشتريتها منه ونقدته الثمن فجحدني الشراء فأخذتها من منزله بغير أمره فهذا لا ينبغي له أن يشتريها منه فصار الشراء الذي ادعى في هذا الوجه بمنزلة ادعائه قضاء القاضي في جحوده القضاء وغير جحوده
ولو قال اشتريتها من فلان وقبضتها بأمره ونقدته الثمن وكان عنده الذي قال له ذلك ثقة مأمونا فقال له رجل آخر إن فلانا قد جحد هذا الشراء وزعم أنه لم يبع هذا شيئا والذي قال له أيضا ثقة مأمون لم ينبغ له أن يعرض لشيء منها بشراء ولا صدقة
ولا هبة ولا هدية فان كان الذي أخبره الخبر الثاني غير ثقة إلا أنه قد وقع في قلبه أنه صادق على ذلك أكبر ظنه لم ينبغ له أيضا أن يقبلها منه بهبة ولا صدقة ولا شراء ولا غير ذلك فان كان الذي أخبره الخبر الثاني ليس بثقة وكان أكبر رأيه أنه كاذب فيما قال فلا بأس بشرائها منه وقبوله منه الصدقة والهبة والهدية فإن كانا جميعا غير ثقة إلا أنه يصدق القائل الثاني بقوله وعلى ذلك أكبر رأيه لم يقبل ذلك منه شيئا لأن هذا شيء من أمر الدين وعليه أمور الناس فإن قال قائل لا يقبل هذا إلا بشاهدين عدلين سوى المشتري الذي في يده الجارية ضاق ذلك على المسلمين ألا ترى لو أن رجلا كانت في يده
جواري وطعام وثياب وقال أنا مضارب فلان دفع إلي مالا وأذن لي أن أشتري ما أردت فاشتريت به هؤلاء الجواري وهذا الطعام وهذا المتاع أنه لا بأس بشري ذلك منه ووطئ الجارية أرأيت رجلا أقر أنه مفاوض لفلان الغائب وأن جميع ما في يده من الرقيق بينه وبين فلان أفما ينبغي للرجل من المسلمين أن يشتري منه جارية يطأها أو غلاما يستخدمه هذا لا بأس به وعلى هذا أمر الناس
أرأيت عبدا أتى أفقا من هذه الآفاق فذكر أن مولاه أذن له في التجارة أما يحل لأحد أن يشتري منه شيئا ولا يبيع منه شيئا حتى يعلم أن مولاه قد أذن له في التجارة فهذا ضيق لا ينبغي أن يعمل في هذا بما يعمل في الأحكام
قال محمد وكذلك سمعت أبا حنيفة يقول في العبد المأذون له في التجارة ولو أن الناس أخذوا في هذا وشبهه بما يؤخذ به في الأحكام فقالوا لا نجيز من هذا شيئا إلا ما يجوز في الأحكام بشاهدي عدل سوى ذلك الذي في يده ضاق هذا على الناس ولم يشتر رجل شيئا من مضارب ولا من شريك ولا من وكيل حتى يشهد شاهدا عدل بالشركة والمضاربة والوكالة ولم ينبغ له أن يقبل جائزة من ذي سلطان ولا هدية من أخ ولا من ولد ولا من ذي رحم محرم حتى يشهد عنده بذلك شاهدا عدل على مقالة الواهب والمجيز والمتصدق وهذا قبيح ضيق ليس عليه أمر الناس
محمد قال أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم أن عاملا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أهدى إليه جارية فسألها أفارغة أنت أم مشغولة فأخبرته
أن لها زوجا فكتب إلى عامله إنك بعثت إلي بها مشغولة أفترى أن علي بن أبي طالب حين أتته الجارية كان مع الرسول شاهدان يشهدان أن فلانا عاملك أهداها إليك وقد سألها أيضا أفارغة أنت أم مشغولة فلما أخبرته أن لها زوجا صدقها بذلك وكف عنها فلم يسألها غير ذلك إلا أنها لو أخبرته أنها فارغة لم ير به بأسا بوطئها فهذا الأمر عندنا في قوله لها ولو لم تكن عنده مصدقة في ذلك أي القولين قالته لم يسألها عن شيء منه وإن كان أكبر الرأي والظن ليجوز فيما هو أكبر من ذلك من الفروج وسفك الدماء
باب الرجل يدخل بيته إنسان بسلاح
