كتاب : السلوك لمعرفة دول الملوك
المؤلف : المقريزي

وعلى شهاب الدين أحمد بن أسد الكردي الطبرادار بولاية المنوفية، وعزل كزل المحمدي. وعلى علم الدين سليمان بن يوسف الشهرزوري الكردي، واستقر في ولاية مصر على عادته عوضاً عن ركن الدين عمر بن ممدود بن الكوراني.
وفي سادس عشرينه: وصل يلبغا الناصري من حلب، وأسنبغا من عند نعير، وأخبرا باجتماع الكلمة على الملك الناصر.
وتوجه أسندمر الخاصكي على خيل البريد لإحضار علاء الدين علي بن الطبلاوي من القدس، فورد في عدة البريد بأن نائب الشام استدعاه إلى دمشق، وأنه سار إليه.
وفي ثامن عشرينه: استقر تاج الدين عبد الله بن سعد الدين نصر الله بن البقري في نظر الإسكندرية، عوضاً عن فخر الدين ماجد بن غراب.
وفي تاسع عشرينه: أعيد نور الدين علي بن عبد الوارث البكري إلى حسبة مصر. وعزل شمس الدين محمد الشاذلي الإسكندراني.
؟شهر ذي الحجة، أوله الاثنين: ففي أوله: استقر بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد العينتابي الحنفي في حسبة القاهرة، عوضي.
وفي رابعه: صرف ابن قطينة من الوزارة باستعفائه، فخلع عليه، ورد إليه التحدث في أمر الكارم، كما كان قبل الوزارة. وخلع على فخر الدين بن غراب خلعة الوزارة، فصار إليه والي أخيه سعد الدين إبراهيم أمر الدولة.
وفيه فرق السلطان الأضاحي بالدودار من القلعة، على العادة في كل سنة.
وخلع على القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب.
وحضر على البريد جاني بك اليحياوي نائب قلعة دمشق، ومعه نسخة يمين الأمير تنم نائب الشام بإقامته على الطاعة، وأنه يريد من الأمراء الحلف ألا يغيروا عليه ولا يؤذوه، فحلف الأمير أيتمش بحضرة القضاة، وحلف له أيضاً جميع الأمراء، وعاد جاني بك بنسخ الأيمان على البريد.
وفي سابعه: وهو سادس عشر مسري سنة ألف وست عشرة، من تاريخ القبط أوفى النيل ستة عشر ذراعاً، فنزل الأمير فارس حاجب الحجاب وخلق المقياس، وفتح الخليج على العادة.
وفي ثالث عشره: ورد الخبر بأن ابن عثمان ملك الروم أخذ الأبلستين، وعزم أن يمشي على البلاد الشامية، فطلب الأمراء والقضاة وأرباب الدولة إلى القصر السلطاني في يوم الاثنين خامس عشره، وقرئ عليهم كتب تتضمن أن ابن عثمان ملك الروم بعث أخاه عليا بالعساكر، وأنه أخذ ملطة والأبلستين، وفر منه صدقة بن سولي، فتسلمها في ثامن عشرين ذي القعدة، وأنه محاصر درندة، فوقع الاتفاق على المسير إلى قتاله، وتفرقوا، فأنكر المماليك السلطانية صحة ذلك، وقالوا " هذا حيلة علينا حتى نخرج من القاهرة فقط " وعينوا سودون الطيار أمير أخور لكشف هذا الخبر.
وفيه أعيد شمس الدين محمد الأخناي إلى قضاء دمشق وعزل أصيل الدين محمد بن عثمان الأشليمي، فكانت ولايته نحو مائة يوم.
وفي ثامن عشره: قدم أسندمر وأخبر أن ابن الطبلاوي ترك لبس الأمراء وتزيا بزي الفقراء، وجاور بجامع بني أمية، واستجار بالمصحف العثماني، وامتنع من الحضور إلى مصر، وأن نائب الشام قال: " هذا رجل فقير، وقد قنع بالفقر اتركوه في حاله " ، فتركه.
وفيه سار سودون الطيار على خيل البريد لكشف الأخبار، فدخل دمشق في العشرين منه. وأخرج مرسوم السلطان بتجهيز عساكر الشام إلى بلاد ابن عثمان، فنودي في البلد بذلك، وتوجه إلى حلب.
وفي هذا الشهر: أبطل السالمي تعريف منية بنى خصيب، وضمان العرصة وأخصاص الغسالين، وكتب بذلك مرسوماً سلطانياً بعثة إلى الأشمونين نودي بإبطال ذلك في سواحل البلاد، وفي منية بني خصيب، ونقش على باب جامعها فبطلت هذه المظالم.
وأبطل أيضاً وفر الشون السلطانية، وكان في كل سنة آلافاً من الأرادب وأبطل المقرر على البردار وهو في كل شهر سبعة آلاف درهم، والمقرر على مقدم المستخرج وهو ثلاثة آلاف درهماً في كل شهر.
وأبطل ما كانت السماسرة في الغلال تأخذه من المبتاعين، وهو عن كل أردب درهمين. وكتب عليهم ألا يأخذوا عن كل أردب سوى نصف درهم.
وفي سابع عشرينه: استقر قطلوبغا التركماني الخليلي في ولاية الشرقية على عادته. وعزل أرغون، واستقر صارم الدين إبراهيم بن محمود والي أشموم طناح. وعزل قطلوبغا الجنتمري.

وأما نائب الشام فإنه لما استولى على قلعة دمشق، وصل إليه في سادس عشر ذي القعدة شخص ادعى أنه فداوى، بعثه الأمير أيتمش ليقتله وأحضر سكيناً بدار السعادة، فوصله بمال وصرفه؛ فتحدث الناس أن هذه مكيدة ومقدمة لإظهار الخلاف، وأخذ النائب يسب أيتمش في مجلسه. ويظهر الخلاف عليه. فلما قدم الأمير جاني بك اليحياوي دمشق على نيابة القلعة لما يمكنه منها، ورده ومعه سونج بغا - أحد مماليكه - ليحلف الأمراء فحلفا الأمراء، وعادا إليه في نصف ذي الحجة، ومعهما تشريف، فلبسه إلى دار السعادة، ونزعه عنه، وألبسه الذي قدم به عليه. ودافع جاني بك عن القلعة وأعاد مملوكه سونج بغا إلى مصر. وبعث إلى قلعة الصبيبة، فأفرج عن أقبغا اللكاش وألجى بغا الحاجب، وخضر الكريمي، واستدعاهم إلى دمشق فقدموا عليه في ثاني عشرين ذي الحجة، وأنزلهم بدار السعادة.
ومات في هذه السنة من الأعيانقاضي القضاة عماد الدين أحمد بن عيسى بن موسى بن عيسى بن سليم بن جميل الأزرقي العامري الكركي الشافعي، بالقدس في سادس عشرين ربيع الأول.
ومات أمير حاج بن مغلطاي أحد الأمراء ونائب الإسكندرية بدمياط في ربيع الأول.
ومات أرغون شاه الإبراهيمي نائب حلب بها، في صفر، ليلة الخامس والعشرين منه، فكانت جنازته عظيمة جداً؛ لأنه كان أظهر من العدل بحلب أمراً كبيراً.
اتفق أنهم اكتروا لديوانه جمالاً لنقل الملح، فأخذت سرية من العرب الجمال؛ فأحضر أربابها، وجعل بعلي من حلف، قيمة جمله التي يحلف عليه. وهذا غريب في زماننا وقيل إنه مات مسموماً. كان أولاً خازنداراً، ثم ولي نيابة صفد ثم طرابلس ثم حلب. ومات بكلمش العلاي أمير سلاح، وأمير مجلس بالقدس، في صفر.
ومات تمان بغا الحسني، نائب حمص.
ومات الأمير حسام الدين حسن بن علي الكجكني، أحد أمراء الطبلخاناه في رابع رجب.
ومات الشيخ المقرئ المعتقد خليل بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الجليل، ويعرف بابن المشبب، في سادس عشرين ربيع الأول.
ومات شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي الحنفي، في ليلة الأحد تاسع عشرين ربيع الآخر. وكان من فضلاء الحنفية، درس في عدة فنون وناب في الحكم بالقاهرة.
وَمات الأديب علاء الدين علي بن أيبك الدمشقي بها، في ثاني عشرين ربيع الأول. ومات العارف شمس الدين محمد بن أحمد بن علي، عرف بابن نجم الصوفي بمكة في صفر، وقد جاور عدة سنين بمكة.
ومات الخليفة المستعصم بالله زكريا بن إبراهيم بن محمد بن أحمد الحاكم، وهو مخلوع، في رابع عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير شيخ الصفوي بقلعة المرقب، مسجوناً.
ومات الطواشي صندل المنجكي في ثالث رمضان.
ومات الأمير صرغتمش المحمدي نائب الإسكندرية، في ثالث عشر جمادى الأولى. ومات الأمير كمشبغا الحموي بسجن الإسكندرية، في ثامن عشرين رمضان.
ومات الملك المنصور محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون . وهو مسجون بقلعة الجبل، في تاسع المحرم.
ومات قاضي القضاة ناصر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن التنسي المالكي، وهو قاضي أول شهر رمضان.
ومات بدر الدين محمود بن عبد الله الكُلُسْتاني السراي كاتب السر وهو متول، في عاشر جمادى الأولى.
ومات الأمير قديد أحد الأمراء ونائب الإسكندرية، وهو منفي في رابع ربيع الآخر بالقدس.
ومات أحمد بن عبد اللّه الزهوري في أول صفر، وكان شيخاً عجمياً ذاهب العقل للسلطان فيه اعتقاد كبير.
ومات الأمير أزدمر دوادار السلطان، وهو أمير.
//سنة اثنتين وثمانمائة أهل المحرم بيوم الأربعاء، وهو خامس توت: والأردب القمح بأربعين درهماً والشعير بخمسة وعشرين درهماً، والفول بسبعة وعشرين، والدينار المصري بثلاثين درهماً، والدينار الإفرنتي بخمسة وعشرين درهماً.
وفي ثانيه: استقر جمال الدين محمد بن عمر الطنبدي في حسبة القاهرة، وصرف البدر محمود العين تابي. واستقر الأمير حاج بن أيدمر وإلى البهنسا وصرف حيواط السيفي.
وفي سادسه: استقر الشريف الأمير علاء الدين على البغدادي وإلى دمياط في وظيفة شد الدواوين، عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن حسن بن خاص بك المعروف بابن خاص ترك البريدي وكان الملك الظاهر بعثه إلى بلاد الشام لتحصيل الأموال والأغنام.

فلما مات الملك الظاهر عوقه الأمير تنم نائب دمشق. وكان قد جمع كثيراً من الأغنام والأموال.
وفي سابعه: قبض على أمير حاج بن بيدمر وسجن. وذلك أنه كان يلي الفيوم أيام الأمير منطاش، فحبس عنده الأمير تمرباي الحسني حاجب الحجاب، والأمير قرابغا العمري أمير مجلس، والأمير أردبغا العثماني، والأمير يونس الأسعردي، والأمير طغاي تمر الجركتمري، والأمير قازان المنجكي، والأمير تنكز العثماني، والأمير عيسى التركماني، فبعث إليه الأمير صراي دوادار الأمير منطاش بقتلهم في السجن، فألقي عليهم حائطاً قتلهم، واحضر قاضي الفيوم، وكتب محضراً بأنهم ماتوا تحت الردم.
فلما انقضي تحكم منطاش، وعاد الظاهر برقوق ، هرب من الخوف مدة حياة الظاهر. فلما مات الظاهر برقوق تعلق بخدمة الأمير تغري بردى أمير سلاح، حتى استقر بشفاعته في ولاية البهنسا، كما تقدم.
وكانت ابنة الأمير تمرباي الحسني تحت تغري بردى، فعرفها مماليك أبيها بأنه قاتل أبيها، فما زالت بزوجها حتى قبض عليه، وسجنه بخزانة شمايل، واستقر عوضه الأمير ناصر الدين محمد الضاني.
وفي ثامنه: أحضر الأمير يلبغا السالمي أوناط اليوسفي كاشف الوجه البحري. وضربه عريا بالمقارع والعصي معاً، من أجل أنه أخرق برسوله. واستقر عوضه علاء الدين على بن طرنطاي في تاسعه.
وفي سادس عشره: استقر جمال الدين يوسف بن قطلوبك - صهر ابن المزوق - في ولاية الغربية. وصرف علاء الدين على الحلبي.
وفي سابع عشره: أطلق الأمير تنم نائب الشام من سجن الصبيبة الأمير ألجبغا والأمير خضر. وقدم دمشق وأطلق الأمير آقبغا اللكاش أيضاً.
وفي ثامن عشره: استقر علاء الدين ألطنبغا وإلى العرب نائب الوجه القبلي، وصرف علاء الدين على اليلبغاوي.
وورد الخبر بنزول ابن عثمان على ملطية ومحاصرتها، وبها الأمير جمق من الظاهرية. وأن العشير ببلاد الشام كانت بينهم فتن وحروب، قتل فيها آلاف. وكان من خبر أبي يزيد بن عثمان أن القاضي برهان الدين صاحب سيواس لما قتل، كتب أهل سيواس إلى ابن عثمان يستدعوه، فسار إليهم من فوره على عسكر كبير وملكها، وأقام عليها ابنه سلمان ثم مضي إلى أرزنجان، ففر منه طهر ابن حاكمها إلى تيمورلنك، فأخذ ابن عثمان ماله، وأفحش في حريمه بتمكين سواسه منهن، وعاد إلى مملكته.
وفي تاسع عشره: استقر القاضي نور الدين علي بن الشيخ سراج الدين عمر بن الملقن في إفتاء دار العدل، مضافاً لمن بها.
وفي عشرينه: استقر المقدم محمد بن عبد الرحمن مقدم الدولة، وصرف الحاج زين الدين عمر بن صابر ورفيقه علي البديوي وقبض عليهما.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشرينه: ركب الملك الناصر من قلعة الجبل ومعه الأمير الكبير أيتمش وسائر الأمراء إلى تربة أبيه، وشق القاهرة من باب النصر إلى باب زويلة، وصعد القلعة. وهذه أول ركباته بعد السلطنة.
وفيه دخل المحمل والحاج، وشكوا من المشقة بشدة الحر وموت الجمال، وأن الشريف حسن بن عجلان أمير مكة، شكا إلى الأمير شيخ المحمودي أمير الحاج من الأمير بيسق أمير الرجبية، والمتحدث في عمارة الحرم. وأن العبيد هموا غير مرة بقتله لثقله عليهم، فاستدعاه واصلح بينه وبينهم، وأقام بمكة ليتم عمارة الحرم، وأن الأمير شيخ لما وصل إلى ينبع، وهو عائد، نادي في الحاج من كان فقيراً فليحضر إلى خيمة الأمير يأخذ عشرة دراهم وقميصاً فاجتمع عنده عدة من الفقراء، فقبض عليهم وسلمهم إلى أمير ينبع، وأمره أن ينزلهم في مراكب بالبحر ليسيروا إلى الطور، ورحل بالحاج من فوره، فتأخر الفقراء بينبع.
وفي ليلة الجمعة رابع عشرينه: أفرج الأمير تنم نائب الشام عن الأمير جلبان من سجنه بقلعة دمشق.
وفي خامس عشرينه: استقر علاء الدين أقبغا الزيني المزوق في ولاية الفيوم وكشفها، وكشف البهنساوية والأطفيحية، وصرف طيبغا الزيني من ولاية الفيوم.
شهر صفر، أوله الخميس: وفيه خلع على الأمير شهاب الدين أحمد بن أسد الهذباني الكردي الطبردار لولاية المنوفية، وعزل اقبغا البشتكي.
وفيه ركب الأمير تنم نائب الشام في موكب جليل بدمشق، وركب معه الأميران جلبان وأقبغا اللكالش. وفيه كتب الأمير تنم إلى النواب يدعوهم إلى موافقته، فلم يجبه نائب حلب، ولا نائب حماة.
وفي ثالثه: استقر شهاب الدين أحمد الطرخاني والي مصر، وصرف علم الدين سليمان الشهرزوري.

وفي سادسه: استقر بهاء الدين أرسلان والي العرب المعزول من ولاية القاهرة في نيابة الوجه البحري.
وعزل علاء الدين علي بن مسافر. وقبص على الوزير بدر الدين محمد بن الطوخي، وعلى ابنه سليمان، وسلما إلى الشريف شاد الدواوين فضربهما، وعصر الوزير على مائة ألف درهم، تأخرت للأمير الكبير أيتمش في أيام مباشرته، من ثمن اللحم المرتب له على الدولة، فأوردا ثلاثة وثمانين ألفاً، وضمنهما شرف الدين محمد بن الدماميني، والمهتار عبد الرحمن في مبلغ سبعة عشر ألفا، وأفرج عنهما، فهربا، وغرما ذلك من مالهما.
وفيه استقر علاء الدين طيبغا الزيني في ولاية الفيوم على عادته، وعزل أقبغا المزوق. وفيه قبض الأمير تنم نائب الشام على الأمير شهاب الدين أحمد بن خاص ترك شاد الدواوين، وأخذ جميع ما جمعه من الأغنام والأموال، وفوض أمر أستادارية الشام إلى الأمير علاء الدين الطبلاوي.
وفي خامس عشره: أعيد شمس الدين محمد الشاذلي إلى حسبة مصر، وصرف نور الدين على البكري.
وفي خامس عشرينه: أحضرت جثة الأمير كمشبغا الحموي من الإسكندرية إلى تربته خارج باب المحروق.
وفي هذا الشهر: تحركت الأسعار بالقاهرة. وذلك أن الظاهر لما مات كان أعلى سعر: القمح كل إردب بخمسة وعشرين مما دونها، والشعير كل أردب من خمسة عشر درهماً إلى ما دون ذلك، فأصبح في يوم السبت التالي لدفن الملك الظاهر كل إردب من القمح بأربعين درهماً من غير سبب. ودام ذلك حتى بلغت زيادة النيل في نصف المحرم من هذا العام - وهو سابع عشر توت - ثمانية أصابع من تسعة عشر ذراعاً، وهبط عقيب ذلك أصابع.
فلما انقضي شهر توت انحط الماء، وتزايد السعر من أربعين درهماً الإردب القمح حتى بلغ ستين درهماً. وبلغ الأردب من الشعير والفول إلى خمسة وثلاثين، بعد خمسة وعشرين، والحملة من الدقيق - وهي زنة ثلاثمائة رطل بالمصري - مائة درهم، والخبز أربعة أرطال بدرهم. وارتفع سعر غالب المأكولات.
وفي آخره أبيع الرغيف بثمن درهم، زنته سبع أواقي.
وفيه أيضاً: تزايد الاختلاف بين الأمراء والخاصكية، وكثر نفور الخاصكية من الأمير أيتمش، وظنوا به وبالأمراء أنهم قد مالوا إلى نائب الشام. واتفقوا معه على إفناء المماليك بالقتل والنفي، فتخيل الأمراء منهم، واشتدت الوحشة بين الطائفتين. وتعين من الخاصكية سودون طاز، وسودون بن زاده، وجركس المصارع، ووافقوا الأمير يشبك، فصاروا في عصبة قوية وشوكة شديدة وشرع كل من الأمراء والخاصكية في التدبير، والعمل على الآخر.
وأما أمر الأمير تنم نائب الشام فإنه لما عاد إليه مملوك سونج بغا من مصر، في ثالث عشر المحرم، ومعه مرسوم شريف بتفويض أمور البلاد الشامية إليه، وأن يطلق من شاء من الأمراء المحبوسين. أطلق الأمير جلبان من قلعة دمشق في ليلة الجمعة رابع عشرينه، وأطلق الأمير أزدمر أخا أينال، ومحمد بن أينال من طرابلس، واحضرهما إلى دمشق. وبعث إلى نواب البلاد يدعوهم إلى القيام معه، فأجابه يونس الرماح نائب طرابلس وألطبغا العثماني نائب صفد، وأقبغا الأطروش نائب حلب.
وامتنع من إجابته الأمير دمرداش المحمدي نائب حماة. وبعث تنم إلى نائب طرابلس أن يجهز شينيا إلى ثغر دمياط ليحمل فيه الأمير نوروز الحافظي وغيره من الأمراء المسجونين. فبادر ناصر الدين محمد بن بهادر المؤمني، فتسلم برج الأمير الكبير أيتمش بطرابلس، وركب البحر إلى دمياط، وقدم إلى قلعة الجبل، وأخبر بذلك. فكتب على يده عدة كتب ملطفات إلى الأمير قرمش حاجب طرابلس، وغيره من القضاة والأعيان، بأن قرمش الحاجب يثب على يونس الرماح، نائب طرابلس ويقتله، ويلي مكانه، فسار بذلك. واتفق أن يونس الرماح قبض على قرمش الحاجب وقتله، قبل وصول ابن بهادر. واستدعي نائب الشام بالأمير علاء الدين على بن الطبلاوي، وأقامه متحدثاً في أمور الدولة، كما كان بديار مصر، وسلم إليه شهاب الدين أحمد بن خاص ترك شاد الدواوين في ثامن صفر هذا، فأخذ منه ما جمعه من الأموال السلطانية.

ثم إنه حلف الأمراء في ثاني عشره على أن يكونوا معه، وتأهب للمسير إلى حلب، وأخذ ابن الطبلاوي في طلب أرباب الأموال بدمشق، وطرح عليهم السكر الحاصل من الأغوار، فضر الناس كلهم، بحيث أنه طرح ذلك على الفقهاء ونقباء القضاة وأهل الغوطة. فتنكرت القلوب على النائب بهذا السبب، وكثر الدعاء عليه. وأظهر الأمير جنتمر نائب حمص الخلاف على تنم. وقدم البريد من حلب إلى قلعه الجبل في حادي عشرينه أن نائب حلب ونائب حماة، ونائب حمص، باقون على الطاعة، وان تنم نائب دمشق خرج عن الطاعة، وأطلق من السجن الأمير جلبان، والأمير أقبغا اللكاش، والأمير أحمد بن يلبغا والأمير أزدمر أخا إينال، والجبغا الجمالي، وخضر الكريمي، فتحقق أهل الدولة حينئذ صحة ما كان يشاع من عصيان تنم، وصرح الخاصكية بأن الأمير أيتمش قد وافقه على ذلك في الباطن، وتحرزوا منه.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشرينه: كسفت الشمس، قبل العصر.
شهر ربيع الأول، أوله السبت: فيه وجه الأمير تنم نائب الشام عسكرا إلى غزة مع الأمير آقبغا اللكاش.
وفي ثالثه: أخرج عسكرا إلى حلب مع الأمير جلبان.
وفيه قبض على بتخاص، وسجن بقلعة دمشق.
وفي يوم الخميس سادسه: استدعي الملك الناصر فرج بالأمير الكبير أيتمش إلى القصر، وقال له: يا عم، أنا قد أدركت، وأريد أن أترشد. وكان هذا قد بيته معه الأمير يشبك، والأمير سودون طاز، فيمن معهما من الخاصكية، ليستبد السلطان، ويحصل لهم الغرض في أيتمش والأمراء، ويمتنع أيتمش من تصرف السلطان، فينفتح لهم باب إلى القتال، ومحاربة أيتمش والأمراء. فأجاب أيتمش السلطان بالسمع والطاعة، واتفق مع الأمراء والخاصكية على ترشيد السلطان، وأن يمتثل سائر ما يرسم به. واستدعي في الحال الخليفة، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، وقضاة القضاة وقضاة العساكر، ومفتو دار العدل، وكاتب السر، وناظر الجيش، وغيره ممن عادته حضور المجالس السلطانية. وادعي القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الجيش والخاص على الأمير أيتمش بأن السلطان قد بلغ راشداً. وأشهد عدة من الأمراء الخاصكية بذلك، فحكم القضاة برشد السلطان، وخلع على الخليفة وشيخ الإسلام، وقضاة القضاة، ومن حضر من بقية القضاة والفقهاء، وعلى الأمير أيتمش. ونزل أيتمش إلى داره التي كان يسكنها في الأيام الظاهرية ونقل سائر ما كان له بالإصطبل السلطاني وللحال دقت البشائر، ونودي في القاهرة ومصر بالزينة والدعاء للسلطان، فزينتا.
وفي هذا اليوم: عمل السلطان المولد النبوي على عادة أبيه، وحضر معه الأمراء والقضاة ومن عادته الحضور.
وفيه خرج الأمير تنم نائب دمشق منها إلى نحو حلب. وعمل نائب الغيبة الأمير أزدمر أخا أينال. وافترق من يومئذ العسكر فريقان، فرقة مع أيتمش وفرقة مع يشبك. وانقطع يشبك بداره، وأظهر أنه مريض، فتخيل أيتمش ومن معه من الأمراء وظنوا أنها من يشبك حيلة، حتى إذا دخلوا لعيادته قبض عليهم، فلزم كل منهم داره، واستعد. وأخلد أيتمش إلى العجز، وأعرض عن إعمال الرأي والتدبير. وكان قد تبين منذ مات الظاهر عجزه وعدم أهليته للقيام بالأمر.
فلما كان ليلة الاثنين عاشره: أشيع من العصر ركوب العساكر للقتال، وماج الناس، وكثرت حركاتهم، فلم يدخل الليل حتى لبس أيتمش. ممن معه آلة الحرب. وملك أيتمش الصوة تجاه باب القلعة، وأصعد عدة من المقاتلة إلى عمارة الأشرف تجاه الطبلخاناه، ليرموا على من فيها ومن يقف على باب القلعة.
و لم يخرج يشبك من بيته. وأخذ الأمير فارس حاجب الحجاب رأس الشارع الملاصق لباب مدرسة السلطان حسن، ليقاتل من يخرج من باب السلسلة. وأخذ الأمير تغري بردي أمير سلاح، والأمير أرغون أمير مجلس رأس سويقة منعم تجاه القصر. وركب الأمير يشبك الخازندار، والأمير بيبرس الدوادار إلى القلعة. ودقت بها الكوسات الحربية. ولبست المماليك السلطانية. ولحق بهم من الأمراء سودون طاز وسودون المارديني، ويلبغا الناصري، وبكتمر الركني، وأينال باي بن قجماس، ودقماق المجدي نائب ملطية.

ووقعت الحروب بين الفريقين من وقت العشاء الآخرة إلى السحر. وقد نزل السلطان من القصر إلى الإصطبل، فاشتد قتال المماليك السلطانية، وثبت لهم الأمير فارس، وكاد يهزمهم لولا ما كادوه من أخذ مدرسة السلطان حسن، ورميه من أعلاها إلى أن هزموه، وأحاطوا بداره، وهزموا تعري بردى وأرغون شاه، بعدما أبلى تغري بردى بلاءاً كثيراً، وأحاطوا بدورهما، فصار الجميع إلى أيتمش. وقد امتدت الأيدي إلى دورهم فنهبوا ما فيها، فنادي أيتمش بالقاهرة وظواهرها: من قبض مملوكاً جركسيا من المماليك السلطانية، وأحضره إلى الأمير الكبير أيتمش يأخذ عرية " فحنقوا من ذلك، وفارقه من كان معه من الجراكسة، وصاروا إلى جهة السلطان، ومالوا بأجمعهم على أيتمش، فإنهزم. ممن بقي معه وقت الظهر من يوم الاثنين يريدون جهة الشام، وانهزم معه من الأمراء الألوف أرغون شاه أمير مجلس، وتغري بردي أمير سلاح، وفارس حاجب الحجاب ويعقوب شاه الحاجب. ومن الطلخاناه ألطنبغا شادي، وشادي خجا العثماني، وتغري بردى الجلباني وبكتمر. جلق الناصري، وتنكر بغا الحططي، وأقبغا المحمودي الأشقر، وعيسي فلان وإلى القاهرة. ومن أمراء العشرينات أسندمر الأسعردي، ومنكلي بغا العثماني، ويلبغا الظريف من خجا علي. ومن أمراء العشرات خضر بن عمر ابن بكتمر الساقي، وخليل بن قرطاي شاد العمائر، وعلى بن بلاط الفخري، وبيرم العلاي، وأسنبغا المحمودي، ومحمد بن يونس النوروزي، وألجي بغا السلطاني، وتمان تمر الأشقتمري، وتغري بردى البيدمري، وأرغون السيفي، ويلبغا البلشون المحمودي، وباي خجا الحسني، وأحمد بن أرغون شاه الأشرفي، ومقبل أمير حاجب، وناصر الدين محمد ابن علاء الدين على بن كلفت نقيب الجيش، وخايربك بن حسن شاه، وجوبان العثماني، وكزل العلاي، ويدي شاه العثماني، وكمشبغا الجمالي، وألطنبغا الخليلي، وألطنبغا الحسني، في تتمة نحو الألف. فمروا بالخيول السلطانية في ناحية سرياقوس، فأخذوا من جيادها نحو المائة، وساروا إلى دمشق.
وتجمع من المفسدين خلائق، ونهبوا مدرسة أيتمش، وحفروا قبر ولده الذي بها، وأحرقوا الربع المجاور لها من خارج باب الوزير، فلم يعمر بعد ذلك. ونهبوا جامع أقسنقر، واستهانوا بحرمة المصاحف. ونهبوا مدرسة السلطان حسن، وأتلفوا عدة من مساكن المنهزمين، وكسروا حبس الديلم وحبس الرحبة، وأخرجوا المسجونين.
وقتل في هذه الواقعة من الأمراء قجماس المحمدي شاد السلاح خاناه من أمراء العشرات، وقرابغا الأسنبغاوي، وينتمر المحمدي من الأمراء الألوف. واختفي ممن كان معه مقبل الرومي الطويل أمير جاندار، وكمشبغا الخضري فندب السلطان في طلب المنهزمين بكتمر الركني ويلبغا الناصري، وأقبغا الطرنطاي من أمراء الألوف، وأسنبغا الدوادار من الطبلخاناه، وباشا باي بن باكي، وصوماي الحسني من العشرات، في خمسمائة من المماليك السلطانية، فلم يدركوهم، وعادوا.
وفي حادي عشره: استقر قرابغا مغرق في ولاية القاهرة، عوضاً عن عيسي فلان، فنودي بين يديه أن من أحضر أميراً من أصحاب أيتمش أخذ ألف دينار.
وفي ثاني عشره: استقر في ولاية القاهرة بلبان من المماليك السلطانية، عوضاً عن مغرق، فإنه مات من جراحة كانت به، ونزل بالخلعة إلى القاهرة، فمر من باب زويلة يريد باب الفتوح، وعبر راكباً من باب الجامع الحاكمي، وهو ينادي قدامه، فإذا بالأمير شهاب الدين أحمد بن عمر بن الزين قد جاء إلى نحو باب النصر وهو ينادي بين يديه أيضاً. فلما التقيا وافي الطواشي شاهين الحسني، ومعه خلعة ألبسها لابن الزين، فبطل أمر بلبان، وتصرف ابن الزين في أمور الولاية، ونودي بالكف عن النهب، وهدد من ظفر به من النهابة، فسكن الحال.
وفي ثالث عشره: خلع على أسندمر العمري بنقابة الجيش، وعلى ناصر الدين محمد ابن ليلي بولاية مصر، وعزل الشهاب أحمد الطرخاني.
وفي رابع عشره: قبض على الأمير مقبل الرومي أمير جاندار من منزله، ونهب ما وجد له.

وأما تنم فإنه وجه الأمير آقبغا اللكاش في عدة من الأمراء والعساكر إلى غزة فساروا من دمشق في أوله، وتبعتهم أطلاب أمراء دمشق. وخرجوا منها في ثالثه، وعليهم الأمير جلبان، ومعه الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ علي، وطيفور حاجب الحجاب بدمشق، ويلبغا الأشقتمري، وصرق الظاهري مساروا إلى حلب. وقبص الأمير تنم على الأمير بتخاص، وموسي التركاني، وحبسهما بقلعة دمشق، من أجل أنه اتهمهما بالميل مع أهل مصر.
ثم خرج تنم من دمشق فيمن بقي معه في سادسه، يريد حلب، وجعل الأمير أزدمر أخا إينال نائب الغيبة، فوصل إلى حمص واستولي عليها، وأقام فيها من يثق به. وتوجه إلى حماة. ووافاه يونس الرماح نائب طرابلس، ومعه عسكر طرابلس، فامتنع دمرداش المحمدي نائب حماة وقاتل تنم قتالاً شديداً، وقتل من أصحابه نحو الأربعة، و لم يقدر عليه تنم فأتاه الخبر على حماة بقيام أهل طرابلس.
وذلك أنه لما قرب محمد بن بهادر المؤمني من طرابلس بعث. كلا معه من الملطفات لأربابها، فوصلت إليهم قبل قدومه. ثم وصل. ممن معه في البحر، فظنه نائب الغيبة من الفرنج، فخرج إليه في نحو ثلاثمائة فارس من أجناد طرابلس فتبين له أنه من المسلمين، فقاتلهم على ساحل البحر حتى هزمهم إلى برج أيتمش، فأصبح الذين أتتهم الملطفات، نادوا في العامة بجهاد نائب الغيبة، نصرة لابن بهادر. وأفتاهم فقهاء البلد بذلك. ونهبت دار نائب الغيبة، وخطب خطيب البلد بذلك فتسرعت العامة إلى النهب، فانهزم نائب الغيبة إلى حماة، وأعلم الأمير تنم بذلك فبعث بالأمير صرق على عسكر إلى طرابلس، فقاتله أهلها قتالاً شديداً مدة تسعة أيام، ودفعوه عنها.
وفي أثناء ذلك ورد على الأمير تنم خبر واقعة الأمير أيتمش، وأنه وصل إلى غزة ونزل بدار النيابة، فأذن بدخوله ومن معه إلى دمشق، ورجع من حماة بالعساكر، وقد عجز عنها، فدخل دمشق، في خامس عشرينه، وأرسل يونس الرماح نائب طرابلس في عسكره ومن انضم إليه من أمراء دمشق، وهم: ألجي بغا الحاجب، وخضر الكريمي، في طائفة إلى طرابلس فدخلوا، وانهزم ابن بهادر إلى البحر، فركبه، ومعه القاضي شرف الدين مسعود الشافعي قاضي طرابلس يريدون القاهرة. ونهب يونس الرماح أموال الناس كافة، وفعل ما لا تفعله الكفار. وقتل نحو العشرين رجلاً من المعروفين، منهم الشيخ المفتي جمال الدين بن النابلسي الشافعي، والخطيب شرف الدين محمود، والمحدث القاضي شهاب الدين أحمد بن الأذرعي المالكي، والقاضي شهاب الدين الحنفي، وموفق الدين الحنبلي. وقتل من العامة ما يقارب الألف وصادر الناس مصادرة كبيرة، وأخذ أموالهم. وكانت هذه الكائنة في الخامس عشر منه.
وفي سادس عشره: عرض السلطان الملك الناصر المماليك، ففقد منهم مائة وثلاثين، انهزموا مع أيتمش.
وفيه قبض على الأمير بكتمر جلق، وتنكر بغا الحططي رأس نوبة، وقرمان المنجكي، وكمشبغا الخضري، وخضر بن عمر بن بكتمر الساقي، وعلى بن بلاط الفخري، وأسنبغا المحمدي، ومحمد بن يونس النوروزي، وألجبغا السلطاني، وأرغون السيفي، وأحمد بن أرغون شاه الأشرفي، وناصر الدين محمد بن على بن كلفت نقيب الجيش، وألطنبغا الخليلي، وسجنوا. ثم أفرج عن قرمان، وخضر، وابن يونس، وابن كلفت وألطنبغا وحمل إلى الإسكندرية منهم مقبل الرومي، وبكتمر جلق، والحططي، وابن بلاط، وأسنبغا وألجبغا، وأرغون، وأحمد بن أرغون شاه. وتأخر بالقلعة كمشبغا الخضري، وإياس الخاصكي.
وفيه استدعي السلطان الأمير سودون أمير أخور، والأمير تمراز من الإسكندرية، والأمير نوروز من دمياط فسارت القصاد لإحضارهم.
وفي سابع عشره: استقر موفق الدين أحمد بن قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله الحنبلي في قضاء القضاة الحنابلة بالقاهرة ومصر، بعد وفاة أخيه قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم. واستقر علاء الدين أقبغا المزوق في ولاية الفيوم وكشفها، وكشف البهنساوية، والأطفيحية، وعزل طيبغا الزيني، وطلب، فهرب. واستقر أيضاً يلبغا الزيني وإلى البهنسا، وعزل الضاني.
وفي عشرينه: وصل الأمير نوروز من دمياط، والأمير سودون، والأمير تمراز من الإسكندرية إلى القلعة. وقبلوا الأرض للسلطان، ونزلوا إلى دورهم. وكتب إلى الأمير تنم نائب الشام بدخوله في الطاعة. وفي آخره: قدم الأمير بيسق من مكة.

وفي هذا الشهر: ارتفعت أسعار المأكولات والمشروبات والملبوسات.
وبلغ سعر الرطل من لحم الضاد درهمين، ومن البقر درهم وثمن، والأردب القمح إلى سبعين درهما، ثم نزل إلى خمسين.
شهر ربيع الآخر، أوله الأحد: في ثانيه: استقر الأمير أقباي الطرنطاي بن حسين شاه حاجب الحجاب. والأمير دقماق المحمدي حاجب رأس الميسرة.
وفي ثالثه: استقر كل من الأمير اسنبغا العلاي الدوادار، والأمير قماري الأسمبغاوي وإلى باب القلة ومنكلي بغا الصلاحي الدوادار وسودون المأموري حاجباً. واستقر تمربغا المحمدي نائب القلعة.
وفي خامسه: قدم الأمير أيتمش. ممن معه إلى دمشق، فخرج الأمير تنم إلى لقائه، وبالغ في إكرامه وإكرام من معه، وقدم إليهم تقادم جليلة. وخير في الإقامة، فاختار النزول بالميدان، وسكني القصر الأبلق، فأقام. وعظم شأن تنم بقدوم أيتمش عليه، وأطاعه من خالف عليه.
وفي ثامنه: قدم عليه كتاب الملك الناصر بمسك أيتمش ومن معه وقدومه إلى مصر، فأحضر الكتاب وحامله إلى عند أيتمش، وأعلمه بذلك. ثم جهز أيتمش وتغري بردى قصادهما إلى نائب حماة، ونائب حلب، بدعواهما إلى ما هم عليه، فأجابا بالسمع والطاعة.
وكان الأمراء بمصر قد اتفقوا أن يكون الأمير بيبرس الدوادار أتابك العساكر، فأقاموه صورة بلا معنى. وأنعم على نوروز بإقطاع تغري بردى، وعلى تمراز بإقطاع أرغون شاه، وعلى سودون أمير أخور بإقطاع فارس. وعلى دقماق بإقطاع يعقوب شاه، وعلى الأمير الكبير بيبرس بإقطاع أيتمش، إلا النحريرية، ومنية بدران، وطوخ الجبل، فامتنع من قبوله وغضب، وأنعم بإقطاع بيبرس على بكتمر الركني، وبإقطاع بكتمر على دقماق، وبإقطاع دقماق - الذي كان باسم يعقوب شاه - على جركس المصارع القاسمي، واستقر أمير طبلخاناه.
وأنعم على كل من كزل بغا الناصري، وقماري الأسنبغاوي، وشاهين من شيخ إسلام، وشيخ السليماني، وباشا باي من باكي، وتمربغا، وحبك من عوض، وصوماي الحسني، وتمر، وأينال حطب، وقاني باي العلاي بإمرة طبلخاناه. وعلى كل من بردي بك العلاي، وسودن المأموري، وألطبغا الخليلي، واجترك القاسمي، وكزل المحمدي، وبيغان الأينالى بإمرة عشرين، وعلى كل من أزبك الرمضاني، والطبرس العلاي، وأسندمر العمري، وقرقماس السيفي، ومنكلي بغا الصلاحي، وأقبغا الجوهري، وطيبغا الطولوتمري، وقاني باي بن باشا، ودمرداش الأحمدي، وأقباي السلطاني، وأرغون شاه الصالحي، ويونس العلاي، وجمق، ونكباي الأزدمري، وأقبغا المحمدي، وقاني بك الحسامي، وبايزيد من بابا، وسودون البجاسي، وسودون الشمسي، وتمراز من باكي، وشكدان، وقطلوبغا الحسني، وأسنبغا المسافري، وسودون النوروزي، وقطلو أقتمر المحمدي، وقانق، وسودون الحمصي، وأرزمك، وأسن باي، وسودون القاسمي بإمرة عشرة.
وفي ثامنه: تحالف الأمراء على السفر بالسلطان إلى الشام، فامتنع المماليك وهددوا الأمراء. فخالف الأمير سودون طاز، وتأخر عن الخدمة، واجتمع المماليك بالأمير يشبك وهو ضعيف، وحدثوه في أمر السفر، فاعتذر. مما هو فيه من الشغل بالمرض.
وفيه اختلف الأميران سودون أمير أخور - كان - وسودن طاز وتسابا بسبب سكنى الحراقة من الإصطبل، وكادا يقتتلان، لولا فرق بينهما الأمير نوروز. ووقع أيضاً بين جركس المصارع وسودون طاز تنافس بسبب الإقطاع وتقابضا، و لم يبق إلا أن تثور الفتنة، حتى فرق بينهما.
وفي عاشره: استقر أمير على ناسب الوجه البحري، وعزل بهاء الدين أرسلان. واستقر بلبان والي قليوب، وعزل عمر بن الكوراني. ورتب الأمراء أموراً منها، إقامة نائب بمصر، وعبوا عدة تشاريف لإقامة أرباب وظائف من الأمراء. فلما كان يوم الخميس ثاني عشره خلع على سودون طاز، وعمل أمير أخور، عوضاً عن سودون الطيار، لتأخره بدمشق.
وفي رابع عشره: أعيد بدر الدين محمود العين تابي إلى حسبة القاهرة وصرف الجمال الطنبدي.
واستقر محمد بن الطويل في ولاية منوف، وعزل الشهاب أحمد بن أسد الكردي.
واستقر الأمير مبارك شاه حاجبا ثالثاً بتقدمة ألف ولم يقع مثل ذلك فيما تقدم.

وفيه قدم قاضي القضاة شرف الدين مسعود من طرابلس، ومعه الشريف بدر الدين محمد بن كمال الدين محمد البلدي نقيب الأشراف، ووكيل بيت المال بها، وأخبر بواقعة طرابلس، وقتل قرمش حاجبها، وأن المقتولين في الواقعة ألف وسبعمائة واثنان وثلاثون رجلاً، وأن النائب أراد إحراقها، فاشتراها منه بثلاثمائة وخمسين ألف درهم.
وفي ثامن عشره: قدم نائب حماة إلى دمشق، فخرج الأمير تنم والأمير أيتمش بالعساكر إلى لقائه، وخلع عليه، وأنعم عليه تنم بمال جزيل وأقام خمسة أيام، وعاد إلى حماة ليتجهز.
وخلع الملك الناصر على أحد الأمراء، واستقر حاجباً ثامناً، و لم يعهد بمصر مثل ذلك فيما سلف.
وفي تاسع عشره: قبض السلطان على الوزير فخر الدين ماجد بن غراب، وأخيه سعد الدين إبراهيم ناظر الجيش والخاص، والشهاب أحمد بن عمر بن قطنية المتحدث في المكارم، والشريف علاء الدين على شاد الدواوين. وتسلمهم أزبك رأس نوبة، ووقعت الحوطة على موجودهم.
وفي العشرين منه: قبض على الأمير قطلو بك الأستادار، وسجن عند صهره زوج ابنته سعد الدين إبراهيم بن غراب.
وفي حادي عشرينه: استدعي الوزير بدر الدين محمد بن الطوخي، وخلع عليه خلعة الوزارة، وخلع على شرف الدين محمد بن الدماميني وكيل بيت المال لنظر الجيش ونظر الخاص.
وفي ثالث عشرينه: أفرج عن قرمان المنجكي وقطلو بك العلاي، ونقل ابنا غرابا من عند أزبك إلى بيت الأمير قطلوبغا الكركي - شاد الشرابخاناه - فنزلا في داره ومعهما ابن قطينة والشريف علاء الدين علي، فأتاهما الناس بكل ضيافة فاخرة، وتوقف لذلك حال الوزير ابن الطوخي، وابن الدماميني ناظر الخاص.
وفي رابع عشرينه: أفرج عن ابن قطينة على مائة ألف درهم، وعن الشريف علاء الدين علي على خمسين ألف درهم.
وفي سادس عشرينه: توجه المهتار عبد الرحمن على البريد، ومعه مائة ألف درهم وخمسون ألف درهم فضة، وعدة خلع لأهل الكرك، وعلى يده ملطفات لتخذيل العساكر عن تنم نائب الشام.
وفي يوم السبت ثامن عشرينه: أفرج عن ابني غراب، وخلع عليهما، كما كانا. وسلم إليهما ابن الطوخي، وابن الدماميني ونقل أبناء التركماني من مشيخة خانقاة قوصون إلى مشيخة خانقاه سرياقوس، عوضاً عن شيخ الشيوخ بهاء الدين إسلام ابن شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق الأصبهاني بعد موته. واستقر في مشيخة القوصونية الشيخ شرف الدين أبو يوسف يعقوب بن الشيخ جلال الدين التباني الحنفي.
شهر جمادى الأولى، أوله الثلاثاء: في ثالثه: قبض سعد الدين بن غراب على شرف الدين محمد بن الدماميني، ونقله إلى داره، ثم أفرج عنه في ثامنه، وخلع عليه بقضاء القضاة بالإسكندرية، وخطابة الجامع المغربي بها. واستقر أخوه تاج الدين أبو بكر في حسبة الإسكندرية، ونزل ابنا غراب معه إلى داره مجملين له.
وفي ليلة الخميس عاشره: كان بمكة - شرفها الله - سيل عظيم بعد مطر غزير، امتلأ منه المسجد الحرام حتى دخل الكعبة، وعلا على بابها نحو ذراع، وهدم عمودين من عمد المسجد، وسقطت عدة دور، ومات تحت الهدم - وفي السيل - نحو الستين إنساناً.
وفيه قدم الأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد إلى دمشق، فأكرمه الأمير تنم وأنزله، ثم أعاده إلى صفد في تاسع عشره.
وفي يوم الخميس: هذا استقر بهاء الدين محمد بن البرجي في وكالة بيت المال، عوضاً عن شرف الدين محمد بن الدماميني.
وفي رابع عشره: خلع على الأمير الكبير بيبرس ابن أخت الملك الظاهر لأتابكية العساكر، وعلى الأمير نوروز، واستقر رأس نوبة كبير. وعلى الأمير تمراز، واستقر أمير مجلس. وعلى الأمير سودون واستقر دوادار السلطان، وخلع على شرف الدين مسعود، واستقر قاضي دمشق عوضاً عن الأخناي.
وفي خامس عشره: ورد الخبر بخروج تنم نائب الشام، وأيتمش. ممن معهما من دمشق إلى جهة غزة، فرسم بالتجهيز للسفر، وكثر عمل الناس في القاهرة للدروب والخوخ خوفاً من النهب، وتتبع ابن الزين وإلى القاهرة المماليك البطالة، وقبض عليهم، وسجنهم بخزانة شمايل.

