كتاب : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي
الطبقة الأولى
في ذكر من وقعت وفاته من المتعينين من افتتاح سنة إحدى وتسعمائة إلى ختام سنة ثلاث وثلاثين:المحمدونا - محمد بن عوجان: محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام ملك العلماء الأعلام، كمال الدين أبو المعالي ابن الأمير ناصر الدين بن أبي شريف المقدسي، المصري، الشافعي، سبط قاضي القضاة، شهاب الدين أحمد العمري ، المالكي الشهير بابن عوجان. ولد ليلة السبت خامس في الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بالقدس الشريف، ونشأ في عفة، وصيانة، وديانة، ورزانة، وحفظ القرآن العظيم، والشاطبية، والمنهاج للنووي، وعرضهما على شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، وقاضي القضاة محب الدين بن نصر الله الحنبلي، وشيخ الإسلام سعد الدين الديري، وشيخ الإسلام عز الدين المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ثم حفظ ألفية ابن عالك، وألفية الحديث، وقرأ القرآن بالروايات على الشيخ أبي القاسم النويري، وسمع عليه، وقرأ في العربية والأصول والمنطق والعروض واصطلاح أهل الحديث، وأذن له بالتدريس فيها في سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وتفقه على الشيخ العلامة زين الدين ماهر، والشيخ عماد الدين بن شرف، وحضر عند الشيخ شهاب الدين بن أرسلان، والشيخ عز الدين القدسي، ورحل إلى القاهرة سنة أربع وأربعين، وأخذ من علمائها منهم ابن حجر، وكتب له إجازة وصفه فيها بالفاضل البارع الأوحد، وقاضي القضاة الشمس القاياتي، والعر البغدادي وغيرهم، وسمع الحديث على ابن حجر، والشيخ زين الدين الزركشي الحنبلي، والعز بن الفرات الحنفي وغيرهم، وتردد إلى القاهرة مرات، وحج بها صحبة القاضي عبد الباسط رئيس المملكة سنة ثلاث وخمسين، وسمع الحديث بالمدينة المنورة على المحب الطبري وغيره، وبمكة على أبي الفتح المراغي وغيره، ودرس وأفتى وأشير إليه في حاية شيخه ماهر، وكان يرشد الطلبة للقراءة عليه حتى ترك هو الإقراء، وفي سنة إحدى وثمانين توجه إلى القاهرة واستوطنها، وتردد الطلبة والفضلاء، وانتفعوا به، وعظمت هيبته، وارتفعت كلمته، ثم عاد إلى بيت المقدس بعد أن ولاه السلطان قايتباي الأشرف مدرسته المحدثة بها في سنة تسعين وثمانمائة، وفي شهر شوال سنة تسعمائة ورد إليه مرسوم شريف أن يكون متكلماً على الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف، وكان قد تولى مشيختها قبل ذلك مدة، ثم أضيف إليه التكلم على المدرسة الجوهرية وغيرها لما هو معلوم من ديانته وورعه، وقد استوفى ترجمته وأحواله تلميذه صاحب الأنس الجليل فيه.
ومن تصانيفه: " الإسعاد بشرح الإرشاد " لابن المقري، و " الدرر اللوامع بتحرير شرح جمع الجوامع، في الأصول، و " الفرائد في حل شرح العقائد " ، و " المسامرة بشرح المسايرة " ، وقطعة على تفسير البيضاوي، وقطعة على المنهاج، وقطعة على صفوة الزبد لشيخه ابن أرسلان وغير ذلك، ومن إنشاده في بيت المقدس بعد غيبته عنه مدة طويلة ما ذكر في الأنس الجليل أنه سمع منه بدرب القدس الشريف حين عوده في غرة شهر ذي القعدة سنة تسعمائة. قال لي بروايتهما:
أحيي بقاع القدس ما هبت الصبا ... فتلك رباع الأنس في زمن الصبا
وما زلت من شوقي إليها مواصلاً ... سلامي على تلك المعاهد والربى
واشتهر من شعره في المواضع التي تباح فيها الغيبة:
القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعزف ومحذر
ولمظهر فسقاً ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر
ابن الحنبلي الحلبي في تاريخه عن شيخه العلامة شمس الدين الضيروطي المصري أنه توجه مع الشيخ نور الدين المحلي إلى الشيخ محمد الجلجولي المعروف بأبي العون " المغربي " ، وأخفى الشيخ نور الدين عن الشيخ أبي العون أنه من أهل العلم، فقال له الشيخ أبو العون كلاماً معناه أنه لا ينبغي لمن آتاه الله تعالى شيئاً من فضله أن يخفيه عن الناس، ثم إنه فرش له بساطاً كان في يده وأجلسه عليه قال وسأله الشيخ نور الدين عن الكمال بن أبي شريف الموافق له في الأخذ عن ابن أرسلان، فقال الشيخ أبو العون: قد رأينا مكتوباً على ساق العرش محمد بن أبي شريف من المحبين لأولياء الله تعالى. وكانت وفاته كما قال النعيمي في عنوانه: في يوم الخميس خامس عشري جمادى الأولى سنة ست وتسعمائة. عن أخويه شيخ الإسلام البرهان، وكان حينئذ بمصر، والعلامة جلال الدين، وكان عنده بالقدس عن دنيا طائلة - رحمه الله تعالى - .
2 - محمد المحرقي: محمد بن محمد الشيخ الفاضل ولي الدين ابن الشيخ العالم محب الدين المحرقي المباشر بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة. توفي بها يوم الخميس ختام ربيع الأول سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة.
3 - محمد القرافي: محمد بن محمد، الشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة بدر الدين ابن الشيخ العلامة شمس الدين القرافي المالكي، خليفة الحكم بالديار المصرية. توفي بها يوم الثلاثاء ثالث عشر القعدة سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ودفن بالصحراء بالقاهرة، وكانت جنازته حافلة.
4 - محمد القيراطي: محمد بن محمد بن إسماعيل، الشيخ الإمام، العلامة الصالح شمس الدين الشهير بالقيراطي، الدمشقي. ولد في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. قال الحمصي: وكان فاضلاً مفنناً، حفظ المنهاج للنووي، والتصحيح الكبير عليه للشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون. وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر رمضان سنة أربع عشرة وتسعمائة.
5 - محمد التيزيني: محمد بن محمد بن أبي بكر، الشيخ العلامة، المؤقت شمس الدين التيزيني، الدمشقي. الحنفي. ولد في رجب سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وكان عنده عقل وتؤدة، وحسن تصرف، وكان رئيس المؤقتين بالجامع الأموي. توفي يوم السبت ثالث صفر سنة إحدى عشرة وتسعمائة.
6 - محمد الفرفوري: محمد بن محمد بن عبد الله، قاضي القضاة بدر الدين بن الفرفور الدمشقي. الحنفي، اشتغل يسيراً في الفقه على البرهان بن عون، ثم ولي كتابة السر عوضاً عن أمين الدين الحسباني، ثم استنزل له عمه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور قاضي القضاة محب الدين الغصيف عن نظر القصاعية وتدريسها، وأسمعه الحديث على جماعة من الدمشقيين، ثم ولي قضاء القضاة الحنفية بالشام مراراً. عزل من آخرها في شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وتوفي بعد سنة ست وعشرين وتسعمائة لأن ابن طولون ذكر أن عمه الولوي بن الفرفور بعثه في صفر إلى صيدا هو والجلال البصروي في خزينة.
7 - محمد بن هشام: محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، الشيخ العلامة محب الدين الشهير بابن هشام، النحوي، المصري نزيل دمشق. ولد في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتفقه بالعلامة قاسم بن قطلوبغا، والعلامة تقي الدين الشمني وغيرهما، وأخذ النحو عنهما أيضاً، والحديث عن ابن حجر وغيره، وكان علامة. وتوفي يوم السبت رابع القعدة سنة سبع وتسعمائة، ودفن في جوار المزار المعروف بسيدي بلال رضي الله تعالى عنه بمقبرة باب الصغير.
8 - محمد بن عطية الإسكندري: محمد بن محمد بن علي بن صالح بن عثمان ابن أبي الفتح بن عمر بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عبد الله بن عطية بن عبد الصمد بن علي بن عبد المعطي بن أحمد بن يحيى بن موسى بن حمزة بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن محمود بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، الشيخ الإمام العارف بالله، الفقيه اللغوي، المحدث المسند، المعمر، المرشد، المسلك المربي، القدوة أبو الفتح شمس الدين السكندري المولد، الآفاقي المنشأ، العاتكي المزي الشافعي المذهب، العوفي النسب، الصوفي المشرب. قيل: ولد في الإسكندرية في أول شهر المحرم سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وقرأت بخطه أنه ولد عاشر المحرم سنة عشرة وثمانمائة، ولما حملت والدته دخل والده الشيخ بدر الدين العوفي على الشيخ الإمام العارف بالله تعالى الشيخ عبد الرحمن الشبريسي وسأله لها الدعاء، فقال له: إن زوجتك آمنة معها ولدان أحدهما يموت بعد سبعة أيام والآخر يعيش زماناً طويلاً، وسمه بأبي الفتح، وسيكون له فتح من الله تعالى، وتوكل على الله وسير إلى الله. يعيش سعيداً، ويموت شهيداً. يخرج من الدنيا كيوم ولدته أمه يضع قممه على جبل قاف المحيط يسوح زماناً، وينال من الله أماناً، فاستوص به خيراً، واصبر عليه، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً، فلما وضعته أمه كان الأمر كما قال الشيخ عبد الرحمن، فصنع والده وليمة بعد تمام أربعين يوما من ولادته، ودعا الشيخ عبد الرحمن وجماعة من الفقراء والصالدين وأضافهم، فلما رفعوا السماط حمله أبوه ووضعه بين أيديهم، فأخفه الشيخ عبد الرحمن الشبريسي وحنكه بتمرة، ثم مضغها وعصرها في فيه، ثم طلب شيئاً من العسل فأحضر له، فلعق الشيخ عبد الرحمن ثلاث لعقات، ثم ألعق المولود ثلاثا، ثم وضعه بي يدي الفقراء، وأمرهم فلعقوا منه، ثم قرأ الفاتحة سبع مرات، ثم قال لوالد الشيخ أبي الفتح: ادفع هذا لأمه لا يشاركها فيه أحد ولا تخش على الولد المبارك، فوالله إني لأرى روحه تجول حول العرش، ثم خرج من ساعته، وكان والد الشيخ أبي الفتح يقول حكايات الإشبريس .
نقلت هذه الحكاية ملخصاً من خط الشيخ أبي الفتح في كتابه المسمى بالحجة الراجحة. قال: ثم إني رأيته - يعني الشيخ عبد الرحمن - بعد مدة، فلما أقبلت عليه قبل بين عيني، ونظر بعين لطفه إلي، ثم لقنني الذكر وأخذ علي العهد، ثم قال: عش في أمان الله، مؤيداً بالله، هائماً بالله، فانياً عما سواه، باقياً به. أنت إمام زمانك، وفريد أوانك، مقدماً على أقرانك، مباركاً على إخوانك، رعاك الله حفظك الله آواك الله " فرحين بما آتاهم من فضله " " سورة آل عمران: الآية 17 " الآية. قال: ثم ألبسني الخرقة الشريفة، ثم قال: أيامنا انقضت، وساعاتنا انقرضت، قال: فلما تم لي سبع سنين لبستها من يد الشيخ الإمام الورع الزاهد الناسك العابد العارف أبي الحسن
علي الدمنهوري الصوفي، ومن يد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم الأتكاوي يوم عاشر المحرم سنة خمس وعشرين وثمانمائة بلباسهما من الشبريسي، ثم نشأ الشيخ أبو الفتح، وطلب العلم والحديث، وتفقه بجماعة أولهم جده لأبيه القاضي نور الدين أبو الحسن علي، وهو أخذ الفقه والحديث عن جماعة منهم الحافظ علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن سالم بن سلامة العطار، وتفقه ابن العطار بالشيخ الإمام الحافظ الفقيه أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي، وسمع الحديث على ابن حجر، والتقي الرسام، وعائشة بنت عبد الهادي، ومريم بنت أحمد بن محمد الأذرعي، والعز أبي محمد بن الفرات الحنفي وغيرهم. وقرأ على الحافظ شمس الدين أبي الخير المقدسي الحموي بمنزله بجامع القاف صحيحي البخاري ومسلم، وعوارف المعارف للسهروردي، وكتاب ارتقاء الرتبة في اللباس والصحبة، للقطب القسطلاني، والسيرة لابن هشام، وسنن ابن ماجة، وجامع الترمذي، ومسند الرافعي، ومجالس من مسند ابن حيان، ومن الموطأ، وسنن أبي داود وغير ذلك. وأجازه بجميع ما يجوز له روايته، وألبسه خرقة التصوف أيضاً، فلبسها منه وممن تقدم، ومن أبي العباس أحمد بن محمد بن الحسن الترابي، ومن أبيه القاضي بدر الدين الصوفي، ومن جده، ومن خاله أبي العباس أحمد بن القاسم بن موسى بن خلف بن محمد بن أحمد بن خلف الله ابن الشيخ الإمام العارف محرز بن خلف الله التونسي، ومن الحافظ ابن ناصر الدين، وابن الجزري، والشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود الحنبلي الصالحي، والشيخ أبي الفتح محمد ابن الشيخ أحمد بن أبي بكر القوي، والشيخ أبي بكر محمد بن محمد بن علي الخافي، ومن الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ومن غيرهم، وممن أخذ عن الشيخ أبي فتح المزي رضي الله تعالى عنه شيخ الإسلام الجد، واستجازه لشيخ الإسلام الوالد، وأحضره إليه وهو عون السنتين، فلقنه الذكر، وألبسه الخرقة، وأجازه بكل ما يجوز له وعنه روايته، والشيخ العلامة أبو المفاخر المحيوي النعيمي، وتلميذه الشيخ شمس الدين بن طولون، والشيخ شمس الدين الوفائي الواعظ وغيرهم. وألف كتاباً حافلاً في اللغة وقفت عليه بخطه، وله كتاب آخر سماه " بالحجة الراجحة في سلوك المحجة الواضحة " وقفت عليه بخطه أيضاً، كتاب آخر في آداب اللباس والصحبة وغير ذلك، ومن شعره ما كتبه في ختام الجزء الأول من كتاب الحجة الراجحة:
يا ناظراً منعماً فيما جمعت وقد ... أضحى يردد في أثنائه النظرا
سألتك الله إن عاينت من خطإ ... فاستر علي، فخير الناس من سترا
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
لم أنسى مذ قالوا فلان لقد ... أضحى كبير النفس ما أجهله
فقلت: لا أصل لهذا وقال ... الناس: لم يكبر سوى المزبله
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
من كان حقا مع الرحمن كان معه ... نعم ومن ضر فيه نفسه نفعه
ومن تذلل للمولى، فيرفعه ... ومن تفرق فيه شمله جمعه
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
يربى الخليل على ما كان صاحبه ... يعتاده وعلى ما كان فيه ربي
وفي الحقيقة يعتاد الصغير بما ... قد كان ينظر من أم له وأب
والعبد يربى بما رباه سيده ... من كثرة الخير أو من قلة الأدب
ومن تراه بضرب الدف ملتهباً ... يميل سامعه للرقص والطرب
كذا لسانك من نطق يفوه بما ... عودته منك من صدق ومن كذب
والشيخ إن كان ذا جهل فتتبعه ... فيه تلاميذه جهلاً بلا عجب
وطالب الخير غير الخير ليس يرى ... وطالب الشر غير الشر لم يصب
ومن مشى في طريق كان متهماً ... ما زال متهماً بالعيب والريب
ومن أسر لشيء كان يفعله ... فسوف في وجهه يبدو لمرتقب
ومن يماش فتى بالقبح متصفاً ... فسوف يرمى به في الحكم والسبب
ومن له طمع يزداد فيه فلم ... يمل من كثرة الإلحاح في الطلب
ومن له سوء خلق وابتليت به ... ففي مداراته ما زلت في تعب
ومن يمل عن طريق الحق منحرفاً ... كالكلب ما زال يلفى أعوج الذنب
ومن له حسن وجه لا حياء به ... فذاك برق بلا غيث ولا سحب
ومن له يا فتى علم بلا عمل ... فذاك نخل بلا طلع ولا رطب
ومن له في اللقا قول وليس له ... فعل، فذاك حكى كرماً بلا عنب
أخبرت عن شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يحكي عن شيخه الشيخ أبي الفتح المزي أنه ذكر عن بعض شيوخه بدمشق أنه قال له يوماً: تعال إلي عند صلاة العشاء، فجاء إليه، فصلى معه العشاء، ثم خرج الشيخ المذكور، وخرج معه الشيخ أبو الفتح حتى كانا بالربوة، ثم خرج به من المكان المعروف بالمنشار، وتعلقا بسفح قاسيون، فلما أشرفا على الجبل قال الشيخ للشيخ أبي الفتح: انظر إلى هذه المشاعل وعدها واحفظ عددها، ثم سار به على السفح حتى وصلا إلى مقام السيد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام المعروف بقرية برزة، فلما كان هناك قال الشيخ للشيخ أبي الفتح: كم عددت مشعلاً؟ قال: ثمانمائة، قال: تلك أرواح الأنبياء المدفونين بهذا السفح المبارك عليهم الصلاة والسلام، قال: وذاك مصداق ما يقال إن بين أرض أرزة، وأرض برزة قبور ثمانمائة نبي.
وكانت وفاة الشيخ أبي الفتح - رضي الله تعالى عنه - ليلة الأحد ثامن عشر ذي الحجة سنة ست وتسعمائة بمحلة قصر الجنيد قرب الشويكة، ودفن في الجانب الغربي في الأرض التي جعلت مقبرة، وأضيفت لمقبرة الحمرية - رحمه الله تعالى - .
9 - محمد الحصكفي: محمد بن محمد بن علي، الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن أبي اللطف الحصكفي، ثم المقدسي، سبط العلامة شيخ الإسلام تقي الدين القرقشندي. توفي والده شيخ الإسلام أبو اللطف، وهو حمل في عاشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وثمانمائة، فنشأ بعده، واشتغل بالعلم الشريف على علماء بيت المقدس إذ ذاك منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، ثم رحل إلى الديار المصرية، وأخذ عن علمائها منهم الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الجوجري، وسمع الحديث وقرأه على جماعة، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وصار من أعيان العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم والدين والتواضع، وكان عنده تودد إلى الناس، ولين جانب وسخاء نفس، وإكرام لمن يرد إليه، وأجمع الناس على محبته، وكانت وفاته رحمه الله تعالى ليلة السبت ثالث عشر القعدة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه بجامع دمشق غائباً يوم الجمعة سادس عشري شهر القعدة المذكور - رحمه الله تعالى - .
10 - محمد الدوسي: محمد بن محمد بن عمر، الشيخ العالم، ولي الدين ابن القاضي شمس الدين، الدوسي، الصالحي، الحنبلي. توفي بصالحية دمشق يوم السبت تاسع عشر في الحجة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة. ودفن بها.
11 - محمد بن غازي: محمد بن محمد بن غازي القاضي كمال الدين ابن الشيخ العلامة القاضي محيي الدين بن غازي الشافعي، ولي قضاء بعلبك والبقاع من أعمال دمشق مراراً، وتوفي بدمشق يوم الأحد سابع عشري الحجة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير - رحمه الله تعالى - .
12 - محمد البردعي: محمد بن محمد بن محمد، العالم الفاضل، محيي الدين البردعي، الحنفي، أحد موالي الروم. كان من أولاد العلماء، واشتغل على والده، ثم دخل شيراز وهراة، وقرأ على علمائها، وحصل علماً كثيراً، ثم ارتحل إلى بلاد الروم، وصار مدرساً بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا، ثم تنقلت به الأحول حتى صار مدرساً بإحدى المدرستين المتلاصقتين بأدرنة، وتوفي وهو مدرس بها، وله حواشي على تفسير البيضاوي، وحواشي على حاشية شرح التجريد للسيد الشريف، وحواشي على التلويح، وشرح على آداب البحث للعضد، وكان له حط وافر من العلوم، ومعرفة تامة بالعربية والتفسير والأصول والفروع، وكان حسن الأخلاق، لطيف الذات، متواضعاً متخشعاً، وكان له وجاهة ولطف، وكان يكتب الخط الحسن مع سرعة الكتابة. توفي في سنة سبع وعشرين وتسعمائة بأدرنة - رحمه الله تعالى - .
13 - محمد الخطيب: محمد بن محمد بن أحمد بن علي، الشيخ العالم، العلامة شمس المصري، الحنفي، الشهير بالخطيب. ولد ثاني عشر القعدة أو شوال سنة خمسين وثمانمائة، وتفقه بقاسم بن قطلوبغا وغيره. وتوفي بعقبة أيلة في المحرم سنة تسع عشرة وتسعمائة.
14 - محمد بن منعة: محمد بن محمد بن يوسف، الشيخ العلامة قاضي القضاة أبو الفضل نور الدين الخزرجي، الدمشقي. الصالحي، المعروف بابن منعة. ولد بصالحية دمشق رابع شعبان سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، وحفظ درر البحار للقونوي، ثم المنار للنسفي، وسمع بعض مسانيد أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - على قاضي القضاة حميد الدين، وتصحيح القدوري على الشيخ قاسم بن قطلوبغا، وتفقه بالشيخ عيسى الفلوجي، وولي تدريس الجمالية، وكانت سكنه، وبها كان ميلاده، والجوهرية، والشبلية الجوانية، والمرشدية. وأفتى ودرس وناب في الحكم زماناً، وكانت سيرته فيه حسنة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان عنده أمانة وصبر، وحصل كتباً كثيرة، وانفرد في آخرة عمره بالرجوع إليه في مذهب أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - بدمشق، ثم ولي في آخر عمره قضاء القضاة الحنفية بعد أن كره عليه، واعتقل بقلعة دمشق، ثم أطلق وولي القضاء في أول ، سنة إحدى وتسعمائة. ثم كانت وفاته بقرية الفيجة مطعوناً في مستهل الحجة سنة أربع وتسعمائة، وأتي به إلى الصالحية، وصلي عليه بها، ودفن بتربة " الناظرة " المعظمية بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
15 - محمد بن قدامة: محمد بن محمد، " العلامة " قاضي القضاة بهاء الدين بن قدامة المقدسي الصالحي، ثم المصري الحنبلي. ولد في ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة. النعيمي: كذا أخبرني به، وأنه وجد ذلك بخط جده لأمه قاضي الحنابلة الشهير بابن الحبال انتهى.
واشتغل في العلم، ودرس وأفتى، ثم ولي قضاء الحنابلة بالشام، ولم تحمد سيرته. لكن كان عنده حشمة، وتوفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر سنة عشر وتسعمائة، وصلي عليه بجامع الحنابلة بالسفح القاسيوني، ودفن به في الروضة - رحمه الله تعالى - .
16 - محمد النحريري: محمد بن محمد، الشيخ العلامة أقضى القضاة ولي الدين بن الشيخ العلامة فتح الدين النحريري، المصري، المالكي. توفي سابع ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة بتقديم التاء بالقاهرة، ودفن بالصحراء.
17 - محمد المعري: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين العزي بالعين المهملة، الدمشقي الشافعي. ولد ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. قال النعيمي: رافقني على جماعة من العلماء والمحدثين، وشاهد ببابي مدة، ثم توجع وانعزل عن الناس، ثم توفي نهار الجمعة سلخ القعدة سنة خمس عشرة وتسعمائة.
18 - محمد الجوجري: محمد بن محمد الشاب العالم الفاضل، المفنن البارع أمين الدين ابن شيخ الإسلام شمس الدين الجوجري المصري، الشافعي، شارح الإرشاد. والده توفي بالقاهرة مستهل صفر سنة اثنتي عشر وتسعمائة.
19 - محمد العنبري: محمد بن محمد الخواجا سري الدين العاتكي، الشهير بابن العنبري. كان يحب أهل العلم والحديث، وعنده عدة كتب في الفقه للمطالعة، وكان يلازم درس الشمس بن طولون وغيره. توفي في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وهو والد الخواجا عبد القادر بن العنبري.
20 - محمد الياسوفي: محمد بن محمد، الشيخ العالم، المفتي المدرس بدر الدين الشهير بابن الياسوفي الدمشقي. الشافعي، ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسافر إلى القاهرة مراراً آخرها مطلوباً مع جماعة مباشري الجامع الأموي في جمادىالآخرة سنة ست عشرة وتسعمائة، فحصل له قبل دخول القاهرة توعك، واستمر إلى رابع يوم من وصوله إليها، فتوفي يوم الاثنين تاسع رجب، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة ثالث شعبان المكرم.
21 - محمد بن بري: محمد بن محمد بن بري، العبد الصالح، شمس الدين بن بري الدمشقي. كان من أهل الخيرات. مات في سنة ست عشرة وتسعمائة، وأوصى ولده الشهابي أحمد بعمارة جامع مسلوت بحارة زقاق البركة بعد أن آل إلى الخراب، وكان قد تدارك جداره القبلي رجل من أهل الخير أيضاً يقال له: الخواجا شهاب الدين بن سليمان، فأتم المذكور عمارته، وصار أعجوبة.
22 - محمد الحصني: محمد بن محمد، الشيخ العلامة شمس الدين ابن الشيخ محب الدين الحسني، الحصني الدمشقي. الشافعي. توفي في دمشق يوم الأربعاء ثامن عشري شوال سنة إحدى وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
23 - محمد البازلي: محمد بن محمد بن عاود، الشيخ الإمام، العالم العلامة كمال الدين ابن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين البازلي الكردي الأصل، الحموي، الشافعي. قال الحمصي: باشر نيابة القضاء بدمشق، ومشيخة المدرسة الشامية، وكان عالماً من أهل الفضل مفنناً. توفي بدمشق يوم السبت تاسع عشري شوال سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وكان والده إذا ذاك حيا.
24 - محمد الفناري: محمد بن محمد، العالم الفاضل، المولى زين الدين. وقيل: زين العابدين الفناري الرومي الحنفي أول قضاة القضاة بدمشق من الدولة العثمانية. قرأ على علماء عصره منهم الفاضل ابن " عمه " المولى علاء الدين الفناري، ثم وصل إلى خدمة المولى العالم ابن المعرف معلم السلطان أبي يزيد بن عثمان، ثم تنقلت به الأحوال حتى صار قاضياً بدمشق، ثم بحلب قال في الشقائق النعمانية: كان عالماً فاضلاً ذكياً صاحب طبع وقاد، وذهن نقاد، وكان قوي الجنان، طلق اللسان، صاحب مروءة وفتوة، محباً للفقراء والمساكين. يبرهم ويرعى جانبهم، وكان في قضائه مرضي السيرة محمود الطريقة. انتهى.
وذكر الشيخ شمس الدين بن طولون أن سيرته بدمشق كانت أحسن منها بحلب. قلت: حتى قال فيه شيخ الإسلام الجد رحمه الله تعالى حين كان قاضياً بالشام:
أحب السادة الأروام لما ... أقاموا الشرع واتخذوه دينا
وإن تسأل عن العباد منهم ... فقاضي الشام زين العابدينا
وذكر ابن الحنبلي وابن طولون في تاريخهما هفوة صدرت منه حين كان قاضياً بحلب، وهي أن البدر بن السيوفي مفتي حلب وعالمها عقد بعض الأنكحة في أيام توليته بها، ولم يستأذن منه بناء على ما كان يعهده في دولة الجراكسة من عدم توقف عقود الأنكحة على أذن القضاة إذ لا يفتقر إلى إذنهم شرعاً، ولأنهم كانوا لا يأخذون عليها رسماً، فلما بلغ صاحب الترجمة أمر الشيخ بدر الدين السيوفي أن يستأذنه إذا أراد أن يعقد نكاحاً لأحد ليأخذ ما عليه من الرسم، فلم يبال الشيخ بذلك، وعقد لواحد نكاحاً من غير استئذان، فبعث إليه من أحضره إلى بابه ماشياً، فلما دخل عليه شتمه، ثم أمر به أن يكون في بيت محضر باشي تلك الليلة، وهم أن يوقع به ما لا يليق لولا أن الله تعالى دفعه عنه، ولم تمض على الشيخ بدر الدين مدة قليلة حتى مات قهراً بسبب ذلك، ثم مات صاحب الترجمة بعده بمدة يسيرة، وهو قاضي حلب في أول ربيع الأول سنة ست وعشرين وتسعمائة - عفا الله تعالى عنه - ، وكان قد بعث ، أولاقاً إلى دمشق ليأتي بالرئيس شمس الدين بن مكي ليعالجه، وبعث له معه أربعة آلاف درهم ليستخرج منها، فوصل أولاق إلى دمشق في رابع ربيع الأول المذكور، فذهب الأولاق بالرئيس المذكور إلى حلب، فوجدوا صاحب الترجمة قد توفي يوم الأحد مستهل ربيع، فسبحان الباقي.
25 - محمد الأنطاكي: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين بن الأنطاكي الحلبي الشافعي، أحد الشهود بالمكتب الكائن داخل باب قنسرين بحلب في دولة الجراكسة. قال ابن الحنبلي: كان ذا نسخ لطيف، وتعليق حلو ظريف، ماجناً، لطيف العشرة، كثير النسخ لمجاميع كان يلتقطها من جواهر الأشعار، ونوادر الأخبار، من الهزليات والجديات. قال: وكان قديماً يميل إلى أكل الحشيشة الخبيثة، وشرب أم الخبائث، فكتب له شخص دين من أحبائه تجاه وجهه من حيث لا يشعر قول الشاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإن المعاصي تزيل النعم
فتاب عند ذلك توبةً نصوحاً، وصار يعتزل الشهادة، إلى أن توفي في سنة ثمان وعشرين أو بعدها - رحمه الله تعالى.
26 - محمد بن الجرحي: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين الشهير بابن الجرحي الحلبي قال ابن الحنبلي: كان أولاً أحد عدول حلب بالمكتب الكائن على باب الأسدية الجوانية ثم صار إمام السلطانية في الدولة العثمانية، وتوفي في سنة ثمان وعشرين أو بعدها.
27 - محمد بن القوجوي: محمد بن محمد، العالم الفاضل المولى. محي الدين القوجوي الرومي الحنفي. كان عالما بالتفسير والأصول وسائر العلوم الشرعية والعقلية، وأخذ العلم عن والده، وكان والده من مشاهير العلماء ببلاد الروم، ثم قرأ على المولى عبدي المدرس بأماسية، ثم على المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري، وولي التدريس والولايات حتى صار قاضي العسكر بولاية أناطولي ، ثم استعفي منه فأعفي وأعطي إحدى المدارس الثماني، ثم صار قاضياً بمصر، فأقام بها سنة ثم حج وعاد إلى القسطنطينية، وبها مات سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
28 - محمد المصري: محمد بن محمد، الشيخ العلامة القاضي أفضل الدين الرومي المصري الحنفي قرأ الفقه على ابن قاسم وأجازه جماعة في استدعاء سبط شيخ الإسلام ابن حجر، وكان ديناً عاقلاً، وحج صحبة الشيخ أمين الدين الأقصراني، وتوفي بمصر في المحرم سنة اثنتين وثلاثين وتسعمئة عن نحو ثمانين سنة، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
29 - محمد الزيتوني: محمد بن محمد الشيخ الفاضل البارع محب الدين الزيتوني العوفي نسبة إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه المصري الشافعي. دخل إلى دمشق وأخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وحضر الكثير من تقاسيم المنهاج عليه، وحضر تقسيم التنبيه عليه وغير ذلك من دروسه، واستجاز من شيخ الإسلام، فأجازه بصحيح البخاري والتنبيه والمنهاج بعد أن سمع عليه الكثير من الصحيح، وتوفي سنة اثتتين وثلاثين وتسعمئة.
30 - محمد بن الغرس : محمد بن محمد، الشيخ الفاضل العلامة، شمس الدين ابن الشيخ العلامة الألمعي بدر الدين الشهير بابن الغرس بالمعجمة الحنفي المصري. كان ذا يد في النحو والأعاريب، وله شعر، وافتقر في آخر عمره، وسقم سنين بعد عز وترف ووجاهة، كان صابراً شاكراً، توفي رحمه الله تعالى في القعدة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة عن نحو خمسين سنة.
31 - محمد وأخوه الغزيان : محمد بن محمد وأخوه أحمد أبناء القاضي رضي الدين الغزي، الجد الشابان الفاضلان أبو الخير قوام الدين، وأبو المكارم شهاب الدين. توفيا شهيدين بالطاعون في دمشق سنة اثنتين وتسعمائة. ثانيهما وهو الأصغر قبل أولهما وهو الأكبر يوم الأحد ثاني عشر القعدة عن ست عشرة سنة، وأولهما وهو الأكبر بعده باثنين وعشرين يوماً يوم الخميس رابع الحجة، وكان والدهما الجد الشيخ رضي الدين إذ ذاك بمصر، ولم يبق له بعدهما ولد، فبشره القطب كما قيل بأن يعوضه الله تعالى بولد صالح، فعوضه الوالد الشيخ بدر الدين سنة أربع وتسعمائة.
32 - محمد النكساري: محمد بن إبراهيم بن حسن العالم، العامل، الفاضل، الكامل، المولى محي الدين النكساري الرومي الحنفي. كان عالماً بالعربية، والعلوم الشرعية العقلية، ماهراً في علوم الرياضة. أخذ عن المولى فتح الله الشرواني، وقرأ على المولى حسام الدين التوقاني، ثم على المولى يوسف بالي بن محمد الفناري، ثم على المولى يكان، وكان حافظاً للقرآن العظيم، عارفاً بعلم القراءات، ماهراً في التفسير. وكان يذكر الناس كل يوم جمعة تارة في أيا صوفيا، وتارة في جامع السلطان محمد خان، وكان حسن الأخلاق، قنوعاً راضياً بالقليل من العيش، مشتغلاً بإصلاح نفسه، منقطعاً إلى الله تعالى. صنف تفسير سورة الدخان، وكتب حواشي على تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على شرح الوقاية لصدر الشريعة، ولما آن أوان انقضاء مدته ختم التفسير في أيا صوفيا، ثم قال: أيها الناس إني سألت الله تعالى أن يمهلني إلى ختم القرآن العظيم، فلعل الله تعالى يختم لي بالخير والإيمان، ودعا فأمن الناس على دعائه، ثم أتى إلى بيته ومرض. وتوفي بالقسطنطينية في سنة إحدى وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
33 - محمد بن الخطيب : محمد بن إبراهيم، العالم العلامة، المولى محي الدين الشهير بابن الخطيب الرومي الحنفي، وكان من مشاهير موالي الروم. قرأ على والده المولى تاج الدين، وعلى العلامة علي الطوسي والمولى خضر بيك، وتولى المناصب، وترقى حتى جعله السلطان محمد بن عثمان معلماً لنفسه، ثم ادعى البحث مع المولى خواجه زاده، فقال له السلطان محمد: أنت تقدر على البحث معه. قال: نعم سيما ولي مرتبة عند السلطان، فعزله السلطان لهذا الكلام، ولما تولى السلطان أبو يزيد خان جمعه في ولايته مع المولى علاء الدين العربي في محفل من العلماء، فجرى بينهما مباحثة في الرؤية والكلام. انتهى فيها البحث إلى كلام أنكره عليه السلطان، ففطن ابن الخطيب لذلك، وصنف رسالة في البحث المذكور، وذكر في خطبتها اسم السلطان، وأرسلها إليه على يد وزيره إبراهيم باشا، فلما عرضها على السلطان، فقال السلطان: ما اكتفى بذلك الكلام الباطل باللسان حتى كتبه في الأوراق. اضرب برسالته وجهه، وقل له: يخرج البتة من مملكتي، فتحير الوزير، وكتم غضب السلطان عن ابن الخطيب، وانتظر ابن الخطيب جائزة الرسالة، وتألم من تأخرها، وقال للوزير: أستأذن السلطان أن أذهب من مملكته وأجاور بمكة وأدى أمره إلى الاختلال عند السلطان، وتحير الوزير، ثم أرسل إلى ابن الخطيب من ماله باسم السلطان عشرة آلاف درهم، وناسى السلطان القضية، ثم أن المولى جلال الدين الدواني رحمه الله تعالى أرسل كتاباً إلى بعض أصدقائه إلى الروم، وهو المفتي يومئذ وكتب في حاشيته: السلام على المولى ابن الخطيب، وعلى المولى خواجه زاده، فسمع ابن الخطيب بذلك، فطلب الكتاب وأرسله إلى الوزير وقال له: إنه يعتقد فضل خواجه زاده علي، وأنا مفضل عليه ببلاد الروم. يدل عليه كتاب المولى جلال الدين حيث قدمني عليه ذكراً، فلما وصل الكتاب إلى الوزير قال: إنه سؤال دوزي، والتقديم في الذكر لا يستلزم التقديم في الفضل. قلت: وهذا الرجل وإن كان من الموالي المحققين، فأنت خبير بما اشتملت عليه سيرته من الدعوى، والحسد، وعدم الرضا من زمانه.
وذكر صاحب الشقائق عن والده أنه دخل مع ابن الخطيب حين كان يقرأ عليه وهو متقاعد عن المناصب إلى السلطان أبي يزيد خان - رحمه الله تعالى في يوم عيد، فلما مر مع موالي بالديوان والوزراء جالسون سلم المولى بن فضل الله، وكان مفتياً في ذلك الوقت عليهم، فضرب ابن الخطيب في صدره بظهر يده، وقال: هتكت عرض العلم، وسلمت عليهم أنت مخدوم، وهم خدام سيما وأنت رجل شريف. قال: ثم دخل ونحن معه، فاستقبله سبع خطوات، وسلم عليه وما انحنى له، وصافحه ولم يقبل يده، وقال للسلطان: بارك الله لك في هذه الأيام الشريفة، ثم سلم ورجع. قلت: قد اشتملت هذه الحكاية على أمور بعضها معروف، وبعضها منكر، فأما ترك حنائه للسلطان، وتقبيل يده، فمن السنة، وأما إنكاره على المفتي السلام على الوزراء، وأهل الديوان ولومه على ذلك، وضرب يده في صدره، فجرأة وقلة أدب وخطأ ظاهر، ولابن الخطيب من المؤلفات حواشي على شرح التجريد للسيد الشريف، وحواشي على حاشية الكشاف للسيد أيضاً وغير ذلك، وكانت وفاته في سنة إحدى تسعمائة عفا الله تعالى عنه.
34 - محمد بن جماعة : محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن علي بن جماعة، ابن حازم بن صخر، الشيخ الإمام شيخ الإسلام قاضي القضاة، خطيب الخطباء نجم الدين أبو البقاء ابن قاضي القضاة برهان الدين ابن قاضي القضاة، شيخ الإسلام جمال الدين بن جماعة الكناني، المقدسي، الشافعي، سبط قاضي القضاة سعد الدين الديري - رحمهم الله تعالى - ولد في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين ثمانية بالقدس الشريف، ونشأ به، واشتغل في صغره بالعلم على جده وغيره، وأذن له قاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي شهبة بالإفتاء والتدريس مشافهةً، حين قدم إلى القدس الشريف، وتعين في حياة والده وجده، ولما توفي جده كان والده حينئذ قاضي القضاة الشافعية، فتكلم له في تدريس الصلاحية عند الملك الظاهر خشقدم، فأنعم له بذلك، ثم عن للقاضي برهان الدين أن يكون التدريس لولده الشيخ نجم الدين، لاشتغاله هو بمنصب القضاء، فراجع السلطان، فأجاب، وولى نجم الدين تدريس الصلاحية، فباشرها أحسن مباشرة وحضر معه يوم جلوسه قاضي القضاة حسام الدين بن العماد الحنفي قاضي دمشق، وكان إذ ذاك ببيت المقدس جماعة من الأعيان شيوخ الإسلام، كالكمال والبرهان ابني أبي شريف، والبرهان الأنصاري، والشيح أبي العباس المقدسي، والشيخ ماهر المصري وغيرهم، ولم تزل الوظيفة بيده، حتى توفي والده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، فجمع له بين قضاء القضاة، وتدريس الصلاحية، وخطابة المسجد الأقصى ولم يلتمس على القضاء ولا الدرهم الفرد، حتى تنزه عن معاليم الأنظار مما يستحقه شرعاً، ثم صرف عن القضاء والتدريس بالعز ابن عبد الله الكناني أخي الشيخ أبي العباس المقدسي، فانقطع في منزله بالمسجد الأقصى، يفتي، ويدرس، ويشغل الطلبة، ويباشر الخطابة، ثم عزل قاضي القضاة عز الدين، فتولى تدريس الصلاحية الكمال بن أبي شريف في صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة، واستمر بها إلى سنة ثمان وسبعين، فأعيدت إلى صاحب الترجمة، فجلس للتدريس وافتتح التدريس بخطبة بليغة، وتكلم على قوله تعالى: " ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم " " سورة يوسف: الاية 65 " الآية. ثم تنزه عن القضاء، ولم يلتفت إليه بعد ذلك، ثم عن حصته من الخطابة، وانجمع عن الناس، وله من المؤلفات شرح على جمع الجوامع لابن السبكي سماه بالنجم اللامع، وتعليق على الروضة إلى أثناء الحيض في مجلدات، وتعليق على المنهاج في مجلدات، والدر النظيم في أخبار موسى الكليم، وغير ذلك، وتأخرت وفاته عن سنة إحدى وتسعمائة، رحمه الله تعالى.
35 - محمد الخليلي : محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم، الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو الجرد ابن شيخ الإسلام برهان الأنصاري الخليلي، ثم المقدسي الشافعي، ولد بمدينة الخليل عليه الصلاة والسلام في شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وحفظ القرآن والمنهاج، وألفية بن مالك، والجزرية، وبعض الشاطبية، واشتغل على والده، ثم أخذ العلم عن جماعة من علماء مصر، أجلهم شيخ الإسلام قاضي القضاة شرف الدين المناوي، والشيخ العلامة كمال الدين ابن إمام الكاملية الشافعيان، وأخذ العلوم عن الشيخ تقي الدين الشمني الحنفي، وفضل وتميز، وأجيز بالافتاء والتدريس، وأعاد بالصلاحية، وله تصانيف من شرح الجرومية، وشرح الجزرية، وشرح مقدمة الهداية في علم الرواية، لابن الجزري، ومعونة الطالبين في معرفة اصطلاح المعربين، وقطعة من شرح تنقيح اللباب لشيخ الإسلام ولي الدين العراقي، وغير ذلك، تأخرت وفاته عن سنة إحدى وتسعمائة.
