كتاب : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي

محمد بن خليل الشيخ، الزاهد العابد المعتقد المربي شمس الدين بن قيصر القبيباتي الحنبلي، الصوفي صحب سيدي علي بن ميمون وتلميذه سيدي محمد بن عراق، واجتمع بأكابر ذلك العصر، وعلمائه كالتقوي ابن قاضي عجلون، وتوجه إلى بلاد الروم، فاجتمع بحماة الشيخ علوان، وابن عبدو، وحصل له بالروم، غاية الإكرام، والتعظيم من إبراهيم باشا الوزير، وأعيان الدولة، وقضاة العساكر ثم رجع إلى دمشق، وانجمع عن الناس، وكان يقيم الذكر بعد صلاة الجمعة بالمشهد الشرقي داخل الجامع الأموي تحت المنارة الشرقية بحيث عرف المشهد به، ثم يركب حماره ويذهب إلى منزله بالقبيات، فلا يخرج منه إلى يوم الجمعة، وكان نائب الشام عيسى باشا يحبه، ويتردد إلى زيارته، وكذلك الأمراء، والقضاة، وللناس فيه اعتقاد تام، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان بالجامع الأموي بالمشهد المذكور، وكان يحضر ختم الشيخ الطييي كل سنة قال ابن طولون: وفي سنة سبع وثلاثين وتسعمائة سألني الشيخ محمد بن قيصر القبيباتي الحنبلي في عمل شرح على أبيات ثلاثة نظمها في عقيدته وهي:
في الله أعتقد الذي قد قاله ... عن نفسه وكفا الذي قال الرسل
عنه بغير تأول في ذاته ... وصفاته أو كل فعل قد فعل
فهو الإله الفرد ليس كمثله ... شيء سواه وغير هذا لم أقل
قلت ووقفت على شرح ابن طولون على هذه الأبيات في تعاليقه بخطه، والإيمان بما جاء في الكتاب، والأخبار من الصفات من غير تأويل مذهب السلف، وهو أسلم من مذهب التأويل، وهو مذهب الخلف، ورأيت بخط بعض العلماء الفضلاء لابن قيصر المذكور:
قنعت من الدنيا بأيسر بلغة ... وثوب يواريني وزوجة واحدة
وذلك يكفيني من الكون كله ... وما زاد عن هذا فما فيه فائدة
وكانت وفاته سنة خمس وسبعين وتسعمائة، وقد جاوز المائة سنة رحمه الله تعالى.
محمد بن سنان أحد الموالي الروميةمحمد بن سنان المولى، محيي الدين أحد الموالي الرومية، وهو أخو علي أفندي ابن سنان. كان من العلماء الكبار المشهورين بالروم توفي بالقسطنطينية في أوائل سنة سبع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن صلاح مصلح الدين اللاريمحمد بن صلاح بن جلال بن كمال الملتوي الأنصاري السعدي العبادي الشافعي المشهور بمنلا مصلح الدين اللاري تلميذ أمير غياث الدين ابن أمير صدر الدين محمد الشيرازي عرفنا بمقامه صاحبنا منلا علي ابن أمير الشيرازي، وأنه كان من أكابر العلماء المحققين قال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة أربع وستين في تجارة فأسفر عن علوم شتى، وتآليف متنوعة منها شرح الشمائل، و شرح الأربعة النووية، و شرح الإرشاد في الفقه، و شرح السراجية، وحاشية على بعض البيضاوي و حاشية على مواضع من المطول، وأخرى على مواضع، من المواقف، وأخرى على شرح الكافية للجامي، انتصر فيها لمحشية منلا عبد الغفور اللاري على محشيه عصام الدين البخاري، وهي كثيرة الفوائد والزوائد، وغير ذلك قال: ولما دخل حلب دخلها في ملبس دني، وهو يستفسر عن أحوال علمائها، ثم لبس المعتاد، وطاف بها ومعه بعض العبيد، والخدم في أموال التجارة، ولكن من غير تعاظم في نفسه، ولا تكثر في حد ذاته، لما كان عنده من مشرب الصوفية، ولما شاع من فضله واشتغل عليه بعض الطلبة واستفتاه بعض الناس هل اجتماع الدف والشبابة في السماع مباح، أم لا؟ فأجاب إن كلا منهما مباح فاجتماعهما أيضاً مباح، واستند إلى قول الغزالي في الإحياء أن أفراد المباحات، ومجموعها على السواء إلا إذا تضمن المجموع محذوراً لا يتضمنه الآحاد.

قال: وقد وقع المنع من قبل أهل زماننا، وأفتى جدي بالجواز وصحح فتواه أكابر العلماء من معاصريه ببلاد فارس، ثم نقل فتوى جدي بطولها، ونقل قوله البلقيني في تحريم النووي الشبابة لا يثبت تحريمها إلا بدليل معتبر، ولم يقم النووي دليلاً على ذلك، ونقل تصحيح الجلال الدواني لفتوى جده، ثم كلام الدواني في شرح الهياكل حيث قال: الإنسان يستعد بالحركات العبادية الوضعية الشرعية للشوارق القدسية بل المحققون من أهل التجريد قد يشاهدون في أنفسهم طرباً قدساً مزعجاً فيتحركون بالرقص، والتصفيق، والدوران، ويستعدون بتلك الحركة لشروق أنوار أخر إلى أن ينقص ذلك الحال عليهم بسبب من الأسباب كما يدل عليه تجارب السالكين، وذلك سر السماع، وأصل الباعث للمتألهين على وضعه، حتى قال: بعض أعيان هذه الطائفة أنه قد ينفتح للسالكين في مجلس السماع ما لا ينفتح لهم في الأربعينيات. قال ابن الحنبلي: وكان مصلح الدين قد حكم قبل هذا النقل بإباحة الرقص أيضاً بشرط عدم التثني والتكسر في كلام طويل قال: ثم إن مصلح الدين رحل في السنة المذكورة إلى مكة فحج، وجاور، ثم رجع من مكة إلى حلب فقطن بها واستفتى فيها على الشيخ عبد الوهاب العرضي إذ منع شاباً كان يقرأ في متن البخاري بجامع حلب من قراءته وقال له لست بأمير، ولا مأمور من قبله فحمله قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا يقص إلا أمير أو مأمور أو محتال على أنه لا يحدث إلا هؤلاء خطأ منه في ذلك، فكتب في الجواب الصواب حمل الحديث على ما ظن في ذلك البعض من بعض الظن فإنه مخالف لما عليه أهل الفن، والعدول عما ذكره الشارحون إلى ما ذكره عدول عن طريق العدول، فإنه كلام يأباه أهل الفضل، ويعدونه من الفضول، قال: ثم توجه إلى الباب الشريف، ومعه عرض من قاضي مكة عتيق الوزير الأعظم، فخلع عليه المقام الشريف خلعة ذات وجهين وأهدى إليه مالاً، وأعطاه من جوالي مصر أربعين درهماً في كل يوم، فظهر لها مستحقون فلم يتصرف بها، ثم عاد إلى حلب، ثم رحل منها إلى آمد سنة سبع وستين وتسعمائة، رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الله بهاء الدين المصريمحمد بن عبدالله، الشيخ العالم الصالح أبو عبد الله بهاء الدين المصري، النحوي، الشافعي، ولد تقريباً سنة ثمان وثمانمائة وأخذ على السخاوي، والديمي، والسيوطي، القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والسعد الذهبي وغيرهم، ودرس بجامع الأزهر، وغيره وله مؤلفات في الفرائض وكان يؤثر الخفاء لا يزاحم على شيء من الدنيا، ولا يتردد إلى أبنائها إلا عن ضرورة، وكان يقوم الليل تارة يصلي، وتارة يقرأ توفي في عشر التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن عبد الرحمن العلقميمحمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر، الشيخ العلامة الإمام، شمس الدين أبو عبد الله العلقمي المصري، الشافعي مولده تقريباً سنة سبع وتسعين وثمانمائة خامس عشر صفر أخذ العلم عن الشيخ شهاب الدين، والشيخ ناصر الدين اللقاني، وغيرهما. وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فأفتى، ودرس في جامع الأزهر، وانتفع به جماعة كثيرة في تحقيق العلوم الشرعية، والعقلية، وذكره الوالد في معجم تلاميذه وقال: اجتمع بي في رحلته إلى دمشق سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وحضر بعض دروسي وسمع بعض تأليفي المسمى بالدر النضيد، ثم لما رحل شيخ الإسلام الوالد إلى القاهرة يريد الحج الشريف منها سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، اجتمع به المذكور، وكان يقوم بمصالحه كلها مدة إقامته بمصر، ومن تصانيفه الحاشية المشهورة على الجامع الصغير وكتاب ملتفى البحرين في الجمع بين كلام الشيخين وكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر ويؤاخذ بذلك الأكابر، وكان له توجه عظيم في قضاء حوائج إخوانه، وإذا نزل بأحدهم بلاء لا يتهنى بنوم، ولا عيش حتى يزول عنه ذلك البلاء أنشدنا شيخنا أقضى القضاة العلامة محب الدين الحنفي قال: أنشدنا الأستاذ سيدي محمد البكري قال: أنشدنا شيخ الإسلام الشيخ بدر الدين الغزي، وكان عندنا في دعوة سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وقال بديهة مستدعياً لحضور الشيخ العلامة شمس الدين العلقمي:
يا سيداً أوصافه قد زكت ... في اللون والريح وفي المطعم
والله ما يحلو لنا مجلس ... إلا إذ حل به العلقمي

قلت: ووجدت ذلك موجوداً في مواضع من خط شيخ الإسلام الوالد رحمه الله تعالى ذكر الشعراوي أن العلقمي المذكور كان في سنة إحدى وستين في الأحياء.
محمد بن عبد الرحمن بن الفرفورمحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الفرفور الحنفي كان شاباً فاضلاً نجيباً. مات في حياة أبيه فجأة، وسمعت أنه مات مسموماً في سنة تسع وثمانين أو سنة تسعين وتسعمائة عن ولدين أحدهما الفاضل محمد حلبي، والثاني الفاضل أبو بكر، ولما وضع في لحده وقف ولده محمد، وكان يومئذ صغيراً، وقال لجده القاضي عبد الرحمن يا سيدي:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فبكى القاضي عبد الرحمن بكاء شديداً، وبكى الناس لبكائه ثم قال يا ولدي:
فكأنه برق تألق بالحمى ... ثم انقضى فكأنه لم يلمع
محمد بن عبد الكريم الروميمحمد بن عبد الكريم، وقيل محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم، المولى محيي الدين بن عبد الكريم. أحد الموالي الرومية المشهورين بالعلم والفضل، والديانة، ولي قضاء حلب، ثم الشام، ثم مصر، وذكر والد شيخنا أنه، ولي قضاء بروسه بعد الشام، ودخل الشام في غرة شوال سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، وعزل عنها في ربيع الأول سنة تسع وخمسين. قال: والد شيخنا وما كان به بأس غير أنه لا حظ له من الناس لأنهم أطوع للظالم، وقال: في موضع آخر كان رجلاً عالماً ذكياً ينزل الناس منازلهم ذكوراً، وذكر أنه سأله عن حل اليسق يعني المحصول لما رأى منه من العلم، والحلم بمثل ما سأل القاضي أحمد بن يوسف المتقدم في الطبقة الثانية، فلم يجبه إلا بما أجاب يعني من اتباع الموالي، وزاد أنه قال: كنت جالساً عند مولانا فلان، وسمي اسمه، وهو أحد أشياخه، وجاء شخص، وسأله عن حل هذا اليسق فقال له: لم أقل بحله، وقال لي كان في الصدر الأول رزق القاضي من بيت المال، ولم يكن هذا اليسق بالكلية، ثم بعد سنين يقال أن رجلاً وسماه حيدر، أو غيره أشار يعني على بعض القضاة بأن يعطي القاضي من الأخصام ما هو كذا وكذا، وهذا سهل، وذكر في موضع آخر أنه قال: أربعة دراهم فسمع قوله، وصار يؤخذ منهم، فلما أخذ قطع عنه ما كان قد رتب له في بيت المال، واستمر الأمر على هذا الحال انتهى.
توفي في رمضان سنة خمس وسبعين وتسعمائة، ودفن بباب أدرنة وورد الخبر بموته إلى دمشق في أواخر ذي القعدة منها وصلي عليه غائبة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الوهاب العاتكي الأبارمحمد بن عبد الوهاب الشيخ العالم الصالح، شمس الدين الأبار الدمشقي العاتكي، الشافعي خطيب التبريزية، لم يكن أباراً، ولا أبوه. وإنما كان خاله أباراً، وكان اسمه محمد، فرباه، فنسب إليه وتفقه بالشيخ جلال الدين البصروي خطيب جامع الأموي، ولحق بالتقوي ابن قاضي عجلون، وكان مؤذناً بالتبريزية، ثم صار خطيباً بها، وكان يقرأ البخاري في البيوت، وكان متقشفاً يلبس الشبت من الصوف الأسود، وتحته جبة من القطن، وعلى رأسه المئزر، وكان قادرياً أخذ الطريق عن الشيخ عبد الهادي الصفوري العاتكي، وكانت وفاته في سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيها وتسعمائة، وتولى الخطابة بعده ولده الشيخ تاج الدين، وعاش بعده عشرة أشهر، ثم ولي الخطابة بعده الشيخ شهاب الدين الطيبي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن عبد الرحيم أبو خليل

محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن خليل، الشيخ الصالح الزاهد الحسيب النسيب السيد، الشريف، ولي الدين أبو خليل الدمشقي الشافعي منقطعاً بمسجد شرقي في دمشق داخل باب توما، صحبة شيخ الإسلام الأخ شهاب الدين كثيراً، وكان يتردد إليه في المسجد المذكور أخبرني الشيخ عبد القادر بن سوار، أنه لما أراد عمل المحيا بالجامع الأموي قال: له السيد أبو خليل أنت مجنون تريد أن تتصدر بالجامع الأموي، والله تقتلك رجال الشام قال: فذكرت ذلك لشيخ الإسلام يعني الوالد فقال افعل ما عليك منه. قال: فلما كان أول ليلة عملنا فيها المحيا بالجامع قلت هاتوا لي السيد أبا خليل قال: فبعث إليه الشيخ شهاب الدين يعني أخي، فحضر تلك الليلة، وحصل له أنس، وكان ذلك ببركة شيخ الإسلام قال: وكان عندنا بمجلس المحيا ذات ليلة، وكنا نعمل المحيا تلك الليلة بالرواق. قال: فسمعنا وجبة في الصمن قال: فالتفت إلي أبو خليل وقال لي: ما بقيت أخاف عليك بعد هذه الليلة هذا رجل جاء يريدك، فدفعه الله تعالى عنك، فسقط. وحدثني الشيخ تاج الدين القرعوني عن الشيخ عبد القادر بن سوار أنه قال: كنت ذات يوم في البيت وحدي فسمعت إنساناً يناديني من فوق السطح، فخرجت إليه ونظرت فإذا هو السيد أبو خليل، وكان يومئذ مريضاً، فقال لي: يا شيخ عبد القادر إني أموت في يوم كذا فأحضرني، وأفعل كذا وكذا، ثم مات في الوقت الذي ذكر. وكانت وفاته في سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة تقريباً رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد العال الحنفيمحمد بن عبد العال الشيخ الإمام العلامة، الأوحد المحقق الفهامة، الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة، الشيخ أمين الدين ابن الشيخ الناسك زين الدين عبد العال الحنفي. المتقدم في الطبقة الثانية كانت أمه حبشية ونشأ في علم وخير، وفضل قبل موت أبيه، وأخذ العلوم عن جماعة منهم الشيخ برهان الدين الطرابلسي وأجازوه بالإفتاء، والتدريس، فدرس، وأفتى في حياتهم بإذنهم، ووقف الناس عند قوله وأجمعوا على ورعه، وزهده، وحفظ جوارحه من المخالفات، وكان مؤثراً للعزلة مشغول الفكر بالله. وبأحوال يوم القيامة يعرف ذلك من أحواله له قدم راسخة في فهم كلام القوم لا سيما كلام الشيخ محيي الدين بن العربي، وعرضت عليه عدة وظائف من تدريس وغيره فأبى، وكان لا يعتني بشيء من الملابس، ولا من المراكب يركب الحمار، وأكثر خروجه إلى السوق بلا رثاء ثيابه في بيته هي ثيابه في درسه طارحاً للتكليف في جميع أحواله، وكان ممن أخذ عنه الشيخ العلامة شمس الدين محمد العلمي القدسي نزيل دمشق فحدثني ببعض أوصافه، وأخبرني أنه مات في سنة ثمان وستين وتسع مائة، ورأيت بخط بعض المصريين أنه مات في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد القادر بن جماعةمحمد بن عبد القادر بن عبد العزيز الشيخ الفاضل الحجة الكامل، عفيف الدين بن جماعة المقدسي الشافعي، والد الشيخ عبد النبي كان من أعيان بيت المقدس أخذ عنه الشيخ إبراهيم بن كسبائي، وغيره، وكانت وفاته في بيت المقدس، في إثنا عشر الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي بن الطباخمحمد بن علي بن أحمد الشيخ شمس الدين الحلبي المعروف بابن الطباخ. ولد سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، وتعاطى التجارة، وعني بسماع الحديث، وأجاز له الشيخ كمال الدين الطويل، وغيره، وخدم شيخ الشيوخ ابن أبي ذر عشر سنين، وأخذ عنه الشفاء والشمائل، و منظومة العراقي في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك، وكان يحفظ تواريخ من أدركه من المتقدمين، والمتأخرين لعلو سنة توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الشبشيريمحمد بن علي بن سالم، الشيخ المعمر ولي الدين الشبشيري القاهري، الشافعي، أخذ عن السخاوي، والديمي، والسيوطي، والقاضي زكريا، وآخرين توفي في حدود التسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي التروسي

محمد بن علي بن الحسن بن تاج الدين الكيلاني التروسي الحلبي الشافعي، الصوفي، أحد مريدي الشيخ محمد الخرساني النجمي كان شيخاً صالحاً معمراً مكث بديار العرب مدة تزيد على نصف قرن، ولزم شيخه المذكور بحلب إلى أن توفي بها، وصحب الشيخ علوان، وشيخه سيدي علي بن ميمون، وصحب آخراً الشيخ عبد اللطيف الجامي، والشيخ قطب الدين عيسى الصفوري، وسافر معه إلى بغداد لزيارة من بها من الرجال، ولم يزل يتعاطى أمر التروس العجيبة الثمينة، ويعلم الأطفال أحياناً قراءة القرآن، والكتابة، وهو على سمت الصالحين، وكان يستحضر شيئاً من طب الأبدان كما يستحضر من طب القلوب، إلى أن علت سنه ونحف بدنه فترك تأديب الأطفال وغيره وكان يذكر أن شيخه الخراساني كان يقول له: ستموت في شعبان، وكان كلما دخل شعبان يرقب الموت فإذا انسلخ قال: أنا لا أموت حتى يدخل شعبان ثم اتفق أنه مات في شعبان سنة سبعين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الخرساني خارج باب الفرج بحلب رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن علي القابونيمحمد بن علي الشيخ عفيف الدين بن علاء الدين القابوني الشافعي، خطيب جامع منجك خارج دمشق بمسجد الأقصاب تلا للسبع على الشيخ شهاب الدين الطيبي، وتوفي بعده بسنة سنة وسبعين، وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الجوبريمحمد بن علي خير الدين الجوبري الدمشقي، الشافعي، كان رئيس الشهود بقناة العوني، وبالميدان، وبالكبرى، وناب في القضاء نحو شهر في حدود ستة سبعين ولعله في الصالحية، وكان خصيصاً بشيخ الإسلام الوالد وكان يلف له عمامته توفي في سابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة بتقديم السين، فيهما عن نحو ثمانين سنة.
محمد بن علي البكري الصديقيمحمد بن علي بن محمد الشيخ الإمام شيخ الإسلام وابن شيخ الإسلام العارف بالله وابن العارف به الأستاذ ابن الشيخ شمس الدين ابن أبي الحسن البكري الصديقي، المصري الشافعي. مشهور الآفاق قال الشعراوي: حجبت معه مرتين، فما رأيت أوسع منه خلقاً، ولا أكرم نفساً، ولا أجل معاشرة، ولا أحلى منطقاً درس، وأفتى في علم الظاهر، والباطن، وأجمع أهل الأمصار على جلالته، ونشأ رضي الله تعالى عنه كما نشأ والده على التقوى، والورع، والزهد، وعز النفس حتى أتته الدنيا، وهي راغمة قال: وأعرف من مناقبه ما لا يقدر الأقران على سماعه انتهى.
أخذ العلوم عن والده، وغيره، وأخبرني الدرويش محمد القدسي نزيل دمشق قال: حدثنا الأستاذ سيدي محمد البكري قال: كان أول فتوحي إني كنت يوماً جالساً أطالع في كتاب الفتوحات للشيخ محيي الدين بن العربي، فدخل علي الأستاذ والدي فقال لي: يا محمد ما هذا الكتاب؟ فقلت: يا سيدي فتوحات ابن العربي قال فقال: هذه فتوحات ابن العربي فأين فتوحاتك أنت؟ قال: ففتح لي من ذلك الوقت، وتركت الفتوحات، وغيره. ولما دخل شيخ الإسلام الوالد مصر حاجاً منها في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة. كان الشيخ أبو الحسن قد توفي قريباً وكان حضوره مصر تقريراً لسيدي محمد البكري، وتثبيتاً له، وبلغني أنه حضر أول مجالسه، وكان سيدي محمد يعترف للشيخ بالأستاذية. كما كان أبوه يعترف لأبيه، ويعتقد أنه لولا الشيخ رضي الدين ما حصل لهم من الفتح، واللسان، والمعرفة ما فتح، وأضاف سيدي محمد البكري في التاريخ المذكور شيخ الإسلام الوالد، وحضر تلك الضيافة من أكابر مصر إذ ذاك جماعة، وحدثني الخوجا إبراهيم بن عثمان بن مكسب قال: كنت لا أقول أن في الدنيا مثل شيخ الإسلام الشيخ بدر الدين والدك، وقد دخلت مكة والمدينة واليمن، ومصر، وغيرها، وكنت يوماً ببعض أسواق مصر فمر الشيخ محمد البكري، فرأيت الناس أكبوا عليه وقبلوا يده فقلت مساكين أهل مصر كيف لو رأوا شيخ الإسلام بدر الدين؟ فلما حاذاني سيدي محمد البكري قبلت يده فأمسك على يدي، وقال لي: انظر الشيخ بدر الدين الغزي شيخنا. وأستاذنا، ولكن الاعتقاد مليح، فوقع كلام الشيخ في قلبي، ثم ترددت إليه، وكان هذا سبب اعتقادي فيه. وله رضي الله تعالى عنه تآليف، ورسائل في السلوك وغيره وقفت له على كتاب هداية المريد، إلى الطريق الرشيد، وكتاب معاهد الجمع، في مشاهد السمع، وله ديوان شعر يدل على مشربه الرائق، ومقامه الفائق، ومن شعره ما أورده في كتابه معاهد الجمع:

شربت من نغمات القدس كاساتي ... وقام يرقص ناسوتي بآلاتي
وكنت في حان لاهوتي نشاهده ... وشاهدي اليوم ممحو بأثبات
متى سمعت؟ وإني منه مستمع ... والآن فقد بأوصافي وحالاتي
ولو نظرت وما عنه حجبت وبي ... عرائس الجمع يجلوها بمرآتي
ومنه ما أورده في كتاب هداية المريد:
شهدناك في مرآة كل حقيقة ... تليح لنا فيها الذي أنت تعلمه
وتهدي لنا منها قلوباً توجهت ... لتعرف ما يخفي المحب ويكتمه
وأعلمتنا منها بوحدتك التي ... بها طلعت من مشرق الحق أنجمه
فلما عرفناها عرفنا توجهاً ... إليك فلا وهم علينا نحكمه
فأظهرت وجه النور غير مبرقع ... فأذهب عنا ما الفؤاد توهمه
فعدنا مفيضين المعارف فيالورى ... وأخمصنا الصيد الأماجد تلثمه
على أننا في مهلة الشوق لم يرم ... وحر هوانا بالتذكر نضرمه
ونرسل من آماقنا كل مدمع ... وحالتنا تقضي بأنا نحمحمه
ومن شعره ما أنشده شيخنا شيخ الإسلام محب الدين الحموي قال: كتب إلي الأستاذ الإمام سيدي محمد البكري في صدر مكاتبة إلي، وأنا قاض بثرمنت:
يا نسمة البان بل يا نسمة الشيح ... أن رحت يوماً إلى من عندهم روحي
خذي لهم من ثنائي عنبراً عبقاً ... وأوقديه بنار من تباريحي
حدثنا شيخنا المذكور قال: لما اجتمعت بسيدي محمد البكري قال لي: ما اسمكم قلت عبدكم محب الدين قال: بحم أقسم إني محب، ومحاسنه كثيرة، ولطائفه شهيرة ومن كراماته ما حدث عنه أحد جماعته الشيخ الفاضل عبد الرحيم الشعراوي قال: جاورت بمكة المشرفة مع الأستاذ سيدي محمد البكري الصديقي في بعض مجاوراته، وكنت كثير الملازمة له شديد الاتصال به، فبينما هو جالس يوماً بالحرم الشريف عند منزله باب إبراهيم، وأنا عنده إذ جاء الخادم من منزله، فطلب شيئاً من النفقة، ولم يكن معه إذ ذاك ما ينفق. فقال للخادم: نرسل الآن إن شاء الله فمضى الخادم، ثم عاد وألح في الطلب، فأجاب الشيخ بما أجاب أولاً، وتكرر ذلك من الخادم فنهض الشيخ للطواف وأنا معه وهو يقول:
صوح النبت فاسقه ... قطرة من سحائبك
وأغثنا فإننا ... في ترجي مواهبك

وما زال يكررها في الطواف، واذ بشخص هندي أقبل على الشخص، وقبل يده ودفع له من جيبه صرة من الدنانير، وقال: يا سيدي هذه هدية أرسلها لك معي ملك الهند، فسجد الشيخ شكراً لله تعالى، وانقلب إلى أهله مسروراً، وكان سيدي محمد البكري رضي الله تعالى عنه حسن العقيدة في الصالحين، من المجاذيب والسالكين، معترفاً بفضل ذي الفضل، شديد التأدب مع الحضرة المصطفوية، معظماً لذريته الأشراف لا يدخل عليه شريف إلا، ونهض له قائماً حتى سافر معه جمال شريف، وكان كلما دخل عليه يقوم له، واجتمع به الشيخ العارف بالله تعالى أبومسلم محمد بن محمد الصمادي شيخ الطائفة الصالحية بدمشق في بيض المقدس، فاعتقد كل منهما الآخر ولما دخل الشيخ محمد الصمادي إلى وطاقه مودعاً له أمر سيدي محمد البكري بتقديم فرس الصمادي إليه على بساطه، وأمسك له الركاب بنفسه وحدثني بعض أصحابنا قال: حملت مكتوباً من الشيخ محمد الصمادي إلى الشيخ البكري فلما دخلت على البكري سلمت عليه من قبل الشيخ الصمادي، فلما ذكرت اسمه له قام على حيله، ورد سلامه، ثم قعد فلما أعطيته المكتوب قبل عنوانه، ووضعه على عينيه، ثم فتحه بتعظيم قلت: ومن الاتفاقات العجيبة أنهما ماتا في سنة واحدة واجتمع به صاحبنا العارف بالله تعالى الشيخ محمد اليتيم العاتكي، واستمد منه، وحدثنا عن كراماته ومنها تسخير الطاغية سليمان باشا ابن قباد، وكان نائب القدس إذ ذاك، وكان عسوفاً له بحيث أنه كان يخدمه ويمشي بين يديه وهكذا كان اعتقاد أركان الدولة بمصر فيه، وأشراف مكة، وأعيانها، وبالجملة فإن ترجمته تحتمل مؤلفاً مستقلاً، وبلغني أن رجلاً ذكر سيدي محمد البكري مرة فقال: لا أدري كيف أمر الشيخ في سعة دنياه وتبسطه فيها إلى حد الإسراف في المطعم، والملبس؟ فمرعليه الشيخ، فلما قبل يده قال له: يا بني الدنيا بأيدينا، وليست في قلوبنا. وممن مدح الأستاذ بشعر الفاضل الأديب محمد بن الحسين الحارثي الشامي الأصل الخراساني المولد حج، ورجع إلى مصر، ثم زار القدس، ثم دخل دمشق، وأسرع الرحلة منها إلى العراق وكان في الآن مقيماً بقزوين عند ملك العجم شاه عباس، ولا أدري أهو حي الآن أو مات فقال:
يا مصر سقياً لك من جنة ... قطوفها يانعة ودانيه
ترابها كالتبر في لطفه ... وماؤها كالفضة الصافية
قد أخجل المسك نسيم لها ... وزهرها قد أرخص الغاليه
دقيقة أصناف أوصافها ... وما لها في حسنها ثانيه
منذ أنخت الركب في أرضها ... أنسيت أصحابي وأحبابيه
فيا حماها الله من روضة ... بهجتها كافية شافيه
فيها شفا القلب وأطيارها ... لنغمة القانون كالزارية
تركت مذ حل ركابي بها ... الحساب والهيئة في ناحيه
والطب والمنطق في جانب ... والنحو والتفسير في زاويه
كذا معان وبيان له ... أسهرت عيني برهة وافيه
وحكمة ثم كلاماً به ... فقت أهيل الأعصر الماضيه
فذا زمان ليس يرجى به ... لصاحب الفضل سوى ناريه
من شاء أن يحيي سعيداً به م ... منعماً في عيشة راضيه
فليدع العلم وأصحابه ... وليجعل الجهل له غاشيه
وليترك الدرس وتدريسه ... والمتن والشرح مع الحاشيه
إلى م يا دهر وحتى متى ... تشقى بأيامك أياميه
تحقق الآمال مستعطفاً ... وترفع النقص بآماليه
وهكذا تفعل في كل ذي ... فضيلة وهمة عاليه
فإن تكن تحسبني منهم ... فهي لعمري ظنة واهيه
دع عنك تعذيبي وإلا فأشكو ... ك لدى ذي الحضرة العاليه
سيدنا الأستاذ كهف الورى ... منقذهم من درك الهاويه
ومرشد الخلق إلى الحق ذي المنا ... قب الظاهرة الساميه
سرت مع الركبان في شرقها ... ومغرب أكرم بها ساريه

إن كنت تبغي أن ترى جن ... ة الفردوس فأحضر ساعة ناديه
والثم ثرى أعتابه خاضعاً ... وعفر الخد مع الناصيه
وشنف الأذن بألفاظه ... إن كنت ممن أذنه واعيه
فتنظر الفيض اللدني والأس ... رار مستكشفه باديه
يا سيدي إني امرؤ لم أزل ... إلى العلا ذا قدم ساريه
قد طفت في الأض بأكنافها ... من حضر فيها ومن باديه
وأبصرت عيناي كل أمرىء ... في فنه ذا قدم راسيه
وكل طود شامخ يهتدي ... بنوره في الظلمة الداجيه
حتى توصلت إلى خدمة ... الأستاذ من مملكة نائيه
أطوي الفيافي قاصداً ... نحوه ميمماً سدته العاليه
فاستحقرت عيناي من كنت قد ... أبصرته في الأعصر الماضيه
من أبصر البحر فمن شأنه ... أن يستقل النهر والساقيه
مولاي عذراً إن فكري غدا ... مشتتا من سوء أحواليه
صفاتكم أعلى منالاً من أن ... تخطر مولاي على باليه
وهذه الأبيات كاللغو والأست ... اذ لا يستمع اللاغيه
خلت من المعنى فكن قانعا ... مولاي بالوزن مع القافيه
لا زال حسادك في ذلة ... ومقلة دامعة داميه
ولا برحت الدهر ذا عزة ... ونعمة واسعة صافيه
وكانت وفاة سيدي محمد البكري رحمه الله تعالى ليلة الجمعة رابع عشري صفر سنة أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، وتقدم أن وفاة سيدي الشيخ محمد الصمادي ليلة الجمعة عاشر صفر المذكور فبين وفاتيهما ثلاثة عشر يوماً في يوم واحد في شهر واحد في ليلة واحدة من الأسبوع رضي الله تعالى عنهما وقيل في تاريخ وفاته:
مات من نسل أبي بكر فتى ... كان في مصر له قدر مكين
قلت لما الدمع من عيني جرى ... ارحوه مات قطب العارفين
محمد بن عمر ابن الشيخ عمر العقيبيمحمد بن عمر، الشيخ شمس الدين ابن الشيخ عمر العقيبي، أخذ الطريق عن أبيه، وكان القاضي أكمل الدين مفلح يصحبه كثيراً ويتردد إليه توفي سنة ثمانين وتسعمائة، ودفن عند والده في زاويتهم، وقام بعده في المشيخة أخوه الشيخ علي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن عمر القصيرمحمد بن عمر بن سالم أبو البقاء القصير الموصلي الأصل، ثم الدمشقي الشافعي جده لأمه قاضي القضاة محيي الدين النعيمي، وزوجة النعيمي جدة أبي البقاء هي أخت الشيخ شمس الدين الكفرسوسي. أخذ الحديث، والقراءات عن والده وعن ابن سالم، والشيخ حسن الصلتي، والطيبي، وغيرهم، وكان يحفظ القرآن العظيم وشهد في عدة محاكم، ثم صار لكشف السجلات، وكان صاحب الشيخ علاء الدين بن عماد الدين ثم اختص بشيخ الإسلام الوالد، وكان قائماً بمصالحه عند القضاة، والحكام، وكيلاً عنه فيما يحتاج إليه من إجارة، أو طلب حق، أو غير ذلك ناصحاً في خدمته مخلصاً في محبته، وكان شيخ الإسلام يدعو له ويقول: اللهم كما كفاني أبو البقاء هم دنياي، فأكفه هم آخرته وكان الناس يغبطونه على صحبة الشيخ، وخدمته توفي في غرة جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أبي الوفاء بن الموقع

محمد بن أبي الوفاء، الشيخ الإمام العالم الصالح كمال الدين المصري الأصل، الحلبي المولد، الصوفي الشافعي، المعروف بابن الموقع. كان أبوه موقعاً عند خير بك كافل حلب، ولما انقصت دولة الجراكسة سافر الشيخ كمال الدين إلى القاهرة، وجد في طلب العلم النقل، والعقل عن جماعة منهم أبو السعود الجارحي وسيدي محمد بن عراق الدمشقي، ثم المكي، وابن مرزوق اليمني، والقاضي زكريا، والشيخ عبد الحق السنباطي، والسيد الشريف محمد بن أحمد كمال الدين إمام الجامع العمري وخطيبه بالقاهرة، والدلجي، والصابي، وصحب الشيخ أبا الحسن البكري قال الشعراوي، تبحر في علم الأصول، والتفسير، والقراءات، والنحو، والمعاني، وله عدة مؤلفات في هذه العلوم، وإجازة العلماء بالإفتاء، والتدريس، فدرس العلم مدة وانقطع في بيته للعبادة وما سمعته قط يذكر أحداً بسوء ولا رأيته يتردد إلى أحد من الولاة وأبناء الدنيا ولا يزاحم على شيء من مناصبها انتهى.
وذكر ابن الحنبلي من مؤلفاته شرح تصحيح المنهاج لابن قاضي عجلون، والشمعة المضية في نشر قراءات السبعة المرضية والتلويح، بمعاني أسماء الله الحسنى الواردة في الصحيح، والفتح، لمغلق حزب الفتح، وهو شرح وضعه على ورد حزب أستاذه أبي الحسن البكري و الهام المفتاح بحكمة إمداد الأرواح، من عالمها العلوي وبثها في الأشباح، و الحكم اللدنية، والمنازلات الصديقية وله تائية منها:
أأنوار ليل يستضيء لمهجتي ... أم الحبب الثغري يبدو لمقلتي
أم البرقع النوري أسفر عن حمى ... سعاد سحيراً ضاء في كل بقعة
نعم، كل ذا قد كأن مذ رمقت لنا ... عيون عنايات بأحسن رمقة
ورقت لنا كاست خمر الهنا بها ... بحان صفاء العيش في وقت خلوة
وزفت لنا كوسات وصل حبائبي ... مبهرجة في حلة بعد حلة
تجلت لنا الأكواب في خلع الهنا ... تسامرنا العين في حين غفلة
لم يؤرخ ابن الحنبلي وفاته لتأخره عن وفاته، ووقفت له على إجازة في سنة ثلاثة وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن مبارك القابونيمحمد بن مبارك بن عبد الله، الرئيس شمس الدين ابن المبارك القابوني المتقدم ذكر أبيه في الطبقة الأولى كان رئيساً في عمل الموالد ندي الصوت حسنه، بعيد النفس، عارفاً بالموسيقى داخلاً إلا أنه كان عامياً يلحن، وكان أحد المؤذنين المشهورين، بالتقدم بالجامع الأموي، ورئيس المؤذنين بالدرويشية، والسيبائية توفي ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني سنة تسع وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة في التكية، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن محمود الطنيخيمحمد بن محمود، الشيخ الصالح المجمع على جلالته ونفعه للعباد، الشيخ شمس الدين الطنيخي المصري، الشافعي إمام الجامع العمري أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ شهاب الدين الرملي، والشيخ شمس الدين الدواخلي، وأجازوه بالإفتاء، والتدريس، ولما كان شيخ الإسلام الوالد بمصر سنة اثنتين وخمسين حضر بعض دروسه، وسمع عليه بعض شرحه المنظوم على الألفية قال شيخ الإسلام الوالد فيما قرأته بخطه، وهو رجل فاضل مستحضر لمسائل الفقه، وخلافها قال الشعراوي، ولم يزل من صغره إلى الآن يعني الوقت الذي ترجمه فيه في سنة إحدى وستين وتسعمائة حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه، معظماً لإخوانه، كريم النفس، كثير الحياء والأدب، زاهداً ورعاً خاشعاً خائفاً من الله تعالى يبكي إذا سمع بأحوال الصالحين إلى أن قال: درس وأفتى، وانتفع به خلائق. قال: وكان والده الشيخ محمود عبداً صالحاً من أهل القرآن، والخير ذرية بعضها من بعض قال: وله ولد صالح اسمه عبد الرحمن نشأ على خير، وتقوى وعلم، وعمل وقرأ على كتاب السنن الكبرى للبيهقي.
محمد بن مسلم التونسي

محمد بن مسلم بتشديد اللام المفتوحة، المغربي التونسي، الحصيني، نسبة إلى حصين مصغراً طائفة من عرب المغرب المالكي، ثم الحنفي نزيل حلب، اشتغل في بلاده، وحصل، ثم دخل حلب فقرأ في علم الفرائض وغيره على البرهان العمادي، وفي فقه الحنفية على ابن حلفا. وروى البخاري عن جماعة منهم قاضي الجماعة بتونس سيدي أحمد السليطي سماعاً له من لفظه ومنهم الشيخ أطعم القاضي بطرابلس الشام أبو عمرو عثمان الشهير بابن مسعود الحنبلي، قال ابن الحنبلي ولم يزل بحلب، وله الكلمة النافذة على المغاربة القاطنين بها يفتي، ويدرس، ويتجر، ويتعاطى صناعة الكيمياء، وجهد فيها إلى أن كفل حلب فرهات باشا، وكان يهوى الكيمياء فصحبه، وأتلف عليه مالاً جيداً. قال: ولما قدم الشيخ عبد الرحمن البتروني حلب، وتحنف أعطي إمامة الحنفية بالجامع الكبير، بعرض قاضيها فندب فرهات باشا في طلب عرض من القاضي، فأبى القاضي معتذراً بسبق عرضه للشيخ عبد الرحمن، فأخذ يعني ابن مسلم بعد مدة في القدح، فيه بأمور منها أنه ادعى حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبر انتهى.
والظاهر أن ابن مسلم تأخرت وفاته عن ابن الحنبلي، لأنه لم يؤرخ وفاته، ثم أفادني تلميذه صاحب الشيخ العلامة، محمد بن محمد الكواكبي مفتي حلب أنه توفي سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما، وتسعمائة، وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.
محمد بن يحيى الأيدونيمحمد بن يحيى الشيخ نجم الدين الأيدوني.
الدمشقي الشافعي، وهو أخو شهاب الدين إمام الأموي كان خطب جامع يلبغا بمحلة تحت القلعة وإماماً بالتبريزية بمحلة قبر عاتكة توفي في ثامن عشر شوال سنة خمس وثمانين وتسعمائة وأخذ الخطابة عنه الشيخ أحمد المغربي المالكي رحمه الله تعالى.
محمد بن يوسف الشفريمحمد بن يوسف بن أحمد، الشيخ شمس الدين الشعري، بفتح المعجمة، والمهملة الشهير بالمخترفي، بالخاء المعجمة، أخذ الطريق عن الشيخ محمد بن الشيخ أبي العون المغربي، ولبس الخرقة بحلب من الكيزواني وتفقه بها على البرهان العمادي، وكان فيه مع صلاحه رعانة، وممازحة، ولطف محاورة، وخفة روح، ولطافة طبع، بحيث إذا حضر مجلساً لم يدع أحداً غير متبسم توفي مقتولاً في طريق الشعر سنة سبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن يوسف الطبيبمحمد بن يوسف بن علي الرئيس زين العابدين الطرابلسي الطبيب كان حاذقاً بارعاً في الطب، وله معرفة تامة بمعرفة النبض، ومعرفة العلاج. أخذ الطب عن صهره ابن مكي، وابن القريضي، وغيرهما، وكان ينسب إلى التشيع إلا أنه كان كان يتسبب بالتجارة، وكان خصيصاً بشيخ الإسلام الوالد، وكان يبالغ في خدمته وعلاجه، وعلاج من عنده إذا احتيج إليه، وكان الناس يقولون إن خدمته للوالد تقية وحج مراراً، ثم حج بعد موت شيخ الإسلام، وجاور بمكة أربع سنين، وحظي عند سلطان مكة، وأهلها، ثم عاد إلى دمشق سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة، ومات في رمضانها.
محمد إمام جامع المسلوتمحمد الشيخ الصالح، شمس الدين إمام جامع مسلوت قرأ صحيح البخاري على الشيخ يونس والد شيخنا، وتوفي في شوال سنة سبع وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد العاتكيمحمد الشاب الفاضل الصالح، شمس الدين العاتكي، سمع على والد شيخنا ما قرأه رفيقه المذكور قبله من صحيح البخاري، ومسند الشافعي، وقرأ على ولده الشيخ تاج الدين في النحو، والمعاني، والبيان، والنحو على الشيخ شمس الدين بن طولون وفضل، وصار له يد في القراءات، وفنون من العلم مات في نهار الجمعة بعد العصر ثالث عشري ذي القعدة سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وتأسف الناس عليه رحمه الله تعالى.
محمد بن الجعيدي

