كتاب : القوانين الفقهية
المؤلف : محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي القرطبي

فيؤكل إن مات بسبب كقطع عضو منه أو إحراقه أو جعله في الماء الحر ولا يؤكل إن مات بغير سبب خلافا لهما ولمطرف ( المسألة الرابعة ) ذوات الحوافر فالخيل مكروهة وقيل حلال وفاقا للشافعي وقيل محرمة والحمير مغلظة الكراهية وقيل محرمة وفاقا لهم والبغل كذلك قال اللخمي الخيل أخف من الحمير والبغال بينهما وأما حمار فحلال فإن دجن وصار يحمل عليه فقولان ( المسألة الخامسة ) ما اختلف أنه ممسوخ كالفيل والضب والقرد والقنفذ قيل حلال وقيل حرام ( المسألة السادسة ) الحيوانات المستقذرة كالحشرات وهوام الأرض قال في الجواهر يحكي المخالفون عن المذهب جواز أكلها قال ابن بشير والمذهب بخلاف ذلك وحرمها الشافعي لأنها خبائث والحلزون يؤكل منه ما سلق أو شوي لا ما مات وحده ( المسألة السابعة ) في الدماء قال اللخمي ودم ما لا يؤكل لحمه حرام قليله وكثيره ودم ما يؤكل لحمه قبل الزكاة كذلك وبعدها يحرم المسفوح فإن استعملت الشاة قبل تقطيعها وظهور الدم كالمشوية جاز أكلها اتفاقا وإن قطعت فظهر الدم فاختلف هل هو حلال أو حرام وأما ما سوى هذه المسائل فهو حلال باتفاق إلا أن أكل النجاسات كالدجاج المخلاة ففيه خلاف

الباب الثاني في حال الإضطرار
ولإخفاء أن الميتة تباح للمضطر ثم أن النظر في حد الضرورة وجنس المستباح وقدره أما الضرورة فهي خوف الموت ولا يشترط أن يصبر حتى يشرف على الموت وأما جنس المستباح فكل ما يرد جوعا أو عطشا كالميتة من كل حيوان إلا ابن آدم وكالدم والخنزير والأطعمة النجسة والمياه النجسة إلا الخمر فإنها لا تحل إلا لساعة الغصة على خلاف فيها ولا تباح لجوع ولا لعطش لأنها لا تدفع وقيل تباح ولا يحل التداوي بها في المشهور وقيل يجوز وفاقا للشافعي وأما قدر المستباح بأن يأكل ويشبع وإن خاف العدم فيما يستقبل تزود منها فإن استغنى عنها طرحها وقال الشافعي لا يشبع ولا يتزود وإنما يأكل ما يسد رمقه فروع لا يأكل المضطر ميتة ابن آدم خلافا للشافعي وإن وجد الميتة وخنزيرا قدم المتة وإذا أكل الخنزير يستحب له تذكيته وإن وجد ميتة وطعام الغير أكل الطعام إن أمن أن يعد سارقا وضمنه وقيل لا يضمن وليقتصر منه على شبعه ولا يتزود منه ويطلب الطعام بشراء أو عطية من مالكه الذي ليس بمضطر فإن امتنع غصبه وله قتاله عليه وإن أدى إلى قتله كالمحارب ويترخص بأكل الميتة للعاصي بسفر على المشهور بخلاف القصر والفطر وقيل لا يباح مع التمادي على المعصية
الباب الثالث في الأشربة
الخمر حرام قليلها وكثيرها إجماعا أعني عصير العنب إذا أسكر فإن لم يسكر فهو حلال إجماعا وأما سائر الأشربة المسكرة كالمتخذة من الزبيب والتمر والعسل والقمح والشعير وغير ذلك فهي كالخمر عند الإمامين وابن حنبل وقال قوم إنما يحرم منها الكثير الذي يسكر لا القليل وقال أبو حنيفة المتخذ من غير النخل والكرم لا يحرم أسكر أو لم يسكر والمتخذ من التمر والزبيب يحرم منهما ما أسكر لا القليل فروع عشرة ( الفرع الأول ) المعتبر في عصير العنب الإسكار ولا يعتبر فيه هل طبخ أو لم يطبخ وقيل إن طبخ حتى بقي ثلثه فلا بأس به لذهاب الإسكار ( الفرع الثاني ) الإنتباذ جائز إلا في الدباء والمزفت فيكره وقيل أيضا يكره الإنتباذ في الحنثم وهو الفخار وفي النقير من الخشب وأجازه أبو حنيفة في جميع الأواني ( الفرع الثالث ) يكره انتباذ الخليطين وشربهما كالتمر والزبيب وإن لم يسكر وحرم قوم الخليطين وأباحها قوم ما لم يسكر ( الفرع الرابع ) لا يحل لمسلم أن يتملك الخمر ولا شيئا من المسكر فمن وجدت عنده أريقت عليه واختلف في ظروفها فقيل يكسر جميعها وتشق وقيل يكسر ويشق منها ما أفسدته الخمر ولا ينتفع به دون ما ينتفع به إذا زالت منه الرائحة وقيل أما الزقاق فلا ينتفع بها وأما القلال فيطبخ فيها الماء مرتين وتغسل وينتفع بها ( الفرع الخامس ) لا يحل لمسلم أن يؤاجر نفسه ولا غلامه ولا دابته ولا داره في عمل الخمر خلافا لأبي حنيفة ( الفرع السادس ) لا يحل لمسلم بيع الخمر إلى مسلم ولا كافر ولا بيع العنب لمن يعمل منه الخمر فإن عثر على الخمر المبيعة كسرت ونقض البيع وإن كان المشتري لم يدفع الثمن سقط عنه وإن كان قد دفعه رد إليه وقيل يتصدق به وإن أسلم الكافر وعنده خمر أراقها وإن أسلم وعنده ثمن خمر فلا بأس به ( الفرع السابع ) إذا تخللت الخمر من ذاتها صارت حلالا طاهرة اتفاقا وأما تخليلها بمعالجة ففيه ثلاثة أقوال المنع وفاقا لهما والجواز على كراهة والفرق بين أن يتخذها خمرا فلا يجوز تخليلها أو يتخمر عنده عصير لم يرد به الخمر فيجوز تخليله وفي جواز أكلها على القول بالمنع ثلاثة أقوال ( الفرع الثامن ) في المدونة سئل مالك عن الخمر تجعل فيها الحيتان فتصير مربى فقال لا أرى ذلك وكرهه وقال حبيب هو حرام وإن أسكر فهو حرام باتفاق ( الفرع التاسع ) قال القرافي المرقدات تغيب العقل ولا يحد شاربها ويحل قليلها إجماعا ولا ينجس قليلها ولا كثيرها لأنها غير مسكرة فإن المسكر هو المطرب ( الفرع العاشر ) يجوز أكل لبن الآدميات إذا جمع في إناء كسائر الألبان وحرمه أبو حنيفة ومنع بيعه لأنه جزء آدمي
الباب الرابع في الصيد والنظر في حكمه وشروطه
أما حكمه فينقسم خمسة أقسام مباح للمعاش ومندوب للتوسعة على العيال وواجب لإحياء نفس عند الضرورة ومكروه للهو وأباحه ابن عبد الحكم وحرام إذا كان عبثا لغير نية للنهي عن تعذيب الحيوان لغير فائدة وأما شروطه فستة عشر ستة في الصائد وخمسة في الآلة التي يصطاد بها وخمسة في المصيد ولنفرد لكل واحد فصلا ( الفصل الأول ) في شروط الصائد ( الأول ) أن يكون ممن تصح تذكيته حسبما يذكر في الذبائح فيجوز صيد المسلم اتفاقا ولا يجوز صيد المجوسي وفي صيد الكتابي ثلاثة أقوال الجواز والمنع والكراهة فإن كان أبوه مجوسيا وأمه كتابية أو بالعكس فمالك يعتبر الوالد والشافعي يعتبر الأم وأبو حنيفة يعتبر أيما كان ممن تجوز تذكيته ( الثاني ) أن لا يكون محرما وهذا في صيد البر ( الثالث ) أن يرى الصيد ويعينه ( الرابع ) أن ينوي الإصطياد ( الخامس ) أن يسمي الله تعالى عند الإرسال أو الرمي كما يسمي الذابح عند الذبح فإن ترك التسمية فحكمه حكم الذابح وسيأتي ( السادس ) أن يتبع الصيد عند الإرسال أو الرمي فإن رجع ثم أدركه غير منفوذ المقاتل ذكاه وإن لم يدركه إلا منفوذ المقاتل لم يؤكل إلا أن يتحقق إن مقاتله انفذت بالمصيد به ( الفصل الثاني ) الآلة صنفان سلاح وحيوان فأما السلاح فيشترط أن يكون محدادا كالرمح والسهم والسيف وغير ذلك ما عدا ما لا يجوز التذكية به وهي السن والظفر والعظم ومن رمى الصيد بسبف أو غيره فقطعه قطعتين أكل جميعه ولا يجوز عند الجمهور الصيد بمثقل كالحجر والمعراض إلا أن يكون له حد ويوقن أنه أصاب به لا بالمرض وأما الحيوان فيجوز عند الجميع الصيد بالكلاب والبازات والصقور والعقاب وكل ما يقبل التعليم حتى بالسنور قاله ابن شعبان خلافا لمن منعه بالكلب الأسود وهو ابن حنبل ولمن منعه بغير الكلاب فإن قتله الجارح أكل لأن ذلك ذكاته وإن لم يقتله ذكي وأما النمس فلا يؤكل ما قتل لأنه لا يقبل التعليم ويشترط في الحيوان أربعة شروط ( الأول ) أن يكون معلما والمقصود من ذلك أن ينتقل عن طبعه الأصلي حتى يصير مصرفا بحكم الصائد كالآلة لا صائدا لنفسه وقيل التعليم أن يكون إذا زجر انزجر وإذا أشل أطاع وقيل يضاف إلى هذين أن يكون إذا دعي أطاع وعند أبي حنيفة أن يترك الأكل ثلاث مرات ( الثاني ) أن يرسله الصائد من يده على الصيد بعد أن يراه ويعينه فإن انبعث من تلقاء نفسه لم يؤكل خلافا لأبي حنيفة فإن انبعث بإرساله وهو ليس في يده فقيل يؤكل وقيل لا يؤكل وقيل يؤكل إذا كان قريبا وإن زجره بعد انبعاثه من تلقاء نفسه فرجع إليه ثم أشلاه أكل وإن لم يرجع إليه لم يؤكل وإن أرسله على صيد بعينه فصاد غيره لم يؤكل خلافا لهما ولو ظنه ابلافرماه فقتله ثم ظهر أنه بقرة مثلا ففيه قولان فإن أرسل ولم يقصد شيئا معينا وإنما قصد ما يأخذ الجارح أو تقتل الآلة في جهة محصورة كالغار وشبهه جاز على المشهور خلافا لأشهب وإن كانت جهة غير معينة كالمتسع من الأرض والغياض لم يجز خلافا لأصبغ ولا خلاف في المذهب أنه لا يباح الإرسال على صيد يقوم بين يديه ولو رأى الجارح يضطرب ولم ير الصائد شيئا فأرسل عليه فأجازه مالك مرة وكرهه أخرى وقال لعله غير الذي اضطرب عليه ( الثالث ) أن لا يرجع الجارح عن الصيد فإن رجع بالكلية لم يؤكل وكذلك لو اشتغل بصيد آخر أو بما يأكله وأن توقف في مواضع الطلب أكل وهذا كله إنما يشترط إذا قتله الجارح فإن لم يقتله ذكى ( الرابع ) أن لا يشاركه في العقر ما ليس عقره ذكاة كغير المعلم فإن تيقن أن المعلم هو المنفرد بالعقر أكل وإن تيقن خلاف ذلك أو شك لم يؤكل وإن غلب على ظنه أنه القاتل ففيه خلاف وإن أدركه غير منفوذ المقاتل فذكاه أكل مطلقا ( الفصل الثالث ) في شروط المصيد ( الأول ) يشترط أن يكون جائز الأكل فإن الحرام لا يؤثر فيه الصيد ولا الذكاة ( الثاني ) أن يعجز عن أخذه في أصل خلقته كالوحوش والطيور فإن كان متأنسا كالإبل والبقر والغنم ثم توحش لم يؤكل بالصيد خلافا لهم ولابن العربي في كل متأنس ند ولابن حبيب في البقر خاصة وإن قدر على المتوحش كالذي يحصل في حبالة ذكي ولم يؤكل بعقر الإصطياد وإن تأنس المتوحش الأصل ثم ند أكل بالإصطياد ( الثالث ) أن يموت من الجرح لا من صدم الجارح ولا من الرعب وفاقا لهما وأجاز أشهب أكله ( الرابع ) أن لا يشك في صيده هل هو أو غيره ولا يشك هل قتلته الآلة أو لا فإن شك لم يؤكل ولو فات عنه الصيد ثم وجده منفوذ المقاتل لم يؤكل في المشهور وقيل يؤكل وقيل يكره فلو رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل لم يؤكل إذ لعل موته من الغرق أو التردي إلا أن يكون سهمه قد أنفذ مقاتله قبل ذلك فلا يضره الغرق أو التردي ( الخامس ) أن يذكي إن لم تكن مقاتلة قد أنفذت فإن أدركه حيا وقدر على تذكيته فلم يذكه حتى مات أو قتله الجارح لم يؤكل وإن قتله الجارح قبل أن يقدر عليه أكل في المشهور وفاقا للشافعي خلافا لأبي حنيفة ولا يشترط أن لا يأكل منه الجارح في المشهور خلافا للشافعي وابن حنبل وابن حزم والمنذر البلوطي فروع تسعة متفرقة ( الفرع الأول ) إذا قطعت الآلة والجارح عضوا من الصيد لم يجز أكل العضو لأنه ميتة إذا قطع من حي ويجوز أكل سائره إلا الرأس إذا قطع فيؤكل ولو كان المقطوع النصف فأكثر جاز أكل الجميع ( الفرع الثاني ) قال مالك في العتبية والموازية إذا رمى بسهم مسموم لم يؤكل خوفا على من أكله ولعله أعان على قتله قال ابن رشد إذا لم ينفذ مقاتله ولم تدرك ذكاته لم يؤكل باتفاق فإن أدركت ذكاته فمنعه مالك وابن حبيب وأجازه سحنون قال وهو أظهر فإن أنفذ السهم المسموم مقاتله فمنعه ابن حبيب قال الباجي إن كان السم من السموم التي تؤمن ولا يتقى على أكلها كالبقلة جاز على أصل ابن القاسم( الفرع الثالث ) لا يستحق الصيد بالرؤية دون الأخذ فلو رآه واحد وصاده آخر كان لمن صاده فإن صاده واحد ثم ند منه فصاده آخر فاختلف هل يكون للأول أو للثاني إلا إن توحش بعد الأول فهو للثاني خلافا لهما ( الفرع الرابع ) إن غصب كلبا أو بازيا فصاد به فاختلف هل يكون المصيد للغاصب أو لصاحب الجارح ولو غصب سلاحا أو فرسا كان للغاصب ولو غصب عبدا فاصطاد له كان المصيد لسيد العبد ( الفرع الخامس ) موضع ناب الكلب ؤكل لأنه طاهر في المذهب وقال الشافعي يغسل سبعا أو يقطع الموضع الذي فيه اللعاب ( الفرع السادس ) من طرد صيدا فدخل دار إنسان فإن كان اضطره فهو له وإن كان لم يضطره فهو لصاحب الدار ( الفرع السابع ) لا يمنع أحد أن ينصب أبرجة حمام أو أجباح نحل في موضع فيه أبرجة حمام أو أجباح نحل لغيره إلا أن يعلم أنه أضر السابق بأن يحدثها بقربة ويقصد صيد المملوك فيمنع فإن نصبها فحصل فيها حمام أو نحل لغيره فإن قدر على ردها ردها وإن لم يقدر على ردها فقيل يكون ما تولد عنها للسابق وقيل لمن صارت إليه ( الفرع الثامن ) كل ما ذكرنا من شروط الصيد إنما يشترط إذا عقرته الجوارح أو السلاح أو أنفذت مقاتله فإن أدركه حيا غير منفوذ المقاتل ذكى وإنما يشترط في ذلك ما يشترط في الذبح ( الفرع التاسع ) إنما تشترط الشروط في صيد البر وأما صيد البحر فيجوز مطلقا سواء صاده مسلم أو كافر على أي وجه كان
الباب الخامس في الذبائح
الذبح والنحر ذكاة المقدور عليه كما أن العقر بالصيد ذكاة غير المقدور عليه والنظر في المذكى والمذكي والآلة وصفة الذكاة ففي الباب أربعة فصول ( الفصل الأول ) في المذكي وهو على ثلاثة أصناف صنف اتفق على جواز تذكيته وهو المسلم البالغ العاقل الذكر المصلي وصنف اتفق على تحريم تذكيته وهو المشرك من عبدة الأوثان وصنف اختلف فيه وهو عشرة أهل الكتاب والمجوس والصابئون والمرأة والصبي والمجنون والسكران وتارك الصلاة والغاصب والسارق فأما أهل الكتاب من اليهود والنصارى رجالهم ونساؤهم فتجوز ذبائحهم على الجملة اتفاقا واختلف منها في فروع وهي إن كان الكتابي عربيا جازت ذبيحته عند الجمهور خلافا للشافعي في أحد قوليه وإن كان مرتدا لم تؤكل ذبيحته عند الجمهور خلافا لأبي إسحاق وإن ذبح نائبا عن مسلم فقولان في المذهب ولا خلاف في الجواز إن ذبح لنفسه إلا إن ذبح لعيدهم أو كنائسهم فهو مكروه وأجازه أشهب وحرمه الشافعي وإذا كانت الذبيحة محرمة عليهم فأربعة أقوال المنع لابن القاسم والإباحة لابن عبد الحكم والكراهةلأشهب والتفرقة بين أن يكون مما علمنا تحريمه عليهم كذي الظفر فلا يجوز أو مما انفردوا بتحريمه كالطريفة فيجوز وفي شحوم ما ذبحوه المنع والجواز وفاقا لهما والكراهة وإذا غاب الكتابي على الذبيحة فإن علمنا أنهم يذكرون أكلنا وإن علمنا أنهم يستحلون الميتة كنصارى الأندلس أو شككنا في ذلك لم نأكل مما غابوا عليه ولا ينبغي للإنسان أن يقصد الشراء من ذبائح اليهود وينهى المسلمون عن شراء ذلك منهم وينهى اليهود عن البيع منهم ومن اشترى منهم فهو رجل سوء ولا يفسخ شراؤه وقال ابن شعبان أكره قديد الروم وجبنهم لما فيه من أنفحة الميتة وقال القرافي وكراهيته محمولة على التحريم لثبوت أكلهم الميتة وأنهم يخنقون البهائم ويضربونها حتى تموت وقد صنف الطرطوشي في تحريم جبنهم وهو ينجس البائع والمشتري والميزان وأما المجوس فلا تجوز ذبائحهم عند الجمهور خلافا لقوم وأما الصابئون فلا تجوز ذبائحهم في المذهب خلافا لقود ودينهم بين المجوسية والنصرانية وقيل يعتقدون تأثير النجوم وأما الصبي فإن لم يعقل الذبح ولم يطقه فلا تصح ذكاته وإن عقل وأطاق جازت ذكاته في المشهور وقيل لا تؤكل وهو محمول على الكراهة وأما المرأة فذكاتها جائزة على المشهور وأما المجنون والسكران فلا تجوز ذبيحتهما خلافا للشافعي وأما تارك الصلاة فتجوز ذبيحته خلافا لابن حبيب وأما سارق الذبيحة وغاصبها فتجوز ذبيحته عند الجمهور خلافا للظاهرية
تلخيص في المذهب
قال ابن رشد ستة في المذهب لا تجوز ذبائحهم وهم الصغير الذي لا يعقل والمجنون حال جنونه والسكران الذي لا يعقل والمجوسي والمرتد والزنديق وستة تكره وهم الصغير المميز والمرأة والخنثى والخصي والأغلف والفاسق وستة اختلف في ذبائحهم وهم تارك الصلاة والسكران الذي يخطيء ويصيب والمبتدع المختلف في كفره والنصراني العربي والنصراني إذا ذبح لمسلم بأمره والعجمي يجيب إلى الإسلام قبل البلوغ ( الفصل الثاني ) في المذكي وفيه أربعة مسائل ( المسألة الأولى ) فيما يفتقر إلى ذكاة الحيوان على نوعين بري وبحري فأما البري الذي له نفس سائلة فلا بد من ذكاته اتفاقا وكله يقبل الذكاة إلا الخنزير فإنه إذا ذكى صار ميتة لغلظ تحريمه بخلاف سائر المحرمات فقد اختلف هل ينتفع بذكاتها لطهارة لحومها وعظامها وجلودها وهو المشهور وفاقا لأبي حنيفة أو لا ينتفع وقال الشافعي ينتفع بالجلد والعظم لا باللحم وأما البري الذي ليس له نفس سائلة فيفتقر إلى الذكاة وقيل لا يفتقر وأما البحري فإن لم تطل حياته في البر لم يفتقر إلى ذكاة كالحوت وكذلك ما تطول حياته في البر على المشهور خلافا لابن نافع ( المسألة الثانية ) في ذكاة المريضة لا بد أن يكون المذكى معلوم الحياة وأما المريضة التي لم تشرف على الموت فتذكى وتؤكل اتفاقا وكذلك التي أشرفت عندالجمهور وفي المشهور إلا إن شك هل أدركت حياتها أم لا فلا تؤكل فإن غلب على الظن إدراك حياتها ففيها خلاف فإن لم يتحرك من الذبيحة شيء فإن كانت صحيحة أو مريضة لم تقرب منالموت أكلت وإن قربت لم تؤكل إلا بدليل يدل على الحياة والعلامات على الحياة خمس سيلان الدم لا خروج القليل منه والركض باليد أو الرجل وطرف العين وتحريك الذنب وخروج النفس فإن تحركت ولم يسل دمها أكلت وإن سال دامها ولم تتحرك لم تؤكل لأن الحركة أقوى في الدلالة على الحياة من سيلان الدم وأما الاختلاج الخفيف فليس دليلا لأن اللحم يختلج بعد السلخ واختلف في وقت مراعاة العلامات على الحياة على ثلاثة أقوال بعد الذبح ومعه وقبله ( المسألة الثالثة ) في الخمسة المذكورة في القرآن وهي المنخنقة التي اختنقت بحبل ونحوه الموقوذة المضروبة بعصا وشبهها والمتردية التي سقطت من جبل أو غيره والنطيحة المنطوحة وما أكل السبع ولها أربعة أحوال فإن ماتت قبل الذكاة لم تؤكل إجماعا وإن رجيت حياتها ذكيت وأكلت إجماعا وإن نفذت مقاتلها لم تؤكل باتفاق في المذهب عند ابن رشد وحكى فيها غيره قولين وقد أجاز أكلها علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما وإن يئس من حياتها ولم تنفذ مقاتلها أو شك في أمرها فثلاثة أقوال تذكى وتؤكل عند ابن القاسم وفاقا لهما ولا تذكى ولا تؤكل والفرق بين الشك فتذكى وتؤكل وبين الإياس فلا تذكى ولا تؤكل وسبب الخلاف هل قوله تعالى ( إلا ما ذكيتم ) استثناء متصل أو منقطع فمن رآه متصلا قال تعمل الذكاة في هذه الأشياء ومن رآه منقطعا قال لا تعمل الذكاة فيها لأن المراد ( ما ذكيتم ) من غيرها وقال ابن بكير معنى الآية ما مات بالخنق وغيره من تلك الأشياء فهو حرام كالميتة والدم بيان المقاتل المتفق عليها خمسة قطع الأوداج وانتشار الدماغ وانتشار الحشوة وخرق المصران أعلاه في مجرى الطعام والشراب لا أسفله حيث الرجيع وانقطاع النخاع وهو المخ الذي في عظام الرقبة والصلب واختلف في اندقاق العنق من غير أن ينقطع النخاع وفي انشقاق الأوداج من غير قطع وإذا ذبحت البهيمة فوجدت منقوبة الكرش فالصحيح جواز أكلها لعيشها معه ( المسألة الرابعة ) في ذكاة الجنين وله أربعة أحوال ( الأول ) أن تلقيه ميتا قبل تذكيتها فلا يؤكل إجماعا ( الثاني ) أن تلقيه حيا قبل تذكيتها فلا يؤكل إلا أن يذكى وهو مستقر الحياة ( الثالث ) أن تلقيه ميتا بعد تذكيتها فهو حلال وذكاته ذكاة أمه خلافا لأبي حنيفة ويشترط أن يكون قد كمل خلقه ونبت شعره خلافا للشافعي ( الربع ) أن تلقيه حيا بعد ذكاتها فإن أدركت ذكاته ذكى وإن لم تدرك فقيل هو ميتة وقيل ذكاته ذكاة أمه ( فرع ) في البيض إذا سلق فوجد فيه فرخ ميت لم يؤكل وإذا أخرجت بيضة من دجاجة ميتة لم تؤكل وقال ابن نافع تؤكل إذا اشتدت كما لو ألقيت في نجاسة( الفصل الثالث ) في الآلة التي يذكى بها وهي كل محدد يمكن به إنفاذ المقاتل وإنهار الدم سواء كان من حديد أو عظم أو عود أو قصب أو حجر له حد أو فخار أو زجاج إلا أنه يكره غير الحديد من غير حاجة وتؤكل وأما السن والظفر ففيهما ثلاثة أقوال أحدها لا تجوز الذكاة بهما لا متصلين ولا منفصلين وفاقا للشافعي والثاني الجواز منفصلين ومتصلين والثالث الجواز بالمنفصلين لابن حبيب وأبي حنيفة ومنع الشافعي العظم وأجازه مالك وابن حنبل واشترط ابن القصار فيما يذكى به أن يقطع الأدواج والحلقوم في دفعة واحدة فإن كان لا يقطعها إلا في دفعات لم تجز الذكاة به وإن كان حديدا وقال ابن حبيب لا خير في المنجل المضرس ( الفصل الرابع ) في صفة الذكاة وفيه ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) في أنواع الذكاة وهي أربعة صيد في غير المقدور عليه وذبح في الحلق للطيور وتأثير بقطع أو غيره في الجراد فإن ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح من غير ضرورة لم تؤكل وقيل تؤكل وفاقا لهما وقيل يكره وقيل أن ذبح ما ينحر أكل بخلاف العكس ( المسألة الثانية ) فرائض الذبح خمسة ( الأولى النية وهي أبو حامد ( الثاني ) الفور فإن رفع يده قبل إكمال الذكاة ثم أعادها فقال ابن حبيب تؤكل إن كان بالقرب وإن تباعد لم تؤكل وقال سحنون لا تؤكل وإن كان بالقرب وتأول عليه بعضهم أنه إن رفع مختبرا أكلت وإن رفع وهو يرى أنه قد أجهز لم تؤكل وقال آخر لو عكس لكان أصوب ورجح جواز أكلها اللخمي وأبو القاسم بن ربيع ( الثالث والرابع والخامس ) قطع الودجين والحلقوم والمري ولا يعرف مالك المري والحلقوم مجرى النفس ولا يوصل إلى قطع الودجين في الغالب إلا بعد قطعه لأنه قبلهما والمري مجرى الطعام والشراب وهو وراء ذلك ملتصق بعظم القفا وقد روي عن مالك اشتراط قطع الأربعة فإن ترك أحد الثلاثة لم تؤكل واشترط الشافعي قطع الحلقوم والمري واشترط أبو حنيفة قطع ثلاثة غير معينة من الأربعة فروع أربعة ( الفرع الأول ) يجب أن تبقى الغلصمة وهي الجوزة إلى الرأس لأن الحلقوم تحتها فيما بينها وبين اللبة فإن لم يقطعها وأجازها إلى البدن ولم يبق منها في الرأس ما يستدير لم تؤكل في المشهور وقيل تؤكل واختاره أبو القاسم بن ربيع فإنق طع بعضهما فعلى القول بالمنع تؤكل إن صار منها إلى الرأس حلقة مستديرة وإلا فلا ( الفرع الثاني ) لا يؤكل ما ذبح من القفا ولا في صفحة العنق إذا وصل من ذلك إلى قطع ما يجب في الذكاة خلافا لهما ( الفرع الثالث ( إن قطع بعض الودجين والحلقوم فقال سحنون لا يجوز وابن القاسم إن قطع النصف أو الثلثين جاز وإم لم يقطع إلا اليسير لم يجز ( الفرع الرابع ) إن تمادى بالقطع حتى قطع الرأس أو النخاع أكلت على كرهة وقال مطرف تؤكل في النسيان والجهال ولا تؤكل في العمد( المسألة الثالثة ) في سنن الذبح وهي خمس ( الأول ) التسمية وقيل فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان ويقوي ذلك أن ابن بشير حكى الاتفاق في المذهب على أن من تركها عمدا تهاونا لم تؤكل ذبيحته ومن تركها ناسيا أكلت ومن تركها عمدا غير متهاون فالمشهور أنها لا تؤكل خلافا لأشهب وأجاز الشافعي أكلها مع ترك التسمية مطلقا وهي عنده مستحبة ولفظها ( بسم الله ) وإن زاد التكبير فحسن ( الثاني ) توجيه الذبيحة إلى القبلة فإن لم يستقبل ساهيا أو لعذر أكلت وإن تعمد فقولان المشهور الجواز ( الثالث ) أن يضجع الذبيحة على شقها الأيسر برفق ورأسها مشرف ويأخذ بيده اليسرى جلد حلقها من اللحى الأسفل فيمده حتى تتبين البشرة لم يمر السكين على الحلق تحت الجوز حتى يقف في العظم فإن كان أعسر جاز أن يجعلها على شقها الأيمن ويكره ذبح الأعسر وتنحر الإبل قائمة ( الرابع ) أن الشفرة وليفعل ذلك بحيث لا تراه للبهيمة ( الخامس ) أن يرفق ولا تنخع ولا يقطع شيء منها حتى تموت والنخع هو قطع النخاع
الكتاب العاشر في الضحايا والعقيقة والختان وفيه خمسة أبواب
الباب الأول في الضحية وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في حكمها وهي سنة مؤكدة وفاقا للشافعي وقيل واجبة وفاقا لأبي حنيفة فروع خمسة ( الأول ) يؤمر بها من اجتمعت فيه خمسة شروط وهي الإسلام والحرية وأن لا يكون حاجا بمنى فإن سنته الهدي وأن يقدر عليها وأن لا تجحف به وأن قدر وقال ابن حبيب أن وجد الفقير من يسلفه فيتسلف ويشتريها ( الفرع الثاني ) كما يؤمر بها المقيم يؤمر بها المسافر خلافا لأبي حنيفة ويجوز للغزاة أن يضحوا من غنم الروم لأن لهم أكلها ولا يردونها للمغانم ( الفرع الثالث ) كما يؤمر بها الكبير يؤمر بها ولي الصغير أن يضحي عنه وأن ولد يوم النحر أو آخر أيامه وكذلك من أسلم فيها ويخرجها الوصي من مال اليتيم ( الفرع الرابع ) الأكمل للقادر أن يضحي عن كل شخص عنده أضحية فإن أراد إنسان أن يضحي بواحدة عن كل من عنده جاز في المذهب بشرط أن يكونوا أقاربه وتحت نفقته سواء لزمته نفقتهم أم لا وأما إن كانوا أجانب وأنفق عليهم تطوعا أو استعملهم لم يجز أن يشركهم في أضحيته ولا يجمع الوصي يتيمه في أضحية واحدة مع نفسه ( الفرع الخامس ) لا تجوز الشركة في ثمن الضحايا ويجوز عندهما أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة بخلاف الشاة ( الفصل الثاني ) في وقتها يذبح الإمام بالمصلى بعد الصلاة ليراه الناس فيذبحوا بعده فلا تجزي من ذبح قبل الصلاة ولا قبل ذبح الإمام بعد الصلاة وعند الشافعي بعد مقدار الصلاى سواء صلى الإمام أو ذبح أم لا فروع خمسة ( الفرع الأول ) إن كان أهل القرية بلا إمام تحروا أقرب الأئمة إليهم فإن صادفوا قبله أجزأهم وقيل لا يجزي وقال الشافعي إنما يتحرون قدر الصلاة والخطبة وقال أبو حنيفة أن ذبحوا بعد الفجر أجزأهم( الفرع الثاني ) إن لم يبرز الإمام أضحيته لم يجز من ذبح قبله وقيل يجزيه ( الفرع الثالث ) يمتد وقت الذبح إلى غروب الشمس ثالث العيد وقال الشافعي رابع العيد وقال قوم يوم العيد خاصة فمن ذبح في الثاني والثالث تحرى وقت ذبح الإمام في اليوم الأول فإن ذبح قبله أجزأه إذا كان بعد طلوع الفجر ( الفرع الرابع ) من ذبح بالليل أو قبل طلوع الفجر لم يجزه في المشهور خلافا للشافعي وقيل يجزيه ( الفرع الخامس ) الأفضل أن يضحي قبل زوال الشمس فإن فاته ذلك يوم النحر فاختلف هل الأفضل أن يضحي بقية النهار أو يؤخر إلى ضحى اليوم الثاني وإن فاته ذلك في اليوم الثاني فالأفضل أن يؤخر إلى ضحى اليوم الثالث وإن فاته ذلك في اليوم الثالث فيضحى بعد الزوال لأنه ليس له وقت ينتظر ( الفصل الثالث ) في الذابح الأولى أن يتولى ذبح أضحيته بيده فإن لم يمكنه فليوكل على الذبح مسلما مصليا وينوي هو لنفسه فإن نوى الوكيل عن صاحبها جاز وإن نوى عن نفسه جاز خلافا لأشهب وفي توكيل الكتابي قولان على القول بالجواز لا ينوي الكتابي فرعان ( الفرع الأول ) لو ذبحت بغير إذن صاحبها لم تجز وضمن الذابح قيمتها وعلى ربها بدلها إلا أن كان الذابح ولده أو بعض عياله فيجوز عند ابن القاسم خلافا لأشهب ( الفرع الثاني ) صفة الذبح والذابح على ما ذكر في الذبائح فإن ذبحها تارك الصلاة استحبت إعادتها
الباب الثاني في الأضحية وفيه ثلاث مسائل
( المسألة الأولى ) في جنسها وهي من الأنعام فقط فإن تولد منها ومن غيرها اعتبرت الأم وأفضلها الغنم ثم البقر ثم الإبل لطيب اللحم وعكس الشافعي لكثرة كالهدايا والضأن أفضل من المعز وذكر كل صنف أفضل من إناثه وإناثه أفضل من ذكر ما بعده والفحل أفضل من الخصي وقال ابن حبيب الخصي السمين أفضل من الفحل الضعيف ( المسألة الثانية ) في سنها وهي الجذع من الضأن والثني مما سواه فما فوق ذلك فأما الجذع من الضأن والمعز فهو ابن ستة أشهر وقيل ثمانية وقيل عشرة وقيل ابن سنة كاملة وفاقا لأبي حنيفة والثني منها ابن سنتين وفاقا للشافعي وقيل ما دخل في الثانية وفاقا لأبي حنيفة والجذع من البقر ابن سنتين والثني منها ما دخل في الثالثة وفاقا لهما وقيل ابن أربع سنين والجذع من الإبل ابن خمس سنين والثني منها ابن ست سنين ( المسألة الثالثة ) في صفاتها وهي ثلاثة أنواع مستحبة ومانعة الأجزاء ومكروهة فأما المستحبة فإن يكون كبشا سمينا فحلا أملح أقرن ينظر بسواد ويشرب بسوادويمشي بسواد والأملح هو الذي يكون فيه البياض أكثر منالسواد وأما الذي لا يجزي فثلاثة باتفاق وهي المريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تتقي وهي التي لا شحم فيها وقيل التي لا مخ فيها والعوراء البين عورها وإن كانت الحدقة باقية ولا بأس بالبياض في العين ما لم يكن على الناظر ورابعة لا تجزي عند الإمامين وغيرهما خلافا لأبي حنيفة وهي العرجاء وخامسا لا تجزي عند الأربعة خلافا للظاهرية وهي العمياء وكذل كالمكسورة ويجزي مجرى المريضة الجرباء والهرمة إذا كثر الجرب والهرم وكذلك المجنونة إن لازمها الجنون وأما المكروهة فمنها عيوب الأذن فالسكاء المخلوقة بغير إذن والشرقاء والمشقوقة الأذن والخرقاء المنقوبة الأذن وقيل المقطوع بعض أذنها من أسفل والجذعاء المقطوعة الأذن فإن قطع أزيد من الثلث لم تجز وفي الثلث خلاف واليسير لا يضر والمقابلة ما قطع من أذنها من قبل والمدابرة ما قطع من أذنها من دبر وقيل إن ذلك كله لا يجزي ومنها سقوط الأسنان فإن سقطت الاثغار حاز وإن سقطت لكبر فقولان ولكسر يسير جاز ولكثير قولان ومنها عيوب القرن فالعضباء هي المكسورة القرن وفيها ثلاثة أقوال الأجزاء والمنع والفرق بين أن يدمي أو لا يدمي وهو المشهور وقيل أن العضباء هي الناقصة الخلقة وهي أيضا مكروهة ولا بأس بالجماء وهي التي خلقت بغير قرنين ( فرع ) من اشترى أضحية ثم حدث بها عيب مفسد فعليه إبدالها ولن انكسرت أضحية فجبرها فصحت أجزأته
الباب الثالث في أحكامها قبل الذبح
أما قبل الذبح ففيها ست مسائل ( المسألة الأولى ) في تعيينها تتعين بالذبح اتفاقا وبالنية قبله على خلاف في المذهب وبالشراء بغير نية الأضحية عند أبي حنيفة وبالنذر أن عينها له اتفاقا فإذا قال جعلت هذه أضحية تعينت على أحد قولين ثم على كلا القولين إن ماتت فلا شيء عليه وإن باعها لزمه أن يشتري بثمنها أخرى ولا يستفضل من ثمنها شيئا والأولى أن يستبدل بثمنها خيرا منها ( المسألة الثانية ) من مات قبل ذبح أضحيته ورثت عنه واستحب ابن القاسم أن تذبح عنه ولم يره أشهب ( المسألة الثالثة ) من غصبت له أضحيته فغرمت له قيمتها فليشتر بالقيمة أخرى وقيل يصنع بها ما شاء ولو لم تف القيمة بثمن شاة تصدق بها أو فعل بها ما شاء على الخلاف المتقدم ( المسألة الرابعة ) في نسلها وغلتها فإذا ولدت قبل الذبح حسن ذبح ولدها معها من غير وجوب على أنه لا يجزي عن أضحيته لأنه دون السن وإنخرج بعد الذبح حيا فهو كأمه وأما لبنها فقال ابن القاسم إن لم يشربه ولدها تصدق به وفاقا لأبي حنيفة وقالأشهب يشربه إن شاء وفاقا للشافعي وأما صوفها بعد الذبح فكلحمها ولا يجزه قبل الذبح لأنه جمال لها وقال ابن القاسم لا يبيعه خلافا لأشهب ( المسألة الخامسة ) إذا اختلطت الضحايا قبل الذبح أخذ كل واحد منهم أضحية وضحى بها وأجزأته ( المسألة السادسة ) يستحب لمن أراد أن يضحي أن لا يقص من شعره ولا من أظفاره إذا دخل ذو الحجة حتى يضحي ولم يستحب ذلك أبو حنيفة وأوجبه ابن حنبل وأما أحكامها بعد الذبح فأربع مسائل ( المسألة الأولى ) لا يباع من الأضحية لحم ولا جلد ولا شعر ولا غير ذلك وقال أبو حنيفة يجوز بيعها بالعروض لا بالدنانير ولا بالدراهم وأجاز عطاء بيعها بكل شيء ولا يبدلها بأخرى خلافا لابن حنبل وفي كراء جلدها قولان ولا يعطي الجزار أجرته من لحمها ولا جلدها ولا الدباغ على دبغه بعض جلودها وإذا وهبت أو تصدق بها فهل للمعطي أن يبيعه قولان فمن باعها نقض بيعه فإن فات فقال ابن القاسم يتصدق بالثمن ولا ينتفع به وقال ابن عبدالحكم يصنع به ما شاء وإن سرقت أو غصبت لم يأخذ ثمنها وقيل يأخذه وستصدق به ( المسألة الثانية ) لو مات بعد ذبحها لم تورث ميراث الأموال ولم تبع في دينه ولكن لورثته فيها من التصرف ما كان له وهل لهم قسمة اللحم قولان ( المسألة الثالثة ) في اختلاطها بعد الذبح قال يحيى بن عمر تجزي ويتصدقان بها ولا يأكلانها وقال عبدالحق لا يمنع من أكلها وإذا اختلطت الرؤوس عند الشواء كره أكلها لعلك تأكل متاع من لم يأكل متاعك ولو اختلطت برؤوس الشواء لكان خفيفا لأنه ضامن وقيل ليس لمن اختلطت له طلب القيمة ( المسألة الرابعة ) الأفضل أن يأكل من الأضحية ويتصدق فلو اقتصر على أحدهما أجزأ على كراهة وأوجب قوم أن يأكل منها وليس لما يأكل ويتصدق حد واختار ابن الجلاب أن يأكل الأقل ويتصدق بالأكثر وقال أبو حنيفة وابن حنبل يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث ويكره أن يطعم منها يهوديا أو نصرانيا
الباب الرابع في العقيقة وفيه ثماني مسائل
( المسألة الأولى ) في حكمها وهي سنة وأوجبها الظاهرية وقال أبو حنيفة هي مباحة لا تستحب ( المسألة الثانية ) في جنسها وهي مثل الأضحية في المشهور وقيل لا يعق بالبقر ولا بالإبل ( المسألة الثالثة ) في سنها ( المسألة الرابعة ) في صفتها وهي فيهما كالأضحية ( المسألة الخامسة ) في عددها وهي شاة عن الذكر وعن الأنثى في المذهب وعند الشافعي عن الذكر شاتان وعن الأنثى واحدة قال ابن حبيب حسن أن يوسع بغير شاة العقيقة لتكثير الطعام ويدعو الناس إليه وقال ابن القاسم لا يعجبني أن يجعله صنيعا يدعو الناس إليه وليقتصر على أهلبيته ومن مات قبل السابع لا يعق له وكذلك السقط ( المسألة السادسة ) في وقتها وهو يوم سابع المولد أن ولد قبل الفجر ولا يعد اليوم الذي ولد فيه أن ولد بعد الفجر خلافا لابن الماجشون وقيل يحسب أن ولد قبل الزوال لا بعده وإن مات في السابع الأول لم يعق في الثاني ولا في الثالث خلافا لابن وهب وتذبح ضحى إلى الزوال لا ليلا ولا سحر ولا عشية ومن ذبح قبل وقتها لم تجزه خلافا لابن حنبل ولا يعق عن الكبير خلافا لقوم ( المسألة السابعة ) حكم كسر عظامها خلافا لابن حنبل ( المسألة الثامنة ) يستحب حلق رأس المولود يوم سابعه وأن يسمى فيه ويكره أن يلطخ رأسه بدم العقيقة ويستحب أن يلطخ بزعفران ويستحب أن يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة وفاقا للشافعي وقيل يكره
الباب الخامس في الختان وفيه ثماني مسائل
( المسألة الأولى ) في حكمه أما ختان الرجل فسنة مؤكدة عند مالك وأبي حنيفة كسائر خصال الفطرة التي ذكر عها وهي غير واجية اتفاقا وقال الشافعي هو فرض ويظهر ذلك من كلام سحنون لأنه علم على الإسلام لقوله تعالى ( 0 أن أتبع ملة إبراهيم حنيفا ) وجاء في الحديث ( أن إبراهيم عليه السلام اختتن بالقدوم وهو ابن ثمانين سنة ) وروي ابن مائة وعشرين سنة واختلف في لفظ القدوم هل يخفف أو يشدد وفي معناه هل هو موضع أو الآلة التي يقطع بها ( المسألة الثانية ) من ولد مختونا فاختلف فيه فقيل قد كفى الله المؤنة فيه فلا يتعرض له وقيل تجرى الموسى عليه فإن كان فيه ما يقطع قطع ( المسألة الثالثة ) إن خاف الكبير على نفسه الهلاك إن اختتن فرخص له ابن عبدالحكم في تركه وأبى ذلك سحنون ( المسألة الرابعة ) روي عن مالك من ترك الاختتان من غير عذر لم تجز إمامته ولا شهادته وقال ابن عباس لا تقبل صلاته ولا تؤكل ذبيحته ( المسألة الخامسة ) في وقت الختان يستحب أن يؤخر حتى يؤمر الصبي بالصلاة وذلك من السبع إلى العشر لأن ذلك أول أمره بالعبادات ويكره الختان يوم الولادة ويوم السابع لأنه من فعل اليهود ( المسألة السادسة ) يختن الرجال الصبيان ويخفض النساء الجواري لأن الرجل له الاطلاع على ذلك من النساء ( المسألة السابعة ) تستحب الدعوة لطعام الختان وهو ( الأعذار ) ولا يفعل ذلك في خفاض النساء للستر ( المسألة الثامنة ) الغرلة وهي ما يقطع في الختان نجسة لأنها قطعت من حي فلا يجوز أن يحملها المصلي ولا أن تدخل المسجد ولا أن تدفن فيه وقد يفعله بعض الناس جهلا منهم