36 - محمد بن أبي عامر: محمد بن إبراهيم بن محمد، الشيخ العلامة شمس الدين الحنفي المقري، عرف بابن أبي عامر، أخذ عن الشهاب، أبي الطيب محمد بن أحمد بن علي الحجازي الشافعي، الأدب المحدث، وأخبره أنه يروي ألفية الحديث، والقاموس عن مؤلفيهما، وتلخيص المفتاح عن إبراهيم الشامي عن المؤلف.
37 - محمد بن الذهبي: محمد بن إبراهيم، الشيخ الإمام العالم الفاضل، أبو الفضل شمس الدين بن صارم الدين الرملي الشافعي، الشهير،،بابن الذهبي، أحد الشهود المعتبرين بدمشق، ذكر النعيمي، أنه كان قديماً بخدمة الشيخ رضي الدين الغزي الجد، وأن ميلاده كان سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وقال الشيخ شهاب الدين الحمصي: أنه كان فاضلاً، ورأيت بخط شيخ الإسلام الوالد، أنه كان يعرف القراءات وكانت وفاته ليلة الجمعة ثالث عشر المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة بدمشق، بعد عوده من القاهرة.
38 - محمد بن مزهر: محمد بن أبي بكر القاضي، كمال الدين بن مزهر، كاتب الإسرار بالديار المصرية، توفي مطعوناً، يوم السبت خامس عشرين رمضان، سنة عشر وتسعمائة بالقاهرة، ودفن بتربة البارزي بها رحمه الله تعالى.
39 - محمد بن هلال: محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن مضر بن عمر بن هلال: الشيخ الفاضل العلامة الزاهد قوام الدين أبو يزيد الحيشي الأصل، الحلبي، الشافعي. كان عالماً فاضلاً مناظراً، له حدة في المناظرة، وذكاء مفرط، وحفظ عجيب. حفظ الشاطبية، وعرضها بحلب في سنة ثلاث ثمانين وثمانمائة، وسافر مع أبيه إلى بيت المقدس، فعرض أماكن منها ومن " الرائية " على إمام الأقصى عبد الكريم بن أبي الوفاء ثم جاور بمكة سنين ، واشتغل بها، وسمع مع أبيه على الحافظ السخاوي، ثم عاد من مكة إلى حلب، واشتغل على عالمها البدر السيوفي، وقرأ عليه الإرشاد لابن المقري، وسمع بقرائة الشيخ زين الدين بن الشماع، ودرس بجامع حلب، ووعظ به وكان يأتي في وعظه بنوادر الفوائد، وسرد مرة النسب النبوي طرداً وعكساً، ثم أعرض عن ذلك، وكان صوفياً بسطامياً كأبيه يلف المئزر، ويرخي له عذبه رعاية للسنة، وكانت وفاته في حياة أبيه في شوال سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وصلى عليه والده في جامع حلب في مشهد عظيم، ودفن في تربة أسلافه بالأطعانية.
40 - محمد المشهدي : محمد بن أبي بكر، الشيخ الإمام الفاضل، المسند الصوفي بدر الدين ابن الشيخ العلامة المسند بهاء الدين المشهدي المصري الشافعي، ولد في سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وسمع على المسند أبي الخير الملتوتي مسند الطيالسي عن أبي الفرح عبد الرحمن بن المبارك الغزي ببلده، وسمع على عدة من أصحاب ابن الكويك، وابن الجزري، منهم والده، وعلى بعض أصحاب الشهاب الواسطي، وعلى قاضي القضاة بدمشق، القطب الخيضري، وأخذ عن الشهاب الحجازي الشاعر والرضى الأوجاقي، وعن غيرهم، وأجاز له ابن بلال المؤذن في آخرين من حلب، وسمع على جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر، وابن عمه شعبان، وغيرهما، ودرس وأسمع قليلاً، ناب في مشيخة سعيد السعدا الصلاحية عن ابن نسيبة، وكان عاقلاً، دمث الأخلاق ديناً صيناً، غير أنه كان ممسكاً حتى عن نفسه وفي مرض موته، كما قال العلائي، وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: كان عالماً صالحاً، كثير العبادة، محباً للخمول، إن رأى أحداً يقرأ عليه فتح له، وإلا أغلق باب داره، قال: فقلت له يوماً: ما أصبرك يا سيدي على الوحدة فقال: من كان مجالساً لله فما ثم وحدة؟! وقد جاوزت الأربعين سنة، وما بقي يناسبنا إلا الجد والاجتهاد وعدم الغفلة عن الله تعالى، ثم قال لي: هكنا أدركنا الأشياخ خلاف ما عليه أهل هذ(ا الزمان، يتعلم أحدهم مسائل، فيود أن لو عرف جميع أهل الأرض، قال: وكانيقول مدح الناس للعبد قبل مجاوزته الصراط كله غرور انتهى.
وممن أخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي، سمع عليه الموطأ برواية أبي مصعب، وقطعة من مسند الطيالسي، وأخذ عنه النخبة لابن حجر، وغير ذلك، وهو الذي تخرجت به، وانتفعت في فن الحديث، قال: وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة انتهى.
وما ذكره من وفاته تقريب وتحرير وفاته، كما قرأت بخط العلائي يوم الاثنين سابع القعدة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ثم دفن يوم الثلاثاء بعد الصلاة عليه في جماعة قليلة بباب النصر، في تربة الصلاحية على أبيه، وتوفر له حظه من إيثار الخمول على الشهرة حياً وميتاً رحمه الله تعالى - وقال: وهو آخر ذرية ابن خلكان فيما يعلم، ولم يعقب رحمه الله تعالى.
41 - محمد بن الصعيدي: محمد بن أبي بكر، الشيخ الصالح المعتقد بدر الدين ابن الشيخ أبي بكر المصري الأحمدي، المعروف بابن الصعيدي، شيخ السادة الأحمدية. كان الناس يتبركون به، ولهم فيه مزيد اعتقاد، وكان تحمل إليه الهدايا والإدرارات خصوصاً إذا شرع في التوجه إلى مولد سيدي أحمد البدوي - رضي الله تعالى عنه - ، وكان مقبول الشفاعة، في الدولتين، مسموع الكلمة عند ملك الأمراء، فمن دونه، وكان إذا دخل على نائب مصر انتصب له قائماً، وانفرد به وقضى حوائجه، وقبل شفاعته، واعتبر كلامه، وأظهر ذلك بين خواصه وجماعته، وجعله أباً له، وكان يقطع خصومات، وينفذ أموراً لا يقدر عليها غيره، وكان يستخلص من القتل، وكان عليه السكينة والدهابة، وظهرت عليه خوارق وهابه الناس، وأقبلت عليه الدنيا، وكثرت مزارعه ومواشيه، وزوجه الأعيان ببناتهم، وبنيت له الزوايا، وعمرت له العمائر، وبقي على مكانته إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الثانية سنة ثمان وعشرين وتسعمائة. ولما بلغ ملك الأمراء موته تأسف عليه، وأجلس أولاده في حجره، ورسم لهم بإمضاء جميع جهاتهم، وأبقاهم على ما كان بيده رحمه الله تعالى.
42 - محمد بن ظهيرة: محمد بن أبي السعود بن إبراهيم، الشيخ الإمام العلامة، قاضي قضاة مكة المشرفة صلاح الدين بن ظهيرة المكي الشافعي. جرت له محنة في أيام الجراكسة، وهي أن السلطان الغوري حبسه بمصر من غير جرم ولا ذنب. بل للطمع في مال يأخذه منه على عادته، ولما خرج بعساكره من مصر لقتال السلطان سليم بن عثمان. أطلق كل من في حبسه من أرباب الجرائم وغيرهم، ولم يطلق صاحب الترجمة. بل أبقاه في الحبس ، وسافر، فقتل في مرج دابق، فلما وصل الخبر بقتله، وكسر عسكر الجراكسة إلى مصر، وتسلطن طومان باي. توجه السلطان طومان باي إلى الحبس، وأطلق القاضي صلاح الدين، ثم لما وصل السلطان سليم خان إلى مصر جاء إليه القاضي صلاح الدين، فاكرمه وعظمه وخلع عليه وجهزه إلى مكة معزوزاً مكرماً مع الإحسان إليه، وكان بمصر جماعة من الحجازيين، فأحسن السلطان سليم إليهم كلهم، وكان القاضي صلاح الدين هو المشار إليه في تفرقة الصدقات السليمية في تلك السنة، وخطب عام إذ في الموقف الشريف خطبة عرفة، وبقي بمكة إلى أن توفي رحمه الله تعالى - في أواخر سنة ست أو أوائل سنة سبع وعشرين وتسعمائة. وصلي عليه غائباً بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة سابع عشري ربيع الأول سنة وعشرين وتسعمائة.
43 - محمد المقري: محمد بن أبي عبيد، الشيخ الإمام العالم العلامة، شمس الدين المقري الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة. قال الحمصي: وكان فاضلاً ذكياً مفنناً. توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثالث عشري رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وصلي عليه بجامع الحاكم، وكانت جنازته حافلة.
44 - محمد ابن أبي الحمائل : محمد بن أيي الحمائل، الشيخ الصالح، ولي الله تعالى، العارف به شمس الدين السروي المصري، الشهير بابن أبي الحمائل، ذكره شيخ الإسلام الجد فيمن صحبهم من أولياء الله تعالى، وكان رضي الله تعالى عنه أحد الرجال المشهورين بالهمة والعبادة، وكان إذا غلب عليه الحال تكلم بالعبرانية والسريانية والعجمية وغير ذلك من الألسن، وكان لا يتكلم بشيء، والحال غلب عليه إلآ نفذ، وكان يطير في الهواء والناس يشاهدونه، وقال عن نفسه: بينما أنا في منارة فارس كور ليلة إذ مز علي جماعة طيارة، فدعوني إلى مكة شرفها الله تعالى، فطرت معهم بقبقابي، فحصل عندي عجب بحالي، فسقطت في بحر دمياط ، فلولا أني كنت قريباً من البر غرقت، وساروا وتركوني، وشكى إليه مرة أهل بلد من كثرة الفار في مقاتيهم، فقال لبعض جماعة: اذهب فناد في الغيط حسبما رسم محمد ابن أبي الحمائل أن ترحلوا أجمعون، فنادى الرجل لهم كما قال الشيخ، فخرج الفار كله من ذلك الوقت، فلم ير هناك واحدة منها، وقيل: أمره أن ينادي معاشر الفيران حسبما رسم محمد بن أبي الحمائل إنكم ترحلون من هذا الغيط، وكل من قعد منكم بعد الليلة شنق بلا معاودة، فخرجت الفار كلها إلا سبعاً فوجدت مشنوقة في عيدان العصفر، وقد استقصى بعض أحواله الشيخ عبد الوهاب الشعراوي في طبقاته، وكانت وفاته بمصر في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بزاويته بخط بين الصورين، وقبره بها ظاهر يزار.
45 - محمد التونسي : محمد بن أحمد، الشيخ الإمام، المدقق الصالح. أبو المواهب التونسي الشاذلي نزيل مصر، وهو الذي كان متصدراً في قبالة رواق المغاربة بالجامع الأزهر، وكان صاحب أوراد وأحوال، توفي في أوائل القرن العاشر رحمه الله تعالى.
46 - محمد بن خطيب حمام الورد: محمد بن أحمد بن محمد القاضي، كمال الدين الدمشقي الشهير بابن خطيب حمام الورد، ولد سابع عشر رجب سنة ست وأربعين وثمانمائة، وتوفي في جمادى سنة ثلاث وتسعمائة - رحمه الله تعالى.
47 - محمد أبي الفضل: محمد بن أحمد بن محمد بن أيوب، الشيخ العلامة، المفنن محب الدين الشهير بأبي الفضل الدمشقي الشافعي. مولده في ثالث عشر شعبان سنة أربعين وثمانمائة. أخذ عن الشيخ زين الدين الشاوي وغيره، وألف كتباً في الفقه وغيره. منها شرح على المنهاج وشرح على المنفرجة وتخميسها وغير ذلك، وعني بحل الزايرجه السبتية، وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر المحرم سنة خمس وتسعمائة، ودفن من الغد بمقبرة الفراديس شمالي شباك الخانقاه النحاسية غربي الذهبية عند شيخه ابن الشاوي، ومن شعره قوله ملمحاً بحديث المسلسل بالأولية رواه عنه ابن طولون ومن خطة نقلت:
إن رمتم فوزاً لدى رب السما ... وأن تنالوا في الجنان أنعما
فأهل الأرض أوسعوهم رحمة ... لعل أن يرحمكم من في السما
48 - محمد العمري: محمد بن أحمد محمد سيدي الشيخ، العارف بالله تعالى، الولي الورع، الزاهد المجذوب، شمس الدين محمد ابن سيدي الشيخ العارف بالله تعالى أبي العباس بن شمس الدين العمري، الواسطي، المصري. قال الحمصي: كان له كرامات ظاهرة، وكشف صحيح، وكانت وفاته بالقاهرة يوم الأربعاء، في سادس عشري جمادىالآخرة سنة عشرة وتسعمائة. ودفن بجامعه بالقاهرة بقرب والده.
49 - محمد الكوكاجي الحنبلي: محمد بن أحمد أقضى القضاة عز الدين ابن القاضي شهاب الدين الكوكاجي الحموي، ثم الدمشقي الحنبلي، ولد بعد الأربعين وثمانمائة، وتوفي عشية الثلاثاء تاسع عشر في القعدة سنة سبع عشرة وتسعمائة. وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بالروضة من سفح قاسيون - رحمه الله تعالى.
50 - محمد بن شكم: محمد بن أحمد الشيخ الإمام العلامة نجم الدين ابن الشيخ العلامة شهاب الدين الشهير بابن شكم الدمشقي الشافعي، قال الحمصي: كان عالماً صالحاً زاهداً. وذكر ابن طولون في تاريخه أنه كتب على أربعين مسألة بالشامية. كتبها له وسأله عنها مدرسها شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، فكتب عليها، وعرضها عليه يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة عند ضريح الواقفة، فأسفر عن استحضار، حسن، وفضيلة تامة، وكانت وفاته في خامس عشر شوال يوم الاثنين سنة تسع عشر وتسعمائة بتقديم التاء، ودفن بصالحية دمشق رحمه الله تعالى.
51 - محمد بن البهوتي: محمد بن أحمد القاضي بدر الدين بن أبي العباس البهوتي المصري الشافعي من أعيان المباشرين بمصر، وكان ذا ثروة ووجاهة زائدة، حتىهابه بنو الجيعان وغيرهم من أرباب الديوان، وكان قد عرض بعض الكتب في حياة والده على الشرف المناوي، والجلال البكري، والمحب ابن الشحنة، والسراج العبادي وغيرهم، وكان ملازماً للشيخ محمد البكري النازل بالحسينية، وله فيه اعتقاد زائد، ولما دخل السلطان سليم بن عثمان مصر القاهرة، وتطلب العثمانيون الجراكسة ببيوت مصر وجهاتها، حشى القاضي بدر الدين البهوتي على نفسه وعياله، فحسن عنده أن يتوجه بهم إلى مصره عند صهره نور الدين البكري، فأنزلهم في الشختور، ثم أتى مسرعاً لينزل معهم، فوضع قدمه على حافة الشختور، فاختلت به، فسقط في النيل فغرق، فاضطربوا لغرقه، فانحدر الشختور إلى الوطاف العثماني، فظنوا أنهم من الجراكسة المتشبهين بالنساء، فأحاطوا بهم وسلبوهم ما معهم بعد التفتيش، فبينما هم على ذلك إذ أتى زوجة القاضي بدر الدين المخاض، فرحمها شخص بقرب قنطرة قديدار، فوضعت ولداً ذكراً في منزله، وكان القاضي بدر الدين يتمنى ذلك، وينذر عليه النذور، فلم يحصل إلا على هذا الوجه، وأحيط بماله وما جمعه، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وكان ذلك في أواخر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
52 - محمد بن العجمي الحنبلي: محمد بن أحمد بن علي بن إبراهيم أقضى القضاة، السيد الشريف ناصر الدين أبو عبد الله العجمي الأصل، الحلبي المولد، الإردبيلي الخرقة الحسيني الحنبلي، المعروف بالمهمازي. توفي بحلب سنة ست وعشرين وتسعمائة.
53 - محمد بن الشماخي : محمد بن أحمد الشيخ، الصالح الناسك السالك. بل العارف بالله تعالى، المربي المسلك المعمر، كمال الدين ابن الشيخ غياث الدين ابن الشيخ كمال الدين الشماخي الأصل والمولد، وشماخي أم المدائن بولاية شروان. أخذ عن السيد يحيى ابن السيد بهاء الدين الشرواني الشماخي المولد، ثم الباكوي الوطن، وباكو بلدة من ولاية شروان أيضاً وبها توفي السيد يحيى - إلى رحمة الله تعالى - في سنة ثمان أو تسع وستين وثمانمائة، وكان السيد يحيى هذا جليل المقدار انتشرت خلفاؤه إلى أطراف الممالك، وترجمه صاحب الشقائق النعمانية. وقال: يحكى عنه أن لم يأكل طعاماً في آخر عمره مقدار ستة أشهر، فاشتهى في تلك المدة طعاماً عينه، فاهتم أكبر أولاده به، وأحضره، فلما أخذ لقمة اشتغل بتقرير المعارف الإلهية زماناً، ثم ترك اللقمة، ولم يأكلها فقيل له في ذلك، فقال: إن الحكيم لقمان تغذى برائحة شيء من الترياق عدة سنين، ولا بعد في أن أتغذى برائحة هذه اللقمة.
وأما مريده الشيخ كمال الدين صاحب الترجمة، فذكر العلائي أنه دخل القاهرة بعد فتنة الطاغية إسماعيل شاه، فلم يظهر مشيخة ولا سلوكاً، ولا تقرب من أرباب الدنيا، بل جلس في حانوت بقرب خان الخليل يشتغل فيه الأقماع والكوافي على أسلوب العجم بحسن صناعة، وجميل دربة، وإتقان صنع. قال: وكان حافظاً لعبارات كثير من المشائخ، وآدابهم، وأخلاقهم، وحسن سيرتهم مما خلا منه كثير من المتصدرين مع عدم التكثر والتبجح، وكان وفاته ليلة الاثنين ثالث ربيع الأول سنة سبع وعشرين وتسعمائة. عن نيف وتسعين سنة ووقع في كلام العلائي عن مائة وثلاث عشرة سنة رحمه الله تعالى.
54 - محمد بن النجار الدمياطي : محمد بن أحمد بن عيسى الشيخ الإمام الأوحد العلامة. الحجة العمدة اللهامة شيخ وقته أمين الدين أبو الجود بن النجار الدمياطي، الشافعي خطيب جامع الغمري بمصر، وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام الجد مع أنه أسن منه، وأشياخ شيخ الإسلام الوالد، ووصفه الوالد " بشيخ " الإسلام، ومرة أخرى بولي الله تعالى، ولد كما قرأته بخط تلميذه الشيخ نجم الدين الغيطي سنة خمس وأربعين وثمانمائة. وممن أخذ العلم عنهم أيضاً شيخ الإسلام صالح البلقيني، والتقي الشمني، والسيدة زينب بنت الحافظ عبد الرحيم العراقي وغيرهم، وقد كان - رحمه الله تعالى - ممن جمع الله له بين العلم والعمل، وكان في علوم الشرع إماماً، وفي علوم الحقيقة قدوة، وكان متواضعاً يخدم العميان والمساكين ليلاً ونهاراً، ويقضي حوائجهم، وحوائج الفقراء، والأرامل، ويجمع لهم من أموال الزكاة، ويفرقها عليهم، ولا يأخذ لنفسه من ذلك شيئاً، وكان يلبس الثياب الزرق، والجبب السود، ويتعمم بالقطن غير المقصور، وكان لا يترك قيام الليل صيفاً ولا شتاءً، وكان ينام بعد الوتر لحظة، ثم يقوم وينزل إلى الجامع، فيتوضأ ويصلي والباقي للفجر نحو سبعين درجة، ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو ربع القرآن سراً، فإذا أذن الصبح قرأ جهراً قراءة تأخذ بجوامع القلوب، فمر نصراني من مباشري القلعة يوماً في السحر، فسمع قراءته فرق قلبه وأسلم على يدي الشيخ وهو على كرسته، وحسن إسلامه، وصلى معه الفجر، وبقي يصلي خلفه إلى أن مات، وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من بولاق، ومن نواحي الجامع الإزهر في صلاة الصبح لحسن صوته، وخشوعه، وكثرة بكائه حتى يبكي غالب الناس خلفه، وكان سيدي أبو العباس الغمري يقول عن جامعه: الجامع جثة، والشيخ أمين الدين روحها، وكان يقري ويضيف كل وارد، وكان يخدم نفسه، ويحمل الخبز على رأسه إلى الفرن، ويحمل حوائجه من السوق، ولا يمكن أحداً من حمل ذلك، وكان مع هذا له هيبة عظيمة يكاد من يعرفه يرعد من هيبته، وكان قد انتهت إليه الرئاسة بمصر في علوم السنة بالكتب الستة وغيرها، وكان يقرأ الأربع عشرة رواية، ومناقبه كثيرة.
وله كرامات منها ما أحكاه الشيخ عبد الوهاب الشعراوي - رحمه الله تعالى - أنه رآه مرة
أقسم على خشبة، فزحفت حتى وصلت إلى ركبتيه، ونقل ابن طولون عن الشيخ الفضل بن أبي اللطف أنه كان من أهل العلم. قال: وجرت له محنة في أيام السلطان قانصوه الغوري، وهي أن بعض التجار أودع عنده مالاً له صورة، وقال له: إذا بلغ ولدي بعد موتي، فادفعه إليه، فجاء الولد إليه، وهو دون البلوغ يطلب منه المال، فقال له: حتى تبلغ، فذهب إلى السلطان، فاشتكى عليه، فطلبه السلطان وطالبه بالوديعة، فأنكرها وحلف عليها، ثم لما بلغ الولد أقر بها، ودفعها إليه، فعلم السلطان بذلك، فطلبه فقال له: كيف تحلف ما عندك وديعة والآن قد أقررت بها؟ فقال له: إن فقهاء الشافعية كالنووي في الروضة قالوا: إن الظالم إذا طلب الوديعة من الوديع، وخاف منه عليها له أن ينكرها، ويحلف على ذلك وأنت ظالم، فرسم عليه السلطان، ثم شفع فيه، فأطلقه وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد إجازة إن لم يكن سماعاً أن والده شيخ الإسلام رضي الدين الجد نظم قصيدة في نحو مائة بيت في معنى سأله في نظمه تلميذه شيخ المسلمين أمين الدين ابن النجار صاحب الترجمة، فأجابه إلى سؤاله، وكتب إليه من القصيدة بهذه القطعة:
إلهي سيدي ربي أغثني ... وخذ بيدي ومن بعدي أجرني
إلهي قد جنيت وأي عبد ... ضعيف الخلق مثلي ليس يجني
إلهي ليس أجدر بالخطايا ... وبالتقصير والزلات مني
إلهي لو أتيت بكل ذنب ... فلا أولى بعفو عنك عني
إلهي أنت ذو صفح جميل ... وجود واسع وعظيم من
إلهي ما عصيت بغير علم ... ولا أبداً أطعت بغير إذن
إلهي إن أطع فبمحض فضل ... وإن أعص فمن نقص ووهن
إلهي ما لعبد حجة في ... تحمله الجناية والتجني
إلهي إن حجتك التي قد علا ... برهانها من غير طعن
إلهي ليتني لوكنت عبداً ... بلا خطأ وهل يجدي التمني
إلهي ليتني لا كنت إذ لم ... أطعك وليت أمي لم تلدني
إلهي إن خوفي زاد لولا ... رجائي مت من هم وحزن
إلهي من يناقش في حساب ... يعذب منه يا رب أقلني
إلهي أنت قهار حليم ... بحقك منك يا ذخري أعذني
إلهي ليس إلا أنت ربي ... فلا أبداً بغيرك تمتحني
إلهي إن أسأت بغير علم ... فإني فيك قد أحسنت ظني
إلهي أنت قد حققت فقري ... إليك وليس شيء عنك يغني
إلهي إنني أخشى وأرجو ... أماناً منك فامنن لي بأمن
إلهي غير بابك في أموري ... إذا ما ضقت ذرعاً لم يسعني
إلهي قد رجعت إليك عما ... سواك فلا إلى غير تكلني
إلهي مثل ما أحسنت بدءاً ... ففي العقبي بحقك لا تسئني
إلهي من يعين على وصولي ... إلى ما يرتضى إن لم تعني
إلهي من سواك يزيل همي ... ومن أدعوه مضطراً يجبني
إلهي لست أحصي ما به قد ... منحت من العطاء بلا تعني
كانت وفاة الشيخ أمين صاحب صاحب الترجمة - رحمه الله تعالى - ليلة السبت السابع والعشرين من شهر القعدة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وقال الشعراوي سنة تسع وعشرين، وهو تقريب منه على عادته الغالبة في طبقاته، والأول أصح، حرره الحمصي في تاريخه، ويؤيده ما ذكره ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة ثاني عشري صفر سنة تسع وعشرين وتسعمائة، قال الشعراوي: ودفن بتربة خارج باب النصر، بالقرب من زاوية سيدي الحصري رضي الله تعالى عنهما.
55 - محمد بن الكنجي : محمد بن أحمد، الشيخ الإمام العالم أبو عبد الله شمس الدين ابن الشيخ الصالح شهاب الدين الكنجي الدمشقي الشافعي، ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وقرأ العربية على الشيخ موسى التونسي المغربي، ثم قدم دمشق وصار من أصحاب شيخ الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الوالد، وقرأ عليهما قال الشيخ الوالد: لزمني كثيراًوقرأ علي جانباً كبيراً، نحو الثلث من كتاب المصابيح للبغوي، ومن شرحي على منظومة والدي شيخ الإسلام، مختصر جمع الجوامع في الأصول، من أوله إلى مسألة ما لا يتم الواجب المطلق إلا به، فهو واجب، وغير ذلك، قال: وحضر تقاسيدي للمنهاج والتنبيه وهو عمي من الرضاع، وكان - رحمه الله تعالى - له يد في النحو والحساب والميقات، حافظاً للقرآن، مجوداً، وولي، مشيخه الكلاسة، مات يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير، وكان ينشد كثيراًفي معنى الحديث:
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً ... حتى يروا عنده آثار إحسان
56 - محمد بن الفيوفي: محمد بن أحمد، الشيخ العلامة بدر الدين الفيومي الصوفي، كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد، سمع عليه مجلسين من صحيح مسلم، بقراءة صاحبه الشيخ برهان الدين البقاعي، وحضر مجالسه في غير ذلك، وتوفي، بحلب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
57 - محمد بن الموقع: محمد بن إسماعيل القاضي محمد بن عماد الدين الموقع، قال الحمصي: كان مباركاً، توفي في دمشق في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وتسعمائة.
58 - محمد بن جمعة: محمد بن جمعة، الشيخ الإمام العلامة بدر الدين الفيومي الحنفي المعروف بابن جمعة، من أعيان العلماء الفضلاء بمصر ومشاهيرهم بها، ولي، مشيخة القبة بتربة بشبك بالمطرية، ودخل إلى الروم مرتين، ودخل فيهما دمشق، الأولى صحبة قاصد السلطان قايتباي، فعاد إلى دمشق منها في جمادى الأولى سنة ست وتسعمائة، والثانية في سنة سبع وتسعمائة، بتقديم السين فيهما، وكتب فيها بدمشق عند جوازه بها قاصداً لملك الروم السلطان أبي يزيد بن عثمان، في نصف شهر صفر من السنة المذكورة إلى شيخ الإسلام رضي الدين الغزي جدي لغزاً صورته:
يا من له أدب وفضل لا يحد ... ومحاسن فوق الحساب فلا تعد
ويحل إن نفث البليغ معانياً ... في مبهمات اللفظ فهي لها عقد
ما اسم تركب من حروف مثل ما ... قد قامت الأركان منا بالجسد
فأعجب لها من أربع قد ركبت ... فردين مع زوجين في اللفظ انعقد
فرد وزوج أولان اتصلا ... كأن ذا وذاك روح وجسد
وآخران انفصلا بعدهما ... كعاشق معشوقه عنه انفرد
فبين فردين أتى زوج كذا ... ما بين زوجين لنا فرد ورد
والأول النصف لثان عده ... والثالث النصف لرابع العدد
والثالث الثلث لأول كما ... رابعه ثلث لثانيه يعد
وعد حرف منه ساوى عدد ال ... باقي لمن قابل ذا بذا وعد
حرف له نصف وحرف ثلث ... وحرف السدس حساباً لن يرد
ذاك ثلاثة وهذا إثنان وال ... آخر إن تطلبه واحد أحد
يقلى الذي يلقاه أبو لم يلقه ... جوى بقلب واجب طول الأبد
قد بان ما قد بان من لغز يرى ... طرداً وعكساً في نظام اطرد
فهاك لغزي إن ترد جوابه ... تجده دونه بدا يا ذا الرشد
فأت به مبيناً مفصلاً ... وحل مافي النظم حل وانعقد
فأجاب عنه شيخ الإسلام الجد بقوله رضي الله تعالى عنه:
يا سيداً حاز الفضائل وانفرد ... بمعارف قد جد فيها واجتهد
مازلت تبدي كل حين تحفة ... بعجائب من بحر عرفان تمد
أرسلت لي لغزاً بديعاً وصفه ... عقدته بنوادر لا تنتقد
في اسم تركب من حروف أربع ... معلومة مثل الطبائع في العدد
فردين مع زوجين فيها ركباً ... من أول مع آخر أيضاً ورد
مع ما ذكرت به من الألغاز في ... نظم ببحر كامل منه استمد
وطلبت فيه جواب ما ألغزته ... مني بتفصيل يحلل ما انعقد
وجواب لغزك بين أوضحته ... بصريح لفظ فيه بالمعنى اتحد
النصف منه الربع أو إن شئت قل ... نصف وربع نصفه من غير رد
والربع نصف ربعه أو ضعفه ... من طرده أو عكسه حيث اطرد
والربع نصف سدسه أو سدسه ... هندسة ما ثم من لها جحد
والقلب واجباً إذا انتدبته ... كذا وليس خافياً على أحد
وهو الصواب إن حذفت أولاً ... عوضته بسورة بلا فند
وهو الجواب بحذف آخر وإن ... يبدل بدال فجواد ذو مدد
وإنه المسؤول عنه ظاهراً ... فدم بجنة الرضى إلى الأبد
توفي الشيخ بدر الدين بن جمعة صاحب الترجمة في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وتسعمائة.
59 - محمد بن المزلق: محمد بن حسن، قاضي القضاة شمس الدين أبو البقاء بن المقر بدر الدين ابن الخواجا شمس الدين الشهير بابن المزلق الدمشقي الشافعي، ولد بالقدس الشريف سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وتوفي مقتولاً شهيداً بدمشق، ليلة الخميس تاسع عشر رجب سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن بتربتهم شرقي مسجد الدبان، قيل: عاملت جاريتاه عليه ثلاثة مماليك من مماليك الحاجب الكبير تمريغا - رحمه الله تعالى - .
60 - محمد بن القلفاط: محمد بن حسن، القاضي ولي الدين ابن القاضي بدر الدين بن القلفاط الشافعي، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، حكم بين خصمين في بناء جدار، وحكم القاضي شمس الدين الخطيب المصري الحنفي بخلافه، فترافع الخصمان إلى السلطان الغوري فطلب القاضيين، ونهر صاحب الترجمة منهما، فعاد إلى بيته واستمر ضعيفاً أياماً، إلى أن مات يوم الاثنين ثاني عشر القعدة سنة إحدى عشرة وتسعمائة ببولاق - رحمه الله تعالى - .
61 - محمد بن الشاوي : محمد بن حسن، الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الله شمس الدين ابن الشيخ بدر الدين الشاوقي الشافعي، توفي يوم الجمعة سابع عشر شعبان سنة اثتتي عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
62 - محمد بن الساموني : محمد بن حسن بن عبد الصمد، العالم العامل الزاهد المولى محيي الدين الساموني الروفي الحنفي، قرأ على والده، وعلى المولى علاء الدين العربي، ثم ولي التدريس، وترقى فيه، ثم صار قاضي أدرنة من قبل السلطان سليم، وتوفي وهو قاض بها. قال صاحب الشقائق النعمانية: كان مشتغلاً بالعلم غاية الاشتغال، بحيث لا ينفك عن حل الدقائق ليلاً ونهاراً، وكان معرضاً عن مزخرفات الدنيا، وكان يؤثر الفقراء على نفسه، حتى يختار لأجلهم الجوع والعري، وكان راضياً من العيش بالقليل، وكان له محبة صادقة للصوفية، وله حواش على شرح المفتاح للسيد الشريف، وحواش على حاشية التجريد للسيد أيضاً، وحواش على التلويح للعلامة التفتازاني، وكانت وفاته سنة تسع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
63 - محمد بن البابي الحلبي البيلوني : محمد بن حسن بن محمد بن أبي بكر، الشيخ العالم العامل الصالح، شمس الدين أبو عبد الله ابن الشيخ الصالح المقري بدر الدين البابي المولد، الحلبي المنشأ، الشافعي، المعروف بابن البيلوني، لازم الشيخ بدر الدين بن السيوفي، وحدث عنه، وقرأ على الكمال محمد بن الناسخ الطرابلسي، وهو نزيل حلب في شعبان سنة خمس وتسعمائة، من أول صحيح البخاري إلى أول تفسير سورة مريم، وأجازه ولمن معه، وأجازه جماعة آخرون منهم الحافظ شمس الدين السخاوي، وألبسه الطاقية، وصافحه وأسمعه الحديث المسلسل بالمصافحة، ومنهم الكمال والبرهان ابنا أبي شريف الشافعيان المقدسيان، وذلك عن اجتماع بهما وقراءة عليهما، وحدث بجامع حلب على الكرسي بصحيح البخاري وغيره، وولي إمامة السفاحية والحجازية بجامع حلب دهراً، وكان متقشفاً متورعاً عن فاخر الثياب، وأثوابه إلى أنصاف ساقيه عملاً بالسنة، متواضعاً يعبر عن نفسه بلفظ عبيدكم كثيراً، وكان ربما قال لغيره، كيف وليدكم وعبيدكم؟ فناقشه بعضهم في ذلك، فأجاب بأنه يقصد بالتصغير التعظيم كما هو مذهب الكوفيين، وكانت وفاته بحلب يوم السبت ثاني عشري القعدة سنة تسع عشرة وتسعمائة.
64 - محمد بن عنان : محمد بن حسن، الشيخ العالم الصالح الناسك العارف بالله تعالى الشهير بابن عنان المصري الشافعي، كان ممن جمع بين علم الشرع وعلم الحقيقة، تفقه بالشيخ يحيى المناوي، وهو ممن أخذ عنه أيضاً، وكان سيدي محمد بن عنان ممن اشتهر بالجد في العبادة، والاجتهاد في الطاعة، وقيام الليل، وحفظ الأوقات من التضييع، حتى كان سيدي محمد بن أبي الحمائل يقول: ما رأت عيني أعبد من ابن عنان، وقصده الشيخ أمين الدين ابن إمام الكاملية إلى بلاد الشرقية، وأخذ عنه وتبرك برؤيته، وكان يحفظ القرآن العظيم، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: قال لي مرة: حفظت القرآن وأنا رجل كبير، فقرأت النصف الأول أولاً على الشيخ ناصر الدين بن الاحطائي، والنصف الثاني على أخي الشيخ عبد القادر، كان لا يترك قيام الليل صيفاً ولا شتاًء، من حين كان صغيراً، وكان يتهيأ ويستعد لقيام الليل من صلاة العصر، فلا يستطيع أحد أن يكلمه حتى يصلي الوتر بعد العشاء، فإذا قام للتهجد من الليل، لا يتجرأ أحد أن يكلمه حتى يصلي الضحى، وكان لا يصغي قط لشيء من كلام الناس فيما لا يعنيه، ولا يستمع إلى أخبار الناس، لا سأل عن عزل من عزل، ولا تولية من تولى، قال الشيخ عبد الوهاب: وسمعته مرة يقول: منذ دخلت طريق الفقراء لا أقدر أجلس على حدث قط، بل وضوئي دائم ليلاً ونهاراً، قال: ولقد أصابتني جنابة مرة في ليلة باردة، وكان على باب داري بركة جمد ظاهرها من البرد، فنزلت فيها واغتسلت، فوجدتها من شدة الهمة كأنها مسخنة بالنار، وكان إذا استنجى في الخلاء وأبطأ ماء الوضوء، يرى أن يضرب يده في الحائط ويتيمم حتى يجيء الماء، ولا يجلس على غير طهارة لحظة، وكان يقول: من ادعى مجالسة الله عز وجل وهو يمكث على حدث لحظة واحدة، فهو قليل الأدب.
وظهرت له كرامات كثيرة، منها ما ذكره الشيخ يوسف الحريثي أن طائفة الفقراء وردوا على سيدي محمد على غفلة وهو شاب، وكانوا نحو خمسمائة فقير، فأشبعهم كلهم من عجين أمه، وكان نصف ويبة ستر إناء العجين بردائه، وقال لأمه: قرصي منه ولا تكشفيه، فأخذت منه ما كفاهم، ثم أمرها فكشفت الإناء فلم تجد فيه شيئاً، وقال الشيخ أمين الدين بن النجار: كنا في سفر مع سيدي أبي العباس الغمري، وسيدي محمد بن عنان، فاشتد الحر علينا، فنزل الشيخان وطرحا على حمارتيهما بردة، وجلسا في ظلها، فعطش سيدي أبو العباس فلم يجد معنا ماء يشربه، فأخذ سيدي محمد طاسته وغرف بها ماء بارداً من الأرض الناشفة وقدمه لسيدي أبي العباس، فلم يشرب منه فقال: يا شيخ محمد، الظهور في هذه الأيام يقطع الظهور، فقال سيدي محمد: وعزة الله لولا خوف الظهور لسألت الله تعال أن يجعلها بركة يشرب منها البهائم إلى يوم القيامة، وقال الشيخ شمس الطبخي وهو صهر سيدي محمد بن عنان: إن شخصاً كان في مقبرة برهمتوش، يصيح كل ليلة في قبره، فأعلموا سيدي الشيخ محمد بذلك، فمشى إلى قبره، وقرأ عليه سورة الملك، ودعا الله تعالى ساعة، فمن تلك الليلة ما سمعوا له صياحاً، وكان إذا دخل على فقير من إخوانه النافعين للناس وهو مريض يتحمل عنه المرض ويضطجع، فيقوم ذلك المريض في الحال، كأن لم يكن به مرض، وفعل ذلك مع الشيخ أبي العباس الغمري وغيره، قال الشيخ عبد الوهاب: ولما حضرته الوفاة فوق سطوح جامع باب البحر بخط المقسم، مات نصفه الأسفل، فصقى وهو جالس بالإيماء، فلما فرغ من الصلاة أشار إلي أضجعوني فأضجعناه، فما زال يهمهم بشفتيه والسبحة في يده، حتى كانت آخر حركة يده وشفته طلوع روحه، وكان ذلك في شهر رييع الأول، سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن خلف محراب جامع المقسم، وبنى عليه ولده الشيخ أبو الصفا قبة وزاوية - رحمه الله تعالى - .
65 - محمد بن الداديخي: محمد بن حسين الشيخ شمس الدين المجود المقرئ الداديخي، ثم الحلبي الشافعي، كان ديناً خيراً، وله أخلاق حسنة. أخذ القراءات عن مغربي كان بداديخ، وبرع فيه وفي غيره، وأخذ عن البازلي بحماة، وعن البدر السيوفي بحلب، وهما أجل شيوخه. ثم كان يشغل الطلبة في قبة بجامع عبيس، ويؤدب الأطفال، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة.
