كتاب : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي

عثمان بن شمس الإمام العلامة الخطيب، المفنن فخر الدين أبو النور بن منلا شمس الآمدي، ثم الدمشقي الحنفي، ولي خطابة السليمية بصالحية دمشق ومشيخة الجقمقية داخل دمشق بالقرب من جامع الأموي، ودرس في الجامع المذكور وكان ساكناً يجيد تدريس المعقولات، وكان له يد طولى في إدراك علم النغمة، وله كتابة حسنة، وحوى كتباً نفيسة، وتوفي يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وهو في حدود السبعين، وصلي عليه بالأموي وكان له جنازة حافلة حضرها طلبة العلم والأعيان والفقراء الأدبيون، ودفن في طرف تربة الفراديس من جهة الشمال عند ضريح سيدي منلا زين الدين.
عثمان بن شيء للهعثمان بن عمر، الشيخ المعمر، الحلبي، الشافعي، المعروف بابن شيء لله. تفقه على الفخري عثمان الدي، والبرهاني فقيه اليشبكية بحسب ما أمكنه، وجود القرآن، وحج وانتفع به من كان لائقاً به من الطلبة، وتوفي سنة تسع - بتقديم التاء - وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عثمان السنباطيعثمان الشيخ الإمام العلامة القاضي فخر الدين السنباطي الشافعي، أخذ عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والكمال الطويل، وصحب الشيخ محمد النشاوي، وكان من العلماء العاملين، قليل الكلام، حسن الصمت، ولما ضرب القانون على القضاة عزل نفسه، وكان يقضي في بلاده احتساباً، وهو من هذه الطبقة.
عرفة القيروانيعرفة القيرواني المغربي المالكي، الشيخ العارف بالله تعالى شيخ سيدي علي بن ميمون، وسيدي أحمد بن البيطار، من كراماته ما حكاه سيدي محمد ابن الشيخ علوان، في كتابه تحفة الحبيب أن سلطان المغرب قد حبسه، بنقل واش كاذب فوضعة في السجن، وقيده بالحديد، وكان الشيخ عرفة إذا حضر وقت الصلاة أشار إلى القيود، فتتساقط فيقوم ويصلي فقال له: بعض من كان معه في السجن إذا كان مثل هذا المقام لك عند الله، فلأي شيء ترضى ببقائك في السجن فقال: لا يكون خروج إلا في وقت معلوم، لم يحضر إلى الآن واستمر على حاله حتى رأى سلطان المغرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: عجل بإطلاق عرفة من السجن مكرماً، وإياك من التقصير تكن مغضوبا عليك، فإنه من أولياء الله تعالى، فلما أصبح أطلقه مكرماً مبجلا تأخرت وفاة سيدي عرفة إلى سنة ثمان وأربعين، أو قبلها وصلي عليه غائبة بدمشق في الأموي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم سنة تسع وأربعين وتسعمائة رحمه الله.
عز الدين العجميعز الدين المازندراني، العجمي، جاور بمكة، ثم قدم حلب سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، وظهر له فضل في علوم شتى لا سيما القراءات فإنه كان فيه أمة وألف فيكتاباً في وقف حمزة وهشام، وله شرح على الجرومية أجاد فيها وأتى بعبارات محكمة لكنها مغلقة على المبتدىء، ثم رحل إلى بلاده، فمات بها في حدود هذه الطبقة.
علي بن محمد المقدسيعلي بن محمد بن علي، الشيخ الإمام العلامة أبو الفضل بن أبي اللطف المقدسي الشافعي نزيل دمشق. قرأت بخطه في إجازة أولاد مفلح أن مولده في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثمانمائة زاد في إجازة الشيخ شهاب الدين الطيبي أنه في العشر الأوسط من جمادى الأولى، وأنه ولد ببيت المقدس، وذكر أنه أخذ عن الشهاب الحجازي، والسيد علاء الدين بن السيد عفيف الدين الإيجي، وشيخ الإسلام الشيخ ماهر المصري، وهو أعلى شيوخه في الفقه، وقرأت بخط تلميذه والد شيخنا الشيخ يونس العيثاوي، وأخبرناه عنه ولده شيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين أنه تفقه على الشيخ كمال الدين ابن أبي شريف في بيت المقدس، ورحل إلى مصر، وأخذ عن علمائها الفقه والحديث عن الشيخة أم الخير المحدثة بالديار المصرية لعلو سندها، وقال لها على عادة أخذه السند أسمعينا من نظمك. فقالت: لم أنظم شيئاً. لكن أنشدني والدي، وقد مر على مسجد خراب مكتوب على جداره هذا البيت:
بأي جريرة وبأي ذنب ... بيوت الله خربها الزمان
وعاد بعد مدة فرأى إلى جانب هذا البيت:
فساد الناس خربها ولولا ... فساد الناس ما خرب الزمان

وأخذ الفقه أيضاً عن شيخ الإسلام زكريا، وعن الشيخ سراج الدين العبادي، والشيخ فخر الدين المفتي بمصر، وسمع على الشيخ تقي الدين أبي بكر بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل بن علي بن الحسن بن إسماعيل بن صالح بن سعيد القلقشندي الشافعي، صحيح البخاري كاملاً، ومسلسلات منها المسلسل بالأولية، وأخذ الجزرية عن الشيخ شمس الدين محمد بن موسى بن عمران المقريء الغزي الحنفي، عرضها عليه في مجلس واحد عند باب الحديد، أحد أبواب المسجد الأقصى في ثامن رجب سنة ست وستين وثمانمائة، وهو يرويها عن ناظمها كذا رأيته بخط الشيخ العلامة شهاب الدين الطيبي، ورحل إلى دمشق، ثم استوطنها، وحضر دروس شيخ الإسلام مشايخ الإسلام زين الدين بن خطاب الغزاوي في الشامية البرانية وغيرها، وشيخ الإسلام نجم الدين ابن قاضي عجلون صاحب التصحيح والتاج وغيرهما، ثم قرأ من بعده على أخيه شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاص عجلون. وقال والد شيخنا: ورافق شيخنا الشيخ تقي الدين البلاطنسي والشيخ بهاء الدين الفصي البعدي، والشيخ بدر الدين بن الياسوفي وغيرهم من الأجلة الكبار المفتين في التقسيم على الشيوخ المتقدم ذكرهم، وكل منهم يدرس ويفتي قال: وجاور بمكة مع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، وذكر لي أنه حصل له زيادة في بدنه، فتزوج امرأة بمكة، وحضر دروس شيخ الإسلام قاضي القضاة ابن ظهيرة الشافعي، قال: وكان يحكي لنا فصاحته وبلاغته في تقريره، وعاد إلى دمشق مستوطناً بعياله يفتي ويدرس، وكان أحد المدرسين بالجامع الأموي يجلس مستنداً إلى أحد الأعمدة مستقبل القبلة عند قبر سيدي يحيى عليه السلام إلى أن قال وبيض التحرير للشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون بأمر أخيه الشيخ تقي الدين، ووصل فيه إلى أثناء المعاملات، وزاد فيه فوائد مهمة، وله كتاب مر النسيم، في فوائد التقسيم، وكان حافظاً لكتاب الله تعالى، وله همة مع الطلبة، ومهابة، وموادة للخاص والعام، ونفس غنية متقللاً من الوظائف، ظاهراً غناه قال: وتمنى الموت لفتنة حصلت في الدين لما دخلت هذه الدولة العثمانية، وضربت المكس على الأحكام الشرعية حتى على فروج النساء، وكان يقول أي فتنة أعظم من ذلك. قال: وأخبرني أنه تنخع الدم، وأنه من كبده لما لحقه من القهر والغيرة على دين الإسلام، وتغيير الأحكام، أخبرنا شيخنا فسح الله تعالى في مدته - قال: أنبأنا والدي قال: أنشدني العلامة شيخ الإسلام أبو الفضل بن أبي اللطف المقدسي في أول دخول السلطان سليم دمشق هذه الأبيات:
ليت شعري من على الشام دعا ... بدعاء خالص قد سمعا
فكساها ظلمة مع وحشة ... فهي تبكينا ونبكيها معا
قد دعا من مسه الضر من ال ... ظلم والجور اللذين اجتمعا
فعلى الحجب دعا فانبعثت ... غارة الله بما قد وقعا
فأصاب الشام ما حل بها ... سنة الله التي قد بدعا
توفي الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف في نهار الأحد قبل الظهر خامس عشر صفر سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وحملت جنازته على الرؤوس، وصلي عليه مرتين مرة في محلته بميدان الحصا، ومرة بجامع المصلى، ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح سيدي الشيخ نصر المقدسي تجاه قبر معاوية - رضي الله تعالى - عنه إلى جانب قبر التغلبي خطيب جامع دمشق في عصره. قال الشيخ يونس: ولما رجعنا من جنازته توجهت مع شيخنا البلاطنسي إلى زيارة قبر الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، والشيخ زين الدين بن خطاب، وأنشدني ما أنشده الشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون لما رجعوا من جنازة الشيخ زين الدين خطاب هذا البيت:
واعجباً من عجب يا قومي ... ميت غد يحمل ميت اليوم
علي بن دغيم البابي الحلبي الحنبليعلي بن محمد بن عثمان بن إسماعيل، الشيخ علاء الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين البابي، الحلبي، الحنبلي، المعروف بابن الدغيم قال ابن الحنبلي: ولي تدريس الحنابلة بجامع حلب، وكان هيناً لينا، صبوراً على الأذى، مزوحاً قال: وتوفي يوم الجمعة ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ودفن بجوار مقابر الصالحين بوصية منه. قال: وكان آخر حنبلي بقي بمدنية حلب من أهلها.
علي بن محمد البكري

علي بن محمد ابن الشيخ الإمام العلامة، نادرة الزمان، وأعجوبة الدهر، الفقيه، المحدث، الأستاذ الصوفي أبو الحسن ابن القاضي جلال الدين البكري. أخذ الفقه والعلوم عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف وغيرهما، وأخذ التصوف عن شيخ الإسلام رضي الدين الغزي جدي، وبلغني أن القطب الكبير سيدي عبد القادر الدشطوطي، كان من معتقديه والد الشيخ أبي الحسن القاضي جلال الدين، وكان قد انكسر عليه مال للغوري جزيل، وكان الغوري عسوفاً، فطالب القاضي جلال الدين بالمال، وأراد أن يعاقبه عليه، فجاء القاضي جلال الدين إلى سيدي عبد القادر، وشكى إليه أمر الغوري، وسأل منه أن يكون خاطره عليه. فقال له: يا جلال الدين إن رددت عنك الغوري تعطيني ولدك أبا الحسن يخدمني. قال: نعم، وبعث إليه بأبي الحسن، وكان إذ ذاك شاباً بارعاً فاضلاً، له اشتغال على مشايخ الإسلام، فلما جاء دخل أبو الحسن فقال له: يا أبا الحسن لا تقرأ على أحد، واترك الإشتغال حتى يجيء شيخك من الشام، فامتثل أمره، ثم أن سيدي عبد القادر بعث إلى الغوري، وكان له فيه مزيد اعتقاد، وقال له: هبني ما على جلال الدين من الدين ففعل. فقال له سيدي عبد القادر: اعطه مرسوماً بالبراءة، وأن لا يطالبه أحد ففعل الغوري، ثم انقطع القاضي جلال الدين، وولده الشيخ أبو الحسن لخدمة سيدي عبد القادر الدشطوطي، وعمر الجامع المعروف به بالقاهرة، وكلما أراد أبو الحسن أن يعاود المشايخ في الدروس واستأذن سيدي عبد القادر يقول له لا حتى يجيء شيخك من الشام، فلما قدم شيخ الإسلام الجد رضي الدين الغزي القادري في سنة سبع عشرة - بتقديم السين - وتسعمائة جاء مسلماً على سيدي عبد القادر وكان بينه وبينه قبل ذلك محبة وصحبة قال سيدي عبد القادر: للشيخ أبي الحسن قم يا أبا الحسن هذا شيخك قد جاء من الشام، وسلمه للشيخ رضي الدين وقال له: يا سيدي رضي الدين علم أبا الحسن الكيمياء، وأمر أبا الحسن أن يذهب مع الشيخ، ويلازمه فلازم الشيخ رضي الدين في سكنه ليلاً ونهاراً، وكان يذهب هو وشيخ الإسلام الوالد كل يوم يقرآن الدروس على الشيخ رضي الدين، وعلى غيره من علماء مصر إذ ذاك بأمر الشيخ رضي الدين وإشارته قال والدي: كنت أذهب أنا وأبو الحسن البكري إلى شيخ الإسلام زكريا، وشيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف، والشيخ القسطلاني وغيرهم، نقرأ الدروس ونحضر دروسهم، فكان أبو الحسن لا يمكنني من حمل محفظتي، ويحلف علي، ويحملها لمكان شيخ الإسلام الوالد، وكان الشيخ أبو الحسن كلما طالب الشيخ رضي الدين بعلم الكيمياء الذي أمره الدشطوطي بتعليمه يقول له: الشيخ رضي الدين حتى يأتي الأبان وكان الشيخ يربي أبا الحسن، ويهذب أخلاقه، ويعلمه الآداب، ويلقي إليه الفوائد وينهضه في الأحوال، والطاعات، حتى أنس منه الكمال قال له: يوماً يا أبا الحسن أريد منك أن تركب على بغلتك، وتذهب من هذا المنزل إلى جامع الأزهر، وفي إحدى يديك رغيف، وفي الآخرى بصلة، وتأكل من ذلك وأنت راكب حتى تدخل الجامع، ثم تعود إلي ففعل الشيخ أبو الحسن ذلك فلما رجع إلى الشيخ رضي الدين قال له: يا أبا الحسن ما بقت مصر تسعنا وإياك، فمن ثم سافر الشيخ رضي الدين راجعاً إلى الشام واشتهر الشيخ أبو الحسن البكري، وقد تمت فتوحاته، ونمت نفحاته، وصار يتكلم على الناس، ثم صار المدد متصلاً في ذريته إلى الآن، وذكره الشيخ عبد الوهاب الشعراوي في طبقاته. وقال: أخذ العلم عن جماعة من مشايخ الإسلام، والتصوف على الشيخ رضي الدين الغزي وتبحر في علوم الشريعة، من فقه وتفسير وحديث وغير ذلك، وكان إذا تكلم في علم منها كأنه بحر زاخر لا يكاد السامع يحصل من كلامه على شيء ينقله عنه لوسعه إلا إن كتبه. قال: وأخبرني بلفظه، ونحن بالمطاف أنه بلغ درجة الإجتهاد المطلق. وقال: إنما أكتم ذلك عن الأقران خوفاً من الفتنة بسبب ذلك، كما وقع للجلال السيوطي قال: وكانت مدة اشتغاله على الأشياخ نحو سنتين، ثم جاء الفتح من الله، فاشتغل بالتأليف، قلت: ومن مؤلفاته شرح المنهاج وشرح الروض وشرح العباب للمزجد، وحاشيته على شرح المحلى قال الشعرواي: وهو أول من حج من علماء مصر في محفة، ثم تبعه الناس قال: وحججت معه مرة، فما رأيت أوسع خلقاً ولا أكثر صدقة في السر والعلانية، وكان لا يعطي أحداً شيئاً نهاراً إلا نادراً، وأكثر صدقته

ليلية، وكان له الإقبال العظيم من الخاص والعام في مصر والحجاز، وشاع ذكره في أقطار الأرض كالشام والروم - اليمن، وبلاد التكرور، والغرب مع صغر سنه، وله كرامات كثيرة، وخوارق، وكشوفات فما قاله أو وعده لا يخطىء قال: وترجمه الناس بالقطبية العظمى، ويدل على ذلك ما أخبرنا به الشيخ خليل الكشكاوي. قال: رأيت الشيخ أبا الحسن البكري، وقد تطور، فصار كعبة مكان الكعبة، ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص قال: وكان له النظم السائغ في علوم التوحيد، وأطلعني مرة على تائية عملها نحو خمسة آلاف بيت أوائل دخوله في طريق القوم، ثم أنه غسلها، وقال: إن أهل زماننا لا يتحملون سماعها لقلة صدقهم في طلب الطريق. انتهى.لية، وكان له الإقبال العظيم من الخاص والعام في مصر والحجاز، وشاع ذكره في أقطار الأرض كالشام والروم - اليمن، وبلاد التكرور، والغرب مع صغر سنه، وله كرامات كثيرة، وخوارق، وكشوفات فما قاله أو وعده لا يخطىء قال: وترجمه الناس بالقطبية العظمى، ويدل على ذلك ما أخبرنا به الشيخ خليل الكشكاوي. قال: رأيت الشيخ أبا الحسن البكري، وقد تطور، فصار كعبة مكان الكعبة، ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص قال: وكان له النظم السائغ في علوم التوحيد، وأطلعني مرة على تائية عملها نحو خمسة آلاف بيت أوائل دخوله في طريق القوم، ثم أنه غسلها، وقال: إن أهل زماننا لا يتحملون سماعها لقلة صدقهم في طلب الطريق. انتهى.
ومن شعر الشيخ أبي الحسن وهي قصيدة مشهورة:
بوجودكم تتجمل الأوقات ... وبجودكم تتنزل الأقوات
وبسركم تطوي الركائب سيرها ... وبنشركم تتعطر النسمات
وبذكركم تطوى أحاديث العلى ... وبفضلكم تتلى لنا الآيات
وبشكركم تتحدث الركبان ... والبلدان والعمران والفلوات
وبرسمكم ينشا السحاب وبإسمكم ... يمحى العقاب وتغفر الزلات
أنتم معاني الكائنات فأينما ... أنتم حللتم حلت البركات
لله ما أحلى قديم حديثكم ... ذاك الذي هو للقلوب حياة
تحيى قلوب العارفين بذكركم ... والجاهلون قلوبهم أموات
غنى الزمان بذكركم متهللاً ... فرحاً فكل جهاته نغمات
طرب الوجود على لذيذ سماعكم ... فكأنما نسماته نايات
رقت معانيكم فحار أولو النهى ... واستعجمت برموزها الكلمات
وبدا سناء صباحكم فقلوبنا ... كزجاجة وصدورنا المشكاة
وقع النداء لنا ألست بربكم ... قلنا بلى وأجابت الذرات
شهد الشهود وأثبت القاضي على ... إشهادكم وتسجل الإثبات
وعلى قديم العهد نحن إلى اللقا ... هيهات أن تتحول الحالات
جعل التعاون بيننا من ذلك ال ... عهد القديم وضمنا الميقات
ما في الحمى إلا محب جمالكم ... حتى حمام الأيك والأثلات
؟إن كان للأيام أعياد الهنا ... أنتم لنا الأعياد والجمعات
فكلامكم من معدن الوحي الذي ... ظهرت على إثباته الآيات
واهاً على أحوال قوم أعرضوا ... عن بابكم كم فاتهم خيرات
وحياتكم من فاته من أنسكم ... وقت فكل العمر منه فوات
ومن احتمى يوماً بغير حماكم ... حلت به الآفات والهلكات
لفقيدكم تجري الكنوز من الثرى ... وبعبدكم تتضامن السادات
يا نائمين تيقظوا من نومكم ... لم يبق من قرب الحبيب سبات
يا معرضين عن الكريم تعرضوا ... فلربكم في دهركم نفحات
خلوا الغرور فكل شيء هالك ... لا شك إلا الله والطاعات
أين الجبابرة الفراعنة التي ... ضاقت لعظم جيوشها الفلوات
أين الملوك السالفون ومدحهم ... أين البنود السود والرايات

بل أين ذو القرنين من دانت له م ... الآفاق والبلدان والظلمات
أين المعارف أين اخوان الصفا ... والأخوة والأنساب والأخوات
جز في ديارهم وسائل عنهم ... يخبرك أنهم جميعاً ماتوا
لله كم تحت الثرى من أمة ... راحت وملء فؤادها حسرات
كانوا وكانت في الحمى أوقاتهم ... ماتوا وماتت معهم الأوقات
يبكي الزمان عليهم متأسفاً ... وتفيض من أجفانه العبرات
بالأمس كانوا في المنازل كلهم ... واليوم هم تحت التراب رفات
ثم الصلاة على النبي وآله ... ما دامت الأزمان والساعات
قرأت بخط الشيخ المحدث العلامة نجم الدين الغيطي المصري، وأخبرنا عنه شيخنا العلامة نور الدين محمود البيلوني الحلبي إجازة أن الشيخ أبا الحسن البكري، توفي في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، وكانت جنازته مشهورة ودفن بجوار الإمام الشافعي.
علي بن محمد الشاميعلي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن الشيخ العلامة الفقيه المقريء سعد الدين الشامي، ثم الحجازي الشافعي، ولد سيدي محمد بن عراق ولد كما ذكره والده في السفينة العراقية في سابع ذي الحجة سنة سبع - بتقديم السين - وتسعمائة بساحل بيروت، وحفظ القرآن العظيم، وهو ابن خمس سنين في سنتين، ولازم والده في قراءة ختمة كل جمعة ست سنين، فعادت بركة أبيه عليه، وحفظ كتباً عديدة في فنون شتى، وأخذ القراءات أولاً عن تلميذ أبيه الشيخ أحمد بن عبد الوهاب خطيب قرية مجدل معوش، وأفرد عليه القراءات وثانياً على تلميذ والده أيضاً الشيخ محمود بن حميدان المدني في أربع ختمات، ثم عن شيخه الخطيب شمس الدين محمد بن زين الدين القطان ختمة العشرة، وكان له قدم راسخة في الفقه، والحديث والقراءات، ومشاركة جيدة في غيرها، وله اشتغال في الفرائض، والحساب، والميقات، وقوة في نظم الأشعار الفائقه، واقتدار على نقد الشعر، وكان ذا سكينة ووقار، لكن كان أصم صمماً فاحشاً قيل: وكان سببه أنه كان مكباً على سماع الأنغام الطيبة فنهاه عنها والده، فلم ينته فعوقب بذلك وولي خطابة المسجد النبوي صلى الله عليه وسلم على صاحبه، وكان باذلاً للهمة طارحاً للتكلف ملازماً للتعفف، وكرم النفس دخل دمشق وحلب في رحلته إلى الروم، وقدم دمشق مع الحاج في صفر سنة سبع - بتقديم السين - وأربعين وتسعمائة ونزل بخلوة الشيخ محمد الأيجي تلميذ والده قال ابن طولون: فسلمت عليه بها فوجدته عرض له صمم في تلك البلاد قال: وذكر لي أنه عمل شرحاً على صحيح مسلم شبيهاً لصنع القسطلاني على صحيح البخاري، وشرع في كتابة شرح على العباب في فقه الشافعية، وكان سبقه إليه العلامة أبو الحسن البكري، لكن باختصار، ثم ذكر ابن طولون أن الشيخ علي بن عراق سافر من دمشق لزيارة بيت المقدس يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة من السنة المذكورة ، فزار، ثم انصرف إلى مصر وذكر أنه في مدة إقامته بدمشق أنه كان يزور قبر ابن العربي، وأنه يبيت عنده، وأنه أشهر شرب القهوة بدمشق، فاقتدى به الناس، وكثرت من يومئذ حوانيتها. قال: ومن العجب أن والده كان ينكرها، وخرب بيتها بمكة، وذكر ابن الحنبلي أنه كتب إلى الشيخ علي بن عراق، وهو بحلب يستفتيه في القهوة هذه الأبيات:
أيها السامي بكلتا الذروتين ... بجوار المصطفى والمروتين
والعلي القدر علماً وكذا ... عملاً فوق علو النيرين
من له في الزهد باع ويد ... فلذا ترمقه صفر اليدين
أفتنا في قهوة قد ظلمت ... حيثما شيب معاطيها بشين
من تلة هالنا مسمعه ... واقتراف لأقاويل ومين
ومراعاة أمور شاهدت ... فعلها في الحان كلتا المقلتين
وحكى شرابها أهل الطلا ... فالتداني بين تين الفرقتين
أدعوا ذا الطرس ما يرجو الفتى ... أو دعوا فاليأس إحدى الراحتين
فأجاب رحمه الله تعالى بقوله:
أيها السامي سمو الفرقدين ... وإمام العلم مفتي الفرقتين

يا رضي الدين يا بدر الندا ... من رجاه راح مملوء اليدين
جاءني منك نظام قد حكى ... في نصوع اللفظ مسبوك اللجين
قلت فيه ان في القهوة قد ... خلطوها بتلة وبمين
وبمطعوم حرام وغنى ... وبرقص وبصفق الراحتين
فطلبت الحكم فيه بعد ما ... قد رأيتم ما ذكرتم رأي عين
وعلى ذا الأمر إذ كان الذي ... شانها حتى تصفى دون رين
والتداني من حماها وهي في ... وصفها المذكور شين أي شين
والصفا في شربها مع فتية ... أخلصوها التقوى وشدوا المئزرين
ثم ناجوا ربهم جنح الدجى ... بخشوع ودموع المقلتين
فابتداء الأمر فيها هكذا ... قد حكوه عن ولي دون مين
ذا جوابي واعتقادي أنه ... في اعتدال كاعتدال الكفتين
توفي في المدينة المنورة، وهو خطيبها وإمامها سنة ثلاث وستين وتسعمائة.
علي بن محمد بن أبي سعيدعلي بن محمد بن حسن الحموي الشافعي نزيل دمشق، الشيخ الإمام العلامة علاء الدين القطان، الشهير بابن أبي سعيد قيل: أنه نسب إلى المتولي من أصحاب الشافعي، مولده سنة ست وستين وثمانمائة، وقرأ على جماعة من العلماء ولزم شيخ الإسلام الوالد فقرأ عليه في شرحه على المنهاج، قراءة تحقيق وإتقان، وفي شرحه على الدرر اللوامع في الأصول، وفي شرحه المنظوم على الألفية، وقرأ عليه النصف من الحاوي بتمامه، وسمع عليه النصف الأول وقرأ عليه غير ذلك من مؤلفاته، وغيرها، وكان من الفضلاء البارعين ذا يد في الأصول، والفقه، ومشاركة جيدة في البيان، والنحو، والمنطق، وغير ذلك، مع إطراح زائد، ولما دخل الزين عبد اللطيف بن أبي كثير المكي دمشق صحبه واختص به، ثم ذهب معه إلى مصر ثم فارقه ابن أبي كثير، وعاد إلى دمشق، ثم انقطع بها مدة ومات بها سنة أربعين أو إحدى وأربعين وتسعمائة.
علي بن محمد الكنجيعلي بن محمد بن أحمد الشيخ العلامة، علاء الدين ابن الشيخ شمس الدين الكنجي الدمشقي الشافعي، مولده سنة تسعين - بتقديم التاء - وثمانمائة بالقدس الشريف، وكان بارعاً في كثير من العلوم، فاضلاً صالحاً مباركاً خيراً ديناً كأبيه شيخ الإسلام كثيراً، وهو من هذه الطبقة.
علي بن محمد الحميديعلي بن محمد السيد علاء الدين الحسيني العجلوني ، ثم البروسوي، المعروف بالحديدي خليفة الشيخ العارف بالله تعالى أبي السعود الجارحي صاحب الزاوية المشهورة بكوم الجارح بالقاهرة توطن بروسا من بلاد الروم نحو ثلاثين سنة، ثم حج وعاد إلى القاهرة، ودخل مصر وحلب سنة ثلاث وستين وتسعمائة، وكان له عبث بعلم الوفق والأسماء وصناعة الكيمياء، وكان له أسانيد عالية، وذكر ابن الحنبلي عنه أن شيخه أبا السعود الجارحي هو الذي بعث إليه السلطان سليم يستأذنه خفية مع بعض خواصه في أخذ مصر، فلم يتكلم، وإنما أخرج له رغيفاً عليه سلك، فأوصله الرسول إليه، ففهم منه الإذن قال: وكان السلطان طومان باي يعتقد الشيخ أبا السعود، ويلازم زاويته، فلما قدم السلطان سليم مصر وأرإد إمساك طومان باي جاء أعوانه، فأحاطوا بالزاوية، ودخلها قوم منهم، فلم يجدوا طومان باي، وكان الشيخ بين أظهر المريدين، فلم يروه، وكان كأنه لم يكن، فلما لم يظفروا بطومان باي، ولا بالشيخ وقعوا في المريدين والفقراء ضرباً، فإذا الشيخ بين أظهرهم، فحملوه إلى السلطان سليم، فإذا هو الآذن له في أخذ ملك مصر، فخلى سبيله، ومات صاحب الترجمة في حدود هذه الطبقة.
علي بن أحمد الجوبريعلي بن أحمد بن موسى بن محمد الديري، ثم الجوبري الدمشقي الشافعي الأديب، المعتقد علاء الدين أبو الحسن، مولده بقرية الشوبك ببلاد نابلس، في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة، كان مؤذناً بالجامع الأموي متسبباً ببابه فاضلاً بارعاً شاعراً، له ديوان شعر، ومن شعره تخميس أبيات ابن حجر.
أمر يطول ومدة متقاصره ... وبصائر عميت وعين باصره
فإلى متى بالصبر ويحك صابره ... قرب الرحيل إلى ديار الآخره
فاجعل إلهي خير عمري آخره

فالعيش والدنيا كلذة حالم ... وسواك يا مولاي ليس بدائم
وإليك مرجعنا بأمر حازم ... فلئن رحمت فأنت أكرم راحم
وبحار جودك يا إلهي زاخره
يا رب إن الدهر أبلى جدتي ... وعصيت في جهل الشباب وجدتي
فإذا تصرم ما بقي من مدتي ... آنس مبيتي في القبور ووحدتي
وارحم عظامي حين تبقى ناخره
إذ كنت ترحم من مضت أعوامه ... في لهوه حتى نمت آثامه
والعفو منك رجاؤه ومرامه ... فأنا المسكين الذي أيامه
ولت بأوزار غدت متواتره
فبوجهك الباقي وعز جلاله ... ومحمد سر الوجود وآله
رفقاً بمن أنت العليم بحاله ... وتوله باللطف عند مآله
يا مالك الدنيا ورب الآخره
توفي يوم الأربعاء سابع عشر صفر سنة سبع وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن محمد الحاضريعلي بن محمد بن عز الدين بن محمد الصغير بن عز الدين بن محمد الكبير، ابن خليل أقضى القضاة علاء الدين الحاضري الأصل، الحنفي أخذ عن الشمس الدلجي وغيره، وجلس بمكتب العدول على باب جامع حلب الشرقي، وناب محكمة الجمال يوسف بن اسكندر الحنفي، وكتب بخطه كثيراً من الكتب العلمية ووعظ بجامع حلب، وكان صالحاً عفيفاً سليم الصدر توفي في شوال سنة سبع وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن أحمد الكيزواني

علي بن أحمد بن محمد، الشيخ العابد، الزاهد، المسلك العارف بالله تعالى أبو الحسن الكيزواني، الحموي، الصوفي، الشاذلي، وهو منسوب إلى كازوا، وقياس النسبة الكازواني، وهو اشتهر بالكيزواني، وكان يقول: أنا الكي زواني الكزواني كان له اطلاع على الخواطر، وله تآليف لطيفة في علوم القوم منها كتاب سماه زاد المساكين ونقل ابن الحنبلي في تاريخه عن تاريخ جار الله بن فهد المكي أن الكيزواني ولد تقريباً في عاشر رجب سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، وأنه توجه صحبة الشيخ علوان حموي إلى بروسا من بلاد الروم سنة ثمان وتسعمائة، وأقام في صحبته عند سيدي علي بن ميمون نحو شهرين، وعاد في صحبته إلى صالحية دمشق، وأنه لازم سيدي علي بن ميمون، انتفع به، وتهذب بأخلاقه، وذكر صاحب الشقائق النعمانية: أنه سافر مع سيدي علي بن ميمون في نواحي حماة، وكانت الأسد كثيرة في تلك النواحي، فتعرض لهم الأسد، فشكوا منه إلى الشيخ ابن ميمون. فقال: اذنوا فأذنوا، فلم يبرح، فذكروا ذلك للشيخ فقال: اذنوا ثانياً، فلم يبرح، فتقدم الكازواني، فغاب الأسد عن أعينهم، ولم يعلموا أخسفت به الأرض أم ذاب في مكانه، فذكروا ذلك لسيدي علي بن ميمون فغضب على الكازواني، وقال له: أفسدت طريقنا وطرده، ولم يقبله حتى مات، فأراد الكازواني أن يرجع إلى خلفاء الشيخ، فلم يقبلوه حتى ذهب إلى بلاد الغرب، وأتى بكتاب من الشيخ عرفة أستاذ سيدي علي بن ميمون إلى خلفاء السيد علي، وقال فيه: إن أحداً لا يرد من تاب إلى الله تعالى، وإن شيخه إنما رده لتأديبه وإخلاصه، فقبلة الشيخ علوان، ووأكل تربيته، ثم رحل إلى بلاد الروم، ثم ذهب إلى حج الشريف، وجاور بمكة إلى أن مات. وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أنه قدم حلب، وجلس في مجلس التسليك، فاجتمع عليه خلق كثير، ولما كانت سنة ست وعشرين، وهي السنة التي ورد فيها حلب أرسل الشيخ علوان إلى الشيخ زين الدين بن الشماع رسالة مبسوطة تشتمل على التنفير من الإجتماع بالكيزواني بألفاظ يابسة لا ينبغي إطلاقها في حق متدين، فقرأها ابن الشماع على غير واحد، ثم توجه ابن الشماع في السنة المذكورة إلى الحج، وجاور، فلما قدم حلب سنة ثمان وعشرين رأى أمر الكازواني في ازدياد، وقد أقبل عليه خلق كثير، فأعرض عن قراءة الرسالة، وخطر له أن يغسلها، ثم خشي أن يكون في غسلها انتقاص لكاتبها، ثم ترجح عنده غسلها فغسلها، ثم توجه الكازواني بعد انسلاخ السنة المذكورة إلى حماة، واجتمع بالشيخ علوان، واعتذر إليه عن أشياء انتقدت عليه، وجدد التوبة، فأذن الشيخ علوان حينئذ في الإجتماع به. قال ابن الشماع: وقد ظهر - ولله الحمد - أنا سبقناه إلى محو الرسالة حساً قبل محوه لها معنى، وفي ذلك برهان ظاهر على أن من أخلص النية، ألهم سلوك الطرائق المرضية، وكان مما كتبه الشيخ علوان إلى ابن الشماع عن الكازواني أنه وقف علينا تائباً، وفي المواصلة راغباً، فحكمنا بالظاهر، والله يتولى السرائر، فإن رأيتم الإجتماع معه أو عنده، فذاك إليكم، وما أريد أن أشق عليكم، وليس يخفى على علمكم الحديث المشهور التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وذكر ابن طولون أن الكازواني دخل من حلب إلى دمشق يوم الجمعة ثاني عشر شعبان سنة....، ونزل بالصالحية قاصداً التوجه إلى الحجاز، وتلقاه بعض الصوفية، وأنزله بالناصرية بسفح قاسيون، وهرعت الناس إليه للسلام عليه. قال: وهو من أعيان المحبين للشيخ محيي الدين بن العربي. قال: وكان تلميذاً للشيخ علي بن ميمون وطرده، ثم سكن حلب، وبنى له بها زاوية، وذكر الشعراوي في طبقاته وقال: أخبرني من لفظه أنه كان في بداءته يمكث خمسة شهور طاوياً لا ينام إلا جالساً، ثم ذكر جملة مما سمعه من كلامه، ثم قال: وكان بدؤ أمره بمدينة حلب، وبنى له النائب تكية عظيمة، واجتمع عليه خلائق لا يحصون، فوقعت فتنة في حلب، فقتل الدفتر دار، وقاضي العسكر يعني قرا قاضي، فقال الناس: إن ذلك باشارة الشيخ يعني الكازواني، فأخرجوه من حلب، ونفوه إلى رودس، فأقام بها ثلاث سنين، ثم رأته يعني في المنام خونة الخاص، وهو يقول لي أن أقيم بمكة، ولا أرجع إلى حلب. فقال: من تكون. قال! الكازواني: فكلمت عليه السلطان سليمان، فأرسل له مرسوماً بأن يسافر إلى مكة، ويقيم بها، وعمرت له خونة هناك تكية. وفيها سماط، فزاحمه أهل مكة، فتركها وسكن في

بيت عند الصفا. قال الشعراوي: وأخبرني أنه لما دخل مكة انقلبت أهلها إليه رجاء أن يتوسط لهم عند السلطان في الأرزاق لأن الخاص مكية كانت تعتقده قال: فثقل علي بذلك، فتظاهرت بالرغبة في الدنيا، وصرت كلما يأتي إلى مكة صدقة أرسلت قاصدي أسألهم أن يعطوني، فإذا أعطوني قلت: هذا يسر وعدته عليهم، فأنكروا علي وتركوني فاسترحت بذلك وراق وقتي للطواف والعبادة. وإلا فأنا بحمد الله تعالى لا أحتاج إلى صدقة أحد لأن عندي ما يكفيني، ويكفي عيالي. عند الصفا. قال الشعراوي: وأخبرني أنه لما دخل مكة انقلبت أهلها إليه رجاء أن يتوسط لهم عند السلطان في الأرزاق لأن الخاص مكية كانت تعتقده قال: فثقل علي بذلك، فتظاهرت بالرغبة في الدنيا، وصرت كلما يأتي إلى مكة صدقة أرسلت قاصدي أسألهم أن يعطوني، فإذا أعطوني قلت: هذا يسر وعدته عليهم، فأنكروا علي وتركوني فاسترحت بذلك وراق وقتي للطواف والعبادة. وإلا فأنا بحمد الله تعالى لا أحتاج إلى صدقة أحد لأن عندي ما يكفيني، ويكفي عيالي.
وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أنهم صلوا على الكازواني غائبة بحلب في رجب سنة اثنتين وخمسين لورود الخبر بموته، ثم ظهر أنه حي، ولما بلغه أنه صلي عليه تمنى أن يصلوا عليه مرة أخرى، ثم وثم قلت: ورأيت بخط بعض الفضلاء أنه صلي عليه بجامع دمشق غائبة يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: وكانت وفاته بين مكة والطائف في رجب سنة خمس وخمسين وتسعمائة إلا أنه حمل، ودفن بمكة، وأورد له الشعراوي في الطبقات الكبرى:
القصد رمز، فكن ذكياً ... والرسم سر على الأشاير
فلا تقف مع حروف رسم ... كل المظاهر لها ستاير
علي بن بكار السرميني: علي بن بكار بن علي، الشيخ علاء الدين المؤدب السرميني، الحلبي، قرأ القران العظيم على ابن الدهن، والبدر بن السيوفي، ثم لازم إقراء الأطفال في داره سنين في جماعة من أهل الخير والصلاح، وكان من عادته أن يدعو ويرفع صوته يطوله عند قوله: اللهم أعنا على سكرات الموت، وما قبل الموت، وما بعد الموت،. فاتفق له أنه مات فجأة في أواخر الورد، وهو على وضوء كما مات صاحب الورد المذكور كذلك، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة خمس وأربعين وتسعمائة.
علي بن صالح الكلزليعلي بن صالح بن إسماعيل بن يوسف، الأديب الشاعر الحلبي المشهور بدرويش علي بن الكلزلي. له شعر ملحون وربما جمع فيه بين بيتين كل واحد من بحر لعدم إلمامه بالعربية والوزن لكن كان له ذكاء، وحكي أن رجلاً عرف بشيخ الشيوخ الأنصاري أنشد لنفسه:
ذكر الصبا فصبا، وكان قد ارعوى ... صب على عرش الغرام قد استوى
فذيل عليه القاضي جابر التنوخي، الحلبي بقوله:
تجري مدامعه ويخفق قلبه ... فترى العشيق على الحقيقة واللوى
وإذا تألق بارق من بارق ... طفقت تنم عليه أسرار الجوى
فذيل عليه الدرويش علي بقوله:
وأنا نذير العاشقين فمن يرد ... طول الحياة فلا يذوقن الهوى
فخذوا أحاديث الهوى عن صادق ... ما ضل عن شرع الغرام ولا غوى
مات سنة ثمان وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن حسن الجراعيعلي بن حسن بن أبي مشعل، الشيخ الإمام العلامة علاء الدين الجراعي، ثم الدمشقي، الشافعي، المشهور بالقيمري لكونه كان يسكن بمحلة القيمرية تجاه القيمرية الكبرى. قرأ في علم القراءات على الشيخ شمس الدين ابن الملاح، وفيه وفي العربية على الجمال البويضي، وتفقه على الشيخ تقي الدين القارىء، وأجازه بالإفتاء والتدريس. كذا قال ابن طولون، وذكره شيخ الإسلام الوالد في فهرست من قرأ عليه، وقال: قرأ علي دروساً من الخزرجية، ودروساً من أوائل شرحي على منظومة الوالد في الأصول، وجانباً من تفسير البيضاوي. قال: وصحبني في قرآتي على شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، وسمعت بقراءته عليه ربع صحيح البخاري الأول، وشيئاً من صحيح مسلم، وشيئاً من سنن أبي داود، وشيئاً من ابن ماجة. قال: وهو من المحبين الصلحاء الأفاضل. انتهى.
وقال ابن طولون: كان يقرىء الأطفال، ثم ولي نصف إمامة الشافعية بالجامع الأموي.