القسم الثاني من القوانين الفقهية في المعاملات وفيه عشرة كتب
الكتاب الأول في النكاح وفيه عشرة أبواب
الباب الأول في المقدمات وفيه خمس مسائل
( المسألة الأولى ) في حكم النكاح لا يحل استباحة فرج إلا بنكاح أو ملك يمين والنكاح على الجملة مندوب وأوجبه الظاهرية وعلى التفصيل ينقسم خمسة أقسام واجب وهو لمن قدر عليه بالمال وخاف على نفسه الزنى ومستحب وهو لمن قدر عليه ولم يخف على نفسه الزنى وحرام وهو لمن لم يقدر ولم يخف ومكروه وهو لمن لم يخف الزنى وخاف أن لا يقوم بحقوقه ومباح وهو ما عدا ذلك وأما ملك اليمين فمباح ( المسألة الثانية ) في الخطبة ( بكسر الخاء ) وهي مستحبة ويجوز النظر إلى المخطوبة قبل نكاحها وفاقا لهم ولا ينظر إلا إلى وجهها وكفيها وأجاز أبو حنيفة النظر إلى قدميها وقوم إلى جميع بدنها ومنع قوم الجميع وتستحب الخطبة ( بالضم ) في الخطبة والتصريح بخطبة المعتدة حرام والتعريض جائز وهو القول المفهم للمقصود من غير تنصيص والهدية من التعريض ولا تجوز الخطبة على خطبة آخر بعد الإجابة أو الركون أو التقارب قال ابن القاسم هذا في المتشاكلين ولا تحرم خطبة صالح على فاسق ومن خطب على خطبة أخيه أدب فإن عقد لم يفسخ عقده وفاقا لهما وقيل يفسخ وفاقا للظاهرية وقيل يفسخ قبل الدخول لا بعده ( المسألة الثالثة ) في الوليمة وهي مأمور بها ومحلها بعد البناءوتجب الإجابة على من دعى إليها وقيل تستحب وذلك إذا لم يكن فيها منكر ولا أذى كالزحام وشبهه وهو في الأكل بالخيار ويحضر الصائم فيدعو ويستحب الغناء فيها بما يجوز وضرب الدف وهو المدور من وجه واحد كالغربال وهي المزهر الجواز والمنع والكراهة وهو المدور من وجهين وأجاز ابن كنانة البوقات والزمارات التي لا تلهي للشهرة ويكره نثر السكر واللوز وغيرهما ليختطفه من الوليمة لأنه من النهب المنهي عنه وأجازه أبو حنيفة تكميل الدعوة إلى الطعام خمسة أقسام ( الأول ) تجب إجابتها وهي وليمة النكاح ( الثاني ) تستحب إجابته وهو ما يفعله الرجل بخواص إخوانه توددا ( الثالث ) تجوز إجابته كدعوة العقيقة والأعذار ( الرابع ) تكره إجابته وهو ما يفعل للفخر والمباهاة ( الخامس ) تحرم إجابته وهو ما يفعله الرجل لمن تحرم عليه هديته كالغريم وأحد الخصمين للقاضي ( المسألة الرابعة ) في الشهادة على النكاح ولا تجب في العقد وتجب في الدخول وهي شرط كمال في العقد وشرط جواز في الدخول وقال الشافعي يجب فيهما وقال قوم لا تجب فيهما ويشترط عدالة الشاهدين فيه خلافا لأبي حنيفة ولا تجوز فيه شهادة رجل وامرأتين خلافا لأبي حنيفة ونكاح السر غير جائز أن وقع فسخ ويستحب الإعلان وأوجبه ابن حنبل وإذا شهد شاهدان ووصيا بالكتمان فهو سر خلافا لهما ( المسألة الخامسة ) في كتاب الصداق وليس شرطا وإنما يكتب هو وسائر الوثائق توثيقا للحقوق ورفعا للنزاع وأوجب الظاهرية كتابة عقود الدين تكميل ويشترط في كاتب الوثائق سبعة شروط وهي أن يكون عدلا متكلما سميعا بصيرا عالما بفقه الوثائق عارفا بنصوصها سالما من اللحن الذي يغير المعنى
الباب الثاني في أركان النكاح
وهي خمسة الزوج والزوجة والولي والصداق والصيغة وسنذكر الولي والصداق فأما الصيغة فهي ما يقتضي الإيجاب والقبول كلفظ التزويج والتمليك ويجري مجراهما البيع والهبة خلافا للشافعي والهزل فيه كالجد اتفاقا والنكاح عقد لازم لا يجوز فيه الخيار خلافا لأبي ثور ويلزم فيه الفور من الطرفين فإن تراخى فيه القبول عن الإيجاب يسيرا جاز وقال الشافعي لا يجوز مطلقا وأجازه أبو حنيفة مطلقا وأما الزوجان فيعتبر فيهما سبعة أوصاف ( الأول ) الإسلام ويتصور فيه أربع صور نكاح مسلم مسلمة ونكاح كافر كافرة فهما جائزان وإن نكاح كافر مسلمة يحرم على الاطلاق بإجماع ونكاح مسلم كافرة فتجوز الكتابية بالنكاح والملك ولا يحل غيرها من الكافر بنكاح ولا ملك وكره مالك الحربية لبقاء الولد بدار الحرب ومنع ابن عمر وابن عباس كل كافرةفروع أربعة ( الفرع الأول ) إن ارتد أحد الزوجين انقطعت العصمة بفسخ وقيل بطلقة بائنة وقيل رجعية ( الفرع الثاني ) إذا أسلم الزوجان معا بت نكاحهما إذا خلا من الموانع ولا يبحث في ذلك عن الولي والصداق فإن سبق الزوج إلى الإسلام أقر على الكتابية ويقر على غيرها إذا أسلمت بأثره وإن سبقت هي فإن كان قبل الدخول وقعت الفرقة وإن كان بعده ثم أسلم في العدة ثبت وإلا بانت ( الفرع الثالث ) إذا أسلم وعنده أكثر من أربع اختار أربعا وفارق سائرهن ( الفرع الرابع ) إن أسلم وعنده أختان اختار احداهما ( الوصف الثاني ) الرق ويتصور فيه أربع صور نكاح حر لحرة أو عبد لأمة فهما جائزان ونكاح عبد لحرة فيجوز برضاها فإن غرها من نفسه فلها الخيار ونكاح حرة لأمة يجوز بثلاثة شروط ( الأول ) أن تكون مسلمة ( الثاني ) أن يعدم الطول وهو صداق الحرة وقيل النفقة ( الثالث ) أن يخاف العنت وهو الزنى ولا يشترط عدم الطول ولا خوف العنت في نكاح العبد الأمة فروع أربعة ( الفرع الأول ) لا يجوز أن يكون أحد الزوجين مملوكا للآخر اتفاقا ولا يجوز أن يتزوج مملوكة ابنه ولا أم ولده سيده ويفسخ النكاح بذلك مطلقا ( الفرع الثاني ) إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه أو اشترى بعضه انفسخ النكاح بملك المشتري للمشتري أو لجزء منه ( الفرع الثالث ) لا ينكح العبد بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز خلافا للشافعي ( الفرع الرابع ) إذا تزوج الحر حرة على أمة أو أمة على حرة فالحرة مخيرة في البقاء أو الفراق مطلقة بائنة لأن من حقها أن لا يجمع بينها وبين أمة ولا خيار لها في جمع العبد بينهما على المشهور ( الوصف الثالث ) البلوغ فإن تزوج صبي يقوى على الجماع بغير إذن أبيه أو وصيه فله إجازته أو فسخه قبل البناء وبعده ولا صداق لها وقال سحنون لا يجوز وإن أجازه الأب والوصي ( الوصف الرابع ) الرشد فإن تزوج السفيه بغير إذن وليه أمضاه إن كان سدادا وإلا رده فإن رده قبل البناء فلا صداق وبعده ربع دينار وقال ابن الماجشون لا شيء لها ( الوصف الخامس ) الكفاءة بين الزوجين وهي معتبرة بخمسة أوصاف بالإسلام والحرية حسبما تقدم والصلاح فلا تزوج المرأة الفاسق ولها ولمن قام بها فسخه سواء كان الولي أبا أو غيره وبالمال الذي يقدر به ولا يشترط اليسار ولها مقال إن زوجت لمن يعجز عن حقوقها وبسلامة الخلقة من العيوب الموجبة للخيار ويكره الهرم والدميم ولا يشترط الجمال ولا يعتبر النسب والحسب لهما وزاد الشافعي عدم الحرف الدنية ( الوصف السادس ) الصحة ولا يجوز نكاح المريض والمريضة المخوف عليهما على المشهور خلافا لهما ويفسخ إن وقع إلا إن صح قبل الفسخ فاختلف في فسخه والفسخ فيه بالثلاث فإن لم يدخل فليس لها صداق وإن دخل فلها الصداق المسمى وقيل صداق المثل ( الوصف السابع ) عدم الإحرام ولا يجوز رم ولا إنكاحه ويفسخ وإن دخل وولدت وفسخه بغير طلاق وقيل بطلاق وفي تأييد تحريمها عليه روايتان وأجاز أبو حنيفة نكاح المحرم وإنكاحهتلخيص للزوجة أربعة شروط في صحة النكاح وهي الإسلام في نكاح مسلمة والعل والتمييز وتحقيق الذكورية تحرزا من الخنثى المشكل فإنه لا ينكح ولا ينكح ويجوز له أن يتسرى وخمسة شروط في استقرار النكاح وهي الحرية والبلوغ والرشد والصحة والكفاءة فرع إذا أكره أحد الزوجين أو الوالي على النكاح لم يلزم وليس للمكره أن يجيزه لأنه غير منعقد
الباب الثالث في الولي وفيه أربع مسائل
( المسألة الأولى ) في حكمه وهو شرط واجب خلافا لأبي حنيفة فلا تعقد المرأة النكاح على نفسها ولا على غيرها بكرا كانت أو ثيبا أو دنية رشيدة أو سفيهة حرة أو أمة أذن لها وليها أو لم يأذن فإن وقع فسخ قبل الدخول وبعده وإن أطال وولدت الأولاد ولا حد في الدخول للشبهة وفيه الصداق المسمى ( المسألة الثانية ) في أصناف الأولياء والولاية خاصة وعامة فالخاصة خمسة أصناف الأب ووصيه والقرابة والمولى والسلطان والعامة الإسلام فأما الأب فولايته نوعان جبر وإذن فالجبر للبكر وإن كانت بالغا وللصغيرة وإن كانت ثيبا ويستحب استيمارها فالجبر يقع بإحدى العلتين وقال أبو حنيفة لا يجبر الكبيرة والشافعي لا يجبر الثيب فإن عنست البكر فاختلف في دوام الجبر عليها وانقطاعه والعانس هي التي طال مكثها وبرزوجهها وعرفت مصالحها وسنها ثلاثون سنة وقيل خمسة وثلاثون وقيل أربعون والإذن في الثيب البالغ والمعتبر في الثيوبة المانعة من الجبر الوطء الحلال دون الحرام على المشهور وقيل كان ثيوبة وفاقا للشافعي وأما الوصي من قبل الأب ووصي الوصي فيقومان في العقد مقام الأب خلافا للشافعي وله الجبر والتزويج قبل البلوغ وبعده من غير استيمار إن جعل له الأب ذلك وهو أولى من القرابة واستحب بعض المتأخرين أن يعقد الولي بتقديم الوصي جمعا بين الوجهين فإن عقد الوصي جاز وإن لم يأذن الولي وإن عقد الولي دون إذن الوصي جاز في الثيب لا في البكر وأما الوصي من القاضي فيعقد بعد البلوغ لا قبله ولا يجبر ويجب استيمارها وإن كان الوصي امرأة استخلفت من يعقد وأما القرابة فهم العصبة كالابن والأخ والجد والعم وابن العم ولا يزوجون إلا البالغة بإذنها وتأذن الثيب بالكلام والبكر بالصمت وإن تقدم العقد على الإذن فاختلف في صحة النكاح وبطلانه ولا يجبرها أحد منهم وقال الشافعي يجبر الجد وأما المولى فهو المعتق فيعقد على من أعتقها إن لم يكن عصبة وتستخلف المعتقة من يعقد على من أعتقها إن لم يكن لها عصبة ولا ولاية للمولى الأسفل وللسيد أن يجبره عبده وأمته على النكاح ولا يجبر السيد على إنكاح العبد ولا يطلق السيد علىعبده وأما السلطان فيزوج البالغة عند عدم الولي أو عضله أو غيبته ولا يزوج هو ولا غيره الصغيرة وقيل يجوز له وللقرابة تزويجها إن دعتها ضرورة ومستها حاجة وكان مثلها يوطأ وقال الشافعي يزوجها الجد وقال أبو حنيفة يزوجها سائر الأولياء ولها الخيار إذا بلغت وأما الولاية العامة فتجوز في المذهب إذا تعذرت الولاية الخاصة فأما مع وجودها فقيل لا تجوز أصلا وفاقا لهم وقيل تجوز في الدنية التي لا خطر لها وكل أحد كفؤ لها بخلاف غيرها تلخيص خمسة يلزمهم النكاح إذا عقده عليهم غيرهم سخطوا أو رضوا وهم الطفل الصغير والبكر يزوجهما أبوهما والعبد والأمة يزوجهما سيدهما واليتيم الصغير يزوجه وصيه فإن تزوج العبد بغير إذن سيده فإن شاء السيد أجازه أو فسخه بطلقة أو بطلقتين وإن تزوجت الأمة بغير إذن سيدها لم يجز وإن أجازه السيد لا تعقد نكاح نفسها ( المسألة الثالثة ) في ترتيب الأولياء أما الذي يجبر فالأب ثم وصيه وأما الذي لا يجبر فالقرابة ثم المولى ثم السلطان والمقدم من الأقارب الابن ثم ابنه وإن سفل ثم الأب ثم الأخ ثم ابنه ثم الجد ثم العم ثم ابنه وقيل الأب أولى من الابن وقال الشافعي لا ولاية للابن وقيل الجد أولى من الأخ وفاقا للشافعي فروع ستة ( الفرع الأول ) إن أنكح الأبعد مع وجود الأقرب نفذ وقيل ينظر فيه السلطان وقيل للأقرب أن يفسخه ما لم يدخل بها وذلك في غير موضع الإجبار فإنه لا خلاف في المذهب في فسخ إنكاح غير الأب البكر مع حضوره إلا إذا عقد الأخ نكاح أخته البكر بغير إذن أبيها فإن كان هو القائم بأمر أبيه جاز إن أجازه الأب وقال أبو حنيفة لم يجز إذا أجازه أبوه ( الفرع الثاني ) إذا غاب الأقرب انتقلت الولاية إلى الأبعد وقال الشافعي إلى السلطان ( الفرع الثالث ) إن زوجها وليان من رجلين فالداخل من الزوجين أولى إذا لم يعرف السابق ( الفرع الرابع ) إن عضل الولي المرأة أمره السلطان بإنكاحها فإن امتنع زوجها السلطان وذلك إذا دعت إلى كفء وبصداق مثلها ( الفرع الخامس ) يجوز لابن العم والولي ووكيل الولي والحاكم أن يزوج المرأة من نفسه ويتولى طرفي العقد خلافا للشافعي وليشهد كل واحد منهم على رضاها خوفا من منازعتها ( الفرع السادس ) إذا غاب عن البكر أبوها وهي مجبرة زوجها سائر الأولياء أو السلطان إن لم يكن لها ولي ( المسألة الرابعة ) في صفات الولي وهي الإسلام والبلوغ والعقل والذكورية اتفاقا في الأربعة والحرية خلافا لأبي حنيفة واختلف في اشتراط العدالة والرشد فقيل يعقد السفيه على وليته خلافا لأبي حنيفة وقيل يعقد وليه ويعقد الكافر على الكافر وإنما يعقد المسلم على الكافرة بالرق خاصة ( فرع ) يجوز للولي أن يوكل من يعقد النكاح بعد تعيين الزوج وللزوج أيضا أن يوكل من يعقد عنه خلافا لأبي ثور ولا يشترط هذه الصفات في الوكيل بل يصح توكل الكافر والوصي والعبد والمرأة على المشهور
الباب الرابع في الصداق وهو شرط بإجماع ولا يجوز التراضي على إسقاطه ولا اشتراط سقوطه وفيه ست مسائل
( المسألة الأولى ) في شروطه وهي ثلاثة ( الأول ) أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه من العين والعرض والأصول والرقيق وغير ذلك ولا يجوز بخمر وخنزير وغيرهما مما لا يتملك ( الثاني ) أن يكون معلوما فلا يجوز بمجهول إلا في نكاح التفويض ولا يجب وصف العروض خلافا للشافعي وإن وقع على غير وصف فلها الوسط ( الثالث ) أن يسلم من الغرر فلا يجوز فيه عبد آبق ولا بعير شارد وشبههما فروع أربعة ( الفرع الأول ) النكاح على أجارة كالخدمة وتعليم القرآن لا يجوز في المشهور وفاقا لأبي حنيفة وقيل يجوز وفاقا للشافعي وابن حنبل ( الفرع الثاني ) لا يجوز أن يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها خلافا لابن حنبل وداود ( الفرع الثالث ) يجوز أن يكون الصداق نقدا وكالئا إلى أجل معلوم تبلغه أعمار الزوجين عادة وقيل أبعد أجله أربعون سنة ويستحب الجمع بين النقد والكاليء وتقديم ربع دينار قبل الدخول ومنع قوم الكاليء وأجازه الأوزاعي لموت أو فراق ( الفرع الرابع ) أن أصدقها ما لا يجوز ففيه روايتان أحدهما أنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده وفاقا لأبي عبيد والثانية أنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون فيه صداق المثل وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يثبت قبل الدخول وبعده ويرجع إلى صداق المثل وإن أصدقها مغصوبا فسخ قبل الدخول وثبت بعده بصداق المثل وقيل يثبت مطلقا ( المسألة الثانية ) في مقداره ولا حد لأكثر الصداق وأقله ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة شرعية أو ما يساوي أحدهما وقال أبو حنيفة أقله عشرة دراهم وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم لا حد لأقله بل يجوز ولو بخاتم من حديد كما جاء في الحديث ( المسألة الثالثة ) في استقراره وتشطيره ويجب جميعه بالدخول أو بالموت اتفاقا ونصفه بالطلاق قبل الدخول اتفاقا إلا أن طلقها في نكاح التفويض وقد اختلف هل وجب لها جميعا بالعقد ثم يسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول أو وجب لها نصفه بالعقد والنصف الباقي بالدخول أو بالموت وهو اختلاف عبارة بيان الدخول الموجب لكمال الصداق هو الوطء لا مجرد الخلوة وإرخاء الستور خلافا لأبيحنيفة فإن بنى بها واختلفا في المسيس فالقول قولها وإن خلا بها من غير بناء فالقول أيضا قولها وقال ابن القاسم إن خلا بها في بيته فالقول قولها وإن كان في بيتها لم تصدق عليه وإن بنى بها وطال الأمر سنة وجب لها جميع الصداق وإن ادعت المسيس وليس بينهما خلوة ازمته اليمين وبريء مننصف الصداق فإن نكل حلفت واستوجبت جميعه وحيث قلنا القول قولها فاختلف هل تصدق مع يمينها أو دون يمين فرع سبعة ( الفرع الأول ) إنما يجب لها نصف الصداق إن طلقها قبل البناء اختيارا منه فإن فسخ النكاح أو رده الزوج بعيب في الزوجة لم يجب لها شيء واختلف هل يجب إذا ردته هي بعيب فيه ( الفرع الثاني ) يجري مجرى الصداق في التشطير كل ما تحله الزوج في العقد للمرأة أو لأبيها أو وصيها من سياقة أو غيرها إذ هو للزوجة إن شاءت أخذته ممن جعل له ( الفرع الثالث ) ما حدث في الصداق من زيادة ونقصان قبل البناء فالزيادة لهما والنقصان عليهما وهما شريكان في ذلك فإن تلف في يد أحدهما فما لا يغاب عليه فخسارته منهما وما يغاب عليه خسارته ممن هو في يده إن لم تقم بينة بهلاكه فإن قامت به بينة فاختلف هل يضمنه من كان تحت يده أم لا ( الفرع الرابع ) يجوز للأب أن يسقط نصف صداق ابنته البكر إذا طلقت قبل البناء خلافا لهما ( الفرع الخامس ) إذا وهبت المرأة لزوجها جميع صداقها ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء وقال الشافعي يرجع عليها بنصف الصداق ( الفرع السادس ) للمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها وليس لها ذلك بعد طوعها بالتسليم ( الفرع السابع ) إذا رضيت المرأة بدون صداق مثلها لم يكن لأوليائها اعتراض عليها خلافا لأبي حنيفة وإن زوجها والدها وهي في حجره بأقل من صداق مثلها لم يكن لها اعتراض خلافا للشافعي ( المسألة الرابعة ) في نكاح التفويض وهو جائز اتفاقا وهو أن يسكتا عن تعيين الصداق حين العقد ويفوض ذلك إلى أحدهما أو إلى غيرهما ثم لا يدخل بها حتى يتعين فإن فرضه أحدهما بعد فرضيه الآخر لزمه وإن لم ترض المرأة فإن فرض لها صداق المثل أو أكثر لزمها بخلاف الأقل إلا أن ترضى به وإن لم يرض الزوج كان مخيرا بين ثلاثة أشياء إما أن يبذل صداق المثل أو يرضى بفرضها أو يطلق فإن مات قبل الدخول وقبل الفرض فلا صداق لها خلافا لأبي حنيفة ولها الميراث اتفاقا وإن طلقها قبل الدخول فلا نصف لها إلا إن كان قد فرض لها ( المسألة الخامسة ) في التنازع في الصداق إن اختلف في مقدار الصداق فإن كان قبل الدخول تحالفا وتفاسخا وبدئت باليمين ومن نكل منهما قضي عليه مع يمين صاحبه وإن اختلفا بعد الدخول فالقول قول الزوج مع يمينه وقال الشافعي يرجعان إلى صداق المثل دون فسخ وإن اختلف في القبض فالقول قولها قبل الدخول والقول قوله بعد الدخول إلا إن كان هناك عرف فيرجع إليه وقال الشافعي وأحمد القول قوله مطلقا ( المسألة السادسة ) في نكاح الشغار وهو باطل إجماعا وصفته أن يزوج ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته من غير صداق فإن وقع فسخ النكاح قبل الدخول وبعده على المشهور ويدفع لمن دخل بها صداق المثل وتقع به الحرمة والوراثة إجماعا بيان صداق المثل معتبر بحال الزوجة في حسبها ومالها وجمالها وقال الشافعي يعتبر بصداق عصبتها
الباب الخامس في الأنكحة المحرمة
النساء المحرمات ثمان وأربعون امرأة خمس وعشرون مؤبدات سبع من النسب الأم والبنت والخالة والأخت والعمة وبنت الأخ وبنت الأخت ومثلهن من الرضاع وأربع بالصهر أم الزوجة وبنتها وزوجة الأب والابن ومثلهن من الرضاع ونساء النبي صلى الله عليه وسلم والملاعنة والمنكوحة في العدة فهذه خمس وعشرون وغير المؤبدات ثلاث وعشرون المرتدة وغير الكتابية والخامسة والمتزوجة والمعتدة والمستبرأة والحامل والمبتوتة والأمة المشتركة والأمة الكافرة والأمة المسلمة لواجد الطول وأمة الابن وأمة نفسه وسيدته وأم سيده والمحرمة بالحج والمريضة وأخت زوجته وخالتها وعمتها فلا يجوز الجمع بينهما والمنكوحة يوم الجمعة عند الزوال والمخطوبة بعد الركون للغير واليتيمة غير البالغ ونذكر ذلك مفصلا فنقول التحريم نوعان مؤبد وغير مؤبد ففي الباب فصلان ( الفصل الأول ) في المؤبد وأسبابه خمسة النسب والرضاع والصهر واللعان والوطء في العدة فأما النسب فيحوم به على الرجل فصوله كلها وأصوله كلها وفصول أصلية كلها وأول فصل من كل أصل متقدم على أصليه وبسط ذلك أنه يحرم عليه سبعة أصناف من النساء ( أحدها ) أمه وهي كل امرأة لها عليه ولادة فتدخل في ذلك أمه التي ولدته وأمهاتها وأم أبيه وجداته وإن علون ( الثاني ) بنته وهي كل من له عليها ولادة فيدخل في ذلك بنته من صلبه وبناتها وبنات ابنه وإن سفلن ( الثالث ) الأخت سواء كانت شقيقته أو لأب أو لأم ( الرابع ) عمته سواء كانت أخت أبيه أو جده ما علا سواء كانت شقيقته أو لأب أو لأم ( الخامس ) خالته سواء كانت أخت أمه أو جدته ما علت سواء كانت شقيقة لأب أو لأم ( السادس ) بنت الأخ وهي كل من لأخته عليها ولادة سواء كانت بمباشرة أو وساطة ( السابع ) بنت الأخت وهي كل من لأخته عليها ولادة بمباشرة أو وساطة وأما الرضاع فتحرم به الأصناف السبعة التي حرمت بالولادة فإذا أرضعت امرأة طفلا أو أرضعت من أرضعته أو أرضعت من له على الطفل ولادة بمباشرة أو وساطة صارت هي أمه وزوجها أبوه لأن اللبان للفحل عند الجمهور فحرمت عليه هي وأمهاتها نسبا ورضاعا وإن علون لأنهن أمهاته وحرمت عليه أخواتها وعماتها وخالاتها نسبا ورضاعا لأنهن خالاته وبناتها نسبا ورضاعا لأنهن أخواته وحرم عليه أيضا أمهات زوجها نسبا ورضاعا وإن علون لأنهن أمهاته وبناته نسبا ورضاعا لأنهن أخواته وعماته وخالاته نسبا ورضاعا لأنهن بنات أخواته وبنات بناتها وبنات زوجها نسبا ورضاعا لأنهن بنات أخواته وكل طفل رضع ثديا رضعته طفلة حرمت عليه سواء كان رضاعهما في زمن واحد أو كان بينهما سنون وكذلك إن أرضعا لبن امرأتين زوجتين لرجل واحدبيان إنما تقع الحرمة بالرضاع بسبعة شروط ( الأول ) أن تكون المرضع امرأة فيوجب التحريم اتفاقا سواء كانت صغيرة أو كبيرة واختلف فيمن لا توطأ لصغرها في رضاع المرأة الميتة ولا يوجب التحريم رضاع رجل ولا بهيمة وفاقا لهما ( الثاني ) أن يرضع الصغير في الحولين وما قاربهما كالشهرين بعدهما وقيل الثلاثة وقيل شهر وإن فطم قبل الحولين واستغنى عن الرضاع لم يحرم رضاع بعد ذلك خلافا لهما ولا يحرم رضاع الكبير عند الأربعة خلافا للظاهرية ( الثالث ) أن يصل إلى الحلق أو الجوف من الفم برضاعه اتفاقا أو وجور وهو الصب في وسط الفم أو لدود وهو الصب في جانب الفم خلافا لداود واختلف في السعوط وهو ما يصب في الأنف وفي الحقنة وليس من شرطه عدد رضعات بل تحرم المصة الواحدة وفاقا لأبي حنيفة واشترط الشافعي خمس رضعات ( الرابع ) أن يكون اللبن صرفا أو مخلوطا بمائع إلا أن صار مغلوبا فاختلف هل يعتبر أم لا ( الخامس ) يشترط في الفحل خاصة وإنما يصير زوج المرأة أبا للطفل إذا وطئها وطءا حلالا يلحق به الولد ويدرأ به الحد فإن كان زنى محضا فلا حرمة به وإن كان بشبهة نكاح ففيه خلاف والمرأة أم على الإطلاق ( السادس ) إذا طلق الرجل امرأة وهي ترضع أو مات عنها فنكحها رجل آخر فإن لم ينقطع لبنها الأول فهو للزوجين معا وكل واحد منهما فحل لمن ترضعه وإن انقطع ثم حدث لبن ثان للزوج الأول والثاني للزوج الثاني ( السابع ) فيما يثبت به الرضاع وذلك بشهادة شاهدين عدلين اتفاقا وبشهادة امرأتين إذا فشا قولهما فإن لم يفش قولهما فاختلف فيه وفي شهادة الواحدة إذا فشا بخلاف التي لم يفش قولها لأبي حنيفة واشترط الشافعي أربع نسوة ويثبت أيضا باعتراف الزوجين معا واعتراف أبويهما واختلف في اعتراف أم أحد الزوجين أو أبيه ويثبت باعتراف الزوج وحده لا باعترافها وحدها إلا أن يشهد بسماع ذلك منها قبل العقد وحيث لا يثبت فينبغي التنزه عنه وأما الصهر فيحرم به أربع نسوة ثلاث بالعقد دخل بهن أو لم يدخل وهن زوجة الأب من النسب والرضاع وإن سفل وزوجة الأب والجد من النسب والرضاع وإن علا وأم الزوجة من النسب والرضاع وإن علت فمن عقد على امرأة حرمت على كل من له على العاقد ولادة وعلى كل من للعاقد عليه ولادة بمباشرة أو بوساطة ذكرا كان أو أنثى سواء كانت الولادة بنسب أو رضاع ورابعة لا تحرم إلا بالدخول وهي بنت الزوجة من النسب والرضاع وإن سفلت ولا يشترط أن تكون في حجره خلافا لداود وتحرم بوطء أمها اتفاقا وبمقدمات الوطء من المباشرة والقبلة خلافا للمزني وكذلك بالنظر إلى باطن الجسد بشهوة على المشهور فرعان ( الفرع الأول ) يعتبر في التحريم بالصهر النكاح الحلال أو الذي فيه شبهة أو اختلف فيه فإن كان زنى محضا لم تقع به حرمة المصاهرة كمن زنى بامرأة فإنه لا يحرم تزويجها على أولاده في المشهور وفاقا للشافعي خلافا لأبي حنيفة إلا أن في المدونة من زنى بأم امرأته فارقها خلافا لما في الموطأ ثم اختلف في هذا الفراق هل هو واجب أو مندوب ( الفرع الثاني ) يحرم بالوطء بملكاليمين والتلذذ ما يحرم بالوطء بالنكاح فمن وطء مملوكة أو تلذذ منها بما دون الوطء حرمت على آبائه وأبنائع ما تناسلوا ويحرم من المملوكات بالنسب والرضاع والصهر ما يحرم من الجرائر بذلك وأما اللعان فتقع به الفرقة المؤبدة فلا تحل له أبدا وإن أكذب نفسه وأما الوطء في العدة فكل امرأة معتدة من نكاح أو شبهة نكاح فلا يجوز نكاحها فإن أنكحت في عدتها تلك فرق بينهما اتفاقا ثم تحرم عليه على التأبيد خلافا لهما فأجاز أن يتزوجها بعد وعلى المذهب تحرم عليه بالوطء واختلف في القبلة والمباشرة وفي العقد دون دخول هل يحرم بها أم لا بيان دخول وطء على وطء يكون ثمانية أوجه ( الأول ) دخول وطء نكاح في عدة نكاح ( الثاني ) وطء نكاح في عدة شبهة نكاح فتحرم على الواطىء فيهما في المذهب ( الثالث ) وطء نكاح في استبراء غصب ( الرابع ) وطء نكاح في استبراء زنى فتحرم على الواطىء فيهما أيضا خلافا لابن الماجشون ( الخامس ) وطء نكاح في استبراء ملك مع الانتقال الملك ببيع أو هبة ففيه قولان ( السادس ) وطء نكاح في استبراء ملك بعد العتق فلا تحرم عندابن القاسم وأشهب ( السابع ) وطء ملك في استبراء ملك فلا تحرم اتفاقا ( الثامن ) وطء بزنى أو غصب من غير شبهة في عدة أو استبراء فلا تحرم أيضا ( الفصل الثاني ) في التحريم غير المؤبد والزيادة على العدد المباح واستيفاء الطلقات والزوجية والمتعة والنكاح يوم الجمعة وزاد ابن حنبل الزنى فأما الأربعة الأولى فقد ذكرت وأما الجمع فيحرم الجمع بين الأختين بنكاح أو ملك يمين وبين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم أو من الرضاعة والضابط لذلك إن كل امرأتين بينهما من القرابة أو الرضاعة ما يمنع تناكحهما لو قدرت أحدهما ذكرا فلا يجوز الجمع بينهما واحترزنا بذكر القرابة والرضاعة من الجمع بين المرأة وأم زوجها فإنه يجوز لأنه من باب الصهر فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) يحرم الجمع بين الأختين إحداهما بالنكاح والأخرى بالملك خلافا للشافعي ( الفرع الثاني ) لا يحرم الجمع بين القرابة غير من ذكرنا كإبنتي العم والخال وابنتي الخالة وغيرهما خلافا لقوم ( الفرع الثالث ) أن تزوج من لا يجمع بينهما في عقد واحد بطل النكاحان وإن قدم إحداهما بطل نكاح الثانية دون الأولى وإن كانت عنده أمة فوطئها حرمت عليه أختها وعمتها وخالتها حتى يحرم الأولى على نفسه ببيع أو عتق أو كتابة أو تزويج وأما الزيادة فتحرم على الحر الزيادة على أربع عند الجمهور وكذلك العبد في المشهور وفاقا للظاهرية وروى ابن وهب أن الثالثة للعبد كالخامسة للحر فلا يزيد على اثنتين وفاقا لهما وتحل الخامسة بطلاق بائن للواحدة من الأربع لا بطلاق رجعي إلا أن انقضت العدة ولو نكح خمسا في عقد لبطل نكاح جميعهن ويجوز أن يجمع في ملك اليمين بين خمس وأكثر وأما استيفاء الطلقات فهو ثلاث للحر واثنتان للعبد فمن استوفاه منهما لم تحل له الزوجة حتى تنكح زوجاغيره إجماعا ويطأها عند الجمهور وطئا مباحا في نكاح صحيح لازم فلا تحل له بوطء في حيض أو حرام أو اعتكاف أو صيام خلافا لابن الماشجون ولا يحلها نكاح الشبهة عند الإمامين ولا نكاح التيس وهو المحلل الذي يتزوجها ليحلها لزوجها اتفاقا ونكاحه باطل مفسوخ خلافا لهما والمعتبر في ذلك نية المحلل لا نية المرأة ولا نية المحلل له وقال قوم من نوى ذلك منهم أفسد ولا يحلها نكاح دون وطء خلافا لابن المسيب ويكفي مغيب الحشفة دون إنزال خلافا لقوم ولا يحلها وطء صبي خلافا للشافعي واختلف في الوطء بغير انتشار ثم إنه أن تصادقا على الوطء حلت له وإن أدعته هي وأنكر لم تحل عند مالك خلافا لابن القاسم وأما الزوجية فلا يحل نكاح امرأة ذات روح إلا المسبية فإن السبي يهدم نكاحها في المشهور وفاقا للشافعي فيجوز لمن صارت له وطئها بعد استبرائها بحيضه ما لم تكن حاملا فلا يجوز وطؤها حينئذ اتفاقا ولا التلذذ بها في المشهور وإن اشترى رجلا وامرأته فله التفريق بينهما ووطء المرأة وقيل لا يفرق بينهما وأما المتعة فهو النكاح إلى أجل وهو حرام بعد أن كان حلالا ونسخ يوم خيبر خلافا لابن عباس بيان لفظ المتعة في الفقه يقع على أربعة معان ( أحدها ) متعة الحج وقد ذكرت ( الثاني ) النكاح إلى أجل ( الثالث ) متعة المطلقات وستذكر ( الرابع ) امتاع المرأة زوجها في مالها على ما جرت العادة في الأندلس فإن كان شرطا في العقد لم يجز وإن كان تطوعا بعد تمام العقد جاز وأما يوم الجمعة فإذا سعد الإمام على المنبر حرم النكاح كالبيع وأماالزاني فيكره نكاح المعروفة بالزنى ويجوز لمن زنى بامرأة أن يتزوجها بعد الاستبراء وقال ابن حنبل لا تنكح الزانية حتى تتوب تكميل في فسخ النكاح النكاح الفاسد مفسوخ فما كان فساده لعقده فسخ قبل البناء وبعده وما كان فساده لصداقة فسخ قبل البناء وثبت بعده على المشهور وقيل يفسخ وفيهما وقيل لا يفسخ فيهما ثم إن الفسخ يكون بطلاق ويكون بغير طلاق فكل نكاح أجمع على تحريمه فسخ بغير طلاق وما اختلف فيه فسخ بطلاق وقيل كل نكاح يجوز للولي أو لأحد الزوجين امضاؤه أو فسخه فسخ بطلاق وكل ما يغلبون على فسخ ويفسخ قبل البناء وبعده فسخ بغير طلاق وفائدة الفرق أن الفسخ بطلاق يوقعه الزوج ويحسب في عدد التطليقات والفسخ بغير طلاق يوقعه الحاكم ولا يحسب في عدد الطلقات وتعتد من الفسخ كما تعتد من الطلاق ( فرع أول ) النكاح الفاسد الذي يفسخ بغير طلاق لا يكون فيه بين الزوجين توارث والفاسد الذي يفسخ بطلاق يتوارثان فيه إن مات أحدهما قبل الفسخ ( فرع ثان ) كل نكاح يدرأ فيه الحد فالولد لاحق بالوطء وحيث وجب الحد لا يلحق النسب ( فرع ثالث ) كل نكاح فسخ بعدالدخول اضطرارا فلا يجوز للزوج أن يتزوجها في عدتها منه وكل نكاح فسخ اختيارا من أحد الزوجين حيث لهماالخيار جاز أن يتزوجها في عدتها منه
الباب السادس في حقوق الزوجة وفيه سبع مسائل
( المسألة الأولى ) في الاستمتاع الجماع واجب على الرجل للمرأة إذا انتفى العذر وقال الشافعي لا يجب إلا مرة ويجوز للرجل أن يستمتع بزوجته وأمته بجميع وجوه الاستمتاع إلا الإتيان في الدبر فإنه حرام ولقد افترى من نسب جوازه إلى مالك ثم أنه في معنى الوطء في كثير من الأحكام كإفساد العباد ووجوب الغسل من الجانبين ووجوب الكفارة والحد ووجوب العدة والمصاهرة ولا يتعلق به التحليل ولا الإحصان واختلف في تكميل الصداق به وقال ابن القاسم ولا بأس أن يكلم الرجل امرأته عند الجماع وأجاز أصبغ النظر إلى الفرج عند الجماع ويكره الشخر وأجازه قوم ولا يجوز الجماع إلا في خلوة ولا تمنع الغيلة وهو جماع المرضعة ( المسألة الثانية ) في العزل لا يجوز العزل عن الحرة إلا بإذنها ولا عن الزوجة الأمة إلا بإذن سيدها لحقه في النسل ويجوز عن السرية بغير إذنها وأجازه الشافعي مطلقا ويلحق الولد بالزوج بعد العزل وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له وأشد من ذلك إذا تخلق وأشد من ذلك إذا نفخ في الروح فإنه قتل نفس إجماعا ( المسألة الثالثة ) في القسم بين النساء من كان له أكثر من واحدة وجب عليه العدل بينهن فيجعل لكل واحدة يوما وليلة وتستوي المريضة والحائض والنفساء والمحرمة والكتابية مع غيرها لقصد الأنس وكذلك تستوي الحرة والأمة على المشهور وقيل للحرة ثلثان وللأمة ثلث ولا يدخل في يوم واحد على الأخلى إلا زائرا أو لحاجة لا لميل ولا ضرر يحل له ولا يجوز أن يجمع بين ضرتين في مكان واحد إلا برضاهما وليفرد كل واحدة منهما بمسكنها ويأتيها فيه ولا يجب عليه القسم بين أمهات الأولاد ولا بين إمائه ولا العدل بينهن ولا القسمة للسرية مع الزوجة ولكن يستحب حسن المعاشرة وكف الأذى وتوفية الحقوق ( المسألة الرابعة ) في السابع من تزوج بكرا أقام عندها سبعا وإن تزوج ثيبا أقام عندها ثلاثا وتستوي في ذلك الحرة والأمة واختلف هل ذلك واجب أو مندوب وهل يقضى عليه لها به لأنه من حقوقها أم لا يقضى عليه لأنه من حقوقه وإن كان له نساء سواها لم يقض لهن بهده المدة بل تنفرد بها الجديدة ثم يستأنف القسمة وإذا سافر أقرع بينهن فأيتها خرجت قرعتها سافر بها وقيل يختار واحدة يسافر بها وتنفرد التي سافر بها بتلكالمدة ولا يقضي للبواقي ( المسألة الخامسة ) في النشوز والحكمين وله ثلاث حالات ( الأولى ) أن يكون النشوز منها فيعظمها فإن قبلت وإلا هجرها فإنانتهت وإلا ضربها ضربا غير مخوف إن غلب على ظنه أنها لا تترك النشوز إلا بضرب مخوف تركها ( الحالة الثانية ) أن يكون العدوان منه بالضرب والذى فيزجر عن ذلك ويجبر على العود إلى العدل وإلا طلقت عليه لضرره ( الحالة الثالثة ) أن يشكل الأمر وقد ساء ما بينهما وتكررت شكواهما ولا بينة مع واحد منهما ولم يقدر على الإصلاح بينهما فيبعث حكمان من جهة الحاكم أو من جهة الزوجين أو من يلي عليهما لينظرا في أمرهما وينفذ تصرفهما في أمرهما بما رأياه من تطليق أو خلع من غير إذن الزوج ولا موافقة الحاكم وذلك بعد أن يعجزا عن الإصلاح بينهما وإذا حكما بالفراق فهي طلقة بائنة فإن حكما بأكثر من واحدة لم يلزم وقيل يلزم وقال أبو حنيفة ليس لهما بالفرقة إلا أن تجعل لهما فإن اختلفا لم يلزم شيء إلا باجتماعهما ويجب أن يكونا مسلمين عدلين فقيهين والأكمل أن يكون حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة تنبيه عادة القضاة أن يبعثوا امرأة مسنة عوض الحكمين قال بعض العلماء وذلك لا يجوز لأنه مخالف للقرآن ( المسألة السادية ) في اختلاف الزوجين في الزوجية إذا ادعى رجل على امرأة العقد وأنكرت أو ادعت هي وأنكر فلا يمين على المنكر وإن أتى أحدهما بشاهد واحد لم يحلف معه ولا يحلف المدعى عليه على المشهور وإذا ادعت النكاح على ميت وأقامت شاهدا معه قال ابن القاسم تحلف وترث لأنه مال خلافا لأشهب ( المسألة السابعة ) إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فادعى كل واحد منهما أنه له ولا بينه لهما ولا لأحدهما نظر فما كان من متاع النساء كالحلي والغزل وثياب النساء وخمرهن حكم به للمرأة مع يمينها وما كان من متاع الرجل كالسلاح والكتب وثياب الرجال حكم به للرجل مع يمينه وما كان يصلح لهما جميعا كالدنانير والدراهم فهو لرجل مع يمينه وقال سحنون ما يعرف لأحدهما فهو له بغير يمين
الباب السابع في أسباب الخيار
