كتاب : القوانين الفقهية
المؤلف : محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي القرطبي

الضرر المحدث قسمين أحدهما متفق عليه والآخر مختلف فيه فالمتفق عليه أنواع فمنه فتح كوة أو طاق يكشف منها على جاره فيؤمؤ بسدها أو سترها ومنه أن يبني في داره فرنا أو حماما أو كير حداد أو صائغ مما يضر بجاره دخانه فيمنع منه إلا إن احتال في إزالة الدخان ومنه أن يصرف ماءه على دار جاره أو على سقفه أو يجري في داره ماء فيضر بحيطان جاره وأما المختلف فيه فمثل أن يعلي بنيانا يمنع جاره الضوء والشمس فالمشهور أنه لا يمنع منه وقيل يمنع ومنه أن يبني بنيانا يمنع الريح للإنذار فالمشهور منعه منه ومن ذلك أن يجعل في داره رحى يضر دويها بجاره فاختلف هل يمنع من ذلك وأما فتح الباب في الزقاق وإن كان نافذا جاز له فتحه بغير إذنهم إلا أن يكشف على دار أحد جيرانه فيمنع من ذلك ومن بنى في طريق المسلمين أو أضاف إلى ملكه شيئا من الطريق منع من ذلك باتفاق وله أن يبني غرفة على الطريق إذا كانت الحيطان له من جانبي الطريق وإن كان بين شريكين نهر أو عين أو بئر فمن أنفق منهم فله أن يمنع شريكه من الإنتفاع حتى يعطيه قسطه من النفقة

الباب السادس عشر في اللقطة واللقيط وفيه ثمان مسائل
( المسألة الأولى ) في حكم الإلتقاط وليس بواجب وهو مستحب وقيل مكروه ويجب إن كانت اللقطة بين قوم غير مأمونين وقيل يستحب إن وثق الملتقط بأمانة نفسه ويكره أن يخاف خيانة نفسه ويحرم إن علم خيانة نفسه ( المسألة الثانية ) في الملتقط وهو كل مال معصوم معرض للضياع كان في موضع عامر أو غامر سواء كان حيوانا أو جمادا على تفصيل في ضوال الحيوان وهو أنه إن كان من الإبل ووجد في الصحراء لم يلتقط وإن كان من الغنم التقطه واختلف في التقاط البقر والخيل والبغال والحمير ( المسألة الثالثة ) في ضمان اللقطة وأخذها على ثلاثة أوجه إن أخذها واجدها على وجه الإلتقاط لزمه حفظها وتعريفها فإن ردها لموضعها ضمنها عند ابن القاسم خلافا لأشهب وإن أخذها على وجه الإغتيال فهو غاصب ضامن وإن أخذها ليحفظها لمالكها أو ليتأملها فهو أمين ولا ضمان عليه وإن ردها لموضعها ولا يعرف الوجه الذي قصد بأخذها إلا من قوله وهو مصدق دون يمين إلا أن يتهم وسواء أشهد حين التقطها أو لم يشهد ( المسألة الرابعة ) في تعريف اللقطة وينقسم بحسب ذلك إلى أقسام ( الأول ) اليسير جدا كالتمرة فلا يعرف ولواجده أن ياكله أو يتصدق به ( الثاني ) اليسير الذي ينتفع به ويمكن أن يطلبه صاحبه فيجب أن يعرف اتفاقا واختلف في قدره فقيل سنة كالذي له بال وقيل أياما ( الثالث ) الكثير الذي له بال فيجب تعريفه سنة باتفاق وينادي عليه في أبواب المساجد دبر الصلوات وفي المواضعالتي يجتمع إليها الناس وحيث يظن أن ربه هناك ويجوز أن يعرفها الواجد بنفسه أو يدفعها إلى الإمام ليعرفها إن كان عدلا أو يدفعها لمن يثق به ليعرفها أو يستأجر عليها من يعرفها ( الرابع ) ما لا يبقى بيد الملتقط كالطعام الرطب أو يخشى عليه التلف كالشاة في مفازة فيجوز لمن وجدها أن يأكلها غنيا أو فقيرا أو يتصدق بها واختلف في ضمانه فقيل يضمنه أكله أو تصدق به وقيل لا يضمن فيهما وقيل يضمنه إن أكله لا أن تصدق به ( الخامس ) ما لا يخشى عليه التلف ويبقى بيد ملتقطه كالإبل فلا تؤخذ وإن أخذت عرف بها ( المسألة الخامسة ) لمن تدفع فإن جاء صاحبها وأقام عليها بينة دفعت له اتفاقا وإن عرف عفاصها ووكاءها وعددها دفعت إليه وليس عليه أن يقيم البينة عليهما خلافا لهما واختلف في المذهب هل عليه يمين أم لا فإن عرف العفاص والوكاء دون العدد أو العفاص دون الوكاء أو الوكاء دون العفاص فاختلف هل تدفع له أم لا والعفاص هو ما تشد به من خرقة أو نحوها والوكاء ما تشد به من خيط ونحوه ( المسألة السادسة ) إذا عرف بها سنة فلم يأت صاحبها فهو مخير بين ثلاثة أشياء أن يمسكها في يده أمانة أو يتصدق بها ويضمنها أو يتملكها وينتفع بها ويضمنها على كراهة لذلك وأجازه أبو حنيفة للفقير ومنعه الشافعي مطلقا هذا حكمها في كل بلد إلا في مكة فقال ابن رشد وابن العربي لا تتملك لقطتها بل تعرف على الدوام قال صاحب الجواهر المذهب أنها كغيرها وقال ابن رشد أيضا لا ينبغي أن تلتقط لقطة الحاج للنهي عن ذلك ( المسألة السابعة ) في اللقط وهو الطفل المنبوذ والتقاطه من فروض الكفاية فمن وجده وخاف عليه الهلاك إن تركه لزمه أخذه ولم يحل له تركه ومن أخذه بنية أنه يربيه لم يحل له رده وأما إن أخذه بنية أن يدفعه إلى السلطان فلا شيء عليه فلا شيء عليه في رده إلى موضع أخذه إن كان موضعا لا يخاف عليه فيه الهلاك لكثرة الناس واللقيط حر ولاؤه للمسلمين ولا يختص به الملتقط إلا بتخصيص الإمام وقال قوم هو عبد لمن وجده ونفقة اللقيط في ماله وهو ما وقف على اللقطاء أو وهب لهم أو وجد معهم فإن لك يكن له مال فنفقته على بيت المال إلا أن يتبرع أحد بالإنفاق عليه ومن أنفق عليه حسبة لم يرجع عليه بنفقته وإن ادعى رجل أن اللقيط ولده فاختلف هل يلحق به دون بينة أم لا ( المسألة الثامنة ) من رد عبدا آبقا فلا أجرة مثله وإن لم يشترط له شيء إذا طلب الأجرة وكان مثله ممن يرد الآبق
الكتاب السابع في الدماء والحدود = الجنايات الموجبة للعقوبة ثلاثة عشر وهي القتل والجرح والزنى والقذف وشرب الخمر والسرقة والبغي والحرابة والردة والزندقة وسب الله وسب الأنبياء والملائكة وعمل السحر وترك الصلاة والصيام وفي الكتاب عشرة أبواب
الباب الأول في القتل
إذا ثبت القتل وجب على القاتل إما القصاص وإما الدية وقد تجب عليه الكفارة والتعزير وفي هذا الباب ثلاثة فصول ( الفصل الأول ) في القصاص وفيه أربع مسائل ( المسألة الأولى ) في صفة القتل وهو على ثلاثة أنواع اثنان متفق عليهما وهما العمد والخطأ وواحد مختلف فيه وهو شبه العمد فأما العمد فهو أن يقصد القاتل إلى القتل بضرب محدد أو مثقل أو بإحراق أو تغريق أو خنق أو سم أو غير ذلك ويجب فيه القود وهو القصاص وقال أبو حنيفة لا قصاص إلا في القتل بالحديد وأما الخطأ فهو أن لا يقصد الضرب ولا القتل مثل لو سقط على غيره فقتله أو رمى صيدا فأصاب إنسانا فلا قصاص فيه وإنما فيه الدية وهي العقل وأما شبه العمد فهو أن يقصد الضرب ولا يقصد القتل والمشهور أنه كالعمد وقيل كالخطأ وقيل تغلظ فيه الدية وفاقا للشافعي ( المسألة الثانية ) في صفة القاتل ولا يقتص منه إلا إذا كان بالغا عاقلا فلا يقتص من صبي ولا مجنون وعمدها كالخطأ وأما السكران فيقتص منه وأما المأمور بالقتل فإن أمره من تلزمه طاعته أو من يخافه إن عصاه كالسلطان أو السيد فيقتص من الآمر دون المأمور وقال أبو حنيفة وابن حنبل يقتص من الآمر دون المأمور وقال أبو يوسف لا يقتص من واحد منهما وإن أمره من ليس كذلك فيقتص من القاتل دون الآمر وقال قوم يقتلان معا ومن أمسك إنسانا لآخر حتى قتله قتلا جميعا وقال الشافعي يقتل القاتل وحده ويعزر الممسك ( المسألة الثالثة ) في صفة المقتولولا يقتص له إلا إذا كان دمه مساويا لدم القاتل أو أعلى منه ولا يقتص للأدنى من الأعلى واعتبار ذلك بوصفين الإسلام والحرية فأما الإسلام فيقتل المسلم بالمسلم ويقتل الكافر بالكافر سواء اتفقت أديانهما أو اختلفت ويقتل الكافر بالمسلم ولا يقتل المسلم بالكافر إلا إن قتل الذمي قتل غيلة وقال أبو حنيفة يقتل المسلم بالذمي وأما الحرية فيقتل الحر بالحر ويقتل العبد بالعبد ولا يقتل الحر بالعبد ولكن يغرم قيمته ما بلغت وقال أبو حنيفة يقتل الحر بالعبد إلا بعبد نفسه وقال النخعي وداود يقتل بعبده وعبد غيره وإذا قتل العبد حرا فيسلمه سيده لأولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا أحيوه فإن اختاروا حياته فسيده بالخيار إن شاء تركه يكون عبدا لهم وإن شاء أفتكه منهم بدية المقتول ولا تعتبر المساواة في الذكور ولا في العدد عند الأربعة بل يقتل الرجل بالرجل وتقتل المرأة بالمرأة ويقتل الرجل بالمرأة خلافا للحسن البصري وتقتل المرأة بالرجل وكذلك يقتل الواحد بالواحد وكذلك تقتل الجماعة بالجماعة وتقتل الجماعة بالواحد خلافا للظاهرية ( المسألة الرابعة ) في صفة القصاص ويقتل القاتل بالقتلة التي قتل بها من ضربة بحديد أو حجر أو خنق أو غير ذلك وقال أبو حنيفة لا قصاص إلا بالحديد واختلف هل يقتل بالنار أو بالسم إذا كان قد قتل بهما أم لا وهذا إذا ثبت القتل ببينة أو اعتراف وأما إن كان بالقسامة فلا يقتل القاتل إلا بالسيف فروع ثمانية ( الفرع الأول ) إذا وجب القصاص فلأولياء المقتول أن يعفوا على أن يأخذوا الدية برضى القاتل في المشهور وقيل لا يعتبر رضاه وفاقا للشافعي وابن حنبل وعلى أن لا يأخذوا شيئا وإذا عفا بعضهم سقط القصاص ( الفرع الثاني ) إذا سقط القصاص عن قاتل العمد بعفو عنه أو بعدم مكافأة دمه لدم المقتول كالحر يقتل العبد والمسلم يقتل الكافر فعليه التعزير في المذهب خلافا للشافعي وابن حنبل وهو ضرب مائة وحبس سنة سواء قتل حرا أو عبدا وكذلك إن كان القاتلون جماعة فقتل واحد منهم قصاص فإن بقيتهم يضربون مائة ويحبسون عاما ( الفرع الثالث ) لا يجوز العفو عن القاتل غيلة وهي القتل على وجه المخادعة والحيلة فإن عفا أولياء المقتول فإن الإمام يقتل القاتل ( الفرع الرابع ) يجري القصاص بين الأقارب كما يجري بين الأجانب فأما قتل الأب لابنه فإن كان على وجه العمد المحض مثل أن يذبحه أو يشق بطنه فيقتص له منه خلافا لهم وإن كان على غير ذلك مما يحتمل الشبهة أو التأديب وعدم العمد فلا قصاص فيه وعليه الدية في ماله مغلظة ويجري مجرى الأب والأم والأجداد والجدات ( الفرع الخامس ) أولياء الدم هم الذكور العصبة دون البنات والأخوات والزوج والزوجة فليس لهم قول مع العصبة في المشهور خلافا لهم ( الفرع السادس ) إذا عفا المقتول عمدا لزم ذلك ورثته خلافا للشافعي ويجوز عفو البكر والسفيه واختلف في الجراح وإن عفا المقتول خطأعن الدية كان في ثلثه إلا أن يجيزه الورثة ( الفرع السابع ) إذا اشترك في القتل عامد وخاطىء أو بالغ وصبي قتل العامد خلافا لهما ( الفرع الثامن ) إذا كان في الأولياء صغار وكبارفللكبار القود ولا ينتظر بلوغ الصغار خلافا للشافعي ( الفصل الثاني ) في الدية وهي على ثلاثة أنواع دية الخطأ ودية العمد إذا عفي عنه ودية الجنين فأما دية الخطأ فهي مائة من الإبل على أهل الإبل وألف دينار على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق وهذه دية المسلم الذكر وأما اليهودي والنصراني والذمي فديته نصف دية المسلم وقال الشافعي ثلث دية المسلم وقال أبو حنيفة مثل دية المسلم وأما المرأة المسلمة فديتها نصف دية المسلم اتفاقا وأما دية اليهودية والنصارنية فهي في المذهب نصف دية اليهودي والنصراني ودية الجنين عبد أو وليدة سواء كان ذكرا أو أنثى وسواء تم خلقه أم لم يتم إذا خرج من بطن أمه ميتا ولا يقتل قاتل الجنين في العمد لأن حياته غير معلومة وقال الشافعي لا دية فيه حتى يتم خلقه فإن ماتت أمه من الضرب ثم سقط الجنين ميتا فلا شيء فيه خلافا لأشهب وإن ماتت الأم ولم ينفصل فلا شيء فيه وفي جنين الأمة من غير سيدها عشر أمة ودية الجنين في مال الجاني وقال الشافعي وأبو حنيفة في مال العاقلة وهي موروثة عن الجنين على الفرائض عند الثلاثة وقال ربيعة تكون الأمة خاصة وأما دية العمد فهي غير محدودة فيجوز ما يتراضون عليه من قليل أو كثير فإن انبهمت كانت مثل دية الخطأ وتؤدي دية الخطأ عاقلة القاتل وهم عصبته من الأقارب والموالي تنجم عليهم في ثلاث سنين فإن لم تكن له عاقلة أديت من بيت المال ويؤدي القاتل دية العمد من ماله حالا وقيل تنجم عليه وتؤدي العاقلة عمد الصبي والمجنون وقال الشافعي عمد الصبي في ماله والدية موروثة عن القاتل على حسب الفرائض وتدخل فهيا وصيته بيان وإنما تؤدي العاقلة الدية بأربعة شروط وهي أن تكون الثلث فأكثر وقال ابن حنبل تؤدي القليل والكثير وأن تكون عن دم احترازا من قيمة العبد وأن تكون عن خطأ وإن يثبت بغير اعتراف وإنما يؤديها منهم من كان ذكرا بالغا عاقلا موسرا موافقا في الدين والدار وتوزع عليهم حسب حالهم في المال فيؤدي كل واحد منهم ما لا يضر به ويبدأ بالأقرب فالأقرب فرع تجب على قاتل الخطأ الكفارة مع الدية وهي تحرير رقبة مؤمنة كاملة سليمة من العيوب فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ولا طعام فيها ولا كفارة في العمد خلافا للشافعي وتستحب في قتل الجنين خلافا لأبي حنيفة وأوجبها الشافعي ولا كفارة في قتل عبد ولا كافر إلا أنها تستحب في قتل العبد ( الفصل الثالث ) فيما يثبت به القتل وهو ثلاثة أشياء اعتراف القاتل إجماعا وشهادة عدلين إجماعا والقسامة وفي القسامة مسائل ( المسألة الأولى ) في صفتها وهي أن يحلف أولياء الدم خمسين يمينا في المسجد الأعظم بعد الصلاة عند اجتماع الناس أن هذا قتله فيجب بها القصاص في العمد والدية في الخطأ وفاقا لابن حنبل وقال الشافعي وأبو حنيفة إنما تجب بها الدية ولا يراق بها دم وقال عمر بن عبدالعزيز لا يجب بها شيء ( المسألة الثانية ) في الحالف وهم أولياء المقتول فإن كان في قتل العمد فلا يحلف النساء ولا الصبيان ولارجل واحد وإنما يحلف بجلان فأكثر تقسم الإيمان بينهم على قددهم فيستحقون القصاص فإن نكلوا عن الإيمان ردت الإيمان على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا أنه ما قتل فإن نكل بعد الأولياء ففيها قولان قيل يحلف من بقي منهم ويأخذ نصيبه من الدية لأن القود قد سقط بالنكول وقيل ترد اليمين على المدعى عليه فإن نكل حبس حتى يحلف فإن طال حبسه ترك وعليه جلد مائة وحبس عام وقال أبو حنيفة يبدأ بالحلف في القسامة المدعى عليه وإذا أقسم الأولياء على جماعة أنهم قتلوا اختاروا واحدا منهم فقتلوه ولا يقتل بالقسامة أكثر من واحد وإن كانت القسامة في الخطأ أو حيث لا يقتص في العمد مثل أن يكون القاتل صغيرا أو المقتلو غير مكافىء للقاتل فيقسم فيها الرجال والنساء ويجزىء الرجل الواحد وتقسم الإيمان بينهم على قدر موارثهم فإذا حلفوا استحقوا الدية وإن نكلوا ردت اليمين على عاقلة القاتل وإن نكل واحد من الأولياء حلف باقيهم وأخذوا نصيبهم من الدية ( المسألة الثالثة ) في شروط القسامة وهي ثلاثة أن يكون المقتول مسلما وأن يكون حرا فلا قسامة في قتل الذمي ولا العبد والثالث اللوث ولا تكون القسامة إلا مع لوث وهو إمارة على القتل غير قاطعة وشهادة الشاهد العدل على القتل لوث واختلف في شهادة غير العدل وفي شهادة الجماعة إذا يكونوا عدولا وفي شهادة النساء والعبيد وشهادة عدلين على الجرح لوث إذا عاش المجروح بعد الجرح وأكل وشرب واختلف في شهادة عدل واحد على الرجح وفي شهادته على الإقرار القاتل هل يقسم بذلك أم لا ومن اللوث أن يوجد رجل قرب المقتول معه سيف أو شيء من آلة القتل أو متلطخا بالدم ومن اللوث أن يحصل المقتول في دار مع قوم فيقتل بينهم أو يكون في محله قوم أعداء له ومن اللوث عند مالك وأصحابه التدمية في العمد وهو قول المقتول فلان قتلني أو دمي عند فلان سواء كان المدمى عدلا أو مسخوطا ووافقه الليث ابن سعد في القسامة بالتدمية وخالفهما سائر العلماء واختلف في المذهب في كون التدمية في الخطأ لوثا على قولين فرع من أقر أنه قتل خطأ فالدية عليه في ماله وقيل على عاقلته بعد أن يقسم أولياء المقتول على قول القاتل وقيل لا شيء عليه ولا على عاقلته
الباب الثاني في الجراحات
وهي على نوعين الأول الجرح والثاني قطع عضو وإزالة منفعة ففي الباب فصلان ( الفصل الأول ) في الجرح وفيه مسألتان ( المسألة الأولى ) في أسماء الجراح وهي عشرة أولها الدامية وهي التي تدمي الجلد ثم الحارصة ( بالحاء والصاد المهملتين ) وهي التي تشق الجلد ثم السمحاق وهي التي تكشط الجلد ثمالباضعة وهي التي تشق اللحم ثم المتلاحمة وهي التي تقطع اللحم في عدة مواضع ثم الملطأة وهي التي يبقى بينهما وبين انكشاف العظم ستر رقيق ثم الموضحة وهي التي توضح العظم أي تظهره ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم ثم المنقلة وهي التي تكسر العظم فيطير العظيم مع الدواء ثم المأمومة وهي التي تصل إلى أم الدماغ وهي مختصة بالرأس والجائفة التي تصل إلى الجوف وهي مختصة بالجسد ( المسألة الثانية ) في الواجب في الجراح ولا يخلو أن يكون خطأ أو عمدا فإن كان خطأ فلا قصاص فيه ولا أدب وإنما فيه الدية ففي الموضحة نصف عشر الدية وهي خمس من الإبل وفي الهاشمة عشر الدية وقيل حكومة وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشرها وفي المأمومة والجائفة ثلث الدية وأما ما قبل الموضحة فليس فيها دية معلومة وإنما فيها حكومة وذلك أن يقوم المجروح سالما من عثل الضربة ويقوم بالعثل لو كان عبدا في الحالين فما كان بين القيمتين سمي من قيمته سالما فما كان من الأجزاء كان له ذلك الجزء من ديته وهذا إذا بئت على عثل فإن برئت من غير عثل فلا شيء فيها وإن كان عمدا ففيه القصاص وذلك بأن يقيس أهل الطب والمعرفة طول الجرح وعرضه وعمقه ويشقون مقداره في الجارح ولا قصاص في المأمومة ولا في الجائفة لأنهما يخشى منهما الموت وإنما فيهما الدينة المذكورة فاستوى فيهما العمد والخطأ واختلف هل فيهما الدية على الجاني أو على عاقلته ولا يقتص من الجارح حتى يندمل الجرح خلافا للشافعي لئلا ينتهي إلى النفس فيحصل القصاص بالنفس لا بالجرح ( الفصل الثاني ) في قطع الأعضاء فإن كان عمدا ففيه القصاص إلا أن يخاف منه التلف وإن كان خطأ ففيه الدية وهي تختلف ففي كل زوج من البدن دية كاملة وفي الفرد نصف الدية وذلك العينان والأذنان والشفتان واليدان والرجلان والأنثيان والأليتان وثديا المرأة وفي الأنف واللسان وفي الذكر دية كاملة وفي السن خمس من الإبل وفي كل إصبع عشر من الإبل وتجب الدية كاملة في إزالة العقل وفي إزالة السمع وفي إزالة البصر وفي إزالة الشم وفي إزالة النطق وفي إزالة الصوت وفي إزالة الذوق وفي إزالة قوة الجماع وفي إزالة القدرة على القيام والجلوس فإن أزال بعض هذه المنافع فعليه بحساب ما نقص فإن أزال سمع الأذن الواحدة أو بصر العين الواحدة فعليه نصف الدية وفي عين الأعور دية كاملة وقال الشافعي وأبو حنيفة نصف الدية فروع ثمانية ( الفرع الأول ) دية جراح المرأة كدية جراح الرجل فيما دون ثلث الدية الكاملة فإذا بلغت الثلث أو زادت عليها رجعت إلى نصف دية الرجل فعلى هذا في ثلاثة أصابعها ثلاثون من الإبل وفي أربعة أصابعها عشرون من الإبل ( الفرع الثاني ) تجب حكومة في كسر الضلع أو الترقوة وقطع اليد الشلاء وفي شعر اللحية وفي إشراف الأذنين وفي جفن العينين ( الفرع الثالث ) من اطلع على رجل في بيته ففقأ عينه بحصاة أو غيرها فعليه القصاص خلافا للشافعي ( الفرع الرابع ) من أتلف عضوا على وجه اللعب فاختلف هل يقتص منه أم لا( الفرع الخامس ) دية الخطأ في الجراح في مال الجاني إذا كانت أقل من ثلث الدية الكاملة فإن كانت الثلث فأكثر فهي على العاقلة وقال الشافعي تحمل العاقلة القليل والكثير وقال أيضا لا تحمل إلا الدية الكاملة وأما العمد إذا لم يقتص منه فالدية على الجاني لأن العاقلة لا تحمل عمدا ولا اعترافا ( الفرع السادس ) يشترط في القصاص في الجراح ما يشترط في القصاص في النفوس من العمد وكون الجاني عاقلا بالغا ومكافأة دم المجروح لدم الجارح في الدين والحرية حسبما قدما في باب القتل ( الفرع السابع ) أجرة الحجام وشبهه ممن يتولى فعل القصاص على المقتص منه فإن مات المقتص منه في الجراح فلا شيء على المقتص وقال أبو حنيفة عليه الدية ( الفرع الثامن ) إنما يثبت الجراح بالاعتراف والشهادة ولا قسامة في الجراح
الباب الثالث في جنايات العبيد
جنايات العبيد تنقسم ثلاثة أقسام ( أحدها ) جناياتهم على العبيد ( الثاني ) جناياتهم على الأحرار ( الثالث ) جناياتهم على الأموال فأما جنايتهم على العبيد فلا يخلوا أن تكون عمدا أو خطأ فإن كانت خطأ فسيد العبد الجاني مخير بين أن يسلمه بجنايته لسيد العبد المجنى عليه أو يفتكه بقيمة العبد المجني عليه في القتل أو بما نقص الجرح منه في الجرح وإن لم ينقص الجرح شيئا فلا شيء عليه وأما إن كان عمدا فإن سيد العبد المقتول أو المجروح مخير بين أن يقتص أو يأخذ العبد الجارح إلا أن يشاء سيده أن يفتكه بقيمة المقتول أو بما نقص الجرح منه وقال أبو حنيفة لا قصاص بين العبيد فيما دون النفس وقال الحسن البصري لا قصاص بينهم في النفوس ولا فيما دونها وأما جنايتهم على الأحرار فإن كانت في النفس وكانت خطأ فسيد القاتل مخير بين أن يسلمه أو يفتكه بالدية وإن كان عمدا فقد تقدم حكمها في باب القتل وإن كانت الجناية على الأحرار فيما دون النفس فسواء كان الجرح عمدا أو خطأ لأن العبد لا يقاد من الحر بالجراح فيخير سيد العبد الجارح بين أن يسلمه أو يفتكه بدية الجرح وأما جنايتهم على الأموال فسواء كانت لحر أو لعبد فذلك في رقبة العبد الجاني يخير سيده بين أن يسلمه بما استهكل من الأموال أو بفتكه بذلك وسواء كان المستهلك مثل قيمته أو أقل أو أكثر وهذا في الأموال التي لم يؤمن العبد عليها وأما ما اؤتمن عليه بعارية أو كراء أو وديعة أو إجارة فذلك في ذمة العبد لا في رقبته
