كتاب : توجيه النظر إلى أصول الأثر
المؤلف : طاهر الجزائري الدمشقي

الوحدان وهو معلول من ثلاثة أوجه أحدها أن عثمان هو ابن أبي سليمان والآخر أن عثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه
والثالث قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم -
وأبو سليمان لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم -

ولم يره وقد خرجت شواهده في التلخيص
والجنس الخامس من العلل أن يكون روي بالعنعنة وسقط منه راو دل عليه طريق أخرى محفوظة
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا بحر بن نصر قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن أبن شهاب عن علي بن الحسين عن رجال من الأنصار أ هم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ذات ليلة فرمي بنجم فاستنار فذكر الحديث بطوله
قال أبو عبد الله علة هذا الحديث أن يونس على حفظه وجلالة محله قصر به وإنما هو عن ابن عباس قال حدثني رجال من الأنصار
هكذا رواه ابن عيينة ويونس في سائر الروايات وشعيب بن أبي حمزة وصالح بن كيسان والأوزاعي وغيرهم عن الزهري وهو مخرج في الصحيح
والجنس السادس من العلل أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره ويكون المحفوظ ما قابل الإسناد
ومثاله ما حدثنا به أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى قال حدثنا أبو العباس الثقفي قال حدثنا حاتم بن الليث الجوهري قال حدثنا حامد بن أبي حمزة السكري قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال حدثني أبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال قلت يا رسول الله

مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا قال كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام إلي فحفظنيها
قال أبو عبد الله لهذا الحديث علة عجيبة حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس الضبي من أصل كتابه قال أخبرنا أحمد بن علي بن رزين الفاشاني من أصل كتابه قال حدثنا علي بن خشرم قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال بلغني أن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله إنك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن لغة إسماعيل كانت قد درست فأتاني بها جبريل فحفظنيها
والجنس السابع من علل الحديث أن يختلف على رجل في تسمية من روى عنه أو عدم تسميته
ومثاله ما حدثنا به الشيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال أخبرنا أبو بكر يعقوب بن يوسف المطوعي قال حدثنا أبو داود سليمان بن محمد المباركي قال حدثنا أبو شهاب عن سفيان الثوري عن الحجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -
المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم
قال أبو عبد الله وهكذا رواه عيسى بن يونس ويحيى بن الضريس عن الثوري فنظرت فإذا له علة أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد المحبوبي بمرو قال حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن الحجاج بن فرافصة عن رجل عن أبي سلمة قال سفيان أراه ذكر أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم
والجنس الثامن من علل الحديث أن يكون الراوي عن شخص قد أدركه وسمع منه ولكنه لم يسمع منه ذلك الحديث
ومثاله ما حدثنا به أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن

إسحاق الصغاني قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم -

كان إذا أفطر عند أهل بيت قال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار
ونزلت عليكم السكينة
قال أبو عبد الله قد ثبت من غير وجه رواية يحيى بن أبي كثير عن أنس إلا أنه لم يسمع منه هذا الحديث وله علة أخبرنا أبو العباس قاسم بن قاسم السياري وأبو محمد الحسن بن حليم المروزيان بمرو قالا حدثنا أبو الموجه قال أخبرنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا هشام عن يحيى بن أبي كثير قال حدثت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان إذا أفطر عن أهل بيت قال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار
وصلت عليكم الملائكة
والجنس التاسع من علل الحديث أن يكون للحديث طريق معروف فيروي أحد رجاله الحديث من غير ذلك الطريق فيقع في الوهم
ومثاله ما أخبرنا به أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح السهمي قال حدثنا سعيد بن كثير بن عفير قال حدثني المنذر بن عبد الله الحزامي عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
كان إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم تبارك اسمك وتعالى جدك وذكر
الحديث بطوله
قال أبو عبد الله لهذا الحديث علة صحيحة والمنذر عبد الله أخذ طريق الجادة فيه حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله العلوي النقيب بالكوفة قال حدثنا الحسين بن الحكم الحبري قال حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز بن سلمة قال حدثنا عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه كان إذا افتتح الصلاة فذكر الحديث بغير هذا اللفظ وهذا مخرج في
الصحيح لمسلم

الجنس العاشر من علل الحديث أن يروى الحديث مرفوعا من وجه موقوفا من وجه
ومثاله ما أخبرنا به أحمد بن علي بن الحسن المقرئ قال حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي قال حدثنا أبي عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من ضحك في صلاته يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء
قال أبو عبد الله الحاكم لهذا الحديث علة صحيحة أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمن السبيعي بالكوفة قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان قال سئل جابر عن الرجل يضحك في الصلاة قال يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء
قال أبو عبد الله فقد ذكرنا علل الحديث على عشرة أجناس وبقيت أجناس لم نذكرها وإ ما جعلتها مثالا لأحاديث كثيرة معلولة ليهتدي إليها المتبحر في هذا العلم فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم انتهى كلام الحاكم
وقد ألفت في علل الحديث كتب وأجلها كتاب ابن المديني وان أبي حاتم والخلال وأجمعها كتاب الدارقطني
وقد وقفت على أحد هذه الكتب وهو كتاب الإمام أبي محمد عبد الرحمن ابن الإمام أبي حاتم فرأيته من الكتب الجليلة المقدار التي لا يستغني عن الاطلاع عليها وتكرار النظر إليها من أراد الإشراف على هذا النوع الذي هو من أغمض الأنواع فضلا عمن يحب أن يعد نفسه لاتباع آثار الواقفين على أسراره
قال في مقدمة الكتاب حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد قال سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول قال عبد الرحمن بن مهدي معرفة الحديث إلهام
قال ابن نمير وصدق لو قلت له من أين قلت لم يكن له جواب
وسمعت أبي يقول قال عبد الرحمن بن مهدي إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة
وسمعت

أبي يقول مثل معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مئة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم
وقد أحببت أن أورد منه أمثلة سهلة المأخذ ليقف الطالب على مسلك جهابذة القوم في ذلك فإنه جم الفائدة وهاك ما أردنا إيراده

بيان علل أخبار رويت في الطهارة
1 - سألت أبي عن حديث رواه داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
غسل يوم الجمعة واجب في كل سبعة أيام
قال أبي هذا خطأ إنما هو ما رواه الثقات عن أبي الزبير عن طاوس عن أبي هريرة موقوف
2 - سمعت أبي ذكر حديثا رواه عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كانت له خرقة يتمسح بها
فقال إني رأيت في بعض الروايات عن عبد العزيز أنه كان لأنس بن مالك خرقة وموقوف أشبه ولا يحتمل أن يكون مسندا

3 - سألت أبي وحدثنا عن محمد بن إكليل عن إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن قيس بن خالد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

إذا سقط الذباب في شراب أحدكم فلغمسه ثم ليطرحه فإن أحد جناحيه داء
والآخر دواء
فقال أي هذا حديث مضطرب الإسناد
4 - سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لا يقرأ الجنب والحائض شيئا من القرآن
قال أبي هذا خطأ إنما هو عن ابن عمر قوله
باب علل أخبار رويت في الصلاة
6 - سمعت أبي يقول كتبت عن ثابت بن موسى عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار
قال أبي فذكرت لابن نمير فقال الشيخ لا بأس به والحديث منكر
قال أبي الحديث موضوع
7 - سمعت أبي يقول حديث ابن مسعود في التطبيق منسوخ لأن في حديث ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم -
طبق
ثم أخبر سعد فقال صدق أخي قد كنا نفعل ثم أمرنا بهذا يعني بوضع اليدين على الركبتين
8 - سألت أبي عن الحديث الذي رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن

أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم -

إذا كنتم ثلاثة فأحقكم بالإمامة أقرؤكم
ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أتيت النبي صلى الله عليه وسلم -
في نفر فقال إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم
قلت لأبي قد اختلف الحديثان فقال حديث أوس بن ضمعج قد فسر الحديثين
9 - سألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم -
فقال قد اختلفوا في متنه رواه فطر والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن
ضمعج عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة
ورواه شعبة والمسعودي عن إسماعيل بن رجاء لم يقولوا أعلمهم بالسنة
قال أبي كان شعبة يقول إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان من حسن حديثه وكان يهاب هذا الحديث يقول حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
لم يشاركه أحد قال أبي شعبة أحفظ من كلهم قال أبو محمد عبد الرحمن أليس
قد رواه السدي عن أوس بن ضمعج قال إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السدي وهو شيخ أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث وأخاف أن لا يكون محفوظا
10 - سألت أبي عن حديث رواه الأنصاري عن سعيد بن راشد عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
من أذن فهو يقيم
قال أبي هذا حديث منكر وسعيد ضعيف الحديث وقال مرة متروك الحديث
11 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه محمد بن الصلت عن أبي خالد الأحمر عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في افتتاح الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك وأنه كان يرفع يديه إلى حذو أذنيه
فقال هذا حديث

كذب لا أصل له ومحمد بن الصلت لا بأس به كتبت عنه
12 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد عن الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من فاتته صلاة العصر وفواتها أن تدخل الشمس صفرة فكأنما وتر أهله وماله
قال أبي التفسير من قول نافع
13 - سألت أبي عن حديث رواه ابن حمير عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قال من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام
قال هذا حديث منكر جدا
14 - سألت أبي عن حديث رواه يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -
إذا رأى رجلا مغير الخلق خر ساجدا لله
قال أبي هذا حديث منكر
15 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه يزيد بن هارون عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ما بين المشرق والمغرب قبلة
قال أبو زرعة هذا وهم الحديث حديث ابن عمر موقوف
16 - سمعت أبا زرعة وحدثنا عن عباد بن موسى عن طلحة بن يحيى الأنصاري عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس قال إذا عرف

الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة
فسمعت أبا زرعة يقول الصحيح عن الزهري فقط قوله

علل أخبار رويت في الزكاة والصدقات
17 - سمعت أبي يقول لا أعلم روى الثوري عن إبراهيم بن أبي حفصة إلا حديثا واحدا عن سعيد بن جبير قال الخال يعطى من الزكاة
18 - وسئل أبو زرعة عن حديث رواه القواريري عن يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال ما أدي زكاته فليس كنزا
قال أبو زرعة هكذا رواه القواريري والصحيح موقوف
19 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه محمد بن المثنى أبو موسى عن محمد بن عثمة عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال فيما سقت السماء والبعل العشر وفيما سقت العيون والنواضح والسواني
نصف العشر
قال أبو زرعة الصحيح عن ابن عمر موقوف
علل أخبار رويت في الصوم
20 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن حرب الأبرش عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ليس من البر الصيام في السفر
قال أبي هذا حديث منكر ولم يروه غير محمد بن حرب

21 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن مجاشع بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين
قال أبي هذا حديث منكر ومجاشع ليس بشيء
22 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش عن أنس قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فمنا الصائم ومنا المفطر وكان من صام في أنفسنا أفضل وكان المفطرون هم
الذين يعملون ويعينون ويستقون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذهب المفطرون بالأجر
قال أبي هذا حديث منكر
23 - سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز الدراوردي عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فوجده قد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلنا أسنة قال ليس بسنة
ورواه محمد بن عبد العزيز بن مجبر عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك فذكر الحديث قال فقلت سنة فقال نعم سنة قال أبي حديث الدراوردي أصح
علل أخبار رويت في المناسك
24 - سألت أبي عن حديث رواه أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن عبد الكريم بن مالك عن عكرمة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال لرجل يسوق بدنة اركبها قال أبي عكرمة عن أنس ليس له نظام وهذا
حديث لا أدري ما هو

@ 619 @

علل أخبار رويت في الجنائز
30 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه الدراوردي عن كثير بن زيد عن زينب ابنة نبيط عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
علم قبر عثمان بن مظعون بصخرة
قال أبو زرعة هذا خطأ يخالف الداراوردي فيه يرويه حاتم وغيره عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب وهو الصحيح
31 - سئل أبي عن حديث رواه هدبة عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال
من غسل ميتا فليغتسل
ومن حمله فليتوضأ
قال أبي هذا خطأ إنما هو موقوف على أبي هريرة لا يرفعه الثقات
32 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المنهال الضرير عن يزيد بن زريع عن معمر عن أبي إسحاق عن أبيه عن حذيفة قال النبي صلى الله عليه وسلم - من غسل ميتا فليغتسل
قال أبي هذا حديث غلط ولم يبين غلطه
33 - سألت أبي عن حديث رواه ابن أبي بزة عن مؤمل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من الناس يبلغون مئة فيشفعون فيه إلا
شفعوا
قال أبي هذا حديث باطل
علل أخبار رويت في البيوع
34 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه نهى أن يستأجر الأجير حتى يعلم أجره
ورواه الثوري عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد موقوف قال أبو زرعة الصحيح موقوف عن أبي سعيد لأن الثوري أحفظ

35 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الكريم بن الناجي عن الحسن بن مسلم عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من حبس العنب أيام القطاف ليبيع من يهودي أو نصراني كان له من الله
مقت
قال أبي هذا حديث كذب باطل
قلت تعرف عبد الكريم هذا قال لا قلت فتعرف الحسن بن مسلم قال لا ولكن تدل روايتهم على الكذب
36 - سألت أبي عن حديث رواه ابن وهب عن ابن لهيعة عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أنه قال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله
فسمت أبي يقول هذا حديث منكر ودراج في حديثه صنعة
علل أخبار رويت في النكاح
37 - سمعت أبي يقول سمعت أبا نعيم وحدثنا عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لا نكاح إلا بولي
فقال أبو نعيم أخطأ فيه فسمعت أبي يقول إنما هو الحكم عن علي قوله
38 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه بقية عن إسحاق أبي يعقوب المدني عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
من سعادة المرء أن تكون زوجته موافقة وأولاده أبرارا وإخوانه صالحين وأن
يكون رزقه في بلده
قال أبو زرعة هذا حديث منكر
39 - سألت أبا زرعة عن حديث روي عن همام عن قتادة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ص

قال لا تنكح المرأة على خالتها ولا على عمتها
قال أبو زرعة هذا خطأ إنما هو همام عن يحيى نفسه
40 - سمعت أبي يقول سألت أحمد بن حنبل عن حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا نكاح إلا بولي
وذكرت له حكاية ابن علية فقال كتب ابن جريج مدونة فيها أحاديثه ومن حدث عنه ثم لقيت عطاء ثم لقيت فلانا فلو كان محفوظا عنه لكان هذا في كتبه ومراجعاته
41 - سئل أبي عن حديث رواه ابن أبي مليكة العرب بعضها لبعض أكفاء إلا حائكا أو حجاما
قال باطل أنا نهيت ابن أبي شريح أن يحدث به ونهيته عن حديث آخر
علل أخبار رويت في الحدود
42 - سألت أبي عن حديث رواه الحسن عن يحيى الجشني عن زيد بن واقد عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أقيموا الحدود في الحضر والسفر على القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله
لومة لائم
ثم قال أبي هذا حديث حسن إن كان محفوظا
43 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لا يستفاد من الجرح حتى يبرأ
قال أبو زرعة هو مرسل مقلوب
44 - سألت أبي عن حديث رواه معاذ بن خالد العسقلاني عن زهير بن محمد عن يزيد بن زياد عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أن النبي

الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لا شفعة لغائب ولا لصغير
فقال أبو زرعة هذا حديث منكر لا أعلم أحدا قال بهذا الغائب له شفعة والصبي حتى يكبر فلم يقرأ علينا هذا الحديث
باب علل أخبار رويت في اللباس
49 - سألت أبا زرعة عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم -
في تختمه أفي يمينه أصح أم في يساره قال في يمينه الحديث أكثر ولم يصح
هذا ولا هذا
50 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لا تدخل الملائكة بيتا فيها جلد نمر
قال أبي هذا حديث منكر
51 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه بقية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه لم يكن يرى بالقز والحرير للنساء بأسا فقال أبو زرعة هذا حديث منكر
قلت تعرف له علة قال لا
52 - وسألت أبي عن حديث رواه سهل بن عثمان عن العقيلي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أمه قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم -
على عقيل فوهب له خاتما أهداه إلى رسول الله ص
- النجاشي مثل الفلكة فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فيه قل هو الله أحد والمعوذتين
قال أبي هذا حديث منكر والعقيلي هو ابن عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه ليس بشيء
53 - وسألته عن حديث رواه شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن مهاجر السامي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
من لبس

ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة
قال أبي هذا الحديث موقوف أصح
54 - وسألته عن حديث روي عن عبد الرحمن بن المهاجر قال رأيت في يد أنس خاتما من ذهب
قال أبي هو شيخ كوفي ليس بمشهور روى عنه أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء وأبو معاوية الضرير

باب علل أخبار رويت في الأطعمة
55 - سألت أبي عن حديث رواه تميم بن زياد عن أبي جعفر الرازي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال نعم الإدام الخل
قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد
56 - وسئل أبو زرعة عن حديث كان رواه قديما عن عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي عن ابن أبي فديك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال إذا قرب إلى أحدكم الحلواء فليأكل منها ولا يردها
فامتنع أبو زرعة من أن يحدثنا به وقال هذا حديث منكر
57 - وسئل عن حديث رواه عبيد الله بن عائشة عن عبد الرحمن بن حماد بن عمران عن موسى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وفي يده سفرجلة فألقاها إلي وقال إنها تجم الفؤاد
قال أبو زرعة هذا حديث منكر
علل أخبار رويت في أمور شتى
58 - سمعت أبي يقول وذكر حديثا حدثه به بشار بن عمر الخراساني

بمصر سنة ست عشرة ومئتين قال حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال ملعون ملعون من أحاط على مشربة أو باعد مقربة
فسئل حميد الطويل ما المشربة قال بئر ماء يشرب منه الناس فضرب عليه خباءه أو قببه
وأما المقربة فطريق كان يختصره فقطعه عن ممر الناس
قال أبي هذا حديث منكر
59 - سمعت أبي حدثنا عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يحيى بن سلام عن عثمان بن مقسم عن نعيم بن المجمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن أكذب الكاذبين الصناع
قال أبي هذا حديث كذب وعثمان هو البري ويحيى بن سلام هو الذي روى عنه عبد الحكم بصري وقع إلى مصر
60 - سألت أبي عن حديث رواه المسيب بن واضح عن يوسف بن أسباط عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال مداراة الناس صدقة
قال أبي هذا حديث باطل لا أصل له ويوسف بن أسباط دفن كتبه
61 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن عمر الدمشقي عن مكحول عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يوم خيبر جعلت له مأدبة وأكل متكئا واطلى بالنورة وأصابته الشمس ولبس
البرطلة
قال أبي هو عمر بن موسى الوجيهي وهذا حديث باطل
62 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن سليمان بن أبي داود عن زهير بن محمد عن الوضين بن عبد الرحمن عن جنادة عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة
قال أبي هذا حديث موضوع

63 - سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال رأيت علي بن الحسين يخضب بالسواد وأخبرني أن أباه كان يخضب به
قال أبي هذا حديث منكر وكان الزهري رجلا قصيرا وكانت أسنانه مشبكة بالذهب وكان يخضب بالسواد
64 - سمعت أبي وحدثنا عن بسام بن خالد عن شعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا بلغكم عني حديث يحسن بي أن أقوله فأنا قلته وإذا بلغكم عني حديث لا
يحسن بي أن أقوله فليس منس ولم أقله قال أبي هذا حديث منكر الثقات لا يرفعونه
65 - سألت أبي عن حديث رواه سليمان بن شرحبيل عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
نهى عن حلق القفا إلا عند الحجامة
قال أبي هذا حديث كذب هذا الإسناد يمكن أن يكون دخل لهم حديث في حديث
قال أبي رأيت هذا الحديث في كتاب سليمان بن شرحبيل فلم أكتبه وكان سليمان عندي في حيز لو أن رجلا وضع له لم يفهم وكذلك هشام بن عمار كل ما دفع إليه قرأه وكذا كان هشام بن خالد كانوا لا يميزون وكان دحيم يميز ويضبط حديث نفسه
66 - سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الداري عن محمد بن سليمان الصنعاني عن منذر بن النعمان الأفطس عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم -
لا تتمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا
قال أبي هذا حديث منكر وبهذا الإسناد اشفعوا فلتؤجروا
قال أبي هذا أيضا منكر

67 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو ثابت محمد بن عبيد الله عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أن تهدم الآجام
قال إنما هي زينة الدنيا
قال أبو زرعة هكذا قال أبو ثابت وإنما هو عبد الله بن نافع يعني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
68 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو سعيد محمد بن أسعد عن زهير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة حجام أو شربة عسل أو حبات سوداء
أو لذعة من نار توافق داء وما أحب أن أكتوي
قال أبو زرعة هذا حديث منكر
69 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه محمد بن مصفى عن بقية عن رافع أو رويفع عن أبي الزبير عن جابر قال قال لا تقصوا الأظفار في أرض العدو فإنه أشد للقبضة وأحل للعقدة
قال أبو زرعة هذا حديث منكر وأبي لم يحدث به
70 - سمعت أبي يقول روى ابن أخت عبد الرزاق عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن الأعمش عن خيثمة عن عبد الله قال جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها
قال أبي هذا حديث منكر وكان ابن أخت عبد الرزاق يكذب
71 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه سويد بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر

قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -

من قال في ديننا برأيه فاقتلوه
قال أبو زرعة سمعت يحيى بن معين يقول وقد قيل له روى سويد هذا الحديث فقال ينبغي أن يبدأ بسويد فيستتاب
72 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه يوسف بن عدي عن حفص بن غياث عن ليث عن عطاء عن ابن عباس رفعه قال إذا غابت الشمس فكفوا صبيانكم حتى تذهب فحمة العشاء فإنها ساعة تنتشر فيها الشياطين
فقال أبو زرعة هذا حديث منكر
73 - سألت أبي عن حديث رواه داود بن رشيد عن بقية عن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال من حدث بحديث فعطس عنده فهو حق
قال أبي هذا حديث كذب
74 - سألت أبي عن حديث رواه أبو بكر بن أبي عتاب الأعين عن أبي صالح عن الليث عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وبني تميم فقيل من هو يا
رسول الله فقال أويس القرني
قال أبي هذا الحديث ليس هو في كتاب أبي صالح عن الليث نظرت في أصل الليث وليس فيه هذا الحديث ولم يذكر أيضا الليث في هذا الحديث خبرا ويحتمل أن يكون سمعه من غير ثقة ودلسه ولم يروه غير أبي صالح
75 - سألت أبي عن حديث رواه العلاء بن عمرو الحنفي عن يحيى بن يزيد الأشعري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي
فسمعت أبي يقول هذا حديث كذب

76 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن محمد بن أبي جميلة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لو شاء الله أن لا يعصى ما خلق إبليس
فسمعت أبي يقول هذا حديث منكر ومحمد مجهول
77 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن حبيب بن عمر عن أبيه عن ابن عمر عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أنه قال ينادي مناد يوم القيامة ليقم خصماء الله وهم القدرية
فقال هذا حديث منكر وحبيب بن عمر ضعيف الحديث مجهول لم يرو عنه غير بقية
هذا وفيما أوردناه من الأمثلة كفاية في تعريف الطالب بمسلك جهابذة القوم غير أن رأينا أن نرفعه إلى ما فوق تلك الدرجة فأوردنا له أمثلة أخرى فوق تلك وهاك ما أردنا إيراده
1 - سمعت أبا زرعة يقول في حديث رواه الفريابي عن مالك بن مغول عن سيار بن الحكم عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام قال قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال إن الله عز و جل قد أحسن الثناء عليكم في الطهور فقال ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا )
وذكر الاستنجاء بالماء
ورواه سلمة بن رجاء عن مالك بن مغول عن سيار عن شهر عن محمد بن عبد الله بن سلام قال قال أبي قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ورواه أبو خالد الأحمر عن داود بن أبي هند عن شهر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
مرسلا فسمعت أبا زرعة يقول الصحيح عندنا والله أعلم عن محمد بن عبد الله
بن سلام فقط ليس فيه عن أبيه

2 - سمعت أبي يقول في حديث رواه ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن حنش الصنعاني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كان يخرج ليبول فيتمسح بالتراب فقال يا رسول الله الماء منك قريب فقال ما
أدري لعلي لا أبلغه
فقال أبي لا يصح هذا الحديث ولا يصح في هذا الباب حديث
3 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -
اغتسلت من جنابة فجاء النبي ص
- فقالت له فتوضأ بفضلها وقال الماء لا ينجسه شيء
ورواه شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن ميمونة فقال الصحيح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
بلا ميمونة
4 - سألت أبا زرعة عن حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير فقلت إنه يقول عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورواه الوليد بن كثير فقال عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء
قال أبو زرعة ابن إسحاق يمكن أن يقضى له
قلت له ما حال محمد بن جعفر فقال صدوق فقلت لأبي إن حجاج بن حمزة حدثنا عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير فقال عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
فقال أبي محمد بن عباد بن

ص -

قال من خصى عبده خصيته
قال أبي هذا حديث منكر
علل أخبار رويت في الأحكام والأقضية
45 - قبل لأبي يصح حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في اليمين مع الشاهد فوقف وقفة فقال ترى الدراوردي ما يقول يعني قوله قلت
لسهيل فلم يعرفه
قلت فليس نسيان سهيل دافعا لما حكى عنه ربيعة وربيعة ثقة والرجل يحدث بالحديث وينسى قال أجل هكذا هو ولكن لم نر أن يتبعه متابع على روايته وقد روى عن سهيل جماعة كثيرة ليس عند أحد منهم هذا الحديث قلت إنه يقول بخبر الواحد قال أجل غير أني لا أدري لهذا الحديث أصلا عن أبي هريرة أعتبر به وهذا أصل من الأصول لم يتابع عليه ربيعة
46 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قضى بشاهد ويمين
فقالا هو صحيح قلت يعني أنه يروى عن ربيعة هكذا قلت فإن بعضهم يقول عن سهيل عن أبيه عن زيد بن ثابت قالا وهذا أيضا صحيح جميعا صحيحين
47 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه إبراهيم بن الليث عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن أبيه وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال الشفعة ما لم تقع الحدود فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
قال أبو زرعة هذا حديث باطل فامتنع أن يحدث به وقال اضربوا عليه
48 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن عائشة عن محمد بن الحارث

جعفر ثقة ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة والحديث بمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه
5 - سألت أبي عن حديث رواه عيسى بن يونس عن الأحوص بن حكيم عن رشدين بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا ينجس الماء إلا ما غلب عليه طعمه ولونه
فقال أبي يوصله رشدين بن سعد يقول عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورشدين ليس بقوي والصحيح مرسل
6 - سألت أبي عن حديث رواه عن عياش عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال كان آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار فسمعت أبي يقول هذا حديث مضطرب المتن إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم - أكل كتفا ولم يتوضأ
كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر
ويحتمل أن يكون شعيب حدث به من حفظه فوهم فيه
7 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لولا أن يثقل على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل
قال أبي إنما هو عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
8 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه وكيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة عن خباب شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - الرمضاء فلم يشكنا
قال أبو زرعة أخطأ فيه وكيع إنما هو على ما رواه شعبة وسفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب عن النبي ص

9 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن آدم عن الحسن بن عياش عن ابن أبجر عن الأسود عن عمر أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود
هل هو صحيح أو يرفعه وحديث الثوري عن الزبير بين عدي عن إبراهيم عن الأسود عن عمر أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه فقط
فقالا سفيان أحفظ
وقال أبو زرعة هذا أصح يعني حديث سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود عن عمر
10 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ابن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار قال رأى ابن عمر رجلا يعبث في الصلاة بالحصى فقال إذا صليت فلا تعبث واصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فذكر الحديث فقالا هكذا رواه ابن أبي زائدة وإنما هو مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي عن ابن عمر قلت لهما الوهم ممن هو فقالا من ابن أبي زائدة قال أبو زرعة ابن أبي زائدة قلما يخطئ فإذا أخطأ أتى بالعظائم
11 - وسمعته وذكر حديثا رواه مروان الفزاري عن سهل بن عبد الله المروزي عن عبد الملك بن مهران عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه
قال أبي هذا حديث باطل وسهل بن عبد الله وعبد الملك بن مهران مجهولان

12 - وسمعته وذكر حديثا رواه إبراهيم بن عيينة عن عمرو بن منصور عن الشعبي عن ابن عمر قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم -

في غزوة تبوك بجبنة فدعا بسكين فسمى وقطع
قال أبي جابر الجعفي يقول عن الشعبي عن ابن عباس
وكلاهما ليس بصحيح وهو منكر
13 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه القعنبي عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
سئل عن السمن الجامد تقع فيه الفأرة فقال خذوها وما حولها فألقوها
قال أبو زرعة هذا الحديث في الموطأ مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم -
مرسل وقال أبي الصحيح من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
14 - وسألت أبي عن الحديث الذي رواه داود بن رشيد عن سلمة بن بشر بن صيفي عن عباد بن بشر السامي عن أبي عقال عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أثردوا ولو بالماء
قال أبي حدثنا النفيلي بهذا الحديث عن عباد بن كثير الرملي عن عبد الرحمن السندي عن أنس بن مالك قال أبي عباد بن كثير الرملي هذا مضطرب الحديث ظننت أنه أحسن حالا من عباد بن كثير البصري فإذا هو قريب منه
15 - سألت أبا زرعة عن حديث يحيى بن اليمان عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم -
عطش حول الكعبة فاستسقى فأتي بشراب من السقاية فشمه فقطب فقال علي ذنوبا
من زمزم فصبه عليه ثم شربه

قال أبو زرعة هذا إسناد باطل عن الثوري عن منصور
وهم فيه يحيى بن اليمان وإنما ذاكرهم سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة مرسل
ولعل الثوري إنما ذكره تعجبا من الكلبي حين حدث بهذا الحديث مستنكرا من الكلبي
16 - سألت أبي عن حديث رواه هيثم بن جميل عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم -

أن يتنفس في الإناء قال أبي إنما يروونه عن شريك عن عبد الكريم الجزري عن
عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
17 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن مسلم بن زياد عن مكحول قال سمعت ابن عمر يقول ما أمر عمر بن الخطاب بشرب الطلاء قط ولا سقاه قط
سمعت أبي يقول هذا وهم
مكحول لم يسمعه من ابن عمر
علل أخبار رويت في الزهد
18س - ألت أبي عن حديث رواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن يزيد بن خمير عن سليمان بن مرثد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
قال أبي كذا حدثنا مسلم وحدثنا أبو عمر الحوضي عن سفيان عن يزيد بن خمير عن سليمان عن ابن ابنة أبي الدرداء عن أبي الدرداء قال لو تعلمون
موقوف
قال أبي وهذا أشبه وموقوف وأصحاب شعبة لا يرفعون هذا الحديث

19 - سألت أبي عن حديث رواه سويد بن عبيد العزيز عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ألا أخبركم بملوك أهل الجنة كل ضعيف متضعف ذي طمرين لا يؤبه له لو
أقسم على الله لأبره
فقال أبي هذا حديث خطأ إنما يروى عن أبي إدريس كلامه فقط
20 - سمعت أبي يقول كان محمد بن ميمون المكي أميا مغفلا قيل لأبي إن محمد بن ميمون الخياط المكي روى عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة عن ابن إسحاق عن قيس بن أبي حازم عن عتبة بن غزوان قال لقد رأيتنا وأنا سابع سبعة ما لنا طعام إلا الأسودين الحديث بطوله فقال أبي هذا حديث باطل بهذا الإسناد وما أبعد أن يكون قد وضع للشيخ فإنه كان أميا
علل أخبار رويت في المناسك
21 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج قال أحسن ما سمعت في بيض النعامة حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم أو إطعام مسكين
قال أبي هذا حديث ليس بصحيح عندي ولم يسمع ابن جريج من أبي الزناد شيئا يشبه أن يكون ابن جريج أخذه من إبراهيم بن أبي يحيى
22 - سألت أبي عن حديث رواه همام عن قتادة عن عزراة عن الشعبي أن الفضل بن عباس حدثه وأن أسامة بن زيد حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان يلبي حتى رمى جمرة العقبة
هل سمع الشعبي منهما فقال لا يحتمل وينبغي أن يكون بينهما أحد ولكن كذا حدث به همام فلا أدري ما هذا الأمر

23 - سألت أبي عن حديث رواه يعقوب بن سفيان عن عمرو بن عاصم عن عبيد الله بن الوازع عن ليث بن أبي سليمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنه كان إذا سافر وركب قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا
وذكر الحديث
فقال هذا حديث ليس له أصل بهذا الإسناد

علل أخبار رويت في الغزو والسير
24 - سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبر أنه سمع أبا سلام الأسود قال سمعت عمرو بن عبسة قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم -
إلى بعير من المغنم فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير فقال ولا يحل لي من
غنائمكم هذه إلا الخمس والخمس مردود فيكم
قال أبي ما أدري ما هذا لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئا إنما يروي عن أبي أمامة عنه
25 - سمعت أبي وذكر حديثا رواه عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن يزيد عن أبي العلاء بن اللجلاج عن أبي هريرة قوله لا يجمع الله غبارا في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد مسلم الحديث
قال أبي قال لنا أبو صالح عن الليث
وإنما هو صفوان بن أبي يزيد
وأرى أن بين عبيد الله بن أبي جعفر وبين صفوان سهيل بن أبي صالح
26 - سألت أبي عن حديث رواه سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال لرسول مسيلمة لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك
ورواه أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن ابن معين السعدي عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبي الثوري أحفظ من أبي بكر