قلت: وكانت ولايته لنصف الإمامة المذكورة بتفرغ شيخ الإسلام الوالد له عنها في سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وهي سنة وفاة شيخنا الشيخ تقي الدين القارىء المتولي لنصف الإمامة الثانية، ووجه النصف المذكور بعده للشيخ شهاب الدين الطيبي تلميذه في السنة المذكورة، ثم ولي نصف الإمامة بعد القيمري الشيخ شهاب الدين الفلوجي شريكاً للطيبي، وتصدر الشيخ علاء الدين القيمري آخرا للإقراء بمقصورة الجامع الأموي في تفسير البيضاوي، ثم في تفسير البغوي، ومات ولم يكمله، ثم درس في البقعه المذكورة بعد القيمري الشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وكان القيمري يكتب المصاحف للسبعة وللعشرة من طريق تحبير التيسير، وحرز الأماني، والحرة، وكان خطه حسناً. قاسى علة البطن مدة، ثم مات بها شهيداً يوم السبت حادي عشر جمادى الأولى سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمئة، ودفن بوصية منه في تربة باب الصغير إلى جانب أخ له في الله صالح.
علي بن شعبان الطرابلسيعلي بن شعبان بن محمد، الشيخ علاء الدين الطرابلسي، الشافعي، الشهير بأبيه. قرأ على شيخ الإسلام الوالد في البهجة، وسمع عليه دروس غيره في الفقه والنحو، وترجمه بالفيض والبكاء، فكان اشتغاله عليه في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.
علي بن عبد اللطيف القزوينيعلي بن عبد اللطيف بن قطب الدين بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد، الشهير بأبدكا الحسيني، القزويني، الشافعي، المعروف بقاضي علي. كان من بيت علم وقضاء، وولي قضاء قزوين، ثم تركه وكتب بها على الفتوى، ثم دخل بلاد الشام، وحج وأخذ شيئاً من الحديث على شيخ الإسلام تقي الدين القاء وعن غيره، ثم عاد إلى بلاده، فدخل حلب في طريقه، فاستجازه ابن الحنبلي فأجاز له، ثم توفي في بلده على ما قيل في سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن عطية بن علوان الحمويعلي بن عطية بن الحسن بن محمد بن الحداد الشيخ الإمام العلامة، القرم الهمام الفهامة، شيخ الفقهاء والأصوليين، وأستاذ الأولياء والعارفين، الشيخ علوان الهيتي الشافعي، الحموي، الشافعي، الصوفي، الشاذلي، سمع على الشمس محمد بن داود البازلي كثيراً من البخاري، وقرأ عليه من أول مسلم إلى أثناء كتاب الصلاة، وسمع أيضاً بعض البخاري بحماة على الشيخ نور الدين علي بن زهرة الحنبلي الحمصي، وأخذ عن القطب الخيضري، وعن البرهان الناجي، والبدر حسن بن شهاب الدمشقيين وغيرهم من أهلها، وعن ابن السلامي الحلبي، وابن الناسخ الطرابلسي، والفخر عثمان الديمي المصري، وقرأ على محمود بن حسن بن علي البزوري الحموي، ثم الدمشقي، وأخذ طريقة التصوف على السيد الشريف أبي الحسن علي بن ميمون المغربي، حدثني شيخنا - فسح الله تعالى في مدته - مراراً عن والده الشيخ يونس أن الشيخ علوان حدثه في سنة أربع وعشرين وتسعمائة. كان واعظاً بحماة على عادة الوعاظ من الكراريس بأحاديث الرقائق، ونوادر الحكم، ومحاسن الأخبار والاثار، فمر به السيد الحسيب النسيب سيدي علي بن ميمون، وهو يعظ بحماة، فوقف عليه، وقال يا علوان عظ من الرأس، ولا تعظ من الكراس، فلم يعبأ به الشيخ علوان، فأعاد عليه القول ثانياً وثالثاً. قال الشيخ علوان: فتنبهت عند ذلك، وعلمت أنه من أولياء الله تعالى. قال: فقلت له يا سيدي لا أحسن أن أعظ من الرأس - يعني غيباً - فقال: بل عظ من الرأس، فقلت: يا سيدي إذاً أمددتموني. قال: افعل، وتوكل على الله. قال: فلما أصبحت جئت إلى المجلس، ومعي الكراس في كمي احتياطاً. قال: فلما جلست فإذا بالسيد في قبالتي. قال: فابتدأت غيباً، وفتح الله تعالى علي، واستمر الفتح إلى الآن، وقرأت بخط الشيخ يونس هذه الحكاية بمعنى ما ذكرت، وقرأت بخطه أن اجتماعه به كان في نهار السبت ثامن عشر شوال سنة أربع وعشرين المذكورة عند توجهه إلى مكة المشرفة في مدرسة تنم بمحلة ميدان الحصا، وأنه قرأ عليه خاتمة التصوف للشيخ تاج الدين السبكي من جمع الجوامع، واستجازه وأجازه قال: واعتذر إلي في الفقه، وقال: لما صرت أطالع كتب الغزالي اشتغلت عنه. قال: وذكر لي أنه لما اجتمع بسيدي علي بن ميمون أمره بمطالعة الإحياء، وقال: كان من تلاميذ شيخنا الإمام تقي الدين البلاطنسي لما كان في حماة قال: وكان شيخنا يثني عليه. انتهى.

وبالجملة فإن سيدي علوان ممن أجمع الناس على جلالته، وتقدمه وجمعه بين العلم والعمل، وانتفع به الناس وبتآليفه في الفقه والأصول والتصوف، وتآليفه مشهورة منها المنظومة الميمية المسماة بالجوهر المحبوك، في علم السلوك، وكتاب مصباح الهداية، ومفتاح الدراية، وفي الفقه وكتاب النصائح المهمة، للملوك والأئمة، وبيان المعاني، في شرح عقيدة الشيباني، وعقيدة مختصرة، وشرحها، ورسالة سماها فتح اللطيف، بأسرار التصريف، على نهج رسالة شيخه التي وضعها في إشارات الجرومية، وشرح تائية ابن الفارض كتبته من خطه، وشرح تائية الشيخ عبد القادر بن حبيب الصفدي، وهو أشهر كتبه، وكتاب مجلى الحزن في مناقبشيخه السيد الشريف أبي الحسن والنفحات القدسية، في شرح الأبيات الشبشترية وهي التي نقلها سيدي أحمد زروق في شرح الحكم العطائية من قوله:
فلا يلتفت في الشيء غيرا فكلما ... سوى الله غير فاتخذ ذكره حصنا
وكل مقام لا يقم فيه إنه ... حجاب فجد السير فاستنجد العونا
ومهما ترى كل المراتب تحتلى ... عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا
وقل ليس لي إلا مرادك مطلب ... ولا صورة تجلى ولا طرفة تجنى
وهي رسالة لطيفة جمعها بين نظم ونثر التمسها منه ملتمس، فألفها، وقال في آخرها مخاطباً لذلك الملتمس:
لقد حركت أشجان المشوق ... بما أرسلت تسأل يا صديقي
فهاك جواب نظم ضمن نظم ... ونثر فاق في علم الطريق
ومن نظم سيدي علوان في الرسالة المذكورة:
القتل في الحب أسنى منية الرجل ... طوبى لمن مات بين السيف والأسل
سيف اللحاظ ورمح القد كم قتلا ... من مستهام فقاداه إلى الأجل
لو تعلم الروح فيمن أهدرت تلفاً ... أصخت ومقدارها في نيل ذاك علي
إن الغرام وإن أشفى السقيم به ... على الهلاك لدرياق من العلل
يا حبذا سقمي فيهم وسفك دمي ... به ارتفعت بلا شك على زحل
أحباب قلبي بعيش قد مضى بكم ... جودوا بوصل فأنتم غاية الأمل
أشكوا انقطاعي وهجري والصدود لكم ... إن تقطعوا بانصرام الود ما حيلي
وحق معنى جمال يجتلى أبداً ... من حسن طلعتكم قدماً من الأزل
ما حلت عنكم ولا أبغي بكم بدلاً ... فليس من شيمتي ميل إلى البدل
هيهات أن أنثني يوما إلى أحد ... وليس غيركم في الكون يصلح لي
ومن نظمه ما أنشده - رضي الله تعالى عنه - في شرحه لتائية ابن الفارض:
سر سري لم يغب ... وتراني أطلب
أن أراني حاضراً ... إذ به عيش يطب
فتعجب يا فتى ... من بعيد مقترب
إن أغب عن طلبي ... فشهودي ما كذب
ومما وجدته بخطه والغالب عندي أنه من نظمه أيضاً:
من يكن في خلدي ... ليس شيء يحجبه
دائماً عندي معي ... وفؤادي يطلبه
ذا عجيب كل من ... خاله يستغربه
شمسه إن طلعت ... كان سري مغربه
ومنه ما أنشده في شرحه على تائية ابن حبيب:
بجمع وفرق وفرق وجمع ... وشرع وحق وحق وشرع
ينال الفتى كلما يرتجي ... بتنزيه طرف وإلقاء سمع
وترك هوى باتباع الهدى ... وتقديس سر وتنزيه طبع
عليك بها أيها إنها ... جماع لخير ومفتاح جمع
وقد التمس مني بعض أفاضل الصلحاء أن أكتب لهذه الأبيات شرحاً لطيفاً، فكتبت عليه

تأليفاً منيفاً، لم أر فيه ترتيباً وتصنيفاً، وسميته بالهمع الهتان، في شرح أبيات الجمع للشيخ علوان، وقرأت بخط الشيخ شمس الدين بن طولون في تاريخه وأخبرنا عنه شيخنا الزين ابن سلطان الحنفي وغيره. قال: وفي يوم الأربعاء ثالث عشري جمادى الآخرة يعني سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وصل إلي كتاب محدث حلب زين الدين بن الشماع الحلبي، وفيه وقد توجهت في العام الماضي سنة أربع وثلاثين إلى حماة في أول رمضان، وأقمت عند شيخ الوقت سيدي علوان الشافعي، فأكرمني وأنزلني في خلوته، وسمعت منه أشياء، وقد أذكرني حاله قول علي بن الفضل بن عياض لأبيه، كما في آخر جزء البطاقة يا أبه ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: يا بني وتدري لم حلي قال لا قال: لأنهم أرادوا به الله تعالى قال: وكذلك أقول: في سيدي علوان نفعني الله تعالى وإياكم، وسائر المسلمين ببركاته قال: ثم قرأ علي ولداه أبو الوفاء محمد وأبو الفتح محمد ثلاثيات البخاري وغيرها، وأنشدت في معنى بعض حديث الثلاثيات لو أقسم على الله لأبره من نظم الشهاب الحجازي.
رب ذي طمرين نضو ... يأمن العالم شره
لا يرى إلا غنياً ... وهو لا يملك ذره
ثم لو أقسم في ش ... يء على الله أبره
قال ابن طولون: قلت وقد أنشدني هذه الأبيات قاضي قضاة مصر الكمال الطويل الشافعي للحافظ زين الدين العراقي، والأول أصوب والله أعلم قال ابن الشماع، وسمع ذلك من لفظي سيدي الشيخ علوان فنظم في معنى ذلك في يومه:
رب ذي طمرين أشعث ... يعتريه وصف غيره
ترك الدنيا اختياراً ... فهو لا يملك ذره
خامل الذكر حقير ... مهمل يجهل قدره
إن دنا يوماً علينا ... فهو مدوفوع بمره
وله جاه وقدر ... عند مولانا وشهره
فهو لو آلى على الل ... ه يميناً لأبره
هكذا قد صح نقلاً ... في قرون مستمره
إن من كان كهذا ... يرتجي رزقاً ونصره
قاله المختار حقاً ... ناصحاً صحباً وعتره
فعليه الله صلى ... ضعف ألف ألف مره
وكذا أضعاف هذا ... حيث لا يحصى لكثره
وكان سيدي علوان قد سمع الحديث من الشيخ زين الدين بن الشماع انتهى.
وأخذ ابن الشماع الطريق عن سيدي علوان، فكل واحد منهما شيخ للآخر، وتلميذ وذلك يدل على إنصاف كل واحد منهما وإتصافه بالإتضاع وحسن الخلق، وتحصيل الفائدة من كل شيء من أخلاق المؤمنين والصالحين، وقد قرأت في إجازة ابن الشماع للشيخ شهاب الدين الطيبي مقرىء دمشق، وأورعها حين ورد ابن الشماع دمشق في سنة اثنين وثلاثين وتسعمائة، وقد وقفت على الإجازة المذكورة بخط ابن الشماع أن الشيخ علوان أنشده لنفسه بعد سماع سيدي علوان للحديث المسلسل بالأولويه من لفظ ابن الشماع:
استبق للخير تغنم ... وارحم الخلق لترحم
قد روينا في حديث ... مسند ليس ليكتم
إنما رب البرايا ... لأولي الرحمة يرحم
نجل شماع رواه ... وروينا عنه فأفهم
من طريق عن فريق ... سلسلوه فتقدم

وحدثت أن سيدي الشيخ علوان، وسيدي محمد بن عراق حجا معاً، في سنه واحدة وكان سيدي محمد بن عراق ماشياً، والشيخ علوان في محمل، فبلغ الشيخ علوان في أثناء الطريق أن سيدي محمد بن عراق مرض، ومنعه المرض من المشي، وطرحه إلى الأرض فقصده الشيخ علوان فقال له: يا أخي ما هذا قال: أمر الله قال: يا أخي تركب في محملي قال: لا إني عاهدت الله أن أمشي إلى بيته قال الشيخ علوان: هذا لا يكون كيف تمشي وأنت مريض، ونركب ونحن أصحاء قال: فكيف الحال قال: نحن نحمل عنك فما افترقا حتى قام سيدي محمد بن عراق صحيحاً، ليس به بأس، ولزم الشيخ علوان المحمل مريضاً، وكرامات الشيخ علوان كثيرة منها ما ذكره ولده سيدي محمد شمس الدين في كتابه المسمى بتحفة الحبيب، وقد وقفت عليه جملة منها أنه شكا إليه بعض أصحابه أنه لا يرزق ولداً، ولم يزل يعرض له بذلك، فبينما هو وإياه في الحمام ليلة من الليالي أو يوماً من الأيام إذ بالشيخ قد أخذته الحال، فناداني وقال: ادن مني، ثم ضرب بيده المباركة على صلبه، فعند ذلك رزق اعداداً من الذكور، ومنها أنه كان ليلة من الليالي يتكلم في طريق السلوك مع بعض فقرائه، بعد صلاة العشاء في بيت، وفي البيت سراج موقد ففرغ منه الزيت فقام بعض فقرائه يصب فيه زيتاً، فانطفأ فأراد أن يشعله فقال له الشيخ، اقعد فإن من عباد الله من إذا قال للسراج اتقد من غير زيت، ولا دهن، يتقد فما فرغ الشيخ من كلامه إلا والسراج قد اتقد من غير زيت، ولا شي من الأدهان إلى آخر الليل واستمر كذلك إلى قرب طلوع الشمس. قال: وأظن الراوي قال في هذه الرواية ولم ينطفىء حتى جاء الشيخ وأطفأه بنفسه قال: وأخبرني بعض أهل العلم وكان مسافراً في مصر أنه كان عند إيابه في أثناء الطريق، فحصل لدابته عي، وقد تركه الرفقاء وساروا وبقي وحيداً فريداً، فنادى الشيخ باسمه فلم يلبث يسيراً إلا وهو بالشيخ الوالد وافقاً عنده فقال له: ملاطفاً مؤنساً من الذي قطعك يا فلان عن القافلة، فتذر إليه بما حصل لدابته فما هو إلا أن أخذ بطرف من أطرافها وأقامها وحمل عليها أمتعته، ثم ركبه إياها، ثم أوصله إلى القافلة في أسرع مدة فتفقد ذلك الرجل، فلم يجده ولم يدر أين مضى قال: وأخبرني ثقات من أصحابه وكانوا تجاراً ببعض أطراف الهند في مركب من مراكب التجار، وإذا بالرياح اختلفت عليهم حتى أشرفوا على الهلاك فاستغاثوا باسم الوالد، فإذا به قد خرج على شكله المعهود من البحر، وعليه ثيابه التي يعتاد لبسها، فحمل المركب على عاتقه، ولم يزل حتى أوصل السفينة بمن فيها إلى ساحل السلامة، والناس ينظرون إلى ذلك حتى غاب عنهم قال وكم شوهد مناماً ويقظة في كثير من المحاضر والمجالس قال: ولما فتح السلطان رودس شوهد الشيخ الوالد راكباً على فرس شهباء أو بيضاء، وقبل فتحها بنحو ساعة شهد قوم الشيخ قد تقدم، وفتح باب المدينة فمشى ذلك الرجل المشاهد له، وأخبر بعض الوزراء، والخواص فابتدورا باب المدينة، فإذا به مفتوح، فدخلوا فلما جاءوا بعض الكنائس، وجدوا الشيخ ومعه طائفة يصلون، ويهللون، ويكبرون، ويرفعون أصواتهم بكلمة الإسلام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه ذلك الرجل، وابتدر الشيخ بالسلام، فنظر الشيخ إليه مغضباً، وخفي عن بصره، فأخبر بعض الوزراء وحوله جماعة، فصدقه بعض الحاضرين وقال: أنا رأيت ذلك الرجل يعني على ذلك الوصف، فتعجب الوزير من ذلك، وزاد اعتقاده فيه، ثم لما رجع الرجل اجتمع بالشيخ بحماة، وبكى فقال لا تفش شيئاً مما رأيت تهلك فكأنه كلم بعض الناس خفية فأرسل خلفه، وزجره وقال له مالك وللوصول إلى ساحة هذا الكلام، أما علمت أن من حسن إسلام المرء تركة ما لا يعنيه قال:. ولقد أخبرني لصوص بعد توبتهم بأنهم جاءوا إلى زاوية الشيخ بقصد أذيته فوجدوه قائماً يصلي، والمحل ممتلىء عليه نوراً، وكانت الليلة مظلمة، ولم يكن ثم سراج، ولا قنديل قال: ومما حكي لي بعض من لا أستريب في صدقه أنه تغلب عليه بعض أعوان الظلمة، وأخذه من بلدته قهراً وسجن، وقيد ووضع الحديد في عنقه، وبقية أعضائه بالسلاسل، والأغلال فاستغاث ليلاً بسيدي الشيخ والوالد، فتساقطت عنه الأغلال والقيود، فقام واقفاً وإذا بباب مفتوح له وإذا بالسجانين رقود على باب السجن، ولم يزل في أمن منهم ومن غيرهم حتى وصل إلى بلدته سالماً قال: ولقد قال

لبعض أصحابه سنة من السنين في رمضان إذا كنت غداً في مجلس الكلام، والوعظ يمر على باب المسجد ثلاثة من اليهود، فأما اثنان منهم، فينصرفان والواحد يقف على باب المسجد، ويسمع، ثم لا ينفصل المجلس إلا وقد دخل في الإسلام فإني خيرت بين أن يموت رجل في مجلسي وبين أن يسلم يهودي، فسألت الله تعالى إسلام اليهودي وحياة المسلم، فوجدت في قلبي ثبوت ذلك فلما أصبح الشيخ وجلس في جامعه على كرسيه، وأخذ في الكلام كان الأمر كما قال: ولما توجه سيدي الوالد إلى زيارة سيدي علي بن ميمون وهو ببروسا، فلما وصل إليه الشيخ فوض إليه أمر تربية الفقراء، فوقف الشيخ علي بن ميمون على باب المجلس، وكلما مر به ملأ من فقرائه من أولي العلم، والفضل والموالي وغيرهم يقول لهم: ادخلوا اسمعوا كلام الطريق، من أخلاق وعرفان وتحقيق، نعم هكذا وهكذا وهو واقف يسمع كلام الشيخ علوان ويضرب على ركبتيه فرحاً وسروراً وقال: بعض أهل الصلاح أشهد علي سيدي علي بن ميمون لست بشيخ وإنما أنا كرجل علم بكنز في بلدة فأراد أن يعم الإنتفاع به كل أحد فجاءنا فاستخرج ما فيه، ثم دل الناس عليه ومضى في حال سبيله فالكنز المعمى علوان، وقد أتى ابن ميمون فاستخرج ما فيه من العلوم والمعارف، ودل الناس على الإنتفاع به، والأخذ عنه قال: وأخبرني مرة أخرى عن ابن ميمون أنه قال في حق سيدي علوان: استمسكوا بهنا الرجل فوالله ليغرى له ملوك الأرض اعتقاداً وانتقادا وكأني أراهم على بابه زيارة وحياء واعتقاداً وتبركاً وليملأن الله تعالى ذكره في البلاد شرقاً وغرباً، وليسكنن الله القلوب حبه، وكان كما قال: انتهى ما نقله عن تحفة الحبيب لولده سيدي محمد رضي الله تعالى عنهما، وقد انتفع بالشيخ علوان جماعة حتى صار كل واحد منهم قدوة منهم ولداه سيدي محمد أبو الفتح، وسيدي محمد أبو الوفاء، ومنهم الشيخ العارف سيدي الشيخ عمر الحموي الاسكاف العقيبي نزيل دمشق، وكانت وفاة الشيخ علوان بحماة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وتسعمائة قال ولده: سيدي محمد في تحفة الحبيب وقد أخبرني بموته قبل حلول مرضه، وعرف بأمور تصدر في بلدته وغيرها بعد موته من أصحابه وغيرهم، فجاءت مواعيده التي أشار بها كفلق الصبح قال: وفي يوم موته طلب أن يتيمم، ثم دخل في الصلاة فبينما هو عند قوله إياك نعبد وإياك نستعين إذ خرجت روحه أو وصلت إلى الغرغرة، وذكر ابن طولون أن خبر وفاة الشيخ علوان وصل إلى دمشق في يوم الثلاثاء حادي عشري جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وتسعمائة وأنه مات وقد قارب الثمانين قال وصلي عليه بعد يومين غائبة بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي، وعرض خطيبه الجلال البصروي لذكره في الخطبة فانتحب الناس بالبكاء عليه، وكان قد توفي يوم الخميس سادس هذا الشهر، ودفن بالمكان الذي كان يعظ به قال: وسافر عقيب هذه الخطبة الشيخ عمر الإسكاف تلميذه إلى تعزية ولديه ومعه الفقراء، وعاد بسرعة فإنه لم يلبث في حماة سوى ليلة وأسرى صبيحتها انتهى.ض أصحابه سنة من السنين في رمضان إذا كنت غداً في مجلس الكلام، والوعظ يمر على باب المسجد ثلاثة من اليهود، فأما اثنان منهم، فينصرفان والواحد يقف على باب المسجد، ويسمع، ثم لا ينفصل المجلس إلا وقد دخل في الإسلام فإني خيرت بين أن يموت رجل في مجلسي وبين أن يسلم يهودي، فسألت الله تعالى إسلام اليهودي وحياة المسلم، فوجدت في قلبي ثبوت ذلك فلما أصبح الشيخ وجلس في جامعه على كرسيه، وأخذ في الكلام كان الأمر كما قال: ولما توجه سيدي الوالد إلى زيارة سيدي علي بن ميمون وهو ببروسا، فلما وصل إليه الشيخ فوض إليه أمر تربية الفقراء، فوقف الشيخ علي بن ميمون على باب المجلس، وكلما مر به ملأ من فقرائه من أولي العلم، والفضل والموالي وغيرهم يقول لهم: ادخلوا اسمعوا كلام الطريق، من أخلاق وعرفان وتحقيق، نعم هكذا وهكذا وهو واقف يسمع كلام الشيخ علوان ويضرب على ركبتيه فرحاً وسروراً وقال: بعض أهل الصلاح أشهد علي سيدي علي بن ميمون لست بشيخ وإنما أنا كرجل علم بكنز في بلدة فأراد أن يعم الإنتفاع به كل أحد فجاءنا فاستخرج ما فيه، ثم دل الناس عليه ومضى في حال سبيله فالكنز المعمى علوان، وقد أتى ابن ميمون فاستخرج ما فيه من العلوم والمعارف، ودل الناس على الإنتفاع به، والأخذ عنه قال: وأخبرني مرة أخرى عن ابن ميمون أنه قال في حق سيدي علوان: استمسكوا بهنا الرجل فوالله ليغرى له ملوك الأرض اعتقاداً وانتقادا وكأني أراهم على بابه زيارة وحياء واعتقاداً وتبركاً وليملأن الله تعالى ذكره في البلاد شرقاً وغرباً، وليسكنن الله القلوب حبه، وكان كما قال: انتهى ما نقله عن تحفة الحبيب لولده سيدي محمد رضي الله تعالى عنهما، وقد انتفع بالشيخ علوان جماعة حتى صار كل واحد منهم قدوة منهم ولداه سيدي محمد أبو الفتح، وسيدي محمد أبو الوفاء، ومنهم الشيخ العارف سيدي الشيخ عمر الحموي الاسكاف العقيبي نزيل دمشق، وكانت وفاة الشيخ علوان بحماة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وتسعمائة قال ولده: سيدي محمد في تحفة الحبيب وقد أخبرني بموته قبل حلول مرضه، وعرف بأمور تصدر في بلدته وغيرها بعد موته من أصحابه وغيرهم، فجاءت مواعيده التي أشار بها كفلق الصبح قال: وفي يوم موته طلب أن يتيمم، ثم دخل في الصلاة فبينما هو عند قوله إياك نعبد وإياك نستعين إذ خرجت روحه أو وصلت إلى الغرغرة، وذكر ابن طولون أن خبر وفاة الشيخ علوان وصل إلى دمشق في يوم الثلاثاء حادي عشري جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وتسعمائة وأنه مات وقد قارب الثمانين قال وصلي عليه بعد يومين غائبة بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي، وعرض خطيبه الجلال البصروي لذكره في الخطبة فانتحب الناس بالبكاء عليه، وكان قد توفي يوم الخميس سادس هذا الشهر، ودفن بالمكان الذي كان يعظ به قال: وسافر عقيب هذه الخطبة الشيخ عمر الإسكاف تلميذه إلى تعزية ولديه ومعه الفقراء، وعاد بسرعة فإنه لم يلبث في حماة سوى ليلة وأسرى صبيحتها انتهى.

وقرأت بخط الشيخ موسى الكناوي أنه اجتمع بالشيخ علوان مرتين بدمشق في ذهابه إلى الحج سنة أربع وعشرين، وفي إيابه، وطلب منه الدعاء فدعا له، وإنه مات في التاريخ المذكور عن ثلاث وستين سنة، ولعل هذا أقرب مما ذكره ابن طولون ومن اللطائف أن الشيخ علوان بعث مكتوباً إلى دمشق أخبر فيه بموت صاحبه شيخه في الحديث، ومريده في الطريق المحدث زين الدين بن الشماع أنه مات بحلب، فوصل مكتوب الشيخ علوان إلى دمشق يوم الجمعة سابع ربيع الأول سنة ست وثلاثين المذكورة، ولم تتفق الصلاة الغائبة على ابن الشماع إلا في الجمعة الثالثة للجمعة التي صلي على الشيخ علوان، وذلك في يوم الجمعة حادي عشري جمادى الأولى سنة ست وثلاثين المذكورة، وكان ذلك على وفاق ما كان يعتقده ابن الشماع من فضل الشيخ علوان، وتقدمه عليه واعتارف ابن الشماع بالشيخية.
علي بن الكركيةعلي بن عمر بن عبد الرحمن، الشيخ الأصيل علاء الدين الشهير بابن الكركية الحلبي الشافعي، خطيب جامع الطنبغا العلائي بحلب، توفي في رجب سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة قال ابن الحنبلي: واتفق له في آخر خطبة خطبها أن قال رزق مقسوم، وأجل معلوم، وعمر بالموت محتوم.
علي نور الدين الطرابلسيعلي بن ياسين، الشيخ الإسلام نور الدين الطرابلسي شيخ الحنفية بمصر، وقاضي قضاتها، اشتغل على قاضي القضاة شمس الدين الغزي، والشيخ صلاح الدين، وكان عنده ديانة، وتقشف، وتفنن في العلوم، ولي قضاء القضاة في الدولة السليمية، ثم في الدولة السليمانية إلى أن جاء قاض لمصر رومي من قبل السلطان سليمان، فعزله واستمر معزولاً يفتي ويدرس إلى أن مات، وهو ملازم على النسك والعبادة قال الشعراوي: وكان لا يأكل من معلوم محكمة شيئاً مع أنه ولي مكرهاً، وكان كثير الصدقة سراً وجهراً قال: وأنكر عليه قضاة الأروام بسبب إفتائه بمذهبه الراجح عنده وكاتبوا فيه السلطان، وجرحوه بما هو بريء منه، فأرسل السلطان يأمر بقتله أو بنفيه فوصل المرسوم يوم موته بعد أن دفناه، وكانت هذه كرامة له. انتهى.
وكانت وفاته سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، ولم يصل عليه قاضي مصر يومئذ لكونه كان أفتى عليه، فعرض فيه بما ذكر آنفاً، وصلي عليه غائبة بدمشق بالأموي يوم الجمعة سادس عشري ربيع الثاني منها.
علي بن يوسف الودينيعلي بن يوسف الرومي الوديني الحنفي الصوفي الخلواتي، والمعروف بكاتب أوقاف الحرمين الشريفين بحلب، ولد بودين بكسر الواو والدال المهملة من بلاد روم إيلي سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وكان يعرف بها بابن مراد لكون من طائفة يعرفون بها ببني مراد، وفيها تسلك ولبس الخرقة، ودخل الخلوة على يدي والده وصار له ذوق بكلام القوم، وسلسلة في الطريق ينتهي إلى خوجه علي بن خوجه عمر روشني، دخل بلاد الشام ومصر حج وزار بيت المقدس، وتولى البيمارستان النوري بدمشق، ثم نظر حلب وتولى كتابة أوقاف الحرمين بها من سنة تسع - بتقديم التاء - وعشرين وتسعمائة وبقي فيها مدة حتى كانت سنة إحدى وستين، حين كان السلطان بحلب عزم على تركها، فأبرم عليه بعض أركان الدولة أن لا يتركها لرضى أهل الحرمين الشريفين به، فبقيت في يده إلى أن مات في ربيع الأول سنة خمس وستين وتسعمائة.
علي بن شتي

علي الشيخ الصالح علاء الدين العسقلاني الأصل، الخليلي المعروف بابن شتي بضم أوله وفي آخره ياء مشددة تحتانية، ذكر ابن طولون في تاريخه عن الشمس ابن القويض الطبيب أنه أخبره حين قدم دمشق مع قاضيها يوسف عاشر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة أنه اجتمع في بلد الخليل بالشيخ علي المذكور قال ابن طولون: وكان جده صالحاً، وكان الشيخ علي هذا قد ارتكبته ديون، فلازم ضريح سيدي إسحاق الغيور، ففي بعض الأيام قيل شاهد سيدي إسحاق وأنا شاهد نوراً طلع من عنده فادعى رؤيته يقظة، فأنكر عليه ذلك فصار كل من أنكر ذلك عليه يقع إلى الأرض مصروعاً، فامتنع الناس من الإنكار عليه وتلمذ له جماعة، وصار حالهم كحاله قال ابن طولون: وقد كان صنف العلامة الجلال السيوطي شيخنا في معنى ذلك كتابه المسمى بنور الحلك في جواز رؤية النبي والملك انتهى. قلت وقفت على هذا الكتاب، ولخصته في شرح ألفية جدي المسماة بالجوهر الفريد، في آداب الصوفي والمريد، والظاهر أن وفاة الشيخ علي المذكور تأخرت عن هذا العام أعني عام ثلاثة وثلاثين وتسعمائة فهو من هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
علي التبريزيعلي المنلا علي العجمي التبريزي، ثم الصالحي الحنفي نزيل صالحية دمشق، كان شيخ التكية السليمية، وكان له خط حسن على طريقة العجم، وله سكون وصيانة توفي ليلة الجمعة تاسع عشر صفر سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
علي المقدسيعلي الشيخ العالم الورع علاء الدين المقدسي الشافعي، نزيل دمشق قال والد شيخنا: كان رفيقنا على الشيخ أبي الفضل بن أبي اللطف، ثم من بعده رافقنا على الشيخ الإمام تقي الدين البلاطنسي، إلى أن مات، وكان كتاب الإرشاد يفهمه فهماً جيداً، واشتغل في المنهاج قال: وكان يتعاطى البيع والشراء برأس مال يسير بورك له فيه، مع التعفف عن الوظائف على طريقة السلف، توفي نهار الخميس ثاني شهر ذي القعدة الحرام سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة ودفن بمقبرة باب الصغير.
علي بن مكيعلي الشيخ الزاهد العابد البقاعي، ثم الدمشقي الصالحي الشافعي المعروف بابن مكي، أصله من بيت روحا من أعمال البقاع، وسكن الصالحية، ولم يتزوج قط، وكان حائكاً، ثم ترك ذلك وانقطع للعبادة، وكان ملازماً لتلاوة القرآن وصيام يوه الاثنين والخميس من كل أسبوع، والأيام البيض والسود من كل شهر، والأشهر الثلاثة من كل عام، رجب وشعبان ورمضان، وكان للناس فيه اعتقاد توفي بالصالحية يوم الخميس حادي عشر صفر سنة أربعين وتسعمائة قال ابن طولون: وصليت عليه، ودفن في أعلى الروضة من جهة الشرق، أعني تربة ابن عبادة.
علي بن عين الملك الصالحيعلي الشيخ نور الدين بن عين الملك الصالحي الصوفي قال ابن طولون: كان رجلاً صالحاً محباً لطلبة العلم، ملازماً لعمل الوقت بزاوية جده عين الملك بسفح قاسيون، توفي يوم الجمعة سادس شهر شعبان سنة أربعين وتسعمائة بغتة، ودفن بحوش الزاوية.
علي البحيريعلي الشيخ الإمام العلامة نور الدين البحيري، الشافعي أحد علماء القاهرة بلغني أن المولى ابن كمال باشا كان بمصر يباحثه، وشهد له بالفضل العام، ويقول: لا تقولوا البحيري، فتصغروه، ولكنه البحري يشير إلى تبحره في العلم. توفي في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة خامس عشر رمضان منها، وترجمه ابن طولون بأنه آخر شيوخ المصريين.
علي الشوني المحيوي

علي الشيخ الصالح، المجمع على جلالته وصلاحه نور الدين الشوني الشافعي أول من عمل طريقة المحيا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمصر، وهو شيخ هذه الطريقة في مصر ونواحيها، ومكة والقدس، ودمشق وسائر البلاد ولد في قرية بالغربية، يقال: لها شون بناحية طندتا بلد سيدي أحمد البدوي، ونشأ في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صغير ببلده، وكان إذا سرح بالبهائم يعطي غداءه للصغار، ويقول: تعالوا صلوا معي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انتقل إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فأقام فيه مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها، فكان يجلس في جماعة من العشاء إلى الصبح، ثم من صلاة الفجر حتى يخرج لصلاة الجمعة، ثم من صلاة الجمعة إلى صلاة العصر، ومن صلاة العصر إلى المغرب فأقام على ذلك عشرين سنة، ثم خرج - رضي الله تعالى عنه - يودع شخصاً من أصحابه في المركب أيام النيل كان مسافراً إلى مصر، ففات المركب بهم وما رضي الريس يرجع بالشيخ، فدخل الشيخ مصر فأقام بالتربة البرقوقية بالصحراء، وكان يتردد إلى الأزهر للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فاجتمع عليه خلق كثير، واعتقله مماليك السلطان قايتباي، فانحصر منه المجاورون بالأزهر، وسعوا في إبطال المجلس واستفتوا في ذلك البرهان بن أبي شريف، فمزق رقعة الفتيا، وانتقدوا عليه كثرة الشموع والقناديل التي توقد في المجلس، وقالوا: هذا فعل المجوس، وأفتى البرهان المذكور بأنه ما دام النور يزيد بزيادة الشموع والقناديل فهو جائز، ولا يحرم إلا إذا وصل إلى حد لا يزداد الضوء به، وممن انتصر له الشيخ شهاب الدين القسطلاني، وصنف كتاباً في الرد على من أنكر على مجلس الشوني، وحث على حضور المجلس، وصار يحضره ولما كتب شرحه على البخاري كان يأتي قربه، فيضعه وسط الحلقة إلى الصباح رجاء القبول، وكان إنشاؤه لمجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الأزهر سنة سبع - بتقديم السين - وتسعين بتأخيرها وثمانمائة، ولم يتزوج - رحمه الله تعالى - حتى مضى من عمره تسعون سنة اشتغالاً بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبادة. قال الشعراوي: إن ورده في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف مرة ليلاً، وعشرة آلاف نهاراً، وكان حسن المعاشرة، جبلي الخلق، كريم النفس، كثير التبسم، لا يكاد قط يسمع منه كلمة فيها رائحة دعوى لمعرفة شيء من الطريق، وكان من الصفاء لا يظن أن أحداً يكذب أبداً، وكان مجبولاً على الأخلاق المحمدية، وإذا نزل بالمسلمين هم لا يقر له قرار، ولا يضحك حتى ينجلي عنهم، وكان الناس يصفونه بكثرة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا ذكر شيء من ذلك في حضرته يسكت، وكان لا يذكر نفسه في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، بل إذا ذكروا قصة يقول: رأى بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: كذا كذا، وكان الناس يرونه بعرفات، وفي المطاف، ومشاهد الحج، فإذا رجعوا إلى مصر أخبروا بذلك عنه. فيقول: شبهوني حتى حلف شخص بالطلاق أنه رآه في عرفات. فقال الشيخ: أنا ما فارقت مصر. قلت: ولا شك ولا ريب أن هذا الرجل من مشاهير الأولياء والصالحين، ومجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الذي ابتكره من المجالس التي تلقاها العلماء الأعلام بالقبول في أقطار الأرض، وأقاليم البلاد، وهو المجلس المعروف الآن بدمشق، وما والاها بالمحيا لأنه إنما يعمل في الغالب ليلاً، فلما كان يجيء به الليل يسمى بالمحيا، وأصل إنشائه من الشوني - رحمه الله تعالى - ثم خلفه الشيخ شهاب الدين البلقيني، والشيخ عبد الوهاب الشعراوي بالقاهرة، وكان البلقيني خليفة الشيخ الذي جلس مكانه في الأزهر، وكان الشعرواي في جامع الغمري، وذكر الشعراوي عن نفسه أنه لازم الشيخ نور الدين في السهر معه في الجامع الأزهر نحو خمس سنين. قال: ثم قال لي: أولاً تجمع لك جماعة في جامع الغمري، وتسهر بهم، فلعل يحصل هناك أحد يوافقك. فقلت: نعم، وذلك في سنة تسع عشرة - بتقديم التاء - وتسعمائة. قال: ففعلت ذلك بإشارته. قال: فاجتمع عندنا في ثاني جمعة خلائق كثيرة، وأوقدوا شموعاً وقناديل، ففرح الشيخ بذلك، فانشرح صدره لقراءة " إنا أعطيناك الكوثر " سورة الكوثر: الآية الليلة الجمعة ألف مرة قبل قراءة قل هو الله أحد قال فرأى جماعة كثيرة رسول

الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت بذلك الشيخ، فقال: إن شاء الله نفعلها في مجلس جامع الأزهر. قال الشعراوي: ثم إن جماعتنا كرروا عند ختام القراءة. قوله تعالى: " واعف عنا واغفر لنا وارحمنا " سورة: البقرة الآية 286 ساعة طويلة فحصل لهم بذلك بسط عظيم قال: فأخبرت بها الشيخ، ففعلها في مجلسه وتوارثها عنه جماعة. قال: وهذا كان أصل قراءة إنا أعطيناك الكوثر، وتكرار هذه الآية قال: ثم إننا سهرنا العشر الأخير من رمضان متوالياً، وكان صلى الله عليه وسلم فأخبرت بذلك الشيخ، فقال: إن شاء الله نفعلها في مجلس جامع الأزهر. قال الشعراوي: ثم إن جماعتنا كرروا عند ختام القراءة. قوله تعالى: " واعف عنا واغفر لنا وارحمنا " سورة: البقرة الآية 286 ساعة طويلة فحصل لهم بذلك بسط عظيم قال: فأخبرت بها الشيخ، ففعلها في مجلسه وتوارثها عنه جماعة. قال: وهذا كان أصل قراءة إنا أعطيناك الكوثر، وتكرار هذه الآية قال: ثم إننا سهرنا العشر الأخير من رمضان متوالياً، وكان الشيخ لا يسهر إلا ليالي الوتر فقط، فقلت له في ذلك فانشرح صدره لسهر العشر كله، وقال: إن ليلة القدر واحدة لا تتعدد وربما يكون مطلع الهلال مختلفاً، وربما جاءت في الإشفاع بالنظر لمطلع بلادنا، فهذا كان سبب سهر العشر كاملاً في الأزهر. انتهى كلام الشعراوي.
قلت: ثم إن الشيخ عبد القادر بن سوار العاتكي - رحمه الله تعالى - كان يتردد إلى مصر في التجارة والطلب، فحضر مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالأزهر، والشيخ شهاب الدين البلقيني شيخ المجلس يومئذ بعد الشيخ نور الدين الشوني، فوقع في قلبه محبة المجلس، وأعجبته هذه الطريقة، فلازم الشيخ، ثم رجع إلى دمشق، فكان ربما عمل هذه الطريقة في جامع البزوري بمحلة قبر عاتكة خارج دمشق نهاراً، ويقعد هو وجماعة قليلة بعد العصر، وكان الأخ الشيخ الإمام شهاب الدين الغزي كثيراً ما يتحرى الخير ويقصده، وكان يطوف في أرجاء دمشق وضواحيها يتحرى المساجد المهجورة والمعمورة للصلاة فيها والذكر، فدخل يوماً جامع البزوري، فوجد الشيخ عبد القادر المشار إليه في جماعة يعملون هذه الطريقة، وكان يعرفها حين دخل القاهرة مع والده في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، فقعد معهم، وساعدهم، ثم دعا لهم، وأثنى عليهم، ثم تردد إليهم مراراً، ثم أشار على الشيخ عبد القادر أن يعمل المجلس ليلة الجمعة على طريقة الشوني والبلقيني، ففعل، ثم أشار عليه أن يعمله في الجامع الأموي بعد أن استأذن شيخ الإسلام الوالد في ذلك، فأذن له فيه، واستحسنه، كان إذا ما عمل مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبرني الشيخ عبد القادر من لفظه مراراً في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وسمي إذ ذاك بالمحيا، واستقر الأمر آخراً على عمل المحيا ليلتين في الجمعة ليلة الجمعة في البزوري، وليلة الاثنين بالأموي إلى الآن، وحضر المجلس المشار إليه شيخ الإسلام الوالد مراراً، وقال للشيخ عبد القادر: لو زدتم في المحيا قراءة الإنشراح لتعلقها بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم كتعلق سورة الكوثر به. قال لي الشيخ عبد القادر فقلت لمولانا الشيخ: يا سيدي نفعل إذا امددتمونا قال: فقال لي الشيخ: افعلوا ذلك يا شيخ عبد القادر. قال: فقلت له: يا سيدى كم نقرأها مرة. قال فسكت الشيخ ساعة ثم قال: إحدى عشرة مرة عدد ضمائر الخطاب التي اشتملت عليها السورة فكان هذا أصل قراءة الإنشراح في المجلس، وكان شيخ الإسلام أخي الشهاب الغزي - رحمه الله تعالى - يلازم المحيا ليلاً، ويقرر كتاب الإحياء نهاراً كلاهما. فقال - رحمه الله تعالى - في ذلك:
أمانة نفسي في مطالعة الأحيا ... واحياء روحي في مشاهدة المحيا
فيا رب هذا دأب عبدك دائماً ... وذلك قدماً دام في هذه الدنيا