الباب الرابع في حد الزنى وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في شروط الحد ولا حد على الزاني والزانية إلا بشروط منها متفق عليه ومنها مختلف فيه وهي عشرة ( الأول ) أن يكون بالغا ( الثاني ) أن يكون عاقلا فلا يحد الصبي غير البالغ ولا المجنون باتفقاق وإن زنى عاقل بمجنونة أو مجنون بعاقلة حد العاقل منهما ( الثالث ) أن يكون مسلما فلا يحد الكافر إن زنى بكافرة خلافا للشافعي ويؤدب إو أظهره وأن استكره مسلمة على الزنى وإن زنى بها طائعة نكل وقيل يقتل لأنه نقض للعهد ( الرابع ) أن يكون طائعا واختلف هل يحد المكره على الزنى وقال القاضي عبدالوهاب إن انتشر قضيبه حتى أولج فعليه الحد وقال أبو حنيفة إن أكرهه غير السلطان حد ولا تحد المرأة إذا استكرهت أو اغتصب ( الخامس ) أن يزنى بآدمية فإن أتى بهيمة فلا حد عليه خلافا للشافعي ولكنه يعزر ولا تقتل البهيمة ولا بأس بأكلها خلافا للشافعي ( السادس ) أن تكون ممن يوطأ مثلها فإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها فلا حد عليه ولا عليها ولا تحد المرأة إذا كان الواطىء غير بالغ ( السابع ) أن لا يفعل ذلك بشبهة فإن كان بشبهة سقط الحد مثل أن يظن بامرأة أنها زوجته أو مملوكته فلا حد خلافا لأبي حنيفة أو أن يكون نكاحا فاسدا مختلفا فيه كالنكاح دون ولي أو بغير شهود إذا استفاض واشتهر فإن كان فاسدا باتفاق كالجمع بين الأختين ونكاح خامسة ونكاح ذوات المحارم من النسب أو الرضاع أو تزوج في العدة أو ارتجاع من ثلاث دون أن تتزوج غيره أو شبه ذلك فيحد في ذلك كله إلا أن يدعي الجهل بتحريم ذلك كله ففيه قولان ولا يحد من وطىء أمته المتزوج أو المشتركة بينه وبين غيره أو أمة أحلت له أو أمة ولده أو أمة عبدخ للشبهة وإن كان ذلك كله حراما ( الثامن ) أن يكون عالما بتحريم الزنى فإن ادعى الجهل به وهو ممن يظن به ذلك ففيه قولان لابن القاسم وأصبغ ( التاسع ) أن تكون المرأة غير حربية فإن كانت حربية حد عند ابن القاسم خلافا لابن المشاجون وكذلك إن كانت من المغنم حد عند ابن القاسم خلافا لأشهب ( العاشر ) أن تكون المرأة حية ويحد واطىء الميتة في المشهور فرع يحد من زنى بمملوكة والده ولا يحد من زنى بمملوكة ولده وعليه غرم قيمتها ويحد من وطىء مملوكة زوجته وقال ابن حنبل لا يحد وقال قوم إنما عليه تعزير ولا يحد عند أبي حنيفة من وطىء أجيرته خلافا لجميع العلماء ولا يحد من وطىء أمة له فيها نصيب خلافا لأبي ثور ( الفصل الثاني ) في مقدار الحد وهو أربعة أنواع ( الأول ) الرجم بالحجارة حتى يموت وذلك للحر المحصن والحرة المحصنة ولا يجلدان قبل الرجم عند الثلاثة خلافا لابن حنبل واسحاق وداود ( الثاني ) جلد مائة وتغريب عام إلى بلد آخر يسمجن فيه وذلك للرجل الحر الغير المحصن وقال أبو حنيفة لا تغريب( الثالث ) جلد مائة دون تغريب وذلك للحرة غير المحصنة وقال الشافعي تغرب المرأة مع الجلد كالرجل ( الرابع ) جلد خمسين جلدة دون تغريب وذلك للعبد والأمة وكل من فيه بقية رق سواء كان محصنا أو غير محصن عند الأربعة إلا أن الشافعي قال يغرب العبد والأمة مع الجلد وقال ابن عباس إن أحصنا فعليهما خمسون جلدة وإن لم يحصنا فلا شيء عليهما وقال قوم حكمهما كالحر في الجرم والجلد وقال الظاهرية يجلد العبد خمائة والأمة خمسين وتحد أم الولد في حياة سيدها حد الأمة وبعد موته حد الحرة غير المحصنة إلا أن تتزوج ويطأها زوجها فيحصنها فروع ثمانية ( الفرع الأول ) الإحصان المشترط فيالزوج له خمسة شروط العقل والبلوغ والحرية والإسلام وتقدم الوطىء بنكاح صحيح وهو أن يتقدم للزاني والزانية وطء مباح في الفرج بتزويج صحيح فلا يحصن زنى متقدم ولا وطء بملك اليمين ولا وطء فيما دون الفرج ولا وطء بنكاح فاسد أو شبهة ولا وطء في صيام أو حيض أو اعتكاف أو إحرام ولا وطء نكاح في الشرك ولا عقد نكاح دون وطء ويقع الإحصان بمغيب الحشفة وإن لم ينزل وإذا أقر أحد الزوجين بالوطء محصن دون المنكر ( الفرع الثاني ) إذا اختلفت أحكام الزنى والزانية فيكون أحدهما حرا والآخر مملوكا غير محصن فيحكم لكل واحد منهما في الحد بحكم نفسه ( الفرع الثالث ) من فعل فعل قوم لوط رجم الفاعل والمفعول به سواء كانا محصنين أو غير محصنين وقال الشافعي حده كالزنى يرجم المحصن ويحد غيره مائة وقال أبو حنيفة يعزر ولا حد عليه وإن كان عبدا فقيل يرجم وقيل يجلد خمسين وهو الأصح لأن العبد لا يرجم والشهادة في اللواطة كالشهادة في الزنى ومن أتى امرأة أجنبية في دبرها فقيل عليهما حد اللواط وقيل حد الزنى وإذا تساحقت امرأة مع أخرى فقال ابن القاسم تؤديان على حسب اجتهاد الإمام وقال أصبغ تجلدان مائة مائة ( الفرع الرابع ) يؤخر الجلد عن المريض إلى برئه وعن الحامل إلى وضعها ويؤخر الرجم عن الحامل لا عن المريض ولا يجلدان في شدة الحر والبرد ( الفرع الخامس ) الرجم بحجارة متوسطة قدر ما يرفع الرامي لا بصخرة كبيرة تقتل في مرة ولا بحصيات ( الفرع السادس ) إذاحضر الإمام الرجم جاز له أن يبدأ هو وأن يبدأ غيره وقال أبو حنيفة تلزمه البداية إذا ثبت الزنى بالإقرار وتلزم البداية للشهود إذا ثبت بالشهادة ( الفرع السابع ) يستحب أن يحضر حد الزنى طائفة من المؤمنين وأقلهم أربعة وقال ابن حنبل اثنان وقيل واحد وقيل عشرة ( الفرع الثامن ) لا تحفر للمرجوم حفرة يرجم فيها خلافا للشافعي ( الفصل الثالث ) فيما يثبت به الحد وذلك ثلاثة أشياء الاعتراف والشهادة وظهور الحمل فأما الاعتراف من العاقل البالغ فيوجب الحد ولو مرة واحدة واشترط ابن حنبل الاعتراف أربع مرات وزاد أبو حنيفة في أربع مجالس فإن رجع عن اعترافه إلى شبهة لم يحد وإن رجع لغير شبهة فقولان وإن رجع بعد ابتداء الحد وقبل تمامه قبل منه في المشهور وأما الشهادةفأربعة رجال عدول يشهدون مجتمعين لا تراخي بين أوقات إقامتهم الشهادة على معاينة الزنى كالمرور في المكحلة فإن كانوا أقل من أربعة لم يحد المشهود عليه وحد الشهود حد القذف وإن رجع بعض الأربعة قبل الحكم أو شك في شهادته بعد أدائها حد الأربعة وإن رجع أو شك بعد الحكم حد الراجع أو الشاك وحده وإن شهد ثلاثة وتوقف الرابع حد الثلاثة دون الرابع وإن شهدوا مفترقين في مجالس حدوا خلافا لابن الماجشون وأما الحمل فإن ظهر بحرة أو بأمة ولا يعلم لها زوج ولا أقر سيدها بوطئها وتكون الحرة مقيمة غير غريبة فتحد خلافا لهما في قولهما لا حد بالحمل فإن قالت غصبت أو استكرهت لم يقبل ذلك منها إلا ببينة أو إمارة على صدقها كالصياح والاستغاثة ويقيم السيد على عبده أو أمته حد الزنى والقذف والشرب خلافا للشافعي دون القطع في السرقة والتوبة لا تسقط الحد فيالزنى ولا في شرب الخمر خلافا للشافعي
الباب الخامس في حد القذف وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في شروط الحد في القذف وهي ثمانية منها ستة في المقذوف وهي الإسلام والحرية والعقل والبلوغ والعفاف عما رمي به من الزنى وأن تكون معه آلة الزنى فلا يكون حصورا ولا مجبوبا قد حب قبل بلوغه واثنان في القذف وهما العقل والبلوغ سواء كان حرا أو عبدا مسلما أو كافرا ويحد الوالد إذا قذف ولده على المشهور وتسقط عدالة الولد ( الفصل الثاني ) في معنى القذف وحده الرمي بوطء حرام في قبل أو دبر أو نفي من النسب للأب بخلاف النفي من الأم أو تعريض بذلك وقال الشافعي وأبو حنيفة لا حد في التعريض بل تعزير إلا أن يقول أردت به القذف فيحد وذلك أن من رمى أحدا بما يكره فلا يخلوا أن يرجع ما رماه به إلى ما وصفنا أو إلى غير ذلك فإن رجع معناه إلى غير ذلك فليس فيه حد القذف ولكن فيه التأديب بالاجتهاد على حسب حال القائل والمقول له وإن رجع إلى ما ذكرنا ففيه حد القذف فمن ذلك من رمى أحدا بالزنى أو اللواط أو قال له لست لأبيك أو لست ابن فلان يعني أباه أو جده أو أنت ابن فلان يعني غيرهما سواء كانت أم المقذوف مسلمة أو كافرة أو حرة أو أمة وفي معنى ذلك الكناية كقوله للعربي يا بربري أو ما أشبه ذلك خلافا لهما وأما التعريض فكقوله ما أنا بزان وما أنا زان ومن قال لامرأته زينت بك فعليه حد الزنى وحد القذف فرع في تكرار القذف ومن قذف شخصا واحدا مرارا كثيرة فعليه حد واحد إذا لم يحد لواحد منها اتفاقا فإن قذفه فحد ثم قذفه مرة أخرى حد مرة أخرى اتفاقا فإن قذف جماعة في كلمة فليس عليه إلا حد واحد جمعهم أو فرق وقال الشافعي يحد لكل واحد منهم وقال قوم أن جمعهم في كلمة واحدة كقولهيا زناة حد حدا واحدا وإن فرقهم حد لكل واحد منهم ( الفصل الثالث ) في مقدار حد القذف وموجبه ومسقطه فأما مقداره فيجلد الحر والحرة ثمانين جلدة ويجلد العبد والأمة أربعين جلدة عند الجمهور وقال الظاهرية ثمانين وتسقط شهادة القاذف إذا حد اتفاقا ولا تسقط قبل أن يحد خلافا للشافعي وأصبع وإن تاب قبلت شهادته خلافا لأبي حنيفة وأما ما يسقط الحد عن القاذف فشيئان أحدهما إذا ثبت على المقذوف ما رمي به أو كان معروفا به والثاني اختلف فيه وهو هل يسقط الحد إذا عفا المقذوف فقال مالك له العفو بلغ ذلك الإمام أو لم يبلغ وروي عنه أن له العفو ما لم يبلغ الإمام فإن بلغه فلا عفو وفاقا للشافعي إلا أن يريد سترا على نفسه وقال أبو حنيفة لا عفو بلغ ذلك الإمام أم لم يبلغ وأما موجب الحد فاعتراف القاذف أو شهادة عدلين عليه فإن كان شاهد واحد حلف القاذف فإن نكل سجن أبدا حتى يحلف وإن لم يقم شاهد فلا يمين على المدعى عليه هكذا قال صاحب الجواهر وقال ابن رشد في إجازة شهادة النساء في القذف وثبوته باليمين مع الشاهد أو إيجاب اليمين على القاذف بالشاهد الواحد أو بالدعوى إذا لم يكن شاهد خلاف بين أصحابنا فرع يجوز في المذهب التعزير بمثل الحدود وأقل وأكثر على حسب الاجتهاد وقال ابن وهب لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط للحديث الصحيح وقال الشافعي لا يبلغ به عشرين سوطا وقال أبو حنيفة لا يبلغ به أربعين
الباب السادس في السرقة وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في شروط القطع وهي أحد عشر ( الأول ) العقل ( الثاني ) البلوغ فلا يقطع الصبي ولا المجنون اتفاقا ( الثالث ) أن لا يكون عبدا للمسروق منه فلا يقطع العبد إذا سرق مال سيده خلافا لداود ( الرابع ) أن لا يكونله على المسروق ولادة فلا يقطع الأب في سرقة مال ابنه وزاد الشافعي الجد فلا يقطع في مال حفيده وزاد أبو حنيفة كل ذي رحم واختلف في الزوج والزوجة إذا سرق كل واحد منهما من مال صاحبه ( الخامس ) أن لا يضطر إلى السرقة من جوع ( السادس ) أن يكون الشيء المسروق مما يتمول ويجوز بيعه على اختلاف أصناف الأموال وقال أبو حنيفة لا قطع في طعام ولا فيما أصله مباح الحطب فلا يقطع في خمر ولا في خنزير وشبه ذلك ولا قطع فيما لا يتملك إلا في سرقة الحر الصغير فإنه يقطع فيه خلافا لهما ولابن الماشجون لا في الحر الكبي ( السابع ) أن لا يكون للسارق فيه ملك ولا شبه ملك فلا قطع على من سرق رهنه من مرتهنه وأجرته من المستأجر ولا من سرق شيئا له فيه نصيب ولا على صاحب الدين إذا سرق من غريمه واختلف في قطع من سرق من المغنمقبل القسمة إذا كان له فيها نصيب ( الثامن ) أن يكون المسروق نصابا فأكثر خلافا للحسن البصري والخوارج والظاهرية والنصاب عند الإمامين ثلاثة دراهم من الورق أو ربع دينار من الذهب شرعية أو ما قيمته أحدهما حين السرقة ويقوم بالأغلب منهما في البلد والنصاب عند أبي حنيفة عشرة دراهم وعند ابن أبي ليلى خمسة دراهم ويقطع من سرق مصحفا ومن أخرج كفنا من قبر إذا بلغت قيمته النصاب خلافا لأبي حنيفة فيهما وإذا سرق جماعة نصابا ولم يكن في نصيب أحدهم نصاب قطعوا خلافا لهما إلا أن يكون في نصيب كل منهم نصاب فيقطعون اتفاقا ( التاسع ) أن يكون من حرز وهو الموضع الذي يحرز فيه ذلكالمسروق من دار أو حانوت أو ظهر دابة أو سفينة مما جرت عادة الناس أن يحفظوا فيه أموالهم فلا قطع على من سرق من غير حرز عند الجمهور خلافا للظاهرية وقد يختلف ذلك باختلاف عوائد الناس ولا يقطع من سرق قناديل المسجد خلافا للشافعي واختلف في قطع من سرق من بيت المال وفي من سرق من الثياب المعلقة في حبل الغسال ولا يقطع الصيف إذا سرق من البيت الذي أذن له في دخوله واختلف إذا سرق من خزانة في البيت ولا قطع في شجر ولا ثمر معلق ( العاشر ) أن يخرج الشيء المسروق من الحرز ( الحادي عشر ) أن يأخذه على وجه السرقة وهي الأخذ الخفي لا على وجه الانتهاب والاختلاس وهو الاقتطاف من غير حرز خلافا لابن حنبل والظاهرية ولا في الغصب ولا في الخيانة فيما ائتمن عليه وقال ابن حنبل وللظاهرية إن استعار شيئا فجحده قطع خلافا للثلاثة ( الفصل الثاني ) فيما يجب على السارق وذلك حقان حق لله تعالى وهو القطع وحق للمسروق منه وهو غرم ما سرق فأما القطع فتقطع يده اليمنى ثم إن سرق ثانية تقطع رجله اليسري ثم إن سرق ثالثة تقطع يده اليسرى ثم إن سرق رابعة تقطع رجله اليمنى ثم إن سرق بعد ذلك ضرب وحبس وقال أبو حنيفة لا يقطع في الثالثة ولا في الرابعة بل يضرب ويحبس وقطع الأيدي من الكوع وقطع الأرجل من المفصل الذي بين الكعبين وأما الغرم فإن كان الشيء المسروق قائما رده باتفاق وإن كان قد استهلك فمذهب مالك أنه إن كان موسرا يوم القطع ضمن قيمة السرقة وإن كان عديما لم يضمن ولم يغرم وقيل يضمن في العسر واليسر وقيل لا يضمن فيهما خلافا لأبي حنيفة ولا يجمع عنده بين القطع والغرم وإن كان الشيء المسروق مما لا يجب فيه القطع لقلته رغمه باتفاق في العسر واليسر ( الفصل الثالث ) فيما تثبت به السرقة وهي الاعتراف والشهادة فأما الاعتراف فإن كان بغير ضرب ولا تهديد ففيه القطع سواء كان حرا أو عبدا عليه الغرم وسقط عنه القطع إن رجع إلى شبهة وإنر جع إلى غير شبهة فقولان ويكفي الإقرار مرة وقال ابن حنبل مرتين وأما الشهادة فرجلان عدلان ولا يقطع بشاهد ويمين ولا بشاهد وامرأتين وإنما يجب بذلك الغرم خاصة
الباب السابع في شرب الخمر وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في شروط الحد وهي ثمانية ( الأول ) أن يكون الشارب عاقلا ( الثاني ) أن يكون بالغا ( الثالث ) أن يكون مسلما فلا حد على الكافر في شرب الخمر ولا يمنع منه ( الرابع ) أن يكون غير مكره ( الخامس ) أن لا يضطر إلى شربه بغضة ( السادس ) أن يعلم أنه خمر فإن شربه وهو يظنه شرابا آخر فلا حد عليه ( السابع ) أن يكون يعلم أن الخمر محرمة فإن ادعى أنه لا يعلم ذلك فاختلف هل يقبل قوله أم لا ( الثامن ) أن يكون مذهبه تحريم ما شرب فإن شرب النبيذ من يرى أنه حلال فاختلف هل عليه حد أم لا ( الفصل الثاني ) في مقدار الحد وهو ثمانون جلدة للحر وأربعون للعبد وقال الشافعي أربعون للحر وعشرون للعبد وقال الظاهرية الحر والعبد سواء وكيفيته أن يضرب بسوط معتدل ليس بخفيف ولا مبرح وقيل الضرب في الحدود كلها سواء ويضرب قاعدا ولا يمد ولا يربط ويضرب على الظهر والكتفين وتضرب المرأة وعليها ما يسترها ولا يقيها الضرب ولا يضرب في حال سكره ولا يجلد المريض ويؤخر إلى برئه ولا يضرب في الحر الشديد ولا في البرد الشديد اللذين يخشى فيهما هلاكه ( الفصل الثالث ) فيما يثبت به الحد وهو الإعتارف أو شهادة رجلين على الشرب ويلحق بذلك أن تشم عليه رائحة الشراب خلافا لهما ويشهد بذلك من يعرفها ويكفي في استنهاك الرائحة شاهد واحد لأنه من باب الخبر مسألة في تداخل الحدود وسقوطها وكل ما تكرر من الحدود من جنس واحد فإنه يتداخل كالسرقة إذا تكررت أو الزنى أو الشرب أو القذف فمتى أقيم حد من هذه الحدود أجزأ عن كل ما تقدم من جنس تلك الجناية فإن ارتكبها بعد الحد حد مرة أخرى وإذا اختلفت أسباب الحدود لم تتداخل ويستوفي جميعها كالشرب والزنى والقذف إلا أن حد الشرب يدخل تحت حد القذف لأنه فرع عنه فيغني أحدهما عن الآخر ولا تسقط الحدود بالتوبة ولا بصلاح الحال ولا بطول الزمان بل إن ثبتت ولم يكن أقيم عليه فيها الحد حد حين ثبتت وإن كان بعد حين وكل حد اجتمع مع القتل فالقتل يغني عنه إلا حد القذف فإنه يحد وحينئذ يقتل
الباب الثامن في الحرابة وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في معرفة المحارب وهو الذي شهر السلاح وقطع الطريقوقصد سلب الناس سواء كان في مصر أو قفر وقال أبو حنيفة لا يكون محاربا في مصر وكذلك من حمل السلاح على الناس من غير عداوة ولا ثارة فهو محارب ومن دخل دارا بالليل وأخذ المال بالكره ومنع من الإستغاثة فهو محارب والقاتل غيلة محارب ومن كان معاونا للمحاربين كالكمين والطليعة فحكمه كحكمهم خلافا للشافعي ( الفصل الثاني ) في حكم المحاربين ويجب أن يوعظوا أولا ويقسم بالله عليهم ثلاثا فإن رجعوا وإلا قوتلوا وقتالهم جهاد ومن قتل من المحاربين فدمه هدر ومن قتل فهو شهيد وإذا أخذ المحارب قبل توبته أقيم عليه الحد وهو القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل أو النفي فأما القتل والصلب فيجمع بينهما ويقدم الصلب عند القاسم ويؤخر عند أشهب وأما القطع فتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى وأما النفي فللحر دون العبد ينفي إلى بلد آخر ويسجن فيه وقال أبو حنيفة يسجن في بلده حتى تظهر توبته وإن قتل المحارب فلا بد من قتله سواء قتل حرا أو عبدا أو ذميا ولا يجوز عفو ولي المقتول عنه وإن لم يقتل فالإمام مخير بين القتل أو القطع أو النفي يفعل في ذلك ما يراه نظرا ولا يحكم فيه بالهوى وقال الشافعي لا يخير بل هذه العقوبات مرتبة على الجنايات فإن قتل وإن أخذ المال قطع وإن لم يقتل ولم يأخذ المال نفي ( الفصل الثالث ) في توبته إذا تاب المحارب قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد ووجب عليه حقوق الناس من القصاص وغرم ما أخذ من الأموال وحكمه في الغرم حكم السارق في عسره ويسره وقيل يسقط عنه الحد والقصاص والأموال إلا أن يكون شيء منها قائما في يديه فيؤخذ منه واختلف في صفة توبته فقيل أن يترك ما كان عليه من الحرابة وقيل أن يأتي وقيل أن يترك ما كان عليه من الحرابة ويأتي الإمام
الباب التاسع في البغي
البغاة هم الذين يقاتلون على التأويل مثل الطوائف الضالة كالخوارج وغيرهم والذين يخرجون على الإمام أو يمتنعون من الدخول في طاعته أو يمنعون حقا وجب عليهم كالزكاة وشبهها فيدعون إلى الرجوع للحق فإن فعلوا قبل منهم وكف عنهم وإن أبوا قوتلوا وحل سفك دمائهم فإن انهزموا لم يتبع منهم منهزم ولا يجهز على جريح إلا أن يخاف رجوعهم ولا تصاب أموالهم ولا حريمهم وإن أخذوا لم يقتلوا ولا يقام عليهم حد الحرابة ولا يقتل منهم أسير بل يؤدب ويسجن حتى يتوب وأما ما أتلفوه في الفتنة من النفوس والأموال فإن كانوا خرجوا بتأويل فلا ضمان عليهم وإن خرجوا بغير تأويل فعليهم القصاص في النفوس والغرم في الأموالتلخيص قتال البغاة يمتاز عن قتال المشركين بأحد عشر وجها أن يقصد بالقتال ردعهم لا قتلهم ولا يقتل من أدبر منهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم ولا تغتنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم ولا يستعان عليهم بمشرك ولا يصالحون على مال ولا تنصب عليهم الرعادات ولا تحرق عليهم المساكن ولا تقطع أشجارهم وقتال المحاربين كقتال البغاة إلا في خمسة يجوز تعمد قتلهم ويقتل مدبرهم ويطالبون بما استهلكوه من دم أو مال في الحرب وغيرها ويجوز حبس أسراهم لاستبراء أحوالهم وما أخذوه من الخراج والزكاة ولا يسقط عمن كان عليه كالغاصب خلافا لابن الماجشون
الباب العاشر في المرتد والزنديق والساب والساحر
أما المرتد فهو المكلف الذي يرجع عن الإسلام طوعا إما بالتصريح بالكفر وإما بلفظ يقتضيه أو بفعل يتضمنه ويجب أن يستتاب ويمهل ثلاثة وقال الشافعي في أحد قوليه يستتاب في الحال وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يستتاب شهرا وقال سفيان الثوري أبدا فإن تاب قبلت توبته وإن لم يتب وجب عليه القتل ولا يرثه ورثته من المسلمين ولا من الكفار بل يكون ماله فيئا للمسلمين إلا أن يكون عبدا فماله لسيده وإذا ارتدت المرأة فحكمها كالرجل وقال علي بن أبي طالب تسترق وقال أبو حنيفة إن كانت حرة حبست حتى تسلت وإن كانت أمة أجبرها سيدها على الإسلام بيان لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية أو عبد مع الله غيره أو كان على دين اليهود أو النصارى والمجوس أو الصابئين أو قال بالحلول أو التناسخ أو اعتقد أن الله غير حي أو غير عليم أو نفى عنه صفة من صفاته أو قال صنع العالم غيره أو قال هو متولد عن شيء أو ادعى مجالسة الله حقيقة أو العروج إليه أو قال بقدم العالم أو شك في ذلك كله أو قال بنبوة أحد بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أو جوز الكذب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو قال بتخصيص الرسالة بالعرب أو ادعى أنه يوحى إليه أو يدخل الجنة في الدنيا حقيقة أو كفر جميع الصحابة رضي الله عنهم أو جحد شيئا مما يعلم من الدين ضرورة أو سعى إلى الكنائس بزي النصارى أو قال بسقوط العبادة عن بعض الأولياء أو جحد حرفا فأكثر من القرآن أو زاده أو غيره أو قال ليس بمعجز أو قال الثواب والعقاب معنويان أو قال الأئمة أفضل من الأنبياء ومن أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فلا شيء عليه في الدنيا ولا في الآخرة وإن انتقل الكافر من ملة إلى أخرى فلا شيء عليه ( وأما الزنديق ) فهو الذي يظهر الإسلام ويسر الكفر فإذا عثر عليه قتل ولا يستتاب ولا يقبل قوله في دعوى التوبة إلا إذا جاء تائبا قبل ظهور زندقته وقال الشافعي وأبوحنيفة تقبل توبته ولا يقتل ( وأما الساحر ) فيقتل إذا عثر عليه كالكافر واختلف هل تقبل توبته أم لا قال القرافي هذه المسألة في غاية الإشكال فإن السحرة يفعلون أشياء تأبى قواعد الشرع تكفيرهم بها من الخواص وكتب آيات من القرآن وشبه ذلك ( وأما من سب الله تعالى ) أو النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدا من الملائكة أو الأنبياء فإن كان مسلما قتل إتفاقا واختلف هل يستتاب أم لا فعلى القول بالإستتابة تسقط عنه العقوبة إذا تاب وفاقا لهما وعلى عدم الإستتابة وهو المشهور لا تسقط عنه بالتوبة كالحدود وأما ميراثه إذا قتل فإن كان يظهر السب فلا يرثه ورثته وميراثه للمسلمين وإن كان منكرا للشهادة عليه فماله لورثته وإن كان كافرا فإن كان سب بغير ما به كفر فعليه القتل وإلا فلا قتل عليه وإذا وجب عليه القتل فأسلم فاختلف هل يقبل منه أم لا ومن سب أحدا ممن اختلف في نبوته كذي القرنين أو في كونه من الملائكة لم يقتل وأدب أدبا وجيعا وأما من سب أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أزواجه أو أهل بيته فلا قتل عليه ولكن يؤدب بالضرب الموجع ويكرر ضربه ويطال سجنه ( واعلم ) أن الألفاظ في هذا الباب تختلف أحكامها باختلاف معانيها والمقاصد بها وقرائن الأحوال فمنها ما هو كفر ومنها ما هو دون الكفر ومنها ما يجب فيه القتل ومنها ما يجب فيه الأدب ومنها ما لا يجب فيه شيء فيجب الإجتهاد في كل قضية بعينها وقد استوفى القاضي أو الفضل عياض في كتاب الشفاء أحكام هذا الباب وبين أصوله وفصوله رضي الله تعالى عنه
الكتاب الثامن في الهبات والأحباس وما شاكلها = وفيه خمسة أبواب
الباب الأول في الهبة وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في أركانها وهي أربعة الواهب والموهوب له والموهوب والصيغة فأما الواهب فالمالك إذا كان صحيحا مالكا أمر نفسه فإن وهب المريض ثم مات كانت هبته في ثلثه عند الجمهور وإن صح صحت الهبة ويجري مجرى المريض كل ما يخاف منه الموت كالكون بين الصفين وقرب الحامل من الوضع وراكب البحر المرتج وفيه خلاف وأما الموهوب له فهو كل إنسان ويجوز ويجوز أن يهب الإنسان ماله كله لأجنبي اتفاقا وأما هبة جميع ماله لبعض ولده دون بعض أو تفضيل بعضهم على بعض في الهبة فمكروه عند الجمهور وإن وقع جاز وروي عن مالك المنع وفاقا للظاهرية والعدل هو التسوية بينهم وقال ابن حنبل للذكر مثل حظ الأنثيين وأما الموهوب فكل مملوك وتجوز هبة ما لا يصح بيعه كالعبد الآبق والبعير الشارد والمجهول والثمرة قبل بدو صلاحها والمغصوب خلافا للشافعي وتجوز هبة المشاع خلافا لأبي حنيفة وتجوز هبة المرهون بقيد الملك ويجبر الواهب على افتكاكه له ومنعه الشافعي وتجوز هبة الدين خلافا للشافعي وأما الصيغة فكل ما يقتضي الإيجاب والقبول من قول أو فعل كلفظ الهدية والعطية والنحلة وشبه ذلك ( الفصل الثاني ) في أنواع الهبات وهي على قسمين هبة رقبة وهبة منفعة فهبة المنفعة كالعارية والعمري وهبة الرقبة على ثلاثة أنواع ( الأول ) لوجه الله تعالى وتسمى صدقة فلا رجوع فيها أصلا ولا اعتصار ولا ينبغي للواهب أن يرتجعها بشراء ولا غيره وإن كانت شجرا فلا يأكل من ثمرها وإن كانت دابة فلا يركبها إلا أن ترجع إليه بالميراث ( الثاني ) هبة التودد والمحبة فلا رجوع فيها إلا فيما وهبه الوالد لولده صغيرا كان أو كبيرا فله أن يعتصره وذلك أن يرجع فيه وإن قبضه الولد إنما يجوز الإعتصار بخمسة شروط وهي أن لا يتزوج الولدبعد الهبة ولا يحدث دينا لأجل وأن لا تتغير الهبة عن حالها وأن لا يحدث الموهوب به فيها حدثا وأن لا يمرض الواهب أو الموهوب له فإن وقع شيء من ذلك فيفوت الرجوع واختلف في اعتصار الأم فقيل تعتصر لولدها الصغير والكبير دا دام الأب حيا فإن مات لم تعتصر للصغار لأن الهبة للأيتام كالصدقة فلا تعتصر وقال ابن الماجشون تعتصر إن كانت وصيا عليهم أو لم تكن الهبة قد حيزت في حياة الأب ولا يلحق بها الجد والجدة على المشهور وقال الشافعي يعتصر الأب والأم والجد والجدة ولا يسقط الإعتصار عنده في شيء مما ذكرنا وقال أبو حنيفة لا يعتصر من وهب لذي رحم محرم بخلاف الأجنبي وقال ابن حنبل والظاهرية لا يجوز الإعتصار لأحد ( الثالث ) هبة الثواب على أن يكافئه الموهوب له وهي جائزة خلافا للشافعي والموهوب له مخير بي قبولها أو ردها فإن قبلها فيجل أن يكافئه بقيمة الموهوب ولا يلزمه الزيادة عليها ولا يلزم الواهب قبول ما دونها ثم أنه إن كافأه بدنانير أو دراهم لزمه قبولها وإن كافأه بعروض لزمه قبولها خلافا لأشهب وإن ختلف الواهب والموهوب له في مقتضى الهبة نظر إلى شواهد الحال فإن كانت بين غني وفقير فالقول قول الفقير مع يمينه فإن لم يكن شاهد حال فالقول قول الواهب مع يمينه وإذا أهدى فقير إلى غني طعاما عند قدومه من سفر أو شبهه فلا ثوب له عليه وحكم هبة الثواب كحكم البيع يجوز فيها ما يجوز في البيوع ويمتنع فيها ما يمتنع فيها من النسيئة وغير ذلك ( الفصل الثالث ) في شرط الهبة وهو الحوز ولا يشترط في هبة الثواب وهو في غيرها شرط تمام لا شرط صحة وعندهما صحة وعن ابن حنبل لا شرط صحة ولا شرط تمام وعلى المذهب تنعقد الهبة وتلزم بالقول ويجبر الواهب على إقباضها فإن مات الواهب قبل الحوز بطلت الهبة إلا إن كان الطالب جادا في الطلب غير تارك وإن مرض بطل الحوز ولا تبطل الهبة إلا أن يموت من مرضه ذلك فإن أفاق صحت ولزمت وأجبر الواهب على الإقباض وإن أفلس بطلت ولو بقي في الدار الموهوبة باكتراء أو اعتمار أو غير ذلك حتى مات بطلت فإن وهبها الواهب لرجل آخر قبل القبض فإن حازها الثاني فاختلف هل تكون للأول أو للحائز وإن لم يحزها الثاني فهي للأول ولو باعها الواهب قبل القبض نفذ البيع وكان الثمن للموهوب له إذا علم بالهبة فله أن ينفذ البيع ومن وهب عبدا فلم يقبضه الموهوب له حتى أعتقه الواهب فالعتق نافذ ولا شيء للموهوب له ولا تبطل هبة الثواب بعد القبض لأنها كالبيع فرع يحوز المالك أمر نفسه لنفسه بمعاينة البينة ويحوز للمحجور وصية ويحوز الوالد لولده الحر الصغير ووهبه له هو ما عد الدنانير والدراهم وما وهبه له غير مطلقا فإن وهب لابنه دارا فعليه أن يخرج منها وإن عاد لسكناها بعد عام لم تبطل الهبة وإن وهب له ما يستغل ثم استغله لنفسه بطلت الهبة وعقد الكراء حوز وإن وهب له دنانير أو دراهم لم يكف الإقرار بالحوز حتى يخرجها عن نفسه ويقبضها بمعاينة البينة وقال ابن الماجشون تجوز إذا طبع عليهاووجدت بعد موته كذلك وإن وهب له عروضا أو حيوانا جاز إذا أبرزه من سائر ماله فإن كبر وملك أمر نفسه فلم يقبضه حتى مات الأب بطلت وكذلك إذا لم يقبض الكبير
