كتاب : السلوك لمعرفة دول الملوك
المؤلف : المقريزي

فيه بلغ رطل اللحم الضأن إلى اثني عشر درهماً، ولحم البقر إلى ستة دراهم، والأردب القمح إلى مائة وثمانين، وبلغت الفضة الكاملية إلى أربعمائة وسبعين درهماً فلوساً، كل مائة درهم منها. وبلغ القنطار الزيت إلى ستمائة وعشرين. وبيع في السوق بحراج ثمانية أطيار من الدجاج بستمائة درهم وبيع زوج أوز بستمائة درهم. فوقف فيه اللحم - بعد عطه - كل رطل بخمسة وعشرين درهماً.
وفيه فشت الأمراض الحادة في الناس بالقاهرة ومصر، وشنع موت الأبقار. فبلغ لحم الضأن إلى خمسة عشر درهماً الرطل، وبيعت ثلاث رمانات بستين درهماً، والرطل الكثمري بعشرين درهماً، وغلت الأسعار بغزة أيضاً، فبيع القدح القمح بسبعة دراهم، والقدح الشعير بخمسة، والقدح العدس بعشرة، وبيع في القاهرة بطيخة بثمانية وستين درهماً بعد درهم، والرطل من لعاب السفرجل بمائة وثلاثين، من كثرة طلبه للمرضى.
وفي حادي عشره: توجه الطواشي الأمير شاهين الحسني - لالا السلطان - في عشرة سروج لإحضار الأمير شيخ المحمودي نائب الشام، والأمير جكم، وقد ورد كتاب للأمير شيخ قبل ذلك بعشرين يوماً، وكتاب الأمير جكم بعد كتاب الأمير شيخ بعشرة أيام، يخبرا بأنهما حاربا الأمير نوروز وهزماه، وأنه لحق بطرابلس، ودخلا إلى دمشق، فولي الأمير شيخ قضاء دمشق شهاب الدين أحمد بن الحسب في الشافعي، في ثانيه.
وفي سابع عشرة: خرج الأمير جكم من دمشق في جماعته، يريد محاربة الأمير نوروز، وقد ورد الخبر بنزوله على بحرة حمص، ثم تلاه الأمير شيخ بجماعته، فبلغ ذلك نوروز، فسار في عشية الأربعاء ثامن عشره إلى حماة، ونزل شيخ وجكم حمص إلى يوم الثلاثاء رابع عشرينه. ثم سارا إلى طرابلس، وقد نزل نائبها بأعناز ففر عنه من معه، ومضى يريد حماة. فدخل شيخ وحكم طرابلس يوم الخميس سادس عشرينه، فنزل حكم بدار النيابة.
فلما بلغ علان نائب حلب نزول نوروز وبكتمر نائب طرابلس على حماة، سار إلى نوروز، وأقام معه بعسكره وجماعة من التراكمين.
شهر جمادى الآخرة، أوله الثلاثاء. فيه مرض السلطان الملك المنصور.
وفي يوم الجمعة رابعه: عادت الخيول من الربيع.
وظهر بين أهل الدولة حركة، فكثرت القالة، وبات المماليك تسعى بعضها إلى بعض، فظهر الملك الناصر في بيت الأمير سودن الحمزاوي، وتلاحق به كثير من الأمراء والمماليك، ولم يطلع الفجر حتى ركب السلطان بآلة الحرب. وإلى جانبه ابن غراب. وعليه آلة الحرب. وسار بمن اجتمع إليه يريد القلعة، فقاتله سودن المحمدي أمير أخور، وأينال بيه بن قجماس، وبيبرس الكبيري، ويشبك بن أزدمر، وسودن المارديني، قتالاً ليس بذاك.
ثم انهزموا، وصعد السلطان إلى القلعة، فكانت مدة عبد العزيز سبعين يوماً.
عود السلطان زين الدين فرج إلى الملكعود السلطان الملك الناصر زين الدين فرج ابن الملك الظاهر برقوق إلى الملك ثانيا وذلك أنه لما فقد من القلعة، وصار إلى بيت سعد الدين بن غراب، ومعه بيغوت، قام له بما يليق به. وأعلم الأمير يشبك به، فخفي على أهل الدولة مكانه، ولم يعبأوا به. وأخذ ابن غراب يدبر في القبض على الأمير أينال بيه، فلم يتم له ذلك، فلما تمادت الأيام، قرر مع الطائفة التي كانت في الشام من الأمراء، وهم: يشبك، وقطلو بغا الكركي، وسودن الحمزاوي في آخرين، أنه يخرج إليهم السلطان، ويعيدوه إلى الملك، لينفردوا بتدبير الأمور.

وذلك أن الأمير بيبرس الأتابك قويت شوكته على يشبك، وصار يتردد إليه، ويأكل على سماطه، فعز عليه، وعلى أصحابه ذلك، فما هو إلا أن أعلمهم ابن غراب بالخبر، وافقوه على ذلك، وواعد بعضهم بعضاً. فلما استحكم أمرهم، برز الناصر نصف ليلة السبت خامس جمادى الآخرة من بيت ابن غراب. ونزل بدار الأمير سودن الحمزاوي، واستدعى الناس، فأتوه من كل جهة. وركب وعليه سلاحه. وابن غراب إلى جانبه، وقصد القلعة، فناوشه من تأخر عنه من الأمراء قليلاً، ثم فروا، فملك السلطان القلعة بأيسر شيء. وذلك أن صوماي رأس نوبة كان قد وكل بباب القلعة، فعندما رأى السلطان فتح له، فطلع منه، وملك القصر، فلم يثبت بيبرس ومن معه، ومروا منهزمين. فبعث السلطان بالأمير سودن الطيار في طلب الأمير بيبرس فأدركه خارج القاهرة، فقاتله وأخذه وأحضره إلى السلطان، فقيده، وبعثه إلى الإسكندرية فسجن بها. واختفي الأمير أينال بيه بن قجماس، والأمير سودن المارديني.
وفي يوم الاثنين سابعه: خلع على الأمير يشبك الشعباني، واستقر أتابك العساكر، عوضاً عن الأمير بيبرس. وعلى الأمير سودن الحمزاوي، واستقر دواداراً، عوضاً عن سودن المارديني، وعلى جركس المصارع، واستقر أمير أخور، عوضاً عن سودن تلى المحمدي.
وفيه قبض على الأمير جرقطلو رأس نوبة، والأمير قنباي أمير أخور، والأمير أقبغا رأس نوبة، وكلهم أمراء عشرات. وقبض على الأمير بردبك رأس نوبة، أحد أمراء الطبلخاناه.
وفيه استقر سعد الدين بن غراب رأس مشورة. وأنعم عليه بإمرة مائة تقدمة ألف. ولبس الكلفته. وتقلد السيف كهيئة الأمراء، وترك زي الكتاب. ونزل إلى داره. فلم يركب بعدها إلى القلعة ومرض.
وفيه كتب تقليد الأمير شيخ المحمودي بكفالة الشام على عادته، وجهز إليه على يد أينال المنقار شاد الشراب خاناة، وكتب تقليد الأمير جكم بنيابة حلب، وجهز على يد سودن الساقي. وكتب للأمير نوروز الحافظي أن يحضر من دمشق إلى القدس بطالاً، وحذر من التأخر. وكتب للأمير دمرداش المحمدي نائب حلب - كان - بالحضور إلى مصر.
وفي عاشره: قبض على سودن تلى أمير أخور، واخرج إلى دمشق على تقدمة سودن اليوسفي.
وفي رابع عشره: توجه سودن الساقي بخلعة الأمير جكم وتقليده بنيابة حلب.
وفي خامس عشره: استقر الأمير سودن من زاده في نيابة غزة، عوضاً عن الأمير سلامش. واستقر فخر الدين ماجد بن المزوق - ناظر الجيش - في كتابة السر، عوضاً عن سعد الدين بن غراب، بحكم انتقاله إلى الإمرة.
واستقر الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله في نظر الجيش. واستقر شرف الدين يعقوب بن التباني في وكالة بيت المال ونظر الكسوة، عوضاً عن ولي الدين محمد ابن أحمد بن محمد الدمياطي، مؤدب الأمير بيبرس وموقعه.
وفي حادي عشرينه: استقر الأمير يشبك في نظر المارسنان المنصوري بين القصرين، ونزل إليه وعليه التشريف السلطاني، على العادة.
وفيه استقر الأمير تمراز الناصري نائب السلطة، وقد شغرت من أثناء الأيام الظاهرية.
وفيه استقر الأمير أقباي رأس نوبة الأمراء، والأمير سودن الطيار أمير مجلس في وظيفة أمير سلاح، عوضاً عن الأمير أقباي. واستقر يلبغا الناصري أمير مجلس، عوضاً عن الطيار.
وفي سادس عشرينه: استقر شرف الدين محمد بن علي الجيزي - أحد باعة السكر - في حسبة مصر، عوضاً عن شمس الدين محمد بن محمد بن المنهاجي، بمال قام به، فكان هذا من أشنع القبائح وأقبح الشناعات.
وفي ثامن عشرينه: استقر شمس الدين محمد بن علي بن المعلمة الإسكندراني في حسبة القاهرة، وعزل كريم الدين الهوى. واستقر بهاء الدين محمد بن البرجي في الوكالة ونظر الكسوة، عوضاً عن ابن التباني.
وفي هذا الشهر: بلغ القنطار السيرج إلى ألف ومائتي درهم. وبلغت الفضة الكاملية كل مائة درهم خمسمائة درهم من الفلوس. وفيه انحل سعر الغلال، ولحوم البقر، لكثرة موتها.
الش فإن الأمير سارا من طرابلس، يريدان نائب طرابلس وهي على قص، ففر منها، ونزلا بوطاقه، وقدم في ثالثه الطرابلسي شاهين الحسني إلى دمشق، ومعه رسول الأمير شيخ إلى السلطان يسأله النيابة في دمشق، فأنكر على ابن الحسباني وغيره ممن ولي من قبل شيخ بغير موسوم السلطان، وأخبرا أنه قدم لأخذ شيخ وجكم إلى مصر.

وفي ثالث عشره: قدم الخبر إلى دمشق بعود السلطان الملك الناصر إلى السلطة، واستقراره بشيخ في نيابة الشام، وجكم في نيابة حلب، فضربت البشائر، ونودي بذلك في دمشق. ودعي للسلطان الملك الناصر في يوم الجمعة ثامن عشره.
وفي ثالث عشرينه: قدم الأمير أينال المنقار إلى دمشق، بخلعة الأمير شيخ لنيابة الشام. ووصل معه الأمير سودن المحمدي. فتوجه المنقار إلى الأمير شيخ، فكتب بقبض سودن المحمدي، فأخذ في ليلة الأحد سابع عشرينه وقيد.
وفيه دخل الأمير شيخ حماة، وذلك أنه سار من حمص يوم الثلاثاء ثاني عشرينه، وقدم حماة يوم السبت وحصرها، وقاتل من بها. وكان نوروز وعلان قد مضيا إلى حلب، فإن الأمير دمرادش كان فارقهما، ومضى إليها ليأتهم بالتركمان، فلما وصلها ملكها. فلما وصل نوروز حلب مر منها دمرداش، واستقر بها دقماق، فامتنع وقاتل، حتى أخذ وقتل بين يدي الأمير جكم، ونهبت حلب.
شهر رجب، أوله الخميس: في رابعه: أعيد ابن التباني إلى الوكالة والكسوة، وصرف ابن البرجي.
وفي ثامن عشره: قبض على الأمير أزبك الرمضاني، وسفر إلى الإسكندرية فسجن بها.
وفي سابع عشرينه: مات الخليفة أبو عبد الله محمد المتوكل على الله.
وأما الشام فإن الأمير شيخ والأمير جكم سارا بعسكريهما من حماة يريدان حلب، وبها الأمير نوروز. فلما وصلا إلى المعرة، كتب إليهما نوروز، يعتذر بأنه لم يعلم بولاية الأمير جكم حلب. وخرج بمن معه منها إلى البيرة، فدخل الجماعة إلى حلب بغير قتال، واستقر جكم بها، وعاد الأمير شيخ.
وكتب باستقرار الأمير جكم في نيابة طرابلس مضافاً إلى نيابة حلب بمثال سلطاني على يد مغل بيه، من غير كتابة تقليد. وكتب إلى الأمير نوروز الحافظي بالحضور إلى القدس بطالا، وإلى الأمير بكتمر شلق بأن يكون أميراً كبيراً مقدم ألف بدمشق.
فلما كان يوم الاثنين عشرينه: دخل الأمير شيخ إلى دمشق بالخلعة السلطانية ونزل بدار السعادة، وقرئ تقليده. فكتب بالإفراج عن الأمير سودن الظريف، ودمرادش حاجب دمشق، وتنكز بغا نائب بعلبك، فقدموا من الصبيبة في رابع عشرينه. وكان سماط الخليل عليه السلام قد بطل، فحمل إليه من دمشق مائة غرارة ما بين قمح وشعر، لتعمل جشيشة وتخبز خبزا.
وأما الأمير جكم فإنه لما استقر بحلب، ما زال يكاتب الأمير نوروز وعلان حتى قدما بمن معهما حلب، وانضما إليه. ثم كتب إلى الأمير شيخ بذلك، فقبض حينئذ على الطواشي شاهين وسجنه بقلعة دمشق.
شهر شعبان أوله الجمعة.
في يوم الاثنين رابعه: استدعى أبو الفضل العباس بن محمد المتوكل على الله وقرر في الخلافة، عوضاً عن أبيه. ولبس التشريف بحضرة السلطان ولقب بالمستعين بالله، ونزل إلى داره. وكتب باستقرار الأمير طولو من علي باشاه في نيابة صفد عوضاً عن الأمير بكتمر الركني. وجهز تقليده وتشريفه على يد الأمير آق بردى رأس نوبة.
وكتب باستقرار الأمير دمرداش المحمدي في نيابة حماة. وكان منذ فارق نوروز على حماة، وسار إلى حلب، وأخذها. فلما أدركه نوروز، هرب دمرداش ونزل عند التركمان.
وفي ثامن عشره: خلع بدمشق على الشهاب الحسباني بقضاء دمشق، وقد كتب فيه الأمير شيخ إلى السلطان، فبعث إليه بالخلعة والتوقيع، وكان قبل ذلك يباشر القضاء بغير ولاية.
وفي تاسع عشره: قدم دمشق الأمير علان نائب حلب - كان - يريد القاهرة، فأكرمه الأمير شيخ وأنزله.
وفي سابع عشرينه: قدم إلى دمشق الأمير ألطنبغا العثماني، وقد ولاه السلطان حاجب الحجاب بدمشق، فلبس تشريفة، وباشر من الغد.
شهر رمضان، أوله الأحد: في رابع عشره: أعيد ابن شعبان إلى الحسبة، وعزل ابن المعلمة.
وفي سادس عشره: أعيد ابن خلدون إلى قضاء القضاة المالكية، وعزل البساطي، واستقر في الحسبة ابن المعلمة، وعزل ابن شعبان بعد يومين.
وفي تاسع عشره: مات سعد الدين إبراهيم بن غراب.
وفي ثالث عشرينه: مسك أينال الأشقر، وسفر إلى الإسكندرية.
وفي رابع عشرينه: أعيد الهوى إلى الحسبة، وعزل ابن المعلمة.
وفي خامس عشرينه: أعيد ابن التنسي إلى قضاء المالكلية، بعد موت ابن خلدون. وفيه قبض إلى الأمير سودن المارديني من بيته، مقيد وحمل إلى الإسكندرية.

وفي سادس عشرينه: كتب أمان لكل من الأمير جمق، والأمير أسن باي، والأمير برسبان، والأمير أرغز، والأمير سودن اليوسفي، وجهز إليهم بالشام.
وكان من خبر البلاد الشامية في هذا الشهر أن التركمان اجتمعوا على ابن صاحب الباز، وقصدوا حماة، فدافعهم أهلها أشد المدافعة عن دخولها، فأفسدوا في الضواحي فساداً كبيراً.
وقدم في يوم الاثنين ثانيه: تشريف سلطاني للأمير شيخ نائب الشام، فلبسه، وأعاد صدر الدين علي ابن الآدمي إلى كتابة السر بدمشق. عوضاً عن السيد الشريف علاء الدين، بتوقيع وصل إليه من السلطان.
ونودي بدمشق في العسكر بالتأهب للسفر، فقدم في ثامنه الأمير بكتمر شلق إلى دمشق، وقد عزل عن نيابة صفد بالأمير طولو، واستقر على إقطاع الأمير أسن بيه، بحكم أنه أقام بطرابلس، نيابة عن الأمير جكم بها، فلبس بكتمر تشريفة. واستقر أتابك دمشق، وسار طولو من دمشق إلى صفد، فتسلمها.
وفي ثالث عشره: قبض الأمير شيخ على سودن الظريف، وأعيد إلى السجن لكلام نقل عنه.
وكانت الأسعار قد غلت بدمشق، ففرق الأمير شيخ الفقراء على الأغنياء وجعل لنفسه منهم نصيباً وافراً، فاجتمعوا في بعض الليالي لأخذ الطعام فمات منهم أربعة عشر إنساناً.
وقدم الأمير دمرداش إلى دمشق في يوم السبت ثاني عشرينه، وقد وصل إليه تقليده بنيابة حماة، وهو مشتت عند التركمان. فتوصل حتى دخل حماة. فيوم دخلها وصل إليها ابن صاحب الباز بجمائع التركمان، فلم تكن فيه قوة يلقاهم بها، فإن عسكر حماة سار إلى الأمير حكم بحلب، فخرج من حماة فاراً إلى حمص، وكتب إلى الأمير شيخ يستأذنه في القدوم عليه، فأذن له. ولما قدم أكرمه وأنزله.
وفي هذا الشهر: فرض الأمير شيخ على أهل دمشق أجرة مساكنهم لشهر يحملونها إليه، إعانة له على قتال التركمان، فإنهم أكثروا الفساد في بلاد حماة وطرابلس. وفيه كتب السلطان بطلب الأمير نوروز من حلب، وقدومه إلى القاهرة.
شهر شوال أوله الاثنين.
في يوم الثلاثاء سادس عشره: استقر البساطي في قضاء المالكية، وعزل ابن التنسي. واستقر قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحنفي في مشخة خانكاه شيخو، وعزل الشيخ زادة الخرزياني.
وفي عشرينه: أعيد ابن شعبان إلى الحسبة، وعزل الهوى.
وأما البلاد الشامية فإن الأمير جكم نائب حلب خرج ومعه الأمير نوروز وغيره، فقاتل التركمان وكسرهم كسرة فظيعة فقدم عليه كتاب السلطان بطلب نوروز وغيره من الأمراء، فأغلظ على الرسول، وامتنع من ذلك، وكان قد بعث إلى الأمير شيخ يطلبه ليحارب التركمان، فتباطأ عنه، وبلغه مع ذلك أنه قد أكرم الأمير دمرداش. فشق ذلك عليه وتنكر على الأمير شيخ وكتب يأمره بإمساك دمرداش وفطن دمرداش بذلك، ومر من دمشق في ليلة الاثنين ثالث عشرينه، فبعث الأمير شيخ في طلبه جماعة، ففاتهم ولم يدركوه.
شهر ذي القعدة، أوله الثلاثاء.
في ثالثه: قدم الخبر بأن الأمير جكم لما أخذ حلب سار إلى الأمير فارس بن صاحب الباز التركماني المتغلب على إنطاكية، وقاتله وكسره أقبح كسرة وقتله وأخذ له أموالاً جزيلة فقوى جكم بذلك، فجاءه الخبر بمسير الأمير نعير بن حيار أمير الملا إليه، فلقيه عند قنسرين في نصف شوال، وقاتله، فوقع نعير في قبضته، وسجنه بقلعة حلب. وولي ابنه العجل بن نعير إمرة آل فضل، عوضاً عنه، فسار العجل إلى سلمية وعاد جكم إلى حلب، ثم بدا له في العجل رأي، فاستدعاه فأخذ يعتذر بأعذار، فقبلها، وسار إلى إنطاكية، فأرسل إليه التركمان بالطاعة، وأن يمكنهم من الخروج إلى الجبال لينزلوا من أماكنهم القديمة، وهم آمنون، ويسلمو إليه ما بيدهم من القلاع فأجابهم إلى ذلك، وعاد إلى حلب. ثم سار منها يريد دمشق، منزل شيزر وواقع أولاد صاحب الباز وكسرهم كسرة فاحشة وأسر منهم جماعة، قتلهم صبرا، وقتل الأمير نعير أيضاً، وبعث برأسه إلى السلطان، وذلك كله في شوال، ثم واقع جكم التركمان في ذي القعدة وبدد شملهم.
وفي خامسه: أعيد الهوى إلى الحسبة، وعزل ابن شعبان، وفيه قدم طولو نائب صفد إلى دمشق.
وفي سابعه: قبض على الوزير فخر الدين ماجد بن غراب مشير الدولة، وأحيط بموجوده.
وفي تاسعه: قبض على كثير من التجار ووكل بهم في بيت الأمير جمال الدين الأستادار ليؤخذ منهم مال على قمح وفول بناحية منفلوط من صعيد مصر، حساباً عن كل أردب مائة درهم.

وفيه قدم الأمير دمرداش إلى دمشق بعدما وصل إلى الرملة فأتته ولايته بنيابة طرابلس، فبعث الأمير شيخ يستدعيه لينظرا ما بينه وبين الأمير جكم، فأكرمه الأمير شيخ وأنزله.
وفيه قدم الخبر بتغلب الأمير جكم على البلاد الحلبية، وأنه حارب الأمير نعير بن مهنا أمير آل فضل، وكسره، وقبص عليه.
شهر ذي الحجة، أوله الأربعاء: في رابعه: كتب إلى الأمير نوروز بأنه تقدمت الكتابة له بأن يتوجه إلى القدس، وأنه لم يجب عن ذلك، فيتقدم بالحضور إلى مصر.
وفي سابعه: أعيد فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس الداودي إلى كتابة السر، بسفارة الأمير جمال الدين الأستادار، وعزل فخر الدين ماجد بن المزوق.
وفي ثاني عشره: رضي السلطان على فخر الدين بن غراب، واستمر مشيراً، وزيراً، ناظر الخاص، على عادته. وخلع عليه بعدما قام بعشرين ألف دينار.
وفي هذا الشهر: انحل سعر القمح، وأبيع بمائة وثلاثين درهماً الأردب، وبيع الرغيف زنة نصف رطل بثلث درهم، وأبيع ثور بمائة مثقال ذهباً، عنها من الفلوس ثلاثة عشر ألف درهم، و لم نسمع بمثل ذلك. وفيه أبيع الرطل اللوز العاقد بأربعة عشر درهماً، يحصل من قلبه أوقيتان وذلك من حساب أربعة وثمانين درهماً الرطل، وهذا أعجب ما يحكي.
وفيه فشى الطاعون بصعيد مصر، حتى خلت عدة بلاد، وأحصي من مات من سيوط ممن له ذكر، فكانوا عشرة آلاف، سوى من لم يفطن له. وهم كثير. وأحصي من مات في بوتيج، فبلغوا ثلاثة آلاف وخمسمائة، وكان الزمان ربيعاً، فلما انقضى فصل الربيع ارتفع الوباء.
وأما الشام، فإن في ثالثه كتب باستقرار الأمير زين الدين عجل بن نعير في إمرة آل فضل، عوضاً عن والده، وكتب بعزل الأمير جكم عن نيابة حلب وطرابلس، وولاية الأمير دمرداش المحمدي في نيابة حلب، والأمير عمر بن الهيدباني في نيابة حماة، والأمير علان اليحياوي: في نيابة طرابلس، وتوجه بتقاليدهم ألطنبغا شقل الأينالي مملوك الأمير شيخ نائب الشام في رابعه.
وفي خامسه: اقتتل الأمير جكم، والأمير شيخ المحمودي نائب الشام، بأرض الرستن - فيما بين حماة وحمص - ، قتل فيها الأمير طولو نائب صفد، والأمير علاق نائب حماة، وجماعة كثيرة من الفريقين، وانهزم الأمير شيخ ومعه الأمير دمرداش المحمدي إلى دمشق. ومضى منها إلى الرملة يريد القاهرة.
وقدم الأمير نوروز إلى دمشق من قبل الأمير جكم في يوم الاثنين سابع عشرين ذي الحجة.
وكان من خبر الأمير شيخ، والأميرين جكم ونوروز، أن الأمير شيخ توجه من دمشق بعد عيد الأضحى، ومعه الأمير دمرداش، فنزل مرج عذراء في عسكره يريد حمص، وقد نزل بها عسكر جكم عليهم الأمير، ونزل جكم على سلمية، فلبس الأمير دمرداش خلعة نيابة حلب الواصلة إليه مع تقليده وهو بالمرج. وقدم إليهم الأمير عجل ابن نعير بعربه طالباً أخذ ثأره من جكم.
ووصل أيضاً ابن صاحب الباز يريد أيضاً أخذ ثأر أخيه من حكم، ومعه جع من التركمان، فسار بهم الأمير شيخ من المرج في ليلة الاثنين ثالث عشره إلى أن نزل قارا ليلة الثلاثاء، فوصل تقليد العجل بن نعير بإمرة العرب.
وقدم الأمير علان نائب حماة وحلب - كان - من مصر، وقد استقر أتابك دمشق. ونزل الأمير شيخ حمص يوم الخميس سادس عشره، فكاتب الفريقان في الصلح فلم يتم، واقتتلا في يوم الخميس ثالث عشرينه بالرستن، فوقف الأمير شيخ والأمراء في الميمنة، ووقف العرب في الميسرة، فحمل جكم بمن معه على جهة الأمير شيخ فكسره، وتحول إلى جهة العرب - وقد صار شيخ إليها وقاتلوا قتالاً كبيراً ثبتوا فيه، فلم يطيقوا جموع جكم وانهزموا، وسار شيخ بمن معه - من دمرداش وغيره - إلى دمشق، فدخلوها يوم السبت خامس عشرينه، وجمعوا الخيول والبغال، وأصحابهم متلاحقيين بها. ثم مضوا من دمشق بكرة الأحد.

فقدم في أثناء النهار من أصحاب الأمير جكم الأمير نكبيه، وأزبك، دوادار الأمير نوروز. ونزل أزبك بدار السعادة، وقدم الأمير جرباش، فخرج الناس إلى لقاء نوروز، فدخل دمشق يوم الاثنين سابع عشرينه، ونزل الإسطبل. ودخل الأمير جكم يوم الخميس سلخه، ونادى ألا يشوش أحد على أحد. وكان قد شنق رجلاً في حلب رعى فرسه في زرع، وشنق آخر بسلمية، ثم شنق جندياً بدمشق على ذلك، فخافه الناس، وانكفوا عن التظاهر بالخمر. وقتل في وقعة الرستن الأمير علان نائب حماة وحلب، والأمير طولو نائب صفد، قدما بين يدي الأمير جكم فضرب أعناقهما، وعنق طواشي كان في خدمة الأمير شيخ، كان يؤذي جماعة نوروز المسجونين، ومضى الأمير شيخ إلى جهة الرملة.
وفي ليلة الأربعاء خامس عشره: خسف القمر من آخر الليل.
وفي هذا الشهر: انحل سعر القمح إلى مائة وعشرين درهماً الأردب، ثم ارتفع في آخره لقلة ما يصل منه، وعز وجود الخبز في الأسواق.
ووقف الحاج بعرفة يوم الجمعة، ولم يسر المحمل من دمشق على العادة لكثرة الفتن بالشام، وقدم من الشام حاج قليل نحو خمسمائة، وقدم من العراق نحو ذلك.
ومات في هذه السنة ممن له ذكرمحمد بن موسى بن عيسى الدميري، كمال الدين أبو البقاء الشافعي، توفي ليلة الثلاثاء ثالث جمادى الأولى، عن نحو ست وستين سنة، وكان عالماً صالحاً.
ومات محمد بن حسن شمس الدين السيوطي الشافعي، في يوم الأحد عشرين، جمادى الآخرة، عن سن عالية، وكان صاحب فنون عديدة من نحو وفقه. وأصول، وغيرذلك. وكان يأخذ الأجر على التعليم، وللناس عنه إعراض، وفيه وقيعة.
ومات أبو حاتم محمد بن أبي حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي القاضي تقي الدين، حفيد الشيخ بهاء الدين السبكي، في يوم الخميس سادس عشرين جمادى الأولى، ومولده في شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة: ناب في الحكم بالقاهرة، ولم يكن بالماهر في الفقه.
ومات أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن سمير بن حازم شهاب الدين أبو هاشم بن البرهان العبد الصالح الداعي إلى الله، في يوم الخميس لأربع بقين من جمادى الأولى، وهو الذي قام على الملك الظاهر برقوق، وكان أحد نوادر الدنيا.
ومات علي بن محمد بن عبد النصير بن علي علاء الدين عصفور، السنجاري الأصل، الدمشقي المولد والدار، المالكي، شيخ الكتاب، في يوم الاثنين رابع عشرين شهر رجب، كتب على زين الدين محمد بن الحراني، ناظر أوقاف دمشق.
ومات محمد بن محمد بن محمد بن أسعد بن عبد الكريم بن يوسف بن علي بن طحا القاضي فخر الدين أبو اليمن الثقفي القاياتي، أحد نواب الحكم الشافعية، في ليلة الأربعاء حادي عشرين شهر رجب، وقد تجاوز الثمانين، بمدينة مصر. وكان عريا عن العلم. وكتب بخطه كثيراً.
ومات عبد الرحمن بن علي بن خلف زين الدين أبو المعالي الفارسكوري أحد فضلاء الشافعية وخيريهم، في ليلة الأحد سادس عشرين شهر رجب.
ومات الخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر ابن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحكم بأمر الله أبي العباس أحمد.
بويع بالخلافة بعهد من أبيه في سابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وسبعمائة. وجعله الأمير أينبك البدري بن زكريا بن إبراهيم في ثالث عشرين صفر سنة تسع وسبعين، ثم أعيد في عشرين ربيع الأول، منها. وقبض عليه الظاهر برقوق في أول رجب سنة خمس وثمانين، وقيده وسجنه إلى أول جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين، ثم أفرج عنه. واستمر في الخلافة حتى مات ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب. وعرض عليه الاستقلال بالأمر مرتين فأبى، وأثرى كثيراً.
ومات عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون أبو زيد ولي الدين، الحضرمي، الأشبيلي، المالكي، في يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان فجأة، ولي المالكية عدة مرار.
ومات إبراهيم بن عبد الرازق بن غراب، الأمير القاضي سعد الدين بن علم الدين ابن شمس الدين، في ليلة الخميس تاسع عشر شهر رمضان، ولم يبلغ الثلاثين سنة.
ومات طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب زين الدين الحلبي، رئيس كتاب الإنشاء، في يوم الجمعة سابع عشرين ذي الحجة. وقد أناف على الستين، وعين لكتابة السر.

ومات عبد الله بن سعد الله بن البقري الوزير الصاحب تاج الدين بن الوزير الصاحب سعد الدين، مات تحت العقوبة ليلة الاثنين ثامن عشرين ذي القعدة.
ومات الأمير قانباي العلاي أحد أمراء الألوف، في ليلة الأحد، حادي عشرين شوال، بعد مرض طويل، وكان كثير الفتن، ويعرف بالغطاس لكثرة اختفائه.
ومات الأمير قينار أحد أمراء الطبلخاناه. مات في خامس عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير بلاط السعدي أحد أمراء الطبلخاناه ماتت بطالا في رابع عشرين جمادى الأولى.
ومات أحمد بن عماد بن يوسف شهاب الدين المعروف بابن العماد الأقفهسي أحد فضلاء الشافعية، وله من المصنفات، أحكام المساجد، وأحكام النكاح سماه كتاب توقيف الحكام في غوامض الأحكام، وكتاب أحوال الهجرة نظمه ثم شرحه.
ومات محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق بن سنان، شمس الدين البرشنسي، أحد فضلاء الشافعية، توفي عن نحو سبعين سنة.
ومات شاهين السعدي، أحد الخدام السلطانية الأشرفية، عظم في الأيام الناصرية حتى صار لالا السلطان، وولي نظر خانكاة سرياقوس.
ومات محيي الدين محمود بن نجم الدين أحمد بن العماد إسماعيل بن العز - عرف بابن الكشك - الحنفي، بدمشق، في ذي القعدة. ولي قضاء الحنفية بدمشق، وقدم القاهرة.
ومات عبد الرازق بن أبي الفرج الأمير الوزير تاج الدين المعروف بابن أبي الفرج الأرمني، مات في رابع شهر ربيع الآخرة كان أولاً كاتباً، ثم ولي نظر قطيا، ثم صار والي قطيا. وولي الوزارة ثم الأستادارية معاً، ثم ولي بعد ذلك كشف الوجه البحري، ثم ولاية القاهرة وكان أولا يسمى بالمعلم، ثم سمي بالقاضي، ثم نعت بالصاحب، ثم بالأمير، ثم بملك الأمراء كل ذلك في مدة يسيرة من السنين.
ومات تيمورلنك كوركان بن أنس قتلغ، وقيل بل هو تيمور بن سرتخنته بن زنكي بن سبنا بن طارم بن طغرل بن قليج بن سنقرر، بن كنجك بن طوسبوقا بن ألتان خان، ومعني لنك الأعرج، ومعني كوركان صهر الملك. توفي تيمور بآهنكران من شرقي سمرقند، في ثالث عشر شعبان، وملك عامة بلاد العراق، وخراسان. وسمرقند، والهند، وديار بكر، وبلاد الروم، وحلب، ودمشق، وخرب مدن العالم، وحرقها، وهدم بغداد، وأزال نعم الناس، وكان قاطع طريق. أول ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.
سنة تسع وثمانمائةاستهلت والخليفة المستعين بالله أبو الفضل العباس بن محمد المتوكل على الله والسلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق، ودمشق بيد الأمير نوروز، من قبل الأمير جكم، وحلب وحماة وطرابلس بيد الأمير جكم، وهو خارج عن طاعة السلطان. ونائبه بديار مصر الأمير تمراز، وبدمشق الأمير شيخ، وقد توجه بعد الكسرة على حمص إلى جهة الرملة.
شهر الله المحرم، أوله الجمعة، ويوافقه رابع عشرين بؤونة: والمثقال الذهب بمائة درهم وخمسة وثلاثين درهماً بالفلوس، وكل دينار أفرنتي بمائة وخمسة عشر درهماً، والقمح بمائة وثلاثين درهماً الأردب، والشعير والفول بنحو مائة درهم، والفلوس كل رطل بستة دراهم، والفضة لا تظهر بين الناس، وإذا ظهرت تباع كل درهم كاملي بخمسة دراهم من الفلوس - زنة عشر أواقي - وبهذا فسدت أحوال أرباب الجوامك من الفقهاء وأمثالهم، الذين رزقهم على الأوقاف، والمرتبات السلطانية، فصاروا يأخذون معاليمهم عن كل درهم فضة أوقيتين فلوسا، وتسمي درهماً، وارتفعت أسعار جميع المبيعات حتى بلغت أضعاف قيمتها المعتادة بالفضة، فصار من معلومه مثلاً مائة درهم في الشهر - وكان قبل هذه الحوادث والمحن يأخذها فضة، عنها خمسة مثاقيل ذهباً - فإنه الآن يأخذ عن المائة سبعة عشر رطلاً، وثلثي رطل من الفلوس، يقال لها مائة درهم، ولا تبلغ ديناراً واحداً، فيشتري بهذه المائة ما كان قبل هذا يشتريه بأقل من عشرين بكثير، فإن كل سلعة كانت تباع بدينار لا تباع الآن إلا بدينار وبأكثر من دينار.

وأما الأجراء وأصحاب الصنائع فإن أجرهم تزايدت، فكل من كانت أجرته درهماً لا يأخذ الآن إلا خمسة فما فوقها. وكذلك التجار ضاعفوا ربحهم في بضائعهم، وأما أرباب الإقطاعات فإنهم جعلوا كل فدان بستة أمثال ما كان، فلم يختل من حالهم شيء، إلا أنه صار بهذا الاعتبار لا يرجى الرخاء بمصر، فإن الغلة تقوم على صاحبها بقيمة زائدة من أجل غلاء أجرة الطين، وثمن البذر، وأجرة الحصادين ونحوهم، وكل ذلك من سوء نظر ولاة الأمور. وقد كتبت في هذا مصنفاً اسمه إغاثة الأمة بكشف الغمة، وقد اعتذر لي بعضهم عن إفساد أهل الدولة الدرهم، فإنه حملهم على ذلك كثرة ما عليهم من جوامك المماليك، وذلك أن نفقة المماليك السلطانية تبلغ في كل شهر إلى ألف ألف ومائتي ألف درهم، سوى ما لهم من لحم وعليق خيولهم وكسوتهم. وحامكية المملوك منهم من أربعمائة إلى خمسمائة، وكانت أولا المائة درهم عنها خمسة مثاقيل ذهباً، فجعل المباشرون المثقال بهذا السعر، لعلمهم أن الأمتعة لا تنزل عن سعرها من الذهب والفضة، وأنهم لا ينفقون للمماليك إلا الفلوس، وقطعوا ضرب الفضة، وأكثروا من ضرب الفلوس، فرخصت الفلوس، وبذل الكثير منها في الذهب لقلة الفضة، وكثرة احتياج المسافرين إلى حمل النقود حتى بلغ الدينار إلى هذا القدر، فصار الدرهم بعد أن كان قيراطاً وبعض قيراط من الدينار، لا يساوي كل خمسة منه أو ستة قيراطا.
واستمرت نفقة المماليك على ذلك وهم لا يشعرون بحقيقة الحال، فعم الفساد، وخص الفقهاء ونحوهم من ذلك أعظم البلوى. ومؤسس هذا الفساد بديار مصر رجلان هما: سعد الدين إبراهيم بن غراب، وجمال الدين يوسف الأستادار، وذلك أن ابن غراب منذ ولي نظر الخاص في آخر الأيام الظاهرية لم يزل لكثرة ما ظفر به من الذهب يزيد في سعره حتى بلغ هذا القدر، وهو آخذ في الزيادة أيضاً على هذا القدر. وأما جمال الدين فإنه منذ كان يلي أستادارية الأمير بجاس في أجرة الراضي: ثم لما مات الظاهر ولي في الأيام الناصرية أستادارية جماعة كثيرة من الأمراء الأكابر، فجرى على عادته، وزاد في أجر الأراضي حتى عمل ذلك كل أحد، وصار باعتبار غلاء سعر الذهب كل شيء يباع فإنه بأضعاف ثمنه، وباعتبار غلاء الأطيان لا يرجى الرخاء، وهذان الفسادان سبب عظيم في خراب إقليم مصر، وزوال نعم أهله سريعاً، إلا أن يشاء ربي شيئاً.
وفي أوله: كتب باستقرار الأمير خير بك في نيابة غزة.
وفي يوم الأحد ثالثه: استقر شمس الدين محمد بن عبد الخالق المناوي - المعروف بالطويل وبالبدنة - في حسبة القاهرة، وصرف الهوى.
وفي رابعه: نودي على النيل.
وفي حادي عشرينه: قدم الركب الأول من الحاج إلى القاهرة، وقدم المحمل ببقية الحاج من الغد.
وفي خامس عشرينه: نودي في المماليك السلطانية بالعرض لأخذ نفقة السفر.
وفي ثامن عشرينه ابتدأ السلطان في نفقة المماليك يفرقها عليهم، فأنفق لكل واحد أربعين مثقالاً، فبلغت النفقة على ثلاثة آلاف.
ونودي في يومه بأن سعر كل مثقال بمائة وخمسين بعد مائة وثلاثين فكثر الضرر بذلك.
وأما الشام فإن في خامسه قدم الخبر بانهزام الأمير شيخ نائب الشام من حكم إلى غزة، فاهتم السلطان للسفر.
وفي حادي عشره: توجه الأمير سودن من زادة إلى الأمير شيخ باستمراره في نيابة الشام على عادته، وصحبته سلاح كثير أنعم به عليه، وتشرف ليلبسه مع عدة ثياب. وفيه خرج المطبخ إلى ملاقاة الأمير شيخ.
وفيه أنكر على الأمير كزل العجمي أمير الحاج ما فعله، فإنه أخذ من الحجاج عن كل حمل ديناراً، وباعهم الماء الذي يريدوه، فصودر، وأخذ منه قريب المائتي ألف درهم، ففر في سلخه، فأخذ له حاصل فيه قماش وغيره، وأخرج إقطاعه.
وأما الشام فإن الأميرين جكم ونوروز وجها فيرابعه الرسل إلى السلطان بصورة ما جرى، وخرج الأمير جكم من دمشق هو والأمير نوروز في حادي عشره، متوجه جكم إلى جهة حلب، وتوجه نوروز في طلب شيخ فلم يدركه وفر سودن المحمدي من عند الأمير شيخ - وكان مقيداً - ولحق بالأمير نوروز.
وفي آخره: أثبت قضاة حماة أن طائرات سمع وهو يقول: اللهم انصر حكم.
شهر صفر، أوله السبت: أهل والأسعار غالية، وبلغ لحم البقر إلى سبعة دراهم الرطل، ولحم الضأن إلى تسعة، والأسواق متعطلة، والناس في خوف ووجل من كثرة الظلم.

وفيه خرج الأمير يشبك وغيره من الأمراء إلى ملاقاة الأمير شيخ.
وفي ثالثه: قدم الأمير شيخ ومعه الأمير دمرداش نائب حلب، والأمير خير بك نائب غزة، والأمير ألطنبغا العثماني حاجب الحجاب بدمشق، والأمير يونس الحافظي نائب حماة - كان - والأمير سودن الظريف، والأمير تنكز بغا الحططي وغيرهم، فصعدوا القلعة وأكرموا غاية الإكرام، وذلك أن عسكر الأمير جكم سار من دمشق وأخذ صفد والصبيبة والكرك وغزة.
وفي سادسه: خلع على الأمير شيخ واستقر في نيابة الشام على عادته، وعلى الأمير دمرادش بنيابة حلب على عادته.
وفي سابعه: استقر تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله في نظر الأحباس، عوضاً عن ناصر الدين محمد الطناحي.
وفي حادي عشرينه: حمل السلطان أخاه الملك المنصور عبد العزيز، وأخاه إبراهيم إلى إسكندرية، مع الأمير قطلوبغا الكركي، والأمير أينال حطب العلاي ليقيموا بها، وخرج مع أخويه أمهاتهما وخدمهما، وأجرى لهما في كل يوم خمسة آلاف درهم، ولكل من الأمير ألف درهم في اليوم.
شهر ربيع الأول، أوله الاثنين: فيه برز الأمير شيخ نائب الشام، والأمير دمرداش نائب حلب، ومعهما جماعة من عسكر دمشق وحلب، ونزلا خارج القاهرة بالريدانية، ولحق بهما الأمير سودن الحمزاوي الدوادار، والأمير سودن الطيار أمير سلاح.
وفيه أعيد الهوى إلى الحسبة، وعزل شمس الدين الطويل، ورحل الأمير شيخ، والأمير دمرداش بالشاميين.
وفي رابعه: ضربت خيمة السلطان بالريدانية، فرحل الحمزاوي والطيار.
وفي ثامنه: سار السلطان من قلعة الجبل ونزل مخيمه بالريدانية.
وفي حادي عشره: أعيد الطويل إلى الحسبة، وعزل الهوى.
وفي ثاني عشره: رحل السلطان من الريدانية يريد الشام، وجعل الأمير تمراز الناصري نائب الغيبة، فلم يحمد رحيله في يوم الجمعة، فقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه قال: ما سافر أحد يوم الجمعة إلا رأى ما يكره.
وفي رابع عشرينه: نزل السلطان غزة، ورحل منها في سابع عشرينه.
وأما الشام فإن الأمير نوروز جهز في أوله عسكراً من دمشق، عليهم الأمير سودن المحمدي، وأزبك الدوادار، فساروا إلى جهة الرملة.
وفي حادي عشره: خرج الأمير بكتمر شلق من دمشق لجمع العشران، فقدم في ثالث عشره الأمير أينال بيه بن قجماس، والأمير يشبك بن أزدمر، وكانا مختفيين بالقاهرة، من حين عاد الملك الناصر إلى الملك بعد أخيه المنصور عبد العزيز، ووصل معهما الأمير سودن المحمدي لضعف حصل له، فأكرمهما الأمير نوروز، وأنعم عليهما. وعقيب ذلك عاد العسكر المتوجه مع سودن المحمدي إلى الرملة، لوصول الأمير خير بك نائب غزة إليها - هو والأمير ألطنبغا العثماني - وأخبروا باستقرار الأمير شيخ في نيابة الشام، وأن السلطان قد خرج من القاهرة، فاضطرب نوروز، وخرج من دمشق في يوم الثلاثاء سابع عشره، فبلغه وصول الأمير ألطنبغا العثماني إلى صفد، وقد ولي نيابتها، ومعه شاهين دوادار الأمير شيخ. ففر منه بكتمر شلق، وقدم على نوروز، فعاد حينئذ من جسر يعقوب، وقد عزم على الفرار خوفاً من السلطان، ولحق به من كان بدمشق من أصحابه. وسار من دير زيتون في سادس عشرينه على بعلبك إلى حمص، فدخل شاهين - دوادار شيخ - من الغد يوم الجمعة سابع عشرينه إلى دمشق، ثم قدم الأمير شيخ في يوم الاثنين آخره، ومعه دمرداش نائب حلب، وألطنبغا العثماني نائب صفد، والأمير زين الدين عمر بن الهذباني أتابك دمشق، فلم يجد من يمانعه.
شهر ربيع الآخر، أوله الثلاثاء: في ليلة الاثنين سابعه: مات الملك المنصور عبد العزيز بن الظاهر برقوق بالإسكندرية. بعد مرضه مدة إحدى وعشرين ليلة. ومات بعقب موته من ليلته أخوه إبراهيم، ودفنا من الغد، فكانت جنازتهما جمعها كبير، ولهج الناس بأنهما ماتا مسمومين.
وفي هذا اليوم: دخل السلطان إلى دمشق في تجمل عظيم، ونزل بدار السعادة إلى أن توجه يريد حلب في سابع عشره، فدخلها في سادس عشرينه، وقد رحل الأمير جكم عنها، وعدى الفرات ومعه الأمير نوروز، والأمير تمربغا المشطوب، وجماعة، منزل السلطان بالقلعة، وبعث الأمراء في طلب جكم.