توفي بهذا الإلتزام، حتى ألحقه بدار السلام، وكانت وفاة الشيخ نور الدين الشوني رحمه الله تعالى في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ودفن بزاوية الشيخ عبد الوهاب الشعراوي بخط بين السورين، قال الشعراوي: ولم يكن على بال الشيخ عندنا إلا في مرض موته، فكنت كلما أزوره يقول الفسقية التي فيها أولادك تسمع أحدا فأقول له: نعم. قال: فلما حضرته الوفاة طلب أكابر الدولة أن يدفنوه عندهم. فقال: إذا مت، فادفنوني عند عبد الوهاب. قال: ولما مرض مرض الموت مكث سبعة وخمسين يوماً على جنب واحد لم يلتفت حتى ذاب لحم ظهره، صار النمل يدخل جسده ويخرج، ولم يتأوه قط، فلما مات ما ضممنا لحم ظهره إلا بالقطن وورق الموز قال: ولما دفن رأيته في المنام، وهو يقول لي: قد جعلوني بواباً للبرزخ، فلا يدخل عمل أحد إلى البرزخ إلا وأعرفه، وما دخل على البرزخ عمل أحد ولا أنور إلا من أصحابنا لأنه تلاوة قران، وذكر وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ورأيت قبره اتسع مد البصر، وهو مغطى بلحاف حرير أخضر مساحته نحو فدان من الأرض، ثم أني رأيته بعد سنتين وشيء وهو يقول لي: غطني بملاءتك، فإني عريان، فما عرفت ما المراد بذلك فمات ولدي محمد تلك الليلة، فنزلنا به، فدفنته عنده، فوجدنا الشيخ عرياناً على الرمل الأبيض ليس عليه من كفنه شيء، ووجدناه طرياً وظهره يخر دماً مثل ما دفناه سواء لم يتغير لحمه، فغطيته بملاءتي كما قال، وقلت: هذه وديعة عندك. قال: ثم إني أرسلت وراء البناء، فبنيت عليه حائطاً، وجعلت فيه طاقة عالية لا يستطيع أحد أن يدخل عليه ميتاً بعد ذلك قياماً بحرمته، فليس معه أحد مدفوناً سوى ولدي محمد الأول، وأخوه عبد الرحمن، فإنهما دفنا قبله بسنتين، ومكانهما تحت المسطبة التي في الدركات، والشيخ تحت الشباك لا تحت التابوت انتهى كلام الشيخ عبد الوهاب الشعراوي رحمهما الله تعالى.
؟؟

علي التميمي
علي الشيخ العلامة، عالم بلاد الخليل علاء الدين التميمتي الشافعي أخو القاضي محمود التميمي نزيل دمشق. توفي ببلد الخليل في سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة منها.
علي الذويبعلي، الشيخ الصالح المكاشف، المعروف بالذويب. أقام بمصر نحو عشرين، سنة، ثم نزل إلى الريف، وظهرت له كرامات وخوارق. أخذ عنه الشيخ محمد العدل الطناخي وغيره، وكان ملامتياً يلبس تارة لباس الحمالين، وتارة لباس التراسين، ولما مات وجدوا في داره نحو ثمانين ألف دينار مع أنه كان متجرداً من الدنيا، فوضعها نائب مصر في بيت المال. قال الشعراوي: اجتمعت مرة واحدة عقيب منام رأيته، وذلك أني سمعت قائلاً يقول لي في المنام: الشيخ علي الذويب قطب الشرقية هو، ولم أكن أسمع به أبداً، فسألت الناس عنه فقالوا لي: هذا رجل من أولياء الله تعالى له وجود. قال: وكان يمشي كثيراً على الماء، فإذا أبصره أحد اختفى، وكان يرى كل سنة بعرفة، ويختفي من الناس إذا عرفوه، ومات سنة سبع وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي النجارعلي النجار الشيخ المعمر، المقيم بباب الخلق من القاهرة قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: صحبته ساعة واحدة في سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة، وذلك أني كنت ماراً في الخليج الحاكمي أيام الصيف، فوجدته قائماً تحته قنطرة سنقر، وتحت رأسه حجر. فقلت له: السلام عليكم. فقال لي: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته. قال: فجلست عنده، فقبض على أصابع يدي، فكاد أن يلصق بعضها لبعض. فقال لي: ما تقول في هذه القوة. فقلت: شديدة. فقال: هذه من لقيمات الزمن الذي أدركناه حال الصبا من الكسب الحلال، وأما لقمة هذا الزمن فإنها تجعل الجسم مثل النخالة من حيث المكاسب ثم قال: يا ولدي عمري الآن بلغ مئة وخمساً وثلاثين سنة قد تغير حال الناس في هذه الثلاث سنين الأخيرة أكثر ما تغير في عمري كله، قد صار ولدك كأنه ما هو ولدك وأخوك كأنه ما هو أخوك، وجارك كأنه عدوك، وصار الإنسان إذا نزلت به مصيبة لا تجد أحداً من الخلق يشكون له لأن الناس قسمان لا ثالث لهما: أحدهما شامت، والآخر قلبه فارغ، وصار الموت تحفة لكل مسلم كما ورد في كلام آخر، ولم يؤرخ الشعرواي وفاته بل قال: ولم أدر الآن أهو حي أو ميت.
علي البرلسي الخواص

على البرلسي الخواص، أحد العارفين بالله تعالى، وأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراوي الذي أكثر اعتماده في مؤلفاته على كلامه. وطريقه. كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك كان يتكلم على الكتاب، والسنة، وأحوال القوم، ومقاماتهم بكلام نفيس عال، ويتكلم على خواطر الناس ويكاشفهم، وكان يبيع الجميز وهو شاب عند الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المتبولي في بركة الحاج خارج مصر، ثم أذن له الشيخ أن يفتح دكان زيات، فمكث فيها نحو أربعين سنة، ثم ترك ذلك، واشتغل بضفر الخوص إلى أن مات، وكان لا يمل من كسب أحد إلا أن علم ورعه وخوفه من الله تعالى، وكان يرد جميع ما يعطيه له القضاة والأمراء وأعوانهم، ثم قبل ذلك أواخر عمره، وكان يضعه عنده، ويفرقه على من مر بدكانه من العميان والشيوخ والعجائز الذين يسألون الناس، وكان يقول: ينبغي للفقير أن يكون كالبتاء يعرف موضع كل طوبة يضعها فيه، ورمدت عيناه رمداً شديداً، فدفع إليه شخص من معتقديه ثلاثة أنصاف وقال له: انفقها اليوم وأرح عينيك، فردها، وقال له: يا أخي أنا أضفر الخوص في هذا الحال ولا يعجبني أن آكل من كسبي، فكيف آكل من كسبك.! فقال: يا سيدي خاطري طيب بذلك. فقال: أنا خاطري ما هو طيب، وكان إذا وضع الحزمة من الخوص التي يدور عليها اليد يضفر ثلاثين قفة، فإن شعر به أحد قال له: أكتم علي الكل فعل الله تعالى، وكان له طب غريب يداوي به ذوي العاهات والأمراض المزمنة التي عجز عنها الأطباء، وكان يطوف على المساجد يوم الخميس والجمعة يكنسها وينظف أخليتها، ويحمل الكناسة إلى المزابل، وكان ينظف المقياس كل سنة صباح نزول النقطة، فيكشط سلمه من الطين، ثم ينزل يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يدعو ويبكي ويتضرع إلى الله تعالى في طلوع النيل يفعل ذلك كل سنة. قال الشعراوي: وكان يرسل وراءنا ذلك اليوم، ويقول: تعالوا زوروا محل نزول الرحمة لأهل مصر، ويأمرنا أن لا نخرج في الروضة ريحاً ولا نبول، ويقول: من كان له حاجة، فليفعل ذلك في ساحل مصر، ولا تطلبوا الروضة إلا على طهارة، وكان يأخذ معه ذلك النهار الأموال الجزيلة من ذهب وفضة وفلوس مخلوطة، فيفرق على كل من رآه من الفقراء حتى يرجع، وقد استوفى الشيخ عبد الوهاب أحواله في طبقاته، وأورد من كلامه في طريق الله تعالى جملة صالحة في الطبقات، وفي كتابيه المنن والأخلاق والجواهر والدرر وغيرها، وكان كلامه عالياً، وكان يذعن له ولكلامه جماعة من أجلاء علماء مصر كالشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ شهاب الدين ابن السبكي، والشيخ شهاب الدين الرملي، وقاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي، وكان يعجبه كلامه كثيراً. توفي - رحمه الله تعالى - في جمادى الآخرة سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح تجاه حوص الصارم بمصر - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
علي الهنديعلي الهندي، الشيخ العلامة، الزاهد أحد المجاورين بمكة المشرفة. له مصنفات منها مختصر النهاية لابن الأثير وترتيب جامع الصغير على ترتيب أبواب الفقه، وكان مقيما في حوض قريب من دار الشريف بركات سلطان مكة هو وجماعته، وكانوا نحو خمسين نفساً لهم حجر من خوص يتعبدون فيها، ولا يخرجون إلا للصلاة في الحرم، ثم يرجعون لا يخالط أحد منهم أحداً إلا لضرورة بإذن الشيخ. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: اجتمعت به في سنة ست وأربعين بمكة المشرفة مدة إقامتي هناك، وانتفعت برؤيته وبخطه قال: فلما حججت سنة اثنتين وخمسين وجدته رجع إلى بلاد الهند.
علي البحيريعلي البحيري، الشيخ الإمام العالم العامل بقية السلف.

أخذ عن جماعة منهم الشيخ شهاب الدين الإقيطع البرلسي، وسيدي علي النبتيني، وكان على قدم السلف في العلم والزهد والتقشف يغلب عليه الخوف، وذكر مواقف القيامة جامعاً بين الشريعة والحقيقة، وكان أكثر إقامته في الريف يدور البلاد، فيعلم الناس أحكام الدين، ويرشدهم إلى طريق التقوى، ولا تكاد تراه فارغاً من إقراء العلم، وكان يفتي في الوقائع الغريبة بالأجوبة الحسنة المقبولة، وكان يقول: والله ما نزل ببلادنا هذه قط بلاء إلا وظننت أنه بسبب ذنوبي، ولو أخرجوني من بلادهم لخف عليهم نزول البلاء، وتوفي في شوال سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، ودفن بزاوية سيدي محمد المنير خارج الخانقاه السرياقوسية.
علي العياش المصريعلي العياش المصري، الشيخ الصالح. الورع، المجد على العبادة ليلاً ونهاراً. كان من أجل أصحاب سيدي أبي العباس الغمري، وسيدي إبراهيم المتبولي. مكث نحو ستين سنة ما وضع جنبه على الأرض، وكان يقرأ القران، ويردده ويبكي إلى الصباح، ولا يزيد على خمسة أحزاب، وقراءة كل ليلة سورة طه من بعد صلاة العشاء، فما زال يرددها ويبكي إلى الصباح، وكان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، وكان أمين الدين النجار إمام جامع الغمري يجله ويكرمه ويعتقده اعتقاداً زائداً، ويقول: ما رأيت أعبد منه، وكان يكاشف بأرواح الملائكة والأولياء كثيراً، وكان يرى إبليس كشفاً، فيضربه بالعصا، فيروغ عنه. وقال له مرة: يا علي أنا ما أخاف من العصا، وإنما أخاف من النور الذي في القلب. مرض مرضاً شديداً نحو أربعة أشهر بمصر، فلم ينقص من أوراده شيئاً، ثم حمل مريضاً إلى دمياط، وقال: أسافر إلى قبري، فمات هناك بعد وصوله في سنة ست وخمسين وتسعمائة، وقبره بها ظاهر يزار رحمه الله تعالى.
علي الإثميديعلي الأثميدي، المصري، المالكي، الشيخ العالم، الصالح، المحدث. أخذ الطريق عن سيدي علي بن عنان، وكان يقرىء القرآن لمجاوري زاوية شيخه، واختصر شيئاً كثيراً من مؤلفات الشيخ جلال الدين السيوطي، ومؤلفاته حسنة، وكان يعظ الناس على الكرسي في المساجد، وكان مقبلاً على الله تعالى حتى توفي، ويده تتحرك بالسبحة، ولسانه مشغول بذكر الله تعالى كما اتفق لجماعة من أولياء الله تعالى. منهم شيخه سيدي محمد بن عنان، ونقل نحو ذلك عن الشيخ أبي القاسم الجنيد. توفي في سنة، ودفن بجوار الشيخ جلال الدين السيوطي خارج باب القرافة.
علي البرلسي المحدث المصريكان نحيف البدن يكاد يحمله الإنسان الضعيف كالطفل الصغير، وكان يتردد بين مدينة قليوب ومصر لا بد له كل يوم من الدخول إلى قليوب، ورجوعه إلى مصر، وكان من أصحاب الخطوة، وكراً ما يمر عليه صاحب البغلة الناهضة، وهو نائم تحت الجيزة بقليوب، فيدخل مصر فيجده أمامه ماشياً، وكان كثيراً ما يغلقون عليه الباب، فيجدونه خارج الدار قالوا: وما رؤي قط في معدية إنما يرونه في ذلك البر، وربما رأوه في البرلس، وفي دموق، وفي طندتا، وفي مصر في ساعة واحدة، وهذه صفة الإبدال، وأما رؤيته بعرفة كل سنة. فكثير، وكان يلبس جبة، وقطعة لبادة على رأسه، ويمشي دائماً حافياً، ولا يكاد يرى في رجليه نجاسة أبداً، ومكث سنين على حالته هذه من صغره إلى كبره. توفي في ربيع الأول سنة إحدى وستين وتسعمائة، ودفن بزاويته المرتفعة داخل باب الشعرية.
عمر بن محمد المرعشيعمر بن محمد بن أحمد أبي بكر، الشيخ زين الدين المرعشي أحد رؤوساء حلب، كان في أول أمره يتكسب بالشهادة بمكتب العدول المشهور قديماً بمكتب الصوفي بجوار جامع الزكي بحلب على فقر كان له. وقناعة، ثم انقادت إليه الدنيا. فرأس، ولم يستكثر أهل حلب رئاسته لأنه كان حفيداً للشيخ الإمام العالم المفنن شهاب الدين المرعشي المتوفى سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة الذي ترجمة السخاوي بالتقدم في الفقه وغيره وأنشد فيه:
عن العلماء يسألني خليلي ... ألا قل لي فمن أهدى وأرشد؟
ومن أحمدهم قولاً وفعلاً ... فقلت: المرعشي الشيخ أحمد

وكان الشيخ زين الدين يتجمل بمصاحبة شيخ الإسلام البدر بن السيوفي، وأحبه قاضي قضاة حلب زين العابدين بن الفناري، وكان يكتب على الفتاوي، وامتحن في واقعة قرا قاضي، وسيق فيمن سيق هو وأولاده إلى رودس، ثم أعيد إلى حلب باقياً على رئاسته وشهامته ومناصبه إلى أن مات، وهو يحث من حضره على الذكر، وتلاوة القرآن في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
عمر بن سعدعمر بن أحمد بن محمد، الشيخ زين الدين الداراني الكلام، ثم قال الشيخ علوان للشيخ زين الدين: وأنت يا أخي قولك يعني في تخميس أبيات السهيلي:
يا من إليه بذلتي أتخضع ... وبذكره أبداً لساني مولع
إن كنت كذلك فبها، ونعمت أو فكن كما قلت: وكان الشيخ زين الدين ببركة الشيوخ الذين أخذ عنهم. وصحبهم، وتلقى منهم مسدداً موفقاً حتى كان يختار إنشاءات لم يرها منقولة، ثم يظهر أنها منقولة، وكان قد جعل في ورده الذي رتبه لنفسه من أدعية الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً، ولم ير نصاً على عدد فيه، فوقع في قلبه أن يقوله سبع مرات، ففعل ذلك سنين، ثم وقف على جمع الجوامع في الحديث لشيخه السيوطي، فرآه نقل فيه عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أنه قال: إذا أصاب أحدكم هم أو حزن، فليقل سبع مرات: الله ربي لا أشرك به شيئاً، وكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ولا يقبل هدايا أهل الدنيا، ولا يتولى شيئاً من الوظائف والمناصب، وينتفع بما يحصل له من ربح مال. كان يضارب به رجلاً من أصحابه.
وله مؤلفات كثيرة منها مورد الظمآن في شعب الإيمان ومختصره تنبيه الوسنان، إلى شعب الإيمان، ومختصر شرح الروض سماه مغنى الراغب، في روض الطالب، وكتاب بلغة المقتنع، في آداب المستمع، والدر الملتقط من الرياض النضرة، في فضائل العشرة، والعذب الزلال، في فضائل الآل واللآلىء اللامعة، في ترجمة الأئمة الأربعة، والمنتخب من النظم الفائق، في الزهد والرقائق، وعرف الند، في منتخب مؤلفات ابن فهد، والفوائد الزاهرة، في السلالة الطاهرة، والمنتخب المرضي، من مسند الشافعي، ولقط المرجان، من مسند النعمان واتحاف العابد الناسك، بالمنتقى من موطأ مالك، والدر المنضد، من مسند أحمد، واليواقيت المكللة، في الأحاديث المسلسلة، والقبس الحاوي، لغرر ضوء السخاوي، والمواهب الملكية، وتحفة الأمجاد والتذكرة المسماة سفينة نوح والسيرة الموسومة بالجواهر والدرر، وكتاب محرك همم القاصرين، لذكر الأئمة المجتهدي المتعبدين، والنبذة الزاكية، فيما يتعلق بذكر أنطاكية، وعيون الأخبار، فيما وقع له في الإقامة والأسفار، ومن شعره ما قرأت بخطه في إجازته لشيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن أحمد بن بدر الطيبي حين قدم عليهم دمشق في معنى الحديث المسلسل بالأولية:
كن راحما لجميع الخلق منبسطاً ... لهم وعالمهم بالبشر والبشر
من يرحم الناس يرحمه الإله كذا ... جاء الحديث به عن سيد البشر
توفي في حلب في أواسط صفر سنة ست وثلاثين وتسعمائة، ودفن تحت جبل الجوشن عند الجادة التي يرد عليها من يرد بأنطالية، وتأسف لفقده أهل حلب وغيرهم حتى صاحبه الشيخ علوان، فإن وفاته تأخرت عن وفاته كما سبق في ترجمة الشيخ علوان، ولما بلغته وفاته. قال: انتهت إليه رئاسة الحديث النبوي، ومعرفة طرقه، وكان محافظاً على السنة، واقتفاء أثر السلف الصالح. نقله ابن الحنبلي عن شيخه جار الله ابن فهد عمن أخبر عن الشيخ، وتقدم في ترجمة الشيخ علوان اتفاق غريب في الصلاة عليهما غائبة بدمشق، وذكر ابن طولون في تاريخه أنه وصل إليه الكتاب من حلب أن الشيخ زين الدين ابن الشماع رحمه الله تعالى توفي في صبح يوم الجمعة قبيل آذانه ثاني عشر صفر الخير من سنة لست وثلاثين وتسعمائة. قال: ودفن بالسبيل خارج باب أنطاكية، وبعده بسبعة عشر يوماً توفيت زوجته، ولم يعقبا.
عمر بن أحمد الشهير بخليفةعمر بن أحمد بن محمد، الشيخ زين الدين الحلبي، الصوفي، الشهير بخليفة بن الزكي، ويابن خليفة شيخ طائفة السعدية بحلب. قال ابن الحنبلي: كان حسن الخط، كثير الكتابة بالأجرة، له شعر يلحن فيه، عمر زاوية بالقرمن حمام القواس خارج باب النصر بحلب، ووضع فيها أعلام الصوفية، ومن شعره:

تكلم بالشهباء من كان أبكما ... لمال وجاه لا لعلم ولا أدب
ومن أعجب العجاب أن غريبها ... يقدم على أبنائها من ذوي الحسب
قلت: لو قال:
ومن أعجب الأشياء أن غريبها ... يبدي على أبنائها من ذوي الحسب
لأجاد ومن شعره لما قدم سيدي محمد ابن الشيخ علوان إلى حلب يمدحه:
بشمس حماة نورت حلب الشهبا ... وقد ظفرت بالوصل منه ذوي القربى
فاقتبسوا يا عاشقين ضياءه ... واغتنموا من صرف كاساته شربا
قلت: لو قال:
ألا اقتبسوا يا عاشقين ضياءه ... لتغتنموا من صرف كاساته شربا
لأصاب، وخلص من قطع همزة الوصل. توفي سنة ست وأربعين وتسعمائة.
عمر بن سامة العرضيعمر بن سامة بن فضل الله، الشيخ العلامة زين الدين العرضي الأصل، الحلبي، الشافعي، الصوفي، العلواني أحد خلفاء سيدي الشيخ علوان، والآخذين عن الزين بن الشماع المتقدم ذكره. قال ابن الحنبلي: كان شيخاً معمراً، مفيداً لبعض المتفقهين، له في الطريق بعض أتباع، ووصفه شيخ الإسلام الوالد في الرحلة، فقال: الشيخ الصالح، النير الدين، الخير، القدوة، العلامة الشيخ زين الدين عمر بن سامة. حضر إلي، وسلم علي، ودعا والتمس الخاطر والدعا، وحصل بيننا وبينه صحبة ومودة وأخوة ومحبة. انتهى. توفي سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
عمر بن معروفعمر بن معروف، الشيخ الفاضل العلامة زين الدين، المعروف بأبيه. معروف الجبرتي، ثم الدمشقي الشافعي إمام الصابونية خارج باب الجابية بدمشق. كان من نوادر الزمان في الحفظ، فإنه كان يقرأ القرآن من آخره إلى أوله كلما ختم آية افتتح الآية التي قبلها. قال ابن طولون: تردد إلي مرات، وفي كل مرة نستفيد منه في علم التفسير غرائب، وقال شيخ الإسلام: والدي. كان رجلاً صالحاً فاضلاً قال: وقلت فيه:
كالكرخي معروف ... من قال: كمال معروف
شيخ الورى ابن معروف ... جوزي بكل معروف
توفي في أواخر شعبان سنة ست وأربعين وتسعمائة. رحمه الله تعالى.
عمر بن نصر الله الصالحيعمر بن نصر الله، الشيخ العالم، الزاهد، العارف بالله تعالى زين الدين بن نصر الله الصالحي، الدمشقي، الحنفي قال والد شيخنا: كان من أهل العلم والصلاح، طارحاً للتكلف، يلبس العبادة، قانعاً باليسير، يرجع إليه في مذهبه، وكان الشيخ زين الدين بن سلطان يستعين به في تأليف ألفه في فقه الحنفية. توفي في سادس شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون بالصالحية. مات مقهوراً لما رآه من ظهور المنكرات، وحدوث المحرمات، وضرب اليسق على الأحكام.
عمر الحمويعمر الحموي، الشيخ الصالح الحائك أحد مجاذيب دمشق.
كان من جماعة الشيخ علي بن مكنا الحائك. قال ابن طولون: كان يقبل من الناس الصدقات، ولكن كان يؤثر بها، وربما حصل منه كشف، وكان يقول: قال لي القديم: كذا، ويرفع يديه إلى السماء، ويكاشف، وكان وفاته يوم السبت سادس ذي القعدة الحرام سنة ثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع المظفري بسفح قاسيون، ودفن بتربة العجمي التي كان مقيماً بها حال حياته، وحضر جنازته جماعة من الصلحاء منهم الشيخ عمر العقيبي الإسكاف.
عمر الصعيديعمر الصعيدي، الشيخ العلامة زين الدين الصعيدي، الحنفي إمام الصخرة المعظمة بالقدس الشريف. قال ابن طولون: كان من أهل العلم والعمل، وقرأ بمصر على جماعة منهم البرهان الطرابلسي. مات سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخرة منها.
عمر الشروقي

عمر الشروقي بفتح المعجمة، وضم الراء، وبالقاف قبل ياء النسبة - قرية من عمل البلقاء قرب بلد تسمى جيدوان أصل أهله منها، لكنه ولد ببلاد عجلون العبد الصالح الولي. كان مجذوباً لكن كان الغالب عليه الصحو، وكان يطوف في البلاد، فينتفع به من قسم له الانتفاع به من العباد، وكان يصافح الناس، فيحدث لمن يصافحه معهم حاله يصرخ منها، ويصيح ويمضي معه حيث طاف في البلاد. ذكر ذلك عنه الشيخ موسى الكناوي، وذكر أنه اجتمع به في بلدة اسمها هام من بلاد إربد. قال: ولازمته وترددت معه في البلاد، ورأيت له أحوالاً، ومكاشفات كثيرة، وكان مجذوباً صاحياً صافياً لا يكترث بالدنيا. قال: وأخذ هو عن شيخه سيدي أحمد العادة العجلوني، وهو عن سيدي محمد الديموني، وكان شيخه سيدي أحمد العادة هذا من الأولياء المتصرفين بالولاية. قرأ نصف القران، فمنعه شيخه من الزيادة، وقال: هذا الذي قسم لك. قال الشيخ موسى: وسمعت أهل ناحية يقولون: حج أحمد العادة فضل منه الجمل في عرفة ليلاً، فسمع صوت شيخه الديموني يا أحمد الجمل تجاهك، فمشى خطوات فرآه وأتى به، وكان الديموني ببلدته ديمون قال: وكف أحمد العادة في آخر عمره، ومات قبل التسعمائة، وأما تلميذه الشيخ عمر الشروقي صاحب الترجمة فمات بقرية سوم من أعمال إربد في سنة أربعين وتسعمائة أو قبلها بسنة رحمهم الله تعالى.
عمر التنائيعمر الشيخ العلامة زين الدين التنائي المالكي المصري، توفي في سنة سبع وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الثاني منها.
عمر العباديعمر الشيخ الإمام العلامة سراج الدين العبادي، الشافعي المصري المقيم بالبرقوقية من الصحراء، خارج باب القاهرة، كان على قدم عظيم في العبادة والزهد والورع والعلم وضبط النفس، وكان يقول مذهب الشافعي نصب عينه، وشرح قواعد الزركشي في مجلدين أخذ عن سميه وبلديه الشيخ سراج الدين العبادي الكبير، وعن العلامة شمس الدين الجوجري، وشيخ الإسلام يحيى المناوي، وغيرهم وأجازوه، وكان مجاب الدعوة، ولما حج وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح، فدخلها وزار، ثم خرج وعادت الأقفال كما كانت، ومات في نيف وأربعين وتسعمائة.
عمر العقيبيعمر الشيخ العارف بالله تعالى، المربي المسلك زين الدين الحموي الأصل، ثم العقيبي الدمشقي الشافعي المعروف بالإسكاف، كان في بداءته إسكافاً يصنع النعال الحمر، ثم صحب الشيخ علوان الحموي، وبقي على حرفته غير أنه كان ملازماً للذكر أو الصمت، وكان يتقن صناعته فإذا جاء من يطلب نعلاً ناوله واحدة، وهو مشتغل بالذكر فإذا وجد الطالب صالحاً وساومه، ولم يرد عليه فيبادر بعض جيرانه، فيجيب عن الشيخ عمر ويقول بيعه بكذا وكذا، لا أزيد من ذلك، ولا أنقص، فإن كان قد أعجبك فضع ثمنه وإلا فدعه، ثم غلبت عليه الأحوال فترك الحرفة، وأقبل على المجاهدات، ولزم خدمة أستاذه الشيخ علوان حتى أمره أن يذهب إلى دمشق، ويرشد الناس، وكان كثير المجاهدات شديد التقشف ورعاً، وكان أمياً لكنه ببركة صدقه، فتح الله تعالى عليه في الكلام في طريق القوم والتكلم على الخواطر التي يشكوها إليه الفقراء، وكان مدة إقامته بدمشق يسافر لزيارة شيخه في كل سنة مرة، ويقيم فيها ثلاثة أيام بحماة، ثم يرجع ولما مات شيخه خرج لتعزية ولديه وزيارته، ثم عاد إلى دمشق وبقي على عادته من زيارة شيخه كل سنة مرة بعد موت شيخه، حتى لحق به، وكان في بداءته ينظر بستاناً بحماة وفيه العنب والتين، وكثير من أنواع الفواكه، فيقطفون العنب وغيره، ويبيت في البستان فيصبح وعليه الندى فيكتسي بذلك حسناً فلا يلتفت إليه، ولا يعرج عليه ولا يأكل منه حبة واحدة وبقي على ذلك سنين، كما قرأت ذلك بخط الشيخ موسى الكناوي، وذكر أنه سمع ذلك من لفظ الشيخ عمر قال: وسمعته مرة يقول كنت مرة أنظر في بستان، وكان أيام الدراقن الخواجكي، وكنت أقطف من ذلك لصاحبه، ويبيت في الإناء فيصبح وعليه الندى فتتوق نفسي إليه فأمنعها، وكذلك كنت أفعل مع نفسي في جميع الفواكه انتهى.

قلت: وكذلك كان يعامل أصحابه ومريديه بالمجاهدات الشاقة. على النفوس، وكان ربما أمر بعضهم فيركب على بعير ويعلق في عنقه بعض الأمتعة، ويأمر آخر أن يقود به البعير، وهما يجهران بذكر الله تعالى كما هو المشهور من طريقته، وبلغني أن أتى بعض أصدقائه ذات يوم إلى بستانه، فذهب وذهب معه الفقراء، فلما دخل من باب البستان وجد ساقية ماء، فشرب منها وأمر الفقراء أن يشربوا من الماء فشربوا، ثم قال: كل ما في البستان أصله من هذا فقد أخذنا كفايتنا منه، فارجعوا فرجع ورجعوا معه، ولم يتناولوا من فاكهة البستان شيئاً، وبلغني أن إنساناً جاء إليه يطلب الإرشاد، والتزمه فأمره أن يعترف بين يديه بظلامات الناس ليأمره بالتوبة منها، والتحلل، وكيف يتوب ويخرج من المظالم، فاعترف بين يديه بقتل إنسان عمداً فقال له: لا بد أن تعترف لأوليائه وتطلب منهم العفو، فإن عفوا كان طريقك مبيناً على أمر صحيح، وإن اقتص منك خرجت من عهدة الجناية في الدنيا باستيفائهم منك ما لهم عليك من القصاص والصبر على القصاص في الدنيا أهون من الصبر على عذاب الآخرة، ففعل واعترف عند أولياء القتيل، فامسكوه وضيقوا عليه، واستعدوا عليه عند الحاكم، ثم لما بلغهم قصته مع الشيخ عمر عفوا عنه، ووهبوه له، ومر بعض الأيام على أحد فقرائه، فاشرف عليه فوجد نظره طامحاً إلى غلام جميل الصورة فجاء الشيخ حتى حاذاه، وأوقع بصره عليه ففطن الرجل أن شيخه أشرف عليه، فخجل وقال يا سيدي: ما وقفت هنا إلا أتعجب من صانع هذه الخلقة الشريفة، ومصور هذه الصورة البديعة، يا سيدي ما أحسن تلويز عينيه، وحمرة خديه وبياض وجهه، وكذا وكذا فقال له الشيخ: رحمه الله تعالى انظر إلى زنجي أسود شديد السواد على رأسه طرطور، والناس يضحكون منه يا كذاب، وهلا تعجب من خلقة هذا الأسود، وتعجبت من شدة سواد بدنه، وشدة بياض أسنانه، وطالعت صنعة الله فيه من غير أن يكون للشرع عليك إنكار فيه بخلاف نظرك في هذا الأمرد الجميل، فإنك ممنوع منه شرعاً، وكيف يكون طريق الله فيما حرمه الله تعالى، وصحب الشيخ عمر رجل رافضي، وطلب منه أن يكون من فقرائه، فقبله الشيخ على ما فيه من عوج، فلما طالت صحبته مع الشيخ توهم الشيخ فيه الصدق قال له الشيخ يوماً: يا فلان خطر لي أن أزور غداً جبل قاسيون، ولا يكون معي غيرك، فجئني في غد مبكراً، فلما أصبح غداً على الشيخ فخرج الشيخ عمر من زاويته، والرجل معه حتى كان في أثناء الجبل أظهر الشيخ عمر الإعياء والعجز عن المشي والحركة، حتى تحير الرجل في أمره، وقد قرعتهما الشمس فقال الرجل: غرقنا يا سيدي أنا أحملك على ظهري فقال له الشيخ: أكلفك وأخاف المشقة عليك لكن ما بقي لي مجال للمشي، ولا خطوة، ثم قعد الرجل، وحمل الشيخ على ظهره، فمشى به خطوات وأعيى ووقف فقال له الشيخ: ما بالك. قال: يا سيدي أعييت حتى أستريح، فلما تحقق ذلك الشيخ منه قال له: يا هذا اشتهر عند الناس أن الرافضة حمير اليهود، ويركبونهم يوم القيامة على الصراط، ويكبكبون جميعاً في النار وأنت الآن تدعي صحبتي، وعجزت عن حملي في هذا الطريق الواسع، فبالله عليك إن كان في قلبك شيء من البدعة، وبغض الشيخين، فارجع عنه وتب إلى الله تعالى، فبكى ذلك الرجل بكاء شديداً، واعترف ببدعته وأقلع إلى الله تعالى منها، وصار يثني على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بعد ذلك وصار من مريدي الشيخ حقيقة بعد ذلك ووقائع الشيخ عمر كثيرة، ولطائفه في سلوكه وتشكيته الخواطر شهيرة، ومن لطائف ما اتفق للشيخ محمد الزغبي المجذوب، وكان من جماعته الملازمين له مدة أن الزغبي كان يجلس في مجلس الشيخ عمر، والخواطر تشكى إليه، والزغبي ساكت لا يشكو إليه خاطراً، فقام في بعض الأيام رجل من الفقراء فقال للشيخ عمر: يا سيدي خاطر فقال له الشيخ: قل لي: قال: ما بال الشيخ محمد الزغبي لم يشك إليك خاطراً قط فقال الشيخ: والله ما أدري ولكن قولوا له، ثم قال له: الشيخ يا محمد يا زغبي لماذا لا تشكو إلينا كما تشكو الفقراء، فقام الزغبي فقال يا سيدي: خاطر فقال الشيخ عمر: قل لي فأنشد الزغبي:
ويأبى علي الشكوى إليك مذلة ... واش تنفع الشكوى لمن لا يزيلها

وكان للشيخ عمر ولدان، أحدهما علي والآخر محمد، فكناه بأحد ولديه فقال الشيخ عمر لذلك الرجل الذي شكى الخاطر في سكوت الزغبي، هذا جواب خاطرك، ولو سكت عنه كان خيراً لك، ولنا وكان عيسى باشا كافل المملكة الشامية، يعتقد الشيخ عمر اعتقاداً زائداً، وكان سبب اعتقاده فيه فيما بلغني أنه امتحنه فبعث إليه ثمانين ديناراً ذهباً، فردها عليه وقال: نحن في كفاية وغنية عنها، ولا يجوز لنا تناولها إلا مع الاضطرار، ولا إضطرار لنا، فكان ذلك سبب اعتقاده وكان يتردد إليه في كل جمعة مرة أو مرتين، ويشكو إليه الخواطر، وأخذ عنه الطريق، وشكى إليه مدة خاطراً فقال: يا سيلي يخطر لي أن طالما أوتي بالرجل سارقاً أو شارباً أو غير ذلك، فيقال لي: هو من جماعة الشيخ عمر وكنت أحب أن لو كانت جماعتك أخياراً. فقال له: يا عيسى، وكان هذا خطابه في الغالب لو أن إنساناً جاء إلى معلم نجار، ومعه ضبة منجورة محكمة الصناعة، لا تحتاج إلى شيء أصلاً فقال له: اعمل لي هذه الضبة أما كان يتعجب منه. ويقول له: وما أصنع فيها، وهي ضبة تامة الصناعة محكمة متقنة لا تحتاج إلى إصلاح ما هذا إلا عبث قال: نعم قال: فلو جاء بقطعة خشب غير مصنوعة فقال اعمل لي هذه ضبة محكمة ماذا كان يصنع بها. قال: كان يبادر، ويصنعها قال: ولذلك لو جاءني الكمل مثل فلان وفلان وعدد جماعة من كمل العلماء والصالحين، ما كانوا يحتاجون إلي وإنما يجيئني هؤلاء الذي تذكر لأنهم يحتاجون إلى إصلاحهم وتربيتهم، فأعجب عيسى باشا جوابه وقال. الشيخ موسى الكناوي: لما حضر الشيخ محمد ابن الشيخ علوان إلى دمشق، ونزل عند الشيخ عمر بمنزله عند جامع التوبة بمحلة العقيبة خارج دمشق، كنت أنا ممن حضره للسلام عليه، وسماع كلامه في التصوف: فتكلم بكلام سرده سرداً كالمحفوظ عنده، ونزل بعضه على أبيات من ألفية بن مالك في النحو فقال في قوله: " فالثاني أولى عند أهل البصرة " أي عند أهل البصيرة عند أهل البصائر، فثقل كلامه علي وعلى كثير من الحاضرين، وسبب ذلك قوة كلامه، وشدة فهمه على الحاضرين " فسكت الشيخ محمد ابن الشيخ علوان، وأتوا بالشيخ عمر فتكلم بكلام صادر عن عمل وفوق أ فارتحت أنا وكثير ممن الحاضرين من أصحاب الشيخ عمر إلى كلام الشيخ عمر وكانوا فوق مائتي نفس، فرحمه الله ورضي عنه، وكان وفاة الشيخ عمر في سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، ودفن بزاويته، وحدثني شيخنا مفتي السادة الشافعية بدمشق نفع الله تعالى به قال: ظهر في الشمس تغير، وظلمة تشبه الكسوف يوم موت الشيخ عمر العقيبي رحمه الله تعالى.
عيسى بن محمد الصفوي

عيسى بن محمد بن عبد الله بن محمد السيد الشريف العلامة المحقق المدقق الفهامة أبو الخير قطب الدين الحسيني الإيجي الشافعي الصوفي المعروف بالصفوي، نسبة إلى جده لأمه السيد صفي الدين والد الشيخ معين الدين الإيجي صاحب التفسير، كان مولده في سنة تسعمائة واشتغل في النحو والصرف على أبيه، وتفقه به في المحرر وأخذ عنه الرسالة الصغرى والكبرى للسيد الشريف الجرجاني في المنطق وهما اللتان عملهما مؤلفهما لولده محمد، وسماهما بالغرة والمرة، ثم لازم الشيخ أبا الفضل الكازواني الصديقي القرشي، صاحب الحاشية على تفسير البيضاوي، والشرح على إرشاد القاضي شهاب الدين الهندي ست سنين بكجرات من بلاد الهند، فقرأ عليه المختصر والمطول مع حاشية الشريف إلى باب القصر، وشرح الطوالع والتجريد، مع حاشية الدواني وأجاز له، ثم فارقه وسمع بالهند أيضاً على أبي الفضل الاستراباذي، أشياء بقراءة غيره، ورحل إلى دلي، وحضر مجلس العلماء بها عند السلطان إبراهيم بن السلطان إسكندر شاه، وبحث معهم فظهر فضله وأكرمه السلطان وأدرك الجلال الدواني، وأجاز له، ثم حج وجاور بمكة المشرفة سنين، وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وصحب بالمدينة الشيخ الصالح الزاهد المعمر أحمد بن موسى النبتيتي المجاور بها، فلقنه الذكر، وصافحه، وشابكه وأرخى له العذبة، وأذن له في ذلك وأخبره أنه تلقى ذلك من جماعة منهم جده لأمه السيد معين الدين الصفوي، تجاه وجه النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع وتسعمائة عن والده السيد صفي الدين، عن الشيخ زين الدين الخوافي، وذكر له أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ثم دخل دمشق في حدود سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة فأخذ عنه جماعة من أهل دمشق وحلب، ودرس بدمشق في شرح الكافية، للعلامة الرضي وكان يعتمد على كلام الشيخ جمال الدين بن مالك، ولا يعتمد على كلام الشيخ جمال الدين بن هشام الأنصاري، وزار بدمشق مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام ببرزة، وضريح سعد بن عبادة وأبي مسلم الخولاني، وتميم الداري، والسيد مدرك، والسيدة زينب، والشيخ محيي الدين بن العربي، وغيرهم من الصالحين، وزار بيت المقدس، وسافر إلى الروم مرتين وأنعم عليه السلطان سليمان رحمه الله تعالى بخمسين عثمانياً في خزينة مصر، وأدخل في المرة الثانية على السلطان، وأوصي أن لا يجهر بالسلام كما هو المعروف، فلما دخل على السلطان جهر بالسلام عملاً بالسنة، فأكرمه السلطان، وزاد في جامكيته عشرين عثمانياً وأنعم على أولاده، وأولاد أولاده بأربعة وعشرين عثمانياً تجري عليهم إلى انقطاع النسل، ثم رجع إلى حلب، فقدمها الشيخ محمد الإيجي نزيل دمشق للقائه، وعادا جميعاً إلى دمشق وكان ممن أخذ عنه بحلب، وتلقن منه الذكر، ولبس الخرقة الشيخ رضي الدين بن الحنبلي مؤرخ حلب، ثم رحل السيد قطب الدين عيسى إلى مصر واستوطنها، ولما حج شيخ الإسلام والدي في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة من طريق مصر، ودخل مصر يوم الخميس رابع جمادى الأولى، حضر السيد عيسى للسلام عليه، فيمن حضر من شيوخ مصر القاهرة وأعيانها إذ ذاك، وكان في صحبة الوالد ولده الأخ العلامة شهاب الدين، فكتب الأخ شرح الكافية، من تأليفات السيد المشار إليه، وقرأه عليه وأخذ عنه، وللسيد مؤلفات منها شرح الكافية المذكور، وهو شرح مختصر و شرح الغرة للسيد الشريف الجرجاني في المنطق وشرح الفوائد الغياثية في المعاني والبيان قال ابن الحنبلي: وهو مما لم يكمله ومختصر النهاية لابن الأثير في نحو نصف حجمها وتفسير من سورة عم إلى آخر القرآن وكان مع ما كان عليه من العلم والتحقيق يحب الصالحين ويميل إلى بر الفقراء، وزيارة قبور الأولياء، حتى رحل من حلب إلى بغداد لزيارة أوليائها، وكان له مزيد اعتقاد في سيدي محمد بن عراق، وله قصة في تغسيله، وحمل سريره تقدمت في ترجمته في الطبقة الأولى، ومما اتفق أن تلميذ السيد قطب الدين عيسى المذكور، وهو الشيخ محمد الكيلاني الصوفي التروسي، رآه ذات ليلة في المنام، وحوله جماعة في مكان لطيف قال: فقيل لي إنه القطب ثم غاب عني ساعة فقلت في نفسي إن من شأن القطب أن يغيب عن العين، ويظهر تارة أخرى قال: فظهر لي قال: فجئته صبيحة الرؤيا، وكنت قد انقطعت عنه في يوم أرسل فيه ورائي لأتغدى عنده فلم يمكنني التوجه إليه، فبادر بقوله:

