كتاب : القوانين الفقهية
المؤلف : محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي القرطبي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم قال عبدالله خديم الكتاب والسنة محمد بن أحمد ابن محمد بن جزي الكلبي تاب الله عليه آمين الحمد لله ذي الجلال الذي عجزت عن إدراك كنهه عقول العارفين والكمال الذي قصرت عن إحصاء ثنائه ألسنة الواصفين والقدرة التي وجلت من رهبتها قلوب الخائفين والعظمة التي عنت لعزتها وجوه الطائعين والعاكفين والعلم الذي أحاط بما فوق العرش إلى أطباق الثرى والحكمة التي ظهر أثرها في كل ما نشأ وبرأ وذرأ مما نرى ومما لا نرى والرحمة الواسعة التي شملت أكنافها في جميع الورى والنعمة السابغة والحجة البالغة والسطوة الدامغة لمن كذب وافترى سبحانه من مليك لم يخلق عباده عبثاولم يتركهم سدى بل أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وداعين إلى الحق والهدى ونهى وأمر وحذر وبشر ووعد من اهتدى وأوعد من اعتدى ثم ختم الرسالة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الدعوة التامة والرسالة العامة إلى الإنس والجان والملة الناسخة لجميع الأديان والشريعة الباقية إلى آخر الزمان والآيات البينات والأدلة القاطعة الساطعة البرهان وأنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وجعله معجزة ظاهرة للعيان متجددة ما اختلف الملوان وتعاقب الأزمان فما قبضه الله إليه حتى أكمل به الدين وأوضح السبيل المستبين وأقامه حجة الله على الخلق أجمعين وظهر في الوجود مصداق قوله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ف صلى الله عليه وسلم وتبارك وترحم وشرف وكرم وعلى آله الطاهرين وأصحابه الأكرمين ( أما بعد ) فهذا كتاب فيقوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية على مذهب إمام المدينة أبي عبدالله مالك بن أنس الأصبحي رضي الله عنه إذ هو الذي اختاره أهل بلادنا بالأندلس وسائر المغرب اقتداء بدار الهجرة وتوفيقا من الله تعالى وتصديقا لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ( لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) ثم زدنا إلى ذلك التنبيه على كثير من الاتفاق والاختلاف الذي بين الإمام المسمى وبين الإمام أبي عبدالله أحمد بن إدريس الشافعي والإمام أبي حنيفة النعمان ابن ثابت والإمام أبي عبدالله بن حنبل لتكمل بذلك الفائدة ويعظم الانتفاع فإن هؤلاء الأربعة هم قدوة المسلمين في أقطار الأرض وأولو الأتباع والأشياع وربما نبهت على مذهب غيرهم من أئمة المسلمين كسفيان الثوري والحسن البصري وعبدالله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وأبي ثور والنخعي وداوود بن علي إمام الظاهرية وقد أكثرنا من نقل مذهبه والليث بن سعد وسعيد بن المسيب والأوزاعي وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين فإن كل واحد منهم مجتهد في دين الله ومذاهبهم طرق موصلة إلى الله واعلم أن هذا الكتاب ينيف على سائر الكتب بثلاث فوائد ( الفائدة الأولى ) أنه جمع بين تمهيد المذهب وذكر الخلاف العالي بخلاف غيره من الكتب فإنها في المذهب خاصة أو في الخلاف العالي خاصة ( الفائدة الثانية ) إنا لمحناه يحسن التقسيم والترتيب وسهلناه بالتهذيب والتقريب فكم فيه من تقسيم قسيم وتفصيل أصيل يقرب البعيد ويلين الشريد ( الفائدة الثالثة ) إنا قصدنا إليه الجمع بين الإيجاز والبيان على أنهما قلما يجتمعان فجاء بعون الله سهل العبارة لطيف الإشارة تام المعاني مختصر الألفاظ حقيقا بأن يلهج به الحفاظ وإلى الله نرغب في أن يجعله موجبا لغفرانه وموصلا لرضوانه وفاتحا لخزائن إحسانه وامتنانه إنه ذو فضل عظيم
بيان اصطلاح الكتاب
إذا تكلمنا في مسألة قيدنا أولا بمذهب مالك ثم نتبعه بمذهب غيره إما نصا وتصريحا وإما إشارة وتلويحا وإذا سكتنا عن حكاية الخلاف في مسألة فذلك مؤذن في الأكثر بعدم الخلاف فيها وإذا ذكرنا الإجماع والإتفاق فنعني إجماع الأمة وإذا ذكرنا الجمهور فنعني إتفاق العلماء إلا من شذ قوله وإذا ذكرنا الأربعة فنعني مالكا والشافعي وأبا حنيفة وابن حنبل وفي ذلك إشعار بمخالفة بعض العلماء لهم وربما صرحنا بذلك وإذا قلنا قال قوم أو خلافا لقوم فنعني خارج المذاهب الأربعة وإذا ذكرنا الثلاثة فنعني مالكا والشافعي وأبا حنيفة وفي ذلك إشعار بمخالفة أحمد بن حنبل لهم أو أنه لم ينقل له مذهب في تلك المسألة وإذا ذكرنا الإمامين فنعني مالكا والشافعي وإذا ذكرنا ضمير الإثنين كقولنا عندهما أو خلافا لهما فنعني الشافعي وأبا حنيفة وإذا ذكرنا ضمير الجماعة فقلنا عندهم أو خلافا لهم وشبه ذلك فنعني الشافعي وأبا حنيفة وابن حنبل وإذا قلنا المذهب فنعني مذهب مالك وفي ذلك إشعار بمخالفة غيره وإذا قلنا المشهور فنعني مشهور مذهب مالك وفي ذلك إشعار بخلاف في المذهب وإذا قلنا قيل كذا أو اختلف في كذا أو في كذا قولان فأكثر فنعني في المذهب وإذا قلنا روايتان فنعني عن مالك وأكثر ما نقدم القول المشهور
بيان ترتيب الكتاب
اعلم أنني افتتحته بعقيدة سنية وجيزة تقديما للأهم فلا جرم أن الأصول أهم من الفروع ومن الحق تأخير التابع وتقديم المتبوع ثم قسمت الفقه إلى قسمين أحدهما في العبادات والآخر في المعاملات وضمنت كل قسم عشرة كتب على مائة باب فانحصر الفقه في عشرين كتابا ومائتي باب ( القسم الأول ) فيه من الكتب كتاب الطهارة كتاب الصلاة كتاب الجنائز كتاب الزكاة كتاب الصيام والإعتكاف كتاب الحج كتاب الجهاد كتاب الأيمان والنذور كتاب الأطعمة والأشربة والصيد والذبائح كتاب الضحايا والعقيقة والختان ( القسم الثاني ) فيه من الكتب كتاب النكاح كتاب الطلاق وما يتصل به كتاب البيوع كتاب العقودالمشاكلة للبيوع كتاب الأقضية والشهادات كتاب الأبواب المتعلقة بالأقضية كتاب الدماء والحدود كتاب الهبات وما يجانسها كتاب العتق وما يتعلق به كتاب الفرائض والوصايا ( ثم ختمته ) بكتاب الجامع وهو يحتوي على عشرين بابا وإنما انحصرت الكتب والأبواب في هذا العدد لأنني ضممت كل شكل إلى شكله وألحقت كل فرع بأصله وربما جمعت في ترجمة واحدة ما يفرقه الناس في تراجم كثيرة رعيا للمقاربة والمشاكلة ورغبة في الإختصار والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( الفاتحة ) فيما يجب في الإعتقادات من أصول من أصول الديانات ويشتمل على عشرة أبواب خمسة الإلهيات وخمسة في السمعيات
الباب الأول في وجود الباري جل جلاله وعز نواله
اعلم أن العالم العلوي والسفلي كله محدث بعد العدم شاهد على نفسه بالحدوث ولخالقه بالقدم وذلك لما يبدو عليه من تغيير الصفات وتعاقب الحركات والسكنات وغير ذلك من الأمور الطارئات وكل محدث فلا بد له من محدث أوجده وخالق خلقه إذ لا بد لكل فعل من فاعل فجميع الموجودات من الأرض والسماوات والحيوانات والجمادات من الجبال والبحار والأنهار والأشجار والثمار والأزهار والرياح والسحاب والأمطار والشمس والقمر والنجوم واختلاف الليل والنهار وكل صغير وكبير فيه آثار الصنعة ولطائف الحكمة والتدبير ففي كل شيء دليل قاطع وبرهان ساطع على وجود الصانع وهو الله رب العالمين وخالق الخلق أجمعين الملك الحق المبين الذي احتجب عن الأبصار بكبريائه وعلو شأنه وظهر للبصائر بقوة سلطانه ووضوح برهانه فما أعظم برهان الله وما أكثر الدلائل على الله ( أفي الله شك فاطر السموات والأرض ) وحسبك الفطرة التي فطر الناس عليها وما يوجد في النفوس ضرورة من افتقار العبودية ومعرفة الربوبية ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله )
الباب الثاني في صفات الله تعالى عز شأنه وبهر سلطانه
جرت عادة المتكلمين بإثبات سبع صفات وهي الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام ( فأما الحياة ) فإن الله هو الأول القديم الذي لم يزل في أزل الأزل قبل وجود الأزمان ولم يكن معه شيء غيره وهو الآن على ما عليه كان وأنه الحي الباقي ( الآخر ) الذي لا يموت وكل من عليها فان ( وأما القدرة ) فإنه قدير على كل شيء لا يعجزه شيء ولا يصعب عليه شيء وبيدهملكوت كل شيء ألا ترى أثر قدرته في اختراع الموجودات وإمساك الأرض والسماوات ونفوذ أمره في التصرف في المخلوقات ففي كل يوم يميت ويحيي ويخلق ويفني ويفقر ويغني ويهدي ويضل ويعز ويذل ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويسعد ويشقي ويعافي ويبتلي ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ( وأما الإرادة ) فإنه سبحانه المريد لجميع الكائنات المدبر للحادثات المقدر المقدورات الفعال لما يريد فكل نفع وضر وحلو ومر وكفر وإيمان وطاعة وعصيان وزيادة ونقصان وربح وخسران فبإرادته القديمة وقضائه وقدره ومشيئته الحكيمة لا راد لأمره ولا معقب لحكمه ولا اعتراض عليه في فعله ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل اقتضى ذلك ملكه وحكمته فالمالك يفعل ما يشاء في ملكه والملك يحكم بما أراد على مماليكه والحكيم أعلم بما تقتضيه حكمته ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) قدر أرزاق الخلق وآجالهم وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم ( كل في كتاب مبين ) خلق قوما للجنة فيسرهم لليسرى وبعمل أهل الجنة يعملون وخلق قوما للنار فيسرهم للعسرى وبعمل أهل النار يعملون ( وما ربك بظلام للعبيد ) ( وأما العلم ) فإنه تبارك وتعالى اسمه عالم بجميع المعلومات محيط بما تحت الأرض السفلى إلى ما فوق السماوات أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا وعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون وهو حاضر بعلمه في كل مكان ورقيب على كل إنسان ( يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) قد استوى عنده الظاهر والباطن واطلع على مخبآت السرائر ومكنونات الضمائر حتى أنه يعلم ما يهجس في نفوس الحيتان في قعور البحار ( إنه عليم بذات الصدور ) ( وأما السمع والبصر ) فإنه تعالى سميع بصير لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ولا يغيب عن رؤيته مرأى وإن دق ( يعلم السر وأخفى ) حتى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ( لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ) وما أحسن تعقيب هذا ببرهان ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) ( وأما الكلام ) فإنه جل وعز متكلم بصفة أزلية ليس بحرف ولا صوت ولا يقبل العدم ولا ما في معناه من السكوت ولا التبعيض ولا التقديم ولا التأخير الذي لا يشبه كلام المخلوقين كما لا تشبه ذاته ذوات المخلوقين لا تنفذ كلماته كما لا تحصى معلوماته ولا تنحصر مقدوراته ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) والدليل على ثبوت هذه الصفات ثلاثة أوجه ( الوجه الأول ) أنها صفات كمال فوجب وصف الله بها وأضدادها صفات نقص فوجب تنزيهه عنها ( ولله المثل الأعلى ) ( الوجه الثاني ) أنها تدل عليها آثار حكمته فإن اتقان الصنعة دليل على حياة الصانع وقدرته وعلمه وسائر صفاته ( الوجه الثالث ) ما ورد من النصوص الصريحة في القرآن والأخبار الصحيحة
الباب الثالث في أسماء الله تعالى الحسنى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) وقد وردت معدودة معينة في حديث أخرجه الترمذي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه واختلف الناس في تلك الأسماء المعينة فيه هل هي فيه مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأصل الحديث أو هي موقوفة على أبي هريرة لأن لله تعالى أسماء زائدة على تلك المعينة منها ما ورد في القرآن والحديث ومنها ما هي أسماء مشتقة من أفعاله واعلم أن أسماء الله وصفاته تنقسم على الجملة إلى ثلاثة أقسام منها ما يرجع إلى الذات وإلى صفات الذات وإلى صفات الفعل وتنقسم على التفصيل بالنظر إلى معانيها عشرة أقسام ( الأول ) اسم يدل على الذات وهو قولنا ( الله ) وقد قيل أنه اسم الله الأعظم ( الثاني ) أسماء تدل على الوحدانية كإسمه الواحد الصمد والوتر ( الثالث ) أسماء تدل على الحياة كالحي والأول والآخر ( الرابع ) أسماء تدل على اختراع المخلوقات وذلك أخص صفات الربوبية كالخالق والباري والفاطر ( الخامس ) أسماء تدل على القدرة كالقدير والمنتقم والقهار ( السادس ) أسماء تدل على الإرادة كالمريد والفعال لما يريد والقابض والباسط ( السابع ) أسماء تدل على الإدراك كالعليم والسميع والبصير ( الثامن ) أسماء تدل على العظمة والجلال كالعظيم والكبير والعلي ( التاسع ) أسماء تدل على الملك والتملك كالملك والمالك والغني ( العاشر ) أسماء تدل على الرحمة كالرحمن الرحيم والغفار والتواب والوهاب
الباب الرابع في توحيد الله تعالى
وهو محصول قولنا ( لا إله إلا الله ) وهو أن تؤمن بأنه إله واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا يشاركه في حكمه أحد ليس له في ربوبيته شريك ولا نظير وليس له في ملكه ضد ولا ند ولا منازع ولا ظهير والبرهان الواضح على الوحدانية معقول أربع آيات ( الأولى ) قوله تعالى ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ومنه أخذ المتكلمون دليل التمانع إلا أن القرآن أفصح وأوضح ( والثانية ) قوله تعالى ( قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) فإن عدم النزاع دليل دليل على عدم المنازع ( والثالثة ) قوله تعالى ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) فكون الوجود كله مرتبطا بعضه ببعض دليل على أن مالكه واحد ( والرابعة ) معقول قوله تعالى ( واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) فإنمن صفات الإله كونه خالقا ولا خالق إلا الله فلا إله إلا الله وغيره مخلوق والمخلوق لا يكون شريكا لخالقه ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) تكميل الطوائف المخالفة في التوحيد النصارى والمجوس والصابئة والمنجمون والطبائعيون فأما النصارى فكفروا بأقوالهم الفاسدة ومذاهبهم الضالة في عيسى وأمه عليهما السلام وأبلغ الرد عليهم مضمون خمس آيات ( الأولى ) قوله ( كانا يأكلان الطعام ) فذلك صفة الحدوث والعبودية لا صفة الربوبية ( الثانية ) قوله ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) أي من قدر على خلق الإنسان من غير أم ولا ولد قادر على خلق آخر بأم دون والد ( الثالثة ) قوله ( قولوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني ) فإن الغني المطلق لا يحتاج إلى زوجة ولا ولد ولا إلى أحد ( الرابعة ) قوله ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) فإن الربوبية والعبودية لا يجتمعان ( الخامسة ) قول عيسى عليه السلام ( إني عبد الله ) وقوله ( يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ) فاعترافه على نفسه بالعبودية بيان كذب من وصفه بالربوبية وأما المجوس فكفروا بعبادة النور والرد عليهم قوله ( وجعل الظلمات والنور ) فإن المحدث المخلوق لا يكون إلها وأما الصابئة فكفروا فكفروا بعبادة الملائكة ونسبتهم إلى الله والرد عليهم قوله ( بل عباد مكرمون ) وأما المنجمون فأثبتوا للكواكب تأثيرا في الوجود والرد عليهم قوله ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) والمسخر مملوك مقهور وقوله ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ) فكيف يشارك مخلوق خالقه وأما الطبائعيون فنسبوا الأفعال للطبيعة والرد عليهم قوله ( ثمرات مختلفة ألوانها ) وقوله ( تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) فإن اختلاف الأشكال والألوان والروائح والطعوم والمنافع والمضار دليل على الفاعل المختار إشارة صوفية التوحيد نوعان عام وخاص فالعام عدم الإشراك الجلي وهو مقام الإيمان الحاصل لجميع المؤمنين والخاص عدم الإشراك الخفي وهو مقام الإحسان وهو خاص بالأولياء العارفين رضي الله عنهم أجمعين
الباب الخامس في تنزيه اله تعالى
وهو معنى قولنا سبحان الله وذلك أن تؤمن بأنه ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء تعالى أن يكون له شبيه أو مثيل أو عديل أو نظير أو قرين وأنه لا يفتقر إلى شيء وإن كل شيء إليه فقير وأنه لا يليق به نقص ولا عيب بل تقدس عن كل نقص وتبرأ من جميع العيوب وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم ولا تلحقه آفة ولا يصيبه عجز ولا نصب ولا لغوب وأنه لا تنفعه طاعة العباد ولا تضره الذنوب وأنه لا يموت ولا يفنى ولا يضل ولا ينسى ولا يكون فيملكه إلا ما يشاء فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وإنه لا يظلم أحدا وإنه لا تنقص خزائنه ولا يبيد ما عنده أبدا ( تنبيه ) ورد في القرآن والحديث ألفاظ يوهم ظاهرها التشبيه كقوله تعالى ( على العرش استوى ) و ( يداه مبسوطتان ) وكحديث نزول الله كل ليلة إلى سماء الدنيا وغير ذلك وهي كثيرة تفرق الناس فيها ثلاث فرق ( الفرقة الأولى ) السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين آمنوا بها ولم يبحثوا عن معانيها ولا تأولوها بل أنكروا على من تكلم فيها ( والراسخون في العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا ) وهذه طريقة التسليم التي تعود إلى السلامة وبها أخذ مالك والشافعي وأكثر المحدثين ( الفرقة الثانية ) قوم حملوها على ظاهرها فلزمهم التجسيم ويعزى ذلك إلى الحنبلية وبعض المحدثين ( الفرقة الثالثة ) قوم تأولوها وأخرجوها على ظاهرها إلى ما يقتضيه أدلة العقول وهم أكثر المتكلمين والله أعلم
الباب السادس في الإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله
اعلم أن ( الملائكة ) عباد الله مكرمون عنده يعبدونه ويسبحونه ويطيعونه ولا يعصونه ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون فمنهم حملة العرش وسكان السموات وحفظة على بني آدم وموكلون بالأمطار والنبات والنطف والأرحام والتماس مجالس الذكر ولا يحيط بعددهم إلا الله وإن الله بعث الأنبياء وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ومنهم من سماه الله في القرآن ومنهم من لم يسمه وأولهم آدم أبو البشر وآخرهم سيدهم ( محمد ) صلى الله عليه وسلم النبي الأمي خاتم النبيين وإن الله أنزل عليه جبريل الأمين بالقرآن المبين كما أنزل التوراة على موسى وأنزل الإنجيل على عيسى وأنزل الزبور على داوود وأنزل صحفا على غيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين فقال تعالى ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) وأن الله أوجب على جميع الأمم بالدخول في دين الإسلام ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وأن الله آتى كل نبي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ولما كانت رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم أعم وشريعته ناسخة لما تقدم اقتضى ذلك أن تكون براهينه أظهر وآياته أبهر ودلائل صدقه أكبر وأكثر مبالغة في إقامة الحجة وإيضاحا لسلوك المحجة فلقد أيده الله بأنواع من الآيات الباهرة والعلامات الظاهرة فيها عبرة لأولي الألباب وما أحواله وأقواله وأفعاله إلا العجب العجاب ولقد أحصى له علماؤنا رضوان الله عليهم ألف معجزة وهي ترجع إلى خمسة أنواع ( أحدها ) القرآن العظيم الذي أعجز الإنس والجن على الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وتضمن من العلوم الالهية والحكمالربانية والأسرار التي كانت محجوبة عنها عقول البرية ما يدل قطعا على أنه تنزيل من الرحمن الرحيم ( والثاني ) ما ظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من المعجزات الخوارق للعادات وهي كثيرة جدا ( والثالث ) ما سبق قبله من الإعلام به والمبشرات ( الرابع ) ما ظهر لسائر أمته من الكرامات فإنها دليل على صحة دينهم وصدق متبوعهم صلى الله عليه وسلم وانظر ظهور دينه في المشارق والمغارب وحفظه من التغيير والتبديل منذ أزيد من سبعمائة عام يظهر لك أن ذلك بأمر سماوي واعتقاد رباني ( والخامس ) ما وهبه الله من الأخلاق العظيمة والشمائل الكريمة التي لا يجمعها الله إلا لأحب عباده وأكرمهم عليه وحسبك قوله سبحانه ( وإنك لعلى خلق عظيم ) واعلم أن معجزاته صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى نقلها تنقسم ثلاثة أقسام ( الأول ) ما نقطع بصحته فتقوم به الحجة وإن كان واحدا على انفراده كالقرآن العظيم وكانشقاق القمر لوروده في القرآن وكنبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وتكثير الطعام القليل لاشتهار ذلك وانتشاره وعدول رواته ووقوعه في مشاهد عظيمة ومحافل كثيرة ( الثاني ) ما نقطع بصحة نوعه لكثرة وقوعه وإن لم نقطع بصحة آحاده كالأخبار بالغيوب وإجابة الدعوات فإن ذلك كثر منه صلى الله عليه وسلم حتى صار مجموعة مقطوعا به ( الثالث ) ما نقل نوعه وأشخاصه نقل الآحاد ولكن إذا جمع إلى غيره أفاد القطع بوقوع المعجزات
الباب السابع في الإيمان بالدار الآخرة وتشمل على اثنتي عشرة مسألة
( المسألة الأولى ) الإيمان بالبرزخ وعذاب من شاء في القبور وذلك من القرآن قوله ( برزخ إلى يوم يبعثون ) وقوله ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) فذلك دليل على عذاب قبل يوم القيامة ومن السنة أخبار صحيحة ( المسألة الثانية ) سؤال الملكين وقد وردت به الأحاديث الصحاح وإليه الإشارة بقوله ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ) ( المسألة الثالثة ) قيام الخلق من قبورهم وحشرهم إلى الحساب والثواب والعقاب فدليل جوازه قدرة الله عز وجل عليه ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) ( ما خلقكم وما بعثكم إلا كنفس واحدة ) ودليل وقوعه ورود الشرائع ونطق الرسل والكتب به ولا سيما شريعتنا فقد أبلغت في النذارة والبشارة لتقوم الحجة على العالمين ثم أن الحكمة تقتضي مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ( ليجزي الله كل نفس ما كسبت ) وإنما يظهر ذلك في الدار الآخرة لا في الدنيا ولولا الجزاء الأخروي لاستوى المؤمن والكافر والمطيع والعاصي ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ) ( المسألة الرابعة ) الحساب على الأعمال وقد نطق به الكتاب والسنة ( المسألة الخامسة ) القصاص بين العبادوقد نطق به أيضا الكتاب والسنة ( المسألة السادسة ) وزن الأعمال وقد نطق به أيضا الكتاب والسنة ( المسألة السابعة ) إعطاء الكتاب إما باليمين وإما بالشمال وقد ورد أيضا في الكتاب والسنة ( المسألة الثامنة ) جواز الناس على الصراط وهو جسر ممدود على جهنم والناس متفاوتون في سرعة الجواز على قدر أعمالهم ومنهم من يكب في نار جهنم دليله من القرآن قوله ( فأهدوهم إلى صراط الجحيم ) ومن السنة أحاديث صحاح ( المسألة التاسعة ) حوض النبي صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه أبدا ويزاد عنه من بدل أو غير ودليله من القرآن قوله ( إنا أعطيناك الكوثر ) وقد جاء تفسيره بالحوض في الحديث الصحيح ومن السنة أحاديث صحيحة كثيرة ( المسألة العاشرة ) شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته ودليلها من القرآن قوله ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) ومن السنة أحاديث صحيحة والشفاعة في خمسة مواطن ( أحدها ) في إراحة الناس من الموقف وتعجيل الفصل وهي مختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم ( الثانية ) في إنقاذ من وجبت عليه النار ( الثالثة ) في إخراج من دخل النار من المذنبين ( الرابعة ) في تعجيل دخول الجنة ( الخامسة ) في رفعة الدرجات في الجنة ( الحادية عشرة ) في دخول النار ويدخلها صنفان ( الصنف الأول ) الكفار كلهم ويعذبون بأنواع العذاب وبعضهم أشد عذابا من بعض وهم فيها خالدون ( لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) ( الصنف الثاني ) من شاء الله من عصاة المسلمين ثم يخرجون منها برحمة الله تعالى وشفاعة الأنبياء والملائكة والشهداء الصالحين وسائر المؤمنين
تحقيق
إنما يدخل من المؤمنين النار من اجتمعت فيه سبعة أوصاف ( أحدها ) أن تكون له ذنوب تحرزا من المتقين ( الثاني ) أن يموت غير تائب من ذنوبه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ( الثالث ) أن تكون ذنوبه كبائر فإن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر ( الرابع ) أن لا تثقل حسناته فلو رجحت على سيآته ولو بوزن ذرة نجا من النار ( الخامس ) أن لا يكون ممن له النجاة بعمل سابق كأهل بدر وبيعة الرضوان ( السادس ) أن لا يشفع فيه أحد ( السابع ) أن لا يغفر له الله ( الثانية عشرة ) دخول الجنة ولا يدخلها إلا المؤمنون وينعمون فيها بأنواع النعيم وينظرون إلى وجه الله الكريم بدليل قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) وأحاديث صحيحة صريحة وهم فيها خالدون جعلنا الله منها بفضله ورحمته
الباب الثامن في الإمامة وفيه مسألتان
( المسألة الأولى ) في إثبات إمامة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم والدليل علىإمامة جميعهم من ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن كل واحد منهم جمع شروط الإمامة على الكمال ( والآخر ) أن كل واحد منهم أجمع المسلمون في زمانه على بيعته والدخول تحت طاعته والإجماع حجة ( والثالث ) ما سبق لكل واحد منهم من الصحبة والهجرة والمناقب الجليلة وثناء الله عليهم وشهادة الصادق صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة ثم إن أبا بكر وعمر أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلافتهما وأمر بالإقتداء بهما وقدم أبا بكر على حجة الوداع وعلى الصلاة بالناس في مرض موته وذلك دليل على استخلافه ثم استخلف أبو بكر عمر ثم جعل عمر الأمر شورى بين ستة واتفقوا على تقديم عثمان إلى أن قتل مظلوما بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ووعده له بالجنة على ذلك ثم ثم كان أحق الناس بها بعده علي لرتبته الشريفة وفضائله المنيفة وأما ما شجر بين علي ومعاوية ومن كان مع كل منهما من الصحابة فالأولى الإمساك عن ذكره وأن يذكروا بأحسن الذكر ويلتمس لهم أحسن التأويل فإن الأمر كان في محل الإجتهاد فأما علي ومن كان معه فكانوا على الحق لأنهم اجتهدوا فأصابوا فهم مأجورون وأما معاوية ومن كان معه فاجتهدوا فأخطأوا فهم معذورون وينبغي توقيرهم وتوقير سائر الصحابة ومحبتهم لما ورد في القرآن من الثناء عليهم ولصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم ( الله الله في أصحابي لا تجعلوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ) ( المسألة الثانية ) في شروط الإمامة وهي ثمانية الإسلام والبلوغ والعقل والذكورة والعدول والعلم والكفاءة وأن يكون نسبه من قريش وفي هذا خلاف فإن اجتمع الناس على من لم تجتمع الشروط فيه جاز خوفا من إيقاع الفتنة ولا يجوز الخروج على الولاة وإن جاروا حتى يظهر منهم الكفر الصراح وتجب طاعتهم فيما أحب الإنسان وكره إلا أن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
الباب التاسع في الإيمان والإسلام وفيه مسألتان
( المسألة الأولى ) في معناهما أما الإسلام فمعناه في اللغة الإنقياد مطلقا ومعناه في الشريعة الإنقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنطق باللسان والعمل بالجوارح وأما الإيمان فمعناه في اللغة التصديق مطلقا ومعناه في الشريعة التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فالإسلام والإيمان على هذا متباينان وعلى ذلك قوله تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) وقد يستعملان مترادفين كقوله ( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) وقد يستعملان متداخلين بالعموم والخصوص فيكون الإسلام أعم إذا كان الإنقياد باللسان والقلب والجوارح لأن الإيمان خاصبالقلب ويكون الإيمان أعم إذا قلنا أنه قول اللسان واخلاص بالقلب وعمل بالجوارح وهو قول كثير من السلف وإذا قلنا أن الإسلام باللسان والجوارح خاصة ( المسأة الثانية ) في أحكامهما وفي ذلك أربع صور ( الأولى ) أن يجمع بينهما وهو أن يكون العبد مؤمنا بقلبه منقادا بجوارحه فهذا مخلص عند الله ( الثانية ) عكسهما وهو أن يعدم الوصفين فهذا كافر مخلد في النار ( الثالثة ) الانقياد بالجوارح دون الإيمان بالقلب فهذا مخلد في النار وهو الذي كان يسمى في زمن النبوءة منافقا وسمي بعد ذلك زنديقا ( الرابعة ) عكسها ) وهي الإيمان بالقلب دون النطق والعمل فإذا كان ذلك لإكراه ولضيق الوقت كمن أسلم ثم مات بأثر ذلك قبل أن يسعه نطق ولا عمل فهو معذور مخلص عند الله وان كان لغير ذلك فاختلف فيه
الباب العاشر في الاعتصام بالسنة وفيه مسألتان
( المسألة الأولى ) في ترك البدع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ) وقال صلى الله عليه وسلم ( أصحابي كالنجوم بأهيم اقتديتم ) وحض على الاقتداء بالخلفاء الراشدين فالخير كله في التمسك بالكتاب والسنة والاقتداء بالسلف الصالح وتجنب كل محدث وبدعة وقد كان المتقدمون يذمون البدع على الاطلاق وقال المتأخرون أنها خمسة أقسام واجبة كتدوين العلم ومندوبة كصلاة التراويح وحرام كالمكوس وغيرها ومكروه كتخصيص بعض الأيام ببعض العبادات ومباح كمثل ما أحدثه الناس من المطاعم والملابس فقد قالت عائشة رضي الله عنها لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مناخل ( المسألة الثانية ) في النظر والتقليد وذلك أن الاعتقاد يحصل إما بالنظر وإما بالتقليد فأما التقليد فاختلف العلماء فيه فمذهب المتكلمين أنه لا يجوز ولا يجزأ وقال أكثر المحدثين أنه جائز يخلص عند الله وهو الصحيح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنع من الناس بحصول الإيمان بأي وجه حصل من تقليد أو نظر ولو أوجب عليهم الاستدلال أو النظر لعسر الدخول في الدين على كثير من الناس كأهل البوادي وغيرهم وإنما النظر والاستدلال شأنذوي العقول الراجعة والأذهان الثابتة وفيه تتفاوت درجات العلماء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ثم إن خير الاستدلال ما كان على طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وهو الاستدلال بكتاب الله وتدبر آياته والاعتبار في بديع مخلوقاته وعجائب مصنوعاته والاقتداء بأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم وجمي لسيرته وباهر علاماته ثم إخلاص المحبة له ولأهل بيته الطاهرين وأزواجه وأمهات المؤمنين وأصحابه الأبرار الأكرمين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ورضي الله عنهم أجمعين آمين )
القسم الأول من القوانين الفقهية في العبادات وفيها عشرة كتب
الكتاب الأول في الطهارة وفيها مقدمة وعشرة أبواب
المقدمة وفيها مسألتان
( المسألة الأولى ) في أنواع الطهارة الطهارة في الشرع معنوية وحسية فالمعنوية طهارة الجوارح والقلب من دنس الذنوب والحسية هي الفقهية التي تراد للصلاة وهي على نوعين طهارة حدث وطهارة خبث فطهارة الحدث ثلاث كبرى وهي الغسل وصغرى وهي الوضوء وبدل منهما عند تعذرهما وهو التيمم وطهارة الخبث ثلاث غسل ومسح ونضح ( المسألة الثانية ) في شروط وجوب الطهارة وإنما تجب الطهارة على من وجبت عليه الصلاة وذلك بعشرة شروط ( الأول ) الإسلام وقيل بلوغ الدعوة فعلى الأول لا تجب على الكافر وعلى الثاني تجب عليه وذلك مبني على الخلاف في مخاطبة الكفار بالفروع ولا تصح الصلاة من كافر بإجماع وإذا أسلم المرتد لم يلزمه قضاء ما فاته من الصلوات في ردته خلافا للشافعي ( الثاني ) العقل فلا تجب على المجنون والمغمى عليه إلا إذا أفاق في بقية الوقت بخلاف السكران فإنها لا تسقط عنه ( الثالث ) البلوغ وعلاماته خمس الاحتلام والانبات والحيض والحمل وبلوغ السن وهو خمسة عشر عاما وقيل سبعة عشر عاما فلا تجب على الصبي ويؤمر بها لسبع ويضرب عليها لعشر وان صلى ثم بلغ في بقية الوقت أو في أثناء الصلاة لزمته الإعادة خلافا للشافعي ( الرابع ) ارتفاع دم الحيض والنفاس ( الخامس ) دخولالوقت ( السادس ) عدم النوع ( السابع ) عدم النسيان ( الثامن ) عدم الإكراه ويقضي النائم والناسي والمكره اجماعا ( التاسع ) وجود الماء أو الصعيد فمن عدمهما فاختلف هل يصلي أم لا وهل يقضي أم لا ( العاشر ) القدرة على الفعل بقدر الإمكان