ولو أن رجلا دخل على رجل منزله ومعه السيف فلا يدري صاحب المنزل ما حاله أهارب هو من اللصوص فألجأوه إلى منزله أو لص دخل عليه ليأخذ ماله ويقتله إن منعه أو معتوه دخل عليه بسيفه يظن في ذلك فان كان أكبر رأيه أنه لص دخل عليه يريد ماله ونفسه وخاف إن زجره أو صاح أن يبادره الضربة فيقتله فلا بأس أن يشد عليه صاحب البيت بالسيف فيقتله وإن كان أكبر رأيه أنه هرب من قوم أرادوا قتله وعرف الرجل فإذا هو رجل من أهل الخير لا يتهم بسرقة ولا قتل لم ينبغ له أن يقتله ولا يعجل على هذا بسفك دمه بل يدعه على ما يقع عليه رأيه وظنه عرفه أو لم يعرفه
وإذا كانت الجارية في يد رجل يدعي أنه اشتراها وهو ثقة مسلم وسع الرجل أن يشتريها منه ويقبلها منه هدية وغير ذلك وإن كان غير ثقة فوقع في قلبه أنه صادق فلا بأس بأن يصدقه
وكذلك لو لم تكن الجارية في يده ولكنها كانت في منزل مولاها فقال له إن مولاها أمرني ببيعها ودفعها إلى من اشتراها فلا بأس بشرائها منه وقبضها من منزل مولاها بأمر الذي باعها أو بغير أمره إذا أوفى الثمن كله إذا كان الذي باعه ثقة مسلما أو كان عنده على غير ذلك وهو عنده صادق في رأيه وظنه فان وقع في قلبه أنه كاذب قبل أن
يشتريها أو بعد ما اشتراها قبل أن يقبضها فليس ينبغي له أن يعرض لها حتى يستأمر مولاها في أمرها وكذلك لو قبضها ووطئها ثم وقع في قلبه أن الذي باعها قد كذب فيما قال وكان عليه أكبر ظنه ورأيه فانه ينبغي له أن يعتزل وطأها حتى يسأل مولاها عن ذلك أو يأتيه من يخبره مثل خبره الأول ممن يصدقه فإن أتاه ذلك فلا بأس بوطئها وهكذا أمر الناس ما لم يجيء التجاحد والتشاجر من الذي كان يملك الجارية فإذا جاء ذلك لم يقربها وردها عليه واتبع
البائع بالثمن فخاصمه فيه وينبغي للمشتري أن يدفع إلى مولى الجارية عقرها
فان كان البائع حين باعه شهد عند المشتري شاهدا عدل أن مولاها قد أمر ببيعها فاشتراها بقولهما ونقده الثمن وقبضها وحضر مولاها فجحد أن يكون أمره فان المشتري في سعة من منعه الجارية حتى يخاصمه إلى القاضي فإذا قضى له بها فلا يسعه إمساكها بشهادة الشاهدين لأن القضاء القاضي أنفذ من الشهادة التي لم يقض بها
باب
ولو أن رجلا تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى غاب عنها فأخبر مخبر أنها قد ارتدت عن الإسلام وبانت منه وأراد أن يتزوج أربع نسوة فان كان الذي أخبره ذلك ثقة مسلما عبدا حرا أو محدودا في قذف أو غير ذلك وسعه أن يصدقه ويتزوج أربعا سواها فإن كان الذي أخبره ذلك غير ثقة إلا أنه وقع في قلبه أنه صادق وكان على ذلك أكبر رأيه فهذا والأول سواء وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب فيما قال لم ينبغ له أن يتزوج معها إلا ثلاثا
وكذلك لو أن رجلا تزوج جارية صغيرة رضيعة ثم غاب عنها فأتاه رجل فأخبره أن أمه أو ابنته أو أخته أو ظئره التي أرضعته أرضعت امرأته الصغيرة وهو يريد أن يتزوج أربعا سواها كان هذا والأول الذي وصفت لك من الردة في جميع ما وصفت لك سواء وإن لم يقل هذا ولكنه قال كنت تزوجتها يوم تزوجتها وهي أختك من الرضاعة أو تزوجتها يوم تزوجتها وهي مرتدة عن الإسلام لم ينبغ له أن يتزوج أربعا وإن كان الذي أخبره بذلك ثقة مسلما حتى يشهد عنده شاهدا عدل فإذا شهد بذلك شاهدا عدل وسعه أن يتزوج أربعا سواها