وفي ثامن عشرينه: قدمت رمة الملك المنصور عبد العزيز وأخيه إبراهيم من الإسكندرية على ظهر النيل إلى ساحل القاهرة، وحملا إلى تحت القلعة، وأمهاتهما وجواريهن مسلبات، فصلى عليهما، ودفنا عند أبيهما تحت الجبل بتربته التي أوصى بعمارتها.
شهر جمادى الآخرة، أوله السبت: فيه خرج السلطان من حلب عائداً إلى دمشق، وولي بحلب الأمير جركس المصارع. وولي الأمير سودن بقجة نيابة طرابلس. وأقر الأمير شيخ على نيابة الشام، وجد في مسيره حتى قدم دمشق في خمسة أيام، وترك الخام وراءه.
فثارت طائفة من المماليك ومعهم عامة حلب على جركس المصارع، وقدم الأمير نوروز بعسكره ففر جركس يريد دمشق، ونوروز في أثره، فعثر بخام السلطان فقطعه، ووقع النهب فيه. وخلص الأمير جركس إلى السلطان، ودخل معه دمشق في ثامنه، فنزل السلطان دار السعادة، ونادى بالإقامة في دمشق شهرين. وكان الأمير يشبك قد دخل بالأمس وهو مريض، ومعه الأمير دمرداش، والأمير باش باي رأس نوبة.
وهي خامس عشره: أعيد شمس الدين الأخناي إلى قضاء دمشق، وعزل ابن حجي. وقدم الخبر بنزول الأمير نوروز حماة ثم حمص ووصول جكم إلى حلب، فسار السلطان من دمشق يوم الأحد سادس عشره بعدما تقدم إلى العسكر بأن من كان فرسه عاجزاً فليذهب إلى القاهرة، وألا يتبعه إلا من كان قوياً، فتسارع أكثر العساكر إلى العود إلى القاهرة. ولم يتبع السلطان منهم كثير أحد فانتهى في مسيره إلى قريب منزلة قارة، ثم عاد مجداً، فدخل دمشق يوم الخميس عشرينه. وقد فرق شمله، وتأخر جماعة من الأمراء مع شيخ نائب الشام، فخرج الأمير يشبك في ثاني عشرينه، وخرج شبح ودمرداش وألطنبغا العثماني في عدة أمراء يوم الأحد ثالث عشرينه إلى صفد. وسار السلطان ويشبك يريد مصر، فدخل إلى القدس، وقد تخلف الأمير سودن الحمزاوي بدمشق ومعه عدة من الأمراء مغاضبين للسلطان. ثم توجه الحمزاوي من دمشق يريد صفد، وأخذ كثيراً من الأثقال السلطانية، واستولى على صفد.
وفي يوم الأحد رابع جمادى الأولى: أعاد نائب الغيبة ابن شعبان إلى الحسبة وعزل الطويل.
وأما الشام فإن الأمير سودن الحمزاوي الدوادار دخل بالجاليش السلطاني إلى دمشق في يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر، ودخل الأمير بيغوت في رابعه، وقدم السلطان في يوم الاثنين سابعه والأمير شيخ نائب الشام قد حمل الجتر على رأسه، وبين يديه الخليفة والقضاة والأمير يشبك وبقية العساكر، فنزل السلطان بدار السعادة.
وفي ليلة الثلاثاء ثامنه: بعث الوزير في طلب علاء الدين علي بن أبي البقاء قاضي دمشق، ففر من الأعوان بعدما قبضوا عليه.
وفي يوم الثلاثاء: هذا خلع على الأمير سودن بقجة بنيابة طرابلس، وسار إليها.
وفي يوم الجمعة حادي عشره: صلى السلطان الجمعة بجامع بني أمية وحطب به، وصلى الشهاب أحمد بن الحساباني. وفي هذه الأيام ركب المماليك السلطانية تحت قلعة دمشق، وطلبوا النفقة، وتكلموا كثيراً بما لا يليق، وفي ثامن عشره: توجه الأمير شيخ نائب الشام والأمير دمرداش نائب حلب من دمشق يريدان حلب، وضرب خام السلطان ببرزة، وخرج السلطان من الغد، فنزل ببرزة.
وفي خامس عشره: أعيد الشريف علاء الدين علي بن عدنان إلى كتابة السر بدمشق، وكانت بيد ابن الآدمي، فلما قدم الأمير نوروز اختفى منه مباشرها تقي الدين القرشي موقع نوروز، حتى حوج من البلد.
وفي تاسع عشره: ولي نجم الدين عمر بن حجي قضاء دمشق. وعزل الشهاب الحساني.
وفي حادي عشرينه: قدم قاضي القضاة شمس الدين محمد الأخناي من القاهرة إلى دمشق، وكاد قد ولي بعد صرفه من قضاء ديار مصر خطابة القدس.
وفي خامس عشرينه: وصل إلى دمشق الأمير جمال الدين الأستادار، وكان قد تأخر بعد السلطان بالقاهرة.
وفي آخره: قبض على قضاة حماة، ووضعوا في الحديد، وألزموا بمال، كونهم أثبتوا محضر الطائر بالدعاء لجكم.
وأهل جمادى الأول: والناس في دمشق وأعمالها في ضرر كبير لما نزل من جباية الشعير للسلطان.
وفي تاسع عشره: طلب السلطان قضاة طرابلس فقدموا عليه بحلب، وأخذ منهم مالاً. وأعادهم إلى حالهم. وأخذ من قضاة حلب مالاً وأقرهم.

وفي خامس عشرينه: ولي صدر الدين علي بن الأدمي قضاء الحنفية بدمشق بمال كبير. وقدم الأمير يشبك من حلب إلى دمشق في سابع جمادى الآخرة، ثم قدم السلطان في ثامنه، وخلع في عاشره على شيخ خلعة الاستمرار في نيابة الشام، وعلى سودن الحمزاوي خلعة الاستمرار. ونودي بالإقامة في دمشق فقدم الخبر في سادس عشره بوصول نوروز إلى حمص، فنودي بالرحيل، فتقدم الأمير شيخ. ثم سار السلطان في آخره. وتوجه كثير من العسكر إلى جهة القاهرة، فوصل السلطان إلى قارا وعاد إلى دمشق يوم الخميس عشرينه، مخرج الأمير يشبك في يوم السبت وهو مريض يريد القاهرة.
وخرج شيخ ودمرداش وألطنبغا العثماني في يوم الأحد ثالث عشرينه إلى جهة صفد، ومعهم جماعة من الأمراء ندبهم السلطان إليها. وخرج السلطان ليتبعهم، فنزل الكسوة يريد مصر، ورحل، فثار بدمشق في يوم الاثنين رابع عشرينه جماعة نوروز الذين كانوا مختفين، ونادوا بالأمان، ودقوا البشائر. ثم قدم في سابع عشرينه عدة أمراء، منهم سودون الحلب وجمق وأزبك دوادار نوروز إلى دمشق. وقدم من الغد أينال بيه بن قجماس، ويشبك بن أزدمر، ويشبك الساقي في عدة من النوروزية.
شهر وجب، أوله الأحد: فيه قدم الأمير نوروز دمشق، في موكب جليل.
وفي ثانيه: وصلت طائفة من عسكر السلطان إلى القاهرة، وتتابع دخولهم.
وفي تاسعه: قدم الأمير جمال الدين الأستادار.
وفي سادسه: أعيد الطويل إلى الحسبة، وعزل ابن شعبان. وفيهقدم حريم السلطان من الشام، وقدم عدة من المماليك السلطانية وغيرهم.
وفي حادي عشره: قدم السلطان إلى قلعة الجبل، ولم ينل غرضاً، وقد تلف له مال كثير جداً، ونقصت عساكره، فزينت القاهرة لقدومه.
وفي ثامن عشره: قدم الأمير دمرداش نائب حلب، والأمير سودن من زاده نائب غزة، وقد ثار بها الأمير خير بك.
وفي ثاني عشرينه: استقر زين الدين حاجي التركماني في حسبة القاهرة، وعزل الطويل، ثم أعيد في سابع عشرينه.
وكان الأمير سودن الحمزاوي قد أخذ صفد وقلعتها، واستمر هو والأمير شيخ، ودمرداش. ففر عنهم دمرداش، وأخذ الحمزاوي يسعى في صلح شيخ مع نوروز حتى أجاب نوروز إليه. وكتب في ذلك إلى جكم، فخرج الحمزاوي يوماً من صفد ليسير في برها، فسار شيخ، وأخذ في عيبته القلعة، فنجا الحمزاوي بنفسه وبعض أصحابه، وقدم دمشق في ثاني عشره، فأخذ شيخ جميع ما كان له بصفد، وقبض على جماعته. ونزل دمرداش بغزة، فأخذ نوروز في عمارة قلعة دمشق، ووقف عليها بنفسه ومعه الأمراء والقضاة، وفرض الأموال على الأراضي، فجبي مالاً كبيراً، وأخرج الأوقاف إقطاعات لإصحابه، وأقطع الأملاك أيضاً.
شهر شعبان، أوله الثلاثاء: في رابعه: قبض على الوزير المشير فخر الدين بن غراب، وسلم إلى الأمير جمال الدين الأستادار ليعاقبه.
وفي سابعه: استقر الأمير جمال الدين في وظيفتي الوزارة ونظر الخاص، مضافاً لما بيده. وكان بن غراب قد قطع في شهر رجب اللحم المرتب على الدولة للمماليك السلطانية والأمراء وأهل الدولة، وصرف لأربابه عن كل رطل لحم درهماً، وسعره يومئذ ثمانية دراهم الرطل، فخفت كلفة الدولة، وصار الوزراء في راحة. وذلك أن اللحم كان ثمنه في كل يوم زيادة على خمسين ألف درهم، فنزل بالناس من أجلها أنواع من البلاء، ويمر بالوزير من القباض - إذا تأخرت - إهانة لا توصف، ويحتاج في هذا إلى مصادرات الناس وأخذ الأموال بأنواع الظلم، ولذلك كان الوزراء يعجزون عن سد الوزارة، فمنهم من يختفي، ومنهم من يستعفي، ومنهم من ينكب. وكان ثمن هذا اللحم يقال له النقدة، والذين يقضونه من الوزير يقال لهم المعاملون، ولهم سلاطة، فإذا أحيلوا على أحد استخصوا منه بأيديهم، فإن تعاسر عليهم نهبوا داره أو حانوته. وإذا لم يجد الوزير سبيلاً إلى إعطائهم تلك الليلة ثمن اللحم ولا أحالهم على أحد، أسمعوه ما يكره، ومدوا أيديهم إلى ما يجدوه تحته من فراش أو عنده من شيء، وأخذوه، فزال عن الناس عامة، وعن الوزراء خاصة بترك صرف لحم الراتب وتعويض أربابه عنه مالاً، بلاء عظيم.

وصار الوزير بعدما كان يحتاج إلى النقدة في كل ليلة، ولا يقدر أن ينام حتى يدفعها إلى المعاملين، أو يوزعها على من يحيلهم عليهم قد أمن، فإنه لا يصرف ممن ذلك لأربابه إلا من الشهر إلى الشهر. ومع هذا فيعطى في الدرهم سدسه أو سبعه، واستمر الأمر على هذا.
وفي خامس عشره: نودي على المثقال الذهب بمائة وعشرين درهماً، وعلى الدينار الإفرنتي بمائة درهم، بعد مائة وخمسة وثلاثين، فتوقفت الأحوال.
وفيه انحل سعر القمح فنزل إلى ستين درهماً الأردب، ونزل الشعير إلى خمسة وثلاثين، والفول إلى خمسة وعشرين الأردب. ونودي أن يكون الخبز ثلاثة أرغفة بدرهم، زنة الرغيف عشر أواقي، فقل وجوده في الأسواق، ثم نودي أن كل أربعة أرغفة بدرهم زنة تسع أواقي كل رغيف، فبيع كذلك، وتعذر وجوده غالباً.
وفي ثامن عشره: قبض بغزة على الأمير خير بك. وحمل مقيداً إلى القاهرة وقدم في ثاني عشرينه.
وأما الشام فإن المصادرات كثرت بدمشق، وصار أهلها في شدة من كثرة ما جبي منهم لعمارة القلعة، وأخرجت أوقافهم وأملاكهم إقطاعات للنوروزية. وأخذت أموال كثير من التجار.
وفي رابع عشرينه: ولي الأمير نوروز نيابة غزة للأمير أينال بيه بن قجماس وولي أسن بيه كاشف الرملة، وأخرجهما ومعهما يشبك بن أزدمر، وسودن الحمزاوي، فساروا إلى جهة غزة. وبعث سودن الحلب إلى الكرك نائباً بها، فأطلق من كان سجنه السلطان فيها، وبعثهم إلى دمشق.
شهر رمضان، أوله الخميس: وفي عاشره: خرج من القاهرة عسكر إلى الشام، فيه الأمير تمراز الناصري، والأمير أقباي، فورد الخبر بأن عسكراً من الشام قد أخذ غزة، وأن يشبك بن أزدمر نزل قطيا وخربها، وعاد إلى غزة. فأقام تمراز بمن معه على بلبيس.
وفي هذا الشهر: أخرج أهل القدس عبد الرحمن المهتار ويشبك الساقي. وابن قجماس ومن معهم إلى وادي بني زيد، فكثر هناك جمعهم، وساروا إلى الرملة، وقاتلوا العسكر، فقتل منهم نحو الخمسين رجلاً، وأسر خمسة عشر، وجرح أسنباي، وانهزم من بقى.
وفيه سار عسكر من دمشق يريد الرملة، فخرج ألطنبغا العثماني من صفد إلى قاقون وكتب إلى السلطان أن ينجده بعسكر.
وفي هذا الشهر: تسلطن الأمير جكم بحلب يوم حادي عشره، وتلقب بالسلطان الملك العادل أبي الفتوح عبد الله جكم، وخطب باسمه من حلب إلى الفرات إلى غزة، ما عدا صفد، فإن الأمير شيخ المحمودي نائب الشام كان قد أخذها من الحمزاوي وأقام بقلعتها. ففر منه الحمزاوي، وقام الأمير شيخ على طاعة السلطان. ولم يجب جكم إلى التوجه إليه.
شهر شوال، أوله الجمعة: في رابعه: خلع الأمير نوروز على الأمير بكتمر شلق بنيابة صفد، عن أمر الملك العادل عبد الله جكم.
وفي سابعه: عاد الأمير تمراز والأمير أقباي بمن معهما إلى القاهرة، من غير أن يتجاوزوا السعيدية، وقدمت عدة كتب من الشاميين إلى المماليك السلطانية بترغيبهم في اللحاق بهم، وتخويفهم من التأخر بديار مصر، وقدمت عدة كتب من الأمير جكم وغيره إلى عربان مصر وفلاحيها، يمنعهم من دفع الخراج إلى السلطان وأمرائه، وتخويفهم وتحذيرهم.
وفي ثامن عشره: قدم إلى دمشق قاصد الملك العادل جكم، ومعه مرسومه بتقرير الأمير سودن الحمزاوي دوداراً، وتقرير الأمير إينال بيه بن قجماس أمير أخور، والأمير يشبك بن أزدمر رأس نوبة، والأمير سودن الحمزاوي. أمير مجلس، والأمير نوروز قسيم الملك، وما يختار يفعل، وأمرهم بلبس الكلفتاة، وكانوا قد تركوها مدة، إشارة منهم أنهم غير طالعين السلطان.
وفي خامس عشرينه: لبس الأمير نوروز خلعة الملك العادل حكم، ودقت البشائر بدمشق وزينت.

وفي هذا الشهر: ابتدأ الطاعون بالقاهرة ومصر. وتزايد حتى فشا في الناس وكثر الموت الوحي، وبلغ عدد من يرد اسمه الديوان إلى مائتين وخمسين في كل يوم، وترجف العامة بأن عددهم أضعاف ذلك وشبهتهم أن الحوانيت المعدة لإطلاق الأموات أحد عشر حانوتاً، في كل حانوت نحو الخمسين تابوت، ما منها تابوت إلا ويتردد إلى الترب كل يوم ثلاث مرات وأكثر، مع كثرة ازدحام الناس عليها، وعز وجودها، فيكون على هذا عدة من يموت لا يقصر عن ألف وخمسمائة في اليوم، سوى من لا يرد اسمه الديوان من مرضى المارستان، ومن يطرح على الطرقات، وغالب من يموت الشباب والنساء. ومات بمدينة منوف العليا أربعة آلاف وأربعمائة إنسان، كان يموت بها في كل يوم مائة وأربعون نفراً. واتفق في هذا الشهر أنه كان لبعض الأمراء صاحب من فقراء العجم، وكان له أيضاً ولد صغير كيس، فكان الفقير يحب ذلك الصغير ويكثر أن يقول: لو مات هذا الصغير لمت من الأسف عليه، فقدر الله موت الصغير، فما فرغوا من غسله حتى مات الفقير، فساروا بالجنازتين معاً، ودفنا متجاورين.
شهر ذي القعدة، أوله الأحد: في سادس عشره: استقر في حسبة القاهرة تاج الدين محمد بن أحمد بن علي، عرف بابن المكللة، ربيب ابن جماعة، وعزل الطويل.
وفي رابع عشرينه: أعيد ابن شعبان إلى الحسبة، وعزل ربيب بن جماعة.
وفي هذا الشهر: كثر الموتان في الناس، وعز وجود البطيخ الصيفي من كثرة طلبه للمرضى. فبيعت بطيخة بمائتي درهم وسبعين درهماً.
وفي آخره: توجه عدة من الأمراء إلى جهات مصر، فمضى الأمير يشبك في طائفة إلى البحيرة، ومضى الأمير يلبغا الناصري في طائفة إلى أطفيح لأخذ جمال الناس من أجل التجريدة لقتال جكم.
وفيه ظهرت بثرة برجل، فوصف له شخص أن يؤخذ فروج ويوضع دبره على تلك البثرة، فإن مات الفروج وضع دبر فروج آخر. وفعل كما قال فمات عشرون فروجاً عندما يلصق دبر الفروج بالبثرة يموت لوقته. وفيه ملك العادل جكم البيرة.
وفي رابع عشرة: بعث الأمير شيخ - وهو بصفد - عسكره إلى نابلس، فقبض على عبد الرحمن المهتار، وحمل إليه، فعاقبه ثم قتله.
وفي ثامن عشره: حلف الأمير نوروز ومن معه بدمشق للملك العادل حكم ولبسوا الكلفتاه.
ووقع الجد في عمارة قلعة دمشق، وسخر نوروز فيها الناس.
شهر ذي الحجة، أوله الاثنين: فيه كبس الناصري بأطفيح على العربان، وساق عدة من إبلهم، فاجتمعوا عليه، وأوقعوا بساقته وأخذوا عدة من بغاله، وقتلوا منه جماعة، وجرحوا طائفة. وقدم الخبر بأن عربان البحيرة، أحاطوا بمن توجه إليهم من الأمراء، وحصروهم في مدينة دمنهور فخرجت النجدة إليهم، بحيث لم يتأخر أحد من الأمراء، فمرت العربان في البرية إلى جهة الحمامات. وفيه وقع الاهتمام بالسفر إلى الشام.
وفيه طلب ابن التركية من الأمير يشبك الأمان فأمنه، وحلف له، فندما نزل قريباً منه، بينه وقبض عليه، وقتل عدة من أصحابه، وبعث إلى أمواله فنهبها، وساق له منها ثلاثين ألف رأس غنم، وبعثها مع الأمير تعري بردى، والأمير أقباي والأمير بشباي، فوصلوا إلى الجيزة في سادس عشره، بعد ما لقوا في رمل الحاجر شدة، وتلفت لهم عدة خيول. وقدم يشبك بمن معه في يوم الجمعة تاسع عشره وبين يديه بن التركية وجماعة من أهل البحيرة، فوسط السلطان ابن التركية وعلق رأسه على باب زويلة.
وفي خامس عشرينه: علق الجاليش لتجهز العسكر للسمر.
وفي تاسع عشرينه: رسم بالنفقة، وصر لكل فارس مبلغ ثلاثين مثقالاً وألف درهم فلوساً، فتجمع المماليك تحت القلعة وامتنعوا من أخذها.

وفيه دقت البشائر بموت جكم. وكان من خبره أنه لما تسلطن، استعد لأخذ بلاد الشمال، وأعرض عن مصر. ثم حرج من حلب يريد الأمير عثمان بن طور علي بن قوايلك، وقد نزل بتركمانه في أراضي آمد. فحضر جكم البيرة حتى أخذها وقتل نائبها كزل ثم عدا الفرات من البيرة، فأتته رسل قرايلك ترغب إليه في رجوعه إلى حلب، وأنه يحمل إليه من الجمال والأغنام عدداً كثيراً، فلم يقبل. وسار حتى قرب من ماردين، فنزل وأقام أياماً، حتى نزل إليه الملك الظاهر مجد الدين عيسى وحاجبه فياض من ماردين، فسار به إلى قرايلك وحطم عليه، فقاتله قتالاً كبيراً أبلي فيه جكم بنفسه بلاء عظيماً، وقتل بيده إبراهيم بن قرايلك، فانهزم لقتله التركمان إلى مدينة آمد، وامتنعوا بها، فاتحكم جكم في طائفة عليهم حتى توسط بين بساتين آمد، فإذا هم قد أرسلوا المياه فوحلت الأراضي بحيث يرتطم فيها الفارس بفرسه فلا يقدر على الخلاص، فأخذ جكم ومن معه الرجم من كل جهة، وقد انحصروا في مضيق لا يمكن فيه كر ولا فر، وصوب بعض التراكمين على جكم ورماه بحجر في مقلاع أصاب جبهته، فتجلد قليلاً، ومسح الدم عن وجهه ولحيته، ثم اختلط وسقط عن فرسه، فتكاثر التركمان على من معه وقتلوهم، فانهزم بقية العسكر، والتركمان في أعقابهم تقتل وتأسر، فلم ينج منهم إلا القليل، وطلب جكم بين القتلى، حتى عرفه بعض التراكمين، فقطع رأسه وبعثها إلى مصر، وقتل في هذه الوقعة الأمير ناصر الدين محمد بن شهري حاجب حلب، والأمير أقمول نائب عينتاب، والملك الظاهر عيسى صاحب ماردين، وحاجبه فياض، وفر الأمير كمشبغا العيساوي، والأمير تمربعا المشطوب، حتى لحقا بحلب. وكانت هذه الوقعة في سابع عشرين ذي القعدة، فدقت البشائر بقلعة الجبل ثلاثة أيام.
وفي هذا الشهر: أيضاً ركب الأمير شيخ نائب الشام من صفد يريد الأمراء بغزة، وهم سودن الحمزاوي، والأمير أينال بيه بن قجماس، والأمير يشبك بن أزدمر فطرقهم على حين غفلة، فقاتلوه على الجديدة في يوم الخميس رابعه، فقتل أينال بيه ويونس الحافظي نائب حماة وسودن تلي المحمدي، وسودن قرناس.
وقبض على سودن الحمزاوي بعدما قلعت عينه، وفر يشبك بن أزدمر إلى دمشق، ووقع في قبضة الأمير شيخ عدة من المماليك، فوسط تسعة من المماليك السلطانية، وغرق أحد عشر، وأفرج عن مماليك الأمراء، وقال لهم: قد وفيتم لأستاذيكم، وبعث بطائفة من المماليك السلطانية إلى السلطان، وعاد إلى صفد.
وفي هذا الشهر: خسف جميع جرم القمر في ليلة الأحد رابع عشره. وفيه عاد الأمير نوروز إلى طاعة السلطان الملك الناصر، بعد قتل جكم، وافتتح كتبه بالملكي الناصري، وأعيدت الخطبة للناصر بدمشق يوم الجمعة سادس عشرينه. وسمع بعض أهل طريق الله صوتاً في الهواء بدمشق، حفظ منه:
يمر السحاب بأرض الشام ... كمر الحمام بأرض الحرم
تروم النزول فلا تسطيع ... لفعل الخطايا وذنب الأمم
ومات في هذه السنة ممن له ذكرأحمد بن عمر بن محمد الطنبدي الشافعي، وقد أناف على الستين في حادي عشرين ربيع الأول، وكان من أعيان الفقهاء العارفين بالأصول والتفسير والغريب. وأفتى ودرس ووعظ عدة سنين، وكان من الأذكياء، والأدباء الفصحاء، ولم يكن مرضى الديانة.
ومات تقي الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدرة بن عبد الله الدجوي الشافعي، في ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، عن ستة وسبعين سنة، وكان إماماً في الحديث والنحو واللغة والتاريخ وغير ذلك، حافظاً، ضابطاً، ثقة، حدث في آخر عمره. بعد طول خموله.
ومات شرف الدين أبو بكر بن تاج الدين محمد بن اسحق السلمي المناوي، أحد خلفاء الحكم الشافعية، وخطب الجامع الحاكمي، في نصف جمادى الآخرة، عن بضع وخمسين.
ومات الشيخ محمد بن أحمد بن محمد المعروف بابن فهيز المغيربي، في يوم الاثنين رابع عشرين جمادى الآخرة. وكان في شبابه له تنسك. وخدم عبد الله اليافعي بمكة. ثم صحب طشتمر الدوادار في الأيام الأشرفية، فنوه به حتى صار يعد من الأعيان والأغنياء المترفين.
ومات الشريف بدر الدين حسن بن محمد بن حسن النسابة الحسنى، شيخ خانكاه بيبرس، في ليلة السبت سادس عشر شوال، عن سبع وثمانين سنة. حدث عن الوادياشي والميدومي، والحافظ قطب الدين عبد الكريم، وغيرهم.

ومات الشيخ شمس الدين محمد بن زاده الخرزباني شيخ خانكاه شيخو في يوم الأحد آخر ذي القعدة، ودفن بالخانكاه. وكان من أعيان الحنفية، وله يد في العلوم الفلسفية، واستدعاه السلطان من بغداد إلى القاهرة.
ومات سراج الدين عمر بن منصور بن سليمان القرمي في يوم الاثنين خامس جمادى الأولى. وولي حسبة مصر ثم حسبه القاهرة.
ومات الأمير ركن الدين عمر بن قايماز أستادار السلطان، في يوم الاثنين أول شهر وجب.
ومات الأمير نعير بن حيار بن مهنا ملك العرب، قتله جكم في قلعة حلب.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن سنقر البكجري، أستادار السلطان، بحلب.
ومات علاء الدين علي بن بهاء الدين أبي البقاء محمد بن عبد البر السبكي الشافعي، قاضي قضاة دمشق، ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الآخر بدمشق، ومولده بها في سنة سبع وخمسين وسبعمائة. وقدم القاهرة صغيراً ونشأ بها، ثم عاد إلى دمشق، ودرس بها، ثم ولي قضاء القضاة بها غير مرة، وطلبه السلطان، فاختفي حتى مات.
ومات زين الدين عبد الرحمن بن يوسف الكفري قاضي الحنفية بدمشق، ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر. ومولده سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، بدمشق. وقدم القاهرة، وولي قضاء الحنفية بدمشق غير مرة، فساءت سيرته.
ومات شهاب الدين أحمد بن محمد بن الجواشني الحنفي بدمشق، في ليلة الأحد سادس عشر جمادى الآخرة، وقدم القاهرة، وناب في الحكم بها، وولي قضاء الحنفية بدمشق، ودرس في عدة مدارس، وكان مشكوراً.
ومات شرف الدين مسعود بن شعبان الحلبي، في يوم الجمعة تاسع شهر رمضان بطرابلس. قدم القاهرة غير مرة، وولي قضاء القضاة الشافعية بدمشق وطرابلس مراراً. ومات عبد الرحمن المهتار، مقتولاً بصفد، في ذي القعدة وكان قد تأمر وغزا الكرك وأفسد فيما هنالك بكثرة الفتن.
سنة عشر وثمانمائةأهلت ودمشق بيد نوروز الحافظي، وقد تغلب تمربغا المشطوب على حلب بعدما حاربه أهلها، وأعانهم الأمير علي بك بن دلغادر، وقد قصد حلب بجمع كبير من التراكمين، بعد قتل جكم، ليأخذها، فكانت بينهم حروب آلت إلى استيلاء المشطوب على القلعة بموافقة من بها، فانهزم ابن دلغادر، وتمكن المشطوب، وأخذ أموال حكم، واستخدم مماليكه، فعز جانبه.
وأهل المحرم بيوم الأربعاء: وسعر الدينار المشخص بالقاهرة مائة وأربعين درهماً فلوساً. وكل درهم كاملي بخمسة دراهم من الفلوس. وكل رطل من الحم الضأن بتسعة دراهم. وكل رطل من لحم البقر بسبعة، وهو قليل الوجود. وكل أردب من القمح بمائة وثمانين فما دونها.
وفي يوم الخميس ثانيه: جلس السلطان للنفقة، فلم يتهيأ.
وفي ثالثه: قدم مبشوا الحاج، ولم تجر عادتهم بالتأخر إلى مثل هذا الوقت. وذلك أن صاحب خليص عوقهم عنده، وجرح بعضهم بعد محاربتهم، من أجل تأخر مرتبه الذي جرت عادته أن يحمل إليه من قديم الزمان.
وفي يوم الاثنين سادسه: فرقت الجمال على الممالك والأمراء، بسبب السفر إلى الشام. وفيه قدم كتاب الأمير شيخ المحمودي من صفد بوصول رأس حكم، فدقت البشائر.
وفي ثامنه: وصل عدة مماليك، قد قبض عليهم الأمير شيخ في وقعة غزة.
وفي ثاني عشره: ضربت عنق والي الفيوم بين يدي الأمير جمال الدين الأستادار في داره، بأمر شهد به عليه، اقتضى قتله.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره: تدم حاجب الأمير نعير ومعه رأس الأمير جكم، ورأس ابن شهري، فخلع عليه، ودقت البشائر لذلك. وطيف بالرأسين على قناتين، ونودي عليهما في القاهرة، ثم علقا على باب زويلة، ونودي بالزينة، فزينت القاهرة ومصر، وقدم كتاب الأمير شيخ، يحث على سرعة حركة السلطان إلى الشام.
وفي يوم السبت تاسع عشره: ضربت خيمة السلطان تجاه مسجد التبر خارج القاهرة، فتأهب العسكر للسفر.
وفي يوم الأحد عشرينه: درس ناصر الدين محمد بن قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحلبي الحنفي بالمدرسة المنصورية بين القصرين، وهو شاب إما بلغ الحلم أو لم يبلغ. فحضر معه القضاة والفقهاء والأمير يشبك والأمير تمراز، والأمير تغري بردى، وقد زوجه بابنته، وبني عليها في ليلة الجمعة ففخم أمره بمصاهرة الأمير تغري بردى. ووجد بذلك أبوه سبيلاً إلى تقديمه للتدريس مع صغر سنه، وخلو وجهه من الشعر جملة.

وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه: قدم المحمل بالحاج مع الأمير شهاب الدين أحمد ابن الأمير جمال الدين الأستادار، وقد توجه به وعمل أمير الحاج مع صغر سنه. ولعله لم يبلغ عشرة سنة، فسار بجاه أبيه. وتمشت له الأحوال مع هوجه وسخفه. وحدث في الحاج ما لم يعهد، وهو أنهم عند رحيلهم من بركة الحجاج في شوال، وقف الأمير جمال الدين وقد خرج لوداع ولده، حتى رتبهم ليسيروا ذهاباً وإياباً، قطارين متحاذيين، لا غير وجعل الحاج ناساً بعد ناس، فاستمر هذا ولم يتغير. وكان الحاج يسيرون كيف شاءوا، فإذا وصلوا إلى مضيق وقف أمير الحاج بنفسه وعقبهم، فساروا قطاراً، أو قطارين بحسب الحال، حتى يخلصوا من المضيق بغير قتال، فيسيروا كيف شاءوا، ثم لما تغيرت الأحوال وولي الأمور غير أهلها، قلت عناية أمراء الحاج بما ذكرنا، فصار الناس في المضايق يقضي بهم الحال إلى القتال، وإسالة الدماء، وكسر الأعضاء، وغلبة الأقوياء على الضعفاء. ثم لما ولي الأمير كزل العجمي الحاجب إمارة الحاج فيما تقدم، جبى من الحاج مالاً كثيراً، حتى عقبهم في المضايق، فقصد الأمير جمال الدين بما فعله خيراً، فكان فيه خير من وجه وشر من وجه، أما خيره فراحة الناس من الازدحام في المضايق.
وأما شره فإن الأقوياء والأعيان يسيرون أولاً فأولاً. وضعفاء الناس لا يزالون في الأعقاب. فإذا نزلوا لا تقدم الساقة حتى يرحل من تقدم، فيسيرون طول سيرهم في عناء. وأحسن من ذلك ما أدركنا الناس عليه في تعقيبهم عند المضايق، من غير غلبة ولا قتال. واستمر ما رتبه الأمير جمال الدين في كل عام.
واتفق أن المغاربة انضم إليهم في عودهم من مكة حاج الإسكندرية وغزة والقدس، فنهبوا جميعاً، ونزل بالمغاربة بلاء كبير.
وفي حادي عشرينه: برز الأمير يشبك الأتابك والأمير تغري بردى والأمير بيغوت، والأمير سودن بقجة في عدة أمراء إلى الريدانية، فأقاموا إلى ليلة الجمعة خامس عشرينه، ورحلوا.
وفي يوم الاثنين ثامن عشرينه: سار السلطان من قلعة الجبل في آخر الثانية بطالع الأسد، ونزل بمخيمه من خارج القاهرة تجاه مسجد تبر، وقد بلغت النفقة على المماليك إلى مائة ألف دينار وثمانين ألف دينار، وبلغت عدة الأغنام التي سيقت معه عشرة آلاف رأس من الضأن، وتقرر عليق خيوله وجماله - لخاصه ومماليكه - في كل يوم ألفاً وخمسمائة أردب، خارجاً عن عليق الأمراء وغيرهم من أهل الدولة. وبلغ راتب لحمه المطبوخ بمطابخه في كل يوم إلى ألفين ومائه رطل.
وأما الشام، فإن دمشق بيد الأمير نوروز، وقد خرج منها لقتال الأمير شيخ، فخيم على عقبة يلبغا من نصف ذي الحجة، ثم نزل شقحب وأخذ في الإرسال إلى السلطان ليسأله الأمان. ودخل بمن معه إلى دمشق في ثالث المحرم، بعدما غاب ستة عشر يوماً بشقحب، ثم بعث الأمير بكتمر شلق في ثامنه إلى الجهة الغربية في طلب أصحاب شيخ فلم يظفر بهم، وعاد من الغد.
ثم خرج جماعة من الأمراء في حادي عشره، منهم جمق، وسلامش، وقرمشي وسودن اليوسفي، ثم عادوا في نصفه بغير طائل. فخرج الأمير نوروز إلى المزة، وعاد بالأمراء المذكورين، وبعث طائفة إلى البقاع، كل ذلك في طلب أصحاب شيخ، فلم ينل سهم القصد، وعاد إلى طلب الصلح وترك الحرب، حتى يكتبا معاً إلى السلطان، فما يرسم به يمتثل، ورغب نوروز إلى شيخ في الموافقة وترك الخلاف، وأنه يتوجه من دمشق إلى حلب، ويترك دمشق لشيخ على أنه يستقر في نيابة حلب، وأكد على شيخ أن يكتب إلى السلطان في ذلك، وبعث في الرسالة جماعة من قضاة دمشق وأعيانها في أول صفر، وقد نزل شيخ على بحيرة قدس، وقدم الخبر من الغد بأنه عازم على التوجه إلى دمشق، فنادي نوروز بالخروج لحربه، وسار في خامسه، وخيم بالمزة، ففر منه في تلك الليلة جماعة، منهم جمق وقمش إلى شيخ، ففت ذلك في عضده، وتحول في سابعه إلى قبة يلبغا، فقدم عليه جواب شيخ بأن تشريف نيابة الشام قد وصل إليه، وأن طلبه له نيابة حلب فات، فإن السلطان قد وصلت عساكره غزة، فتحول نوروز إلى برزة. ودخلت عساكر شيخ دمشق في سابعه، ورحل نوروز من برزة إلى جهة حلب. ودخل الأمير شيخ إلى دمشق بكرة يوم الجمعة، تاسع صفر.
وفي حادي عشره: سار ألطنبغا العثماني من دمشق لنيابة طرابلس.
شهر صفر، أوله الخميس:

في ليلة الجمعة ثانيه: رحل السلطان من الريدانية خارج القاهرة بمن معه من العسكر، وجعل الأمير تمراز نائب الغيبة، وأنزله بباب السلسلة، وأنزل الأمير أقباي بالقلعة وأنزل الأمير سودن الطيار في بيت الأمير بيبرس بالرميلة تجاه باب السلسلة، فلما نزل السلطان الصالحية أبيع بها الشعير كل أردب بدرهمين فضة، لكثرته.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره: دخل السلطان إلى غزة، فقدم الخبر بفرار الأمير نوروز من دمشق.
وفي سابع عشره: أعاد الأمير تمراز نائب الغيبة شمس الدين الطويل إلى حسبة القاهرة، وعزل ابن شعبان.
وهي يوم الخميس ثاني عشرينه: دخل السلطان إلى دمشق، بعدما خرج الأمير شيخ في سابع عشره إلى لقائه، فأكرمه، وسار معه، وحمل الجتر على رأسه، لما عبر البلد، فنزل السلطان بدار السعادة، وصلى الجمعة بجامع بني أمية.
وفي يوم الجمعة هذا: قبض على قضاة دمشق ووزيرها، وكاتب السر علاء الدين، وأهينوا وألزموا بمال.
وإلى يوم الأحد خامس عشرينه: قبض السلطان على الأمير شيخ وعلى الأمير الكبير يشبك بدار السعادة، واعتقلهما بقلعه دمشق، وكان الأمير جركس المصارع أمير أخور قد تأخر بداره، فلما بلغه الخبر فر من ساعته، فلم يدرك، وفر جماعة من الشيخية، واليشبكية.
وفي سادس عشرينه: خلع على الأمير بيغوت بنيابة الشام، وعلى الأمير فارس دوادار تنم حاجب الحجاب، وعلى عمر الهيدباني بنيابة حماة، وعلى صدر الدين علي بن الآدمي بقضاء الحنفية بدمشق.
شهر ربيع الأول، أوله السبت: في ليلة الاثنين ثالثه: فر الأميران يشبك وشيخ، وذلك أن السلطان لما قبض عليهما وكل بهما الأمير منطوق لثقته به، وعمله نائب القلعة، فاستمالاه، حتى وافقهما، ثم تحيل على من عنده من المماليك، بأن أوهمهم بأن السلطان أمره بقتل الأميرين، فصدقوه، فأخرجهما على أن يقتلهما، وفر بهما.
فلم يبلغ السلطان الخبر حتى مضوا لسبيلهم، وأصبح السلطان يوم الاثنين، فندب الأمير بيغوت نائب الشام لطلبهم، فسار في عسكر، وقد اختفى الأمير شيخ في الليل، ومضى يشبك، فلم يدرك بيغوت غير منطوق، فقبض عليه بعد حرب، وقتله وقطع رأسه، فطف بها، ثم علقت على سور القلعة.
وقدم الخبر باجتماع يشبك وشيخ وجركس على حمص، في دون الألف فارس، وأنهم اشتدوا على الناس في طلب المال. فكتب السلطان إلى الأمير نوروز - وقد وصل حلب، وتلقاه الأمير تمربغا المشطوب، وأنزله، وقام له بما يليق به - يستدعيه لمحاربة يشبك وشيخ، وولاه نيابة الشام، ويأمره أن يحمل إليه جماعة من الأمراء. وبعث إليه التشريف والتقليد مع الأمير سلامش، وقد ولاه السلطان نيابة غزة، فلبس التشريف، وخدم على العادة وكتب إليه يعتذر عن حضوره بما عنده من الحياء والخوف، وأنه إذا سار السلطان من دمشق قدم وكفاه أمر أعدائه.
وفي ثامن عشره: قدم الخبر بأن الأمراء الذين فروا من دمشق قبض منهم الأمير نوروز بحلب على الأمير علان، والأمير جانم، والأمير أينال الجلالي المنقار، والأمير حقمق أخو جركس، وبعث إليه بالأمير أينال المنقار، والأمير علان، والأمير جمق نائب الكرك، والأمير أسن باي التركماني أحد أمراء الألوف بدمشق، والأمير أسن باي أمير أخور.
وفي تاسعه: قدم كتاب السلطان إلى الأمراء بمصر يتضمن دخوله دمشق، وقبضه على يشبك وشيخ، وفرار جركس، ويأمرهم بالقبض على الأمير تمراز نائب الغيبة، فأذعن لذلك، وقيد وسجن بالبرج في القلعة، ونزل سودن الطيار موضعه من باب السلسلة، وانفرد الأمير أقباي بالحكم بين الناس. وفيه نودي بالزينة، فزينت القاهرة ومصر. وفيه قبض على مباشري الأمير يشبك، والأمير تمراز، والأمير جركس المصارع، ووقعت الحواطة على حواصلهم.
وفي عاشره: أعيد الشيخ شمس الدين محمد البلالي، شيخ خانكاه سعيد السعداء، وكان الأمير تمراز قد عزله في يوم الخميس وولي عوضه خادمه خضر السراي، فقبض على تمراز كما ذكر في يوم السبت، فطار أتباع البلالي كل مطار، وعدوا ذلك من جملة كراماته، فأعيد. وفيه أعيد ابن شعبان إلى الحسبة، وعزل الطويل.
شهر ربيع الآخر، أوله الأحد: في رابعه: ركب السلطان، وتنزه بالربوة، وعاد.
وفي خامسه: لعب بالكرة في الميدان. وفيه قدم الأمير بكتمر شلق من حلب بالأمراء الذين قبض عليهم الأمير نوروز. وفيه توجه حريم السلطان إلى جهة مصر.

وفي سادسه: قبض على الأمير أسن باي، وخرج غالب العسكر.
وفي يوم السبت سابعه: خرج السلطان من دمشق، ومعه الأمراء الذين أرسلهم إليه الأمير سودن الحمزاوي، وقد أحضره من سجن صفد، والأمير أقبر دي رأس نوبة أحد أمراء الطبلخاناه، والأمير سودن الشمسي أمير عشرة، والأمير سودن البجاسي، أمير عشرة، وسار السلطان إلى مصر، وجعل نائب الغيبة بدمشق الأمير بكتمر شلق. فقدم فيه أزبك دوادار الأمير نوروز إلى دمشق، ونزل بدار السعادة، ونزل بكتمر شلق نائب طرابلس بالإصطبل.
فلما كانت ليلة الأحد ثامنه: طرق الأمير شيخ - ومعه يشبك وجركس المصارع - دمشق، ففر من كان بها من الأمراء وملك شيخ دمشق، وقبض على جماعة، وولي وعزل، ونادى بالأمان. وأخذ خيول الناس، وصادر جماعة. فورد الخبر في يوم الأربعاء حادي عشره، بأن بكتمر شلق نزل بعلبك في نفر قليل، فسار يشبك وجركس في عسكر، فمضى بكتمر إلى جهة حمص، فوافاهم الأمير نوروز بجمع كبير على كروم بعلبك، فكانت بينهما وقعة قتل فيها يشبك وجركس المصارع في طائفة، وقبض نوروز على عدة ممن معهما. فلما بلغ ذلك الأمير شيخ سار من دمشق على طريق جرود في ليلة الجمعة ثالث عشره، وهي الليلة التي تلي يوم الوقعة، مدخل نوروز دمشق يوم السبت رابع عشره بغير ممانع، وبعث بالخبر إلى السلطان، فوافاه ذلك بالعريش، في يوم الخميس تاسع عشره، فسره سروراً كثيراً. وجد السلطان في سيره حتى صعد قلعة الجبل ضحى نهار الثلاثاء رابع عشرينه وبين يديه ثمانية عشر أميراً في الحديد، ورمة الأمير أينال بيه بن قجماس، وقد حملها من غزة، فسجن الأمراء، ودفن الرمة، فزينت القاهرة ومصر.
وفي عشرينه: توجه الأمير بكتمر جلق من دمشق إلى طرابلس، وتوجه يشبك بن أزدمر إلى نيابة حماة.
وفي سادس عشرينه: استدعى السلطان القضاة إلى بين يديه، وأثبت عندهم إراقة دم سودن الحمزاوي لقتله إنساناً ظلماً، فحكموا بقتله، فقتل. وقتل بربغا دواداره، والأمير أقبردي، والأمير جمق. ولأمير أسن باي التركماني والأمير أسن باي أمير أخور. وتأخر أينال المنقار، وعلان، وسودن الشمس وسودن البجاسي في البرج.
وفي سابع عشرينه: أنعم على الأمير تغري بردى بإقطاع الأمير يشبك، وعلى الأمير قردم الحسني بإقطاع تغري بردى، وعلى الأمير قراجا بإقطاع الأمير تمراز، واستقر شاد الشراب خاناه، وعلى الأمير أرغون بخبز قراجا، وعلى الأمير شاهين قصقا بخبز أرغون، وعلى الأمير طوغان الحسني بخبز قصقا.
وفي ثامن عشرينه: قتل الأمير أسن باي أمير أخور.
شهر جمادى الأولى، أوله الثلاثاء: في يوم الخميس ثالثه: خلع على الأمير تغري بردى، واستقر أتابك العساكر عوضاً عن الأمير يشبك الشعباني، ونحى الأمير كمشبغا المرزوق، واستقر أمير أخور كبيراً، عوضاً عن جركس المصارع. وفيه قدم قاصد الأمير نوروز برأس الأمير يشبك، ورأس الأمير جركس المصارع، ورأس الأمير فارس التنمي حاجب دمشق.
وفي خامسه: شق أساس مدرسة الأمير جمال الدين يوسف الأستادار برحبة باب العيد.
وفي عاشره: حمل في النيل الأمير يلبغا الناصري، والأمير أينال الجلالي المنقار، والأمير علان إلى سجن الإسكندرية.
وفي سادس عشره: ركب السلطان متخففاً بثياب جلوسه ونزل إلى بيت الأمير قراجا يعوده، ثم سار إلى بيت الأمير جمال الدين الأستادار، فأكل ضيافته، وركب إلى المدرسة الظاهرية بين القصرين فزار قبر أمه وجده واخوته، وأنعم بناحية منبابة من الجيزة على المدرسة الظاهرية زيادة على وقف أبيه، فتسلمها مباشرو المدرسة. ثم ركب منها إلى دار الأمير بشباي رأس نوبة، وأقام عنده ثم ركب إلى بيت الأمير كزل العجمي حاجب الحجاب، وسار من عنده إلى القلعة، ولم يعهد قط أن ملكاً من ملوك مصر ركب وشق القاهرة بثياب جلوسه، وما من أحد ممن ذكرنا إلا وقدم للسلطان من الخيل والمال وغيره ما يليق به.
وفي تاسع عشره: خلع على الأمير قردم، واستقر خازنداراً، عوضاً عن الأمير طوخ، وعلى طوخ، واستقر أمير مجلس، عوضاً عن يلبغا الناصري.
وفي ثاني عشرينه: توجه سودن الحلب من دمشق إلى نيابة الكرك، فامتنع بها يشبك الموساوي ولم يسلم قلعتها، فنزل سودن البلقاء، واشتد ظلمه للناس.
وفي سادس عشرينه: خرج الأمير نوروز من دمشق يريد حلب، ليصالح الأمير شيخ، وقد جرت بينهما عدة مكاتبات.