الباب الأول في الوضوء وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في أنواع الوضوء وهو على خمسة أنواع واجب ومستحب وسنة ومباح وممنوع ولا يصلي إلا بالواجب وهو الوضوء لصلاة الفرض والتطوع وسجود القرآن بإجماع ولصلاة الجنازة عند الجمهور ولمس المصحف خلافا للظاهرية وللطواف خلافا لأبي حنيفة فمن توضأ لشيء من هذه الأشياء جاز له فعل جميعها وأما السنة فوضوء الجنب للنوع وأوجبه ابن حبيب والظاهرية وأما المستحب فالوضوء لكل صلاة عند الجمهور خلافا لمن أوجبه ووضوء المستحاضة وصاحب السلس لكل صلاة خلافا لهم في وجوبه والوضوء للقربات كالتلاوة والذكر والدعاء والعلم وللمخاوف كركوب البحر والدخول على السلطان والقوم وأما المباح فللتنظيف والتبرد وأما الممنوع فالتجديد قبل أن تقع به عبادة ( الفصل الثاني ) في فرائض الوضوء وهي ستة النية وغسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين والفور فأما النية فهي القصد وتجب في كل قربة بأربعة أوصاف وهي أن تكون فعلا لا تركا سوى الصيام وأن تكون من حقوق الله تعالى تحرزا من أداء الديون وشبهه وأن تكون فيما يفعله المرء بنفسه تحرزا من غسل الميت ومن يوضىء غيره وأن تكون معقولة المعنى فلهذا لا تجب في إزالة النجاسة بإجماع وتجب في التيمم عند الأربعة وتجب في الوضوء والغسل عند الإمامين خلافا لأبي حنيفة ( فرعان ) ( الأول ) ينوي المتطهر أداء الفرض أو رفع حكم الحدث أو استباحة ما تجب الطهارة له سواء أطلق أو عين ( الثاني ) محل النية في أول الطهارة وقيل في أول فروضها وفاقا للشافعي وقيل يستصحب ذكرها من أول الطهارة إلى أول فرض فإن تأخرت عن محلها أو تقدمت بكثير بطلت وإن تقدمت بيسير فقولان ولا يشترط بقاؤها ذكرا بل حكما وفي تأثير رفضها قولان وأما الوجبه فحده طولا من أول منابت شعر الرأس المعتاد إلى آخر الذقن فلا يدخل الصلع ولا النزعتان وحده عرضا من الأذن إلى الأذن وفاقا للشافعي وقيل من العذار إلى العذار وقيل ببالأول في نقي الخد وبالثاني في الملتحى وانفرد القاضي عبدالوهاب بقوله ما بين الصدغ والأذن سنة ويجب تخليل ما على الوجه من شعر خفيف واختلف في الكثيف ويجب إمرار اليد على اللحية وفي وجوب تخليلها قولان وأما اليدان فمن أطراف الأصابع إلى المرفقين ويجب غسل المرفقين والكعبين على المشهور وفاقالهم وفي تخليل أصابع اليدين والرجلين قولان الوجوب والندب وفي إجالة الخاتم ثلاثة أقوال يفرق في الثالثة فيجال الضيق دون الواسع وبه قال ابن حنبل وأما الرأس فيجب مسح جميعه وحده من أول منابت الشعر فوق الجبهة إلى آخرها في القفا خلافا لابن مسلمة في قوله يجزي مسح الثلثين ولأبي الفرج في الثلث ولأبي حنيفة في الربع وللشافعي بشعرة ولا يمسح على حائل خلافا لابن حنبل ولا فضيلة في تكرار المسح خلافا للشافعي والاختيار في صفة المسح أن يبدأ من مقدم الرأس ويمر إلى مؤخره ثم يرجع إلى حيث بدأ والرجوع سنة ويجب مسح ما طال من الشعر في المشهور وأما الرجلان فالفرض غسلهما إلى الكعبين عند الجمهور وقال الطبري يمسحان والكعبان هما اللذان في جانبي الساق ففي كل رجل كعبان وقيل اللذان عند معقد الشراك ففي كل رجل كعب وأما الفور فواجب مع الذكر والقدرة في المشهور وعلى ذلك أن فرق ناسيا أو عاجزا بنى أو عامدا ابتدأ وقيل هو سنة وأسقطه الشافعي وأبو حنيفة ( الفصل الثالث ) في سننه وهي ست غسل اليدين قبل ادخالهما في الإناء والمضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الأذنين والترتيب فأما غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء فمسنون عند الثلاثة لكل متوضىء أو مغتسل طاهر اليدين من النجاسة وأوجبه الظاهرية عند القيام من النوم وابن حنبل من نوم الليل خاصة وهل غسلهما للتعبد أو للنظافة في ذلك قولان يبنى عليهما فرعان وهما هل يغسلهما مجموعتين أو متفرقتين وهل يعيد غسلهما إذا أحدث في أثناء الطهارة أولا وفي كل واحد منهما قولان وأما المضمضة فسنة في الوضوء عند الأربعة وأما الاستنشاق والاستنثار فسنتان عند الثلاثة في الوضوء وأوجبهما ابن حنبل وصفة المضمضة أن يخضخض الماء في فمه ثم يمجه وصفة الاستنشاق أن يجعل إبهامه وسبابته على أنفه ثم ينثر بريح الأنف ويجوز أن يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة أو من غرفتين فأكثر وأما الأذنان فتمسحان عند الأربعة وقال قوم تغسلان مع الوجه ومسحهما سنة عند الإمامين وأوجبه أو حنيفة ويجدد الماء لهما خلافا لأبي حنيفة وأما الترتيب فسنع في المشهور وفاقا لأبي حنيفة وقيل واجب وفاقا للشافعي ( الفصل الرابع ) في فضائل الوضوء ومكروهاته أما فضائله فست ( الأولى ) السواك قيل وأوجبه الظاهرية والعود الأخضر أحسن الا للصائم فإن لم يجد عودا استاك بإصبعه ( الثانية ) التسمية في أوله وقيل بإنكارها وأوجبها قوم خلافا للأربعة ( الثالثة ) تكرار المغسولات مرتين أو ثلاثا والثلاث أفضل ( الرابعة ) الابتداء بالميامن قبل المياسر ( الخامسة ) الابتداء بمقدم الرأس ( السادسة ) ذكر الله في أثناء الوضوء وأن يقول في آخره أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلني من اتوابين واجعلني من المتطهرين وزاد الشافعي مسح الرقبة وأما جعل الإناء على اليمينفذلك أمكن له وأما مكروهاته فست وهي الوضوء في الخلاء والكلام بغير ذكر الله تعالى والاكثار من صب الماء والاقتصار على مرة واحدة في المغسولات إلا للعالم بالوضوء والزيادة على الثلاث والوضوء في أواني الذهب والفضة وقيل في هذا أنه حرام والمسح بالمنديل جائز واستحب الشافعي تركه ( تنبيه ) لا بد في غسل الوجه واليدين والرجلين من نقل الماء إليهما والتدليك باليد مع الماء فلا يجوز أن يرسل الماء من يده قبل وصوله إلى العضو لأن ذلك مسح ولا أن يوصله من غير تدلك ولا أن يدلكه بعد ذهاب الماء عنه ويجب أن يتفقد المواضع الخفية كأسارير الجبهة ومارن الأنف وما غار من الأجفان وشقاق اليد والرجل وتحت أصابع الرجل وأطراف الأظفار ( فرع ) من نسي شيئا من فرائض الوضوء فإن ذكر بعد أن جف وضوؤه فعل ما ترك خاصة وأن ذكر قبل أن يجف وضوؤه ابتدأ الوضوء قال الطليطلي أنه يعيد الذي نسي وما بعده ولا يبتدىء الوضوء وهو الصحيح والله أعلم وكذلك أن تركه عامدا وان كان صلى أعاد الصلاة في العمد والنسيان ومن ترك سنة ناسيا صحت صلاته وفعل ما نسي لما يستقبل فإن تركها عامدا فهو كالناسي وقيل تبطل صلاته لتهاونه وان ترك فضيلة فلا شيء عليه
الباب الثاني في نواقض الوضوء وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في النواقض في المذهب وهي ثلاثة الأحداث والأسباب والارتداد فأما الأحداث فهي الخارج المعتاد من السبيلين وذلك خمسة أشياء البول والغائط والريح بصوت وبغير صوت والوادي وهو ماء أبيض خاثر يخرج بأثر البول والمنى وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند الالتذاذ فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) إن خرج الحدث من أحد المخرجين على وجه الصحة نقض الوضوء إجماعا وإن خرج من غير المخرجين ففيه قولان وإن خرج خارج غير معتاد كالحصى والدود من أحدهما لم ينقض الوضوء خلافا لابن عبد الحكم وله ( الفرع الثاني ) إن خرج البول والمني على وجه السلس الملازم لم ينقض خلاقا لهما فإن قدر صاحب السلس على رفعه بمداواة أو نكاح ففي نقضه قولان وإذا مذى صاحب السلس أو بال بول العادة وجب عليه الوضوء ويعرف ذلك بأن مذي المادة بشهوة وبول المادة يكثر ويمكن إمساكه ( الفرع الثالث ) من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فعليه الوضوء خلاقا لهم وإن تيقن الحدث وشك في الطهارة فعليه الوضوء وأما أسباب الأحداث فمنها السكر والجنون والاغماء تنقض الوضوء بإجماع سواء كانت قليلة أو كثيرة ومنها النوع وفيه طريقتان ( الأولى ) النظر إلى هيأة النائم فإن كانت لا يتهيأ معها خروج الحدث كالجالس لم ينقض بخلاف المضطجع وفاقا لهما ( الثانية ) النظر إلى النوم وهو أربعةأقسام فالطويل الثقيل ينقض وعكسه لا ينقض وفي الطويل الخفيف وفي عكسه قولان ومنها لمس النساء فإن كان بلذة نقض وإن كان دونها لم ينقض سواء كان من وراء ثوب أم لا وسواء كان لزوجته أو أجنبية ويستوي في اعتبار اللذة اللامس والملموس وينقض الوضوء عند الشافعي مطلقا ولا ينقض الوضوء عند أبي حنيفة مطلقا فإن قصد اللذة ولم يجدها فقولان مبنيان على الرفض ولا يشترط وجودها في القبلة على المشهور ومنا مس الذكر والمراعى فيه باطن الكف والأصابع وقيل اللذة وينقض عند الشافعي مطلقا ولا ينقض عند أبي حنيفة مطلقا وفي مسه من وراء حائل خلاف ولا ينقض مس ذكر صبي خلافا للشافعي ولا بهيمة ومنها مس المرأة فرجها وفيه ثلاث روايات فقيل ينقض وفاقا للشافعي وعدمه وفاقا لأبي حنيفة والفرق بين أن تلطف أم لا وأما مس الدبر فلا ينقض خلافا لحمديس والشافعي وأما الانعاظ دون مذي ففيه قولان وأما الارتداد فينقض في المشهور وقيل لا ينقض وفاقا للشافعي ( الفصل الثاني ) في النواقض خارج المذهب ينقض القيء والقلس والرعاف والحجامة وخروج القيح عند أبي حنيفة وابن حنبل والقهقة في الصلاة عند أبي حنيفة وأكل لحوم الإبل نيا أو مطبوخا عند ابن حنبل وأكل ما مست النار عند بعض السلف ثم أجمع على نسخه وحمل الميتة عند ابن حنبل وذبح البهائم عند الحسن البصري ولم يصح عنه ومس الأنثيين عند عروة بن الزبير ومس الإبطين عند ابن عمر ولم يصح عنه
الباب الثالث في الاغتسال وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في أنواع الغسل وهو واجب وسنة ومستحب فالواجب من الجنابة والحيض والنفاس والاسلام والسنة الغسل للجمعة وأوجبه الظاهرية وللعيدين وللإحرام بالحد ولدخول مكة وغسل الميت وقيل بوجوبه والمستحب الغسل للطواف والسعي بين الصفا والمروة وللوقوف بعرفة والمزدلفة والغسل من دم الاستحاضة واغتسال من غسل الميت ( الفصل الثاني ) في فرائضه وهي خمسة النية خلافا لأبي حنيفة وتعميم البدن بالماء إجماعا والتدلك في المذهب خلاقا لهم والفور مع الذكر والقدرة خلافا لهما وتخليل اللحية وفاقا للشافعي وقيل سنة ( الفصل الثالث ) في سننه وهي خمس غسل اليدين قبل ادخالهما في الإناء والمضمضة والاستنشاق وأوجبهما في الغسل أو حنيفة ومسح داخل الأذنين وتخليل شعر الرأس وقيل فضيلة وأوجبه الشافعي ( الفصل الرابع ) في فضائله وهي خمس التسمية والغرف على الرأس ثلاثا وتقديم الوضوء والبداءة بإزالة الأذى قبل الوضوء والبداءة بالأعاليوالميامن ومكروهاته خمس الإكثار من صب الماء والتنكيس في عمله وتكرار غسل الجسد إذا أوعب والاغتسال في الخلاء والكلام بغير ذكر الله وصفته أن يبدأ بغسل يديه ثم يزيل ما على يديه من الأذى ثم يغسل فرجه من الجنابة لئلا يمسه بعد الوضوء ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ويجوز أن يؤخر غسل رجليه إلى آخر غسله ثم يخلل أصول الشعر بيده ثم يفيض عرى رأسه ثلاث غرفات وتضغث المرأة شعر رأسها المظفور وليس علها حل عقاصها خلافا للشافعي ثم يغسل سائر جسده فروع خمسة ( الفروع الأول ) يجب أن يتفقد المواضع الخفية كتحت الذن والإبطين وأصول الفخذين وتحت الركبتين وعمق السرة وغير ذلك ( الفرع الثاني ) من انتقض وضوءه أثناء غعسله أعاد الوضوء واختلف هل ينويه أم لا ( الفرع الثالث ) يجزىء الحائض الجنب غسل واحد للحيض والجنابة وتنوب نية الغسل عن الوضوء لدخوله تحته بخلاف العكس ( الفرع الرابع ) إذا اغتسل لجنابة والجمعة ففي ذلك صور الأولى أن ينوي الجنابة ويتبعها الجمعة ليجزيه عنهما اتفاقا ( الفرع الخامس ) تغتسل الذمسة تحت المسلم من الحيض لحق الزوج وإن لم تكن لها نية ويجبرها الزوج أو السيد على الغسل من الحيض لا من الجنابة عند ابن القاسم وقال أشهب لا يجبرها
الباب الرابع في موجبات الغسل
وهي الجنابة والدخول في الإسلام وانقطاع دم الحيض والنفاس وسيأتي في بابه فأما الجنابة فثلاثة أنواع الإنزال في اليقظة ومغيب الحشفة والاحتلام فأما الإنزال فهو خروج المنى والمنى الماء الدافق وهو أبيض خاثر رائحته كرائحة الطلع أو العجين فإن خرج بلذة معتادة من الجماع فما دونه وجب الغسل إجماعا وإن خرج بغير لذة أو بلذة غير معتاذة كحك الجسد والاغتسال بالماء الحار أو بأمر مؤلم كالضرب لم يجب الغسل وقيل يجب وفاقا للشافعي ونفيه والتفرقة بين أن يكون جامع واغتسل له قبل خروج المنى فلا يعيد الغسل وبين وأن يكون لم يغتسل فيغتسل وحيث قلنا لا يجب الغسل ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان وأما مغيب الحشفة أو قدرها في قبل أو دبر من بهيمة أو آدمي فموجب للغسل أنزل أم لم ينزل إجماعا بعد خلاف بين السلف إذ قد نسخ إنما الماء من الماء
فوائد
أعلم أن مغيل الحشفة أو قدرها كما يوجب الغسل يوجب الحد في الزنى ويحصن الزوجين ويفسد الصيام الواجب والتطوع ويوجب الكفارة في رمضان ويوجب على الرجل الكفارة عن المرأة إذا أكرهها ويفسد تتابع الصوم في الكفارة ويفسد الحج إذا كان قبل الوقوف بعرفة ويوجب العمرة والهدي إذا كان بعد جمرة العقبة وقبل الإفاضة ويوجب الهدي إذا كان بعد الإفاضة وقبل جمرة العقبة لمن أخر رميها ويفسد الاعتكاف ويفسد العمرة ويوجب إحجاج المرأة إذا أكرهها ويوجب بر من حلف أن يطأ ويوجب حنث من حلف أن لا يطأ ويوجب القيمة على الأب في وطء جارية ابن ابنه ويوجب القيمة على الغاصب لرقبة الجارية ويوجب القيمة على أحد الشريكين إذا وطأ الجارية المشتركة ويقطع عصمة الزوج المفقود إذا دخل بها الثاني ويقطع رجعة الزوج الأول الذي ارتجعها ولم يعلم ويصح به نكاح الزوج الثاني إذا زوجها وليان من رجلين ولم يعلم أحدهما بالآخر ويصح به شراء المشتري الثاني إذا باعها سيدها أو وكيله من رجلين ولم يعلم أحدهما بالآخر ويوجب تحريم الربيبة ويوجب فسخ نكاح البنت إذا تزوج الأم وأولج فيها ويوجب تحريم الأخت الثانية بملك اليمين وتحريم العمة على بنت أخيها بملك اليمين وتحريم الخالة على بنت أختها بملك اليمين ويوجب تحريم المنكوحة في العدة ويوجب الصداق كاملا ويوجب الصداق على الغاصب والزاني ويصح به النكاح إذا عقد بصداق فاسد ويوجب استيمار البنت إذا زوجها أبوها بعده ويوجب العدة ويوجب استبراء الأمة ويوجب الخيار للتي يشرط لها زوجها أن لا يتسى عليها ويقطع خيار الأمة إذا عتقت تحت العبد ويوجب كفارة الظهار ويوجب ابتداء كفارة الظهار إذا وطأ بعد أن شرع فيها ويسقط الإيلاء عن المولى ويوجب إسقاط اللعان ويوجب الحد على الملاعن إذا وطأ بعد الدعوى ويسقط نفقة البنت عن أبيها إذا طلقت ويصح به البيع الفاسد في الجارية ويسقط به الخيار في بيع الأمة ويسقط القيام بالعيب في الأمة ويسقط اعتصار الأب في الهبة ويوجب القيمة في هدية الثواب فذلك خمسون حكما تلخيص أحكام الوطء أربعة أقسام قسم يتعلق بالوطء الحلال في النكاح لا بالشبهة ولا بالحرام كالإحلال والإحصان وقسم يتعلق بالحلال وبالشبهة لا بالحرام كالنسب والعدة والصدق الكامل وتحريم المصاهرة ونحو ذلك وقسم يتعلق بالحرام المحض كالحدود والآثام وقسم بالحلال والحرام والشبهة كوجوب الغسل وفساد العبادات من الصيام والحج والاعتكاف ونحو ذلك وأما الاحتلام فيجب الغسل من خورج المني في النوم من رجل أو امرأة إجماعا ولا يجنب من الاحتلام دون الإنزال إجماعا فإن انتبه ووجد بللا ولا يدري أمني هو أو مذي ولم يذكر احتلاما ففي وجوب غسله قولان ولو رأى في ثوبه احتلاما وشك في زمن خروجه فإن كان طريا أعاد الصلاة من أقرب نومة نامها وإن كان يابسا أعادمن أول نومة نامها في ذلك الثوب وقيل من أقرب نومة مسألة تمنع الجنابة من الصلاة كلها إجماعا وسجود التلاوة إجماعا ومن مس المصحف عند الأربعة خلافا للظاهرية ومن الطواف والاعتكاف اجماعا ومن قراءة القرآن عن ظهر قلب عند الأربعة خلافا لقوم ورخص مالك في الآيات اليسيرة للتعوذ خلافا للشافعي ومن دخول المسجد وأجاز الشافعي المرور فيه وأجاز ابن حنبل الجلوس فيه للجنب وأما الإسلام فيجب على الكافر إذا أسلم أن يغتسل وفاقا لابن حنبل وقيل يستحب وفاقا للشافعي واختلف هل يغتسل إذا اعتقد الإسلام بقلبه قبل أن يظهره وهل يتيمم إذا لم يجد الماء
الباب الخامس في المياه وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في أقسام المياه وهي خمسة ( الأول ) الماس المطلق وهو الباقي على أصله فهو طاهر مطهر إجماعا سواء كان عذبا أو مالحا أو من بحر أو سماء أو أرض ويلحق به ما تغير بطول مكثه أو بما يجري عليه أو بما هو متولد عنه كالطحلب أو بما لا ينفك عنه غالبا أو بالمجاورة ولا يؤثر تغيره بالتراب المطروح على المشهور وفي تغيره بالملح ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين المعدني والمصنوع وفي تغيره بسقوط الورق ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين زمان كثرته فيفتقر للمشقة وبين زمان قلته ( الثاني ) ما خالطه شيء طاهر فإن لم يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فهو كالمطلق وإن غير أحد الأوصاف الثلاثة فهو عند الإمامين طاهر غير مطهر وعند أبي حنيفة طاهر مطهر ما لم يطبخ أو يغلب على أجزائه ) الثالث ) ما خالطه شيء نجس فإن غيره فهو غير طاهر ولا مطهر إجماعاولو زال تغير النجاسة فقولان وإن لم يغيره فإن كان الماء كثيرا فهو باق على أصله ولا حد للكثرة في المذهب وحده الشافعي بقلتين من قلال هجر وهما نحو خمس قرب وحده أبو حنيفة بأنهإذا حرك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر وإن كان قليلا ولم يتغير فهو نجس وفاقا للشافعي وأبي حنيفة وقيل مكروه وقيل مشكوك فيجمع بينه وبين التيمم ( الرابع ) الماء المستعمل في الوضوء أو الغسل إذا لم يغيره الاستعمال فهو طاهر مطهر ولكن يكره مع وجود غيره وقيل طاهر غير مطهر وفاقا للشافعي وقيل مشكوك فيتوضأ به ويتيمم وقال أبو حنيفة هو نجس وفضل الجنب والحائض طاهر مطهر ويجوز أن يتطهر الرجل بفضل المرأة خلافا لابن حنبل ويجوز العكس خلافا لقوم ( الخامس ) الماء الذي نبذ فيه تمر أو غيره إن أسكر فهو نجس وإن لم يسكر وتغير فهو طاهر غير مطهر وحكي عن أبي حنيفة أنه أجاز الوضوء بالنبيذ وحكي أنه رجع عنه ( الفصل الثاني ) في الاسئار وفيها خمس مسائل ( المسألة الأولى ) سؤر ابن آدم فإن كان مسلمالا يشرب الخمر فسؤره طاهر مطهر بإجماع وإن كان كافرا أوشارب خمر فإن كان في فمه نجاسة فهو كالماء الذي خالطته النجاسة وإن لم يكن في فمه نجاسة فهو طاهر مطهر عند الجمهور وقال قوم في سؤر الكافر أنه نجس وكذلك ما أدخل يده فيه ( المسألة الثانية ) في سؤر الكلب ويغسل الإناء سبع مرات من ولوغه في الماء عند الأربعة وزاد الشافعي التعفير بالتراب وفي وجوب هذاالغسل واستحبابه قولان وفي إراقه ما ولغ فيه قولان وفي غسله سبعا من الولوغ في الطعام قولان وفي تكرار الغسل لجماعة الكلاب ولتكرار الكلب الواحد قولان وفي غسله سبعا من ولوغ الكلب المأذون في اتخاذه قولان ( المسألة الثالثة ) سؤر الخنزير وهو طاهر خلافا للشافعيوفي غسل الإناء منه سبعا قولان ( المسألة الرابعة ) في سؤر ما يستعمل النجاسة كالهر والفأرة فإن ريء في أقواهها نجاسة كان كالماء الذي خالطته النجاسة فإن تحقق طهارة أفواهها فطاهر وإن لم يعلم فيغتفر ما يعسر التحرز منه وفي تنجيس ما يتحرز منه قولان ( المسألة الخامسة ) سؤر الدواب والسباع طاهر عند الإمامين وقال أبو حنيفة الاسئار تابعة للحوم ( الفصل الثالث ) في الأواني وفيه أربع مسائل ( المسألة الأولى ) يجوز اتخاذ الأواني من جلد المذكى الجائز الأكل إجماعا واختلف في جلد المذكى المحرم الأكل كالسباع وأما جلد الخنزير فنجس على الإطلاق وأما جلد الميتة فإن لم يدبغ فهو نجس وإن دبغ فالمشهور أنه نجس وفاقا لابن حنبل لكن يجوز في المذهب استعماله في ابيابسات وفي الماء وحده من المائعات ولا يجوز بيعه ولا الصلاة عليه ولا فيه وقيل هو طاهر وفاقا للشافعي ( المسألة الثانية ) يجوز اتخاذ الأواني من الفخار ومن الحديد ومن الرصاص والصفر ومن النحاس ومن الخشل ومن العظام الطاهرة إجماعا وفي طهارة الفخار من نجس غواص كالخمر قولان ( المسألة الثالثة ) في أواني الذهب والفضة واستعمالها حرام على الرجال والنساء واختلف في جواز اتخاذها من غير استعمال وفي الحاق غير الذهب والفضة من الجواهر النفيسة كالياقوت واللؤلؤ بهما وفي أواني الذهب والفضة إذا غشيت برصاص وشبهه وفي الأواني الجائزة إذا موهت بالذهب والفضة أو ضبب بهما ( المسألة الرابعة ) في اختلاط الأواني وإذا اشتبه إناء طاهر بنجس ولم يميز الطاهر منهما ولم يكن له غيرهما فقيل يتيمم ويتركهما وفاقا لابن حنبل وقيل يتحرى واحدا ويتوضأ به وفاقا لهما وقيل يتوضأ بالواحد ويصلي ثم يتوضأ بالآخر ويصلي وزاد محمد بن مسلمة ويغسل أعضاءه بالثاني قبل أن يتوضأ به
الباب السادس في النجاسات وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في تمييز النجاسات والأشياء على أربعة أنواع جماد وحيوان وفضلات الحيوان وأجزاء الحيوان فأما الجماد فطاهر إلا المسكروأما الحيوان فإن كان حيا فهو طاهر مطلقا وقيل بنجاسة الكلب والخنزير والمشرك وإن كان ميتا فلا يخلوا من أن يموت حتف أنفه أو بذكاة فإن مات بذكاة فالمذكى الجائز الأكل طاهر باتفاق والمذكى المحرم الأكل مختلف فيه فإن مات حتف أنفه فإن كان بحريا فهو طاهر خلافا لأبي حنيفة وإن كان بريا ليس له نفس سائلة فهو طاهر خلافا للشافعي وإن كان بريا ذا نفس سائلة فهو نجس اتفاقا وأما أجزاء الحيوان فإن قطعت منه في حال حياته فهي نجسة إجماعا إلا الشعر والصوف والوبر وإن قطعت بعد موته فإن حكمنا بالطهارة فأجزاؤه كلها طاهرة وإن حكمنا بالنجاسة فلحمه نجس وأما العظم وما في معناه كالقرن والسن والظلف فهي نجسة من الميتة خلافا لأبي حنيفة وأما الصوف والوبر والشعر فهي طاهرة من الميتة خلافا للشافعي وقد تقدم الكلام في الجلود وأما فضلات الحيوان فإن كانت مما ليس له مقر كالدمع والعرق واللعاب فهي طاهرة من كل حياون إلا أنه اختلف في لعاب الكلب وعرق ما يستعمل النجاسات كشارب الخمر والجلالة وإن كانت مما له مقر فأما الأبوال والرجيع فذلك من ابن آدم نجس إجماعا إلا أنه اختلف في بول الصبي الذي لا يأكل الطعام وأبوال سائر الحيوانات تابعة للحومها في المذهب فبول الحيوان المحرم الأكل نجس وبول الحلال طاهر وبول المكروه مكروه وقال الشافعي البول والرجيع نجس من كل حيوان وأما الدماء فالدم الكثير من الحيوان البري نجس والقليل منه معفو عنه وخده الدرهم البغلي وقال ابن وهب قليل دم الحيض وكثيرة نجس وفي نجاسة دم الحوت والذباب قولان والمسك طاهر إجماعا وأما الصديد والقيح فقيل يعفى عن قليله كالدم وقيل هو كالبول وأما الألبان فلبن الآدمية وما يؤكل لحمه طاهر ولبن الخنزير نجس إجماعا وفي لبن غيره من المحرمات الأكل قولان وفي لبن ما يستعمل النجاسة قولان وأما المذي والودي فنجسان باتفاق وأما مني ابن آدم فنجس خلافا للشافعي وابن حنبل تلخيص النجاسات المجمع عليها في المذهب ثمانية عشر بول ابن آدم الكبير ورجيعه والمذي والودي ولحم الميتة والخنزير وعظمهما وجلد الخنزير مطلقا وجلد الميتة إن لم يدبغ وما قطع من الحي في حال حياته إلا الشعر وما في معناه ولبن الخنزيرة والمسكر وبول الحيوان المحرم الأكل ورجيعه والمني والدم الكثية والقيح الكثيرة والمختلف فيها في المذهب ثمانية عشر بول الصبي الذي لا يأكل الطعام وبول الحيوان المكروه الأكل وجلد الميتة إذا دبغ وجلد المذكى المحرم الأكل ولحمه وعظمه ورماد الميتة وناب الفيل ودم الحوت والذباب والقليل من دم الحيض والقليل من الصديد ولعاب الكلب ولبت ما لا يؤكل لحمه غير الخنزير ولبن مستعمل النجاسة وعرق مستعمل النجاسة وشعر الخنزير والخمر إذ خللت ( الفصل الثاني ) في أحكام النجاسات وفيه عشر مسائل ( المسألة الأولى ) إزالة النجاسة واجبة مع الذكر والقدرة على المشهور فمن صلى بها أعاد أن كان ذاكرا قادرا ولم يعد إن كان ناسيا أو عاجزا وقيل واجبة مطلقا وفاقا لهما فمنصلى بها أشاد مطلقا وقيل سنة في الوقت استحبابا ( المسألة الثانية ) يرخص في الصلاة بالنجاسة حيث لا يمكن الإحتراز عنها أو يشق كالجرح والدمل يسيل والمرأة ترضع وصاحب السلس وفي إمامتهم قولان وكالغازي يفتقر إلى إمساك فرسه ( المسألة الثالثة ) يجب إزالة النجاسة عن جسد المصلي وموضع الصلاة والثوب الذي يصلي فيه وكل ما يحمله أو ما يتعلق به ( المسألة الرابعة ) إزالة النجاسة بثلاثة أشياء وهي الغسل والمسح والنضح فالنضح للثوب إذا شك في نجاسته واختلف في نضح البدن والموضع إذا شك في نجاسته وفي افتقار النضح إلى نية والمسح فيما يفسد بالغسل كالسيف والنعل والخف والغسل فيما سوى ذلك ( المسألة الخامسة ) لا يكفي في غسل النجاسة إمرار الماء بل لا بد من إزالة عين النجاسة وأثرها حتى تنفصل الغسالة غير متغيرة فإن انفصلت متغيرة فهي نجسة والموضع نجس ( المسألة السادسة ) إذا ميز موضع النجاسة من الثوب والبدن غسله وحده وإن لم يميز غسل الجميع ( المسألة السابعة ) لا يجوز إزالة النجاسة بمائع غير الماء وأجازه أبو حنيفة بكل مائع كالخل وماء الورد ( المسألة الثامنة ) إذا مشت المرأة بذيلها الطويل على نجاسة يابسة يطهره ما بعده واختلف في الرطبة ومثلها من مشى برجل مبلولة على نجاسة ثم على موضع طاهر جاف ويعفى عن طين المطر ما لم تكن النجاسة غالبة أو عينها قائمة ( المسألة التاسعة ) إذا وقعت دابة نجسة في بئر وغيرت الماء وجب نزح جميعه فإن لم تغيره استحب أن ينزح منه بقدر الدابة والماء ( المسألة العاشرة ) إذا وقعت نجاسة في مائع غير الماء تنجس سواء تغير أو لم يتغير وإن وقعت فأرة في سمن ذائب فماتت فيه طرح جميعه وإن كان جامدا طرحت هي وما حولها خاصة قال سحنون إلا أن يطول مقامها فيه ( الفصل الثالث ) في الرعاف ومن رعف وعلم أن الدم لا ينقطع صلى حاله وإن رجا انقطاعه فإن أصابه قبل الصلاة انتظر حتى ينقطع فإن لم ينقطع إلى آخر الوقت صلى وإن أصابه في الصلاة فتله بأصابعه وتمادى فإن قطر أو سال خرج لغسله وجاز له أن يقطع الصلاة بسلام أو كلام ثم يغسله ويبتديء وأن يبني على صلاته بعد غسل الدم والقطع اختيار ابن القاسم والبناء اختيار مالك ولا يجوز البناء في غير المذهب وإنما يجوز البناء في المذهب بخمسة شروط وهي أن لا يتكلم ولا يمشي على نجاسة ولا يصيب الدم جسده ولا ثيابه وأن يغسل الدم في أقرب المواضع وأن يكون قد عقد ركعة بسجدتيها على خلاف في هذا والبناء جائز في المذهب للإمام والمأموم واختلف في المنفرد وإذا رعف المسبوق فأراد البناء فاختلف هل يبتديء بالبناء أو بالقضاء
الباب السابع في الإستنجاء وما يتصل به وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في آداب الاحداث وهي أن يتباعد عن الناس ويستتر منهموأن يجتنب الملاعن وهي الطرقات ومواضع جلوس الناس وظلال الجدر والشجر وشاطيء النهر وأن لا يبول في الحجر ولا في الماء الدائم ولا مهب الرياح وأن يذكر الله عند دخوله فيقول أعوذ بالله من الخبث والخبائث وعند خروجه فيقول الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني أو يقول غفرانك وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلا إن كان بين البنيان وفاقا للشافعي ومنعه ابن حنبل مطلقا وأن لا يتكلم وأن يعد ما يقلع الحدث وأن لا يبول قائما إلا أن يكون الموضع رخوا ( الفصل الثاني ) في الإستنجاء بالماء والإستجمار بالأحجار وفيه خمس مسائل ( المسألة الأولى ) الأفضل الجمع بين الإستجمار والإستنجاء ويقدم الإستجمار ثم الاقتصار على الإستنجاءثم الاقتصار على الإستجمار ويجوز مع عدم الماء ووجوده وقال ابن حبيب لا يجوز إلا مع عدم الماء ولا يجوز الإستجمار من المني ولا من المذي ولا أن تعدت النجاسة المخرجين أو ما قرب منهما ( المسألة الثانية ) صفة الإستنجاء أن يفرغ على يده اليسرى قبل أن يلاقي بها الأذى ثم يغسل القبل فإن كان من البول أجزأه غسل المخرج خاصة وإن كان من المذي فيغسل الذكر كله وقيل كالبول ثم يغسل القبل ثم يغسل الدبر ويوالي صب الماء ويدلكه باليد اليسرى ويسترخي قليلا ويجيد العرك حتى ينقى ولا يستنجي باليمنى ولا يمس بها ذكره ( المسألة الثالثة ) يجوز عند الأربعة الإستجمار بالأحجار وما في معناها وهو كل جامد منق طاهر ليس بمطعوم ولا ذي حرمة ولا فيه سرف ولا حق للغير وليس بروث ولا عظم ولا فحم للنهي عن ذلك فإن استجمر بما لا يجوز أجزأه خلافا لابن عبد الحكم وقال الظاهرية لا يجوز بغير الأحجار ( المسألة الرابعة ) الواجب في الإستجمار الإنقاء ولو بحجر واحد والمختار ثلاثة وقيل تجب فإن لم ينق بها زاد إلى عدد وتر ( المسألة الخامسة ) يجب الإستبراء قبل الإستنجاء وهو استفراغ ما في المخرجين من الأذى وليس له حد بل يرجع إلى عوائد الناس وقال الشافعي يحلب القلم ثلاث مرات
الباب الثامن في التيمم وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في شروط جوازه وهي على الجملة شرطان عدم الماء أو تعذر استعماله وأما على التفصيل فهي عدم الماء في السفر والمرض إجماعا وفي الحضر من غير مرض خلافا لأبي حنيفة وأن يجد من الماء ما لا يكفيه خلافا للشافعي وعدم الآلة الموصلة إلى الماء كالدلو أو الرشاء وأن يخاف العطش على نفسه أو على غيره من آدمي أو بهيمة وأن يخاف إن خرج إلى الماء لصوصا أو سباعا وأن يجد الماء غالبا يجحف به شراؤه وأن يخاف فوات الوقت إن ذهب إلى الماء أو انتظره أو استعمله خلافا للشافعي وأن يخاف الموت من البرد أو حدوثمرض أو زيادته أو تأخر برء أو يكون مريضا لا يجد من يناوله الماء أو يكون قد استوعب الجراح أو القروح أكثر جسد الجنب أو أعضاء الوضوء من المحدث ( الفصل الثاني ) فرائض التيمم فعله بعد دخول الوقت وطلب الماء خلافا لأبي حنيفة فيهما والنية عند الأربعة ومسح الوجه واليدين إجماعا والفور خلافا لهما والصعيد هو التراب ويجوز التيمم بما صعد على الأرض من أنواعها كالحجارة والحصى والرمل والجص خلافا للشافعي ( وسننه ) تقديم الوجه على اليدين وتجديد ضربة لليدين ومسحهما إلى المرفقين وقيل يجب وفاقا للشافعي وغيره ( وفضائله ) البدء باليد اليمنى والتسمية أوله كيفية مسح الذراعين أن يمر اليد اليسرى على اليمنى من فوق الكف إلى المرفق ثم باطن المرفق إلى الكوع ثم يمر اليمنى على اليسرى كذلك وكيفما فعل أجزأه إذا أوعب ( الفصل الثالث ) التيمم ينوب عن الوضوء وعن الغسل من الجنابة والحيض والنفاس إلا أنه لا يجوز لزوج الحائض أن يطأها حتى تغتسل بالماء على المشهور وينقضه نواقض الوضوء والغسل وينقضه أيضا وجود الماء قبل الصلاة اتفاقا ولا ينقضه بعد الدخول في الصلاة خلافا لأبي حنيفة وابن حنبل ولا بعد الفراغ منها فلا يعيدها إجماعا ( الفصل الرابع ) يستباح بالتيمم ما يستباح بالطهارة بالماء ولا يجمع به بين صلاتين مكتوبتين خلافا لأبي حنيفة ويجمع بين نوافل وبين فريضة ونافلة ان قدم الفريضة وقال الشافعي يتنفل قبل المكتوبة وبعدها
الباب التاسع في المسح على الخفين والجبائر
أما الخفان فيجوز المسح عليهما عند الأئمة الأربعة في السفر والحضر بستة شروط وهي أن يكون الخف من جلد تحرزا من الجورب وأن يكون ساترا إلى الكعبين وأن يكون صحيحا أو بخرق يسير والخرق الكبير ما لا يمكن به متابعة المشي وعند أبي حنيفة ظهور ثلاثة أصابع وأن يكون منفردا وفي مسح خف من فوق خف قولان وأن يكون قد لبسه على طهارة بالماء كاملة ون يكون لبسه مباحا تحرزا من المحرم وغاصب الخف والواجب مسح أعلى الخف ويستحب أسفله وقيل يجب ويتمادى على المسح من غير توقيت بزمان ما لم يخلعه أو يحدث له ما يوجب الإغتسال فإن خلعه انتقض المسح ووجب غسل الرجل وان وجب الاغتسال لم يسمح لأن المسح إنما هو في الوضوء وقال الشافعي وأبو حنيفة يمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليها والمقيم يوما وليلة وأما الجبائر فهي التي تشد على الجراح والقروح والفصادة فيجوز المسح عليها وعلى العصائب المشدودة فوقها سواء كانت في أعضاء الوضوء أو الغسل أو كانت على الموضع وحده أو انتشرت عنه ولا يشترط شدها على طهارة ولا يعيد الصلاة إذا صح نزعها للمداواةثم ردها أعاد المسح وإذا صح فنزعها غسل الموضع على الفور وإن سقطت الجبيرة وهو في الصلاة قطع الصلاة لأن طهارة الموضع قد انتقضت بظهوره
الباب العاشر في الحيض والنفاس والطهر والإستحاضة
أما الحيض فهو الدم الخارج من فرج المرأة التي يمكن حملها عادة من غير ولادة ولا مرض ولا زيادة على الأمد وفيه مسألتان ( المسألة الأولى ) في مقداره ولا حد لأقله في العبادات بخلاف العدة والاستبراء بل الدفعة حيض وقال الشافعي أقله يوم وليلة وأبو حنيفة ثلاثة أيام وأما أكثره فمختلف باختلاف النساء وهن أربعة مبتدأة ومعتادة وحامل ومختلطة فالمبتدأة تعتبر أيام لداتها فإن تمادى بها الدم اغتسلت وكانت مستحاضة وقيل تستظهر على ذلك بثلاثة أيام وقيل تكمل خمسة عشر يوما وأما الحامل إذا رأت الدم فهو حيض عند الإمامين خلافا لأبي حنيفة ثم أنها لم تتغير عادتها فهي كغير الحامل وإن تغيرت عادتها ففيها الأقوال الثلاثة التي في المعتادة وقال ابن القاسم تمكث بعد ثلاثة أشهر خمسة عشر يوما وبعد ستة أشهر عشرين يوما وآخر الحمل ثلاثين يوما ونحو ذلك وقيل تمكث ضعف أيام عادتها وأما المختلطة وهي التي ترى الدم يوما أو أياما والطهر يوما أو أياما حتى لا يحصل لها طهر كامل فإنها عند الإمامين تلفق أيام الدم فتعدها حتى يكمل لها مقدار أكثر أيام الحيض وتلغي أيام الطهر التي بينها فلا تعدها فإذا أكمل لها من أيام الدم مدة أكثر الحيض كانت مستحاضة وإن تخلل بين أيام الدم مقدار أقل استأنفت حيضة أخرى وتكون في طول مدة التلفيق تغتسل في كل يوم لا ترى فيه الدم رجاء أن يكون طهرا كاملا وتجتنب في كل يوم ترى فيه الدم ما تجتنبه الحائض ( المسألة الثانية ) يمنع الحيض والنفاس اثني عشر شيئا منها السبعة التي تمنعها الجنابة وهي الصلوات كلها وسجود التلاوة ومس المصحف ودخول المسجد والطواف والإعتكاف وقراءة القرآن وقيل يجوز لها القراءة عن ظهر قلب وتزيد خمسا وهي الصيام إلا أن تقضيه ولا تقضي الصلاة إجماعا والطلاق والجماع في الفرج قبل انقطاع الدم بإجماع والجماع بما دون الفرج قبل انقطاع الدم خلافا لا صبغ والظاهرية وإنما يجوز أن يتمتع عند الأربعة في أعلى جسدها بعد أن تشد إزارها والجماع بعد انقطاع الدم وقبل الإغتسال خلافا لأبي حنيفة فإن وطأ في الحيض فليستغفر الله ولا كفارة عليه وقال ابن حنبل يتصدق بدينار أو نصف دينار وجسد الحائض وعرقها وسؤرها طاهر وكذلك الجنب وأما دم النفاس فهو الخارج من الفرج بسبب الولادة ولا حد لأقله وقال أبو حنيفة خمسة وعشرون يوما وأكثره ستون يوما وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة الأربعة فإن انقطع دم النفاس ثم عاد بعد مضي طهر تام فهو حيض وإن عاد قبل طهر فهو من النفاس وإن تمادى أكثر منمدته صار استحاضة وأما الطهر فهو زمان نقاء المرأة مندم الحيض والنفاس ولا حد لأكثره اجماعا وأقله خمسة عشر يوما وفاقا لهما وقيل عشرة وقيل ثمانية وقيل خمسة وقيل ترجع إلى العادة وللطهر علامتان الجفوف من الدم والقصة البيضاء وهي ماء أبيض رقيق يأتي في آخر الحيض فإذا رأت الحائض أو النفساء علامة طهرها اغتسلت من ساعتها وجاز لها كل ما تمنع منه الحائض والنفساء وأما دم الإستحاضة فهو الخارج من الفرج على وجه المرض فلا تنتقل المستحاضة إلى حكم الحائضة إلا بثلاثة شروط ( أحدها ) أن يمضي لها من الأيام في الإستحاضة مقدار أقل الطهر ( الثاني ) أن يتغير الدم عن صفة الإستحاضة إلى الحيض فإن دم الحيض أسود غليظ ودم الإستحاضة أحمر رقيق والصفرة والكدرة حيض ( الثالث ) أن تكون المرأة مميزة ولا تمنع الإستحاضة شيئا مما يمنع منه الحيض ويستحب للمستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة وأوجبه الشافعي واختلف هل تغتسل إذا انقطع دم الإستحاضة
الكتاب الثاني في الصلاة وفيه ثلاثون بابا
الباب الأول