وهي خمسة العيوب والغرور والاعسار والفقد وعتق الأمة تحت العبد ففي الباب خمسة فصول ( الفصل الأول ) في العيوب وهي أربعة الجنون والجذام والبرص وداء الفرج ويختص الرجل من داء الفرج بالجب والخصاء والعنة والاعتراض وتختص المرأة بالقرن والرتق والعفل وبخر الفرج وليس منها القرع ولا السواد ولا إن وجدها مفتضة من زنى على المشهور وليس منها العمى والعور والعرج والزمانة ولا نحوها من العاهات إلا أن اشترط السلامة منها فإذا كان في أحدالزوجين أحد هذه العيوب كان للآخر الخيار في البقاء معه أو الفراق بشرط أن يكون العيب موجودا حين عقد النكاح فإن حدث بعده فلا خيار إلا أن يبتلى الزوج بعد العقد بجنون أو جذام أو برص فيفرق بينهما للضرر الداخل على المرأة وأسقط الظاهرية الخيار مطلقا ثم إن كان العيب بالزوج فإن قامت به قبل الدخول فلا شيء لها من الصداق وكذلك بعد الدخول إلا أن طال مكثها معه وخلقت شورتها فلها الصداق وإن كان العيب بها فهو بالخيار فإن شاء طلق ولا شيء عليه وإن شاء دخل ولزمه الصداق كاملا وإن لم يعلم إلا بعدالدخول فإن كانت هي التي غرته ترك لها ربع دينار وأخذ ما زاد عليه وإن كان الغار وليها لم يترك لها شيئا ورجع على الولي بما دفعه وقال الشافعي لها صداقها بعد الدخول كاملا فرعان ( الفرع الأول ) تعجل الفرقة بطلاق في جميع العيوب في الاعتراض فإن المعترض وهو الذي لا يقدر على الوطء لعارض يؤجل ينة من يوم ترفعه فإن لم يطأ فيها فلها الخيار وإن وطء سقط خيارها والقول قوله في دعوى الوطء ( الفرع الثاني ) إن ادعى الرجل عيبا بالمرأة في الفرج وأنكرت نظر إليها النساء وإن ادعته هي عليه فأما المجبوب وهو المقطوع الذكر والأنثيين والخصي وهو المقطوع أحدهما فيختبر بالجس على الثوب وكذلك الحصور وهو المخلوق بغير ذكر أو بذكر صغير جدا لا يتأتى إيلاجه وأما العنين أو المعترض فإن أنكر فهو مصدق والعنين هو الذي لا يقوم ذكره والمعترض هو الذي يجري عليه ذلك في بعض الأوقات ( الفصل الثاني ) في الغرور فإذا قال العاقد زوجتك هذه المسلمة فإذا هي كتابية أو هذه الحرة فإذا هي أمة انعقد النكاح وله الخيار فإنأمسكها لزمه المسمى وإن فارقها قبل الدخول فلا شيء لها وإن فارقها بعد الدخول فلها المسمى إلا أن يزيد على صداق المثل فيرد ما زاد وإن تزوج العبد على أنه حر فالمرأة بالخيار ( الفصل الثالث ) في الاعسار بالصداق والنفقة أما الإعسار بالصداق قبل الدخول فلها الخيار في الفرقة فيه بعد أن يضرب له أجل على ما يرجى لمثله من غير تحديد وقيل سنة وإذا اختارت الفراق تبعته بنصف الصداق الواجب لها وقال أبو حنيفة لا خيار لها وهي عنده غريم من الغرماء ولها أن تمنع نفسها حتى يعطيها صداقها ولا خيار لها في الإعسار بالصداق بعد الدخول بل هو عليه دين وأما الإعسار بالنفقة أو الكسوة فلها الخيار خلافا لأبي حنيفة والظاهرية فروع ستة ( الفرع الأول ) إن عجز بالكلية أو وجد شيئا يسيرا لا يسد مسدا فلها الخيار وإن وجد قدر ما يمسك الحياة والصحة خاصة فقولان وإن وجد خبزا دون أدام وثوبا واحدا فلا خيار ( الفرع الثاني ) لا يؤثر العجز عن نفقة الزمان الماضي بل ذلك دين في ذمته وإن تزوجته وهي عالمة بفقره وأنه متكفففلا قيام لها في المشهور ( الفرع الثالث ) إذا رفعت أمرها للقاضي فإن كان الزوج حاضرا أمره أن ينفق أو يطلق فإنأبى طلق عليه القاضي وإن كان غائبا ولا مال له ينفق عليها منه كان لها الخيار أيضا على المشهور ( الفرع الرابع ) يتلوم للمعسر رجاء يسره فقيل يوم وقيل شهر وقيل من غير تحديد ( الفرع الخامس ) الطلاق بالإعسار بالنفقة رجعي فإن أيسر في العدة بالنفقة فله الرجعة وإلا بانت منه والطلاق في الإعسار بالصداق بائن وكذلك طلاق العنين وشبهه ( الفرع السادس ) في إعسار الغائب فإذا قامت عند القاضي كلفها إثبات الزوجية واتصالها وإثبات غيبته وإن الشهود لا يعلمون أنه ترك لها شيئا ولا بعث لها شيئا ولا أحالها به وتؤدي الشهادة في ذلك على عينها ثم يضرب لها أجلا من شهرين فإن قدم الزوج في الأجل بقي مع زوجته ورجعت عليه بما أنفقت على نفسها منذ رفعت أمرها وكان القول في ذلك قولها مع يمينها إن ادعى الزوج أنه ترك لها شيئا أو بعث لها به ولها رد اليمين عليه والقول قوله مع يمينه فيما كان قبل رفعها أمرها وله رد اليمين عليها ولا تنتفع المرأة بإشهاد الجيران دون الرفع إلى السلطان فإن انصرم الأجل ولم يقدم الزوج حلفت على مثل ما شهد به الشهود وطلقت نفسها طلقة رجعية فإن قدم موسرا في عدتها فله ارتجاعها وإن قدم عديما لم يكن له عليها سبيل إلا أن ترضى بالمقام معه دون نفقة وإن كانت محجورة ورضيت بالمقام معه دون نفقة على أن تنفق على نفسها من مالها فذلك لها ولا كلام لوليها إذ لو طلقت لم يكن لها بد من النفقة على نفسها فمع الزوج أولى لأن فيه صونا لها ( الفصل الرابع ) في المفقود وهو الذي يغيب فينقطع أثره ولا يعلم خبره وهو على أربعة أوجه في بلاد المسلمين وفي بلاد العدو وفي قتال المسلمين مع الكفار وفي قتال المسلمين في الفتن فأما المفقود في بلاد المسلمين فإذا رفعت زوجته أمرها إلى القاضي كلفها إثبات الزوجية وغيبته ثم بحث عن خبره وكتب في ذلك إلى البلاد فإن وقف له على خبر فليس بمفقود ويكاتبه بالرجوع أو الطلاق فإن أقام على الإضرار طلق عليه وإن لم يقف له على خبر ولا عرفت حياته من موته ضرب له أجل من أربعة أعوام للحر وعامين للعبد من يوم ترفع أمرها فإذا انقضى الأجل اعتدت عدة الوفاة ثم تزوجت إن شاءت وقال أبو حنيفة والشافعي لا تحل امرأة المفقود حتى يصح موته فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) إن كان دخل بها فنفقتها في الأربعة أعوام عليه وإن كان لم يدخل بها فإن كانت غيبته بعيدة لزمته النفقة يفرض لها في ماله إن شاءت ذلك وإن كانت غيبته قريبة فقولان ( الفرع الثاني ) إن جاء زوجها في الأجل أو في العدة أو بعدها قبل أن تتزوج فهي امرأته وإن جاء بعد أن تزوجت فإن كان الثاني دخل بها فهي له دون الأول وإن لم يدخل بها فقولان ( الفرع الثالث ) إن وقع الفراق من المفقود قبل الدخول وجب لها نصف الصداق هذا حكمه في زوجته وأما ماله فموقوف لا يورث عنه حتى يعلم موته أو يعمر فيأتيعليه من الزمان ما لا يعيش إلى مثله واختلف في حد ذلك فالمشهور سبعون سنة وقيل ثمانون وتسعون ومائة وقال أبو حنيفة مائة وعشرون وذلك كله من أول عمره فإن فقد وهو ابن سبعين تربص به عشرة أعوام بعدها على المشهور وأما المفقود في بلاد العدو فحكمه حكم الأسير لا تزوج امرأته ولا يورث ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش إلى مثله إلا عند أشهب فهو عنده كالمفقود في بلاد المسلمين في زوجه وماله وأما المفقود في القتال مع الكفار فحكمه كالأسير في المشهور وقيل كالمفقود وقيل يحكم في زوجته بحكم المقتول يتلوم سنة ثم تعتد وتتزوج ويحكم في ماله بحكم المفقود فيعمر إلى ما لا يعيش إلى مثله وأما المفقود في الفتن ففيه قولان أحدهما أنه يحكم له بحكم المقتول فتعتد امرأته ويقسم ماله ثم اختلف أهل ذلك من يوم المعركة أو بعد التلوم قدر ما ينصرف من هرب أو انهزام فيتلوم في البعد سنة وفي القرب أقل واختلف أيضا هل تدخل العدة في التلوم أم لا والقول الثاني أنه يضرب له أجل سنة ثم تعتد امرأته ويقسم ماله ( الفصل الخامس ) في عتق الأمة إن أعتقت الأمة تحت عبد فلها الخيار فإن اختارت الفراق فطلقة واحدة بائنة ويكره لها الثلاث فإن فعلت جاز وإن لم يدخل بها فلا صداق بها لأن الفراق من قبلها ولا رجعة له إن أعتق في عدتها لأن الطلقة بائنة إلا إن شاءت وكان الطلاق واحدا وإن لم تخبر حتى عتق فلا خيار لها وإن تلذذ بها بعد علمها العتق سقط خيارها عند الإمامين ولا تعذر بالجهل خلافا للأوزاعي وقال أبو حنيفة خيارها في المجلس إن قامت سقط ولا خيار لها إن أعتقت وهي تحت حر خلافا لأبي حنيفة
الباب الثامن في الشروط في النكاح
وهي على ثلاثة أقسام ( الأول ) يقتضيه العقد كالوطء والانفاق فلا يؤثر ذكره ( الثاني ) يناقض العقد كعدم القسمة ونحوه فيمنع ويفسخ النكاح قبل البناء وفي فسخه بعد خلاف ( الثالث ) ما لا تعلق له بالعقد كشرط عدم إخراجها من بلدها فهو مكروه ثم إنه إن كان مقيدا بطلاق أو تمليك أو عتق أو غير ذلك لزم ويقال له يمين وإن لم يكن معلقا بشيء ولا وضعت عنه من صداقها لأجله لم يلزم ولكن يستحب الوفاء به وقال أبو حنيفة تبطل الشروط كلها ويصح النكاح وقال ابن حنبل يصح الوفاء بكل شرط فيه فائدة بيان من لزمه يمين طلاق في زوجته لزمه ذلك وإن طلقها ثم تزوجها ثانية وكذلك في الثالثة حتى تكون ثلاث تطليقات فإن شرط أنه بريء من تلك الشروط لم ينفعه وهي لازمة بخلاف الإيمان والشروط التي لا يلزم فيها طلاقفإنه يجوز إسقاطها فروع عشرة ( الفرع الأول ) إذا شرط لها ألا يتزوج عليها فإن كان دون يمين لم يلزمه وجاز له أن يتزوج حسبما تقدم وإن كان على يمين فذلك على أقسام منها أن يجعل أمرها بيدها أن تزوج فيجب أن يذكر هل ملكها طلقة رجعية أو بائنة أو ثلاثا أو أي الطلاق شاءت فيعمل على حسبه ومنها أن يجعل أمر الداخلة عليها بيدها تطليقها رجعية أو بائنة أو ثلاثا أو أي الطلاق شاءت حسبما يجعل لها ولها أن تسقط شرطها في ذلك كله ومنها أن يقول أن تزوج عليها فالداخلة طالق فتطلق بنفس نكاحها بأي طلاق جعل لها وليس لزوجته إسقاط ذلك ( الفرع الثاني ) إن شرط أن لا يتسرى عليها ولا يتخذ أم ولد فإن علق ذلك بتمليكها أمر نفسها فعلى ما تقدم وهي مخيرة في الأخذ بشرطها أو إسقاطه وإن قال فالسرية أو أم ولد معتقة لزم عتقهما بنفس اتخاذهما وإن جعل بيدها بيع السرية فله عزلها عن ذلك لأنه كالتوكيل ( الفرع الثالث ) إن شرط لها أن لا يغيب عنها مدة معلومة فلها ذلك إن علقها بيمين كالتمليك وشبهه ثم إنه قد يجعلها مصدقة في دعوى المغيب دون إثبات ويمين أو بيمين دون إثبات أو بعد الإثبات ( الفرع الرابع ) إن شرط لها إن لا يرحلها من بلدها إلا بإذنها فلها ذلك إن علقه بيمين فإن أذنت له مرة فردها ثم أراد أن يرحلها ثانية فاختلف هل نسقط شرطها أم لا ( الفرع الخامس ) إن شرط أن لا يضرها لزم سواء علقه بيمين أم لا لأن ترك الأضرار واجب ثم إنه قد يجعلها مصدقة في دعوى الضرر دون إثبات ولا يمين أو بيمين دون الإثبات أو بعد الإثبات فإذا صدقت على أحد هذه الوجوه فإن كان قد علق ذلك بتمليك أو غيره فلها ما جعل لها وإن لم يعلقه بشيء فقيل لها أن تطلق نفسها بالضرر وقيل ترفع أمرها إلى السلطان فيزجره مرة بعد أخرى فإن تكرر طلقت عليه بيان كل شرط يجعله الزوج بيد غيره ليقع عليه به طلاق فإن كان سبب ذلك فعلا يفعله الزوج فهو جائز لازم للزوج مثل أن يشرط لها أنه متى ضربها أو سافر عنها فأمرها بيدها أو بيد أبيها أو غيره وإن كان سببه فعل غير الزوج لم ينفذ ولم يلزم الزوج والنكاح جائز ( الفرع السادس ) إن نحل أحد الزوجين أبوه أو أمه أو غيرهما مالا في عقدة النكاح لزم ولم يفتقر إلى حيازة فإن كان المنحول له ملك أمر نفسه ذكر قبوله رفعا للاختلاف إن لم يذكر القبول ( الفرع السابع ) لا يجوز أن تمتع المرأة زوجها في مالها في عقدة النكاح لأنه عطاء في مقابلة الصداق ويفسد النكاح به ويجوز بعد انعقاد النكاح فإن كانت المرأة مالكة أمر نفسها أمتعته هي وأن زوجها والدها وهي في حجره جاز له أن يمتع وأن زوجها غير الأب لم يكن له أن يمتع إلا أن ضمن الدرك لأنه عطية من مال المحجور ( الفرع الثامن ) السياقة جائزة وهي زيادة على الصداق ( الفرع التاسع ) إن شرط أن ينفق على ولدها من غيره لم يجز ويجوز أن تطوع بذلك ( الفرع العاشر ) لا يمنعها من زيارة ذوي محارمها بالمعروف إلا أن يشترطذلك وإن كره خروجها صونا لها لا لضرر فله منعها ولأبوها زيارتها ولا يمنعها منهما فإن حلف حنثه السلطان في دخولهما إليها لا في خروجها إليهما وإن كان لها بنون صغار فلهم الدخول كل يوم وللكبار كل جمعة وإن علم أن لها ابنة صغيرة ودخل على ذلك لم يفرقها منها
الباب التاسع في النفقات
تجب النفقة لأربعة أصناف ( الصنف الأول ) الزوجات بشرط الدخول والتمكين من الاستماع وبلوغ الزوج وأطاقة الزوجة للوطء ولا يشترط بلوغها وقيل لا يشترط احتلام الزوج إذا بلغ الوطء ثم إن الواجب ستة أشياء ( الواجب الأول ) الطعام وهو يختلف بحسب الزوج في ماله والزوجة في مالها ومنصبها وبحسب البلاد والوسط من ذلك بالأندلس رطل ونصف في اليوم من قمح أو شعير أو ذرة أو قطنية على حسب الحال وقال الشافعي يعتبر حال الزوج دون الزوجة فتستوي عنده الرفيعة والدنية ( الواجب الثاني ) الإدام وهو على حسب الحال والبلد ولا بد من الماء والحطب والخل والزيت للأكل والوقود ولا تفرض الفاكهة ( الواجب الثالث ) نفقة الخادم فإن كانت الزوجة ذات منصب وحال والزوج مليء فليس عليها من خدمة بيتها شيء ولزمه أخدامها وإن كانت بخلاف ذلك والزوج فقير فعليها الخدمة الباطنة من عجن وطبخ وكنس وفرش واستقاء ماء إذا كان معها في البيت وليس عليها غزل ولا نسج وإن كان معسرا فليس عليه اخدام وإن كانت ذات منصب وحال ولا تطلق عليه بذلك وإذا وجب عليه الاخدام فلا يجب عليه شراء خادم بل يجوز أن يستأجر وإن أراد أن يبدل خادمها المألوفة لم له ذلك إلا أن تظهر ريبة ومن كان منصبها يقتضي خادمين فأكثر فلها ذلك خلافا لهما ( الواجب الرابع ) الكسوة على حسب حاله وحالها ومنصبها وأقلها ما يستر الجسد والرأس ويدفع الحر والبرد وذلك يختلف في الشتاء والصيف وكذل السرير على حسب الحال ( الواجب الخامس ) آلة التنظيف على حسب الحال والمنصب وعوائد البلاد ( الواجب السادس ) السكنى وعليه أن يسكنها مسكنا يليق بها أما بملك أو كراء أو عرية فروع خمسة ( الفرع الأول ) يجب في النفقة دفع الطعام واختلف في جواز أخذ الثمن عنه بناء على بيع الطعام قبل قبضه ( الفرع الثاني ) إذا طلبت نفقتها فأراد أن يقتطعها من دين له عليها كان له ذلك في الموسرة دون المعسرة ( الفرع الثالث ) تسقط نفقتها بالنشوز وهو منع الوطء والخروج بغير إذنه وبالامتناع من الدخول لغير عذر ( الفرع الرابع هالمطلقة إن كانت رجعية فلها النفقة في العدة وإن كانت بائنة فليس لها نفقة إلا إن كانت حاملا ( الفرع الخامس ) يجب علىالأم أن ترضع ولدها خلافا لهما إلا أن يكون مثلها لا يرضع لسقم أو قلة لبن أو لشرف فعليه أن يستأجر له إلا أن لا يقبل غيرها فيلزمها إرضاعه وكذلك إن كان الأب عديما ( الصنف الثاني ) أولاد الصلب تجب نفقتهم على والدهم بشرطين أن يكونوا صغارا وأن لا يكون لهم مال ويستمر وجوب النفقة على الذكر إلى البلوغ وعلى الأنثى إلى الزوج بها فإن بلغ الذكر صحيحا سقطت نفقته عن الأب وإن بلغ مجنونا أو أعمى أو مريضا بزمانه يمتنع الكسب معها لم تسقط نفقته بالبلوغ على المشهور بل تستمر وقيل تنتهي إلى البلوغ كالصحيح ولو بلغ صحيحا فسقطت نفقته ثم طرأ عليه ما ذكر لم تعد النفقة خلافا لابن الماجشون وإن طلقت البنت بعد سقوط نفقتها لم تعد على الأب إلا إن عادت وهي غير بالغ ( الصنف الثالث ) الأبوان بشرط أن يكونا فقيرين ولا يشترط عجزهما عن الكسب ولا يجب أن ينفق الجد على ابن ابنه ولا ابن الابن على الجد وأوجبها الشافعي وأوجب أبو حنيفة النفقة على كل ذي حرم محرم فروع سبعة ( الفرع الأول ) لا يشترط اتفاق الدين في وجوب النفقة بل ينفق المسلم على الكافر والكافر على المسلم ( الفرع الثاني ) إنما يجب على الإنسان نفقة أبويه وأولاده بعد أن يكون له مقدار نفقة نفسه ولا يباع عليه عبده ولا عقاره في ذلك إذا لم يكن فيهما فضل عن حاجته ولا يلزمه الكسب لأجل نفقتهم ( الفرع الثالث ) يجب للأولاد والأبوين النفقة وما يتبعها من المؤونة والكسوة والسكنى على قدر حال المنفق وعوائد البلاد ( الفرع الرابع ) لا تستقر نفقة الأبوين فيما مضى في الذمة بل تسقط بمرور الزمان بخلاف نفقة الزوجة إلا أن يفرضها القاضي فحينئذ تثبت ( الفرع الخامس ) إذا كان للأب الفقير جماعة من الأولاد وجبت نفقته على الموسر منهم فإن كانوا كلهم موسرين وجبت عليهم موزعة بالسوية وقيل على قدر يسارهم ( الفرع السادس ) على الابن أن ينفق على زوجة أبيه سواء كانت أمه أم لا ( الفرع السابع ) على العبد نفقة زوجة الحرة واختلف إن كانت أمة ولا تجب على العبد نفقة أولاده سواء كانوا أحرارا أو عبيدا ( الصنف الرابع ) العبيد وعلى السيد النفقة على عبيده ذكرانهم وإناثهم بقدر الكفاية على حسب العوائد فإن لم ينفق على عبده بيع عليه فروع ويجب على صاحب الدواب علفها أو رعيها فإن أجدبت الأرض تعين علفها فإن لم يعلفها أمر ببيعها أو بذبحها إن كانت مما يؤكل فروع فإن كانت الأمة متزوجة فنفقتها على زوجها في المشهور وقيل لا نفقة عليه وقيل ينفق عليها في الوقت الذي تأتيه وقيل إن كان حرا فعليه نفقتها بخلاف العبد وليس لزوج الأمة أن يضر بسيدها في الخدمة ولا لسيدها أن يضر بزوجها فيما يحتاج إليه منها
الباب العاشر في الحضانة وفيه مسألتان
( المسألة الأولى ) في ترتيب الحواضن والحضانة للأم ثم للجدة للأم ثم الخالة ثم الجدة للأب وإن علت ثم الأخت ثم العمة ثم ابنة الأخ ثم للأفضل من العصبة وهذا الترتيب إن كان الأول مستحقا للحضانة فإن لم يكن انتقلت إلى الذي يليه وكذلك إن سقطت حضانته أو كان معدوما ( المسألة الثانية ) تسقط الحضانة بأربعة أشياء ( الأول ) سفر الحاضن إلى مكان بعيد فقيل بريد وقيل ستة برد وقيل مسافة يوم ( الثاني ) ضرر في بدن الحاضن كالجنون والجذام والبرص ( الثالث ) قلة دينه وصونه ( الرابع ) تزوج الحاضنة ودخولها إلا أن تكون جدة الطفل زوجا لجده لم تسقط خلافا لابن وهب وإذا تزوجت ثم طلقت لم تعد حضانتها في المشهور وقيل تعود وفاقا لهما فروع خمسة ( الفرع الأول ) إذا استوطن الوالد أو غيره من أولياء الصبي بلدا غير بلد الأم فله حضانة أولاده دونها ونقلهم معه إن كان مأمونا عليهم إلا أن يرضى من له الحضانة بالانتقال معه حيث انتقل ( الفرع الثاني ) تستمر الحضانة في الذكر إلى البلوغ على المشهور وقيل إلى الاثغار وفي الأنثى إلى دخول الزوج بها وقال الشافعي إذا بلغ الولد سنين خير بين أبويه فمن اختار منهما كانت له الحضانة ( الفرع الثالث ) كراء المسكن للحاضنة والمحضونين على والدهم في المشهور وقيل تؤدي حصتها من الكراء ( الفرع الرابع ) اختلف هل الحضانة حق للحاضن وهو المشهور أو للمحضون وعلى ذلك لو أسقطها مستحقها سقطت ( الفرع الخامس ) المحضون هو من لا يستقل كالصغير والمجنون والمعتوه وإن كانا كبيرين
الكتاب الثاني في الطلاق وما يتصل به وفيه عشرة أبواب
الباب الأول في الطلاق وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في طلاق السنة والبدعة فالطلاق السني ما اجتمعت فيه أربعة شروط وهي أن تكون المرأة طاهرا من الحيض والنفاس حين الطلاق اتفاقا وأن يكون زوجها لم يمسها في ذلك الطهر اتفاقا وأن تكون الطلقة واحدة خلافا للشافعي وأن لا يتبعها طلاقا آخر حتى تنقضي العدة خلافا لأبي حنيفة وأما البدعي فهو ما نقضت منه هذه الشروط أو بعضها والطلاق في الحيض حرام واختلف في غير المدخول بها ويجوز طلاق من لا تحيض في كل وقت ومن طلق زوجته وهي حائض أجبر على أن يراجعها إن كان الطلاق رجعيا حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى ثم تطهر منها فإذا دخلت في هذا الطهر الثاني فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها ولا يجبر المطلق في الحيض على الرجعة عندهم كما لا يجبر اتفاقا فيما إذا طلق في طهر مسها فيه أو بعد الحيض قبل الإغتسال منه ويحسب الطلاق الأول عند الجمهور فإنه نافذ فتكونان طلقتين والمرأة مصدقة في دعوى الحيض في ذلك ( الفصل الثاني ) في الطلاق الرجعي والبائن فأما البائن فهو في أربعة مواضع وهي طلاق غير المدخول بها وطلاق الخلع والطلاق بالثلاث فهذه الثلاثة بائنة اتفاقا والرابع هذه الطلقة التي يوقعها أهل زماننا وتسمى ( المباراة ) يملكون بها المرأة أمر نفسها ويجعلونها واحدة من غير خلع وفاقا لابن القاسم وقيل له المراجعة وقيل هي ثلاث وأما الرجعي فهو ما عدا هذه المواضع ويملك في الرجعي رجعتها ما لم تنقض عدتها وتجب نفقتها وكسوتها عليه طول العدة فإذا انقضت العدة بانت منه فلم يملك رجعتها إلا بإذنها وسقطت عنه النفقة والكسوة وأما البائن فتبين منه ساعة الطلاق ( الفصل الثالث ) في عدد الطلاق وهو واحدة واثنتان وثلاث وتنفذ الثلاث سواء طلقها واحدة بعد واحدة اتفاقا أو جمع الثلاث في كلمة واحدة عندالجمهور خلافا للظاهرية فرع من طلق طلقة واحدة أو اثنتين فنكحها زوج غيره ودخل بها ثم نكحها الأول بنى على ما كان من عدد الطلقات فلو طلقها ثلاثا ثم نكحها بعد زوج غيره استأنف عدد الطلقات كنكاح جديد لأن الزوج الثاني لا يهدم ما دون الثلاث ويهدم الثلاث وقال أبو حنيفة يهدم مطلقا وأقصى طلاق العبد طلقتان وقال أبو حنيفة ثلاث كالحر ولا يعتبر كون المطلقة أمة عند الإمامين واعتبره أبو حنيفة فقال أقصى طلاقها طلقتان للحر والعبد وعلى المذهب فإن طلق الحر ثلاثا أو العبد طلقتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره حسبما تقدم تكميل الفراق بين الزوجين يقع على خمسة عشر وجها وهي الطلاق على اختلاف أنواعه والإيلاء إن لم يفيء واللعان والردة وملك أحدهما للآخر والإضرار بها وتفريق الحكمين بينهما واختلافهما في الصداق قبل الدخول وحدوث الجنون أو الجذام أو البرص على الزوج ووجود العيوب في أحد الزوجين والإعسار بالنفقة أو الصداق والغرور والفقد وعتق الأمة تحت العبد وتزوج أمة على الحرة
الباب الثاني في أركان الطلاق
وهي ثلاثة المطلق والمطلقة والصيغة وهي اللفظ وما في معناه فأما المطلق فله أربعة شروط الإسلام والعقل والبلوغ والطوع فلا ينفذ طلاق مجنون ولا كافر اتفاقا ولا صبي غير بالغ وقيل ينفذ طلاق المراهق وفاقا لابن حنبل وأما السكران فمشهور المذهب نفوذ طلاقه وفاقا لأبي حنيفة خلافا للظاهرية وقال ابن رشد إن كان بحيث لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فهو كالمجنون وإن كان سكره دون ذلك فهو الذي ينفذ طلاقه وأما من أكره على الطلاق بضرب أو سجن أو تخويف فإنه لا يلزمه عند الإمامين وابن حنبل خلافا لأبي حنيفة وكذلك إن أكره على الإقرار بالطلاق أو على اليمين أو على الحنث في اليمين به بيان لا يلزم المكره حكم في المذهب قال سحنون وابن حبيب إنما ذلك في القول لا الفعل ومن أكره على فعل يفعله في غيره في بدنه أو ماله فحكم ذلك الفعل لازم له لا يسقطه الإكراه ومن أكره على الكفر أو شرب الخمر أو أكل الخنزير أو شبه ذلك فلا يفعله إلا من خوف القتل خاصة وإن صبر للققتل كان أفضل قاله سحنون ومن أكره على واجب كالزكاة فلا ضمان على من أكرهه فرع ينفذ طلاق المحجور إذا كان بالغا بخلاف نكاحه فإن لوليه أن يجيزه أو يرده وكذلك ينفذ طلاق العبد فرع طلاق المريض نافذ كالصحيح اتفاقا فإن مات من ذلك المرض ورثتهالمطلقة خلافا للشافعي ولا ينقطع ميراثها وإن انقضت عدتها وتزوجت وقال أبو حنيفة ترثه ما دامت في العدة وقال ابن حنبل ما لم تتزوج ويشترط في ثبوت ميراثها ثلاثة شروط في المذهب ( أحدها ) أن لا يصح من ذلك المرض وإن مات منه بعد مدة ( الثاني ) أن يكون المرض مخوفا يحجر عليه فيه ( الثالث ) أن يكون الطلاق منه لا منها ولا بسببها كالتمليك والتخيير والخلع ففي توريثها بذلك روايتان وأما المطلقة فهي الزوجة سواء كانت في العصمة أو في عدة من طلاق رجعي فينفذ طكلاقها اتفاقا ولا ينفذ طلاق الأجنبية اتفاقا وكذلك البائن ولو أضاف الطلاق إلى نصفها أو عضو من أعضائها نفذ خلافا للظاهرية واختلف في إضافته إلى شعرها وكلامها وزوجها ولو قال نصف طلقة أو ربع طلقة كملت عليه وأما ألفاظ الطلاق فهي أربعة أنواع ( النوع الأول ) الصريح وهو ما فيه لفظ الطلاق كقوله طالق أو طالقة أو مطلقة أو قد طلقتك أو طلقت مني لزمه الطلاق بهذا كله ولا يفتقر إلى نية وإن ادعى أنه لم يرد الطلاق لم يقبل منه ذلك إلا إن اقترنت بقرينة تدل على صدق دعواه مثل أن تسأله أن يطلقها من وثاق فيقول أنت طالق وألحق الشافعي بالصريح لفظ التسريح والفراق ( النوع الثاني ) الكناية الظاهرة وهي التي جرت العادة أن يطلق بها في الشرع أو في اللغة كلفظ التسريح والفراق وكقوله أنت بائن أو بتة أو بتلة وما أشبه ذلك فحكم هذا كحكم الصريح وقال الشافعي يرجع إلى ما نواه ويصدق في نيته ( النوع الثالث ) الكناية المحتملة كقوله الحقي بأهلك واذهبي وابعدي عني وما أشبه ذلك فهذا لا يلزمه الطلاق إلا إن نواه وإن قال أنه لم ينو الطلاق قبل قوله في ذلك ( النوع الرابع ) ما عدا التصريح والكناية من الألفاظ التي لا تدل على الطلاق كقوله اسقني ماء أو ما أشبه ذلك فإن أراد به الطلاق لزمه على المشهور وإن لم يرده لم يلزمه واعلم أن هذه الأنواع الأربعة كما تتصور في وقوع الطلاق على الجملة حسبما ذكرنا كذلك تتصور في البينونة بالطلاق وفي عدد الطلاق فإن قال لها أنت طالق ثلاثا فهذا صريح في البينونة والعدد وإن قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق لزمته الثلاث إلا إن نوى التأكيد فتلزمه واحدة ولو قال أنت طالق أو عطف بالواو أو الفاء لزمته الثلاث خلافا لهما في المسألتين وإنما يصح الإرداف في الطلاق الرجعي اتفاقا وأما البائن فيرتدف إن كان متصلا خلافا للشافعي وإن قال لها أنت طالق فهي واحدة رجعية إلا أن ينوي أكثر من ذلك فيلزمه ما نواه من اثنتين أو ثلاث وقال أبو حنيفة لا يقع بذلك إلا واحدة لأن اللفظ لا يقتضي العدد وإن قال لها أنت بائن أو بتة أو بتلة فهذا صريح في البينونة محتمل في العدد فإن قال لها مع خلع فالبينونة تصح بطلقة واحدة وكذلك إن قالها لغير المدخول بها وإن قالها لمدخول بها مع غير الخلع فقيل أنها تكون ثلاثا لأن بها تحصل البينونة الشرعية وقيل تكون واحدة على القول بأنها تبين بالطلقة المملكة وأما التسريح والفراق فاختلف أيضا هل يقبل قوله أنه أراد بهما ما دون الثلاث أولا وأما التحريم كقوله أنت علي حرامفمشهور مذهب مالك أنها ثلاث في المدخول بها وينوي في غير المدخول بها هل أراد الثلاث أم ما دونها ويقبل قوله فيما دون ذلك وقال ابن الماجشون لا ينوي في أقل من ثلاث وإن لم يدخل وقيل في المذهب أنهما طلقة واحدة بائنة وإن دخل ومذهب أبي بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم أنه يلزم فيها كفارة يمين لقوله عز وجل في سورة التحريم ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) وقال الشافعي ينوي في الطلاق وفي عدده وإن أراد تحريمها بغير طلاق فعليه كفارة يمين وقال أبو حنيفة ينوي في الطلاق وفي عدده فإن لم ينو شيئا لم يلزمه شيء فروع ثمانية ( الفرع الأول ) إذا طلق باللفظ والنية نفذ إجماعا وإن طلق بالنية دون اللفظ لم ينفذ في المشهور خلافا لهم وقيل ينفذ وإن طلق باللفظ دون نية كمن سبق لسانه إلى الطلاق ولم يرده لم ينفذ وكذلك لو كان اسم امرأته طالق فناداها باسمها لم ينفذ ( الفرع الثاني ) الهزل في الطلاق نافذ كالجد وكذلك في النكاح والعتق ( الفرع الثالث ) إشارة الأخرس بالطلاق كالصريح وإشارة القادر على الكلام بالكناية ( الفرع الرابع ) من كتب الطلاق عازما عليه لزمه بخلاف المتردد ليشاور نفسه ( الفرع الخامس ) من باع امرأته فهي طلقة بائنة وقيل تحرم عليه وقيل لا شيء عليه ( الفرع السادس ) قال ابن حارث من أراد أن يحلف على شيء فقال لزوجته أنت طالق ثم أمسك على اليمين وحالت نيته عنه لم يلزمه شيء ( الفرع السابع ) الشك في الطلاق فإن شك هل طلق أم لا لم يلزمه شيء وإن حلف بالطلاق ثم شك هل حنث أم لا أمر بالفراق واختلف هل هو على الوجوب أو على الندب وإن تيقن الطلاق وشك في العدد لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لأنها تحتمل ثلاثا خلافا لهما ( الفرع الثامن ) إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها وأنكر هو فإن أتت بشاهدين عدلين نفذ الطلاق وإن أتت بشاهد واحد حلف الزوج وبريء وإن لم يحلف سجن حتى يقر أو يحلف وإن لم تأت بشاهد فلا شيء على الزوج وعليها منع نفسها منه جهدها وإن حلف بالطلاق وادعت أنه حنث فالقول قول الزوج وكذا إذا حلف بالعتق وادعى العبد أنه حنث
الباب الثالث في تعليق الطلاق
والطلاق على نوعين معجل ومعلق فالمعجل ينفذ في الحين وأما المعلق فهو الذي يعلق إلى زمن مستقبل أو وقوع صفة أو شرط وهو على سبعة أقسام ( الأول ) أن يعلق بأمر يمكن أن يكون ويمكن ألا يكون كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق وكذلك إن كلمت زيدا أو إن قدم فلان من سفره فهذا إنوقع الشرط وقع الطلاق وإلا لم يقع اتفاقا ( الثاني ) أن يعلقه بأجل يبلغه العمر عادة أو بأمر لا بد أن يقع كقوله إن دخل الشهر أو إذا مات فلان فأنت طالق فهذا يلزمه الطلاق في الحين ولا ينتظر به أجل الشرط خلافا لهما ( الثالث ) أن يعلقه بأمر يغلب وقوعه ويمكن أن لا يقع كقوله أنت طالق إن حضت ففيه قولان قيل يعجل عليه الطلاق وقيل يؤخر إلى حصول شرطه وفاقا لهما ( الرابع ) أن يعلقه بشرط يجهل وقوعه فإن كان لا سبيل إلى علمه طلقت في الحال كقوله إن خلق الله في بحر القلزم حوتا على صفة كذا وإن كان يوصل إلى علمه كقوله إن ولدت أنثى توقف الطلاق على وجوده ( الخامس ) أن يعلقه بمشيئة الله تعالى فيقول أنت طالق إن شاء الله تعالى فيقع الطلاق ولا ينفع هذا الإستثناء خلافا لهما ( السادس ) أن يعلقه بمشيئة إنسان كقوله أنت طالق إن شاء زيد فيتوقف وقوع الطلاق على مشيئته فإن علقه بمشيئة له كالبهائم والجمادات فيقع الطلاق في الحين لأنه يعد هازلا ( السابع ) في تعليق الطلاق بشرط التزوج وذلك ينقسم قسمين ( القسم الأول ) يلزم وهو أن يخص بعض النساء دون بعض كقوله إن تزوجت فلانة فهي طالق وإن تزوجت امرأة من القبيل الفلاني أو من البلد الفلاني فهي طالق فإذا تزوجها لزمه طلاقها وكذلك إن ضرب لذلك أجلا وكذلك التحريم ( القسم الثاني ) لا يلزم وهو أن يعم جميع النساء كقوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق فهذا لا يلزمه الطلاق عند مالك وقال الشافعي وابن حنبل لا يلزمه طلاق سواء عم أو خص وقال أبو حنيفة يلزمه عم أو خص ولو قال متى طلقتك فأنت طالق فإذا طلقها لزمته ثلاث
الباب الرابع في الخلع
وهو جائز عند الجمهور ومعناه أن تبذل المرأة أو غيرها للرجل مالا على أن يطلقها أو تسقط عنه حقا لها عليه فتقع بذلك طلقة بائنة ولا يجوز الخلع إلا بثلاثة شروط ( الأول ) أن يكون المبذول للرجل مما يصح تملكه وبيعه تحرزا من الخمر والخنزير وشبه ذلك ويجوز بالمجهول والغرر خلافا لهما ( الثاني ) أن لا يجر إلى ما لا يجوز كالخلع على السلف أو التأخير بدين أو الوضع على التعجيل وشبه ذلك ( الثالث ) أن يكون خلع المرأة اختيارا منها وحبا في فراق الزوج من غير إكراه ولا ضرر منه بها فإن انخرم أحد هذين الشرطين نفذ الطلاق ولم ينفذ الخلع ومنع قوم الخلع مطلقا وقال أبو حنيفة يجوز مع الإضرار وقال الحسن لا يجوز حتى يراها تزني وقال داود لا يجوز إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فروع تخالع الرشيدة عن نفسها ويخالع عن الأمة سيدها ويخالع الأب عن ابنته الصغيرة بخلاف الوصي ويخالع الأب والوصي عن الزوج الصغير زوجته ولايجوز خلع سفيهة ويجوز خلع المريضة إن كان قدر ميراثه منها وقيل لا يجوز مطلقا وقيل يجوز مطلقا
الباب الخامس في التوكيل والتمليك والتخيير
أما التوكيل فهو أن يوكل الرجل المرأة على طلاقها فلها أن تفعل ما وكلها عليه من طلقة واحدة أو أكثر وله أن يعزلها ما لم تفعل ذلك وأما التمليك فهوأنيملكها أمر نفسها وليس له أن يعزلها عن ذلك خلافا للشافعي ولها أن تفعل ما جعل بيدها من طلقة واحدة أو أكثر وله أن يناكرها فيما زاد على الطلقة الواحدة إذا أطلق القول ويظهر قبولها للتمليك بالقول أو بالفعل أما القول فهو أن توقع الطلاق بلفظها وأما الفعل فهو أن تفعل ما يدل على الفراق مثل نقل أثاثها أو غير ذلك فإن ظهر منها ما يدل على خلاف ذلك من قول أو فعل سقط تملكها وإن سكتت ولم يظهر منها قول ولا فعل لم يبطل تمليكها حتى يوقفها السلطان أو تتركه يطأها وروي عن مالك أنه يبطل أن افترقا من المجلس وفاقا للشافعي وأما التخيير فهو أن يخيرها بين البقاء معه أو الفراق فلها أن تفعل من ذلك ما أحبت فإن اختارت الفراق كان طلاقها بالثلاث فإن قالت اخترت واحدة أو اثنتين لم يكن لها وسقط خيارها إلا أن يخيرها في طلقة واحدة أو طلقتين خاصة فتوقعها
الباب السادس في الرجعة
وهي على نوعين رجعة من طلاق رجعي ورجعة من طلاق بائن أما الرجعة من الطلاق الرجعي فتكون بالقول كقوله ارتجعتك أو ما أشبه ذلك وتكون بالفعل وهو أن يستمتع منها بالوطء فما دونه وقال الشافعي لا رجعة إلا بالقول ولا بد أن ينوي الارتجاع مع القول أو مع الفعل خلافا لأبي حنيفة والإشهاد على الرجعة مستحب في مشهور المذهب وفاقا لأبي حنيفة وقيل واجب خلافا للشافعي ولا يجب في الارتجاع من الطلاق الرجعي صداق ولا ولي ولا يتوقف على إذن المرأة ولا غيرها ولا على إذن سيد الأمة وهذا كله ما دامت في العدة فإذا انقضت عدتها صارت رجعتها كالرجعة من الطلاق البائن ويحتاج في ذلك ما يحتاج في إنشاء النكاح من إذن المرأة وبدل صداق لها وعقد وليها فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) لا يمنع المرض ولا الإحرام من الرجعة للمطلقة الرجعية ويمنعان من رجعة البائن كما يمنعان من إنشاء النكاح ( الفرع الثاني )الطلاق الرجعي يحرم الوطء في المشهور خلافا لأبي حنيفة وهما في التوارث والنفقة كالزوجين ما لم تنقض العدة ( الفرع الثالث ) إذا ادعى بعد العدة أنه راجع في العدة لم يصدق إلاأن يكون خلا بها أو بات معها في العدة
الباب السابع في العدة والاستبراء وما يتصل بهما وفيه ستة فصول