محمد الشيخ شمس الدين بن الجعيدي الدمشقي شيخ المنشدين، ورئيس المولد بدمشق كان رئيساً في علم النغمة صالحاً ديناً عزيزاً له الدخول التام، والقبول من الخاص، والعام، قرأت بخط الشيخ عبد الله المعتمد أن الريس ابن الجعيدي تمرض يوم الأربعاء ثامن ربيع الأول المذكور وأنه توفي ليلة الأربعاء المذكور وأن متولي السليمية أرعبه أن بنيان العمارة السليمية، وقع منها حجر على الرصيف، فتأولها المتولي بأن يعزل أو يموت وأحد من المؤذنين بها، فكان تأويله موت الريس، ثم سقفه المتان بعد موته بنحو سنة، فجددوه في سنة سبعين وتسعمائة، توفي في شهر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم نهار الأحد ثاني عشر ربيع الأول سنة ثمان وستين رحمه الله تعالى.
محمد الأبارمحمد الشيخ العلامة شمس الدين الأبار الشافعي، خطيب التبريزية مات ليلة الجمعة سابع عشر ربيع الآخر سنة سبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن بتربة الدقاقين بمحلة قبر عاتكة رحمه الله تعالى.
محمد بن المناديليمحمد كمال الدين بن المناديلي الدمشقي أحد الشهود بالمحكمة الكبرى توفي يوم الاثنين رابع عشر رمضان سنة تسع بتقديم المثناة وستين وتسعمائة ولم يبلغ أربعين سنة، وتولى مكانه أبو بكر بن المغربي رحمه الله تعالى.
محمد التونسي الطبلنيمحمد الشيخ العلامة شمس الدين المغربي التونسي الطبلني بضم الطاء المهملة والباء الموحدة، وإسكان اللام. بعدها، ثم نون وياء النسبة نسبة إلى طبلنا قرية من قرى تونس، كما قرأته بخط أبي الفتح المالكي كان صاحب الترجمة نازلاً بطرابلس الشام، وكان مالكياً، وكان تلميذه الشيخ مغوش المتقدم في الطبقة الثانية، ولازمه مدة مديدة، وبرع في العربية، والمنطق وشرح مقامات الحريري، وحشى توضيح ابن هشام واشتغل عليه الطلبة بطرابلس، ولما قدم شيخه الشيخ مغوش دمشق من بلاد الروم قاصداً بلاد مصر في سنة أربع وأربعين وتسعمائة قدم معه صاحب الترجمة، ورحل معه إلى مصر، ثم عاد إلى طرابلس. وتوفي بها في خامس عشر صفر سنة أثنتين وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد الأبريمحمد الأبري تلميذ الشيخ محمد الغمري له كلام على لسان القوم وهو مدفون بتربة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه
محمد القابونيمحمد الشيخ شمس الدين القابوني ابن أخت الشيخ علاء الدين القميري كان ذا مروءة وافية، وديانة، وهمة عالية وكان فاضلاً صالحاً له قراءة حسنة، وكان إمام المقصورة بالأموي توفي في يوم الثلاثاء ثاني شعبان سنة أربع وسبعين وتسعمائة عن نحو خمسين سنة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه وصلى عليه جماعة من الصالحين رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد المناشيريمحمد الشيخ شمس الدين المناشيري الصالحي كان حافظاً لكتاب الله تعالى، وكان شيخ السبع بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة بمحراب الحنابلة توفي في أواخر شوال سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد العسكريمحمد الشيخ شمس الدين العسكري الصالحي كان من حفظة كتاب الله تعالى، ومن ذرية قوم صالحين. توفي في أواخر شوال سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد التلعفريمحمد الشيخ أبو البقاء التلعفري كان شيخاً لا بأس به توفي بدمشق يوم السبت ثالث عشر جمادى الأولى سنة سبع بتقديم السين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن الهماممحمد الشيخ محيي الدين بن الهمام توفي يوم الاثنين سابع جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد باشا الوزيرمحمد باشا الوزير وزير السلطان سليمان قيل، ولم يكن في وزرائه أحسن منه، ثم وزير السلطان سليم، ثم وزير السلطان مراد، وقف الطاحون خارج باب الفراديس، وغيرها على القراء بالجامع الأموي مات شهيداً بالقسطنطينية، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة تاسع رمضان سنة سبع بتقديم السين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن الدهانة المنيني

محمد الشيخ الصالح الإمام العلامة الشيخ محب الدين بن الدهانة المنيني البكري المصري الحنفي والد القاضي رضي الدين قاضي الديوان المتقدم صحب هو، وولده شيخ الإسلام الوالد حين كان بالقاهرة سنة اثنتين وخمسين وذكرهما الوالد بخير، وقال الشعراوي هو من بيت علم، وصلاح صحبته نحو أربعين سنة فما رأيته حاد عن طريق الحق، ولا هاب أحد من الولاة، والأكابر بل يصدعهم بالحق لا يهاب أحداً منهم قال: وهذا الأمر قد انفرد به الآن، ولم يشاركه فيه أحد مع ما هو عليه من الورع، والزهد وعدم قبول هدية ممن لا يتورع في كسبه، وما ثارت فتنة في مصر إلا وكان خمودهاعلى يديه، ولم يزل يصلح بين العلماء والأكابر إذا وقع بينهم تنافر، وتدابر كلامه مقبول عند سائر الناس قال: ولما وقعت الفتنة في مسألة استبدال الأوقاف أقام قاضي العسكر محمد بن الياس، وعارضهم الشيخ نور الدين الطرابلسي كاتبوا فيه للسلطان، فأرسل مرسوماً بشنق الشيخ نور الدين، وكانت نجاته على يد الشيخ محب الدين المذكور، وقيل أن المرسوم، وصل إلى مصر لما مات الشيخ نور الدين وفرغوا من غسله قال الشعراوي: وبلغنا أنه لما صحب الشيخ الكامل محمد الشاذلي المغربي شيخ الجلال السيوطي في التصوف قال له يا محب الدين تكلم، وأمر بالمعروف، وأنه عن المنكر، ولا تخف من أحد، فذلك لم يكن في مصر أحد من العلماء يواجه الباشا، والأمراء والدفاتر بالكلام الجافي المر إلا هو قال: وكذلك صحب سيدي علي المرصفي والشيخ تاج الدين الذاكر، والشيخ أبا السعود الجارحي، وغيرهم، وكانوا كلهم يجلونه، ويعظمونه ويصفونه بالعلم، والصلاح، والورع، والدين انتهى.
والظاهر أن وفاته تأخرت عن وفاة الشعراوي لأنه ذكره في الأحياء وهو من المعمرين رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد الخطيب الشربينيمحمد الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام الخطيب شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي. أخذ عن الشيخ أحمد البرلسي. الملقب عميرة، والشيخ نور الدين المحلي، والشيخ نور الدين الطهواني، والشمس محمد بن عبد الرحمن بن خليل النشلي الكردي، والبدر المشهدي، والشيخ شهاب الدين الرملي، والشيخ ناصر الدين الطبلاوي، وغيرهم، وأجازوه بالإفتاء، والتدريس، فدرس، وأفتى في حياة أشياخه، وانتفع به خلائق لا يحصون، وأجمع أهل مصر صلاحه ووصفوه بالعلم والعمل، والزهد والورع، وكثرة النسك والعبادة، وشرح كتاب المنهاج والتنبيه شرحين عظيمين جمع فيهما تحريرات أشياخه بعد القاضي زكريا، وأقبل الناس على قراءتهما، وكتابتهما في حياته وله على الغاية شرح مطول حافل، وكان من عادته أن يعتكف من أول رمضان فلا يخرج من الجامع إلا بعد صلاة العيد، وكان إذا حج لا يركب إلا بعد تعب شديد يمشي كثيراً عن الدابة، وكان إذا خرج من بركة الحاج لم يزل يعلم الناس المناسك، وآداب السفر، ويحثهم على الصلاة، ويعلمهم كيف القصر والجمع، وكان يكثر من تلاوة القرآن في الطريق، وغيره، وإذا كان بمكة أكثر من الطواف ومع ذلك كان يصوم بمكة والسفر أكثر أيامه، ويؤثر على نفسه كان يؤثر الخمول، ولا يكترث بأشغال الدنيا وبالجملة كان آية من آيات الله تعالى، وحجة من حججه على خلقه اثنى عليه الشعراوي كثيراً، ولم يؤرخ وفاته، وقرأت بخط الشيخ شمس الدين بن داود نزيل دمشق نقلاً عن بعض الثقات أنه توفي بعد العصر يوم الخميس ثامن شعبان سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.
محمد الزغبي

محمد الزغبي بضم الزاي وإسكان المعجمة بعدها موحدة كأنه نسبة إلى زغبة، وهي اسم موضع كما في القاموس، العبد الصالح المعتقد المجذوب المشهور بدمشق، كان للناس فيه مزيد اعتقاد، وكان يكاشفهم ويتبركون به، وكان يصف لأمراضهم الصفوة، ويوري لهم بالماء المصفى عن الرماد، فيستعملونها، فيحصل لهم الشفاء، وكان يرشدهم إلى تصفية النفوس، فإن أقواله كانت من هذا القبيل، يتكلم بالشيء، ويوري به عن معنى آخر، ودخل على بعض قضاة القضاة، فقال: السلام عليك يا قاضي الشياطين فغضب فقال: لا تغضب فإن من كان يأخذ الحق، ولا يتجاوز إلى غيره، ويعطي الحق كاملاً ولا يمتنع منه ولا يجيء إليك، وإنما يجيء إليك من يتجاوز غير حقه، أو يمنع حق غيره، وهؤلاء هم الشياطين، وهؤلاء لا يحتاجون إلى القضاء بينهم، ونظر يوماً إلى بعض أئمة بالجامع عند سوقي فقال: توص من الشيخ فإنه إن سكن سكن معه الناس، وإن تحرك تحرك معه الناس، ما أحد يخالفه، واعتقدته بعض مخدرات الأكابر فتزوجها، فأمرها ببيع أمتعتها، فلم تدع شيئاً، ثم كانت تدور معه مجذوبة حاسرة عن وجهها، ويقول للناس هي أمكم مات في حدود الثمانين وتسعمائة.
محمد الصفديمحمد الشيخ الإمام العالم شمس الدين الصفدي القدسي الشافعي الواعظ بجامع الأزهر، كان يحب العزلة عن الناس من صغره، مقبلاً على طلب العلم والعبادة حتى تبحر في العلوم العقلية والشرعية، وطلب طريق القوم فاجتمع بسيدي محمد بن عراق، فأقبل عليه إقبالاً عظيماً، وفرح به أشد الفرح، وكان مجلس وعظه مجلس خير وبركة وخشوع وأدب، وكان له درس عظيم في جامع الأزهر وغيره، مات في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد الدمنهوريمحمد الشيخ العلامة ناصر الدين الدمنهوري الشافعي، هاجر من بلاده إلى القاهرة لطلب العلم، وهو وأولاده وعياله، وكان له حرص عظيم على اتباع السنة في قوله وفعله، وقام بهدم الكنيستين ببلده وبناحية لقانة، وكان بيته مورد الخاص والعام يقري الضيوف والواردين عليه أين ما حل، أفتى ودرس ببلاده، وانتفع به خلائق، ثم رحل إلى مصر ذكره الشعراوي في الإحياء والظاهر إن حياته تأخرت عن وفاته رحمه الله تعالى.
محمد السنهوديمحمد الشيخ العالم العلامة شمس الدين السنهودي الشافعي الفرضي، كان له اليد الطولى في الفرائض والحساب، أخذ العلم عن القاضي زكريا، والكمال الطويل وغيرهما، وأجيز بالإفتاء والتدريس، قال الشعراوي: وعليه المعول الآن بالغربية والجيزة في الفتوى. قال: وشرح التبريزي شرحاً في مجلدين، وله النظم الشائع، ولم يؤرخ وفاته. أيضاً رحمه الله تعالى.
محمد الشيشينيمحمد الشيخ الصالح الورع شمس الدين الشيشيني القاهري الشافعي قال الشعراوي: حضرت أنا وإياه على شيخ الإسلام زكريا فقرأنا شرح المنهج وشرح التحرير وغير ذلك، وأجازه الشيخ بالفتوى والتدريس، وأفتى بجامع الأزهر، وكان عفيفاً لطيفاً بارعاً زاهداً خائفاً من الله تعالى، جميل المعاشرة حسن الخلق قال: وكان شيخ الإسلام يحبه أشد المحبة. وله عدة مؤلفات، وكان عليه نورانية السلف، ولم يؤرخ الشعراوي وفاته كذلك رحمه الله تعالى.
محمد المغربيمحمد الشيخ العامل العالم شمس الدين المغربي الشافعي، المقيم بثغر رشيد، أخذ العلم عن جماعة، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فأفتى ودرس بعد الشيخ شمس الدين الترجمان، وانتفع به خلائق، وكان يقري الضيف ببلاده، ويحمل الكل كثير البكاء من خشية الله تعالى عليه سيماء الصالحين، لم يؤرخ الشعراوي وفاته رحمه الله.
محمد المحليمحمد الشيخ العلامة شمس الدين المحلي الشافعي، أحد طلبة الشيخ شهاب الدين الرملي وغيره، درس وأفتى وانتفع به جماعة وكان له الاعتقاد التام في الصوفية وكان تقياً ورعاً، لم يؤرخ الشعراوي وفاته رحمه الله.
محمد الإمام

محمد الشيخ الصالح الورع صدر الدين الإمام بجامع القلعة مصر، الحنفي أثنى عليه الشعراوي، ولم يؤرخ وفاته قلت وقرأت بخطه، أن مولده ليلة الجمعة تاسع عشر صفر سنة ثمان وعشرين وتسعمائة وأنه أخذ عن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي، وعن شيخ الإسلام نور الدين الطرابلسي الحنفي، والبرهمتوشي، والشيخ أبي الحسن البكري، والشيخ نجم الدين الغيطي قلت: كان موجوداً في سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد البنوفريمحمد الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام الورع الزاهد الخاشع الناسك العابد، الشيخ شمس الدين البنوفري المالكي شيخ المالكية بمصر، أخذ العلم عن جماعة، منهم الشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ عبد الرحمن الأجهوري، وكان يحبه ويثني عليه كثيراً. ويصفه بالزهد ومنهم الشيخ فتح الله الدميري، والشيخ نور الدين الديلمي وأجازوه بالإفتاء والتدريس، وحدثنا جماعات عن كثرة صلاته بحيث بالغوا في شدة إسراعه في الركوع والسجود، وبلغني أنه سئل عن شدة سرعته فقال: يا بني اقرأ الفاتحة وسورة في كل ركعة، وعدوا ذلك من كراماته، وإن ذلك كان من طي الزمان، وكان مكباً على العلم والعمل غير ملتفت إلى شيء من الدنيا طارحاً للتكلف مؤثراً للخمول، وكان يقسم السنة ثلاثة أقسام أربعة أشهر يحج، وأربعة أشهر يرابط، وأربعة أشهر يقريء العلوم ويصلي، وكانت وفاته أواخر القرن العاشر رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن الرساممحمد بن الرسام الشاهد بالكبري بدمشق، مات يوم الجمعة رابع عشري صفر سنة أريع وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة فيهما رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن الخيوطيمحمد القاضي شمس الدين الموصلي المالكي، عرف بابن الخيوطي نائب الباب بدمشق، توفي يوم الجمعة تاسع عشري شعبان سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة وجلس مكانه القاضي علاء الدين ابن المرحل مفتي المالكية رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد إمام القلعةمحمد الشيخ الفاضل الصالح، الشيخ نجم الدين الصفدي الحنفي، إمام وخطيب الجامع بقلعة دمشق، كان ممن لحق سيدي عبد القادر بن حبيب الصفدي، وأخذ عنه، وكان شيخ الإسلام الوالد يكرمه وكف بصره ففرغ عن الإمامة والخطابة للشيخ عبد الرحيم الزبداني، ثم زوجه بنته فأولدها ولده محمداً وتوفي في حدود أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد الفارضي الحنبليمحمد الشيخ العلامة شمس الدين القاهري الحنبلي، المعروف بالفارضي، الشاعر المشهور. أخذ عن جماعة من علماء مصر واجتمع بشيخ الإسلام الوالد حين كان بالقاهرة سنة اثنتين وخمسين، وكان بديناً سميناً فقال الوالد يداعبه:
الفارضي الحنبلي الرضى ... في النحو والشعر عظيم المثيل
قيل ومع ذا فهو ذو خفة ... فقلت كلا بل رزين ثقيل
واستشهد الشيخ شمس الدين العلقمي بكلامه، في شرح الجامع الصغير، فمن ذلك قوله في معنى ما رواه الدينوري في المجالسة، والسلفي في بعض تخاريجه عن سفيان الثوري قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام لأن تدخل يدك إلى المنكبين في فم التنين خير من أن ترفعها إلى ذي نعمة قد عالج الفقر:
إدخالك اليد في التنين تدخلها ... لمرفق منك مستعد فيقضمها
خير من المرء يرجى في الغنى وله ... خصاصة سبقت قد كان يسنمها
ومن بدائع شعره:
إذا ما رأيت الله للكل فاعلاً ... رأيت جميع الكائنات ملاحا
وإن لا ترى إلا مضاهي صنعه ... حجبت فصيرت المساء صباحا
ومن محاسنه أنه صلى شخص إلى جانبه ذات يوم، فخفف جداً فنهاه فقال: أنا حنفي فقال الفارضي:
معاشر الناس جمعاً حسبماً رسمت ... أهل الهدى والحجى من كل من نبها
ما حرم العلم النعمان في سند ... يوماً طمأنينة أصلاً ولا كرها
وكونها عنده ليست بواجبة ... لا يوجب الترك فيما قرر الفقها
فيا مصراً على تفويتها أبداً ... عد وانتبه رحم الله الذي انتبها

واجتمع به شيخنا القاضي محب الدين الحموي الحنفي بالقاهرة، حين كان بها صحبة محمد أفندي ابن محمد الياس المعروف بجوي زاده، وذكره في رحلته أخبرنا أن الفارضي كتب إليه وهو قاض يفوه يوصيه بأناس من أهاليها يعرفون بأولاد السعد ما صورته مولانا حرسه الله وحماه، وألبسه قوة بفوه كما شرف به حمص وحماه، معروض الفقير أن أولاد السعد لهم خير مطول، وليس إلا على قصد مولانا فيه المعول، ملخصه أو مقتصره وقفيه ادعى شخص يبيعها، وأنه اجتمع بملك ريعها، والمسألة متعلقة بأيتام، ومولانا حسنة هذه الأيام، فمولانا لا يخليهم من العناية، أدام الله تعالى له الرعاية، ولا يخفي الحث على إكرام اليتيم، وقد جاء ذلك في الذكر الحكيم، وبقيتم في عافية، وهمة كافية شافية. وأخبرنا شيخنا أيضاً أن بعض طلبة العلم سأل الشيخ الفارضي أن ينظم له ترتيب التوابع فنظمها في بيت جامع وهو:
إذا اجتمعت فالنعت قدم به اعتلق ... بيان وتوكيد وجا بدل نسق
قال شيخنا ونظمها الفقير في ذلك الحال في بيتين فقال:
إذا اجتمعت يوماً لديك توابع ... ورمت لها الترتيب في ذلك النسق
فنعت بيان ثم توكيد بعده ... إلى بدل ثم اختم الكل بالنسق
وأنشدني الشيخ العلامة الفقيه شمس الدين محمد المقدسي العلمي مدرس القصاعية بدمشق. قال: أنشدنا شيخنا العلامة الشاعر المجيد محمد الفارضي، المصري الحنبلي، لنفسه وذكر أن القاضي البيضاوي خطأ من أدغم الراء في اللام ونسبه إلى أبي عمرو:
أنكر بعض الورى على من ... يدغم في اللام عنه راء
ولا يخطي أبا شعيب ... والحق يغفر لمن يشاء
وأنشدني عنه أنه أنشده لنفسه:
أجرر محلا وانصبن وارفعنا ... في ربنا مع أننا سمعنا
وأنشدني شيخنا المحب الحنفي رحمه الله تعالى قال: أنشدنا الفارضي لنفسه:
ألا خذ حكمة مني ... وخل القيل والقالا
فساد الدين والدنيا ... قبول الحاكم المالا
وأنشدني شيخنا المشار إليه أن الفارضي، قال: يرثي الشيخ مغوش التونسي المغربي حين مات بمصر:
تقضى التونسي فقلت بيتا ... يروح كل ذي شخص ويونس
أتوحشنا وتؤنس بطن لحد ... ولكن مثلما أوحشت تونس
كان الفارضي في سنة ثمانين وتسعمائة في الأحياء.
محمد المرعشي: محمد المولى العالم الفاضل مفتي الحنفية بدمشق، ومدرس السليمانية بها الشهير بابن المعيد المرعشي الحنفي. قال شيخ الإسلام. الوالد: كان من أهل الفضل زار بيت المقدس، وسافر إليه من دمشق في ثالث عشري جمادى الثانية سنة اثنتين وثمانين وعاد إلى دمشق في ختام شعبان، وكان وصل الخبر بموت السلطان سليم، وكان قاضيها إذ ذاك محمد أفندي ابن بستان، ثم عزل عن الفتوى بدمشق، وأعطي قضاء القضاة بالقدس الشريف ونابلس، والرملة والمجدل، وما يتبع ذلك من النواحي، وبقي بدمشق منقطعاً مريضاً مدة طويلة إلى أن توفي بها في نهار عيد الفطر سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي بعد الظهر، ودفن بالقلندرية من تربة باب الصغير، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
محمد لطفي بيكمحمد جلبي المولى الشهير بلطفي بيك زاده، دخل دمشق متولياً قضاء مكة نهار السبت تاسع عشري ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وتوجه إلى مصر يوم الأحد عاشر جمادى الآخرة رحمه الله تعالى.
محمد بن طريف الحنبليمحمد القاضي شمس الدين بن طريف الحنبلي، كان فاضلاً في الفقه يفتي الناس، وله ديانة وسمت حسن، توفي يوم الثلاثاء غرة ذي القعدة سنة تسع بتقديم المثناة وثمانين وتسعمائة، ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى.
حرف الهمزة من الطبقة الثالثة

إبراهيم بن محمد التسلي
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الشيخ العالم الصالح ولي الله تعالى العارف به برهان الدين التسلي بفتح المثناة فوق، والسين المهملة الصالحي الشافعي قال شيخ الإسلام الوالد: عرض علي المنهاج، وقرأ علي فيه، وعرض علي ألفية ابن مالك، وحفظ ألفية الوالد. نظم جمع الجوامع، ولزم درسي كثيراً، ثم حصل له جذب انتهى.

حدثنا شيخنا مفتي الشافعية فسح الله تعالى في مدته قال: اجتمعت بالشيخ المشار إليه كثيراً، وكان من أرباب القلوب. أخذ الطريق عن الشيخ أبي بكر بن شعيب الصالحي، ثم انجذب على يدي الشيخ علي الزاهري الكردي الصالحي جذبة شريفة، وكان في العلوم أمة لا يناظره أحد في مذهبه من المذاهب الأربعة إلا حجة بمنقول مذهب ذلك المناظر. توفي في بضع وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن محمد بن محب الدينإبراهيم بن محمد بن منصور الشاب الفاضل برهان الدين بن محمد بن محب الدين الحنفي، لازم قريبه الشيخ عماد الدين الحنفي، وبرع وفضل ولما توفي الشيخ عماد الدين كتب المذكور على تابوته:
أتعلم يا عمادي أن ركني ... لفقدك قد وهى وانحل عزمي
وأن سرور قلبي يا سروري ... ترحل مسرعاً وازداد همي
وبعدك ما أردت بقاء روحي ... ولكن ليس ذلك تحت حكمي
قال الشيخ إسماعيل النابلسي فيما قرأته بخطه العجب، أنه لم يلبث بعد المولى العمادي إلا اليسير يعني حتى مات، وسبق أن وفاة العمادي كانت في ثامن عشر شعبان سنة خمس وثمانين وتسعمائة رحمه الله.
- إبراهيم بن محمد القدسيإبراهيم بن محمد القدسي الشافعي، إمام جامع منجك بميدان الحصا، وخطيبه من ذرية القدسي كاتب المصاحف. كان رجلاً ساكناً له فضيلة. قرأ على الشيخ حسن الصلتي سافر إلى الحج في سنة ألف، ومات بعرفة رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن جعفر الروميإبراهيم بن جعفر الرومي، كان أبوه كتخذا، وكان هو في ابتداء أمره ينكجرياً، ثم ترقى حتى صار زعيماً، ثم سنجقاً، وكان في ابتداء أمره فقيراً، ثم ورث من أخيه مالاً فقلبه في التجارة والإجازة، فأثرى وكثر ماله، وتزوج بنت السيد تاج الدين الصلتي، وسكن بدار أبيها التي عند باب البريد، وعمرها وجددها، وكان يلازم الصلوات الخمس في الجامع الأموي، ويحب الناس ويتردد إليهم فرأس، وكان عفيفاً متواضعاً يحب العلماء والصلحاء، وينتفع الناس بجاهه توفي يوم الأربعاء مستهل رمضان المعظم سنة ثمان وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة فيهما ودفن بباب الصغير، وقبل وفاته بساعة واحدة توفي ولد له صغير اسمه أحمد جلبي فوضعوه على السرير في حضنه ودفنوه معه رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
إبراهيم بن عبد الرحمن العلقميإبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر الشيخ العلامة المحقق الشيخ برهان الدين العلقمي القاهري الشافعي أخو الشيخ شمس الدين العلقمي، المتقدم. قرأت بخط أبيه أن مولده مستهل سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وأنه من بلدة العلاقمة قرية من كورة بلبيس، ونشأ بها، ثم رحل إلى القاهرة وتفقه بأخيه والشيخ شهاب الدين البلقيني، وقرأ البخاري كاملاً، وثلث مسلم، وجميع الشفا على قاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي، وسمع عليه الأكثر من بقية الكتب الستة بقراءة الشمس البرهمتوشي، وقرأ جميع السيرة لابن هشام على المحيوي يحيى الوفائي قاضي الحضرة، وجميع رياض الصالحين على الولي العارف بالله تعالى أحمد بن داود النسيمي، وجميع البخاري وسيرة ابن سيد الناس على السيد الشريف يوسف بن عبد الله الأرميوني، وأجازه بالفقه والنحو الشهاب البلقيني تلميذ القسطلاني، وقرأ الكثير من حلية أبي نعيم على الإمام المحدث الشهابي أحمد بن عبد الحق أيضاً. وكان في ابتداء أمره يلازم دروس شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي، ويسمعه وله مشايخ غير هؤلاء لخصت ذلك من خطه في إجازة كتبها في خامس عشر شهر ربيع الأول سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة، توفي بعد ذلك بيسير رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن محمد العاتكيإبراهيم بن محمد العاتكي، المعروف بصلاح الدين المؤذن العبد الصالح، مؤدب الأطفال. قرأ على الوالد في المنهاج قطعة من الزكاة، توفي في سنة سبع وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن عبد القادر بن منجك

إبراهيم بن عبد القادر بن إبراهيم الأمير ابن الأمير الشهير بابن منجك . كان جواداً كريماً يضرب به المثل في الجود والعطاء، وكان سليم الفطرة مغفلاً، وكان يتكيف تولى النظر على أوقاف أجداده بعد أبيه، وكان يحب العلماء، ويتواضع لهم خصوصاً شيخ الإسلام الوالد، وكان إذا حضر مولداً أحسن إلى قارىء المولد، وربما خلع عليه من ثيابه، وبالجملة كان من أفراد الوقت، ورؤساء العصر وساعات الناس، وكانت أمراء الأمراء بالشام يعرضون عليه المناصب، فلا يقبل وربما أفضل عليهم وأضاقهم، واستغنى عنهم مدحه الشيخ أبو الفتح المالكي:
إذا شئت أن تختار في الشام صاحباً ... تكون إذا صاحبته غير نادم
فلا تصحبن غير الأمير ابن منجك ... حليف العلى رب العلى والمكارم
رئيس دمشق الشام صاحب راي ... ة السخاء بها والجود بين العوالم
وساترها الحامي عن الذم والهجا ... حماها لما يلقى به كل قادم
أمير إذا أجرى الورى ذكر جوده ... تحتم أن تنسى مكارم حاتم
وإن أمه ضيف تلقاه مسرعاً ... بوجه وثغر دائم البشر باسم
يجود بأنواع القرى لنزيله ... ويحميه عند الخوف من كل ظالم
وكم من خصال قد حواها جميلة ... يقصر عن إحصائها كل ناظم
ولا عجب إذ كان من نسل سادة ... ملوك سمت في عصرها المتقادم
لهم في الورى فخر ومجد مؤثل ... حموه بأطراف القنا والصوارم
وبالعدل والإحسان في كل حالة ... ولم يختشوا في الله لومة لائم
وكم وقفوا وقفا على البر جاريا ... وما وقفوا عن رفع تلك الدعائم
وكم شيدوا من بنية مشمخرة ... لها الفلك الدوار ليس بهادم
فلا زال إبراهيم وارث مجدهم ... يسود ويرقى فوق هام الغمائم
ولا زال مقبول المقالة مطلقا ... لدى كل محكوم عليه وحاكم
ولا برحت أوقاته مشرئبة ... لتجديد أعياد مضت ومواسم
مدى الدهر ما لاح الصباح وما شدت ... على عذابات البان ورق الحمائم
وأجابه العلامة المنلا أسد وكان للأمير إبراهيم عليه الإحسان التام في قوله من الوزن والقافية:
إليك انتساب المجد يا ابن الأكارم ... وعنك روى الراوي حديث المكارم
فأنت الذي قد شاع جودك في الورى ... فانساهم جود ابن يحيى وحاتم
إذا ما استهان الناس بالبذل في الندى ... ترى الجود والإحسان ضربة لازم
علوت بأجداد مضت وتناولت ... يداك الثريا قاعداً غير قائم
فتى جر ذيل الفخر فوق مجرة ... وأسس بيت العز فوق الدعائم
محياه طلق للعفاة وكفه ... إذا هطلت أزرت بوكف الغمائم
يفك من القتل الجناة ترحماً ... وكم خلص المظلوم من كف ظالم
هو الليث إلا أنه البدر طلعة ... هو الغيث هطالاً ببذل الدراهم
هو البحر لكن موجه التبر دائماً ... هو السيل يعطي بالعطا المتلاطم
إذا ما أتاه سائل طالب الندى ... يقول له أهلاً وسهلاً بقادم
حليف المعالي في صباه ويافعاً ... ومذ كان طفلاً قبل قطع التمائم
موائده منصوبة طول دهره ... لكل غريب شاحط الدار هائم
إليه يحج الطالبون نواله ... فيغنيهم بالأعطيات العظائم
تساعده الأقدار فيما يرومه ... ويخدمه دهر عصى كل حاكم
أمير له في المكرمات أصالة ... بآبائه الغر الكرام الأعاظم
بدور تبدت في سماء سيادة ... وفي الحرب أزرت بالأسود الضراغم

بدور منجك عند النوال كأنهم ... سحائب تهمي بالغنا والغنائم
بنوا في سبيل الله آثار سؤدد ... وقامت به أعلام تلك المعالم
فلا زلت في عز منيع ونعمة ... ورأي كسيف الهند ماضي العزائم
ودم سالماً حلف الندى وافي العطا ... لك الناس ما بين الغلام وخادم
وحكمك مسموع وأمرك نافذ ... وضدك في قهر وخزي ملازم
توفي إلى رحمة الله تعالى في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وتسعمائة، ودفن بمقبرتهم لصيق جامع ميدان الحصا رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن عمر بن مفلح الحنبليإبراهيم بن عمر بن إبراهيم العالم البارع القاضي برهان الدين ابن قاضي القضاة، نجم الدين ابن قاضي القضاة برهان الدين ابن مفلح الراميني الحنبلي. ميلاده رابع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعمائة، واشتغل وبرع واستحاز لنفسه ولإخوته ولأولاده جماعة منهم شيخ الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الشيخ العلامة السيد كمال الدين بن حمزة، وشيخ الإسلام الوالد، وصورة ما كتبه تحت خط أبيه:
أجزتهم ما جاز لي روايتي ... له عن الأئمة الأعلام
وكل مالي من تآليف ومن ... نثر ونظم صاغه كلامي
وهو عجيب الوضع والنظم وفي ... عذوبة اللفظ والانسجام
أيضا وفتح المغلق العجيب قد ... أشرف تأليفاً على التمام
أيضا وفي شرح على منظومة ... الوالد في الأصول والأحكام
وغير ما ذكرته ومولدي ... رابع عشر القعدة الحرام
سنة أربع وتسعمائة ... من هجرة المبعوث للأنام
وزكريا الحبر شيخي أولاً ... كابن أبي شريف العلام
ثم أبو الفتح السكندري في ... طريقة الصوفية الكرام
وشيخ الإسلام الإمام وال ... دي وخطه ولفظه أمامي
والتقوى الزرعي شيخنا ... وشيخ الإسلام بأرض الشام
ثم أنا محمد وشهرتي ... الغزي ثم الشافعي إمامي
والقرشي العامري نسبتي ... مؤمل الحسنى في الاختتام
رقمته بسرعة في خامس ... العشر من المحرم الحرام
سنة خمس وثلاثين وتسعمائة ... خلت من الأعوام
من بعد حمد الله مع صلاته ... على شفيع الخلق والسلام
وذكره شيخ الإسلام الوالد في فهرست تلاميذه. وقال: حضر كثيراً من دروسي في شرح منظومة الوالد شيخ الإسلام المسمى بالعقد الجامع، في شرح الدرر اللوامع، وفي التقاسيم للمنهاج وغيره، وأجزته وكتب لي شرحي المنظوم على ألفية ابن مالك انتهى. ودرس القاضي برهان الدين وأفتى وولي تدريس دار الحديث المخصوصة بالحنابلة بالصالحية، ونظرها وناب في القضاء مراراً، ولم تحمد سيرته وكان يسفه على الخصوم وانتهت إليه رئاسة الحنابلة بدمشق، وكان له شهامة وحشمة وحسن هيئة. وقال: والد شيخنا كان ذكياً مستحضراً لفروع مقاديرهم. وولي القضاء، ولحقه في آخر عمره قهر. وقال: إنه كان رئيساً يعرف الناس، ويرعى مقاديرهم. مات ليلة الإثنين ثالث أو رابع عشري شعبان سنة تسع بتقديم التاء وستين وتسعمائة وصلى عليه الوالد من الغد إماماً بالجامع الأموي ودفن بسفح قاسيون بالروضة عند والده رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن يحيى بن الدويك

إبراهيم بن يحيى بن أحمد، الشيخ برهان الدين البدوي الأصل، الدمشقي، المعروف بابن الدويك الواعظ من سكان القبيبات خارج دمشق. قال والد شيخنا: كان رجلاً صالحاً وواعظاً حسناً يقرأ سيرة ابن هشام وغيرها من سير النبي صلى الله عليه وسلم في الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة، وفي غيره من الجوامع حتى في مدينة حلب، كما اشتهر وقبل الناس وعظه. قال: واجتمع في أول أمره بالشيخ أبي الفضل بن أبي اللطف، واشتغل عليه مدة يسيرة، وذكر ابن الحنبلي أنه دخل حلب سنة خمسين وتسعمائة، وأقبل الناس عليه، ثم قدمها سنة إحدى وخمسين، وفيها دخل مجلس وعظه رجل نصراني، فأسلم،. ثم قدمها سنة اثنتين وخمسين بعد أن رابط بثغر بيروت وصادف خروج بعض الفرنج، وجاهدهم فيمن جاهدهم. توفي في آخر جمادى الأولى سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم الصرخديإبراهيم الشيخ برهان الدين الصرخدي الواعظ. قال والد شيخنا: كان رجلاً صالحاً يعظ الناس في الجامع الأموي. قال: ولعل موته في آخر رجب سنة تسع وستين وتسعمائة، وتردده في اليوم لا في السنة، لأنه ذكر في ترجمة البرهان بن مفلح المتقدم أن جاره الشيخ إبراهيم بن الصرخد الواعظ توفي قبله بيسير رحمه الله تعالى.
إبراهيم الرومي: إبراهيم المولى العلامة الرومي الحنفي. أرسل من الروم إلى دمشق مفتياً بها، ومدرساً بسليمانيتها. قال: والد شيخنا: ودرس في الجامع الأموي وصار مرجعاً للناس، وكان متعبداً صالحاً توفي ليلة السبت ذي القعدة الحرام سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة. حمل بجنازته مصطفى باشا نائب الشام، وقاضيها ابن المؤيد ودفن ، بالقلندرية بمقبرة باب الصغير إلى جانب قاضي القضاة قرط أفندي رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن المبلطإبراهيم الشيخ الفاضل الأديب الشاعر برهان الدين بن المبلط القاهري شاعر القاهرة من شعره في قهوة البن:
يقول عذولي قهوة البن مرة ... وشربة حلو الماء ليس لها مثل
فقلت على ما عبتها بمرارة ... قد اخترتها فاختر لنفسك ما يحلو
وقال:
أرى قهوة البن في عصرنا ... على شربها الناس قد أجمعوا
وصارت لشرابها عادة ... فليست تضر ولا تنفع
وقال وهو مشهور عنه:
يا عائباً لشراب قهوتنا التي ... تشفي شفاء النفس من أمراضها
أو ما تراها وهي في فنجانها ... تحكي سواد العين وسط بياضها
ولبعضهم في هذا المعنى:
اشرب هنيئاً قهوة البن التي ... تحلو مع الأخوان والخلان
سوداء في المبيض من فنجانها ... تحكي سواد العين للإنسان
قلت أحسن منه قولي:
اشرب من القهوة صاعين ... ولو ببذل الورق العين
سوداء في بيض فناجينها ... كأنها الإنسان من عين
كان ابن المبلط موجداً في سنة إحدى وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
أبكر اليمنيأبكر الشيخ الصالح المعتقد اليمني، نزيل مكة كان يعمل على الماصول، وللناس فيه اعتقاد وكانوا ينذرون له النذور، ويستغيثون به في البحور، وحدثنا عنه بعجائب، وكان عمله بالقصب تستراً أخبرنا الشيخ محمد ابن الشيخ سعد الدين أنه حج وبعض إخواته، فكان يوماً بمكة وقد فرغت نفقتهم وكان معهم بضائع شامية إلا أنها كاسدة إذ ذاك قال: فأصبحنا يوماً ونحن في فكر زائد وتردد في الاستدانة، ومن نقصد فدخل علينا الشيخ أبكر وقال: كيف حالكم يا أولاد أخي وقعد يعمل فلما فرغ قال: هاتوا أربعين مملقاً قال: ولم يكن معنا غيرها فدفعناها إليه فأخذ خواطرنا، ثم خرج فلم يكن بأسرع من أن جاءنا الدلال وبعنا ما كان معنا من البضائع، واتسعنا وأخبرني الشيخ محمد المذكور أن الشيخ أبكر لما قربت وفاته زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستعجلاً، ثم عاود إلى مكة وتوجه منها مستعجلاً إلى اليمن، فلما حضر إلى البحر لقي سفينة فركبها، فلما دخل إلى اليمن أمر بعض جماعته يحضر له جهازه، ثم مات عقب ذلك في سنة خمس وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر بن الذباح الحنبلي