الباب الثاني في الوقف وهو الحبس وفيه ست مسائل
( الفصل الأول ) في حكم التحبيس وهو جائز عند الإمامين وغيرهما خلافا لأبي حنيفة وقد رجع عن ذلك صابه أبو يوسف لما ناظره مالك واستدل بأحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين وصار المتأخرون من الحنفية ينكرون منع إمامهم ويقولون مذهبه أنه جائز ولكن لا يلزم ( الفصل الثاني ) في أركانه وهي أربعة المحبس والمحبس والمحبس عليه والصيغة فأما المحبس فكالواهب وأما المحبس فيجوز تحبيس العقار كالأرضين والديار والحوانيت والجنات والمساجد والى بار والقناطر والمقابر والطرق وغير ذلك ولا يجوز تحبيس الطعام لأن منفعته في إستهلاكه وفي تحبيس العروض والرقيق والدواب روايتان على أن تحبيس الخيل للجهاد أمر معروف وأما المحبس عليه فيصح أن يكون إنسانا أو غيره كالمساجد والمدارس ويصح على الموجود والمعدوم والمعين والمجهول والمسلم والذمي والقريب والبعيد فروع في مقتضى الألفاظ التي يعبر بها عن الموقوف عليهم فأما لفظ الولد والأولاد فإن قال حبست على ولدي أو على أولادي فيتناول ولد الصلب ذكورهم وإناثهم وولد الذكور منهم لأنهم قد يرثون ولا يتناول ولد الإناث منهم خلافا لأبي عمر بن عبد البر وإن قال حبست على أولادي وأولادهم فاختلف في دخول ولد لبنات أيضا وإن قال على أولادي ذكورهم وإناثهم سواء سماهم أو لم يسمهم ثم قال وعلى أعقابهم أو أولادهم فيدخل أولاد البنات وأما لفظ العقب فحكمه حكم الولد في كل ما ذكرنا وكذلك لفظ البنين وقد يختص بالذكور إلا أن يقول ذكورهم وإناثهم وأما لفظ الذرية والنسل فيدخل فيهما أولاد البنات على الأصح وأما لفظ الآل والأهل فيدخل فيه العصبة من الأولاد والبنات والأخوة والأخوات والأعمام والعمات واختلف في دخول الأخوال والخالات وأما لفظ القرابة فهو أعم فيدخل فيه كل ذي رحم من قبل الرجال والنساء محرم أو غير محرم على الأصح وأما الصيغة فهي لفظ الحبس والوقف والصدقة وكل ما يقتضي ذلك من قول كقوله محرم لا يباع ولا يوهب ومن فعل كالإذن للناس في الصلاة في الموضع الذي بناه مسجدا ولا يشترط قبول المحبس عليهإلا إذا كان معينا مالكا أمر نفسه ( الفصل الثالث ) في شرطه وهو الحوز حسبما ذكرناه في الهبة فإن مات المحبس أو مرض أو أفلس قبل الحوز بطل التحبيس وكذلك إن سكن دارا قبل تمام عام أو أخذ غلة الأرض لنفسه بطل التحبيس ويجوز أن يقبض للكبير غيره مع حضوره بخلاف الهبة ويقبض الوالد لولده الصغير والوصي لمحجوره ويقبض صاحب الأحباس ما حبس على المساجد والمساكن وشبه ذلك ولا بد من معاينة البينة للحوز إذا كان المحبس عليه في غير ولاية المحبس أو كان في ولايته والحبس في دار سكناه أو قد جعل فيها متاعة فلا يصح إلا بالإخلاء والمعاينة وإذا عقد المحبس عليه أو الموهوب له في الملك المحبس أو الموهوب كراء أو نزل فيهما لعمارة فذلك حوز ( الفصل الرابع ) في مصرف الحبس بعد انقراض المحبس عليهم وذلك على ثلاثة أقسام ( الأول ) حبس على قوم معينين فإن ذكر لفظ الصدقة أو التحريم لم ترجع إليه أبدا وإن لم يذكرهما فإذا انقرضوا فاختلف قول مالك فقال أولا ترجع إلى المحبس إو إلى ورثته ثم قال لا ترجع إليه ولكن لأقرب الناس إليه ( الثاني ) حبس على محصورين غير معينين كأولاد فلان وأعقابهم ( الثالث ) حبس على غير محصورين ولا معينين كالمساكن فلا يرجع إليه باتفاق ويرجع إلى أقرب الناس إليه إن كان لم يعين له مصرفا فإن عين مصرفا لم تعد إلى غيره ( الفصل الخامس ) والأحباس بالنظر إلى بيعها على ثلاثة أقسام ( الأول ) المساجد فلا يحل بيعها أصلا بإجماع ( الثاني ) العقار لا يجوز بيعه إلا أن يكون مسجدا تحيط به دور محبسة فلا بأس أن يشتري منها ليوسع به والطريق كالمسجد في ذلك وقيل أن ذلك في مساجد الأمصار لا في مساجد القبائل وأجاز ربيعة بيع الربع المحبي إذا خرب ليعوض به آخر خلافا لمالك وأصحابه ( الثالث ) العروض والحيوان قال ابن القاسم إذا ذهبت منفعتها كالفرس يهرم والثوب يخلق بحيث لا ينتفع بهما جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله فإن لم تصل قيمته إلى كامل جعلت في نصيب من مثله وقال ابن الماجشون لا يباع أصلا ( الفصل السادس ) بقية أحكام المحبس فمنها أن المحبس إذا اشترط شيئا وجب الوفاء بشرطه والنظر في الأحباس إلى من قدمه المحبس فإن لم يقدم قدم القاضي ولا ينظر فيها المحبس فإن فعل بطل التحبيس وتبتنى الرباع المحبسة من غلاتها فإن لم تكن فمن بيت المال فإن لم يكن تركت حتى تهلك ولا يلزم المحبس النفقة فيها وينفق على الفرس المحبس من بيت المال فإن لم يكن بيع واشتري بالثمن ما لا يحتاج إلى نفقة كالسلاح وقال ابن الماجشون لا يجوز بيع ذلك ولا يجوز نقض بنيان الحبس ولا تغييره وإذا انكسر منها جذع لم يجز بيعه بل يستعمل في الحبس وكذلك النقض وقيل يباع ولا يناقل بالحبس وإن خرب ما حواليه
الباب الثالث في العمري والرقبى والمنحة والعرية
أما العمرى فجائزة وهي أن يقول أعمرتك داري أو ضيعتي أو أسكنتك أو وهبت لك سكناها أو استغلالها فهو قد وهب له منعتها فينتفع بها حياته فإذا مات رجعت إلى ربها وإن قال لك ولعقبك فإذا انقرض عقبه رجعت إلى ربها إو إلى ورثته وقال الشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل لا تعود غليه أبدا لأنه قد خرج عن الرقبة وأما الرقبى فهو أن يقول الرجل للآخر إن مت قبلك فداري لك وإن مت قبلي فدارك لي وهي غير جائزة خلافا للشافعي وأما المنحة فهي أن يعطيه شاة أو بقرة أو ناقة يحلبها في أيام اللبن ثم تعود غلى ربها وأما العرية فهي أن يهب له تمر نخلة أو ثمر شجرة دون أصلها ويجوز لمعري شراؤها منه بخرصها تمرا بأربعة شروط وهي أن يبدو صلاحها وأن يكون خمسة أوسق فأقل وأن يكون الثمن من نوع ثمر العربة وأن يعطيه الثمر عند الجذاذ لا نقدا وذلك مستثنى من المزابنة وأجاز الشافعي بيعها من المعرى وغيره ولم يجزها إلا في التمر والعنب
الباب الرابع في العارية
( وهي تمليك منافع العين بغير عوض وهي مندوب إليها وفيها فصلان ) ( الفصل الأول ) في أركانها وهي أربعة ( الأول ) المعير ولا يعتبر فيه إلا كونه مالكا للمنفعة غير محجور فتصح من مالك الرقبة ومكتريها ومستعيرها ( الثاني ) المستعير وهو من كان أهلا للتبرع عليه ( الثالث ) المعار وله شرطان ( أحدهما ) أن ينتفع به مع بقائه فلا معنى لإعارة الأطعمة وغيرها من المكيلات والموزونات وإنما تكون سلفا وكذلك الدنانير والدراهم إذا أخذت لتنفق ويجوز استعارتها مع بقاء أعيانها للزينة بها ( الثاني ) أن تكون المنفعة مباحة فلا تجوز إعارة الجواري للإستمتاع ويكره للخدمة إلا من ذي محرم أو امرأة أوصبي أو صغير ( الرابع ) الصيغة وهي كل ما يدل على هبة المنفعة من قول أو فعل ( الفصل الثاني ) في أحكامها وهي أربعة ( الأول ) الضمان والعارية في ضمان صاحبها إن تحقق هلاكها من غير تعد ولا تفريط من المستعير فإن لم يظهر ضمن المستعير ما يغاب عليه دون ما لا يغاب عليه فيقبل قوله فيما لا يغاب عليه ما لم يظهر كذبه ولا يقبل فيما يغاب إلاببينة وقال الشافعي وأشهب يضمن مطلقا وقال أبو حنيفة لا يضمن مطلقا ( الثاني ) الإنتفاع حسبما يؤذن له ( الثالث ) اللزوم فإن كانت إلى أجل معلوم أو قدر معلوم كعارية الدابة إلى موضعكذا لم يجز لربها أخذها قبل ذلك وإلا لزمه إبقاؤها قدر ما ينتفع بها الإنتفاع المعتاد وقال أشهب له أن يأخذها متى شاء ( الرابع ) إذا قال المستعير كانت عارية وقال ربها كانت كراء فالقول قوله مع يمينه وإن اختلفا في ردها قبل قول المستعير فيما لا يغاب عليه دون ما يضمنه
الباب الخامس في الوديعة
( وهي استنابة في حفظ المال وهي أمانة جائزة من الجهتين ) ( ( فلكل واحد منهما حلها متى شاء وفيها فصلان ) ) ( الفصل الأول ) في الضمان ولا يجب إلا عند التقصيروله ستة أسباب ( الأول ) إن ودع عند غيره لغير عذر فإن فعل ذلك ثم استردها فضاعت ضمن وإن فعله لعذر كالخوف على منزله أو لسفره لم يضمن ( الثاني ) نقل الوديعة فإن نقلها من بلد غلى بلد ضمن بخلاف نقلها من منزل إلى منزل ( الثالث ) خلط الوديعة بما لا يتميز عنه مما هو غير مماثل لها كخلط القمح بالشعير فإن خلطها بما تنفصل عنه كذهب بفضة لم يضمن ( الرابع ) الإنتفاع فلو لبس الثوب أو ركب الدابة فهلكت في حال الإنتفاع ضمن وكذلك أن تسلف الدنانير أو الدراهم أو ما يكال أو يوزن فهلك في تصرفه فيه ( الخامس ) التضييع والإتلاف بأن يلقيه في مضيعة أو يدل عليه سارقا ( السادس ) المخالفة في كيفية الحفظ مثل أن يأمره أن لا يقفل عليها فقفل فإنه يضمن للشهرة ( الفصل الثاني ) في فروع ( الفرع الأول ) في سلف الوديعة فإن كانت عينا كره وأجاز أشهب إن كان له وفاء بها وإن كانت عروضا لم يجز وإن كانت مما يكال أو يوزن كالطعام فاختلف هل يلحق بالنقد أو بالعروض على قولين ( الفرع الثاني ) إذا طولب المودع بالوديعة فادعى التلف فالقول قوله مع يمينه وكذلك إذا ادعى الرد إلا أن يكون قبضها ببينة فلا يقبل قوله في الرد إلا ببينة وروي عن ابن القاسم أن القول قوله وإن قبضها ببينة وفاقا للشافعي وأبي حنيفة ( الفرع الثالث ) إذا أودع وديعة عند شخص فخانه وجحده ثم أنه استودعه مثلها فهل له أن يجحده فيها فيه ثلاثة أقوال المنع في المشهور والكراهة والإباحة ( الفرع الرابع ) من أتجر بمال الوديعة فالربح له حلال وقال أبو حنيفة الربح صدقة وقال قوم الربح لصاحب المال ( الفرع الخامس ) إذا طلب المودع أجرة على حفظ الوديعة لم يكن له إلا أن تكون مما يشغل منزله فله كراؤه وإن احتاجت إلى غلق أو قفل فذلك على ربها
الكتاب التاسع في العتق وما يتصل به وفيه خمسة أبواب
الباب الأول في العتق وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في أركانه وهي ثلاثة ( الأول ) المعتق وهو كل مالك للعبد مالك أمر نفسه ليس بمريض ولا أحاط الدين بماله فأما المريض فيصح عتقه ويكون في الثلث من ماله فإن وسعة الثلث عتق جميعه وإلا عتق ثلثه وإن كان عليه دين مستغرق لماله لم يعتق منه شيء فإن أعتق في مرضه عبيدا ولم يكن له مال غيرهم أو أوصى بعتقهم أقرع بينهم بعد أن يقسموا ثلاثة أجزاء بالقيمة فيعتق جزء واحد منهم وقال الظاهرية وأصبغ عتق المريض نافذ كعتق الصحيح وإنما يقرع عندهم في الوصية بالعتق وأما من أحاط الدين بماله فلا يجوز عتقه وقال أهل العراق يجوز ما لم يحجر عليه ( الثاني ) المعتق وهو كل إنسان مملوك يتعلق بعينه حق لازم ولا وثيقة على اختلاف وتفصيل في عتق الرهن ( الثالث ) الصيغة وهي نوعان صريح وهو لفظ الإعتاق والتحرير وفك الرقبة وكناية كقوله قد وهبت لك نفسك أو لا سبيل لي عليه أو اذهب واغرب فلا تعمل إلا باقتران النية فينوي السيد فيما أراد فإن قال لعبده يا بني أو قال لأمته يا بنتي لم يكن عتقا خلافا لأبي حنيفة وإن قال أعتقك إن شاء الله لم ينفع الإستثناء في المذهب ويقع العتق بشرط الملك خلافا للشافعي ( الفصل الثاني ) في أنواع العتق وأسبابه أما أنواعه فسبعة عتق مبتل وعتق مؤجل وعتق البعض ووصية بالعتق وكتابة وتدبير واستيلاد وأما أسبابه فستة تطوع ابتغاء الأجر إذ هو من أفضل الأعمال وباقيها واجبة وهي عتق في النذر وهي الكفارات والعتق بالمثلة والعتق بالتبعيض والعتق بالقرابة فأما المثلة فمن مثل بعبده عمدا مثلة بينة عوقب وعتق عليه كقطع أنملة أو طرف أذن أو أرنبة أنف أو قطع بعض الجسد وليست الجراح بمثلة إلا أن صار بذلك ذا شين فاحش ومن حلف أن يضرب عبده مائة سوط عجل عتقهقبل الضرب عند أصبغ لا عند ابن الماجشون واتفقا على العتق في الزيادة على المائة ولا يعتق بالمثلة إلا بالحكم وقال أشهب بالمثلة يصير حرا وقال قوم لا يعتق بمثلة وأما تبعيض العتق فمن أعتق بعض عبده أو عضوا منه عتق سائره عليه وفيعتقه بالسراية أو بالحكم روايتان وقال أبو حنيفة والظاهرية يعتق منه ما أعتق ويستسعى العبد في الباقي ولو أعتق نصيبا له في عبد قوم عليه الباقي فغرم لشريكه قيمة نصيبه وعتق جميع العبد وقال أبو حنيفة الشريك مخير بين ثلاثة أشياء أن يعتق نصيبه أو يأخذ قيمته أو يستسعى العبد ويشترط في المذهب في تكميل العتق ثلاثة شروط ( أحدها ) أن يعتق نصيب نفسه أو الجميع فلو قال أعتق نصيب شريكي كان لغوا ( الثاني ) أن يكون موسرا فإن كان معسرا لم يلزمه شيء وعتق من العبد ما أعتق وبقي سائره رقيقا وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يسعى العبد في قيمة حظ من لم يعتق وقال مالك لا يسعى العبد إلا أن تطوع سيده بذلك ( الثالث ) أن يحصل العتق باختياره أو بسببه فلو ورث نصفه قريبه لم يحصل العتق ولو وهب له أو اشتراه سرا وإنما تحصل السراية بالتقويم وقيل بنفس عتق البعض وعلى الأول لو أعتق الشريك حصته نفذ ولو باعها قوم على المشتري وقيل يرد البيع وأما العتق بالقرابة فسببه دخولهم في الملك فيعتق عليه عند الجمهور خلافا للظاهرية من دخل في ملكه بشراء أو ميراث أو غير ذلك من أصوله ما علت وفصوله ما سفت ويلحق بهم إخوته الشقائق أو لأب أو لأم في المشهور خلافا للشافعي وزاد وهب العم وقيل كل ذي رحم محرمة وفاقا لأبي حنيفة ( فرع ) إذا أعتق أحد عبيده في صحته قبل قوله فيمن يعين منهم ( فرع ) إذا شك في عتق عبده لم يجز له أن يسترقه وإن أعتق أحد عبديه ثم نسي أيهما كان وجب عليه عتقهما ( فرع ) من حلف بعتق عبده ثم مات قبل أن يبر يمينه عتق العبد من ثلثه ( فرع ) يلزم عتق الجنين في بطن أمه إذا كان الحمل ظاهرا واختلف إذا كان غير ظاهر ( فرع ) إذا قال كل أمة اشتريتها فهي حرة لم يلزمه شيء وإذا قال كل عبد اشتريته فهو حر فاختلف فيه هل يلزمه أم لا ( فرع ) للسيد أن ينتزع مال عبده ومال المعتق إلى أجل ما لم يقرب الأجل وليست السنة قربا ومال أم الولد والمدبر ما لم يمرض فإذا أعتق العبد تبعه ماله إلا أن يستثنيه سيده ببينة فإن لم تكن إلا دعواه لم يصدق وكان القول قول العبد مع يمينه وله رد اليمين وقال أبو حنيفة وابن حنبل مال العبد لسيده
الباب الثاني في الولاء
والولاية خمسة أنواع ولاية الإسلام ولا يورث بها إلا مع عدم غيرها وولاية الحلف وولاية الهجرة وكان يتوارث بهما أو الإسلام ثم نسخ وولاية القرابةوولاية العتق والميراث بهما ثابت ومقصودنا ولاية العتق وحكمها العصوبة وهي تفيد الميراث وولاية النكاح وتحمل العقل وفيها فصلان ( الفصل الأول ) في بيان الموالي المولى الأعلى وهو معتق العبد بأي نوع من أنواعالعتق أعتقه أو معتق أبيه أو جده أو أمه وهو وارث المولى الأسفل العتيق ووارث أولاده وأحفاده ووارث كل من أعتقه العتيق أو من أعتقه عتيق العتيق على ترتيب نذكره وذلك أنه إذا مات عبد بعد أن عتق فإن كان له عصبة ورثه عصبته دون مولاه فإن لم تكن له عصبة ورثه مولاه وهو المعتق أو معتق المعتق في عدم المعتق فإذا انفرد أخذ المال كله وإن كان مع ذوي سهام أخذ ما يفضل عنهم فإن كان المتوفي حرا في الأصل غير معتق كان الولاء لمن أعتق جده هكذا ما ارتفع وعلا فإن لم يكن في آبائه عتيق لم يرثه موالي أمه إلا إن كان منقطع النسب كولد الزنى والمنفي باللعان أو كان آباؤه كفارا فحينئذ يرثه موالي أمه إن كانت معتق فإن كانت حرة غير معتقة كان الولاء لموالي أبيها فإن لم يكن أبوها عتيقا لم يرثه موالي أمها إلا إن كانت هي منقطعة النسب وهكذا ترتيب الموالي أبدا فيما علا من الآباء والأمهات فرع من أعتق عبده عن نفسه فله الولاء إجماعا فإن أعتقه عن غيره فالولاء للمعتق عنه علم به أو لم يعلم خلافا لهما ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته ومن أسلم على يديه رجل لم يكن ولاؤه له خلافا لأبي حنيفة ومن سيب عبده فولاؤه للمسلمين خلافا لهم ومن أعتق عبده عن الزكاة فولاؤه للمسلمين ( الفصل الثاني ) في انتقال الولاء وإذا مات المولى الأعلى انتقل إلى ابنه الذكر ثم ابنه ما سفل والأقرب يحجب الأبعد فإن فقد العمود الأسفل فإن فقد الأب انتقل الولاء للأخ الشقيق ثم إلى الأخ للأب ثم إلى ابن الأخر الشقيق ثم إلى ابن الأخ للأب ثم الجد ثم العم للأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم للأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم للأب وقال الشافعي يقدم الجد على الأخوة وأبنائهم بيان لا ينجر ميراث الولاء إلى المرأة وإنما ترث بالولاء من أعتقته أو من أعتقت من أعتقه إن عدم من أعتقه أو ذرية من أعتقه أو من أعتقه من أعتقه لا من أعتقه موروثها تلخيث المولي أربعة أقسام معتق الميت ومعتق معتق الميت ومعتق والد الميت أو جده وهؤلاء الثلاثة يرثون سواء كانوا ذكورا أو إناثا الرابع وارث هؤلاء فلا ينجر إليه الميراث إلا إن كان ذكرا عاصبا
الباب الثالث في الكتابة
وهي مندوبة وأوجبها الظاهرية وفيه فصلان( الفصل الأول ) في أركانها وهي أربعة المكاتب والمكاتب والعوض والصيغة وذلك أن معنى الكتابة شراء العبد نفسه من سيده بمال يكسبه العبد فالسيد كالبائع والعبد كالمشتري ورقبته كالمثمون والمال الثمن فأما السيد فهو كل مالك غير محجور صحيح وكتابة المريض كعتقه من الثلث إلا أن أجازه الورثة وقيل يصح كالبيع إذا لم تكن محاباة ويجوز أن يكاتب المكاتب عبده خلافا لأبي حنيفة ويكاتب الوصي عن محجوره وأما العبد فله شرطان ( أحدهما ) أن يكون قويا على الأداء واختلف في الصغير الضعيف عن الأداء هل يكاتب أم لا وكذلك الأمة التي لا صنعة لها ( الثاني ) أن يكاتب العبد كله فلو كاتب نصف عبده لم يجز ولو كاتب من نصفه حر لجاز لحصول كمال الحرية ولو كاتب أحد الشريكين لم يصح وإن أذن شريكه خلافا لهما ولو كاتباه معا جاز وإذا جمع في الكتابة أكثر من عبد واحد جاز وكان بعضهم ضامنا عن بعض بمضمن عقد الكتابة وقال أبو حنيفة إنما يلزم ضمان بعضهم عن بعض بمجرد الشرط وقال الشافعي لا يجوز بعثد ولا بشرط وأما المال فشرطه كشروطه في البيع إلا أنه يجوز على عبد غير موصوف مسامحة ويكون للسيد الوسط خلافا للشافعي ويشترط أن يكون منجما مؤجلا فإن لم يذكر الأجل نجمت عليه بقدر سعاية مثله وتجوز حالة وتسمى قطاعه خلافا للشافعي ويستحب أن يسقط السيد عن العبد شيئا منها وأما لصيغة فهي أن يقول كاتبت على كذا وكذا في نجم أو نجمين أو أكثر وإن لم يقل أن أديته فأنت حر لأن لفظ الكتابة يقتضي الحرية فإن قال له أنت حر على ألف فقيل عتق في الحال والألف في ذمته كمديان ( الفصل الثاني ) في أحكامها وفيه ست مسائل ( المسألة الأولى ) يحصل العتق بأداء جميع العوض فإن بقي منه شيء لم يعتق وإن عجز عن أداء النجوم أو عن أداء نجم منها رق وفسخت الكتابة بعد أن يتلوم له الأيام بعد الأجل فلو امتنع من الأداء مع القدرة لم يفسخ وأخذ من ماله وليس له تعجيز نفسه إن كان له مال ظاهر خلافا لابن كنانة فإن لم يكن له مال ظاهر كان له تعجيز نفسه وقال سحنون لا يعجزه إلا السلطان ( المسألة الثانية ) لو عجل النجوم قبل الأجل أجبر السيد على القبول فإن كان السيد غائبا ولا وكيل له دفع ذلك إلى الإمام وأنفذ له عتقه ( المسألة الثالث ) تنفسخ الكتابة بموت العبد وإن خلف وفاء إلا أن يكون له ولد يقوم بها فيؤديها حالة ثم له ما بقي ميراثا دون سائره ولده ( المسألة الرابعة ) لا يصح بيع رقبة المكاتب ولا انتزاع ماله ويجوز بيع كتابته خلافا للشافعي وعلى المذهب يبقى مكاتبا فإن وفى عتق وولاؤه لبائعها لا لمشتريها وإن عجز أرقه مشتريها ويشترط في ثمنها التعجيل لئلا يكون بيع دين بدين والمخالفة لجنس ما عقدت الكتابة به لئلا يكون ربا ( المسألة الخامسة ) المكاتب في تصرفاته كالحر إلا فيما تربع فلا ينفذ عتقه ولا هبته ولا يتزوج بغير إذن سيده ولا التسري بغير إذنه ( المسألة السادسة ) تسري الكتابة من المكاتبة إلى ولدها الذي تلده بعد الكتابة من زنى أو نكاح وكذا ولد المكاتب الذي حدثوا منأمته بعد عقد كتابته يتبعونه كما له دون من كان قبل عقد الكتابة إلا أن يشترطهم معه في عقد كتابته فيعتقون بعتقه