27 - سألت أبي عن حديث رواه الفضل بن موسى عن شريك عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ما من غادر إلا وله لواء غدر يوم القيامة
قال أبي من رفع هذا الحديث فقد غلط رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمارة عن علي موقوف
ورواه زهير عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن علي قال أبي عمارة أشبه
28 - سألت أبي عن حديث رواه أبو إسحاق الفزاري عن رجل من أهل الشام عن أبي عثمان عن أبي خداش قال كنا في غزاة فنزل الناس منزلا فقطع الناس الطريق ومدوا الحبال على الكلأ فلما رأى ما صنعوا قال سبحان الله لقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
غزوات فسمعته يقول الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار
قال أبي هذا الرجل من أهل الشام هو عندي بقية بن الوليد وأبو عثمان هو عندي حريز بن عثمان وأبو خداش لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم -
إنما حكى عن رجل من أصحاب النبي ص
-
وكذلك حدثنا أبو اليماني وعلي بن الجعد عن حريز كما وصفت وإنما لم يسمه أبو إسحاق لأنه كان حيا في ذلك الوقت
29 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المبارك الصوري عن

الهيثم بن حميد عن حفص بن غيلان عن مكحول قال دخلت أنا وابن أبي زكريا وسليمان بن حبيب على أبي أمامة بحمص فسلمنا عليه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

قد بلغ ما أمر به فبلغوا عني ما تسمعون
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم -
يقول من خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله إن توفاه الله أدخله الجنة
وإن رده فبما نال من أجر أو غنيمة والخارج من بيته إلى المسجد ضامن على الله تعالى إن توفاه الله أدخله الجنة وإن رده فبما نال من أجر أو غنيمة والداخل بيته بسلام ضامن على الله
قال أبي هذا حديث خطأ مكحول لم ير أبا أمامة
30 - سألت أبي عن حديث رواه بشر بن المفضل عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن جابر بن عبد الله قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
في غزوة تبوك فكانت تدعى غزوة العسرة فبينما هو يسير إذا هو بجماعة في ظل
شجرة قال ما هذه الجماعة قالوا يا رسول الله رجل صام فجهده الصوم قال ليس البر أن تصوموا في السفر
قال أبي روى هذا الحديث شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم -
31 - سألت أبي عن حديث عمرو بن أبي قيس عن منصور عن أبي بكر بن حفص عن أبي صالح عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه عاد عبد الله بن رواحة فما تحول عبد الله عن مكانه فقال النبي ص
- من شهداء أمتي قالوا القتيل في سبيل الله قال القتل في سبيل الله شهادة والبطن شهادة والغرق شهادة الحديث

قال أبي ورواه سعيد عن أبي بكر بن حفص عن أبي الفصيح أبو أبي المصبح عن ابن السمط عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال أبي وهذا أشبه ليس لأبي صالح معنى لم يضبط عمرو وضبط شعبة
وهذا حديث من حديث أهل الشام وهو أبو المصبح المقرائي عن شرحبيل بن السمط عن عبادة
32 - سألت أبي عن حديث رواه صالح بن موسى الطلحي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
الزموا الجهاد تصحوا وتستغنوا قال أبي هذا حديث باطل وصالح الطلحي ضعيف
الحديث
علل أخبار رويت في البيوع
33 - سألت أبا زرعة عن حديث رواه حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه نهى أن يستأجر الأجير حتى يعلم أجره ورواه الثوري عن حماد عن إبراهيم
عن أبي سعيد موقوف قال أبو زرعة الصحيح موقوف عن أبي سعيد لأن الثوري أحفظ
34 - سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن عون عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن جابر قال قضاني رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وزادني قال أبي كذا حدثنا عمرو بن عون وأحسبه قد غلط إنما يروى هذا
الحديث عن مسعر عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال أبي ولا يعرف هذا الحديث من حديث عمرو عن جابر ولا يحتمل أن يكون عن عمرو عن جابر

35 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه محمد بن عباد عن عبد العزيز الدراوردي عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه فقالا هذا خطأ إنما هو
كلام أنس
قال أبو زرعة كذا يرويه الدراوردي ومالك بن أنس مرفوعا والناس يروونه موقوفا من كلام أنس
36 - سألت أبي عن حديث رواه مسلم بن خالد عن علي بن يزيد بن ركانة عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم -
لما أمر بإخراج بني النضير جاء أناس منهم فقالوا يا رسول الله إنما أمرت
بإخراجنا ولنا على الناس ديون فقال النبي صلى الله عليه وسلم - فضعوا وتعجلوا
قال أبي رواه ابن جريج عن ابن ركانة عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم -
لم يذكر داود بن الحصين ولم يذكر ابن عباس قال أبي لا يمكن أن يكون مثل الحديث متصلا
37 - سألت أبي عن حديث رواه عباس الخلال عن سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا بشر بن عون قال حدثنا بكار بن تميم عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - عباد الله لا تمنعوا فضل ماء ولا نار ولا كلأ فإن الله عز و جل جعلهم متاعا للمقوين وقوة للمستمتعين قال أبي هذا حديث منكر
38 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن ابن ثوبان عن أبيه عن طاوس عن عبد الله بن عمر أنه باع سرجا فقدم المبتاع فرده ورد معه درهمين

أو ثلاثة فقال ابن عمر لو باع لعله كان يخسر فيه أكثر من ذلك
قال أبي هذا خطأ إنما هو ثوبان عن ليث عن طاوس
39 - سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار عن اليمان بن عدي الحضرمي عن الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -

أيما امرئ أفلس وعنده مال امرئ بعينه لم يقبض منه شيئا فهو أحق بعين ماله
فإن كان قبض منه شيئا فهو أسوة الغرماء
وأيما امرئ مات وعنده مال امرئ بعينه اقتضى منه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء
قال أبي هذا خطأ إنما هو الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم -
واليمان هذا شيخ ضعيف الحديث
40 - سألت أبي عن حديث رواه بقية عن زرعة بن عبد الله الزبيدي عن عمران بن أبي الفضل عن نافع عن ابن عمر قال قيل يا رسول الله ما يجمل بالعرب من التجارة قال بيع الإبل والبقر والغنم قيل يا رسول الله فما يجمل بالموالي قال بيع البز وإقامة الحوانيت
قال أبي هذا حديث باطل وزرعة وعمران جميعا ضعيفان
41 - وسألت أبي فقلت له فإن إسماعيل بن عياش روى هذا الحديث

عن عمران بن أبي الفضل عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قيل له ما يحسن بالعرب من التجارة قال الإبل قيل فما يحسن بالموالي
من التجارة قال البز والخز قال أبي وهذا الحديث باطل موضوع وكأن ذلك من عمران
42 - سألت أبي عن حديث رواه محمد بن حمير قال حدثني الأوزاعي قال حدثني ثابت بن ثوبان قال حدثني مكحول عن أبي قتادة قال كان عثمان يشتري الطعام ويبيعه قبل أن يقبضه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم -
إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكل قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد
43 - سألت أبي عن حديث رواه سويد بن عبد العزيز عن حميد الطويل عن أنس قال استعار بعض آل رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قصعة فضاعت فضمنها رسول اله ص
-
قال أبي هذا حديث باطل ليس فيه استعار
وهم فيه سويد بن عبد العزيز
ولفظ هذا الحديث غير هذا اللفظ شبه الكذب
إنما الصحيح ما حدثناه الأنصاري عن حميد عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم -
عند بعض أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد رسول الله
فسقطت القصعة فانكسرت فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم - الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل يجمع فيه الطعام ويقول غارت أمكم كلوا وحبس الرسول حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها ودفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها

44 - سألت أبي عن حديث رواه يعقوب الزهري عن عبد العزيز بن مسيح الأسدي أخبرني قتادة عن عيينة بن عاصم بن سعر بن نقادة عن أبيه حدثني أبي وعمومتي عن نقادة قال قلت لرسول الله إني رجل مغفل فأين أسم ولم أرك تسم في الوجه قال في موضع الجرير من السالفة
قال فوسم نقادة هناك حلقة هديه فوسم بها رجل من بني يربوع فاستعدى عليه نقادة بعض الخلفاء فقال دخل معي في ميسم أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فقضى عليه أن لا يسم ميسمه فقطع الحلقة فسميت بتيراء بني يربوع
قال أبي هذا حديث منكر وهؤلاء مجهولون قال أبو محمد قال بعض أهل العربية الجرير من السالفة الزمام والسالفة صفحة العنق
والمغفل رجل له إبل أغفال
وهي التي لا سمات عليها وواحدها غفل
45 - سألت أبي عن حديث رواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم -
الشفعة فيما لم يقسم
فإذا قسم ووقعت الحدود فلا شفعة
قال أبي الذي عندي أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم -
هذا القدر إنما جعل النبي ص
- الشفعة فيما لم يقسم قط ويشبه أن يكون بقية الكلام هو كلام جابر فإذا قسم ووقعت الحدود فلا شفعة
والله أعلم
قلت له وبما استدللت على ما تقول قال لأنا وجدنا في الحديث إنما جعل

النبي صلى الله عليه وسلم -

الشفعة فيما لم يقسم
تم المعنى فإذا وقعت الحدود فهو كلام مستقبل ولو كان الكلام الأخير عن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان يقول إنما جعل النبي ص
- الشفعة فيما لم يقسم
وقال إذا وقعت الحدود
فلما لم نجد ذكر الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في الكلام الأخير استدللنا أن استقبال الكلام الأخير من جابر لأنه هو
الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث
وكذلك نص حديث مالك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا أوقعت الحدود فلا شفعة فيحتمل في هذا
الحديث أن يكون الكلام الأخير كلام سعيد وأبي سلمة ويحتمل أن يكون كلام ابن شهاب
وقد ثبت في الجملة قضاء النبي صلى الله عليه وسلم -
بالشفعة فيما لم يقسم في حديث ابن شهاب وعليه العمل عندنا
46 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه إبراهيم بن أبي الليث عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن أبيه وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال الشفعة ما لم تقع الحدود فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
قال أبو زرعة هذا حديث باطل فامتنع أن يحدث به وقال اضربوا عليه
47 - سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبيد الله بن محمد التيمي المعروف بابن عائشة عن محمد بن الحارث الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال الشفعة كحل العقال
قال أبو زرعة هذا حديث منكر ولم يقرأه علينا في كتاب الشفعة وضربنا عليه
48 - سألت أبي عن حديث رواه هشام بن عمار بآخره عن

إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في الضب وقصة خالد بن الوليد
قال أبي هذا خطأ إنما هو الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن ابن عباس عن خالد بن الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قلت لأبي وفي حديث إسماعيل عن ابن جريج
قال فأتي النبي صلى الله عليه وسلم -
بإناء فشرب وعن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد بن الوليد فقال النبي ص
- لابن عباس أتأذن لي أن أسقي خالدا فقال ابن عباس ما أحب أن أوثر بسور النبي صلى الله عليه وسلم -
على نفسي فتناول ابن عباس فشربه
قال أبي هذا من حديث عبيد الله بن عبد الله ولا من حديث أبي أمامة بن سهل وإنما هو حديث الزهري عن أنس
قال أبو محمد وفي هذا الحديث بعد هذا الكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم -
من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه ومن سقاه
الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإني لا أعلم يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن
قال أبي ليس هذا من حديث الزهري إنما هو من حديث علي بن زيد بن جدعان عن عمر بن حرملة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبي وأخاف أن يكون قد أدخل على هشام بن عمار لأنه لما كبر تغير
49 - سألت أبي عن حديث رواه تميم بن زياد عن أبي جعفر الرازي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه قال نعم الإدام الخل
قال أبي هذا حديث منكر بهذا الإسناد
50 - سمعت أبي ورأى في كتابي عن هارون بن إسحاق عن محمد بن بشر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنه سئل عن أكل الضب فقال ما أنا بآكله ولا محرمه
فسمت أبي

يقول هذا حديث فيه وهم وإنما هو عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
51 - سألت أبي عن حديث رواه الفضل بن دكين عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة
فقال هذا خطأ إنما هو إبراهيم بن إسماعيل بن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ليس للزهري معنى كذا رواه الدراوردي وهذا الصحيح موقوف قيل قد رفعه عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل فقال هو خطأ إنما هو موقوف
52 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

بين العبد والكفر ترك الصلاة
فقال أبو زرعة هذا خطأ رواه بعض الثقات من أصحاب حماد فقال حدثنا حماد قال حدثنا عمرو بن دينار أو حدثت عنه عن جابر
موقوف
قلت لأبي زرعة الوهم ممن هو قال ما أدري يحتمل أن يكون حدث حماد مرة كذا ومرة كذا
قلت فبلغك أنه توبع أبو الربيع في هذا الحديث فقال ما بلغني أن أحدا تابعه
وقال أبي رواه بعضهم مرفوعا بلا شك وهو أبو الربيع وبعضهم بالشك غير مرفوع وكأن بالشك غير مرفوع أشبه
53 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي عن سلمان قال لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم
قلت ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أوس بن ضمعج عن سلمان قلت أيهما الصحيح فقالا سفيان أحفظ من شعبة وحديث الثوري أصح
54 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه المعتمر بن سليمان عن أبيه عن قتادة عن أنس قال كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم -
حين

حضرة الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم
قال أبي نرى أن هذا خطأ والصحيح حديث همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبو زرعة رواه سعيد بن أبي عروبة فقال عن قتادة عن سفينة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
وقال وابن أبي عروة أحفظ وحديث همام أشبه زاد همام رجلا
55 - سألت أبي عن حديث رواه أبو الطاهر بن السرح قال حدثنا أشعث بن شعبة عن حنش بن الحارث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت رأيت الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وهو محرم
فقال حدثنا أبو نعيم قال لنا حنش عن عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ولم يقل عن أبيه
قلت لأبي أيهما أشبه قال أبو نعيم أثبت ولا أبعد أن يكون قال لهم مرة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
56 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سعيد بن خثيم عن حنظلة عن سالم عن أبيه أنه كان إذا نظر إلى رجل يريد السفر يقول أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يودع ثم يقول أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك
قالا وهم سعيد في هذا الحديث
وروى هذا الحديث الوليد بن مسلم فوهم فيه أيضا فقال عن حنظلة عن سالم عن القاسم عن ابن عمر والصحيح عندنا والله أعلم عن حنظلة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل بن جرير عن قزعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال أبو زرعة حدثنا أبو نعيم قال لنا عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن

إسماعيل بن جرير عن قزعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه كان إذا ودع رجلا قال أستودع الله دينك وأمانتك
ذاكرت به أبي قال حدثنا أبو نعيم عن عبد العزيز هذا الحديث
57 - سئل أبي عن حديث أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال أبو بكر للنبي ص -
ما شيبك قال شيبتني هود
الحديث متصل أصح كما رواه شيبان أو مرسل كما رواه أبو الأحوص قال مرسل أصح
قلت لأبي روى بقية عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
فقال هذا خطأ ليس فيه ابن عباس
58 - سألت أبي عن حديث رواه رواد بن الجراح قال حدثنا أبو سعد الساعدي قال سمعت أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يقول الناس مستوون كأسنان المشط ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله
قال أبي هذا حديث منكر وأبو سعد مجهول
59 - سمعت أبي وذكر حديثا حدثنا به عن زكرياء بن يحيى الوقاد قال قرئ على عبد الله بن وهب قال قال الثوري قال مجالد قال أبو الوداك قال أبو سعيد الخدري قال عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
قال أخي موسى يا رب أرني الذي كنت أريتني في السفينة فأوحى الله تبارك وتعالى إليه يا موسى إنك ستراه فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب مشمرها فقال سلام عليك ورحمة الله

يا موسى بن عمران إن ربك يقرأ عليك السلام ورحمة الله فقال موسى هو السلام ومنه السلام وإليه السلام والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته
فقال موسى عليه السلام أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك فقال الخضر يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع فلا تلم جلساءك إذا حدثتهم واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك واعزف عن الدنيا فانبذها وراءك فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار وإنما جعلت بلغة للعباد ليتزودوا منها للمعاد وذكر الحديث
قال أبي هذا حديث باطل كذب
قلت وذكرت هذا الحديث لأبي الجنيد الحافظ فقال هو موضوع
60 - سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه بقية عن معاوية بن يحيى الطرابلسي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال إن المعونة تنزل من الله على قدر المؤونة وإن الصبر ينزل من الله
بقدر الشكر
قال أبي كنت معجبا بهذا الحديث حتى ظهرت لي عورته فإذا هو معاوية عن عباد بن كثير عن أبي الزناد
قال أبو زرعة الصحيح ما رواه الدراوردي عن عباد بن كثير عن أبي الزناد فبين معاوية بن يحيى وأبي الزناد عباد بن كثير وعباد ليس بالقوي
61 - سألت أبي عن حديث رواه إسحاق بن خالد الأعسم عن إبراهيم بن رستم قال حدثنا أبو حفص العبدي عن إسماعيل بن سميع عن

أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في
الدنيا فإذا خالطوا السلطان ودخلوا في الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم واجتنبوهم
فقال أبي هذا حديث منكر يشبه أن يكون في الإسناد رجل لم يسم وأسقط ذلك الرجل
وهنا انتهى ما أردنا إيراده من كتاب علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي وهو من الأئمة المشهورين قال الذهبي في الميزان عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي الحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت يروي عن أبي سعيد الأشج ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما وكان ممن جمع بين علو الرواية ومعرفة الفن وله الكتب النافعة ككتاب الجرح والتعديل والتفسير الكبير وكتاب العلل
وما ذكرته لولا ذكر أبي الفضل السليماني له وبئس ما صنع فإنه قال ذكر أسامي الشيعة من المحدثين الذين يقدمون عليا على عثمان الأعمش النعمان شعبة بن الحجاج عبد الرزاق عبيد الله بن موسى عبد الرحمن بي أبي حاتم
وكان والده أبو حاتم من كبار الحفاظ البارعين في معرفة العلل ويظهر لك ذلك من هذا الكتاب فإن ما ذكر فيه إلا قليلا مأخوذ عنه ومقتبس منه وكان جاريا في مضمار أبي زرعة والبخاري
وذكر بعض أهل الأثر أن بعض الأجلاء من أهل الرأي سأل أبا حاتم عن أحاديث فقال في بعضها هذا خطأ دخل لصاحبه حديث في حديث وهذا

باطل وهذا منكر وهذا صحيح
فسأله من أين علمت هذا هل أخبرك الراوي بأنه غلط أو كذب فقال لا ولكني علمت ذلك
فقال له الرجل أتدعي الغيب فقال ما هذا ادعاء غيب قال فما الدليل على قولك فقال أن تسأل غيري من أصحابنا فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف
فذهب الرجل إلى أبي زرعة وسأله عن تلك الأحاديث بعينها فاتفقا فتعجب السائل من اتفاقهما من غير مواطأة فقال أبو حاتم أفعلمت أنا لم نجازف ثم قال والدليل على صحة قولنا أنك تحمل دينارا بهرجا إلى صيرفي فإن أخبرك أنه يهرج وقلت له أكنت حاضرا حين بهرج أو هل أخبرك الذي بهرجه بذلك يقول لك لا ولكن علم رزقنا معرفته
وكذلك إذا حملت إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج يعرف ذا من ذا
ونحن نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة ونعرف سقمه ونكارته بتفرد من لم تصح عدالته
وهذه المسألة ليست من المسائل الغامضة فإن كل من اشتغل بفن من الفنون وتفرغ له وسلك مسلك أهله وصرف عنايته إليه قد يحكم في مسائله بحكم لا يتيسر له إقامة الدليل الظاهر عليه وإن كان له في نفس الأمر دليل ربما كان أقوى من الأدلة الظاهرة إلا أن العبارة تقصر عنه ولذلك ترى المشاركين له في تلك الحال يحكمون بمثل حكمه في الغالب
ومن ثم اتفق الجهابذة من العلماء على أنه يرجع في مسائل كل فن إلى أهله المعنيين بأمره
وعلى ذلك فلا يستغرب أن يقال إنه يجب في الحديث أن يرجع فيه إلى أئمة المشهورين الذين تفرغوا له وصرفوا أعمارهم في تحصيله والبحث عن غوامضه وعلله وأحوال رجاله فإذا ثبت اتفاقهم على شيء ثبوتا بينا لم يسغ العدول عنه ومن سلك مسلكهم تبين له مثل ما تبين لهم
( لا تقل قد ذهبت أربابه ... كل من سار على الدرب وصل )

صلة تتعلق بالضعيف وهي تشتمل على ثلاث مسائل
المسألة الأولى اتفق العلماء على أنه لا يجوز ذكر الموضوع إلا مع بيان في أي نوع كان وأما غير الموضوع من الضعيف فقد اختلفوا فيه
1 - فذهب قوم إلى جواز الأخذ به والتساهل في أسانيده وروايته من غير بيان لضعفه إذا كان من غير الأحكام والعقائد مثل فضائل الأعمال والقصص
وممن نقل عنه جواز التساهل في ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل
أما ابن مهدي فإنه نقل عنه أنه قال إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال وإذا
روينا في الفضائل والثواب والعقاب تساهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال
وأما أحمد بن حنبل فقد نقل عنه قال الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى تجيء شيء فيه حكم وقال ابن إسحاق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا وقبض أصابع يديه الأربع
وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن للأخذ بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها عند من سوغ ذلك ثلاثة شروط
أحدها أن يكون الضعيف غير شديد الضعف فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه
وقد نقل بعضهم الاتفاق على ذلك
الثاني أن يندرج تحت أصل معمول به
الثالث أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط
وقد ذكر هذين الشرطين ابن عبد السلام وابن دقيق العيد

ويظهر من الشرط الثالث أنه يلزم بيان ضعف الضعيف الوارد في الفضائل ونحوها كي لا يعتقد ثبوته في نفس الأمر مع أنه ربما كان غير ثابت في نفس الأمر
ومن نظر في الأحاديث الضعيفة نظر إمعان وتدبر تبين له أنها إلا القليل منها يغلب على الظن أنها غير ثابتة في نفس الأمر
وقد ذكر ابن حزم ما يقرب من ذلك حيث قال إننا قد أمنا ولله الحمد أن تكون شريعة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو ندب إليها أو فعلها عليه الصلاة و السلام فتضيع ولم تبلغ إلى أحد من أمته إما بتواتر أو بنقل الثقة عن الثقة حتى تبلغ إليه وأمنا أيضا قطعا أن يكون الله تعالى يفرج بنقلها من لا تقوم الحجة بنقله من العدول وأمنا أيضا قطعا أن تكون شريعة يخطئ فيها راويها الثقة ولا يأتي بيان جلي واضح بصحة خطئه فيه
وأمنا أيضا قطعا أن يطلق الله عز و جل من قد وجبت الحجة علينا بنقله على وضع حديث فيه شرع يسنده إلى من تجب الحجة بنقله حتى يبلغ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وكذلك نقطع ونبت بأن كل خبر لم يأت قط إلا مرسلا أو لم يروه قط إلا مجهول أو مجروح ثابت الجرحة فإنه خبر بالك بلا شك موضوع لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذ لو جاز أن يكون حقا لكان ذلك شرعا صحيحا غير لازم لنا لعدم قيام الحجة
علينا فيه
قال علي وهذا الحكم الذي قدمنا إنما هو فيما نقله من اتفق على عدالته كالصحابة وثقات التابعين ثم كشعبة وسفيان ومالك وغيرهم من الأئمة في عصرهم وبعدهم إلينا وإلى يوم القيامة وفي كل من ثبتت جرحته كالحسن بن عمارة

وجابر الجعفي وسائر المجروحين الثابتة جرحتهم
وأما من اختلف فيه فعدله قوم وجرحه آخرون فإن ثبتت عندنا عدالته قطعنا على صحة خبره وإن ثبتت عندنا جرحته قطعنا على بطلان خبره وإن لم يثبت عندنا شيء من ذلك وقفنا في ذلك وقطعنا ولا بد حتما على أن غيرنا لا بد أن يثبت عنده أحد الأمرين فيه وليس خطؤنا نحن إن أخطأنا وجهلنا إن جهلنا حجة على وجوب ضياع دين الله تعالى بل الحق ثابت ومعروف عند طائفة وإن جهلته أخرى والباطل كذلك أيضا كما يجهل قوم ما نعلمه نحن أيضا
والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء
ولا يصح الخطأ في خبر الثقة إلا بأحد ثلاثة أوجه إما تبين الراوي واعترافه بأنه أخطأ فيه
وإما شهادة عدل على أنه سمع الخبر مع راويه فوهم فيه
وإما بأن توجب المشاهدة بأنه خطأ
هذا وجزم ابن حزم بجرح الراويين المذكورين إنما هو مبني على المشهور من أمرهما عند جمهور المحدثين وقد ترجم كلا منهما الذهبي في الميزان
فقال في ترجمة الأول منهما الحسن بن عمارة ت ق الكوفي الفقيه مولى بجيلة عن ابن أبي مليكة وعمرو بن مرة وخلق وعنه السفيانان ويحيى القطان وشبابة وعبد الرزاق
قال ابن عيينة كان له فضل وغيره أحفظ منه
وقال شعبة روى الحسن بن عمارة أحاديث عن الحكم فسألنا الحكم عنها فقال ما سمعت منها شيئا
وقال النضر بين شميل قال الحسن بن عمارة إن الناس كلهم في حل مني ما خلا شعبة
وقال الدولابي أبو بشر حدثني أبو صالح بن عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني حدثنا أبي وسألته عن قصة شعبة والحسن بن عمارة فقال كان ابن عمارة موسرا وكان الحكم بن عتيبة مقلا فضمه إلى نفسه فكان الحكم يحدثه ولا يمنعه فحدثه بقريب من عشرة آلاف قضية عن شريح وغيره وسمع شعبة عن

الحكم شيئا يسيرا فلما توفي الحكم قال شعبة للحسن من رأيك أن تحدث عن الحكم بكل ما سمعته قال نعم ما أكتم شيئا قال فقال من أراد أن ينظر إلى أكذب الناس فلينظر إلى الحسن بن عمارة فقبل الناس منه وتركوا الحسن بن عمارة
قال ابن أبي رواد دخلت أنا وشعبة على الحسن نعوده في مرضه فدار شعبة فقعد وراء الحسن من حيث لا يراه فجعل الحسن يقول الناس كلهم من قبلي في حل ما خلا شعبة ويومئ إليه
توفي سنة ثلاث وخمسين ومئة وكان من كبار الفقهاء في زمانه ولي قضاء بغداد
وقال في ترجمة الثاني منهما جابر بن يزيد د ت ق ابن الحارث الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة له عن أبي الطفيل والشعبي وخلق وعنه شعبة وأبو عوانه وعدة قال ابن مهدي عن سفيان كان جابر الجعفي ورعا في الحديث ما رأيت أورع منه في الحديث
وقال شعبة صدوق
وقال يحيى بن أبي كثير عن شعب كان جابر إذا قال أنبأنا وحدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس
وقال وكيع ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابرا الجعفي ثقة
وقال ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال سفيان الثوري لشعبة لئن تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك
وقال جرير بن عبد الحميد لا أستحل أن يحدث عن جابر الجعفي كان ممن يؤمن بالرجعة
وقال يحيى بن يعلى المحاربي طرح زائدة حديث جابر الجعفي وقال هو كذاب يؤمن بالرجعة
وقال عثمان بن أبي شيبة أنبأنا أبي عن جدي قال إن كنت لآتي جابرا الجعفي في وقت ليس فيه خيار ولا قثاء فيحول حول خوخة ثم يخرج إلي بخيار أو ثقاء فيقول هذا من بستاني
وقال ابن حبان كان جابر سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ كان يقول إن عليا يرجع إلى الدنيا
وقال ابن عدي حدثنا علي بن الحسن بن فديد أنبأنا عبيد الله بن يزيد بن العوام سمعت إسحاق بن مطهر سمعت الحميدي سمعت سفيان سمعت جابرا الجعفي يقول انتقل العلم الذي كان في النبي صلى الله عليه وسلم -

إلى علي ثم انتقل من علي إلى الحسن ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا
قال

ابن عدي وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة
2 - وذهب قوم إلى عدم جواز الأخذ بالحديث الضعيف في أي نوع كان وقد أشار إلى ذلك العلامة عبد الرحمن المعروف بأبي شامة في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث حيث قال وقد أملى في فضل رجب الشيخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن يعني ابن عساكر مجلسا وهو السادس بعد الأربع مئة من أماليه وقد سمعناه من غير واحد ممن سمعه عليه ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلها منكرة
أحدها حديث صلاة الرغائب الذي بينا حاله
والثاني حديث زائدة بن أبي الرقاد قال حدثنا زياد النميري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان
قال الحافظ تفرد به زائدة عن زياد بن مأمون البصري عن أنس
قلت وقال الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي زائدة بن أبي الرقاد منكر الحديث وزياد بن ميمون البصري أبو عمار متروك الحديث
وقال أبو عبد الله البخاري الإمام زياد بن ميمون أبو عمار البصري صاحب الفاكه عن أنس تركوه
الحديث الثالث حديث منصور بن زيد بن زائدة بن قدامة الأسدي عن موسى بن عمران عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
إن في الجنة عينا أو قال نهرا يقال له رجب ماؤه أحلى من العسل وأبيض من
اللبن فمن صام يوما من رجب شرب من ذلك النهر
قال الحافظ أبو القاسم تفرد به منصور عن موسى
ثم قال منتقدا على الحافظ المذكور وكنت أود أن الحافظ لم يذكر ذلك فإن فيه تقريرا لما فيه من الأحاديث المنكرة فقدره كان أجل من أن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
بحديث يرى أنه كذب ولكنه جرى في ذلك على عادة جماعة من أهل الحديث
يتساهلون في أحاديث فضائل الأعمال وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ بل ينبغي أن يبين أمره إن علم وإلا

دخل تحت الوعيد فق قوله ص -

من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين
3 - وقد نقل في حكم الحديث الضعيف قول ثالث وهو أنه يؤخذ به في الأحكام أيضا إذا لم يوجد في الباب غيره وقد نسب ذلك إلى أحمد بن حنبل واشتهر عنه غاية الاشتهار
وقد كان أناس من المتكلمين يتعجبون من هذا القول غاية التعجب بناء على أن أحكام الدين ينبغي أن تكون مبنية على أساس متين
وكان أناس من غيرهم يعجبون بهذا القول ويعدونه أمارة على فرط الاتباع والتباعد عن الابتداع وكان بينهما فريق آخر التزم في ذلك الصمت متمثلا بقول من قال
( فبعضنا قائل ما قاله حسن ... وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر )
وقد حاول العلامة ابن تيمية إزالة الإشكال من أصله فقال في كتاب منهاج السنة النبوية إن قولنا إن الحديث الضعيف خير من الرأي ليس المراد به الضعيف المتروك لكن المراد به الحسن كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث إبراهيم الهجري ممن يحسن الترمذي حديثه أو يصححه
وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي إما صحيح وإما ضعيف والضعيف نوعان ضعيف متروك وضعيف ليس بمتروك فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح فجاء من لا يعرف اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض أئمة الحديث الضعيف أحب إلي من القياس فظن انه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح
وهو في ذلك من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه

وقد ذكر كثير من المؤلفين ممن كان بعد العلامة المذكور قول الإمام أحمد من غير أن يفسروه بما فسره به فكأنهم لم يطلعوا على ما قاله أو لم يظهر لهم ذلك فإن بعضهم كان يميل إلى إثبات كل ما روي على أي وجه كان
ويدلك على ذلك قول بعضهم إن الحديث الضعيف إذا تلته الأمة بالقبول ينزل منزلة المتواتر حتى إنه ينسخ به القرآن
واستدل على ذلك بأن حديث لا وصية لوارث قد جعلوه ناسخا لآية الوصية مع أن بعض الأئمة قال إن أهل الحديث لا تثبته لكن لما تلقته الأمة بالقبول صار في حكم المتواتر
ولا يخفى أن هذا قول مستغرب جدا
وقد ذكرنا فيما مضى أن بعض العلماء الأعلام قال إن الوصية للوالدين والأقربين إنما نسختها آية المواريث كما اتفق على ذلك السلف فإن الله تعالى قال بعد ذكر الفرائض ( تلك حدود الله ) الآية
فأبان أنه لا يجوز أن يزاد أحد على ما فرض الله له
وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة و السلام إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث
وإلا فهذا الحديث إنما رواه أبو داود ونحوه من أصحاب السنن وليس في الصحيحين
وإذ كان من أخبار الآحاد فلا يجوز أن يجعل ناسخا للقرآن
وبالجملة فلم يثبت أن شيئا من القرآن نسخ بسنة بلا قرآن
وذكرنا أيضا أن ابن حزم ذهب إلى أن ذلك الحديث متواتر فإنه قال قد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع قد صح بما فيه متيقنا منقولا جيلا فجيلا فإذا كان ذلك علمنا أنه منقول نقل كافة كنقل القرآن فاستغني عن ذكر السند فيه وكان ورود ذلك المرسل وعدم وروده سواء ولا فرق وذلك نحو لا وصية لوارث
المسألة الثانية قد نشأ من رواية الأحاديث الضعيفة من غير بيان لضعفها ضرر عظيم عرفه من عرفه وجهله من جهله
وقد شدد النكير مسلم في مقدمة صحيحه على من فعل ذلك وذلك حيث قال وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواه الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير يطول الكتاب بذكره