ولا يشبه هذان الوجهان إذا أخبره عنهما الرجل الواحد الثقة الوجهين الأولين لأن الوجهين الأولين النكاح الذي كان فيهما جائز فيما يزعم الرجل ثم إنه حدث أمر يفسده من ردة أو رضاع فإن كان عنده ثقة فلا بأس بأن يصدقه والوجه الآخر زعم الرجل أن النكاح الذي كان بينهما كان فاسدا فهذا لا يفسده شهادة واحد حتى يشهد عليه شاهدان
ألا ترى أن امرأة لو غاب عنها زوجها فأتاها رجل عدل مسلم ثقة فأخبرها أن زوجها طلقها ثلاثا أو مات عنها أو كان غير ثقة فأتاها بكتاب من زوجها أنه طلقها ثلاثا ولا يدري أكان زوجها هو أم لا إلا أن أكبر رأيها وظنها أنه حق فلا بأس بأن تعتد ثم تتزوج بعد انقضاء عدتها
وكذلك لو أن امرأة قالت لرجل إن زوجي طلقني ثلاثا واعتددت بعد ذلك وانقضت عدتي فوقع في قلبه أنها صادقة فلا بأس بأن يتزوجها بقولها
وكذلك رجل طلق امرأته ثلاثا فغابت عنه حينا ثم أتته فأخبرته أن عدتها قد انقضت منه وأنها تزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم طلقها فانقضت عدتها منه فلا بأس بأن يتزوجها ويصدقها إذا كانت عنده ثقة أو وقع في قلبه أنها صادقة وهكذا أمر الناس
ولو أن رجلا أتاها فأخبرها أن أصل نكاحها كان فاسدا أو أن
زوجها كان أخاها من الرضاعة أو كان مرتدا كافرا حين تزوجها لم ينبغ لها أن تتزوج بقوله ولا بعد انقضاء العدة ولا قبل ذلك إن كان لم يدخل بها لأنه صمد لأصل النكاح فزعم أنه فاسد فهذا مما لا يصدق عليه الرجل الواحد وإن كان ثقة فإذا قال كان أصل النكاح صحيحا ولكنه بطل بطلاق أو موت أو غير ذلك لم أر بأسا بأن يصدقه على ذلك وإنما هذا بمنزلة رجل في يده جارية يدعي رقبتها وتقر له بالملك وجدها رجل قد علم ذلك في يد رجل آخر فأراد شراءها فسأله عنها فقال الجارية جاريتي وقد كان الذي كانت في يده كاذبا فيما ادعى من ملكها لم ينبغ لهذا الرجل الذي علم ذلك أن يشتريها منه لأنها قد كانت في ملك الأول فإنما أراد هذا الثاني نقض ملك الأول فادعى أن ذلك الملك لم يكن ملكا فلا ينبغي للذي علم ذلك أن يصدقه فيما قال فإن قال قد كان يملكها كما قال ولكنه وهبها لي أو تصدق بها علي أو اشتريتها منه وسعه أن يشتريها منه ويطأها لأنه لم يبطل الملك الأول
وكذلك الجارية نفسها لو كانت في يد رجل يدعي أنها جاريته وهي صغيرة في يده لا تعبر عن نفسها بجحود ولا إقرار ثم كبرت على ذلك فلقيها رجل قد علم ذلك في بلد آخر فأراد أن يتزوجها ويطأها فقالت له أنا حرة الأصل ولم أكن أمة للذي كنت في يده ثم يسعه أن يتزوجها ويطأها ولو قالت كنت أمته فأعتقني وكانت عنده ثقة أو وقع في قلبه أنها صادقة لم أر بأسا أن يتزوجها
وكذلك الحرة نفسها لو تزوجت رجلا ثم أتت غيره فأخبرته أن نكاحها الأول كان فاسدا أو أن زوجها الذي كان تزوجها كان على غير دين الإسلام لم ينبغ له أن يصدقها ولا يتزوجها ولو قالت إنه طلقني بعد ذلك أو ارتد عن الإسلام فبنت منه أو أقر بعد النكاح أنه كان مرتدا يوم تزوجني أو أقر بعد النكاح أني كنت أخته من الرضاعة وبنت على ذلك فان كانت عنده ثقة مأمونة أو كانت على
غير ذلك وكان أكبر رأيه وظنه أنها صادقة فلا بأس بأن يتزوجها فكذلك هذا وما أشبهه إذا صمدت لأصل النكاح أو صمدت لذلك فزعمت أنه باطل لم يصدقها على ذلك إلا بشاهدين عدلين كما يصدق في الحكم وإن أقرت بأصل النكاح والملك ثم ادعت أمر أبطله صدقت على ما وصفت لك ولا تستقيم الأشياء إلا على هذا ونحوه
وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عائشة أعتقت بريرة
فأتتها بشيء تهديه إليها فأخبرتها أنه صدقة تصدق به عليها فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهت عائشة أن تطعمه حتى تعلمه خبره فأخبرته خبره فقال هاتيه فانه لها صدقة وهو لنا هدية وقد صدقت
بريرة بقولها وصدقت عائشة بقولها وقد ادعت الهدية فلو كان هذا غير طعام لكان بمنزلة الطعام وما كان بينهما افتراق
باب الرجل يقر أنه قتل أخا فلان أو أباه
قال محمد وإذا رأى الرجل رجلا يقتل أباه متعمدا فأنكر القاتل أن يكون قتله أو قال لابنه فيما بينه وبينه إني قتلت أباك أنه قتل وليي فلانا عمدا أو قال إن أباك ارتد عن الإسلام فاستحللت قتله بذلك ولا يعلم الابن شيئا مما قال القاتل ولا وارث للمقتول غيرابنه هذا فالابن في سعة من قتل القاتل إن أراد قتله
ومن رآه قتل أباه مع الابن فهو في سعة من إعانة عليه حتى يقتله وكذلك لو لم يره قتله ولكنه أقر بذلك بين يديه ثم ادعى بعد ما وصفت لك فلما طلبه بقتله جحد أن يكون أقر به فالابن في سعة من قتله ومن سمعه يقر بذلك أيضا في سعة من إعانة الابن ولو لم يره الابن قتله ولم يقر بين يديه بذلك ولكن شهد عنده على معاينة القتل بالعمد أو على إقراره شاهدا عدل وهو يجحد ذلك لم يسع
الله تبارك وتعالى رضي الله عنهن الرب عز وجل ابن المقتول أن يقتل المشهود عليه بشهادتهما حتى يقضي عليه بذلك الإمام ولا يسع من حضر شهادة الشاهدين ممن يعدلهما ويعرفهما بشهادتهما أن يعينه على قتله بشهادتهما حتى يقضي له بشهادتهما فإذا قضى له الإمام بذلك وسعه قتله بشهادتهما وإن لم يعلم ذلك يقينا ووسع من حضر قضاء الإمام بذلك أن يعينه على ذلك ولا يشبه شهادتهما قبل قضاء الإمام بها معاينة القتل وإقرار القاتل بذلك لأن الشهادة قد تكون حقا وباطلا وهو يقتله على وجوه بعضها يحل وبعضها لا يحل فليس ينبغي له أن يقتله حتى يقضي له الإمام بشهادتهما
فإن عاين الرجل قتل أبيه عمدا أو كان الرجل أقر له بذلك سرا ثم أقام عنده شاهدين عدلين يعرفهما الابن بذلك أن أباه كان ارتد حين قتله هذا القاتل أو شهدا عنده بأن أباه كان قتل أبا هذا القاتل عمدا فقتله به فانه ينبغي للابن أن لا يعجل بقتله حتى ينظر فيما شهد به
وكذلك من حضر قتل أبيه أو أقر القاتل بذلك لم ينبغ له أن يعينه على شيء من ذلك إذا كان قد شهد عنده بما وصفت لك شاهدا عدل
وكذلك لو كان الإمام قضى له بالقود على قاتل أبيه ثم شهد عنده شاهدا عدل أن أباه كان مرتدا حين قتله هذا القاتل أو كان قتل وليا لهذا القاتل فقتله به فليس ينبغي للابن فيما بينه وبين الله تعالى أن يعجل بقتل هذا القاتل حتى ينظر في ذلك ويتثبت ولا ينبغي لمن حضر قضاء القاضي وحضر شهادة الشاهدين بما شهدا به وهما عنده عدلان أن يعينه على قتله فإن كان الذي شهدا عنده محدودين في قذف وهما عدلان أو هما عبدان وهما عدلان في مقالتهما أو نسوة عدول لا رجل معهن فإنه في سعة من قتله لأن شهادة هؤلاء مما لا تبطل به الحقوق ولكنه إن تثبت