وفي سابع عشره: اجتمع الأمراء والمماليك بمجلس السلطان، فحثهم على السفر في أول جمادى الآخرة، وأن يخرج ثمانية أمراء من الألوف بألف وخمسمائة من المماليك المشتراوات وخمسمائة من المستخدمين، فاختلف الرأي فمنهم من أجاب، ومنهم من قال لابد من سفر السلطان، وانفضوا على غير شيء، ونفوسهم متغيرة من بعضهم علي بعض.
وفي ثامن عشره: أعدت إلى حسبة القاهرة، وصرف العين تابي. ووقع الشروع في النفقة للسفر، فحمل إلى كل من الأمراء الأكابر مائة ألف درهم، ولمن يليهم دون ذلك، وأنفق على ثلاثة آلاف وستمائة مملوك، لكل مملوك مائة دينار، فبلغت النفقة نحو خمسمائة ألف دينار.
وفي ثامن عشره: علق الجاليش، وخرج خام السلطان، فنصب تجاه مسجد تبر.
وفي تاسع عشره: استقر محمد بن غرلو في ولاية الغربية وكشف جسورها وذلك بعد موت الجمال يوسف بن قطلو بك صهر ابن المزوق. واستقر علاء الدين على بن الحريري في ولاية قوص، وصرف أسنبغا.
وفي رابع عشرينه: استقر الأمير شهاب الدين أحمد بن الزين وإلى القاهرة نائب الوجه القبلي عوضاً عن ألطبغا وإلى العرب. واستقر شهاب الدين أحمد بن أسد الكردي في ولاية القاهرة مسئولاً بها. واستقر الحاج سعد المنجكي مهتار الطشتخاناه، عوضاً عن مفتاح عبد نعمان، بعد وفاته. وفيه فر قطلوبغا الخليلي التركماني وإلى الشرقية، وقد اجتمع عنده نحو الخمسين من مماليك الأمراء المنهزمين إلى الشام، ولحقوا بنائب الشام، فقدموا دمشق أول جمادى الآخرة.
وفي خامس عشرينه: استقر المهتار غرس الدين خليل بن الشيخي مهتار الركاب خاناه على عادته، وصرف المهتار عمر. واستقر تغري برمش السيفي صراي وإلى الشرقية.
شهر جمادى الآخرة أوله الأربعاء: في ثانيه: استقر نور الدين على بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله بن محمد الحكري في قضاء القضاة الحنابلة بالقاهرة ومصر، على خمسين ألف درهم، وصرف موفق الدين أحمد بن نصر الله، واستقر الأمير بكتمر الركني أمير سلاح، عوضاً عن تغري بردى من يشبغا، وفي سابعه: عرضت الجمال السلطانية، فعين، الأمير سودون طاز منها برسم سفر السلطان وأثقال مماليكه سبعة آلاف وخمسمائة وخمسة وستين جملاً، سوي ما فرق على المماليك السلطانية، وسوي الهجن.
وفيه ورد الخبر بالفتنة في الكرك، وذلك أن المهتار عبد الرحمن لما قدمها، أظهر كتباً إلى الأمير سودون الظريف نائب الكرك باستعداده لحرب الأمير أيتمش، فاختلف أهل الكرك وافترقوا فرقتين: قيسية ويمانية، فرأس قيس قاضي الكرك شرف الدين موسى بن قاضي القضاة عماد الدين أحمد الكركي. ورأس يمن الحاجب شعبان بن أبي العباس. ووقعت فتنة، نهب فيها رحل المهتار عبد الرحمن والخلعة التي أحصرها إلى النائب، وامتدت إلى الغور فنهب، ورحل أهله وفر عبد الرحمن إلى جهة مصر. وكانت بين الطائفتين مقتلة قتل فيها ستة، وجرح نحو المائة.
وانتصر ابن أبي العباس. ممن معه من يمن، لميل النائب معهم على قيس، وقبض على القاضي شرف الدين موسى وأخيه جمال الدين عبد الله، وذبحا في ثامنه، ومعهما ثمانية من أصحابهما، وألقوا في بئر من غير غسل ولا كفن، وأخذت أموالهم كلها.
وقدم علاء الدين على بن غلبك بن المكللة وإلى منفلوط، وأخبر أن ألطنبغا نائب الوجه القبلي، خرج هو ومحمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري عن الطاعة وكبسا عثمان بن الأحدب. ففر إلى جهة منفلوط وتبعاه إليها، وخربوها. فرسم لكل من الأمير بيبرس الأتابك، وإينال باي بن قجماس، وأقباي حاجب الحجاب، وسودون بن زاده، وإينال حطب رأس نوبة، وبيسق أمير أخور، وبهادر فطيس أمير أخور، أن يتجهزوا ويسيروا جميعاً إلى بلاد الصعيد. فلم يوافقوا على ذلك، ولا سار أحد.
وورد الخبر بقدوم نائب حماة بعسكرها في ثالث عشره إلى دمشق. وأن الأمير أقبغا نائب حلب لما برز من حلب للمسير إلى دمشق ثار عليه جماعة من الأمراء، وقاتلوه فكسرهم، وقبض على جماعة منهم. وسار إلى دمشق فقدمها في يوم الخميس سادس عشره، فأكرمه الأمير تنم، وأنزله.
وأنه قد توجه الأمير أرغون شاه ويعقوب شاه، وفارس، وصرق، وفرج بن منجك إلى غزة من دمشق في ثاني عشره، فعلق جاليش السفر على الطبلخاناه تحت قلعة الجبل، وخرج دهليز السلطان. إلى الريدانية خارج القاهرة في يوم الاثنين عشرينه.

وفي ثالث عشرينه خلع على الأمير ركن الدين عمر بن الطحان حاجب غزة بنيابة غزة، وعلى سودون حاجبها الصغير، وصار حاجب الحجاب بها.
وفي ثالث عشرينه: قدم يونس الرماح نائب طرابلس بعسكرها، ومعه الأمير أحمد ابن يلبغا إلى دمشق، فخرج الأمير دمرداش المحمدي نائب حماة من دمشق في خامس عشرينه، وتبعه الأمير تنم في بقية العساكر، يريدون مصر.
وفي سابع عشرينه: استقر شهاب الدين أحمد بن الزين عمر في ولاية القاهرة ومصر، وأن يكون حاجباً. وفي ليلة ثامن عشرينه: توجه الأمير سودون المأموري الحاجب إلى دمياط، لينقل منها الأمير يلبغا المجنون، والأمير تمربغا المنجكي، وطغنجي، وبلاط السعدي، وقراكسك إلى سجن الإسكندرية.
وكان بالقاهرة ومصر من أول ربيع الأول إلى أخر جمادى الآخرة أمراض فاشية في الناس من الحمي والبرد. ومات فيه عدة كبيرة مع توقف الأحوال، وتعطل المعايش.
وتزايد الأسعار في كل ما يباع. وصار الخبز كل خمس أواقي بثمن درهم. وانقطع الواصل من البلاد الشامية، فبلع الفستق عشرة دراهم الرطل، واللوز أربعة دراهم الرطل، والكمثرا سبعة دراهم الرطل. والسفرجلة الواحدة بعشرة دراهم. ومع ذلك خوف الناس من وقوع الفتن، لشدة اختلاف أهل الدولة.
شهر رجب، أوله الجمعة: في رابعه: نزل السلطان من القلعة إلى الريدانية ليتوجه إلى قتال أيتمش ونائب الشام، فأقام بمخيمه، وتلاحق به الأمراء، والعساكر، والخليفة، وقضاة القضاة.
وفي خامسه: خلع على الأمير الكبير بيبرس بنظر المارستان المنصوري ونظر الأحباس، ونيابة الغيبة، وعلى الأمير نوروز الحافظي بنظر الخانقاة الشيخونية، عوضاً عن الأمير أرغون شاه الأقبغاوي المنسحب إلى الشام. وعلى الأمير مبارك شاه الحاجب بنيابة الوجه القبلي، ورسم له أن يحكم من جزيرة القط إلى أسوان، ويولى من يختار من الولاة، ويعزل من كره.
وفي سادسه: خلع على الأمير نوروز لتقدمة العساكر، وأفرج عن علي بن غريب الهواري، وأقيم عوضاً عن محمد بن عمر الهواري.
وفي سابعه: انفق في المماليك بالريدانية مبلغ خمسة وعشرين ألف دينار. وعند تمام النفقة خلع على الأمير يلبغا السالمي، واركب حجرة بسرج وكنفوش وسلسلة ذهب.
وفيه رحل الجاليش من الريدانية، وفيه من الأمراء نوروز الحافظي مقدم العساكر، وبكتمر أمير سلاح، ويلبغا الناصري، وتمراز أمير مجلس، وسودون الدوادار، وشيخ المحمودي، ودقماق أمير حاجب.
وفي ثامنه: رحل السلطان ببقية العسكر، وعدة من سار أولاً وثانياً نحو سبعة آلاف فارس، وأقام بقلعة الجبل من الأمراء أينال باي بن قجماس، وأينال حطب رأس نوبة. وأقام بالإصطبل سودون بن زادة، وبهادر فطيس، وبيسق الشيخي أمير أخور. وأقام خارج القاهرة الأمير الكبير بيبرس، وهو نائب الغيبة، ومعه الأمير أقباي حاجب الحجاب.
وأما تنم نائب الشام، فإنه وجه نائب حلب بعسكره إلى جهة مصر في ثامنه. وخرج في تاسعه ومعه الأمير أيتمش وبقية العساكر، ومن انضم إليهم من التركمان. وخيم على قبة يلبغا خارج دمشق، حتى لحقه بقية العسكر، ومن سار معه من القضاة، وعمل الأمير جركس أبو تنم نائب الغيبة.
وفي حادي عشره: رحل الأمير تنم من ظاهر دمشق، وتبعه ابن الطبلاوي في ثاني عشره. وسار نائب طرابلس بعسكره ساقة.
وكان تنم من حين قدم عليه أيتمش يعمل كل يوم موكباً أعظم من الآخر، حتى قيل إنه أعظم من موكب الملك الظاهر، وكان يركب بالدف والشبابة والجاويشية والشعراء. وفي خدمته من الأمراء مقدمي الألوف ما يزيد على خمسة وعشرين، سوى أمراء الطبلخاناه. وجمع من التركمان جمعاً عظماً. وأخر موكب عمله بدمشق كان فيه عسكر دمشق وطرابلس وحماة وحلب، والأمير أيتمش، ومن معه من المصريين ومن انضم إليهم من التركمان في نحو أربعة آلاف. وانفق من الأموال على العساكر ما لا يحصي، وأنعم عليهم من الخيل والجمال والعدد وآلات الحرب. مما لا يعبر عنه، فصار في جيش عظيم جداً.

وفي غيبته أخذ الأمير جركس أبو تنم نائب الغيبة بدمشق في طرح ما بقي من السكر على الناس، فكثر الدعاء عليهم بسبب ذلك. وكان الفساد قد عم بوصول العساكر إلى دمشق، وظلموا الناس خارج البلد، ونزلوا في الخانات والحوانيت والدور والبساتين بغير أجرة، وعاثوا وأفسدوا كثيراً، لاسيما عسكر طرابلس، فلذلك أخذهم الله أخذة رابية - كما يأتي ذكره إن شاء الله.
وفي يوم السبت تاسعه: قدم البريد من البحيرة على الأمير بيبرس نائب الغيبة بديار مصر، أن الأمير سودون المأموري سار بالأمراء من دمياط إلى الإسكندرية. فلما وصل بهم إلى ديروط لقيه الشيخ المعتقد عبد الرحمن بن نفيس الديروطي، وأضافه. فعندما قعد هو والأمراء للأكل ثار يلبغا المجنون وبقية الأمراء على سودون المأموري، وقبضوا عليه وعلى مماليكه. وبينما هم في ذلك، إذ قدمت حراقة من القاهرة فيها الأمير كمشبغا الخضري، وأياس الكمشبغاوي، وجقمق البجمقدار، وأمير آخر والأربعة في الحديد، ليسجنوا في الإسكندرية. فدخلت الحراقة شاطئ ديروط، ليقضوا حاجة لهم، فأحاط بهم يلبغا المجنون، وخلص الأربعة المقيدين، وضرب الموكلين بهم، وكتب إلى نائب الوجه البحري بالحضور إليه. وأخذ خيول الطواحين، وسار. بمن معه إلى مدينة دمنهور، وطرقها بغتة، وقبض على متوليها. وأتته العربان، فصار في عدة كبيرة، ونادى في إقليم البحيرة بحط الخراج عن أهلها، وأخذ مال السلطان الذي استخرج من تروجة وغيرها. وبعث يستدعي بالمال من النواحي. فكتب بذلك إلى السلطان والأمراء فوردت كتبهم إلى نائب الإسكندرية بالاحتراز، والتيقظ، وإلى أكابر العربان بالإنكار عليهم، وإمساك يلبغا المجنون ومن معه، وكتب إلى الأمير بيبرس بتجريد الأمير أقباي الطرنطاي حاجب الحجاب، والأمير أينال باي بن قجماس والأمير بيسق أمير أخور، والأمير أينال حطب رأس نوبة، وأربعمائة من المماليك السلطانية، ومثال إلى عربان البحيرة بحط الخراج عنهم لمدة ثلاث سنين.
ثم إن يلبغا عدى من البحيرة إلى الغربية في ليلة الجمعة خامس عشره، خوفاً من عرب البحيرة. ودخل المحلة ونهب دار الوالي، ودار إبراهيم بن بدوي كبيرها، وأخذ منه ثلاثمائة قفة فلوس، وست قفاف عن كل قفة مبلغ خمسمائة درهم. ثم عدى بعد أيام من سمنود إلى بر أشموم طناح، وسار إلى الشرقية، ونزل على مشتول الطواحين، وسار منها إلى العباسة، فارتجت القاهرة، وبعث الأمير بيبرس إلى مرابط الخيول على البرسيم، فأحضرها.
وورد الخبر بمخامرة كاشف الوجه القبلي مع هوارة، فكثر الاضطراب، واشتد الخوف، وتعين الأمير مبارك شاه إلى سفر الصعيد وشرع في استخدام الأجناد. وعزم الأمير بيبرس أن يخرج إلى المجنون.

وفي رابع عشره: ورد كتاب السلطان بالقبض على شرف الدين محمد بن الدماميني قاضي الإسكندرية، فقبض عليه من منزله بالقاهرة، وسجن في برج بقلعة الجبل. وعظم الإرجاف بهجوم يلبغا القاهرة، فسدت الخوخ في سابع عشره وغلقت أبواب القاهرة من عشاء الآخرة، وخرج الأمير أقباي والأمير يلبغا السالمي، والأمير بيسق، والأمير ناصر الدين محمد بن سنقر أستادار الذخيرة، والأملاك، في ثلاثمائة من المماليك السلطانية، إلى ملاقاة يلبغا المجنون بالعباسة، في يوم الخميس حادي عشرينه، وساروا. وفيه قدم يشبك العثماني، وعلى يده كتاب السلطان بوصوله إلى تل العجول - ظاهر مدينة غزة - في ثامن عشره، وقد برز نائب حماة، ونائب صفد، وأقبغا اللكاش وتغري بردى، وفارس، وأرغون شاه، ويعقوب شاه، وفارس نائب ملطية، في عدة من أمراء الشام وحلب وغيرها، تبلغ عدتهم نحو خمسة آلاف فارس، يريدون الحرب، فلقيتهم عساكر السلطان، وقاتلوهم من بكرة النهار إلى وقت الظهر. مخرج اللكاش وانهزم في جماعة، ودخل في الطاعة الأمير دمرداش المحمدي نائب حماة، والأمير ألطبغا العثماني نائب صفد، والأمير صراي تمر الناصري أتابك العساكر بحلب، وجقمق نائب ملطية، وفرج بن منجك، في عدة من الأمراء والأجناد. وملك السلطان غزة من يومه، فدقت البشائر بذلك، ونودي بزينة القاهرة ومصر، فزينتا، وخلع على يشبك العثماني، ولما أراد الله أنكر شخص يقال له سراج الدين عمر الدمياطي - من صوفية خانقاة شيخو - أن يكون هذا الخبر صحيحاً، فقبض عليه وضرب على كتفيه ضرباً مبرحاً، وشهر على حمار، قد أركبه مقلوباً، وجهه إلى جهة ذنبه، وطيف به القاهرة، ثم سجن بخزانة شمائل، في يوم الجمعة ثاني عشرينه.
وفي خامس عشرينه: كان العسكر قد وصل إلى نحو العباسة، فلم يقفوا ليلبغا على خبر، وقيل لهم إنه سار إلى قطيا، فنزل الأمراء بالصالحية فلم يروا أحداً، فعادوا إلى القاهرة. وسار ابن سنقر وبيسق نحو بلاد السباخ في طلبه فلم يجداه، فعادا في يوم الجمعة ثامن عشرينه إلى غيفا، وأقاما فلم يشعرا إلا ويلبغا المجنون قد طرقهما، وقبض عليهما، وأخذ خطهما بجملة من المال، فارتجت القاهرة لذلك.
وأما تنم نائب الشام، فإن البريد وصل إلى دمشق من جهته في ثالث عشرينه، أنه وصل إلى الرملة، وأن المصريين وصلوا إلى غزة، وبعثوا إليه قاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي في طلب الصلح فدقت الكوسات لذلك، وأصبحوا يوم الأحد رابع عشرينه بدمشق، فأغلقوا الأبواب التي للمدينة وسدوها بالحجارة، إلا باب النصر وباب الفرج، واحد بابي الجابية، وباب توما، فعجب الناس من ذلك، وكثر الكلام.
وفي يوم السبت سلخه: حضر إلى القاهرة قمج الخاصكي من البحر، فانه سار من عند السلطان على البريد إلى قطيا، فبلغه خبر يلبغا المجنون، فركب البحر من الطينة، وعلى يده كتاب السلطان من الرملة بالنصر على تنم نائب الشام.
وملخص ذلك أن تنم نزل على الرملة بمن معه. وكان لما قدم عليه من انكسر من عسكره على غزة، شق عليه ذلك، وأراد أن يقبض على بتخاص والمنقار، ففارقاه ولحقا بالسلطان. وأن السلطان بعث إليه من غزة بقاضي القضاة صدر الدين المناوي في يوم الثلاثاء تاسع عشره، ومعه ناصر الدين محمد الرماح أمير أخور، وطغاي تمر مقدم البريدية، وكتب له أماناً، وأنه باق على كفالته بالشام إن أراد ذلك. وكتب إليه الأمراء يقولون له: أنت أبونا وأخونا، وأنت أستاذنا، فإن أردت الشام فهي لك، وإن أردت مصر كنا مماليكك وغلمانك، فصن الدماء. وكان الأمراء والعسكر في غاية الخوف منه لقوته، وكثرة عدده، وتفرقهم، واختلافهم، فسار إليه القاضي وحدثه في الصلح ووعظه، وحذره الشقاق والخروج عن طاعة السلطان. فقال: ليس لي مع السلطان كلام، ولكن يرسل إلى الأمير يشبك وسودون طاز وجركس المصارع، وجماعه عينهم، ويعود الأمير أيتمش كما كان هو وجميع الأمراء الذين معه. فإن فعل ذلك، وإلا فما بيني وبينهم إلا السيف. وثبت على ذلك، فقام القاضي ليخرج، فخرج معه بنفسه إلى خارج الخيمة، وأركبه فرساً في غاية الحسن، وعضده لما ركب.
فقدم القاضي يوم الخميس حادي عشرينه ومعه أحد خاصكية السلطان، ممن كان عند تنم، وعوقه نحو أربعة أشهر عن الحضور، وأعاد الجواب فاتفق الجميع على محاربته.

فلما كان يوم السبت ثالث عشرينه: ورد الخبر أنه ركب. ممن معه يريد الحرب، فسار السلطان بعساكره من غزة، إلى أن أشرف على الجينين قريب الظهر، فعاين تنم قد صف عساكره، ويقال إنهم خمسة آلاف فارس وستة آلاف راجل. فتقدمت عساكر السلطان إليهم وقاتلوهم، فلم يكن غير يسير حتى انهزمت عساكر تنم، ووقع في الأسر تنم نائب الشام، وأقبغا نائب حلب، ويونس نائب طرابلس، وأحمد ابن الشيخ علي، وفارس حاجب الحجاب وبيغوت، وشادي خجا، وبيرم رأس نوبة أيتمش، وجلبان نائب حلب. ومن أمراء الطبلخاناه والعشرات ما ينيف على مائة أمير، وفر أيتمش، وتغري بردى، ويعقوب شاه، أرغون شاه، وطيفور، في ثلاثة آلاف إلى دمشق ليملكوها. وعندما قبض على تنم كتب إلى دمشق بالنصرة ومسك تنم، فوصل البريد بذلك يوم الثلاثاء سادس عشرينه على نائب الغيبة بدمشق، فنودي بذلك.
ثم قدم الأمير أيتمش إلى دمشق يوم الأربعاء سابع عشرينه، فقبض عليه، وعلى تعري بردى، وطيفور، وأقبعا اللكاش، وحبسوا بدار السعادة. ثم مسك بعد يومين أرغون شاه، ويعقوب شاه. وتقدم القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب إلى دمشق، فقدمها في يوم السبت سلخه.
وأما يلبغا المجنون فإنه نزل البير البيضاء في يوم الخميس ثامن عشرينه، فبعث إليه الأمير بيبرس أماناً، فقبض على من أحضره إليه وطوقه بالحديد. فاستعد الناس بالقاهرة، وباتوا ليلة السبت على أهبة اللقاء. وركب الأمراء كلهم بكرة يوم السبت سلخه إلى قبة النصر خارج القاهرة، وأقبل يلبغا المجنون، فواقعهم عند بساتين المطرية، ومعه نحو ثلاثمائة فارس، وقصد القلب، وفيه سودون بن زادة، وأينال حطب، وثلاثمائة من المماليك السلطانية، فأطبق عليه الأمير بيبرس من الميمنة، ومعه الأمير يلبغا السالمي، وساعدهما إينال باي. ممن معه من الميسرة، فتقنطر سودون من زادة، وخرق يلبعا المحنون القلب في عشرين فارساً، وصار إلى جهة الجبل الأحمر، وانكسر سائر من معه من الأمراء وغيرهم، فتبعهم العسكر وفي ظنهم أن يلبغا المجنون فيهم، فأدركوا الأمير تمربغا المنجكي بالزيات وأخذوه، وأخذ طلب يلبغا المجنون من عند خليج الزعفران برأس الريدانية، فوجد فيه الأمير ناصر الدين محمد بن سنقر الأستادار، والأمير بيسق أمير أخور، فأطلقوهما، ونهبوه، وعاد العسكر إلى تحت القلعة. وسار المجنون في عشرين فارساً مع ذيل الجبل إلى تجاه دار الضيافة. فلما رأى كثرة من اجتمع من العامة خاف منهم أن يرجموه، فقال لهم: أنتم ترجوني بالحجارة وأنا أرجمكم بالذهب، فدعوا له وتركوه، فسار من خلف القلعة، ومضى إلى جهة الصعيد من غير أن يعرف به الأمراء. وفيه استقر علاء الدين علي بن طرنطاي كاشف الوجه البحري، وتغري برمش والي الشرقية.
شهر شعبان، أوله الأحد: في أوله: قدم الأمير سيف الدين جكم رأس نوبة إلى دمشق، وقيد أيتمش ومن معه ونقلهم من دار السعادة إلى قلعة دمشق، ونادى في الناس بالأمان، ومنع المماليك السلطانية من المعرض للناس، وألا ينزلوا داخل المدينة.
وفي ليلة الاثنين قال: وصل الأمير سردون الدوادار قريب السلطان وقد والي نيابة دمشق، ومعه الأمير تنم، وعشرة من الأمراء في القيود فحبسهم بالقلعة أيضاً.
وفي يوم الاثنين المذكور: دخل السلطان الملك الناس بأمرائه وعساكره إلى قلعة دمشق، فكان يوما مشهوداً وسر الناس به سروراً كبيراً. وقدم معه شرف الدين مسعود، وقد استقر في قضاء دمشق، عوضاً عن الأخناي. ووقعت الحوطة على حواشي تنم وأسبابه، وعلى ابن الطبلاوي. و لم يفقد في هذه الواقعة من الأعيان سوى الأمير صلاح الدين محمد بن تنكز، فإنه قتل.

وفي خامسه: خلع على الأمير سودون الدوادار بنيابة دمشق، وعلى الأمير دمرداش نائب حماة بنيابة حلب، وعلى الأمير شيخ المحمدي بنيابة طرابلس، وعلى الأمير دقماق بنيابة حماة، وعلى الأمير ألطنبغا العثماني بنيابة صفد على عادته، وعلى الأمير جنتمر التركماني نائب حمص بنيابة بعلبك، وعلى الأمير بشباي حاجب الحجاب بدمشق، وعلى شمس الدين محمد بن الأخناي، وأعيد إلى قضاء دمشق، وعزل مسعود، فكانت ولايته منذ كتب توقيعه نحو ثمانين يوماً، لم يباشر فيها بدمشق سوي ثلاثة أيام، وعلى تقي الدين عبد الله بن الكفري بقضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن البدر محمد المقدسي، فاستناب صدر الدين على بن أمين الدين بن الآدمي، وعلى شمس الدين محمد النابلسي بقضاء الحنابلة بدمشق، عوضاً عن تقي الدين إبراهيم بن مفلح. وفيه قبض على الأمير كمشبغا الخضري، وبتخاص الخاصكي من أصحاب يلبغا المجنون، وسجنا بقلعة الجبل. وورد الخبر بأن يلبغا المجنون في نحو المائة، وأنه أخذ خيل والي الفيوم، وبغال قاضيها، واستخدم عدة، وتوجه إلى الميمون.
وفي تاسعه: استقر مسعود في قضاء طرابلس.
وفي عاشره: استقر جمال الدين محمد بن عمر بن علي بن عرب في حسبة القاهرة، عوضى، ممال وعد به.
وفي ثاني عشره: قدم أسنبغا العلاي بخبر دخول السلطان إلى دمشق، ووقوع أيتمش وغيره من الأمراء في القبضة، فدقت البشائر بقلعة الجبل ونودي بتقوية الزينة. وأما الأسعار فإنها تزايدت بالقاهرة، وبلغ القمح خمسة وسبعين درهماً الأردب، والحملة الدقيق ماية وعشرين درهماً، والخبز ثلاثة أرطال بدرهم.
وفي ليلة الرابع عشر: ذبح بقلعة دمشق أربعة عشر أميراً وهم: الأمير أيتمش، وأقبغا اللكاش، وجلبان الكمشبغاوي وأرغون شاه، وفارس الحاجب، ويعقوب شاه، وبيقجا طيفور حاجب دمشق، وأحمد بن يلبغا الخاصكي العمري، وبيغوت اليحياوي، ومبارك المجنون، وبهادر العثماني نائب البيرة. وجهزت رأس أيتمش ورأس فارس إلى القاهرة.
وفي رابع عشره: توجه الأمير دمرداش المحمدي نائب حلب من دمشق إليها، وتوجه من الغد الأمير دقماق نائب حماة إليها. وتوجه في سادس عشره الأمير شيخ نائب طرابلس إليها.
وفيه قدم الخبر من الرحبة إلى السلطان بدمشق أن السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، والأمير قرا يوسف التركماني، فرا هاربين في نفر يسير إلى الفرات فمنعا من التعدية، حتى يرسم لهما بذلك. وفيه خلع على الأمير يشبك الخازندار، واستقر دوادارا، عوضاً عن الأمير سودون، المنتقل لنيابة الشام.
وفي سادس عشره: نودي في القاهرة بقلع الزينة فقلعت.
وفي تاسع عشره: وصل البريد من دمشق برأسي أيتمش وفارس، فعلقتا على باب قلعة الجبل، ونقلا من الغد إلى باب زويلة، وعلقا عليه إلى ثالث عشرينه، سلما لأهلهما، وقال في ذلك المقرئ الأديب شهاب الدين أحمد الأوحدي:
يا دهركم تفني الكرام عامدا ... هل أنت سبع للوري ممارس
أيتمش رب العلا صرعته ... ورحت لليث الهمامفارس
وقال:
أرى العز الكرام من البرايا ... تحكم فيهم أهل المناحس
ولولا جور حكم الدهر فيهم ... لما ظفرت جراكسة بفارس
وقال أيضاً:
أيا فرسان الوغا أمراء مصر ... ذللتم للجراكسة العوابس
ولولا طبع هذا الدهر غدر ... لأعجزهم من الفرسان فارس
وفيه أفرج عن سراج الدين عمر الدمياطي، وبعث الأمير يلبغا السالمي من مال الديوان المفرد برسم نفقة المماليك مبلغ خمسة وثلاثين ألف دينار إلى دمشق.
وخرج من القاهرة لتعبئة الإقامات السلطانية إلى قطيا، وقبض على الأمير طولو بالقاهرة، فسجن مع تمربغا المنجكي وكمشبغا الخضري.
وفي سابع عشرينه: ولى الملك الناصر بدمشق السيد الشريف علاء الدين علي بن برهان الدين إبراهيم بن عدنان نقيب الأشراف بدمشق كتابة السر بها، وصرف ناصر الدين محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن هبة الله بن عبد المنعم بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي الكتائب بن أبي الطيب.
شهر رمضان، أوله الاثنين:

في ليلة الخميس رابعه: قتل الأمير تنم نائب الشام والأمير يونس الرماح نائب طرابلس بقلعة دمشق خنقاً بعد أن استصفيت أموالهما، ولم يبق لهما شيء، ثم سلما إلى أهلهما، فدفن تنم بتربته بميدان الحصى خارج دمشق، ودفن يونس بالصالحية. فكانت مدة ولاية تنم نيابة الشام سبع سنين وستة أشهر ونصفاً، وولاية يونس طرابلس نحو ست سنين.
وكان سودون الظريف نائب الكرك قد خرج منها، وقدم دمشق على السلطان بعد أن استخلف على الكرك الحاجب شعبان بن أبي العباس، فعزل سودون في هذا اليوم، وأقام السلطان في نيابة الكرك الأمير سيف الدين بدخاص السودوني، وخرج إليها.
وفيه خرج السلطان من قلعة دمشق بعساكره، ونزل الكسوة يريد مصر، فكانت إقامته بدمشق أحدا وثلاثين يوماً. وأخرج ابن الطلاوي، وابن أبي الطيب كاتب السر - في الترسيم، بعدما أهينا وأخذت أموالهما. وسار البريد إلى القاهرة بخروج السلطان من دمشق فقدم في ثامنه، فدقت البشائر ثلاثة أيام بقلعة الجبل. ونودي في القاهرة أن يبيض الناس حوانيتهم وظواهر أملاكهم وكثروا القناديل التي تعلق على الحوانيت كل ليلة.
وفي ثاني عشره: نزل السلطان غزة. وقتل ابن الطبلاوي. وقدم الحريم السلطاني إلى القاهرة، فدخل قلعة الجبل في عشرينه، ودخل أيضاً ابن أبي الطب محتفظاً به، فزينت القاهرة ومصر.
وفيه قدم القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب إلى القاهرة فخرج الناس إلى لقاء القادمين.
وفي سادس عشرينه: قدم السلطان، وقد فرشت له شقاق الحرير من تربة يونس عند قبة النصر إلى القلعة، فكان يوماً مشهوداً.
وفي ثامن عشرينه: أنعم على كل من الأمير قطلوبغا الحسني الكركي بإقطاع الأمير سودون - نائب الشام - وإمرة ماية تقدمة ألف، وعلى الأمير أقباي الكركي الخازندار بإقطاع الأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس، وعلى الأمير جركس القاسمي المصارع بإقطاع مبارك شاه، وعلى الأمير جكم بإقطاع دقماق المحمدي، وعلى الطواشي مقبل الزمام بإقطاع الأمير الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك، وعلى الطواشي سعد الدين صواب السعدي جنكل بإقطاع مقبل، وبإقطاع صواب على الطواشي شاهين الحلبي نائب المقدم.
وفي هذا الشهر: نقص ماء النيل بحيث صار الرجل يخوض من بولاق إلى البر الغربي.
وفي آخره: كثر ازدحام الناس على شراء روايا الماء بالقاهرة وظواهرها، حتى بلغت الراوية أربعة دراهم، بعد درهم ونصف. وعجز كثير من الناس عن شرائها لعظم الازدحام، وكثرة تلقي السقائين من البحر. وصار الناس يخرجون بأنفسهم وعبيدهم وإمائهم وغلمانهم، فينقلون الماء من البحر إلى دورهم على البغال والحمير، وفي الجرار على الروس. وتزايد العطش بالناس. واتفق مع ذلك شدة الحر المفرط، وقدوم العسكر، فكان من ذلك ما لم يعهد مثله.
وفي هذا الشهر: امتنع شعبان بن أبي العباس بالكرك على الأمير بتخاص، فكانت بينهما حروب شديدة طويلة، هلك فيها كثير من الناس وخربت عدة من القرى.
شهر شوال، أوله الأربعاء: وفيه قبض على علاء الدين ألطنبغا وإلى العرب نائب الوجه القبلي، وسلم إلى الوالي. واستقر دمرداش السيفي نائب الوجه القبلي، وصرف مبارك شاه، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه. وأفرج عن ناصر الدين محمد بن أبي الطيب، كاتب سر دمشق.
وقدم مملوك يلبغا المجنون بكتابه يسأل نيابة الوجه القبلي، فرسم أن يخرج إليه تجريدة فيها الأمير تمراز، ويلبغا الناصري، وأقباي الحاجب وأينال باي وبكتمر، ونوروز الحافظي، وأسنبغا، وتتمة ثمانية عشر أميراً. وأن يكون مقدمهم الأمير نورور، وخرجوا في ثالث عشره ومعهم نحو الخمسمائة من المماليك السلطانية.
وفي رابع عشره: أعيد شمس الدين محمد البخانسي إلى حسبة القاهرة، وصرف الطنبدي. وورد الخبر بأن محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري حارب يلبغا المجنون في شرق أبويط. وقبض على أمير على دواداره، وعلى نائب الوجه البحري، وعلى أياس الكمشبغاوي الخاصكي وعلى جماعة من أصحابه، وأنه فر ونزل البحر فغرق بعرسه، وغرق معه جماعة، وأنه أخرج من النيل فوجد قد أكل السمك لحم وجهه، فتوجه البريد لرجوع الأمراء. وفيه استقر سنقر السيفي في ولاية أشموم الرمان، وعلى بن قرط في ولاية أسوان.
وفي ثامن عشره: برز المحمل، وأمير الحاج بيسق، إلى الريدانية خارج القاهرة.

وفي ثاني عشرينه: استقر علي بن حمزة - أحد مقدمي الحلقة - في ولاية منوف، وصرف محمد بن الطويل، وضرب بالمقارع عند الأمير يشبك الشعباني الدوادار.
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه: - والناس في انتظار الصلاة بالجوامع - ارتجت القاهرة وظواهرها، وقيل قد ركب الأمراء والمماليك فغلقت أبواب الجوامع، واختصر الخطباء الخطة، ونزلوا عن المنابر، وأوجزوا في الصلاة، وفي بعض الجوامع لم يخطب، وفي بعضها لم تصل الجمعة.
وخرج الناس مذعورين خوفاً من النهب، وفيهم من سقط منه منديله أو دراهمه و لم يع لذلك وأغلقت الأسواق، واختطف الناس الخبز، فلم يظهر للإشاعة صحة، وإنما كان سبب ذلك أن مملوكين تخاصما تحت القلعة، وكان حمار قد ربط في تخت من خشب، فنفر من ذلك وسحب التخت، فجفلت الخيول التي تنتظر أربابها بالقرب من جامع شيخو بالصليبة حتى تنقضي الصلاة. فلما رأى الناس الخيول ظنوا لما في نفوسهم من الاختلاف بين سودون طاز أمير أخور ويشبك الدوادار وأنهم على عزم الركوب للحرب، أن الواقعة قامت بينهما، فطار هذا الخبر إلى بولاق وظواهر القاهرة إلى مصر. وفي بقية النهار قبض وإلى القاهرة على جماعة من أراذل العامة، وضربهم وشهرهم، ونودي عليهم هذا جزاء من يكثر فضوله ويتكلم فيما لا يعنيه. ثم نودي من الغد بالأمان وأن من تحدث فيما لا يعنيه ضرب بالمقارع وسمر، فسكن الناس.
وفيه حضر أمير على اليلبغاوي أبو دقن نائب البحيرة وقطلو بغا دوادار المجنون، وعمر دوادار ألطنبغا وإلى العرب، فسجنوا بخزانة شمايل.
وفي يوم الأحد سادس عشرينه: وسادس عشرين شهر بشنس: - أحد شهور القبط - بشر بزيادة ماء النيل على العادة، وأن القاع - وهو الماء القديم - ثلاثة أذرع ونصف. وكان القاع في السنة الماضية أربعة أذرع ونصف.
وفي ليلة الثامن والعشرين منه: ظهرت نار بالمسجد الحرام من رباط، ومشت بالجانب الغربي من المسجد، فعمت النار، واحترقت جميع سقف هذا الجانب، وبعض الرواقين المقدمين من الجانب الشامي، وعم الحريق فيه إلى محاذاة باب دار العجلة لخلوه بالهدم وقت السيل. وصار موضع الحريق أكواماً عظيمة، وتكسر جميع ما كان في موضع الحريق من الأساطين، وصارت قطعاً.
وفي ثامن عشرينه: منع جميع مباشري الدولة بديار مصر من النزول إلى بيت الأمير يشبك الدوادار. وذلك أن كل من الأستادار والوزير وناظر الجيش والخاص وكاتب السر كانوا منذ قدم السلطان من دمشق ينزلون من القلعة أيام المواكب الأربعة - وهي يومي الاثنين والخميس، ويومي الثلاثاء والسبت - إلى دار الأمير يشبك، ويقفون في خدمته، ويعرضون عليه الأمور، فيأمرهم. مما يريد، وينهاهم عما لا يحب، فيصرفون سائر أحوال الدولة عن أوامره ونواهيه. فحنق من ذلك سودون طاز أمير أخور، وتفاوض معه بمجلس السلطان في كفه عن ذلك، حتى أذعن، فمنعوا، ثم نزلوا إليه على عادتهم وصاروا جميعاً يجلسون عنده من غير أن يقفوا.
وفيه استقر علي بن مسافر نائب الوجه البحري، وعزل أحمد بن أسد.
واستقر ناصر الدين محمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد بن السفاح الحلبي في نظر الأحباس، وعزل بدر الدين حسن بن المرضعة، وأضيف إليه نظر الجوالي وتوقيع الدست. وكان قد حضر مع العسكر من دمشق.
وفي تاسع عشرينه: استقر الوزير تاج الدين عبد الرزاق في ولاية قطا ونظرها، كما كان قبل الوزارة.
شهر ذي القعدة، أوله الخميس: فيه استقر غرس الدين خليل بن الطوخي والي الجيزة، وعزل الأمير حسن بن قراجا العلاي.

وفي ثانيه: ورد البريد من حلب ودمشق بأن ألقان أحمد بن أويس صاحب بغداد، لما توجه إلى بغداد واستولى عليها، كان لقرا يوسف في مساعدته أثر كبير، فعندما تمكن قبض على كثير من أمراء دولته وقتلهم، وأكثر من مصادرات أهل بغداد وأخذ أموالهم، فثار عليه من بقي من الأمراء، وأخرجوه منها، وكاتبوا صاحب شيراز أن يحضر إليهم، فلحق ابن أويس بقرا يوسف بن قرا محمد التركماني صاحب الموصل، واستنجد به، فسار معه إليها، فخرج أهل بغداد وكسروهما بعد حروب، فانهزما إلى شاطئ الفرات، وبعثا يسألان نايب حلب أن يستأذن السلطان في نزولهما بالشام. وأن الأمير دمرداش استدعي الأمير دقماق نايب حماة إلى حلب، وخرجا في عسكر جريدة يبلغ عددهم الألف، وكبسا ابن أويس وقرا يوسف، وهما في نحو سبعة آلاف فارس، فاقتتلا قتالاً شديداً في يوم الجمعة رابع عشرين شوال، قتل فيه الأمير جاني بلث اليحياوي أتابك حلب، وأسر دقماق نائب حماة، وانهزم دمرداش نائب حلب، وصار إلى حلب ولحقه بعد ان افتك نفسه، بمائة ألف درهم وعد بها، وأن سودون بن واده - القادم من مصر إلى حلب بالبشارة بقدوم السلطان إلى مصر سالماً - بعث المائة ألف إليهما، مبعثا إليه: إنا لم نأت محاربين وإنما جئنا مستجيرين، ومستنجدين بسلطان مصر، فحاربنا هؤلاء فدفعنا عن أنفسنا. فكتب إلى نائب الشام بمسير عساكر الشام جميعاً، وأخذ ابن أويس وترا يوسف وإرسالهما إلى مصر.
وفي ثامنه: استقر أمير سعيد بن أمير فرج بن أيدمر في ولاية الغربية، وصرف محمد، ابن غرلو.
وفيه توقفت زيادة ماء النيل ثلاثة أيام أولها الخميس، فركب عدة من الأمراء، وكبسوا أماكن اجتماع الناس للفرجة ونهوا عن عمل الفواحش، فزاد يوم الأحد، واستمرت الزيادة.
وورد الخبر بأن محمد بن عمر الهواري قابل الأمراء المجردين بالصعيد، وأنهم خلعوا عليه، وفر عثمان بن الأحدب فتتبع حتى أخذ.
وفيه استقر عمر بن ممدود الكوراني في ولاية مصر، عوضاً عن الأمير شهاب الدين أحمد بن الزين. وبقيت ولاية القاهرة بيد ابن الزين. واستقر أبو بكر بن بدر في ولاية قليوب، وعزل بلبان.
وفيه توجه عبد الرحمن المهتار إلى الكرك، فقدمها في سادس عشرينه، وطلب من منجد بن خاطر أمير بني عقبة أربعمائة بعير وعد بها في الإمرة ووجد بتخاص لم يتسلم الكرك لامتناع شعبان بن أبي العباس بها.
شهر ذي الحجة، أوله السبت: فيه ورد الخبر من مكة بحريق الحرم الذي تقدم ذكره، وأنه تلف به ثلث الحرم. ولولا ما سقط قبل ذلك من السيل لأتت النار على ساير الحرم، وأنه تلف فيه من العمد الرخام مائة وثلاثون عموداً، فهال الناس ذلك وتحدث أهل المعرفة بأن هذا منذر بحادث جليل يقع في الناس، فكان كذلك. ووقعت المحن العظيمة بقدوم تمرلنك، كما يأتي ذكره إن شاء الله.
وفي خامسه: رسم باستقرار علاء الدين علي بن أبي البقاء في قضاء دمشق، وعزل الإخناي. ثم انتقض ذلك، واستقر عوضه أخوه قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء ثم أعرض عنها واستقر علاء الدين في خامس عشره.
وفي ثامنه وهو سابع مسرى: أوفي ماء النيل ستة عشره ذراعاً، فركب الأمير يشبك وخلق المقياس، وفتح الخليج على العادة، بعدما عزم السلطان على الركوب لذلك، ثم تركه خوفاً من الفتنة.
وفي يوم عرفة: أفرج عن الأمير تغري بردى، والأمير أقبغا الأطروش نائب حلب من سجنهما بقلعة دمشق، وحملا إلى القدس ليقيما به بطالين. وظهر الأمير صرق من اختفائه بدمشق، فأكرمه نائب الشام، وكاتب فيه، فأنعم عليه بتقدمة ألف بحلب، وسار إليها.
وفي ثالث عشره: قدم حاجب الأمير نعير بن حيار أمير آل فضل، وقاصد نائب حلب، ونائب بهسنا، بأن نائب بهسنا جمع من التركمان كثيراً، وواقع أحمد بن أويس صاحب بغداد، وكسره، ونهب ما معه، وبعث بسيفه. ويقال إنه سيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وفي سابع عشره: نزل تيمورلنك على مدينة سيواس، ففر منها الأمير سليمان بن خوندكار أبي يزيد بن عثمان إلى أبيه، فاستمر تيمور يحاصرها.
وفي ليلة الثلاثاء خامس عشرينه: اتفق مماليك الأمير نوروز على قتله. فلما بلغه ذلك احترز منهم بداره، وأصبح قبض على جماعة منهم، وغرف منهم في النيل أربعة.