الباب الرابع في التدبير وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في أركانه وهي ثلاثة المدبر وهو المالك غير المحجور والمدبر وهو العبد والصيغة وهي قوله أنت حر عن دبر مني أو قد دبرتك أو أنت حر بعد موتي تدبيرا أو ما أشبه ذلك فيعتق بعد موته وليس للسيد الرجوع في التدبير بخلاف الوصية بالعتق فله الرجوع فيها وسوى الشافعي وابن حنبل بينهما في جواز الرجوع فإن قال أنت حر بعد موتي فحمله ابن القاسم على الوصية حتى يعلم أنه أراد التدبير وعكس أشهب خلافا لأبي حنيفة ( الفصل الثاني ) في أحكامه وفيه ست مسائل ( المسألة الأولى ) إذا مات السيد أخرج المدبر من ثلثه فإن ضاق الثلث عنه عتق منه مقدار ثلث المال وبقي سائره رقيقا وقال أهل الظاهر يخرج من رأس المال وعلى مذهب الجمهور يقوم المدبر وينظر كم ترك سيده من مال فيجمع إلى قيمته وينظر كم ثلث الجميع ويمسى الثلث من قيمة المدبر فإن كان الثلث مثل ذلك أو أكثر عتق جميعه وإن كان أقل عتق منه مقدار نسبته من الثلث مثال ذلك لو مات وترك مدبرا قيمتهعشرون دينارا وترك معها أربعين دينارا فتركته ستون دينارا أعتق جميع المدبر لأن قيمته ثلث التركة ولو كانت قيمة المدبر ثلاثين وترك السيد معها ثلاثين عتق منه الثلثان لأن ثلث التركة ثلثان من قيمته فإن لم يكن له مال غيره عتق ثلثه ( المسألة الثانية ) إذا دبر عبدين فأكثر فإن وسعهم الثلث عتقوا كلهم وإن لم يسعهم عتق الأول فالأول فإن دبرهم في كلمة واحدة تحاصوا في الثلث وذلك بأن يسمى الثلث من قيمة جميعهم فيعتق كل واحد منهم على تلك النسبة وكذلك إذا أوصى بعتق عبدين فأكثر في صحته فإنأوصى بذلك في مرضه أقرع بينهم إذا لم يسعهم الثلث وكذلك إن بتل عتقهم في مرضه ( المسألة الثالث ) يقدم المدبر في الصحة على المدبر في المررض ويقدم المدبر في المرض على الموصى بعتقه وذلك عند ضيق الثلث عن الجميع ( المسألة الرابعة ) في تصرفات السيد لا يجوز للسيد بيع مدبر خلافا للشافعي ويجوز له وطء مدبرته عند الجمهور بخلاف المكاتبة وله أن يستخدم المدبر والمكاتب ويؤاجرها ( المسألة الخامسة ) في مال المدبر إما في حياة سيده فهو لسيده وله انتزاعه منه ما لم تحضره الوفاة أو يفلس وليس لغرمائه اخذ ماله وأما بعد وفاة السيد فيقوم ماله معه كأنه جزء منه ويسمى مجموع قيمته وماله من الثلث حسبما تقدم فيأخذ من ماله مقدار ما يعتق من رقبته حسبما ذكرنا ( المسألة السادسة ) يبطل التدبير بقتل المدبر لسيده عمدا أو باستغراق الدين له وللتركة
الباب الخامس في أمهات الأولاد وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) فيما تصير به أم ولد فمن وطىء أمته فحملت صارت له أم ولد سواء وضعته كاملا أو مضغة أو علقة أو دما إذا علم أنه حمل وقال أشهب لا تكون أم ولد بالدم المجتمع وقال الشافعي لا تكون ام ولد حتى يتم شيء من خلقته عين أو ظفر أو شبه ذلك ومن تزوج أمة ثم اشتراها وهي حامل منه فاختلف هل تصير بذلك الحمل أم ولد أم لا ولا تكون أمة العبد أم ولد له بما ولدت في حال العبودية واختلف في المدبر والمكاتب ولمعتق إلى أجل ( الفصل الثاني ) في أحكام أم الولد أما في حياة السيد فأحكامها أحكام المملوكة في منع الميراث وفي الحد في الزنى وغير ذلك ولسيدها وطؤها إجماعا ولا يجوز له استخدامها إلا في الشيء الخفيف ولا مؤاجرتها خلافا للشافعي ولا يجوز له بيعها عندالجمهور وفاقا لعمر وعثمان رضي الله عنهما وأجازه الظاهرية وفاقا لأبي بكر وعلي رضي الله عنهما وإن جنت جناية لم يسلمها كما يسلم الأمة بل يفكها بالأقل من أرش الجناية أو قيمة رقبتها وأما إذا مات السيد عتقت أم ولده من رأس ماله وإن لم يترك مالا غيرها ولحقت بالأحرار في الميراث والحد والجناية وغير ذلك ( الفصل الثالث ) في لحوق الولد من أقر بوطء أمته لحق به ما أتت به من ولد وإن عزل عنها إذا أتت به لمدة لا تنقص من ستة أشهر ولا تزيد على الأكثر من مدة الحمل وسواء أتت به في حياته أو بعد موته أو بعد أن أعتقها إلا أن يدعي الاستبراء ولم يطأها بعده فيصدق ولا يلحقه الولد واختلف هل يصدق بيمين أو بغير يمين وينفي الولد عن نفسه بغير لعان فإن لم تأت بولد وادعت أنها ولدت منه لم تصدق ولم تكن له أم ولد حتى تشهد بها بالولادة منه امرأتان وأما إن أنكر الوطء فأقامت به عليه شاهدين وأتت بولد فالصواب أن ذلك بمنزلة إقراره بالوطء
الكتاب العاشر في الفرائض والوصايا وفيه مقدمة وعشرة أبواب & المقدمة إذا مات الإنسان أخرج أولا من رأس ماله ما يلزم في تكفينه وإقباره ثم الديون على مراتبها ثم تخرج الوصية من ثلثه ثم يورث ما بقي بيان الأشياء التي تخرج من الثلث قبل الميراث مرتبة إن ضاق عنها الثلث فيبدأ أولا بالمدبر في الصحة ثم الزكاة التي فرط فيها إن أوصى بها ثم المعتق بتلافي المرض والمدبر في المرض معا ثم الموصى بعتقه بعينه ثم المكاتب ثم الحج والرقبة الموصى بها غير معينة وقال أشهب زكاة الفطر بعد الزكاة المفروضة وقال ابن الماجشون يقدم صداق المرأة المتزوجة في المرض على المدبر في الصحة خلافا لابن القاسم
الباب الأول في عدد الوارثين وصفة الورثة
أساب التوارث خمسة نسب ونكاح وولاء عتق ورق وعبودية وبيت المال والوارثون عند أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت ومالك والشافعي هم الذين أجمع على توريثهم لا غير فمن الرجل خمسة عشر الابن وابن الإبن وإن سف والأب والجد وإن علا والأخ الشقيق والأخ للأب والأخ للأم وابن الأخ الشقيق وابن الأخ للأب والعم الشقيق والعم للأب وابن العم الشقيق وابن العم للأب والزوج والمولى ومن النساء عشر البنت وبنت الابن وإن سفل والأم والحدة للأم والجدة للأب والأخت الشقيقة والأخت للأب والأخت للأم والزوجة والمولاة وزاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبدالله بن مسعود وأبو حنيفة وابنحنبل توريث الأرحام وهم أربعة عشر أولاد البنات وأولاد الأخوات وبنات الأخ وبنات العم والخال وولده والعمة والخالة وولدهما والجد للأم والعم للأم وابن الأخ للأم وبنت العم وأجمعوا أنهم لا يرثون مع العصبة أصلا ولا مع ذوي السهام إلا ما فضل عنهم وأما صفة الورثة ففرض وتعصيب فصاحب الفرض يأخذ سهمه ولايتعداه والعاصب أن انفرد أخذ المال كله وإن كان مع ذوي السهام أخذ ما يفضل بعدهم وإن لم يفضل بعدهم شيء لم يأخذ شيئا والوارث في ذلك أربعة أقسام ( الأول ) لا يرث إلا بالفرض وهم ستة الأم والجدة والزوج والزوجة والأخ للأم والأخت للأم ( الثاني ) لا يرث إلا بالتعصيب وهم الابن وابن الابن والأخ الشقيق وللأب والعم وابن الأخ وابن العم والمولى والمولاة ( الثالث ) من يرث بهما وقد يجمع بينهما وهما ثانان الأب والجدة فإن كان أحد منهخما يرث سهمه فإن فضل بعد ذوي السهام شيء أخذه بالتعصيب ( الرابع ) من يرث بهما ولا يجمع بينهما وذلك أربعة أصناف من النساء البنت وابن الإبن والأخت الشقيقة وللأب فإن كان مع كل واحدة منهن ذكر من صنفها ورثت معه بالتعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يكن معها ذكر ورثت بالفرض والأخوات الشقائق وللأب عصبة مع البنات فرعان الأول من كان له سببان للميراث فإن كانا جائزين ورث بهما كالزوج يكون ابن عم فيرث سهما بالزوجية ويعصب القرابة وكذلك الأخ للأم يكون ابن عم عند الثلاثة وفاقا لزيد وعلي رضي الله عنهما فإن كانا ابني عم أحدهما أخ لأم ورث الأخ للأم السدس واقتسما الباقي بالتعصيب عند علي وزيد والثلاثة وقال ابن مسعود وداود وأبو ثور المال كله لصاحب السببين وإن كان السببان غير جائزين كأنكحة المجوس ورث بأقواهما وسقط الأضعف كالأم تكون أختا وقال أبو حنيفة وابن حنبل يرث بهما ومن تزوج أمه أو ابنته أو أخته على جهل فولدت منه ورثته بالنسب لا بالزوجية وورثه ولدها ( الفرع الثاني ) من لم تكن له عصبة ولا مولى فعاصبه بيت مال المسلمين يحوز جميع المال في الانفراد ويأخذ ما بقي بعد ذوي السهام عند زيد والإمامين وقال علي وابن مسعود وأبو حنيفة وابن حنبل يرد الباقي على ذوي السهام فإن لم يكونوا فلذوي الأرحام وحكى الطرطوشي عن المذهب أنه يعصب لبيت المال إذا كان الإمام عدلا وإن لم يكن عدلا رد على ذوي السهام وذوي الأرحام وحكي عن ابن القاسم من مات ولا وارث له تصدق بماله إلا أن يكون الإمام كعمر بن عبدالعزيز
الباب الثاني في الحجب والسهام
( والحجب نوعان ) حجب اسقاط وحجب نقص فأما حجب الاسقاط فلا ينال ستة من الوراث وهم الابن والبنت والأم والأب والزوج والزوجة وأما غير هؤلاء فقد يحجبون عن الميراث فأما ابن الإبن وبنت الإبن فيحجبهما الإبن خاصة والقري من ذكور الحفدة يحجب البعيد من ذكورهم وإناثهم والجد يحجبه الأب خاصة ويحجب الحد القريب البعيد وأما الأخ الشقيق والأخت الشقيقة فيحبجهما الابن وابن الابن وإن سفل الأب وأما الأخ للأب والأختللأب فيحجبهما الشقيق ومن حجبه ولا تحجبهما الشقيقة وأما ابن الأخ الشقيق فيحجبه الجد والأخ للأب ومن حجبه وأما ابن الأخ للأب فيحجبه ابن الأخ الشقيق ومن حجبه وأما العم الشقيق فيحجبه ابن الأخ للأب ومن حجبه وأما العم للأب فيحجبه العم الشقيق ومن حجبه وأما ابن العم الشقيق فيحجبه العم للأب ومن حجبه وأما ابن العم للأب فيحجبه ابن العم الشقيق ومن حجبه وأما الأخ للأم والأخت للأم فيحجبهما الابن والبنت وابن الابن وبنت الابن وإن سفل الأب والجد وإن علا وأما الجدة للأم فتحجبها الأم خاصة وأما الجدة للأب فيحجبها أب والأم عند زيد والثلاثة وقال ابن مسعودوابن حنبل لا يحجبها الأب فإن اجتمع جدتان في قعدد واحد ورثتا معا السدس بينهما وإن كانت إحداهما أقرب من الاخرى حجبت القريبة البعيدة إن كانت من جهتها وحجبت القريبة التي من جهة الأم البعيدة التي من جهة الأب ولا تحجب القريبة من جهة الأب البعيدة من جهة الأم بل تشاركها خلافا لأبي حنيفة وأما المولى المعتق فيحجبه العصبة وأما السيد المالك فيمنع جميع الورثة ولا يحجبه أحد وأما حجب النقص فهو على ثلاثة أقسام نقل من فرض إلى فرض دونه ونقل من تعصيب إلى فرض إلى تعصيب فأما النقل من فرض إلى فرض فيختص بخمسة أصناف ( الأول ) الأم ينقلها من الثلث إلى السدس الابن وابن الابن والبنت وبنت الإبن واثنان فأكثر من الإخوة والأخوات سواء كانوا شقائق أو للأب أو للأم ( الثاني ) الزوج ينقله الابن وابن الإبن والبنت وبنت الإبن من النصف إلى الربع ( الثالث ) الزوجة والزوجات ينقلهن الإبن وابن الإبن والبنت وبنت الإبن من الربع إلى الثمن ( الرابع ) بنت الإبن تنقلها البنت الواحدة عن النصف إلى السدس وتنقل اثنتين فأكثر من بنات الإبن من الثلثين إلى السدس ( الخامس ) الأخت للأب تنقلها الشقيقة منالنصف إلى السدس وتنقل اثنتين فأكثر من الثلثين إلى السدس وأما النقل من تعصيب إلى فرض فيختص بالأب والجد ينقلهما الإبن وابن الإبن من التعصب إلى السدس وكذلك يرثان إذا استغرقت السهام المال وأما النقل من فرض إلى تعصيب فهو للبنت وبنت الإبن والأخت الشقيقة وللأب ينقل كل واحدة منهن فأكثر أخوها عن فرضها ويعصبها وكذلك الأخوات الشقائق وللأب يعصبهن البنات فتنقلهن البنت الواحدة فأكثر من الفرض إلى التعصيب ( تنبيه ) كل ممنوع من الميراث بمانع كالكفر والرق فلا يحجب غيره أصلا خلافا لابن مسعود وحده وكل محجوب فلا يحجب غيره إلا الأخوة فإن الأب يحجبهم وهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس وقال ابن عباس من بين سائر الصحابة والفقهاء لا يحجبهم الأب حينئذ بل يأخذون السدس الذي حجبوا الأم عنه فصل سهام الفرائض ستة النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس فأما النصف فلخمسة للزوج في عدم الولد وللبنت ولابنة الابن في عدم الإبن وللأخت الشقيقة والأخت للأب في عدم الشقيقة وأما الربع فلاثنين للزوج مع الولد وللزوجة مع عدمه سواء كانت واحدة أو أكثر وإذا كانتزوجتان فأكثر قسم بينهما بالسواء وأما الثمن فللزوجة مع الولد سواء كانت واحدة أو أكثر وأما الثلثان فلأربعة لاثنتين فأكثر من البنات ومن بنات الإبن في عدم البنات ومن الأخوات الشقائق ومن الأخوات للأب في عدم الشقائق وأما الثلث فلإثنين الأم في فقد من يردها إلى السدس والإثنين فأكثر من الإخوة للأم ذكورهم وإناثهم وأما السدس فلسبعة الأم والأب والجد مع وجود من يردهم إليه والجدة أو الجدتين إذا اجتمعتا وللواحدة فأكثر من بنات الإبن مع البنت وللواحدة فأكثر من الأخوات للأب مع الشقيقة وللواحدة من الإخوة للأم ذكرا كان أو أنثى
الباب الثالث في بسط الفرائض وترتيبها على الوارث
أما الإبن فإن انفرد أخذ المال وإن كان ابنان فأكثر قسموه بالسواء وإن اجتمع ذكور وإناث فللذكر مثل حظ الأنثيين وأما البنت فإن كانت واحدة دون ابن فلها النصف وإن كان ثلاث بنات فأكثر فلهن الثلثان بإجماع وإن كان ابنتان فلهما الثلثان أيضا عند زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما والأربعة خلافا لابن عباس فلهما عنده النصف وأما ابن الإبن فإذا عدم قام مقامه وإن كان مع بنت أو بنات أخذ ما بقي بالتعصيب وأما بنت الإبن فإن كان معها ابن ابن في درجتها أو دونها عصبها فورثت معه للذكر مثل حظ الأنثيين سواء كانت واحدة أو أكثر وإن لم يكن معها ابن ابن فإن كانت معها بنت واحدة أخذت بنت الإبن السدس تكملة السدسين سواء كانت واحدة أو أكثر وإن كان معها بنتان أو أكثر لم يكن لبنت الابن شيء إلا أن كان معها ابن ابن في درجتها أو دونها فتأخذ معه ما بقي بالتعصيب وإن لم يكن معها بنت قامت مقامها فورثت بنت الإبن النصف إن كانت واحدة أو الثلثين إن كانتا اثنتين فأكثر وإذا اجتمع بنات ابن بعضهم أعلى من بعض قامت العليا مقام البنت ومن دونها مقام بنت الإبن في جميع ما ذكر فتأخذ العليا النصف وتأخذ الوسطى السدس تكملة الثلثين وتسقط السفلى إلا أن يكون معها ابن في درجتها أو دونها فيعصبها وإن كان مع الوسطى ابن ابن في درجتها أو دونها عصبها وحجب من دونها من ذكر أو أنثى وإن كانت العليا اثنتين فأكثر فلهما الثلثان وتسقط الوسطى ومن دونها إلا أن كان معهن ذكر في درجتهن أو سفل منهن وأما الأب فإن انفرد حاز المال بالتعصيب وإن كان مع ابن أو ابن ابن أخذ السدس خاصة وإن كان مع بنت أو بنت ابن أو سائر ذوي السهام أخذ السدس بالفرض وأخذ ما بقي بالتعصيب وأما الأم فلها الثلث إلا مع ابن أو ابن ابن أو بنت ابن أو اثنتين فأكثر من الإخوة أو الأخوات فلها السدس وقال ابن عباس لا يحجبها الأخوة عن الثلث إلا إن كانوا ثلاثة ولا يحجبها عنده اثنان خلافا لسائر الصحابة والفقهاء وإذا كانت في الفريضتين الفراوين وهما أبوأم وزوجة أو أب وأم وزوج ففرضها ثلث ما بقي بعد الزوج أو الزوجة وهو الربع في الأولى والسدس في الثانية وللأب الثلثان مما بقي بعدهما وأما الجد فيقوم مقام الأب في عدمه إلا مع الأخوة وذلك أنه إذا انفرد المال وإن كان مع ابن أو ابن ابن أخذ السدس خاصة وإن كان مع بنت أو بنت ابن أو مع سائر ذوي السهام أخذ السدس بالفرض وما بقي بالتعصيب ويحجب الأخوة للأم وإن كان مع أخوة شقائق أو لأب لم يحجبهم عند عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود ومالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم وقال أبو بكر وابن عباس وعائشة وأبو حنيفة والزني رضي الله عنهم أجمعين الجد يحجب الأخوة وإذا فرعنا على المذهب الأول فله الأرجح مع حالتين أما الثلث من المال كله أو مقاسمة الأخوة كذكر منهم فإن كان مع أخذ واحد أو ثلاث أخوات فأقل فالمقاسمة له أفضل وإن كن خمس أخوات أو ثلاث أخوة فأكثر فالثلث له أفضل وإن كن أربع أخوات أو أخوين استوت المقاسمة والثلث وإذا اجتمع معه أخوة شقائق ولأب عد عليه جميعهم وأخذ هو كذكر ثم يأخذ الأشقاء ما أصاب الأخوة للأب لأنهم يحجبونهم مثال ذلك أن يترك الميت جدا وأخا شقيقا وأخا لأب فإن الأخ الشقيق يعاد الجد بالأخ للأب فيكون للجد الثلث وهو الذي تعطيه المقاسمة ولولا المعادة لكان للجد النصف في المقاسمة ثم يأخذ الشقيق الثلث الذي للأخ للأب فيكون له الثلثان ولو كان مع الأخ الشقيق أخت فالقسمة من خمسة للشقيق اثنان وللجد اثنان وللأخت واحد ثم يأخذ الشقيق الواحد من الأخت وإن كان مع أخ الأب وأخت شقيقة فالقسمة أيضامن خمسة ثم تأخذ الشقيقة تمام فرضها وهو النصف من يد الأخ تكميل وإذا اجتمع مع الجد أخوة وذوو سهام كان له الأرجح من ثلاثة أشياء السدس من رأس المال أو ثلث ما بقي بعد ذوي السهام أو مقاسمة الأخوة كذكر منهم إلا في فريضة يقال لها الخرقاء وهي أم وجد وأخت فقال مالك وزيد للأم الثلث وما بقي يقتسمه الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وقال أبو بكر وابن عباس لا شيء للأمت وقال علي للأم الثلث وللأخت النصف وللجد ما بقي وهو السدس بيان لا يفرض للأخت مع جد بل ترث معه في البقية إلا في الفريضة الأكدرية وتسمى الغراء وهي زوج وأم وجد وأمت شقيقة أو لأب فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس ويعال للأخت بالنصف ثم يرد الجد سدسه ويخلط نصيبه مع نصيب الأخت ثم يقتسمانه للجد ثلثان وللأخت ثلث وتصح الفريضة من سبعة وعشرين للجد ثمانية وللأخت أربعة وللزوج تسعة وللأم ستة هذا مذهب زيد ومالك وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللأخت النصف وللجد سدس وللأم سدس على جهة العول وإن كان مكانها أختان فأكثر سقط العول لأن الأم لا تأخذ مع الأختين إلا السدس ويقاسم الجد الأختين وإن كان مكان الأخت أخ شقيق أو لأب لم يكن له شيء لأنه عاصب لم يفضل له شيء بعد ذوي السهام فإن كان فيها أخ لأب وأخوة لأم فهي الفريضة المالكية وذلكأن تترك المتوفاة زوجا وأما وجدا وأخا لأب وأخوة لأم فمذهب مالك أن للزوج النصف وللأم السدس وللجد ما بقي ولا يأخذ الأخوة لأم شيئا لأن الجد يحجبهم ولا يأخذ الأخ للأب شيئا لأن الجد يقول له لو كنت ( دوني لم ترث شيئا لأن ذوي السهام يحصلون المال بوراثة الأخوة للأم فلما حجبت أنا الأخوة للأم كنت أحق به ) ومذهب زيد أن للجد السدس وللأخ ما بقي بعد ذوي الهام دون الأخ ومذهب زيد أن للجد السدس خاصة ويأخذ الأخ ما بقي كالحكم في التي قبلها تلخيص مسائل الجد إن له ستة أحوال ( الأولى ) أن ينفرد فيأخذ المال ( الثانية ) أن يكون مع ابن أو ابن ابن فله السدس خاصة ( الثالثة ) أن يكون مع ذوي السهام فله السدس وما بقي بالتعصيب ( الرابعة ) أن يكون مع أخوة شقائق خاصة أو مع أخوة لأب خاصة فله الأرجح من حالتين الثلث والمقاسمة ( الخامسة ) أن يكون مع مجموع الأخوة الشقائق والأخوة للأب فله الأرجح من الحالتين مع المعادة ( السادسة ) أن يكون مع الأخوة ومع ذوي السهام فله الأرجح من ثلاثة أحوال وقد تقدم بسط ذلك كله وأما الجدة ففرضها السدس سواء كانت واحدة أو أكثر حسبما تقدم في الحجب ولا ترث إلا أربع جدات أم الأم وأمهاتها وأم الأب وأمهاتها ولا ترث أم الجد عند مالك خلافا لزيد وعلي وابن عباس وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعلى المذهب لا يجتمع في الميراث إلا جدتان لاأكثر وعلى غيره قد يجتمع ثلاث ( تنبيه ) ذكر القاضي عبد الوهاب مسألة فيها ست وثلاثون جدة وقال السهيلي إنما تتصور في أمة بين شركاء وطئها جميعهم وألحق الولد بهم كلهم على قول من يرى ذلك ثم مات الولد بعد آبائه فورثه أمهاتهم وهن الجدات وأما الأخ الشقيق وللأب لم يحجبهما غيرهما فميراثهما كالأولاد إذا انفرد أخذ المال وإن كان أخوان فأكثر اقتسموه بالسواء وإن كان ذكرا وأنثى فللذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان مع ذوي السهام اقتسموا ما يفضل بعدهم وإن لم يفضل شيء لم يرثوا وأما الأخت الشقيقة فإن كانت مع شقيق ورثت معه بالتعصيب فإن كانت دون أخ شقيق فلها فلها النصف وإن كانت أختان فأكثر فلهن الثلثان بالسواء وإن كانت مع بنت فأكثر فهي عاصبة لأن الأخوات عصبة مع البنات عند زيد والأربعة وقال داود لا ترث الأخت مع البنت وأما الأخت للأب فإن كانت مع أخ الأب ورثت معه بالتعصيب وإن كانت دونه ودون أخت شقيقة تنزلت منزلة الشقيقة فللواحدة النصف وللاثنتين فأكثر الثلثان وتعصب البنات كما تعصبهن الشقيقة وإن كانت مع أخت شقيقة واحدة فلها السدس تكملة للثلثين سواء كانت واحدة أو أكثر وإن كانت مع أختين شقيقتين فأكثر لم يكن لها شيء إلا أن يعصبها أخ الأب وأما الأخ للأم والأخت للأم فلا يرثان إلا مع عدم العمودين الأعلى والأسفل وتلك الكلالة وللواحد السدس سواء كان ذكرا أم أنثى وللاثنين فأكثر الثلث سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو مختلطين وللذكر مثل حظ الأنثى الواحدة وشذ في مسائلهم الفريضة المسماة بالحمارية وبالمشتركة وهي زوجوأم وأخوة شقائق وأخوة الأم فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة للأم الثلث وفرغ المال فيقول الأشقاء هب إن أبانا كان حمارا فيرث بأمنا فيحسبون أخوة لأم فيرثون الثلث مع الأخوة للأم للذكر مثل حظ الأنثى هذا مذهب عمر وعثمان وزيد ومالك والشافعي رضي الله عنهم أجمعين لا شيء للشقائق وأما ابن الأخ والعم وابن العم فهم عصبة إن انفرد واحد منهم أخذ المال وإن كانوا اثنين فأكثر اقتسموه بالسواء إن انفرد واحد منهم أخذ المال وإن كانوا اثنين فأكثر اقتسموه بالسواء وإن كانوا مع ذوي السهام اقتسموا ما فضل بعدهم وما لم يفضل شيء لم يرثوا وأما المولى فذكر حكمه في باب الولاء من كتاب العتق بيان الفرائض الشاذة هي الفراوان والخرفاء والاكدرية والمالكية وأختها والمشتركة وكلهم قد ذكرت في هذا الباب ( تنبيه ) مذهب مالك موافق لمذهب زيد في الفرائض كلها إلا في المالكية وأختها وتوريث الجدة الثالثة
الباب الرابع في موانع الميراث
وهي عشرة ( المانع الأول ) اختلاف الدين فلا يرع كافر مسلما إجماعا ولا يرث مسلم كافرا عند الجمهور ولا يرث كافر كافرا إذا اختلف دينهما خلافا لهما ولداود وإذا أسلم الكافر بعد موت موروثه المسلم لم يرثه وكذلك ما زال مانعه بعد موت موروثه ومال مملوك الكافر لسيده بالملك فإن أعتقه لم يرثه بالولاء إن مات كافرا والمرتد في الميراث كالكافر الأصلي خلافا لأبي حنيفة وأما الزنديق فيرثه ورثته من المسلمين إذا كان يظهر الإسلام ( المانع الثاني ) الرق فالعبد وكل من فيه شعبه من رق كالمدبر والمكاتب وأم الولد والمعتق بعضه والمعتق إلى أجل لا يرث ولا يورث وميراثه لمالكه ( المانع الثالث ) قتل العمد فمن قتل موروثه عمدا لم يرث من ماله ولا دينه ولم يحجب وارثا وإن قتله خطأ ورث من المال دون الدية وحجب وهما يرثان الولاء وقال أبو حنيفة كل قاتل لا يرث إلا ثلاثة المجنون والصبي وقاتل الباغي مع الإمام وقال قوم يرث القاتل مطلقا وعكس قوم ( المانع الرابع ) اللعان فلا يرث المنفي به النافي ولا يرثه هو وإذا مات ولد الملاعنة ورثته أمه وأخوته للأم وما بقي لبيت المال وتوأما الملاعنة شقيقان وتوأما البغي للأم فقط وفي توأمي المغتصبة قولان ( المانع الخامس ) الزنى فلا يرث ولد الزنى والده ولا يرثه هو لأنه غير لاحق به وإن أقر به الوالد حد ولم يلحق به ومن تزوج أما بعد ابنة أو بنتا بعد أم لم ترثه واحدة منهما ومن تزوج أختا بعد أخت والأولى في عصمته ورثته دون الثانية ( المانع السادس ) الشك في موت الموروث كالأسير والمفقود وقد تقدم حكمها في باب النكاح ( المانع السابع ) الحمل فيوقف به المال إلى الوضع ( المانع الثامن ) الشك في حياة المولود فإن استهل صارخا ورث وورث وإلا فلا ولا يقوم مقام الصراخالحركة والعطاس في المذهب إلا أن يطول أو يرضع ( المانع التاسع ) الشك في تقدم موت الموروث أو الوارث كميتين تحت هدم وغرق فلا يرث أحدهما الآخر ويرث كل واحد منهما سائر ورثته وبذلك قال أبو بكر وزيد وابن عباس وقال علي وشريح القاضي يرث كل واحد منهما من تلاد المال دون الطارف ومعنى ذلك أنه لا يرث واحد منهما من المقدار الذي يرث من صاحبه ويرث مما سوى ذلك ( المانع العاشر ) الشك في الذكورة والأنوثة وهو الخنثى ويختبر بالبول واللحية والحيض فإن لحق بالرجال ورث ميراث الرجال وإن لحق بالنساء ورث ميراثهن وإن أشكل أمره أعطي نصف نصيب أنثى ونصف نصيب ذكر
الباب الخامس في أصول الفرائض وعولها