66 - محمد بن حمزة الحسيني : محمد بن حمزة بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة، الشيخ الإمام شيخ الإسلام، مفتي دار العمل بدمشق، السيد الشريف الحسيب النسيب، أبي عبد الله كمال الدين الحسيني الدمشقي الشافعي الشهير بأبيه، ولد في جمادى الأولى سنة خمسين وثمانمائة، كما قرأته بخطه في إجازته لأولاد مفلح، وبلغني أن والده استجاز له من ابن حجر، ولا يبعد فإن وفاة ابن حجر كانت ليلة السبت ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، واشتغل في العلم على والده وخاليه النجمي والتقوي ابني قاضي عجلون، وعلى غيرهم، وبرع وفضل وتردد إلى مصر في الاشتغال والأشغال، ثم صار أحد الشيوخ المعول عليهم من الشافعية بدمشق فقهاً وأصولاً وعربية وغير ذلك، وولي إفتاء دار العدل بدمشق، وقصده الطلبة، وكان جامعاً للعلوم مع جلاله ومهابة وهيئة حسنة، وكان يقرر في درسه بسكينة وتؤدة وأدب واحتشام، مع حل المشكلات ومراجعة التصحيح للشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون، والوقوف عندما صححه من كلام الشيخين وكلام المتأخرين، وكان يتردد إلى مصر، وتزوج وانتفع به الطلبة، وتخرج به الطلبة بدمشق والقاهرة، وما والاهما، وكان يدرس ويفتي وآخراً ترك الإفتاء، قال والد شيخنا الشيخ يونس العيثاوي - رحمه الله تعالى - : وكان يرد الأسئلة إلى بعض تلامذته لأمور منها: المحنة التي حصلت له مع السلطان قانصوه الغوري، وهي أنه رفع إليه سؤال فيمن بنى بنياناً في مقبرة، مسألة هل يهدم أو لا؟ فكتب أنه يهدم، فهدم على الفور، وكان الميت المبني على قبره أحد أولاد محب الدين الأسلمي، ناظر الجيوش بالشام، بمقبرة الشيخ أرسلان، وكان الهدم يوم الأربعاء ثاني رمضان سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، بحضرة قاضي القضاة الشافعية الولوي بن الفرفور، وقاضي القضاة المالكية خير الدين الغزي، وقاضي القضاة الحنابلة نجم الدين عمر بن مفلح، وصاحب الترجمة مفتي دار العدل كمال الدين بن حمزة وغيرهم، فلما هدم البناء المذكور استفتى أبو الميت محب الدين المذكور شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون وهو خال السيد كمال الدين صاحب الترجمة فأفتى بعدم الهدم، وهو غير المنقول، وكأنه أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الإفتاء بنلك، فأخذ محب الدين المذكور خط شيخ الإسلام ابن قاضي عجلون، وسافر به إلى مصر، بعد أن عقد بسبب ذلك مجالس عدة بدمشق منها يوم الأحد سادس المحرم سنة أربع عشرة وتسعمائة، بحضرة نائب الشام يومئذ سيبائي، والقضاة الأربعة والدوادار دولتباي وغيرهم، اجتمعوا بالتربة المذكورة وكشفوا عليها، واتفق الحال آخراً على أن من قال بقدم الجدار المبني يكتب خطه ومن قال بحدوثه يكتب خطه، ثم سافر محب الدين ووقف للغوري شاكياً باكياً، وبلغني أنه حمل معه من عظام الموتى، فطرحها بين يدي الغوري، فعند ذلك بعث الغوري في طلب السيد كمال الدين وخاله وولده القاضي نجم الدين، وقاضي القضاة الولوي بن الفرفور، وقاضي القضاة ابن يونس، وقاضي القضاة ابن خير الدين، وقاضي القضاة ابن مفلح وأقضى القضاة شهاب الدين الرملي، وعقد لهم مجلس بحضرة الغوري وعلماء مصر وقضاتها، وصاروا يتألفون السلطان بالجمع بين الإفتائين، تأدباً مع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون لأنه كان يومئذ شيخ الكل على الإطلاق، وكان للسيد أيضاً أصحاب وأنصار، فما أمكنهم إلا الإصلاح، وكان من كلامهم للسلطان الغوري أن العلماء ما زالوا يختلفون في الوقائع وكل أفتى بحسب ما ظهر له، وكان ميل الغوري إلى ما أفتى به الشيخ تقي الدين، وانفصل الأمر بعد عقد مجالس على المصادرة، وأخذ المال، وعزل ابن الفرفور وتولية القاضي نجم الدين ابن الشيخ تقي الدين المذكور قضاء القضاة الشافعية، وعاد هو ووالده إلى دمشق متولياً لقضائها، ومكث مدة بها قاضياً، ثم عزل بابن الفرفور، واستمر الولوي بن الفرفور قاضياً إلى انقضاء الدولة الجراكسة، وعاد السيد كمال الدين وبقية القضاة إلى دمشق، وعكفت الطلبة عليه، وعظم شأنه، حدثنا بهذه القصة مراراً مشافهة شيخنا - فسح الله تعالى في مدته - عن والده الشيخ يونس - رحمه الله تعالى - ومن خطه نقلت ما عدا تاريخ الهدم والمجلس الذي عقد بالتربة المذكورة فإني حررته من كتاب ابن طولون، ونقلته من خطه، وولي السيد كمال الدين بن حمزة - رحمه الله تعالى - مع تدريس البقعة
بالجامع الأموي، تدريس الشاميتين بدمشق الجوانية والبرانية والعزيزية والتقوية والأتابكية، وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته، ولما دخل إبراهيم باشا الوزير الأعظم إلى دمشق في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، رتب له في مال الجوالي بدمشق ثلاثين عثمانياً، وكان قليل الاعتراض على الحكام في أمر العامة، وعاش عيشة هنية نقية، وكان يتودد إلى أهل الصلاح، وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين بن القاري، والشيخ العلامة بهاء الدين بن سالم، والعلامة كمال الدين الدركي إمام الشامية البرانية وخطيبها، والعلامة شمس الدين بن بركات بن الكيال، والعلامة برهان الدين الأخنائي، والعلامة القاضي جلال الدين البصروي، والعلامة القاضي زين الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون، والعلامة القاضي جمال الدين بن حمدان، والشيخ العلامة برهان الدين بن حمزة، والشيخ العلامة يعقوب الواعظ، والشيخ العلامة شمس الدين الوفائي الواعظ، والشيخ العلامة المفتي المدرس يونس العيثاوي والد شيخنا، والشيخ العلامة الورع شهاب الدين أحمد الطيبي، والشيخ العلامة الصالح علاء الدين القيمري وغيرهم، ولم يتفق لشيخ الإسلام الوالد الأخذ عنه لاستغنائه عنه بشيوخه وأقرانهم من الشاميين والمصريين، كما ستعلمه من ترجمة الشيخ الوالد.بالجامع الأموي، تدريس الشاميتين بدمشق الجوانية والبرانية والعزيزية والتقوية والأتابكية، وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته، ولما دخل إبراهيم باشا الوزير الأعظم إلى دمشق في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، رتب له في مال الجوالي بدمشق ثلاثين عثمانياً، وكان قليل الاعتراض على الحكام في أمر العامة، وعاش عيشة هنية نقية، وكان يتودد إلى أهل الصلاح، وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين بن القاري، والشيخ العلامة بهاء الدين بن سالم، والعلامة كمال الدين الدركي إمام الشامية البرانية وخطيبها، والعلامة شمس الدين بن بركات بن الكيال، والعلامة برهان الدين الأخنائي، والعلامة القاضي جلال الدين البصروي، والعلامة القاضي زين الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون، والعلامة القاضي جمال الدين بن حمدان، والشيخ العلامة برهان الدين بن حمزة، والشيخ العلامة يعقوب الواعظ، والشيخ العلامة شمس الدين الوفائي الواعظ، والشيخ العلامة المفتي المدرس يونس العيثاوي والد شيخنا، والشيخ العلامة الورع شهاب الدين أحمد الطيبي، والشيخ العلامة الصالح علاء الدين القيمري وغيرهم، ولم يتفق لشيخ الإسلام الوالد الأخذ عنه لاستغنائه عنه بشيوخه وأقرانهم من الشاميين والمصريين، كما ستعلمه من ترجمة الشيخ الوالد.
وحئثني من أثق به عن الشيخ الوالد أن رجلاً قال لشيخ الإسلام الجد: يا سيدي لو أمرت ولدك الشيخ بدر الدين أن يقرأ على السيد كمال الدين لكان ذلك حسناً فقال: ولدي من أقران السيد كمال الدين. فكيف يقرأ عليه؟ وأراد بذلك الشيخ الجد التنويه بمقام ولده، والتعريف بقدره مع اعترافه بكمال الكمال، وإلا فلا مانع من ذلك، قال والد شيخنا - رضي الله تعالى عنه - : وكان السيد كمال الدين - رحمه الله تعالى - هو سبب ظهور شرح المنهاج للشيخ جلال الدين المحلي بدمشق، فإنه استكتبه بمصر، وكتبه الطلبة وهو مفيد مع الاختصار، وكان الناس يطالعون العجالة، وهي أنفع لاشتمالها على الدليل والتعليل، والفروع المفيدة، قال وأشياخنا كالإمام البلاطنسي وغيره، كانوا يأمرون الطلبة بمطالعتها قال: وأول اجتماعي بالسيد المذكور سألني عن محل إقامتي، فقلت: بميدان الحصا، فقال لي: هذه المحلة خصها الله تعالى بثلاثة أبارية كل منهم انفرد بفن لا يشارك فيه الشيخ إبراهيم الناجي بعلم الحديث، والشيخ إبراهيم القدسي بفن القراءات، والشيخ إبراهيم بن قرا في التصوف. انتهى.
ورأيت للشيخ الصالح العلامة علاء الدين بن صدقة قصيدة يتغزل فيها ويتخلص لمدح صاحب الترجمة، فأحببت إثباتها هذا وهي هذه:
لي في المحبة شاهد بفنائي ... عند الأحبة، وهوعين بقائي
أذهب كلي في الغرام، ولم أدع ... من جملتي إلا محل رجائي
فتبوأ الإحسان مني منزلاً ... وسط الفؤاد، وسائر الأعضاء
ملكتهم رقي، وقلت برقة ... إن تقبلوا فأنا من السعداء
ما زلت أسفح في هواكم أدمعي ... حتى همت ممزوجة بدماء
فأنا الغريق بعبرة في لجة ... أشكو بها من فقد نار جواء
لوكنت في لجج ولم تك في الحشا ... أهل المودة زاد حر ظمائي
فبحق ساعات الوصال تعطفوا ... وأحيوا بوصل ميت الأحياء
إن تقتلوا مضناكم يا حبذا ... إذ تدخلوه بزمرة الشهداء
أو ترحموا صبا كئيباً ترحموا ... بمراحم من أرحم الرحماء
برح المتيم في الهيام صبابةً ... لما عليه سطت يد البرحاء
يا من هم قصدي وسؤلي والمنى ... إني كلفت بكم وطال عنائي
جودوا وجوروا سادتي فأنا على الح ... الين لم أنقض عهود ولائي
أعرضت عن قومي لأجل رضاكم ... وغدوت عبداً في الهوى برضائي
أصبحت عن أهلي غريباً نازحاً ... وارحمتاه لغربة الغرباء
ليس الغريب غريب دار إنما ... عندي الغريب المستهام النائي
وأنا الذي عني أخلائي نأوا ... والصبر مني ذاهب متناهي
لما ترحلت الأحبة حل بي ... داء ضنيت به وعز دوائي
ساروا إلى نحو الخيام وهم معي ... قد خيموا في القلب والأحشاء
تلك الليالي الماضيات بقربهم ... كوميض برق في دجى الظلماء
ماذا عليهم لو أتاني منهم ... من يكشف الضراء بالسراء
وأقول: مهلاً يا رعاك الله إن ... جزت المنازل جز على اللمياء
ولم الذي قد لامني في حبها ... إن كنت ترعى في الأنام إخائي
واحفظ فؤادك بين سمر كواعب ... واحذر ظبا الألحاظ بين ظباء
فأنا القتيل بسيف لحظ عزيزة ... وأنا الطعين بأسمر الهيفاء
كحل السهاد نواظري من نظرة ... أرسلتها للمقلة الكحلاء
لله كم سهرت عيوني عندما ... شهرت سيوف المقلة النجلاء
لله ما منع الكرى عني سوى ... ذات الدلال بعينها الوسناء
زارت بليل، ثم لما أسفرت ... ولى ظلام الليلة الليلاء
سدلت ذوائبها فقلت: تمثلاً ... بالله خل الرقص في الظلماء
وجلت محيا مثل بدر في الدحى ... وتمايلت تمشي على استحياء
ما أن تثنت وانثنت إلا حكت ... غصناً يميس بحلة خضراء
سارت تودعني وضنت بعدما ... سمحت ولم ترث لعظم بلائي
فغدوت من شجو، ومن كلف بها ... مستوحشاً في الأهل والعشراء
فشددت راحلة الرجاء على ... مطية همتي، وجنحت للعظماء
لا أبتغي إلا كمال الدين ذا ال ... حسب الشريف خلاصة الشرفاء
حبر وبحر في العلوم وسيد ... شيخ المشايخ أوحد العلماء
حاوي الفضائل كنز أسرار الهدى ... عين الشريعة بهجة الفقهاء
علم الحقيقة والطريقة شيخ ... الإسلام المحقق عمدة الفضلاء
المرتقي لذرى المكارم والتقى ... نسل السراة السادة الكرماء
فهو الرئيس ابن الرئيس ابن الرئيس ... ابن الرئيس وأرأس الرؤساء
ولقد كساه الله ثوب ولاية ... ومهابة وجلالة وبهاء
شيخ السكينة والوقار إذا بدا ... سطعت أشعة لمة بيضاء
فتراه مثل البدر بين نجومه ... يسمو على العيوق والعواء
والله ما في ذا الزمان نظيره ... في الفضل تحت الخيمة الزرقاء
فله مقام ليسر يدرك شأوه ... خضعت لديه ذروة العلياء
ولقد حوى شرفاً علياً زانه ... بتواضع ونزاهة وسخاء
ذو حشمة ذو هيبة ذو رفعة ... بمحاسن الخلفاء والأمراء
قطب له الأعلام قد نشرت على ... الأبدال والأوتاد والنجباء
أهل الصفا سلكوا على منهاجه ... فمضى بهم للروضة الزهراء
لسما الحقيقة قد سما وجلا عن ال ... قلب الصدا بحقائق الأسماء
روض العلوم لقد تضوع نشره ... لما تكمل منه بالأحياء
داوى العليل شفا الغليل، ولم يزل ... لقلوب أهل الله خير شفاء
ذو حكمة وبلاغة لم يوجدا ... في العصر للحكماء والبلغاء
لا غرو إن قريش أهل فصاحة ... فاقت فصاحة سائر الفصحاء
هذا وإن الكامل الأوصاف قد ... أضحى الفريد، وكعبة الشعراء
يا سعد لا تلو على سلمى، وسل ... ما قد جرى في الحلة الفيحاء
واقصد ديار الاكرمين بجلق ... الأمجدين الكمل الكبراء
وانثر لآلئ مدح ذا الشرف الذي ... في الناس سار بسيرة حسناء
العالم الفرد الذي قد قام ... بالإرشاد والتدريس والإفتاء
الصاحب العقل العزيز، ومن غدا ... في الكون قدوة سائر العقلاء
الزاهد الورع التقي الطاهر ال ... حسب النقي البر بالفقراء
لا عيب فيه غيرأن يمينه ... مبسوطة في الناس بالنعماء
هو كنز طلاب الكمال وذخرهم ... قطب الوجود ومطلب الصلحاء
يحيي قلوب مجالسيه كأنه ... روح وريحان لدى الجلساء
قد حاز كل لطافة وظرافة ... وعلا على اللطفاء والظرفاء
كررت مدحي إذ حلا في الأكمل ... ابن الأكمل ابن الأكمل الأصلاء
يا ليت شعري ما أقول بمدحه ... وعليه أثنى الدهر كل ثناء
مولاي قد قصرت فيما قلته ... لكنني طولت ذيل رجائي
فالعفو عن من كان من صدقاتكم ... وأتى لكم من أصدق الصدقاء
هذه القصيدة من مبادئ شعر الشيخ علاء الدين بن صدقة، وغزلها لا بأس به، ومديحها أكثره بالغ، وله شعر أرق من ذلك وأحسن، وكانت وفاة السيد كمال الدين رحمه الله تعالى نهار الاثنين ثالث عشر رجب الفرد سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأموي، وصلى عليه الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف عند باب جامع جراح في جماعة ممن لم يكن صلى، ودفن إلى جانب خاله شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون بمقبرة باب الصغير، وقال تلميذه الشيخ تقي الدين القارئ يرثيه:
توفي قرة العين الكمالي ... وصرنا بعده في سوء حال
ولكنا صبرنا واحتسبنا ... وليس القلب بعد الصبرسالي
ومهما كان في الدنيا جميعاً ... فإن مصير ذاك إلى الزوال
67 - محمد الطرابلسي: محمد بن خليل، الشيخ الإمام العالم شمس الدين ابن الشيخ خليل الطرابلسي الشافعي. خليفة بمدينة طرابلس. دخل إلى دمشق في ضرورة له، فتوفي بها غريباً يوم الأربعاء سابع شعبان سنة عشرة وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس - رحمه الله - .
68 - محمد قاضي أدنة: محمد بن خليل، العالم الفاضل المولى، محمد الرومي الحنفي قاضي أدنة. توجه إلى الحج الشريف، فتوفي بالمدينة قبل وصوله إلى مكة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
69 - محمد المنزلاوي: محمد بن داود النسيدي المنزلاوي، الشيخ الصالح أحد المتمسكين بالسنة المحمدية في أقوالهم وأفعالهم. ألف رسالة سماها " طريقة الفقر المحمدي " ضبط فيها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله وأحواله التي ظهرت لأمته، وكان يقول: ليس لنا شيخ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يضرب به المثل بمصر، وبسيدي محمد بن عنان، والشيخ يوسف الحديدي في اتباع السنة، وكان يقري الضيوف، ويخدم الفقراء والمنقطعين عنده، وينظف ما تحتهم من بول أو غائط، وكان لا يتخصص عنهم بشيء ربما خصصه أهل بيته بشيء بعد أن ينام الفقراء، فكان يخرج به إليهم ويوقظهم ويتساوى فيه هو وإياهم، وكان ربما طرقه الضيف بعد العشاء، ولم يكن عنده ما يقريه، فيرفع القدر على النار، ويضع فيه الماء، ويوقد عليه، فتارة يرونه أرزاً أو لبناً وتارة أرزاً وحلواً، وتارة لحماً ومرقاً، وربما وجدوا فيه لحم الدجاج.
وحكي أن سيدي إبراهيم المبتولي بعث إليه في الغلاء عشرة أرادب من القمح، ففرقها على باب داره، وفضل له منها نحو خمسة أقداح. ومناقبه كثيرة مشهورة، وكانت وفاته في أوائل القرن العاشر ببلدة النسيدية، ودفن بجوار زاويته وقبره بها ظاهر يزار - رحمه الله تعالى - .
70 - محمد البازلي : محمد بن داود الشيخ الإمام العلامة مفتي المسلمين، شمس الدين أبو عبد الله البازلي الكردي، ثم الحموي، الشافعي، ولد في ضحوة يوم الجمعة سنة خمس وأربعين وثمانمائة في جزيرة ابن عمر، ونشأ بها، وانتقل إلى أذربيجان، فحفظ بها كثيراًمن الكتب منها " الحاوي الصغير " و " عقائد النسفي " و " عروض الأندلسي " و " الشمسية " في المنطق و " الكافية " في النحو لابن الحاجب و " تصريف العزي " .
وأخذ المعقولات عن منلا ظهير، ومنلا محمد القنجفاني ومولان عثمان الباوي، والمنقولات عن والده ونجم الدين، الأشلوبي، وقدم الشام في المحرم سنة سبعين وثمانمائة، وحج سنة خمس وسبعين، وعاد من الحجاز إلى حماة فقطنها، وكان زاهداً متقشفاً، كثير العبادة، يصوم الدهر، ويلازم التدريس، وألف عدة مؤلفات منها: حاشية على شرح جمع الجوامع للمحلي، وكتاب أسماء الرجال سماه " غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام " وكتاب " تقدمة العاجل لذخيرة الآجل " وله أجوبة شافية عن إشكال كانت تورد عليه، وأسئلة كانت ترفع إليه، وكانت وفاته بحماة سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
71 - محمد أبو السعود الجارحي: محمد بن دغيم، الشيخ الفقيه، الصوفي المتعبد، المتنسك المعتقد عند الملوك وأرباب الدول، فمن دونهم أبو السعود الجارحي القاهري. كان والده من أعيان كوم الجارح، والمتسببين به في أنواع المتاجر، فنشأ الشيخ أبو السعود على خير، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل في الفقه والنحو، ثم أقبل على العبادة والمجاهدة، ومكث عشرين سنة صائماً لا يدري بذلك أهله، وكان يصلي مع ذلك بالقرآن في ركعة أو ركعتين في تلك المدة وأخذ في تقليل الأكل، فانتهى أكله إلى لوزة، ثم ترك اللوزة، وكان يختلي في تلك المدة في بيت وحده في المدرسة الأرسلانية بالقرب من قصر نائب جده، وكان يأخذ عشاءه كل ليلة من البيت، فيعطيه للفقراء، ثم يدخل الرسلانية فيصلي الصبح، ثم يخرج إلى حانوت له يبيع فيه القطن إلى العصر هذا في بدائته، ومع ذلك كان يحلف ويقول: والله ما بلغت الآن مقام مريد، ثم صحب العارف بالله تعالى زاهد زمانه المتقنع بالنزر اليسير مما يحصل له من عمل العراقي السادجة، والقبطي شهاب الدين أحمد المرحومي أخص متأخري تلامذة الشيخ مدين. وكان الشيخ أبو السعود كثير التلاوة للقرآن العظيم ليلاً ونهاراً، وكان إذا دخل أول ليلة من رمضان نزل سرداباً تحت الارض، فلا يخرج منه لغير الجمعة إلى يوم العيد، وربما كان ذلك بوضؤ واحد من غير أكل، وكان يشرب كل ليلة عند المغرب مقدار أوقية مصرية ماء، وكان له طريقة تقرب من طريقة الملامتية، وكان لا يقرب أحداً إلا بعد امتحانه سنين، وجاء مرة مريد من مسيرة يومين يريد الاجتماع به، فلم يأذن له الشيخ، وقال أجيء من موضع بعيد، ولا يخرج إلي، فأرسل الشيخ يقول له: تمن علي بسفرك إلي أيومين كان المريد يسافر في الزمن الماضي ثلاثة أشهر في مسألة واحدة في الطريق؟ ثم قال له: اذهب لا أراك ثلاث سنين، فمكث ثلاث سنين، ثم جاء فأكرمه وانتفع به، وكانت كراماته ومكاشفاته ظاهرة، وقال له شخص من تلامذته: يا سيدي رأيت صبية من البرابرة، فراحت نفسي لها، فقال له الشيخ: صم تنفك عنك الشهوة، فلم يصم وذهب إلى الصبية، فأدخلته خصها، فأخذ رجلها في وسطه فتأمل، فوجدها في صورة الشيخ، فخجل وتركها، فلما رجع ذكر له الشيخ القصة قبل أن يذكرها هو.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي - رحمه الله تعالى - : فرأيته في المنام قبل اجتماعي عليه يتوضأ في شعرة نحو شبر، فأول ما اجتمعت به بدا لي، وقال: طول الشعر للفقير يدل على زيادة الدين، وطوله للأغنياء يدل على غم وهم، وقال الشيخ نور الدين الماوردي: أنكرت على أصحابه حلقهم لحاهم، وقلت: هذا أمر لا عن الله، ولا عن رسوله، فقال لي: يا نور الدين لا بد لك من حلق لحيتك، وتكون أنت السائل في ذلك. قال: فحلقت لحيتي بعد قولى الشيخ بعشر سنين، وأبى الحالق أن يحلق، فأكرهته على ذلك قلت: هذا من جملة أحوال طريقته التي أشرنا إليها، وكان من عادته أن يدعي على بعض مريديه عند الحكام، فيقول: هذا زنا بجاريتي - يعني الدنيا - هذا أراد البارحة أن يقتلني، هذا سرق مالي، فيعترف المريد بذلك، ويضرب بالمقارع، ثم يشفع فيه الشيخ كان شطحه كثيراًلكنه كان يعطب من ينكر عليه. ومن لطائفه أن بعض علماء الجامع الأزهر بعث يستأذنه في الاجتماع به، فأذن له الشيخ، فقال الشي للحاضرين: هذا ليس على عقيدة في شيخ، فنصبة توديه، وضمة تجيء به، فلما جلس الفقيه قال الشيخ:
يظن الناس بي خيراً وإني ... لشرالناس إن لم تعف عني
بنصب الناس في أول البيت، فقام الفقيه وقال: هذا عامي، ثم لقيه الشيخ بعد شهر. فقال: يظن الناس بي خيراً بضم السين، فقبل الفقيه يد الشيخ. وقال: أنا أستغفر الله، فقال: من أبعدته نصبة، ورددته ضمة لا يصلح لصحبة الفقراء. قال الشعراوي: وسمعته مرة يقول لفقيه: متى تصير هاؤك راءً؟ وقال أيضاً: سمعته يقول: إذا ذكرتم اسم ربكم، فلا تنطقوا به إلا مع التعظيم والخشية. قال: ولما حضرته الوفاة أرسل خلف شيخ الإسلام الحنفي وجماعته: وقال: اشهدوا علي بأني ما أذنت لأحد من أصحابي في شيء من السلوك، وما منهم من أحد شم الطريق، ثم قال: اللهم أشهد اللهم أشهد، وقال أيضاً: إنه مات سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، وقال في موضع آخر: إنه توفي سنة ثلاث وثلاثين. قلت: وهو تقريب بلا شك، وإنما كانت وفاته سنة تسع وعشرين وتسعمائة. بتقديم التاء المثناة في تسع. كما قرأته بخط الشيخ موسى الكناوي، وحررت من تاريخ العلائي. إنه توفي ليلة الأربعاء مستهل جمادى من سنة تسع المذكورة قال: وأوصى أن يغسله الشيخ يوسف الأزهري، وحضر جنازته خلق منهم القاضي نور الدين الحنفي الطرابلسي، والسيد كمال الدين بن حمزة الشافعي الدمشقي. وصلي عليه بتقديم الحنفي له، وصلي عليه بجامع عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - حاضرة وبالجامع الأزهر غائبة. قال الشيخ عبد الوهاب: ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو في السرداب الذي كان يتعبد فيه - رحمه الله تعالى - .72 - محمد بن رمضان: محمد بن رمضان، الشيخ الإمام، العالم العلامة شمس الدين الدمشقي مفتي الحنفية بدمشق. قال الحمصي: كان قد انعزل عن الناس، وتنصل من حرفة الفقهاء، ولازم العزلة إلى أن مات. قلت: وكان سبب عزلته انقطاعه إلى الله تعالى على يد سيدي علي بن ميمون، فقد ذك سيد محمد بن عراق في السفينة العراقية أنه لما كان متجرداً عند سيدي علي بن ميمون، حين قدم دمشق في قدمته الأخيرة في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة. تجرد معه عنده جماعة، ثم قال: فمن أصلحهم عشرة. سيدي الشيخ عبد النبي مفتي المالكية، وسيدي محمد بن رمضان مفتي الحنفية، وسيدي أحمد بن سلطان كذلك، وسيدي عبد الرحمن الحموي مفتي الشافعية، وسيدي إسماعيل الدناني خطيب جامع الحنابلة، وأبو عبد الرحمن قيم الجامع، وسيدي عيسى القباقبي المصري، وسيدي أحمد ابن الشيخ حسن، وجاره حسن الصواف، وسيدي الشيخ داود العجمي. قال: ثم ثلائة من السادة المغاربة، عيسى المفتي، والحاج علي الزعري، والثيخ مسعود مؤدب الأطفال، ثم واحد في زهده فريد، وفي عبادته وحيد، لا يرائي بهما، ولا يسمع سيدي علي بن مقرع، ولا تنس صاحبه سيدي القاضي موسى الغريب، حسب الحسيب، وصهره السالم من الملامة، حالق لحية النفس اللوامة، عبد الله بن سلامة، قال وكان هؤلاء المذكورون إذا شكوا خواطرهم لسيدي الشيخ يتلون، ويسترجع وينظر إلي في غالب الأوقات، ويقول لي وهم يستمعون: سر بنا يا ولدي عن هؤلاء الكذابين. فيا ليت شعري إذا كان مثل هؤلاء يعدهم سيدي من الكذابين، فمن يكون صادقاً؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار. قال: وإني ما وجدت بعدهم من أصحاب إلا القليل أقل من القليل. انتهى.
قلت: وتسمية سيدي على هؤلاء كذابين لا يطعن في صلاحهم لأن ذلك على عادة شيوخ الصوفية في تربية مريديهم لا يثبتون لهم حالاً، ولا مقاماً، ولا يخفى ما في كلام سيدي محمد بن عراق من الثناء عليهم وكانت وفاة الشيخ محمد بن رمضان صاحب الترجمة في تاسع ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
73 - محمد بن زرعة: محمد بن زرعة المصري، الشيخ الصالح، صاحب الأحوال والمكاشفات. كان يجلس في شباك بيته بالقرب من قنطرة قديدار، وكان يتكلم على ما يخطر للإنسان في نفسه، وكان يتكلم ثلاثة أيام، ويسكت ثلاثة أيام، وكان مزمناً مقعداً أقعده الفقراء. توفي سنة أربع عشرة وتسعمائة، ودفن في الشباك الذي كان يجلس فيه من بيته المذكور - رحمه الله تعالى - .
74 - محمد بن زكي الدين: محمد بن زكي الدين، الشيخ ناصر الدين المدني انتقد أهل المدينة عليه أموراً، وكتب فيه محاضر بأمور لا توصف، ومنع بسبب ذلك من الإقامة بالمدينة المنورة، وعزل من وظائفه وجهاته بها، فدخل القاهرة في زمن الغوري، وقم له تحفاً، فكلمه القاضي محب الدين بن رجا كاتب الأسرار في أمره، وأراه الفتاوي التي كتبت فيه والمحاضر، وتحزب بعض أمراء مصر، فتلافى ابن رجا الأمر بأن يعود إلى استيطان المدينة من غير عود جهاته إليه، وفاق إذ ذاك من الذل والإهانة والفقر بمصر ما لا يوصف ثم عاد إلى المدينة، فلما تولى السلطان سليم بن عثمان توجه إليه إلى الروم، وطلب منه نظر الحرم وأشياء آخر، ثم رجع إلى مصر، فولاه نائب مصر إذ ذاك قضاء المدينة، فأراد أن يولي عنه زباله رغماً على ابن عمه القاضي فتح الدين، وقال لنائب مصر: إني عاجز عن المنصب فيكون ابن عمتي نائباً عني، فقال له النائب: قد اعترفت بالعجز، فعزله وولي السيد عبد الله السمهودي.
75 - محمد بن سلطان: محمد بن سلطان، الشيخ الرئيس القاضي، كمال الدين بن الزيني سلطان الدمشقي الصالحي الحنفي. ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، واشتغل وحصل وبرع وناب في الحكم، وجمع منسكاً في مجلد سماه " تشوق الساجد، إلى زيارة أشرف المساجد " ، وتوفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربتهم تحت المعظمية، وحضر جنازته من المباركين، وطلبة العلم، وصلى عليه ولده الشيخ قطب الدين.
76 - محمد بن سلامة: محمد بن سلامة، الشيخ العارف بالله تعالى، الزاهد المسلك الصوفي الهمداني الشافعي. قال الحمصي: ضرب بالمقارع إلى أن مات، وسبب ذلك أنه تزوج بإمرأة خنثى واضح، ودخل بها وأزال بكارتها، وكان لها ابن عم مغربي أراد أن يتزوجها، فلم تقبل عليه، فذهب إلى رأس نوبة النوب الأمير طراباي، وشكى عليهما، فأحضرهما وضربهما بالمقارع والرواثن، وجر سهما على ثورين، وأشهرهما في القاهرة، فما وصل إلى باب المقشرة حتى مات، ولم يسأل عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال: وتأسف الناس عليه كثيراً، وكان موته في حادي عشر رمضان سنة إحدى عشرة وتسعمائة - رحمه آلله - .
77 - محمد بن شكم: محمد بن شكم، الشيخ العلامة نجم الدين بن شكم الدمشقي الصالحي الشافعي قال الحمصي: كان عالماً صالحاً زاهداً. قرأ على شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون وغيره. وسأله عن أربعين مسألة حين كان الشيخ تقي الدين مدرساً بالشامية البرانية على العادة، فكتب عليها، ثم عرضها عليه وعلى أهل درسه في اليوم الثاني، فأسفر عن استحضار حسن، وفضيلة تامة، وكان ذلك يوم الأربعاء سابع عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وذكر سيدي محمد بن عراق في السفينة أن سيدي محمد بن قيصر القبيباتي، وسيدي محمد بن شكم الصالحي قدما عليه مجد المعوش بعد موت سيدي علي بن ميمون بها بنية السلوك، ثم قدما عليه بعدهما سيدي محمد الجوهرفي الشهير بالفيومي لكنه أشار إلى تقدمه عليهما، وتمثل بقولهم: الطريق لمن صدق لا لمن سبق. كما ذكره ابن طولون. وكانت وفاة ابن شكم يوم الاثنين خامس عشر شوال سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن بصالحية دمشق - رحمه الله تعالى - .
78 - محمد بن الجحيني: محمد بن عبد الله بن عيسى بن إسماعيل القاضي بهاء الدين الجحيني الدمشقي الصالحي الحنفي. كان في أول أمره نقيباً لقاضي القضاة حسام الدين الشهير بابن العماد، ثم ترقى إلى أن فوض نيابة القضاء، فسار فيه بسيرة حسنة بعفة، وحسن سياسة ولد بالصالحية خامس ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وتوفي في سابع صفر أو ربيع الأول سنة أربع وتسعمائة، ولم يوجد معه ولا ثمن، كفن، ودفن بالصالحية.
79 - محمد بن عبد السلام: محمد بن عبد الله بن عبد السلام قاضي القضاة أبو عبد الله صلاح الدين العلوي الشافعي. كان أصله من البلقاء، ونشأ بدمشق، واشتغل بها قليلاً، وولي كتابة الفقهاء بالشامية البرانية، وولي نظرها. ووكالة بيت المال للسلطان قايتباي، ثم ولي قضاء الشافعية عن القطب الخيضري بمصر في عشري المحرم سنة ست وثمانين وثمانمائة، ثم عزل عنه بعد ثلاثة أيام قال ابن طولون: وكان عنده دين وصلاح وخير وعفة، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعمائة عن سبعين سنة، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي، ودفن بمقابر الصوفية - رحمه الله تعالى - .
80 - محمد بن العاتكي: محمد بن عبد الله بن علي بن خليل، الشيخ العالم البارع بهاء الدين بن سالم العاتكي الدمشقي الشافعي. ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وكان فاضلاً بارعاً. أخذ عن الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهما، وكانت وفاته بالقاهرة في شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة ثالث عشر شعبان منها - رحمه الله تعالى - .
81 - محمد بن الموصلي: محمد بن عبد الله بن محمد، الشيخ الصالح المسلك المربي أبو الوفا ابن الشيخ الصالح القدوة عبد الله ابن الشيخ القدوة العلامة ناصر الدين، سبط الشيخ العارف بالله تعالى أبو بكر الموصلي الأشعري الشافعي. كان من أعيان الصوفية بدمشق وأصلابهم أباً عن جد. توفي في ثامن عشر رمضان سنة عشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة القبيبات - رحمه الله تعالى - .
82 - محمد بن إمام الكاملية: محمد بن عبد الرحمن بن علي، الشيخ الإمام الصالح، العلامة الفاضل شمس الدين إمام الكاملية بين القصرين. لبس الخرقة من الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري المقري صاحب النشر والطيبة في سنة تسع وعشرين وثمانمائة وتوفي في أوائل هذا القرن رحمه الله تعالى.
83 - محمدبن السخاوي: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد، الشيخ الإمام، العالم العلامة المسند، الحافظ المتقن شمس الدين أبو الخير السخاوي الأصل القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين. ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة، وحفظ القرآن العظيم، وصلى به في شهر رمضان بزاوية الشيخ شمس الدين العدوي المالكي، وحفظ عمدة الأحكام، والتنبيه، والمنهاج، وألفية ابن مالك، والنخبة لشيخه شيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر العسقلاني، وقرأ على شيخه كثيراً، وسمع عليه ولازمه أشذ الملازمة. حتى حمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره، وأقبل عليه الشيخ بكليته حتى صار يرسل إليه قاصده يعلمه بوقت ظهوره من بيته ليقرأ عليه، وسمع من لفظه أشياء كثيرة، وحمل عنه أكثر تصانيفه، وأذن له في الإقراء، بل قال: إنه أمثل جماعتي، وألف له ترجمة سماها " بالجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر " وقال في إجازته للشيخ عبد القادر الأبار الحلبي: إنه يروي صحيح البخاري عنه وعن أزيد من مائة وعشرين نفساً أجلهم ابن حجر، ومنهم المسند أبو إسحاق إبراهيم بن صدقة الصالحي الحنبلي، والإمام زين الدين عبد الرحيم بن الجمال أبي إسحاق اللخمي الأسيوطي قراءة وسماعاً، وقرأ صحيح ملفقاً على العز بن الفرات، وجامع الترمذي على أم محمد سارة بنت السراج بن جماعة، وسمع سنن ابن ماجة على علي بن الفرات، وتفقه بجماعة منهم البرهان بن خضر العثماني، والبدر النسابة، والحافظ ابن حجر، والشرف المناوي، والعلم صالح البلقيني، والشمس الوفائي. قال: ولم أسمع الفقه من أفصح منه فيه.
وألف كتباً منها ترجمة ابن حجر المشار إليها، ومنها " الضوء اللامع، في أخبار أهل القرن التاسع " ، وذكر لنفسه فيه ترجمة على عادة المحدثين، وذكر فيها شيوخه ومن أخذ عنهم، ومن تأليفه كتاب سماه " الجواهر المكللة، بالأحاديث المسلسلة " ، " والمقاصد الحسنة في الأحاديث الجارية على الألسنة " وهو أجمع وأتقن من كتاب السيوطي المسمى " بالجواهر المنتثرة، في الأحاديث المشتهرة " ، وفي كل واحد منها ما ليس في الآخر، وله شرح على ألفية الحديث، وجزء في الأحاديث الواردة في الخاتم، وكتاب " تحرير الميزان " وكتاب " عمدة القارىء والسامع، في ختم الصحيح الجامع " ، وكتاب " غنية المحتاج، في ختم صحيح مسلم بن الحجاج " في مؤلفات أخرى، وكان بينه وبين البرهان البقاعي، وبينه وبين الجلال السيوطيئ ما بين الأقران. حتى اشتهر أن السيوطي قال مضمناً:
قل للسخاوي إن تعروك نائبة ... علمي كبحر من الأمواج ملتطم
والحافظ الديمي غيث السحاب، فخذ ... غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
ورأيت بخط بعض أهل العلم أن السخاوي توفي سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وهو خطأ بلا شك، فإني رأيت بخط السخاوي على كتاب " توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس " الشافعي للحافظ ابن حجر أنه قرىء عليه في مجالس آخرها يوم الجمعة ثامن شهر المحرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة بمنزله من مدرسة السلطان الأشرف قايتباي بمكة المشرفة، ورأيت بخطه أيضاً على الكتاب المذكور أنه قرىء عليه أيضاً بالمدرسة المذكورة في مجالس آخرها يوم الأربعاء ثامن عشر شهر ربيع الأول سنة تسعمائة، ثم رأيت ابن طولون ذكر لي تاريخه أنه توفي بمكة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث عشر في القعدة سنة اثنتين وتسعمائة، ثم رأيت شيخنا النعيمي ذكر في عنوانه أنه توفي بالمدينة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة سابع عشري ذي القعدة سنة اثنتين المذكورة، والله تعالى يعلم أيهما أصح - رحمه الله تعالى - .
84 - محمد بن الكفرسوسي: محمد بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام العلامة الفقيه المدرس المفتي أبو عبد الله شمس الدين الكفرسوسي الشافعي. تفقه بالشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون، وأخيه الشيخ تقي الدين وغيرهما من الدمشقيين، وأخذ عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وممن أخذ عنه الشيخ العلامة الزاهد شهاب الدين أحمد بن أحمد الطيبي الشافعي شيخ الإقراء بدمشق. إلى ذلك أشار الشيخ الطيبي في إجازته للشيخ أحمد القابوني بعد أن ذكر جماعة من شيوخه بقوله:
ومنهم ولي الله شيخي محمد ... هو الكفرسوسي الإمام المحبر
بعلم وإخلاص يزين، ولم يزل ... معيناً لخلق الله للحق ينصر
وعن زكريا المقدم قد روى ... وعن غيره ممن له الفضل يغزر
قال والد شيخنا - رحمه الله تعالى - : كان من أهل العلم والعمل والصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نافذ الكلمة، مهيباً عند الحكام، اتبع طريقة الوعظ مع الإفتاء والتدريس. اشتهر عند أهل القرى بحيث أنهم لا يستفتون غيره مع وجود أشياخه متقللاً من الوظائف، وجاءته الدنيا موفرة، ولما جاء إبراهيم باشا الوزير - يعني إلى دمشق راجعاً من مصر - رتب له عشرين عثمانياً من الجوالي كل يوم، ومات ولم يتناول منها لبركته وصلاحه لما في بيت المال من المظالم. قلت: ودرس بالكلاسة قديماً نيابة عن شيخ الإسلام الجد حين كان صغيراً بإشارة شيخه الشيخ زين الدين خطاب كما ذكره ابن طولون في مواضع من تاريخه، وألف شرحاً على فرائض المنهاج، ومجالس وعظية، وكانت وفاته ليلة السبت الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع الأموي، ودفن قبل الظهر بمقبرة باب الفراديس. قال والد شيخنا: وكانت له جنازة عظيمة ما شهدتها لغيره، وحضرها شيخنا وشيخه أيضاً السيد كمال الدين بن حمزة، وتأسف عليه هو والمسلمون تأسفاً عظيماً. قلت: وبلغني أن الشيخ العارف بالله تعالى سيد علوان الحموي رثاه بقوله:
ومن الدليل على اقتراب قيامة ... موت الأماثل من خيار الناس
حتى إذا ذهب البقايا كلهم ... حلت البقاع بحلية الأبلاس
يا معشر الإسلام توبوا وارجعوا ... وكأننا بالموت جا بالكاس
أو ما وعظتم بالفقيه بأرضكم ... مفتي الأنام، وقدوة الأكياس
وهو الكفرسوسي شيخ بلادكم ... كم قام فوق منابر وكراسي
يدعو إلى المولى وينصر دينه ... حتى أتاه مكدر الإحساس
فتخللت أعضاؤه بقدومه ... بتصرم الساعات والأنفاس
أضحى طريحاً في القبور وعبرة ... من بعد ما قد كان فوق الراس
فالله يرحمه ويرحم كل من ... قد عاذ بالديان من وسواس
يا وحشتي لأولي العلوم وحسرتي ... مما أعاني من فؤاد قاسي
ذهب الأولى كنا نعيش بظلهم ... وبقيت في ناس كما النسناس
يا رب وفقنا وأصلح حالنا ... ما أنت يا رب الورى بالناسي
ثم الصلاة مع السلام تخص من ... أهداه ربي رحمة للناس
والآل والصحب الكرام بأسرهم ... ما عاد فاقد إلفه بالياس
85 - محمد بن صدقة: محمد بن عبد الرحيم بن صدقة الواعظ أبو الفتح ابن الشيخ عبد الرحيم المصري. كان يعظ الناس بالأزهر وغيره إلا أنه تزوج بامرأة زويلية فافتتن بها فيما ذكره العلائي، حتى باع فتح الباري والقاموس وغيرهما من النفائس، وركبته ديون كثيرة، ثم خالعها وندم وأراد المراجعة، فأبت عليه إلا أن يدفع إليها خمسين ديناراً، فلم يقدر إلا على ثلاثين منها، فلم تقبل، فبعث بها إليها، وبعث معها سماً قاتلاً، وقال: إن لم تقبل الثلاثين وإلا أتحسى هذا السم، فرددتها عليه، فتحسى السم، فمات من ليلته، وكان موته في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
86 - محمد الشهير بابن التقي: محمد بن عبد الغني، الشيخ العلامة أقضى القضاة زين الدين الشهير بابن تقي المالكي المصري. قال الحمصي: كان شاباً عالماً صالحاً. توفي في حادي عشري المحرم سنة عشر وتسعمائة، ودفن بالقرافة .