حتى ينظر ويسأل كان خيرا له وإن شهد بذلك شاهد واحد عدل ممن تجوز شهادته وقال القاتل عندي شاهد مثله فإني استحسنت له أن لا يعجل بقتله حتى ينظر أيأتيه بشاهد آخر أم لا وإن قتله قبل أن يتأنى كان عندي في سعة ولكن التثبت أفضل لأن القتل إذا كان لم يستطع الرجوع فيه للقاضي أن يأمره به
ألا ترى أن القاضي لا يبطل
حقه الذي حكم له به بقول هؤلاء فكذلك الولي لا يبطل حقه ولا يأثم عندنا بأخذه إياه إذا كان القاضي لا يبطله بشهادة من شهد عنده أرأيت إن شهد عند القاضي هؤلاء القوم الذين وصفت لك من المحدودين في القذف والعبيد والنساء وهم عند القاضي عدول مسلمون غير متهمين في شهادتهم أينبغي للقاضي أن يمضي حكمه الأول ويعين الولي على قتله وينبغي لمن حضر القاضي أن يعين الولي على قتل القاتل بعلمه وينبغي ذلك لهم ولا يسعهم إلا ذلك فكما لا يسع القاضي ولمن حضره إلا أن يعين الولي على قتله فكذلك يسع الولي أن يقتله
باب الرجل يكون عنده متاع فيشهد أنه غصبه
ولو أن عبدا أو ثوبا أو مالا كان في يدي رجل فشهد شاهدان لرجل أن هذا الشيء كان لأبيه غصبه منه هذا الذي هو في يديه والذي ذلك الشيء في يده يجحد ما قالا ويزعم أنه له فليس ينبغي للوارث أن يأخذ الشيء من يدي الذي ذلك الشيء في يديه بشهادتهما وإن كاناعدلين حتى يقضي له به القاضي بشهادتهما فإذا قضى له القاضي بذلك وسعه أخذه وإن لم يعلم يقينا أن الأمر كما شهد به فأما ما لم يقض به القاضي فإنه لا ينبغي له أخذه لأنه إنما شهدا أن ذلك الشيء لأبي الوارث لأنهما رأيا ذلك في يديه وشهدا أن هذا ما أخذه منه وقد يأخذ الرجل من الرجل الشيء يكون في يده وذلك الشيء للآخذ فيكون الآخذ قد أخذ منه حقه والشاهدان لا يعلمان فيشهدان بالظاهر مما رأيا فيسعهما ذلك يكون الآخذ المشهود عليه آخذ منه بشهادتهما شيئا هو له فلذلك قلنا لا ينبغي للشهود له أن يأخذ ذلك الشيء بشهادتهما حتى يقضي له بذلك القاضي ولأنهما أيضا قد يشهدان بالحق والباطل
فأما إذا قضى القاضي بذلك وسعه أخذه
ولو كان الوارث عاين الذي ذلك الشيء في يده وهو يأخذ من يدي أبيه وسعه أخذه منه وقتاله عليه ووسع من عاين ذلك معه إعانته عليه وإن أتى ذلك على نفسه إذا امتنع وهو في موضع لا يقدر فيه على سلطان يأخذ لأحد بحقه وكذلك لو أقر بما شهد به الشاهدان عليه فأقر بذلك عند الوارث وادعى أنه كان له وسع الوارث أخذ ذلك منه ووسع من حضر إقراره إعانته عليه والدواب وغير ذلك
ولو شهد شاهدان عليه أنه أقر أن هذا الشيء بعينه كان لأبي هاذ الوارث وأنه غصبه منه وهو يجحد ذلك لم يسع الوارث أن يأخذ منه
بشهادتهما حتى يقضي له بذلك القاضي عليه فإذا قضى بذلك عليه وسعه أخذ ذلك منه وإن لم يعلم يقينا لأن الشاهدين إذا لم يقض القاضي بشهادتهما فليس يدري المشهود له أصادقان أم كاذبان وقد يقول الرجل أيضا الحق والباطل وقد يقر أيضا ثم يشتري بعد ذلك أو يملكه بوجه من الوجوه غير الشراء من الوصية يوصي بها الميت وغير ذلك فليس ينبغي للوارث أن يأخذ ذلك منه وإن قوي عليه إلا بقضية قاض ولا ينبغي لمن سمع شهادة الشاهدين أن يعينه على ذلك حتى يقضي به القاضي عليه فإذا قضى بذلك القاضي وسع لمن حضر قضاءه أن يعينه على أخذه حتى يدفعه إلى الوارث فإذا امتنع بدفعه في موضع لا يقدر فيه على سلطان يأخذه فيدفعه إليه وسع الوارث ومن حضر قضاء القاضي إن امتنع عليهم بدفعه قتاله وقتله حتى يؤخذ منه فيدفع إلى الوارث