وفي يوم الخميس سابع عشرينه: أعيد موفق الدين أحمد بن نصر الله إلى قضاء القضاة الحنابلة، وصرف نور الدين علي الحكري. واستقر شهاب الدين أحمد اليغموري الدمشقي في نيابة الأستادار بالبلاد الشامية. وفيه قدم مبشرو الحاج، واخبروا بسلامة الحجاج.
وفي هذه السنة: ملك الأمير تيمورلنك مدينة دله من الهند، وقد مات ملكها فيروز شاه بن نصره شاه.
وكان من عظماء ملوك الإسلام، فملك بعده مملوكه ملو وعليه قدم تيمور، ففر منه، وأوقع تيمور بالمدينة وما حولها وخربها، وسار عنها، فعاد إليها ملو وقد خربت، فمضي منها إلى السلطان.
ومات في هذه السنةالشيخ برهان الدين إبراهيم بن حسن بن موسي بن أيوب الأبناسي الشافعي، بطريق مكة في ثامن المحرم.
ومات الأمير علاء الدين علي الحلبي والي الغربية، وكاشف الوجه البحري في حادي عشرين ربيع الأول.
ومات قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح الحنبلي، وهو قاض، في ثامن ربيع الأول، عن نحو أربع وثلاثين سنة، وكان عفيفاً جميل السيرة.
ومات المعلم شهاب الدين أحمد بن محمد الطولوني المهندس، بطريق مكة، في صفر.
ومات قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن على الحنفي، وهو معزول، في عاشر جمادى الأولى.
ومات شيخ الشيوخ شيخ الإسلام جلال الدين أبو العباس أحمد، ابن شيخ الشيوخ نظام الدين إسحاق بن عاصم الأصفهاني، بخانقاة سرياقوس، في خامس عضرين ربيع الآخر.
ومات الأمير الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك، في سابع عشر رجب.
ومات الفقير المعتقد المجذوب سليمان السواق القرافي في تاسع عشر ربيع الأول.
ومات الأمير قجماس المحمدي، شاد السلاح خاناه، في ثامن ربيع الأول، قتيلاً.
ومات الأمير قشتمر بن قجماس أخو الأمير أينال باي، في ثامن ربيع الأول، قتيلاً.
ومات الأمير قطلوبك الحسامي المنجكي، بالينبع من الحجاز.
ومات قرابغا الأسنبغاوي، أحد أمراء الطبلخاناه.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير جمال الدين عبد ا لله ابن الأمير بكتمر الحاجب، في خامس عشرين ربيع الآخر.
ومات الأمير ينتمر المحمدي الحاجب.
وماتت خوند التنكزية، بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون، امرأة الأمير تنكز بغا، في ثامن صفر.
وماتت شيرين أم الملك الناصر فرج، في ليلة السبت أول ذي الحجة. ودفنت بالمدرسة الظاهرية بين القصرين.
ومات الأمير جمال الدين يوسف الهذباني، في ثامن ذي الحجة بدمشق، ومولده سنة أربع وسبعمائة تخمينا وتأمر في أيام الناصر محمد بن قلاوون، وباشر ولاية الولاة بدمشق، وأعلى تقدمة ألف بها، وولى نيابة قلعة دمشق غير مرة. وكان شيخ الطور، وحصل فيها مالاً كثيراً، ونكب غير مرة، وقدم القاهرة مراراً. وكانت فيه دعابة مفرطة.
ومات بالقدس شهاب الدين أحمد بن الحافظ أبي سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلاي، في شهر ربيع الأول، ومولده سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة بدمشق، جمع الكثير، وقدم القاهرة، وأقام بالقدس، ورحل الناس إليه.
سنة ثلاث وثمانمائةأهل المحرم، بيوم الأحد، تاسع عشرين مسرى: والأردب القمح من خمسين إلى ما دونها، والشعير والفول بثلاثين فما دونها. والدينار الأفرنتي بتسعة وعشرين درهماً.
وفي ثالثه: خلع على الأمير تغري برمش السيفي متولي الشرقية، لولاية القاهرة، عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن الزين.
وفي سادسه: قدم البريد من دمشق بأن تمرلنك نزل على سيواس، وانهزم سليمان ابن أبي يزيد بن عثمان، وقرا يوسف بن قرا محمد إلى جهة برصا، بلد الروم، وأنه أخذ سيواس، وقتل من أهلها جماعة كبيرة.
وفي تاسعه: وردت رسل ابن عثمان، فكتبت أجوبة كتبهم، وسفروا.
وفي يوم الخميس ثاني عشره: استقر القاضي نور الدين على بن الجلال يوسف بن مكي الدميري المالكي في قضاء القضاة المالكية، عوضاً عن قاضي القضاة ولى الدين عبد الرحمن بن خلدون على مال وعد به.

وفي رابع عشره: استدعي إلى حضرة السلطان بالقصر من القلعة قاني باي العلاي، رأس نوبة أحد الطبلخاناه، وأمر بلبس تشريف نيابة غزة، فامتنع من ذلك، فقبض عليه وسلم إلى الأمير أقباي حاجب الحجاب، فأقام عنده إلى آخر النهار، فاجتمع طائفة من المماليك السلطانية يريدون أخذه فخاف، وصعد إلى قلعة الجبل وشاور في أمره، فأخرج عنه، وبقيت عليه إمرته.
وفي سادس عشره: استقر الأمير جركس السودوني، - ويقال له أبو تنم - في نيابة الكرك، عوضاً عن الأمير بتخاص من غير أن يتسلمها، فسار جركس إليها، ودخلها من غير أن ينازعه شعبان بن أبي العباس، وأقام بها، وقد عمها الخراب، وتلف أكثر القرى، لشدة ما كان من بتخاص وابن أبي العباس من الفتن والحروب.
وفي عشرينه: استقر محمد بن العادلي والي منوف، وعزل علاء الدين بن حمزة.
وفي رابع عشرينه استقر: بلبان وإلى أسوان، وعزل علي بن قرط.
وفي خامس عشرينه: ورد البريد من حلب بأخذ تمرلنك سيواس وملطية.
وفي سادس عشرينه: قدم البريد من حلب بوصول أوائل عسكر تمرلنك إلى عين تاب، فأدركوا المسلمين. وفيه انتهت زيادة ماء النيل إلى تسعة عشر ذراعاً واثني عشر إصبعاً، وثبت إلى سابع عشر توت.
وفي ثامن عشرينه: استقر الأمير شهاب الدين أحمد بن الوزير الأمير ناصر الدين محمد بن رجب بن كلفت في شد الدواوين، عوضاً عن الشريف علاء الدين على البغدادي. وفيه استدعى الخليفة، وقضاة القضاء، والأمراء، وأعيان الدولة، وأعلموا أن تمرلنك وصل إلى سيواس وأخذها، ووصلت مقدمته إلى مرعش وعين تاب والقصد أخذ مال من التجار إعانة على النفقة في العساكر. فقال القضاة: أنتم أصحاب اليد، وليس لكم معارض، وإن كان القصد الفتوى فلا يجوز أخذ مال أحد، ويخاف من الدعاء على العساكر إن أخذ مال التجار، فقيل لهم نأخذ نصف الأوقاف نقطعها للأجناد البطالين، فقيل وما قدر ذلك ومتى اعتمد في الحرب على البطالين من الأجناد؟ خيف أن يأخذوا المال؟ ويميلون عند اللقاء مع من غلب وطال الكلام حتى استقر الرأي على إرسال الأمير أسنبغا الحاجب لكشف الأخبار، وتجهيز عساكر الشام إلى جهة تمرلنك.
وفي سلخه: استقر الأمير مبارك شاه حاجباً ثانياً، عوضاً عن دقماق نائب حماة، وأضيف إلى تغري برمش وإلى القاهرة الحجوبية على عادة ابن الزين. واستقر ناصر الدين محمد بن الأعسر كاشف الفيوم وواليها كاشف البهنساوية والأطفيحية وعزل أسنبغا.
شهر صفر، أوله الثلاثاء: وفي خامسه: استقر حسام الدين بن قراجا العلاي والي الجيزة، وصرف خليل بن الطوخي.
وفيه سار الأمير أسنبغا لكشف أخبار تمرلنك. وأنعم على أقبغا الجمالي نائب - كان - بنيابة غزة، ثم بطل ذلك.
وفي رابع عشره: قدم البريد من حلب بكتاب النائب وكتاب أسنبغا، أن تمرلنك نزل على قلعة بهسنا، بعدما ملك المدينة، وأنه يحاصرها، وقد وصلت عساكره إلى عينتاب، فوقع الشروع في حركة السفر.
وفي حادي عشرينه: خلع علي بدر الدين محمد بن محمد بن مقلد القدسي الحنفي بقضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن تقي الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة، المعروف بابن الكفري.
وفي رابع عشرينه: خرج الأمير يلبغا السالمي إلى شبرا الخيام - من ضواحي القاهرة - وكسر بها من جرار الخمر أربعة وأربعين ألف جرة، وأراق ما فيها، وخرب بها كنيسة للنصارى. وعاد في أخره ومعه عدة م أحمال من جرار الخمر، فكسرها عند باب زويلة وتحت القلعة.
ومن حينئذ تلاشى حال أهل شبرا ومنية الشيرج، فإن معظم أموالهم كان من عصير الخمر وبيعه.
وفي سادس عشرينه: استقر طيبغا الزيني كاشف الوجه البحري، وعزل ابن طرنطاي.
شهر وبيع الأول، أوله الأربعاء: وفي ثانيه: عمل السلطان المولد النبوي على العادة.

وفي ثالثه: علق جاليش السفر، وأخذ العسكر في أهبة السفر. وذلك أنه قدم البريد من أسنبغا أن تمرلنك نزل على بزاعة ظاهر حلب، فبرز نائب طرابلس بسبعمائة فارس إلى حاليش تمرلنك، وهم نحو ثلاثة آلاف. وترامي الجمعان بالنشاب، ثم اقتتلوا، وأخذ من التتار أربعة، وعاد كل من الفريقين إلى موضعه فوسط الأربعة على أبواب مدينة حلب. وأما دمشق فإن أهل محلاتها اجتمعوا في ثانية، ومعهم أهل النواحي، بالميدان وحملوا الصناديق الخليفتية، وشهروا السيوف، ولعبوا بين يدي النائب، ثم انفضوا. وخرج في ثالثه القضاة في جمع كبير، ونادوا بقتال تمرلنك، وتحريض الناس عليه، وعرض النائب العشران بالميدان، وفرض على البساتين والدور مالاً، وقدم الأمير أسنبغا من القاهرة في سابعه بتجهيز العساكر وغيرهم لحرب تمرلنك. فقرئ كتاب السلطان بذلك في الجامع، ونودي في تاسعه بألا يؤخذ من أحد شيء مما فرض على الدور وغيرها.
وفيه قدم رسول تمر بكتابه للمشايخ والأمراء والقضاة بأنه قدم في عام أول إلى العراق، يريد أخذ القصاص ممن قتل رسله بالرحبة ثم عاد إلى الهند لما بلغه ما ارتكبوه من الفساد، فأظفره الله بهم. فبلغه موت الظاهر، فعاد وأوقع بالكرج. ثم قصد، لما بلغه قلة أدب هذا الصبي - أبي يزيد بن عثمان - أن يعرك أذنه، ففعل بسيواس وغيرها من بلاده ما بلغكم. ثم قصد بلاد مصر ليضرب بها السكة، ويذكر اسمه في الخطة، ثم يرجع بعد أن يقرر سلطان مصر بها. وطلب أن يرسل إليه أطلمش ليدركه، إما بملطية أو حلب أو دمشق، وإلا فتصير دماء أهل الشام وغيرهم في ذمتكم، مخرج نائب صفد في رابع عشره، وخرجت الأطلاب في نصفه.
وقدم الخبر من حلب بنزول تمر على بهسنا فأخذ الناس في الرحيل من دمشق، فمنعهم النائب من ذلك، ورحل النائب من برزه في ثاني عشرينه يريد حلب، فلقيه نائب طرابلس في طريقه.
وكان من خبر أخذ تمرلنك مدينة حلب، أنه لما نزل على عين تاب، بعث إلى دمرداش نائب حلب يعده باستمراره في نيابة حلب، ويأمره بمسك الأمير سودن نائب الشام. فلما قدم عليه الرسول بذلك أحضره إلى نواب ممالك الشام، وقد حضروا إلى حلب وهم: سودن نائب دمشق، وشيخ المحمودي نائب طرابلس ودقماق نائب حماة، وألطنبغا العثماني نائب صفد، وعمر بن الطحان نائب غزة بعساكرها، فاجتمع منهم بحلب نحو ثلاثة آلاف فارس منهم عسكر دمشق ثمانمائة فارس، إلا أن الأهواء مختلفة، والآراء مفلولة، والعزائم محلولة والأمر مدبر. فبلغ رسول تمرلنك الرسالة دمرداش، فأنكر مسك سودن نائب دمشق. فقال له الرسول إن الأمير - يعني تمرلنك - لم يأت إلا بمكاتبتك إليه، وأنت تستدعيه أن ينزل على حلب، وأعلمته أن البلاد ليس بها أحد يدفع عنها. فحنق منه دمرداش، وقام إليه وضربه، ثم أمر به فضربت رقبته. ويقال أن كلام هذا الرسول كان من تنميق تمرلنك ومكره، ليغرق بذلك بين العساكر. ونزل تمر على جبلان خارج حلب، يوم الخميس تاسع ربيع الأول. وزحف يوم الجمعة، وأحاط بسور حلب، وكانت بين الحلبيين وبينه في هذين اليومين حروب.
فلما أشرقت الشمس يوم السبت حادي عشره، خرجت نواب الشام بالعساكر وعامة أهل حلب إلى ظاهر المدينة وعبوا للقتال. ووقف سودن نائب دمشق في الميمنة، ودمرداش في الميسرة، وبقية النواب في القلب، وقدموا أمامهم عامة أهل حلب. فزحف تمرلنك بجيوش قد سدت الفضاء، فثبت الأمير شيخ نائب طرابلس، وقاتل - هو وسودن نائب دمشق - قتالاً عظيماً، وبرز الأمير عز الدين أزدمر أخو أينال اليوسفي، وولده يشبك ابن أزدمر في عدة من الفرسان، وأبلوا بلاء عظيماً. وظهر عن أزدمر وولده من الإقدام ما تعجب منه كل أحد، وقاتلا قتالاً عظيماً، فقتل أزدمر وفقد خبره، وثخنت جراحات يشبك، وصار في رأسه فقط زيادة على ثلاثين ضربة بالسيف، سوى ما في بدنه، فسقط بين القتلى، ثم أخذ وحمل إلى تمرلنك.
ولم يمض غير ساعة حتى ولت العساكر تريد المدينة، وركب أصحاب تمر أقفيتهم، فهلك تحت حوافر الخيل من الناس عدد لا يدخل تحت حصر، فإن أهل حلب خرجوا حتى النساء والصبيان، وازدحم الناس مع ذلك في دخولهم من أبواب المدينة، وداس بعضهم بعضاً، حتى صارت الرمم طول قامة، والناس تمشي من فوقها.

وتعلق نواب المماليك بقلعة حلب، ودخل معهم كثير من الناس، وكانوا قبل ذلك قد نقلوا إلى القلعة سائر أموال الناس بحلب. واقتحمت عساكر تمرلنك المدينة وأشعلوا بها النيران، وجالوا بها ينهبون ويأسرون ويقتلون. واجتمع بالجامع وبقية المساجد نساء البلد، فمال أصحاب تمر عليهن، وربطوهن بالحبال، ووضعوا السيف في الأطفال فقتلوهم بأجمعهم، وأتت النار على عامة المدينة فأحرقتها. وصارت الأبكار تفتض من غير تستر ولا احتشام، بل يأخذ الواحد الواحدة ويعلوها في المسجد والجامع، بحضرة الجم الغفير من أصحابه، ومن أهل حلب، فيراها أبوها وأخوها ولا يقدر أن يدفع عنها، لشغله بنفسه.
وفحش القتل، وامتلأ الجامع والطرقات برمم القتلى، واستمر هذا الخطب من صحوة نهار السبت إلى أثناء يوم الثلاثاء، والقلعة قد نقب عليها من عدة أماكن، وردم خندقها، و لم يبق إلا أن تؤخذ. فطلب النواب الأمان، ونزل دمرداش إلى تمرلنك، فخلع عليه ودفع إليه أماناً، وخلعاً للنواب، وبعث معه عدة وافرة إلى النواب، فأخرجوهم. ممن معهم، وجعلوا كل اثنين في قيد وأحضروا إليه، فقرعهم ووبخهم، ودفع كل واحد منهم إلى من يحتفظ به. وسيقت إليه نساء حلب سبايا. وأحضرت إليه الأموال، ففرقها على أمرائه. واستمر بحلب شهراً. والنهب في القرى لا يبطل، مع قطع الأشجار، وهدم البيوت وجافت حلب وظواهرها من القتلى، بحيث صارت الأرض منهم فراشاً، لا يجد أحد مكاناً يمشي عليه إلا وتحت رجليه رمة قتيل. وعمل من الروس منابر عدة، مرتفعة في السماء نحو عشرة أذرع، في دور عشرين ذراعاً، حرز ما فيها من رءوس بني آدم، فكان زيادة على عشرين ألف رأس. وجعلت الوجوه بارزة يراها من يمر بها.
ثم رحل تمر عنها، وهي خاوية على عروشها، خالية من ساكنها وأنيسها، قد تعطلت من الأذان، وإقامة الصلوات. وأصبحت مظلمة بالحريق، موحشة، قفراء مغبرة، لا يأويها إلا الرخم. وأما دمشق، فأنه لما قدم عليهم الخبر بأخذ حلب، نودي في الناس بالتحول إلى المدينة والاستعداد للعدو، فاختبط الناس، وعظم ضجيجهم وبكاؤهم، وأخذوا ينتقلون في يوم الأربعاء نصفه من حوالي المدينة إلى داخلها. واجتمع الأعيان للنظر في حفظ المدينة.
فقدم في سابع عشره المنهزمون من حماه، فعظم الخوف، وهم الناس بالجلاء، فمنعوا منه، ونودي من سافر نهب. فورد في ثامن عشره الخبر بنزول طائفة من العدو على حماه، فحصنت مدينة دمشق، ووقف الناس على الأسوار، وقد استعدوا، ونصبت المناجنيق على القلعة، وشحنت بالزاد.
فقدم الخبر في ثاني عشرينه بأخذ قلعة حلب، وبوصول رسل تمر بتسليم دمشق، فهم نائب الغيبة بالفرار، فرده العامة رداً قبيحاً، وماج الناس وأجمعوا على الجلاء. واستغاث الصبيان والنساء فكان وقتاً شنعاً، ونودي من الغد لا يشهر أحد سلاحاً، وتسلم البلاد لتمر، فنادى نائب القلعة بالاستعداد للحرب، فاختلف الناس. فقدم الخبر بمجيء السلطان، ففتر عزم الناس عن السفر، ثم تبين أن السلطان لم يخرج من القاهرة.
وفي ثامن عشره: فرقت الجمال بقلعة الجبل على المماليك السلطانية.
وفي عشرينه: نودي بالقاهرة وظواهرها على أجناد الحلقة أن يكونوا يوم الأربعاء ثاني عشرينه في بيت الأمير يشبك الدوادار للعرض عليه، فانزعج الناس، ووقع عرض الأجناد من يوم الأربعاء.
وفي خامس عشرينه: ورد الخبر بهزيمة نواب الشام، وأخذ تمرلنك حلب ومحاصرته القلعة، فقبض على المخبر، وحبس. ووقع الشروع في النفقة للسفر، فأخذ كل مملوك ثلاثة آلاف وأربعمائة درهم. وخرج الأمير سودن من زاده، والأمير أينال حطب على الهجن في ليلة الأربعاء تاسع عشرينه، لكشف هذا الخبر.

وفي هذا الشهر: أيضاً أخذت مدينة حماه وكان من خبرها أن مرزه شاه ابن تمرلنك، نزل عليها بكرة يوم الثلاثاء رابع عشره، وأحاط بسورها، ونهب المدينة، وسبي النساء والأطفال، وأسر الرجال، ووقع أصحابه على النساء يطؤوهن ويفتضوا الأبكار جهاراً، من غير استتار، وخربوا جميع ما خرج عن السور. وقد ركب أهل البلد السور، وامتنعوا بالمدينة، وباتوا على ذلك. فلما أصبحوا يوم الأربعاء فتحوا باباً واحداً من أبواب المدينة، ودخل ابن تمر في قليل من أصحابه ونادي بالأمان. فقدم الناس إليه أنواع المطاعم فقبلها، وعزم أن يقيم رجلاً من أصحابه على حماه، فقيل له أن الأعيان قد خرجوا منها، فخرج إلى مخيمه، وبات به. ودخل يوم الخميس ووعد الناس بخير، وخرج. ومع ذلك، فإن القلعة ممتنعة عليه.
فلما كان ليلة الجمعة نزل أهل القلعة إلى المدينة وقتلوا من أصحاب مرزه شاه رجلين كانا أقرهما بالمدينة، فغضب من ذلك وأشعل النار في أرجاء البلد، واقتحمها أصحابه يقتلون ويأسرون وينهبون، حتى صارت كمدينة حلب، سوداء، مغبرة، خالية من الأنيس.
وفيه تكاثر جمع الناس بدمشق، بمن فر إليها من مملكة حلب وحماه وغيرها، واضطربت أحوال الناس بها، وعزموا على مفارقتها، وخرجوا منها شيئاً بعد شيء، يريدون القاهرة.
وفيه ركب شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وقضاة القضاة، والأمير أقباي حاجب الحجاب، والأمير مبارك شاه الحاجب. ونودي بين أيديهم بالقاهرة من ورقة تتضمن أمر الناس بالجهاد في سبيل الله لعدوكم الأكبر تمرلنك، فإنه أخذ البلاد، ووصل إلى حلب، وقتل الأطفال على صدور الأمهات، وأخرب الدور والمساجد والجوامع، وجعلها إسطبلات للدواب، وهو قاصدكم، يخرب بلادكم، ويقتل رجالكم وأطفالكم، ويسبي حريمكم. فاشتد جزع الناس وكثر صراخهم، وعظم عويلهم، وكان يوماً شديداً.
شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة: في ثالثه: قدم الأمير أسنبغا السيفي الحاجب، وأخبر بأخذ تمرلنك مدينة حلب وقلعتها، باتفاق دمرداش معه، وأنه بعد أن قبض عليه أفرج عنه. وحكي ما نزل من البلاء بأهل حلب، وأنه قال لنائب الغيبة بدمشق أن يخلي بين الناس وبين الخروج منها، فإن الأمر صعب وأن النائب لم يمكن أحداً من المسير. فخرج السلطان في يومه، ونزل بالريدانية ظاهر القاهرة، وتبعه الأمراء والخليفة والقضاة إلا قاضي القضاة جمال الدين يوسف الملطي الحنفي، فإنه أقام لمرضه. وألزم الأمير يشبك قاضي القضاة ولى الدين عبد الرحمن بالسفر إلى دمشق، فخرج مع العسكر وتعين الأمير تمراز أمير مجلس لنيابة الغيبة. وأقام من الأمراء الأمير جكم من عوض في عدة من الأمراء. وأمر تمراز بعرض أجناد الحلقة، وتحصيل ألف فرس وألف جمل، وإرسال ذلك مع من يقع عليه الاختيار من أجناد الحلقة.
وفيه استقر الأمير أرسطاي من خجا علي في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن أمير فرج بعد موته. وكان أرسطاي منذ أفرج عنه مع الأمير نوروز قد أقام بثغر الإسكندرية بطالاً. فوردت إليه الولاية بالتقليد والتشريف.
وفي خامسه: نودي على أجناد الحلقة بالحضور للعرض في بيت الأمير تمراز، وهدد من تأخر عن الحضور. وخرج البريد إلى أعمال ديار مصر بالوجهين القبلي والبحري بجمع أقوياء أجناد الحلقة من الريف، وبتجهيز العربان للخروج إلى حلب تمرلنك.
وفي بكرة يوم الجمعة ثامنه: سار الجاليش، وفيه من الأمراء والأكابر نوروز رأس نوبة، وبكتمر الركني أمير سلاح، ويلبغا الناصري، وأقباي حاجب الحجاب، وأينال باي بن قجماس، وبيبرس الأتابك ابن أخت السلطان الظاهر.
وفي عاشره: رحل السلطان ببقية العساكر.
وفي ثاني عشره: قدم الخبر إلى دمشق بوصول جماعة تمرلنك قريباً من حمص، فأنزعج الناس، وأخذوا في الاستعداد وحمل الناس أموالهم إلى القلعة، وجفل جماعة من الناس بقدوم الأمير دمرداش نائب حلب إلى دمشق، في يوم السبت رابع عشرينه، فاراً من تمرلنك. وخرج لملاقاة السلطان فقدم من الغد الناس - وقد جفلوا - من بعلبك وأعمالها، بنسائهم ومواشيهم، لنزول تمر عليهم، فخرج كثير من أهل دمشق في ليلة الأربعاء ثامن عشرينه.
وفي رابع عشره: استقر البدر محمود العينتابي في حسبة القاهرة بسفارة الأمير جكم، وعزل البخانسي.

وفي خامس عشره: استقر الأمير أسنبغا الحاجب في كشف الجسور بالأشمونين. وخليل الشرفي جسور المنوفية، وقجماس والي العرب في كشف جسور الغربية.
وفي عشرينه: دخل السلطان مدينة غزة واستقر بالأمير تغري بردى من أسنبغا في نيابة دمشق، وبأقبغا الجمالي في نيابة طرابلس، وبتمربغا المنجكي في نيابة صفد، وبطولو من علي شاه في نيابة غزة، وبصدقة بن الطويل في نيابة القدس، وبعثهم إلى ممالكهم. وسار الجاليش من غزة في رابع عشرينه.
وسار السلطان في سادس عشرينه، وقد انضم إليه كثيرة ممن فر من البلاد الشامية.
وفي آخره: استقر الأمير تمراز نائب الغيبة بمنكلي بغا - مملوك مبارك شاه - في ولاية البهنسا، عوضاً عن يلبغا الزيني. فلما حضر إلى الأمير يلبغا السالمي نزع عنه الخلعة، وضربه بالمقارع ومقترح، ووكل به. فلما أصبح خلع عليه، وأذن له في السفر إلى ولايته، وذلك بعد ما دخل عليه في أمره، فراعى الأمير تمراز، وتلافي ما وقع منه، فلم يرض هذا تمراز، وحقد عليه حقداً زائداً.
شهر جمادى الأول، أوله السبت: في ثانيه: قدم البريد من السلطان، بأنه قد ورد خمسة من أمراء طرابلس بكتاب أسندمر نائب الغيبة، يتضمن أن أحمد بن رمضان التركماني، وابن صاحب الباز، وأولاد شهري، ساروا وأخذوا حلب، وقتلوا من بها من أصحاب تمرلنك، وهم زيادة على ثلاثة آلاف فارس. وأن تمرلنك بالقرب من سليمة، وأنه بعث عسكراً إلى طرابلس، فثار بهم أهل القرى وقتلوهم عن أخرهم بالحجارة، لدخولهم بين جبلين، وأنه قد حضر إلى الطاعة خمسة من أمراء المغل، وأخبروا بأن نصف عسكر تمرلنك على نية المصير إلى الطاعة السلطانية. وأن صاحب قبرس، ووزيره إبراهيم كرى، وصاحب الماغوصة، وردت كتبهم بانتظار الإذن في تجهيز المراكب في البحر لقتال تمرلنك.
وفيه استقر تمراز بناصر الدين محمد بن خليل الضاني في ولاية مصر. وعزل عمر بن الكوراني. وفيه قبض الأمير يلبغا السالمي على متا بترك النصارى ليعاقبه، وألزمه بمال ليأخذ عنه بضائع، فحلف أنه ليس عنده مال، وأن سائر ما يرد إليه من المال يصرفه في فقراء المسلمين وفقراء النصارى، فوكل به.
وفي ثالثه: قدم الأمير تغري بردى - نائب الشام - دمشق.
وفيه جفل أهل قرى دمشق إليها لوصول طائفة من أصحاب تمرلنك نحو الصنمين.
وفي سادسه: قدم السلطان دمشق بعساكره، وقد وصلت أصحاب تمرلنك إلى البقاع.
وفي عاشره: اقتتل بعض العسكر مع التمرية.
وفي يوم السبت خامس عشره: نودي في القاهرة ومصر أن الأمير يلبغا السالمي أمر أن نساء النصارى يلبسن أزراراً زرقاً. ونساء اليهود يلبسن أزراراً صفراً.
وأن النصارى واليهود لا يدخلون الحمامات إلا وفي أعناقهم أجراس وكتب على بترك النصارى بذلك إشهاداً، بعد أن جرت بينه وبينه عدة محاورات، حتى أشهد عليه بالتزام ذلك، إلزامه سائر النصارى بديار مصر، وألزم سائر مدولبي الحمامات ألا يكونوا يهودياً ولا نصرانياً من الدخول بغير جرس في عنقه، فقام الأمير تمراز في معارضته.
وفي يوم السبت: هذا نزل تمرلنك إلى قطا فملأت جيوشه الأرض، وركب طائفة منهم إلى العسكر وقاتلوهم، فخرج السلطان من دمشق يوم الثلاثاء ثامن عشره إلى يلبغا، فكانت وقعة انكسرت ميسرة العسكر، وانهزم أولاد الغزاوي وغيرهم إلى ناحية حوران، وجرح جماعة، وحمل تمر حملة منكرة، ليأخذ بها دمشق، فدفعته عساكر السلطان.
وفي عشرينه: نادي الأمير تمراز بالقاهرة من كانت له ظلامة فعلية ببيت الأمير وأن اليهود والنصارى على حالهم، كما كانوا في أيام الملك الظاهر. فبطل ما أمر به السالمي.
وفيه أمر السالمي أن يضرب دنانير الذهب محررة الوزن، على أن كل دينار مثقال، سواء عزم على إبطال المعاملة بالدنانير الأفرنتية المشخصة، فضرب الدينار السالمي، وتعامل الناس به عدداً، ونقش عليه السكة الإسلامية.

وفي ثاني عشرينه: قدم البريد من السلطان أنه دخل دمشق يوم الخميس سادسه، وأقام بقلعتها إلى يوم السبت ثامنه، ثم خرج إلى مخيمه ظاهر المدينة عند قبة يلبغا. فحضر جاليش تمرلنك وقت الظهر من جهة جبل الثلج، وهو نحو ألف فارس، فسار إليهم مائة فارس من عساكر السلطان، وكسروهم وقتلوا منهم جماعة، وأنه حضر في تلك الليلة عدة من التمرية للطاعة، وأخبروا بنزول تمر على البقاع العزيزي فلتكونوا على حذر، فإن تمر كثير الحيل والمكر فدقت البشائر بقلعة الجبل ثلاثة أيام.
وفي خامس عشرينه: قدم البريد من السلطان، فاستدعي الأمير تمراز شيخ الإسلام البلقيني وولده جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر، ومن تأخر بالقاهرة من الأعيان، وقرئ عليهم كتاب السلطان بأنه قدم إلى دمشق في سادسه، وواقع طائفة من العسكر في ثامنه، أصحاب تمرلنك، وأن مرزه شاه بن تمر، وصهره نور الدين قتلا. وقتل قرايلك بن طرالي التركماني، وأن السلطان حسين بهادر - رأس ميسرة تمرلنك وابن بنته - حضر إلى الطاعة في ثالث عشره، ومعه جماعة كبيرة، فخلع عليه، وأركب فرساً بسرج وكنفوش من ذهب، وأنزل دار الضيافة بدمشق، وأن تمر نازل تحت جبل الثلج، وقد أرسل في طلب الصلح مراراً، فلم نجبه لأنه بقي في قبضتنا، ونحن نطاول معه الأمر حتى يرسل إلينا الأمراء المقبوض عليهم، وما أخذه من حلب وغيرها. وأن الأمير نعير دخل في الطاعة، وقدم إلى عذراء وضمير. وأن الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ توجه إلى الأغوار، وجمع خلقاً كثيراً، منهم عيسى بن فضل أمير آل علي، وبني مهدي، وعرب حارثة، وابن القان، والغزاوي، فصدفوا من التمرية زيادة على ألفي فارس، فقاتلوهم وقتلوا أكثرهم، وأخذوا منهم ذهباً ولؤلؤاً كبيراً. وأنه قد مات من أصحاب تمر بالبرد أكثر من ثلاثة آلاف نفس.
وقرئ أيضاً كتاب آخر بأن الأمير يلبغا السالمي لا يحكم إلا فيما يتعلق بالاستادارية خاصة، ولا يحكم في شيء مما كان يحكم فيه بين الأخصام مما يتعلق بالأمور الشرعية، وما يتعلق بالأمراء والحجاب، وأن الحاكم في هذه الأشياء الأمير تمراز نائب الغيبة. وسبب هذا أن السالمي - لما مات قاضي القضاة جمال الدين يوسف الملطي في تاسع عشر ربيع الآخر - كتب إلى السلطان يسأل في الإذن له بالتحدث في الأحكام الشرعية، فأجيب إلى ذلك، وكتب إليه به، فأقام له نقيباً كنقباء القضاة، وحكم بين الناس، في الأمور الشرعية، فشق هذا على تمراز، وكاتب السلطان في إبطال هذا، فكتب إليه بذلك. ولما قرئ على من حضر، نودي بالقاهرة ومصر أن من وقف ليلبغا السالمي في شكوى عوقب، ومن كانت له ظلامة أو شكوى أو أخذ منه السالمي شيء، فعليه بالأمير الكبير تمراز. ودقت البشائر أيضاً بالقلعة.
وفي سابع عشرينه: استدعي الأمير تمراز شمس الدين محمد البرقي الحنفي - أحد موقعي قضاة الحنفية - وتحدث معه في أمر السالمي، فكتب محضراً بقوادح في السالمي، وكتب فيه جماعة. وبلغ ذلك السالمي، وكان قد خرج من القاهرة، فحضر يوم الأحد سلخه إلى عند الأمير تمراز، وتفاوضا مفاوضة كبيرة، آلت إلى أن أصلح بينهما الأمير مبارك شاه الحاجب، والأمير بيسق أمير أخور. وعاد السالمي إلى منزله، وطلب البرقي وضربه عريا ضرباً مبرحاً، وأمر به أن يشهر كذلك، فقام الناس وشفعوا فيه حتى رده من الباب، وطلب جماعة من اليهود والنصارى وضربهم، وشهرهم، ونادي عليهم هذا جزاء من يخالف الشرع الشريف. وطلب دوادار وإلى القاهرة، وضربه لكونه نادى بما تقدم ذكره في حقه، فهرب الوالي إلى بيت تمراز واحتمي به، خوفا على نفسه.
شهر جمادى الآخرة، أوله الاثنين: في أوله خلع الأمير تمراز على ناصر الدين محمد بن ليلى بولاية مصر. فلما حضر إلى السالمي نزع عنه الخلعة وضربه عرياناً، وشهره وهو ينادي عليه هذا جزاء من يلي من عند غير الأستادار، ومن يلي بالبراطيل، فأدركه أحد مماليك تمراز وسار به إليه. فلما رآه مضروباً اشتد حنقه، وعزم على الركوب للحرب، فما زال به من حضر حتى أمسك عن إقامة الحرب. واشتدت العداوة بينهما.

وفيه قدم من أخبر باختلاف الأمراء على السلطان، وعوده إلى مصر، فكثر خوض الناس في الحديث، وكان من خبر السلطان أن تمرلنك بعث إليه وإلى الأمراء في طلب الصلح، وإرسال أطلمش من أصحابه، وأنه يبعث من عنده من الأمراء والمماليك، فلم يجب إلى ذلك. وكانت الحرب بين أصحاب تمر وطائفة من عساكر السلطان في يوم السبت ثامن جمادى الأولى كما تقدم. ثم كانت الحرب ثانياً في يوم الثلاثاء حادي عاشره. وفي كل ذلك يبعث تمرلنك في طلب الصلح فلا يجاب.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره: اختفي من الأمراء والمماليك السلطانية جماعة منهم الأمير سودن الطيار، والأمير قاني باي العلاي، وجمق أحد الأمراء.
ومن الخاصكية يشبك العثماني، وقمج الحافظي، وبرسبغا الدوادار، وطرباي في آخرين، فوقع الاختلاف عند ذلك بين الأمراء. وأتاهم الخبر بأن الجماعة قد توجهوا إلى القاهرة، ليسلطوا الشيخ لاجين الجركسي، فركب الأمراء في أخر ليلة الجمعة حادي عشرينه، وأخذوا السلطان، وخرجوا بغتة من غير أن يعي والد على ولده. وساروا على عقبة دمر، يريدون مصر من جهة الساحل، ومروا بصفد، فاستدعوا نائبها الأمير تمربغا المنجكي وأخذوه معهم إلى غزة. وتلاحق بهم كثير من أرباب الدولة. فأدرك السلطان الأمراء الذين اختفوا بدمشق: سودن الطار، وقاني باي ومن معهما بغزة. فما أمكن إلا مجاملتهم، وأقام بغزة ثلاثة أيام، وتوجه إلى القاهرة، بعدما قدم بين يديه آقبغا الفقيه أحد الدوادارية. فقدم إلى القاهرة يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة، وأعلم بوصول السلطان إلى غزة، فارتجت البلد، وكادت عقول الناس أن تختل. وشرع كل أحد يبيع ما عنده، ويستعد للهروب من مصر. فلما كان يوم الخميس خامسه، قدم السلطان إلى قلعة الجبل، ومعه الخليفة وأمراء الدولة ونحو الألف من المماليك السلطانية، ونائب دمشق الأمير تغري بردى، وحاجب الحجاب بها الأمير باشا باي، وغالب أمرائها، ونائب صفد، ونائب غزة، وهم في أسوأ حال، ليس مع الأمير سوى مملوك أو مملوكين فقط، وفيهم من هو بمفرده، ليس معه من يخدمه. وذهبت أموالهم وخيولهم وجمالهم وسلاحهم، وسائر ما كان معه، مما لو قوم لبلغت قيمته عشرات آلاف ألف دينار. وشوهد كثير من المماليك لما قدم وهو عريان. وكان الأمير يلبغا السالمي قد تلقي السلطان بالكسوة له، وللخليفة، وسائر الأمراء.
وأما دمشق فإن الناس بها أصبحوا يوم الجمعة بعد هزيمة السلطان، ورأيهم محاربة تمرلنك، فركبوا أسوار المدينة ونادوا بالجهاد، وزحف عليهم أصحاب تمر، فقاتلوهم من فوق السور، وردوهم عنه، وأخذوا منهم عدة من خيولهم. وقتلوا منهم نحو الألف، وأدخلوا رءوسهم إلى المدينة، فقدم رجلان من قبل تمر، وصاحا بمن على السور: أن الأمير يريد الصلح، فابعثوا رجلاً عاقلاً حتى نحدثه في ذلك. فوقع اختيار الناس على إرسال قاضي القضاة تقي الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي، فأرخى من السور، واجتمع بتمرلنك وعاد إلى دمشق، وقد خدعه تمرلنك، وتلطف معه في القول، وقال: هذه بلدة الأنبياء، وقد أعتقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة عن أولادي. فقام ابن مفلح في الثناء على تمر قياماً عظيماً، وشرع يخذل الناس عن القتال، ويكفهم عنه، فمال معه طائفة من الناس، وخالفته طائفة، وقالت: لا نرجع عن القتال. وباتوا ليلة السبت على ذلك، وأصبحوا وقد غلب رأي ابن مفلح، فعزم على إتمام الصلح، وأن من خالف ذلك قتل.

وفي الوقت، قدم رسول تمر إلى سور المدينة في طلب الطقزات، وهي عادة تمر إذا أخذ مدينة صلحاً أن يخرج إليه أهلها من كل نوع من أنواع المآكل والمشارب والدواب والملابس تسعة، يسمون ذلك طقزات، فإن التسعة بلغتهم يقال لها طقز. فبادر ابن مفلح واستدعي من القضاة والفقهاء والتجار حمل ذلك، فشرعوا فيه حتى كمل وساروا به إلى باب النصر ليخرجوه إلى تمرلنك، فمنعهم نائب القلعة من ذلك، وهددهم بحريق المدينة عليهم. فلم يلتفتوا إلى قوله، وتركوا باب النصر، ومضوا إلى جهة أخرى من جهات البلد. وأرخوا الطقزات من السور، وتدلي ابن مفلح ومعه كثير من الأعيان وغيرهم، وساروا إلى مخيم تمرلنك، وباتوا به ليلة الأحد. ثم عادوا بكرة الأحد وقد استقر تمر منهم بجماعة في عدة وظائف، ما بين قضاة قضاة، ووزير، ومستخرج الأموال، ونحو ذلك، ومعهم فرمان، وهو ورقة فيها تسعة أسطر، تتضمن أمان أهل دمشق على أنفسهم، وأهليهم خاصة. فقري على منبر جامع بني أمية، وفتح من أبواب المدينة باب الصغير فقط، وقدم أمير من أمراء تمرلنك، فجلس به ليحفظ البلد ممن يعبر إليها وأكثر ابن مفلح ومن كان معه من ذكر محاسن تمرلنك وبث فضائله، ودعا العامة إلى طاعته، وموالاته، وحثهم بأسرهم على جمع المال الذي تقرر جمعه وهو ألف ألف دينار، ففرض ذلك على الناس كلهم، وقاموا به من غير مشقة لكثرة أموالهم. فلما كمل المال، حمله ابن مفلح وأصحابه إلى تمر، ووضعوه بين يديه. فلما عاينه غضب غضباً شديداً، و لم يرض به، وأمر بابن مفلح ومن معه أن يخرجوا عنه، فاخرجوا، ووكل بهم. ثم ألزموا بحمل ألف تومان، والتومان عبارة عن عشرة آلاف دينار من الذهب، إلا أن سعر الدينار عندهم يختلف، فتكون جملة ذلك عشرة آلاف ألف دينار، فالتزموا بها، وعادوا إلى البلد، وفرضوه على الناس، فجبوا أجرة مساكن دمشق كلها عن ثلاثة أشهر، وألزموا كل إنسان من ذكر وأنثى، وحر وعبد، وصغير وكبير بعشرة دراهم. وألزم مباشر كل وقف من سائر الأوقاف بمال، فأخذ من أوقاف جامع بني أمية ألف درهم، ومن بقية أوقاف الجوامع والمساجد والمدارس والمشاهد والربط والزوايا شيء معلوم، بحسب ما اتفق، فنزل بالناس في استخراج هذا بلاء عظيم. وعوقب كثير منهم بالضرب، وشغل كل أحد بما هو فيه، فغلت الأسعار، وعز وجود الأقوات، وبلغ المسد من القمح - وهو أربعة أقداح - إلى أربعين درهماً فضة. وتعطلت الجمعة والجماعة من دمشق كلها، فلم تقم بها جمعة إلا مرتين، الأولى في يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة، ودعا الخطب فيها بجامع بني أمية للسلطان محمود، ولولي عهده ابن الأمير تيمور كركان، ثم شغل الناس بعدها عن الدين والدنيا بما هم فيه. وذلك أنه نزل شاه الملك - أحد أمراء تمر - بجامع بني أمية، ومعه أتباعه، وادعى أنه نائب دمشق، وجمع كل ما كان في الجامع من البسط والحصر، وستر بها شرفات الجامع، وصلى الناس الجمعة في شمالي الجامع، وهم قليل. وشاهدوا أصحاب شاه ملك يلعبون في الجامع بالكعاب، ويضربون بالطنابير. ثم بعد الجمعتين منعوا من إقامة في الجمعة بالجامع، فصلى طائفة الجمعة بعد ذلك بالخانقاه السميساطية، فتعطلت سائر الجوامع والمساجد من إعلان الأذان، وإقامة الصلاة. وبطلت الأسواق كلها، فلم بيع شيء إلا ما كان مما يورد ثمنه في الجباية المقررة.
وزاد بالناس البلاء أن أصحاب تمر لا يأخذون إلا الدراهم والدنانير لا غير، وردوا الفلوس، فانحطت وصار ما كان بخمسة دراهم لا يحسب الناس فيه فيما بينهم غير درهم واحد.