87 - محمد بن جبريل: محمد بن عبد القادر بن جبريل، الشيخ العالم العلامة قاضي القضاة خير الدين أبو الخير الغزي، ثم الدمشقي المالكي. ولد بغزة في ثاني عشر شوال سنة اثتتين وستين وثمانمائة، واشتغل وبرع، ثم قدم دمشق وحضر دروس الشيخ عبد النبي المالكي، وظهرت فضيلته خصوصاً في علم الفرائض والحساب، ثم ولي قضاء المالكية بالشام في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وسار في القضاء سيرة حسنة بعفة وزهد وقيام في نصرة الحق، واستمر حتى عزل في أول رمضان سنة اثنتين وعشرين، فتوجه إلى بلده، ثم إلى مكة المشرفة، وبها توفي في صفر سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ودفن بالمعلى، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة سادس جمادىالآخرة من السنة المذكورة - رحمه الله تعالى - .
88 - محمد بن عبد الكافي: محمد بن عبد الكافي، الشيخ العالم الصالح القاضي شمس الدين محمد المصري الخطيب بجامع القلعة الشهير بالدمياطي. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: كان يقضي بحلب خارج بانقوسا، والناس يقرؤون عليه العلم، وكان لا يأخذ على القضاء أجراً، وكان طويلاً سميناً جداً، ومع ذلك كان يتوضأ لكل صلاة من الخمس. قال: وما سمعته مدة قراءتي عليه يذكر أحداً من أقرانه الذين يرون نفوسهم عليه إلا بخير، وكان كثير الصمت كثير الصيام طلباً للهزال، فيزيد عنه ، وكان حلو المنطق، جميل المعاشرة، كريم النفس. انتهى.
توفي في ثاني عشر جمادىالآخرة سنة تسع وتسعمائة، ودفن بالقرافة - رحمه الله تعالى - .
89 - محمد الضرير: محمد بن عبيد، الشيخ الإمام العلامة المقرئ المجود شمس الدين محمد الضرير. ولد في سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وكان قفافياً بميدان الحصا بدمشق، ثم اشتغل في العلم، وأم وأقرأ بمسجد الباشورة بالباب الصغير، وكان عالما صالحاً. قال والد شيخنا: كان يعرف القراءات، ويقرأ الشاطبية وغيرها من كتب القراءات والتجويد، وانتفع عليه خلق كثير. انتهى.
توفي يوم الأربعاء تاسع عشري في القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح حماد - رحمه الله تعالى - .
90 - محمد البابي: محمد بن عثمان بن إسماعيل الشيخ شمس الدين المعروف بابن الدغيم البابي قاضي قضاة حلب، وكاتب سرها، وناظر جيوشها، كان ذكياً فقيهاً متمولاً. توفي سنة خمس وتسعمائة.
91 - محمد بن عرب: محمد بن عرب، الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة محب الدين أبو الفضل المصري الشافعي، الحكم العدل بالديار المصرية. قال الحمصي: كان عالماً فاضلاً مفنناً ذكياً فقيهاً، كثير الأدب. توفي بالقاهرة ثامن عشري المحرم سنة اثنتي عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
92 - محمد بن عز: محمد بن عز، الشيخ الصالح المجذوب، كان ساكناً في الزاوية الحمراء خارج مصر، وكان يلبس ثياب الجند، وكان يمشي بالسلاح والسيف، وكان أكابر مصر يحترمونه، وللناس فيه مزيد اعتقاد، وكان لا ينام شيئاً من الليل، ويستمر من العشاء إلى الفجر، تارة يضحك وتارة يبكي، حتى يرق له من يراه، وكان لا يخبر بولايته أحداً، وعزله في وقت معين لا يخطئ أبداً، وكان مجاب الدعوة زحمه إنسان بين القصرين، فرماه على ظهره، فدعا عليه بالتوسيط، فوسطه الباشا آخر النهار، وكانت وفاته غريقاً في الخليج بالقرب من الزاوية الحمراء في سنة ثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - 93 - محمد بن القصيف: محمد بن علي بن أحمد بن جلال بن عثمان بن عبد الرحمن قاضي القضاة أبو الفضل محب الدين بن القصيف الدمشقي الحنفي. ولد سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة بمنزلة ذات حج من درب الحاج، وقيل: سنة إحدى وأربعين أو سنة أربعين، وحفظ القرآن ثم المختار، وعدة كتب، واشتغل وبرع وأفتى، ودرس بالمدرسة القصاعية سنين عديدة، وسمع الحديث من أبي الفتح المزي والتقي بن فهد وغيرهما، وصنف كتاب " دليل المختار إلى مشكلات المحتار " ولم يتم وولي قضاء الشام مرات، وتوفي يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة. قال ابن طولون: وظلم نفسه بأمور سامحه الله تعالى.
94 - محمد المصمودي: محمد بن علي القاضي شمس الدين المصمودي المالكي، كان فقيهاً فاضلاً، وناب عن العفيف بن حنعل قاضي المالكية بحلب، وكتب على الفتوى، وتوفي في الدولة الغورية.
95 - محمد بن الدهن: محمد بن علي، الشيخ المعمر المنور شمس الدين بن الدهن الحلبي الشافعي. شيخ القراء والإقراء بحلب، وإمام الحجازية بجامعها الكبير. قرأ على جماعة منهم منلا سليمان ابن أبي المقرئ الهروي، والعلامة منلا زاده الجوخي، وتوفي سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
96 - محمد البلبيسي: محم(د بن علي القاضي محب الدين ابن القاضي نور الدين البلبيسي المصري. كان حسن الشكل والهيئة، جريئاً في أموره. قال العلائي: وكان مجازفاً في قضائه، سيىء السيرة، ولي مباشرة وقف يلبغا، وقرر فيها أخوه القاضي لال الدين بعد موته يوم الجمعة خامس عشر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
97 - محمد بن قرينة : محمد بن علي، الشيخ الفاضل شمس الدين ابن الشيخ العلامة المفتي المحفي الشافعي، المعروف بابن قرينة. كان ذا عقل وتؤدة، تلقى عن أبيه تدريس التفسير بالبرقوقية، وتدريس اللغة بالمؤيدية والأشرفية، وتوفي في ثامن ربيع الثاني سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وخلف ولداً صغيراً أسند الوصاية عليه إلى جماعة منهم السيد كمال الدين بن حمزة الشامي.
98 - محمد بن الخيوطي: محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم القاضي شمس الدين ابن العبد الصالح علاء الدين الموصلي المالكي، الشهير بابن الخيوطي. ولد في رمضان سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وفوض إليه نيابة القضاء بدمشق، فلما كانت دولة ابن عثمان توجه إلى بلاد الروم، وحضر على السلطان سليمان خان، وفوض إليه قضاء المالكية بدمشق، وأنعم عليه بجهات أخر، فحصل له ضعف ببلاد الروم، فتوفي بها أو وهو راجع منها في أواخر سنة ثمان وعشرين، أو في أوائل سنة تسع وعشرين، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشري محرم سنة تسع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
99 - محمد بن الفناري: محمد بن علي بن يوسف ابن المولى شمس الدين الفناري الإسلام بولي المولى، العالم الكامل، قاضي القضاة العسكر بالولاية الأناظولية، ثم بالولاية الروميلية محيي الدين المشهور بمحمد باشا. ولد في أيام دولة السلطان محمد خان بن عثمان. قال في الشقائق: كان رحمه الله تعالى صاحب أخلاق حميدة، وطبع ذكي، ووجه بهي، وكرم وفي، وكان ذا عشرة حسنة، ووقار عظيم، وله حواش على شرح المواقف، وشرح الفرائض كلاهما للسيد الشريف، وحواش على أوائل شرح الوقاية لصدر الشريعة، وتوفي وهو قاضي العسكر الروملي في سنة تسع وعشرين وتسعمائة، ودفن عند قبر جده المولى شمس الدين بمدينة بروسا.
100 - محمد بن عراق: محمد بن علي بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام، العارف بالله تعالى المجمع على ولايته وجلالته القطب الرباني، والغوث الصمداني، الأستاذ أبو علي شمس الدين بن عراق الدمشقي. نزيل المدينة المنورة، وأحد أصحاب سيدي علي بن ميمون. قال في الشقائق: كان - رحمه الله تعالى - من أولاد أمراء الجراكسة، وكان من طائفة الجند على زي الأمراء، وكان صاحب مال عظيم، وحشمة وافرة، ثم ترك الكل، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ علي بن ميمون المغربي، واشتغل بالرياضة عنده. حكي أنه لم يشرب الماء مدة عشرين يوماً في الأيام الحارة حتى خر يوماً مغشياً عليه من شدة العطش، وقرب من الموت فقالوا للشيخ: إن ابن عراق قرب من الموت من شدة العطش، فقال الشيخ: إلى رحمة الله تعالى، فكرروا عليه القول، فلم يأذن في سقيه، وقال: صبوا على راحتيه الماء، ففعلوا ذلك، فقام على ضعف ودهشة، فلم يمض على ذلك أيام إلا وقد انفتح عليه الطريق، ونال ما يتمناه. انتهى. قلت: ذكر سيدي محمد صاحب الترجمة في كتابه المسمى " بالسفينة العراقية، في لباس خرقة الصوفية " أنه ولد في سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم بالتجويد على الشيخ عمر الداراني. قرأ عليه ختمات، وعلى الشيخ إبراهيم المقدسي قرأ عليه يويمات، ثم اشتغل في الحساب على الشيخ زين الدين عرفة، ثم جود ختمة لابن كثير أفرد لروايته على الشيخ عمر الصهيوني، وجود عليه الخط أيضاً، وأخذ عنه علم الرماية، ولزمه فيه ثلاث سنوات كاملات، وفي أثنائها مات والده في سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وتزوج في تلك السنة، ثم توجه إلى بيروت بنية استبقاء إقطاع والده، فسمع وهو في بيروت برجل فيها من الأولياء يسمى سيدي محمد الرايق، فزاره ودعا له وقال له: لا خيب الله سعيك، ثم قال له: يا ولدي إن أحببت التماس البركة من يد أهلها فعليك بأحد الثلاثة: رجل ببيروت يسمى الشيخ عفان، ورجل بطرابلس يسمى الشيخ ياسر، ورجل بصيدا يسمى الشيخ عمر بن المبيض، فيسر الله تعالى في ذلك الشهر باجتماعه بالثلاثة، وسأل كل واحد منهم أن يدعو له أن ينقذه مما هو فيه، ثم عاد إلى دمشق، واشتهر عنه أمر زيارته لهؤلاء. لكنه اشتغل بالفروسية والرمي والصيد، ولعب الشطرنج، والنرد والدفاف والتنعم بالمأكولات والملبوسات، وإنشاء الإقطاع والفدادين، ولم يزل مع هذه الأمور، مواظباً على الصلوات، وزيارة الصالدين، وحب الفقراء والمساكين، حتى مضى خمسة أعوام، ولم يتيسر له من يوقظه من هذا المنام، حتى كان يوم جمعة صادف فيه الشيخ إبراهيم الناجي في جبانة الباب الصغير، وهو راجع من ميعاده، فنزل سيدي محمد عن فرسه إجلالاً للشيخ وسلم على الشيخ. فقال الشيخ: من يكون هذا الإنسان؟ فقيل له: فلان ابن فلان، فأهل به ورحب وترحم على والده، فسأله سيدي محمد أنه يدعو له أن ينقذه الله تعالى مما هو فيه فقال له: لو حضرت الميعاد، ولازمتنا لحصل خير. قال سيدي محمد: فوادعته وسرت لصلاة الجمعة، فتعلق قلبي بحبه، وبت تلك الليلة وأنا أحدس به، وعزمت على حضور ميعاده بكرة السبت في زاوية سيدي أبي بكر الموصلي - رضي الله تعالى عنه - قال سيدي محمد: فما صليت صبح نهار السبت إلا بالزاوية المذكورة، وحضرت الميعاد، وكان بحضرة جماعة من الصالدين، ويسر الله تعالى ببركته ترك بعض ما أنا فيه فاشتغلت بالتجارة والزراعة وجعلتهما مهنتي لأنها أشبه، ثم استمر سيدي محمد - رضي الله تعالى عنه - في صحبة الشيخ محمد الناجي حتى مات، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عنه وعن الفضل ابن الإمام، وعن الشيخ شهاب الدين بن مكية النابلسي علم التفسير والحديث والفقه، وهي العلوم الشرعية، وأخذ علم الأصول والنحو والمعاني والبيان عن جماعة منهم: الشيخ أبو الفتح المزي، والشيخ محمد بن نصير، والشيخ علي المصري، وكان مع ذلك يصحب الصالدين والفقراء الصادقين مثل الشيخ محمد بن بزة، والشيخ محمد بن يعقوب، والسيد أبي بكر العلاف، والحاج علي بن سلطان، والحاج أبي بكر البيروتي، والشيخ عيسى الراجبي، والشيخ يوسف البهلول تلميذ ابن قرا، وسيدي الشيخ عبد اللطيف البلواني، والشيخ أحمد أبي رجيلة، والحاج علي بن عدي، والشيخ محمد المشهور بكمال الدين، والحاج أحمد بن جوان، والشيخ محمد الهليس الصواف، والشيخ جمعة النداف، والشيخ أحمد ضوي
والشيخ حسن الحبار، والشيخ خميس البدوي وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم - وكان بعد موت شيخه الناجي يدعو الله تعالى عقب صلاته، وفي إسحاره أن ييسر الله تعالى له من ينقذه من رداه ويطهره من أوزاره، حتى لاحت له ناصية الفلاح وجاء المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح، وذلك في مستهل سنة أربع وألف وتسعمائة، فكان كماله على يده، وفي هذه السنة حج سيدي علي بن ميمون، ثم قدم من الحج، وتوجه إلى الروم، وأقام بها خمس سنوات يدعوهم إلى الله تعالى على بصيرة، وكان سيدي محمد سأله المسير معه فقال له: توجه إلى سيدي عبد القادر بن حبيب يحصل باجتماعك به كل خير، ثم قال: أقرئه عني السلام، فسار إليه، وتلقن منه الذكر، ولبس منه الخرقة، وأقام عنده سبعة عشر يوماً، وكان كل يوم يعدل سنين، وفي شرح تائية سيدي عبد القادر بن حبيب للشيخ رضوان - رضي الله تعالى عنهما - أن سيدي محمد بن عراق ذهب إليه حافياً إلى الصفد، فقال الشيخ عبد القادر يمدحه:يخ حسن الحبار، والشيخ خميس البدوي وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم - وكان بعد موت شيخه الناجي يدعو الله تعالى عقب صلاته، وفي إسحاره أن ييسر الله تعالى له من ينقذه من رداه ويطهره من أوزاره، حتى لاحت له ناصية الفلاح وجاء المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح، وذلك في مستهل سنة أربع وألف وتسعمائة، فكان كماله على يده، وفي هذه السنة حج سيدي علي بن ميمون، ثم قدم من الحج، وتوجه إلى الروم، وأقام بها خمس سنوات يدعوهم إلى الله تعالى على بصيرة، وكان سيدي محمد سأله المسير معه فقال له: توجه إلى سيدي عبد القادر بن حبيب يحصل باجتماعك به كل خير، ثم قال: أقرئه عني السلام، فسار إليه، وتلقن منه الذكر، ولبس منه الخرقة، وأقام عنده سبعة عشر يوماً، وكان كل يوم يعدل سنين، وفي شرح تائية سيدي عبد القادر بن حبيب للشيخ رضوان - رضي الله تعالى عنهما - أن سيدي محمد بن عراق ذهب إليه حافياً إلى الصفد، فقال الشيخ عبد القادر يمدحه:
من كان مثلي خلف صب عاشق ... أضداد وصل لا يخاف أنا لها
يا ابن العراق تهن يا ولدي وطب ... ماكل من طلب السعادة نالها
ثم أشار إليه ابن حبيب أن يرجع إلى والدته، وسأله في الحج، فقال: إن تيسرت لك الأسباب، فلا بأس، فلما رجع إلى والدته شكى إليها القبض، وكانت تخاف عليه الجذب، فأذنت له في التوجه إلى بيروت ليسهل عليه ما هو فيه فاستأذنها في السفر في البحر إلى مصر لطلب العلم والحج أن يسر له ذلك، فأذنت مساعدة له على الخير، فركب البحر، وفي صحبته رجلان من أولي العزم، وهما السيد محمد الأنعالي، والشيخ عبد العزيز الخليلي، ودخل مصر سنة خمس وتسعمائة، فاجتمع فيها بجماعة من العلماء الصالدين من أعلمهم وأفضلهم شيخ الإسلام زكريا، والحافظ الجلال السيوطي والدمياطي، واجتمع من الأولياء بجماعة منهم سيدي أحمد القسطنطيني، وسيدي عبد القادر الدشطوطي، وسيدي محمد أبو المكارم الهيتي، و حصلت له بركتهم. أشاروا عليه بالعود إلى والدته، فعاد في بحر النيل إلى دمياط، واجتمع فيها بعلماء أخيار منهم الشيخ أحمد اليبحوري، وحضر عرسه غير مرة، وألف منسكاً جامعاً، ومنهم الشيخ جلال الدين محمد الخطيب، وسيدي إبراهيم الحواص مؤدب الأطفال. حصل بالبلدتين المذكورتين في مدة يسيرة من أهل العلم ما لم يحصل المرء في أعوام، ثم ركب البحر الكبير إلى بيروت دخلها ليلة عيد الفطر سنة خمس المذكورة، ثم عاد إلى والدته بدمشق، ثم أستأذنها في الحج، فأذنت له، فحج من دمشق، فلما عاد من الحج خطر له أن يتوجه إلى سيدي علي بن ميمون، أو يشتغل فيما أمره به من علم الظاهر، فاستخار الله تعالى، واستشار من إخوانه الشيخ محمد ابن الشيخ يعقوب، وسيدي الشيخ محمد البلاطنسي، والشيخ محمد بن البزة، فأشاروا عليه أن يسير إلى بيروت بنية المرابطة والجهاد، وطلب العلم، فسار إليها، وصحبه الشيخ محمد بن يعقوب، فتلقاهما بها سيدي محمد بن الغصين البيروتي، وسيدي محمد القطب الصرفندي، وسيدي محمد الطيار، ثم تكلموا في خطبة زوجته أم محمد عبد الله، فقال لهم: كرروا الاستخارة في ذلك، وما يلقيه الله تعالى في قلوبكم فهو خير، فباتوا تلك الليلة، وأصبحوا كل واحد منهم رأى واقعة تؤذن بالزواج، فتزوج وبنى بها ليلة النصف من شعبان سنة ست وتسعمائة، وبقي بساحل بيروت إلى سنة عشر وتسعمائة، فخرج منها عن كل ما يملك، ورفض الدنيا ناحية، وأعرض عنها نوبة، وهاجر بأهله إلى دمشق، واجتمع في هذه المدة بثلاثة رجال من أصحاب الأحوال، وهم الشيخ حسن بن سعد الدين الجباوي، والشيخ خليل بن قديم الصمادي، والشيخ عون المشهور بأبي شوشة الطاوعي. سمعت شيخنا - رضي الله تعالى عنه - يحكي مراراً عن والده الشيخ يونس العيثاوي - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يقول: ما رأينا من كان مقبلاً على الدنيا، ثم تركها حقيقة، وأعرض عنها إعراضاً كلياً، ثم لم يعد إليها، ولم يكن ليعرج عليها حتى لقي الله تعالى إلا سيدي محمد بن عراق - رضي الله تعالى عنه - وبقي سيدي محمد بدمشق حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الروم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، فبعث إليه كتاباً يدعوه فيه إلى الله تعالى، فلما وصل كتابه إليه بادر إلى الامتثال وأسرع في الحال، وسافر إليه ثاني اثنين، فاجتمع به يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، فلما سلم عليه، وأذن له بالجلوس بين يديه فتح عليه بإذن الله تعالى، وأعطي لسان المعرفة من يومئذ، وأقام بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد علماً وهدى من الله تعالى، ثم أذن له الشيخ علي بالمسير إلى بيروت، فسافر إليها، وقعد لتربية المريدين، وقدم عليه الشيخ ذو النون الخياري برسالة من الشيخ محمد الغزاوي، وهو والد الشيخ أبو العون الغزي، فأخذ الطريق عن سيدي محمد بن عراق، وشهد له في السفينة بالفتح، والظفر بالأحوال، وألف سيدي محمد في تلك المدة أربعة وعشرين كتاباً في طريق القوم، فلما بلغ شيخه ذلك انقبض انقباضاً شديداً، وتطور عليه، وعزم بسبب ذلك على السفر من حماة إلى دمشق، وكتب إلى بيروت لسيدي محمد لمن يلقاه بالكتب إلى دمشق، فسافر سيدي محمد إلى دمشق، ونزل عند والدته، وأقام عندها أياماً حتى قدم شيخه سيدي علي بن ميمون في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ونزل بالصالحية، فسار إليه سيدي محمد، وتلقاه بالسلام والإكرام غير أنه استدعاه في ذلك المجلس، وقال له: يا خائن يا كذاب عن من أخذت هذا القيل والقال؟ فقال له سيدي محمد: يا سيدي فداك نفسي قد
أتيناك بالموبقات، فافعل فيها ما تشاء، فغسلها سيدي علي، ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب، ثم لزمه سيدي محمد ووالدته وأهله، وسكن بهم عنده بالصالحية، وقدمه الشيخ على بقية جماعته في الإمامة، وافتتاح الورد والذكر بالجماعة، وبقي عنده على قدم التجريد هو وأهله، حتى انتقل سيدي إلى مجد المعوش، فسافر معه، وبقي عنده حتى توفي سيدي علي - رضي الله تعالى عنه - ثم بقي بعده بمجد المعوش ست سنين وفي أول السابعة، وهي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت بنى بها داراً لعياله ورباطاً لفقرائه، ثم قصده الناس لأخذ الطريق عنه، وذكر من أعيان جماعته الذين أخذوا عنه ببيروت، ومجد المعوش طائفة في كتاب السفينة منهم الشيخ أحمد الساعي، وحصل له على يديه الجذب الذي لم يتفق لغيره، ومنهم الشيخ علي الجوهري الشهير بالفيومي، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد بن قيصر القبيباتي، سيدي محمد بن شكم الصالحي، والشيخ محمد المشهور بكمال الدين الكردي شيخ المدرسة الشامية، والمجاذيب الثلاثة الكمل الشيخ علي الكردي، وصاحبه إسماعيل المهبلي، ومحمد البعلي الشهير بالحلاق، ثم كاتبه جماعة من أعيان دمشق في القدوم عليهم إلى دمشق ليكونوا في حمايته من الفتن والمحن، فسافر إلى دمشق ونزل ببيت ابن الباعوني من صالحية دمشق، وجلس ثم للإرشاد أياماً، وكان الناس يجتمعون إليه يوم الخميس للتأديب، ويوم الجمعة لتجويد القرآن، ويوم السبت لقراءة الحديث والفقه، واجتمع في هذه الأيام بنية السلوك جماعة منهم السيد علي العجلوني، والشيخ محمد البصراوي، والشيخ موسى الكناوي، والشيخ أحمد بن الديوان إمام جامع الحنابلة، والشيخ عبد الله بن الحبال إمام جامع المزة وغيرهم، ثم انتقل إلى الغوطة ونزل بقرية سقبا، وانقطع بها إلى الله تعالى المحمدون الثلاثة محمد الباعوني، والشيخ محمد الحنبلي، والشيخ محمد الأسد، وقدم بها من مصر سيدي محمد الصفوري، ثم سافر وهو في صحبته إلى صفد، فعزم على الإقامة بها، والانقطاع بمغارة يعقوب عليه السلام، فلم يتيسر له واجتمع عليه بها جماعة منهم ومن بلاد عجلون وعكا، وكانت مدة إقامته بصفد ثلاثة أشهر وأياماً، وهي رجب وشعبان ورمضان، وفي سابع شوال وصل إليه كتاب من أهله يذكرون فيه أن نائب الشام ناوي المسير إلى الحج في سادس عشر الشهر، وأنه جعل الحاج بيد سيدي محمد، فأجابهم بأني لا أسير في ركب إلا أن يكون على الكتاب والسنة، وهذا متعذر، وأنا منتظر الإذن، فلما وصل الجواب إلى دمشق وافق يوم وصوله وصول الشيخ علي - رضي الله تعالى عنه - إلى دمشق بنية حجة الإسلام، فلما بلغه ذلك شق عليه، وأرسل مندوبه إلى سيدي محمد بكتاب مضمونه: ياأخي إن لم يشرح الله صدرك للمسير، وإلا رجعنا، والذي يظهر لي أن غالب الحج يبطل بسببكم، وذلك إليكم، فاستخيروا الله تعالى، وأسرعوا لنا بالجواب، وأجركم على الله تعالى، فالقى الله تعالى في قلبه إجابتهم، وأرسل إليهم إني ألاقيكم إلى المزيريب، وأذن لعياله بالمسير معهم، فلما حصل الاجتماع كان المسير على السنة ببركة سيدي محمد - رضي الله تعالى عنه - والمراد يكون المسير على السنة أنهم أبطلوا أجراس الجمال، ونحو ذلك من البدع التي حدثت في ركب الحج، وهذا ليس إلا كرامة لسيدي محمد، ونفوذ في التصرف، وبلغني أن سيدي محمد ذهب في هذه السفرة ماشياً، واتفقت لسيدي علوان معه قصة ستأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته، وكانت هذه السنة سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ثم قطن سيدي محمد من يومئذ بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وتردد بين الحرمين الشريفين مراراً، وحج كذلك مرات، وقصد بالمدينة المنورة للإرشاد والتريية، واشتهر بالولاية بل بالقطبية، وبلغني أن رجلاً اشتط عليه مرة بالمدينة، وسيدي محمد معرض عنه محتمل لأذاه، فلما انصرف قال له قائل: يا سيدي ما لك لا تنتقم من هذا السفيه؟ فاعتذر عنه بأنه لم يفعل ذلك إلا لأمر ظهر له علي أوجب الإنكار، وإن كنت منه برئياً. لكن يا ولدي سيأتي على الناس زمان إذا وقع بصرهم على قطب ذلك الزمان لا يرونه مسلماً، وذلك لما يظهر لهم عليه باعتبار إفهامهم، وإنما يكون ذلك منه تستراً لشدة الظلمة في ذلك الزمان يعني ويكون له في ذلك تأويل صحيح، وأكثر ما ذكرته هذا لخصته من كتاب سيدي محمد المسمى بالسفينة العراقية وبالجملة، فما ذكرته
هذا نبذة لطيفة من مناقبه ومكارمه، وقد كان في عصره مفرداً علماً وإماماً في علمي الحقيقة، والشريعة مقدماً وليثاً على النفس، قاراً وغيثاً لبقاع الأرض، ماطراً. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - يقول: سمعت الشهاب بن المختيش الذهبي الدمشقي يقول: أرسل خلفي سيدي محمد بن عراق، وهو في مدينة صفد في سنة أربع وعشرين وتسعمائة لما أراد السفر إلى الحجاز بنية المجاورة، وكان ذلك في شهر رمضان، فأتى بسحور ليلاً بسيرج وعسل، وخفقهما بإصبعه، وألعقني إصبعه صيانة لنفسه، ومنعاً لها من شهوتها، وبعضهم قال: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم، ومن آثاره - رضي الله تعالى عنه - بدمشق لما كان قاضياً بصالحيتها عمارته للرصفان بدرب الصالحية، وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - وممن أخذ عنه ممن لم يتقدم لهم ذكر أولاده الثلاثة سيدي علي، والشيخ عبد النافع، والشيخ العارف بالله تعالى السيد الشريف قطب الدين عيسى الإيجي الصفوي، وصاحبه الشيخ محمد الإيجي، ثم الصالحي، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي أحمد الداجاني المقدسي، والشيخ العارف بالله تعالى الشيخ موسى الكناوي، ثم الدمشقي. وشيخنا الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبو البركات محمد البزوري المتوفي في أوائل جمادى الأولى سنة ثلاث بعد الألف، وهو آخر من أخذ عنه وفاة فيما أعلم. قال الشيخ موسى الكناوي: وزرته - يعني سيدي محمد - مرتين بسقبا من الغوطة، ومرة بداريا، وكنت فيها في صحبة الشيخ عبد الغني بن الجناب العجلوني الإربدي. قال: ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف ودعا لي وأعطاني شيئاً من التمر، وكان ذلك آخر العهد به في الدنيا إلى أن قال: وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة، مربوع القامة، وقال شيخنا الشيخ أبو البركات البزوري - رضي الله تعالى عنه - : اجتمعت بمكة المشرفة بالشيخ القطب الغوث العارف بالله تعالى شمس الدين محمد بن عراق فسألني ما اسمك؟ قلت: بركات، فقال لي: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني ولقنني الذكر، ودعا لي وحرضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها: نبذة لطيفة من مناقبه ومكارمه، وقد كان في عصره مفرداً علماً وإماماً في علمي الحقيقة، والشريعة مقدماً وليثاً على النفس، قاراً وغيثاً لبقاع الأرض، ماطراً. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - يقول: سمعت الشهاب بن المختيش الذهبي الدمشقي يقول: أرسل خلفي سيدي محمد بن عراق، وهو في مدينة صفد في سنة أربع وعشرين وتسعمائة لما أراد السفر إلى الحجاز بنية المجاورة، وكان ذلك في شهر رمضان، فأتى بسحور ليلاً بسيرج وعسل، وخفقهما بإصبعه، وألعقني إصبعه صيانة لنفسه، ومنعاً لها من شهوتها، وبعضهم قال: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم، ومن آثاره - رضي الله تعالى عنه - بدمشق لما كان قاضياً بصالحيتها عمارته للرصفان بدرب الصالحية، وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - وممن أخذ عنه ممن لم يتقدم لهم ذكر أولاده الثلاثة سيدي علي، والشيخ عبد النافع، والشيخ العارف بالله تعالى السيد الشريف قطب الدين عيسى الإيجي الصفوي، وصاحبه الشيخ محمد الإيجي، ثم الصالحي، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي أحمد الداجاني المقدسي، والشيخ العارف بالله تعالى الشيخ موسى الكناوي، ثم الدمشقي. وشيخنا الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبو البركات محمد البزوري المتوفي في أوائل جمادى الأولى سنة ثلاث بعد الألف، وهو آخر من أخذ عنه وفاة فيما أعلم. قال الشيخ موسى الكناوي: وزرته - يعني سيدي محمد - مرتين بسقبا من الغوطة، ومرة بداريا، وكنت فيها في صحبة الشيخ عبد الغني بن الجناب العجلوني الإربدي. قال: ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف ودعا لي وأعطاني شيئاً من التمر، وكان ذلك آخر العهد به في الدنيا إلى أن قال: وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة، مربوع القامة، وقال شيخنا الشيخ أبو البركات البزوري - رضي الله تعالى عنه - : اجتمعت بمكة المشرفة بالشيخ القطب الغوث العارف بالله تعالى شمس الدين محمد بن عراق فسألني ما اسمك؟ قلت: بركات، فقال لي: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني ولقنني الذكر، ودعا لي وحرضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها:
بدأت ببسم الله والحمد أولاً ... على نعم لم تحص فيما تنزلا
قال: في كل ليلة أحسبه قال: بين المغرب والعشاء. قلت لشيخنا أبي البركات - رحمه الله تعالى - : هذه القصيدة اللامية التي اشرتم إليها هي من نظم سيدي محمد بن عراق؟ قال: نعم من نظمه وأنا أخذته عنه، فلازم على قراءتها، فإنها نافعة قلت: يا سيدي فنحن نرويها عنكم عن سيدي محمد بن عراق. قال نعم، وقد أثبت هذه القصيدة مع نظيرتين لها في خاتمة كتابي المسمى " عنبر التوحيد، ومظهر التفريد، ومن مؤلفات سيدي محمد بن عراق - رضي الله تعالى عنه - كتاب المنح الغنائية، والنفحات المكية " ، وكتاب " هداية الثقلين، في فضل الحرمين " ، وكتاب " مواهب الرحمن، في كشف عورات الشيطان " ، ورسالة كتبها إلى من انتسب إلى الطريقة المحمدية، في سائر الآفاق خصوصاً بمكة العلية، والمدينة المرضية، وكتاب " السفينة العراقية " ، وكتاب " سفينة النجاه، لمن إلى الله التجاه " ، جواباً عن مكاتبات وردت إليه. وهو ببيروت من قبل بعض العلماء بدمشق يشكون له مما حدث في القرن العاشر من البدع والمنكرات، ومن كلامه في هذه السفينة، وقد أخبرني أستاذي عن بعض مشايخه أنه كان يقول: إني أرى الخمول نهمة، وكل أحد يأباه، وأرى الظهور نقمةً، وكل أحد يتمناه، ألا وإن في الظهور، قصم الظهور، وألف أيضاً رسالة في صفات أولياء الله تعالى سأله في تأليفها تلميذه وفقيره الشيخ أحمد الداجاني المقدسي بتاريخ نهار الاثنين سابع ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة. قال فيها في وصف المذكورين، قرة العين، وثاني الاثنين أحمد الداجاني حمد الله شأنه، وفهمه أسرار المعاني، ومن كلامه فيها: واعلم أنه لا يجوز لمن يدعي المشيخة أن يتظاهر بين أظهر العباد، ويتصدر للسلوك والإرشاد، حتى يتصف باثنتي عشر خصلة اثنتان من الله، واثنتان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واثنتان من الصديق - رضي الله تعالى عنه - ، واثنتان من الفاروق - رضي الله تعالى عنه - ، واثنتان من ذي النورين - رضي الله تعالى عنه، واثنتان من جد الحسنين - رضي الله تعالى عنهم، فأما اللتان من الله يكون غفوراً رحيماً، واللتان من النبي صلى الله عليه وسلم يكون رؤوفاً رحيماً، واللتان من أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - يكون صديقاً سليماً، واللتان من عمر - رضي الله تعالى عنه - يكون غيوراً فهيماً، واللتان ومن عثمان - رضي الله عنه - يكون حياً كريماً، واللتان من علي رضي الله تعالى عنه - يكون شجاعاً عليماً، ثم قال: فيحق لمن اتصف بذلك، أن يكون عمدة للسالك، ومرشداً إلي ومنقذاً للهالك، انتهى.
ومما ينسب تأليفه إلى سيدي محمد بن عراق رضي الله تعالى عنه " حزب الإشراق " أملاه علينا الشيخ يوسف ابن الشيخ سعيد بن حسن القاسمي العجلوني أحد جماعة سيدي أحمد الداجاني المقدسي رضي الله تعالى عنه - عن سيدي أحمد، عن سيدي محمد: " إلهي كلما أذنبت دعتني سابقة نعمتك إلى التوبة، وكلما تبت جذبتني أزمة قدرتك إلى المعصية، فلا التوبة تدوم، ولا المعصية تنصرف عني، وما أدري بماذا يختم لي غير أن سابقة الحسنى منك أوجبت لي حسن الظن بك، وأنت عند ظن عبدك بك، فهب لي منك توبة باقية، واصرف أزمة الشهوات عني، وامح زينتها من قلبي بزينة الإيمان، وقني من الظلم والبغي والعدوان يا حليم يا عظيم يا رحمن يا رحيم. إلهي أنوار تجلياتك الوجودية أشرقت، فلا يزاحم ضحاها وجود ليل سواها لإحاطة شمولها في مراتب ظهورها، فحققني اللهم بذلك تحقيقاً محفوظاً بلزوم مواطن مراضيك مع البقاء بك بعد الفناء فيك على قدم من اصطفيتهم، وأنعمت عليهم من النبيين والشهداء والصالدين، وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليماً. إلهي عم قدمك جدتي، فلا أنا، وأشرق نور سلطان هيبتك فأضاء هيكل بشريتي، فلا سواك، فما دام مني فبدوامك، وما فني مني، فبمعرفتي إياي أسألك سيدي بالألف إذا تقدمت، وبالهاء إذا تأخرت أن تضرب جيم جلال جمعي في زاي زين جمال تفرقتي، حتى ينادي قلبي: يا هو مرة يا من ليس إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إلهي من أقوى متي حولاً وأنت حولي؟ ومن أولى مني بوجد أماله، وأنت مأمولي. سيدي من أعظم مني قوة، وأنت قوتي؟ ومن أحق بالأمان مني وأنت عصمتي؟ أمري وأمر كل شيء بيدك يا الله " . ومن شعر سيدي محمد رضي الله تعالى عنه ما ذكره ابن الحنبلي في ترجمة ولده سيدي علي، أنشدنا إياه الشيخ الصالح الفقيه الولي يوسف بن سعيد الداجاني العجلوني. قال: أنشدنا ولقننا شيخنا الأستاذ الكبير سيدي أحمد الداجاني. قال: أنشدنا ولقننا شيخنا العارف بالله تعالى سيدي محمد بن عراق لنفسه، وكان يأمر أصحابه بحفظ القرآن، وكان يقول كل ليلة بعد صلاة العشاء عقب قراءة الملك، فإذا فرغ منها قال:
كلام قديم لايمل سماعه ... تنزه عن قلبي وفعلي ونيتي
به أشتفي من كل داء وإنه ... دليل لعلمي عند جهلي وحيرتي
فيا رب متعني بحفظ حروفه ... ونور به قلبي وسمعي ومقلتي
وذكر ابن الحنبلي عن سيدي علي أن والده سيدي محمد بن عراق لما قدم على سيدي علي بن ميمون، وهو بحماة قال له الشيخ: بأي نية جئتني يا ابن عراق؟ قال: فقلت له: يا سيدي قد ضمنت نيتي هذه الأبيات
أتى بيميني مصحفي ويدي التي ... تليها بها هيأت أثواب أكفاني
وقدمت موتي بين عيني موقناً ... ..بآخرتي حتماً أمامي تلقاني
كذلك دنيائي وورائي نبذتها ... وصيرت نفسي تحت أقدام إخواني
فقال ابن ميمون: هذه دعوى، ولكن ثبتك الله تعالى، ووقع في الشقائق النعمانية أن سيدي محمد بن عراق مات بالمدينة النبوية، ودفن بها وهو غلط بلا شك، وإنما دفن بمكة بعد أن مات بها، وتحرير وفاته كما كتب به المحدث جار الله بن فهد إلى صاحبه الشيخ شمس الدين بن طولون، ونقله عنه في تاريخه يوم الثلاثاء رابع عشري صفر سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ودفن من الغد بباب المعلى، وحضر جنازته سلطان مكة أبو نمي بن بركات. قال الشيخ موسى الكناوي: مات عن أربع وخمسين سنة - يعني تقريباً - وذكر ابن الحنبلي في ترجمة السيد عيسى الصفوي أنه كان له مزيد اعتقاد في سيدي محمد بن عراق، وأنه قال: له توفي سيدي محمد بمكة المشرفة تهالك الناس على تعاطي غسله، قال: فوقع في نفسي أن أكون ممن يساعد فيه، فلم أشعر إلا بواحد يناديني باسمي أن أقبل إلى مكان غسله، فمضيت فإذا هو يدفع لي إناء ويأمرني بالسكب عليه، ففعلت. قال: ثم لما حمله الناس مزدحمين على سريره، وددت الحمل، فلم أصل إليه، فوقفت بجوار باب السلام ملصقاً كتفي بجانبه، فإذا الجنازة قد حضرت على عنق رجل يمني، وقد أمرني بحملها، ففعلت بدون أن أعرف هذا الرجل، والذي قبله. قال: ثم رأيت الشيخ في المنام، فأعطاني بيضتين قال: وكان يوصيني باستعمال دعاء القنوت لكونه جامعاً للمطالب الحسنة الجليلة. ولسيدي محمد مع سيد محمد المنير المصري قصة، ومع سيدي محمد المنير البعلي قصة أخرى ستأتي كل قصة في ترجمة صاحبها. قال الشيخ موسى: ورثاه جماعة منهم أخوة الشيخ علوان - رضي الله عنهما - فقال:
سقى ثراك فقيدالحي صيبة ... من رحمة هملت من فيض رضوان
محل العراق، وجار الله نخبتنا ... ما زلت مجتهداً في قمع شيطان
تديم صوماً، وتحمي العين عن وسن ... مرتلاً بصلاة نظم قرآن
حتى ثويت رهين النفس في حرم ... استودع الله ربي عين الأخوان
101 - محمد بن سالم: محمد بن علي بن خليل بن أحمد بن سالم بن مهنا بن محمد بن سالم الشيخ الإمام العلامة الفاضل الكامل الصالح بهاء الدين ابن الشيخ العالم الصالح علاء الدين العاتكي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سالم. ولد في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه، وعن التقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهما، وكان عالماً عاملاً خيراً. حج وجاور ومات بالقاهرة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالأموي منها يوم الجمعة ثالث عشري شعبان من السنة المذكورة - رحمه الله تعالى - .
102 - محمد بن هلال النحوي: محمد بن علي، الشيخ الفاضل، شمس الدين العرضي الأصل، ثم الحلبي، المعروف بابن هلال النحوي، الشافعي. اشتغل بحلب على الشيخ محمد الداديخي، والعلاء الموصلي، فلم يبلغ مطلوبه، فارتحل إلى القاهرة، ولزم الشيخ خالد الأزهري في العربية مدة طويلة إلى أن مات الشيخ خالد. فقدم صاحب الترجمة حلب، ودرس بجامعها.