أبو بكر بن إبراهيم، ابن الشيخ محمد المهلل الشيخ العالم الصالح تقي الدين المعروف بابن الذباح، وربما قيل ذباح الحمير، وشهرته أيضاً لا سيما ببلاد اليمن بابن الحكيم المقدسي الأصل، ثم الصالحي الدمشقي الحنبلي، مولده باليمن سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة وقرأ على شيخ الإسلام الوالد جانباً من صحيح مسلم، وشيئاً من تفسير البيضاوي، وعرض عليه أماكن من الخرقى، وسمع كثيراً من دروسه وكتب من مناظيمه أشياء، وكان يكتب كتب الصوفية. كتب كفاية المعتقد لليافعي، والفتوحات وغيرها لابن العربي، وكان يعتني بكلامه كثيراً، وكان الناس يترددون إليه لكتابة الحروز وغيرها. توفي في تاسع عشر رمضان سنة خمس وثمانين وتسعمائة ودفن بتربة مسجد القدم رحمه الله تعالى.
أبو بكر الأربليأبو بكر بن أحمد القاضي تقي الدين الأربلي، ثم الحموي الشهير بابن البقا بالموحدة والقاف المشددة، خليفة الشيخ محمد ابن الشيخ علوان، أخذ عن شيخ الإسلام العلامة أحمد بن عميس الحموي، بحق إجازته عن ابن حجر العسقلاني، وأخذ عن البازلي بحماة، وعن الشيخ شمس الدين محمد ابن الشيخ شمس الدين بن محمد بن السقاء الحموي الشافعي، الإسلام شمس الدين محمد الرملي، والشيخ ناصر الدين الطبلاوي، والأستاذ سيدي محمد البكري، وقرأ عليه شيخنا القاضي محب الدين من أول البخاري إلى باب القراءة في المقبرة في أواخر رمضان سنة إحدى، وستين وتسعمائة وأجازه بباقيه، ثم قرأ عليه في أواخر رجب سنة اثنتين وستين وتسعمائة، وتوفي في حدود السبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر الفتوحي بن النجار الحنبليأبو بكر بن أحمد الشيخ الإمام العلامة الشيخ تقي الدين ابن قاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي، الشهير بابن النجار الحنبلي القاهري. أخذ عن والده وغيره وولي نيابة القضاء بسؤال معظم أهل مصر، وانتهت إليه رئاسة من مذهبه، وكان الشيخ شهاب الدين الرملي يقول: إذا مات مات مذهب الإمام أحمد كما نقله الشعراوي، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أبو بكر بن محمد الصهيونيأبو بكر بن محمد الحمامي، والد الشيخ الفاضل العلامة تقي الدين الصهيوني الشافعي. قرأ على الشيخ شهاب الدين أحمد بن أحمد بن بدر الطيبي في القراآت وغيرها، وعلى الشيخ شهاب الدين أخي في الحساب وغيره، وكان يعتمد علم الحرف ويعمل الأوفاق، اعتقده الحكام بسبب ذلك وعاش فقيراً، ثم أثري في آخر عمره فقال لبعض أصحابه: حيث وسعت علينا دنيانا فالأجل قرب فمات بعد قريب ومن كلامه هذا، ومن محاسنه ليس في الترداد إلى من ليس فيه كبير فائدة كبير فائدة، وهذا يقال له: من البديع المتزايد، ومثله قول بعضهم ليس فيما ليس به بأس بأس فلا يضر المرء ما قال الناس، والمقدم في هذا الباب قوله تعالى: " حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالاته " وله نظم لطيف ومنه قوله:
أضنى الجوانح بالهوى ولهيبه ... بدر تزايد في الهوى ولهي به
وجوانحي جنحت إلى ذاك الذي ... شغل الفؤاد بحبه ولهى به
وعلى هواه مقلتي سحت وما ... شحت بفيض مدامعي وصبي به
فإذا أصبت أذى بأوصاف الهوى ... لا تنكروا وحياتكم وصبي به
لله صب ما تذكر للهوى ... إلا وهام بذكره وصبى به
ذكر الشيخ حسن البوريني أنه ذاكر الشيخ أبا بكر الصهيوني، فوجده فاضلاً في علوم. إلا أنه اشتهر بعلم النجوم، توفي سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى. ورثاه الشيخ أحمد العناياتي بقوله:
عز البقاء لغير الواحد الصمد ... وما سواه فمدفوع إلى أمد
فأعجب لمن عيشه ظن وموتته ... حتم وتلقاه كالمسروب في البلد
ما زلت في نكد من حين مر على ... سمعي بأن خلق الإنسان في كبد
دنيا وإن لم تكن مثل البعوضة في ... التحقير يدمي قذاها مقلة الأسد
والناس في هذه الدنيا مآربهم ... شتى وهم من سبيل الموت في جدد
فعد من آدم باد من عدد ... لم تغنهم كثرة الأموال والعدد

سقى المنون لبيداً كاس آبد ... وانتضى للقمان ما أمضاه في لبد
ما دار تخليد هذي الدار في خلد ... سل دار مية بالعياء فالسند
وكم قصور عوال لا قصور بها ... أقوت وطال عليها سالف الأمد
ما رد عن ما رد كف الردى عمد ... بل رد غمدان سيف منه في غمد
يا راصد النجم يرجو سعدها ويخاف ... النحس وعين الموت بالرصد
لا بد أن يغمس المقدار مديته ... في لبهه الجدي أو في جبهة الأسد
تخون كف ثرياها جوانحها ... ويسلم العقد جوزاها إلى البدد
ويجمع القمران النيران فلا ... مساء ليل غدا يأتي بصبح غد
لهفي عليك أبا بكر إذا احتجب اله ... لال للصوم واحتاجوا إلى العدد
لهفي عليك لتقويم برعت به ... فأحتاج بعدك للتقويم من أود
قد كنت قمت بعلم النجم منفرداً ... بطالع فيه بالإسعاد منفرد
تبكيه بالنوء أحداق النجوم فللمر ... يخ عين قد احمرت من الرمد
وفكها لك طرف جد منتكب ... وكل مالك قلب جد متقد
لو كان للشمس حكم في تصرفها ... غابت وبعدك لم تطلع على أحد
أبو بكر بن أحمد الحلبي الجلوميأبو بكر بن أحمد بن محمد بن سالم بن عبد الله الشيخ تقي الدين الحلبي الجلومي الشافعي العطار، خطيب الجامع المقابل لحمام الخواجا بحلب، كان شاعراً حسن الخط ملماً بشيء من العروض، وجمع له ديواناً، وسماه نسمة الصبا، من نظم الصبا ثم زاد عليه وسمى المجموع شراب الفتوح، وغذاء الروح، وجعل في طيه مقاطيع سماها عطر العروس، وحج وزار بيت المقدس ومن شعره وأنشده في أول ديوانه:
يا ذا الذي أبصر ما ... أبرزته من فكرتي
إذا وجدت خللاً ... بالله فاغفر زلتي
وكن رحيماً منصفاً ... وادع لنا بتوبة
وله دو بيت:
مولاي بحق خدك النعمان ... بالخال بما في فيك من عقيان
باللحظ بقامة كغصن البان ... عطفاً بمتيم كئيب عاني
وله ورأى في منامه أنه ينشد:
إذا ما العبد أصبح في نعيم ... فيحمد ربه في كل حين
ويسأله المعونة كل وقت ... ويحمده على مر السنين
توفي بحلب سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر بن منجكأبو بكر بن عبد القادر ابن أبي بكر بن إبراهيم بن منجك، الأمير العريق تقي الدين بن منجك الدمشقي، الحنفي. اشتغل في الفقه على القطب ابن سلطان، والبرهان بن عون، وكان له فضيلة، وديانة، وحشمة، وكان يواظب على الصلوات في الجماعة بالجامع الأموي. تولى أوقاف أجداده بعد والده الأمير عبد القادر مدة ثم انتزعه منه أخوه إبراهيم المتقدم ذكره بمعونة الكمال الحمراوي، والشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وتقاطعا نحو عشرين سنة، ثم لما حضرته الوفاة استحضر أخاه الأمير إبراهيم، وأبرأ ذمته، ومات في ثالث ذي القعدة سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلى عليه الوالد بالأموي، ودفن بترتبهم بميدان الحصا عن ولدين أحدهما الأمير عبد اللطيف، والثاني منجك.
أبو بكر بن محمد بن الموقع

أبو بكر بن محمد بن محمد الشيخ تقي الدين ابن القاضي محب الدين ابن القاضي نجم الدين ابن الموقع الشافعي ناظر الجامع الأموي، وكان له معرفة بالحساب والضبط، ولي عدة أنظار منها نظر السيبائية خارج باب الجابية، وكان عاقلاً نبيلاً، وعنده تدين، وكان من فقراء الشيخ عمر العقيبي، ومريديه الذين امتحنهم، وباشر نيابة النظر في الجامع بعفة، وضبط أوقافه، وزاد في معالم المرتزقة، وأحدث فيه تراقي ووظائف منها ربعتان لولديه، وجزآن، ووسع باب السيورية خارج باب العنبرانية، وكان كباب سوق الحرير ضيقاً يزدحم الناس فيها عند الخروج من الصلوات خصوصاً يوم الجمعة، ومع الجنائز، وكانت نعوش الموتى تخرج من الباب بعسر، وصارت النعوش تخرج منه بيسر، ويقل زحام الناس فيه، ومات ولداه أحمد وعمر في شهر واحد قبل موته بنحو سنتين، وفرغ عن نيابة النظر بالجامع الأموي قبل موته لعبد اللطيف بن إبراهيم بن موسى، الشهير بابن فرعون صهر الشيخ شمس الدين ابن المنقار، ومات في ذي الحجة سنة ست وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر بن علي بن الحصينأبو بكر بن علي الحجار، المعروف بابن الحصين إمام جامع سويقة الحجارين بحلب. وكان شيخاً معمراً منوراً محبوباً عند الأكابر والأصاغر. مولده بحلب سنة سبعين بتقديم السين وثمانمائة، ووفاته سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أبو بكر بن وفاء المجذوب الحلبيأبو بكر بن وفاء المجذوب الحلبي. كان أبوه مؤذناً صالحاً يؤذن بمنارة مسجد سويقة علي بحلب وكان قبل الجذب تابعاً لبعض الحكماء الروميين، وسافر معه إلى دمشق، فرأى بها واحداً من الأولياء، وقد بلغني أنه الشيخ محمد الزغبي، فأخذ يتردد إليه، ودعا الله تعالى أن يصرف عنه الدنيا، فلم يسعه إلا ترك ما معه من حطامها، وجذب وعاد إلى حلب مجذوباً، وصار يأوي إلى محلة مقابر الغرباء وما والاها، وكان لا يرى كثيراً إلا بين المقابر، وكان يكاشف الواردين عليه، فيقبض حيناً، ويبسط، وكثيراً ما يرى على رأسه طاقية، فيجيئه بعض الناس بطاقية أخرى، فيضعها له فوق الأولى، وهو لا يبالي فيجاء بثالثة، فتوضع فوقها، وهو لا يكترث بما صنع به، وكان يقد النار، ويضع فيها ما يأتيه من أموال الظلمة ونحوها، وكان تالله الكلاب، وكان يخطاب كل أحد بخطاب المؤنث، وكان يخاطب الباشا، فمن دونه بخطاب واحد، وكان يسهل ذلك عليهم ما يكاشفهم به من أحوالهم، وحلق لحيته، وقلع أسنانه، ثم كان يفعل ذلك بمن يأتيه مريداً، وبقي جماعته على هذه الطريقة، وظاهرها منكر في الحقيقة، والشرع لا يجيز ذلك في الاختيار، ولا يسع المرتبط بالشريعة إلا الإنكار، ذكره ابن الحنبلي في تاريخه، ولم يؤرخ وفاته لأنه توفي بعده في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله.
أبو بكر البعلي الحنبليأبو بكر، الشيخ العالم تقي الدين بن غالب البعلي الحنبلي، تردد إلى دمشق كثيراً أخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وعن غيره، وولي نيابة القضاء بها في زمان قاضي القضاة ابن المفتي، وكان فقيهاً، وله صلابة في دينه.
أبو بكر الجبرتيأبو بكر الجبرتي الشافعي نزيل القاهرة، الإمام العلامة الصموت، الوقور. أخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وعن غيره، وولي القضاء بها في زمان قاضي القضاة العلامة شهاب الدين الرملي وغيره، بالإفتاء والتدريس، وانتفع به خلائق، وكان مجلسه مجلس علم وأدب وخشية، ولم يؤرخ الشعراوي وفاته، وذكره في الأحياء رحمه الله تعالى.
أبو الصفاء ابن الإسطوانيتقدم في المحمدين.
أبو الفتح الأسطوانيتقدم كذلك.
أحمد بن محمد الأكرم

أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن الأكرم الحنفي. كان من رؤساء دمشق، ووالده من جماعة الشيخ عمر العقيبي، وكان في زي العلماء، ولم يكن في العلم بذلك. ولي تدريس المقدمية الجوانية بدمشق، وانتسب إلى واقفها، وعمر فيها له سكناً، وأنكر عليه ذلك قاضي القضاة منلا أحمد الكردي الأنصاري، وكشف بنفسه عليها، فوجده قد غير فيها وبدل، وحصل لصاحب الترجمة منه تعزيز ومشقة بسبب ذلك، ثم تزهد وتعمم بالصوف، وربى شعر رأسه، وسكن الحجرة الحلبية لصيق الأموي بعد شيخ الإسلام الوالد، ومات يوم الأحد سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بمقبرة والده عند قبر والده شمالي المدرسة النحاسية رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد بن شريحأحمد بن محمد بن رجب بن شريح بن سعيد العبد الصالح، الدمشقي المولد، السويدي المنشأ، المعروف بالحوراني والد الشيخ عثمان الحوراني الواعظ. كان من جماعة الشيخ أحمد بن سعد الدين، وسافر إلى الروم بإشارة شيخه وامتحن، ثم ظهرت عليه خوارق. توفي ليلة الجمعة ثامن شوال سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير تجاه سيدي معاوية رضي الله تعالى عنه عند قبر الشيخ نصر المقدسي.
أحمد بن محمد المستوفيأحمد بن محمد القاضي شهاب الدين المستوفي أحد العدول بدمشق. مولده يوم الأحد العصر ثالث عشر ذي القعدة سنة أربع وتسعمائة. قرأ على شيخ الإسلام الوالد في الجرومية إلا اليسير من أولها قراءة إتقان، ومقدمة في العروض، وأخذ عن غيره، وصار رئيس الشهود بدمشق، ومات في نيف وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وجلس بعده أحمد بن كريم الدين رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد الكفرسوسيأحمد بن محمد الشيخ شهاب الدين ابن شيخ الإسلام شمس الدين الكفرسوسي، الشافعي، الواعظ. توفي يوم الجمعة خامس عشرة جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، ودفن عنده والده رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد الغزيأحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، الشيخ الإمام العلامة المحقق شيخ الإسلام شهاب الدين الغزي الشافعي. ولد في شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، وقرأ القرآن العظيم على شيخنا الشيخ يحيى العمادي المغربي، وتلاه للسبعة على والده، وعلى شيخنا المقرىء المجيد، الشيخ حسن الصلتي، واشتغل في العلم على والده، ولازمه في الأصول، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والتفسير، والقراءات، وقرأ بمصر على شيخ الإسلام بدر الدين ابن الطباخ المصري، وحمل عنه مصنفاته على الشيخ العلامة السيد الشريف قطب الدين عيسى الإيجي، وحمل عنه شرح الكافية تصنيفه، وقرأه عليه وكتبه بخطه، وعلى شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي، وغيرهم حين دخل مصر في صحبة والده سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، ولقي العارف بالله أحمد الجاني المقدسي، وأخذ عنه الطريق، وأجاز له شيخ الإسلام السيد عبد الرحيم العباسي الإسلام بولي بمصنفاته كشرح البخاري، وشرح شواهد التلخيص، ومروياته. وبرع وأفتى ودرس، في اليوم الذي قبل وفاته، وكان متضعفاً. لازم والده، وكان أبر الناس بأبيه، وقال: أريد أن أتودع من الشيخ، وكان الشيخ يمتحن صحبته بتوجيه الفتاوي إليه، وكان يوم جمعة، فكتب ذلك اليوم على بضع وعشرين رقعة كلما كتب على رقعة يأخذها والده ويتأملها، ويحمد الله، وكان أود أهل زمانه لهم، وأرأفهم عليهم يفيدهم العلم وينشره، ويضوع كل مجلس جلس فيه ويعطره جمالاً محضاً، وبهاء صرفاً، خاشعاً بكاء من خشية الله تعالى لطيف المحاضرة، حسن المجاورة، حلو المذاكرة، لطيف الذات والصفات، حسن الأخلاق، حليماً، حكيماً، جواداً كريماً، يؤثر إخوانه، ويوقر أقرانه، ويتودد إلى من يعاديه، كما يتودد إلى من يواليه، تنجذب إليه القلوب، وترتاح إليه الأرواح، وتنشرح لجمال طلعته الصدور، وأجمع الناس على محبته واعتقاده، وتقديمه واعتياده، ورجاء بركته وطلب الدعاء، لا يرى جنازة غريب أو فقير إلا مشى فيها، ولا يسمع بمسجد خراب إلا ذهب إليه، وتردد إليه، يعمره بالصلاة والذكر والتدريس كما قلت:
إمام له في العلم باع وساعد ... وفي الحلم أخلاق طراف وتالد
وفي الفضل والمجد الأثيل مصاعد ... وفي الملأ الأعلى الكريم مقاعد

تعشق كل الكون معنى جماله ... فأضحى لأحوال الغرام يكابد
كأن له ذات الوجود بأسرها ... بمعناه من فرط الهيام تواجد
وكان رحمه الله تعالى لا يمر بسوق ولا شارع ولا محلة إلا والناس يقبلون عليه ويقبلون يديه، ويلتمسون بركته، ويتبسم في وجه كل واحد منهم، ويلاطفهم، وكان له نظر خارق في رؤية الآثار، وسماع الأطيار، وملاحظة القدرة في الثمار والأزهار، وكانت مقاصده حسنة، ومشاهدة جميلة، وألف منظومة رائية في أسماء الكواكب الثابتة، ومنظومة أخرى لامية جمع فيها قراءة أبي جعفر سبط أبي الأصبهاني، واختصر المنهج في كتاب سماه النهج ولم يتم، ولم أقف عليه، ولم يكثر من التصنيف لاشتغاله بقراءة كتب والده، وكتابتها، ومقابلتها، ومساعدته في تحرير كثير منها حتى كان الشيخ يرجع إلى قوله في بعضها، وكان مشتغلاً أيضاً بالنفع والإفادة والإقراء، ودرس بالقيمرية البرانية وبالشامية الجوانية، وولي إمامة الشافعية الأولى بالجامع الأموي، وانتفع به أكثر الفضلاء كالشيخ تقي الدين بن الحكيم، والعلامة درويش بن طالوا، والشيخ حسن البوريني، والشيخ محمد الصالحي، والشيخ محيي الدين البكري، والشيخ تاج الدين القرعوني، والشيخ شمس الدين الميداني، والشيخ علاء الدين الدهيناتي والشيخ العلامة فخر الدين السيوفي، والشيخ بركات بن الجمل إمام المغيربية والشيخ موسى السيوري وآخرين، وصحب جماعة من العلماء الصالحين منهم الشيخ مسعود المغربي، والشيخ احمد بن سليمان، والشيخ عبد القادر بن سوار، وكان الناس لا ينكرون ولايته، بل كانوا جازمين بأنه من كمل العارفين. وحدثني الشيخ يوسف النوري، وكان من جماعته قال: كنا بين يدي الشيخ شهاب الدين في الجامع الأموي في بعض الليالي، فتذاكرنا في مناقب أولياء الله تعالى فقال: إن لله تعالى عباداً قطع الشوق أكبادهم، وملأ الحب فؤادهم وبكى وانتحب قال: فلما قام الجماعة، وخلوت بالشيخ قلت له: يا سيدي بالله الذي لا إله غيره أنت من هؤلاء الذين ذكرتهم، فقال: أي والله يا يوسف، وحدثني المذكور قال: كان سيدي الشيخ شهاب الدين كثيراً ما ينشد:
ياخليلي عدّيا ... عن حديث المكارم
منك فى الناس شره ... فهو في جود حاتم
وكان له كرامات كثيرات، وخوارق عادات، وحدثني الشيخ محيي الدين البكري وكان ثقة فاضلاً. قال: كنا في مجلس الشيخ شهاب الدين، وهو يتكلم في الأخلاص، وعدم ملاحظة الخلق من كتاب الإحياء للغزالي، فمر على مجلسه قاضي قضاة الشام إذ ذاك، فسلم فرد عليه السلام، ولم يقم من مجلسه، ثم لما فرغ قال: أراد الله تعالى أن يمتحنا في هذه الساعة بمرور هذا الرجل علينا، فثبتنا بفضل الله تعالى، ولم نزده على رد السلام الواجب، وكان رحمه الله تعالى يقرأ في إحياء علوم الدين في آخر النهار في كثير من الأيام، وكان لا ينقطع عن مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسمى بالمحيا، وقال في ذلك:
إماتة نفسي في مطالعة الأحيا ... وأحياء روحي في مشاهدة المحيا
فيا رب هذا دأب عبدك دائماً ... وديدنه ما دام في هذه الدنيا
وكان كذلك إلى أن توفي رحمه الله تعالى ومن محاسنه قوله:
فطور التمر سنه ... رسول الله سنه
ينال الأجر شخص ... يحلي منه سنه
وقال رحمه الله تعالى:
وروض جمال محبوب كريم ... نزلت به وما منه معارض
وما منع العذار به نزولاً ... ولكن ما سلمت من العوارض
وقال رحمه الله تعالى:
من سم هذا البرد أشكو الأذى ... فابعد عن الشر ولا تقرب
فقارس البرد غما قارصاً ... من حر قرص الشمس في العقرب
وقال مخمساً لبيتين مرويين عن سيدي إبراهيم بن أدهم في قصة مشهورة:
عن جناياتك نعفو ... ومن التكدير نصفو
هات قل لي: كيف تجفو؟
كل شيء لك مغف ... ور سوى الإعراض عنا
قد مضى العمر تلافاً ... هب فؤادي لك صافا
وبما يرضيك وافا
قد غفرنا لك ما ... فات بقي ما فات منا

ولما وقف رضي الله تعالى عنه على قصة الشيخ العلامة إسماعيل بن المغربي اليمني صاحب الترجمة مع ولده لما قطعه ما كان يعتاده منه من البر والصلة لكونه يتعاطى ما لا يليق، فكتب إليه ولده:
لا تقطعن عادة بر ولا ... تجعل عقاب المرء في رزقه
فإن أمر الإفك من مسطح ... يحط قدر النجم من أفقه
وقد جرى منه الذي قد جرى ... وعوقب الصديق في حقه
فأجاب والده بقوله:
قد يمنع المضطر من ميتة ... إذا عصى بالسير في طرقه
لقدرة منه على توبة ... توجب إيصالاً إلى رزقه
لو لم يتب مسطح من ذنبه ... ما عوقب الصديق في حقه
فلما وقف الأخ رحمه الله تعالى على ذلك قال كالمجيب عن ولد الشيخ إسماعيل لولده:
تبنا إلى الرحمن لا للدنا ... وليس توب المرء من حذقه
وإنما الله تعالى إذا ... أسعد ذا التوفيق من خلقه
تاب إليه وهدى قلبه ... وأسند الفعل إلى صدقه
وقال الأخ رحمه الله تعالى موالياً:
شر الفتى الحر لا يكذب ولا يغتاب ... ولا يطل على جاره ولو من باب
ولا يذم صديقه إن حضر أو غاب ... ولا يدمدم، وإن ضاقت به الأسباب
وقال رحمه الله تعالى ذو بيت:
يا مالك رقي رق مالي راقي ... أنعم عجلاً علي بالدرياق
إن متّ جوىً على غرام راقي ... إني لكم من جملة العشاق
وقال أيضاً:
إن كان على البعاد من نهواه ... لا يذكرنا فنحن لا ننساه
قد طال تشوقي إلى لقياه ... كم أصبر لا إله إلا الله
وقال موالياً أيضاً:
عوّذت حبي بطه والزمر مع قاف ... وهود والأنبياء والنمل والأحقاف
والفجر والحجر مع حم عسق ... والطور والنور والأنعام والأعراف
وقال رضي الله تعالى عنه: إذا ما أراد الله تقريب مبعد وساعده سعد، وسابقه الحسنى
تكلم توفيقاً بخير لسانه ... يصيب به من حيث يخطىء في المعنى
ومن لطائفه أنه كان يتردد إلى مسجد معمر على عادته، فرآه خراباً فقال لمتوليه: عمّره، وتكرر منه هذا القول، والمتولي يقول له: يا سيدي خنزرت الحائط فقال:
ومانع مسجد ذكرا ... عليه الفعل أنكرت
إذا ما قلت: عمرت ... يقول الكلب: خنزرت
وقال في والده:
وقالوا: سما البدر فوق السماء ... سمواً وساماه في تمه
أعين المسمى هو أو غيره ... فقلت: هو البدر عند اسمه
وقال في الأمير عبد اللطيف بن منجك، وكان تلميذ الأخ وصديقه:
الاسم عين المسمى ... دليل قول لمن شك
لطف وظرف حواه ... عبد اللطيف بن منجك
وهو مأخوذ من قول شيخ الإسلام أبي الفضل ابن حجر العسقلاني فيمن اسمه صالح، وهو بديع:
الاسم عين المسمى ... والحق أبلج واضح
وإن ترد صدق قولي ... فانظر لسيرة صالح
وكتب مامامي الرومي إلى أستاذه الأخ رضي الله تعالى عنه سؤالاً وهو:
ما قولكم سادتي في أهيف خطراً ... غصبته قبلة مذ صرت في خطر؟
فرام قتلي بلحظ للورى سحراً ... وصرت منه أراعي النجم في السحر
هل جائز قتلتي أفتوا لمن حضرا ... ببابكم يا رئيس البدو والحضر؟
فأجابه رحمه الله تعالى بقوله:
لم يفت بالقتل من بالشرع قد شعرا ... من أجل تقبيل خالي الخد من شعر
أو من غدا بعذار قد غدا خضراً ... كان خضرته من لمسة الخضر
يرد سائله من وصله نهراً ... ودمعه سائل يجري كما النهار
وله موشح لطيف في الحبوش مشهور أنشدنيه شيخ الاسلام الزين عمر بن سلطان الحنفي عنه:
لي من الحبش غزال ... لفؤادي قد سلب
وانثنى عني قليلاً ... ولقتلي قد طلب
ورمى نحوي بسهم ... من لحاظو ونشب
قلت: لو يا حب صلني ... فاصطباري قد ذهب

يا حبوش أنتم حلاوه ... يا قناديل الذهب
قال لي: ة بالله دعني ... ما وصالي لك مباح
من يرم غالي وصالي ... ويريد عين الصلاح
لا يعير سمعه لواش ... ولعذال ولاح
قلت له: يا نور عيني ... في سواك ما لي أرب
يا حبوش أنتم حلاوه ... يا قناديل الذهب
قال: صف إن كنت تهوى ... مبسمي راعي الوشام
قلت فيه: عقد جوهر ... يسبي من غالي وسام
ما سلب عقلي ولبي ... غيركم يا ولاد حام
ما لهم يأبوا وصالي ... يا ترى ماذا السبب؟
يا حبوش أنتم حلاوه ... يا قناديل الذهب
ذا الغزيّل في شبيكه ... صادني شعرو الجعيد
ذو ثغيّر من أقاح ... فيه من صافي البريد
راعي الجسم المنعم ... إن سلواني بعيد
أنعم أنعم لي بوصلي ... أو مدامه من شنب
يا حبوش أنتم حلاوة ... يا قناديل الذهب
ما يرى في الغيد مثله ... إن تبدي أو خطر
في الأزيرق حين يخطر ... قد تركني في خطر
شرطه يجرح فؤادي ... والحشا مني أسر
قلت حسبي حبيبي
يا حبوش أنتم حلاوة ... يا قناديل الذهب
بعد ذا أنعم حبيبي ... وسمح لي بالوصال
بعدما أكثر صدودي ... وأخذ قلبي وصال
يا ليالي الوصل عودي ... يا هنا تلك الليال
أنتم غاية مرادي ... ونهايات الأرب
يا حبوش أنتم حلاوة ... يا قناديل الذهب

كان الأخ رضي الله تعالى عنه أبر ولد بوالده، وأشبه بأبيه في طريف الفضل وتالده، وكان يحترم والده بحق بنوته النسبية والعلمية، وكان يقبل أخمصيه، كلما دخل عليه، وكان كلما حضر مجلس ذكر أو علم أو خبر، وتوقع فيه الإجابة قرأ الفاتحة، ثم قال للحاضرين: قولوا آمين، فإذا قالوا: آمين قال: اللهم إجعل يومي قبل يوم أبي حدثنا بذلك جماعة منهم شيخنا الشيخ يحيى العمادي، ودخل على والده يوم الجمعة مستهل ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وكان متمرضاً، فأمر أن يفترش له فراش تجاه والده، وقال: أتودع منه، ولازم والده ذلك اليوم بطوله، وصلى معه في خلوته بالجامع الأموي الجمعة، ثم عاد إلى مجلسه والفتاوى ترد على شيخ الإسلام الوالد، فيقول كلما جاء رقعة: اكتب يا شهاب الدين فيكتب، ثم يأخذ الرقعة ويتأمل كتابته، ويدعو له حتى كتب له على بضع وعشرين رقعة، ثم أراد مفارقة أبيه آخر النهار، وقال له: يا سيدي أخرج لي رجليك، فقبلهما على عادته، وتبرك بهما، وبكى، وطلب الرضى من أبيه، وشيخ الإسلام يبكي، ويدعو له بالرضوان وغيره، ثم خرج من عنده إلى بيته، فقعد معظم ليلة يقرأ في صحيح بخاري وغيره على من عنده من الأهل، ثم أغفا إغفاءة، وقام على عادته قبل الأذان، فخرج إلى الحمام، وكان يحب دخول الحمام لأجل الطهارة، فإنه كان عنده تحرّز ووسوسة الظاهر، فلما دخل الحمام المعروف بحمام السلسلة بالقرب من داره حلّق له الحلاق رأسه، ثم نزل إلى المغطس، فأغمي عليه، فأخرج إلى مصاطب الحمام، فإذا هو قد مات، فأعلم أهله، فجاؤوا به وحملوه ميتاً إلى دار أبيه وأبوه رحمه الله تعالى في الخلوة لم يدر، ثم دخل عليه بعض أصدقائه، فأفهمه موته الإشارة، ثم أمر والده بتجهيزه، فجهز وصلى عليه إماماً بالجامع الأموي، وحملت جنازته على الرؤوس، ولم تحفل بدمشق جنازة فيما عهده أهل عصره أعظم مما حفلت جنازته إلا جنازة أبيه من بعده. ودفن بمقبرة الشيخ رسلان بالقرب من ضريح جده شيخ الإسلام رضي الدين، ثم دفن والده بعده في السنة الثانية للسنة المذكورة رجلاه عند رأس ولده المذكور كأنه يقفو أثره إلا أنه اتفق أن قبر الشيخ شهاب الدين كان متأخراً عن محاذاة قبر أبيه حتى كأنه أمامه، وكان ذلك موافقاً لحالة المرحومين في دار الدنيا، ثم اتفق دفن ولدنا الفاضل الصالح بدر الدين قدام عمه المذكور رأسه عند رجلي جده، وفي محاذاته بوصية منه في الوقت الذي ذهبت لحفر قبره فيه بعد أن استخرت الله تعالى له في الحفر، فاتفق في وضع المذكور، وعدت فرأيته قد أوصى جدته، ومن عنده أن يحفر له في بقعة خالية عند رجلي جده.
وكانت وفاة الولد المذكور في شعبان سنة سبع عشرة بعد الألف، ووراء قبر الشيخ شهاب الدين قبر والده الشاب الفاضل العالم الصالح أحمد، وكانت وفاته شهيداً في طاعون سنة اثتتين بعد الألف ثاني عشر رمضان، وهذا وإن لم يكن من شروط كتابنا فهو من تتمة ترجمة الأخ المرحوم رضي الله تعالى عنه.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أحمد بن محمد قاضي زاده. أحمد بن محمد المولى شمس الدين الألوسي، الحنفي
الشهير بقاضي زاده أحد الموالي الرومية. اتصل بجده عبد القادر الحميدي المفتي، وولي قضاء حلب، ثم ترقى حتى صار مفتياً بإسلام بول بعد حامد أفندي، وله حاشية على الهداية، ومحاكمات بين صدر الشريعة، وابن كمال باشا في شرح الوقاية، ورسائل، وتوفي في خامس رييع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد القاريأحمد بن محمد بن عيسى بن محمد القاري الخواجا شهاب الدين الشافعي. كان له مشاركة في العلم، وكان يعتقد الطيبي، ويتكلف على مولده في كل سنة، وانقطع بعد موت الطيبي في بيته، ولزم تلاوة القرآن. توفي في سنة تسع وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد الحصكفي ابن المنلا

أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف بن حسين بن يوسف بن موسى، الشيخ العلامة، الفهامة شهاب الدين الحصكفي الأصل الحلبي المولد، والدار، الشافعي المعروف بابن المنلا جده لأبيه، كان قاضي قضاة تبريز شهرته منلا جامي شرح المحرر، وجده لأمه الشرفي يحيى آجا بن آجا. مولده سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ونشأ في كنف أبيه، واشتغل بالعلم، وقرأ على ابن الحنبلي في مغني اللبيب فما دونه من كتب النحو، وفي شرح المفتاح، وفي المنطق وفي القراءات، والحديث وفي مؤلفاته، وصحب سيدي محمد ابن الشيخ علوان، وهو بحلب سنة أربع وخمسين، وسمع منه نحو الثلث من البخاري، وحضر مواعيده، وسمع المسلسل بالأولية من البرهان العمادي، وأجاز له، وقرأ بالتجويد على الشيخ إبراهيم الضرير الدمشقي نزيل حلب كثيراً، وأجاز له وذلك في سنة خمس وستين، ورحل إلى دمشق رحلتين، وأخذ بها عن شيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه بالشامية، وبحث فيها بحوثاً حسنة مفيدة أبان فيها عن يد في الفنون طولى، وكلما انتقل من مسألة إلى غيرها تلا لسان حاله: " وللآخرة خير لك من الأولى " كما شهد بذلك الوالد في إجازته له، وقرأ على النور النسفي قطعة من البخاري، ومسلم، وحضر عنده دروساً من المحلي وشرح البهجة وأجاز له، وقرأ بها شرح منلا زاده على هداية الحكمة على محب الدين التبريزي مع سماعه عليه في التفسير، وقرأ قطعتين صالحتين من المطول و الأصفهاني على الشيخ أبي الفتح السبستري ورحل سنة ثمان وخمسين إلى القسطنطينية، فأخذ رسالة الإسطرلاب عن نزيلها الشيخ غرس الدين الحلبي، واجتمع بالفاضل المحقق السيد عبد الرحيم العباسي، واستجاز منه رواية البخاري فأجاز له ومدحه بقوله:
لك الشرف العالي على قادة الناس ... ولم لا؟ وأنت الصدر من آل عباس
حويت علوماً أنت فيها مقدم ... وفي نشرها أضحيت ذا قدم رأس
وقفت بني الأداب قدراً ورتبة ... وسدتهم الجود والفضل والباس
فيا بدر أفق الفضل يا زاهر السنا ... ويا عالم الدنيا ويا أوحد الناس
إلى بابك العالي أتاك ميمماً ... كليم بعضب عدت أنت له آسي
فتى عاري الآداب يا ذا الحجى فما ... سواك لعار عن سنا الفضل من كأسي
فاقبسه من مشكاة نورك جذوة ... وعلله من ورد الفضائل بالكاس
وسامحه في تقصيره ومديحه ... فمدحك بحر فيه من كل أجناس
فلا زلت محمود المآثر حاوي ... المفاخر مخصوصاً بأطيب أنفاس
مدى الدهر ما احمرت خدود شقائق ... وما قام غصن الورد في خدمة الآس
ودرس، وأفاد وصنف، وأجاد، وله شرح على المغني جمع فيه بين حاشيتي الدماميني والشمني، وشرح شواهد السيوطي، وكتب، ونظم الشعر الحسن، ومن شعره في مليح لابس أسود:
ماس في أسود اللباس حبيبي ... ورمى القلب في ضرام بعاده
لم يمس في السواد يوماً ولكن ... حل في الطرف فاكتسى من سواده
وله مضمناً:
ظبي كساني حلة وأدار لي ... كأس الرحيق على رياض الآسي
وغدا يقول عذاره اشرب يا فتى ... واجعل حديثك كله في الكاس
توفي في سنة ألف قتله اللصوص في بعض قراه رحمه الله تعالى - ثم تحرر لي من خط الشيخ العلامة عمر العقيبي أنه مات في سنة ثلاث وألف فترجمته في كتاب لطف السمر أيضاً وأبقيت الترجمتين للفائدة.
الشيخ شهاب الدين الرمليأحمد بن أحمد بن حمزة، الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدين الرملي الأنصاري. الشافعي. تلميذ القاضي زكريا. أخذ الفقه عنه وعن طبقته، وكان من رفقاء شيخ الإسلام الوالد في الاشتغال. قرأت بخط ولده أن من مؤلفاته شرح الزبد لابن أرسلان، وشرح منظومة البيضاوي في النكاح ورسالة في شروط الإمامة، وشرح في شروط الوضوء وأنه توفي في بضع وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن الموقعأحمد بن أحمد الموقع، القاضي شهاب الدين ابن الموقع الكركي. توفي بالروم في حدود سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن حجر الهيثمي

أحمد بن أحمد بن محمد ابن الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر الهيثمي قرية بالصعيد المصري، ثم المكي الشافعي مفتي مكة أخبرني عنه تلميذه شيخ الإسلام محمد بن عبد العزيز الزمزمي مفتي مكة أن مولده سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وأجازه القاضي زكريا، والشيخ عبد الحق وغيرهما وأخذ الفقه عن شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي وغيره، واجتمع بالوالد سنة اثتنين وخمسين بمكة، وتذاكر معه، والوالد أسن منه، وأخذ منه من أهل الشام جماعة منهم الشهب الثلاثة أخي والأيدوني، وابن الشيخ الطيبي، وأجاز أخي بالإفتاء والتدريس وله من المؤلفات شرح المنهاج، و شرح الإرشاد، شرح العباب وشرح الهمزية للبوصيري والزواجر في الكبائر والصغائر، والصواعق المحرقة، في الرد على أهل البدع والزندقة ، وشرح الأربعين النووية،، ومؤلف في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وآخر في الصلاة والسلام عليه، وآخر في الألفاظ المكفرة، ورأيت بخط بعض الفضلاء منسوباً إليه، وهو نظم ركيك في ضبط المفصّ
مفصل حجرات، وقيل: قتالها ... وصف وملك، ثم جاثية فتح
وقاف ضحى سبح وعاشر هذه ... فمن قال: يس إن تم لنا الفتح
وكانت وفاته بمكة سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، ومما اتفق أنه أشيع موته بدمشق في سنة إحدى وسبعين، فصلي عليه بها غائبة، وعلى محمد أفندي ابن المفتي أبي السعود المتوفى بحلب في يوم الجمعة خامس عشري شعبان منها، ثم بين بعد ذلك أن ابن حجر حي، ثم ورد الخبر إلى دمشق بموته، وموت السيد عبد الرحيم العباسي البيروتي في ثاني عشري شوال سنة أربع وسبعين، فصلي عليهما معاً غائبة في يوم الجمعة سادس شوال بالأموي رحمه الله تعالى.
أحمد بن أحمد المكفناتيأحمد بن أحمد بن محمد، الشيخ الصالح شهاب الدين المكفناتي الدمشقي. كان له ذوق في كلام الصوفية. وكان صاحب نكتة ونادرة ربما قال لبعض إخوانه: كيف حال من رأس ماله أشرفي ذهب وأصبح على الأرض البيضاء يوري؟ بقوله: ذهب. وكان الأخ الشهاب الغزي يعتقده، ويتكلم معه في طريق القوم، وكان الشيخ علاء الدين بن عماد الدين يعتقده، ويحسن إليه كثيراً، ويتحمل عنه أجرة بيته، ولما مرض مرض الموت دخل عليه أخي، فجلس عنده، وهو يجود بنفسه ثم أفاق، وقال يخاطب الأخ:
إذا كان هذا فعله بمحبه ... فيا ليت شعري بالعدا كيف يصنع؟
ثم إنه استغفر ورفع رأسه وقال:
نفس المحب على الآلام صابرة ... لعل متلفها يوماً يداويها
فبكى الأخ، والحاضرون، وخرجوا من عنده، ثم مات بعد يومين أو ثلاثة سنة ثلاث وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن أحمد الطيبيأحمد بن أحمد بن أحمد بن بدر، الشيخ العلامة المقرىء شهاب الدين، ابن الشيخ العلامة المقرىء شهاب الدين الطييي المتقدم ذكر جده في الطبقة الأولى الشافعي، مولده كما قرأته من خط والده نهار الاثنين بعد العصر مستهل جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وتسعمائة. اشتغل على والده، وغيره، وبرع في الفقه والأصول، والنحو والمعاني، والبيان، والتجويد، والقراءات، والتفسير، وحضر دورس شيخ الإسلام الوالد وسمع منه، وأجازه بالإفتاء، والتدريس، وممن انتفع به الشيخ العلامة حسن البوريني، والفاضل الشيخ محمد الحمامي في آخرين وحج كما رأيته بخط والده سنة ثمان وسبعين وتسعمائة. وكان يوم عرفة يوم الجمعة، ودخل إلى دمشق يوم الأحد الثاني والعشرين من صفر سنة تسع وسبعين، وفرغ له والده سنة حج عن تدريس العادلية وقراءة المواعيد، والوعظ بالجامع الأموي، وسائر وظائفه، وولي إمامة الجامع بالمقصورة شركة شيخنا بعد أبيه، وخطابة التبريزية بمحلة قبر عاتكة خارج دمشق، وكان يعظ أولاً من الكراس على طريقة أبيه، ثم وعظ غيباً في التفسير. من أول سورة الكهف إلى أثناء سورة طه، واخترمته المنية بعد أن مرض نحو سنتين، فتوفي في رابع عشر رمضان سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة ودفن عند قبر والده بالفراديس، ومن شعره:
وخير عباد الله أنفعهم لهم ... رواه عن الألباب كل فقيه
وإن إله العرش جل جلاله ... يعين الفتى ما دام عون أخيه
أنشدني لنفسه في مستكبر:
رأيته مستكبراً ... يجر ذيل السرف