إذا كان الورثة كلهم عصبة فأصل فريضتهم عدد رؤوسهم فإن كانوا كلهم ذكورا فعد كل واحد منهم بواحد وإذا كانوا ذكورا وإناثا فعد الذكر بانثيين والأنثى بواحد وإذا كان فيها صاحب سهم فأصل الفريضة من مقام سهمه وأصول الفرائض سبعة أعداد وهي اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون فأما الاثنان فللنصف وأما الثلاثة فللثلث أو الثلثين أو لاجتماعهما وأما الأربعة فللربع أو لربع ونصف وأما الستة فللسدس أو لسدس ونصف أو سدس وثلث أو سدس وثلثين وأما الثمانية فللثمن أو لثمن ونصف وأما الاثنا عشر فللربع مع ثلث أو مع ثلثين أو مع سدس وأما الأربعة والعشرون فللثمن مع ثلث أو مع ثلثين أو مع سدس فصل لفرائض ذوي السهام ثلاثة أحوال ( الأولى ) أن يفضل بعضهم شيء للعصبة أو لبيت المال كزوج وأم عاصب فالفريضة من ستة للزوج ثلاثة وللأم اثنان وللعاصب ما بقي وهو واحد ( الثاني ) أن يستوفوا المال فلا يفضل شيء ولا ينقص شيء كزوج وأم وأخ لأم ( الثالث ) أن تكثر السهام حتى لا تسعها الفريضة فمذهب زيد وسائر الصحابة والأربعة وغيرهم أنه ينشأ فيها العول فيوجب نقصا لكل وارث على نسبة ميراثه وقال ابن عباس لا عول بل يقدم قوم ويؤخر آخرون وإذا فرعنا على مذهب الجمهور فإن الأصول التي تعول ثلاثة الستة والاثنا عشر والأربعة والعشرون فأما الستة فتعول إلى سبعة وإلى ثمانية وإلى تسعة وإلى عشرة مثال ذلك زوج وأخت شقيقة وأخت لأم فالمسألة من ستة لاجتماع السدس مع النصف للزوج ثلاثة وللشقيقة ثلاثة وفرع المال للأخت للأم بواحد وهو السدس فعالت إلى سبعة فصار سدسها سبعة والنصف ثلاثة أسباع فإن زادت في المسألة أخت ثانية للأم يكون بينهما اثنان فتعول إلى ثمانية وإن زاد على ذلك أم فلها سدس فتعول إلى تسعة فإن كان مع ذلك شقيقة أخرى يكون بينهما ثلثان فتعول إلى عشر وأما الاثنا عشر فتعول إلى ثلاثة عشروإلى خمسة عشر وإلى سبعة عشر مثال ذلك زوج وشقيقتان وأخ لأم للزوجة ثلاثة وللشقيقتين ثمانية وللأخ للأم السدس اثنان فذلك ثلاثة عشر فلو زاد على ذلك أخ آخر لأم لعالت إلى خمسة عشر فلو زاد مع ذلك أم لعالت إلى سبعة عشر وأما الأربعة والعشرون فتعول إلى سبعة وعشرين كزوجة وأبوين وبنتين فللبنتين ستة عشر وللام أربعة وللأب أربعة وعيل للزوجة بثلاثة فصار ثمنها تسعا وهذه الفريضة تسمى المنبرية لأن عليا رضي الله عنه أفتى فيها وهو على المنبر
الباب السادس في الإنكسار والتصحيح
ولا بد من تقديم مقدمة وهي أن كل عدد بالنسبة إلى عدد آخر لا يخلو من أن يكونا متماثلين أو متداخلين أو متوافقين أو متباينين فأما المتماثلان فلا خفاء فيهما كثلاثة مع ثلاثة أو عشرة مع عشرة وأما المتداخلان فهما اللذان يكون الأصغر داخلا تحت الأكبر يعده مرتين فأكثر حتى يفنى كدخول الثلاثة تحت الستة وتحت التسعة وتحت الخمسة عشر وأما المتوافقان بجزء ويعدهما اسم ذلك الجزء كالأربعة والستة فإنهما اتفقا بالنصف ويعد كل واحد منهما اثنان وأما المتباينان فهما ما سوى ذلك فإذا تقرر هذا فإن انقسمت مهام الفريضة على رؤوس أهلها فلا إشكال وذلك إذا تماثلا أو كان عدد الرؤوس داخلا تحت عدد السهام وإن لم ينقسم فيحتاج إلى التصحيح والإنكسار يكون على فريق واحد وعلى فريقين وعلى ثلاثة وقد يكون على أربعة في مذهب من يورث ثلاث جدات فأما الإنكسار على فريق فيكون في الموافقة والمباينة فإن تباين عدد السهام والرؤوس ضربت عدد الرؤوس في أصلي الفريضة وصحت من المجموع ثم ضربت ما بيد كل وارث فيما ضربت فيه أصل الفريضة وإن توافقا ضربت وفق عدد الرؤوس وهو الراجع في أصل الفريضة وصحت من المجموع ثم ضربت ما بيد كل وارث فيما ضربت فيه أصل الفريضة وهو الوفق ولو ضربت عدد الرؤوس بجملتها كالمتباين لصح ولكن المقصود الإختصار إلى أقل عدد صحيح تصح منه مثال ذلك خمس بنات وأم عاصب فالفريضة من ستة للبنات أربعة وهو مباين لرؤوسهن فاضرب الخمسة وهي عدد الرؤوس في أصل الفريضة بثلاثين فمن ذلك تصح ثم اضرب الأربعة التي بيد البنات في الخمسة التي ضربت فيها أصل الفريضة يكن لهن عشرون لكل واحدة أربعة وللأم السدس خمسة وللعاصب الباقي وهو خمسة فلو كان البنات ستا لكانا متوافقين بالنصف فتضرب وفق الرؤوس وهو ثلاثة في أصل الفريضة بثمانية عشر فمنها تصح ثم تضرب ما بيد كل وارث في الثلاثة فيكون للبنات اثنا عشر لكل واحدة اثنان وللأم ثلاثة وللعاصب ثلاثةوأما الإنكسار على فريقين فتنظر بين سهام كل فريق ورؤوسه كما تقدم فما تباين مع السهام أثبت عدده وما توافق أثبت وفقه ثم تنظر بين العددين المثبتين من الرؤوس أو وفقها فإن تماثلا اكتفيت بأحدهما وضربته في أصل الفريضة وإن تداخلا اكتفيت بالأكبر وضربته في أصل الفريضة وإن توافقا ضربت وفق أحدهما في كل الآخر ثم ضربت المجموع في أصل الفريضة وإن تباينا ضربت أحدهما في الآخر ثم ضربت المجموع في أصل الفريضة ثم ضربت ما بيد كل وارث فيما ضربت فيه أصل الفريضة مثال ذلك أختان وشقيقتان وزوجتان وعاصبان فأصلها من اثنى عشر وانكسرت سهام الزوجتين والعاصبين كل واحد منهما مباين لرؤوسه والرؤوس متماثلان فاضرب أحدهما وهو اثنان في أصل الفريضة بأربعة وعشرين فلو كان الزوجان أربعا لدخل فيها رؤوس العاصبين فتكتفي بالأربعة وتضربهما في أصل الفريضة بثمانية وأربعين فلو ترك أما وست أخوات شقائق وأربع أخوات لأم فالمسألة بعولها من سبعة وانكسرت سهام الشقائق على رؤوسهن وهي موافقة لهما فأثبت وفق الرؤوس وهو ثلاثة وقد انكسرت أيضا الأخوات للأم وهي موافقة لرؤوسها ووفقها اثنان وتباين الوفقان فاضرب أحدهما في الآخر بستة ثم اضرب الستة في السبعة باثنين وأربعين فمنها تصح ثم اضرب ما بيد كل وارث في الستة تلخيص يتصور في الإنكسار على فريقين اثنتا عشرة صورة وذلك أن سهام كل فريق مع أبدانهم إما أن يتفقا معا أو يتباينا أو يتفق أحدهما ويتباين الآخر فتلك ثلاثة ويتصور في كل واحد منها أربع صور وهي أن تتماثل الرؤوس والأوفاق أو تتداخل أو تتوافق أو تتباين وثلاثة في أربعة عشر ومن فهم القانون استغنى عن كثرة التمثيل وأما الإنكسار على ثلاث فرق فأحسن عمل فيها عمل الكوفيين وهو أن تنظر في الفريقين خاصة حسبما تقدم فما تلخص منها نظرته مع الثالث كما تنظر بين الفريقين فإن كان فريق رابع نظرت ما تلخص من الثلاثة معه ثم ضرب ما تلخص آخرا في أصل الفريضة ثم تضرب اعتمادا على البيان المتقدم وخوف التطويل
الباب السابع في قسمة مال التركة
إن كان المال مما يعد أو يكال أو يوزن فاقسم عدده على العدد الذي صحت منه الفريضة وإن كان عروضا أو عقارا فيقوم وتقسم قيمته أو يباع ويقسم ثمنه على عدد الفريضة فما خرج ضربت فيه ما بيد كل وارث فذلك ما يحصل له من المال وإن شئت سميت ما بيد كل وارث من أصل الفريضة فذلك الإسم نصيبه من المال مثاله زوج وأم وابن فالفرضة من اثنى عشر والمال ستون فإذاقسمته على أصل الفريضة خرج خمسة فتضربها فيما بيد كل وارث فيكون للام عشرة وللزوج خمسة عشر وللابن خمسة وثلاثون وإن سميت يكون للأم سدس المال وهو عشرة وللزوج ربعه وهو الخمسة عشر وللابن ثلاثة أسداس ونصف سدس وهو الخمسة والثلاثون فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) إذا ضم أحد الورثة في نصيبه عرضا أو عقارا وأخذ سائرهم العين فإن كانت قيمته قدر حظه فلا إشكال وإن كانت أزيد دفع لسائر الورثة ما زاد وإن كانت أقل دفع له سائر الورثة ما نقص ثم يقسم سائر الورثة ما كان في التركة من عين ويضيفون إلى ذلك ما زادهم أو ينقصون منه ما زادوه ( الفرع الثاني ) إذا كان على أحد الورثة دين للمتوفى جمع مع سائر التركة وقسم المجموع على الفريضة فإن صار للمديان من التركة مثل دينه أسقطت سهمه ودينه وقسمت باقي التركة على سائر الورثة وإن صار له أكثر من دينه أخذ الزائد من التركة وقسمت الباقي على سائر الورثة وإن صار له أقل من دينه أسقطت ما صار من دينه وتبعه سائر الورثة بالباقي على محاصتهم فيقسمون المال الحاضر على سهامهم دونه ( الفرع الثالث ) إذا طرأ دين على التركة بعد قسمة التركة انفسخت القسمة وقال سحنون لا تنفسخ ولكن صاحب الدين يأخذ من كل وارث قدر حصته
الباب الثامن في المناسخات
وهي أن يموت إنسان فلا تنقسم تركته حتى يموت بعض ورثته وقد يتسلسل ذلك فإن كان ورثة الميت الثاني هم ورثة الأول ويرثون الثاني على نحو ما ورثوا الأول فأقسم التركتين على من بقي كستة بنين وثلاث بنات ثم يموت أحد البنين عن أخوته وأخواته لا غير ثم مات ابن آخر عن الباقين ثم بنت ثم بنت أخرى وبقي أربعة أخوة وأخت فاقسم الشركة على تسعة لكل ذكر اثنان وللأنثى واحد وإن اختلف الوراث أو حظوظهم فالعمل في ذلك أن تصحح فريضة الميت الأول ثم فريضة الثاني وتقسم حظ الثاني من الفريضة الأولى على فريضته فإن انقسم صحت الفريضتان من عدد الأولى في التماثل والتداخل وأعطيت كل واحد حظه من الفريضتين إن ورث فيهما أو من الواحدة إن ورث فيها خاصة وإن لم ينقسم وذلك إذا كان سهمه موافقا للفريضة أو مباينا فإن كان مباينا فاضرب فريضته في الأولى وتصحان من المجموع وإن كان موافقا فاضرب وفق فريضته في الأولى وتصحان من المجموع ثم اضرب ما بيد كل وارث من الأولى في عدد الثانية أو وفقها وما بيد كل وارث من الثانية في نصيب الميت الثاني من الفريضة الأولى أو في وفقه واجمع لمن يرث في الفريضتين حظهمنهما مثال ذلك زوجة وشقيقة وأخ لأم وعم ثم ماتت الشقيقة عن أخيها للأم وعن العم فالفريضة الأولى من اثنى عشر وحظ المتوفاة الثانية منها ستة وفريضتها ستة فانقسمت بالتماثل وصحت الفريضتان من اثنى عشر للزوجة ثلاثة من الأولى وللأخ للأم اثنان من الأولى وواحد من الثانية وللعم واحد من الأولى وخمسة من الثانية فلو تركت الثانية ثلاثة بنين انقسمت بالتداخل فلو تركت خمسة بنين لم تنقسم للتباين فتضرب الخمية في الاثنى عشر بستين ومنها تصح الفريضتان ثم تضرب ما بيد كل وارث من الأولى في خمسة وما بيد كل وارث من الثانية في ستة وهي نصيبها من الأولى فلو تركت زوجا وثلاثة بنين لم تنقسم للتوافق فتضرب وفق الأربعة وهو اثنان في الاثنى عشر بأربعة وعشرين ثم تضرب ما بيد كل وارث من الأولى في اثنين وما بيد كل وارث من الثانية في ثلاثة وهي وفق نصيبها ( تنبيه ) ربما تتفق السهام في المناسخات بجزء واحد فينبغي أن ترد إليه ليختصر عددها ولتصح من أقل عدد يمكن
الباب التاسع في الإقرار والإنكار والصلح وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في فقه الإقرار موجبات ثبوت نسب الوارث أو ميراثه تنقسم ثلاثة أقسام ( الأول ) يثبت به النسب والميراث معا وهو ثلاثة أشياء ( أحدهما ) ذكران عدلان سواء كانا من الأقارب والورثة أو من غيرهم ( الثاني ) استلحاق الرجل ولدا أو والدا بشرط أن لا يكون للمستلحق نسب معروف وأن يصدقه على خلاف في هذا وأن يكون مثله في السن يولد للمستلحق وأن لا يتبين كذبه مثل أن يكون المستلحق عربيا والمستلحق حبشيا وقيل لا يقبل قوله حتى يثبت أن أم الولد كانت عند الوالد بنكاح أو ملك يمين وأنها أتت به لمثل مدة الولادة وإذا أقر رجل وبزوجة أو امرأة بزوج لم يقبل قولهما بغير بينة إلا أن يكونا طارئين على البلد وقال أبو حنيفة يقبل مطلقا ( الثالث ) الحاق القافه خلافا لأبي حنيفة وهم قوم من العرب لهم معرفة باشتباه القرابة فيقضي بقولهم في موضعين ( أحدهما ) اللقيط إذا ادعاه رجلان فأكثر ( الثاني ) ولد الأمة إذا وطئها رجلان فأكثر في طهر واحد فإن ألحقه القافة بأحدهم لحق به في النسب والميراث وإن ألحقوه باثنين ترك حتى يبلغ ويقال له وال من شئت منهما وقال قوم يكون ابنا لهما ( الثاني ) لا يثبت به نسب ولا ميراث وهو إقرار موروث غير الأب والابن بوارث له كأخ وابن عم إذا كان له وارث آخر بالقرابة أو بالولاء ( الثالث ) يثبت به الميراث دون النسب وذلك ثلاثة أشياء ( أحدها ) إقرار موروث غير الأب والابن بوارث وليس له وارث غيره وقال سحنون لا يثبت به ميراث ولا نسب ( الثاني ) شاهد عدل ويمين في ميراث من لاوارث له ( الثالث ) إقرار وارث بوارث آخر معه فقال مالك وأبو حنيفة يعطي المقر للمقر به من ماله ما نقصه الإقرار ولا يثبت نسبه وقال الشافعي لا يستحق ميراثا ولا نسبا إلا إن كان المقر به محيطا بالمال كله فيثبت به الميراث والنسب عنده ( الفصل الثاني ) في العمل إذا اقر وارث بوارث حيث لا يثبت النسب فإنما يأخذ المقر به ما يوجب الإقرار من نقص للمقر فإن لم يوجب له نقصا لم يأخذ شيئا كزوجة أقرت بأم وإن أقر بمن يحجبه أعطاه جميع نصيبه كابن ابن أقر بابن وإن أقر بمن ينقصه أعطاه فضل ما يحصل له في الإنكار على ما يحصل له في الإقرار والعمل في ذلك أن تصحح فريضة الإنكار ثم فريضة الإقرار وتنظر بين عدديها حتى يصحا معا معا من عدد واحد فإن كانتا مثماثلتين كفت إحداهما وأعطيت المقر به فضل ما بيد المقر في الإنكار وإن كانتا متداخلتين كفت الكبرى فقسمتها على الصغرى ثم ضربت ما بيد كل وارث من الصغرى في الخارج من القسمة وإن كانتا متباينتين ضربت إحداهما في الأخرى ثم ضربت ما بيد كل وارث من هذه في عدد هذه وما بيد كل وارث من هذه وفق هذه مثال زوج وابن أقر للابن ببنت ففريضة الإنكار من أربعة وكذلك الإقرار وبيد المقر في الإنكار ثلاثة وفي الإقرار اثنان فأعط المقر به واحدا وهو فضل ما بيد المقر فإن أقر الابن بابن كانتا متداخلتين الإنكار من أربعة والإقرار من ثمانية وبيد المقر في الإنكار ستة وفي الإقرار ثلاثة فاعط المقر به ثلاثة فإن كان ثلاثة أخوة أقر أحدهم بأخ رابع كانتا متباينتين لأن الإنكار من ثلاثة والإقرار من أربعة فتضرب إحداهما في الأخرى باثنى عشر يكون للمقر على الإنكار أربعة وعلى الإقرار ثلاثة فيأخذ المقر به واحدا بيان يتصور في هذا الباب أربع صور ( الأولى ) يتحد المقر والمقر به فالعمل على ما تقدم ( الثانية ) أن يتخذ المقر به ويتمدد المقر فيأخذ المقر به من يد كل مقر على ما نقصه الإقرار ويجمع له ذلك ( الثالثة ) أن يتحد المقر ويتعدد المقر به فيقسمون فضل ما بيد المقر على حسب محاصتهم ( الرابعة ) أن يتعدد المقر والمقر به فيأخذ كل مقر به ما بيد كل من أقر ربه ( الفصل الثالث ) في الصلح الصلح على ثلاثة أضرب ( أحدها ) أن يصالح الوارث على أن يسقط جميع نصيبه فالعمل في ذلك أن تفرض المسألة وتسقط سهمه منها وتقسم المال على البقية ( الثاني ) أن يصالح بأقل من نصيبه مثل أن يعطي ثلث حظه أو ربعه فالعمل في ذلك أن تأخذ من نصيبه الجزء الذي صالح به وتقسمه على رؤوس الورثة إن كان الصلح على الرؤوس أو على سهامهم إن كان الصلح على السهام وتدخل المصالح معهم إن اشترط ذلك وتخرجه إن لم يشترطه وتعطيه بقية نصيبه فإن انقسم الجزء فلا إشكال وإن لم ينقسم ضربت وفق الرؤوس أو السهام في الموافقة وكلها في المباينة في أصل المسألةوصحت من المجموع ثم ضربت ما بيد كل وارث فيما ضربت فيما فيه أصل المسألة ثم ضربت جزء الصلح فيما ضربت فيه أصل المسألة ثم تقسيمه وتجمع لكل وارث ما صار له من الفريضة ومن الصلح الضرب الثالث أن يصالح بأكثر من نصيبه فالعمل في ذلك أن تقسم الجزء الذي صالح به من مقامه ثم تسقط الجزء من المقام وتقسم بقية المقام على المحاصة وهي سهام سائر الورثة غير المصالح فإن انقسمت فلا إشكال وإن لم تنقسم فاضرب المحاصة أو وفقها في المقام ومن المجموع تصح ثم أعظ المصالح ما صالح عليه واقسم الباقي على سائر الورثة مثال ذلك من ترك أما وابنين وبنتا فالمسألة من ستة لأحد الابنين اثنان فإن صالح على إسقاط حظه بقيت أربعة فتقسم المال عليها وإن صالح على نصف حظه وهو واحد فاقسمه على الأربعة إن كانت القسمة على السهام وعلى الثلاثة إن كانت على الرؤوس وإن دخل المصالح معهم برأسه فاقسمها على أربعة واعمل في القسمة على ما تقدم وإن صالح على أن يكون له ثلاثة أخمال التركة فأقم مقامها وهو خمسة وأسقط منها ثلاثة واقسم الباقي وهو اثنان على سائر الورثة حسبما ذكرناه
الباب العاشر في الوصايا وفيه فصلان أحدهما في الفقه والآخر في العمل
( الفصل الأول ) أركان الوصية ثلاثة ( الأول ) الموصي وهو كل مالك حر مميز فلا تصح من العبد ولا المجنون إلا حال إفاقته ولا من الصبي غير المميز وتصح من الصبي المميز إذا عقل القربة خلافا لأبي حنيفة ومن السفيه ومن الكافر إلا أن يوصي بخمر أو خنزير لمسلم ( الركن الثاني ) الموصى له وهو كل من يتصور له الملك من كبير أو صغير حر أو عبد سواء كان موجودا أو منتظر الوجود كالحمل إلا الوارث فلا تجوز له اتفاقا فإن أجازها سائر الورثة جازت عند الأربعة خلافا للظاهرية وإذا مات الموصى له قبل الموصي بطلت الوصية ويشترط قبول الموصى له إذا كان فيه أهلية للقبول كالهبة خلافا للشافعي فرع من أوصى لميت وهو يظنه حيا بطلت الوصية اتفاقا فإن أوصى له بعد علمه بموته صحت وكانت لورثة الموصى له خلافا لهما ( الركن الثاني ) الموصى به وهو خمسة أقسام الأول يجب على الورثة تنفيذه وهو الوصية بقربة واجبة كالزكاة والكفارات أو مندوب كالصدقة والعتق وأفضلها الوصية للأقارب والثاني اختلف هل يجب تنفيذه أم لا وهو الوصية بما لا قربة فيه كالوصية ببيع شيء أو شرائه الثالث إن شاء الورثة أنفذوه أو ردوه وهو نوعان الوصية لوارث والوصية بأكثر من الثلث الرابع لا يجوز تنفيذه وهو الوصية بما لايجوز كالنياحة وغيرها الخامس يكره تنفيذه وهو الوصية بمكروه فروع عشرة ( الأول ) للموصي أن يرجع عن وصيته في صحته ومرضه إلا عن التدبير ( الثاني ) إذا أجاز الورثة الوصية بالثلث لوارث أو بأكثر من الثلث بعد موت الموصي لزمهم فإن أجازوها في صحته لم تلزمهم فإن أجازوها في مرضه لزمت من لم يكن في عياله دون من كان تحت نفقته ( الثالث ) إن أوصى لغير وارث ثم صار وارثا بأمر حادث بطلت الوصية ( الرابع ) إذا ضاق الثلث عن الوصايا تحاص أهل الوصايا في الثلث ثم إن كانت وصيته في شيء معين كدار أو عبد أو ثوب أخذ حصته من ذلك الشيء بعينه ومن كانت وصيته في غير معين أخذ حصته من سائر الثلث ( الخامس ) إذا أوصى لوارث وأجنبي فإن كان مجموع الوصيتين أقل من الثلث أخذ الأجنبي وصيته كاملة وردت الوصية للوارث وإن كان أكثر من الثلث أخذ الأجنبي منابه من الثلث ( السادس ) إذا أوصى بجزء أو سهم من ماله فتقام فريضته ويعطى الموصى له سهما واحدا فإن أوصى بشيء ولم يجعل له غاية كقوله أعطوا للمساكين كذا في كل شهر أخرج ذلك من الثلث ( السابع ) إذا أوصى بمثل نصيب أحد أولاده فإن كانوا ثلاثة فللموصى له الثلث وإن كانوا أربعة فله الربع ( الثامن ) إذا أوصى بشيء معين فتلف بطلت الوصية ( التاسع ) من أوصى وله مال يعلم به ومال لا يعلم به فالوصية فيما علم به دون ما لم يعلم به خلافا لهما إلا المدبر في الصحة فهو فيما علم وفيما لم يعلم ( العاشر ) من أوصى بشيء معين لإنسان ثم أوصى به لآخر قسم بينهما وقيل يكون للأول وقيل للثاني لأنه نسخ فإن أوصى لشخص واحد بوصيتين واحدة بعد أخرى فإن كانتا من جنس واحد كالدنانير فله الأكثر منهما وإن كانتا من جنسين فله الوصيتان معا ( الفصل الثاني ) إذا أوصى بجزء معلوم كالثلث أو الربع أو العشر أو جزء من أحد عشر أو غير ذلك ففي العمل وجهان أحدهما أن تصحح الفريضة ثم تزيد عليهما من العدد ما قبل الجزء الموصى به فإن أوصى بثلث زدت نصف الفريضة وإن أوصى بربع زدت ثلثها وإن أوصى بعشر زدت تسعها والثاني أن تنظر مقام الجزء الموصى به فتعطي للموصى له وصيته منه وتقسم الباقي على فريضة الورثة فإن انقسم صحت الفريضة والوصية من المقام وذلك في المماثلة والمداخلة وإن لم تنقسم ضربت بالمباينة عدد الفريضة في مقام الوصية وصحتا من المجموع وضربت في الموافقة راجع أحدهما في كل الآخر وصحتا من المجموع مثال ذلك تركت زوجا وثلاثة بنين وأوصت بالخمس فالفريضة من أربعة فعلى الوجه الأول تزيد عليها واحدا وهو ربعها فتصحان من خمسة وعلى الوجه الثاني تأخذ مقام الخمس وهو خمسة فتعطي الموصى له واحدا وتقسم الأربعة على الفريضة فتبقى كما كانت للتماثل فلو أوصت بالثلث فعلى الوجه الأول يزيد عليها نصف الفريضة وهو اثنان وتصحان من ستة وعلى الثاني تنظر مقام الثلث وهو ثلاثة فتعطي الموصى له واحدا ويبقى اثنان لا تنقسم على الفريضة وتوافقها بالنصف فتضرب اثنين وهو راجع الفريضة في مقام الثلث وهو ثلاثة بستة ومنهاتصحان ولولا الموافقة لضربت الفريضة كلها في مقام الثلث باثنى عشر تكميل إذا تعددت أجزاء الوصية أخذت مقام كل منها فضربته في مقام الآخر إن تباينا أو في وفقه إن توافقا ويكون المجموع مقاما لجميعها مثل ما لو أوصى بثلث وربع ضربت ثلاثة في أربعة باثنى عشر أو بخمس وسدس ضربت خمسة في ستة بثلاثين أو بسدس وربع ضربت ثلاثة وهي وفق مقام السدس في تسعة وهو مقام التسع بثمانية عشر فكذلك مقام الوصايا ثم يتصور في ذلك خمس صور ( الأول ) إن جاز جميع الورثة جميع الوصايا عملت على ما تقدم وذلك أن تقيمها من مقام واحد ثم تعطي الموصى لهم جميع الوصايا وتقسم بقية المقام على الفريضة ( الثانية ) إن منع جميعهم جميعها لزمهم الثلث فإن كان لواحد أخذه وإن كان لأكثر من واحد قسم بينهم على المحاصة ( الثالثة ) إن أجاز جميعهم بعضها وردوا بعضها فلمن أجازوا له وصيته كاملة ولمن يجيزوا له نصيبه من الحصاص في الثلث لو أنهم لم يجيزوا ولا يمنعونه من ذلك ( الرابعة ) إن أجاز بعضهم جميعا ورد بعضهم جميعا لزم من إجازة ما ينوبه من جميعها ولزم من لم يجز منابه من الثلث ( الخامسة ) إن أجاز بعضهم لبعض وبعضهم لآخرين لزم كل وارث لمن أجاز له كمال وصيته ولمن لم يجز له ما ينوبه من الحصاص في الثلث والقانون في عمل ذلك كله على ما تقدم من قيمة المقام والنظر إلى التماثل والتداخل والتباين والتوافق ثم أنه تختص صورة منها وجها من العمل تركناه مخافة التطويل ( تنبيه ) بعض الناس يذكر أحكام المدبر في كتاب الفرائض وقد قدمنا حكمه في بابه من كتاب العتق فأغنى ذلك عن إعادته هنا= كتاب الجامع وهو الضابط لما شذ عن الكتب المتقدمة وهو يشتمل على علم وعمل = ثم إن العمل منه ما يتعلق بالألسنة وهي الأقوال وما يتعلق بالأبدان وبالقلوب وبالأموال وفي كل قسم مأمورات ومنهيات ومنها ما هو في خاصة الإنسان وفيما بينه وبين الناس وفي هذا الكتاب عشرون بابا
الباب الأول في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك وترحم وشرف وكرم ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم
وهو أبو القاسم ( محمد ) بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هشام بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان إلى هنا انتهى النسب الذي أجمع الناس عليه وأجمعوا على أن عدنان من ذرية إسماعيل النبي بن إبراهيم الخليل عليهما السلام واختلفوا في عدد الآباء الذي بين عدنان وإسماعيل تكميل العرب كلهم راجعون إلى أصلين أحدهما قحطان وهم أصل اليمن والآخر عدنان وهم قريش وسائر العرب وإنما يقال قريش لمن كان من ذرية النضر بن كنانة دون غيرهم وكانت قريش متفرقة في البلدان فيجمعهم بمكة قصي ولذلك قيل له مجمع وهو كان سيدهم المطاع وكان له أربعة أولاد عبد مناف وعبد العزي وعبدالدار وعدي وكان لعبد مناف أربعة أولاد هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل وكان لهاشم أربعة أولاد عبدالمطلب وأسد وأبو نضلة وصيفيوانقرض نسله إلا من عبدالمطلب وكان لعبد المطلب عشرة أولاد ذكور عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم وعمومته التسعة وأدرك الإسلام منهم أربعة حمزة والعباس رضي الله عنهما وأبو طالب وأبو لهب ومات قبل البعثة خمسة الحارث والزبير وحجل وضرار والمقدم وكانت له ست بنات أميمة وأم حكيم وهي البيضاء وبرة وعاتكة وصفية وأروى وهن عماته صلى الله عليه وسلم وأمه التي ولدته صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب
ذكر مولده ومنشئه ومبعثه وهجرته ووفاته صلى الله عليه وسلم