إنك قد انقطعت عنا نهاراً أما ليلاً فلا، وكتب إليه ابن الحنبلي وهو بمكة:ك قد انقطعت عنا نهاراً أما ليلاً فلا، وكتب إليه ابن الحنبلي وهو بمكة:
من محب مشتاق في كل آن ... لأناس مقرهم في الجنان
ذكرهم في مجالس الأنس أغنى ... عن سماع الغنا وذكر الغواني
هو بالتادفي غدا ذا اشتهار ... واقتداء بمذهب النعمان
حلبي ولادة ومقاماً ... قد تسمى أبوه بالبرهان
لشريف وسيد صفوي ... هو للقطب إذ أضاء مدان
بل هو القطب في الوجود فحاول ... دعوة منه لاجتلاب التهاني
نير الوجه صالح ذو علوم ... دونها في جلائها النيران
سار نحو الشمال والروم قدماً ... فبدا القطب طائراً عن عنان
بل بدت شمس فضله كنضار ... وبدت أنجم الهدى كالجمان
ثم نحو الحجاز سار فقلنا ... من نواه فوات نيل الأمان
ورأينا أمراً عجيباً غريباً ... ما رأيناه في قديم الزمان
كان قطب الشمال حساً فأضحى ... إثر ذاك المسير قطب يمان
جمع الله شملنا وأرانا ... وجهه في سلامة وأمان
وغدا نجله السعيد سعيداً ... معرباً عن صلاحه الأصغران
ما مضى للحجاز قوم وزاروا ... حجرة المصطفى الرفيع المكان
صلوات عليه ثم سلام ... دائم ما تعاقب الملوان
وعلى الآل والصحاب جميعاً ... وعن التابعين كل أوان
عيسى باشا الروميعيسى باشا بن إبراهيم باشا الرومي الحنفي أمير أمراء دمشق، كان له أولاً اشتغال في العلم، وكان مدرساً بمدرسة الوزير داود باشا بالقسطنطينية، ثم صار مدرساً بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم صار موقعاً بالديوان السلطاني، ثم ولي الإمارة في بعض البلاد، ثم ولي إمارة حلب، فأحسن فيها السيرة، ثم إمارة دمشق وعزل منها، ثم أعيد إليها، ورسخ فيها، وكان عالماً بعدة من العلوم، ولم يترك المطالعة أيام الإمارة، وكان له حسن أدب، ولطف معاشرة إلا أنه كان إذا غضب اشتد غضبه حتى يخمش يديه ويدميهما، وهو لا يحس بذلك، وذكر والد شيخنا أنه أرسل حين كان بدمشق إلى أهل القرى مراسيم أن لا يطعموا الصوباشي، ولا القاضي، ولا صاحب التيمار شيئاً، ولا يعلقوا على دوابهم، ولا يعطوا شعير.... واستمر ذلك إلى آخر توليته، وعاشت أهل القرى في زمن ولايته عيشة طيبة، وكان في زمن إمارته بدمشق وغيرها، مكرماً لأهل العلم، ومشايخ الصوفية، ولبس الخرقة القادرية من الشيخ حسين الكيلاني حين قدم دمشق، وكان له مزيد اعتقاد في الشيخ عمر الإسكاف العقيبي خليفة الشيخ علوان، وكان يشكو إليه الخواطر، ويحضر إلى زاويته ليلاً، وكان يخاطبه الشيخ عمر: يا عيسى، وذكر لي بعض المعمرين أن سبب اعتقاده في الشيخ عمر أنه بعث إليه بمال فلم يقبله. ورده عليه، وقال: إني في غنية، فلما رجع إليه رسوله بالمال ضاعفه أضعافاً، ثم بعث به إلى الشيخ عمر، وسأل فضله في قبوله، وصرفه على الفقراء، فرده ثانياً عليه إشارة أنه إذا جاء الفقراء إليه أمرهم بالخروج من الدنيا، فكيف يدخلهم فيها. فكان هذا سبب اعتقاده في الشيخ عمر، وتردده إليه، وعرض خواطره عليه، وكان وفاته بدمشق في يوم الأحد تاسع صفر سنة خمسين وتسعمائة، وأوصى أن يلقن بعد موته، فلقنه الشيخ أبو الفتح المالكي، وأوصى أن يسحب على الأرض قبل الدفن إلى قبره تعزيراً لنفسه على عادة الفقراء العمرية في حال حياتهم في تعزير أنفسهم، فحمل سريره إلى الصالحية، فلما قرب من قبره سحب على الأرض قليلاً تنفيذا لوصيته. قال ابن طولون: ودفن في حوش الشيخ محيي الدين بن العربي عند شباكه الشرقي بوصية منه مع أن الشائع عنه عدم اعتقاده.
عيسى المعروف بسعدي جليي

عيسى بن أمير خان الأمير الفاضل، والهمام الكامل، المولى سعد الدين، المعروف بسعدي جلبي أحد صدور الروم ومواليها المشهورين بالعلم والدين والرئاسة. كان أصله من ولاية قسطموني، ثم دخل القسطنطينية مع والده، ونشأ في طلب العلم، وقرأ على علماء ذلك العصر، ووصل إلى خدمة المولى الساميوني، ثم صار مدرساً بمدرسة الوزير محمود باشا بالقسطنطينية، ثم بسلطانية بروسا، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بالقسطنطينية، ثم عزل عن قضائها وأعيد إلى إحدى الثماني، ثم صار مفتياً مدة طويلة، ويحكى أنه نزلت به إضاقة الحاجة إلى طلب المنصب، فاجتهد في طلبه، فلم يحصل، وأعياه حتى هم أن يترك الطلب، فرأى في منامه قائلاً يقول له:
ثق بالله مسبب الأسبابا ... الرزق إذا أتاك دق البابا
فلما أصبح من ليلته إذا بطارق يطرق بابه، فأذن له، فلما دخل بشره بالمنصب. قال في الشقائق كان فائقاً على أقرانه في تدريسه، وفي قضائه، مرضي السيرة محمود الطريقة، وكان في إفتائه مقبول الجواب، مهتدياً إلى الصواب، وكان طاهر اللسان لا يذكر أحداً إلا بخير، وكان صحيح العقيدة، مراعياً للشريعة، محافظاً على الأدب، وكان من جملة الذين صرفوا جميع أوقاتهم في الاشتغال بالعلم الشريف، وقد ملك كتباً كثيرة، واطلع على عجائب منها، وكان ينظر فيها، ويحفظ فوائدها، وكان قوي الحفظ جداً. حفظ من المناقب والتواريخ شيئاً كثيراً، وله رسائل وتعليقات، وكتب حواشي مفيدة على تفسير البيضاوي، وهي متداولة بين العلماء، وله شرح مختصر مفيد للهداية، وبنى داراً للفقراء بقرب داره بمدينة قسطنطينية. انتهى.
قلت: وكان السيد عبد الرحيم العباسي خليلاً لسعدي جلبي لكل منهما بالآخر مزيد اختصاص، وللسيد عبد الرحيم فيه مدائح نفيسة في عدة قصائد، ومقاطيع، ولما كان شيخ الإسلام والدي بالقسطنطينية في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة اجتمع بالمذكور كثيراً، وكان إذ ذاك قاضي القسطنطينية، وذكره في المطالع البحرية فقال قاضي قضاة المسلمين، وأولى ولاة الموحدين، وينبوع العلم واليقين، العادل العمل في أحكامه، والحركة في إقدامه، والمراقب لله في فعله وكلامه، إنسان عين الزمان، وإنسان عين البيان، إلى أن قال: ما قرن به فاضل بالروم إلا رجحه، ولا ألقي إليه مقفل من العلم إلا كشفه وأوضحه، له صادقات عزائم، لا تأخذه في الله لومة لائم، إلى عفة ونزاهة، وإبانة وهمة علية وصيانة، في أوصاف آخر ومما قاله الشيخ الوالد فيه وأنشدنا إياه شيخنا القاضي محب الدين الحنفي، وأخبرنا أنه وجده مكتوباً في جدار مجلس المولى سعدي:
أوصاف سعدي مثل شمس الضحى ... ظاهرة في القرب والبعد
إذا عملت الشعر في مدحه ... فإنما أعمل، في سعدي
ذكر ابن طولون في وقائع سنة خمس وأربعين وتسعمائة أنه صلي على سعدي جلبي غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشر ذي القعدة قال ابن طولون: واسمه أحمد والصواب إنه عيسى كما تقدم، لأنه هو الثابت في الشقائق النعمانية، ومؤلفها أخبر بأحوال أهل الروم من غيره. قال ابن طولون: وتوفي بعلة النقرس قال: وكانت وفاته عند صلاة الجمعة ثاني عيد الفطر من السنة المذكورة. قال: وأقيم مفتياً عوضه قاضي قضاة العسكر الأناظولي جوي زاده وولي قاضي قضاة العسكر الأسطنبولي ابن قطب الدين الرومي الحنفي. انتهى.
قلت: وجوي زاده المذكور في كلام ابن طولون هو المولى محمد بن إلياس المتقدم والد محمد بن محمد بن إلياس قاضي دمشق الذي صار في آخر الأمر مفتياً بالروم، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في الطبقة الثالثة.
حرف الغين المعجمة خال

حرف الفاء من الطبقة الثانية
فاطمة بنت قريمزان

فاطمة بنت عبد القادر بن محمد بن عثمان، الشيخة الفاضلة الصالحة الحلبية الحنفية، الشهيرة ببنت قريمزان شيخة الخانقتين العادلية والدجاجية معاً. كان لها خط جيد، ونسخت كتباً كثيرة، وكان لها عبارة فصيحة، وتعفف، وتقشف وملازمة للصلاة حتى في زمن المرض. مولدها في رابع المحرم سنة ثمان وتسعين وثمانمائة ، ثم كانت زوجاً للشيخ كمال الدين محمد بن مير جمال الدين بن قلي درويش الأردبيلي، الشافعي نزيل المدرسة الرواحية بحلب الذي قيل إن جده هفا هو أول من شرح المفتاح . قالت: وعن زوجي هذا أخذت العلم، وكان يقول: قد ملكني الله تعالى وثلاثين علماً، وكانت وفاتها في سنة ست وستين وتسعمائة، وأوصت أن تدفن معها سجادتها. قال ابن الحنبلي: وقد ظفرت بشهود جنازتها، وحملها فيمن حمل.
فرج المصري المجذوبفرج المصري المجذوب قال: كان له كشف وكرامات، وكان يجمع الدراهم من الناس، ويفرقها على المحاويج، ثم يبيت لا يملك شيئاً ليله. قال الشيخ جمال الدين بن يوسف ابن قاضي القضاة زكريا: لقيني الشيخ فرج، وفي رأسي أربعون نصفاً، فأعطيته فلا زال يقول لي: أعطني نصفاً حتى بقي منها نصف، وهذا على اسم الحمام، فتبعني للحمام، وقال: أعطني النصف الآخر، وأنا أعطيك، وهذا على اسم شموال اليهودي بأربعين ديناراً. قال: فلم اعطه النصف، فلما خرجت من الحمام، ودخلت البيت إذا بشخص يستأذن في الدخول، فقلت له: من هذا. فقال: شموال اليهودي، فقلت: ما حاجتك؟ فقال: كنت اقترضت من والدك أربعين ديناراً، وليس بها شاهد إلا الله تعالى، وقد تحرك عندي الخاطر بقضائها هذا اليوم، وعجزت عن دينار واحد منها، وها هي فأعطاني تسعة وثلاثين ديناراً، فندمت إذ لم أعطه النصف الآخر قال...، وله وقائع كثيرة مع أهل مصر. انقطع آخر عمره في البيمارستان، وله كرامات، ودفن في زاوية الشيخ بهاء الدين المحدث بباب السويقة، وهو من هذه الطبقة.
فضلي بن علي الروميفضلي بن علي بن أحمد بن محمد قاضي القضاة ابن مفتي المملكة الرومية علاء الدين الأقصرائي، الجمالي، الحنفي. كان ينسب إلى الشيخ محمد الأقصرائي صاحب موجز الطب، وإيضاح البيان وغيرهما، وكان الشيخ جمال الدين هذا ينسب إلى الفخر الرازي الذي هو من ذرية أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - كذا قال ابن الحنبلي، وذكر أنه قدم حلب في ذي القعدة سنة ستين متولياً قضاء بغداد، فاجتمع به وأجازه، ثم ولي قضاء حلب، ثم في سنة إحدى وستين دخلها متولياً قضاء مكة، وزار ابن الحنبلي في منزله، ووهبه رسالة له سماها إعانة الفارض، في تصحيح واقعات الفرائض ولم يؤرخ وفاته، ولعله من هذه الطبقة.
حرف القاف من الطبقة الثانية

قاسم منلا زاده
قاسم بن محمد، العالم الفاضل، المولى شاه قاسم، الشيخ شهاب الدين الحنفي، الشهير بمنلا زاده أصله من هراة، وكان هو وأبوه واعظين، وكان مستوطناً بتبريز، ولما دخلها السلطان سليم بن بايزيد أخذه معه إلى بلاد الرم، وعين له كل يوم خمسين درهماً، وكان عالماً فاضلاً، أديباً، بليغاً له حظ من علم التصوف، وخط حسن، ومهارة بالإنشاء أنشأ تواريخ آل عثمان، فمات قبل إكمالها سنة ثمان أو تسع وثلاثين وتسعمائة.
قاسم بن خليفة الحلبيقاسم بن خليفة بن أحمد بن محمد، الشيح شرف الدين أبو الوفاء، وأبو السعادات الحلبي، الشافعي، المعروف بابن خليفة. مولده بحلب ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ونشأ بها، وحمله والده على طلب العلم، واشترى له نفائس الكتب، فلزم كثيراً من العلماء منهم البدر السيوفي، ومنلا عرب، والمظفر بن علي الشيرازي، والجلال النصيبي، والشمس بن بلال، والبرهان العمادي، وعبد الصمد الهندي، والمحيوي بن أبي سعيد، وباشر في أول أمره صنعة الشهادة، وجلس بمكتب العدول خارج باب النصر، وولي إعادة العصرونية، ومدرسها البرهان العمادي، ووظائف أخر، واستنيب في الدولة العثمانية كثيراً في فسوخ الأنكحة، وجلس لتعاطي الأحكام الشرعية برهة من الزمان، وكان يخدم العلماء، ويبذل المال في خدمتهم، وكان له تواضع، طارحاً للتكليف، وله شعر منه ما أنشده للمحيوي عبد القادر بن سعيد عند قدومه من القاهرة:
لقد آخى المقام وساكنيه ... قدوم العالم المحيي الأجل

حوى للعلم، والآداب جمعاً ... ولم لا وهو قد فاق المحلي
قال ابن الحنبلي: وانتقد عليه بعضهم وصفه إياه بالمحيي لا بالمحيوي بقوله:
كفرت بوصفك المحيي لعبد ... وشركك من لقبلته تصلي
وقد اخطأت في التفضيل لما ... ضللت وما اهتديت إلى المحلي
قلت وأنا أعجب من ابن الحنبلي، وهو عالم حلب كيف يستحسن إثبات مثل هذا الشعر الذي ليس لصاحبه شعور مع جرأته على تكفير مسلم بغير مكفر، وإطلاق المحيي على العبد صحيح على ضرب من المجاز، وهلا اعترض على قول الموحد: إحيى الربيع النبات، وأنبت الربيع البقل، وهو لا يعتقد أن المحيي والمميت حقيقة إلا الله تعالى على أنه أراد بالمحيي الإشارة إلى لقبه محيي الدين، ويجوز أن يقال إن فلان إحدى الدين، أو إحيى العلم، وقد قيل في حجة الإسلام الغزالي:
أحيى علوم الدين بعد مماتها ... بكتابه إحيا علوم الدين
توفي صاحب الترجمة في ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ودفن بمقبرة السيد علي بالهزازة وما زال يقول في نزعه الله الله حتى مات رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
قاسم بن زلزل

قاسم بن زلزل بن أبي بكر، القادري أحد أرباب الأحوال المشهورين بحلب، وقد اشتهر بابن زلزل - بلامين - كما ذكره ابن الحنبلي، وذكر الشيخ موسى الكناوي أنه كان يعرف بقاسم بن زنزل بالنون عوضاً عن اللام الأولى قال ابن الحنبلي: كان في بدء أمره ذا شجاعة حمى بها أهل محلته المشارقة بحلب من اللصوص، وكان يعارضهم ليلاً في الطرقات، ويقول لهم: ضعوا ما سرقتم، وفوزوا بأنفسكم أنا فلان، فلا يسعهم إلا وضعه، ثم كان مريداً للشيخ حسين بن أحمد الأطعاني كما كان أبوه مريداً لأبيه، ثم صار على يد الشيخ محمد الغزي الجلجولي مريداً لابن أرسلان الرملي، ثم المقدسي، وعلى يده حصلت له حال، وهو الذي حمله على سقاية الماء، فكان يسقي في الطرقات، وهو يذكر الله تعالى، ويحصل له الحال الصادقة، فيرفع رجله، ويبطش بها على الأرض. قيل: وكان أحياناً يذكر الله تعالى بالزاوية الاطعانية، فيحصل له الحال، فيبادر إلى جرن حمام موضوع هناك لمصالحها فيضعه على رأسه كأنه تاج ويدور به دورة، ثم يضعه ويصلي كثيراً وراء إمام كان حسن الصوت، فيحصل له الحال بحيث يغيب بها في نفسه فيصيح وهو في الصلاة صيحة عظيمة، ثم يفيق فيعيد الصلاة، وكان يحضر سماعات الشيخ محمد الخراساني النجمي، وينشد فيها كلام القوم قال: ولما قدم حلب الوزير الأعظم إبراهيم باشا في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، رأى الشيخ على حالة اقتضت الفحص عنه، ثم إحضاره فأحضره إليه فإذا الذي رآه في المنام هو هو فجعل له علوفة في المملحة فأبي، فجعلها لأولاده قال: ومما حكي عنه بعد وفاته أنه خرج به قديماً الحب الفارسي، فطلبوا مداواته فأبى فعافاه الله تعالى منه بدون مداواة، وحكي أنه أراد زيارة الشيخ عبد القادر الكيلاني، فصرفه عنها الشيخ علي المصارع البيري الأردبيلي الطريقة، فلم يقبل منه فلما دخل إلى الرها كاشفه بها بعض الرجال، وصرفه عن الزيارة، فلم يقبل قال: فبينما أنا قاعد بالموضع الذي كان منجنيق نمرود إذا بامرأة أقبلت علي تسأل عن قاسم بن زلزل، فاعطتني رغيفين، وأخبرتني أنها رأت مناماً يقتضي أني لا أسافر إلى بغداد. قال: فما وسعني إلا العود إلى الشيخ علي البيري وكنت لما فارقته لم أصل إلى الرها إلا وفي ساقي وفخذي وجع شديد، فلما عدت إليه لم يبق منه شيء بإذن الله تعالى، ذكر ذلك ابن الحنبلي في تاريخه وقرأت بخط الشيخ موسى الكناوي، أنه اتفق للشيخ أبي العون محمد الغزي الجلجولي كرامة مع قاسم بن زلزل، ولعلها هي السبب في إهتمام أبي العون بأمره، وإعتقاد قاسم فيه، وهي أنه وقع بمدينة حلب أن امرأة خرجت من الحمام فحملها رجل جاهل من الجند، فعجز الناس عن خلاصها منه فجاء قاسم بن زلزل فضربه، فقتله وانفلتت المرأة، وذهبت في سبيلها، ومضى لوجهه هارباً، فدخل الحمام فكبسه الجند وهو في الحمام، فقال للحمامي: إئتني بلباسي وخنجري، فخرج عليهم وتفرقوا عنه وطاح إلى بستان هناك واستغاث بأبي العون الغزي، وكان قاسم قد اجتمع بأبي العون قبل ذلك وشاهد بركاته، فحماه الله تعالى منهم ببركته، واستمر على وجهه على طريق الساحل إلى جلجوليا، فدخل على الشيخ فكاشفه الشيخ بما وقع وقال له: كيف تقتل مملوك السلطان، فاعتذر بما فعله الجندي ودخل تحت ذيل الشيخ فقال له: الشيخ: لك الأمان وكتب له كتابا إلى نائب دمشق قانصوه اليحياوي، وكتاباً إلى نائب حلب. وقال له الشيخ: إسق الماء واترك الزعارة، فأكرمه قانصوه اليحياوي وأعطاه ألف درهم إكراماً للشيخ أبي العون، وكتب به كتاباً إلى نائب حلب يأمره فيه بإكرامه، وعدم التعرض له مما يؤذيه لأجل خاطر الشيخ أبي العون، وحذره من تكدير خاطر الشيخ عليه، فقدم قاسم على نائب حلب فأكرمه، وعفا عنه ببركة الشيخ واستمر قاسم في يومئذ يسقي الماء بيده في شربتين، ولزم طور الفقراء، وترك ما كان عليه من أطوار الشطار والزعار. قال ابن الحنبلي: توفي الشيخ قاسم في أواخر سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
قاسم بن عبد الكريم الفاسي

قاسم بن عبد الكريم المغربي الفاسي الأوراسي، كان أبوه بواباً بخان الليمون بدمشق، وكان هو من أتباع القاضي ولي الدين الفرفور، ثم قدم حلب فراش بها، وتزوج بها فاطمة بنت كاتب الأسرار المحب بن أجا بعد وفاة أبيها، واستولى على أموالها، وأوقاف أبيها وأبيه وجدها لأبيها الفخر عثمان بن غلبك فكثر ماله واتسعت دائرته، وقوي جأشه، وزاحم في المناصب الجليلة، وتولى نظر جامع حلب، وخالط أركان الدولة، ولم تسعه حلب فذهب إلى القاهرة، وتولى فيها نظر الأوقاف في سنة أربعين أو قبلها بمعونة الأمير جانم الحمزاوي ثم قيل أنه هو الذي دبر مع سليمان باشا تدبير قتل الأمير جانم، وولده الأمير يوسف، وشاع ظلمه بالقاهرة على ما ذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وكان يرى السحر وقيل فيه:
قاسم الأسود أفعى ... قاء سماً للعباد
كل من قد ذاق منه ... عاد منه كالرماد
ثم جاء عليه التفتيش في آخر عمره، وفتش عليه بالقاهرة، ثم شنق على باب زويله بعد أن رجمه الناس بما وجدوه من حجر أو مدر حين أخرج من الحبس، إلى موضع شنقه، وكان ذلك في سنة سبع وأربعين وتسعمائة.
قاسم العجميقاسم العجمي الملقب بعفاريت على عادة أهل حلب، في تنابزهم بالألقاب المهملة حتى بين خاصتهم، كما يشهد لذلك تعبير ابن الحنبلي للأعيان بالألقاب في تاريخه، فإنه مشحون بذلك كان صاحب الترجمة من مريدي الشيخ محمد الخرساني النجمي وهو الذي كان يوم دفن الشيخ قد خرج من جنازته دائراً على قدميه كأنه فلكة مغزل من منزل الشيخ إلى تربته قال ابن الحنبلي: ثم داخل أرباب الدولة بالباب العالي، فتولى نظر جامع حلب الكبير، ونظر مدرسة الجردكية. قال: وغير فيها هيئة الواقف التي رضي بها، وذكر ابن الحنبلي أنه كان إمامها فبالغ في كشف حاله حتى ألف رسالة سماها بالقول القاصم، للقاضي قاسم، ضمنها عدة مقاطيع منها:
لا تركنن لقاسم ... إذ ليس فيه فائدة
واعلم أخي فإنه ... قاس بميم زائدة
وما كنت أذكر ذلك لولا تبجح فيه في تاريخه، وإلا فإن مثل هذه الغيبة مما لا يتعلق به غرض شرعي لا ينقطع حكمه بموت من يغتاب بجرح الرواة لا يجوز إثباته في الكتب الباقية على توالي الأزمان، لكن كان ابن الحنبلي عفا الله عنه، قد التزم أن لا يذكر في تاريخه أحداً حتى يذكر له شيئاً يحط من مقامه، وبلغني عن بعض العلماء الأخيار أنه قال: ليت ابن الحنبلي لم يؤلف هذا التاريخ، فإنه أفصح عن تجرئته على الناس فيما الورع خلافه، ولولا هذا التاريخ لحسب الناس أنه من أهل الورع، والكف عن الخوض فيما لا يعنيه، ومن طالع هذا التاريخ من أوله إلى آخره، وجد فيه العجب قال ابن الحنبلي: كان صاحب الترجمة في سنة أربع وثلاثين وتسعمائة في الأحياء، ثم مات بعدها برودس مسوقاً إليها.
قاسم آشق قاسمقاسم الحنفي أحد الموالي الرومية، والشهير بآشق قاسم كان من إزنيق، واشتغل في العلم، وخدم المولى عبد الكريم، ثم درس بالحجرية بمدينة أدرنة، وتقاعد بثلاثين عثمانياً، قال في الشقائق: كان ذكياً، مقبول الكلام، صاحب لطائف ونوادر، متجرداً عن الأهل والولد، كثير الفكرة، مشتغلاً بذكر الله تعالى، خاشعاً في صلاته بلغ قريباً من المئة، وتوفي في سنة خمس وأربعين وتسعمائة بأدرنة.
قصير البخاريقصير مفتي بخارى الحنفي. دخل دمشق في أثناء جمادى الأولى سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، ومعه جماعة، وزار بيت المقدس ثم عاد إلى دمشق، وحج منها، وكان عالماً بالعربية نزل بالشامية البرانية، وتردد إليه الشيخ أحمد الحنفي، د والشيخ تقي الدين القاري، وقرأ عليه الثاني في المصابيح. ذكرهه ابن طولون.
حرف الكاف من الطبقة الثانية

الكمال العجمي

الكمال العجمي التريزي، الشيخ العالم الصالح، العارف بالله تعالى. المحقق الصوفي نزيل دمشق. قال شيخ الإسلام والدي: ذاكرته في علوم عديدة وقد غلب عليه التصوف والتأله، وهو من المحبين، وقال الشيخ يونس والد شيخنا: كان له مرتب من الجوالي نحو عشرين عثمانياً في كل يوم، وكان يأكل الطيب، ويلبس الحسن، ولا يخالط الناس إلا من يخدمه حكي أنه كان إذا ضعف وهب ثيابه ودراهمه لأصحابه، وإذا شفي جدد غيرها، ولا يرجع في هبته، وكان ساكناً بمدرسة العزيزية شمالي الكلاسة وغربي الأشرفية وبها توفي في سادس عشر ربيع الآخر سنة سبع - بتقديم السين وخمسين وتسعمائة،، بباب الفراديس.
كريم خليفة الشيخ دمرداشكريم، الشيخ الصالح العارف بالله تعالى خلفة الشيخ دمرداش بالقاهرة، جلس بعد شيخه لأخذ العهد على المريدين، وانتفع به خلائق لا يحصون من طلبة العلم وغيرهم، وكان مشتملاً على شأنه، حافظاً للسانه، عارفاً بزمانه المريدين على طريقة الخلوة والرياضة بالأسماء انتهت إليه الرئاسة في ذلك بمصر. مات ثامن عشر جمادى الأولى.
حرف اللام من الطبقة الثانية

لطفي باشا الوزير
لطفي باشا الوزير الأعظم، دخل إلى دمشق في ثالث شعبان سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ونزل بالمرجة خارج دمشق، وزار الصلحاء والأولياء، بدمشق الأحياء والأموات كالشيخ أرسلان، والشيخ محيي الدين بن العربي، وزار المقام ببرزة، وزار من الأحياء الشيخ عمر العقيبي، والشيخ محمد بن قيصر، ثم توجه لمصر ليحج منها قيل وكان هو السبب في إبطال الأوقات، ومنعهم من تسخير خيل الناس، وإبطال العوارض عنهم في ذلك العصر.
حرف الميم من الطبقة الثانية
مبارك عبد الله الحبشي
مبارك عبد الله الحبشي، الدمشقي، ثم القابوني الشافعي، الشيخ الصالح المربي. ذكر ابن طولون في التمتع بالأقران أن ابن المبرد ذكره في رياضه فقال الشيخ مبارك: ظهر في سنة سبع وتسعين - بتقديم السين الأولى وتأخيرها في الثاني - وثمانمائة، وصار له مريدون، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر من إراقة الخمور وغيرها بعد ما أبطل ذلك، وقام على الأتراك، وقاموا عليه، وذكر ابن طولون في مفاكهة الإخوان أن الشيخ مبارك قرأ في غاية الإختصار على الشيخ شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، وبنى له زاوية بالقرب من القابون التحتاني، وأقام هو وجماعته بها يرصدون الطريق على نقلة الخمر، فيقطعون ظروفها ويريقونها، فبلغ الحكام ذلك، فقبض النائب على بعض جماعة الشيخ، وحبسهم في سجن باب البريد، فنزل الشيخ مبارك ليشفع فيهم، فأمر النائب بوضعه في الحبس معهم، فبلغ الخبر إلى الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، فأرسل وشفع فيه، فأطلق، ثم هجم بقية جماعة الشيخ مبارك على السجن، وكسروا بابه، وأخرجوا من فيه من رفاقهم، فبلغ النائب، فأرسل جماعة من مماليكه، فقتل منهم نحو سبعين نفساً عند باب البريد والعنبرانية، وقرب الجامع الأموي، ثم ترك الشيخ مبارك ذلك، ولازم حضور الزوايا كزاوية الشيخ أبي بكر بن داود بالسفح، ووقت سيدي سعد بن عبادة بالمنيحة، وحكي أن الشيخ مبارك كان شديد السواد، عظيم الخلقة، له همة علية، وشدة بأس، وقوة وكان له معرفة تامة بالنغمة، والصيد يسرح إلى الصيد هو وفقراؤه ومريدوه، ومعهم قسي البندق إلى جهة المرج، وكان يصطاد الحمام والأوز والكراكي وغير ذلك، وحكي أنه كان كسر مرة بندقة نصفين، واصطاد في كل نصف طائراً عظيماً، وكان عارفاً بالسباحة، وكان يغوص في تيار الماء، ثم يخرج منه وبين أصابعه يديه وأصابع رجليه السمك، وروي أنه حج ومعه جماعة من أصحابه، فلما دخل مكة فرغت نفقتهم فقال الشيخ لبعض أصحابه: خذ بيدي إلى السوق، واقبض ثمني، وأصرفه على بقية الجماعة، ففعل ذلك، واشتراه بعض تجار العجم، ثم أعتقه قال ابن طولون، والشيخ مبارك: هو الذي أحدث اللهجة في الذكر قال: وحقيقتها أنهم يذكرون إلى أن يقتصروا من الجلالة على الهمزة والهاء لكنهم يبدلون الهاء حاء مهملة، فيقول: إح إح، وكانت وفاته يوم الخميس مستهل ربيع الأول سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ودفن بتربة القابون التحتاني.
مجير الدين الرملي

مجير الدين الرملي، الشيخ الفاضل أحد العدول بدمشق، قال ابن طولون: كان صالحاً، وعنده فضيلة وبصره فيه تكسير، مات - رحمه الله تعالى - يوم الثلاثاء ثامن عشري ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وتسعمائة فجأة.
محب الدين التبريزيمحب الدين ويقال: محب الله التبريزي، الشافعي الصوفي المنلا، والمشهور نزيل دمشق. رحل من بلاده إلى بلاد الشام، وحج منها وجاور، ثم عاد إليها، ومكث بالتكية السليمية بسفح قاسيون لمزيد شغفه بالشيخ محيي الدين بن العربي، واعتقاده فيه، وكثرة تعلقه بكلامه، وحله وتشديده النكير على من ينكر عليه، وصار يقرأ عليه بها جماعة في التفسير وغيره، وكان يجمع إلى تفسير الآية تأويلها على طريقة القوم، ويورد على تأويلها ما يحضره من كلام المثنوي، وكانت وفاته بدمشق سنة ثمان وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى واسعة.
محمد بن محمد بن فرفورمحمد بن محمد القاضي بدر الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين بن الفرفور الحنفي الدمشقي سبط القاضي كمال الدين بن خطيب جامع الورد، كان قاضياً على بلاد الكرك الذي يقال أن سيدي نوحاً عليه السلام مدفون به قال ابن طولون: قيل إنه كان كثير البلصة. توفي في أوائل سنة ست وثلاثين وتسعمائة، وهو راجع من الحج الشريف.
محمود بن محمد البصرويمحمود بن محمد بن علي القاضي نور الدين بن الخطيب العلامة علاء الدين البصروي الشافعي. كان لا بأس به، وكان يتردد إلى الناس توفي بغتة يوم الأحد تاسع عشري جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ودفن بتربة الحمرية خارج دمشق، وتألم والده لموته رحمه الله.
محمود بن محمد بن الرضيمحمود بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد الأصيل محدث الدين أبو السعود بن الرضي، الحلبي، الشافعي الموقع والده بديوان الإنشاء في الدولة الجركسية. ولد بالقاهرة سنة اثنتين وتسعمائة، وحفظ كتباً، جود الخط بها، وعرض بها في سنة خمس عشرة مواضع من ألفية ابن مالك، والشاطبية، والمنهاج الفقهي على الشهاب الشبشيبي الحنبلي، والبرهان بن أبي شريف الشافعي، والشرفي محب الله سري المالكي، والبرهان الكركي، الحنفي وآخرين، وأجازوا له، ثم عرض منها، ومن جمع الجوامع لابن السكبي على القاضي زكريا الأنصاري سنة تسع عشرة، وأجاز له، وكان له شعر لا بأس به، وكان شهماً، حسن العمامة. توفي بحلب في ذي الحجة سنة ست وخمسين وتسعمائة.
محمود بن أحمد القرشيمحمود بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن حسن بن عبد الباقي، الشيخ الأصيل المعمر الجليل نور الدين القرشي، البكري، الحلبي، الشافعي خطيب المقام بقلعة حلب أخذ عنه الشيخ الحافظ أبي ذر بن الحافظ برهان الدين الحلبي، وأخذ عنه ابن الحنبلي، ووالده الحديث المسلسل بالأولية، واستجازاه، فأجاز لهما. توفي نهار الأحد حادي عشر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بمقابر الصالحين بحلب.
محمود بن عثمان اللامعيمحمود بن عثمان بن علي النقاض، المشهور باللامعي أحد موالي الروم. كان جده من بروسا، ولما دخلها تيمورلنك أخذه معه وهو صغير إلى ما وراء النهر، وتعلم صنعة النقش، وهو أول من أحدث السورج المنقوشة في بلاد الروم، وابنه عثمان، كان سالكاً مسلك الأمراء، وصار حافظاً للدفتر السلطاني بالديوان العالي، وأما ولده اللامعي صاحب الترجمة، فقرأ العلم على جماعة منهم المولى أخوين، والمولى محمد بن الحاج حسن، ثم تصوف وخدم السيد أحمد البخاري، ونال عنده المعارف والأحوال، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانياً، وسكن بروسا، واشتغل بالعبادة والعلم، ونظم بالتركية أشياء كثيرة مشهورة مقبولة، فتوفي في سنة ثمان أو تسع وثلاثين وتسعمائة ببروسا.
محمود بن عبيد الله أحد موالي الروممحمود بن عبيد الله المولى بدر الدين أحد موالي الروم، كان من عتقاء الوزير علي باشا، وقرأ على جماعة منهم ابن المؤيد، ثم درس في مدرسة جنديكن ببروسا، ثم بمدرسة السلطان بايزيد بها، ثم بمدرسة أستاذه علي باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بأدرنة، ومات وهو قاضيها سنة سبع - بتقديم السين - وثلاثين وتسعمائة.
محمود الرومي

محمود المولى بدر الدين ابن الشيخ جلال الدين الرومي أحد الموالي الرومية. قرأ وحصل ودرس وترقى في التدريس حتى درس بإحدى الثماني، ومات مدرساً بها قال في الشقائق: كان عالماً فاضلاً، ذا كرم، ومروءة. اختلت عيناه في آخر عمره، ولم يؤرخه لكن ذكره في دولة السلطان سليمان، والظاهر أنه من هذه الطبقة.
محمود بن مصطفى بن طليانمحمود بن مصطفى بن موسى بن طليان القصيري الأصل، الحلبي المولد الحنفي، المشهور بابن طليان. ولي خطابة الجامع الكبير بحلب في أوائل الدولة العثمانية، وكان فقيهاً جيداً، وكان يصدع بالحق، ولا يخاف في الله لومة لائم لكن عنده حدة، وحج في آخر عمره، ثم توفي في رمضان سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.
محمود بدر الدين الأصغرمحمود المولى بدر الدين أحد الموالي الرومية، الشهير ببدر الدين الأصغر. قرأ على المولى الفناري، والمولى لطفي، ثم وصل إلى خدمة المولى خسرو زاده، ثم درس بمدرسة بالي كبرى، وترقى في المدارس إلى إحدى الثماني، ثم درس بأيا صوفيا، ثم تقاعد بمئة عثماني، ومات على ذلك الغالب عليه العلوم العقلية، وله مشاركة في سائر العلوم، وله تعليقات لم يدونها، وكان يحب الصوفية. مات في سنة ست وأربعين وتسعمائة.
محمود التميميمحمود القاضي بدر الدين ابن قاضي الخليل التميمي، الشافعي كان مدرساً بدار الحديث الأشرفية بدمشق، وكان موجوداً في سنة ست وأربعين وتسعمائة.
محمود العجميمحمود العجمي، الشافعي السيد الشريف العلامة مدرس الأتابكية بصالحية دمشق كان مقيماً بالبادرائية داخل دمشق، وكان مقصداً للطلبة ينتفعون به، وكان له يد طولى في المعقولات. توفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر سنة خمسين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي، ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة.
محمود الشيرازيمحمود المنلا الشيرازي نزيل السليمية بصالحية دمشق حج في سنة أربعين وتسعمائة، وكان عنده فضيلة تامة، وفهم جيد، وكان عنده نسخة المصابيح بخطه نقل في هامشها من اثني عشر مصنفاً عليه، وهي المظهر، والمفاتيح، والبيضاوي، والخلخالي، والهروي، وزين العرب، والسلمي، الطيبي، والينابيع، والزعفراني، والتوربشتي، والأزهار وهذه المؤلفات كلها كانت حينئذ موجودة ببلاد الأكراد، ولم يوجد منها في بلاد العرب إلا القليل ذكره ابن طولون، ولم يؤرخ وفاته.
محيسن البرلسيمحيسن البرلسي، الشيخ الصالح المجذوب بمصر، كان من أرباب الكشف أقام أولاً بسلاف، ثم انتقل إلى الرميلة، وكان يوقد النار عنده كثيراً ليعرف أصحاب الجذب من الأولياء أنه لا بد من وقوع فتنة وكان إذ صب ماء عليها انقطعت الفتنة، وكتب الشيخ عبد الوهاب الشعراوي مكتوباً يتشفع به إلى أولياء الروم، والسلطان سليمان في جانم الحمزاوي، ودفعه إلى الأمير جانم، فبعد نحو خمس درج أرسل الشيخ محيسن إلى الشيخ عبد الوهاب يقول له: يا عبد الوهاب أنت الذي صرت ترى الناس في عينك كالتراب تكاتب أولياء الروم من غير مشورة أصحاب النوبة بمصر مات - رحمه الله تعالى - في سنة تسع وأربعين وتسعمائة، ودفن في تربة الأمير جانم المجاورة لقبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه.
مخلص العابدمخلص الشيخ الصالح العبد محيي السنة في بلاد الغربية من بلاد مصر بعد موت شيخه الشيخ أبي الخير بن نصر بمحلة منوف. كان مقيماً بأبشية الملق، كان سيدي الشيخ محمد الشناوي يكرمه ويجله قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: صحبته نحو ثلاث سنين بعد موت شيخي الشيخ محمد الشناوي قال: وحصل لي منه دعوات صالحة، وجدت بركتها، وأوصاني بإيثار الخمول على الظهور، وبعدم التعرف بأركان الدولة إلا أن يعرفوك من غير تعرف منك. قال: ولم يزل على المجاهدة والتقشف على طريقة الفقراء الأول إلى أن توفي سنة أربعين وتسعمائة، ودفن بأبشية الملق، وقبره بها يزار.
مدلج بن ظاهر الحياري