في أنواع الصلوات وهي خمسة فرض عين وفرض كفاية وسنة وفضيلة ونافلة ففرض العين الصلوات الخمس بإجماع وهي صلاة الصبح وهي صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة المغرب وصلاة العشاء وقد نهى عن تسميتها بالعتمة والصلاة الوسطى هي صلاة الصبح عند مالك وأهل المدينة والعصر عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه والظهر عند زيد بن ثابت وفرض الكفاية الصلاة على الجنائز في المشهورة وقيل هي سنة وأما السنة فهي عشر صلوات الوتر وهي أكد السنين وأوجبها أبو حنيفة وركعتا الفجر وصلاة عيد الفطر وصلاة عيد الأضحى وصلاة كسوف الشمس وخسوف القمر وصلاة الإستسقاء وسجود التلاوة إنها من الفضائل وأما الفضائل فإنها عشر وهي ركعتان بعد الوضوء وتحية المسجد ركعتان وأوجبهما الظاهرية وصلاة الضحى وقد اختلف فيها من اثنتي عشر ركعة إلى ركعتين وقيام الليل وقيام رمضان وهو آكد وإحياء ما بين العشاءين وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعدها وقيل أربع ركعات وركعتان قبل العصر وقيل أربع وركعتان بعد المغرب وقيل ست وقد قيل في هذه كلها أنها سنن وأما النوافل فهي على قسمين منها ما لا سبب له وهي التطوع في الأوقات الجائزة ومنها ما له سبب وهي عشر الصلاة عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع منه وعند دخول المنزل وعند الخروج منه وصلاة الإستخارة ركعتان وخرجها البخاري وصلاة الحاجة ركعتان خرجها الترمذي وصلاة التسبيح أربع ركعات خرجها الترمذي عن عبدالله بن أبي وضعف سنده وأبو داود وركعتان بين الاذان والإقامة وأربع ركعات بعد الزوال وركعتان عند التوبة وزاد بعضهم ركعتين عند الدعاء وركعتين لمن قدم للقتل اقتداء بخبيبفصل تارك الصلاة إن جحد وجوبها فهو كافر بإجماع وإن أقر بوجوبها وامتنع من فعلها فيقتل حدا لا كفرا وفاقا للشافعي وقال ابن حبيب وابن حنبل يقتل كفرا وقال أبو حنيفة يضرب ويسجن حتى يموت أو يرجع
الباب الثاني في الأوقات وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الثاني ) في وقت الاختيار أما الظهر فأول وقتها زوال الشمس اتفافا وهو انحطاط الشمس عن نهاية ارتفاعها ويعرف ذلك بابتداء الظل في الزيادة بعد انتهائه في النقصان وآخر وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس وقال أبو حنيفة إذا صار ظل كل شيء مثليه وأما العصر فأول وقتها آخر وقت الظهر وهو مشترك بينهما والاشتراك في آخر القامة الأولى وقيل في أول الثانية وقيل ليس بينهما اشتراك وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة أول وقتها بعد القامتين وأما آخر وقتها فهو إذا صار ظل كل شيء مثليه وفاقا للشافعي وقيل اصفرار الشمس وفاقا لابن حنبل وقال أهل الظاهر إلى غروب الشمس وأما المغرب فأول وقتها غروب الشمس اجماعا وهو ضيق غير متد وفاقا للشافعي وقيل إلى مغيب الشفق وفاقا لأبي حنيفة وابن حنبل وأما العشاء فأول وقتها مغيب الشفق الأحمر عند الإمامين والأبيض عند أبي حنيفة وآخره ثلث الليل وفاقا لهما وقال ابن حبيب والظاهرية نصف الليل وأما الصبح فأول وقتها طولع الفجر الصادق إجماعا وآخره طلوع الشمس وفاقا لهم وقال ابن القاسم الأسفار البين قبل الطلوع فرع الأفضل عند الشافعي تقديم الصلوات في أول الوقت إلا الظهر في شدة الحر والأفضل عند أبي حنيفة تأخيرها إلى آخر الوقت إلا المغرب وأما في المذهب فالأفضل على المشهور تأخير الظهر إلى ربع القامة وتأخير العشاء في المساجد وقتديم الصبح والعصر والمغرب ( الفصل الثاني ) في أوقات الضرورة وهي تمتد أكقر من الوقت الاختياري عند الثلاثة خلافا للظاهرية وذلك الظهر والعصر مشتركتان بينهما والمغرب والعشاء مشتركتان بينهما وليس للصبح وقت ضرورة على المشهور وتختص الضرائر بأهل الأعذار وهي الحيض والنفاس والجنون والإغماء والكفر والصبا والنسيان فأما النسيان فله حكم يخصه وأما سائر الأعذار فلها حالتان حالة ارتفاعها وحالة حدوثها فأما ارتفعاها فإن ارتفعت وقد بقي من الوقت ما يسع أقل من ركعة سقطت الصلاتان وإن بقي ركعة فأكقر إلى تمام صلاة واحدة أما تامة في الحضر وأما مقصورة في السفر وجبت الأخيرة وسقطت الأولى وإن بقي زيادة إلى ذلك بمقدار ركعة من الصلاة الأخرى إما تامة حضرية وإما مقصورة سفرية وجبت الصلاتان وبيان ذلك أنه إذا طهرت الحائض أوأفاق المجنون أو بلغ الصبي أوأسلم الكافر وقد بقي إلى غروب الشمس خمس ركعات في الحضر وثلاث في السفر وجبت عليهما لظهر والعصر وإن بقي أقل من ذلك إلى ركعة وجبت العصر وحدها وإن بقي أقل من ركعة سقطت الصلاتان وفي المغرب والعشاء إن بقي إلى طلوع الفجر بعد ارتفاع الأعذار خمس ركعات وجبت الصلاتان وإن بقي ثلاث سقطت المغرب وإن بقي أربع فقيل تسقط المغرب لأنه أدرك قدر العشاء خاصة وقيل تجب الصلاتان لأنه يصلي المغرب كاملة ويدرك العشاء بركعة وأما حدوث الأعذار فيتصور في الجنون والإغماء والحيض ولانفاس ولا يتصور في الكفر والصبا فإذا حدث في وقت مشترك بين الصلاتين سقطت الصلاتان وإن حدث في وقت مختص بإحداهما سقطت المختصة بالوقت وتقضى الأخرى وذلك أن أول الزوال مختص بالظهر إلى أربع ركعات في الحضر وركعتين في السفر ثم تشترك الصلاتان إلى أن تختص العصر بأربع ركعات قبل الغروب في الحضر وركعتين في السفر خلافا للشافعي في قوله أن الاشتراك الضروري منالزوال إلى الغروب فلو حاضت المرألة في وقت الاشتراك سقطت الظهر والعصر ولو حاضت في وقت الاختصاص بالعصر وكانت لم تصل الظهر ولا العصر سقط عنها قضاء العصر وحدها ولو حاضت في وقت الاختصاص بالظهر سقطت وإن تمادى الحيض إلى وقت الاشتراك سقطت العصر فإن ارتفع قبله وجبت ومثل ذلك في سائر الأعذار في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وأما النسيان فإنما يدخل في هذا الباب إذا نسي إحدى الصلاتين المشتركتين وهو في الحضر ثم سافر فذكرها أو بالعكس هل يتم أو يقصر والقانون في ذلك أنه إذا ذكر الصلاة قبل خروج وقتها الضروري صلاها على حسب ما يكون وقت ذكرها من حضر أو سفر فيقصرها إن ذكرها في السفر ويتمها إن ذكرها في الحضر وإن لم يذكرها حتى خرج وقتها الضروري صلاها على حسب ما كان في وقتها من حضر أو سفر ومثال ذلك لو نسي الظهر والعصر في الحضر ثم سافر فذكرهما في السفر قبل الغروب لثلاث ركعات قصرها وإن أدرك ركعتين أو ركعة أتم الظهر وقصر العصر وإن ذكرهما بعد الغروب أتمهما فلو نسيهما في السفر ثم ذكرهما في الحضر قبل الغروب بخمس ركعات أتمهما ولدون ذلك ركعة قصر الظهر وأتم العصر وإن ذكر بعد الغروب قصرهما ولو نسي المغرب والعشاء في الحضر ثم ذكرهما في السفر قبل الفجر بأربع ركعات قصر العشاء ولدون ذلك إلى ركعة فاختلف هل يقصرها أو يتمها وإن ذكر بعد الفجر أتمهما ولو نسيهما في السفر ثم ذكر في الحضر قبل الفجر بأربع أتم العشاء ولدون ذلك إلى ركعة فاختلف هل يتمها أو يقصرها وإن ذكر بعد الفجر قصرها فروع ثلاثة ( الفروع الأول ) إنما تدرك الصلاة بإدراك ركعة بسجدتيها وقال أشهب بإدراك الركوع خاصة وقال الشافعي وأبو حنيفة بإدراك تكبيرة الإحرام ( الفرع الثاني ) يعتبر إدراك أصحاب الأعذار بعد زوال الأعذار وفعل الطهارة وقال ابن القاسم لا تعتبر الطهارة في الكافر ( الفرع الثالث ) لا تؤخر الصلاةإلى وقت الضرورة ومن فعل ذلك من غير ذوي الأعذار فهو آثم واختلف هل هو مؤد أو قاض ( الفصل الثالث ) في أوقات النهي عن الصلاة وهي عشرة فمنها طلوع الشمس وغروبها وبعد الصبح إلى الطلوع وبعد العصر إلى الغروب فيجوز في هذه الأربعة صبح اليوم أو عصره لمن فاته إجماعا ويجوز قضاء الفرائض الفائتة فيها وفي غيرها خلافا لأبي حنيفة ويمتنع ما عدا ذلك لأنه يجوز في المذهب الصلاة على الجنائز بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس وكذلك سجود القرآن في المدونة وفاقا للشافعي بخلاف ما في الموطأ خلافا لابن حنبل وزاد الشافعي جواز النوافل التي لها أسباب كتحية المسجد وركعتي الطواف والحرام ومنها بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح فتجوز فيه الفوائت وركعتا الفجر والوتر وإن يخلف حزبه من الليل من فاته واختلف في تحية المسجد فيه ومنها عند الزوال وليس بوقت نهي في المشهور وهو عند الشافعي وقت نهي إلا يوم الجمعة ومنها بعد الغروب قبل المغرب على المشهور ومنها التنفل يوم الجمعة والإمام على المنبر في الخطبة وقبلها وأجاز الشافعي وغيره تحية المسجد لمن دخل في ذلك الوقت للحديث الصحيح ومنه التنفل بعد الجمعة في المسجد فيمتنع في المذهب خلافا لأبي حنيفة وغيره ومنها الصلاة بعد صلاة العيد وقبلها فتمنع في المصلى دون المسجد وتجوز فيهما عند الشافعي وتمتنع قبل لا بعد عند ابن حنبل والله أعلم بالصواب
الباب الثالث في الأذان والإقامة وفيه خمسة فصول
( الفصل الأولة ) في حكم الأذان وهو سنة مؤكد وفاقا للشافعي وأبي حنيفة وقيل فرض كفاية وقيل على خمسة أنواع واجب وهو أذان الجمعة ومندوب وهو لسائر الفرائض في المساجد وحرام وهو أذان المرأة وأجاز الشافعي أن تؤذن النساء ومكروه وهو الأذان للنوافل وللفوائت وأجازه للفوائت ابن حنبل وأبو حنيفة ومباح وهو أذان المنفرد وقيل مندوب ( الفصل الثاني ) في صفة الأذان وفيه أربعة مذاهب ( الأول ) أذان المدينة لمالك وهو تثنية التكبير وترجيع الشهادتين أذان مكة للشافعي وهو تربيع التكبير والشهادتين ( الثالث ) أذان الكوفة لأبي حنيفة وهو تربيع التكبير وتثنية الشهادتين واتفق الثلاثة على تثنية الحيعلتين والتكبير بعدهما وأفراد التهليل بعدهما وإفراد التهليل بعده ( الرابع ) أذان البصرة للحسن البصري وهو تربيع التكبير وتثنية الحيعلتين والشهادتين فكلمات الأذان في المذاهب سبعة عشر ويزيد في الصبح بعد الحيعلتين التثويب وهو ( الصلاة خير من النوع ) مرتين ومرة لابن وهب ويسقط لأبي حنيفة( فرع ) الترجيع هو إعغادة الشهادتين مرتين بأعلى صوت من المرتين أولين ( الفصل الثالث ) في صفة المؤذن وآدابه فصفاته الواجبة ستة الإسلام والعقل والذكورية والبلوغ بخلاف في المذهب والعدالة والمعرفة بالأوقات ويستحب حسن الصوت وجهارته وآدابه عشرة أن يؤذن على وضوء قائما على موضع مرتفع مستقبل القبلة ويجوز له الاستدارة إلى غيرها في الحيعلتين ولا يتكلم في الأذان بسلام ولا رد ولا غير ذلك ولا ينكسه ولا يقطعه بل يواليه ويرتله ويقف على كلماته بالسكون بخلاف الإقامة ويجتنب التطريب وإفارط المد ويجوز أن يجعل أصابعه في أذنيه واستحبه أبو حنيفة وابن حنبل وأن يؤذن غير من يقيم وأن يؤذن أكقر من واحد إلا في المغرب ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح فيؤذنها لها قبل طلوع الفجر خلافا لأبي حنيفة ( الفصل الرابع ( فيما يقول من سمع المؤذن ويؤمر أن يقول مثل ما يقول ويعوض الحيعلتين بلا حول ولا قوة إلا بالله وقيل يقتصر في الحكاية على الشهادتين ويحكيهما مرتين وقيل مرة فإن سمعه وهو في صلاته فقيل يحكيه في النافلة دون الفريضة وقيل لا يحكيه فيهما ولا يتجاوز الشهادتين فإن زاد عليهما ففي بطلان صلاته قولان وينبغي لسامع الأذان أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل له من الله الوسيلة ثم يدعو بما شاء ( الفصل الخامس ) في الإقامة وهي سنة مؤكدة في الفرائض الوقتية والفائتة على المنفرد والجماعة للرجال والنساء وقيل ليس على المرأة إقامة وكلماتها وتر إلا التكبير فإنه مثنى وعددها في المذهب عشر كلمات ومذهب الشافعي وابن حنبل تثنية التكبير وقوله ( قد قامت الصلاة ) ومذهب أبي حنيفة تثنية جميع كلماتها
الباب الرابع في المساجد ومواضع الصلاة وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في المساجد وفيه ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) المساجد أفضل بقاع الأرض وأفضل المساجد مسجد المدينة والمسجد الحرام بمكة والمسجد الأقصى وأفضل الثلاثة عند مالك مسجد المدينة وعند الشافعي وأبي حنيفة مسجد مكة كما أن مالكا فضل المدينة على مكة خلافا لهما ووافقهما ابن رشد ( المسألة الثانية ) يقال عند دخول المسجد ( اللهم افتح لي أبواب رحمتك ) وعند الخروج ( اللهم إنني أسألك من فضلك ) وذلك بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد أن يقال عند الدخول ( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ) ( المسألة الثالثة ) فيما تنزه عنه المساجد وذلك البيع وسائر أبواب المكاسب وإنشاد الضالة ورفع الصوت حتى بالعلم والقرآن والبزاق وكفارته دفنه وإنشاد الشعر إلا ما يجوز شرعا وكره سحنون الوضوء فيه ويخفف النوم فيها نهارا للمقيم والمسافر والمبيت فيه للغريب ولا ينبغي أن يتخذ مسكنا إلالمن تجرد للعبادة ويرخص في الأكل اليسير فيه ويمنع منه الصبيان والمجانين ومن أكل الثوم والبصل ويرخص للنساء الصلاة فيه إذا أمن الفساد ويكره للشابة الخروج إليه ولا يتخذ المسجد طريقا ولا يسل فيه سيف وإنما يفعل فيه ما بني له ولا يجوز دخول المشرك المسجد وجوزه الشافعي إلا في المسجد الحرام وأبو حنيفة في كل مسجد ( الفصل الثاني ) في مواضع الصلاة وتجوز في كل موضع طاهر ونهي عن الصلاة في سبعة مواطن المزبلة لقذرها والمجزرة للدماس والمقببرة فقيل على العموم وقيل يختص النهي بمقبرة المشركين ومحجة الطريق لأنه لا يؤمن من المرور ولا النجاسة والحمام للأوساخ فإن طهر فيه موضع جاز ومعان الإبل وهو غير معلل على الأصح وظهر الكعبة وقيل أن كان بين يديه جزء من بنائها جاز وتمنع في المذهب الفرائض داخل الكعبة خلافا لهما وتكره في المذهب الصلاة على غير الأرض وما تنبته
الباب الخامس في خصال الصلاة وفيه فرائض وسنن وفضائل ومفسدات ومكروهات وكل واحد منها عشرون
فأما ( الفرائض ) فمنها عشرة شروط وهي الطهارة من الحدث والطهارة من النجس ومعرفة دخول الوقت وستر العورة واستقبال القبلة والنية والترتيب في أداء الصلاة وموالاة فعلها وترك الكلام إلا بما هو من جنسها أو مصلح لها وترك الفعل الكثيرة من غير جنس الصلاة ومنها عشرة أركان وهي تكبيرة الإحرام والقيام لها وقراءة أم القرآن والقيام لها والركوع والرفع منه والسجود والفصل بين السجدتين والسلام والجلوس له وزيد عليها الطمأنينة والخشوع وأما ( السنن ) فهي الأذان والإقامة والصلاة مع الجماعة وقراءة السورة مع أم القرآن والقيام لها وتقديم أم القرآن عليها والجهر في موضع الجهر والأسرار في موضع الأسرار وقول ( سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ) والتكبير سوى تكبرة الإحرام وترتيل القراءة والسجود على سبعة آراب والتشهد الأول والجلوس له والتشهد الثاني والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاعتدال في الأركان والتيامن بالسلام وقد قيل في كثير منها أنها فضائل وإنما يسجد سجود السهو لثمانية منها وهي السورة والجهر والإسرار والتكبير والتحميد والتشهدان والجلوس لهما وأما ( الفضائل ) فهي الصلاة أول الوقت وأخذ الرداء والسترة أمام المصلي ورفع اليدين مع تكبيرة الإحرام والترويح بين القدمين في الوقوف وجعل اليد اليمنى على اليسرى والتأمين ومقدار السورة في الطول والقصروالتوسط والقنوت في الصبح ووضع اليدين على الركبتين في الركوع والتسبيح في الركوع والسجود والدعاء في السجود وفي الجلوس الأخير والانفراج في الركوع والسجود ومباشرة الأرض باليدين في السجود وهيئة الجلوس وتقصير الجلسة الوسطى وأن لا يكبر في القيام للثالثة حتى يستوي قائما ورد السلام على من على اليسار وسجود التلاوة وقيام الإمام من موضعه ساعة يسلم وقد عد كثيرة من هذه في السنن وقال بعضهم أفعال الصلاة كلها فرائض إلا ثلاثة رفع اليدين والجلسة الوسطى والتيامن بالسلام وأقوال الصلاة كلها ليست بفرائض إلا ثلاثة تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن والسلام وأما ( المفسدات ) فهي ترك النيبة أو قطعها أو ترك ركن من أركانها كالقراءة والركوع أو غير ذلك من الفرائض أو ما قدر عليه منها أن كان له عذر عن استيفائه عمدا ترك ذلك أو جهلا أ هـ أ فهو مفسد لها إلا القبلة وإزالة النجاسة وستر العورة فإن تركها سهوا يخفف ويعاد منه في الوقت وكذا الجهل بالقبلة وكذلك إسقاط الجلسة الأولى من السنن وترك ثلاث تكبيرات أو سمع الله لمن حمده مثلها يفسد الصلاة إن فات جبرها بسجود السهو وكذلك الزيادة عمدا أو جهلا وكثيرها سهوا والردة والقهقهة كيف كانت والكلام لغير إصلاحها وبالأكل والشرب فيها والعمل الكثير من غير جنسها وغلبة الحقن والقرقرة وشبهها وكذلك الهم الكثير حتى يشغله عنها ولا يفقه ما يصلي وبالاتكاء حال قيامه على حائط أو عصا لغير عذر بحيث لو أزيل عنه متكؤه لسقط وذكر صلاة فرض يجب ترتيبها عليه والصلاة في الكعبة أو على ظهرها وتذكر المتيمم الماء فيها واختلاف نية المأموم والإمام وكذلك فساد صلاة الإمام بغير سهو والحدث والنجس أوإقامة الإمام عليه صلاة أخرى وكذلك ترك سنة من سننها المكورة عمدا يفسدها عند بعضهم وأما ( المكروهات ) فهي صلاة الرجل وهو يدافع الأخبثين البول والغائط والالتفات وتحدث النفس بأمور الدنيا وتشبيك الأصابع وفرقعتها والعبث بها أو بلحيته أو خاتمه أو تسوية الحصا والاقعاء وهو جلوسه على قدميه أوعند القيام من السجود بل يعتمد على يديه عند قيامه والصفد وهو ضم القدمين في القيام كالمكبل والصفن وهو رفع إحداهما كما تفعل الدابة عند الوقوف والصلب وهو ضم اليدين على الخاصرتين ويجافي بين العضدين في القيام كصفة المصلوب والاختصار وهو وضع اليد على الخاصرة في القيام أيضا وأن يصلي وهو متلثم أو كافت شعره أو ثوبه لأجل الصلاة أو حامل في فيه أو غيره ما يشغله أو يصلي وهو غضبان أو جائع أو بحضرة الطعام أو ضيق الخف أو شبه ذلك مما يشغله عن فهمالصلاة أو يصلي بطريق من يمر بين يديه أو يقتل برغوثا أو قملة أو يدعو في ركوعه أو قبل القراءة في قيامه أو يقرأ في ركوعه أو سجوده أو يجهر بالتشهد أو يرفع رأسه أو يخفضه في ركوعه أو يرفع بصره إلى السماء في صلاته أو يسجد على البسط والطنافس أو على ما لا تنبته الأرض أو مما هو سرف أو فيه رفاهية والصلاة بثوب ليس علىأكتافه منه شيء وكذلن ما هو ضد للفضائل والمستحبات وكذلك ما يشغله عن حضور القلب في الصلاة أو يصرف فكره عنها تلخيص تنقسم خصال الصلاة بالنظر إلى الاتفاق والاختلاف عشرة أقسام ( الأول ) ما اتفق على وجوبه وهو الطهارة من الحدث واستقبال القبلة وترتيب أداء الصلاة والركوع والسجود وزالرفع منه ( الثاني ) ما اختلف في وجوبه وهو تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن والبسملة والسلام والرفع من الركوع ( الثالث ) ما اختلف هل هو فرض أو سنة وهو إزالة النجاسة وستر العروة والتشهدان والجلوس لهما والتكبير غير تكبيرة الإحرام والاعتدال ( الرابع ) ما اختلف هل هو فرض أو مستحب وهو الطمأنينة والتسبيح في الركوع والسجود والاستعاذة من الأربع في الجلوس ( الخامس ) ما اختلف هل هو فرض أو سنة أو مستحب وهو رفع اليدين ( السادس ) ما اتفق على أنه سنة وهو قراءة السورة في الركعتين الأوليين ( السابع ) ما اتفق على أنه مستحب وهو ترتيب السورة وتطويل الأولى والمجافاة بالمرفقين ( الثامن ) ما اختلف هل هو سنة أو مستحب وهو القنوت وربنا ولك الحمد وتأمين المأموم ( التاسع ) ما اختلف هل يستحب أم لا وهو التوجه والتعوذ ونظر موضع السجود والصلاة أول الوقت وتأمين الإمام وتحريك السبابة في التشهد وتقصير الجلسة الوسطى ووضع اليدين على الركبتين في الركوع وسبق اليدين إلى الأرض قبل الركبتين في السجود والجلوس بعد السجدة الثانية ( العاشر ) ما اختلف هل يستحب أو يكره وهو الإقعاء ووضع اليد اليمنى على اليسرى في القيام وسيأتي بيان ذلك في مواضعه والله أعلم
الباب السادس في اللباس في الصلاة والنظر في المستور والساتر
أما المستور فهو العورة ويجب سترها عن أعين الناس إجماعا وفي وجوب الستر في الخلوات قولان وأما الصلاة فالصحيح من المذهب وجوبها وفاقا لهم إلا أنه اختلف في إعادة من صلى مكشوف العورة هل يعيد في الوقت أو في الوقت وبعده وعورة الرجل من السرة إلى الركبة وفاقا لهما واختلف هل تدخل السرة والركبة أم لا وقيل السوأتان خاصة وأقل ما يجزىء من اللباس في الصلاة ستر العورة والأفضل تغطية سائر جسده ولو بثوب واحد على كتفيه والأكمل زيادة الرداء وتتأكد للإمام وأما الحرة فكلها عورة إلا الوجه والكفين وزاد أبو حنيفة القدمين ولم يستثن ابن حنبل وأقل ما يجزيها ثوب يستر جسدها حتى ظهور القدمين وقناع في رأسها وأما الأمة فعورتها كالرجل إلا أن فخذها عورة باتفاق فيجوز لها الصلاة بغير قناع وتستر سائر جسدها ومثلها المكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها بخلاف أم الولد فإنها كالحرة وأما الساتر فيجب أن يكون صفيقا كثيفا فإن ظهر ما تحته فهو كالعدم وإن وصف فهو مكروه ونهى عناشتمال الصماء وهو أن يلتوي في ثوب واحد ولا يكون له من أين يخرج يديه إلا من أسفله ومن لم يجد ثوبا صلى وحده عريانا قائما يركع ويسجد وقال أبو حنيفة يصلي جالسا فإن جاءه الثوب وهو في الصلاة فاختلف هل يستر ويتمادى أو يقطع ويبتدي وإن اجتمع عراة في الظلام صلوا كالمستورين وإن كانوا في الضوء تباعدوا وصلوا أفذاذا وإلا صلوا جلوسا وقيل قياما ويغضون أبصارهم ومن لم يجد ثوبا نجسا صلى به وإن لم يجد إلا ثوب حرير ففيه قولان وإن لم يجد إلا ثوبي حرير ونجس فاختلف بأيهما يصلي تكميل حكم المرأة في النظر إلى المرأة كحكم الرجل في النظر إلى الرجل فيمنع النظر إلى العورة ويجوز ما عدا ذلك وحكم المرأة في النظر إلى ذوي محارمها كحكم الرجل في النظر إلى الرجل وحكمها في النظر إلى الأجنبي كحكم الرجل مع ذوات محارمه وهو النظر إلى الوجه والكفين فقط على الأصح وقيل كنظر الرجل إلى المرأة الأجنبية ويباح للعبد أن يرى من سيدته ما يراه ذوو المحرم منها ولها أن تؤاكله إلا إذا كان وغدا دنيئا ولا ينظر الخصي إلى امرأة إلا إذا كان عبدها وقال قوم يجوز لأنه من التابعين غير أولي الأربة من الرجال وإنما هم عند مالك الأحمق والمعتوه وكل من منع من النظر إلى امرأة لم يجز له أن يخلو معها ولا يجوز أن يجتمع امرأتان ولا رجان متجردين في لحاف واحد ويفرق بين الصبيان في المضاجع لسبع وقيل لعشر والله أعلم
الباب السابع في استقبال القبلة وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) الاستقبال شرط في الفرائض إلا في صلاة المسايفة وللراكب في السفر يخاف أن نزل لصا أو سبعا فتجوز الصلاة حينئذ على الدابة إلى القبلة وغيرها وهو أيضا شرط في النوافل إلا في السفر فيصلي حيث ما توجهت به راحلته ويومي بالركوع والسجود ويجعل السجود أخف من الركوع ولا يتكلم ولا يلتفت وذلك بشرط أن يكون السفر طويلا وأن يكون راكبا ويصلي من في السفينة إلى القبلة فإن دارت استدار وروى ابن حبيب أنه يتنقل حيث سارت به كالدابة ( الفصل الثاني ) المصلون ثلاثة متيقن للقبلة ومجتهد ومقلد وهي مرتبة فلا يجوز الانتقال عن واحد إلى ما بعده إلا بعد العجز عنه فالقطع لمن صلى في مكة ومحراب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بمنزلة الكعبة بمكة والاجتهاد لمن صلى في سائر الأقطار أن قدر عليه والتقليد لمن عجز عن الاجتهاد فيسأل مسلما عاقلا عارفا بالقبلة ويقلده فإن عدم من يقلده فقيل يصلي إلى حيث شاء وقيل يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) الفرض استقبال الكعبة البيت الحرام فقيل عينهاوقيل جهتها فقبلة أهل المغرب إلى المشرق وبالعكس وقبلة أهل المدينة والشام وأهل الأندلس إلى ميزاب الكعبة وذلك ما بين المشرق والجنوب وقال بعض المعدلين قبلة قرطبة وما حولها على ثلاثين درجة من الربع الشرقي الجنوبي ( الفرع الثاني ) يستدل على القبلة بطلوع الشمس وغروبها وقيل بالجهة التي يبدأ الظل بالزيادة فيها وقت الزوال ويستدل عليها ليلا بالقمر فإنه يكون طرفاه أو الشهر إلى المشرق وآخر الشهر إلى المغرب ووسط الشهر يكون في أول الليل إلى المشرق وفي آخره إلى المغرب وقد يستدل عليها بالجبال والرياح وغير ذلك ( الفرع الثالث ) من صلى ثم تبين له الخطأفي القبلة أعاد في الوقت على المشهور وقال سحنون في الوقت وبعده وفاقا لهما ( الفصل الثالث ) في السترة قدام المصلي ويؤمر بها الإمام والفذ وسترة الإمام سترة للمأموم وأقلها طول الذراع في غلط الرمح وشروطها أن تكون بشيء ثابت طاهر لا يشوش القلب فلا يستر بصبي لا يثبت ولا بامرأة ولا إلى المتكلمين ويجوز الاستتار بالإبل والبقر والغنم لا يصمد إلى السترة بل يتيامن عنها قليلا أو يتياسر ويجعل بينها وبينه قدر ممر الشاة وقيل ثلاثة أذرع فإن لم يجد سترة صلى دونها ويخط خطا في الأرض فيصلي إليه خلافا لابن حنبل ولا يقطع الصلاة مرور شيء بين يدي المصلي أن يتعرض للمرور ولا لأحد أن يمر بين يديه فإن فعل فليدفعه دفعا خفيفا
الباب الثامن في النية والإحرام وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في النية وهي واجبة في الصلاة إجماعا والكمال أن يستشعر المصلي الإيمان وينوي التقرب إلى الله بالصلاة ويعتقد وجوبها وأداءها في ذلكاليوم ويعينها وينوي عدد ركعاتها وينوي الإمامة والأمومية والانفراد ثم ينوي تكبيرة الإحرام فروع أربعة ( الفرع الأول ) تجب نية المأمومية والإفراد ولا تجب نية الإمامية إلا في الجمعة والجمع والخوف والاستخلاف لكون الإمام شرطا فيها وزاد ابن رشد الجنائز ( الفرع الثاني ) اختلف في وجوب نية عدد الركعات وينبني على ذلك الخلاف في صحة صلاة من افتتح بنية القصر فأتم وبالعكس ومن دخل في صلاة الجمعة فيظنها ظهرا أو بالعكس ( الفرع الثالث ) يجب أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام فإن تأخرت النية أو تقدمت بكثير بطلت باتفاق وإن تقدمت بيسير فقيل تصح وفاقا لأبي حنيفة وقيل تبطل وفاقا للشافعي ( الفرع الرابع ) محل النية القلب ولا يلزم النطق بها وتركه أولى خلافا للشافعي ( الفصل الثاني ) في تكبيرة الإحرام وهي واجبة خلافا لأبي حنيفة والتكبير سواها ليس بواجب عند الجمهور ولفظها الله أكبر لا يجزىء غيره خلافا للشافعيفي جواز الله الأكبر ولأبي حنيفة في جواز كل ما فيه تكبير أو تعظيم فرعان ( الفرع الأول ) من عجز عن التكبير إن كان أبكم دخل بالنية وإن كان جاهلا باللغة فكذلك في الأصح وقيل يكبر بلسانه ( الفرع الثاني ) من قال ( الله أكبار ) بالمد لم يجزه ومن قال ( الله وأكبر ) بإبدال الهمزة وأوا جاز ( الفصل الثالث ) في رفع اليدين وهو مندوب عند الجمهور إما سنة أو فضيلة وهو المشهور وأوجبه الظاهرية ويرفع مع تكبيرة الإحترام خاصة عند ابن القاسم وفاقا لأبي حنيفة وعند الركوع والرفع منه عند أشهب وفاقا للشافعي وتكون يداه قائمتين عند الجمهور وقال سحنون مبسوطتين ظهورهما إلى السماء كهيئة الراهب ويجعلهما حذو أذنيه وقيل حذو منكبيه وقيل حذو صدره وجمع بين الأقوال بأن يحاذي بالكوع الصدر وبطرف الكف المنكبين وبطرف الاصابع الأذنين
الباب التاسع في القيام وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في آدابه وهو أن يقف على القدمين معا وأن لا يفرق بينهما وأن لا يرفع بصره إلى السماء وأن لا يجعل يده على خنصره وهو الاختصار وأن ينظر إلى موضع سجوده عندهم وكرهه مالك وأن يضع يده اليمنى على اليسرى وكرهه في المدونة وقيل إنما يكره في الفريضة أو إذا أراد الإعتماد ( الفصل الثاني ) في صلاة المريض وفيه أحوال أن يصلي قائما غير مستند فإن لم يقدر أو قدر بمشقة فادحة صلى قائما مستندا مستقلا ثم جالسا مستندا ثم مضطجعا على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه ثم مستلقيا على ظهره مستقبل القبلة برجليه وقيل يقدم الإستلقاء على الاضطجاع ثم مضطجعا على جنبه الأيسر ويومي بالركوع والسجود في الاضطجاع والإستلقاء فإن لم يقدر على شيء نوى الصلاة بقلبه وفاقا للشافعي وقيل تسقط عنه وفاقا لأبي حنيفة فروع خمسة ( الفرع الأول ) من انتقل عن هيئة وهو قادر عليها أعاد أبدا ( الفرع الثاني ) إذا جلس بدلا من القيام تربع في المشهور وقيل كجلوس التشههد وقال الشافعي كالمحتبي ( الفرع الثالث ) من به رمد لا يبرأ إلا بإضطجاع صلى مضطجعا واختلف في قادح الماء من عينه ( الفرع الرابع ) إذا تغير حال المصلي في الصلاة بنى على ما مضى له وأتم على حسب ما آل إليه ( الفرع الخامس ) اختلف في جواز التنفل جالسا لمن قدر على القيام فإن افتتحها بالجلوس جاز له أن يتمها جالسا وقائما وإذا افتتحها بالقيام فاختلف يجوز أن يتمها جالسا والله أعلم
الباب العاشر في القراءة وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في أم القرآن وفيه ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) في حكمها وهي واجبة خلافا لأبي حنيفة وتجب في كل ركعة وفاقا للشافعي وقيل في ركعة واحدة وقيل في نصف الصلاة فأكثر ومن لم يحسنها إن كان أبكم لم يجب عليه شيء وإن كان يتعلمها وجب عليه تعلمها والصلاة وراء من يحسنها فإن لم يجد فقيل يذكر الله وقيل يسكت ولا يجوز ترجمتها خلافا لأبي حنيفة ( المسألة الثانية ) لا يقدم قبل القراءة دعاء ولا توجها للشافعي في تقديم ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ) الخ وخلافا لأبي حنيفة في تقديم ( سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ) ولا تعوذا خلافا لهم ولا يبسمل سرا ولا جهرا خلافا للشافعي في البسملة سرا مع السر وجهرا مع الجهر ولأبي حنيفة في البسملة سر على كل حال ولا بأس بالبسملة في التطوع عند الأربعة وليست البسملة آية من الفاتحة ولا من غيرها سوى النمل خلافا للشافعي ( المسألة الثالثة ) في التأمين ويجوز آمين بالمد وبالقصر مع تخفيف الميم وهو مستحب للفذ والمأموم مطلقا وللإمام إذا أسر اتفاقا وإذا جهر وفاقا للشافعي والمشهور لا يؤمن في الجهر وفاقا لأبي حنيفة ويسر التأمين خلافاللشافعي ( الفصل الثاني ) في السورة وتقرأ في الأوليين إجماعا ولا تقرأ في الثالثة والرابعة خلافا للشافعي وتقرأ في التوعات إلا ركعتي الفجر على المشهور ويستحب أن تطول في الصبح فيقرأ بطوال المفصل وما زاد عليه ودون ذلك في الظهر ودونها في العشاء ودونهما في العصر ودونها في المغرب فرع يستحب إكمال السورة وأن ترتب ترتيب المصحف وأن تكون في الركعة الأولى أطول ويجوز أن يكرر السورة في الركعة الثانية ويكره تكريرها في ركعة واحدة ( الفصل الثالث ) في الجهر والإسرار وحكم الفرائضمعروف وأما المتطوع فيجهر بها في العيدين والإستسقاء ويسر في سائرها نهارا ويخير ليلا بين الجهر والإسرار والسر أن يسمع نفسه ومن يليه والمرأة في الجهر دون الرجل ويقرأ المأموم في السر فإن لم يقرأ فلا شيء عليه في المذهب ولا يقرأ في الجهر سمع أو لم يسمع وقال الشافعي يقرأ إن لم يسمع وقال أبو حنيفة لا يقرأ مطلقا وإن فرغ الإمام من القراءة قبل الإمام فهو مخير بين زيادة قراءة أو دعاء أو سكوت والله أعلم بالصواب
الباب الحادي عشر في القنوت وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في لفظه ويختار في المذهب ( اللهم إنا نستعينكونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد أن عذابك بالكافرين ملحق ) وتفسير نخنع نخضع وتفسير نخلع نترك فالكلمتان طالبتان من يكفرك وتفسير نحفد نعمل أو نمشي إلى المسجد والجد ضد الهزل ملحق بكسر الحاء بمعنى لاحق وقيل بالفتح واختار الشافعي ( اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك لا يذل من واليت ولا يعز من عادت تباركت ربنا وتعاليت ) ( الفصل الثاني ) في فروع أربعة ( الفرع الأول ) يقنت في الصبح خلافا لأبي حنيفة ويجوز قبل الركوع وهو أفضل وبعده ( الفرع الثاني ) لا يقنت في الوتر خلافا للشافعي وابن حنبل وابن نافع في وتر النصف الآخر من رمضان ولأبي حنيفة في وتر السنة ( الفرع الثالث ) القنوت مستحب على المشهور وقيل نة ( الفرع الرابع ) يقنت الإمام والمأموم والمنفرد سرا ولا بأس برفع اليدين فيه وقيل لا
الباب الثاني عشر في الركوع وفيه أربع مسائل
( المسألة الأولى ) في صفته وأقله أن ينحني بحيث تنال كفاه ركبتيه أو قرب ذلك وكماله أن ينحني بحيث يستوي ظهره وعنقه ويجزيء منه ومن السجود أدنى لبث والإعتدال فيهما وفي سائر الأركان واجب وفاقا للشافعي وقيل سنة وفاقا لأبي حنيفة وهو إكمال هيئة كل ركن ثم الطمأنينة في اللبث هنيئة وقد اختلف في المذهب هل هي سنة أو مستحبة ( المسألة الثانية ) في آدابه وهي خمسة أن يضع يديه على ركبتيه وأن يجافي مرفقيه عن جنبيه وأن لا يرفع رأسه ولا يخفضه ولا يدعو فيه يقرأ القرآن فيه ولا في السجود ( المسألة الثالثة ) فيما يقال فيه ويستحب ( سبحان ربي العظيم ) ثلاث مرات وأوجبها الظاهرية واستحب ابن المبارك للإمام خمسا وورد في الحديث ( اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ولحمي ومخي وعظمي وعصبي ) وورد فيه وفي السجود ( سبوح قدوس رب الملائكة والروح ) ( المسألة الرابعة ) في الرفع منه وهو ركن واجب ويقول الإمام ( سمع الله لمن حمده ) والمأموم ( ربنا ولك الحمد ) بإثبات الواو ودونها ويجمع بينهما المنفرد وقيل يجمع بينهما الإمام ومن شاء أن يزيد ( حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ) أو ملء السماوات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد والله أعلم بالصواب
الباب الثالث عشر في السجود وفيه أربع مسائل
( المسألة الأولى ) في صفته ويؤمر أن يسجد على سبعة أعضاء وهي الوجهواليدان والركبتان والقدمان فأما الوجه واليدان فواجب إجماعا وأما الركبتان والقدمان فقيل واجب وقيل سنة ويمكن أنفه وجبهته من الأرض فإن اقتصر على أحدهما فقبل يجزي وقيل لا يجزي في الجبهة بخلاف الأنف وهو المشهور وفاقا للشافعي ومن كان بجبهته قروح تؤلمه إن سجد أو ما عند ابن القاسم وسجد على الأنف عند أشهب ( المسألة الثانية ) يجوز ستر الركبتين والقدمين بالثياب إجماعا وأما اليدان فيستحب مباشرة الأرض بهما وأما الوجه فيجب مباشرة الأرض به ويجوز السجود على الثوب في الحر والبرد خلافا للشافعي ويجوز على الطاقة والطاقتين من العمامة خلافا للشافعي ( المسألة الثالثة ) في آدابه وهي ثمانية أن يجافي بين ركبتيه وبين مرفقيه وجنبيه وبين بطنه وفخذيه وهو التفريج ولا تفرج المرأة وأن يرفع ذراعيه من الأرض وأن يسجد بين كفيه وأن يضع يديه بالأرض قبل ركبتيه خلافا لهم وأن يعتمد على يديه عند الرفع وأن ينهض من السجدة الثانية دون جلوس وخلافا للشافعي ( المسألة الرابعة ) فيما يقال فيه ويستحب ( سبحان ربي الأعلى ) ثلاث مرات وأوجبها الظاهرية واستحبها ابن المبارك خمسا للإمام وورد في الحديث ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ) ويستحب فيه الدعاء ويقال بين السجدتين ( اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني واهدني وارزقني ) ويجوز الدعاء في الصلاة بدعاء وغيره لأبي حنيفة في دعاء القرآن