قلت له محذراً ... من كبره: أليس في؟
أحمد بن أحمد الطيييأحمد بن أحمد بن بدر، الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام، شهاب الدين الطيبي الشافعي المقري الفقيه النحوي العابد الناسك، صاحب المصنفات النافعة والد المذكور قبله. مولده كما قرأته بخطه ضحى نهار الأحد سابع ذي الحجة، ختام سنة عشر وتسعمائة، وأخذ عن الشيخ شمس الدين الكفرسوسي، والسيد كمال الدين بن حمزة، والشيخ تقي الدين البلاطنسي، ولازم الشيخ تقي الدين القاري، وبه انتفع وقرأ على شيخ الإسلام الوالد في الجرومية، وحضر درسه، وأخذ الحديث ومصنفات ابن الجزري، عن الشيخ كريم الدين بن عمر محمد بن علي بن إبراهيم الجعبري صاحب الشرح، والمصنفات المعهودة، حين قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين، وأخذ عن الشيخ العلامة المفنن مغوش المغربي، حين قدم دمشق سنة أربعين وتسعمائة، وأخذ عنه جماعة من الأفاضل كالأبدوني والقابوني، وولده وشيخنا الشيخ أحمد العيثاوي مفتي الشافعية بدمشق، والشيخ أحمد الوفائي مفتي الحنابلة بها، وغيرهم ودرس بالأموي بضعاً وثلاثين سنة وولي الإمامة عن شيخه الشيخ تقي الدين القاري، وكان يقرأ الميعاد بالجامع المذكور مدة طويلة في الثلاثة أشهر في كل يوم جمعة، واثنين، ودرس بدار الحديث الأشرفية، ثم بالرباط الناصري، ثم بالعادلية الصغرى، وخطب بالجامع مدة يسيرة، وألف الخطب النافعة وأكثر خطباء دمشق الآن يخطبون بخطبه لسلاستها، وبركة مؤلفها، وله من المؤلفات مناسك عدة منها مختصر مناسك ابن جماعة في المذاهب الأربعة ومنها تفسير كفاية المحتاج للدماء الواجبة على المعتمر والحاج ومنها الزوائد السنية، على الألفية والمفيد في التجويد، والإيضاح التام، وفي تكبيرة الإحرام والسلام وبلوغ الأماني، في قراءة ورش من طريق الأصبهاني، ورفع الأسكال، في أول الأشكال، في المنطق وصحيفة، فيما يحتاج إليه الشافعي في تقليد أبي حنيفة والسكر المرشوش، في تاريخ شيخه الشيخ مغوش وغير ذلك، ومن شعره قوله عاقداً لما أخرجه أبو مظفر بن السمعاني، عن الجنيد رحمه الله تعالى قال: إنما تطلب الدنيا لثلاثة أشياء الغنى والعز والراحة، فمن زهد فيها عز، ومن قنع فيها استغنى، ومن قل سعيه فيها استراح.
لثلاث يطلب الدنيا الفتى ... للغنى والعز أو أن يستريح
عزه في الزهد والقنع غنى ... وقليل السعي فيها مستريح
وقال: عاقداً لكلام الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله تعالى عنه حيث قال: كن مع الله كأن لا خلق، وكن مع الخلق كأن لا نفس، فإذا كنت مع الله فلا خلق وجدت، وعن الكل فنيت، وإذا كنت مع الخلق بلا نفس عدلت، وأتقيت، ومن المتعبات سلمت:
إن كنت تبغي أن تنال الرضى ... وراحة القلب مع الأنس
فكن مع الله بلا خلقة ... وكن مع الخلق بلا نفس
وقلت في معنى كلام الشيخ عبد القادر رضي الله تعالى عنه:
بغير نفس كن مع الخلق ... وكن بلا خلق مع الحق
تعدل ولا تتعب وتذهب ع ... ن الكل بوجد خالص الصدق
وقال الشيخ الطيبي أيضاً:
إن رمت خيراً مستداماً وأن ... تكون ممن في غد يقبل
فأخلص الله في كل ما ... تفعل وأرض بالذي يفعل
ومات رجل يقال له: ذكرى عن ابنه القاصر، وله أخ شقيق، فولى القاضي على القاصر قيماً، فأقرض المال لعمه المذكور، فطالبه به عند استحقاقه، وألح عليه، وأراد حبسه فبات مهموماً، فطعن اليتيم في تلك الليلة، ومات ولا وارث له سوى عمه المذكور، فطالب القيم ببقية مال ابن أخيه فقال الشيخ الطيبي:
عجبت لمديون تزايد عسره ... وأعياه وامتدت عليه مذاهبه
لقد بات مديوناً فأصبح دائناً ... يطالب من بالأمس كان يطالبه
وكانت وفاته يوم الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة الحرام سنة تسع وسبعين وتسعمائة بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني، وتقدم للصلاة عليه شيخ الإسلام الوالد كما أفادنا إياه المنلا أسد، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى ورضي عنه.
أحمد بن حسن المعروف بحسن بك

أحمد بن حسن بن عبد المحسن قاضي قضاة دمشق، وابن قاضي قضاة الشام المعروف والده بحسن بك. كان من الموالي البارعين والأفاضل المعدودين. له باع طويل في العربية والأدب، صاحب صمت وسكينة، وعفة وصيانة. ولي قضاء دمشق في أواخر سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة ومات بها في ثامن عشر رمضان سنة خمس وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة فيهما ودفن شمالي تربة نور الدين الشهيد داخل دمشق رحمه الله تعالى.
أحمد بن أحمد بن عبد الحقأحمد بن أحمد بن عبد الحق، الشيخ الإمام العلامة المحقق، المحرر، الشيخ شهاب الدين عبد الحق الشافعي، ثم المصري شيخنا بالمكاتبة. توفي في سنة سبع أو ثمان وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن تمراز الطرابلسيأحمد بن تمراز بن عبد الله، الشيخ العلامة شهاب الدين سبط زين الدين ابن الجاموس الطرابلسي صحح على شيخ الإسلام الوالد جانباً من البهجة، وحضر كثيراً من دروسه، وكانت وفاته رابع عشر أو خامس ذي الحجة. سنة سبع وثمانين وتسعمائة. أخبرني بذلك ولده.
أحمد المعروف بنوري أفنديأحمد بن عبد الله، الشيخ الإمام، فخر الموالي الرومية الكرام، مفتي الحنفية بدمشق الشام، المعروف بنوري أفندي. كان من العلماء البارعين، والفضلاء المحققين، ولي تدريس السليمانية بدمشق. والإفتاء بها، وعمل درساً عاماً استدعى له العلماء، وكتب إلى شيخ الإسلام الوالد يستدعيه إليه، وكان الشيخ مريضاً مدة طويلة، فكتب إليه يعتذر إليه:
حضوري عند مولاي مناي ... ولكن الضرورة لا تساعد
الضعف ليس يمكنني ركوب ... ولا مشي يقارب أو يباعد
وأشهر علتي لا شك عشر ... تعذر أن أرى فيهن قاعد
وأحسن حالتي ذا الدين مشي ... يكون به المعاون والمساعد
ولولا ذاك مولانا قعدنا ... لسمع دروسك العليا مقاعد
بقيت مدى الزمان فريد عصر ... إلى أعلى المراتب أنت صاعد
وكان قد اتصل بالمسامع السلطانية أن النصارى قد جددوا شيئاً في الكنيسة الكائنة ببيت المقدس، فورد أمر سلطاني لقاضي قضاة الشام، ثم القاهرة محمد أفندي جوي زاده، ومفتي دمشق المشار إليه أن يتوجها إلى بيت المقدس للتفتيش على الكنيسة المذكور، والكشف عليها، فخرجا من دمشق يوم الإثنين ثامن عشر شعبان سنة ثمان وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وزار بيت المقدس، والخليل، الكليم عليهما السلام، وكشفا على الكنيسة، فوجدا النصارى، وقد أحدثوا أوضاعاً منكرة، ووجدوا إلى جانب الكنيسة مسجداً قديماً هدم الكفار حيطانه، وحولوا وضعه القديم، وجددوا بنيانه، فأمر قاضي القضاة المذكور بمحضر من المفتي المذكور، وعلماء بيت المقدس بهدم ما جدده الكفار من البنيان، وإعادة القديم كما كان، فهدم المسلمون بنيان النصارى، وأعلنوا التكبير، وأقيمت صلاة الجماعة في عصر ذلك اليوم في المسجد المذكور، وصلى قاضي القضاة المشار إليه إماماً بالناس حينئذ، ثم لما أتما ما كان بصدده من الهدم والعمارة توجها إلى قضاء ما هو مندوب إليه من الزيارة، وعاد المفتي المذكور إلى دمشق لمحل إفتائه، وذهب قاضي القضاة إلى مصر محل قضائه، وكانت وفاة المفتي المذكور بعد عودته إلى دمشق في ختام شوال يوم الثلاثاء سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الصغير بالقلندرية رحمه الله تعالى.
أحمد بن بهاء الدين القابونيأحمد بن بهاء الدين، الشيخ عفيف الدين القابوني الشافعي خطيب جامع منجك بمسجد الأقصاب خارج دمشق. تلا بالسبع على الشيخ شهاب الدين الطيبي، وتوفي بعده بسنة في سنة ثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن حسن البقاعيأحمد بن حسن البقاعي، العميقي، الذهبي، الشافعي، مؤدب الأطفال، وخطيب التابتية بمحلة باب السريجة خارج دمشق. أخذ عن الوالد والأخ الشيخ شهاب الدين، وتوفي في سنة خمس وتسعين وتسعمائة بتقديم التاء فيهما رحمه الله تعالى.
أحمد بن صلاح الدين الباعونيأحمد بن صلاح الدين القاضي شهاب الدين الباعوني. توفي في المحرم سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعلى رحمة واسعة.
أحمد بن عبد القادر بن التينة

أحمد بن عبد القادر، الشيخ الإمام شهاب الدين بن التينة الدمشقي، الشافعي مؤدب الأطفال بمسجد المجاهدية داخل باب الفراديس. كان عالماً فاضلاً عابداً زاهداً. قرأ الفقه على الشيخ تقي الدين القارىء، والنحو والقراآت على الشيخ علاء الدين القيمري، وكان له فراسة فيمن يقرأ عنده من الأطفال، وصدقت فراسته في كثير منهم، وممن أقرأه القرآن، وانتفع بإقرائه شيخنا الشيخ أحمد العيثاوي مفتي دمشق يومئذ فسح الله تعالى في مدته وكان يختم القرآن في كل جمعة ويقوم الليل. مات في سنة تسع بتأخير السين وسبعين بتقديمها. وتسعمائة، وحضر تغسيله الشيخ شهاب الدين الطيبي، وقبله، وصلى عليه، ولقنه، وترحم عليه، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رحمه الله.
أحمد النعيميأحمد بن عبد القادر النعيمي، الشافعي، ثم الحنفي، الدمشقي، ثم الإسلام بولي بهاء الدين العلامة خطيب السليمانية، وإمام بايا صوفية بالقسطنطينية. حضر دروس الوالد كثيراً تقلبت به الأحوال بدمشق، ثم سافر إلى الروم، فصار له بها قبول في زمن السلطان سليم بن سليمان، ثم في زمن والده السلطان مراد آلف خطبة خطب بها في أول توليته. التزم فيها لفظة مراد في أواخر السجعات اسمعني إياها من لفظه. قدم علينا دمشق في سنة أربع وتسعين وتسعمائة حاجاً، ثم عاد إليها في سنة خمس وتسعين، ثم رجع إلى الروم في أثنائها، ورأيناه يثنى على شيخ الإسلام الوالد كثيراً، وتغالى في ذلك، وإذا ذكره يقول: قال سيدي، ورأيت سيدي. مولده كما قرأته بخط والده طلوع الفجر ليلة الاثنين سابع عشر ذي الحجة الحرام سنة أربع وعشرين وتسعمائة. ووفاته بالروم في ربيع الأول سنة ثمانين وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد القصيريأحمد بن عبده بن سليمان الكردي، القصيري، الشافعي، الفقيه الصوفي تلميذ الشيخ البازلي الحموي، تفقه في المنهاج، والإرشاد على الرمادي تلميذ الشيخ البازلي الحموي، وأخذ الطريق عن أبيه، ولبس الخرقة، وصار خليفة عن أبيه في حال حياته بعد أن لم يرض بما كان أبوه عليه، ثم اهتدى، فقدم عليه، وتاب مما فرط منه، ثم صار بعد ذلك يشغل الطلبة في علوم الشرع الظاهرة مع قلة بضاعته في العربية، ويلبس الخرقة والتاج، ويستخلف من يختار، ويبرز فوائده للقاصدين، ويبسط موائده للواردين، وكثرت الواردون عليه بمنزله بجبل الأقرع حتى لم يخل منزله من نحو خمسين وارداً غريباً، وكانت الفتوحات والوصايا واردة إليه بمزيد اعتقاد أهل القصير فيه بحيث نال منهم فوق الكفاية مع أخذه فيهم بالمواعظ، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واشتهر صلاحه، وبعد صيته، وكثرت خلفاؤه ومريدوه، وتوفي في سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد الدجاني

أحمد بن علي بن ياسين، الشيخ الإمام العالم العامل العارف بالله تعالى، شهاب الدين الدجاني الشافعي أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون، وصاحب سيدي محمد بن عراق. كان يحفظ القرآن العظيم، والمنهاج للنووي. وحدثني تلميذه الشيخ الصالح العارف بالله تعالى يوسف الدجاني الأربدي أن الشيخ أحمد الدجاني كان لا يعرف النحو، فبينما هو في خلوته بالأقصى إذ كوشف بروحانية النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا أحمد تعلم النحو. قال: فقلت له: يا رسول الله علمني، فألقى علي شيئاً من أصول العربية، ثم انصرف قال: فلما ولى لحقته إلى بيت الخلوة، فقلت: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، وضممت اللام من رسول. قال: فعاد إلي. وقال لي: أما علمتك النحو أن لا تلحن قل: رسول الله بفتح اللام. قال: فاشتغلت في النحو، ففتح علي فيه. دخل إلى دمشق في أوائل رجب سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بسبب قضاء حوائج للناس عند نائب الشام، وكاتب الولايات، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة منتصف رجب، وشكره الناس على خطبته، وزار الشيخ محيي الدين بن العربي، وأقام الذكر عنده. قال ابن طولون: وحذوه فيه حذو شيخه الشيخ محمد بن عراق، وسألته عن سنه وقت موت الشيخ محمد الجلجولي رضي الله تعالى عنه. فقال: نحو ثمان سنين قلت: وتقدم أن وفاته كانت سنة عشر وتسعمائة، وسافر راجعاً إلى القدس الشريف مستهل شعبان صحبه الشيخ عيسى الصفوري، وكان الشيخ عيسى ذاهباً إلى مصر في قافلة. قلت: وحدثني الشيخ أحمد بن سليمان أنه لما اجتمع بصاحب الترجمة في القدس، وهو في صحبة الشيخ شهاب الدين أخي حدثهم أنهم كانوا في حضرة الشيخ علي بن ميمون، فشكوا إليه خاطراً، فطردهم، فكانوا على باب الخلوة أياماً، ثم شكوا إليه فقال: تتوبون قالوا: نعم. فقال: قولوا: يا إلهي تب علينا، واعف عنا أجمعين يا رحمان يا رحيم وكرروها، ففعلوا، فردهم، ثم استحسن الشيخ أن يلازموا على ذلك في مجالس الذكر عند الختام، فصار ذلك من طريقتهم، وقال لي والد شيخنا: ورد الخبر بموت الشيخ الصالح العابد أحمد الدجاني ببيت المقدس. وأنه توفي في جمادى الأولى سنة تسع بتقديم التاء وستين وتسعمائة. قال: وصليت عليه في جامع الجديد في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى.
أحمد الشلاحأحمد بن عمر الشلاح، الشيخ الفاضل المقرىء المجود، الحافظ لكتاب الله تعالى شهاب الدين أحمد الضرير. كان يحضر دروس الشيخ الوالد في التقوية وغيرها، ويقرأ القرآن العظيم في المجلس. قرأ القرآن العظيم على الشيخ أحمد بن عبد القادر ابن التينة مؤدب الأطفال، وأقرأه إياها للعشر، ثم قرأ في القراءات على الشيخ شهاب الدين الطيبي، وكان الوالد، والشيخ الطيبي يقول كل منهما: من أراد أن يسمع القرآن كما أنزل، فليسمعه من الشيخ أحمد الضرير، وكان يقرأ في الجامع على الكرسي بعد صلاة المغرب دون الربع من الحزب في كل ليلة يبدأ من أول القرآن إلى ختمه حالاً مرتجلاً ما كان يسمع القرآن سامع في حال حياته من أحسن منه قراءة ولا تجويداً كأنه خلق للتلاوة، وكان أحد المؤذنين بالجامع الأموي، وكان له معرفة تامة بالموسيقى، وكان بصيراً في إضراره. يمشي في أسواق دمشق وأزقتها أحسن من البصراء من غير قائد. توفي في سابع عشر المحرم الحرام سنة تسع وتسعين وتسعمائة بتقديم التاء في الثلاثة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان، ورئي في المنام كأنه هو، والموتى أحياء عليهم محاسن الثياب، فقيل له: كيف حالكم؟ فقال: بخير بسبب مجاورتنا للشيخ بدر الدين الغزي، وولده الشيخ شهاب الدين، ورأيته في المنام بعد موته بسنين، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بعد شدة. قلت له: كيف ترون حالي عندكم؟ قال: أنت بخير غير أن بينك وبين فلان شحناء. توقفت بسببها، فلما أصبحت صافيت ذلك المشار إليه، وكان الأمر كذلك رحمه الله تعالى.
أحمد بن مفلحأحمد بن عمر بن محمد بن عمر بن إبراهيم بن مفلح القاضي شهاب الدين المالكي: كان أحد العدول بالصالحية، ثم بالكبرى، ثم بقناة العوني رئيساً بها، وكان خطه ضعيفاً بحيث يظن أنه كوفي، ثم ولي نيابة الحكم بالميدان، وكان يتكيف ويتخيل أموراً فاسدة إلا أنه كان لا بأس به، وميلاده سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، وتوفي في حدود الألف رحمه الله تعالى.
أحمد الفلوجي

أحمد بن علي، الشيخ العلامة شهاب الدين الفلوجي الحموي، الشافعي، المقرىء، المجود، الواعظ المذكر أحد المفتين بدمشق ولد سنة ثماني عشرة وتسعمائة، وأخذ عن الجد رضي الدين الغزي، وولده الوالد، وعن السيد كمال الدين: والتقوى البلاطنسي، والشمس الكفرسوسي، والميلي الدمشقيين، وجمال الدين عبد الله بن رسلان البويضي خطيب البويضاء، وعن ابن النجار، والبحيري، والنسائي، والسعد الذهبي، وناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوي، وابن عبد الحق، والضيروطي المصريين، ومما قرأه على الوالد المنهاج، وعرض عليه الجزرية، والشاطبية، والرائية، والألفية، وحضر عنده دروساً كثيرة بقراءة أخيه الشيخ محمد المتقدم في الطبقة الثانية، ورحل إلى مصر غير مرة، وفي آخرها وعظ على كرسي بالأزهر فأزري بأهل مصر، فرمي عن الكرسي، وكان له تبجح ودعوى إلا أنه كان سليم الفطرة لا يخلو من تغفل، وكان يحط في وعظه على الولاة والحكام، وبلغ بعضهم عند ذلك، فسخط منه، وكتب مكتوباً إلى الروم يشكو من القضاء، ويرميه بالجهل، وكان في تفسير غير جاهل، فوصل المكتوب إليه، فجزع الشيخ منه، واستغاث بوالد شيخنا، وذهب معه إليه حتى استرضاه، وكان يدعي أنه أعلم من بالشام ومصر. قيل: وهذه الدعوى كانت بسبب رميه من كرسي الوعظ بمصر، ودرس بالشامية البرانية، وكان يقول: هي مشروطة لأعلم علماء الشافعية، وأنا مدرسها، فأنا أعلمهم. قيل: وكان مسرحاً. وكان يحلف بالطلاق كثيراً، ويخالف إلى ما يحلف عنه.
وحدثني غير واحد أنه كان يقول: عليّ التلاق بالتاء وهذا وإن كان صحيح التأويل إلا أنه لا يليق بمثله، فإنه يتابعه العوام، ويترتب عليه عبثهم بحلف الطلاق، وعلم اعتباره، وكن شريكاً للشيخ شهاب الدين الذيبي في إمامة المقصورة بالأموي، وكان يصلي في رمضان العشاء والتراويح بالمقصورة الشافعي ليلة، والحنفي ليلة، وكان الفلوجي يطيل في نوبته، فتضجر منه بعض الحكام، ومنع الشافعية من صلاة التراويح بالمقصورة، ثم عزل عن الإمامة بسبب طعنه في بعض القضاة، ووجهت للشيخ شهاب الدين الأيدوني، ثم استكتب جماعة من العلماء محضراً بأنه أحق من الأيدوني، فأعيدت إليه إمامة المقصورة بعد أن أعطي إمامة الأولى، وجمع له بينهما، وكان والده سمساراً في القماش، وفتح عليه وعلى أخيه بالعلم، وأعقب ولدين ذكرين لم يشتغلا في العلم، بل كانا من السباهية مكبين على الجهل، وعدم الاستقامة، وكانت وفاته يوم الخميس رابع صفر سنة إحدى وثمانين وتسعمائة، ودفن من الغد بعد صلاة الجمعة بباب الصغير، وأوصى أن تحمل جنازته إلى زاوية الشيخ الوالد بالأموي ليصلي عليه، فحملت وخرج الشيخ ليدركه، فتلاقى والجنازة في صحن الجامع، فصلى عليه، واقتدى الناس به، وأنا مدرك ذلك إدراكاً واضحاً، وأنا ابن أربع سنوات. وحدثني خالي الزيني عمر بن سبت. قال: سمعت الشيخ بدر الدين يقول حين بلغه موت المذكور: لا إله إلا الله. لقد انطوى بموت الشيخ أحمد الفلوجي علوم كثيرة رحمه الله.
أحمد بن قاسم العباديأحمد بن قاسم، الشيخ العلامة شهاب الدين العبادي، القاهري الشافعي أحد الشافعيين بمصر. كان بارعاً في العربية والبلاغة والتفسير والكلام. له المصنفات الشهيرة كالحاشية المسماة الآيات البينات، على شرح جمع الجوامع وحاشية على شرح الورقات، وحاشية على شرح المنهج. أخذ العلم عن الشيخ ناصر الدين اللقاني، وعن محقق عصره بمصر الشيخ شهاب الدين البرلسي المعروف بعميرة، وعن العلامة قطب الدين عيسى الإيجي الصفوي نزيل الحرم الشريف المكي، وأخذ عنه الشيخ محمد بن داود المقدسي، وغيره. توفي في سنة أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة عائداً من الحج ودفن بالمدينة المنورة كما قرأ بخط تلميذه ابن داود رحمه الله تعالى.
أحمد بن حامدأحمد بن محمود بن عبد الله العلامة أحد موالي الروم، المعروف بابن حامد الدين، فضل في العلم، وتميز حتى حشى على هداية الفقه، وشرح المفتاح للسيد الجرجاني، وتولى مدارس الروم، ثم ولي قضاء حلب، فتعفف عن الرشوة، وكانت سيرته لا بأس بها إلا أنه كان عنده حدة، ومبادرة إلى التعزير حتى مر فقير على سجادته يوم الجمعة، فأوجعه ضرباً، وغضب على نائبه، فباشر ضربه، وعلى كاتبه فعض أذنه، وعزل عن قضاء حلب سنة سبع وستين وتسعمائة.
أحمد القابوني

أحمد بن مخزوم، الشيخ العلامة شهاب الدين القابوني الشافعي، كان طويل القامة، عظيم الجثة، جهوري الصوت، وهو مع ذلك ذكي فاضل له جرأة في البحث، وقعقعة في التقرير، وحضر دروس والدي شيخ الإسلام كثيراً، ولازمه في الجامع الأموي والتقوية وغيرهما. واشتغل على الشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وقرأ على الشيخ نور الدين الطيبي السنفي، وعلى الشيخ العلامة الورع شهاب الدين كثيراً، وأجازه بإجازة عظيمة يقول فيها:
ومن جملة الطاعات، بل من أهمها ... وأعظمها أيضاً لمن كان يشعر
تعلم علم الفقه في دين ربنا ... وتحريره وهو الصحيح المحرر
لقد كان ممن رامه، وسعى له ... بجد وإخلاص شهاب منور
إمام لبيت ظاهر الفضل بارع ... عفيف شريف النفس عدل منضر
أديب نجيب المعي مهذب ... تقي، نقي، ناسك، متبرر
وذاك شهاب الدين نجل من ح ... وى الفضل زين الدين بالفضل يذكر
خطيب حمى القابون الأعلى بجلق ... بمخزوم أي بالخاء، والزاي يشهر
درس بالكلاسة، وكان لا بأس به في التقرير، وانتفع به الطلبة، وتوفي سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة في ثامن شوال، ودفن بمقبرة باب الفراديس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد البعلي النحليأحمد بن نجم الدين البعلي، النحلي، الحنفي، الصوفي، القصيري الطريقة. كان معتقداً يخالط الروم وغيرهم، وله طلاقة لسان يتظاهر بزي أهل الخير، وكان للدولة فيه اعتقاد، وعين له من الجوالي، وكان جسيماً أبيض اللون، كحيل العينين، مات في شوال سنة خمس وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة عن نحو سبعين سنة، ودفن بالصوفية من السفح رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد بن يحيى بن كريم الدينأحمد بن يحيى بن كريم الدين الدمشقي أحد العدول بدمشق، ورئيس الشهود بها. أخذ صناعة التوريق عن القاضي شهاب الدين قاضي نابلس، وكتب في عدة محاكم آخرها بالباب، ولما مات رئيس الشهود بها أحمد ابن المستوفي جلس مكانه، وصار رئيس الشهود بدمشق، وكان عارفاً بصناعة التوريق، وعلى خطه القبول، مات في ربيع الأول سنة اثتنين وسبعين وتسعمائة بتقديم السين أعقب ولدين القاضي محمود، والقاضي يوسف رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد الأيدونيأحمد بن يحيى محيي الدين بن أمين الدين بن محيي الدين الأيدوني الشافعي، الشيخ الإمام المقرىء المجود، الشيخ شهاب الدين إمام المقصورة بالأموي أحد المنعم عليهم بحسن الصوت، وجودة القراءة، وحسن التأدية. كان يمد الذهب مدة، ثم تلا القرآن العظيم على الشيخ تقي الدين القارىء، ثم على تلميذه الشيخ شهاب الدين الطيبي، وقرأ الفقه والتفسير على الوالد ثم لزم الشيخ محمد الإيجي، وتعلم منه الفارسية، ودرس بالأموي، وولي إمامته شريكاً لشيخه الطيبي. كان حسن القراءة. يأخذ بمجامع القلوب أعطي الإمامة عن الفلوجي لتطويله، ثم أعيدت إلى الفلوجي بعد سنين بمحضر كتب للفلوجي أنه أحق بالإمامة، ولم يجمع على ذلك أهل دمشق، وكان له بستان بقرية عربا، وكان يتعاهده بالسقي وغيره بنفسه، وكان شجاعاً، وله فضيلة في العلم، ويد طولى في القراءات، وكان من أخص الناس بالشيخ الوالد، وأحفظهم لصحبته، شارك الشيخ الطيبي في مشايخه، وتوفي كما وجدته بخط الشيخ الطيبي ليلة الخميس رابع عشر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن صبيحة اليوم المذكور بتربة الحمرية بعد أن صلي عليه بجامع بني أمية، ورثاه محمد ابن أخت الشيخ أحمد الإيجي بقصيدة. أرخ فيها وفاته في نصف بيت وهو:
قاري الزمان إلى الجنان لقد رحل.
بحذف الهمزة من قاري على اللفظ، وحكاه الطيبي في بيتين فقال:
الشيخ الأيدوني عاماً قد رحل ... لرحمة الله الذي عز وجل
فقال في تاريخه من قد وصل: ... قاري الزمان إلى الجنان لقد رحل
أحمد المستوفيأحمد بن يوسف القاضي شمس الدين المستوفي. كان يتكسب بالشهادة زماناً، ثم ولي قضاء الشافعية نيابة بالعوني، ثم بالكبرى. توفي سنة ألف، دفن بمقبرة الفراديس رحمه الله تعالى.
أحمد الكردي

أحمد الكردي منلا أحمد، نزيل دمشق كان يسكن العادلية تجاه الظاهرية شافعي المذهب معتقداً عند الحكام، وغيرهم، وعليه سمت الصالحين . توفي يوم الخميس رابع شعبان سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد الزهيريأحمد القاضي شهاب الدين الزهيري، الشافعي، توفي بحلب في نهار الأحد عيد الأضحى بعد الظهر سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن على والدته بتربة بني القاشاني قريب تربة الصالحين رحمه الله تعالى.
أحمد الموصليأحمد القاضي شهاب الدين الموصلي. ناب في محكمة قناة العوني عن قالي زاده، وفي محكمة الميدان عن ابن معلول، ثم بقي معزولاً إلى أن توفي يوم الأربعاء سادس عشري رجب سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ودفن بالميدان بتربتهم قريب الزاوية، وكان عنده شهامة زائدة رحمه الله تعالى.
أحمد العميقيأحمد الشيخ الصالح العميقي كان من الصلحاء الكبار. توفي الأحد سابع ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير جوار سيدي نصر الدين المقدسي، وحضر جنازته الشيخ البهنسي، وجماعة من العلماء وغيرهم رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد بن المعمارأحمد بن المعمار، الشيخ الفاضل شهاب الدين الشاغوري، الشافعي، وهو والد محمد بن المعمار الخشاب. كان ممن أدرك الدولة الجركشية، وكان عبداً صالحاً. قرأ على الشيخ تقي الدين البلاطنسي، والشيخ أبي الفاضل بن اللطف المقدسي. توفي في تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
أحمد بن مرحباأحمد بن مرحبا، الشيخ شهاب الدين الطرابلسي، الشافعي. كان أصله من اللاذقية. توفي بعد الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أسد بن أميرهمأسد بن علي بن إبراهيم، الشيخ الفاضل القدوة البقاعي، الحماري ثم الصفدي الشافعي عرف بابن أميرهم. أخذ عن سيدي محمد بن عراق طريقته، وكان من أشهر الصحابة. توفي في سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أسد الشيرازيأسد بن معين الدين، الشيخ الإمام العلامة المحقق المدقق منلا أسد الشيرازي الشافعي نزيل دمشق أكثر انتفاعه بالشيخ علاء الدين بن عماد الدين، قرأ عليه الإرشاد في الفقه لابن المقرىء، وقرأ عليه في شرح المفتاح في المعاني، والبيان، وشرح الطوالع للأصبهاني، والعضد كلاهما في الأصول، وفي الكشاف، والقاضي، وكان رفيقاً في الاشتغال عليه، وعلى الشيخ أبي الفتح السبستري للشيخ إسماعيل، والشيخ عماد الدين والشمس بن المنقار، وكان يكثر المنافرة مع المنلا أسد، والأسد أمثل منه، وكان الأسد متبحراً في العربية، وعلوم البلاغة، والمنطق، والأصلين، وله يد طولى في الفقه وغيره. أخذ عن شيخ الإسلام والدي، وحضر دروسه في الشامية وغيرها، وكتب بخطه المطول ديوان أبي تمام والمتنبي، وشرح ابن المصنف على الألفية وغير ذلك، ودرس بالناصرية البرانية، ثم بالشامية، وجمع له بينهما، وأفتى بعد موت الشيخ إسماعيل النابلسي، وعنه أخذ أكثر فضلاء الوقت كالشيخ حسن البوريني، والشهابي أحمد بن محمد بن المنقار، والشيخ محمد بن حسين الحمامي وغيرهم، وقرأت عليه في شرح الشذور لابن هشام، ودروساً من شرح الجار بردي على الشافيه، وكان فقيراً، وكان يمدح الأمير إبراهيم بن منجك، وكان الأمير إبراهيم يحسن إليه كثيراً، ووقف عليه بيتاً، وكان يغلب عليه في آخر عمره الوعك، ومرضه سوداوي إلا أنه أثر في جسده وأمور عيناه، ووفر عليه، فكره، وله شعر رائق بليغ كأنه لم يكن أعجمياً ومن شعره مضمناً:
قال لي صاحبي غداة التقينا ... إذ رآني بمدمع مهراق
لم تبكي؟ فقلت: قد أنشدوني ... مفرداً فائقاً لطيف المذاق
كل من كان فاضلاً كان مثلي ... فاضلاً عند قسمة الأرزاق
وكتب إليه في أيام التشريق سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة:
ماذا يقول أديب العجم والعرب ... العالم العامل الراقي على الرتب
في اسم تركب مع حرف، فتم به ... الإسناد عند إمام من ذوي الحسب
والحرف ليس نداء تبتغيه به ... كلا وليس إلا في معرض الطلب

حل السؤال تحل يا من اكتنزت ... ألفاظه، وبدت صرفاً من الضرب
يا أشجع الناس في وصف وفي سمة ... ما كان هذا امتحاناً دع من العتب
لا زلت بالفضل والإنعام معتمراً ... ما حل معتمر إحرامه وحبي
فكتب لي في الجواب. وكنت إذ ذاك ابن خمس عشرة سنة، ولم أكن تظاهرت بين أماثل العلماء إذ ذاك، ولا كنت أخالط من العلماء غير شيخي الشيخ زين الدين بن سلطان الحنفي، والشيخ الفقيه شهاب الدين العيثاوي، ولا أعرف المنلا أسد حينئذ حدثاً في الفضيلة، فله بما يشير إلى ذلك فقال:
يا فاضلاً فاق في أصل وفي نسب ... وعالماً حاز فضل العلم والحسب
ويا إماما مباديه نهاية من ... قد أتعب النفس في التحصيل والدأب
لا بعد في ذاك إذ أصبحت مقتدياً ... بمن مضى لك من آبائك النجب
من كل فذ عظيم القدر ذي منن ... على الخلائق من عجم ومن عرب
أضحت تصانيفهم كالشمس في شرف ... والتبر في قيمة والنجم في رتب
ومن يخاطبك حقاً فليقل أبداً ... يا نجم بدر الهدى يا نجل خير أب
أما وإن ومعمولان يا أملي ... أضحت لدى ابن خروف بالجنان حبي
اسماً تركب مع حرف، فتم به الكلا ... م يا منتهى قصدي ويا أربي
النجم من دأبه إيضاح سبل هدى ... ما بال ذا النجم يخفي العلم في الحجب
لا زلت ترقى مكان النجم معتلياً ... فالاسم عين المسمى عند ذي الأدب
ويخلف البدر في علم وفي عظم ... وفي التصانيف والتدريس والأدب
ما رنحت في ذرى الأدواح صادحة ... تقارب الألف من وجد ومن طرب
توفي في جمادى الثانية سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
إسلامإسلام متولي الجامع الأموي. مات في حدود سبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إسماعيل الجلجوليإسماعيل بن إبراهيم القاضي برهان الدين الجلجولي أبوه، وهو كان أحد الموقعين بالكبرى. مات يوم الأربعاء ثالث رجب سنة اثتنين وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إسماعيل النابلسيإسماعيل بن أحمد ابن الحاج إبراهيم النابلسي، الشيخ العالم العلامة، الإمام الأوحد الفهامة، الهمام، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، كاشف المعضلات من المسائل العلمية، محقق الدلائل العقلية والنقلية، أستاذ العصر، ومفرد الوقت، تصدر للإفتاء والتدريس ، وصار إليه المرجع بعد شيخ الإسلام الوالد. مولده كما وجدته بخط المنلا أسد سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، واشتغل في صباه على جماعة من أهل العلم في النحو والصرف، وحفظ القرآن العظيم، وألفية ابن مالك، ثم لازم الشيخ أبا الفتح السبستري هو وصاحبه الشيخ عماد الدين الحنفي، ثم رافقهما الشمس بن المنقار، والمنلا أسد، والشمس الصالحي وغيرهم، وبالشيخ أبي الفتح تخرج في المنطق، والنحو، والمعاني، والبيان، والأصول، والتفسير وغير ذلك، ثم لزم العلامة الشيخ علاء الدين بن عماد الدين في المعقولات وغيرها، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد كثيراً، وأخذ إسماعيل عن شيخ الإقراء الشيخ شهاب الدين الطييي، وقرأ المنهاج على العلامة الفقيه القاضي نور الدين السنفي، وحضر تقسيم المحلي عليه رفيقاً للشيخ محمد الحجازي، وشيخنا الشيخ أحمد العيثاوي، والشيخ أحمد القابوني، وأجازه بالإفتاء والتدريس، وكان يبحث معه في مجلس درسه كثيراً، ودرس بالجامع الأموي، ثم بدار الحديث الأشرفية، وبالشامية البرانية عن الشيخ شهاب الدين الفلوجي، وكان قاضي دمشق حينئذ عرض فيها للشيخ الحجازي، وأرسل الشيخ إسماعيل ساعياً في طلبها من إسلام بول، فسبق ساعيه، ووجهت المدرسة إليه، فوليها إلى أن مات، ودرس بالدرويشية بشرط واقفها، وضم له إليها تدريس العادلية الكبرى. وكانت دروسه حافلة لصفاء ذهنه، وطلاقة لسانه، وحسن تقريره، وله شعر منه قوله أحجية في عاقر قرحا:
مولاي يا خير مولى ... ويا سليم القريحه

ما مثل قول المحاجي ... يوماً عجوز قريحه
وكتب له العلامة شمس الدين محمد بن نجم الدين الصالحي الهلالي:
أمولاي إسماعيل يا خير مرتجى ... ويا فاتحاً باباً من العلم مرتجا
ويا روض علم أينعت ثمراته ... ويا بحر علم فاض لما تموجا
بتحرير تحقيق هديت لمطلب ... عزيز فأضحى للأفاضل منهجا
سألتك عن شخص تحرر نصفه ... ونصف رقيق لم يجد منه مخرجا
جنى واعتدى عمداً على يد نفسه ... فأفضل عضو بالدماء مضرجا
فماذا عليه للذي حاز نصفه ... وما نص حكم بالشريعة انتجا
فأجابه صاحب الترجمة بقوله:
أكامل هذا العصر في العلم والحجى ... وموضح ما من غيهب الشك قد دجا
ويا شمس دين الله يا فاضلاً غداً ... من الشمس شمس الكون أبهى وأبهج
لك الله من حبر له فضل فطنة ... تضوع منك المسك لما تأرجا
لقد جاءني من بحر علمك جدول ... ففرح قلبي حين همي فرجا
على حين أوقات تفاقم أمرها ... وطاعونها قد قل منه الذي نجا
فقلت وقلبي بالهموم مشتت ... وعيني تنشي بحر دمع تموجا
لقد أهدر الجاني بذلك عضوه ... وإن كان عضواً بالدماء مضرجا
وقد فقد المولى يدي عبده فما ... لها بدل بل خاب من دونه وارتجى
أو الثمن ممن قابل الذات لازم ... أو الربع يعطيه المبعض مزعجا
كما في فتاوي المروزي ذاك كله ... وأوسطها رجح سلمت من الشجا
فهاك جواباً لا برحت مسدداً ... مجيداً مفيداً للفروع مخرجا
ودم أبداً في نعمة وسعادة ... معيناً مغيثاً كل خطب مفرجاً
ولبعضهم:
يا أيها النحوي ما اسم قد حوى ... من مانعات الصرف خمس موانع
ويزول من تلك الموانع علة ... فيعود مصروفاً بغير منازع
أجاب عنه الشيخ إسماعيل:
يا أكمل الفضلاء يا من قد غدا ... في فضله فرداً بغير مدافع
في أذربيجان لقد ألغزت إذ ... شنفت باللغز البديع مسامعي
وعظم أمره، ورزق الحظ من المال، والخدم، والكتب، والجاه، ونفوذ الكلمة، وصار بعد موت الوالد مرجع أهل دمشق، وله الصدارة فيها، وكان سريع الكتابة على الفتوى، وكان يفتي معه الشيخ محمد الحجازي، والشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين الطيبي، وشيخنا، وكان شيخنا الشيخ أحمد العيثاوي أمثلهم، والمرجع في مذهب الشافعي إذ اختلفوا، وكان الشيخ إسماعيل أوجههم، وأنفذها كلمة، وكان الشيخ إسماعيل محسناً في حق الطلبة في المال، وبالشفاعة في الوظائف والمناصب له الحظ الوافر في الكتب. جمع كتباً كثيرة نفيسة، وكان يكثر من إعارة الكتب، وصار عين الشافعية بدمشق، بل عين علمائها، ورأس عظمائها، وكان يستأجر القرى والمزارع كثيراً، ورزق الحظ فيها، ولم يرغب في الأملاك والعقارات إلا شيئاً قليلاً. وملك