( الفصل الأول ) في العدة من الطلاق فإن كان قبل الدخول فلا عدة على المطلقة إجماعا وإن كان بعد الدخول والمسيس فعليها العدة إجماعا وإن طلقها بعد الخلوة واتفقا على عدم المسيس فالعدة واجبة خلافا للشافعي وكل طلاق أو فسخ وجب فيه جميع الصداق وجبت في العدة سقط الصداق كله أو لم يجب إلا نصفه سقطت العدة ثم إن عدة الطلاق ثلاثة أنواع ( أحدها ) ثلاثة قروء لمن تحيض ( الثاني ) وضع حمل الحامل ( الثالث ) ثلاثة أشهر لليائس والصغيرة فأما القروء فهي الطهار وفاقا للشافعي وابن حنبل وقال أبو حنيفة هي الحيضان وعلى المذهب إذا طلقها في طهر كان بقية الطهر قرءا كاملا ولو كان لحظة فتعتد به ثم بقرئين بعد ذلك ثلاثة قروء فإذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد تمت عدتها وإن طلقها في حيض لم تحل حتى تدخل في الحيضة الرابعة من الحيضة التي طلقت فيها تقسيم النساء اللواتي في سن الحيض ثلاثة أصناف معتادة ومرتابة ومستحاضة فأما المعتادة فتكمل ثلاثة قروء على حسب عادتها ولو كانت عادتها أن تحيض من عام إلى عام أو أقل أو أكقر كانت عدتها بالإقراء وأما المرتابة وهي التي ارتفعت حيضتها بغير سبب من حمل ولا رضاع ولا مرض فإنها تمكث تسعة أشهر وهي مدة الحمل غالبا فإن لم تحض فيها اعتدت بعدها ثلاثة أشهر فكمل لها سنة ثم حلت وإن حاضت في خلال الأشهر التسعة حسبت ما مضى قرءا ثم انتظرت القرء الثاني لإتمام تسعة أشهر أيضا فإن حاضت حسبت قرءا آخر وكذلك في الثالث ولو حاضت قبل تمام سنة ولو بساعة حسبت كل ما مضى قرءا ثم استأنفت تسعة أشهر ثم اعتدت بثلاثة بعدها وإن حاضت بعد السنة لم تعتبر لأن عدتها قد انقضت بالسنة ومذهب الشافعي وأبي حنيفة أن هذه المرتابة تبقى أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن من لا تحيض ثم تعتد بثلاثة أشهر ولو ارتفعت حيضتها لرضاع انتظرت الحيض وإن طال الزمان ولا تجزيها الأشهر وإن ارتفع حيضها لمرض ففيها روايتان ( إحداهما ) أنها كالتي ارتفع حيضها بغير سبب ( والأخرى ) أنها كالمرضع وأما المستحاضة فإن كانت غير مميزة بين دم الحيض والاستحاضة فهي كالمرتابة تقيم تسعة أشهر استبراء وثلاثة عدة وإن كانت مميزة فيها روايتان إحداهما أنها كغير المميزة والأخرى أن تعمل على التمييز فتعتد بالإقراءوأما الوضع فتنقضي به العدة سواء وضعته عن قرب أو بعد أو كان تام الخلقة أو ناقصها بشرطين ( أحدهما ) وضع جميع حملها فلا تنقضي بوضع أحد التوأمين ولا بانفصال بعض الولد ( الثاني ) أن يكون الحمل ممن اعتدت منه أو يحتمل أن يكوم منه كاللعان أما المنفي قطعا كولد الزنى فلا تنقضي به العدة وكذلك ما تضعه المعتدة من وفاة الصبي الذي لا يولد له ومن ارتابت بالحمل لثقل بطنها أو تحركه لم تحل حتى تنقضي مدة الحمل وهي خمسة أعوام في المشهور وقيل أربعة وفاقا للشافعي وقيل سبعة وقال أبو حنيفة عامان وأما الأشهر فلليائسة والصغيرة فإن رأت الصغيرة دما وهي في سن من لا تحيض كبنت خمس وست فلا يعتبر ولو كانت تقارب فرأته بعد مضي ثلاثة أشهر فليس عليها استئناف العدة وإن كان قبل تمام الأشهر استأنفت العدة بالإقراء وحسبت ما مضى وإن رأت الكبيرة الدم فإن كان مثلها لا يحيض لم تعتد به وإن كان مثلها يحيض حسبت ما مضى قرءا وانتظرت قرءين والمعتبر في عدة الأشهر الآهلة فإن انكسر الشهر الأول ثم ثلاثين من الشهر الآخر واعتبر في الشهرين الأوسطين بالأهلة وإن طلقها في بعض يوم فإنها تلغي بقيته وتبتدي بالعدة بعده وقيل يحسب من ساعة الطلاق إلى مثلها فروع في تداخل العدتين ( الفرع الأول ) من طلقت طلاقا رجعيا ثم مات زوجها في العدة انتقلت إلى عدة الوفاة لأنب الموت يهدم عدة الرجعي بخلاف البائن ( الفرع الثاني ) إن طلقها رجعيا ثم ارتجعها في العدة ثم طلقها استأنفت العدة من الطلاق الثاني سواء كان قد وطئها أم لا لأن الرجعة تهدم العدة وقال الشافعي تبني على العدة الأولى ولو طلقها ثانية في العدة من غير رجعة بنت اتفاقا ولو طلقها طلقة بائنة لم راجعها في العدة أو بعدها ثم طلقها قبل المسيس بنت على عدتها الأولى ولو طلقها بعد الدخول استأنفت من الطلاق الثاني ( الفرع الثالث ) إذا تزوجت في عدتها من الطلاق فدخل بها الثاني ثم فرق بينهما اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الثاني وفاقا للشافعي وقيل تعتد من الثاني وتجزيها عنهما وفاقا لأبي حنيفة وإن كانت حاملا فالوضع يجزي عن العدتين اتفاقا بيان في عدة الأمة المطلقة أما الحامل فبالوضع اتفاقا وأما من تحيض فعدتها قرءان اثنان عند الجمهور تكميلا لقرء ونصف وذلك شطر عدة الحرة وقال الظاهرية ثلاثة قروء كالحرة وأما اليائس والصغيرة فثلاثة أشهر كالحرة وقال أبو حنيفة شهر ونصف وإن طلقت الأمة ثم أعتقت في عدتها بنت على عدة الأمة وقال الشافعي تنتقل إلى عدة الحرة ( الفصل الثاني ) في العدة من الوفاة فإن كانت حاملا فوضع حملها عند الجمهور فساعة وضعها تحل سواء وضعته بعد قرب أو بعد وقال أبعد الأجلين أما الوضع وأما الأربعة أشهر وعشر وقال قوم طهارتها من النفاس وإن كانت غير حامل فعجتها أربعة أشهر وعشر ليال سواء دخل بها أو لم يدخلأو كانت صغيرة أو كبيرة أو في سن من تحيض ( فرع ) يشترط في المذهب في التي دخل بها وهي في سن الحيض أن تحيض في العدة من الوفاة ولو حيضة واحدة فإن لم تحض فهي مرتابة فينظر إن كان ارتفاع حيضتها لعذر أو عادة حلت بانقضاء العدة اتفاقا وإن كان لغير عذر لم تحل حتى تحيض أو تكمل تسعة أشهر وقال أشهب وسحنون تحل بانقضاء العدة وإن لم تحض وفاقا لهما وإن كانت تحس شيئا في بطنها قعدت أكثر مدة الحمل ( فرع ) المستحاضة المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشر وقيل تتربص تسعة أشهر ( فرع ) عدة الأمة إذا توفى عنها زوجها ولم تكن حاملا نصف عدة الحرة شهران وخمس ليال وقال أشهب إنما ذلك لمن هي في سن الحمل فإن كانت في سن من لا تحمل فثلاثة أشهر وقال الظاهرية كالحرة وأما أم الولد إذا توفي عنها سيدها فعدتها حيضة إن كانت ممن تحيض وثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة عدتها ثلاث حيض وقال ابن حنبل أربعة أشهر وعشر فتلخيص المذهب إن الأمة لا تخالف الحرة في موضعين في عدة الوفاة وعدة الطلاق بالإقراء وتستويان في الحمل وفي ثلاثة أشهر ( الفصل الثالث ) في الإحداد وهو في عدة الوفاة اتفاقا ولا إحداد على مطلقة خلافا لأبي حنيفة ويجب على كل زوجة توفي عنها زوجها سواء كانت صغيرة أو كبيرة خلافا لأبي حنيفة في الصغيرة وسواء كانت حرة أو أمة مسلمة أو كتابية ولا إحداد على الأمة وأم الولد من وفاة سيدهما والإحداد هو ترك الزينة من الحلي والطيب والكحل ولباس ما يزين من المصوغات بخلاف الأسود والأبيض وقال أشهب لا تدخل الحمام واختلف في الكحل للضرورة ( الفصل الرابع ) فيما يجب للمرأة في عدتها من النفقة والسكنى أما المطلقة طلاقا رجعيا فلها النفقة والسكنى اتفاقا وكذلك الحامل وإن كانت بائنا فإن ادعت الحمل لم تصدق فإن أنفق عليها في دعوى الحمل ثم انفش لم يرجع بما أنفق خلافا لابن المواز إلا إن كان بقضية فيرجع اتفاقا وإن تحقق الحمل وجب لها نفقة الماضي والمستقبل وأما البائن التي ليست بحامل فلها السكنى دون النفقة وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة لها السكنى والنفقة وقال ابن حنبل لا سكنى ولا نفقة وأما المتوفي عنها فلها السكنى خاصة إن كان المسكن للمتوفي بملك أو كراء نقده أو دار الإمارة إن كان أميرا بخلاف دار المسجد إذا مات إمامه لأن الكراء من أجارته وذلك ينفسخ بموته وإن لم ينقد الكراء فلرب الدار إخراجها فروع تقيم المعتدة من طلاق أو وفاة في بيتها ولا تخرج إلا من ضرورة فإن خرجت من غير عذر ردها السلطان وللمعتدة الخروج لعذر من لصوص أو لهدم الدار أو غلاء كرائها فإن انتقلت لزمها المقام حيث انتقلت ولها الخروج نهارا في حوائجها ولا تبيت إلا في دارها وإن كان زوجها انتقل بها إلى السكنى أتمت عدتها حيث انتقل بخلاف ما لو انتقل إلى ضيعة وشبهها فإنها ترجع إلى مقرهاولا نفقة للمتوفي عنها زوجها سواء كانت حاملا أم لا لا من مال الميت ولا من مال الحمل ( الفصل الخامس ) في متعة المطلقات وهي الإحسان إليهن حين الطلاق بما يقدر عليه المطلق بحسب ماله في القلة والكثرة وهي مستحبة وأوجبها الشافعي والمطلقات ثلاثة أقسام مطلقة قبل الدخول وقبل التسمية فلها المتعة وليس لها شيء من الصداق ومطلقة بعد الدخول سواء كانت قبل التسمية أو بعدها فلها المتعة اتفاقا ولا متعة في كل فراق تختاره المرأة كامرأة والمجذوم والعنين والأمة تعتق تحت العبد ولا في الفراق بالفسخ ولا المختلعة ولا الملاعنة واختلف في المملكة والمخيرة ( الفصل السادس ) في الاستبراء وهو واجب وأسبابه أربعة ( أحدها ) حصول ملك الأمة بشراء أو إرث أو هبة أو غنيمة أو غير ذلك فيجب استبراؤها على من صارت إليه ويجب أيضا على البائع وغناتفقا على استبراء واحد جاز وقال الشافعي وأبو حنيفة إنما الاستبراء على المشتري خاصة ولا يسقط بشرائها من امرأة أو صبي ويجب في البكر وفي الصغيرة التي قاربت سن الحمل وفي الكبيرة التي لم تبلغ سن اليائسة واختلف في اليائسة وإنما تستبرأ الأمة التي توطأ لا وخش الرفيق ( السبب الثاني ) زوال الملك بعتق وموت السيد وغير ذلك ( السبب الثالث ) الزنى فإذا زنت الحرة طائعة أو مكرهة استبرئت بثلاث حيض والأمة بحيضة والحامل منها بوضع حملها ( السبب الرابع ) سوء الظن فمن تطرق إليها سوء الظن من خروج في الطرقات وغيرها وجب استبراؤها بحيضة فإن لم تحض فتسعة أشهر فإن كانت صغيرة أو يائسة فثلاثة أشهر وقال الشافعي شهر وإن كانت حاملا فوضع حملها ولا يجوز في الاستبراء الوطء ولا غيره من الاستمتاع مسألة المواضعة في الاستبراء مستحبة عند مالك وهي أن توضع الأمة المستبرأة على يد امرأة عادلة حتى تحيض فإن حاضت تم البيع وإن لم تحض وألفيت حاملا من البائع ردت إليه وإن ألفيت حاملا من غيره فالمشتري بالخيار بين أخذها أو ردها وضمانها في مدة المواضعة من البائع وإنما تستحب المواضعة إذا بيعت الأمة التي تراد للوطء أو التي وطئها البائع وليست بظاهرة الحمل
الباب الثامن في الإيلاء وهو أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في أركانه وهي أربعة المحلوف به والحالف والمحلوف عليه والمدة فأما المحلوف به فهو الله تعالى وصفاته وكل يمين يلزم عنها حكم كالعتق والطلاق والصيام وغير ذلك وقال الشافعي إنما الإيلاء بالله وصفاتهخاصة ومن ترك الوطء بغير يمين لزمه حكم الإيلاء إذا قصد الإضرار وأما الحالف فهو كل زوج مسلم عاقل بالغ يتصور منه الوقاع حرا كان أو عبدا صحيحا كان أو مريضا بخلاف الخصي والمجبوب ويصح الإيلاء عن الزوجة وعن المطلقة الرجعية وأما المحلوف عليه فهو الجماع بكل لفظ يقتضي ذلك كقوله لا جامعتك ولا اغتسلت منك ولا دنوت منك وشبه ذلك وأما المدة فهي ما زاد على أربعة أشهر بمدة مؤثرة فلو حلف على ثلاثة أشهر أو أربعة لم يكن مواليا وقال أبو حنيفة أربعة أشهر وقال قوم مدة قليلة أو كثيرة ( الفصل الثاني ) في أحكامه فإذا آلى أمهل أربعة أشهر من يوم حلف ويمهل العبد شهرين وقيل أربعة وفاقا للشافعي فإن لم تطأ رفعته إلى القاضي إن شاءت فأمره بالفيأة غلى الوطء فإن أبى طلق القاضي عليه وإن قال أنا أفيء لم يعجل عليه بالطلاق واختبره مرة وثانية فإن تبين كذبه طلق عليه ولا تحصل الفيئة إلا بمغيب الحشفة في القبل إن كانت ثيبا والافتضاض إن كانت بكرا وإن قال وطئت فأنكرت فالقول قوله وقال أبو حنيفة إذا انقضت الأشهر الأربع وقع الطلاق دون حكم والطلاق في الإيلاء رجعي وقال أبو حنيفة بائن بيان الإيلاء على وجهين ( أحدهما ) يضرب أجله من يوم الحلف وهو ما تقدم ( الثاني ) من يوم ترفعه امرأته وهو أن يحلف بطلاقها ليفعلن فعلا فهو على حنث حتى يبر فيكف عن الوطء حتى يبر فإذا رفعته امرأته ضرب أجل الإيلاء من يوم ترفعه فإن حلف على فعل غيره ضرب له في ذلك أجل على قدر ما يرى القاضي من يوم ترفعه
الباب التاسع في الظهار وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في أركانه وهي أربعة المظاهر والمظاهر عنها واللفظ والمشبه به فأما المظاهر فكل زوج مسلم عاقل فلا يلزم الذمي ظهار خلافا للشافعي وأما المظاهر عنها فامرأة المظاهر حرة كانت أو أمة مسلمة أو كتابية ويلزم الظهار عن أمته خلافا وأما اللفظ فقسمان صريح وكناية فالصريح ما تضمن ذكر الظهر كقوله أنت علي كظهر أمي والكناية ما لم تتضمن ذكر الظهر كقوله أنت علي كأمي أو كفخذها أو بعض أعضائها والحكم فيها سواء وقال قوم إنما الظهار ما كان بلفظ الظهر وأما المشبه به فهي الأم ويلحق بها كل محرمة على التأييد بنسب أو رضاع أو صهر وقال قوم إنما الظهار بالأم خاصة ( الفصل الثاني ) في أحكامه ويحرم عليه الجماع اتفاقا والاستمتاع بما دون ذلك خلافا للشافعي ويستمر التحريم إلى أن يكفر والكفارة ثلاثة أشياء مرتبة ( الأول ) تحرير رقبة بشرط أن تكون مؤمنة خلافا لأبي حنيفة سالمة من العيوب عند الجمهور ( الثاني ) صيام شهرين متتابعين فإن قطع التتابع ولو في الأخيروجب الاستيناف ويقطعه الفطر في السفر من غير ضرورة بخلاف المرض والفطر سهوا ( الثالث ) إطعام ستين مسكينا مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين وقيل مد بمد هشام وجنسها من جنس زكاة الفطر من عيش المكفر وقيل من عيش بلده ويشترط العدد فلو أطعم ثلاثين طعام ستين لم يجزه ولا يصوم إلا من عجز عن العتق ولا يطعم إلا من عجز عن الصيام بيان لا تجب الكفارة إلا بالعود وهو عند مالك العزم على الوطء وفاقا لأبي حنيفة وابن حنبل وقيل العزم على الإمساك وقال الشافعي هو الإمساك نفسه وقال الظاهرية هو تكرار لفظ الظهار
الباب العاشر في اللعان وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في أركانه وهي أربعة الملاعن والملاعنة وسببه ولفظه أما الملاعن والملاعنة فهما الزوجان العاقلان البالغان سواء كانا حرين أو مملوكين عدلين أو فاسقين ويشترط الإسلام في الزوج لا في الزوجة فإن الذمية تلاعن لرفع العار عنها واشترط أبو حنيفة أن يكونا حرين مسلمين عدلين ويقع اللعان في حال العصمة اتفاقا وفي العدة من الطلاق الرجعي والبائن خلافا لأبي حنيفة وبعد العدة في نفي العمل إلى أقصى مدة الحمل ويقع اللعان من الزوجين في النكاح الصحيح والفاسد وأما سبب اللعان فشيئان ( أحدهما ) دعوى رؤية الزنى بشرط أن لا يطأها بعد الرؤية فإن ادعى الزنى دون الرؤية حد للقذف ولم يجز اللعان على المشهور خلافا لهم ( الثاني ) نفي الحمل بشرط أن يدعي أنه لم يطأها لأمد يلحق به ويشترط أن يدعي الاستبراء بحيضة واحدة وقال ابن الماشجون ثلاث حيض خلافا للشافعي وابن حنبل في هذا الشرط ويشترط أن ينفيه قبل وضعه فإن سكت حتى وضعته حد ولم يلاعن خلافا لأبي حنيفة وقال الشافعي يلاعن إذا سكت لعذر فإن قدفها من غير رؤية ولا نفي حمل لم يلاعن في المشهور خلافا لهم وأما لفظه فإن يقول أربع مرات في الرؤية ( أشهد بالله لقد رأيتها تزني ) ويصف الزنى كما يصفه الشهود وروي ليس عليه ذلك ويقوم في نفي الحمل ( أشهد بالله لقد زنت أو ما هذا الحمل مني ) وقال بان المواز ويقول ( بالله الذي لا إله إلا هو ) ويقول في الخامسة ( لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ) وتقول المرأة أربع مرات في الرؤية ( أشهد بالله ما رآني أزني ) وفي نفي الحمل ( ما زنيت وإنه منه ) وتقول في الخامسة ( غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) ويتعين لفظ الشهادة فلا يبدل بالحلف ولا لفظ الغضب باللعن ويجب الترتيب في تأخير اللعن ويصح لعان الأخرس وقذفه إذا كان يعقل الإشارة أو يفهم الكتابة ويكون اللعان في مقطع الحقوق بمحضر جماعة لا ينقصون عن أربعة ويستحب أن يكون بعد العصر ( الفصل الثاني ) فيأحكامه إذا التعن الزوج تعلقت به ثلاثة أحكام سقوط حد القذف عنه وانتفاء نسب الولد منه ووجوب حد الزنى عليها إلى أن تلاعن فإن التعنت المرأة تعلقت بها ثلاثة أحكام سقوط الحد عنها والفرقة بينهما خلافا لقوم وتأييد التحريم خلافا لأبي حنيفة وقيل في هذين أنهما يتعلقان بلعانه فروع ستة ( الفرع الأول ) إن نكل الزوج عن اللعان حد للقذف عند الثلاثة وقال أبو حنيفة يحبس وإن نكلت المرأة عن اللعان رجمت للزنى عند الثلاثة وقال أبو حنيفة تحبس ولا تحد وقواه أبو المعالي ( الفرع الثاني ) تقع الفرقة باللعان دون حكم حاكم خلافا لأبي حنيفة ( الفرع الثالث ) الفرقة فسخ وقال أبو حنيفة طلقة بائنة ( الفرع الرابع ) ينبغي أن يوعظ المتلاعنان قبل لعانهما ويخوفا بعذاب الله في الآخرة ( الفرع الخامس ) لا يحكم القاضي في اللعان حتى يثبت عنده نكاح الزوجين ( الفرع السادس ) أن أكذب الملاعن نفسه قبل لعان المرأة حد وبقيت له زوجة على المشهور ولا تبقى بعد لعانها
الكتاب الثالث في البيوع وفيه اثنا عشر بابا
الباب الأول في أركان البيع
وهي خمسة البائع والمشتري والثمن والمثمون واللفظ وما في معناه من قول أو فعل يقتضي الإيجاب والقبول فأما البائع والمشتري فيشترط في كل واحد منهما ثلاثة شروط ( الأول ) أن يكون مميزا تحرزا من المجنون والسكران والصغير الذي لا يعقل ( الثاني ) أن يكونا مالكين أو وكيلين لمالكين أو ناظرين عليهما فأما الشراء لأحد بغير إذنه أو البيع عليه كذلك فهو بيع الفضولي فينعقد ويتوقف على إذن ربه وقال الشافعي لا ينعقد ( الثالث ) أن يكونا طائعين فإن بيع المكره وشراءه باطلان وإذا أكره الرجل على غرم مال بغير حق فباع فيه شيئا من ماله لم يجز البيع وأخذ البائع ما باعه من المشتري دون ثمن ورجع المشتري بالثمن على الذي أكره البائع وسواء دفع الثمن إلى المكره أو المكره وليس من هذا غرم العمال ولا مكتري المكوس فإن بيعهم نافذ ولا رجوع لهم وإذا أكره المشتري البائع على البيع فهو كالغاصب في جميع أحكامه ويشترط في البائع أن يكون رشيدا فإن بيع السفيه والمحجور لا ينفذ وشراؤه موقوف على نظر وليه ولا يشترط الإسلام إلا في شراء العبد المسلم وفي شراء المصحف ومنع الشافعي أن يبع من ولد أعمى أو يشتري خلافا لمالك وأبي حنيفة وأما الثمن والمثمون فيشترط في كل واحد منهما أربعة شروط وهي أن يكون طاهرا منتفعا به معلوما مقدورا على تسليمه فقولنا طاهرا تحرزا من النجس فإنه لا يجوز بيعه كالخمر والخنزير واختلف في بيع العاج والزبل وفي بيع الزيت النجس فمنع في المشهور مطلقا وأجاز ابن وهب إذا بين واختلف في الاستصباح به في غير المساجد وقولنا منتفعا به تحرزا مما لا منفعة فيه كالخشاش والكلاب وقد اختلف في جواز بيع الكلاب للصيد والغنموإن كانت المنفعة لا تجوز فهي كالعدم كآلات اللهو وقولنا معلوما تحرزا من المجهول فإن بيعه لا يجوز إلا أنه يجوز بيع الحراف بشرطين ( أحدهما ) أن يكون مما يكال أوي وزن كالطعام وشبهه ولا يجوز فيما له خطر وتعتبر آحاده كالثياب والدراهم والجواهر خلافا لهما ولا فيها يباع بالعدد كالمواشي ( الثاني ) أن يستوي البائع والمشتري في العلم بمقداره وفي الجهل به خلافا لهما وقولنا مقدورا على تسليمه تحرزا من بيع الطير في الهواء والحوت في الماء وشبه ذلك ومنه المغصوب فلا يجوز بيعه إلا من غاصبه فرع يجب على المشتري تسليم الثمن وعلى البائع تسليم المثمون فإن قال أحدهما لا أسلم ما بيدي حتى أقبض ما عاوضت عليه أجبر المشتري على تسليم المثمن ثم أخذ المثمون من البائع وفاقا لأبي حنيفة وقد قال مالك للبائع أن يتمسك بالمبيع حتى يقبض الثمن وقال الشافعي يجبر البائع ثم المشتري مسألة في ضمان المبيع أما بعد قبضه فضمانه من المشتري وخسارته منه باتفاق إلا ما بيع من الرقيق حتى يخرج من عهدة الثلاث وما بيع من إماء مما فيه المواضعة حتى تخرج منها وما بيع من الثمار فأصابته جائحة وأما قبل القبض فالضمان عندهما من البائع مطلقا وأما في المذهب فإن الضمان ينتقل إلى المشتري بنفس العقد في كل بيع إلا في خمسة مواضع ( الأول ) يبيع الغائب على الصفة بخلاف فيه ( الثاني ) ما بيع على الخيار ( الثالث ) ما بيع من الثمار قبل كمال طيبها ( الرابع ) ما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدد بخلاف الجزاف فإن هلك المكيل أو الموزون بعد امتلاء الكيل واستواء الميزان وقبل التفريغ في وعاء المشتري فاختلف هل يضمنه البائع أو المشتري ( الخامس ) البيع الفاسد بالضمان فيه من البائع حتى يقبضه المشتري مسألة في اختلاف المتبائعين ويتصور فيه ست صور ( الأولى ) أنيختلفا في صحة البيع وفساده فالقول قول مدعي الصحة لأنها الأصل ( الثانية ) أن يختلفا في جنس الثمن مثل أن يقول أحدهما دنانير ويقول الآخر قمح فيحلف كل واحد منهما ويفسخ البيع ( الثالث ) أن يختلفا في مقدار الثمن ( الرابع ) أن يختلفا في أجله أو هل هو نقد أومؤخر ( الخامس ) أن يختلفا المثمون فحكم هذه الصور واحدة وذلك أن السلعة إذا كانت بيد البائع تحالفا وفسخ البيع عند الثلاثة وإن كانت قائمة بين المشتري فقيل يحلفان ويفسخ وقيل القول قول المشتري مع يمينه وإن تلفت في يد المشتري فقيل يحلفان ويفسخ ويرجعان إلى القيمة وفاقا للشافعي وقيل القول قول المشتري وفاقا لأبي حنيفة ( السادس ) أن يختلفا في شرط الخيار فقال ابن القاسم القول قول مدعي البت وقال أشهب قول مدعي الخيار وقال قوم القول قول المشتري في كل صورة فرع إذا تحالفا بدأ البائع باليمين وفاقا للشافعي وقيل يبدأ المشتري وفاقا لأبي حنيفة وقيل يقرع بينهما
الباب الثاني في أنواع المكاسب والبيوع
أما المكاسب فنوعان كسب بغير عوض وبعوض فأما الكسب بغير عوض فأربعة أنواع ( الأول ) الميراث فإن كان الميت كسبه من حلال فهو حلال للوارث إجماعا وإن كان كسبه من حرام فاختلف هل يحل للوارث أم لا ( الثاني ) الغنيمة ( الثالث ) العطايا كالهب والحبس وغير ذلك ( الرابع ) ما لم يتملكه أحد كالحطب والصيد وإحياء الموات وأما الكسب بعوض فأربعة عوض عن مال كالبيع وعوض عن عمل كالإجارة وعوض عن فرج كالصداق وعوض عن جناية كالديات وأما البيع فثلاثة أنواع بيع عين بعرض ونعني بالعين الذهب والفضة وبالعرض ما سواهما وهذا ليس له اسم إلا البيع والقسم الثاني عرض بعرض ويقال له معاوضة والقسم الثالث بيع عين بعين فإن كان بيع ذهب بفضة فهو الصرف وإن كان بيع ذهب بذهب أو فضة بفضة فإن كان بالوزن فيقال له مراطلة وإنكان بالعدد فيقال له مبادلة وينقسم البيع من وجه آخر قسمين بيع منجز وهو الذي يتم ساعة عقده وبيع الخيار وينقسم البيع من وجه آخر أربعة أقسام ( أحدهما ) أن يعجل الثمن والمثمون وهو بيع النقد ( الثاني ) أن يؤخر الثمن والمثمون وهو بيع الدين بالدين وهو لا يجوز ( الثالث ) أنيؤخر الثمن ويعجل المثمون وهو بيع النسيئة ( الرابع ) أن يعجل الثمن ويؤخر المثمون وهو السلم من وجه آخر إلى بيع صحيح وفاسد حسبما يأتي
الباب الثالث في الربا في النقدين وهما الذهب والفضة ويتصور فيهما ربا النسيئة وربا التفاضل ففي ذلك فصلان
( الفصل الأول ) في ربا النسيئة تحرم النسيئة إجماعا في بيع الذهب بالفضة وهو الصرف وفي بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة سواء كان ذلك مبادلة في المسكوك أو مراطلة في المسكوك أو المصوغ أو النقار فلا يجوز التأخير في شيء من ذلك كله بل يجب أن يكون يدا بيد فيتصور في ذلك ثلاثة أحوال حالة الكمال وهي أن يبرز كل واحد من المتعاقدين ما عنده من ذهب أو فضة ثم يعقدا عليه ثم يتقابضا وحالة الجواز وهي أن يعقدا والذهب والفضة في الكم أو التابوت الحاضر ثم يخرجاه ويتقابضا وحالة لا تجوز هي أن يعقدا عليه ثم يتأخر التقابض ولو ساعة وأجاز أبو حنيفة تأخير القبض ما لم يفترقا من المجلس وهما هنافروع عشرة ( الفرع الأول ) لا يجوز أن يأخذ في الصرف والمبادلة والمراطلة ضامن ولا رهن لما يؤدي إليه من التأخير ( الفرع الثاني ) إذا صرف دنانير بدراهم ثم وجد فيها درهما زائفا أو ناقصا فإن رضي به جاز الصرف وإن رده بطل الصرف كله وقيل يبطل صرف دينار واحد وقيل ما يقابل الدرهم المردود وقال أبو حنيفة يبطل إن كانت الزيوف النصف وقال ابن حنبل يبطل مطلقا ( الفرع الثالث ) يجوز صرف ما في الذمة إن كان حالا وذلك أن يكون لرجل على آخر ذهب فيأخذ فيه فضة أو فضة فيأخذ فيها ذهبا ومنعه الشافعي حل أو لم يحل وأجازه أبو حنيفة حل أو لم يحل ( الفرع الرابع ) لا يجوز صرف المغصوب ولا المرهون ولا المودع حتى يحضر على المشهور وقيل يجوز وقيل يمنع ( الفرع السادس ) لا يجوز الصرف على الخيار في المشهور ( الفرع السابع ) تجوز الوكاة على الصرف إن تولى الوكيل العقد والقبض وأمن التأخير ( الفرع الثامن ) لا يجوز الصرف على التصديق في الوزن أو في الصفة على المشهور ( الفرع التاسع ) إن تفرقا قبل التقايض غلبة فقولان الإبطال والتصحيح بخلاف التفرق اختيارا ففيه البطلان اتفاقا ( الفرع العاشر ) لا يجوز الإحالة في الصرف لأجل التأخير ( الفصل الثاني ) في ربا التفاضل يحرم التفاضل في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة في المراطلة والمبادلة فلا يجوز أن يكون بينهما زيادة أصلا بل يجب أن يكون مثلا بمثل عند الجمهور خلافا لقوم فتلخص من هذا أن بيع أحد النقدين بجنسه تحرم فيه النسيئة والتفاضل وبيعه بالجنس الآخر تحم فيه النسيئة دون التفاضل وها هنا فروع عشرة ( الفرع الأول ) يحرم التفاضل في الجنس الواحد من النقدين بجنسه سواء كانت الزيادة من جنسه أو من الجنس الآخر أو من غير ذلك مثل أن يبيع ذهبا بذهب أكثر منه أو بذهب مثله ويزيد بينهما فضة أو بذهب مثله ويزيد بينهما عرضا أو طعاما فكل ذلك حرام خلافا لأبي حنيفة في زيادة غير الجنس ( الفرع الثاني ) كما يحم التفاضل في الوزن كذلك يحرم التفاضل في القيمة مثل أن يبدل ذهبا بذهب أطيب منه وآخر أدون منه فذلك لا يجوز وأجازه أبو حنيفة مطلقا فإن كان الجيد كله في جهة جاز لأنه من باب المعروف خلافا للشافعي ( الفرع الثالث ) لا يجوز إبدال الدرهم الوازن بالناقص إلا على وجه المعروف أن تساويا في الجودة أو كان الوازن أطيب ولا يجوز إنكان الناقص أطيب لأنه خرج عن المعروف ومنعه الظاهرية مطلقا ( الفرع الرابع ) في رد البعض وذلك أن يدفع البائع درهما فيشتري منه سلعة ببعضه ويرد عليه بعضه فيجوز ذلك بأربعة شروط وهي أن تدعوه لذلك ضرورة وأن يكون ذلك في درهم واحد وأن يكون المردود نصف الدرهم فأقل وأن يقع التقابض في الدرهم وفي البعض المقبوض وفي السلعة فإن تأخر أحد الثلاثة لم يجز وقيل لا يجوز مطلقا( الفرع الخامس ) إذا جاء المسافر إلى دار الضري بذهب أو فضة وهو مضطر إلى الرحيل وخاف من المطل فهل يجوز أن يدفع فضة أو ذهبا ويأخذ بدل ذلك من صنفه مسكوكا ويدفع أجرة الضرب قولان الجواز والمنع ومثل هذا المعاصر يأتيها من له زيتون فيقد ما يخرج منه فيأخذه زيتا ويعطي الأجرة ( الفرع السادس ) مسألة السفاتح وهي سلف الخائف من غرر الطريق يعطي بموضع ويأخذ حيث يكون متاع الآخر فينتفع الدافع والقابض في ذلك قولان ( الفرع السابع ) لا يجوز عند مالك الجمع بين الصرف والبيع في عقد واحد وذلك مثل أن يكون سلعة فيها ذهب وغيره فتباع بفضة وذلك كالقلادة يكون فيها ذهب وجوهر فيجب أن يفصل ويباع كل واحد منهما على حدة لأن الثمن الذي في مقابلة الذهب من باب الصرف والذي في مقابلة الجوهر من باب البيع إلا أن كان أحدهما يسيرا فيجوز وهو الثلث وقيل اليسير جدا كالدرهم وأجازه أشهب مطلقا وفاقا لهما ( الفرع الثامن ) إذا كان الذهب والفضة سلعة لا يمكن نقضه منها كالسيف والمصحف المحلى فيجوز أن يباع دون أن ينقض خلافا للظاهرية ويتصور في ذلك ثلاث صور ( الصورة الأولى ) أن يباع بجنس الحلية التي فيه مثل أن يكون محلى بالفضة فيباع بفضة فلا يجوز ذلك إلا بشرطين أحدهما أن تكون الحلية تبعا وهي أن تكون ثلث القيمة فما دون ذلك وقيل ثلث الوزن وأن يكون يدا بيد خلافا لسحنون إذا كان الحلي تبعا ومنعه الشافعي مطلقا ( الصورة الثانية ) أن يباع بعين من غير جنس حليته وذلك أن تكون حليته فضة فيباع بذهب أو العكس فيجوز بشرط أن يكون يدا بيد ولا تشترط فيه التبعية ( الصورة الثالثة ) أن يباع بغير العين من طعام أو عروض فيجوز مطلقا من غير شرط باتفاق وحكم الثياب التي لو سكت خرج منها ذهب أو فضة كالسيف المحلى وإن كانت الحلية فيما يجوز لم يجز بيعه بجنسه أصلا ( الفرع التاسع ) قاعدة ( انظرني أزدك ) حرام باتفاق وهي أن يكون للرجل دين عند آخر فيؤخره به على أن يزيده فيه ذلك كان ربا الجاهلية سواء كان الدين طعاما أو عينا وسواء كان من سلف أو بيع أو غير ذلك ( الفرع العاشر ) قادة ( ضع وتعجل ) حرام عند الأربعة بخلاف عن الشافعي وأجازها ابن عباس وزفر وهي أن يكون له عليه دين لم يحل فيعجله قبل حلوله على أن ينقص منه ومثل ذلك أن يعجل بعضه ويؤخر بعضه إلى أجل آخر وأن يأخذ قبل الأجل بعضه عينا وبعضه عرضا ويجوز ذلك كله بعدالأجل باتفاق ويجوز أن يعطيه في دينه عرضا قبل الأجل وإن كان يساوي أقل من دينه
الباب الرابع في الربا في الطعام
ويتصور فيه ربا النسيئة وربا التفاضل فأما النسيئة فتحرم في بيع كلمطعوم بمطعوم سواء كان ربويا أو غير ربوي وسواء كان متفقا في جنسه أو مختلفا فلا يجوز التأخير في شيء من ذلك كله ويجب أن يكون يدا بيد وتخرج من ذلك عقاقير الأدوية كالصبر والمحمودة فتجوز فيها النسيئة خلافا للشافعي واختلف في الماء وأما التفاضل فإنما يحرم بشرطين أحدهما أني كون كل واحد من المطعومين ربويا والآخر أن يكونا من جنس واحد فأما بيان الربوي فهو المقتات المدخر كالحبوب كلها والتمر والزبيب والملح واللحوم والألبان وما يصنع منها وما تصلح به الأطعمة كالتوابل والخل والبصل والثوم والزيت فإن كان مقتاتا غير مدخل أو مدخرا غير مقتات ففيه خلاف كالجوز واللوز واختلف أيضا في التين فإن لم يكن مقتاتا ولا مدخرا فليس بربوي كالخضر والبقول والفواكه التي لا تدخر وأما بيان اتفاق الجنس فعند مالك أن القمح والشعير والسلت صنف واحد خلافا للشافعي وأن الذرة والدخن والأرز صنف وإن القاطني كلها صنف واحد كالفول والعدس والحمص وشبه ذلك فعلى هذا لا يجوز التفاضل بين القمح والشعير ويجوز بين القمح والذرة وأما للحوم فهي عند الشافعي صنف واحد وعن أبي حنيفة أصناف مختلفة هي عند مالك ثلاثة أصناف فلحم ذوات الأربع صنف ولحم الطيور صنف ولحم الحيتان صنف تمهيد ورد في الحدي تحريم التفاضل في أربعة أصناف من المطعومات وهي القمح والشعير والتمر والملح واختلف العلماء في تأويل ذلك على أربعة مذاهب ( الأول ) مذهب الظاهرية وأبي بكر بن الطيب قصروا ربا التفاضل على هذه الأربعة خاصة ( الثاني ) مذهب مالك وأصحابه منعوا التفاضل فيها وقاسوا عليها كل مقتات مذخر واشترط بعضهم أن يكون متخذا للعيش غالبا ( الثالث ) مذهب الشافعي قاس عليها كل مطعوم فمنع فيه التفاضل ( الرابع ) مذهب أبي حنيفة قاس عليها كل ما يكال أو يوزن سواء كان طعاما أو غير طعام حتى الحديد وشبهه فالعلة في تحريم التفاضل عند مالك الاقتيات والادخار وعند الشافعي الطعمية وعند أبي حنيفة الكيل والوزن واتفوا على اعتبار الجنس وها هنا فروع عشرة ( الفرع الأول ) اختلف في بيع الحب بالدقيق من صنف واحد فقيل يجوز بالوزن دون الكيل وقيل يجوز مطلقا وقيل لا يجوز مطلقا خلافا لهما ( الفرع الثاني ) يجوز بيع الدقيق بالدقيق من صنف واحد إذا استويا في صفة الطحن ومنعه الشافعي ( الفرع الثالث ) يجوز بيع الخبز بالخبز بالتحري من غير وزن ومنعه الشافعي بالوزن والتحري ( الفرع الرابع ) الجهل بالتماثل ممنوع كتحقيق التفاضل ويعرف التماثل بالكيل والوزن على حسب عوائد البلاد ( الفرع الخامس ) يجوز بيع الحب والدقيق بالخبز من صنف واحد متماثلا ومتفاضلا لأن الخبز لما دخلته صنعة الأدي صار كصنف مختلف خلافا للشافعي ( الفرع السادس ) لا يجوز زيادة غير الجنس كبيع مد بمد من صنفه ودرهم فإن الدرهم تفاضل بينهما خلافا لأبي حنيفة ( الفرع السابع ) لا تجوز المزابنة وهيبيع شيء رطب بيابس من جنسه سواء كان ربويا أو غير ربوي فتمتنع بالربوي لتوقع التفاضل والغرر وتمنع في غير الربوي للنهي الوارد عنها في الحديث وللغرر فمنها بيع التمر بالرطب وبيع الزبيب بالعنب وبيع القمح بالعجين النيء وبيع اللبن بالجبن وبيع القديد باللحم وبيع القمح المبلول باليابس وأجاز أبو حنيفة ذلك كله ويجوز أيضا في المذهب إذا تحقق التفاضل في غير الربوي ويجوز بيع الرطب بالوزن في المشهور خلافا للشافعي ( الفرع الثامن ) جاء في الحديث النهي عن بيع الحيوان باللحم وحمله مالك على الجنس والواحد كبيع لحم بقري بكبش حي ولم طير بطير حي وأجازه أبو حنيفة مطلقا ومنعه الشافعي مطلقا ( الفرع التاسع ) لا يجوز أن يؤخذ في ثمن الطعام طعام لأنه ذريعة إلى الطعام بالطعام نسيئة ( الفرع العاشر ) في بيع الدين فمن كان له دين على آخر فلا يجوز أن يبيعه إلا بشرطين ( أحدهما ) أن يقبض ما يبيعه به من غير تأخير لئلا يكون بيع دين بدين ( الثاني ) أن يكون ما يأخذ في الدين مما يجوز أن يسلم فيه رأس المال الذي أسلمه إلى المديان فصل يتصور الربا في غير النقدين والطعام من العروض والحيوان وسائر التمليكات وذلك باجتماع ثلاثة أوصاف وهي التفاضل والنسيئة واتفاق الأغراض والمنافع كبيع ثوب بثوبين إلى أجل وبيع فرس للركوب بفرسين للركوب إلى أجل فإن كان أحدهما للركوب دون الآخر جاز لاختلاف المنافع ومنع أبو حنيفة في ذلك النسيئة سواء كان متماثلا أو متفاضلا وأجازها الشافعي مطلقا فصل لا يجوز التسعير على أهل الأسواق ومن زاد في سعر أو نقص منه أمر بإلحاقه بسعر الناس فإن أبى أخرج من السوق ولا يجوز احتكار الطعام إذا أضر بأهل البلد واختلف هل يجبر الناس في الغلاء على إخراج الطعام أم لا ولا يخرج الطعام من بلد إلى غيره إذا أضر بأهل البلد ومن جلب طعاما خلي بينه وبينه فإن شاء باعه وإن شاء احتكره
الباب الخامس في بيع الغرر
وهو ممنوع للنهي عنه إلا أن يكون يسيرا جدا فيغتفر والغرر الممنوع على عشرة أنواع ( النوع الأول ) تعذر التسليم كالبعير الشارد ومنه بيع الجنين في البطن دون بيع أمه وكذلك استثناؤه في بطن أمه وكذلك بيع ما لم يخلق كبيع حبل حبلة وهو نتاج ما تنتج الناقة وبيع المضامين وهي ما في ظهور الفحول ( النوع الثاني ) الجهل بجنس الثمن أو المثمون كقوله بعتك ما في كمي ( النوع الثالث ) الجهل بصفة أحدهما كقوله بعتك ثوبا من منزلي أو بيع الشيء من غير تقليب ولا وصف بيان يجوز في المذهب بيع الشيء الغايب على الصفة أو رؤية متقدمةوأجازه أبو حنيفة من غير صفة ولا رؤية ومنعه الشافعي مطلقا ويشترط في المذهب في المبيع على الصفة خمسة شروط ( الأول ) أن لا يكون بعيدا جدا كالأندلس وأفريقة ( الثاني ) أن لا يكون قريبا جدا كالحاضر في البلد ( الثالث ) أن يصفه غير البائع ( الرابع ) أن يحصر الأوصاف المقصودة كلها ( الخامس ) أن لا ينقد ثمنه بشرط إلا في المأمون كالعقار ويجوز النقد من غير شرط ثم إن خرج المبيع على حسب الصفة والرؤية لزم البيع وإن خرج على خلاف ذلك فللمشتري الخيار فرع يجوز بيع ما في الأعدال من الثياب على وصف البرنامج بخلاف الثوب المطوي دون تقليب ونشر ( النوع الرابع ) الجهل بمقدار أحدهما كقوله بعت منك بسعر اليوم أوب ما يبيع الناس أوب ما يقول فلان إلا بيع الجزاف وقد تقدم ولا يجوز بيع القمح في سنبله للجهل به ويجوز بيعه مع سنبله خلافا للشافعي وكذلك لا يجوز بيعه في تبنه ويجوز بيعه مع تبنه ولا يجوز بع تراب الصاغة ويجوز بيع الفول الأخضر والجوز واللوز في القشر إلا على خلافا للشافعي ( النوع الخامس ) الجهل بالأجل كقوله إلى قدوم زيد أو إلى موت عمرو ويجوز أن يقول إلى الحصاد أو إلى معظم الدراس أو إلى شهر كذا ويحمل على وسطه ( النوع السادس ) بيعتان في بيعة وهو أن يبيع مثمونا واحدا بأحد مثمونين مختلفين أو بيع أحد مثمونين بثمن واحد فالأول أن يقول بعتك هذا الثوب بعشرة نقدا أو بعشرين إلى أجل على أن البيع قد لزم في أحدهما والثاني أن يقول بعتك أحد هذين الثوبين بكذا على أن البيع قد لزم في أحدهما ( النوع السابع ) بيع ما لا ترجى سلامته كالمريض في السياق ( النوع الثامن ) بيع الحصى وهو أن يكون بيده حصى فإذا سقطت وجب البيع ( النوع التاسع ) بيع المنابذة وهو أن ينبذ أحدهما ثوبه إلى الآخر وينبذ الآخر ثوبه إليه فيجب البيع بذلك ( النوع العاشر ) بيع الملامسة وهو أن يلمس الثوب فيلزمه البيع بلمسه وأن لم يتبينه