الباب الرابع عشر في الجلوس وفيه مسألتان
( المسألة الأولى ) في صفته وهي أن يفضي بوركه الأيسر إلى الأرض ويخرج رجليه جميعا من جانبه الأيمن وينصب قدمه اليمنى وباطن إبهامهما إلى الأرض ويثني اليسرى وأبو حنيفة يجلس على قدمه اليسرى والشافعي كمالك في الجلسة الأخيرة وكأبي حنيفة في الوسطى فأما اليدان فيجعلهما على فخذيه اتفاقا ويقبض الاصبع الوسطى والخنصر والبنصر من يده اليمنى ويمد السبابة وجانبها إلى السماء والأبهم على الوسطى واختلف هل يحرك السبابة أم لا ويبسط اليد اليسرى وهذه صفة الجلوس كله إلا أنه بين السجدتين يجعل كفيه قريبا من ركبتيه منشورتي الأصابع اليمنى واليسرى سواء في المشهور وقيل كجلوس التشهد ( فرع ) الاقعاء في الجلوس مكروه عند الأربعة خلافا لابن عباس وهو أن يجلس على اليتيه ناصبا فخذيه كما يجلس الكلب وقيل أن يجعل اليتيه على عقبيه ويجلس على صدور قدميه ( المسألة الثانية ) في حكمه أما الجلوس بين السجدتين فواجب إجماعا وأما الجلوس للتشهدين فسنة وفي المذهب أن الجلوس الأخير واجب والأصح أن الواجب منه مقدار السلام
الباب الخامس عشر في التشهد وفيه ثلاث مسائل
( المسألة الأولى ) في لفظه واختار مالك تشهد عمر وهو ( التحيات لله الزكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) واختار الشافعي تشهد ابن عباس والفرق بينهما أنه قال ( التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ) وزاد ( وبركاته ) بعد ورحمة الله وقال ( وأن محمدا رسول الله ) واختار أبو حنيفة تشهد ابن مسعود وقال فيه ( التحيات لله والصلوات والطيبات ) وزاد ( وبركاته ) وبقيته سواء وتفسير التحيات البقاء وقيل الملك وقيل السلام ( المسألة الثانية ) في حكمه والتشهدان سنتان وفاقا لأبي حنيفة وأوجبهما ابن حنبل وأوجب الشافعي الثاني ( المسألة الثالثة ) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير سنة في المشهور وقيل واجبة وفاقا للشافعي وقيل فضيلة وصفتها بالتصلية التامة الواردة في الصحيح والدعاء بعدها مستحب وأوجب الظاهرية أن يستعيذ من أربع من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ولا تصلية ولا دعاء في التشهد الأول خلافا للشافعي والله أعلم
الباب السادس عشر في السلام
وهو واجب ولا يقوم مقامه أضداد الصلاة خلافا لأبي حنيفة ولفظه السلام عليكم فإن نكر ونون فاختلف هل يجزيه أم لا ويسلم الإمام والمنفرد بتسليمة واحدة تلقاء وجهه ويتيامن بها قليلا في المشهور وقيل بتسليمتين وفاقا لهم ويسلم المأموم ثلاثا واحدة يخرج بها من الصلاة وأخرى يردها على إمامه والثالثة إن كان على يساره أحد رد عليه في المشهور وقيل تسليمتين خاصة والخروج من الصلاة يحصل بتسليمة واحدة اتفاقا واختلف هل يجب تجديد نية السلام أم لا خاتمة ورد في الحديث أن يسبح دبر الصلوات المكتوبة ثلاثا وثلاثين ويقول تمام المائة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله ) وورد أيضا أن يسبح ويكبر ويحمد عشرا عشرا وورد الإستغفار ثلاثا ثم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وورد أيضا اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
الباب السابع عشر في الإمامة والجماعة وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في صفة الأيمة وهي أربعة أنواع واجبة ومانعة من الإمامة ومكروهة ومستحبة فالواجب في المذهب سبعة ( الأول ) الإسلام ( الثاني ) العقل اتفاقا فيهما ( والثالث ) البلوغ ويشترط في الفرائض على المشهور وقيل لا يشترط إلا في الجمعة وفاقا للشافعي ( والرابع ) الذكورية وقال الشافعي تؤم المرأة النساء ( والخامس ) العدالة بخلاف في المذهب وغيره تحرزا من الفاسق ففيه خمسة أقوال الجواز والمنع على الإطلاق وقيل تجوز إمامته إن كان فسقه في غير الصلاة وقيل إن كان غير مقطوع به وقيل إن كان يتأول كمحلل النبيذ وأما المبتدع في الإتقادات ففي إمامته أربعة أقوال يفرق في الثالث بين الوالي فتجوز إمامته دون غيره وقيل إن كفرناهم لم تجز بخلاف المخالف في الفروع فيجوز اتفاقا ( السادس ) المعرفة بما لا بد منه من فقه وقراءة فأما الجاهل بأحكام الصلاة فلا تجوز إمامته اتفاقا وكذلك الذي لا يقرأ الفاتحة والأخرس بخلاف الالكن وأما اللحان فأربعة أقوال يفرق في الثالث بين من يلحن في أم القرآن وغيرها وفي الرابع بين من يغير المعنى كأنعمت ( بالضم والكسر ) وبين من لا يغيره ( السابع ) القدرة على توفية الأركان فمن كان يوميء بالركوع والسجود لم يصل بمن يركع ويسجد ويصلي بمثله بخلاف العاجز عن القيام لا يصلي جالسا بمن يقدر على القيام في المذهب وقال الشافعي وأبو حنيفة يصلي الجالس بهم قياما وقال ابن حنبل يصلي بهم جلوسا وأما الصفات المانعة فهي أضداد الواجبة وأما المكروهة فالعبد وولد الزنى إن كانا راتبين خلافا لهم في الجواز فيهما والخصي والخنثى وقيل الأغلف والأعمى والأشل والأقطع وأما المستحبة فهي العلم والورع والحسب والسن وحسن الخلق والخلق والسمت والصوت والثياب وكل صفة محمودة فرع في الترجيح بين الأيمة ويقدم من له مزية بد الشروط الواجبة فالوالي وصاحب المنزل أحق من غيرهما والفقيه أولى من القاريء خلافا لأبي حنيفة والأعلم أولى من الأصلح فإن تساووا من كل وجه وتشاحوا بغير كبر أقرع بينهم ( الفصل الثاني ) في صلاة الجماعة وفيه ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) في حكمها وهي في الفرائض سنة مؤكدة وأوجبها الظاهرية ويجوز تركها لعذر المطر والريح العاصف بالليل والمرض والتمريض والخوف من السلطان أو من الغريم وهو معسر أو لخوف القصاص وهو يرجو العفو وللجوع فيبدأ بالطعام ( المسألة الثانية ) في الإعادة ومن صلى في جماعة لم يعد في أخرى خلافا لابن حنبل ومن صلى منفردا جازت له الإعادة في جماعة إلا المغرب واستثنى أبو حنيفة معها العصر وزاد أبو ثور الصبح ولم يستثن الشافعي ومن صلى في أحد المساجدالثلاثة فذا أو في جماعة لم يعد في غيرها ولا يجمع في مسجد واحد مرتين خلافا لابن حنبل والإمام الراتب وحده كالجماعة ( المسألة الثالثة ) من كان يصلي وحده في المسجد فأقيمت الصلاة فإن خشي فوات ركعة مع الإمام قطع بسلام وإن لم يخش فإن كان قد عقد ركعة أتم ركعتين وإلا قطع ( الفصل الثالث ) في صفة الإقتداء وفيه خمس مسائل ( المسألة الأولى ) يشترط اتفاق نية الإمام والمأموم في الفريضة فلا يصلي ظهرا خلف من يصلي عصرا خلافا للشافعي ويجوز أن يؤم المفترض المتنفل اتفاقا ولا يجوز العكس خلافا للشافعي ( المسألة الثانية ) يؤمر المأموم بمتابعة الإمام فلا يفعل شيئا حتى يفعله فإن سبقه بتكبيرة الإحرام أو السلام بطلت صلاته وإن ساواه فيهما فقولان وإن سبقه بغيرهما فقد أساء من غير بطلان ( المسألة الثالثة ) إذا صلى الإمام بجنابة أو على غير وضوء بطلت صلاته اتفاقا في العمد والنسيان وتبطل صلاة المأموم في العمد دون النسيان وقال الشافعي لا تبطل فيهما ويأثم في العمد إجماعا وقال أبو حنيفة تبطل فيهما ( المسألة الرابعة ) مواقف المأموم مستحبة وهي أربعة فالرجل الواحد عن يمين الإمام والإثنان خلفه وقال أبو حنيفة عن يمينه ويساره والثلاثة فأكثر خلفه والمرأة خلفه إن كانت وحدها وخلف الرجال إن كانوا ( المسألة الخامسة ) في الصفوف والصف الأول أفضل ويلي الإمام أهل الفضل ومن لم يجد مدخلا في الصف صلى وراءه ولم يجذب إليه رجلا خلافا للشافعي ومن صلى خلف الصف وحده فصلاته صحيحة خلافا لابن حنبل وإذا رأى المصلي فرجة أمامه مشى إليها إن كانت قريبة والقرب صفان أو ثلاثة صفوف فروع تكره الصلاة بين الأساطين وهي السواري ولا يصلي الإمام على موضع أرفع من المأموم إلا في اليسير لغير كبر ويصلي أهل السفن بإمام واحد في سفينة منها فإن فرقتهم الريح كانوا كمن طرأ على إمامهم ما يمنعه الإمامة وصلاة المستمع جائزة على الأصح ولا ينتظر الإمام الداخل عند الثلاثة ومن جاء والإمام راكع فاختلف هل يركع مكانه أو حتى يصل إلى الصف وإذا ركع مكانه فيدب راكعا وكرهه الشافعي ( الفصل الرابع ) في الإستخلاف وإذا طرأ على الإمام وهو في الصلاة ما يمنعه الإمامة كالعجز عن ركن أو ما يمنعه الصلاة جملة كالحدث أو تذكره خرج على الفور واستخرج بالإشارة أو بالكلام واحدا من الجماعة فأتم بهم بشرط أن يكون الخليفة قد دخل في الصلاة قبل طروء العذر فإن لم يستخلف قدم الجماعة واحدا منهم فإن لم يقدموا تقدم واحد منهم فإن لم يفعل صلوا فرادي وصحت صلاتهم إلا في الجمعة ويبدأ الخليفة من حيث وقف الإمام الأول وقال الشافعي لا يجوز الإستخلاف والله أعلم
الباب الثامن عشر في أرقاع الصلاة
من فاتته بعض صلاة الإمام أتمها وفي كيفية ذلك ثلاثة أقوال البناء وهو أنيجعل ما أدركع مع الإمام أول صلاته فيكمل عليه وفاقا لأبي حنيفة والقضاء وهو أن يجعل ما أدرك مع الإمام آخر صلاته فيفعل ما فاته كما فعل الإمام وفاقا للشافعي وابن حنبل والبناء في الأفعال والقضاء في الأقوال وهو المشهور وبيان ذلك في الصلوات أما الصبح والجمعة فإذا فاتته منهما ركعة قام يقضي فقرأ بأم القرآن وسورة على كل قول ويظهر أثر الخلاف في القنوت فعلى البناء يقنت لا على القضاء وأما الظهر والعصر فإن فاتته منهما ركعة أو ركعتان فعلى البناء يقرأ بأم القرآن وحدها وعلى القضاء وسورة معها وكذلك على المشهور وإن فاتته ثلاثة فعلى البناء يقوم فيصلي ركعة بأم القرآن وسورة ثم يجلس ويتشهد ثم يصلي ركعتين بأم القرآن وحدها وعلى القضاء يقوم فيصلي ركعتين بالفاتحة وسورة في كل ركعة ثم يجلس ثم يصلي ركعة بالفاتحة وعلى المشهور يقوم فيصلي ركعة بأم القرآن وسورة ثم يجلس ثم يصلي أخرى بأم القرآن وسورة ثم يقوم فيصلي بأم القرآن وحدها وأما العشاء الآخرة فكالظهر إلا أنه يجهر حيث يقرأبأم القرآن وسورة وأما المغرب فإن فاتته منها ركعة فعلى البناء يقرأ بالفاتحة وحدها وعلى القضاء وعلى المشهور بسورة معها وإن فاتته منها ركعتان فعلى البناء يقوم فيصلي ركعة بأم القرآن وجهرا ثم يجلس ثم يصلي ركعة بأم القرآن وحدها وعلى القضاء يصلي ركعتين جهرا بأم القرآن وسورة ولا يجلس بينهما وعلى المشهور يصلي ركعتين بأم القرآن وسورة جهرا ويجلس بينهما فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) من ركع فمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع فقد أدرك الركعة عند الأربعة فإن شك هل رفع الإمام رأسه أم لا لم يعتد بتلك الركعة ولا يعتد بإدراك السجود ( الفرع الثاني ) إذا لم يدرك المسبوق ركوع الركعة الأخيرة فدخل في السجود أو الجلوس فقد فاتته الصلاة كلها فيقوم فيصليها كاملة فإن جرى له ذلك في الجمعة صلاها ظهرا أربعا وقال أبو حنيفة ركعتين جهرا ( الفرع الثالث ) إذا قام المسبوق بعد سلام الإمام قام بتكبير إن كان جلوسه مع الإمام موضع جلوس له وذلك بأن يصلي معه ركعتين وإلا قام بغير تكبير وذلك إذا صلى معه ركعة أو ثلاثا وقيل بتكبير
الباب التاسع عشر في قضاء الفوائت وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) القضاء إيقاع الصلاة بعد وقتها وهو واجب على النائم والناسي إجماعا وعلى المعتمد خلافا للظاهرية وصفته على حسب ما كانت الصلاة وقت أدائها من جهر وأسرار وقصر وإتمام خلافا لأبي حنيفة ( الفصل الثاني ) في الترتيب وفيه أربع مسائل ( المسألة الأولى ) ترتيب الصلوات الحاضرة بعضها مع بعض واجب إجماعا على الإطلاق وكذلك التي بقيشيء من وقتها الضروري ( المسألة الثانية ) ترتيب الفوائت بعضها مع بعض وهو واجب مع الذكر ساقط مع النسيان ( المسألة الثالثة ) ترتيب الفوائت مع الحاضرة وهو واجب مع الذكر في القليلة على المشهور فإن كانت الفوائت قليلة بدأ بها ولو فاتت الحاضرة وإن ذكرها في صلاة قطعها وإن كانت كثيرة بداها بالحاضرة ولم يقطعها إن كان قد شرع فيها والأربع قليل والست كثير واختلف وقال ابن مسلمة تقدم الفوائت مطلقا وقال ابن وهب والشافعي تقدم الحاضرة وخير أشهب ( المسألة الرابعة ) ترتيب الفوائت مع المفعولات مثل أن يصلي الظهر ثم يذكر فوائت فإن فرغ منها قبل خروج الوقت الضروري أعاد الظهر استحبابا لأن ترتيب المفعولات مستحب في الوقت ( الفصل الثالث ) في الشكوك ويتصور في ثلاثة أشياء ( الأول ) الشك في عدد الصلوات فيجب أن يأتي بما تبرأ به ذمته بيقين كمن شك هل ترك واحدة أو اثنتين صلى اثنتين ( الثاني ) الشك في تعينها فيجب أن يأتي بما تبرأ به ذمته بيقين كمن نسي صلاة لا يدري أي الخمس هي صلى خمسا فإن نسي نهارية صلى صبحا وظهرا وعصرا أو ليلة صلى مغربا وعشاء ( الثالث ) الشك في ترتيبها مع علم عددها كمن نسي ظهرا وعصرا إحداهما للسبت والأخرى للأحد ولا يدري أيتهما للسبت ولا للأحد فالمشهور مراعاة الترتيب فيصلي ثلاث صلوات ظهرا بين عصرين أو عصرا بين ظهرين ليحصل الترتيب بيقين والقانون في ذلك أن تضرب عدد الصلوات في أقل منها بواحد وتزيد على المجموع واحدا فلو نسي ثلاثا صلى سبعا وإن نسي أربعا صلى ثلاثة عشر وإن نسي خمسا صلى إحدى وعشرين وأي صلاة بدأ بها ختم بها
الباب الموفي عشرين في السهو وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في السجود وفيه ست مسائل ( المسألة الأولى ) في محل السجود يسجد للنقصان قبل السلام وللزيادة بعده فإن اجتمعت الزيادة والنقصان فقبل السلام وقال الشافعي قبل مطلقا وأبو حنيفة بعد مطلقا وابن حنبل قبل حيث ورد في الحديث وبعد في غيره وعلى المذهب أن قدم البعدي أجزاه وقيل يعيده بعد وأن آخر القبلي فأولى بالصحة ( المسألة الثانية ) في حكمه سجود السهو واجب وفاقا لأبي حنيفة وقيل سنة وفاقا للشافعي وقيل بوجوب القبلي خاصة فإن نسي البعدي سجده متى ذكره ولو بعد شهر وإن نسي القبلي سجد ما لم يطل أو يحدث فإن طال أو أحدث بطلت الصلاة على المشهور وقيل إنما تبل إن كان عن نقص فعل لا قول فإن ذكر البعدي في صلاة تمادى وسجد بعدها وإن ذكر القبلي فهو كذاكر صلاة في صلاة ( المسألة الثالثة ) في صفة السجود يكبرللسجدتين في ابتدائهما وفي الرفع منهما واختلف هل يفتقر البعدي إلى نية الإحرام ويتشهد للبعدي ويسلم وأما القبلي فإن السلام من الصلاة يجزىء عنه وفي التشهد له روايتان ( المسألة الرابعة ) إن سهى الإمام أو الفذ سجد وإن سهى المأموم وراء الإمام سهوا يوجب السجود لم يسجد لأن الإمام يحمله عنه ولا يحمل عنه نقص ركن من أركانها غير الفاتحة ويسجد المأموم لسهو إمامه وإن لم يسه معه إذا كان قد أدرك ركعة فإن لم يدرك لم يسجد معه وقال سحنون يسجد ( المسألة الخامسة ) المسبوق إن سهى بعد سلام الإمام سجد وأما سهو إمامه فإن كان قبليا سجد معه وإن كان بعديا آخره حتى يفرغ من قضائه وقال أبو حنيفة وابن حنبل يسجد معه مطلقا وقال اسحاق يسجد بعد فراغه من قضائه مطلقا وقال الشافعي يسجد معه ثم يسجد بعد فراغه وعلى المذهب فاختلف مطلقا وقال الشافعي يسجد معه ثم يسجد بعد فراغه وعلى المذهب فاختلف هل يقوم لقضائه إذا سلم الإمام أو ينتظره حتى يفرغ من سجوده ( المسألة السادسة ) من سهى يسبح له وقال الشافعي التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ويجوز كلام الإمام والمأموم والسؤال والمراجعة لا صلاح الصلاة في المشهور وقال ابن كنانة تبطل به الصلاة وقال سحنون إنما يجوز في السلام من ركعتين كحديث ذي اليدين ( الفصل الثاني ) في موجب السجود وهو إما زيادة أو نقصان أو شك فأما الزيادة ففيها خمس مسائل ( المسألة الأولى ) في زيادة الفعل فإن كان كثيرا جدا بطلت الصلاة مطلقا ولو وجب كقتل حية أو عقرب وإنقاذ أعمى أو نفس أو مال وحد الكثير الذي من جنس الصلاة مثل الصلاة وقيل نصفها وإن كان يسيرا جدا فمغتفر كابتلاع شيء بين أسنانه والتفاته ولو بجميع خده إلا أن يستدبر القبلة وتحريك الأصابع لحكة وما فوق اليسير إن كان من جنس فعل الصلاة كسجدة أبطل عمده وسجد لسهوه وإن كان من غير جنسها اغتفر ما كان للضرورة كانفلات دابة أو مشى لسترة أو فرجة وفي غير ذلك البطلان في العمد والسجود فس السهو ( المسألة الثانية ) في زيادة القول إن كان سهوا من جنس أقوال الصلاة فمغتفر وإن كان من غيرها سجد له وقال أبو حنيفة يبطل وإن كان عمدا من جنس أقوال الصلاة فمغتفر أو لإصلاحها فجائز خلافا لابن كنانة وغير ذلك مبطل وإن وجب فروع يفتح المأموم على الإمام إذا وقف واستطعم ومن تلا وقصده التفهيم له لم يضره كقوله ( ادخلوها بسلام ) ولا يتعوذ المأموم ولا يدعو عند آية العذاب ويكره ذلك للإمام والفذ خلافا للشافعي ومن عطس في الصلاة لم يحمد إلا في نفسه ولم يشمت خلافا لابن حنبل ويجوز السلام على المصلي ويرد بالإشارة وقال اللخمي في نفسه ( المسألة الثالثة ) فيما يشبه القول فالنفخ غير مبطل وقيل يبطل عمده ويسجد لسهوه والبكاء خشوعا حسن وإلا فهو كالكلام والأنين كالكلام إلا أن يضطر إليه والقهقهة تبطل مطلقا وقيل في العمد والتبسم مغتفر وقيل يسجد له بعد السلام لأنه زيادة وقيل قبل السلام لنقص الخشوعوالتنحنح لضرورة لا يبطل ودونها فيه قولان وقراءة كتاب أن حرك به لسانه كالكلام والإ فمغتفر يطول ( المسألة الرابعة ) من قام إلى ركعة زائدة في الفريضة رجع متى ذكر وسجد بعد السلام وكذلك يسجد إن لم يذكر حتى سلم فإن كان إماما فمن اتبعه من المأمومين عالما عاقدا بالزيادة بطلت صلاته ومن أتبعه ساهيا أو شاكا صحت صلاته ومن أتبعه جاهلا أو متأولا فيه قولان ومن لم يتبعه وجلس صحت صلاته فإن كان قيامه لموجب كإلغاء ركعبة يجب قضاؤها فمن أيقن بالموجب أو شك فيه وجب عليه اتباعه فإن لم يتبعه بطلت صلاته ومن أيقن بعدمه لم يجز له اتباعه فإن أتبعه بطلت ( المسألة الخامسة ) من قام إلى ثالثة في النافلة فإن تذكر قبل الركوع رجع وسجد بعد السلام وإن تذكر بعد الرفع أضاف إليها ركعة وسلم من أربع وسجد بعد السلام لزيادة الركعتين وقيل قبله لنقص السلام في محله وإن تذكر وهو راكع فقولان بناء على عقد الركعة هل هو بالركوع أو بالرفع منه وأما النقصان فينقسم إلى نقص ركن أو سنة أو فضيلة فإن نقص ركنا عمدا بطلت صلاته وإن نقصه سهوا أجبره ما لم يفت محله فإن فات الغى الركعة وقضاها إلا النية وتكبيرة الإحرام وإن نقص سنة ساهيا سجد لها وإن نقصها عندا سجد لها أيضا وفاقا للشافعي وقال ابن القاسم لا شيء عليه وفاقا لأبي حنيفة وقيل تبطل لتهاونه والجاهل اختلف فيه في جميع المسائل هل يلحق بالناسي أو بالعامد وإن نقص فضيلة فلا شيء عليه هذا على الجملة ولنبسطه على التفصيل أما نقص الأركان ففيه خمس مسائل ( المسألة الأولى ) في الإحرام فمن نسي تكبيرة الإحرام أو شك فيها إن كان فذا أو إماما قطع متى ذكر وأحرم وابتدأ وإن كان مأموما فله ثلاثة أحوال إن كبر للركوع ونوى به الإحرام أجزأه خلافا للشافعي وإن كبر للركوع ولم ينو به الإحرام تمادى مراعاة للخلاف ثم أعاد وإن لم يكبر للركوع ولا للإحرام قطع وكبر وابتدأ ولم يحتسب بما مضى ( المسألة الثانية ) في الفاتحة من نسي الفاتحة إن كان مأموما فلا شيء عليه وإن كان إماما أو فذا فإن نسيها منالصلاة كلها بطلت صلاته خلافا لأبي حنيفة وإن نسيها من ركعة فأكثر فقيل يعيد الصلاة وقيل يلغي الركعة ويقضيها وقيل يسجد للسهو ( المسألة الثالثة ) في الركوع والسجود من نسي ركعة أو سجدة وهو إمام أو فذ فإن فات محلها ألغى الركعة وقضاها بكمالها وإن أدرك محلها أتى بها ويدركها في المذهب ما يعقد الركعة التي تليها على الاختلاف هل تنعقد بالركوع أو بالرفع منه ويدركها عندهما وإن أتم ركوع التي تليها وإن كان مأموما أتى بها وأدرك الإمام ما لم يقم الإمام إلى الركعة الثانية وقيل يدركه ما لم يرفع رأسه من الركعة الثانية وقيل يلغيها فإن كان سهو المأموم عن السجود في الركعة الأخيرة أدركه ما لم يسلم الإمام ( تنبيه ) وهذا حكم المأموم متى ترك الركوع أو السجود لسهو أو نعاس يغلب عليه أو زحام حتى لا يجد أين يركع أو يسجد وقال الشافعي وابن حنبل يسجد في الزحام على ظهر أخيه ولا يجوز ذلك في المذهبفروع ستة ( الفرع الأول ) إذا ذكر سجدة وهو في التشهد الأخير فإن كانت من الركعة الأخيرة سجد مكانها وإن كانت من غيرها قضى ركعة وإن شك هل هي منها أو من غيرها سجد ثم أتى بركعة عند ابن القاسم وأتى بركعة خاصة عند أشهب ( الفرع الثاني ) إن ذكر سجدة من الركعة الأخيرة بعد سلامه سجد وقيل يأتي بركعة لأن السلام فاصل ( الفرع الثالث ) من نسي أربع سجدات من أربع ركعات يسجد سجدة يصلح بها الركعة الرابعة وقضى ثلاث ركعات في المشهور وقيل تبطل لكثرة السهو وقال أبوحنيفة يسجد أربع سجدات متواليات وتصح وقال الشافعي يحسب الأربع سجدات التي سجد لركعتين كاملتين ويقوم فيقضي ركعتين فإن نسي ثماني سجدات مع أربع ركعات سجد سجدتين لإصلاح الركعة الرابعة ثم قضى ثلاث ركعات والبطلان هنا أولى ( الفرع الرابع ) من أخل بالركوع من ركعة وبالسجود من أخرى أو بالعكس لم يلفق سجود واحدة بركوع أخرى على المشهور ( الفرع الخامس ) لو ركع وسهى عن الرفع فقال ابن القاسم يلغي الركعة وقال أيضا يرجع ما يعقد ركعة أخرى ( الفرع السادس ) من ترك الاعتدال سجد على القول بأنه سنة وألغى الركعة على القول بوجوبه ( المسألة الرابعة ) في السلام من نسي السلام فإن طال أو انتقض وضوءه بطلت صلاته خلافا لأبي حنيفة وإن لم يطل ولم ينتقض وضوءه رجع إلى الجلوس فسلم وسجد بعد السلام إن كان قد قام أو حول وجهه من القبلة ويرجع بتكبير على المشهور وهل يكبر جالسا أو قائما قولان وهل يتشهد قبل هذا السلام قولان وإن شك في السلام سلم ولا سجود عليه ( المسألة الخامسة ) من سلم قبل تمام صلاته عامدا بطلت صلاته وإن كان ساهيا رجع فأتم صلاته وسجد لسهوه ورجوعه بغير تكبير إن قرب وإلا فقولان وإذا كبر فهل يكبر جالسا أو قائما قولان وإذا كبر قائما فهل يجلس ثم ينهض لإتمام الصلاة أو لا يجلس قولان وإن شك في تمام صلاته فسلم بطلت وإن ظن أنها تمت فسلم رجع لإتمامها ومن سلم قبل إتمام إمامه عامدا بطلت صلاته فإن كان ساهيا أو ظن أن الإمام قد سلم رجع ثم سلم ( وأما نقص السنن ) ففيه خمس مسائل ( المسألة الأولى ) من نسي السورة التي مع أم القرآن سجد قبل السلام في المشهور وقيل لا يسجد بناء على أنه هل يسجد للسنن التي هي أقوال أم لا وهذا في الإمام والفذ وأما المأموم فلا سجود عليه ( المسألة الثانية ) اختلف في سجود من ترك التكبير غير الإحرام أو سمع الله لمن حمده أو أبدل التكبير بالتحميد أو عكس وذلك مبني على هل يسجد للأقوال أم لا إلا أنه لا يسجد في المرة الواحدة من ذلك كله لخفته على المشهور ( المسألة الثالثة ) من أسر فيما يجهر فيه سجد قبل السلام على المشهور وقيل بعده ومن جهر فيما يسر فيه سجد بعد السلام في المشهور وقيل قبله وهذا في السهو فإن تعمد ترك الجهر والإسرار ففيه ثلاثة أقوال البطلان والسجود والأجزاء دون سجود ويغتفر الجهربأية واحدة ونحوها وقال الشافعي لا شيء في ترك الجهر والسر ( المسألة الرابعة ) من نسي الجلسة الوسطى سجد لها قبل السلام ثم أنه إن ذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه أمر بالرجوع إلى الجلوس فإن رجع فلا سجود عليه في المشهور لخفته وإن لم يرجع سجد وإن ذكر بعد مفارقته الأرض بيديه لم يرجع على المشهور فإن رجع فاختلف هل يسجد أم لا وإن لم يرجع سجد وإن ذكر بعد أن استقل قائما لم يرجع وسجد للسهو فإن رجع فقد أساء ولا تبطل صلاته على المشهور إلا أنه اختلف هل يسجد بعد السلام لزيادة القيام أو قبله لجمعه بين زيادة القيام ونقص الجلسة من محلها ( المسألة الخامسة ) من نسي التشهدين أو أحدهما وكان قد جلس له سجد قبل السلام على المشهور وقيل بعده لخفة الأقوال وقيل لا يسجد بناء على ترك السجود للأقوال ولا سجود على من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في المشهور وقال الشافعي يسجد من تركها من التشهد الأول وتبطل صلاة من تركها من التشهد الثاني وأما الشك فإن كان موسوسا بني على أول خاطريه وهل يسجد أو لا قولان وعلى القول بالسجود فهل يسجد قبل السلام أو بعده قولان وإن كان صحيحا فإن شك في النقصان فهو كمتحققه وإن شك في عدد ركعاته كمن لم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا بنى على الأقل وأتى بما شك فيه عند الإمامين وسد بعد السلام في المشهور وقيل وفاقا للشافعي فرع إذا شك المصلي أخذ بأخبار عدلين وقيل عدل وإن تيقن لم يرجع إلى خبر غيره إلا أن كانوا جماعة يحصل بهم اليقين
الباب الحادي والعشرون في الجمعة وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في وجوب صلاة الجمعة وهي فرض عين عند الجمهور وشروط وجوبها العشرة التي لسائر الصلوات وتزيد أربعة الذكورية والحرية اتفاقا والإقامة خلافا للظاهرية والقرب من موضعها بثلاثة أميال فأقل وقيل ستة وقيل اثنا عشر وقال أبو حنيفة تجب على من في المصر لا على من في خارجه وقال ابن حنبل تجب على من سمع النداء وقال الشافعي تجب على من في المصر سمع النداء أو لم يسمعه وعلى من في خارجه أن سمع النداء فروع ستة ( الفرع الأول ) يسقط وجوبها بسبعة أشياء بالمرض والتمريض لقريب أو مملوك إذا لم يكن له من يقوم به أو خيف عليه الموت والاشتغال بميت إذا خيف عليه التغيير وللحبس ولفقد الأعمى من يقوده ولخوف الغريم واختلف في سقوطها في المطر والوحل ولا تسقط عن العروس في السابع على المشهور ( الفرع الثاني ) من حضر الجمعة ممن لا تجب عليه أجزأته عن الظهر فإذا قدم المسافر فإن كان لم يصل الظهر صلى الجمعة وإن كان قد صلى الظهرفاختلف هل تلزمه الجمعة وإن أدركها وأن أم المسافر في الجمعة فاختلف في صحتها ( الفرع الثالث ) يجوز السفر يوم الجمعة قبل الزوال وقيل يكره وفاقا للشافعي وابن حنبل ويمنع بعد الزوال وقبل الصلاة اتفاقا ( الفرع الرابع ) من فاتتهم الجمعة لعذر جاز لهم أن يصلوها ظهرا في جماعة إن ظهر عذرهم وقيل لا يجوز وفاقا لأبي حنيفة ( الفرع الخامس ) من ترك الجمعة لغير عذر وصلى ظهرا أربعا فإن كان بعد صلاة الجمعة أجزأه مع عصيانه وإن كان قبلها وجبت عليه الجمعة ( الفرع السادس ) يستحب لمن يرجو زوال عذره أن يؤخر الظهر إلى اليأس عن إدراك الجمعة فإن زال عذره بعد الفراغ من الظهر أعاد الجمعة إن أدركها وكذلك الصبي إذا بلغ بعد أن صلى الظهر ( الفصل الثاني ) في شروط صحتها وهي العشرة التي لسائر الصلوات وتزيد أربعة الإمام والجماعة والمسجد والاستيطان أما بلد أو قرية والصحيح في هذه الأربعة أنها شروط وجوب وصحة معا فأما الإمام فلا يشترط أن يكون واليا خلافا لأبي حنيفة ولا تجوز فيها إمامة العبد خلافا لهما ولا شهب وأما الجماعة فلا بد أن يكونوا عددا تتقرى بهم قرية من غير تحديد في المشهور ولا تجزي الثلاثة والأربعة في المشهور وروى ابن حنبل أقلهم ثلاثون وقيل خمسون وقال الشافعي أربعون وقال أبو حنيفة اثنان مع الإمام ويشترط بقاء الجماعة إلى كمال الصلاة على المشهور وأما المسجد فاشترط الباجي أن يكون مسقفا يجمع فيه الدوام واستبعده ابن رشد وتجوز الصلاة في رحاب المسجد والطرق المتصلة به وتكره من غير ضرورة ولا تجوز على سطح المسجد ولا فيالمواضع المحجورة كالدور والحوانيت على المشهور وفي صلاة الجمعة في مسجدين في مصر واحد ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يكون بينهما نهر من ماء وما في معناه أو لا وإذا قلنا بالمنع صحت جمعة الجامع الاقدام وقال الشافعي من جمع أو لا صحت جمعته ( الفصل الثالث ) للجمعة ركنان الصلاة والخطبة فأما الصلاة فركعتان جهرا إجماعا والأولى أن يقرأفي الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين وسبح أو الغاشية وأول وقتها الزوال عند الثلاثة وقال ابن حنبل يجوز تقديمها عليه وآخرها الغروب على المشهور وقيل الاصفرار وقيل القامة ويؤذن لها على المنار وقال الشافعي جماعة بين يدي الإمام ويؤذن لها ثلاثا وقيل اثنان ويجزي واحد وأما الخطبة فواجبة خلافا لابن الماجشون وهي شرط في صحة الجمعة على الأصح وأقل ما يسمى خطبة عند العرب وقيل حمد وتصلية ووعظ وقرآن ويستحب اختصارها وفي وجوب الخطبة الثانية قولان وفي وجوب الطهارة لهما قولان وفي وجوب الجلوس قبلهما وبينهما قولان وفي وجوب القيام لهما قولان وفي اشتراط الجماعة فيهما قولان ولا يصلي غير من يخطب إلا لعذر ويخطب على المنبر متوكئا على عصا أو قوس ويستقبله الناس ولا يسلم عليهم خلافا للشافعي ويجب الإنصات للخطبة اتفاقا وينصت إذا لم يسمع خلافا لابن حنبل ولا يسلم ولا يشمت ولا يرد خلافا لابن حنبل ولا يصلي التحية إذا خرج الإمام خلافاللسيوري والشافعي وابن حنبل ويجوز التعوذ عند ذكر النار والتصلية عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والتأمين عند الدعاء سرا وفيالجهر بذلك قولان ولا يأمر بالإنصات نطقا بل إشارة ( الفصل الرابع ) تختص الجمعة بوظائف ( الأولى ) السعي إليها ويجب إذا جلس الخطيب ويستحب التهجير لها خلافا للشافعي ( الثانية ) يحرم البيع والنكاح وسائر العقود من جلوس الخطيب إلى انقضاء الصلاة فإن وقعت فاختلف في فسخها ( الثالثة ) الغسل لها سنة مؤكدة وأوجبه الظاهرية ولا يجزي قبل الفجر ولا غير متصل بالرواح خلافا للشافعي ( الرابعة ) يستحب للجمعة الطيب والسواك والتجمل بالثياب وخصال الفطرة
الباب الثاني والعشرون في الجمع
يجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لأسباب وهي بعرفة والمزدلفة اتفاقا وذلك سنة وللسفر والمطر خلافا لأبي حنيفة فيهما وللمرض خلافا لهما وللخوف بخلاف في المذهب وأجاز الظاهرية وأشهب الجمع بغير سبب فأما السفر فيشترط جد السير في المشهور خلافا للشافعي ولا يشترط الطول وأما المطر فبجمع له بين المغرب والعشاء عند الإمامين لا بين الظهر والعصر خلافا للشافعي فإن اجتمع المطر والطين أو اثنان منهما أو انفرد المطر جاز الجمع بخلاف انفراد الظلمة وفي انفراد الطين قولان ولو انقطع المطر بعد الشروع في الجمع جاز التمادي وفي وقت الجمع للمطر ثلاثة أقوال أول وقت المغرب أو تأخيرها يسيرا أو تأخيرها إلى آخر وقتها ولكل واحد منهما أذان وإقامة على المشهور وقيل يكتفي بأذان الأولى وينوي الأولى واختلف هل يجزيه أن نواه في الثانية وعلى ذلك فرعان لو صليت الأولى ثم حدث سبب الجمع ومن صلى الأولى وحده وأدرك الثانية ففي جواز الجمع فيهما قولان ولا ينتقل بين الصلاتين ليلة الجمع ولا بعدهما في المسجد ولا وتر حتى يغيب الشفق وأما المريض فيجمع إن خاف أن يغيب على عقله أو إن كان الجمع أرفق به ووقته في أول وقت الأولى وقيل في آخر وقت الأولى وأول وقت الثانية
الباب الثالث والعشرون في الخوف وهو نوعان
( النوع الأول ) خوف يمنع من إكمال هيئة الثلاة وذلك حين المسايفة أو مناشبة الحرب فتؤخر الصلاة حتى يخاف فوات وقتها ثم يصلي كيف أمكن مشياوركوبا وركضا ايماء بالركوع والسجود إلى القبلة وغيرها ولا يمنع ما يحتاج من قول وفعل ( النوع الثاني ) خوف يتوقع معه معرة العدو أن اشتغل المسلمون كلهم بالصلاة فيجوز لهم أن يصلوا أفذاذا وإن تصلي طائفة بإمام وأخرى بإمام ويجوز أن يصلوا صلاة الخوف المشروعة وهي جائزة عند الجمهور خلافا لأبي يوسف في قوله باختصاصها بالنبي صلى الله عليه وسلم ولها صفات الأولى مشهور المذهب وهي أن يقسم الإمام العسكر طائفتين طائفة معه وأخرى تحرس العدو فيصلي بالطائفة الأولى التي معه في الصلاة الثنائية ركعة وفي الثلاثية والرباعية ركعتين ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون فيقفون يحرسون وتأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم في الثنائية ركعة وفي الرباعية ركعتين وفي المغرب ركعة ويسلم ويقضون بعد سلامة الصفة الثانية مثلها إلا أن الإمام لا يسلم بعد تمام صلاته بل ينتظر الطائفة الثانية حتى تقضي ما عليها ثم يسلم بهم وهذا مذهب الشافعي وقد روي عن مالك الصفة الثالثة أن تنصرف الطائفة الأولى قبل تمام صلاتهم ولا يسلمون فيقفون ويحرسون وتأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم ثم تقضي الطائفتان معا بعد سلامه وهذا مذهب أشهب الصفة الرابعة مثل الثالثلة إلا أن الطائفة الأولى إنما تقضي بعد فراغ الثانية من قضائهم وهذا مذهب أبي حنيفة فروع تجوز صلاة الخوف سفرا وحضرا في المشهور ويؤذن لها ويقام وإن كانت ثنائية انتظر الإمام الطائفة الثنائية وهو قائم وإن كانت ثلاثية أو رباعية فاختلف هل ينتظرهم قائما أو جالسا وهو في حال انتظاره مخير بين الدعاء والسكوت وإذا زال الخوف بعد صلاة الطائفة الأولى فاختلف هل تدخل معه الثانية أم لا
الباب الرابع والعشرون في القصر في السفر وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في حكم القصر وفيه خمسة أقوال في المذهب واجب وفاقا لأبي حنيفة وسنة وهو المشهور ومستحب ومباح ورخصة أقل فضلا من الإتمام وفافا للشافعي فرعان ( الفرع الأول ) إذا أتم المسافر جرى على الاختلاف في القصر فعلى الوجوب يعيد في الوقت وبعده وعلى السنة والاستحباب في الوقت وعلى الرخصة والإباحة لا يعيد ( الفرع الثاني ) أن صلى مقيم خلف مسافر أتم بعد سلامه وأن صلى مسافر خلف مقيم فأربعة أقوال البطلان والإتمام معه والسلام من ركعتين وانتظاره بعد ركعتين حتى يسلم ( الفصل الثاني ) في شروط القصر وهي ستة ( الأول ) طول السفر وهي ثمانية وأربعون ميلا على المشهور وفاقا للشافعي وابن حنبل وقيل أربعون وقالأبو حنيفة مسيرة ثلاثة أيام وقال الظاهرية أقل ما يقال له سفر ولو خرج إلى بستانه ولا يلفق المسافة من الذهاب والرجوع بل تكون كاملة في أحدهما ( الثاني ) أن يعزم من أول سفرة على قطع المسافة من غير تردد ( الثالث ) أن يقصد جهة فلا يقصر الهائم ولا من خرج إلى طلب آبق ليرجع من أين وجده ( الرابع ) أن يكون السفر مباحا فلا يقصر العاصي بسفره كقاطع الطريق والعبد الأبق خلافا لأبي حنيفة ولا يشترط كونالسفر قربة خلافا لابن حنبل ( الخامس ) أن يجاوز البلد وما يتصل به من البناءات والبساتين والمعمورة عند الجمهور وقال ابن الماجشون بعد ثلاثة أميال ( السادس ) أن لا يعزم في خلال سفره على إقامة أربعة أيام بلياليها وقال ابن حنبل أكثر من أربعة أيام وقال أبو حنيفة خمسة عشر يوما ولو أقام على نية السفر أكثر من ذلك لم يمتنع القصر وأن دخل بلدا له فيه أهل وهوله وطن لم يقصر وإن نوى الإقامة ثم بدا له فيها فاختلف في تأثير نيته وإن نوى الإقامة بعد الدخول في الصلاة فاختلف هل يتمها أربعا ولو نواها بعد الفراغ منها لم يعد والله أعلم