داراً بالقرب من الأموي لصيق سوق العنبرانيين وعمرها، وكان ملازماً لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس بالجامع الأموي مع الأولى، وكان له أفضال على القضاة والنواب والكتاب، وأكثر النواب والكتاب هو الذي قدمهم ورتبهم، وهم في نعمته وأفضاله، وكلهم يرجع إلى مشاورته، ويصدر عن رأيه، وكان موقراً موفر الحرمة، سابغ النعمة، لم يجر عليه من نوائب الدهر، ومحن الزمان إلا قصة القابجي الذي عين في فتنة ميراث محمود الأعور بوشاية السقا يوسف، وكان أصل الفتنة مداخلة رئيس الكتاب محمد بن خطاب والد القاضي كمال الدين، وأكثر جماعة القاضي للميراث، فاعتقل القاضي محمد بن خطاب وولده وأهانهما، واعتقل جماعة آخرين منهم صاحب الترجمة، والشيخ محمد الحجازي، ثم كانت النصرة للشيخ إسماعيل من جانب مفتي الروم يومئذ محمد أفندي جوي زاده سبباً لاستخلاص الباقين، والانتقام من القابجي بشنقه في أمور يطول شرحها، ثم عادت دولة الشيخ إسماعيل له، وتوفرت حرمته، وبقي على نفع المسلمين بالإفتاء والتدريس والتعليم إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بمقبرته التي اشتراها شمالي مقبرة باب الصغير بالقرب من جامع جراح. ورثاه الفضلاء بمراث منها هذه القصيدة للعلامة المنلا أسد رحمه الله تعالى:
مصيبة قد أذابت مني الكبدا ... وأسهرت لي طرفاً طالما رقدا
وأفنت الصبر عن قلبي، وقد وضعت ... مكانة الوجد والتبريح والكيدا
إلى متى نحن في ذا الدهر في حرج ... وحقنا أن نديم الحزن والكمدا
إلى متى نحن فيها غافلون وقد ... تدير كأس المنايا بيننا أبدا
ونحن كالشرب بعض مال ساعته ... والبعض منتظر حتى يميل غدا
ألا ترى كيف إسماعيل سيدنا ... كهف الأنام ومنيتهم إمام هدى
ثوى وخلفنا رهن الأسى أبداً ... وسار نحو جنان الخلد منفردا
من للفتاوى إذا أضحت مشتتة ... من للدروس إذا ما طالب قصدا
من للتصانيف من للمشكلات وقد ... أضحى رهيناً بقبر لا يجيب ندا
يا لهف نفسي عليه كيف غيب في ... بطن الثرى، وهو بحر العلم قد زبدا
يا حسرتي، وهو طود الفضل شامخه ... فكيف وارته تحت الأرض كف ردى
يا من غدا طالباً للعلم مجتهداً ... خفض عليك، فسوق الفضل قد كسدا
أبكيه ما دمت حياً بالدموع وقد ... قل البكاء له مني، وإن نفذا
أبكيه ما دمت في الدنيا رهين أسى ... ولا أرى بعده لي عيشة رغدا
إن كان قد فارق الدنيا فلا أسف ... فإنه بنعيم الخلد قد سعدا
فإنه قال مولانا وسيدنا ... نبينا من إلى السبع العلى صعدا
قولاً عظيماً عجيباً فيه منقبة ... أتى به المصطفى الهادي الشفيع غدا
بأن عالمنا مثل النبي غدا ... في سالف الدهر فأفهمه تحز رشدا
وقال الشيخ أحمد العناياتي النابلسي شاعر دمشق:
ألم تر عقد الفضل كيف تبددا ... وعطل منه إذ تحلى به الردى
فنوء المعاني كيف تهوى نجومها ... فما للندى نوء ولا نور للهدى
أرى الدهر يرمي نفسه بمصائب ... ويهدم ما من شامخ العز شيدا
تحلى بصداء العلوم، فكيف قد ... تحلأ عنها ظامياً يشتكي الصدى
لذاك تراه شائب اليوم لابساً ... على فقد مولاه من الليل أسودا
وليس الشتا والصيف إلا مدامعاً ... لمقلته أو حر قلب توقدا
لقد أسعدت عيناي عينيه بالبكا ... وناوحت بالشجو الحمام المغردا
على كامل لم ألف من حر فقده ... على الأرض يطفي الحزن ماء مبردا
لو أني أعطى في المنايا لي المنى ... فدا ألف عين فاضلاً كيف أوحدا

فكيف بمن في نابلوس ومهجتي ... فديت أبا المجد الهمام أبا الفدا
لقد ثكلتك الشام واحد عصره ... عقمن الليالي مثله أن تولدا
وقد فقدت منه المدارس بدرها ... إذا قال أبصرت الفصيح تبلدا
إمام إذا قال الكلام تزال لا ... يزال بسيف من ذكاه مؤيدا
يشوقك وجهاً يملأ العين بهجة ... وصدراً بعقد الاجتهاد مقلدا
فيا عمدة الطلاب كيف تركتهم ... حيارى وكل منشد فيك مرشدا
وحزت المعاني والبيان مطول ... عليك يبكي عبدها منك سيدا
لقد حزت فضل السبق في كل حلبة ... من الفضل حتى حزت في شأوك المدى
تصول بسيف من أصولك قاطع ... فلا ملحد إلا وملقيه ملحدا
فتى بالفتاوى والفتوة يملأ الطروس ... سطوراً للهدى منه والجدى
ولم يختلف في فضله اثنان أنه ... المبرز في جمع العلوم تفردا
وما روضة أسدى إليها الندى يداً ... فراحت فأنفاس الشذا تشكر السدى
بأبهى وأزهى من بيان بنانه ... إذا نظم الدر الفريد ونضدا
على حين أعطاه الزمان زمامة ... ووطا له حتى علاه ولحدا
وصرفه طوعاً له في صروفه ... فمن شاء أدناه، ومن شاء أبعدا
وأخدمه زهر الليالي جوارياً وأمضى له أيامه العز أعيدا
وجاد بنعماه على أوليائه ... وعاد ببؤس من سطاه على العدى
وأظهره كالشمس صيتاً ورفعةً ... فيا ليت شعري ما عدا في الذي بدا
فأصبح من سهم الحوادث مقصدا ... وقد كان في ربع الحوادث مقصدا
أرب العلى إن غبت عنا برغمنا ... فذكرك فينا لا يزال مجددا
وإن سرت من دار الفناء مفوضاً فقد صرت في دار البقاء مخلداً
عليك سلام من الله من بلديك ... الفقير العناياتي عبدك أحمدا
ولا زال للأمطار قبرك مسجداً ... تظل عليه ركعاً فيه سجدا
وأشهد الرحمان في الخلد وجهه ... وحسبك أن تلقى الحبيب وتشهدا
إسماعيل شاه سلطان العجمإسماعيل شاه بن طهماز بن عباس بن إسماعيل شاه ابن حيدر بن جنيد ابن الشيخ صفي الدين الأردبيلي، الشهير بالصوفي سلطان العجم المعروفين بقزل باش، وإنما سمي سلطانهم بالصوفي نسبة إلى جبل الصوف المزاحم لأنطاكية لكون جدهم حيدر كان مقيماً بها، ولما ظهرت بدعته قام عليه عالم أنطاكية العلامة شمس الدين العجمي، واستنصر عليه بكافل حلب جانم المكحل في حدود سنة ثمان وخمسين وثمانمائة، ثم تغلب بعده ولده حيدر، وجمع عساكر، والتقى هو وعساكر أهل السنة، فقتل هو، وكسر عسكره، ثم نشأ بعد ولده إسماعيل، وتغلب على العراق والعجم وسار إليه السلطان سليم بن بايزيد بن عثمان، والتقى هو وعساكره معه، وهو في عساكره فكسره السلطان سليم، ثم نشأ بعده ولده عباس شاه ابن إسماعيل، فسافر إليه السلطان سليمان بن سليم، ففر منه إلى ملك خراسان، فاستولى على العراقيين، ثم ترك له عراق العجم وعمر ببغداد قلعة، ثم لما هلك عباس شاه نشأ بعده ولده طهماز، ثم هلك، وولي بعده إسماعيل شاه صاحب الترجمة، وكان إسماعيل هنا يظهر التسنن، ويجمع بين علماء السنة، وعلماء الشيعة، فينصر علماء السنة على علماء الشيعة، فسمته أخته بري خان خانم، فقتل هو ومحبويه بسبب أكل البرش المسموم سنة ست وثمانين وتسعمائة.
حرف الباء الموحدة من الطبقة الثالثة

بركات بن محمد الباقاني
بركات بن محمد الشيخ زين الدين الأنصاري القادري والد الشيخ نور الدين الباقاني. أخذ الحديث عن الجمال بن طولون، وابن أخيه لحافظ شمس الدين، وعن جار الله بن فهد الحنفي بمكة المشرفة، وعن التقوى أبي بكر الجراعي، وعن الشمس الضيروطي، أخبر عن نفسه أنه بلغ من العمر مائة وعشرين سنة، وأنه أدرك ابن حجر العسقلاني، وبعض مشايخه، ولم يسلم له ذلك العقلاء، ومات في سنة أربع و سبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

بركات سبط الموصلي: بركات بن محمد الشيخ الصالح المعمر، المربي زين الدين سبط الشيخ أبي بكر الموصلي جده الميداني الشافعي، القادري. كان على طريقة ، آبائه من الكرم والسخاء والتصدر لتردد الناس إليه، وإقامة الذكر، وإكرام الزائرين. يتردد إليه أكابر الناس وعلمائهم وقضاتهم، وكان له وجاهة، وكلمة نافذة عند الحكام، وبلغ من العمر نحو مائة سنة وثلاث سنين كما قرأته بخط والد شيخنا الشيخ يونس، وكان حسن المنظر، وافر الهيبة. ولد له أولاد كثيرة منهم الشيخ أبو الفضل، وأمه من بني شبل، والشيخ تقي الدين، وشهاب الدين وأمهما بنت الشيخ شهاب الدين المحوجب. توفي إلى رحمة الله تعالى ليلة الأربعاء العشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلي عليه إماماً الوالد، ودفن بتربتهم لصيق مسجد النارنج بالقرب من مقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.
بركات شقير المؤقتبركات الشيخ زين الصالحي، المعروف بشقير المؤقت والمؤذن بالجامع الأموي، وصار رئيس المؤذنين به، ولما انتهى ترصيص التقيسية للدعاء بمنارة العروس بالجامع الأموي مع المشاهد الأربعة حواليه في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، وعين الشيخ بركات المذكور في وظيفة الدعاء بالتقيسية. أنشد الشيخ شهاب الدين الغزي أخي لنفسه في الشهر المذكور كما ذكره ابن طولون في تاريخه:
أرى الحسن مجموعاً بجامع جلق ... وتجديده من أسعد البركات
وتاريخ ترصيص به لفضائل ... وتسقيفه من أحسن القربات
تقيسية قد حاز كل طريقة ... وتيميم سعد فيه مع بركات
توفي الشيخ بركات المذكور في يوم الجمعة سادس رمضان سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى وهو جد أبي الصفا جلبي الإسطواني لأمه.
برويز بن عبد اللهالمولى مظفر الدين أحد الموالي الرومية. اشتغل في العلم، وخدم المولى شمس الدين أحمد بن كمال باشا صاحب التفسير، وتولى قضاء حلب، وفي يوم دخوله إليها بشر بقضاء الشام، ودخل دمشق في شوال سنة إحدى وستين وتسعمائة، وبقي بها مدة قضائها بعد حسن بيك أفندي، وتولى حسن بيك بعده ثانياً، ثم تولى مصر، ثم المدينة، ثم القسطنطينية، ثم قضاء العسكر الأناطولي. وله حاشية على تفسير البيضاوي، وحاشية على الهداية، ورسائل في فنون. مات في سنة ست وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف التاء المثناة خال

حرف الثاء المثلثة خال
حرف الجيم من الطبقة الثالثة
جعفر باشا
جعفر باشا ابن عبد الله أمير الأمراء بكلربكي دمشق. كان لالا السلطان مراد، وكان أهل الشام يكنونه أبا عيشة، وكان يقول أهل الشام أولياء مكاشفون فإن لي بنتاً اسمها عيشة. مات بدمشق، وهو أمير أمرائها يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وثمانين وتسعمائة، ودفن بتربة لصيق المصلى من جهة الشمال رحمه الله تعالى.
جان بلاطجان بلاط ابن الأمير قاسم الكردي، القصيري، المشهور بابن عربو أمير لواء الأكراد بحلب، وولي سنجقية المعرة وكلز وإعزاز وتوابعها، وولي لواء أمراء الأكراد بحلب، فقتل جماعة من الأكراد واليزيدية، وقطاع الطريق، واللصوص، وكان يحبسهم في بئر عميقة، وأشبعهم بلاء حتى حسم مادة المفسدين، وتمكن من منصب الأمير عز الدين ابن الشيخ مند الذي كان عدو الله، وسعى في قتله، ومن شيعته، ودوره التي بناها بحلب، وكلز، ومن زوجته التي تزوجها، وولدت له بنين، ثم اشتهر أمره، وبعد صيته، وصار إليه بحيث يفوض إليه التفاتيش العظام، وأنشأ داراً عظيمة بحلب قيل: إنه صرف عليها ما ينوف على عشرين ألف دينار، وتوجه سنة سبع وستين إلى الباب بالخزائن الحلبية، وعاد فيها مكرماً من قبل صاحب السلطنة، وأحضر حكماً بهدم الكنيسة التي أحدثها فرنج اليهود بحلب، فحضر هو وقاضي حلب، فهدموها وتأخرت وفاته عن وفاة ابن الحنبلي رحمه الله تعالى.
جلال السيد الشريف

المعروف بالجلال المصري، والجلال الركاب لأنه كان يركب الخيل يذللها ويطبعها، وكان مقرباً عند نواب الشام وأمرائها لذلك، وله عشرة عثمانية في الجوالي، وقراءة في الأموي، وكان رجلاً صالحاً كما قال والد شيخنا، وكان معتزلاً عن الناس، وله رجولية وفروسية. مات شهيداً مهدوماً عليه سقف بيته بمحلة سوق العبي هو ومعه ثلاث بنات له في ليلة الجمعة سابع عشري جمادى الأولى سنة سبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الحاء المهملة من الطبقة الثالثة

حامد بن داود
حامد بن داود المولى العلامة، المحقق الفهامة، أحد الموالي الرومية. خدم المفتي عبد القادر الحميدي، وولي التدريس بطريقها، ثم صار قاضياً بحلب، ثم بدمشق، ودخلها في ذي الحجة سنة خمس وخمسين وتسعمائة، وبقي قاضياً بها نحو سنتين، وكان عالماً فاضلاً ديناً متورعاً، وكانت سيرته محمودة، وترددت إليه علماء دمشق، وأحبوه، ثم تولى قضاء مصر، ثم ترقى حتى صار مفتياً بالقسطنطينية، ومات وهو مفتيها سنة أربع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن السعديحسن بن محمد بن محمد بن سعيد السعدي، وقيل: ينتهي نسبه إلى الشيخ سعد الدين الجباوي، الشيخ الصالح المربي المزازي الشاغوري، الشافعي المذهب. مات في سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، ودفن بمسجد الذبان لصيق مقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حسن الصفديحسن بن محمد بن الشيخ العالم المسند المعمر بدر الدين ابن الشيخ الصالح العلامة شمس الدين حامد الصفدي الشافعي. ولد بصفد صبيحة يوم الخميس ثاني جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وثمانمائة. أخذ عن والده، ورحل إلى مصر في سنة خمس وعشرين وتسعمائة، فأخذ عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف والقلقشندي، والسنباطي، والكمال الطويل، والشهاب ابن النجار، والنور المحلي، والشبلي وشهاب الدين أحمد بن محمد بن الطحان القادري، وعاد إلى دمشق، فأخذ عن التقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين بن حمزة، وعاد إلى صفد، وتوفي في حدود التسعين بتقديم المثناة فوق وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن بن نصيرحسن بن محمد بن نصير أو نصر بفتح النون فيهما الشيخ الإمام المقرىء، المجود المتقن بدر الدين الصلتي الأصل، الدمشقي الدار والمنشأ، الشافعي. مولده أواخر القرن التاسع، وكتابه الإرشاد أخذ القراءات عن الشمس إمام الباشورة وغيره، ولقي شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون، وأخذ عن صالح اليمني، وأبي الفضل بن أبي اللطف، والبلاطنسي، والقاري، ولقي أبا العون الغزي، وسيدي علي بن ميمون، ولازم شيخ الإسلام الجد، وكان يحفظ القرآن العظيم مجوداً للعشر، وقصد للأخذ عنه من سائر الآفاق، وألحق الأولاد بالأجداد والأحفاد، وكان ملازماً لجامع كريم الدين بالقبيات يقرىء الناس فيه، وله بيت لصيق الجامع من جهة الشمال، وكان يأكل من كسب يمينه بنسج القطن، وكانت عليه نضرة القراء، وأبهة العلماء، ونورانية الأولياء رضي الله تعالى عنه وممن أخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين الأخ، وقرأت عليه لعاصم البقرة، وأدركته المنية، فتوفي يوم الخميس تاسع عشري المحرم سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن أحد الموالي الرومية

حسن بن عبد الله، أحد الموالي الرومية العالم العلامة، الأوحد الفهامة، اشتراه الوزير الأعظم رستم باشا، وعمره تسع سنين، فأعتقه وعلمه القرآن العظيم، واشتغل في العلم على فضلاء الروم، وبرع في فقه الحنفية، وولي المدارس السنية حتى صار مدرساً بإحدى الثمان. وتولى قضاء الشام سنة تسع وخمسين وتسعمائة ودخلها في ربيع الأول. وولي بعده برويز أفندي. ثم عاد إليها ثانيا، واستمر بها مدة، ثم أعطي قضاء مصر، فخرج من دمشق إليها في شعبان سنة ثلاث وستين وتسعمائة، ثم توجه إلى الحج في سنة إحدى وستين، وبعد توجهه لعشرين يوماً ورد أولاق بعزله عن قضاء الشام، وتوليته قضاء مكة المشرفة، فأرسل نائب الشام نجاباً معه الأمر بتوليته مكة، فلحقه بتبوك، فاستمر بمكة قاضيها مدة، ثم عزل عنها، وعاد إلى الإسلام بول، ثم أعيد إلى الشام قاضياً في سنة ثلاث وستين وتسعمائة عن برويز أفندي المتولي قضاء الشام بعده، ثم أعطي مصر، فخرج من دمشق إليها في شعبان سنة أربع وستين وتسعمائة، ثم ولي القسطنطينية، ثم قضاء العسكر، وكان أشقر اللحية، أزرق العينين، عليه وقار وهيبة، وله حرمة وافرة، هابه في قضائه النظار والناس حتى نائب الشام، وردع أهل الظلم، وهو الذي عمر مجلس الحكم بباب القاضي، وكان نواب الباب أولاً يجلسون بإيوان القاعة الشرقي، فبنى هذا المجلس خارج القاعة، وكان يعظم العلماء والفضلاء، وكان يميل إلى شيخ الإسلام الوالد ويعتقده، ويقبل يده، ويحبه محبة شديدة، ويزوره في خلوته بالجامع الأموي، ويتبرك به ويسأله الدعاء، ولما ولي الشام ثانياً، ودخل دمشق دخل عليه الوالد للسلام عليه، فمشى إلى ملاقاته حافياً إلى البحرة التي في القاعة، وعانقه وقبل يده وأجلسه عن يمينه، ثم دخل في أثره الشيخ علاء الدين بن عماد الدين للسلام على القاضي، فلم يجلس تحت الشيخ بل جلس تجاه الأفندي خلف الصندوق على طرف الإيوان، وكان الأفندي يفهم ما بينهما، فقال له: ما لك لا تجلس تحت مولانا شيخ الإسلام وهو أكبر منك سناً وأكثر منك علماً؟ فقال الشيخ: يا مولانا هؤلاء أولادنا منهم من عق، ومنهم من بر، ثم قام الشيخ علاء الدين، ولم يتكلم بشيء، فتعجب الحاضرون من سكوته لما يعلمون من جرأته، وعدوها كرامة للشيخ من حيث أسكت عنه الشيخ علاء الدين وأفحم، أو سكت لما يعلم من اعتقاد الأفندي في الشيخ، وكتب إلى الشيخ من مصر وهو قاض بها في صدر مطالعة، ولعله استعاره من ألحان السواجع:
يا برق هل ترثي لصب ساهر ... أو هل ترى لكسره من جابر
وهل لما قد ناله من راحم ... أو لم يكن فهل له من عاذر
أبيت لا أنيس لي إلا الذي ... يدور من شكواي في ضمائري
وأضلعي تحني على جمر الغضا ... وما الشرار غير قلبي الطائر
ومقلتي تعثرت دموعها ... لأنها تجري على محاجري
والنوم لا أعرف منه سنة ... في سنة إلا بحكم النادر
فكتب إليه الشيخ في صدر مطالعة ما جوابه:
وافى كتاب من حبيب حاضر ... في وسط قلبي غائب عن ناظري
فغدا فؤادي راقصاً بقدومه ... وبكت عيوني فرحة بالزائر
ونهضت إجلالاً له ووضعته ... حملاً على رأسي وفوق ضمائري
ورفعته فوق الخدود وصنته ... عن حر دمع قد جرى بمحاجري
وفضضت مسك ختامه عن روضة ... غناء ذات خمائل وأزاهر
وجنيت من ألفاظه تبراً ومن ... رياه طيب أريج زهر ناضر
ولقطت من منثوره دراً ومن ... منظومه عقداً بديع جواهر
لم لا ومنشيه مليك بلاغه ... فنسبه من بيت سعد طاهر
مولى يكاتب عبده والعبد في ... رق الولاء بباطن وبظاهر
ما أن يرى لوداده من أول ... كلا ولا لولائه من آخر
كان صاحب الترجمة يتلطف، فيكتب في إمضائه حسن بن عبد المحسن، ويقال له عند أهل البديع: الإشتقاق، ويقال: جناس الإشتقاق. توفي بالقسطنطينية سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن بن يوسفأحد مولى الروم

الموالى الزاهد الصمداني، أحد موالي الروم. اشتغل بالعلم، وخدم المفتي أبا السعود، ومات في أدرنه عاشر ذي الحجة في سنة خمس وسبعين بتقديم السين وتسعمائة بالرعاف رحمه الله تعالى.
حسن السهاويحسن الشيخ العلامة الورع، الشيخ صدر الدين السهاوي بضم المهملة المصري. وكان فقيهاً صوفياً مؤثراً للعزلة لا يخرج إلا للتدريس، أو لصلاة الجماعة صواماً، قواماً، متحملاً. أخذ الفقه عن الشيخ نور الدين الطرابلسي، والشيخ شهاب الدين الشلبي، وزوجه بنته، وأجازه بالإفتاء والتدريس، وأخذ عن الشيخ شرف الدين المالكي المقيم بزاوية الخطاب بالقاهرة، وأخد التصوف عن سيدي أبي السعود الجارحي، وأثنى عليه الشعراوي في طبقاته، وتأخرت وفاته عن وفاته رحمه الله تعالى.
حسن بن محمد بن حمزةحسن بن محمد بن حمزة، الشيخ العالم الفاضل بدر الدين ابن شيخ الإسلام كمال الدين بن حمزة، السيد الشريف الحسيب النسيب. كان من العلماء الفارعين، والفضلاء البارعين. ولد سنة ست وعشرين وتسعمائة كما قرأته من خط الشيخ عبد القادر بن النعيمي حضر دروس والدي، وكان من أخص الناس به، وقال والد شيخنا: كان من أجمل الناس علماً، وأدباً، وديناً، وكان مدرساً في الشامية الجوانية، والجامع الأموي، وله مناصب جليلة يستحقها دون غيره علماً ووراثةً، وكانت وفاته فيما قرأته من خط المشار إليه في يوم الجمعة بعد الصلاة سابع عشر ذي القعدة الحرام سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلي عليه بعد صلاة العصر بالجامع الأموي، ودفن بتربة باب الصغير، وبها قبر والده، وهو السيد زين العابدين، والسيد محمد، وكل منهما ولي نقابة الأشراف بدمشق رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حسن القطنانيحسن القطناني، ووالد شيخ الطائفة القطنانيين، نسبة إلى قطنا تابع وادي العجم. يتصل طريقهم بجدهم الشيخ حسن الراعي الآخذ عن سيدي أحمد الرفاعي، كان عبداً صالحاً، نيراً، طارحاً للتكلف يشهد من يراه بولايته. مات سبع بتقديم السين وسبعين وتسعمائة، وهو والد الشيخ علي رحمه الله تعالى.
حسين بن الحصكفيحسين بن علي، الشيخ البارع الفاضل شمس الدين الحصكفي، الشافعي، مولده سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، واشتغل في العلم صغيراً على شيخ الإسلام الوالد، وعلى الشيخ شهاب الدين الطيبي المقرىء وغيرهما، وبرع في العربية وغيرها، ونظم تصريف الغزي، وهو ابن أربع عشرة سنة، وكان من قوله فيه:
وبعد ذا فإنني بعجزي ... ناظم تصريف الإمام العزي
وعمري أربع عشرة سنة ... وكل الأعمار كأنها سنة
وعرضه على شيخ الإسلام الوالد، فقرظ عليه بقوله كما نقلته من خطه:
أحمد ربي العلي المنعما ... معلم الإنسان ما لن يعلما
كرمه على جميع الخلق ... مفضلاً أبعاضه في الرزق
وخص بالحفظ وبالتعليم ... من عمه بفضله العميم
ثم أصلي مثل ما أسلم ... على نبي قدره المعظم
وآله وصحبه والتبع ... على الهدى لنهجه المتبع
وبعد فالطفل الأديب البارع ... الفاضل الندب الأديب الفارع
وهو الحسين بن علي الحصكفي ... عامله الله بلطفه الخفي
أطلعني على انتظام رصف ... في علم تصريف له قد ألف
نظم تصريف الإمام العزي ... فيه، ولم يبد به من عجز
فقد أصاب الوزن والرويا ... وصحة المعنى الذي تهيا
ولم يحد عن مقصد الكتاب ... ولا تخطى طرق الصواب
وسوف يرتقي إلى مقام ... في العلم شامخ الذرى وسامي
فإنه ذو همة علية ... وفطنة في العلم المعية
وقد أجزته بهذا الفن ... وكلما يجوز لي وعني
وكان ما ذكرته في عاشر ... يوم تقضي من ربيع الآخر
من عام ستة وأربعينا ... من بعد تسعمائة سنينا
كتبه معترفاً بالعجز ... العامري محمد بن الغزي
والحمد لله على إنعامه ... ثم صلاة الله مع سلامه

على النبي وآله أهل الوفا ... وحسبنا الله تعالى وكفى
ونسأل الله الكريم المنعما ... بالخير والحسنى لنا أن يختما
وكان صاحب الترجمة حسن الخط. كتب للوالد كثيراً من الكتب من مؤلفاته وغيرها. توفي سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة. قيل: إنه كان له وعظ بالجامع الأموي ختمه يوم سبعة وعشرين من رمضان، وقال يخاطب الحاضرين: هذا آخر العهد منكم، وانتقل، غداً، ثم لما انصرف من وعظه حم ومات في اليوم الثاني رحمه الله تعالى.
حسين أحد الموالي الروميةحسين بن محمد بن حسام الدين أحد الموالي الرومية، المعروف بقرا جلبي زاده. ترقى في التدريس حتى صار قاضياً بدمشق، ودخلها في صفر سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وهي سنة وفاة شيخ الإسلام الوالد، وحضر جنازته، وحمل بأحد جوانبها، وسلك في قضائه مسلك جوي زاده، وناظر زاده في العفة والصيانة، وكذلك ولده أحمد أفندي قاضي العساكر حين ولي قضاء دمشق وغيرها، وهو حي الآن، ووصل خبر عزله في سادس عشر ذي الحجة سنة ست وثمانين وتسعمائة.
حسين بن النصيبيحسين بن عمر بن محمد، الشيخ العلامة بدر الدين، أقضى القضاة، زين الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين الحلبي، الشافعي، عرف بابن النصيبي أخذ النحو، والصرف عن العلاء الموصلي، والفقه عن البرهان اليشبكي، والبرهان العمادي، والشمس الخناجري، والنحو، وغيره عن الشهاب الهندي، وعن منلا موسى بن عوض الكردي والشيخ محمد المغربي الشهير بابن المرقي، وارتحل إلى حماة فدخل في مريدي الشيخ علوان وزوجه الشيخ ابنته، وولدت له ولده جلال الدين، وغيره، وعاد إلى حلب، وكان الواردون إليها من الحجاز، وغيره إلى الروم، ومن الروم، وغيره إلى الحجاز يفدون إليه، وينزلون عليه، وكان يتلقاهم بالتأهيل، والترحيب، والقرى، ويستفيد منهم، ويستفيدون منه، ومن شعره ما تساجل به، والعلامة سيدي أحمد بن المنلا فقال ابن المنلا:
ضرب من السحر أو ضرب من الكحل ... ما كان من طرفك إلا مضى من الأجل
وقدك المائس العسال منتسباً ... غصن من البان أم لدن من الأسل
فقال صاحب الترجمة:
والورد خدك أم لون العقيق به ... أم لون كأسك أم ذا حمرة الخجل
والشهد ريقك أم برد الرضاب ... حلاوة أين منها نكهة العسل؟
فقال ابن المنلا:
يا بدر تم إذا ما حل دارته ... لام العذار كساه أفخر الحلل
أيقظ نواظرك السكرى فقد ظهرت ... عقارب الصدغ تبغي دارة الحمل
فقال صاحب الترجمة:
وارحم فؤاداً كواه الحب من شغف ... ولا تمل نحو من يصغي إلى العذل
وجد بتقبيل ثغر راق مبسمة ... يشفي مريض الهوى من شدة العلل
فقال ابن المنلا:
واستبق روحي وخذها في رضاك ... وقل هذا محب عن الأعتاب لم يحل
فقال صاحب الترجمة:
وارفق بدمع من الأجفان منهمل ... على خدود علتها صفرة الوجل
فقال ابن المنلا:
واحفظ عهود الوفا واجف الجفا كرماً ... واقصد إلى ما عسى يدني من الأمل
فقال صاحب الترجمة:
فالصبر مرتحل والجسم منتحل ... والدمع منهطل والقلب في علل
مهلاً فإن يك دمعي سال ممتزجاً ... دماً فمن ذا الذي يخلو من الزلل؟
حسين المكيحسين ابن القاضي حسين المكي المالكي، المشهور بالكرم بمكة المشرفة قيل: كان سماطه في الأعياد ألف صحن صيني. مات في تاسع صفر سنة تسعين بتقديم التاء وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حمدان القدسيحمدان القدسي الحنفي. كان له مشاركة في العلم إلا كان جريئاً بذيء اللسان. سل لسانه سليمان باشا ابن قباد في سنة تسع بتقديم التاء وتسعمائة وشنقة في الدلبة التي في المرجة، وذكره بإطلاق لسانه فيه وفي غيره، وقوله فيه: إنه الأعور الدجال.
حمزة الترجمان

حمزة الترجمان. كان يترجم للقضاة بدمشق، ثم ترقى إلى أنظار المدارس حتى نظر الأموي، ومات عنه قال والد شيخنا: وكان لا بأس به لكونه أصلح من غيره، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب من آحاد التركمان. مات ليلة الإثنين ثامن عشر صفر سنة اثنتين وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وتأسف الناس عليه رحمه الله تعالى.
حرف الخاء المعجمة من الطبقة الثالثة

خالد بن أبي بكر
خالد بن أبي بكر بن محمد بن محمد بن عيسى، وعيسى جده هذا هو بالعلم المشهور بالولاية، الأريحاوي، السرجي، نسبة إلى سرجة بفتح فسكون قرية من قرى حلب، جاور بالقدس الشريف مدة، ثم ورد على سيدي علوان، ولازمه ثم سكن حلب، وأذن له شيخه بأن يتكلم على الخواطر، وتأخرت وفاته عن ابن الحنبلي رحمه الله تعالى.
خضر خطيب دمشقخضر بن أحمد بن خضر، المشهور بالشيخ خير الدين الأماسي، الحنفي، خطيب دمشق، وهو أول حنفي خطب بالجامع الأموي، كان شيخاً، معمراً منوراً، متصلباً في دينه صوفياً، أنشأ له بعض الأكابر بالقسطنطينية زاوية فأقام بها، ثم ولي خطابه جامع دمشق فخطب به، والناس، به راضون، ثم تقاعد بخمسين عثمانياً، وشيء من الحنطة وتنقل في البلاد، ولم يزل في مجالسه الوعظية يقدح في الظلمة من القضاة والوزراء والأمراء، وربما واجههم بذلك حتى في دار السلطنة ولا يقدر له أحد على سوء قدم حلب ثلاث مرات آخرهن في سنة أربع وستين وتسعمائة، بعد أن جاور بالقدس خمسة أشهر فعاد منها، شاكياً من قاضيها، وواليها وأهلها، إلى بلدة أماسية، وأقام بها حتى توفي بعد سنين رحمه الله تعالى.
خطاب الضريرخطاب، الشيخ الصالح العابد الزاهد، شيخ الإقراء بمدرسة الشيخ أبي عمر بصالحية دمشق. كان ضريراً حافظاً لكتاب الله تعالى. نافعاً للمجاورين بالمدرسة المذكورة، وكان إذا حصل له شيء من الدراهم اشترى به مصحفاً. ووقفه، وكان يؤذن إذا جاء وقت الصلاة حتى في مرض موته، واستغراقه حتى مات يوم السبت ثامن عشر شعبان سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
خضر أفنديخضر أفندي نائب الباب لقاضي القضاة مصطفى جلبي ابن بستان، مات يوم الأحد رابع عشري جمادى الثانية سنة ثلاث وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
خليل الحلبيخليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن شجاع، الشيخ العلامة عز الدين، ابن الشيخ شهاب الدين الحمصي الأصل، الحلبي المولد، والمنشأ القسطنطيني، الشافعي المشهور بابن النقيب، ولد في يوم الجمعة عاشر المحرم، سنة تسعمائة، قرأ القرآن على عدة وحفظ ألفية ابن مالك، وكافية ابن الحاجب، وفرائض الرجبي، والياسمينية في الجبر، والمقابلة واشتغل في الميقات على الشيخ محمد الحباك، ثم على البدر السيوفي في العربية فقرأ الجرومية، وتصريف الغزي، ومتن الجغميني، ثم قرأ على الشيخ علي السرميني، في الفرائض والحساب، ثم فتر عن الطلب قليلاً، ثم تحركت همته للطلب، فسافر إلى القاهرة ماشياً من غير زاد في سنة أربع وعشرين وتسعمائة، فاشتغل بها في الفرائض، والحساب، والميقات والهندسة، والموسيقى، والطب، على الشيخ أحمد بن عبد الغفار، وعلى الشيخ شمس الدين محمد الهنيدي، المصري الفلكي في الفلك، ثم عاد إلى حلب بعد سنتين فقرأ على ابن السفيري الشافية لابن الحاجب، وعلي بن سعيد الشمسية، في المنطق وشرحها للقطب، وسمع عليه الطوالع، وعلي منلا موسى، وعلي منلا زاده في الحكمة، وقدم دمشق سنة ثمان وعشرين فتصدر بالجامع الأموي انتفع الناس به، ثم سافر إلى الروم، ودخل دمشق ثانياً سنة أربع وخمسين، ثم سافر منها إلى مصر، ثم رجع إلى إسلام بول سنة خمس وستين، وتقرب من بعض كتاب الديوان، فأثرى منه، وعرض عليه أن يكون له علوفة، مراراً فأبى فقوي فيه الاعتقاد، وممن أخذ عنه البرهان بن مفلح، وولده القاضي أكمل، واجتمع به بالقسطنطينية في سنة خمس وستين، وكان له يد طولى في الحكمة، والهندس، والطب اشتهر به، وعالج بعض الأكابر، فبرأ من مرضه، فاشتهر، وصارت معيشته منه ونظم ونثر، وألف رسالة على الحمدلة ورسالة في الحساب ، ورسالة في الهيئة ، وجمع في خواص الحروف شيئاً، وادعى حل الزيراجة السبتية وشرح قصيدة أبي السعود التي أولها: أبعد سليمي مطلب ومرام.