وألف عدة كتب منها حاشية على تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على المراح وشرح على تصريف الزمجاني سماه " بالتطريف، على التصريف " ورسالة أثبت فيها أن فرعون موسى آمن إيماناً مقبولاً، وهو خلاف ما عليه الناس، وغض منه ابن الحنبلي كثيراً، وقال: وكان له شعر يابس، وهجو فيه فاحش. ومات يوم الأربعاء سادس عشر القعدة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
103 - محمد بن عمر الحنبلي: محمد بن عمر القاضي، شمس الدين. الحورسي الدمشقي الحنبلي. ولد سنة ست عشرة وثمانمائة، وكان نقيباً لقاضي القضاة برهان الدين بن كمل الدين بن شرف الدين بن مفلح، ثم فوض إليه ولده قاضي القضاة نجم الدين بن مفلح نيابة القضاء. قال النعيمي: لقلة النواب، فدخل في القضاء مدخلاً لا يليق. وتوفي يوم الجمعة عشري جمادى الأولى سنة إحدى وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
104 - محمد بن هبة الله: محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن هبة الله. الشيخ العلامة قاضي القضاة جلال الدين النصيبي الحلبي الشافعي، سبط المحدث أبي الفضل بن الشحنة. ولد في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم بها، وصلى به بجامعها الكبير وهو ابن ثمان، وحفظ المنهاجين والألفيتين، ثم جمع الجوامع، وعرض على الجمال الباعوني، وأخيه البرهان، والبدر ابن قاضي شهبة، والنجم ابن قاضي عجلون، وأخيه التقوي. ثم أخد الفقه عن أبي ذز، والأصول، والنحو عن السلامي، ووالده الزيني عمر، ثم قدم القاهرة على جده لأمه سنة ست وسبعين وثمانمائة، فأخذ عن الفخر المقدسي، والجوجري. وقرأ في الفقه على العبادي، وفي شرح الألفية لابن أم قاسم وغيره على التقوي الشمني، وقرأ على السخاوي في بعض مؤلفاته وفي غيرها، وبرع وتميز وناب في القضاء بالقاهرة ودمشق وحلب، وولي قضاء حماة وقضاء حلب، وأنشد فيه بعضهم حين ولي قضاء حماة:
حماة مذ صرت بها قاضياً ... استبشر الداني مع القاصي
وكل من فيها أتى طائعاً ... إليك وانقاد لك العاصي
وكان ذا فطنة وحافظة مع رفاهية، وجمع تعليقات على المنهاج سماة الابتهاج، في أربع مجلدات، واختصر جمع الجوامع، وجمع كتاباً كبيراً فيه نوادر وأشعار، وله شعر منه تخميس الأبيات المشهورة للشاب الظريف محمد بن العفيف:
غبتم فطرفي من الأجفان ما غمضا ... ولم أجد عنكم لي في الهوى عوضا
فيا عذولاً بفرط اللوم قد نهضا ... " للعاشقين بأحكام الغرام رضى
فلا تكن يا فتى بالعذل معترضا "
إن الوفي بعهد ليس ينتقض ... وإن همو نقضوا عهدي وإن رفضوا
فقلت لما بقتلي بالأسى فرضوا ... " قروحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا
عهدي الوفي الذي للعهد ما نقضا "
أحبابنا ليس لي عن عطفكم بدل ... وعن غرامي ووجدي لست أنتقل
يا سائلي عن أحبائي وقد رحلوا ... " قف واستمع سيرة الصب الذي قتلوا
فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا "
قد حملوه غراماً فوق ما يسع ... وعذبوا قلبه هجراً وما انتفعوا
دعا أجاب تولى سهده هجعوا ... " رأى فحب فرام الوصل فامتنعوا
فسام صبراً فاعيى نيله فقضى "
وكانت وفاة صاحب الترجمة في ثالث عشر رمضان سنة ست عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
105 - محمد البحيري: محمد بن عمر ابن الشيخ العلامة بدر الدين ابن الشيخ زين الدين البحرفي. فقيه السلطان الغوري. توفي بمرض الإستسقاء في ليلة الخميس سادس عشر شعبان في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بعد أن نزل عن وظائفة. ووقف كتبه.
106 - محمد بن عيسى : محمد بن عيسى، الشيخ الإمام، العلامة العالم، أقضى القضاة شمس الدين، الحنفي خليفة الحكم العزيز بدمشق، ومفتي الحنفية بها. قال الحمصي: كان عالماً فاضلاً مفنناً يعرف صناعة التوريق. والشهادة معرفة تامة، وكان ذكياً متضلعاً من العلوم لا يجارى في بحثه محجاجاً. توفي بدمشق في رجب سنة اثنتي عشر وتسعمائة، ودفن بالصالحية، وكانت له جنازة حافلة، وتأسف الناس عليه - رحمه الله تعالى - .
107 - محمد المالكي: محمد بن قاسم قاضي القضاة جلال الدين بن قاسم المصري المالكي. قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله في أحواله، وكانت أوقاته معمورة بذكر الله عز وجل. شرح المختصر والرسالة، وانتفع به خلائق لا يحصون، ولاه السلطان الغوري القضاء مكرهاً، وكان حسن الإعتقاد في طائفة القوم. قال: وكان أكثر أيامه صائماً لا يفطر في السنة إلا العيدين وأيام التشريق، وكان حافظاً للسانه في حق أقرانه. لا يسمع أحداً يذكرهم إلا ويجلهم. توفي بمصر سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه صلاة الغائب بالجامع الأموي بدمشق رابع عشر صفر سنة ست وعشرين وتسعمائة.
108 - محمد بن ليل الزعفراني: محمد بن ليل، الشيخ الصالح. شمس الدين الزعفراني التونسي القاطن بالقاهرة. كان يحفظ أنواع الفضائل، وكان يتأنق في إيراد أنواع التحميدات والتسبيحات والصلوات، ويعرف الألسن العربية المتنوعة، والخواص العجيبة، وكان يذكر أنه عارف بالصنعة، مات بالقاهرة يوم الأربعاء تاسع عشري جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة المجاورين - رحمه الله تعالى - .
109 - محمد بن مسعود: محمد بن مسعود، الشيخ شمس الدين الناسخ المشهور، الصالحي الدمشقي الشافعي. انتهت إليه مشيخة الكتابة بدمشق، بل بالمملكة كلها. قرأ القرآن بالروايات، وتوفي يوم السبت العشرين من شوال سنة سبع عشرة وتسعمائة بالبدرائية، وحمل إلى الصالحية، فدفن غربي سفحها - رحمه الله تعالى - .
110 - محمد خواجه زاده: محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح البروسوي الرومي المولى العلامة الصوفي بن المولى الفاضل العلامة المشهور بخواجه زاده صاحب كتاب " التهافت " والده ولي القضاء والتدريس ببعض مدارس بروسا، ثم تركها في حياة والده، ورغب في طريقة التصوف، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى حاجي خليفة، ثم ذهب مع بعض ملوك العجم إلى بلاده، وتوفي هناك سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة.
111 - محمد الرومي: محمد بن مصطفى بن الحاج حسن المولى، العالم الفاضل، الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره، واتصل بخدمة المولى يكان، وولي التدريس والولاية، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولاه السلطان محمد بن عثمان في سنة وفاته، وهي سنة ست وثمانين وثمانمائة قضاء العسكر الأناظولية، ولما تولى السلطنة السلطان أبو يزيد خان أقره في منصبه، ثم جعله قاضياً بالعساكر الروميلية، وبقي فيه حتى توفي قال في الشقائق: وكان رجلاً طويلاً عظيم اللحية، طلق الوجه، محباً للمشايخ، وكان بحراً في العلوم، محباً للعلم والعلماء، عارفاً بالعلوم العقلية والشرعية، وألف حاشية على تفسير سورة الأنعام من تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على المقدمات الأربع في التوضيح، وكتاباً في الصرف سماه " ميزان التصريف " وكتاباً في اللغة جمع فيه غرائب اللغات، ولم يتم، وبنى مدرسة بالقسطنينية ومسجداً وداراً للعلم، وبها دفن بعد أن توفي سنة إحدى عشر وتسعمائة، وقد جاوز التسعين - رحمه الله تعالى - .
112 - محمد العجلوني: محمد بن موسى بن عيسى، الشيخ العالم الصالح، شمس الدين بن الشيخ شرف الدين موسى العجلوني، الدمشقي. الصالحي. ولد بالصالحية سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وتوفي يوم الخميس ثاني ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة، ودفن بمسكنه بزاوية المسلك محمد الخوام الشهير بالقادري بالصالحية - رحمه الله تعالى - .
113 - محمد بن ناشي: محمد بن ناشي الشيخ بدر الدين الكتبي الحنفي. كان مصاحباً للسلطان الغوري، ملتحقاً به، ونال بصحبته مرتبات ووظائف، وأثرى وقوي بأسه، وتولى إعادة المدرسة الجانبكية، وسافر مع السلطان الغوري إلى دمشق، ثم إلى حلب، وتوفي بها يوم الخميس في ثامن رجب سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ودفن في تاسعه بها.
114 - محمد الميداني: محمد بن نصر، الشيخ العلامة المقريء المجود، شمس الدين الضرير الدمشقي. الميداني المقريء. وكان من أهل العلم بالقراءات، وله في النحو مؤلفات منها كتاب مطول سماه " ذخر الطلاب، في علم الإعراب " ، وكتاب آخر مختصر سماه " تنقيح اللباب، فيما لا بد منه أن يعتني في فن الإعراب " ، قال والد شيخنا: وقرأته عليه، وكان فقيراً من الدنيا. وكان الشيخ شمس الدين بن طولون يتردد إليه كثيراً، وانتفع به جماعة. توفي يوم الخميس قبل المغرب سابع عشري صفر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة. قال والد شيخنا ودفن بمقبرة الجوزة بمحلة الميدان، وفيها سادات كالشيخ إبراهيم القدسي، وإخوانه قلت وكانت وفاة الشيخ إبراهيم القدسي المقريء كاتب المصاحف المذكور في كلام والد شيخنا في دخول القرن العاشر. " وذلك " في ثاني رمضان سنة أربع وتسعين وثمانمائة، والله سبحانه تعالى هو الموفق.
115 - محمد باجه زاده: محمد بن يعقوب، العالم فاضل المولى محيي الدين الرومي الحنفي الشهير باجه زاده. قرأ على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى الفاضل خطيب زاده، ثم ولي الولايات، وتنقل فيها حتى صار قاضي بروسا، ثم عزل ومات وهو معزول. قال في الشقائق: كان عالماً فاضلاً ذكياً، سليم الطبع، مبارك النفس، مقبلاً على الخير، متواضعاً متخشعاً، صاحب كرم وأخلاق. وكانت وفاته في ثلاث أو أربع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
116 - محمد الطولقي : محمد بن يحيى بن عبد الله قاضي القضاة أبو عبد الله شمس الدين بن أبي زكريا المغربي الطولقي المالكي. سمع على العلامة جمال الدين الطمطامي. قال ابن طولون: قدم علينا دمشق، وأتجر بحانوت بسوق الذراع، ثم ولي قضاء دمشق عوضاً عن قاضي القضاة شمس الدين المريني، وعزل عن القضاء، ثم وليه مراراً، ثم استمر معزولاً مخمولاً إلى أن توفي يوم الأربعاء ثالث عشري شعبان سنة ثمان وعشرين وتسعمائة فجأة. كما قيل، وكان له مدة قد أضر، وصار يستعطي ويتردد إلى الجامع الأموي وكان يكتب عنه على الفتوى بالأجرة لى، وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير.
117 - محمد الباعوني: محمد بن يوسف بن أحمد، الشيخ العلامة بهاء الدين ابن قاضي القضاة جمال الدين الباعوني الشافعي. ولد في سنة سبع أو تسع وخمسين وثمانمائة بصالحية دمشق، وقرأ القرآن العظيم، وحفظ المنهاج، وأخذ عن عمه البرهان الباعوني، والبرهان بن مفلح، والبرهان المقدسي الأنصاري، والبرهان الأذرعي، وولده شهاب الدين، والزين خطأب، والقطب الخيضري وغيرهم. وغلب عليه الأب، وجمع عدة دواوين، وكان قليل الفقه، توفي كما وجدته بخط شيخ الإسلام الوالد في ليلة السبت حادي عشري رمضان المعظم سنة ست عشرة وتسعمائة.
118 - محمد بن يوسف الأندلسي: محمد بن يوسف بن عبد الله قاضي القضاة المالكية القاضي شمس الدين الأندلسي. قدم دمشق. وولي قضاءها مستقلاً في أول القرن. واعتضد في أموره بالشيخ عبد النبي مفتي المالكية بدمشق، وكان قضاء المالكية بدمشق يتردد بينه وبين الطولقي، وسافر آخراً في طلب القضاء من دمشق في مستهل شعبان سنة سبع وتسعمائة، ثم اشتهر في سنة تسع بتقديم التاء المثناة أنه غرق، ثم تحرر أنه نفي إلى قوص، ثم ذهب إلى بلاد التكرور، ومات بها في سنة عشرين وتسعمائة عن ولد بدمشق، وكذا حررت هذه الترجمة من كلام ابن طولون - رحمه الله تعالى - .
من لم أقف على أسماء آبائهممن أهل هذه الطبقة، وهي الأولى، وكذا أفعل في كل طبقة، وفي كل حرف أؤخر من لم أعرف أسماء آبائهم إلى آخر الحرف اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً: 119 - محمد البكري: محمد الشيخ المسند القطب البكري النازل بالحسينية بمصر.قال العلائي: كان يزعم أن عمره ينوف على المائة سنة وأنه أدرك الحافظ زبن الدين العراقي وغالب طبقته. قال: قد أجاز لنا وكان متعبداً صالحاً. ويفهم من كلام العلائي أنه توفي في أول القرن العاشر رحمه الله تعالى.
120 - محمد البسطامي: محمد البسطامي شيخ زاوية سيدي تقي الدين العجمي البسطامي الكائنة بمصر أسفل قلعة الجبل بالمصنع. أجاز الشيخ بدر الدين الشويخ بخرقة التصوف، ولقنه الذكر، وأخذ عنه العهد من طريق أبي يزيد البسطامي، ومن طريق الشيخ يوسف العجمي الكوراني، وذلك بمكة في سابع رمضان سنة خمس وتسعمائة.
121 - محمد المناوي: محمد الشيخ الفاضل العدل، شمس الدين المناوي، نزيل الكاملية بمصر. أخذ عن ابن حجر، والكمال السيوطي، ومما أخبر به ولده الحافظ جلال الدين السيوطي أن مما يستحضره أن والده ذهب به وعمره ثلاث سنين إلى مجلس رجل كبير لا يتيقن من هو إلا أنه يظن أنه مجلس حافظ العصر ابن حجر، ثم إن رجلاً من طلبة والده كان ذهب معه في تلك المرة، وأركب الشيخ جلال الدين إذ ذاك أمامه. قال: فسألته مرات عن ذلك المجلس فقال: هو مجلس ابن حجر. قال الحافظ شمس الدين الداوودي المصري في ترجمة شيخه الجلال السيوطي والرجل المذكور: هو الفاضل العدل شمس الدين المناوي، نزيل الكاملية أضر بآخره. وتوفي في أوآخر سنة ثمان وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
122 - محمد الجلجولي: محمد، الشيخ الإمام، العالم العامل، الخاشع الناسك، ولي الله تعالى العارف به، بل القطب الرباني، والغوث الفرداني سيدي أبو العون الغزي، الجلجولي، الشافعي القادري أصله من غزة، وسكن جلجوليا، ثم انتقل في آخر عمره إلى الرملة ، ثم استمر بها إلى أن مات - رضي الله تعالى عنه - صحب الشيخ العلامة ولي الله تعالى الشيخ شهاب الدين الرملي، الشهير بابن رسلان، واصطحب هو وشيخ الإسلام رضي الدين الغزي جدي كثيراً، وكان نفعه متعدياً، وكان كثير القرى للواردين عليه من الغرباء وغيرهم، وكان تفد إليه الناس بالهدايا وللنذور وللزيارة والتبرك بأنفاسه، وترد عليه المظلومون ويستشفعون به، فيشفع لهم، وكانت شفاعته مقبولة، وكلمته نافذة عند الملوك والأمراء، فمن دونهم لا ترد له شفاعة، وكانت أحواله ظاهرة، وكراماته متوافرة. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - : كان ممن أظهر الله تعالى على يديه الكرامات بكثرة بحيث لو أراد العاد أن يعد في مجلسه كل يوم خمسين كرامة فصاعداً لعد. قال: وكان هذا وداعاً ليتحدث الناس به في ظلمة القرن العاشر وقال في موضع آخر: وهنا الشيخ أظهره الله تعالى في أوآخر القرن التاسع من أول القرن العاشر، وكان ظهوره بكثرة الكشف الزائد الصحيح، وتربية الفقراء، وانتفاع الناس به، وكان متصرفاً في الملوك بمصر والشام، فلا ترد شفاعته، وكان يقبل من الملوك وغيرهم، ويصرفه في وجوه الخير من غير إدخال ولا رغبة، ولما مات انقطع ظهور الولاية بهذه الصفة. انتهى. قلت: وبلغني أن بعض أولياء دمشق أراد أن يستكشف أمر سيدي أبي العون، ويسأله عن بدو أمره، فبعث إليه بعض مريديه، ولم يذكر له فيما بعثه، بل قال له: اذهب زائراً إلى سيدي أبي العون، وقل له: أخوك فلان يسلم عليك، ولم يزد على ذلك، وقال له: انظر أول شيء يضيفك به، فأخبرني عنه إذا رجعت، فذهب المريد إلى الشيخ أبي العون، فأول شيء أقراه به قلقاس مطبوخ، ثم لما انقضت زيارته وأراد الرجوع إلى شيخه، قال له الشيخ أبو العون: إذا سألك شيخك عن أول طعام أكلته عندنا فقل له: قلقاس، فكان ذلك بداع كشف سيدي أبي العون، ولطائف إشاراته.
وحكي أن بعض الفقهاء ارتحل إلى الشيخ أبي العون يقصد الزيارة، فلما دخل على الشيخ أبي العون رأى ي جماعته الغث والسمين، والبر والفاجر، فقال في نفسه: لا ينبغي أن يكون أصحاب الشيخ كلهم إلا أخياراً، ولا يليق بصحبته مثل هؤلاء الأشرار، أو نحو هذا الكلام، فما استتم هذا الخاطر حتى قال له الشيخ أبو العون: يا أخي إن الشيخ عبد القادر الجيلاني - رضي الله تعالى عنه - كان في جماعته البر والفاجر، فأما الأبرار، فكانوا يزدادون به براً، وأما الأشرار، فكان الله يصلحهم بصحبته، فعرف الفقيه أن الشيخ كاشفه بخاطره، فاستغفر الله تعالى، واعتذر من الشيخ، ومن تصرفات الشيخ أبي العون في الوجود ما حكاه الشيخ موسى الكناوي رحمه الله تعالى، وهو أن امرأة من أهل حلب خرجت من الحمام في جماعة من النسوة، فاحتملها رجل من الجند من جماعة نائب حلب، وأراد أن يذهب بها إلى الفاحشة، وعجز الناس عن خلاصها، فجاء رجل يقال له: قاسم بن زنزل بزائين مفتوحتين بينهما نون ساكنة، وكان من أهل الشجاعة والزعارة، فضرب الجندي ليستخلص منه المرأة، فقضى عليه، فمضى قاسم لوجهه هارباً، ثم لما أصبح عاد إلى المدينة، ودخل الحمام، فلما أحس به نائب حلب بعث في طلبه جماعة، فدخلوا عليه الحمام، فقال لقيم الحمام: أعطني سراويلي وخنجري، فخرج عليهم، فتفرقوا عنه، فهرب منهم، ووثب إلى بستان هناك، واستغاث بأبي العون الغزي، وكان قد رأى الشيخ أبا العون قبل ذلك واعتقده، فحماه الله تعالى منهم ببركة الشيخ أبي العون، فاستمر على وجهه على طريق الساحل حتى دخل جلجوليا فدخل على الشيخ أبي العون ودخل تحت ذيله، فدعا له الشيخ وكاشفه بما وقع، وقال له: كيف تقتل مملوك السلطان؟ فاعتذر بما فعله الجندي، فقال له: لك الأمان، ثم كتب الشيخ له كتاباً إلى نائب دمشق قانصوه اليحياوي، وكتاباً إلى نائب حلب، وقال له: اسق الماء واترك الزعارة، قال: نعم، ثم لما كتب له الكتاب إلى نائب حلب قال: يا سيدي أخاف أن لا يقبل ويقتلني، وكان في المجلس إذ ذاك الشيخ نعمة الصفدي فمد يده، وقال له: إن كلمك أقلع عينه بيدي، فأمسك أبو العون على يد الشيخ نعمة قبل أن يتم رفع يديه، وقال له: لو مكنته من رفع يده لقلع عينه، ثم ذهب قاسم إلى دمشق بكتاب الشيخ أبي العون إلى اليحياوي فأكرمه ودفع إليه نحو مائة درهم لكرامة الشيخ، ثم كتب إلى نانب حلب بإكرامه والعفو عنه لأجل الشيخ، فأكرمه نائب حلب وعفا عنه، واستمر قاسم يسقي الماء، ويلازم زي الفقراء حتى صار رجلاً مذكوراً، وستأتي ترجمته في الطبقة الثانية، وحج الشيخ أبو العون في سنة سبع وتسعين وثمانمائة، فدخل القدس الشريف من جلجوليا في يوم السبت سابع عشر شوال، وتوجه من القدس إلى زيارة الخليل عليه السلام قاصداً مكة المشرفة بعد الظهر يوم الاثنين تاسع عشر الشهر المذكور، فقضى مناسكه، وزار النبي صلى الله عليه وسلم، وعاد إلى محل وطنه ذكر ذلك صاحب الأنس الجليل فيه.
وممن أخذ عن الشيخ أبي العون شيخنا الشيخ حسن الصلتي مقرئ دمشق، ومن طريقه تحصل لنا طريقة الصحبة المتصلة بالشيخ أبي العون مع العلو الزائد - رضي الله تعالى عنهما - ولسيدي الشيخ أبي العون - رضي الله تعالى عنه - شعر قوي متين يشتمل على حماسة العارفين، فمنه ما قرأته بخط الشيخ أبي البقا البقاعي خطيب الأموي بدمشق أنه من كلام الشيخ أبي العون رضي الله تعالى عنه:
يا حاضراً في ضمير القلب ما غابا ... لولاك ما لذ لي عيش ولاطابا
آثار فعلك كانت أصل معرفتي ... ويجعل الله للتوفيق أسبابا
ومن كلامه أيضاً رضي الله تعالى عنه:
حياكم الله وأحياكم ... ولا عدمنا قط رؤياكم
ولا حضرنا مجلساً بعدكم ... محسناً إلا ذكرناكم
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
أقول وقد نوديت سيما، وقيل لي ... فإنك في حفظ، وإنك في حرز
أنا قادري الوقت صاحب عصره ... لوائي لواء الفتح والنصر والعز
فهذا زماني ليس فيه مشارك ... أزمة أعلام الطريقة في حوزي
مريدي إذا ما ضقت شرقاً ومغرباً ... فناد بأعلى الصوت غوثك يا غزي
تجدني بأمر الله للوقت ناصراً ... هنيئاً مريدي بالسعادة والفوز
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
تعالوا إلينا لا ملال ولا بعد ... ولا صد عن أبوابنا لا ولا طرد
تعالوا وقد صححتم عقد ودكم ... فمن صح منه العقد صح له الود
إذا جئتم لا تنزلوا غير عندنا ... ومن غيرنا حتى يكون له عند
فما كل دار في الهوى دار زينب ... ولا كل خود بين أترابها هند
ولا كل مورود يرود له الظما ... ولا كل واد في الهوى لكم رند
أنا الفارس الصنديد والأسد الذي ... أبو العون من عزمي تذل له الأسد
فتحت رتوقاً كان صعباًمسدها ... وليس لها من بعد فتقي لها سد
وجردت سيف العزم في موكب الوفا ... بحد ذباب ما له أبداً غمد
وفارقت أغياري، وملت عن السوى ... وعند التساوي الأخذ والبذل والرد
فمن شاء فليرحل، ومن شاء فليقم ... فسيان عندي من يقيم ومن يغدو
فهذا زماني ليس فيه مشارك ... صناجق أعلام الحقيقة ما تبدو
فعش يا مريدي في هذا وسعادق ... لك العز والإقبال والجود والسعد
وكان رضي الله تعالى عنه كثيراًما ينشد هذه الأبيات المروية عن سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه:
إذا كان متا سيد في عشيرة ... رعاها وإن ضاق الخناق حماها
فما ذكرت إلا وأصبح شيخها ... وما افتخرت إلا وكان فتاها
وما ضربت بالأبرقين خيامنا ... فأصبح مأوى العارفين سواها
وكانت وفاة سيدي أبي العون بالرملة في سنة عشر وتسعمائة، وصلي عليه صلاة الغائب بجامع دمشق يوم الجمعة سبع عشر صفر من السنة المذكورة، وقبره - رضي الله تعالى عنه - داخل مدينة الرملة عليه بناء يقصد للزيارة والتبرك. أعاد الله تعالى علينا وعلى المسلمين من بركاته. آمين.
123 - محمد العجمي: محمد العجمي الشهير بالطواقي شيخ الزاوية الخوارزمية، ويراجعهم في أمر المظلومين وينصرهم، فلما ولي نيابة دمشق قانصوه البرج المحمدي كان يظهر الديانة والمحبة لأهل دمشق، وكان يكرم العلماء والصالدين، وكان ممن يكرمه صاحب الترجمة الشيخ محمد، وكان يتردد إليه في أمر المظلومين، ويراجع الدوادار وغيره في أمرهم، فلما توفي النائب المشار إليه في ليلة الخميس سادس عشري صفر سنة عشر وتسعمائة عامل الدوادار على الشيخ محمد جماعة من غوغاء دمشق، فجاؤوا ليلاً إلى الخوارزمية، فطعنوه بالسكاكين، ثم ذبحوه، وأخفوا رأسه وقلبه، وألقوا جثته في بئر الزاوية، ولم يستطع أهله دفعهم، ثم لما طلع النهار جاء الناس إلى الزاوية، فلم يجدوه، ثم رأوه في البئر، فأخرجوه وغسلوه وكفنوه، ودفن في الزاوية المذكورة، ثم كبر الأمر، وكثر الكلام في أمره، فأمر الدوادار حينئذ بالأمان، وأن لا يتكلم أحد فيما لا يعنيه، فغلب على ظن الناس أن قتله كان بإشارة الدوادار المذكور، وفاز الشيخ محمد العجمي بالشهادة، وكان قتله - رحمه الله تعالى - ليلة الأربعاء ثالث ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة.
124 - محمد الأبشيمي: محمد الشيخ الإمام العلامة جلال الدين الأبشيمي المصرفي الشافعي. توفي بالقاهرة يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى سنة عشر وتسعمائة.
125 - محمد النحريري: محمد الشيخ العلامة القاضي، شمس الدين النحريري، المالكي خليفة الحكم بالقاهرة، وكان مباشراً للمقر بن أجا صاحب ديوان الإنشاء بها. توفي يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ودفن بالقرب من الإمام الشافعي - رحمهما الله تعالى - .
126 - محمد المغربي: محمد المغربي، الشيخ الصالح العالم، الزاهد الورع المسلك، المرئي العارف بالله تعالى سيدي شمس الدين، المعروف بالمغربيي، الشاذلي بالقاهرة. قال الشيخ عبد الوهاب: أخذ الطريق عن سيدي أبي العباس المرسي تلميذ سيدي شمس الدين الحنفي، وكان من أولاد الأتراك، وإنما اشتهر بالمغربي لكون أمه تزوجت مغربياً، وكان الغالب عليه الاستغراق، وكان بخيلاً في الكلام بالطريق، عزيز النطق بما يتعلق بها، وذلك من أعظم الأدلة على صدقه وعلو شأنه. وقال في الطبقات الوسطى: اجتمعت به مرة واحدة ذكروا أنه أقام في القطبية ثلاث سنين، وكان كريم النفس، يعطي السائل الألف كأنه لم يعطه شيئاً، وكان ينفق النفقة الواسعة من الغيب، و كثيراً ما كان يأتيه المدين، فيقول: يا سيدي ساعدني في وفاء ديني، فيقول له: ارفع طرف الحصير، وخذ ما تحته، فربما رأى تحته أكثر من ديونه، فيقول له: اوف دينك وتوسع بالباقي، وكان مع كثرة إعطاءاته يفت الرغيف اليابس في الماء ويأكله وينشد:
اقنع بلقمة وشربة ماء ولبس الخيش ... وقل لقلبك ملوك الأرض راحوا بيش
ودخل عليه السلطان قايتباي يزوره، ورسم له بألف دينار، فردها وأنشد البيت، فبكى السلطان قايتباي حتى بل منديله، وقال له: فرقها على المحبين، فقال له: من تعب في تحصيلها فهو أولى بتفرقتها، ثم قال: من كانت الحقيقة تتصرف فيه فلا اختيار له مع الله تعالى، ولم يقبل الألف دينار، وكان يقول: من أكثر على الله الرد، فهو من أهل الطرد، وكان علماء مصر قاطبة يذعنون له في العلوم العقلية والوهبية ويستفيدون منه العلوم التي لم تطرق سمعهم قط، وذكر الحمصي: أنه كان مقيماً بقنطرة سنقر بالقاهرة، وكان له كشف وكرامات ظاهرة.قلت: وهو ممن صحبهم شيخ الإسلام الجد من أولياء الله تعالى في طريق الله تعالى كما ذكره في قائمة كتبها بخطه، وكانت وفاته يوم الاثنين سادس جمادىالآخرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة بمنزله بقنطرة سنقر. قال الشيخ عبد الوهاب في الطبقات الوسطى: ودفن قريباً من باب القرافة وقبره ظاهر يزار - رحمه الله تعالى - .
127 - محمد الصيداوي: محمد الشيخ الفاضل العالم المفنن شمس الدين الصيدواي. كان عالماً بعلم النغمة، وله فيه مصنفات، وكان له فيه ملكة تامة، وانتفع به خلق كثير. توفي بدمشق سادس عشري القعدة سنة إحدى عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
128 - محمد الدلجي: محمد الشيخ الصالح الزاهد، العارف بالله تعالى سيدي محمد الدلجي المصري. كان مقيماً بتربة خارج باب القرافة يقصد للتبرك والزيارة، وزاره سيدي محمد بن عنان، وقبل رجله، وكان يلبس القلنسوة من غير عمامة، ويجلس على تخت من جريد، وكان مع ذلك مهيباً وقوراً. مات في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ودفن بالقرافة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
129 - محمد المحرقي: محمد الشيخ الإمام العالم أبو الفضل محب الدين بن المحرقي خطيب الجامع الأزهر بمصر، وهو أحد الخطباء الذين أمرهم السلطان قانصوه الغوري أن يخطبوا بين يديه كل واحد في جمعة، وسبب ذلك أن بعض القضاة أراد أن يشارك قاضي قضاة الشافعية في خطبة القلعة بمصر، وكانت الخطبة إذ ذاك تختص بقضاة الشافعية، وكان قضاة الشافعية يومئذ البرهان القلقشندي، وكان يستنيب في الخطابة الشيخ شهاب الدين الحمصي، وكان السلطان تعجبه خطبته على خطبة قاضي القضاة المستنيب له، فاتفق أن الشيخ شهاب الدين الحمصي مرض وانقطع عن الخطبة، فخطب قاضي القضاة المذكور أول جمعة في رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة والخطبة الثانية، فارسل السلطان إليه أن لا يخطب إلا الشيخ شهاب الدين الحمصي، فقيل له: إنه مريض، فقال السلطان: يخطب القاضي الحنفي جمعة، والمالكي جمعة، والحنبلي جمعة، وخطباء البلد كل جمعة إلى أن يبرأ الحمصي، وكان ذلك موافقا لما أراده بعض القضاة المتقدم ذكره، فبرأ الحمصي قبل يوم الجمعة، فحضر الخطيب وخطب، وحضر قاضي القضاة السري بن الشحنة للخطبة، فسبق وقفل عليه باب القلعة، فدخل على السلطان واستأذن في الخطابة في الجمعة الآتية، فأذن، فلما كان يوم الجمعة وهي رابع جمعة في رجب المذكور، فكانت حادي عشرية، طلع القلعة قاضي القضاة الحنفية المشار إليه، وتعمم بعمامة سوداء، وألقى على رأسه وكتفيه طرحة سوداء، فعلق طرفها بالحصير، فسقطت عمامته عن رأسه فلبسها، ثم صعد المنبر وخطب، وانتقدت عليه تكلفات حصلت في خطبته، ثم خطب في الجمعة الثانية منها قاضي القضاة المالكية برهان الدين الدميري بعد أن استعفى، فلم يقبل منه فارتج وسقط عن المنبر، ثم قام بعضده رجل حتى رقي المنبر، فلما شرع في الخطبة ارتج عليه القول وقام وقعد مراراً، ثم خطب في الجمعة الثالثة قاضي القضاة الحنابلة شهاب الدين الشيشني، وأجاد في الخطبة الأولى، لكن أطال في الثانية، وساق فيها المواعظ ونزل، فصلى فسها عن الفاتحة، وشرع في السورة، فنبهه رجل من الحاضرين على قراءة الفاتحة، فعاد لقراءتها، ثم خطب في الجمعة الرابعة الشيخ العلامة كمال الدين الطويل الشافعي، ثم العلامة شمس الدين الغزي خطيب الغورية في الخامسة، ثم القاضي شرف الدين البرديني الشافعي في السادسة، ونسي الجلوس بين الخطبتين، ثم الشيخ العلامة محب الدين المحرقي خطيب الأزهر وهو صاحب الترجمة، والشيخ يحيى الرشيدي خطيب الأرتكية، ثم القاضي فخر الدين الطويل نقيب الشافعي، ثم قاضي القضاة البرهان القلقشندي صاحب الوظيفة. قال الحمصي في تاريخه: وشرط عليه أن لا يعود، ثم استقر الحمصي المذكور يخطب نيابة عنه، ووقع رعب السلطان الغوري في قلوب بعض هؤلاء الخطباء بسبب الخطبة بين يدي السلطان، حتى كان سبباً لموت القاضي برهان الدين الدميري المالكي، وصاحب الترجمة فيما ذكره الحمصي. واستمر صاحب الخطبة ضعيفاً حتى مات يوم الأربعاء سنة ثلاث عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
130 - محمد الناسخ: محمد الشيخ الإمام العلامة كمال الدين بن الناسخ الإطرابلسي الشامي المالكي قاضي المالكية بطرابلس الشام. أخذ عن الحافظ البرهان الحلبي وعن غيره، ودخل حلب فأكرمه أهلها لأنه كان معمرًا، وله سند عال، فسمع عليه الموفق بن أبي ذر وغيره صحيح البخاري بقراءة القاضي شمس الدين العرضي وغيره، واشتغل عليه الموفق أيضاً في شرح الألفية لابن عقيل، وكان يذكر أنه يحفظ من كتاب سيبويه ألف شاهد، وكان يعرف مذهب مالك، ومذهب الشافعي كما ينبغي، ومن مؤلفاته: " الجواهر الثمينات في الفرائض " ، و " قسمة التركات " ، وكتاب " الدرر في توضيح المختصر " مختصر الشيخ خليل، وكتاب " كافي المطالب " لمختصر ابن الحاجب، وكتاب " الحر الثمين بين الغث والسمين " في إعراب القرآن، واختصر شرح الرسالة لابن ناجي، وكانت وفاته بطرابلس سنة أربع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
131 - محمد الديري: محمد الشيخ الإمام العلامة بدر الدين الديري، القاهري الحنفي شيخ مدرسة المؤيدية، ومفتي الحنفية بمصر. كانت وفاته يوم الأربعاء ثاني جمادى الأولى سنة أربع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
132 - محمد الأسدي: محمد الشيخ العالم الفاضل بهاء الدين الأسدي الدمشقي الشافعي الشهير بابن الجاموس، مات بدمشق يوم الأحد تاسع عشر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
132 - محمد بن السابق: محمد الشيخ المبارك الصالح شمس الدين بن السابق الدمشقي كان مؤذناً بالجامع الأموي. توفي يوم الخميس سادس رجب سنة ست عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
134 - محمد الحلواني: محمد الشيخ شمس الدين الحلواني الدمشقي. كان خطيب جامع الحشر بالحدرة تحت قلعة دمشق، وأحد العدول بمركز الخضريين بها. كانت وفاته يوم الاثنين سابع عشري شوال سنة ست عشر وتسعمائة.
135 - محمد الحمصي: محمد القاضي شمس الدين الحمصي ناظر الخواص بمصر.كان من الرؤساء الأعيان، وله كلمة نافذة عند الحكمام ووجاهة عند أرباب الشوكة، وناب في القضاء، وكانت وفاته بمصر يوم الجمعة سلخ الحقدة سنة ست عشرة وتسعمائة.
136 - محمد بن الهمام: محمد الشيخ الإمام المحقق كمال الدين بن الهمام الحنفي.أخذ عنه عبد البر بن الشحنة وغيره، وأخذ هو عن العلامة السراج عمه قاريء الهداية قرأت بخط الشهاب بن شعبان العمري القاهري أنه توفي في سنة سبع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
137 - محمد القرصوني: محمد الشيخ الإمام الفاضل البارع المفنن العلامة الرئيس شمس الدين القرصوني رئيس الأطباء بالقاهرة، وطبيب السلطان الغوري. توفي بالقاهرة في ربيع الأول سنة سبع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
138 - محمد القرماني: محمد العالم المولى محيي الدين القرمافي، الرومي، الحنفي. اشتغل في العلوم وبرع وأعطى تدريساً ببعض المدارس، ثم صار مدرساً بأحد المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم تقاعد و أعطي كل يوم خمسين عثمانياً، ولزم بيته بقسطنطينية حتى مات في أوائل سلطنة سليم بن بايزيد - رحمه الله تعالى - .
139 - محمد المحلاوي: محمد الشيخ شمس الدين المحلاوي رئيس المؤذنين، ومؤدب السلطان الغوري. توفي القاهرة في ربيع الأول سنة سبع عشرة وتسعمائة أيضاً - رحمه الله تعالى - .
140 - محمد الغزي: محمد الشيخ الإمام العالم العلامة المفنن شمس الدين الغزي الشافعي. نزيل القاهرة كان مهيباً لا يكاد أحد ينظر إليه إلا ارتعد من هيبته، وكان حسن الصوت جداً لا يمل من قراءته من صلى خلفه، وإن أطال القراءة، وكان يفتي ويدرس سائر نهاره على طهارة كاملة، ولم يضبط عليه غيبة قط لأحد من أقرانه ولا من غيرهم، وكان يقبح الغيبة وينكرها جداً، ولما بنى السلطان الغوري مدرسته بمصر جعله إمامها وخطيبها من غير سؤال منه، وقدمه على سائر علماء البلد، وكانت وفاته بالقاهرة يوم الجمعة خامس عشر المحرم الحرام سنة ثمان عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - واسعة.
141 - محمد البكري: محمد الشيخ الصالح العالم العامل الورع الزاهد الشيخ صدر الدين البكري. أخذ عن سيدي إبراهيم المتولي، وسيدي أبي العباس الغمري، وكان أجل أصحابهما، وكان كثير الصمت لا يتكلم إلا جواباً، ولا يكاد يرفع بصره إلى السماء في ليل ولا نهار تخشعاً، ولما حج وزار النبي صلى الله عليه وسلم. سمع النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليه السلام، وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة ثمان عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى ورضي عنه.
142 - محمد الخضري: محمد العبد الصالح الخضري المؤذن بالجامع الأموي بدمشق. كان الناس يحبونه ويعتقدونه، وكان جهوري الصوت يبلغ بمحراب الحنفية المخصوص الآن بالشافعية بين باب العنبرانية وباب الخطابة، مات يوم الأربعاء ثامن عشر المحرم سنة عشر وتسعمائة، وتأسف الناس عليه - رحمه الله تعالى - .
143 - محمد العريان: محمد العريان المجذوب المعتقد. بجلب. كان في بداية أمره مسرفاً على نفسه، فشرب ذات يوم خمراً وجرح إنساناً، فلما سال دمه هاله أمره، وندم على ما فرط منه، واجترأ عليه، واضطرب عقله، وصار يختلط بمؤذني جامع الزكي بحلب، ويعمل أعمالهم، ثم تجرد عن الملبس، وأوى إلى قبة من اللبن بين الكروم مجاورة لقبة الولي المعروف بالشيخ فولاد، وهو عريان، لا يستر سوى سوءتيه ، وكان بين يديه كلاب كثيرة، وكانت تمنع مريديه زيارته إلا باشارة منه. وإذا أهدي إليه شيء بادر فأطعمها منه، وربما منع الناس من الوصول إليه بالحجارة. وكان لا يزال نظيفاً، وكان خير بك كافل حلب يعتقده، لكونه قدم يوماً، والناس محتاجون للمطر قدوماً خرق فيه عادته من الإقامة بمكانه المذكور، وقال له: ما لك لا تبادر بالاستمطار؟ فسأله الدعاء وبادر بالاستمطار، فخرجوا فأمطروا.
وكانت وفاته سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن بقبته المذكورة - رحمه الله تعالى واسعة - .
144 - محمد بن الشنتير: محمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين المقدسي إمام المسجد الأقصى، المعروف بابن الشنتير أقام آخراً بدمشق، وكان إماماً لكافلها سيبائي، وتوفي بها في سابع رجب سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن بها - رحمه الله تعالى - .
145 - محمد السيوفي: محمد الشيخ الصالح المبارك شمس الدين السيوفي، وكان مؤذناً بالجامع الأموي بدمشق، ومات بها يوم الجمعة ختام رجب سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس - رحمه الله تعالى - .