الباب الخامس والعشرون في العيدين وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في حكم صلاة العيدين وهي سنة عند الجمهور ويؤمر بها من تجب عليه الجمعة واختلف فيمن لا تجب عليه من النساء والعبيد والمسافرين وموضعها في غير مكة المصلى لا المسجد إلا من ضرورة ولا تقام في موضعين ووقتها بعد طلوع الشمس إلى الزوال ومن فاتته لم يقضها وقال الشافعي يصليها على صفتها وقال ابن حنبل يصلي أربع ركعات وإذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال لم يصلوها من الغد ولا تنوب عن صلاة الجمعة خلافا للشافعي ( الفصل الثاني ) في صفتها وهي ركعتان جهرا بلا أذان ولا إقامة ويستحب أن يقرأ فيها ( يسبح ) ونحوها واستحب الشافعي وابن حبيب ( بقاف ) و ( بالقمر ) ويكبر في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الاحرام وقال الشافعي زيادة عليها وفي الثانية ستا بتكبيرة القيام عند الإمامين ولا يرفع يديه مع التكبيرات في المشهور خلافا للشافعي وابن حنبل ولا يفصل بين التكبيرات بذكر ولا غيره خلافا للشافعي وابن حنبل ولا يفصل بين التكبيرات بذكر ولا غيره خلافا للشافعي وابن حنبل وأن نسي الإمام التكبير رجع إليه وفي إعادة القراءة قولان وفي سجود السهو لترك التكبير قوان وتؤخر الخطبة عن الصلاة اتفاقا وهي خطبتان يجلس قبلهما وبينهما ويكبر في أولها وأثنائها من غير تحديد وقيل سبعا في أولها ويعلم الناس ما يحتاجون إليه في يومهم ( الفصل الثالث ) في وظائف العيد وهي الاغتسال بعد الفجر ويجزي قبله والطيب والتجمل باللباس وخصال الفطرة والمشي إلى المصلى على الرجلين والتكبير في طريقها وفي انتظارها والفطر قبل الخروج في عيد الفطر وبعده في عيدالأضحى حتى يأكل من الأضحية والمشي على طريق والرجوع على أخرى والتكبير أيام منى في دبر الصلوات المكتوبات من ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الرابع وقيل إلى ظهره وقال ابن حنبل من صبح يوم عرفة إلى عصر رابع العيد وقال أبو حنيفة من صبح يوم عرفة إلى عصر رابع يوم النحر ويكبر الجماعة اتفاقا والفذ خلافا لأبي حنيفة وابن حنبل ولا يكبر في دبر التطوع خلافا للشافعي ولفظه ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر ) وقيل ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) والله أعلم
الباب السادس والعشرون في الإستسقاء وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في أحكام صلاة الإستسقاء وهي سنة اتفاقا سببها الحاجة إلى ماء السماء أو الأرض لزرع أو شرب حيوان في بر أو بحر وتكرر ما احتيج إليها ولا يؤمر بها النساء ولا الصبيان في المشهور خلافا للشافعي ولا تخرج البهائم وفي خروج اليهود والنصارى قولان وعلى الجواز فاختلف هل ينفردون بيوم أو يخرجون مع الناس في ناحية ووقتها بعد طلوع الشمس إلى الزوال وموضعها المصلى ( الفصل الثاني ) في صفتها وهي ركعتان جهرا بلا أذان ولا إقامة يقرأ فيهما ( يسبح ) ونحوها كسائر النوافل والشافعي يكبر فيهما كالعيد وقال أبو حنيفة يدعو في الإستسقاء من غير صلاة ولها خطبة تؤخر عن الصلاة عند الجمهور ويكثر فيها من الإستغفار ووعظ الناس ثم يدعو مستقبلا القبلة ويؤمن الناس ويحول رداءه بعد الخطبتين وقيل بينهما فيجعل ما على الأيسر على الأيمن وما على الأيمن على الأيسر واختلف هل يقلبه فيجعل الأعلى أسفل أم لا ويحول سائر الناس أرديتهم وهم قعود عند الجمهور إذا حول الإمام ولا يحول النساء ولا من لا رداء له ( الفصل الثالث ) في وظائف الإستسقاء فمنها التوبة والإستغفار ورد المظالم ولا يؤمر بصيام قبلها خلافا لابن حنبل والشافعي وسننها التبذل والتواضع في اللباس وغيره ولا يكبر في طريقه على المشهور ويتنفل قبلها وبعدها على المشهور
الباب السابع والعشرون في الكسوف وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في حكم صلاة الكسوف وهي سنة في كسوف الشمس إجماعا ويؤمر بها من تجب عليه الجمعة إجماعا وفي غيرهم قولان ووقتها إلىالزوال وقيل ما لم يصل العصر وقيل ما لم تصغر الشمس وقيل إلى الغروب وفاقا للشافعي وإذا تجلت الشمس في إضعاف الصلاة فاختلف هل تكمل على هيئة الكسوف أو كسائر النوافل وموضعها المسجد على المشهور وأما خسوف القمر فيصلي الناس فيه أفذاذا كسائر النوافل وقال الشافعي وابن حنبل يصلي فيه جماعة ككسوف الشمس ولا يؤمر بالصلاة عند الزلزال والآيات خلافا لابن حنبل ( الفصل الثاني ) في صفتها وهي عند الإمامين ركعتان في كل ركعة ركوعان وقيامان وسجدتان يقرأ في القيام الأول بسورة البقرة ونحوها وفي الثاني دون ذلك وفي الثالث دون ذلك وفي الرابع دون ذلك ويكرر أم القرآن في كل قيام على المشهور ويسر القراءة خلافا لابن حنبل ويطيل الركوع ولا يقرأ فيه وفي إطالة السجود قولان وقال أبو حنيفة ركعتان كسائر النوافل وليس فيها خطبة في المذهب بل يعظ الناس ويأمرهم بالدعاء والصدقة وقال الشافعي يخطب بعدها خطبتين ( فرع ) إذا أدرك المسبوق الركوع الثاني فقد أدرك الركعة
الباب الثامن والعشرون في الوتر وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في أحكامه وهو سنة وأوجبه أبو حنيفة ووقته من بعد صلاة العشاء في وقتها تحرزا من ليلة الجمع إلى طلوع الفجر فإن طلع أوتر بعده خلافا لأبي حنيفة فإن ذكر الوتر في صلاة الصبح فهل يتمادى أو يقطع قولان ولا يوتر بعد الصبح والأفضل الوتر آخر الليل لمن قوي عليه ومن أوتر أوله ثم تنفل فلا يعيد الوتر عند الجمهور خلافا لمن قاله يعيده ولمن قال يشفعه بركعة ( الفصل الثاني ) في صفته وهو ركعة واحدة يتقدمها شفع ويفصل بينهما بسلام وقال الشافعي لا يشترط الشفع وقال أبو حنيفة الوتر ثلاث لا يسلم بينهما وعلى المذهب فاختلف هل تقديم الشفع شرط صحة أو كمال وهل يجوز الفصل بينه وبين الوتر بزمان أم لا وهل يختص بنية أو يقوم مقامه كل نافلة ويستحب أن يقرأ فيه ( بسبح ) و ( قل يا أيها الكافرون ) أو بسورة الإخلاص في الركعتين وفي الوتر بالإخلاص والمعوذتين والله أعلم
الباب التاسع والعشرون في سائر التطوعات وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في ركعتي الفجر ووقتهما بعد طلوع الفجر فإن قدمهما قبلهأو قدم ركعة منهما فعليه الإعادة ويقرأ فيهما سرا بأم القرآن وحدها وحدها وقيل في الأولى ( بقل يا أيها الكافرون ) وفي الثانية ( بالإخلاص ) وفاقا للشافعي ومن جاء إلى المسجد وقد ركع الفجر في بيته فاختلف هل يحيي المسجد أم لا فإن كان لم يركع الفجر في بيته صلاه ولم يحي المسجد فإن وجد الناس يصلون الصبح لم يركع الفجر في المسجد ولا في رحابه المتصلة به والضجعة بعد ركعتي الفجر غير مشروعة خلافا للظاهرية ( الفصل الثاني ) في سائر النوافل قيام الليل مرغب فيه وأفضله آخر الليل واختلف هل الأفضل تكثير الركعات أو طول القيام والترغيب في ليالي رمضان آكد ويستحب القيام فيه بست وثلاثين ركعة سوى الشفع والوتر وقيل بعشرين وفاقا لهم والنوافل في البيوت أفضل ولا يجمع لها في غير رمضان إلا في المواضع الخفية والجماعة اليسيرة والنوافل بالليل والنهار مثنى مثنى يسلم من كل ركعتين خلافا لمن قال أربع أو ست ومن فاتته نافلة لم يقضها في المذهب إلا من فاتته ركعتا الفجر فيقضيهما بعد طلوع الشمس وفاقا لهم
الباب الموفي الثلاثين في سجود القرآن وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في أحكامه وليس بواجب خلافا لأبي حنيفة ويؤمر به القاريء والمستمع لا السامع ويكبر له في الإنحطاط والرفع ويفتقر إلى شروط الصلاة ولا إحرام فيه ولا تسليم عند الأربعة ويجوز في صلاة النالة اتفاقا وفي الفريضة أن أمن التخليط ويسبح في السجدة أو يدعو وورد في الحديث ( اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود ) ( الفصل الثاني ) في عدد السجدات وهي في المشهور إحدى عشرة التي في الأعراف وفي الرعد وفي النحل وفي الإسراء وفي مريم وفي أول الحج وفي الفرقان وفي النمل وفي ألم السجدة وفي ص وفي فصلت فالعشرة بإجماع وأسقط الشافعي التي في ص وزاد هو وابن حنبل وابن وهب التي في آخر الحجر وفي النجم وفي الإنشقاق وفي اقرأ ومواضعها من الآيات معروفة إلا أنه اختلف في التي هي في ص هل هي عند قوله وأناب أو وحسن مآب واختلف في فصلت هل هي عند قوله تعبدون أو وهم لا يسأمون وفي الإنشقاق هل هي عند قوله لا يسجدون أو هي في آخرها
الكتاب الثالث في الجنائز وفيه مقدمة وخمسة أبواب
المقدمة
يلقن المحتضر لا إله إلا الله ويدعى له بخير وليحسن هو ظنه بالله فيغلب الرجاء حينئذ وفي قراءة يس أو غيرها قولان الإستحباب والكراهة وكذلك في رده إلى القبلة فإذا قضى غمضت عيناه ووجبت له أربعة حقوق أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن وفي الكتاب خمسة أبواب
الباب الأول في الغسل
وهو فرض كفاية وقيل سنة ثم النظر في صفة الغسل والغاسل ففي الباب فصلان ( الفصل الأول ) في صفة الغسل وهو كغسل الجنابة ويجرد خلافا للشافعي ولكن تستر عورته ويوضأ خلافا لأبي حنيفة والمطلوب غسل جميع جسده ويستحب الزيادة وترا ويجعل في الأخيرة كافور أو غيره من الطيب ويعصر بطنه عصرا خفيفا برفق إن احتيج إلى ذلك ولا يقص شعره ولا أظفاره خلافا للشافعي ( الفصل الثاني ) في الغاسل ويغسل الرجل الرجل والمرأة المرأة اتفاقا فإن عدم يمم الرجل المرأة الأجنبية إلى كوعيها وتيممه إلى مرفقيه ويغسل الرجل ذوات محارمه من فوق ثوب وقيل ييممها وتغسله كذلك وقيل متجردا مستور العورة ويغسل كل واحد من الزوجين صاحبه إذا اتصلت العصمة إلى الموت وقال أبو حنيفة لا يغسل الرجل زوجته فأما المطلقة البائنة فكالأجنبية وفي الرجعية قولان ويغسل النساء الصبي ابن ست سنين وسبع واختلف في غسل الرجل الصبية( فرع ) واختلف في نجاسة ابن آدم إذا مات وعلى ذلك اختلف في نجاسة غسلته وفي إدخاله المسجد والأصح أنه لا ينجس
الباب الثاني في التكفين وفيه فصلان
( الفصل الأول ) يخرج الكفن من رأس مال الميت فإن لم يكن له مال فمن بيت مال المسلمين فإن لم يكن فعلى المسلمين وعلى السيد تكفين عبده واختلف في التزام تكفين الوالد ولده والوالد والديه وفي الزوجة ثلاثة أقوال تكفن من مالها ومن مال زوجها ومن مالها إن كانت موسرة ومن مال الزوج إن كانت معسرة ( الفصل الثاني ) في صفته يكفن في الجائز من اللباس وأما الحرير ففيه ثلاثة أقوال الجواز والمنع واختصاص الجواز بالنساء ويستحب فيه البياض والوتر وأقله ثوب واحد وأكثره سبع وقال قوم لا ينقص من ثلاثة ويلصق بمنافذ البدن من العينين والمنخرين والأذنين قطن ويجعل حنوطا من كافور أو مسك أو غير ذلك في مواضع سجوده ومغابن بدنه وفي أكفانه ويفعل بالمحرم ما يفعل بالحلال وقال الشافعي لا يغطي رأسه ولا يقرب طيبا ( فرع ) إذا ماتت الحبلى وجنينها يضطرب في بطنها فاختلف هل يبقر بطنها ويخرج منه الجنين أم لا
الباب الثالث في الصلاة على الجنازة وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) من يصلي عليه وهو من فيه خمسة أوصاف ( الأول ) أن يكون قبل ذلك معلوم الحياة فلا يصلى على مولود ولا سقط إلا إن علمت حياته بارتضاع أو حركة أو مستهل صارخا خلافا لأبي حنيفة ( الثاني ) أن يكون مسلما فلا يصلى على كافر أصلا ويدفن الذمي ولا بأس أن يدفن المسلم أقاربه الكفار وأما أطفال المشركين فإن كانوا مع آبائهم لم يسبوا ولم يسلم أحد منهم لم يصل عليهم إجماعا فإن أسلم الأب حكم للولد بالإسلام بخلاف الأم في المشهور وإن كانوا مسبيين واشتراهم مسلم فلا يحكم بإسلامهم حتى تظهر علامة الإسلام عليهم في المشهور ( الثالث ) أن يوجد جسده أو أكثره فلا يصلى على عضو خلافاللشافعي ( الرابع ) أن لا يكون شهيدا فالشهيد إذا مات في معترك الجهاد لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه ويدفن بثيابه وينزع عنه السلاح وقال أبو حنيفة لا يغسل ولكن يصلى عليه فإن قتل في غير المعترك ظلما أو أخرج منالمعترك حيا ولم تنفذ مقاتله ثم مات غسل وصلي عليه في المشهور وفاقا للشافعي ومن قتل في المعترك في قتال المسلمين غسل وصلي عليه فإن كان الشهيد جنبا فاختلف في غسله ( الخامس ) أن يكون حاضرا فلا يصلى على غائب عند الجمهور وكل من لا يصلى عليه فلا يغسل ( الفصل الثاني ) فيمن يصى عليها والأولى من أوصى الميت أن يصلي عليه ثم الوالي ثم الأولياء العصبة على مراتبهم في ولاية النكاح وقال الشافعي الولي أولى الوالي ولا يصلي الإمام على من قتله في حد أو قصاص ويصلي عليه غيره وينبغي لأهل الفضل أن يجتنبوا الصلاة على المبتدعة ومظهري الكبائر ردعا لأمثالهم ( الفصل الثالث ) في كيفية الصلاة وأركانها أربعة النية والتكبير أربعة لا يزاد عليها ولا ينقص عن الأربعة وقال قوم ثلاثا وقوم خمسا وقوم ستا الدعاء للميت والسلام وزاد الشافعي وابن حنبل وأشهب قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ويرفع يديه في التكبيرة الأولى خاصة على المشهور وفي سائرها لابن وهب والأكمل في الدعاء أن يبدأ بحمد الله ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يدعو للميت وليس في ذلك قول مخصوص ومن أتمه ما ذكر عن أبي يزيد في الرسالة فروع إذا أدرك المسبوق الإمام في تكبيرة دخل معه اتفاقا وفي دخوله معه في غير حالة التكبير روايتان قيل يدخل فيكبر وفاقا للشافعي وقيل يقف حتى يكبر الإمام فيكبر معه وفاقا لأبي حنيفة ثم إذا سلم الإمام فإن تركت له الجنازة تدارك ما فاته من التكبير بدعاء وإن رفعت كبر تسعا ( الفصل الرابع ) وفيه فروع ( الأول ) يشترط في صلاة الجنازة شروط الصلاة ( الثاني ) لا يصلى عليها في المسجد إلا أن يضيق الطريق خلافا للشافعي ( الثالث ) لا يصلى على من دفن إذا كان قد صلى عليه خلافا للشافعي فإن كان لم يصل عليه أخرج للصلاة عليه ما لم يفت فإن فات صلى على قبره خلافا لسحنون وفواته بالفراغ من دفنه وقيل بأن يخشى عليه التغيير ( الرابع ) يقف الإمام عند وسط الرجل وعند منكبي المرأة وقيل عند وسطها ( الخامس ) إذا اجتمعت جنائز فيجوز أن يفرد كل واحدة منها بصلاة وأن يصلي على جميعها صلاة واحدة ويقدم إلى الإمام من كان أفضل فيقدم الرجال على النساء والأحرار على العبيد ويقدم كبار كل صنف على صغاره ويقدم من له مزية دينية فإن استووا قدم بالسن فإن استووا قدم بالقرعة أو التراضي
الباب الرابع في حمل الجنازة ودفنها وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في حمل الجنازة وليس في ذلك ترتيب على المشهور وقيليستحب الحمل من الجوانب الأربع ويمشي قدام الجنازة والراكب خلفها على المشهور وقيل خلفها مطلقا وفاقا لأبي حنيفة ويتأخر النساء مطلقا وتمنع من يخاف الفتنة من خروجها ويكره لغيرها إلا للقريب جدا ولا يقام للجنازة عند الجمهور لأنه منسوخ ولا بأس أن ينقل الميت من بلد إلى آخر إن كان لم يدفن ( الفصل الثاني ) في الدفن ولا بأس أن يدخل الميت في قبره من أي ناحية كان والقبلة أولى ويضعه في قبره الرجال وليس لعددهم حد من شفع أو وتر وإن كانت امرأة فيتولى ذلك زوجها من أسفلها ومحارمها من أعلاها فإن لم يكن فصالحو المؤمنين فإن وجد من النساء من يتولى ذلك فهو أولى من الأجانب ويضجع الميت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة وتمد يده اليمنى مع جسده وتحل عقد الأكفان من عند رأسه ورجليه ويعدل رأسه ورجلاه بالتراب حتى يستوي ويستحب الدعاء له حينئذ ويستحب أن يحثى كل من دنا حثيات وقيل لا يستحب وتر المرأة بثوب حتى توارى ومن دفن بغير غسل أو على غير وجه الدفن فإن تغير لم يخرج وإن لم يتغير فقولان ومن مات في البحر غسل وكفن وصلي عليه وانتظر به البر إن طمع بذلك في اليوم أو شبهه ليدفنوه فيه وإن كان البر بعيدا أو خيف عليه التغيير شدت عليه أكفانه ورمي في البحر مستقبل القبلة محرفا على شقه الأيمن واختلف هل يثقل بحجر أم لا والله أعلم
الباب الخامس في صفة القبور وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في صفة القبور واللحد أفضل من الشق إن أمكن وتكون إلى جهة القبلة ويستحب أن لا يغمق القبر ويكره بناء القبور وتجصيصها خلافا لأبي حنيفة فإن كان للمباهاة حرم وإن كان قصد التمييز فقولان ولا يرفع القبر إلا بقدر شبر واختلف في جواز تسنيمه ولا يدفن في قبر واحد ميتان إلا للضرورة ثم يرتبون إلى اللحد كترتبهم إلى الإمام وأفضل ما يسد به القبر اللبن ثم اللوح ثم القرمد والاجرة ثم الحجارة ثم القصب كل ذلك أفضل من سن التراب وسن التراب أفضل من التابوت وإذا دفن ميت فموضعه حبس وفي دفن السقط في الدار والبيوت قولان ( الفصل الثاني ) في احترام القبور وتحترم القبور فلا تنبش عظام الموتى عند حفر القبور ولا تزال عن موضعها ويتقى كسر عظامها ولا يمشي على قبر ظاهر ولا يجلس عليه لبول ولا غائط المذهب خلافا لمن منع الجلوس مطلقا خاتمة تحرم النياحة ولطم الخدود وشق الجيوب بخلاف البكاء للرحمة ويستحب التعزية والدعاء للميت والمصاب وحضه على الصبر وتهيئة طعام لأهل الميت ولا يعذب الميت ببكاء أهله عليه إلا إذا أوصى بذلك
الكتاب الرابع ( في الزكاة وهي فرض من قواعد الإسلام ) = من جحد وجوبها فهو كافر ومن منعها أخذت منه قهرا فإن امتنع قوتل حتى يؤديها وفي الكتاب عشرة أبواب
الباب الأول في شروط وجوب الزكاة
والزكاة قسمان زكاة أموال وزكاة أبدان وهي زكاة الفطر وستأتي فأما زكاة المال فشروط وجوبها ستة ( الشرط الأول ) الإسلام فلا زكاة على كافر بإجماع لأنه ليس من أهل الطهر إلا في مسألتين أحداهما أنه يؤخذ العشر من تجار أهل الذمة والحربيين إذا اتجروا إلى بلد من بلاد المسلمين من غير بلادهم وإن تكرر ذلك مرارا في السنة سواء بلغ ما بأيديهم نصابا أم لا واشترط أبو حنيفة فيه النصاب وقال إنما يؤخذ من الذمي نصف العشر خاصة ومن الحربي العشر وقال مالك إنما يؤخذ منهم نصف العشر مما حملوا إلى مكة والمدينة وقراهما من القمح والزيت خاصة وقال الشافعي لا يؤخذ منهم شيء والأخرى أن الشافعي وأبا حنيفة قالا تضاعف الزكاة على نصارى بني تغلب خاصة ولا يحفظ عن مالك في ذلك نص ( الشرط الثاني ) الحرية فلا تجب في المذهب على عبد ولا على من فيه بقية رق ولا على سيده وفاقا لابن حنبل وقال الشافعي وأبو حنيفة زكاة مال العبد على سيده وقال الظاهرية على العبد في ماله وأما البلوغ والعقل فلا يشترطان بل يخرجها الولي من مال المجنون والصبي وفاقاللشافعي وابن حنبل وقال أبو حنيفة يخرج عشر الحرث لا غير وأسقطها قوم مطلقا ( الشرط الثالث ) كون المال مما تجب فيه الزكاة وهو ثلاثة أصناف العين والحرث والماشية وما يرجع إلى ذلك بالقيمة كالتجارة فلا تجب فيالجوهر والعروض ولا أصول الأملاك ولا الخيل والعبيد ولا العسل واللبن ولا غير ذلك إلا أن يكون للتجارة وأوجبها أبو حنيفة في الخيل السائمة للتناسل وأوجبها الظاهرية في العسل ( الشرط الرابع ) كونه نصابا أو قيمة نصاب ( الشرط الخامس ) حلول الحول في العين والطيب في الحرث ومجيء الساعي مع الحول في الماشية ( الشرط السادس ) عدم الدين يشترط في زكاة العين خاصة فإن كانت له عروض تفي بدينه لم تسقط الزكاة عنه وقيل تسقط وفرق ابن القاسم بين الدين من الزكاة مع العروض وبين غيره وقال أبو حنيفة يمنع الدين زكاة ما عدا الحرث وقال قوم يمنع مطلقا وعكس قوم
الباب الثاني في خصال الزكاة
شروط صحة خصال الزكاة ثلاثة ( الشرط الأول ) النية على خلاف في المذهب ينبني عليه هل تجزي من دعفها كرها أم لا والصحيح أنها تجزيه كالصبي والمجنون ( الثاني ) إخراجها بعد وجوبها بالحول أو الطيب أو مجيء الساعي فإنأخرجها قبل وقتها لم تجزه خلافا لهم وقيل تجزيه إذا قدمها بيسير وقد اختلف في حده من يوم أو يومين إلى شهر وتأخيرها بعد وقتها مع التمكن من إخراجها سبب للضمان والعصيان ( الثالث ) دفعها لمن يستحقها وممنوعاتها ثلاثة أن تبطل بالمن والأذى وأن يشتري الرجل صدقته وأن يحشر المصدق الناس إليها بل يزكيهم بمواضعهم آدابها ستة أن يخرجها طيبة بها نفسه وأن تكون من أطيب كسبه ومن خياره ويسترها عن أعين الناس وقيل الإظهار في الفرائض أفضل وأن يجعل من يتولاها خوف الثناء وأن يدعو قابضها لدافعها وأوجب ذلك الظاهرية والله أعلم بالصواب
الباب الثالث في زكاة العين
وهو الذهب والفضة سواء كان مسكوكا أو مصوغا أو نقرة وفيه سبع مسائل ( المسألة الأولى ) في النصاب ونصاب الذهب عشرون دينارا شرعية وزن كل دينار اثنتان وسبعون حبة من الشعير المتوسط وهي نحو سبعة عشر دينارا من الجارية في زماننا ونصاب الفضة مائتا درهم شرعية وهي خمس أواقي شرعية وزن كل درهم خمسون حبة وخمسا حبة من الشعير المتوسط وهي نحو مائة وأربعين مثاقالا من المثاقيل الجارية الآن بالأندلس والمغرب وهي التي في كل دينار عشرة دراهم وفي كل سبعة دنانير أوقية من أواقي زماننا وتضم أصناف الذهب والفضة بعضها إلى بعض ويضم الذهب إلى الفضة خلافا للشافعي وابنحنبل وضمه بالأجزاء دون القيمة فيكمل بهما نصابا فمن كان له نصف نصاب من ذهب ونصفه من فضة وجبت عليه الزكاة فلو كان له دون نصاب من ذهب وقيمته نصاب من الفضة لم يجب عليه ( المسألة الثانية ) إن كانت الدنانير أو الدراهم الناقصة تجري عددا يجريان الوازنة ففيها زكاة خلافا لهما وقال سحنون إنما تجب أن كل النقص يسيرا وإن كانت لا تجري يجريان الوازنة فلا زكاة فيها اتفاقا حتى يبلغ وزنها خمس أواقي ( المسألة الثالثة ) إن كانت الدراهم أو الدنانير مخلوطة بالنحاس أو غيرها أسقط وزكى عن العين ( المسألة الرابعة ) في القدر المخرج وهو ربع العشر ففي العشرين دينارا نصف دينار وفي مائتي درهم خمسة دراهم وما زاد فبحساب ذلك وإن قل خلافا لأبي حنيفة في قوله لا شيء في الزائد حتى يبلغ أربعين درهما ويدفع عن الذهب ذهبا وعن الفضة فضة فإن أراد أن يدفع ذهبا عن فضة أو فضة عن ذهب جاز في الوجهين خلافا للشافعي فيهما وسحنون في دفع الذهب عن الفضة وعلى الجواز فيدفعه بالقيمة ما بلغت في المشهور وقيل بالقمية ما لم تنقص عن عشرة دراهم للدينار وقيل بعشرة دراهم شرعية للدينار الشرعي ( المسألة الخامسة ) فيمن استفاد مالا فإن كان من هبة أو من ميراث أو من بيع أو غير ذلك لم تجب عليه زكاة حتى يحول عليه الحول وإن كان ربح مال زكاة لحول أصله كان الأصل نصابا أو دونه إذا أتم نصابا بربحه فإن ربح المال مضموم إلى أصله وإذا استفاد فائدتين فإن كانت كل واحدة نصابا فأكثر زكاها لحولها وإن كمل النصاب يضم إحداهما إلى الأخرى زكاهما معا لحول الثانية وإن كانت الأولى وحدها نصابا زكاها لحولها وانتظر بالثانية حولها وإن كانت الثانية نصابا وحدها زكاهما معها لحول الثانية ( المسألة السادسة ) في زكاة الحلي ينقسم حلي الذهب والفضة أربعة أقسام الأول أن يتخذ للباس الجائز فلا زكاة فيه خلافا لأبي حنيفة والثاني أن يتخذ للتجارة ففيه الزكاة إجماعا ويتعبر بوزنه دون قيمة صياغته والثالث للكراء والرابع للادخار ففيهما قولان فرع إن كان حلي الذهب والفضة منوما بجوهر يمكن نزعه من غير فساد زكي الجوهر زكاة العروض والذهب والفضة زكاة العين وإن لم يكن نزعه إلا بفساد أعطى لكل حكمه وقيل الحكم للأكثر ( المسألة السابعة ) فيما تجوز من الحلي أما للنساء فيجوز مطلقا وأما للرجال فتجوز تحلية السيف بالفضة اتفاقا وفي تحليته بالذهب قولان وفي الحاق سائر آلات الحرب بالسيف قولان ويجوز تحلية المصحف بالذهب والفضة والخاتم بالفضة خاصة كل ما لا يجوز من حلي وأواني فضة أو ذهب ففيه الزكاة
الباب الرابع في الركائز والمعادن
أما الركائز فهو الكنز ويختلف حكمه باختلاف الأرض التي وجد فيها وذلكأربعة أنواع ( الأول ) أن يوجد في الفيافي ويكون من دفن الجاهلية فهو لواجده وفيه الخمس إن كان ذهبا أو فضة وإن كان غيرهما فلا شيء فيه وقيل الخمس ( الثاني ) أن يوجد في أرض متملكة فقيل يكون لواجده وقيل لمالك الأرض ( الثالث ) أن يوجد في أرض فتحت عنوة فقيل لواجده وقيل للذين افتتحوا الأرض ( الرابع ) أن يوجد في أرض فتحت صلحا فقيل لواجده وقيل لأهل الصلح وهذا كله ما لم يكن بطابع المسلمين فإن كان بطابع المسلمين فحكمه حكم اللقطة وأما المعدن فهو ما يخرج من الأرض من ذهب أو فضة يعمل وتصفية وفيه مسألتان ( المسألة الأولى ) في ملكه وينقسم إلى ثلاثة أقسام الأول أن يكون في أرض غير متملكة فهو للإمام وأن يكون في أرض مملوكة لمعين فهو لصاحبها وقيل للإمام وأن يكون في أرض متملكة لغير معين كأرض العنوة والصلح فقيل لمن افتتحها وقيل للإمام ( المسألة الثانية ) الواجب في المعدن الزكاة وهي ربع العشر إن كان نصابا فإن كان دون النصاب فلا شيء فيه إلا أن يخرج بعد ذلك تمام النصاب من نيله ثم يزكي ما يخرج بعد ذلك من قليل أو كثير ما دام النيل قائما فإن انقطع وخرج قيل آخر لم يضم ما أخرج منه إلى الأول وكان للثاني حكم نفسه ولا حول في زكاة المعدن بل يزكي لوقته كالزرع خلافا للشافعي وقال أبو حنيفة في المعدن الخمس وهو عنده ركاز سواء كان ذهبا أو فضة أو غير ذلك
الباب الخامس في التجارة
وتنقسم العروض إلى أربعة أقسام للقنية خالصا فلا زكاة فيه إجماعا وللتجارة خالصا ففيه الزكاة خلافا للظاهرية وللقنية والتجارة فلا زكاة فيه خلافا لأشهب وللعلة والكراء ففي تعلق الزكاة به أن يبيع قولان ولا يخرج من القنية إلى التجارة بمبرد النية بل بالفعل خلافا لأبي ثور ويخرج من التجارة إلى القينة بالنية فتسقط الزكاة خلافا لأشهب ثم إن التجارة على ثلاثة أنواع إدارة واحتكار وقراض فأما المدير فهو الذي يبيع ويشتري ولا ينتظر وقتا ولا ينضبط له حول كأهل الأسواق فيجعل لنفسه شهرا في السنة فينظر فيه ما معه من العين ويقوم ما معه من العروض ويضمه إلى العين ويؤدي زكاة ذلك أن بلغ نصابا بعد إسقاط الدين إن كان عليه وأما غير المدير وهو الذي يشتري السلع وينتظر بها الغلاء فلا زكاة عليه فيها حتى يبيعها فإن باعها بعد حول أو أحوال زكى الثمن لسنة واحدة وقال الشافعي وأبو حنيفة يزكي كل عام وإن لم يبع وهو عندهما مخير بين إخراج الزكاة من العروض أو قيمتها ( فرع ) من كان ببيع العرض بالعرض ولا ينض له من ثمن ذلك عين فلا زكاة عليه خلافا لهما إلا أن يفعل ذلك فرارا من الزكاة فلا تسقط عنه وأماالقراض ففيه ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) في وجوب الزكاة على رب المال والعامل وذلك أنهما إن كانا معا ممن لا تجب عليهما الزكاة لكونهما عبدين أو ذميين أو مديانين فلا زكاة على واحد منهما وإن كانا ممن تجب عليه الزكاة وجبت على كل واحد منهما وإن كان أحدهما ممن تجب عليه الزكاة دون الآخر فأما رب المال فيراعي فيه حال نفسه اتفاقا وأما العامل فقيل يراعي فيه حال رب المال فإن كان ممن تجب عليه وجبت على العامل سواء كان ممن تجب عليه أم لا فيزكيان رأس المال وجميع الربح وفيه قولان ( أحدهما ) أنه يعتبر بأن يكمل من رأس المال وجميع الربح وقيل يراعي حكم العامل في نفسه ( المسألة الثانية ) في اعتبار النصاب ( الثاني ) أن يكمل من رأس المال وحصة ربه فتجب الزكاة على هذا في حظ العامل وإن لم يكن فيه نصاب ويزكي كل واحد منهما على حظه وفاقا لأبي حنيفة وقيل يزكي رب المال على الجميع وفاقا للشافعي ( المسألة الثالثة ) في وقت إخراجالزكاة إن كان العامل مديرا زكى المال عند المفاصلة لكل سنة بقيمة ما كان فيها وإن كان غير مدير زكى عند المفاصلة لسنة واحدة إلا أن كان رب المال مديرا لنفسه والذي بيده أكثر مما له بيد العامل فالمشهور أن رب المال يقوم ما بيد العامل ويزكيه من ماله قبل المفاصلة وقيل بعدها ثم اختلف هل يقوم جميع المال كل سنة بربحه أو يقوم رأس المال وحصته من الربح وقال أبو حنيفة يزكي مال القراض كل سنة ولا يؤخر إلى المفاصلة
الباب السادس في زكاة الديون وفيه مسألتان
( المسألة الأولى ) في أنواع الديون وهي أربعة دين من فائدة ومن تجارة ومن سلف ومن غصب فأما دين الفائدة كالميراث والهبة والمهر والأرش والأجرة والكراء وثمن العروض فلا زكاة فيه حتى يقبض ويحول عليه الحول بعد قبضه وأما دين التجارة فحكمه كعروض التجارة يقومه المدير ويزكيه غير المدير لسنة واحدة إذا قبضه وأما دين السلف فيزكيه غير المدير لسنة واحدة إذا قبضه واختلف هل يقومه المدير أم لا وأما دين الغصب فالمشهور أنه يزكيه لسنة واحدة إذا قبضه كالسلف وقيل يستقبل به حولا من يوم قبضه كالفائدة وقال أبو حنيفة لا زكاة فيالدين حتى يقبضه فإذا قبضه زكاه لما مضى من السنين وقال الشافعي يزكي الدين لكل سنة وإن لم يقبضه إذا كان على ملي ( المسألة الثانية ) إذا قبض من دينه نصابا وزكى ما يقبض بعده من قليل أو كثير وإن قبض أقل من النصاب فلا زكاة عليه خلافا لأبي حنيفة إلا أن كان عنده من الناض ما يكمل به النصاب وإن قبض أقل من النصاب ثم قبض ما يكمل به النصاب زكى جميع النصاب بحول المقبوض الثاني سواء بقي المال بيده أو أنفقه على خلاف في انفاقه وضياعه ومن أودع مالا زكاة لكل حول
الباب السابع في زكاة الحرث وفيه خمس مسائل
( المسألة الأولى ) فيما تجب فيه فإن ما تنبته الأرض ثلاثة أنواع الحبوب فتجب الزكاة في القمح والشعير إجماعا وفي سائر الحبوب التي تقتات وتدخر عند الجمهور والثاني الثمار فتجب في التمر والزبيب إجماعا وفي الزيتون خلافا للشافعي ولا تجب في الفواكه كالتفاح والرمان خلافا لأبي حنيفة وأوجبها ابن حبيب في التين واختلف في الترمس وزريعة الكتان والقرطم وهي زريعة العصفر والثالث الخضراوات والبقول فلا زكاة فيها خلافا لأبي حنيفة ( المسألة الثانية ) في النصاب وهو معتبر في هذا الباب خلافا لأبي حنيفة وهو مخالف للإجماع فلا زكاة في أقل من خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وقدر النصاب نحو اثني عشر قنطارا أندلسية فيخرص العنب كم يكون فيه من زبيب والنخل كم يكون فيه من تمر واختلف في خرص ما لا يثمر ولا يزبب من العنب والنخل ولا يخرص غير ذلك فإن دعت ضرورة إلى خرصه لم يخرص في المشهور وقيل يخرص وقيل يجعل عليها أمن ويجب أن يكون الخارص عدلا عارفا ويكفي الواحد في المشهور فإن أخطأ في الخرص فاختلف هل يعمل على الخرص أو على ما وجد ( المسألة الثالثة ) في الواجب وهو مختلف باختلاف سقي الأرض فما سقي سيحا بالمطر والعيون والأنهار ففيه العشر وما سقي نضحا بدلو أو سانية ففيه نصف العشر فإن سقى بهما واستويا ففيه ثلاثة أرباع العشر وإن اختلفا فهل يجعل الأقل تبعا للأكقر أو كل واحد منهما بحسابه قولان وقال ابن القاسم المعتبر ما حبي به الزرع ويؤخذ مما لا يعصر من نفسه ومما يعصر كالزيتون من زيته ( المسألة الرابعة ) فيما يضم بعضه إلى بعض لتكميل النصاب فالقمح والشعير والسلت صنف واحد والذرة والدخن والأرز صنف في المشهور والقطان صنف واحد وهي الحمص والعدس والفول والترمس واللوبيا والجلبان واختلف في البسيلة وهي الكرسنة هل تلحق بها أو هي صنف وحدها ويخرج كل واحد بحسابه وله إخراج الأعلى على الأدنى بخلاف العكس ولا يضم شيء إلى آخر عندهم ويضم أنواع الجنس الواحد اتفاقا كرهوط العنب والتمر والقمح فإن كان جيدا كله أو رديئا كله أخذ منه في المشهور بخلاف الغنم وإن اختلف فمن الوسط ( المسألة الخامسة ) وقت الوجوب في الثمار الطيب وفي الزرع اليبس في المشهور وقيل الخرض وقيل الجذاذ وثمرة الخلاف إذا مات المالك أو باع أخرج الزكاة بعد أحد الأوجه الثلاثة أو قبله
الباب الثامن في زكاة المواشي ولا تجب إلا في الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم وفي الباب سبع مسائل
( المسألة الأولى ) في زكاة الإبل ولا زكاة فيما دون خمس وفي الخمس شاة إلى تسعة وفي العشر شاتان إلى أربع عشرة وفي خمس عشرة ثلاث شياه إلى تسع عشرة وفي عشرين أربع شياه إلى أربع وعشرين ثم تزول الغنم فيؤخذ من الإبل ففي خمس وعشرين بنت مخاض وهي التي دخلت في السنة الثانية فإن عدمت فابن لبون ذلك وهو الذي دخل في الثالثة فإن عدما كلف بنت مخاض خلافا لهما في قولهما بالتخيير وذلك إلى خمس وثلاثين وفي ست وثلاثين ابنة لبون إلى خمس وأربعين وفي ست وأربعين حقة وسنها أربع سنين إلى ستين وفي إحدى وستين جذعة وهي بنت خمس سنين إلى خمس وسبعين وفي ست وسبعين بنتا لبون إلى تسعين وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة وفي إحدى وعشرين ومائة حقتان عند أشهب وثلاث بنات لبون عند ابن القاسم وخير مالك بين حقتين وبين ثلاث بنات لبون إلى تسع وعشرين ومائة وفي ثلاثين ومائة حقة وابنتا لبون وما زاد ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ويخير الساعي في المائتين بين أربع حقاق أو خمس بنات لبون وقيل يخير رب المال وذلك إذا وجدا معا أو فقدا معا فإن وحد أحدهما أخذ وتلغى الأوقاص في الماشية فرع الغنم المأخوذة عن الإبل الجذاع والثنايا من غالب غنم البلد من المعز والضأن ( المسألة الثانية ) في زكاة البقر ولا زكاة في أقل من ثلاثين وفي الثلاثين تبيع جذع أو جذعة وسنه سنتان وقيل سنة إلى تسع وثلاثين وفي أربعين مسنة أنثى بنت أربع سنين وقيل ثلاث إلى تسع وخمسين فما زاد ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ( المسألة الثالثة ) في الغنم ولا زكاة في أقل من أربعين وفي الأربعين شاة إلى مائة وعشرين وفي إحدى وعشرين ومائة شاتان إلى مائتي شاة في إحدى ومائتين ثلاث شياه إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين وفي أربعمائة أربع شياه وما زاد ففي كل مائة شاة ( المسألة الرابعة ) تجب الزكاة في الأنعام سواء كانت سائمة أو معلوفة أو عوامل خلافا لهما في المعلوفة والعوامل ويضم المعز إلى الضأن والجواميس إلى البقر والبخت من الإبل إلى العراب وتعد الأمهات والأولاد سواء كانت الأمهات نصابا أو دونه وتؤخذ الزكاة من الوسط لا من الخيار ولا من الشرار ولا تؤخذ من الأولاد وإذا استوى الضأن والمعز خير الساعي فإن لم يستويا أخذ من الأكثر ( المسألة الخامسة ) في الخليطين وللخلطة في الماشية تأثير في الزكاة فيزكي الخليطان زكاة المالك الواحد خلافا لأبي حنيفة ولا تؤثر إلا إذا كان لكل واحد من الخليطين لو انفرد نصاب فإن اجتمع نصاب منهما فلا زكاة عليهماخلافا للشافعي وإن لم يكمل من مجموعها نصاب فلا زكاة عليهما إجماعا فإن كان لأحدهما نصاب وللآخرين أقل من نصاب فيزكي صاحب النصاب وحده زكاة المنفرد ثم إن الاختلاط المؤثر في الراعي والفحل والدلو والمسرح والمبيت وقيل يكفي الراعي ويشترط في تأثيرها ثلاثة شروط أحدها أن تكون ماشية كل واحد من الخليطين مما يضم بعضه إلى بعض كالضأن والمعز الثاني أن يكون كل واحد منهما مخاطبا بالزكاة فإن كان أحدهما عبدا أو كافرا زكى الآخر زكاة المنفرد الثالث أن تتفق أحوال ماشيتهما فإن حال الحول على ماشية أحدهما دون الآخر زكي الآخر زكاة المنفرد وتارة تؤثر الخلطة تخفيفا كمائة وعشرين من الغنم بين ثلاثة فإنما عليهم شاة واحدة ولو كانوا مفترقين لوجب على كل واحد شاة وتارة تؤثر تثقيلا مثل أن يكون لأحدهما مائة شاة وللآخر مائة وواحد فعليهما في الانفراد شاتان وفي الخلطة ثلاث فلذلك لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الزكاة وإن فعل ذلك لم يؤثر فعله وأخذ بما كان يجب عليه قبله وإذا أخذت الزكاة من أحد الخليطين رجع على صاحبه بقيمة ما ينوبه واختلف هل تؤثر الشراكة في رقاب المواشي تأثير الخلطة أم لا ولا تأثير للخلطة في غير المواشي خلافا للشافعي في قوله بتأثيرها في العين والحرث ( المسألة السادية ) في فوائد المواشي حكم ما تولد كحكم ربح العين يضم إلى الأمهات والفائدتان إن كانت الأولى نصابا قدم الثانية وزكى لحول الأولى وإن كانت الأولى دون نصاب أخر الأولى وزكى لحول الثانية ( المسألة السابعة ) في الاستبدال من كان له نصاب من عين فأبدله نصابا من ماشية أو عكس أو أبدل نصاب ماشية بنصاب ماشية من جنس آخر فاختلف هل يزكي الحول الأول أو الحول الثاني فإن أبدل ماشية بماشية من جنسها زكى لحول الأول ومن كانت له ماشية متفرقة في البلاد جمعت عليه