الباب السادس في البيوعات الفاسدة
الفاسد في البيع يكون من خمسة أوجه وهي ما يرجع إلى المتعاقدين وما يرجع إلى الثمن وإلى المثمون وقد تقدم ذلك في الأركان وما يرجع إلى الغرر وما يرجع إلى الربا وقد تقدم ذلك في أبوابه والخامس سائر البيوع المنهي عنها ونذكر في هذا الباب منها عشرة أنواع سوى ما تقدم وما يأتي في غير هذا الباب ( النوع الأول ) بيع الطعام قبل قبضه فمن اشترى طعاما أو صار له بإجبارة أو صلح أو أرش جناية أو صار لامرأة في صداقها أو غير ذلك من المعاوضات فلا يجوز له أن يبيعه حتى يقبضه ويجوز له أن يهبه أو يسلفه قبلقبضه وكذلك الإقالة من الشركة والتولية خلافا لهما ويشترط في جواز التولية والشركة فيه والإقالة أن يكون بمثل الثمن وبموافقة الذي عنده الطعام خوفا من الغرر وسواء في المنع الطعام الربوي وغيره في المشهور إلا أن يكون قد بيع جزافا فيجوز بيعه قبل قبضه خلافا لهما ومن صار له طعام من سلف أو هبة أو ميراث جاز له بيعه قبل قبضه وأما غير الطعام من جميع الأشياء فيجوز عند مالك بيعها قبل قبضها خلافا لأبي حنيفة ( النوع الثاني ) في بيع العينة وهو أن يظهرا فعل ما يجوز ليتوصلا به إلى ما لا يجوز فيمنع للتهمة سدا للذرائع خلافا لهما وهي ثلاثة أقسام ( الأول ) أن يقول رجلا لآخر اشتر لي سلعة بكذا وأربحك فيها كذا مثل أن يقول اشترها بعشرة وأعطيك فيها خمسة عشر إلى أجل فإن هذا يئول إلى الربا لأن مذهب مالك أن ينظر ما خرج عن اليد ودخل به ويلغي الوسائط فكأن هذا الرجل أعطى لأحد عشرة دنانير وأخذ منه خمسة عشر دينارا إلى أجل والسلعة واسطة ملغاة ( الثاني ) لو قال له اشتر لي سلعة وأنا أربحك فيها ولم يسم الثمن فهذا مكروه وليس بحرام ( الثالث ) أن يطلب السلعة عنده فلا يجدها ثم يشتريها الآخر من غير أمره ويقول قد اشتريت السلعة التي طلبت مني فاشترها مني إن شئت فيجوز أن يبيعها منه نقدا أو نسيئة بمثل ما اشتراها به أو أقل أو أكثر ( النوع الثالث ) بيع العربان وهو ممنوع إن كان على أن لا يرد البائع العربان إلى المشتري إذا لم يتم البيع بينهما فإن كان على أن يرده إليه إذا لم يتم البيع فهو جائز ( النوع الرابع ) بيع حاضر لباد من الذين لا يعرفون الأسعار وقيل لكل وارد على مكان وإن كان من مدينة وتعريفه بالسعر كالبيع له فلا يجوز واختلف في شرائه له ( النوع الخامس ) تلقي السلعة على ميل وقيل على فرسخين وقيل على مسيرة يوم فأكثر قبل أن تصل إلى الأسواق وهو لا يجوز لحق أهل الأسواق فإن وقع فاختلف في تأديب المتلقي وفي اشتراك أهل السوق معه وقال الشافعي إنما يمنع لحق صاحب السلعة فهو بالخيار وأجازه أبو حنيفة ( النوع السادس ) في بيع الإنسان على بيع أخيه وإنما يمنع عند الإمامين بعد الركون والتقارب ( النوع السابع ) البيع يوم الجمعة منحين يصعد الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة ويفسخ في المشهور خلافا لهما ( النوع الثامن ) في بيع الأم دون ولدها الصغير أو بيعه دونها فلا يجوز التفريق بينهما حتى يثغر الولد ما لم يعجل الأثغار ويجوز التفريق بينه وبين والده ( النوع التاسع ) بيع وشرط وهو الذي يسميه الفقهاء بيع الثنيا فقال الشافعي وأبو حنيفة البيع باطل وقال قوم البيع صحيح والشرط صحيح وقال قوم البيع صحيح والشرط باطل وفي المذهب تفصيل فإن كان الشرط يقتضي التحجير على المشتري بطل الشرط والبيع إلا أن يسقط عن المشتري شرطه فيجوز البيع وذلك مثل أن يشترط عليه أن لا يبيع ولا يهب أو يشترط في الأمة أن يتخذها أم ولد أو أن لا يسافر بهافإن اشترط منفعة لنفسه كركوب الدابة أو سكنى الدار مدة معلومة جاز البيع والشرط وإن شرط ما لا يجوز إلا أنه خفيف جاز البيع وبطل الشرط مثل أن يشترط أن لم يأنه بالثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فإن قال البائع متى جئتك بالثمن رددت إلي المبيع لم يجز واختلف في من شرط على المشتري أن لا يبيع حتى ينصف من الثمن ومن هذا النوع البيع باشتراط السلف من أحد المتابعين وهو لا يجوز بإجماع إذا عزم مشترطه عليه فإن أسقطه جاز البيع خلافا لهم ( النوع العاشر ) الجمع في صفقة واحدة بين البيع وبين أحد ستة عقود وهي الجعالة والصرف والمساقاة والشركة والنكاح والقراض ويجمعها قولك ( جص مشنق ) فيمنع ذلك في المشهور وأجازه أشهب وفاقا لهم ويجوز الجمع بين البيع والإجارة خلافا لهما فرع إذا اشتملت الصفة على حلال وحرام كالعقد على سلعة وخمر أو خنزير أو غير ذلك فالصفة كلها باطلة وقيل يصح البيع فيما عدا الحرام بقسطه من الثمن ولو باع الرجل ملكه وملك غيره في صفقة واحدة صح البيع بينهما فيهما ولزمه في ملكه ووقف اللزوم في ملك غيره على إجازته فصل إذا وقع البيع الفاسد فسخ ورد البائع الثمن ورد المشتري السلعة إن كانت قائمة باتفاق فإن فاتت فقال الشافعي ترد أيضا خلافا لأبي حنيفة وفي المذهب تفصيل وذلك أن البيوع الفاسدة على ثلاثة أقسام ( الأول ) ما يمنع لتعلقه بمحظور خارج عن باب البيوع كالبيع والشراء في موضع مغصوب فهذا لا يفسخ فات أو لم يفت ( الثاني ) ما نهي عنه ولم يخل فيه بشرط مشترط في صحة البيوع كالبيع في وقت الجمعة وبيع حاضر لباد والتلقي فاختلف هل يفسخ أم لا وقيل يفسخ إن كانت السلعة قائمة ( الثالث ) ما أخل فيه شرط من شروط الصحة فيفسخ وترد السلعة إن كانت قائمة فإن فاتت رد مثلها فيما له مثل وهو المكيل والمعدود والموزون ورد قيمتها فيما لا مثل له والفوات يكون بخمسة أشياء ( الأول ) تغير الذات وتلفها كالموت والعتق وهدم الدار وغرس الأرض وقلع غرسها وفناء الشيء جملة كأكل الطعام ( الثاني ) حوالة الأسواق ( الثالث ) البيع ( الرابع ) حدوث عيب ( الخامس ) تعلق حق الغير كرهن السلعة وقال الشافعي ليس البيع ولا العتق ولا حدوث عيب ولا تعلق حق الغير بقوت بل ترد بذلك كله
الباب السابع في بيع الثمار والزروع وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في بيعها دون أصولها ولا يجوز بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ويستوي في ذلك العنب والتمر وجميع الفواكه والمقاثي والخضروات وجميع البقول والزروع وبدو الصلاح مختلف ففي التمر أن يحمر ويصفروفي العنب أن يسود وتبدو الحلاوة فيه وفي سائر الفواكه والبقول إن تطيب للأكل وفي الزرع أن ييبس ويشتد فإذا بدا الصلاح في صنف من ذلك جاز بيع جميع ما في البساتين منه اتفاقا ويجوز بيع ما يجاوره من البساتين خلافا للشافعي ولا يجوز بيع صنف لم يبد صلاحه ببدء صلاح صنف آخر كالبستان يكون فيه عنب ورمان فلا يجوز بيع الرمان حتى يبدو صلاحه خلافا للظاهرية وإذا كانت الثمرة تطعم بطنا بعد بطن جاز بيع سائر البطون ببدء صلاح الأول إذا كانت متتابعة كالمقاثي والتين خلافا لهم فإن كانت منفصلة لم يجز بيع الثاني بصلاح الأول اتفاقا كالباكور مع تين العصير وإنما يجوز بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها على شرط القطع إن كانت مما ينتفع به كالقصيل وغيره فإن شرط فيه التبقية لم يجز البيع وإن سكت عن التبقية والقطع فقولان فإن اشتراها قبل بدو الصلاح على شرط القطع ثم أبقاها انفسخ البيع وإن اشترى الأرض بعد ذلك جاز تبقية الزرع ( الفصل الثاني ) في بيع الأرض وفيها زرع والأشجار والبساتين وفيها ثمر فمن باع الأشجار وفيها ثمر فإن كان مأبورا فهو للبائع سواء شرطه أو سكت عنه ويكون للمشتري إن اشترطه وإن كان لم يؤبر فهو للمشتري اشترطه أو لم يشترطه ولا يجوز أن يكون للبائع فإن أبر بعضه فالمأبور للبائع وغير المأبور للمشتري والأبار في التمر هو التذكير وكذلك في كل ما يذكر والأبار فيما لا يذكر هو انعقاد الثمرة وأبار الزرع خروجه من الأرض ومن باع أرضا وفيها زرع فإن لم يظهر فهو للمشتري شرطه أو لم يشترطه ولا يجوز أن يشترطه البائع لأنه كالجنين في بطن الجارية وإن كان صغيرا قد ظهر فهو لمن اشترطه منهما وإن سكتا عنه فقيل يكون للبائع وقيل للمشتري وإن كان الزرع كبيرا قد بدا صلاحه فهو للبائع سواء شرطه أو سكت عنه وإن اشترطه المشتري فهو له ( الفصل الثالث ) في الجوائح ومن اشترى ثمرا فأصابته جائحة فإنه يوضع عنه من الثمن مقدار ما أصابته الجائحة خلافا لهما وإنما يوضع بشرطين ( أحدهما ) أن تكون الجائحة من غير فعل بني آدم كالقحط وكثرة المطر والبرد والريح والجراد وغير ذلك واختلف في الجيش والسارق ( الثاني ) أن تصيب الجائحة ثلث التمر فأكثر وقال أشهب ثلث قيمتها فإن أصابت أقل من الثلث لم يوضع عن المشتري شيء وإذا أصابت الثلث فأكثر لزم المشتري قيمتها بعد حط ما أصابت الجائحة وها هنا فروع أربعة ( الفرع الأول ) إذا كانت الجائحة من العطش فيوضع قليلها وكثيرها سواء بلغت الثلث أم لا ( الفرع الثاني ) إذا كانت الجائحة في البقل فيوضع قليلها وكثيرها وقيل هو كسائر الثمار يوضع منه الثلث فما فوق ( الفرع الثالث ) إذا بيع زرع بعد أن يبس واشتد أو ثمر بعد تمام صلاح جميعه واستحقاقه للقطع ولم يكن في تبقيته فائدة ثم أصابته جائحة لم يوضع منهاشيء ( الفرع الرابع ) إذا كان المبيع من الثمار أجناسا مختلفة كالعنب والتين في صفقة واحدة فأصابت الجائحة صنفا منها وسلم سائها فجائحة كل جنس معتبرة بنفسه فإن بلغت ثلثه وضعت وإن قصرت عنه لم توضع وقال أصبع يعتبر بالجملة فإن كانت الجائحة ثلث الجميع وضعت وإلا فلا
الباب الثامن في بيع المرابحة والمساومة والمزايدة والاستنابة وهو الاسترسال
فأما المرابحة فهو أن يعرف صاحب السلعة المشتري بكم اشتراها ويأخذ منه ربحا أما على الجملة مثل أن يقول اشتريتها بعشرة وتربحني دينارا أو دينارين وأما على التفصيل وهو أن يقول تربحني درهما لكل دينار أو غير ذلك وها هنا فروع ستة ( الفرع الأول ) إذا كان قد ناب صاحب السلعة زيادة على ثمنها فإن كانت الزيادة مما لها عين قائمة حسبها صاحب السلعة مع الثمن وجعل لها قسطا من الربح وذلك كالخياطة والصباغة والقصارة وإن لم يكن لها عين قائمة وعملها بنفسه كالطي والنشر لم يحسبها في الثمن ولم يجعل لها قسطا من الربح فإن استأجر عليها حسبها في الثمن ولم يجعل لها قسطا من الربح ككراء نقل المتاع وشده ويجوز له أنيحسب ذلك كله إذا بينه للمتري ( الفرع الثاني ) لا يجوز الكذب في التعريف بالثمن فإن كذب ثم اطلع المشتري على الزيادة في الثمن فالمشتري مخير بين أن يمسك بجميع الثمن أو يرده إلا أن يشاء البائع أن يحط عنه الزيادة وما ينوبها من الربح فيلزمه الشراء وقال أبو حنيفة لا يلزمه ( الفرع الثالث ) لا يجوز الغش في المرابحة ولا غيرها ومنه أن يكتم من أمر سلعته ما يكرهه المشتري أو ما يقلل رغبته فيها وإن لم يكن عيبا كطول بقائها عنده أو تغيير سوقها أو غدخالها في تركة ليس منها فإن فعل ذلك فالمشتري مخير بن أن يمسكها بجميع الثمن أو يرد كمسألة الكذب إلا أنه لا يلزمه الشراء إن حط عنه البائع بعض الثمن لأجل ما كتمه بخلاف الكذب ( الفرع الرابع ) حكم هذا البيع في العيوب كسائر البيوع وقد يجتمع فيه الكذب والغش والتدليس بالعيب أو اثنان منهما فيأخذ المشتري بحكم ما هو أرجح له ( الفرع الخامس ) من اشترى سلعة إعلى أجل فلا يبيعها مرابحة حتى يبين فإن فعل فسخ البيع وإن رضي المشتري بذلك الثمن إلى أجل لم يجز لأنه سلف جر منفعة ( الفرع السادس ) إذا اشترى سلعة فقال ابن القاسم يبيعها بما اشتراها وهذا البيع أسلم من الفساد من المرابحة وأحب إلى العلماء ويحرم فيه الغش والتدليس بالعيبولا يقام فيه بغبن على المشهور وأما المزايدة فهي أن ينادي على السلعة ويزيد الناس فيهابعضهم على بعض حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها وليس هذا مما نهي عنه من مساومة الرجل على سوم أخيه لأنه لم يقع هنا ركوع ولا تقارب فإن أعطى رجلان في سلعة ثمنا واحدا تشاركا فيها وقيل أنها للأول ويحرم النجس في المزايدة وهو أن يزيد الرجل في السلعة وليس له حاجة بها إلا ليغلي ثمنها ولينفع صاحبها ويحرم أيضا فيه الغش والتدليس بالعيب وأما الاسترسال فهو أن يقول الرجل للبائع بع مني بسعر السوق أو بما تبيع من الناس ويحرم أيضا فيه الغش والتدليس بالعيوب ( فرع ) من الغش أن يظهر أنها طرية مجلوبة وهي قديمة عنده أو يدخلها مع تركة ليظهر أنها منها
الباب التاسع في العيوب والغبن وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في العيوب وكتمانها غش محرم بإجماع وفيه أربع مسائل ( المسألة الأولى ) في شروط القيام بالعيب ومن اشترى سلعة فوجد فيها عيبا فله القيام به بشرطين ( الشر الأول ) أن يكون العيب أقدم من التبايع ولا يكون حادثا عند المشتري إلا في العهدتين ويعرف حدوثه أو قدمه بالبينه أو باعتراف المحكوم عليه أو بالعيان فإن لم يعرف بشيء من ذلك واختلف البائع والمشتري في قدمه وحدوثه نظر إليه أهل البصر ونفذ الحكم بما يقتضي قولهم سواء كانوا مسلمين أو نصارى إذا لم يوجد غيرهم وإلا حلف البائع على البت في الظاهر من العيوب وعلى نفي العلم في الخفي وقيل على نفي العلم فيهما وله رد اليمين على المشتري واختلف هل يحلف على البت أو على العلم وإن اختلفا في وجوب العيب فلا يمين على البائع وعلى المشتري إثبات العيب ( الشرط الثاني ) أن يكون المشتري لم يعلم بالعيب حين التبايع إما لأن البائع كتمه وإما لأنه مما يخفى عند التقليب فإن كان مما لا يخفى عند التقليب فلا قيام به وكذلك لا قيام بعيب يستوي في الجهل به البائع والمشتري كالسوس في داخل الخشب فرع بيع البراءة جائز عند مالك وهو أن يتبرأالبائع من كل عيب لا يعلمه فلا يقوم به المشتري وأجازه أبو حنيفة في كل عيب علم به أو لم يعلم به ومنعه الشافعي مطلقا وإذا فرعنا على المذهب فلا يقوم إلا بما علمه البائع وكتمه وإنما يجوز بيع البراءة في الرقيق خاصة في مذهب المدونة وقيل يجوز في كل مبيع وبيع السلطان بيع براءة وبيع الورقة بيع براءة وإن لم تشترط وذلك فيما باعوه لقضاء دين على الميت أو لإنفاذ وصية دون ما باعوه لأنفسهم فرع إن شرط وصفا يزيد في الثمن ككون العبد صانعا ثم خرج بخلاف ذلك فللمشتري الخيار ولا خيار له في فقد وصف لا يبالي به ولا ينقص منالثمن فرع إذا اشترى رجلان شيئا في صفقة واحدة فوجدا به عيبا فأراد أحدهما الرد والآخر الإمساك فلمن أراد الرد أن يرد وفاقا للشافعي وقيل ليس له الرد وفاقا لأبي حنيفة ( المسألة الثانية ) في مسقطات القيام بالعيب وهي أربعة ( المسقط الأول ) أن يظهر المشتري مايدل على الرضى بالعيب من قول أو سكوت بعد الاطلاع على العيب أو تصرف في المبيع بعد الاطلاع على العيب كوطء الجارية أو ركوب الدابة ولبس الثوب وحرث الفدان وبنيان الدار ( المسقط الثاني ) أن يزول العيب إلا إذا بقيت علامته ولم تؤمن عودته ( المسقط الثالث ) فوات المبيع بالموت أو العتق أو ذهاب عينه كالتلف وكذلك بيعه على المشهور لا حوالة الأسواق ( المسقط الرابع ) حدوث عيب آخر عند المشتري فهو بالخيار إن شاء رده ورد أرش العيب الحادث عنده وإن شاء تمسك به وأخذ أرش العيب القديم والأرش قيمة العيب وقال الشافعي وأبو حنيفة ليس له الرد وإنما يأخذ أرش العيب القديم فرع ضمان المبيع المردود بالعيب على المشتري وغلته له لأن الخراج بالضمان ولا يرد غلته ولا يرجع بما أنفق عليه قال ابن الحارث كل شيء دلس فيه بائعه بعيب فهلك من ذلك العيب أو نقص منه فمصيبته من البائع ونقصه عليه وإن كان هلاكه أو نقصه من سبب غير ذلك العيب المدلس به فمصيبته من المشتري ونقصه عليه ( المسألة الثالثة ) في أنواع العيوب وهي ثلاثة عيب ليس فيه شيء وعيب فيه قيمة وعيب رد فأما الذي ليس فيه شيء فهو اليسير الذي لا ينقص من الثمن وأما عيب القيمة فهو اليسير الذي ينقص من الثمن فيحط عن المشتري من الثمن بقد نقص العيب وذلك كالخرق في الثوب والصدع في حائط الدار وقيل أنه يوجب الرد في العروض بخلاف الأصور وأما عيب الرد فهو الفاحش الذي ينقص حظا من الثمن ونقص العشر يوجب الرد عند ابن رشد وقيل الثلث فالمشتري في عيب الرد بالخيار بين أن يرده على بائعه أو يمسكه ولا أرش له على العيب وليس له أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب إلا أن يفوت في يده بيان هذا التقسيم في غير الحيوان وأما الحيوان كالرقيق وغيره فيرد بكل ما حط من القيمة قليلا أو كثيرا وبذلك قال الشافعي وأبو حنيفة في سائر المبيعات بيان عيوب العبيد والإماء العور والعمى وقطع عضو وبخر الفم والاستحاضة والبول في الفراش لمن ليس في سن ذلك والحمل والزنى والسرقة والزوج والجذام والبرص وجذام أحد الآباء فأما الشيب وكسر السن ونحو ذلك فعيب في العالي دون الوخش ( فرع ) من اشترى شيئا فاستغله ثم رده بعيب فالغلة له بالضمان وكذلك أن استحق من يده بعد أن استغله فالغلة له( المسألة الرابعة ) في العهدتين وهما عهدة الثلاث من جميع الأدواء التي تطرأ على الرقيق فما كان منها داخل ثلاثة أيام فيهو من البائع وعليه النفقة والكسوة فيها والغلة ليست له وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص فما حدث منها في السنة فهو من البائع وتدخل عهدة الثلاث في عهدة السنة ويقضي بهما في كل بلد وقيل لا يقضي بهما إلا حيث جرت العادة بهما وتسقط العهدتان على البائع في بيع البراءة وانفرد مالك وأهل المدينة بالحكم بالعهدتين خلافا لسائر العلماء ( الفصل الثاني ) في الغبن هو ثلاثة أنواع ( الأول ) غبن لا يقام به وهو إذا زاد المشتري في ثمن السلعة على قيمتها لغرض له كالمشاكلة ( الثاني ) غبن يقام به قل أو كثر وهو الغبن في بيع الاسترسال واستسلام المشتري للبائع ( الثالث ) اختلف فيه وهو ما عدا ذلك وعلى القول بالقيام به فيقوم المغبون سواء كان بائعا ومشتريا إذا كان مقدار الثلث فأكثر وقيل لا حد له وإنما يرجع فيه للعوائد فما علم أنه غبن فللمغبون الخيار
الباب العاشر في السلم وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في شروطه وإنما يجوز السلم بشروط منها ما يشترك فيه رأس المال والمسلم فيه ومنها ما ينفرد به رأس المال ومنها ما ينفرد به المسلم فيه فأما الشروط المشتركة فهي ثلاثة ( الأول ) أن يكون كل واحد منهما مما يصح تملكه وبيعه تحرزا من الخمر والخنزير وغير ذلك ( الثاني ) أن يكونا مختلفين جنسا تجوز فيه النسيئة بينهما فلا يجوز تسليم الذهب والفضة أحدهما في الآخر لأن ذلك ربا كذلك تسليم الطعام بعضه في بعض ممنوع على الاطلاق لأنه ربا ويجوز تسليم الذهب والفضة في الحيوان والعروض والطعام ويجوز تسليم العروض بعضهما في بعض وتسليم الحيوان بعضه في بعض بشرط أن تختلف فيه الأغراض والمنافع فلا يجوز مع اتفاق الأغراض والمنافع لأنه يؤول إلى سلف جر منفعة ومنع أبو حنيفة السلم في الحيوان ومنعه الظاهرية في الحيوان والعروض ومنعه أبو حنيفة في البيض واللحم والرؤوس والأكارع ومنعه الشافعي في الدر والفصوص ( الثالث ) أن يكون كل واحد منهما معلوم الجنس والصفة والمقدار أما بالوزن فيما لا يوزن وأما بالكيل قيما يكال أو بالذرع فيما يذرع أو بالعد فيما يعد أو بالوصف فيما لا يوزن ولا يكال ولا يعد وأجاز الشافعي الجزاف خلافا لأبي حنيفة وفي المذهب فيه خلاف وأما الشروط التي ينفرد بها رأس المال فهو أن يكون نقدا ويجوز تأخيره لغير شرط ويجوز بشرط ثلاثة أيام ونحوها واشترط الشافعي وأبو حنيفة التقابض في المجلس وأما الشروط التي في المسلم فيه فهي ثلاثة( الأول ) أن يكون مؤخرا إلى أجل معلوم وأقله ما تختلف فيه الأسواق كالخمسة عشر يوما ونحوها أو يكون القبض ببلد آخر ولا حد لأكثره إلى ما ينتهي إلى الغرر لطوله وأجازه الشافعي على الحلول ويجوز أن يكون الأجل إلى الحصاد والجذاذ وشبههما خلافا لهما ( الثاني ) أن يكون مطلقا في الذمة فلا يجوز في شيء معين كزرع قرية بعينها ولذلك لم يجز في العقار اتفاقا لتعينه ( الثالث ) أن يكون مما يوجد جنسه عند الأجل اتفاقا سواء وجد عند العقد أو لم يوجد واشترط أبو حنيفة أن يوجد عند العقد والأجل ( الفصل الثاني ) في أداء المسلم فيه وفيه ست مسائل ( المسألة الأولى ) في التعويض من أسلم في طعام لم يجز له أن يأخذ غير طعام ولا أن يأخذ طعاما من جنس آخر سواء كان ذلك قبل الأجل أو بعده لأنه من بيع الطعام قبل قبضه فإن أسلم في غير طعام جاز أن يأخذه غيره إذا قبض الجنس الآخر مكانه فإن تأخر القبض عن العقد لم يجز لمصيره إلى الدين بالدين ويجوز أن يأخذ طعاما من نوع آخر مع اتفاق الجنس كزبيب أبيض عن أسود إلا أن كان أحدهما أجود من الآخر أو أدنى فيجوز بعد الأجل لأنه من الرفق والمسامحة ولا يجوز قبله لأنه في الدون وضع على التعجيل وفي الأجود عوضا عن الضمان ( المسألة الثانية ) إن زاد بعد الأجل دراهم على أن أعطاه زيادة في المسلم فيه جاز إذا عجل الدراهم لأنهما صفقتان ومنعه سحنون ورآه دينا بدين ( المسألة الثالثة ) إذا دفع المسلم فيه قبل الأجل جاز قبوله ولم يلزم وألزم المتأخرون قبوله في اليوم واليومين وأما غير المسلم من بيع أو سلف فيلزم قبوله اتفاقا إذا دفع قبل أجله ( المسألة الرابعة ) الأحسن اشتراط مكان الدفع وأوجبه أبو حنيفة فإن لم يعنا في العقد مكانا فمكان العقد وإن عيناه تعين ولا يجوز أن يقبضه بغير المكان المعين ويأخذ كراء مسافة ما بين المكانين لأنهما بمنزلة الأجلين ( المسألة الخامسة ) من أسلم في شيء فلما حل الأجل تعذر تسليمه لعدمه وخروج أبانه كالرطب فهو بالخيار بين أخذ الثمن أو الصبر إلى العام القابل ومنع سحنون أخذ الثمن ومنع أشهب الوجهين وقال يفسخ لأنه دين بدين ولا يجوز أن يقبض البعض ويقيله في الباقي لأنه بيع وسلف ( المسألة السادسة ) يجوز بيع العرض المسلم فيه قبل قبضه من بائعه بمثل ثمنه أو أقل لا أكثر لأنه يتهم في الأكثر بسلف جر منفعة ويجوز بيعه من غير بائعة بالمثل وأقل وأكثر يدا بيد ولا يجوز بالتأخير للغرر لأنه انتقال من ذمة إلى ذمة ولو كان البيع الأول نقدا لجاز
الباب الحادي عشر في بيوع الآجال
وهي أن يشتري سلعة ثم يبيعها من بائعها ويتصور في ذلك صور كثيرةمنها ما يجوز ومنها ما لا يجوز وبيان ذلك أنه يتصور أن يبيعها منه بمثل الثمن الأول أو أقل أو أكثر ويتصور في كل وجه من ذلك أن يبيعها إلى الأجل الأول أو أقرب أو أبعد وفي معنى الأقرب النقد فتكو الصور تسعا لأن ثلاثة في ثلاثة بتسعة ( الأولى ) أن يبيعها بمثل الثمن إلى مثل الأجل ( الثانية ) أن يبيعها بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل ( الثالثة ) بمثل الثمن بالنقد أو أقرب من الأجل ( الرابعة ) أن يبيعها بأقل من الثمن إلى مثل الأجل ( الخامسة ) بأقل من الثمن إلى أبعد من الأجل فهذه الصور الخمس جائزة اتفاقا ( السادسة ) بأقل من الثمن نقدا أو إلى أقرب من الأجل فهذه لا تجوز لأنها تؤدي إلى سلف جر منفعة فإن السابق بالدفع يعد مسلفا لأن كل من قدم ما لا يحل عليه عد مسلفا فهو قد قدم دفع الأقل ليأخذ السلعة التي ثمنها أكثر مما دفع ( السابعة ) أن يبيعها بأكثر من الثمن إلى مثل الأجل ( الثامنة ) بأكثر من الثمن إلى أقرب من الأجل أو نقدا فتجوز هاتان الصورتان ( التاسعة ) أن يبيعها بأكثر من الثمن إلى أبعد من الأجل فهذه لا تجوز لأنها تؤدي إلى سلف جر منفعة فإنه أخره بالثمن ليأخذ أكثر وكل من أخر شيئا قد حل له عد مسلفا فتلخص من هذا أنه تجوز سبع صور وتمنع اثنتان وهما بأقل من الثمن إلى أقرب من الأجل وبأكثر من الثمن إلى أبعد من الأجل لأن كل واحدة منهما تؤدي إلى سلف جر منفعة ولأن المتعاقدين يتهمان بأن قصدهما دفع دنانير بأكثر منها إلى أجل وأن السلعة واسطة لإظهار ذلك فيمتنع سدا للذريعة وأجازهما الشافعي وداود حملا على عدم التهمة ولأنهما جعلا الإقالة بيعا ثانيا وأما سائر الصور فلا تتصور فيها تهمة فإن وقعت إحدى هاتين الصورتين الممنوعتين فسخ البيع الثاني خاصة عند ابن القاسم والبيعتان معا عند ابن الماجشون تكميل قد تكون الصور سبعا وعشرين وذلك أن الصور التسع المذكورة يتصور فيها أن يبيع السلعة وحدها كلها وأن يبيع بزيادة عليها وأن يبيع بعضها فثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين والقانون فيما يجوز منها وما لا يجوز أنه أن كان البيع الثاني إلى مثل الأول جاز مطلقا لوقوع المقاصة فيه وإن كان نقدا أو إلى أقرب من الأجل فإن كان اشتراها أو بعضها فيجوز بمثل الثمن أو أكثر ولا يجوز بأقل وإن كان اشتراها وزيادة عليها فلا يجوز بمثل الثمن ولا بأقل ولا بأكثر وأما إلى أبعد من الأجل فإن كان اشتراها وحدها أو اشتراها وزيادة عليها فيجوز بمثل الثمن وأقل ولا يجوز بأكثر وإن كان اشترى بعضها فلا يجوز بمثل الثمن ولا أقل ولا أكثر بيان يجوز بيع السلعة من غير بائعها مطلقا وأما مسائل هذا الباب فإنما تتصور في الإقالة وهي بيعها من بائعها والإقالة جائزة ومندوب إليها ما لم تجر إلى ما لا يجوز أو التهمة بما لا يجوز وهي عند مالك بيع ثان وعند أبي حنيفة فسخ للبيع الأول وكذلك التولية جائزة وهي إنشاء بيع ثان فيجوز فيها ما يجوز في البيوع ويمنع فيها ما يمنع في البيوع
الباب الثاني عشر في بيع الخيار
والخيار المشروط هو خيار التروي للاختبار والمشورة وفيه خمس مسائل ( المسألة الأولى ) في حكمه ويجوز أن يشترطه البائع أو المشتري أو كلاهما ثم لمن اشترطه أن يمضي البيع أو يرده ما لم تنقض مدة الخيار أو يظهر منه ما يدل على الرضى إذا اشترطاه معا فإن اجتمعا على إمضائه أو رده وقع ما اجتمعا عليه من ذلك وإن اختلفا في الرد والإمضاء فالقول قول من أراد الرد ويجوز البيع أيضا على خيار غيرهما أو رضاه أو مشورته ولا يتوقف الفسخ بالخيار على حضور الخصم ولا قضاء القاضي واشترط أبو حنيفة حضور الخصم ( المسألة الثانية ) في مدته وأولها عند العقد وآخرها مختلف باختلاف المبيعات ففي الديار والأرض الشهر ونحوه فما دونه وقال ابن الماجشون الشهر والشهران وفي الرقيق جمعة فما دونها وروى ابن وهب شهرا وفي الدواب والثياب ثلاثة أيام فما دونها وفي الفواكه ساعة وقال الشافعي وأبو حنيفة أمد الخيار ثلاثة لا يزاد عليها وأجازه ابن حنبل لأي أمد اشترط ثم إذا عقد العقد على الخيار فإن جعلا له مدة معلومة على قدر ما ذكرنا جاز وإن زاد في المدة على ما هو أمد خيارها فسد العقد وإن سكتا عن تحديدها صح العقد وحملت على أمدها حسبما ذكرنا وإن جعلاه لمدة مجهولة كقدوم زيد ولا إمارة على قدومه فسد العقد ( المسألة الثالثة ) فيما يعد رضى بالبيع من أفعال المتعاقدين وهي على ثلاثة أقسام ( الأول ) ما يعد رضى باتفاق كالتصريح بذلك قولا وكعتق العبد وكتابته وتزويج الأمة والتمتع والانتفاع بها فهذه من المشتري تدل على الامضاء ومن البائع تدل على الفسخ ( الثاني ) ما لا يعد رضى كركوب الدابة للاختبار ولبس الثوب وشبهه فوجوده كعدمه ( الثالث ) مختلف فيه كرهن المبيع وإجارته والتسوم بالسلعة وشبه ذلك من المحتملات فيقطع الخيار عند أبي القاسم خلافا أشهب وإذا مات مشترط الخيار في المدة فالخيار لورثته خلافا لأبي حنيفة وابن حنبل ( المسألة الرابعة ) المبيع في مدة الخيار على ملك البائع فإن تلف فمصيبته منه إلا أن قبضه المشتري فمصيبته منه إن كان مما يغاب عليه ولم تقم على تلفه بينه وإن حدثت له علة في أمد الخيار فهي للبائع وإن ولدت الأمة في أمد الخيار فولدها للمشتري عند ابن القاسم وقال غيره للبائع كالغلة فهي له ولا يجوز للمشتري اشتراط الانتفاع بالمبيع في مدة الخيار إلا بقد الاختبار فإنه إن لم يتم البيع بينهما كان انتفاعه باطل من غير شيء كما لا يجوز للبائع اشتراط النقد فإنه إن لم يتم البيع بينهما كان سلفا وإن تم كان ثمنا فإن وقع على ذلك فسخ البيع سواء تمسك بشرطه أو أسقطه ويجوز النقد من غير شرط ( المسألة الخامسة ) خيار المجلس باطل عند مالك والفقهاء السبعة بالمدينة وأبي حنيفة فالبيع عندهم يتم بالقول وإن لم يفترقا من المجلس وقال الشافعي وابن حنبل وسفيان الثوري وإسحاق إذا تم العقد فهما بالخيار ما لم يفترقا من المجلس للحديث الصحيح
الكتاب الرابع من القسم الثاني في العقود المشاكلة للبيوع = ووجه المشاكلة بينهما أنها تحتوي على متعاقدين بمنزلة المتتابعين وعلى عوضين بمنزلة الثمن والمثمون وفي الكتاب اثنا عشر بابا
الباب الأول في الإجارة والجعل والكراء وكلها بيع منافع ففي الباب أربعة فصول
( الفصل الأول ) في الإجارة وهي جائزة عندالجمهور وأركانها أربعة ( الأول ) المستأجر ( الثاني ) الأجير ويشترط فيهما ما يشترط في المتبايعين ويكره أن يؤاجر المسلم نفسه من كافر ( الثالث ) الأجرة ( الرابع ) المنفعة ويشترط فيها ما يشترط في الثمن والمثمن على الجملة وأما على التفصيل فأما الأجرة ففيها مسألتان ( المسألة الأولى ) أن تكون معلومة خلافا للظاهرية ويجوز استئجار الأجير للخدمة والظهر بطعامه وكسوته على المتعارف خلافا للشافعي ولو قال أحصد زرعي ولك نصفه أو أطحنه أو أعصر الزيت فإن ملكه نصفه الان جاز وإن أراد نصف ما يخرج منه لم يجز للجهالة ( المسألة الثانية ) لا يجب تقديم الأجرة بمجرد العقد وإنما يستحب تقديم جزء من الأجرة باستيفاء ما يقابله من المنفعة إلا إن كان هناك شرط أو عادة أن يقترن بالعقد ما يوجب التقديم مثل أن تكون الأجرة عرضا معينا أو طعاما رطبا أو ما أشبه ذلك أو تكون الإجارة ثابتة في ذمة الأجير فيجب تقديم الأجرة لأنها بمنزلة رأس المال في السلم وقال الشافعي تجب الأجرة بنفس العقد وأما المنفعة فيشترط فيها شرطان ( الأول ) أن تكون معلومة إما بالزمان كالمياومة والمشاهرة وأما بغاية العمل كخياطة ثوب ولا يجوز أن يجمع بينهما لأنه قد يتم العمل قبل الأجل أو بعده وإذا استأجره على رعاية غنم بأعيانها لزمه رعاية الخلف عند ابن القاسم ( الثاني ) أن تكون المنفعة مباحة لا محرمة ولا واجبة أما المحرم فلا يجوز إجماعا وأما الواجب كالصلاة والصيام فلا تجوز الأجرة عليه وتجوز الإجارة على الإمامة مع الأذان والقيام بالمسجد لا على الصلاة بانفرادها ومنعها ابن حبيب مفترقاومجتمعا وأجازها ابن عبد الحكم مفترقا ومجتمعا فروع أجرة الحجاج جائزة خلافا لقوم وكراء الفحل للنزو على الإناث خلافا لهما والإجارة على تعليم القرآن جائزة خلافا لأبي حنيفة وتجوز الإجارة على الأذان خلافا لابن حبيب ( الفصل الثاني ) في الجعل وهو الإجارة على منفعة يضمن حصولها وهو جائز خلافا لأبي حنيفة والفرق بينه وبين الإجارة من ثلاثة أوجه ( الأول ) أن المنفعة لا تحصل للجاعل إلا بتمام العمل كرد الآبق والشارد بخلاف الإجارة فإنه يحصل على المنفعة مقدار ما عمل ولذلك إذا عمل الأجير في الإجارة بعض العمل حصل له من الأجرة بحساب ما عمل ولا يحصل له في الجعل شيء إلا بتمام العمل وكراء السفن من الجعل فلا تلزم الأجرة إلا بالبلاغ خلافا لابن نافع ( الثاني ) أن العمل في الجعل قد يكون معلوما وغير معلوم كحفر بئر حتى يخرج منها الماء وقد يكون قريبا أو بعيدا بخلاف الإجارة فلا بد أن يكون العمل فيها معلوما ويتردد بين الجعل والإجارة مشارطة الطبيب على برء المريض والمعلم على تعليم القرآن ( الثالث ) أنه لا يجوز شرط تقديم الأجرة في الجعل بخلاف الإجارة وإنما يجوز الجعل بثلاثة شروط ( أحدها ) أن تكون الأجرة معلومة ( الثاني ) أن لا يضرب للعمل أجل ( الثالث ) أن يكون يسيرا عند عبدالوهاب خلافا لابن رشد ( الفصل الثالث ) في الكراء وقد سمي إجارة وأحكامه كلها كالإجارة في أركانه وشروطه وقد يختص إسم الإجارة باستئجار الآدمي ويختص إسم الكراء بالدواب والرباع والأرضين فنذكر ها هنا ما يختص به هذا من الأحكام أما الدواب فتكرى لأربعة أوجه للركوب فيتعين بالمسافة أو بالزمان ولا يجمع بينهما ولا يشترط وصف الراكب خلافا للشافعي ويجب أن يركبه مثله لا أضر منه وللحمل فيجب أن يصف ما يحمل عليها ويعين المسافة أو الزمان فإن زاد في حملها وعطبت فإن كان ما زادها مما يعطب بمثله فر بها مخير بين أخذ قيمة كراء ما زاد عليها من الكراء أو قيمة الدابة وإن كانت الزيادة مما لا يعطب بمثله فله كراء الزيادة مع الكراء الأول ولا خيار له ولإستقاء فيوصف أيضا وللحرث فيعين الزمان أو الأرض وإذا عرض في الكراء أو الإجارة ما يمنع التمادي انفسخا وكراء السفن والدواب على وجهين معين في دابة بعينها أو سفينة بعينها أو مضمون كقول أكري منك دابة أو سفينة ويجوز النقد والتأخير في الكراءين معا إذا شرع في الركوب وإذا ماتت الدابة انفسخ الكراء أن يكون في دابة مضمونة غير معينة فعليه أن يأتيه بدابة أخرى وأما الرباع فتكون مياومة ومشاهرة ومسانهة إلى سنة أو سنتين لا تتغير في مثلها ويقع الكراء فيها على وجهين ( أحدهما ) تعيين المدة فيلزمهما وليس لأحدهما حل الكراء إلا برضى الآخر ( والثاني ) إبهام المدة كقوله أكري بكذا وكذا للشهر فلكل واحد منهما حل الكراء متى شاء ويؤدي من الكراء بحسب ما سكن ومثل ذلكقال ابن الماجشون إلا أنه قال يلزمهما الشهر الأول فإن انهدم جميعها انتقض الكراء وإن انهدم بعضها لم يلزم ربها إصلاحها عند ابن القاسم خلافا لغيره ويجوز كراؤها من ذمي إذا لم يشترط فيها بيع الخمر والخنزير واختلف في كنس مراحيض الديار هل هو على رب الدار أو على المكتري وقيل يحملون على العادة ويجوز كراء بيوت مكة وبيعها وفاقا للشافعي وقيل يمنع وفاقا لأبي حنيفة وقيل يكره بناء على إن فتحها صلح أو عنوة وأما الأرض فيجوز كراؤها بشرطين ( الأول ) أن تكون بيضاء أو يكون سوادها يسيرا تابعا لبياضها ومقداره الثلث من قيمة الكراء فأقل ( الثاني ) أن لا تكرى بما تنبت سواء كان طعاما كالقمح أو غير طعام كالكتان ولا بطعام سواء كان ينبت فيها أو لا ينبت كالعسل واللحم وقال ابن نافع لا تكري بشعير ولا قمح ولا سلت وتكرى بما سوى ذلك على أن يزرع فيها خلاف ما تكرى به وقال الشافعي يجوز كراؤها بالطعام وغيره إلا بجزء مما يخرج منها كالثلث والربع للجهالة وأجاز سعيد بن المسيب والليث بن سعد كراءها بجزء مما يخرج منها وأخذ به بعض الأندلسيين وهي إحدى المسائل التي خالفوا فيها مالكا وأجاز قوم كراءها بكل شيء ومنع قوم كراءها مطلقا وإذا أكرى أرضا ليزرع فيها صنفا فله أن يزرع غيره مما هو مثله في مضرة الأرض أو أقل ضررا منه لا أكثر ضررا ولا يحط الكراء بما يصيب الزرع من جائحة غير القحط ولا يجوز النقد إلا في الأرض المأمونة وأما العروض كالثياب فيجوز كراؤها واختلف في كراء المصحف وفي كراء الدنانير والدراهم لتزيين الحوانيت ( الفصل الرابع ) في مسائل متفرقة وهي ست ( المسألة الأولى ) في فسخ الكراء والإجارة ويوجب الفسخ وجود عيبه أو ذهاب محل المنفعة كانهدام الدار كلها وغصبها فإن انهدم بعضها لم ينفسخ الكراء ولم يجبر رب الدار على إصلاحها وحط عن المكتري ما ينوب المنهدم عند ابن القاسم وقال غيره يجبر على إصلاحه ولا ينفسخ بموت أحد المتعاقدين ولا بعذر طاريء على المكتري مثل أن يكتري حانوتا فيحرق متاعه أو يسرق خلافا لأبي حنيفة في المسألتين وإن ظهر من مكتري الدار فسوق أو سرقة لم ينفسخ الكراء ولكن السلطان يكف أذاه وإن رأى أن يخرجه أخرجه وإكراها عليه وبيعها على ما لكها إن ظهر ذلك منه ويعاقبه ( المسألة الثانية ) يجوز بيع الرباع والأرض المكتراة خلافا للشافعي ولا ينفسخ الكراء ويكون واجب الكراء في بقية مدة الكراء للبائع ولا يجوز أن يشترطه المشتري لأنه يؤول إلى الربا إلا إن كان البيع بعرض وإن لم يعلم المشتري أن الأرض مكتراة فذلك عيب له القيام به ( المسألة الثالثة ) من اكترى عرضا أو دابة لم يضمنها إلا بالتعدي لأن يده يد أمانة بخلاف الصانع فإنه يضمن ما غاب عليه إذا كان قد نصب نفسه للناس وسنستوفي ذلك في تضمين الصانع ( المسألة الرابعة ) من عمل لأحد عملا بغير أمره أو أوصل نفعا من مال أو غيره لزمه دفع أجرته أو ما نابه إن كان من الأعمال التي لا بد له منالإستيجار عليها أو من المال الذي لا بد له من إنفاقه ( المسألة الخامسة ) في الإختلاف إذا اختلف الصانع والمصنوع له في صفة الصنعة فالقول قول الصانع خلافا لأبي حنيفة وإذا ادعى الصانع رد ما استأجر عليه لم يصدق إلا ببينة وإذا اختلفا في دفع الأجرة فالمشهور أن القول قول الاجير مع يمينه إن قام بحدثان ذلك وإن طال فالقول للمستأجر وكذلك إذا اختلف المكري والمكتري ( المسألة السادسة ) إذا وقع الكراء والإجارة على وجه فاسد فسخ فإذا كانت المنفعة قد استوفيت رجع إلى كراء المثل أو أجرة المثل