146 - محمد بن السقطي: محمد الشيخ شمس الدين بن السقطي. كان من أعيان لشهود بدمشق، وتوفي بها حادي عشر شعبان يوم الجمعة سنة تسع عشرة وتسعمائة - رحمه لله تعالى - .
147 - محمد الزفتاوي: محمد الشيخ الصالح ناصر الدين الزفتاوي، المعروف بأبي العمائم لأنه كان يتعمم بنحو ثلاث أبراد صوف. وأكثر. أقام بالنحرارية وبني بها زاوية وبستاناً، وكان أحمدي الخرقة، وقصده الناس بالزيارة من سائر الآفاق، وكان لسانه لهجاً بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن العظيم. مات سنة تسع عشرة وتسعمائة بالنحرارية، ودفن بها وقبره بها ظاهر يزار - رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
148 - محمد الصيروفي: محمد الشيخ الصالح ناصر الدين الصيروفي قال الحمصي في تاريخه: كان في خدمة الأمير أزدم دوادار السلطان بالقاهرة، وفارقه وتاب إلى الله تعالى، وبنى زاوية بالقاهرة بالقرب من ضريح السيدة نفيسة رضي الله تعالى عنها، وبنى زاوية آخرى بدمشق بالقرب من مدرسة قبليه بضم القاف، وإسكان الباء الموحدة، والياء المثئاة تحت وبينهما لام مفتوحة، وآخره هاء بمحلة مسجد القصب. وتوفي بدمشق يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخرة سنة عشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - آمين.
149 - محمد منلا دران: محمد المعروف بمنلا دران، ومنلا سيدي بفتح المهملة وإسكان التحتية التركماني الحنفي. أحد تلامذة الجلال الدواني. قطن حلب، فقرأ عليه بها جماعة من فضلائها، وتوفي بها في سنة عشرين وتسعمائة، ونقل ابن الحنبلي عن تلميذ صاحب الترجمة ابن بلال. قال: رأيته في المنام، فسألته ما فعل الله بك. فقال: عاتبني عتاباً كثيراً، ثم غفر لي بما في صدري من العلم - رحمه الله تعالى - .
150 - محمد العجاوي: محمد، الشيخ العالم. شمس الدين العجماوي المصري إمام سيبائي كافل المملكة الشامية. توفي بدمشق يوم الاثنين سادس عشري محرم سنة إحدى وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
151 - محمد الضيروطي: محمد، الشيخ الإمام، العالم، الفقيه الواعظ شمس الدين الضيروطي الشافعي، قالت والدته: لما حملت به رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاني كتاباً، فأولته بولدي هذا، وكان محققاً بارعاً زاهداً عابداً، كثير البكاء من خشية الله تعالى، وكان يرابط في برج له بناه بثغر دمياط ليلاً ونهاراً، وكان يعظ الناس في الجامع الأزهر بمصر، وكان على مجلسه أبهة وسكينة يحضره الأمراء فمن دونهم، فيكثر عويلهم وبكاؤهم، وحصل له القبول التام عند الخاص والعام، وكان لا يكاد يمشي وحده بل الناس يتبعونه، ومن لم يصل إليه رمى بردائه على الشيخ حتى يمس ثياب الشيخ به، ثم يرده إليه ويمسح به وجهه، وكان قوالاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وشدد النكير يوماً على السلطان الغوري في ترك الجهاد على الكرسي، فبلغ السلطان ذلك، فبعث إليه، وقال له: ما حملك على أن تذكرني بالنقائص بين العوام؟ فقال: نصرة الدين، فقال: ما عندنا مراكب معدة للجهاد، فقال: عمر لك مراكب أو استأجر، وأغلظ على السلطان، فاصفز لون السلطان، وأمر له بعشرة آلاف دينار، فردها وقال: أنا رجل تاجر لا أحتاج إلى مالك، فقال: عقر بها في البرج، فقال: أنا لا أحتاج إلى أحد يساعدني فيه، ولكن إن كنت محتاجاً إلى شيء تصرفه على الجهاد أقرضك وأصبر عليك، ثم طال بينهما الكلام، فقال الشيخ للسلطان: أما تؤدي شكر ما أنعم الله تعالى به عليك. قال: فبماذا؟ قال: كنت كافراً فمن الله عليك الإسلام، وكنت رقيقاً، فمن الله عليك بالعتق، ثم جعلك أميراً، ثم سلطاناً، ثم عن قريب يميتك ويجعلون أنفك في التراب، ثم يحاسبك على النقير والقطمير، وينادى عليك يوم القيامة من له حق على الغوري، فيا طول تعبك هناك، بكى السلطان، وكان الشيخ يتاجر في الأشربة والأدوية والخيار شنبر، وكان لا يأكل من الصدقات، ويقول: إنها تسود قلب الفقير، وكان يتواضع لأشياخه، ولو في مسألة من العلم، وكان إذا تكلم في علم من العلوم ينصت العلماء له، ويعترفون بفضله، وكان يتطور ويختفي عن العيون، وربما كان يتكلم مع جماعة، فيختفي عنهم، وربما كانوا وحدهم فوجدوه بينهم. وأشار مرة إلى سفينة فيها لصوص فتسمرت، ثم أشار إليها، فانطلقت وتاب اللصوص على يديه. وأخبر زوجته أن ابنها حمزة يقتل شهيداً، بمدفع يطير رأسه، وكان الأمر كذلك.
وله من المؤلفات " شرح المنهاج " للنووي، و " شرح الستين مسألة لسيدي أحمد الزاهد " وكتاب " القاموس في الفقه " وقطعة من شرح الإرشاد مرض - رحمه الله تعالى - فأخبر والدته أنه يموت في هذه المرضة، فقالت له: يا ولدي من أين لك علم ذلك؟ فقال: أخبرني بذلك الخضر عليه السلام، فمات رضي الله تعالى عنه في ربيع الأول كما قال الشعراوي، وقال الحمصي: في ربيع الآخرة سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ودفن في زاويته في دمياط. قال الشعراوي: وأخبرني ولده السري أن والدته أخبرته أنها رأت الشيخ بعد موته في المنام، فقالت له: كيف حالك في منكر ونكير؟ فقال: كلمونا في كلام مليح، وأجبناهم بلسان فصيح - رضي الله تعالى عنه - .
152 - محمد البانياسي: محمد الشيخ الدين بن البانياسي الصالحي الدمشقي بسفح زاوية الشيخ أبي بكر بن داود. نزل عليه اللصوص ليلة الثلاثاء ثاني عشري شوال سنة إحدى وعشرين وتسعمائة بالزاوية المذكورة بعد فراغ وقتها فقتلوه، ثم دفن بكرة الأربعاء شمالي الزاوية المذكورة بالسفح القاسيوني - رحمه الله تعالى - .
153 - محمد الإمام: محمد الشيخ العالم محب الدين إمام المسجد الأقصى. توفي بالقدس سنة إحدى وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
154 - محمد القدسي: محمد الشيخ الصالح سيف الدين القدسي. توفي بها في سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه بجامع دمشق، وعلى المحب إمام الأقصى المذكور آنفاً، وعلى الشيخ الأشعري الرملي في يوم واحد وهو يوم الجمعة تاسع عشري القعدة من سنة المذكورة - رحمهم الله تعالى - .
155 - محمد السمنودي: محمد الشيخ الإمام المحدث شمس الدين السمنودي الشافعي خطيب الجامع الأزهر. كان ورعاً زاهداً لم يأكل من معاليم وظائفه الدينية شيئاً. إنما كان ينفقه على العيال، وكان يقول: جهدت إني آكل من معلوم، فلم يتيسر لي إنما آكل من حيث لا أحتسب، وكان يفتي بمصر مدة طويلة، ثم انتقل إلى المحلة الكبرى، فأقام بجامع السر يفتي ويدرس به إلى أن مات، وكان لا يفتي في الطلاق أصلاً، ويقول: إنهم يسألونني في مسائل الطلاق خلاف الواقع، فيعملون بسبب فتياي بالباطل. توفي - رحمه الله تعالى سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الشيخ الطريتي.
156 - محمد الحجازي: محمد الشيخ الإمام العالم العلامة محب الدين الحجازي، ثم المقري الحنفي. كان إمام المقام الشريف وقاريء بخاري القلعة بمصر، وشيخ تربة السلطان خشقدم بها، وكان - رحمه الله تعالى - مغرماً بسكنى الروضة، وصيد الأسماك في الشخاتير بالقصب في السواحل، توفي بها في المحرم سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
157 - محمد التركماني: محمد الشيخ محب الدين التركماني الأصل من جبال طرابلس الحلبي الحنفي إمام السلطان الغوري، وشيخ قبة بعد العصر، ورد القاهرة غريباً فقيراً، فانضم إلى الشيخ برهان الدين الطرابلسي شيخ القجماسية، وكان يختلف إلى الحافظ فخر الدين عثمان الديمي، ثم لا زال يترقى حتى ولي مشيخة أشرفية برسباي وغير ذلك، وكان حسن الصورة معتدلها عارفاً باللغة التركية. توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة بمصر - رحمه الله تعالى - .
158 - محمد المجذوب: محمد الشيخ الصالح، صاحب المكاشفات، سيدي بهاء الدين المجذوب، بمصر أحد من صحبهم شيخ الإسلام الجد في طريقته، من أولياء الله تعالى، كان قد طلب العلم في أول أمره، وصار خطيباً في جامع ميدان القمح بمصر، وكان يشهد، فحضر يوم الجمعة في عقد نكاح، فسمع قائلاً يقول: ها النار جاء الشهود، فصاح وخرج هائماً على وجهه ثلاثة أيام في الجبل المقطم وغيره، لا يكل ولا يشرب ولا ينام، ثم غلب عليه الحال، وكان كتابه البهجة، فكان يلهج بها في جذبه عائماً، وكان كشفه لا يخطئ، ما ضبط عنه أنه أخبر بشيء فأخطأ فيه، وكان إذا قال لأمير عزلناك عزل من يومه أو جمعته، أو قال وليناك كذا تولاه عن قريب، وحكى الشعراوي إنه كان معه مرة في وليمة، فأخذ قلة ماء وضرب بها نحو السقف، فقال فقيه كان حاضراً: كسر القلة، فقال الشيخ: تكذب، فنزلت على الأرض سالمة صحيحة، ثم اجتمع به الفقيه بعد بضع عشرة سنة، فقال: أهلاً بشاهد الزور، الذي شهد بغير علم أن القلة انكسرت، توفي - رضي الله تعالى عنه - سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
159 - محمد السطوحي: محمد المنير المشرقي، ثم الحلبي الأحمدي السطوحي، الشيخ الصالح، كان منيراً بحانوت داخل باب النصر بحلب، وكان من أرباب الأحوال مع أنه كان أمياً، هاجر إلى بيت المقدس سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن هناك في السنة التي بعدها - رحمه الله تعالى - .
160 - محمد العريان بمصر: محمد الشيخ الصالح المجذوب العريان بمصر، المعروف بالرويجل، كان له أحوال خارقة ومكاشفات صادقة، وكان ينام في كانون الطباخ، وهو جمر، فلا يحرقه، حكى الشعراوي عن شيخه شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي قال: أصل ما حصل لي من الخير والفتوى بمصر من دعوى سيدي محمد الرويجل، فإنه دخل علي في بيتي وقت القائلة، إلى أن وقف على رأسي وقال: إنه يفتح عليك، ثم خرج، ولما دخل عسكر السلطان سليم بن عثمان مصر، صار يقول إيش عمل الرويجل حتى تقطعوا رقبته، ومر على شباك سيدي محمد بن عراق، فوقف وجعل يقول يا سيدي إيش عمل الرويجل حتى يقطعوا رأسه، ثم خرج من جامع باب البحر فقطع رأسه العسكر في طريق بولاق، وكان ذلك في المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، دفن في مقبرة الجزيرة - رضي الله تعالى عنه - .
161 - محمد العسقلاني: محمد الشيخ شمس الدين العسقلاني، نزيل حلب، كان صالحاً معتقداً اعتاد إماطة الأذى عن الطرقات، وكان يعظ الناس ببعض المساجد بحلب، قيل لما مرض، عاده بعض أهل الخير، فطلب منه عجوة فجاءه بها، فأخذ منها شيئاً وقال: هي التي بقيت من الرزق ودفع إليه الباقي، وأخبره أن امرأته حامل، فما خرج من عنده إلا وامرأته بالباب فدفعه إليها، ثم لم يمض مدة قليلة إلا وقد توفي إلى رحمة الله تعالى - سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن في المقبرة التي دفن بها الشيخ محمد النجمي الخراساني، خارج باب الفرج - رحمه الله تعالى - .
162 - محمد الباعوني: محمد الشيخ العلامة، أقضى القضاة كمالى الدين الخطيب سبط شيخ الإسلام البرهان الباعوني، توفي بقرية صيدا من أعمال دمشق، ودفن بها في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة.
163 - محمد رئيس الكتاب بمصر: محمد الشيخ الصالح الدين، أستاذ الكتاب ورأسهم ورئيسهم ومرجعهم أبو الفضل الأعرج القاهري الشافعي، أحد أعيان الكتاب والكتبة من بالقاهرة، وكان قد جمع من المصاحف المعتمدة، رسماً وكتابةً وتحريراً، ومن تحف الأدبيات والنفائس، ومن آلات الكتابة شيئاً كثيراً، غالبها من كسبه في الكتب وكتابة يده، وتوفي فجأة ليلة الاثنين ثامن عشري الحجة سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
164 - محمد باشا الوزير: محمد باشا المولى الفاضل، ثم الوزير حفيد المولى بن المعروف معلم السلطان أبي يزيد خان، اشتغل في العلم وبرع فيه، وصار مدرساً في قلندر خانه بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنه، ثم صار موقعاً بالديوان في أيام السلطان سليم خان، ثم استوزره، وكان له عقل وافر وتدبير حسن ومعرفة باداب، ولهذا تقرب عند السلطان سليم، ومات وهو شاب في سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
165 - محمد الحليبي: محمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الحليبي الشافعي، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، توفي بإصطنبول سنة أربع عشرين وتسعمائة.
166 - محمد البدخشي: محمد البدخشي - ويقال: البلخشي، باللام - الشيخ الصالح العارف بالله تعالى، الصوفي الحنفي صحب الشيخ المشهور بابن المولى الأنزاري، وكان على طريقة شيخه من ترك الدنيا والتجرد من علائقها، ثم توطن مدينة دمشق، وكان له في الشيخ محيي الدين بن العربي اعتقاد، ولما فتح دمشق السلطان سليم بن عثمان - رحمه الله تعالى - ذهب إلى بيت الشيخ المذكور مرتين، كنا في الشقائق، وسمعت صاحبنا الشيخ الصالح إبراهيم بن أبي بكر السيوري - رحمه الله تعالى - يحكي عن أبيه الشيخ الصالح أبي بكر أن هذا الشيخ كان مقيماً برواق الجامع الأموي الشمالي، وكان يجلس عند شباك الكلاسة الذي يلي الزاوية الغزالية، وأن السلطان سليم زاره بهذا الموضع مرتين، وفي المرة الأولى لم يجر بينهما كلام، وفي المرة الثانية سكت السلطان سليم خان أيضاً وتكلم الشيخ محمد فقال: كلانا عبد الله، وإنما الفرق بيني ويينك أن ظهرك ثقيل من أعباء الناس، وظهري خفيف عنها، فاجتهد أن لا تضيع أمتعتهم، قال في الشقائق: وسأل السلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - عن اختياره الصمت فقال: فتح الكلام ينبغي أن يكون من أعالي ولا علو لي، قلت: وهذه منقبة عظيمة للسلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - أفصحت على حسن خلق وأدب ومعرفة واتضاح فرحمه الله تعالى، وذكر ابن طولون في تاريخه، أن زيارة السلطان للبلخشي كانت ليلة الاثنين سابع عشرة رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وأنه دخل الجامع الأموي فصلى بالمقصورة، وقرأ في المصحف العثماني، وزار قبر رأس سيدي يحيى عليه السلام، ثم قبر هود عليه السلام، ثم صعد المنارة الشرقية، ثم جاء إلى الكلاسة فزار بها الشيخ محمد البلخشي، ثم مشى إلى داخل الجامع وجلس معه ساعة، وعرض عليه دراهم فأبى أخذها، ووصاه بالرعية، وحكي عن خواجه محمد قاسم، وكان من نسل خواجه عبيد الله السمرقندي العارف العالم، أنه قال: ذهبت إلى خدمة المولى إسماعيل الشرواني من أصحاب خواجه عبيد الله، فرغبني في مطالعة الكتب فاعتذرت إليه بعدم مساعدة الوقت، وذهبت إلى خدمة الشيخ محمد البدخشي، فقال لي: كأنك كنت عند المولى إسماعيل؟ قلت: نعم، قال: يرغبك في مطالعة الكتب، قلت: نعم، قال: لا تلتفت إلى قوله إني قرأت على عمي من القرآن إلى سورة العاديات، والآن ليس احتياجي في العلم إلى ما ذكره المولى إسماعيل، وما عرفت حاله، تارة أراه في أعلى عليين، وتارة في أسفل سافلين، قال خواجه محمد قاسم: ثم ذهبت إلى خدمة المولى إسماعيل فقال: لعلك كنت عند الشيخ محمد البدخشي، قال: قلت: نعم، قال: هل منعك عن المطالعة؟ قلت: نعم، قال: إن لك في المطالعة نفعاً عظيماً، إن جدك الأعلى خواجه عبيد الله، كان يطالع في أواخر عمره تفسير البيضاوي، ثم قال المولى إسماعيل: إن لي مع الشيخ محمد البدخشي حالاً عجيبة، إني إذا قصدت أن أصاحبه أريه نفسي في أعلى عليين، وإذا قصدت ترك صحبته أريه نفسي في أسفل سافلين قلت: رحم الله تعالى المولى إسماعيل الشرواني، والشيخ محمد البدخشي، لقد نصح كل منهما خواجه محمد قاسم المذكور، فأرشده كل منهما إلى طريقه الذي فتح عليه فيه، فأما المولى إسماعيل فأرشده إلى طريق المطالعة، والدأب، وأما البدخشي فأرشده إلى الاشتغال بالله تعالى، والانقطاع إليه عن كل سبب، وقد أفصحت هذه القصة على كشف كلي لهما، وعما كان عليه المنلا إسماعيل من قوة التصرف، وستأتي ترجمته في الطبقة الثانية - إن شاء الله تعالى - وأما الشيخ محمد البدخشي فكانت وفاته بدمشق في أواخر سنة اثنتين وعشرين، أو في أوائل سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بالسفح عند رجلي الشيخ محيي الدين بن عربي - رحمهما الله تعالى - .
167 - محمد الحليبي: محمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الحليبي الشافعي، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، وذكر الشيخ رضي الدين الجد في قائمة من صحبهم، في طريق الله تعالى من الصالدين، توفي باصطنبول سنة أربع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله مالى - .
168 - محمد العربيلي: محمد العبد الصالح العربيلي الأعمى، كان من حملة القرآن العظيم، حفظه بتربة المرحوم عمر بن منجك، في محلة باب النصر بدمشق، وكان من جماعة سيدي حسن الدونائي، وكان يركب الفرس، ويدور بها في دمشق، ونواحيها، كالبصير من غير قائد، توفي ليلة الجمعة مستهل القعدة سنة أربع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
169 - محمد المغربي: محمد الشيخ الإمام العلامة السيد الشريف، شمس الدين مغربي الحريري المالكي، مفتي المالكية بدمشق توفي بها يوم الثلاثاء، سابع عشر المحرم، سنة خمس وعشرين وتسعمائة، ودفن عند رجلي شيخه، الشيخ عبد النبي المالكي، بباب الصغير جوار عبد الجبار - رحمهما الله تعالى - .
170 - محمد الخراساني: محمد الخراساني النجمي، نزيل حلب، قيل: إنه كان يمني الأصل، وكان عالماً عاملاً، مطروح التكلف، لطيفاً في مواعظه، مليناً للقلوب القاسية، وسنده في لباس الخرقة، يتصل بنجم الدين البكري، وذكر ابن الحنبلي، أن الشيخ جلال الدين النصيبي، والشيخ جبريل الكردي، أنكرا على صاحب الترجمة حين قدم حلب، ما كان عليه من سماع الموصول، والشبابة، فقيل للأول: لا بأس بالاجتماع به، وإلا فلا وجه للإنكار عليه، فلما توجه إليه قال في نفسه: إن كان الشيخ ولياً، فإنه يطعمنا اليوم خبزاً، ولبناً، وعسلاً، وإنه يسألني عن مسألتين، فوافق ما في نفسه، وأما الثاني، فإنه طرق عليه الباب ذات يوم، ودخل عليه، فاعتنقه الشيخ فقال للشيخ: اجعلني في حل مما كان يصدر مني، من الغيبة لك، قد وجدت نفسي وأنا نائم أني في مفازة وإذا بك قلت لي: افتح فاك، وألقيت فيه شيئاً، فلم أقدر على ابتلاعه، ولا على إلقائه، فذكرتني أني اغتبتك، فلما تبت صار الذي وضعته في حلقي كأنه سكر، فابتلعته، وأخذتني، وأخرجتني من التيه، فلما أتم القصة جعله الشيخ في حل، وكان من كلامه من لم ينخلع لم ينقلع، وحكى ابن الحنبلي أيضاً، عن شيخ الشيوخ، الموفق بن أبي ذر أنه كان ذات يوم بين النائم واليقظان، فإذا طائر واقف على مكان داره، واضطرب ساعة قال: فاستيقظت مذعوراً، فأخذت الغطاء على رأسي، وإذا هاتف يقول: هذا روح الشيخ الخراساني فما مضى إلا قليل من الأيام، حتى توفي الشيخ الخراساني في في الحجة سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وكان يوم دفنه مشهوداً، وعمرت عليه عمارة خارج باب الفرج من مدينة حلب، أنشأها الأمير يونس العادلي.
171 - محمد النجمي: محمد الشيخ الإمام العلامة، شمس الدين النجمي، أحد علماء مكة المشرفة، كان ممن جمع بين العلم والعمل، ولم يخفف بمكة بعده مثله، وكانت وفاته بها سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي، بعد صلاة الجمعة، ثاني عشري المحرم سنة ست وعشرين وتسعمائة.
172 - محمد بن الخراط: محمد الشيخ الصالح العالم العلامة، شمس الدين المؤدب المقري الشافعي الحموي، المعروف بابن الخراط، توفي بها في أوائل سنة ست وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه، وعلى الشيخ البازلي غائبة يوم الجمعة، ثامن جمادى الآخرة منها - رحمه الله تعالى - .
173 - محمد الكركي: محمد بن علي بن أبي بكر، محب الدين، ابن قاضي القضاة، علاء الدين، ابن قاضي القضاة تقي الدين، ابن الرضي الأنصاري الكركي، كان موقعاً لنائب الشام سيبائي، وهو الذي عمر الحمام والدار، قبل القيمرية داخل دمشق، وكان الحمام قديماً دائراً، يقال: إنه من أيام اللنك، توفي فجأة يوم الأربعاء، ثاني عشري شوال سنة ست وعشرين وتسعمائة.
174 - محمد الشربيني: محمد الشربيني الشيخ الصالح الولي المكاشف شيخ طائفة الفقراء، بالشرقية من أعمال مصر، كان من أرباب الأحوال والمكاشفات، وكان يلبس بشتا من ليف، وعمامة من ليف، وكان يتكلم على سائر أقطار الأرض، حتى كأنه يربي بها، وحكى الشيخ الشعراوي عن بعض السواح أن له ذرية بأرض الغرب، من بنت سلطان مراكش، وذرية في بلاد العجم، وذرية في بلاد الهند، وذرية في بلاد التكرور، فكان في ساعة واحدة يطوف علي عياله في هذه البلاد، ويقضي حوائجهم، وكل أهل بلاد يقولون: إنه مقيم عندهم، ولتبدله في هذه الصور، وتصرفه في هذه الأشكال، كان ربما أنكر عليه بعض الفقهاء ترك الجمعة، فوجد يصلي الجمعة بمكة المشرفة، وقال ولده الشيخ أحمد: كان الشيخ يقول لعصاه: كوني صورة إنسان من الشجعان، فتطور في الحال، ويرسلها في حوائجه ثم تعود عصا، وقال سيدي محمد بن أبي الحمائل: هرب فقير مني إلى الشربيني، ثم جاء فقلت: أين كنت. قال: عند الشربيني، فقلت له: لأضربنك حتى يجيء الشربيني على صياحك، فقدمته للضرب فإذا الشربيني واقف على رأسه فقال: شفاعة فتركه، واختفى الشيخ، وكان إذا أراد أن يعدي في البحر، يقول له: المعدي هات كرا، فيقول الشيخ: عدنا لله يا فقير فيعديه فأبى عليه يوماً وقال: زمقتنا بحمارتك، فقال الشيخ: ها الله وطأطأ الإبريق، فأخذ ماء البحر كله فيه، ووقف المركب على الأرض فاستغفر المعدي وتاب، فصب الإبريق في البحر. ورجع الماء كما كان، وكان إذا احتاج لضيفه أو لبيته عسلاً أو لبناً أو شيرجاً أو غير ذلك، فيقول للنقيب: خذا هذا الإبريق واملأه من ماء البحر، فيملأه فيجده عسلاً أو لبناً أو غير ذلك، على وفق ما يحتاج إليه، وكان بعض خطباء مكة المشرفة، ينكر على الشيخ فكان ذات يوم يخطب على المنبر، فأحدث أوتذكر أنه كان قد احتلم ولم يغتسل، فكان الشيخ حاضراً فمد يده الشيخ، فوجد كم الشيخ مثل الزقاق، فدخله فوجد مطهراً أو ماء فتطهر، وخرج من كم الشيخ، فزال إنكار لخطيب، وأخبر بدخول ابن عثمان إلى مصر، قبل دخوله بسنتين، وكان يقول: أتاكم محلقو اللحا، فيضحك الناس عليه لشدة التمكين الذي كان للجراكسة، وله خوارق كثيرة من هذا القبيل، وكرامات الاولياء لا مرية فيها، وكان يامر فقراءه ومريديه بالشحاذة على الأبواب، والتعمم بالحبال والخرق، وكان كثيراًما يقول لجماعته: بموت شخص من عباد الله في ثامن صفر سنة تسع وعشرين، فكل من أخذ من ماء غسله شيئاً، ووضعه عنده في قلينة ، ومس منه الأبرص والأجذم أو الأعمى أو المريض، شفي من مرضه أو عماه، فما عرفوا أنه يعني نفسه، إلا يوم مات، فلم يقع من ماء غسله على الأرض نقطة، وقد صبوا عليه نحو أربعين، فكان يقال: إن رجال الغيب كانت تغرف ماء غسله، وكانت وفاته ثامن صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة، كما أخبر رضي الله تعالى عنه، وكان ذلك يوم الخميس، ودفن بزاويته في شربين رضي الله تعالى عنه.
175 - محمد الغزنوي: محمد الشيخ الفاضل الفقيه، المحدث القاضي بدر الدين الغزنوي المالكي، أخذ الفقه عن الشيخ العلامة نور الدين السنهوري، وحضر تقاسيمه، والحديث عن عدة من أصحاب ابن الكويك، واصحاب إبراهيم بن صديق الرسام، وابن ناصر الدين حفيد سيدي الشيخ يوسف العجمي، ولم يتزوج قط، وانفرد بقاعة بالقرب من جامع الأزهر، ثم انقطع أياماً فلما طالت غيبته، وجهل أمره فتحت قاعته، فوجدت بها عمامته الكبيرة، وقليل نقد، وصندوق محرق، وكان انقطاع خبره في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، واتهم بقتله جماعة، وصلب بعضهم بالقاهرة.
176 - محمد خواجه زاده: محمد الشيخ العارف بالله تعالى، مصلح الدين الشهير بالنسبة إلى المولى خواجه زاده، الصوفي الإسلام بولي اشتغل بالعلم، ثم اتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى حاجي خليفة، وحصل عنده طريقة التصوف حتى أجازه بالإرشاد، وانقطع في آخر أمره عن الناس، واشتغل بنفسه وكان رجلاً متواضعاً متخشعاً أديباً مهيباً وقوراً صبوراً، وكانت أنوار الاستغراق والوجد تشاهد في وجهه، ارتحل في آخر أمره إلى القدس الشريف، ومات هناك في عشر الثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
177 - محمد التتائي: محمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين التتائي المصري المالكي، أقام بمدرسة الشيخونية بمصر، وشرح الرسالة شرحاً حافلاً، وعدة كتب، وكان معمور الأوقات بالعلم والعبادة والأوراد، وكان صواماً قواماً مؤثراً للخمول، لا يتردد إلى الأكابر، ولا يأكل لأحد من الظلمة، أو من أعوانهم شيئاً، وكان محرراً لنقول مذهبه ضابطاً لها، وقال الحمصي: كان قاضياً بمدينة طرابلس، ثم حضر إلى دمشق، فحصل له محنة وضع فيها بالسجن، ثم حصل له ضعف، فنقل إلى البيمارستان النوري بدمشق، واستمر به إلى أن توفي يوم الأحد ثاني ربيع الآخر سنة ثلانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
178 - محمد الباعوني: محمد القاضي، جلال الدين بن الباعوني، أحد العدول بدمشق، ولي نيابة القضاء بالصالحية، وكان من جماعة سيدي محمد بن عراق، رضي الله تعالى عنه، توفي بالصالحية مطعوناً يوم الثلاثاء، مستهل جمادىالآخرة سنة اثنتين وتسعمائة ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة - .
179 - محمد الدفاني: محمد الشيخ الصالح العابد الشهير بالدفاني، توفي يوم السبت سادس عشري جمادىالآخرة سنة ثلاثين وتسعمائة مطعوناً أيضاً رحمه الله تعالى.
180 - محمد التوزي: محمد الشيخ الفاضل الصالح الورع الزاهد المعمر بدر التوزي المؤقت بجامع الحاكم بمصر. كان من أولياء الله تعالى المستورين، وكان ذا قدم راسخ في العبادة، مع إخفائها، وكان له خلوة في سطح جامع الحاكم، لا يدخلها في الليل أحد غيره، وكان له فيها خلق عمامة، ومرقعة بالية، يلبسها إذا دخل فلا يزال يتضرع، ويبكي إلى الفجر ثم لبس ثيابه الحسنة، ويخرج لصلاة الصبح، وكان مع الفقهاء فقيهاً، ومع الفقراء فقيراً، ومع العارفين عارفاً، ومع العامة عامياً، وكان يعتقده أكابر الدولة ويكرمرنه، ويهدون إليه الهدايا، وكان يفرقها على المحتاجين، ولا يأكل منها شيئاً، وكانوا يقولون إنه يعرف الكيمياء، وكان يعلم أنهم لا يعظمونه إلا لذلك، وخدمه الأستاذ ابن تغري بردي خدمة طويلة طلباً للكيمياء، وقال له مكاشفاً: لا يخلو حالك من أمرين، إما أن يأذن الله تعالى لك في العمل، فتصح معك، فيقتلك السلطان، وإما أن لا تصح معك، فتكون زغلياً فيقتلك السلطان، فاستغفر من ذلك الخاطر، وتاب إلى الله تعالى، وكان يغسل الأولياء، فلا يموت ولي إلا يوصي أن لا يغسله إلا الشيخ بدر الدين تبركاً بيده، فغسل جماعة منهم سيدي أبو العباس الغزي، وسيدي نور الدين الحسني، وسيدي ياسين، وابن أخت سيدي مدين، وسيدي أبو السعود الجارحي، وسيدي محمد بن أبي الحمائل، وسيدي محمد بن عنان، وغيرهم، وتوفي بعد أن أضر في آخر عمره، في أوآخر القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة عن نحو تسعين سنة رضي الله تعالى عنه.
181 - محمد القيصوني: محمد الرئيس شمس الدين القيصوني القاهري، قال العلائي: كان من ألطف الناس طبعاً في كل فن ذكي الجنان، سخياً، كثير الإحسان، حسن العشرة، محباً لأهل العلم والفضلاء، بحيث أنزل في داره عدة من العلماء قائماً بكلفهم، وخدمهم، كالشيخ شهاب الدين بن شقير التونسي، والشيخ عمر البجائي، والشيخ شهاب الدين القسطلاني، وقاضي زاده الشرواني، جمع بين حسن الشكل، والنباهة، وفصاحة اللفظ، وحسن الخلق، والذكاء المفرط، والمداخلة في كل فن، والتفرد في الطب، وجودة الدربة وحسن العلاج، والخبرة بالأمور. توفي - رحمه الله تعالى - بعد عوده من الروم، في رشيد يوم الأربعاء حادي عشر صفر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ودفن بكوم الأفراح بعد أن اتصل عند السلطان سليمان بن عثمان - رحمه الله تعالى - وعظم عند أكابر دولته، وأقبلت عليه الدنيا، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
182 - محمد السمنودي: محمد الشيخ العالم المفتي الخطيب، شمس الدين السمنودي المصري الشافعي. قال العلائي: كان على علم، وخير، وديانة، وتوفي في القعدة سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
183 - محمد المنير البلبيسي: محمد الشيخ الإمام العالم العابد الناسك الزاهد الولي العارف بالله تعالى، سيدي شمس الدين أبو عبد الله المنير البلبيسي الأصل، الخانكي، أحد أصحاب سيدي إبراهيم المتبولي، والشيخ كمال الدين إمام الكاملية بمصر، حكي أنه كان يأتي من المكان الذي هو مدفون فيه، إلى الكاملية، كل يوم صباحاً، فيحضر عرس الشيخ كمال الدين، ويرجع إلى مكانه قبل الليل لأجل السقاية، والمسافة المذكورة قدر مرحلتين ذهاباً وإياباً، ودام على ذلك مدة ثلاث سنوات، وكان يحفظ كتاب الروضة للنووي على ظهر قلب، ومكث في بدايته ثلاثين سنة، يقرأ في النهار ختمة، وفي الليل ختمة كل يوم وليلة، وكان يحج كل سنة، ويرد إلى مصر، ويقيم بها شهراً، ثم يزور بيت المقدس، وأخبر عن نفسه في أوآخر عمره أنه حج سبعاً وستين حجة، وكان حجه على التجريد في أكثر أوقاته ماشياً، وعلى كتفه الركوة يسقي الماء، وكان يطوي في أكثر أوقاته في الطريق، وفي مدة إقامته بمكة والمدينة، وإذا أكل فلا يأكل إلا نحو ثلاث تمرات، خوف التغوط في تلك الأماكن، وكان لا يحلق رأسه إلا في الحج كل سنة، وكان يحمل لأهل مكة والمدينة كل سنة ما يحتاجون إليه من الطعام، والقماش، والسكر، والصابون، والإبر، والخيوط، فكانوا يتلقونه من مرحلة، وكان سيدي محمد بن عراق - رضي الله تعالى عنه - ينكر عليه ذلك، ويقول: لمن هذه الأشياء. يحملها من أمراء مصر، من الشبهات، فبلغه ذلك، فمضى إليه حافياً مكشوف الرأس، فلما وصل إلى خلوته بالحرم النبوي قبل العتبة ووقف غاضاً طرفه، وقال: دستور يا سيدي يدخل محمد المنير، فلم يرد عليه ابن عراق شيئاً، فكرر عليه القول، فلم يرد عليه شيئاً، فرجع منكسراً، فلما حكيت هذه الحكاية للشيخ علي الخواص البوسي، حين قدم الحج المصري إلى مصر قال: وعزة ربي قتله فإنه ما ذهب قط إلى فقير على هذه الحالة إلا وقتله، فجاء الخبر انه مات بعد خروج الحاج من المدينة بنحو عشرين يوماً قلت: كذلك حكى هذه الحكاية الشعراوي في طبقاته الكبرى، وكررها في الوسطى، ولكن يعكر على ذلك أن وفاة سيدي محمد بن عراق تأخرت عن وفاة سيدي محمد المنير - رضي الله تعالى عنهما - بسنتين، فلعل الخبر الذي جاء إلى مصر، بعد عود سيدي محمد المنير، بموت سيدي محمد بن عراق، كان غير صحيح، فإن وفاة سيدي محمد بن عراق تحقيقاً في رابم عشري صفر سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بمكة المشرفة، كما تقدم تحريره، وسيأتي تاريخ وفاة سيدي محمد المنير والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكان سيدي محمد المنير ماراً في الأزلم في طريق الحج مرة، فرأ رجلاً مهتماً فقال له: ما لك؟ قال: هرب الجمال فأعطاه خمسمائة دينار، ولم يكن بينهما معرفة، فلما وصل إلى مكة جاءه الرجل بمثلها، فأبى أن يقبلها، وقال ما أعطيتها إلا الله تعالى، وكان يتعمم بالصوف الأبيض، ويلبس البشت المخطط بالأحمر، ويقول: أنا رجل أحمدي، وكان يكره الكلام في الطريق من غير سلوك، ولا عمل، ويقول أنه بطالة، وكان ممن صحبه شيخ الإسلام الجد من الأولياء، والعارفين، بمصر، وذكر في فهرست من اجتمع بهم، واصطحب معهم من الصالدين، وكان سبب إقامة الشيخ في سطح الخانكاه، في محل مدفنه اليوم، وكان مقيماً في بلبيس أولاً أن امرأة عطشت في هذا المكان، ومعها ولد فماتت من العطش فقال: أروني ذلك المكان، فلما رآه حفر فيه بئراً، وجلس يسقي الناس عليها، وبنى له قريباً منها خصاً، ونقل زوجته إليه، ثم عمر حوله الفقراء دويرات حتى صارت قرية، وينى له بها زاوية، ورتب فيها لقمة للواردين، بحيث يأكل من سماطه، ويشرب من بئره الامراء، فمن دونهم وقال الشيخ رضي الله تعالى عنه: ما دامت اللقمة في هذه الزاوية، فالبلاء الجائي من الشرق مدفوع من أهل مصر، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له: يا محمد لا يسعى أحد في إخراج هذه الرزقة عن ناديتك، إلا أهلكه الله تعالى، وقال ابن طولون: في تاريخه في حوادث سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة يوم الجمعة ثاني جمادى: صلي غائبة بالجامع الأموي على الشيخ الصالح محمد المنير، توفي بزاويته قرب الخانكاه، من أرض مصر، وكان في كل عام يصوم رمضان بالجامع الأزهر، ويختم في كل يوم وليلة ختمة، ويحج كل عام ماشياً، ويزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان آخر عام حج فيه نام في مسجد المدينة، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له: يا شيخ محمد لا بقيت تتعب نفسك، قد قبلناك. انتهى.
والذي حررته من تاريخ العلائي في وفاته أنه توفي يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر صفر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته بسطح الخانقاه رضي الله تعالى عنه.
184 - محمد الشناوي: محمد الشيخ الصالح العالم المربي المسلك العارف بالله تعالى سيدي محمد الشناوي، شيخ الفقراء بالشرقية، من أعمال مصر، أخذ الطريق عن سيدي محمد بن أبي الحمائل السروي، وكان من أهل الإنصاف، والأدب يقول عن نفسه: ما دخلت قط على فقير إلا وأرى نفسي دونه، وقال الشيخ أمين الدين النجار: سمعت الشيخ أبا العباس الغمري رضي الله تعالى عنه يقول: يموت الأدب في الفقراء بعد محمد الشناوي، وكان يقدمه على شيخه السروي، وكان أهل البلاد الغربية مجمعين على اعتقاده، وكان يلقن كلمة التوحيد لرجالهم، ونسائهم، في أي بلد دخل إليه، وقال: أشعلنا في هذه البلاد نار التوحيد، فلا تنطفئ - إن شاء ألله تعالى - إلى يوم القيامة، وكان يقضي ليله ونهاره في عبادة الله تعالى، هو وجماعته بحيث كان إذا ختم القرآن افتتح الذكر، فإذا فرغ من الذكر افتتح القرآن، وكان مع ذلك قد أقامه الله تعالى في حوائج خلقه ليلاً نهاراً، وكان لم يزل في مقاعده حبائر القطن ملفوفة ملصوقة من كثرة ركوبه في حوائج الناس، وكان أوسع أشياخ عصره خلقاً، وأكرمهم نفساً، وكان يقول: الطريق كله أخلاق لا أقوال ودعاوي، وكان يقول: ما ادى أحد قط مقاماً دون النبوة، وكذبته لأن غايته أنه ادعى ممكناً، وكان يقول: ما دخلت قط على فقير أو عالم إلا وخرجت بفائدة، ومن كان ذلك فلا تحصى أشياخه، وكان إذا أذن لفقير في تلقين يأخذه بيده ثم ينشد:
أهيم بليلى ماحييت فإن أمت ... أوصي، بليلى من يهيم بها بعدي
وكانت له أموال، وبهائم، وحبوب وغيرها كلها على اسم المحتاجين لا يتخصص منها بشيء، وكان لا يقبل شيئاً من هدايا العمال، والمباشرين، وأرباب الدولة، ويقول: من شرط الداعي إلى الله تعالى أن يطعم الناس، ولا يطعموه، وهو الذي سعى في إبطال سخرة الشعير التي كانت في بلاد ابن يوسف، ونقشت بها حجارة، ووضعت في كراسي البلاد، وكان يموت في تلك السخرة ناس كثير من الجوع، والعطش، وتنقطع الطرقات نحو شهرين، حتى يفرغ قلع الشعير، وعزم على السفر إلى الروم، بسبب ذلك في ليلة من الليالي، فرأى سيدي أحمد البدوي - رضي الله تعالى عنه - وقال: له يا محمد لا نحوجك إلى السفر، فإن جميع أولياء الله تعالى الغربية معك، ولما توقف أمر العرض إلى السلطان بن عثمان بسبب ذلك قال: الشيخ إن شاء الله تعالى يرسل الله للسلطان من يسأله في ذلك، ففي تلك الليلة رأى السلطان الشيخ محمد الشناوي على حمارته السوداء في ديوانه وهو يقول له يا مولانا السلطان أرسل مرسوماً إلى مصر بإبطال سخرة الشعير التي في بلاد السباخ، فبعث السلطان مرسوماً بذلك، وأرسل الوزراء مكاتبيهم إلى نائب مصر بالواقعة وأن الذي رآه السلطان هو الشيخ محمد الشناوي، وكان له اعتقاد تام في سيدي أحمد البدوي، ونسبة تامة إليه، وربما كان يكلمه فيجيبه من داخل ضريحه. قال الشعراوي: سمعته مرة يحدثه، وسيدي أحمد يجيبه من القبر، وقال في الطبقات الوسطى: سمعته مرة يشاور سيدي أحمد - رضي، الله تعالى عنه - على حاجة في مصر، فقال له الشيخ من داخل القبر: سافر، وتوكل على الله تعالى، وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة ودفن بزاويته بمحلة روح، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله تعالى عنه.