الباب التاسع في قسمة الزكاة
وتقسم على الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في قوله ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية فأما الفقراء فهم الذين لا يملكون ما يكفيهم وأما المساكين فهم أشد حاجة من الفقراء وفاقا لأبي حنيفة وقيل بالعكس وفاقا للشافعي وقيل هما بمعنى واحد وقيل الفقير الذي يعلم به فيتصدق عليه والمسكين الذي لا يعلم به ويشترط فيهما الإسلام والحرية اتفاقا وأن لا يكون ممن تلزم نفقته مليا واختلف هل يشترط فيهما عدم القوة على التكسب وعدم ملك النصاب أم لا ولا يعطي الرجل زوجته من زكاته وفي إعطائه له قولان المنع والكراهة ولا يعطي من تلزمه نفقته ولا من عياله ممن لا تلزمه نفقته وفي غيرهم من القرابة ثلاثة أقوال الجواز والكراهة والاستحباب وأما العاملون عليها فالذينيجبونها ويفرقونها ويكتبونها وإن كانوا أغنياء خلافا لأبي حنيفة ويشترط فيهم العدالة والمعرفة بفقه الزكاة وأما المؤلفة قلوبهم فالكفار يعطون ترغيبا في الإسلام وقيل هم مسلمون ويعطون ليتمكن إيمانهم واختلف هل بقي حكمهم أوسقط للاستغناء عنهم وأما الرقاب فالرقيق يشترى ويعتق ويكون ولاؤهم للمسلمين ويشترط فيهم الإسلام على المشهور وفي أجزاء ذي العيب منهم قولان والأسير ليس منهم لعدم الولاء فيعطى للفقر وقال ابن حبيب هو منهم وأما الفارمون فمن فدحه الدين للناس في غير سفه ولا فساد يعطى قدر دينه واختلف هل يعطى من عليه دن الكفارات والزكاة وهل يشترط أن يكون المديان محتاجا وأما في سبيل الله فالجهاد فتصرف في المجاهدين وإن كانوا أغنياء على الأصح وفي آلة الحرب واختلف هل تصرف في بناء الأسوار وإنشاء الأساطيل ولا تجعل في الحج خلافا لابن حنبل إلا أن الحاج المحتاج ابن السبيل وأما ابن السبيل فالغريب وتشترط حاجته على الأصح وأن يكون سفره في غير معصية فروع ستة ( الفرع الأول ) تفريقها إلى نظر الإمام فيجوز صرفها إلى صنف واحد وتفضيل صنف على صنف خلافا للشافعي في قوله يقسمها على الأصناف الثمانية بالسواء ومن له صفتان استحق سهمين خلافا للشافعي ( الفرع الثاني ) لا تنقل عن البلد الذي أخذت منه إلا أن فضلت خلافا لأبي حنيفة ( الفرع الثالث ) يمنع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة الواجبة والتطوع وقيل يجوز لهم الوجهان وقيل يجوز لهمالتطوع خاصة وقيل بالعكس ويجوز أن يكونوا عاملين عليها خلافا لقوم وهم بنو هاشم اتفاقا وليس منهم من فوق غالب ابن فهر اتفاقا وفيما بين ذلك قولان وفي مواليهم قولان ( الفرع الرابع ) لا تصرف الزكاة في بناء مسجد ولا تكفين ميت ( الفرع الخامس ) إذا اجتهد فصرفها إلى غني فاختلف هل تجزيه أم لا ( الفرع السادس ) إذا كان الإمام عدلا وجب دفع الزكاة غليه وإن كان غير عدل فإن لم يتمكن صرفها عنه دفعت إليه وأجزأت وإن تمكن صرفها عنه صاحبها لمستحقها ويستحب أن لا يتولى دفعها بنفسه خوف الثناء
الباب العاشر في زكاة الفطر
وهي فرض في المشهور وفاقا للشافعي وقيل سنة وقال أبو حنيفة واجب عير فرض على اصطلاحه وفيها أربعة فصول ( الفصل الأول ) فيمن يؤمر بها وهو كل مسلم حر عنده قوت يومه معها وقيل من لا تجحف به وقيل من لا يحل له أخذها وقال أبو حنيفة من يملك مائتي درهم وهي تلزم الرجل عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من مسلم حر أو عبد صغير أو كبير ذكر أو أنثى كالأولاد والآباء والعبيد والزوجة وخادمها وإن كانتملية وزوجة الأب الفقير وخادمه وقال أبو حنيفة تخرج الزوجة عن نفسها وإن كان الإبن الصغير ذا مال فمن ماله عند الثلاثة وإن كان كبيرا زمنا فقيرا فعلى والده خلافا لأبي حنيفة ولا يزكى عن العبد الكافر خلافا لأبي حنيفة والمكاتب كالرقيق في المشهور والمعتق بعضه على السيد حصته دون العبد على المشهور وقيل عليهما والعبد المشترك على مالكيه بقدر الانصباء في المشهور ( الفصل الثاني ) في الواجب وهو صاع من قمح أو شعير أو سلت أو تمر أو زبيب أو أقط أو أرز أو ذرة أو دخن وقال أشهب من الست الأول خاصة ويخرج من غالب قوت البلد وقيل من غالب قوت مخرجها إذا لم يشح فإن كان القوت من القطاني أو التين أو السويق أو اللحم أو اللبن فتجزىء في المشهور وفي الدقيق بريعه قولان وقال أبو حنيفة يخرج من القمح نصف صاع ومن غيره صاع ( الفصل الثالث ) في وقت وجوبها وهو غروب الشمس من ليلة الفطر في المشهور وفاقا للشافعي وقيل طلوع الفجر من يوم الفطر وفاقا لأبي حنيفة وقيل طلوع الشمس وفائدة الخلاف فيمن ولد أوأسلم أو مات أو بيع فيما بين ذلك ويستحب إخراجها بعد الفجر قبل الخروج إلى المصلى اتفاقا وتجوز بعده وفي تقديمها بيوم إلى ثلاثة قولان ( الفصل الرابع ) فيمن يأخذها وهو الذي له أخذ الزكاة وقيل الفقير الذي لم يأخذ منها فعلى الأولى يجوز أن يأخذ الواحد زكاة أكثر من واحد وهو المشهور وعلى الثاني لا يعطى أكثر من ذلك ولا تعطى لفقراء أهل الذمة خلافا لأبي حنيفة
الكتاب الخامس في الصيام والاعتكاف وفيه عشرة أبواب
الباب الأول
في شروط الصيام وهي ستة الإسلام والبلوغ والعقل والطهارة من دم النفاس والحيض والصحة والإقامة فأما الإسلام فهو شرط في وجوبه على الخلاف في مخاطبة الكفار بالفروع وهو شرط في صحة فعله بإجماع وفي وجوب قضائه أيضا فإن أسلم في أثناء الشهر صام بقيته وليس عليه قضاء ما مضى منه وإن أسلم في أثناء يوم كف عن الأكل في بقيته وقضاه استحبابا وأما البلوغ فشرط في وجوبه وفي وجوب قضائه لا في صحة فعله لأن الصغير يجوز صيامه واختلف هل يندب إليه أم لا وأوجبه الشافعي عليه إذا أطاقه وأما العقل فشرط في وجوبه لأن من زال عقله غير مخاطب بالصوم في حال زوال العقل وتختلف أحوالهم في صحته وفي وجوب قضائه فأما المجنون فلا يصح صومه والقضاء يجب عليه مطلقا في المشهور وقيل لا يجب عليه قضاء ما كثر من السنين وقيل أن بلغ مجنونا لم يقض بخلاف من بلغ صحيحا ثم جن وقال الشافعي وأبو حنيفة لا قضاء عليه مطلقا وأما المغمى عليه فإن بقي يوما فأكثر أو أكثر من يوم قضى وإن أعمي عليه يسيرا بعد الفجر لم يقض وإن أعمي عليه ليلا واتصل إلى طلوع الفجر ففي قضائه قولان وقال إسماعيل القاضي يفسد الصوم بالإغماء مطلقا عكس أبي حنيفة ولا يقضي النائم مطلقا والسكر كالإغماء إلا أنه يلزمه الإمساك في ومه وأما الطهر من دم الحيض والنفاس فشرط في صحته وفي جواز فعله وغير شرط في وجوب القضاء واختلف هل هو شرط في الوجوب أم لا مع الإجماع على منع الحائض والنفساء من الصوم وعلى وجوب القضاء عليهما فإذا حاضت المرأة في بعض النهار فسد صومها ولزمها القضاء وإذا طهرت ليلا فاغتسلت ونوت الصيام قبل الفجر أجزأها اتفاقا وإن أخرت الغسل إلى الفجر أجزأها في المشهور وقال ابن مسلمة تقضي وقال ابن الماجشون تقضي إن كان الوقت ضيقا لا يتسع إلى الغسل وإن طهرت نهارا أكلت بقية يومها وقضت وإن طهرت ولم تدر أكان طهرها قبل الفجر أم بعده صامت وقضتوأما الصحة والإقامة فشرطان في وجوب الصيام لا في صحته ولا في وجوب القضاء فإن انختام الصوم يسقط عن المريض والمسافر ويجب عليهما القضاء إن أفطرا إجماعا ويصح صومهما إن صاما خلافا للظاهرية
الباب الثاني في أنواع الصيام
وهي ستة أنواع واجب وسنة ومستحب ونافلة وحرام ومكروه ( فالواجب ) صيام رمضان وقضاؤه وصيام الكفارات ( والسنة ) صيام يوم عاشوراء وهو عاشر المحرم وقيل التاسع ( والمستحب ) صيام الأشهر الحرم وشعبان والعشر الأول من ذي الحجة ويوم عرفة وستة أيام من شوال وثلاثة أيام من كل شهر ويوم الإثنين والخميس ( والنافلة ) كل صوم لغير وقت ولا سبب في غير الأيام التي يجب أو يمنع ولا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ( والحرام ) صيام يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق الثلاثة التي بعده ورخص للمتمتع في صيام التشريق خلافا لهما ورخص في صوم الرابع في النذر والكفارات واختلف في يومين قبله وصيام الحائض والنفساء وصيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه ( والمكروه ) صوم الدهر وصوم يوم الجمعة خصوصا إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده وصوم يوم السبت خصوصا وصوم يوم عرفة بعرفة وصوم يوم الشك وهو آخر يوم من شعبان احتياطا إذا لم يظهر الهلال وقيل إن كانت السماء متغيمة فالاختيار إمساكه ويجوز صومه تطوعا خلافا للشافعي
الباب الثالث في خصال الصوم
( فروضه ) النية والإمساك عن الطعام والشراب والجماع والاستمناء والإستقاء ( وسننه ) السحور وتعجيل الفطور وتأخير السحور وحفظ اللسان والجوارح والإعتكاف في آخر رمضان ( وفضائله ) عمارته بالعبادة والإكثار من الصدقة والفطر على حلال دون شبهة وابتداء الفطر على التمر أو الماء وقيام لياليه وخصوصا ليلة القدر ومفسداته ضد فرائضه حسبما يأتي وطروء الحيض والنفاس والجنون والإغماء حسبما تقدم والردة ( ومكروهاته ) الوصال والدخول على المرأة والنظر إليها وفضول القول والعمل والمبالغة في المضمضة والإستنشاق وإدخال الفم كل رطب له طعم وإن مجه ومضغ العلك وذوق القدر والإكثار من النوم بالنهار
الباب الرابع في رؤية الهلال
يجب صوم رمضان وإفطار يوم الفطر برؤية الهلال فإن غم أكمل ثلاثين يوما والرؤية على أوجه ( الأول ) أن يرى الإنسان هلال رمضان فيجب عليه الصوم عند الجمهور فإن أفطر فعليه القضاء والكفارة مع التأويل روايتان فإن رأى وحده هلال شوال لم يفطر عند مالك خوف التهمة وسدا للذريعة وفاقا لابن حنبل وخلافا للشافعي وقيل يفطر إن خفي له ذلك وقال أشهب ينوي الفطر بقلبه وعلى المذهب إن أفطر فليس عليه شيء فيما بينه وبين الله تعالى فإن عثر عليه عوقب ان اتهم ( الثاني ) أن يشهد برؤية شاهد واحد فلا يجب به الصوم ولا يجوز به الفطر وقال أبو ثور يصام به ويفطر والشافعي يصام به ولا يفطر ( الثالث ) أن يشهد شاهدان عدلان خاصة عند الإمام فيثبت بهما الصوم والفطر في الغيم إجماعا فإن كان الصحو والمصر كبير ثبت بهما على المشهور وقال سحنون لا يثبت بهما وفاقا لأبي حنيفة ( الرابع ) أن يراه الجم الغفير رؤية عامة فيثبت وإن لم يكونوا عدولا ولا يفتقر إلى شهادة ( الخامس ) أن يخبر الإمام بثبوته عنده ( السادس ) أن يخبر عدل بثبوته عند الإمام أو بالرؤية العامة ( السابع ) أن يخبر أهل بلد برؤية عامة أو ثبوته عند إمامهم ( الثامن ) أن يخبر عدلان بأنهما رأياه ( التاسع ) أن يخبر عدل بأنه رآه وذلك في موضع ليس فيه إمام يهتبل بأمره فروع أربعة ( الفرع الأول ) إن غم الهلال أكملت العدة ولم يلتفت إلى قول المنجمين خلافا لقوم ( الفرع الثاني ) إذا رآه أهل بلد لزم الحكم غيرهم من أهل البلدان وفاقا للشافعي خلافا لابن الماجشون ولا يلزم في البلاد البعيدة جدا كالأندلس والحجاز إجماعا ( الفرع الثالث ) إذا رئي الهلال نهارا فهو لليلة المستقبلة وفاقا لهما وقال ابن وهب وابن حبيب ان رئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية وقال ابن حنبل ان رئي في آخر شعبان فهو للماضية وإن رئي آخر رمضان فهو للمستقبلة احتياطا ( الفرع الرابع ) إذا ارتقب هلال رمضان فلم يظهر ثم ثبت من الغد أنه قد رئي وجب إمساك ذلك اليوم وقضاؤه وإذا ثبت هلال شوال نهارا وجب الفطر
الباب الخامس في النية وفيه ثلاث مسائل
( المسألة الأولى ) النية في كل الصيام واجبة عند الجمهور خلافا لزيد في رمضان وصفتها أن تكون معينة مبيتة جازمة فأما التعيين فواجب فلا يجزي نية الصوم المطلق خلافا لأبي حنيفة وإن نوى في رمضان صيام غيره لم يجزه عنواحد منهما خلافا لأبي حنيفة وأما التبييت فواجب وهو أن ينوي الصيام قبل طلوع الفجر في كل صيام خلافا للشافعي وابن حنبل في النافلة وقال ابن الماجشون فيمن أصبح ولم يأكل ولم يشرب ثم علم أن اليوم من رمضان مضى إمساكه وأجزأه ولا قضاء عليه ويجوز أن تقدم من أول الليل ولا تجوز قبل الليل وأما الجزم فتحرزا من التردد فمن نوى ليلة الشك صيام غد إن كان من رمضان لم يجزه لعدم الجزم ولا يضر التردد بعد حصول الظن بشهادة أو استصحاب كآخر رمضان أو بإجتهاد كالأسير ومن قطع النية في أثناء النهار فسد صومه ( المسألة الثانية ) تجزيه نية واحدة لرمضان في أوله وكذلك في صيام متتابع ما لم يقطعه أو يكن على حاله يجوز له الفطر فيلزمه استيناف النية وقال الشافعي وابن حنبل يجب تجديد النية لكل يوم ( المسألة الثالثة ) إذا التبست الشهور على الأسير في دار الحرب فصام بالتحري فإن أخر الصيام عن رمضان أجزأه ولم يلزمه القضاء وإن قدمه لم يجزه وسواء كان شهرا واحدا أو شهورا في سنين على المشهور وقال ابن الماجشون يقضي الأخير فقط وقال الظاهرية لا يجزيه سواء قدم أو أخر
الباب السادس في الإمساك وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في الطعام والشراب يجب الإمساك عنهما إجماعا ويفطر إجماعا بما يصل إلى الجوف بثلاثة قيود ( الأول ) أن يكون مما يمكن الإحتراز منه فإن لم يكن كالذباب يطير إلى الحلق وغبار الطريق لم يفطر إجماعا فإن سبق الماء إلى حلقه في المضمضة والإستنشاق أفطر خلافا لابن حنبل ولا يفطر إن سبق إلى جوفه فلقة من حبة بين أسنانه وقيل لا يفطر إلا إن تعمد بلعها فيفطر خلافا لأبي حنيفة ( الثاني ) أن يكون مما يغذي فإن كان مما لا يغذي كالحصى والدرهم أفطر به وفاقا لهما وقيل لا يفطر واختلف في غبار الدقاقين والجباصين ( الثالث ) أن يصل من أحد المنافذ الواسعة وهي الفم والأنف والأذن فأما الحقنة ففيها ثلاثة أقوال الإفطار بها وفاقا لأبي حنيفة وابن حنبل وعدمه وتخصيص الفطر بالحقنة بالمائعات وأما ما يقطر في الاحليل فلا يفطر به خلافا لأبي يوسف وأما دواء الجرح بما يصل إلى الجوف فلا يفطر خلافا لهما وأما الكحل فإن كان لا يتحلل منه شيء لم يفطر فإن تحلل منه شيء أفطر ووقال أبو مصعب لا يفطر وفاقا لهما ومنعه ابن القاسم مطلقا وفاقا لابن حنبل وأما السواك فجائز قبل الزوال أو بعده بما لا يتحلل منه شيء وكرهه الشافعي وابن حنبل بعد الزوال فإن كان مما يتحلل كره وإن وصل إلى الحلق أفطر ( الفصل الثاني ) في الجماع وما في معناه أما مغيب الحشفة عمدا في قبل أو دبر من آدمي أو بهيمة فيفطر إجماعا أنزل أو لم ينزل وفيه القضاء والكفارةإجماعا إلا أن أبا حنيفة قال لا يوجب الكفارة في الوطء من الدبر أما الإنزال بمجامعة دون فرج أو بمباشرة أو قبلة ففيه القضاء إجماعا والكفارة وفاقا لابن حنبل خلافا لهما وأما الإنزال بنظر أو فكر فإن استدام فعليه القضاء والكفارة خلافا لهما فيهما وإن لم يستدم فالقضاء خاصة خلافا لهما أيضا وإن خرج المني بغير سبب فلا شيء فيه وأما المذي فإن كان بمباشرة أو استدامة نظر أو فكر ففيه أيضا القضاء وفاقا لابن حنبل خلافا لهما واختلف هل يجب أو يستحب وإن لم يستدم النظر والفكر فلا شيء فيه وأما الانعاظ دون مذي فإن كان بمباشرة أو قبلة فقيل بوجوب القضاء وبإسقاطه وفاقا لهم وإن كان بمجرد نظر أو فكر أو دونهما فلا شيء فيه وأما التقبيل فاختلف في المذهب هل يحرم أو يكره وتختص الكراهة عندهما بالشباب والقوي وأجازه ابن حنبل مطلقا فرعان ( الفرع الأول ) من احتلم في نهار رمضان لم يفسد صومه إجماعا ( الفرع الثاني ) من أجنب ليلا ثم أصبح صائما فصومه صحيح ولا قضاء عليه عند الجمهور ( الفصل الثالث ) في القيء والحجامة أما القيء فمن ذرعه لم يفطر عند الجمهور ومن استقاء عامدا فعليه القضاء وجوبا دون الكفارة في المشهور وعند الجمهور من رجع إلى حلقه قيء أو قلس بعد ظهوره على لسانه فعليه القضاء وأما الحجامة فلا تفطر خلافا لابن حنبل وإسحاق وابن المنذر وتكره خوف التغرير خلافا لأبي حنيفة ( الفصل الرابع ) في زمان الإمساك وأوله طلوع الفجر الصادق الأبيض عند الجمهور وآخره غروب الشمس إجماعا فمن شك في طلوع الفجر حرم عليه الأكل وقيل يكره وقال ابن حبيب والشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل يجوز فإن أكل فعليه القضاء وجوبا على المشهور وقيل استحبابا وإن شك في الغروب لم يأكل إتفاقا فإن أكل فعليه القضاء والكفارة وقيل القضاء فقط ومن تبين له بعد الأكل أنه فطر بعد الفجر أو قبل الغروب فعليه القضاء عند الجمهور خلافا لإسحاق ومن طلع عليه الفجر وهو يجامع فعليه القضاء وقيل الكفارة وإن نزع ففي إثبات القضاء ونفيه خلاف بين ابن الماجشون وابن القاسم سببه أن النزع هل يعد جماعا أم لا
الباب السابع في مبيحات الإفطار
وهي سبعة السفر والمرض والحمل والرضاع والهرم وإرهاق الجوع والعطش والإكراه ( فأما السفر ) فالصوم فيه أفضل وقال ابن الماجشون الفطر أفضل وفاقا للشافعي وابن حنبل وقيل هما سواء وإن كان السفرلغزو وقرب من لقاء العدو فالفطر أفضل للقوة وإنما يباح به الفطر بأربعة شروط وهي أن يكون السفر مباحا وأن يكون طويلا حسبما تقدم في القصر من الأقوال في المذهب ومن خلاف الظاهرية وغيرهم وأن لا ينوي إقامة أربعة أيام في خلال سفره وأن يبيت الفطر قبل الفجر في السفر فإن السفر لا يبيح قصرا ولا فطرا إلا بالنية والفعل بخلاف الإقامة فإنها توجب الصوم والإتمام بالنية دون الفعل والمسافر لا يخلو أن يسافر قبل الفجر وينوي الفطر فيجوز له إجماعا أو يسافر بعد الفجر فلا يجوز له الفطر عند الثلاثة لأن طروء السفر نهارا بخلاف طروء المرض وأجازه ابن حنبل فإن أفطر قبل الخروج ففي وجوب الكفارة عليه ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يسافر فتسقط ولا يسافر فتجب وإن أفطر بعد الخروج فلا كفارة عليه في المشهور خلافا لابن كنانة فرع من كان في سفر فأصبح على نية الصوم لم يجز له الفطر إلا بعذر كالتغذي للقاء العدو وأجازه مطرف من غير عذر وعلى المشهور إن أفطر ففي وجوب الكفارة ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يفطر بجماع فيجب أو بغيره فلا يجب ( وأما المريض ) فله أحوال الأولى أن لا يقدر على الصوم أو يخاف الهلاك من المرض أو الضعف إن صام فالفطر عليه واجب والثانية أن يقدر على الصوم بمشقة فالفطر له جائز وقال ابن العربي يستحب والثالثة أن يقدر بمشقة ويخاف زيادة المرض ففي وجوب فطره قولان والرابعة أن لا يشق عليه ولا يخاف زيادة المرض فلا يفطر عند الجمهور خلافا لابن سيرين فروع خمسة ( الفرع الأول ) إذا أصبح المريض أو المسافر على نية الصيام ثم زال عذره لم يجز له وإن أصبح على نية الفطر ثم زال عذره جاز له الأكل بقية يومه وكذلك من أصبح مفطرا لعذر مبيح ثم زال عذره في بقية يومه خلافا لأبي حنيفة فعلى المذهب إن قدم مفطرا فوجد امرأته قد طهرت نهارا جاز له وطؤها ( الفرع الثاني ) لا يصلح لمريض ولا لمسافر أن يصوما تطوعا في رمضان ( الفرع الثالث ) إن صام المريض أو المسافر في رمضان أجزأهما وقال الظاهرية عليهما القضاء ( الفرع الرابع ) لا يشترط المتابعة في قضاء رمضان عند الجمهور خلافا للحسن البصري والظاهرية ( الفرع الخامس ) من كان عليه صيام فمات قبل أن يقضيه لم يصم عنه أحد عند الثلاثة وقال ابن حنبل يصوم عنه وليه ولا يطعم عنه في المذهب وقال الشافعي وغيره يطعم لكل يوم مسكينا ( وأما الهرم ) فإن الشيخ والعجوز العاجزين عن الصوم يجوز لهما الفطر إجماعا ولا قضاء عليهما وأما الحامل فإن خافت على نفسها أو على ما في بطنها أفطرت وقضت ( وأما المرضع ) فتفطر إذا احتاجت إلى الفطر لولدها إن لم يقبل غيرها أو لم تقدر على الإستئجار له وعليها القضاء وسنتكلم في فديتهم ( وأما من أرهقه الجوع والعطش ) فيفطر ويقضي فإن خاف على نفسه حرم عليه الصيام وكذلك إن خافت الحامل أو المرضع على نفسها الهلاك أو على أولادها وإذاأفطر المرهق فاختلف هل يمسك بقية يومه أو يجوز له الأكل ( وأما الإكراه ) فيقضي معه خلافا للشافعي وإذا وطئت المرأة مكرهة أو نائمة فعليها القضاء
الباب الثامن في لوازم الإفطار
وهي سبعة القضاء والكفارة الكبرى والكفارة الصغرى وهي الفدية والإمساك وقطع التتابع والعقوبة وقطع النية ( فأما القضاء ) فمن أفطر متعمدا في صيام فرض فعليه القضاء وكذلك من أفطر فيه لعذر مبيح كالمرض والسفر ومن أفطر فيه ناسيا فعليه القضاء خلافا لهما ومن أفطر في القضاء متعمدا فهل يجب عليه قولان الأصل فقط أو قضاؤه وقضاء القضاء قولان ومن أفطر في التطوع متعمدا فعليه القضاء خلافا لهما ومن أفطر فيه ناسيا أتم ولا قضاء عليه إجماعا وإن أفطر فيه بعذر مبيح فلا قضاء ( وأما الكفارات ) فالنظر في موجبها وأنواعها فأما موجبها فهو إفساد صوم رمضان خاصة عمداقصدا لانتهاك حرمة الصوم من غير سبب مبيح للفطر فلا كفارة على من أفطر في قضاء رمضان عند الجمهور ولا كفارة على الناسي والمكره ولا تجب في القبلة ولا على الحائض النفساء والمجنون والمغمى عليه لأنه من غير فعلهم ولا على المريض والمسافر والمرهق بالجوع والعطش والحامل لعذرهم ولا على المرتد لأنه هتك حرمة الإسلام لا حرمة الصيام خصوصا فروع أربعة ( الفرع الأول ) تجب الكفارة بالجماع عمدا سواء أتى زوجته أو أجنبية فإن طاوعته المرأة فعليه الكفارة وعليها وقال الشافعي وداود تجزي كفارة عنهما وإن وطئها نائمة أو مكرهة كفر عنه وعنها وإن جامع ناسيا فلا كفارة عليه في المشهور خلافا لابن حنبل وعليه القضاء خلافا لهما وإن جامع مكرها فلا كفارة عليه خلافا لابن الماجشون وابن حنبل ( الفرع الثاني ) تجب الكفارة بالأكل والشرب عمدا خلافا للشافعي والظاهرية وفي معناه كل ما يصل إلى الحلق من الفم خاصة ولا تجب فيما يصل من غيره كالأنف والأذن خلافا لأبي مصعب وحده ( الفرع الثالث ) تجب الكفارة بالاصباح بنية الفطر ولو نوى الصيام بعده على الأصح وبرفض النية نهارا على الأصح ( الفرع الرابع ) اختلف في وجوبها على من استقاء ومن ابتلع ما لا يغذي عمدا وعلى من قال اليوم نوبتي في الحمى فأفطر ثم أتته وعلى القائلة اليوم أحيض فأفطرت ثم حاضت فإن تعمد الفطر لغير عذر ثم مرض أو سافر أو حاضت فعليه الكفارة في المشهور نظرا إلى الحال وقيل تسقط نظرا في المآل ( وأما أنواعها ) فثلاثة عتق وإطعام وصيام فالعتق تحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ليس فيها عقد من عقود الحرية ولا يكون عتقها مستحقا بجهة أخرى والصيام شهرين متتابعين والإطعام ستين مسكينا مد لكل مسكينبمد النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة مدان وهي على التخيير ككفارات الإيمان إلا أن أفضلها الإطعام في المشهور وقيل على الترتيب ككفارات الظهار وفاقا لهما ( فرعان ) الأول في تكرر الإفطار فمن أفطر ثم كفر ثم أفطر في يوم واحد فعليه كفارة أخرى إجماعا ومن كرر الإفطار في يوم واحد فعليه كفارة واحدة ومن أفطر فلم يكفر حتى أفطر في يوم ثان فعليه كفارة ثانية خلافا لأبي حنيفة ( الثاني ) من عجز عن الكفارة استقرت في ذمته ثم المعتبر حاله حين التكفير على القول بالترتيب تلخيص المذهب في القضاء والكفارة أما من أفطر عامدا في جميع أنواع الصيام فعليه القضاء ولا يكفر إلا في رمضان ومن أفطر في جميعها ناسيا فعليه القضاء دون الكفارة إلا في التطوع فلا قضاء ولا كفارة وأما الفدية فهي مد من طعام لمسكين عن كل يوم وتجب على أربعة ( الأول ) من أخر قضاء رمضان مع الإمكان حتى دخل رمضان آخر خلافا لأبي حنيفة ولا تتكرر بتكرر السنين ويخرجها عند الأخذ في القضاء وقال أشهب عند تعذر القضاء ( الثاني ) الحامل فتجب عليها الفدية في رواية ابن ذهب وفاقا للشافعي وقال أشهب يستحب لها وقال ابن الماجشون إن خافت على نفسها لم تطعم لأنها مريضة وإن خافت على ولدها أعمت ( الثالث ) المرضع في وجوب الفدية عليها روايتان ( الرابع ) الهرم ولا فدية عليه في المشهور وقيل عليه وفاقا لهما وقيل تستحب وأما امساك بقية اليوم فيؤمر به من أفطر في رمضان خاصة عمدا أو نسيانا لا من أفطر لعذر مبيح وأما العقوبة فهي للمنتهك لصوم رمضان وذلك بقدر اجتهاد الإمام وصورة حاله وأما قطع التتابع فهو ملن أفطر متعمدا في صيام النذر والكفارات المتتابعات كالقتل والظهار فيستأنف بخلاف من قطع الصوم ناسيا أو لعذر أو لغط في المعدة فإنه بنى على ما كان معه وأما قطع النية فإنها تنقطع بإفساد الصوم أو تركه مطلقا أو لغير عذر ولزوال انحتام الصوم كالسفر وإن صام فيه وإنما ينقطع استصحابها حكما
الباب التاسع في الاعتكاف والنظر في حكمه ومكانه وزمانه وشروطه ومفسداته
( أما حكمه ) فقربه مرغب فيها للرجال والنساء لا سيما في العشر الأواخر من رمضان ويجب بالنذر ووقع لمالك ما ظاهره الكراهة لمشقته ( وأما مكانه ) ففي المساجد كلها عند الجمهور خلافا لقوم قصروه على المساجد الثلاثة وخلافا لابن لبابة في إجازته في غير المسجد فإن نوى اعتكاف مدة يتعين عليه إتيان الجمعةفي أثنائها تعين الجامع لأنه إن خرج إلى الجمعة بطل اعتكافه خلافا لأبي حنيفة وابن الماشجون ولا يخرج من معتكفه إلا لأربعة أشياء لحاجة الإنسان ولما لا بد منه من شراء معاشه وللمرض والحيض وإذا خرج لشيء من ذلك فهو في حكم الاعتكاف حتى يرجع ( وأما زمانه ) فأقله يوم وليلة والاختيار أن لا ينقص من عشرة أيام ولا حد لأقله عندهما ويستحب أن يدخله قبل غروب الشمس من ليلة اليوم الذي يبدأ فيه فإن فعل ذلك أجزأ اتفاقا وإن دخل بعد الفجر لم يجزه وإن دخل بين المغرب والعشاء ففي الصحة والبطلان قولان وأما الخروج فإن خرج بعد غروب الشمس من آخر يوم أجزأ إلا أن اعتكف آخر رمضان فإنه يؤمر في المذهب أن يبقى حتى يخرج لصلاة العيد واختلف هل ذلك على الوجوب أو الندب وعلى ذلك هل يبطل اعتكاف من خرج قبله أم لا ( وأما شروطه ) فثلاثة النية اتفاقا والصوم خلافا للشافعي والاشتغال بالعبادة على قدر الاستطاعة ليلا ونهارا من الصلاة والذكر والتلاوة خاصة عند ابن القاسم ومن سائر أعمال الآخرة عند ابن وهب فعلى الأول لا يشهد جنازة ولا يعود مريضا ولا يدرس العلم وعلى الثاني يفعل ذلك ( وأما مفسداته ) فستة الجماع اتفاقا والمباشرة وإن لم ينزل خلافا لأبي حنيفة والردة والسكر والخروج من معتكفه لغير ما رخص له الخروج إليه وإن وجب كالجهاد المتعين والحبس في دين والوقوع في كبيرة كالقذف وقد اختلف في ذلك ولا يفسد في المذهب بطيب ولا عقد نكاح لنفسه ولا لغيره ولا ينفعه إن يشترط فعل شيء يمنع الاعتكاف منه خلافا للشافعي
الباب العاشر في ليلة القدر
وهي التي قال الله فيها ( في ليلة مباركة ) وقال ( خير من ألف شهر ) أي العمل فيها خير من العمل في غيرها ألف شهر وهي باقية لم ترفع عند الجمهور واختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال الأول أنها معينة غير معروفة بل مخفية واختلف هؤلاء على أربعة أقوال أنها أخفيت في السنة كلها وفي رمضان وفي العشر الوسط منه وفي العشر الأواخر والقول الثاني أنها معينة معروفة واختلف هؤلاء على أربعة أقوال ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وهو أشهر وأظهر والقول الثالث أنها ليست معينة ولا معروفة بل منتقلة قال ابن رشد وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وابن حنبل وهو أصح الأقوال وعلى ذلك فانتقالها في العشر الوسط من رمضان وفي العشر الأواخر والغالب أن تكون من الوسط ليلة سبعة عشر وتسعة ومن الأواخر في الأوتار منها
الكتاب السادس في الحج وفيه عشرة أبواب
الباب الأول في المقدامات وفيه ثلاثة فصول
( الفصل الأول ) في حكمه وهو واجب على من استطالة مرة في العمر وجوبا موسعا على التراخي وفاقا للشافعي وقيل على الفور وفاقا لأبي حنيفة إذا قلنا بالتراخي فيجب على من بلغ ستين سنة ويكره أن يتنفل بالحج قبل أداء فرضه فإن فعل لم ينقلب إلى الفرض بل يقع كما نواه ( الفصل الثاني ) في شروه أما شروط وجوبه فهي البلوغ والعقل اتفاقا والحرية خلافا للظاهرية والاستطالة واختلف في الإسلام هل هو شرط وجوب أو صحة على الختلاف في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة ولا يشترط في صحته إلا الإسلام إذ يصح للولي أن يحرم عن الصبي وعن المجنون ولا يشترط في صحة مباشرته إلا الإسلام والتمييز فإن الصبي المميز لو حج بإذن الولي جاز خلافا لأبي حنيفة وكذلك العبد والاستطاعة الموجبة للحج هي القدرة على الوصولإلى مكة بثلاثة أشياء وهي قوة البدن إما راجلا وأما راكبا والسبيل وهي الطريق المسلوكة ووجود الزاد المبلغ وذلك معتبر بأحوال الناس ومختلف باختلاف عوائدهم وقال ابن حبيب الاستطاعة هي والراحلة وفاقا لهم وعلى المذهب من قدر على المشي وجب عليه وإن عدم المركوب وكذلك الأعمى إذا وجد قائدا ومن لم يجد طريقا إلا البحر لم يسقط عنه الحج خلافا للشافعي إلا أن يكون الخوف غالبا عليه أو يعلم أنه يعطل الصلاة بالميد ولو كان لا يجد موضعا للسجود للضيق إلا ظهر أخيه فلا يركبه في المذهب والمعطوب الذي لا يستمسك على الراحلة لا يلزمه أن يحج عنه غيره من ماله خلافا لهما ويسقط الحج إذا كان في الطريق عدو يطلب النفوس والأموال ووجوبه على المرأة كالرجل إذا استصحب وليا وإذا عدمت الولي ووجدت رفقة مأمونين وجب عليها خلافا لأبي حنيفة واختلف في وجوبه عليها إذا احتاجت إلى البحر أو المشي وأما الزاد فمن لم يكن عنده ناض لزمه أن يبيع من عروضه وأصوله ما يباع منها في الدين ويحج به ومن كانت عادته تكفف الناس وجب عليه الحج إذا غلب على ظنهأنه يجد من يعطيه وقيل لا يجب ( الفصل الثالث ) في النيابة في الحج ولا تجوز على الصحيح في فرض الحج وتكره في التطوع وتكون بأجرة أو بغير أجرة وتصح الإجارة على الحد خلافا لأبي حنيفة على أنها مكروهة وهي على وجهين إجارة بأجر معلومة تكون ملكا للأجير كسائر الإجارات فما عجز عن كفايته وفاه من ماله وما فضل كان له والثاني البلاغ وهو أن يدفع إليه المال ليحج عنه فإن احتاج إلى زيادة أخذها من المستأجر وإن فضل شيء رده إليه وإذا أوصى الميت أن يحج عنه من ماله وكان ضرورة نفذت الوصية من ثلث ماله وإن لم يوص سقط عنه وقال الشافعي يحج عنه من رأس ماله وينوي الأجير الحج لمن حج عنه ويجوز أن يكون الأجير على الحد لم يحج حجة الفريضة خلافا للشافعي
الباب الثاني في خصال الحج
( فرائضه ) الأركان التي لا يجبرها الدم وهي خمسة النية والأحرام والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة وقال أبو حنيفة يجبر السعي بالدم وزاد عبدالملك رمي جمرة العقبة ( وسننه ) الواجبة التي ليست بأركان ويجبرها الدم عشرة أفراد الحج والإحرام من الميقات المكاني والتلبية وطواف القدوم والمبيت بالمزدلفة ليلة النحر ورمي الجمار والحلاق أو التقصير وركعتا الطواف والمبيت بمنى ليالي الرمي والجمع بعرفة والمزدلفة ( وفضائله ) التي لا توجب دما ولا يأثم بتركها عشرون الإحرام في أشهر الحج ولبس البياض في الإحرام والاغتسال للإرحام ولطواف القدوم ولعرفة وللإفاضة فذلك أربع اغتسالات والركوع قبل الإحرام وتقبيل الحجر الأسود واستلام الركن اليماني والرمل ثلاثة أشواط من الطواف والمشي في باقيه والرمل بين العمودين بالسعي والإسراع في وادي محسر والانصراف غداة النحر من المشعر الحرام وطواف الوداع والصلاة بالمحصب بعد النفر والتأخر إلى النفر الثاني آخر أيام التشريق والتطوع بالهدي والوقوف على أرض عرفة دون جبالها وأن يبتدىء رمي جمرة العقبة ثم ينحر ثم يحلق أو يقصر
الباب الثالث في المواقيت
وهي ميقات زماني ومكاني فالزماني شوال وذو القعدة والعشر الأول منذي الحجة فمن أحرم قبل ذلك انعقد وصح على كراهية وفاقا لأبي حنيفة وقيل لا ينعقد وفاقا لداود وقال الشافعي يسقط حجه ويقلب إلى عمرة ويستحب إهلال أهل مكة إذا أهل هلال ذي الحجة وقال الشافعي يوم التروية وأما المكاني فخمسة منقسمة على جهات الحرم وهي الحليفة لأهل المدينة وقرن لأهل نجد والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب ويلملم لأهل اليمن وذات عرق لأهل العراق وخراسان والمشرق ويكره تقديمه عليها ويلزم إن فعل وقال الشافعي الأفضل أن يحرم من بلده والأولى لمن سر بذي الحليفة ممن ميقاته الجحفة أن يحرم من ذي الحليفة لأنه ميقات النبي صلى الله عليه وسلم وأما المقيم بمكة فيحرم منها ميقات العمرة من مكان مواقيت الحج إلا لمن كان في الحرم فعليه أن يخرج إلى الحل ولو إلى أوله ليجمع بين الحرم والحل كما يجمع بينهما الحاج والاختيار له أن يحرم بالعمرة من الجعرانة أو التنعيم ومن كان منزله أقرب إلى مكة من الميقات فميقاته من منزله في الحج أو العمرة فصل ومن مر على ميقات فله ثلاثة أحوال ( الأول ) أن يمر لحاجة دون مكة فلا إحرام عليه ( الثاني ) أن يريد دخول مكة لحاجة فيلزمه الإحرام وهو لازم لكل من دخلها إلا من خرج من أهلها لحاجة ثم عاد ومن يكثر التردد إليها كالحطاب ويباع الفاكهة وقال أبو مصعب لا يلزم ( الثالث ) أن يريد الحج والعمرة فيحرم من الميقات ولا يتجاوزه إلى ما بعد فإن تجاوز رجع ما لم يحرم ولا دم عليه فإن أحرم مضى ولزمه الدم وإن رجع بعد إحرامه لم يسقط عنه الدم خلافا للشافعي