هذا ونائب القلعة ممتنع بها، وقد حاصره تمر، فخرب ما بين القلعة والجامع بالحريق وغيره. ثم إن النائب سلم بعد تسعة وعشرين يوماً. فلما تكامل حصول المال الذي هو بحسابهم ألف تومان، حمل إلى تمر، فقال لابن مفلح وأصحابه: هذا المال بحسابنا، إنما هو ثلاثة آلاف دينار. وقد بقي عليكم سبعة آلاف ألف دينار، وظهر أنكم قد عجزتم. وكان تمر لما خرجت إليه الطقزات، وفرض للجباية الأولى التي هي ألف ألف دينار، قرر مع ابن مفلح وأصحابه أن ذلك على أهل البلد، وأن الذي تركه العسكر المصري من المال والسلاح والدواب وغير ذلك لا يعتد به لهم، وإنما هو لتمر. فخرج الناس إليه بأموال أهل مصر. وبدا منهم في حق بعضهم بعضاً من المرافعات أنواع قبيحة، حتى صارت كلها إليه. فلما علم أنه قد استولى على أموال المصريين ألزمهم بإخراج أموال الذين فروا من التجار وغيرهم إلى دمشق خوفاً منه. وكان قد خرج من دمشق عالم عظيم، فتسارعوا إلى حمل ذلك إليه، وجروا على عادتهم في النميمة بمن عنده من ذلك شيء، حتى أتوا على الجميع. فلما صار إليه ذلك كله ألزمهم أن يخرجوا إليه سائر ما في المدينة من الخيل والبغال والحمير والجمال، فاخرج إليه جميع ما كان في المدينة من الدواب، حتى لم يبق بها شيء من ذلك. ثم ألزمهم أن يخرجوا إليه جميع آلات السلاح، جليلها وحقيرها، فتتبعوا ذلك، ودل بعضهم على بعض، حتى لم يبق بها من آلات القتال وأنواع السلاح شيء. ثم بعد حمل الفريضتين ورميه ابن مفلح ومن معه بالعجز عن الاستخراج، قبض على أصحاب ابن مفلح، وألزمهم أن يكتبوا له جميع خطط دمشق وحاراتها وسككها، فكتبوا ذلك ودفعوه إليه، ففرقه على أمرائه. وقسم البلد بينهم، فساروا إليها، ونزل كل أمير في قسمه، وطلب من فيه، وطالبهم بالأموال، فكان الرجل يوقف على باب داره في أزرى هيئة، ويلزم بما لا يقدر عليه من المال، فإذا توقف في إحضاره عذب بأنواع العذاب من الضرب وعصر الأعضاء، والمشي على النار، وتعليقه منكوشاً، وربطه بيديه ورجليه، وغم أنفه بخرقة فيها تراب ناعم، حتى تكاد نفسه تخرج، فيخلى عنه حتى يستريح، ثم تعاد عليه العقوبة. ومع هذا كله تؤخذ نساوه وبناته وأولاده الذكور، وتقسم جميعهم على أصحاب ذلك الأمير، فيشاهد الرجل المعذب امرأته وهي توطأ، وابنته وهي تقبض بكارتها، وولده وهو يلاط به، فيصير هو يصرخ مما به من ألم العذاب، وابنته وولده يصرخون من ألم إزالة البكارة، وإتيان الصبي، وكل هذا نهاراً وليلاً، من غير احتشام ولا تستر. ثم إذا قضوا وطرهم من المرأة، والبنت والصبي، طالبوهم بالمال، وأفاضوا عليهم أنواع العقوبات، وأفخاذهم مضرجة بالدماء. وفيهم من يعذب بأن يشد رأس من يعاقبه بحبل ويلويه حتى يغوص في الرأس، وفيهم من يضع الحبل على كتفي المعذب ويديره من تحت إبطه، ويلويه بعصا حتى ينخلع الكتفين. وفيهم من يربط إبهام اليدين من وراء الظهر ويلقي المعذب على ظهره، ويذر في منخريه رماداً سحيقاً، ثم يعلقه بإبهام يديه في سقف الدار، ويشعل النار تحته. وربما سقط في النار فسحبوه منها، وألقوه حتى يفيق، فيعذب أو يموت، فيترك.
واستمر هذا البلاء مدة تسعة عشر يوماً، آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين رجب، فهلك فيها بالعقوبة ومن الجوع خلق لا يدخل عددهم تحت حصر.
فلما علموا أنه لم يبق في المدينة شيء له قدر، خرجوا إلى تمرلنك، فأنعم بالبلد على أتباع الأمراء، فدخلوها يوم الأربعاء آخر رحب، ومعهم سيوف مشهورة، وهم مشاة، فنهبوا ما بقي من الأثاث وسبوا نساء دمشق بأجمعهن، وساقوا الأولاد والرجال، وتركوا من عمره خمس سنين فما دونها، وساقوا الجميع مربطين في الحبال. ثم طرحوا النار في المنازل، وكان يوماً عاصف الريح، فعم الحريق البلد كلها، وصار لهب النار يكاد أن يرتفع إلى السحاب، وعملت النار ثلاثة أيام، آخرها يوم الجمعة.

وأصبح تمر يوم السبت ثالث رجب راحلاً بالأموال والسبايا والأسري، بعدما أقام على دمشق ثمانين يوماً، وقد احترقت كلها، وسقطت سقوف جامع بني أمية من الحريق، وزالت أبوابه، وتفطر رخامه، ولم يبق غير جدره قائمة. وذهبت مساجد دمشق، ومدارسها، ومشاهدها، وسائر دورها، وقياسرها، وأسواقها، وحماماتها، وصارت أطلالاً بالية، ورسوماً خالية، قد أقفرت من الساكن، وامتلأت أرضها بجثث القتلى، ولم يبق بها دابة تدب، إلا أطفال يتجاوز عددهم آلاف، فيهم من مات، وفيهم من يجود بنفسه.
وأما بقية أمراء مصر وغيرهم، فإنهم لما علموا بتوجه السلطان من دمشق خرجوا منها طوائف طوائف، يريدون اللحاق بالسلطان، فأخذهم العشير، وسلبوهم ما معهم، وقتلوا خلقاً كثيراً. وظفر أصحاب تمرلنك بقاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي الشافعي، فسلبوه ما عليه من الثياب، وأحضروه إلى تمرلنك، فمرت به محن شديدة، آلت إلى أن غرق بنهر الزاب، وهو في الأسر.
وكان قاضي القضاة ولى الدين عبد الرحمن بن خلدون المالكي بداخل مدينة دمشق. فلما علم بتوجه السلطان تدلى من سور المدينة، وسار إلى تمرلنك فأكرمه وأجله، وأنزله عنده، ثم أذن له في المسير إلى مصر، فسار إليها وتتابع دخول المنقطعين بدمشق إلى القاهرة في أسوأ حال، من المشي والعري والجوع، فرسم لكل من المماليك السلطانية بألف درهم، وجامكية شهرين.
وأما السلطان فإنه لما استقر بقلعة الجبل أعاد شمس الدين محمد البخانسي إلى حسبة القاهرة، وصرف العينتابي في يوم السبت سابع جمادى الآخرة.
وفيه أذن للأمير يلبغا السالمي أن يتحدث في كل ما يتعلق بالمملكة، وأن يجهز عسكراً إلى دمشق لقتال تمرلنك، فشرع في تحصيل الأموال، وفرض على سائر أراضي مصر فرائض، فجبي من إقطاعات الأمراء، وبلاد السلطان وأخبار الأجناد، وبلاد الأوقاف عن عبرة كل ألف دينار خمسمائة درهم ثمن فرس، وجبي من سائر أملاك القاهرة ومصر وظواهرها أجرته عن شهر، حتى أنه كان يقوم على الإنسان في داره التي هو يسكنها، ويؤخذ منه أجرتها.
وجبي من الرزق - وهي الأراضي التي يأخذ مغلها قوم من الناس على سبيل البر - عن كل فدان من زراعة القمح، أو الفول، أو الشعير عشرة دراهم، وعن الفدان من القصب، أو القلقاس، أو النيلة - ونحو ذلك من القطاني - مائة درهم. وجبي من البساتين عن كل فدان مائة درهم. واستدعي أمناء الحكم والتجار، وطلب منهم المال على سبيل القرض.
وصار يكبس الفنادق وحواصل الأموال في الليل، فمن وجد صاحبه حاضراً فتح مخزنه، وأخذ نصف ما يجد من نقود القاهرة، وهي الذهب والفضة والفلوس. وإذا لم يجد صاحب المال أخذ جميع ما يجده من النقود. وأخذ ما وجد من حواصل الأوقاف، ومع ذلك فإن الصيرفي يأخذ عن كل مائة درهم - تستخرج مما تقدم ذكره - ثلاثة دراهم. ويأخذ الرسول الذي يحضر المطلوب ستة دراهم، وإن كان نقيباً أخذ عشرة دراهم. فاشتد الضرر بذلك، وكثر دعاء الناس على السالمي، وانطلقت الألسنة بذمه، وشنعت القالة فيه، وتمالأت القلوب على بغضه.
وفيه خلع على الأمير نوروز الحافظي، والأمير يشبك الشعباني، واستقرا مشيري الدولة، مدبري أمورها. وخلع على الأمير بهاء الدين أرسلان بن أحمد لنقابة الجيش، عوضاً عن أسندمر لانقطاعه بالشام.
وفي ثاني عشره: خلع على القاضي أمين الدين عبد الوهاب بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي قاضي العسكر، واستقر في قضاء القضاة الحنفية بديار مصر، عوضاً عن الجمال يوسف الملطي بعد وفاته وعلى القاضي جمال الدين عبد الله الأقفهسي، واستقر في قضاء القضاء المالكية بديار مصر، عوضاً عن نور الدين علي بن الجلال بعد موته أيضاً، وعلى ناصر الدين محمد بن خليل الضاني، واستقر أمير طبر، عوضاً عن الصارم إبراهيم بحكم انقطاعه، فصار والي مصر والقرافتين أمير طبر.
وفيه قدم من الشام ثلاثمائة من المماليك المنقطعين بأسوأ حال، من المضي والعري والجوع، وشكوا من العشير.
وفي تاسع عشره: قبض على المهتار عبد الرحمن، وألزم بما أخذه من العشير وغيرهم، ثم أفرج عنه بعد أيام.

وفي حادي عشرينه: قدم قاضي القضاة موفق الدين أحمد بن نصر الله الحنبلي من الشام، في أسوأ حال. وقدم أيضاً قاضي قضاة دمشق علاء الدين علي بن أبي البقاء الشافعي. وحضر أيضاً كتاب تمرلنك على يد أحد مماليك السلطان، يتضمن طلب أطلمش أطلندي، وأنه إذا قدم عليه أرسل من عنده من النواب والأمراء والأجناد والفمهاء، وقاضي القضاة صدر الدين المناوي ويرحل، فطلب أطلمش من البرج الذي هو مسجون فيه بقلعة الجبل، وأنعم عليه بخمسة آلاف درهم، وأنزل عند الأمير سودن طاز أمير أخور، وعين للسفر معه قطلوبك العلاي، والأمير ناصر الدين محمد بن سنقر الأستادار.
وفيه توجه الأمير بيسق أمير أخور رسولاً إلى تمرلنك بكتاب السلطان.
وجد الأمير يلبغا السالمي في تحصيل الأموال، وعرض أجناد الحلقة، وألزم من كان منهم قادراً على السفر بالخروج إلى الشام، وألزم العاجز عن السفر بإحضار نصف متحصل إقطاعه في السنة. وألزم أرباب الغلال المحضرة للبيع في المراكب النيلية أن يؤخذ منهم عن كل أردب درهم، وأن يؤخذ من كل مركب من المراكب التي تتنزه فيها الناس مائة درهم.
شهر رجب، أوله الثلاثاء: فيه بلغت الدنانير السالمية ثلاث آلاف دينار، وأمر السالمي أن يضرب دنانير أيضاً، منها ما زنته مائة مثقال ومثقال، ومنها ما وزنه تسعون مثقالاً ومثقال، وهكذا ينقص عشرة مثاقيل إلى أن يكون منها دينار زنته عشرة مثاقيل، فضرب من ذلك جملة دنانير.
وفي ثالثه: خلع على علم الدين يحيى بن أسعد، الذي يقال له أبو كم، واستقر في الوزارة، عوضاً عن الصاحب فخر الدين ماجد بن غراب، لاستعفائه من الوزارة. وفيه ورد الخبر بأن دمرداش نائب حلب تخلص من تمرلنك، وجمع وأخذ حلب وقلعتها من التمرية، وقتلهم.
وفي خامسه: استقر الطواشي فارس الدين شاهين الحلبي نائب المقدم في تقدمة المماليك، عوضاً عن الطواشي شمس الدين صواب السعدي جنكل. واستقر الطواشي زين الدين فيروز من جرحي، مقدم الرفرف، نائب المقدم.
وفي سابعه: حضر من عربان البحيرة إلى خارج القاهرة ستة آلاف فارس. ومن الشرقية ابن بقر، والتزم بألفين وخمسمائة فارس، ومن العيساوية وبني وائل ألف وخمسمائة فارس، فانفق فيهم الأمير يلبغا السالمي الأموال، ليتجهزوا إلى حرب تمرلنك.
وفي ثامنه: قدم قاصد الأمير نعير، لأنه قد جمع عرباناً كثيرة، ونزل على تدمر، وأن تمرلنك رحل من ظاهر دمشق إلى القطيفة.
وفي رابع عشره: قبض على الأمير يلبغا السالمي، وعلى شهاب الدين أحمد بن عمر ابن قطينة، وسلما للقاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب، ليحاسبهما على الأموال المأخوذة من الناس في الجبايات.
وفي ثامن عشره: استقر سعد الدين إبراهيم بن غراب أستادار السلطان عوضاً عن السالمي، مضافاً إلى ما بيده من وظيفتي نظر الجيش والخاص. ولبس جبة من حرير بوجهين، أحدهما أحمر والآخر أخضر، بطراز ذهب عريض في عرض ذراع وثمن، وترفع عن لبس التشريف، و لم يغير زي الكتاب.
وفي سادس عشرينه: استقر جمال الدين عبد الله المنجكي في ولاية البهنسا، وعزل منكلي بغا الزيني.وفي سلخه: ورد الخبر بأن ابن عثمان وصل إلى قيصرية، من بلاد الروم.
شهر شعبان، أوله الخميس: فيه قدم قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون من دمشق، وقد أذن له تمرلنك في التوجه إلى مصر، وكتب له بذلك كتاباً عليه خطه، وصورته تيمور كركان، وأطلق معه جماعة بشفاعته فيهم، منهم القاضي صدر الدين أحمد بن قاضي القضاة جمال الدين محمود القيصري، ناضر الجيش، وكان قد خرج مع السلطان من جملة موقعي الدست.
وفي ثانيه: جاء دمشق جراد كثير جداً، ودام أياماً.
وفي ثالثه: توجه تمرلنك من دمشق بعساكره، فعز القمح بدمشق، واقتات من تأخر بها من منابت الأرض.
وفي خامسه: برز الأمراء الذين كانوا بالقاهرة في غيبة السلطان بدمشق، للمسير لحرب تمرلنك، وهم: الأمير تمراز أمير مجلس، والأمير أقباي حاجب الحجاب، والأمير جرباش الشيخي، والأمير تمان تمر، والأمير صوماي الحسني. وامتنع الأمير جكم من السمر، فبطل سمر الأمراء أيضاً.
وفي سابعه: قدم الأمير سيف الدين شيخ المحمودي نائب طرابلس هارباً من تمرلنك، فتلقاه الأمراء، وقدموا إليه الخيول، بالسروج الذهب، والكنابيش الذهب، والقماش، والجمال، وغير ذلك، وفي ثامن عشره: أفرج عن ابن قطينة، ولزم داره.

وفي تاسع عشره: قدم الأمير دقماق المحمدي نائب حماه فاراً من تمرلنك، فأنعم عليه أيضاً. مما يليق به. وفيه برز الأمير تغري بردى من بشبغا نائب الشام للمسير إلى دمشق. وخرج بعده نواب البلاد الشامية وأمراؤها وأجنادها، وسائر أعيانها. وخلع على الأمير القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب جبة حرير بوجهين مطرزة، باستقراره فيما بيده عند استعفائه من الأستادارية. وعلى جمال الدين يوسف بن القطب بقضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن محيي الدين محمود بن الكشك.
وفي ثامن عشرينه: استقر تمربغا المنجكل في نيابة صفد، وخرج إليها واستقر تنكز بغا الحططي في نيابة بعلبك وناصر الدين محمد بن الطويل في كشف الوجه البحري، وعزل طيبغا الزيني.
وفي رابع عشرينه: قبض على مملوكين، فأقرا أنهما اتفقا مع جماعة من المماليك - سموهم - على إثارة فتنة وقتل الأمراء، فعفي عنهما، ولم يتحرك في ذلك ساكن. وفيه نودي ألا يقيم بديار مصر عجمي، وأجلو ثلاثة أيام، وهدد من تأخر بعدها، فلم يتم من ذلك شيء. ولهج الناس بالكتابة على الحيطان من نصرة الإسلام قتل الأعجام.
وفي سادس عشرينه: أعيد نور الدين علي بن عبد الوارث البكري إلى حسبة مصر، وصرف شمس الدين محمد الشاذلي.
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه: خلع على القاضي ناصر الدين محمد بن الصالحي أحد نواب الحكم، واستقر في قضاء القضاة الشافعية بديار مصر، على مال التزم به، وذلك بعدما أيس من حضور الصدر محمد بن إبراهيم المناوي، فنزل في خدمته أكابر الأمراء، مثل الأمير يشبك الدوادار وغيره، حتى جلس بالمدرسة بين القصرين، وحكم على العادة، ثم سار إلى داره.
شهر رمضان، أوله الجمعة: إلى ثاني عشره: استقر جنتمر التركماني النظامي نائب الوجه القبلي، وعزل علاء الدين علي بن غلبك بن المكللة.
وفي رابع عشره: استقر على ابن بنت معتوق في ولاية منفلوط، وعزل أحمد ابن علي بن غلبك.
وفي ثامن عشره: خلع على الأمير شيخ المحمودي بنيابة طرابلس على عادته عوضاً عن آقبغا الجمالي، وعلى دقماق المحمدي بنيابة صفد، عوضاً عن تمربغا المنجكي، وأنعم على تمربغا بإمرة مائة بدمشق. وفيه قدم حاج المغرب، وفيهم رسل صاحب تونس بهدية، منها ستة عشر فرشاً، قدمت للسلطان، وقدم معهم نحو ثلاثمائة فرس للبيع.
وفي هذا الشهر: توقفت أحوال الناس بسبب الذهب، فإنه أشيع أنه يطرح على الصيارف، ويؤخذ في الدينار الأفرنتي المشخص مبلغ تسعة وثلاثين درهماً من الفلوس. وكان قد بلغ بين الناس إلى ثمانية وثلاثين درهماً، فتناقص حتى صار إلى خمسه وثلاثين درهماً، والدينار المختوم المصري إلى ثمانية وثلاثين.
وقدم الخبر أن الفرنج أخذوا ستة مراكب موسقة قمحاً، سار بها المسلمون من دمياط إلى سواحل الشام، ليباع بها، من كثرة ما أصابها من القحط والغلاء من نوبة تمرلنك، فرسم بخروج جماعة من الأمراء إلى ثغور مصر، فخرج الأمير آقباي حاجب الحجاب والأمير بكتمر، والأمير جرباش في عدة من الأمراء وغيرهم، وتفرقوا في الثغور.
وفي ثالث عشرينه: أعيد قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون إلى قضاء المالكية، وصوف جمال الدين عبد الله الأقفهسي. واستقر مجد الدين سالم الحنبلي في قضاء القضاة الحنابلة، عوضاً عن موفق الدين أحمد بن نصر الله بعد وفاته، بعد أن طلب هو والشيخ علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عباس بن فتيان البعلبكي المعروف بابن اللحام الحنبلي، الوارد من دمشق إلى عند الأمير يشبك الدوادار، وعرض عليهما ولاية القضاء، فامتنعا، وصار كل منهما يقول: لا أصلح، وإنما يصلح هذا لدينه وعلمه. فكثر العجب من ذلك. واستقر الأمر لسالم، وخلع عليه، وركب إلى الصالحية في موكب حمل.
شهر شوال، أوله الأحد: فيه أفرج عن الأمير يلبغا السالمي، وهو متضعف بعدما عصر، وأهين إهانة بالغة.
وفي هذا اليوم: كثر تحرز الأمراء من بعضهم بعضاً، وتحدث الناس بإثارة فتنة بينهم.
وفي خامس: وصل الأمير تغري بردى نائب الشام إلى دمشق، ومن معه من العسكر.

وفي سابعه: استقر الأمير طولو من على شاه في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن الأمير أرسطاي، واستقر الأمير باشا باي من باكي حاجباً ثانياً بديار مصر على خبز سودن الطيار بطبلخاناه. واستقر تمر البربري مهمنداراً، عوضاً عن ألطبغا العثماني. واستقر كل من سودن الطيار، وألطبغا سيدي حاجباً بحب.
وفيه استدعي السلطان الأمراء إلى القلعة، وقال لهم: قد كتبنا مناشير جماعة من الخاصكية بإمريات بالشام من أول رمضان، فلم لا يسافروا، فقال الأمير نوروز: ما هذا مصلحة، إذا أرسل السلطان هؤلاء من يبقى.
ووافقه سودن المارديني على ذلك. فقال السلطان: من رد مرسومي فهو عدوي، فسكت الأمراء، وأمر السلطان بالمناشير أن تبعث إلى أربابها.
فلما نزلت إليهم امتنعوا من السفر، ومنهم من رد منشوره، فغصب السلطان وأصبح الجماعة يوم الأحد وقد اتفقوا مع الأمراء، وصاروا إلى الأمير نوروز، وتحدثوا معه في ألا يسافروا، فاعتذر إليهم، وبعثهم إلى سودن المارديني رأس نوبة، فحدثوه في ذلك. وما زالوا به حتى ركب إلى الأمير يشبك الدوادار، وحدثه في ألا يسافروا، فأغلظ في الرد عليه، وهددهم بالتوسيط إن امتنعوا، وبعثه إلى السلطان ليحدثه في ذلك، فصعد القلعة وسأل السلطان في إعفائهم من السفر، وأعلمه أنه قد اتفق منهم نحو الألف تحت القلعة وهم مجتمعون. فبعث السلطان إليهم أحد الخاصكية يقول لهم: نحن ما خليناكم بلا رزق، بل عملناكم أمراء. فما هو إلا أن بلغهم ذلك، ثاروا عليه وضربوه، حتى كاد يهلك. وبينما هم في ضربه إذا بالأمير قطلوبغا الكركي، والأمير أقباي الخازندار، نزلا من القلعة فمال عليهم المماليك يضربونهم بالدبابيس، إلى أن سقط قطلوبغا، فتكاثر عليه مماليكه، وحملوه إلى بيته، ونجا أقباي إلى بيت الأمير يشبك. وماجت البلد، فنودي آخر النهار أن الأمراء والمماليك السلطانية يطلعون من غد إلى القلعة، ومن لم يطلع حل دمه وماله للسلطان. فطلع الأمير يشبك ونوروز، وآقباي الخازندار، وقطلوبغا الكركي إلى القلعة بعد عشاء الآخرة، وباتوا بها إلا نوروز، فإنه أقام معهم ساعة ثم نزل. وطلع أيضاً غالب المماليك. وأصبحوا يوم الاثنين تاسعه، فطلع جميع الأمراء والمماليك، إلا الأمير جكم، وسودن الطيار، وقاني باي العلاي، وقرقماش الأينالي، وتمربغا المشطوب، وجمق، في عدة من أعيان المماليك، منهم يشبك العثماني، وقمج، وبرسمبغا، وطراباي، وبقية خمسمائة مملوك، فإنهم لبسوا السلاح، ووقفوا تحت القلعة حتى تضحى النهار، ثم مضوا إلى بركة الحبش، ونزلوا عليها. فبعث الأمير يشبك الدوادار - نقيب الجيش - إلى الشيخ لاجين قبض عليه، وحمله إلى بيت آقباي حاجب الحجاب، فوكل به من أخرجه من القاهرة إلى بلبيس وقبض على سودن الفقيه، أحد دعاة الشيخ لاجين، وأخرج إلى الإسكندرية فسجن بها. وما زال الأمير جكم ببركة الحبش إلى ليلة الأربعاء، فاستدعي الأمير يشبك الدوادار سائر الأمراء، فلما صاروا إلى القلعة وكل بهم من يحفظهم حتى مضى جانب من الليل، استدعى سودن طاز أمير أخور من الإسطبل ليحضر إلى عند الأمراء بالقلعة. وقد وقع الاتفاق على أن سودن طاز إذا طلع قتل هو والأمراء الموكل بهم، فأتى بعض الخاصكية إلى سودن طاز، وقال له: فز بنفسك. فلم يكذب الخبر، وأخذ الخيول التي بالإسطبل السلطاني، وركب بمماليكه ولحق بالأمير جكم على بركة الجيش. فارتج القصر السلطاني. ولحق كل أمير بداره، وركبوا بأجمعهم ودقت الكوسات، فلما أصبح نهار الأربعاء نزل السلطان من القصر إلى الإصطبل، وطلع إليه الأمراء، وبعث إلى الأمير جكم بأمان، وأنه يتوجه إلى صفد نائباً بها، فقال: نحن مماليك السلطان، وهو أستاذنا وابن أستاذنا، لو أراد قتلنا ما خالفناه، وإنما لنا غرماء، يخلونا وإياهم.

فلما عاد الرسول بذلك، بكي الأمير يشبك وأقباي الخازندار، وقطلوبغا الكركي، ودار بينهم وبين السلطان كلام كثير، فبعث السلطان بالأمير نوروز الحافظي، وقاضي القضاة ناصر الدين محمد بن الصالحي، وناصر الدين الرماح أمير أخور، إلى الأمير جكم في طلب الصلح، فامتنع من ذلك هو ومن معه، وقالوا: لابد لنا من غرمائنا، وأخروا عندهم الأمير نوروز، وعاد قاضي القضاة والرماح بذلك. فقال السلطان ليشبك دونك وغرماءك. فنزل إلى بيته، وقد اختل أمره. ثم عاد إلى القلعة، فلم يمكن منها، وتخفي عنه المماليك السلطانية، وتركوه وحده تحت الإسطبل السلطاني، فلم يكن غير ساعة حتى أقبل الأمير جكم، وسودن طاز، ونوروز، في عددهم وعديدهم. وصاحب الموكب نوروز وجكم عن يساره، وطاز عن يمنه، وصاروا قريباً من يشبك. فنادي يشبك: من قاتل معي من المماليك يأخذ عشرة آلاف درهم. فأتاه طائفة، فحمل عليه نوروز في من معه، فانهزم إلى داره، وقاتل ساعة، ثم فر، فنهبت داره ودار قطلوبغا وأقباي. وقبض على أقباي، فشفع فيه السلطان، فترك بداره إلى يوم الخميس ثاني عشره، ركب الأمير جكم إليه. وأخذه وصعد به إلى الإسطبل السلطاني، وقيده. وقبض على قطلوبغا من عند الأمير يلبغا الناصري، وقيده. وقبض على جركس المصارع من عند سودن الجلب، وقيده، وبعث الثلاثة إلى مدينة الإسكندرية ليلة السبت رابع عشره. وكتب بإحضار سودن. الفقيه من الإسكندرية. وطلب الأمير يشبك، فلم يقدر عليه، إلى ليلة الاثنين سادس عشره، دل عليه أنه في تربة بالقرافة. فلما أحيط به ألقى نفسه من مكان مرتفع، فشج جبينه، وقبض عليه الأمير جكم، وأحضره إلى بيت الأمير نوروز، ثم سير من ليلته إلى ثغر الإسكندرية، فسجن بها.
وفي يوم الاثنين: خلع على الأمير القاضي سعد الدين إبراهيم بن كراب جبة مطرزة، باستقراره على ما هو عليه.
وفي ثامن عشره: استقر ناصر الدين بن غرلوا نائب الوجه البحري، وعزل ابن مسافر. وألبس الأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس قباءنخ، وألبس أيضاً الأمير دقماق نائب صفد قباء السفر، وأذن لهما في السفر إلى ولايتهما.
وإلى تاسع عشره: خلع على الأمير حكم، واستقر دوادار السلطان، مكان الأمير يشبك الشعباني. وعلى سودن من زاده، واستقر خازندازاً، موضع أقباي الكركي. وعلى أرغون من بشبغا، واستقر شاد الشربخاناه، بدل قطلوبغا الكركي. وفيه خرج المحمل مع الأمير قطلوبك العلاي إلى الريدانية، خارج القاهرة. وعمل أمير الركب الأول الأمير بيسق الشيخي، ورسم له أن يقيم بعد انقضاء الحج بمكة، لعمارة ما بقي من المسجد الحرام.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه: أقبل على دمشق جراد، حجب من كثرته الشمس عن الأبصار، فأتلف جميع ما تنتبه الأرض بعامة أرض الشام كلها، حتى لم يدع بها خضراً من شجر ولا غيره، من غزة إلى الفرات.
وفي سادس عشرينه: استقر يونس الحافظي في نيابة حماة، وعزل ركن الدين عمر ابن الهذباني، واستقر ناصر الدين محمد بن الطبلاوي في ولاية القاهرة، وصرف الأمير الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج، المعروف بوالي قطيا، وعمل أحد الأمراء الحجاب بغير إقطاع، ثم قبض عليه بعد أيام وعصر وأخذ منه مال، ثم أفرج عنه.
وفيه أنعم على الأمير جكم بإقطاع يشبك، وعلى سودن الطيار بإقطاع الأمير جكم، وبإقطاع أقباي الكركي على الأمير قاني باي العلاي، وبإقطاع قطلوبغا الكركي على الأمير تمربغا من باشاه، المعروف بالمشطوب، وبإقطاع جركس المصارع على سودن من زاده بستين فارساً.
شهر ذي القعدة، أوله الثلاثاء: فيه ألزم سعد الدين إبراهيم بن غراب بتجهيز نفقة المماليك، فالتزم أن يحمل منها مائة ألف دينار، وألزم الوزير ناصر الدين محمد بن سنقر، وتاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج، ويلبغا السالمي، بمائة ألف دينار، فشرعوا في تجهيزها. وفيه قبض الأمير شهاب الدين أحمد بن رجب شاد الدواوين على يلبغا السالمي من داره، وحمله إلى بيته، وضربه ضرباً مبرحاً، وبالغ في عصره وتعذيبه، حتى أشرف على الموت،فأبيع موجوده فيما ألزم به.
وفيه جاء رجل جراد غير ذلك إلى دمشق، فعظم به الخطب.
وفي ثالثه: قدم الأمير تمربغا المنحكي نائب صفد إلى دمشق، على إقطاع تقدمة ألف. وقدمت ولاية شمس الدين الأخناي قضاء دمشق.

وفي خامسه: استقر الشهاب أحمد اليغموري الحاجب بدمشق نائب قلعتها، والتزم بعمارتها، فأفرد لها من بلاد دمشق داريا الكبرى وأريحا من الغور، والمواريث الحشرية بدمشق وأعمالها، والرملة والقدس، وغزة ونابلس، والمسابك، ودار الضرب، ونصف متحصل كنيسة قمامة من القدس، وربع العشر، وربع الزكاة، وربع ما يتحصل من دار الوكالة. وأعيد بدر الدين حسن إلى نظر الأحباس بديار وعزل ناصر الدين محمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد بن السفاح.
وفي سادس: وهو سابع عشرين بؤونة، أحد شهور القبط أخذ قاع النيل، فجاء أربع أذرع ونصف.
وفي ثاني عشره: خلع على يونس نائب حماة، وعلى علي بن مسافر نائب الوجه البحري، للسفر.
وفي خامس عشره: أفرج عن يلبغا السالمي، فسار من بيت شاد الدواوين إلى داره على حمار.
وفيه ورد الخبر بأن دقماق المحمدي نائب صفد لما قدمها وجد متيريك بن قاسم بن متيريك - أمير حارثة - قد نزل على بلاد صفد، وقسمها.
وكان قد أخذ من أموال الفارين من دمشق إلى مصر في نوبة تمرلنك ما يجل وصفه. فركب عليه وحاربه، فانكسر منه دقماق، وقتل من مماليكه اثنا عشر فارساً، وأسرت أمه، بعدما قتل عدة من عرب حارثة. وأنه استنجد بالأمير شيخ نائب طرابلس، وكان نازلاً على مرج العيون، فرجع إليه، وركبا معاً بمن معهما على متيريك فكسراه، وقتلا جماعة من عربه، وأسرا له ولدين وسطاهما، وأخذا له ستة آلاف بعير، فكتب إلى متيريك بتطييب خاطره.
وكتب إلى شيخ ودقماق برد أباعره عليه، فلم يقبلا ذلك. وقدم الخبر أن نائب حلب أحواله تقتضي أنه قد خرج عن الطاعة.
وفي سادس عشرينه: صعد سعد الدين بن غراب إلى القلعة برسم النفقة، فأنفق في نحو ألف من المماليك، فثاروا به، وقبضوا عليه، وضربوه وعوقوه في مكان، ثم خلى عنه، فنزل إلى داره. وفي هذا الشهر: خربت بغداد. وفيه طمع العربان في بلاد الشام ونهبوا ما فيها.
شهر ذي الحجة، أوله الأربعاء: في ليلة السبت رابعه: اختفى سعد الدين إبراهيم بن غراب، وأخوه فخر الدين ماجد وصهره - أخو زوجته - يوسف بن قطلوبك العلاي، وعدة من ممالكه، فلم يوقف لهم على خبر.
وفي يوم السبت المذكور: فرقت الأضاحي بالحوش من القلعة، على الأمراء وسائر أرباب الدولة، من القضاة والأعيان والمماليك السلطانية، وفي جهات البر من الجوامع والمدارس والخوانك والمشاهد والزوايا، وفي أرباب البيوت من أهل الستر، على العادة في كل سنة. وفيه قدم إلى دمشق نائب حماة، وحريم تغري بردى نائب الشام.
وفي سادسه: خلع على الأمير ناصر الدين محمد بن سنقر البحكاوي، واستقر في أستادارية السلطان، عوضاً عن سعد الدين بن غراب، مضافاً لما معه من الذخرة والأملاك. وأنعم عليه بإقطاع ابن غراب، وإقطاع ابن قطينة. فأرصد الدواليب، وإقطاع يلبغا السالمي للديوان المفرد. وأرصد إقطاع ابن قطينة لخزانة السلطان، يتصرف فيه الخازندارية بأمر السلطان.
وفيه استعفي الأمير سودن من زاده من وظيفة الخازندارية.
وفي سابعه: أضيف إلى الوزير علم الدين - الذي يقال له أبو كم - نظر الخاص مع الوزارة، عوضاً عن سعد الدين بن غراب، وخلع عليه بذلك. وخلع أيضاً على سعد الدين أبي الفرج بن بنت الملكي صاحب ديوان الجيش، واستقر في نظر الجيش، عوضاً عن سعد الدين بن غراب. وفيه ورد الخبر أن نائب الوجه البحري حضر إلى الإسكندرية، وطلب نائبها ليخرج إليه بسبب حفر الخليج فامتنع من الخروج إليه، فانصرف عنه. فكتب إليه أنه إن حضر أحد يطلب الأمراء المسجونين، فليبادر بقتل الأمير يشبك، وإلقاء رأسه إليهم.

وفي تاسعه: ورد رسول مشايخ تروجة بقدوم سعد الدين بن غراب إليهم، ومعه مثال سلطاني باستخراج الأموال ومسيرهم معه إلى الإسكندرية، وإخراج يشبك والأمراء من السجن، ليحضروا إلى القاهرة بهم فخلع على الرسول، وكتب معه بأخذ ابن غراب ومن معه وإرسالهم إلى القاهرة. وقدم كتاب أرسطاي نائب الإسكندرية بأن سعد الدين بن غراب طلب زعران الإسكندرية، فخرج إليه أبو بكر المعروف بغلام الخدام بالزعر إلى تروجه، فأعطي كل واحد منهم مبلغ خمسمائة درهم، وقرر معهم قتل النائب. فلما بلغ النائب ذلك، وقدموا إلى الإسكندرية، قبض على جماعة منهم، وقتل بعضهم، وقطع أيدي بعضهم، وضرب غلام الخدام بالمقارع، وأنه ظفر بكتاب ابن غراب إلى بعض تجار الإسكندرية وجهزه، وفيه أنه يجتمع بالنائب ويؤكد عليه أن لا يقبل ما يرد عليه من أمراء مصر في أمر يشبك ومن معه، وأنه يجعل باله لا يجري له ما جرى على ابن عرام في قتله الأمير بركة. وورد كتاب مشايخ تروجة بسؤال الأمان لابن غراب، فكتب له السلطان أماناً، وكتب له الأمراء أيضاً - ما خلا الأمير جكم - فإنه كتب إليه كتاباً ولم يكتب أماناً.
وخلع على علي بن غريب الهواري، وعثمان بن الأحدب، وعملا في الإمرة على هوارة ببلاد الصعيد، عوضاً عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري، وسارا. واستقر بهاء الدين أرسلان نقيب الجيش، حاجباً.
وفي سادس عشره: خلع على الصاحب الوزير علم الدين، واستقر وكيل الخاص. وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن الطبلاوي وإلى القاهرة، وأضيف إليه ولاية القرافة. وفيه رحل تمرلنك عن بغداد، بعدما هدمها.
وفيه قدم رسل أبي يزيد بن عثمان - ملك الروم - بهدية، فيها عشرة مماليك، وعشرة أرؤس من الخيل، وعشر قطع من الجوخ، وشاربان من الفضة، وعشر قطع فضة، ما بين أطباق وغيرها، وعدة هدايا إلى الأمراء، فقرئ كتابه في العشرين منه.
وفي حادي عشرينه. قدم سعد الدين بن غراب إلى القاهرة ليلاً، ونزل عند صديقه جمال الدين يوسف أستادار بجاس، وهو يومئذ أستادار سودن طاز أمير أخور. فتحدث له مع سودن طاز، وأوصله إليه، فأكرمه وأنزله عنده يومي الثلاثاء والأربعاء، واسترضي له الأمراء وأحضره في يوم الخميس ثالث عشرينه إلى مجلس السلطان، فقبل الأرض وخلع عليه جبة حرير مطرزة على عادته، واستقر في الأستادارية، ونظر الجيش، ونظر الخاص على إقطاعه، وأضيف إليه الذخيرة ودواليب خاص الخاص.
وعزل ناصر الدين محمد بن سنقر، ونزل إلى بيت الأمير جكم الدوادار، فمنعه من الدخول إليه ورده، فصار إلى داره. وما زال حتى دخل مع الأمير سودن من زادة إلى عند الأمير جكم، فقبل يده، فلم يكلمه كلمة، وأعرض عنه، فرضاه بعد ذلك.
وفي يوم الخميس سلخه: أنفق الأمير القاضي سعد الدين بن غراب تتمة النفقة على المماليك السلطانية، فأعطى كل واحد ألف درهم، وعندما نزل من القلعة أدركه عدة من المماليك السلطانية، ورحموه بالحجارة يريدون قتله، فبادر إلى بيت الأمير نوروز واستجار به، فأجاره، حتى انصرف المماليك عن بابه، وتوجه إلى داره.
وفيه نودي على النيل بزيادة ثمانية وأربعين إصبعاً، وتأخر عليه من الوفاء ست عشرة إصبعاً، وفاها في الليل، وبلغ الدينار المصري إلى أربعين درهماً ثم انحط، وبلغ الأفرنتي إلى سبعة وثلاثين ثم انحط.
وفي هذا الشهر كانت وقعة بين الأمير نعير وبين نائب حلب.
ومات في هذه السنة قاضي القضاة موفق الدين أحمد بن قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم العسقلاني الحنبلي، في ثاني عشر رمضان، وكان مشكوراً.
ومات قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد الله النحريري المالكي، وهو معزول، في ثاني عشر رجب.
ومات ناصر الدين محمد بن تقي الدين عمر بن نجم الدين محمد بن نجم الدين أبي القسم هبة الله بن عبد المنعم بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي الكتائب بن محمد بن أبي الطيب العجلي الدمشقي الشافعي، كاتب سر دمشق، يوم الأحد سادس عشرين رجب، في العقوبة بيد التمرية. ولى كتابة سر حلب وطرابلس ودمشق مرات، وأقام بالقاهرة مدة.
ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن الحاج عمر بن الزين والي القاهرة، في ثاني عشر ربيع الأول.
ومات شهاب الدين أحمد بن أسد بن طرخان الملكاوي الشافعي بدمشق، في نصف رمضان.