على استقصائه وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا
وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب
فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته كان آثما بفعله ذلك عاشا لعوام المسلمين إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها
مع أن الأخبار الصحيحة من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع
ولا أحسب كثيرا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعيف إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام ولأن يقال ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألف من العدد
ومن ذهب في العلم هذا المذهب وسلك هذا الطريق لا نصيب له فيه وكان بأن يسمى جاهلا أولى من أن ينسب إلى علم
انتهى كلام الإمام مسلم
وإنما قصر مسلم غشهم على عوام المسلمين مع أن كثيرا من خواصهم قد لحقهم من ذلك ما لحق عوامهم لأن الخواص كان يمكنهم أن يقفوا على حقيقة الأمر ولكنهم قصروا فكأنه جعلهم هم الغاشين لأنفسهم فإن كثيرا منهم كان إذا رأى حديثا قد ذكره أحد أولئك الغاشين للأمة في دينها من غير بيان لحاله فإن كان موافقا لرأيه أو لرأي من يهوى أن ينتصر له كيف ما كان الحال بادر لنقله ونشره والاستشهاد به من غير بحث عنه مع معرفته بأن في كثير مما يروى الموضوع والضعيف الذي اشتد ضعفه

وإن كان مخالفا لرأيه من يحب أن ينتصر له فإن وجده غير قابل للتأويل على وجه يوافق ما يذهب إليه تركه وكثيرا ما يخطر في باله أن مخالفه ربما وقف عليه واستند إليه فيعد له حينئذ تأويلا ربما كان هو أول الضاحكين على نفسه منه وذلك استعدادا لهجوم الخصم قبل أن يهجم عليه
وإن وجده قابلا للتأويل على وجه يوافق ما يهواه تساوى عنده الحالات وسكنت نفسه
ومن نظر في الكتب المؤلفة في تخرج الأحاديث المذكورة في كثير من كتب الكلام أو الفقه أو الأصول أو التفسير رأى من كثرة الأحاديث الضعيفة الواهية التي يوردونها للاحتجاج أمرا هائلا وقد حكم أهل البصيرة من العلماء الأعلام بأن هؤلاء الذين يوردونها للاستشهاد بها لا يعذرون إلا من لم يقصر منهم في البحث والاجتهاد فإنه إذا أخطأ بعد ذلك لم يكن ملوما
وقد تعرض كثير من العلماء الذين وقفوا على الضرر الذي نشأ من نشر الأحاديث الضعيفة في الأمة من غير إشارة إلى ضعفها لبيان ذلك وقد أحببت أن أورد شيئا من ذلك على طريق التلخيص
قال الحكيم المحقق أبو الريحان البيروني في الكتاب الذي ألفه في تحقيق ما ينسب لأهل الهند من مقالة في مبحث صورة السماء والأرض إن القرآن لم ينطق في هذا الباب وفي كل شيء ضروري بما يحوج إلى تعسف في تأويل وإنما هو في الأشياء الضرورية معها حذو القذة بالقذة وبإحكام من غير تشابه ولم يشتمل أيضا على شيء مما اختلف فيه وأيس من الوصول إليه
وإن كان الإسلام مكيدا في مبادئه بقوم من مناوئيه أظهروه بانتحال وحكوا لذوي السلامة في القلوب من كتبهم ما لم يخلق الله منه فيها شيئا لا قليلا ولا كثيرا فصدقوهم وكتبوها عنهم مغترين بنفاقهم وتركوا ما عندهم من الكتاب الحق لأن قلوب العامة إلى الخرافات أميل فتشوشت الأخبار لذلك
ثم جاءت طامة أخرى من جهة الزنادقة كأصحاب ماني كعبد الكريم بن أبي العوجاء وأمثاله فشككوا ضعاف الغرائز في الواحد الأول من جهة التعديل

والتجوير وأمالوهم إلى التثنية وزينوا عندهم سيرة ماني حتى اعتصموا بحبله
وهو رجل غير مقتصر على جهالاته في مذهبه دون الكلام في هيئة العالم بما ينبئ عن تمويهاته وانتشر ذلك في الألسنة وانضاف إلى ما تقدم من المكايد اليهودية فصار رأيا منسوبا إلى الإسلام سبحان الله عن مثله والذي يخالفه ويتمسك بالحق المطابق للقرآن فيه موسوما بالكفر والإلحاد محكوما على دمه بالإراقة غير مرخص في سماع كلامه وهو دون ما يسمع من كلام فرعون ( أنا ربكم الأعلى ) ( وما علمت لكم من إله غيري ) وتطاول العصبية ربما يميل عن الطريقة المثلى للحمية والله يثبت قدم من يقصده ويقصد الحق فيه
وقال الحافظ ابن حزم في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل ذكر فصول يعترض بها جهلة الملحدين على ضعفاء المسلمين
قال أبو محمد إنا لما تدبرنا أمر طائفتين ممن شاهدنا في زماننا هذا وجدناهما قد تفاقم الداء بهما فإما إحداهما فقد جلت المصيبة فيها وبها وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتدؤا دخولهم إلى المعارف بطلب علم العدد وبرهانه وطبائعه ثم تدرجوا إلى تعديل الكواكب وهيئة الأفلاك وفيما دون ذلك من الطبيعيات وعوارض الجو ومطالعة شيء من كتب الأوائل وحدودها التي نصبت في الكلام وما مازج بعض ما ذكرنا من آراء الفلاسفة في القضاء بالنجوم وأنها ناطقة مدبرة وكذلك الفلك
فأشرقت هذه الطائفة من أكثر ما طالعت مما ذكرنا على أشياء صحاح يراهنها ضرورية لائحة ولم يكن معها من جودة القريحة وصفاء النظر ما تعلم به أن من أصاب في عشرة آلاف مسألة مثلا جائز أن يخطئ في مسألة واحدة لعلها أسهل من المسائل التي أصاب فيها فلم تفرق هذه الطائفة بين ما صح مما طالعوه بحجة برهانية وبين ما في أثناء ذلك وتضاعيفه مما لم يأت عليه من ذكره من الأوائل إلا بإقناع أو بشغب أو بتقليد ليس معه شيء مما ذكرنا

فحملوا كل ما أشرفوا عليه محملا واحدا وقبلوه قبولا مستويا فسرى فيهم العجب وتداخلهم الزهو وظنوا أنهم قد حصلوا على مباينة العالم في ذلك وللشيطان موالج خفية ومداخل لطيفة فتوصل إليهم من باب غامض وهو إصغار كل شيء من علوم الديانة التي هي الغرض المقصود من كل ذي لب والتي هي نتيجة العلوم التي طالعوا لو عقلوا سبلها ومقاصدها
فلم يعبأوا بآية من كتاب الله الذي هو جامع علوم الأولين والآخرين والذي لم يفرط فيه من شيء والذي من فهمه كفاه ولا بسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

التي هي بيان الحق ونور الألباب
ولم تلق هذه الطائفة من حملة الدين إلا أقواما لا عناية عندهم بشيء مما قدمناه
وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أوجه إما بألفاظ ينقلون ظاهرها ولا يعرفون معانيها ولا يهتمون بفهمها وإما بمسائل من الأحكام لا يشتغلون بدلائلها ومنبعثها وإنما حسبهم منها ما أقاموا به8 جاههم وحالهم وإما بخرافات منقولة عن كل ضعيف وكذاب وساقط لم يهتبلوا قط بمعرفة صحيح منها من سقيم ولا مرسل من مسند ولا ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم -
مما نقل عن كعب الأحبار ووهب بن منبه عن أهل الكتاب
فنظرت الطائفة الأولى إلى هذه الآخرة بعين الاستهجان والاحتقار والاستجهال فتمكن الشيطان منهم وحل فيهم حيث أحب فهلكوا وضلوا واعتقدوا أن دين الله لا يصح منه شيء ولا يقوم عليه دليل فاعتقد أكثرهم الإلحاد واستعمال الفرائض والعبادات وآثروا الراحات وركوب اللذات وقصدوا كسب المال كيف تيسر وظلم العباد وتدين الأقل منهم بتعظيم الكواكب فأسفت نفس المسلم الناصح لهذه الملة وأهلها على هلاك هؤلاء المساكين وخروجهم عن جملة المؤمنين بعد أن غذوا بلبان الإسلام ونشئوا في حجور أهله

وأما الطائفة الثانية فهم قوم ابتدؤا الطلب بحديث النبي صلى الله عليه وسلم -

فلم يزيدوا على طلب علو الإسناد وجمع الغرائب دون أن يهتموا بشيء مما
كتبوا ويعملوا به وإنما تحملوه حملا لا يزيد عن قراءته دون تدبر معانيه ودون أن يعلموا أنهم المخاطبون به وأنه لم يأتي هملا ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم - عبثا بل أمرنا بالتفقه فيه والعمل به بل أكثر هذه الطائفة لا يعمل عندهم إلا بما جاء من طريق مقاتل بن سليمان والضحاك بن مزاحم وتفسير الكلبي وتلك الطبقة وكتب البدء التي إنما هي خرافات موضوعات ولدها الزنادقة تدليسا على الإسلام وأهله
فأطلقت هذه الطائفة كل اختلاط لا يصح مثل أن الأرض على حوت والحوت على قرن ثور والثور على الصخرة والصخرة على عاتق ملك والملك على الظلمة والظلمة على ما لا يعلمه إلا الله عز و جل
فنافرت هذه الطائفة كل برهان ولم يكن عندهم أكثر من قولهم نهينا عن الجدال
وليت شعري من نهاهم عنه والله يقول في كتابه المنزل على نبيه المرسل ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) وأخبر تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا ( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا )
وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أصول البراهين وقد نبهنا عليها في غير ما موضع من كتابنا هذا
وحض تعالى على التفكر في خلق السموات والأرض ولا يصح الاعتبار في خلقهما إلا بمعرفة هيآتهما وانتقال الكواكب في أفلاكهما واختلاف حركاتها في التغريب والتشريق ونحو ذلك
وكذلك معرفة الطبائع وامتزاج العناصر وعوارضها وتركيب أعضاء الحيوان من عصبه وعضله وعظامه وعروقه وشرايينه واتصال أعضائه بعضها ببعض وقواه المركبة
فمن أشرف على ذلك وعلمه رأى عظيم القدرة وتيقن أن كل ذلك صنعة ظاهرة وإرادة خالق مختار

ثم زاد قوم منهم فأتوا بالأفيكة التي يقشعر منها وهي أن أطلقوا أن الدين لا يؤخذ بحجة فأقروا عيون الملحدين وشهدوا أن الدين لا يثبت إلا بالدعاوي والغلبة
وهذا خلاف قول الله عز و جل ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )
هذا قول الله عز و جل وما جاء به نبيه ص -

وفي تلك الكفاية والغناء عن قول كل قائل
وقد حاج ابن عباس الخوارج وما علمنا أحدا من الصحابة نهى عن الاحتجاج فلا معنى لرأي من جاء بعدهم فكان كلام هذه الطائفة مغريا للطائفة الأولى بكفرها إذ لم يروا في خصومهم في الأغلب إلا من هذه صفته
ثم زادت هذه الثانية غلوا في الجنون فعابوا كتبا لا علم لهم بها ولا طالعوها ولا رأوا منها كلمة ولا قرؤوها ولا أخبرهم عما فيها ثقة كالكتب التي فيها هيئة الأفلاك ومجاري النجوم والكتب التي جمعها أرسطاطاليس في حدود الكلام
قال أبو محمد وهذه الكتب كلها سالمة مفيدة دالة على توحيد الله عز و جل وقدرته عظيمة المنفعة في انتقاد جميع العلوم وعزم منفعة الكتب التي ذكرنا في الحدود ففي مسائل الأحكام الشرعية بها يعترف كيف التوصل إلى الاستنباط وكيف تؤخذ الألفاظ على مقتضاها وكيف يعرف الخاص من العام والمجمل من المفسر وبناء الألفاظ بعضها على بعض وكيف تقديم المقدمات وإنتاج النتائج وما يصح من ذلك صحة ضرورية أبدا وما يصح مرة ويبطل أخرى وما لا يصح البتة وضرب الحدود التي من شذ عنها كان خارجا عن أصله ودليل الخطاب ودليل الاستقراء وغير ذلك مما لا غناء بالفقيه المجتهد لنفسه ولأهل ملته عنه
قال أبو محمد فلما رأينا عظم المحنة فيما تولد في الطائفتين اللتين ذكرنا رأينا من عظيم الأجر وأفضل العمل بيان هذا الباب المشكل بحول الله تعالى وقدرته وتأييده فنقول وبه عز و جل نتأيد ونستعين إن كل ما صح ببرهان أي شيء كان فهو في القرآن وكلام النبي عليه الصلاة و السلام منصوص مسطور يعلمه كل

من أحكام النظر وأيده الله تعالى بفهم وأما كل ما عدا ذلك مما لا يصح ببرهان وإنما هو إقناع أو شغب فالقرآن وكلام النبي عليه الصلاة و السلام منه خاليان والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى أو كلام نبيه عليه الصلاة و السلام بما يبطله عيان أو برهان إنما ينسب هذا إلى القرآن والسنة من لا يؤمن بهما ويسعى في إبطالهما ( ويأبى الله إلا أن يتم نروه ولو كره الكافرون )
ولسنا من تفسير الكلبي ومن جرى مجراه في شيء ولا نحن من نقل المتهمين في شأن إنما نحتج بما نقله الأئمة الثقات الأثبات من رؤساء المحدثين مسندا فمن فتش الحديث الصحيح وجد فيه كل ما قلنا والحمد لله رب العالمين
انتهى ما تعلق الغرض بإيراده
وقد تعرض حجة الإسلام أبو حامد الغزالي لبيان عظم الضرر الذي نشأ من هاتين الطائفتين في كتاب المنقذ من الضلال ونحا في كلامه قريبا من منحى ابن حزم في ذلك فارجع إليه إن شئت
هذا ومن شدد النكير على أولئك المحدثين الذين يروون الأحاديث الضعيفة من غير بيان ضعفها حتى حصل من الضرر ما حصل جمهور المتكلمين على الاختلاف فرقهم
وقد ذكر ابن قتيبة في مقدمة كتاب تأويل مختلف الحديث ما قاله المتكلمون من القدرية في ذلك
فإن قيل إن هؤلاء لا يقولون بالحديث فيكف يسمع كلامهم في أهله وهم أشد الناس عداوة لهم يقال بأن هؤلاء لا يتوقعون في وجوب الأخذ بالحديث إذا كان متواترا أو كان غير متواتر إلا أنه احتف به من القرائن ما يدل على صحته وإنما يتوقفون في الأخذ بالحديث إذا كان مرويا من طريق الآحاد ولم تقم قرينة على صحته وأما الأحاديث الضعيفة فلا يقولون بها أصلا وقد نحا منحاهم المتكلمون

منا ومن نظر في كتب الكلام أو الأصول تبين له أنهم لا ينكرون الأخذ بالحديث مطلقا كما توهمه عبارة أناس يريدون التنفير منهم مع أن التنفير منهم يمكن أن يحصل بغير الافتراء عليهم ونسبة ما لا يقولون بهم إليهم
المسألة الثالثة قد عرفت أن العلماء الأعلام قد أنكروا إنكارا شديدا على الذين يروون الأحاديث الضعيفة من غير بيان لضعفها وأما من رواها مع بيان ضعفها فلم ينكروا عليه وذلك لأن رواية كثير من علماء الحديث للأحاديث الضعيفة لم تكن تخلو عن فائدة مهمة
قال العلامة النووي في شرح مسلم قد ذكر مسلم في هذا الباب أن الشعبي روى عن الحارث الأعور وشهد أنه كاذب وعن غيره حدثني فلان وكان متهما وعن غيره الرواية عن المغفلين والضعفاء والمتروكين فقد يقال لم حدث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يحتج بهم
ويجاب عنه بأجوبة أحدها أنهم رووها ليعرفوها وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم أو على غيرهم أو يتشككوا في أمرها
الثاني أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد كما قدمناه في فصل المتابعات ولا يحتج به على انفراده
الثالث أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض وذلك سهل عليهم معروف عندهم وبهذا احتج سفيان الثوري حين نهى عن الرواية عن الكلبي فقيل له أنت تروي عنه فقال أنا أعلم صدقه من كذبه
الرابع أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال والقصص والزهد ومكارم الأخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر

الأحكام
وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين ولا محقق من غيرهم من العلماء
وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه فليس بصواب بل قبيح جدا وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفا والله أعلم
تنبيه إذا أردت نقل الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله كذا أو فعل كذا لإشعار ذلك بالجزم بل قل فيه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أنه قال كذا أو فعل كذا أو بلغنا عنه كذا أو جاء عنه كذا أو روى بعضهم
عنه كذا وما أشبه ذلك من الصيغ التي لا تشعر بالجزم
ومثل الضعيف ما يشك في صحته وضعفه وخلاف ذلك منكر عند القوم يستحق صاحبه اللوم
قال النووي في مقدمة شرح صحيح البخاري قال العلماء المحققون من المحدثين وغيرهم إذا كان الحديث ضعيفا لا يقال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أو فعل أو أمر أو نهى أو حكم وشبه ذلك من صيغ الجزم
وكذا لا يقال روى أبو هريرة أو قال أو ذكر أو أخبر أو حدث أو نقل أو أفتى وشبه ذلك وكذا لا يقال ذلك في التابعين فمن بعدهم
فما كان ضعيفا فلا يقال فيه شيء من ذلك بصيغة الجزم وإنما يقال في

الضعيف بصيغة التمريض فيقال روي عنه أو نقل أو ذكر أو حكي أو يقال أو يروى أو يحكى أو يعزى أو جاء عنه أو بلغنا عنه
قالوا وإذا كان الحديث أو غيره صحيحا أو حسنا عن المضاف إليه فيقال بصيغة الجزم ودليل هذا كله أن صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا يطلق إلا فيما صح وإلا فيكون في معنى الكاذب عليه وهذا التفصيل مما تركه كثير من الناس من المصنفين في الفقه والحديث وغيرهما ومن غيرهم
وقد اشتد إنكار الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي على من خالف هذا من العلماء وهذا التساهل من فاعله قبيح جدا فإنهم يقولون في الصحيح بصيغة التمريض وفي الضعيف بالجزم وهذا خروج عن الصواب وقلب للمعاني والله المستعان
وقد اعتنى البخاري رضي الله عنه بهذا التفصيل في صحيحه فيقول في الترجمة الواحدة بعض الكلام بتمريض وبعضه بجزم مراعيا ما ذكرنا وهذا ما يزيدك اعتقادا في جلالته وتحريه وروع واطلاعه وتحقيقه وإتقانه

@ 670 @

الفصل السابع في رواية الحديث بالمعنى وما يتعلق بذلك
اختلف العلماء في رواية الحديث بالمعنى فذهب قوم إلى عدم جواز ذلك مطلقا منهم ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي وغيرهم ويروى ذلك عن ابن عمر وذهب الأكثرون إلى جواز ذلك إذا كان الراوي عارفا بدقائق الألفاظ بصيرا بمقدار التفاوت بينها خبيرا بما يحيل معانيها فإذا أبدل اللفظ الذي بلغه بلفظ آخر يقوم مقامه بحيث يكون معناه مطابقا لمعنى اللفظ الذي بلغه جاز ذلك
وقد تعرض لهذه المسألة علماء الأصول ولما كانت من المسائل المهمة جدا أحببت أن أورد من عباراتهم هنا ما يكون فيه كفاية لمطالع كتابنا قال الأستاذ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع باب القول في حقيقة الرواية وما يتصل بها والاختيار في الرواية أن يروي الخبر بلفظه لقوله ص -
نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمع قرب حامل فقه إلى ما
هو أفقه منه
فإن أورد الرواية بالمعنى نظر فإن كان ممن لا يعرف معنى الحديث لم يجز لأنه لا يؤمن أن يغير معنى الحديث
وإن كان ممن يعرف معنى الحديث نظر فإن كان ذلك في خبر محتمل لم يجز أن يروي بالمعنى لأنه ربما نقله بلفظ لا يؤدي مراد الرسول ص -
فلا يجوز أن يتصرف فيه وإن كان خبرا ظاهرا ففيه وجهان من أصحابنا من قال
لا يجوز لأنه ربما كان التعبد باللفظ كتكبير الصلاة والثاني أنه يجوز وهو الأظهر

لأنه يؤدي معناه فقام مقامه ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال إذا أصبت المعنى فلا بأس
وهذا الحديث قد رواه ابن منده في معرفة الصحابة والطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أوديه كما أسمعه منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلال وأصبتم المعنى فلا بأس
فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا
وذكر بعض أهل الأثر أن أناسا من المجوزين للرواية بالمعنى استأنسوا بحديث مرفوع فيه قلنا يا رسول الله إنا نسمع منك الحديث فلا نقدر أن نؤديه فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى لا بأس
قال وهو حديث مضطرب لا يصح بل ذكره الجوزقاني وابن الجوزي في الموضوعات وفي ذلك نظر
وقال الغزالي في المستصفى نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم فقد جوز له الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير الفقهاء أن ينقله على المعنى إذا فهمه
وقال فريق لا يجوز له إلا إبدال اللفظ بما يرادفه ويساويه في المعنى كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة والاستطاعة بالقدرة والإبصار بالإحساس بالبصر والحظر بالتحريم وسائر ما لا يشك فيه وعلى الجملة ما لا يتطرق إليه

تفاوت بالاستنباط والفهم وإنما ذلك فيما فهمه قطعا لا فيما فهمه بنوع استلال يختلف فيه الناظرون
ويدل على جواز ذلك للعالم الإجماع على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم إذا جاز إبدال العربية بعجمية ترادفها فلأن يجوز إبدال عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى وكان سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم وكذلك من سمع شهادة الرسول ص
- فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى وهذا لأنا نعلم أنه لا تعبد في اللفظ وإنما المقصود فهم المعنى وإيصاله إلى الحق وليس في ذلك كالتشهد والتكبير وما تعبد فيه باللفظ
فإن قيل فقد قال ص -
نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع
ورب حامل فقد ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
قلنا هذا هو الحجة لأنه ذكر العلة وهو اختلاف الناس في الفقه فما لا يختلف الناس فيه من الألفاظ المترادفة فلا يمنع منه
وهذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد وإن أمكن أن تكون جميع تلك الألفاظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -
في أوقات مختلفة لكن الأغلب أنه حديث واحد ونقل بألفاظ مختلفة فإنه روي
رجم الله امرأ ونضر الله امرأ
وروي ورب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه غير فقيه وكذلك الخطب المتحدة والوقائع المتحدة رواها الصحابة رضي الله عنهم بألفاظ مختلفة فدل ذلك على الجواز
وقال الفخر الرازي في المحصول يجوز نقل الخبر بالمعنى وهو مذهب الحسن البصري وأبي حنيفة خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين ولكن بشرائط ثلاث إحداها أن لا تكون الترجمة قاصرة عن الأصل في إفادة المعنى
وثانيها أن لا يكون فيها زيادة ولا نقصان
وثالثها أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء

والخفاء لأن الخطاب يقع تارة بالمحكم وتارة بالمتشابه لحكم وأسرار استأثر الله بعلمها فلا يجوز تغييرها عن وصفها
لنا وجوه الأول أن الصحابة نقلوا قصة واحدة بألفاظ مختلفة مذكورة في مجلس واحد ولم ينكر بعضهم على بعض فيه وذلك يدل على قولنا
الثاني أنه يجوز شرح الشرع للعجم بلسانهم فإذا جاز إبدال العربية بالعجمية فبأن يجوز إبدالها بعربية أخرى أولى ومن أنصف علم أن التفاوت بين العربية وترجمتها بالعربية أقل مما بينها وبين العجمية
الثالث أنه روي عنه عليه السلام أنه قال إذا أصبتم المعنى فلا بأس
وعن ابن مسعود أنه كان إذا حديث قال قال رسول الله كذا أو نحوه
الرابع وهو الأقوى أنا نعلم بالضرورة أن الصحابة الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في ذلك المجلس بل كما سمعوها يذكرونها وما ذكروها إلا بعد الأعصار
والسنين وذلك يوجب القطع بتعذر روايتها على تلك الألفاظ
احتج المخالف بالنص والمعقول
أما النص فقوله عليه الصلاة و السلام رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها
قالوا وأداؤه كما سمع هو أداء اللفظ المسموع
ونقل الفقيه إلى من هو أفقه منه معناه والله أعلم أن الأفطن ربما فطن بفضل فقهه من فوائد اللفظ بما لم يفطن له الراوي لأنه ربما كان دونه في الفقه
وأما المعقول فيمن وجهين
الأول أنا لما جربنا رأينا أن المتأخر ربما استنبط من فوائد بآية أو خبر ما لم يتنبه له أهل الأعصار السالفة من العلماء المحققين فعلمنا أنه لا يجب في كل ما كان من فوائد اللفظ أن يتبنه له السامع في الحال وإن كان فقيها ذكيا نفسه فلو جوزنا النقل بالمعنى فربما حصل التفاوت العظيم مع أن الراوي يظن أن لا تفاوت

الثاني أنه لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ نفسه كان للراوي الثاني تبديل اللفظ الذي سمعه بلفظ نفسه بل هذا أولى لأن تبديل لفظ الراوي أولى بالجواز من تبديل لفظ الشارع وإن كان ذلك في الطبقة الثالثة والرابعة فذلك يقضي إلى سقوط الكلام الأول لأن الإنسان وإن اجتهد في تطبيق الترجمة لكن لا ينفك عن تفاوت وإن قل فإذا توالت هذه التفاوتات كان التفاوت الأخير تفاوتا فاحشا بحيث لا يبقى بين الكلام الأخير وبين الأول نوع مناسبة
والجواب عن الأول أن من أدى كلام الرجل فإنه يوصف بأنه أدى كما سمع وإن اختلف الألفاظ وهكذا الشاهد والترجمان يقع عليهما الوصف بأنهما أديا كما سمعا وإن كان لفظ الشاهد خلاف لفظ المشهود عليه ولغة المترجم غير لغة المترجم عنه
وعن الثاني والثالث ما تقدم قبل
وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول في الأصول ونقل الخبر بالمعنى عند أبي الحسين وأبي حنيفة والشافعي جائز خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين بشروط أن لا تزيد الترجمة ولا تنقص ولا تكون أخفى ولا أجلى لأن المقصود إنما هو إيصال المعاني فلا يضر فوات غيرها
ومتى زادت عبارة الراوي أو نقصت فقد زاد في الشرع أو نقص وذلك حرام إجماعا ومتى كانت عبارة الحديث جلية فغيرها بعبارة خفية فقد أوقع في الحديث وهنأ يوجب تقديم غيره عليه بسبب خفائه فإن الأحاديث إذا تعارضت في الحكم الواحد يقدم أجلاها على أخفاها فإذا كان أصل الحديث جليا فأبدله بخفي فقد أبطل منه مزية حسنة تخل به عند التعارض
وكذلك إذا كان الحديث خفي العبارة فأبدلها بأجلى منها فقد أوجب له حكم التقديم على غيره وحكم الله لا يقدم غيره عليه عند التعارض فقد تسبب بهذا التغيير في العبارة إلى تغيير حكم الله تعالى وذلك لا يجوز
فهذا هو مستند هذه

الشروط فإذا حصلت هذه الشروط فحينئذ يجري الخلاف في الجواز أما عند عدمها فلا يجوز إجماعا
حجة الجواز أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسمعون الأحاديث ولا يكتبونها ولا يكررون عليها ثم يروونها بعد السنين الكثيرة ومثل هذا يجزم الإنسان فيه بأن نفس العبارة لا تنضبط بل المعنى فقط ولأن أحاديث كثيرة وقعت بعبارات مختلفة وذلك مع اتحاد القصة وهو دليل جواز النقل بالمعنى ولأن لفظ السنة ليس متعبدا به بخلاف لفظ القرآن فإذا ضبط المعنى فلا يضر فوات ما ليس بمقصود
حجة المنع قوله عليه الصلاة و السلام رحم الله أو نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه إلى من ليس بفقيه
فقوله فأداها كما سمعها يقتضي أن يكون اللفظ المؤدى كاللفظ المسموع عملا بكاف التشبيه
والمسموع في الحقيقة إنما هو اللفظ وسماع المعنى تبع له والتشبيه وقع بالمسموع فلا يشبهه حينئذ إلا المسموع أما المعنى فلا وذلك يقتضي أنه عليه الصلاة و السلام أوجب نقل مثل ما سمعه لا خلافه وهو المطلوب
قال صاحب ميزان العقول في الأصول مسألة نقل الحديث بالمعنى هل يجوز أم لا أجمعوا أنه إذا كان لفظا مشتركا أو مجملا أو مشكلا فإنه لا يجوز إقامة لفظ آخر مقامه
أما إذا كان لفظا ظاهرا مفسرا فإقامة لفظ آخر مثله بأن قال قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم -

على رأس الركعتين في صلاة الظهر مكان ما روي أنه جلس على رأس الركعتين هل
يجوز فعند أصحابنا يجوز وهو ظاهر مذهب الشافعي وقد روي عن الحسن البصري كذلك
وقال بعض أصحاب الحديث إنه لا يجوز
وقيل هو اختيار ثعلب من أئمة اللغة وحجة هؤلاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فإنه قال نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها
ولأن النبي عليه الصلاة و السلام مخصوص بكمال الفصاحة والبلاغة كما روي أنه قال أنا أفصح العرب ولا فخر
وروي

عنه أنه قال أوتيت خمسا لم يؤتهن أحدا قبلي وذلك منها وأوتيت جوامع الكلم
وإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن في النقل إلى لفظ آخر احتمال الاختلال في المعنى فيجب الاقتصار على اللفظ المنصوص عليه ولهذا الطريق لا يجوز نقل القرآن بالمعنى فكذا هذا
ووجه قول العامة ما روي عن عبد الله بن مسعود وغيره أن النبي عليه الصلاة و السلام قال هكذا أو نحوا منه أو قريبا منه
وهذا نقل بالمعنى وقد اشتهر عن الصحابة أنهم قالوا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بكذا ونهانا عن كذا
وهذا نقل من حيث المعنى وإجماع الصحابة حجة
والمعنى في المسألة هو أن الامتناع إما أن يكون لأجل اللفظ أو لأجل المعنى والأول فاسد فإن سنة النبي عليه الصلاة و السلام وضعت لبيان الأحكام وهو الغرض وهذا لا يختص بلفظ دون لفظ ولأنه لم يتعلق شيء من الغرض بلفظ الحديث لأنه ليس بمعجز ولا يتعلق الثواب وجواز الصلاة به بخلاف القرآن فإنه معجز وقد تعلق بتلاوته الثواب وجواز الصلاة
فلئن كان لا يجوز نقل القرآن من لفظ إلى لفظ فلم ذا لا يجوز في الحديث مع أن ثم جاء النقل بطريق الرخصة أيضا كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلا يقول طعام اليتيم
ولم يمكنه أن يقول طعام الأثيم
فقال له قل طعام الفاجر فلأن يجوز في الحديث أولى
وإن كان لأجل المعنى فالمعنى لا يختلف ولا يختل بالنقل إلى لفظ مثله في المعنى نحو قولهم قعد مكان جلس ولهذا كان نقل كلمة الشهادة من اللفظ المروي بالعربية إلى كل لسان جائز لما كان الغرض هو المعنى دون اللفظ فكذا هذا بخلاف الأذان والتشهد حيث لا يجوز النقل عن ألفاظهما إلى غيرهما لأن الشرع جاء بتلاوة ألفاظهما وعلق بهما الثواب الخاص على أن الأذان شرع للإعلام وإنه لا يحصل إلا بالألفاظ المعروفة ولهذا لم يجوزوا النقل من اللفظ المشترك والمجمل إلى لفظ آخر لما فيه من احتمال الإخلال بالمعنى

وأما الحديث فنقول لا حجة في الحديث لأن من نقل الحديث بالمعنى من كل وجه يقال إنه أدى كما سمع فإنه يقال للمترجم من لغة إلى لغة قد أدى كما سمع
على أن المراد بالحديث إذا كان لفظ الحديث مشتركا أو مشكلا أو مجملا يمكن احتمال الخلل فيه بالنقل إلى لفظ آخر ونحن نمنع النقل في مثل هذا الموضع لهذا الوهم وفي الحديث ما يدل عليه فإنه قال فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه
وما لا يشتبه من الألفاظ ولا يختلف اجتهاد المجتهدين فيه يستوي فيه الفقيه وغير الفقيه والكامل في الفقيه والناقص
وقال بعض علماء الحنابلة تجوز رواية الحديث بالمعنى المطابق للفظ للعارف بمقتضيات الألفاظ الفارق بينها ومنع منه ابن سيرين لقوله عليه الصلاة و السلام فأداها كما سمعها ولقوله عليه الصلاة و السلام للبراء حين قال ورسولك الذي أرسلت
قال قل ونبيك الذي أرسلت
ولنا جواز شرح الحديث والشهادة على الشهادة العربية بالعجمية وعكسه فهذا أولى ولأن التعبد بالمعنى لا باللفظ بخلاف القرآن ولأنه جائز في غير السنة فكذا فيها إذ الكذب حرام فيهما والراوي بالمعنى المطابق مؤد كما سمع
ثم المراد منه من لا يفرق وليس الكلام فيه
وفائدة قوله عليه الصلاة و السلام للبراء ما ذكر عدم الالتباس بجبريل أو الجمع بين لفظتي النبوة والرسالة
قال أبو الخطاب ولا يبدل لفظا بأظهر منه إذ الشارع ربما قصد إيصال الحكم باللفظ الجلي تارة وبالخفي أخرى
قلت وكذا بالعكس وهو أولى
وقد فهم هذا من قولنا المعنى المطابق
والله أعلم
وقال ابن حزم فصل قال علي وحكم الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير إلا في حال واحدة وهي أن يكون المرء