وكذلك لو حضر الوارث إقرار الذي كان الشيء في يده بمثل ما شهد به الشاهدان وسعه أخذه منه وقتاله عليه ووسع من حضر معه إعانته عليه حتى يستنقذوا ذلك من يده
ولو أن رجلا كانت له امرأة فيشهد عندها شاهدان عدلان
أن زوجها طلقها ثلاثا وهو يجحد ذلك ثم غابا أو ماتا قبل أن يشهدا عند القاضي بذلك لم يسع امرأته أن تقيم عنده وكان هذا بمنزلة سماعها لو سمعته يطلقها ولا يشبه شهادة الشاهدين في هذا الوجه ما وصفت لك قبله من القتل والأموال لأن الطلاق لا ينتقض بوجه من الوجوه ولا يكون أبدا إلا طلاقا ولا تكون المرأة به أبدا إلا بائنا
فإن قال قائل قد يطلق الرجل غير امرأته فلا يكون ذلك طلاقا قيل له فهي حرام عليه بأحد الوجهين إما أن تكون غير
زوجه فلا يسعه أن يقربها ولا يسعها أن تدعه أو تكون زوجة له قد أبانها بالطلاق فصارت بذلك غير زوجة فحرم بذلك فرجها فلا ينبغي لها أن تدعه أن يقربها أي الوجهين كانت عليه وإنما الذي يريد أن يبطل شهادة الشاهدين لا يبطلها إلا بخصلة واحدة الطعن في شهادتهما ولا ترد بالتهمة ولو وسع هذا لوسع غيره
أرأيت رجلين عدلين أو أكثر من ذلك شهدا عند رجل وامرأته أنهما أرضعا وهما صغيران في الحولين من امرأة واحدة وأثبتوا ذلك ووصفوه أيسع الرجل وامرأته أن يقيما على نكاحهما ويكذبا الشهود حتى يقضي القاضي بالفرقة بينهما أرأيت لو مات الشهود قبل أن يتقدموا إلى القاضي أو غابوا أكان يسع هذين أن يقيما على نكاحهما وهما يعرفان أن الشهود عدول مرضيون فهذا لا ينبغي المقام عليه من واحد منهما من الزوج ولا من المرأة
أرأيت لو شهدت الشهود بذلك عند القاضي أو بالطلاق الذي وصفت لك فلم يعرف القاضي عدل الشهود وسأل عنهما القاضي فلم يعرفوا بتلك البلاد والرجل والمرأة
أو أحدهما يعرف الشهود بالعدل والرضا أينبغي لهما بعد المعرفة بذلك أن يقيما على النكاح ليس ينبغي المقام على هذا النكاح بعد الذي وصفت لك إن قضى القاضي بشهادتهما أو لم يقض ولكن المرأة التي شهد عندها الشهود بالطلاق أو شهدوا عندها بالرضاع إن جحد الزوج ذلك وأراد المقام عليها لم يسعها المقام معه فان هربت منه وامتنعت عليه وقهرته وكانت على ذلك قادرة بسلطان أو غير ذلك لم يسعها أن تعتد ثم تتزوج ولا يسعها أن تدعه أن يقربها
وكذلك إن سمعته طلقها ثلاثا ثم جحد وحلف أنه لم يفعل فردها القاضي عليه لم يسعها المقام معه ولا يسعها أن تعتد وتتزوج لأن
الحاكم حكم بأنها زوجته فلا ينبغي لها أن تتزوج غيره فتركب بذلك أمرا حراما عند المسلمين تكون به عندهم فاجرة ولا يشبه هذا فيما وصفت لك قضاء القاضي به فيما يختلف فيه مما يرى الزوج فيه خلاف ما يرى القاضي
ولو أن رجلا قال لامرأته اختاري فاختارت نفسها وهو يرى أن ذلك تطليقة بائنة والمرأة لا ترى ذلك طلاقا فقدمته إلى القاضي وطلبت نفقتها وكسوتها فقال الرجل للقاضي وإني خيرتها فاختارت نفسها فبانت بذلك والقاضي يرى أنها تطليقة تملك الرجعة وهي على حالها فقضى بأنها امرأته وأنه يملك الرجل جاز قضاء القاضي عليهما بذلك ووسع الرجل أن يراجعها ويمسكها
وكذلك لو كانت المرأة هي التي ترى ذلك طلاقا بائنا والرجل لا يرى ذلك فخاصمها إلى القاضي أنه يملك الرجعة فإن
ذلك جائز من القاضي ولا يسع المرأة أن تفارق زوجها إذا راجعها