ومات الأمير سيف الدين أسنبغا العلاي، دوادار الملك الظاهر، في سادس عشر جمادى الأولى.
ومات أمير فوج الحلبي، نائب الإسكندرية بها، في آخر ربيع الأول.
ومات الأمير سيف الدين المعروف بسيدي أبي بكر بن الأمير شمس الدين سنقر أبن أخي بهادر الجمالي، في ثالث عشر جمادى الآخرة.
ومات أبو بكر بن الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون في ثالث عشر ربيع الآخرة.
ومات الأمير سيف الدين بجاس النوروزي، في ثاني عشر رجب.
ومات الأمير سودن نائب الشام في آخر رجب، ودفن خارج دمشق بقيده، وهو في أسر تمرلنك.
ومات تقي الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الدمشقي الحنفي، عرف بابن الكفري قاضي القضاة الحنفية بدمشق، في العشرين من ذي القعدة، في محنة تمرلنك.
ومات الوزير كريم الدين عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس، في خامس عشرين جمادى الآخرة، وهو مصروف عن الوزارة.
ومات العلامة علاء الدين على بن محمد بن عباس بن فتيان البعلبكي الدمشقي، عرف بابن اللحام الحنبلي، يوم عيد الفطر.
ومات نور الدين علي بن عبد العزيز بن أحمد بن الخروبي التاجر الكارمي، في ثاني عشر رجب.
ومات قاضي القضاة نور الدين على بن يوسف بن مكي، المعروف بابن الجلال الدميري، المالكي، باللجون من طريق دمشق، في جمادى الأولى.
ومات الفقيه الجندي قطلوبغا الحنفي، أحد أعيان الحنفية، في نصف جمادى الأولى.
ومات قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء محمد بن عبد البر الخزرجي السبكي الشافعي، وهو مصروف عن القضاء، في سابع عشر ربيع الآخر.
ومات شرف الدين محمد بن محمد الدماميني، قاضي الإسكندرية بها، في آخر المحرم.
ومات شيخ المالكية شرف الدين محمد بن محمد بن إسماعيل بن المكين مدرس الظاهرية المستجدة بين القصرين، في ثاني عشرين ربيع الآخر.
ومات بدر الدين محمد الأقفهسي، ناظر الدولة، في ثالث عشر ربيع الآخر.
ومات قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن موسى بن محمد الملطي الحنفي، وهو قاض، في تاسع عشرين ربيع الآخر، ومولده ستة ست وعشرين وسبعمائة.
وهلك بحلب وحماة ودمشق وأعمال الشام في محنة تمرلنك، بالجوع والقتل والحريق، وفي الأسر، عشرات آلاف آلاف.
ومات قاضي القضاة صدر الدين أبو المعالي محمد بن إبراهيم بن اسحق بن إبراهيم ابن عبد الرحمن السلمي المناوي الشافعي، وهو في الأسر مع تمرلنك غريقاً بنهر الزاب، بعد ما مرت به محن شديدة.
ومات بدر الدين محمد بن محمد بن مقلد القدسي الحنفي، قاضي الحنفية بدمشق. مات بغزة، في ربيع الأول. ومولده سنة أربع وأربعين وسبعمائة وكان قد أقام بالقاهرة مدة، وفيها ولي قضاء دمشق، فلم تشكر مباشرته. وكان أولاً ينوب في الحكم بدمشق، وأفتى، ودرس، وبرع في الفقه، وشارك في العقليات.
ومات الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد علي بن المؤيد داود ابن المظفر يوسف بن منصور عمر بن على بن رسول، في ليلة السبت ثامن عشر ربيع الأول، بمدينة تعز من بلاد اليمن، عن سبع وثلاثين سنة. ولى سلطنة اليمن بعد أبيه، في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. حتى مات. وكان حليماً، كثير السخاء، مقبلاً على العلم، محباً للغرباء، وصنف تاريخاً لليمن. قدم علينا إلى القاهرة ووقفت عليه، وقام بمملكة اليمن بعده ابنه الملك الناصر أحمد.
ومات نور الدين على بن يحيى بن جميع الطائي الصعدي، كبير تجار اليمن بعدد أمين، في ليلة عيد الفطر، وقد جاور الستين، وكان مكيناً عند الأشرف.
ومات برهان الدين إبراهيم بن على التادلي قاضي القضاة المالكية بدمشق، يوم الثلاثاء ثامن عشر جمادى الأولى، في الحرب مع أصحاب تمرلنك. ومولده سلخ سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، ولي قضاء دمشق بعد المازوني سنة ثمان وسبعين، ثم صرف وأعيد، فكانت ولايته التي مات فيها هي العاشرة. وكان قوي اليقين، فاضلاً.
ومات تاج الدين أحمد بن محمد بن عبد الله ويعرف بابن الخراط الإسكندري المالكي بالثغر، في عاشر صفر، حدث بكتاب التيسير في القراءات عن العرادياشي، وبموطأ مالك عنه أيضاً.
ومات ملك دله من بلاد الهند، وهو فيروز شاه بن نصرة شاه، وقام من بعده ابنه محمد شاه ه

ومات قاضي الحنابلة بدمشق تقي الدين إبراهيم بن العلامة شمس الدين محمد بن مفلح في شعبان، عن اثنتين وخمسين سنة. وكان فقيهاً واعظاً، إلا أنه قام في مصالحة الطاغية تيمور، فلم ينجح، ولم يحمد.
سنة أربع وثمانمائةأهل المحرم بيوم الخميس: فيه كان وفاء النيل ستة عشر ذراعاً، ففتح الخليج على العادة. وأما الذهب فإن الدينار المختوم بستة وثلاثين درهماً، والأفرنتي بأربعة وثلاثين. والأردب القمح من خمس إلى ما دونها، والشعير بخمسة وعشرين، والأرز بمائه وتسعين الأردب، والكتان كل رطل بدرهمين ونصف بعد درهم، والحملة الحطب - وهي مائة وعشرة أرطال - بعشرة دراهم بعد درهمين.
وفي ثانيه: توجه الأمير زين الدين عبد الرحمن المهتار إلى بلاد الشام، في مهم سلطاني.
وفي تاسعه: استقر الأمير أركماس الظاهري نائب عين تاب في نيابة ملطية، كان الأمير دمرداش نائب حلب قد عزله من نيابة عين تاب، فقدم إلى القاهرة واستقر علاء الدين صهر يلبك في كشف البحيرة، وخلع على سعد الدين بن غراب عند تكملة النفقة على المماليك السلطانية.
وفي سادس عشره: استقر شمس الدين محمد بن البنا في نظر الأحباس، وصرف بدر الدين حسن بن الداية. واستقر الصارم في ولاية مصر، وعزل الضاني.
وفي حادي عشرينه: أو لم الأمير الكبير نوروز لعرسه على سارة ابنة الملك الظاهر، فذبح ثلاثمائة رأس من الغنم، وستة عشر فرساً.
وفي ثالث عشرينه: استقر الأمير أبو يزيد - أحد الحجاب - بإمرة عشرة.
وفي سابع عشرينه: استقر شهاب الدين أحمد بن الجواشني في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن شمس الدين محمد بن القطب.
وفي أول صفر: قدم الخبر بأن الأمير تغري بردى نائب دمشق اختفى.
وذلك أن السلطان كان قد كتب إلى أمراء دمشق بالقبض عليه، فلما أحس بذلك، فر من دمشق في ليلة الجمعة ثاني عشرين المحرم، في نفر يسير فتعين لنيابة دمشق عوضاً عنه الأمير أقبغا الجمالي أتابك دمشق، والأمير تمربغا المنجكي لنيابة صفد، عوضاً عن دقماق. ونقل دقماق لنيابة حلب، وعزل دمرداش عنها. فورد الخبر بالتحاق تغري بردى بدمرداش في حلب.
وفي خامسه: كتب توقيع باستمرار نجم الدين عمر بن حجي في قضاء القضاة الشافعية بحماة وتوقيع بنقل علاء الدين علي بن مغلي قاضي الحنابلة بحماة، إلى قضاء الحنابلة بحلب.
وفي عشرينه: جهز تشريف الأمير آقبغا بنيابة دمشق، على يد غنجق.
وفي رابع عشرينه: خلع على الصاحب علم الدين يحيى - المعروف بأبو كم - خلعة استمرار. وذلك أنه كان لكثرة طلب كلف الدولة منه، وعجزه، اختفي، فلما ظهر خلع عليه. وورد الخبر أن دمرداش نائب حلب قبض على الأمير خليل بن قراحا بن دلغادر - زعيم التركمان - وسجنه. فلما قدم عليه تغري بردى - نائب دمشق - شفع فيه، فافرج عنه وعن من معه، وهم نحو الخمسين رجلاً.
وفيه رسم للأمير سودن الحمزاوي بنيابة صفد وسبب ذلك أنه اختلف مع الأمراء الكبار وهم: نوروز، وحكم، وسودن طاز، وتمربغا المشطوب، وقاني باي العلاي، فانقطعوا عن الخدمة السلطانية من أول صفر، وعزموا على إثارة الحرب. فلبس الحمزاوي للحرب في داره، واجتمع إليه من يلوذ به. وكان الأمراء قد عينوا للخروج من ديار مصر ثمانية أنفس وهم: الحمزاوي، وسردن بقجة، وهما من أمراء الطبلخاناة، ورءوس نوب، وأزبك الدوادار، وسودن بشتا، وهما من أمراء العشراوات، وقاني باي الخازندار، وبردى باك، وهما من الخاصكية، وآخرين من المماليك الخاصكية، ثم مشى الحال بينهم وبين الأمراء، واصطلحوا على خروج الحمزاوي لنيابة صفد، وإقامة الباقين من غير حضورهم الخدمة، وحلف الأمراء والممالك السلطانية على الطاعة والاتفاق. وفيه سار القاصد بتشريف دقماق لنيابة حلب.
وفي خامس عشرينه: استقر حسن بن قراجا في ولاية الجيزة وعزل عمر بن الكوراني.
وفي سابع عشرينه: خلع على سودن الحمزواي لنيابة صفد، عوضاً عن دقماق المنتقل لنيابة حلب. وفيه قدم الأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد، والأمير بهاء الدين عمر بن الطحان نائب غزة من أسر تمرلنك، وذكروا أنهما فارقاه من أطراف بغداد.

وفي هذا الشهر: كانت كائنة طرابلس وذلك أنه قدم إليها في يوم الاثنين عاشره مركب فيه عدة من الفرنج، فخرج الناس لحربهم، وكان بالميناء مراكب لتجار الفرنج، فاجتمعوا على مراكب المسلمين التي قد شحنت بالبضائع لتسير إلى أرض، وأخذوا منها مركبين، فيهما مال كبير، وأسروا خمسة وثمانين مسلماً بعدما قاتلوا قتالاً شديداً وغرق جماعة وفر جماعة، وأصبحوا من الغد على الحرب، فوقع الاتفاق على فكاك من أسروه بمال يحمل إليهم فلما حمل إليهم بعض المال أسروا الرجل، ومضوا في ليلة الخميس خامس عشره، ونزلوا على قرية هناك فقاتلهم أميرها، وقبضهم وجاء بهم إلى طرابلس، فسجنوا، وأخذ المسلمون مركبهم.
شهر وبيع الأول، أوله الاثنين: في خامسه: لبس آقبغا خلعة بنيابة الشام، وقد وصلت إليه من القاهرة إلى دمشق، وقوي تقليده.
وفي عاشره: قدم الأمير دقماق من صفد إلى دمشق، يريد حلب وقد استقر في نيابتها، فخرج الأمير أقبغا إلى لقائه، وأنزله بالميدان، وصحبة متسفره كتاب السلطان يطلب الأمير دمرداش نائب حلب إلى مصر، وبتوجه الأمير تغري بردى نائب الشام إلى القدس، بعد ما أحيط بموجوده في دمشق. وفي ثاني عشره: سار دقماق من دمشق يريد حلب.
وفي نصفه: طلع الأمير نوروز إلى الخدمة، بعدما انقطع عنها زيادة على شهر، فخلع عليه وعلى الأمير سودن طاز، وخلع على الأمير ألطبغا العجمي وإلى دمياط، واستقر كاشف الوجه القبلي، عوضاً عن الأمير جنتمر الطرنطاي بحكم رفاته.
وفي ثاني عشره: طلع الأمير جكم إلى الخدمة، بعدما انقطع عنها مدة شهرين، وخلع عليه.
وفيه استقر شمس الدين محمد الشاذلي الإسكندراني في حسبة القاهرة، وعزل البخانسي.
وفيه نودي في دمشق بخروج العسكر لقتال دمرداش بحلب.
وفي يوم الخميس خامس عشرينه: استقر فخر الدين ماجد بن غراب في نظر الخاص برغبة أخيه سعد الدين إبراهيم بن غراب له عن ذلك.
وفي سابع عشرينه: استقر تاج الدين بن الحزين مستوفي الدولة، في الوزارة بدمشق.
شهر ربيع الآخر، أوله الثلاثاء: في ثالثه: استقر تاج الدين محمد بن أحمد بن علي - عرف بابن المكللة - ربيب ابن جماعة، في حسبة مصر، وعزل نور الدين البكري.
وفي خامسه: استقر الأمير جمق رأس نوبة دواداراً ثانياً، عوضاً عن الأمير جركس المصارع، واستقر تنباك الخاصكي دواداراً.
وفي سابعه: استقر في نظر الأحباس بدر الدين محمود العينتابي، عوضاً عن شمس الدين بن البنا، بحكم وفاته. وخلع على الأمير سلمان لنيابة الكرك، عوضاً عن الأمير جركس والد تنم.
وفي خامس عشره: كتب توقيع شمس الدين محمد بن عباس الصلتي نائب قاضي غزة باستقراره في قضاء القضاة الشافعية بدمشق، عوضاً عن شمس الدين محمد بن الأخناي.
وفي سابع عشره: استقر الأمير مبارك شاه - الحاجب وكاشف الجيزة - وزيراً، وصرف علم الدين يحمي أبوكم، وقبض عليه، وسلم إلى شاد الدواوين ليعاقبه.
وفي حادي عشرينه: استقر أقتمر - أحد المماليك السلطانية - في ولاية القاهرة، وعزل الأمير ناصر الدين محمد بن الطلاوي.
وفي هذا الشهر: فر من كان مع الأمير دقماق من التراكمين، وقد قرب دقماق من حلب، فعاد بمن بقي معه إلى حماة، واستنجد الأمير آقبغا نائب دمشق فأمده بطائفة. فسار دمرداش من حلب، ولقي دقماق على حماة في يوم الخميس ثاني جمادى الأولى، فانكسر بعد قتال طول النهار، وكثرت فيه الجراحات. فلم يمكن دمرداش العود إلى حلب، من أجل أن الأمراء بها أخذوها للسلطان، ومر على وجهه، فعاد عسكر دمشق إليها، وسار دقماق إلى حلب فتسلمها.
وفي ثاني عشره: قبض بدمشق على شمس الدين محمد الأخناي قاضي دمشق، ونودي بالكشف عليه، فكثر شاكوه باستيلائه على أملاك الناس وأوقافهم.
وقدم في سادس عشرينه: إلى دمشق شمس الدين محمد بن عباس الصلتي - نائب قاضي غزة متوليا القضاء عن الأخناي، وأفرج عن الأخناي، في أول جمادى الآخرة.

وفي ليلة الجمعة تاسعه: ركب الأمير صروق نائب غزة. واقتتل هو والأمير سلامش الحاجب، والأمير جركس نائب الكرك فقتل بينهم عشرة أنفس، وجرح جماعة، وفر سلامش، وأخذ جوكس أسيراً، فجمع سلامش لحرب صروق، واستنجد بعمر بن فضل أمير حزم، فقام معه، وقدما في جمع كبير إلى غزة في رابع عشره، واقتتلوا مع صروق، فانهزم منهم في يوم الخميس خامس عشره، فتبعوه، وقبضوا عليه، وقيدوه ونهبت غزة. وقتل بينهم نحو الخمسين رجلاً، وجرح نحو ثلاثمائة.
وفي يوم الجمعة سادس عاشرين شعبان: أقيمت الجمعة بالجامع الأموي بدمشق، وهو خراب منذ أحرقه التفرية، بعد ما نودي فيه الناس بذلك، فشهدها جماعة. هذا وجميع مدينة دمشق خراب، لا ساكن بها. وقد بني الناس خارجها، وسكنوا هناك، وصاروا ينقلون ما عساه يوجد بالمدينة من الأحجار ونحوها، وببني بذلك في ظاهر المدينة، حتى أزالوا ما بقي من أثار الحريق، وصارت مدينة دمشق كيماناً.
وفي هذا الشهر: كتب باستقرار الأمير صروق في كشف بلاد الشام، لدفع العربان عنها، فأوقع بهم، وأكثر من القتل فيهم.
وفي ثامن عشر رمضان: خرج الأمير دقماق نائب حلب لقتال الأمير دمرداش، وقدم دمرداش في جمائع التركمان، فأقبل الأمير نعير لقتاله أيضاً، فانهزم، وأخذت أكثر أثقاله.
وفي يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة: صرف قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن الصالحي عن قضاء القضاة بديار مصر. واستقر القاضي جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني قاضي العسكر في قضاء القضاة بديار مصر.
وفي ثامنه: استقر الأمير ألطنبغا العثماني في نيابة غزة، عوضاً عن الأمير صروق.
وفي طول هذه الأيام: كثر تنافر الأمراء واختلافهم، وانقطع نورور، وجكم، وقنباي عن الخدمة. ودخل شهر رمضان: وانقضي، فلم يحضروا للهناء بالعيد، ولا صلوا صلاة العيد مع السلطان.
فلما كمان يوم الجمعة ثاني شوال: ركبوا للحرب، فنزل السلطان من القصر إلى الإسطبل عند سودن طاز، ووكب نوروز وجكم وقنباي، وقرقماس الرماح. ووقعت الحرب من بكرة النهار إلى العصر. ورأس الأمراء نوروز وجكم، وخصمهم سودن طاز. فلما كان آخر النهار: بعث السلطان بالخليفة المتوكل على الله وقضاة القضاة الأربع إلى الأمير الكبير نوروز في طلب الصلح، فلم يجد بداً من ذلك، وترك القتال وخلع عنه آلة الحرب، فكف الأمير جكم الدوادار أيضاً عن الحرب. وعد ذلك مكيدة من سودن طاز، فإنه خاف أن يغلب ويسلمه السلطان إلى الأمراء، فأشار عليه بدلك حتى فعله، فتمت مكيدته بعدما كاد أن يؤخذ، لقوة نوروز وجكم عليه، وبات الناس في هدوء.

فلما كان يوم السبت الغد: ركب الخليفة وشيخ الإسلام البلقيني، وحلفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان، وإخماد الفتنة، فطلع الأمير نوروز إلى الخدمة في يوم الاثنين خامسه، وخلع عليه، وأركب فرساً خاصاً بسرج، وكنفوش ذهب. وطلع الأمير جكم في ثامنه وهو خائف. ولم يطلع قنباي، ولا قرقماس، وطلبا فلم يوجدا، مجهز إليهما خلعتان، على أن يكون قنباي نائباً بحماة، وقرقماس حاجباً بدمشق. ونزل جكم بغير خلعة حنقاً وغضباً، فما هو إلا أن استقر في داره، ونزل إليه سرماش رأس نوبة، وبشباي الحاجب بطلب قنباي، ظناً أنه اختفي ليلبس الخلعة بنيابة حماة، فأنكر أن يكون عنده، وصرفهما، وركب من ليلته بمن معه من الأمراء والمماليك وأعيانهم: قمش الخاصكي الخازندار، ويشبك الساقي، ويشبك العثماني، وألطبغا جاموس، وجانباي الطيبي، وبرسبغا الدوادار، وطرباي الدوادار، وصاروا كلهم على بركة الحبش خارج مصر. ولحق به الأمير قنباي، وقرقماس الرماح، وأرغز، وغنجق، ومحو الخمسمائة من مماليك السلطان. وأقاموا إلى ليلة السبت عاشره، فأتاهم الأمير نوروز، والأمير سودن من زاده رأس نوبة، والأمير تمربغا المشطوب، في نحو الألفين، فسر بهم وأقاموا جميعاً إلى ليلة الأربعاء، وأمرهم يزيد ويقوى بمن يأتيهم من الأمراء والمماليك. فنزل السلطان من القصر في ليلة الأربعاء رابع عشره إلى الإسطبل عند سودن طاز. وركب بكرة يوم الأربعاء فيمن معه، وسار من باب القرافة، بعد ما نادى بالعرض، واجتمع إليه العسكر كله. وواقع جكم ونوروز، وكسرهما، وأسر تمربغا المشطوب، وسودن من زاده، وعلى بن أينال، وأرغر. وفر نوروز وجكم في عدة كبيرة يريدون بلاد الصعيد. وعاد السلطان ومعه الأمير سودن طاز إلى القلعة مظفراً منصوراً. وبعث بالأمراء المأسورين إلى الإسكندرية، في ليلة السبت سابع عشره. وانتهي نوروز وجكم إلى منية القائد وعادوا إلى طموه، ونزلوا على ناحية منبابه من بر الجيزة، تجاه القاهرة. فمنع السلطان المراكب أن تعدى بأحد منهم في النيل، وطلب الأمير يشبك الشعباني من الإسكندرية. فقدم يوم الاثنين تاسع عشره إلى قلعة الجبل، ومعه عالم كبير ممن خرج إلى لقائه، فباس الأرض ونزل إلى داره.
وفي ليلة الثلاثاء عشرينه: ركب الأمير نوروز نصف الليل، وعدي النيل، وحضر إلى بيت الأمير الكبير بيبرس الأتابك. وكان قد تحدث هو والأمير إينال باي بن قجماس له مع السلطان، حتى أمنه ووعده بنيابة دمشق. وكان ذلك من مكر سودن طاز، فمشى ذلك عليه، حتى حضر، فاختل عند دلك أمر جكم وتفرق عنه من معه، وفر عنه قنباي وصار فريداً. فكتب إلى الأمير بيبرس الأتابك يستأذنه في الحضور، فبعث إليه الأمير أزبك الأشقر رأس نوبة والأمير بشباي الحاجب، وقدما به ليلة الأربعاء حادي عشرينه إلى باب السلسلة من الإصطبل السلطاني، فتسلمه عدوه الأمير سودن طاز وأصبح وقد حضر يشبك وسائر الأمراء للسلام عليه. فلما كانت ليلة الخميس ثاني عشرينه قيد وحمل في الحراقة إلى الإسكندرية، فسجن بها حيث كان الأمير يشبك مسجوناً.
وفي يوم الخميس: هذا خرج المحمل وأمير الحاج نكباي الأزدمري، أحد أمراء الطبلخاناه. وكان قد ألبس الأمير نوروز تشريف نيابة دمشق في بيت الأمير بيبرس يوم الأربعاء، فقبض عليه من الغد يوم الخميس، وحمل إلى باب السلسلة، وقيد، وأخرج في ليلة الجمعة ثالث عشرينه إلى الإسكندرية، فسجن بها أيضاً. وغضب الأميران بيبرس وإينال باي، وتركا الخدمة السلطانية أياماً، ثم أرضيا. واختفى الأميران قانباي وقرقماس، فلم يعرف خبرهما.
وفي سابع عشرينه: كتب تقليد الأمير شيخ المحمودي باستقراره في كفالة السلطة بالشام، عوضاً عن الأمير أقبغا الأطروش.
شهر ذي القعدة، أوله السبت: في ثالثه: أنعم بإقطاع على الأمير إينال العلاي حطب رأس نوبة، وأخذ منه النحريرية. وبإقطاع قنباي على علان الأقطع. وبإقطاع تمربغا المشطوب على الأمير بشباي الحاجب، فلم يرض به، فاستقر باسم قطلوبغا الكركي، على عادته أولا. وبقي بشباي على طبلخانته. وأنعم بإقطاع جكم على الأمير يشبك العثماني على عادته أولا، وأنعم على بيغوت بإمرة طبلخاناه، بعدما كان أمير عشرة. وعلى أسنبغا المصارع بطبلخاناه. وعلى سودن بشتا بطبلخاناه، نقلوا كلهم من العشراوات.

وفي سادسه: قدم الأمراء من سجن الإسكندرية، وهم: أقباي وقطلوبغا - الكركيان - وجركس المصارع، وصعدوا إلى القلعة، فباسوا الأرض على العادة، ونزلوا إلى منازلهم. وفيه استقر بدر الدين حسن بن آمدي - أحد الأجناد - في مشيخة خانقاه سرياقوس، وعزل الفقيه أنبياء التركماني.
وفي ثامنه: خلع على الأمراء القادمين من الإسكندرية.
وفي تاسعه: قدم كتاب السلطان بعزل الأمير آقبغا، فانعزل. وكانت مدة نيابته تسعة أشهر تنقص خمسة أيام. وتوجه إلى القدس بطالا في سابع عشره، فقدم متسلم الأمير شيخ لدمشق، وأمر الناس بملاقاة شيخ بالسلاح وهيئة القتال.
وفي ثامن عشره: لعب الأمراء بالأكرة في بيت الأمير الكبير بيبرس، فاجتمع من المماليك السلطانية فوق الألف تحت القلعة، يريدون الفتك بسودن طاز. فعند ما خرج من بيت بيبرس هموا به، فساق ولحق بباب السلسلة، وامتنع بالإصطل. وفيه نفي الأمير يلبغا السالمي إلى دمياط.
وفي رابع عشرينه: خلع على الأمير الكبير بيبرس الأتابك خلعة الاستمرار على الأتابكية، وخلع على الأمير يشبك، واستقر دوادار السلطان عوضاً عن جكم. وخلع على ناصر الدين محمد الطناحي إمام السلطان ومؤدبه، واستقر في نظر الأحباس عوضاً عن البدر محمود العينتابي. وفيه توجهت الأمراء إلى عرب تروجة، وتأخر الأمير بيبرس والأمير بشباي، وقدموا ليلة عيد النحر من غير شيء.
وفي أول ذي الحجة: كتب إلى الأمير قرايوسف يخير في مكان يأوي إليه هو وجماعته، ليكتب له به. وجهز إليه فوقاني حرير بوجهين، وطراز زركش عرض ذراع، وألف دينار، وتعبئة قماش عدة خمسين قطعة، ولإخوته فرعلي وترعلي، ولولده محمد شاه، ولألزامه أقبية حرير بطرز زركش.
وفي يوم السبت رابع عشر ذي الحجة: استقر الأمير أقباي الكركي خازنداراً على عادته.
وفيه قدم الأمير شيخ المحمودي نائب الشام إلى دمشق من غير مدافع، فنزل بها، وولي جماعة من أصحابه عدة وظائف.
وفي سادس عشره: خلع على الأمير يشبك الدوادار بنظر الأحباس، على عادته.
وفي ثالث عشرينه: استقر الأمير ناصر الدين محمد بن علي بن كلفت التركماني في ولاية القاهرة والحجوبية، وصرف أقتمر. واستقر ناصر الدين محمد بن ليلى في ولاية مصر، عوضاً عن ناصر الدين محمد الضاني.
وفي سادس عشرينه: استقر ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون المغربي في قضاء المالكية، وصرف جال الدين يوسف بن خالد بن نعيم مقدم بن محمد بن حسن بن غانم ابن محمد بن على البساطي.
وفي يوم الاثنين سلخه: استقر الأمير جمق الدوادار في نيابة الكرك، عوضاً عن سلمان. واستقر الأمير علان الأقطع أحد المقدمين في نيابة حماة، وعزل عنها يونس الحافظي، فشق ذلك على سودن طاز، من أجل أنهما كانا عضديه، وكتب باستقرار الأمير دمرداش المحمدي في نيابة طرابلس، والأمير على باك بن دلغادر في نيابة عين تاب، والأمير عمر بن الطحان في نيابة ملطية. وكانت الأخبار وردت بتجمع التركمان مع دمرداش ونزولهم على حلب، وأن دقماق نائب حلب اجتمع هو ونائب حماة والأمير نعير، وأن تمرلنك نزل على مدينة سيواس.
ولم يحج في هذه السنة أحد من الشام ولا العراق.
ومات في هذه السنةالشيخ فخر الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان البلبيسي الضرير، إمام الجامع الأزهر، وشيخ القراءات بديار مصر، في ثاني ذي القعدة.
ومات شرف الدين عبد الوهاب بن تاج الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم البارنباري، موقع الدرج، في حادي عشر ذي الحجة، وكان أبوه تاج الدين كاتب السر بطرابلس.
ومات شمس الدين محمد بن البنا ناظر الأحباس في خامس ربيع الآخر.
ومات الأمير جنتمر التركماني الطرنطاي، كاشف الوجه القبلي، في منتصف صفر، قتله هوارة الصعيد، طائفة الأمير محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري، في نحو المائتين من عسكره، ونهبوا سائر ما كان معه.
وكان أولاً من أمراء الشام وولي نيابة حمص وبعلبك، وأسر مع تمرلنك، ثم قدم بعد أسره إلى القاهرة، وولي كشف الصعيد. وكان سمحاً طائشاً، عسوفاً، جباراً، ظالماً، مفسداً.
ومات الأمير علاء الدين علي الشهير بابن الملكة والي منفلوط، في أخر ربيع الأول، قتله عرب بني كلب.

وماتت الست خوند شقراء بنت حسين بن محمد بن قلاوون، أخت الملك الأشرف شعبان بن حسين، ليلة الاثنين ثامن عشر المحرم. ودفنت من الغد بمدرسة أم السلطان الأشرف بالتبانة خارج القاهرة.
ومات الشيخ لاجين الجركسي، في رابع ربيع الآخر، عن ثمانين سنة. وكان عظيماً عند الجراكسة، يزعمون أنه يملك مصر، ويشيعونه، فلا يتكتم هو ذلك. ويعد أنه إذا ولي أبطل الأوقاف التي أوقفت على المساجد والمدارس، وأخرج الإقطاعات عن الأجناد والأمراء، ويحرق كتب الفقه، ويعاقب الفقهاء. وعين جماعة لعدة وظائف، وحذر وأنذر، فأخذه الله دون ذلك.
ومات الشيخ المعتقد شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن الناصح بالنوب في سابع عشرين رمضان. حدث بمسلم عن ابن عبد الهادي، وبأبي داود والترمذي عن الميدومي. وكان وجيهاً عند الملوك، وللناس فيه اعتقاد كثير.
ومات المسند شهاب الدين أحمد، بن المحدث بدر الدين حسن بن محمد بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى القدسي.
سنة خمس وثمانمائةأهل المحرم يوم الأربعاء، والأردب القمح بستين درهماً، والأردب الشعير بأربعين درهماً، والمثقال الذهب بخمسين درهماً، والدينار الأفرنتي بسبعة وأربعين درهماً.
وفيه كانت وقعة الطاغية تيمور كركان ملك الشرق مع خوند كار أبي يزيد بن مراد عثمان ملك الروم. وملخص ذلك أنه سار من العراق إلى جهة بلاد الروم، فجمع ابن عثمان عساكره وعوضهم على مدينة آقشهر - يعني المدينة البيضاء - فبلع عدد الفرسان نحو السبعمائة ألف فارس، وثلاثمائة ألف راجل. ومات يوم العرض تحت الأقدام من الدوس في الازدحام خمسة وعشرون رجلاً. وسار يريد لقاءه نحو الخمسة عشر يوماً. فبعث إليه تمرلنك يخدعه ويقول: أنت رجل مجاهد غازي في سبيل الله، وليس غرضي قتالك، ولكني أريد منك أن تقنع بالبلاد التي كانت مع أبيك وجدك، وآخذ أنا بلاد الأمير أرطنا أمير الروم أيام السلطان أبي سعيد. فانخدع لذلك ومال إلى الصلح، فلم يشعر إلا بالخبر قد ورد عليه أن تمرلنك نزل على كماخ وقتل أهلها وسباهم وخربها، فعلم أنه ما أراد إلا مخادعته، وسار إليه حتى قرب منه، فكاده تمرلنك ورجع، فظن أبو يزيد أنه قد خافه. وإذا به سلك طريقاً من وراء أبي يزيد، وساق في بلاد الروم مسيرة ثمانية أيام، ونزل على عمورية - ويقال لها اليوم أنكورية - وحاصرها، وألقي فيها النيران، فبلغ ذلك ابن عثمان فساق في عساكره إليه مدة ثمانية أيام، إلى أن أشرف عليه، وقد جهده التعب، وتقطعت عساكره، وتلفت خيولهم. فعندما وصل ركب تمرلنك إلى حربه في أول يوم من المحرم هذا، وقد علم أنه وعساكره في غاية التعب، فلم يجد بداً من محاربته، فاقتتل كل منهما مع الآخر في يوم الأحد خامسه من أول النهار إلى العصر، وتمرلنك مشرف على مكان مرتفع يرتب عساكره. وثبت كل من الفريقين حتى قتل بينهما على ما قيل نحو الثمانين ألفاً، وتعين الغلب للروم على عساكر تمرلنك، حتى هموا بالهزيمة. فلما كان في آخر النهار خرج كمن لتمرلنك، فيه نحو المائة ألف، وصدم الأمير سلمان بن أبي يزيد بن عثمان، فانكسر ولحق بأبيه في ثلث العسكر، فانكشفت الميمنة، وانقلبت على القلب، ففر الأمير سلمان في نحو مائة ألف يريد مدينة برصا تخت الملك. وأحاطت عساكر تمرلنك عند ذلك بابن عثمان ومن ثبت معه، وأخذوه أسراً، وجاءوا به إلى تمرلنك، وقد تفرقت جمائعه، وتمزقوا كل ممزق، فلو لم يحل بينهم الليل، لما أبقي التمرية منهم أحداً، ولما جيء بابن عثمان إلى تمرلنك أوقفه وأبنه، ثم وكل به. وبعث من الغد في تتبع المنهزمين، فأحضر إليه من الجرحى نحو الثلاثة آلاف. وتفرقت التمرية في بلاد الروم، تعبث وتفسد وتنهب، وتنوع العذاب على الناس، وأحرقوا مدينة برصا. ومكثوا ستة أشهر يقتلون ويأسرون وينهبون ويفسدون. وعدى الأمير سلمان بن أبي يزيد بن عثمان إلى بر القسطنطينية.
وفي ثالث المحرم: أنعم لإقطاع علان نائب حماة على الأمير جركس المصارع، وبإقطاع جمق نائب الكرك على الأمير آقباي الخازندار الكركي، وزيد عليه سمسطا.
وفي سابعه: الأمير سودن طاز أمير أخور من الإصطبل السلطاني بأهله وحاشيه إلى داره، وعزل نفسه عن الأمير أخوريه، وصار من جملة الأمراء.
وفي ثامنه: توجه الأمير عبد الرحمن المهتار إلى جهة الكرك في مهمات.

وفي عاشره: استقر علاء الدين على بن أبي البقاء في قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن ابن عباس، واستقر صدر الدين على بن الآدمي في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن الشريف علاء الدين علي بن عدنان.
وفي خامس عشره: أوفي النيل، وذلك في ثاني عشرين مسرى.
وفي سادس عشره: قدم الأمير تغري بردى - نائب الشام كان - إلى دمشق، وقد فارق دمرداش ورغب في الطاعة، فأنزله الأمير شيخ وأكرمه.
وفي سابع عشره: خرج علان وجمق من القاهرة وخيما بالريدانية، وسارا إلى نيابتهما في ليلة السبت تاسع عشره. وعندما نزل الحاج إلى منزلة نخل قبض على الأمير نكباي أمير الحاج في عدة من المماليك السلطانية، وسفروا إلى الكرك فسجنوا بها.
وفي خامس عشرينه: قدمت ولاية علاء الدين علي بن أبي البقاء إلى دمشق باستقراره في قضائها، عوضاً عن ابن عباس.
وفي ثامن عشرينه: ظهر الأمير قرقماس الرماح، وصعد إلى قلعة الجبل، فعفا السلطان عنه، ونزل إلى داره. وفيه قبض بدمشق على الأمير أسن بيه أتابكها، وعلى الأمير حقمق حاجب الحجاب وغيره، فسجنوا بالصبيبة.
شهر صفر، أوله الأربعاء: في أوله: سار الأمير تغري بردى من دمشق إلى القاهرة، فقدم في أخره.
وفي ليلة الاثنين ثالث عشره: خرج الأمير سودن طاز بمماليكه وحواشيه إلى المرج والزيات خارج القاهرة، ونزل هناك ليقيم الفتنة. وذلك أنه لما ثقل عليه الأميران نوروز وجكم، ودبر في إخراجهما من مصر - كما ذكر - ظن أنه ينفرد بأمور الدولة، فنزل عليه الأمير يشبك وجماعته، وانحصر لمجيئهم من الإسكندرية، وتحكمهم في الدولة، وتلاشي أمره. وكان الأمير أقباي الكركي مع ذلك يعاديه قديماً. فما زال يدبر عليه حتى نزل من الإصطبل، خوفاً على نفسه من كثرة جموع يشبك وجرأة أقباي، وميل السلطان معهم عليه. فعندما نزل، شق عليه فطامه عن التحكم، وكفه عن الأمر والنهي، فخرج ليأتي إليه المماليك السلطانية وغيرهم، ويحارب بهم يشبك وطائفته، ويخرجهم من مصر، أو يقبض عليهم، ويستبد بعدهم بالأمر، فجاء حساب الدهر غير حسابه، و لم يخرج إليه أحد، وولي السلطان عوضه في الإصطبل الأمير إينال باي بن قجماس، وخلع عليه في يوم الاثنين عشرينه، واستقر أمير أخور، وسكن في الحراقة بباب السلسلة على العادة في ذلك.
وبعث السلطان إلى سودن طاز بالأمير قطلوبغا الكركي يأمره بالعود على أمريته من غير إقامة فتنة، وإن أراد البلاد الشامية فله ما يختار من نيابات السلطة بها، فامتنع وقال: لابد من إخراج أقباي الكركي أولاً إلى بلاد الشام، ثم إذا خرج كان في طاعة السلطان، فإن شاء أقره على إمرته، وإن شاء أخرجه، وإن شاء حبسه. فلم يوافق السلطان على إخراج أقباي، وبعث إليه ثانياً الأمير بشباي الحاجب فلم يوافق، فبعث إليه مرة ثالثة، وهو مقيم على ما قال. فلما أيس منه السلطان أن يوافق ركب بالعساكر من قلعة الجبل، وقد لبسوا للحرب، ونزل في يوم الأربعاء سادس ربيع الأول، فلم يثبت سودن طاز، ورحل بمن معه، وهم نحو الخمسمائة من المماليك السلطانية ومماليكه. وقد ظهر الأمير أقباي، ولحق به من نحو عشرة أيام، وصار من حزبه وفريقه، فتبعه. السلطان، وهو يظن أنه توجه نحو بلبيس وعندما حاذى سرياقوس مضى إليها، وسلك على الخليج إلى جهة القاهرة، وعبر من باب البحر بالمقدس إلى الميدان. وهجم قنباي في عدة كبيرة على الرميلة تحت القلعة، ليأخذ باب السلسلة، فلم يقدر على ذلك.
ومر السلطان وهو سائق على طريق بلبيس، فتفرقت عنه العساكر، وتاهوا في عدة طرق، فبلغ السلطان وهو سائق أن سودن طاز قد نزل يحاصر القلعة فرجع مسرعاً، وسار يريد القلعة حتى وصل إليها بعد العصر، وقد بلغ منه التعب بلغاً عظيماً، ونزل بالمقعد المطل على الرميلة وسوق الخيل. وندب الأمراء والمماليك لقتال سودن طاز، فقاتلوه في الأزقة طعناً بالرماح ساعة، فلم يثبت وانهزم، وقد جرح من الفريقين كثير، فحال الليل بين عساكر السلطان وبينه. وتفرق من كان معه في الدور، وبات السلطان ومن معه على تخوف.
فلما كان يوم الخميس سابعه: لم يظهر لسودن طاز وقنباي خبر إلى الليل، فلم يشعر الأمير يشبك بعد عشاء الآخرة إلا بسودن طاز قد دخل عليه داره في ثلاثة أنفس، وترامى عليه، فقبله، وبالغ في إكرامه، وأنزله عنده.

وأصبح يوم الجمعة: فكتب وصيته، وأقام في ليلة الأحد عاشره، فأنزله في الحراقة، وحمل إلى دمياط بغير قيد، ورتب له بها ما يكفيه، وأنعم عليه الأمير يشبك بألف دينار ذهباً مكافأة له على ما كان من سعيه في إخراجه من سجن الإسكندرية، وعوده إلى رتبته بعد نوروز وجكم. وأما قنباي فإنه اختفى، فلم يوقف له على خبر.
وفي رابع عشره: خلع على الأمير يلبغا السودني، أحد أمراء حلب، واستقر أتابك دمشق، عوضاً عن الأمير أسن باي التركماني بعد القبض عليه. وخلع أيضاً على الأمير سودن الظريف نائب الكرك، واستقر حاجب الحجاب بدمشق عوضاً عن الأمير جقمق الصفوي بعد القبض عليه أيضاً.
وقدم الخبر بأن الأمير دمرداش نائب حلب نزل إلى طرابلس واستقر بها عوضاً عن الأمير شيخ المحمودي. وكان قد خرج قصاد السلطان بطلب كل من دمرداش نائب حلب، وتغري بردى نائب دمشق من عند التركمان، وقد نزلا في جواريهم بعد عزلهما، فتوجه الأمير سودن بقجة رأس نوبة إلى دمرداش، وأظهر له ولاية طرابلس، وسار به إليها. وأما تغري بردى فإنه قدم إلى قلعة الجبل في أخر صفر.
وفي خامس عشر ربيع الأول: توجه الشريف جماز بن هبة بن جاز الحسيني من القاهرة إلى المدينة النبوية أميراً بها، عوضاً عن ابن عمه ثابت بن نعير. وكان جماز قد عزل في سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وحمل قلعة الجبل إلى وسجن بها، وولي عوضه ثابت. فلم يزل في السجن إلى أن أفرج عنه وعن الشريف عنان بن مغامس الحسني أمير مكة. وخلع على جماز بإمرة المدينة. ومرض عنان فمات في مرضه.
وفي خامس عشرينه: قدم الأمير سودن الحمزاوي من صفد إلى قلعه الجبل باستدعاء، مع الطواشي عبد اللطيف اللالا، وسعى الأمير أقباي الكركي له لصداقة بينهما، حتى يقوى به عضده.
وفي يوم الجمعة ثالث عشر وبيع الآخر: أعيد أنبياء التركماني إلى مشيخة خانقاه سرياقوس، عوضاً عن بدر الدين حسن بن علي بن آمدي.
وفي سادس عشره: خلع على الأمير شيخ السليماني شاد الشراب خاناه، واستقر في نيابة صفد عوضاً عن سودن الحمزاوي. وأنعم على سودن الحمزاوي بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، فصار من جملة الأمراء الأكابر. وأنعم أيضاً على الأمير تعري بردى نائب الشام بتقدمة ألف بديار مصر.
وفي سابع عشره: أخرج الأمير قرقماس الرماح إلى دمشق، على إمرة الأمير صروق.
وفي عشرينه: خلع على سودن الحمزاوي، واستقر شاد الشراب خاناه عوضاً عن الشيح السليماني.
وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة: استقر كريم الدين محمد بن نعمان الهوى في حسبة القاهرة، وصرف شمس الدين محمد الشاذلي.
وفي هذا الشهر: ارتفعت الأسعار، فبلغ الدينار الهرجة خمسة وستين درهماً، والدينار المشخص ستين درهماً، وسبب ذلك تنقيص الفلوس، فإن القفة من الفلوس كان وزنها مائة رطل وخمسة عشر رطلاً، عنها خمسمائة درهم، كل درهم أربعة وعشرين فلساً، رنة الفلس مثقال، فصارت القفة زنتها خمسين رطلاً. وغلت الأصناف، فبيع البدن من الفرو السنجاب - وهو أربع شقاق - بما ينيف على ألف درهم، بعد مائتين وخمسين درهماً. وكان قدم في أوله خواجا نظام الدين مسعود الكحجاني بكتاب تمرلنك، يتضمن أشياء، منها أنه إن وصل إليه أطلمش سار إلى سمرقند، فأفرج عن أطلمش في آخره. وأنعم عليه بمال وقماش، وجهز مع الرسول المذكور، وخرج من القاهرة يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة إلى الريدانية، ورحل منها يوم الخميس، وسار إلى تمرلنك، بعد أن أقام مسجوناً نحو عشر سنين.
وفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة: خلع على سودن الحمزاوي شاد الشراب خاناه، واستقر خازنداراً عوضاً عن أقباي الكركي بعد وفاته.
وفي عاشره: استقر الأمير قطلوبك - المعروف بأستادار أيتمش - في كشف الجيزية، وعزل الأمير مبارك شاه. ثم عزل قطلوبك عن ذلك، في سابع عشره بالأمير بشباي الحاجب، فاستعفي بعد أيام، وأعفي.
وفي ثاني عشرينه: قدمت ولاية شمس الدين محمد بن عباس قضاء دمشق، مولى عوضاً عن علاء الدين علي بن أبي البقاء، وسعى شخص بالأمير قنباي أنه في دار فكبس عليه الأربعاء ثالث عشرينه، وقبض وقيد، وحمل إلى الإسكندرية في سابع عشرينه، فسجن بها.

وفيه ورد الخبر بأن سودن طاز خرج من ثغر دمياط يوم الخميس رابع عشرينه في طائفة، فخرج إليه في يوم الاثنين تاسع عشرينه الأمير تغري بردى، والأمير تمراز، والأمير يلبغا الناصري، والأمير سودن الحمزاوي في عدة أمراء، فبلغهم أنه نزل عند الأمير علم الدين سليمان بن بقر بالشرقية، ليساعده على غرضه، فعندما أتاه أرسل يعلم به، فطرقه الأمراء وقبضوا عليه، وأحضروه إلى قلعة الجبل يوم الأربعاء سلخه.
وفي يوم الخميس أول شهر وجب: سمر خمسة من المماليك السلطانية، ممن كان مع سودن طاز، أحدهم سودن الجلب، فاجتمع المماليك لإقامة الفتنة بسبب ذلك، فخلى عنهم، وقيدوا، وسجنوا بخزانة شمايل، ونفي سودن الجلب إلى بلاد الفرنج من الإسكندرية.
وفي ثالثه: حمل سودن طاز مقيداً في الحراقة إلى الإسكندرية، وسجن بها. وفيه خلع على القضاة الأربع خلع الاستمرار.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره: دار المحمل بالقاهرة ومصر، على العادة في ذلك. وفيه قدم الأمير جقمق إلى دمشق، وقد أفرج عنه من سجنه بالصبيبة، بكتاب سلطان.
وفي نصفه: سكن الأمير شيخ نائب الشام بدار السعادة من دمشق، بعدما عمرها، كانت قد احترقت في نوبة تمرلنك.
وفي يوم الجمعة سادس عشره: عقد للأمير سودن الحمزاوي على خوند زينب ابنة الملك الظاهر برقوق وأخت الملك الناصر، وعمرها نحو الثماني سنين.
وفي هذا الشهر: ارتفعت الأسعار ارتفاعاً لم يعهد مثله بمصر، فبلغ القمح إلى سبعين درهماً الأردب، وزاد سعر الشعير على القمح، وبلغ الفول تسعين درهماً، والحمل التبن إلى سبعين درهما بعد خمسة دراهم، والفدان البرسيم الأخضر ستمائة درهم بعد تسعين درهماً، والقنطار السمن ستمائة درهم بعد مائة وعشرين درهماً، والسكر إلى ألفي درهم القنطار المكرر بعد ثلاثمائة درهم، والقنطار الفستق بأربعة آلاف درهم بعد مائتين وخمسين، والقنطار الزيت خمسمائة بعد مائة درهم ودونها، والدبس أربعمائة درهم بعد أربعين درهماً، وزيت الزيتون أربعمائة درهم بعد خمسين درهماً. والصابون خمسمائة درهم القنطار، بعد ما كان بمائة درهم. ولحم الضان ثلاثة دراهم الرطل، بعد نصف وربع درهم، ولحم البقر درهمين، بعدما كان بنصف درهم الرطل.
وارتفع أيضاً سعر الثياب، فبلغ الثوب القطن البعلبكي أربعمائة درهم، بعدما كان بستين درهماً، والثوب القطن البطانة بمائة درهم بعد ثلاثين درهماً ودونها، والثوب الصوف المربع ألف وخمسمائة درهم بعد ثلاثمائة درهم وسرى الغلاء في كل ما يباع.
وفي يوم الاثنين سادس عشرينه: استقر كمال الدين عمر بن جمال الدين إبراهيم ابن العديم قاضي حلب الحنفي في قضاء القضاة الحنفية بديار مصر، على مال. وصرف قاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب بن الطرابلسي، وكان مشكور السيرة.
وفي ليلة الأربعاء سابع عشرينه: سار إلى الإسكندرية أقبردي وتنباك من أمراء العشراوات في ثلاثين من المماليك السلطانية، فقدموا إليها في تاسع شعبان، وأخرجوا الأمير نوروز الحافظي، والأمير جكم، والأمير قنباي، والأمير سودن طاز، وأنزلوهم في البحر الملح وساروا بهم إلى البلاد الشامية، فحبس نوروز وقنباي في قلعة الصبيبة من عمل دمشق، وحبس جكم في حصن الأكراد من عمل طرابلس. وحبس سودن طاز في قلعة المرقب من عمل طرابلس أيضاً. ولم يبق بسجن الإسكندرية من الأمراء غير تمربغا المشطوب وسودن من زاده، ثم حول جكم إلى قلعة المرقب فاستمر بها هو وسودن طاز في الاعتقال.
وأهل شعبان بيوم الأحد: ففي تاسعه: استقر شهاب الدين الأموي في قضاء المالكية بدمشق.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان: استقر شمس الدين محمد بن شعبان الجابي في حسبة القاهرة، وعزل الهوى.
وفي حادي عشرينه: تفاوض الأمير سودن الحمزاوي مع القاضي الأمير سعد الدين إبراهيم بن غراب في مجلس السلطان، وأغلظ كل منهما على صاحبه وقاما. فعندما نزل ابن غراب من القلعة، تجمع عليه عدة من المماليك السلطانية ضربوه بالدبابيس، حتى سقطت عمامته عن رأسه، وسقط على الأرض، فحمله مماليكه إلى باب السلسلة، واحتمي منهم بالأمير إينال باي أمير أخور حتى تفرقوا، ثم صار إلى داره، فانقطع عن الخدمة السلطانية أياماً لما به.