ولد عليه الصلاة والسلام بمكة ليلة الإثنين لثمان خلون من ربيع الأول وقيل لاثنتي عشرة ليلة منه عام الفيل وظهرت عند مولده صلى الله عليه وسلم عجائب خرج معه نور وارتج إيوان كسرى وخمدت نار فارس وكانت لم تخمد منذ ألف عام وأرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية من بني سعد بن بكر وعندها كان حين شق جبريل عليه السلام بطنه وغسل قلبه ومات أبوه وهو في بطن أمه وقيل بعد ولادته وماتت أمه وهو ابن خمس سنين وكفله جده عبدالمطلب ثم مات وخلفه وهو ابن ثمانية أعوام فكقله عمه أبو طالب شقيق أبيه وكان شفيقا عليه وناصرا له وخرج به في صغره إلى الشام فعرفه بحيرا الراهب بصفات النبوءة فأشار على عمه أن يرجع به خوفا من اليهود وكان يسمى في قريش الأمين وبعثه الله وهو ابن أربعين سنة وقيل ابن ثلاث وأربعين وأول ما جاءه جبريل وهو يتعبد بغار حراء فأنزل الله عليه سورة ( اقرأ باسم ربك ) وآمن به قوم من قريش وكفر أكقرهم وكان الكفار يفتنون المؤمنين ويعذبون من قدروا على تعذيبه حتى خرج جماعة من المؤمنين إلى أرض النجاشي ملك الحبشة فأسلم وأكرمهم ولما مات أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بموته وصلى عليه وكتبت قريش صحيفة بينهم وبين بني هاشم وبين المطلب بأن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم وحصروهم في الشعب وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأرضة قد أكلت الصحيفة فوجدوها كذلك فنقضوا أمرها وأسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس وإلى السماوات السبع وكان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب ويدعوهم إلى الله فاستجاب له الأوس والخزرج هم الأنصار على أن يحملوه إلى بلادهم وينصروه فأقام صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعث عشر سنين وقيل ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة فوصلها يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول وهو أول عام من تاريخ المسلمين وهاجر إليه أصحابه واجتمع المهاجرون والأنصار وأعز الله الإسلامفبقي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة عشر سنين حتى بلغ رسالة ربه وأكمل الله دينه فقبضه الله إليه بعد أن خيره بين الموت والعيش فاختار لقاء الله فمرض صلى الله عليه وسلم اثني عشر يوما ومات يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام أحد عشر ودفن ليلة الأربعاء وقيل يوم الثلاثاء ببيت عائشة رضي الله عنها وهو ابن ستين سنة وقيل ابن ثلاث وستين
ذكر خلقه وخلقه عليه الصلاة والسلام
أما خلقه فكان أحسن الناس وجها أزهر اللون مشبوها بحمرة رجل الشعر حسن الجمة أكحل الشعر ليس بالجعد القطط ولا بالسبط ربعة وليس بالطويل ولا بالقصير أقنى الأنف أدعج العينين حسن الثغر واسع الفم حسن العنق ضخم اليدين واضح الصدر كث اللحية واسعها بين كتفيه خاتم النبوءة وأما خلقه صلى الله عليه وسلم فجمع أكرم الشمائل وأعظم الفضائل فمنها شرف النسب صلى الله عليه وسلم وحسن الصورة وقوة الحواس ووفور العقل ودقة الفهم وكثرة العلم وفصاحة اللسان والنطق بالحكمة وكثرة العبادة والزهد والصبر والشكر والعفة والعدل والحياء والأمانة والمروءة والعفو والاحتمال والشفقة والرحمة والكرم والشجاعة والوقار والصمت والمودة والتواضع والاقتصاد والحلم وطيب النفس وسماحة الوجه وحسن المعاشرة وصدق اللسان والوفاء بالعهود وبذلك المجهود في رضى المعبود والتزام آداب العبودية والقيام بحقوق الربوبية واحتمال المشقات في جنب الله تعالى وارتكاب الأهوال العظام في دعاء الخلق إلى الله تعالى ة وشدة الخوف منه والرجاء فيه والمراقبة له والتوكل عليه والانقطاع بالكلية إليه إلى غير ذلك مما تكل عنه الأقلام وتعجز دونه الأفهام
ذكر بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم
فمنها القرآن العظيم وانشق له القمر ونبع الماء من بين أصابعه وفجر الماء في عين تبوك وبئر الحديبية وأشبع الجمع الكثير من الطعام القليل مرارا وحن إليه الجذع وانقاد إليه الشجر وسلم عليه الحجر ومسح ضرع شاة حائل فدرت وصقط عين بعض أصحابه فردها فكانت أحسن عينية وتفل في عين علي رضي الله عنه يوم خيبر وهو أرمد فبرىء من حينه وأخبر بكثير من الغيوب فوقعت على حسب ما قال وهذا الباب واسع جدا وظهرت إجابة دعائه في أمور لا تحصى وإنما ذكرنا من معجزاته ما نقل بالتواتر الذي لا شك فيه ومعجزاته صلى الله عليه وسلم ألف معجزة ظاهرة وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى
ذكر أزواج صلى الله عليه وسلم
أول ما تزوج خديجية بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى وهو ابن خمسة وعشرين سنة وبعث وهي معه فسارعت إلى تصديقه ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين وتزوج بعدها عشر نسوة ودخل بهن أولهن سودة بنت زمعة القرشية من بني عامر ثم عائشة رضي الله عنها بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولم يتزوج بكرا غيرها تزوجها بمكة وهي بنت ست سنين وبنى بها في المدينة وهي بنت تسع سنين وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزينب بنت خزيمة الهلالية وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية من بني مخزوم وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب القرشية من بني أمية وزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق من خزاعة وصفية بنت حيي بن أخطب من بني إسرائيل وميمونة بنت الحارث بن خزرالهلالية فماتت قبله زينب قبله زينب بنت خزيمة وماتت التسعة بعده صلى الله عليه وسلم وتزوج نسوة أخرى طلقهن واختلف في أسمائهن وعددهن
ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم
ولدت له خديجة رضي الله عنها القاسم الذي كان يكنى به والطيب والطاهر وقيل اسم أحدهما عبدالله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين وولدت مارية سرتيه صلى الله عليه وسلم إبراهيم ولم يولد له من غيرهما فأما الذكور فماتوا صغارا وأما الإناث فتزوجن كلهن تزوج زينب أبو العاصي بن الربيع من بني عبد شمس وتزوج أم كلثوم ورقية عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين وتزوج فاطمة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وماتت بناته صلى الله عليه وسلم في حياته إلا فاطمة ماتت بعده بستة أشهر
ذكر غزواته صلى الله عليه وسلم وحجه وعمرته
غزا بنفسه سبعا وعشرين غزوة ( أولها ) غزوة ودان وهي الأبواء ثم غزوة بواط ثم غزوة العشرية ثم غزوة بدر الأولى ثم غزوة بدر الثانية وهي يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فنصر الله الإسلام وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون وأهلك الله فيها صناديد الكفار ثم غزوة السويق ثم غزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر ثم غزوة نجران ثم غزوة بني قينقاع ثم غزوة أحد استشهد فيها حمزة وجماعة من المسلمين ثم غزوة حمراء الأسد ثم غزوة بني النضير وهم يهود ففتح حصنهم وأجلاهم ثم غزوة ذات الرقاع ثم غزوة بدر الثالثة ثم غزوة دومةالجندل ثم غزوة الخندق ثم غزوة بني قريظة وهم يهود ففتح حصنهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وذريتهم ثم غزوة بني لحيان ثم غزوة ذي قرد ثم غزوة بني المصطلق ثم غزوة الحديبة ثم غزوة خيبر فتحها وأقر اليهود فيها يعملون نخلها مساقاة ثم غزوة الفتح فتح مكة واختلف هل دخلها عنوة أو صلحا وأسلم يومئذ كافة أهلها ثم غزوة حنين وفيها رمى الكفار بقبضة من التراب فانهزموا وغنم المسلمون نساءهم وأموالهم ثم غزوة الطائف حضرها أياما ثم رحل عنها وأسلم أهلها بعد ذلك ثم غزوة تبوك إلى أرض الروم وهي آخر غزواته وبعث صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الغزو ثمانيا وثلاثين مرة في سرايا يؤمر عليهم واحدا منهم وحج صلى الله عليه وسلم حجة الوداع بعد الهجرة عام عشرة واعتمر عمرتين عمرة القضية سنة سبع وعمرة من الجعرانة سنة ثمان
الباب الثاني ذكر خلفاء الصدر الأول إلى آخر دولة بني أمية بالمشرق
( أبو بكر الصديق رضي الله عنه ) واسمه عبدالله وقيل عتيق بن أبي قحافة القرشي من بني تيم رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار بويع يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم وسمي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خلافته عامين وثلاثة أشهر وثمانية أيام ( عمر بن الخطاب رضي الله عنه القرشي ) من بني عدي سمي بالفاروق وعز الله به الإسلام ونزل بتصديقه القرآن وكان هو وأبو بكر الصديق وزيرين للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وضجيعين له في مماته عهد إليه أبو بكر بالخلافة وهو أول من دعي بأمير المؤمنين وكثرت الفتوحات في مدته وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر ونصف شهر وقتله أبو لؤلؤة العلج النصراني وهو يصلي بالناس في المحراب ( عثمان بن عفان رضي الله عنه القرشي ) من بني أمية سمي ذا النورين لتزوجه بنتي النبي صلى الله عليه وسلم وجمع القرآن في المصاحف وجهز جيش العسرة ولي الخلافة بعد عمر بإجماع أهل الشورى وجماعة المسلمين وقتله العامة ظلما وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وعده بالجنة على ذلك وكانت خلافته اثني عشر عاما غير عشرة أيام ( علي بن أبي طالب القرشي ) من بني هاشم رضي الله عنه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسيبه وأخوه وابن عمه وأسد الحروب وبحر العلوم ومطلق الدنيا بويع يوم قتل عثمان فانتقل إلى سكنى الكوفى وكان الخلفاء قبله بالمدينة وقتله عبدالرحمن بن ملجم الخارجي الشقي ظلما وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام ( الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا بويع يوم ممات أبيه فبقي ستةأشهر ثم سلم الأمر إلى معاوية تورعا وإشفاقا من سفك الدماء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ( معاوية بن أبي سفيان القرشي ) من بني أمية كان أبوه سيد قريش وأسلم هو وأبوه يوم الفتح وكان كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم ولاه عمر الشام فبقي عليها إلى أن قتل عثمان ثم بايعه الحسن في ربيع الأول عام واحد وأربعين وسمي عام الجماعة استوطن دمشق هو وسائر خلفاء بني أمية ( يزيد بن معاوية ) هو أول من عهد إليه أبوه بالخلافة وفي أيامه قتل الحسين ابن علي رضي الله عنه وكانت وقعة الحرة بالمدينة ( معاوية بن يزيد بن معاوية ) ولي بعد أبيه فبقي أربعين يوما ثم ترك الأمر تورعا ومات بأثر ذلك ( عبدالله ابن الزبير بن العوام القرشي ) من بني أسد أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وجدته صفية بنت عبدالمطلب وهو أول مولود في الإسلام قام بمكة أول مدة يزيد فملك الحجاز والعراق وغيرهما إلى أن حاصره الحجاج وقتله بمكة أول مدة يزيد فملك الحجاز والعراق وغيرهما إلى أن حاصره الحجاج وقتله وصلبه ( مروان بن الحكم القرشي ) من بني أمية ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بعد معاوية بن يزيد ( عبدالملك بن مروان ) تمهدت له الدنيا وقتل كل من نازعه وملك بلاد الإسلام شرقا وغربا وأورث الخفاء أهل بيته وهم ( الوليد بن عبدالملك ) ثم ( سليمان بن عبدالملك ) ثم ( عمر بن عبدالعزيز بن مروان الإمام العادل ذو الفضائل المشهورة ) ثم ( يزيد بن عبدالملك ) ثم ( هشام ابن عبدالملك ) ثم ( الوليد بن يزيد ) ثم ( يزيد بن الوليد ) ثم ( إبراهيم ابن الوليد ) ثم ( مروان بن محمد بن مروان ) وهو آخرهم قتل في ربيع عام اثنين وثلاثين ومائة فجملة دولة بني أمية تسعون سنة وأحد عشر شهرا وسبعة عشر يوما
ذكر خلفاء بني العباس
قاموا بخرسان واستوطنوا بغداد وملكوا بلاد الإسلام شرقا وغربا إلا الأندلس وأفريقة ومصر في دولة بني عبيدالله وأول من ولي منهم ( أبو العباس السفاح ) واسمه عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب بويع بعد قتل مروان بن محمد وقتل كثيرا من بني أمية ثم أخوه ( أبو جعفر المنصور ) ثم ( محمد المهدي بن المنصور ) ثم ( موسى الهادي بن المهدي ) ثم ( هارون الرشيد بن المهدي ) ثم ( محمد الأمين بن الرشي ) وهو المخلوع ثم ( عبدالله المأمون بن الرشيد ) وكان عالما فاضلا ثم ( أبو اسحق المعتصم ابن الرشيد ) ثم ( الواثق بن المعتصم ) ثم ( المتوكل بن المعتصم ) ثم ( المنتصر بن المتوكل ) ثم ( المستعين ) ثم ( المهي ) وكان صالحا عادلا ثم ( المعتضد ) ثم ( المكتفي ) ثم ( المقتدر ) ثم ( القاهر ) ثم ( الراضي ) ثم المتقي ) ثم ( المستكفي ) ثم ( المطيع ) ثم ( الطائع ) ثم ( القادر ) ثم ( القائم ) ثم ( المقتدي ) ثم ( المستظهر ) ثم ( المسترشد ) ثم ( الراشد ) ثم ( المتقفي ) ثم ( المستنجد ) ثم ( المستضيء ) ثم ( الناصر ) ثم ( الطاهر )ثم ( المستنصر ) ثم ( المعتصم ) وهو آخرهم قتل ببغداد عام ستة وخمسين وستمائة فعدد خلفائهم سبعة وثلاثون ومدتهم خمسمائة وأربعة وعشرون سنة )
ذكر فتح الأندلس وذكر من ملكها
افتتحت عام اثنين وتسعين أرسل إليها موسى بن نصير عامل أفريقية في خلافة الوليد بن عبدالملك مولاه طارقا ففتحها ووجد فيها مائدة سليمان عليه السلام وغيرها من الذخائر ووليها جماعة من الولاة إلى أن انقرضت دولة بني أمية بالمشرق فخرج رجل منهم فارا بنفسه وهو عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان فدخل الأندلس وملكها عام ثمانية وثلاثين ومائة ولذلك سمي بالداخل واستوطن قرطبة وأقام بها ملكا ثم ملكها بعد ابنه ( هشام بن عبدالرحمن ) ( الحكم بن هشام ) ثم ( عبدالرحمن بن الحكم ) ثم ( محمد بن عبدالرحمن ) ثم ( المنذر بن محمد ) ثم ( عبدالله بن محمد ) ثم ( عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله ) وهو الناصر وهو أول من دعي بالأندلس بأمير المؤمنين وكان جيشه مائة ألف وكان يعطيهم ثلث جبايته ويختزن ثلثها ويتصرف في ثلثها وكانت خلافته خمسين سنة ثم ( الحكم المستنصر بن الناصر ) وكان محبا في العلماء والعلم واقتنى من الكتب ما لم يجمعه أحد قط ثم ( هشام المؤيد بن الحكم ) بويع وهو صغير فاستولى على الأمر حاجبه المنصور محمد بن أبي عامر وضعف أمر بني أمية إلى أن انقرضت دولتهم في محرم عام سبعة وأربعمائة وكانت دولتهم بالأندلس مائتي سنة وتسعة وستين سنة وعشرين يوما ثم الشرفاء بنو حمود وهم ( علي ) ثم ( القاسم ) ثم ( يحيى ) وكانت دولتهم سبعة أعوام وسبعة أشهر وثمانية أيام ثم قام الثوار بالبلاد فقام بأشبيلة بنو عباد وبقرطبة بنو جهور وبطليطلة بنو ذي النون وبغرناطة بنو صنهاجة وبالمرية زهير وخيران ثم ابن صمادح وبسرقسطة بنو هود وببطليوس بن مسلم وبدانية مجاهد ثم جاز إلى الأندلس أمير المؤمنين ( يوسف بن ناشفين ) اللمتوني صاحب المغرب وقومه المسمون بالمرابطين فقتل المتوكل بن مسلمة وأولاده وخلع المعتمد بن المتعضد بن عباد وعبدالله حفيد باديس بن حبوس صاحب غرناطة وغيرها عام أربعة وثمانين وأربعمائة وملك الأندلس مع العدوة ثم ملكها بعده ابنه ( علي بن يوسف ) وقام ببلاد الأندلس قضاتها على اتفاق منهم نظرا للمسلمين فقام بقرطبة ابن حمدين وبغرناطة ابن أضحى وبجيان أبو بكر بن عبدالرحمن بن جزي وهو جد جد والد المؤلف لهذا الكتاب وبمالقة ابن حسون وذلك عام أربعين وخمسمائة
ذكر الخلفاء الموحدين
ظهر المهدي محمد بن عبدالله الحسني بالمغرب عام خمسة عشر وخمسمائةواجتمع عليه قوم يسمون بالموحدين فجرى بينه وبين المرابطين حرب إلى أن توفي عام أربعة وعشرين وخمسمائة فقام خلفيته عبد المؤمن بن علي القيس فملك المغرب كله وأفريقية والأندلس وتسمى أمير المؤمنين وعظم ملكه وساعدته دولته ثم ( ابنه أبو يعقوب يوسف ) ثم ( ابنه المنصور أبو يوسف يعقوب ) وكان عالما محدثا ألف كتاب الترغيب في الصلاة وحمل الناس على الظاهرية وأحرق كتب المالكية ثم ( ابنه محمد الناصر بن المنصور ) ثم ( المستنصر أبو يعقوب يوسف بن الناصر ) ثم ( عبدالواحد بن أبي يعقوب بن عبدالمؤمن وهو المخلوع ) ثم ( العادل عبدالله بن المنصور ) ثم ( المأمون أبو العلاء إدريس بن المنصور ) ثم ( يحيى بن الناصر ) ثم ( الرشيد عبدالواحد بن المأمون ) ثم ( السعيد علي بن المنصور ) ثم ( المرتضى عمر بن إبراهيم بن إسحاق بن أبي يعقوب بن عبدالؤمن ) ثم ( الواثق المعروف بأبي دبوس وهو ( إدريس بن أبي عبدالله بن أبي حفص بن عبدالمؤمن ) وهو آخرهم قتل في محرم سنة سبع وستين وستمائة فعدد خلفائهم بعد المهي ثلاثة عشر ومدة خلافتهم مائة سنة واثنان وخمسون سنة وكانت دولتهم بالأندلس قد انقرضت بقيام أمير المؤمنين المتوكل محمد بن يوسف بن هود داعيا لبني العباس عام أربعة وعشرين وستمائة ثم ظهر أمير المسلمين الغالب بالله ( محمد بن يوسف بن نصر ) عام تسعة وعشرين وستمائة وملك حضرة غرناطة واستوطنها عام خمسة وثلاثين وملك ما بقي للمسلمين من بلاد المسلمين الأندلس وأورثها أهل بيته ثم انقرضت دولة الموحدين بني عبدالمؤمن بقيام بني حفص عليهم بتونس وقيام بني عبدالوارد بتلمسان وقيام بني مرين بالمغرب ولله الأمر من قبل ومن بعد
الباب الثالث في العلم وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في فضله ومنه فرض عين وفرض كفاية ففرض العين ما يلزم المكلف من معرفة أصول الدين وفروعه فإذا بلغ وجب عليه أولا معرفة الطهارة والصلاة فإذا دخل رمضان وجب عليه معرفة الصيام فإن كان له مال وجب معرفة الزكاة فإذا باع واشترى وجب عليه معرفة البيوع وكذلك سائر أبواب الفقه وأما فرض الكفاية فهو ما زاد على ذلك والاشتغال به أفضل من العبادات لثلاثة أوجه أحدها النصوص الواردة في تفضيل العالم على العابد ( الثاني ) أن منفعة العبادة لصاحبها خاصة ومنفعة العلم له ولغيره ( الثالث ) أن أجر العبادة ينقطع بالموت وأجر العلم يبقى أبدا لمن خلف علما ينتفع به بعده ( الفصل الثاني ) في شروطه فمنها ما يشترك فيه العالم والمتعلم وهما شرطان أحدهما إخلاص النية فيه لله تعالى والآخر العمل به ومنها مايختص به العالم وهما شرطان أحدهما بذل العلم لطالبه والسائل عنه بجد ونصيحة والآخر التسوية في التعليم بين الأغنياء والفقراء فلقد كان الأغنياء في مجلس سفيان الثوري يودون أن يكونوا فقراء ومنها ما يختص به المتعلم وهما شرطان ( أحدهما ) أن يبدأ بتعليم المهم فالأهم لأن العلم كثير والعصر قصير ( والآخر ) توقير معلمه ظاهرا وباطنا فقد قال بعض العلماء من قال لشيخ لم لم يفلح ( الفصل الثالث ) في فنون العلم وهي على الجملة ثلاثة أنواع علوم شرعية وعلوم هي آلات للشرعية وعلوم ليست بشرعية ولا آلات للشرعية فأما العلوم الشرعية فأصلها الكتاب والسنة ويتعلق بالكتاب علمان القراءات والتفسير ويتعلق بالسنة علمان أصول الدين وفروع الفقه وينخرط التصوف في سلك الفقه لأنه في الحقيقة فقه الباطن كما أن الفقه أحكام الظاهر وأما آلات الشرعية فهي أصول الفقه وعلوم اللسان وهي النحو واللغة والأدب والبيان وأما التي ليست بشرعية ولا آلات للشرعية فتنقسم إلى أربعة أقسام ( الأول ) ما ينفع ولا يضر كالطب والحساب وقد يعد الحساب من آلات الشرع للاحتياج إليه في الفرائض وغيرها ( الثاني ) ما يضر ولا ينفع كعلوم الفلسفة وعلوم النجوم أعني أحكامها إلا التعديل الذي تخرج به الأوقات والقبلة فذلك لا بأس به وأما أحكام النجوم فمن اعتقد تأثير النجوم فهو كافر ومن زعم الاطلاع على المغيبات بها فهو مبتدع وكذلك كل من يروم التطلع على الغيب بأي وجه كان ( الثالث ) ما يضر وينفع كالمنطق فإنه ينفع من حيث إصلاحه للمعاني كإصلاح النحو للألفاظ ويضر من حيث هو مدخل للفلسفة ( الرابع ) ما لا يضر ولا ينفع كعلم الإنساب إلا ما فيه اعتبار أو اقتداء أو استعانة على صلة الأرحام
الباب الرابع في التوبة وما يتعلق بها
أما التوبة فمعناها الرجوع إلى الله تعالى وهي واجبة على كل مكلف في كل حين وهي أول مقامات السالكين وفرائضها ثلاثة الدم على الذنب من حيث عصى به ذو الجلال لا من حيث أضر ببدن أو مال والإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان من غير تراخ ولا توان والعزم على أن لا يعود إليه أبدا ومهما قضى عليه بالعود أحدث عزما مجددا ولآدابها ثلاثة الاعتراف بالذنوب بين يدي الله تعالى مقرونا بالانكسار والإكثار من الاستغفار والإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من السيئات والبواعث عليها سبعة خوف العقاب ورجاء الثواب والخجل من الحساب ومحبة الحبيب ومراقبة الرقيب القريب وتعظيم المقام وشكر الأنعام ومراتبها سبع فتوبة الكفار من الإشراك وتوبة المخلصين من الذنوب والكبائر وتوبة العدول من الصغائر وتوبة السالكين ممايخامر القلوب من العلل والآفات المفسدات وتوبة العابدين من الفترات وتوبة أهل الورع من الشبهات وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات وأما التقوى فهي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه وثوابها على ما ورد في الكتاب العزيز عشرة أشياء ولاية الله تعالى ومحبته ونصرته وغفران الذنوب وتفريج الكروب والرزق من حيث لا يحتسب والفرق بين الحق والباطل والبشري في الدنيا والآخرة ودخول الجنة والنجاة من النار وأما الاستقامة فهي الثبات على التقوى إلى الممات وإنما تحصل بعد القدر الأزلي والتوفيق الرباني بمجاهدة النفس بالمعاهدة والمرابطة ثم المراقبة والمحاسبة ثم المعاتبة للنفس والمعاقبة وجماع الخير كله في ثلاثة أشياء وهي أن يطاع الله فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر فصل الذنوب التي تجب التوبة منها نوعان كبائر وصغائر وتغفر الصغئار باجتناب الكبائر وقد اختلف الناس في الفرق بينهما اختلافا كثيرا والأقرب إلى الصواب أن الكبائر هي ما ورد في النص على أنها كبائر أو ورد عليها وعيد في القرآن أو في الحديث وقال بعضهم الكبائر سبع عشرة أربع في القلب وهي الإشراك والإصرار على الذنوب والأمن من عذاب الله واليأس من رحمة الله وأربعة في اللسان وهي السحر والقذف واليمين الغموس وشهادة الزور وثلاثة في البطن وهي شرب الخمر وأكل الربا ومال اليتيم واثنان في الفرج وهما الزنا وفعل قوم لوط واثنان في اليدين وهما القتل وأخذ المال بغير حق وواحد في الرجلين وهو الفرار من القتال وواحد في جميع الجسد وهو عقوق الوالدين مسألة النرد حرام بإجماع وأما الشطرنج فإن كان بقمار فهو حرام بإجماع وإن كان دونه فمكروه وفاقا للشافعي وقيل حرام وفاقا لأبي حنيفة وقيل يحرم إن أدمن عليه أو شغله عن أوقات الصلاة أو غيرها من أمور الدين أو فعل على وجه يقدح في المروءة كلعبة مع الأوبابش أو على الطريق بخلاف ما سوى ذلك وتنقسم الذنوب أيضا قسمين ذنوب بين الله تعالى وبين العبد فإذا تاب منها توبة صحيحة غفرها الله له وذنوب بين العبد وبين الناس فلا بد فيها مع التوبة من إنصاف المظلوم وإرضاء الخصوم وهي في أربعة أشياء في الدماء والأبدان والأموال والأعراض وتنقسم أيضا قسمين وقوع في المحرمات وتفريط في الواجبات ولا بد في هذا من القضاء والاستدراك لما فات
الباب الخامس في المأمورات المتعلقة باللسان