وكذلك هذا في جميع ما يختلف فيه من الأقضية إذا رأى الرجل ذلك حراما أو رأته المرأة وقضى القاضي بأنه حلال وسع الذي رأى ذلك حراما أن يرجع إلى قضاء القاضي ويأخذ به ويدع ما رأى من ذلك لا يسعه غيره في كل حق يلزمه فأما أمر لو علم به القاضي لأنفذه وحرم الفرج به ولكنه لم يمنعه من أن يحرم الفرج إلا أنه لم يعلمه فرد القاضي المرأة على زوجها بذلك والمرأة تعلم خلاف ما يعلم القاضي فليس ينبغي لها أن تلتفت إلى شيء من إحلال القاضي ولا غير ذلك
ولكنها أيضا لا تقدم على إحلال فرج قد حرمه القاضي فأخذ في ذلك بالثقة فلا يسعها المقام مع زوجها الأول ولا يسعها أن تتزوج غيره
وكذلك إذا شهد شاهدا عدل على رجل أنه أعتق جاريته هذه أو شهدا عليه أنه أقر بعتقها فليس يسعها أن تدعه يجامعها قضى بشهادتهما أو لم يقض ولا يسعها أن تتزوج إذا كان يجحد العتق
وكذلك العبد إذا شهد بعتقه والمولى يجحد ذلك وهما معدلان عند العبد لم يسع العبد أن يتزوج بشهادتهما حتى يقضي له القاضي بالعتق ولا يشبه العتق والطلاق والرضاع ما وصفت لك من قبله من الأموال وغيرها لأن العتق والطلاق والرضاع لا يبطله شيء من الأشياء على وجه من الوجوه فلذلك كانت الشهادة فيه بقضاء القاضي أو بغير قضاء القاضي سواء فأما ما سوى ذلك من العمد وغيره
فقد يبطل بالعفو من ولى الدم وإلى القود وفيما دون الدم بالحقوق وبأشياء كثيرة على وجوه مختلفة فلذلك افترقت هذه الأشياء في غير قضاء القاضي إذا شهد بها الشهود العدول
ولو أن رجلا كان متوضأ فوقع في قلبه أنه أحدث وكان على ذلك أكبر رأيه فأفضل ذلك أن يعيد الوضوء وإن لم يفعل وصلى على وضوئه الأول كان عندنا في سعة لأنه عندنا على وضوء حتى يستيقن بالحدث
وإن أخبره مسلم ثقة أو امرأة ثقة مسلمة حرة أو مملوكة أنك أحدثت أو نمت مضطجعا أو رعفت لم ينبغ له أن يصلي حتى يتوضأ
ولا يشبه هذا ما وصفت لك قبله من الحقوق لأن هذا أمر الدين فالواحد فيه حجة إذا كان عدلا والحقوق لا يجوز فيها إلا ما يجوز في الحكم
وإن أحدث رجل فاستيقن بالحدث ثم كان أكبر رأيه أنه توضأ فانه لا ينبغي له أن يصلي حتى يستيقن بالوضوء
فإن أخبره رجل مسلم ثقة أو امرأة حرة أو أمة أنه قد توضأ أو أخبره من لا يعرف بالعدالة
فوقع في قلبه أنهما صدقا فيما قالا وسعه أن يصلي وإن لم يحدث وضوء فان كان الرجل يبتلى بذلك كثيرا ويدخل عليه في الشيطان فاستيقن بالحدث واستيقن أنه قعد للوضوء فكان أكبر رأيه أنه توضأ وسعه عندنا أن يمضي على أكبر رأيه
ألا ترى أن رجلا لو كان شك في الصلاة كثيرا فدخل في الصلاة ثم لم يدركهم صلى مضى على أكبر رأيه وظنه وكذلك لو شك في التكبير الأول فلم يدر أكبر أم لا إلا أنه في الصلاة ومضى على أكبر رأيه وظنه أجزاه ذلك وإن كان قد فرغ من صلاته ثم عرض له شك في شيء مما وصفت لك لم يلتفت إليه وأجزته صلاته
وكذلك الوضوء إذا قام عنه عن تمام في نفسه ثم عرض له شك في مسح الرأس وغيره لم يلتفت إلى شيء من ذلك
وإذا أودع رجل مالا عند رجل ثم أتاه يطلبه فأخبره أنه كان دفعه إليه فوقع في قلبه أنه صادق ولا يدري أكاذب هو أم لا إلا أنه