مدلج بن ظاهر بن عساف بن عجلة بن نعير بن قرموش الحياري، البدوي، أمير عرب الشام من بني حيار الذين يقال: إنهم من ذرية جعفر البرمكي. كان ذا قوة وبطش بحيث يمسك الدرهم من الفضة بإصبعه، ويفركه فيذهب نقشه، ويفت الحنطة بين إصبعيه، ويضرب بأصابعه... فيأخذ منها قطعة... دخل عليه ولده قرموش وهو منه من... دومة في حدوه.. وشرب شخص لبناً حليباً، وكان هذا إلى إمراة، فاشتكت إليه عليه، فاستخبره فأنكر وحلف بحياته أنه لم يشربه، فطعنه برمح كان بيده فإذا اللبن خارج من جوفه، فأمر المرأة بأخذ بعير من بعرانه عوض لبنها، وعجز عنه أمراء دمشق لتمنعه، ومات على فراشه سنة خمس وأربعين وتسعمائة بقرية أساور تابع حماة، وجعل عليه صندوق مزار بحيث يزار، ولم يكن من أهل ذاك.
مروان المجذوبمروان المجذوب بمصر كان في أول أمره قاطع طريق ببلاد الشرقية، وكان مشهوراً بالفروسية، ثم لما جذب كان يدور في أسواق دمشق، ويظهر عليه للناس كرامات وخوارق، وكان إذا خطر لأحد ممن يصادفه معصية أو عمل معصية جعل مروان يصكه حتى يدعه من خاطره، ولا يتجرأ أحد على منعه منه، وربما منعه بعضهم فشلت يده، وكان الشيخ علي الحريص يقول: إن الشيخ مروان لا تفوته غزوة في الكفار، ولا يوما واحداً، وتلك الجروح التي كانت به إنما كانت من ذلك وحضر فتح رودس، وكان له صيت بين فقراء مصر فيما فعل في الغزو في أيام السلطان سليمان بن عثمان. توفي في سنة خمس وخمسين وتسعمائة، ودفن في جامع النبهاوي خارج باب الفتوح، وقبره ظاهر يزار.
مرعي الحيريمرعي، الشيخ الصالح الورع في مأكله، وملبسه، ومنطقة الحيري المصري. أخذ الطريق عن سيدي محمد بن عنان، وخدمه خدمة طويلة، ولما مات توجه إلى دمشق، وأخذ الطريق عن سيدي محمد بن عراق، وانتفع به، وكان يتظاهر بمحبة الدنيا طلباً للستر، فيسأل الناس، ويجمع منهم، ثم يفرقه على الفقراء والمساكين، ويطوي الأيام والليالي، ويؤثر بغدائه وعشائه الفقراء، وكان له اعتقاد تام في الفقراء. رب جماعة من المريدين، وانتفعوا به، ومات في سابع عشر صفر الخير سنة إحدى وستين وتسعمائة.
مسعود الشيرازيمسعود بن عبد الله المنلا العجمي الشيرازي، الواعظ نزيل حلب. كان له مطالعات في التفسير والحديث، وكان يتكلم فيها باللسان العربي لكن انتقد عليه ابن الحنبلي أنه كان يلحن فيه، ووعظ بجامع حلب الكبير، فنال من الناس قبولاً، وصارت له فيه يوم الجمعة المجالس الحافلة، توفي مطعوناً سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
مصطفى بن خليل الروميمصطفى بن خليل، المولى مصلح الدين أحد موالي الروم والد صاحب الشقائق النعمانية. ولد ببلدة طاش كبري سنة فتح قسطنطينية، وهي سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وقرأ على والده، ثم على خاله المولى التكشاوي، ثم على المولى درويش بن المولى خضر شاه المدرس بسلطانية بروسا، ثم على المولى بهاء الدين المدرس بإحدى الثماني، ثم على المولى ابن مغنيسا، ثم على المولى علاء الدين العربي، ثم على المولى خوجه زاده، ثم درس بالأسدية ببروسا، ثم بالمدرسة البيضاء بأنقره، ثم بالسيفية بها، ثم بإسحاقية أسكوب، ثم بحلبية أدرنة، ثم صار معلماً للسلطان سليم خان ابن بايزيد، ثم أعطي تدريس السلطانية ببروسا، ثم إحدى الثماني، ثم صار قاضياً بحلب، ثم استعفى من القضاء، وعرض وصية والده له في ذلك على السلطان، وكان زاهداً، عابداً، متأدباً، مشتغلاً بنفسه، معرضاً عن الدنيا، وله رسائل وحواش على نبذ من شرح المفتاح، ورسالة في الفرائض وغير ذلك. وتوفي في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.
مصطفى الحائكمصطفى المولى، المشهور بحائك مصلح الدين أحد موالي الروم كان - رحمه الله تعالى - حائكاً، ولما بلغ سن الأربعين رغب في العلم، وبرع فيه، وصار مدرساً ببلدة تبرة، وصحبه العارف بالله تعالى محمد الجمال، والعارف بالله تعالى أمير البخاري، ثم انقطع عن الدريس، وتقاعد بثلاثين عثمانياً، وكان يكتب الفتوى، ويأخذ عليها أجرة، وكان يحيي كثر الليل، وربما غلب عليه الحال في الصلاة. توفي سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.
مصطفى الرومي

مصطفى الرومي، الحنفي، الملقب مصلح الدين كاتب التكية السليمية بسفح جبل قاسيون. كان فاضلاً، ديناً، وكان يكتب الخط المنسوب، وينظم الشعر بالعربية والفارسية، وتزوج بنتاً من بيت زريق من أهل الصالحية، فبقيت عنده ثماني سنوات، ومات عنها وهي بكر، وكان أهلها يسيئون إليه، وهو يغفلهم وتوفي يوم السبت رابع ربيع الثاني سنة سبع - بتقديم السين - وتسعمائة، ودفن بالروضة في سفح قاسيون، وخلف كتباً عدتها سبعون مجلداً، وفيها من علم الصنعة عدة مجلدات ذكره ابن طولون.
مصطفى مصلح الدينمصطفى الشيخ الصالح مصلاح الدين أحد خلفاء السيد أحمد البخاري. كان مستوطناً بالقسطنطينية في زاويته. المسماة بدار الأحجار، وكان نيراً عابداً، زاهداً، منقطعاً إلى الله تعالى، مشتغلاً بإصلاح أصحابه، توفي قريباً من ست وتسعمائة.
منلا زاده الروميمنلا زاده، المولى صالح الرومي، الحنفي، ورد دمشق سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلى بجامعها صلاة عيد الفطر، وخطب بعدها خطبة العيد.
مهيا المصريمهيا بن محمد المصري، ثم الرومي. قال شيخ الإسلام والدي: اجتمع بي في الروم، وأخذ عني - يعني في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة - قال: بلغني أنه مشتغل بتأليف. قلت: والظاهر أن مهيا لم يكن بذلك لأني قرأت بخط الوالد في ديوانه أنه قال فيه:
طلبت من القضاة فتىً سفيهاً ... يناضل دوننا قوماً بذيا
فقالوا لي: انظروا رجلاً دنيا ... خسيس الأصل قلت لهم: مهيا
موسى بن محمد العلماويموسى بن محمد بن إسماعيل، الشيخ شرف الدين العلماوي، الشافعي الخطيب بجامع الحاجب بسوق صاروجا خارج دمشق، وكان أحد، الشهود القدماء بها، وتوفي بغتة يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة سنة أربعين وتسعمائة عن ولدين كان أحدهما. وأكبرهما، وهو الشيخ عبد الباسط رئيس المؤذنين بجامع دمشق وأحد وعاظه رحمه الله.
موسى بن الحسين عوضموسى بن الحسين، الملقب بعوض بن مسافر الحسين بن محمود الكردي اللاني طائفة، السر مسوي ناحية وقرية، الشافعي نزيل حلب، أخذ العلم عن جماعة منهم المنلا محمد المعروف ببرقلعي، وعمرت في زمانه مدرسة بالعمادية ، فجعل مدرسها، ثم تركها وأقبل على التصوف، فرحل إلى حماة، وأخذ عن سيدي علوان مع الإنتفاع بغيره، ثم قدم حلب لمداواة مرض عرض له، ونزل بالمدرسة الشرفية، فقرأ عليه غير واحد قال ابن الحنبلي وكنت ممن فاز بالقراءة عليه ثم ذهب إلى حماه فلما توفي الشيخ علوان. عاد إلى حلب واستقر في مشيخه الزينبية، وأخذ يربي فيها المريدين، ويتكلم فيها على الخواطر مع طيب الكلام، وإطعام الطعام، وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام، وحسن الصمت، ولين الكلمة، وفصاحة العبارة والتكلم في التفسير، والحديث، وكلام الصوفية. توفي مطعوناً في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، وصلى عليه ابن بلال في مشهد عظيم، ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه رحمه الله تعالى.
موسى الأدهمي التبريزيموسى الأدهمي التبريزي نزيل حلب، كان شيخاً معمراً منوراً، وكان من مريدي الحاج علي التبريزي الأدهمي، ثم قطن بحلب بزاوية الأدهمية شرقي السفاحية، ولم يزل يعبد الله تعالى فيها حتى توفي سنة أربعين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: ولم تر عيني مثل شيبته ونورانيته.
موسى البيت لبدي الصالحي الحنبليموسى، الشيخ شرف الدين البيت لبدي الصالحي، الحنبلي. مؤدب الأطفال بالشاذبكية بمحلة القنوات خارج دمشق. قال ابن طولون: كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزي، والمحدث جمال الدين بن المبرد، ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية، وقرأ على محنة الإمام أحمد جمع ابن الجوزي، وأشياء آخر. توفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني سنة ست وأربعين وتسعمائة.
موسى الكردي العريانموسى الكردي، ثم الحلبي العريان، المجذوب.

كان عارياً من الثياب صيفاً وشتاء، وكان يسمن إذا نزل الشتاء، ويهزل إذا كان الصيف، وكان ينام في الأسواق عند مواقد الطباخين، ولا يبالي بحر النار، وكان يأخذ قوته من أرباب البضائع، فلا يعارضونه، ويتبركون به، وكان الشيخ أحمد بن عبدو يعتقده، قال ابن الحنبلي: وحكي لي عنه أنه لما قدم البرهان العمادي من رودس إلى حلب. وصل لباب النيرب قى حماه فلما توفي الشيخ علوان. عاد إلى حلب واستقر في مشيخه الزينبية، وأخذ يربي فيها المريدين، ويتكلم فيها على الخواطر مع طيب الكلام، وإطعام الطعام، وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام، وحسن الصمت، ولين الكلمة، وفصاحة العبارة والتكلم في التفسير، والحديث، وكلام الصوفية. توفي مطعوناً في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، وصلى عليه ابن بلال في مشهد عظيم، ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه رحمه الله تعالى.
موسى الأدهمي التبريزيموسى الأدهمي التبريزي نزيل حلب، كان شيخاً معمراً منوراً، وكان من مريدي الحاج علي التبريزي الأدهمي، ثم قطن بحلب بزاوية الأدهمية شرقي السفاحية، ولم يزل يعبد الله تعالى فيها حتى توفي سنة أربعين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: ولم تر عيني مثل شيبته ونورانيته.
موسى البيت لبدي الصالحي الحنبليموسى، الشيخ شرف الدين البيت لبدي الصالحي، الحنبلي. مؤدب الأطفال بالشاذبكية بمحلة القنوات خارج دمشق. قال ابن طولون: كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزي، والمحدث جمال الدين بن المبرد، ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية، وقرأ على محنة الإمام أحمد جمع ابن الجوزي، وأشياء آخر. توفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني سنة ست وأربعين وتسعمائة.
موسى الكردي العريانموسى الكردي، ثم الحلبي العريان، المجذوب.
كان عارياً من الثياب صيفاً وشتاء، وكان يسمن إذا نزل الشتاء، ويهزل إذا كان الصيف، وكان ينام في الأسواق عند مواقد الطباخين، ولا يبالي بحر النار، وكان يأخذ قوته من أرباب البضائع، فلا يعارضونه، ويتبركون به، وكان الشيخ أحمد بن عبدو يعتقده، قال ابن الحنبلي: وحكي لي عنه أنه لما قدم البرهان العمادي من رودس إلى حلب. وصل لباب النيرب قبل أن يفتح وأنا معه، ولأني كنت توجهت للقائه، وصحبته إلى حلب، فإذا الشيخ موسى يحث على فتح الباب، ويقول وهو مردود الباب: إن العمادي، وابن عبدو قد وصلوا من غير أن يسمع صوت أحد منهم، توفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة، وكان معمراً، ودفن خارج باب النيرب بحلب.
حرف النون من الطبقة الثانية

ناصر الدمشقي
ناصر الأمير المولى ناصر الدين بن قنفار، الدمشقي، الصالحي قال ابن طولون: أفادني عن بعض الصلحاء من أهل مصر أن من قرأ بعد العطاس فاتحة الكتاب، ثم قوله تعالى: " قال من يحيى العظام وهي رميم " الآية، ومر بلسانه على أسنانه جميعها، فإنه يأمن من الآفات ولا يصيبه منها سوء. توفي بحماة يوم السبت حادي عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
ناصر الدين النحاسناصر الدين النحاس، العبد صالح المصري. كان صانعاً عند الشيخ أبي النجا النحاس يأكل من عمل يده، ومهما فضل عن نفقته تصدق به، فسافر الشيخ أبو النجا إلى الروم في طلب الجوالي، فجهزه الشيخ ناصر الدين إلى أن مات، وكان يتملث، وحج مرة على التجريد من غير مال، ولا زاد، ولا قبول شيء من أحد، فطوى من مصر إلى مكة. قال الشعراوي: وأخبرني الشيخ ناصر الدين بيوم مات أخي أفضل الدين ببدر، وقال: مات أفضل الدين اليوم ببدر، ودفناه، فجاءت كتب الحاج بذلك كما قال قال: ووقع لنا معه عدة كرامات تركنا ذكرها لكونه كان يكره الشهرة. مات سنة خمس وأربعين وتسعمائة، ودفن عند سيدي علي الخواص خارج باب الفتوح رحمه الله تعالى.
نصر الله الخلخالينصر الله بن محمد العجمي، الخلخالي، الشافعي، الشيخ العالم ابن الفقيه. درس بالعصرونية بحلب، وكان ذكياً، فاضلاً، صالحاً، متواضعاً، ساكناً، ملازماً على الصلوات في الجماعة، حسن العبارة باللسان العربي. توفي مطعوناً سنة اثنتين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
نعمة الصلتي

نعمة الصلتي، الشيخ الصالح. توفي بالصلت سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة. قال ابن طولون: وكثر الثناء عليه.
نور الدين بن عين الملكنور الدين بن عين الملك، الشيخ الصالح، الصالحي كان محباً لطلبة العلم، ملازماً لعمل الوقت بزاوية جده عين الملك بسفح قاسيون. توفي يوم الجمعة سادس شعبان سنة أربعين وتسعمائة.
حرف الهاء من الطبقة الثانية

هاشم السروجي
هاشم بن محمد، السيد هاشم بن السيد ناصر الدين السروجي الحسيني رئيس الأطباء بالمارستان النوري بحلب. كان حسن العلاج، كثير الملاطفة للعليل، سهل الانقياد. توفي سنة أربع وستين وتسعمائة.
هاشم المنلا العجميهاشم المنلا العجمي. قدم دمشق من مصر متوجهاً إلى الروم في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ونزل بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بالسفح، وكان علامة في المعقول المعمى.
هداية الله التبريزيهداية الله بن نار علي التبريزي الأصل، القسطنطيني الحنفي أحد موالي الروم. كان فصيحاً مقتدراً على التعبير بالعربية، يغلب عليه علم الكلام، ويميل إلى اقتناء الكتب النفيسة، وكان له معرفة بالأصلين والفقه، ومشاركة في غيرهما من العلوم. قرأ على المولى بير أحمد جلبي، والمولى محيي الدين الفناري، والمولى بن كمال باشا، والمولى طاش كبري. والد صاحب الشقائق وغيرهم، ثم صار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد، ثم بمدرسة بروسا، ثم بمدرسة مناستر بالمدينة المذكورة، ثم بإحدى المدرستين المتلاصقتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بمكة، وقدم حلب ودمشق ذاهباً إليها سنة ست وأربعين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: وقد أطلعني من نفائس كتبه على كتاب دمية القصر وأعارني إياه، وقد كان قرير العين به، كثير اللهجة بمدحه. قال: فأنشدته في مدحه من نظمي:
بان لي أن دمية القصر ... كنز تبر القريض والنثر
أو عروس تجملت بحلي ... وهي تزري بطلعة البدر
ألبست من حلى البلاغة ما ... قد غلا فضله على الدر
كم أديب بشعره نطقت ... هو في الشعر أوفر السعر
ذات بث لمدحه ولما ... شذ من نتائج الفكر
إن ترد أن تكون خاطبها ... أولها أنت غالي المهر
واخلع التاج والشعار إذا ... رمت منها محاسن الثغر
ثم إن صاحب الترجمة رحل من مكة إلى مصر، وترك القضاء لمرض ألم بعينيه، وأخذ في علاجه بمصر، ولم يبرأ منه، وبقي إلى أن مات سنة ثمان أو تسع وأربعين وتسعمائة.
حرف الواو من الطبقة الثانية
ولي بن محمد القسطنطيني
ولي بن محمد، الفاضل العلامة ولي جلبي بن محمد جلبي القسطنطيني. قال شيخ الإسلام الوالد: لقيني بأزنكية يعني في رحلته إلى الروم، سمع مني جانباً من تفسير البيضاوي مع حل معناه له، وأفادته إياه، وقرأ علي في كتاب حديث يقال: إنه مختصر المصابيع لرجل رومي، وسمع شيئاً من شعري وأجزته.
ولي بن الحسين الشروانيولي بن الحسين، السيد الشريف، الحسني، العجمي الشرواني، الشافعي، المعروف بوالده. حج من بلاده، وعاد فدخل دمشق وحلب في طريقه في سنة تسع - بتقديم التاء - وعشرين وتسعمائة، وقرأ بحلب صحيح البخاري على برهان العمادي تماماً، وقرأ عليه بها جماعة منهم ابن الحنبلي: قال: قرأت عليه في متن الجغميني في الهيئة، وانتفعت به وهو أول اشتغالي في هذا الفن، ثم رحل إلى بلاده، وحدث بها واشتهر بالمحدث، وكان يعرف البيان والكلام في المطول، وحاشية التجريد على صدر شروان مولانا شمس الدين البراذعي، وتوفي ببلاده في سنة خمس أو ست وخمسين تسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حرف الياء المثناة تحت من الطبقة الثانية
يحيى بن محمد بن مزلق
يحيى بن محمد، القاضي شرف الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين بن المزلق، الدمشقي، الشافعي والد الشيخ بدر الدين المتقدم ذكره في حرف الحاء المهملة. توفي يوم الخميس ثالث عشري رمضان سنة خمسين وتسعمائة، ودفن في تربتهم عند مسجد الذبان، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
يحيى بن الكيال

يحيى بن إبراهيم بن قاسم، الشيخ الإمام، المحدث محيي الدين بن الكيال. سمع على والده في مسند الإمام أحمد، وباشر في الجامع الأموي، وكان له فيه قراءة حديث، وكان عنده حشمة، وذكره شيخ الإسلام والدي في تلاميذه. وقال: حضر بعض دروسي، وسمع علي جانباً كبيراً من البخاري نحو الثلث بقراءة الشيخ برهان الدين البقاعي، وأجزته. توفي الاثنين سلخ ذي القعدة سنة سبع وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يحيى الخجندييحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدين الخجندي المدني. قاضي الحنفية بالمدينة الشريفة، وإمامهم بها بالمحراب الشريف النبوي. كان عالماً عاملاً فاضلاً، عالي الإسناد، معمراً، ولي القضاء بغير سعي، ثم عزل عنه، فلم يطلبه، ثم عزل عن الإمامة، وكان معه ريعها، فصبر على لأواء المدينة مع كثرة أولاده وعياله، ثم توجه إلى القاهرة، فعظمه كافلها وعلماؤها، وأخرج له من جواليها شيئاً، وعرض له بحيث يستغني به عن القضاء، فقدم حلب، واجتمع بشيخ الإسلام الوالد وغيره، وكان اجتمع به حين حج بالمدينة سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، ثم قدم حلب في هذه المدة والسلطان سليمان بها سنة إحدى وستين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: كنت صحبته بالمدينة عابراً من الحج سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وتبركت به، وأخبرني يومئذ أن جده الشيخ جلال الدين الخجندي الحنفي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. فقال له: أقم في المدينة فإنك تصلي علينا صلاة ما سمعنا أحداً يصليها علينا غيرك. أو كما قال فقال له الشيخ: ما هي. فقال: اللهم صل على سيدنا محمد صلاة أنت لها أهل، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد صلاة هو لها أهل.
يحيى بن علي الجعفرييحيى بن علي قال شيخ الإسلام: والدي يحيى بن حسن ، وهو سبط الشريف زين الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الجعفري، الحنفي، الشيخ الفاضل العالم العامل أبو زكريا ابن قجا، المعروف بالخازندار الحلبي إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب، اجتمع بالشيخ الوالد في رحلته إلى الروم، وذكره الشيخ في المطالع البدرية. فقال بعد أن أحسن في ترجمته: سلم علينا بالجامع، وتودد وأسرع إلى تقبيل يدي وما تردد، فأجللت عن ذلك مقامه، وضاعفت حسن تلقيه وإكرامه انتهى.
قال ابن الحنبلي: وكان ديناً، خيراً، قليل الكلام، كثير السكينة. أخذ الحديث رواية عن الزين بن الشماع، وعن التقي بن أبي بكر الحيشي. قال: وكانجده قجا فيما سمعت من مسلمي التتار الأحرار الذين لم يمسهم الرق، وكان خازندار عند يشبك اليوسفي الجركسي كافل حلب. قيل: وكان من خير جده هذا أنه فرق ذات يوم أشياء من الصدقات على الفقراء، فدخلت عليه امرأة، فدفع لها شيئاً، وطلب منها أن تدعو له بالحج، والموت بأرض الحجاز، ففعلت وكان دعاؤها مقبولاً، فحج ومات بمكة، ودفن عند قبر خديجة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها - وتوفي صاحب الترجمة في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
يحيى بن أبي جرادةيحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد الشيخ شرف الدين العقيلي، الحلبي، الحنفي، المعروف بابن أبي جرادة. نسبة إلى أبي جرادة حامل لواء أمير المؤمنين علي - رضي الله تعالى عنه - يوم النهروان، وكان اسم أبي جرادة عامراً، وكان الشيخ شرف الدين حسن الشكل، نير الشيبة، كثير الرفاهية، ولي نظارة الشاذبختية والمقدمية وغيرها بحلب. مولده سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، ووفاته سنة أربع وخمسين وتسعمائة.
يحيى بن موسى الأردبيلييحيى بن موسى بن أحمد، الشيخ شرف الدين الأريحاوي، الحلبي المولد، الأردبيلي الخرقة، الشهير بابن الشيخ موسى. خالط الصوفية كالشيخ علوان، والكيزواني، والشيخ محمد الخراساني العجمي، ونال الحظوة عند أكابر الناس، وأمرائهم حتى تردد إلى منزله بعض قضاة حلب، ونوابهم في الدولة العثمانية، وصار له مريدون يترددن إليه بزاويته المجاورة لدار سكنه داخل باب قنسرين، وخلف خلقاً بالقرى، وكان قد طالع شيئاً من كتب الفقه، وكلام القوم، وداوم هو ومريدوه على الأوراد، وجعل من جملة أوراده أبيات السهيلي التي أولها:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
وسافر إلى الروم في رفع بعض المظالم: وعرض عليه بعض أركان الدولة شيئاً من المال فلم يقبله، وكانت وفاته سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة.

يحيى بن يوسف التادفي الحنبلي
يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن قاضي القضاة نظام الدين أبو المكارم الحلبي التادفي الحنبلي القادري سبط الأثير بن الشحنة، وهو عم ابن الحنبلي شقيق والده. مولده في سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وتفقه على أبيه، وبعض المصريين، وأجاز له باستدعاء مع أبيه وأخيه جماعة من المصريين منهم المحب أبو الفضل بن الشحنة، والسري عبد البر بن الشحنة الحنفيان، والقاضي زكريا، والبرهان القلقشندي، والقطب الخيضري، والحافظ الديمي، والجمال يوسف بن شاهين الشافعيون وغيرهم، وقرأ بمصر على المحب بن الشحنة، والجمال بن شاهين سبط بن حجر جميع مجلس البطاقة سنة سبع وثمانين، وسمع على الأول بقراءة أبيه ثلاثيات البخاري، وعلى الثاني ثلاثيات الدارمي، ثم لما عاد والده إلى حلب متولياً قضاء الحنابلة ناب عنه فيه، وسنه دون العشرين، فلما توفي والده أوائل سنة تسعمائة اشتغل بالقضاء بعده، وبقي في الوظيفة إلى أن انصرمت دولة الجراكسة، وكان آخر قاض حنبلي بها بحلب، ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق، وبقي بها مدة، ثم استوطن مصر، وولي بها نيابة قضاء الحنابلة بالصالحية النجمية وغيرها، وحج منها وجاور، ثم عاد إلى حكمه، وكان لطيف المعاشرة، حسن الملتقى، حلو العبارة، جميل المذاكرة، يتلو القرآن العظيم بصوت حسن، ونغمة طيبة، توفي بمصر سنة تسع - بتقديم التاء - وخمسين وتسعمائة.
يحيى المصرييحيى السيد الشريف محيي الدين المصري. موقع نائب الشام جان بردي الغزالي، وناظر الجامع الأموي بدمشق. ذهب إلى الروم، فأنعم عليه السلطان ابن عثمان بوظائف نحو خمسين عثمانياً، وتوفي بأدرنة. وهو راجع من الروم في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
يحيى الرهاوييحيى، الشيخ العلامة شرف الدين الرهاوي، المصري الحنفي. كان نازلاً بدمشق، وسافر مع الشيخ حسن الضيروطي إلى مصر سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، ولا أدري متى توفي.
يحيي محيي الدينيحيى، الشيخ الصالح محيي الدين الذاكر بجامع ابن طولون بمصر، وهو أحد أصحاب الشيخ تاج الدين الذاكر، أذن لهم الشيخ في افتتاح الذكر. كان معتزلاً عن الناس، ذاكراً، خاشعاً، عابداً، صائماً، أقبل عليه الأمراء، وأكابر الدولة إقبالاً عظيماً، ونزل نائب مصر لزيارته مرات، ثم تظاهر بمحبة الدنيا فيها طلباً للستر، حتى أعتقد فيه غالب أهل الدنيا أنه يحب الدنيا مثلهم. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: قال لي مرات: ما بقي الآن لظهور الفقراء فائدة بأحوال القوم. قال: وقد عوض الله تعالى بدل ذلك مجالسته في حال تلاوتي كلامه، ومجالسة نبيه صلى الله عليه وسلم في حال قرائتي لحديثه، فلا تكاد تراه إلا وهو يقرأ القرآن والحديث. قال: وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لي - يعني في المنام - أن يربي المريدين، ويلقن الذكر. مات في سنة ستين وتسعمائة.
يوسف بن محمد الزرعييوسف بن محمد بن علي، القاضي جمال الدين بن طولون الزرعي، الدمشقي، الصالحي، الحنفي ترجمه ابن أخيه الشيخ شمس الدين بالفضل والعلم، ونقل في وقائع سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة من تاريخه عن الشيخ تقي الدين القارىء أن مفتي الروم عبد الكريم أثنى على عمه المذكور ثناء جميلاً، وأنه لم ير في هذه المملكة أمثل منه في مذهب الإمام أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وذلك حين اجتمع القارىء بالمفتي المذكور بمكة، وكان القاضي جمال الدين بن طولون مجاوراً بها إذ ذاك، وقال النعيمي: إن ميلاده تقريباً سنة ستين وثمانمائة، وفوض إليه نيابة القضاء قاضي القضاة الحنفية تاج الدين بن عرب شاه في يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وثمانمائة وانتهى.
وذكر ابن طولون أن عمه توفي ليلة الأحد رابع محرم سنة سبع وثلاثين وتسعمائة بعلة الإسهال، ولم يوص، ودفن بتربته بالصالحية.
يوسف بن محمد السعدييوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد، الشيخ جمال الدين الأنصاري، السعدي، العبادي، الحلبي، الحنفي، كان فرضياً حيسوباً فقيها، ولي نيابة القضاء في الدولتين، وتوفي فقيراً بأنطاكية سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
يوسف بن إبراهيم الحلبي

يوسف بن إبراهيم العرجلي الأصل، الحلبي الشافعي إمام الشرقية بالجامع الكبير بحلب كان متمولاً من أهل الخير، وكان يعمر الطرقات وغيرها بمال كثير من ماله. توفي في سنة إحدى وستين وتسعمائة.
يوسف بن عبد الله الأرميونييوسف بن عبد الله الشيخ الإمام العلامة السيد الشريف جمال الدين الحسيني، الأرميوني، الشافعي تلميذ الشيخ جلال الدين السيوطي وغيره ممن أخذ عنه العلامة منلا على السهروردي نزيل دمشق، وقرأت بخط صاحب الترجمة إجازة لبعض تلاميذه، وهو عبد السلام بن ناصر الدمياطي، الشافعي مؤرخة في سابع عشري شعبان سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
يوسف بن علي الرومييوسف بن علي، المولى بن سنان الدين بن المولى علاء الدين اليكاني، الرومي، الحنفي أحد موالي الروم. قرأ على والده، وعلى غيره، وترقى في التدريس حتى درس في إحدى الثماني، وتقاعد عنه بتسعين عثمانياً، وبقي على ذلك إلى أن مات، وكان مشتغلاً بالعلم يحب الصوفية، وله كرم ولطف، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وله حواش على شرح المواقف للسيد، ورسائل كثيرة. توفي في سنة خمس وأربعين وتسعمائة.
يوسف بن يحيى الجركسييوسف بن يحيى، الشيخ الفاضل جمال الدين ابن الأمير محيي الدين ابن الأمير أزبك الجركسي، الحنفي. قرأ شرحي الشيخ خالد على الجرومية، والقواعد على ابن طولون، ثم أخذ في حل الألفية عليه، وكتب له إجازة، وشرع في حل الكنز في الفقه على الشيخ قطب الدين بن سلطان، ثم عرض له السفر إلى مصر لأجل استحقاقه في وقف جده، فتوفي بمصر غريقاً في سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمائة، ودفن في تربة جده المنسوبة إليه الأزبكية خارج مصر.
يوسف بن المنقاريوسف بن يونس بن يوسف القاضي جمال الدين بن المنقار الحلبي الأصل، الدمشقي، الصالحي. قطن الصالحية، وولي قضاء صفد، ثم خاربوط، ولم يذهب إليها، وولي نظر الماردانية، والعزية بالشرف الأعلى، وأثبت أنه من ذرية واقفيها، ثم لما توفي نازع ولديه في المعزية يحيى بن كريم الدين، وأثبت أنه من ذرية واقفها، قال ابن طولون: وقد ذكر الطرسوسي في أنفع الوسائل أن ذرية هذا الواقف انقرضت، وولي المذكور نظر البيمارستان القيمري وغيره، ثم أثبت أنه منسوب إلى الخلفاء العباسيين، ومدحه الشيخ أبو الفتح المالكي، وتعرض لذلك في أبياته، وأصله بيت قاضي القضاة ابن الكشك، وتوفي سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة.
يوسف القراصوي أحد موالي الروميوسف المولى حسام الدين القراصوي أحد موالي الروم. قرأ على علماء عصره، ثم خدم المولى عبد الكريم ابن المولى علاء الدين الغزي، ثم درس ببعض المدارس، ثم بمدرسة أسكوب، ثم بمدرسة بايزيد خان بطرابزون، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بأدرنة، ثم صار قاضياً بالقسطنطينية، ثم أعيد إلى إحدى الثماني ثانياً، وعين له مائة عثماني، واستمر إلى أن مات، وكان سخي النفس، حليماً، طارحاً للتكلف، منصفاً من نفسه - توفي - رحمه الله - في سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
يونس بن يوسف رئيس الأطباءيونس بن يوسف، الشيخ الفاضل الطبيب رئيس الأطباء بدمشق، وهو والد الشيخ شرف الدين الخطيب. قال والد شيخنا: كان فطناً. انتهت إليه رئاسة الطب بدمشق، وكان يرجع إليه في معالجة المرضى بدار الشفاء، وأقبلت عليه الدنيا وممن أخذ عنه الطب ولده الشيخ شرف الدين والشيخ محمد الحجازي توفي في نهار الاثنين رابع عشر شعبان أو خامس عشره سنة ست وستين وتسعمائة.
/الطبقة الثالثة من الكواكب السائرة، في مناقب أعيان المائة العاشرة، فيمن وقعت وفاتهم من الأحقاء بالوصف من أول سنة سبع وستين إلى تمام سنة ألف
المحمدون

محمد بدر الدين الغزيري

محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بدر بن عثمان بن جابر الشيخ الإمام، العالم العلامة، المحقق المدقق الهمام، شيخ الإسلام، والمسلمين، حجة الله على المتأخرين، المجمع على جلالته، وتقدمه، وفضله، الذي سبق من بعده، ولم يفته من تقدم من قبله، روح هذه الطبقة، وعين هذه الحلبة، بل البارع في الطبقة الأولى، والسابق في الثانية، شيخ أهل السنة، وإمام الفرقة الناجية، الجامع بين الشريعة والحقيقة، والقامع لمن حاد عن جادة الطريقة، الحائز قصبات السبق في تحقيق العلوم الشرعية، وتدقيق الفنون العقلية، والنقلية، الفقيه المفسر المحدث النحوي المقرىء الأصولي النظار، القانع الخاشع الأواه، ولي الله العارف بالله، الداعي إلى الله، أبو البركات بدر ابن القاضي، رضي الدين الغزي، العامري، القرشي، الشافعي والدي - رضي الله تعالى عنه وأعاد علينا، وعلى المسلمين من بركاته، وجمع بيننا، وبينه في مقعد الصدق، ودرجاته. كان ميلاده في وقت العشاء ليلة الإثنين رابع عشر ذي القعدة الحرام سنة أربع وتسعمائة. وحمله والده إلى الشيخ العارف بالله تعالى القطب الكبير سيدي الشيخ أبي الفتح محمد بن محمد بن علي الإسكندري، ثم المزي العوفي، الشافعي، الصوفي فألبسه خرقة التصوف، ولقنه الذكر، وأجاز له بكل ما يجوز له، وعنه روايته، وهو دون السنتين، وأحسن والده تربيته، وهو أول من فتق لسانه بذكر الله تعالى، ثم قرأ القرآن العظيم على المشايخ الكمل الصالحين، الفضلاء النبلاء البارعين، الشموس محمد البغدادي ومحمد بن السبكي، ومحمد النشائي، ومحمد اليماني والشيخ سمعة القاري وجود عليه القرآن العظيم ، وعلى الشيخ العلامة بدر الدين علي بن محمد السنهودي بروايات العشرة، وعلى الشيخ نور الدين علي الأشموني المقرىء، والشيخ شمس الدين محمد الدهشوري بحق أخذ هؤلاء الثلاثة عن العلامة ابن الجزري، ثم لزم في الفقه، والعربية، والمنطق، والده الشيخ العلامة رضي الدين، وقرأ في الفقه على شيخ الإسلام تقي الدين أبي بكر ابن قاضي عجلون وكان معجباً به يلقبه شيخ الإسلام، وأكثر انتقاعه بعد والده عليه، وسمع عليه في الحديث، ثم أخذ الحديث، والتصوف على الشيخ العارف بالله تعالى بدر الدين حسن ابن الشويخ المقدسي. ثم رحل مع والده إلى القاهرة، فأخذ عن شيخ الإسلام بها القاضي زكريا. وأكثر انتفاعه في مصر به والبرهان بن أبي شريف، والبرهان القلقشندي والقسطلاني صاحب المواهب اللدنية، وغيرهم، وبقي في الاشتغال بمصر مع والده نحو خمس سنوات، واستجاز له والده قبل ذلك من الحافظ جلال الدين الأسيوطي، وبرع، ودرس وأفتى، وألف وشيوخه أحياء فقرت أعينهم به وجمعه والده بجماعة من أولياء مصر وغيرها، والتمس له منهم الدعاء كالشيخ عبد القادر الدشطوطي، وسيدي محمد المنير الخانكي، وأخبرني الشيخ أحمد ابن الشيخ سليمان الصوفي القادري، وهو ممن أخذ عن الشيخ الوالد أن والده الشيخ رضي الدين، اجتمع بالقطب في بيت المقدس فسأله عن والده الشيخ بدر الدين، وهو صغير فقال له: عالم، ثم سأله عنهم مرة أخرى فقال له: عالم، ثم سأله عنه في المرة الثالثة فقال له: عالم ولي. قال الشيخ رضي الدين: فاطمأن قلبي عليه حين قال لي عالم ولي ثم لما رجع مع والده من القاهرة إلى دمشق، ودخلها في رجب سنة إحدى وعشرين وتسعمائة بعد ما برع بمصر ودرس، وألف ونظم الشعر كان أول شعر نظمه وهو ابن ست عشرة سنة قوله:
يارب يارحمان يا الله ... يامنقذ المسكين من بلواه
أمنن علي وجد بما ترضاه ... بجزيل فضل منك يا الله

تصدر بعد عوده من القاهرة للتدريس، والإفادة، واجتمعت عليه الطلبة، وهو ابن سبع عشرة سنة، واستمر على ذلك إلى الممات مشتغلاً في العلم تدريساً، وتصنيفاً، وإفناء ليلاً ونهاراً، مع الاشتغال بالعبادة، وقيام الليل، وملازمة الأوراد وتولى الوظائف الدينية كمشيخة القراء بالجامع الأموي، وإمامة المقصورة، ودرس بالعادلية، ثم بالفارسية، ثم الشامية البرانية، ثم المقدمية، ثم التقوية، ثم جمع له بينها، وبين الشامية الجوانية، ومات عنهما، وانتفع به الناس طبقةً بعد طبقة، ورحلوا إليه من الآفاق، ولزم العزلة عن الناس في أواسط عمره لا يأتي قاضياً، ولا حاكماً، ولا كبيراً، بل هم يقصدون منزله الكريم للعلم، والتبرك، وطلب الدعاء، إذا قصده قاضي قضاة البلدة، أو نائبها لا يجتمع به إلا بعد الاستئذان عليه والمراجعة في الإذن، وقصده نائب الشام مصطفى باشا فلم يجتمع به إلا بعد مرات، فلما دخل عليه قبل يده، والتمس منه الدعاء فقال له: ألهمك الله العدل، ولم يزده على ذلك فكرر طلب الدعاء، فلم يزده على قوله: ألهمك الله العدل، وكانت هذه دعوته لكل من قصده من الحكام. واستأذن عليه درويش باشا نائب الشام فلم يأذن له إلا في المرة الثالثة فقبل يده ورجله، وأشار إليه الشيخ أن يجلس معه على فراشه فأبى درويش باشا وجلس بين يديه، وطلب منه الدعاء فقال له: ألهمك الله العمل، وأوصاه بالرعية وقال له: الباشا يا سيدي ماذا تسمعون عني. فقال الظلم بلغني أن صوباشيك ضرب إنساناً في تعزير حتى مات، وضرب آخر فبالغ في ضربه فاستغاث بالله، واستجار برسوله صلى الله عليه وسلم فلم يخل عنه فقال له بحياة رأس درويش باشا فخلى عنه وهذا يدل على كفر كامن في قلبه، وعتو وتجبر، فأمر درويش باشا برفع صوباشيه في الحال وغضب عليه وجاء بعد ذلك الصوباشي إلى الشيخ فزجره، وطرده، وكان الشيخ، لا يأخذ على الفتوي شيئاً بل سد باب الهدية مطلقاً خشية أن يهدي إليه من يطلب منه إفادة، أو فتوى شفاعة، فلم يقبل هدية إلا من أخصائه، وأقربائه، وكان يكافىء على الهديه أضعافاً، وكان يعطي الطلبة كثيراً، ويكسوهم، ويجري على بعضهم، وإذا ختم كتاباً تدريساً، أو تصنيفاً، أولم وجعل ختماً حافلاً، ودعا أكابر الناس إليه، وفقراءهم، ثم أضافهم، وساوى في ضيافته بين الفقراء، والأمراء، وأحسن إلى الطلبة، وكان يحب الصوفية، ويكرمهم، وإذا سمع شيئاً مما ينكره الشرع بعث إليهم، ونصحهم، ودعاهم إلى الله تعالى، وكانوا يمتثلون أمره ويقتدون به، وكان إذا ورد إلى دمشق طالب علم أو فقير سأل الشيخ عنه، واستدعاه وأكرمه وأحسن إليه، وإن كان من أرباب الأحوال، ومظنات البركة سأله الدعاء له ولأولاده، وكان يضاعف نفقته في رمضان، ويدعو إلى سماطه كل ليلة منه جماعة من أهل العلم. وأهل الصلاح، والفقراء، ويجلس معهم على السماط، وأما طلبته الذين حملوا عنه العلم، فقد جمعهم في فهرست، ثم لم يجمع إلا خيرة منهم، فذكرت منهم جماعة في الكتاب الذي أفردته لترجمته ممن ذكرهم في فهرسته، وممن لم يذكرهم، وهم كثيرون، وممن أخذ عنهم الحديث وغيره من قضاة دمشق، وغيرهم من الموالي قاضي القضاة محمد أفندي المعروف بجوي زاده، وقاضي القضاة محمد أفندي بن بستان، وكل منهم صار مفتياً بالتخت السلطاني العثماني والمفتيان بدمشق ابن العبد، وفوزي أفندي في جماعة آخرين، وهؤلاء كانوا يفتخرون بالشيخ، وأخذهم عنه، وأما من أخذ عنه من أجلاء مصر، والشام فكثيرون تضمن أكثرهم الكتاب المذكور، وأما تصانيف الشيخ في سائر العلوم فبلغت مائة وبضعة عشر مصنفاً ذكرتها في الكتاب المذكور، ومن أشهرها، التفاسير الثلاثة المنثور، والمنظومان، وأشهرها، المنظوم الكبير، في مائة ألف بيت، وثمانين ألف بيت وحاشيتان على شرح المنهاج للمحلي وشرحان على المنهاج كبير وصغير، ساير فيه المحلي، وزاد فيه أكثر من الثلث مع الإشارة فيه إلى نكت الحاشية، وهو في حجم المحلي أو دونه، وكتاب " فتح المغلق في تصحيح ما في الروضة من الخلاف المطلق " ، وكتاب " التنقيب، على ابن النقيب " ، وكتاب " البرهان الناهض، في نية استباحة الوطء للحائض " وشرح " خاتمة البهجة " وكتاب " الدر النضيد، في أدب المفيد والمستفيد، ودروس على طائفة من شرح الوجيز للرافعي والروضة و التذكرة الفقهية وشرحان على الرحبية وتفسير آية الكرسي