الباب الرابع في أعمال الحج وفيه أربعة فصول
( الفصل الأول ) في الإحرام وهو ينعقد بالنية المقترنة بقول أو فعل متعلق بالحج كالتلبية والتوجه إلى الطريق واشترط ابن حبيب التلبية فقال لا ينعقد بدونها واشترطها أبو حنيفة وقال يقوم مقامها سوق الهدي فإن تجردت النية عن القول والفعل لم ينعقد وقيل ينعقد وفاقا للشافعي ( وسنن الإحرام أربع ) الأولى الغسل تنظفا يسن حتى للحائض والنفساء ولا يتطيب قبل الغسل ولا بعده بما تبقى رائحته ( الثانية التجرد عن المخيط ) في إزار ورداء ونعلين ( الثالثة صلاة ركعتين فأكثر ) فإن أحرم عقب الفرض فلا بأس ( الرابعة التلبية ) من حين يأخذ في المشي ويجددها عند كل هبوط وصعود وحدوث حادث وخلف الصلوات وإذا سمع من يلبي ويستجيب رفع الصوت بها دون إسراف إلا للنساء وليس عليه كثرة الإلحاح بها وصيغتها ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) وإن شاء أن يزيد لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل ولا يقطع التلبية في الحج إلا إذاأخذ في الطواف ويعاودها بعد الفرغ من السعي إلى أنيقطعها إذا زالتالشمس من يوم عرفة وقال ابن القاسم إذا راح إلى الصلاة وقال الشافعي إذا رمى الجمرة يوم النحر ويقطعها المعتمر إذا دخل الحرم ومن ترك التلبية فعليه دم خلافا للشافعي ( الفصل الثاني ) في دخول مكة وسننه أن يغتسل بذي طوى ويدخل مكة من كداء ( بفتح الكاف والمد ) وهي بأعلى مكة ويخرج من كدي ( بضم الكاف وفتح الدال وتشديد الياء ) على التصغير وهي بأسل مكة ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة فيأتي الركن الأسود ويبتدىء بطواف القدوم ( الفصل الثالث ) في الطواف وهو ثلاثة طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع ( وفرائضه ) سبعه الأول شروط الصلاة من الطهارة وستر العورة إلا أنه يباح فيه الكلام والثاني الموالاة والثالث الترتيب خلافا لأبي حنيفة وهو أن يجعل البيت عن يساره ويبتدىء بالحجر الأسود والرابع أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على الشادروان ولا على الحجر والخامس أن يطوف بداخل المسجد السادس أن يكمل سبعة أشواط فلو اقتصر على ستة لم تجزه السابع ركعتان بعده وقد اختلف هل هما واجبتان أو سنة ( وأما سننه ) فأربع ( الأولى ) أن يطوف ماشيا ويكره الركوب وقيل لا يجزيه ( الثانية ) أن يستلم الحجر الأسود بفمه فإم لم يستطع التقبيل لمسه بكفه أو بما معه من عود وفي تقبيل ما يلمسه به روايتان ويمس الركن اليماني بيده وذلك في آخر كل شوط ( الثالثة ) الدعاء وليس بمحدود ( الرابعة ) الرمل للرجال دون النساء في الأشواط الثلاثة الأولى وذلك في طواف القدوم واختلف هل يشرع في طواف الإفاضة والوداع أم لا ( الفصل الرابع ) في السعي بين الصفا والمرة ( وفرائضه ) أربع ( الأولى الموالاة ( الثانية ) الترتيب بأن يبدأ بالصفا فيقف عليه ثم يدعو ثم يمشي إلى المروة فيقف عليه يدعو ( الثالثة ) أن يكمل سبعة أشواط بأن يقف على الصفا أربع مرات ويقف على المروة أربعا ويختم بها ( الرابعة ) أن يتقدمه طواف ( وسننه ) خمس اتصاله بالطواف والطهارة له والمشي لا الركوب والدعاء والاسراع للرجال دون النساء في بطن المسيل وهو ما بين الجبلين الأخضرين ( فائدة ) ترفع الأيدي إلى الله تبارك وتعالى في سبعة مواطن في الإحرام بالصلاة وأول ما ينظر إلى الكعبة وعلى الصفا وعلى المروة وبعرفات وبجمع وعند الجمرتين ( الفصل الخامس ) في الوقوف بمنى وبعرفة يخرج إلى منى في الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية فيصلي فيها الظهر والعصر ويبيت بها ثم يروح إلى عرفة بعد طلوع الشمس بين الظهر والعصر مع الإمام ثم يقف حيث يقف الناس والاختيار أن يقف راكبا أي موضع يقف منها ويجتنب بطن عرفة ويديم الوقوف في الذكر والدعاء إلى غروب الشمس فوائد ( الفائدة الأولى ) يخطب في الحج ثلاث خطب ( الأولى ) سابع ذيالحجة في المسجد الحرام وهي واحدة لا يجلس فيها ( الثانية ) بعرفة يوم عرفة بعد الزوال وقبل الصلاة وهي خطبتان ويجلس بينهما ويبدأ المؤذن بالآذان والإمام يخطب أو بعد فراغه منها ( الثالثة ) في اليوم الحادي عشر ( الفائدة الثانية ) لا تصلى جمعة يوم التروية بمنى ولا يوم عرفة بعرفة ولا يوم النحر ولا أيام التشريق ( الفائدة الثالثة ) لا يدفع من عرفة إلا بعد غروب المشس فإن دفع الغروب فعليه العود ليلا وإلا يبطل حجه ومن دفع بعد الغروب قبل الإمام فقد أساء ولا شيء عليه ( الفصل السادس ) في المزدلفة إذا غربت الشمس يوم عرفة دفع الإمام والناس معه إلى المزدلفة وهي ما بين منى وعرفة وينصرفون على طريق المازمين فيجمعون بالمزدلفة بين المغرب والعشاء مقصورة بعد مغيب الشفق ويبيتون بها تلك الليلة ومن صلى قبلها من غير علة أعاد إذا أتاها ولا ينزل ببعض المياه لعشاء أو استراحة فإذا طلع الفجر صلوا الصبح بغلس ثم نهضوا إلى المشعر الحرام وهو آخر أرض المزدلفة فيقفون للتضرع والدعاء إلى الأسفار ثم يدفعون منها قبل طلوع الشمس إلى منى ويخب في وادي محسر ( الفصل السابع ) في رمي الجمار إذا أصبح يوم النحر بمنى رمى جمرة العقبة إذا طلعت الشمس قدر رمح فيقف مستقبل الجمرة والبيت عن يساره ومنى عن يمينه ويرمي سبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويفرق بين كل حصاتين بقدر ما يمكث ساجدا في الصلاة ويرمي سائر الجمرات في أيام منى وهي ثاني العيد وثالثه ورابعه فإذا زالت الشمس كل يوم منها اغتسل ويرمي ثلاث جمرات في كل جرة سبع حصيات يبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد منى ثم التي تليها ويختم بجمرة العقبة فجملة الحصى سبعون حصاة مثل حصى الخزف ويرمي الجمرتين والأوليين من فوقها والعقبة من أسفلها ويدعو بعد الجمرة الأولى والثانية وينصرف بعد جمرة العقبة من غير دعاء ( الفصل الثامن ) في الحلاق وهو أفضل من التقصير ويبدأ بمقدم رأسه ثم الشق الأيمن ثم الأيسر ثم القفا وتقص المرأة ولا تحلق وتقطع من شعرها نحو الأنملة وإذا قصر الرجل جز قرب أصول الشعر ويدعو عند الحلاق وذلك يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة والذبح إن كان معه هدي ثم يأتي مكة فيطوف طواف الإفاضة وهو المفروض ( الفصل التاسع ) في الذبح يذبح بعد الجمرة فإن ذبح قبلها أو حلق قبل الذبح فلا شيء عليه وإن حلق بل الجمرة افتدى ويجوز ذبح الهدي قبل طلوع الشمس بخلاف الأضحية ( الفصل العاشر ) في طواف الوداع وهو مستحب خلافا لهم في وجوبه ومن نسيه رجع إليه ما دام قريبا ولا يؤثر به أهل مكة ولا من قام بها من غير أهلها لأن الوداع شأن المفارق فإن أراد المكي السفر ودع ومن ودع وأقام بعد ذلك يوما أو بعضه أعاد ومن خرج من المترددين إلى مكة كالحطابين لم يودع وإذا حاضت المرأة بعد الإفاضة خرجت قبل الوداع
الباب الخامس في أنواع الحج
وهي ثلاثة أفراد وقران وتمتع وأفضلها الإفراد في المذهب والقران عند أبي حنيفة والتمتع عند الشافعي وابن حنبل فالإفراد أن يحرم بالحج والعمرة معا أو يقدم العمرة في نيته ثم يردفع عليها الحج فيطوف ويسعى عن الحج والعمرة فتدخل العمرة في الحج ويبقى محرما حتى يكمل حجه كما تقدم وعليه الهدي إن كان غريبا خلافا للظاهرية وإن كان مكيا فلا هدي عليه وأما التمتع فهو الاعتمار في أشهر الحج لمن حج من عامه فهو قد تمتع بإسقاط سفر الحج إذا لم يرجع إلى بلده بخلاف من لم يحج ذلك العام وعلى المتمتع الهدي بما تيسر ينحره أو يذبحه بمنى أن أوقفه بعرفة وإن لم يوقفه فلينحر بالمروة فإن لم يجد هديا صام ثلاثة أيام في الحج من وقت إحرامه إلى يوم عرفة فإن فاته صام أيام التشريق وسبعة إذا رجع إلى بلده وإنما يجب هدي التمتع على الغرباء لا على الساكنين بمكة وذي طوى ( فائدة ) في تفسير التمتع أربعة مذاهب أحدها ما تقدم وعليه الجمهور والثاني أنه القرآن لتمتعه بسقوط العمل والثالث أنه فسخ الحج في العمرة لتمتعه بإسقاط عمل الحج وهو مكروه خلافا للظاهرية والرابع أنه الاحصار بالعدو وبذلك فسر ابن الزبير الآية
الباب السادس في ممنوعات الحج
وهي ما يحرم على المحرم وهي أشياء كثيرة ترجع إلى أربعة أصول ( الأصل الأول ) لبس المخيط فلا يلبس جبة ولا قميصا ولا سراويل ولا خفا ولا خرقا ولا نعلا مخيطة ولكن نعلا غير مخيطة فإن لم يجدها ولا يجد ثمنها فليلبس خفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين وقال ابن حنبل لا يقطعهما ولا يلبس منطقة مخيطة ويلبس غير المخيط مما يلي جسده لا فوق ثوب ولا يعلق من منطقته وعاء مخيطا ولا سكينا لها غمد مخيط ولا يحمل نفقة غيره ولا يتقلد سيفا إلا من ضرورة ولا يحمل وعاء مخيطا بل مزودا غير مخيط يربط أعلاه وأسفله ولآ يلبس ثوبا مصبوغا بالزعفران والورس ولا بصباع حسن ويجوز له لبس الثياب الكحل والخضر والبيض أفضل فرع يجوز أن يجعل المخيط على ظهره من غيل لباس ملتحقا به أو مرتديا ويمنع غير المخيط إذا كان فيه رفاهية كجلد حيوان مسلوخ ( الأصل الثاني ) ترفيه البدن وتنظيفه فمن ذلك أن لا يغطي رأسه ولا يحلقه إلى يوم النحر ولايظفره ولا يغطي وجهه ويجوز له أن يستظل بالبناء والخباء إذا نزل واختلف هل يجوز له أن يستظل بالمحمل إذا ركب أو بثوب على شجرة إذا نزل ولا يقلم أظفاره ولا ينتف إبطه ولا يحلق عانته ولا يقص شعره ولا شعر غيره ولا يزيل الشعث والوسخ ولا يطرح الثفث وهو الظفر المنكسر والشعر المنتوف وشبهه ولا يقتل قملة ولا برغوثا ولا يطرحهما عن نفسه ولا يطرح القراد عن دابته ولا يحك ما لا يراه من بدنه حكا عنيفا لئلا تكون فيه قملة فتقع ولا يغسل رأسه إلا من جنابة ولا يدخل الحمام للتنظيف ويجوز للتبرد ولا يتطيب ولا يدهن ولا يكتحل إلا من ضرورة فيكتحل بما لا طيب فيه ولا يأكل طعاما فيه طيب لم تمسع النار ولا يصحب طيبا ولا يستديم شمه ( الأصل الثالث ) الصيد فلا يقتل المحرم شيئا من صيد البر ما أكل لحمه وما لم يؤكل سواء كان ماشيا أو طائرا في الحرم أو في غيره ولا يأمر به ولا يدل عليه ولا يشير إليه فإن أمر أو دل فقد أساء ولا كفارة عليه ولا يأكل لحم صيد له أو من أجله خلافا لأبي حنيفة فإن صيد في الحل لمحل جاز للمحرم أكله خلافا لقوم وكل ما ذبحه المحرم من الصيد أو قتله عمدا أو خطأفهو ميتة ولا يجوز أكله له ولا لغيره وفاقا لأبي حنيفة وقال قوم هو حلال له ولغيره وقال قوم هو حلال للحلال ويجوز له ذبح المواشي الأنسية كالأنعام والطير الذي لا يطير في الهواء كالدجاج وقتل الحيوانات المضرة كالأسد والذئب والحية والفأرة والعقرب والكلب العقور وهو في المذهب كل حيوان وحشي يخاف منه كالسباع وهو عند أبي حنيفة الكلب المعروف ومن الطير الغراب والحدأة خاصة ولا يقتل ضبعا ولا خنزيرا ولا قردا إلا أن يخاف من عاديته ويحرم عليه قتل ما لا ضرر فيه من البعوضة فما فوقها ويجوز له صيد البحر مطلقا ( الأصل الرابع ) النساء فلا يجوز للمحرم أن يقرب امرأة بوطء ولا تقبيل ولا لمس ولا ينكح ولا يخطبها لنفسه ولا لغيره ويفسخ نكاحه وانكاحه قبل البناء وبعده خلافا لأبي حنيفة في العقد والخطبة ويجوز له ارتجاع المطلقة الرجعية ما دامت في عدتها ويجوز شاء الجواري من غير وطء وحكم المرأة في ذلك كله كالرجل إلا في ثلاثة أشياء تجوز لها السترة وهي لبس المخيط والخفين وتغطية رأسها فإن إحرامها في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهه ورأسه فإن غطى الرجل رأسه فقد أساء وعليه الفدية بيان لا يزال المحرم ممنوعا من هذه الأشياء كلها حتى يحلق رأسه بمنى فحينئذ حل له كل شيء إلا الصيد والنساء والطيب فإذا طاف طواف الإفاضة حل له كل شيء من ذلكوخرج عن إحرامه بالكلية
الباب السابع في الفدية والنسك والهدي وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في الفدية وهي كفارة ما يفعله المحرم من الممنوعات إلاالصيد والوطء فمن لبس مخيطا أو غطى رأسه أو حلق شعره أو فعل غير ذلك عمدا أو خطأ أو جهلا فعليه الفدية أما صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو ذبح شاة يتصدق بها وتسمى نسكا فالنسك أحد خصال الفدية وهي على التخيير مع العسر واليسر في أي مكان شاء وأما الصيد ففيه الجزاء بعدد الصيد ينحره أو يذبحه بمنى إن أوقفه بعرفة وإلا بمكة ويجعل له صدقة أو إطعام مساكين وذلك بأن يتصدق بقيمة الصيد الذي قتل طعاما مدا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو يصوم أياما بعدد أمداد الطعام وهي على التخيير أيضا بعد أن يحكم عليه عدلان من فقهاء المسلمين يحكمهما على نفسه فيقومان الصيد بالهدي أو بالطعام أو بالصيام ويختلف الهدي باختلاف الصيد ففي حمار الوحش أو بقرة الوحش بقرة وفي النعامة بدنة وفي الظبي شاة وفيما دون ذلك كفارة طعام أو صيام بتقويم الحكمين إلا حمامة الحرم ففيها شاة بيان يجب الجزاء في قتل الصيد عمدا أو خطأ عند الأربعة وإنما يفترق العمد من الخطأ في الإثم وقال الظاهرية لا جزاء إلا في العمد وفاقا لابن عباس وأبي ثور وابن المنذر وأما الوطء فمفسد للحج أنزل أو لم ينزل وكذلك الإنزال بوطء أو بغير وطء إلا الإحتلام وذلك إذا كان قبل الوقوف بعرفة فإن كان بعد الوقوف وقبل رمي جمرة العقبة ففيها روايتان الفساد والتمام فإن وطىء بعد جمرة العقبة وقبل طواف الإفاضة فحجه تام وعليه الهدي والعمرة وإذا فسد الحج مضى إلى آخره ثم حج من قابل سواء كان حجه فرضا أو تطوعا وأهدى ( الفصل الثاني ) في النسك والهدي الدماء في الحج على نوعين نسك وهدي فالنسك ما يراق كفارة لما يفعله المحرم من الممنوعات إلا الصيد والوطء حسبما تقدم والهدي ما سوى ذلك وهو ثلاثة أنواع واجب ونذر للمساكين أو على الإطلاق وتطوع والواجب على خمسة أنواع أحدها جزاء الصيد كما تقدم والثاني جبر ما تركه من السنن كرمي الجمار والمبيت بمنى والمزدلفة وغير ذلك والثالث كفارة الوطء والرابع هدي المتعة والقران والخامس هدي الفوات ويتعلق بالهدي مسائل ( المسألة الأولى ) في صفة الهدي وإنما يكون من الأنعام وأفضله الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز وحكمها في السن والسلامة من العيوب حكم الضحايا ( المسألة الثانية ) يستحب تقليد الهدي وإشعاره وتجليله وقال أبو حنيفة الإشعار مكروه فالتقليد أن يعلق في عنقه قلادة مضفورة من حبل أو غيره ويعلق منها نعلان أو نعل والإشعار أن يشق سنامها الأيسر وعند الشافعي الأيمن حتى يدمي ويقول حينئذ ( بسم الله والله أكبر ) والتجليل أن تكسي بجل من أرفع ما يقدر عليه من الثياب ويشق فيه موضع السنام ويساق كذلك إلى موضع النحر فيزال عنه الجل وينحر قائما وذلك يوم النحر ويتصدق بالجل والخطام وتترك القلادة في الدم وذلك كله في الإبل وأما البقر فتقلد وتشعر ولا تجلل وأماالغنم فلا تقلد ولا تشعر ولا تجلل وقال الشافعي تقلد ( المسألة الثالثة ) يأكل صاحب الهدايا منها كلها إلا من أربعة جزاء الصيد ونسك الأذى ونذر المساكين وهدي التطوع إذا عطب قبل محله فإن أكل من هذه الأربعة فعليه بدل البهيمة وقيل بدل ما أكل من لحمها وفاقا لهما وما سوى ذلك فهو مخير بين أن يأكل أو يتصدق ومنعه الشافعي أن يأكل من كل هدي واجب ثم حيث منع صاحبه من الأكل منه اختص بالمساكين وغير ذلك يجوز لهم وللأغنياء ويجوز له ركوبه إن احتاج إليه ( المسألة الرابعة ) هدي التمتع وهدي القران والهدي الواجب من تقديم شيء أو تأخيره كل ذلك من عجز عنه صام عشرة أيام ثلاثة في الحج آخرها يوم عرفة فمن جهل أو نسي صام أيام منى الثلاثة والسبعة بعد ذلك إن شاء تعجلها في طريقه وإن شاء أخرها إلى بلده وتجب متابعة الثلاثة ثم متابعة السبعة
الباب الثامن في موانع الحج
وهي ثمانية ( الأول الأبوة ) فللأبوين منع الولد من التطوع بالحج ومن تعجيل الفرض على أحد القولين ( الثاني الرق ) وللسيد منع عبده من الحج ويتحلل إذا منعه كالمحصر وليس له منعه من الإتمام إذا أحرم بالحج ( الثالث الزوجية ) فالمرأة المستطيعة للحج ليس للزوج منعها على القول بالفور وأما على التراخي فقولان ولو أحرمت بالفرض لم يكن له تحليلها إلا أن يضر ذلك به ( الرابع الحجر ) فلا يحج السفيه إلا بإذن وليه أو وصية ( الخامس الحبس ) في دم أو دين فهو كالمرض ( السادس استحقاق الدين ) فلمستحقه منع الموسر المحرم من الخروج وليس له أن يتحلل بل يؤدي فإن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا لم يمنعه ( السابع الاحصار بعدو بعد الإحرام ) وهو مبيح لتحلل إجماعا فالمحصر بعدو أو فتنة في حج أو عمرة يتربص ما رجا كشف ذلك فإذا يئس تحلل بموضعه حيث كان من الحرم وغيره ولا هدى عليه وإن كان معه هدي نحره وقال الشافعي وأشهب عليه الهدي ويحلق أو يقصر ولا قضاء عليه ولا عمرة إلا إن كان ضرورة فعليه حجة الإسلام وقال أبو حنيفة عليه القضاء من قابل وللمحصر خمس حالات يصح الإحلال في ثلاث وهي أن يكون العذر طارئا بعد الإحرام أو متقدما ولم يعلم به أو علم وكان يرى أنه لا يصده ويمتنع الإحلال في حالة رابعة وهي إن صد عن طريق وهو قادر على الوصول من غيره ويصح في حالة خامسة أن شرط الإحلال وهي إذا شك هل يصدونه أم لا ( الثامن المرض ) من أصابه المرض بعد الإحرام لزمه أن يقيم على إحرامه حتى يبرأ وإن طال ذلك خلافا لأبي حنيفة فإنه عنده كالمحصر بالعدو فإذا برىء اعتمر وحل من إحرامه بعمرته وليس عليه عمل ما بقي من المناسك فإذا كان العام القابل قضى حجته فرضا كان أو تطوعا وأهدى هديا بقدر استطاعته فإن لم يجد هديا صام صيامالمتسع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وقال أبو حنيفة لا بد له من الهدي فإن تمادى به المرض حتى دخلت عليه شهر الحج من قابل وهومحرم أقام على إحرامه حتى يقضي حجه ولا عمرة عليه وعليه الهدي استحبابا وحكم المحبوس بعد إحرامه والضال عن الطريق والغالط في حساب الأيام والجاهل بأيام الحج حتى فاته كحكم المريض في كل ما ذكرنا تكميل من فاته الحج بعد الإحرام فعليه أن يتم على ما عمل من العمرة ويقضي حجه في العام القابل ويهدي وقال أبو حنيفة لأهدي عليه وفواته بثلاثة أشياء أحدها فوات أعماله كلها ( الثاني ) فوات الوقوف بعرفة يوم عرفة أو ليلة يوم النحر وإن أدرك غيرها من المناسك فلا يعتدبه وإن أدرك الوقوف بها ولو ساعة من الليل فقد أدرك الحج ( والثالث ) من أقام بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر سواء كان وقف بها أو لم يقف
الباب التاسع في العمرة
وهي سنة مؤكدة مرة في العمر وأوجبها ابن حبيب وأبو حنيفة والشافعي وحكمها في الاستطاعة والنيابة والإجارة كحكم الحج وتجوز في جميع السنة إلا في أيام الحج لمن كان مشغولا بأفعال الحج وأفضلها في رمضان وقال أبو حنيفة تكره للحاج وغيره في خمسة أيام متوالية عرفة والنحر وأيام التشريق ويكره تكريرها في سنة واحدة واستحبه مطرف والشافعي وصفتها أن يحرم ثم يطوف ثم يسعى ثم يحلق أو يقصر ويحل من العمرة ويستحب فيها الهدي
الباب العاشر في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحرم والمواضع المقدسة
ينبغي لمن حج أن يقصد المدينة فيدخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ضجيعيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويتشفع به إلى الله ويصلي بين القبر والمنبر ويودع النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة والمدينة أفضل من مكة خلافا للشافعي وكلاهما حرم يمتنع فيه ما يمنع الإحرام من الصيد والتسبب في إتلافه خلافا لأبي حنيفة في صيد المدينة ومن فعل ذلك فعليه الجزاء كما على المحرم في صيد مكة لا في المدينة ولا يقطع شيئا من شجر الحرم يبس أم لا فإن فعل استغفر الله ولاشيء عليه وقال الشافعي في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة ولا بأس بقطع ما أفنته النار في الحرم من النخل والشجر والبقول خلافا للشافعي وابن حنبل واستثنى السنا والأذخر ومن المواضع التي ينبغي قصدها تبركا قبل إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر وهما في الحجر وقبر آدم عليه السلام في جبل أبي قبيس والغار المذكور في القرآن وهو في جبل أبي ثور والغار الذي في جبل حراء حيث ابتدأ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيارة قبور من بمكة والمدينة من الصحابة والتابعين والأئمة خاتمة الأيام المعلومات هي أيام النحر الثلاثة والأيام المعدودات هي أيام منى وهي أيام التشريق وهي الثلاثة بعد يوم النحر فيوم النحر معلوم غير معدود والثاني والثالث معلومان معدودان والرابع معدود غير معلوم وقال أبو حنيفة المعلومات عشر ذي الحجة آخرها يوم النحر
الكتاب السابع في الجهاد وفيه عشرة أبواب
الباب الأول في المقدمات وفيه أربع مسائل
( المسألة الأولى ) في حكمه وهو فرض كفاية عند الجمهور وقال ابن المسيب فرض عين وقا لسحنون صار تطوعا بعد الفتح وقال الداودي هو فرض عين على من يلي الكفار تفريع إذا حميت أطراف البلاد وسدت الثغور سقط فرض الجهاد وبقي نافلة ويتعين لثلاثة أسباب ( أحدها ) أمر الإمام فمن عينه الإمام وجب عليه الخروج ( الثاني ) أن يفجأ العدو بعض بلاد المسلمين فيتعين عليهم دفعه فإن لم يقدروا لزم من قاربهم فإن لم يستقل الجميع وجب على سائر المسلمين حتى يندفع العدو ( الثالث ) استنقاذ أسارى المسلمين من أدي الكفار ( المسألة الثانية ) شروط وجوبه ستة الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورية والاستطالة بالبدن والمال فإن صدم العدو المسلمين وجب على العبد والمرأة ( المسألة الثالثة ) يمنع من الجهاد شيئان ( أحدهما ) الدين الحلال دون المؤجل فإن كان معسرا بالحال فله السفر بغير إذن ربه ( الثاني ) الأبوة فللوالدين المنع إلا إذا تعين وليس للجد والجدة منع خلافا للشافعي والأب الكافر كالمسلم في منع الأسفار والأخطار إلا في الجهاد لتهمته وقيل يمنع مطلقا ( المسألة الرابعة ) فرائضهست النية وطاعة الإمام وترك الغلول والوفاء بالأمان والثبات عند الزحف وتجنب الفساد ولا بأس بالجهاد مع ولاة الجور
الباب الثاني في القتال وفيه سبعة مسائل
( المسألة الأولى ) فيمن يقاتل وهم ثلاثة أصناف الكفار والبغاة والمحاربونوسيأتي حكم هذين في الحدود وأما الكفار فجميع أصنافهم وروي عن مالك ترك قتال الحبشة والترك ولا يقتل النساء ولا الصبيان اتفاقا إلا أن قاتلوا ويعتبر في الصبيان الإنبات وقيل الاحتلام ولا يقتل الرهبان ولا أهل الصوامع ولا الشيخ الفاني خلافا للشافعي إلا أن يخاف منهم أذى أو تدبير ولا يقتل المعتوه ولا الأعمى والزمن واختلف إن كانا ذوي تدبير واختلف في الأجير والحراث ولا يقتل المسلم أباه الكافر إلا أن يضطره لذلك بأن يخافه على نفسه ( المسألة الثانية ) في الدعوة قبل القتال وهي مختصة بمن لم تبلغهم دعوة الإسلام فيدعون إليه أولا فإن أجابوا كف عنهم وإن أبوا عرضت عليهم الجزية فإن أبوا قوتلوا وأما من بلغتهم فلا يدعون وتلتمس غرتهم وقال قوم يجب أن يدعوا مطلقا وقال قوم يستحب ( المسألة الثالثة ) فيمن يستعان به وهم المسلمون الأحرار البالغون ويجوز بالعبد بإذن سيده وبالمراهقين الأقوياء ولا يجوز بالمشركين خلافا لهما قال ابن حبيب هذا في الصف والزحف وأما في الهدم فلا بأس به قال ولا بأس أن يقوم بمن سالمه على من حاربه ( المسألة الرابعة ) فيما يخرج به ولا يخرج بالأهل إلى بلاد العدو ولا يدرب إلا العسكر العظيم ولا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو وإن كان الجيش عظيما لم يسافر به مخافة سقوطه ونسيانه خلافا لأبي حنيفة ( المسألة الخامسة ) في وجوه القتال ولا بأس بهدم قراهم وحصونهم وتغريقها في الماء وقطعه عنهم وإخرابها والرمي عليهم بالمنجنيق وفي النار خلاف ولا بأس بقطع شجرها المثمر وغيره وإن كان معهم أسارى مسلمون لم يحرق ولم يغرق واختلف في المنجنيق وقطع الماء فإن كان معهم نساء وصبيان فأربعة أقوال جواز المنجنيق دون التحريق والتغريق وهو المشهور وجواز الجميع ومنع الجميع ومنع التحريق ولو تترسوا بالنساء والصبيان تركناهم إلا أنيخاف من تركهم على المسلمين فيقاتلون وأن اتقوا بهم ويجوز قتل دوابهم خلافا للشافعي وابن وهب وروي عن مالك التخيير بين قتلها وعرقبتها واتفق على قتل الفرس تحت الفارس وفي النحل خلاف ولا يجوز حمل رؤوس الكفار من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الولاة ) المسألة السادسة ) في الفرار لا يجوز الانصراف من صف القتال إن كان فيه انكسار المسلمين وإن لم يكن فيجوز لمتحرف لقتال أو متحيز إلى فئة والتحرف للقتال هو أن يظهر الفرار وهو يريد الرجوع مكيدة في الحرب والتحيز إلى الجماعة الحاضرة جائز واختلف في التحيز إلى جماعة غائبة من المسلمين أو مدينة ولا يجوز الانهزام إلا إذا زاد الكفار على ضعف المسلمين والمعتبر العدد في ذلك على المشهور وقيل القوة وقيل إذا بلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا لم يحل الانهزام ولو زاد الكفار على الضعف وإن علم المسلمون أنهم مقتولون فالانصراف أولى وإن علموا مع ذلك أنهم لا تأثير لهم في نكاية العدو وجب الفرار وقال أبو المعالي لا خلاف في ذلك وإذا حصرت المدينة فضعفوا قال ربيعة الخروج إلى القتال أحب إلي من الموت جوعا وقد اختلف في المركب يلقى عليه النار هل يلقى الرجل نفسه ليغرق أم لا وأما إن قوتل فلا يغرق نفسه بل يقف للقتال حتىيموت ( المسألة السابعة ) لا تجوز المبارزة للسمعة إجماعا فإن حسنت النية لم تجز إلا بإذن الإمام إذا كان عدلا ومبارزة الواحد للجيش مستحسنة وقيل تكره لأنه إلقاء بنفسه إلى التهلكة
الباب الثالث في المغانم
سبعة أشياء رجال الكفار ونساؤهم وصبيانهم وأموالهم وأرضهم وأطعمتهم وأشرتهم فأما الرجال فيخير الإمام فيهم بين خمسة أشياء القتل والمن والفداء والجزية والاسترقاق ويفعل الأصلح من ذلك ويجوز فداؤهم وبأسارى المسلمين اتفاقا واختلف في فدائهم بالمال وقال أبو حنيفة لا يجوز المن ولا الفداء وقال قوم يقتلون على الاطلاق وأما النساء والصبيان فيخير فيهم بين المن والفداء والاسترقاق وإذا سبيت المرأة وولدها الصغير لم يفرق بينهما في البيع والقسمة ويجوز التفريق بينه وبين أبيه خلافا لأبي حنيفة ويفرق بينه وبين جدته والصغير هنا من لم يثغر وروي من لم يحتلم وفاقا لأبي حنيفة وإذا كانت المرأة حاملا من مسلم استرقت ولم يسترق الولد إلا أن تكون حملت به في حال كفر الأب ثم سبيت بعد إسلام الأب فالحمل فيء وإذا سبي الزوجان معا أو أحدهما انقطع النكاح وجاز لسيدها وطوؤها وقيل يثبت نكاحهما وقيل ينقطع إن سبيت قبله ولو وقع في المغنم ما يعتق على بعض الغانمين فإنه يعتق عليه ويغرم نصيب أصحابه وأما الأموال فهي أربعة أنواع ( أحدها ) لله خالصا وهو الجزية والخراج وعشر أهل الذمة وأهل الصلح وما أخذ بغير قتال وذلك كله هو الفيء فيفعل الإمام في ذلك ما يراه مصلحة ولا يخمس خلافا للشافعي ( الثاني ) لمن أخذه ولا خمس فيه وهو ما أخذه من كان في بلاد الحرب من غير إيجاف كالأسير يهرب منهم بمال وما طرحه العدو خوف الغرق إلا أن يكون ذهبا أو فضة فيجزي على حكم الزكاة ( الثالث ) خمسه لله وبقيته لمن أخذه وهو الغنيمة والركاز ونعني بالغنيمة ما أخذ على وجه الغلبة ويجري مجراه ما أخذ على وجه السرقة والاختلاس ( الرابع ) مختلف فيه هل يخمس أم لا وهو ما غنمه العبيد ولا حر معهم والنساء والصبيان ولا رجل معهم وما جلا عنه أهله من غير نزول جيش فهو فيء لا شيء فيه للجيش وقيل يخمس فروع ثلاثة ( الفرع الأول ) في السلب وسلب المقتول كسائر الغنيمة لا يختص به القاتل خلافا للشافعي وابن حنبل وينفله له الإمام من الخمس إن رأى ذلك مصلحة ولا تجوز أن ينادي بذلك قبل القتال لئلا يشوش النيات ( الفرع الثاني ) الغلول حرام إجماعا وإذا جاء من غل تائبا قبل القسمة لم يؤدب ورد ما غله للمغانم وإن تاب بعد افتراق الجيش أدب وتصدق به واختلف هل تملك الغنيمة بالأخذ وفاقا للشافعي أوب القسمة وفاقا لأبي حنيفة وعلى ذلك من وطىء جارية من المغانم حد وإن سرق منها قطع خلافا لابن الماجشون فيهما وقال سحنونإن سرق ما يزيد على حصته ثلاثة دراهم قطع وإلا فلا ( الفرع الثالث ) إذا غنم المسلمون من مواشي الكفار ودوابهم وخافوا أن يأخذها العدو من أيديهم جاز أن تبقر وتعرقب وقال الشافعي لا يجوز بل تخلى وأما الأرضون فإن فتحت عنوة فهي على ثلاثة أقسام بعيد عن قهرنا فيخرب بحرق أو بعدم وتحت قهرنا غير أنه لا يسكن فيقطعه الإمام لمن فيه نجدة ولا حق للجيش فيه وقريب مرغوب فيه فالمشهور أنه يكون وفقا يصرف خراجه في مصالح المسلمين من أرزاق المجاهدين والعمال وبناء القناطر والمساجد والأسوار وغير ذلك وقيل أنه يقسم كسائر أموال الغنيمة وفاقا للشافعي وقيل يخير الإمام وفاقا لأبي حنيفة وإن فتحت صلحا فهي على ما يقتضيه الصلح وأما الأطعمة والأشربة فيجوز الانتفاع بها من غير قسم ما داموا في دار الحرب ويدخل في ذلك القوت والفواكه واللحم والعلف بقدر الحاجة لمن كان محتاجا إليه أو غير محتاج فإن فضل له منه بعد الدخول إلى أرض الإسلام وتفرق الجيش كثير تصدق به أو يسير انتفع به ويجوز ذبح الأنعام للأكل وأخذ الجلود للنعال والخفاف وقيل لا يجوز ذبحها ولا يفتقر في ذلك لإذن الإمام وإذا ضم الإمام ما فضل من ذلك ثم احتاج إليه الناس أكلوا منه بغير إذنه ويأخذ السلاح يقاتل به ثم يرده وكذلك الدابة يركبها إلى بلده ثم يردها إلى الغنيمة وكذلك الثياب يلبسها ثم يردها إلى الغنيمة وقال ابن وهب لا ينتفع بسلاح ولا ثوب ولا دابة
الباب الرابع في قسمة الغنيمة والخمس والفيء وفيه سبع مسائل
( المسألة الأولى ) يميز الأمير الجيش فيقسم عليهم أربعة أخماس الغنيمة وهم في دار الحرب وقال أبو حنيفة لا يقسم عليهم حتى يصير في دار الإسلام وهو مخير بين قسمة أعيانها أو أثمانها يفعل في ذلك ما يراه أصلح ( المسألة الثانية ) فيمن يقسم له أما المسلم الحر الذكر البلاغ فيسهم اتفاقا وأما الكافر فإن لم يقاتل لم يسهم له وإن قاتل فثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يفتقر المسلمون إلى معونته فيسهم له وإلا فلا والعبد كالكافر والصبي المطيق للقتال يسهم له وقيل لا يسهم له وفاقا لهما والمرأة إن لم تقاتل لم يسهم لها وإن قاتلت ففي استحقاقها قولان والتاجر والأجير يسهم له أن قاتل في المشهور ويسهم للأعرج والمجذوم وأقطع اليسرى بخلاف الأعمى والمقعد واقطع اليدين ( المسألة الثالثة ) تستحق الغنيمة بحضور القتال وإن غنم بعده على المشهور وقيل بحضوره إنغنم فيه وقيل بالادراب فعلى المشهور من مات في القتال أو أرسله الأمير في منفعة المسلمين أو مات فرسه أو باعه فسهمه ثابت ومن تخلف في الطريق تاركا للغزو فلا سهم له فإن ضل عن الجيش حتى غنموا فثلاثة أقوال الاسهام ونفيه والتفرقة وهي المشهور بين أن يضل قبل الادارب فلاسهم له أو بعده فسهمه ثابت وكذلك السفن إذا ردت الريح بعضها وإن أتى الجيش على نهر فجازه قوم فغنموا وتخلف قوم فلا حق لهم في الغنيمة وإن افترق الجيش فريقين فغنم كل فريق في جهته فهم شركاء إذا كان كل فريق بحيث يغيث صاحبه إن احتاج إليه وإذا خرجت سرية من الجيش فغنمت بموضع قريب يصل إليهم فيه غوث الجيش شاركها الجيش في غنيمتها وإن بعدت لم يشاركوهم وإن غنم الجيش بعدها فسهمها ثابت إن خرجت بإذن الإمام وقال أبو حنيفة إن جاءهم مدد بعد انقضاء الحرب وحوز الغنيمة شاركوهم فيها ( المسألة الرابعة ) للراجل سهم وللفارس ثلاثة له واحد ولفرسه اثنان وقال أبو حنيفة للفرس واحد ويستوي في السهم الفرس المملوك والمجسس والمكتري والمعار والمغصوب وسهمه في ذلك كله لراكبه وعليه في الغصب أجرة المثل ومن له أفراس أسهم لواحد منها ولا يسهم لما فوق الإثنين اتفاقا ولا للثاني على المشهور خلافا لابن حنبل وسهم الأمير كغيره ولا يسهم للبغال ولا للحمير ولا للإبل ولا للفيل ولا للأعجف الذي لا ينتفع به من الخيل بخلاف الرهيص والمريض مرضا خفيفا ( المسألة الخامسة ) في الخمس وهو في المذهب إلى اجتهاد الإمام يأخذ منه كفايته وإن كانت جميعه ويصرف الباقي في المصالح وقال الشافعي يقسم خمسة أسهم سهم للنبي صلى الله عليه وسلم يصرفه الإمام في المصالح وسهم لذوي القربى الذين لا تحل لهم الصدقة غنيهم وفقيرهم وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل وقال أبو حنيفة ثلاثة أسهم اليتامى والمساكين وابن السبيل وسقط سهمه صلى الله عليه وسلم بموته وسهم ذوي القربى وقال قوم ستة أسهم وزادوا سهما لله يصرف في عمارة الكعبة ( المسألة السادسة ) يتطرق إلى الخمس الرضخ والنقل والسلب أما النقل فهو ما يعطيه الأمير من الخمس لمن فيه غناء للمسلمين وأما الرضخ فهو ما يعطيه من الخمس لمن لا يسهم له كالنساء والعبيد والصبيان ولا يرضخ لهم على المشهور وأما السلب فقد تقدم ( المسألة السابعة ) في الفيء سيرة أئمة العدل في الفيء والخمس أن يبدأ بسد المخاوف والثغور واستعداد آلة الحرب وإعطاء المقاتلة فإن فضل شيء فللقضاة والعمال وبنيان المساجد والقناطر ثم يفرق على الفقراء فإن فضل شيء فالإمام مخير بين تفريقه على الأغنياء وحبسه لنوائب الإسلام واختلف هل يفضل في العطاء من له حرمة وسابقة وغناء أو يسوى بينهم وبين غيرهم
الباب الخامس فيما حازه الكفار من أموال المسلمين