وله يمدح القصيدة المذكورة، والتزم حرف السين المهملة في كلماتها:
سطور حسن عن الشمس أسفرت ... سباني سن باسم وسلام
فعن يوسف سارت وفي الحسن أسندت سقتني سلافاً والكؤوس حسام
فسهل لها سفك النفوس وقد سعى ... يساعد فيه سالف وسهام
واستمر المذكور بإسلام بول، موفر الجاه، حتى توفي بها سنة تسع وستين أو سنة سبعين وتسعمائة، وقال ابن الحنبلي: في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الدال المهملة من الطبقة الثالثة

داود بن علي اليماني
داود بن علي بن شعبان اليماني، الوصابي، الشافعي. كان من أهل العلم، والصلاح، والديانة، والعفة فقيهاً. الإرشاد وشروحه نصب عينيه تردد في البلاد، ودخل مكة والمدينة ومصر والشام، وأخذ عن علمائها، وكان من أكبر المحبين لشيخ الإسلام الوالد. وفد إليه بدمشق في سنة اثنتين وستين، ثم في سنة خمس وستين، وفي سنة ست وستين، وكتب عنه فوائد، وأخذ عنه أشياء غير واحدة، وأجاز الشيخ بإجازتين حافلتين منظومتين واحدة من بحر الرجز بالتصوف، وأخرى من بحر البسيط بالإفتاء والتدريس. ثم أقام بمصر، ومات في حدود الألف رحمه الله تعالى.
داود الضرير الطبيبداود الضرير الطبيب. حكيم القاهرة، وكان يحكى عنه عجائب في تشخيص العلة وعلاجاتها. مات في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
درويش باشا ابن رستم باشادرويش باشا ابن رستم باشا الرومي، وهو ابن أخت محمد باشا الوزير. ولي نيابة طرابلس، وتوجه منها أميراً للركب الشامي في سنة أربع وسبعين، وكان حيتئذ مراد باشا مستحفظاً بدمشق، ونيابتها يومئذ على مصطفى باشا، وكان يومئذ بمصر متوجهاً إلى اليمن، وقتل درويش باشا في تلك السنة بطريق مكة معصوم بيك وزير الشاه ومن معه، ثم رجع درويش باشا إلى محل نيابته بطرابلس، ثم ولي نيابة دمشق، وكانت سيرته مستحسنة، وله مقاصد جميلة، ووقع في سنة إحدى وثمانين بدمشق طاعون عظيم، وكان الرجل يموت ولده، وهو محبوس على دينه، فصالح أرباب الديون عن المتدينين، وأخرجهم من السجن، وأمر أن لا يحبس أحد بتلك الأيام، فلما رأى الناس ذلك منه كفوا عن المخاطبة، وأحبه أهل دمشق، وعمر الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية بين السيبائية، وبين دار السعادة، وعمر الحمام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي من جهة باب البريد، وعمر القاسارية، والسوق بالقرب منه سوق الجوخ والقهوة، ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه، وشرط تدريسه للشيخ إسماعيل النابلسي، وكان خصيصاً به، وكان له اعتقاد في شيخ الإسلام الوالد، وكان يتردد إليه في خلوته غربي الجامع الأموي يقبل يديه، وبلغ الوالد أن جماعته يخرجون لطلب التراب والأحجار من الصحراء، فيسخرون دواب أهل القرى لذلك. فأرسل إليه رقعة ينهاه فيها عن ذلك، فمنع جماعته من ذلك، وتبرأ من صنيعهم، وعمر الجسر على نهر بردا عند عين القصارين من أخشاب، وجعل له مرافس، وكان عمره قبله مصطفى باشا بالأحجار، فلما جاءت الزيادة وخرب، فأراد درويش باشا أن يعمره بالأحجار والمون، فقيل له: إنه عمر على هذه الصورة مراراً، ويخرب، فعمره من خشب، وجعل له تلك المرافس، ويعرف هذا الجسر قديماً بجسر طوغان، ومما وقع له أن رجلين اختصما إليه في لقطة ادعى مدعيها أنها كانت خمسمائة، فقال لملتقطها: ما تقول؟ فقال: أنا والله لم ألق إلا هذه الصرة، فإذا هي دون ذلك. فقال درويش باشا للمدعي: هذه ليست لك هذه تبقى لصاحبها حتى يطلبها، وأنت فالتمس ضالتك. وأنشأ بدمشق السبيل جوار مدفن الشيخ خليل بالقرب من دار السعادة، وأجرى إليه الماء بدولاب من نهر بانياس، وأنشأ سبيلاً آخر في حائط جامعه. وقال ما فيه في تاريخ السبيل الأول:
هذا سبيل بل سلسبيل ... يشفي غليلاً يشفي عليلا
وزمزم الماء فيه يجري ... لدى مقام حوى خليلا
أجزاه أجراً فأرجوه ... درويش باشا بنى سبيلا
وقال في الثاني:
أحيي دمشق وأهلها بسبيله ... درويش باشا دام فعل جميله
قبل الكريم ثوابه لما أتى ... تاريخه لله خير سبيله

وفي سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة عزل عن دمشق بجعفر باشا، ثم تولى نيابة مرعش مدة، ثم قرامان، ثم ديار بكر، فمات بها سنة خمس وثمانين، فصبر وحمل تابوته بعد مدة إلى دمشق فدخلوا به في تاسع رمضان سنة ست وثمانين وتسعمائة كذا قيل، والذي تحرر أنه توفي في بلاد قراآمد في تاسع عشر صفر سنة سبع وثمانين وتسعمائة، ونقل إلى دمشق فدخلوا به يوم السبت ثامن عشر ربيع الآخر منها، ودخل بين يديه الصوفية وغيرهم معلنين بالذكر والتوحيد والعلماء، ووجوه الناس، ودفن بالقرب من جامعه خارج دمشق رحمه الله تعالى.
حرف الراء من الطبقة الثالثة

رحمة الله السندي
رحمة الله ابن قاضي عبد الله السندي، الحنفي نزيل مكة، كان عالماً فاضلاً له رسالة سماها غاية التحقيق، ونهاية التدقيق، في مسائل ابتلي بها أهل الحرمين الشريفين، كان موجوداً في سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
رشيد بن محمد التونسيرشيد بن محمد بن الحسن بن مسعود بن عثمان الحفصي الفاروقي التونسي المالكي ابن سلطان تونس كان له حشمة زائدة، وسخاء زائد، على خلاف ما هو مشهور عن المغاربة، وكان له محاضرة حسنة ومعرفة بتواريخ الناس، واستحضار لمسائل علمية كثيرة، وكان يذكر أنه استفاد ذلك من مجالسته العلماء، وكان لهجاً بشعر أبي العباس ابن مخلوف، مادح أجداده كقوله في مطلع قصيدة قالها في جده عثمان، وكان ينسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
هزوا القدود وارهبوا الأجفانا ... أو ما رأيت البان والغزلانا؟
استبدلوا بدل السهام لواحظاً ... لما انتضوا عوض الظبا أجفانا
ومنها قوله:
أفضت إليه خلافة الفاروق إذ ... سمته السنة الورى عثمانا
حج وعاد إلى إسلام بول، ومكث، ثم في رفاهية من العيش، إلى أن مات سنة تسع بتقديم التاء المثناة وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
رمضان أفندي ناظر زادهرمضان أفندي أحد الموالي الرومي، والمفتي بالمملكة العثمانية، الشهير بناظر زاده. ولي قضاء دمشق في سنة ثمان وسبعين وتسعمائة في رجب. عزل عنها في أوائل شوال سنة تسع وسبعين، ثم ولي قضاء بروسيا في سنة إحدى إحدى وثماني وتسعمائة.
حرف الزاي من الطبقة الثالثة
زكريا بن بيرام
زكريا بن بيرام أحد الموالي الرومية، والمفتي بالمملكة العثمانية. قرأ على ابن كمال باشا وغيره، وبرع في الفقه والتفسير، وولي المناصب، وترقى بها حتى ولي قضاء العساكر، وانتفع به الناس، ودخل دمشق سنة أربع وتسعين وتسعمائة متوجهاً! منها إلى الحج، وصحبته ولده يحيى أفندي الذي صار شيخ الإسلام في ولاية السلطان مصطفى شاه الثانية، وكان إذ ذاك قاضي الركب الشامي، وكان قاضي دمشق حينئذ عبد الغني أفندي ابن أمير شاه في توليته الثانية، وحج صاحب الترجمة، ثم عاد إلى الروم، فولى قضاء. العسكر الروملي بها، ووقع بينه وبين سنان في شعبان سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، ثم ولي شيخية الإسلام، ومات في مجلس السلطان مراد، وقد دخل للسلام عليه في سنة.
زين بن نجيمزين بن نجيم الشيخ العلامة، المحقق المدقق الفهامة، زين العابدين الحنفي أخذ العلوم عن جماعة منها الشيخ شرف الدين البلقيني، والشيخ شهاب الدين بن الشلبي، والشيخ أمين الدين بن عبد العال، وأبي الفيض السلمي وأجازوه بالإفتاء، والتدريس، فأفتى، ودرس في حياة أشياخه، وانتفع به خلائق، وله عدة مصنفات منها شرح الكنز و الأشباه والنظائر سلك فيها مسلك الشيخ تاج الدين بن السبكي، الشافعي، في كتابه الأشباه والنظائر، وصار كتابه عمدة الحنفية، ومرجعهم، وأخذ الطريق عن الشيخ العارف بالله تعالى سليمان الخضيري، وكان له ذوق في حل مشكلات القوم قال الشعراوي: صحبته عشر سنين، فما رأيت عليه شيئاً يشينه، وحججت معه في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، فرأيته على خلق عظيم مع جيرانه، وغلمانه ذهاباً، وإياباً مع أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال، أخذ عنه جماعة منهم الشيخ محمد العلمي سبط ابن أبي شريف المقدسي الأصل، ثم الشامي، ولازمه بمصر، وكانت وفاته سنة تسع بتقديم التاء المثناة وستين وتسعمائة كما أخبرني بذلك تلميذه الشيخ محمد العلي رحمه الله تعالى.
زين العابدين الطبيب

زين العابدين ابن الغرابيلي الطبيب الحاذق. كان له معرفة تامة بإحكام النبض، وتشخيص العلل، وكان في العلاج غاية، وكان يحب خدمة العلماء، والتردد إليهم، وله مال يتاجر فيه، وكان يعمل الأدوية النفيسة، ويقدمها للأكابر عند الحاجة إليها، وكان قد قصر نفسه آخراً على خدمة شيخ الإسلام الوالد، حتى صار من أخص جماعته، وكان ينسب إلى التشيع، وكان الشيخ ينفي ذلك عنه وحج وجاور بعد وفاة الشيخ، ثم عاد إلى دمشق في حدود التسعين وتسعمائة، ومات سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء المثناة فوق وتسعمائة.
زينب الغزيةزينب بنت محمد بن محمد بن أحمد الغزي، الشافعية كانت من أفاضل النساء، من أهل العلم، والدين، والصلاح مولدها في ذي القعدة سنة عشر وتسعمائة وقرأت على والدها، وقرأت على أخيها شقيقها الشيخ الوالد كثيراً، قرأت عليه تنقيح اللباب، وفي المنهج جانباً وكتبت له كتباً بخطها، ومدحته بقصيدة تقول فيها:
إنما العالم الذي ... جمع العلم واكتمل
قام فيه بحقه ... يتبع العلم بالعمل
سهر الليل كله ... بنشاط بلا كسل
فهو في الله دأبه ... أبد الدهر لم يزل
حاز علماً بخشية ... وبدنياه ما اشتغل
حاسديه تعجبوا ... ليس ذا الفضل بالحيل
ذاك مولاه خصه ... بكمال من الأزل
من يرم مشبهاً له ... في الورى عقله أختبل
أو بلوغاً لفضله ... فله قط ما وصل
فهو شيخي وسيدي ... وبه النفع لي حصل
ولقد أجادت فيما شادت. وشعرها في المواعظ، وغيرها في غاية الرقة، والمتانة وكانت من أعاجيب العصر، وأفاريد الدهر، اتصلت بمنلا كمال المتقدم ذكره في الطبقة الأولى وبعده بالقاضي شهاب الدين البصروي المتقدم في هذه الطبقة الأولى وماتت في سنة ثمانين وتسعمائة رحمة الله عليها.
حرف السين المهملة من الطبقة الثالثة

السلطان سليم
سليم بن سليمان، ابن خادم الحرمين الشريفين، سلطان الإسلام وملك القسطنطينية العظمى، ابن بايزيد بن محمد السلطان بن السلطان بن عثمان، تولى السلطنة بعد أبيه الآتي بعده، وكانت مدة سلطنته نحو ثمان سنين، وورد الخبر بموته إلى دمشق يوم الأربعاء ثامن عشري رمضان سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وارتجت دمشق لموته، وكان نائبها إذ ذاك درويش باشا، وقاضيها محمد أفندي ابن سنان، ومفتيها ابن المعيد وحضروا هم والناس إلى المرجة، وصلوا عليه غائبة وكان الإمام الشيخ محمد الأيجي، وتولى بعده ولده السلطان مراد رحمه الله تعالى.
السلطان بن سليم

سليمان بن سليم بن بايزيد عين الملوك العثمانية، ورأس السلاطين الإسلامية، حامي حماها الأحمى، ملك القسطنطينية العظمى، تولى السلطنة بعد موت أبيه السلطان سليم في أواخر سنة ست وعشرين وتسعمائة. خرج الغزالي بدمشق في زمنه، فأرسل إليه عساكره فقتلوه خارجها، ووزر للسلطان سليمان رحمه الله تعالى إبراهيم باشا مدة طويلة، ثم قتله، ثم رستم باشا، ثم علي باشا، ثم محمد باشا، وكان أحسن وزرائه، وبقي وزيراً في زمن ولده السلطان سليم، ثم في زمن ولده السلطان مراد، وكان السلطان سليمان ملكاً مطاعاً مجاهداً يحب العلم والعلماء، ويقف عند الشرع الشريف، وكان يترجم بالولاية عمر السليمانية بالقسطنطينية، وهي أعظم مساجدها وأنورها حكى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بستانه في المنام، فأشار إليه بتعمير مسجد جامع به، وأراه مكاناً فلما استيقظ من منامه اقتطع جانباً من سراياه منه البستان المذكور، وعمره مسجداً عظيماً شيد بناءه، ووسع فضاءه قيل ووضع محرابه في الموضع الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، وعمر إلى جانبها المدارس العظيمة أعظمها دار الحديث السليمانية، وكان مصرف ذلك من غنائم رودس، وأمر بتعمير التكية السليمانية بدمشق فعمرت في موضع القصر الأبلق بالوادي الأخضر، وعمر إليها مسجداً جامعاً ومدرسة عظيم شرطها للمفتي بدمشق، وكان ابتداء عمارة التكية، والمسجد في سنة اثنتين وستين وتسعمائة، وكملت هذه العمارة في أوائل صفر سنة سبع وستين وتسعمائة. وولي الإمامة بالمسجد المذكور شيخنا الشيخ زين الدين بن سلطان، والخطابة العلامة عبد الرحمن ابن قاصي القضاة ابن الفرفور، وخطب أول خطبة في يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة سبع وستين وتسعمائة، وحضر الخطبة قاضي القضاة بدمشق حينئذ شمس الدين محمد ابن شيخ الإسلام أبي السعود المفتي، فأعجبته خطبته، وكانت خطبة بليغة فيما يقال: وكان ممن حضر من أعيان الشام محمد بن قيصر، والشيخ سعد الدين الجباوي، وفي ذي القعدة الحرام منها وصل أمر شريف من قبل المرحوم السلطان سليمان صاحب الترجمة إلى دمشق بتعمير قلاع بطريق الحاج الشامي، وتعيين صنجق لكل قلعة، وفي صحبته سباهية ومعلمون وفعول، ومعهم ما يكفيهم من الزاد. واحدة بالقطرانة، وثانية بمعان، وثالثة بذات حج، ورابعة بتبوك، فعمرت كما أمر، وبقي الانتفاع بها إلى الآن، وله المدارس العظيمة بمكة المشرفة وغيرها. ومات في بعض غزواته سنة أربع و سبعين بتقديم السين وتسعمائة، ولما وصل الخبر بموته إلى دمشق ركب قاضي قضاتها علي جلبي قنالي زاده، وشيخ الإسلام الوالد للصلاة عليه إلى التكية السليمانية، ووضع القاضي على رأسه مئزراً أصفر، وكذلك الشيخ الطيبي، وبعض الفقهاء، ولم يفعل ذلك الوالد، وأنكره عليهم لما فيها من إظهار الحداد
سليمان باشا ابن قباد

سليمان ابن قباد باشا ابن رمضان باشا يتصل نسبة إلى الملوك السلجوقية، ولي نيابة القدس الشريف مدة طويلة، وضبط نواحيها وقطع العصاة والمفسدين وقطاع الطريق، وخافته الأعراب، وأشتهر اسمه وبعد صيته، ثم تولى نيابة جرجة من معاملة مصر ثم نيابة بغداد، ثم نيابة قرامان وهي البلاد التي نشأ بها هو وأبوه وأجداده بنو رمضان، ثم أنفصل منها، وقدم دمشق سنة تسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة محافظاً بها عوض نائبها أويس باشا حين كان في سفر السلطان، فنزل بالمرجة وكان يصحبه مدة إقامته بدمشق القاضي أكمل بن مفلح، والقاضي شمس الدين سبط الرجيحي، والشيخ تقي الدين بن بركات الموصلي. وكان سفاكاً شديد البطش طائش السيف ينوع أنواع العذاب للسراق والقطاع والزناة والمعرسين والمزورين، حتى هرب منه من بقي من المتهمين وجلوا عن دمشق. وقتل محمد بن جلال الدين العامل في التزوير، وقتل حمدان قبل أن يدخل دمشق وهو بالمرجة وسل لسانه من تحت حنكنه، ثم شنقه في شجرة خارج باب جامع يلبغا الغربي، وشنق ابن المعلم البعلي نقيب الشيخ أحمد بن سليمان في الدلبة بالمرجة، وشنق كتخداية بن الأصفر بالقرب من سوق القاضي داخل دمشق بالقرب من داره التي أنشأها بالقرب من بيت ابن القاري، وتملك بساتين بدمشق، وكان من الجبارين إلا أنه قطع المناحيس قتله عبيده بداره ليلة الخميس عاشر رجب سنة سبع بتقديم السين وتسعين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون، بالقرب من سيدي أبي بكر بن قوام بعد أن كشف عليه في داره بأمر نائب الشام حسن باشا ابن محمد باشا، وقاضيها مصطفى أفندي ابن سنان، وكانت أمه قد ماتت قبله بنحو أشهر فدفنها بالقرب من سيدي أبي بكر بن قوام بالسفح القاسيوني، وعمل صبيحتها بالجامع الأموي عند باب الصنجق، فلما مات دفن إلى جانب أمه وعملت صبيحته حيث عملت صبيحتها، ثم جرت الناس على ذلك وصاروا يعملون أكثرهم صبح موتاهم بالجامع، واستهلوا ذلك وكانوا قبل ذلك يعملونها بالترب.
سنان آغا ابن عبد اللهسنان آغا ابن عبد الله آغاة الينكجرية بدمشق. عمر الجسر على نهر بردا غربي التكية السليمانية، وأنشأ الجامع اللطيف خارج باب الفرج بينه وبين نهر بردا، وأحكم بناءه في سنة سبعين وتسعمائة، وتوفي في سنة ثمانين وتسعمائة، ودفن في جانب جامعه بين البابين.
حرف الشين المعجمة من الطبقة الثالثة

شمس باشا
شمس باشا أحد من ولي نيابة دمشق،. مات بالروم أواخر المحرم سنة ثمان وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
شيخي جلبيشيخي جلبي قاضي بعلبك، ثم قاضي صيدا. مات بدمشق فجأة من غير مرض يوم الأربعاء رابع عشري ذي الحجة سنة سبع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
شيخ زادهشيخ زاده بن جمال الدين بن أحمد بن نعمة الله بن جنيد بن جمال الدين بن محمد بن أحمد بن مسعود بن عبد الله بن جابر بن منصور بن محمد بن جابر بن عبد الله الأنصاري، الشهير جده الأعلى شيخ الإسلام الهروي، صاحب منازل السائرين، نزيل حلب، كان الشافعي المذهب، وولي بها تدريس العصرونية، وكان متكيفاً أثر في سحنته الكيف، وكان أبوه من شيوخ العلم من بيت علم ورئاسة. توفي بحلب سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الصاد المهملة من الطبقة الثالثة
صالح بن أحمد اليماني

صالح بن أحمد، الشيخ الإمام، الفقيه النبيه المحقق الصالح الورع صالح اليماني الأصابي بلداً، ثم الخولاني، دخل دمشق فقرأ على الشيخ شهاب الدين الطيبي سورة الفاتحة، والبقرة برواية قالون عن نافع بوجه قصر الميم المنفصل، وإسكان ميم الجمع من طريق التيسير، والشاطبية، وقرأ عليه من أوائل الشاطبية، وأوائل الأذكار للنووي إلى أذكار المسافر، وتصريف العزي تماماً، وسمع عليه من صحيح البخاري، والموطأ، والسيرة، ورياض الصالحين ، والمنهاج، والورقات لإمام الحرمين في الأصول، والنزهة في الحساب، وكتب له إجازة مؤرخة بنهار الأربعاء تاسع عشري شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبع بتقديم السين وتسعمائة، وقرأ على ابن عماد الدين من أول البخاري، وسمع عليه قطعة من مسلم، والشفا، والأذكار، والسيرة، ومن أول شرح العقيدة الشيبانية لابن قاضي عجلون، وألفية الحديث، والنخبة، والبيضاوي، وغير ذلك، وكتب له إجازة في التاريخ المذكور، ثم سافر من دمشق بعده بقريب
صالح القاضيصالح القاضي، الحنفي الكردي كان نائب الباب عن قاضي القضاة محمد أفندي ابن المفتي أبي السعود، وولي قضاء صنعاء اليمن، وقضاء صفد، وقضاء حمص، وقضاء حماة، وكان من جماعة الشيخ أحمد بن عبدو القصيري ومات في.
صلاح الدين الكتبيصلاح الدين الكتبي، مؤدب الأطفال بالغزالية من الجامع الأموي، وكان له صلاح وتهجد، واتفق له أنه لقي بالجامع الأموي ليلاً رجلاً من أولياء الله تعالى فقال له: يا شيخ صلاح الدين هل لك في الصلاة بمكة. قال: فقلت له: يا سيدي وأولادي فقال لي: اقعد وذهب عني، فالتمسته فلم أقدر عليه. مات في حدود الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
صلاح الدين الحلبيصلاح الدين الحلبي الكيالي أحد المجاذيب، والصلحاء بدمشق. توفي في سادس عشري شعبان سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة مقهوراً لأنه ضرب ينكجرياً، فحبسه الباشا عند جاويش أياماً، ثم أطلقه وانقطع في بيته أياماً ثم مات ودفن بتربة الحصني، وحضر جنازته بعض الأكابر رحمه الله تعالى.
حرف الضاد المعجمة من الطبقة الثالثة خال

حرف الطاء المهملة من الطبقة الثالثة خال
حرف الظاء المعجمة من الطبقة الثالثة خال
حرف العين المهملة من الطبقة الثالثة
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عبد الله الشنشوري
عبد الله بن محمد الشيخ العلامة جمال الدين ابن الشيخ العلامة بهاء الدين الشنشوري المصري الشافعي. كتب في إجازة لبعضهم مؤرخة بخطه في ثاني عشري جمادى الأولى سنة أربع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة أخذ عن القاضي زكريا والديمي والسيوطي.
عبد الله الرمليعبد الله بن أحمد بن أحمد الرملي المالكي، باشر وظيفتي الأذان والميقات بالجامع الأموي مدة، ثم ولي إمامية المالكية به بعد وفاة القاضي محيي الدين المالكي، ثم ولي رئاسة المؤذنين بعد الشيخ بركات. كان صيتاً، حسن الصوت، عارفاً بالموسيقى، معرفة تامة، وصوته ما على حسنه في المؤذنين الموجودين في عصره مزيد، ولما مات أبوه خلف له مالاً كثيراً، ودنيا واسعة فسعى في نيابة القضاء على مذهب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه فولي النيابة في الصالحية، ثم بالكبرى، ثم امتحن في قصة القانجي، وحبسه عنده فيمن حبسهم، وكان يحلف بالطلاق كثيراً، وربما حلف في مجلس الحكم به حتى عاتبه بعض قضاة القضاة فقال له: بلغني أنك تحلف بالطلاق كثيراً وهنا لا يليق فقال: لا علي الطلاق يا أفندي. مات يوم الثلاثاء ثاني جمادى الأولى سنة أربع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الله ابن الأطعانيعبد الله بن حسين بن أحمد الحلبي، الشافعي، المعروف بابن الأطعاني، كان له مشاركة في العربية، وقرأ في العقائد، وعني بوضع الأوقاف، ولبس الخرقة البسطامية بعد موت أبيه من الشرف أبي بكر الأطعاني، وتأخرت وفاته عن ابن الحنبلي رحمه الله.
عبد الله بن المصطاكي

عبد الله بن أحمد الشيخ العلامة المسند أبو محمد جمال الدين المصري، الخانكي، الشافعي، عرف بابن المصطاكي. مولده بالخانكة سنة سبع أو ثمان وتسعمائة. أخذ عن الشهاب أحمد بن عبد الحق السنباطي، وعن العلامة عبد العظيم بن يحيى الخانكي، وعن النور بن فستاق، والزين قريش، والنور علي بن محمد بن أحمد بن شمس الغزي الحنفي، ومات بالخانكة ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الله بن الفرفورعبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن جمال الدين بن أحمد بن الفرفور الدمشقي الحنفي. كان من الأفاضل، ومات شاباً بذات الجنب بالقسطنطينية سنة خمس وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة ودفن في جوار سيدي أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
عبد الله بن الدرةعبد الله بن الدرة الحمصي الشافعي، العبد الصالح الولي الملازم للمحيا كان من أخص جماعة الوالد، وبلغني أنه كان من الأبدال، وكان من أصحاب الأخ الشيخ شهاب الدين. مات في حدود الثمانين وتسعمائة، وكان له ولد صالح اسمه الشيخ محمد، وكان للناس فيه اعتقاد، ويحبون الإحسان إليه. صحبناه، ومات قبل الألف رحمه الله تعالى.
عبد الباسط العلماويعبد الباسط بن موسى بن محمد بن إسماعيل العلماوي الشافعي رئيس المؤذنين بجامع دمشق الأموي. مولده. خامس عشر رجب سنة سبع بتقديم السين وتسعمائة. تولى بعد أبيه خطابة جامع برسباي بسوق صاروجا، ورئاسة المؤذنين بعد أبي البقاء ابن عقلقون في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، وكان له فضل، في علم الميقات، وعلم النغمة، والتلحين، وله إنشاءات وعظية يستعملها رؤساء المولد، وكان يعظ الناس يوم الخميس في رجب وشعبان ورمضان في الأموي، وقرأ على الوالد والوفائي، واحترقت داره، وفيها أسبابه، وكتبه سنة ستين وتسعمائة، وتوفي سنة إحدى وثمانين، وأخرجت عنه رئاسة المؤذنين للجلال الرملي قبل موته بمدة قريبة، وصلى عليه شيخ الإسلام الوالد إماماً، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن البترونيعبد الرحمن بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الشيخ العلامة، زين الدين، ابن الشيخ الفقيه نجم الدين، ابن الشيخ المقرىء عبد السلام البتروني ثم الطرابلسي، ثم الحلبي الشافعي، ثم الحنفي الصوفي، واعظ حلب، ووالد مفتيها الشيخ أبي الجود، والشيخ أبي اليمن الحيين، الآن، قرأ على سيدي علوان الحموي، في غاية الاختصار والجرومية، واستفاد منه، ثم حفظ الألفية، وحلها على بعض النحاة، واشتغل في التجويد، والقراءات، والأصول، وطالع كتب التفسير، والحديث، والوعظ، ثم نظم، تصريف الزنجاني في أرجوزة، وشرح الجزرية، وكتب على تائية ابن حبيب تعليقه استمد فيها من شرح شيخه الشيخ علوان، وقدم حلب سنة أربع وستين وتسعمائة بدين عظيم ركبه، فتلقاه بعض أهل الخير، وهو بدر الدين الخليصي، حفيد الشيخ أبي بكر الزاهد الخليصي، وكان كثيراً الإحسان إلى المذكور، حسن الاعتقاد فيه، ونزله بزاوية الشيخ عبد الكريم، واجتمع بالشيخ الزيني فيها لكونه من أهل الطريق، فلم يكرم نزله بل وبخه بأنه لم يتهجد بالليل، فأجابه إن لم يكن ذلك، فقد ختمت ختمة كاملة من حفظي في هذه الليلة ويومها، ثم نزل بالكيزوانية، وعزم، وهو بها على أن يعمل مجالس وعظية بالجامع الكبير ففعل، وهرع الناس إليه، وشاع ذكره، وبعد صيته، وحضر مجالسه الرجال والنساء ذكر في بعض مجالسه أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره فاعترضه ابن مسلم وكان الظفر له عليه. ثم لما توفي الشيخ عبد الكريم إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب تحنف بعد أن كان شافعياً، وولي هذه الإمامة، وتأخرت وفاته عن ابن الحنبلي، فكانت ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن الفرفور

عبد الرحمن بن محمد بن أحمد أقضى القضاة زين الدين الحنفي ابن قاضي قضاتها شهاب الدين بن الفرفور. قرأ الفقه على الشيخ نجم الدين البهنسي، والشيخ عبد الوهاب الإمام، والنحو، والمعاني، والبيان على الشيخ أبي الفتح السبستري، وعلى الشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وفي العروض على الشيخ شهاب الدين الغزي أخي، وتولى خطابة السليمانية أول ما عمرت، ثم أعرض عنها، وسافر إلى الروم، فولي قضاء حوران، ثم انفصل عنه، ولزم بيته لا يخرج إلا لصلاة الجمعة والجماعة ملازماً على الصلوات الخمس في الجامع الأموي، وربما خرج لتهنئة أقرانه، وفي الجنائز، وكان فيه كرم وسخاء وحشمة زائدة، ولطف في العشرة له تواضع وتودد غير أنه كان مغرماً بالتعمير في بيت أبيه، وربما غير ما يحسنه منه مراراً لأدنى شيء ينتقده بعض الداخلين إليه، أو يستحسنه بعض الواردين عليه، وكان له معرفة تامة بالتاريخ والأدب ومن شعره:
ناهزت خمسين ولم أتعظ ... وشاب فودي مؤذناً بالرحيل
ولم أقدم عملاً صالحاً ... فحسبنا الله، ونعم الوكيل
ومنه:
أترك الدنيا لناس زعموا ... إن فيها مرهم القلب الجريح
ذاك طن منهم بل غلط ... آه منها ما عليها مستريح
وأهدى سفينة لبعض أصحابه وكتب إليه:
سفينة وافتك يا سيدي ... مشحونة بالنظم والنثر
قد ملئت بالدر أرجاؤها ... من أجل ذا جاءت إلى البحر
وكتب إليه الشيخ محمد بن هلال:
بلغت العلى بالأصل في الأب والجد ... ونلت المنى بالفضل في الجود والجد
وقفت على الأقران فضلاً وسؤدداً ... وحزت جميل الذكر بالفخر والمجد
ولا سيما من آل فرفور التي ... فضائلهم في الكون جلت عن الحد
فوالدك المولى الذي شاع ذكره ... وفي عصره قد كان كالعلم الفرد
وقاضي قضاة الدولتين وبابه ... ولا فخر لكن ليس في ذاك من رد
وأنت الذي أحييت ذكراه في الورى ... لهمتك العلياء في الزمن الجعد
أخذت نصيباً من تراث فضائل ... يقصر عن تعريفها القول بالحد
فضائل شتى للفواضل جانست ... لذلك شعري جانس المدح بالحمد
ولكنني قصرت فاعف تكرماً ... وقدرة مثلي لا تعيد ولا تبدي
وإن سمحت بالفضل منك شمائل ... فمختصر التلخيص عارية عندي
فضائل شتى للفواضل جانست ... لذلك شعري جانس المدح بالحمد
ولكنني قصرت فاعف تكرماً ... وقدرة مثلي لا تعيد ولا تبدي
وإن سمحت بالفضل منك شمائل ... فمختصر التلخيص عارية عندي
دعت لي الحاجة فلك البقا ... فهذا مرادي ليس إلا و ذا قصدي
فلا زلت في عز ورفعة منزل ... وترقى لأعلى منزل العز والسعد
فأرسل إليه الكتاب، وأرسل معه هذين البيتين:
بعثت لك التلخيص في شرحه على ... يدي صالح قد فاق بالفضل والزهد
فلا زلت شمس الدين تبدي فضائلاً ... تفوق الورى بالفضل والمجد والجد
توفي القاضي عبد الرحمن في يوم الإثنين سادس عشري رجب سنة أثنتين وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ودفن بتربة والده وجده جوار ضريح سيدي الشيخ أرسلان عن ولدين نجيبين محمد جلبي، وجمال الدين جلبي لم يعمرا بعده إلا قليلاً، وتقدمت ترجماتهما.
عبد الرحمن الصيداويعبد الرحمن بن إبراهيم، الشيخ العلامة الأصيل زين الدين أبو اللطف الصيداوي، الشافعي، الشهير بابن صارم الدين نزيل الصالحية بدمشق. كان فقيهاً، محدثاً، صوفياً، أشعري العقيدة. ولد سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن شيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد ابن شيخ الإسلام شهاب الدين الشبلي، وعن علامة الأنام عمر ابن الشيخ علي بن تقي الدين القرشي المقدسي، وعن ابن طولون، والشيخ موسى الحجازي وأجازه ابن كسباي سنة ثلاث وسبعين، وأشار أنه مات شهيداً، وتوفي بطريق مكة سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة تقريباً رحمه الله.
عبد الرحمن الأماسي

عبد الرحمن بن علي قاضي القضاة محيي الدين الأماسي أحد الموالي الرومية. ولي قضاء حلب في أواخر سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وكان في أحكامه سيفاً قاطعاً، ولأهل العناد والتزوير والتلبيس قاطعاً، أمر متولي جامع حلب بتبليط شرقيته بعد دثوره، وتبرع فيه بشيء من ماله، ثم عزل عن قضاء حلب، ثم ترقى في المناصب حتى صار قاضي قضاة العسكر الروم إيلي، وقدم حلب وهو متوليه مع السلطان سليمان خان في سنة إحدى وستين وتسعمائة، وساعد الحلبيين فيما جدد على أوقافهم من الخراج والزيادة فيه، فقبل قوله، ثم عزل عن قضاء العسكر في سنة خمس وستين، ومات في صفر سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الدمشقيعبد الرحمن بن عبد الوهاب بن عبد الله، الشيخ زين الدين ابن تاج الدين الدمشقي، الحنفي، قرأ الفقه على الشيخ قطب الدين بن سلطان، والشيخ عبد الصمد العكاري، والشيخ نجم الدين البهنسي، وتولى نظارة وقف جده تاج الدين صاحب ديوان القلعة، وتولى خطابة جامع التكية السليمانية بفراغ القاضي عبد الرحمن بن الفرفور له عنها، وتفرغ هو عنها قبل موته للشيخ أحمد ابن الشيخ يحيى ابن شيخه البهنسي، وتولى عدة وظائف، وكان له مروءة ومكارم أخلاق. مات في جمادى الأولى في سنة سبع وتسعين بتقديم السين في الأول، وتأخيرها في الثاني وتسعمائة، ودفن بتربتهم خارج باب النصر رحمه الله تعالى
عبد الرحمن البيروتيعبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان السيد الشريف العباسي البيروتي، ثم الدمشقي، الصوفي، الشافعي. أخذ عن سيدي محمد بن عراق، وحفظ القرآن حفظاً متقناً، واشتغل في العلم على الشيخ شمس الدين الكفرسوسي وغيره، وقدم دمشق مرات، وقدم من مصر إليها في سنة سبع وثلاثين، ونزل بالقرب من باب جيرون، وأقام بها مدة، وأقبل الناس عليه، وكان حينئذ صغيرالسن، كبير القدر، لا يقبل من أحد شيئاً غير أنه كان يلزم بعض التجار بإعطاء شيء لبعض الفقراء للكسوة، وسد الخلة، وكان متقللاً من الدنيا، قانعاً، يصوم غالب أيامه، وتاب على يديه جماعة من شبان دمشق. وظهرت عليه كرامات لبعضهم، ولزم بيته يصلي فيه الجماعة، ولم يحضر الجامع إلا الصلاة الجمعة، وصارت له وجاهة عند أرباب الدولة حتى كانوا يقبلون شفاعته في الأمور المهمة، وعرض عليه الزواج، فلم يتزوج، وحج بوالدته في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، وكان موجوداً بدمشق في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وحج أخيراً في سنة إحدى وخمسين، وجاور بمكة نحو عشرين سنة، وكان يعتمر كل يوم مرة أو مرتين مع كبر سنه، وربما اعتمر في اليوم والليلة خمس مرات قبل، وكان يطوف في اليوم والليلة مثله أسبوع مع الصوم والعبادة إلى أن توفي في سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين بتقديم السين وتسعمائة ودفن بالمعلاة رحمه الله.
عبد الصمد بن إبراهيمعبد الصمد بن إبراهيم بن عبد الصمد. كان من أهل العلم، ووالده من أهل الصلاح والاعتقاد، وجده مفتي دمشق. صاهره الشيخ إسماعيل النابلسي على بنته، ومات عنها في ثاني عشر ذي الحجة الحرام سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير على جده الشيخ عبد الصمد عند ضريح سيدي نصر المقدسي رحمه الله تعالى.
عبد العزيز الزمزميعبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز بن عبد السلام بن موسى بن أبي بكر بن أكبر علي بن أحمد بن علي بن محمد بن داود البيضاوي، الشيرازي الأصل، ثم المكي، الزمزمي، الشافعي نسبة لبئر زمزم لأن جده علي بن محمد، قدم مكة في سنة ثلاثين وسبعمائة، عام قدمها الفيل من العراق في قصة ذكرها المؤرخون الزمزمي، المكي الشافعي. مولده كما أخبر هو به ابن الحنبلي وكما أخبرني، به ولده شيخنا سنة تسعمائة، وأخبرني شيخنا أن مولده، ومولد أبيه، وأجداده بمكة المشرفة دخل دمشق، ثم حلب ذاهباً إلى إسلام بول في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وله تأليف في فتح مكة، وتأليف على حديث شيبتني هود، وأخبرني، ولده أن أباه أخذ عن شيء الإسلام القاضي زكريا، وغيره قال ابن الحنبلي: ومن شعره وفيه تورية من ثلاثة أوجه:
وقال الغواني: ما بقي فيه فضله ... لشيء وفي ساقيه لم يبق من مخ
وفي ظل دوح المرخ مرخي عضوه ... فحيث انتهى أعرضن عن ذلك المرخي

قلت: وما أشبه هذا الشعر بشعر ابن الحنبلي رحمهما الله تعالى أخبرني شيخنا الشيخ محمد الزمزمي، وكتبت عنه بخطه في مستهل المحرم الحرام سنة ثمان وألف أن والده الشيخ عبد العزيز، مات في ليلة في تاسع ذي القعدة الحرام سنة ست وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد العزيز اليمنيعبد العزيز بن إبراهيم اليمني، الشهير والده بخضير، نزيل حلب قيل: وهو ابن بنت ولي الله تعالى سيدي أحمد بن خماش اليمني، كان عبداً صالحاً مجذوباً، يفيق أحياناً، وربما يغيب عن نفسه ويتجرد عن أثوابه، أثنى عليه ابن الحنبلي وافتخر بصحبته، وتوفي سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد العزيز الحنفيعبد العزيز بن عبد الوهاب، ابن تاج الدين الفاضل البارع، زين الدين ابن القاضي ناصر الدين الحنفي، كان من الفضلاء أخذ عن البهنسي وغيره، وصار مدرساً بالجمقمقية بدمشق بأربعين عثمانياً. مات يوم الخميس رابع رجب سنة إثنتين وثمانين وتسعمائة، وكانت جنازته حافلة، ودفق بتربتهم عند الصابونية، ولم يخلف ولداً وأوصى بتفسير البيضاوي، للشيخ البهنسي شيخه، وبثلث ماله للصدقة، وفوض أمر ذلك إلى البهنسي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عبد الغني بن مير شاهعبد الغني بن مير شاه أحد موالي الروم، وصل إلى تدريس السليمانية، ثم أعطي منها قضاء دمشق عوضاً عن محمد أفندي ابن بستان في سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة. دخل دمشق يوم الجمعة ثامن عشر شوال منها، وعزل عنها بتولية قضاء مصر في سنة أربع وثمانين، وخرج من دمشق قاصداً مصر يوم الخميس سادس شوال منهما، ثم ولي دمشق بعد قضاء العسكرين في سنة أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودخل في رمضانها وبقي مدة، ثم عزل عنها وعاد إلى الروم، ومات بها قبل الألف رحمه الله تعالى.
عبد الفتاح أفنديعبد الفتاح أفندي. ورد دمشق مفتيها: ومدرس السليمانية بها في عاشر شعبان سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وتوفي بها في يوم الجمعة شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
عبد القادر الفاكهيعبد القادر بن أحمد الفاكهي، المكي، كتب إلى شيخ الإسلام الوالد بخطه استدعاء يتضمن طلب الإجازة منه فأجازه الشيخ، وكان من أعيان العلماء بمكة، وكان موجوداً في سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة وله شعر منه:
قصدت إلى الوجازة في كلامي ... لعلمي بالصواب في الاختصار
ولم أر من فهوم دون فهمي ... ولكن خفت إزراء الكبار
فشأن فحولة العلماء شأني ... وشأن البسط تعليم الصغار
عبد القادر المرشديعبد القادر بن أحمد المرشدي، المالكي، الشيخ الإمام العلامة. أخذ العلم عن القاضي زكريا، والشهاب الرملي، والشهاب النجار، والفقه عن الشيخ ناصر الدين اللقاني، وبرع في زمانه، وكان الشيخ ناصر الدين يرسل إليه الأسئلة فيجيب عنها أحسن جواب، ثم كان يرجع الناس إلى قوله. أثنى عليه الشعراوي كثيراً، ووصفه بالقناعة، والزهد، والورع، وقيام الليل، وحسن الخلق، واحتمال الأذى، وهضم النفس، وحفظ الجوارح، وحلاوة المنطق، وحسن المعاشرة، والكف عن الغيبة، والحسد. تأخرت وفاته عن الشعراوي رحمه الله تعالى.
عبد القادر الطرابلسيعبد القادر بن أحمد، الشيخ الفقيه، الورع، القانع، المتقشف، الشيخ زين الدين الطرابلسي، الشافعي، كان يحفظ الإرشاد، ويستحضر مسائله. أخذ الفقه عن شيخنا، وغيره، وكان يستنيبه في إمامة الأموي كثيراً، وجاءني يوماً شيخنا وهو معه فقال: إن الشيخ عبد القادر رأى رؤيا فأعجبتني، فأسمعها منه فقال: رأيت البارحة شيخ الإسلام والدك في النوم، فسألته عن مسألة فقال: سل عنها ولدي يجيبك. فقلت له: الشيخ شهاب الدين فقال: لا ولدي الشيخ نجم الدين مات رحمه الله تعالى في أواسط صفر سنة ألف.
عبد القادر النعيميعبد القادر بن عبد القادر بن محمد الشيخ محيي الدين النعيمي الشافعي، الفقيه المحدث، ولد في سنة اثنتين وتسعمائة، ودرس بالكوجانية والكلاسة، وتوفي في سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عبد القادر بن النجار