الباب الثاني في المساقاة
وهي أن يدفع الرجل شجرة لمن يخدمها وتكون غلتها بينهما وفيها ست مسائل ( المسألة الأولى ) في حكمها وهي جائزة مستثناة من أصلين ممنوعين وهي الإجارة المجهولة وبيع ما لم يخلق ولذلك منعها أبو حنيفة مطلقا وإنما أجازها غيره لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر في نخيلها فقصر الظاهرية جوازها على النخيل خاصة وللشافعي على النخيل والأعناب وأجازها مالك في جميع الأشجار والزروع ما عدا البقول ( المسألة الثانية ) في شروطها تجوز في الأصول الثابتة كالكرم والنخيل والتفاح والرمان وغير ذلك بشرطين ( أحدهما ) أن تعقد المساقاة قبل بدو صلاح الثمرة وجواز بيعها ولم يشترطه سحنون ولا الشافعي ( الثاني ) أن تعقد إلى أجل معلوم وتكره فيما طال من السنين وتجوز في الأصول غير الثابتة كالمقاثي والزرع بأربعة شروط الشرطان المذكوران ثم ( الثالث ) أن تعقد بعد ظهوره من الأرض ( الرابع ) أن يعجز عنه ربه ( المسألة الثالثة ) العمل في الحائط على ثلاثة أقسام ( أحدها ) ما لا يتعلق بالثمرة فلا يلزم العامل بالعقد ولا يجوز أن يشترط عليه ( الثاني ) ما يتعلق بالثمرة ويبقى بعدها كإنشاء حفر بئر أو عين أو ساقية أو بناء بيت يخزن فيه التمر أو غرس فلا يلزمه أيضا ولا يجوز أن يشترط عليه ( الثالث ) ما يتعلق بالثمرة ولا يبقى فهو عليه بالعقد كالحفر والزبر والتقليم والسقي والتذكير والجذاذ وشبه ذلك وأما سد الحظار وهو تحصين الجدار وإصلاح الصفيرة وهو مجرى الماء إلى الصهريج فلا يلزمه ويجوز اشتراطها عليه لأنه يسير وعليه جميع المؤن من الآلات والأجراء والدواب ونفقتهم ( المسألة الرابعة ) يكون للعامل جزء من الثمرة الثلث أو النصف أو غير ذلك حسبما يتفقان عليه ويجوز أن تكون له كلها ولا يجوز أن يشترط أحدهما لنفسه منفعة زائدة كدنانير أو دراهم وتجوز مساقاة حوائط عدة في صفقات متعددة بجزء متفق أو مختلف وأما في صفقة واحدة فبجزء متفق لا غير ( المسألة الخامسة ) إن كان مع الشجر أرض بيضاء فإن كان البياض أكثر من الثلث لم يجز أنيدخل في المساقاة ولا أن يلغى للعامل بل يبقى لربه وإن كان أقل جاز أن يلغى للعامل وأن يدخل في المساقاة وأجاز ابن حنبل دخوله في المساقاة مطلقا ( المسألة السادسة ) إذا وقعت المساقاة فاسدة فإن عثر عليها قبل العمل فسخت وإن عثر عليها بعد العمل فاختلف هل ترد إلى أجرة المثل أو مساقاة المثل وإن عثر عليها بعد الشروع في العمل وقبل فراغه وقبل تمام المدة المحدودة فعلى القول بإجارة المثل يفسخ ويكون له فيما عمل إلى وقت العثور عليه أجرة مثله وعلى القول بمساقاة المثل لا يفسخ بل يمضي وتكون له فيه مساقاة المثل
الباب الثالث في المزارعة والمغارسة
أما المزارعة فهي الشركة في الزرع وتجوز بشرطين عند ابن القاسم ( أحدهما ) السلامة من كراء الأرض بما تنبت ( الثاني ) تكافؤ الشريكين فيما يخرجان وأجازها عيسى بن دينار وإن لم يتكافئا وبه جرى العمل بالأندلس وأجازها قوم وإن وقع فيها كراء الأرض بما تنبت فإن كانت الأرض من أحدهما والعقل من الآخر فلا بد أن يجعل رب الأرض حظه من الزريعة لئلا يكون كراء الأرض بما تنبت وإن كانت الأرض بينهما بتملك أو كراء جاز أن تكون الزريعة من عندهما معا أو من عند أحدهما إذا كان في مقابلتها عمل من الآخر فرع إذا وقعت المزارعة فاسدة فإن عثر عليها قبل العمل فسخت وإن فاتت بالعمل فقيل الغلة لصاحب الزريعة وعليه لأصحابه الكراء فيما أخرجوه وقيل لصاحب العمل وقيل لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة الزريعة والأرض والعمل وأما المغارسة فهي أن يدفع الرجل أرضه لمن يغرس فيها شجرا وهي على ثلاثة أوجه ( الأول ) إجارة وهو أن يغرس له بأجرة معلومة ( الثاني ) جعل وهو أن يغرس له شجرا على أن يكون له نصيب فيما ينبت منها خاصة ( الثالث ) متردد بين الإجارة والجعل وهو أن يغرس له على أن يكون له نصيب منها كلها ومن الأرض فيجوز بخمسة شروط ( أحدها ) أن يغرس فيها أشجارا ثابتة الأصول دون الزرع والمقاثي والبقول ( الثاني ) أن تتفق أصناف الأجناس أو تتقارب في مدة إطعامها فإن اختلفت اختلافا متباينا لم يجز ( الثالث ) أن لا يضرب لها أجل إلى سنين كثيرة فإن ضرب لها أجل إلى ما فوق الإطعام لم يجز وإن كان دون الإطعام جاز وإن كان إلى الإطعام فقولان ( الرابع ) أن يكون للعامل حظه من الأرض والشجر فإن كان له حظه من أحدهما خاصة لم يجز إلاان جعل له مع الشجر مواضعها من الأرض دون سائر الأرض ( الخامس ) أنلا تكون المغارسة في أرض محبسة لأن المغارسة كالبيع مسألة يمنع في المغارسة والمساقاة والمزارعة شيئان ( الأول ) أن يشترط أحدهما لنفسه شيئا دون الآخر إلا اليسير ( الثاني ) اشتراط السلف فرع إذا وقعت المغارسة فاسدة فلرب الأرض الخيار بين أن يعطي المستأجر قيمة الغرس أو يأمره بقلعه وقال الشافعي ليس له القلع
الباب الرابع في القراض
ويسميه العراقيون المضاربة وصفته أن يدفع رجل مالا لآخر ليتجر به ويكون الفضل بينهما حسبما يتفقان عليه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك بعد إخراج رأس المال والقراض جائز مستثنى من الغرر والإجارة المجهولة وإنما يجوز بستة شروط ( الأول ) أن يكون رأس المال دنانير أو دراهم فلا يجوز بالعروض وغيرها واختلف في التبر ونقار الذهب والفضة وفي الفلوس فإن كان له دين على رجل لم يجز أن يدفعه له قراضا عند الجمهور وكذلك إن كان له دين على آخر فأمره بقبضه ليقارض به ( الثاني ) أن يكون الجزاء مسمى كالنصف ولا يجوز أن يكون مجهولا ( الثالث ) أن لا يضرب أجل العمل خلافا لأبي حنيفة ( الرابع ) أن لا ينضم إليه عقد آخر كالبيع وغيره ( الخامس ) أن لا يحجر على العمل فيقصر على سلعة واحدة أو دكان ( السادس ) أن لا يشترط أحدهما لنفسه شيئا ينفرد به من الربح ويجوز أن يشترط العامل الربح كله خلافا للشافعي ولا يجوز أن يشترط الضمان على العامل خلافا لأبي حنيفة واختلف في اشتراط أحدهما على الآخر زكاة نصيبه من الربح فروع سبعة ( الفرع الأول ) إذا وقع القراض فاسدا فسخ فإن فات بالعمل أعطى العامل قراض المثل عند أشهب وقيل أجرة المثل مطلقا وفاقا لهما وقال ابن القاسم أجرة المثل إلا في أربعة مواضع وهي قرض بعرض أو لأجل أو بضمان أو بحظ مجهول ( الفرع الثاني ) للعامل النفقة من مال القراض في السفر لا في الحضر إن كان المال يحمل ذلك خلافا للشافعي ( الفرع الثالث ) لا يفسخ القراض بموت أحد المتقارضين ولورثة العامل القيام به إن كانوا أمناء أو يأتوا بأمين ( الفرع الرابع ) ليس للعامل أن يبيع بدين إلا أن يؤذن له خلافا لأبي حنيفة وليس له أن يأتمن على المال أحدا ولا يودعه ولا يشاركه فيه ولا يدفعه قراضا فإن فعل شيئا من ذلك فهو ضامن ( الفرع الخامس ) إذا خلط العامل ماله بمال القراض من غير إذن رب المال فهو غير متعد خلافا لهما ( الفرع السادس ) الخسران والضياع على رب المال دون العامل إلا أن يكون منه تفريط( الفرع السابع ) لا يجوز أن يهدي رب المال إلى العامل ولا العامل إلى رب المال لأانه يؤدي إلى سلف جر منفعة
الباب الخامس في الشركة
وهي ثلاثة أنواع شركة الأموال وشركة الأبدان وشركة الوجوه فأما شركة الأموال فتجوز في الدنانير والدراهم واختلف في جعل أحدهما دنانير والآخر دراهم فمنعه ابن القاسم لأنه شركة وصرف وتجوز في العروض بالقيمة واختلف في جوازها بالطعام وعلى القول بالجواز يشترط اتفاق الطعامين في الجودة والشركة في الأموال على نوعين شركة عنان وشركة مفاوضة فشركة العنان أن يجعل كل واحد من الشريكين مالا ثم يخلطاه أو يجعلاه في صندوق واحد ويتجرا به معا ولا يستبد أحدهما بالتصرف دون الآخر وشركة المفاوضة أن يفوض كل واحد منهما التصرف للآخر في حضوره وغيبته ويلزمه كل ما يعمله شريكه ومنع الشافعي شركة المفاوضة واشتراط أبو حنيفة فيها تساوي رؤوس الأموال ويجب في شركة الأموال أن يكون الربح بينهما على حسب نصيب كل واحد منهما من المال ولا يجوز أن يشترط أحدهما من الربح أكثر من نصيبه من المال خلافا لأبي حنيفة وما فعله أحد الشريكين من معروف فهو في نصيبه خاصة إلا أن يكون مما ترجى به منفعة في التجارة كضيافة التجار وشبه ذلك وأما شركة الأبدان فهي في الصنائع والأعمال وهي جائزة خلافا للشافعي وإنما تجوز بشرطين أحدهما اتفاق الصناعة كخياطين وحدادين ولا تجوز مع اختلاف الصناعة كخياط ونجار والشرط الثاني اتفاق المكان الذي يعملان فيه فإن كانا في موضعين لم يجز خلافا لأبي حنيفة في الشرطين وإذا كان لأحدهما أدوات العمل دون الآخر فإن كانت تافهة ألغاها وإن كانت لها خطر اكترى حصته منها وأما شركة الوجوه فهي أن يشتركا على غير مال ولا عمل وهي الشركة على الذمم بحيث إذا اشتريا شيئا كان في ذمتهما وإذا باعاه اقتسما ربحه وهي غير جائزة خلافا لأبي حنيفة تلخيص أجاز مالك شركة العنان والمفاوضة والأبدان ومنع شركة الوجوه وأجاز أبو حنيفة الأربعة وأجاز الشافعي العنان خاصة
الباب السادس في القسمة
وهي نوعان قسمة الرقاب وقسمة المنافع فأما قسمة الرقاب فهي علىثلاثة أقسام أحدهما قسمة قرعة بعد تقويم وتعديل وهي التي يقضى بها على من أباها فيما يحتمل القسم ولا تجوز في المكيل والموزون ولا في الأجناس المختلفة الأصناف المتباينة ولا يجمع فيها بين حظين في القسم ولا إذا كان مع أحد السهام دنانير ويرجع فيها بالغبن إذا ظهر وكان القيام بحدثان القسمة وتجوز في الديار إذا تقاربت أماكنها واستوت الرغبة فيها ولا يجمع فيها بين دار وجنان ولا بين طيب ورديء في الأرضين وغيرها وصفة القرعة أن تكتب أسماء الشركاء في رقاع وتجعل في طين أو شمع وتكتب أسماء المواضع المقسومة ثم تخرج أول رقعة من الأسماء ثم أول رقعة من المواضع فيعطى من خرج اسمه نصيبه في ذلك الموضع وذلك بعد أن تقسم الفريضة وتقوم الأملاك المقسومة ثم تقسم قيمتها على سهام الفريضة وإذا قسمت الفريضة فكان لجماعة سهم واحد قسم كأحد سهام الفريضة ثم قسم بين أربابه قسمة ثانية والثاني قسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل فهذه لا يقضى بها على من أباها ويجمع فيها بين حظين وبين الأجناس والأصناف والمكيل والموزون حاشا ما يدخر من الطعام مما لا يجوز التفاضل فيه ويقام بالغبن فيها أيضا لدخول كل واحد من المتقاسمين على قيمة مقدرة والثالث قسمة مراضاة بلا تقويم ولا تعديل فحكمها حكم المراضاة بعد التقويم والتعديل إلا في القيام بالغبن وهذا القسم بيع من البيوع باتفاق واختلف في القسمين اللذين قبله هل هما بيع أو تمييز حق وأما قسمة المنافع فلا تجوز بالقرعة ولا يجبر عليها من أباها خلافا لأبي حنيفة وهي على وجهين قسمة في الأعيان مثل أن يسكن أحدهما دارا ويسكن الآخر أخرى ة يركب أحدهما فرسا والآخر أخرى وقسمة بالأزمان مثل أن يسكن أحدهما الدار شهرا ويسكنها الآخر شهرا آخر فروع خمسة ( الفرع الأول ) إن كان الشيء المشترك مما يحتمل القسمة بلا ضرر كالأرضين وغيرها فأراد أحد الورثة القسمة وأباها بعضهم أجبر من أبى على القسمة وإن كان مما لا يقسم أجبر على بيع حظه ثم يقتسمون الثمن واختلف فيما تتغير صفته بالقسمة كالحمام هل يقسم أو يباع ( الفرع الثاني ) أجرة القسام على عدد الرؤوس لا على مقدار السهام وكذلك أجرة كاتب الوثيقة وكذلك أجرة كنس مراحيض الديار ( الفرع الثالث ) القسمة بالتحري فيها ثلاثة أقوال المنع مطلقا والجواز فيما يوزن لا فيما يكال والجواز فيما يجوز التفاضل فيه بخلاف الربوي فلا يجوز التحري فيه إلا في الخبز واللحم والتمر في رؤوس النخل ( الفرع الرابع ) لا تجوز قسمة الزرع حتى يحصد ويدرس ويصفى ( الفرع الخامس ) لا تجوز قسمة الأرض التي فيها زرع والشجر التي فيها ثمر حتى يطيب الزرع والثمر بشرط أن تقع القسمة في الأصول لا في الزروع ولا في الثمار
الباب السابع في الشفعة
تجب الشفعة بخمسة شروط ( الشرط الأول ) أن تكون في العقار كالدور والأرضين والبساتين والبئر واختلف في المذهب في الشفعة في الأشجار وفي الثمار فروى مالك روايتين وبالمنع قال الشافعي وأبو حنيفة واختلف أيضا فيما لا يقسم من العقار كالحمام وشبهه وفي الدين والكراء ولا شفعة في الحيوان والعروض عند الجمهور ( الشرط الثاني ) أن يكون في الإشاعة لم ينقسم فإن قسم فلا شفعة ( الشرط الثالث ) أن يكون الشفيع شريكا فلا شفعة لجار خلافا لأبي حنيفة ( الشرط الرابع ) أن لا يظهر من الشفيع ما يدل على إسقاط الشفعة من قول أو فعل أو سكوت مدة من عام فأكثر مع علمه وحضوره فإن كان غائبا ولم يعلم لم تسقط شفعته اتفاقا وإن علم وهو غائب لم تسقط خلافا لقوم وقال قوم تسقط الشفعة بعد سكوته ثلاثة أيام وتسقط الشفعة إذا أسقطها بعد الشراء ولا تسقط إن أسقطها قبل الشراء وكذلك تسقط إذا ساوم المشتري في الشقص أو اكتراه منه وسكت حتى أحدث فيه غرسا أو بناه ( الشرط الخامس ) أن يكون الحظ المشفوع فيه قد صار للمشفوع عليه بمعاوضة كالبيع والمهر والخلع والصلح عن الدم فإن صار له بميراث فلا شفعة فيه اتفاقا وإن صار له بهبة ففيه قولان قيل تجب الشفعة وقيل لا تجب وقصرها أبو حنيفة على البيع فإذا وجبت الشفعة لشريك وقام بها فإنه يأخذ الحظ المشفوع فيه بالثمن الذي صار به للمشفوع عليه فإن كان حالا على المشفوع عليه حل على الشفيع وإن كان مؤجلا على المشفوع عليه أجل على الشفيع وإن لم يأخذه المشفوع عليه بثمن معلوم كدفعه في مهر أو صلح أخذه الشفيع بقيمته فروع ثمانية ( الفرع الأول ) إذا وجبت الشفعة لجماعة اقتسموا المشفوع فيه على قدر حظوظهم وقال أبو حنيفة على قدر رؤوسهم وإن سلم بعضهم فللآخر أخذ الجميع أو تركه وليس له أن يأخذ نصيبه خاصة إلا إن أباحه له المشتري ( الفرع الثاني ) الشفعة موروثة خلافا لأبي حنيفة ( الفرع الثالث ) تجب الشفعة للذمي كما تجب للمسلم خلافا لابن حنبل ( الفرع الرابع ) يشفع ذوو السهام فيما باعه العصبة ولا يشفع العصبة فيما باعه ذوو السهام وقيل لا يشفع صنف منهم فيما باعه العصبة ولا يشفع العصبة فيما باعه ذوو السهام وقيل لا يشفع صنف منهم فيما باعه الآخر وقيل بالعكس ( الفرع الخامس ) من وجبت له شفعة على اثنين لم يكن له أن يشفع على أحدهما دون الآخر خلافا لأشهب ( الفرع السادس ) إذا كان للمشتري حصة في المشتري من قبل الشراء فله أن يحاص الشفيع في حصته تلك ( الفرع السابع ) إذا حبس المشتري الشقص المشتري أو وهبه أو أوصى به أو أقال في بيعه بطل ذلك كله إن قام الشفيع بالشفعة ( الفرع الثامن ) إذا بيع الشقص مرارا فللشفيع أن يأخذ بأي الصفقات شاء ويبطل ما بعدها لا ما قبلها
الباب الثامن في السلف وهو القرض وفيه أربع مسائل
( المسألة الأولى ) في حكمه وهو جائز وفعل معروف سواء كان بالحلول أو مؤخرا إلى أجل معلوم وإنما يجوز بشرطين أحدهما أن لا يجر نفعا فإن كانت المنفعة للدافع منع اتفاقا للنهي عنه وخروجه عن باب المعروف وإن كانت للقابض جاز وإن كان بينهما لم يجز لغير ضرورة واختلف في الضرورة كمسألة السفاتج وسلف طعام مسوس أو معفون ليأخذ سالما أو مبلولا ليأخذه يابسا فيمنع في غير المسغبة اتفاقا ويختلف معها والمشهور المنع وكذلك من أسلف ليأخذه في موضع آخر يمنع في ما فيه مئنة حمل ويجوز أن يصطلحهما على ذلك بعد الحلول لا قبله الشرط الثاني أن لا ينضم إلى السلف عقد آخر كالبيع وغيره ( المسألة الثانية ) فيما يجوز السلف فيه وهو كل ما يجوز أن يثبت في الذمة سلما من العين والطعام والعروض والحيوان إلا الجواري لأنه يؤدي إلى إعارة الفروج وقيل يجوز إن أسلفت الجارية لذي محرم منها أو لمن لا يلتذذ بالنساء أو كانت الجارية لا تحمل الوطس وأجازه فيهن المازني ومنعه أبو حنيفة في كل حيوان ( المسألة الثالثة ) في أدائه وهو مخير بين أن يؤدي مثل ما أخذ أو يرده بعينه ما دام على صفته وسواء كان من ذوات الأمثال وهو المعدود والمكيل والموزون أو من ذوات القيم كالعروض والحيوان فإن وقع السلف فاسدا فسخ ويرجع إلى المثل في ذوات الأمثال وإلى القيمة في غيرها ( المسألة الرابعة ) إذا أهدى لصاحب الدين مديانه لم يجز له قبولها لأنه يئول إلى زيادة على التأخير وقال بعضهم يجوز إن كان بينهما من الاتصال ما يعلم أن الهدية له لا للدين وفي مبايعته له الجواز والكراهة
الباب التاسع في القضاء والاقتضاء
وهما الدفع والقبض وقد أمر بالإحسان والمسامحة فيهما وفي الباب خمس مسائل ( المسألة الأولى ) في مقدار المقضي ويتصور أن يقضي مثل ما عليه أو أقل أو أكثر ثم إن القلة والكثرة تكونان في المقدار وفي الصفة ويتصور أيضا أن يقضي عند الأجل أو قبله أو بعده فإن قضى المثل جاز مطلقا في الأجل وقبله وبعده وإن قضى أقل صفة أو مقدارا جاز في الأجل وبعده ولم يجز مطلقا سواء كان أفضل صفة أو مقدارا في الأجل أو قبله أو بعده إذا كان الفضل في إحدى الجهتين ومنع أن دار من الطرفين لخروجه عن المعروف وإن كان من السلففإن كان بشرط أو وعد أو عادة منع مطلقا وإن كان بغير شرط ولا وعد ولا عادة جاز اتفاقا في الأفضل صفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا وقضى جملا بكرا خيارا واختلف في الأفضل مقدارا ففي المدونة لا يجوز إلا في اليسير جدا وأجازه ابن حبيب مطلقا ( المسألة الثانية ) الدراهم والدنانير ثلاثة أنواع قائمة وهي الوافية الوزن وفرادى وهي ناقصة ومجموعة وهي المختلطة منهما فيجوز اقتضاء كل صنف منها عن نفسه وأجاز في المدونة اقتضاء القائمة عن المجموعة والفرادى ومنع اقتضاء المجموعة عن القائمة والفرادى وأجاز اقتضاء الفرادى عن القائمة دون المجموعة ( المسألة الثالثة ) لا يجوز بيع الدين بالدين مثل أن يبيع دينا له على رجل من رجل آخر بالتأخير وكذلك فسخ الدين بالدين مثل أن يدفع الغريم لصاحب الدين ثمرة يجنيها أو دارا يسكنها لتأخر القبض في ذلك وكذلك إن باع الدين من الغريم بالتأخير ( المسألة الرابعة ) السكة والصياغة معتبرتان في الاقتضاء واختلف في اعتبارهما في المراطلة فإن كان التعامل بالوزن فالعدد مطروح وإن لم يكن التعامل بالوزن اعتبر العدد ( المسألة الخامسة ) من قبض دراهم من صراف أو من دين له أو ثمن سلعة ثم ادعى أنه وجد زائفا أو ناقصا وأنكر الدافع أن يكون من دراهمه فالقول قول الدافع مع يمينه واختلف هل يحلف على البت أو على العلم فقيل يحلف على البت في الزائف والناقص وقيل على البت في الناقص وعلى العلم في الزائف وقيل يحلف الصراف على البت فيهما بخلاف المديان وأما نقص العدد فيحلف فيه على البت اتفاقا في المذهب
الباب العاشر في المأذون له ومعاملة العبيد وفيه ثلاث مسائل
( المسألة الأولى ) في ملك العبد وهو يملك ماله إلا أنه ملك ناقص عن ملك الحر لأن للسيد انتزاعه عنه متى شاء إجماعا وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يملك العبد أصلا فعلى المذهب يجوز له التسري والوطء بملك يمينه بإذن سيده خلافا لهما ( المسألة الثانية ) العبد على نوعين مأذون له في التجارة وغير مأذون له فأما غير المأذون له فلا يجوز شيء من تصرافاته لا على وجه المعارضة كالبيع ولا على وجه المعروف كالهبة والصدقة والعتق وحكمه المحجور يتوقف بيعه على إجازة سيده وأما المأذون له فيجوز له من التصرف كل ما يدخل في التجارة كالمعاوضة فهو في ذلك كالوكيل المفوض إليه فإن منعه سيده من التجارة بالدين فاختلف هل يجوز له أم لا فأما هبته وصدقته وعتقه فموقوف على إجازة السيد أو رده فإن لم يعلم السيد حتى أعتق مضى ولزم العبد ولم يكن للسيد رده ( المسألة الثالثة ) كل ما على المأذون له من ديون يؤديها من ماله فإن لم يكن له مال يفي بها تعلقت بذمته ولا يلزم السيد أداؤها عنه ولا يباع فيهاخلافا لقوم فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ( الفرع الثاني ) للسيد أن يحجر عبده بعد إذنه له ويعرف السلطان بذلك ويوقفه للناس ( الفرع الثالث ) لا ينبغي للسيد أن يأذن في التجارة لعبد غير مأمون في دينه خوفا من الربا والخيانة والعبد الكافر أولى بالمنع
الباب الحادي عشر في التجارة إلى أرض الحرب ومعاملة الكفار وفيه ثلاث مسائل
( المسألة الأولى ) لا تجوز التجارة إلى أرض الحرب وقال سحنون هي جرحة ولا يدخل المسلم بلادهم إلا لمفاداة مسلم وينبغي للإمام أن يمنع الناس من الدخول إليها ويجعل على الطريق من يصدهم ( المسألة الثانية ) إذا قدم أهل الحرب إلى بلادنا جاز الشراء منهم إلا أنه لا يباع منهم ما يستعينون به على الحرب ويرهبون به المسلمين كالخيل والسلاح والأولوية والحديد والنحاس ولا يباع منهم من الكسوة إلا ما بقي الحر والبرد لا ما يتزينون به في الحرب والكنائس ولا يباع منهم من الأطعمة إلا ما يقتات به كالزيت والملح والفاكهة ( المسألة الثانية ) معاملة أهل الذمة جائزة وإن كانوا يعملون بالربا ويبيعون الخمر والخنزير على أنهقد كر مالك أن يبيع المسلم سلعة من ذمي بدينا رأو درهم يعلم أنه أخذه من ثمن خمر أو خنزير وكره أيضا أن يباع منهم بالدنانير والدراهم المنقوشة لما فيها من اسم الله عز وجل وقال ابن رشد ومعاملة الذمي أخف من معاملة المسلم المرابي إذا تاب لم يحل له ما أربى عليه بخلاف الكافر ولا يجوز من معاملة بين المسلم والذمي إلا ما يجوز بين المسلمين فإن عامله بما لا يجوز من البيع وغيره فالحكم فيه كالحكم بين المسلمين
الباب الثاني عشر في المقاصة في الديون
وهي اقتطاع دين من دين وفيها متاركة ومعارضة وحوالة ومنها ما يجوز ومنها لا يجوز والجواز نظر للمتاركة والمنع تغليب للمعاوضة أو الحوالة إذا لم تتم شروطها وإذا قويت التهمة وقع المنع وإن فقدت حصل الجواز وإن ضعفت حصل الخلاف الذي في مراعاة التهم البعيدة فإذا كان لرجل على آخر دين وكان لذلك الآخر عليه دين فأراد اقتطاع أحد الدينين من الآخر لتقع البراءةبذلك ففي ذلك تفصيل وذلك أنه لا يخلو أن يتفق جنس الدينين أو يختلفا فإن اختلفا جازت المقاصة مثل أن يكون أحد الدينين عينا والآخر طعاما أو عرضا أو يكون أحدهما عرضا والآخر طعاما وأن اتفق جنس الدينين فلا يخلو أن يكون كل واحد من الدينين عينا أو طعاما أو عروضا فإن كان الدينان عينا فلا يخلو أن يكونا ذهبين أو فضتين أو أحدهما ذهبا والآخر فضة فإن كان أحدهما ذهبا والآخر فضة جازت المقاصة إن كانا قد حلا معا ولم يجز إن لم يحلا أو حل أحدهما دون الآخر لأنه صرف مستأخر وإن كانا ذهبين أو فضتين جازت المقاصة إذا كان أجل الدينين قد حل فإن لم يحل أجلهما أو حل الواحد منهما دون الآخر ففي ذلك قولان والمشهور الجواز بناء على أنها متاركة تبرأ بها الذمم ونظرا إلى بعد التهمة وقيل تمنع لأنها مبادلة مستأخر وإن كان الدينان طعاما فلا يخلو أن يكون من بيع أو قرض فإن كانا من بيع لم تجز المقاصة سواء حل الأجل أو لم يحل لأنه من بيع الطعام قبل قبضه وإن كانا من قرض جاز حل الأجل أو لم يحل وإن كان الدينان عرضين فتجوز المقاصة إذا اتفقا في الجنس والصفة سواء حل الأجل أو لم يحل
الكتاب الخامس في الأقضية والشهادات وما يتصل بذلك وفيه عشرة أبواب
الباب الأول في حكم القضاء وفي نظر القاضي به وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في حكم القضاء وهو فرض كفاية ويجبعلى الإمام أن ينصب للناس قاضيا ومن أبى عن الولاية أجبره عليها ولا ينبغي لأحد أن يطلب القضاء وإن دعي فالأولى له الامتناع لأن القضاء بلية يعسر الخلاص منها إلا إذا تعين عليه فيجب عليه الدخول فيه وذلك إذا لم يكن في جهته من يصلح للقضاء غيره ( الفصل الثاني ) فيما ينظر فيه القاضي وتحتوي ولايته على عشرة أشياء ( الأول ) الفصل بين المتخاصمين إما بصلح عن تراض وإما بإجبار على حكم نافذ ( الثاني ) قمع الظالمين على الغصب والتعدي وغير ذلك ونصرة المظلومين وإيصال كل ذي حق إلى حقه ( الثالث ) إقامة الحدود والقيام بحقوق الله تعالى ( الرابع ) النظر في الدماء والجراح ( الخامس ) النظر في أموال اليتامى والمجانين وتقديم الأوصياء عليهم حفظا لأموالهم ( السادس ) النظر في الاحباس ( السابع ) تنفيذ الوصيا ( الثامن ) عقد نكاح النساء إذا لم يكن لهن ولي أو عضلهن الولي ( التاسع ) النظر في المصالح العامة من طرقات المسلمين وغير ذلك ( العاشر ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول والفعل ( الفصل الثالث ) فيما يقضي به ولا يقضي بعلمه سواء علم بذلك قبل القضاء أو بعده وقال ابن الماجشون يقضي بما سمعه من المتخاصمين في مجلس الحكم وقال أبو حنيفة يقضي بعلمه في حقوق الناس لا في الحدود وقال الشافعي يقضي بعلمه على الاطلاق وعلى المذهب فإنما يحكم بحجة ظاهرة وهي سبعة أشياء وما يتركب منها وهي اعتراف أو شهادة أو يمين أو نكول أو حوز في المك أو لوث مع القسامة في الذماء أو معرفة العفاص والوقاء في اللقطة حسبما يأتي ذلك كله في أبوابه ( الفصل الرابع ) في نقض القضاء إذا أصاب الحاكم لم ينقض حكمه أصلاوإن أخطأ فذلك على أربعة أوجه ( الأول ) أن يحكم بما يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع فينقض هو حكم نفسه بذلك وينقضه القاضي الوالي بعده ويلحق بذلك الحكم بالقول الشاذ ( الثاني ) أن يحكم بالظن والتخمين من غير معرفة ولا اجتهاد فينقضه أيضا هو ومن يلي بعده ( الثالث ) أن يحكم بعد الاجتهاد ثم يتبين له الصواب في خلاف ما حكم به فلا ينقضه من ولي به واختلف هل يتبين له الصواب في خلاف ما حكم به فلا ينقضه من ولي به واختلف هل ينقضه هو أم لا ( الرابع ) أن يقصد الحكم بمذهب فيذهل ويحكم بغيره من المذاهب فيفسخه هو ولا يفسخه غيره
الباب الثاني في صفات القاضي وآدابه
أما صفاته فنوعان واجبة ومستبحة فالواجبة عشر وهي أن يكون مسلما عاقلا بالغا ذكرا حرا سميعا بصيرا متكلما عدلا عارفا بما يقضي به وأجاز أبو حنيفة قضاء المرأة في الأموال وأجازه الطبري مطلقا وأما المستحبة فهي خمس عشرة ( الأولى ) أن يكون عالما بالكتاب والسنة بحيث يبلغ رتبة الاجتهاد في الأحكام الشرعية ولا يقلد أحدا من الأئمة وقال عبدالوهاب أن ذلك واجب وفاقا للشافعي ( الثانية ) أن يكون عارفا بما يحتاج إليه من العربية ( الثالثة ) أن يكون عارفا بعقد الشروط وهي الوثائق ( الرابعة ) أن يكون ورعا في دينه والورع زيادة على العدالة ( الخامسة ) أن يكون غنيا فإن كان فقيرا أغناه الإمام وأدى عنه ديونه ( السادسة ) أن يكون صبورا ( السابعة ) أن يكون وقورا عبوسا في غير غضب ( الثامنة ) أن يكون حليما وطيء الأكناف ( التاسعة ) أن يكون رحيما يشفق على الأرامل واليتامى وغيرهم ( العاشرة ) أن يكون جزلا في تنفيذ الأحكام ( الحادية عشر ) أن لا يبالي بلوم الناس ولا بأهل الجاه ( الثانية عشر ) أن يكون من أهل البلد الذي يقضي فيه ( الثالثة عشر ) أن يكون معروف النسب فلا يكون ولد زنى ولا ولد ملاعنة ( الرابعة عشر ) أن لا يكون محدودا وإن كان قد تاب ( الخامسة عشر ) أن يكون متيقظا لا متغفلا ( وأما آداب القاضي ) فهي عشرو ( الأول ) أن يجلس في موضع يصل إليه القوي والضعيف وجلوسه في المسجد من الأمر القديم واستحب بعض العلماء أن يجلس خارج المسجد ليصل إليه الحائض والنفساء واليهود والنصارى ويجب عليه أن يسوي بين الخصمين في الجلوس والكلام والاستماع والملاحظة ولا يفضل الشريف على المشروف ولا الغني على الفقير ولا القريب على البعيد ( الثاني ) أن يجلس للقضاء في بعض الأوقات دون بعض ليربح نفسه ولا يجلس بالليل ولا في أيام الأعياد ( الثالث ) أن لا يقضي وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ( الرابع ) أن يشاور أهل العلم ويأخذ بقولهم ( الخامس ) أن لا يفتي في مسائل الخصام ولا يسمع كلام أحد الخصمين في غيبة صاحبه ( السادس ) أنلا يقبل هدية إلا من الأقربين الذين لا يهدونه لأجل القضاء ( السابع ) أن لا يطلب من الناس الحوائج لا عارية ولا غير ذلك ( الثامن ) أن لا يباشر الشراء بنفسه ولا يشتري له شخص معروف خوفا من المحاباة ( التاسع ) أن لا يقضي لمن لا تجوز شهادته له كولده ووالده ويصرف الحكم في ذلك إلى غيره ويجوز له أن يقضي عليه ( العاشر ) أن لا يقضي على عدوه ويجوز أن يقضي له ( الحادي عشر ) أن يزجر من تعدى من المتخاصمين على الآخر في المجلس بشتم أو غيره ( الثاني عشر ) أ يعاقب من آذاه من المتخاصمين أو شتمه أو تنقصه أو نسبه إلى جور والعقوبة في هذا أفضل من العفو ( الثالث عشر ) أن يجتنب مخالطة الناس ومشيه معهم إلا لحاجة ( الرابع عشر ) أن يترك الضحك والمزاح ( الخامس عشر ) أن يختار كاتبا مرتضى ومترجما مرتضى ( السادس عشر ) أن يتفقد السجون ويخرج من كان مسجونا بغير حق ( السابع عشر ) أن يتجنب الولائم إلا وليمة النكاح والأولى له ترك الأكل في الوليمة ( الثامن عشر ) أن لا يتعقب حكم من قبله إلا إذا كان معروفا بالجور فله أن يتعقب أحكامه وله أن ينقض قضاء نفسه إذا تبين له الحق بخلافه ( التاسع عشر ) أن يتفقد النظر على أعواته ويكفهم عن الاستطالة على الناس ( الموفي عشرين ) أن يسأل في السر عن أحوال شهوده ليعرف العدل من غيره فروع أربعة ( الفرع الأول ) إذا حكم المتخاصمان رجلا لزمهما حكمه إذا حكم بجا يجوز خلافا للشافعي وقال أبو حنيفة يلزم إذا وافق حكم قاضي البلد ( الفرع الثاني ) يجب أن يكون في المصر قاض واحد ولا يجوز اثنان فأكثر وأجاز الشافعي اثنين إذا عين لكل واحد ما يحكم فيه ( الفرع الثالث ) حكم القاضي في الظاهر لا يحل حراما في نفس الأمر ولا يحرم حلالا خلافا لأبي حنيفة في عقد النكاح وحله وأجمعوا في الأموال ( الفرع الرابع ) إذا كانت خصومة بين مسلم وذمي حكم بنيهما بحكم الإسلام وإن كانا ذميين حكم بينهما بحكم الإسلام في باب المظالم من الغصب والتعدي وجحد الحقوق وإن تخاصما في غير ذلك ردوا إلى أهل دينهم إلا أن يرضوا بحكم الإسلام
الباب الثالث في خطاب القضاة والحكم على الغائب وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في الخطاب وللقاضي أن يخاطب قاضيا آخر بأحد ثلاثة أشياء ( الأول ) الحكم على الذي حكم به في قضية بعد نفوذه ( الثاني ) بأداء الشهود وقبولهم المتضمن الثبوت على أن يحكم فيها المكتوب إليه ( الثالث ) بمجرد أداء الشهود على أن ينظر المكتوب إليه في تعديلهم في يحكم والخطاب يكون بثلاثة أشياء إما بإشهاد القاضي على نفسه بالحكم أو الثبوت أو الأداء ثم يشهد من شهد عليه بذلك عند القاضي الآخر الثاني أن يكتب إليه وكان المتقدمون يشترطون مع الكتابة الشهادة عليه أو الشهادة بأنه خطه أو ختمه بخاتمهالمعروف عند القاضي الآخر ثم اكتفى المتأخرون بمعرفة خطه الثالث المشافهة وهي غير كافية لأن أحدهما في غير محل ولايته ومن كان في غير موضع ولايته لم ينفذ حكمه ولم يقبل خطابه نوعان ( الفرع الأول ) إذا مات القاضي المكتوب إليه أو عزل لزم من ولي بعده أعمال ذلك الخطاب خلافا لأبي حنيفة ( الفرع الثاني ) إذا خاطب قاض قاضيا فإن عرف أنه أهل اللقضاء قبل خطابه وإن عرف أنه ليس أهلا له لم يقبله ( الفصل الثاني ) يحمم للحاضر إذا سأل الحكم على الغائب خلافا لأبي حنيفة وابن الماشجون وعلى المذهب فلا يخلو أن يكون في البلد أو في غيره فإن كان في البلد أو بمقربة منه أحضره القاضي بخاتم أو كتاب أو رسول فإن اعتذر بمرض أو شبهه أمره بالتوكيل وإن تغيب لغير عذر أحضره فهرا فإن لم يوجد طبع على باب داره وإن كان بعيدا معلوم الموضع كتب إليه إما أن يرضي خصمه وإما أن يحضر معه وإن كان في بلد غير ولايته كتب إلى قاضي ذلك البلد بالنظر في قضيته وغن كان له ملك في البلد وجبت توفية الحقوق منه بعد أن يؤمر الطالب له بإثبات حقه ويمين القضاء بعد الثبوت وإثبات غيبته وترجى له الحجة فإن كان له عقار يباع في دينه أمره القاضي بإثبات تملكه له واتصاله ثم وجه شهود الحيازة يشهدون على من شهد به ثم أمر بتقويمه وتسوقه ثم قدم من يبيعه بما قوم به أو بأزيد من ذلك إن بلغ في التسويق ثم يقبض الثمن ويدفع إلى صاحب الحق