شهر جمادى الآخرة، أوله الخميس: في سادس عشره: قبض على الأمير سودن من زاده، وحمل إلى الإسكندرية، فسجن بها.
وفي سابع عشرينه: كتب تقليد حسام الدين حسن نائب غزة - كان - باستقراره في نيابة الكرك، عوضاً عن يشبك الموساوي الأفقم، ورسم بإحضار يشبك.
شهر رجب، أوله الجمعة: في ثامن عشره: استقر الحجازي في نقابة الجيش، عوضاً عن حسام الدين حسين الوالي.
وفي حادي عشرينه: استقر شهاب الدين أحمد بن ناصر الدين محمد بن الطلاوي في ولاية القاهرة، وقبض على حسام الدين المذكور، وصودر.
شهر شعبان، أوله الأحد: في حادي عشره: أفرج عن الأمير تمراز الناصري نائب السلطنة، ونزل من البرج بالقلعة إلى داره.
وفي رابع عشره: خرج أزبك دوادار الأمير نوروز من دمشق على عسكر لأخذ الأمير يشبك الموساوي نائب الكرك، وقد منع سودن الجلب في قلعتها، وجمع عرب جرم مع أميرهم عمر بن فضل، وسار إلى غزة، فاستعد نائبها سلامش وقاتله، فوقع في قبضته، وكان سودن المحمدي قد بعثه الأمير نوروز لنيابة غزة، ونزل بالرملة، فبعث سلامش إلى الأمير نوروز بأخذه يشبك الموساوي، فندب لإحضاره أزبك، فسار إليه، وقدم بيشبك إلى دمشق، في أول شهر رمضان، فسجن بالقلعة.
وفي ليلة الأربعاء عاشر رمضان: فر الأمير بكتمر شلق من سجنه بقلعة دمشق، إلى جهة صفد، ونزل غزة.
وفي خامس عشرينه: توجه الأمير نوروز من دمشق، وتلاحق به العسكر. وقدم الأمير يشبك بن أزدمر نائب حماة إلى دمشق في يوم السبت تاسع شوال بطلب نوروز له، وقدم الخبر بأن تمربغا المشطوب - نائب حلب - توجه لقتال التركمان، فبيتوه وكسروه، فعاد إلى حلب.
وفي خامس عشرينه: خلع علي نجم الدين عمر بن حجي، وصدر الدين علي بن الآدمي، واستقرا في قضاء دمشق، وقد قدما إلى القاهرة، وأنعم السلطان بالرضا عن شيخ، وعين المذكورين في الرسالة إليه.
شهر ذي القعدة، أوله الجمعة: فيه كتب تقليد الأمير شيخ المحمودي باستمراره في كفالة الشام على عادته، وتوجه به ألطنبغا بشلاق وألطنبغا شقل، وقاضي القضاة نجم الدين عمر بن حجي الشافعي، وقاضي القضاة صدر الدين علي بن الآدمي الحنفي، ومعهم تشريفة ولسخة اليمين، وكتب تقليد باستقرار الأمير بكتمر شلق في نيابة طرابلس على عادته، وجهز إليه مع تشريفة، وكتب باستقرار الأمير يشبك بن أزدمر في نيابة حماة، وجهز إليه تشريفة.
وفي رابعه: قدم الأمير نوروز إلى دمشق، بعد غيبته خمساً وثلاثين يوماً، انتهى فيها إلى الرملة.
وفي ثامنه: وصلت رسل السلطان إلى الأمير شيخ على ظهر البحر إلى عكا.
وفي سابع عشره: قدم تمربغا المشطوب نائب حلب إلى دمشق، ثم توجه إلى حلب في رابع عشرينه.
شهر ذي الحجة، أوله السبت: في رابع عشرينه: استقر الجيزي محتسب مصر في حسبة القاهرة، عوضاً عن ابن شعبان، فصار محتسب القاهرة ومصر. وسار أمير الحاج - الأمير بيسق الشيخي - بالمحمل على العادة.
وفي رابعه: قدمت رسل السلطان إلى شيخ، فنزلوا صفد، ثم ساروا إلى طرابلس. وقد نازل الأمير شيخ المرقب، فلقوه عليها، وأوصلوه التقليد والتشريف فلم يقبل ذلك. وجهز التشريف إلى الأمير نوروز، وأعلمه أنه باق على طاعته. فزينت دمشق ودقت البشائر.
وفي هذه السنة: أقبلت سحابتان من جهة برية أيلة والطور، حتى حاذتا بلد العريش، ومرتا في البحر، فإذا في وسطهما تنينان مثل عامودين عظيمين، لا يرى أعلاهما وأسفلهما مما يلي الماء، وفي كل عمود منهما خط أبيض بطوله من أعلاه إلى أسفله، فيرتفعان عن الماء قدر ساعة ثم ينحطان، فيضرب كل منهما بذنبه في البحر، فيضطرب اضطراباً شديداً، ثم يرتفعان وذنب كل منهما بقدر جامور المنارة التي يؤذن عليها، فلم يزالا على ذلك حتى غابا عن العين.
ومات في هذه السنة ممن له ذكر

الشيخ سيف الدين يوسف بن محمد بن عيسى السيرامي الحنفي شيخ المدرسة الظاهرية برقوق، في ليلة السبت حادي عشرين ربيع الأول، واستقر عرضه ابنه نظام الدين يحيى. وكان منشأه بتبريز حتى طرقها تيمورلنك، فسار في الجفل إلى حلب، وأقام بها، فاستدعاه الملك الظاهر برقوق وقرره في مشيخة مدرسته، عوضاً عن علاء الدين السيرامي بعد موته، في سنة تسعين وسبعمائة. ثم أضاف إليه مشيخة خانكاه شيخو بعد موت عز الدين الرازي. وناب عنه ابنه محمود في الظاهرية. ثم ترك الشيخونية، وبقي على مشيخة الظاهرية حتى مات.
ومات شمس الدين محمد بن الشاذلي الإسكندراني محتسب القاهرة ومصر، في يوم الجمعة ثاني صفر، وكان عارياً من العلم، كان خردفوشيا ثم بلانا بالإسكندرية، فترقى لما تقدم ذكره ببذل المال.
ومات الأمير سودن الناصري الطيار أمير سلاح، في ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شوال، وشهد السلطان جنازته، وكان مشكور السيرة، شجاعاً محباً لأهل العلم والصلاح.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير جمال الدين محمود بن علي الأستادار، في ليلة الأحد ثالث ذي القعدة، قتلا في بيت الأمير جمال الدين الأستادار، وكان قد اختفى بعد محنة أبيه في آخر أيام الملك الظاهر بعد واقعة إلى باي، وفر إلى الشام، وأقام بها مدة، ثم قدم القاهرة متنكراً، فدل عليه حتى أخذ وقتل، وكان غير مشكور السيرة. ومات الأمير شاهين قصقا في ليلة الجمعة ثامن ذي القعدة، وكان من الأشرار المفسدين.
ومات الأمير مقبل الطواشي زمام الدار السلطانية، في يوم السبت أول ذي الحجة، وترك مالاً كثيراً، وله بخط البندقانيين من القاهرة مدرسة تقام بها الجمعة.
سنة إحدى عشرة وثمانمائةأهلت والأمير نوروز مستول على البلاد الشامية، والقمح في ديار مصر بنحو مائة درهم الأردب، والشعير بنحو سبعين الأردب، والفول بستين.
شهر الله المحرم الحرام، أوله الأحد: في ثانيه: برز الأمير نوروز من دمشق إلى قبة يلبغا يريد صفد. ثم رحل إلى سعسع، فأتاه الخبر بأن الأمير بكتمر شلق جمع لحربه، ونزل الجاعونة، فتقدم إليه ومعه حسين ومحمد وحسن بنو بشارة، واقتتلا، فقتل بينهما جماعة وحرق الزرع، وخربت القرى، ونهبت. وسار نوروز إلى الرملة.
وفي نصفه: سار الأمير ألطنبغا العثماني إلى عزة، وقد ولي نيابتها، ومعه الأمير باشا باي رأس نوبة النوب، والأمير طوغان رأس نوبة، والأمير سودن بقجة، ليأخذوا عزة من سودن المحمدي، ويمضوا إلى صفد نجدة لمن بها.
وفي ثاني عشرينه: قدم الأمير بيسق أمير الحاج بالمحمل، ولم يزر الحجاج في هذه السنة قبر رسول ا لله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الأمير بيسق قبض بمكة على قرقماس أمير الركب الشامي، فتخوف أن يبلغ خبره إلى الأمراء بدمشق، فيبعثون إليه من يقصده بسوء فيما بين عقبة أيلة ومصر، فعدل السير ولم يعرج على المدينة النبوية. وهلك جماعة كثيرة من الضعفاء لعنفه في السير.
شهر صفر، أوله الاثنين: في ثامن عشره: كان وفاء النيل ستة عشر ذراعا، فركب السلطان على عادته حتى خلق المقياس بين يديه، ثم فتح الخليج، وعاد إلى القلعة.
وفي هذا الشهر: عاد الأمير بشباي بمن خرج معه من الأمراء وغيرهم إلى القاهرة. وكان من خبرهم أن الأمير بكتمر جلق، والأمير جانم خرجا من صفد إلى غزة، وملكاها، ففر منها سودن المحمدي المعروف بتلي - يعني المجنون - في نفر، ولحق بالأمير نوروز. فلما انتهى عسكر مصر إلى العريش بلغهم إقامة الأمير نوروز بالرملة، وأنه جهز إليهم سودن المحمدي، وسار في أثره، فردوا على أعقابهم إلى القاهرة. وقدم " لمحمدي فلم يدركهم فعاد إلى نوروز، فمضى عند ذلك نوروز إلى دمشق، فقدمها في حادي عشره، بعد غيبته عنها ثمانية وثلاثين يوماً، بعدما قصد صفد، فقدم عليه الخبر بحركة الأمير شيخ، فضاق بذلك ذرعه، واستعد له. ثم سار من دمشق في عشرينه ونزل برزة، فقدم عليه من الغد سودن المحمدي، فاراً من بكنمر حلق، وقد قدم عليه غزة وأخذها، فأعاده إلى دمشق، حتى أصلح شأنه، ولحق به في ليلة الأربعاء رابع عشرينه، فسار إلى حمص، وكان الأمير شيخ قد جمع من العربان والتراكمين طوائف. وسار بهم من حلب يريد دمشق، في ثاني عشره.
شهر ربيع الأول، أوله الأربعاء:

في أوله: قدم الأمير علان والأمير أينال المنقار من الإسكندرية، صحبة الطواشي فيروز، وقد أفرج عنهما، فمثلا بين يدي السلطان، ثم نزلا إلى بيوتهما.
وفي رابعه: نزل الأمير شيخ القريتين، وقد عاد الأمير نوروز محادياً له، وتراسلا في الكف عن القتال، فامتنع الأمير شيخ وأبي إلا أن يأخذ دمشق، واحتج عليه بأن السلطان قد ولاه نيابتها، فاعتدا على القتال من الغد، فلما كان الليل تحمل الأمير شيخ، وسار بمن معه يريد دمشق، وأكثر من إشعال النيران في منزلته، يوهم أنه يقيم، فلم يفطن نوروز برحيله، حتى مضى أكثر الليل، فرحل في إثره، ففاته. ودخل الأمير نوروز دمشق يوم الأحد خامسه، ومعه الأمير يشبك بن أزدمر نائب حماة. وأما الأمير شيخ فإنه لما رحل علق بالكسوة ظاهر دمشق، ورحل فنزل سعسع، ثم سار.
وفي ثامنه: قدم الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب إلى دمشق، فأكرمه الأمير نوروز، وأنزله. وشرع في تعبئة العسكر ليسير إلى الأمير شيخ.
ثم بدا له فأخذ في بيع ما كان قد أعده من الغلال بقلعة دمشق، فكثرت القالة.
وفي حادي عشره: ولي الأمير نوروز كلاً من سونج صهر الأمير تنم، وعمر بن الطحان، حاجبا بدمشق.
وفي ثاني عشره: أعاد شمس الدين محمد الأخناي إلى قضاء القضاة الشافعية بدمشق، وولي جمال الدين يوسف بن القطب قضاء الحنفية بها.
وفي رابع عشره: خرج نوروز من دمشق بالعسكر، ونزل قبة يلبغا إلى ليلة الخميس سادس عشره، سار إلى سعسع، فلقيه الأمير شيخ وقد تفرق عنه أصحابه، وبقي في جمع قليل، فلم يثبت نوروز مع كثرة من معه، وانهزم بمن معه، وقصد حلب، فركب الأمير شيخ أقفيتهم، وذلك في يوم السبت ثامن عشره، فدخل نوروز بمن معه دمشق في ليلة الأحد، فمر في عدة من الأمراء على وجهه وبات بها ليلة واحدة، ثم خرج منها على وجهه إلى حلب، وبعد خروج نوروز دخل الأمير بكتمر حلق نائب طرابلس، والأمير قرقماس ابن أخي دمرداش إلى دمشق ونودي بالأمان، فلم يبق للنوروزية عين ولا أثر. وقدم الأمير شيخ في الساعة الرابعة من يوم الأحد، ونزل بدار السعادة، ونودي من الغد: من عرف له شيئاً أخذ منه فليأخذه، فأخذ جماعة ما عرفوه.
وفي حادي عشرينه: خلع السلطان بقلعة الجبل على الأمير شرباش كباشة أمير عشره ورأس نوبة، وولاه نيابة الإسكندرية، عوضاً عن الأمير أرسطاي بعد موته، فاستعفى منها، فأعفي، وخلع في ثالث عشرينه على الأمير سنقر الرومي رأس نوبة، وأمير طبلخاناه بنيابة الإسكندرية.
وفي هذا اليوم: ركب الأمير شيخ نائب الشام من دار السعادة بدمشق، وسار إلى قبة يلبغا، ولبس التشريف السلطاني المجهز إليه من مصر بنيابة الشام. وعاد ومعه القضاة والأمراء والأعيان والعسكر إلى دار السعادة، فخدم على العادة، وكان يوماً شهوداً. وفيه لبس أيضاً نجم الدين عمر بن حجي تشريفه المجهز إليه بقضاء القضاء بدمشق، عوضاً عن الأخناي.
وفيه قبض على الأمير أرغز بدمشق، وعلى الأمير نكباي الحاجب أيضاً، وقبض على جماعة من النوروزية.
وفي رابع عشرينه: قدم الأمير دمرداش المحمدي إلى دمشق، فأكرمه الأمير شيخ، وأنزله.
وفيه أفرج الأمير شيخ عن محمد بن أينال بيه، ويعقوب شاه من السجن، وبقي سودن بن الظريف، وسلامش وأرغز في السجن بدمشق.
وفي سابع عشرينه: خرج الأميران دمرداش، وبكتمر جلق من دمشق بعسكر كبير، فنزلوا برزة قاصدين حرب نوروز، واستقلا بالمسير في يوم الجمعة.
وفي هذا الشهر: استناب نجم الدين بن حجي قاضي دمشق عشرة نواب، ولم يبلغ عدد نواب قضاة دمشق هذا قبله. وفيه قدم أولاد بشارة في عشيرهم إلى وادي التيم في رابع عشره، وعاثوا في معاملة صفد، وقتلوا جماعة، ولهبوا شيئاً كثيراً، فخرج إليهم عدة من عسكر وقاتلوهم، فقتلوا بأجمعهم، واشتدت وطأة بني بشارة على الناس، وكتب ناصر الدين محمد، وبدر الدين حسن ابنا بشارة إلى السلطان يسألان في تقدمة العشير على عادتهما، والتزما بحمل ثمانية آلاف دينار.
شهر ربيع الآخر، أوله الخميس: فيه طلب الأمير شيخ نائب الشام من أهل دمشق مالاً كثيراً، وفرض على القرى شعيراً يقوم به أهلها، فأخذ من تجار دمشق خمسة آلاف دينار على يد كبيرهم شمس الدين محمد بن المزلق، وألزم القضاة بألف وخمسمائة دينار، وأمرهم أن يفرضوها على الأوقاف، ووكل بهم بعض الحجاب حتى قاموا بها.

وفي سادسه: قبض الأمير شيخ على تاج الدين زق الله ناظر الجيش بدمشق، وألزمه بحمل خمسة آلاف دينار، وولي عوضه علم الدين داود بن الكويز في نظر الجيش، واستقر بأخيه صلاح الدين خليل بن الكويز ناظر ديوان النيابة. واستقر بشهاب الدين أحمد الصفدي الموقع في كتابة السر بدمشق، وخلع عليهم، وقبض على غرس الدين خليل الأشتقتمري أستاداره وضربه بالمقارع. وكان حين قدم دمشق جعله أستاداراً، ثم عزله وجعل عوضه في الأستادارية بدر الدين حسن بن محب الدين كاتب سر طرابلس وجعل الغرس أستادار المستأجرات، ثم قبض عليه ونكبه في تاسعه. وفيه استقر أيضاً شهاب الدين أحمد الباعوني في خطابة الجامع الأموي.
وفي عاشره: خرج الأمير شيخ من دمشق بالعسكر يريد نوروز، وعمل تمراز الأعور نائب الغيبة، فنزل ببرزة أياماً، وأخذ من بدر الدين بن الموصلي محتسب دمشق ألف دينار، ثم ألفاً أخرى، وسار.
وفي ثالث عشرينه: قدم إلى دمشق الأمير يشبك الموساوي الأفقم. وكان الأمير نوروز قد قبض عليه وسجنه بدمشق، ثم حمله معه لما انهزم، وسجنه بقلعة حلب، وأمر بقتله. فلما اختلف نوروز وتمربغا المشطوب نائب حلب وصعد القلعة، أفرج تمربغا عن الموساوي، وكتب معه إلى السلطان يسأل الأمان. وكان سبب الاختلاف بين نوروز والمشطوب أن نوروز لما خرج منهزماً من دمشق سار إلى حلب، فتلقاه المشطوب، وقام له بما يليق به، ثم أشار عليه أن يطلب من السلطان الأمان، ويدخل في طاعته، فلم يوافقه. ومال المشطوب إلى طاعة السلطان وترك نوروز. وامتنع عليه بقلعة حلب، ففر نوروز من حلب وقصد ملطية، واستمر المشطوب في القلعة.
وفي ثامن عشره: سار يشبك الموساوي من دمشق يريد القاهرة، وقد ظلم الناس ظلماً كثيراً.
وفي سابع عشرينه: قدم إلى دمشق صدر الدين علي بن الآدمي من القاهرة، وقد ولاه السلطان كتابة السر بدمشق وقضاء الحنفية، وكان الأمير شيخ قد سيره رسولاً إلى السلطان لما أخذ دمشق ولبس تشريف النيابة، وبعث معه ألطنبغا شتل، وقاصد الأمير عجل بن نعير وكتب معه إلى الأمير جمال الدين الأستادار، فأنزله جمال الدين وأنعم عليه، وتحدث له مع السلطان حتى ولاه ذلك، وأعاده مكرماً. فلم يمض الأمير شيخ له كتابة السر وأقره على وظيفة قضاء الحنفية فقط.
وفي تاسع عشرينه: قدم قاصد السلطان إلى دمشق بتشريف الأمير تمراز الأعور واستقراره أتابك العسكر بدمشق، وكان الأمير شيخ قد كتب يسأل له في ذلك.
شهر جمادى الأولى، أوله السبت.
في سابع عشره: قبض السلطان بقلعة الجبل على الأمير بيغوت - أخص الأمراء عنده - وعلى الأمير سودن بقجة، وعلى الأمير أرنبغا أحد أمراء الطبلخاناة من إخوة بيغوت، وعلى الأمير أينال الأجرود أحد أمراء الطبلخاناه وعلى الأمير قرا يشبك أمير عشرة، وسجنهم بالقصر، وأحاط بأموالهم. ثم بعث بيغوت وسودن بقجة وقرا يشبك إلى الإسكندرية، فسجنوا بها. وذبح أرنبغا وأينال الأجرود، وأنعم على أينال المنقار وعلان ويشبك المرساوي، وعمل كل منهما أمير مائة مقدم ألف.
وفي خامس عشرينه: استقر ناصر الدين محمد بن قاضي القضاة كمال الدين عمر ابن العديم الحنفي في مشيخة خانكاه شيخو، وتدريس الحنفية بها، برغبة أبيه له عنها، كما وغب له عن تدريس المدرسة المنصورية، فباشر ذلك مع صغر سنه، وكثرة جنه، فيا نفس جدي إن دهرك هازل.
وفي سابع عشرينه: خلع على الأمير أرغون واستقر أمير أخور كبير، عوضاً عن كمشبغا المزوق. وفيه منع الأمير جمال الدين من فصل المحاكمات بين الناس.
وأما الشام فإن الأمير نوروز لما قدم ملطية واستقر بها، أواه ابن صدر الباز التركماني، وسلم تمربغا المشطوب حلب لأصحاب الأمير شيخ، ونزل من قلعتها، فتسلم حلب الأمير قرقماس ابن أخي دمرادش. فلما نزل الأمير شيخ العمق فر جماعة من النوروزية إليه، منهم سودن تلي المحمدي، وسودن اليوسفي، وأخبروا بأن نوروز عزم على الفرار من أنطاكية. وقدم أيضاً على الأمير شيخ الأمير شهاب الدين أحمد بن رمضان زعيم التركمان، في عدد كبير من قومه، فرحل الأمير شيخ بجمائعه من العمق يريد نوروز، فأدرك أعقابه، وقبض على عدة من أصحابه، وعاد إلى العمق، وبعث العسكر في طلبه، فقدم عليه الخبر أنه أمسك، هو ويشبك بن أزدمر، وجماعة من أصحابه.
في ثامن عشرينه: كسفت الشمس.

وفي هذا الشهر: قدم كتاب الشريف حسن بن عجلان إلى الشريف جماز بن هبة أمير المدنية في عاشره، وكانت تولية إمارة المدينة للشريف ثابت بن نعير، فمات فولي حسن بن عجلان مكانه نيابة عنه أخاه، فثار بالمدينة جاز بن نعير، فكتب إليه ابن عجلان يقول: اخرج بسلام، وإلا فأنا قاصدك: فأظهر جماز الطاعة. وكان السلطان قد فوض سلطنة الحجاز لحسن بن عجلان. ثم أن جاز أرسل إلى الخدام بالمسجد النبوي يستدعيهم، فامتنعوا، فأتى إلى المسجد وأخذ ستارتي باب الحجرة النبوية، وطلب من الطواشية - خدام المسجد - المصالحة عن حاصل القبة بتسعة آلاف درهم، فأبوا ذلك، فطلب مفاتيح الحاصل من زين الدين أبي بكر بن حسين قاضي المدينة، فمانعه، فأهانه وأخذها منه، وأتى إلى القبة، وضرب شيخ الخدام بيده، ألقاه على الأرض، وكسر الأقفال ودخلها ومعه جماعة، فأخذ ما هناك فمن ذلك أحد عشر حوائج خاناه، وصندوقين كبيرين، وصندوقاً صغيراً فيها ذهب من ودائع ملوك العراق وغيرهم. وأخرج خمسة آلاف شقة بطاين معدة لأكفان الموتى، فنقل ذلك كله، وهم أحد بني عمه بأخذ قناديل الحجرة الشريفة، فمنعه. وأخذ آخر بسط الروضة، فأمره جماز بردها. وصادر بعض الخدام. ثم خرج من الغد حادي عشره راحلاً، فقصد العرب المجتمعة الرجوع، فرماهم الناس بالحجارة.
فلما كان ليلة تاسع عشره: وصل الشريف عجلان بن نعير من مكة إلى المدينة أميراً عليها من قبل حسن بن عجلان، ومعه آل منصور، فنودي بالأمان. ومن الغد قدم العسكر من مكة مع الشريف أحمد بن حسن بن عجلان، وهم ستون ما بين فارس وراجل، واثنان وعشرون مملوكاً، وصحبتهم رضي الدين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن محمد المطري متوليا قضاء المدينة من قبل السلطان، قدم من القاهرة بولايته، فقرأ توقيعه بعد توقيع الشريف حسن بن عجلان، وتضمن استقراره في سلطنة المدينة النبوية وينبع، وخليص والصفراء وأعمالهم. وقرئ بعده مرسوم آخر باستقرار الشريف ثابت وتسلميه المدينة، وإيقاع الحوطة على الشريف جاز وما تحت يده من ناطق وصامت. وقرأ توقيع من جهة الشريف باستنابته عجلان بن نعير على المدينة. ثم توجه العسكر بعد أيام من المدينة عائداً إلى مكة.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأحد: في تاسعه: أخذ عسكر الأمير شيخ - نائب الشام - أنطاكية من التركمان البازانية بعد حرب، فسار أحمد بن رمضان بالأمير نوروز ومن معه، و لم يمكن العسكر منه.
وفي رابع عشره: استقر ناصر الدين محمد بن كمال الدين عمر بن العديم في قضاء القضاة الحنفية بديار مصر، بعد موت أبيه، وهو أمرد، ليس بوجهه شعر. وكانت ولايته إحدى الدواهي والمصائب العظام.
وفي ثالث عشرينه: قدم شاهين دوادار الأمير شيخ إلى دمشق ومعه سودن المحمدي، وطوخ، وسودن اليوسفي، وقد قبض عليهم الأمير شيخ، فاعتقلوا بقلعة دمشق. وقدمت رأس حسين بن صدر الباز زعيم التركمان إلى دمشق، وذلك أنه لما سار مع الأمير نوروز من إنطاكية، حصلت بينه وبين الأمير شيخ حرب، قتل فيها، فانكسرت شوكة التركمان بقتله.
وفي خامس عشرينه: أنعم بإقطاع الأمير بشباي رأس نوبة على الأمير أينال الساقي، وبإقطاع أينال على الأمير أرغون أمير أخور، وبإقطاع أرغون على الأمير مقبل الرومي، نقل إليه من الطبلخاناه. وأنعم بطبلخاناه مقبل على الأمير بردبك.
وفي سادس عشرينه: كتب مرسوم باستقرار ناصر الدين محمد وبدر الدين حسن ابني بشارة في تقدمة العشير بمعاملة صفد، على أن يحملا ثمانية آلاف دينار للسلطان، ففرضا على أهل النواحي مالاً كبيراً جبوه لأنفسهما، ولم يصل منه شيء إلى السلطان. وفي سابع عشرينه: خلع على الأمير أينال الساقي واستقر رأس نوبة النوب عوضاً عن الأمير بشباي بحكم موته.
شهر رجب، أوله الثلاثاء: فيه قدم الأمير شيخ نائب الشام من سفره إلى دمشق، وقد دخل حلب، فكانت غيبته ثمانين يوماً. وبعث من ليلته بسودن الظريف. وسودن اليوسفي، وطوخ، وأرغز، وسلمان، وطغاي تمر - مقدم البريدية بديار مصر - إلى قلعة الصبيبة، فسجنوا بها.

وفي ثالثه: فتحت مدرسة الأمير جمال الدين الأستادار التي أنشأها برحبة باب العيد من القاهرة، وحضر بها مدرسو الفقه على المذاهب الأربعة، ومدرس الحديث، فكان يوماً مشهوداً. وقرر في تدريس الحنفية بدر الدين محمود بن محمد - ويعرف بابن الشيخ زاده الخرزباني، وفي تدريس المالكية شمس الدين محمد البساطي، وفي تدريس الحنابلة فتح الدين محمد بن نجم الدين محمد الباهي، وفي تدريس الحديث النبوي الشريف شهاب الدين أحمد بن حجر، وفي تدريس التفسير شيخ الإسلام قاضي القضاة حلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني. وقرر عند كل مدرس طائفة، عمل لهم الخبز في كل يوم والمعلوم في كل شيء وصار يجلس كل مدرس في يوم حتى كان آخرهم جلوساً مدرس التفسير.
وفي خامسه: أفرج الأمير شيخ عن رزق الله ناظر الجيش بدمشق.
وفي عاشره: استقر شيخ بالأمير برسباي حاجب الحجاب بدمشق. وولي شمس الدين محمد بن الجلال التباني نظر الجامع الأموي.
وفي حادي عشرينه: قدم الخبر بأن التركمان أطلقوا الأمير نوروز.
وفي ثاني عشرينه: فر الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب من الأمير شيخ بدمشق.
وفي رابع عشرينه: أعاد السلطان أمين الدين عبد الوهاب بن محمد بن الطرابلسي إلى قضاء القضاة الحنفية بديار مصر، وعزل ناصر الدين محمد بن العديم، فشكر الناس ذلك من أفعاله.
وفي ليلة الأحد سابع عشرينه: فر من دمشق جماعة من المماليك، ولحقوا بالأمير نوروز، وقد سار بعد خلاصه من يد التراكمين إلى قلعة الروم، واستولى عليها، فركب الأمير شيخ في طلبهم، فلم يدركهم وعاد ليلة الثلاثاء وقبض على يشبك العثماني.
وفيه ولي شمس الدين محمد البيري - أخو الأمير جمال الدين الأستادار - تدريس الشافعي بالقرافة، ومشيخة خانكاه بيبرس القاهرة، مع ما بيده من خطابة بيت المقدس تجاه أخيه.
وفي هذا الشهر: توجه الأمير يشبك الموساوي الأفقم إلى الأمير شيخ لإحضاره من عنده من الأمراء النوروزية، وقتل أرغز وجان بك القرمي. وجهز إلى الأمير أحمد بن رمضان خيول ثلاثة أروس. وتشريف. وسرج ذهب، وسيف، وسلاح، وقماش سكندري، وأقبية مفرية، له ولإلزامه.
شهر شعبان، أوله الأربعاء: في رابعه: قدم دمشق قاصد السلطان ومعه تشريف للأمير شيخ، فركب إلى داريا ولبسه، وعاد إلى دار السعادة في أبهة جليلة، وبين يديه الأمير برسباي الحاجب، وعليه تشريف سلطاني قدم من مصر، والأمير تمراز الأعور وعليه أيضاً تشريف سلطاني، وقاضي القضاة شمس الدين محمد الأخناي وعليه تشريف سلطاني قد بعثه إليه السلطان، وأعاده إلى قضاء دمشق عوضاً عن نجم الدين بن حجي.
وفي خامسه: فرض الأمير شيخ خطابة الجامع الأموي لناصر الدين محمد بن البارزي كاتب سر حماة، وصرف الباعوني، وخطب يوم الجمعة عاشره، وكان قد ترك كتابة سر حماة، وقدم دمشق.
وفي تاسعه: قدم الأمير يشبك المرساوي الأفقم من القاهرة إلى دمشق، فخرج الأمير شيخ إلى لقائه، وأكرمه وأنزله، وقام له بما يليق به، ثم توجه إلى بلاد حلب وغيرها في مهمات سلطانية.
وفي عاشره: جاءت زلزلة عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس. فخرب من اللاذقية وجبلة وبلاطنس أماكن عديدة، وسقطت قلعة بلاطنس. فمات تحت الردم بها خمسة عشر نفساً، ومات بجبلة خمسة عشر نفساً، وخربت شغر بكاس كلها والقلعتين بها، ومات جميع أهلها، إلا نحو خمسين نفساً، وانشقت الأرض وانقلبت قدر بريد من بلد القصير إلى سلفوهم، وأن بلد السلفوهم كانت فوق رأس جبل، فنزلت عنه وانقلبت قدر ميل بأهلها وأشجارها وأعينها ومواشيها، وذلك ليلاً لم يشعروا إلا وقد صاروا إلى الموضع الذي انتقلت إليه البلد، ولم يتأذ أحد منهم. وكانت الزلزلة أيضاً بقبرص فخربت منها أماكن كثيرة، وكانت بالساحل والجبال، وشوهد ثلج على رأس الجبل الأقرع، وقد نزل إلى البحر، وطلع وبينه وبين البحر عشر فراسخ. وأخبر البحرية أن المراكب بالبحر الملح جلست على الأرض بما فيها، من انحسار البحر. ثم أن الماء عاد كما كان، ولم يتضرر أحد.
وفي حادي عشره: ولي الأمير شيخ نيابة بعلبك للأمير سيف الدين أبي بكر بن شهاب الدين أحمد بن النقيب اليغموري. وفيه وصل إلى دمشق عدة رءوس من المماليك الذين فروا، وقد قبض عليهم بحلب، وقتلوا منهم رأس طوخ الأجرود.

وفي سادس عشرة: قرئ بدمشق كتاب السلطان بإلزام الناس بعمارة ما خرب من المساكن والمدارس وغيرها داخل مدينة دمشق. وفيه خلع على تاج الدين رزق الله ناظر الجيش بدمشق، واستقر نائب السلطة بالقدس، وناظر أوقاف القدس والخليل. ولم نعهد مثل ذلك أن كاتباً يلي نيابة السلطة ببلد.
وفي آخره: نودي بالقاهرة ألا يركب أحد من القضاة والفقهاء والكتاب والتجار وأجناد الحلقة فرساً، ولا بغلاً إلا أن يكون في خدمة السلطان، أو الأمراء الكبار، فامتنع الجميع. ثم أذن لطوائف في الركوب بمراسيم سلطانية، وكتبت من ديوان الإنشاء. فكان الرجل يحمل مرسومه معه خشية من تعرض المماليك له. واشتد الأمر في ذلك أياماً، ثم انحل.
شهر رمضان، أوله الجمعة: في يوم الأربعاء سادسه: نودي بالقاهرة ألا يتعامل أحد بالذهب، وهدد من باع بالذهب واشترى، وكان قد وصل المثقال إلى مائة وسبعين فلوساً، كل درهم وزنه أوقيتان، واستدعى الأمير جمال الدين جميع أهل الأسواق، وكتب عليهم قسايم بذلك، فنزل بالناس من ذلك ضرر عظيم، من أجل أن النقد الرابح الذهب وبه معاملة الكافة أعلاهم وأدناهم، ومنع أيضاً من صنع الذهب المطرز والمصوغ، فاستمر الحال على ذلك أياماً. ثم نودي في حادي عشرينه بأن يتعامل الناس بالذهب على أن يكون كل مثقال بمائة وعشرين، وكل دينار مشخص بمائة درهم، فشح الناس بإخراج الذهب، وارتفعت الأسعار ارتفاعاً كثيراً.
وفي ليلة الاثنين حادي عشره: فر من دمشق الأمير برسباي حاجب الحجاب، فلم يعلم خبره، وأقام الأمير شيخ عوضه الأمير ألطنبغا القرمشي. وفيه شرع الأمير شيخ في عمارة مواضع من داخل مدينة دمشق مما خرب في فتنة تيمورلنك، وألزم الناس بالعمارة في أماكنهم، ومن عجز فليؤجر ذلك، فأخذ الناس في ذلك.
وفي ليلة حادي عشرينه: خرج الأمير شيخ من منزله بدار السعادة ماشياً إلى جامع بني أمية، بثياب بدلته، وهو حاف متواضع لربه تعالى، حتى دخل الجامع، وتصدق بأقراص محشوة بالسكر وغير محشوة، فعم القراء والفقراء. وطلب أرباب السجون المعسرين، فأدى غرماؤهم ما عليهم من الديون.
وفي بكرة نهاره: قدم يشبك الأفقم من حلب إلى دمشق، وقد مشى على المملكة كلها، فأكرمه الأمير شيخ، وأنعم عليه، وأعاده إلى القاهرة في ثالث عشرينه.
وفي هذا الشهرة ضرب الأمير شيخ بدمشق فلوساً كل ستة منها بثمن درهم. وكانوا منذ سنين يتعاملون بها وزناً، كل رطل دمشقي بثمانية دراهم، فصارت على حسابها عدداً كل رطل باثني عشر درهماً، ووزن الفلس منها درهم، فشملت المضرة في هذا الشهر أهل مصر والشام من جهة المعاملة.
وفي هذا الشهر: كوتب الأمير قرا يوسف، جواباً عن مكاتبته عند أخذه تبريز.
شهر شوال، أوله الأحد: في خامسه: قبض الأمير شيخ على الأخناي قاضي دمشق وسجنه، من أجل أنه وشى به أنه يكاتب الأمير نوروز ثم أفرج عنه آخر النهار، على أن يقوم بثلاثمائة ثوب أبيض، نصفها وجوه ونصفها بطائن، فأخذ في جمعها.
وفي سادسه: قدمت ولاية نجم الدين بن حجي القضاء عوضاً عن الأخناي وتاريخ توقيعه ثالث عشر شهر رمضان.
وفي تاسع عشره: وصل إلى دمشق تشريف السلطان للأمير شيخ، فركب إلى تلقيه، ولبسه خارج دمشق، وعاد إلى دار السعادة. ثم لبس بن حجي تشريفة بولايته قضاء دمشق ومضى إلى الجامع، فقرئ تقليده بحضرة الحاجب والوزير والقضاة والأعيان. وأخذ مع القضاء جميع ما بيد ابن الأخناي من الوظائف، سوى نظر وقف القلانسي، فإنه خرج باسم كاتبه أحمد بن علي المقريزي.
وفي هذا الشهر: نودي بالقاهرة أن يكون المثقال الذهب بمائة درهم فامتنع الناس من إظهاره، وارتفع سعر المبيعات ارتفاعاً زائداً.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه: سار المحمل بالحاج مع الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير جمال الدين الأستادار، وبلغت نفقة الأمير جمال الدين على الحاج في هذه السنة إلى أربعين ألف دينار، منها لشيخ الجبال مبلغ خمسين ألف درهم.
شهر ذي القعدة، أوله الثلاثاء: في رابعه: نودي بالقاهرة أن يكون المثقال الذهب بمائة، والأفرنتي ثمانين، وألا يمكن أحد من السفر بشيء من الذهب، فاشتد الأمر على الناس.

وفي عاشره: قدم الخبر على الأمير شيخ بأن يشبك الموساوي وشى به إلى السلطان أنه قد خرج عن طاعته، وأن السلطان غضب، وعزم على السفر إلى الشام، فاستدعى القضاة والأعيان، وكتب محضرا أخذ خطوطهم فيه ببطلان ما قيل عنه، وأنه باق على الطاعة السلطانية. وبعث به مع نجم الدين بن حجي قاضي دمشق، فسار في ثالث عشره.
وفي رابع عشره: خرج الأمير شيخ من دمشق إلى جهة القبلية، وأفرج - وهو نازل على قبة يلبغا - عن يشبك العثماني. وفيه قدم الأمير قرقماس بن أخي دمرداش نائب صفد منها، مارا بدمشق إلى حلب يريد عمه الأمير دمرداش المحمدي نائب حلب، وقد استدعاه. فاستماله الأمير شيخ واشتمل عليه، ومضى به إلى الخربة للصيد والنزهة.
وفي خامس عشره: نقل الوزير فخر الدين بن غراب من سجنه بدار الأمير جمال الدين الأستادار، وسلم للأمير شهاب الدين أحمد بن الطبلاوي والي القاهرة، فعاقبه عده عقوبات.
وفي حادي عشرينه: نودي بالقاهرة أن يكون المثقال الذهب الهرجة بمائة وعشرين، والدينار المشخص، والدينار الناصري بمائة درهم.
وفي ثالث عشرينه: قدم القاضي نجم الدين بن حجي القاهرة بالمحضر وكتاب الأمير شيخ، يستعطف خاطر السلطان، ويعتذر عن تأخيره إرسال من طلبه من الأمراء، فلم يقبل السلطان عذره، واشتد غضبه، وأظهر الاهتمام بالخروج إلى الشام، ثم كتب الجواب بتجهيز أمراء عينهم إلى مدة ستة وعشرين يوماً، ومتى مضت هذه المدة ول يجهزهم سار لقتاله وحربه. وبعث بذلك على يد ابن حجي.
وفي ليلة الأربعاء رابع عشرينه: قتل الأمير عمر بن فضل الجرمي. وذلك أن السلطان كان قد بعث بنيابة الكرك رجلاً يقال له محمد التركماني، من عرض الجند وآحاد الناس، عزل به سودن الجلب، وأسر إليه قتل عمر بن فضل، وكان قد اشتدت شوكته وثقلت وطأته وكثر عصيانه وخروجه عن طاعة السلطان. فلما نزل محمد التركماني على الكرك - وقد امتنع الجلب، وأسر إليه قتل عمر بن فضل، وكان قد اشتدت شوكته وثقلت وطأته وكثر عصيانه وخروجه عن طاعة السلطان. فلما نزل محمد التركماني على الكرك - وقد امتنع الحلب بها - أتاه ابن فضل وقد نازعه عمه وكثر الخلف بينهما، فأخذ ليصلح بينهما، ويسكن ما ثار من الشر، وفي ظن ابن فضل وغيره أنه أقل من أن يتعرض لأحد من خدمه، فضلا عنه، فلم يعبأ به، ولا أتاه في عدة من سلاحه ولا عدد من قومه، فوجد عند ذلك التركماني السبيل إليه، فانتهز الفرصة، وبادر إليه وقتله، وبعث برأسه إلى السلطان. فكتب فضل بن عيسى الجرمي يسأل السلطان في الإمرة عوض عمر، على أن يقوم بمائة و خمسين ألف درهم فضة، وكتب: شاورت عمر بن فضل، يسأل فيها، ويعد بمائتي ألف درهم.
وفي هذا الشهر: بعث الأمير شيخ إلى سودن الجلب بالكرك يستميله إليه، وبعث بالأمير جانم ليصلح بينه وبين الأمير نوروز، وجهز له ستة آلاف دينار، فمال إليه.
وفيه اهتم الأمير دمرداش نائب حلب بحرب الأمير نوروز، وجمع طوائف العربان والتركمان، وسار إليه الأمير بكتمر حلق نائب طرابلس في ثانيه، منزل بالعمق، وحضر إليه نائب إنطاكية وقصد الأمير شهاب الدين أحمد بن رمضان زعيم التركمان، يحث بمسيره إليه.
وقدم كردي باك بن كندر وعربان بني كلاب، ومضوا ببيوتهم إلى إعزاز، وقد لزل تغري بردى بن أخي دمرداش وهو أتابك العسكر بحلب على برج دابق، ومعه أيدغمش بن كبك، وطوائف التركمان الأوشرية.
وبرز الأمير دمرداش نائب حلب منها ومعه التراكمين البياضية، فرحل الأمير بكتمر جلق والأمير تغري بردى من مرج دابق. وقد نزل الأمير نوروز بجمائعه على عين تاب، فتقدم إليه تعري بردى بالكبكية جاليش. فرحل نوروز إلى جهة مرعش، وتحاربت كشافته مع كشافة العسكر محاربة قوية، أسر فيها عدة من النوروزية، فانهزم نوروز، واستولى العسكر السلطاني على عين تاب. وكانت كسرة نوروز يوم الأحد ثاني عشره، وعاد الأمير دمرداش إلى حلب، وكتب بذلك إلى السلطان.
شهر ذي الحجة، أوله الأربعاء: فيه قدم رأس عمر بن فضل إلى السلطان، فطف به القاهرة، وعلق على باب زويلة. وفيه هبت رياح عاصفة شديدة. وفيه أخرج الوزير الصاحب فخر الدين ماجد بن غراب من سجنه بدار الأمير شهاب الدين أحمد بن محمد بن الطلاوي والي القاهرة، ميتا.