قد تثبت فيه وعرف معناه يقينا فيسأل فيفتي بمعناه وموجبه فيقول حكم رسول الله بكذا ونهى عن كذا وحرم كذا والواجب في هذه القضية ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم -

وهو كذا وكذلك الحكم فيما جاء من الحكم في القرآن ولا فرق
وجائز أن يخبر المرء بموجب الآية وبحكمها بغير لفظها وهذا ما لا خلاف فيه من أحد في أن ذلك مباح كما ذكرنا
وأما من حدث وأسند القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم -
وقصد التبليغ لما بلغه عن النبي ص
- فلا يحل له إلا تحري الألفاظ كما سمعها لا يبدل حرفا مكان آخر وإن كان معناهما واحدا ولا يقدم حرفا ولا يؤخر آخر وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها ولا فرق
وبرهان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم -
علم البراء بن عازب دعاء وفيه ونبيك الذي أرسلت
فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على النبي صلى الله عليه وسلم -
قال وبرسولك الذي أرسلت فقال النبي ص
- لا وبنبيك الذي أرسلت
فأمره عليه الصلاة و السلام أن لا يضع لفظة رسول في موضع لفظة نبي وذلك حق لا يحيل معنى وهو عليه السلام رسول ونبي
فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا إنه عليه الصلاة و السلام كان يجيز أن يوضع في القرآن مكان عزيز حكيم غفور رحيم أو سميع عليم
وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا والله يقول مخبرا عن نبيه ( ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى
أم كيف يسوغ إباحة القراءة المفروضة في الصلاة بالأعجمية مع ما ذكرنا ومع إجماع الأمة أن إنسانا لو قرأ أم القرآن فقدم آية على أخرى أو قال الشكر للصمد مولى الخلائق وزعم أن ذلك في القرآن لعد ممن يفتري على الله الكذب ومع قوله تعالى ( لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )
ففرق تعالى

بينهما وأخبر أن القرآن إنما هو باللفظ العربي لا العجمي وأمر بقراءة القرآن في الصلاة فمن قرأ بالأعجمية فلم يقرأ القرآن بلا شك
واحتج بعضهم في ذلك بقوله تعالى ( وإنه لفي زبر الأولين ) وبخطابه تعالى لنا بالعربية حاكيا كلام موسى عليه السلام
قال علي وهذا لا حجة لهم فيه لأن الذي في زبر الأولين إنما هو معنى القرآن لا القرآن ولو كان القرآن في زبر الأولين لما كان محمد ص -

مخصوصا به ولا كانت له فيه آية
وهذا خلاف النص
وأما حكايته تعالى لنا كلام موسى وغيره بلغتنا فلم يلزمنا تعالى بقراءة ألفاظهم بنصها ولا نمنع نحن تفسير القرآن بالأعجمية لمن يترجم له وإنما نمنع من تلاوته في الصلاة أو على سبيل التقرب بتلاوته إلى الله تعالى بغير اللفظ الذي أنزل به لا بكلام أعجمي ولا بغير تلك الألفاظ وإن وافقتها في العربية ولا بتقديم تلك الألفاظ بعينها ولا بتأخيرها وإنما نجيز الترجمة التي أجازها النص على سبيل التعليم والإفهام فقط لا على سبيل التلاوة التي يقصد بها القربة وبالله تعالى التوفيق
ومن حدث بحديث فبلغه إلى غيره كما بلغه إياه غيره وأخذ عنه فليس أن يكرره أبدا فقد أدى ما عليه بتبليغه
وأما اللحن في الحديث فإن كان شيئا له وجه في لغة بعض العرب فليروه كما سمعه ولا يبدله ولا يرده إلى أفصح منه ولا إلى غيره وإن كان شيئا لا وجه له في لغة العرب البتة فحرام على كل مسلم أن يحدث باللحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فإن فعل فهو كاذب عليه لأنا قد أيقنا أنه عليه السلام لم يلحن قط وفرض
عليه أن يصلحه ويبشره يكشطه من كتابه ويكتبه معربا ويحدث به معربا ولا يلتفت إلى ما وجد في كتابه من لحن ولا إلى ما حدثه به شيوخه ملحونا
ولهذا لزم من طلب الفقه أن يتعلم النحو واللغة وإلا فهو ناقص منحط

لا تجوز له الفتيا في دين الله عز و جل وكان ابن عمر يضرب ولده على اللحن
وقد روي عن شعبة أو عن حماد بن سلمة الشك مني أنه قال من حدث عني بلحن فقد كذب علي
وكان شعبة وحماد وخالد بن الحارث وبشر بن المفضل والحسن البصري لا يلحنون البتة
وبالله التوفيق
وقال ابن المطهر الحلي في نهاية الوصول في البحث الحادي عشر في نقل الحديث بالمعنى اختلف الناس في أنه هل يجوز نقل الحديث المروي عن النبي عليه الصلاة و السلام بالمعنى فجوزه الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد والحسن البصري وأكثر الفقهاء وبعض المحدثين
والمجوزون شرطوا أمورا ثلاثة الأول أن لا تكون الترجمة قاصرة عن الأصل في إفادة المعنى
الثاني أن لا يكون فيها زيادة ولا نقصان
الثالث أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء والخفاء لأن الخطاب قد يقع بالمحكم والمتشابه لحكمة خفية فلا يجوز تغييرها عن وصفها
والمانعون جوزوا إبدال اللفظ بمرادفه ومساويه في المعنى كما يبدل القعود بالجلوس والعلم بالمعرفة والاستطاعة بالقدرة والحظر بالتحريم
وبالجملة ما لا يتطرق إليه تفاوت في الاستنباط والفهم وإنما ذلك فيما فهم قطعا لا فيما فهم بنوع من الاستدلال الذي يختلف فيه الناظرون
واتفقوا على منع الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ وإنما الخلاف في العالم الفارق بين المحتمل وغيره والظاهر والأظهر والعام والأعم
والوجه الجواز لنا وجوه الأول الصحابة نقلوا قصة واحدة مذكورة في مجلس واحد بألفاظ مختلفة ولم ينكر بعضهم على بعض فيه وهو يدل على قبوله وفيه نظر لأنه حكاية حال فلعلهم عرفوا أن الراوي قصد نقل المعنى ونبه بما يدل عليه
الثاني يجوز شرح الشرع للعجمي بلسانه وهو إبدال العربية بالعجمية فبالعربية أولى ومعلوم أن التفاوت بين العربية وترجمتها أقل مما بينها وبين العجمية

وفيه نظر فإن السامع للترجمة يعلم أن المسموع ليس كلام النبي عليه الصلاة و السلام
الثالث روي عنه عليه الصلاة و السلام إذا أصبتم المعنى فلا بأس
وفيه نظر إذ المراد نفي البأس في العمل بمقتضى ما دل عليه الحديث لا النقل عنه
الرابع كان ابن مسعود إذا حدث قال قال رسول الله كذا أو نحوه
وفيه نظر إذ الفرق واقع بين ما إذا أطلق أو قال كذا أو نحوه فإن فيه تصريحا بنقل المعنى وأن اللفظ منه
الخامس نعلم قطعا أن الصحابة لم يكتبوا ما نقلوه ولا كرروا عليه بل كما سمعوا أهملوا إلى وقت الحاجة بعد مدد متباعدة وذلك يوجب القطع بأنهم لم ينقلوا نقس اللفظ بل المعنى
السادس اللفظ غير مقصود لذاته وإنما القصد المعنى واللفظ أداة في استعلامه فلا فرق لإثبات ذلك المعنى بأي لفظ اتفق
واحتج المخالف بوجوه الأول قوله عليه الصلاة و السلام نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
وأداؤه كما سمع هو أداء اللفظ المسموع ونقل الفقه إلى من هو أفقه منه معناه أن الأفقه قد يتفطن بفضل معرفته من فوائد اللفظ لما لا يتفطن إليه غير الفقيه الذي رواه
الثاني التجربة دلت على أن المتأخر يستخرج من فوائد ألفاظ النبي عليه الصلاة و السلام ما لم يسبقه المتقدم إليه فعرفنا أن السامع لا يجب أن يتنبه لفوائد اللفظ في الحال وإن كان فقيها ذكيا فجاز أن يتوهم في اللفظ المبدل أنه مساو للآخر وبينهما تفاوت لم يتفطن له
الثالث لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ من عنده لجاز للراوي عن الراوي تبديل لفظ الأصل بل هو أولى فإن تبديل لفظ الراوي أولى من تبديل

لفظ الشارع ولو جاز ذلك لجاز للثالث الراوي عن الثاني وللرابع الراوي عن الثالث وهكذا وذلك يستلزم سقوط الكلام الأول بالكلية فإن المعبر إذا ترجم وبالغ في المطابقة تعذر عليه الإتيان بلفظ ليس بينه وبين اللفظ الأول تفاوت بالكلية فتنتفي المناسبة بين كلام النبي عليه الصلاة و السلام وكلام الراوي الأخير
والجواب أن من أدى المعنى بتمامه يوصف بأنه أدى كما سمع وإن اختلفت الألفاظ ولهذا يوصف الشاهد والمترجم بأداء ما سمعا وإن عبرا بلفظ مرادف على أن هذا الحديث حجة لنا فإنه عليه الصلاة و السلام ذكر العلة وهي اختلاف الناس في الفقه فما لا يختلف فيه الناس كالألفاظ المترادفة لا يمنع منه
على أن هذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد يروى رحم الله امرأ ونضر الله امرأ ورب حامل فقه لا فقه له وغير فقيه
وهذه الألفاظ وإن أمكن أن يكون جميعها قول الرسول في أوقات مختلفة لكن الأغلب أنه حديث واحد
وقد رأيت بعض من ألف في أصول الحديث أو أصول الفقه قد أطال في بيان ما قيل في هذه المسألة فأحببت أن أورد من كلامهم هنا ما يزيد المسألة جلاء فأقول
ذهبت طائفة من العلماء إلى أنه لا تجوز الرواية بالمعنى مطلقا ونقل ذلك عن كثير من المحدثين والفقهاء وأهل الأصول وهو مذهب الظاهرية ونقل عن عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين منهم ابن سيرين وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني وأبو بكر الرازي
قال القرطبي وهو الصحيح من مذهب مالك ويدل على ذلك قوله لا أكتب إلا على رجل يعرف ما يخرج من رأسه وذلك في جواب من قال له لم لم تكتب عن الناس وقد أدركتهم متوافرين وكذلك تركه الأخذ عمن لهم فضل وصلاح إذا كانوا لا يعرفون ما يحدثون به
قال بعض العلماء وفي هذا إشارة إلى انتشار الرواية بالمعنى في عصره وقد

كان الحديث في الصدور فخشي مالك أن يخلطوا فيما يحدثون به فترك الرواية عنهم لذلك ولو كانوا يحفظون لفظ الحديث لم يترك الأخذ عنهم
ونقل البيهقي والخطيب وغيرهما عن مالك أنه منع الرواية بالمعنى في الحديث وأجاز ذلك في غيره
وقد شدد بعض المانعين من الرواية بالمعنى أعظم تشديد حتى لم يجيزوا أن يبدل حرف بآخر وإن كان معناهما واحدا ولا أن تقدم كلمة على أخرى وإن كان المعنى لا يختلف في ذلك بل زاد بعضهم في التشديد فمنع من تثقيل خفيف أو تخفيف ثقيل ونحو ذلك ولو خالف اللغة الفصحى
وذلك لما في تبديل اللفظ المروي من خوف الدخول في الوعيد حيث نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - لفظا لم يقله ولأن النبي عليه الصلاة و السلام قد أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا وغيره ولو كان من أرباب الفصاحة والبلاغة لا يبلغ درجته
وكثيرا ما يظن الراوي بالمعنى أنه قد أتى بلفظ يقوم مقام الآخر ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما ظهر ذلك في كثير من الأحاديث
وانظر إلى ما وقع لشعبة مع جلالته وإتقانه فإنه سمع عن إسماعيل بن علية حديث النهي عن أن يتزعفر الرجل فرواه عنه بالمعنى بلفظ نهي عن التزعفر
فأنكر إسماعيل ذلك عليه لدلالة روايته على العموم مع أن الرواية في الأصل إنما تدل على اختصاص النهي بالرجال فانتبه إسماعيل لما لم يتنبه له شعبة مع أن رواية شعبة عنه إنما هي من قبيل رواية الأكابر عن الأصاغر
ولأنه عليه الصلاة و السلام قد رد على من علمه ما يقول إذا أخذ مضجعه إذ قال ورسولك فقال عليه الصلاة و السلام لا ونبيك
ولأنه عليه الصلاة و السلام قال نضر الله امرأ سمع منا حديثا فأداه كما سمعه
وقد اعتنى مسلم في صحيحه ببيان اختلاف الرواة حتى في حرف من المتن ربما لا يتغير به المعنى بخلاف البخاري
وقال بعضهم كان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ولكن لم يتفق ذلك

وذهب جمهور العلماء إلى جواز الرواية بالمعنى لمن يحسن ذلك بشرط أن يكون جازما بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه
وهؤلاء المجيزون
منهم من شرط أن يأتي بلفظ مرادف كالجلوس مكان القعود أو العكس
ومنهم من شرط أن يكون ما جاء به مساويا للأصل في الجلاء والخفاء
وقال أبو بكر الصيرفي إذا كان المعنى مودعا في جملة لا يفهمها العامي إلا بأداء تلك الجملة فلا تجوز رواية تلك الجملة إلا بلفظها
ومنهم من شرط أن لا يكون الحديث من قبيل المتشابه كأحاديث الصفات وقد حكى بعضهم الإجماع على هذا وذلك لأن اللفظ الذي تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم -

لا يدري هل يساويه اللفظ الذي تكلم به الراوي ويحتمل ما يحتمله من وجوه
التأويل أم لا
ومنهم من شرط أن لا يكون الحديث من جوامع الكلم كقوله عليه الصلاة و السلام إنما الأعمال بالنيات
وقوله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
وقوله البينة على المدعي ونحو ذلك
وقال بعض العلماء للرواية بالمعنى ثلاث صور أحدها أن يبدل اللفظ بمرادفه كالجلوس بالقعود وهذا جائز بلا خلاف
وثانيها أن يظن دلالته على مثل ما دل عليه الأول من غير أن يقطع بذلك فهذا لا خلاف في عدم جواز التبديل فيه
وثالثها أن يقطع بفهم المعنى ويعبر عما فهم بعبارة يقطع بأنها تدل على ذلك المعنى الذي فهمه من غير أن تكون الألفاظ مترادفة
فهذا موضع الخلاف والأكثرون على أنه متى حصل القطع بفهم المعنى مستندا إلى اللفظ إما بمجرده أو إليه مع القرائن التحق بالمترادف

وقد تبين من البحث في هذه المسألة والتتبع لما قيل فيها أن للمجيزين للرواية بالمعنى ثمانية أقوال
القول الأول قول من فرق بين الألفاظ التي لا مجال للتأويل فيها وبين الألفاظ التي للتأويل فيها مجال فأجاز الرواية بالمعنى في الأولى دون الثانية نقل ذلك أبو الحسين القطان عن بعض أصحاب الشافعي
ويقرب من هذا القول قول من فرق بين المحكم وغيره كالمجمل والمشترك فأجاز الرواية بالمعنى في الأول دون الثاني
القول الثاني قول من فرق بين الأوامر والنواهي وبين غيرهما فأجاز الرواية بالمعنى في الأولى دون الثانية
قال الماوردي والروياني وشرط الرواية بالمعنى أن يكون ما جاء به مساويا للأصل في الجلاء والخفاء وإلا فيمتنع كقوله ص -

لا طلاق في إغلاق
فلا يجوز التعبير عن الإغلاق بالإكراه وإن كان هو معناه لأن الشارع لم يذكره كذلك إلا لمصلحة
وجعلا محل الخلاف في غير الأوامر والنواهي وجزما بالجواز فيهما ومثلا الأمر بقوله عليه الصلاة و السلام اقتلوا الأسودين الحية والعقرب
فيجوز أن يقال أمر بقتلهما والنهي بقوله عليه الصلاة و السلام لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء
فيجوز أن يقال نهي عن بيع الذهب بالذهب إلا سواء بسواء
القول الثالث قول من فرق بين من يستحضر لفظ الحديث وبين من لا يستحضر لفظه بل نسيه وإنما بقي في ذهنه معناه فأجاز الرواية بالمعنى للثاني دون الأول وذلك لأنه كان مأمورا بأداء الحديث كما سمعه وذلك إنما يكون بروايته باللفظ فلما عجز عن ذلك بسبب نسيانه لم يبق في وسعه إلا روايته بالمعنى فإذا أتى بلفظ يؤدي ذلك المعنى فقد أتى بما في وسعه قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
وهذا القول أقوى الأقوال لأن الرواية بالمعنى إنما أجازها من أجازها من العلماء الأعلام للضرورة ولا ضرورة إلا في هذه الصورة وإلا فلا يظن بذي كمال

في العقل والدين أن يجيز تبديل الألفاظ الواقعة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

مع استحضاره لها بألفاظ من عنده ثم ينسبها إلى النبي ص
- بلفظ صريح في صدورها منه
قال الماوردي في الحاوي لا تجوز الرواية بالمعنى لمن يحفظ اللفظ لزوال العلة التي رخص فيها بسببها وتجوز لغيره لأنه تحمل اللفظ والمعنى وعجز عن أحدهما فلزمه أداء الآخر لا سيما إن كان في تركه كتم للأحكام فإن لم ينسه لم يجز أن يورده بغيره لأن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم -
من الفصاحة ما ليس في غيره
القول الرابع قول من فرق بينهما غير أنه عكس الحكم فأجاز الرواية بالمعنى لمن يستحضر اللفظ لتمكنه حينئذ من التصرف فيه بإيراد ألفاظ تقوم مقام تلك الألفاظ في المعنى ولم يجزها لمن لا يستحضر اللفظ لعدم تمكنه من ذلك ولم يكتف بوجود المعنى في الذهن لاحتمال أن يكون ذلك المعنى أزيد مما يدل عليه اللفظ الذي نسيه أو أنقص منه ولذا منع العلماء من وضع العام في موضع الخاص والمطلق في موضع المقيد ومن العكس وذلك لاشتراطهم أن يكون ما جاء الراوي مساويا للأصل
القول الخامس قول من أجاز الرواية بالمعنى بشرط أن يقتصر في ذلك على إبدال اللفظ بمرادفه مع بقاء تركيب الكلام على حاله وذلك لأن تغيير تركيب الكلام كثيرا ما يخل بالمرام بخلاف إبدال اللفظ بمرادفه فإنه يفي بالمقصود من غير محذور فيه وهو قول قوي وقد ادعى بعض العلماء أن هذا جائز بلا خلاف
ومثال ذلك إبدال القتات بالنمام والعكس
قال مسلم في صحيحه حدثنا شيبان بن فروخ وعبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قالا حدثنا مهدي وهو ابن ميمون قال حدثنا واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث فقال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يقول لا يدخل الجنة نمام

حدثنا علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير قال فجاء حتى جلس إلينا فقال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول لا يدخل الجنة قتات
القول السادس قول من فرق بين من يورد الحديث على قصد الاحتجاج أو الفتيا وبين من يورده لقصد الرواية فأجاز الرواية بالمعنى للأول دون الثاني
القول السابع قول من أجاز الرواية بالمعنى للصحابة خاصة وذلك لأمرين أحدهما كونهم من أرباب اللسان الواقفين على ما فيه من أسرار البيان
وثانيهما سماعهم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم -
مع مشاهدتهم لأفعاله ووقوفهم على أحواله بحيث وقفوع على مقصده جملة فإذا
رووا الحديث بالمعنى استوفوا المقصد كله
على أنهم لم يكونوا يروون بالمعنى إلا حيث لم يستحضروا اللفظ وإذا رووا بالمعنى أشاروا في أكثر الأحيان إلى ذلك فصارت النفس مطمئنة لما يروونه بالمعنى بخلاف من بعدهم فإنهم لم يكونوا في درجتهم في معرفة اللسان والوقوف بالطبع على أسرار البيان مع عدم سماعهم لشيء من أقواله عليه الصلاة و السلام ولا مشاهدتهم لشيء من أفعاله ولا وقوفهم على حال من أحواله
وقد حكى هذا القول الماوردي والروياني وجزما بأنه لا يجوز لغير الصحابي الرواية بالمعنى وجعلا الخلاف في المسألة في الصحابي دون غيره
وقد استدل على أن بعض الصحابة كانوا يروون الأحاديث بالمعنى كما روي عن بعض التابعين أنه قال لقيت أناسا من الصحابة فاجتمعوا في المعنى واختلفوا علي في اللفظ فقلت ذلك لبعضهم فقال لا بأس به ما لم يخل معناه حكاه الشافعي
وبما روي عن جابر بن عبد الله عن حذيفة أنه قال إنا قوم عرب نورد الأحاديث فنقدم ونؤخر
وبما روي عن بعض الصحابة كابن مسعود أنه كان يقول في بعض ما يرويه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
كذا أو نحوه

بالمقصود فكيف تسوغ الرواية بالمعنى فيه مطلقا مع أن كثيرا من العلماء قد شددوا في أمر العلم يريدون بذلك ما يتعلق بالاعتقاد ما لم يشددوا في غيره فقالوا لا يقبل فيه إلا الدليل القطعي وذلك إما آية صريحة فيه أو حديث متواتر كذلك أو دليل عقلي ليس فيه شبهة
وقد تعرض الأستاذ الأجل أبو الحسين أحمد بن فارس لأمر الرواية بالمعنى في رسالته التي سماها مأخذ العلم فقال في باب القول في اللحن ذهب أناس إلى أن المحدث إذا روى فلحن لم يجز للسامع أن يحدث عنه إلا لحنا كما سمعه وقال آخرون بل على السامع أن يرويه إذا كان عالما بالعربية معربا صحيحا مقوما بدليل نقوله وهو أنه معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان أفصح العرب وأعربها وقد نزهه الله عز و جل عن اللحن وإذا كان كذا فالوجه أن يروى كلامه مهذبا من كل لحن وكان شيخنا أبو الحسن علي بن إبراهيم القطان يكتب الحديث على ما سمعه لحنا ويكتب على حاشية كتابه كذا قال يعني الذي حدثه والصواب كذا وهذا أحسن ما سمعت في هذا الباب
فإن قيل قائل فما تقول في الذي حدثكموه علي بن إبراهيم عن محمد بن يزيد حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن عبد السلام عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بالخيف من منى فقال نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها كما سمع فرب حامل
فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أن يبلغ المبلغ كما سمع
قيل له إنما أراد أن يبلغه في صحة المعنى واستقامة المراد به من غير زيادة ولا نقصان يغيران المعنى فأما أن يسمع اللحن فيؤديه فلا
وبعد فمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان لا يلحن فينبغي أن تؤدى مقالته عنه في صحة كما سمع منه

وقال في باب الإجازة واعلم أن جماعة من الناس سلكوا فيما تقدم ذكرنا له مسلكا لعل غيره أسهل منه وأقرب من التعمق والتنطع فقالوا إن حدث المحدث جاز أن يقال حدثنا وإن قرئ عليه لم يجز أن يقال حدثنا ولا أخبرنا وإن حدث جماعة لم يجز للمحدث عنه أن يقول حدثني وإن حدث بلفظه لم يجز أن يتعدى ذلك اللفظ وإن كان قد أصاب المعنى
قال أحمد بن فارس وهذا عندنا شديد لا وجه له لأن من العلماء من كان يتبع اللفظ فيؤديه ومنهم من كان يحدث بالمعنى وإن تغير اللفظ وبلغنا أن الحسن كان يحدث عن المعاني والتثبت حسن لكن أهل العلم قد يتساهلون إذا أدوا المعنى ويقولون لو كان أداء اللفظ واجبا حتى لا يغفل منه حرف لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بإثبات ما يسمعونه منه كما أمرهم بإثبات الوحي الذي لا يجوز تغيير معناه
ولا لفظه فلما لم يأمرهم بإثبات ذلك دل على أن الأمر بالتحديث أسهل وإن كان أداء ذلك باللفظ الذي سمعه أحسن
وبالله التوفيق
وقال في باب الفرق بين قول المحدث حدثنا وبين قوله أخبرنا ذهب أكثر علمائنا إلى أنه لا فرق بين قول المحدث حدثنا وبين قوله أنبأنا
وذهب آخرون إلى أن قوله حدثنا دال على أنه سمعه لفظا وأن قوله أنبأنا يدل على أنه سمعه قراءة عليه وهذا عندنا باب من التعمق والأمر في ذلك كله واحد
سمعت علي بن أبي خالد يقول ما سمعت محمد بن أيوب يقول في حديثه إلا أنبأنا وما سمعناه يقول حدثنا وابن أيوب عندنا من كبار المحدثين والذي حكيناه عنه دليل على ما قلناه من أن التحديث والإخبار واحد
فأما العرب فلا فرق عندهم بين قول القائل حدثني وبين قوله أخبرني وقد سمى الله تعالى كتابه حديثا مرة ونبأ مرة والنبأ هو الخبر ثم عن الشاعر يقول مرة هذا ومرة هذا
أنشدني أبي قال أنشدني أبو إسحاق الخطيب
( وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا )

وأنشدنيه غيره وحدثتماني
وأنشدني الطيب بن محمد التميمي قال أنشدنا القصباني لكعب بن سعد الغنوي
( وحدثتماني إنما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا هضبة وقليب )
وأنشدني غيره وخبرتماني
وقال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر وأما الرواية بالمعنى فالخلاف فيها شهير والأكثر على الجواز ومن أقوى حججها الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى وقيل إنما تجوز في المفردات دون المركبات وقيل إنما تجوز لمن يستحضر اللفظ ليتمكن من التصرف فيه وقيل إنما تجوز لمن كان يحفظ الحديث فنسي لفظه وبقي معناه مرتسما في ذهنه فله أن يرويه بالمعنى لمصلحة تحصيل الحكم منه بخلاف من كان مستحضرا للفظه
وجميع ما تقدم يتعلق بالجواز وعدمه
ولا شك أن الأولى إيراد الحديث بألفاظه دون التصرف فيه قال القاضي عياض ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديما وحديثا والله الموفق
وأشار بعض من أمعن النظر في هذه المسألة إلى أن الأدلة التي يوردها المجيزون للرواية بالمعنى إنما تدل على جواز ذلك للضرورة
وذلك إذا لم يستحضر الراوي لفظ الحديث وإنما بقي في ذهنه معناه ومع ذلك فقد كان المحتاطون في الأمر يشيرون إلى أن الرواية إنما كانت بالمعنى
قال ابن الصلاح ينبغي لمن يروي حديثا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول أو كما قال أو نحو هذا وما أشبه ذلك من الألفاظ روي ذلك من الصحابة عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس

قال الخطيب والصحابة أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر
وأما استدلالهم بالإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به وأنه إذا جاز ذلك بلغة أخرى فجوازه بالعربية أولى ففيه أمران
الأمر الأول أن ذلك إنما أجيز للضرورة وهو شرح الشرع لمن لا يحسن العربية بلسانه الذي يحسنه لا سيما إن كان ممن دخل في الدين حديثا ولم يكن له إلمام بالعربية فإنه يعرف الدين أولا بلغته ثم يؤمر بأن يتعلم من العربية ما يعرف به ما يلزمه من أمر الدين رأسا من غير احتياج إلى ترجمة وذلك تقديما للأهم على المهم
قال الإمام الشافعي في الرسالة في أصول الفقه فإن قال قائل ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب لا يخالطه فيه غيره فالحجة فيه كتاب الله قال الله تبارك وتعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )
فإن قال قائل فإن الرسل قبل محمد ص -

كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة وإن محمدا ص
- بعث إلى الناس كافة
فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه أو ما أطاقوه منه ويحتمل أن يكون بعث بألسنتهم
فإن قال قائل فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم قال الشافعي فالدلالة على ذلك بينة في كتاب الله عز و جل في غير موضع فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض وأن يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع
وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي صلى الله عليه وسلم -
ولا يجوز والله تعالى أعلم أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه
في

حرف واحد بل كل لسان تبع للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه
وقد بين الله تعالى ذلك في غير آية من كتابه قال الله عز ذكره ( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) وقال ( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ) وقال ( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها ) وقال تعالى ( حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )
ثم قال فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ويتلو به كتاب الله تعالى وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه أن يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه لا متبوعا
الأمر الثاني أن استدلالهم بما ذكر غير ظاهر وذلك أنهم إن أرادوا أن الحديث حيث جاز إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة يكون إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى أولى بالجواز ورد عليهم القرآن فإنهم أجازوا إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة ولم يجز أحد إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى
ولهم أن يقولوا إن بينهما فرقا من وجهين
أحدهما أن القرآن معجز والإعجاز فيه يتعلق باللفظ والمعنى فإذا أجيز إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة العربية على طريق الرواية بالمعنى وقع إخلال بأمر الإعجاز من وجه مع حصول الالتباس على كثير من الناس مع عدم الاضطرار إلى ذلك

فإن أشكل شيء منه على من يعرف العربية أزيل إشكاله بطريق التفسير أو التأويل بخلاف إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى من اللغة الأعجمية على طريق الترجمة لمن لا يحسن العربية فإنه مع الاضطرار إلى ذلك ليس فيه ما ذكر من الالتباس
وأما الحديث فإنه ليس كذلك فلا محذور في إبدال ألفاظه بألفاظ أخرى سواء كانت من اللغة العربية أو الأعجمية
الثاني أن القرآن متواتر مشهور عند الأمة بحيث لا يخفى أمره على أحد منهم فلا داعي لروايته بالمعنى لأنها إنما أجيزت للضرورة وإن أطلق الإجازة أناس لم يمعنوا النظر في المسألة ولا ضرورة تلجئ إلى ذلك في القرآن
وأما الحديث فكثير منه من قبيل أخبار الآحاد التي يختص بمعرفتها فرد أو بضع أفراد فإذا منع من لا يستحضر اللفظ من روايته بالمعنى ربما ضاع كثير من الأحكام المهمة التي وردت فيه فسوغ الجمهور ذلك إلا أنه يقال إن كثيرا ممن منع الرواية بالمعنى كأهل الظاهر قد جروا على طريقة قويمة لا يضيع فيها شيء من الأحكام وقد سبق ذكرها في مقالة ابن حزم
وقال الطيبي في الخلاصة في أصول الحديث قال في شرح السنة
ذهب قوم إلى اتباع لفظ الحديث منهم ابن عمر وهو قول القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حيوة ومالك بن أنس وابن عيينة وعبد الوارث ويزيد بن زريع ووهب وبه قال أحمد ويحيى
وذهب جماعة إلى الرخصة في نقله بالمعنى منهم الحسن والشعبي والنخعي
قال ابن سيرين كنت أسمع الحديث من عشرة اللفظ مختلف والمعنى واحد
وقال سفيان الثوري إن قلت إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني فإنما هو المعنى
وقال وكيع إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس

وقال ابن الصلاح من ليس عالما بالألفاظ ومقاصدها ولا خبيرا بما يخل بمعانيها لا تجوز له الرواية بالمعنى بالإجماع بل يتعين اللفظ الذي سمعه وإن كان عالما بذلك فقد منعه قوم من أصحاب الحديث والفقه والأصول وقالوا لا يجوز إلا بلفظه
وقال قوم لا تجوز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم -

وتجوز في غيره
وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف تجوز في الجميع إذا قطع بأداء المعنى وهذا في غير المصنفات أما المصنف فلا يجوز تغيير لفظه أصلا وإن كان بمعناه
أقول قول من ذهب إلى التفصيل هو الصحيح لأنه صلوات الله وسلامه عليه أفصح من نطق بالضاد وفي تراكيبه أسرار ودقائق لا يوقف عليها إلا بها كما هي فإن لكل تركيب من التراكيب معنى بحسب الفصل والوصل والتقديم والتأخير لو لم يراع ذلك لذهب مقاصدها بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة كالتخصيص والإجمال وغيرهما
وكذا الألفاظ التي ترى مشتركة أو مترادفة إذ لو وضع كل موضع الآخر لفات المعنى الذي قصد به ومن ثم قال صلوات الله وسلامه عليه نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
رواه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود

وكفى بهذا الحديث لفظا ومعنى شاهد صدق على ما نحن بصدده فإنك إن أقمت مقام كل لفظة ما يشاكلها أو يرادفها اختل المعنى وفسد

فإنك لو وضعت موضع نضر الله رحم الله أو غفر الله وما شاكلهما أبعدت المرمى فإن من حفظ ما سمعه وأداه من غير تغيير فإنه جعل المعنى غضا طريا ومن بدل وغير فقد جعله مبتذلا ذاويا
وكذا لو أنبت امرأ مناب العبد فات المعنى لأن العبودية هي الاستكانة والمضي لأمر الله ورسوله بلا امتناع ولا استنكاف من أداء ما سمع إلى من هو أعلم منه
وخصت المقالة بالذكر من بين الكلام والخبر لأن حقيقة القول هو المركب من الحروف المبرزة ليدل على وجوب أداء اللفظ المسموع
وإرداف وعاها حفظها مشعر بمزيد التقرير لأن الوعي إدامة الحفظ وعدم النسيان
وفي رواية أخرى فأداها كما سمعها
أوثر أداها على رواها وبلغها ونحوهما دلالة على أن تلك المقالة مستودعة عنده واجب أداؤها إلى من هو أحق بها وأهلها غير مغيرة ولا متصرف فيها
وكذا تخصيص ذكر الفقه دون العلم للإيذان بأن الحامل غير عار من العلم إذ الفقه علم بدقائق مستنبطة من الأقيسة والنصوص ولو قيل غير عالم لزم جهله
وكذا تكرير رب وإناطة كل بمعنى يخصها فإن السامع أحد رجلين إما أن لا يكون فقيها فيجب عليه أن لا يغيرها لأنه غير عارف بالألفاظ المتشاكلة فيخطئ فيه أو يكون عارفا بها لكنه غير بليغ فربما يضع أحد المترادفين موضع الآخر ولا يقف على رعاية المناسبات بين لفظ ولفظ
فإن المناسبة لها خواص ومعان لا يقف عليهما إلا ذو دربة بأساليب النظم كما قررناه في شرح التبيان في قسم الفصاحة والله أعلم