وثلاثة شروح على الإلفية، في النحو منظومان، ومنثور، وكتاب شرح الصدور، بشرح الشذور وشرح على التوضيح لابن هشام، وشرح شواهد التلخيص في المعاني، والبيان، لخص فيه شرح السيد عبد الرحم العباسي، واللمحة، في اختصار الملحة و نظم الجرومية، وهو أول تأليفه و شرح الملحة مختصر وكتاب أسباب النجاح، في آداب النكاح ، وكتاب فصل الخطاب، في وصل الأحباب، ومنظومة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ومنظومة في خصائص يوم الجمعة، وشرحها، ومنظومة في موافقات سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه للقرآن العظيم وشرحها، والعقد الجامع، في شرح الددر اللوامع نظم جمع الجوامع في الأصول لوالده وغير ذلك، وشعره في غاية الحسن، والقوة، وأكثره في الفوائد العلمية ومنه:ثة شروح على الإلفية، في النحو منظومان، ومنثور، وكتاب شرح الصدور، بشرح الشذور وشرح على التوضيح لابن هشام، وشرح شواهد التلخيص في المعاني، والبيان، لخص فيه شرح السيد عبد الرحم العباسي، واللمحة، في اختصار الملحة و نظم الجرومية، وهو أول تأليفه و شرح الملحة مختصر وكتاب أسباب النجاح، في آداب النكاح ، وكتاب فصل الخطاب، في وصل الأحباب، ومنظومة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ومنظومة في خصائص يوم الجمعة، وشرحها، ومنظومة في موافقات سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه للقرآن العظيم وشرحها، والعقد الجامع، في شرح الددر اللوامع نظم جمع الجوامع في الأصول لوالده وغير ذلك، وشعره في غاية الحسن، والقوة، وأكثره في الفوائد العلمية ومنه:
إله العالمين رضاك عني ... وتوفيقي لما ترضى مناي
فحرماني عطائي إن ترده ... وفقري أن رضيت به غناي
وقال:
بالحظ والجاه لا بفضل ... في دهرنا المال يستفاد
كم من جواد بلا حمار ... وكم حمار له جواد
وقال مقتبساً:
من رام أن يبلغ أقضى المنى ... في الحشر مع تقصيره في القرب
فليخلص الحب لمولى الورى ... والمصطفى فالمرء مع من أحب
وللحافط العلامة جلال الدين السيوطي أحد شيوخ الوالد بالإجازة:
أليس عجيباً أن شخصاً مسافراً ... إلى غير عصيان تباح له الرخص
إذا ما توضا للصلاة أعادها ... وليس معيد للذي بالتراب خص
فأجاب عنه شيخ الإسلام بقوله:
جوابك ذا ناس جنابته لما ... توضأ فيه طهره عنه قد نقص
وما جاء فيه بالتيمم سائغ ... ومن حكمة الأجزاء فيه عليه نص
وقال رضي الله تعالى عنه:
لو أبصروني راعياً وجه من ... أهوى ودمعي جارياً سيلا
لشاهدوا المجنون إبن عامر ... يرعى صباحاً راجياً ليلى
وقال مداعباً لشخص يقال له: يحيى الطويل، وكان في دمشق آخر يقال له: يحيى القصير:
رأيت القصير أشر الورى ... وليس له في الأذى من مثيل
فلو كنت خيرت لاخترت أن ... يموت القصير ويحيي الطويل
وقال ضابطاً لنزول الشمس في برج الحمل في سنة ثمان وسبعين وتسعمائة في لفظ حمل وهو اتفاق لطيف:
رابع عشر شهر شوال الحمل ... إليه نقل الشمس في عام حمل
قلت ولنا اتفاق غريب هو أننا لما حججنا في سنة إحدى وألف، وهي أول حجة حججتها كنا نترجى أن تكون عرفة يوم الاثنين فرأينا هلال ذي الحجة الحرام ليلة السبت، وكان وقوفنا بعرفة يوم الأحد، وهو خلاف ما كان الناس يتوقعونه، فقلت لبعض إخواننا من أهل مكة، وغيرهم ظهر لي اتفاق غريب، وهو أن الله تعالى قدر الوقوف في يوم الأحد في هذا العام لأنه عام أحد بعد الألف فاستحسنوا ذلك، وقلت مقيداً لهذا:
لقد حججنا عام ألف واحد ... وكانت الوقفة في يوم الأحد
اليوم والعام توافقا معاً ... فجل مولانا المهيمن الأحد
وقال شيخ الأزارقة عمران بن حطان قبحه الله تعالى في قاتل علي رضي الله تعالى عنه وقبح الله تعالى قاتله، وهو عبد الرحمن بن ملجم أشقى الآخرين كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوماً فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا

لله در المرادي الذي سفكت ... كفاه مهجه شر الخلق إنسانا
أمسى عشية غشاه بضربته، ... مما جناه من الآثام عريانا
وقد عرض هذه الأبيات الخبيثة جماعة من العلماء، وقال شيخ الإسلام، وإمام أهل السنة والدي، وهو أحسن ما عورضت به:
يا ضربة من شقي ما استفاد بها ... إلا اقتحاماً بيوم الحشر نيرانا
إني لأذكره يوماً فأحسبه ... من أخسر الناس عند الله ميزانا
أمسى عشية غشاه بضربته ... مما عليه ذوو الإسلام عريانا
فلا عفا الله عنه ما تحمله، ... ولا سقى قبر عمران بن حطانا
وشعر شيخ الإسلام الوالد مدون في كتاب مستقل، وقد أتينا على جملة صالحة في الكتاب الموضوع لترجمته. فلا معنى للإكثار منه هنا إلا أنا ذكرنا منه هذه النبذة للتبرك، ولقد كان - رضي الله تعالى عنه - ممن جمع بين العلم، والعمل، والسيادة، والرئاسة، وحسن السمت، وحسن الخلق، والسخاء، والحياء؛ عاش ثمانين سنة، إلا أياماً قليلة ما عهدت له فيها صبوة، ولا حفظت عليه كبوة؛ بل كان فيها موفر الحرمة، موقر الكلمة مقبول الشفاعة عند القضاة والحكام، معظماً معتقداً عند الخواص، والعوام. إن نزلت بالناس نازلة فزعوا إليه في كشفها، أو عرضت لهم معضلة هرعوا إليه في حلها، ووصفها، وإذا خرجت من بابه رقاع الفتاوي بادر الناس إلى تناولها من السائل، وتقبيلها والتبرك بها. رحلت الناس إليه من الأقطار، ووجهت إليه الفتاوي من سائر الأمصار. من ناله منه دعوة صالحة تمسك بها إلى آخر دهره، ومن ظفر بشيء من آثاره تمسك به سائر عمره. فما تعلق بشيء مما يشينه في عرضه، ولا في دينه ، ولا تمسك في طلب رزقه بأمر يختلج به خالج في يقينه ، بل كانت له الدنيا خادمة، وإليه ساعية، من غير تجارة ولا سعي ولا تعرض لداعية. أخلاقه مرضية، وهمته علية، وعيشته هنية، مات ولم يقف على باب طالب لدين، ولا مطالب بعين، مع ما يسره الله تعالى من الرفاهية والنعمة، وهو مع ذلك مكب على العلم مشتغل بالعبادة صياماً، وقياماً، وذكراً، وتلاوةً وكان مواظباً على الأوراد ملازماً للطهارة، مختلياً عن الناس، مقبلاً على الله تعالى، وإذا بلغه منكر بعث إلى الحكام في إزالته، وأنكره بقدر طاقته، يصدع بالحق، ولا يخاف في الله لومة لائم، ولا يحابي، ولا يداهن في فتاويه، ولا في غيرها، وبالجملة فكان عين ذلك الوقت وإنسان ذلك الزمان:
حلف الزمان ليأتين بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفر
تمرض أياماً، وكان ابتداء مرضه في ثاني شوال سنة أربع وثمانين وتسعمائة، واستمر مريضاً إلى يوم الأربعاء سادس عشري شوال المذكور، فتوفي إلى رحمة الله تعالى عقب آذان العصر، وهو يسمع الآذان جالساً، وصلى عليه الجمع الغفير من الغد يوم الخميس بعد صلاة الظهر في الجامع الأموي، وتقدم للصلاة عليه شيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين العيثاوي، مفتي السادة الشافعية، بدمشق فسح الله تعالى في مدته، ودفن بتربة الشيخ أرسلان خارج باب توما من أبواب دمشق، وكانت جنازته حافلة جداً بحيث اتفق الشيوخ الطاعنون في السن، وغيرهم أنهم لم يشهدوا بدمشق مثلها إلا جنازة الأخ الشيخ شهاب الدين، فإنها تقرب منها مع القطع بأن جنازة أبيه أعظم بحيث أن المقبرة امتلأت من الناس، والطريق من الجامع إليها مع طوله، والجنازة لم تخرج بعد من الجامع، وقد خيمت بالجنازة وأظلتها طائفة من الطير خضر كان الناس يقولون إنها الملائكة، ولما وصلت الجنازة على الرؤوس إلى المقبرة أظلتهم سحابة لطيفة، وأمطرتهم مطراً مباركاً أرسله الله تعالى، وكان ذلك سبباً لزيادة عويل الناس، وضجيجهم، وتزاحم الأكابر على حمل الجنازة، ورثاه الشيخ العلامة شمس الدين الصالحي بقصيدة جليلة ذكرتها في الكتاب الذي أفردته لترجمته، وقال ماماي الشاعر مؤرخاً لوفاته:
أبكى الجوامع والمساجد فقد من ... قد كان معارف التمكين
وكذا المدارس أظلمت لما أتى ... تاريخه بخفاء بدر الدين
محمد بن الحصكفي

محمد بن محمد بن محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة ابن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين ابن أبي اللطف الحصكفي، الأصل المقدسي، الشافعي عالم بلاد القدس الشريف، وابن عالمها، وأحد الخطباء بالمسجد الأقصى، كان - رحمه الله تعالى - كأبيه، وجده علامة فهامة، جليل القدر، رفيع المحل، شامل البر للخاصة، والعامة، كثير السخاء، وافر الحرمة، ديناً صالحاً ماهراً في الفقه، وغيره تفقه على والده ورحل إلى مصر وأخذ عن علمائها كشيخ الإسلام زكريا، والشيخ الإمام نور الدين المحلي، ودخل دمشق بعد موت عمه الشيخ أبي الفضل المتقدم ذكره في الطبقة الثانية. في سنة سبع أربع وثلاثين لاستيفاء ميراثه، وذكر ابن طولون في تاريخه أنه خطب بالجامع الأموي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة، وشكر على خطبته توفي رحمه الله تعالى في بيت المقدس في شهر رجب الحرام سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة في الجامع الأموي، وغيره من جوامع دمشق يوم الجمعة رابع شعبان من السنة المذكورة وتأسف الناس عليه، وهو والد الأئمة العلماء المشايخ أبي بكر، وعمر المترجمين في هذه الطبقة.
207 - ا - محمد بن محمد بن أبي اللطف : محمد بن محمد بن محمد، ابن الشيخ الإمام العلامة، الفاضل البارع الفهامة، شمس الدين ابن أبي اللطف المتقدم والده قبله. مولده في سنة أربعين أو إحدى وأربعين وتسعمائة، وبرع وهو شاب، وفضل، وتقدم على من هو أسن منه حتى على أخويه، وصار مفتي القدس الشريف على مذهب الإمام الشافعي، وكان له يد طولى في العربية، والمعقولات، وله شعر منه قوله مقيداً لأسماء النوم بالنهار، وما في كل نوع منها:
النوم بعد صلاة الصبح غيلوله ... فقر وعند الضحى فالنوم فيلوله
وهو الفتور وقيل: الميل قيل له: ... إذ زاد في العقل أي بالقاف قيلوله
والنوم بعد زوال بين فاعله ... وبين فرض صلاة كان حيلوله
وبعد عصر هلاكاً مورثاً وكذا ... كقلة العقل بالإهمال عيلوله
وحكي أنه اجتمع في الخليل عليه الصلاة والسلام المشايخ الثلاثة الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ أبو مسلم محمد الصمادي، والأستاذ العارف بالله تعالى سيدي محمد البكري، وصاحب الترجمة العلامة محمد بن أبي اللطف، فعمل الصمادي، وقتاً فقام الشيخ محمد بن أبي اللطف، وتواجد وأخذته حاله فاحتضنه الصمادي، فأفاق، فلما انتهى الوقت تصافح المشايخ، فقال ابن أبي اللطف البكري: يا مولانا مولانا الشيخ محمد الصمادي في غاية ما يكون إلا أنه بخيل فقال البكري: سبحان الله كيف يكون بخيلاً، وقد بلغني أن له سفرة ووراداً يردون عليه، فلا يخرج أحد منهم حتى يضيفه فقال: يا مولانا: ما أردت هذا أردت أنه بخيل بالحال قال: وكيف فقال: يا مولانا لما احتبك الذكر رأيت الخليل عليه الصلاة والسلام، وقد خرجت روحانيته من الضريح، ودخل في الحلقة فلما احتضنني الشيخ لم أره فقال له الشيخ البكري: لقد أصاب الشيخ خاف عليك أن تجنب فردك إلى الصحو توفي - رحمه الله تعالى - بالقدس الشريف في أواخر صفر سنة ثلاثة وتسعين - بتقديم الياء - وتسعمائة، وهي السنة التي توفي فيها الشيخ إسماعيل النابلسي فقيل: مات مفتي دمشق، ومفتي القدس في سنة واحدة.
محمد بن محمد الإعزازيمحمد بن محمد بن محمد القاضي، أبو الجود الإعزازي ناب في القضاء باعزاز مراراً، وبحلب مرة، وولي الخطابة بجامع إعزاز، وكتب بخطه لنفسه ولغيره من الكتب المبسوطة ما يكاد يخرج عن طوق البشر من ذلك خمس نسخ من القاموس وعدة من نسخ الأنوار، وعدة نسخ من شرح البهجة ، وشرح الروض ، وكتاب البخاري وشرحه لابن حجر في كتب أخرى لا تحصى كثرة، وكتب نحو خمسين مصحفاً كل ذلك مع اشتغاله بالقضاء، ووقف نسخة من البخاري على طلبة إعزاز قبل وفاته وتوفي في سنة ثمان وستين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.

محمد بن محمد أحد الموالي الرومية محمد بن محمد بن محمد أحد الموالي
الرومية وابن مفتيها المنلا أبي السعود، كان فاضلاً، بارعاً ترقى في المناصب حتى أعطي قضاء القضاة بدمشق سنة خمس وستين وتسعمائة، وأثنى عليه والد شيخنا. وقال كان سخياً ما دخل من الروم أسخى منه، وكان ودوداً مر بسوق الأساكفة غربي باب البريد، فوقفوا وشكوا إليه ما هم فيه من هم العوارض. فقال لهم علي جميع ما عليكم منها، فوزن العوارض عن الصفين الغربي والشرقي، ولم يسأل عن غنيهم ولا فقيرهم. قال والد شيخنا وأخبرني بمنزله بملأ من الناس أنه وزن خمسمائة دينار عن الفقراء في العوارض. قال وغيره أخبرني بأكثر من ذلك، وكانت صدقته في الطريق كثيرة. قال واجتمعت الخصال المحمودة فيه، ولم ينكر عليه سوى تناول اليسق يعني المحصول .
محمد بن محمد الرملي محمد بن محمد بن أبي الفضل، الشيخ جلال الدين الرملي الحنفي رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، وأحد الموقنين. كان يعرف الميقات والموسيقى وله جراءة كبقية بني الرملي، وكان يقتني الكتب، ويتاجر فيها. مات في سنة ألف.
محمد بن محمد القاضي محب الدينمحمد بن محمد بن أحمد بن يوسف بن أيوب القاضي محب الدين بن أيوب الشافعي. ناب في محكمة الباب بدمشق، ثم في الميدان، ثم في الكبري، ثم في قناة العوني، ثم في الصالحية، ومات وهو نائب بها رابع عشر ربيع الأول بعد العشاء سنة ثلاث وتسعين - بتقديم التاء - وتسعمائة، وحمل من الصالحية، ودفن تجاه المدرسة النحاسية شماليها بمقبرة الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد البهنسيمحمد بن محمد بن رجب، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام الفقيه العلامة، النبيه الفهامة، شمس الدين، وقيل: نجم الدين البهنسي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ أحد الرؤساء بدمشق، وخطيب خطبائها قرأت بخط الشيخ يحيى بن النعيمي أن ميلاده في صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن ابن فهد المكي، وغيره، وتفقه بالشيخ الإمام العلامة قطب الدين بن سلطان، وبه تخرج لأنه كان يكتب عنه على الفتوى لأن القطب كان ضريراً، ثم أفتى استقلالاً من سنة خمسين وتسعمائة، واشتغل في بقية العلوم على الشيخ أبي الفتح السبستري، والشيخ محمد الإيجي الصوفي نزيل الصالحية، وتخرج به أكثر من لقيناهم من الحنفية بدمشق منهم العلامة الشيخ عماد الدين المتوفي قبله، ورأس في دمشق بعد وفاة شيخ الإسلام الوالد، وكان إماماً بارعاً في الفقه مشاركاً في غيره، ولي خطابه الجامع الأموي بدمشق بعد خطيبه الشيخ أبي البقاء البقاعي بعد أن عرض في الخطابة للشيخ عبد الوهاب الحنفي إمام الجامع، فوجهت من الباب للبهنسي، واستناب في الخطابة شيخ الإسلام شهاب الدين الطيبي المقرىء مدة، ثم باشر الخطابة بنفسه ودرس في الجامع الأموي، والسيبائية، ثم بالمقدمية، ثم بالقصاعية، ومات عنها، وعلوفته في التدرس بها ثمانون عثمانياً؛ ولم يبلغ هذا المقدار في علوفة التدريس قبل شيخ الإسلام الوالد، وصاحب الترجمة أحد، ثم حدث بعد موتهما ترقية التدريس إلى مائة عثماني، وحج صاحب الترجمة مرتين مرة قبل سنه ست وستين وتسعمائة، ومرة في آخر عمره سنة خمس وثمانين وألف شرحاً على كتاب " منتهى

الإرادات " لم يكمله وكان رحمه الله تعالى حسن السمت ساكناً ساكتاً عما لا يعنيه خاشعاً، سريع الدمعة، لطيف الطباع، حسن المعاشرة وله مع ذلك شهامة، وكان طويل القامة، أبيض اللون، عليه عمامة كبيرة على عادة علماء ذلك العصر، ورأيته بعد موت والدي مرة، وأنا ابن ثماني سنوات داخل الجامع الأموي فتواجهت معه بين البئر، والحنفية فقال له بعض من معه: يا سيدي هذا ولد المرحوم شيخ الإسلام الشيخ بدر الدين الغزي فنظر إلي، وسألني عن اسمي فذكرت له، وسألني عما أقرأ فذكرت له فدعا لي، وترحم على والدي، وحدثني ولده الشيخ يحيى خطيب الجامع الأموي الآن نفع الله تعالى به أن والده كان له نخوة، وشهامة في أول أمره فدخل على شيخه الشيخ أبي الفتح السبستري، فقال له يا شيخ: أريد أن تذهب إلى السوق تشتري لي بهذه القطعة الفضية بطيختين، وتحملها بنفسك من السوق إلى خلوتي، وكان الشيخ أبو الفتح ساكناً بالخانقاه السميصاتية فذهب الشيخ محمد البهنسي، واشترى بطيختين كبيرتين، وأنف من حملهما، وأراد أن ينظر من يحملهما عنه فذكر كلام الشيخ، وخشي أن يكاشفه بما يفعله إذا حملهما لأحد، ولا يرضى بفعله فحملهما إلى منزل الشيخ أبي الفتح، وقد تصبب عرقاً، وانكد لمحل نظر الناس إليه فلما دخل على الشيخ قال له: عسى أن تصغر نفسك الآن قال: فمن حينئذ ذهبت عني الأنفة، والكبر وكان الشيخ البهنسي يجمع ما يتحصل له من الغلال في كل سنة، ويتربص به حتى يبيعه آخر السنة، ومثل ذلك لا يعد احتكاراً إذ الاحتكار شراء الطعام الذي تمس إليه حاجة العامة في زمن الغلاء ليبيعه بأغلى، وكان بعض حساد الشيخ ربما طعنوا عليه ذلك حتى وشي به إلى قاضي القضاة ابن المفتي، في بعض السنين فبعث إلى حاصل الشيخ البهنسي من فتحه، وباع ما فيه، ثم ارتفع السعر بعد ذلك وفات الشيخ منه جملة من المال فانكف البهنسي عن التردد إلى القاضي بسبب ذلك، ووقع بينهما فاتفق أن القاضي حصل له حمى شديدة، ومرض أياماً حتى أعياه المرض، فالتمس من الشيخ عمر الرائي، وكان يرى النبي صلى الله عليه وسلم، في منامه كثيراً أن يسأل من النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه في منامه أن يشفع إلى الله تعالى في شفائه، فرجع إليه الشيخ عمر الرائي وقال له: يا قاضي القضاة سألت لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قل له يلتمس الدعاء من الشيخ محمد البهنسي يحصل له الشفاء، ولم يعلم الشيخ عمر ما كان بينهما فبعث القاضي من تلطف بالشيخ البهنسي، وأتى به إليه فلما اجتمعا تعانقا، وتباكيا، ودعا الشيخ البهنسي له بالشفاء فشفاه الله تعالى بعد ذلك قريباً، وبالجملة فقد كان - رحمه الله تعالى - من أفراد الدهر وأعاجيب العصر، توفي - رحمه الله تعالى - بعد الظهر يوم الأربعاء أو خامس جمادى الآخرة سنة ست، وقرأت بخط منلا أسد سنة سبع ثمانين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير بعد العصر عند قبر معاوية، ونصر المقدسي رضي الله تعالى عنهما قال القاضي عز الدين بن أبي بكر بن الموقع في تاريخ موته :ما وجدت له شعراً أحسن من هذه الأبيات الثلاثة :
لما لدار البقا مفتي الأنام مضى ... فالعين تبكي دماً من خشية الله
لفقد مولى خطيب الشام سيدنا ... من لم يزل قائماً في نصرة الله
وفاته قد أتت فيما أؤرخه ... البهنسي عليه رحمة الله
محمد بن محمد المقدسيمحمد بن محمد بن إبراهيم ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ برهان الدين ابن الشيخ أحمد المقدسي المقرىء، كاتب المصاحف جده وأبو جده كان شاباً ذكياً فطناً حافظاً لكتاب الله تعالى ولي إمامة جامع منجك بمحلة الميدان بعد والده ووالده بعد والده، وانتفع بهم خلق كثير توفي رحمه الله تعالى بحمام شرف بعد أن اغتسل، وخرج ولبس ثيابه واستقبل القبلة، وهو على مسطبة الحمام، وأتى بالشهادتين وخرجت روحه، وحمل إلى بيته ميتاً وحمل بجنازته الأمير إبراهيم بن منجك ودفن إلى جانب والديه بمقبرة الجورة بالمحلة المذكورة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الصالحي

محمد بن محمد بن أبي الفضل الصالحي، نجم الدين الشافعي كان تاجراً بسوق الدهشة، ثم تكسب بالشهادة بمحلة الصالحية، وصار رئيسها، ثم نقل إلى الكبرى، وصار رئيسها، وناب في القضاء في محكمة الميدان، ثم بالكبرى، ثم تركه وعاد إلى الشهادة، واستمر إلى أن توفي وكان قصير القامة كبير العمامة، وأخذ في فتنة القابجي وامتحن مع من امتحن به، وضعف بصره، وقلت حركته، وانقطع بمنزله نحو تسعة أشهر، ومات ودفن بالصالحية، وعملت صباحيته بمسجد هشام رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن بركاتمحمد بن محمد بن بركات الشيخ الفاضل، المعمر ولي الدين ابن الكيال، الشافعي حفيد الشيخ برهان الدين إبراهيم الناجي...
محمد بن محمد بن خطاب الحنبليمحمد بن محمد بن خطاب الشيخ شمس الدين بن خطاب الحنبلي، رئيس العدول بالمحكمة الكبرى، ثم بالباب أخذ صنعة التوريق عن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد الجعفري، المعروف بابن قاضي نابلس، وكان خطهما متقارباً لا يكاد يفرق بينهما، واتسعت عليه الدنيا، وكان مسموع الكلمة وافر الحرمة خافه الناس حتى أكابرهم حتى مات رجل يقال له محمود الأعور عن بنت كان يقال أنها تربت عنده فأثبت ابن خطاب هو وعلي الحلبي الترجمان أنها بنته، وأقام أحدهما وصياً عليها، وعلى مالها والآخر ناظراً بمعونة القاضي شمس الدين الرجيحي، ثم نبغ لهما كيخيا الإنكشارية المعروف بالسقا يوسف فشكى قصتهما إلى السلطنة، وعين على ابن خطاب ومن معه قابجي من الباب معه قاضي مستقل، وحبس ابن خطاب وولده القاضي كمال الدين والترجمان، وهرب الرجيحي وطلب منهم ثلاثين ألف دينار ذهباً بالإهانة والضرب، ثم حسن له بعض الأشقياء التطاول إلى أكابر البلد فحبس شيخ الإسلام الشيخ إسماعيل النابلسي والشيخ العلامة شمس الدين محمد الحجازي، والقاضي عبد الله الرملي، والقاضي شمس الدين الكنجي، والقاضي وفاء بن العقيبي في جماعة من التجار وغيرهم، وطال حبسهم عنده حتى ورد الأمر السلطاني بالإفراج عنهم، وقتل القابجي فشنق في سنة تسعين وتسعمائة. ثم خرج ابن خطاب وابنه القاضي كمال الدين فقيرين، قد استولى على كل ما كان بأيديهما، كان صاحب الترجمة يتردد إلى الجامع الأموي في أوقات الصلوات وغيرها، حتى توفي ثاني جمادى الأولى سنة اثنين وتسعين - بتقديم التاء - وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الصمادي

محمد بن محمد بن خليل بن علي عيسى بن أحمد الشيخ الصالح الزاهد المرشد إلى الله تعالى، العارف بالله تعالى أبو مسلم شمس الدين الصمادي الدمشقي الشافعي القادري، كان ميلاده في سنة إحدى عشرة وتسعمائة كما أخبرني ولده الشيخ مسلم، وكان من أمثل الصوفية، في زمانه، وله شعر في طريقتهم إلا أنه لا يخلو من مؤاخذة في العربية، وكان شيخ الإسلام الوالد يجله، ويقدمه على أقرانه من الصوفية ويترجمه بالولاية، وكان يستدعيه إلى منزله بالخلوة الحلبية جوار الجامع الأموي كل سنة مرة، أو أكثر من مرة، ويقر به هو، وطائفته، ويعملون السماع عند الشيخ، وفي مجلسه عند باب الخلوة المذكورة في نفس الجامع ليلاً، ويضربون طبولهم، وأفتى الإسلام الوالد تبعاً لشيخي الإسلام شمس الدين بن حامد، والتقوي ابن قاضي عجلون بإباحة طبولهم في المسجد، وغيره قياساً على طبول الجهاد، والحجيج، لأنها محركة للقلوب إلى الرغبة في سلوك الطريق، وهي بعيدة الأسلوب عن طريقة أهل الفسق، والشرب، وكان الأستاذ الشيخ محمد البكري يجل صاحب الترجمة لأنهما اجتمعا في بيت المقدس وعرف كل منهما مقدار الآخر، وتقدم لصاحب الترجمة قصة لطيفة مع البكري، وابن أبي اللطف في ترجمة ابن أبي اللطف، وحدثني بعض أصحابنا قال: سافرت إلى القاهرة، وكان الشيخ محمد الصمادي دفع إلي مكتوباً، لأوصله لسيدي محمد البكري فلما دخلت عليه وذكرت له الشيخ محمد الصمادي نهض قائماً إجلالاً لذكره فلما دفعت له المكتوب قبله ووضعه على عينيه، وأثنى عليه وقال: أخونا وسيدنا، وحدثني الشيخ الصالح علي اللؤلؤي، وكان ساكناً في جوار الشيخ الصمادي قال: حصل لي كائنة توسلت فيها إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم، فرأيته في المنام ، فقال: اذهب إلى جارك الشيخ أبي مسلم الصمادي وحمله هذه الحملة قال: فلما أصبحت غدوت على الشيخ الصمادي، لما دخلت عليه قال لي قبل أن أذكر له شيئاً: يا شيخ علي أنا ما أعلم الغيب، أما كنت تقول لي عن مصلحتك قال: ثم إن الله تعالى قضى حاجتي تلك على يد الشيخ الصمادي رضي الله عنه وبلغني أن رجلاً يقال له: محمد بن عرب خرج إلى المشرق في جلب الغنم، فلما عاد بات ليلة في مكان مخوف، وكانت ليلة شديدة الريح، كثيرة المطر، قال فأنا في أثناء الليل، وإذا بحركة ذعرت منها الأغنام، وتفرقت، وعجزت عن جمعها أنا والرعاة قال: فقلت: يا أبا مسلم هذا وقتك قال: فما أحسست إلا بضربة مقلاع جمعت لي الأغنام من سائر النواحي حتى انضمت، وكانت زوجة ابن عرب المذكور امرأة صالحة من أولياء الله تعالى تعتقد بالشيخ محمد الصمادي، وكانت تعتقد الشيخ الوالد، وتتردد إليه، وإلينا من بعده قالت: فدخلت علي أبي مسلم يوماً، وزوجي غائب في تلك السفرة فقال لي: يا أم فلان أقول لك عن شيء لا تحدثي به حتى أموت، إن زوجك الليلة البارحة شردت عنه أغنامه فناداني، واستغاث بي فتناولت حصاة، ورميت بها إليه، فاجتمعت إليه أغنامه، وسيقدم عليك سالماً لم يذهب له شيء، فلما قدم بعلها ذكر لها ما صار له في ليلة شرود الغنم عنه فقالت له: يا فلان أنا في الليلة الفلانية ذكر لي أبو مسلم أنه سمع استغاثتك، وأنه أخذ حصاة فرمى بها نحو الغنم، فاجتمعت، وكنت مرة مريضاً فاشتدت بي الحمى ذات ليلة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو صدر حلقة فيها جماعة من الصمادية وغيرهم يذكرون الله تعالى عرفت منهم صاحب الترجمة، على يسار النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى يساره ولده الشيخ مسلم، ويليه بقية الصمادية فلما فرغوا من الذكر، وجلسوا سأل صاحب الترجمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الصمادية فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم يا شيخ محمد ما فيهم غير ولدك مسلم، فلما استيقظت، وقد حصل لي عرق كثير وعوفيت، فبلغت رؤياي الشيخ محمد الصمادي، فبعث إلي، وقال لي: يا سيدي نجم الدين بلغتني رؤياك، ووالله أنها لحق، وأريد منك أن تقصها علي أنت، فلما قصصتها عليه قال والله صدقت رؤياك ما في جماعتنا غير مسلم، ثم توفي بعد هذه الرؤيا بيسير، وقام ولده الشيخ مسلم مقامه، وكان الشيخ محمد يحبني كثيراً، ويدعو لي كلما زرته، وحضرت في حلقته

مراراً، وشهدت له أحوالاً شريفة، ورأيت في عمري أربعة ما رأيت أنور منهم إذا وقعت الأبصار عليهم شهدت البصائر بنظر الله إليهم أجلهم والدي، والشيخ محمد الصمادي والشيخ محمد اليتيم العاتكي، ورجل رأيته بمكة المشرفة داخلاً إلى حجرة تجاه الكعبة المعظمة له شيبة نيرة، وعليه كسوة الصوفية حواليه الشباب في صور الترك يخدمونه، فلما وقع بصري عليه بادرت إلى يده فصافحته، وقبلت يده فقال لي: ما حاجتك. فقلت: الدعاء، فدعا بأدعية مأثورة بفصاحة، وبلاغة، وحسن توجه بعد أن استقبل الكعبة وأطال في الدعاء، بحيث كان كلما انتهى من دعاء طلبت منه في سري أن يدعو بدعاء آخر عين المقصود منه في نفسي فما يتم، الخاطر حتى يشرع في الدعاء بعينه، وهكذا ثم ختم دعائه، ومسح بيديه على وجهه فقلت له: يا سيدي لا تنسنى من الدعاء فقال لي: وأنت كذلك لا تنسني من الدعاء، ثم فارقته، وعزمت في نفسي، ألا أجالس أحداً بمكة في مدة إقامة الحاج بها غيره، وكان اجتماعي به قبل عرفة، فلما رجعنا من عرفة التمسته في تلك الحجرة، فلم أره وسألت عنه ساكن تلك الحجرة فقال لي: ما رأيت رجلاً قط بالصنعة التي ذكرت، ولا دخل هذا المذكور هذه الحجرة أصلاً، فعلمت أنه من رجال الله تعالى، بل المترجح عندي أنه قطب ذلك الوقت، وغوث ذلك الزمان، واجتمعت بجماعة من رجال الله تعالى ولله الحمد لكني ما رأيت أفضل من هؤلاء الأربعة، ولا أكثر بركة وإفاضة للخير على جلسائهم منهم، وكان مقدم اجتماعي بهذا الرجل الكامل في سابع ذي الحجة الحرام سنة إحدى بعد الألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الشيخ محمد الصمادي رحمه الله تعالى معتقداً للخواص، والعوام خصوصاً حكام دمشق، والواردين إليها من الدولة، وكانوا يقصدونه في زاويته للتبرك به، وطلب الدعاء منه، وطلب منه مصطفى باشا أن يكتب له في محضره الذي شهدت فيه أهل دمشق باستقامته، فأبى أن يكتب له فيه، وكان في ذلك الوقت موافقاً لشيخ الإسلام الوالد، فإن مصطفى باشا قصد الوالد في بيته، وطلب أن يكتب له على محضره فقال له: ما علمت من حالك شيئاً، وأنا منزو في هذه الخلوة عن خلوته الحلبية ما أعرف من أحوالك شيئاً فقال له: يا سيدي ادع الله لي إذا لم تكتب لي فقال له: ألهمك الله العدل ألهمك الله العدل، لم يزده على هذه الدعوة شيئاً، فلما رجع مصطفى باشا إلى الروم قيل له: من وجدت في الشام. قال: ما وجدت فيها غير رجلين الشيخ بدر الدين الغزي، والشيخ محمد الصمادي، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: أنه قدم حلب مرتين ثانيتهما سنة أربع وستين، ونزل بزاوية ابن المحتسب بالقرب من سويقة الحجار قادماً من الباب العالي منعماً عليه قال: وزرناه فإذا هو ذو استحضار لمناقب أجداده، وما لهم من الكرامات حسن السمت، لطيف العشرة قال: وذكر لي أن مسلماً جده ينتسب إلى سعيد بن جبير وأخرج لي: طبلاً من نحاس أصفر، وأخبر أنه الذي كان مع مسلم في فتح عكا انتهى.
قلت: وفي ذكره كذلك تلميح إلى خلاف ما استقر عليه الحال لأن من ثبوت نسب الصمادية في سادات الأشراف على عادة ابن الحنبلي، في التنكيت في تاريخه، ويمكن الجمع بين ما ذكره وما ذكرناه فان نسبة الشيخ مسلم جد الصمادية إلى جبير من قبل الأم. وأما المرة الأولى التي قدم فيها أبو مسلم حلب، فهي لما كان في صحبة والده ذاهباً أو راجعاً من الروم أيضاً، وفي تلك القدمة الأولى أنعم السلطان سليمان على الصمادية بمرتب على قرية كناكر من قرى وادي العجم من أعمال دمشق قدره في كل سنة ثمانون غرارة من الحنطة منها أربعون لزاويتهم، وفقرائها، ووردها، ومنها أربعون لذرية الشيخ محمد والد أبي مسلم، وهي باقية بأيديهم إلى الآن. وذكر ابن الحنبلي أن أبا مسلم لوح لهم في قدمته الأخيرة إلى حلب أنه عوقب بالروم لسر أفشاه عند إنكار المنكرين بإسهال دموي أشرف منه على الهلاك، فأري في منامه إنساناً يشبه أن يكون من أجداده، فوضع يده على وجهه قائلاً بسم الله الكافي بسم الله الشافي بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، فلما كانت صبيحة تلك الليلة شفي - بإذن الله تعالى، انتهى.

قلت: حكى لي غير واحد، وفي ذكري أني سمعته من الشيخ محمد بنفسه أنه لما كان في الروم مع أبيه امتحنهم بعض الوزراء فأضافهم، ووضع لهم طعاماً فيه لحم ميت، أو سم، فلما وضع السماط هم والده أن يأكل منه، فأخذت أبا مسلم حالة ظهرت عليه في المجلس، وقال لأبيه لا تأكل فإن الطعام مشغول، ثم قام أبو مسلم، وجعل يهريق الطعام، ويتلفه، فاعترف الوزير بالامتحان وجعل يعتذر إلى الشيخ، ويتلطف بأبي مسلم، ثم أمر لهم بالسماط المعد لهم حقيقة فأكلوا منه، وطابت نفوسهم، فلعل هذا السر الذي أفشاه أبو مسلم، فعوقب عليه بالإسهال كما ذكره ابن الحنبلي، وبلغني أن الشيخ محمد قال: لوالده أبي مسلم بعد هذه الكائنة يا ولدي للشيخ أبي مسلم كرامات كثيرة، وكان يكتب للناس حجباً، وحروزاً ويتبرك الناس بخطه ويقصدونه لذلك، وللاستيفاء بخطه الكريم، وبالجملة كان من أفراد الدهر. توفي رضي الله تعالى عنه ليلة الجمعة عاشر صفر الخير سنة أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بزاويتهم داخل باب الشاغور بعد أن صلوا عليه بالأموي، وحضر جنازته الأكابر والأصاغر، وتأسف الناس عليه كثيراً، وكانت دمشق قبل ذلك مزينة بثلاثة أيام لفتح تبريز وقيل في تاريخ وفاته رحمه الله تعالى:
لهف قلبي على الصمادي دوما ... الحسيب النسيب أعني محمد
مذ توفي أهل النهى أرخوه ... مات قطب من الرجاء ممجد
محمد بن محمد الحلبيمحمد بن محمد بن صدقة، الشيخ الفاضل البارع الأوحد شمس الدين المقرىء، الحلبي إمام جامع النصر بحلب، وأحد أئمة جامعها الكبير، وشيخ ورد ابن داود بعد العلامة السرميني، المشهور بابن الجردون. ذكره ابن الحنبلي، وقال: كان شيخاً معمراً، قليل الكلام، سليم اللسان. كتب صحيح البخاري بخطه، وقرأ منه شيئاً على البدر السيوفي سنة أربع وعشرين، وأجاز له، وتوفي سنة تسع بتقديم التاء وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد أبو الفتح المالكيمحمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الشيخ الإمام العلامة، المفنن المدقق الفهامة، القاضي أبو الفتح الربعي التونسي الخروبي لإقامته بإقليم الخروب بدمشق المالكي، نزل دمشق قرأت بخط شيخ الإسلام والدي أن الشيخ أبا الفتح أخبره أن مولده كما وجد بخط أبيه مراراً، وقرأه مراراً ليلة الإثنين غرة شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة، وذكر الشيخ إبراهيم بن كسبائي صاحبنا في بعض إجازاته لبعض من قرأ عليه أن مولد الشيخ أبي الفتح سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وهو خطأ بلا شك، ولعله قربه تقريباً، والصواب ما تقدم. دخل دمشق قديماً وهو شاب، وكان يتردد كثيراً إلى ضريح الشيخ محيي الدين بن العربي، وبلغني عن شيخ الإسلام شهاب الدين الطيبي إنه لما دخل دمشق دخل في صورة متصوف متدين، ثم تغيرت أحواله، وصدق عليه قول القائل:
أطعت الهوى عكس القضية ليتني ... خلقت كبيراً وانقلبت إلى الصغر
وذكره شيخ الإسلام الوالد في فهرست طلبته، وقال: قرأ علي في منهاج البيضاوي وشرح الألفية لابن عقيل، ثم تلون، وتقلب، وظهرت منه أشياء منكرة. قال: وغلب عليه الحمق، والسخف، وقلة العقل، ولكن ثم من طيشه على غير طائل من علم، أودين قال: وامتدحني بقصيدة طويلة انتهى.