وفي حادي عشره: قدم ابن حجي قاضي دمشق بجواب السلطان على الأمير شيخ، فأعاده إلى دمشق، فقدمها في رابع عشره، ومضى الأمير شيخ إلى صرخد وعاد فنزل الحرجلة في رابع عشرينه. ونودي بدمشق من الغد بخروج العسكر إليه، فخرجوا في سابع عشرينه، فدخل وهم بين يديه ومعهم القضاة إلى دمشق، فنزل بدار السعادة وقد غاب في سفره بأراضي الخربة مدة اثنتين وأربعين يوماً، فأقام يومه، وأصبح وعزمه قوي على تجهيز الأمراء المسجونين إلى السلطان، وأخذ في ذلك فبلغه أن تغري برمش كاشف الرملة فر منها لقدوم كاشف ونائب القدس من قبل السلطان، وأن السلطان عزم على المسير إلى الشام، وأخرج الروايا والقرب على الجمال، ومعها الطبول، وعدتها نحو مائتي جمل، على كل جمل راويتان وثلاث، لتطيب في الردك بشاطئ النيل بسبب التجريدة. فرجع عن إرسال الأمراء، وعول على أمر آخر.
ومات في هذه السنة ممن له ذكرعمر بن إبراهيم بن محمد بن العديم، قاضي القضاة كمال الدين، في ليلة السبت ثاني عشر جمادى الآخرة، ومولده بحلب سنة إحدى وستين وسبعمائة، وكان قاضي سوء. قال فيه عثمان بن محمد الشغري الحنفي.
ابن العديم الذي في عينه عور ... وليس محمودة في الناس سيرته
أليس أن عليه ستر عورته ... لكن نزول القضاء أعمي بصيرته
ومات الأمير بشباي رأس نوبة النوب في ليلة الأربعاء رابع عشرينه، ودفن بالقرافة. وكان ظالماً غشوماً.
ومات الأمير يلبغا السالمي، خنق بعد عصر يوم الجمعة سابع عشره بالإسكندرية. وكان مخبطاً، خلط عملاً صالحاً بعمل سيئ.
ومات محمد بن محمد بن أبي البقاء جلال الدين بن قاضي القضاة بدر الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين، في يوم الاثنين سابع رجب. وكان ينوب في القضاء، ودرس الشافعي وغيره، وهو عار من الفضل والفضيلة.
ومات الأمير أرسطاي نائب الإسكندرية، بها، في نصف ربيع الآخر، وكان مهاباً.
ومات الأمير الكبير بيبرس ابن أخت الظاهر برقوق بسجنه من الإسكندرية، مقتولاً.
ومات الأمير سودن المارديني. ومات الأمير بيغوت.
ومات الشريف ثابت بن نعير بن ومنصور بن جماز بن شيحه الحسيني، أمير المدينة النبوية، في صفر، فولي بعده أخوه عجلان بن نعير.
ومات الوزير فخر الدين ماجد، ويسمى محمد بن عبد الرازق بن غراب، في غرة ذي الحجة.
سنة اثنتي عشرة وثمانمائةأهلت وخليفة الوقت المستعين بالله أبو الفضل العباس بن محمد المتوكل على الله أبي عبد الله محمد. والسلطان الملك الناصر أبو السعادات فرج بن الظاهر أبي سعيد برقوق بن أنص العثماني اليلبغاوي. وهو مستقل بتدبير الأمور، ومعتمد على وزيره الأمير الوزير المشير ناظر الخواص، وكاشف الكشاف جمال الدين يوسف بن أحمد الأستادار البجاسي البيري، وكاتب سره فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس الإسرائيلي الداودي التبريزي. وناظر جيشه الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله النستراوي، ونائب الشام الأمير شيخ المحمودي. ونائب حلب الأمير دمرداش المحمدي ونائب حماة الأمير جانم، ونائب طرابلس الأمير بكتمر جلق، ونائب صفد الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش. ونائب غزة الأمير ألطنبغا العثماني. ونائب الكرك الأمير ناصر الدين محمد التركماني، ولم يمكن منها لتغلب سودن الحلب عليها.
وقضاة مصر شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين أبي الفضل بن شيخ الإسلام قاضي القضاة سراج الدين عمر بن رسلان بن نصر البلقيني الشافعي. وقاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي، وقاضي القضاة شمس الدين محمد بن علي بن معبد القدسي المدني المالكي، وقاضي القضاة مجد الدين سالم بن سالم المقدسي الحنبلي. وقضاة دمشق نجم الدين عمر بن حجي الشافعي، وصدر الدين علي بن الآدمي الحنفي. وشرف الدين عيسى المغربي المالكي، وشمس الدين محمد بن عبادة الحنبلي.
شهر الله المحرم الحرام، أوله الجمعة ثم ثبت أنه الخميس: أهل والدينار الهرجة في القاهرة بمائة وستين درهماً فلوساً، والقمح بمائة وخمسين درهماً الأردب.
وفي ثانيه: أخرج الأمير شيخ نائب الشام المنجنيق من قلعة دمشق إلى الإسطبل، وأقطع جماعة من أصحابه عدة من الأوقاف.
وفي ثالثه: سار شيخ من دمشق إلى المرج، فخيم به.

وفي رابعه: نصبت خيمه السلطان تجاه مسجد تبر من الريدانية، خارج القاهرة.
وفي سابعه: خرج مقدم العساكر الأمير الكبير تغري بردى الأتابك، ومعه من الأمراء الألوف، الأمير أقباي الطرنطاي رأس نوبة الأمراء، والأمير طوخ أمير مجلس، والأمير طوغان الحسني رأس نوبة، والأمير علان، والأمير أينال المنقار الجلالي، والأمير كمشبغا المزوق، والأمير يشبك الموساوي الأفقم، وعدة من الأمراء الطبلخاناة، والعشرات والمماليك، ونزلوا بالريدانية. وفيه أعيد ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي إلى قضاء الحنفية بديار مصر وعزل قاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب بن الطرابلسي، وكان قد قبص نفقة السفر أسوة رفقائه خمسة عشر ألف درهم فلوساً، فأنعم بها عليه.
وولي مشيخة خانكاه شيخو، عوضاً عن ابن العديم، فغبطه الناس على هذه النعم الثلاثة: العافية من السفر، وتعوض الشيخولية عن القضاء، والسعة بهذا القدر من المال. وكانت ولاية ابن العديم بمال جزيل. وفيه أعيد ابن شعبان إلى الحسبة بمال، وعزل الحبري.
وفي يوم الاثنين حادي عشره: ركب السلطان من قلعة الجبل في بقية عساكره، ونزل بمخيمه تجاه مسجد تبر.
وفيه رحل الأمير الكبير تغري بردى من الريدانية، بمن معه من الأمراء والأجناد، قاصداً دمشق. وفيه طلب الأمير شيح نائب الشام قضاة دمشق، فخرجوا إليه بالمرج فأرادهم أن يسلموه الأوقاف ليقطعها أصحابه، فآل الأمر إلى مصالحته عنها بثلث متحصلها، وعادوا.
وفي ثالث عشره: أعيد الحبري إلى حسبة القاهرة، وخلع عليه بحضرة السلطان، وهو بتربة أبيه خارج باب النصر، وقد عاد إليها من مخيمه، وعزل بن شعبان.
وفي رابع عشره: خلع السلطان على الأمير أرغون الرومي، واستقر نائب الغيبة مقيماً بالإسطبل على حاله بالأمير مقبل الرومي. ورسم أن يقيم بقلعة الجبل لحفظها، والأمير يلبغا الناصري، واستقر نائب الغيبة، لفصل القضايا والأحكام بين الناس.
والأمير كزل العجمي الحاجب، ليحكم بين الناس أيضاً، والأمير شهاب الدين أحمد ابن أخت الأمير جمال الدين الأستادار، ليتحدث عوضاً عن خاله مدة غيبته، ومرجع الجميع إلى الأمير يلبغا الناصري. وفيه رحل السلطان من تجاه مسجد تبر، يريد الشام، ومعه الخليفة والقضاة وأرباب الدولة.
وفيه أفرج الأمير شيخ نائب الشام عن الأمير سودن تلي الحمدي، والأمير طوخ، والأمير سودن اليوسفي، وهم الذين طلبهم السلطان، فامتنع من إرسالهم إليه حتى غضب، وسار من مصر إلى دمشق ليأخذ الأمير شيخ. وفيه قبض الأمير شيخ على الأمير كمشبغا الجمالي الواصل من جهة السلطان لأخذ الأمراء المذكورين.
وفيه أظهر شيخ ما في نفسه، وصرح بالخروج عن طاعة السلطان، وأخذ في الاستعداد، وطلب الأمراء الذين أفرج عنهم إليه بالمرج، في ليلة الثامن عشرينه. واستدعى قضاة دمشق وفقهاءها، وتحدث معهم بحضرة الأمراء بجواز محاربة السلطان، فأفتاه شهاب الدين أحمد بن الحسباني بما وافق غرضه، وقام في ذلك شمس الدين محمد ابن الجلال التباني الحنفي قياماً بالغاً، نقل عنه إلى السلطان.
وفي حادي عشرينه: سار الأمير سودن المحمدي من دمشق إلى غزة، ومعه طائفة من عسكر الأمير شيخ، واستخدم جماعة.
وفي ثالث عشرينه: دخل السلطان إلى غزة، ونزل ظاهرها. وولي الأمير أينال الصصلاني أمير أخور نيابة غزة، وعزل عنها الأمير ألطنبغا العثماني، وولاه نيابة صفد. وقدم الخبر بأن الأمير تغري بردى كبس الرملة، يريد القبض على شاهين، دوادار الأمير شيخ، في حادي عشرينه ففر منه ولم يظفر به، وأقام حتى تقدم السلطان إلى الرملة، فرحل السلطان.
وفي بكرة رابع عشرينه: عاد سودن المحمدي ومعه شاهين الدوادار إلى وطاق الأمير شيخ، وأخبراه بقدوم السلطان، فتحول في سادس عشرينه من المرج إلى داريا، ونزل إلى قبة يلبغا. فقدم عليه قرقماس ابن أخي دمرداش، فار من صفد. وفيه قبض الأمير شيخ على ابن عبادة قاضي الحنابلة بدمشق، وعلى الرشاوي أحد نواب قضاة الشافعية، وعلى الأمير شرف الدين يحيى بن لاقي وألزمهم بمال كثير.
وفي ثامن عشرينه: قدم الأمير جانم نائب حماة على الأمير شيخ في عشرة.

وفي تاسع عشرينه: رحل الأمير شيخ بمن معه يريد ناحية صرخد، وجعل نائب الغيبة بدمشق الأمير تنكر بغا الحططي. وفيه قبض شيخ على عدة من تجار دمشق وقرر عليهم عشرة آلاف دينار وحملهم معه، هم وبدر الدين محمد بن الموصلي محتسب دمشق وكمشبغا الجمالي، وغيره في الحديد، وأفرج عن ابن عبادة الحنبلي، وفر الرشاوي.
وفي سلخه: قدمت كتب السلطان إلى دمشق - بعد رحيل الأمير شيخ - باسم قضاتها وأعيانها، تتضمن إنكار أفعال الأمير شيخ، وأنه ما لم يجهز الأمراء الذين طلبوا منه، وإلا فهو معزول، ولتقاتله العامة.
شهر صفر، أوله السبت: في ليلة السبت المذكور: نزل السلطان باللجون، فشاع بين العسكر تنكر قلوب المماليك الظاهرية على السلطان، وتحدثوا بإثارة فتنة لتقديمه مماليكه الحلب عليهم، واختصاصه بهم، وكثرة عطائه لهم، فلما أصبح السلطان، رحل ونزل بيسان من آخره، فما هو إلا أن غربت الشمس، ملج العسكر، وهدت الخيم، واشتد اضطراب الناس. وكثر قلق السلطان وخوفه طول الليل إلى أن طلع الفجر رحل إلى جهة دمشق. وسبب ذلك أن الأمير أقبغا دوادار يشبك - وهو يومئذ من جملة دوادارية السلطان - قال لكاتب السر فتح الدين فتح الله - وقد خرج معه من خدمة السلطان بالمخيم - أن الأمير علان، والأمير أينال المنقار، والأمير سودن بقجة، قد عزموا على الركوب في هذه الليلة على السلطان، ومعهم عدة من المماليك السلطانية. فأخذ فتح الله بيد أقبغا، وعاد به إلى السلطان، وأمره أن يعلمه بما حدثه به، فاعلم السلطان الخبر سراً فيما بينه وبينه. فاستدعي الأمير جمال الدين الأستادار، وأمر أقبغا فحدثه الحديث وذلك أنه لم يكن حينئذ السلطان يثق بأحد، ولا يعتمد عليه.، كثقته بكاتب السر فتح الله، وأستاداره جمال الدين، فاستشارهما فيما يعمل، فدار الرأي بين السلطان وبينهما، وبين أقبغا، من غير أن يعلم ذلك أحد، حتى استقر رأيهم على أن السلطان يستدعي وفي وقت المغرب بعلان وأينال المنقار إلى عنده، ويقبض عليهما، ويكون جمال الدين قد ركب في جماعته إلى ظاهر العسكر من جهة الشام لأخذ من عساه يفر من المماليك إلى جهة الأمير شيخ، وقاموا من عند السلطان على هذا، فغدر جمال الدين، وبعث إلى علان، وأينال المنقار، وسودن بمجة، والأمير تمراز الناصري نائب السلطة - وكان قد خرج من مصر وهو أرمد - يسير في المحفه، فأعلمهم بالخير وبعث إليهم بمال كبير لهم، وللأمير شيخ نائب الشام، فما هو إلا أن غربت الشمس ركب تمراز، وسودن بقجة، وأينال المنقار، وقرا يشبك، وسودن الحمصي وعدة مماليك سلطانية يتجاوز عددهم المائة، وسروا إلى جهة الشام يريدون الأمير شيخ، حتى لحقوا به، فاختبط العسكر، واشتد قلق السلطان، وطلب السلطان جمال الدين وفتح الله لثقته بهما - ولا علم له بشيء مما فعله جمال الدين - فأشار عليه فتح الله بالثبات، وأشار جمال الدين بركوبه ليلاً، وعوده إلى مصر، يريد بذلك إفساد حال السلطان، فنازعه فتح الله وخاصة السلطان، وما زالوا بالسلطان يثبتونه حتى طلع النهار، فسار يريد دمشق.
وفي ثانيه: نودي بدمشق في الناس بقدوم السلطان، فخرجوا إلى لقائه. وفيه ورد الخبر على السلطان برحيل الأمير شيخ عن دمشق إلى جهة بصرى.
وفي ليلة الخميس سادسه: نزل السلطان الكسوة، ففر الأمير علان وجماعة من المماليك إلى جهة الأمير شيخ. فركب السلطان بكرة يوم الخميس، ودخل دمشق، ونزل بدار السعادة. ونزل الأمراء في أماكنهم.
وفي سابعه: قبض بدمشق على الشهاب أحمد بن الحسباني، وسلم إلى ألطنبغا شقل من أجل أنه أفتي بقتال السلطان. وطلب ابن التباني فإذا هو قد سار مع الأمير شيخ. وفيه كتب السلطان بالإفراج عن سودن الظريف، وأرغز، وسلمان، من سجنهم بقلعة الصبيبة.
وفي ثامن: توجه الأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد من دمشق إلى محل كفالته. وفيه ألزم الأخناي وابن عبادة الحنبلي بحمل شعير، قرر عليهما. وفيه قدم الخبر بنزول الأمير شيخ الصنمين، فنودي في العسكر بدمشق أن يلبسوا السلاح، ويقفوا بالليل عند باب الميدان، فبات الناس على خوف ووجل.
وفي تاسعه: استقر الأمير زين الدين عمر الهيذباني حاجب الحجاب بدمشق والأمير ألطنبغا شقل حاجباً ثانياً، والأمير بردي باك نائب حماة، عوضاً عن جانم، وخلع عليهم بدار السعادة.

وفيه كتب تقليد الأمي رنوروز بنيابة حلب، وجهز إليه، ومعه التشريف والسيف على العادة.
وفي رابع عشره: قدم الأمير أق بلاط من القاهرة بطائفة من المماليك السلطانية. وفيه قبض على رجلين معهما كتب الأمير شيخ إلى الأمراء، فشنقا.
وفي خامس عشرة: قدم الأمير بكتمر جلق نائب طرابلس إلى دمشق، وكان قد اجتمع مع الأمير دمرداش نائب حلب عند باب الحديد، يريدان حرب الأمير نوروز، وهو على ملطية، فوافاهما كتاب السلطان من غزة بطلبهما، فسارا حتى قدما على السلطان. وفيه قدم الخبر بأن الطاعون قد فشا بحمص، ومات بها - وبحماة - ألوف من الناس، وأنه حدث بطرابلس طاعون.
وفي سادس عشره: قدم من مصر عدة من المماليك السلطانية، وفيه فرض على قرى المرج والغوطة - ظاهر دمشق - وعلى بلاد حوران وغيرها، شعير يقوم به أهل كل ناحية بقدر معلوم، فاشتد الأمر في جبايته على الناس.
وفي عشرينه: قدم الأمير دمرداش نائب حلب، فأكرمه السلطان، وأنعم عليه. وفيه خلع على الأمير بكتمر جلق، واستقر نائب الشام، عوضاً عن الأمير شيخ، وخلع على الأمير دمرداش، واستقر في نيابة طرابلس مضافة إلى نيابة حلب. وفيه قبض الأمير جمال الدين الأستادار على ناصر الدين محمد بن البارزي الحموي، وضربه ضرباً مبرحاً، واستعاد منه ما تناوله من معلوم خطابة الجامع الأموي، وسبب ذلك أنه كان ولي أخاه شمس الدين محمد بن أحمد البيري - قاضي حلب - خطابة القدس، عوضاً عن شهاب الدين أحمد الباعوني، وعوض الباعوني خطابة القدس بخطابة الجامع الأموي، فولي الأمير شيخ بن البارزي الخطابة بالجامع الأموي، وعزل الباعوني - كما تقدم ذكره - فترامي الباعوني على الأمير جمال الدين وتلقاه قبل دخوله دمشق بعدة أيام، فتعصب له، وفعل بابن البارزي هذا وسجنه.
وفي ليلة ثاني عشرينه: قتل شرف الدين محمد بن موسى بن محمد بن الشهاب محمود الحلبي، قتله الأمير جمال الدين الأستادار، لحقد كان في نفسه منذ أيام حموله بحلب.
وفي رابع عشرينه: ولي السلطان قضاء الحنفية بدمشق شهاب الدين أحمد بن محيي الدين محمود بن نجم الدين أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز - المعروف بابن الكشك - وعزل الصدر علي بن الآدمي، وولي نجم الدين عمر بن حجي قضاء طرابلس بسؤاله. ورسم أن يعين غيره بقضاء دمشق، فوقع الاختيار على الباعوني، فولاه قضاء دمشق في سابع عشرينه، وهذه ولايته الثانية.
وفي تاسع عشرينه: ركب الخليفة المستعين بالله، وقضاة مصر الأربع، وقضاة دمشق، ونودي في الناس بدمشق أن يقاتلوا الأمير شيخ الكذا، فإنه كذا، إلى غير ذلك في كلام طويل، يقرأ من ورقه.
شهر ربيع الأول، أوله الأحد: فيه ركب السلطان من دار السعادة إلى الربوة، وعاد.
وفي ثانيه: سارت أطلاب السلطان والأمراء من دمشق إلى الكسوة، وتبعهم السلطان بعساكره، وعليهم آلة الحرب، فبات بالكسوة، وأصبح راحلاً إلى جهة الأمير شيخ. وأقر تنكز بغا الحططي في نيابة الغيبة بدمشق، وسار بكرة يوم الثلاثاء، فمر بالصنمين، ونزل من آخره برأس الماء على بريد من الصنمين، وبات. فقدم الخبر بالتقاء كشافة السلطان بكشافة الأمير شيخ، وأسرهم رجلاً من الشيخية. وسار السلطان بكرة يوم الأربعاء إلى قرية الحراك، فنزل نصف النهار قدر ما أكل السماط ثم رحل رحيلاً مزعجاً، ظن الناس أن العدو قد طرقهم، فحد في مسيره ونزل عند الغروب بكرك البثنية من حوران. وبات على خوف من جمال الدين أن يقبض عليه، فإنه بلغه أنه وافق الأمير قردم وغيره على ذلك، فأعد عنده بداخل مخيمه هجنا، وأسر إلى كاتب سره فتح الله أنه قد عزم في هذه الليلة على ركوب هذه الهجن والعود إلى مصر فإن جمال الدين وقردم قد عولا على أن يكبسا علي، فرحلت من الحراك خوفاً منهما. ثم ها أنا متيقظ لحدوث أمر، فتأهب أنت أيضاً لتسير إلى مصر. فعاد فتح الله من عند السلطان ليلاً، وتأهب للرحيل، وأطلعني على ما عزم عليه - وكنت في صحبته - فترقبنا حدوث أمر لنركب، فلم يحدث شيء، حتى أصبحنا.
وفي هذه الليلة: وصلت طائفة من المماليك الجلبان إلى دمشق، فنهبوا عدة مواضع فقاتلهم العامة، وقبضوا على جماعة منهم، فاجتمعوا في يوم الخميس عند قبة سيار، فخرج إليهم عامة دمشق، وقاتلوهم.

وفي يوم الخميس: سار السلطان إلى أن نزل ظاهر مدينة بصرى، فتحقق هناك خبر الأمير شيخ، وأنه في عصر يوم الأربعاء الماضي بلغه أن السلطان قد سار في إثره، فوحل فزعا يريد صرخد، فأقام السلطان على بصرى إلى بكرة السبت. وقدم عليه ببصرى من الشيخية الأمير برسباي والأمير سودن اليوسفي، فكتب بذلك إلى دمشق. ثم سار ونزل بقرية عيون - تجاه صرخد - فكانت حرب بين أصحابه وبين الشيخية، قتل فيها فارسان من الشيخية، وجرح من السلطانية جماعة، ففر منهم جماعة إلى الأمير شيخ، فلحقوا به.
وكثر تخوف السلطان من أمرائه ومماليكه. وبلغه أنهم عولوا على أنه إذا وقع مصاف الحرب، تركوه ومضوا إلى الأمير شيخ، فبات ليلته مستعداً لأن يؤخذ، ودبر أمراً كان فيه نجاته. وهو أنه لما أصبح عند طلوع الفجر، نادى ألا تهد خيمة، ولا يحمل جمل، وأن يركب العسكر خيولهم، ويجر كل فارس جنيبه مع غلامه، من غير أن يأخذوا أثقالهم ولا جمالهم. وسار بهم كذلك، وقد أخر الأمراء ومن يخشاه من المماليك وراءه، وتقدم أمامهم في ثقاته. فلم يفجأ القوم إلا ومد طلع عليهم من ثنية هناك، وقد عبأ الأمير شيخ أصحابه، فأوقف المصريين ناحية، وقدم عليهم الأمير تمراز الناصري نائب السلطة، ووقف في ثقاته - وهم نحو الخمسمائة فارس - وحطم عليهم السلطان بنفسه ومن معه، فانهزم تمراز بمن معه من أول وهلة، وثبت الأمير شيخ فيمن معه، فكانت بينهم معارك صدراً من النهار، وأصحاب الأمير شيخ تنسل منه، وهو يتأخر إلى جهة القلعة. وكانت الحرب بين جدران مدينة صرخد، فولى السلطان وطاق الشيخية، وانتهب أصحابه جميع ما كان فيه من خيل، وجمال، وثياب، وأثاث، وخيام، وآلات، وغيرها، فحازوا شيئاً كثيراً. واستولى السلطان على جامع صرخد، وأصعده أصحابه، فرموا من أعلى المنارة بمكاحل النفط والأسهم الخطالية على الأمير شيخ، وحمل السلطان عليه حملة واحدة منكرة، فانهزم أصحاب شيخ، والتجأ في نحو العشرين إلى قلعة صرخد، وكانت خلف ظهره، وقد أعدها لذلك، فتسارع إليه عدة من أصحابه، وتمزق باقيهم، فأحاط السلطان بالمدينة، ونزل على القلعة، فأتاه الأمراء فهنوه بالظفر، وامتدت الأيدي إلى صرخد، فما تركوا بها لأهلها جليلاً ولا حقيراً، حتى أخذوه نهباً وغصباً.
فامتلأت الأيدي مما لا يدخل تحت حصر. وسار الأمير تمراز، وسودن بقجة، وسودن الحلب، وسودن المحمدي، وتمربغا المشطوب - نائب حلب - وعلان، في عدد كبير إلى دمشق، فقدموها يوم الاثنين تاسعه، فقاتلهم العامة في عاشره، ودفعوهم عن البلد، فولوا يريدون جهة الكرك، بعدما قتل منهم وجرح جماعة. وتأخر كثير منهم بدمشق، ومضى طائفة إلى جهة حماة وحلب، فأخذ منهم بدمشق وغيرها عدد كثير.
وفي عاشره: قدم كتاب السلطان إلى دمشق بخبر الواقعة. وفيه قدم من صرخد إلى دمشق الأمير برد بك نائب حماة، وسار إليها في رابع عشره.
وفي رابع عشره: قدم دمشق الأمير تغري بردى ابن أخي دمرداش من صرخد، متوجهاً إلى حلب، نائب الغيبة بها، عن عمه الأمير دمرداش. وقدم أيضاً الأمير أقباي حاجب الحجاب، وقد مرض بصرخد، ليقيم بدمشق حتى يبرأ. وقدم الأمير قردم، وقضاة مصر، وتاج الدين رزق الله ناظر جيش دمشق، في جماعة، فأقاموا بدمشق.
وقدم أيضاً كتاب السلطان فقرئ بالجامع الأموي. وفيه خبر وقعة صرخد، وأنه قد حصر الأمير شيخ بالقلعة، وعزم ألا يبرح حتى يأخذه، وأنه رد أمور دمشق إلى الأمير قردم، وأن من ظفر بأحد من الأمراء المنهزمين وأحضره فله من المال كذا. وفيه قبض بدمشق على الكليباتي والي دمشق في أيام الأمير شيخ، فضرب ضرباً مبرحاً.
وفي ثامن عشره: قدم الخبر على السلطان بأن التراكمين كسروا الأمير نوروز كسرة قبيحة، فدقت البشائر بصرخد. وفيه قبض بدمشق على علم الدين داود الكويز وأخيه صلاح الدين خليل من بيت نصراني. وفيه قدم من صرخد إلى دمشق الأمير دمرداش نائب حلب وطرابلس، فأقام بها إلى حادي عشرينه، وسار إلى محل كفالته.
وفي حادي عشرينه: اشتد الطلب بدمشق على من اختفى من الشيخية. وفيه أخرج من دمشق بالمنجنيق إلى صرخد.

وفيه قدم من صرخد إلى دمشق الطواشي فيروز الخازندار، فتسلم ابني الكوبز والشهاب أحمد الصفدي، موقع الأمير شيخ. ولم يزل السلطان على قلعة صرخد يرميها بالمدافع والسهام، ويقاتل من بها ثلاثة أيام بلياليها، حتى أحرق جسر القلعة، فامتنع الأمير شيخ ومن معه بداخلها، وركبوا أسوارها، فأنزل السلطان الأمراء حول القلعة، وألزم كل أمير بقتال جهة من جهاتها، واستدعى المدافع ومكاحل النفط من الصبيبة وصفد ودمشق، ونصبها حول القلعة، فكان فيها ما يرمي بحجر زنته ستون رطلاً دمشقياً. وتمادى الحصر ليلاً ونهاراً، حتى قدم المنجنيق من دمشق على مائتي جمل. فلما تكامل نصبه ولم يبق إلا أن يرمي بحجره - وزنته تسعون رطلاً شامياً - ترامى الأمير شيخ ومن معه من الأمراء على الأمير الكبير تغري بردى الأتابك، وألقوا إليه ورقة في سهم من القلعة، يسألونه فيها الوساطة بينهم وبين السلطان، فما زال حتى بعثه السلطان إليهم، فصعد إلى القلعة، ومعه الخليفة، وكاتب السر فتح الله، وجماعة من ثقات السلطان، في يوم السبت ثامن عشرينه، فجلسوا على شفير الخندق، وخرج الأمير شيخ، وجلس بداخل باب القلعة، ووقف أصحابه على رأسه، وفوق سور القلعة، وتولى كاتب السر محادثة الأمير شيخ، فطال الخطب بينهما، واتسع مجال الكلام، فتارة يعظه وأخرى يؤنبه ويوبخه، وآونة يعدد بالله على السلطان من جميل الأيادي وعوائد النصر على أعدائه، ويخوفه عاقبة البغي، وفي كل ذلك يعتذر الأمير شيخ، ثم انصرفوا على أن الأمير شيح لا يقابل السلطان أبداً خوفاً من سوء ما اجترمه، وقبيح ما فعله، فأبى السلطان إلا أن ينزل إليه، وأعاد الأمير تغري بردى وفتح الله فقط، بعدما ألح تغري بردى على السلطان في سؤاله العفو، فأحلف الأمير شيخ، وأخذ منه الأمير كمشبغا الجمالي وأسنبغا، بعدما خلع عليهما، وأدلاهما بحبال من سور القلعة، ثم أرخى أيضاً ابنه ليبعث به إلى السلطان، فصاح الصغير وبكي من شدة خوفه، فرحمه من حضر، وما زالوا به حتى نشله. وتصايح الفريقان من أعلى القلعة، وفي جميع خيم العسكر. فرحاً وسروراً بوقوع الصلح. وذلك أن أهل القلعة كانوا قد أشفوا على الأخذ لقلة زادهم ومائهم، وخوفاً من حجارة المنجنيق، فإنها كانت تدمرهم تدميراً، لو رمى بها عليهم.
وأما العسكر فإنهم كانوا طول إقامتهم يسرحون كل يوم، فينهبون القرى نهباً قبيحاً، ويأخذون ما يجدونه من الغلال، والأغنام، وآلات النساء، ويعاقبون من ظفروا به حتى يطلعهم على ما عنده من علف الدواب وغيره، وفيهم من يتعرض للحريم فيأتون من القبائح بما يشنع ذكره، وهذا وهم في خصاصة من العيش، وقل من المأكل. وكادت بركة صرخد أن ينزح ماؤها. ومع ذلك فإن أصحاب السلطان معظمهم غير مناصح له، لا يريدون أن يظفر بالأمير شيخ خشية أن يتفرغ منه لهم. فلهذا حسن موقع الصلح من الطائفتين، وبات العسكر على رحيل، وأصبحوا يوم الأحد، فركب الأمير تغري بردى، وكاتب السر فتح الله، والأمير جمال الدين، ومعظم الأمراء، فصعدوا إلى قلعة صرخد، وجلسوا على شفير خندقها - وكنت معهم - فخرج الأمير شيخ وجلس بداخل باب القلعة، ووقف من معه على رأسه، ومن فوق السور. وأحلف فتح الله من بقي مع الأمير شيخ من الأمراء للسلطان، وهم جانم نائب حماة، وقرقماس ابن أخي دمرداش نائب صفد، وتمراز الأعور وأفرج الأمير شيخ عن يحيي بن لاقي وتجار دمشق، وغيرهم ممن كان مسجوناً معه، وبعث للسلطان تقدمة، فيها عدة مماليك، وتقرر الحال على مسير الأمير شيخ نائباً بطرابلس، وأن يلبس التشريف السلطاني إذا رحل السلطان. فلما عادوا إلى السلطان رحل من صرخد، وقد رحل أكثر المماليك من الليل، فسار في قليل من ثقاته، وترك عدة من الأمراء على صرخد، وأفق فيهم خمسة وعشرين ألف دينار وستين ألف درهم فضة، خارجاً عن الغنم والشعير ونزل زرع، فبات بها.
شهر ربيع الآخر، أوله الثلاثاء:

فيه قدم السلطان دمشق قبيل الغروب، وقد جد في المسير، فنزل بدار السعادة، وأما الأمير شيخ فإنه نزل من قلعة صرخد بعد رحيل السلطان، ولبس تشريف نيابة طرابلس، وقبل الأرض على العادة، وعاد إلى القلعة، وجهز ابنه إلى الأمير تغري بردى، فرحل به من صرخد، ورحل معه سائر من تأخر من الأمراء السلطانية، وقدم الأمير جمال الدين الأستادار دمشق في يوم الخميس ثالثه. وفيه أفرج السلطان عن المسجونين، إلا ابني الكويز والصفدي.
وفي سادسه: قدم الأمير تغري بردى والأمير بكتمر جلق وبقية الأمراء.
وفي سابعه: قدم ابن الأمير شيخ - وعمره سبع سنين - فأكرمه السلطان، وخلع عليه، وأعاده إلى أبيه، ومعه خيول وجمال وثياب ومال كبير. وفيه ولى السلطان بدمشق الشريف جماز بن هبة الله إمرة المدينة النبوية، وشرط عليه عادة ما أخذ من الحاصل وولى أيضاً جمال الدين محمد بن عبد الله الكازروني قضاء المدينة، وبعث لهما توقيعهما وتشريفهما. وأفردت خطابة المسجد النبوي لابن صالح.
وفي ثامنه: أعفي نجم الدين عمر بن حجي من قضاء طرابلس، وكتب بإحضاره.
وفي رابع عشره: توجه قضاة مصر من دمشق، وكثير من الأثقال، يريدون القاهرة، فنزلوا بداريا. ثم عاد القضاة من يومهم لعقد ابنة السلطان على الأمير بكتمر جلق نائب الشام.
وفي يوم الخميس سابع عشره: حمل بكتمر المهر وزفته المغاني حتى دخل دار السعادة. ثم عقد العقد بحضرة السلطان والأمراء والقضاة، فتولى السلطان العقد بنفسه، وقبله عن الأمير بكتمر الأمير الكبير تغري بردى.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره: توجه القضاة سائرين إلى مصر. وفيه أعيد الصدر على بن الآدمي إلى قضاء الحنفية بدمشق. وعزل ابن الكشك. وصلى السلطان الجمعة بالجامع الأموي، وسار بعساكره، يريد مصر، فنزل الكسوة. وفيه استقر الأمير نكباي حاجب الحجاب بدمشق، عوضاً عن الهيدباني.
وفي تاسع عشره: استقر سودن الحلب في نيابة الكرك.
وفي ليلة الأحد: سار السلطان من الكسوة، وقد ولى غرس الدين خليل الأشقتمري حاجباً بدمشق، ومتحدثاً في أستادارية السلطان بها، واستولى الأمير بكتمر جلق على دمشق، ونزل بدار السعادة على العادة.
وفي رابع عشرينه: نزل السلطان على الرملة، وسار منها يريد القدس، فقدمها. وبعث الأثقال إلى غزة، فزار، وتصدق بخمسة آلاف دينار وعشرين ألف فضة. وبات ليلة بالقدس. وسار من غده إلى الخليل، فبات به، وتوجه إلى غزة، فدخلها في سابع عشرينه، وأقام بها.
شهر جمادى الأولى، أوله الأربعاء: في ثانيه: شنق السلطان بغزة ثلاثة من مفسدي بلد الخليل، ورحل.
وفي ثالثه: قرئ بدمشق كتاب السلطان بأنه قد ولى الأمير شيخ نيابة طرابلس فإن قصد دمشق فدافعوه عنها وقاتلوه. وكان الأمير شيخ قد قصد دمشق، وكتب إلى الأمير بكنمر جلق بأنه يريد دخول دمشق، ليقضي بها أشغاله ويرحل إلى طرابلس، فكثر تخيل السلطان من دخوله إليها. وفيه قدم من حلب إلى دمشق جمال الدين الحسفاوي، ومحب الدين محمد بن الشحقه الحنفي وأخوه، وقد طلبهم السلطان لينكل بهم، من أجل أنهم وافقوا الأمير جكم على السلطة، وأفتوه بذلك.
وفي سادسه: جمعت قضاة دمشق وقرر عليهم ما فرض على القرى الموقوفة من المغارم، كما فرض على بقية القرى.
وفي يوم الخميس تاسعه: نزل السلطان على غيفا خارج بلبيس، وقبض على الأمير جمال الدين الأستادار، وعلى ابنه الأمير شهاب الدين أحمد وعلى ابني أخته الأمير شهاب الدين أحمد وحمزة، وعامة حواشيه وأسبابه، وقيدوا. ومضى بهم الأمير الكبير تغري بردى إلى القاهرة. وسار السلطان فدخل قلعة الجبل في يوم السبت حادي عشره، وقد ختم على حواصل جمال الدين ودوره، وأحيط بها. وتقدم فتح الله كاتب السر لحفظ موجوده.

وفي ليلة الجمعة عاشره: نزل الأمير شيخ على شقحب، وكان الأمير بكتمر قد خرج إلى لقائه بعسكر دمشق. ونزل قبة يلبغا. وثم ركب ليلاً يريد كبس الأمير شيخ، فلقي كشافته عند خان ابن ذي النون، فواقعه فبلغ ذلك الخبر شيخاً، فركب وأتاه. فلم يثبت بكتمر، وانهزم وأتى الأمير شيخ فنزل بمن معه قبة يلبغا. ودخل بكرة يوم الجمعة إلى دمشق، ونزل بدار السعادة من غير ممانع، وقد تلقاه الناس، فاعتذر لهم بأنه لم يقصد سوي النزول في الميدان خارج دمشق، ليقضي أشغاله، وأنه كتب يستأذن الأمير بكتمر في ذلك، فأبى ثم خرج وقاتله، فانهزم بكتمر وأما بكتمر فإنه توجه نحو صفد، ومعه قريب مائة فارس، وتخلف العسكر عنه بدمشق.
وفي ثالث عشره: ولى الأمير شيخ شهاب الدين أحمد بن الشهيد نظر الجيش بدمشق. وولى شمس الدين محمد التباني نظر الجامع الأموي، وتغري برمش - استادار - نيابة بعلبك، وأياس الكركي نيابة القدس، ومنكلي بغا كاشف القبلية والشريف محمد ابن دغا محتسب دمشق.
وإلى يوم الثلاثاء رابع عشره: خلع علي تاج الدين عبد الرازق بن الهيصم ناظر الإسطبل، وكاتب المماليك. واستقر استادار السلطان، عوضاً عن الأمير جمال الدين، ولبس زي الأمراء - وهو القباء - وشد بوسطه السيف، وعمل على رأسه كلفتاه، وخلع على أخيه مجد الدين عبد الغني بن الهيصم، مستوفي الديوان المفرد، واستقر في نظر الخاص، وخلع على سعد الدين إبراهيم البشيري ناظر الدولة، واستقر في الوزارة. وخلع علي تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر، واستقر ناظر الديوان المفرد على عادته، وأضيف إليه أستادارية الأملاك والأوقاف السلطانية، عوضاً عن الأمير شهاب الدين أحمد ابن أخت جمال الدين، وخلع على تاج الدين فضل الله بن الرملي، واستقر في نظر الدولة بمفرده، وخلع على حسام الدين حسين الأحول، واستقر أمير جاندار. وفيه ركب الأمير شيخ، ومعه عسكر دمشق بأجمعهم، يريدون صفد.
ولم يتأخر بدمشق سوى الأمير تمراز نائب السلطنة، والأمير علان.
وفيه كتب الأمير شيخ محضراً بأنه كان متوجهاً إلى طرابلس، فلما وصل شقحب قصده بكتمر، وأراد أن يركب عليه، ويبدد شمله، فدفع عن نفسه. وشهد له فيه جماعة، وقصد تجهيزه إلى السلطان، فلم يجسر أحد على المضي به، فسار - وهو معه - حتى بلغ إلى المنية قريباً من صفد وجد إمام الصخرة بالقدس، فبعثه به إلى القاهرة.
وفي ثامن عشره: سار سودن المحمدي من دمشق ليلحق الأمير شيخ. وكان الأمير شيخ لما قارب صفد جهز الأمير جانم والأمير قرقماش ابن أخي دمرداش، وسودن الجلب، وشاهين الدوادار إلى صفد، فطر قوها على غفلة فثار إليهم أهل القلعة ودفعوهم، فولوا راجعين.
وفي سابع عشرينه: قدم الأمير بكنمر جلق نائب الشام، ومعه الأمير برد بك نائب حماة، والأمير نكباي حاجب دمشق، والأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد، والأمير يشبك الموساوي الأفقم نائب غزة، فخرج السلطان إلى لقائهم، ودخل من باب النصر، فشق القاهرة، وخرج من باب زويلة، ونزل بدار الأمير طوخ أمير مجلس يعوده في مرضه. وصعد إلى القلعة. وفيه خلع على شهاب الدين أحمد بن أوحد، واستقر في مشيخة خانكاه سرياقوس، عوضاً عن شمس الدين محمد القليوبي.

وفيه أحضر الأمير جمال الدين الأستادار محمولاً إلى بين يدي السلطان، لعجزه عن المشي من العقوبة. وكان قد عوقب بالعصر في رجليه، فأخرج عدة دخائر منها دخيرة في حادي عشره من حارة زويلة، وجدت مدفونة في التراب، ذهباً صبيباً من غير وعاء، زنته خمسة وخمسون ألف مثقال، غربلت من التراب، ووزنت بحضرة قضاة القضاة الأربع، ودخيرة أخرى في غده، وجد فيها تسع قفاف مملوءة ذهباً، وحق فيه نفاش من الجوهر، ودخيرة ثالثة أخرجها ابنه أحمد بحضرة القضاة وكاتب السر من منزله، بلغت مائتي ألف دينار، واثنتين ألف دينار، عنها اثنان وعشرون قنطارا وخمس قنطار، حضروا بها القضاة وكاتب السر، ثم خبية أخرى من داره، بلغت ستين ألفي دينار. ومن السلاح والقماء وسائر الأصناف شيئاً كثيراً، فكان يحمل منه في كل يوم عدد كثير من الأحمال ثم عصر في ثاني عشرينه عصراً شديداً، وعصر ابنه بحضرته، فاعترف الابن بدخيرة وجد فيها أحد عشر ألف دينار، وثلاثمائة دينار، ولم يعترف جمال الدين بشيء، فأنزل بابني أخته شهاب الدين أحمد الحاجب وأخيه حمزة إلى بيت الأمير تاج الدين بن الهيصم الأستادار، فسلما إليه، فعاقب جماعة من أقارب جمال الدين وألزامه. فلما مثل جمال الدين بحضرة السلطان عنفه على ما كان منه فاعترف بالخطأ، وسأل العفو، وقبل الأرض، ثم أعاده إلى موضع حبسه من القلعة، وأمر بمعالجته حتى يبرأ.
وفي سابع عشريه: أيضاً قدم الأمير نوروز من عند التركمان إلى حلب، ومعه الأمير يشبك بن أزدمر وجماعة. فخرج الأمير دمرداش إلى لقائه، وبالغ في إكرامه، وأنزله. وقام له ولمن معه بما يليق بهم، وحلفهم للسلطان، وكتب يعلم السلطان بذلك، ويسأله أن يعيد الأمير نوروز إلى نيابة الشام، وأن يولي يشبك بن أزدمر طرابلس، ويولي ابن أخيه تغري بردى حماة.
شهر جمادى الآخرة، أوله الجمعة.
فيه توجه الأمير مقبل الرومي أحد أمراء الألوف إلى دمياط، ليركب البحر إلى الأمير نوروز، ومعه تشريف وتقليده نيابة الشام، ومبلغ خمسة عشر ألف دينار. وإنما ركب البحر لتعذر السلوك في البر إلى الشام.
وفيه وجد لجمال الدين بمدرسته بيت فيه سبعمائة قفة فلوس، فكان مبلغ ما وجد له تسعمائة ألف دينار وأربعة وستين ألف دينار.
وفي ثانيه: قدم إمام الصخرة، ومعه جندي بكتاب الأمير شيخ والمحضر، فغضب السلطان ووسط الجندي، وضرب الإمام ضرباً مبرحاً، وسجنه بخزانة شمايل.
وفي رابعه: أنزل بجمال الدين وابنه أحمد من قلعة الجبل على قفصي حمال، إلى بيت ابن الهيصم. وفيه قدم الأمير شيخ من سفره إلى دمشق، وقد وصل إلى غزة في طلب الأمير بكتمر، فلم يدركه، فولى في غزة سودن المحمدي، وفي الرملة جانبك، فقدم الخبر إلى دمشق بأن يشبك ابن أزدمر، وتغري بردى بن أخي دمرداش، بعثهما نوروز إلى حماة، ففر منها جانم، وكان قد بعثه الأمير شيخ إليها.
وفي سابعه: قبض السلطان على الأمير بلاط أحد أمراء الألوف، وعلى الأمير كزل الحاجب، وبعثا مقيدين إلى الإسكندرية.
وفي ثامنه: بعث الأمير شيخ الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش من دمشق على عسكر إلى طرابلس.
وفي تاسعه: أعيد شمس الدين محمد الطزويل إلى حسبة القاهرة، وعزل ابن شعبان، واستقر زين الدين حاجي في قضاء العسكر وعزل شمس الدين محمد البرقي الحنفي.
وفي حادي عشره: نقل جمال الدين الأستادار ليلاً من بيت ابن الهيصم في قفص حمال إلى بيت الأمير حسام الدين حسين الأحول، فعاقبه أشد العقوبة لإحن كانت في نفسه منه، ثم خنقه من الغد، وقطع رأسه، وحمله إلى السلطان حتى رآه، ثم أعاد الرأس، فدفن مع جثته.
وفيه استقر علاء الدين علي الحلبي قاضي غزة في مشيخة خانكاه بيبرس بالقاهرة، عوضاً عن شمس الدين محمد البيري قاضي حلب وأخي جمال الدين، واستقر نور الدين على التلواني في تدريس الشافعي، عوضاً عن أخي جمال الدين.
وفيه أحضر السلطان رجلاً يعرف بالشهاب أحمد بن الزعيفريني، وقطع يسيراً من لسانه، وبعض عقد أصابع يده، من أجل أنه كتب ملحمة قيل أنها من نظمه، زعم أن الملك يصل إلى جمال الدين وإلى ابنه أحمد.
وفي رابع عشره: خلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر حاجب الحجاب عوضاً عن كزل العجمي.