واعلم أن الحديث المروي بالمعنى إنما يستشهد به فيما يتعلق بأصل المعنى فقط فاستدلال بعضهم بنحو تقديم كلمة على أخرى فيه أو نحو ورود العطف فيه بالفاء دون الواو أو بالعكس ليس في محله
وكذلك استدلال بعضهم به في الأمور المتعلقة بالألفاظ وتركيبها وذلك لأن كثيرا ممن كان يروي بالمعنى كان لا يهتم حين الرواية بمراعاة ذلك بل كان بعضهم ليس له وقوف تام على اللغة العربية فضلا عن أسرارها التي يختص بمعرفتها أناس من أئمة اللسان

وقد ذكر العلامة جلال الدين السيوطي حكم الأحاديث المروية بالمعنى عند علماء العربية في كتاب الاقتراح في أصول النحو فقال فصل
وأما كلامه ص -

فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي وذلك نادر جدا وإنما يوجد
في الأحاديث القصار على قلة أيضا فإن غالب الأحاديث مروية بالمعنى وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها فرووها بما أدت إليه عبارتهم فزادوا ونقصوا وقدموا وأخروا وأبدلوا ألفاظا بألفاظ ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويا على أوجه شتى بعبارات مختلفة ومن ثم أنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث
وقال أبو حيان في شرح التسهيل قد أكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من أئمة البصريين والكسائي والفراء وعلي بن مبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس
وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال إنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم بأن ذلك لفظ الرسول ص -
إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية وإنما كان
ذلك لأمرين
أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه ص -
لم تنقل بتلك الألفاظ جميعها نحو ما روي من قوله زوجتكها بما معك من
القرآن
ملكتكها بما معك
خذها بما معك
وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه القصة
فنعلم يقينا أنه ص -
لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ بل نجزم

بأنه قال بعضها إذ يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه إذ المعنى هو المطلوب ولا سيما مع تقادم السماع وعدم ضبطه بالكتابة والاتكال على الحفظ
والضابط منهم من ضبط المعنى وأما ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما في الأحاديث الطوال وقد قال سفيان الثوري إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني إنما هو المعنى
ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى
الأمر الثاني أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون ذلك وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب
ونعلم قطعا من غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كان أفصح الناس فلم يكن ليتكلم لا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها
وأجزلها وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز وتعليم الله ذلك له من غير معلم والمصنف قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين وما أمعن النظر في ذلك ولا صحب من له التمييز وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وكان ممن أخذ عن ابن مالك قلت له يا سيدي هذا الحديث رواية الأعاجم ووقع فيه من روايتهم ما يعلم أنه ليس من لفظ الرسول ص - فلم يجب بشيء
قال أبو حيان وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول المبتدئ ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث
انتهى كلام أبي حيان بلفظه
وقال أبو الحسن بن الضائع في شرح الجمل تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث واعتمدوا

في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

لأنه أفصح العرب
قال وكان ابن خروف يستشهد بالحديث كثيرا فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن وإن كان يرى أن من قبله أغفل شيئا وجب عليه استدراكه فليس كما رأى
انتهى
ومثل ذلك قول صاحب ثمار الصناعة النحو علم يستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب الله تعالى وكلام فصحاء العرب فقصره عليهما ولم يذكر الحديث
نعم اعتمد عليه صاحب البديع فقال في أفعل التفضيل لا يلتفت إلى قول من قال إنه لا يعمل لأن القرآن والأخبار والأشعار نطقت بعمله ثم أورد آيات
ومن الأخبار حديث ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم
ومما يدل على صحة ما ذهب إليه ابن الضائع وأبو حيان أن ابن مالك استشهد على لغة أكلوني البراغيث بحديث الصحيحين يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار
وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة يتعاقبون
وقد استدل به السهيلي
ثم قال لكني أقول إن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولا مجودا قال فيه إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار
وقال ابن الأنباري في الإنصاف في منع أن في خبر كاد وأما حديث كاد الفقر أن يكون كفرا
فإنه من تغييرات الرواة لأنه ص -
أفصح من نطق بالضاد
انتهى كلام السيوطي
وحديث كاد الفقر أن يكون كفرا
ضعيف قال بعض المحدثين أخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عن أنس مرفوعا كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر
وفي لفظ أن يسبق القدر
وفي سنده يزيد الرقاشي وهو ضعيف وله شواهد ضعيفة

فروع لها تعلق بالرواية بالمعنى
الفرع الأول للعلماء في اختصار الحديث وهو حذف بعضه والاقتصار في الرواية على بعضه أقوال
القول الأول المنع من ذلك مطلقا بناء على المنع من الرواية بالمعنى لأن حذف بعض الحديث ورواية بعضه ربما أحدث الخلل فيه والمختصر لا يشعر
قال عتبة قلت لابن المبارك علمت أن حماد بن سلمة كان يريد أن يختصر الحديث فينقلب معناه قال فقال لي أوفطنت له
وروى يعقوب بن شيبة عن مالك أنه كان لا يرى أن يختصر الحديث إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وقال أشهب سألت مالكا عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد قال ما كان منها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فإني أكره ذلك وأكره أن يزاد فيها وينقص منها وما كان من قول غير رسول
الله ص - فلا أرى بذلك بأسا إذا كان المعنى واحدا
وكان عبد الملك بن عمير وغيره لا يجيزون أن يحذف منه حرف واحد فإن كان لشك فهو سائغ كان مالك يفعله كثيرا
القول الثاني الجواز مطلقا وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل حذفه بالمعنى كالاستثناء والشرط فإن كان كذلك لم يجز بلا خلاف وهو ظاهر
القول الثالث أنه إن لم يكن رواه التمام قبل ذلك هو أو غيره لم يجز وإن كان قد رواه على التمام قبل ذلك هو أو غيره جاز
القول الرابع أنه يجوز ذلك للعالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله غير متعلق به بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه
وهذا ينبغي أن يجوز حتى عند من لم يجز الرواية بالمعنى لأن المحذوف والمروي حينئذ يكونان بمنزلة خبرين منفصلين وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح
ولا فرق

في هذا بين أن يكون قد رواه قبل على التمام أولا
ومحل جواز روايته مختصرا ما إذا كان الراوي رفيع المنزلة مشهورا بالضبط والإتقان بحيث لا يظن به زيادة ما لم يسمعه أو نقصان ما سمعه بخلاف من ليس كذلك
قال الخطيب إن من روى حديثا على التمام وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه
وقال سليم الرازي إن من روى بعض الخبر ثم أراد أن ينقل تمامه وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها
قال ابن الصلاح من هذا حاله فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه لأنه إذا رواه أولا ناقصا أخرج باقيه عن حيز الاحتجاج به ودار بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا وبين أن يرويه متهما فيه فتضيع ثمرته لسقوط الحجة فيه
وممن ذهب إلى جواز اختصار الحديث مسلم وقد أشار إلى ذلك في مقدمة صحيحه حيث قال
ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت عنه وتأليفه على شريطة سوف أذكرها وهو أنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي
موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقول مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته

فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلم
فأما ما وجدناه بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فصله إن شاء الله تعالى
قال بعض الشراح عند قوله أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث هذه مسألة اختلف العلماء فيها وهي رواية بعض الحديث فمنهم من منعه مطلقا بناء على منع الرواية بالمعنى ومنعه بعضهم وإن جازت الرواية بالمعنى إذا لم يكن رواه هو أو غيره بتمامه قبل هذا وجوزه جماعة مطلقا ونسبه القاضي عياض إلى مسلم
والصحيح الذي ذهب إليه الجمهور والمحققون من أصحاب الحديث والفقه والأصول التفصيل وجواز ذلك من العارف إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه سواء جوزنا الرواية بالمعنى أم لا وسواء رواه قبل تاما أم لا
هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة فأما من رواه تاما ثم خاف إن رواه ثانيا ناقصا أن يتهم بزيادة أولا أو نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانيا فلا يجوز النقصان ثانيا ولا ابتداء إن كان قد تعين عليه أداؤه
وأما تقطيع المصنفين الحديث الواحد في الأبواب فهو بالجواز أولى بل يبعد طرد الخلاف فيه وقد استمر عليه علم الأئمة الحفاظ الجلة من المحدثين وغيرهم من أصناف العلماء
وهذا معنى قول مسلم أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن
وقوله إذا أمكن يعني إذا وجد الشرط الذي ذكرناه على مذهب الجمهور من التفصيل
وقوله ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا

ضاق ذلك أسلم
يعني ما ذكرنا وهو أنه لا يفصل إلا ما ليس مرتبطا بالباقي وقد يعسر هذا في بعض الأحاديث فيكون كله مرتبطا بالباقي أو يشك في ارتباطه ففي هذه الحالة يتعين ذكره بتمامه وهيئته لكون أسلم مخافة من الخطأ والزلل والله أعلم
وقد تعرض ابن الصلاح في مبحث اختصار الحديث لحكم تقطيعه فقال وأما تقطيع المصنف متن الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث ولا يخلو من كراهية والله أعلم
وممن نسب إليه فعل ذلك أحمد وأبو داود والنسائي وقد أشكل نسبة ذلك إلى مالك وأحمد
أما مالك فلما نقل أشهب عنه أنه كان يكره النقص من الحديث وقد ذكرنا عبارته بلفظها قريبا وأما أحمد فلما نقل الخلال عنه أنه قال إنه ينبغي أن لا يفعل
وقد يجاب عن ذلك بأنهما ربما كانا يفرقان بين الرواية وغيرها فيمنعان ذلك في حال الرواية ويجيزانه في حال الاستشهاد لا سيما إن كان المعنى المستنبط من القطعة التي يراد الاستشهاد بها مما يدق على الأفكار فإن إيرادها وحدها أقرب إلى الفهم وأبعد من الوهم
واختار بعض المحققين التفصيل في هذه المسألة فقال إن حصل القطع بأن المحذوف لا يخل بالباقي فلا كراهة في ذلك وإن لم يحصل ذلك فلا يخلو الأمر من كراهة إلا أن درجاتها تختلف باختلاف حاله في ظهور ارتباط بعضه ببعض وخفائه
وقد تباعد مسلم عن ذلك فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام أورد كل حديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فلان أو نحوه
الفرع الثاني إذا روى المحدث الحديث بإسناد ثم أتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهائه مثله أو نحوه فهل للراوي عنه أن يقتصر على الإسناد الثاني ويسوق

لفظ الحديث المذكور عقيب الإسناد الأول في ذلك ثلاثة أقوال
أحدها المنع وهو قول شعبة فقد روي عنه أنه قال فلان عن فلان مثله لا يجزئ وروي عنه أنه قال قول الراوي نحوه شك
والثاني جواز ذلك إذا عرف أن الراوي لذلك ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف فإن لم يعرف منه ذلك لم يجز وهو قول سفيان الثوري
الثالث جواز ذلك في قوله مثله وعدم جواز ذلك في قوله نحوه وهو قول يحيى بن معين وعلى هذا يدل كلام الحاكم حيث يقول إن مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان أن يفرق بين أن يقول مثله أو يقول نحوه فلا يحل له أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد ويحل له أن يقول نحوه إذا كان على مثل معانيه
وهذا على مذهب من لا يجيز الرواية بالمعنى فأما على مذهب من يجيزها فلا فرق بين مثله ونحوه
وكان غير واحد من أهل العلم إذا أراد رواية مثل هذا يورد الإسناد الثاني ثم يقول مثل حديث قبله متنه كذا ثم يسوقه وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه
وإذا ذكر المحدث إسناد الحديث وطرفا من المتن وأشار إلى بقيته بقوله الحديث أو وذكر الحديث ونحو ذلك فليس للراوي عنه أن يروي الحديث عنه بكماله بل يقتصر على ما سمع منه وهذا أولى بالمنع من المسألة التي قبلها لأن المسألة التي قبلها قد ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر وفي هذه الصورة لم يسبق إلا هذا القدر من الحديث
وسأل بعض المحدثين الأستاذ المقدم في الفقه والأصول أبا إسحاق الإسفرائيني عن ذلك فقال لا يجوز لمن سمع على هذا الوصف أن يروي الحديث بما فيه من الألفاظ على التفصيل
وسأل البرقاني الفقيه الحافظ أبا بكر الإسماعيلي عمن قرأ إسناد حديث على

الشيخ ثم قال وذكر الحديث فهل يجوز أن يحدث بجميع الحديث فقال إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجور ذلك والبيان أولى أن يقول كما كان
والطريقة المثلى أن يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه فيقول قال وذلك الحديث بطوله ثم يقول والحديث بطوله هو كذا وكذا ويسوقه إلى آخره
وهذا الفرع مما تشتد إلى معرفته حاجة المعتنين بصحيح مسلم لكثرة تكرر مثله ونحوه ونحو ذلك فيه
الفرع الثالث قال ابن الصلاح إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتيهما تفاوت في اللفظ والمعنى واحد كان له أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما خاصة ويقول أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو وهذا لفظ فلان قال أو قالا أخبرنا فلان أو ما أشبه ذلك من العبارات
ولمسلم صاحب الصحيح مع هذا في ذلك عبارة أخرى حسنة مثل قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش وساق الحديث فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له
فأما إذا لم يخص لفظ أحدهما بالذكر بل أخذ من لفظ هذا ومن لفظ ذاك وقال أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في المعنى قالا أخبرنا فلان
فهذا غير ممتنع على مذهب تجويز الرواية بالمعنى
وقول أبي داود صاحب السنن حدثنا مسدد وأبو توبة قالا حدثنا أبو الأحوص مع أشباه لهذا في كتابه يحتمل أن يكون من قبيل الأول فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة في المعنى ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني فلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وهذا الاحتمال يقرب في قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قالا حدثنا أبان

وأما إذا جمع بين جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى وليس ما أورده لفظ كل واحد منهم وسكت عن البيان لذلك فهذا مما عيب به البخاري أو غيره ولا بأس به على مذهب تجويز الرواية بالمعنى
وإذا سمع كتابا مصنفا من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد ويقول واللفظ لفلان كما سبق فهذا يحتمل أن يجوز كالأول لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه ويحتمل أن لا يجوز لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق فإنه اطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه وهو على موافقتهما من حيث المعنى فأخبر بذلك والله أعلم
هذا وما ذكره ابن الصلاح من أن إعادة مسلم لذلك أحد الراويين خاصة يشعر بأن اللفظ المذكور له هو الظاهر المتبادر إلى الذهن مع احتمال أن تكون الإعادة لمجرد بيان أن الراوي الذي أعيد ذكر اسمه ثانيا قد صرح بالتحديث دون الراوي الذي لم يعد ذكر اسمه فينبغي الانتباه لذلك
وقد استبعد بعضهم ما ذكره ابن الصلاح من أن قول أبي داود حدثنا مسدد وأو توبة المعنى قالا حدثنا الأحوص فيه احتمال لئلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وذلك لأنه يدل على أن المأتي به حينئذ هو لفظ ثالث غير لفظي من روى عنهما مع أن الغالب المعروف في مثل ذلك أن المحدث لا بد أن يورد الحديث بلفظ مروي له برواية واحدة والباقي بمعناه
وقال بعضهم هذا أمر غير مستبعد وقصارى الأمر فيه أن يكون ملفقا منهما والتلفيق قد جرى عليه كثير من المحدثين
ومنه نوع قد ذكره القوم في آخر مبحث صفة الرواية كما ذكروا الرواية بالمعنى في أثنائه ولنورد ذلك لمناسبته لما نحن فيه فنقول قالوا وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ آخر فخلطه وعزاه جملة إليهما مبينا أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر من غير تمييز لما سمعه من كل شيخ من الآخر جاز

ومن أمثلة ذلك حديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري فإنه قال حدثني عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قال وكل قد حدثني طائفة من حديثها ودخل حديث بعضهم في بعض وأنا أوعى لحديث بعضهم من بعض فذكر الحديث
وما من شيء من ذلك الحديث المروي على تلك الصفة إلا وهو في الحكم كأنه رواه عن أحد الرجلين على الإبهام حتى إذا كان أحدهما مجروحا لم يجز الاحتجاج بشيء من ذلك الحديث لأنه ما قطعه منه إلا ويجوز أن تكون عن ذلك الراوي المجروح ولا يجوز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد الراويين ويروي الحديث عن الآخر وحده بل يجب ذكرهما جميعا مقرونا بالإفصاح
وكثيرا ما يستعمل التلفيق أرباب المغازي والسير
وقد انتقدوا التلفيق على الزهري وهو أول من فعل ذلك فقالوا كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر والأمر فيه سهل إذا كان الكل ثقات
وأما ما عيب به البخاري فليس بعيب عند الجمهور الذي يجيز الرواية بالمعنى هذا عبد الله بن وهب لم يتأخر البخاري ولا غيره من الأئمة عن التخريج له مع كونه كان يفعل ذلك وأما حماد فإن البخاري لم يترك الاحتجاج به لكونه كان يفعل ذلك بل لكونه قد ساء حفظه ولذا لم يخرج له في الأصول واقتصر مسلم فيما قاله الحاكم على روايته عن ثابت مع أنه كان من الأئمة الأثبات الموصوفين بأنهم بلغوا درجة الأبدال فتفريق البخاري بينه وبين ابن وهب إنما يرجع لما يتعلق بالإتقان والحفظ فإن ابن وهب كان أشد إتقانا لما يرويه وأحفظ
وما قيل من أن البخاري كان لا يعرج على البيان ولا يلتفت إليه هو مبني على الغالب وإلا فقد عرج على البيان في بعض الأحيان كقوله في تفسير البقرة حدثنا يوسف بن راشد حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ لجرير فذكر حديثا
وفي الصيد والذبائح حدثنا يوسف بن راشد أخبرنا وكيع ويزيد بن هارون واللفظ ليزيد
وقد رأيت هنا أن أستطرد لأربع مسائل

المسألة الأولى قد ذكرنا فيما سبق أنه قد ثبت ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم فيما يتعلق بأمر الصحة وأما ما يتعلق بغير ذلك فربما كان في صحيح مسلم ما يرجح به على صحيح البخاري وقد عرفت في هذا الفرع أن من روى عن اثنين فأكثر وكان بين روايتيهما تفاوت في اللفظ والمعنى واحد فله أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما غير أن الأولى في ذلك أن يعين صاحب اللفظ الذي اقتصر عليه وأن مسلما التزم ذلك بخلاف البخاري فإنه جرى على خلاف الأولى في ذلك في أكثر المواضع
وقد ذكر بعض المعتنين بصحيح مسلم شيئا من هذا القبيل فأحببت إيراده
1 - فمن ذلك كونه أسهل متناولا من حيث إنه جعل لكل حديث موضعا واحدا يليق به وجمع فيه طرقه وأورد أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فصار استخراج الحديث منه ومعرفة طرقه المتعددة وألفاظه المختلفة سهلا
بخلاف البخاري فإنه يذكر تلك الوجه المختلفة في أبواب متفرقة وكثير منها يذكره في غير الباب الذي يتبادر إلى الذهن أنه أولى به لأمر ما قصده البخاري فصار استخراج الحديث منه فضلا عن معرفة طرقه المتعددة وألفاظه المختلفة صعبا حتى إن كثيرا من الحفاظ المتأخرين قد نفوا رواية البخاري لأحاديث هي فيه

حيث لم يجدوها في مظانها
2 - ومن ذلك اعتناؤه بالتمييز بين حدثنا وأخبرنا وتقييده ذلك على مشايخه في روايته وكان من مذهبه الفرق بينهما وأن حدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة وأخبرنا لما قرئ على الشيخ وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق وروي هذا المذهب عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب والنسائي وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث
وذهبت جماعة إلى أنه يجوز أن يقال فيما قرئ على الشيخ حدثنا وأخبرنا وهو مذهب الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وهو مذهب البخاري وجماعة من المحدثين
وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز إطلاق حدثنا ولا أخبرنا في القراءة ويقال إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم
قال بعض الحفاظ أجود العبارات في القراءة على الشيخ أن يقال قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به
ويتلو ذلك أن يقال حدثنا فلان قراءة عليه وأخبرنا قراءة عليه
3 - ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة في الحديث كقوله حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان قال أو قالا حدثنا فلان
وقد يكون الاختلاف في حرف
ثم إن الاختلاف في اللفظ قد يكون مما يتغير به المعنى وقد يكون مما لا يتغير به المعنى
وما يتغير به المعنى قد يكون التغير فيه خفيا بحيث لا ينتبه له إلا الجهبذ النحرير
وقد التزم البيان في جميع ذلك بقدر الإمكان
4 - ومن ذلك تحريه في مثل قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا

سليمان يعني ابن بلال عن يحيى وهو ابن سعيد
فلم يستجز رضي الله عنه أن يقول سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد لكونه لم يقع في روايته منسوبا فلو قاله منسوبا لكان مخبرا عن شيخه أنه أخبره بنسبته مع أنه لم يخبره بها
وهذا مما يشاركه فيه البخاري كما يظهر من قول بعض أهل الأثر ليس للراوي أن يزيد في نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه لئلا يكون كاذبا على شيخه فإن أراد تعريفه وإيضاحه وإزالة اللبس المتطرق إليه لمشابهة غيره فطريقه أن يقول قال حدثني فلان يعني ابن فلان أو الفلاني أو هو ابن فلان أو الفلاني أو نحو ذلك فهذا جائز حسن قد استعمله الأئمة
وقد أكثر البخاري ومسلم منه في الصحيحين غاية الإكثار حتى إن كثيرا من أسانيدهما يقع في الإسناد الواحد منها موضعان أو أكثر من هذا الضرب كقوله في أول كتاب البخاري في باب من سلم المسلمون من لسانه ويده قال أبو معاوية حدثنا داود هو ابن أبي هند عن عامر قال سمعت عبد الله هو ابن عمرو
وكقوله في كتاب مسلم في باب منع النساء من الخروج إلى المساجد حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن يحيى وهو ابن سعيد
ونظائره كثيرة

وإنما يقصدون بهذا الإيضاح كما ذكرنا أولا فإنه لو قال حدثنا داود أو عبد الله لم يعرف من هو لكثرة المشاركين في هذا الاسم ولا يعرف ذلك في بعض المواطن إلا الخواص والعارفون بهذه الصفة وبمراتب الرجال فأوضحوه لغيرهم وخففوا عنهم مؤونة النظر والتفتيش
وهذا الفصل نفيس يعظم الانتفاع به فإن من لا يعاني هذا الفن قد يتوهم أن قوله يعني وقوله هو زيادة لا حاجة إليها وأن الأولى حذفها
وهذا جهل قبيح والله أعلم
5 - ومن ذلك سلوكه الطريقة المثلى في رواية صحيفة همام بن منبه نحو قوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن همام قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فذكر أحاديث منها قال رسول الله ص
- إذا توضأ أحدكم فليستنشق الحديث
ووجه ذلك يظهر مما ذكره ابن الصلاح حيث قال النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها من النسخ والأجزاء منهم من يجدد ذكر الإسناد في أول كل حديث منها ويوجد هذا في كثير من الأصول القديمة وذلك أحوط
ومنهم من يكتفي بذكر الإسناد في أولها عند أول حديث منها أو في كل مجلس من مجالس سماعها ويدرج الباقي عليه ويقول في كل حديث بعده وبالإسناد أو وبه وذلك هو الأغلب الأكثر
وإذا أراد من كان سماعه على هذا الوجه تفريق تلك الأحاديث ورواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في أولها جاز ذلك عند الأكثرين منهم وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الإسماعيلي وهذا لأن الجميع معطوف على الأول

فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله
ومن المحدثين من أبى إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور ورآه تدليسا وسأل بعض أهل الحديث الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني الفقيه الصولي عن ذلك فقال لا يجوز
وعلى هذا من كان سماعه على هذا الوجه فطريقه أن يبين ويحكي ذلك كما جرى كما فعله مسلم في صحيحه في صحيفة همام بن منبه نحو قوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له تمن الحديث
وهكذا فعل كثير من المؤلفين والله أعلم
واعلم أنه لا يظهر وجه لقول من منع إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور إلا أن يقال إن باب الرواية مبين على الاتباع وهو لم يرو على هذا الوجه من التفريق فيكون ذلك من قبيل الابتداع وهو بعيد
وأما البخاري فإنه سلك طريقا آخر وهو أنه يقدم أول حديث من الصحيفة المذكورة وهو حديث نحو الآخرون السابقون
ثم يعطف عليه الحديث الذي يريد إيراده وطريق مسلم أوضح ولذا قل من اطلع على مقصد البخاري في ذلك وقد حمل ذلك بعضهم على أن يبحثوا على وجه المطابقة بين الحديث الأول والترجمة فلم يأتوا بما فيه طائل
على أن البخاري لم يطرد عمله في ذلك فإنه أورد في كثير من المواضع بعضا من الأحاديث الواقعة في الصحيفة المذكورة ولم يصدر شيئا منها بالحديث المشار إليه

وهذا الحديث هو أول حديث في صحيفة شعيب أيضا ويشير إلى ذلك قول البخاري في باب لا تبولوا في الماء الراكد
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول نحن الآخرون السابقون وبإسناده قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم
وهاتان الصحيفتان قل أن يوجد في إحداهما حديث إلا وهو في الأخرى
6 - ومن ذلك اعتناؤه في إيراد الطرق وتحويل الأسانيد بإيجاز العبارة مع حسن البيان
7 - ومن ذلك ترتيبه للأحاديث على نسق يشعر بكمال معرفته بدقائق هذا العلم ووقوفه على أسراره وهو أمر لا يشعر به إلا من أمعن النظر في كتابه مع معرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة كأصول الدين وأصول التفسير وأصول الحديث وأصول الفقه ونحو أصول الفقه الفقه وعلوم العربية وأسماء الرجال ودقائق علم الإسناد والتاريخ مع الذكاء المفرط وجودة الفكر ومداومة الاشتغال به ومذاكرة المشتغلين به متحريا للإنصاف قاصدا للاستفادة والإفادة

وقد أشار بعض العلماء إلى الوجوه التي ظهرت له في ترجيح صحيح مسلم فقال والذي يظهر لي من كلام أبي علي أنه إنما قدم صحيح مسلم لمعنى آخر غير ما نحن بصدده من الشرائط المطلوبة في الصحة بل ذلك لأن مسلما صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق بخلاف البخاري فإنه ربما كتب الحديث من حفظه ولم يميز ألفاظ رواته ولهذا ربما يعرض له الشك وقد صح عنه أنه قال رب حديث سمعنه بالبصرة فكتبته بالشام
ولم يتصد لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام ليبوب عليها حتى لزم من ذلك تقطيعه للحديث في أبوابه بل جمع مسلم الطرق كلها في مكان واحد واقتصر على الأحاديث دون الموقوفات فلم يعرج عليها إلا في بعض المواضع على سبيل الندرة تبعا لا مقصودا فلهذا قال أبو علي ما قال مع أني رأيت بعض أئمتنا يجوز أن يكون أبو علي ما رأى صحيح البخاري وعندي في ذلك بعد والأقرب ما ذكرته وأبو علي المذكور هو أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم وقد نقل عنه ابن مندة أنه قال ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم
وقال بعض شراح كتاب البخاري بعد أن بين رجحانه على ما سواه من كتب الحديث من جهة الصحة وأكثر ما فضل به كتاب مسلم عليه أنه يجمع المتون في موضع واحد ولا يفرقها في الأبواب ويسوقها تامة ولا يقطعها في التراجم ويحافظ على الإتيان بألفاظها ولا يروي بالمعنى ويفردها ولا يخلط معها شيئا من أقوال الصحابة ومن بعدهم
وقد ذكرنا ذلك فيما سبق
المسألة الثانية جرت عادة كتبة الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط دون النطق

فمن ذلك حدثنا فإنهم يقتصرون في كتابتها على ثنا وهي الثاء والنون والألف وقد يحذفون الثاء ويقتصرون على الضمير وحده وهو نا
ومن ذلك أخبرنا فإنهم يقتصرون في كتابتها على أنا
وقد التزموا في الغالب تحريف الألف الأخيرة منهما إلى جهة اليمين ليحصل التمييز بينها وبين ما يشابهها في الصورة مما ليس برمز وقد يزيد بعضهم الراء فتصير أرنا وكأن الذي زادها خشي أن يظن أنها مختصرة من أنبأنا وإن جرت عادتهم بعدم اختصارها كما يشاهد فيما لا يحصى من الكتب
ومن ذلك قال ونحو فقد جرت العادة بحذفه فيما بين رجال الإسناد خطا وذكره حال القراءة لفظا مثال ذلك قول البخاري حدثنا صالح بن حيان قال قال عامر الشعبي فإن الكاتب يحذف أحدهما وأما القارئ فإنه ينبغي له أن يلفظ بهما معا
ولو لم يلفظ القارئ بما تركه الكاتب يكون مخطئا غير أن هذا الخطأ لا يؤثر في صحة السماع فقد قال بعض الحفاظ إن الظاهر أن السماع صحيح للعلم بالمقصود ويكون هذا من قبيل الحذف لدلالة الحال عليه
ومما قد يغفل عنه من ذلك ما إذا كان في الإسناد قرئ على فلان أخبرك فلان فينبغي للقارئ أن يقول فيه قيل له أخبرك فلان
وقد وقع في بعض ذلك قرئ على فلان حدثنا فلان فينبغي أن يقال فيه قرئ على فلان قال حدثنا فلان وقد جاء هذا مصرحا به خطا في بعض الكتب ويصح في الصورة الثانية أن يقال قرئ على فلان قيل له قلت حدثنا فلان إلا أن ما ذكر من قبل أخصر
ومن عرف اللغة العربية لم يعسر عليه أن يأتي في كل موضع بما يقتضيه
ومن ذلك أنه قد جرت العادة بحذفه في الخط دون اللفظ وذلك كقول البخاري حدثنا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون
والأصح أنه سمع
وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر وأرادوا أن يجمعوا بينهما فقد جرت عادة أهل الحديث إذا انتقلوا من إسناد إلى إسناد أن يكتبوا بينهما ح
وهي حاء مفردة مهلمة وهي مأخوذة من التحول إشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد آخر

وقد توهم بعض الناس أنها خاء معجمة إشارة إلى أنه إسناد آخر أو إشارة إلى الخروج من إسناد إلى إسناد
وسبب ذلك أن المتقدمين لم يتكلموا فيها بشيء وأول من تكلم عنها ابن الصلاح
واختار بعض الحفاظ كونها مأخوذة من حائل لكونها حائلة بين الإسنادين وأنه لا يتلفظ بها وأنكر ما قاله بعضهم من كونها مأخوذة من لفظ الحديث وكان إذا وصل إليها يقول الحديث وكأن هذا الإنكار مبني على كون الحديث لم يذكر
وهذه الحاء الدالة على التحول من إسناد إلى إسناد هي في صحيح مسلم أكثر منها في صحيح البخاري
واختار ابن الصلاح أن يقول القارئ عند الانتهاء إليها حا ويستمر في قراءة ما بعدها وهو أحوط الوجوه وأعدلها وعلى ذلك جرى جل أهل الحديث
وقد كتب بعض الحفاظ في موضعها عوضا منها صح
وحسن إثبات صح هنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد الأول فيجعلا إسنادا واحدا
المسألة الثالثة علم الحديث علم عظيم الشأن يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم فمن عزم على طلبه فليقدم إخلاص النية وليسأل الله أن يوفقه ويعينه عليه فإذا أخذ فيه فليجد في الطب وليحرص على التحصيل ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز
وقال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم براحة الجسم
وقال الشافعي لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس فيفلح ولكن من طلبه بذلة النفس وضيف العيش وخدمة العلماء أفلح
وليبدأ بشيوخ بلده وينبغي أن يتخير المشهور منهم بطلب الحديث المشار إليه

بالإتقان له والمعرفة به وليأخذ المهم مما عندهم فقال قال أبو عبيدة من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم
فإذا فرغ من ذلك فليرحل إلى غيره من البلاد إن ظهر له أن في ذلك فائدة فإن المقصود بالرحلة أمران أحدهما تحصيل علو الإسناد
والثاني لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم والاستفادة منهم فإذا كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة بالنظر إلى ما يقصده
وإذا كانا موجودين في بلد الطالب وفي غيره استحبت له الرحلة ليجمع الفائدتين من علو الإسنادين وعلم الطائفتين
وسأل عبد الله بن أحمد أباه هل ترى لطالب العلم أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه أو يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع فيها فقال يرحل فيكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة يشام الناس يسمع منهم
والأصل في الرحلة ما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

لم اسمعه فابتعت بعيرا فشددت عليه رجلي وسرت شهرا حتى قدمت الشام فأتيت
عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فأتاه فقال له جابر بن عبد الله فأتاني فقال لي فقلت نعم فرجع فأخبره فقام يطأ ثوبه حتى لقيني فاعتنقني واعتنقته فقلت حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم - في القصاص ولم أسمعه فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه

فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يقول يحشر الله العباد أو قال الناس عراة غرلا بهما قلنا ما بهما قال ليس
معهم شيء ثم يناديهم ربهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قلنا كيف وإنما نأتي الله عراة غرلا بهما قال بالحسنات والسيئات
ورحلة موسى إلى الخضير معروفة وهي مذكورة على طريق التفصيل في الصحيح
ويكفي في أمر الرحلة قوله تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )
ولم يزل السلف والخلف من الأئمة يعتنون بالرحلة قال سعيد بن المسيب إن كنت لأغيب الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد
وقال الشعبي في مسألة كان يرحل فيما دونها إلى المدينة
وقال ابن مسعود لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه
وقال أبو العالية كنا نسمع عن الصحابة فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم
وليجل شيخه ومن يسمع منه فذلك من إجلال العلم ولا يثقل عليه ولا يضجره فإن ذلك يغير الأفهام ويفسد الأخلاق ويحيل الطباع
ومن فعل ذلك فإنه يخشى عليه أن يحرم الانتفاع
ولا يكن ممن يمنعه الحياء أو الكبر عن كثير من الاستفادة والاستزادة فقد قال مجاهد لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر
وقال وكيع لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه

وليحذر من كتمان شيء لينفرد به عن أضرابه فإن ذلك لؤم لا يصدر إلا من جهلة الطلبة الموصوفين بضعة النفس وفاعل ذلك جدير بأن لا ينتفع به
قال إسحاق بن راهويه قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع فوالله ما أفلحوا ولا نجحوا
وقال ابن عباس إخواني تناصحوا في العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فإن خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله
وقد روي عن بعض الأئمة أنهم فعلوا ذلك وهو محمول على كتم ذلك عمن لم يروه أهلا لا سيما إن كان ممن يحمله فرط التيه والإعجاب على المحاماة عن الخطأ والمماراة في الصواب
فال الخليل بن أحمد لأبي عبيدة معمر بن المثنى لا تردن على معجب خطأ فيستفيد منك علما ويتخذك به عدوا
ولا يقتصر على سماع الحديث وكتابته دون معرفته وفهمه فيكون ممن أتعب نفسه بدون أن يظفر بطائل قال الخطيب ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث وتخليده الصحف دون التمييز بمعرفة صحيحه من فاسده والوقوف على اختلاف وجوهه والتصرف في أنواع علومه إلا تلقيب المعتزلة القدرية من سلك تلك الطريقة بالحشوية لوجب على الطالب الأنفة لنفسه ودفع ذلك عنه وعن أبناء جنسه
وما أحسن قول القائل
( إن الذي يروي ولكنه ... يجهل ما يروي وما يكتب )
( كصخرة تنبع أمواهها ... تسقي الأرض وهي لا تشرب )
وليقدم العناية أولا بمعرفة مصطلح أهل الحديث وأحسن كتاب ألف في ذلك كتاب الحافظ أبي عمرو عثمان المعروف بابن الصلاح قال مؤلفه في آخر النوع الثامن والعشرين في معرفة آداب طالب الحديث ثم إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن مفصح عن أصوله وفروعه شارح لمصطلحات أهله ومقاصدهم

ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا فهو إن شاء الله جدير بأن تقدم العناية به
وقد صار معول كل من جاء بعده
وقد جمع كثير من العلماء نكتا عليه تتضمن إما تقييد مطلق أو إيضاح مغلق أو غير ذلك من فائدة مهمة فينبغي للمعنيين بهذا الأمر الوقوف عليها وتوجيه النظر إليها
ثم ليبدأ بالصحيحين ثم بسنن أبي داود والنسائي والترمذي ثم بسائر ما تمس حاجة صاحب الحديث إليه من كتب المساند وأهمها مسند أحمد ومن كتب الجوامع المصنفة في الأحكام والمقدم منها هو موطأ مالك ومن كتب علل الحديث ومن أجودها كتاب العلل عن أحمد وكتاب العلل عن الدارقطني ومن كتب معرفة الرجال وتواريخ المحدثين ومن أفضلها تاريخ البخاري الكبير وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
وقد اقتفى فيه أثر البخاري ومن كتب الضبط لمشكل الأسماء ومن أكملها كتاب الإكمال لأبي نصر بن ماكولا
ولا يجهد نفسه في الطلب ولا يحملها ما لا تطيق ففي الحديث الصحيح خذوا من الأعمال ما تطيقون
وقال الزهري من طلب العلم جملة فاته جملة
وقال إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة له غلبك ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به
ولا يغفل عن المذاكرة فإن لها نفعا جزيلا قال علي بن أبي طالب تذاكروا هذا الحديث وإلا تفعلوا يدرس
وقال عبد الله بن مسعود تذاكروا الحديث فإن حياته مذاكرته
وقال إبراهيم النخعي من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به ولو أن يحدث به من لا يشتهيه
وقال الخليل بن أحمد ذاكر بعلمك تذكر ما عندك وتستفد ما ليس عندك
وليشتغل بالتخريج والتأليف والتصنيف إذا استعد لذلك فقد قال بعض العلماء قلما يمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويستبين الخفي من فوائده إلا من جمع متفرقه وألف متشتته وضم بعضه إلى بعض واشتغل

بتصنيف أبوابه وترتيب أصنافه فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس ويثبت الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويبسط اللسان ويجيد البيان ويكشف المشتبه ويوضح الملتبس ويكسب أيضا جميل الذكر ويخلده إلى آخر الدهر كما قال الشاعر
( يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم ... والجهل يلحق أمواتا بأموات )
والتأليف أعم من التخريج والتصنيف والانتقاء إذا التأليف مطلق الضم
والتخريج إخراج المحدث الأحاديث من الكتب وسوقها بروايته أو رواية بعض شيوخه أو نحو ذلك والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين وقد يطلق على مجرد الإخراج والعزو
والتصنيف جعل كل صنف على حدة وقد يطلق على مجرد الضم
والانتقاء إخراج ما يحتاج إليه من الكتب
وللعلماء في تصنيف الحديث وجمعه طريقان إحداهما التصنيف على الأبواب وهو تخريجه على أحكما الفقه وغيره وتنويعه أنواعا وجمع ما ورد في كل حكم وكل نوع في باب بحيث يتميز ما يتعلق بالصلاة مثلا عما يتعلق بالصيام
وأهل هذه الطريقة منهم من اقتصر على إيراد ما صح فقط كالشيخين ومنهم من لم يقتصر على ذلك كأبي داود والترمذي والنسائي
الثانية التصنيف على المساند وهو أن يجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه سواء كان صحيحا أو غير صحيح ويجعله على حدة وإن اختلفت أنواعه
وأهل هذه الطريقة
منهم من رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم كالطبراني في المعجم الكبير والضياء المقدسي في المختارة التي لم تكمل
وهذا أسهل تناولا
ومنهم من رتبها على القبائل فقدم بني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في النسب
ومنهم من رتبها على السبق في الإسلام فقدم العشرة ثم أهل بدر ثم أهل

الحديبية ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح ثم من أسلم يوم الفتح ثم أصاغر الصحابة سنا كالسائب بن يزيد وأبي الطفيل وختم بالنساء
وقد سلك ابن حبان في صحيحه طريقة ثالثة فرتبه على خمسة أقسام وهي الأوامر والنواهي والأخبار عما احتيج إلى معرفته كبدء الوحي والإسراء وما فضل به نبينا على سائر الأنبياء والإباحات وأفعال النبي عليه الصلاة و السلام مما اختص به
ونوع كل واحد من هذه الخمسة إلى أنواع
ولقد أغرب في ذلك كما أغرب بعض المحدثين في بيان سبب إغرابه حيث قال صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المساند ولهذا سماه التقاسيم والأنواع وسببه أنه كان عارفا بالكلام والنجوم والفلسفة ولهذا تلكم فيه ونسب إلى الزندقة وكادوا يحكمون بقتله ثم نفي من سجستان إلى سمرقند
والكشف من كتابه عسير جدا
وقد رتبه بعض المتأخرين على الأبواب وعمل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافا وجرد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زائده على الصحيحين في مجلد
ولهم في جمع الحديث طرق أخرى منها جمعه على حروف المعجم فيجعل مثلا حديث إنما الأعمال بالنيات في حرف الألف
وقد جرى على ذلك أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس وابن طاهر في أحاديث كتاب الكامل لابن عدي
ومنها جمعه على الأطراف وذلك بأن يذكر طرف الحديث ثم يجمع أسانيده إما مع عدم التقيد بكتب مخصوصة أو مع التقيد بها وذلك مثل ما فعل أبو العباس أحمد بن ثابت العراقي في أطراف الكتب الخمسة والمزي في أطراف الكتب الستة وابن حجر في أطراف الكتب العشرة
ومن أعلى المراتب في تصنيف الحديث تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث طرقه واختلاف الرواة فيه فإن معرفة العلل أجل أنواع الحديث وبها يظهر إرسال ما يكون متصلا أو وقف ما يكون مرفوعا وغير ذلك من الأمور المهمة

وقال البخاري في صحيحه باب إذا أعتق عبدا مشتركا بين اثنين أو أمة بين الشركاء حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال من أعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق
حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن

والذين صنفوا في العلل
منهم من رتب كتابه على الأبواب كابن أبي حاتم وهو أحسن لسهولة تناوله
ومنهم من رتب كتابه على المساند كالحافظ الكبير الفقيه المالكي يعقوب بن شيبة البصري نزيل بغداد أخذ عن أحمد وابن المديني وابن معين وتوفي في سنة اثنتين وستين ومئتين فإنه ألف مسندا معللا غير أنه لم يتم ولو تم لكان في نحو مئتي مجلد
والذي تم منه هو مسند العشرة والعباس وابن مسعود وعتبة بن غزوان وبعض الموالي وعمار
ويقال إن مسند علي منه في خمس مجلدات ويقال إنه كان في منزله أربعون لحافا أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين الذي يبيضون المسند ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار
قال بعض المشايخ إنه لم يتم مسند معلل قط
هذا وقد جرت عادة أهل الحديث أن يفردوا بالجمع والتأليف بعض الأبواب والشيوخ والتراجم والطرق
أما الأبواب فقد أفرد بعض الأئمة بعضها بالتصنيف وذلك كباب رفع اليدين فقد أفرده البخاري بالتصنيف وكذلك باب القراءة خلف الإمام وكباب القضاء باليمين مع الشاهد فقد أفرده الدارقطني بالتصنيف وكباب القنوت فقد أفرده ابن مندة بالتصنيف وكباب البسملة فقد أفرده ابن عبد البر وغيره بذلك وغير ذلك
وأما الشيوخ فقد جمع بعض العلماء حديث شيوخ مخصوصين كل واحد منهم على انفراده فجمع الإسماعيلي حديث الأعمش وجمع النسائي حديث الفضيل بن عياض وجمع غيرهما غير ذلك
وأما التراجم فقد جمعوا ما جاء بترجمة واحدة من الحديث كمالك عن نافع عن ابن عمر وكسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وكهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ونحو ذلك

وأما الطرق فقد جمعوا طرق بعض الأحاديث وذلك كحديث قبض العلم
فقد جمع طرقه الطوسي وحديث من كذب علي متعمدا
فقد جمع طرقه بعض المحدثين وغير ذلك
المسألة الرابعة قد ذكرنا فيما سبق أن طالب علم الحديث ينبغي له أن يقدم العناية أولا بمعرفة مصطلح أهله ثم يبتدئ بالصحيحين ثم بسنن أبي داود والنسائي والترمذي ثم بسائر ما تمس حاجة طالب علم الحديث إليه ومن كتب المساند وكتب الجوامع المصنفة في الأحكام وكتب علل الحديث وكتب معرفة الرجال وتواريخ المحدثين وذكرنا ما يتعلق بالصحيحين على وجه يشرف الناظر فيه على حقيقة أمرهما ويعرف أن لصاحبيهما من الفضل ما لا يقدر قدرة إلا من عرف مقدار عنائهما فيما تصديا له وعنايتهما بإفادة الناس
وقد أحببنا أن ننبه الطالب هنا على أمور ينبغي له أن يقف عليها قبل الشروع فيها ليأخذ للأمر عدته من قبل فعسى أن يصبح بذلك عما قريب معدودا من ذوي الإتقان بل الإيقان عند أهل هذا الشأن
الأمر الأول قد قسم العلماء الحديث الصحيح باعتبار تفاوت درجاته في القوة إلى سبعة أقسام وفائدة هذا التقسيم تظهر عند التعارض والاضطرار إلى الترجيح
القسم الأول ما أحرجه البخاري ومسلم
القسم الثاني ما انفرد به البخاري عن مسلم
القسم الثالث ما انفرد به مسلم عن البخاري
القسم الرابع ما هو على شرطهما ولكن لم يخرجه واحد منهما

القسم الخامس ما هو على شرط البخاري ولكن لم يخرجه
القسم السادس ما هو على شرط مسلم ولكن لم يخرجه
القسم السابع ما ليس على شرطهما ولا شرط واحد منهما ولكنه صح عند أئمة الحديث
وكل قسم من هذه الأقسام يحكم له بالرجحان على ما بعده وهذا الحكم إنما يؤخذ به في الجملة ولذا قال إنه يسوغ أن يحكم برجحان حديث على حديث آخر يكون من القسم الذي هو أعلى منه في الدرجة إذا وجد له من زيادة التمكن من شروط الصحة ما يجعله أرجح منه وعلى ذلك فيرجح ما انفرد به مسلم إذا روي من طرق مختلفة على ما انفرد به البخاري إذا لم يرو إلا من طريق واحدة ويرجح ما أخرجه غيرهما إذا ورد بإسناد يقال فيه إنه أصح إسنادا على ما أخرجه أحدهما لا سيما إن كان في إسناده من فيه مقال
وقال بعض الحفاظ مؤيدا لذلك قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا وذلك كأن يتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث غريب ويخرج مسلم أو غيره حديثا مشهورا أو مما وصفت ترجمته بكونها أصح الأسانيد وبذلك يعلم أن مرادهم بترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم إنما هو ترجيح الجملة على الجملة لا ترجيح كل فرد من أحاديثه على كل فرد من أحاديث الآخر
وهنا أمر ينبغي الانتباه له وهو أن بعض العلماء يظنون أن صاحبي الصحيحين يكتفيان في التصحيح بمجرد النظر إلى حال الراوي في العدالة والضبط وعدم الإرسال من يغر نظر إلى غير ذلك وليس الأمر كما يظنون بل ينظرون مع ذلك إلى حال من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلتها أو كونه من بلده ممارسا لحديثه أو غريبا عن بلد من أخذ عنه إلى غير ذلك من الأمور المهمة الغامضة التي لا يشعر بها إلا من أمعن النظر فيها مع البراعة في الحديث وأصوله
وقد أشار إلى ذلك بعض الحفاظ حيث قال مجيبا لمن سأله عن شرط البخاري

ومسلم لهذا رجال يروي عنهم يختص بهم ولهذا رجال يروي عنهم يختص بهم وهما مشتركان في رجال آخرين وهؤلاء الذين اتفقا عليهم عليهم مدار الحديث المتفق عليه وقد يروي أحدهم عن رجل في المتابعات والشواهد دون الأصل وقد يروي عنه ما عرف من طريق غيره ولا يروي ما انفرد به وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه فيظن من لا خبرة له أن لك ما رواه ذلك الشخص يحتج به أرباب الصحيح وليس الأمر كذلك
وعلم علل الحديث علم شريف يعرفه أئمة الفن كيحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري صاحب الصحيح والدارقطني وغيرهم وهي علوم يعرفها أصحابها
الأمر الثاني قد عرفت أن الخبر إن كان متواترا أفاد العلم قطعا وإن كان غير متواتر بل كان خبر آحاد لم يفد العلم قطعا غير أن في أخبار الآحاد ما يروى على وجه تسكن إليه النفس بحيث يفيد غلبة الظن وهي قد تسمى علما
وذهب بعض العلماء إلى أن أخبار الآحاد إذا كانت مخرجة في الصحيحين أو في أحدهما تفيد العلم قطعا لتلقي الأمة لهما بالقبول
وأنكر الجمهور ذلك وقالوا إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قطعا ولو كانت مخرجة في الصحيحين أو أحدهما وتلقي الأمة لهما بالقبول إنما يفيد وجوب العمل بما فيهما بناء على أن الأمة مأمورة بالأخذ بكل خبر يغلب على الظن صدقه ولا يفيد أن ما فيهما ثابت في نفس الأمر قطعا
وذلك كالقاضي فإنه مأمور بالحكم بشهادة من كان عدلا في الظاهر وكونه مأمورا بذلك لا يدل على أن شهادة العدل لا بد أن تكون مطابقة للواقع وثابتة في نفس الأمر لاحتمال أن يكون قد شهد بخلاف الواقع إما لوهم وقع له إذا كان

عدلا في نفس الأمر أو لكذب لم يتحرج منه إذا كان عدلا فيما يبدو للناس فقط والقاضي على كل حال قد قام بما وجب عليه
وقد استثنى من ذهب إلى أن أخبار الآحاد إذا كانت مخرجة في الصحيحين أو في أحدهما تفيد العلم قطعا بعض الأحاديث من ذلك وهي الأحاديث التي تكلم فيها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره
قال وهي معروفة عند أهل هذا الشأن
فإذا عرفت هذا ظهر لك أنه يجب على من أراد أن يعرف الصحيحين على وجه الإتقان أن يعرف هذه الأحاديث التي انتقدت وينظر فيما أورد عليها فما لم يجد عنه جوابا سديدا غادره في المستثنى وما وجد عنه جوابا سديدا أخرجه منه وحكم له بالصحة إما في الظاهر والباطن إن كان ممن يأخذ بهذا المذهب أو في الظاهر فقط إن كان ممن يأخذ بمذهب الجمهور
وقد قسموا الأحاديث التي انتقدت عليهما ستة أقسام
القسم الأول ما تختلف الرواية فيه بالزيادة أو النقص من رجال الإسناد فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة وأعل المنتقد ذلك بالطريق الناقصة ينظر فإن كان الراوي قد سمعه فالزيادة لا تضر لأنه يكون قد سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع والمنقطع من قسم الضعيف والضعيف لا يعل الصحيح
وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وأعل المنتقد ذلك بالطريق المزيدة ينظر فإن كان ذلك الراوي صحابيا أو ثقة غير مدلس فقد أدرك من روى عنه إدراكا بينا أو صرح بالسماع من طريق أخرى إن كان مدلسا اندفع الاعتراض وثبت عدم الانقطاع فيما صححه صاحب الصحيح وإلا ثبت الانقطاع وحينئذ يجاب أن صاحب الصحيح إنما يخرج مثل ذلك إذا كان له متابع وعاضد وحفته قرينة تقويه فيكون التصحيح قد وقع من حيث المجموع

وقد وقع في البخاري ومسلم من ذلك حديث الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين وإن أحدهما كان لا يستبرئ من بوله
قال الدارقطني خالف منصور فقال عن مجاهد عن ابن عباس
وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس
وقال الترمذي بعد أن أخرج الحديث رواه منصور عن مجاهد عن ابن عباس
وحديث الأعمش أصح يعني المتضمن للزيادة
قال الحافظ ابن حجر وهذا في التحقيق ليس بعلة لأن مجاهدا لم يوصف بالتدليس وسماعه من ابن عباس صحيح في جملة الأحاديث ومنصور عندهم أتقن من الأعمش مع أن الأعمش أيضا من الحفاظ فالحديث كيفما دار دار على ثقة والإسناد كيفما دار كان متصلا فمثل هذا لا يقدح في صحة الحديث إذا لم يكن راويه مدلسا وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا ولم يستوعب الدارقطني انتقاده
القسم الثاني ما تختلف الرواة فيه بتغيير بعض الإسناد فإن أمكن الجمع ولم يقتصر صاحب الصحيح على أحد الوجهين أو الأوجه لكون المختلفين متعادلين في الحفظ ونحوه لم يكن في ذلك شيء وذلك كما في حديث البخاري في بدء الخلق من حديث إسرائيل عن الأعمش ومنصور جميعا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم -

في غار فنزلت والمرسلات
قال الدارقطني لم يتابع إسرائيل عن الأعمش عن علقمة أما عن منصور فتابعه شيبان عنه
وكذا رواه مغيرة عن إبراهيم عنه
وقد حكى البخاري الخلاف في ذلك
وإن لم يمكن الجمع وكان المختلفون متفاوتين في الحفظ ونحوه فإذا أخرج صاحب الصحيح الطريق الراجحة وأعرض عن غيرها أو أشار إليها لم يكن في ذلك شيء أيضا فإن مجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف
وفي البخاري من هذا حديث الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان يجمع بين قتلى أحد ويقدم أقرأهم

قال الدارقطني رواه ابن المبارك عن الأوزاعي عن الزهري مرسلا ورواه معمر عن الزهري عن أبي صعير عن جابر
ورواه سليمان بن كثير عن الزهري حدثني من سمع جابرا وهو حديث مضطرب
قال الحافظ ابن حجر أطلق الدارقطني القول بأنه مضطرب مع إمكان نفي الاضطراب عنه بأن يفسر المبهم بالذي في رواية الليث وتحمل رواية معمر على أنه سمعه من شيخين
وأما رواية الأوزاعي المرسلة فقصر فيها بحذف الواسطة
فهذه طريقة من ينفي الاضطراب عنه وقد ساق البخاري ذكر الخلاف فيه وإنما أخرج رواية الأوزاعي مع انقطاعها لأن الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك عن الليث والأوزاعي جميعا عن الزهري فأسقط الأوزاعي عبد الرحمن بن كعب وأثبته الليث وهما في الزهري سواء وقد صرحا بسماعهما له منه فقبل زيادة الليث لثقته ثم قال بعد ذلك ورواه سليمان بن كثير عن الزهري عمن سمع جابرا وأراد بذلك إثبات الواسطة بين الزهري وبين جابر فيه في الجملة وتأكيد رواية الليث بذلك ولم يرها علة توجب اضطرابا
وأما رواية معمر فقد وافقه عليه سفيان بن عيينة فرواه عن الزهري عن ابن أبي صعير وقال ثبتني فيه معمر
فرجعت روايته إلى رواية معمر
القسم الثالث ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه عمن هو أكثر عددا أو اضبط فهذا لا يؤثر الإعلال به إلا إن كانت تلك الزيادة فيها منافاة بحيث يتعذر الجمع
أما إن كانت تلك الزيادة لا منافاة فيها فلا إذ تكون كالحديث المستقل إلا أن يتضح بالدلائل أن تلك الزيادة مدرجة من كلام بعض الرواة
ومثال ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من طريق ابن أبي عروبة وجرير بن حازم عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة من أعتق شقصا
وذكرا فيه الاستسعاء

قال الدارقطني فيما انتقده عليهما قد رواه شعبة وهشام وهما أثبت الناس في قتادة فلم يذكرا الاستسعاء ووافقهما همام وفصل الاستسعاء من الحديث وجعله من قول قتادة وهو الصواب
وقال الأصيلي وابن القطان وغيرهما من أسقط السعاية في الحديث أولى ممن ذكرها لأنها ليست في الأحاديث الأخر من رواية ابن عمر
وقال ابن عبد البر الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكروها
وقال غيره وقد اختلف فيها عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فتارة ذكرها وتارة لم يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث كما قال غيره
قال مسلم في صحيحه في كتاب العتق حدثنا يحيى بن يحيى قال قلت لمالك حدثك نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل
فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق
وحدثناه قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعا عن الليث بن سعد
ح وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير بن حازم
ح وحدثنا أبو الربيع وأبو كامل قالا حدثنا حماد حدثنا أيوب
ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله
ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد

ح وحدثني إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية
ح وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة
ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب
كل هؤلاء عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث مالك عن نافع
وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال يضمن
وحدثني عمرو الناقد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال من أعتق شقصا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له
مال استسعي العبد غير مشقوق عليه
وحدثناه علي بن خشرم أخبرنا عيسى يعني ابن يونس عن سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد وزاد إن لم يكن له مال قوم عليه العبد قيمة عدل ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه
حدثني هارون بن عبد الله حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت قتادة يحدث بهذا الإسناد بمعنى حديث ابن أبي عروبة وذكر في الحديث قوم عليه قيمة عدل

ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه فإن لم
يكن له مال يقوم عليه قيمة عدل على المعتق فأعتق ما أعتق
حدثنا مسدد حدثنا بشر عن عبيد الله اختصره
حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
قال ( من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من المال ما
يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق ) قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق قال أيوب لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث
حدثنا أحمد بن مقدام حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة أخبرني نافع عن ابن عمر أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين الشركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه يقول قد وجب عليه عتقه كله إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ يقوم من ماله قيمة العدل ويدفع إلى الشركاء أنصباؤهم ويخلى سبيل المعتق يخبر ذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
ورواه الليث وابن أبي ذئب وابن إسحاق وجويرية ويحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
مختصرا
باب إذا أعتق نصيبا في عبد وليس له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة
حدثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا يحيى بن آدم حدثنا جرير بن حازم قال سمعت قتادة قال حدثني النضر بن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم -
( من أعتق شقيصا من عبد )

وحدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال ( من أعتق نصيبا أو شقيصا في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له
مال وإلا قوم عليه فاستسعي به غير مشقوق عليه )
تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة اختصره شعبة
قال بعض شراح البخاري عند ذكر قوله تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة أراد المؤلف بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به فاستظهر له برواية جرير بن حازم لموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها فنفى عنه التفرد
ثم قال واختصره شعبة وكأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة فكيف ترك ذكر الاستسعاء فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفا لأنه أورده مختصرا وغيره أورده بتمامه والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد
ورواية شعبة أخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عنه عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه وقال يضمن
ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ من أعتق شقصا من مملوك فهو حر من ماله
وقد اختصر ذكر السعاية هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه اختلف عليه في إسناده فمنهم من ذكر فيه النضر بن أنس ومنهم من لم يذكره
وذهب جماعة من العلماء إلى أن الاستسعاء مدرج في الحديث من كلام قتادة

كما رواه همام بن يحيى عن قتادة بلفظ أن رجلا أعتق شقصا من مملوك فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم -

عتقه وغرمه بقية ثمنه
قال قتادة إن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه
أخرجه الدارقطني والخطابي
وأبى ذلك جماعة منهم الشيخان فصححوا كون الجمع مرفوعا ورجح ذلك ابن دقيق العيد وذلك لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة فإنه كان أكثر ملازمة له وأخذا عنه من همام وغيره وهمام وشعبة وإن كانا أحفظ من سعيد لكن ما روياه لا ينافي ما رواه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره
وهذا كله لو انفرد سعيد وهو مع ذلك لم ينفرد
وما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه كثيرون منهم أربعة قد تقدم ذكرهم وهمام هو الذي انفرد بفصل الاستسعاء من الحديث وجعله من قول قتادة فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي
وقد احتج من لا يقول بالاستسعاء بحديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
أخرجه مسلم
ووجه الدلالة فيه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالسعي في أداء بقية قيمته لورثة الميت
القسم الرابع ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف منهم وفي البخاري من ذلك حديثان
أحدهما حديث أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده

قال كان للنبي ص -

فرس يقال له اللخيف
قال الدارقطني هذا ضعيف وقد ضعفه أحمد وابن معين وقال النسائي ليس بالقوي
لكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن عباس قال في الميزان أبي وإن لم ثبتا فهو حسن الحديث وأخوه عبد المهيمن واهي
وثانيهما في الجهاد من البخاري في باب إذا أسلم قوم في دار الحرب حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يسمى هنيا على الحمى
الحديث بطوله
قال الدراقطني إسماعيل ضعيف
قال في الميزان إسماعيل محدث مكثر فيه لين روى عن خاله مالك وأخيه عبد الحميد وأبيه وعنه صاحبا الصحيح وإسماعيل القاضي والكبار
قال أحمد لا بأس به
وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى صدوق ضعيف العقل ليس بذاك
وقال أبو حاتم محله الصدق مغفل
وقال النسائي ضعيف
وقال الدارقطني لا أختاره في الصحيح
وقال ابن عدي روى عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد
قال الحافظ ابن حجر أظن الدارقطني إنما ذكر هذا الموضع من حديث إسماعيل خاصة وأعرض عن الكثير من حديثه عند البخاري لكون غيره شاركه في تلك الأحاديث وتفرد بهذا فإن كان كذلك فلم ينفرد بهذا بل تابعه عليه معن بن عيسى فرواه عن مالك كرواية إسماعيل سواء
القسم الخامس ما حكم فيه بالوهم على بعض رواته
وهذا الحكم إنما يقبل إذا ظهر دليل يدل على وقوع الوهم وإلا نسب الوهم إلى من حكم بالوهم
قال بعض الحفاظ قد وقع في صحيح مسلم ألفاظ قليلة غلط فيها الراوي مثل ما روي إن الله خلق التربة يوم السبت وجعل خلق المخلوقات في الأيام

السبعة
فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث مثل يحيى بن معين وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط وأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

بل صرح البخاري أنه من كلام كعب الأحبار
والقرآن قد بين أن الخلق كان في ستة أيام وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم الجمعة فيكون أول الخلق يوم الأحد
وكذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم -
صلى الكسوف بركوعين أو ثلاثة
فإن الثابت المروي في الصحيحين وغيرهما عن عائشة وابن عباس وعبد الله بن عمرو وغيرهم أنه صلى كل ركعة بركوعين
ولهذا لم يخرج البخاري غير ذلك وضعف هو وغيره من الأئمة حديث الثلاثة والأربع فإن النبي صلى الله عليه وسلم -
إنما صلى الكسوف مرة واحدة
وفي حديث الثلاث والأربع أنه صلى صلاة الكسوف يوم مات إبراهيم ابنه
وحديث الركوعين كان في ذلك اليوم
فمثل هذا الغلط إذا وقع كان في نفس الأحاديث الصحيحة ما يبن أنه غلط والبخاري إذا روى الحديث بطرق في بعضها غلط في بعض الألفاظ ذكر معها الطرق التي تبين ذلك الغلط
وقال وكما أن أهل العلم بالحديث يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ فإنهم يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء يتبين لهم غلطه فيها بأمور يستدلون بها ويسمون هذا علم علل الحديث وهو من أشرف علومهم
وغلط الثقة الصدوق الضابط قد يعرف بسبب ظاهر وقد يعرف بسبب خفي
ومما وقع فيه الغلط ما في بعض طرق البخاري إن النار لا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا آخر
وهذا كثير والناس في هذا الباب طرفان
طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله

لا يميز بي الصحيح والضعيف فيشك في صحة أحاديث أو في القطع بها مع كونها معلومة قطعا عند أهل العلم بالحديث
وطرف ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظا في حديث قد رواه ثقة و رأى حديثا بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط فكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق وقد يقطع به فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب وقد يقطع به مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل
وقال محمد بن طاهر المقدسي سمعت أبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي ببغداد يقول قال لنا أبو محمد بن حزم ما وجدنا للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين لكل واحد مهما حديث تم عليه في تخريجه الوهم مع إتقانهما وحفظهما وصحة معرفتهما
فذكر من عبد البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء وأنه قبل أن يوحى إليه وفيه شق صدره
قال ابن حزم والآفة من شريك
والحديث الثاني عند مسلم حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس قال كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي ص -

ثلاث أعطنيهن قال نعم الحديث
قال ابن حزم هذا حديث موضوع لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار
وقد أشار شراح صحيح مسلم إلى أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال وقد امتعض بعضهم بما قاله ابن حزم فبالغ في التشنيع عليه وقال إنه كان هجاما على تخطئه الأئمة الكبار وإطلاق اللسان فيهم ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث
وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما وكان مستجاب الدعوة

وقال في الميزان عكرمة بن عمار العجلي اليمامي له رواية عن طاوس وسالم وعطاء ويحيى بن كثير وعنه يحيى القطان وابن مهدي وأبو الوليد وخلق روى أبو حاتم عن ابن معين أنه قال كان أميا حافظا
وقال أبو حاتم صدوق ربما يهم
وقال عاصم بن علي كان مستجاب الدعوة
وقال أحمد بن حنبل ضعيف الحديث وكان حديثه عن إياس بن سلمة صالحا
قال الحاكم أكثر مسلم الاستشهاد به
وقال البخاري لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه عن يحيى
وقال معاذ بن معاذ سمعت عكرمة بن عمار يقول أحرج على رجل يرى القدر إلا قام فخرج عني فإني لا أحدثه
وكانت البصرة عش القدرية
وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلا منكرا عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان وثلاثة أحاديث أخر بالإسناد
وأبو زميل بضم الزاي وفتح الميم واسمه سماك بن الوليد الحنفي اليمامي ثم الكوفي
القسم السادس ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن
وهذا لا يتعرتب عليه قدح في الأكثر وذلك أنه منه ما يمكن الجمع فيه
وما يمكن الجمع فيه هو في الحقيقة غير مختلف بل هو مؤتلف وما لا يمكن الجمع فيه فإنه يؤخذ فيه بالراجح إن تبين رجحان بعض الروايات على بعض
ويبقى الإشكال في نوع واحد منه وهو ما لم يمكن الجمع فيه ولا ظهر رجحان بعض الروايات فيه على بعض
وهذا لا سبيل فيه إلا التوقف وهذا فيما يظهر نادر جدا لأنه يبعد مع كثرة المرجحات أن لا يجد العالم النحرير مرجحا لإحدى الروايات على غيرها لا سيما بعد المبالغة في البحث والتتبع
ومن أمثلة القسم السادس حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وحديث جابر في قصة الجمل وحديثه في وفاء دين أبيه
وقد ذكرنا حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وما يتعلق بذلك على وجه التفصيل في بحث المضطرب