الباب الرابع في الحكم بين المدعي والمدعى عليه
وهذا الباب هو عمدة القضاء والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم وسلم ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) وفيه ثلاثة فصول ( الفصل الأول ) في الفرق بين المدعي والمدعى عليه وقال سعيد بن المسيب من عرف المدعي والمدعى عليه لم يلتبس عليه ما يحكم بينهما قال والمدعى هو من يقول قد كان كذا والمدعى عليه هو من يقول لم يكن وقال غيره المدعى هو الطالب والمدعى عليه هو المطلوب وقيل المدعي هو الذي دعا صاحبه إلى الحكم والمدعى عليه هو المدعو وقال المحققون المدعي هو من كان قوله أضعف لخروجه عن معهود أو لمخالفة أصل والمدعى عليه هو من ترجح قوله بعادة أو موافقة أصل أو قرينة فالأصل كمن أن له مالا على رجل فضعف قول الطالب وهو مدع وترجح قول المطلوب وهو المدعى عليه لأن الأصل براءة الذمة فلو كان الحق ثابتا وقال قد دفعته صار مدعيا لأن الأصل براءة من الذمة من الدفع ولأن الأصل بقاؤه عنده لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان إلا إن كان عرف يقتضي خلاف ذلك أو قرينة كمن حاز شيئا ثم ادعا غير فترجح قول من حازه فهوالمدعى عليه وضعف قول الآخر فهو مدع فعلى هذا البينة على من ضعف قوله واليمين على من قوي قوله ( الفصل الثاني ) في مراتب الدعاوي وهي أربعة ( الأولى ) دعوى لا تسمع ولا يمكن المدعي من إثباتها ولا يجب على المنكر يمين وهو إذا لم يحقق المدعي دعواه كقوله لي عليك شيء أو أظن أن لي عليك كذا وكذا ( الثانية ) لا تسمع أيضا وهي ما يقضي العرف بكذبها كمن ادعى على صالح أنه غصبه وكامرأة ادعت على صالح أنه زنى بها ومثل أن يكون حائزا لدار سنين طويلة يتصرف فيها بأنواع التصرف ويضيفها إلى ملكه وكان إنسان حاضرا يشهد أفعاله طول المدة ولا يعارضه فيها ولا يذكر أن له فيها حقا من غير مانع يمنعه من الطلب ولا قرابة بينهما ولا شركة ثم جاء بعد طول المدة يدعيها فهذا لا يلتفت إليه ولا تسمع دعواه ولا بينته ولا يمين على الآخر ( الثالثة ) دعولا تسمع ويطالب بالبينة فإن أثبته وإلا وجب اليمين على المنكر بعد أن يثبت المدعي أن بينه وبينه خطلة من بيع أو شراء أو شبه ذلك وذلك في الدعوى التي هي غير مشبهة ولم يقض بكذبها كمن ادعى أن له مالا عند آخر وقال بوجوب إثبات الخلطة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه والفقهاء السبعة مالك خلافا للشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل ثم إن إثباتها يكون باعتراف الخصم بها وبشاهدين يشهدان بها وبشاهد ويمين وبعد ثبوتها تجب اليمين على المنكر ( الرابعة ) دعوى تسمع ويجب على المدعى عليه اليمين بنفس الدعوى دون خلطة وذلك في خمسة مواضع من ادعى على صانع منتصب للعمل أنه دفع له شيئا يصنعه له ومن ادعى السرقة على متهم بها ومن قال عند موته لي دين عند فلان والمريض في السفر يدعي أنه دفع ماله لفلان والغريب إذا ادعى أنه أودع وديعة عند أحد ( الفصل الثالث ) في صفة الحكم بينهما إذا جلسا إلى القاضي فهو مخير بين أن يسألهما من المدعي منهما أو يسكت حتى يبتدئاه فيتكلم المدعي أولا ويسمع كلامه حتى يفرع ثم يسأل المدعى عليه فإن أقر قضى عليه بإقراره وإن أنكر طولب المدعي بالبينة وإن امتنع من الإقرار والإنكار سجنه القاضي حتى يقر أو ينكر تكميل وبيان إذا طولب المدعي بالبينة ضرب له في ذلك أجل على قدر الدعوى وقرب البينة وبعدها وذلك راجع إلى اجتهاد الحاكم فإن شاء ضرب له أجلا بعد أجل وإن شاء جعل له أجلا واحدا صارما فإذا انقضى الأجل فله ثلاثة أحوال إما أن يأتي بشاهدين أو بشاهد واحد أو لا يأتي بشيء فأما ( الحالة الأولى ) وهي أن يأتي بشاهدين عدليت في جميع الحقوق أو برج وامرأتين حيث يحكم بذلك قضى له بعد الأعذار إلى المدعى عليه ولا يحكم على أحد إلا بعد الأعذار إلى المدعى عليه ولا يحكم على أحد إلا بعد الأعذار إليه فإذا أعذر إليه فيما ثبت عليه فإن ادعى أن له مدفعا أو مقالا كتجريح الشهود أو عداوة بينه وبينهم أو غير ذلك مكن من الدفع وضرب له أجل في ذلك فإن اعترف أن ليس له مدفع ولا مقال أو عجز بعد التمكين منالأعذار إليه قضى عليه وهذا فيمن يصح الأعذار إليه وهو الحاضر المالك أمر نفسه فإن كان المدعى عليه غائبا أو صغيرا أو سفيها حلف المدعي بعد ثبوت حقه يمين القضاء بأنه ما قبض شيئا من حقه ولا وهبه ولا أسقطه ولا أحال له ولا استحال ولا أخذ فيه ضامنا ولا رهنا وإن حقه باق على المطلوب إلى الآن وحينئذ يحكم وتقوم هذه اليمين مقام الأعذار وأما ( الحالة الثانية ) فهي أن يأتي باشهد واحد عدل فلا يخلو أن يكون في الأموال أو في الطلاق والعتاق أو في غير ذلك فإن كان في الأموال أو فيما يؤول إليها حلف مع شاهده بشرط أن يكون بين العدالة وقضى له وفاقا للشافعي وابن حنبل والفقهاء السبعة خلافا لأبي حنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن يحيى الأندلسي وإن شهد له امرأتان حلف معهما خلافا للشافعي فإن نكل المدعي عن اليمين مع الشاهد أو المرأتين انقلبت اليمين على المدعى عليه فإن حلف برىء وإن نكل قضى عليه خلافا للشافعي وإن كان في الطلاق أو في العتاق لم يحلف المدعي مع شاهده ووجبت اليمين على المدعى عليه فإن حلف برىء وإن نكل فقال أشهب يقضي عليه وقال ابن القاسم يحبس سنه ليقر أو يحلف فإن تمادى على الامتناع متهما أخلي سبيله وقال سحنون يحبس ابدأ حتى يقر أو يحلف وإن كان في النكاح أو الرجعة أو غير ذلك لم يحلف المدعى عليه وكان الشاهد كالعدم فرع أن شهد شاهد واحد لمن لا تصح منه اليمين كالصغير وجبت اليمين على المشهود عليه فإن نكل قضى عليه وإن حلف برىء وقيل يوقف المحلوف عليه حتى يبلغ الصبي ويملك أمر نفسه ويستحلف حينئذ فإن حلف وجب له الحق وإن نكل حلف المطلوب حينئذ وبرىء فإن نكل أخذ الحق منه فرع يقوم الورقة في اليمين مع الشاهد مقام موروثهم فيحلفون معه حيث يحلف هو ويقضي لهم ( الحالة الثالثة ) وهي أن يأتي المدعي بشيء فإن كان في الأشياء التي لا يقبل فيها إلا شاهدان وذلك ما عدا الأموال كالنكاح والطلاق والعتاق والنسب والولاء وقتل العمد لم تجب اليمين على المدعى عليه ولم تنقلب على المدعي ولم يلزم شيء بمجرد الدعوى خلافا للشافعي وإن كان في الأموال وما يؤول إليها مما يقبل فيه رجل وامرأتان فحينئذ تجب اليمين على المنكر بعد إثبات الخلطة أو دونها حيث لا يشترط فإن حلف برىء وإن نكل لم يجب شيء بنكوله وقال أبو حنيفة يغرم بنكوله وعلى المذهب تنقلب اليمين على المدعى فإن حلف أخذ حقه وإن نكل فلا شيء له قال ابن حارث وكل من وجبت اليمين له أو عليه في الأموال أو الجراح خاصة ونكل عنها فلا بد من رد اليمين على صاحبه طلب ذلك خصمه أو لم يطلبه فإن نكل من انقلبت عليه اليمين بطل حقه إن كان طالبا وغرم إن كان مطلوبا تلخيص ما تقدم أنه يحكم في دعوى الأموال بستة أشياء بشاهدين وشاهد ويمين المدعي وبامرأتين ويمين المدعي وبشاهد ونكول المدعى عليه وبامرأتين ونكول المدعى عليه وبيمين المعدي ونكول المدعى عليهفرع إذا تعارضت البينتان رجح أعدلهما وإن كان أقل عددا في المشهور وقيل يرجح بالكثرة وفاقا للشافعي فإن تعارض شاهدان مع شاهد ويمين فاختلف هل يرجح الشاهدان أو الشاهد واليمين فرع ليس للمدعي أن يطلب المدعى عليه بضامن عند ابن القاسم حتى يقيم على دعواه شاهدا وحينئذ يحكم عليه بالضامن إلى أن يحكم بينهما فإن كان فيما لا يصح فيه الضمان كالحدود حبس له إن أتى بشاهد فرع إذا أنكر المدعى عليه إنكارا كليا على العموم ثم اعترف بذلك أو قامت عليه بينة فأقام بينة بعد ذلك بالبراءة لم تنفعه لإنكاره أولا فإن كان قال مالك علي من هذا شيء نفعته البراءة وكذلك تنفعه إن أتى بوجه له فيه عذر مسألة إذا عجز المدعي عن الإثبات بعد الآجال وسأل المدعى عليه القاضي أن يعجزه أشهد القاضي بتعجيزه بعد اعترافه بالعجز ويصح التعجيز في كل دعوى إلا في خمسة أشياء في العتق والطلاق والنسب والأحباس والدماء وفائدة التعجيز أنه إن أقام بعده بينة لم يقض بها وقيل يقضى له بها إذا حلف أنه لم يعلم بها وإن لم يعجزه القاضي فله القيام بها ويقضى له بها وسحنون وابن الماجشون لا يقولان بالتعجيز وإن ادعى بعد الآجال أن له بينة يرتجيها نظر فإن أمكن صدقه ضرب له أجل آخر وإن تبين لدده قضى عليه وأرجيء له الحجة وله القيام بها متى وجدها عند هذا القاضي أو غيره فرع إذا التبس على القاضي أمر العقود القديمة ورجا في تقطيعها تقريب أمر الخصمين قطعها وقد أحرقها أبان بن عثمان واستحسنه مالك
الباب الخامس في الحكم في التداعي والحوز
إذا تداعى رجلان ملك شيء فلا يخلو من ثلاثة أوجه إما أن يكون الشيء المدعى بيد كل واحد منهما وإما أن لا يكون بيد واحد منهما وفي كل واحد من هذين الوجهين يكون كل واحد منهما مدعيا ومدعى عليه لأنهما مستويان في الدعوى وإما أن يكون بيد واحد منهما قد حازه دون الآخر فيكون من حازه مدعى عليه لأن الحوز يقوي دعواه ويكون الآخر مدعيا لأنه ليس له ما يقوي دعواه فأما حيث يكون كل واحد منهما مدعيا فعلى كل واحد إثبات الملك واتصاله إلى حين النزاع ثم لا يخلو أن يقيم البينة أحدهما أو كل واحد منهما أو لم يقم أحد منهما فإن أقامها أحدهما حكم له بعدم الاعذار إلى الآخر وإن أقامها كل واحد منهما حكم لمن كانت بينته أعدل فإن تساوت البينتان في العدالة قسم بينهما بعد إيمانهما وإن لم يكن لواحد منهما بينة قسم أيضا بينهما بعد إيمانهم بيان وإذا قلنا يقسم بينهما فإن استويا في مقدار الدعوى استويا في القسمة مثل أن يدعي كل واحد منهما جميعه فيقسم بينهما نصفين وإن اختلفافي مقدار الدعوى في القلة والكثرة فمذهب مالك أنه يقسم بينهما على قدر الدعاوي وتعول عول الفرائض ومذهب ابن القاسم أنه يقسم بينهما على قدر الدعاوي ويختص صاحب الأكثر بالزيادة التي وقع تسليم الآخر له فيها بدعوى الأقل مثل ذلك إذا ادعى أحدهما جميعه والآخر نصفه فعلى مذهب مالك تعول بنصف لأن أحدهما ادعى نصفين والآخر نصفا فيقسم على ثلاثة يكون لمدعي الجميع اثنان ولمدعي النصف واحد وعلى مذهب ابن القاسم يكون لمدعي الجميع ثلاثة أرباع ولمدعي النصف ربع لأن مدعي النصف قد سلم في النصف الآخر لمدعي الجميع فيختص به ويقسم بينهما النصف المتنازع فيه ويتبع هذا الحساب كثرة الدعاوي والمتداعين وأما إن كان بيد واحد منهما فلا يخلو الذي حازه أن يكون بيده مدة الحوز أو أقل فإن بقي مدة الحوز فأكثر وهي عشرة أعوام بين الأجانب وخمسون بين الأقارب وقيل أربعون مع حضور خصمه وعلمه وسكوته لم تسمع دعواه ولم تقبل بينته إلا إن أثبت أنه بيد الحائز على وجه الكراء أو المساقاة أو الإعتمار أو شبه ذلك وأن كان له أقل من مدة الحوز طولب المدعي بإثباته بينة فإن أثبته استحقه بعد أن يحلف أنه ما باعه ولا فوته ولا خرج عن ملكه وإن لم يثبته قضي به لحائزه بعد أن يحلف أنه ما باعه ولا فوته ولا خرج عن ملكه فإن نكل حلف المدعي وحكم له به فإن نكل المدعي بقي بيد الحائز بيان الشهادة على إثبات الشيء المدعي فيه تكون على عينه فيحضر حين أداء الشهادة وتؤدى على عينه وإن كان عقارا وقف القاضي إليه مع الشهود أو وجه شهود الحيازة على الشهود فيقولون لهم هذا هو الذي شهدنا به عند القاضي ثم يعذر غلى الخصم في شهود الإثبات وشهود الحيازة فرع إن كان المدعى عليه عرضا أو حيوانا أمر القاضي بإيقافه حتى يحكم فيه ونفقة العبد والدابة في مدة الإيقاف على من يثبت له وإن كان عقارا فإن أقام الطالب شاهدا واحدا منع الذي هو بيده من إحداث شيء فيه فإن أقام شاهدا ثانيا أخرج من يده ومنع من التصرف فيه وأغلق إن كان دارا حتى ينفذ الحكم فيه
الباب السادس في اليمين في الأحكام وفيه ثلاث مسائل
( المسالة الأولى ) في المحلوف به وهو ( بالله الذي لا إله إلا هو ) لكل حلف في جميع الحقوق على المشهور وقيل يزاد في القسامة واللعان ( عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ) وقيل يزيد اليهودي ( الذي أنزل التوراة على موسى ) والنصراني ( الذي أنزل الإنجيل على عيسى ) وقال الشافعي يزاد ( الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ) ( المسألة الثانية ) في المحلوف عليهواليمين في الأحكام كلها على نية المستحلف وهو القاضي فلا تصح فيها التورية ولا بنفع الإستثناء ثم أن اليمين أربعة أنواع ( الأولى ) يمين المنكر على نفي الدعوى فإن حلف على مطابقة الإنكار بريء اتفاقا وإن حلف على أعم من ذلك ففيه خلاف مثل لو جحد البائع قبض الثمن فأحلفه المشتري فإن حلف أنه لم يقبض من عنده شيئا من الثمن بريء وإن حلف أن ليس له عنده شيء على الإطلاق فقولان ( الثانية ) يمين المدعي على صحة دعواه إذا انقلبت اليمين عليه ( الثالثة ) يمين المدعي مع شاهده فيحلف أنه شهد له بالحق ( الرابعة ) يمين القضاء بعد ثبوت الحق على الغائب والمحجور حسبما تقدم ثم أن الحالف إن حلف على ما ينسبه إلى نفسه حلف على البت في النفي والإثبات وإن حلف على ما ينسبه إلى غيره حلف على البت في الإثبات كيمبنه أن لموروثه على فلان دينا وعلى العلم في النفي كحلفه أنه لا يعلم على موروثه شيئا ( المسألة الثالثة ) في مكان الحلف وزمانه أما المكان ففي المسجد قائما مستقبل القبلة وإن كان في مسجد المدينة حلف على المنبر ولا يشترط الحلف على المنبر في سائر المساجد خلافا للشافعي وقيل إن حلف على أقل من ثلاثة دراهم أو ربع دينار شرعي حلف قاعدا حيث يقضى عليه من مسجد أو غيره ويحلف اليهودي والنصراني حيث يعظمون من كنائسهم وتحلف المخدرة وهي المرأة التي لا تخرج في المسجد بالليل على ما له بال وتحلف في بيتها على أقل من ثلاثة دراهم أو ربع دينار شرعي وإذا وجبت اليمين على مريض فإن شاء خصمه أحلفه في موضعه أو أخره إلى أن يبرأ واما الزمان ففي كل وقت إلا في القسامة واللعان فيحلف بعد صلاة العصر ويوجه القاضي شاهدين للحضور على اليمين ويجزي واحد فرع إذا حلف المنكر ثم أقام المدعي بينة فإن كانت غائبة أو كان لم يعلم بها قضى له بها وإن كان عالما بها وهي حاضرة لم يقض له بها ولم تسمع بعد اليمين في المشهور وفاقا للظاهرية وخلافا لهما ولأشهب
الباب السابع في شروط الشهود
وهي سبعة الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والتيقظ والعدالة وعدم التهمة فأما الإسلام والعقل فمشترطان إجماعا إلا أن أبا حنيفة أجاز شهادة الكفار على الوزصية في السفر وأما الحرية فمشترطة خلافا للظاهرية وابن المنذر وأما البلوغ فيشترط في كل موضع إلا أن مالكا أجاز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الدماء خلافا لهم بشرط أن يتفقوا في الشهادة وأن يشهدوا قبل تفرقهم وأن لا يدخل بينهم كبير واختلف في أناثهم وأما التيقظ فتحرزا به من المغفل فلا تقبل شهادته وإن كان صالحا وأماالعدالة فمشترطة إجماعا والعدل هو الذي يجتنب الذنوب الكبائر ويتحفظ من الصغائر ويحافظ على مروءته فلا تقبل شهادة من وقع في كبيرة كالزنى وشرب الخمر والقذف وكذلك الكذب إلا إن تاب وظهر صلاحه فتقبل شهادته إلا أن يشهد على أحد بما كان هو قد حد فيه فلا تقبل شهادته في المشهور ولا يشترط في الشاهد انتفاء الذنوب فإن ذلك متعذر وقال أبو حنيفة يكفي في العدالة الإسلام وعدم معرفة الجرحة وتسقط الشهادة بالإدمان على الشطرنج والنرد وبالإشتغال به عن صلاة واحدة حتى يخرج وقتها وترك صلاة الجمعة ثلاث مرات من غير عذر وقيل بتركها مرة واحدة وتسقط أيضا بفعل ما يسقط المروءة وإن كان مباحا كالأكل في الطرقات والمشي حافيا أو عريانا وملازمة سماعه وأما عدم التهمة فيرجع إلى ستة أمور ( الأول ) الميل للمشهود له فلا تقبل شهادة الولد لوالديه ولا لأجداده وجداته ولا شهادة واحد منهم له عند الجمهور ولا شهادة الزوج لامرأته ولا شهادتها له خلافا للشافعي ولا شهادة وصي لمحجوره واختلف في شهادة الأخ لأخيه وقيل تقبل إذا كان عدلا مبرزا وقيل إذا لم يكن تحت صلته واختلف في شهادة الصهر لصهره والصديق لصديقه وفي شهادة الرجل لابن امرأته وفي شهادة المرأة لابن زوجها وفي شهادة الولد لأحد والديه على الآخر وفي شهادة الوالد لأحد ولديه على الآخر ( الثاني ) الميل على المشهود عليه فلا تقبل شهادة العدو على عدوه خلافا لأبي حنيفة ولا الخصم على خصمه وكل من لا تقبل شهادته عليه فتقبل له وكل من لاتقبل شهادته له فتقبل عليه ( الثالث ) أن يجر لنفسه منفعة بالشهادة أو يدفع عن نفسه مضرة مثل من شهد على موروثه المحصن بالزنى فيرجم ليرثه أو من له دين على مفلس فيشهد للمفلس أن له دينا على آخر ليتوصل غلى دينه أو من شهد بحق له ولغيره ( الرابع ) الحرص على الشهادة في التحمل أو الأداء أو القبول أو يحلف على شهادته فذلك قادح فيها ( الخامس ) شهادة السؤال الذين يتكففون الناس لعدم الثقة بهم 0 ( السادس ) شهادة بدوي على قروي فلا تقبل في الأموال وشبهها مما يمكن الإشهاد عليها في الحضر بخلاف ما يطلب به الخلوات كالدماء بيان وهذه الشروط السبعة التي ذكرنا في الشهود إنما تشترط في حين أداء الشهادة وأما في حين تحملها فلا يشترط إلا التيقظ والضبط لما يشهد فيه سواء كان في حين التحمل مسلما أو كافرا عدلا أو غير عدل أو حرا أو عبدا وإذا ردت شهادة العبد أو الكافر أو الصغير أو الفاسق ثم انقلبت أحوالهم عن ذلك لم تقبل شهادتهم فيما كانوا قد ردت فيه شهادتهم فرع إذا عثر على شاهد الزور عوقب بالسجن والضرب ويطاف به في المجالس وقال ابن العربي يسود وجهه ولا تقبل شهادته أبدا لأنه لا تعرف توبته ( فرع ) شهادة الأعمى جائزة فيما وقع له العلم به بسماع الصوت أو لمس أو غير ذلك ما عدا النظر خلافالهما
الباب الثامن في مراتب الشهادات والشهود
أما الشهادة فهي على ست مراتب ( الأولى ) شهادة أربعة رجال وذلك في الشهادة على الرؤية في الزنا بإجماع ( الثانية ) شهادة رجلين وذلك في جميع الأمور سوى الزنا ( والثالثة ) شهادة رجل وامرأتين وذلك في الأموال خاصة دون حقوق الأبدان والنكاح والعتق والدماء والجراح وما يتصل بذلك كله واختلف في الوكالة على المال وأجازها أبو حنيفة في النكاح والطلاق والعتق وأجازها الظاهرية مطلقا ( والرابعة ) شهادة امرأتين دون رجل وذلك فيما لا تطلع عليه الرجل كالحمل والولادة والإستهلال وزوال البكارة وعيوب النساء وقيل إنما يعمل بها بشرط أن يفشو ما شهدتا به عند الجيران وينتشر وقال الشافعي لا بد من أربع نسوة وأجاز أبو حنيفة شهادة امرأة واحدة ( والخامسة ) رجل مع يمين وذلك في الأموال خاصة ( والسادسة ) امرأتات مع يمين وذلم في الأموال أيضا فتلخص أن شهادة رجل وامرأتين أو رجل ويمين أو امرأتين ويمين مختصة بالأموال وأما مراتب الشهود فهي أيضا ست ( الأولى ) العدل المبرز في العدالة فتقبل شهادته في كل شيء ولا يقبل فيه التجريح إلا بالعداوة ( الثانية ) العدل غير المبرز فتقبل شهادته في كل شيء ويقبل فيه التجريح بالعداوة وغيرها ( الثالثة ) الذي تتوسم فيه العدالة ( الرابعة ) الذي لا تتوسم فيه العدالة ولا الجرحة ( الخامسة ) الذي تتوسم فيه الجرحة فلا تقبل شهادة هؤلاء الثلاثة دون تزكية ( السادسة ) المعروف بالجرحة فلا تقبل شهادته حتى يزكي وإنما يزكيه من علم توبته ورجوعه عما جرح به بيان يجب أن يقول المزكي هو عدل رضي واختلف أن اقتصر على قوله عدل أو على قوله رضي ولا يكفي أن يقول لا أعلم فيه إلا خيرا ويجب أن ينص المجرح على الجرحة ما هي وعلى تاريخها إذ يمكن أن يكون قد تاب منها ولا يكفي في التجريح والتعديل أقل من شاهدين إلا أن يسأل القاضي رجلا فيخبره فيكفي واحد لأنه من باب الخبر ويشترط في المزكي كل ما يشترط في الشاهد من الشروط ويزاد إلى ذلك ثلاثة شروط ( أحدها ) أن يكون عارفا بالتزكية ( الثاني ) أن يكون مطلعا على أحوال المزكي بمجاورته أو مخالطته له ( الثالث ) أن يكون ذكرا فلا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهن فرع إذا زكى شاهدان رجلا وجرحه آخران قدم الشاهدان بالتجريح وقيل يقدم من كان أعدل فرع لا يجرح الشاهد إلا من هو أظهر منه عدالة إلا إن جرحه بالعداوة فيجوز تجريح من هو مثله أو دونه
الباب التاسع في التحمل والأداء ومستند علم الشاهد وفيه خمس مسائل
( المسألة الأولى ) في تحمل الشهادة وأدائها وكلاهما فرض كفاية إلا أن تعين أما التحمل فلا يجب على الشاهد أن يتحمل إلا أن يفتقر إليه ويخشى تلف الحقوق لعدمه وأما أداء الشهادة فيجب على من تحملها إذا كان متعينا وذلك إذا لم يشهد غيره أو تعذر أداء سائر الشهود ودعي إلى أدائها من مسافة قريبة كالبريد والبريدين ولا يجوز أخذ الأجرة على الأداء لأنه واجب ( المسألة الثانية ) في ابتداء الشاهد بأداء شهادته قبل أن يدعى إلى الأداء وذلك على ثلاثة أقسام ( الأول ) يجب عليه فيه الإبتداء ويجوز له وذلك فيما كان من حقوق الله وهو يستدام فيه التحريم كالطلاق والعتاق والشهادة بالرضاع والأحباس ( الثاني ) لا يجب عليه فيه الإبتداء ويجوز له وذلك فيما كان من حقوق الله ولا يستدام فيه تحريم كالزنا وشرب الخمر وترك الإبتداء بالشهادة أولى لأنه ستر ( الثالث ) لا يبدأ فيه بالأداء حتى يدعى فإن دعي إليه أدى وإن سكت عنه ترك ذلك وإن بدأ بها قبل أن دعي إليها لم تقبل منه وذلك في حقوق الناس بعضهم على بعض فروع من كانت عنده شهادة لرجل لا يعلم بها صاحبها فليخبره بها ثم يؤديها عند الحاكم إن طلبه صاحبها بالأداء ومن أدخله رجلان بينهما للصلح جاز له أن يشهد بالصلح ولا يشهد بما أقر به أحدهما ومن قال له رجلان اسمع منا ولا تشهد علينا فلا يفعل فإن فعل واحتيج إلى شهادته فليؤدها ومن سمع رجلا يقر بحق فلا يشهد عليه حتى يستشهد لأنه يمكن أن يكون خبرا عما تقدم إلا أن قال المقر هو علي الآن ونحو من اليقين ومن أقر في الخلا وجحد في الملا فيجوز أن يجعل الغريم من يسمع إقراره خلف حائط أو ستر إلا إن كان المقر ضعيفا أو مخدوعا فلا يجوز للشاهد أن يستتر عنه ولا تجوز الشهادة عليه بذلك ( المسألة الثالثة ) في الشهادة على الخط وقد اختلف فيها ولكن جرى العمل بجوازها وهي على ثلاثة أنواع شهادة الشاهد على خط نفسه وشهادة الشاهد على خط شاهد غيره وشهادة الشاهد على خط غيره بما أقر به ( المسألة الرابعة لا يجوز للإنسان أن يشهد إلا بما علمه يقينا لا يشك فيه إما برؤية أو سماع إلا أنه تجوز الشهادة على شهادة شاهد آخر ونقلها عنه بالقاضي إذا تعذر أداء الشاهد الأول لمرضه أو غيبته أو موته أو غير ذلك في جميع الحقوق ومنعها الشافعي في حقوق الله وأبو حنيفة في القصاص ويكفي شاهدان في نقل شهادة شاهدين وقال الشافعي أربعة ( المسألة الخامسة ) تجوز الشهادة بالسماع الفاشي في أبواب مخصوصة وهي عشرون النكاح والرضاع والحمل والولادة والموت والنسب والولاء والحرية والأحباس والضرر وتولية القاضي وعزله وترشيد السفيه والوصيةوإن فلانا وصى والصدقات المتقادمة والأشربة المتقادمة والإسلام والعدالة والجرحة ولا تجوز الشهادة بالسماع الفاشي في أثبات ملك لطالبه وإنما تجوز للذي هو في يديه بشرط حوزه له سنين كثيرة كالأربعين والخمسين فرع اختلف فيمن رفع إلى الشهود كتابا مطبوعا وقال اشهدوا علي بما فيه وفي القاضي يطبع على كتاب ويشهد الشهود بأنه كتابه فقيل تجوز الشهادة وإن لم يقرؤوه وقيل لا تجوز إلا أن يقرؤوه ويعلموا ما فيه
الباب العاشر في رجوع الشاهد عن شهادته
فإن رجع قبل الحكم بها لم يحكم ولم يلزمه شيء خلافا لقوم وإن رجع بعد الحكم لم ينقض الحكم عند الجمهور خلافا للأوزاعي وسعيد بن المسيب ويلزم الشاهد ما أتلف بشهادته إذا أقر أنه تعمد الزور ثم أن شهادته التي رجع عنها بعد الحكم إن كانت في مال لزمه غرمه وإن كانت في دم غرم الدية في الخطأ والعمد وفاقا لأبي حنيفة وقال أشهب يقتص منه في العمد وفاقا للشافعي وإن كانت في حد فإن رجع قبل الحكم حد وإن رجع بعده حد أيضا فإن كان الحد رجما فاختلف هل تؤخذ منه الدية أو يقتل وإن كانت في عتق لزمه قيمة العبد لسيده وإن كانت في طلاق قبل الدخول لزم الشاهدين نصف الصداق بخلاف بعد الدخول فلا يلزمهما شيء وقال أبو حنيفة صداق المثل وإذا ادعى الشاهد الغلط فاختلف هل يلزمه ما لزم المتعمد للكذب أم لا والصحيح أنه يلزمه في الأموال لأنها تضمن في الخطأ فرع إذا حكم حاكم بشهادة شاهدين ثم قامت بعد الحكم بينة بفسقهما لم يضمن ما أتلف بشهادتهما ولو قامت بينة بكفرهما أو رقهما ضمن
الكتاب السادس في الأبواب المشاكلة للأقضية لتعلقها بالأحكام وفيه ستة عشر بابا
الباب الأول في الإقرار وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في المقر وكل مقر يقبل إقراره إلا ستة وهم الصبي والمجنون فلا يقبل إقرارهما مطلقا والثالث العبد يقبل إقراره فيما يرجع إلى بدنه كالحدود دون ما يرجع إلى المال والرابع السفيه فيقبل إقراره في الجنايات والحدود دون الأموال والخامس المفلس وسيأتي حكمه والسادس المريض فلا يقبل إقراره لمن يتهم بمودته من قريب أو صديق ملاطف سواء كان وارثا أو غير وارث إلا أن يجيزه الورثة ويقبل فيما سوى ذلك فرع إذا أبرأ المريض أحد ورثته من شيء فإن كان ابراؤه من شيء لو ادعى الوارث البراءة منه كلف البينة على ذلك لم تنفعه تبرئة المريض وعليه أن يقيم البينة على صحة ذلك وإلا غرم وإن كان ابراؤه مما لو ادعى البراءة منه صدق بغير بينة نفعته التبرئة ومن أقر على نفسه وعلى غيره لزمه الإقرار على نفسه ولم يلزمه إقرار على غيره ولكنه يكون شاهدا فيه ولذلك لا يقبل قرار الوصي على محجوره ولا الأب على ولده الصغير أو الكبير ويكونان شاهدين ومن أقر بما له وما عليه قبل إقراره فيما عليه دون ماله ( الفصل الثاني ) في المقر به إذا كان اللفظ بينا لزمه ما أقر به من مال أو حد أو قصاص فإن كان لفظا محتملا حمل على أظهر معانيه وفي هذا الفصل فروع كثيرة اختلف الفقهاء فيها لاختلاف معانيها فمن قال لفلان علي شيء قبل تفسيره بأقل ما يتمول ولو قال له علي مال قبل ما يفسر به ولو حبة أو قيراطاويحلف وقيل لا يقبل في أقل من نصاب الزكاة وقيل في ربع دينار ولو قال مال عظيم أو كثير فقيل هو كقوله مال وقيل هو ألف دينار قدر الدية فلو قال كذا فهو كالشيء يقبل ما يفسره به ولو قال كذا وكذا بالعطف لزمه أحد وعشرون لأنه أقل الأعداد المعطوفات فلو قال كذا درهما لزمه عشرون ولو قال كذا وكذا درهما بغير واو لزمه أحد عشر لأنه أقل عدد مركب ولو قال عشرة دراهمونيف فالقول قوله في النيف ولو قال له علي ألف فسرها بما شاء من دنانير أو دراهم أو غير ذلك وإن قال له علي بضعة عشر كان ثلاثة عشر لأن البضعة من الثلاثة إلى التسعة ولو قال له علي أكثر مائة أو جل مائة أو نحو مائة أو مائة إلا قليلا فعليه الثلثان وقيل النصف وزيادة وهو أحد وخمسون ولو قال دنانير أو دراهم أو جمع من أي من الأصناف كان لزمه ثلاثة وكذلك إن صغر فقال دريهمات ولو قال دراهم كثيرة فقيل يلزمه أربعة وقيل تسعة وقيل مائتان ولو قال ما بين واحد إلى عشرة لزمته تسعة وقيل عشرة ولو قال عشرة في عشرة لزمته مائة إلا أن فسرها بأنه تعينت له عنده عشرة في عشرة باعها منه ولو قال له علي زيت أو عسل في زق أو في جرة لزمه المقر به والوعاء ولو قال درهم درهم لزمه درهم واحد وللطالب أن يحلفه أنه ما أراد درهمين ولو قال درهم ودرهم أو درهم ثم درهم أو درهم مع درهم أو فوق درهم أو تحت درهم أو قبل درهم أو بعد درهم لزمه درهمان ولو قال درهم بل دينار لزمه الدينار وسقط الدرهم ولو قال لفلان في هذه الدار نصيب أو حق قبل تفسيره بما قل أو كثر إلا أن يدعى المقر له أكثر فيحلفه على نفي الزيادة ولو قال يوم السبت له علي ألف وقال كذلك يوم الأحد لم يلزمه إلا ألف واحد إلى أن يضيف إلى شيئين مختلفين ولو اختلف الإقرار فأقر له في موطن بمائة وفي موطن آخر بمائتين لزمه ثلاثمائة ولو قال له علي ألف من خمر أو خنزير لم يلزم شيء ولو قال له علي ألف إن حلف فحلف المقر له فلا شيء له لأن المقر يقول ما ظننت أنه يحلف وإن أقر بمائة دينار دينا لزمته دينا أو وديعة لزمته وديعة فإن قال دينا أو وديعة كانت دينا مسألة في الاستثناء إذا استثنى ما لا يستغرق صح كقوله علي عشرة إلا تسعة فيلزمه واحد فإن استثنى فقال عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا إثنان إلا واحد لزمته خمسة فإن استثنى من غير الجنس كقوله ألف درهم إلا ثوبا صح الاستثناء على المشهور وذكر قيمة الثوب فأخرجت من الألف وقيل استثناؤه باطل ( الفصل الثالث ) في الرجوع عن الإقرار فإن أقر بحق لمخلوق لم ينفع الرجوع وإن أقر بحق الله تعالى كالزنى وشرب الخمر فإن رجع إلى شبهة قبل منه وإن رجع إلى غير شبهة ففيه قولان قيل يقبل منه وفاقا لهما وقيل لا يقبل منه وفاقا للحسن البصري
الباب الثاني في الحكم على المديان وهو الغريم
ويقال أيضا غريم لصاحب الحق وفي الباب ثلاثة فصول ( الفصل الأول ) في أنواع الغرماء وهم ثلاثة أنواع ( الأول ) غريم ملي فهذايجب الأداء ولا يحل له المطل ( الثاني ) غريم معسر غير عديم فيستحب تأخيره وهو الذي يجحف به الأداء ويضرب به ( الثالث ) غريم معسر عديم فيجب تأخيره إلى أن يوسر وقال أبو حنيفة لغرمائه أن يلازموه ويدوروا معه حيثما دار وقال عمر بن عبدالعزيز وابن حنبل لهم أن يؤاجروه وكان الحكم في أول الإسلام أن يباع في دينه فنسخ لقول الله تعالى ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) ( الفصل الأول ) في الحكم على المذيان فإذا عدا صاحب الحق غريمه إلى القاضي بعد ثوبت الحق وحلوله فلا يخلو من وجهين ( الأول ) أن يدعي العدم ( الثاني ) أن لا يدعي العدم فأما إن ادعى العدم فلا يقبل منه لأن الناس محمولون على الملاء حتى يثبت عدمهم فأما أن يعطي رهنا أو ضامنا بوجهه وإلا سجن اتفاقا حتى يتبين عدمه ويتبين عدمه إن ثبت بالشهود العدول ويحلف بعد ذلك أنه ما له مال ولا ظاهر ولا باطن لأن شهادة الشهود بالعدم هي على نفي العلم ويحلف هو على البت فإذا خلف بعد الثبوت سرح وسقط عنه الطلب حتى يستفيد مالا ويؤدي منه فإن ادعى صاحب الحق بعد ذلك أنه قد استفاد مالا لم يكا له أن يحلفه وأما الوجه الثاني وهو إذا لم يدع الغريم العدم فإنه يؤمر بالأداء فإن قال أمهلوني بينما يتيسر لي أعطي رهنا أو ضامنا بالمال لم يسجن ويؤخره القاضي مدة على حسب قلة الدين وكثرته وذلك يرجع إلى اجتهاد القاضي وهذا إذا لم يكن من أهل الناض فإن كان من أهل الناض لم يؤخر وأمر بالأداء معجلا فإن امتنع منه سجن فإن ادعى صاحب الحق أن عند الغريم ناضا وأنكر الغريم حلف الغريم أنه ليس عنده ناض فإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق وأجبر الغريم على الأداء ولم يؤخر فإن طلب صاحب الحق أن يفتش دار الغريم فاختلف هل يمكن من ذلك أم لا ( الفصل الثالث ) في سجن الغريم وهو على ثلاثة أنواع ( الأول ) سجن من ادعى العدم وجهلت حالته فيسجن حتى يثبت عدمه أو يعطي ضامنا بوجهه ( الثاني ) سجن من اتهم أنه أخفى مالا وغيبه فإنه يسجن حتى يؤدي أو يثبت عدمه إلى أن يعطي ضامنا بالمال ( الثالث ) يسجن من أخذ أموال الناس وتقعد عليها وادعى العدم فتبين كذبه فإنه يحبس أبدا حتى يؤدي أموال الناس أو يموت في السجن وقال سحنون يضرب المرة بعد المرة حتى يؤدي أموال الناس ولا ينجيه من ذلك إلا ضامن بالمال
الباب الثاني في التفليس
الفلس هو عدم المال والتفليس هو خلع الرجل عن ماله للغرماء فإذا أحاط الدين بمال أحد ولم يكن في ماله وفاء بديونه وقام الغرماء عند القاضي فإنهيجري في ذلك على المديان أحكام التفليس وهي خمسة ( الأول ) أني سجن استبراء لأمره ( الثاني ) أن تحل عليه الديون المؤجلة والمعجلة في المذهب بعد سجنه أو استتاره كما تحل على الإنسان إذا مات اتفاقا ( الثالث ) أن لا يقبل إقراره بدين وشبهه وإن كان إقراره بعد الديون وقبل التفليس قبل فيمن لا يتهم عليه ولا يقبل فيمن يتهم بالميل إليه من قريب أو صديق فإن كان إقراره بعد التفليس لم يقبل أصلا ولكن يجب في ذمته متى استفاد مالا واختلف في إقراره بمال معين كالوديعة بينة والقراض فقيل يقبل وقيل لا يقبل وقيل يقبل إن كان على أصل القراض والوديعة بينه ( الرابع ) أن يحجر عليه فلا ينفذ تصرفه في ماله فإن تصرف فيه بعد الديون وقبل التفليس نفذ ما كان تصرفه بعوض كالبيع ولم ينفذ ما كان بغير عوض كالهية والعتق واختلف في جواز رهنه وقضائه بعض غرمائه دون بعض وأما بعد التفليس فلا ينفذ شيء من أفعاله سواء كان بعوض أو بغير عوض ( الخامس ) قسم ماله على الغرماء بعد أن يترك له منه كسوته وما يأكله أياما هو وأهله وفي الواضحة الشهر ونحوه واختلف هل تترك كسوة زوجته وهل تباع عليه كتب العلم ثم يجتمع كل ما وجد له من أصول وعروض وغير ذلك وتباع الأصول والعروض ويقسم المجموع على الغرماء فإن وفيى بدينه سرح من السجن وبريء من الديون وإن كان ماله لا يقوم بالديون قسم قسمة المحاصة والعمل في المحاصة أن ينظر نسبة ماله من جميع الديون ويعطى كل واحد من الغرماء بتلك النسبة دينه مثال ذلك إذا كان مالخ عشرة دنانير والديون عشرون دينار فيعطى كل واحد منهم نصف دينه وكذلك لو كان ماله عشرة والديون ثلاثون أعطي كل واحد منهم ثلث دينه ويحلف المفلس أنه ليس له مال ظاهر ولا باطن يؤدي منه بقية دينه وحينئذ يسرح من السجن وقال أبو حنيفة ليس للحاكم أن يحجز على المفلس ولا يبيع ماله بل يحبسه حتى يؤدي أو يموت في السجن مسألة من باع سلعة ثم أفلس المشتري أو مات قبل أداء الثمن فله ثلاثة أحوال ( الأولى ) يكون البائع أحق بسلعته في فلس المشتري ووجه ذلك إذا كانت السلعة باقية بيد البائع وكذلك الصناع إذا أفلس رب المتاع أو مات والمتاع بيد الصناع وكذلك الأرض أحق بالزرع في الكراء ( الثانية ) يكون البائع أحل بالسلعة في فلس المشتري دون موته وهو إذا كانت السلعة باقية بيدالمشتري وقال الشافعي هو أحق بها في الموت والفلس وعكس أبو حنيفة ( الثالثة ) يكون البائع فيها سواء مع سائر الغرماء في الموت والفلس وهذا إذا كانت السلعة قد فاتت أو ذهبت فرع قال ابن حارث اتفقوا على أن البائع إذا وجد عين ماله بيد المشتري وقد زاد أو نقص كان له أخذه على ما يوجب الحكم في الزيادة والنقص وقال ابن محرز إن تغيرت تغيرا يسيرا فالحكم فيها أن صاحبها أحق بها وإن تغيرت تغيرا كثيرا بطل حق البائع فيها وإن ترتب الدين على الميت أو المفلس من كراء أو إجارة أو شيء غير البيع فالغرماء كلهم سواء
الباب الرابع في الحجر