وفي يوم الثلاثاء رابع رمضان: خلع على الأمير الشريف علاء الدين علي البعدادي، واستقر في الوزارة عوضاً عن الوزير فخر الدين ماجد بن غراب. وبقي فخر الدين بن غراب على نظر الخاص فقط. وخلع أيضاً عن الأمير قجماس كاشف الشرقية، واستقر في كشف البحيرة.
وفي عاشره: خلع على الأمير بهاء الدين رسلان، واستقر أحد الحجاب، بعد عزله من الحجوبية مدة بشهاب الدين أحمد بن المعلم ناصر الدين محمد بن سلام الإسكندراني القزاز.
وفي حادي عشره: ضرب الأمير يشبك الدوادار محمد بن شعبان محتسب القاهرة زيادة على أربعين عصا، لسوء سيرته، فتولى ضربه والي القاهرة بحضرة الناس في دار الأمير.
وفي ثاني عشره: قبض على سعد الدين إبراهيم بن غراب وأخيه فخر الدين ماجد، واعتقلا بالزردخاناه في القلعة. وقبض على زين الدين صدقة، ومحمد بن الوارث المغربي، ومحمد بن الشيخة صباح، وجمال الدين يوسف أستادار بجاس، وغير هؤلاء من ألزام بي غراب.
وفي رابع عشرينه: خلع على تاج الدين أبي بكر بن محمد بن عبد الله، بن أبي بكر بن محمد بن الدماميني الإسكندراني، واستقر في وظيفة نظر الجيش، عوضاً عن سعد الدين إبراهيم بن غراب على مال كبير. وخلع على تاج الدين عبد الله ابن الوزير سعد الدين نصر الله بن البقري، واستقر في نظر الخاص عوضاً عن فخر الدين ماجد ابن غراب.
وفيه رسم بقطع جوامك المماليك السلطانية المستجدة بالديوان المفرد، بعد موت الظاهر برقوق، وقطع عليق خيولهم أيضاً، فقطع نحو الألف ومائتي مملوك، ثم أعيدوا بشفاعات الأمراء، ما عدا مائتين وثلاثين لم يوجد من يعتني بهم، فاستمر منعهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشرينه: خلع على الأمير الوزير ركن الدين عمر بن قايماز، واستقر أستادار السلطان عوضاً عن سعد الدين بن غراب.
وفيه أفرج عن جمال الدين يوسف المعروف بأستادار بجاس، واستقر أستادار الأمير الكبير بييرس، عوضاً عن ركن الدين عمر بن قايماز، فصار يباشر أستادارية سودن الحمزاوي، وهو يومئذ شرارة الدولة، وأستادارية الأمير بيبرس - وهو أكبر الأمراء - فاشتهر ذكره وبعد وصيته، وصار يعد من أعيان البلد.
وفي تاسع عشرينه: خلع على الأمير أزبك الأشقر الرمضاني رأس نوبة، واستقر أمير الحاج، عوضاً عن الأمير بيسق الشيخي، لتقلق الحاج منه.
وفي يوم الخميس رابع شوال: خلع على الأمير مبارك شاه الحاجب وكاشف الجيزة، واستقر في الوزارة عوضاً عن الشريف علاء الدين علي البغدادي، بعد القبض عليه.
وفي ثامنه: أخرج الأمير ألجيبغا أحد الحجاب في الأيام الظاهرية إلى دمشق ليكون نائب ملطية وأخرج سرماش أحد الأمراء أخورية لنيابة سيس وكانت ملطية وسيس قد تغلب عليهما التركمان من واقعة تمرلنك.
وفي ليلة النصف منه: اختفي الوزير مبارك شاه، لعجزه عن كلف الوزارة.
وفي هذه الأيام: نزل الدينار الهرجة من سبعين درهماً إلى ستين، والدينار المشخص من ستين إلى خمسة وأربعين درهماً.
وفي ثامن عشره: استقر سودن الحمزاوي رأس النوبة كبيراً عوضاً عن سودن المارديني، واستقر المارديني أمير مجلس عوضاً عن تمراز. واستقر تمراز أمير سلاح عوضاً عن بكتمر الركني. واستقر بكنمر رأس نوبة الأمراء، وهو ثاني أتابك العساكر في المنزلة والرتبة. وخلع على الجميع، وعلى الأمير يلبغا السالمي، واستقر مشير الدولة، وكان قد استدعى من دمياط فقدم. وفيه خرج المحمل، وأمير الحاج أزبك الرمضاني إلى الريدانية، للمسير إلى الحجاز على العادة.
وفي ثاني عشرينه: خلع على الأمير الوزير تاج الدين رزق الله المعروف بوالي قطيا، واستقر في الوزارة عوضاً عن مبارك شاه، وهذه وزارته الثانية. وفيه نودي أن يكون الذهب المختوم بستين المثقال، والأفرنتي بخمسة وأربعين درهماً الدينار، ونودي من قبل السالمي بإبطال مكس البحيرة، وهو ما يذبح من الغنم والبقر.
وفي ثالثه عشرينه: أعيد ناصر الدين محمد بن الصالحي إلى قضاء القضاة بديار مصر. وصرف قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام الشافعية البلقيني.
وفي خامس عشرينه: خلع على الأمير طوخ، واستقر خازنداراً كبيراً، عوضاً عن الحمزاوي.
وفي تاسع عشرينه: خلع علي الحمزاوي لنظر خانقاه شيخو، عوضاً عن سودن المارديني.

وفي يوم الثلاثاء سلخه: خلع على تاج الدين عبد الله بن سعد الدين نصر الله بن البقري بوظيفة نظر الجيش، عوضاً عن تاج الدين أبي بكر بن محمد الدماميني، لعجزه عن المباشرة، فباشر وظيفتي نظر الخاص والجيش.
وأهل ذو القعدة يوم الأربعاء: وفي ثانيه: كتب توقيع ناصر الدين محمد بن خطب نقيرين، بقضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن ابن عباس.
وفي تاسعه: نقل الأمير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج جمال الدين عبد الله من الوزارة إلى كشف الوجه البحري، عوضاً عن الأمير قجماس. واستقر فيه ألطبغا العجمي في كشف الشرقية.
وفي رابع عشره: ورد الخبر بحركة الفرنج على السواحل، فخرج من الأمراء الألوف بكنمر رأس نوبة، ويلبغا الناصري، وجركس المصارع، وأقباي حاجب الحجاب، وسودن المارديني أمير مجلس، وتمراز أمير سلاح وتغري بردى. ومن الطبلخاناة سودن بقجة، وبشباي الحاجب. وساروا إلى دمياط وإسكندرية.
وفي خامس عشرينه: أفرج عن سعد الدين إبراهيم بن غراب وأخيه فخر الدين، ونزلا إلى دورهما بعد أن تسلمهما الأمير ركن الدين عمر بن قايماز، وضرب فخر الدين فالتزم سعد الدين بألف ألف درهم، وفخر الدين بثلاثمائة ألف درهم. فنقلا إلى الأمير يلبغا السالمي ليقتلهما، فاتقى الله في أمرهما، ولم يتبع هوى نفسه، ولا انتقم منهما، وخاف سوء العاقبة، فعاملهما من الإكرام بما لم يكن ببال أحد. وما زال يسعى لهما حتى نقلا من عنده إلى بيت شاد الدواوين ناصر الدين محمد بن جلبان الحاجب، فرفق بهما حتى خلصا من غير أن يمسهما سوء، بخلاف ما فعلا مع السالمي.
وفي سابع عشرينه: ارتجع السلطان الزيادات من سائر الأمراء، ما خلا ابن عمته الأمير الكبير بيبرس، فإنه أبقي الزيادة بيده.
وفيه استقر الأمير يلبغا السالمي استادار السلطان، وعزل ابن قايماز، وهذه ولاية السالمي الاستادارية الثانية، وتحدث أيضاً في الوزارة. وفيه عزل الأمير ألطبغا العثماني عن نيابة غزة واستقر خاير بك أحد أمراء دمشق بها.
وفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة: قدم الأمراء المجردون، ولم يلقوا أحداً.
وفي هذا الشهر: بلغ القنطار الصابون سبعمائة درهم، والأردب القمح خمسة وتسعين درهماً، والشعير زيادة على ستين، والفول ثمانين درهماً، والأرز إلى مائتين وخمسين الأردب. وورد الخبر برخاء البلاد الشامية.
وفي سابع عشره: أخرج إلى دمشق الأمير أسنبغا المصارع، والأمير نكباي الأزدمري، وهما من الطبلخاناة، وأينال جيا من أمراء العشرين، وإينال المظفري من أمراء العشراوات. وعمل لهم هناك اقطاعات، فساروا من القاهرة.
وفي تاسمع عشرينه: اغلق المماليك السلطانية باب القصر السلطاني من القلعة على من حضر من الأمراء، وعوقوهم بسبب تأخر نفقاتهم وجوامكهم، فأقاموا ساعة، ثم نزلوا من باب السر إلى الإصطبل، ولحقوا بدورهم، وقد اشتد خوفهم. وطلب السالمي فاختفى، ثم طمر به وعوق بباب السلسلة من الإصطبل عند الأمير أينال باي، ووكل به حتى يكمل نفقة المماليك. ولم يحج أحد في هذه السنة من الشام ولا العراق ولا اليمن.
وفي هذه السنة: ثار على السلطان أحمد بن أويس ولده طاهر وحاربه، ففر من الحلة إلى بغداد فأخذ وديعة له كانت بها، فهجم عليه طاهر وأخذ منه المال، ففر أحمد من ابنه، وأتاه قرايوسف بطلبه له وأعانه على ابنه، وحاربه معه، ففر طاهر اقتحم بفرسه دجلة فغرق بها، ولحق بربه.
ومات في هذه السنةشيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب الدين ابن عبد الخالق العسقلاني، المعروف بالبلقيني، يوم الجمعة عاشر ذي القعدة، عن إحدى وثمانين سنة وثلاثة أشهر إلا ثلاثة عشر يوماً. وقد انتهت إليه رياسة العلم في أقطار الأرض، ودفن بمدرسة من حارة بهاء الدين بالقاهرة.
ومات قاضي القضاة تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض الدميري المالكي، في يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة عن سبعين سنة، وكان عين المالكية بديار مصر.
ومات قاضي القضاة المالكية بدمشق، علم الدين محمد بن محمد بن محمد القفصي، في حادي عشرين المحرم، وقد قارب السبعين، وكان مشكور السيرة.
ومات قاضي قضاة الحنابلة بدمشق، شمس الدين محمد بن أحمد بن عمود النابلسي الحنبلي بدمشق، في ثاني عشر المحرم، وكان فقيهاً نحوياً.

ومات شيخ الشيوخ بدر الدين حسن بن علي بن آمدي، خارج القاهرة في أول شعبان. وكان يعتقد فيه الخير.
ومات الأمير الشريف عنان بن مغامس بن رميثة الحسني بالقاهرة في أول ربيع الأول.
ومات الأمير أقباي الكركي، في ليلة السبت رابع عشر جمادى الأولى بعد مرض طويل، ودفن بالحوش الظاهري خارج باب النصر.
ومات الأمير يلبغا السودني. حاجب الحجاب بدمشق في جمادى الآخرة، فاستقر عوضه جركس والد تنم، نقل إليها من حجوبية طرابلس. واستقر عوضه في حجوبية طرابلس مراد.
ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن الوزير ناصر الدين محمد بن رجب أحد أمراء العشراوات والحجاب، في حادي عشر وجب، بالقاهرة، وكان شاباً جميلاً شجاعاً.
ومات الأمير قرقماس الرماح الأينالي، قتل بدمشق في أخر رمضان بأمر السلطان وكان لما أخرج من القاهرة على إقطاع الأمير صروق بدمشق ولي كشف رملة لد، ثم تحدث بالقبض عليه، ففر إلى جهة حلب، فأخذ عند بعلبك، وحمل إلى دمشق، وقتل بسجنها في عدة من المماليك.
ومات نور الدين محمود بن هلال الدولة الدمشقي بالقاهرة، في آخر رجب، ومولده سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة. وكان من أدباء دمشق وموقعيها.
ومات عبد الجبار رئيس الفقهاء عند تمرلنك، في ذي القعدة.
ومات خوندكار أبو يزيد بن الأمير مراد بن الأمير أوره خان ابن الأمير عثمان ملك بلاد الروم، وهو في الأسر عند تمرلنك في ذي القعدة.
ومات جال الدين عبد الله بن الخطب شهاب الدين أحمد القسطلاني، خطيب جامع عمرو بمصر في العشر الآخر من رمضان بعدما اختلط وقد أناف على السبعين، وخطب هو وأبوه بالجامع نحو خمسين سنة، وعنه أخذت الخطابة.
ومات الفقير المعتقد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن عمر، المعروف بابن الزيات، الأنصاري الشافعي، في المحرم، ودفن في القرافة. وعلى يده سلك صاحبنا الشاب النائب.
سنة ست وثمانمائةأهل شهر الله المحرم يوم السبت: والذهب الهرجة كل مثقال بستين درهماً من لفلوس الجدد، والدينار الإفرنتي - وهو المشخص ضرب الفرنج النصارى - كل شخص بخمسة وأربعين درهماً من الفلوس. والنقد الرابح الفلوس، وكل أربعة وعشرين فلساً تحسب بدرهم. والفضة الكاملية - التي كانت نقد مصر، ويصرف منها كل درهم بأربعة وعشرين فلساً - قد صارت عزيزة الوجود، ويصرف كل درهم منها بدرهم ونصف وربع من الفلوس. والسلع كلها، وأجر الأعمال إنما تنسب إلى الفلوس. والأردب القمح بمائة درهم، والشعير كل أردب من ستين درهماً إلى سبعين درهماً، والفول سبعين درهماً الأردب، والأرز بمائتي درهم الأردب، والكتان بثلاثة دراهم الرطل، وبأربعة أيضاً.
وفي يوم الاثنين ثالثه: قدم رسل الطاغية تيمورلنك، وكبيرهم مسعود الكحجاني، فتلقاهم الحجاب ونحوهم من الأمراء، وشقوا القاهرة ومعهم هدية، فيها فيل عليه رجل قائم بيده علمان أخضران. قد نشرهما وقبض عليهما بيديه، وفيها فهد وصقران وثياب، فأنزلوا في دار، وأحضروا بين يدي السلطان بقلعة الجبل في يوم الخميس سادسه، ثم أمر بهم إلى دار، وأجرى عليهم في كل يوم ثلاثمائة رطل من لحم الضأن، وعدة من الأوز، والدجاج، وغير ذلك، وألف درهم، ومنعوا من الاجتماع بالناس مدة أيام، ثم أذن لهم في الركوب والحركة.
وفيه نودي بإشارة الأمير يلبغا السالمي أن يتعامل الناس بالفلوس وزناً لا عدداً، وأن يكون كل رطل منها بستة دراهم حساباً عن كل قنطار ستمائة درهم، فاستمر ذلك ولم ينتقض.
وفي يوم الثلاثاء رابعه: خلع على الأمير ركن الدين عمر بن قايماز، واستقر في الأستادارية عوضاً عن الأمير يلبغا السالمي. وقبض على السالمي وسلم إليه، فسكن بدار السالمي وسجنه بمكان منها، ثم نقل من عنده، وسلم إلى أمير أخور بالإصطبل السلطاني، في عصر يوم الجمعة سابعه.

وفي يوم السبت ثامنه: خلع على علم الدين يحيى - المعروف بأبي كم - واستقر في الوزارة ونظر الخاص، عوضاً عن الصاحب تاج الدين بن البقري. واستقر ابن البقري على ما بيده من نظر الجيش، ونظر الديوان المفرد وسبب ذلك أن جمال الدين يوسف أستادار الأمير بجاس استدعي بجمدار إلى حضرة السلطان، وأمر يفاض عليه تشريف الوزارة، فعندما ألقى عليه ليلبسه، حلف ألا يلبسه. وطالت محاورته وهو يمتنع حتى أعيى أمره، وقال: عندي من يلبس الوزارة بشرط أن يضاف إليها نظر الخاص، وهو أبو كم فأحضر، وخلع عليه، ونزل وفي خدمته الناس على العادة.
وفي عاشره: استقر شمس الدين محمد بن شعبان في حسبة القاهرة، وصرف شمس الدين عمد الشاذلي.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره: استدعى السالمي إلى حضرة السلطان ليعاقب فالتزم بحمل مال كبير، فسلم إلى شاد الدواوين.
وفي يوم الخميس ثالث عشره: استقر قاضي القضاة بدمشق - محمد الأخناي - في قضاء القضاة بديار مصر عوضاً عن ناصر الدين محمد بن الصالحي، بعد موته.
وفي ليلة الجمعة رابع عشره: خسف جميع جرم القمر نحو خمس ساعات.
وفي يوم السبت نصفه: فقد الوزير أبو كم من داره، فلم يعرف موضعه لعجزه عن سد كلف الوزارة، فأعيد التاج بن البقري إليها يوم الثلاثاء ثامن عشره.
وفيه أضيف شد الدواوين إلى الأمير ناصر الدين محمد بن كلفت والي القاهرة وأحد الحجاب، وسلم إليه الأمير السالمي ليعاقبه، فتشدد عليه حتى باع كتبه العلمية.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: كثر اضطراب المماليك السلطانية بالقصر من قلعة الجبل، وهموا بأخذ الأمراء ورجوهم، وذلك لتأخر نفقاتهم وعليق خيولهم وكسوتهم، فوعدوا بخير، وأمر بإحضار التجار، وألزموا بمال في نظير غلال بيعت عليهم، توزع الأمراء مالاً يقومون به، فناب بعضهم من ذلك خمسة آلاف، وناب آخرون فوقها، ومنهم من قام بدونها.
وفي هذا الشهر: توقف النيل عن الزيادة في وسط مسرى، فارتفع سعر الغلال حتى أبيع القمح بمائة وعشرين درهماً الأردب، فأمر الناس بالاستسقاء في يوم الجمعة ثامن عشرينه، بالجوامع عقيب صلاة الجمعة، فاستسقوا.
وفيه عزل الأمير جمق عن نيابة الكرك وسفر إلى دمشق، واستقر عوضه الأمير الهذباني.
وفي هذا الشهر: كانت واقعة الفرنج بطرابلس، وذلك أنهم نزلوا على طرابلس في ثلاثين شينياً وقراقر. وكان الأمير دمرداش غائباً عن البلد، فقاتلهم الناس قتالاً شديداً، في يوم الثلاثاء ثاني عشره إلى الغد. فبلغ دمرداش وهو بنواحي بعلبك الخبر، فاستنجد الأمير شيخ نائب الشام، وتوجه إلى طرابلس، فقدمها يوم الخميس عشرينه.
ونودي في دمشق بالنفير، فخرج الناس على الصعب والذلول، فمضى الفرنج إلى بيروت بعدما قاتلهم دمرداش قتالاً كبيراً، قتل فيه من المسلمين اثنان وجرح جماعة، فوصل الأمير شيخ إلى طرابلس وقد قضى الأمر، فسار إلى بيروت، فقدمها وقت الظهر من يوم الجمعة حادي عشرينه، والقتال بين المسلمين وبين الفرنج من أمسه، وقتلى الفرنج مطروحين على الأرض، فحرق تلك الرمم، وتبع الفرنج، وقد ساروا إلى صيدا بعدما حرقوا مواضع وأخذوا مركباً قدم من دمياط ببضائع لها قيمة كبيرة. وقاتلوا أهل صيدا، فطرقهم الأمير شيخ وقت العصر وقاتلهم وهم في البر، فهزمهم إلى مراكبهم. وساروا إلى بيروت فلحقهم وقاتلهم، فمضوا إلى جهة طرابلس، ومروا عنها إلى جهة الماغوصة. فركز الأمير شيخ طائفة ببيروت، وطائفة بصيدا، وعاد إلى دمشق في ثاني صفر.
شهر صفر، أوله الاثنين:

ويوافقه سابع عشرين مسرى: - أحد شهور القبط - تمادت زيادة النيل إلى يوم الأحد سابعه، وثالث أيام النسيء، فانتهى ماء النيل فيه إلى اثنين وعشرين إصبعاً من الذراع السادس عشر، وبقى من الوفاء إصبعان. فتوقف يومي الاثنين والثلاثاء عن الزيادة، ونقص أربع أصابع، فاشتد جزع الناس، وتوقعوا حلول البلاء، فسار شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني من داره ماشياً قبيل الظهر إلى الجامع الأزهر في جمع موفور، ولم يزل يدعو ويتضرع، وقد غص الجامع بالناس، إلى بعد العصر. ثم خرج القضاة وشيوخ الخوانك إلى الجامع، ففعلوا ذلك إلى آخر النهار، فتراجع النيل من الغد إصبعين، واستمر إلى يوم الخميس حادي عاشره - ويوم النوروز أول توت - فركب الأمير يشبك بعد العصر حتى فتح الخليج، وقد بقي من الوفاء أربع أصابع. وانتهي سعر الأردب القمح إلى مائة وثلاثين درهماً.
وفي يوم السبت ثالث عشره: توجه شيخ الإسلام جلال الدين إلى رباط الآثار النبوية، وحمل الآثار النبوية على رأسه، واستسقى، وأكثر من التضرع والدعاء ملياً، وانصرف، فتراجع ماء النيل، ونودي في يوم الثلاثاء بوفاء ستة عشر ذراعاً وإصبعين من سبعة عشر، وارتفع أيضاً سعر الذهب، فبلغ المثقال الهرجة إلى أربعة وستين درهماً، والدينار الأفرنتي إلى خمسين وزيادة.
وفيه قدم الخبر بنزول الفرنج إلى صيدا وبيروت، وأن الأمير شيخ المحمودي نائب الشام سار إليهم وقاتلهم، وقتل منهم عدة، وهزم باقيهم، وبعث إلى القاهرة سبع رءوس منهم.
وفي سادس عشرينه: قدم الخبر بتكاثر مراكب الفرنج على الإسكندرية، فندب برهان الدين إبراهيم المحلي كبير التجار بمصر للمسير إلى الإسكندرية، وتبعه عدة من الأمراء، فأقاموا أياماً ثم عادوا، ولم يلقوا كيداً.
شهر ربيع الأول، أوله الأربعاء.
فيه نقص ماء النيل، فشرق الصعيد بكماله ورويت الشرقية، وكثير من بلاد الغربية، وارتفع السعر، فوصل القمح إلى مائة وثمانين درهماً الأردب، والشعير إلى مائة درهم الأردب، والمثقال الذهب إلى سبعين، والدينار الأفرتني إلى ستين.
وفي يوم السبت رابعه: أعيد قاضي القضاة جلال الدين البلقيني إلى قضاء القضاة، وصرف الأخناي.
وفي سادسه: أعيد البخانسي إلى حسبة القاهرة، وعزل ابن شعبان، وأعيد جمال الدين يوسف البساطي إلى قضاء القضاة المالكية بديار مصر، وصرف قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون. وقدم الخبر بقدوم السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد إلى حلب، فاراً من الطاغية تيمورلنك، وأنه يعتذر عما كان منه، ومتى لم يقبل عذره مضى إلى بلاد الروم.
وفي عشرينه: بلغ الأردب القمح إلى مائتين وخمسين درهماً، والفول والشعير إلى مائتين وثلاثين، وعز وجود الشعير، بحيث فرق عليق خيول المماليك السلطانية فولاً، وبلغ الحمل التبن إلى خمسين درهماً.
وفي سابع عشرينه: خلع على رسل تيمورلنك خلعة السفر، وخلع على الأمير قاني باي التمربغاوي - أحد أمراء الطبلخاناه - وتوجه لإحضار الأمير دقماق نائب حلب.
وفي تاسع عشره: اختفى الوزير تاج الدين بن البقري عجزاً عن تكفية اللحم والنفقات السلطانية.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه: خلع على القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الخاص، واستقر في وظيفتي الأستادارية ونظر الجيش. وصرف الأمير ركن الدين عمر ابن قايماز عن الأستادارية، وخلع على الأمير تاج الدين رزق الله كاشف البحيرة وأعيد إلى الوزارة وهي ثالث وزارته. واستقر محيى الدين محمود بن نجم الدين أحمد بن عماد الدين إسماعيل بن الشيخ شرف الدين محمد بن الشيخ عز الدين أبي العز، المعروف بابن الكشك، في قضاء القضاة الحنفية بدمشق، عوضاً عن زين الدين عبد الرحمن بن الكفري، وسافر من القاهرة، فلم يبلغ دمشق حتى استقر عوضه جمال الدين يوسف ابن القطب. واستقر شمس الدين محمد البيري - أخو جمال الدين يوسف الأستادار - في قضاء القضاة الشافعية بحلب.
وفي هذا الشهر: ألزم قاضي القضاة جلال الدين أن يكتبوا أجاير الدور والأراضي، وصدقات النساء وغير ذلك بالفلوس، ولا يكتبوا من الدراهم النقرة، فاستمر ذلك.
شهر ربيع الآخر، أوله الخميس:

في خامسه: كتب باستقرار الأمير أقبغا الهذباني في نيابة حلب، وجهز إليه تشريف، عوضاً عن الأمير دقماق، وطلب دقماق إلى مصر، فلما وصل إليه القاصد بطلبه هرب من حلب.
وفي يوم السبت آخره: قدم قرا يوسف بن قرا محمد إلى دمشق، فأنزله الأمير شيخ بدار السعادة، وكان من خبره أنه حارب أحمد بن أويس، وأخذ منه بغداد، فبعث إليه تمرلنك عسكراً فكسرهم، فسير إليه جيشاً كبيراً فكسروه، وفر بأهله وخاصته إلى الرحبة، فلم يمكن منها، ونهبه العرب، فمر على وجهه إلى دمشق.
وفيه أيضاً هرب الأمير قانباي من سجن الصبيبة، وكان مسجوناً هو والأمير نوروز الحافظي، فتأخر نوروز بالسجن، وفر قانباي، فلم يعرف له خبر.
شهر جمادى الأولى، أوله السبت: فيه استقر كريم الدين محمد بن نعمان الهوى في حسبة القاهرة، وصرف البخانسي، فمات يوم الثلاثاء رابعه.
وفي يوم الثلاثاء خامسه: خلع علي بدر الدين حسن بن نصر الله بن حسن الفوى، واستقر في نظر الخاص، عوضاً عن ابن البقري.
وفي أوله: قدم إلى دمشق الأمير علاء الدين أقبغا الأطروش من القدس وقد ولي نيابة حلب، فأقام بها إلى رابعه، وتوجه إلى حلب.
وفي سادسه: قدم السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد إلى دمشق، فاراً من تمرلنك، فتلقاه الأمير شيخ وأنزله.
وفي تاسع عشره: نودي في دمشق بإبطال مكس الفاكهة والخضراوات، بأمر الأمير شيخ. وكتب في ذلك إلى السلطان، فرسم به، واستمر ولله الحمد.
شهر جمادى الآخرة، أوله السبت: في سابعه: صرف الهوى عن الحسبة بالشاذلي.
وفي عاشره: اختفي الوزير تاج الدين، عجزا عن تكفية اللحم وغيره، من مصارف الدولة.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه: أعيد ابن البقري إلى الوزارة ونظر الخاص وصرف ابن نصر الله عن نظر الخاص.
وفي هذا الشهر: حدث في الناس بالقاهرة ومصر وضواحيهما سعال، بحيث لم ينج أحد منه. وتبع السعال حمى، فكان الإنسان يوعك نحو أسبوع ثم يبرأ، و لم يمت منه أحد. وكان هذا بعقب هبوب ريح غريبة، تكاد من كثرة رطوبتها تبل الثياب والأجسام.
وفيه اشتد البرد، وعظمت نكايته إلى الغاية، فشنع الموت في المساكين من شدة البرد وغلاء الأقوات وتعذر وجودها، فإن القمح بلغ إلى مائتين وستين درهماً الأردب، والقدح من الأرز خمسة دراهم، والرطل السمن إلى ستة دراهم، فكان يموت في كل يوم بالجوع والبرد عدد كثير. وقام بمواراتهم الأمير سودن المارديني، والقاضي الأمير سعد الدين بن غراب الأستادار، وغيره سوى من يجهز من وقف الطرحاء، فكان المارديني يواري منهم في كل يوم ما يزيد على مائة، وابن غراب يواري في كل يوم مائتين وما فوقها، والأمير سودن الحمزاوي، والأمير ناصر الدين محمد بن سنقر الأستادار، ووقف الطرحاء يوارون عدة كبيرة في كل يوم مدة أيام عديدة. ثم تجرد ابن غراب لذلك تجرداً مشكوراً، فبلغت عدة من واراه منهم إلى آخر شوال، اثني عشر ألف وسبعمائة، سوى من ذكرنا.
وفي سابع عشره: أعيد علاء الدين علي بن أبي البقاء إلى قضاء دمشق، عوضاً عن ابن خطيب نقيرين. وفيه قبض على السلطان أحمد بن أويس، والأمير قرايوسف، وسجنا بدمشق، في سابع عشره، مقيدين.
شهر رجب، أوله الاثنين: في ثامن عشره: قدم الأمير أقبغا الجمالي الأطروش نائب حلب، وقد مات.
وفي ثالث عشرينه: خلع على رسل تيمورلنك خلعة ثانية، وعين للسفر معهم الأمير منكلي بغا أحد الحجاب.
وفي هذا الشهر: بلغ الأردب القمح إلى ثلاثمائة وعشرين، وفيه علت كثير، وبيع كل قدح منه بثلاثة دراهم وثلث، وأبيع الخبز كل ثماني أواق بدرهم، وكل قدح من الشعير بدرهمين، وكل أردب من الفول بمائة وثمانين، فاشتد الحال بديار مصر، وبلغت غرارة القمح بدمشق - وهي ثلاثة أرادب مصرية - إلى سبعمائة درهم وخمسين درهماً فضة، عنها من نقد مصر الآن ألف وخمسمائة درهم.
وفيه عمل الأمير شيخ نائب الشام محمل الحاج وأداره بدمشق، في ثاني عشرينه، حول المدينة وكان قد انقطع ذلك من سنة ثلاث وثمانمائة، مبلغ مصروف ثوب المحمل - وهو حرير أصفر مذهب - نحو خمسة وثلاثين ألف درهم فضة. ونودي بخروج الحاج على طريق المدينة النبوية وعين لإمرة الحاج فارس دوادار الأمير تنم.
شهر شعبان، أوله الأربعاء:

في ثالثه: ورد الخبر بأن الأمير دقماق نزل على حلب بجماعة التركمان، فيهم الأمير على باي بن دلغادر، ففر منه أمراؤها إلى حماة، فملك حلب، فتوجه الأمير سودن المحمدي بتقليد الأمير دمرداش المحمدي نائب طرابلس بنيابة حلب، عوضاً عن أقبغا الجمالي الأطروش، وتوجه الأمير أقبردي بتقليد الأمير شيخ السليماني نائب صفد بنيابة طرابلس، عوضاً عن دمرداش واستقر في نيابة صفد بكتمر جلق - أحد أمراء دمشق - وتوجه أينال المأموري بقتل الأمراء المحبوسين.
وفي يوم الخميس سادس عشره: صرف قاضي القضاة جلال الدين البلقيني عن وظيفة القضاء بالأخناي.
وفي ثالث عشرينه: صرف الشاذلي عن الحسبة، بابن شعبان. وفيه بلغ الحمل التبن إلى ثمانين درهماً، والأردب الشعير والفول إلى مائتين وخمسين درهماً، والأردب القمح إلى أربعمائة درهم، والرطل من لحم الضان إلى درهمين ونصف. وفيه ورد الخبر بأن طرابلس الشام زلزلت بلادها زلزلة عظيمة، هدمت مباني عديدة، منها جانب من قلعة المرقب. وعمت اللاذقية وجبلة وقلعة بلاطنس وثغر بكاس، وعدة بلاد بالجبل والساحل، فهلك تحت الروم جماعة.
شهر رمضان أوله الخميس: وفيه بلغ المثقال الذهب إلى تسعين درهماً، والدينار الأفرنتي إلى سبعين، والدرهم الكاملي ثلاثة دراهم من الفلوس، وكل درهم من الفضة الحجر بأربعة دراهم. وفيه فتح جامع الأمير سودن من زاده، بخط سويقة العزى، خارج باب زويلة. وخطب من العد فيه قاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب، ابن قاضي القضاة شمس الدين محمد الطرابلسي الحنفي. ودرس فيه بدر الدين حسن القدسي الحنفي.
وفيه أفرج الأمير دمرداش عن الأمير سودن طاز، والأمير جكم، وكانا قد سجنا ببعض حصون طرابلس، وسار بهما إلى حلب.
وفي تاسعه: قدم رسول تمرلنك، ومعه الطواشي مقبل الأشقتمري ممن أسره تمر من الخدام السلطانية إلى دمشق، وقدموا إلى قلعة الجبل في تاسع عشرينه.
وفي هذا الشهر: تحارب الأمير نعير بن حيار والتركمان، فقتل ابن سالم الدكرى، وانهزم التركمان.
شهر شوال، أوله السبت: في رابعه: صرف ابن شعبان عن الحسبة بالهوى وبلغ المثقال الذهب نحو المائة درهم، والأفرنتي خمسة وسبعين، والقنطار السكر ستة آلاف درهم، والمروج الواحد إلى سبعين درهماً، والرطل من البطيخ الصيفي إلى ثلاثة دراهم، والحمل التبر بمائة وأكثر، منها.
وورد الخبر بأن الأمير نعير بن حيار بن مهنا حارب التركمان الدكرية، قريباً من حلب، وهزمهم أقبح هزيمة.
وفي رابع عشره: استقر تاج الدين محمد بن شقير - خطيب جامع الجيزة - في حسبة مصر، عوضاً عن نور الدين البكري.
وفي سابع عشره: قبض على الوزير تاج الدين بن البقري، وسلم للأمير سعد الدين ابن غراب. وخلع في يوم الخميس خلعة الوزارة على بدر الدين حسن بن نصر الله، مضافة إلى نظر الخاص.
شهر ذي القعدة، أوله الاثنين.
فيه أعيد ابن شعبان إلى الحسبة، وعزل الهوى، ثم أعيد الهوى وصرف ابن شعبان في يوم الخميس رابعه. واستقر شمس الدين محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي - أحد طلبة الشافعية - في مشيخة خانكاة سرياقوس عوضاً عن الفقيه أنبياء التركماني. وفيه ارتفعت أسعار عامة المبيعات. فبلغ الرطل الجبن المقلي إلى اثني عشر درهماً، والرطل اللحم البقري إلى ثلاثة دراهم، والرطل اللحم الضاني إلى خمسة دراهم. وقلت الأغنام ونحوها، فأبيع عشر دجاجات سمان بألف وخمسين درهماً. وبيعت عشر دجاجات في سوق الدجاج بحراج حراج بخمسمائة درهم. وأنا أستدعيت بفروجين لأشتريهما، وقد مرضت، فأخبرت أن شراءهما أربعة وسبعون درهماً، ويريد ربحاً على ذلك.

وتوالى في شوال وذي القعدة هبوب الرياح المريسية، فكانت عاصفة ذات سموم وحر شديد، مع غيم مطبق، ورعود ومطر قليل، غرق منها عدة سفن ببحر الملح، وفي نيل مصر، هلك فيها خلائق. واشتدت الأمراض بديار مصر، وفشت في الناس حتى عمت، وتتابع الموتان. ثم عقب هذا الريح الحارة هواء شمالي رطب، تارة مع غيم، ومرة بصحو، حتى صار الربيع خريفاً بارداً، فكانت الأمراض في الأيام الباردة تقف ويقل عدد الموتى، فإذا هبت السمائم الحارة كثر عدد الموتى. وكانت الأمراض حادة، فطلبت الأدوية حتى تجاوز ثمنها المقدار، فبيع القدح من لب القرع بمائة درهم، والويبة من بذر الرجلة بسبعين درهماً بعد درهمين. والرطل من الشير خشك بمائة وثلاثين. والأوقية من السكر النبات بثمانية دراهم، ومن السكر البياض بأربعة دراهم، ثم بلغ الرطل إلى ثمانين درهماً. والرطل البطيخ بثمانية دراهم، والرطل الكمثري الشامي بخمسة وخمسين درهماً، والعقيد بستين درهماً الرطل، وعضد الخروف الضأن المسموط بأربعة دراهم، والزهرة الواحدة من اللينوفر بدرهم، والخيارة الواحدة بدرهم ونصف. وزكت الغلال بخلاف المعهود، فأخرج الفدان الواحد من أرض انحسر عنها ماء بركة الفيوم - المعروفة ببحر يوسف الصديق - أحداً وسبعين أردباً شعيراً بكيل الفيوم، وهو أردب ونصف، فبلغ بالمصري مائة وستة أرادب كل فدان. وهذا من أعجب ما وقع في زمننا. وأخرج الفدان مما روي - سوى هذه الأرض - ثلاثين أردباً شعيراً، ودون ذلك من القمح. وأقل ما أبيع القمح الجديد بمائتي درهم وخمسين درهماً الأردب.
وهلك أهل الصعيد لعدم زراعة أراضيهم. وكثرت أموال من رويت أرضه من أهل الشرقية والغربية. وعز البصل حتى أبيع الرطل بدرهم ونصف، وبلغ الفدان منه إلى عشرين ألفاً. وأحصي من مات بمدينة قوص فبلغوا سبعة عشر ألف إنسان، ومن مات بمدينة سيوط فبلغوا أحد عشر ألفاً، ومن مات بمدينة هو فبلغوا خمسة عشر ألفاً، وذلك سوى الطرحاء، ومن لا يعرف.
شهر ذي الحجة، أوله الاثنين: في سابعه: أعيد قاضي القضاة جلال الدين البلقيني إلى منصب القضاء، وصرف الأخناي.
وفي يوم الخميس سابع عشره: قبض على الأمير ببيرس الدوادار الصغير، وعلى الأمير جانم، والأمير سودن المحمدي، وحملوا إلى الإسكندرية، فسجنوا بها. واستقر الأمير قرقماس - أحد أمراء الطبلخاناة - دواداراً صغيراً، عوضاً عن بيبرس.
وسار أمير الحج في هذه السنة طول. وحج من الأمراء شرباش رأس نوبة، وتمان تمر الناصري رأس نوبة، وبيسق الشيخوني أمير أخور ثاني. ونودي على النيل في يوم السبت ثاني عشره - وسابع عشرين بؤونة - ثلاث أصابع، وجاء القاع ذراع واحد وعشر أصابع. وكان النيل قد احترق احتراقاً غير ما نعهد، حتى صار الناس يخوضون من بر القاهرة إلى بر الجيزة، وقلت جوية الماء.
وهذه السنة: هي أول سني الحوادث والمحن التي خرجت فيها ديار مصر، وفني معظم أهلها، واتضعت بها الأحوال، واختلت الأمور خللاً أذن بدمار إقليم مصر.
ومات في هذه السنة ممن له ذكرعلي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله بن محمد الحكري الحنبلي. مات في يوم السبت ثامن المحرم. وكان قد ولي قضاء القضاة الحنابلة بديار مصر نحو ستة ثم عزل، وكان من فضلاء الحنابلة.
ومات محمد بن محمد بن عبد الرحمن ناصر الدين الصالحي الشافعي، توفي يوم الأربعاء ثاني عشر المحرم، وهو متولي قضاء القضاة بديار مصر، وكان غير مشكور السيرة، قليل العلم، يشدو شيئاً من الأدب، ويكتب خطاً حسناً.
ومات محمد بن مبارك بن شمس الدين، شيخ رباط الآثار النبوية توفي يوم الاثنين سابع عشر المحرم، عن ثمانين سنة.
ومات محمد بن شمس الدين البخانسي الصعيدي. توفي يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى، وقد ولي حسبة القاهرة عدة مرار، وكان عسوفاً.
ومات عبد الرحيم بن الحسين بن أبي بكر، زين الدين العراقي، الشافعي شيخ الحديث، توفي يوم الأربعاء ثامن شعبان، ومولده في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وولي قضاء المدينة النبوية، وانتهت إليه رياسة علم الحديث.
ومات علي بن محمد بن عبد الوارث نور الدين البكري الشافعي. توفي في ذي القعدة، وولي حسبة القاهرة والفسطاط غير مرة. وكان يعد من فضلاء الفقهاء.

ومات الأمير أزبك الرمضاني، أحد أمراء الطبلخاناة، توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول. ومات الأمير قطلوبك، أستادار أيتمش. توفي يوم الأربعاء سابع ربيع الآخر، وولي أستادارية السلطان، وكان من الأغنياء.
ومات أقبغا الفقيه، توفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى. وكان أحد دوادارية السلطان، وله به اختصاص زائد، وسيرته ذميمة.
ومات إبراهيم بن عمر بن علي برهان الدين المحلي توفي يوم الأربعاء ثاني عشرين ربيع الأول. وبلغ من الحظ في المتجر وسعة المال الغاية، وجدد عمارة جامع عمرو بن العاص بمصر، وانتهب ماله نهباً.
ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ علي نائب صفد. توفي بدمشق - وهو أحد أمرائها الألوف - في ذي القعدة، وقدم مصر غير مرة.
ومات الأمير سودن طاز. مات مقتولاً في شهر ذي الحجة.
ومات الشيخ محمد بن علي بن عبد الله، المعروف بالحرفي، المغربي، في يوم الخميس سادس شوال. وكان من خواص الملك الظاهر، يمت إليه بمعرفة علم الحرف.
سنة سبع وثمانمائةأهلت بيوم الخميس، ثم بعد أيام أثبت القضاة أن أول المحرم الأربعاء.
وكان فيه النيل على ستة وعشرين إصبعاً من الذراع السادس، ووافقه خامس عشر أبيب. وكان سعر القمح بالقاهرة قد انحط، فأبيع بمائتين وخمسين درهماً الأردب، وهو يباع في الريف بثلاثمائة درهم. وقطع الرغيف زنة رطل بدرهم. وأبيع الفول بمائتين وخمسين درهماً، لقلته من أجل انهماك الناس في أكله أخضر. وبلع سعر المثقال الذهب تسعين درهماً، والأفرنتي سبعين.
وفي رابعه: باشر أبو العباس أحمد بن محمد بن سلطان الحمصي قضاء دمشق، عوضاً عن علاء الدين بن أبي البقاء.
وفي رابع عشره: استقر شمس الدين محمد بن سعد بن عبد الله - المعروف بسويدان الأسود - أحد قراء الأجواق، في حسبة القاهرة، وعزل الهوى.
وفي ثامن عشرينه: أوفي النيل ستة عشر ذراعاً. وركب السلطان من قلعة الجبل، وعدى النيل حتى خلق المقياس بين يديه، وفتح الخليج على العادة.
شهر صفر، أوله الخميس: في ثانيه: توجه الأمير طولو إلى الشام في مهم سلطاني، فقدم دمشق في سادس عشره، ومعه الأمير خير بك نائب غزة فتلقاهما الأمير شيخ، ولبس التشريف السلطاني، الذي حمله طولو. وأقام عنده طولو إلى سادس عشر ربيع الأول، ثم سار إلى القاهرة.
وفي ثالثه: عزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله عن نظر الخاص، واستقر عوضه الصاحب فخر الدين ماجد بن غراب.