وفي سابع عشره: قبض سنان نائب قلعة صفد على الأمير ألطنبغا العثماني، لممالأته الأمير شيخ. وقام الأمير علان بنيابة صفد من قبل الأمير شيخ. وفيه ولى الأمير شيخ صدر الدين علي بن الآدمي نظر الجيش بدمشق، وولي محب الدين محمد بن الشحنة الحلبي قضاء الحنفية بدمشق.
وفي حادي عشرينه: ولي الأمير شيخ الشهاب أحمد بن الحسباني خطابة الجامع الأموي، وعزل الباعوني، ثم أعاده من الغد، وخطب، ثم قسم الخطابة بعد صلاة الجمعة بينه وبين الحسباني. ثم في عصر يومه ولي الحسباني قضاء الشافعية بدمشق، وعزل الباعوني.
وفي رابع عشرينه: خرج الأمير شيخ من دمشق، يريد حماة.
وفي ثامن عشرينه: وصل الأمير يشبك الموساوي من مصر إلى رفح، فلقيت كشافته كشافه سودن المحمدي فكسروهم، ففر المحمدي من غزة، ودخلها الموساوي من يومه نائباً بها، بعدما نهب المحمدي شيئاً كثيراً من غزة فتبعه يشبك، ومن قدم معه من مصر، وهم الأمير قانبك رأس نوبة، والأمير فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج كاشف الشرقية، والأمير حسين بن قطايا وعدة من المماليك السلطانية، فلحق بجهة الكرك، وقدم خبر ذلك إلى دمشق، فانزعج الشيخية انزعاجاً شديداً.
وفي هذا الشهر: كانت فتنة بين الأمير علان وأهل صفد، هزموه فيها، لما بلغهم من قدوم عسكر السلطان مع الموساوي إلى غزة، فقدم دمشق في سابعه. وفيه تقرر الصلح بين الأمير نوروز والأمير شيخ، فدقت البشائر بدمشق عدة أيام. وفيه قدم شرف الدين يعقوب بن الجلال التباني الحنفي إلى دمشق، فاراً من السلطان في أوائله. وفيه سار أبو شوشة صديق التركمان من صفد بطائفة، وكبس حولة بانياس، ففر من كان بها من جهة الأمير شيخ، ولحقوا بدمشق.
شهر رجب، أوله السبت: في سابعه: أعيد ابن شعبان إلى الحسبة، وعزل الطويل، ثم عزل ابن شعبان بشمس الدين محمد بن يعقوب الدمشقي في ثامن عشره.
ومن النوادر أن النيل وفى ست عشرة ذراعاً، وفتح الخليج في أول يوم من مسرى، وبلغ في الزيادة ما يقارب اثنتين وعشرين ذراعاً، وثبت إلى نصف هاتور.
شهر شعبان، أوله الاثنين: فيه بلغ القمح إلى قريب ثلاثمائة درهم الأردب، والشعير والفول إلى مائتي الأردب، والحمل التبن إلى مائة وعشرين، والرطل اللحم الضأن إلى عشرة دراهم.
وفي ثالثه: أعيد كريم الدين الهوى إلى الحسبة، وعزل ابن يعقوب.
وفي هذا الشهر: كانت وقعة بغزة بين يشبك الموساوي، وسودن المحمدي، وعلان نائب صفد، قتل فيها جماعة، وفر الموساوي، ودخل القاهرة في أوائله، وجرح علان في وجهه، فحمل إلى الرملة، ومات بها، فبعث المحمدي يسأل الأمير شيخ في نيابة صفد، فولاه في خامس عشره.
وفي سابع عشرينه: قبض على الأخناي قاضي دمشق، وسجن بدار السعادة وطلب منه عشرة آلاف دينار، وسبب ذلك أنه اتهم بمكاتبة نوروز.
وفي ليلة الأحد حادي عشرينه: قدم الأمير دمرداش إلى حماة نجدة للأمير نوروز، ومعه عسكر حلب وطوائف التراكمين الأوشرية والبياضية، وكردي بن كندر، وعرب الفرات، وبلاد حلب. وكان قد وصل الأمير مقبل الرومي من مصر على ظهر البحر، وسار الأمير نوروز، فوصل إلى حماة في رابعه، ومعه تقليده بنيابة الشام، والتشريف السلطاني. وكتاب السلطان، فلبس التشريف، وقبل الأرض على العادة، وجدد اليمين بالطاعة للسلطان، فقدم عليه في غد قدوم مقبل جماعة ممن في صحبة الأمير شيخ، منهم تمربغا المشطوب، وتمراز نائب حماة، وسودن الحلب، وجانبك القرمي، وبردبك حاجب حلب فلما بلغ الأمير شيخ قدوم دمرداش نائب حلب ركب وترك وطاقه وأثقاله، وتوجه إلى ناحية الربان، مركب دمرداش بكرة يوم الأحد المذكور، وأخذ الرطاق، فعاد الأمير شيخ وقاتله قتالاً شديداً، قتل فيه جماعة، منهم بيازير من إخوة نوروز، وأسر عدة كثيرة، منهم الأمير محمد بن قطكي أمير الأوشرية، وفارس أمير أخور دمرداش، وأحد طبلجاناه دمرداش، وكسر أعلامهم. ونزل الأمير شيخ على نقيرين، ورحل ليلة الاثنين يريد حمص، فقدم الخبر إلى دمشق في ليلة الخميس بكسرة الأمير شيخ، فعزم من بها من أصحابه على الهرب، واشتغلوا بأنفسهم، ففر الأخناي من سجنه بدار السعادة، واختفى حتى سار إلى صفد، فقدمها في ثالث شوال، وكتب يعرف السلطان خبره، ويغريه بالأمير شيخ.

وفي سادس عشرينه: قدم إلى دمشق من وطاق الأمير شيخ شمس الدين محمد بن التباني، وقد ولاه خطابة الجامع الأموي، فأكبر الناس ذلك، لأنهم لم يعهدوا خطبه قط إلا شافعياً. وكتبوا في هذا إلى الأمير شيخ فأعاد الباعوني إلى الخطابة.
شهر رمضان، أوله الثلاثاء: فيه أرجف في دمشق بهجوم سودن المحمدي، فجعلت الستائر على قلعة دمشق، وسبب ذلك أن نوروز كاتبه يستميله إليه، فاستحال على الأمير شيخ، وتوجه إلى دمشق يريد أخذها، وعاث في بلاد صفد، وصادر أهل القرى. ونزل سعسع، فكتب بدلك إلى الأمير شيخ فبعث دواداره جقمق، فقدم في سادسه باستخراج الأموال من الناس، ففرض على البساتين والقرى مالاً جبى منهم. فبينما هو في ذلك، إذ قدم المحمدي من غده يوم الاثنين سابعه إلى داريا، وزحف حتى وصل إلى المصلى، وضرب خامه، ونادى بالأمان.
وقال: أنا من جهة السلطان والأمير نوروز نائب الشام، وحطم يريد القلعة، وقد وقف الأمير ألطنبغا القرمشي نائب الغيبة بمن معه على باب النصر، فدخل طائفة من أصحاب المحمدي المدينة من باب الصغير، فدخل القرمشي وجماعته من باب النصر، وأغلقوا عليهم. ورمي من بالقلعة على رجالة المحمدي فانهزموا. وبينما الناس في القتال، إذ قدم من وطاق الأمير شيخ الأمير سودن بقجة، والأمير أينال المنقار على عسكر، فقاتلوا المحمدي قتالاً كثيراً، تقنطر فيه عن فرسه إلى الأرض، فأدركه من معه وأركبوه، وقد تفرق جمعه.
فمر على وجهه ولحق بالأمير نوروز وحلف له وللسلطان وغنم أهل دمشق ما كان معه، وقبضوا على خمسين من أصحابه. فلما انجلت الوقعة، قدم في الليل شاهين الدوادار من وطاق الأمير شيخ، وجد في استخراج ما فرض على الناس من الأموال، فنزل بأهل دمشق شدائد.
وفي سادس عشرينه: نودي في دمشق بالتأهيب للخروج مع الأمير سودن بقجة، ليشر إلى صفد، فإنه استقر في نيابتها من جهة الأمير شيخ، وكان قد وصل الأمير شاهين الزردكاش إلى صفد من قبل السلطان نائباً بها، وولي أيضاً جانبك دوادار الحمزاوي نيابة غزة، وشاهين الحلبي كاشف الرملة، ووعدهم أن يسيرهم جميعاً إلى محل ولاياتهم في عيد الفطر.
وفي هذا الشهر: كتب الأمير شيخ كتاباً إلى السلطان يخادعه فيه، من مضمونه أنه لما عفي السلطان عنه بصرخد امتنع من الحلف الأمير بكتمر جلق، والصلح معه. ثم توجه بعد رحيل السلطان، وصحبته الأمير سودن الأسندمري متسفره، حتى بلغ عجلون أعاده السلطان ليعود إليه بما يرسم به، فلما تأخر حضوره توجه إلى محل كفالته، فبلغه أن الأمير بكتمر جمع عليه ثم أنه كبسه على شقحب، فكان من أمره ما كان. ثم توجه إلى عزة وجهز قصاده بمطالعته، تتضمن صورة ما اتفق، فلم يصل إليه الجواب، وأن ذلك بوساطة من قصده إبعاده عن خاطر السلطان، ثم بلغه أن الأمير نوروز حضر إلى حماه وتطرق إلى حمص وأعمالها، وشن الغارات بها، وأظهر الفساد ونهب، فما وسعه سوى المبادرة إليه ليردعه، وتعب البلاد والعباد مما حل بهم، فلما قربه تحصن بمدينة حماة، فنازله وضايقه، وحاصره مدة، إلى أن حضر إليه الأمير دمرداش نائب حلب بعسكرها، وطوائف التركمان والعرب، وخرج إليه فقاتله وكسره، وقتل منه جماعة. فلما أن أدركه شهر رمضان رفع القتال تعظيماً لحرمته، ونزل بحمص ليصوم بها، فبلغه أن سودان المحمدي كاتب نوروز ووعده أن يأخذ له دمشق فبادر وجهز فرقة ليسير بها إليه خوفاً على المسلمين، فوافوه وقد قدم بالعشير والتركمان، فكسروه، وأخذوا غالب جماعته، وجميع ما كان معه، ثم أخذ بعد هذه الأخبار يذكر أنه تاب وأناب، ورجع إلى طاعة السلطان. ثم أخذ يغري نوروز، وأنه يريد الملك لنفسه، ولا يطيع أبداً، وأنه هو لا يريد إلا الانتماء إلى السلطان فقط، ورغبته في عمل مصالح العباد والبلاد، وسأل العفو والصفح عنه، فلم يمش هذا على السلطان.
شهر شوال، أوله الخميس: في ثالثه: قدم قاضي القضاة شمس الدين محمد الأخنادي إلى صفد، فاراً من الشيخية بدمشق، فأكرمه الأمير شاهين الزردكاش، وأنزله ثم بعث الأخناي كتبا يخبر فيه السلطان بما جرى له، ويغريه بالأمير شيخ، وأنه خارج عن طاعته، ويحثه فيه على سرعة الحركة إلى الشام.

في ثامنه: خرج من دمشق عسكر، عليه شاهين الدوادار، وخرج من غده عسكر آخر عليه الأمير سودن بقجة، والأمير ألطنبغا القرمشي الحاجب، فساروا إلى سعسع وأقاموا بها، وقد جمع الأمير شاهين نائب صفد العشير، واستعد لهم، وكان تغري برمش نائب بعلبك قد جمع منها أموالاً جزيلة، بأنواع الظلم على عادته، ثم فر بها، وقدم صفد مفارقاً للأمير شيخ، ثم سار إلى السلطان.
وفي يوم السبت عاشره: وكتب السلطان من قلعة الجبل وعدى النيل إلى بر الجيزة، ونزل بناحية أوسيم عند مرابط خيوله على البرسيم الخضر ليتصيد ويتنزه.
وفي ثالث عشره: أعاد السلطان ابن شعبان إلى الحسبة وعزل الهوى بم ثم عدي النيل في يوم الخميس ثالث عشرينه، وركب يريد القلعة، حتى وصل قريباً من قناطر السباع عند الميدان، أمر بالقبض على الأمير قردم الخازندار، والأمير أينال المحمدي الساقي، فقبض في الطريق على قردم.
وأما أينال فإنه شهر سيفه، وساق فرسه، ومضى فلم يلحقه غير الأمير قجق أدركه وضربه على يده ضربة جرحه جرحاً بالغاً، وفاته، فلم يقدر عليه، وصعد السلطان إلى القلعة سالماً. وسبب ذلك أنه بلغه عنهما أنهما يريدان إثارة فتنة. وقام بعض المماليك فحاققهما أنهما يكاتبان الأمير شيخ، فنودي على الأمير أينال بالقاهرة، عدة أيام، فلم يعرف خبره،. وحمل قردم إلى الإسكندرية، فسجن بها، ورتب له في كل يوم مبلغ خمسمائة درهم من الفلوس. ولم يؤخذ له خيل ولا قماش، ولا غير ذلك.
وفي ثالث عشره: نزل على صفد عسكر دمشق، وفيه شاهين الدوادار، وقرقماش ابن أخي دمرداش وسودن بقجة، وألطنبغا القرمشي، وخليل الجشاري، وحسن بن قاسم بن متيرك مقدم عرب حارثة، وأبو بكر بن مشاق شيخ جبل نابلس، في جمع كثير من العشير والتركمان، فخرج إليهم الأمير شاهين وقاتلهم يومه، وباتوا متحاربين، وعدوا على حربهم، فاقتتلوا يومهم بطوله قتالاً شديداً، جرح فيهم شاهين بوجهه ويده، وكاد يؤخذ لولا أنه فر، فتبعه قرقماش وبقية العسكر، وقد جرح أكثرهم، ونهب لهم شيء كثير، وقتل بين الفريقين جماعة، وأسر من أهل صفد أسندمر كاشف الرملة، فنزل الشيخية قريباً من صفد، ومنعوا الميرة أن تصل إليها، وبعثوا بأسندمر إلى الأمير شيخ، وسألوه في نجدة، فعين لهم أقبردي المنقار بمائة وخمسين فارساً، وأردفه بيشبك الأيتمشي، وبنائب بعلبك.
وفي خامس عشره: قدم إلى صفد الأمير يشبك الموساوي نائب عزة من قبل السلطان. وقدم أيضاً سودن اليوسفي، وبردبك من أصحاب نوروز.
ثم سار قرقماش ابن أخي دمرداش عن صفد، وقدم على الأمير شيخ بحمص، مسيره إلى دمشق، فقدمها في ثاني عشرينه، ومعه مائة فارس لتجهيز الآلات لقتال صفد، وقد حصنت قلعة دمشق، ونصب عليها المنجنيق خوفاً من قدوم الأمير نوروز إليها.
وفيه قدم أيضاً إلى دمشق ناصر الدين محمد بن خطب نقيرين، وقد ولاه الأمير شيخ قضاءها. وعزل الشهاب الحسباني. وقدم شرف الدين يعقوب بن التباني وقد ولاه أيضاً مشيخة السميساطية، وعزل الباعوني عنها.
وفي خامس عشرينه: ركب الشيخية بأجمعهم على صفد، وقد أتاهم من العشران وغيرهم طوائف، فافترقوا عن المدينة ثلاث فرق، وزحفوا عدة زحوف، فكان قتالاً شديداً من بكرة النهار إلى الظهر، فانكسر قرقماس، وجرح، وقتل عدة من أصحابه، فانهزم البقية، وتبعهم الصفديون، ونهبوا وطاقهم، وعدة دواب لهم وخرج من الغد الأمير بردبك السيفي نوروز من صفد بعسكر إلى حولة بانياس، ومعه الأمير مهنا ابن الغزاوي بقومه، وقد أبلى في أمه على صفد بلاء كثيراً، وقتل ولده الأكبر، وعورت عين ابنه الآخر، وأصيبت رجل ابنه الثالث. وتوجه معه أيضاً فضل بن غنام بن زامل من آل مهنا. وكانت له أيضاً في الوقعة أثار مشهورة. وتوجه أيضاً محمد بن هيازع، فعاثوا في تلك النواحي.
وفيه سار يشبك الموساوي من صفد عائداً إلى غزة، وعاد أولاد ابن بشارة أيضاً بعشيرهم إلى بلدانهم، فكانت وقعة صفد هذه من الحروب المذكورة، قل من سلم فيها من عسكر صفد، فكانوا بين قتيل وجريح، وتلفت خيول كثيرة، وأقام الشيخية بأراضي الحول هوهم بأسوأ حال، فاشتد الأمر بدمشق، وطلب سودن بقجة نائب شيخ من تجارها وأعيانها الأموال والخيول، وجبى من الجناد ومن الطواحين عدة خيول، واستجد بها عسكراً. هذا والأمير شيخ بحمص، حاصر الأمير نوروز بحماة.

وفيه قدم على الأمير شيخ كتاب قرا يوسف، بأنه قد ملك عراق العجم وديار بكر وماردين، وأنه سلطن ابنه محمد شاه، ونزل في الموصل، وقصده الحضور إلى الشام نجدة له لاستمراره على ما بينه وبينه من العهود والمودة. فجمع الأمير شيخ الأمراء واستشارهم، فما منهم إلا من أشار بحضور قرا يوسف إلا الأمير تمراز الناصري نائب السلطة، فإنه أنكر ذلك وخوفهم عاقبة قدومه، وأشار بتأخير جوابه حتى يعلم السلطان بذلك، ويراجع في أمر الأمير شيخ ومن معه، ثم يعمل بمقتضى جوابه عن ذلك، فوافقوه على هذا، وكتبوا إلى السلطان يخوفوه من قدوم قرا يوسف إلى بلاد الشام أن يتطرق منها إلى مصر، وسألوه حسن النظر للأمراء، بما فيه مصلحة العباد والبلاد.
وفي سابع عشرينه: استقر شمس الدين محمد بن علي بن معبد المدني في قضاء القضاة المالكية بديار مصر، وعزل جمال الدين يوسف البساطي. وفيه أنعم على سودن الأشقر رأس نوبة بتقدمة ألف بديار مصر.
شهر ذي القعدة، أوله السبت: فيه سارت نجدة من دمشق إلى من في الحولة من الشيخية، فمضوا إلى بيسان وكبسوا محمد بن هيازع أمير عرب بني مهدي في خامه، وأخذوا ما كان معه، وتوجهوا إلى صفد، فكانت بينهم وبين الأمير شاهين وقعة جرح فيها جماعة.
وفي عاشره: قبض على الأمير أينال المحمدي الساقي أمير سلاح في بعض حارات القاهرة، فأخرج إلى الإسكندرية في يومه. وفيه استقر أقتم أحد المماليك الظاهرية في ولاية القاهرة، وعزل ابن الطلاوي. واستمر حسام الدين حسين الأحول أمير جاندار في شد الدواوين، وعزل آدم البريدي، وكان ظالماً فاجراً، وقبض عليه، وعوقب.
وفي آخره: أضيفت ولاية القاهرة إلى الحسام حسين الأحول.
شهر ذي الحجة، أوله الأحد: في ثانيه: قدم كتاب الأمير شيخ من الوطاق إلى دمشق، بأن الشيخ أبا بكر بن تبع وصل إليه رسولاً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن منام رآه شخص، فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له: " قل لشيخ أن لم يرجع عما هو فيه وإلا هلك ومن معه " . فقال: " يا رسول ا لله أخاف ألا يصدقني " .
فقال: " قل لابن تبع يذهب إليه " . فقال: " ما يصدقه " . فذكر له علامة من تحويط نفسه عند النوم بذكر ذكره. متوجه هو وابن تبع إليه فقص عليه المنام، مصدق العلامة، وكتب إلى دمشق برفع المظالم، وأنه قد رجع وأناب إلى الله تعالى، وسأل الدعاء له بالتوفيق والسداد. فقرئ الكتاب في الجامع الأموي بحضرة القضاة والأعيان والعامة. ونادى الأمير سودن بقجة نائب الغيبة برفع المظالم، فلم يرفع شيء منها، بل قدم تاج الدين محمد بن الشهاب أحمد الحسباني من الوطاق بحمص إلى دمشق، وقد ولاه الأمير شيح حسبة دمشق ووكالة بيت المال وقضاء العسكر، وإفتاء دار العدل، على أن يقوم له بألف دينار، كتب بها خطه، حتى بيها من وجوه المظالم. وقدم أيضاً الطواشي مرجان الهندي الخازندار بالكشف عن أوقات الصدقات ومحاسبة المباشرين عليها.
وفي سادسه: سار من دمشق شاهين الدوادار على عسكر، وسار جقمق الدوادار من الغد إلى البقاع.
وفي ليله الاثنين تاسعه: قتل سنان نائب قلعة صفد، بحيلة دبرت عليه.

وأما الأميران شيخ ونوروز، فإنه لما كان في أول هذا الشهر اجتمع على الأمير شيخ جمع كبير من عسكره، ومن طائفة التركمان البازية والأشرية، والكبكية، والذكرية، والأسقية، والبزقية. وقدم عليه الأمير شهاب الدين أحمد بن رمضان، ونزل العمق، فسار الأمير شيخ من حمص إلى وادي الخزاندار، واجتمع بأمير الملا العجل بن نعير وأخذه معه، وقد قدم ببيوته وبوشه، ونزل بظاهر حماة في يوم الخميس ثاني عشره، وخيم بظاهرها. هذا وقد اجتمع عند الأمير نوروز ودمرداش بحماة طائفة التركمان الأوشرية والبياضية، وقدم على ابن دلغادر، ونزل قريباً من العمق ببيوته، فاقتتل أصحاب شيخ ونوروز قتالاً يسيراً، وأصبح الأمير شيخ في يوم الجمعة على ألا يقاتل، فما أحس وقت صلاة الجمعة، إلا ونوروز قد خرج من مدينة حماة - هو ودمرداش بعساكرهما، مركب حينئذ واقتلوا إلى قريب العصر فخامر على نوروز طائفة التركمان الأوشرية، فانهزم وعبر المدينة - هو ودمرداش - وقد أخذ الأمير شيخ سودن الجلب وجان بك القرمي وشاهين الأياسي وسودن أمير أخور، ونوروز، وبيازير، وجماعة. وغرق بوزجا أمير التركمان البياضية في نهر العاصي، وغرق أسطاي أخو يونس، وجماعة كثيرة، وتسحب منهم جماعة، وغنم الأمير شيخ نحو ألف فرس. وتفرق أكثر التركمان والعربان عن نوروز، ولحق بالأمير شيخ منهم جماعات. ونزل بالميدان خارج حماة ومعه العجل، وأقاما يومي السبت والأحد بغير قتال، فلما كان ليلة الاثنين صلع تمربغا المشطوب وسودن المحمدي وتمراز نائب حماة، وكبسوا العجل ليلاً، فاقتتلوا إلى قريب الفجر وأخذوا مواشي كثيرة، فركب الأمير شيخ نجدة للعجل، فخرج نوروز ونهب وطاقه وعاد إلى حماة، فنزل الأمير شيخ بكرة يوم الاثنين قريباً من شيزر، ونزل العجل بطرف البر، وقد كملت مدة الحرب سبعة أشهر. وكتب الأمير شيخ إلى دمشق بكسرة نوروز، فدقت البشائر بها وزينت، وكتب دمرداش إلى السلطان يطلب منه نجدة، ويحثه على سرعة المسير إلى الشام، ويخوفه عاقبة تأخره لخروج البلاد من يده.
وفي تاسع عشره: وصلت كشافة برد بك السيفي إلى عقبة شحورا ظاهر دمشق، ونزل هو بشقحب، وتأهب أهل قلعة دمشق لحربه.
وفي عشرينه: وصل إلى دمشق الأمراء المأخوذون من أصحاب نوروز، وهم سودن الجلب، وكشكنا، وجان بك القرمي، ونحو خمسين مملوكاً، ما بين ماش وراكب حمار، فسجنوا بقلعة دمشق. وفيه خرج عسكر من دمشق مع سودن بقجة وألطنبغا القرمشي، فاقتتلوا مع برد بك، فانكسر جاليش بقجة، فركب ومال على تركمان برد بك وكسرهم، وحمل بمن معه على برد بك هزمه على خان ابن ذي النون، فمر إلى صفد، ونهب ما كان معه، ومضى سودن بقجة وألطنبغا القرمشي، والأجرود نائب بعلبك وأينال المنقار بجمع كبير من العشير والتركمان والعرب يريدون غزة، فاشتد الأمر على نوروز من طول الحصار، ومنع الميرة، وفرار أكثر التركمان عنه، بحيث لم يبق عنده غير كردي باك، وابن دلغادر، وانضم ابن رمضان وابن صاحب الباز إلى الأمير شيخ. وأخذت له إنطاكية، فكثر جمعه، وجهز شاهين الدوادار، وأيدغمش من كبك، إلى حلب، ولم يبق بيد السلطان من البلاد الشامية غير غزة وصفد، ومعه بردبك السيفي، ونوروز بحماة وهو محصور، فلما تزايد الضيق على نوروز ودمرداش، استدعيا أعيان مدينة حماة.

وما زالا بهم حتى كتبوا إلى العجل بن نعير بأن نوروز فر من حماة، ولم يبق بها إلا دمرداش، وسألوه أن يأخذ لهم الأمان من الأمير شيخ، فمشى ذلك على العجل، وركب إلى الأمير شيخ، وأعلمه بذلك، فبعث فرقة من مماليكه ومن عرب العجل بسلالم تسوروا منها على السور، وتركوا خيولهم بباب الجسر، ونزلوا المدينة، فأخرج النوروزية خيولهم وركبوا عليهم وقتلوهم جميعاً، إلا رجلين من أمراء العجل، وعلقوا الرءوس على السور، وألزم أمير العجل حتى كتب إليه بأن الصلح قد انعقد بين نوروز وشيخ على أن يمسك نوروز دمرداش يسلمه لشيخ، ويمسك شيخ يسلمه لنوروز، فلم يكذب العجل ذلك، وركب لوقته وسار يريد البر، فركب الأمير شيخ في إثره ليرده، فخرج نوروز ودمرداش بمن معهما، ونهبوا وطاقه وخيله، فبلغه ذلك، فعاد إلى حمص، ثم سار عنها إلى القريتين وكتب إلى سودن بقجة أن يبعث الأمراء النوروزية والمماليك إلى قلعة المرقب، وكتب يطلب الصلح من نوروز فأبى عليه، وخرجت السنة وهم على ذلك والسلطان متحرك للسفر إليهما.
ومات في هذه السنة ممن له ذكرجماعة منهم نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التستري البغدادي مدرس المدرسة الظاهرية برقوق للحنابلة، في حادي عشرين صفر. ومولده ببغداد في حدود الثلاثين وسبعمائة، وله مصنفات ونظم ونثر.
ومات الأمير جمال الدين يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري الحلبي. قتل في ليلة الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة، بعدما حكم إقليمي مصر والشام، ولم يفته من السلطة إلا الاسم، وقد بسطت ترجمته في التاريخ الكبير المقفي، وفي كتاب درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة هو وكل من له وفاة في هذا الجزء، ويستحق بها أن يذكر، إما بشهرته أو بفضيلته.
ومات الأمير أقباي الكبير الطرنطاي رأس نوبة الأمراء، في ليلة الأربعاء سابع عشرين جمادى الآخرة، ونزل السلطان إلى داره، ثم تقدم راكبا إلى المصلى فصلى عليه، وشهد دفنه. وترك من العين أربعين ألف دينار مصرية واثني عشر ألف دينار مشخصة، ومن الغلال والخيول والجمال وغير ذلك شيئاً كثيراً، فأخذ السلطان الجميع، ولم يترك لأولاده شيئاً، وكان عسوفاً، شرهاً في جمع المال، بخيلاً.
ومات الأمير طوخ الخازندار، في آخر جمادى الآخرة.
ومات الأمير بلاط، أحد المقدمين، مقتولاً بين الإسكندرية ودمياط.
ومات شمس الدين محمد بن عبد الله، أبي بكر القليوبي، شيخ خانكاه سرياقوس، بها في يوم الخميس ثاني عشرين جمادى الأولى، وكان من فضلاء الشافعية، متواضعاً، ديناً.
وقتل الأمير الشريف جماز بن هبة الله بن جاز بن منصور الحسيني، أمير المدينة النبوية، في جمادى الآخرة، بالفلاة، وهو في عشر الستين.
وولي إمارة المدينة ثلاث مرات، آخرها في سنة خمس وثمانمائة، واستمر إلى صفر سنة إحدى عشرة، وما خرج حتى نهب ما في القبة من حاصل الحرم النبوي.
ومات الشريف أحمد بن ثقبة بن رميثة بن أبي نمى الحسني بمكة، في المحرم، وقد أناف على الستين، وكان الشريف عنان بن مغامس في ولايته الأولى على مكة أشركه معه في ولايتها وهو مكحول، وكان ابن أخته الشريف محمد بن أحمد بن عجلان، وكبيش بن عجلان قد خافا منه، فكحلاه، وقتل ابن أخته بعد ثلاثة أشهر، وكبيش بعد ستة أشهر من كحله.
ومات محمد بن أميرزه، الشيخ عمر بن الطاغية تيمورلنك، في المحرم، مقتولاً، على يد بعض خواصه، وكان مشكور السيرة، وقام من بعده بمملكة جغطاي أخوه اسكندر شاه بن أمير زه شيخ عمر بن تيمورلنك.
سنة ثلاث عشرة وثمانمائةأهلت والخليفة المستعين بالله أبو الفضل العباسي بن محمد، والسلطان الملك الناصر فرج بن برقوق، ونائب الشام الأمير نوروز، و لم يتمكن من المباشرة بل هو محصور بحماة، والأمير شيخ وجماعته يحيطون به، ونائب حلب الأمير دمرداش، وهو بحماة مع نوروز، وعنده أيضاً نائبي حماة وطرابلس، ونائب صفد الأمير شاهين الزردكاش، ونائب غزة الأمير يشبك الموساوي الأفقم.

والذهب في القاهرة بمائة وثمانين المثقال، وبمائة وستين الدينار المشخص، والأردب القمح بمائتي درهم، وقد هافت الزروع، إلا قليلاً، بسبب ريح هبت، سيما الشعير فإنه كاد يهيف كله، والفلوس كل رطل منها بستة دراهم، تسمية لا معنى لها، والفضة إن وجدت فكل درهم نقرة خالص باثني عشر درهماً ممن الفلوس التي زنتها رطلان. وكل درهم كاملي بستة وسبعة دراهم من الفلوس.
شهر المحرم، أوله الثلاثاء: في ثالثه: قدم الأمير شاهين، دوادار الأمير شيخ، إلى حلب، على عسكر، فقاتله أهلها من أعلى السور، فلم يزل حتى أصعد جماعة من عسكره فوق السور بسلالم قد أحضرها معه، فأخذوا له المدينة في خامسه، وامتنع من كان يقاتله بالقلعة.
وفي عاشره: خلع السلطان على الأمير قراجا شاد الشراب خاناه، وجعله دواداراً كبيراً، عوضاً عن الأمير قجاجق بعد موته، وخلع على سودن الأشقر، واستقر شاد الشراب خاناه.
وفيه كانت وليمة الأمير بكتمر جلق، وزفت عليه ابنة السلطان ليلاً، فبني عليها ليلة الجمعة حادي عشره.
وفي ليلة السبت ثاني عشره: أخرج من قلعة دمشق سودن الجلب، ومن معه من المسجونين، وتوجه بهم الأمير ألطنبغا القرمشي إلى قلعة المرقب، فسجنهم بها، وعاد إلى دمشق.
وفي ليلة الاثنين حادي عشرينه: اجتمع رجلان بصالحية دمشق، أحدهما تراس والآخر قيم حمام، وشربا الخمر، فأصبحا محرقين، ولم يكن عندهما نار، ولا وجد أثر الحريق في غير يديهما، وبعض ثيابهما. وقد مات أحدهما، وفي الآخر رمق، فأقبل الناس أفواجاً أفواجاً لرؤيتهما، والاعتبار بحالهما.
وفي هذا الشهر: فشا الطاعون ببلاد الشام، فعم طرابلس وحوران وبالس ودمشق، ووقع جراد بالرملة والساحل. وفيه توجه السلطان أحمد بن أويس من بغداد إلى توريز، ليأخذها من قرا يوسف، وقد سار عنها إلى أرزنكان.
شهر صفر، أوله الأربعاء.
في ثانيه: قدم الأمير ألطنبعا القرمشي من قلعة المرقب إلى دمشق، بعدما مر على الأمير شيخ وعمله نائب الغيبة بدمشق، وأذن لسودن بقجة أن يخرج ويسير من دمشق للدورة لأخذ مال يرتفق به.
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه: خرج الأمير بكتمر الناصري جلق الأتابك وخيم بالريدانية ظاهر القاهرة، ليشير جاليش العسكر إلى الشام، ومعه الأمير طوغان الحسني رأس نوبة النوب، والأمير سنقر الرومي، والأمير يلبغا الناصري حاجب الحجاب، والأمير خاير بك، والأمير ألطنبغا العثماني، والأمير شاهين الفرم رأس نوبة، وعدة من أمراء الطبلخاناه، وغيرهم.
وفيه نودي بالقاهرة أن تكون الفلوس باثني عشر درهماً الرطل، وكانت بستة دراهم الرطل، وقد بلغ المثقال الذهب إلى مائتين، والدينار المشخص إلى مائة وثمانين، فغلقت الأسواق، وتعطلت أسباب الناس، فنودي بذلك في يوم الجمعة، وهدد من خالف، فاشتد الأمر، وفقد الخبز وغيره من المأكل، فلم يقدر على شيء منها، فغضب السلطان، وهم أن يركب بنفسه بعد صلاة الجمعة، ويضع السيف في العامة، فما زال الأمراء به حتى كف عن الركوب. وبات الناس في كربة. وأصبحوا يوم السبت خامس عشرينه، فسأل الأمراء السلطان في أمر سعر الفلوس، وما زالوا به حتى رسم - بعد جهد - أن يكون الرطل بتسعة، فنودي بذلك في القاهرة، فسكن الحال قليلاً، وظهرت المآكل، ثم نودي في يوم الاثنين سابع عشرينه أن تكون الفلوس بستة دراهم الرطل، كما كانت، ففتحت الأسواق، وعاد الأمر كما كان أولاً. وكان لهذا الحادث سبب، وهو أن السلطان اشتري نعالاً للخيل، وسك حديداً لأجل السفر، فحسب ثمنها كل رطل باثني عشر، فقال: هذا غبن أن يكون الحديد الأسود باثني عشر درهماً الرطل، والنحاس المصفى المسكوك - وهو الفلوس - كل رطل بستة دراهم، ووجد عنده عشرة آلاف قفة من الفلوس، زنة كل قفة مائة رطل، عنها ستمائة درهم، قد حملت إلى القلعة لتنفق في المماليك عند السفر إلى الشام، فأراد أن يجعل الرطل الفلوس بخمسة عشر ليعطي القفة الفلوس التي حسبت عليه بستمائة في النفقة بألف وخمسمائة، وتخيل في ذلك ربحاً عظيماً إلى الغاية، وخشي ألا يتمشى له هذا، فرسم أن تكون الرطل باثني عشر درهماً، ثم وجع عنه إلى تسعة، ثم إلى ستة. وسبب رجوعه تنمر المماليك عليه، ليفطنهم بما أراده من الفائدة عليهم، وحدثوه غير مرة فلم يجد بداً من عود الأمر إلى حاله، خشية نفورهم عنه وقت حاجته إليهم.

وفي سابع عشرينه: رحل الأمر بكتمر من الريدانية بمن معه يريد الشام.
وفي يوم الخميس سلخه: عمل السلطان المولد النبوي ليلاً، بعمارته التي أنشأها في الحوش من قلعة الجبل، على عادته، وحضر القضاة، فجلسوا صفاً عن يساره، وجلس عن يمينه الشيخ إبراهيم بن زقاعة، والشيخ نصر الله الجلالي، ومشايخ العلم، ومدت الأسمطة، وفرقت الخلع.
شهر وبيع الأول، أوله الجمعة: وفي يوم الاثنين رابعه: ركب السلطان من قلعة الجلبل إلى الريدانية بعساكره، فنزل بمخيمه، وبات به، ثم عاد من الغد إلى التربة التي أنشأها على قبر أبيه، خارج باب النصر، في سفح الجبل، وقرر في مشيختها صدر الدين أحمد بن جمال الدين محمود العجمي، ورتب عنده أربعين صوفياً، وأجرى عليهم الخبز واللحم الضأن المطبوخ أنواعاً في كل يوم، مع المعاليم في كل شهر.
وفي سادسه: أخذ ما في الطواحين والمعاصر من الخيل والبغال، وسيرت إلى العسكر، فتضرر الناس بالقاهرة من ذلك.
وفيه تقرر الصلح بين الأمير شيخ والأمير نوروز، بعدما اشتد الأمر بحماة، وقلت العلوفات منها، حتى أخذت حصر الجامع، وقدمت للخيل، فأكلتها من الجوع. وحلف كل منهما لصاحبه بموافقته، وما ذاك عن حب ولا رغبة سوى الخوف من السلطان أن يظفر بأحدهما فيتطرق إلى أخذ الآخر. فلما تم صلحهما عزما على أخذ دمرداش نائب حلب، وابن أخيه قرقماش. فلما أحسا بذلك، فر دمرداش من حماة، ولحق بالعجل بن نعير، ثم سار إلى السلطان، فقدم عليه. وسار ابن أخيه إلى إنطاكية. وتوجه نوروز إلى حلب، فدخلها في عاشره، وتسلم قلعتها من بيتحار مملوك دمرداش، وفر الأمير مقبل الرومي، ولحق بالسلطان وهو على غزة، وعاد الأمير شيخ إلى دمشق، فقدمها في ثامن عشره، ومعه الأمير يشبك بن أزدمر، وسودن الجلب، وقد أفرج عنه وعن أصحابه من سجنهم بقلعة المرقب، وترك خامه على قبة يلبغا - خارج دمشق - وأشاع أنه يسير إلى غزة، ونزل بدار السعادة.
وأظهر بدمشق، ونوروز بحلب، الخروج عن طاعة السلطان، وأعلنا بذلك. وصارا يكتبان في كتبهما ومراسيمهما بدل الملكي الناصري ما مثاله الملك لله فظهر ما كان خافياً، وانكشف ما كان خافياً، وانكشف ما كان من سنين مستوراً.
وفي يوم السبت تاسعه: استقل السلطان بالمسير من الريدانية يريد الشام، ومعه من الأمراء الألوف تغري بردى الأتابك، وقنباي، وقجق العيساوي، وسودن الأسندمري، وسودن من عبد الرحمن، وسودن الأشقر، وكمشبغا المزوق، وبرد بك لخازندار، وعدة من أمراء الطبلخاناه، والعشرات، والمماليك، والخليفة، والقضاة، وأرباب الوظائف. وجعل نائب الغيبة الأمير أرغون، وأنزله بباب السلسلة، وجعل بقلعة الجبل الأمير كمشبغا الجمالي نائب القلعة، وجعل بظاهر القاهرة الأمير أينال الصصلاني الحاجب الثاني، وأنفق في هذه الحركة مالاً عظيماً، فأعطى كل مملوك عشرين ألف درهم من الفلوس، وأعطى الأمير تغري بردى والأمير بكتمر حلق ثلاثة آلاف دينار لكل منهما، ولكل من المقدمين ألفين ألفين، ولكل من أمراء الطبلخاناه خمسمائة دينار، ولمن دونهم ثلاثمائة دينار، ولمن دونهم مائتي دينار. وأعطى لقاضي القضاة مجد الدين سالم الحنبلي مائة دينار. ولم يعط غيره من القضاة.
وفي ليلة الاثنين خامس عشرينه: توجه الأمير شيخ من دمشق، وأوقع بالعربان، وأخذ لهم جمالاً وأغناماً كثيرة، فرقها في أصحابه، وعاد، فكثر عنده الإرجاف بمسير السلطان، فلم يثبت للقائه، وخرج من دمشق يوم الثلاثاء سادس عشرينه، ومعه العسكر، وتبعه جانم نائب حماة، فلم يشعر الناس بدمشق في يوم الأربعاء سابع عشرينه إلا والأمير بكتمر جلق قد قدم بعد الظهر على حين غفلة، فأدرك أعقاب الأمير شيخ، وأخذ منه جماعة.

وقدم السلطان بعد العشاء من ليلة الخميس ثامن عشرينه، وقد ركب من بحيرة طبرية عصر يوم الأربعاء على جرائد الخيل، ليكبس الأمير شيخ ففاته، لأن النذير عندما أتاه يوم الأربعاء ركب من وقته ونجا بنفسه، فما بلغ سطح المزة إلا وبكتمر جلق بدمشق، فمر على وجهه، وتبعه أصحابه، وفي يوم الخميس قدمت أثقال السلطان. وفيه نودي بدمشق الأمان والاطمئنان، ولا ينزل أحد من العسكر في منزل أحد، ولا يشوش أحد منهم على أحد في بيع ولا شراء. ونودي أن الأمير نوروز هو نائب الشام. وقدم الأخناي مع العسكر، وقد لقي السلطان بالطريق، فأعاده إلى قضاء دمشق.
وفي يوم الجمعة: صلى السلطان الجمعة بالجامع الأموي، وخطب به، وصلى شهاب الدين أحمد الباعوني. ثم عوض الباعوني عن خطابة الجامع الأموي بخطابة القدس، وأضيفت خطابة الجامع الأموي للأخناي.
وفي هذا الشهر: كان قرا يوسف بالقرب من أرزنكان، فبلغه مسير أحمد بن أويس إلى توريز، وأنه اتفق مع شاه رخ بن تمرلنك وأخويه إسكندر وخليل، فاعرض قرا يوسف عن محاربة قرا يلك، واستعد لحرب بن أويس وعزم على لقائه.
وفيه بلغ الأردب القمح بالقاهرة مائتين وخمسين درهماً، والشعير إلى مائة وخمسين، والفول إلى مائة وستين. فلما سافر السلطان نزل القمح إلى مائة وعشرين، والشعير إلى ستين درهماً، والفول إلى تسعين درهماً.
شهر ربيع الآخر أوله السبت: في ثانيه: قدم الأمير شاهين الزردكاش نائب صفد إلى دمشق. وفيه استقر الأمير نكباي حاجب الحجاب بدمشق، واستقر تغري برمش - الذي كان أستادار الأمير شيخ، وفر من بعلبك وسار إلى القاهرة - فولى شاد الدواوين. ثم توجه إلى عزة ليجهز الإقامات للسلطان، وقدم دمشق فشرع في أمسه يقرر الشعير على ضياع الغوطة والمرج، فزاد على ظلم من قبله، وبالغ. فلما أصبح، عزله السلطان وولاه نيابة غزة، ثم في آخر النهار طلب وأخذت منه الخلعة التي لبسها بكرة النهار، وقبض عليه، وصودا.
وفي ثالثه: استقر الأمير يشبك الموساوي في نيابة طرابلس على مال مبلغه مائة ألف دينار، ومضى إليها. واستقر زين الدين أو بكر بن اليغموري في نيابة بعلبك، وأخوه شعبان في نيابة القدس.
وفي خامسه: قدم إلى القاهرة عاقل الخازندار من قبل السلطان، وعلى يده كتبه بقدومه دمشق.
وفي يوم الجمعة سادسه: سارت أطلاب السلطان والأمراء وغيرهم من دمشق إلى برزة. وصلى السلطان الجمعة بجامع بني أمية، وتوجه بعساكره، فنزل في مخيمه على برزة، وعمل شاهين الزردكاش نائب صفد على دمشق نائب الغيبة، فتحول إلى دار السعادة، ونزل بها، وتأخر بدمشق الأمير قنباي المحمدي لضعف به، وتخلف بها أيضاً القضاة الأربع، والوزير سعد الدين إبراهيم بن البشيري لجمع مال السلطان، وعمل أشياء اقترح عملها، وتأخر مجد الدين بن الهيصم ناظر الخاص أيضاً. وسار السلطان في طلب الأمير شيخ والأمير نوروز ومن معهما، وقد قصدوا حلب.
وفي سابع عشره: قدم ابن أبي الرداد إلى دمشق ليبشر السلطان بوفاء النيل في خامس مسرى.
وفيه قبض بدمشق على موسى الملكاوي، وضرب ليحضر صدر الدين علي بن الآدمي كاتب سر دمشق، وقاضي الحنفية بها، فدل عليه، فلما أتاه الطلب فر.
وفي خامس عشره: سار السلطان من حلب، بعدما قدم عليه الأمير دمرداش نائب حلب يريد أعداءه، وقد ساروا إلى عينتاب، فلما أحسوا بمسيره، مضوا إلى مرعش، ثم إلى ككسوا حتى أتوا إلى قيسارية الروم.
فنزل السلطان بأبلستين وأقام عليها، وكتب إلى الأميرين شيخ ونوروز ومن معهما يخيرهم بين الخروج من مملكته وبين الوقوف لمحاربته، أو الرجوع إلى طاعته، وأنه قد عزم على الإقامة بأبلستين السنتين والثلاث، حتى ينال غرضه منهم. فأجابه الأمير شيخ يعتذر عن حضوره بما خامر قلبه من شدة الخوف عند القبض عليه في سنة عشر وثمانمائة، وأنه لا يحارب السلطان ما عالق، بعدما حلف له في نوبة صرخد. وكرر الاعتذار عن محاربته الأمير بكتمر جلق، وذكر أن الذين معه إنما هم مماليكه، اشتراهم بماله من نحو عشر سنين، ولا يمكنهم مفارقته، وأنه ما أخذ من أوقاف دمشق إلا ما خرب، وصار لا ينتفع به، ولا يقام فيه شعائر الإسلام، فكان يأكلها من لا ستحقها.