185 - محمد الكحال: محمد الرئيس، صلاح الدين الطبيب المعروف - رحمه الله تعالى - بالكحال القابوني الدمشقي. له اشتغال على شيخ الإسلام الوالد، وذكره في فهرست تلاميذه وقال: إنه كان من أذكياء العالم، وأجاويد الناس، توفي بالمدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
186 - محمد السمديسي: محمد القاضي شمس الدين السمديسي الحنفي، أخذ عن رضوان العيني ، وعبد الدايم الأزهري، والشمسي محمد بن أسد، والقراءآت عن جعفر السمنودي، وأخذ عنه الشيخ بهاء الدين القليعي، وأخذ عنه الشيخ علاء الدين المقدسي، نزيل القاهرة الفقه والقراءآت، وسمع عنه كثيراً. توفي سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
187 - محمد السعودي: محمد القاضي بدر الدين بن الوقاد السعودي نقيب الحنفية بمصر. كان له ثروة، وأملاك توفي أوآخر القعدة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
188 - محمد السندفاني: محمد السندفاني المحلي، كان شاباً صواماً قواماً، قليل الأكل كثير الصمت، كريم النفس، يحب الوحدة، ولا يمل منها، يحب أن يجلس في المساجد المهجورة، والخرب، وكان له والدة وهو بار بها، وكان يتلطف بها، ويقول هبيني لله، والميعاد بيننا الآخرة، وحج على التجريد ماشياً حافياً عدة سنين، اجتمع بالشيخ العارف بالله سيدي علي الذويب بالحر الصغير من نواحي دمياط، وكساه جبته، وقال له: يا محمد ما فرح مني بذلك أحد غيرك قط، وأخذ عنه جماعات من أهل الطريق. توفي سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ودفن بسندفا بالمحلة الكبرى، - رحمه الله تعالى - .
189 - محمد أبي فاطمة: محمد الشيخ الصالح المجذوب المعروف بأبي فاطمة العجلوني الدمشقي. قرأت بخط الشيخ موسى الكناري - رحمه الله تعالى - أن السيد نجدة الحسني الحصني كان هو، وولده بقرية الحرجلة ، فرجع منها إلى دمشق، فبينما هو يمشي في سهل الغوطة، إذ رأى الشيخ محمد المذكور، وكان يعرفه قال: فحثثت الفرس خلفه، ولحقته فسلمت عليه فقلت له: من أين أقبلت. قال: من بغداد قال: فقلت له: الك علم بالشيخ خليل - يعني العجلوني المجنوب، قال: نعم، وضعوه وتداً في بغداد وهذا هو الأصح، قال السيد نجدة: ثم التفت إلى ولدي، وكان يمشي خلفي، فغاب عني الشيخ محمد، ولم اعلم كيف ذهب مات في أواخر هذه الطبقة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
حرف الهمزة من الطبقة الأولى
190 - إبراهيم بن المعتمد: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن حمد بن إبراهيم بن يعقوب، ابن المعتمد الشيخ الإمام العالم العلامة الفقيه، برهان الدين بن خطيب، القاضي شمس الدين بن الخطيب، برهان الدين بن المعتمد، القرشي الدمشقي الصالحي الشافعي، ولد كما قال النعيمي: في ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وحفظ المنهاج، وعرضه على جماعة من الأفاضل، وكتب له الشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة، في الشامية أربعين مسألة، كتب عليها في سنة ثمان وستين وثمانمائة، وفوض إليه القضاء، الخواجا الصابوني، في سنة سبعين، ثم درس في المجاهدية، والشامية الجوانية، والأتابكية، وتصدر بالجامع، له حاشية على العاجلة (في مجلدين، وحج وجاور في سنة اثنتين وثمانين، ولازم النجد بن فهد، وسمع عليه، وعلى غيره بمكة قال النعيمي وابن طولون: وكان حسن المحاضرة، جميل الذكر يحفظ نوادر كثيرة من التاريخ، وذكر في تاريخه " مفاكهة الخلان " في وقائع سنة أنه وضع ذيلاً على طبقات ابن السبكي، وأكثر فيه من شعر البرهان القيراطي، وقال والد شيخنا الشيخ يونس العيثاوي: كان الشيخ برهان الدين بن المعتمد، من أكابر الشافعية في عصره. قرأ عليه القاضي برهان الدين الأخنائي، والشيخ تقي الدين القاري، وغيرهما من الأكابر، وله الدلالة على العجالة، وهي نافعة قال: وكان سخياً له مكارم أخلاق، وكلمة نافذة كما استفيض، وسمع ممن أدركنا قال: وكان يدرس في الجامع الأموي بناطقة، وتحقي. انتهى، وكانت وفاته يوم الأحد ثالث عشر شعبان سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن من الغد وسط الروضة بسفح قاسيون، وخلف دنيا عريضة - رحمه الله تعالى - .
191 - إبراهيم نقيب الأشراف : إبراهيم بن محمد السيد الشريف، برهان الدين الحسني، نقيب الأشراف بدمشق. ولد في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة. قالى الحمصي: وكان رجلاً شجاعاً مقداماً، على الملوك ووقع له مع السلطان الأشرف قايتباي وقائع يطول شرحها، ومات بالقاهرة وهو يومئذ نقيب الأشراف بدمشق، في يوم الخميس خامس المحرم سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وأسند الوصاية على أولاده لكاتب الأسرار المحب ابن أجا. قال ابن طولون: وتقلد أموراً في حياته، وبعد موته - رحمه الله تعالى - .
192 - إبراهيم بن حمد الهلالي: إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون بن مسلم بن مكي بن رضوان، الشيخ الإمام العلامة برهان الدين بن عون الهلالي الدمشقي الحنفي مفتي الحنفية بدمشق، ولد في سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وأخذ الحديث عن جماعة منهم الحافظان السخاوي، والديمي، وترجمه الثاني في إجازته كما قرأت بخطه بالشيخ الإمام الأوحد المقري المجود العالم المفيد، وتفقه على جماعة منهم الشيخ الإمام المحدث زين الدين قاسم ابن قطلوبغا الجمالي، وممن أخذ عنه الفقه، وغيره الشمس بن طولون، وتوفي ليلة الأحد سادس عشر شوال سنة ست عشرة وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن قبلي جامع جراح بباب الصغير - رحمه الله تعالى - .
193 - إبراهيم بن محمد الدسوقي : إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الدسوقي، الشيخ الصالح المعتقد الرباني الصوفي الشافعي، ولد في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ولبس خرقة التصوف من الشيخ شهاب الدين بن قرا، وتفقه به، ولقنه الذكر أبو العباس المرسي، وأخذ عليه العهد عن والده، عن جده قال الحمصي: وكان صالحاً مباركاً مكاشفاً، ونقل ابن طولون أن الجمال يوسف بن عبد الهادي ذكره في الرياض اليانعة، في أعيان المائة التاسعة فقال: اشتغل، وتصوف، وشاع ذكره، وعنده ديانة، ومشاركة، وللناس فيه اعتقاد قال ابن طولون: وكان شديد الإنكار على صوفية هذا العصر، المخالفين له خصوصاً الطائفة العربية، قال: ولم تر عيناي متصوفاً من أهل دمشق أمثل منه، لبست منه الخرقة، ولقنني الذكر، وأخذ علي العهد الجميع يوم السبت سادس عشري في الحجة سنة اثنتي عشر وتسعمائة، انتهى.
قلت: أخبرني شيخنا فسح الله تعالى في مدته عن والده الشيخ الإمام يونس العيثاوي
- رحمه الله تعالى - أن الشيخ إبراهيم المذكور، كان متعبداً مكباً على الاشتغال بالله تعالى، وكان له أولاد وأولاد أولاد كلهم يشتغلون عليه في أكثر أوقاتهم، فمنهم من يقرئه القرآن، ومنهم من يعلمه التهجي، ومنهم من يقرئه في الغاية أو في المنهاج أو غير ذلك، من كتب العلم، وهذا ديدنه وديدنهم - رحمه الله تعالى - توفي ليلة الاثنين ثالث شعبان سنة تسع عشرة وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي ودفن بمقبرة باب الصغير - رحمه الله تعالى - .
194 - إبراهيم بن محمد الشوبيني: إبراهيم ابن الشيخ برهان الدين ابن الشيخ شمس الدين الخطيب الشوبيني الحنفي، أحد الشهود المعتبرين بدمشق، ولد في شوال سنه اثنتين وأربعين وثمانمائة، وتوفي في يوم الخميس عاشر القعدة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس - رحمه الله تعالى - .
195 - إبراهيم بن محمد بن أبي شريف: إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أيوب الشيخ الإمام الحبر الهمام، العلامة المحقق، والفهامة المدقق، شيخ مشايخ الإسلام، ومرجع الخاص والعام، مولانا، وسيدنا قاضي القضاة، أحد سيوف الحق المنتضاة، أبو إسحاق برهان الدين ابن الأمير ناصر الدين بن أبي شريف المقدسي المصري الشافعي، أحد أجلاء شيوخ شيخ الإسلام الوالد، ولد بالقدس الشريف في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ونشأ بها، وقيل: سنة ست وثلاثين وثمانمائة، واشتغل بفنون العلم على أخيه شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، ورحل إلى القاهرة، فأخذ الفقه عن قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني، وعن قاضي القضاة شمس الدين محمد القاياتي، والأصول عن الشيخ جلال الدين المحلي، وسمع عليه في الفقه أيضاً، وأخذ الحديث عن شيخ الإسلام بن حجر، وعن غيره، وتزوج بابنة قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، وناب عنه في القضاء، ودرس وأفتى وصنف ونظم ونثر، ووقفت له على ديوان خطب في غاية البلاغة، والفصاحة، وترجمه صاحب الأنس الجليل فيه، في حياته وقال: ولي المناصب السنية، وغيرها من الأنظار بالقاهرة المحروسة، وعظم أمره، واشتهر صيته، وصار الآن المعول عليه في الفتوى بالديار المصرية قال: وهو رجل عظيم الشأن، كثير التواضع، حسن اللقاء، فصيح العبارة فو ذكاء مفرط وحسن نظم ونثر، وفقه نفيس، وكتابة على الفتوى نهاية في الحسن، ومحاسنه كثيرة، وترجمته، وذكر مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف، ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال الفصل، فإن المراد هذا الاختصار، ثم قال قدم شيخ الإسلام برهان الدين من القاهرة المحروسة إلى بيت المقدس سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، بعد غيبة طويلة، ثم عاد إلى وطنه بالقاهرة قلت: وقرأت بخط الشيخ برهان الدين البقاعي في تاريخه في وقائع سنة تسع وتسعين وثمانمائة أن الشيخ برهان الدين بن أبي شريف كان بالقاهرة مزوجاً بها قاطناً، وأنه قصد السفر إلى القدس لزيارة أبيه وأمه، فلم يتهيأ له ذلك، فاتفق أن سرقت له أمتعته في رييع الآخر من السنة المذكورة فاضطرب حاله، فيما يعمل في أمرها قال البقاعي: فاستشارني، فأشرت عليه برأي، وذهب من عندي فانتظرت ماذا يكون في ذلك، فسألت عنه بعد أيام فقيل: ذهب إلى القدس، فاشتد عجبي من ذلك لأنه لم يعلم بسفره أحد من أصحابه، ولا ودع أحداً ممن يعز عليه قال: وإذا هو قد حمله حامل ليحضر جنازة أبيه، فعد ذلك من خيرهما ومعاً - انتهى.
قال في الأنس الجليل: ثم حضر - يعني صاحب الترجمة - إلى القدس سنة تسعمائة، وحصل للأرض المقدسة بوجوده الجمال، وانتفع به في الفتوى، فإن أخاه شيخ الإسلام الكمالي من حين قدم الشيخ برهان الدين إلى القدس وجه إليه أمر الفتوى، فما كان يكتب إلا القليل، وذكر ابن طولون في تاريخه أن صاحب الترجمة قدم دمشق يوم الجمعة في ثاني في الحجة سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، ونزل بالشميصاتية. قال: ثم قرأنا عليه بعد ذلك فيها، وأخبر أن ميلاده سنة ست وثلاثين. وأن ميلاد أخيه الشيخ كمال الدين سنة اثنتين وعشرين. انتهى.
وكذلك أرخ النعيمي ميلاده سنة ست وثلاثين، وما قدمناه قاله صاحب الأنس الجليل، ولعل ما هذا أصح وقال النعيمي: فوض إليه قضاء مصر في تاسع عشر ذي الحجة سنة ست وتسعمائة عوض محيي الدين عبد القادر بن النقيب قلت: وبقي في قضاء قضاة الشافعية بمصر إلى يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة، فعزل بقاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الفرفور كما ذكره الحمصي في تاريخه، ثم أنعم عليه السلطان الغوري بمشيخة قبته الكائنة قبالة المدرسة الغورية بمصر في يوم الخميس مستهل جمادى الأولى سنة عشر، واستمر في المشيخة المذكورة إلى ذي القعدة سنة تسع عشرة وتسعمائة، فوقعت حادثة بمصر، وهي أن رجلاً أتهم أنه زنا بامرأة فرفع أمرهما إلى حاجب الحجاب بالديار المصرية الأمير أنسبائي فضربهما فاعترفا بالزنا، ثم بعد ذلك رفع أمرهما إلى السلطان الغوري، فأحضرا بين يديه، وذكرا أنهما رجعا عما أقرا به من الزنا قبل ذلك، فعقد السلطان لهما مجلساً جمع فيه العلماء والقضاة الأربعة، فأفتى شيخ الإسلام برهان الدين صاحب الترجمة بصحة الرجوع، فغضب السلطان لذلك، وكان المستفتي القاضي شمس الدين الزنكلوني الحنفي، وولده، فأمر السلطان بهما، فضربا في المجلس حتى ماتا تحت الضرب، وأمر بشنق المتهمين بالزنا على باب صاحب الترجمة، فشنقا، وعزل صاحب الترجمة من مشيخه القبة الغورية والقضاة الأربعة الكمال الطويل الشافعي، والسري بن الشحنة الحنفي، والشرف الدميري المالكي، والشهاب الشبشتي الحنبلي، وكانت هذه الواقعة سبباً لتكدر دولة الغورية، وتبادي انحلال ملكه حتى قتل بعد سنتين بمرج دابق، ولا حول ولا قوة إلا بالله. واستمر صاحب الترجمة ملازماً لبيته، والناس يقصدونه للأخذ عنه، والاشتغال عليه في العلوم العقلية والنقلية، واقتناص فوائده العلمية والأدبية. قال الشعراوي: فكان من المقبلين على الله عز وجل ليلاً ونهاراً لا يكاد يسع منه كلمة يكتبها كاتب الشمال، وكان لا يتردد لأحد من الولاة أبداً، وكان الإنسان إذا عرض عليه محفوظاته يتلجلج من شدة هيبته، فيباسطه حتى يسكن روعه، وكان له في القدس مصبنة يعمل فيها الصابون، وكان يتقوت منها، وكان لا يأكل من معاليم مشيخة الإسلام شيئاً، وكان قوالاً بالحق، آمراً بالمعروف لا يخاف في الله لومة لائم، وعارضه السلطان الغوري في واقعة، فما أفلح بعدها أبداً، وسلب ملكه، وكان الناس يقولون: جميع ما وقع للغوري بسر الشيخ برهان الدين. انتهى.
ومن لطائفه ما ذكره عنه محدث حلب الزين بن الشماع في عيون الأخبار. قال: وقد حضرت درسه بالقاهرة سنة إحدى عشرة، فأتى بفوائد كثيرة، وختم المجلس بنكتة فيها بشارة جليلة، فقال، مما حاصله: أختم المجلس ببشارة عظيمة ظهرت في قوله تعالى " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " " سورة الحجر: الآية 49 " قال قوله تعالى: نبئ أي يا محمد عبادي أي شرفهم بياء الإضافة إلى تقدس ذاته، فأوقع ذكرهم بينه وبين نبيه فعباد وقع ذكرهم بين ذكر نبيهم، وذكر ربهم لا ينالهم إن شاء الله تعالى ما يضرهم بل المرجو من كرم الله تعالى أن يحصل لهم ما يسرهم. انتهى.
ومن مؤلفاته " شرح المنهاج " في أربع مجلدات كبار " وشرح الحاوي " وكتاب في الآيات التي فيها الناسخ والمنسوخ وغير ذلك، ومن شعره من قصيدة ختم بها صحيح البخاري:
دموعي قد نمت بسر غرامي ... وباح بوجدي للوشاة سقامي
فأضحى حديثي بالصبابة مسنداً ... ومرسل دمعي من جفوني هامي
وكتب إلى أخيه شيخ الإسلام كمال الدين، وهو ببيت المقدس متشوقاً:
ما شمت برقاً بأرجاء الشام بداً ... إلا تنفست من أشواقي الصعدا
ولا شممت عبيراً من نسيمكم ... إلا قضيت بأن أقضي به كمدا
ولا جرى ذكركم إلا جرت سحب ... أودت لظى بفؤاد أورثته ردا
يا لوعة البين ما أبقيت من جلد ... أيقنت والله أن الصبر قد نفدا
حشوت أحشاي نيراناً قد اتقدت ... بأضلعي فأذابت مني الجسد
كيف السبيل إلى عود اللقاء، وهل ... هذا البعاد قضى المولى له أمدا
من مبلغ الصحب أن الصب قد بلغت ... أشواقه حالة ما مثلها عهدا
لم أنسى أنس ليال بالهنا وصلت ... والنفس بالوصل أمسى عيشها رغدا
أحادي العيس إن حاذيت حيهم ... فحيهم وصف الوجد الذي وجدا
وأشهد بما شهدت عيناك من حرق ... يهدا السقام وما منها الفؤاد هدا
وإن حللت ربى تلك الرباع فسل ... عن جيرة لهم روح المشوق فدا
فالروح ما برحت بالقدس مسكنها ... والجسم في مصر للتبريح قد قعدا
هي البقاع التي شد الرحال لها ... على لسان رسول الله قد وردا
من حل أرجاءها ترجى النجاة له ... أكرم بها معبداً أعظم بها بلدا
صوب العهاد على تلك المعاهد ... لا زالت سحائبه منهلة أبدا
وذكر ابن الحنبلي في تاريخه في ترجمة الزين بن الشماع تلميذ البرهان بن أبي شريف أنه رأى في منامه الشيخ برهان، وقد دخل منزله بحلب، فاستأذنه في قراءة بعض ما نظمه الشيخ برهان الدين ليرويه عنه، فأذن له قال: فمما قرأته عليه.
توق الهوى والنفس وأجهد لتسلما ... وجاهد لكي ترقى من العز سلما
وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - كما نقله ابن الحنبلي عن ابن الشماع نقلاً عن بعض فضلاء المصريين، في فجر يوم الجمعة ليومين بقيا من المحرم سنة ثلاث وعشر وتسعمائة، وقرأت بخط تلميذ الشيخ برهان الدين شيخ الإسلام الوالد أنه توفي ليلة الجمعة تاسع عشري المحرم سنة ثلاث وعشرين المذكورة. قال: ودفن بالقرب من ضريح الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وفي يوم الجمعة رابع عشري ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين المذكورة صليت بدمشق صلاة الغائب بالجامع الأموي على جماعة من العلماء ماتوا القاهرة، وهم صاحب الترجمة، وقاضي قضاة الحنفية البرهان بن الكركي، والشيخ العلامة برهان الدين الطرابلسي الحنفي، والشيخ العلامة شهاب الدين القسطلاني الشافعي، والشيخ العلامة الصالح المحدث المصري زين الدين عبد الرحمن الصالحي الشافعي - رحمهم الله تعالى - ذكر ذلك الحمصي وابن طولون في تاريخهما.
196 - إبراهيم بن مسافر: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مسافر الشيخ برهان الدين الناسخ الدمشقي الميداني. ولد سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتوفي يوم الخميس تاسع عشري رمضان سنة خمس وعشرين وتسعمائة، ودفن بالحمرية عند والده - رحمها " الله تعالى - رحمة - واسعة - آمين.
197 - إبراهيم الأرمنازي : إبراهيم بن أبي الوفاء بن أبي بكر بن أبي الوفاء الشيخ الصالح المعمر المعتبر برهان الدين الأرمنازي، ثم الحلبي الشافعي. كان من حفاظ كتاب الله تعالى، وكان إماماً للسلطان الغوري حين كان حاجب الحجاب بحلب، فلما تسلطن توجه الشيخ إيراهيم إليه بالقاهرة، وحج منها في سنة ست وتسعمائة، ثم عاد إليها، واجتمع به فأحسن إليه وأمره بالإقامة لإقراء ولده، فاعتذر فقبل عذره، ورتب له ولأولاده من الخزينة ثلاثين ديناراً في كل سنة، ثم عاد إلى حلب.
قال ابن الحنبلي: واتفق له أنه قرأ في طريق الحاج ذهاباً وإياباً، وفي إقامته بمصر قدر شهرين، ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين ختمة. قيل: وكان راتبه في الإقامة مع قضاء مصالحه في اليوم والليلة ختمة، وبدونه ختمة ونصفاً، وكان يمشي في الأسواق فلا يفتر عن التلاوة. وتوفي بحلب سنة سبع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
198 - إبراهيم بن أحمد القصيري: إبراهيم بن أحمد بن يعقوب، الشيخ العلامة برهان الدين الكردي القصيري الحلبي الشافعي. المعروف بفقيه اليشبكية بحلب لتأديبه الأطفال بها. ولد بقرية عارة بمهملتين من القصير من أعمال حلب، وانتقل مع والده إلى حلب صغيراً فقطن بها. وحفظ القرآن العظيم. ثم الحاوي، ودخل إلى دمشق، فعرضه على البدر ابن فاضي شهبة والنجمي والتقوي ابني قاضي عجلون، وسمع الحديث بها وبالقاهرة على جماعة، وبحلب على الموفق أبي ذز وغيره، وأجازه الشيخ خطاب وغيره. قال ابن الشماع: ولم يهتم ، بالحديث كما ظهر لي من كلامه، وإنما اشتغل في القاهرة بالعلوم العقلية والنقلية. وقال ابن الحنبلي: كان ديناً خيراً كثير التلاوة للقرآن، معتقداً عند كل إنسان، طارحاً للتكلف، سارحاً في طريق التقشف، مكفوف اللسان عن الإغتياب، مثابراً على إفادة الطلاب، إلى أن قال: وقد انتفع به كثيرون في فنون كثيرة منها: العربية والمنطق والحساب والفرائض، والفقه والقراءات والتفسير قال: وكنت ممن انتفع به في العربية والمنطق والتجويد، قال: ولما كف بصره رأى النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام، فوضع يده الشريفة على إحدى عينيه قال: فكانت لها بعد ذلك رؤية ما. كما نقل لنا عنه صاحبنا الشيخ الصالح برهان الدين إبراهيم الصهيوني.
قال: ثم كانت وفاته ليلة الثلاثاء رابع عشر جمادىالآخرة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
199 - إبراهيم بن إدريس الهمداني: إبراهيم بن إدريس، الشيخ الصالح برهان، الهمداني الشافعي القاطن برواحية حلب. خليفة الشيخ يونس الهمداني. كان صالحاً سليم الصدر، متجرداً، لم يتزوج قط، ولم بالرواحية ملازماً للأوراد الفتحية في طائفة من المريدين كثيرة قيل: وكان أحد أجداده صوفياً بدمشق من أولياء الله تعالى، متى ضرب بسيفه من يستحق القتل قطع، وإلا لم يقطع.
قال ابن الحنبلي: وكان ممن أخبر بزوال دولة الجراكسة لمنام رأى فيه رجلاً قصيراً راكباً على فرس وأمامه آخر يذود الناس بين يديه باللسان التركي، وقد سأل عنه سائل من هذا؟ فقيل: إنه ملك الروم. وكانت وفاته بحلب سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وصلى عليه إماماً صاحبه الشيخ زين الدين بن الشماع، ودفن شرقي مزار الشيخ ثعلب على الجادة - رحمه الله تعالى - .
200 - إبراهيم بن سلامة كاتب الأسرار بدمشق بن محب الدين: إبراهيم بن سلامة البرهاني ناظر القلعة الدمشقية ابن القاضي محب الدين، كاتب الأسرار بدمشق. مات في أوائل جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وكان يومئذ غائباً بالقاهرة، فلما بلغه موته عاد من القاهرة، فأقام على قبره أياماً، وبنى عليه بنياناً بالقرب من ضريح سيدي الشيخ أرسلان، فانكر بعض أعيان دمشق، وقالوا: هذا بنى في مقبرة مسبلة، فاستفتي السيد كمال الدين بن حمزة في ذلك، فأفتى بالهدم، واستفتي شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون بعدم الهدم لأنه أدخل عليه في السؤال أن البنيان كان قديماً وأعيد، وركب القضاة الأربعة ونائب الشام سيبائي، فهدموا البنيان عملاً بفتوى السيد، وطلبوا بسبب ذلك إلى القاهرة في قصة شرحناها في ترجمة السيد المشار إليه.
201 - إبراهيم بن عثمان بن عبادة: إبراهيم بن عثمان بن محمد بن عثمان بن موسى بن يحيى الشيخ الفاضل برهان الدين، المرادي ، الدمشقي. الصالحي، الحنبلي المعروف بجابر بن عبادة. ولد في رمضان سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وسمع على البرهان بن الباعوني، والنظام بن مفلح، والشهاب بن زيد. وتوفي يوم الخميس مستهل رجب سنة تسع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
202 - إبراهيم بن علي القرصلي: إبراهيم بن علي الشيخ العلامة برهان الدين القرصلي، ثم الحلبي. كان من قرصة بفتح القاف وسكون الراء، وضم الصاد المهملة - قرية من القصير - وكان من جملة فلاحيها. فتعلم الخط، ثم رأى في المنام أنه على لوح في البحر، وبيده عصى يحركه، فأول له ذلك، بأنه سيكون من أهل العلم. وكان كما أول له عن لعلماء،. ودرس بمسجد العناتبة بحلب. وغيره. قال ابن الحنبلي: وأكب على دروسه جماعة في العقليات لمهارته فيها، وإان كان في النقليات أمهر، وفضله أظهر. توفي سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
203 - إبراهيم بن علي القلقشندي: إبراهيم بن علي بن أحمد، الشيخ الإمام العلامة الهمام، والمحدث الحافظ الرحلة القدوة شيخ الإسلام قاضي القضاة أبو الفتح الجمالي، والبرهاني ابن الشيخ العلامة علاء الدين القلقشندي القاهري. الشافعي أحد أجلاء شيوخ الوالد - رحمهم الله تعالى - أخذ عن جماعة منهم الحافظ ابن حجر، والمسند عز الدين بن الفرات الحنفي وغيرهم، وخزج لنفسه أربعين حديثاً، وقال البدر العلائي: إنه آخر من يروي عن الشهاب الواسطي، وأصحاب الميدومي، والتاج الشرايشي، والتقي الغزنوي، وعائشة الكنانية وغيرهم، وقال الشعراوي: كان عالماً صالحاً زاهداً، قليل اللهو والمزاح، مقبلاً على أعمال الآخرة حتى ربما يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل. انتهت إليه الرئاسة، وعلو السند في الكتب الستة والمسانيد والإقراء. قال: وكان لا يخرج من داره إلا لضرورة شرعية، وليس له تردد إلى أحد من الأكابر، وكان إذا ركب بغلته وتطيلس يصير الناس كلهم ينظرون إليه من شدة الخشوع والهيبة التي عليه، وكانت وفاته بمصر يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة بحصر البول عن إحدى وتسعين سنة بتقديم التاء المثناة فوق. قال العلماء: سواء لا تزيد ولا تنقص يوماً بعد أن ضعف بصره مع سلامة الحواس، وحسن الإسماع، وتوفي فقيراً وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بتربة الطويل خارج باب الحديد من صحراء القاهرة. قال الشعراوي: وكأن الشمس كانت في مصر، فغربت - أي عند موته - قال: وكانت جنازته حافلة خاصة بالأمراء والعلماء والصالدين - رحمه الله تعالى - .
204 - إبراهيم بن عمر بن مفلح الحنبلي: إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن معرج بن عبد الله، الشيخ الإمام العلامة مفتي الحنابلة، الشيخ برهان الدين ابن قاضي القضاة الحنابلة نظام الدين بن مفلح. ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وأخذ عن أبيه وغيره، وتوفي بقرية مضايا من الزبداني ليلة الجمعة سادس عشر شعبان سنة سبع عشرة وتسعمائة، ورحل ميتاً إلى منزله بالصالحية وقت صلاة الجمعة، ثم غسل يوم السبت ودفن بالروضة قرب قبر والده - رحمه الله تعالى - .
205 - إبراهيم بن عمر اليمني: إبراهيم بن عمر بن إبراهيم، الشيخ الصالح المقرئ الوقور برهان الدين اليمني الحرازي، القحطاني، الحاتمي، الشافعي نزيل دمشق، أخذ عن شيخ الإقراء بدمشق الشيخ شهاب الدين الطيبي وغيره، وتلمذ هو لشيخ الإسلام الوالد قرأت بخط والدي - رضي الله تعالى عنه - بعد أن ترجم الشيخ برهان الدين المذكور ما نصه قرأ علي البخاري كاملاً قراءة إتقان وكتب له به إجازة مطولة وكان أحد المقتسمين للمنهاج في مرتين وللتنبيه وأجزته بهما، وقرأ بعض الألفية، وقرأ علي شيئاً من القرآن العظيم، وصلى بي وبجماعة التراويح ثلاث سنين بالكاملية. ختم فيها نحو خمس ختمات، وحضر دروساً كثيرة ولزمني إلى أن مات شهيداً بالطاعون ثاني عشر جمادىالآخرة سنة ثلاثين وتسعمائة ودفن بباب الفراديس بإشارتي. كان - رحمه الله تعالى - من المحبين الصلحاء جزاه الله تعالى خيراً وبرد مضجعه. انتهى.
206 - إبراهيم بن الكيال : إبراهيم بن قاسم بن محمد، الشيخ الفاضل المحدث برهان الدين بن الشيخ شرف الدين الشهير بابن الكيال الدمشقي. توفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير عند قبر سيدي أوس بن أوس الثقفي رضي الله تعالى عنه.
207 - إبراهيم البحيري: إبراهيم الشيخ الصالح الإمام العالم برهان الدين البحيري المصري النحوي. قال الحمصي: كان صالحاً عالماً زاهداً مجاوراً بالجامع الأزهر. توفي يوم الخميس ثاني رمضان سنة عشر وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
208 - إبراهيم القيي: إبراهيم الشيخ الصالح برهان الدين القبي الرملي. توفي بهما سنة عشر وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني المحرم سنة إحدى عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
209 - إبراهيم الدميري: إبراهيم الشيخ العلامة قاضي قضاة المالكية بالقاهرة المعزية سنين برهان الدين الدميري. توفي ببيته بالقرب من الصالحية بين القصرين بالقاهرة في يوم الأربعاء ثالث عشري رمضان سنة ثلاث عشرة وتسعمائة. كان سبب موته خطبته بين يدي السلطان الغوري لما أراد أن يسمع الخطباء، وقد قدمنا القصة في ترجمة الشيخ محب الدين المحرقي خطيب الجامع الأزهر - رحمه الله تعالى - .
210 - إبراهيم الشاذلي: إبراهيم الشاذلي المصري العارف بالله تعالى. كان ينفق نفقة الملوك، ويلبس ملابسهم، وينفق من غيب الله تعالى لا يدري له أحد جهة معينة تأتيه منها الدنيا، ولم يطلب الطريق حتى لحقه المشيب، فجاء إلى سيدي محمد المغربي الشاذلي، وطلب منه التربية. فقال له: يا إبراهيم تريد تربية بيتية وإلا سوقية، فقال له: ما معنى ذلك. قال: التربية السوقية بأن أعلمك كلمات في الفناء والبقاء ونحوهما، وأجلسك على سجادة، وأقول لك خذ كلاماً، واعط كلاماً من غير ذوق ولا انتفاع. والتربية البيتية بأن تفني اختيارك في اختياري، وتشارك أهل البلاد، وتسمع في حقك ما تسمع، فلا تتحرك منك شعرة اكتفاء بعلم الله تعالى. فقال سيدي إبراهيم: أطلب التربية البيتية. قال: نعم لكن لا يكون فطامك إلا بعدي على يد الشيخ أبي المواهب، وكان الأمر كذلك، ولم يشتهر إلا بالمواهبي، ثم قال له الشيخ محمد: أخدم البيت والبغلة، وحسن الفرس، وافرش تحتها الزبل، وكب التراب، فقال: سمعاً وطاعةً. فلم يزل يخدم عنده حتى مات، فاجتمع على سيدي أبي المواهب، فما عرف إلا به، ولم يزل عند الشيخ أبي المواهب يخدم كذلك، ولم يجتمع مع الفقراء في قراءة حزب ولا غيره، حتى حضرت سيدي أبي المواهب الوفاة، فتطاول جماعة من فقرائه إلى الأذن. فقال الشيخ: هاتوا إبراهيم، فجاءه فقال: افرشوا له السجادة، فجلس عليها، وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق، فابدأ الغرائب والعجائب، فأذعن له الجماعة كلهم. وكان له ديوان شعر وموشحات وكتب على الحكم العطائية شرحاً. وتوفي في سنة أربع عشرة وتسعمائة، ودفن بزاويته بالقرب من قنطرة سنقر، وقبره بها ظاهر يزار - رحمه الله تعالى - .
211 - إبراهيم بن حسن الشيشيري: إبراهيم بن حسن الشيخ العالم الشيشري ابن الشيخ الكامل بالله حسن النبيسي، ونبيس قرية في حلب الشيشر من بلاد العجم، وكان المنلا إبراهيم من فضلاء عصره، وله مصنفات في الصرف، وقصيدة تائية في النحو لا نظير لها في السلامة وله تفسير من أول القرآن إلى سورة يوسف ومصنفات في التصوف وممن أخذ عنه الشيخ أبو الفتح السيستري نزيل الشميصاتية بدمشق، وكان يحفظ قصيدة التائية المذكورة ويرويها عنه. قتل في أرزنجان قتله جماعة من الخوارج سنة خمس عشر وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
212 - إبراهيم الأنطاكي: إبراهيم الأنطاكي، ثم الحلبي الشاعر المعروف بأسطا إبراهيم الحمامي. قال ابن الحنبلي: كان شاعراً ذا ذكاء وذوق مع كونه عامياً. وله موشحات وتصانيف وأعمال موسيقية مشهورة على لحن فيها، وديوان حافل سماه " برهان البرهان " ، ومن شعره مضمناً:
هويت رشا حاز الجمال بأسره ... له طلعة فاقت على شفق الفجر
تحير فيه الواصفون لحسنه ... وقالوا: عجزنا عنه بالفكر والذكر
فقلت لهم: هذا الذي صح أنه ... كما شاعت الأخبار في البر والبحر
تراءى، ومرآة الزمان صقيلة ... فآثر فيها وجهه صورة البدر
توفي ليلة الفطر سنة ست وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
213 - إبراهيم العجلوني: إبراهيم الشيخ الصالح برهان الدين العجلوني والدمشقي الشافعي الصوفي، أخذ الطريق عن الأخوين الشيخين العالدين الزاهدين الشهابي أحد، والبرهاني إبراهيم ابني قرا، وكان يتكسب في العطر والبزر بحانوت في آخر السويقة المحروقة. ذهب ليشتري فلفلاً ليضعه في حانوته من سوق البزورية داخل دمشق، فلما وصل إلى قرب جامع جراح وقع ميتاً، وحمل إلى منزله بقرب زاوية الشيخين المذكورين، وكان ذلك عشية السبت عشري شوال سنة سبع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
214 - إبراهيم الصلتي: إبراهيم القاضي برهان الدين الصلتي الحسيني الشافعي. ولي نيابه القضاة بدمشق، ومات يوم الاثنين ثالث شعبان سنة تسع عشرة وتسعمائة بتقديم التاء المثناة - رحمه الله تعالى - .
215 - إبراهيم بن الخطيب: إبراهيم العالم الفاضل المولى الشهير بابن الخطيب الرومي الحنفي، أحد الموالى العثمانية. فرأ على أخيه المولى خطيب زاده وعلى غيره، ثم ولي التدريس وترقى فيها حتى صار مدرساً بمدرسة السلطان مراد خان ببروسا، وتوفي وهو مدرس بها، وقال في الشقائق كان سليم الطبع حليم النفس منجمعاً عن الخلق، مشتغلاً بنفسه، أديباً لبيباً، إلا أنه لم يشتغل بالتصنيف لضعف دائم في مزاجه، وكانت وفاته في سنة عشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
216 - إبراهيم السمديسي: إبراهيم القاضي برهان الدين السمديسي المصري الحنفي ولي نيابة القضاء، والوظائف الدينية بالقاهرة، وناب عن عمه القاضي شمس الدين السمديسي في إمامة الغورية، وكانت وفاته يوم الإثنين سادس عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع الأزهر - رحمه الله تعالى - .
217 - إبراهيم الكركي: إبراهيم الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة برهان الدين بن الكركي المصري الحنفي. كان فاضلاً عالماً عارفاً بالميقات ووضعياته، ذكياً لطيفاً، حسن العشرة والمعاملة، وفيه عفة وكرم باشر القضاء بعفة وديانة، وضبط للأوقاف وصرفها إلى أربابها، وكان ذا فصاحة في اللسان العربي والتركي، ولم يزل في عزة وارتفاع قدر خصوصاً عند الملوك والأتراك، وكان له ثروة وأملاك وجهات كثيرة، ومتع حتى بموت أعدائه أمامه ودرس بالأشرفية وغيرها. قال العلائي: وقد وقفت له على سماع في صحيح البخاري بحفظ الزركشي في نسخة الشيخونية، وكان يقول: إنه سمع عليه في صحيح مسلم أيضاً، وقد اشتغل على التقويين الشمني والحصكفي، وأخذ الأخذ عن ابن العطار، وكانت وفاته يوم الثلاثاء خامس شعبان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة غريقاً تجاه منزله من بركة الفيل بسب أنه كان توضأ بسلالم قيطونه، فانفرك به القبقاب، فانكفأ في البركة، ولم يتفق أحد يسعفه فاستبطأوه فتطلبوه، فوجدوا عمامته عائمة وفردة القبقاب على السلم، فعلموا سقوطه في البركة، فوجدوه ميتاً ونال الشهادة، ودفن بفسقيته التي أنشأها بتربة الأتابك يشبك بقرب السلطان قايتباي - رحمه الله تعالى - وتردد الأمير طومان باي الذي صار سلطاناً بعد موت الغوري إلى بيته، وذهب ماشياً إلى جنازته هو ومن بمصر من الأعيان، وصلي عليه بسبيل المؤمنين ضحوة الأربعاء سادس شعبان المذكور، وصلي عليه وعلى البرهان بن أبي شريف وآخرين غائبة في جامع دمشق يوم الجمعة تاسع عشر محرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
218 - إبراهيم بن موسى الطرابلسي: إبراهيم بن موسى بن أبي بكر ابن الشيخ علي الشيخ الصالح العلامة برهان الدين الطرابلسي، ثم الدمشقي. نزيل القاهرة الحنفي. أخذ عن السخاوي والديمي وغيرهما، وكان منقطعاً في خلوة بالمؤيدية عند الشيخ صلاح الدين الطرابلسي، ثم طلب العلم واشتغل، وترقى مقامه عند الأتراك بواسطة اللسان، ثم صار شيخ القجماسية، وتوفي في أواخر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق مع البرهانين المتقدمين ابن أبي شريف، وابن الكركي - رحمهم الله تعالى - .
219 - إبراهيم الصوفي: إبراهيم الصوفى الدمشقى صاحب الشيخ الصالح علي الوراق. قال شيخ الإسلام الوالد: كان صالحاً، ولكنه اتهم بالكيمياء، وصلب سنة ثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
220 - أبو بكر بن زريق الحنبلي: أبو بكر بن محمد الشيخ الإمام العلامة تقي الدين ابن الشيخ الإمام العلامة الحافظ ناصر الدين بن زريق، الدمشقي، الصالحي، الحنبلي. توفي يوم السبت ثاني عشر صفر سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
221 - أبو بكر الحيشي: أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الحيشي بن نصر بن عمر بن هلال بن معدي بن زيد بن أبي يزيد بن عشائر ينتهي نسبه كما وجد بخطه إلى زيد الخير الصحابي - رضي الله تعالى عنه - الشيخ المحدث تقي الدين الحبيشي الأصل، الحلبي الشافعي البسطامي الخرقة. قال ابن الحنبلي: أدركته وقد عمر وعلى رأسه تاج البسطامية، وفي وجهه نور السادات الصوفية. وحدثني ووالدي بالحديث المسلسل بالأولية، وذكره السخاوي في الضوء اللامع، وقال: ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة في مستهل جمادى الأولى بحلب. ولازم والده في النسك، وقرأ وسمع على أبي ذز بن البرهان الحافظ، وتدرب به في كثير من المبهمات والغريب والرجال، بل وتفقه به وبالشمس البابي إمام الجامع الكبير بحلب، وأبي عبد الله بن القيم، وابن الضعيف، وكذا على العلاء ابن السيد عفيف الدين حين ورد عليهم في آخرين: بل أجاز له ابن حجر، والعلم البلقيني، والزين عبد الرحمن بن داود في بعض الاستدعاءات، وزار بيت المقدس، وحج في سنة ست وثمانين، وجاور ولازم الشمس السخاوي، وحمل عنه مؤلفاته، وكانت وفاته في رجب سنة ثلانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
222 - أبو بكر بن إسماعيل السندي: أبو بكر بن إسماعيل بن يوسف بن حسين بن يوسف بن موسى، الشيخ تقي الدين السندي، الصوفي، الشافعي، الشهير بالشرابي ابن أخي قاضي القضاة شهاب الدين السندي الحصكفي شارح المحرر، والفصوص لابن العربي عمه المذكور دخل حلب، فأخذ عن علمائها كالبدر السيوفي، والبرهان العمادي، وألف شرحاً لطيفاً على " القصاري " في علم الصرف، ثم رجع إلى العمادية، وبها توفي قبل العشرين والتسعمائة ظناً. كما قاله ابن الحنبلي رحمه الله تعالى.