عبد القادر بن النجار، من سكان محلة مسجد القصب خارج دمشق. قال والد شيخنا: كان ملازماً للصلحاء، صحب الشيخ بركات بن الكيال: والشيخ شمس الدين بن يعقوب، سبط ابن حامد الصفدي، ولازمه، وكان يحفظ أوراداً، وله مطالعة في كتب فضائل الأعمال. توفي في سلخ جمادى الأولى سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد القادر بن العنبريعبد القادر بن محمد العاتكي، الخواجا المعروف بابن العنبري، كان من رؤساء دمشق، وله قوة بأس، وله اختلاط بالحكام، وغيرهم، وكان إبراهيم بن البيطار الخبيث صبياً له، ثم كان سبباً في ضرر ابنه محمد حين سعى في تجريسه بعد دمغه وتغريمه على يد كيوان الطاغية، وكان يومئذ سرداراً عند صوباشي المدينة، وكان الخواجا عبد القادر قد اختل مزاجه في آخر عمره، وحجر عليه ابنه محمد بأمر قاضي القضاة مصطفى أفندي ابن بستان، ومات في سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الكريم بن المنلاعبد الكريم بن محمد قاضي قضاة دمشق، عبد الكريم جلبي المنلا قطب الدين أفندي، ولي دمشق فدخلها يوم السبت ثاني رجب سنة ثمانين وتسعمائة، وعزل عنها في تاسع عشري المحرم سنة إحدى وثمانين بمحمد أفندي ابن بستان، وورد الخبر بعزله إلى دمشق في ثاني عشر صفر منها.
عبد الكريم الوارداريعبد الكريم الوارداري. مفتي الشام، ومدرس السليمانية بدمشق، ثم السليمية بإسلام بول. كان فاضلاً عالماً عابداً متعبداً على مذهب الشافعي، مع التمسك بمذهبه، وكان معتقداً لسنان باشا الوزير، ومات بالقسطنطينية في حدود سنة سبع وتسعين بتقديم السين، في الأولى وتأخيرها في الثانية وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف بن منجكعبد اللطيف بن أبي بكر بن عبد القادر بن أبي بكر بن إبراهيم بن منجك، الأمير زين الدين الفاضل الكامل الذكي المحصل البارع، سمع من الشيخ الوالد كثيراً، وحضر دروسه، وقرأ في الفقه وغيره، على الأخ شهاب الدين، وكان يحب العلماء، والصالحين، ويزورهم، ويزور قبورهم، وكان يحب مطالعة الكتب، والتواريخ شافعي المذهب، حسن الاعتقاد، وله حظ حسن على طريقة نسخ العجم، وكان حلو المحاورة، ظريف الشمائل، وللشيخ شهاب الدين الأخ رحمه الله تعالى فيه:
الاسم عين المسمى ... دليل قولي لمن شك
لطف وظرف حواه ... عبد اللطيف بن منجك
استكتب نسخة من الحكم لابن عطاء الله، وبالغ في تحسينها، وجدولها باللازورد والذهب فكتب له عليها الأخ:
أكرم بها نسخة بالسعد طالعها ... يا فوز من قد غدا يوماً يطالعها
إن المنازل قد حلت مطالعها ... يا حسنها نسخة تزكو مطالعها
لها لما قد حوت من رائق الكلم
نديمة لم تزل حيث النديم سكت ... وكم حوت حكماً بين الورى ونكت
عبد اللطيف حوت لطفاً به فزكت ... صحت وقد لطفت أجزائها فحكت
لطف النسيم وحاشاها من السقم
وكان الأمير عبد اللطيف جواداً سخياً له تواضع، وتودد، وحشمة، ومروءة. حدثني من أثق به أنه لما كان بطرابلس، كان ممن يعاشره الشيخ محمد بن عبد الحق الشافعي، أحد فضلاء طرابلس، وكان رجلاً فقيراً متقللاً، فخرج إلى حاجته، وتحملها إلى السوق، فاشترى الأمير عبد اللطيف عبداً اسود صغيراً، وقال لابن عبد الحق، خذ هذا الفتى عندك يخدمك حتى تسافر إلى دمشق، فلما أراد الرجوع إلى دمشق كتب رقعة بأن الشيخ محمد بن عبد الحق أوصله ثمن العبد، وسافر الأمير عبد اللطيف إلى الروم، وأخذ أنظار أوقافهم عن عمه الأمير إبراهيم، ولم يتم له التصرف حتى مات عمه، فاشتغل بالنظر والتصرف دون شهر، ثم مرض وطالت مرضته حتى توفي ثاني عشر شوال سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ولما وقع في النزاع أخذ يقرأ سورة الإخلاص، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات وتولى النظارة بعده الأمير محمد بن منجك رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف ابن الباشا

عبد اللطيف بن عبد الرزاق الأنطاكي الأصل الحلبي المولد، الحنفي المذهب، المعروف بأنطاكية بابن الباشا سبط الحاج محمد ابن الشيخ المحدث أقضى القضاة برهان الدين إبراهيم الرهاوي الشافعي. قرأ النحو، والكلام على الشيخ المعمر منلا جمال القصيري. الحنفي تلميذ الشهاب أحمد بن كلف الأنطاكي، والفقه علي محمد جلبي ابن رمضان خطيب الجامع الكبير بأنطاكية، ثم رحل إلى حلب، فأخذ عن ابن الحنبلي أصول الفقه، ثم عاد إلى بلده، وتزوج بابنه الشيخ محمد بن عبدو القصيري، وأخذ عنه الطريق، وصار يعظ الناس بأنطاكية، ويدرس بجامعها، وتأخرت وفاته عن شيخه الحنبلي رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف بن الكيالعبد اللطيف ابن الشيخ زين الدين الكيال، الشافعي. كان يؤدب الأطفال، وصار واعظاً بالجامع الأموي بدمشق، وكانت له شيبة نيرة. توفي سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف بن المزلقعبد اللطيف بن يحيى بن محمد بن حسن بن المزلق. كان رجلاً شهماً. عالي الهمة، وله مروءة تامة، ورئاسة وسخاء غير أن بضاعته في العلم كانت مزجاة، وربما رجعت إليه الناس في بعض أمورها وقضاياها، فيصلح بينهم، وكان له منزلة عند الناس، وله حرمة وافرة على سكان وقفه. وأهل محلته، وربما رمي بهوى الغلمان تولى قضاء الكرك سنة تسعين وتسعمائة، وباشر الحكم بها، ثم انفصل عنه، ولازم رئاسته، وكان ما يأتيه من أوقافه، ومن هدايا الناس يكفيه، وكان يتودد إلى الناس على عجب فيه، وآثار الحشمة لائحة عليه، وأخبرني شيخنا الشيخ العيثاوي رحمه الله تعالى أنه أول ما جاء للطلب إلى الشيخ نور الدين السنفي، وجده مقسماً للمنهاج بين أربعة أحدهم صاحب الترجمة، وكان درسه في الجراح، وكان الشيخ يستشعر منه العجب والخيلاء، فأخذ الشيخ يقرر له ما لو تعددت الجنايات، فإنه تكمل الدية في عضو عضو، وتتعدد بتعدد الأعضاء، فلو قتل رجل الجريح كان فيه دية، فجعل يقول له: فلو جاء فقلع عينيك كان فيه دية، ثم قطع أذنيك كان فيها دية، ثم سل لسانك كان فيها دية حتى قال له: ثم سل خصييك، ثم قتلك لم يكن في النفس إلا دية واحدة. قال: فجعل صاحب الترجمة يحمار وجهه، ثم قام من المجلس، فلم يعد إليه، فلما انقطع قال الشيخ نور الدين لشيخنا: يا شيخ أحمد إقرأ أنت قسم الجراح، وكانت وفاة صاحب الترجمة ليلة السبت ثالث رمضان سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، ودفن بتربتهم عند مسجد الذبان خارج باب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد المجيد بن الكيالعبد المجيد بن يحيى بن إبراهيم بن قاسم بن الكيال العالم الفاضل في علم الميقات وغيره، وهو والد الشيخ محيي الدين الآتي ذكره. مولده سنة أربع عشرة وتسعمائة. قرأ على الوالد البخاري رواية، والمنهاج تصحيحاً، وسمع دروسه، وأجاز له، وكانت وفاته في صفر سنة تسع وسبعين بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد النافع الدمشقيعبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الله بن عراق القاضي سري الدين بن حمزة الدمشقي الأصل، الحجازي، الحنبلي، أولاً، ثم الحنفي ورد الشام ثم حلب مع أخيه الشيخ علي في سنة ثلاث وخمسين وارداً إلى الروم، وأخذ هو وأخوه عن الشيخ الوالد كان فاضلاً لبيياً، ديناً، حسن المحاضرة، مأنوس المعاشرة، صاحب فصاحة وشعر، لطيفاً قال ابن الحنبلي: استنشدته من شعره فأنشدني مورياً:
إن الغرام حديثه لي سنة ... مذ صح أني فيه غير مدافع
يا حائزاً لمنافعي ومملكاً ... رقي، تهن، برق عبد النافع
قال: وألف تأليفاً قيماً: المحصل، في جواب أي المسجدين أفضل، أهو القائم بالعبادة المعمور، أو الدائر العادلي المهجور، قال: وعاد ثانياً إلى حلب سنة ثمان وخمسين وتسعمائة انتهى.
ومن شعره في تقريظ منظومة الأخ الشيخ شهاب الدين نزهة المطالع، في رياض المطالع، ومن وزنها وقافيتها:
أتى نظم الكواكب بالدراري ... من المولى الشهاب المستنير
فتم له مطالع نجم سعد ... مطالعها غني عن كثير
إمام كامل فطن بهي ... أتى بالدرمن بحر البحور
كواكب فهمه ذات اتقاد ... بها لقد اهتدى كم من بصير

فناظمها سنا زان الدراري ... ولم لا وهو من بدر منير
وذاك هو الإمام ومن ضياه ... بأفق العلم فاق على البدور
أجل شيوخنا فرع الرضي ... الإمام الماجد الحبر الكبير
أدام له إله العرش جمع ... الولاية والعلوم وكل نور
وعبد النافع ابن عراق عبد ... تهجم راجيا عفو الغفور
بأحرفها كمن أهدى تميرا ... إلى هجر على طبق صغير
ولكن عادة الأخيار جبر ... لكل كسير قلب أو فقير
توفي رحمه الله تعالى في سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
عبد النبي المقدسيعبد النبي بن محمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي، الشافعي، الشهير بالكرم والسخاء. أخذ عن والده الشيخ محيي الدين، وعمه أجاز لابن كيسان في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وتسعمائة، وبقي حتى مات بعد التسعين وتسعمائة فيما أظن رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب بن محمدعبد الوهاب بن محمد، الشيخ العلامة تاج الدين إمام الجامع الأموي، الحنفي. كان مئذناً في مسجد أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه داخل قلعة دمشق، ثم اشتغل في الفقه على الشيخ عبد الصمد العكاري، وعلى الشيخ شمس الدين بن طولون، وتصدر للتدريس بالجامع الأموي، فأفتى وتولى خطابة السليمية، وإمامة الحنفية بمقصورة الأموي، ثم ضم إليه الشيخ ناصر الدين الطرابلسي والد الشيخ علاء الدين. ولما توفي الشيخ أبو البقاء البقاعي خطيب الأموي قرر مكانه في الخطابة في سنة ست وستين وتسعمائة، ثم وجهت الخطابة بعد أربعة أشهر إلى الشيخ نجم الدين البهنسي، فرجع الشيخ عبد الوهاب إلى خطابة السليمية، وأخذ وظيفة الوعظ بالجامع الأموي يوم الأربعاء في الأشهر الثلاثة عن الشيخ علاء الدين بن صدقة، وكان له قراءة حسنة، ومعرفة بالموسيقى، وكان قليل الإختلاط بالناس، وكان له اعتقاد في شيخ الإسلام الوالد، ومحبة له لا يذكره إلا مشيداً له معظماً لشأنه، وكان إذا اجتمع به يقبل يديه، ويعد ذلك قربة، وكان كوسجاً جهوري الصوت له نهزات في القراءة، وربما انقطع نفسه، فوقف في غير حد الوقف حتى مر به الشيخ شهاب الدين الطيبي الشافعي إمام الشافعية رفيقاً للشيخ عبد الوهاب، فسمعه يقرأ في سورة النمل، فوقف على أنا من قوله تعالى: " قال عفريت من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك " فأنشد الشيخ الطيبي:
قد رأينا عجباً إذا الزمنا ... إمام قوم جنسه من جنسنا
سمعته وكان يقرأ معلناً ... قال عفريت من الجن أنا
توفي سنة ثمانين وتسعمائة، وأرخ وفاته ماماي الشاعر، فقال ما كتبه على قبره:
ذا قبر أعلم الورى ... بحر العلوم الواضحة
بعبد وهاب سمي ... والنفس منه صالحة
كان إمام الأموي ... حاز المعاني الراجحة
ياقارئاً تاريخه ... هلا هديت الفاتحة
عبد الوهاب العاتكيعبد الوهاب بن محمد الشيخ الفاضل العلامة تاج الدين الأبار الدمشقي العاتكي خطيب جامع التوريزية، وابن خطيبه. كان فاضلا، بار مقرئاً، مجيداً حسن الخط يميل إلى الأدب. توفي في حدود سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن عند والده بتربة الدقاقين بالقرب من مسجد الطالع بحارة قبر عاتكة خارج دمشق رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب العسكري الحنبلي

عبد الوهاب بن محمد العسكري الحنبلي. كان له مشاركة في العلم، وكان له قراءة حديث بالجامع الأموي، وكان يقرأ في صحيح البخاري في الثلاثة الأشهر بين الصلاتين عند باب العنبرانية قراءة حسنة مجردة عن الدراية والتقرير، وكان له جزء بالأموي، ولما مات السيد حسين ابن السيد كمال الدين بن حمزة تزوج زوجته، وأحسن تربية ولديه السيد زين العابدين، والسيد محمد، وأقرأهما في بدايات العلم وكان قريباً منه في الفضيلة. ولما ولي تولية الجامع الأموي حسن جاويش، المعروف بشويريزي حسن. أخذ يحرض الناس على المباشرة، فجاء الشيخ عبد الوهاب يوماً لقبض علوفته منه في المصرف، فقال له: أنا لا أعطيك العلوفة لأنك لم تباشر، فقام الشيخ عبد الوهاب المجلس مغتاظاً، ومرض ومات في حدود الألف عن نحو سبعين سنة رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب الحلبيعبد الوهاب الحلبي ابن إبراهيم بن محمود بن علي محمد بن محمد بن ممد بن الحسين الشيخ الإمام العلامة تاج الدين العرضي الأصل، الحلبي الشافعي شقيق قاضي القضاة شمس الدين تفقه على البرهان العمادي وغيره، وسمع من الزين عمر بن الشماع محدث حلب جميع ثلاثيات البخاري، وجزء أبي الحمد العلاء بن موسى بن عطية، وأجاز له وأفتى، ودرس بجامع حلب الأعظم، وأئم به، ولما دخل الوالد حلب للسلام عليه، وهو يومئذ مفتي حلب، ووصفه الشيخ في رحلته بالعالم البارع في فنون العلوم ومات بحلب في أواخر شعبان، أو أوائل رمضان سنة سبع وستين وتسعمائة. قيل: إن أهل حلب أغلقت أسواقها يوم موته رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب بن ذوقا الشعرانيعبد الوهاب بن أحمد بن علي أحمد بن محمد بن ذوقا بن موسى بن أحمد السلطان بمدينة تونس. في عصر الشيخ أبي مدين بن السلطان سعيد بن السلطان قاشين بن السلطان يحيى بن السلطان ذوقا ينتهي نسبه إلى محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه الشيخ العالم العارف الشعراني نسبة إلى قرية أبي شعرة المصري الشافعي الصوفي قرأ على زين الدين المحلي شرح المحلي على جمع الجوامع، وحاشيته وشرح العقائد للتفتازاني، وحاشية ابن أبي شريف عليه، وشرح المقاصد، وشرح الفصول لأبي طاهر القزويني، وعلى الشيخ نور الدين الجارحي المدرس بجامع الغمري شرح ألفية العراقي للمصنف وشرح الشاطبية، وغيره، وعلى النور السنهوري الضرير الإمام بجامع الأقمر عدة كتب منها شرح نظمه للجرومية، وشرح شذور الذهب، وشرح الألفية للمكودي، وعلى المحقق منلا علي العجمي بباب القرافة قطعة من المطول، والعضد وقطعة من البيضاوي، وعلى الصافي، وعيسى الأخنائي، والشرف الدمياطي الواعظ بالأزهر كل منهم قطعة من المنهاج، وعلى القسطلاني كل المواهب، وغالب شرحه للبخاري، وعلى مجلى قطعة من شرح المنهاج للمحلي هو، الشيخ أبو الحسن البكري، وعلي النور ابن ناصر من شرح المنهاج حلي أيضاً إلى أثناء الحج، والنور الأشموني قطعة من شرحه على المنهاج الذي نظمه، وشرح نظمه لجمع الجوامع، وعلى القاضي زكريا شرحه على الروض إلى باب الجهاد، وشرحه للرسالة، ومختصرة لآداب القضاء، وشرح التحرير، وغير ذلك وعلى الشمس الحنبلي قطعة من تفسير البغوي، وعلى البرهان القلقشندي قطعة من شرح المنهاج، وأجاز له، وعلى الشيخ شهاب الدين الرملي الروضة إلى أثناء الخيار، والأعفاف وطالع الكتب مطالعة كثيرة، وكان رحمه الله تعالى من آيات الله تعالى في العلم، والتصوف والتأليف، له طبقات الأولياء ثلاث، والعهود والسنن، وغير ذلك وكتبه كلها نافعة، وقد ثلت كتبه على أنه أجتمع بكثير من العلماء والأولياء والصالحين توفي رحمه الله تعالى في حدود السبعين وتسعمائة .
عبد الوهاب بن الصلتي

عبد الوهاب بن عبد الوهاب السيد تاج الدين الصلتي، ثم الدمشقي نقيب الأشراف بدمشق. مولده سنة خمس وثمانين وثمانمائة تقريباً، واجتمع بسيدي علي بن ميمون، وسيدي محمد بن عراق، وكان وكيل قاضي القضاة ولي الدين بن الفرفور، وخدم الشيخ تقي الدين أبن قاضي عجلون، وقرأ على الشيخ تقي الدين القارىء ربع العبادات من المنهاج، ولم يكن له فضيلة في شيء من العلوم غير أنه كان ب الحكام، فتولى نظر القيمرية، ثم ترقى، فصار ناظر الأموي، وحج سنة ستين وتسعمائة، ثم تولى نظر النظار، وحصلت له ولولده السيد محمد محنة وشدة، وسافرا إلى الروم، وصرفا أموالاً كثيرة بسبب مضاهاتهما للقاضي كمال الدين الحمراوي، وولي نظارة السليمية، وعدة أنظار ووظائف، وكان هو وولده يمطلون الناس في معاليمهم حتى قال شيخ الإسلام الوالد له:
أكلت معاليمنا جهرة ... فإما حراماً وإما حلالاً
فان قلت حلاً فاذا ردة ... وإن قلت حراماً أتيت ضلالاً
وهي قصيدة طويلة. وله فيه وفي ولده عدة مقاطيع، وكان السيد تاج الدين يلثغ بالراء، ووقعت لولده محنة اتهم فيها بقتل، فشكا حاله، وبث حزنه للشيخ الوالد، فكان يقول: ظلموا ولدي، واتهموه، ووالله أنه لبغيء مما اتهموه يريد أنه بريء فقال الولد وتلطف:
قد جاءني التاج يوماً ... يقول: أنت غضي
وإن نجلي ندب ... مثل السحاب غوي
قد اتهموه بقتل ... إنه لبغي
يريد رضي، وروي، وبري. فخرج من لثغته خلاف بغيته. مات في سنة تسع التاء المثناة وسبعين بتقديم السين وتسعمائة. كنا علقته من خط بعض العصريين رأيت في بعض تعاليقي بخطي أنة مات يوم السبت ثاني عشري ذي القعدة سنة اثنتين و وتسعمائة، وأنه كان قد انقطع سبع سنين، وبقي في بيته، وأنه دفن في تربة الشيخ أرسلان لصيق ولده السيد محمود رحمه الله تعالى.
عبيد بن عمر العيثاويعبيد بن عمر الشيخ الفاضل الصالح زين الدين العيثاوي الشافعي. كان ديناً، متقللاً من الدنيا، محافظاً على الأوراد في الصباح، وفي وله قيام في الليل، وغير ذلك من الكتب والإقراء والفوائد، وكان إماماً ثانياً بجامع الميدان الحصا خارج دمشق. ولما قربت وفاته بني له قبراً بتربة الجورة بميدان الحصا، ثم نزل فيه، وتمدد فيه، ثم قام ومضى إلى منزله، وصار يتكلم مع تقي الدين البزه فبينما هو حصلت له حالة شخص فيها ومات، كما قرأته من خط والد شيخنا ليلة الجمعة تاسع عشري صفر سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن في القبر الذي حفره لنفسه قبل صلاة الجمعة رحمه الله تعالى.
عثمان بن أحمد الحورانيعثمان بن أحمد الحوراني الشاغوري الواعظ يوم السبت في الثلاثة أشهر بجامع دمشق الأموي باشر الوعظ نيابة عن الشيخ شرف الدين الحكيم خطيب الجامع سنين، ثم فرغ له عنه، وكان يعظ من الكراريس بعبارة فصيحة، وصوت جهوري مقبول التأدية، حسن الطريقة، وكان يعظ النساء في البيوت، فيقبلن عليه، ويفهمن وعظه، وكان له خط حسن كتب كتباً كثيرة، وألف في الوعظ وغيره مؤلفات منها: الإرشاد إلى الطريق الرشاد و بلوغ المنى في أسباب الغنى، والإشارات إلى أماكن الزيارات وإرشاد الطلاب إلى معاشرة الأحباب. مات ليلة السبت سابع ذي القعدة الحرام سنة ألف رحمه الله تعالى.
عثمان باشا الوزيرعثمان باشا الوزير الأعظم مات ببلاد العجم بعد أن فتح أوائل صفر سنة أربع وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن محمد بن حمزة

علي بن محمد بن حمزة السيد الشريف نقيب الأشراف بدمشق القاضي علاء الدين بن السيد كمال الدين مفتي دار العدل ابن حمزة الحسيني، الشافعي. مولده يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة ثمان وتسعمائة أخذ عن والده وغيره، وكان يلازم دروس شيخ الإسلام والدي، ويجلس عن يمينه في الدرس، وكان يتردد إليه كثيراً، ويتودد له، وكان من أذكياء الناس، وكان يبدل القاف همزة. له قبول تام، ومباسطة في الكلام صاحب نكتة ونادرة، لطيف المعاشرة، حلو المحاضرة، ولي عدة أنظار وتداريس، وكان نائباً شافعياً بباب القاضي بعد أن تنقل في النيابة عن القضاء من قناة العوني إلى الكبرى، ومن الدهيناتية إلى الباب، وكان يحكي أن فلاحاً أهدى إليه مرة من سطل لبن، وقال له: يا مولاي القاضي، أنا رجل لم أدرك الأمور الشرعية، ولي عند رجل دين، وهو يجحده، فأحضره في غد، وأنا أطلب منك أن تساعدني عليه، فإني ما دخلت المحكمة قط، وما وقفت بين يدي ظالم. فضحك القاضي حتى استلقى على قفاه، وكان يحكي هذه القصة. وله نوادر ونكت ولطائف من هذا القبيل، وكان يقول: ثلاثة تجلب السرور غسل البلاط الرخام، والأكل في آنية الصيني، والاستصباح بالشمع العسلي. وكان يقول: إن الناس يقولون أن القاضي يأكل. سبحان الله، وإذا لم يأكل يموت يتلطف بالإبهام، فإن معنى قوله: القاضي يأكل الكناية عن الرشوة، وهو يحوله إلى الأكل الحقيقي أي إذا لم يأكل الطعام بالكلية ينتهي أمره إلى الموت، وربما قال: وإذا لم يأكل فكيف يعيش. وتوفي يوم الأحد سابع عشري ذي القعدة الحرام سنة تسع بتقديم التاء المثناة وثمانين وتسعمائة، وقد جاوز الثمانين.
علي بن محمد العسيليعلي بن محمد، الشيخ العلامة، الأديب نور الدين العسيلي المصري، الشافعي، المفنن في العلوم النقلية، والعقلية، له حاشية على كتاب المغني في النحو وله يد طولى في الكلام، والعقائد، وذكره الشعراوي فأثنى عليه بالخشية، والبكاء عند سماع القرآن، والتهجد فإن الغالب عليه أحوال الملامتية، وأن غالب أعماله قلبية، وذكره ابن الحنبلي في تاريخ حلب، وذلك أنه سافر إلى بلاد الروم في حدود سنة أربع وثلاثين، فدخل بلاد الشام واجتمع به ابن الحنبلي، إذ ذاك، وأورد له من نظمه نبذة منها قوله محاجياً في صباح:
أيا مولى له عن ... مقام الفضل غيبة
أبن قول المحاجي ... يقول بئراً بطيبة.
وأنشد له مطلع قصيدة:
رعى الله ليلة وصل خلت ... خلوت بها وضجيعي القمر
صفت عن رقيب وعن عاذل ... فلم تك إلا كلمح البصر
وقد قصرت بعد طول النوى ... وما قصرت مع ذاك القصر
ومن محاسن قوله في عبد له اسمه فرج:
لكل ضيق إذا استبطأته فرج ... وكل ضيق أراه فهو من فرج
وكان الشيخ نور الدين من أخص الناس، بالشيخ محمد بن أبي الحسن البكري، ولما ورد شيخ الإسلام الوالد القاهرة، سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة ذاهباً منها إلى الحج أضافه تلميذه الأستاذ محمد البكري، فاتفق للشيخ، الوالد أنه اجتمع به في الضيافة الشيخ نور الدين العسيلي فجرى في المجلس ذكر الخادم للزركشي. فقال: الشيخ نور الدين اختصر بعضهم في كتاب سماه تحرير الخادم فأخذ يطنب في استحسان هذه التسمية قال شيخ الإسلام: وهي في الحقيقة تسمية حسنة، لكن عن على اللسان ما نظمته بديهة فقلت:
تعجب نور الدين من صنع بعضهم ... يلقب تصنيفاً بتحرير خادم
فقلت له لا حسن فيه لأنه ... بتحريره لا نفع فيه لعالم
فمع رقه استخدامه متحتم ... ومع عتقه استخدامه غير لازم
تأخرت وفاته عن وفاة الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمهما الله تعالى.
علي بن أحمد البغدادي الحنبلي

علي بن أحمد بن علي بن البهاء، الشيخ علاء الدين ابن الشيخ شهاب الدين البغدادي الحنبلي. قرأت بخط شيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد العيثاوي أنه كان صالحاً، عابداً، زاهداً، يتقي الشبهات، ويتجنب الشهوات، قابضاً على دينه، ملازماً للطاعات والقربات، وكان ممن لزم قدوة العارفين سيدي محمد بن عراق، وكان واعظاً يعظ الناس بمواعظ حسنة لها موقع في قلوب المؤمنين، وكان ممن أخذ عن أبيه، وعن الشيخ سراج الدين عمر بن علي بن عثمان بن صالح الصيرفي، التقوى ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين، والشيخ رضي الدين الجد، وعن شيخ الإسلام والدي، فقرأ جانباً من البخاري، وشيئاً من الجرومية، وشرحها للشيخ علاء الدين البصروي، ومن شرح الألفية للمكودي، وقليلاً من المغني، وقرأ عليه مؤلفه المسمى بالدر النضيد، في آداب المفيد والمستفيد، وكتب منه عدة نسخ، واشتغل بكتابة مؤلفات الشيخ الوالد، وترجمة الشيخ بأنه من الفضلاء الصلحاء المباركين. قال شيخ الإسلام الوالد: وأخبرني أنه رأى بخط والده أن مولده أوائل الساعة الثالثة من نهار الثلاثاء خامس المحرم سنة اثنتين وتسعمائة انتهى.
وقرأت بخط شيخنا أنه توفي يوم السبت ثامن عشري رمضان المعظم سنة خمس وسبعين، بتقديم السين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي قبل الظهر، ودفن بمقبرة باب الفراديس، ولقنه الشيخ شهاب الدين رحمه الله تعالى.
علي بن أحمد القرافيعلي بن أحمد بن علي بن عبد المهيمن بن حسن بن الشيخ نور الدين القاهري، الشافعي، الشهير بالقرافي. أخذ عن الديمي، والقاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والصابي، واللقاني، والشبلي، والنور المحلي، ولعله مات قبل الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن إسماعيل بن عماد الدين الشافعي

علي بن إسماعيل بن موسى بن علي بن حسن بن محمد الشيخ الإمام العلامة، اللوذعي، والألمعي الفهامة، الشيخ علاء الدين الدمشقي، الشافعي الشهير بابن عماد الدين، وابن الوس بكسر الواو، وتشديد السين المهملة. كان أبوه سمساراً في القماش بسوق جقمق. مولده كما رأيت بخط الشيخ يحيى بن النعيمي ليلة السبت خامس عشري رجب سنة سبع عشرة وتسعمائة. لازم في الفقه الشيخ تقي الدين القاري وغيره، وأخذ الحديث عن جماعات منهم الشيخ شهاب الدين الحمصي، ثم الدمشقي الخطيب، وعن الحافظ برهان الدين البقاعي وأخذ القراءات السبع بمضمون التيسير، والشاطبية، عن الشيخ تقي الدين القاري، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن ابن الجزري والتفسير والعربية عنه أيضاً، وعن الشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي، وعن الشيخ كمال الدين بن شقير، وفي الأصول على المولى أمير جان الكبائي التبريزي حين قدم دمشق حاجاً، وفي الكلام والحكمة على منلا حبيب الله الأصفهاني، وأخذ العربية أيضاً، والتفسير عن الشيخ مغوش المغربي، عن سيدي محمد السنوسي البوني الأصل، والكلام عن الشمس أحمد الشيرازي عن سيدي غياث الدين منصور، وقرأ المعاني، والبيان، والكلام على الشيخ أبي الفتح السبستري، وحج وقرأ بمكة على قاضيها ابن أبي كثير، واشتهر بدمشق أنه قرأ على شيخ الإسلام الوالد، ثم انحرف هو عن الشيخ، وصار بينهما ما هو مشهور، ثم رأيت شيخ الاسلام عدة في فهرست تلاميذه، ووصفه فيها بالشاب الفاضل، وذكر أنه قرأ عليه في الأذكار، وألفية ابن مالك وحضر دروسه كثيراً، وطالما كنت أريد أن أعرف السبب الداعي إلى نفرة الشيخ علاء الدين، عن أستاذه الوالد، فلا أرى من يخبرني به حتى حدثني الشيخ الصالح ولي الله تعالى يوسف الجيرامي، أحد جماعة الشيخ أحمد الدجاني المقدسي، أنه كان عند الشيخ الوالد، فذكر في المجلس الشيخ علاء الدين، وقلة أدبه معه مع أنه قرأ عليه، فقيل للشيخ الوالد: ما سبب الجفاء الحاصل من الشيخ علاء الدين لكم؟ فقال: سببه أنه كان مرة في مجلس درسي فضحك في المجلس، واستغرب في الضحك، فزجرته فقام، ولم يعد إلى الدرس ثم إن الشيخ علاء الدين بعد ذلك كان يؤذي الشيخ، والله يدفع عنه أذيته حتى حملته حميته، وكان جاراً للشيخ على أن تعرض لماء يجري إلى دارنا، وإلى سبيل بالقرب منها فقطعه، وأجراه إلى سكنه فقيل للشيخ: ألا تتصدى يا مولانا للانتصاف منه؟ قال: بل الله ينصفنا منه، ويكفينا إياه، فلم تمض سنة حتى مات الشيخ علاء الدين، فما خرجت جنازته حتى عاد الماء إلى مجاريه وقال الشيخ أبو الفتح المالكي في ذلك:
قطعوا السبيل فعوقبوا ... قطعاً بمتصل الظما
ونما السرور لهم به ... فرحاً وكان المأتما
قامت نوايح بل صوايح ... حول سافرة الدمى
وتشتتوا بعد التفرق ... مزعجين عن الحما
ما ضرهم لو أنهم ... سلكوا الطريق الأقوما
لكنهم حسبوا الوقا ... حة والقباحة مغنما
وتعرضوا بمساءة البدر ... المنير توهما
وتناولوا من ماء ... ساحته الشريفة أسهما
سروا بذلك برهة ... حتى إذا فرحوا بما
والله يغفر للجميع ... تفضلاً وتكرما

ولي الشيخ علاء الدين نيابة القضاء بمحكمة الميدان خارج دمشق، ثم نيابة الباب مدة طويلة، وأقامه بعض قضاة القضاة مقامه، وقد زار القاضي بيت المقدس، وكان أول توليته بمحكمة الميدان عوضاً عن الكمال الخضيري في يوم الجمعة، يوم دخول محمل الحاج إلى دمشق رابع عشر صفر سنة خمس وأربعين وتسعمائة، كما نقلته من تاريخ شيخه ابن طولون، ثم سافر الشيخ علاء الدين إلى الروم سنة ست وأربعين وتسعمائة، فعجب منه علماء الروم من فطانته، وفضيلته مع قصر قامته، وصغر جثته، وسموه كجك علاء الدين، ثم كانوا يضربون المثل به، وأعطي، ثم تدريس دار الحديث الأشرفية بثلاثين عثمانياً قال ابن طولون: وهو درس متجدد لم يكن بالدار المذكورة سوى مشيخة الحديث، ودخل دمشق يوم الأحد ثامن صفر سنة سبع وأربعين وتسعمائة، ودرس بدار الحديث المذكورة في قوله تعالى: " الله نور السموات والأرض " وحضره شيخه ابن طولون، والشيخ عبد الرحمن الشويكي مفتي الحنابلة، والشيخ علاء الدين بن صدقة، ثم أعرض عن نيابة القضاء، وأقبل على التدريس، وغلبت عليه المعقولات، وبلغني أنه ألف حواشي على شرح الألفية لابن المصنف وكان يقرىء، ويدرس، ويفتي ويدرس بالجامع الأموي، وبالأشرفية وبالعادلية الصغرى، وبالتقوية قال والد شيخنا: كان له سطوة، وكلمة نافذة، وسخاء للطلبة وولي تدريس المدرسة التقوية، ومشيخة الشامية البرانية، وغيرها، وأسكن فيها طلبة علم وصار يمدهم بالإكرام، والإطعام، ونبل قدره انتهى.
وبلغني أنه كان يحفظ القرآن العظيم ويكثر تلاوته، وحفظ كثيراً من الكتب، وكان الناس يهابونه قاضي القضاة فمن دونه وكان له جرأة، وعشيرة باسطاً لحرمة، مقبول الشفاعة، يؤاسي الطلبة، ويحسن إليهم، وانتفع به كثيرون، وممن برع عليه الشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ عماد الدين، والشمس بن المنقار، والمنلا أسد، والشمس الصالحي، والشمس بن هلال، والشيخ علاء الدين القباني، وممن أخذ عنه شيخنا، الشيخ شهاب الدين العيثاوي، وكان يحضر دروسه في المعقولات قال وأشار عليه: والدي بالأشتغال في الفقه فأقرأ في شرح الروض وقال لي: يوم ابتدائه فيه سلم على الشيخ، وقل له قبلنا أشارته، وأقرأنا في الفقه، وكان له شعر متوسط من أحسنه قوله:
لولا ثلاث هن لي بغية ... ما كنت أرضى أنني أذكر
عز رفيع وتقى زائد ... والعلم عني في الملا ينشر
ولما كانت سنة إحدى وستين وتسعمائة منع الحكام، من شرب القهوة فقال الشيخ علاء الدين بن عماد، متعرضاً للشيخ أبي الفتح المالكي:
قل لأبي الفتح إذا جئته ... قول عجول غير مستاني
أدرك بني البرش على برشهم ... قد منعوا من قهوة البن
وقال:
اشرب من البن قهوة الندما ... وأدركن منها المباح فما أحلى
من أين للفاضل الذي حكما؟ ... بماذا البن أنه حرما نقلا؟
واستفت في حلها لمن علما ... وأترك مقال الجهول والخصما ألا
فلا تشبه لشربها الحرما ... قد نص أهل العقول والعلما أن لا
ولما أمر قاضي القضاة ابن إسرافيل، أن يجعل لمأذنة العروس خمسة أهلة أوسطها أكبر، وكانت بهلال واحد، ففعل ذلك جلال الدين العامل، المتكلم، يومئذ على الجامع فوضعت أهلتها يوم السبت تاسع عشري شعبان سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة. قال الشيخ علاء الدين بن عماد الدين في ذلك:
عروسة قد تردت ... من المحاسن حلة
نقول ميقات وصل ... قران هذي الأهلة
وعليه مؤاخذة في استعمال عروس بالتاء، وهو غير مسموع وإنما يقال عروس للذكر والأنثى كما في القاموس، وغيره فلو قال هذي عروس تردت لسلم من ذلك، وكانت وفاته بعد الظهر يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلى عليه الوالد إماماً، وحضر الصلاة عليه علي أفندي قنالي زاده، وغيره من الأكابر، ودفن بتربة باب الصغير، وقال ماماي مؤرخاً وفاته:
قضى الإمام العلائي ... من كان بالحق يفتي
وهاتف الحق نادى ... تاريخه مات مفتي
وقال الطيبي تاريخه أعظ، وقال غيره تاريخ ظالم، وجمع الطيبي بين التواريخ الثلاثة في هذا البيت:

أرخ موت ابن العماد العالم ... بمات مفتي واعظ وظالم
واعظ مضارع، ولا يصح أن يكون أمراً، لأن الأمر عظ، وإنما سكنه في البيت لضرورة الوزن وقال الشيخ شمس الدين بن هلال يرثيه:
على ابن عماد الدين تبكي الفضائل ... وتندبه في العالمين الفواضل
به كان عقد الدهر من قبل حالياً ... ولكنه من بعده الآن عاطل
عليه وألا لا تفيض مدامع ... عليه وألا لا يحدث ناقل
وما كان ظني أن يوسد في الثذي ... وليس له إلا القلوب منازل
فحسبك يا ريب المنون جناية ... وعلى الخلق أني من فعالك ذاهل
ولكنني من بعده لست جازعاً ... ولا حذراً مما له الدهر فاعل
دفعنا بك المحذور يا غاية المنى ... ولم أستطع دفع الذي بك نازل
وإن أقفرت منك المنازل في المدى ... فإن فؤادي من خيالك آهل
ففي حلب قد جاءني ما أساءني ... وكنت مقيماً وهو عني راحل
فبينا أنا في السوق أبصرت ساعياً ... فقلت: غراب البين ما أنت قائل؟
عسى أنت لا تدري وليتك لم تكن ... فحسبك قل لي علك الآن ذاهل
أجاب إمام العصر وسد في الثرى ... فسألت دموعي الهاطلات الهوامل؟
تأكذت من حزني ومن فيض عبرتي ... أكفكف دمعاً وهو كالسحب هاطل
ولكنني أعددت للنوح والبكا ... بحارع دموع ما لهن سواحل
ولو كنت أقضي بعض بعض حقوقه ... وما هو من إحسانه لي واصل
ملأت جميع الأرض فيه قوافيا ... يرددها في الخافقين القبائل
على أنني أستغفر الله فضله ... يقصر عن إدراكه المتطاول
عليه من الرضوان ما يستحقه ... ورب البرايا بالزيادة كافل
ولا زال منهلاً على قبره الحيا ... وبرد مثواه مسح وهاطل
علي بن إسرافيل قنالي زادهعلي بن إسرافيل الإمام العلامة الأوحد المفنن الفهامة، علي جلبي قنالي زاده أحد الموالي الرومية المشهورين بالعلم والفضيلة. اشتغل في العلم على جماعة، واتصل آخراً بخدمة ابن كمال باشا، ودرس بإحدى الثماني، وولي قضاء دمشق، فدخلها في غرة ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ولم يتأخر عن السلام عليه أحد إلا شيخ الإسلام الوالد لأنه انقطع عن التردد إلى القضاة وغيرهم، والشيخ علاء الدين بن عماد الدين المذكور قبله، فإنه كان مريضاً مرض الموت، فبادر القاضي إلى زيارة الشيخ الوالد في بيته، وعيادة الشيخ علاء الدين، ومات الشيخ علاء الدين بعد أيام، فحضر جنازته، وترحم عليه، ثم قرأ على الشيخ الوالد في الحديث، وأخذ عنه، وكان بينهما مطارحات، وكان عالماً متبحراً يميل إلى الأدب والشعر، ولعله أحسن علماء الروم شعراً، وكان يعتقد الشيخ شهاب الدين الطيبي، وأخذ عنه، واستكتب بعض مؤلفاته، وبقي بدمشق قاضياً نحو أربع سنوات، ثم عزل عنها، وأعطي قضاء مصر في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وتسعمائة، ثم أعطي قضاء أدرنة، ثم إسلام بول، ثم قضاء العسكريين، ثم تقاعد عنه مقبلاً على مطالعة الكتب، والنظر في العلوم، وألف حاشية على حاشية حسن جلبي على شرح المواقف، وحاشية على حاشية شرح التحرير للسيد الشريف، وحاشية على شرح الدرر، ومن شعره ما أنشده الشيخ الإسلام الوالد:
أرى من صدغك المعوج دالاً ... ولكن نقطت من مسك خالك
فأصبح داله بالنقط ذالاً ... فها أنا هالك من أجل ذلك
فأنشده شيخ الإسلام الوالد:
ذا أصبحت مهتماً بمالك ... وحالك من صروف الدهر حالك
فلا يحظر سوى خير ببالك ... لعل الله يحدث بعد ذلك
ومن شعر علي أفندي:
يا من يقيل عثار العبد بالكرم ... إذا أتاه من الزلات في ندم
أرشد بنور الهدى نفسي فقد بقيت ... من المظالم في ليل من الظلم