وأنه لم يفعل ذلك إلا من فقره وعدم قدرته، وأنه إن لم يسمح السلطان له بنيابة الشام كما كان، فلينعم عليه بنيابة أبلستين، وعلى الأمير نوروز بملطية، وعلى يشبك ابن أزدمر بعينتاب، وعلى غيرهم من الأمراء ببقية القلاع، فإنهم أحق من التركمان والأكراد المفسدين. فلم يرض السلطان منهم بذلك، وصمم على الإقامة، وكتب يستدعي التراكمين وغيرهم.
وفي هذا الشهر: مات نيق، القائم بمدينة الكرك، فقام بعده أخوه يشبك، واستولى على قلعتها.
وفيه وقعت فتنة بجبل نابلس، بين ابن عبد الساتر وابن عبد القاد، شيخي العشير، ففر ابن عبد القادر، وكثرت الفتن بتلك البلاد، حتى انقطعت الدروب فلم تسلك. وفيه بعث تنبك نائب قلعة الروم إلى الأمير نوروز عشرين فرساً تقدمة، فعين لأخذ قلعة الروم وقلعة البيرة سودن تلي المحمدي على أربعمائة فارس، فنزل تنبك إلى البيرة، فقاتله مبارك شاه نائبها، وظفر به، واعتقله بالقلعة، فكتب السلطان بمسير مبارك شاه مع نكباي، وقد ولاه قلعة الروم حتى يتسلمها فمضى به وأخذها.
وفيه وصل قوا يوسف إلى توريز وقد جمع أحمد بن أويس قدر ستين ألف فارس، فيهم ابن الشيخ إبراهيم بن الدربندي، وأمراء البلاد، فاقتتلا قتالاً عظيماً في يوم الجمعة ثامن عشرينه، فانكسرت عساكر ابن أويس، وقتل هو وولده سلطان علي، في ليلة الأحد آخره، وقتل أيضاً كثير من الأمراء، وأسر ابن الشيخ إبراهيم، وعدة من الأمراء، ونهبت أموالهم، وملك قرا يوسف بلاد توريز وغيرها، وقدم كتابه بهذا إلى السلطان، ويقال أن ابن أويس لما وقعت الكسرة اختفى في عين ماء، ودخل عليه بعض فرسان قرا يوسف ليقتله، فعرفه بنفسه، فأخذه، وأعلم قرا يوسف به، فأحضره إليه وبالغ في إكرامه، ووكل به أحد أمرائه، فلم يرض كثير ممن مع قرا يوسف بذلك، وما زالوا به حتى قتله خنقاً.
شهر جمادى الأولى، أوله الاثنين: في سابعه: قض على صدر الدين علي بن الآدمي، وسجن بقلعة دمشق.
وفي خامس عشرينه: قدم كتاب السلطان من أبلستين إلى دمشق، فلم يؤخذ من البساتين نصف ما كان يأخذه شيخ ونوروز. هذا وأهل القرى بأجمعهم يجبى منهم الشعير الذي وظف عليهم. ثم قرر عليهم شعير آخر ليزرع القصيل برسم رعي الخيول السلطانية.
وفي سلخه: قدم محمد التركماني من أبلستين إلى دمشق، وقد ولي نيابة الكرك. وولي علاء الدين علي الحلبي قاضي غزة خطابة القدس مع قضاء غزة، فنزل غزة قبل رحيل الناصر من القاهرة، واستقر عوضه شهاب الدين بن حجر فكان في مدة تسعة أشهر قد ولي خطابة القدس خمسة، أحدهم وليها مرتين.
وفي هذا الشهر: سار الأمير عثمان بن أمير طرعلي - المعروف بقرايلك - إلى طأة أرزنجان، وحرق قراها، وجلا رعيتها معه إلى بلاده.
وفيه اقتتل أمير سليمان بن خوندكار أبي يزيد بن مواد بن أورخان بن عثمان مع أخيه موسى جلبي وهزمه، ففر موسى إلى أفلاق، فحصره سليمان، وكان أخوهما كرشجي مقيماً ببرصا.
وفيه خامر على الأمير ناصر الدين محمد باك بن قرمان صهره ابن كريمان ولحق بكرشجي في عسكره. وفيه قدم على السلطان بأبلستين كثير من طوائف التركمان والعربان، ونواب القلاع، وأتته رسل ماردين، ورسل قرا يوسف، وقرا يلك، بتقادمهم. فلما ملت عساكره من طول الإقامة خشي تفرقهم عنه، ورحل من أبلستين وقد التزم له ابنا دلغادر - محمد وعلي - بأخذ أعدائه أو طردهم من البلاد. ومضى على الفرات إلى قلعة الروم، وقبض على نائبها تنبك، وقرر عوضه طوغان الطويل، وسار على البيرة إلى سودن الجلب، فقدمها.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأربعاء: في رابعه: قدم الخبر من دمشق بأن سودن الجلب مارق الأميرين شيخا ونوروز، ومر على القريتين في نحو عشرة فرسان، يريد الكرك، فانزعج العسكر، وخرج الأمير نكباي في طلبه، فلم يدركه، ودخل الجلب إلى الكرك وملكها، وقدم الخبر بأن قرقماس ابن أخي دمرداش، وجانم، فارقا الجماعة أيضاً وقصدا حلب، فلما وصلا ملطية مضى جانم في طائفته من طريق، ومضى قرقماس من أخرى، فقدم قرقماس على السلطان بحلب، فأكرمه وأنعم عليه.
وفي هذا الشهر: سار حيدر - نائب قلعة المرقب - من طرابلس على عسكر ونزل عليها، وبها بدر الدين حسن بن محب الدين أستادار الأمير شيخ، وأولاد الكويز. وفيه سار تنكز نائب حصن الأكراد ومعه ابن أيمان بتركمانه لأخذها.

وقد نزل علي بن صوجي ببيوته وحواشيه وتركمانه على برج السلطان - قريباً من صهيون - لحصارها، وكان السلطان قد ولي نيابتها بلبان ليأخذها من كزل، أحد أصحاب الأمير شيخ.
وفيه وصل إلى ميناء يافا، أربع قطع، فيها نحو سبعمائة من الفرنج، فأسروا جماعة من المسلمين، وأخذوا مركباً فيه خام للسلطان قدم من مصر، وفيه قدم أيضاً إلى يافا، مركب فيه فرنج، معهم أخشاب، وعجل، وصناع، برسم عمارة بيت لحم، بالقدس، حيث مولد عيسى عليه السلام، وبيدهم مرسوم السلطان بتمكينهم من العمل، فدعوا الناس للعمل بالأجرة، فأتاهم عدة من القلعة والصناع، وشرعوا في إزاحة ما بطريقهم من الأوعار.
وكان سبب هذا أن موسى - صبي بطرك النصارى الملكانية - سأل السلطان لما قدم إلى القدس، بعد نوبة صرخد، في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، أن يمكن النصارى من إعادة عمارة مولد عيسى - بيت لحم - على ما كان عليه، فكتب له بذلك مرسوماً، فطار به كل مطار، وبعثه إلى بلاد الفرنج فاغتنموا الفرصة، وبعثوا هؤلاء، فبدءوا بتوسعة الدرب، الآخذ من ميناء روبيل إلى القدس، وقصدوا أن يصير سعته بحيث يمر فيه عشرة فرسان متواكبين، فأنه لم يكن يسع غير فارس واحد بمشقة، وأحضروا معهم دهناً إذا وضعوه على تلك الصخرة، سهل قطعها.
وفيه خلع السلطان على الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش - ويقال له سيدي الصغير - وولاه نيابة صفد، واستقر بالأمير جانم في نيابة طرابلس، واستقر بجركس الذي يقال له أبو تنم، حاجب الحجاب بدمشق، وعزل نكبية عنها، وأنعم عليه بإمرة في ديار مصر، وولي الأمير بكتمر جلق نيابة الشام، وأنعم بتقدمته على الأمير دمرداش نائب حلب.
شهر رجب، أوله الخميس: في خامسه: برز الأمير ألطنبغا العثماني، والأمير قنباي المحمدي من دمشق يريدان حلب، وقد أتاهما الطلب من السلطان. وفيه نودي بدمشق، ألا يتأخر بها أحد ممن قدم من ممالك السلطان من حلب.
وفي سادسه: وصل إلى دمشق، متسلم الأمير بكتمر جلق. وقدم أيضاً فيروز الخازندار، لإخراج من بدمشق من المماليك، ولأخذ مال، وسلاح، فأقام يومه وبات، ثم أصبح فركب العسكر، ووقفوا تحت القلعة، وعليهم آلة الحرب، فدقت كوسات القلعة حربياً، ورفع علم السلطان على باب الناصر، ونودي: من أطاع السلطان فليقف تحت الصنجق السلطاني، فسارع العسكر إليه، إلا قليلاً منهم، تحيزوا إلى الميدان، ودقوا طبلاً، وقبضوا على الأمير قنباي المحمدي، وعلى نكباي الحاجب، وساروا والطلب في أثرهم، فلم يقدر عليهم، وساروا إلى الكرك، وكبيرهم بردبك الخازندار، وكان قد بعثه السلطان، من حلب، فانحل عنه كثير ممن خرج معه، وبقي في نفر قليل، فأدخله سودن الجلب إلى الكرك، وسكن الشر بدمشق في يومه.
وفي تاسع عشره: قدم دمشق، الأمير تغري بردى بن أخي دمرداش، ويقال له سيدي الكبير، يريد صفد، وقد ولاه السلطان نيابتها، عوضاً عن شاهين الزردكاش، نائب الغيبة بدمشق، فلما قدم أخوه قرقماس إلى حلب طالعاً وولاه صفد، عوضه عنها بحلب، وأقر هذا على صفد.
وفي هذه الأيام: فرض على قرى دمشق وعلى بساتينها ذهباً يجبى من أهلها، سوى ما عليهم من الشعير، وفرض أيضاً على طواحين دمشق وحماماتها وحوانيتها مال جبى منهم.
وفي رابع عشرينه: وصلت خلعة سودن الجلب إلى دمشق، باستقراره في نيابة الكرك، وسارت إليه.
وفي ثامن عشرينه: توجه الأمير تغري بردى نائب صفد من دمشق إلى صفد.
وفيه أدير محمل الحاج بدمشق، فبينما الناس في التفرج عليه، إذ أتاهم خبر وصول السلطان من حلب، فماج الناس، وقدم السلطان بعد العصر في طائفة من خواصه، ونزل بدار السعادة. وسبب ذلك أن الخبر ورد عليه بأن شيخ ونوروز وصلا عينتاب، وسارا على البريد، فبعث عسكراً في طلبهما وركب من حلب على حين غفلة في ثالث عشرينه، وسار إلى دمشق في أربعة أيام، ثم قدم الأمير الكبير تغري بردى، ثم قدم الأمير بكتمر نائب الشام في تاسع عشرينه، ومعه الأمير دمرداش، والأمير جانم نائب طرابلس، فنزلوا منازلهم بدمشق.

وفي هذا الشهر: قدم محمد شاه بن قرا يوسف بغداد، وقد امتنع من بها من تسليمه، فحاصرها مدة عشرة أشهر، فكانت فيها أمور عجيبة، حاصلها أن قرا يوسف لما هزم ابن أويس وقتله، بلغ ذلك أهل بغداد، وكان عليها من قبل أحمد بن أويس مملوكه بخشايش، فلم يصدق ذلك، واستمر على الخطة له. فبعث قرا يوسف ابنه، فلما قارب بغداد بعث إلى الأعيان يعدهم ويرغب إليهم في تمكينهم من البلد، فأبوا عليه وقالوا لرسوله، إن ابن أويس لم يقتل وإنما هو حي، وأقاموا صبياً لم يبلغ الحلم، يقال له أويس، من أخي أحمد أويس وسلطنوه. فنزل بن قرا يوسف على بغداد، فقاتلوه من فوق الأسوار مدة أربعة أشهر، ثم قامت ببغداد ضجة عظيمة في الليل، قتل فيها بخشايش، وأصبح ملقى في بعض الشوارع. وأشيع أن الذي أمر بقتله أحمد بن أويس، وأنه في بعض الدور ببغداد، فصار يخرج من الدار - التي قيل أنه بها - أوامر على لسان رجلين، أحدهما يقال له المحب، والآخر يقال له ناصر الدين، وقام بعد بخشايش عبد الرحيم بن الملاح، وأعيدت الخطبة باسم أحمد بن أويس، وضربت السكة باسمه، وانقطع ذكر أويس الصبي، فسار محمد شاه بن قرا يوسف عن بغداد، وكتب إلى أبيه ، يخبره بما وقع ببغداد، فخرج من بغداد عسكر نحو خمسمائة وكبسوا بعض أمراء ابن قرا يوسف، فقتل وأسر عده من أصحابه، وكان في جهة غير جهة ابن قرا يوسف، وزعموا أن هذا بأمر أحمد بن أويس، ثم قتل المحب وناصر الدين، وعبد الرحيم الملاح ببغداد، ونسبوا قتلهم أيضاً إلى أحمد بن أويس، فلما كان بعد إشاعة حياته بأربعين يوماً، أشيعت وفاته، وكان الذي أشاع وفاته، أم الصبي أويس، وذلك أنها استدعت الأعيان، وأعلمتهم أنها هي التي أمرت بما وقع من القتل، وإشاعة حياة أحمد بن أويس، وأنه ليس بحي، وما زالت بهم حتى أعادوا ابنها أويس إلى السلطنة، وعملوا عزاء أحمد بن أويس ببغداد. فلما بلغ ذلك ابن قرا يوسف عاد إلى بغداد وحاصرها، فأشيع أيضاً أن أحمد بن أويس حي لم يمت، فعوقب جماعة ممن ذكر هذا، ثم بعد أربعة أشهر من إظهار موت أحمد بن أويس وقعت ضجة عظيمة ببغداد على حين غفلة، وقيل ظهر أحمد بن أويس، فاجتمع الناس إلى دار، فخرج إليهم منها رجل في زي أحمد بن أويس على فرس، فقبلوا له الأرض، وتناقل الناس حياته. ثم سألوا ذلك الشخص أن يروه رؤية بتبين لهم فيها أكثر من المرة الأولى، فوعدوا بذلك في دار عينت لهم، فلما صاروا إليها خرج إليهم عند غروب الشمس شخص راكب على فرس في زي أحمد بن أويس، فصاح غوغاء العامة هذا السلطان أحمد، وتناقلوا ذلك، ثم أشاعوا أنه غير موجود، فكانت مدة إشاعة وجوده ثانيا خمسة عشر يوماً، وفي أثنائها خرج من بغداد نحو خمسمائة فارس إلى جهة البصرة بأمر أحمد بن أويس على زعمهم، ثم خرجت أم الصبي أويس به ومعها خواصها، وسارت من بغداد إلى ششتر.
فبعث أهل بغداد إلى ابن قرا يوسف يستدعونه، وقد رحل عندما أشيع ظهور أحمد ابن أويس مرة ثانية، فقدم ودخلها في أثناء سنة أربع عشرة وثمان مائة فكان خبر بغداد هذا من أغرب ما يحكي.
شهر شعبان، أوله الجمعة: فيه قدم الأمير قرقماس نائب حلب إلى دمشق، فأكرمه السلطان وأنعم عليه.
وفي ثالثه: قدم الأمير تمراز الناصري نائب السلطة في خمسين فارساً، وقد فارق الأمير شيخ، فركب السلطان وتلقاه، وبالغ في إكرامه، وأنعم عليه بما يليق به.
وفي ثامنه: توجه قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني من دمشق إلى القاهرة، لتجهيز صرر المال المحمولة مع الحاج إلى مكة والمدينة على العادة، وتوجه مجد الدين بن الهيصم ناظر الخاص أيضاً.
وفي خامسه: قدم الخبر على السلطان بدخول الأمير شيخ قلعة صرخد. وفيه أفرج عن الصدر علي بن الآدمي، ثم قبض عليه من الغد، وأعيد إلى السجن.
وفي سابعه: سمر بدمشق ستة من أصحاب الأمير شيخ ووسطوا.
وفي ثاني عشرة: استقر نائب الغيبة بديار مصر، في حسبة القاهرة، بزين الدين محمد بن شمس الدين محمد الدميري، عوضاً عن شمس الدين محمد المناوي الملقب ببدنة والمعروف بالطويل بعد وفاته.

وفي خامس عشره: ورد الخبر على السلطان بوصول الأميرين شيخ ونوروز في نحو مائتين وخمسين فارساً إلى أرض البلقاء، وأنهم في قل وجهد، وليس معهم غلمان تخدمهم، وكان من خبرهم أن السلطان لما سار عن أبلستين قدم الجماعة من قيسارية إلى أبلستين، فمنعهم ابن دلغادر وقاتلهم، فانكسروا منه وفروا إلى عينتاب، وعندما قاربوا تل باشر تمزقوا، وأخذت كل طائفة تسلك جهة من الجهات، فلحق بحلب ودمشق منهم عدة وافرة، واختفى منهم جماعة، ومر شيخ ونوروز في خواصهما على البر إلى تدمر، فامتاروا منها، ومضوا مسرعين إلى صرخد، فلم يقر لهم قرار بها، فمضوا إلى البلقاء، ودخلوا بيت المقدس، وتوجهوا إلى غزة فأقاموا بها. فأخرج السلطان إليهم الأمير بكتمر نائب الشام على عسكر، فسار إلى زرع، وكتب يطلب نجدة، فخرج إليه من دمشق الأمير طوغان الدوادار على عسكر في خامس عشرينه.
وفي سادس عشره: وصل مجد الدين بن الهيصم ناظر الخاص إلى القاهرة، واشتد في طلب الأموال من المصادرات فلم يمهل، ومات في ليلة العشرين منه، فسر الناس بموته سروراً عظيماً.
وفي خامس عشرينه: كتب السلطان إلى أرغون كاشف الرملة بمنع الفرنج من عمارة بيت لحم، والقبض عليهم، وعلى من معهم من الصناع، وأخذ ما عندهم من السلاح والآلات والمال، والجمال التي استأجروها لنقل آلات، وحمل ما معهم من العجل والدهن الذي إذا وضع على الحجارة هان قطعها، فختم أرغون على مخازن ثلاثة من الفرنج، وقبض عليهم، وحملهم، ومعهم ما رسم به.
وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه: دخل الأميران شيخ ونوروز بمن معهما إلى غزة، وقد مات من أصحابهما الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب، والأمير أينال المنقار، بطاعون في مدينة حسبان. وقدم عليهما بغزة الأمير سودن الجلب من الكرك، فتتبعوا ما بغزة من الخيول وأخذوها.
شهر رمضان، أوله الأحد: في ثانيه: وصل الأمير طوغان الدوادار والأمير قنبك رأس نوبة، والأمير ألطنبغا العثماني، والأمير أسنبغا الزردكاش، والأمير يشبك الموساوي الأفقم، والأمير سودن الظريف، والأمير تمراز الناصري نائب السلطنة - كان - في عدة من المماليك السلطانية إلى قاقون، وهناك الأمير بكتمر شلق نائب الشام وكثير من المماليك، فساروا جميعاً مجدين في السير إلى غزة، فقدموها عصر يوم الثلاثاء ثالثه، وقد رحل الأميران شيخ ونوروز ومن معهما بكرة النهار عندما قدم الأمير سودن بقجة وشاهين الدوادار من الرملة، وأخبرا بقدوم عسكر السلطان، فنهبوا غزة وأخذوا منها خيولاً كثيرة وغلالاً، فتبعهم الأمير خير بك نائب غزة إلى الزعقة، وكشافته في أثرهم إلى العريش، وعندما قدم العسكر إلى غزة بعث الأمير بكتمر بالأميرين شجاع الدين شاهين الزردكاش وسيف الدين أسنبغا الزردكاش إلى قلعة الجبل من على البرية ليخبر من بها بقدوم العسكر، فسارا وقدم الخبر من القاهرة وقلعة الجبل على الأمير بكتمر في كتاب الأمير سيف الدين أرغون نائب الغيبة بأنه قد حصن قلعة الجبل، والإصطبل السلطاني والحوش، ومدرسة السلطان حسن، ومدرسة الأشرف، وأنه ومن معه قد استعدوا للقاء شيخ ونوروز. فسار شاهين الزردكاش بمن معه من غزة عصر يوم الخميس خامسه يريد القاهرة.
وفيه ورد الخبر بموت جماعة من أصحاب الأميرين شيخ ونوروز، منهم تمربغا المشطوب نائب حلب وأينال المنقار، وألطنبغا بابا، وشاهين دوادار الأمير شيخ، وأن شاهين هذا مات بالعريش.

وفيه سقط الطائر من قطيا إلى قلعة الجبل، وقد سرحه الأمير فخر الدين عبد الغني ابن أبي الفرج - متولي قطيا وكاشف الوجه البحري - بخبر وصول الأميرين شيخ ونوروز إلى قطيا، وأن من معهما نهبها، وأنه تنحى إلى جهة الطينة، وأنهم ساروا من قطيا يريدون القاهرة. فأخذ الأمير أرغون ومن معه أهبتهم، وعزم الأمير كافور - زمام الآدر السلطانية - أن يسير بالأميرين فرج ومحمد ولدي السلطان مع الحريم السلطاني إلى ثغر الإسكندرية، حسب ما رسمه به، فلم يتمكن من ذلك لضيق الوقت، وقلة الأمن، وكثرة الفتن في البر والبحر، فلما كان يوم الأحد ثامنه، وصل الأمير شيخ، والأمير نوروز، والأمير يشبك بن أزدمر، والأمير بردبك، والأمير منباي، والأمير سودن بقجه، والأمير سودن المحمدي، ويشبك العثماني، وقمش، وقوزي، وأتباعهم، ومعهم جمع كثير من الزهور، وبني وائل من عرب الشرقية، وأمير سعيد كاشف الشرقية وهو معزول عنها، فبلغهم تحصين القلعة والمدرستين، وأن الأمير أرغون ومن معه من الأمراء قبضوا على أربعين مملوكاً من النوروزية الذين يمشون في الخدمة السلطانية، وسجنوهم بالبرج من قلعة الجبل، خوفاً من غدرهم، فسار الأمير شيخ بمن معه من ناحية المطرية إلى جهة بولاق، ومضوا على الميدان الكبير إلى الصليبة، وخرجوا إلى الرميلة تحت القلعة من سويقة منعم، فرماهم الممالك السلطانية بالمدافع والنشاب. وبرز لهم الأمير أينال الصصلاني الحاجب بمن معه، وقد وقف عند باب السلسلة، فتقنطر من القوم فارسان، وانهزموا، ثم عادوا ونزلوا في بيت الأمير نوروز، حيث كان سكنه بالرميلة، وفي بيت الأمير أينال حطب بجواره، وقد اجتمع معهم من الغوغاء خلائق، وأقام الأمير شيخ رجلاً في ولاية القاهرة فنادي بالأمان والاطمئنان، ووعدوا الناس بترخيص سعر الذهب، وسعر القمح، ورغبوهم بإزالة المظالم، فمال إليهم جمع من العامة، فأقاموا على ذلك يوم الحد، وملكوا مدرسة الأشرف تجاه الطبلخاناه. ثم أخذوا مدرسة السلطان حسن تجاه الإسطبل، وهزموا من كان فيهما من المقاتلة، وأقاموا بهما رماة من أصحابهم، ورموا على الإسطبل يومهم وليلتهم، ففر الأمير أرغون من بشبغا نائب الغيبة، والتجأ إلى باب السر، وسأل أن يكون مع الأمير جرباش والأمير كمشبغا الجمالي بداخل القلعة، فأدخلاه بمفرده، من غير أن يدخل معه أحد من مماليكه.
فلما كان ليلة الاثنين: كسوت خوخة أيدغمش - بجوار باب زويلة - وعبر طائفة من الشاميين إلى القاهرة، ومعهم طوائف من العامة، ففتحوا باب زويلة. وكان الأمير حسام الدين حسين الأحول والي القاهرة قد أغلقه، وجميع أبواب القاهرة، على ما جرت به العادة من ذلك في أوقات الفتنة.
ثم أنهم كسروا خزانة شمايل التي هي سجن أصحاب الجرائم، وأخرجوا من بها من المسجونين، وكسروا سجن حارة الديلم، وسجن رحبة باب العيد، وأفرجوا عمن بهما، وانتشروا في حارات القاهرة وظواهرها. ونهبوا بيت الأمير كمشبغا الجمالي، وتتبعوا الخيول البغال، فأخذوا منها شيئاً كثيراً. وفتحوا حاصل الديوان المفرد بين القصرين، وأخذوا منه مالاً، فداخل الناس خوف عظيم.

هذا وقد ملك الأمير شيخ باب السلسلة، واستولى على الإسطبل، وجلس في الحراقة، ومشى الأمير نوروز ومعه يشبك بن أزدمر، وبردبك، وقنباي المحمدي الخازندار، ويشبك العثماني، وقمش في بكرة يوم الثلاثاء إلى باب القلعة - وهو مغلوق - وطلبوا فتحه، فاعتل الأمراء عليهم بأن مفاتيحه عند الزمام، فاستدعوه، فأتاهم وكلمهم من وراء الباب، فسلموا عليه من عند الأمير شيخ، ومن عند أنفسهم، وسألوه الفتح لهم، فقال: ما يمكن، فإن حريم السلطان في القلعة، فقالوا ما لنا غرض في النهب، وإنما نريد أن نأخذ ابن أستاذنا، يعنون فرج بن السلطان الناصر فرج، فقال وإيش أصاب السلطان؟ قالوا: لو كان السلطان حياً ما كنا هنا، فلم يفتح لهم. فهددوه بإحراق الباب، فقال: إن كنتم إنما تريدون ابن أستاذكم فليحضر إلى باب السر منكم اثنان أو ثلاثة، وتحضر القضاة، واحلفوا أنكم لا تغدرون به، ولا تمسوه بسوء، وكان بلغهم - بالقلعة - قرب العسكر، فسرحوا الطائر باستعجالهم، وأنهم في الحصار، ومتى ما لم يدركوا أخذوا، فأخذ الزمام في مدافعة الجماعة، والتمويه عليهم، وتسويفهم رجاء أن يحضر العسكر، فبينما هو في ذلك، إذ لاحت بيارق العسكر لمن وقف يرقبهم من المماليك بأعلى موادن القلعة، وقد ارتفع العجاج، وأقبلوا سائقين خيولهم سوقاً عظيماً، جهد طاقتهم، فضجوا بالتكبير والتهليل، وأن السلطان وصل، فخارت قوى الجماعة، ولم يثبتوا للقائه، وركبوا من ساعتهم، ووقفوا قريباً من باب السلسلة وفيهم الأمير شيخ، فدهمهم العسكر، فولوا هاربين نحو باب القرافة، والعسكر في أثرهم، فكبى بالأمير شيخ جواده في باب القرافة، فبادر إليه أصحابه وأركبوه غيره، ومروا به على وجوههم، وقد نزل الأمير طوغان الدوادار بباب السلسلة من القلعة، فقبض العسكر من الشاميين جماعة، منهم قرا يشبك قريب الأمير نوروز، وبردبك رأس نوبة نوروز، وبرسباي الطقطائي أمير جاندار - كان - وثمانية وعشرون فارساً. وحضر سودن الحمصي فاعتقل الجميع بالبرج، وجرح يشبك بن أزدمر. وتبعهم العسكر إلى طموه. فقدم الخبر ليلة الأربعاء حادي عشره بنزول الأمير شيخ في طائفة بأطفيح، وأن شعبان بن محمد بن عيسى العائدي توجه بهم إلى نحو الطور، فنودي في يوم الأربعاء بالقاهرة ومصر بتحصيل من تسحب أو اختفى من الشاميين ثم قدم الخبر بوصولهم إلى السويس، فإنهم أخذوا ما هنالك للتجار علفاً، وزاداً، وجمالاً، وسار بهم شعبان بن عيسى في درب الحاج إلى نخل، فأخذوا عدة من جمال العربان، وأن شعبان أمدهم بالشعير والزاد، وأنهم افترقوا فرقتين، فرقة رأسها الأمير نوروز ومعه يشبك ابن أزدمر، وسودن بقجة، وفرقة رأسها الأمير شيخ، ومعه سودن تلي المحمدي، وسودن صقل، وجماعة. وأنهم لما وصلوا إلى الشوبك دفعهم أهله وصدوهم، فساروا إلى الكرك، فنزل إليهم الأمير سودن الجلب، وتلقاهم، وأدخلهم المدينة، وأنزلهم، فاستقروا بها، وتتبع الأمير حسام الدين والي القاهرة من كان انتمى إلى الشاميين، وأخذ منهم مالاً، حتى منعه الأمير طوغان من ذلك.
وفي يوم الخميس ثاني عشره: خلع الأمير أرغون نائب الغيبة على القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله، واستقر في نظر الكسوة ووكالة بيت المال، بعد موت شمس الدين الطويل، مضافاً لما بيده من نظر الأحباس وتوقيع الدست، وتوقيع نائب الغيبة، ونيابة القضاء، عن قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي.
وفي خامس عشره: اشتدت مضرة الأمير بكتمر جلق بالناس، وألزم زين الدين محمد بن الدميري محتسب القاهرة بألفي دينار، ثمن قمح يبيعه له على الناس، وطلب من جماعة من تجار الشام مالاً، وأخذ من الأمير منكلي الأستادار ألف دينار.
وفي سادس عشره: سار الأمير بكتمر من القاهرة بالعسكر يريد دمشق، وتأخر الأمير طوغان الدوادار ويشبك الموساوي، وأسنبغا الزردكاش، وشاهين الزردكاش.

وفي ثاني عشرينه: وصل الأمير بكتمر إلى غزة بمن معه، فبث قصاده في كشف أخبار الأميرين شيخ ونوروز. وأما دمشق فإن شهر رمضان افتتح بمصادرة الناس، فأخذ من الخانات والحمامات والطواحين والحوانيت والبساتين أجرتها من ثلاثة أشهر، سوى ما أخذ قبل ذلك، وطلب جماعة من الناس اتهموا بأن عندهم ودائع للشيخية، وعوقبوا وكبست عدة دور. وقدم في عاشره ولد الجلال التباني شمس الدين محمد، وشرف الدين يعقوب، ومحب الدين محمد بن الشحنة الحلبي، وشهاب الدين بن سفري إمام نوروز في الحديد إلى دمشق، وقد قبض عليهم من حلب، فسجنوا بقلعة دمشق، وأرجف بقتلهم.
وفي حادي عشره: أعيد شهاب الدين أحمد بن الكشك إلى قضاء الحنفية بدمشق، وكان منصب قضاء الحنفية شاغراً من حين قدم السلطان. وفيه قدم الأمير تغري بردى نائب صفد إلى دمشق، فأكرمه السلطان، وأنعم عليه.
وفي ثاني عشرينه: قدم الأمير جانم نائب طرابلس إلى دمشق، فأكرمه السلطان، وأنعم عليه، وكان قد بعث يستدعيهما. وفيه ألزم مباشرو مدارس دمشق بألف دينار، وكلف القضاة يجمعها. وفيه استقر نجم الدين عمر بن حجي قاضي دمشق في قضاء طرابلس، وقدم نائب حماة أيضاً.
وقد كان في يوم الثلاثاء سابع عشره: خرجت أطلاب الأمراء تريد أخذ الأميرين شيخ ونوروز، وهم الأمير الكبير تغري بردى، والأمير دمرداش نائب حلب، وتغري بردى نائب صفد، وجانم نائب طرابلس، والأمير يلبغا الناصري، في طائفة من المماليك السلطانية، فقدم الخبر بدخول الجماعة إلى القاهرة، وخروجهم منها، متوجه في تاسع عشره أقبغا دوادار الأمير يشبك - وهو من جملة أمراء العشرات - إلى القاهرة، ومعه التشاريف إلى أمراء مصر، وأمراء العسكر، لشكرهم، والثناء عليهم. هذا وقد وشي إلى السلطان بأن الأمير طوغان الدوادار، والأمير بكتمر جلق قصراً في أمر أعداء السلطان، وأنه لم يكن بينهم وبين الأعداء في مدة السفر إلا نحو بريد واحد، ولو أرادا لأخذا الأعداء، فأسر السلطان ذلك في نفسه، وحقده عليهما، ولم يسعه إلا مجاملتهما، والإغضاء عن هذا.
وفي تاسع عشرينه: قدم الأمير قرقماس نائب حلب إلى دمشق باستدعاء، فأكرمه السلطان، وأنعم عليه. وأما حلب فإن قرقماس هذا كان قد سار منها لمحاربة أولاد ابن بيشان في حادي عشره، وكتب إلى أولاد ابن كبك وإلى كردي بن كندر بملاقاته، فمضى عن حلب يوماً وليلة، وأوقع ببيوت أولاد ابن بيشان فيما بين مرعش وكينوك، فقاتلوه قتالاً شديداً، قتل فيه منهم نحو مائتي رجل، وانكسر من بقي، فأتاه أولاد بن كبك في أخو القتال بنحو مائتي فارس، فرمى أيدغمش بن كبك بسهم في صدره خرج من قفاه فمات، وجرح أخوه حسين بن كبك في وجهه. ثم سار نائب حلب إلى عينتاب، وقبض على حسين ابن كبك وأعيان أصحابه، وقيدهم، وبعثهم إلى حلب، ومشي على بيوتهم وساق أعيانهم، ورجع، فلما وصل حسين بن كبك قريباً من أعزاز، أدركه تركمانه، واستنقذوه - ومن أسر معه - ومضوا بهم، فلم يقدر عليهم، وقدم قرقماس إلى حلب، وجهز مما أخذه من الأغنام أربعة آلاف رأس إلى مطابخ السلطان وسار من حلب، في تاسع عشره يريد دمشق، فقدمها ومعه صغير، له من العمر نحو خمس سنين، اسمه حسن ابن السلطان أحمد بن أويس فرت به مرضعته من بغداد. وقدم أيضاً اسفنديار قاصد قرايلك.
وورد الخبر بأن الأمير سلمان بن عثمان حصر أخاه جلبي ببلاد أفلاق، وأن أخاه محمد كرشجي ولى ابنه مراد البلاد الرومية، وأن ابن قرمان حاصر بلاد ابن كريمان وأحرقها، وأن دلغادر منع من الزرع بأبلستين.
شهر شوال، أوله الاثنين: فيه دقت البشائر بقلعة دمشق لأخذ قلعة صرخد.
وفي حادي عشره: قبض على الأمير جانبك القرمي، فضربه السلطان ضرباً مبرحاً، وسجنه بقلعة دمشق.
وفي خامس عشره: خرج محمل الحاج من دمشق صحبة الأمير تنكز بلغا الحططي.
وفي سابع عشره: توجه الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش من دمشق عائداً إلى نيابة حلب على عادته، وتوجه قاضي القضاة شمس الدين محمد الأخناي، وتاج الدين رزق الله ناظر الجيش، وغرس الدين خليل الأشقتمري الأستادار من دمشق، لتجهيز الإقامات من بلاد عجلون، برسم سفر السلطان إلى الكرك، وفي عشرينه أخرج بالمماليك المقبوض عليهم من سجنهم بقلعة دمشق، وسيقوا في الحديد إلى مصر وهم بأسوأ حال.

وفي رابع عشرينه: قدم شمس الدين محمد بن شعبان من دمشق إلى القاهرة، وعلى يده توقيع باستقراره في حسبة القاهرة على عادته، عوضاً عن زين الدين محمد بن الدميري، وكان قد توجه إلى دمشق، وسعى حتى خلع عليه بها، وكتب توقيعه ومال إلى الأمير أرغون نائب الغيبة بتمكينه من مباشرة الحسبة، فأمضى الأمير أرغون ذلك، وخلع عليه في غده، وعزل أبن الدميري، وكل ذلك بمال وعد به.
شهر ذي القعدة، أوله الأربعاء: في ثانيه: قدم الأمير الكبير دمرداش بمن معه من العسكر إلى بلد الخليل عليه السلام، فأقام به، وبث القصا، ذلك من أخبار أهل الكرك.
وفي سابعه: وصل إلى القاهرة من دمشق الأمير تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم الأستادار، والوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم بن البشيري، لتحصيل الأموال، فأسعر ابن الهيصم البلد ناراً، وطلب جماعة قد ورثوا من مات لهم في مدة غيبة السلطان، ما بين أولاد ذكور وإناث وزوجات، وإخوة وأخوات ونحو ذلك، وألزمهم برد ما أخذوا من الإرث الشرعي، فمنهم من أخذ ما ورثه، ومنهم من صالحه ببعض شيء من إرثه، فشنعت القالة بأنهم قد أبطلوا أحكام الله - سبحانه - في المواريث.
وفي عاشره: دخل الأمير جانم إلى طرابلس.
وفي رابع عشره: نودي بدمشق بالعسكر أن يلبسوا سلاحهم، ويقفوا بأجمعهم عند باب النصر في يوم الجمعة. وفيه تتبعت الحمير بدمشق، وأخذت من البساتين وسائر المواضع، لتحمل عليها الأمتعة للسفر، فنزل بالناس من هذا ضرر كبير.
وفي ليلة الأربعاء خامس عشره: خسف جرم القمر كله.
وفي يوم الأربعاء هذا: ركب السلطان من دار السعادة إلى الغوطة، فكبس عقرباء ونهبها، على أن الأمير شيخ قد اختفى بها، فلم يوجد، وتبين كذب ما قيل، وحل بأهل الناحية بلاء عظيم.
وفي يوم الجمعة سابع عشره: خرج السلطان من دمشق ونزل بقبة يلبغا، وتبعه من بقي معه من العسكر، فبات بمخيمه، واستقل بالمسير من الغد يريد الكرك، وعاد الأمير بكتمر جلق نائب الشام وعليه تشريف جليل، فنزل بدار السعادة على العادة.
وفي سادس عشرينه: ورد الخبر بأن الأمير شيخ نزل من قلعة الكرك، وعبر الحمام بالمدينة ومعه الأمير قنباي المحمدي، والأمير سودن بقجة، وطائفة يسيرة، فبادر شهاب الدين أحمد بن أبي العباس حاجب الكرك إليه، ومعه جمع كبير من أهل البلد، واقتحموا الحمام ليقتلوه، فسبقهم بعض المماليك وأعله بهم، فنهض ولبس ثيابه، ووقف في مسلخ الحمام عند الباب، ومعه أصحابه، فدفع عن نفسه، وقاتل القوم حتى أدركه الأمير نوروز ومعه بقية عسكره، وهزموهم، فأصاب الأمير شيخ بهم غار في بدنه، وخرج منه دم كثير كاد يأتي على نفسه، وحمل إلى قلعة الكرك فأقام ثلاثة أيام لا يعقل وهو في غيبة عن حسه. وقتل في وقعة الحمام الأمير سودن بقجة، وحمل الأمير نوروز على حاجب الكرك. وقتل ممن معه جماعة.
وفي سلخه: ألزم بكتمر نائب الشام قضاة دمشق بحمل عشرة قراقل وألزم تجارها بعشرة أخرى.
وفي هذا الشهر: كثرت الفتن بين التركمان، وخربوا قرى كثيرة ببلاد حلب. وفيه قدم رسل ابن عثمان متملك الروم إلى حلب. وفيه خالف أقبغا شيطان - أحد أصحاب الأمير شيخ - عليه، وسار من قلعة المرقب في عشرين رجلاً، وقدم حلب، منتمياً إلى طاعة السلطان، وفيه تنكر سودن الجلب عن الأمراء النازلين عنده بالكرك، وسار عنهم حتى عدى الفرات، فبعث معه يغمور من يوصله إلى ماردين، فلما نزل بها أقام ثلاثاً، وعزم على المضي إلى قرا يوسف، فأتاه الخبر بأن أيدكي بك ملك الترك، والشيخ إبراهيم الدربندي، وشاه رخ ابن تيمورلنك ملك جقطاي، قد اجتمعوا على محاربة قرا يوسف، فتحير في أمره.
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه: نزل السلطان على مدينة الكرك، وحصرها.
شهر ذي الحجة، أوله الخميس: وفي خامسه: ورد مرسوم السلطان إلى دمشق بطلب نواب الشام.
وفي سابعه: وصل حريم السلطان من دمشق إلى قلعة الجبل، صحبة الأمير كزل العجمي، ووصل معه قضاة القضاة الثلاث بديار مصر، وجماعة كثيرة ممن كان بدمشق مع العسكر، وقدم مرسوم السلطان بإعادة زين الدين محمد بن الدميري إلى حسبة القاهرة، فخلع عليه في حادي عشره، وعزل ابن شعبان.
وفي ثالث عشره: قدم رسول محمد شاه بن قرا يوسف صاحب بغداد.

وفي تاسع عشره: خرج الأمير بكتمر جلق نائب الشام من دمشق، ونزل قبة يلبغا، فقدم عليه الخبر بأن الأميرين تغري بردى وتمراز الناصري دخلا بين السلطان وبين الأميرين شيخ ونوروز في الصلح، وصعدا إليهما بقلعة الكرك ونزلا ومعهما الأمير سودن تلي المحمدي، ويشبك العثماني، وقرروا مع السلطان نزول الأمير شيخ والأمير نوروز إلى خدمته غداً، وأنهما نزلا إليه من الكرك، فخلع عليهما وعلى جماعة ممن معهما بضع عشرة خلعة، فسار الأمير بكتمر من قبة يلبغا ليلة الخميس ثاني عشرينه يريد الكرك، فقدم الخبر بانتقاض الصلح بين السلطان وبين الأميرن شيخ ونوروز، ثم ترددت الرسل بينهما وبين السلطان، حتى انعقد الصلح على أن يستقر الأمير الكبير تغري بردى في نيابة الشام، عوضاً عن الأمير بكتمر، ويستقر الأمير شيخ في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش، وتستمر قلعة المرقب بيده، ويستقر الأمير نوروز في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير جانم، ويستقر جانم أمير مائة مقدم ألف بديار مصر، ويكون أمير مجلس، ويستقر الأمير تغري بردى ابن أخي دمرداش في نيابة حماة على عادته، وينقل سودن من عبد الرحمن من صفد إلى إمرة مائة تقدمة ألف بديار مصر، وأن يكون الأمير يشبك بن أزدمر أتابك على العسكر بدمشق، ويكون الأمير قنباي المحمدي أميراً بحلب، وشرط السلطان على الأميرين شيخ ونوروز ألا يخرجا إمرة ولا إقطاعاً ولا غير ذلك إلا بمرسوم سلطاني، وألا ينفرد أحد منهما بأمر يتعلق بالسلطة، وأن يسلما قلعة الكرك ومدينتها للسلطان، ويسلم الأمير شيخ قلعة صرخد وقلعة صهيون للسلطان، وحلف الجميع للسلطان على الوفاء له بما ذكر، والإقامة على طاعته.
وحلف لهم السلطان أيضاً، وخلع عليهم خلعاً جليلة، ومد لهم سماطاً، أكلوا معه عليه.
ثم رحل السلطان عن الكرك يريد القدس بمن معه، وتوجه الأمير تغري بردى نائب الشام إلى جهة دمشق، فأقام السلطان بالقدس خمسة أيام، وسار يريد القاهرة، فقدم دوادار الأمير تغري بردى إلى دمشق متسلماً لها في ثامن عشرينه، ونزل بدار السعادة، فكانت مدة الأمير بكتمر جلق بدمشق بعد رحيل السلطان منها إلى الكرك سبعة وثلاثين يوماً، وكانت مدته في النيابة الأولى عشرين يوماً.
وفي هذا الشهر ذي الحجة: فشا الطاعون بدمشق وضواحيها. وكان في أول هذا العام وباء ببلاد فلسطين وحوران وعجلون ونابلس وطرابلس، فمات خلق كثير جداً، وانحلت الأسعار بديار مصر في آخر هذه السنة، فأبيع الأردب القمح بمائة وثلاثين فما دونها، والأردب الشعير بثمانين درهما فما دونها، والأردب الفول بمائة فما دونها.
هذا والدينار الأفرنتي بمائتي درهم من الفلوس، والمثقال الهرجة بمائتي درهم وعشرين درهما، والدينار الناصري - وهو على وزن الأفرنتي - بمائتي درهم الدينار، وبطل الدينار السالمي الذي ضربه الأمير يلبغا السالمي في أيام ولايته، وكان يتعامل به عدداً به، فمنه ما زنته مثقال، ومنه ما زنته نصف مثقال وربع مثقال، وعليه سكة أهل الإسلام، فاستحسنه الناس، وراج بينهم، فأراد السلطان أن يكون له اسم في ذلك، فجدد ضرب الدينار الناصري على وزن الأفرنتي، وأكثر من ضربه، فراج كرواج الأفرنتي، وقل السالمي في أيدي الناس، لكن دخل الغش في الناصري والأفرنتي، فصار ما ذكرنا بأيدي الناس من الذهب، شيء يقال له خارج الدار، وهو يعمل بغير دار الضرب افتئاتا على السلطان، وينقص سعره قليلاً، وشيء يقال له التركي، وهو دينار من بلاد الفرنج، وسعره أقل من سعر الأفرنتي، ودينار آخر يقال له المغربي، يجلب من بلاد المغرب، عليه سكة أهل الإسلام، ودينار من ضرب الإسكندرية، وأما الفلوس، فإنها النقد الرائج بديار مصر كلها، حاضرتها وريفها، إليها حسب أثمان المبيعات كلها، وقيم الأعمال بأجمعها، ويتعامل بها كما قرره السالمي وزناً، على أن كل رطل مصري منها بستة دراهم، وبلغت الفضة النقرة التي لم تغش بثلاثة عشر درهماً من الفلوس، زنة كل درهم منها، وقلت الفضة الكاملية، فلم تكد توجد.