223 - أبو بكر الشاذلي العيدروسي: أبو بكر بن عبد الله الشيخ الصالح العارف بالله تعالى الشاذلي، المعروف بالعيدروس، وهو مبتكر القهوة المتخذة من البن من اليمن، وكان أصل اتخاذه لها أنه مر في سياحته بشجر البن على عادة الصالدين، فاقتات من ثمره حين رآه متروكاً مع كثرته، فوجد فيه تجفيفاً للدماغ، واجتلاباً للسهر، وتنشيطاً للعبادة، فاتخذه قوتاً وطعاماً وشراباً، وأرشد أتباعه إلى ذلك، ثم انتشرت في اليمن، ثم إلى بلاد الحجاز، ثم إلى الشام ومصر، ثم سائر البلاد، واختلف العلماء في أوائل القرن العاشر في القهوة وفي أمرها حتى ذهب إلى تحريمها جماعة ترجح عندهم أنها مضرة، وآخر من ذهب إليه بالشام والد شيخنا الشيخ شهاب الدين العيثاوي، ومن الحنفية بها القطب بن سلطان، وبمصر الشيخ أحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطي تبعاً لأبيه، والأكثرون ذهبوا إلى أنها مباحة، وقد انعقد الإجماع بعد من ذكرناه على ذلك، وأما ما ينضم إليها من المحرمات فلا شبهة في تحريمه، ولا يتعدى تحريمه إلى تحريمها حيث هي مباحة في نفسها، وأما مبتكرها صاحب الترجمة، فإنه في حد ذاته من ساعات الأولياء، وأئمة العارفين، وقد ألف كتاباً في علم القوم سماه " الجزء اللطيف، في علم التحكيم الشريف " وذكر فيه أنه لبس الخرقة الشاذلية من الشيخ الفقيه الصوفي العارف بالله تعالى جمال الدين محمد بن أحمد الدهماني المغربي القيرواني الطرابلسي المالكي في المحرم سنة أربع وتسعمائة. كما لبسها من الشيخ إبراهيم بن محمود المواهبي بمكة في صفر سنة ثلاث وتسعمائة، كما لبسها من شيخه الكامل محمد أبي الفتوح الشهير بابن المغربي، كما لبسها من الشيخ أبي عبد الله محمد بن حسين بن علي التيمي الحنفي، كما أخذ من الشيخ ناصر الدين بن المبلق السكندري الأصولي، وعن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الإسكندري، عن الشيخ أبي العباس المرسي، عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي - رضي الله تعالى عنهم - وكانت وفاة صاحب الترجمة في أوائل القرن المذكور، ولعله لم يدرك العاشرة منه.
224 - أبو بكر ابن قاضي عجلون : أبو بكربن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن محمد بن عبد الله، الشيخ العالم العلامة المتقن المحرر الفهامة القدوة الأمة والرحلة العمدة الإمام الهمام، شيخ مشايخ الإسلام، أبو الصدق تقي الدين ابن الشيخ العلامة أقضى القضاة ولي الدين ابن قاضي عجلون الزرعي الدمشقي الشافعي. ولد بدمشق في شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، واشتغل على والده وأخيه شيخ الإسلام الشيخ نجم الدين، وعلى شيخ الإسلام زين الدين خطاب، وسمع الحديث على المسند أبي الحسن علي بن إسماعيل بن بردس البعلي، والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين وغيرهما، وأخذ عن ابن حجر مكاتبة، والعلم صالح البلقيني، والشمس المناوي، والجلال المحلي. وكان إماماً بارعاً في العلوم، وكان أفقه زمانه، وأجل معاصريه وأقرانه، ودرس بالجامع الأموي والشامية البرانية والعمرية وبالقاهرة دروساً حافلة. وألف منسكاً لطيفاً، وكتاباً حافلاً سماه " أعلام التنبيه، مما زاد على المنهاج من الحاوي والبهجة والتنبيه " ، انتهت إليه مشيخة الإسلام ورئاسة الشافعية ببلاد الشام بل وبغيرها من بلاد الإسلام، وحصل له من السعد في العلم والرئاسة وكثرة التلامذة، وقرة العين بهم في دمشق ما حصل لشيخ الإسلام زكريا بالقاهرة إلا أن القاضي زكريا زاد عليه في السعادة بكثرة التصانيف وتحقيقها - رحمهما الله تعالى - وبرع أكثر تلاميذ صاحب الترجمة في حياته كالشيخ شمس الدين الكفرسوسي، والشيخ تقي الدين البلاطنسي، والسيد كمال الدين بن حمزة والقاضي رضي الدين الجد، وشيخ الإسلام الوالد، والشيخ بهاء الدين الفصي البعلي، والشيخ تقي الدين القاري، والشيخ علاء الدين القيمري، والشيخ شرف الدين يونس العيثاوي وغيرهم، وأخبرني شيخنا المعمر المقرئ المجيد ولي الله تعالى البدري حسن الصلتي القبيباتي الدمشقي. الصالحي، المتوفى في أواخر سنة إحدى وتسعين وتسعمائة أنه قرأ على الشيخ تقي الدين صاحب الترجمة، وتفقه به، وأخذ عنه الحديث وغيره، فهو آخر من يروي عنه بلا شك ولا ريب، وحدثني شيخنا - فسح الله تعالى في أجله - مراراً عن والده الفقيه العلامة شرف الدين يونس العيثاوي، عن مشايخه، عن الشيخ العلامة نجم الدين ابن قاضي عجلون أنه كان إذا ذكر أخوه الشيخ تقي الدين يقول: لولا أنه يقبح بالإنسان أن يمدح أخاه لقلت ما تحت أديم السماء أفقه منه، وحدثني شيخنا عن والده أيضاً مراراً أن أهل مصر كانوا يقفلون محابرهم إذا قدمها الشيخ تقي الدين، ويقولون: جاء ابن قاضي زرع، ويخلون له أمر الفتوى، وقال ابن طولون: عرضت عليه محفوظاتي وأجازني، وكتب لي خطه بذلك، وفي غضون ذلك حضرت عنده عدة مجالس، واستفدت منه فوائد، وكثيراً من فتاويه قال: وقد جمعها شيخنا الشهاب بن طوق، وذيل عليها ما قاله أخونا النجمي بن شكم. قال: ولما قدم لدمشق العالم الرحال جار الله بن فهد المكي، قرأ عليه مسند الشافعي، وغالب مشيخة الفخر بن البخاري، وبعض مناسك له وغير ذلك، وترجمه شيخ الإسلام الوالد في بعض مؤلفاته، ثم قال: وقد قرأت عليه جانباً كبيراً من العجالة نحو ثلثيها ومثله من التصحيح أكبر لأخيه، وسمعت عليه جانباً كبيراً من البخاري، وآخر من مسلم، ومن سنن أبي داود، وأجازني بها وبجميع الكتب الستة، وكل ما يجوز له وعنه روايته. قال: وأفتيت ودرست في أيامه مدة طويلة، وقرأت عليه منظومتي المسماة " باللمحة، في اختصار الملحة " ، وابتهج به كثيراً، وكان يعجب بي كثيراً، ويثني علي في غيبتي جميلاً، انتهى.
وأخذت من تاريخ ابن طولون وغيره جملاً من سيرته - رضي الله تعالى عنه - كان - رحمه الله تعالى - مرجع الناس في حل المشكلات والمعضلات، وبيان الأحكام الشرعية، والقيام في أمور العامة على الحكام وغيرهم، وكان ينكر على كثير من المتصوفة المنتحلين لأمور ينكرها ظاهر الشرع، وقام على الشيخ شمس الدين العمري المتصوف مراراً، ومنعه من التكلم، وأدبه وزجره عن مطالعة كتب ابن العربي، وعن ما كان يقع منه من الشطحيات، ثم لما وقع اعتقاد العمري في قلب السلطان قايتباي، وسافر إليه العمري، وشكى من الشيخ تقي الدين، فطلب الشيخ تقي الدين " هو والشيخ محب الدين الحصني بسببه إلى القاهرة مع أن الشيخ تقي الدين " كان مذهبه السكوت في أمر ابن العربي، وعدم الإنكار. ولما قدم الشيخ العلامة برهان الدين البقاعي دمشق في سنة ثمانين وثمانمائة تلقاه الشيخ تقي الدين هو وجماعة من أهل العلم إلى القنيطرة، ثم لما أتف كتابه في الرد على حجة الإسلام الغزالي في مسألة " ليس في الإمكان، أبدع مما كان " ، وبالغ في الإنكار على ابن العربي وأمثاله حتى أكفر بعضهم. كان الشيخ تقي الدين ممن أنكر على البقاعي ذلك، وهجره بهذا السبب خصوصاً بسبب حجة الإسلام تقي الدين مرة أخرى في أيام الغوري بسبب فتياه في واقعة ابن محب الدين الأسلمي المعارضة لفتيا تلميذه وابن أخته السيد كمال الدين بن حمزة، وطلب هو والسيد وجماعة إلى القاهرة بهذا السبب، وغرم بسبب ذلك أموالاً كثيرة حتى باع أكثر كتبه بهذا السبب، وانتهى الأمر آخراً على العمل بفتياه، وإعادة تربة ابن محب الدين المهدومة بفتوى الشيد كما كانت عملاً بما أفتى به الشيخ تقي الدين كما ذكره الحمصي في تاريخه. وعاد الشيخ تقي الدين هو وولده الشيخ نجم الدين إلى دمشق، وقد ولي ولده المذكور قضاء قضاة الشافعية لما قد استوفيت القصة في ترجمة السيد كمال الدين، وأضر الشيخ تقي الدين آخراً، وغلب عليه في آخر عمره الرقة والخوف والاعتراف بالتقصير. حدثني شيخنا - فسح الله تعالى في مدته - عن والده قال: دخلت على شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون بعد أن أضر، فوجدته محتبياً جاعلاً رأسه بين ركبتيه، فظننت أنه نائم، فلم أتكلم، ولم يشعر بي فبعد ساعة هب كما يستيقظ النائم، ومسح يديه على وجهه قائلاً: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، قال: فمكث ساعة، ثم أفهمته أني دخلت، فسلمت قلت: وقد أحببت أن لا أخلي هذه الترجمة من نكتة ظريفة، وفائدة منيفة، وهي أني أقول ما رأيت، ولا أظن أني أرى أفقه من شيخ الإسلام والدي، وسمعته أو حضرته، وهو يقول: ما رأيت أفقه من شيخ الإسلام زكريا، ولا أحسن تصرفاً إلا أن يكون شيخ الإسلام تقي الدين أبو بكر بن عبد الله ابن قاضي عجلون وهو أكثر نقلاً واستحضاراً، وهما ما رأيا أفقه من شيخ الإسلام الشمس القاياتي، وهو ما رأى أفقه من شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، وهو ما رأى أفقه من شيخ الإسلام تقي الدين السبكي، وهو ما رأى أفقه من فقيه المذهب النجم بن الرفعة، وهو ما رأى أفقه من السديد التزمنتي، وهو ما رأى أفقه من سلطان العلماء ابن عبد السلام، وهو ما رأى أفقه من الإمام فخر الدين بن عساكر الحافظ، وهو ما رأى أفقه من القطب النيسابوري، وهو ما رأى أفقه من الإمام محمد بن يحيى، وهو ما رأى أفقه من حجة الإسلام الغزالي، وهو ما رأى أفقه من أبي المعالي إمام الحرمين، وهو ما رأى أفقه من والده الشيخ أبي محمد الجويني، وهو ما رأى أفقه من القفال، وهو ما رأى أفقه من الإمام أبي زيد المروزي، وهو ما رأى أفقه من شيخ الإسلام أبي إسحاق المروزي، وهو ما رأى أفقه من الباز الأشهب بن سريج، وهو ما رأى أفقه من الإمام أبي القاسم الأنماطي، وهو ما رأى أفقه من الإمام أبي إبراهيم المزني، وهو ما رأى أفقه من إمام الأئمة أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وهو ما رأى أفقه من إمام دار الهجرة أبي عبد الله مالك بن أنس، وهو ما رأى أفقه من الإمام نافع، وهو ما رأى أفقه من عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو ما رأى أفقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال: أخبرنا شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدين أن جميع الذين أفتوا في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله رحمه الله تعالى:
لقد كان يفتي في زمان نبينا ... مع الخلفاء الراشدين أئمة
معاذ وعمار وزيد بن ثابت ... أبي بن مسعود وعوف حذيفة
ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ... كذاك أبو الدرداء، وهو تتمة
وأفتى بمرآه أبو بكر الرضى ... وصدقه فيها وتلك مزية
توفي شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون صاحب الترجمة في ضحوة يوم الاثنين حادي عشر رمضان سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بمنزله بالدولعية داخل دمشق، وصلى عليه ولده قاضي القضاة نجم الدين شمالي مقصورة الجامع الأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير، وحملت جنازته على الرؤوس. قال شيخ الإسلام الوالد: وحمل جنازته من تلاميذه الشيخ العلامة تقي الدين أبو بكر بن محمد بن محمد البلاطنسي، والشيخ تقي الدين القارئ، والفقير - يعني نفسه - وقال ابن طولون: وكنت حاضر الجنازة، وغالب أفاضل البلد، وكان الحر شديداً، وتأخر في دفنه لأجل إصلاح، ولم يحضرها تلميذه الشيخ شمس الدين الكفرسوسي، والشيخ أبو الفضل المقدسي، وهما من أخصائه، ولعل لهما عذراً ولا لوم رضي الله تعالى عنه.
225 - أبو بكر المؤقت: أبو بكر بن عبد المحسن الشيخ تقي الدين البغدادي الأصل الدمشقي المؤقت بالجامع الأموي، كان من أهل العلم، وأخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وكتب بعض مؤلفاته. توفي في أواخر حدود هذه الطبقة ظناً رحمه الله تعالى.
226 - أبو بكر البكري: أبو بكر بن عبد المنعم زين الدين البكري أحد أعيان قضاة مصر القديمة وأصلائها. كان فاضلاً في فقه الشافعية، وكان ذا نباهة وعقل وحياء، توفي في منتصف الحجة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة عن نحو خمسين سنة، وصلي عليه بجامع عمرو، ودفن عند والده بقرب مقام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - عن غير وارث إلا شقيقه عمر محتسب القاهرة يومئذ رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
227 - أبو بكر الحموي: أبو بكر بن محمود قاضي القضاة تقي الدين الحموي الأصل، ثم الحلبي، الشافعي، الشهير بابن المعري. كان في دولة الجراكسة قاضياً بحماة ثم تحاشى عن القضاء، واختار العزلة، وبقي بحماة إلى تولية الدولة العثمانية، فرحل إلى حلب، ومكث بها على حشمته ورئاسته وأبهته وجلالته، بحيث لا يخرج من منزله إلا إلى صلاة الجماعة بالجامع الكبير. وتوفي بحلب في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
228 - أبو بكر خطيب المزة: أبو بكر الشيخ تقي الدين الشاهد بمركز العدول بباب الفرج بدمشق، المعروف بخطيب المزة. توفي يوم الاثنين ختام جمادىالآخرة سنة خمس عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
229 - أبو بكر بن المجنون: أبو بكر، الشيخ الصالح تقي الدين الدمشقي العاتكي، الشهير بابن المجنون. كان أحد جماعة الشيخ العلامة العارف بالله تعالى سيدي أبي الفتح المزي، وكان تقياً نقياً صالحاً ورعاً، وكان ينسج القطن، ويأكل من عمل يده. توفي يوم الأحد سلخ رمضان سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
230 - أبو بكر الدليواتي: أبو بكر المصري الأصل، الحلبي، الشيخ الصوفي الشهير الدليواتي، صاحب المزار المشهور - بحلب - كان قادري الخرقة أردبيليها، وكان رفيقاً للشيخ محمد الكواكبي في أخذ الطريق عن الشيخ باكير، عن إبراهيم البسيتي عن خوجه علي صاحب المزار المشهور ببيت المقدس عن أخيه خوجه صدر الدين الأردبيلي، وكان طريقه الماء والمحراب، ومجاهدة النفس، والقيام لله تعالى، وكان ينكر على الشيخ إبراهيم بن سعيد الدامي ما كان يتعاطاه من الدفوف والمواصل في السماعات، وتعصب عليه مع الشيخ إبراهيم جماعة من حلب، وأراعوا تعزيره، فدفعهم الله تعالى، وكانت وفاته بعد خمس عشرة وتسعمائة.
231 - أبو بكر خطيب قبر عاتكة: أبو بكر، الشيخ العالم تقي الدين خطيب محلة قبر عاتكة بدمشق، عرف بالمناشفي. توفي يوم الأحد رابع ربيع الأول سنة سبع عشرة بتأخير الباء الموحدة وتسعمائة بدمشق. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
232 - أبو بكر ابن قاضي زرع: أبو بكر الشيخ العلامة القاضي تقي الدين الدمشقي، المعروف بابن قاضي زرع الشافعي، كان آخر حلفاء الحكم بدمشق. توفي يوم الثلاثاء عاشر رمضان سنة تسع عشرة بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
233 - أبو بكر الحديدي: أبو بكر، الشيخ الصالح، العابد الزاهد، الحديدي صاحب الرواية بالبحر الصغير. أخذ الطريق عن سيدي أحمد بن مصلح المنزلاوي، ووافق الشيخ محمد المنير في الحج كل سنة أربعين سنة، وكان يفعل كما يفعل من حمل القماش والسكر والصابون لفقراء مكة، وكان من طريقه سؤال الناس للفقراء حضراً وسفراً، وكان إذا دخل سوقاً سأل الناس يميناً وشمالاً، فلا يخرج إلا وقد حصل له دراهم كثيرة، فيصرفها للفقراء، ويقول: أخذنا من الناس ما ينفعهم في آخرتهم، وكان يحب القراء ومن دعاه، فلم يجبه مشى خلفه، وهو مكشوف الرأس ليدخل عليه حتى يجيبه، وكان يغلب عليه البسط والانشراح، ومع ذلك شديد الحرص على السنة لا يسامح أحداً في شيء من أدائها، وكان معه مقراض من رأى شاربه طويلاً قصه، فإن امتنع تبعه قائلاً: واديناه ويا محمداه حتى يمكنه من قصه. توفي بالمدينة المنورة سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
234 - أبو بكر الظاهري: أبو بكر، الشيخ العالم الفاضل، تقي الدين الظاهري، نزيل دمشق. توفي بها في مستهل رمضان سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحه واسعة.
235 - أبو بكر الحمصي: أبو بكر، الشيخ الصالح تقي الدين الحمصي أحد صوفي الشميصاتية والنازلين بها، وكان يحفظ القرآن حفظاً جيداً. توفي يوم الاثنين سادس عشري جمادىالآخرة سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة. قال ابن طولون: وهرع الناس إلى جنازته والصلاة عليه، ولم أر أحداً بدمشق إلا شهد له بالصلاح، ودفن بباب الصغير، رحمه الله عالى رحمة واسعة.
236 - أبو البقاء بن الجيعان: أبو البقاء بن الجيعان كاتب السر بمصر. توفي مقتولاً سنة اثنتين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
237 - أبو الخير بن نص: أبو الخير بن نصر شيخ البلاد الغربية من أعمال مصر ومحيي السنة. توفي في أواسط حدود هذه الطبقة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
238 - أبو الخير الكليباتي: أبو الخير الكليباتي، الشيخ الصالح الولي المكاشف الغوث المجذوب. كان رجلاً قصيراً يعرج بإحدى رجليه، وله عصا فيها حلق خشاخيش وكان لا يفارق الكلاب في أي مجلس كان فيه حتى في الجامع والحمام، وأنكر عليه شخص ذلك. فقال له: رح وإلا جرسوك على ثور، فشهد ذلك النهار زوراً، فجزسوه على ثور دائر مصر، وأنكر عليه بعض القضاة ذلك، فقال: هم أولى بالجلوس في المسجد منك، فإنهم لا يأكلون حراماً، ولا يشهدون زوراً، ولا يستغيبون أحداً، ولا يدخرون عندهم شيئاً من الدنيا، ويأكلون الرمم التي تضر رائحتها الناس، وكان كل من جاءه في حملة يقول له: اشتر لهذا الكلب رطل لحم شواء، وهو يقضي حاجتك، فيفعل، فيذهب ذلك الكلب، ويقضي تلك الحاجة. قال الشعراوي: أخبرني سيدي علي الخواص أنهم لم يكونوا كلاباً حقيقية، وإنما كانوا جناً سخرهم الله تعالى له يقضون حوائج الناس، وقال الحمصي بعد أن ترجمه بالقطب الغوث: كان صالحاً مكاشفاً، وظهرت له كرامات دلت على ولايته، وكان مجذوباً يصحو تارة، ويغيب أخرى، وكان يسعى له الأمراء والأكابر، فلا يلتفت إليهم. توفي في ثالث جمادىالآخرة سنة تسع وتسعمائة، وحمل جنازته القضاة والأمراء، ودفن بالقاهرة بالقرب من جامع الحاكم بالقاهرة، وبنى عليه عمارة وقبة القاضي شرف الدين الصغير ناظر الدولة، وانتهت عمارتها في ختام رجب من السنة المذكورة. وقال الشعراوي: إنه مات سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، والأول هو ما حرره الشيخ الحمصي في تاريخه، وكان يومئذ بمصر، وما قاله أصح لأنه يتقيد بالوقائع والحوادث يوماً يوماً، وأكثر ما أرخه الشعراوي - رحمه الله تعالى - في طبقاته تقريب رحمه الله.
239 - أبو السعود قاضي مكة : أبو السعود العلامة قاضي قضاة مكة. قتله الشريف بركات سنة ثمان وتسعمائة.
240 - أبو السعادات بن ظهيرة: أبو السعادات بن ظهيرة قاضي قضاة مكة عرض له السيد نبيتة ابن السيد بركات صاحب مكة لما قدم مصر في شهر جمادىالآخرة سنة خمس وعشرين وتسعمائة عن ابن ناصر لسوء ولايته، وذم سيرته كما ذكره العلائي في تاريخ.
241 - أبو سنقر البعلي: أبو سنقر، الشيخ الصالح المبارك المعتقد أبو علي البعلي الأصل الدمشقي. قال الشيخ موسى الكناوي: كان مجذوباً عارفاً، وكان خفير دمشق، وكان رجلاً مربوعاً أبيض اللون يخضب لحيته بالحناء، عليه جلاية بيضاء دائماً، وبيده كشتوان كبير، وعصا كبيرة، فإذا سأله أحد مسألة من المغيبات يضرب بالكشتوان على العصا، ثم يتكلم بما يقتضيه الحال، وقال الشيخ شمس الدين بن طولون: كان يقال إنه من الإبدال، وأنه خفير الشام قال:ولا شك في صلاحه. قال: وكان عليه عمامة كبيرة فيها ورقة، فإذا أراد أحداً يكتب، وحضر دواة استكتبه فيها ما تيسر. قال: وكان يتكلم بكلام فيه كشف، وكانت وفاته في يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة سنة ثلاثين وتسعمائة بالبيمارستان النوري بدمشق، ودفن بباب الصغير عند قبر الشيخ حماد المشهور تجاهه من الشمال نحو أربعة أذرع كذا قال الشيخ موسى. لكنه أرخ وفاته في صفر سنة إحدى وثلاثين آخذاً مما وجده مكتوباً على قبره بالحبر، والأول أصح لأنه الذي أرخه ابن طولون في تاريخه المرتب على الأيام وكذلك الحمصي إلا أنه قال: وكانت له كرامات ومكاشفات. انتهى.
ومات وهو في عشر السبعين تقريباً، قلت: كتب شيخ الإسلام الجد - رضي الله تعالى عنه - في قائمة أصحابه الذين اصطحب معهم من الصالدين والأولياء الشيخ سنقر البعلي من غير إضافة الأب، فلا أدري أهو صاحب الترجمة أم غيره، فإن في بلدة بعلبك قبراً مشهوراً بقبر الشيخ سنقر، فلعله هو، والله سبحانه وتعالى أعلم.
242 - أبو النور التونسي: أبو النور الحافظ لكتاب الله تعالى المقري التونسي المالكي نزيل المدرسة المقدمية بحلب. كان يؤدب الأطفال بها، وكان من عادنه أن يقرأ ثلث القرآن بعد المغرب، وثلثه بعد العشاء، ومن غريب ما اتفق له أنه لما ركب البحر من تونس إلى إسكندرية حصل لملاح السفينة، وكان فرنجياً حمى غب أشغ(لته عن مصلحته السفينة،وعجز ركابها علاج ينفعه، وطلب من الشيخ أبي النور ما يكتب للحمى، فكتب له ورقة خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا، فاسلكوه، ولف الورقة، ودفعها له، فوضعها في رأسه فما مضت تلك الليلة حتى ذهبت عنه الحمى. توفي أبو النور بحلب سنة ست وعشرون وتسعمائة، ودفن بمقبرة الرحبي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
243 - أبو يزيد بن محمد آل عثمان: أبو يزيد بن محمد السلطان المفخم، والخاقان المعظم، بايزيد خان ابن السلطان محمد خان فاتح القسطنطينية العظمى ابن السلطان مراد خان ابن السلطان محمد خان ابن السلطان بايزيد خان ابن السلطان مراد خان ابن السلطان أورخان ابن السلطان عثمان خان الغازي ابن أرطغرل بن سليمان شاه سلطان الروم - رحمه الله تعالى - .مولده سنة ست وخمسين وثمانمائة، وجلس على تخت السلطنة بعد وفاة أبيه في ثامن ربيع الأول سنة ست وثمانين وثمانمائة، وعمره إذ ذاك ثلاثون سنة، وكان من أعيان الملوك الأكابر، وممن ورث السلطنة عن آبائه كابراً عن كابر، تزينت باسمه رؤوس المنائر، وصدور المنابر، فتح الفتوحات، وغزا في سبيل الله الغزوات، مما افتتحه قلعة ملوان وقلعة كوكلك وقلعة أق كرمان وقلعة متون وقلعة قرون وغير ذلك وكان محباً للخيرات، مثابراً على البر والصدقات، يميل إلى العلماء والصلحاء، ويعرف حقوق الفضلاء والنبلاء، ودخل الخلوة عند بعض المشايخ، وبنى الجوامع والمدارس والتكايا والزوايا، ورتب للمفتي الأعظم ومن ببيته من العلماء في زمانه كل عام عشرة آلاف عثماني، ولكل واحد من مدرسي المدرسة العثمانية سبعة آلاف عثماني، ولمدرسي شرح المفتاح لكل واحد أربعة آلاف عثماني، ولكل واحد من مدرسي شرح التجريد الذي عثماني، وكذلك رتب لمشايخ الصوفية ومريديهم وأهل الزوايا ما يليق بهم. عين لهؤلاء من الكسوة من الفراء والحوائج على قدر مراتبهم، وصار ذلك قانوناً جارياً بعده مستمراً، وكان يحب أهل الحرمين الشريفين، ويحسن إليهم إحساناً كثيراً، ورتب لهم الصر في كل عام، وكان يجهز إلى فقراء الحرمين في كل سنة أربعة عشر ألف دينار ذهباً يصرف نصفها على فقراء مكة، ونصفها على فقراء المدينة، وكان يكرم الواردين عليه من أهل الحرمين الشريفين أو من غيرهم، ويصلهم ويحسن إليهم حتى ألف الشيخ جمال الدين المبرد الحنبلي الصالح الدمشقي في مدحه، ونشر مناقبه مؤلفاً مستقلاً، وصنف الشيخ شهاب الدين أحمد بن. الحسين العليف شاعر مكة باسمه تاريخاً سماه " الدر المنظوم، في مناقب السلطان بايزيد ملك الروم " ، لا يخلو من فوائد لطيفة، وكتب في مدحه قصيدة رائية طنانة مطلعها: خذوا من ثنائي موجب الحمد والشكر ومن در لفظي طيب النظم والنثر ومنها:
فيا راكباً يسري على ظهر ضامر ... إلى الروم يهدي نحوه طيب النشر
لك الخير إن وافت بروساً فسر بها ... رويداً لإستنبول سامية الذكر
إلى ملك لا يبلغ الوصف كنهه ... شريف المساعي نافذ النهي والأمر
إلى بايزيد الخير والملك الذي ... حمى بيضة الإسلام بالبيض والسمر
وجرد للدين الحنيفي صارماً ... أباد به جمع الطواغيت والكفر
وجاهدهم في الله حق جهاده ... رجاء لما يبغي من الفوز والأجر
له هيبة ملء الصدور وصولة ... مقسمة بين المخافة والذعر
أطاع له ما بين روم وفارس ... ودان له ما بين بصرى إلى مصر
إلى أن قال:
سليل بني عثمان والسادة الأولى ... علا مجدهم فوق السماكين والنسر
ملوك كرام الأصل طابت فروعهم ... وهل ينسب الدينار إلا إلى التبر
محوا أثر الكفار بالسيف فاغتدت ... بهم حوزة الإسلام سامية القدر
فيا ملكاً فاق الملوك مكارماً ... فكل إلى أدنى مكارمه تجري
لئن فقتهم في رتبة الملك والعلى ... فإن الليالي بعضها ليلة القدر
فدتك ملوك الأرض طراً لأنها ... سوار وأنت البدر في غرة الشهر
وهي طويلة. ويحكى أنها لما وصلت إلى السلطان أبي يزيد خان سر بها، وأمر لقائلها أحمد العليف بألف دينار جائزة، ورتب له في الصر في كل عام مائة دينار ذهباً كانت تصل إليه في كل عام، وصارت بعده لأولاده، وكان قد استولى على المرحوم السلطان أبي يزيد خان في آخر عمره مرض النقرس، وضعف عن الحركة، وترك الحروب والسفر سنين متعددة، فصارت عساكره يتطلبون سلطاناً شاباً قوي الحركة، كثير الأسفار ليغازي بهم، ويغنموا الغنائم، فرأوا أن السلطان سليم خان من أولاد السلطان أبي يزيد أقوى أخوته وأجلدهم، فمالوا إليه، وعطف عليهم، فخرج إليه أبوه محارباً، فقاتله وهزمه أبوه، ثم عطف على أبيه ثانياً لما رأى من ميل العساكر إليه واجتماعهم عليه، فلما رأى السلطان أبو يزيد توجه أركان الدولة إلى السلطان سليم، استشار وزراءه وأخصاءه في أمره، فأشاروا إليه أن يفرغ له عن السلطنة، ويختار التقاعد بعزه في أدرنة، وأبرموا عليه في ذلك، فأجابهم حين لم ير بداً من إجابتهم، وطلب السلطان سليم إلى حضرته، وعهد إليه بسلطنته، ثم توجه مع بعض خواص خدامه إلى أدرنة، فلما وصل إلى قرب جورلو كان فيها حضور أجله. فتوفي بها في سنة ثمان عشرة وتسعمائة، ووصل خبر موته هو وسلطان مكة قايتباي بن محمد بن بركات الشريف، وسلطان اليمن الشيخ عامر بن محمد إلى دمشق في يوم واحد، وهو يوم الأحد ثاني عشري ربيع الأولى من السنة المذكورة. رحمهم الله تعالى رحمة واسعة. آمين.
244 - أحمد أبو المكارم الشارعي: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، القاضي شهاب الدين أبو المكارم الشهير بالشارعي المصري المالكي، نزيل دمشق. ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة بالشارع الأعظم قرب باب زويلة، وتوفي ليلة الخميس ثاني عشري ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة بدمشق رحمه الله تعالى.
245 - أحمد بن عبية: أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبية، شيخ العالم الواعظ المذكور شهاب الدين قاضي القدس الشريف الشهير بابن عبية المقدسي الأثري الشافعي نزيل دمشق. ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، واشتغل بالقدس الشريف وحصل، وولي قضاء بيت المقدس، وامتحن بسبب القمامة، ثم رحل إلى لدمشق وقطن بها ووعظ وذكر الناس بالجامع الأموي، وله شعر لطيف وخط حسن، وقرأت بخطه أنه بات في بيت بعض إخوانه، وكان بقرب ناعورة على النهر تدور وتئن فقال:
وناعورة أنت فقلت لها: اقصري ... أنينك هذا زاد للقلب في الحزن
فقالت: أنيني إذ ظننتك عاشقاً ... ترق لحال الصب قلت لها: إني
وهذا أقرب من قول الحافظ أبي الفضل بن حجر رحمه الله تعالى:
غرمت على الترحال من غير علمها ... فقالت وزادت في الأنين وفي الحزن
لقد حدثتني النفس أنك راحل ... فزاد أنين قلت: ما كذبت إني
قلت: ولو قال: قد صدقت لكان أولى، ومن شعر ابن عبية - رحمه الله تعالى - قصيدة نونية نقلت منها من خطه ما أثبته هنا:
بأبي أزج حواجب وعيون ... سلب بصاد للقلوب ونون
ففؤادي المعتل منه ناقص ... بمثال ذاك الأجوف المقرون
يا نظرة قد أورثت قلبي الردى ... بأبي جفون معذبي وجفوني
نظرت غزالاً ناعساً يرعى الكرى ... فهي التي جلبت إلي منوني
قال العذول: وقعت في شرك الهوى ... فأجبت هذا من فعال عيوني
يا قاتل الله العيون فإنها ... حكمت علينا بالهوى والهون
إلى أن قال وأجاد:
خدعوا فؤادي بالوصال وعندما ... ثبت الهوى في أضلعي هجروني
هجروا ولو ذاقوا الذي قد ذقته ... تركوا الصدود وربما وصلوني
لم يرحموني حين حان فراقهم ... ما ضرهم لو أنهم رحموني
ومن العجائب أن نسوا ودي ومن ... ودي لهم كل الورى عرفوني
وقال في ملخصها مادحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما مخلصي في الحب من شرك الهوى إلا بمدح المصطفى المأمون
زين الأعارب في القراع وفي القرى ... ليث الكتائب لم يخف لمنون
بدر تبدى في حنين للوغا ... فسبى عداه بصارم وحنين
في البأس ما في الناس مثل محمد ... كلا، وقال: افي الحسن والتمكين
هو فاتح كالحمد أول سورة ... وجميع أهل القرب كالتأمين
توفي بدمشق ليلة السبت ثالث جمادى الأولى سنة خمس وتسعمائة، ودفن شمالي ضريح الشيخ حماد في مقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.
246 - أحمد إمام الكاملية: أحمد بن محمد، الشيخ العالم الزاهد شهاب الدين إمام الكاملية. توفي بالقدس الشريف سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة، وصلي عليه بجامع دمشق غائبة عقب صلاة الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى سنة تاريخه رحمه الله تعالى.
247 - أحمد بن طوق: أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن أحمد، الشيخ الإمام العالم الصالح المحدث شهاب الدين الدمشقي الشافعي، الشهير بابن طوق. ولد في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وتوفي يوم الأحد ثالث أو رابع رمضان سنة خمس عشرة وتسعمائة بدمشق.
248 - أحمد بن أمير غفلة: أحمد بن محمد بن عثمان، الشيخ الإمام الفرضي شهاب الدين أبو العباس الشهير بابن أمير غفلة، ونائب قريمزان الحلبي الحنفي. قال ابن الحنبلي: كان عالماً عاملاً، منور الشيبة، حسن السمت، فقيهاً، فرضياً، حيسوباً. تلمذ للعلامة الفرضي، الحيسوب، جمال الدين، يوسف الأسعردي، ثم الحلبي، وعلق على نزعة الحساب تعليقاً حمله على وضعه شيخنا العلاء الموصلي، كما نبه على ذلك في ديباجته.
ولم يزل على ديانته يتعاطى صنعة التجارة إلى أن مات سنة خمس عشرة وتسعمائة، قيل: وكان الناس مضطرين إلى الغيث، فأرسله الله تعالى في أول ليلة مكث في قبره رحمه الله تعالى.
249 - أحمد النويري: أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد الشيخ الإمام خطيب الخطباء بالمسجد الحرام، وإمام الموقف الشريف محب الدين أبو بكر بن خطيب الخطباء العلامة شرف الدين أبي القاسم بن خطيب الخطباء أبي الفضل كمال الدين ابن قاضي القضاة، وخطيب الخطباء محب الدين ابن قاضي القضاة، وخطيب الخطباء كمال الدين القرشي العقيلي النوريري المكي الشافعي، أخذ عن الشيخ أبي الفتح المراغي، وسمع ثلاثيات البخاري على جدته لأمه أم الفضل خديجة، وتدعى سعادة بنت وجيه الدين عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن فهد المكي، وعلى العلامة برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد بن داود البيضاوي الزمزمي، وعلى ابن أخيه الشيخ محب الدين عبد السلام بن موسى بن أبي بكر البيضاوي المعروف بالزمزمي أيضاً. رواية هؤلاء كلهم عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الرسام عن الحجار، وله شيوخ آخرون، وأجاز البرهان العمادي في الحجة سنه خمس عشرة وتسعمائة. أجاز البدري حسن في ثاني شعبان سنة ست وتسعمائة.
250 - أحمد القسطلاني: أحمد بن محمد الشيخ الإمام العلامة، الحجة الرحلة الفهامة، الفقيه النبيه المقري المجيد المسند المحدث أبو العباس شهاب الدين القسطلاني المصري، ثم القاهري الشافعي صاحب المؤلفات الحافلة، والفضائل الكاملة، أخذ عن ابن حجر العسقلاني وغيره، وأخذ عنه شيخ الإسلام الوالد وغيره، وكان من أزهد الناس في الدنيا، وكان منقاداً إلى الحق من رد له سهواً أو غلطاً يزيد في محبته، وألف شرحه على البخاري قبل أن يؤلف شيخ الإسلام القاضي زكريا شرحه عليه، وكان يقول للشيخ عبد الوهاب الشعراوي، أحضر عند شيخ الإسلام شرحي فمهما وجدته خالفني فيه، فاكتبه لي في ورقة، فكان يكتب له أوراقاً ويجهزها إليه وتارة يرسل الشيخ عبده، فيأخذها، وقال له مرة: لا تغفل عن كتابة ما يخالفني فيه الشيخ، فإنه لا يحرر الكتاب إلا الطلبة، ولا طلبة لي. وقال العلائي: إنه كان فاضلاً محصلاً ديناً عفيفاً متقللاً من عشرة الناس إلا في المطالعة والتأليف والإقراء والعبادة. وقال الشعراوي: كان من أحسن الناس وجهاً، طويل القامة، حسن الشيب. يقرأ . بالأربع عشرة رواية، وكان صوته بالقرآن يبكي القاسي إذا قرأ في المحراب تساقط الناس من الخشوع والبكاء. قال: وأقام عند النبي صلى الله عليه وسلم، فحصل له جذب، فصنف المواهب اللدنية لما صحا، ووقف خصياً كان معه على خدمة الحجرة النبوية. انتهى.
وذكر شيخ الإسلام الوالد أنه أخذ عنه شرحه على البخاري، والمواهب اللدنية، وأجازه بهما وبسائر مؤلفاته، ومنها كتاب " الأنوار، في الأدعية والإذكار " ومختصر منه سماه " اللوامع، في الأدعية والإذكار والجوامع " ، ومختصر من المختصر سماه " قبس اللوامع " وكتاب " الجني الداني، في حل حرز الأماني " ، وهو للشاطبية كالتوضيح على ألفية ابن مالك، وله غير ذلك، وكان له اعتقاد تام في الصوفية، وأكثر في المواهب من الاستشهاد بكلام سيد وفا، وكان يميل إلى الغلو في رفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم حتى اختار مذهب مالك - رضي الله تعالى عنه - في تفضيل المدينة على مكة. قلت: وأول دليل على قبول أعماله وإخلاصه في تأليفه عناية الناس بكتابه " المواهب اللدنية " ومغالاتهم في ثمنه مع قلة الرغبات، والله سبحانه وتعالى أعلم، وكانت وفاته على ما حررته من تاريخ العلائي ليلة الجمعة ثامن المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة لعروض فالج له. نشأ من تأثره ببلوغه قطع رأس إبراهيم بن عطاه الله المكي صديق السلطان الغوري بحيث سقط عن دابتة، وأغمي عليه، فحمل إلى منزله، ثم مات بعد أيام، وصلى عليه بالأزهر عقب صلاة الجمعة، ودفن بقبة قاضي القضاة بدر الدين العيني من مدرسته بقرب جامع الأزهر، وتأثر كثير من الناس لموته لحسن معاشرته وتواضعه - رحمه الله تعالى - ورضي عنه وصلي عليه غائبة بدمشق مع جماعة منهم البرهان بن أبي شريف.
251 - أحمد بن الملاح: أحمد بن محمد الشيخ علي الإمام العالم المقريء شهاب الدين الرملي، ثم الدمشقي الشافعي الشهير بابن الملاح. ولد سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وكان على جانب كبير من الديانة وصفاء القلب، وتولى مشيخة الإقراء بالمدرسة السيبائية، والإمامة بها وناب في إمامة الأموي مرات، وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر رمضان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
252 - أحمد بن محمد الخالدي: أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن محمد الشيخ الصالح أبو العباس شهاب الدين، الشهير بابن بري الخالدي البابي الحلبي، ثم الدمشقي الحنفي الصوفي. ولد في ثالث صفر سنة أربعين وثمانمائة، وكان من أعيان الناس، وتوفي بدمشق يوم الأحد سادس رجب سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ودفن بالحمرية خارج دمشق رحمه الله تعالى.