واعلم أن الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء النقد فيما يتعلق بالمتن كما تعرضوا لذلك في الإسناد وذلك لأن النقد المتعلق بالإسناد دقيق غامض لا يدركه إلا أفراد من أئمة الحديث المعروفين بمعرفة علله بخلاف النقد المتعلق بالمتن فإنه يدركه كثير من العلماء الأعلام المشتغلين بالعلوم الشرعية والباحثين عن مسائلها الأصلية والفرعية ككثير من المفسرين والفقهاء وأهل أصول الفقه وأصول الدين
وقد وهم هنا أناس فظن بعضهم أن المحدث ليس له أن يتعرض للنقد من جهة المتن فكأنه توهم ذلك من جعلهم وظيفة المحدث التعرض للنقد من جهة الإسناد أنه يمنع من التعرض للنقد من جهة المتن
مع أن مقصودهم بذلك بيان أن النقد من جهة الإسناد هو من خصائصه لعدم اقتدار غيره على ذلك
فينبغي له أن لا يقصر فيما يطلب منه
فإذا قم بذلك فله أن يتعرض للنقد من جهة المتن إذا ظهر له في المتن علة قادحة فيه فحكمه حكم غيره فكما أن غيره له أن يتعرض للنقد من جهة المتن إذا ظهر له ما يوجبه فله هو ذلك إذا ظهر له ما يوجبه بل هو أرجح من غيره
وقد تعرض كثير من أئمة الحديث للنقد من جهة المتن إلا أن ذلك قليل جدا بالنسبة لما تعرضوا له من النقد من جهة الإسناد لما عرفت
فمن ذلك قول الإسماعيلي بعد أن أورد الحديث الذي رواه البخاري عن ابن أبي أويس عن أخيه عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة الحديث هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما بأبيه خزيا له مع إخباره بأن الله قد وعده أن لا يخزيه يوم يبعثون وأعلمه بأنه لا خلف لوعده
وقد أعل الدارقطني هذا الحديث من جهة الإسناد فقال هذا رواه إبراهيم بن

طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
وأجيب عن ذلك بأن البخاري قد علق حديث إبراهيم بن طهمان في التفسير فلم يهمل حكاية الخلاف فيه
وينبغي للناظر في الصحيحين أن يبحث عما انتقد عليهما من الجهتين فبذلك تتم له الدراية فيما يتعلق بالرواية
الأمر الثالث قد أشار مسلم في أول مقدمة صحيحه إلى الباعث له على تأليفه وإلى ما يريد أن يورده فيه من أقسام الحديث حيث قال
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على خاتم النبيين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أما بعد فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ذكرت أنك هممت بالفحص عن تعرف الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

في سنن الدين وأحكامه وما كان منها في الثواب والعقاب والترغيب والترهيب
وغير ذلك من صنوف الإسناد بالأسانيد التي بها نقلت وتداولها أهل العلم فيما بينهم فأردت أرشدك الله أن توقف على جملتها مؤلفة محصاة
وسألتني أن ألخصها لك في التأليف بلا تكرار يكثر فإن ذلك زعمت يشغلك عما له قصدت من التفهم فيها والاستنباط منها وللذي سألت أكرمك الله حين رجعت إلى تدبره وما يؤول إليه الحال إن شاء الله عاقبة محمودة ومنفعة موجودة
وظننت حين سألتني تجشم ذلك أن لو عزم لي عليه وقضي له تمامه كان أول من يصيبه نفع ذلك إياي خاصة قبل غيري من الناس لأسباب كثيرة يطول بذكرها الوصف إلا أن جملة ذلك أن ضبط القليل من هذا الشأن وإتقانه أيسر على المرء من معالجة الكثير منه ولا سيما عند من لا تمييز عنده من العوام إلا بأن يوقفه على التمييز غيره

وإذا كان الأمر في هذا كما وصفناه فالقصد منه إلى الصحيح القليل أولى بهم من ازدياد السقيم وإنما يرجى بعض المنفعة في الاستكثار من هذا الشأن وجمع المكررات منه لخاصة من الناس من رزق فيه بعض التيقظ والمعرفة بأسبابه وعلله فذلك إن شاء الله يهجم بما أوتي من ذلك على الفائدة في الاستكثار من جمعه فإما عوام الناس الذين هم بخلاف معاني الخاص من أهل التيقظ والمعرفة فلا معنى لهم في طلب الكثير وقد عجزوا عن معرفة القليل
ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت عنه وتأليفه على شريطة سوف أذكرها وهو أنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي
موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا طاق ذلك أسلم
فأما ما وجدنا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فصله إن شاء الله تعالى
فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم
فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال

الآثار ونقال الأخبار فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة
ثم ذكر أنه لا يخرج فيه الأحاديث المروية عن قوم هم عند أهل الحديث أو عند الأكثر منهم متهمون وكذلك من الغالب على حديثهم المنكر أو الغلط وأن علامة المنكر في حديث المحدث أن تخالف روايته رواية غيره من أهل الحفظ أو لا تكاد توافقها فإذا كان الأغلب من حديثه ذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله
ثم قال وقد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم ووفق لها وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحا عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى
وبعد يرحمك الله فلولا الذي رأينا من سوء صنع كثير ممن نصب نفسه محدثا فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيرا مما يقذفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر عن قوم غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم أئمة الحديث مثل مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك على ما سألت
وقد اختلف العلماء فيما ذكره مسلم هنا وهو أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الأول ما رواه الحفاظ المتقنون
والثاني ما رواه المستورون المتوسطون في

الحفظ والإتقان
والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يتشاغل به ولا يعرج عليه
فقال بعضهم إن مسلما كان أراد أن يفرد لكل قسم من القسمين كتابا فاخترمته المنية قبل إخراج القسم الثاني وإنه إنما أتى بالقسم الأول
وقال بعضهم إن مسلما قد ذكر في كتابه حديث الطبقتين الأوليين وأتى بحديث الثانية منهما على طريق الإتباع للأولى والاستشهاد أو حيث لم يجد للطبقة الأولى شيئا وذكر فيه أقواما تكلم فيهم قوم وزكاهم آخرون ممن ضعف أو اتهم ببدعة وخرج حديثهم
وكذلك فعل البخاري وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد بأنه يأتي بها فقد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والنقص والزيادة وذكر تصحيف المصحفين فيكون مسلم قد استوفى غرضه في تأليفه وأدخل في كتابه كل ما وعد به وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وأمعن النظر في كثير من الأبواب
وعلى هذا ينبغي لمن يشتغل بصحيح مسلم أن ينتبه إلى ذلك ليكون على بصيرة في أمره
ومن تدبر الأمور التي ذكرنا أن من يريد معرفة الصحيحين كما ينبغي ينبغي له أن يتنبه إليها ويبحث عنها تبين له أنه لا يوجد في مجموع شروحهما المشهورة ما يفي بذلك ولم يستغرب قول كثير من علماء المغرب شرح كتاب البخاري دين على الأمة
يعنون أن علماء الأمة لم يفوا بما يجب له من الشرح على الوجه الذي أشرنا إليه
وقد ذكر بعض أرباب الأخبار ممن أشرف من كل فن من الفنون المشهورة على طرف منها أن الناس إنما استصعبوا شرحه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة

الطرق المتعددة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم
وكذلك يحتاج إلى إمعان النظر في تراجمه فإنه يترجم الترجمة ويورد فيها الحديث بسند وطريق ثم يترجم أخرى وفيها ذلك الحديث بعينه لما تضمنه من المعنى الذي ترجم به الباب
وكذلك في ترجمة وترجمة إلى أن يتكرر الحديث في أبواب كثيرة بحسب معانيه واختلافها
وأن من شرحه ولم يستوف هذا لم يقف بحق الشرح وأن قول من قالوا شرح البخاري دين على الأمة
يعنون به أن أحدا من علماء الأمة لم يف بما يجب له من الشرح بهذا الاعتبار
ولا يخفى أن معرفة وجه الجمع بين الترجمة والحديث ليس من الأعراض التي تهم كثيرا طالب علم الحديث
على أن المواضع التي لم يظهر فيها وجه الجمع بين الترجمة والحديث هي قليلة جدا
وسبب ذلك يظهر مما ذكره الباجي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري حيث قال أخبرني الحافظ أبو ذر عبد بن أحمد الهروي قال حدثنا الحافظ

أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض
قال الباجي وإنما أوردت هذا هنا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل ما لا يسوغ
قال الحافظ ابن حجر قلت هذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر الجمع بين الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة جدا ستظهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى
فالذي يهم طالب علم الحديث لذاته كثيرا في كل باب إنما هو معرفة ما صح فيه من الحديث ومعرفة إسناده الذي تتوقف عليه صحته
وأما ما ذكره من معرفة الطرق المتعددة ورجالها ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم فإن هذا أمر ليس بالصعب الوعر المسلك البعيد المدرك بل كثيرون ممن هم دون شراحه في معرفة علوم الحديث يحسنون ذلك ويقدرون على القيام بما يلزم من ذلك
على أن الشيخين لا سيما البخاري لم يكونا ينظران في التصحيح والتضعيف إلى مجرد الإسناد بل ينظران إلى أمور أخرى كما سبق بيانه
فالواجب في الشرح الوافي بالمرام أن يكون فيه وراء ما ذكر بيان درجة كل حديث فيه وبيان وجه الجمع بينه وبين غيره إذا كان معارضا له عند إمكان الجمع وبيان الراجح من المتعارضين عند عدم إمكان الجمع إلى غير ذلك من المطالب المهمة
ولنرجع إلى المقصود بالذات في هذا الفصل وهو الرواية بالمعنى فنقول لا خلاف في أن الأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه إلا أنه قد يضطر في بعض المواضع إلى الرواية بالمعنى وذلك فيما إذا لم يستحضر الراوي اللفظ وإنما بقي معناه في ذهنه فلو لم تجوز له الرواية بالمعنى ضاع الحكم المستفاد منه فكان في ذلك مفسدة لا سيما إن كان الحكم من الأحكام المهمة التي تضطر إلى

معرفتها الأمة فلم يكن بد من تجويز الرواية بالمعنى في هذه الصورة
وشرطوا أن يكون الراوي بالمعنى من العارفين بمدلولات الألفاظ الواقفين على ما يحيل معانيها بحيث إذا غير الألفاظ لم يتغير معنى الأصل بوجه من الوجوه
وشرط بعضهم مع ذلك أن يشير إلى أن روايته قد حصلت بالمعنى
إلا أنه بعد البحث والتتبع تبين أن كثيرا ممن روى بالمعنى قد قصر في الأداء ولذلك قال بعضهم ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع لكثير من الرواة قديما وحديثا
وقد نشأ عن الرواية بالمعنى ضرر عظيم حتى عد من جملة أسباب اختلاف الأمة قال بعض المؤلفين في ذلك في مقدمة كتابه إن الخلاف قد عرض للأمة من ثمانية أوجه
وجميع وجوه الخلاف متولدة منها ومتفرعة عنها
الأول منها اشتراك الألفاظ واحتمالها للتأويلات الكثيرة
الثاني الحقيقة والمجاز
الثالث الإفراد والتركيب
الرابع الخصوص والعموم
الخامس الرواية والنقل
السادس الاجتهاد فيما لا نص فيه
السابع الناسخ والمنسوخ
الثامن الإباحة والتوسيع
وقال في باب الخلاف العارض من جهة الرواية والنقل هذا الباب لا تتم الفائدة التي قصدناها منه إلا بمعرفة العلل التي تعرض للحديث فتحيل معناه فربما أوهمت فيه معارضة بعضه لبعض وربما ولدت فيه إشكالا يحوج العلماء إلى طلب التأويل البعيد

فاعلم أن الحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

وعن أصحابه والتابعين لهم تعرض له ثماني علل أولاها فساد الإسناد
والثانية من جهة نقل الحديث على معناه دون لفظه
والثالثة من جهة الجهل بالإعراب
والرابعة من جهة التصحيف
والخامسة من جهة إسقاط شيء من الحديث لا يتم المعنى إلا به
والسادسة أن ينقل المحدث الحديث ويغفل السبب الموجب له أو بساط الأمر الذي جر ذكره
السابع أن يسمع المحدث بعض الحديث ويفوته سماع بعضه
الثامنة نقل الحديث من الصحف دون لقاء الشيوخ
وقد أحببنا أن نقتصر مما ذكر على ما هو أمس بما نحن بصدده
العلة الأولى وهي فساد الإسناد
وهذه العلة هي أشهر العلل عند الناس حتى إن كثيرا منهم يتوهم أنه إذا صح الإسناد صح الحديث وليس كذلك فإنه قد يتفق أن يكون رواة الحديث مشهورين بالعدالة معروفين بصحة الدين والأمانة غير مطعون عليهم ولا مستراب بنقلهم ويعرض مع ذلك لأحاديثهم أعراض على وجوه شتى من غير قصد منهم إلى ذلك
والإسناد يعرض له الفساد من أوجه منها الإرسال وعدم الاتصال ومنها أن يكون بعض رواته صاحب بدعة أو متهما بكذب وقلة ثقة أو مشهورا ببلة وغفلة أو يكون متعصبا لبعض الصحابة منحرفا عن بعضهم فإن من كان مشهورا بالتعصب ثم روى حديثا في تفضيل من يتعصب له ولم يرد من غير طريقه لزم أن يستراب به
وذلك أن إفراط عصبية الإنسان لمن يتعصب له وشدة محبته يحمله على افتعال الحديث وإن لم يفتعله بدله وغير بعض حروفه
ومما يبعث على الاسترابة بنقل الناقل أن يعلم منه حرص على الدنيا وتهافت على الاتصال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عندهم فإن من كان بهذه الصفة لم يؤمن عليه التغيير والتبديل والافتعال للحديث والكذب حرصا على مكسب يحصل عليه ألا ترى قول القائل
( ولست وإن قربت يوما ببائع ... خلاقي ولا ديني ابتغاء التحبب )

( ويعتده قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي )
وقد روي أن قوما من الفرس واليهود وغيرهم لما رأوا الإسلام قد ظهر وعم ودوخ وأذل جميع الأمم ورأوا أنه لا سبيل إلى مناصبته رجعوا إلى الحيلة والمكيدة فأظهروا الإسلام من غير رغبة فيه وأخذوا أنفسهم بالتعبد والتقشف فلما حمد الناس طريقتهم ولدوا الأحاديث والمقالات وفرقوا الناس فرقا
وإذا كان عمر بن الخطاب يتشدد في الحديث ويتوعد عليه والزمان زمان والصحابة متوافرون والبدع لم تظهر والناس في القرن الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فما ظنك بالحال في الأزمنة التي ذمها وقد كثرت البدع وقلت الأمانة
وللبخاري أبي عبد الله في هذا الكتاب عناء مشكور وسعي مبرور
وكذلك لمسلم وابن معين فإنهم انتقدوا الحديث وحرروه ونبهوا على ضعفاء المحدثين والمتهمين بالكذب حتى ضج من ذلك من كان في عصرهم وكان ذلك أحد الأسباب التي أوغرت صدور الفقهاء على البخاري فلم يزالوا يرصدون له المكاره حتى أمكنتهم فيه فرصة بكلمة قالها فكفروه بها وامتحنوه وطردوه من موضع إلى موضع

العلة الثانية وهي نقل الحديث على المعنى دون اللفظ بعينه
وهذا باب يعظم الغلط فيه جدا وقد نشأت منه بين الناس شغوب شنيعة وذاك أن أكثر المحدثين لا يراعون ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم -

التي نطق بها وإنما ينقلون إلى من بعدهم معنى ما أراده بألفاظ أخرى ولذلك
نجد الحديث الواحد في المعنى الواحد يرد بألفاظ شتى ولغات مختلفة يزيد بعض ألفاظها على بعض على أن اختلاف ألفاظ الحديث قد يعرض من أجل تكرير النبي صلى الله عليه وسلم - له في مجالس مختلفة وما كان من الحديث بهذه الصفة فليس كلامنا فيه وإنما كلامنا في اختلاف الألفاظ الذي يعرض من أجل نقل الحديث على المعنى
ووجه الغلط الواقع من هذه الجهة أن الناس يتفاضلون في قرائحهم وأفهامهم كما يتفاضلون في صورهم وألوانهم وغير ذلك من أمورهم وأحوالهم فربما اتفق أن يسمع الراوي الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم -
أو من غيره فيتصور معناه في نفسه على غير الجهة التي أرادها وإن عبر عن
ذلك المعنى الذي

تصور في نفسه بألفاظ أخر كان قد حدث بخلاف ما سمع من يغر قصد منه إلى ذلك
وذلك أن الكلام الواحد قد يحتمل معنيين وثلاثة وقد يكون فيه اللفظة المشتركة التي تقع على الشيء وضده ففي مثل هذا يجوز أن يذهب النبي صلى الله عليه وسلم -

إلى المعنى الواحد ويذهب الراوي عنه إلى المعنى الآخر فإذا أدى معنى ما
سمع دون لفظه بعينه كان قد روى عنه ضد ما أراده غير عامد ولو أدى لفظه بعينه لأوشك أن يفهم منه الآخر ما لم يفهم الأول وقد علم ص - أن هذا سيعرض بعده فقال محذرا من ذلك ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع )
وإن أحببت أن تعرف مقدار ما قد تؤدي إليه الرواية بالمعنى فيكفيك أن تنظر في الحديث الذي انفرد بإخراجه مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه فقال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون
بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها
ثم رواه من رواية الوليد عن الأوزاعي أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يذكر ذلك
وروى مالك في الموطأ عن حميد عن أنس قال صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
وزاد فيه الوليد بن مسلم عن مالك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وقد أعل بعض المحدثين الحديث المذكور وقالوا إن من رواه باللفظ المذكور قد رواه بالمعنى الذي وقع في نفسه فإنه فهم من قول أنس كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين أنهم كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فرواه على ما فهم وأخطأ لأن مراد أنس بيان أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور

هي الفاتحة وليس مراده بذلك أنهم كانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم
فانظر إلى ما أدت إليه الرواية بالمعنى على قول هؤلاء حتى نشأ بذلك من الاختلاف في هذا الأمر المهم ما لا يخفى على ناظره
وقال ابن الصلاح في الأحاديث الواردة في الصحيح المتعلقة بدخول الجنة بمجرد الشهادة مثل حديث من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة
وحديث من شهد أن لا إله إلى الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار
وحديث لا يشهد أحد أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه يجوز أن يكون ذلك اقتصارا من بعض الرواة نشأ من تقصيره في الحفظ والضبط لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم -

بدلالة مجيئه تاما في رواية غيره ويجوز أن يكون اختصارا من رسول الله
فيما خاطب به الكفار عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم لله تعالى مصحوبا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزما له
واعلم أن الرواية بالمعنى قد أحسن بضررها كثير من العلماء وشكوا منها على اختلاف علومهم غير أن معظم ضررها كان في الحديث والفقه لعظم أمرهما وقد نسب لكثير من العلماء الأعلام أقوال بعيدة عن السداد جدا اتخذها كثير من خصومهم ذريعة للطعن فيهم والازدراء بهم ثم تبين بعد البحث الشديد والتتبع أنهم لم يقولوا بها وإنما نشأت نسبتها إليهم من أقوال رواها الراوي عنهم بالمعنى فقصر في التعبير عما قالوه فكان من ذلك ما كان
فينبغي لكل ذي نباهة أن لا يبادر بالاعتراض على المشهورين بالفضل والنبل بمجرد أن يبلغه قول ينبو السمع عنه عن أحد منهم وليتثبت في ذلك وإلا كان جديرا بالملام
هذا وقد تعرض العلامة النحرير نجم الدين أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي للضرر الذي نشأ من الرواية بالمعنى في مذهبه فقال في آخر كتاب صفة المفتي في باب جعله لبيان عيوب التأليف وغير ذلك ليعرف المفتي كيف يتصرف في المنقول

ويقف على مراد القائل ما يقول ليصح نقله للمذهب وعزوه إلى الإمام أو إلى بعض من إليه ينسب
اعلم أن أعظم المحاذير في التأليف النقلي إهمال نقل الألفاظ بأعيانها والاكتفاء بنقل المعاني مع قصور الناقل عن استيفاء مراد المتكلم الأول بلفظه وربما كانت بقية الأسباب مفرعة عنه لأن القطع بحصول مراد المتكلم بكلامه أو الكاتب بكتابه مع ثقة الراوي تتوقف على انتفاء الإضمار والتخصيص والنسخ والتقديم والتأخير والاشتراك والتجوز والتقدير والنقل والمعارض العقلي
فكل نقل لا يؤمن معه حصول بعض الأسباب لا نقطع بانتفائها نحن ولا الناقل ولا نظن عدمها ولا قرينة تنفيها ولا نجزم فيه بمراد المتكلم بل ربما ظنناه أو توهمناه
ولو نقل لفظه بعينه وقرائنه وتاريخه وأسبابه انتفى هذا المحذور أو أكثره
وهذا من حيث الإجمال وإنما يحصل الظن به حينئذ بنقل المتحري فيعذر تارة لدعوى الحاجة إلى التصرف لأسباب ظاهرة ويكفي ذلك في الأمور الظنية وأكثر المسائل الفروعية
وأما التفصيل فهو أنه لما ظهر التظاهر بمذاهب الأئمة والتناصر لها من علماء الأمة وصار لكل مذهب منها أحزاب وأنصار وصار دأب كل فريق نصر قول صاحبهم وقد لا يكون أحدهم اطلع على مأخذ إمامه في ذلك الحكم فتارة يثبته بما أثبته إمامه ولا يعلم بالموافقة وتارة يثبته بغيره ولا يشعر بالمخالفة
ومحذور ذلك ما يستجيزه فاعل هذا من تخريج أقاويل إمامه في مسألة إلى مسألة أخرى والتفريع على ما اعتقده مذهبا له بهذا التعليل وهو لهذا الحكم غير دليل ونسبة القولين إليه بتخريجه وربما حمل كلام الإمام فيما خالف نظيره على ما يوافقه استمرارا لقاعدة تعليله وسعيا في تصحيح تأويله وصار كل منهم ينقل عن الإمام ما سمعه منه أو بلغه عنه من غير ذكر سبب لا تاريخ فإن العلم بذلك قرينة في فهم مراده من ذلك اللفظ كما سبق

فيكثر لذلك الخبط لأن الآتي بعده يجد عن الإمام اختلاف أقوال واختلاف أحوال فيتعذر عليه نسبة أحدهما إليه على أنه مذهب له يجب مصير مقلده إليه دون بقية أقاويله إن كان الناظر مجتهدا وأما إن كان مقلدا فغرضه معرفة مذهب إمامه بالنقل عنه ولا يحصل غرضه من جهة نفسه لأنه لا يحسن الجمع ولا يعلم التاريخ لعدم ذكره ولا الترجيح عند التعارض بينهما لتعذره منه
وهذا المحذور إنما لزم من الإخلال بما ذكرناه فيكون محذورا
ولقد استمر كثير من المصنفين والحاكمين على قولهم مذهب فلان كذا ومذهب فلان كذا
فإن أرادوا بذلك
أنه نقل عنه فقط فلم يفتون به في وقت ما على أنه مذهب الإمام وإن أرادوا أنه المعول عليه عنده ويمتنع المصير إلى غيره للمقلد فلا يخلو حينئذ إما أن يكون التاريخ معلوما أو مجهولا فإن كان معلوما فلا يخلو أن يكون مذهب إمامه أن القول الأخير ينسخ إذا كان مناقضا كالأخبار أو ليس مذهبه كذلك بل يرى عدم نسخ الأول بالثاني
أو لم ينقل عنه شيء من ذلك فإن كان مذهبه اعتقاد النسخ فالأخير مذهبه فلا يجوز الفتوى بالأول للمقلد ولا التخريج منه ولا النقض به وإن كان مذهبه أنه لا ينسخ الأول بالثاني عند التنافي فإما أن يكون الإمام يرى جواز الأخذ بأيهما شاء المقلد إذا أفتاه المفتي أو يكون مذهبه الوقف أو شيئا آخر فإن كان مذهبه القول بالتخيير كان الحكم واحدا وإلا تعدد ما هو خلاف الغرض وإن كان ممن يرى الوقف تعطل الحكم حينئذ ولا يكون له فيها قول يعمل عليه سوى الامتناع من العمل بشيء من أقواله
وإن لم ينقل عن إمامه شيء من ذلك فهو لا يعرف حكم إمامه فيها فيكون شبيها بالقول بالوقف في أنه يمتنع من العمل بشيء منها
هذا كله إن علم التاريخ وأما إن جهل فإما أن يمكن الجمع بين القولين باختلاف حالين أو محلين أو ليس يمكن

فإن أمكن فإما أن يكون مذهب إمامه جواز الجمع حينئذ كما في الآثار أو وجوبه أو التخير أو الوقف أو لم ينقل عنه شيء من ذلك
فإن كان الأول أو الثاني فليس له حينئذ إلا قول واحد وهو ما اجتمع منهما فلا يحل حينئذ الفتيا بأحدهما على ظاهره على وجه لا يمكن الجمع
وإن كان الثالث فمذهبه أحدهما بلا ترجيح وهو بعيد سيما مع تعذر تعادل الأمارات
وإن كان الرابع والخامس فلا عمل إذا
وأما إن لم يمكن الجمع مع الجهل بالتاريخ فإما أن يعتقد نسخ الأول بالثاني أولا فإن كان يعتقد ذلك وجب الامتناع عن الأخذ بأحدهما لأنا لا نعلم أيهما هو المنسوخ عنده وإن لم يعتقد النسخ فإما التخيير وإما الوقف أو غيرهما فالحكم في الكل سبق
ومع هذا كله فإنه يحتاج إلى استحضار ما اطلع عليه من نصوص إمامه عند حكاية بعضها مذهبا له
ثم لا يخلو إما أن يكون إمامه يعتقد وجو تجديد الاجتهاد في ذلك أولا فإن اعتقده وجب عليه تجديده في كل حين أراد حكاية مذهبه وهذا يتعذر في مقدرة البشر إلا أني شاء الله تعالى لأن ذلك يستدعي الإحاطة بما نقل عن الإمام في تلك المسألة على جهته في كل وقت يسأل
ومن لم يصنف كتبا في المذهب بل أخذ أكثر مذهبه من قوله وفتاويه كيف يمكن حصر ذلك عنه هذا بعيد عادة
وإن لم يكن مذهب إمامه وجوب تجديد الاجتهاد عند نسبة بعضها إليه مذهبا له ينظر فإن قيل ربما لا يكون مذهب أحد القول بشيء من ذلك فضلا عن الإمام قلنا نحن لم نجزم بحكم فيها بل رددنا نقل هذه الأشياء عن الإمام
وقلنا إن كان كذا لزم منه كذا ويكفي في إيقاف إقدام هؤلاء تكليفهم نقل هذه الأشياء عن الإمام ومع ذلك فكثير من هذه الأقسام قد ذهب إليه كثير من الأئمة وليس هذا موضع بيانه فلينظر من أماكنه
وإنما يقابلون هذا التحقيق بكثرة نقل الروايات والأوجه والاحتمالات

والتهجم على التخريج والتفريع حتى لقد صار هذا عادة وفضيلة فمن لم يأت بذلك لم يكن عندهم بمنزلة فالتزموا للحمية نقل ما لا يجوز نقله لما علمته آنفا
ثم قد عم أكثرهم بل كلهم نقل أقاويل يجب الإعراض عنها في نظرهم بناء على كونها قولا ثالثا وهو باطل عندهم أو لأنها مرسلة في سندها عن قائها وخرجوا ما يكون بمنزلة قول ثالث بناء على ما يظهر لهم من الدليل فما هؤلاء بمقلدين حينئذ
وقد يحكي أحدهم في كتابه أشياء يتوهم المسترشد أنها إما مأخوذة من نصوص الإمام أو مما اتفق الأصحاب على نسبتها إلى الإمام مذهبا له ولا يذكر الحاكي له ما يدل على ذلك ولا أنه اختيار له ولعله يكون قد استنبطه أو رآه وجها لبعض الأصحاب أو احتمال فهذا أشبه بالتدليس فإن قصده فشبه المين وإن وقع سهوا أو جهلا فهو أعلى مراتب البلادة والشين كما قيل
( فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم )
وقد يحكون في كتبهم ما لا يعتقدون صحته ولا يجوز عندهم العمل به ويدفعهم إلى ذلك تكثير الأقاويل لأن من يحكي عن الإمام أقوالا متناقضة أو يخرج خلاف المنقول عن الإمام فإنه لا يعتقد الجمع بينهما على وجه الجمع بل إما التخيير أو الوقف أو البدل أو الجمع بينها على وجه يلزم عنها قول واحد باعتبار حالين أو محلين وكل واحد من هذه الأقسام حكمه خلاف حكم هذه الحكاية عند تعريها عن قرينة مفيدة لذلك والغرض كذلك
وقد يشرح أحدهم كتابا ويجعل ما يقوله صاحب الكتاب المشروح رواية أو وجها أو اختيارا لصاحب الكتاب ولم يكن ذكره عن نفسه أو أنه ظاهر المذهب من غير أن يبين سبب شيء من ذلك وهذا إجمال وإهمال
وقد يقول أحدهم الصحيح من المذهب أو ظاهر المذهب كذا ولا يقول وعندي ويقول غيره خلاف ذلك فليس يقلد العامي إذا فإن كلا منهم يعمل بما يرى فالتقليد إذا ليس للإمام بل للأصحاب في أن هذا مذهب الإمام

ثم إن أكثر المصنفين والحاكمين قد يفهمون معنى ويعبرون عنه بلفظ يتوهمون أنه واف بالغرض وليس كذلك فإذا نظر أحد فيه وفي قول من أتى بلفظ واف بالغرض ربما يتوهم أنها مسألة خلاف لأن بعضهم قد يفهم من عبارة من يثق به معنى قد يكون على وفق مراد المصنف وقد لا يكون فيحصر ذلك المعنى في لفظ وجيز فبالضرورة يصير مفهوم كل واحد من اللفظين من جهة التنبيه وغيره وغير مفهوم الآخر
وقد يذكر أحدهم في مسألة إجماعا بناء على عدم علمه بقول يخالف ما يعلمه
ومن تتبع حكاية الإجماعات ممن يحكيها وطالبه بمستنداتها علم صحة ما ادعيناه
وربما أتى بعض الناس بلفظ يشبه قول من قبله ولم يكن أخذه منه فيظن أنه قد أخذه منه فيحمل كلامه على محمل كلام من قبله فإن رؤي مغايرا له نسب إلى السهو أو الجهل أو تعمد الكذب أو يكون قد أخذ منه وأتى بلفظ يغاير مدلول كلام من أخذ منه فيظن أنه لم يأخذ منه فيحمل كلامه على غير محمل كلام من أخذ منه فيجعل الخلاف فيما لا خلاف فيه أو الوفاق فيما فيه خلاف
وقد يقصد أحدهم حكاية معنى ألفاظ الغير وربما كانوا ممن لا يرى جواز نقل المعنى دون اللفظ
وقد يكون فاعل ذلك ممن يعلل المنع في صورة الغرض بما يفضي إليه من التحريف غالبا
وهذا المعنى موجود في أكثر ألفاظ الأئمة
ومن عرف حقيقة هذه الأسباب ربما رأى ترك التصنيف أولى إن لم يحترز عنها لما يلزم من هذه المحاذير وغيرها غالبا
فإن قيل يرد هذا فعل القدماء وإلى الآن من غير نكير وهو دليل الجواز وإلا امتنع على الأمة ترك الإنكار إذا لقوله تعالى ( وينهون عن المنكر ) ونحوه من الكتاب والسنة
قلنا الأولون لم يفعلوا شيئا مما عبناه فإن الصحابة لم ينقل عن أحد منهم تأليف فضلا عن أن يكون على هذه الصفة وفعلهم غير ملزم لمن لا يعتقده حجة

بل لا يكون ملزما لبعض العوام عند من لا يرى أن العامي ملزم بالتزام مذهب إمام معين
فإن قيل إنما فعلوا ذلك ليحفظوا الشريعة من الإغفال والإهمال
قلنا قد كان أحسن من هذا في حفظها أن يدونوا الوقائع والألفاظ النبوية وفتاوى الصحابة ومن بعدهم على جهاتها مع ذكر أسبابها كما ذكرنا سابقا حتى يسهل على المجتهد معرفة مراد كل إنسان بحسبه فيقلده على بيان وإيضاح
وإنما عبنا ما وقع في التأليف من هذه المحاذير لا مطلق التأليف وكيف يعاب مطلقا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -

قيدوا العلم بالكتابة
فلما لم يميزوا في الغالب ما نقلوه مما خرجوه ولا ما عللوه مما أهملوه وغير ذلك مما سبق بان الفرق بين ما عبناه وبين ما صنفناه
وأكثر هذه الأمور المذكورة يمكن أن أذكرها من كتب المذهب مسألة مسألة لكن يطول هنا
وإذا علمت عذر اعتذارنا وخيرة اختيارنا فنقول الأحكام المستفادة في مذهبنا وغيره من اللفظ أقسام كثيرة
منها أن يكون لفظ الإمام بعينه أو إيمائه أو تعليله أو سياق كلامه
ومنها أن يكون مستنبطا من لفظه إما اجتهادا من الأصحاب أو بعضهم
ومنها ما قيل إنه الصحيح من المذهب
ومنها ما قيل إنه ظاهر المذهب
ومنها ما قيل إنه المشهور من المذهب
ومنها ما قيل فيه نص عليه يعني الإمام أحمد ولم يتعين لفظه
ومنها ما قيل إنه ظاهر كلام الإمام ولم يعين قائله لفظ الإمام
ومنها ما قيل ويحتمل كذا ولم يذكر أنه يريد بذلك كلام الإمام أو غيره