وحج بالناس من مصر في هذه السنة الأمير الطواشي فارس الدين شاهين الحسني. وأخذت في هذه السنة مدينة أشقيرة من بلاد الأندلس، وذلك أن الطاغية صاحب قشتالة لما أوقع بالمسلمين في الزقاق، كثرت غاراته في بلاد المسلمين بالأندلس، وكثرت غاراتهم أيضاً على بلاد قشتالة، وكان ألفنت قد قام بأمر أخيه دون، وكان عارفاً بالحروب والمكايد، شجاعاً، درياً، شديد البأس، فجمع لحرب المسلمين، ونزل على أنتقيرة - تجاه مالقة - أول ذي الحجة، فلم يستنجد أبو الحجاج يوسف بن يوسف بن محمد بن إسماعيل بن نصر بن الأحمر - صاحب غرناطة - عساكر فاس كما هي العادة، بل رأى أن في عسكره كفاية، وجهز أخويه محمد وعلياً على عسكر الأندلس، وقد جمع أهل القرى بأسرها، وخرجوا من غرناطة في ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ونزلوا على حصن أرشذونة - وهو على ستة أميال من أنتقيرة - حتى تكاملت الجموع في ثامن عشرينه، ثم ساروا في ليلة التاسع والعشرين وعسكروا تجاه العدو، بسفح جبل المدرج، فما استقرت، وقد أعجبتهم أنفسهم بهم الدار حتى زحف العدو لحربهم، فثاروا لقتاله، وقد أعجبتهم أنفسهم، واغتروا بكثرتهم، وتباهوا بزينتهم، ولم يراقبوا الله في أمرهم، فما أحد إلا ومعه نوع من المعاصي كالخمر والأحداث، حتى لقد أخبرني من شهد الوقيعة انه سمع عالم الأندلس - أبا يحيى بن عاصم - يقول: ما أظن إلا أنا مخذولون. فلما اشتد القتال في الليل، انهزم العدو بعد ما قتل من المسلمين عشرة فرسان، ولما كان أول يوم من محرم سنة ثلاث عشرة، نادى أخو السلطان في العسكر بالنقة، وكانت نفقة السفر قد أخرت عن وقتها، لئلا يأخذها العسكر ولا يشهدوا الحرب، وجعلت عند حضور الجهاد، فهم في أخذ النفقة، وإذا بالعدو وقد أقبل عند طلوع الشمس، فخرجت المطوعة وقاتلتهم، وأقام العسكر بأجمعهم لأخذ النفقة، وعلم العدو بذلك فرجعوا كأنهم منهزمين، والمطوعة تتبعهم. وتنادي في العسكر: يا أكالين الحرام العامة هزمت النصارى، وأنتم في خيامكم جلوس.
فلما وصل العدو إلى معسكرهم، وقفوا للحرب، وقد اجتمع جميع رجالة المسلمين طمعاً في الغنيمة، فإذا العدو وقد خندق على معسكره ورتب عليه الرماة، فسقط في أيديهم، ووقفوا إلى الظهر في حيرة، فخرج أمراء الطاغية عند ذلك من جوانب الخندق، وحملوا على المسلمين، فقتلوا من قاتلهم، وأسروا من ألقى منهم سلاحه، حتى وصلوا مخيم المسلمين، فركب طائفة من بني مرين وبني عبد الواد، وقاتلوا على أطراف خيمهم قليلاً، وانهزموا هم وجميع أهل الأندلس، بحيث خرج أخوا السلطان بمن معهما مشاة إلى الجبل على أقدامهم، فأحاط العدو بجميع ما كان معهم، وأكثروا من القتل فيهم.
وكانت عدة من قتل من المعروفين من أهل غرناطة خاصة مائة ألف إنسان، سوى من لم يعرف، وسوى أهل أقطار الأندلس، بحرها وبرها، سهلها وجبلها، فإنهم عالم لا يحصيه إلا الله تعالى. واستشهد أبو يحيى بن عاصم في عدة من الفقهاء. وأقام النصارى ثلاثة أيام يتتبعون المسلمين، فيقتلون ويأسرون.

وبعث الطاغية إلى أعماله يخبرهم بنصرته. فلما بلغ ذلك أهل أبده وسبته، وأهل حيان، خرجوا إلى وادي أش - وهو بيد المسلمين - ولزلوا قريباً من حصن أرتنة، فاستغاث أهل الحصن بأهل غرناطة، فأمدوهم بعسكر، فصار النصارى إلى حصن مشافر، وقاتلوا أهله حتى أخذوا الربض، وشرعوا في تعليق الحصن. وإذا بعسكر غرناطة قد جاءهم في سابع المحرم، فأوقعوا بهم وقيعة شنعاء، أفنوهم فيها، وأسروا منهم زيادة على ألف وخمسمائة، وعادوا إلى غرناطة بهم، فدخلوا في تاسعه، وبلغ ذلك الطاغية - وهو على حصار أنتقيرة - فكف أصحابه عن الدخول بعدها إلى بلاد المسلمين، وأقام على الحصار ستة أشهر حتى ضعفت أحوال المسلمين بأنتقيرة، ورفعوا كرائم أموالهم إلى حصنها، وتعلقوا به، فملك الطاغية المدينة بما فيها من الأزواد والأمتعة. ووقع مع هذا في المسلمين الوخم، فمات منهم جماعة كثيرة، فاضطرهم الحال إلى طلب الأمان ليلحقوا ببلاد المسلمين بأموالهم فأمنهم ألفنت على أن يخرجوا بما يطيقون حمله، فخرجوا بأجمعهم إلى معسكره، فوفي لهم، حتى أن بعض البطارقة من أكابر أمرائه أخذ بنتا جميلة، وخلا بها يومه كله، ثم خلى سبيلها. فوقفت بها أمها، وشكت ما نزل بها، فقال لها: أتعرفيه قالت: إذا رأيته عرفته فنادى بحضور جميع من معه، فأتوا بأسرهم، ووقفوا صفوفاً، فقال للمرأة: سيري فيهم حتى تعرفي غريمك. فما زالت تتصفح وجوههم إلى أن رأت خصمها، فقادته إليه، فشنقه لوقته. وجهز جميع المسلمين، وبعث من أوصلهم إلى غرناطة، فلم يفقد أحد منهم، ولا شراك نعل وأقام بأنتقيرة من يثق به، وعاد عنها قافلاً إلى بلاده في أوائل جمادى الآخرة، فكانت هذه الحادثة من أشنع ما أصاب المسلمين بالأندلس، ولا قوة إلا بالله.
ومات في هذه السنة ممن له ذكرقجاجق دوادار السلطان، في سادس المحرم، وكان أشبه بالنساء منه بالرجال، فشهد السلطان دفنه، بعدما صلى عليه.
وتوفي كريم الدين محمد بن محمد بن نعمان بن هبة الله الهوى، محتسب القاهرة، في حادي عشر شعبان، وكان من فضائح الزمان.
وتوفي مجد الدين عبد الغني بن الهيصم ناظر الخاص، في ليلة الأربعاء عشرين شعبان. وكان من ظلمة الأقباط.
وتوفي قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن بن تاج الرياسة محمد بن عبد الناصر المحلي الزبيري الشافعي، في يوم الأحد أول شهر رمضان. ومولده سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وولي قضاء القضاة - كما تقدم - نحو ثلاثين شهراً، حسنت فيها سيرته ثم عزل، فلزم بيته نحو ثلاث عشرة سنة، حج فيها مرتين، وجاور بمكة سنة. وأول من حكم عنه قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة.
وتوفي شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميري المالكي، يوم الاثنين تاسع شهر رمضان، وولي حسبة القاهرة في الأيام الأشرفية شعبان، وبعده غير مرة. وولي نظر الأحباس، ونظر المارستان، وقضاء العسكر على مذهب مالك. وكان عارياً من العلم.
وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن علي القطان الشافعي، في أول شهر شوال وكان من أعيان الفقهاء النحاة القراء.
وتوفي شمس الدين محمد بن عبد الخالق المناوي المعروف ببدنه، ويعرف بالطويل أيضاً، في رجب، وولي حسبة القاهرة، ووكالة بيت المال، ونظر الكسوة، ونظر الأوقاف. وكان غاية في الجهل.
وتوفي الأمير قراجا دوادار السلطان، في منزلة الصالحية، وهو صحبة السلطان يريد الشام، يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر، ودفن بها.
وتوفي الأمير قرا تنبك الحاجب، أحد أمراء الطبلخاناه بالقاهرة، في أول شوال.
وتوفي القان أحمد بن شيخ حسن بن شيخ حسين بن أقبغا بن أيلكان، صاحب بغداد، مقتولاً في ليلة الأحد آخر شهر ربيع الآخر، وكان جلوسه سلطاناً في صفر سنة أربع وثمانين وسبعمائة وقتل الأمير سلمان بن بايزيد بن عثمان، وملك أخوه موسى الجزيرة الرومية وأعمالها. وملك محمد بن عثمان القرية الخضراء وأعمالها، وهي يقال لها برصا بالرومية.
سنة أربع عشرة وثمانمائة

أهلت، وسلطان الديار المصرية، والبلاد الشامية وأرض الحجاز الملك الناصر أبو السعادات فرج بن السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق بن أنص، وخليفة الوقت الإمام المستعين بالله أبو الفضل العباس بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد. وأتابك العساكر الأمير تمرتاش المحمدي. والدوادار الكبير الأمير طوغان الحسني ورأس نوبة قنباي، وحاجب الحجاب يلبغا الناصري. وقاضي القضاة بديار مصر شيخ الإسلام جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين أبي حفص عمر بن رسلان البلقيني الشافعي، وقاضي القضاة الحنفية ناصر الدين محمد بن قاضي القفساة كمال الدين عمر بن العديم، وقاضي القضاة المالكية شمس الدين محمد بن علي بن معبد المدني، وقاضي القضاة الحنابلة مجد الدين سالم بن سالم المقدسي. وكاتب السر فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس، وناظر الجيش الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله والوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم البشيري. والأستادار الأمير تاج الدين عبد الغني بن الهيصم ونائب الشام الأمير تغري بردى، ونائب حلب الأمير شيخ المحمودي، ونائب طرابلس الأمير نوروز الحافظي، ونائب حماة الأمير تغري بردى ابن أخي دمرداش، ويعرف بسيدي الصغير، ونائب صفد الأمير قرقماس بن أخي دمرادش، المعروف بسيدي الكبير، ونائب غزة الأمير أينال الرجبي، وقد عزل واستقر عوضه الأمير سودن من عبد الرحمن، ومتملك بغداد وتبريز قرا يوسف ابن قرا محمد التركماني، وينوب عنه ببغداد ولده محمد شاه. وأمير مكة المشرفة الشريف حسن بن عجلان، وصاحب اليمن الملك الناصر أحمد بن الملك الأشرف إسماعيل، وصاحب بلاد قرمان الأمير ناصر الدين محمد باك بن الأمير علاء الدين بن قرمان، وصاحب أجات الأمير موسى جلبي بن الأمير أبي يزيد بن مراد خان بن أزمان بن عثمان جق. وصاحب قرم وصراي وبلاد الدشت الأمير أيدكي، وصاحب سمرقند وبخاري وبلاد فارس فرخشاه بن تيمورلنك.
والأسعار بديار مصر: أما الذهب الهرجة فكل مثقال بمائتي درهم، وخمسة عشر درهماً بالفلوس المتعامل بها كل رطل بستة دراهم. والدينار الأفرنتي والدينار الناصري، كل شخص منها بمائة وتسعين درهماً، إذا عوض الذهب في ثمن مبيع حسب بزيادة خمسة دراهم. وأما القمح فإن الأردب بمائة وأربعين درهماً إلى ما دونها، فيكون على حساب الذهب في غاية الرخص فإنه بثلثي مثقال. والأردب من الشعير والفول بمائة درهم فما دونها.
شهر الله المحرم الحرام، أوله السبت: فيه تسلم الأمير أسنبغا الزردكاش قلعة الكرك من الأميرين شيخ ونوروز فوجد مدينة الكرك خراباً، ليس فيها من أهلها سوى خمسين إنساناً، وقد تشتت أهلها في البلاد من كثرة الظلم وشدة الجور.
وفي سادسه: قدم الأمير تغري بردى نائب الشام إلى دمشق، ونزل بدار السعادة على العادة، فنودي بالزينة، فزين الناس حوانيتهم.
وفي ثامنه: وصل الأميران شيخ نائب حلب، ونوروز نائب طرابلس إلى دمشق، ونزلا بسطح المزة، فخرج الأمير تغري بردى نائب الشام إليهما، وسلم عليهما وترحب بهما وعاد. وكان لما بلغه قدومهما خرج ليلقاها على قبة يلبغا، فبلغه أنهما مضيا إلى المزة، فعاد إلى دار السعادة، وتخفف من ثيابه، وركب إليهما بثياب بذلته، فوجد الأمير شيخ في أثناء الطريق، وقد ركب إليه ليسلم عليه، فرجع معه وتوجه إلى الأمير نوروز، فقضي حقه من السلام. ثم جاء إلى دار السعادة، فركب الأمير شيخ وأتى إلى البلد، ونزل بدار القرماني، ونزل الأمير نوروز بدار فرج بن منجك، بعدما ركب إلى النائب، وسلم عليه.
وفي تاسعه: نزل السلطان بقطيا، وسرح الطائر إلى قلعة الجبل بأنه يقدم يوم الأربعاء ثاني عشره، فتأهب الناس إلى لقائه، وخرجوا إليه، فنزل بكرة يوم الأربعاء بتربة والده السلطان الملك الظاهر خارج باب النصر، وخلع على الخليفة والقضاة والأمراء وسائر أرباب الوظائف، وخلع على شمس الدين محمد بن يعقوب وولاه حسبة القاهرة، وعزل ابن الدميري، وخلع على محمد بن النجار. وعزل ابن الهوى من حسبة مصر، وقبض عليه ليحضر ما خلفه أبوه من المال. وصعد إلى قلعة الجبل، فكان يوماً مشهوداً.

وفي سابع عشره: سار الأمير شيخ من دمشق إلى حلب، بعدما قضى أشغاله، فخرج الأمير تغري بردى معه ليوادعه، حتى نزل بسطح المزة، ثم خرج الأمير نوروز فنزل بالمزة أيضاً، واستقلا بالمسير في غده، وكان الأمير شيخ قد بعث متسلمه إلى حلب، وهو مملوكه قنباي، فقدمها في ثالث عشره، فخرج الأمير قرقماش ابن أخي دمرداش من حلب، وخيم بظاهرها، ثم سار من غده يريد صفد.
وفي حادي عشرينه: خلع السلطان على زين الدين حاجي التركماني الحنفي قاضي العسكر وأحد أئمة السلطان، وولاه مشيخة التربة الظاهرية برقوق خارج باب النصر، وعزل عنها صدر الدين أحمد بن جمال الدين محمود القيصري - المعروف بابن العجمي - من أجل أنه ودع عنده قبل سفره عشرة آلاف دينار، فأنفقها كلها في مأكل وملابس، وحج منها، فقبض عليه السلطان وطلب منه المال، فباع ما اشتراه منه، وأورد بعضه، وعجز عن البعض، فتركه له.
وفي رابع عشرينه: وصل الأمير بكتمر جلق من الشام، فركب السلطان وتلقاه، وألبسه تشريفاً سنياً، وخلع على الأمير الكبير تمرتاش تشريفاً بنظر المارستان المنصوري على العادة، وعبر السلطان إلى القاهرة من باب النصر، وهما بتشريفهما بين يديه، حتى مر بالمدرسة التي أنشأها الأمير جمال الدين يوسف الأستادار برحبة باب العيد، نزل إليها وصلى بها، ثم ركب منها.
وذلك أن جمال الدين لما قتل في سنة اثنتي عشرة، وقبض السلطان على أمواله، حسن أعداؤه للسلطان أن يهدم هذه المدرسة، ويأخذ رخامها، فإنه في غاية الحسن، ويسترجع الأملاك والأراضي الموقوفة عليها، فإنها تغل جملة كبيرة، فعزم على ذلك، ولم يبق إلا أن تهدم، فقام فتح الله كاتب السر في صرف السلطان عن ذلك، ومازال به حتى رجع إليه، على أنه ينقض ما وقفه جمال الدين، ويجدد السلطان وقفها، فتصير مدرسته، وذلك أن مكان هذه المدرسة كان وقفاً على تربة، فاستبدله جمال الدين بقطعة أرض من أراضي مصر الخراجية، فأخذ السلطان المستبدل بها، وقال: إني لم أذن له في أخذ هذه الأرض، وهي من جملة أراضي الخراج، وإنما أخذها افتئاتا. فصارت أرض هذه المدرسة وقفاً على ما كانت عليه قبل بنائها. فحكم قاضي القضاة المالكي أن البناء الموقوف على هذه الأرض ملك لم يصح وقفه، فاشترى السلطان عند ذلك بناء المدرسة، بعدما قوم بمبلغ عشرة آلاف دينار، من ورثة جمال الدين ثم أشهد عليه أنه وقفه بعدما عوض مستحقي أرضها بدلها. وحكم القضاة الحنفية بصحة الاستبدال. وكتب لها كتاب وقف على ما كان جمال الدين قرره فيها من الفقهاء والقراء وغيرهم. وأبطل ما كان لأولاد جمال الدين من الفائض بعد المصروف. ومزق كتاب وقف جمال الدين، وأفرد لهذه المدرسة بعض ما كان جمال الدين جعله وقفاً عليها، وزادها قطعة أرض بأراضي الجيزية. وفرق باقي وقف جمال الدين على التربة التي أنشأها على قبر أبيه خارج باب النصر، وعلى أولاده، وحكم القضاة الأربعة بصحة ذلك كله، وإبطال ما عمله جمال الدين. فلما تم ذلك أمر أن يمحي اسم جمال الدين ورنكه من المدرسة، فمحي، وكتب بدله اسم السلطان، فصارت تدعى بالمدرسة الناصرية، بعدما كان يقال لها الجمالية.
ولما سار السلطان من هذه المدرسة مر بمدرسة أبيه في بين القصرين، فنزل إليها أيضاً، وزار جده. ثم ركب وخرج من باب زويلة إلى القلعة، وعبر الأمير تمرتاش إلى المارستان، ومعه فتح الله كاتب السر، وقد ولاه السلطان أيضاً نظر المارستان وهو بدمشق، عوضاً عن شمس الدين محمد الدميري بعد وفاته، فنظرا في أمره وانصرفا، وقد استناب الأمير تمرتاش عنه في المارستان الأمير صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله.
شهر صفر، أوله الاثنين: في سادسه: وصل الأمير قرقماس نائب صفد إلى دمشق، فأراح بها، وسار إلى صفد بعدما قدم له الأمير تغري بردى نائب الشام ما يليق به، وأكرمه غاية الإكرام.
وفي ثاني عشره: عين السلطان اثنين وعشرين أميراً من الأمراء البطالين، ليتوجهوا إلى الشام على إقطاعات عينها لهم، منهم الأمير حزمان الحسني، والأمير تمان تمر الناصري، والأمير سونجبغا، والأمير شادي خجا، والأمير أرطوبغا، والأمير قنباي الأشقر، ومعهم مائتا مملوك ليكر النائب

وفي ثالث عشره: قتل بسجن الإسكندرية الأمير جانبك القرمي، والأمير أسندمر الحاجب، والأمير سودن البجاسي، والأمير قنباي أخو بلاط.
وفي حادي عشرينه: خلع على تقي الدين عبد الوهاب بن الوزير الصاحب فخر الدين ماجد بن أبي شاكر، واستقر في نظر الخاص، ولم يول السلطان فيها بعد مجد الدين بن الهيصم أحدا.
وفي رابع عشرينه: قبض السلطان على ثلاثة أمراء من المقدمين، وهم الأمير قنباي رأس نوبة، والأمير يشبك الموساوي الأفقم، والأمير كمشبغا المزوق، وقبض على الأمير منجك أمير عشرين، والأمير قنباي الصغير ابن بنت أخت الملك الظاهر برقوق أمير عشرة، وشاهين، وخير بك، ومأمور، وخشكلدي، وحملوا في الحديد إلى الإسكندرية فسجنوا بها، ورسم للأمير تمراز الناصري أن يكون طرخانا، لا يحضر الخدمة السلطانية، ويقيم بداره، ويتوجه إلى دمياط، وعين له شيء يقوم بحاله.
وفي سابع عشرينه: ورد كتاب الملك مانويل صاحب إصطبول، وهي القسطنطينية، وهدية خمس كواهي، فتضمن كتابه ما عنده من المحبة، ويسأل الوصية بالنصارى، ومراعاة كنائسهم، ونحو ذلك.
وفي ثامن عشرينه: خلع على الأمير سنقر الرومي، واستقر رأس نوبة كبير، عوضاً عن قنباي.
وفي سلخه: انقطع الأمير طوغان الدوادار عن الطلوع إلى الخدمة السلطانية بقلعة الجبل على العادة، خوفاً على نفسه، فإنه وشى به مملوكان من مماليكه، ومملوك من مماليك السلطان، أنه يريد الركوب على السلطان ومحاربته، فأرسل السلطان إليه الأمير الكبير تمرتاش، والأمير يلبغا الناصري حاجب الحجاب ليحضراه، فما زالا به حتى صعد معهما إلى القلعة، فآل الأمر بعد كلام كثير إلى أن خلع عليه، وسلم له غرماؤه في الحديد.
وفي هذا الشهر: انتهى الطاعون الذي ابتدأ في البلاد الشامية من شوال، فأحصي من مات من أهل دمشق وسكان غوطتها، فكانوا نحو خمسين ألفاً، سوى من لم يعرف، فخلت عدة من القرى، وبقيت الزروع قائمة لا تجد من يحصدها.
شهر ربيع الأول، أوله الثلاثاء: فيه قدم الأمير أينال الساقي من سجن الإسكندرية.
وفي ثالثه: قطع السلطان خبز الأمير شرباش كباشة، ورسم بتوجهه بطالا إلى دمياط.
وفي رابعه: أخرج الأمير تمراز الناصري والأمير شرباش كباشة إلى دمياط، منفيين. وفيه قبض على جماعة من المماليك الخاصكية، منهم جان بك العثماني، وفيه قدم الخبر بأن الأميرين شيخ ونوروز لم يمضيا حكم المناشير السلطانية وأنهما أخرجا إقطاعات حلب، وطرابلس لجماعتهما، وأن الأمير شيخ سير يشبك العثماني لمحاصرة قلعة البيرة، وقلعة الروم، وأنه خرج من حلب وخرج نوروز من طرابلس، وأن عزمهما العود على ما كانا عليه من الخروج عن الطاعة. وقدم الخبر بأن جلبي بن أبي يزيد بن عثمان - صاحب برصا - قتل أخاه سلمان، وأخذ جميع بلاده، وهو عازم على المسير إلى أخيه كرشجي.
وفي خامسه: قبض السلطان على جماعه من كبار مماليك أبيه الخاصكية، وسجنهم بالبرج، ثم قتلهم بعد شهر.
وفي سابعه: قبض على الأمير خير بك نائب غزة، وهو يومئذ أحد أمراء الألوف بديار مصر، وقبض على عدة من المماليك، وحملهم إلى الإسكندرية، وفيه قدم الخبر بقتل الأمير قرا يشبك والأمير أقبغا جركس، والأمير أسندمر الناصري والأمير سودن الحمصي، بسجن الإسكندرية.
وفي عشرينه: قدم سودن الجلب من بلاد الشرق إلى حلب، فسيره الأمير شيخ إلى الأمير نوروز. وفيه ورد الخبر بأن الأمير نوروز بعث عسكراً لحصار قلعة الأكراد.
شهر ربيع الآخر، أوله الخميس: في ثانيه: خلع على الأمير أسنبغا الزركاش أحد أمراء الأولوف، وزوج أخت السلطان، واستقر شاد الشراب خاناه، عوضاً عن الأمير سودن الأشقر.
وفي ثالث عشره: خلع على الأمير فخر الدين عبد الغني ابن الأمير الوزير تاج الدين عبد الرزاق ابن أبي الفرج كاشف الوجه البحري، واستقر أستادار السلطان، عوضاً عن الأمير تاج الدين بن الهيصم بعد عزله والقبض عليه، وتسليمه وحواشيه وأسبابه له، مع إيقاع الحوطة على بيوته وحواصله.
وفي ثامن عشره: أوفى النيل ستة عشر ذراعاً، فركب السلطان وعدى النيل إلى المقياس، حتى خلق بين يديه، ثم فتح الخليج على عادته.

وفي هذا الشهر: قدم الخبر بأن قرا يوسف سار ونزل على بلاد قرايلك، وحصر آمد، ففر قرايلك إلى جهة الأطاغ، وأن عساكر قرا يوسف تفرقت على قلاع قرايلك، وسار ابنه على عسكر كبير إلى ماردين، وأن الحرب امتدت بين قرا يوسف، وقرايلك مدة اثنين يوماً، قتل بينهما خلائق كثيرة، فبينما هم في ذلك، إذ قدم الخبر على قرا يوسف بأن ابن تيمورلنك نزل على توريز، فرحل من وقته وترك أثقاله، فركب قرايلك في أثره، وأخذ منه جماعة، ومضى إلى أرزنكان، ليخرب بلادها، كما خرب قرا يوسف بلاده، وأن نائب عينتاب كبس أكراد قلعة الروم، وقاتلهم فقبض عليه طوغان نائب قلعة الروم، واعتقله بها، وأن كردي بن كندر ركب على نائب إنطاكية وأخذه، ومضى به، وأن الأمير نوروز نائب طرابلس، نزل على قلعة صهيون وحاصرها أياماً، حتى صالحه أهلها على مال، ثم رحل وعاد إلى طرابلس، وأن الأمير شيخ نائب حلب قبض على المماليك الذين فروا من الكرك، وأنه مشى هو والأمير نوروز على الأمير العجل بن نعير، فتركهم وتوجه إلى الرحبة من غير لقاء، فعاد الأمير شيخ ونزل على سرمين وعاد الأمير نوروز ونزل على جبلة، وأن الأمير شيخ ما زال حتى أفرج عن نائب عنتاب، وأن نائب صهيون قبض على نائب اللاذقية، وقتله. وأن ابن أوزر التركماني حصر إنطاكية وأخذ الأمير جانبك نائبها، واعتقله. وأن الأمير العجل بن نعير استولى على بلد عانة، فبعث إليه قرا يوسف عسكراً، فكسره، ومضى إلى الأنبار، فرحل من بغداد من التركمان، خوفاً منه، فبعث إليهم وطيب قلوبهم، وكانوا في اختلاف شديد.
وفي هذا الشهر: ضربت الحوطة على قرايب الأمير جمال الدين يوسف الأستادار، فأمسك ابنه الأمير شهاب الدين أحمد، وأخواه القاضي شمس الدين محمد، وناصر الدين، وابنا أخته الأمير شهاب الدين أحمد الحاجب، وحمزة، وزوج ابنة أخيه شرف الدين أبو بكر بن العجمي، وعوقبوا عقوبات شديدة، وألزموا بأموال كثيرة. فمات ناصر الدين أخو جمال الدين في العقوبة بعد ما أخذ منه نحو مائة ألف درهم، وأخذ من الأمير أحمد ابن أخته ستة آلاف دينار مصرية.
وفيه وردت من طائفة الفرنج الكيتلانية والجنوية جماعة إلى ميناء الإسكندرية، واقتتلوا، فخاف أهل الإسكندرية، وظنوا أنها مكيدة، فلما تمادى الشر بينهم، وبلغت عدة قتلاهم نحو الألفين، اطمأنوا قليلاً، وكان من الجنويين رجل من العتاة المفسدين - يعرف بالبسقاوني - قد أسرته الكيتلانية، فأسلموه للسلطان، وحمل في الحديد إلى قلعة الجبل، فالزم بمائة وخمسين ألف دينار، فذكر أن ماله بيد الجنويين، فطلب منهم ذلك، فأبوا أن يعطوه شيئاً، فقبض على تجارهم بالإسكندرية، فغضبوا، وساروا بمراكبهم إلى الطينة، فسبوا نساء أهلها وبنيهم بعد وقعة كانت لهم مع المسلمين، فخرجت طائفة من دمياط لنجدتهم، فاستشهد منهم فقير معتقد، يعرف بمحيي الدين، في نفرين من فقرائه، وأخذ الفرنج ما كان بالطينة من مال أهلها، وأموال التجار، وساروا. وصالح السلطان البساقي بستين ألف دينار.
شهر جمادى الأولى، أوله السبت: فيه أمر السلطان بهدم مدرسة السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد ابن قلاوون، التي تجاه الطبلخاناه، فوقع الهدم فيها، وكانت من أعظم بناء رأيناه، وعمر بأحجارها في مواضع بالقلعة، وأمر أيضاً بهدم الدور التي كانت ملاصقة لسور القلعة، ما بين الصوة وتحت الطبلخاناه إلى قريب باب القرافة، فهدمت، وصارت خرابا موحشة، وتشتت سكانها وتمزقوا، وألسنتهم تضج بالدعاء.
وفي ثانيه: ختم على جميع حواصل القاهرة التي يتوهم أن فيها فلوساً لتؤخذ فلما كان في رابع عشرينه رسم لقاضي القضاة مجد الدين سالم الحنبلي أن يتوجه مع الأمير شهاب الدين أحمد بن محمد بن الطبلاوي متولي القاهرة، وبعض ممالك السلطان، وعبد الرحمن بن فيروز الصيرفي إلى الحواصل المختوم عليها، وأخذ ما فيها من الفلوس، وتعويض أربابها عن ذلك ذهبا ناصرياً، من حساب كل دينار بمائتي درهم، وكان صرفه يومئذ بمائة وتسعين. فمضوا لذلك، وفتحوا الحواصل في غيبة أربابها، وأخذوا نحو خمسمائة قفة فلوساً كل قفة ستمائة درهم، بثلاثة دنانير ناصرية.
وفي هذا الشهر: اشتدت العقوبة على أقارب الأمير جمال الدين الأستادار، ثم خنق أحمد ابن أخته، وأحمد ابنه، وحمزة بن أخته، في ليلة الأحد سادس عشره.

وفي هذا الشهر: أخذت عساكر قرا يوسف بن قرا محمد بغداد بعد حصارها نحو عشرة أشهر، وهم ببغداد يشيعون أن السلطان أحمد بن أويس قد وصل إليهم مختفياً، وتبرز المراسيم عن أمره، ويخرجونه أحياناً فيكبسون عسكر قرا يوسف، ويأخذون ما قدروا عليه، ثم أشاعوا خروجه غداً، وزينوا المدينة. فلما كان الليل، اجتمع عسكرهم، وساروا نحو تستر بأجمعهم، فدخلها أصحاب قرا يوسف مع ولده شاه محمد، ونهبوها، وقتلوا بها جماعة. واستمرت بغداد بيد قرا يوسف.
وفيه كتب السلطان إلى الأمير شيخ يعتبه على ما وقع منه، ويحذره، ويخوفه، ويأمره أن يجهز إليه يشبك العثماني، وبرد بك، وقنباي الخازندار، محتفظاً بهم، ويرسل سودن الجلب إلى دمشق أو صفد ليكون من جملة الأمراء بها.
شهر جمادى الآخرة، أوله الأحد: في أوله: قدم كتاب السلطان إلى دمشق بعمارة القلعة والمدينة، فنودي بذلك.
وفي رابعه: وصل إلى دمشق حريم الأمير تغري بردى وأولاده من القاهرة، وفي هذا الشهر فارق الأمير برد بك - نائب حماة - الأمير نوروز، وسار عنه من طرابلس، فقدم دمشق، فأكرمه الأمير تغري بردى، وكتب يعلم السلطان به.
وفيه تواترت الأخبار بأن الأميرين شيخ ونوروز قد الفقا على الخروج عن طاعة السلطان، وعزما على أخذ حماة، فوقع الشروع في عمارة قلعة دمشق، وكتب تقدير المصروف على ذلك، مبلغ ثلاثين ألف في ينار. وفيه وقع الاهتمام في بلاد الشام بتجهيز الإقامات للسلطان، فإنه عزم على السفر. وفيه شنعت المصادرات بالقاهرة، وفحش أخذ الأموال من الناس، حتى خاف البريء، وتوقع كل أحد أن يحل به البلاء من الأمير فخر الدين الأستادار.
وفيه أفرج عن الأمير تاج الدين بن الهيصم، وخلع عليه خلعة الرضا، فاستماله الأمير فخر الدين إليه، وعزما على أن يتحدثا مع السلطان في تسليمهما الوزير سعد الدين إبراهيم بن البشيري، والرئيس تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر ناظر الخاص بمال يقومان به في نظير ما عساه يؤخذ منهما بأنواع العقوبات. فلما بلغهما ذلك، بادرا واتفقا مع السلطان وأرضياه بمال جزيل، فقبض على الأمير فخر الدين وعلى الأمير تاج الدين في عصر يوم الاثنين سلخه على حين غفلة، وسلمهما للوزير سعد الدين ففوجئ الناس من السرور ما لا يعبر عنه، وأظهروا من الفرح شيئاً زائداً. ونزل الوزير بابن أبي الفرج معه إلى داره، وأذن له في عقوبته، فلم يدع نوعاً من أنواع العذاب حتى عاقبه به، فلم يعترف بشيء، ووجد له نحو ستة آلاف دينار، وجرار كثيرة قد ملئت خمرا، فطرحت كل جرة بمائة درهم على باعة الخمر، فكان هذا من أقبح ما سمع به.
شهر رجب، أوله الاثنين: فيه شرع الأمير غرس الدين خليل الأشقتمري الأستادار بدمشق في تقرير الشعير على بساتين دمشق وضياعها، كما فعل فيما مضى.
وفيه رجم رجل تركماني تحت قلعة دمشق، أقر بالزنا، وكان رجمه بعدما كتف وأقعد في حفرة. وما زال يرجم حتى مات. ثم غسل وصلى عليه ودفن.
وفي هذا الشهر خرج السلطان للصيد، فبات ليلة، وعزم على مبيت ليلة أخرى بناحية سرياقوس، فبلغه أن طائفة من الأمراء والمماليك اتفقوا عليه، فعاد إلى قلعة الجبل سريعاً، وتتبع ما قيل له، حتى ظفر بمملوكين عندهما الخبر، فعوقبا في ثامن عشره، فاظهرا ورقة فيها خطوط جماعة، وكبيرهم الأمير جانم. وكان جانم قد سافر إلى منية ابن سلسيل من الغربية، وهي من جملة إقطاعه، فكثرت القالة بالقاهرة، وخرج الأمير طوغان الدوادار والأمير بكتمر جلق لإحضار الأمير جانم، في يوم السبت عشرينه. على أن الأمير طوغان يلقاه والأمير بكنمر يمسك عليه الطريق، وقبض السلطان على جماعة من الأمراء، والمماليك، منهم الأمير عاقل، والأمير سودن الأبايزيدي، وقدم طوغان على جانم فاقتتلا في البر، ثم في المراكب على ظهر النيل قتالاً شديداً، تعين فيه طوغان، فألقي جانم نفسه في الماء لينجو، فرماه أصحاب طوغان بالسهام حتى هلك، فقطع رأسه في ثاني عشرينه، وقدم به في رابع عشرينه.
وكان السلطان قد قبض في ثاني عشرينه على الأمير أينال الصصلاني الحاجب، والأمير أرغز، والأمير سودن الظريف، وعلى جماعة من المماليك. وقبض في ثالث عشرينه على الأمير سودن الأسندمري، أحد أمراء الألوف وأمير أخور ثاني، وعلى الأمير شرباش العمري رأس نوبة وأحد أمراء الألوف.

وفي خامس عشرينه: قبض على جماعة من أكابر مماليك أبيه، ووسط خمسة. وفيه خلع على الأمير منكلي أستادار الأمير جركس الخليلي، واستقر أستادار السلطان، عوضاً عن فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج.
وفي هذا الشهر: قدم الخبر بأن الأمير نوروز نائب طرابلس توجه منها إلى حصن الأكراد، وحاصرها. وأن الأمير شيخ كتب إليه أنه اتفق مع جماعة من قلعة حلب على أن يسلموها له، وأشار عليه أن يرجع إلى طرابلس يحصل قلعة حلب بيده، وأن الاتفاق وقع بينهما على أن يجهزا سودن الجلب على ثلاثمائة فارس ليأخذ حماة، وأن الأمير شيخ أرسل إلى ناصر الدين محمد بن دلغادر يعرض عليه نيابة عينتاب فلم يقبل ذلك، وأنه خرج من حلب يريد العمق، فنزله سلخ جمادى الآخرة، وجمع عليه طائفة التركمان البياضية وابن سقل سيز، ابن صاحب الباز، وغيرهم من التركمان والعرب، وأنه أوقع بعمر بن كندر في ثالث رجب ثم قاتل التركمان في سابعه، فكسرهم، وأسر منهم جماعة. وأنه بعث أحمد الجنكي أحد ندمائه بهدية إلى قرا يوسف، وأن نوروز بعث إليه بهدية أخرى، صحبة بهلوان، من أصحابه.
وفيه كتب إلى الأمير تغري بردى نائب الشام، بالقبض على الأمير يشبك بن أزدمر، والأمير أينال الخازندار، والأمير برد بك الخازندار، والأمير برد بك أخي طولو، والأمير سودن من إخوة يشبك، والأمير تنبك من إخوة يشبك، والفحص عن الأمير نكباي الحاجب، فإن وحده من جملة المخالفين فليقبض عليه، ويعتقلهم، وينعم على الأمير تمراز بالإمرة الكبرى بدمشق.
شهر شعبان، أوله الأربعاء: في ليلة الأربعاء مستهله: ذبح السلطان عشرين رجلاً، ممن قبض عليهم من المماليك. ووسط في يوم الأربعاء ثلاثة عشر رجلاً تحت القلعة، منهم الأمير حزمان نائب القدس وأحد أمراء العشرات، والأمير عاقل، والأمير أرغز، أحد أمراء الألوف بدمشق، والأمير سودن الظريف، والأمير مغلباي، ومحمد بن الأمير قجماس ابن عم الملك الظاهر.
وفي ليلة الخميس ثانيه: قتل السلطان بالقلعة زيادة على مائة من أكابر الجراكسة وعتاتهم، وركب السلطان سحر يوم الخميس للصيد بناحية بهتيت من الضواحي. وتقدم إلى والي القاهرة أن يقتل عشرة من المماليك، لتخلفهم عن الركوب معه، فقتلوا. وعاد السلطان من الصيد، فمر بشارع القاهرة في دون المائة فارس، وعليه ثياب جلوسه، وهو ثمل، لا يكاد يثبت على فرسه حتى صعد القلعة نصف النهار، ولم يعرف قط بمصر ملك شق القاهرة بثياب جلوسه قبل هذا.
وفي خامس عشره: أعيد ابن شعبان إلى حسبة القاهرة، وعزل ابن يعقوب الدمشقي.
وفي يوم السبت ثامن عشره: عزم السلطان على شرب دواء مسهل، وبعث رئيس الأطباء علم الدين سليمان بن جنيبة إلى الأمراء يعلمهم بذلك، فتهيئوا بأجمعهم لتجهيز التقادم في غده، وأصبحوا يوم الأحد في حملها على مقاديرهم، فحمل الوزير مبلغ ألفي دينار وأربعمائة طائر من الدجاج، ومائة طائر إوز، وقنطارين سكراً مكرواً، وفواكه وحلوى، وغير ذلك. وحمل ناظر الخاص وغيره، حتى محتسب القاهرة، واستمر هذا عادة في كل سنة.
وفي هذا الشهر: اشتد مرض الأمير تغري بردى نائب الشام، فكتب إلى الأمير قرقماس نائب صفد بالحضور، فتوجه إلى دمشق، وكان خبر قتل جانم قد اشتهر بدمشق، فتخيل الأمير يشبك بن أزدمر وخاف على نفسه، وعزم أن يثور بجماعة، ثم ركب وخرج من البلد في سابعه، فقدم نائب صفد إلى دمشق في تاسعه، فقبض فيه على جماعة منهم تمراز الأعور، وأينال الخازندار، وخشكلدي، وسودن، وأزدمر، فماج الناس. ثم حمل تمراز الأعوار، وبرد بك الخازندار، وجركس التنمي، وأزدمر إلى قلعة الصبيبة، فسجنوا بها في عاشره، وقبض على تغري برمش دوادار بن أزدمر، وسجن. وأما ابن أزدمر فإنه لحق بنوروز، وقد اجتمع مع الأمير شيخ في ناحية التركمان، فعاد كل منهما إلى بلده وأخذا في إظهار الخلاف.
وفي عشرينه: قبض بدمشق على الأمير نكباي الحاجب، وحمل إلى الصبيبة، فسجن بقلعتها. وكثر الإرجاف بدمشق أن الأمير شيخ قد عزم على أخذها، فاستعد العسكر، وحصنت القلعة، وكتب بذلك إلى السلطان، وأن يعجل بتجهيز ألف فارس نجدة، لئلا يطرق الأمير شيخ دمشق، ويشير عليه الأمير تغري بردى نائب الشام بأن يحضر بنفسه إلى دمشق: فأجيب بتجهيز الإقامات، وأنه عزم على السفر، فاشتد الطلب بدمشق على الناس، وألزموا بالشعير وغيره.

وفيه كانت فتنة بين كرشجي بن أبي يزيد بن مراد بن أورخان بن عثمان جق، وبين أخيه موسى جلبي، فانكسر فيها محمد كرشجي من أخيه موسى جلبي على قسطنطينية. وفيه نزل قرا يوسف بن قرا محمد متملك تويز وبغداد على قرا باغ، ليشتي بها، فوقع في عسكره فناء عظيم. وفيه نهب الأمير عثمان قرا يلك بن طور على بلاد قرا يوسف، ونهب بلد سنجار، وأخذ قفل الموصل، وأوقع بالأكراد، وأسر عدة من أموالهم حتى افتدوا منه بمائة ألف درهم، وألف رأس من الغنم، وعشرة أفراس، فبعث قرا يوسف إليه في الصلح، فامتنع من ذلك.
وفيه أجتمع أصحاب تيمورلنك على حرب قرا يوسف، وقصدوا مدينة توريز.
شهر رمضان، أوله الخميس: فيه نودي بالقاهرة لجميع المماليك بالأمان، وأنهم عتقاء شهر رمضان، فظهر منهم جماعة، فأمنوا. وتتابع بقيتهم حتى ظهر قريب من ثلاثين مملوكاً في عدة أيام، فوعدوا بخير، وأن يعطوا الخيل. ورسم لهم بيوم يجتمعون فيه لأخذ خيولهم فاغتروا وحضروا، فقبض عليهم كلهم وحبسوا، وتتبع الممالك السلطانية، وجلس السلطان لتفريق القرقلات برسم الرسم عليهم، فقبض على جماعة كثيرة منهم، وسجنهم، فما انقضى شهر رمضان حتى زادت عدة المسجونين من المماليك السلطانية على أربعمائة رجل.
وفي رابعه: أبل الأمير تغري بردى نائب الشام من مرضه.
وفي هذا الشهر: تأكد عند السلطان خروج الأميرين شيخ ونوروز عن طاعته، وأنهما عزما على أخذ دمشق، وأن سودن الجلب ويشبك بن أزدمر سعيا في ذلك، وأن الأمير نوروز قتل أقسنقر الحاجب، وأن الأمير شيخ بعث في رابعه إلى ناصر الدين محمد بن دلغادر خلعة وبدلة قماش كاملة - حتى السراويل - برسم لباسه، وبدلة نسائية كاملة برسم امرأته، وذلك بعدما بعث الأمير شيخ يشبك الساقي، وجقمق الدوادار إليه، وإلى أخيه على باك بن دلغادر، يستدعيهما ليحضرا إلى عينتاب، فامتنعا من ذلك وأعادا قاصديه، ثم أنهما اختلفا فمضى على باك إلى جهة بلاد الروم، فلما بلغ ذلك الأمير شيخ أعاد يشبك الساقي ومعه تتر إلى محمد بن دلغادر، لقياه بأبلستين، وما زالا به حتى سار معهما إلى عينتاب، فقدموها في حادي عشره، ونزل بها محمد ابن دلغادر حتى أتته الخلعة والبدلتان.
وفي هذا الشهر: توجه الأمير شيخ بمن معه إلى قلعة نجمة، وعدى الفرات، ليوقع بالعربان، فغرق جماعة من أصحابه، فعاد وجمع النجارين، وأنشأ بناحية الباب - قريباً من حلب - مركباً، وحمله إلى قلعة نجمة، فكان طوله اثنتين وعشرين خطوة، وهو محمل خمسين رجلاً. فجهز إليه الأمير مبارك شاه نائب قلعة الروم ثلاثين فارساً لإحراقه.
شهر شوال، أوله السبت: في ليلة الاثنين ثالثه: ذبح السلطان من مماليك أبيه الذين في الاعتقال مائة رجل وسحبوا، ثم ألقوا من سور القلعة إلى الأرض، ورموا في جب مما يلي القرافة. واستمر الذبح فيهم.
وفي يوم الاثنين عاشره: عدى السلطان النيل إلى ناحية وسيم، وبات بها ورحل سحراً يريد الإسكندرية، بعدما نودي بالقاهرة ألا يتأخر أحد من المماليك السلطانية في القاهرة، وأن يعدوا إلى بر الجيزة، فعدوا بأجمعهم، فمنهم من أمره بالسفر في خدمته، ومنهم من أمره بالسفر في خدمته، ومنهم من أبره بالإقامة. وبعث الأمير طوغان الدودار، والأمير جانبك الصوفي، والأمير سودن الأشقر، والأمير يلبغا الناصري في عدة من المماليك إلى عدة جهات من أرض مصر لأخذ الأغنام والخيول والجمال، حيث وجدت، فشنوا الغارات على النواحي، وما عفوا ولا كفوا.