قلت: وحقيقة الشيخ أبي الفتح كما تلقينا ممن لقيناه، واشتهر عنه أنه كان فقيهاً أصولياً يفتي الناس على مذهبه، وفتاويه مقبولة، وله حرمة باسطة، ووجاهة ظاهرة، وكان علامة في النحو والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع والعروض، والمنطق، وأكثر العلوم العقليه والنقلية، وكان له الباع الطويل في الأدب، ونقد الشعر وشعره في غاية الحسن إلا أنه كان متكيفاً يأكل البرش والأفيون كثيراً لا يكاد يصحو منه، وربما قرأ الناس عليه في علوم شتى، وهو يشرد، فإذا فرغ القارىء من قراءته المقالة فتح عينيه، وقرر العبارة أحسن تقرير، وكان على مذهب الشعراء من التظاهر بمحبة الأشكال، والصور الحسنة حتى رمي، واتهم، وكان لا يتحاشى عن مخالطة المراد الحسان، وكان هجاء تتفق له النكات في هجائه، وفي شعره، ولو على نفسه، وكان مغالياً في نصرة القهوة المتخذة من البن غير منكر له وله فيها مقاطيع مشهورة، ولطائف غير منكورة، وربما كان يراجع الطلقات الثلاث، وكان يقع في حق العلماء، والأكابر، وإذا وصل إليه نوال من أحدهم مدحه، أو أثنى عليه، وكانوا يخافون من لسانه، ولي نيابة القضاء بالمحكمة الكبرى زماناً طويلاً مع الوظائف الدينية، وحمل عنه الناس العلم وانتفعوا به وأنبل من تخرج به في الشعر، والعربية العلامة درويش بن طالوا مفتي الحنفية بدمشق ومدرس السليمانية بها، وسلك طريقته فيما هو فيه، وكان الشيخ أبو الفتح المالكي حجته في كل ما يأتيه، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: قدم حلب سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، واتفقت بيننا، وبينه جمعية بجامعها، وشهدنا له محاضرة جيدة في فنون شتى قال وكان قد سألني يومئذ سؤالاً نحوياً رمزت إلى جوابه في المجلس، ثم أوضحته في هذه الأبيات وبعثت بها إليه:
أيا من له التحقيق في كل ما فن ... ومن شأنه الإتحاف من غير ما من
جوابك لي قد مر رمز جوابه ... لديك ،وقد شوهدت متقد الذهن
سألت عن التنوين في جمع حاجة ... أليس لتمكين على القطع لا الظن
وهل منع حاجات عن الصرف واقع ... ليمنع تمكيناً به صاحب الفن
وقد مر في المغني لنا غير مرة ... جوابك منقولاً وناهيك بالمغني
ومحصوله أنا وجدناه ثانياً ... وقد صير اسماً ذلك الجمع ياخدني
ولكنني مولاي مستشكل له ... وما لي صريح من جواب ولا مكني
أفقدك للتنوين من بعد موجب ... لمنعكه من قبل يا من له نعني
وهل مانع من أن يكون مقابلاً ... وتنوين تمكين معاً عند ذي ذهن
وهل مثبت التنكير في رجل له ... محيد عن التمكين كالسبب الحزن
كما أنه لا منع من جمع ذاكذا ... فلا منع فيما نحن فيه فقس وابن
وجد لي بشعر من قريضك ألقه ... عزيز عزيز المثل يا مقتدي معن
قلت: أنا أستحيي عن ابن الحنبلي في مقابلة الشيخ أبي الفتح المالكي، بمثل هذا الشعر وأبو الفتح يومئذ حائز قصبات السبق في الشعر الذي بلغ ببلاغته فيه النهايات، وزاحم فيه مثل ، أبي تمام، والبحتري، والمتنبي، وأبي العلاء، وابن قلاقس، وأبن نباتة وغيرهم طبقة بعد طبقة، كيف؟ وقد أورد له ابن الحنبلي الأبيات الآتية، فسبحان من قسم الأذواق كما قسم الأرزاق. قال ابن الحنبلي: ثم قدم حلب سنة إحدى وستين، والمقام الشريف السلطاني بها، فتولى تدريس دار الحديث الأشرفية بدمشق ، وعيب عليه ذلك لكونها شرط الواقف للشافعية قال: وهكذا عيب عليه ما انطوى عليه من شرب الخمر فما دونه، وتسليط الحشيشة على عقله والاختلاط بمنهي الغلمان جهراً من غير مبالاة بذلك نسأل الله تعالى العافية، وأورد له في مليح اسمه محمد بن حسام:
كم باسم والده على عشاقه ... يسطو فيا حزناه من أحداقه
ظبي ظبى ألحاظه قد جردت ... للفتك بالشاكين حول وطاقه
رشأ كحيل الطرف معسول اللما ... عذب المراشف آخذ بعناقه
يفتر. عن نظم الثريا ثغره ... وينوء بالجوزاء تحت نطاقه
إلى أن قال:
قسماً بصبح جبينه لو زار في ... جنح الدجى وسعى إلى مشتاقه

لفرشت خذي في الطريق مقبلاً ... بفم الجفون مواطن استطراقه
ووهبت ما ملكت يدي لمبشري ... بلقاء حضرة منعم بوفاقه
وللشيخ أبي الفتح مؤرخاً عمارة الحمام الذي بناه مصطفى باشا تحت قلعة دمشق:
لما كملت عمارة الحمام ... وأزداد به حسن دمشق الشام
قالت طرباً وأرخت منشدة ... حمامك أصل راحة الأجسام
وله موالياً موجهاً بأسماء الكواكب السبعة: لك صدغ عقرب على مريخ خدك دب وقوس حاجبك دايم مشتريه الصب وكم أسد شمس حسنك يا قمر قد حب و العاذل الثور في زهرة جمالك سب وقال حاكياً للسان حال الجامع الأموي:
يقول على ما قيل جامع جلق ... ألم يك قاضي الشام عني مسؤولاً
تسلم للأعجام وقفي لأكله ... ويروى لهم عني كتاب ابن مأكولا
أبعد فتى السبكي أعطى لسيبك ... وبعد الأمام الزنكلو لزنكولا
أقاموه لي قرداً بشباك مشهد ... وضموا له قرداً على الرفض مجبولا
يثمل كل أكل مالي بأسره ... فلا بلغ الله الأعاجم مأمولا
وقال في جامع يلبغا وكان ملازماً للتردد إليه للتنزه:
كم نزهة في يلبغا تبتغي ... ومدرج لم يخل من دارج
يا حسنه من جامع جامع ... فاق على الزوراء من عالج
يموج في بركته ماؤها ... تحت منار ليس بالمايج
مأذنه قامت على بابه ... تشهد للداخل والخارج
وقال فيه :
إلى يلبغا فارق أعلى الدرج ... بشرقيه تلق باب الفرج
وخذ يمنة منه نحو الشمال ... تصادف هنالك باب الفرج
ومل مسرعاً نحو غربيه ... تجد باب عرف نسيم الأرج
ومن حوله عصبة لم تزل ... لها تحت سرحته مفترج
تقضي نفائس أوقاتها ... بأخبار من قد مضى أو درج
فإن كنت عن حالهم سائلاً ... فليس على مثلهم من حرج
ولما وقف الشيخ أبو الفتح على قول القائل:
هذه القهوة هذي ... هذه المنهي عنها
كيف تدعى بحرام ... وأنا أشرب منها
فقال:
أقول لقوم قهوة البن حرموا ... مقالة معلوم المقام فقيه
فلو وصفت شرعاً بأدنى كراهة ... لما شربت في مجلس أنا فيه
ومن لطائفه أنه سئل عن قائل هذا البيت:
لا ضر أحبابي ولا روعوا ... غبنا فما زاروا ولا ودعوا
فأخبر بقائله ثم أنشد على الوزن والقافية ارتجالاً:
يا من لصب بين أطلالهم ... يهيم لا يرقى له مدمع
ترحلوا فالدار من بعدهم ... لبعدهم أطلالالها بلقع
لا واخذ الرحمن من ضيعوا ... عهدي وإن خانوا وإن ضيعوا
نذرت أن عادوا لهم مهجتي ... هيهات ما في عودهم مطمع
وقال:
ألا لعن الله الخصاصة والفقرا ... فإن سواد الوجه بينهما يطرا
وما الذل إلا فيهما وعليهما ... وما العز إلا بالغنى وهو بي أحرى
ومن يك في الدنيا فقيراً ومعدما ... يجد من بينها المقت والصد والهجرا
فلا تك عن كسب الحطام بغافل ... لتبلغ في الدنيا السعادة والفخرا
وقال سائلاً:
يا أيها الفاضل أوضح لنا ... قضية صحت بلا مين
في رجل فاه بقذف امرىء ... فرتب الحد على اثنين
فأجاب عنه بقوله:
هذا فتى أغرى سدي عبده ... بقذف شخص طاهر العين
فالحد للسيد والعبد في ... قول صحيح عند عدلين
وقال وقرأت بخط العلامة درويش بن طالوا أنه قال في مرض موته:
مرحباً بالحمام ساعة يطرا ... ولو ابتز من مدى العمر شطرا
حبذا الارتحال من دار سوء ... نحن فيها في قبضة القهر أسرى
وإذا ما ارتحلت يا صاح عنها ... لا سقى الله بعدي الأرض قطرا
مات رحمه الله تعالى في سنة خمس وسبعين وتسعمائة ودفن في الفراديس وقال ماماي مؤرخاً وفاته:

مذ عالم الدنيا قضى نحبه ... منتقلاً نحو جوار الإله
قد أغلق الفضل به بابه ... مؤرخاً مات أبو الفتح آه
وللشيخ ناصر الدين بن الكشك المعروف بابن أبي الحيل:
مات أبو الفتح إمام الورى ... يا ويح أهل الشام من بعده
ما زال قبل الموت يقري إلى ... أن ساقه الموت إلى لحده
مشتغلاً في العلم مستغرقاً ... أوقاته فيه وفي سرده
محمد بن محمد بن علوانمحمد بن محمد بن علي الشيخ الفاضل شمس الدين ابن الشيخ المحقق العارف بالله تعالى شمس الدين ابن سيدي علوان الحموي الشافعي قام مقام عمه الشيخ أبي الوفاء في المشيخة نحو سنة ومات في سنة أربع وثمانين وتسعمائة بحماة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد المشرقيمحمد بن محمد علي الشيخ العلامة المعمر المسند الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الغزي، الأزهري، الشافعي المعروف بابن المشرقي ميلاده بغزة في أوائل صفر سنة تسعمائة أخذ عن القاضي زكريا، والشيخ عبد الحق السنباطي وقاضي القضاة الكمال الطويل، والجمال الصالحي، والشمس الدلجي، والشيخ شمس الدين الطحان والشهاب أحمد بن شعبان بن علي بن شعبان الأنصاري، والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهم، وأخذ عنه جماعة منهم الشيخ محمد بن كسبائي الحديث، وغيره وتوفي سنة ثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن الفرفورمحمد بن محمد بن أحمد القاضي ولي الدين ابن القاضي ولي الدين بن الفرفور كان ديناً مطاوعاً لأخيه القاضي عبد الرحمن، الآتي توفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة الحرام سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ودفن بتربتهم جوار الشيخ أرسلان، وخلف ولدين أحدهما علي وكان أعلم مات صغيراً في بيت المقدس والثاني شهاب الدين أحمد الأطروش، وهو الآن من أفاضل دمشق قرأ علي شيئاً في النحو.
محمد بن محمد جودي زادهمحمد بن محمد بن الياس المولى الفاضل، والعلامة الكامل، قاضي القضاة محيي الدين. أحد موالي الروم المعروف بجوي زاده أحسن قضاة الدولة العثمانية، وأعفهم، وأصلحهم سيرة، وترقى في المدارس على عادة موالي الروم وولى قضاء دمشق، فدخلها في خامس عشر شهر صفر سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وهي سنة ميلادي، وانفصل في ختام السنة عن قضاء دمشق، وأعطي قضاء مصر، ثم صار قاضياً بالعساكر، وفي آخر أمره صار مفتياً بالتخت السلطاني، وكانت سيرته في قضائه في غاية الحسن بحيث يضرب بها المثل، وكان عالماً فاضلاً، بارعاً، ديناً خيراً عفيفاً، كان رسم الحجة في دمشق قبل ولايته أربع عشرة قطعة، فجعله عشراً، وكان رسم الصورة ثماني قطع فجعله ستاً، ودام على ذلك، وأخذ بعض نوابه في بعض الوقائع ما زاد على ذلك، فرده على مالكه، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد في أوائل الكتب الستة، وغير ذلك، وحضر بعض دروسه في التفسير والفقه، واستجازه فأجازه، وكان يفتخر بقراءته على الشيخ وأجازته. وكتب الشيخ له إجازة بخطه حافلة في يوم الاثنين رابع شعبان المكرم عام ثمانية وسبعين وتسعمائة، وأثنى عليه الشيخ في هذه الإجازة كثيراً، وقال فيها: وقد اجتمع بي في الشام حين وليه قاضياً، وكان بحمد الله في قيام الحق، ونصرة الدين سيفا ماضياً، وصار كل من أهل الصلاح به راضيا.
وهو والله عفيف نزه ... وله عرض مصون ما اتهم
وخبير بمداراة الورى ... ومداراة الورى أمر مهم
وكتب إليه شيخ الإسلام، وهو قاضي في دمشق في قضية من أبيات:
يا مفرد العصر في علم ومعرفة ... وعفة ما عهدناها لمن سلفا
ورفعة لمقام العلم مغترقا ... من نهلة ولأهل العلم معترفا
قد عز مقداره أيام دولتكم ... وزداد مع شرف فيه لكم شرفا

وكان - رحمه الله تعالى - حليماً إلى الغاية إلا في أمر الدين، ومصالح المسلمين، فإنه كان صلباً يغضب لله تعالى منع نائبه الجالس ببابه أن يسمع دعاوي حكام السياسة، بل كان هو يسمعها بنفسه، ويبالغ في ردعهم، ويتوعدهم، وربما ضرب بعضهم بحيث قل الظلم في زمانه، وانكف الظلمة عن أمور كثيرة، وكان إذا شفع عنده أحد من الأكابر أظهر له قبول الشفاعة فإن خالفت الحق، والأنصاف تناساها، وأعرض عن ذكرها ولم يقبل من أحد هدية في مدة قضائه. ولما انفصل عن دمشق أمر منادياً ينادي يوم الجمعة بالجامع الأموي أن قاضي القضاة عزل عن دمشق، فمن أعطاه شيئاً، أو أخذ منه، أحد من جماعته شيئاً، أو تعدى عليه أحد من جماعته، فليرفع قصته إليه حتى يرد إليه ما انتزع منه، فرفعت الناس أصواتهم بالبكاء، والدعاء، وأظهروا التأسف عليه لعزله، وتمنوا لو دامت ولايته عليهم ولما ولي قضاء العساكر الأناطولية بعد محمد أفندي ابن معلول، وكان قد حصل لابن معلول صرع في الديوان بعد أن ولي قضاء العساكر الأناطولية سبعة أيام، فأخرج تدريس التقوية عن شيخ الإسلام الوالد للشيخ محمد الحجازي بسبب خنق كان عند ابن معلول، على شيخ الإسلام الوالد بسبب أن شيخ الإسلام لم يتردد إليه على عادة أهل دمشق، ولم يكن لشيخ الإسلام والدي عادة بذلك، فحقد عليه، فلما ولي قضاء العسكر أخرج في أول ولايته بمدرسة التقوية عنه فما بقي في قضاء العسكر سبعة أيام حتى جن في الديوان، فولى قاضي القضاة جوي زاده مكانه، وكان له مزيد اعتقاد في الوالد رحمه الله تعالى فلما ولي قضاء العسكر الأناطولي كان أول شيء عرضه على السلطان مراد رحمه الله تعالى تلخيص للوالد بثمانين عثمانياً، وكانت في يده قبل ذلك بسبعين عثمانياً وما بلغ أحد من موالي العرب في دولة بني عثمان ثمانين قبل المرحوم الوالد، وقال أبدأ بمدرسة شيخ الإسلام الشيخ بدر الدين تيمناً، وتبركاً، وكان حسن اعتقاده سبباً لرفعة مقامه حتى ولي قضاء العساكر الروم إيليه، وولي الإفتاء ودام في ولايته كلها على التعبد والتورع في طعامه، وشرابه، ولباسه، ومات وهو مفتي التخت العثماني ليلة الخميس سادس جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
محمد بن محمد البروسوي محمد بن محمد بن عمر الشيخ، محيي الدين الأنطاكي الأصل البروسوي المولد الحنفي. أحد أولاد منلا عرب الواعظ ولد في سنة عشرين وتسعمائة وكان ذكياً فاضلاً، فصيح العبارة، بديع المحاورة، له إلمام جيد بالتاريخ، وأشعار الناس طارحاً للتكلف على جلالة فيه دخل حلب فأكرمه قاضيها عبد الباقي أفندي ابن منلا عرب المشارك أبوه لأبيه في اللقب، ثم ذهب إلى الروم فأمر بإغراقه هناك لأمر ما، ثم نالته شفاعة فخلى سبيله، ثم ولي بعد مدة مديدة قضاء مصر فتوجه إليها من طريق البحر، فغرق به سنة تسع بتقديم التاء وستين وتسعمائة ذكره ابن الحنبلي، ولنا بيت لطيف في معنى ما وقع لصاحب الترجمة وهو
سبق القضاء بما أردت وقوعه ... لكنه في وقته سيكون
محمد بن محمد بن معلولمحمد بن محمد بن عبد القادر، أحد موالي الروم وابن أحد مواليها السيد الشريف قاضي القضاة ابن معلول. ولي قضاء الشام، وكلف الناس المبالغة في تعظيمه، وماتت له بنت، فصلى عليها شيخ الإسلام الوالد، وعزاه بالجامع الأموي، ولم يذهب معها لأنه حينئذ كان يؤثر العزلة، وعدم التردد إلى الحكام فحنق على الشيخ، ثم لما ولي مصر، ثم قضاء العسكر، وجه التقوية عن الوالد للشيخ محمد الحجازي المعروف بابن سماقة، ولم يكن حينئذ بذلك، وإنما راج على ابن معلول بالزايرجة وكان يقول له إن امرأتك حامل، وتلد ولداً اسمه محمد فإنه يكون المهدي فوضعت زوجته ولداً ذكراً وسماه محمداً، ثم سافر الحجازي إلى الروم، وبشره بأنه يتولى قضاء العسكر سبع عشر فتولاه سبعة عشر يوماً وكان في تلك المدة أخرج التقوية عن الشيخ للحجازي، فلما مضت تلك المدة جن ابن معلول، وأخذ من مجلس الديوان محمولاً وولي قضاء العسكر بعده جودي زاده، فأعاد التقوية إلى الشيخ، والقصة مشهورة، ثم ولي ابن معلول الإفتاء، ثم عزل عنه سريعاً، وأعطي نقابة الأشراف، ومات، وهو نقيب في سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة عن ثمان وخمسين سنة رحمه الله تعالى.

محمد بن محمد البصروي
محمد بن محمد بن علي القاضي شمس ابن الشيخ الإمام العلامة جلال الدين البصروي. أحد أعيان العدول بالمحكمة الكبرى، و كان مقدماً في علم التوريق، وخطه ضعيف مات في المحرم سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، عن تسعين سنة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد العرة

محمد بن محمد بن موسى ابن الشيخ علي العبد الصالح الزاهد، بل العارف المعروف بالعرة، الباقعي الحماري، الشافعي نزيل دمشق كان دسوقي الطريقة، وصحب سيدي محمد الأسدي الصفدي من أصحاب سيدي محمد بن عراق، وكان بينهما مصاهرة، أو قرابة، وكان الشيخ محمد العرة مواظباً على ذكر الله تعالى لا يفتر عنه طرفة عين، ووجهه مثل الورد يتهلل نوراً بحيث أن من رآه ذكر الله تعالى عند رؤيته، وعلم أنه من أولياء الله تعالى ويقال أنه رؤي بالموقف في جبل عرفات، وهو يومئذ بدمشق وكان في بدايته ذات يوم في بلدة حمارة من أعمال البقاع، فتحرك لحالة أخذته، وصاح فسمعه جماعة كانوا مجتمعين في مكان فقال: بعضهم ما هذا الصياح؟ فقال رجل منهم: هذا محمد العرة متحرك وكان في القوم رجل من الروم فقال الرومي والشيخ محمد العرة من أهل هذه البلدة قالوا نعم، فقال: حياه الله، فقالوا له من أين تعرفه، فقال: والله إني أعرفه من وقعة رودس، وأنا رأيته قدام السلطان سليمان بعيني رأسي، ثم قال لهم: أين يكون في هذا الوقت حتى نزوره، فقالوا له: في الجامع، فذهب الرومي إليه، وقبل يديه وأخذ خاطره، وذهب رجل يقال له عمر بن خضر من غزة البقاع إلى جبل لبنان في جماعة من البلد ليحتطبوا، والحال أن عمر بن خضر جنب، فبينا هم يقطعون الحطب إذا هاتف يهتف بهم يا أهل غزة جاءتكم العصاة، فهرب الجماعة، ورجعوا إلى غزه، فنظر عمر بن خضر فإذا الشيخ محمد بن العرة واقف على مزبلة هناك، وهو متحرك لحال ورد عليه فقال له: يا عمر تذهب إلى جبل لبنان، وأنت جنب ما تخاف من العصاة، فأخذ عمر يقبل يد الشيخ، ويبكي، ويقول تبت إلى الله تعالى يا سيدي، وحكى صاحبه الشيخ تقي الدين القربي الصوفي قال كان للشيخ محمد بن العرة محب سمان في السويقة المحروقة، فجاء إليه الشيخ، وقد أخذه الحال، وقال له: أطلع من هذا السوق فإنه يقع فامتثل الرجل أمره، وطلع من السوق، وأخلى الدكان فنصب في تلك المحلة بهلوان، وربط حبله في جملون السوق، وكان فوق السوق، وتحته رجال، ونساء، وأولاد ينظرون إلى البهلوان وكان الشيخ محمد العرة تحت الجملون في جملة الناس، وهو في حال عظيم، فوقع السوق على من تحته، وسقط كل من كان عليه، ولم يتأذ منهم أحد ببركة الشيخ، وكان الشيخ قد أخبر السمان المذكور بسقوط السوق قبل ذلك لعشرة أيام، وكان من معتقدي الشيخ محمد رجل مسافر في بلاد الدروز، فنذر الله عليه أن رجع إلى دمشق سالماً أن يعطي الشيخ محمد العرة شاشاً، فرجع فأصبح الشيخ محمد يدق باب الرجل، ويقول هات النذر، فدفعه إليه، وله كرامات كثيرة يعرفها من كان يعاشره، وأنا رأيته - رضي الله تعالى عنه - مراراً وكنت كلما وقع نظري عليه سررت، وعددتها نعمة، ولما وقع الجراد بدمشق في سنة ست وتسعين وتسعمائة، وجيء بطائر السمرمر الذي يقال إنه إذا كان في بلد طرد منها الجراد، وأمر الحاكم بخروج الناس، والصوفية، والمشايخ إلى لقائه، فدخلوا به من على سطح قاسيون من ناحية القابون حتى، وضعوه على قبة التكية السليمانية بالمرجة، فمررت مع الناس فرأيت الشيخ محمد العرة جالساً في الشرف الشمالي، وهو يلهج بذكر الله تعالى على عادته بحيث لا تسكن حركة لسانه، فعرفت أنه حمل حملة الناس في اللجاء إلى الله تعالى في رفع الجراد، وهلك بإذن الله تعالى الجراد في تلك السنة، وكنت أقول في نفسي: إذا رأيت الشيخ محمد العرة لو اطلعت على حال هذا الرجل في تأدية الصلوات وهل يلازم الجمعة، والجماعة لأنه كان خفياً في ظهوره يغلب عليه الصمت، ولا يصاحب الناس، وكنت أقول: إن عرفت منه هذه الحالة جزمت بأنه من إبدال الشام، وخواص أوليائها، فصليت بعد ذلك بشيء يسير صلاة الجمعة، وكان منتصف شعبان سنة أربع وتسعين وتسعمائة، فلما كان قبل الأذان، وإذا بالشيخ محمد العرة واقف إلى جانبي يجيب المؤذن حتى فرغ، فصلى تحية المسجد كما ينبغي، ثم جلس فلما شرع الخطيب في الخطبة سكن لسانه عن الذكر على خلاف عادته فعلمت أنه آثر الصمت على الاشتغال بالذكر، وهو المطلوب، والخطيب يخطب، ثم لاحظته في صلاة الجمعة، وفى الأوراد بعدها وصلاة السنة، ثم بقى جالساً حتى خرج الإمام من محرابه، فقام، وصافحني، وهو ينظر إلي مبتسماً كان يقول لي تحققت الحالة التي طلبت مني، فعظم حال هذا الرجل عندي، وهو ممن أرجو أن ألقى الله تعالى

على محبته، واعتقاده - رضي الله تعالى عنه - وكانت وفاته في صبيحة يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين بتقديم التاء المثناة في الثلاثة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.ى محبته، واعتقاده - رضي الله تعالى عنه - وكانت وفاته في صبيحة يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين بتقديم التاء المثناة في الثلاثة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد الزغبيمحمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله، الشيخ الصالح المجذوب الدمشقي، المعروف بالزغبي. كان سميناً طويل اللحية له شيبة بيضاء، وكان له ذوق ونكت، ولطائف على لسان القوم، وإشارات الصوفية، وكان قد صحب في طريق الله تعالى جماعة منهم الشيخ عمر العقيبي وكان لا يشكو إليه الخواطر على عادة الفقراء فشكى بعض الفقراء ذات يوم خاطراً إلى الشيخ عمر، وقال يا سيدي خاطر ما لنا نرى الشيخ محمد الزغبي لا يشكو إليك خاطراً فقال الشيخ عمر للزغبي يا شيخ محمد سمعت هذا الخاطر الذي شكاه هذا الفقير فيك. فقال: نعم، وأنا الآن أشكو إليك خاطراً خطر لي قول القائل:
يا بو علي الشكوى إليك مذلة ... واش تنفع الشكوى لمن لا يزيلها

فالتفت الشيخ عمر إلى الفقراء، وقال: تعرضوا بعد هذا بالزغبي. وحدثني بعض إخواننا الصالحين قال: كنت مرة مع الزغبي بقرية برزة بالمقام، فسألته بماذا أعطي ما أعطي؟ قال: فقال لي: ما لك بهذا السؤال؟ فقلت: لا بد أن تخبرني، فقال يا ولدي ما نلت هذه الرغبة حتى سحت في البرية أربع عشرة سنة، وحكى لي أنه في بدء أمره، وحال تجرده وقف على جبل الربوة خارج دمشق عند المحل المعروف بالمنشان، فوثب منه إلى جبل المزة، وأنا أنظر، وكان الزغبي يحب أن يشرب الماء عن الرماد، ويصفه لكل من شكى إليه مرضاً أي مرض كان. وكان يقول: هو الصفوة، وكان منزله بمحلة القيميرية، وكان كل من دخل إليه يريه الكنيف، ويقول له هذا بيت المال يشير إلى أنه مرجع الدنيا وأموالها غالباً، وكان ربما ظهر عليه أشياء يخالف ظاهرها للشرع تستراً، وربما أمسك عن اللحم أحياناً، ونظر مرة إلى جزار يذبح جدياً، ولم يتلطف في ذبحه فأحس منه بالقسوة والجدي يصيح فتناول الشيخ الجزار، ونكس رأسه إلى أسفل ورفع رجليه وأوهمه أنه يريد أن يدخل عرقوبه في الكلاب المعد لتعليق الغنم المذبوحة من عراقيبها. وقال له: هذا ما هو مخلوق مثلك كيف لا ترحمه. حدثني عنه بذلك شيخنا فسح الله تعالى في مدنه، وكان لا يصلي ظاهراً بين الناس، وأخبرني شيخنا، وغيره أنه كان في أوقات الصلاة يصلي من حيث لا يرى، وأنه تغيب صورته لأنه كان من الأبدال، وقال له مرة: شيخ الإسلام شهاب الدين الطيبي إمام الجامع الأموي، وهو بالجامع يا شيخ محمد ما لك لا تصلي فقال: يا سيدي ما في الجامع موضع طاهر فقال له الشيخ الطيبي: كيف تقول ما في الجامع موضع طاهر قال: يا سيدي الشيخ لو كان في الجامع موضع طاهر ما كنت أنت إذا دخلت الجامع تلبس التاسومة، وإذا أردت الصلاة فرشت السجادة، وكان هذا عادة الشيخ تورعاً، فعرف الشيخ أنه أراد ممازحته، والتنكيت عليه فأعرض عنه ومر يوماً على كان الجزار بمحلة القيمرية وكانت تلك محلة الشيخ الطيبي أيضاً، فوجد الشيخ الطيبي واقفاً على الجزار. فقال الزغبي: للجزار يا معلم توص من هذا الشيخ فإنه يتصرف في الألوف من الناس، ويطاوعونه، ولا يتجرأ أحد منهم على مخالفته أن طأطأ رأسه طأطأوا معه، وأن رفع رأسه رفعوا معه، وحكي أنه دخل مرة على بعض القضاة بدمشق فقال: السلام عليك يا قاضي الشياطين، فغضب منه القاضي، فقال له: لا تغضب وأصبر حتى أتبين لك إذا كان لأحد عندي حق، فدفعته إليه، ولم أظلمه منه شيئا، أو كان لي عند أحد حق، فأعطاني حقي أترانا نجيء إليك حتى إذا أراد أحدنا أن يظلم الآخر، أو جحد شيئاً من حقه؟ أو استطال عليه جئنا إليك، فأنت لست بقاضي المحقين، وإنما أنت قاضي المبطلين، والشياطين، فسري عن القاضي، وانبسط معه، وحكى أن بعض القضاة حبسه بالبيمارستان، فابتلي القاضي بالقولنج تلك الليلة، فقيل له: هذا بسبب إساءتك إلى الزغبي، فبعث إلى البيمارستان ليلاً ليخرجه منه، فلما جاءوا إليه قال: لا أخرج أنا في ضيافة سيدي نور الدين الشهيد، والضيافة ثلاثة أيام فلم يخرج منه إلا بالجهد، فلما خرج زال العارض عن القاضي، فاعتقده بعد ذلك، واعتقدته بعض المخدرات، ورغبت في محبته فتزوجها، وسلكت على طريقته، وخرجت عن كل ما تملك، وغلب عليها الجذب، وكانت لا تحتجب، وتذهب معه حينما ذهب مسفرة، وكان هذا من جملة ما انتقد عليه، وحدثني السيد أبو الوفاء بن الحجار قال: دخلت على الزغبي مرة، فقلت لزوجته كيف حالك يا أمي؟ فقالت أعرف حالك أنت، ثم أسأل عن حالي قال: وسأله بعض الناس عن أسفار وجه زوجته فقرأ الآية " والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا " وكانت وفاة زوجته قبله في سنة سبع وسبعين وتسعمائة - بتقديم السين في الأوليين - بقرية حرستا، ودفنت هناك، وحدثني السيد وفاء قال: لما ماتت زوجة الزغبي سمعته يقول تقدمتنا الحاجة، واتسعنا لحزنها ولو تقدمناها ما وسعت حزننا، وحدثني صاحبنا العبد الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر الديماسي، وكان أحسن جماعة الزغبي محافظاً على الصلوات في الجماعات، والجمعات، والأوراد والأذكار من البكائين من خشية الله تعالى أن الشيخ محمد الزغبي ما كان يترك الصلاة ولكنه كان يصلي في أماكن لا يطلع الناس عليه فيها، وكان هذا الرجل هو السبب في حسن اعتقادي في الزغبي، فإنا نعتقد أن الشيخ أبا بكر المذكور

كان من كبار الأولياء وحكي عن الشيخ علي بن عبد الرحيم الصالحي قال: كنت مع الشيخ محمد الزغبي قبل أن يموت بسنة في الصالحية حتى إذا وصلنا إلى الزقاق الذي يذهب منه ضريح الشيخ أبي بكر بن قوام غربي الصالحية فقال: لا إله إلا الله أن لنا هنا حبسة طويلة، وأشار إلى المقبرة التي بالسفح في الجهة المذكورة قال: فما زلت متفكراً في مقالته حتى توفي ودفن هناك، وكانت وفاته في سنة ثمان وسبعين بتقديم السين وتسعمائة أو قبلها بيسير أو بعد بيسير. وقيل إن يوم موته وافق يوم فتح قبرص رحمه الله تعالى رحمه واسعة.كان من كبار الأولياء وحكي عن الشيخ علي بن عبد الرحيم الصالحي قال: كنت مع الشيخ محمد الزغبي قبل أن يموت بسنة في الصالحية حتى إذا وصلنا إلى الزقاق الذي يذهب منه ضريح الشيخ أبي بكر بن قوام غربي الصالحية فقال: لا إله إلا الله أن لنا هنا حبسة طويلة، وأشار إلى المقبرة التي بالسفح في الجهة المذكورة قال: فما زلت متفكراً في مقالته حتى توفي ودفن هناك، وكانت وفاته في سنة ثمان وسبعين بتقديم السين وتسعمائة أو قبلها بيسير أو بعد بيسير. وقيل إن يوم موته وافق يوم فتح قبرص رحمه الله تعالى رحمه واسعة.
محمد بن محمد المولى أبو السعودمحمد بن محمد الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، العلم الراسخ، والطود الشامخ، المولى أبو السعود العمادي الحنفي مفتي التخت السلطاني وهو أعظم موالي الروم، وأفضلهم لم يكن له نظير في زمانه في العلم، والرئاسة، والديانة أخذ عن علماء عصره منهم العلامة المولى قادري جلبي، وترقى في التداريس، والمناصب حتى ولي الإفتاء الأعظم، وألف المؤلفات الحافلة منها التفسير المشهور المسمى بالإرشاد جمع فيه ما في تفسير البيضاوي، زاد فيه زيادات حسنة من تفسير القرطبي، والثعلبي والواحدي، والبغوي، وغيرها، وله كتاب جمع فيه بعض ملازميه جملة صالحة من فتاويه، وله القصيدة المشهورة التي أولها:
أبعد سليمى مطلب ومرام ... ودون هواها لوعة وغرام
وفوق حماها ملجأ ومثابة ... ودون ذراها موقف ومقام
وهي مشهورة من محاسنها قوله فيه:
فكم عشرة ما أورثت غير عسرة ... ورب كلام مقتضاه كلام
وقد خدمها الأفاضل، فمنهم من خمسها، ومنهم من شرحها، وقد اتفق لنا رواية هذه القصيدة، وغيرها من كلامه، ورواية تفسيره الحافل عن أحد تلاميذه العلامة السيد الشريف المولى محمد المعروف بالسعودي قاضي حلب، وآمد، وغيرها حين قدم علينا دمشق سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، وكان المولى أبو السعود عالماً عاملاً، وإماماً كاملاً شديد التحري في فتاويه حسن الكتابة عليها، وقدراً مهيباً حسن المجاورة، وافر الأنصاف ديناً خيراً سالماً مما ابتلي به كثير من موالي الروم من أكل المكيفات، سالم الفطنة جيد القريحة، لطيف العبارة، حلو النادرة، سئل عن شخص لا هو مريض، ولا صحيح ولا حي، ولا ميت، ولا عاقل، ولا مجنون، ولا نائم، ولا يقظان، فأجاب بقوله إن كان لهذا وجود فهو الترياقي وسئل عن شرب القهوة قبل أن يكمل اشتهارها بعدما قرر له اجتماع الفسقة على شربها، فأجاب بقوله ما أكب أهل الفجور على تعاطيه، فينبغي أن يجتنبه من يخشى الله، ويتقيه، وهذا ليس فيه تصريح بتحريمها، بل يقتضي أن الأولى تركها حذراً من التشبه بالفجار، والكلام في القهوة الآن قد انتهى الاتفاق على حلها في نفسها وأما اجتماع الفسقة على إدارتها على الملاهي، والملاعب، وعلى الغيبة، والنميمة فإنه حرام بلا شك وقد أجبت عن سؤال صورته.
أيها الفاضل الذي جمع العلم ... وحاز التقى فأصبح قدوة
أفتنا أنت هل تقول حلال أم ... حرام على الورى شرب قهوة
فقلت:
أيها السائل الذي جاء يرجو ... عندنا أن نبيحه شرب قهوه
قهوة البن لا تكون حراماً ... إنها لا تفيد في النفس نشوه
غير أن الذي يجيء بيوتاً ... هي فيها تدار عادم نخوه
إذ يرى المرد والمعازف والنرد ... وكل يلهو فيبلغ لهوه
ثم لم يقو أن يغير نكرأ ... خشية أن يعد ذلك هفوه
أو يجيبوه بالإهانة والسوء ... ويجفونه بأعظم جفوه

أويخلي شيطانه لهواه ... لهوه في تلك البيوت ولغوه
معرضاً عن رشاده وتقاه ... سالياً عن صلاته أي سلوه
كل هذا مخالف لطريق ... خطه المصطفى وعرج نحوه
فأجتنبه ودع طوائف تدعوك ... إليه ولو باكد دعوه
لا تطعهم ولو رضوا منك خطوة ... فتطيع الرجيم في كل خطوه
وإذا شئت شرب قهوة بن ... حسوة قد أردت أو ألف حسوه
فليكن ذاك وسط بيتك مهما ... لم تشب صفوها بموجب صبوه
واذكر الله أولاً وأخيراً ... وتوثق منه بأوثق عروة
قاله ابن الغزي نجم ابن بدر ... يرتجي من رب البرية عفوه
أخبرني شيخنا القاضي محب الدين الحنفي العلامة أن المفتي أبا السعود - رحمه الله تعالى - توفي بالقسطنطينية في الثلث الأخير من ليلة الأحد خامس جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وكانت جنازته حافلة وصلي عليه في حرم جامع السلطان محمد الكبير في ملأ عظيم، وجمع كثير، وتقدم للصلاة عليه فخر الموالي سنان، ودفن بمقبرته التي أنشأها بالقرب من تربة سيدي أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
محمد بن محمد بن ولي الدين الفرفورمحمد بن محمد بن أحمد القاضي ولي الدين ابن قاضي القضاة، ولي الدين بن الفرفور والد الشيخ أحمد بن الفرفور الموجود الآن الأطروش مات يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة سنة أربع وثمانين وتسعمائة ودفن عند رجلي أبيه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن القاصونيمحمد بن محمد المولى بدر الدين القاصوني رئيس الأطبة بإسلام بول مات في سنة خمس وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن محمد بن الدهانمحمد بن محمد القاضي رضي الدين ابن الشيخ محب الدين بن الدهان. الحنفي قاضي الديوان بمصر اجتمع هو، وأبوه بشيخ الإسلام الوالد حين كان بمصر سنة اثنتين وخمسين، وأشار الشعراوي إلى أنهما كانا في سنة إحدى وستين في الأحياء.
محمد بن محمد الأيجيمحمد بن محمد الشيخ الإمام، العلامة، العارف بالله تعالى شمس الدين، أبو النعمان بن كريم الدين الأيجي العجمي، الشافعي، الصالحي نزيل صالحية دمشق قدم دمشق، وهو شاب في سنة عشرين وتسعمائة، وصحب سيدي محمد بن عراق سنين كثيرة، وتعانى عنده المجاهدات، واشتغل بالعلم قبل أن يدخل بلاد الشام، وبعده على الشيخ الصفوي الأيجي، وغيره، وكان له يد في المعقولات، وولي تدريس الشامية عن شيخ الإسلام الوالد بعدما كان بينهما من المودة، والصحبة ما لا يوصف، وانتقد على الأيجي ذلك، وعوض الله تعالى على شيخ الإسلام الوالد بأحسن منها، وكان الشيخ محمد الأيجي ملازماً على الأوراد، والعبادات أماراً بالمعروف نهاء عن المنكر، وكان يتردد إلى الحكام، وغيرهم لقضاء حوائج الناس، والشفاعة فيمن يحتاج إليها عندهم، وسافر إلى الروم في قصة هي أن يهودياً سب الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى باب السلطان سليمان - رحمه الله تعالى - وذكر ثمة أنه هاجر من دياره إلى ديار العرب فراراً من سب الصحابة، فكيف؟ يقع في بلاد أهل السنة، والجماعة بسب جنابه صلى الله عليه وسلم من يهودي، فأحضر اليهودي، فأسلم اضطراراً قال

فقلت لأركان الدولة إن إسلامه غير صحيح فقالوا ما لنا إلا الظاهر، والأثر كذلك، فما مضى زمان إلا، ومضى اليهودي إلى بلاد النصارى، وأظهر يهوديته، ثم سافر مرة أخرى في سنة أربع وستين إلى الروم بسبب فتنة أبي اليسر البغدادي الذي كان قاطناً بصالحية دمشق، وكان قد شهد عليه أهل محلته، بأنه مأوى اللصوص، وأخذ خط الأيجي بالحيلة بأنه كذلك فذهب أبو اليسر خفية إلى بلاد الروم، فبعث الباشا خلفه بما سجل عليه، ومعه خط الأيجي إلى الروم فلما شكى أبو اليسر بالديوان قصته، وذكر أنه مظلوم، وأنه من جماعة الأيجي فقيل له: أترضى ما يقوله الأيجي، فإذا هو قد قدح فيه باللصوصية، فصلب من ساعته وكان الباشا قد عرض في الأيجي بسبب ذلك، فلما بلغ الأيجي ذلك خرج من دمشق إلى بلد الروم، وعرض أمره هناك، وشهد فيه قاضيا دمشق سابقاً سنان جلبي، وعبد الكريم زاده، وأعطي تدريس الأسدية الجوانية بحلب، ثم عاد إلى دمشق، واستقر أمره بها ذكر ذلك ابن الحنبلي، وحط من مقام الأيجي كثيراً على عادته، وقد حدثني الشيخ محمد التليلي الحنبلي، فقيه التليل من البقاع، ونحن عند عين العابد في جبل لبنان، أن رجلاً من أعيان صفد قال: سافرت في شيبتي إلى دمشق في تجارة فقبضت مرة خمسين ديناراً ذهباً، ثم ذهبت إلى منزلي في آخر النهار، فعرض لي رجل كأنه رآني حين قبضت المال، فسلم علي سلام من يعرفني، ويعرف أبي، وعشيرتي، وادعى قدم المودة بين أبي وبينه، وحلف علي أن أذهب معه، وأكون في ضيافته تلك الليلة قال فما وسعني إلا أني ذهبت معه، فخرج بي من ناحية العمارة، فما شعرت إلا وأنا معه في مقبرة هناك يعني مقبرة الفراديس، فنظرت يميناً وشمالاً، فما رأيت هناك أحداً، ونظرت إلى الشمس فإذا هي قد غربت قال: فما وسعني أن أظهر له أني تريبت منه، وسألته عن بيته فقال: ههنا قريب قال: فمشينا حتى تجاوزنا المقبرة، والطواحين بالقرب منها، فرأيت نفسي بين البساتين، وقد دخل الليل، ولم يمكنني الفرار لأني لم أعرف كيف أذهب؟ قال: فما مشينا غير ساعة، فلقينا جماعة من اللصوص فأهلوني، ورحبوا بي، وتكلم هو معهم بكلام ما فهمته غير أني تريبت منهم، وسقط في يدي، وأيقنت بأني مقتول قال: فجعلت أتلطف بهم، وهم يقولون لي لا تخف تكون معنا الليلة على أكل وشرب قال: وذهبوا بي يريدون مكاناً يستقر فيه أمرهم على ما يصنعون بي، فبينما هم ماشون وأنا معهم في أسوأ حال إذا بجماعة صادفوهم، فتعارفوا، وتسالموا، وفي الجماعة التي لقيناهم شيخ موقر. التفت إلى الجماعة التي أنا معهم، فسماهم بأسمائهم. وقال: يا فاعلون من هذا الذي معكم؟ فقالوا: هذا ضيف معنا فقال الشيخ: نحن أحق بضيافته منكم، وشتمهم، واستخلصني منهم، ثم سار هذا الشيخ هو، وجماعته، وأنا معهم، والشيخ يسكن خاطري، ويقول كيف صار لك حتى وقعت في أيدي هؤلاء الفاعلين الصانعين ما أرادوا إلا قتلك، وأخذ أمتعتك فذكرت له قصتي وسرنا ساعة، واذا نحن صاعدون جبلاً فيه أشجار كثيرة، فانتهينا إلى عين ماء، وإذا جماعة هناك قاموا إلى لقائنا، وصافحوا ذلك الشيخ، وقبلوا يده، وسلموا على من معه، ثم جلس في أوسطهم، وقعدوا يذكرون الله تعالى، ويتذاكرون إلى الصباح، فتوضأوا، وصلى ذلك الشيخ الفجر بهم إماماً، ثم ودع بعضهم بعضاً، ورجع الشيخ بجماعته، ومشى بنا نحو ساعة فما تعارفت الوجوه إلا، ونحن بصالحية دمشق، فودعني الشيخ، وقال لي يا ولدي لا تعد إلى مثلها، ولا تطرف بنفسك بعد ذلك، وانصرف، وتفرقت عنه جماعته، فلما فارقنا الشيخ رافقني رجل منهم، فسألته عن الشيخ، وعن المكان الذي كنا نحن فيه فقال لي: هذا هو الشيخ الأيجي، وهذه الصالحية، وبيت الشيخ الأيجي بها، والمكان الذي كنا فيه مصلى الصالحين عند عين العابد من جبل لبنان، وهو عن دمشق مرحلتان، والجماعة التي أخذوك. اللصوص، والشيخ يعرفهم، واحداً واحداً، وقد أنقذك الله تعالى منهم ببركة الشيخ، وهذه القصة من لطائف القصص، وهي كافية في تعريف مقام الشيخ الأيجي، رحمه الله تعالى. وكانت وفاته يوم الجمعة بعد الصلاة عاشر جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وتسعمائة، ووقف على غسله قاضي القضاة حسين جلبي ابن قرا قاضي قضاة دمشق وصلى عليه بجامع الحنابلة هو، ونائب الشام حسن باشا ابن الوزير محمد باشا، ودفن من الغد بمنزله بسفح قاسيون رحمه الله تعالى رحمة