عنده ثقة مسلم فإن صدقه وأخذ بقوله فذلك فضل أخذه به وهو أحسن من غيره وإن أبى إلا طلب حقه وأراد استحلافه عند القاضي على ذلك فهو من ذلك في سعة لأن الرجل وإن كان عدلا فهو غير مأمون فيما يطلب لنفسه وفيما يطلب به فان أبى اليمين وسع رب المال أن يأخذ منه المال وإن أراده على اليمين فاقتدى يمينه بغرم المال أو بعضه أو صالحه على شيء منه أو من غيره وسع رب المال أخذ ذلك منه
وكذلك إن قال ضاع المال مني وهو عنده عدل ثقة فالأفضل أن يكف عنه وإن طالبه اليمين فحلف له على ذلك عند غير قاض فأبى إلا أن يستحلفه عند القاضي وسعه أن يطالبه باليمين عند القاضي لأنه حق له في عنقه أن يحلف له عند الحاكم إذا لم يعلم أنه صادق فيما قال فإن استحلفه عند الحاكم فنكل عن اليمين وسعه أن يأخذ المال منه
وكذلك إن أراد استحلافه فافتدى يمينه بجميع المال أو بعضه فهو في سعة من أخذ ذلك منه حتى يعلم أنه قد أضاع أو دفعه إليه
ولو لم يكن المال عنده وديعة ولكن كان دينا عليه فأتاه يتقاضاه وقال إني قد دفعته إليك وكان عنده عدلا ثقة ووقع في قلبه أنه صادق وأن مثله لا يقول إلا حقا إلا أنه لا يعلم ذلك يقينا فأفضل الأشياء له أن يصدقه وإن أبى إلا أن يطالبه بحقه وسعه أن يأخذ من ماله إن قدر مثل دينه فان أراد الغريم أن يستحلفه ما قبض المال منه وسعه أن يحلف على ذلك لأن يمينه إنما هي على علمه وهو لا يعلم ذلك يقينا
وكذلك كل حق وجب لرجل على رجل من دين أو غيره فقال الذي عليه الحق قد أوفيتك حقك أو أبرأتني منه أو ادعى أجلا بعيدا فوقع في قلب صاحب الحق أنه صادق وكان على ذلك أكبر ظنه وكان عنده عدلا ثقة فأفضل ذلك أن يصدقه ويأخذ بقوله وإن لم يصدقه وطالب بحقه فأراد المطلوب أن يحلفه فالأفضل للمطلوب أن لا يحلف وإن حلف كان في سعة من يمينه لأن يمينه على علمه والرجل منهم على ما يدعي لنفسه وإن كان عدلا
وكذلك إن أخبره مع المطلوب رجل عدل أو امرأة ورجل فان أخبره سوى المطلوب رجلان عدلان لم يسعه أن يطالب بحقه أو يحلف له على ذلك لأن هذا يقضي فيه الحاكم وكل من كان له حق فهو له على حاله حتى يأتي اليقين على خلاف ذلك واليقين أن يعلمه أو يشهد عنده الشهود العدول
آخر كتاب الاستحسان بحمد الله الملك المنان والصلاة والسلام على النبي محمد وآله وصحبه وسلم إلى انتهاء الزمان
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل (1) *
أبو سليمان قال سمعت محمد بن الحسن يقول الأيمان1
كتاب الأيمان
ثلاثة يمين تكفر ويمين لا تكفر ويمين نرجو أن لا يؤاخذ بها صاحبها فأما اليمين التي لا تكفر فالرجل يحلف على الكذب وهو يعلم أنه كاذب فيقول والله لقد كان كذا وكذا ولم يكن من ذلك شيء أو يقول والله لقد فعلت كذا وكذا وهو يعلم أنه لم يفعله فهذه اليمين التي لا تكفر وعلى صاحبها فيها الاستغفار والتوبة
وأما اليمين التي تكفر فالرجل يحلف ليفعلن كذا وكذا اليوم فيمضي ذلك اليوم من قبل أن يفعله فقد وقعت اليمين على هذا ووجبت
عليه الكفارة والكفارة ما قال الله عز وجل في كتابه { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } إلى آخر الآية
وأما اليمين التي نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها فالرجل يحلف في حديثه فيقول لا والله وبلى والله وعلى ما يرى أنه حق
وليس هو كما قال
محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عائشة أنها قالت في قول الله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم } إنه نحو هذا