وسار السلطان إلى الإسكندرية فدخلها يوم الثلاثاء ثامن عشره، وقد قدم عليه مشايخ البحيرة بناحية تروجة، ومعهم تقادمهم، فخلع عليهم، ثم أمسكهم وساقهم في الحديد، واحتط على أموالهم، ففر باقيهم إلى جهة برقة، وقدم الأمراء، وقد ساقوا عشرات آلاف من الغنم التي انتهبوها من النواحي، وقد تلف كثير منها، فسيقت إلى القاهرة مع الأموال والجمال والجاموس، والخيل. ورسم السلطان أن يؤخذ من تجار المغاربة العشر، وكان يؤخذ منهم الثلث، فشكر له هذا. ثم خرج السلطان من الإسكندرية عائداً إلى القاهرة، فترك ناحية وسيم في يوم السبت تاسع عشرينه، وأقام على مرابط خيوله. وكان الوقت شتاء، وهي مرتبطة على البرسيم الأخضر. وفيه أضيف إلى الأمير قتلوبغا الخليلي نائب الإسكندرية كشف الوجه البحري، ولبس التشريف الذي جهز إليه من السلطان. وفيه مات الأمير خير بك - نائب غزة - بسجن الإسكندرية.
وفي هذا الشهر: غلا الزيت الحار، حتى بيع بتسعة دراهم الرطل، بسعر الزيت الزيتون، ولم يعهد ذلك قط. وفيه بلغ المثقال الذهب إلى مائتي درهم وثلاثين درهماً والدينار الأفرنتي إلى مائتي درهم وعشرة دراهم، والدينار الناصري إلى مائتي درهم.
وفيه قبض بدمشق على شهاب الدين أحمد بن الحسباني الشافعي، وعلى ناصر الدين محمد بن البارزي الحموي، وسجن بقلعة دمشق في سابع عشره بمرسوم السلطان.
وفيه قدم كتاب الأمير نوروز على يد فقيه يقال له سعد الدين، ومملوك اسمه قنغر، ومحضر شهد فيه من أهل طرابلس ثلاثة وثلاثون رجلاً، ما بين قاضي وفقيه وتاجر، بأنه لم يظهر منه منذ قدم طرابلس إلا الإحسان للرعية، والتمسك بطاعة السلطان، وامتثال مراسيه، وأن أهل طرابلس كانوا قد نزحو منها في أيام جانم، لما نزل بهم من الضرر، فعادوا إليها. وأنه كلما ورد عليه مثال سلطاني يتكرر منه تقبيل الأرض أمامه، وأنه حلف بحضرة من يضع خطه فيه بالأيمان المغلظة الجامعة لمعاني الحلف، أنه مقيم على الطاعة، متمسك بالعهد واليمن التي حلفها للسلطان بالكرك، لم يحل ذلك، ولا يخرج عنه، ونحو ذلك. فلم يغتر السلطان به.
وفي هذا الشهر: نزل على دمياط في ثاني عشرينه أربعة أغربة وبيونيين، تحمل عدة من الفرنج، فقاتلهم المسلمون على بر الطينة قتالاً كبيراً، جرح فيه جماعة من المسلمين، وقتلت خيولهم. فمضى الفرنج في آخر النهار إلى بر الطينة القديمة، ونهبوا ما كان هناك، وأتوا من الغد إلى حيث كانوا، فقاتلوا المسلمين مرة ثانية قتالاً كثيراً، وعادوا إلى مراكبهم. فقدم في الحال غراب من أغربة المسلمين، فأحاط به الفرنج، فلم يثبت من كان في الغراب وألقوا أنفسهم في الماء، وخلصوا إلى البر - وكانوا قريباً منه - ثم مضوا إلى دمياط. فتكاثر المسلمون على الفرنج، وأخذوا منهم غراب المسلمين بعد قتال شديد، وقتلوا منهم إفرنجيين وأخذوا سلاحاً، فانهزم بقيتهم، وحمل الرأسان والسلاح إلى السلطان.
وفيه وصلت سرية مبارك شاه نائب قلعة الروم إلى قلعة نجمة، تريد إحراق المركب الذي أنشأه الأمير شيخ، فدفعهم أصحابه عنه، وعادوا خائبين. فبعث عسكرا عدته مائة فارس في سادس عشره، فقاتلوا أصحاب الأمير شيخ قتالاً شديداً، حتى أثخنوا جراحهم، وأحرقوا المركب حتى لم يبق منه شيء، وغرقوا مركباً صغيراً، يحمل فارسين. وفيه عاد إلى الأمير شيخ رسوله المجهز إلى قرا يوسف، وصحبته فاختبط الناس، وغلقت حوانيت الباعة كتابه على يد قاصده.
شهر ذي القعدة، أوله الأحد: في ثانيه: عدى السلطان النيل، وصعد قلعة الجبل.
وفي سادس عشره: نودي بالقاهرة أن تكون الفلوس باثني عشر درهماً الرطل، فلم يقدر على الخبز ولا غيره، فغضب السلطان غضباً شديداً وهم أن يركب مماليكه الجلبان، فتضع السيف في الناس، وتحرق جميع الأسواق، مما زال به الأمراء حتى كف عن ذلك، وأمر فقبض على جماعة، وضربوا بالمقارع.
وفي سابع عشره: شنق رجل، وأشيع أنه قتل بسبب الفلوس. وفيه قتل بسجن الإسكندرية الأمير شرباش العمري، والأمير خشكلدي، ودفنا بالثغر. وفيه قبض على الأمير شهاب الدين أحمد بن ناصر الدين محمد بن الطبلاوي كاشف الشرقية، وعلى الأمير تاج الدين بن الهيصم، وعلى الحجازي نقيب الجيش، وسلموا للوزير سعد بن البشيري.
وفي تاسع عشره: استقر زين الدين محمد بن محمد بن الهوى في حسبة القاهرة، وعزل بن شعبان.

وفي رابع عشرينه: أنفق السلطان على المماليك نفقة للسفر، لكل نفر سبعين ديناراً ناصرياً، ومبلغ ستة آلاف درهم، حسابا عن كل قنطار بألف ومائتي درهم، وبعث إلى الأمير الكبير تمرتاش المحمدي ثلاثة آلاف دينار، ولكل من أمراء الألوف ألفي دينار، ولأمراء الطبلخاناه ما بين سبعمائة دينار وستمائة دينار، وخمسمائة دينار، بحسب رتبهم.
وفي ليلة الخميس سابع عشرينه: ضرب السلطان عنق الأمير شهاب الدين أحمد ابن محمد بن الطبلاوي بيده. وقتل السلطان امرأته - ابنة الأمير صروق - فإنه وشى بها أنها تأتي ابن الطبلاوي هذا في منزله، وأمر بهما، فلفا في لحاف، ودفنا معا في قبر واحد.
وفي يوم الخميس: هذا خرج الأمير بكنمر حلق رأس نوبة النوب، والأمير طوغان الحسني الدوادار، والأمير شاهين الأفرم أمير سلاح، والأمير شاهين الزردكاش بمضافيهم، وعليهم آلة الحرب بأجمعهم وهم في تجمل كبير، فعرضوا على السلطان وهم مارون من تحت القلعة، ثم مضوا فنزلوا بالريدانية خارج القاهرة، في مخيماتهم.
شهر ذي الحجة، أوله الثلاثاء: في خامسه: نودي بالقاهرة على الفلوس، أن تكون على عادتها، كل رطل بستة دراهم، فسر الناس بذلك. وفيه رحل الأمراء من الريدانية، وساروا يريدون دمشق.
وفي يوم الاثنين ثامنه: ركب السلطان من قلعة الجبل، فيمن بقي عنده من العسكر، وقد لبسوا كلهم السلاح، وتباهوا بزي لم نر مثله حسناً وإتقاناً، وجر السلطان ثلاثمائة جنيب من عتاق الخيل بالسروج الذهب الثقيلة، التي بعضها مرصع بالجوهر، ومياثرها من حرير مطرز بالذهب الموشى بأبدع إتقان، وعلى أكفالها عبي الحرير البديعة الصنعة، وفيها ما هو مطرز بالذهب الثقيل، وبعضها على أكفالها الكنافيش الذهب، وكلها باللجم المسقطة بالذهب الثقيل، ومن وراء الجنائب المذكورة ثلاثة آلاف فرس، ساقها جشار، ثم عدد كثير من العجل التي تجرها الأبقار، وعليها آلات الحصار، من مكاحل النقط الكبار، ومدافع النفط المهولة، ونحو ذلك. وخرجت خزانة السلاح على ما ينيف على ألف جمل، تحمل القرقلات والخوذ ونحوها في الحوائج خاناه الخشب، التي غشيت باللباد الأحمر، وبجلود البقر، وتحمل الرماح، وتحمل الصناديق المملوءة بالنشاب، وغير ذلك من السيوف ونحوها. وخرجت خزانة المال في الصناديق المغشاة بالحرير الملون، وفيها ما ينيف على أربعمائة ألف دينار، وخرج المطبخ، وقد ساق الرعيان برسمه ثمانية وعشرين ألف رأس من الغنم وكثيراً من الأبقار والجواميس، تحلب ألبانها. وتقدم الحريم في سبع محفات قد غشيث بالحرير، وبعضها مطرز بالذهب، ومن ورائها نحو الثلاثين حملاً من المحاير المغشاة بالحرير والجوخ، فبلغت عدة الجمال إلى ثلاثة وعشرين ألف جمل، فكان شيئاً مستكثراً إلى الغاية.
ونزل السلطان في مخيمه تجاه مسجد تبر خارج القاهرة، وخرج الخليفة المستعين بالله، وقضاة القضاة الأربع وأرباب الدولة، وكلهم قد بالغ في تحسين جماله وخيوله وخيمه وآلات سفره، وزاد فيها على عادته، فنزلوا منازلهم. وتردد السلطان من الريدانية إلى تربته التي أنشأها على قبر أبيه خارج باب النصر وبات بها ليال، ونحر بها ضحاياه على عادته، وجعل الأمير يلبغا الناصري نائب الغيبة. وأنزل بباب السلسلة الأمير ألطنبغا العثماني. وأنزل بقلعة الجبل الأمير أسنبغا الزردكاش شاد الشراب خاناه، وزوج أخته خوند بيرم. وولي نائب القلعة شاهين الرومي، عوضاً عن الأمير كمشبغا الجمالي. وبعث الجمالي صحبة الحريم، وقدمهم بين يديه بمرحلة.
وفي حادي عشره: خلع علي زين محمد بن الدميري، وأعيد إلى حسبة القاهرة، وعزل بن الهوى. ورحل السلطان من التربة قبل غروب الشمس من يوم الجمعة ثاني عشرة، بطالع اختاره له الشيخ برهان الدين إبراهيم بن زقاعة. وبات بمخيمه من الريدانية، تجاه مسجد تبر، واستقل بالمسير سحر يوم السبت.
وفي ثاني عشره: فر من دمشق الأمير سودن اليوسفي. وفيه انتكس الأمير تغري بردى نائب الشام، ولم يزل بما به، حتى مات.
وفيه قدم الأمير شيخ من حلب إلى حمص. ثم جاءه الأمير نوروز، فكثر الإرجاف بدمشق، وفر إليه جماعة منها. وأما السلطان فإنه حذر من معه من الرحيل قبل النفير، فبلغه وهو بالريدانية - إن طائفة رحلت، فركب بنفسه، وقبض على واحد ووسطه.

ونصبت مشنقة يرهب بها، فما وصل إلى غزة حتى قتل عدة من الغلمان، من أجل الرحيل قبل النفير. فتشاءم الناس بهذه السفرة. ثم لما نزل بغزة وسط تسعة عشرة من المماليك الظاهرية، وهو لا يعقل من شدة السكر، فقدم عليه - عقب ذلك - الخبر بأن الأمراء الذين تقدموه قد خرجوا عن الطاعة، فلم يثبت، وسار من غزة مجداً في طلبهم، وقد نفرت منه القلوب، وتمالت على بغضه، لقبح سيرته، وسوء سريرته.
وفي ثاني عشرينه: أفرج بدمشق عن شهاب الدين أحمد بن الحسباني، بعد سجنه ثلاثة وستين يوماً.
وفي سادس عشرينه: نزل الأمراء الذين تقدموا بقبة يلبغا خارج دمشق، وركبوا إلى الأمير تغري بردى نائب الشام، فعادوه، وقد اشتد به مرضه، وأعلنوا بما هم عليه من الخلاف للسلطان، والخروج عن طاعته. ثم رحلوا عن قبة يلبغا في تاسع عشرينه، ونزلوا على برزة يريدون اللحاق بالأميرين شيخ ونوروز على حمص، فلم يوافقهم على ذلك الأمير شاهين الزردكاش، فقبضوا عليه ومضوا. ونزل السلطان الكسوة في بكرة يوم الثلاثاء سلخه، وقد فت في عضده مخالفة الأمراء عليه، ولاحت إمارات الخذلان عليه، وظهرت كآبة الزوال والإدبار. فألبس من معه من العسكر السلاح، ورتبهم بنفسه. ثم ساق بهم، وقصد دمشق، فدخلها وقت الزوال من يومه.
وفي هذه السنة: قوي الأمير محمد بن قرمان، وفتح مملكة كرميان جميعها. وفيها حاصر الأمير موسى بن عثمان القسطنطينية، وفتح منها عده بلاد، وغنم غنائم كثيرة، ومزق كل النصارى.
وفيها انخسف قبر بمقبرة باب الصغير خارج دمشق، فخرج من الخسف ذباب أزرق كبار، حتى صارت كالظلة. ووجد ذلك قد خرج من قبر طوله اثنان وعشرون ذراعاً، وبطوله ميت قد صار على هيئة الرماد من البلاء.
ومات في هذه السنة من له ذكرالسلطان الملك الصالح المنصور حاجي بن الملك الأشرف شعبان بن الأمير حسين ابن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي، في ليلة الأربعاء تاسع عشر شوال. ودفن بتربة جدته خوند بركة أم الأشرف.
وولي سلطنة مصر والشام والحرمين مرتين كما تقدم ذكره. ثم أقام بدوره من قلعة الجبل، وتعطلت حركة رجليه ويديه مدة سنين قبل موته. وتوفي عن بضع وأربعين سنة. وقتل من المماليك الظاهرية ستمائة وثلاثون رجلاً، وطأ الملك الناصر بقتلهم لمن بعده سلطانه. وقتل عدة من الأمراء، منهم: الأمير تمراز الناصري في آخر أيام التشريق بالإسكندرية، وقد نقل إليها من دمياط، وقد بلغ نحو ستين سنة. وكان تركياً، غيره شر منه.
والأمير خير بك في تاسع عشرين شوال، لم يعرف عنه خبر.
والأمير جانم، قتل في ثاني عشرين شهر رجب، وكان من شرار الخلق المفسدين في الأرض.
والأمير يشبك الموساوي الأفقم، وكان كثير الشر والظلم، محباً للفتن، مفسداً، لا خير فيه.
والأمير قردم الحسني، قتل بالإسكندرية، وكان من أمراء الألوف، خازنداراً كبيراً، وله تربة بباب الفافة.
والأمير قنباك، رأس نوبة كبير، قتل أيضاً، وكان من سيئات الزمان، جهلاً، وظلماً، وفسقاً.
ومات الأمير آقبغا القديدي، دوادار يشبك أحد أمراء العشرات، ومن جملة دوادارية السلطان، توفي ليلة الثالث عشر من شوال.
وقتل الأمير شهاب الدين أحمد بن ناصر الدين محمد بن الطبلاوي والي القاهرة، وكاشف الشرقية. قتل ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة، فأراح به الناس من ظلمه، وفسقه، وعتوه.
ومات الأمير الشريف علاء الدين علي البغدادي، ثم الأخميمي، والي دمياط، ثم وزير الديار المصرية.
ومات الطواشي فيروز. توفي في ليلة الأربعاء تاسع شهر رجب، وكان قد شرع في بناء مدرسة خط الغرابليين داخل باب زويلة من القاهرة، ووقف عليها عدة أوقاف، فمات قبل فراغها، فدفن بحوش السلطان خلف قبر الملك الظاهر برقوق. فأقر السلطان ما قرره في كتاب وقفه من المصارف على الفقهاء والأيتام وغيرهم، وأضاف الوقف إلى تربته التي أنشأها على قبر أبيه، فاستمر ذلك، وأخذ السلطان آلات عمارة فيروز، وأنعم بمكانها على الأمير الكبير تمرتاش المحمدي، فشرع في بنائها قيسارية، وكمل بظاهرها عدة حوانيت. فما شعر حتى خرج في خدمة السلطان إلى الشام وتركها، وكان من أمرها ما يأتي ذكره - إن شاء الله - في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة.

وتوفي الأديب أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الوفاء الشاذلي، غريقاً ببحر النيل، في يوم تاسوعاء. وغرق معه أيضاً جمال الدين عبد الله بن ناصر الدين أحمد التنسي، قاضي القضاة المالكية.
وتوفي الشيخ تاج الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الملك يوسف بن عبد الله بن عمر بن خضر العجمي الكوراني، في يوم الحادي والعشرين من شعبان، ودفن بزاوية الشيخ يوسف العجمي بالقرافة، وكان حشماً، يركب الخيول، ويتردد إلى الأمراء، وله غنى وسعة.
سنة خمس عشرة وثمانمائةأهلت وخليفة الوقت أمير المؤمنين المستعين بالله أبو الفضل العباس، ابن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد، والسلطان الملك الناصر أبو السعادات زين الدين فرج ابن السلطان الملك الظاهر أبي سعيد سيف الدين برقوق، ابن الأمير أنص، وهما بدمشق. وأتابك العساكر الأمير دمرداش المحمدي، وأمير أخور الأمير أرغون البشبغاوي الرومي، والدوادار الكبير الأمير طوغان الحسني، وقد خرج عن طاعة السلطان، ومضى إلى الأمير شيخ بحمص، هو والأمير بكتمر جلق الناصري رأس نوبة، والأمير شاهين الأفرم أمير سلاح ورأس نوبة الأمير الكبير سنقر الرومي. وبديار مصر الأمير يلبغا الناصري نائب الغيبة، والأمير أسنبغا الزردكاش شاد الشربخاناه، والأستادار الأمير منكلي الخليلي، والقضاة الأربع، وكاتب السر، والوزير وناظر الخاص، وناظر الجيش، الذين تقدم ذكرهم في السنة الماضية، وهم بدمشق صحبة السلطان. ونائب حلب الأمير شيخ المحمودي، وقد أعلن هو والأمير نوروز الحافظي نائب طرابلس بمخالفة السلطان، ونزلا على حمص، ونائب دمشق الأمير تغري بردى، وهو شديد المرض، ونائب غزة الأمير سودن من عبد الرحمن، ونائب صفد الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش، وهو بدمشق، وقد ولاه السلطان نيابة حلب، عوضاً عن الأمير شيخ، فلم يتمكن من المسير إليها. ونائب حماة الأمير تمراز. ومتملك بلاد قرمان الأمير محمد باك ابن الأمير علاء الدين بن قرمان. ومتملك بقية الروم الأمير موسى جلبي بن أبي يزيد خوندكار بن مراد خان بن أرخان بن عثمان جق. متملك بغداد وتوريز الأمير قرا يوسف بن قرا محمد التركماني وهو مقيم بتوريز، وعلى بغداد لابنه محمد شاه. ومتملك اليمن الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل بن رسول. وأمير مكة الشريف حسن بن عجلان الحسني، وأمير المدينة النبوية الأمير ثابت بن نعير الحسيني.
وسعر المثقال الذهب الهرجة بديار مصر مائتين وأربعين درهماً من الفلوس إذا اشترى به شيء من أنواع المبيعات، وإذا أخذ عنه الفلوس فينقص خمسة دراهم والدينار الأفرنتي بمائتين وعشرين في المعاملة، وينقص إذا صرف بالفلوس خمسة دراهم، والدينار الناصري بمائتين وعشر دراهم، ويدفع فيه من الفلوس بناقص خمسة دراهم. والأردب القمح بمائة وخمسين درهماً. والنقد الرابح الفلوس، وإليه ينسب ممن كل ما يباع، وقيمة جميع الأعمال. وحصل في الزروع عند حصادها ودراسها نماء، بحيث يحصل من الفدان قدر اثني عشر أردباً من القمح.
شهر الله المحرم، أوله يوم الأربعاء: فيه خلع السلطان على شهاب الدين أحمد بن الكشك، وأعاده إلى قضاء الحنفية بدمشق، وكان قد قدم ابن القضامي الحموي مع العسكر متولياً قضاء الحنفية بدمشق. ولي وهو بغزة وكان أولاً على قضاء الحنفية بحماة، فجرت له كائنة قبيحة مع نائبها يشبك بن أزدمر، افتضح بها. وقدم دمشق فولاه الأمير نوروز قضاء الحنفية بها في أيام عصيانه، بمال التزم به. ثم خرج من دمشق وصار إلى مصر، فاتصل بالأمير طوغان الدوادار، وسعى به حتى ولاه في غزة قضاء دمشق، فصرت قبل أن يباشر. وكان قد قدم قبل ذلك بإسبوع الشريف ابن بنت عطاء، وبيده توقيع شريف باستقراره في قضاء الحنفية بدمشق، مؤرخاً أيام من شهر رجب، فوصل قبل وصوله توقيع ابن الكشك بإعادة وظائفه إليه. ثم كتب توقيعه بالقضاء بعدما لبس ابن بنت عطاء تشريفه بيومين، فلبس ابن الكشك تشريفه، واستمر، فكان في مدة عشرة أيام ثلاث قضاة، ولوا وعزلوا، منهم ابن الكشك ولي ثلاث ولايات، وعزل مرتين. وفيه أفرج عن ناصر الدين محمد بن البارزي الحموي من سجنه بقلعة دمشق وأفرج أيضاً عن الأمير نكباي الحاجب.

وفي يوم الاثنين سادسه: سار السلطان من دمشق، ونزل برزة، ثم رحل بعسكره يريد محاربة الأميرين شيخ ونوروز، ومن انضم إليهما من الأمراء المصريين، ومن معهم. فنزل حسيا بالقرب من حمص، فبلغه رحيل القوم من قارا إلى جهة بعلبك، فترك أثقاله بحسيا. وسار في أثرهم إلى بعلبك، وقد توجهوا إلى البقاع، فقصدهم، فمضوا نحو الصبيبة وهو يتبعهم، حتى نزلوا باللجون، فأشار عليه كاتب سره فتح الله أن يعود إلى دمشق، ولا يتوجه إلى اللجون فإذا استقر بدمشق، تخير لنفسه إما أن يبعث إليهم عسكراً، أو يصفح عنهم ويوليهم أماكن، أو يريح عساكره ويخرج إليهم، فمال إلى قوله، وكاد أن يعود، فخلا به شياطينه - أقبغا النظامي، أحد الدوادارية، وألطنبغا شقل، وأضرابهما من الفجار المفسدين - وقبحوا هذا الرأي، وشجعوه على المسير إلى أعدائه، وأنه عندما يلقاهم يأخذهم عن آخرهم أخذاً باليد، فإنهم كلهم في قبضته، ورموا عنده فتح الله بأنه ما قال هذا ولا أشار به إلا وهواه مع القوم. وكان الناصر يميل مع من يستميله، ويؤثر فيه قول كل قائل، فانفعل لهذا، واستدعى فتح الله، وأوسعه سباً، وملأ آذانه توبيخاً وتهديداً بحضرة الملأ، ورماه بأنه مع أعدائه عليه فخرج وقد اشتد غيظه وغضبه، وملئ حنقاً وحقداً.
وركب السلطان من ساعته وساقه وهو ثمل، فما وصل إلى اللجون حتى تقطعت عساكره من شدة السوق، ولم يبق معه غير من ثبت وهم أقل ممن تأخر، وكان قد دخل وقت العصر من يوم الاثنين ثالث عشره، والقوم قد نزلوا قبله، وأراحوا، وفي ظنهم أنه يتمهل ليلته ويلقاهم من الغد، فإذا جنهم الليل، ساروا بأجمعهم من وادي عارة إلى جهة الرملة، وسلكوا البر عائدين إلى حلب، وليس في عزمهم أن يقاتلوه أبداً، خوفاً منه وعجزاً عنه. فلما أراد الله سبحانه لم يتمهل، وحمل بنفسه من فوره - حال وصوله - واقتحم عليهم، فارتطمت طائفة ممن معه في وحل كان هناك من سيل عظيم حصل عن قريب. وخامر مع ذلك عليه طائفة أخرى، ومضوا إلى القوم، فقووا. وثبت السلطان في حماته وثقاته، فقتل الأمير مقبل الرومي أحد أمراء الألوف، وزوج ابنة الملك الظاهر التي كانت تحت الأمير نوروز، وتركها عند خروجه من مصر، فأنكحها السلطان قبل هذا بعقد ملفق، لا يعبأ الله به، وقتل أيضاً أحد رءوس الفتنة ألطنبغا شقل. وانهزم السلطان وقد جرح في عدة مواضع، ونجا بنفسه، وهو يريد دمشق، ليكون بها مصرعه. وفاته الرأي أخيراً كما فاته أولاً، فلم يتوجه إلى مصر، وعدل عنها ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وأحاط القوم بالخليفة المستعين بالله، وكاتب السر فتح الله، وناظر الخاص تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر، وناظر الجيش بدر الدين حسن بن نصر الله. وكان الناصر أمرهم أن يقفوا على حدة. فذكر لهم كاتب السر أن الرأي أن يتوجه إلى صفد، فإذا انتصر السلطان أتيناه، فأبى وكان هذا من سوء تدبيره أيضاً، فإن القوم إزدادوا بالخليفة ومن ذكرنا قوة إلى قوتهم، وبهم تم لهم الأمر، وأحاطوا أيضاً بجميع ما كان مع الناصر من مال وخيول وجمال وغير ذلك، ما عدا الأثقال التي تركها بحسيا، فإنها عادت إلى دمشق، في ثاني عشره، قبل الوقعة بيوم، فما غربت الشمس حتى صار القوم من الخوف إلى الأمن، ومن الذل إلى العز، فتقدم شهاب الدين أحمد بن حسن بن الأذرعي - إمام الأمير شيخ - وصلى بهم المغرب، فقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بصوته الشجي " واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس، فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون " فوقعت قراءة هذه الآية أحسن موقع بمناسبة الحال.

وباتوا بمخيماتهم ليلة الثلاثاء، وأصبحوا ليس فيهم واحد ينقاد لآخر، فينادي الأمير شيخ بأنه الأمير الكبير، ويرسم بما شاء وينادي الأمير نور بأنه الأمير الكبير، ويرسم بما شاء، وينادي بكتمر جلق بأنه الأمير الكبير، ويرسم بما شاء وأخذ الأمير سودن تلي المحمدي بيده الإصطبل السلطاني، وحواه لنفسه، فبعث الأميران شيخ ونوروز إلى كاتب السر فأحضراه إليهما في خلوة، وبالغا في إكرامه، وأراداه أن يكتب بما جرى إلى الديار المصرية، ويعلم الأمراء به، فقال لهما من السلطان الذي يكتب عنه، فأطرق كل منهما رأسه ساعة، ثم قال ابن أستاذنا ما هو هنا حتى نسلطنه، يريدان الأمير فرج بن السلطان الملك الناصر فرج. فلما رأى انقطاعهما قال: الرأي أن يتقدم كل منكما إلى موقعه بأن يكتب عنه إلى أمراء مصر كتاباً بصورة الحال، ويأمر بحفظ القلعة والمدينة حتى يقدم عليهم، ويعدهم بالخير ثم يكتب الخليفة أمير المؤمنين عنه كتاباً إلى الأمراء بصورة الحال، ويأمرهم بامتثال ما تضمنه كتابيكما. فوقع هذا الرأي منهما الموقع الجيد، وكتب كل منهما كتاباً، وكتب الخليفة كذلك. وندب قجقار القردمي بحمل الكتب وجهز إلى القاهرة، فمضى إليها من يومه.
ونودي بالرحيل، فرحل العسكر يريدون دمشق في يوم الأربعاء خامس عشره، وليس عندهم من السلطان علم، وكان السلطان قد قدم دمشق آخر ليلة الأربعاء في ثلاثة نفر، ونزل بالقلعة، وأصبح الناس في اضطراب. فاستدعى القضاة والأعيان ووعدهم بكل خيبر، وحثهم على نصرته، والقيام معه، ورغبهم فيما لديه، فانقادوا له، وقووا قلبه، وشجعوه فأخذ في تدبير أموره، وتلاحقت به عساكره شيئاً بعد شيء. وقدم عليه الأمير دمرداش، لمحمدي عصر يوم الخميس، فولاه سادس عشره نيابة الشام، عوضاً عن الأمير تغري بردى، وقد مات في هذا اليوم. ثم قدم الأمير أرغون أمير أخور، والأمير سنقر، وبقية من تأخر من عسكر السلطان.
وأخذ السلطان في الاستعداد، فأخرج الأموال وصبها بين يديه ظاهرة. ودعا الناس إلى القيام بنصرته، فأتاه جمع كبير من التركمان وغيرهم، فكتب أسماءهم، وأنفق فيهم، وقواهم بالسلاح، وأنزل كل طائفة في موضع لحفظه. فكانت عدة من استنجده من المشاة زيادة على ألف رجل قد أجلسوا فوق سقائف الحوانيت وأعلى الحيطان. وجمع العساكر المصرية والشامية، وقواها، وأنفق فيها. وحصن القلعة بالمجانيق، ومدافع النفط الكبار، وبالمكاحل، وجعل بين كل شرفتين من شرفات سور المدينة، جنوية، ومن ورائها الرماة بالسهام والجروخ، والمدافع والأسهم الخطائية. ونصب على كل برج من أبراج السور شيطانياً يرمى به الحجارة. ورفع الجسور عن الخنادق، وأتقن تحصين القلعة، بحيث لم يبق سبيل إلى التوصل لها بالقوة. وفيه ولي السلطان الأمير نكباي الحاجب نيابة حماة.
وفيه وكتب قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن البلقيني، ومعه بقية قضاة مصر ودمشق، وجماعة من أرباب الدولة، ونودي بين أيديهم بأسواق دمشق عن لسان السلطان، أنه قد أبطل المكوس وأزال المظالم، فادعوا له. فقوي ميل الشاميين إليه، وتعصبوا له، وصار أكثرهم من حزبه وفريقه.
وفي يوم الجمعة سابع عشره: ورد الخبر بنزول الأمراء سعسع، فقوي الاستعداد.
وفي بكرة يوم السبت ثامن عشره: نزل الأمراء على قبة يلبغا خارج دمشق، فندب السلطان إليهم عسكراً توجهوا إلى القبيبات، فبرز لهم الأمير سودن تلي المحمدي، والأمير سودن الجلب، فاقتتلوا حتى تقهقر السلطانية منهم مرتين، ثم انصرف الفريقان.
وفي يوم الأحد تاسع عشره: ارتحل الأمراء عن قبة يلبغا، ونزلوا غربي البلد من جهة الميدان، ووقفوا من جهة القلعة إلى خارج البلد، فتراموا عامة نهارهم بالنشاب والنفط، فاحترق ما عند باب الفراديس من السواق، ومضوا.

فلما كان الغد يوم الاثنين عشرينه: اجتمعوا للحصار، فوقفوا شرقي البلد وقبليه، ثم كروا راجعين، فنزلوا ناحية القنوات إلى يوم الأربعاء ثاني عشرينه. فوقع القتال في ناحية شرقي البلد، ونزل الأمير نوروز بدار الطعم، وامتدت أصحابه إلى العقيبة، وأخذ طائفة، الصالحية والمزة، ونزل الأمير شيخ بدار الأمير غرس الدين خليل الأستادار - تجاه جامع كريم الدين بطرف القبيبات - ومعه الخليفة وكاتب السر وجماعته ورفقته. ونزل الأمير بكتمر شلق، والأمير قرقماس ابن أخي دمرداش في جماعة من جهة بستان معين الدين ومنعوا الميرة عن الناصر، وقطعوا نهري دمشق، ففقد الماء من البلد، وتعطلت الحمامات، وغلقت الأسواق. واشتد الأمر على أهل دمشق، وترامي الأمراء بالنشاب، واقتتلوا قتالاً شديداً، احترق فيه عدة حوانيت وغيرها. وكثرت الجراحات في أصحابه الأمراء، وذلك أن رميهم يقع في أحجار السور، ورمي السلطان دائما يقع فيهم فينكيهم.
وفي آخر هذا اليوم: بعث الأمير شيخ إلى شهاب الدين أحمد بن الحسباني، وشهاب الدين أحمد الباعون، وقاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم - وكان قد انقطع بالشبلية لمرض به - فلم يدخل إلى جامع بني أمية مع رفاقه قضاة مصر، فأحضر الثلاثة وأنزلهم عنده.
وفيه أيضاً لحق بالأمير شيخ، ناصر الدين محمد بن البارزي الحموي، وصدر الدين علي بن الآدمي، فتأنس بهما، وأخذا في تعريفه بأمر البلد، ومواضع العورات منها، ونحو ذلك مما يتقرب به إليه. فلما بلغ السلطان ذلك استدعى محب الدين محمد بن الشحنة الحلبي، وخلع عليه، وولاه قضاء القضاة الحنفية بديار مصر، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن العديم، في يوم الخميس ثالث عشرينه.
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه: أحضر الأمير شيخ إلى بين يديه الأمير بلاط آقشق شاد الشربخاناة، وكان ممن قبض عليه في وقعة اللجون، ووسطه من أحل أنه كان يتولى ذبح المماليك الظاهرية، ليل قتلهم السلطان بقلعة الجبل. ووسط أيضاً الأمير بلاط أمير علم، وكان ممن قبض عليه أيضاً.
وفي يوم السبت خامس عشرينه: خلع الخليفة المستعين بالله الملك الناصر من الملك، فكانت مدته في السلطنة منذ مات أبوه الملك الظاهر وجلس بعده على سرير الملك إلى أن خلع بأخيه السلطان الملك المنصور عبد العزيز ست سنين وخمسة أشهر وأحد عشر يوماً. ومدة سلطنته الثانية من حين وثب على أخيه عبد العزيز إلى أن خلعه الخليفة أمير المؤمنين ست سنين وعشرة أشهر سواء. فجميع مدة سلطته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً.
الخليفة المستعين بالله أبو الفضلالخليفة أمير المؤمنين المستعين بالله أبو الفضل.
العباس بن محمد المتوكل على الله أبي عبد الله العباسي

اجتمع عليه الأمراء وبايعوه خارج دمشق، في آخر الساعة الخامسة من نهار السبت الخامس والعشرين من شهر الله المحرم الحرام سنة خمس عشرة وثمانمائة، والطالع برج الأسد. وسبب ذلك أنه خرج صحبة الملك الناصر فرج من القاهرة إلى الشام عند سفره إليها، كما جرت العادة به. فلما وافى اللجون ليقاتل الأمراء، أوقف الخليفة ناحية، وأوقف معه كاتب السر ورفقاءه، من المباشرين. فما هو إلا أن نزلوا وصلوا صلاة العصر، إذ انهزم الناصر، فأشار كاتب السر حينئذ على الخليفة أن ينشر علمه الأسود، يريد بذلك أن يصيروا في حمايته خشية من معرة العساكر. فعندما نشر العلم، وعاينه الأمراء تباشروا بالفتح. وفي ذلك الوقت جاء صلاح الدين خليل بن الكوير صاحب ديوان الأمير شيخ، وشهاب الدين أحمد الصفدي، في طائفة من العسكر، فأخذوا الخليفة، ومن معه وأتوا بهم إلى الأمراء، فأجلوا مقدم الخليفة، وأنزلوه ومن معه عند الأمير طوغان الدوادار. فلم يزل عنده حتى نزلوا ظاهر دمشق، فاستدعى الأميران شيخ ونور وكاتب السر فتح الله - وقد بلغهم أن الناصر قد صار في قلعة دمشق وحصنها، وأعد لهم - واستشاراه فيما يعملاه فقال لهما: ما هكذا يقاتل السلطان. وذكر لهما ما هم فيه من الافتراق، وعدم الانقياد إلى واحد منهم، وأن كلا من الأمراء يرى أنه الأمير الكبير، وهذا أمر لابد فيه من إقامة واحد ترجع الأمور كلها إليه وتصدر عنه. فأطرق كل منهما ساعة، ثم رفع رأسه وقال: ابن أستاذنا ما هو حاضر هنا حتى نسلطه، فلما رأى عجزهم وانقطاعهم قال: أقيموا الخليفة يتحدث، وقوموا معه، فإن أحداً لا يتجاسر عليه. فقالا له: أو يرضى بذلك. قال: أنا أرضيه. وقام عنهما إلى الخليفة، فذكر له شيئاً من هذا، فأبى أن يقبل، وفرق من الناصر فرقاً شديداً، وخاف ألا يتم له هذا الأمر فيهلك، وصمم على الامتناع، وفتح الله يلح عليه، لما داخل قلبه من خوف الناصر والحقد عليه، فلما رأى أن الخليفة لا يوافقه على القيام بالأمر، دبر عليه حيلة يقوده بها لما يريد منه، وهو أنه حسن للأمير شيخ حتى أمر ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي أخا الخليفة لأمه، فركب ومعه ورقة تتضمن أسطراً عديدة، فيها مثالب الناصر ومعايبه، وأن الخليفة قد خلعه من الملك وعزله من السلطة، ولا يحل لأحد معاونته، ولا مساعدته، فإنه الكذا الكذا. فلما بلغ الخليفة هذا، سقط في يده، وأيس من انصلاح الناصر له وأراد أن يبقى له حيلة مع الأمراء، يعيش بها حيناً من الدهر في رحيله معهم، وفي ظنه وظن غيره عجز الأمراء عن الناصر، فأذعن حينئذ لهم أن يقوم بالأمر، فبايعوه بأجمعهم، وأطبقوا كلهم على يده، يعطوه صفقة أيمانهم، وحلفوا له على الوفاء بتبعيته، ونصبوا له كرسياً خارج باب الدار، تجاه جامع كريم الدين. وجلس فوقه وعليه سواده الذي أخذوه من الجامع، وهو بثياب الخطب عند خطبته للجمعة. ووقفوا بين يديه على قدر منازلهم، ما عدا الأمير نوروز فإنه لم يحضر لاشتغاله بحفظ الجهة التي هو بها. ثم قبلوا الأرض بين يديه على العادة، وتقدم الأمير بكتمر جلق فخلع عليه، واستقر به في نيابة الشام، وخلع على الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش، واستقر به في نيابة حلب. وخلع على الأمير سودن الجلب واستقر به في نيابة طرابلس.
ثم ركب أمير المؤمنين والأمراء، ونادي مناد ألا إن الناصر فرج بن برقوق قد خلع من السلطنة، فلا يحل لأحد مساعدته، ومن حضر إلى أمير المؤمنين من جماعته فهو آمن، وأمدكم إلى يوم الخميس، في كلام كبير من هذا المعني قد رتب. وسار أمير المؤمنين بعساكره من تجاه جامع كريم الدين إلى قرب المصلى، ثم عاد وأمر فنودي بذلك أيضاً في الناحية الشرقية من دمشق. فتفخذ الناس عن الناصر، وصاروا حزبين، حزب يرى أن مخالفة أمير المؤمنين كفر، وأن الناصر قد انعزل من الملك، فمن قاتل معه فقد عصى الله ورسوله، ومنهم من يرى أن القتال معه واجب، ومن قاتله فإنما هو باغ عليه. وكثر الناس في ذلك. وكتب أمير المؤمنين إلى أمراء مصر، باجتماع الكلمة على إقامته، وأنه خلع الناصر، وقد أبطل المكوس والمظالم. وبعث بذلك على يد الأمير كزل العجمي.

وفي يوم الأحد سادس عشرينه: قدم حاج دمشق مع الأمير مؤمن، فأوقفهم الأمير شيخ عند جامع كريم الدين، وبعث كل طائفة إلى جهة قصدها من البلد، ومنعهم أن يمروا تحت القلعة، وأنزل المحمل بجامع كريم الدين حيث كان الشهابان أحمد الباعوني وأحمد بن الحسباني نازلين بمن معهما من فقهاء دمشق وأتباعهما.
وفيه مات الأمير سكب الدوادار، وكان ممن خامر على الناصر، وصار في جملة أصحاب الأمير شيخ من حين وقعة اللجون، فأتاه سهم في ركبته أتى عليه.
وفي سابع عشرينه: خلع أمير المؤمنين على شهاب الدين أحمد الباعوني، واستقر به في القضاء بديار مصر، عوضاً عن قاضي القضاة جلال الدين بن البلقيني. وخلع أيضاً على شهاب الدين أحمد بن الحسباني، واستقر به في قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن الأخناي.
وفي يوم الخميس سلخه: اشتد القتال من جهة الأمير شيخ قريباً من باب الجابية - ومن جهة الأمير نوروز قريباً من باب الفراديس، فكثرت الجراحات ومات جماعة.
وأما القاهرة فإن مبشري الحاج تأخر وصولهم إلى ثامنه. وقدم في تاسع عشره الخبر بمخامرة الأمراء وقدوم السلطان دمشق، ثم مسيره منها يريد أعداءه، وتأخر قدوم الحاج عن العادة، فلم يصل إلى سادس عشرينه، وخرج هذا الشهر والإرجاف بالقاهرة كثير، وقد استعد الأمير أسنبغا الزردكاش، فحصن قلعة الجبل وشحنها بالغلال والزاد، ووسط الأمير قنباي، قريب الأمير الكبير بيبرس، ابن أخت السلطان، في ليلة الحادي والعشرين منه.
شهر صفر، أوله الجمعة: فيه مات يشبك العثماني خارج دمشق، من سهم أصابه في أمسه، فصلى عليه الأمير شيخ.
وفيه خلع السلطان الملك الناصر بدمشق على فخر الدين ماجد - المعروف بابن المزوق - ناظر الإسطبل، واستقر به في كتابة السر، عوضاً عن فتح الدين فتح الله. وقبض على ما كان لفتح الله بدمشق من خيل وجمال، فكان هذا أيضاً مما أعان به على نفسه، فإنه تأكد بذلك بعد ما بينه وبين فتح الله، وكشف له عن قناعه، وحسر عن ساعد الجد، ودبر عليه بمكايده وحيله، حتى هدم ما رسخ من ملكه، ونقض ما ثبت من أكيد سلطانه.
وفيه خلع أيضاً على الوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم بن البشري، وولاه نظر الخاص، عوضاً عن تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر، وخلع على ابن وزير بيته صاحب ديوان الجيش، واستقر به في نظر الجيش، عوضاً عن بدر الدين حسن بن نصر الله.
وفيه قدم إلى القاهرة قجقار القردمي في عشرين فارساً، فأراد الأمير أسنبغا أن يقبض عليه، فبادر الأمير يلبغا الناصري وأرسل طائفة من أجناده إلى لقائه، وشقوا به القاهرة، وأنزله ببيت الأمير تمراز، ورتب له ما يليق به، وقرأ ما على يده من الكتب، فاشتهر الخبر في البلد، وكثرت القالة بين الناس.
وفي ثالثه: وصل عشير البقاع مع ابن حنيش إلى دمشق، فقاتلوا المشاة قتالاً كبيراً، ورجعوا من الغد إلى الصالحية، فأفسدوا، ونهبوا ما قدروا عليه.
وفي خامسه: وصل بدر الدين حسن بن محب الدين عبد الله الطرابلسي - أستادار الأمير شيخ - من قلعة المرقب بالزردخاناة، فتقوي بها الأمير شيخ، وكان قد عمل مدافع، وكثيراً من النشاب، ونحوه من آلة الحرب.
وفي سادسه: دقت البشائر بقلعة دمشق، ونودي أنه قد وصلت أمراء التركمان - قرا يلك وغيره - ونواب القلاع لنجدة السلطان، فنودي بمعسكر الأمير شيخ - عن أمير المؤمنين - باستعداد العوام لقتال المذكورين، فإنهم مقدمة تمرلنك وجاليشه. ثم اجتمع الأمراء والمماليك السلطانية كلهم، وحلفوا بأجمعه يميناً ثانية لأمير المؤمنين، بأنهم يلتزمون طاعته، ويأتمرون بأمره، وأنهم راضون بأنه الحاكم عليهم، وأنه يستبد بجميع الأمور من غير أن يعارضه أحد في شيء، وأنهم لا يسلطوا أحداً غيره، وقبلوا كلهم له الأرض، ومضى كاتب السر فتح الله إلى الأمير نوروز بدار الطعم - حيث هو نازل - فحلفه على ذلك، وقبل الأرض لأمير المؤمنين، وقد استقبل جهته وأظهر من الفرح والسرور، باستبداد أمير المؤمنين بالأمر ما لا يوصف كثرة، وحمد الله تعالى على ذلك، وقال: حينئذ استقام لنا الأمر. وسأل كاتب السر أن ينوب عنه في تقبيل الأرض بين يديه، وسؤاله في أن ينفرد بالتدبير ولا يشارك في أمره الأمير شيخ، ولا هو، ولا غيره.
وفي ليلة الجمعة ثامنه: اشتد القتال إلى الغاية، واستمر من بعد العصر إلى ثلث الليل.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21