واسعة..
محمد بن محمد بن عماد الدينمحمد بن محمد الشيخ الإمام العلامة، الأوحد المدقق، الفهامة، الشيخ عماد الدين الدمشقي الحنفي العنابي الصالحي الأصل مولده في سنة سبع بتقديم السين وثلاثين وتسعمائة. قرأ في النحو، والعروض، والتجويد على الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين الطيبي المقرئ، والمقولات على الشيخ الإمام العلامة أبي الفتح السبستري وعلى الشيخ الإمام العلامة علاء الدين بن عماد الدين رفيقاً عليهما للشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ ابن المنقار والأسد والشيخ محمد الصالحي، وغيرهم وقرأ في الفقه على الشيخ العلامة الخطيب نجم الدين البهنسي، وتوفي قبله، وعلى غيره، وبرع في العربية، وغيرها، وتصدر للتدريس بالجامع الأموي، ودرس بالريحانية، والجوهرية والخاتونية، والناصرية، ومات عنها، وقصده للقراءة عليه الفضلاء وتردد إليه النواب وغيرهم، وكان حسن الأخلاق ودوداً، وكان في ابتداء أمره فقيراً، ثم حصل دنيا، ونال وجاهة، وثروة، ولم يتزوج حتى بلغ نحو أربعين سنة، وكان حسن الشكل، لطيف الذات جميل المعاشرة، خفيف الروح، وعنده عقل، وشرف نفس، وكان يدرس في التفسير، وغيره وانتفعت به الطلبة منهم الفاضل إبراهيم بن محمد بن مسعود بن محب الدين، والشيخ تاج الدين القطان، والشيخ الفاضل البارع العلامة بدر الدين حسن البوريني، والشيخ الفاضل الشمس محمد بن فواز وغيرهم وله شعر لطيف منه قوله في صدر مطالعة مضمناً:
على ذاتكم مني سلام مؤبد ... وأزكى تحيات تضوع طيبها
وإني لمشتاق لطلعة أنسكم ... هوى كل نفس أين حل حبيبها
وله معمى في عمر:
ولم أنس إذ زار منيتي ... عشية عنا الرقيب احتبس
فمن فرحتي رحت أتلو الضحى ... وحاسدنا مر يتلو عبس
وله معمى في علي:
قد زارني من أحب ليلاً ... بطلعة البدر والكمال
وبت منه بطيب عيش ... أوله بالهنا وفالي
وله:
لما رأى عاذلي حبيبي ... والشمس تهوى له وتسجد
قال أهدني الوصل قد ضللنا ... يا رب حسن إياك نعبد
وعندي في هذا الإقتباس نظر وأقول:
سبحان من بجماله سبحانه ... أعنو ولست لغيره ما عشت أسجد
توحيده ديني بإخلاص له ... لا لا أقول لغيره إياك نعبد
وقرأت بخط العلامة الشيخ محمد بن داود المقدسي، الشافعي، قال أنشدني الشيخ عماد الدين من لفظه في مليح بملحه التعديل:
إياك والتعديل لا تمرر به ... وحذار من ظبي هناك كحيل
ما زال يجرح من رآه بطرفه ... فتوق شر الجرح والتعديل
وله:
وحق من بالجمال زينه ... وصانه عن شوائب الكدر
ما بيننا ريبة نشان بها ... وليس غير الحديث والنظر
وله في القهوة:
هذه القهوة الحلال أتتكم ... تتهادى والطيب يعبق منها
سودوها على الحرام بحل ... وأماطوا غوائل الغول عنها
وقال:
كن إلى الله راجعاً عن قريب ... وأفعل الخير واخش يوماً عسيرا
وإلى كم تعصى الإله وهذا ... زمن الشيب قد أتاك نذيرا
توفي ليلة الإثنين ثاني عشر شعبان سنة ست وثمانين وتسعمائة، وصلي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن في مقبرة باب توما جوار الشيخ أرسلان، وهو والد أخينا العلامة الفاضل البارع زين الدين عبد الرحمن الحنفي مدرس الشبلية الآن.
محمد بن محمد بن أبي الفضل القصيرمحمد بن محمد بن أبي الفضل ابن الإمام القاضي، نجم الدين بن أبي الفضل الشافعي القصير أحد العدول بدمشق كان يتسبب بسوق الدهشة، ثم شهد بمحكمة الصالحية، وصار رئيسها، ثم بالمحكمة الكبرى و صار رئيسها أيضاً، وناب في القضاء بالميدان، وبالكبرى، ثم ترك النيابة، وعاد إلى الشهادة، واستمر إلى أن ضعف بصره، ورق جسده، وضعف عن الحركة، وانقطع بمنزله نحو تسعة أشهر، ثم مات في سنة تسع وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة في الثلاثة ودفن بالصالحية، وكانت صبيحته في مسجد هشام رحمه الله تعالى.
محمد بن إبراهيم الشغري

محمد بن إبراهيم بن محمد الشيخ العالم شمس الدين الشغري ثم الرومي، ثم اللادقي، ثم الحلبي الشافعي الحلواني أشغله والده، وهو خطيب جامع الروضة من معاملة الشغر في طلب العلم، فقرأ النحو على الشيخ، إبراهيم الخانوتي، والفقه على الشيخ داود القصيري، وتفقه بحلب على البرهان العماري، والشيخ عبد الرحمن بن القصاب، وكان له إفراط ذكاء، وقوة حفظ، وكان يستحضر شرح البهجة للقاضي زكريا طالعه مرة واحدة فعلق بذهنه، وأخذ الطريق عن الشيخ أحمد بن عبدو القصيري، ثم أشغل الطلبة باللاذقية، واعتقد أهلها لصلاحه، ونورانية شكله، ولعله مات في هذه الطبقة، وكان موجوداً في سنة أربع وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبليمحمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، أبو عبد الله رضي الدين المعروف بابن الحنبلي الحنفي أخذ عن الحناجري، والبرهان، وعن أبيه، وآخرين، وقد استوفي مشايخه في تاريخه، وحج سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ودخل دمشق، وكان بارعاً مفنناً انتفع عليه جماعة من الأفاضل كشيخنا شيخ الإسلام محمود البيلوني، وشيخ الإسلام بدمشق شمس الدين بن المنقار، والعلامة البارع، المحقق سيدي أحمد بن المنلا، واجتمع به شيخنا شيخ الإسلام القاضي محب الدين، وأخذ عنه، وأخبرني عنه أنه كان إذا عرض له آية يستشهد بها في تصانيفه جاء إلى تلميذه الشيخ محمود البيلوني، وقد فضل في حياته، وكان يحفظ القرآن العظيم، فيجيء ابن الحنبلي إلى محل درسه بمدرسته بحلب، ويسأله عن الآية فيكتبها من حفظه، وله مؤلفات في عدة فنون منها حاشية على شرح تصريف العزي للتفتازاني وشرح على النزهة في الحساب والكنز المظهر، في حل المضمر، و مخائل الملاحة في مسائل الفلاحة، و سرح المقلتين، في مسح القبلتين، وكنز من حاجى وعمى، في الأحاجي والمعمى، ودر الحبب في تاريخ حلب، ونظم الشعر، إلا أن شعره ليس بجيد لا يخفى ما فيه من التكليف على من له أدنى ذوق فمنه قوله مضمناً:
بالله أن نشوات شمطاء الهوى ... نشأت فكن للناس أعظم ناس
متغزلاً في هالك بجماله ... بل فاتك بقوامه المياس
وأشرب مدامة حب حب وجهه ... كأس ودع نشوات خمر الطاس
وإذا شربت من المدام وشربها ... فاجعل حديثك كله في الكاس
وقال، وقد سمع عليه قوم منهم ابن المنلا كتاب الشمائل للترمذي:
يا من لمضطرم الأوام ... حديثه المروي ري
أروي شمائلك العظام ... لرفقة حضروا لدي
علي أنال شفاعة ... تسدي لدى العقبى إلي
إذا شفعت لذنبه ... ولأنت لم تنعت بلي
حاشا شمائلك اللطيفة ... أن ترى عوناً علي
توفي يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، ودفن بمقابر الصالحين بالقرب من قبر الشيخ الزاهد محمد الخاتوني بين قبريهما نحو عشرة أذرع، وورد الخبر بموته إلى دمشق في آخر جمادى المذكور.
محمد بن إبراهيم ابن عم العيثاويمحمد بن إبراهيم الشيخ الفاضل الصالح شمس الدين ابن عم شيخنا العيثاوي كان إماماً بعد والده بمدرسة تنبك الحسني بمحلة ميدان الحصا قال عمه: وكان ورعاً متقللاً من الدنيا توفي في صفر سنة سبعين وتسعمائة، و دفن بمقبرة الجورة على والده رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الصفدي بن الحمراويمحمد بن أحمد بن يوسف بن أبي بكر القاضي كمال الدين ابن القاضي شهاب الدين الزبيدي، الصفدي، ثم الدمشقي الحنفي الشهير بابن الحمراوي: قال والدي: حضر كثيراً من دروسي، وذكر أن مولده سنة تسع وتسعمائة انتهى.

وتولى القاضي المذكور، وظائف متعددة كنظر النظار، ونظر الجامع الأموي والحرمين الشريفين، وكان الحرب بينه وبين السيد تاج الدين، وولده محمود قائمة، وكان هو المؤيد عليهما، وكان من رؤساء دمشق، وأعيانها المعدودين جواداً له في كل يوم أول النهار، و آخره مائدة توضع بألوان الأطعمة المفتخرة، وكان ذا مهابة، وحشمة، ووجاهة لا ترد شفاعته في قليل، ولا كثير، وكان ينفع الناس بجاهه، وكان يكرم القادمين إلى دمشق من أعيان أهل البلاد، ويقربهم، ويحتفل لضيافتهم، وكان يتردد إليه الفضلاء، والأعيان وكان باب الخضر الذي يمر منه إلى الطواقية أضيق منه الآن، فوسعه من ماله، وكان باب الخضرة، والحياكين، يقفلان من آذان المغرب، فلا يفتحان إلى طلوع الشمس من اليوم الثاني، وكان يتضرر بذلك أهل تلك المحلات إذا أرادوا الصلاة في الجامع ذهبوا في طريق بعيد، فاستأذن القاضي كمال الدين قاضي قضاة البلد في عمل قوس حجر، وباب يقفل على سوق الذراع من آخر سوق الحياكين، وأن يفتح باب الخضراء، والحياكين من وقت آذان الصبح، فلا يقفلان حتى يفرغ من الصلاة الثانية من صلاة العشاء، فأذن له ففعل، وصرف على ذلك من ماله، وللشعراء عنه مدائح كابن صدقة، وغيره، وتوفي كما قرأت بخط الطيبي نهار الإثنين رابع عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وتسعمائة وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بباب الصغير ثاني يوم نهار الثلاثاء قرب الظهر رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد النهروانيمحمد بن أحمد علاء الدين بن محمد بن قاضي خان بن بهاء الدين بن يعقوب بن حسن بن علي النهرواني الشيخ الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، الشيخ قطب ابن الشيخ العلاء علاء الدين النهرواني الأصل الهندي، ثم المكي الحنفي، وما أوردته في نسبه هو ما قرأته بخطه في استدعائه لشيخ الإسلام الوالد، ووقع في تاريخ ابن الحنبلي أنه محمد بن علي بن محمد بن عبد الله، وهو غلط لأنه أمس بمعرفة نسبه، وكان ابن الحنبلي أخذ تسمية أبيه بعلي من لقبه علاء الدين، وذكر ابن الحنبلي أيضاً أنه مشهور بالشيخ قطب الدين الهندي، مولده سنة سبع عشرة وتسعمائة كما قرأته بخطه وأكبر من حدث عنه من المسندين الشيخ عبد الحق السنباطي، ومن أعظم مشايخه والده والشيخ محمد. التونسي، والشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ أحمد بن يونس بن الشلبي، والشيخ جمال الدين الجرياني، واجتمع بشيخ الإسلام الوالد بمكة، وبالشام ثم كتب إليه استدعاء في سنة سبع وسبعين وتسعمائة ليجيزه، ويجيز أولاده، فكتب إليه بإجازة حافلة، وتقع لنا الرواية عنه من طريق شيخنا المرحوم الشيخ زين الدين ابن سلطان الحنفي فإنه اجتمع بمكة، وأخذ عنه، ولما دخل دمشق عازماً على السفر إلى الروم نزل بحارة القراماني تحت قلعة دمشق، وإضافة شيخ الإسلام الوالد، ثم العلامة الشيخ علاء الدين بن عماد الدين، ثم القاضي كمال الدين الحمراوي، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وأثنى عليه قال: وألم باللغتين التركية والفارسية، ومن مؤلفاته طبقات الحنفية احترقت في جملة كتبه قلت ووقفت له على تاريخ كتبه لمكة المشرفة، وكان بارعاً مفنناً في الفقه، والتفسير، والعربية، ونظم الشعر ونظمه في غاية الرقة منه الزائية المشهورة عنه:
أقبل كالغصن حين يهتز ... في حلل دون لطفها الخز
مهفهف القد ذو محيا ... بعارض الخد قد تطرز
دار جديه واو صدغ ... والصاد من لحظه تلوز
الخمر والجمر من الماء ... وخده ظاهر وملغز
يشكو له الخصر جور ردف ... أثقله حمله وأعجز
طلبت منه شفاء سقمي ... فقال لحظي لذاك أعوز
قد غفر الله ذنب دهر ... لمثل هذا المليح أبرز
حز فؤادي بسيف لحظ ... أواه لو دام ذلك الحز
أفديه من أغيد مليح ... بالحسن في عصره تميز
كان نديمي فمذ رآني ... أسيره في الهوى تعزز
يا قطب لا تسل عن هواه ... وأثبت وكن في هواه مركز
قال الحنبلي وقد نسجنا على منواله فقلنا:
ما لفتى للجمال أبرز ... فقد فتن العالم المميز
أوقعه في هوى هواه ... وكل عز عليه قد عز

وصار من طرفه سقيما ... إذ صح منه الهوى المجوز
وعاد من خصره نحيلا ... بلون أهل الهوى تطرز
وصار تعروه هزة من ... ذكراه للقد حين يهتز
وهو على الذل لا يبالي ... فتكأ من الحب إذ تعزز
يا قوم لا تنكروا احتمالي ... من لخلال الجمال أحرز
أن جزا فرع الوفاء يوماً ... فكم حبا وعده وأنجزه
وإن جفاني فكم وفاني ... وفاء ذلك المنجز
وإن يجز للملوك فتك ... حينا ففتك الحبيب أجوز
ألا فصل سالماً وسالم ... وأن يكن قد رمحك أهتز
لست بقال ولا بسال ... عنك وفي القلب أنت محرز
دائرة القلب أنت فيها ... وليس فيها سواك مركز
لله قلب له امتياز ... إذ عاد فيه الحبيب يحرز
مازحه وهو ذو امتياز ... ذو ذا وذا سائغ ومعزز
وحبذا الحب حب حب ... عن لطف معناه ما تحرز
مدحا حق فيه مدحي ... من مطنب صفته وموجز
فيه امتداحي كؤوس راحي ... أطال في الصد أو تجوز
قلت قد تحمل ابن الحنبلي في معارضته القطب مالا يطاق، وجاء فيه من التكليف بما لا يخفى على ذوي الأذواق، فسبحان من قسم العقول بين عباده، والأخلاق، والأرزاق، ولما وقفت على أبياته عن لي أن انتصر للقطب، وأعارض معارضه، ولعل الدهر دول تتداول بين الناس ومقارضه:
سبحان من للوجود أبرز ... رشا بحكم الهوى تعزز
زاد على الرئم في دلال ... وعن جميع المها تميز
أحوى وللظرف ليس منه ... أحوى ولا للبهاء أحوز
لقد كساه الجمال ثوباً ... بألطف اللطف قد تطرز
رنا بطرف جآذري ... كأنه للوصال الغز
وعداً ولكن بلا نهار ... يا حبذا الوعد لو تنجز
بعثت باثنين من خضوعي ... وثالث بعد ذين عزز
أرجو وصالاً منه بعز ... من عز من وصله فقد بز
فما رثا لي وما وفا لي ... وقد قسا قلبه ولزز
وعف إلا عن قتل مثلي ... فإنه عنه ما تحرز
سطا بسهم اللحاظ فينا ... فكلم القلب ثم أجهز
علمت قتل النفوس ظلماً ... فمن لقتل المحب جوز
أعوزني حسنه إليه ... فليس مني إليه أعوز
لذاك أوعزت في هواه ... تيسر الوصل منه أو عز
أسكتته في ضمير قلبي ... فهو بخدر الفؤاد محرز
أفردني حسنه لوحدي ... عن كل عشاقه وأفرز
ما ارتاح قلبي إلى حديث ... سوى هواه كلا ولا أهتز
إلا لمدح الشفيع طه ... محمد المصطفى المميز
من جاء بالنور في كتاب ... به لكل الفصاح أعجز
تراه في أبلغ المثاني ... حقاً لكل العلوم أحرز
رقا به الله فوق سبع ... فجل مقداره وقد عز
ما شئت في مجده فعدد ... فمطنب المدح فيه موجز
وحاصل القول فيه قطب ... لسائر المكرمات مركز
عليه مني صلاة عبد ... قد فاق في حبه وبرز
ومن شعر الشيخ قطب الدين معمى في اسم زين:
وكوكب الصبح إذ تبدى ... بشرنا باللقا صباحا
طوبى لنا إننا ظفرنا ... بغاية العز حين لاحا
توفي الشيخ قطب الدين صاحب الترجمة رحمه الله تعالى بمكة المشرفة في سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن أحمد البصروي: محمد بن أحمد بن محمد، القاضي أمين الدين ابن القاضي شهاب الدين البصروي، الشافعي، أحد الشهود بالقسمة، وكاتب الحرمات، والأوقاف والمرستان كانت والدته الشيخة الفاضلة السيدة زينب بنت الشيخ رضي الدين الغزي الجد توفي يوم السبت يوم عيد الأضحى سنة ثمان وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

محمد بن أحمد الحرستاني: محمد بن أحمد بن علي بن محمد الحرستاني الدمشقي الكاتب. الشيخ الصالح الزاهد، القانع، بل العارف بالله تعالى مولده بحرستا سنة ثلاثين وتسعمائة تقريباً، وأخذ عن الشيخ منصور السقيفة سكن بحجرة بمدرسة القيمرية الجوانية، وكان يكتب المصاحف، وغيرها بها ويقتات من أجرة كتابته كتب نحو سبعين مصحفاً، وكتب أشياء كثيرة من كتب الفقه والتصوف وكتب الفتوحات المكية وكان يحب العزلة، والانفراد عن الناس، وحاول قضاة القضاة أن يستكتبوه شيئاً من كتب الفقه، وغيره فلم يفعل، وأعرض عن الكتابة لهم وترك القيمرية والسكنى بها لذلك، وجاور بجامع السقيفة خارج باب توما في حجرة هناك راكبة على نهر بردا، وحج في سنة إحدى وتسعين وتسعمائة وجاور بالمدينة، ومات بها بعد أن ظهرت له مكاشفات، واعتقده أهل المدينة سنة اثتتين وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى ودفن بالقرب من سيدي عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.
محمد بن أحمد الطرابلسيمحمد بن أحمد الشيخ الفاضل ناصر الدين الطرابلسي الحنفي إمام الجامع الأموي بدمشق، ووالد إمامه الشيخ علاء الدين مولده سنة سبع عشرة وتسعمائة، تفقه بالشيخ قطب الدين بن سلطان، وأخذ النحو، وغيره عن الشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي، وقرأ القرآن للعشر على الشيخ تقي الدين القاري، والشيخ علاء الدين القيمري، وكان يحفظ كتاب الله تعالى توفي يوم السبت ثالث عشري رمضان سنة تسع بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد أفندي المعروف بشيخ كمالمحمد أفندي ابن أحمد كمال دفتر دار دمشق ابن ناظر النظار بها. المعروف بشيخ كمال حضر موت شيخ الإسلام الوالد، ورأيته يقرر كتب المرحوم فقال لي: وكنت ابن سبع سنين يا سيدي نجم الدين أنا ما رباني إلا شيخ الإسلام والدك لأنه أخذ بيتنا، وكانت أخته السيدة زينب عند أبي فوجدني أحذف الكتاب إلى أعلى ثم آخذه بفمي فقال لي يا محمد جلبي ما هذا إن هذا لا يليق بأمثالك إنما يليق بأولاد السفهاء قال: فآثر ذلك في قلبي ونفعني الله تعالى بتربيته حتى صرت إلى ما صرت إليه، وكان ذلك ببركته توفي في حدود التسعين وتسعمائة، وهو والد يحيى جلبي الدفتر دار أيضاً رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الداخل المنشدمحمد بن أحمد بن فراج الصالحي الداخل المنشد،. صاحب النكت والنوادر، أحد جماعة الرئيس الجعيدي، كان يتردد إلى الأكابر ويبيت عندهم الليالي وفيه يقول شيخ الإسلام الوالد مخاطباً للسيد تاج الدين الصلتي:
آيست من خيركم بعدما ... قد كنت كالطامع والراجي
بسعيكم في قطع معلومنا ... ووصل معلوم ابن فراج
لأنه في بيتكم دائماً ... أول ولاج وخراج
فهو على منهاجكم سالك ... مخالفاً في ذاك منهاجي
وأن منهاجي نفع الورى ... سائر يومي ثم أدلاجي
وأنتم قد سرتم فيهم ... سيرة سفاح وحجاج
وأنت والله إن لم تتب ... ما أنت بالناجي ولا التاج
وقال الشيخ الوالد وكان اطلع على أن ابن فراج غير راض من السيد تاج الدين:
قد آيس الطامع والراجي ... من خيركم حتى ابن فراج
فإنه من كربة يرتجي ... إهلاككم من خير فراج
مات ابن فراج في سابع عشر شعبان سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة رحمه الله تعالى.

محمد بن أحمد ماميه الشاعر: محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بماميه الشاعر. المشهور أصله من الروم، وقدم في حال صغره، فلما التحى صار ينكجرياً بخمسة عثمانية، وحج في زمرة الينكجرية سنة ستين وتسعمائة، وكان في تلك الحالة يميل إلى الأدب ونظم الشعر، ثم عزل عن الينكجرية، وصحب الشيخ أبا الفتح المالكي، وعليه في الأدب ثم قرأ على الشيخ شهاب الدين الأخ في الجرومية وكان قبل قراءته في النحو جمع لنفسه ديواناً كله ملحون، فلما ألم بالنحو أعرض عنه، وأصلح ما كان يمكنه إصلاحه ووقفت على نسخة من ديوانه، وعليها إصلاحات كثيرة بخط الأخ رحمه الله تعالى وتولى آخراً الترجمة بمحكمة الصالحية، ثم بالكبرى، وعزل منها، فلما تولى محمد أفندي جوي زاده مدحه بقصيدة دالية، فلما أنشدها بين يديه قال له: اجلس فجلس فقال له: ما بيدك من الجهات؟ فقال: الجهات الست، فتبسم القاضي، وقال له: ما عندك من الدواوين وكتب الأدب. فقال له: اذهبها الفقر فقال له: ما تطلب؟ فقال له:
ما تطلب؟ قال ترجمة الكبرى فأمر لها بها، ثم عزل بعد مدة عنها، وكان يمدح الناس، ويأكل من جوائزهم، ثم تولى ترجمة القسمة فأثرى، وكان إليه. المنتهى في الزجل، والموال، والموشحات وقال فيه أستاذه أبو الفتح المالكي:
ظهرة لماماي الأديب فضيلة ... في الشعر قد رجحت بكل علوم
لا تعجبوا من حسن رونق نظمه ... هذا إمام الشعر ابن الرومي
وجمع لنفسه ديواناً وجعل تاريخه جمعه قوله:
وأتوا البيوت من أبوابها
وذلك سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وله التواريخ التي لا نظير لها كقوله في تاريخ عرس:
هنئتم بعرسكم ... والسعد قد خولكم
وقد أتى تاريخه ... نسائكم حرث لكم
وقال مؤرخاً للسبيل الذي أنشأه الشيخ أحمد بن سليمان جوار سيدي سيف الدين:
هذا السبيل الأحمدي ... لله ما فيه خفا
وقد أتى تاريخه ... اشرب هنيئاً بل شفا
وله:
لقد مرض الظلوم لنا فعدنا ... فنحن إذا أناس راحمونا
فظن بأننا عدناه خوفا ... فأن عدنا فإنا ظالمونا
ولقد أحسن في قوله:
هل لقوم ضلوا عن الرشد لما ... أظهروا منهم اعتقاداً خبيثاً
كيف تنبي عن القديم عقول ... لا يكادون يفقهون حديثاً
مات في ذي الحجة سنة ست أو في المحرم سنة سبع وثمانين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي، ودفن في باب الفراديس بالقرب من قبري ابن مليك، وأبي الفتح المالكي رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الغيطي

محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الشيخ الإمام العلامة، المحدث المسند اللهامة صاحب كتاب المعراج، شيخ الإسلام نجم الدين الغيظي الإسكندري، ثم المصري الشافعي، ولد في أثناء العشر الأولى من القرن العاشر كان رفيقاً لوالدي على والده، وعلى القاضي زكريا قرأ عليه البخاري كاملاً، وسمع عليه جميع صحيح مسلم، وقرأ عليه سنن أبي داود إلا يسيراً من آخرها، ومات قبل إكماله، وقرأ عليه شيئاً من القرآن العظيم جمعاً للسبعة إلى قوله " وأولئك هم المفلحون " ولبس منه خرقة التصوف، وسمع على الشيخ عبد الحق السنباطي سنن ابن ماجة كاملاً، والموطأ وقرأ عليه مجالس عديدة من أوائل سنن أبي داود، والترمذي، وقرأ عليه من شرح المنهاج للمحلي، إلى باب شروط الصلاة بحق أخذه له عن مؤلفه سماعاً عليه لكتاب البغاة منه، وقرأ عليه من شرح التصوف للتفتازاني، وسمع عليه بحق أخذه له عن التقي الحصكفي عن عالم هراة منلا شمس الدين الحاجري عن مؤلفه، وسمع عليه دروساً من التفسير والشاطبية، وألفية ابن مالك، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وأخذ عنه النحو عن الشمني بسنده، وقرأ وسمع غالب المنهاج تقسيماً على السيد كمال الدين بن حمزة الشامي لما قدم عليهم مصر في سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وقرأ على الكمال الطويل كثيراً منه جزء في فضائل ليلة القدر للؤلؤي العراقي قراءة عليه بسماعه له عن الشرف المناوي عن مؤلفه، وأخذ عنه ألفية العراقي، وأجازه بالتدريس، والإفادة والإفتاء، وسمع على الشيخ أمين الدين بن النجار جميع الموطأ رواية يحيى بن يحيى وأخذ عن البدر المشهدي كثيراً وسمع عليه الموطأ رواية أبي كاملاً، وقطعة من مسند الطيالسي وأخذ عنه شرح النخبة، ومجالس من ألفية الحديث، وقرأ جميع البخاري على أبي السعودي أحمد ابن العلامة عز الدين السنباطي، وأخذ عن الشمس الدلجي القرآن العظيم، وغيره، وأخذ التفسير والحديث، والفقه عن الشيخ أبي الحسن البكري، وذكر الشعراوي أنه أفتى ودرس في حياة مشايخه بإذنهم، وألقى الله محبته في قلوب الخلائق، فلا يكرهه إلا مجرم أو منافق، وانتهت إليه الرئاسة في علم الحديث، والتفسير، والتصوف، ولم يزل أماراً بالمعروف ناهياً عن المنكر يواجه بذلك الأمراء، والأكابر لا يخاف في الله لومة لائم ثم قال: ولما وقعت فتنة أخذ، وظائف الناس بغير حق من بعض المفتنين انتدب لها، وواجه الباشا والأمراء بكلام لا يقدر أحد من أقرانه أن يتلفظ به، وكان خمود الفتنة على يديه، ووصل خبره إلى الروم، والحجاز، والشام، وشكره المسلمون على ذلك قال: وتولى مشيخة الصلاحية بجواذالإمام الشافعي، ومشيخة الخانقاه، والسرياقوسة، وهما من أجل وظائف مشايخ الإسلام من غير سؤال منه وأجمع أهل مصر على جلالته.
قال: وما رأيته قط يغتاب أحداً وآذاه بعض الناس أشد الأذى فلم يقابله بكلمة واحدة فازداد بذلك هيبة، ومحبة في قلوب الناس، وازداد عدوه مقتاً.
قال: وما رأيت أحداً من أولياء الله تعالى من مصر إلا يحبه، ويجله، لا سيما الشيخ نور الدين الشوني لأن والده كان من أجل أصحاب الشيخ نور الدين، وذكره شيخنا القاضي محب الدين الحنفي في رحلته إلى مصر فقال: وإما حافظ العصر وحيد دهره، ومحدث مصره الرحلة الإمام، والعمدة الهمام، الشيخ نجم الدين الغيطي فإنه محدث هذه الديار على الإطلاق، جامع للكمالات الجميلة، ومحاسن الأخلاق، حاز أنواع الفضائل والعلوم، واحتوى على بدائع المنثور، والمنظوم، إذا تكلم في الحديث بلفظه الجاري، أقر كل مسلم بأنه البخاري، أجمعت على صدارته في علم الحديث علماء البلاد، واتفقت على ترجيحه بعلو الإسناد، ووقفت له على مؤلف سماه القول القويم، في إقطاع تميم ، توفي في سنة ثلاث أو أربع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن أبي الجودمحمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عيسى بن شرف بن موسى بن حسين بن إبراهيم، الشيخ البارع ناصر الدين المعروف بابن أبي الجود، وبابن أبي الحيل قديماً، وبابن الكشك الشلاخ، أبوه قال الوالد: قرأ علي من الترمذي إلى كتاب الصلاة، والبردة، والمنفرجة، وسمع قصيدتي القافية، والخائية مرثيتي شيخ الإسلام، وقصيدتي الثائية المثلثة، في مجددي دين الأمة، وبعض كتابي الدر النضيد، وغير ذلك وأجزته مولده سنة تسع عشرة وتسعمائة.

انتهى، وأخبرنا الشيخ أبو اليسر القواس أنه كان له ذكاء مفرط، وعرض له كل الأفيون، وهو لبن الخشخاش وغلب عليه، فكتبت إليه العمة خالة الشيخ أبي اليسر المذكور السيدة زينب بنت الشيخ رضي الدين تنصحه:
يا ناصرالدين يا ابن الكشك يا ذا الجود ... اسمع أقول لك نصيحة تطرب الجلمود
بسك تعاني اللبن فهمك هو المقصود ... يصير بالك وما لك والذكا مفقود
وكان المذكور رئيس الكتبة بمحكمة القسمة، وماميه ترجماناً بها، وكان يصير بينهما لطائف، ووقائع، ولناصر الدين شعر منه قوله مخمساً لأبيات البكري في القهوة:
كم قلت والصدق غدا مبهتاً ... أما تخاف الله حتى متى
رغماً به فيما به قد أتى ... يا قهوة تذهب هم الفتى
أنت لقاري العلم نعم المراد
ويحك كم تذكرها بالجفا ... معانداً أهل الوفا والصفا
ونفعها بين الورى ما خفا ... شراب أهل الله فيها الشفا
لطالب الحكمة بين العباد
يا طيبها فيها الهنا والمنى ... وتذهب البؤس وتنفي العنا
ومن سنا ما تحتوي أننا ... نطبخها قشراً فتأتي لنا
في نكهة المسك ولون المداد
كم بلغت مغرى بها آمل ... مراتباً عزت على فاضل
مستورة عن جاحد جاهل ... ما عرف المعنى سوى عاقل
يشرب في وسط الزبادي زباد
ما حازها غير فتى كامل ... محجوبة عن مهل سافل
يضرب في الماء بلا طائل ... حرمها الله على جاهل
يقول في حرمتها بالعناد
يا حسنها وهي بفنجانها ... تزهر كالعين بإنسانها
يقول كل الناس في شأنها ... فيها لنا برء وفي حانها
صحبة أبناء الكرام الجياد
خسا الذي قد قال في نقله ... بأنها تحرم من جهله
ليست تحاكي الراح في فعله ... كاللبن الخالص في حلة
ما خرجت عنه بغير السواد
توفي يوم السبت رابع عشر ذي الحجة سنة اثتتين وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن مرحبامحمد بن أحمد بن مرحبا القاضي شمس الدين ابن الشيخ شهاب الدين بن مرحبا الطرابلسي الشافعي توفي في سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أمر الله التوقانيمحمد بن أمر الله المولى محيي الدين التوقاني الحنفي أحد الموالي الرومية الشهير بأخي زاده خدم معلم السلطان المولى خير الدين، وتولى المناصب وآخر ما تولى تدريس دار الحديث للسلطان سليمان، وتوفي يوم الخميس خامس عشر في ذي القعدة سنة تسع بتقديم التاء وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن حسن الجنابيمحمد بن حسن السيد الشريف المولى العلامة قاضي قضاة حلب المعروف بالجنابي. كان حسن السيرة في قضائه توفي في عشر التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن حسن السعودي

محمد بن حسن السيد الشريف العالم المحقق، والفاضل المدقق، أحد الموالي الرومية، والأئمة الحنفية المعروف بالسعودي أخو المتقدم ذكره أخذ هو وأخوه، عن المفتي أبي السعود صاحب التفسير، وتناولته منه عنه، وعن ابن عبد الكريم وغيرهما ترقى في المناصب حتى صار قاضي قضاة حلب، وعزل عنها فأعطي قضاء المدينة، وقدم علينا دمشق في شعبان سنة ثمان وتسعين وتسعمائة فأقام عندنا مريداً للسفر مع الحاج فلما كان أواخر رمضان ورد عليه أمر بأنه أعطي قضاء آمد مضافاً إليه إفتاؤها وقضاء البيرة، فسافر من دمشق إليها في شوال، واختصصت بصحبته في تلك المدة في تفسير أبي السعود، فأخذته عنه فناولني نسخة منه وأجازني بسائره، وبسائر ما يجوز له وعنه روايته، وذاكرته كثيراً، فإذا هو أعجوبة في اللهم، والذكاء وكان متصفاً في البحث علامة في الفنون ديناً فقيراً دخلت عليه يوماً فقال لي: رأيت البارحة في المنام كأني داخل إلى بستان قيل لي: أنه بستان جار الله العلامة الزمخشري قال: فقلت: أدخل واغتنم رؤيته، فدخلت فإذا هو جالس في قصر في ذلك البستان، وليس فيه فراش، ولا حصر إلا أنه جالس على قطعة حصير بقدر مجلسه، وبين يديه صندوق عليه كتب، فسلمت عليه فرد، فقلت له: يا أستاذ كيف حالكم؟ قال: إن أردت أن تعرف إقرأ سورة التغابن بلغنا خبر موته بآمد في أواخر السنة المذكورة أو في أوائل سنة تسع وتسعين وتسعمائة رحمه الله.
محمد بن حسين الإسطواني الحنبليمحمد بن حسين بن سليمان الشيخ أبو الفتح الأسطواني الحنبلي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، كان من خيار الناس، وأخبرني الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: يا عبد القادر من تحب حتى أحبه قال: فقلت يا رسول الله الشيخ أبو الفتح الأسطواني، والشيخ عبد الباسط العامري. قال: ثم استيقظت وأنا أتعجب، وأقول في نفسي أنا أحب الشيخ بدر الدين بن رضي الدين، وولده الشيخ شهاب الدين أكثر فما بالي ذكرت غيرهما. قال: فقصصت هذه الرؤيا على الشيخ شهاب الدين. فقال لي: يا شيخ عبد القادر هذه الرؤيا تدل على أن مجلسك أوله فتح، وآخره بسط، وأخبرني الشيخ محمد الأزهري أن أباه أبا الفتح مات في سنة سبع وثمانين وتسعمائة في شعبان عن ثلاث وستين سنة، ودفن بالفراديس رحمه الله تعالى.
محمد أبو الصفا الأسطواني الحنبليمحمد بن حسين الشيخ أبو الصفا الأسطواني الحنبلي، إمام محراب الحنابلة بجامع دمشق، أخو الشيخ أبي الفتح المتقدم قبله أخبرني ابن أخيه الشيخ محمد الأزهري أنه مات في سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين وتسعمائة وكانت وفاته يوم الأحد تاسع عشر جمادى، ودفن بالفراديس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد سعد الدين الجباويمحمد بن حسين بن حسن بن الشيخ الصالح المربي. سعد الدين الجباوي، شيخ الطائفة السعدية بدمشق، الشافعي أخذ الطريق عن أخيه الشيخ أحمد، وتولى المشيخة من بعده توفي يوم الجمعة سادس صفر سنة سبع وثمانين وتسعمائة وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بجامع كريم الدين، وكانت جنازته حافلة، وخطب بالناس خطبة الجمعة يومئذ بالجامع المذكور الشيخ شهاب الدين أحمد بن أحمد الطيبي، وتعرض فيها للموت، ودفن الشيخ سعد الدين بتربة الحصني خارج باب الله، وتولى المشيخة من بعده والده الشيخ محمد، وليس بأكبر إخوته، بل أكبرهم أبو بكر، ثم محمد، ثم إبراهيم، ثم عبد القادر، ثم خليل، وهؤلاء أشقاء، ثم سعد الدين، وأمه من بيت عقور رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن درهم ونصف

محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الشيخ العلامة شمس الدين الأسدي، الحلبي، الحنفي، المشهور بابن درهم ونصف. ولد في المحرم سنة ست ثلاثين وتسعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وتخرج بعمه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني في معرفة الخط، والقراءة، ثم لازم ابن الحنبلي أكثر من عشرين سنة في عدة فنون كالعربية والمنطق، وآداب البحث، والحكمة، والكلام، والأصول، والفرائض والحديث، والتفسير، وأجازه إجازة حافلة بخطه في سنة سبع وستين وتسعمائة، وحج وجاور سنة، فأخذ فيها عن السيد قطب الدين الصفوي المطول، وعاد إلى حلب، فلازم منلا أحمد القزويني في الكلام، والتفسير، وتولى مدرسة الشهابية تجاه جامع الناصري بحلب في سنة إحدى وسبعين، وهي من مدارس الحنفية، وطالع كتب القوم، وتواريخ الناس، ونظم الشعر ومن شعره قوله مقتبساً:
يا غزالاً قد دهاني ... لم يكن لي منه علم
لا تظنن ظن سوء ... إن بعض الظن إثم
ومدح شيخه ابن الحنبلي بقصيدة حين قدم من الحج سنة أربع وخمسين:
هنيئاً لقلب عاش وهو متيم ... بأهل التقا مذ فيه حلوا وخيموا
هم عرب قد ضاء نور فنائهم ... وضاع شذاهم للحجيج فيمموا
إلى أن قال:
فيا عرباً سادوا وشادوا وخيموا ... بوادي الغضا وهو الفؤاد المتيم
جررتم فؤادي مذ رفعتم حجابكم ... ونومي جفاني مذ هواكم نصبتم
فرقوا لعبد رق في الحب جسمه ... وفي الرق أضحى مذ دماه أرقتم
فأنتم كرام قد علوتم إلى العلى ... كما قد علاء ابن الحنبلي المكرم
إمام رقا فوق الثريا بعلمه ... همام بحلم ساد فهو المعظم
إلى أن قال:
هو العالم الحبر المكمل في الورى ... هو العالم البحر الإمام المقدم
غدا مجمع البحرين في الفقه صدره ... فلا عجب أن يلفظ الدر مبسم
لم يؤرخ ابن الحنبلي وفاته في تاريخه رحمه الله تعالى.
محمد بن خليل بن قنبرمحمد بن خليل بن علي بن أحمد بن محمد بن ناصر الدين بن قنبر الشيخ شمس الدين الحلبي الشهير بابن قنبر، كان واعظاً وجيهاً في وعظه مهولاً محركاً للسامعين، وسمع الحديث، وقرأه على الشيوخ، وأجيز وشارك في العربية وكلف بجمع الكتب النفيسة، وتحسين جلودها، وترميمها، ولم يرغب في منصب سوى إمامة جامع الأمير حسن بن الميلاني، والتولية عليه، وكان له السعي التام في مصالحه، ومصالح أوقافه. وربما صرف عليها من ماله، ولم يزل يعظ بالجامع المذكور حتى توفي، ودخل إلى دمشق قديماً، واجتمع بشيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه، ثم اجتمع به حين دخل حلب قاصداً بلاد الروم فاهتم بقضاء أشغاله، وسمع منه مرثية والده القافية فيه وذكره في رحلته فقال الشيخ العالم الفاضل، والأوحد البارع الكامل، ذو القريحة الوقادة، والطبيعة المنقادة، الفائق في حسن الخبر، والمخبر شمس الدين محمد بن خليل ابن الحاج علي أحمد بن محمد بن قنبر انتهى.
قال ابن الحنبلي: وكان لطيف المحاضرة، ظريف المعاشرة، مزاحاً عارفاً باللسانين الفارسي، والتركي، شديد النكير على شرب القهوة، قهوة البن بالشرط المخالف للشرع مطروح التكلف يرى تارة بلبس حسن، وأخرى بلباس خشن إلى أن قال: وهو الذي نصب راية الإنكار على العلاء الكيزواني من جملة المعترضين عليه في تعليق العظام، ونحوها على أعناقهم، وإطافتهم في الأسواق، والشوارع بتلك الهيئة، ونحوها مما يقتضي كسر النفس مع صدق الطوية، وسعى في إبطال ذلك إلى العلماء فلم يقدروا على إبطاله إلى أن رجع عن إنكاره، وسمع أن العلاء معتكف في جامع الصفى خارج حلب فعلق في عنقه أمتعته ودخل عليه متنصلاً مما صدر منه في شأن انتهى.
ملخصاً، وكانت وفاته في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وتسعمائة وقد جاوز الستين رحمه الله تعالى.
محمد بن خليل قيصر الحنبلي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7