وهي أربعة تلاوة القرآن وذكر الله والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر ففي الباب أربعة فصول ( الفصل الأول ) التلاوة وكل حرف بعشر حسنات وآدابها سبعة الوضوء وإتقان القراءة وترتيبها والتدبر في المعاني وتوفية حق كل آية على ما يليق بها فيسأل عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية العذاب ويعزم على الطاعة في آية الأوامر والنواهي ويتعظ عند المواعظ وتعظيم الكلام لعظمة المتكلم به حتى كأنه يسمعه ورؤية المنة عليه في بلوغ كلام الحق إليه فيجد له حلاوة وطلاوة ويزداد به شغفا وولوعا ودرجات علوم القرآن أربعة حفظه ثم معرفة قراءته ثم معرفة تفسيره ثم تفسيره ثم ما يفتح الله تعالى فيه من الفهم والعلم لمن يشاء وإنما يحصل هذا بعد تحصيل الأدوات وملازمة الخلوات وتطهير القلوب من الآفات ( الفصل الثاني ) في الذكر وهو ثلاثة أنواع ذكر بالقلب واللسان وهو أعلاها وذكر بالقلب خاصة وذكر باللسان خاصة وهو أدناها والذكر على نوعين واجب وفضيلة فالواجب التلفظ بالشهادتين والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة في العمر وقيل متى ما ذكر والفضيلة ما عدا ذلك وهي أنواع كثيرة كالتهليل والتكبير والتسبيح والتحميد والحوقلة والحسبلة والبسملة وأسماء الله تعالى كلها والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل ذكر معنى وفائدة مخصوصة توصل إلى مقام مخصوص والمنتهى إلى الذكر الفرد وهو قولك الله وقد قيل أنه اسم الله الأعظم وللناس في الذكر مقصدان فمقصد العامة إكتساب الأجور ومقصد الخاصة الترقي بالحضور وكلا وعد الله الحسنى وبينهما ما بين السماء والأرض ففرق بين من يطلب حظ نفسه وبين من يطلب مجالسة رب العالمين لقوله جل وعز أنا جليس من ذكرني على أنه يحصل في ضمن ذلك اكتساب الأجور ونيل كل مأمول والأمن من كل محذور ولذلك كان الذكر أقرب الطرق الموصلة إلى الله تعالى قال بعضهم من أعطاه الله الذكر فقد أعطاه منشور الولاية ( الفصل الثالث ) في الدعاء وينبغي ملازمته لأربعة أوجه ( أحدها ) الأمر به في الكتاب والسنة ( الثاني ) أنه سبب السعادة لقوله جل وعز ( ولم أكن بدعائك رب شقيا ) ( الثالث ) لرجاء الإجابة في المسؤول ( الرابع ) لإظهار ذلة افتقار العبودية وعزة قدرة الربويية وآداب الدعاء سبعة الوضوء له وتقديم ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبله ورفع اليدين به والالحاح بالتكرار والإخلاص فلا يستجاب إلا لمضطر أو مخلص والتضرع حين السؤال وقصد الأوقات التي ترجى فيها الإجابة كساعة الجمعة وليلة القدر والسجود وبين الأذان والإقامة وعند قيام الصلاة وحضور الجهاد والثلث الأخير من الليل ودبر الصلوات ومكروهاته سبعة أن يقول اللهم افعل لي كذا إن شئت وتكلف السجع فيه والإستعجال في الإجابة وهو أن يقول دعوت فلم يستجب لي ورفع البصر إلى السماء حين الدعاء والدعاء على نفسه أو ماله أو ولده والدعاء على أحد من الملمين وتخصيص نفسه بالدعاء دون المسلمين وكراهية هذا في حق الإمام أشد ( فوائد ) أفضل الدعاء ما ورد في القرآن والحديث وقد استوفينا في كتاب الدعوات والأذكار ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب الخمسة من الذكر والدعاء وما يتعلق بهما ونذكرهنا طرفا من ذلك فمن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر ومنه اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ومنه اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد ومنه اللهم إني أسألك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة ومنه اللهم عافني في بدني اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وأمن روعاتي وأجب دعوتي ومنه اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحكم في الرضى والغضب وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا يبيد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة المهتدين ومنه اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما الحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار ومنه اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك لسانا صادقا وقلبا سليما وأسألك خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك مما تعلم إنك أنت علام الغيوب ومنه اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثبتين لها قابلين وأتمها علينا برحمتك يا أرحم الراحيمن ومنه اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ومنه اللهم الهمني رشدي وأجرني من شر نفسي ومنه اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه محمد نبيك صلى الله عليه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه محمد نبيك صلى الله عليه وسلم وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ومن استعاذاته صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء ومنها اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال ومنها اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر ومن عذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى ومن شر فتنة الفقر ومنها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا يستجاب لها ومنها اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم ومنها اللهم إني أعوذ بك منالشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ومنها اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحويل عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك ( ومما يقال عند الصباح والمساء سيد الإستغفار ) اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فمن قالها حين يمسي فمات دخل الجنة ومن قالها حين يصبح فمات دخل الجنة وعند الصباح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وعند المساء اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير ومن قال حين يصبح اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه ذلك اليوم من النار فإن قالها أربع مرات أعتقه الله من النار ومن قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر ذلك اليوم ومن قال في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمع شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء إن شاء الله تعالى ويقال عند أخذ المضجع اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألحأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ومنجي منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ويقال أيضا باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك اللهم أرفعه إن أمسكت نفسي فارحها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين وعند الإنتباه من النوم الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور وعند القيام إلى الصلاة بالليل اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن أنت الحق ووعدك حق وقولك حق ولقاؤك حق والنار حق والجنة حق والساعة حق وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حق اللهم لك أسلمت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم المؤخر لا إله إلا أنت وعند نزول المنزل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلقت لم يضره شيء حتى يرتحل منه وعند الخروج من المنزل بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله وكفارة المجلس سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وعند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم وعند رؤية المبلي الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا من قالها عوفي من ذلك البلاء ما عاش وعند الرعد والصواعق اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك وعند الريح اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به وعند المطر اللهم اجعله سبب رحمة ولا تجعله سبب عذاب( الفصل الرابع ) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الاحتساب أركانه أربعة المحتسب والمحتسب فيه والمحتسب عليه والاحتساب فأما المحتسب فله شروطه وهي أن يكون عاقلا بالغا مسلما قادرا على الإحتساب عالما بما يحتسب فيه وأن يأمن أن يؤدي إنكاره المنكر إلى منكر أكبر منه مثل أن ينهي عن شرب خمر فيئول نهيه إلى قتل نفس وأن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف نافع وفقد هذا الشرط الأخير يسقط الوجوب فيبقى الجواز والندب وفقد ما قبله يسقط الجواز واختلف هل يجوز للفاسق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم لا وأما المحتسب عليه فكل إنسان سواء كان مكلفا أو غير مكلف وأما المحتسب فيه فله شروطه وهي أن يكون منكرا لا شك فيه فلا يحتسب فيما مضى لكن يقيم فيه الحدود أهل الأمر ولا فيما يستقبل إلا بالوعظ وأن يكون معلوما بغير تجسس فكل من ستر على نفسه وأغلق بابه لا يجوز أن يتجسس عليه وأما الإحتساب فله مراتب أعلاها التغيير باليد فإن لم يقدر على ذلك انتقل إلى اللسان فإن لم يقدر على ذلك أو خاف عاقبته انتقل إلى الثالثة وهي التغيير بالقلب والتغيير اللسان مراتب وهي النهي والوعظ برفق وذلك أولى ثم التعنيف ثم التشديد
الباب السادس في المنهيات المتعلقة باللسان
وهي ( عشرون ) الغيبة وهي ذكر المسلم بما يكره وإن كان ذلك حقا سواء كان ذلك في دينه أو نسبه أو خلقه أو ماله أو فعله أو قوله أو غير ذلك وهي حرام إلا في عشرة مواضع ( أحدها ) التظلم وهو أن يشكو بمن ظلمه ( الثاني ) الإستعانة على تغيير المنكر ( الثالث ) الاستفثاء ( الرابع ) التحذير من أهل الشر كأرباب البدع والتصانيف المضلة ( الخامس ) أن يكون الإنسان معروفا بما يعرف عن عينه كالأعمش والأعرج ( السادس ) أن يكون مجاهرا بالفسق ( السابع ) النصيحة لمن شاوره في نكاح أو شبهة ( الثامن ) الجرح والتعديل في الشهود والرواة ( التاسع ) الإمام الجائر ( العاشر ) زاد بعضهمم إذا كان القائل والمقول له عالمين بما وقعت وفيه الغيبة وكما تحرم الغيبة باللسان تحرم بالقلب وهو سوء الظن ويحرم الهمز فالهمز عيب الإنسان في حضوره واللمز في عزيمته وقيل بالعكس ( الثاني ) البهتان وهو ذكر المسلم بما يكرهه وهو كاذب أو غير متحقق وهو أشد من الغيبة ومنه القذف وقد تقدم في بابه وكفارة الغيبة والبهتان والاستحلال من المذكور وقال الحسن يكفي الإستغفار له وقال مجاهد يثني عليه ويدعو له بخير وذلك بعد شروط التوبة المتقدمة ( الثالث ) الكذب وهو حرام إلا في أربعة مواضع ( أحدها ) في الإصلاح بين الناس إن اضطر للكذب فيه ( وثانيها ) الخداع في الحرب ( وثالثها ) كذب الرجل لزوجته وقيل إنمايجوز فيه التعريض لا التصريح بالكذب ( ورابعها ) دفع المظالم كمن اختفى عنده رجل ممن يريد قتله فيجحده والتعريض جائز وفيه مندوحة عن الكذب ( الرابع ) اليمين الغموس وهو أشد أنواع الكذب ولا ينبغي كثرة الحلف وإن كان على حق ( الخامس ) شهادة الزور ( السادس ) النميمة وإن كانت حقا فإن كانت باطلا فقد جمع بين الكذب والنميمة ( السابع ) الاستهزاء وهو السخرية وهو حرام سواء كان بقول أو فعل كالمحاكاة أو بإشارة ( الثامن ) إطلاق ما لا يحل إطلاقه على الله تعالى أو على رسوله أو على الملائكة أو الأنبياء أو الصحابة ( التاسع ) كلام العوام في دقائق علم الكلام مما لا يعلمون فربما يؤديهم ذلك إلى الزندقة أو الشك أو البدعة ( العاشر ) السحر وقد تقدم ما يفعل بالساحر في باب الحدود ( الحادي عشر ) الفحش من الكلام وهو الرفث ( الثاني عشر ) الشعر والغناء وليس مذموما على الإطلاق قال الشافعي الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح وذلك أن الشعر أربعة أصناف ( أحدها ) حسن وهو الجد والحكمة ( الثاني ) ممنوع مطلقا وهو الهجو ( الثالث ) المدح والرثاء فإن كان حقا فهو مكروه وإن كان باطلا فهو ممنوع ( الرابع ) التغزل فإن كان فيمن لا يحل له فهو حرام وإلا فلا وأما الغناء فروي منه عن مالك والشافعي وأبي حنيفة ومنع مالك شراء الجارية المغنية ورأى أن الغنساء فيها عيب ترد به وأجازه قوم مطلقا وهو مذهب أكثر المتصوفة وقال بعضهم إنما يحرم منه أربعة أشياء ( أولها ) غناء امرأة لا يحل سماع صوتها ( الثاني ) أن اقترن به آلة لهو كالمزامير والأوتار واختلف الناس في الشبابة ( الثالث ) إن كان الشعر مما لا يجوز حسبما قدمنا ( الرابع ) إذا كان الغناء يحرك قلب السامع إلى ما لا ينبغي ( الثالث عشر ) المدح وإن كان حقا لا سيما بحضرة الممدوح فإنه يهيج في القلب الكبر والعجب ( الرابع عشر ) كلام ذي الوجهين وذي اللسانين وهو الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ( الخامس عشر ) تزكية الإنسان لنفسه وإن كانت بحق ( السادس عشر ) إفشاء السر لأنه خيانة وقد جاء في الأثر إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة ( السابع عشر ) الكذب في الوعد وهو من أخلاق المنافقين ( الثامن عشر ) الجدال والخصام وهو المراء سواء كان في المناظرة العلمية أو في الأمور الدنيوية فإن سببه حط النفس وهو سبب في الحقد والعدواة ويجوز إذا كان القصد إظهار الحق ( التاسع عشر ) ذم الأشياء كالأطعمة وغيرها ولعن الإنسان وغيره ( العشرون ) الكلام فيما لا يعني وإن كان مباحا ( تنبيه ) ورد النهي عن بعض الأسماء فمنها التكنية بأبي القاسم وإنما منع ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لأن أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما قد كنى كل واحد منهما ولده أبا القاسم بعد ذلك ومنها أن يسمى الغلام نجاحا أو أفلح أو شبه ذلك وقال الراوي نهينا عن ذلك ولم يعزم علينا ومنها تسمية العنب بالكرم نهي عنه ولكنه نهي تأديب لا نهي تحريم
الباب السابع في المأمورات المتعلقة بالقلوب
وهي عشرون ( الأول ) الخوف من الله تعالى وهو اللجام القامع عن المعاصي وسببه معرفة شدة عذاب الله ويسمى خشية ورهبة وتقوى والناس فيه على ثلاثة مراتب فخوف العامة من الذنوب وخوف الخاصة من الخاتمة وخوف خاصة الخاصة من السابقة والفرق بين الخوف والحزن أن الخوف مما يستقبل والحزن على ما تقدم وكلاهما يثير البكاء والإنكسار ويبعث العبد على الرجوع إلى الله تعالى ( الثاني ) الرجاء وسبه معرفة سعة رحمة الله ويسمى طمعا ورغبة وينبغي أن يكون الرجاء والخوف المعتدلين فإن الخوف إذا فرط قد يعود لى اليأس وهو حرام والرجاء إذا فرط قد يعود إلى الأمن وهو حرام ( الثالث ) الصبر وأجره بغير حساب بخلاف سائر الأعمال فإن أجورها بمقدار وهو أربعة أنواع صبر على بلاء الله وهو المقصود بالذكر وصبر على نعم الله أن لا يطغي بها وصبر على طاعة الله وصبر على معاصي الله ( الرابع ) الشكر وهو بالقلب واللسان والجوارح فشكر اللسان الثناء وشكر القلب معرفة المنة وقدر النعمة وشكر الجوارح بطاعة المنعم ( الخامس ) التوكل وهو الاعتماد على الله تعالى في دفع المكاره والمخاوف وتيسير المطالب والمنافع وخصوصا في شأن الرزق وسببه ثلاثة أشياء المعرفة بأن الأمور كلها بيد الله وإن الخلق كهلم تحت قهره وفي قبضته وإنه لا يضيع من توكل عليه ( السادس ) التفويض إلى الله تعالى وهو خروج العبد عن مراد نفسه إلى ما يختاره الله له وسببه المعرفة بأن اختيار الله خير من اختيار العبد لنفسه لأن الله تعالى يعلم عواقب الأمور والعبد لا يعلمها ( السابع ) حسن الظن بالله فإن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي وسببه المعرفة بفضل الله وكرمه وسعة رحمته ( الثامن ) التسليم لأمر الله تبارك وتعالى بترك الاعتراض ظاهرا وترك الكراهة باطنا ( التاسع ) الرضا بالقضاء وهو سرور النفس بفعل الله زيادة على السليم وسببها ثلاثة أشياء محبة الله تعالى فإن فعل المحبوب ومعرفة حكمته في كل ما يفعل وإن المالك يفعل في ملكه ما يشاء ( العاشر ) الإخلاص لله تعالى ويسمى نية قصدا وهو إرادة وجه الله تعالى بالأقوال والأفعال وضده الرياء وسببه المعرفة بأن الله لا يقبل إلا الخالص وإنه يطلع على النيات والضمائر كما يطلع على الظواهر ( الحادي عشر ) المراقبة وهي معرفة العبد باطلاع الله عليه على الدوام فيثمر ذلك الحياء والهيبة والتقوى ( الثاني عشر ) المشاهدة وهي وام النظر بالقلب إلى الله تعالى واستغراق في صفاته وأفعاله وذلك مقام الإحسان الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عليه السلام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ثم أشار إلى مقام المراقبة بقوله صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن تراه فإنه يراك وبين المقامين فرق ( الثالث عشر ) التفكر وهو ينبوع كل حال ومقام فمن تفكر في عظمةالله اكتسب التعظيم ومن تفكر في قدرته استفاد التوكل ومن تفكر في عذابه استفاد الخوف ومن تفكر في رحمته استفاد الرجاء ومن تفكر في الموت وما بعده استفاد قصر الأمل ومن تفكر في ذنوبه اشتد خوفه وصغرت عنده نفسه ( الرابع عشر ) معرفة الله تعالى وهي نوعان خاصة وعامة فالعامة حاصلة لكل مؤمن والخاصة هي التي ينفرد بها الأنبياء والأولياء وهو البحر الأعظم الذي لا ساحل له ولا يعرف الله على الحقيقة إلا الله ولذلك فإن أبو بكر الصديق رضي الله عنه العجز عن درك الإدراك إدراك ( الخامس عشر ) التوحيد وهو نوعان عام وخاص فالعام هو عدم الإشراك الجلي وذلك حاصل لجميع المسلمين والخاص عدم الإشراك الخفي وهو مقام العرافين وكلاهما داخل تحت قولنا لا إله إلا الله فسبب التوحيد الجلي البراهين القائمة عليه وقد تضمنها القرآن المبين وبسطناها في كتاب النور المبين وسبب التوحيد الخفي معرفة قيومية الله تعالى على كل شيء وإحاطة علمه وقدرته وقهره بكل شيء وإن كل شيء إنما وجد بإيجاده له وبقي بإمساكه له فلا موجد في الحقيقة إلا وهو ( كل شيء هالك إلا وجهه ) ( السادس عشر ) اليقين وهو صدق الإيمان حتى يطمئن به القلب بحيث لا يتطرق إليه شك ولا احتمال وسببه شيئان أحدهما قوة الأدلة وكثرتها والآخر نور من الهل يضعه في قلب من يشاء ( السابع عشر ) محبة الله تعالى وهي نوعان عامة وخاصة فالعامة لجميع المسلمين ولا يصح الإيمان إلا بها وهو مقام أصحاب اليقين والخاصة مقام المقربين وهي أعلى المقامات وأرفع الدرجات ولا سيما المحب المحبوب وسببها المعرفة بصفتين وهما الجمال والإجمال فإن المحسن والإحسان محبوبان لا محالة وتختلف أقوال المحبيبن بالتلوين في القبض والبسط والشوق والأنس والصحو والسكر وهذه أحوال ذوقية قد علم كل أناس مشربهم ( الثامن عشر ) والتواضع وهو ضد التكبر وسببه شيئان التحقق بمقام العبودية ومعرفة الإنسان بعيوب نفسه ( التاسع عشر ) الحياء وهو نوعان حياء من الله وحياء من الناس وهو مستحسن في كل حال إلا طلب العلم ( العشرون ) سلامة الصدر للمسلمين وهو يثمر طيب النفس وسماحة الوجه وإرادة الخير لكل أحد والشفقة والمودة وحسن الظن ويذهب الشحناء والبغضاء والحقد والحسد ولذلك ينال بهذه الخصلة ما ينال بالصيام والقيام
الباب الثامن في المنهيات المتعلقة بالقلوب
وهي عشرون ( الأول ) الرياء في العبادات وهو الشرك الأصغر وهو ضد الإخلاص ولهما مراتب متفاوتة في قبول العمل وإحباطه وفي استحقاق العقاب على الرياء فقد يكون العمل أولا خالصا ثم يحدث الرياء في أثنائه فيفسده إن تمادى أو يحدث بعد الفراغ منه فلا يضر وقد يكون أولا على الرياء ثم يحدثالإخلاص في أثنائه أو بعد الفراغ منه فينبغي استئنافه وقد يبدأه ممتزجا فينظر أيهما أغلب فيناط به الحكم قال بعضهم العمل لأجل الناس شرك وترك العمل لأجل الناس رياء وما يتعلق بالرياء تسميع الناس بالعمل والتزين للناس بإظهار الخير في القول أو في الفعل أو في اللباس أو غير ذلك والمداهنة والنفاق وهو إظهار ضد ما في قلبه ( الثاني ) العجب وهو مفسد للعمل ومعناه استعظام العبد لما يعمل من العمل الصالح ونسيان منة الله به ( الثالث ) الغرور وهو غلط النفس وحقيقته إعجاب بما لا خطر له أو ركون إلى ما لا ينفع والمغترون أصناف كثيرة من العلماء والعباد والمتصوفة وأهل الدنيا وغيرهم ( الرابع ) الكبر وهو من المهلكات ومعناه تعاظم الإنسان في نفسه وتحقيره لغيره ثم إن التكبر له أسباب فمنها العلم والعبادة والحسب والشجاعة والقوة والجمال والمال والجاه وهو درجات فأشده التكبر على الله ورسوله وهو الذي حمل أكثر الكفار على الكفر ثم التكبر على أهل الدين من العلماء والصلحاء وغيرهم بالازدراء بهم وعدم القبول لمناصحتهم ثم التكبر على سائر الناء ( الخامس ) الحسد وهو حرام ومعناه تألم القلب بنعمة الله على عباده وتمنى زوالها عن المنعم عليه فإن تمنى مثلها لنفسه ولم يتمن زوالها عن غيره فذلك غبطة جائزة ( السادس ) الحقد وهو خلق مذموم يثير العداوة والبغضاء والإضرار بالناس ( السابع ) الغضب وهو منهي عن فينبغي كظمه لئلا يعود إلى منكرات الأقوال أو الأفعال ( الثامن ) التسخط من الأقدار وهو ضد التسليم والرضى ( التاسع ) خوف الفقر وهو من الشيطان ( العاشر ) حب المال وسنتكلم عليه في بابه ( الحادي عشر ) حب الجاغه وهو يوقد إلى ارتكاب الأخطار والتعرض للمهالك في الدنيا والدين ( الثاني عشر ) حب المدح وهو أقوى أسباب الرياء ( الثالث عشر ) كراهة الذم وهو أقوى أسباب الغضب والحقد ( الرابع عشر ) طول الأمل وسببه نسيان الموت وهو يثمر شدة الحرص على الدنيا والتهاون بالآخرة ( الخامس عشر ) كراهة الموت فمن أحب لقاء الله أحب لقاءه ومن كره لقاء الله كره لقاءه ( السادس عشر ) تعظيم الأغنياء لأجل غناهم واحتقار الفقراء لأجل فقرهم وسببه عظمة الدنيا في القلوب ( السابع عشر ) نسيان العبد عيوب نفسه لا سيما إن اشتغل مع ذلك بعيوب الناس ( الثامن عشر ) خوف غير الله ورجاء غير الله وهو ضد التوكيل وسببه عدم اليقين ( التاسع عشر ) الإصرار على الذوب ومعناه العزم على الدوام عليها وهو ضد التوبة ( العشرون ) الغفلة وهي سبب كل شر وضدها التفكر والتيقظ
الباب التاسع في المأمورات والمنهيات المتعلقة بالأموال