وارتفع سعر الذهب، فبلغ المثقال بالإسكندرية إلى مائتي درهم بالفلوس، وبالقاهرة إلى مائة وعشرة. وسبب ذلك فساد الفلوس، وذلك أن سنة الله في خلقه أن النقود التي تكون أثماناً للمبيعات وقيماً للأعمال إنما هي الذهب والفضة فقط، وأما الفلوس فإنها لمحقرات المبيعات التي يقل أن تباع بدرهم أو بجزء منه. وكانت الفلوس أولا تعد بمصر: في درهم الكاملي منها ثمانية وأربعون فلساً، ويقسم الفلس منها بأربع قطع، تقام كل قطعة مقام فلس، فيشترى بها ما يشترى بالفلس، إلى أن كانت سنة تسع وخمسين وسبعمائة ضربت الفلوس الجدد، وجعلت أربعة وعشرين فلساً بدرهم كاملي، زنة الفلس منها مثقال. فلما استبد الأمير محمود بن علي بن أصفر عينه - المعروف بجمال الدين الأستادار - وتحكم في أمور الدولة، منذ أعوام بضع وتسعين، أكثر من ضرب الفلوس شرفاً في الفائدة. فلم يمت الظاهر برقوق حتى صارت الفلوس هي النقد الرائج الذي ينسب إليه قيم الأعمال كلها وأثمان المبيعات بجملتها. وقلت الدراهم الكاملية بترك السلطان والرعية ضربها، ولسبكهم إياها، واتخاذها حلياً وأواني وردف ذلك كثرة النفقات في العساكر من الذهب المخلف عن الظاهر، فكثر بالأيدي، وصار أيضاً نقداً رائجاً، إلا أنه ينسب إلى الفلوس، ولا تنسب الفلوس إليه، فيقال: كل دينار بكذا كذا درهم من الفلوس. وصارت الفضة مع هذا كأنها من جملة العروض، تباع بحراج في النداء، كل درهم من الكاملية بكذا وكذا من الفلوس. وكل درهم من الفضة الحجر - وهي الخالصة التي لم تضرب ولم تغش - بكذا وكذا درهم من الفلوس. ثم دخل الفساد في الفلوس، فضرب بالإسكندرية منها شيء أقل من وزن فلوس القاهرة وتمادى أمرها في النقصان حتى صار وزن الفلس أقل من ربع درهم وكانت القفة زنة مائة وعشرين رطلاً - عنها خمسمائة درهم - فصارت زنة مائة وثمانية عشر رطلاً، ثم صارت مائة وسبعة عشر رطلاً ما ثم صارت مائة وخمسة عشر رطلاً، ثم صارت مائة واثني عشر رطلاً، واستمرت كذلك عدة أعوام. فلما كان في هذه المحن والحوادث، كثرت فلوس الإسكندرية حتى بقيت زنة القفة ثمانية وعشرين رطلاً، فشنعت القالة، وكثر تعنت الناس في الفلوس، وزهدوا فيها، وكثرت رغبتهم في الذهب، فبدلوا فيه الكثير من الفلوس حتى بلغ هذا المقدار، فامتعض الأمير يشبك الدوادار لذلك، وتقدم بإبطال ضرب الفلوس بالإسكندرية، فبطلت.

وبلغ سعر لحم الضأن كل رطل بخمسة دراهم ونصف، والدرهم الكاملي، كل عشرة دراهم بثلاثة وثلاثين درهماً من الفلوس، والطائر الأوز بسبعين درهماً. وقلت اللحوم، فلم توجد إلا بعناء، وهي هزيلة وأبيع الرطل من لحم البقر بثلاثة دراهم ونصف، واللبن كل رطل بدرهمين، والرطل السمن بثمانية عشر درهماً. وبيعت خمس بقرات بخمس وعشرين ألف درهم، وخروفان بألفين وأربعمائة درهم، وزوج أوز بثلاثمائة درهم. وانحل سعر الغلات، فبيع الأردب القمح بمائتين وعشرين بعد أربعمائة ونيف، والأردب الشعير بمائة وأربعين بعد مائتين ونيف، والحمل التبن بثلاثين إلى أربعين بعد مائة ونيف. وأبيع في شهر ربيع الأول الأردب الحمص بخمسمائة، والأردب من حب البرسيم بثمانمائة. والفضة الكاملية كل مائة درهم بأربعمائة درهم من الفلوس. وبلغ الرطل اللحم من الضأن إلى اثني عشر درهماً، والرطل من اللحم المسموط عشرة دراهم، ورطل اللحم البقري إلى أربعة دراهم وربع. والبيضة الواحدة بنصف درهم، والرطل الزيت بستة دراهم، والسيرج بتسعة دراهم، وعسل النحل كل رطل بثمانية عشر درهماً، والجبن من الحالوم بسبعة دراهم الرطل، والقدح الحمص المصلوق بثلاثة دراهم، والقدح الفول المصلوق بدرهمين ونصف، وكل رغيف زنة سبع أواقي بدرهم، والبطة الدقيق زنة خمسين رطلاً بمائة درهم وعشرة دراهم. وارتفع سعر القمح بعد انحطاطه، فبلغ الأردب إلى أربعمائة درهم، سوى كلفة وهي: عشرة عشرة دراهم، وحمولة سبعة دراهم، وغربلته بدرهمين، وأجرة طحنه ثلاثون درهماً. وأكثر ما يخرج عنه خمس ويبات ونصف، فينقص الأردب نصف سدسه وبلغ الأردب الفول إلى ثلاثمائة وعشرين درهماً غير حمولته وعسرته، والشعير كذلك. وبيعت الفجلة الواحدة بربع درهم، والدجاجة بنحو عشرين درهماً، والجيدة بأربعين درهماً، والمعلوفة بمائة درهم ونيف، وأبيع الكتان كل رطل بعشرة دراهم واشترى جمل من الحجاز بخمسة وأربعين درهماً كاملية، فبيع بسوق الجمال تحت قلعة الجبل بنحو تسعمائة درهم. واشتري جمل آخر من الحجاز بمائة وأربعين درهماً كاملية، فأبيع بريف مصر بألف ومائتي درهم، واسترخص، وقيل قد غبن بائعه، وارتفع سعر الثياب، فبلغ الذراع من الكتان المنسوج عشرة دراهم بعد ثلاثة. وبيع الثوب الصوف بألفين وخمسمائة بعد ثلاثمائة، والبدن الفرو السنجاب بألفين ونيف بعد ثلاثمائة، وبلغ ثلاثة آلاف درهم البدن، وبلغ البدن الفرو السمور بخمسة عشر ألف درهم. وبيع زوج أوز بثلثمائة وخمسين درهماً.
وفي نصف جمادى الأولى نودي بتسعير الذهب بمائة درهم المثقال، وثمانين درهماً الأفرنتي، فكسد كساداً عظيماً، وكثر في الأيدي ورده الناس، وامتنعوا من أخذه في ثمن المبيعات، خوفاً من انحطاط سعره. وتغيب الصيارفة، فتوقفت أحوال الناس، حتى نودي بعد أيام بالسعر الذي ذكر، فسكنوا قليلاً وغلت البزور، فبلغ القدح من بزر القرع، وبزر الجزر، وبزر البصل إلى مائة درهم ونيف. وتعطل كثير من الأراضي لاتساع النيل بكثرة زيادته، وعجز الفلاحين عن البذر، سيما أراضي الصعيد فإن أهلها بادوا موتاً بالجوع والبرد، وباعوا أولادهم بأبخس الأثمان، فاسترق منهم بالقاهرة خلائق، ونقل الناس منهم إلى البلاد الشامية ما لا يعد، فبيعوا في أقطار الأرض كما يباع السبي، ووطئ الجواري بملك اليمين. ولقد كنت أسمع قديماً أنه يتوقع لأهل مصر غلاء، وجلاء، وفناء. فأدركنا ذلك كله في سني ست، وسبع، وثمان مائة. وهلك فيها ما ينيف على ثلثي أهل مصر، ودمر أكثر قراها.
وفي آخر جمادى الأولى: عز وجود الشعير، فبلغ إلى ثلاثمائة وستين درهماً الأردب. وبلغ الأردب الفول إلى أربعمائة درهم، لكثرة أكل الناس له، وبيع الرطل البصل بدرهمين، والرطل الثوم بخمسة دراهم هذا مع اختلاف أهل الدولة، وكثرة تحاسدهم.
وفي ثامن عشره: قدم الأمير دقماق دمشق، وذلك أنه لما فر من حلب اجتمع هو والأمير جكم بحماة وكان دمرادش قد أفرج عن سودن طاز وجكم، وسار بهما من طرابلس إلى حلب وخرج بهما لقتال التركمان فانكسر، وفر جكم إلى حماة، فاجتمع بدقماق بعدما قتل سودن طاز، وصارا في جماعة، فبعث السلطان يخبر دقماق في بلد ينزل بها، فأحب الإقامة بدمشق وخرج الأمير شيخ إلى لقائه وأكرمه.
شهر جمادى الأولى، أوله الجمعة:

أهل والفتنة قائمة بين أمراء الدولة، وذلك أن الأمير يشبك هو زعيم الدولة، بيده جميع أمورها من الولاية والعزل، والنقض والإبرام. فإذا ركب من داره إلى الخدمة السلطانية بالقلعة، ركب معه كثير من الأمراء والمماليك، فيبرم بالقصر بين يدي السلطان سائر ما يريد إبرامه، وينقض ما يختار نقضه. ثم يقوم وأهل الدولة عن آخرهم في خدمته إلى داره، فيجلسون بين يديه، ويصرف أمور مصر والشام والحجاز، كما يحب ويختار. وصار له عصبة كبيرة، فأحبوا عزل الأمير إينال باي ابن الأمير قجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق من وظيفة أمير أخور. وذلك أنه اختص بالسلطان لأمور منها قرابته، ثم مصاهرته إياه، فإنه تزوج بخوند بيرم ابنة الملك الظاهر، وسكن بالإصطبل، فصار السلطان ينزل إليه ويقيم بدار أخته، فشق ذلك على عصبة يشبك، وأحبوا أن يكون جركس المصارع أمير أخور، وانقطعوا عن حضور الخدمة السلطانية عدة أيام من جمادى الأولى، فاستوحش السلطان منهم، وتمادى الحال إلى يوم الجمعة هذا. فتقدم السلطان إلى الأمير أينال باي أن ينزل إلى الأمراء ويصالحهم، فمنم جماعة من المماليك السلطانية إينال باي أن ينزل، وتشاجروا مع طائفة من مماليك الأمراء واشتد ما بينهم من الشر، حتى أزعج الناس بالقاهرة، وباتوا مترقبين وقوع الحرب. وكان قد تقدم السلطان إلى الأمير يشبك أن يتحول من داره، فإنها مجاورة لمدرسة السلطان الملك الناصر حسن، فإنه وشى به أنه يسرر إليها، ويرمي منها على القلعة، فامتنع من ذلك، فساء الظن به. واستدعى السلطان القضاة في يوم السبت ثانيه إلى بيت الأمير الكبير الأتابك بيبرس ابن أخت الظاهر، ليصلحوا بين الأمير إينال باي والأمراء، فامتنع أن ينزل من الإصطبل، وتسور بعض أصحاب الأمير يشبك على مدرسة حسن، فتحقق السلطان ما كان يظنه بيشبك، وأخذ كل أحد في أهبة الحرب، وأصبحوا جميعاً يوم الأحد لابسين السلاح، وقد أعد يشبك بأعلا مدرسة حسن مدافع النفط والمكاحل، ليرمى على الإصطبل السلطاني، ومن يقف تحت القلعة بالرميلة.

ونزل السلطان من قلعة الجبل إلى الإصطبل، واجتمع عليه من أقام على طاعته من الأمراء والمماليك. وأقام مع يشبك من الأمراء المقدمين سبعة هم: تمراز الناصري أمير سلاح، ويلبغا الناصري، وإينال حطب العلاي، وقطلوبغا الكركي، وسودن الحمزاوي رأس نوبة، وطولو، وجركس القاسمي المصارع وانضم معهم سعد الدين إبراهيم بن غراب الأستادرار، وناصر الدين محمد بن سنقر البكجري، وناصر الدين محمد بن علي ابن كلفت، في جماعة من الأمراء والمماليك السلطانية ومماليك الأمراء وثبت مع السلطان الأمير الكبير بيبرس ابن عمته، والأمير إينال باي قجماس عم أبيه، والأمير سودن المارديني، والأمير بكتمر، والأمير أقباي حاجب الحجاب، وأكثر المماليك الظاهرية فأقاموا على الحصار والمراماة، من بكرة الأحد إلى ليلة الخميس سابعه. وقد أخذ أصحاب السلطان على اليشبكية المنافذ، وحصروهم والقتال بينهم مستمر، وأمر يشبك في إدبار، فلما كان ليلة الخميس نصف الليل، خرج يشبك بمن معه على حمية من الرميلة، ومروا إلى جهة الشام، فلم يتبعهم أحد من السلطانية. ونودي من آخر الليل في الناس بالقاهرة الأمان والاطمئنان ومنع أهل الفساد من النهب. ومر يشبك بمن معه إلى قطيا، فتلقاه مشايخ عربان العايد، ومشايخ ثعلبة، وهلبا سويد وبنو بياضة وقفوا في خدمته، فدخلها بكرة يوم السبت تاسعه. وبات بها ليلة الأحد، وأصبح، فنهب أصحابه بيوتها وأسواقها، ثم رحلوا بعد الظهر، وتركوا جركس المصارع، ومحمد ابن كلفت بقطيا، حتى يتلاحق بهما من انقطع منهم، فأتاهم جماعة، ثم مضوا حتى لحقوا بيشبك، فسار إلى العريش، وقد بلغ خبره إلى غزة فتلقاه أمراؤها. ثم خرج إليه الأمير خير بك نائب غزة، فدخلها يوم الأربعاء ثالث عشره، ونزل بها. وبعث طولو إلى الأمير شيخ المحمودي نائب الشام يعلمه بالخبر، فقدم دمشق يوم الأحد ثامن عشره، وخرج الأمير شيخ، فتلقاه. ولما أعلمه بما وقع، شق ذلك عليه، فإنه كان من أصحاب يشبك وبعث إليه الأمير ألطنبغا حاجب دمشق، والأمير شهاب الدين أحمد بن اليغموري بأربعة أحمال قماش، ومال وكتب إليه يرغبه في القدوم عليه، ويعده بالقيام معه ونصرته، فسار من غزة بعدما أقام بها ثلاثة عشر يوماً، في ليلة الاثنين خامس عشرينه. وأخذ ما كان بها من حواصل الأمراء، وعدة خيول، وبعدما قدم عليه مشايخ العربان بالتقادم، وبعث إليه أهل الكرك والشوبك بأنواع من التقادم، وبعدما عرض من معه، فكانوا ألفاً وثلاثمائة وخمسة وعشرين فارساً. فتلقاه بعد مسيره من غزة مشايخ بلاد الساحل والجبل، وحمل إليه الأمير بكنمر شلق نائب صفد عدة تقادم من أغنام وشعير وقماش وغير ذلك. وقدم إليه ابن بشارة في عدة من مشايخ العشير. وجهز إليه الأمير شيخ الناس لملاقاته طائفة بعد أخرى، ثم سار إليه.
فلما تقاربا، ترحل الأمير شيخ عن فرسه، وسلم عليه، وسار به وقد ألبسه وجميع من معه من الأمراء الأقبية بالأطرزة العريضة، وعدتهم أحد وثلاثون أميراً من أمراء الطبلخاناه والعشرات، وسوى من تقدم ذكره من أمراء الألوف، ومعهم من الخاصكية والممالك والأجناد نحو الألفي فارس، بعددهم وآلات حربهم. وقد انضم إليهم خلق كثير، فدخلوا دمشق بكرة الثلاثاء رابع شهر رجب، فسألهم الأمير شيخ عن خبرهم، فأعلموه بما كان، وذكروا له أنهم مماليك السلطان، وفي طاعته، لا يخرجون عنها أبداً غير أن الأمير إينال باي ثقل عنهم ما لم يقع منهم، فتغير خاطر السلطان، حتى وقع ما وقع، وأنهم ما لم ينصفوا منه ويعودوا لما كانوا عليه وإلا فأرض الله واسعة، فوعدهم بخير، وقام لهم بما يليق بهم، حتى قيل أنه بلغت نفقته عليهم نحو مائتي ألف دينار، وكتب إلى السلطان يسأله في أمرهم.
وفيه أحضر الأمير شيخ، الأمير أسن بيه، من سجنه بقلعة صفد، وأكرمه. وأما السلطان، فإنه لما أصبح، وقد انهزم يشبك ومن معه، كتب بالإفراج عن سودن من زادة، وتمربغا المشطوب، وكتب إلى الأمير نوروز بالحضور ليستقر على عادته، وكتب إلى الأمير جكم أماناً، وتوجه به طغيتمر مقدم البريدية.
وفي رابع عشره: أعمد علاء الدين علي بن أبي البقاء إلى قضاء دمشق، عوضاً عن أبي العباس الحمصي، وهو شهاب الدين أحمد بن محمد بن سلطان.
وفي يوم السبت تاسعه: ولي ناصر الدين محمد - ويعرف بمحنى ذقنه - ولاية القاهرة، وعزل أقتمر.

وفي ثاني عشره: خلع السلطان على عدة من الأمراء، فخلع على الأمير سودن المارديني، وعمله دواداراً عوضاً عن الأمير يشبك، وعلى الأمير سودن الطيار أمير أخور ثانياً وعمله أمير مجلس عوضاً عن سودن المارديني، وعلى أقباي حاجب الحجاب، وعمله أمير سلاح عوضاً عن تمراز، وخلع علي أبي كم، وعمله ناظر الجيش عوضاً عن سعد الدين إبراهيم بن غراب وكان قد استقر في الوزارة تاج الدين بن البقري في خامسه وهم في الحرب.
وفي خامس عشره: استقر ركن الدين عمر بن قايماز أستاداراً، وعزل سعد الدين ابن غراب.
وفي سابع عشره: قدم من الإسكندرية سودن من زاده، وتمربغا المشطوب، وصروق إلى قلعة الجبل، فقبلوا الأرض بين يدي السلطان، ونزلوا إلى دورهم.
وفي حادي عشرينه: استقر الأمير يشبك بن أزدمر رأس نوبة، عوضاً عن سودن الحمزاوي.
وفي ثاني عشرينه: أعيد الأخناي إلى وظيفة قضاء القضاة بديار مصر، وصرف شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني. واستقر الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله في نظر الجيش، وعزل أبوكم.
وفي هذا الشهر: ألزم مباشرو الأمراء المتوجهين إلى الشام بمال، بعدما أوقفوا بين يدي السلطان في ثامن عشره، وقرر على موجود الأمير يشبك الدوادار مائة ألف دينار، وعلى موجود تمراز مائة ألف دينار، وعلى موجود الحمزاوي ثلاثون ألف دينار، وعلى موجود قطلوبغا الكركي عشرون ألف دينار، وأن يكون الدينار بمائة درهم، ثم مضى الوزير تاج الدين بن البقري إلى حواصل الأمراء، فختم عليها، وافتقد من توجه من المماليك السلطانية، فكانوا مائتي مملوك.
وفي يوم الثلاثاء عشرين جمادى الآخرة: وصل الأمير نوروز الحافظي من قلعة الصبيبة إلى دمشق، فتلقاه الأمير شيخ وأكرمه، وضرب البشائر لقدومه.
وتاسع عشرينه: خرج الأمير شيخ من دمشق إلى لقاء الأمير يشبك ومن قدم معه.
وفي هذا الشهر: كثر فساد فارس بن صاحب الباز، من أمراء التركمان، واستولى على كثير من معاملة حلب، فبعث إليه الأمير دمرداش نائب حلب بناصر الدين محمد ابن شهري الحاجب، وتغري بردى ابن أخي دمرداش، إلى علاء الدين علي بك بن دلغادر بعث ابن أخيه الآخر قرقماس إلى الأمير شهاب الدين أحمد بن رمضان، ليحضرا بجمائعهما من التراكمين البياضية والأينالية. وخرج من حلب في جمع موفور، فنزل العمق، وجمع بين ابن رمضان وابن دلغادر، وأصلح بينهما بعد العداوة الشديدة. واصلح أيضاً بين طائفتيهما وهما الأجقية والبزقية، وحلفهما للسلطان، وبالغ في إكرامهم. وألبس الأميرين وخواصهما خلعاً سنية. ثم مضى بهم على ابن صاحب الباز، وقد انضم مع الأمير جكم، وسودن الجلب، وجمق، وغيره من المخامرين على السلطان، وقاتلهم، فانهزم ابن صاحب الباز، وتحصن هو وجكم بإنطاكية، فنزل عليها دمرداش وحصرها. فبينما هو في ذلك، قدم طغيتمر - مقدم البريدية - وشاهين الأقجي، وأقبغا - من إخوة جكم - وشرف الدين موسى الهذباني حاجب دمشق، ومملوك الأمير شيخ نائب الشام، والأمير علان الحافظي نائب حماه وعلى يدهم أمان السلطان وكتابه إلى الأمير جكم بتخييره بين الحضور إلى ديار مصر، أو إقامته بالقدس أو طرابلس فتفرق الجميع عن دمرداش، ورحل ابن رمضان وابن دلغادر عائدين إلى بلادهما. فأدرك الأمير دمرداش بن دلغادر، ولم يزل به حتى أقام معه على العمق، في طائفة من البياضية والأينالية.
وقدم طغيتمر على الأمير بإنطاكية فلم يعبأ به، ولا أكثرت بما على يده من الأمان والكتاب، بل قبض عليه واعتقله، وخلى سبيل البقية، ما عدا أقبغا، فإنه أخره عنده.
شهر رجب، أوله السبت: في رابعه استدعى جمال الدين يوسف أستادار الأمير بجاس، ولم يزل به السلطان حتى رضي أن يلبس خلعة الأستادارية، فلبسها عوضاً عن ابن قايماز بعدما رسم عليه في بيت شاد الدواوين محمد بن الطبلاوي يوماً وليلة. واستمر يتحدث في أستادارية الأمير بيبرس ابن أخت السلطان، كما كان يتحدث فيها قبل استقراره في أستادارية السلطان.
وفي عشرينه: توجه عبد الرحمن المهتار إلى البلاد الشامية في مهمات سلطانية.

وقدم الخبر على السلطان بإفراج الأمير شيخ نائب الشام عن الأمير نوروز من سجن قلعة الصبيبة، وأنه جهز له فرساً بسرج ذهب، وكنفوش مطرز بذهب، وأحضر الأمير قانباي، وبعث إلى الأمير عمر بن فضل الحرمي خلعة بطراز عريض. وقدمت كتب نواب الشام إلى الأمير يشبك، تعده بالأمداد، وتقويته بما يريد وقدم عليهم الأمير نوروز والأمير دقماق، فبعث الأميران شيخ ويشبك بيشبك العثماني إلى الأمير جكم، يستدعيه من أنطاكية إلى دمشق. وأفرج الأمير شيخ أيضاً عن قرا يوسف ابن قرا محمد التركماني، في يوم الاثنين سابع عشره، وخلع عليه وحلفه على موافقته والقيام معه.
وفيه سار الأمير جكم من أنطاكية يريد طرابلس، فلما نزل عليها واطأه الأمير تنكزبغا الحاجب، وأقجبا أمير أخور، وكز السيفي أسندمر، ومكنوه من البلد، وقد أقامهم النائب على بعض جهاتها، فدخل إليها، فلم يثبت عسكر طرابلس، وفر الأمراء والأجناد. وبقي الأمير شيخ السليماني نائب طرابلس في طائفة من ألزامه، فقاتل جكم من بكرة يوم الأحد عاشره إلى وقت الظهر، فأحيط به، وقبض عليه وعلى مماليكه، ونهبت داره وحواصله، ثم حمل إلى قلعة صهيون فسجن بها عند نائبها الأمير بيازير - من إخوة الأمير نوروز - ثم كتب الأمير جكم بقتله، فامتنع بيازير من ذلك، واتفق معه على مخالفة جكم. وعندما تمكن جكم من طرابلس، قطع اسم السلطان من الخطبة، وكتب إلى نائب غزة، وإلى عمر بن فضل أمير جرم يأمرهما بتجهيز الإقامات، ويعلمهما بأنه قد عزم على التوجه إلى مصر، وأخذها صحبة الأمير نائب شيخ نائب الشام وكان الأمير نائب الشام لما بلغه استيلاء جكم على طرابلس، بعث إليه الأمير قانباي يدعوه إلى الاجتماع معهم، والحضور إليهم بدمشق، فعوق عنده قانباي، واستماله إليه، فصار من جماعته.
وفي هذا الشهر: أبيع عجل مخصي بالقاهرة بسبعة آلاف درهم كانت قيمته خمسمائة. وبيع زوج أوز بألف ومائتي درهم. واشتد الغلاء بالوجه البحري، فبلغ القدح القمح إلى أربعين درهماً، والقدح الشعير إلى ثلاثين درهماً، والخبز إلى عشرة دراهم الرطل. وأبيع بالإسكندرية كل قدح من القمح بثلاثين درهماً، وكل قدح من الشعير بخمسة وعشرين درهماً، وكل رطل لحم من الضأن بالجروي بستين درهماً، وكل طائر من الدجاج المتوسط من خمسين إلى خمسة وخمسين درهماً، وبيعت البيضة من بيض الدجاج بدرهمين، والأوقية من الزيت بأربعة دراهم. وبلغ الدينار إلى ثلاثمائة وعشرة دراهم، فخرج منها خلق كثير من الغلاء، ركب عدة منهم في خمس مراكب، فغرقوا بأجمعهم. وبيعت عجلة بالريف بستة آلاف درهم. وتزايد الموتان في الفقراء بالجوع، فقبض على رجل من أهل الجرائم بمدينة بلبيس ووسط، ثم علق خارج المدينة، فوجد رجل قد أخذ قلبه وكبده ليأكلهما من الجوع، فمسك واحضر إلى متولي الحرب - وهما معه - فقال: الجوع حملني على هذا فوصله بمال، وخلاه لسبيله.
وفيه غلت الملابس من الحرير وغيره حتى تعدت الحد وتجاوزت المقدار، فبلع الذراع الكتان الخام إلى عشرين درهماً وأكثر بعد أربعة دراهم.
وفيه قبض الأمير شيخ على جماعة بدمشق، والزمهم بحمل مال كبير. وفرض على البساتين بالغوطة مبلغاً كبيراً من الذهب، جبي من الناس، وأكثر من المصادرات.
شهر شعبان، أوله لأحد:

فيه سار الأمير جكم من طرابلس على أنه متوجه إلى الأمراء بدمشق. فلما نزل حماة، أخذ الأمير علان نائبها ومضى إلى حلب. وقد كتب إليه عدة من أمرائها يستدعونه إليها، فقدمها في سابعه، ومعه عسكر طرابلس وحماة، وطغرول بن سقل سيز - أحد أمراء التركمان - في جمع موفور، فقاتله الأمير دمرداش. فلم يشعر إلا بجكم قد فتح له الأمراء أحد أبواب المدينة ودخلها، ففر دمرداش ومعه ناصر الدين محمد بن شهري الحاجب وابن عمه نصر الدين محمد بن شهري نائب القلعة، وأزدمر الحاجب، وشرباش نائب سيس ومضى إلى البياضية والأينالية من التركمان، فنزل فيهم قربياً من حلب مدة أيام. ثم توجه إلى مدينة إياس بجماعته، وولدي أخيه قرقماس، وتغري بردى، فدخلها في ثالث عشره، فقام له نائبها بما يليق به، وأركبه البحر يريد مصر. وأما الأمير جكم فإنه استولى على حلب، وأنعم على الأمير علان نائب حماة بموجود دمرداش، وبعض جواريه، وأعاده إلى حماة، بعد دخوله حلب بثلاثة أيام. وأحسن جكم السيرة في حلب، وولي في القلاع نواباً من جهته، فاجتمعت له حلب وحماة وطرابلس. وأما الأمير شيخ نائب الشام فإنه سير في أوله الأمير شودن الحمزاوي، والأمير سودن الظريف إلى الأمير جكم على أنه بطرابلس. وكان في أمسه قد ضرب خامه خارج دمشق ليلقي الأمير جكم. وسير الأمير شرف الدين موسى الهذباني الحاجب إلى الأمير دمرداش على أنه بحلب يستدعيه إلى موافقته ومن عنده من أمراء مصر. وكان قد ورد كتابه بأنه معهم، ومتى دعوه حضر إليهم. وعين الأمير شيخ الأمير جركس المصارع، ليتوجه إلى غزة بعسكر. وخلع في ثالثه على الأمير أسن بيه، وبعثة إلى الرملة.
وفي رابعه: خرج الأمير تمراز والأمير جركس المصارع، والأمير سودن الظريف - وقد عاد من طرابلس - والأمير ألطنبغا العثماني، والأمير تنكز بغا الحططي، على عسكر، ومعهم خليل التوريزي الجشاري، في مائتي فارس من التركمان والجشارية، لأخذ صفد بحيلة أنهم يمضوا إلى جشار الأمير بكتمر شلق نائب صفد ليأخذوه. فإذا أقبل إليهم ليدفعهم عن الجشار، قاطعوا عليه، وأخذوا المدينة، فتيقظ بكتمر شلق، وترك لهم الجشار، فساقوه من غير أن يتحرك عن المدينة، وعادوا إلى دمشق.
فاستعد الأمير شيخ، وعمل ثلاثين مدفعاً، وعدة مكاحل للنفط ومنجنيقين، وجمع الحجارين والنقابين وآلات الحرب. وخرج من دمشق يوم الثلاثاء سابع عشره، ومعه جميع من عنده من عسكر مصر والشام، وقرا يوسف بجماعته، وجماعة السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، والتركمان الجشارية، وأحمد بن بشارة بعشرانه، وعيسى بن الكابولي بعشيره، بعدما نادى بدمشق من أراد النهب والكسب فعليه بصفد فاجتمع له خلائق، وسار ومعه مائة جمل تحمل المدافع والمكاحل والمناجنيق، والزحافات، والبارود، ونحو ذلك من آلات الحصار. وولي الأمير ألطنبغا العثماني نيابة صفد، فكتب يستدعي عشران صفد وعربانها وتركمانها، فقدم الأمير شيخ بمن معه إلى صفد في عشرينه. وبعث أمامه تقي الدين يحيى بن الكرماني، وقد ولاه مضاء العسكر، ومعه قطلوبغا رأس نوبة بكتابه إلى الأمير بكتمر شلق، يدعوه إلى موافقته، ويحذره من مخالفته، ويعلمه أن الأمير جكم قد أخذ حلب من الأمير دمرداش بالقهر، وأنه قادم إليه ومعه الأمير علان نائب حماة. فلم يذعن له بكتمر، وأبى إلا قتاله. فأحاط الأمير شيخ بقلعة صفد وحصرها من جميع جهاتها، وقد حصنها الأمير بكتمر وشحنها بالرحال والآلات. فاستمرت الحرب بينهم أياماً، جرح فيها من الشيخية نحو ثلاثمائة رجل، وقتل ما ينيف على خمسين فارساً.
وفيه سار الأمير سودن الجلب من حلب إلى حريمه بالبيرة فحضر يغمور من الدكرية، وكبس البيرة، وسبي الحريم، وعاد إلى ناحية سروج. فلما بلغ ذلك الأمير جكم سار من حلب في ثاني عشرينه إلى البيرة، وسار بسودن الجلب إلى يغمور، وقاتله وكسره، وأخذ له ستة آلاف جمل، وعشرة آلاف رأس من الغنم. وبعث سودن الجلب في أثره، فضرب حلقة، وأسر سودن الجلب ومن معه. وعاد الأمير جكم إلى حلب ومعه حريم يغمور رهينة على سودن الجلب. فأفرج يغمور عن سودن الجلب ومن معه، ولم يبعثهم إلى جكم.

وفيه ورد الخبر من مكة بأن جميع ما احترق من المسجد الحرام - وهو ما بين الثلث والنصف - قد عمر علواً وسفلاً، وعملت العمد من حجارة صوان منحوتة، وأن الأرضة قد أكلت في سقف مقام إبراهيم عليه السلام. وفيه باع سنقر نائب طرسوس المدينة للأمير ناصر الدين محمد بن قرمان، وسلمها له، وقد نزل ظاهرها.
وفيه سار الأمير المهتار زين الدين عبد الرحمن إلى الكرك، ونزل عليها في سادس عشره. وقد أتهم الأمير عمر بن الهذباني النائب بالخروج عن طاعة السلطان، فجمع عبد الرحمن العشير في تاسع عشره، وزحف على المدينة وقاتل النائب، وهزمه، وقتل منه عدداً كبيراً وحصر المدينة، ومنع الميرة عنها، وجمع جمعاً آخر وقاتل النائب مرة ثانية. وكان الغلاء قد اشتد بتلك البلاد، وكثر نهب الدور بالمدينة، وأخذ أموال أهلها، وتخربت ديارهم وتنوعت عقوبتهم. وأما السلطان فإنه قبض في ثانيه على الصاحب تاج الدين بن البقري، وأخذ جميع ما وجد له، وأسلمه إلى شاد الدواوين.
وفي تاسعه: خلع على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، واستقر في الوزارة ونظر الخاص، مضافاً لما معه من نظر الجيش، عوضاً عن ابن البقري.
وفي حادي عشره: أعيد ابن خلدون إلى قضاء المالكية، وصرف البساطي.
وفي رابع عشره: استقر الأمير بشباي حاجب الحجاب، عوضاً عن الأمير أقباي الطرنطاي، المستقر أمير سلاح.
شهر رمضان، أوله الثلاثاء: في عاشره: قدم الأمير يلبغا السالمي من ثغر الإسكندرية، وقد أفرج عنه واستدعي فأكرم، ونزل إلى داره، ثم طلب إلى قلعة الجبل وخلع عليه، واستقر مشير الدولة. وخلع معه على الأمير جمال الدين الأستادار خلعة استمرار. وخلع علي ناصر الدين محمد بن الطلاوي خلعة الوزارة، نقل إليها من شد الدواوين. واستقر أقتمر شاد الدواوين عوضه. وخلع على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، واستقر في نظر الجيش ونظر الخاص على عادته.
وفيه قدم سلامش حاجب غزة يخبر بوصول الأمير نوروز إلى غزة طائعاً. وذلك أنه خرج من دمشق للدورة بأرض حوران والرملة فلما قارب غزة كتب إلى السلطان بأنه قد أناب ودخل في طاعته، فكتب إليه بما يرضيه، ورسم للأمير خاير بك نائب غزة أن يتلقاه ويكرمه، فقدم به إلى غزة، وتوجه منها يريد القاهرة، فقدمها في رابع عشر رمضان، فخلع عليه، وأعلى خبز الأمير يلبغا السالمي، وزيد عليه.
وأما أمر الشام، فإن الأمير جكم خرج من حلب في حادي عشره يريد دمشق، وقد حضر إليه شاهين دوادار الأمير شيخ يستدعيه. وكان جكم قد سلم القلعة إلى شرف الدين موسى بن يلدق، وعمل حجاباً وأرباب وظائف، وعزم على أن يتسلطن ويتلقب بالملك العادل. ثم أخر ذلك وقدم دمشق في ثالث عشرينه، ومعه الأمير قانباي، والأمير تغري بردى القجقاري وجماعة. وقد خرج الأمير شيخ والأمراء إلى لقائه، وأنزله في الميدان، فترفع على الأمراء ترفعاً زائداً أوجب تنكرهم عليه في الباطن، إلا أن الضرورة قادتهم إلى الإغضاء فأكرموه، وأنزلوه، وحلفوه على القيام معهم على السلطان، وموافقتهم. وأخذ في إظهار شعار السلطة، فشق عليهم ذلك، ومازالوا به حتى تركه. وأقام معهم بدمشق إلى ليلة الأحد سابع عشرينه، فتوجه منها مخفا إلى طرابلس، وترك أثقاله بدمشق، ليجمع عساكر طرابلس وغيرها ممن انضم إليه.
وأما الأمير دمرداش نائب حلب، فإنه قدم على ظهر البحر إلى دمياط في سابع عشره، وبعث يستأذن في الحضور فإذن له، وقدم إلى قلعة الجبل.
وفيه قبض بدمشق على الأمير جركس الحاجب في رابع عشرينه، وأنعم بموجوده على الأمير قرا يوسف بن قرا محمد.

وأما الأمير الشيخ فإنه في ليلة الجمعة ثامن عشره، وقع الصلح بينه وبين الأمير بكتمر نائب صفد، ونزل إليه أمراء صفد في يوم السبت تاسع عشره ثم نزل إليه الأمير بكتمر في يوم الاثنين حادي عشرينه، وتحالفوا جميعاً على الاتفاق. فكانت مدة الحرب اثنين وعشرين يوماً، أولها ثاني عشرين شعبان، وآخرها نصف شهر رمضان، مستمرة ليلاً ونهاراً، نقب فيها على القلعة ستة نقوب، وخرب كثير من المدينة، ونهب أموال أهلها، وقطعت أشجارها. وفشت الجراحات في أكثر المقاتلة، وجرح الأمير شيخ، والأمير يشبك، والأمير جركس المصارع، وقتل في الحرب عدد كثير. وعاد الأمير شيخ إلى دمشق، فقدم عليه الأمير جكم كما تقدم، ومنعوا في يوم الجمعة خامس عشرينه من الدعاء للسلطان على المنير.
وفي حادي عشرينه: نزل ابن الأمير طور علي - المعروف بقرا يلك - علي البيرة ونهبها، وسبى وأحرق.
وفي هذا الشهر: حلت الشمس برج الحمل، الذي هو أول فصل الربيع، فعزت الأدوية لكثرة الأمراض الحادة بالقاهرة ومصر، وبلع بزر الرجلة إلى ستين، ثم إلى ثمانين درهماً كل قدح، وبيع وزن الدرهم بدرهم من الفلوس، وبلغ القنطار الشيرخشك إلى ثلاثين ألفاً بعد ألف وأربعمائة، والقنطار الترنجبين إلى خمسة عشر ألفاً بعد أربعمائة. ووصف طبيب دواء لمريض فيه سنامكي وشيرخشك، وترنجبين، وماء ورد، وسكر نبات، فابتاعه بمائة وعشرة دراهم. وبلغ بزر القرع إلى مائة وعشرين درهماً.
وفي هذا الشهر: ظهر في بر الجيزة على شاطئ النيل، وفي النيل، وفي مزارع بلاد القليوبية شبه نيران كأنها مشاعل، وفتايل سرج تقد، ونار تشتعل، فكان يرى من ذلك عدد كبير جداً مدة ليال متوالية، ثم اختفى.
وفيه كثرت المصادرات بدمشق، وغلت أسعار المبيعات بها، لتحول أحوال النقود، وكثرة تغييرها، فإن الفلوس كثرت وصغر حجمها من أجل أنها كل قليل تضرب جدداً وتصغر، وينادى على التي قبلها بالرخص، فتشترى لدار الضرب، وتضرب ثم بعد أيام تعاد العتق قبلها إلى الميزان. فتضرر الناس، وبلغ صرف العشرة منها بخمسة وعشرين، وتزايدت حتى بلغت العشرة ثلاثين، وبلغ الدينار المشخص سبعين، وانتهى إلى ثمانين درهماً فنودي على الفلوس بتسعة دراهم الرطل.
وفيه حسن نائب القدس على الناس مالاً، فأبوا عليه فتركهم حتى اجتمعوا بالمسجد، وغلق الأبواب، وألزمهم بالمال، فاستغاثوا عليه، فلبس السلاح وقاتلهم، فقتل بينهم بضعة عشر رجلاً، وجرح كثير، وفر النائب مهزوماً. فلما بلغ الخبر الأمير شيخ نائب الشام، بعث عوضه إلى القدس، وخلع على الأمير أسن بيه وولاه حاجب الحجاب في ثامن عشرينه.
شهر شوال أوله الخميس: فيه عين الأمير شيخ نائب الشام ممن عنده الأمير تمراز الكبير، والأمير سودن الحمزاوي والأمير يلبغا الناصري، والأمير إينال حطب، والأمير جركس المصارع، والأمير سودن بقجة، للمسير إلى غزة، وحمل إلى كل منهم مائة ألف درهم فضة.
وفي سادسه: برز الحمزاوي خامه خارج دمشق، وتبعه بقية الأمراء.
ولم يتأخر بدمشق سوى الأميرين شيخ نائب الشام، ويشبك الدوادار في انتظار الأمير جكم حتى يحضر من طرابلس، وبعثا يستحثانه وحمل الأمير جركس الحاجب إلى قلعة بعلبك، وبعث الأمير شيخ بعياله وأمواله إلى الصبيبة.
وفيه تنكر جكم على تنكز بغا الحاجب بطرابلس، وقبضه، وأخذ موجوده، ثم قتله.
وفيه قدم سودن الجلب على الأمير جكم، وقد أفلت من أيدي التركمان، فلم تطل إقامته حتى استوحش منه، ومضى إلى قلعة المرقب، وأخذها.
وفي سابع عشره: أطلق بيازير نائب قلعة صهيون الأمير شيخ السليماني، واتفقا على طاعة السلطان، وكتبا إلى جماعة من الناس يدعوهم إلى ذلك، وأعلنا بالدعاء للسلطان. ودقت البشائر، وعلق السنجق السلطاني. وكتب إلى الأمير علان نائب حماة، وإلى الأمير طغرول بن سقل سيز فأجابا، ووعدا بالحضور إلى صهيون متى دعيا. وكتب الأمير شيخ نائب الشام إلى سودن الجلب، يدعوه إليه، فأجابه بالطاعة، وأنه قد استمال جماعة من مماليك جكم. وفيه حضر عشير الصلت، مع صديق أبي شوشة التركماني الكاشف بقلعة الصبيبة، وقتلوا عدة.
وفي رابع عشرينه: قدم الأمير دقماق في طائفة إلى صفد، داخلاً في طاعة السلطان، مفارقاً للأمير شيخ ومن معه.

وفيه فرض على كل واحد من جند دمشق فرس، ومبلغ خمسمائة درهم. وفيه أنعم الأمير شيخ على السلطان أحمد بن أويس بمبلغ مائة ألف درهم فضة، وثلاثمائة فرس، بعدما أفرج عنه. وأنعم على قرا يوسف بمائة ألف وثلاثمائة فرس، وولي ألطنبغا بشلق نيابة قلعة الصبيبة، وبعث حريمه صحبته. وأما السلطان فإنه أفرج عن الأمير سودن المحمدي، وبيبرس الصغير، وجانم، من سجن الإسكندرية في سابع عشره، وجهزوا إلى قلعة الجبل.
وفي ثاني عشرينه: قدم الأمير خير بك - نائب غزة - إلى قلعة الجبل، فدقت البشائر لقدومه وخلع عليه. وفيه أعيد كاتبه المصنف إلى حسبة القاهرة مكرهاً، بعد مراجعة السلطان ثلاث مرار، وصرف سويدان. وكان الأمير يلبغا السالمي قد سعر المثقال الذهب بمائة درهم، بعدما وصل إلى مائة وثلاثين، وسعر الدينار الأفرنتي بثمانين، وجعل الرطل من الفلوس بستمائة درهم، بعدما كانت القفة بخمسمائة، فكثر اختباط الناس، ولعنتهم واختلافهم، ثم اعتادوا ذلك، فاستمر سعر الفلوس على هذا، ثم أراد السالمي أن يرد سعر المبيعات إلى سعر الذهب، فيجعل ما يباع بدينار قبل تسعير الذهب، يباع بدينار بعد تسعيره، فسعر القمح بمائتي درهم الأردب، وسعر الخبز كل عشرة أواق بدرهم، فعز وجود الخبز. ثم قدم القمح الجديد فانحل السعر، وبيع الأردب بمائة وخمسين، ثم بيع بمائة درهم الأردب، فسعر الخبز كل رطل ونصف، وربع رطل بدرهم. واتفق مع هذا حركة السلطان للسفر، وعمل البشماط، ففقد الخبز، ولم يوجد البتة، وتعذر وجود الدقيق أيضاً مدة خمسة عشر يوماً، قاسى الناس فيها شدائد، لا تكاد توصف وفي هذه السنة حدثت ولاية قاض مالكي بمكة، فاستقر المحدث تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي الشريف الحسني. وحدثت أيضاً ولاية قاض حنفي، فاستقر شهاب الدين أحمد ابن الضياء محمد بن محمد بن سعيد الهندي، ولم يعهد قط مثل هذا.
شهر ذي القعدة، أوله الجمعة: في ثانيه: علق الجاليش على قلعة الجبل للسفر.
وفي رابعه: أنفق السلطان للماليك خمسة آلاف لكل واحد، وصرف الذهب سعر مائة درهم كل مثقال، فصر لكل منهم تسعة وأربعين مثقالاً، واحتاج السلطان، فاقترض من مال أيتام الأمير قلمطاي الدوادار عشرة آلاف مثقال، ورهن بها جوهرة، وجعل كسبها ألف دينار ومائتي دينار. وأخذ منهم أيضاً نحو ستة عشر آلف مثقال، وباعهم بها بلداً من الجيزة. وأخذ من تركة برهان الدين إبراهيم المحلي التاجر، وغيره، مالاً كثيراً. ووزع له قاضي القضاة شمس الدين الأخناي خمسمائة ألف على تركات خارجة عن المودع، منها تركة بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر. وكانت النفقة على نحو خمسة آلاف مملوك، بلغت النفقة عليهم - سوى ما أنفق في الأمراء - إلى مائتي ألف دينار، وخمسين ألف دينار.
وفي ثاني عشرينه: أعيد شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني إلى قضاء القضاة، وصرف الأخناي غير مشكور.
وفي سادس عشرينه: استقر جمال الدين في قضاء القضاة المالكية بديار مصر، وصرف ابن خلدون. وأما أمر الشام، فإن الأمير سيف الدين علان - نائب حماة - في تاسعه أظهر مخالفة الأمراء، وأعلن بانتمائه إلى طاعة السلطان، وخرج من حماة يريد صهيون. فبعث إليه الأمير جكم عسكراً من طرابلس، صحبة حسين بن أمير أسد الحاجب فسبقه إلى صهيون ونزل عليها وحصرها عشرة أيام.