ومنها ما ذكر من الأحكام سردا ولم يوصف بشيء أصلا فيظن سامعه أنه مذهب الإمام وربما كان بعض الأقسام المذكورة آنفا
ومنها ما قيل إنه مشكوك فيه
ومنها ما قيل إنه توقف فيه الإمام ولم يذكر لفظه فيه
ومنها ما قال فيه بعضهم اختياري ولم يذكر له أصلا من كلام أحمد أو غيره
ومنها ما قيل إنه خرج على رواية كذا أو على قول كذا ولم يذكر لفظ الإمام فيه ولا تعليله له
ومنها أن يكون مذهبا لغير الإمام ولم يعين ربه
ومنها أن يكون لم يعمل به أحد لكن القول به لا يكون خرقا لإجماعهم
ومنها أن يكون بحيث يصح تخرجه على وفق مذاهبهم لكنه لم يتعرضوا له بنفي ولا إثبات
ثم قال ثم الرواية قد تكون نصا أو إيماء أو تخريجا من الأصحاب
واختلاف الأصحاب في ذلك ونحوه كثير لا طائل فيه إذ اعتماد المفتي على الدليل ما لم يخرج عن أقوال الإمام وصحبه وما قال بها أو ناسيها إلا أن يكون مجتهدا مطلقا أو في مذهب إمامه ويروي في مسألة خلاف قول إمامه وأصحابه لدليل ظهر له وقوي عنده وهو أهل لذلك
انتهى ما ذكره العلامة ابن حمدان
ومما يناسب ما نحن فيه ما ذكره بعض العلماء الأعلام وهو ينبغي لمن شرح الله صدره إذا بلغته مقالة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلد بها بل يسكت عن ذكرها إن تيقن صحتها وإلا توقف في قبولها فما أكثر ما يحكى عن الأئمة مما لا حقيقة له وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي لما تفضي إليه لما التزمها والشاهد يرى ما لا يرى الغائب

ومن الغريب أن بعض الناس ينسب إلى بعض الأئمة قواعد لم يذكرها وإنما استخرجها من بعض الفروع المنقولة عنه ثم يبني عليها ما رآه مناسبا لها من المسائل ولذا قال بعض العلماء في الرد على من نسب إلى بعض الأئمة أنهم يقولون إن الخاص لا يلحقه البيان وإن العام قطعي كالخاص وإنه لا ترجيح بكثرة الرواة وإنه لا عبرة بمفهوم الشرط والوصف ونحو ذلك أصلا إن هذه أصول مخرجة على كلامهم ولا تصح بها رواية عنهم وليست المحافظة عليها والتكلف في الجواب عما يرد عليها بأحق من المحافظة على من يخالفها والجواب عما يرد عليه
وقد اختلف المخرجون في كثير من التخريجات ورد بعضهم على بعض فينبغي التفريق بين الأقوال التي هي أقوالهم في الحقيقة وبين الأقوال التي هي مخرجة على أقوالهم كما يفعله المحققون من العلماء وبذلك ينحل كثير من الشبة التي تعرض في كثير من المواضع والله الموفق

فوائد شتى الفائدة الأولى
قد ذكر الحافظ ابن الصلاح طريق نقل الحديث من الكتب المعتمدة التي صحت نسبتها إلى مصنفيها فقال في آخر النوع الأول إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به لذي مذهب أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة أو غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول والله أعلم
وقال بعضهم ومن أراد أخذ الحديث من كتاب من الكتب المعتمدة للعمل

به أو الاحتجاج به إن كان أهلا لذلك والأهلية في كل شيء بحسبه فسبيله كما قال ابن الصلاح أن يأخذه من نسخة معتمدة قد قابلها هو أو ثقة أو غيره بأصول صحيحة معتمدة مروية بروايات متنوعة يعني فيما تكثر الروايات فيه كالفربري والنسفي وحماد بن شاكر بالنسبة إلى صحيح البخاري أو أصول متعددة فيما مداره على رواية واحدة كأكثر الكتب
وقد فهم جماعة من عبارته اشتراط التعدد
وقال بعضهم ليس في عبارته ما يقتضي ذلك فينبغي حمل كلامه هنا على كون التعدد مستحبا لا واجبا ليكون موافقا لما ذكره بعد في مبحث الحسن حيث قال وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه
فقوله هنا فينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك وأنه إنما هو مستحب وهو كذلك إلا أن يقال إن ما ذكر هنا إنما هو في مقابلة المروي وما ذكر سابقا إنما هو في مقابلة ما يراد أخذه للعمل به أو الاحتجاج به وهو مما ينبغي زيادة الاحتياط فيه
وقال النووي في شرح مسلم قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح اعلم أن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا وكثير من الأعصار قبله إثبات ما يروى إذ لا يخلو إسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطا يصلح لأن يعتمد عليه في ثبوته وإنما المقصود بها بقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله كرامة
وإذا كان ذلك فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من صحيح مسلم وأشباهه أن ينقله من أصل مقابل على يدي ثقتين بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحص له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد

بالتحريف والتبديل الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول فقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة تتنزل منزلة التواتر ومنزلة الاستفاضة
هذا كلام الشيخ
وهذا الذي قاله محمول على الاستحباب والاستظهار وإلا فلا يشترط تعدد الأصول والروايات فإن الأصل الصحيح المعتمد يكفي وتكفي المقابلة به والله أعلم
ثم هل يشترط في نقل الحديث للعمل به أو للاحتجاج به أن تكون له به رواية فالظاهر مما تقدم عدم اشتراط ذلك
وذكر العراقي أن بعض الأئمة حكى الإجماع على أنه لا يحل الجزم بنقل الحديث إلا لمن له به رواية وهو الحافظ أبو بكر بن خير الأموي بفتح الهمزة الإشبيلي وهو خال أبي القاسم السهيلي فقال في برنامجه المشهور وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لقول رسول
الله ص - ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )
وفي بعض الروايات من كذب علي مطلقا دون تقييد
قال في تدريب الراوي وقد تعقب الزركشي في جزء له فقال فيما قرأته بخطه نقل الإجماع عجيب وإ ما حكي ذلك عن بعض المحدثين ثم هو معارض بنقل ابن برهان إجماع الفقهاء على الجواز فقال في الأوسط ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صح عنده النسخة جاز له العمل بها وإن لم يسمع
وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها وذلك شامل لكتب الحديث

والفقه وقال إلكيا الطبري في تعليقه من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به
وقال قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه لأنه لم يسمعه وهذا غلط وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين وقال هم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه إليه أبو محمد بن عبد الحميد وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد عليها والاستناد إليها لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالروايات ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها وبعد التدليس
ومن اعتقد أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم ولولا جواز الاعتماد على ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بها وقد رجع الشارع إلى قول الأطباء في صور وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلى عن قوم كفار ولكن لما بعد التدليس فيها اعتمد عليها كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وأكثرهم كفار لبعد التدليس
قال وكتب الحديث أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها فمن قال إن شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه فقد خرق الإجماع وغاية المخرج أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه ويتكلم على علته وغريبه وفقهه
قال وليس الناقل للإجماع مشهورا بالعلم مثل اشتهار هؤلاء الأئمة قال بل نص الشافعي في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه فليت شعري أي إجماع بعد ذلك

قال واستدلاله على المنع بالحديث المذكور أعجب وأعجب إذ ليس في الحديث اشتراط ذلك وإنما هو تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله
وهذا لا يتوقف على روايته بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصحيح أو كونه نص على صحته إمام وعلى ذلك عمل الناس
وعبارة البرهان في هذه المسألة هي وإذا وجد الناظر حديثا مسندا في كتاب صحيح ولم يسترب في ثبوته واستبان انتفاء اللبس والريب عنه ولم يسمع الكتاب من شيخ فهذا رجل لا يروي ما رآه والذي أراه أنه يتعين عليه العمل به
ولا يتوقف وجوب العمل على المجتهدين بموجبات الأخبار على أن تنتظم لهم الأسانيد في جميعها والمعتمد في ذلك إن روجعنا فيه الثقة
والشاهد له أن الذين كانوا يرد عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -

على أيدي نقلة ثقات كان يتعين عليهم الانتهاء إليه والعمل بموجبه ومن
بلغه ذلك الكتاب ولم يكن مخاطبا بمضمونه ولم يسمعه من مسمع كان الذين قصدوا بمضمون الكتاب ومقصود الخطاب
ولو قال هذا الرجل رأيته في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري وقد وثقت باشتمال الكتاب عليه فعلى الذي سمعه يذكر ذلك أن يثق به ويلحقه بما يلقاه بنفسه ورآه أو رواه من الشيخ المسمع
ولو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه فإن فيه سقوط منصب الرواية عند ظهور الثقة وصحة الرواية وهم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول
وإذا نظر الناظر في تفاصيل هذه المسائل وجدها جارية في الرد والقبول على ظهور الثقة وانخرامها
وهذا هو المعتمد الأصولي فإذا صادفناه لزمناه وتركنا وراءنا المحدثين ينقطعون في وضع ألقاب وترتيب أبواب

وقال بعض الفقهاء وإذا أراد المفتي المقلد أن ينقل عن المجتهد فله في ذلك طريقان أحدهما أن يكون له إمامه في ذلك سند صحيح يعتمد عليه
الثاني أن يأخذه عن كتاب معروف قد تداولته الأيدي لا سيما إن كان من الكتب التي ثبتت بالتواتر أو الشهرة نسبتها إلى مصنفيها الذين يعتمد عليهم في النقل
فإن لم يجد إلا في كتاب لم يشتهر في عصره أو اشتهر فيه ولكن لم يشتهر في دياره لم يسغ له النقل عنه إلا أن يكون ما يريد نقله عنه قد نقله عنه كتاب مشهور فيكون التعويل في النقل عليه لا على الكتاب الآخر الذي لم يشتهر
وقال بعضهم ما يوجد من كلام رجل أو مذهبه في كتاب مشهور معتمد عليه يجوز للناظر فيه أن يقول قال فلان كذا وإن لم يسمعه من أحد لأن وجود ذلك على هذه الصفة بمنزلة الخبر المتواتر أو المستفيض فلا يحتاج في مثله إلى إسناد
وقد بحث جماعة في عبارة ابن خير المذكورة فقال بعضهم إنه لو لم يورد الحديث الدال على تحريم نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

حتى يتحقق أنه قال لكان مقتضى كلامه منع إيراد ما يكون في الصحيحين أو
أحدهما حيث لا رواية له به وجواز نقل ما له به رواية ولو كان ضعيفا
وأما ما ادعاه من الإجماع فيمكن حمله على إجماع مخصوص وهو إجماع المحدثين وإن قال كثير من العلماء إنه لم يقل به إلا بعض المحدثين
وقال بعضهم إن كلامه ليس على ظاهره وإنه إنما قصد به ردع العامة ومن لا علم له بالحديث عن الإقدام على الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم -
بغير سند وأما جلة العلماء الذين يمكنهم مراجعة الكتب والنقل منها فلم
يقصد منعهم من ذلك ويكون مستندهم في ذلك الوجادة وهي إحدى وجوه الروايات وإن كانت من أدناها
وإنما قال حتى يكون ذلك القول عنده مرويا ولم يقل حتى يكون مرويا له لأن العبارة الثانية تشعر بأن يكون له به رواية بخلاف الأولى ف'نه لا تدل على

ذلك بل تدل على أنه قد ثبت عنده أ ه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

وإن لم يتصل السند إليه بأن يرويه غيره ويتحقق هو ذلك
الفائدة الثانية
الوجادة بالكسر هي قسم من أقسام أخذ الحديث ونقله وهي ثمانية
السماع من الشيخ
والقراءة على الشيخ
والإجازة
والمناولة
والمكاتبة
وإعلام الشيخ
والوصية الكتاب
والوجادة
وذكر ابن الصلاح الوجادة فقال الثامن الوجادة وهي مصدر لوجد يجد مولد غير مسموع من العرب روينا عن المعافى بن زكريا النهرواني العلامة في العلوم أن المولدين فرعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة
يعني قولهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا
ومثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها فله أن يقول وجدت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه أخبرنا فلان بن فلان ويذكر شيخه ويسوق سائر الإسناد والمتن أو يقول وجدت أو قرأت بخط فلان عن فلان ويذكر الذي حدثه ومن فوقه
وهو الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوبا من الاتصال لقوله وجدت بخط فلان
وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال فيه عن فلان أو قال فلان
وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه على ما سبق في نوع التدليس
وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا وأخبرنا
وانتقد ذلك على فاعله

وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه فله أن يقول ذكر فلان أو قال فلان أخبرنا فلان أو ذكر فلان عن فلان
وهذا منقطع لم يأخذ شوبا من الاتصال
وهذا كله إذا وثق بأنه خط المذكور أو كتابه
فإن لم يكن كذلك فليقل بلغني عن فلان أو وجدت عن فلان أو نحو ذلك من العبارات
أو ليفصح بالمستند فيه بأن يقول كما قاله بعض من تقدم قرأت في كتاب فلان وأخبرني فلان أنه بخطه أو يقول وجدت في كتاب ظننت أنه بخط فلان أو في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان أو في كتاب قيل إنه بخط فلان
وإذا أراد أن ينقل عن كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل قال فلان كذا وكذا إلا إذا وثق بصحة النسخة بأن قابلها هو أو ثقة غيره بأصول متعددة كما نبهنا عليه في آخر النوع الأول
وإذا لم يوجد ذلك ونحوه فليقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا
ووجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه هذا من العبارات
وقد تسامح أكثر الناس في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر وتثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا قال فلان كذا وكذا أو ذكر فلان كذا وكذا
والصواب ما قدمناه
فإن كان المطالع عالما فطنا بحيث لا يخفى عليه في الغالب مواضع الإسقاط والسقط وما أحيل من جهته إلى غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك
وإلى هذا فيما أحسب استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس والعلم عند الله تعالى
هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك
وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل بذلك

قلت قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه
وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول والله أعلم
قال بعض العلماء قد ذكر ابن الصلاح حكم الوجادة المجردة وهي ما لا يكون فيها للواجد إجازة ممن وجد ذلك بخطه ولم يتعرض لحكم الوجادة مع الإجازة وقد استعمل ذلك غير واحد من أهل الحديث كقول بعضهم وجدت بخط فلان وأجازه لي وقد لا يصرح بالإجازة كقول عبد الله بن أحمد وجدت بخط أبي حدثنا فلان
وهذا ليس فيه شيء
والمروي بالوجادة المجردة في حكم المنقطع والمرسل
وقال بعضهم الأولى جعله في حكم المعلق
وأجاز جماعة من المتقدمين الرواية بالوجادة مما ليس لهم به سماع ولا إجازة ويروى عن ابن عمر أنه قال إنه وجد في قائم سيف أبيه صحيفة فيها كذا
وعن يحيى ين سعيد القطان أنه قال رأيت في كتاب عندي عتيق لسفيان الثوري حدثني عبد الله بن ذكوان وذكر حديثا
وعن يزيد بن أبي حبيب أنه قال أودعني فلان كتابا أو كلمة تشبه هذه فوجدت فيه عن الأعرج
وكان يحدث بأشياء مما في الكتاب ولا يقول أخبرنا ولا حدثنا
والظاهر أنهم اقتصروا في ذلك على من سمعوا منه في الجملة وعرفوا حديثه مع إيرادهم له بوجدت أو رأيت ونحوها
وقد كره الرواية عن الصحف غير المسموعة غير واحد من السلف ومنعوا النقل والرواية بالوجادة المجردة ولذا قال بعضهم إن ما وقع من ذلك ليس من

باب الرواية وإنما هو من باب الحكاية عما وجده
وقال بعضهم قول القائل وجدت بخط فلان إذا وثق بأنه خط أقوى من قوله قال فلان
وذلك لأن القول يقبل الزيادة والنقص والتغيير لا سيما عند من يجيز النقل بالمعنى بخلاف الخط
وقد استدل بعضهم للعمل بالوجادة بحديث أي الخلق أعجب إيمانا قالوا الملائكة قال كيف لا يؤمنون وهم عند ربهم قالوا الأنبياء قال كيف لا يؤمنون وهم يأتيهم الوحي قالوا نحن قال كيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم قالوا فمن يا رسول الله قال قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها
روى هذا الحديث الحسن بن عرفة في جزئه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
وله طرق كثيرة وفي بعضها بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا
أخرجه أحمد والدارمي والحاكم
وفي هذا الاستدلال نظر لأن تلك الصحف لم يأخذوا بها لمجرد الوجدان بل لوصولها إليهم على وجه يوجب الإيقان

الفائدة الثالثة
قد ذكرنا سابقا أن سبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بالحديث أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة
وقد تعرض أهل الفن لأمر المقابلة في مبحث كتابه الحديث وضبطه وقد أحببنا ذكر ذلك فنقول
ذكروا أن على الطالب مقابلة كتابه بكتاب شيخه الذي يرويه عنه سماعا أو إجازة أو بأصل أصل شيخه المقابل به أصل شيخه أو بفرع مقابل بأصل السماع المقابل بالشروط أو بفرع مقابل بفرع قوبل كذلك
والغرض أن يكون كتاب الطالب مطابقا لكتاب شيخه الذي رواه عنه

وإنما قيدوا أصل الأصل بكونه قد قوبل عليه الأصل لأنه قد يكون لشيخه عدة أصول قد قوبل أصل شيخه بأحدها فإنها لا تكفي المقابلة بغيره لاحتمال أن تكون فيه زيادة أو نقص فيكون قد أتى بشيء لم يروه شيخه له أو حذف شيئا مما رواه شيخه له
ويقال للمقابلة المعارضة تقول قابلت الكتاب بالكتاب مقابلة إذا جعلته قبالة الآخر وصيرت فيه مثل ما في الآخر
وعارضت الكتاب بالكتاب معارضة إذا عرضته على الآخر وصيرت ما فيه مثل ما في الآخر
وقد تسمى المعارضة عرضا
والمقابلة متعينة لا بد منها
قال هشام بن عروة قال لي أبي أكتبت قلت نعم قال عارضت قلت لا قال لم تكتب
وقال أفلح بن بسام كنت عند القعنبي فقال لي كتبت قلت نعم قال عارضت قلت لا قال لم تصنع شيئا
وقال الأخفش إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ منه ولم يعارض خرج أعجميا
وقال بعضهم من كتب ولم يقابل فهو كمن غزا ولم يقاتل
وأفضل المعارضة أن يعارض الطالب كتابه بنفسه مع شيخه بكتابه في حال تحديثه به فإنه يحصل في ذلك غالبا من وجوه الاحتياط من الجانبين ما لا يحصل في غيره
هذا إذا كان كل منهما أهلا لهذا الأمر وذا عناية به فإن لم تجتمع هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها
وقيد ابن دقيق العيد الأفضلية بتمكن الطالب مع ذلك من التثبت في القراءة والسماع وإلا فتقديم المقابلة حينئذ أولى بل قال إنه يقول إنه أولى مطلقا لأنه إذا قوبل أولا كان في حال السماع أيسر وأيضا فإنه إذا وقع إشكال كشف عنه وضبط فقرئ على الصحة فكم من جزء قرئ بغتة فوقع فيه أغاليط وتصحيفات لم يتبين صوابها إلا بعد الفراغ فأصلحت
وربما كان ذلك على خلاف ما وقعت القراءة عليه فكان كذبا إن قال قرأت لأنه لم يقرأ على ذلك الوجه
وقال الحافظ أبو الفضل الجارودي أصدق المعارضة مع نفسك
وقال

بعضهم لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة بل يقابل نسخته بالأصل حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له
قال ابن الصلاح وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا ولا يخفى أن الفكر يتشعب بالنظر في النسختين بخلاف الأول
وقال ابن دقيق العيد هذا يختلف باختلاف الناس فمن عادته عدم السهو عند النظر فيهما فهذا مقابلته بنفسه أولى ومن عادته السهو فهذا مقابلته مع غيره أولى
ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لا سيما إن أراد النقل منها وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ هل يجوز أن يحدث بذلك عنه فقال أنا عندي فلا يجوز ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم
وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية والصحيح أن ذلك لا يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه
وأما من لم يعارض كتابه بالأصل ونحوه أصلا فقد اختلف في جواز روايته منه فمنع من ذلك بعضهم وقال لا يحل لمسلم التقي الرواية مما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون على ما ينظر فيه فإذا وقع مشكل نظر معه حتى يتبين ذلك
وقد نحا قريا من منحاه من قال لا يجوز للراوي أن يروي عن شيخه شيئا سمعه عليه من كتاب لا يعلم هل هو كل الذي سمعه أو بضعه وهل هو على وجهه أم لا

وأجاز ذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وجماعة منهم أبو بكر الخطيب غير أن الخطيب ذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله فقال نعم ولكن لا بد أن يبن أنه لم يعارض
قال وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها أخبرنا فلان ولم أعارض بالأصل
قال ابن الصلاح ولا بد من شرط ثالث وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط
ثم إنه ينبغي أن يراعي في كتاب شيخه بالنسبة إلى من فوقه مثل ما ذكرنا أنه يراعيه في كتابه ولا يكونن كطائفة من الطلبة إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرؤوه عليه من أي نسخة اتفقت

الفائدة الرابعة
قد ذكر أهل الفن في مبحث كتابة الحديث وضبطه أمورا مهمة لا يسع الطالب جهلها
الأمر الأول ينبغي لكاتب الحديث أن يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز أحدهما عن الآخر
والدارة حلقة منفرجة أو منطبقة وممن جاء عنه الفصل بين الحديثين بالدارة أو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن جرير الطبري ومن المحدثين من لا يقتصر عليها بل يترك بقية السطر خاليا عن الكتابة مبالغة في الفصل والتمييز وكذا يفعل في التراجم ورؤوس المسائل وما أشبه ذلك
واستحب الخطيب أن تكون الدارات غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقط في الدارة التي تليه نقطة أو يخط في وسطها خطا قال وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك أو في معناه
الأمر الثاني ينبغي للكاتب أن يحافظ على كتابة الثناء على الله تعالى عند ذكر

اسمه نحو عز و جل وتبارك وتعالى وكذلك كتابة الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم -

عند ذكره ولا يسأم من تكرر ذلك فأجره عظيم فإن كان الثناء والصلاة
والتسليم ثابتا في أصل سماعه أو أصل الشيخ فالأمر واضح وإن لم يكن في الأصل فلا يتقيد به وليكتبه وليتلفظ به عند القراءة لأنه ثناء ودعاء يثبته لا كلام يرويه
قال ابن الصلاح وما وجد في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل من إغفال ذلك عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم -
فلعل سببه أنه كان يرى التقيد في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في ذلك
في جميع من فوقه من الرواة
قال الخطيب أبو بكر وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم -
نطقا لا خطأ قال وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك ورواه عن علي
بن المديني وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا ما تركنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - في كل حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى يرجع إليه
قال بعضهم يريدان أنهما لم يتركا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم -
في كل حديث سمعاه سواء وقعت الصلاة في الرواية أم لا وإذا دعاهما
الاستعجال إلى ترك كتابتها بيضا لها في الكتاب ليتيسر لهما كتابتها فيما بعد
ويحتمل أن يكون إغفال أحمد بن حنبل له للاستعجال إما لكونه في حال الرحلة أو لنحو ذلك
والظاهر ما أشار إليه ابن الصلاح من أنه كان يرى التقيد بما في الرواية ويؤيد ذلك ما ذكره في مبحث صفة الرواية حيث قال ثبت عن عبد الله به أحمد بن حنبل أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب عن النبي فقال المحدث عن رسول الله ضرب وكتب عن رسول الله
وقال الخطيب أبو بكر هذا غير لازم وإنما استحب أحمد اتباع المحدث في لفظه وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك ثم ذكر بإسناده عن صالح بن أحمد بن

حنبل قال قلت لأبي يكون في الحديث قال رسول الله فيجعله الإنسان قال النبي فقال أرجو أن لا يكون به بأس
وذكر الخطيب بسنده عن حماد بن سلمة أنه كان يحدث وبين يديه عفان وبهز فجعلا يغيران النبي إلى رسول الله فقال لهما حماد أما أنتما فلا تفقهان أبدا
ومال ابن دقيق العيد إلى ما جرى عليه أحمد فإنه قال في الاقتراح والذي نميل إليه أن تتبع الأصول والروايات فإن العمدة في هذا الباب هو أن يكون الإخبار مطابقا لما في الواقع فإذا دل اللفظ على أن الرواية هكذا ولم يكن الأمر كذلك لم تكن الرواية مطابقة لما في الواقع ولهذا أقول إذا ذكرت الصلاة لفظا من غير أن تكون في الأصل فينبغي أن تصحبها قرينة تدل على ذلك مثل كونه يرفع رأسه عن النظر في الكتاب بعد أن كان يقرأ فيه وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكيا عن غيره
وعلى هذا فمن كتبها ولم تكن في الرواية فينبغي له أن ينبه على ذلك وعليه جرى الإمام الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد اليونيني في نسخة صحيح البخاري التي جمع فيها بين الروايات فإنه يشير بالرمز إليها إثباتا ونفيا
وينبغي أن يجتنب في أمر الصلاة والتسليم شيئين
أحدهما أن يجعلهما منقوصين في الخط بأن يرمز إليهما بحرفين أو أكثر نحو ص ل كما يفعله الكسائي من النساخ قال بعضهم وقد وجد بخط الذهبي وبعض الحفاظ كتابتهما هكذا صلى الله علم
والأولى خلافه
وقد وجدتهما بخطه كما ذكر ولم يكتبهما على أصلهما في موضع وسبب ذلك فيما يظهر هو الاستعجال والحرص على إكمال ما هو بصدده
ويؤيد ذلك أنه لم يكتب عند ذكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم رضي الله

عنه مع أنه من المعروفين بالحرص على ذلك
ولا يخفى أن مثل هذا يمكن تداركه فيما بعد بواسطة الناسخ بأن يقال له اكتب عليه وسلم على أصلهما واكتب رضي الله عنه عند ذكر اسم كل صحابي فإن كان ذلك من جهة المؤلف لم يكن من قبيل التصرف في الأصل أصلا
والثاني أن يجعلهما منقوصين في اللفظ بأن يقتصر على أحدهما كأن يقول صلى الله عليه أو عليه السلام فإن الأمر قد ورد بالأمر بالصلاة والتسليم معا قال الله سبحانه وتعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
وقال بعض العلماء إنما تظهر الكراهة فيما إذا اقتصر المرء على أحدهما دائما وأما من كان يأتي بالصلاة تارة وبالتسليم تارة من غير إخلال بواحد منهما فلا تظهر الكراهة فيما أتى به ولكنه خلاف الأولى إذ لا يزاع في كون الجمع بينهما مستحبا
ويؤيد ذلك وقوع الصلاة مفردة في رسالة الإمام الشافعي وصحيح مسلم والتنبيه لأبي إسحاق الشيرازي وغير ذلك من كتب العلماء الأعلام
الأمر الثالث ينبغي لطالب العلم ضبط كتابه بالنقط والشكل ليؤديه كما سمعه فقد قيل إعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع من إشكاله
والإعجام هو النقط تقول أعجمت الحرف إذا أزلت عجمته وميزته عن غيره بالنقط
والاستعجام الاستغلاق يقال استعجم عليه الكلام واستعلق واستبهم إذا أريج عليه فلم يقدر أن يتكلم
والشكل هو إعلام الحرف بالحركة تقول شكلت الكتاب شكلا إذا أعلمته بعلامات الإعراب
والإشكال الالتباس تقول أشكل الأمر إذا التبس

وقد اتفق العلماء على استحسان الضبط إلا أنهم اختلفوا في أنه هل ينبغي أن يقتصر على ضبط المشكل أو ينبغي أن يضبط هو وغيره
فقال بعضهم إنما يشكل ما يشكل ولا حاجة إلى الشكل مع عدم الإشكال قال علي بن إبراهيم البغدادي في كتاب سمات الخط ورقومه إن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس
وقال بعضهم ينبغي أن يشكل ما يشكل وما لا يشكل وذلك لأن المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا يميز ما يشكل مما لا يشكل على أنه قد يظن أن الشيء غير مشكل لوضوحه في بادئ الرأي وهو عند التأمل وإمعان النظر يكون مشكلا وكثيرا ما يتهاون الطالب الواثق بمعرفته فيترك الضبط في بعض المواضع لاعتقاده أنها واضحة ثم يبدو له بعد حين إشكال فيها فيندم على تفريطه
والتهاون وخيم العاقبة والإنسان معرض للنسيان وأول ناس أول الناس فالاحتياط إنما هو في شكل ما يشكل وما لا يشكل وفي ذلك عموم النفع لجميع الطبقات
وينبغي للطالب أن لا يغفل عن ضبط الأسماء فقد قال أبو إسحاق إبراهيم النجيرمي أولى الأشياء بالضبط أسماء الرجال لأنها لا يدخلها القياس ولا قبلها ولا بعدها شيء يدل عليها
وذكر أبو علي الغساني أن عبد الله بن إدريس قال لما حدثني شعبة بحديث أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي كتبت تحته ( حور عين ) لئلا أغلط يعني فيقرأه أبا الجوزاء بالجيم والزاي

ويستحب في الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في إبانتها وأبعد من التباسها لأن المضبوط في أثناء الأسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه أو تحته لا سيما عند ضيقها ودقة الخط وأوضح من ذلك أن يقطع حروف الكلمة المشكلة في الهامش لأنه يظهر شكل الحرف بكتابته مفردا وذلك في بعض الحروف كالباء والياء بخلاف ما إذا كتبت الكلمة مجتمعة والحرف المذكور في أولها أو وسطها
قال ابن دقيق العيد في الاقتراح ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا فلا يبقى بعده إشكال
وينبغي التنبه لما يقع من الضبط نقطا أو شكلا في خط العلماء الأعلام من جهة غيرهم فإنه قد يخفى حتى على الحذاق ومن القبيح ما يفعله بعضهم من ذلك قصدا لرفع نسبة الخطأ إليه فيما وقع منه من قبل وأقبح من ذلك من يفعله قصدا لنسبة الخطأ إليهم
الأمر الرابع وكما ينبغي أن تضبط الحروف المعجمة بالنقط ينبغي أن نضبط الحروف المهملة بعلامة تدل على عدم إعجامها
وسبيل الناس في ذلك مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط التي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات
وقد اختلفوا في كيفية نقط السين المهملة فقال بعضهم ينبغي أن تكون النقط التي تحت السين المهملة مبسوطة صفا والتي فوق الشين المعجمة كالأثافي هكذا وقال بعضهم ينبغي أن تكون النقط التي توضع تحت السين على صورة النقط التي توضع فوق الشين والأولى أن تكون مقلوبة هكذا ويستثنى من هذا

الأمر الحاء فإنها لو نقطت من تحت لالتبست بالجيم
ومن الناس من يجعل علامة الإهمال فوق الحروف المهملة كقلامة ظفر مضجعة على قفاها لتكون فرجتها إلى فوق
ومنهم من يجعل علامة الإهمال أن يكتب تحت الحرف المهمل مثله مفردا فيجعل تحت الحاء المهملة حاء مهملة صغيرة وتحت الصاد صادا مهملة صغيرة وكذا تحت سائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك فهذه العلامات الثلاثة شائعة معروفة
وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا
قال الحافظ العراقي سمعت بعض أهل الحديث يفتح الراء من رضوان فقلت له في ذلك فقال ليس لهم رضوان بالكسر فقلت إنما سمي بالمصدر وهو بالكسر فقال وجدته بخط فلان بالفتح وسمي من لا يحضرني ذكره الآن
ثم إني وجدت بعد ذلك في الكتب القديمة هذا الاسم وفوقه فتحة فتأملت الكتاب فإذا هو يخط فوق الحرف المهمل خطا صغيرا فعلمت أنه علامة الإهمال وأن الذي قاله بالفتح من ها هنا أتي

ومن العلامات التي لم تشع علامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل النبرة والنبرة هي كما ذكر الجوهري وابن سيده الهمزة ومنهم من يجعل ذلك فوق الحرف المهمل
ومن الناس وهم الأكثر من يقتصر في بيان الحروف المهملة على ما هو الأصل فيها وهو إخلاؤها عن العلامة
ولا يخفى أن مخلفة ما هو الأصل لا تنبغي إلا إذا دعا إلى ذلك داع وهو الخوف من وقوع الاشتباه في موضع لا يستبعد فيه ذلك فوضع علامة الإهمال على مثل الراء من رضوان من قبيل وضع الشيء في غير محله
ولم يتعرض أهل هذا الفن للكاف واللام وذكرهما المصنفون في الخط فقالوا إ الكاف إذا لم تكتب مبسوطة يجعل في وسطها كاف صغيرة وقد يختصرها بعضهم حتى تكون كالهمزة واللام يجعل في وسطها لام أي هذه الكلمة بتمامها لا صورة ل
والهاء إذا وقعت في آخر الكلمة وخيف اشتباهها بهاء التأنيث جعل فوقها هاء مشقوقة
الأمر الخامس قال ابن الصلاح من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض
أما التصحيح فهو كتابة صح على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة للشك أو للخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل عنه وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه
وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح ورده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل أن يكون غير جائز من جهة العربية أو يكون شاذا عند أهلها يأباه أكثرهم أو مصحفا أو ينقص

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5