بقيت من كرب الحرمان في كرب ... هب لي نسيم الرضى يا باري النسم
ومنه:
أنفق فإن الله كافل عبده ... فالرزق في اليوم الجديد جديد
المال يكثر كلما أنفقته ... كالبئر ينزح ماؤها فيزيد
وصار بينه وبين شيخ الإسلام مفاوضة في أبي حيان، وتلميذه السمين أيهما أمثل؟ فمال الشيخ إلى أبي حيان، وقال: إن كلامه أحسن وأجود، ومال الأفندي إلى ضد ذلك، ثم كتب بعد ذلك رقعة إلى الشيخ يتلطف فيها، وذكر فيها ترجمة السمين من كلام شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة، وفيها قوله: إنه ناقش أبا حيان في إعرابه مناقشات غالبها جيد، وصدر الأفندي رقعته بقوله:
يا سيداً قدره في العلم مشتهر ... وهل رأى الناس قدراً غير مشتهر؟
يفوق فضلاً على أهل العلوم كما ... يفوق بدر جميع الأنجم الزهر
بعثت قول إمام كان صنعته ... تبيان كعبة فضل رافع الحجر
في ذكر ترجمة الشيخ السمين شها ... ب الدين أوردها كالنثر في الدرر
إن شئتم فانظروا لا زال حضرتكم ... مؤيداً من إله الناس بالنظر
فأجاب الشيخ الوالد رحمه الله تعالى بقوله:
يا سيداً فاق أهل العصر قاطبة ... في كل فن على المقدار مشتهر
ويا إماماً سما فوق الرؤوس علىً ... قد وافق الخبر من عليائه الخبر
بعثت قول شهاب في الشهاب له ... نعت به طابت الأخبار والسير
جاءت مناقشة منه لسيده ... إذ لاح من فكره من لفظه درر
إن الأثير أبا حيان عمدتها ... به الأئمة في الآفاق تفتخر
والكل مغترف من بحره نهلاً ... فالبعض معترف والبعض متنكر
ثم السمين سمين من معارفه ... ليس التغير يعروه ولا الغير
وليس ضائر كل من يناقشه ... والبحر صاف وقد يبدو به كدر
والشمس والبدر قد يعروهما فتر ... والضوء والنور من هذين منتشر
يكفيهما شرفاً منك الثناء ومن ... مولاه يوماً علي فهو منتصر
واخترت رفع روي حيث ناسبه ... علاك يا شمس فضل زانها خفر
فارفع من جانبي حتماً لجانبكم ... وخفض عيشي من جدواك منتظر
فكتب إليه الأفندي مجيباً وملتمساً:
نظم من السيد الشيخ الإمام أتى ... كالنجم ملتمعاً والدر منتشراً
علومه لجة لا غرو إن قذفت ... من خطة عنبراً من لفظه دررا
كماله غير محصور، وليس يرى ... من يبتغي المدح إلا العي والحصرا
أفاد حتماً بتفضيل الإمام أبي ... حيان أحياه من أحيا الورى وبرى
إن الشهاب دخان مظلم فإذا ... دانى الأثير غداً نجماً يضي ويرى
يرى الشهاب إذا أهدى مناقشة ... على الأثير وفي إعرابه سطرا
كقيم الباغ قد يهدي لسيده ... برسم خدمته من باغه الثمرا
لكن على الحضرة العليا يعرض إذ ... أمر على خاطر المملوك قد خطرا
إن تخرج الشمس من أبحاثه وعلى ... الإنصاف يلقى عليه البحث والنظرا
عسى يحصل من تحقيق سيدنا ... فوائد تحتوي الأوضاع والغررا
ثم الروي تفاءلنا بفتحته ... منا لنا، ولكم والفتح والظفرا
فكتب كل منهما رسالة اختار فيها عشرة أبحاث بين الشيخين، وسمى الوالد رسالته العقد الثمين، في المناقشة بين أبي حيان والسمين، وكتب فيها اثنى عشر بحثاً، ثم أرسلها إلى الأفندي، وكتب إليه معها:
بحر طما وحلا واستخرج الدررا ... عقداً يرصف منظوماً ومنتثرا
وامتد جعفر فضل للسوي به ... يحيى ربيع رباع أو خصيب برا
وفاح عرف جنان أمطرت سحراً ... منه فأنعش قلباً كان مستعرا
بنفحة منه أولى مثل ثانية ... من نفحة الصور يحيى خاطر فترا

والعبد يفخر إن مولاه كاتبه ... أدى الأمانة عنه واقتفى أثرا
ثم الولا أثره مستلزم وكفى ... ومن علي يواليه فقد نصرا
والعبد ممتثل مرسوم سيده ... في جمع عشرة أبحاث له سطرا
مما أثارته أفكار الأثير وقد ... بث الشهاب من قدحه شررا
وأنت حاكمها الترضي حكومته ... وإنما العدل والإنصاف منه يرى
وأنت حاكم هذا العصر سيده ... فاحكم بفكرك في العصر الذي غبرا
فبحر فضلك لا تحصى عجائبه ... وروض فكرك يؤتي الزهر والثمرا
لا زلت قدرك مرفوعة وقولك ... متبوعاً وحلمك مسموعاً على الكبرا
ودمت في دولة دروية أبداً ... ما غاب كوكب أفق أو بدا سحرا
مات بعلة النقرس في سنة تسع وسبعين بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي ابن أمير الشيرازيعلي ابن الفاضل الصالح الورع علي ابن شيخ أمير الشيرازي صاحب الخط المنسوب. كتب مصاحف كثيرة، وكان يبيعها بأثمان غالية، وكتب تفسير ابن كمال باشا مرات، وتفسير أبي السعود وغير ذلك، ودخل دمشق فأخذ الحديث عن الوالد وغيره، ثم قطنها، وصاهره شيخنا الشيخ شهاب الدين العيثاوي مر بمجلس الشيخ الداوودي، فسمعه يذكر أن الموت بالطاعون شهادة، فحم من ليلته أو التي بعدها وطعن، ثم مات بعد يومين يوم الجمعة شعبان سنة ست وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، وصلى عليه شيخنا بجامع الجوزة خارج الفراديس، ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى.
علي بن بيوم النقطجيعلي بن بيوم بن علي الرومي الأصل، الدمشقي الشيخ الصالح المسلك منلا علاء الدين المجذوب، المعروف بالنقطجي لأنه كان كاتب غيبة أصحاب الأجزاء بالجامع الأموي لينقط على كل من تأخر منهم عن الحضور للقراءة، فأطلقت عليه هذه النسبة التركية. أخذ عن الشيخ يونس الزبال، ولما مات تصدر صاحب الترجمة في مكانه الذي كان يقيم فيه الذكر بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي تجاه ضريح سيدي يحيي بن زكريا عليهما السلام من جهة القبلة، وسكن بزاويته بسويقة صاروجا، وعمر المغارة التي على كتف بانياس المعروفة بالنقطجية، ولما تولى نظارة الجامع منلا إسلام العجمي تسلط على النقطجي بلسانه، ولامه على مسامحة القراءة، وإغفال التنقيط، وكانت تفرش لمنلا إسلام طنفسة لطيفة عند باب الصنجق من قبل الظهر إلى العصر، ويجمع إليه ثمة الكتاب والجباة وغيرهم، فدخل يوماً الشيخ على النقطجي قبل حضوره، فرأى الطنفسة فأخذته حالة مزعجة، فجاء متحركاً حتى أخذ الطنفسة، ورفعها إلى أعلى قامته، وقلبها ورمى بها، ثم أخذ في الذكر والتهليل، وخرج من الجامع، فما مضى على الناظر ثلاثة أيام حتى مات. وكانت وفاة النقطجي سنة أربع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن صدقةعلي بن صدقة، وقيل: اسم أبيه عبد الله، ولقبه صدقة بن علي بن صدقة الحلبي، البانقوسي، الشافعي، الصوفي، الشيخ علاء الدين العارف بالله تعالى الواعظ بالجامع الأموي صاحب الشعر الرائق، والكلام الفائق، على طريقة الصوفية. قرأ الفقه وغيره على الشيخ تقي الدين القاري، وفي العربية على ابن طولون، وذكره الوالد في تذكرة من أخذ عنه فقال: قرأ علي في الألفية، وحضر دروسي، وعنده جذب قال: ويغلب عليه الصلاح. واشتغل بالوعظ انتهى.
وكان من العارفين المستترين على طريقة الشيخ عبد القادر بن حبيب الصفدي، وله شرح

على رسالة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه كتبها شيخه ابن طولون بخطه في تعليقاته وهي تفصح عن مقام عال في الطريق، وحال شريف من أحوال أهل التحقيق، وكان يقرأ البخاري في بيوت الأكابر، وكان يخشع الناس من وعظه، فصيح اللسان لم يضبط عليه لحن في وعظه، وكان رفيقاً للشيخ علاء الدين بن عماد الدين، بل له عليه شيخية، وكان ابن عماد الدين يعاتبه على معاشرة العوام، ودخول القهوات، وكان يقول: مسكين يجالس المساكين، وكان يحب مجالسة الفقراء والضعفاء قيل: وكان يأكل الحشيشة، ويكثر من اللعب بالطاب والبرك، ويجالس أهل البطالات واللهو، وهذا وإن كان كذلك، فهو ملاميته فإن الملامية يخربون ظواهرهم، ويعمرون بواطنهم، وكان خشن العيش، قانعاً لا يبالي باللبس، وكتب إلى الشيخ علاء الدين بن عماد الدين:
أضحى الإمام علاء الدين منفرداً ... بالعلمه والحلم والإيفاء بالعدة
فإن وفا لي زماناً من مكارمه ... فإن لي ذمة منه بتسميتي
وحدثني الشيخ أبو بكر ابن العدوي الكاتب، وكان تلميذ ابن صدقة أن الشيخ علاء الدين بن صدقة دخل يوماً على القاضي كمال الدين الحمراوي، فقال له القاضي كمال الدين: يا مولانا الشيخ علاء الدين ما الذي بينك وبين الشيخ علاء الدين بن عماد الدين حتى بلغنا أنه هجاك؟ فقال: يا مولانا نظماً أم نثراً؟ قال: نظماً، فأنشده ابن صدقة بديهة:
أمولانا كمال الدين إني ... سأخبركم بمن قد قال عني
أيهجوني بنظم ثم ينسى ... زماناً يستفيد النثر مني.
ومن شعره:
رأيت في المرآة وجه الذي ... أضحى من الدنيا منى النفس
فقلت للنفس انظري واشهدي ... بدر الدجى في دارة الشمس
ومنه قصيدة:
لما رأيت البيض قد جردت ... ناديت فيهم يا لسود العيون
الخالبات الجالبات الهوى ... الفاتكات الفاترات الجفون
فيا ظبا البان كفا بالظبا ... جرحتم قلبي فلا تقتلون
ويا وشاة الحب ذي ادمعي ... ما قد جرى يملي فلا تكتبون
أتعذلوني لو عرفتم لما ... كنتم، وحق الله لي تعذلون
أهلة في الخمر لما بدت ... قالت بدور التم: منها استرون
ما في سواد العين إلا هم ... وغيرهم ما في السويدا يكون
يهون بذل الروح في حبهم ... وكل صعب في هواهم يهون
وله ديوان شعر، وكل شعره مطبوع مقبول. مات بعلة الاستسقاء في رجب سنة خمس وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلي عليه بجامع الجوزة خارج باب الفراديس بدمشق، ودفن بتربة الفراديس رحمه الله تعالى.
علي بن النبكعلي بن عبد الرحيم بن النبك أحد مريدي الشيخ يونس الهمداني والقيم ابن القيم ابن القيم بالجامع الأموي بحلب، والمبلغ بالحجازية. كان شيخاً معمراً بقي في القيامة والتبليغ ستين سنة، وسرقت له من داره أمتعة، فلم يتفحص عليها ولا تغير لسرقتها، فما مضت مدة يسيرة حتى أعيدت إليه. ذكره ابن الحنبلي، وقال: توفي في رمضان سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي المقشاتيعلي بن عبد الرحمن بن أبي بكر، الشيخ علاء الدين الحلبي المقشاتي، الصوفي، القادري، الأردبيلي حفيد الشيخ أبي بكر الدليواتي، صاحب المزار المشهور بحلب أدرك جده هذا، ولازم حلقة الذكر مع أتباعه، ولم يزل على ديانته ونورانيته يتعاطى أمر المقشات بحانوته، والناس سالمون من لسانه، ويده قال ابن الحنبلي: وربما صحبناه تبركاً به كما قال جدنا الجمالي: وصحب جده توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
علي الصالحي

علي بن عبد الرحيم، الشيخ الصالحي، الشافعي تلميذ الشيخ العارف بالله سيدي إبراهيم التسيلي. كان له فضيلة، ومعرفة بالصالحين والأولياء، ويحدث عنهم، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يعتقده، ويصطحب معه، وكان يحدثنا عنه كثيراً، وكان للشيخ علي صحبة مع الأخ الشيخ شهاب الدين رحمه الله تعالى وكان جاراً لنا بالمدرسة الملاصقة للجقمقية، والطبقة، والغرفة علوها، وهي التي كانت سكناً للشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وتعرف بالخانقاه الأندلسية وكانت وفاته يوم الثلاثلاء سادس جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي السنفيعلي بن علي الشيخ الإمام العلامة، الفقيه النبيه الفهامة، نور الدين السنفي، المصري، ثم الدمشقي الشافعي. ولد بمصر سنة إحدى وتسعمائة، وأخذ الفقه وغيره عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والبرهان القلقشندي، والكمال الطويل محمد بن علي بن محمد القاري، والجمال يوسف السلامي الشهير بالجمل النقيب بالأزهر، والعلامة شمس الدين محمد بن محمد الدلجي العثماني، والجمال الصافي، ويحيى الدميري، وناصر الدين اللقاني المالكي، والشمس محمد بن محمد النشيلي، والشمس الضيروطي، والبدر محمد بن أحمد بن محمد المشهدي، ونور الدين علي الكتامي بفتح الكاف، وبالمثناة فوق وبالميم وعطية الضرير، وخضر المالكي، والشهاب الرملي وغيرهم، وأخذ العربية عن الشيخ نور الدين اللقاني، وعن الشيخ عطية الضرير، والشيخ خضر المالكي، والثلاثة أخذوا عن الشيخ خالد الأزهري شارح التوضيح. ورد الشام وقطنها، وانتفع به الفضلاء كالشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ شمس الدين الحجازي، وشيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد العيثاوي، والشيخ أحمد القابوني، والشيخ محيي الدين البكري، وتزوج بأمه، وولي نيابة القضاء بالكبرى، وتنزه عن المحصول برهة، ثم تناوله، وكانت وفاته بدمشق ليلة الأحد رابع شعبان سنة ثمان وسبعين - بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي دفتر دار الشامعلي بن مراد دفتر دار الشام. كان له تودد إلى الناس، وكان إذا مر بالأسواق يسلم على الكبير والصغير، والغني والفقير، وهو الذي بنى الدار بالقيمرية، والجنينة بالقرب من جامع يلبغا من جهة الغرب. وأرضها وقف الحرمين، والآن احتكرها فضل الله الرومي في حدود سنة ثلاثين وألف. وأحكرها بيوتاً، ومات علي جلبي الدفتر دار فجأة في سنة ثمانين وتسعمائة.
علي بن سنينعلي بن منصور، الشيخ العلامة علاء الدين بن سنين بالتصغير الطرابلسي مفتي طرابلس، الحنفي. أخذ عن علماء مصر، واجتمع بالوالد سنة اثنتين وخمسين بالقاهرة، وقرأ عليه غالب شرحه المنظوم على الألفية، وكتب له إجازة به وبغيره، وسافر إلى الروم، وكانت وفاته في بضع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة عن دنيا عريضة قيل ترك اثني عشر ألف أصل من الزيتون غير التوت والأموال رحمه الله تعالى.
علي بن موسى الحرفوشيعلي بن موسى الأمير ابن الأمير ابن الحرفوش أمير بعلبك. دخل دمشق في يوم الجمعة ثامن عشر ذي القعدة سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة صحبة يانظ إبراهيم، وجماعة من الينكجرية، فاجتمع بمحمد باشا ابن سنان باشا، وهو يومئذ نائب الشام، فأكرمه وهرعت إليه الناس للسلام عليه، ونزل في بيت يانظ إبراهيم، ثم قبض عليه بعد عشرة أيام، وحبس وعرض الباشا فيه إلى أبيه، وهو الوزير الأعظم يومئذ، وكان أبوه حين كان بالشام نائباً في سنة خمس وتسعين أراد القبض عليه، فهرب منه، فلما علم بإمساكه أنهى إلى حضرة السلطان أنه من العصاة، فأمر بقتله، فضربت عنقه داخل قلعة دمشق بعد صلاة العشاء ليلة السبت ثاني عشر المحرم سنة تسع وتسعين وتسعمائة، وأرسل رأسه إلى التخت السلطاني، ودفن جسده بباب الفراديس.
علي الجيزيعلي ابن الشيخ العلامة زين العابدين الجيزي المالكي. اشتغل على الشيخ ناصر الدين اللقاني حتى تبحر في علوم الشريعة. أجازه بالإفتاء والتدريس، وكان يرد شيخه إليه الأسئلة المشكلة، وكان مقتنعاً بالدون من الطعام، واللباس، حسن الأخلاق. ذكره الشعراوي، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى.
علي بن يوسف الرومي

علي بن يوسف قاضي قضاة الشام أحد الموالي الرومية المعروف بابن حسام الدين. كان له طمع، ولما كانت قصة القابجي الذي أمسك بني خطاب، ومن كان معهم، وورد الحكم بقتله كان مساعداً فيها، وحكم بقتله، وحث محمد شاه ابن حسن بيك لربكي الشاه يومئذ على قتله، فقتل في سنة تسع وثمانين وتسعمائة، ثم انفصل.
علي الطحلاويعلي الشيخ الإمام العلامة الزاهد نور الدين الطحلاوي، المالكي. أخذ عن الشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ فتح الدين الدميري، وأجيز بالإفتاء والتدريس، فدرس وأفتى وانتفع به خلائق. ذكره الشعراوي أيضاً، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى.
علي الطندتايعلي الشيخ العالم، الراسخ، المحقق الشيخ نور الدين الطندتاي الشافعي. أخذ الفقه عن الشيخ شهاب الدين الرملي، وقرأ على الشيخ ناصر الدين اللقاني وغيرهما، وأخذ الطريق عن الشيخ محمد الشناوي، والشيخ علي المرصفي، وكان يأمر إخوانه بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وأجيز بالإفتاء والتدريس، فأفتى ودرس في حياة شيوخه، وكان شيخه الرملي يقول تحقيق المسائل في درس الشيخ نور الدين الطندتاي، وجمع فتاوي للخطيب الشربيني. ذكره الشعراوي في معاصريه، وذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، والشيخ نور الدين الشوني، إلى جانبه، والشيخ نور الدين الطندتاي إلى جانب الشوني، ورأى الشيخ شهاب الدين البلقيني، وجماعة المجلس جلوساً بعيداً عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فقال شخص: يا رسول الله ما سبب قرب هذا منك، ولم يكن أكثرهم صلاة عليك. فقال: سبب ذلك كثرة تواضعه، وهضم نفسه، ولم يؤرخ الشعراوي وفاته رحمه الله تعالى.
علي جلبي الحمصيعلي جلبي بن هلال أخو الشيخ محمد بن هلال الحمصي من شعره:
أقول لأصحابي عن القهوة انتهوا ... ولا تجلسوا في مجلس هي فيه
وما كان تركي شربها لكراهة ... ولكن غدت مشروب كل سفيه
وهذا قريب من قول أبي السعود مفتي الروم، وقد سئل عن القهوة. ما أكب أهل الفجور على تعاطيه، لا يحسن ممن يخشى الله ويتقيه، انتهى.
عمر سلطانعمر بن محمد بن أبي اليمن محمد بن قطب الدين، الشيخ العلامة زين الدين بن سلطان الصالحي. الحنفي. أخذ الفقه عن عمه القطب ابن سلطان، وعن الشيخ شمس الدين بن طولون، وعن الشيخ عبد الصمد العكاري، والعربية عن الشيخ تقي الدين القاري، ودرس بعده في مدارس آخرها الجوهرية، ومات عنها، وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة، ويقرر دروسه تقريراً حسناً، وكان يعرف العربية، ولزمته فيها، وهو أول مشايخي في العلم، وانتفعت به، ورأيت والدي رحمه الله تعالى في المنام، فأشار إلي بملازمته، وعرفني بأني أنتفع به، وكان بارعاً في العربية خلاف ما كان يظن فيه كثير، وكان كثير من الناس ينسبونه إلى التغفل، ولم يكن كذلك، بل كان فطناً ذكياً، وإنما كان على خلاف ما عليه الناس من التطرف، وكان طويل القامة، عريض الجسد، يلبس الأثواب السابغة، والعمامة الكبيرة الحسنة، وكان البطالون ممن يدعي العلم يلقبونه بالجمل، وربما قيل: جمل المحمل، وكان منجمعاً عن الناس، ملازماً دار الحديث الظاهرية. يتردد الناس إليه في الفتاوي وغيرها، وكان مسموع الكلمة موقراً عند الحكام وغيرهم، وكان يتردد إليه الناس للإصلاح بينهم، وكان طاهر العرض، عفيف النفس، يكرم زائريه، ويضيفهم، ويكف نفسه عما بأيديهم، وكان يستأجر قرية الإصطبل بالبقاع لقربها من وقف الجوهرية هناك، وسافر إلى البقاع مدة لأجل الإستغلال، فكان إذا ذكره حساد معاصريه. وقيل: أين الجمل؟ يقال: في الإصطبل حسداً وغيبة، وهو كان سالماً من مثل ذلك، وكان ينتفع المترددون إليه بكتبه مطالعة عنده، وعارية، واستكتب عدة كتب، ووقف كتبه آخراً، وحج في أواخر عمره، وصحب القطب الهندي وغيره بمكة، وصحب منها كتباً نفيسة، وكانت تبري له الأقلام، ولا يحسن بريها، وكان يكب على المطالعة ليلاً ونهاراً ما لم يكن عنده وارد. وبالجملة كان من أفراد عصره ديناً، وورعاً، وعلماً. توفي في غرة ربيع الثاني سنة سبع بتقديم السين. وتسعين بتأخيرها وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأموي، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
عمر بن محمد الكفرسوسي

عمر بن محمد الصالح الواعظ زين الدين ابن شيخ الإسلام شمس الدين الكفرسوسي. أخذ عن والده، وكان له استحضار حسن للأحاديث النبوية والمواعظ. توفي يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عمر بن الموقععمر بن أبي بكر بن الموقع، القاضي زين الدين الشافعي. أخذ عن الشيخ يوسف العيثاوي، وولده شيخنا، وعن الشيخ إسماعيل النابلسي، وكان يقلده في الهيئة والعمامة واللباس إلا أنه كان قليل البضاعة من العلم. ناب في القضاء بمحكمة الصالحية، ثم بقناة العوني، ثم الكبرى، ثم الباب، ومات يوم الثلاثاء خامس عشري رمضان سنة أربع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة بدمشق، ومات أخوه القاضي شهاب الدين بالروم في هذا اليوم، وهو من الإتفاق الغريب رحمه الله تعالى.
عمر بن يوسف الحيسوب الحسنيعمر بن يوسف، الشيخ الإمام العلامة زين الدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى صلاح الدين البعلي، الحنبلي، عرف بابن أبي الحسن الحيسوب الفرضي الفقيه العالم مفتي بعلبك. حضر دروس الوالد، وسمع منه كثيراً، وأجاز وكان من أخص الناس بالأخ شهاب الدين، توفي سنة خمس وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عمر السرايريعمر السرايري أحد أفراد دمشق في الموسيقى والتلحين والدخول. كان من جماعة الشيخ محمد الجعيدي. مات في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عمر المرعشيعمر المرعشي، الحلبي الحنفي القاضي زين الدين. دخل دمشق في سنة تسع وتسعين وتسعمائة قادماً من الحج، وكان له شهامة. نزل عند شيخنا القاضي محب الدين، ومات بحلب في سنة ألف في المحرم رحمه الله تعالى.
عمر الرسامعمر الشيخ زين الدين الرسام المكي، الدمشقي. من حفاظ القرآن، وله همة وجرأة. وكان سبب موته أنه طالب أحمد الخليلي الجابي بعلوفته في وقف الحرمين الشريفين، فأجابه بالمجون والسخرية على عادته، فصفعه الشيخ زين الدين، فترافعا إلى نائب الباب إبراهيم بن بيرام الحنفي، فاعترف بصفعه، واستطال عليه في المجلس، فعزره النائب، فرجع إلى بيته محموماً نحو عشرة أيام، ثم مات في خامس عشر رمضان سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة بدمشق رحمه الله تعالى.
حرف الغين المعجمة من الطبقة الثالثة

غنيم المالكي
غنيم الشيخ الصالح العابد الزاهد. المالكي شيخ قبة السلطان الغوري بالقاهرة. نشأ على علم، وعمل، وديانة، وسلامة صدر ذكره الشعراوي، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى.
حرف الفاء من الطبقة الثالثة
فرهات باشا
فرهات باشا كان نائب حلب وليها في سنة أربع وستين، ثم كان نائب بغداد، كان لا يسفك دماً، وإن وجب، ويقول بنية خلقها الله تعالى فلا نخربها ولا يقطع يد سارق، ولا يقيم حداً، وإنما يجزي بأنعام على المجرم بما سامحه من العقوبة وكان يتكلم بالعربية، ويحفظ تواريخ، ويخوض في دقائق الصوفية ذكره ابن الحنبلي وذكر أنه أمر خطيب الجامع الأعظم بحلب، وهو الزين الأرمنازي أن يذكر السبطين قبل ذكر الستة الباقين من العشرة قال ابن الحنبلي: وقد كان كما هو الحق لا يذكر بعد الأربعة إلا الستة، ولا بعد الستة إلا العمين حمزة، والعباس، ثم السبطين قال: وأغلظ على الشيخ زين الدين القول في تأخير السبطين، فاضطرب الناس لما أحدثه، وذكر أنه ألف رسالة سماها تأهيل من خطب في ترتيب الصحابة في الخطب ومات صاحب الترجمة ببغداد سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف القاف من الطبقة الثالثة
قاسم الجبرتي
قاسم بن محمد الحلبي الشافعي، المعروف بابن الجبرتي لأن أباه كان يعتقد الشيخ علي الجبرتي المصري نزيل حلب، فنسب إليه. ولد بحلب في سنة اثنتين وتسعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وقرأ الغاية على البرهان العمادي، ونصف المنهاج على الشمس الخناجري، وشارك في التجويد، وصار خطيباً، وإماماً بجامع السيد المجاور لدار العدل بحلب، وكان ديناً صالحاً، قوي الاستحضار لبعض عبارات الفقه، وكان يحفظ تواريخ من أدركهم، ونوادر عمن لم يدركهم، وكان يغسل الموتى ذكره ابن الحنبلي ولم يؤرخ وفاته فهو من هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
قاسم القواس

قاسم بن محمد الدمشقي الأستاذ القواس قرأ على الشيخ الوالد في الغاية وكان يحضر دروسه ويصحب الأخ الشيخ شهاب الدين توفي في حدود سنة ألف عن سن عالية حتى قيل أنه جاوز المائة رحمه الله تعالى.
قاسم القادريقاسم بن أبي الفضل، الحلبي الشافعي، الصوفي القادري كان زموطياً، ثم فتح الله تعالى عليه، وصار شيخ الشيوخ بحلب بعد الشيخ صالح المشهور بابن المعلم، وتولى إمامة الحلاوية، الحنفية، مع أنه شافعي، وكتب الوثائق بمحكمة بعض القضاة الروميين بحلب، وشرح عنقاء مغرب، لابن العربي على حسب حاله، والحكم لابن عطا الله، وقرظ له شرح الحكم ابن الحنبلي بقوله:
ذا كتاب فيه معارف تجلى ... ونكات على ذوي الذوق تملى
قد أتتنا على لسان مفيد ... ذي بيان من عالم الفضل فضلا
وتراءت من صرح ذا الشرح تجلى ... كعروس من لمحها لن تملا
وعلى كل حالة فهو شرح ... ليس يخلو عن الفوائد أصلا
ولئن كان قابلاً لتلاف ... وتجاف عن بعض ما فيه حلا
فلبدر السماء محق تراه ... فاذكر المحقق فيه حيث تجلى
قاسم المغربيقاسم المغربي الأقصرائي ذكره الشعراوي في طبقاته الوسطى: توفي في سنة سبعين بتقديم السين وتسعمائة بمدينة فاس رحمه الله تعالى.
قاسم بن كلستانقاسم بن علي بن أحمد بن عبد الله الحلبي الشافعي الشهير بابن كلستان، قال ابن الحنبلي: لازم الشمس بن بلال في النحو، وحضر الزين بن الشماع في الحديث، وكان يتقيد بالكلام النحوي وتفقه على منلا موسى الكردي، وأم بالمدرسة المقدمية، ودرس في بقعة بالجامع الكبير، ولم يؤرخ وفاته.
قانصوه الجركسيقانصوه بن عبد الله الجركسي عتيق القاضي ولي الدين بن الفرفور كان شيخاً جركسياً مغفلاً، وكان يظن أنه ينظم الشعر، ولا يتقيد بوزن ولا قافية، ويزعم أنه أشعر الناس كقوله:
انظر إلى الصوابية ... في سفح قاسوني
كأنها شامة ... في رأس حرذون
وهجا ماماي فقال:
وقد سبق طبعك ... إلى أكل لحم الخنزير
فما فيك إلا ضرر للناس ... في الباطن والظاهر
كالتوت الشامي ... سواد في سواد في سواد
فلما وقف ماماي على خطه فقال:
وقانصوه فجعل ... منعنع الصفات
ما عنده رشاد ... يستأهل الكرات
وكان يزعم المدح، والهجاء، ويضحك الناس منه، ومما يقول، وهو لا يدري شيئاً.
مدح شيخ الإسلام الوالد فقال:
ألف ألف سلام وأذكى تحيه ... على الشيخ بدر الدين بن الرضي الغزي
يتفجر العلم من حلقه ولسانه ... كما يتفجر الماء من الحجر المزي
فما أنت متكبر ولا متجبر ولا أحمق ... يا ابن الرضي الغزي يا غزي
فلما أنشدها للشيخ الوالد، ضحك الشيخ الوالد حتى استغرب، ثم أجازه، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: إنه معتوق المحب بن أجا، وقال إنه صالح له نوع تعبد واشتغال بالعلم قطن دمشق، وتولى النظر على تربة الست في حلب الجاري وقفها بسوق الصابون، ثم عزل عنه مات قانصوه سنة سبع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى.
قانصوه الغزاوي

قانصوه بن مساعد بن مسلم الغزاوي أمير عجلون، والكرك، وأمير الحاج الشامي نحو خمس عشرة سنة. كان من أحسن الأمراء سيرة، وكان من يحج في زمانه يستريح في سفره، وكانت العرب تطيعه وتخافه، فيحصل للحجاج الأمن والراحة، وهو في نفسه كان حسن النية، وكان يبخل لكنه عمر مسجد هشام جوار سوق جقمق، وتبرع من ماله للجامع الأموي وغيره، وصاهر من أكابر التجار بعضهم، وكان الناس يبتهجون به أيام حركة الحج بدمشق ذهاباً وإياباً، ولما دخل إبراهيم باشا الوزير بلاد الشام من جهة مصر، وغزا الدروز، وظهرت منه تلك الحركة لم يحضر عليه قانصوه، فلما دخل إسلام بول سود عليه، وعرض على السلطان مراد خان أنه عصى، فورد أمر سلطاني إلى علي باشا ابن علوان نائب الشام بالقبض عليه، فقبض عليه في طريق الحاج عائداً من الحج، ثم أحضر إلى دمشق مع الركب، واستودع القلعة مدة، وذلك في سنة أربع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ثم توجه علي باشا بنفسه، ومعه قانصوه مقيداً في تخت روان، ومعه الأمير منصور بن الفريخ، والأمير علي بن الخرفوش، والأمير عساف، وآخرون من الأمراء، فلما دخل بهم إسلام بول رأى السلطان مراد قانصوه، وهيئته، وشيبته، ونورانيته، فأطلقه مكرماً، وأبقى عليه إمارة الحاج، فرجع إلى الشام، وباشر إمارة الحاج، ثم أعطى صنجق عجلون لرجل من الترك يقال له: أبو سيفين، فلما توجه إلى عجلون عين معه الوزير سنان باشا، وكان يومئذ نائب الشام ماية ينكجري، وأمرهم بالقبض على قانصوه أو قتله، فصار بينهم وبين جماعة قانصوه حرب، فقتل أبو سيفين، وقتل معه نحو خمسة عشر ينكجرياً سوى غيرهم من جماعة أبي سيفين، ورجع الباقون إلى دمشق، وهرب قانصوه وأولاده، وأعيان جماعته، ثم لما عزل سنان باشا من الوزارة العظمى ثانياً في عاشر شوال سنة تسع وتسعين بتقديم التاء المثناة فيهما. ووصل خبر عزله إلى بلاد الشام توجه الأمير قانصوه، ومعه ولده الأمير أحمد على البرية إلى الروم، فدخل إلى إسلام بول في خامس عشر ذي الحجة، فحصل له من السلطان مراد خان الرعاية التامة، وخلع عليه واستمر ثمة إلى أن توفي سنة ألف في غرة المحرم، ثم أعطى ولده أحمد نيابة عجلون، ووصل الخبر إلى دمشق رابع عشري المحرم المذكور رحمه الله تعالى.
قباد باشا أمير حلبقباد باشا ابن رمضان أمير أمراء حلب والد سليمان باشا كان له شهامة زائدة، وحرمة وافرة على مماليكه، وخدمه. أرسل شخصاً أعجمياً إلى ما وراء أصفهان لإحضار طائر السمرمر بسبب جراد مهول حصل بالبلاد الحلبية، وخيف عوده، فذهب وأتى بالطائر في سنة أربع وستين وتسعمائة، فخرج إلى لقائه أهل حلب، ودخلوا به بالتهليل والتكبير كما وقع مثل هذا في سنة تسع وخمسين وثمانمائة كما ذكره أبو ذر في تاريخه، وأمر قباد باشا بجمع الجراد، فجمع الناس منه بضبط قاضي حلب إذ ذاك مائة ألف كيل، ثم فاجأهم عزله، وصار عند عزله فتنبه بسبب حكم أظهره بعض أهل حلب بالتفتيش على صوباشيه بسبب الجراد إلا أن الله تعالى كفى شرها، ولم يؤرخ ابن الحنبلي وفاته.
قودر أفنديقودر أفندي قاضي قضاة دمشق، أحد موالي الروم. تولى قضاء الشام بعد ابن أبي السعود المفتي في صفر سنة تسع بتقديم التاء المثناة وستين وتسعمائة، وكان قليل العلم إلا أنه كان وافر الحرمة، عفيف اليد عن أخذ ما سوى المحصول من أموال الناس، واستمر إلى أن مات بها في صفر سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة وصلى عليه شيخ الإسلام الوالد إماماً، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
حرف الكاف من الطبقة الثالثة خال

كمال الدين الحمراوي
تقدم في المحمدين رحمه الله تعالى.
حرف اللام من الطبقة الثالثة خال
حرف الميم من الطبقة الثالثة
محمود بن محمد الطرابلسي
محمود بن محمد بن أحمد، الشيخ الفاضل نور الدين ابن الشيخ ناصر الدين الطرابلسي الحنفي إمام المرادية خارج دمشق وخطيبها، وهو أخو الشيخ علاء الدين إمام الجامع الأموي. مولده سنة اثنتين وستين وتسعمائة. أخذ القرآن عن الشيخ شهاب الدين أحمد الفلوجي، الشافعي، وتفقه بالشيخ شمس الدين المنقار وغيره، ومات سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمود الجالقي

محمود بن عبد القادر القاضي نور الدين الجالقي القسام العسكري. كان قريباً للشيخ نجم الدين البهنسي، وكان يشكو منه لمنعه إياه من استحقاق له في وقف أهل بيتهما، فآل أمره إلى أن سافر إلى القسطنطينية لشكاية عليه، وجرت بينهما أمور انتهت آخراً إلى الصلح، وأقام القاضي محمود آخراً بإسلام بول، وتبع طريق الملازمة، وكان له معرفة بتصفية الحديد حين يصير فولاذاً، وأكثر معيشته منه، ثم ورد دمشق آخراً قساماً عسكرياً، وسلك في قضائه طريقة العفة والديانة حتى وقعت في توليته ماجرية إبراهيم بيك طالوا، وتزوجه لبنت إبراهيم بيك ابن جعفر بعد موت أبيها وقد طالت أيامها بكراً، ثم بعد دخوله بها أراد أن يثبت وصايته على أيتام أبيها من قبل أبيها، وهذا أمر بعيد جداً في عقول الناس إذ ذاك لأن إبراهيم بن طالوا كان باتفاقهم أسفه الناس في مال له، أو لغيره إذا وقع في يده، وتكرر منه إتلاف أموال، وكان إبراهيم بن جعفر من أمسك الناس على ماله، وأحرصه عليه، وكان أعرف الناس بسفه إبراهيم بيك ابن طالوا، فأراد أن يثبت أنه وصى إليه على أيتامه عند القاضي محمود الجالقي، ويبذل له ألف دينار ذهباً، وسببه أن المال ينوف على عشرين ألفاً، فأبى الجالقي إما خوفاً على عرضه، واستدراك الناس عليه، ولعله الأرجح، وإما ديانة وتورعاً، وهو الذي أظهره لنا ولغيرها، فلما أبى بذل ابن طالوا المال لمصطفى أفندي ابن سنان، وكان قاضي قضاة دمشق إذ ذاك، وأثبت الوصاية عنده بمعونة الشيخ محمد بن سعد الدين، فحصل للجالقي قهر عظيم مرض بسببه برمي الدم، ومات في شوال سنة سبع بتقديم السين وتسعين بتأخيرها وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمود الصلتيمحمود بن عبد الوهاب، السيد الشريف نور الدين ابن السيد تاج الدين الصلتي. مولده كما قرأت بخط والد شيخنا نقلاً عن أبيه سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ونشأ في حجر أبيه في دنيا عريضة وخيلاء، وولي تولية جامع تنكز وغيره بدمشق، وآخر نظرا النظار، وسار إلى الروم مرتين للمفاوضة مع القاضي كمال الدين الحمراوي في الأنظار، وأصلح بينهما آخراً قاضي القضاة ابن أبي السعود بحلب، وكان الناس غير راضين منه، ولا من أبيه في ولايتهم، ومات قبل أبيه في صبيحة يوم سادس عشري رمضان سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة عن خمسين سنة، وصلي عليه قبل الظهر بالأموي، ودفن في تربة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه.
محمود التركمانيمحمود بن علي بن مصطفى التركماني الأصل الحموي، الحنفي. زوج بنت سيدي الشيخ علوان الحموي. مولده سنة تسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، وأخذ العلم عن الشيخ علاء الدين الأطاسي الحموي، ثم ناب في القضاء بحماة، ثم صحب الشيخ علوان، فترك النيابة، وترك حماة، فسأل الشيخ علوان من الأصلح بها للنيابة، فقال له الشيخ محمود، فحمله القاضي على النيابة، فأبى وأتى الشيخ. فقال: يا سيدي كيف قلت ما قلت. قال له الشيخ: إني لم أزده على جواب سؤاله بأنك الأصلح، وأنا أنهاك عن ترك النيابة. قال ابن الحنبلي: وقد ورد حلب مرتين ثانيتهما سنة أربع وستين وتسعمائة، وفيها آخاني وعاهدني على أن يشفع كل منا لصاحبه لدى الحاجة يوم القيامة قال: وأخبرني وهو صدوق أنه حسيني وموسوي، وأن جده مصطفى هذا هو صاحب الكرامات، والمزار الذي يزار بسيجر، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
مراد باشا نائبمراد باشا نائب الشام باني المرادية خارج بابي الجابية والشاعور بالسويقة المحروقة، وكان مكانهما حوشاً جامعاً، وربما كان به جماعة من بنات الخطا، فلما بنى بيت القهوة في جواره، وكان الشيخ محمد اليتيم يعمل القهوة، ثم سعى في استئجار ذلك الحوش، وضمه إلى بيت القهوة، وجعله ساحة مجلس الناس بها، واتخذ مكاناً منها مسجداً، فإذا حضر وقت الصلاة أقام الصلاة، وصلى هو ومن حضر جماعة، فلما ولي مراد باشا الشام في سنة ست وسبعين وتسعمائة أراد أن يبني مسجداً، فاختير له هذا المكان، فبناه قيل: ووضع المحراب في الموضع الذي اتخذه الشيخ اليتيم للصلاة، ورتب له مراد باشا خطيباً، وإماماً ومؤذنين، وبنى بها حجراً، ورتب لمن يسكن بها طعاماً، ورتب قراء يقرأون بالجامع الكبير غربي المقصورة عند باب الخطابة، وبقي ذلك إلى الآن.
مسعود المغربي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7