وكتب إلى عشير الجبل يدعوهم، فجرت بينه وبين الأمير شيخ السليماني حروب، قتل فيها جماعة. ثم سار جكم من طرابلس في عشرينه، وخيم ظاهرها. فبعث شيخ السلماني يستدعي علان، فبعث إليه نائب شيزر على عسكر، ففر ابن أمير أسد بمن معه وترك أثقاله، فأخذها السليماني، ورتب أمر قلعة صهيون، وجعل بيازير بها. وتوجه إلى علان - وقد نزل على بارين - فتلقاه وبالغ في كرامته، وأنزله بمخيمه. فأخذ شيخ عند ذلك في مكاتبة أمراء طرابلس وتراكمينها يدعوهم إلى طاعته، فأجابوه بالسمع والطاعة، ووعدوه بالقيام معه. فاضطرب أمر جكم، وانسل عنه من معه، طائفة بعد أخرى، فمضى إلى الناعم، وقد كثر جمع السليماني، فمشى ومعه علان يريدان حكم فتركهم، ومضى إلى دمشق، فأدركه في طريقه إليها الأمير سعد الدين إبراهيم بن غراب، ويشبك العثماني، وأقبغا دوادار الأمير يشبك الدوادار، يحثوه على القدوم. وقد سار من دمشق في مستهله، فسار معهم، وأركب السليماني تراكمين طرابلس في أثر جكم، فأخذوا بعض أطرافه. وقدم السليماني طرابلس في ثاني عشرينه، وأعاد الخطبة للسلطان، ومهد أمورها، وكتب يعلم السلطان بذلك. ثم خرج منها بعد يومين يستنفر الناس، فاجتمع عليه خلائق من التراكمين، والعربان، والعشران، وعسكر طرابلس وكثير من عسكر حلب، وطائفة من المماليك السلطانية. وكان العجل بن نعير قد استولى على معاملة الحصن والمناصف، واستولى فارس بن صاحب الباز - وأخوه حسين - على سواحل اللاذقية وجبلة وصهيون، وبلاطنس. واستولى علم الدين على حصن الأكراد وعصى بها. واستولى رجب بن أمير أسد على قلعة المرقب، فطرد السليماني العجل من المعاملة. ونزل على حصن الأكراد وحصرها، حتى أخذها، وأعاد بها الدعاء للسلطان. وأخذ في استرجاع الساحل، فقدم عليه الخبر بولاية الأمير قانباي طرابلس، ووصول متسلمه سيف الدين بوري - ومعه شهاب الدين أحمد الملطي - على ظهر البحر من ديار مصر. ففت ذلك في عضده، وصار إلى علان نائب حماة، فأشار عليه أن لا يسلم طرابلس حتى يراجع السلطان بما يترتب على عزله من الفساد بتبدد كل العساكر، فكتب بذلك، ودخل بوري والملطي إلى طرابلس، وتسلماها، وحلفا الأمراء وغيرهم للسلطان.
وفي ثامنه: خرج الأمير شيخ نائب الشام ومعه الأمير يشبك وبقية الأمراء إلى لقاء الأمير جكم، فعندما رأوه ترجل له يشبك، ونزل الأرض، وسلم عليه، فلم يعبأ به، ولا التفت إليه، وجرى على عادته في الترفع والتكبر، فشق ذلك على الأمير شيخ، ولام يشبك على ترجله، وعيب جكم على ما كان منه. ودخلوا معه إلى دمشق يوم السبت تاسعه، والطول تضرب وهو في مركب مهول. فنزل الميدان، وجرى على عادته في التكبر والترفع، فتنكرت القلوب، واختلفت الآراء، فكان جكم أمة وحدة، يرى أنه السلطان، ويريد إظهار ذلك، والأمراء تسوسه برفق، حتى لا يتظاهر بالسلطنة. ورأيه التوجه إلى بلاد الشمال، ورأي بقية الأمراء المسير إلى مصر، فكانوا ينادون يوماً بالمسير إلى مصر، وينادون يوما بالمسير إلى حماة وحلب، وينادون يوماً من أراد النهب والكسب فعليه بالتوجه إلى صفد. ثم قوي عزمهم جميعاً على قصد مصر، وبعثوا لرمي الإقامات بالرملة وغزة، وبرزوا بالخيام إلى قبة يلبغا في رابع عشره. وخرج الأمير شيخ والأمير يشبك وقرا يوسف من دمشق، في عشرينه وقد عمل الأمير شيخ في نيابة الغيبة سودن الظريف، ووقف جميع أملاكه على ذريته وعلى جهات بر، منها مائتا قميص تحمل في كل سنة إلى مكة والمدينة، مربوط على كل قميص عشرة دراهم فضة، تفرق في الفقراء، ومنها مبلغ لمن يطوف عنه كل يوم أسبوعاً. ومنها عشرة أيتام في كل من الحرمين، ومؤدب يقرئهم القرآن، ومنها قراء بجامع دمشق. وندبوا الأمير يشبك وقرا يوسف إلى صفد، فسارا من الخربة في عسكر.
ومضى الأمير شيخ إلى قلعة الصبيبة فاستعد الأمير بكتمر شلق نائب صفد، وأخرج كشافته بين يديه. ونزل بجسر يعقوب، فالتقي أصحابه بكشافة يشبك وقرا يوسف، واقتتلوا، فكثرت الجراحات بينهما، وغنم الصفديون منهم عشرة أفراس، فرجع يشبك وقرا يوسف إلى طبرية، ونزلا على البحيرة ليلة الخامس والعشرين، حتى عاد الأمير شيخ من الصبيبة، وقد حصن قلعتها. ثم ساروا جميعاً إلى غزة وقد تقدمهم الأمير جكم، ونزل بالرملة في خامس عشرينه.

وفيه سار ألطنبغا بشلاق، وصديق أبو شوشه - كاشف أذرعات - بخمسمائة رأس من الغنم وعدة جمال، عليها غلة، يريدا قلعة الصبيبة، فاعترضهم الأمير بكتمر شلق وأخذ ما معهم، وفر بشلاق وصديق.
وفيه قدم الخبر على السلطان بنزول الأمراء إلى غزة، وأخذهم الإقامات المعدة لسفر السلطان، من الشعر وغيره. وكانت غزة قد غلت الأسعار بها لقلة الأمطار. وبلغت الوبية القمح مائة وعشرين درهماً، فجد السلطان في الحركة للسفر والاستعداد للحرب. وفيه نزل العجل بن نعر شرقي دمشق، وأخذ ما وجد من الغلال.
وفيه فرض مال على قرى دمشق كلها، الموقوف منها وغير الموقوف، ما عدا القرى التي هي إقطاعات الأمراء. ثم تقرر على القضاة مبلغ ألفي دينار مصالحة عن الأوقاف من القرى. وهذا الذي فرض في هذا الشهر سوى ما تقدم أخذه من الأوقاف وغيرها.
شهر ذي الحجة، أوله السبت.
في ثانيه: سار شاليش الأمراء من غزة إلى جهة القاهرة.
وفي ثالثه: سار منها الأمير شيخ بمن بقي معه، واستناب في غزة الأمير ألطنبغا العثماني.
وفي سادسه: سقط الطائر من بلبيس بنزول الأمراء قطيا. فكثرت حركات العساكر بالقاهرة، وركب السلطان من قلعة الجبل في يوم السبت ثامنه، ونزل بالريدانية، وبات بها. وقد عمل بباب السلسلة من القلعة الأمير بكتمر أمير سلاح. فورد الخبر بنزول الأمراء الصالحية يوم التروية، وبأخذهم ما بها من الشعير وغيره، فرحل السلطان في يوم الأحد تاسعه، ونزل العكرشة، ثم سار منها ليلاً، وأصبح ببلبيس، فضحى بها، وأقام يومي الاثنين والثلاثاء، وأعاد في يوم الثلاثاء ابن شعبان إلى حسبة القاهرة، عوضاً عن ابن الجباس، ثم صرف في يوم الخميس ثالث عشره، وأعيد ابن الجباس.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره: قبض بالقاهرة على الأمير يلبغا السالمي وعوق بباب السلسلة، وأخذ جميع موجوده بسعاية الأمير جمال الدين الأستادار. وذلك أنه غض بمكانه، فأغرى به السلطان حتى رسم له أن يقبض عليه وكان قد خرج لتعبئة الإقامات، ونزل بالحوف، فسار إليه، فأعلم به، ففاته وقدم على السلطان، فاصلح بينهما. ثم لما كان يوم عيد الأضحى نادي السالمي في الناس أن الفلوس بأربعة دراهم الرطل بعد ستة، وأن المثقال الذهب بثمانين بعد مائة وثلاثين، وأن الإفرنتي بستين فقلق الناس من ذلك قلقاً عظيماً، وأنكر نائب الغيبة هذا، ونادى بخلافه. وكتب فيه إلى السلطان فوجد جمال الدين السبيل إلى القول فيه، واغتنم غيبته بالقاهرة عن السلطان، وما زال حتى كتب إلى نائب الغيبة بقبضه وتقييده.
وفيه التقت مقدمة السلطان ومقدمة الأمراء واقتتلوا، فرحل السلطان من بلبيس بكرة نهار الأربعاء، ونزل السعيدية فأتاه كتاب الأمراء الثلاثة شيخ، وجكم، ويشبك، بأن سبب حركتهم ما جرى بين الأمير يشبك والأمير إينال بيه بن قجماس من حظ الأنفس، حتى توجه يشبك بمن معه إلى الشام، فكان بها من خراب البلاد، وهلاك الرعية ما كان. وطلبوا منه أن يخرج أينال بيه ودمرداش نائب حلب من مصر إلى الشام، وأن يعطى لكل من يشبك وشيخ وجكم، ومن معهم بمصر والشام ما يليق به، لتخمد هذه الفتنة باستمرارهم على الطاعة، وتحقن الدماء، ويعمر ملك السلطان. وإن لم يكن ذلك تلفت أرواح كثيرة، وخربت بيوت عديدة وقد كان عزمهم المكاتبة بهذا من الشام، لكن خشوا أن يظن بهم العجز، فإنه ما منهم إلا من جعل الموت نصب عينيه.

فلما كانت ليلة الخميس ثالث عشره: بيت الأمراء السلطان وهم في نحو الثلاثة آلاف فارس وأربعمائة تركماني من أصحاب قرا يوسف، فاقتتل الفريقان قتالاً شديداً، من بعد عشاء الآخرة إلى بعد نصف الليل، جرح فيه جماعة، وقتل الأمير صرق صبراً بين يدي الأمير شيخ، لأنه ولي نيابة الشام من السلطان. وركب السلطان ومعه الأمير سودن الطيار، وسودن الأشقر هجنا، وساقوا على البر تحت غلس الصبح يريدون القلعة. وتفرقت العساكر وتركوا أثقالهم وسائر أموالهم، فغنمها الشاميون، ووقع في قبضتهم الخليفة وقضاة مصر، ونحو من ثلاثمائة مملوك، والأمير شاهين الأفرم، والأمير خير بك نائب عزة. وقدم المنهزمون إلى القاهرة في يوم الخميس ثالث عشره. ولم يحضر السلطان، ولا الأمراء الكبار فكثر الإرجاف، وأقيم العزاء في بعض الدور وماج الناس، وكثر النهب، حتى وصل السلطان قريب العصر، ومعه الأمراء، إلى الأمير أقباي، وقد قاسى من العطش والتعب ما لا يوصف، فاستعد وجمع إليه عساكره.
وفي يوم السبت: سلم الأمير يلبغا السالمي إلى الأمير جمال الدين الأستادار، فرسم أن يكون سعر الذهب والفلوس على ما كان عليه قبل مناداة السالمي.
وأصبح في يوم الأحد: فعاقب السالمي بالضرب المبرح وفي يوم الاثنين سابع عشره: حمله مقيداً إلى الإسكندرية فسجن بها.
وفيه زحفت عساكر الشاميين من الريدانية، وقد نزلوا بها من أمسه وكثر اضطراب الناس بالقاهرة، وغلقت أبوابها ودروبها، وتعطلت الأسواق، وعز وجود الماء. ووصلت العساكر قريباً من دار الضيافة تحت القلعة، فقاتلهم السلطانية من بكرة النهار إلى بعد الظهر فأقبل عدة من الأمراء إلى جهة السلطان طائعين له، منهم أسن بيه أمير ميسرة الشام، والأمير يلبغا الناصري، والأمير سودن اليوسفي، وإينال حطب، وجمق، ففت ذلك في أعضاد من بقي، وعاد طائفة منهم، وحملوا خفهم وأفرجوا عن الخليفة والقضاة وغيرهم. وتسلل الأمير قطلوبغا الكركي، والأمير يشبك الدوادار، والأمير تمراز الناصري، وجركس المصارع في جماعة، واختفوا بالقاهرة وظواهرها، فولي حينئذ الأمير شيخ المحمودي نائب الشام، والأمير جكم، وقرا يوسف، وطولو، في طائفة يسيرة، وقصدوا الشام، فلم يتبعهم أحد من عسكر السلطان. ونادي السلطان بالأمان، وأصبح، فقيد من استأمن إليه من الأمراء، وبعثهم إلى الإسكندرية، فاعتقلوا بها. وانجلت هذه الفتنة عن تلف مال العسكريين، فذهب فيها من الخيل والبغال والجمال والسلاح والثياب والآلات، ما لا يدخل تحت حصر.
وفي تاسع عشره: قبض على الصاحب تاج الدين بن البقري، وعاقبه الأمير جمال الدين، واستقر عوضه في الوزارة، فخر الدين ماجد بن غراب وكان أخوه سعد الدين قد ترامى عند فراره من عسكر الشاميين على الأمير أينال بيه، فجمع بينه وبين السلطان ليلاً، ووعده بستين ألف دينار. فأصبح يوم الأربعاء تاسع عشره، وصعد القلعة، فخلع عليه السلطان، وجعله مشيراً، وجعل أخاه وزيراً.
وفي ثالث عشرينه: خلع على الأمير نوروز واستقر في نيابة الشام، وعلى الأمير بكتمر واستقر في نيابة صفد وعلى الأمير سلامش - حاجب غزة - واستقر في نيابتها، ونودي بعرض أجناد الشام.
وفي ثاني عشرينه: مرض السلطان بحمى حادة، قيل إنها دوسنطاريا، وكثر رميه للدم، واستمر به بقية الشهر. وأما الأمير شيخ فإنه قدم إلى غزة، ومعه جكم، وقرا يوسف في نحو الخمسمائة فارس، معظمهم أصحاب قرا يوسف، وقد غنموا شيئاً كثيراً، وفروا به، وتمزقت عساكر الأمير شيخ، وتلفت أمواله وخيوله. ومضى إلى دمشق، فقدمها يوم الجمعة ثامن عشرينه، بعد ما نهب اللجون وخرج إليه بكتمر نائب صفد، وشيخ السليماني نائب طرابلس - وقد قدم صفد في نحو المائتين - فتبعاه إلى عقبة فيق فلم يدركاه، وتخطفا من أعقابه بعض خيل. فوجد السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد قد فر من دمشق في ليلة الأحد سادس عشره. وكان قد تأخر بدمشق، ولم يتوجه مع الأمراء إلى مصر، فأوقع الأمير شيخ الحوطة ببيوت الأمراء، الذين خامروا عليه.

وأما حلب، فإن الأمير جكم لما سار عنها ثار بها عدة من أمرائها، ورفعوا سنجق السلطان بباب القلعة، فاجتمع إليهم العسكر، وحلفوا للسلطان، فقدم ابنا شهري الحاجب، ونائب القلعة من عند التركمان البياضية إلى حلب. وقام بتدبير الأمور يونس الحافظي. وامتدت أيدي عرب العجل بن نعير وتراكمين ابن صاحب الباز إلى معاملة حلب، فقسموها، ولم يدعوا لأحد من الأمراء والأجناد شيئاً من المغل.
وفي سادس عشرينه: أشيع بمكة أن ركب العراق قدم صحبة ابن تمرلنك بعسكر، فاستعد الشريف حسن بن عجلان أمير مكة إلى لقائه. وكشف عن الخبر، فتبين أن محمل العراق قدم ومعه حاج ضعفاء بغير عسكر. فلما قضوا مناسك الحج تأخروا بعد مضي الركب المصري يوماً، ثم قاسوا طول الكعبة وعرضها، وعدوا عمد المسجد الحرام وأبوابه، فأسر إلى ابن عجلان رجل ممن حضر معهم من بني حسن بأن تمرلنك كان قد عزل على بعث جيش عدتهم عشرة آلاف فارس، صحبة المحمل، فخوف من عطش الدرب فأخرهم وبعث لكشف الطريق، حتى يبعث من قابل عسكراً بكسوة الكعبة، فكتب بذلك ابن عجلان إلى السلطان.
وفي هذا الشهر: أخذ ناصر الدين محمد بن دلغادر قلعة درنده صلحاً. واستهم لمحاربة محمد بن كبك، وأخذ ملطية منه.
وفيه أخذ قرا يلك قلعة الرها بعد حصارها مدة، وأنزل بها ولده، ومضى إلى ماردين فأخذ المدينة وأحرقها وخربها، وحصر قلعتها، وأخذ التركمان كركر وكختا وبهسنا، وعدة قلاع. ولم تنسلخ هذه السنة حتى كل الخراب إقليم مصر، وتلاشى الصعيد، ودثرت عدة مدن، وكثير من القرى وتعطلت معظم أراضيه من الزراعة، وتمزق أهله أيدي سبا وبيع من الأطفال ما لا يدخل تحت حصر، فاسترقوا بعد الحرية، وذلوا بعد العز.
وفيه كتب تقليد الأمير علان اليحياوي في نيابة حلب، منتقلاً عن نيابة حماة وتوجه على يد متسفره أينال الخازندار. واستقر الأمير بكتمر شلق نائب صفد في نيابة طرابلس، وتوجه لتقليده الأمير صرماش العمري واستقر عوضه في نيابة صفد الأمير بكتمر الركني، ومتسفره أينال الخازندار.
واستقر الأمير دقماق المحمدي في نيابة حماة، عوضاً عن علان. واستقر الأمير علم الدين سلمان في نيابة الكرك والشوبك. واستقر الأمير سلامش نائب غزة، عوضاً عن خاير بك.
وفيه سار الأمير شيخ السليماني نائب طرابلس - بعد عزله عنها - إلى جهة صفد.
ومات في هذه السنةالوزير بدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن الطوخي.
ومات ناصر الدين محمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد، المعروف بابن السفاح الحلبي، توفي يوم الثلاثاء ثاني محرم وكان قد قدم من حلب، وباشر توقيع الأمير يشبك الدوادار، وتعين لكتابة السر.
ومات الأمير قانباي رأس نوبة أحد أمراء العشرينات في يوم الخميس أول جمادى الآخرة.
ومات علي بن عمر بن الملقن نور الدين بن سراج الدين، في يوم الاثنين سلخ شعبان، فجأة بمدينة بلبيس وحمل ميتاً، فدفن عند أبيه بحوش الصوفية، خارج باب النصر، ومولده في شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة وكان قد برع في الفقه، ودرس بعد أبيه في عدة مواضع، وناب في الحكم مدة أعوام، حتى فخم ذكره، تعين لقضاء القضاة الشافعية، وكثر ماله.
ومات عبيد الله بن الأردبيلي في شهر رمضان وكان يعد من فضلاء الفقهاء الحنفية. وناب في الحكم مدة، ودرس، وولي قضاء العسكر في أيام تغلب الأمير منطاش، فتأخر في الأيام الظاهرية.
ومات عبد المنعم بن محمد بن داود شرف الدين البغدادي الحنبلي، في يوم السبت ثامن عشر شوال، وقد انتهت إليه رئاسة الحنابلة وكتب على الفتوى، ودرس عدة سنين. وكان قد قدم من بغداد، وأخذ الفقه عن الموافق الحنبلي قاضي القضاة. وتعين لقضاء الحنابلة ثم ولى غيره. وانقطع بالجامع الأزهر عدة سنين، يدرس ويفتى، ولا يخرج منه إلا في النادر.
ومات شمس الدين محمد بن عباس بن حسين بن محمود بن عباس الصلتي، في مستهل جمادى الأولى، ولد في سابع عشرين شعبان، سنة خمس وأربعين وسبعمائة وولي القضاء في عدة بلاد من معاملة دمشق ثم ولي قضاء بعلبك وحمص وغزة وحماة. وجمع في أيام الفتنة بين قضاء القدس وغزة ونابلس. ثم عمل مالكاً، واستقر في قضاء المالكية بدمشق، ثم ترك ذلك وولي قضاء القضاة الشافعية بدمشق، وباشر مباشرة غير مشكورة.
الجزء الرابع

سنة ثمان وثمانمائة

المحرم أوله الاثنين ويوافقه خامس أبيب: أهل والسلطان قد اشتد به المرض. وأرجف بموته ليلة الاثنين هذا، فباع في يومه فرساً بمائتي ألف درهم، وتصدق بها.
وفي ثانيه: استقر صدر الدين أحمد بن جمال الدين محمود القيسري في حسبة القاهرة، وعزل ابن الجباس.
وفي ثالثه: قدم مبشرو الحاج.
وفي يوم السبت سادسه: بعث الأمير شيخ نائب الشام برسالته: شهاب الدين أحمد ابن حجي - أحد خلفاء الحكم بدمشق - والسيد ناصر الدين محمد بن الشريف علاء الدين علي - نقيب الأشراف - والفقير المعتقد محمد بن قدادار، ويلبغا المنجكي، ومعهم كتابه يتضمن الترقق والاعتذار عما وقع منه، ويسأل استقراره في نيابة الشام، فقدموا القاهرة يوم الاثنين ثالث عشرينه، ودخل منهم على السلطان ابن حجي وابن قديدار ويلبغا خاصة، لأنهم الرسل، ومن عداهم رفقاؤهم فلم يلتفت السلطان إلى قوله، ورسم أن ينزل السيد ناصر الدين عند كاتب السر، وينزل ابن حجي وابن قدادار عند القاضي الشافعي، والمنجكي عند الأمير أينال بيه. وأن لا يجتمعوا بأحد.
وفي تاسعه: استقر الأمير قاني بيه في نيابة الإسكندرية.
وفي ثالث عشره: نودي بالزينة لعافية السلطان، فزينت القاهرة ومصر إلى خامس عشره وتوجه الأمير يشبك الموساوي الأفقم إلى الشام، يبشر بعافية السلطان.
وفي ثاني عشرينه: قدم المحمل ببقية الحاج، وقد تأخر عن عادته يوماً.
وفي رابع عشرينه: سار الأمير نوروز الحافظي إلى دمشق، بعدما خلع عليه وخرج لوداعه الأمراء، فأناخ بالريدانية، ثم رحل منها، ومضي لشأنه، ومعه متسفره برد بك الخازندار، في ثامن عشرينه.
وفي هذا الشهر: بلغ المثقال الذهب إلى مائة وأربعين، والدينار الأفرنتي إلى مائة وعشرين. والفلوس كل رطل عنه ستة دراهم، واستمر الأمر عليه وأبيع القمح بمائة وسبعين درهماً فلوساً الأردب، والشعير والفول بمائة وخمسين الأردب، واللحم الضأن السليخ بسبعة دراهم الرطل والسميط كل رطل بستة دراهم، ولحم البقر بأربعة دراهم، وهو قليل جداً. وكل بيضة بنصف درهم، وكل راوية ماء من عشرة دراهم إلى اثني عشر درهماً. وسائر ما يباع غال، حتى بلغ القدح الأرز إلى ثلاثة عشر درهماً. وبيعت ملوطتان قطن قد لبستا وغسلتا بألفين ومائتي درهم، وأربعين درهماً. وبلغ رطل الحب رمان إلى عشرة دراهم. وأما الأمير شيخ نائب الشام، فإنه قبض في سابعه على الأمير سودن الظريف، وحمله إلى الصبيبة، فسجن بها. وقبض على القضاة وكاتب السر والوزير. وولي ابن باشى قاضي دمشق. ومشي قضاة دمشق في خدمته وهو راكب من باب النصر إلى العادلية وسلمهم إليه ليصادرهم، ففروا منه ليلا وبذلوا للأمير شيخ مالاً وعادوا إلى القضاء. واستناب ابن أبي البقاء ابن باشى.
شهر صفر، أوله الأربعاء: وفي ليلة الاثنين سادسه: قبض على الأمير يشبك بن أزدمر رأس نوبة، والأمير تمراز والأمير سودن، من إخوة سودن طاز، فاختفى الأمير أينال بيه أمير أخور، ومعه الأمير سودن الجلب، وحزمان في جماعة، فأحاط السلطان بدورهم، وأخذ ما قدر عليه.
وفي يوم الثلاثاء سابعه: سفر ابن أزدمر وتمر سودن إلى الإسكندرية، فسجنوا بها.
وأما أينال بيه، فإنه دار على جماعة من الأمراء ليركبوا معه، فلم يوافقوه فاختفى، واجتمع طائفة من المماليك السلطانية تحت القلعة. فأغلق باب الإصطبل، وكثرت مفاوضة المماليك من القلعة إلى من وقف تحتها منهم، ثم رموهم بالنشاب، فتفرقوا وسكن الحال.
وفي تاسعه: استقر فخر الدين ماجد، ويدعي عبد الله بن سديد الدين، أبي الفضائل ابن سناء الملك، المعروف بابن المزوق، كاتب سعد الدين إبراهيم بن غراب في نظر الجيش، وعزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله. وأعيد ابن شعبان إلى حسبة القاهرة، وعزل صدر الدين أحمد بن العجمي.
وفي يوم الجمعة عاشره: ظهر الأمير أينال بيه بن قجماس، وطلع به الأمير بيبرس بن أخت السلطان إلى القلعة، فكثر الكلام. ثم آل الأمر إلى أن قبض عليه السلطان، وأرسله إلى دمياط في حادي عشره، بطالاً.
وفي رابع عشره: أعيد الأخناي إلى قضاء القضاة، وصرف شيخ الإسلام جلال الدين.
وفي يوم السبت ثامن عشره: - وخامس عشرين مسرى - وفي النيل، فركب الأمير الكبير بيبرس لكسر الخليج، في عدة من الأمراء.

وفي حادي عشرينه: فرق السلطان إقطاعات الأمراء الممسوكين، فأنعم بإقطاع إينال باي بن قجماس على الأمير تغري بردى، وبإقطاع تغري بردى على الأمير دمرداش نائب حلب وبإقطاع دمرداش على الأمير أزبك الإبراهيمي. وأنعم على الأمير بيبرس الصغير الدوادار بإمرة مائة وعلى قراجا بإمرة عشرين، نقل إليها من إمرة عشرة وعلى الأمير بشباي الحاجب بإمرة مائة، نقل إليها من الطبلخاناة. وعلى الأمير علان بإمرة مائة، وأنعم بطبلخاناة سودن الجلب على الأمير ألتش الشعباني، نقل إليها من إمرة عشرة.
وفي ثالث عشرينه: نقل الأمير شرباش من وظيفة رأس نوبة، واستقر أمير أخور كبير، عوضاً عن أينال بيه. واستقر الأمير أرسطاي حاجب الحجاب، عوضاً عن الأمير بشباي.
وفي سابع عشرينه: أعيد صدر الدين أحمد بن العجمي إلى الحسبة، وعزل ابن شعبان. واستقر الحجازي والي القاهرة، وعزل ناصر الدين مجد المحني.
وأما الأمير شيخ، فإنه توجه من دمشق، ومعه الأمير جكم والأمير قرا يوسف في نصفه، لحرب الأمير نعير، فأدركوا أعقابه ثم اختلفوا، فمضى جكم إلى ناحية طرابلس، ومضي بقرا يوسف إلى جهة الشرق، عائداً إلى بلاده. وعاد الأمير شيخ من البقاع، فنزل سطح المزة في ثامن عشره، ومعه خواصه فقط، فأقام يسيراً، وتوجه إلى جهة الصبيبة. فدخل الأمير نوروز دمشق يوم الثلاثاء ثاني عشرينه من غير قتال ولا نزاع على عادة النواب. وبلغ في هذا الشهر بالقاهرة الأردب الأرز إلى ألف ومائتي درهم، غير كلفه. وبلغ القنطار السيرج إلى ألف وثلاثين درهماً، غير كلفه. وبيعت بطيخة خضراء بعشرين درهماً. وأبيع الرطل العنب بأربعة دراهم، والرطل الخوخ بدرهمين ونصف، والتين بدرهم ونصف الرطل، والقنطار القرع بثمانين درهماً.
وفيه نادى الأمير نوروز على الفلوس كل رطل شامي بتسعة دراهم، ومنع من ضرب الفلوس بدمشق. ثم نادى أن يكون الرطل من الفلوس بستة، فصار الدرهم الفلوس كالدرهم الفضة. والدينار الإفرنتي بخمسة وعشرين درهماً، إما فضة وإما فلوساً. واستقام أمر الناس بدمشق في المعاملة.
شهر وبيع الأول، أواله الخميس: فيه استقر جمال الدين عبد الله بن قاضي القضاة ناصر الدين التنسي، في قضاء القضاة المالكية، وصرف البساطي، ثم صرف يوم السبت ثالثه، وأعيد البساطي، فكانت ولايته يومين.
وفي خامسه: استقر الأمير بشباي رأس نوبة كبيراً، عوضاً عن يشبك بن أزدمر. وأعيد شيخ الإسلام جلال الدين بن البلقيني إلى قضاء القضاة، وعزل الأخناي، فكانت مدة عزله وولاية الأخناي يوماً. وهذه خامسة ولايات شيخ الإسلام قاضي القضاة.
وفي يوم الثلاثاء سادسه: تخبطت الأحوال بين السلطان وبين المماليك، فوقف طائفة من المماليك الجراكسة، وسألوا أن يقبض على الأمير تغري بردى، والأمير دمرداش، والأمير أرغون، من أجل أنهم من جنس الروم.
وذلك أن السلطان اختص بهم، وتزوج ابنة تغري بردى، وأعرض عن الجراكسة، وقبض على أينال بيه فخاف الجراكسة من تقدم الروم عليهم، وأرادوا من السلطان إبعادهم، فأبى عليهم، فتحزبوا عليه، واجتمعوا على الأمير الكبير بيبرس، وتأخروا عن الخدمة السلطانية، فتغيب في ليلة الأربعاء الأميران تغري بردى ودمرداش. وأصبح الناس يوم الأربعاء سابعه، وقد ظهر الأمير يشبك الدوادار، والأمير تمراز، والأمير جركس المصارع، والأمير قانباي العلاي، وكانوا مختفين من حين الكسرة، بعد وقعة السعيدية. وذلك أن الأمير بيبرس ركب سحراً إلى السلطان وتلاحى معه طويلاً، وعرفه بمواضع الأمراء المذكورين، فاستقر الأمر على مصالحة السلطان للجراكسة، وإحضار الأمراء المذكورين، والإفراج عن إينال باي وغيره، فانفضوا على ذلك.
وفي ثامنه: استقر سودن المحمدي - المعروف بتلي، يعني المجنون - أمير أخور، وصرف جرباش.
وفي يوم السبت عاشره: طلع الأمير يشبك، وتمراز، والمصارع، وغيره إلى القلعة، فخلع السلطان عليهم خلع الرضا، ونزلوا إلى دورهم.
وفي ثاني عشره: أعيد الهوى إلى الحسبة، وعزل ابن العجمي.
وفي خامس عشره: قدم الأمير قطلوبغا الكركي، والأمير أينال حطب، وسودن الحمزاوي، ويلبغا الناصري، وتمر، وأسندمر الناصري الحاجب، من الإسكندرية. وقدم الأمير أينال بيه بن قجماس، والأمير تمان تمر الناصري رأس نوبة، من دمياط.
وفي سابع عشره: خلع عليهم خلع الرضا.

وفي تاسع عشره: قدم الأمير يشبك بن أزدمر من سجن الإسكندرية.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه: قبض على فتح الدين فتح الله، كاتب السر، وتسلمه الأمير ناصر الدين محمد بن كلفت شاد الدواوين، وأحيط بداره وحواصله، وألزم بحمل ألف ألف درهم. واستقر عوضه في كتابة السر سعد الدين إبراهيم بن غراب، وخلع عليه الأمراء بطراز ذهب، ولم يعهد هذا قبله.
وفي ثاني عشرينه: ظهر الأمير دمرداش المحمدي نائب حلب من اختفائه. وخلع عليه بنيابة غزة، وأنعم عليه بمال كبير وخيول، فسار في يوم السبت رابع عشرينه. وخلع على يشبك بن أزدمر بنيابة ملطية فامتنع من ذلك، فأكره حتى لبس الخلعة، ووكل به الأمير أرسلان حاجب الحجاب، والأمير ناصر الدين محمد بن جلبان الحاجب حتى أخرجاه من فوره إلى ظاهر القاهرة. وبعث السلطان إلى الأمير أزبك الإبراهيمي - المعروف بخاص خرجي وكان قد تأخر عن الخدمة، بأن يستقر في نيابة طرسوس فأبى أن يقبل، والتجأ إلى بيت الأمير أينال بيه. فاجتمع طائفة من المماليك ومضوا إلى يشبك بن أزدمر، وردوه في ليلة الجمعة ثالث عشرينه، وقد وصل قريباً من سرياقوس، وضربوا الحاجب، وصار العسكر حزبين وأظهر الجراكسة الخلاف، ووقفوا تحت القلعة يمنعون من يقصد السلطان، وجلس الأمير الكبير بيبرس في جماعة من الأمراء بداره. وصار السلطان بالقلعة، وعنده عدة أمراء. وتمادى الحال يوم الخميس والجمعة والسبت، والناس في قلق، وبينهم قالة وتشانيع وإرجافات.

وفي يوم السبت هذا: نزل السلطان إلى باب السلسلة، واجتمع معه بعض الأمراء ليصلح الأمر، فلم يفد شيئاً، وكثرت الشناعة عليه. وباتوا على ما هم عليه. وأصبحوا يوم الأحد خامس عشرينه وقد كثروا، فطلبوا من السلطان أن يبعث إليهم بالأمير تغري بردى والأمير أرغون. فلما بعثهما قبضوا عليهما، وأخرجوا تغري بردى منفياً في الترسيم إلى القدس. فلما كان عند الظهيرة، فقد السلطان من القلعة، فلم يعرف له خبر. وسبب اختفائه أن النوروز كان في يوم السبت رابع عشرين ربيع الأول هذا، فجلس السلطان مع عدة من خاصكيته لمعاقرة الخمر، ثم ألقي نفسه في بحره ماء وقد ثمل، فتبعه جماعة وألقوا أنفسهم معه في الماء. وسبح بهم في البحرة، وقد ألقي السلطان عنه جلباب الوقار، وساواهم في الدعابة والمجون، فتناوله من بينهم شخص، وغمه في الماء مراراً، كأنه يمازحه ويلاعبه، وإنما يريد أن يأتي على نفسه. مما هو إلا أن فطن به فبادر إليه بعض الجماعة - وكان رومياً - وخلصه من الماء، وقد أشرف على الموت، فلم يبد السلطان شيئاً، وكتم في نفسه. ثم باح بما أسره، لأنه كان لا يستطع كتمان سر. وأخذ يذم الجراكسة - وهم قوم أبيه، وشوكة دولته، وحل عسكره - ويمدح الروم، ويتعصب لهم، وينتمي إليهم، فإن أمه شيرين كانت رومية. فشق ذلك على القوم، وأخذوا حذرهم، وصاروا إلى الأمير الكبير بيبرس ابن أخت الظاهر واستمالوه، فخاف السلطان وهم أن يفر، فبادره الأمير بيبرس وعنفه، وما زال به حتى أحضر الأمراء من الإسكندرية ودمياط، وأظهر الأمراء المختفين كما ذكر، فاجتمع الأضداد، واقترن العدي والأنداد. ثم عادوا إلى ما هم عليه من الخلاف بعد قليل، وأعانهم السلطان على نفسه، بإخراج يشبك بن أزدمر، وأزبك، فأبدوا عند ذلك صفحات وجوههم، وأعلنوا بخلافه، وصاروا إلى أينال باي بن قجماس، ليلة الجمعة، وسعوا فيما هم فيه. ثم دسوا إليه سعد الدين بن غراب كاتب السر، فخيله منهم، حتى امتلأ قلبه خوفاً. فلما علم ابن غراب بما هو فيه من الخوف، حسن له أن يفر، فمال إليه. وقام وقت الظهر من بين حرمه وأولاده، وخرج من ظهر القلعة فن باب السر الذي يلي القرافة، ومعه الأمير بيغوت، فركبا فرسين قد أعدهما ابن غراب، وسارا مع بكتمر مملوك ابن غراب، ويوسف بن قطلوبك صهره أيضاً، إلى بركة الحبش. ونزلا وهما معهما في مركب، وتركوا الخيل نحو طرا وغيبوا نهارهم في النيل، حتى دخل الليل، فساروا بالمركب إلى بيت ابن غراب، وكان فيما بين الخليج وبركة الفيل، فلم يجدوه في داره، فمروا على أقدامهم حتى أووا في بيت بالقاهرة لبعض معارف بكتمر مملوك ابن غراب. ثم بعثوا إلى ابن غراب فحول السلطان إليه وأنزله عنده بداره، من غير أن يعلم بذلك أحد. وقد حدثني بكتمر المذكور بهذا فيما بعد، وقد صحبته في السفر، فبلوت منه ديناً، وصدق لهجة، وشجاعة، ومعرفة ومحبة في العلم وأهله.
السلطان الملك المنصور عز الدين أبو العزعبد العزيز بن السلطان الظاهر أبي سعيد برقوق بن أنص ثالث ملوك الجراكسة أمه أم ولد تركية، اسمها قنقباي. ولد بعد التسعين وسبعمائة بسنيات، وجعل أبوه إليه السلطنة بعد أخيه الناصر فرج.
فلما فقد الملك الناصر وقت الظهر من يوم الأحد خامس عشرين ربيع الأول، بادر الأمراء بالركوب إلى القلعة، وهم طائفتان: الطائفة التي خالفت علي الناصر في السنة الماضية وحاربته، ثم مضت إلى الشام، فشنت الغارات وأقبلت بالعساكر وبيتته بالسعيدية. وانتهبت ما كان معه ومع عساكره، حتى رجع إلى قلعة الجبل على جمل. فجمع وحشد.، وأعد واستعد، فقاتلوه أياماً، ثم غلبوا، فكر بعضهم راجعاً إلى الشام، واختفى بعضهم إلى أن أمنهم وأعادهم إلى رتبهم. وهم عدة، يرجع أمرهم إلى الأمير يشبك الدوادار.
والطائفة الأخرى هي التي وفت للناصر وحاربت من ذكرنا معه، وكبيرهم الأمير الكبير بيبرس ابن أخت الظاهر. فلما صار الفريقان إلى القلعة، منعهم الأمير سودون تلى المحمدي أمير أخور من صعود القلعة، وهم يضرعون إليه من بعد نصف النهار إلى بعد غروب الشمس. ثم مكنهم من العبور من باب السلسلة.

وقد أحضروا الخليفة والقضاة الأربع، واستدعوا الأمير عبد العزيز بن الظاهر، وقد ألبسه بن غراب الخلعة الخليفتية، وعممه. فعهد إليه الخليفة أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بالسلطنة، ولقبوه الملك المنصور عز الدين، وكنوه بأبي العز. وذلك عند أذان عشاء الآخرة، من ليلة الاثنين سادس عشرين ربيع الأول، وقد ناهز الاحتلام.
وصعدوا به من الإسطبل إلى القصر. ولم تدق البشائر على العادة، ولا زينت القاهرة، وأصبح الناس في سكون وهدوء، فنودي بالأمان والدعاء للملك المنصور. فتحيرت المماليك التي من عصبة الناصر. وأشاعوا أنه مضى به دمرداش نائب حلب وبيغوت إلى الشام.
وهم كثير منهم باللحاق به، فأشاع آخرون أنه قتل، وأعرض الأمراء عن الفحص عنه، وتواصوا بالاتفاق. وقام بن غراب بأعباء المملكة، يدبر الأمراء كيف شاء. والمنصور تحت كفالة أمه. ليس له من السلطنة سوى مجرد الاسم في الخطة، وعلى أطراف المراسيم.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه: استقر الأمير بيبرس لالا السلطان، وخلع عليه.
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه: عملت الخدمة بالإيوان المعروف بدار العدل وجلس السلطان على تخت الملك. وحضر الأمراء والقضاة وأهل الدولة على العادة، وخلع على أرباب الوظائف. فاستمر الأمير الكبير بيبرس على عادته أتابك العساكر، والأمير أقباي أمير سلاح، وسودن الطيار أمير مجلس، وسودن تلى المحمدي أمير أخور، وبشباي رأس نوبة كبيراً، وأرسطاي حاجب الحجاب، وسعد الدين بن غراب كاتب السر، وفخر الدين ماجد بن غراب وزيراً، وفخر الدين بن المرزوق ناظر الجيش. وخلع على القضاة الأربع خلع الاستمرار.
وفي هذا الشهر: بلغ المثقال الذهب إلى مائة وخمسين، والإفرنتي إلى مائة وثلاثين، فنودي في سابع عشرينه أن المثقال بمائة وأربعين، والأفرنتي بمائة وعشرين، من أجل أنه توقف الذهب من قلة الفلوس، وذلك أنها صارت رخيصة، وكل قنطار منها بستمائة، عنها أربعة مثاقيل من الذهب. ومع ذلك يباع النحاس الأحمر الذي لم يضرب بألفي درهم، عنها ثلاثة عشر مثقالاً وثلث. فضن التجار بإخراج الفلوس، حتى اتضع الذهب، وكثر في الأيدي، وزهد الباعة في أخذه. فتوقفت الأحوال بسبب هذا، حتى نودي فمشت الأحوال.
وفيه أبيع الأردب القمح بمائتين وعشرين، والشعير والفول بمائة وعشرين، وبلغ الأرز إلى ستة عشر درهماً القدح. وأبيع الباذنجان كل واحدة بنصف درهم.
والرطل اللحم الضأن بثمانية دراهم. ولحم البقر بخمسة دراهم الرطل. وبيع رأسان من البقر - بعد النداء عليهما بحراج حراج في السوق - باثني عشر ألف درهم. وبلغ الأردب من زريعة الجزر إلى خمسمائة درهم، والقدح من بزر الفجل إلى مائة وخمسين درهماً. والقدح من بزر اللفت إلى ثمانين درهماً.
والرطل من لحم الجمل بثلاثة دراهم ونصف، بعد خمسة أرطال بدرهم.
وفي هذا الشهر: كانت وقعة بين المسلمين والفرنج بالأندلس. وذلك أن مدة الصلح بين المسلمين بغرناطة وبين الطاغية صاحب قشتالة لما انقضت، أبي الطاغية من الصلح، فبعث السلطان أبو سعيد عثمان صاحب ماس عشرين غراباً أوسقها بالعدد والزاد، وجهز ثلاثة آلاف فارس، قدم عليهم القائد مارح. وجعل الشيخ عمر بن زيان الوساطي على ألف فارس أخرى.
فنزلوا سبتة. وجهز أبو عبد الله محمد بن أبي الحجاج يوسف - صاحب غرناطة - أسطوله إلى جبل الفتح، فلقيهم أسطول الطاغية بالزقاق، في يوم الجمعة سادس عشرة، وقاتلهم. وقد اجتمع أهل فاس وأهل غرناطة، فكانت النصرة للفرنج، ولم ينج من المسلمين إلا القليل. وغنم الفرنج المراكب كلها بمن فيها وما فيها. فكانت مصيبة عظيمة، تكالب فيها الفرنج على المسلمين، وقوي طمعهم فيهم.
شهر ربيع الآخر أوله الجمعة: فيه بلغ الأردب القمح إلى مائتي درهم وستين. ولحم الضأن إلى عشرة دراهم الرطل. ولحم البقر إلى خمسة ونصف. وفيه انتهت زيادة ماء النيل إلى تسع عشرة ذراعاً سواء، وعزت ألبقار، وطلبت لأجل حرث الأراضي، فأبيع ثور بثمانية آلاف درهم.
وفي آخر نهار الأربعاء ثامن عشره: أفرج عن فتح الله كاتب السر. على أن يحمل خمسمائة ألف درهم فلوساً. عنها ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون مثقالاً ذهباً، وثلث مثقال.
وفيه توجه الأمير نوروز نائب الشام من دمشق إلى الصبيبة، لقتال الأمير شيخ.
شهر جمادى الأولى أوله الأحد.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21