المحجورون سبعة وهم الصغير والمجنون والسفيه والعبد والمريض والمرأة والمفلس فأما لصغير فهو غير البالغ فلا يجوز له التصرف في ماله فإن تصرف بعوض كالبيع والشراء فذلك إلى نظر وليه فإن شاء رد وإن شاء أجاز ولا كلام في ذلك لمن عامله وإذا رد ما باعه الصبي من ماله فلا شيء للمشتري مما دفع الثمن للصبي إلا أن يكون الصبي أنفق ذلك في مصالحه التي لا بد له منها فيلزم الولي رده وإن تصرف بغير عوض كالهبة والعتق فهو مردود وكل ما يعقد الوالد على ولده الصغير فحكمه فيه نافذ لولايته عليه ونظره له إلا ما وهب من ماله أو تصدق به فهو غير بائن وينفذ عتقه لرقيق ولده وتلزمه القيمة وكل ما أقر بهالوالد على ولده الصغير فيما ينظر له فيه فإقراره جائز وما أقر به عليه من الغصب والجناية لم يجز إقراره عليه وإنما هو فيه شاهد ويجوز للأب أن يشتري من نفسه لابنه الصغير وإن يشتري لنفسه من ماله إذا كان ذلك نظر للولد بيان فإذا بلغ فلا يخلو أن يكون ذكرا أو أنثى فإن كان ذكرا فهو على ثلاثة أقسام ( أحدها ) أن يكون أبوه حيا فإنه ينطلق من الحجر ببلوغه ما لم يظهر منه سفه أو يحجره أبوه ( الثاني ) أن يكون أبوه قد مات وعليه وصي فلا ينطلق من الحجر إلا بالترشيد فإن كان وصيه بتقديم الأب فله أن يرشده من غير إذن القاضي وإن كان الوصي مقدما من قاض لم يكن له ترشيد إلا بإذن القاضي وللقاضي ترشيد المحجور إذا ثبت عنده رشده سواء كان يوصي أو بغير وصي ( الثالث ) أن يبلغ ولا يكون أب ولا وصي وهو المهمل فهو محمول على الرشد إلا أن يتبين سفهه وإن كانت أنثى فهي تنقسم إلى تلك الأقسام الثلاثة فأما ذات الأب إذا بلغت فتبقى في حجره حتى تتزوج ويدخل بها زوجها وتبقى مدة بعد الدخول واختلف في تحديد تلك المدة من عام إلى سبعة أعوام وقيل لا تنطلق حتى يرشدها أبوها أو يشهد لها بالرشد وقال الشافعي وأبو حنيفة إذا بلغت ملكت أمرها وأما ذات الوصي فلا تنطلق من الحجر إلا بالترشيد حسبما ذكرنا وأما المهملة فقيل أنها تملك أمر نفسها إذا بلغت وقيل حتى يدخل بها زوجها أو تعنس وأما السفيه فهو المبذر لماله إما لإنفاقه باتباعه لشهوته وإما لعدم معرفته بمصالحه وإن كان صالحا في دينه والرشيد هو الضابط لماله ولا يشترط صلاحه في دينه خلافا للشافعي وابن الماجشون فإذا ثبت سفهه حجره القاضي وإن كان كبيرا وقال أبو حنيفة من بلغ خمسا وعشرين سنة انطلق من الحجر ولم يجز الحجر عليه وإن كان سفيها وأفعال السفيه نافذة ما لم يحجر عليه وابن الماشجون إنما تجوز أفعاله إذا كان رشيدا ثم سفه بخلاف من بلغ سفيها وطلاق السفيه نافذ وعتقه لأم ولده ولا يزوج بناته إلا بإذن وليه وأفعال المهمل نافذةعند غير ابن القاسم حتى يحجر عليه تكميل في أحكام الوصي فلا يجوز أن يكون الوصي إلا عدلا وإذا قبل الوصية في حياة الموصي فله أن يرجع في طول حياته ولا يرجع بعد مماته وكل ما يجيز الوصي من فعل المحجور فهو جائز وكل ما يفعله الوصي على وجه النظر فهو جائز بخلاف ما فعله على وجه المحاباة وسوء النظر ولا ينبغي له أن يشتري من مال الميت شيئا لما يلحقه من التهمة إلا أن يكون بيع ذلك قاض بالسواد على ملأ من الناس ولا يبيع الوصي عقار المحجور إلا لحاجة أو مصلحة ولا تجوز شهادة الوصي لمحجوره وإذا دفع الوصي دين الميت بغير بينة ضمن وإذا كان وصيان اثنان لم يفعل شيئا إلا بإذن الآخر ويكون المال عند أعدلهما ولا يقسم بينهما وإذا اختلفا نظر السلطان بينهما وإذا أنفق الوصي على المحجور فإن كان في حضانته صدق فيما يشبه دون بينة وإن لم يكن في حضانته فعليه البينة أنه أنفق عليهم أو دفع إليهم ويأكل الوصي الفقير من مال محجوره خلافا لأبي حنيفة ووصي الوصي كالوصي في كل ما ذكر وأما المجنون فيحجر عليه حتى يبرأ وأما العبد فلا يجوز له التصرف في ماله إلا بإذن سيده وقد تقدم في معاملة العبيد وأما المريض فهو نوعان مريض لا يخاف عليه الموت غالبا كالأبرص والمجذوم والأرمد وغير ذلك فلا حجر عليه أصلا ومريض يخاف عليه في العادة كالحمى والسل وذات الجنب وشبه ذلك فهذا هو الذي يحجر عليه فيمنع مما زاد على قدر الحاجة من الأكل والشرب والكسوة والتداوي ومما يخرج من ماله بغير عوض كالهبة والعتق ولا يمنع من المعارضة إلا أن كان فيها محاباة فإن مات كان ما فعل مما يمنع منه في ثلثه وإن عاش كان في رأس ماله وإنما الحجر عليه لحق ورثته ويلحق به من يخاف عليه الموت كالمقاتل في الصف والمحبوس للقتل والحامل إذا بلغت ستة أشهر واختلف في راكب البحر وقت الهول وأما المرأة فإنما يحجر عليها إذا كانت ذات زوج أن تتصرف بغير عوض كالهبة والعتق فيما زاد على ثلث مالها خلافا لهما وإذا تصرفت في أكثر من الثلث فقيل تبطل الزيادة على الثلث خاصة وقيل يبطل الجميع ولها التصرف بعوض في جميع ماله وبغير عوض في فما دون إلا أن تكون قد أمتعت زوجها في مالها فليس لها التصرف في شيء مما أمتعته لا بعوض ولا بغير عوض إلا بإذنه وقد تقدم حكم المفلس
الباب الخامس في الرهون وفيه عشر مسائل
( المسألة الأول ) في المرهون ويجوز رهن كل شيء يصح تملكه من العروض والحيوان والعقار ويجوز رهن المشاع خلافا لأبي حنيفة ويجوز رهن الدنانير إذا طبع عليها ويجوز رهن الدين خلافا للشافعي ورهن التمر قبل بدء صلاحهويجوز الرهن قبل حلول الحق خلافا للشافعي وبعد حلوله اتفاقا والرهن محتبس بالحق ما بقي منه درهم ولا ينحل بعضه بأداء بعض الحق ( المسألة الثانية ) في المرهون فيه وهو جميع الحقوق من بيع أو سلف أو غير ذلك إلا الصرف ورأس مال السلم وقال الظاهرية لا يجوز أخذ الرهن إلا في السلم يعني المسلم فيه واشترطوا أن يكون أيضا في السفر وإن لا يوجد كاتب ( المسألة الثالثة ) في القبض وهو الحوز فهو شرط تمام في العقد وقال الشافعي وأبو حنيفة شرط صحة وعلى المذهب فإذا عقد الرهن بالقول لزم وأجبر الراهن على أقباضه للمرتهن في المطالبة به فإن تراخى المرتهن في المطالبة به أو رضي بتركه في يد الراهن بطل الرهن ولا يكفي في القبض الإقرار به ولا بد فيه من معاينة البينة إذا قبض الرهن ثم أفلس الراهن أو مات فالمرتهن أحق به من سائر الغرماء ويصح أن يقبض الرهن المرتهن أو أمين يتفقان عليه ( المسألة الرابعة ) يشترط دوام القبض خلافا للشافعي فإذا قبض الرهن ثم رده إلى الراهن بعارية أو وديعة أو كراء أو استخدام العبد أو ركوب الدابة بطل الرهن ومهما احتيج إلى استعمال الرهن أو إجارته فليتول ذلك المرتهن بإذن الراهن ( المسألة الخامسة ) في المنفعة في الرهن وهي المراهين فإذا اشترطها المرتهن جاز إن كان الدين من بيع أو شبهه ولم يجز إن كان سلفا لأنه سلف جر منفعة فإن لم يشترطها المرتهن ثم تطوع له الراهن بها لم يجز لأنها هدية مديان وقال ابن حنبل ينتفع المرتهن بالحيوان بنفقته ( المسألة السادسة ) في بيع الرهن ولا يجوز للراهن بيعه ويجوز أن يبيعه المرتهن وينصف نفسه من ثمنه إن كان الراهن قد جعل له بيعه وإلا باعه الرهن ( المسألة السابعة ) فيما يتبع الرهن فأما ما لا يتميز منه كسمن الحيوان فهو تابع له إجماعا وإن كان متناسلا عنه كالولادة والنتاج فيكون تابعا له خلافا للشافعي بخلاف غير ذلك كصوف الغنم ولبنها أو ثمار الأشجار وسائر الغلات فلا تتبعها في الرهن خلافا لأبي حنيفة ( المسألة الثامنة ) في ضمان الرهن إذا تلف إذا كان مما لا يغاب عليه فضمانه من الرهن كالعقار والحيوان وإن كان مما يغاب عليه كسائر الأشياء فضمانه من القبض من المرتهن إلا أن تقوم بهلاكه بينة وإن كان على يد أمين فضمانه من الراهن وقال الشافعي ضمانه من الراهن ومصيبته عليه مطلقا وعكس أبو حنيفة ( المسألة التاسعة ) لا يجوز غلق الرهن وهو أن يشترط المرتهن أن الرهن له بحقه إن لم ينصفه الراهن عند حلول الأجل ( المسألة العاشرة ) إذا اختلفا في مقدار الحق الذي رهن فيه فالقول قول الراهن عندها وقال مالك القول قول المرتهن إلا فيما زاد على قيمة الرهن فالقول قول الرهن
الباب السادس في الحمالة وهي الكفالة والزعامة والضمان
ويقال للضامن حميل وكفيل وزعيم وفيه أربع مسائل( المسألة الأولى ) في المضمون وهو كل حق تصح النيابة فيه وذلك في الأموال وما يئول إليها فلا يصح الضمان في الحدود ولا في القصاص لأنها لا تصح النيابة فيها وإنما الحكم فيها بالسجن حتى يثبت ويستوفي وأجاز قوم الضمان فيها بالوجه ويجوز صمان المال المعلوم اتفاقا والمجهول خلافا للشافعي ويجوز الضمان بعد وجوب الحق اتفاقا وقبل وجوبه خلافا لشريحة القاضي وسحنون والشافعي ويلزم الضامن الحق بإقرار المطلوب حتى يثبته في المشهور وقيل يلزمه باعترافه كاعتراف المأذون له ( المسألة الثانية ) في المضمون عنه وهو كل مطلوب بمال ويجوز الضمان عن الحي والميت ومنع أبو حنيفة الضمان عن الميت إذا لم يترك وفاء بدينه وعن الغائب ويجوز عن الموسر والمعدم ويجوز الضمان بإذن المضمون وبغير إذنه ( المسألة الثالثة ) في الضامن وهو كل من يجوز تصرفه في ماله فلا يجوز ضمان السفيه ولا الصغير ولا العبد إلا بإذن سيده سواء كان مأذونا أو غير مأذون له ولا المرأة فيما زاد على ثلث مالها إلا بإذن زوجها ( المسألة الرابعة ) في أنواع الضمان وهو نوعان ضمان مال وضمان وجه فأما ضمان المال فيغرم فيه الضامن ويرجع فيه المضمون عنه إن ضمنه بإذنه اتفاقا وكذلك إن ضمنه بغير إذنه خلافا لأبي حنيفة وينقسم ضمان المال قسمين أحدهما أن يكون على حكم ضمان الخيار فيأخذ من شاء من الضامن أو الغريم على المشهور وقال ابن كنانة وأشهب لا يغرم الضامن إلا مع عدم الغريم والآخر أن لا يكون كذلك فاختلف فيه فقيل يأخذ أيهما شاء كضمان الخير وفاقا لهم وقال ابن القاسم إنما يأخذ من الغريم إلا أن أفلس أو غاب فحينئذ يأخذ من الضامن فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) إذا أخذ ضامنين بحقه فليس على أحدهما إلا نصف الحق إلا أن يكون أحدهما في موطنين فكل واحد منهما ضامن لجملة الحق وكذلك إذا ضمنا بحكم ضمان الخيار أو ضمن كل واحد الآخر ( الفرع الثاني ) إذا أخر الطالب المطلوب فهو تأخير للكفيل وقيل إسقاط للكفالة وإذا أخر الطالب الكفيل فهو تأخير للمديان إلا أن يحلف أنه لم يرد تأخيره ( الفرع الثالث ) من تحمل عن أحد صداقا أو ثمنا في نفس العقد على وجه الحمل لا على وجه الحمالة فهو لازم له في حياته وبعد وفاته فإن تحمله بعد العقد لزمه في الحياة دون الوفاة وقال ابن الماشجون يلزمه فيهما وأما ضمان الوجه فهو جائز خلافا للشافعي وللظاهرية هو على قسمين ( أحدهما ) أن يضمن إحضاره ويشترط إن لم يحضره فلا شيء عليه فينفع شرطه ولا غرم عليه إن لم يحضره والقول قوله في أنه لم يجده إلا أن ثبت أنه قكان قادرا على الإتيان به ففرط وإن مات الضامن فلا شيء على ورثته ( الثاني ) أن يضمن إحضاره ولا يشترط ذلك فإن أحضره بريء وإن لم يحضره غرم المال وإن مات غرمه ورثته من تركته إلا أن يحضروا المضمون وقال أبو حنيفة يحبس حتى يأتي به والإحضار وهو أن يجمعه مع مطالبه في مواضع الحكم
الباب السابع في الحوالة
وهي على نوعين إحالة قطع وإحالة إذن فأما إحالة القطع فلا تجوز فيالمذهب إلا بثلاثة شروط ( الشرط الأول ) أن يكون الدين المحال به قد حل سواء كان المحال فيه قد حل أو لم يحل ولا تجوز بما لم يحل سواء كان المحال فيه قد حل أم لا لأنه بيع دين بدين ( الشرط الثاني ) أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى لأنه يخرج عن الإحالة إلى البيع فيدخله الدين بالدين ( الشرط الثالث ) أن لا يكون الدينان أو أحدهما طعاما من سلم لأنه بيع الطعام قبل قبضه فإذا وقعت الإحالة برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال وانتقل إلى طلب المحال عليه ولا رجوع للمحال على المحيل إن أفلس المحال عليه أو أنكر إلا أن يكون المحيل قد غر المحال لكونه يعلم فلس المحال عليه أو بطلان حقه قبله ولم يعلم المحال بذلك وقال الشافعي لا يرجع على المحيل غره أو لم يغره وأما الإذن فهو كالتوكيل على القبض والاقتطاع فيجوز بما حل وبما لم يحل ولا تبرأ به ذمة المحيل حتى يقبض المحال من المحال عليه ماله ويجوز للمحيل أن يعزل المحال في الإذن على القبض ولا يجوز له عزله في إحالة القطع ويشترط في الإحالة والإذن رضى المحيل والمحال ولا يشترط رضى المحال عليه خلافا لداود ولا يلزم المحال قبول الإحالة خلافا لداود
الباب الثامن في الوكالة وفيه ست مسائل
( المسألة الأولى ) في الموكل والوكيل وتجوز وكالة الغائب والمرأة والمريض اتفاقا ووكالة الحاضر الصحيح خلافا لأبي حنيفة وأما الوكيل فكل من جاز له التصرف لنفسه في شء جاز له أن ينوب فيه عن غيره إلا أنه لا يجوز توكيل العدو على عدوه ولا يجوز توكيل الكافر على بيع أو شراء أو سلم لئلا يفعل الحرام ولا توكيله على قبض من المسلمين لئلا يستعلي عليهم ( المسألة الثانية ) فيما تصح الوكاة فيه وما لا تصح وتجوز الوكاة في كل ما تصح النيابة فيه من الأمور المالية وغيرها والعبادات والقربات إلا العبادة المتعلقة بالأبدان كالصلاة والصيام فلا تصح النيابة فيها وتصح في العبادة المتعلقة بالأموال كالزكاة واختلف في صحتها في الحج ( المسألة الثالثة ) في أنواع الوكالة وهي نوعان ( الأول ) تفويض عام فيدخل تحته جميع ما تصح في النيابة من الأمور المالية والنكاح والطلاق وغير ذلك إلا ما يستثنيه المفوض من الأشياء وقال الشافعيلا يصح التفويض العام ( الثاني ) توكيل خاص فيختص بما جعل الموكل للوكيل من قبض أو بيع أو خصام أو غير ذلك فإذا وكله على البيع وعين له ثمنا لم يجز له أن يبيع بأقل منه وإن وكله على البيع مطلقا لم يجز له أن يبيع بعرض ولا نسيئة ولا بما دون ثمن المثل خلافا لأبي حنيفة وإن أذن له أن يبيع بما يرى وكيفما يرى جاز له ذلك كله ويجوز للوكيل والوصي أن يشتريا لأنفسهما من مال الموكل واليتيم إذا لم يحابيا أنفسهما ومنعه الشافعي وقال هو مردود وإن وكله على الخصام لم يكن له أن يقر عنه إلا أن جعل له ذلك في التوكيل وقال الشافعي لا يجوز الإقرار عليه وإن جعله له وقال أبو حنيفة يجوز وإن لم يجعل له ولا يجوز للوكيل أن يوكل غيره إلا أن جعل له الموكل ذلك أو يكون توكيله عاما ( المسألة الرابعة ) فيما يبطل الوكالة وهو شيئان موت الموكل بخلاف في المذهب وعزل الوكيل واختلف هل تبطل الوكالة بنفس العزل أو الموت قبل أن يعلم الوكيل بذلك أو لا تبطل حتى يعلم الوكيل بذلك وإذا ابتدأ الوكيل الخصام في مجلس أو مجلسين لم يكن لموكله أنيعزله إلا بإذن خصمه وتبطل الوكالة إذا طالت مدتها نحو ستة أشهر إلا أن يجعلها على الدوما أو تكون على أمر معين فلا تبطل حتى ينقضي ( المسألة الخامسة ) تجوز الوكاة بأجرة وبغير أجرة فإن كانت بأجرة فحكمها حكم الإجارات وإن كانت بغير أجرة فهو معروف من الوكيل وله أن يعزل نفسه إلا حيث يمنع موكله من عزله ( المسألة السادسة ) في اختلاف الموكل والوكيل فإذا قال الوكيل قد دفعت إليك وأنكر ذلك الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه وإن طال الزمان فلا يمين عليه وإذا قبض الوكيل شيئا فادعى تلفه بعد قبضه لم يبرأ الدافع إليه إلا ببينة على الدفع وإذا اختلفا هل وكله أم لا فقال وكلتني وقال الآخر ما وكلتك فالقول قول الموكل
الباب التاسع في الغصب وفيه ثمان مسائل
( المسألة الأولى ) في حد الغصب وهو أخذ رقبة الملك أو منفعته بغير إذن المالك على وجه الغلبة والقهر دون حرابة وذلك أنأخذ أموال الناس بالباطل على عشرة أوجه كلها حرام والحكم فيها مختلف الأول الحرابة والثاني الغصب والثالث السرقة والرابع الاختلاس والخامس الخيانة والسادس الإذلال والسابع الفجور في الخصام بإنكار الحق أو دعوى الباطل والثامن القمار كالشطرنج والنرد والتاسع الرشوة فلا يحل أخذها ولا إعطاؤها والعاشر الغش والخلابة في البيوع ( المسألة الثانية ) فيما يجب على الغاصب وذلك حقان ( أحدهما ) حق الله تعالى وهو أن يضرب ويسجن زجرا له ولأمثاله على حسب اجتهاد الحاكم ( الثاني ) حق المغصوب منه وهو أن يرد إليه ما غصبه فإن كان المغصوب قائما رده بعينه إليه وإن كان قد فات رد إليه مثله أو قيمته فيرد المثل فيما له مثلوذلك في كل مكيل وموزون ومعدود من الطعام والدنانير والدراهم وغير ذلك ويرد القيمة فيما لا مثل له كالعروض والحيوان والعقار وتعتبر القيمة في ذلك يوم الغصب لا يوم الرد وقال الشافعي وأبو حنيفة إنما يرد المثل ولا يرد القيمة والفوات الذي يرد إلى المثل أو القيمة هو هلاك المغصوب أو نقصانه أو حدوث عيب مفسد فيه أوصنع شيء منه حتى يسمى باسم آخر كالفضة تصاغ حليا والنحاس يصنع منه قدر وقال أبو حنيفة لا يضمن الغاصب عقارا إن تلف بسيل أو حريق أو شبه ذلك خلافا للإمامين وأجمعوا على الضمان إذا كان تلفه بجناية من الغاسب ( المسألة الثالثة ) في دعوى الغصب وذلك أنه إن ثبت على المدعى عليه باعتراف أو بينة بعد الأعذار إليه قضي عليه بما ذكرنا وإن لم يثبت عليه فيقسم أربعة أقسام ( الأول ) أن يكون المدعى عليه معروفا بالصلاح فلا يمين عليه ويؤدب المدعي ( الثاني ) أن يكون المدعى عليه مستور الحال من أوسط الناس فلا يمين عليه ولا يؤدب المدعي ( الثالث ) أن يكون المدعى عليه ممن يتهم بذلك فعليه اليمين فإن نكل حلف المدعي واستحق ( الرابع ) أن يكون المدعى عليه معروفا بالغصب فيضرب ويهدد ويسجن حتى يعترف ( المسألة الرابعة ) في غلة الشيء المغصوب أما إن كانت الغلة ولادة كنتاج البهائم وولد الأمة فيردها الغاصب مع الأم باتفاق وإن وطىء الجارية فعليه الحد وولده منها رقيق للمغصوب منه وأما إن كانت غير ذلك ففيها خمسة أقوال قيل يردها مطلقا لتعديه وفاقا للشافعي وقيل لا يردها مطلقا لأنها في مقابلة الضمان الذي عليه وقيل يردها في الأصول والعقار لأنه مأمون ولا يتحقق الضمان فيه دون الحيوان وشبهه مما يتحقق فيه الضمان وقيل يردها إن انتفع بها ولا يردها إن عطلها وفاقا لأبي حنيفة وقي يردها إن غصب المنافع خاصة ولا يردها إن غصب المنافع والرقاب ( المسألة الخامسة ) من غصب أرضا فبنى فيها فربها بالخيار بينهدم البنيان وإزالته ويأخذ الغاصب أنقاضه وبين تركه على أن يعطي الغاصب قيمة أنقاض البنيان من خشب وقرميد وأجر وغير ذلك تقوم منقوضة بعد طرح أجرة القلع ولا يعطيه قيمة التجصيص والتزويق وشبه ذلك مما لا قيمة له ومن غصب سارية أو خشبة فبنى عليها فلربها أخذها وإن هدم البنيان وقال أبو حنيفة إنما له قيمتها ( المسألة السادسة ) من غصب أرضا فغرس فيها أشجارا لا يؤمر بقلعها وللمغصوب منه أن يعطيه قيمتها بعد طرح أجرة القلع كالبنيان فإن غصب أشجارا فغرسها في أرضه أمر بقلعها خلافا لأبي حنيفة فإنزرع في الأرض المغصوبة زرعا فإن أخذها صاحبها في أبان الزراعة فهو مخير بين أن يقلع الزرع أو يتركه للزارع ويأخذ الكراء وإن أخذها بعد أبان الزراعة فقيل هو مخير كما ذكرنا وقيل ليس له قلعه وله الكراء ويكون الزرع لزارعه ( المسألة السابعة ) إذا نقص المغصوب عند الغاصب فصاحبة مخير بين أن يأخذ قيمته يوم الغصب ويتركه للغاصب وبين أن يأخذه ويأخذ قيمة النقص إن كان من فعل الغاصب وإن كان من فعل الله لم يأخذ قيمة النقص ( المسألة الثامنة ) إناختلف الغاصب والمغصوب منه في جنس المغصوب أو صفته أو قدره ولم يكن لأحدهما بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه والغاصب ضامن لما غصبه سواء تلف بأمر الله أو من مخلوق
الباب العاشر في التعدي
وهو أعم من الغصب لأن التعدي يكون في الأموال والفروج والنفوس والأبدان فأما التعدي في النفوس والأبدان فنذكره في باب الدماء والقصاص ونذكر هنا فصلين في الأموال والفروج ( الفصل الأول ) في التعدي في الأموال وهو على أربعة أنواع ( الأول ) أخذ الرقبة وهو الغصب الذي تقدمت أحكامه في الباب قبل هذا ( الثاني ) أخذ المنفعة دون الرقبة وهو ضرب من الغصب ويجب فيه الكراء مطلقا ( الثالث ) الإستهلاك بإتلاف الشيء كقتل الحيوان أو تحريق الثوب كله أو تخريقه وقطع الشجر وكسر الفخار وإتلاف الطعام والدنانير والدراهم وشبه ذلك ويجري مجراه التسبيب في التلف كمن فتح حانوتا لرجل فتركه مفتوحا فسرق أو فتح قفص طائر فطار أو حل دابة فهربت أو حل عبدا موثقا فأبق أو أوقد نارا في يوم ريح فأحرقت شيئا أو حفر بئرا بحيث يكون حفره تعديا فسقط فيه إنسان أو بهيمة أو قطع وثيقة فضاع ما فيها من الحقوق فمن فعل شيئا من ذلك فهو ضامن لما استهلكه أو أتلفه أو تسبب في إتلافه سواء فعل ذلك كله عمدا أو خطأ إلا أن أبا حنيفة قال لا يضمن الطائر من فتح قفصه فطار وعليه غرم المثل في المكيل والمعدود والموزون وغرم القيمة يوم الإتلاف فيما سوى ذلك فرعان ( الفرع الأول ) إذا خيف على المركب الغرق جاز طرح ما فيه من المتاع أذن أربابه أو لم يأذنوا إذا رجا بذلك نجاته وكان المطروح بينهم على قدر أموالهم ولا غرم على من طرحه ( الفرع الثاني ) إذا اصطدم مركبان في جريهما فانكسر أحدهما أو كلاهما فلا ضمان في ذلك ( الرابع ) الإفساد هو على نوعين ( أحدهما ) أن يذهب المنفعة المقصودة من الشيء كمن قطع يد عبد أو رجل دابة فيخير صاحبه بين أن يأخذ قيمة ما نقصه ذلك الفساد أو يسلمه للمفسد ويأخذ قيمته منه كاملة والآخر أن يكون يسيرا فيصلحه من أفسده ويأخذ صاحبه قيمة ما نقص كثقب الثوب وقطع ذنب الدابة إلا أن تكون لركوب ذوي الهيئات فقطع ذنبها كتعطيل منفعتها بيان وهذا كله إذا تعمد إنسان مكلف فإن كان غير بالغ فيحكم عليه في التعدي في الأمور بحكم البالغ إذا كان يعقل فيغرم ما أتلفه إن كان له مال فإن لم يكن له مال أتبع به وأما الصبي الذي لا يعقل فلا شيء عليه فيما أتلفه من نفس أو مال كالعجماء وقيل المال هدر والدماء على العاقلة كالمجنون وقيل المال فيماله والدم على عاقلته إن بلغ الثلث وأما ما أفسدت الدواب فإن كان لها راكب أو سائق أو قائد فهو ضامن لما تفسده في النفوس والأموال وأما ما أفسدت المواشي من الزرع والشجر فإن كان بالليل على أرباب المواشي وإن كان بالنهار فلا ضمان عليهم إلا إن فرطوا في حفظها ولم يمنعوها من الزرع والضمان في ذلك على الراعي لا على صاحب الماشية وما أتلفت المواشي سوى الزرع والثمار من النفوس والأموال فلا شيء فيه ( الفصل الثاني ) في التعدي في الفروج فمن اغتصب امرأة وزنى بها فعليه حد الزنى وإن كانت حرة فعليه صداق مثلها وإن كانت أمة فعليه ما نقص من ثمنها بكرا كانت أو ثيبا ولا يلحق به الولد ويكون الولد من الأمة التي اغتصبها أو زنى بها عبدا لسيد الأمة وقال أبو حنيفة لا صداق على المستكره في الزنى وهذا كله إذا ثبت عليه ذلك باعترافه أو بمعاينة أربعة شهود أو ادعت ذلك مع قيام البينة على غيبته عليها فإن ادعت عليه أنه استكرهها فغاب عليها ووطئها وأنكر هو ولم يكن لها بينة فلا يجب عليه حد الزنى وإنما النظر هل يجب عليه يمين على نفي دعواها أو هل لها عليه صداق وهل تحد هي حد القذف أو حد الزنى ففي ذلك تفصيل وذلك أنه لا يخلو أن تدعي ذلك على رجل صالح أو طالح يتهم بذلك أو مجهول الحال فإن ادعت ذلك على رجل صالح لم يجب عليه يمين ولا صداق ووجب عليها حد القذف وأما حد الزنى لاعترافها على نفسها فإن كانت قد جاءت مستغيثة متمسكة به قد فضحت نفسها وهي تدمي إن كانت بكرا سقط عنها حد الزنى وإن كانت قد جاءت على غير ذلك حدت حد الزنى وأما إن ادعت ذلك على رجل يتهم بذلك فليس عليها حد قذف ولا زنى ويجب على الرجلين اليمين فإن حلف بريء وإن نكل عن اليمين حلفت المرأة واستحقت صداقها عليه وذلك بعد أن يسجن ليكشف عن أمره وأما إن ادعت ذلك على من كان مجهول الحال استحلف فإن نكل عن اليمين حلفت هي وأخذت صداقها
الباب الحادي عشر في الإستحقاق
وهو أن يكون شيء بيد شخص ثم يظهر أنه حق شخص آخر مما تثبت به الحقوق شرعا من اعتراف أو شاهدين أو شاهد ويمين أو غير ذلك فيقضي له به ولا يخلو أن يكون المستحق من يده قد صار له ذلك الشيء المستحق بغصب أو شبهة ملك كالشراء والإرث وغير ذلك فإن صار له بغصب فقد تقدم حكم ذلك في باب الغضب وإن صار له بشبهة ملك فالمستحق بالخيار بين أن يأخذه بعينه أو يجيز البيع ويترك السلعة في يد المشتري فيتبع البائع بالثمن وليس حكمه حكم الغصب بل يخالفه في مسائل فمنها أن أن يستحق منه لا يرد الغلة التياستفادها فيه ولا يعطي فيها كراء ومنها أنه كان قد زرع الأرض فليس لمستحقها قلع الزرع فإن كان الإستحقاق في أبان الزراعة فله الكراء وإن كان بعد أبان الزرع فلا كراء له ومنها أنه إن كان قد بنى بها فليس للمستحق هدم البناء بل يقال للمستحق تعطيه قيمة بنائه قائما لا منقوضا فإن أبى قيل للآخر أعطه قيمة أرضه دون البنيان فإن أبا كانا شريكين هذا بقيمة أرضه وذاك بقيمة بنيانه ومنها أنها إن كانت أمة فوطئها فلا حد عليه وإن ولدت منه فاختلف هل يأخذها المستحق أو يأخذ قيمتها وأما الولد فلا يأخذه باتفاق ولكن اختلف هل يأخذ قيمته أم لا ومنها أنه إن كان الشيء المستحق قد صار للمستحق منه بشراء فله أن يرجع بالثمن على الذي باعه منه فإن كان البائع في بلد آخر وأراد المستحق من يده أن يحمل الشيء المستحق إلى البلد الذي فيه البائع ليرجع عليه بثمنه فيوقف قيمته ويذهب به
الباب الثاني عشر في موجبات الضمان
ومن أخذ مال غيره فهل يضمنه أم لا يختلف ذلك باختلاف وجوه القبض فإنه على وجوه وذلك إن كان لمنفعة القابض فالضمان عليه وإن كان لمنفعة الدافع فلا ضمان منه وإن كان لمنفعتهما معا فينظر من أقوى منفعة فيضمن وقد يختلف في فروع من هذا الأصل وهو ينقسم إلى سبعة أقسام ( الأول ) أن يقبضه على وجه التعدي والغصب فهو ضامن له حسبما تقدم في بابه ( الثاني ) أن يقبضه على وجه انتقال تملكه إليه بشراء أو هبة أو وصية فهو ضامن أيضا سواء كان البيع صحيحا أو فاسدا ( الثالث ) أن يقبضه على وجه السلف فهو ضامن له أيضا ( الرابع ) أن يقبضه على وجه العارية والرهن فإن كان مما لا يغاب عليه وهو الأصول والحيوان لم يضمنه وإن كان مما يغاب عليه كالعروض فهو ضامن له إلا أن تقوم بينة على التلف من غير تعد منه ولا تضييع ( الخامس ) أن يقبضه على وجه الوديعة فلا ضمان عليه سواء كان مما يغاب أم لا ( السادس ) أن يكون على وجه القراض أو الإجارة على حمله أو الإجارة على رعاية الغنم فلا يضمن العامل ولا الأجير إلا إن تعدى وهو مصدق في دعوى التلف مع يمينه وخسارة المال من ربه إلا الأجير على حمل الطعام فإنه لا يصدق على دعوى التلف إلا ببينة ( السابع ) تضمين الصناع فيضمنون ما غابوا عليه سواء عملوه بأجرة أو بغير أجرة ولا يضمنون ما لم يغيبوا عليه ولا يضمن الصانع الخاص الذي لم ينصب نفسه للناس وقال أبو حنيفة لا يضمن من عمل بغير أجرة وللشافعي في ضمان الصناع قولان فإن قامت بينة على التلف سقط عنهم الضمان واختلف هل يجب لهم أجرة إذا كان هلاكه بعد تمام العمل وكذلك يضمنون كل ما جاء على أيديهم من حرق أو كسر أو قطع إذا عمله في حانوته إلا في الأعمالالتي فيها تغرير كاحتراق الثوب في قدر الصباغ واحتراق الخبز في الفرن وتقويم السيوف فلا ضمان عليهم فيها إلا أن يعلم أنهم تعدوا ومثل ذلك الطبيب يسقي المريض أو يكويه فيموت والبيطار يطرح الدابة فتموت والحجام يختن الصبي أو يقلع الضرس فيموت صاحبه فلا ضمان على هؤلاء لأنه مما فيه التعزيز وهذا إذا لم يخطيء في فعله فإن أخطأ فالدية على عاقلته وينظر فإن كان عارفا فلا يعاقب على خطئه وإن كان غير عارف وعرض نفسه فيؤدب بالضرب والسجن ولا ضمان على صاحب السفينة خلافا لأبي حنيفة ولا على صاحب الحمام إذا ضاعت الثياب بغير تقصير بيان كل من قلنا أنه يصدق في دعوى التلف فلا يمين عليه إلا أن يكون متهما فأما إن ادعى رد الشيء فإن كان مما لا يصدق في دعوى التلف مثل الوديعة والقراض وعارية ما لا يغاب عليه فإنه يصدق في دعوى الرد إذا كان قبضه بغير بينة فإن كان قبضه ببينة لم يصدق في دعوى الرد إلا ببينة تكميل كل أمين على شيء فهو مصدق دون يمين فيما يقوله ادعى عليه من وجه يجب عليه به الضمان إلا أن يكون متهما فيجب عليه اليمين فمن ذلك الوالد في مال ابنه الصغير ومال ابنته البكر والوصي في مال محجوره وأمين الحاكم الذي يضع المال على يديه والمستودع والعامل في القراض والأجير فيما استؤجر عليه والأجير على حمل شيء غير الطعام والوكيل فيما وكل عليه والمأمور بالشراء والبيع والسمسار الذي يبيع للناس أموالهم ويدخل فيما بينهم والشريك في المال والرسول فيما يرسل به من شيء والذي يرسل معه مال يشتري به شيئا والصانع على التفصيل المتقدم وكل من تصرف منهم على غير الوجه الجائز له ضمن كالمقارض إذا دفع المال إلى غيره أو خالف سنة القراض والأمين إذا حرك الأمانة والمأمور إذا فعل غير ما أمر به وكل من فعل ما يجوز له فعله فتولد منه تلف لم يضمن فإن قصد أن يفعل الجائز فأخطأ ففعل غيره أو جاوز فيه الحد أو قصر فيه عن الحد فتولد منه تلف يضمنه وكل ما خرج عن هذا الأصل فهو مردود إليه
الباب الثالث عشر في الصلح
الإصلاح بين الناس مندوب ولا بأس أن يشير الحاكم بالصلح على الخصوم ولا يجبرهم عليه ولا يلح فيه إلحاحا يشبه الإلزام وإنما يندبهم إلى الصلح ما لم يتبين له أن الحق لأحدهما فإن تبين له أنفذ الحكم لصاحب الحق والصلح على نوعين ( النوع الأول ) إسقاط وإبراء وهو جائز مطلقا ( النوع الثاني ) صلح على عوض فهذا يجوز إلا إن أدى إلى حرام وحكمه حكم البيع سواء كان فيعين أو دين فيقدر المدعى به والمقبوض عن الصلح كالعوضين فيما يجوز بينهما ويمتنع فيمتنع فيه الجهالة والغرر والربى والوضع على التعجيل وما أشبه ذلك ويجوز الصلح على الذهب وعلى الفضة بالذهب بشرط حلول الجميع وتعجيل القبض ويجوز الصلح على الإقرار اتفاقا وعلى الإنكار خلافا للشافعي وهو أن يصالح من وجبت عليه اليمين على أن يفتدي منها ويحل لمن بذل له شيء في الصلح أن يأخذه إن علم أنه مطالب بالحق فإن علم أنه مطالب بالباطل لم يجز له أخذه فرعان ( الفرع الأول ) من ادعى على رجل حقا فأنكر فصالحه ثم ثبت الحق بعد الصلح باعتراف أو بينة فله الرجوع في الصلح إلا إن كان عالما بالبينة وهي حاضرة ولم يقم بها فالصلح له لازم ( الفرع الثاني ) إذا كان أحد المتصالحين قد أشهد قبل الصلح اشهاد تقية أن صلحه إنما هو لما يتوقعه من إنكار صاحبه أو غير ذلك فإن الصلح لا يلزمه إذا ثبت أصا حقه
الباب الرابع عشر في أحكام الأرضين وفيه أربع مسائل
( المسألة الأولى ) في إحياء الموت ومن أحيا أرض موات فهي له والموات هي الأرض التي لا عمارة فيها ولا يملكها أحد وإحياؤها يكون بالبناء والغرس والزراعة والحرث وإجراء المياه فيها وغير ذلك فإن كانت قريبة من العمران افتقر إحياؤها إلى أذن الإمام بخلاف البعيدة من العمران ( المسألة الثانية ) في الحريم وحريم البئر ما حوله فهو يختلف بقدر كبر البئر وصغرها وشدة الأرض ورخاوتها وحريم الدار مدخلها ومخرجها ومواضع مضابطها وشبه ذلك وحريم الفدان حواشيه ومدخله ومخرجه وحريم القرية موضع محطبها ومرعاها ( المسألة الثالثة ) في المياه وهي بالنظر إلى تملكها والإنتفاع بها تنقسم إلى أربعة أقسام ( القسم الأول ) ماء خاص وهو الماء المتملك في الأرض المتملكة كالبئر والعين فينتفع به صاحبه وله أن يمنع غيره من الإنتفاع به وأن يبيعه ويستحب له أن يبذله بغير ثمن ولا يجبر على ذلك إلا أن يكون قوم اشتد بهم العطش فخافوا الموت فيجب عليه سقيهم فإن منعهم فلهم أن يقاتلوه على ذلك وكذلك إن انهارت بئر جاره وله زرع يخاف عليه التلف فعليه أن يبذل له فضل مائة ما دام متشاغلا بإصلاح بئره ( القسم الثاني ) ماء عام وهو غير متملك في أرض غير متملكة كالأنهار والعيون والغدر فالناس فيه سواء لا يختص به أحد دون أحد ( القسم الثالث ) ماء يتجمع من الأمطار والسيول فيجري إلى أرض بعد أرض فيأخذه الأعلى فالأعلى فيسقي ويمسكه حتى يصل إلى الكعبين ثم يطلقه للذي تحته ( القسم الرابع ) الآبار التي تحفر في البوادي لسقي المواشي فمن حفرها يبدأ بالإنتفاع ويأخذ الناس ما فضل لهم وليس له أن يمنعهم من ذلك( المسألة الرابعة ) في الكلأ وهو المرعى فإن كان في أرض غير متملكة فالناس فيه سواء وإن كان في أرض متملكة فلصاحب الأرض الإنتفاع به واختلف هل يجوز له بيعه ومنع منه أم لا
الباب الخامس عشر في المرافق ومنع الضرر وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في الجدران والسقف وفيه ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) إذا كان جدار بين دارين لرجلين فلا يخلو ذلك من ثلاثة أحوال ( الحالة الأولى ) أن يكون لأحدهما فله أن يتصرف فيه بما يشاء ويستحب له أن لا يمنع جاره من غرز خشبة فيه ولا يجبر على ذلك وقال الشافعي يجبر فإن انهدم هذا الحائط لم يجب على صاحبه بناؤه وإن دعى الجار صاحبه إلى البنيان لم يلزمه ويقال استر على نفسك ( الحالة الثانية ) أن يكون الجدار ملكا لرجلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيه إلا بإذن شريكه وإن انهدم فبنيانه عليهما فإن أبى أحدهما من البناء فإن كان ينقسم قسم بينهما وإن لم ينقسم أجبر على بنيانه مع شريكه وقيل لا يجبر فإن هدمه أحد فعليه أن يرده إلا إذا كان هدمه صلاحا فهو بينهما ( الحالة الثالثة ) إذا تنازعا في ملكه فيحكم به لمن يشهد العرف العرف بأنه له وهو لمن كانت إليه القمط والعقود فالقمط هي ما تشد به الحيطان من الجص وشبهه والعقود هي الخشب التي تجعل في أركان الحيطان لتشدها فإن لم يشهد العرف لأحدهما حكم بأحكام التداعي وقال الشافعي لا دليل في الخشب على ملك الحائط والحائط بينهما مع إيمانهما ( المسألة الثانية ) إذا انهدم حائط بستان مشترك فأراد بعضهم بناءه وأبى بعضهم فإن كان مقسوما إلا أن الحيطان تضمه فلا حجة لبعضهم على بعض ومن أراد أن يحرز متاعه أحرزه ومن أراد الترك تركه وإن كان غير مقسوم قسم وإن كان لم تمكن قسمته أنفق من أحب في صيانته وأخذ نفقته من نصيب صاحبه وإن انهدمت رحاء مشتركة فأقامها أحدهم بعد امتناع الباقين فالغلة للذي أقامها عند ابن القاسم وقال ابن الماجشون الغلة بينهم على حسب الأنصباء ويأخذ المنفق من أنصبائهم ما أنفق ( المسألة الثالثة ) إذا كان علو الدار لرجل وأسفلها للآخر فالسقف الذي بينهما لصاحب السفا وعليه إصلاحه وبناؤه إن انهدم ولصاحب العلو الجلوس عليه وإن كان فوقه علو آخر فسقفه لصاحب العلو الجلوس عليه وإن كان فوقه علو آخر فسقفه لصاحب العلو الأول وبناء العلو على صاحبه وبناء السفل على صاحبه وقال الشافعي السقف مشترك بين صاحب العلو والسفل وإن كان مرحاض الأعلى منصوبا على الأسفل فكنسه بينهما على قدر الرؤوس عند ابن وهب وأصبغ وقال أشهب هو لصاحب السفل وليس لصاحب العلو أن يزيد في بنيانه شيئا إلا بإذن صاحب السفل ( الفصل الثاني ) من أحدث ضررا أمر بقطعه ولا ضرر ولا ضرار وينقسم
أقسام الكتاب
1 2 3