أما المأمورات فهي ثلاثة الزهد والورع والإنفاق وأما المنهيات فهي ثلاثةأضداد هذه الثلاثة فضد الزهد الحرص وضد الورع كسب المال من غير وجهه وضد الإنفاق البخل ويجمع كل واحد مع ضده في فصول ( الفصل الأول ) في الزهد ومعناه قلة الرغبة في المال أو عدمها وخروج حب الدنيا من القلب والزهد الكامل هو الزهد في جميع الحظوظ الدنيوية من الجاه والمال والتعظيم والمدح وشهرة الذكر والتنعم بطيب المأكل والملبس وفضول العيش وغير ذلك وليس الزهد بترك الحلال ولا إضاعة المال فقد يكون الغني زاهدا إذا كان قلبه مفرغا عن الدنيا وقد يكون الفقير دنيويا إذا اشتد حرصه وكان معمور القلب بالدنيا مسألة اختلفت الناس في المفاضلة بين الفقر والغنى فذهب أكثر الفقهاء إلى أن الغنى أفضل واستدلوا بأن الغني يقدر على أعمال صالحة ولا يقدر عليها الفقير كالصدقة والعتق وبناء المساجد وذهب أكثر الصوفية إلى أن الفقير أفضل واستدلوا بنصوص في هذا المعنى ولا يصح التفضيل إلا بعد تفصيل وهو أن من كان يقوم بحقوق الله في الغنى ولا يقوم في الفقر فالغنى أفضل له اتفاقا ومن كان بالعكس فالفقر أفضل له اتفاقا وإنما محل الخلاف فيمن كان يقوم بحقوق الله في الحالتين والحقوق في الغنى هو أداء الواجبات والتطوع بالمندوبات والشكر لله وعدم الطغيان بالمال والحقوق في الفقر هي الصبر عليه والقناعة وعدم التشوف للزيادة واليأس مما في أيدي الناس ولله در غني شاكر أو فقير صابر وقليل ما هم ( الفصل الثاني ) في الورع وهو على ثلاث درجات ورع عن الحرام وهو واجب وورع عن الشبهات وهو متأكد وإن لم يجب وورع عن الحلال مخافة الوقوع في الحرام وهو فضيلة وهو ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس والأصل في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه إلى آخر الحديث ولذلك قيل أن هذا الحديث ربع العلم وقيل ثلثه مسألة في معاملة أصحاب الحرام وينقسم حالهم قسمين أحدهما أن يكون الحرام قائما بعينه عند الغاصب أو السارق أو شبه ذلك فلا يحل شراؤه منه ولا البيع به إن كان عينا ولا أكله إن كان طعاما ولا لبسه إن كان ثوبا ولا قبول شيء من ذلك هبة ولا أخذه في دين ومن فعل شيئا من ذلك فهو كالغاصب والقسم الثاني أن يكون الحرام قد فات من يده ولزم ذمته فله ثلاثة أحوال ( الحالة الأولى ) أن يكون الغالب على ماله الحلال فأجاز ابن القاسم معاملته وحرمها أصبغ ( والثانية ) أن يكون الغالبعلى ماله الحرام فتمنع معاملته على وجه الكراهة عند ابن القاسم والتحريم عند أصبغ ( والثالثة ) أن يكون ماله كله حراما فإن لم يكن له قط مال حلال حرمت معاملته وإن كان له مال حلال إلا أنه اكتسب من الحرام ما أربى على ماله واستغرق ذمته فاختلف في جواز معاملته بالجواز والمنع والتفرقة بين معاملته بعوض فيجوز كالبيع وبينهبته ونحوها فلا يجوز ( الفصل الثالث ) في الإنفاق وهما قسمان ( الأول ) واجب فالبخل به حرام كالزكاة والنفقات والواجبة وعلف الدواب وأداء الديون ( والثاني ) مندوب كإطعام الجائع وكسوة العريان وعتق الرقاب وبناء المساجد والقناطر والوقف على سبيل الخير وإعانة المديان والنفقة في الجهاد وغير ذلك وأفضله صلة الرحم ويقدم منها الأقرب فالأقرب ويقدم من النفقات الأهم فالأهم
الباب العاشر في الأكل والشرب وآدابهما
عشرة ( الأول ) تسمية الله عند الابتداء وحمده عند الفراغ ( الثاني ) التقليل من الأكل فيجعل ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس ( الثالث ) الأكل والشرب باليمين ( الرابع ) الأكل مما يليه إلا أن يكون ألوانا مختلفة ورخص ابن رشد أن يأكل من غير ما يليه مع أهله وولده ( الخامس ) أن لا يأكل متكئا ( السادس ) أن لا ينفخ في الطعام ولا في الشراب ولا يتنفس في الإناء ( السابع ) أن يوافق من يأكل معه في تصغير اللقم وإطالة المضع والتمهل في الأكل ( الثامن ) أن يغسل يده وفمه من الدسم وكره مالك تعمد غسل اليد للأكل ( التاسع ) أن لا يشرب من فم السقاء ( العاشر ) أن لا يقرن الثمر ويجوز الشرب قائما خلافا لقوم وإذا كان جماعة فأدير عليهم ما يشربون فيأخذ بعد الأول الأيمن فالأيمن
الباب الحادي عشر في اللباس وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في أنواع اللباس وهو ينقسم إلى أقسام الشريعة الخمسة فالواجب ما يستر العورة وما يقي الحر والبرد وما يستدفع به الضرر في الحرب وغيرها والمندوب كالرداء في الصلاة والتجمل بالثياب في الجمعة والعيدين وأما الحرام فلباس الحرير والذهب للرجال واشتمال الصماء والاختباء على غير ثوب يستر العورة وكل ما فيه سرف أو يخرج إلى البطر والخيلاء وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في اللباس وغيره وأما المكروه فالتلثم وتغطية الأنف في الصلاة ولباس زي العجم والتعمم بغير قناع ولباس ما فيه شهرة كلباس الصالحين الصرف والمباح ما عدا ذلك ( الفصل الثاني ) في أنواع الملبوسات ويجوز جميعها للنساء وأما الرجال فيحمر عليهم الحرير والذهب على الجملة ثم أنه على أنواع فأما الخالث منه فاجمع على تحريم لباسه قال ابن حبيب ولايلتحف به ولا يفترشه ولا يصلي عليه ويكه للصبيان وأما ما سداه حرير ولحمته من غير فمكروه وأجازه قوم وحرمه قوم إلا الخز فيجوز اتباعا للسلف وأما ما فيه شيء من حرير فلا يجوز في المذهب وإنكان يسيرا واختلف في العلم في الثوب وفي اتخاذ الزر والطوق من حرير وقال ابن حبيب لا يستعمل ما بطن بحرير أو حشي به أو رقم به قال الباجي يريد إذا كان الحرير فيه كثيرا ولا بأس أن يخاط الثوب بالحرير وأجاز ابن القاسم أن يتخذ منه راية في أرض العدو وأجاز ابن الماجشون لباسه في الجهاد والصلاة به للترهيب به على العدو خلافا لمالك ويجوز لباسه لحمكمة وشبهها وكرهه مالك وقال ابن حبيب لا بأس أن يعلق ستر من حرير ويكره ستر الجدران إلا الكعبة ( الفصل الثالث ) في التختم ويحرم منه على الرجال ما كان من ذهب أو ما فيه ذهب ولو حبة بخلاف الفضة والأفضل التختم باليسار وكره مالك التختم في اليمين ولا بأس أن ينقش في الخاتم اسم الله ( الفصل الرابع ) في الانتعال ويستحب الابتداء باليمين في اللبس وباليساء في الخلع ولا يمشي أحد في نعل واحدة ولا يقف فيها إلا أن يكون الشيء الخفيف في حال كونه متشاغلا بإصلاح الأخرى وليلبسهما جميعا وليخلعهما جميعا
الباب الثاني عشر في دخول الحمام
وهو لرجال دون النساء بعشرة شروط ( الأول ) أن يدخل وحده أو مع قوم يستترون ويتعمد أوقات الخلوة قلة الناس ( الثاني ) أن يستر عورته بإزار صفيق ( الثالث ) أن يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور ( الرابع ) أن يغير ما يرى برفق ( الخامس ) أن لا يمكن الدلاك من عورته من السرة إلى الركبة إلا امرأته ومملوكته ( السادس ) أن يدخله بنية التداوي والتطهر من الوسخ ( السابع ) أن يدخله بأجرة معلومة بشرط أو عادة ( الثامن ) أن يصب الماء على قدر حاجته ( التاسع ) أن يتذكر به جهنم ( العاشر ) 9 إن لم يقدر على دخوله وحده أن بكتريه به قوم يحفظون أديانهم وأما النساء فاختلف فيه دخولهن فقيل يمنعن من الحمام إلا من ضرورة كالمرض أو شدة البرد وشبه ذلك وقيل إنما منع حين لم يكن لهن حمامات منفردة فأما مع انفرادهن دون الرجال فلا بأس ثم إذا دخلت فقيل تستر جميع جسدها وقال ابن رشد لا يلزمها من السر مع النساء إلا ما يلزم الرجل ستره من الرجال فإن النساء مع النساء كالرجال مع الرجال فرع لا بأس أن يتدلك في الحمام بالجلبان والفول وما أشبه ذلك من الطعام ويدهن بعض جسده بالزيت والسمن
الباب الثالث عشر في الرؤيا في المنام
وحقيقتها عند المحققين أمثلة جعلها الله دليلا على المعاني كما جعلت الألفاظ دليلا على المعاني ولذلك منها ظاهر ومحتمل كما في الألفاظ ظاهر ومحتمل وهي خمسة أقسام أربعة منها لا تعبر وهي ما يكون متولدا عن أحد الأخلاط الأربعة وعن حديث النفس والأحلام والمختلطة بحيث لا تعقل وواحدة تعبر وهي ما سوى ذلك فإن كانت خيرا فليستبشر بها ولا يخبر بها أحدا إلا من يجب وإن كانت شرا فلا يخبر بها أحدا ولينفث عن يساره ثلاث مرات ويقول أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما رأيت فإذا فعل ذلك موقنا به لم يضره ولا ينبغي أن يعبر الرؤيا إلا عارف بها وعبارتها على وجوه مختلفة فمنها مأخوذ من اشتقاق اللفظ ومن قلبه ومن تصحيفه ومن القرآن ومن الحديث ومن الشعر ومن الأمثال ومن التشابه في المعنى ومن غير ذلك وقد تعبر الرؤيا الواحدة لإنسان بوجه ولآخر بوجه آخر حسبما يقتضيه جالها ( تنبيه ) قال صلى الله عليه وسلم من رآني في المقام فقد رآني في المقام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي وقال العلماء لا تصح رؤية النبي صلى الله عليه وسلم قطعا إلا لصحابي رآه لحافظ صفته حتى يكون المثال الذي رآه في المنام مطابقا لخلقته صلى الله عليه وسلم
الباب الرابع عشر في السفر وفيه فصلان
( الأول ) في أنواعه وهو ضربان هرب وطلب فأما الهرب فهو الخروج من دار الحرب إلى دار السلام والخروج من دار البدعة والخروج من أرض غلب عليها الحرام والفرار من الاذاية في البدن أو الأهل أو المال وأما الطلب فسفر العبرة وهو ندب وسفر الحج وهو فرض وسفر الجهاد وله حكمة وسفر المعاش للتجارة أو نحوها والسفر لقصد البقاع الكريمة وهي إما أحد المساجد الثلاثة وأما مواضع الرباط والسفر لطلب العلم ولزيارة الاخوان ولقاء الصالحين ( الفصل الثاني ) في آدابه وهي سبعة الأول تقديم الإستخارة والثاني أن يقول عند خروجه بسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم أزو لنا الأرض وهون علينا السفر اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب ومن سوء المنظر في الأهل والمال الثالث أن ينظر الرفيق وخير الرفقاء أربعة وإن كانت امرأة فلا تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم فإن عدمتها واضطرت إلى الخروج سافرت مع نساء مؤمنات ويجوزأن تسافر المتجالة التي انقطعت حاجة الناس منها مع غير ذي محرم الرابع الرفق بالدواب الخامس أن لا يعرس على الطريق لأنها طريقالدواب ومأوى الحيات السادس أن يعجل الرجوع إلى أهله إذا قضى مهمته من سفره السابع أن يدخل في صدر النهار ولا يأتي أهله طروقا
الباب الخامس عشر في آداب الصحبة
اختلفت مذاهب الناس في صحبة الناس فمنهم من اختار الصحبة لقصد النفع والإنتفاع ولفضل الأخوة في الله تعالى ومنهم من اختار الإنقباض والعزلة لأنها أقرب إلى السلامة ولأن شروط الصحبة قل ما توجد والناس ثلاثة أصناف أصدقاء وقليل ما هم ومعارف وهم أضر الناس عليه ومن لا يعرفك ولا تعرفه فقد سلمت منه وسلم منك فأما الصديق فشروطه سبعة ( الأول ) أن يكون سنيا في اعتقاده ( الثاني ) أن يكون تقيا في دينه فإنه إن كان بدعيا أو فاسقا ربما جر صاحبه إلى مذهبه أو ظن الناس فيه ذلك فإن المرء على دين خليله ( الثالث ) أن يكون عاقلا فصحبة الأحمق بلاء ( الرابع ) أن يكون حسن الخلق فإن كان سيء الخلق لم تؤمن عداوته وتختبره بأن تغضبه فإن غضب فاترك صحبته ( الخامس ) أن يكون سليم الصدر في الحضور والغيبة لا حقودا ولا حسودا ولا مريدا للشر ولا ذا وجهين ( السادس ) أن يكون ثابت العهد غير ملول ولا متلول ( السابع ) أن يقوم بحقوقك كما تقوم بحقوقه فلا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل الذي ترى له وحقوق الصديق سبعة ( الأول ) المشاركة في المال حتى لا يختص أحدهما بشيء دون الآخر ( الثاني ) الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات وتقديم حاجته على حاجتك ( الثالث ) الموافقة له على أقواله والمساعدة له على أغراضه من غير مخالفة ولا منازعة فإن المخالفة توجب البغضاء ( الرابع ) العفو عن هفوات الصديق والإغضاء عن عيوبه فمن طلب صديقا بلا عيب بقي بلا صديق ( الخامس ) النصيحة له في دينه ودنياه ( السادس ) الخلوص في مودته ظاهرا وباطنا حاضرا وغائبا والإنتصار له في غيبته ( السابع ) الدعاء له بظهر الغيب وأما سائر الناس فحقوق المسلم على المسلم عشرة أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض ويجيبه إذا دعاه ويشمته إذا عطس ويشهد جنازته إذا مات ويبر قسمه إذا أقسم وينصح له إذا استنصحه ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكف عنه شره ما استطاع فالمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ويبذل له من خيره ما استطاع في دينه ودنياه فإن لم يقدر على شيء فكلمة طيبة فإن كان من القرابة فيزيد على ذلك حق صلة الرحم بالإحسان والزيارة وحسن الكلام واحتمال الجفاء وإن كان جارا أو ضيفا فله حق الضيافة والجوار وإن كان مملوكا فله حق الرفق به وتوفية حقوقه من كسوته وطعامه وموجبات المودة ثلاثة أن تبدأ أخاك بالسلام وتوسع له المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه وجماع حسن الخلق ثلاثة كف الأذىواحتمال الأذى وبذل المعروف وجماع ذلك كله أن تكون لأخيك كما تحب أن يكون هو لك وأفضل الفضائل أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال والسلام يخرج عن الهجران وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ويهجر أهل البدع والفسوق لأن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان مسألة لا يتناجى اثنان دون واحد لأن ذلك يحزنه لا في سفر ولا في حضر وكذلك لا يتناجى ثلاثة دون واحد وكلما كثرة الجماعة اشتد حزنه فيجب المنع
الباب السادس عشر في السلام والإستيذان والعطاس والتثاؤب وما يتعلق بذلك وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في السلام والإبتداء به سنة على الكفاية ورده واجب على الكفاية فذلك يجزي الواحد عن الجماعة في الإبتداء والرد ولا يزاد فيه على البركة ويسلم الراكب على الماشي والصغير على الكبير والقليل على الكثير فأما الداخل على شخص أو المار عليه فيسلم عليه مطلقا ولا يبدأ اليهود ولا النصارى بالسلام ومن سلم عليهم لم يحتج أن يستقيلهم خلافا لابن عمر وإذا بدأ وارد عليهم عليكم بغير واو وقيل وعليكم بإثباتها ولا يسلم على المرأة الشابة بخلاف المتجالة ولا يسلم على أهل البدع كالخوارج والقدرية وغيرهم إلا على أهل له حال تلبسهم به ولا يسن السلام على المصلي ويكره على من يقضي حاجته ومن دخل منزله فليسلم على أهله وإن دخل منزلا ليس فيه أحد فليقل السلام علي وعلى عباد الله الصالحين وأما المصافحة فجائزة وقيل مكروهة وقيل مستحبة وتكره المعانقة وتقبيل اليد في السلام ولو من العبد وينبغي لسيده أن يزجره عن ذلك إلا أن يكون غير مسلم ( الفصل الثاني ) في الإستيذان وصفته أن يقول السلام عليكم أدخل ثلاثا فإن أذن له وإلا انصرف والإستيذان واجب فلا يجوز لأحد أن يدخل على أحد بيته حتى يستأذن عليه أجنبيا كان أو قريبا ويستأذن على أمه وعلى كل من لا يحل له النظر إلى عورتها وإذا استأذن وقيل له من أنت فليسم نفسه باسمه أو بما يعرف به ولا يقل أنا ( الفصل الثالث ) في العطاس والتثاؤب ينبغي للعاطس أن يقول الحمد لله ولمن سمعه أن يشمته وهو يقول له يرحمك الله فيجيبه العاطس بقوله يغفر الله لنا ولكم أو يهديكم الله ويصلح بالكم والتشميت بالشين المعجمة وبالسين المهملة وهو مستحب وكذلك جوابه وقيل هو واجب على الكفاية فيجزي واحد عن الجماعة وقيل على العين فلا يجزي أحد عن غيره ولا يشمت من لم يحمد الله وليرفع صوته بالحمدليسمع فيشمت ومن عطاسه شمت إلى الثلاثة ولم يشمت فيما بعدها ومن تثاءب فليجعل يده على فمه ويكظه ما فإنه من الشيطان
الباب السابع عشر فيما يفعله الإنسان في بدنه
وفيه أربع مسائل ( المسألة الأولى ) في خصال الفطرة وهي عشرة خمس في الرأس وهي السواك والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب لا حلقه وإعفاء اللحية لا أن تطول جدا فله الأخذ منها وخمس في الجسد الاستنجاء والختان ونتف الإبطين وحلق العانة وتقليم الأظافر وعد بعضهم فيها فرق الشعر بدلا من ذكر السواك ( فرع ) مذهب مالك أن الشارب يقص ولا يحلق وحمل على ذلك الإحفاء المأمور به في الحديث وقال من حلق شاربه يوجع ضربا وأجاز الشافعي وابن حنبل حلقه وحملا على ذلك الإحفاء ( فرع ) لا حد في زمان فعل هذه الخصال فإذا احتاج إليها الإنسان فعلها وقد جاء الحديث أربعون يوما في قص الأظافر وحلق العانة ( المسألة الثانية ) في حلق الشعر قال ابن العربي رحمه الله الشعر على الرأس زينة وحلقه بدعة ويجوز أن يتخذ جمة وهو ما أحاط بمنابت الشعر ووفرة وهو ما زاد على ذلك إلى شحمة الأذنين وأن يكون أطول من ذلك ويكره القزع وهو أن يحلق البعض ويترك البعض ( المسألة الثالثة ) يجوز صبغ الشعر بالصغرة والحناء والكتم اتفاقا واختلف هل الأفضل الصبغ أو تركه وكان من السلف من يفعله ومن يتركه واختلف في جواز الصبغ بالسواد وكراهته فقال مالك ما سمعت فيه شيئا وغيره أحب إلي وكرهه قوم لحديث أبي قحافة ويكره نتف الشيب وإن قصد به التلبيس على النساء فهو أشد في المنع ( المسألة الرابعة ) لا يحل للمرأة التلبيس بتغيير خلق الله تعالى ومنه أن تصل شعرها القصير بشعر آخر طويل وأن تشم وجهها وبدنها وأن تنشر أسنانها وأن تتنمص فالوشم غرز إبرة أو مشرط أو غير ذلك ثم يحشى موضعه بالكحل فيخضر والنشر تحت الأسنان حتى تتفلج وتتحد أطرافها والتنمص نتف الشعر من وجهها ويجوز لها أن تخضب يديدها ورجليها بالحناء وأجاز مالك التطريف وهو صبغ أطراف الأصابع والأضافر ونهى عنه عمر
الباب الثامن عشر في أحكام الدواب والتصوير وفيه خمس مسائل
( المسألة الأولى ) في وسم الدواب ولا بأس بوسم الحيوان كله بعلامة يعرف بها ويكره الوسم في الوجه لأنه مثلة وتوسم الغنم في آذانها لتعذره في أجسادهالأنه يغيب بالصوف ومن له سمة قديمة فأراد غيره أن يحدث مثلها منع خوف اللبس ( المسألة الثانية ) في الخصاء ويجوز خصاء الغنم وسائر الدواب إلا الخيل لأن الغنم تراد للأكل وخصاؤها يزيد في سمنها والخيل تراد للركوب وخصاؤها ينقص من قوتها ويقطع نسلها وإذا كلب الفرس وخبث فلا بأس أن يخصى ويجوز أن ينزى حمار على فرس عربية ( المسألة الثالثة ) لا يجوز شد الأوتار على الدواب ولا تعليق الأجراس عليها للنهي عن ذلك في الحديث وهي الجلاجل الكبار بخلاف الصغار وكلما عظم الجرس كان أشد في المنع لشبهه بالناقوس وقيل لأنه يعلم العدو بنا فيقصدنا إن كان طالبا ويبعد إن كان هاربا ( المسألة الرابعة ) في قتل الدواب المؤذية أما الحيات التي في البيوت فتؤذن ثلاثة أيام فإن بدا بعد ذلك قتل واختلف هل ذلك عام في جميع البيوت أم خاص بالمدينة ولا يؤذن ما يوجد من الحيات في غير البيوت كالصحاري والأودية بل تقتل وأما لوزع فيقتل حيث ما وجد وكذلك الحدأ والغراب والفأرة والكلب العقور لأنها الفواسق التي أمر بقتلها في الحل والحرم وكذلكالزنبور وأما النمل والنحل فلا يفتل إلا أن يؤذي ولا يقتل شيء من الحيوان بالنار ( المسألة الخامسة ) لا يجوز عمل التماثيل على صورة الإنسان أو شيء من الحيوان ولا استعمالها في شيء أصلا والمحرم من ذلك بالإجماع ما له قائم على صفة ما يحيى من الحيوان وما سوى ذلك من الرسوم في الحيطان أو الرقوم في الستور والبسط والوسائد ففيه أربعة أقوال المنع والجواز والكراهة واختصاص الجواز بما يمتهن كالبسط بخلاف الستور والمعلقة ويباح لعب الجواري بالصور الناقصة غير التامة الخلقة كالعظام التي ترسم فيها وجوه وقال أصبغ الذي يباح ما يسرع إليه البلى
الباب التاسع عشر في مخالطة الرجال للنساء وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في حكم النظر وهو أربعة أقسام ( الأول ) نظر الرجل للمرأة فإن كانت زوجته أو مملوكته جاز له أن ينظر إلى جميع جسدها حتى فرجها وإن كانت ذات محرم جاز له رؤية وجهها ويديها دون سائر جسدها على الأصح وإن كانت سيدته جاز له أن يرى منها ما يرى ذو المحرم إلا أن يكون له منظر فيكره أن يرى ما عدا وجهها ولا يدخل الخصي على المرأة إلا إن كان عبدها أو عبد زوجها وإن كانت أجنبية جاز أن يرى الرجل من المتجالة الوجه والكفين ولا يجوز أن يرى ذلك من الشابة إلا لعذر من شهادة أو معالجة أو خطبة ( الثاني ) نظر المرأة إلى الرجل فإن كان زوجها أو سيدها جاز أن ترى منه ما يرى منها وإن كانت ذات محرم أو سيدته جاز أن ترى منه جسده كله إلا عورته وإن كانت أجنبية فقيل حكمها حكم الرجل مع ذوات محارمة وقيل كنظر الرجل إلى الأجنبية( الثالث ) نظر الرجل إلى الرجل ( الرابع ) نظر المرأة إلى المرأة فيمنع النظر إلى العورة ويجوز ما سواها في الوجهين ( الفصل الثاني ) فيما زاد على النظر إما الخلوة فلا يجوز أن يخلو رجل بامرأة ليست زوجته ولا ذات محرم منه وأما المجالسة والمؤاكلة فلا تجوز مع من يمنع النظر إليه إلا لضرورة ولا يجوز أن تؤاكل المرأة عبدها إلا إذا كان وغدا دنيئا يؤمن منه التلذذ بالنساء بخلاف من لا يؤمن ذلك منه وأما المضاجعة فلا يجوز أن يجتمع رجل وامرأة غير زوجته أو مملوكته في مضجع واحد لا متجردين ولا غير متجردين ولا يجوز أن يجتمع رجلان ولا امرأتان في مضجع واحد متجردين وقد نهى عن المعاكمة ومعناها المضاجعة ويفرق بين الصبيان في المضاجع لسبع وقيل لعشر
الباب الموفي عشرين في الطب والرقي وما أشبه ذلك وفيه ثمان مسائل
( المسألة الأولى ) في حكم علاج المريض وهو على ثلاثة أنواع ( الأول ) ممنوع وهو التداوي بشرب الخمر وبول الإنسان ( الثاني ) مختلف فيه وهو استعمال الخمر والبول من غير شرب كغسل القرحة بهما واستعمال غيرهما من النجاسات التي أخف واختلف في الكي والصحيح جوازه ( الثالث ) جائز كشرب الدواء أو الحمية أو فصد العروق أو غير ذلك ( المسألة الثانية ) من الناس من اختار التداوي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ومنهم من اختار تركه توكلا على الله وتفويضا إليه وتسليما لأمره تبارك وتعالى وروي ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبه أخذ أكثر المتصوفة ( المسألة الثالثة ) في حقوق المريض وفي العيادة والتمريض فالعيادة مستحبة فيها ثواب والتمريض فرض كفاية فيقوم به القريب ثم الصاحب ثم الجار ثم سائر الناس ( المسألة الرابعة ) في العين ومن أصاب أحدا بالعين أمر أن يتوضأ له في إناء ويصب الماء على المأخوذ بالعين وصفته أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة أزراره وهي الطرف الأيسر من طرفيه اللذين يشد بهما ويذكر أن مما ينفع من العين قراءة قوله تعالى وأن يكاد الذي كفروا ليزلقونك بأبصارهم الآية ( المسألة الخامسة ) يجوز تعليق التمائم وهي العوذة التي تعلق على المريض والصبيان وفيها القرآن وذكر الله تعالى إذا خرز عليها جلد ولا خير في ربطها بالخيوط هكذا نقل القرافي ويجوز تعليقها على المريض والصحيح خوفا من المرض والعين عند الجمهور وقال قوم لا يعلقها الصحيح وأما الحروز التي تكتب بخواتم وكتابة غير عربية فلا يتجوز لمريض ولا لصحيح لأن ذلك الذي فيها يحتمل أن يكون كفرا أو سحرا ( المسألة السادسة ) في الطاعون وهو الوباء وإذا وقع بأرض فلا يخرج منها من كان فيها فرارا منه ولا يقدم عليهامن كان في غيرها على ما ورد في الحديث الصحيح قال ابن رشد عن مالك لا بأس بالخروج منه والقدوم عليه لأن النهي نهي إرشاد وتأديب لا نهي تحريم ( المسألة السابعة ) في العدوى وقد نفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وقال لا عدوى ولا طيرة وذلك تحقيق للقدر ونفي لما كان أهل الجاهلية يعتقدون فالعدوى تعدي المرض من إنسان إلى آخر ومن بهيمة إلى أخرى إلا أنه قال صلى الله عليه وسلم لا يحل المرض على الصحيح ولا يحل الصحيح على الممرض وذلك لئلا يقع في النفس شيء وأما الطيرة فهي الكلام المكروه يتطير به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الطيرة ويعجبه الفال الحسن ( المسألة الثامنة ) في الرقي والدعاء للمريض ورد في الحديث الصحيح رقية اللديغ بأم القرآن وإنه برىء وقال صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات اسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفيك عافاه الله من ذلك المرض وكان صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا قال اذهب الباس رب الناس واشف فأنت الشافي شفاء لا يغادر سقماء وأخبر صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام رقاه بهذه الرقية بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد وكان صلى الله عليه وسلم يعود الحسن والحسين رضي الله عنهما فيقول أعيذكما بكلمات الله التامة من شر كل شيطان رجيم وهامة ومن شر كل عين لامة ويقول هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ اسحق وإسماعيل عليهما السلام وروينا حديثا مسلسلا في قراءة آخر سورة الحشر مع وضع اليد على الرأس إنها شفاء من كل داء إلا السام والسام هو الموت وقد جربناه مرارا عديدة فوجدناه حقا ( وها هنا انتهى ) الكتاب الجامع وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين
أقسام الكتاب
1 2 3