وهو على أربعة أقسام ( الأول ) ما أسلموا عليه كان لهم ( الثاني ) ما قدموا به بلاد المسلمين بأمان فهو لهم وقال في المدونة لا أحب شراء ذلك منهم وقال ابنالمواز يجوز شراؤه فإن جاء صاحبه كان له أخذه بالثمن واشتراء العبد المسلم منهم أفضل من تركه قال ابن رشد وكذلك الأمتعة ( الثالث ) ما اشتراه منهم مسلم دخل بأمان فلا شيء لربه فيه إلا أن يعطي الثمن وإن وهبوه للداخل إليهم فصاحبه أحق به بغير ثمن إلا إلا أن يكون كافا على الهبة وإن أعتق العبد واستولد الأمة فذلك خلافا لأشهب ( الرابع ) ما غنمه المسلمون فهو لمن كان يملكه من المسلمين ولا تجوز قسمته إن علم به فإن أدركه قبل القسمة أخذه بغير ثمن وإن لم يعلم به حتى قسم فهو أحق به بالثمن وفاقا لابن حنبل وقال الشافعي بغير ثمن وبعدها بالقيمة وإن أخذوه بغير غلبة فهو لصاحبه مطلقاوقال قوم لا يأخذه صاحبه قبل القسمة ولا بعدها فروع إذا أسلم الكافر وعنده حر مسلم أخذ منه بغير ثمن وأعتق عليه وإذا أسر العدو حرة مسلمة ثم أخذها المسلمون فهي حرة وإن ولدت عندهم أولادا وأخذوا صغارا فهم بمنزلتها واختلف في الكبار وإن كانت أمة لرجل فهي وأولادها لسيدها وإن غنموا ذميا ثم غنمناه رد لذمته وإن غنموا عبدا أو مدبرا أو مكاتبا أو معتقا إلى أجل أو أم ولد فهم لسيدهم كالمال وإذا خرج الأسير إلينا وترك ماله في أيديهم ثم غنمه المسلمون فهو أحق به قبل القسمة بغير ثمن وبعدها بالثمن وإذا أسلم الحربي ثم غزا المسلمون بلاده فزوجته فيء وكذلك أولاده على المشهور وقيل هم تبع له وماله فيء وقيل هو له وقيل هو له قبل القسمة بلا ثمن وبعدها بالثمن
الباب السادس في أسارى المسلمين وفيه أربع مسائل
( المسألة الأولى ) في حكم الفداء يجب استنقاذهم من يد الكفار بالقتال فإن عجز المسلمون عنه وجب عليهم الفداء بالمال فيجب على الأسير الغني فداء نفسه وعلى الإمام فداء الفقراء من بيت المال فما نقص تعين في جميع أموال المسلمين ولو أتى عليها ويجبر الإمام سادات العلوج على فداء المسلمين بهم ولا يعطاهم الثمن ( المسألة الثانية ) في الرجوع بالفدية ومن فدى أسيرا بأمره رجع عليه بالفدية اتفاقا فإن فداه بغير أمره ولا علمه رجع أيضا عليه خلافا للشافعي وقيل يرجع عليه إن كان موسرا وعلى بيت المال إن كان معسرا والفدية مقدمة على الدين وإذا فدى أحد الزوجين صاحبه فلا رجوع له إلا أن يفديه بأمره وكذلك الأقارب والآباء والأمهات والأجداد والأولاد والأعمام والأخوال والأخوة وبنيهم والأخوات وبنيهن وإن طلب العدو في الفداء خيلا وسلاحا دفعت إليه بخلاف الخمر والخنزير وقد أجاز الفداء بهما سحنون ومنع ابن القاسم ما فيه مضرة على المسلمين ومن فدى أسيرا بخمر وشبهه لم يرجع به ولا بقيمته ومن فدى أسارى بألف رجع على الموسر والمعسر بالسوية إلا أن يكون العدو علم الموسر وشاحفيه ( المسألة الثالثة ) في اختلاف الفادي والمفدي وإذا اختلف الفادي والمفدي فالقول قول المفدي في إنكار أصل الفداء ومقداره ولو ادعى ما لا يشبه لتمكنه من إنكار أصله وقيل القول قول الفادي إن وافقه المفدي على أصل الفداء وإذا قال كنت قادرا على التحيل والخروج من غير شيء لم يتبع إن ظهر صدقه وفداه بغير علمه وإن قال كنت أفتدي بدون هذا وتبين صدقه سقط الزائد ومتى علم ولم ينكر اتبع مطلقا ( المسألة الرابعة ) في الإرتهان ولا يجوز للأسير المسلم أن يجعل حرا مسلما في موضعه رهنا ويجوز للكافر أن يرتهن كافرا من أقاربه أو من غيرهم وإن شرط أن يكون هذا المرهون عبدا إن لم يأت بالمال فله شرطه وإن رهن ولده أو غيره ثم لم يأت بالفداء فإن كان لعذر من موته أو حبسه أو غير ذلك لم يسترق الرهن وإن كان لغير عذر استرق الكبير والكبيرة بخلاف الصغير والصغيرة ويجوز فيه غلق الرهن بخلاف سائر الرهون فروع إذا ائتمن الأسير على نفسه أو على مال أو دم لزمه الفداء بالامانة وإذا لم يؤتمن جاز له الهروب وأخذ ما ظفر به من نفس أو مال وقتل من ظفر به من الكفار ولا يخمس ما يهرب به وإذا كان مع الأسير امرأته أو أمته جاز له وطؤها إن تيقن سلامتها من وطء الكفار ويكره ذلك لبقاء ذريته بأرض الحرب ويقام عليه الحد في الزنى سواء زنى بحرة أو مملوكة خلافا لابن الماجشون
الباب السابع في الأمان
التأمين ثلاثة أضرب على العموم وينفرد بعقدهما السلطان وهما الصلح والذمة وسيأتيان والثالث خاص بكافر واحد أو بعدد محصور ويصح من كل مسلم مميز فيدخل في ذلك المرأة عند الأربعة والعبد عند الثلاثة والصبي الذي لا يعقل الأمان في المذهب فيلزم الإمام وغيره الوفاء به إذا لم تكن فيه مضرة سواء كانت فيه منفعة أم لا وسواء كان بكلام أو كتابة بأي لغة أو كناية أو إشارة مفهمة ولو ظن الكافر أن المسلم أراد الأمان والمسلم لم يرده فلا يقتل وإذا شرط الأمان في أهله وماله لزم الوفاء به ومن دخل سفارة لم يفتقر إلى أمان بل ذلك القصد يؤمنه ويجب على المبارز مع قرينة الوفاء بشرطه وإذا أمن المسلم الأسير سواه لزمه ذلك إلا أن يكون مكرها وإن حلف لهم مكرها لم يلزمه اليمين وإذا حاصرنا أهل حصن فنزلوا على حكم رجل صح إذا كان عاقلا عدلا بصيرا بمصالح القتال فإن حكموا امرأة أو صبيا أو عبدا أو فاسقا كان النظر للأمام وإذا دخل الحربي إلينا بأمان وترك عندنا مالا فهو له أو أورثته من بعده وإذا أخذ علج في طريق فادعى سببا يحقن به دمه ولم يتبين صدقه من كذبه وجب رده إلى مأمنه إن لم يقبل قوله بيان الفرق بين الأمان اللازم وبين الخديعة المباحة في الحرب أن الأمانتطمئن إليه نفس الكافر والخديعة هي تدبير غوامض الحرب بما يوهم العدو الإعراض عنه أو النكول حتى توجد فيه الفرصة فيدخل في ذلك التورية والتبييت والتشتيت بينهم ونصب الكمين والاستطراد حال القتال وليس منها أن يظهر لهم أنه منهم أو على دينهم أو جاء لنصيحتهم حتى إذا وجد غفلة نال منهم فهذه خيانة لا تجوز
الباب الثامن في الصلح مع الحربيين على المهادنة وفيه مسألتان
( المسألة الأولى ) في شروط جوازه وهي أربعة ( الأول ) الحاجة إليه فإن كان لغير مصلحة لم يجز ولو بذل العدو المال وإن كان لمصلحة كالعجز عن القتال مطلقا أو في وقت خاص فيجوز بعوض وبغير عوض على ما يكون سدادا للمسلمين ( الثاني ) أن لا يتولاه الإمام ( الثالث ) خلوه عن شرط فاسد كترك مسلم في أيديهم أو بذل مال لهم من غير خوف ويجوز مع الخوف ( الرابع ) أن لا يزاد على المدة التي تدعو إليها الحاجة على حسب الاجتهاد وقال أبو عمر أن يستحب أن لا يزاد على أربعة أشهر إلا مع العجز ( المسألة الثانية ) في حكمه ويلزم الوفاء به وبشروطه الصحيحة ولا يجوز أن يشترط أن من جاء منهم مسلما أو مسلمة رددناه عليهم وقال المازري يجوز رد الرجال دون النساء واختلف في رد رهبانهم إذا أسلموا وإذا استشعرنا منهم خيانة جاز نبذ العهد قبل المدة
الباب التاسع في أخذ الجزية من أهل الذمة وفيه ثلاث مسائل
( المسألة الأولى ) في العاقد والمعقود له لا يعقد الذمة إلا الإمام ولا تعقد إلا لكافر حر بالغ ذكر قادر على أداء الجزية يجوز إقراره على دينه ليس بمجنون مغلوب على عقله ولا بمترهب منقطع في ديره فأما المرأة والعبد والصبي فهم أتباع ولا جزية عليهم وكذلك الفقير والعاجز عن الكسب وإذا بلغ الصبي أخذت منه وقال ابن الماشجون لا ذمة إلا للكتابيين وقال الشافعي للكتابيين والمجوس دون سائر الكفار ( المسألة الثانية ) فيما يجب لنا عليهم وهي اثنا عشر شيئا ( الأول ) أداء الجزية عن يد وهم صاغرون وهي أربعة دنانير في كل عام على كل رأس من أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الفضة ولا يزاد على ذلك لقوة أحد ولا ينقص لضعفه وقال الشافعي الجزية دينار على كل رأس وإن صولحوا على أكثر من ذلك جاز وقال أبو حنيفة وابن حنبل الجزية اثنا عشر درهما على الفقير وأربعة وعشرون درهما على المتوسط وثمانية وأربعون درهما علىالغني وإذا أسلم الذمي سقطت عنه الجزية ولو لم يبق من عامه إلا يوم واحد ( الثاني ) ضيافة المسلمين ثلاثة أيام إذا مروا عليهم ( الثالث ) عشر ما يتجرون به في غير بلادهم التي يسكنونها وذلك أن الجزية ثلاثة أنواع جزية عشرية وهي هذه وجزية عنوية وهي المذكورة قبل هذا وجزية صلحية فلا حد لها ولا لمن تؤخذ منه إلا ما يقع عليه الصلح ( الرابع ) أن لا يبنوا كنيسة ولا يتركوها مبنية في بلدة بناها المسلمون أو فتحت عنوة فإن فتحت صلحا واشترطوا بقاءها جاز وفي اشتراط بنائها قولان ( الخامس ) أن لا يركبوا الخيل ولا البغال النفيسة بخلاف الحمير ( السادس ) أن يمنعوا من جادة الطريق ويضطروا إلى أضيقة ( السابع ) أن تكون لهم علامة يعرفون بها كالزنار ويعاقبون على تركها ( الثامن ) أن لا يغشوا المسلمين ولا يأووا جاسوسا ( التاسع ) أن لا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم ليلا ونهارا ( العاشر ) أن يقروا المسلمين فلا يضربون مسلما ولا يسبونه ولا يستخدمونه ( الحادي عشر ) أن يخفوا نواقيسهم ولا يظهروا شيئا من شعائر دينهم ( الثاني عشر ) أن لا يسبوا أحدا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا يظهروا معتقدهم ( المسألة الثالثة ) فيما يجب لهم علينا وهو التزام إقرارهم في بلادنا إلا جزيرة العرب وهي الحجاز واليمن وأن تكف عنهم ونعصمهم بالضمان في أنفسهم وأموالهم ولا نتعرض لكنائسهم ولا لخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها فإن أظهروا الخمر أرقناها عليهم وإن لم يظهروها وأراقها مسلم ضمنها وقيل لا يضمن ويؤدب من أظهر منهم الخنزير وإذا خرجوا من غير ظلم ولا عنف استرقوا وإن خرجوا بظلم أو عنف لم يسترقوا وقال أشهب لا يسترقون أصلا
الباب العاشر في المسابقة والرمي
المسابقة في الخيل جائزة وقيل مرغب فيها فإن كانت بغير عوض جازت مطلقا في الخيل وغيرها من الدواب والسفن وبين الطير لإيصال الخبر بسرعة ويجوز على الاقدام وفي رمي الأحجار والمصارعة وإن كانت بعوض وهو الرهان فلها ثلاثة صور ( الأولى ) أن يخرج الوالي أو غيره مالا يأخذه السابق فهذه جائزة اتفاقا ( الثانية ) أن يخرج كل واحد من المتسابقين مالا فمن سبق منهما أخذ مال صاحبه وأمسك متاعة وليس معهما غيرهما فهذه ممنوعة اتفاقا فإن كان معهما ثالث وهو المحلل فجعلا له المال أن كان سابقا وليس عليه شيء إن كان مسبوقا فأجاز ذلك ابن المسيب والشافعي ومنعه مالك ( الثالث ) أن يخرج المال أحد المتسابقين فيجوز أن كان لا يعود إليه ويأخذه من سبق سواه أو من حضر والرمي كالسبق فيما يجوز ويمنع ويجعل للسبق أمد وللرمي إشارة غرض
الكتاب الثامن في الأيمان والنذور وفيه خمسة أبواب
الباب الأول في أنواع اليمين وفيه سبع مسائل
( المسألة الأولى ) في حكم اليمين وهو ثلاثة أقسام ( الأول ) اليمين بالله وهي جائزة ( الثاني ) اليمين بغيره وهي مكروهة وقيل حرام ( الثالث ) اليمين بنحو اللات والعزى فإن اعتقد تعظيمها فهو كفر وإلا فهو حرام ( المسألة الثانية ) فيما يلزم من الإيمان وينقسم أيضا ثلاثة أقسام ( الأول ) ما يلزم ويرفعه الاستثناء والكفارة وهو الحلف بالله وبأسمائه كالرحيم والعزيز وبصفاته كعلمه وقدرته وسمعه وبصره وكلامه ووحدانيته وقدمه وبقائه وعزته وجلاله وعهده وميثاقه وذمته وكفالته وأمانته وكذلك باسمه وحقه ويلحق بذلك القرآن والمصحف على المشهور ( الثاني ) ما يلزم ولا يحتاج فيه لاستثناء ولا كفارة وهو أحلف وأقسم وأشهد أو ماض كقوله حلفت أو أقسمت أو اسم كقوله لعمرك وحياتك وعيشك وحقك وأما قوله إن كان كذا فهو يهودي أو نصراني أو بريء من الله أو كافر أو شبه ذلك فلا كفارة فيه إن حنث خلافا لأبي حنيفة وليستغفر الله ( الثالث ) يلزم ولا يرفعه استثناء ولا كفارة وهو أن يحلف بإيقاع شيء معين أو نذر معين فيلزمه تنفيذ ما حلف به كالطلاق والعتاق ويؤدب عليهما وكالمشي إلى مكة والصوم والصدقة وغير ذلك ( المسألة الثالثة ) في صيغة اليمين وهي ثلاثة أقسام أحدها تجريد الاسم المحلوف به كقوله الله لا فعلت ( الثاني ) زيادة حرف قسم كقوله والله وتالله وبالله ويمين الله وإيم الله ولعمر الله فلا خوف في انعقاد هذين القسمين ( الثالث ) زيادة فعل مستقبل كقوله وأقسم وأشهد أو ماض كقوله حلفت أو أقسمت أو اسم كقوله يميني وقسمي فهذه أن قرنها بالله أو بصفاته نطقا أو نية كانت إيمانا وإن أراد بها غير ذلك أو أعراها من النية لم تكن إيمانا ولم يلزم بها حكم وقال الشافعي ليست بإيمان على الاطلاق إذا لم يقرنها بأسماء الله تعالى لفظا وعكس أبو حنيفة ومن قال لغيرهبالله افعل كذا لم يلزمهما شيء ( المسألة الرابعة ) المحلوف عليه فإن كان على الماضي لم يلزم ولا كفارة فيه كقوله والله لقد كان كذا سواء حلف على حق يعلمه أو باطل متعمدا مع الإثم أو على شك أو على ما يعتقده ثم تبين له خلافه وهذا في اليمين بالله وأما الإلزامات كالطلاق وشبهه فإن حلف بها على الماضي متعمدا للكذب لزمه وإن حلف على أمر كان يفعله كقوله امرأتي طالق لو جئتني أمس لفعلت كذا فإن كان مما يمكنه فعله بر وإلا حنث وإن كان على مستقبل لزم وهو على نوعين إثبات ونفي فالإثبات كقوله لا فعلن ولئن لم أفعل والنفي كقوله لا فعلت وإن فعلت ( المسألة الخامسة ) فيما يكفر وما لا يكفر الإيمان على ثلاثة أنواع لغو وغموس وعقد فاللغو لا كفارة فيه اتفاقا وهو الحلف على شيء يظنه كما لو حلف ثم تبين له خلافه وفاقا لأبي حنيفة وقيل هو قول ( لا والله ونعم والله ) الجاري على اللسان من غير قصد وفاقا للشافعي وإسماعيل القاضي وقال طاوس هو أن يحلف الرجل وهو غضبان وقال ابن عباس هو أن يحلف على معصية والغموس لا كفارة فيه خلافا للشافعي والحالف به آثم وهو تعمد الكذب على أمر ماض والعقد هو الذي فيه الكفارة وهو المعلق بالاستقبال نفيا أو إثباتا ( المسألة السادسة ) من حلف بتحريم حلال من المآكل والمشارب والملابس وغير ذلك كقوله إن فعلت كذا فالخبز على حرام لم يلزمه شيء إلا في الزوجة فيكون طلاقا وفي العبد والأمة فيكون عتقا إن أراد العتق وإن أراد التحريم من غير عتق لم يلزمه شيء وقال أبو حنيفة في ذلك كفارة يمين ( المسألة السابعة ) إذا حلف بالإيمان تلزمني ثم حنث فليس لمالك في ذلك ولا لأصحابه قول يؤثر وحكى ابن العربي عن أهل المذهب فيه خمسة أقوال ( الأول ) أن الأمر في ذلك راجع إلى نيته فإن نوى شيئا لزمه ما نوى وإن لم ينو شيئا لزمته طلقة واحدة ( الثاني ) مثله ويستحب أن يطلق ثلاثا من غير قضاء ( الثالث ) تلزمه طلقة واحدة بائنة ( الرابع ) تلزمه ثلاث تطليقات ( الخامس ) تلزمه ثلاث كفارات من كفارات اليمين فيطعم ثلاثين مسكينا إلا أن ينوي شيئا فيلزمه وهذا الخامس هو اختيار الطرطوشي وقال بعض المتأخيرين يلزمه الطلاق والعتاق والمشي إلى مكة والصدقة بثلث ماله وصيام شهرين متتابعين قال الطرطوشي لا يدخل تحت هذه إلا اليمين بالله دون ما ذكروا من الطلاق والعتاق وغير ذلك إلا أن ينوي ذلك أو يكون العرف جاريا في بلد يحلفون فيه بهذه اليمين فإذا تقرر هذا فإن هذه اليمين قد استقر في بلادنا أن معناه والمراد فيه الطلاق بالثلاث دون صيام ولا عتق ولا غير ذلك فيجب أن يحمل على هذا العرف الثابت فإنه مراد الحالف دون غيره لا ينفض في الطلاق من الثلاث ولو كفر مع ذلك كفارة اليمين بالله لكان حسنا حملا لليمين على الطلاق الشرعي إلا أن يعم الإيمان بنيته فيلزمه ما أدخل في نيته من صيام وعتاق وغير ذلك
الباب الثاني فيما يقتضي البر والحنث وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في البر والحنث البر هو الموافقة لما حلف عليه والحنث مخالفة ما حلف عليه من نفي أو إثبات فكل من حلف على ترك شيء أو عدمه فهو على بر حتى يقع منه الفعل فيحنث ومن حلف على الإقدام على فعل أو وجوده فهو على حنث حتى يقع الفعل فيبر ثم إن الحنث في المذهب يدخل بأقل الوجوه والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه لمن حلف أن يأكل رغيفا لم يبر إلا بأكل جميعه وإن حلف أن لا يأكله حنث بأكل بعضه ومن حلف أن لا يفعل فعلا ففعله حنث سواء فعله عمدا أو سهوا أو جهلا إلا إن نسي ففعل ناسيا فاختار السيوري وابن العربي أنه لا يحنث وفاقا للشافعي فلو فعله جهلا كما لو حلف أن لا يسلم على زيد فسلم عليه في ظلمة وهو لا يعرفه حنث خلافا للشافعي وأما إن أكره على الفعل لم يحنث كما لو حلف أن لا يدخل دارا فأدخلها قهرا لكن إن قدر على الخروج فلم يخرج حنث وإن حلف أن يفعل شيئا فتعذر عليه فعله فلا يخلو من ثلاثة أوجه ( الأول ) أن يمتنع لعدم المحل كمن حلف أن يضرب عبده فمات أو أن يذبح حمامة فطارت فلا حنث عليه إن لم يفرط ( الثاني ) أن يمتنع شرعا كمن حلف ليطأن زوجته فوجدها حائضا فإن لم يطأها فاختلف هل يحنث أم لا وإن وطئها فقيل إثم وبر يمينه وقيل لم يبر لأنه قصد وطأها مباحا ( الثالث ) أن يمتنع لمانع غير ذلك كالسارق والغاصب فإنه يحنث عند ابن القاسم خلافا لأشهب ( الفصل الثاني ) فيما تحمل عليه اليمين وهي أربعة أمور ( الأول ) النية إذا كانت مما يصلح لها اللفظ سواء كانت مطابقة له أو زائدة فيه أو ناقصة وهي بالقلب دون تحريك لسانه بشرط أن يعقد عليها اليمين فإن استدركها بعد اليمين لم ينتفع به ويعتبر في ذلك نية الحالف إلا في الدعاوي فتعتبر نية المستحلف في المشهور ( الثاني ) السبب المثير لليمين وهو بساط الحال وبه يستدل على النية إذا غابت ( الثالث ) العرف أعني ما قصد الناس من عرف إيمانهم ( الرابع ) مقتضى اللفظ لغة وشرعا وفي ترتيب هذه الأمور أربعة أقوال والمشهور أن هذه الأمور على ما ذكرناه من الترتيب فينظر أولا إلى النية فإن عدمت نظر إلى البساط فإن عدم نظر إلى العرف فإن عدم نظر إلى مقتضى اللفظ وقيل ينظر إلى النية ثم إلى مقتضى اللفظ ولا يعتبر البساط ولا العرف وقيل ينظر إلى النية ثم إلى البساط ثم إلى مقتضى اللفظ ولا يعتبر العرف وقال الشافعي يعتبر وضع اللفظ لا النية ولا البساط قال ابن رشد وهذا الخلاف إنما هو فيما إذا كان العرف والمقصود فيه مظنونا أما ما كان فيه معلوما فلا خلاف في اعتباره كقول القائل والله لأرين فلانا النجوم في القائلة والمعلوم أنه أراد خلاف اللفظ فيحمل عليه ويتفرع على هذا الأصل عشرون فرعا ترجع كلها إلى ما ذكرنا ( الفرع الأول ) منحلف أن لا يدخل دارا فرقى سطحها حنث خلافا للشافعي ( الفرع الثاني ) من حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل دارا مكتراة عنده حنث إن لم يكن نية الملك خلافا للشافعي ( الفرع الثالث ) إذا من رجل على آخره بطعام أو كسوة أو غير ذلك فحلف أن لا يشرب له ماء حنث بشرب مائه وبأكل طعامه ولباس كسوته وغير ذلك من المنافع خلافا لهما فلا يحنث عندهما إلا بشرب الماء ومثل ذلك لو وهب له شاة ثم من عليه بها فحلف أن لا يأكل من لحمها ولا يشرب من لبنها فإن انتفع بثمنها حنث ( الفرع الرابع ) من حلف أن لا يبيع شيئا أو لا يشتريه أو أن يطلق امرأته أو أن لا يعتق عبده فأمر من يفعل ذلك حنث إلا أن تكون نيته مباشرة ذلك بنفسه خلافا للشافعي ( الفرع الخامس ) إذا حلف أن لا يدخل دار فلان فانتقلتعن ملكه لم يحنث بدخولها وإن قال هذه الدار حنث وإن حلف إلا يدخل عليه بيتا حنث بالحمام لا بالمسجد وإن دخل عليه ميتا فقولان وإن حلف ألا يساكنه وهما في دار فجعل بينهما حائطا فقال ابن القاسم يحنث وشك مالك وإن حلف أن لا يدخل دار فلان فهدمت وصارت طريقا فدخلها لم يحنث خلافا لأبي حنيفة ( الفرع السادس ) من حلف أن لا يأكل طعاما يشتريه فلان فاشتراه فلان وآخر معه فأكل منه ولم تكن له نية حنث خلافا لهما ( الفرع السابع ) من حلف أن لا يأكل فاكهة حنث بالعنب والتفاح والرمان وغير ذلك حتى بالفول الأخضر وقال أبو حنيفة يحنث بذلك كله إلا العنب والرمان ولو حلف أن لا يأكل تمرا حنث بالرطب خلافا لأبي حنيفة ( الفرع الثامن ) من حلف أن لا يأكل أداما فأكل لحما أو شويا حنث كما لو أكل زيتا أو خلا ويرجع في ذلك إلى العادة فيما يؤتدم به وقال أبو حنيفة إنما الأدام ما يساغ به كالزيت والخل والعسل ( الفرع التاسع ) من حلف أن لا يأكل خبزا فاختلف هل يحنث بأكل ما صنع من القمح كالهريسة والأطرية والكعك قال ابن بشير الكعك أقرب إلى الحنث إلا أن خصص أو عمم بنية أو بساط فيزول الخلاف ومن حلف أن لا يأكل رؤوسا فأكل رؤوس الحوت أو الطير حنث إن لم يكن قد خصص بعض الأشياء بالنية أو البساط وقال أبو حنيفة لا يحنث إلا بأكل رؤوس الغنم والبقر فقط وزاد الشافعي الإبل والطير وكذلك لو حلف أن لا يأكل بيضا حنث عند ابن القاسم حتى ببيض الحوت ولم يحنث عند أشهب إلا ببيض الدجاح وما جرت العادة بأكله من البيض ومن حلف أن لا يأكل لحما حنث بأكل جميع اللحوم والحيتان وحنث أيضا بالشحم بخلاف العكس ( الفرع العاشر ) إذا قال والله لأقضيتك حقكغدا فقضاه اليوم لم يحنث خلافا للشافعي ( الفرع الحادي عشر ) إذا قال لأفعلن كذا إلى حين فعند مالك أنه سنة وعند أبي حنيفة ستة أشهر وعند الشافعي الأبد ( الفرع الثاني عشر ) من حلف أن يضرب عبده مائة سوط فجمعها ضغثا ثم ضربه بها ضربة واحدة لم يبر خلافا لهما ( الفرع الثالث عشر ) من حلف أن لا يسكن دارا وهو ساكنها أو أن لا يلبس ثوبا وهو عليه أو أن لا يركب حلف دابة وهو عليها لزمه النزول أول أوقات الإمكان فإن تراخى مع الإمكان حنث وفي الواضحة لا حنث عليه ( الفرع الرابع عشر ) من حلف أن لا يكلم إنسانا فكتبإليه أو أرسل رسولا فقيل يحنث بهما وقيل لا يحنث بهما وقيل يحنث بالكتاب لا بالرسول وإذا قلنا بالكتاب فوصل فلم يقرأالمكتوب إليه ففي وقوع الحنث قولان وكذلك لو حلف ألا يكلم إنسانا فكلمه فلم يسمعه وإن حلف أن يكلمه لم يبر بالكتاب ولا بالرسول وإن حلف أن لا يكلمه فسلم عليه في غير الصلاة حنث وإن كان في الصلاة لم يحنث إذا كان مأموما والمحلوف عليه هو الإمام ( الفرع الخامس عشر ) من حلف ألا تخرج زوجته إلا بإذنه فأذن لها ولم تعلم أو لم تسمع وخرجتحنث خلافا للشافعي ( الفرع السادس عشر ) من حلف أن لا يفارق غريمه إلا بحقه لم يبر بالرهن ولا بالضمان ولا بالإحالة وإن كانت نيته توثيق حقه بر بكل واحد منها ( الفرع الثامن عشر ) من حلف أن يهجر فلانا بر بهجران ثلاثة أيام لأنها نهاية الهجران الجائز شرعا وقيل لا يبر إلا بشهر لأنه كثيرا ما تقع عليه الأيمان في العادة فإن حلف أن يهجره أياما أو أشهرا أو سنين لزمه أقل الجمع وهو ثلاثة ( الفرع التاسع عشر ) إذا حلف على فعل فهل يحمل على أقل ما يحتمله اللفظ أو على الأكثر وهو المشهور قولان وعليه الخلاف فيمن حلف أن يأكل رغيفا فأكل بعضه فإنه يحنث في المشهور ولو حلف أنيأكله لم يبر إلا بأكل جميعه وكذلك لو حلف على الوطء يحنث بمغيب الحشفة على المشهور وعلى الآخر لا يحنث بدون الإنزال ولو حلف أن لا يأكل خبزا وزيتا فأكل أحدهما ففيه الخلاف وذلك كله عند فقد النية ( الفرع الموفي عشرين ) من حلف على فعل شيء ينتقل حنث بما ينتقل إليه كالحاف على القمح فأكل خبزه أو على اللبن فأكل جبنه أو على العنب فأكل زبيبه وقيل لا يحنث ( تنبيه ) إنما الأحكام التي ذكرنا في هذه الفروع مع عدم النية والبساط فإذا كان للحالف نية أو بساط حمل عليه
الباب الثالث في الكفارة والاستثناء وفيه فصلان
( الفصل الأول ) في الكفارة وهي ثلاثة أشياء على التخيير وهي طعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ورابع مرتب بعدها وهو صيام ثلاثة أيام فأما الإطعام فمد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين إن كان بالمدينة فإن كان بغيرها فقال ابن القاسم يجزيه المد بكل مكان وقال غيره يخرج الوسط من الشبع وقال بعضهم هو رطلان بالبغدادي وشيء من الإدام وعد ذلك وسطا من الشبع في جميع الأمصار والوسط من الشبع في بلادنا رطل ونصف رطل من أرطالنا وقال أبو حنيفة يعطي نصف صاع من قمح أو صاعا من شعير أو زبيب قال وإن غذاهم وعشاهم أجزأه ولا يجزيه أن يطعم مسكينا واحدا عشرةأيام خلافا لأبي حنيفة ويشترط في المسكين الإسلام والحرية خلافا لأبي حنيفة وأما الكسوة فأقل ذلك للرجل ثوب يستر جميع جسده وللمرأة ما يجوز لها فيه الصلاة وذلك ثوب وخمار ويجزي عندهما أقل ما ينطلق عليه اسم قميص أو إزار أو سراويل أو عمامة وأما الرقبة فيشترط فيها أن تكون مؤمنة خلافا لأبي حنيفة سليمة من العيوب خلافا للظاهرية ليس فيها شركة ولا عقد عتق وكذلك تشترط هذه الشروط في الرقبة في كفارة الفطر في رمضان وفي كفارة الظهار وعيوب الرقبة على ثلاثة أنواع منها من يمنع من الأجزاء وهو ما يمنع من الكسب أو كماله كالمرض المزمن الذي لا يرجى برؤه والعمى والبكم والجنون والهرم المفرط ومنها ما لا يقدح في الأجزاء وهو لا يشين كالعرج الخفيف وقطع الأنملة ومنها ما اختلف فيه وهو ما يشين ولا يمنع من الكسب كالصمم والعور والعرج البين وأما الصيام فلا يشترط فيه التتابع خلافا لأبي حنيفة ولكن يستحب فروع خمسة ( الفرع الأول ) إن كفر العبد بالصيام أجزأه وبالعتق لا يجزيه وفي الإطعام والكسوة قولان ( الفرع الثاني ) لا يحرم الحنث ولكن الأولى أن لا يحنث إلا أن يكون الخير في الحنث ( الفرع الثالث ) يجوز تقديم الكفارة قبل الحنث وفاقا للشافعي وقيل لا يجوز وفاقا لأبي حنيفة ( الفرع الرابع ) لو لفق كفارة من نوعين مثل أن يطعم خمسة فاختلف هل يجزيه أم لا ( الفرع الخامس ) في التكرار إذا حلف بعدة من أسماء الله كقوله والله والسميع والعليم ونحوه لم لم تتكرر عليه الكفارة وقال قوم تتكرر ولا يتكرر الحنث بتكرار الفعل إلا إذا أتى بصيغة تقتضي التكرار كقوله كلما ومتى وشبه ذلك أو يقصد التكرار ولا خلاف أن من حلف على أمور شتى يمينا واحدة أنه إنما تلزمه كفارة واحدة وأن من حلف على شيء واحد أيمانا كثيرة أنه يلزمه كفارة لكل يمين فإن حلف على شيء واحد مرارا كثيرة كقوله والله والله والله ففي كل يمين كفارة إلا إذا أراد التأكيد وقال قوم كفارة واحدة ( الفصل الثاني ) في الإستثناء وله تأثير في اليمين اتفاقا وهو نوعان ( النوع الأول ) بمشيئة الله وهو رفع لحكم اليمين بالجملة ولا ينفع إلا في اليمين بالله دون الطلاق والعتاق وغير ذلك خلافا لهما ( النوع الثاني ) بالا ونحوها وهو رفع بعض ما يتناوله اليمين فينفع في جميع الأيمان ويشترط في النوعين ثلاثة شروط ( أحدها ) النطق باللسان ولا يكفيه مجرد النية إلا في الإستثناء بمشيئة الله واختلف في إلا ونحوها إذا كانت اليمين مما يقضى عليه بها ولم تقم عليه بينه وإن نطق سرا أجزأه إلا إن استحلف أو حلف في حق أو شرط ( الثاني ) اتصاله باليمين من غير فصل إلا بسعال أو عطاس أو تثاؤب أو شبه ذلك وقال الشافعي لا بأس بالسكتة الخفيفة للتذكر أو للتنفس أو انقطاع الصوت وقال قوم ينفع الإستثناء ما لم يقم من مجلسه وقال ابن عباس ينفعه متى ما ذكر ولو بعد حين ( الثالث ) قصد حل اليمين فلو قصد تأكيد اليمين أو التفويض إلى الله أو التأدب والتبرك لم ينفعه ولا يشترط أن يكون قصده مقارنا لبعضحروف اللفظ واشترط ابن المواز أن يقصد الاستثناء قبل تمام حروف اليمين ولو بحرف فرعان ( الفرع الأول ) يجري مجرى الإستثناء بمشيئة الله مشيئة غيره كقوله إلا أن يشاء فلان أو إلا إن بدا لي وشبه ذلك ( الفرع الثاني ) إذا قال إلا أن يقضي الله أو يريد الله غير ذلك فاختلف هل هو استثناء أم لا
الباب الرابع في أركان النذر
وهي ثلاثة الناذر والمنذور وصيغة النذر فأما الناذر فكل مكلف ولا يلزم النذر الصبي ولا المجنون ولا الكافر وأما المنذور فعلى نوعين مبهم ومعين فالمبهم ما لا يبين نوعه كقوله لله علي نذر ففيه كفارة يمين وحكمه كاليمين بالله في الإستثناء واللغو وقال قوم فيه كفارة الظهار وقال قوم صلاة ركعتين أم صيام يوم والمعين على أربعة أقسام ( الأول ) قربة فيجب الوفاء بها سواء كانت واجبة أو مندوبة ( الثاني ) معصية فيحرم الوفاء بها ولا يجب على الناذر شيء وقال أبو حنيفة عليه كفارة يمين وذلك كالزنى وشرب الخمر وكذلك الصلاة في أوقات المنع من الصلاة والصيام في أيام المنع من الصيام ( الثالث ) مكروه فيكره الوفاء به ( الرابع ) مباح فيباح الوفاء به وتركه وليس على من تركه شيء وقال ابن حنبل عليه كفارة يمين وأما الصيغة فنوعان مطلق ومقيد فأما المطلق فما كان شكرا لله على نعمة أو لغير سبب كقوله لله علي أن أصوم كذا أو أصلي كذا وهو مستحب ويجب الوفاء به سواء ذكر لفظ النذر أو لم يذكره إلا إن قصد الإخبار فلا يجب عليه شيء وأما المقيد فهو المعلق بشرط كقوله إن قدم فلان أو شفى الله مريضي أو إن قضى الله حاجتي فعلي كذا وهو مباح وقيل مكروه ويلزم الوفاء به سواء علقه على قربة أو معصية أو مكروه أو مباح ولا يقضي عليه بالوفاء به إذ لا يجزيه إلا بنية ولا نذر فيما يملك إلا على شرط الملك ولا اعتبار باختلاف الوجوه التي يقع النذر عليها من لجاج أو غضب أو غير ذلك
الباب الخامس في أحكام النذر وفيه ثماني مسائل
( المسألة الأولى ) في نذر الصوم فإذا نذر الصوم أو حلف به فحنث لزمه الأيام التي نواها وإن لم يعين عددا كفاه يوم واحد ولو نذر صيام يوم سماه فوافق يوم عيد أو مرض أو حيض لم يلزمه قضاؤه وقيل يلزمه ولو نذرصوم الدهر لزمه ولا شيء عليه في أيام العيد والحيض ورمضان وله الفطر في المرض والسفر ولا قضاء عليه إذ لا يمكنه ولو نذر صوم سنة أفطر أيام العيد وأيام التشريق وصام رمضان عن رمضان ولا قضاء عليه إلا إن نوى أن يقضي وقيل عليه القضاء إلا إن نوى أن لا يقضي وإن نذر صيام يوم يقدم فلان فقدم ليلا صام صبيحة تل كالليلة وأن قدم نهارا صام يوما عوضه وقيل لا شيء عليه ولا يجزيه أن يبيت نية الصوم فيه قبل قدومه ( المسألة الثانية ) في الصلاة إذا نذر صلاة لزمه ما نوى وإلا كفته ركعتان فإن نوى أقل من ركعة لزمته ركعتان وكذلك أن نوى صوم بعض يوم كما لو طلق نصف طلقة لزمه إكمالها ( المسألة الثالثة ) في الصدقة إن نذر صدقة جميع ماله أو حلف بذلك فحنث كفاه الثلث وأن نذر أقل من الجميع كالنصف أو الثلثين أو شيئا بعينه كداره ولا يملك غيرها أو عددا معلوما لزمه ما نوى وإن كان جل ماله أو كله وقيل يجزيه الثلث وإن لم يعين كفاه ما يتصدق به من قليل أو كثير وقال أبو حنيفة فيمن نذر جميع ماله يلزمه جميعه وقال الشافعي أن كان على وجه النذر لزمه الوفاء به وأن كان على وجه اللجاج والغضب فعليه كفارة يمين وقال ابن حبيب أن كان مليا أخرج ثلث ماله وأن أجحف به إخراج الثلث أخرج قدر زكاة ماله وأن كان فقيرا كفر كفارة اليمين وقال سحنون يخرج ما لا يضر به سواء عين أو لم يعين ثم أنه إذا قال لوجه الله فمخرجه الصدقة دون غيرها وأن قال في سبيل الله كان مخرجه الغزو والجهاد خاصة وأن قال ذلك في عبده كان مخرجه العتق ( المسألة الرابعة ) في المشي إلى مكة ومن قال علي الذهاب إلى مكة أو المسير أو المضي فإن ذكر الحج أو العمرة لزمه ذلك ويفعل العمرة إلى آخر السعي والحج إلى طواف الإفاضة وأن لم يذكر الحج أو العمرة ولا نواهما فقال ابن القاسم لا شيء عليه وأوجب أشهب عليه الحج والعمرة قال سحنون وقد رجع ابن القاسم إلى ذلك فإن قال علي المشي لزمه أن يحج أو يعتمر ماشيا سواء ذكر الحج أو العمرة أم لا وأن عين أحدهما لزمه بعينه فإن أراد الانتقال عن الحج إلى العمرة لم يجزه وفي انتقاله من العمرة إلى الحج قولان فإن مشى جميع الطريق غير مفرق أجزأه اتفاقا وأن فرقه بين عامين ففيه خلاف وإن ركب في الطريق يسيرا لعجزه عن المشي أجزأه وعليه دم وإن كان كثيرا لزمه أن يمشي مرة أخرى من الموضع الذي ركب فيه وعليه هدى إلا أن يكون هرما أو زمنا لا يرجى برؤه فلا إعادة عليه وقال قوم إنما عليه الهدى وإن نذر المشي إلى المسجد الحرام أو زمزم أو الحجر أو المقام لزمه الحج أو العمرة بخلاف منى وعرفة والمواضع التي خارج بلد مكة وقال ابن حبيب يلزمه إذا ذكر الحرم أو ما هو فيه ولا يلزمه إذا سمى خارج الحرم إلا عرفات ومن نذر المشي حافيا انتعل ويستحب له الهدي ( المسألة الخامسة ) من نذر أن يضحي ببدنة لم تقم مقامها بقرة مع القدرة عليها وأما مع العجز ففي أجزائها خلاف وأجزاء مذهب المدونة وكذلك الخلاف في أجزاء سبع من الغنم عند عجزه عن البقرة فإن نذر هديا فعليه ما نوى فإن لم ينو شيئا فعليه أن ينحربمكة بدنة فإن لم يجد ذبح بقرة فإن لم يجد أجزأه شاة ( المسألة السادسة ) من نذر أنيصلي في مسجد المدينة أو بيت المقدس لزمه خلافا لأبي حنيفة وكذلك يلزمه إذا ذكر أحد المسجدين ولم يذكر الصلاة أو ذكر المدينة أو بيت المقدس ونوى الصلاة في مسجديهما فإن لم يرد الصلاة فيهما فلا شيء عليه وأن نذر المشي إلى سائر المساجد فإن كان قريبا أتاه وصلى فيه وإن كان بعيدا صلى في موضعه ولا شيء عليه لأنها معصية ( المسألة السابعة ) من نذر أن يذبح ولده في مقام إبراهيم عليه السلام نحر جزورا فداء وقال أبو حنيفة نحر شاة وقال قوم ينحر مائة من الإبل وقال الشافعي لا شيء عليه لأنها معصية ( المسألة الثامنة ) من نذر الرباط أو الجهاد بثغر لزمه بيان نظر في النذر إلى النية ثم إلى العرف ثم إلى مقتضى اللفظ لغة ولا ينفع فيه الاستثناء بالمشيئة
الكتاب التاسع في الأطعمة والأشربة والصيد والذبائح وفيه خمس أبواب
الباب الأول في الأطعمة في حال الاختيار
جميع المطعومات ضربان حيوان أو جماد نبات أو غيره فالجماد كله حلال إلا النجاسات وما خالطته نجاسة والمسكرات والمضرات كالسموم والطين مكروه وقيل حرام وحرم الشافعي المخاط والمني وأما الحيوان فمنه ما يحرم لسبب كالميتة والمنخنقة وأخواتها وستأتي في الذبائح وأما الحيوان فمنه ما يحرم قال الطرطوشي انعقد المذهب في إحدى الروايتين وهي رواية العراقيين أنه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل والدود وما بين ذلك إلا الآدمي والخنزير فهما محرمان بإجماع إلا أن منه مباحا مطلقا ومنه مكروه وينسم الكلام في الحيوان إلى سبع مسائل ( المسألة الأولى ) في الحيوان البحري وهو خمسة أنواع ( الأول ) السمك وهو حلال إجماعا إلا أن أبا حنيفة لا يجيز أكل الطافي وإنما يجوز عنده ما مات بسبب كالصيد أو خروجه من الماء أو غير ذلك ( الثاني ) ما له شبه حلال في البر ( الثالث ) ما لا شبه له في البر وكلاهما حلال عند الإمامين خلافا لأبي حنيفة إذ لا يبيح كل ما عدا السمك ( الرابع ) ما له شبه حرام كخنزير الماء وكلبه فيؤكل وقيل يكره وقيل حرام وفاقا لهما ( الخامس ) ما تطول حياته في البر فيؤكل كالضفدع خلافا لهم ( المسألة الثانية ) في السباع كالأسد والذئب والفهد والدب والنمر والكلب فهي مكروهة وقيل جميعها محرمة وفاقا لهم إلا أن الشافعي أحل منها الضب والضبع والثعلب وقيل تحرم العادية منها ولا تحرم غير العادية كالثعلب والهر ولا خلاف في جواز أكل الضب وكرهه أبو حنيفة ( المسألة الثالثة ) الطير وهو مباح ذو المخلب وغيره وقيل يحرم ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والنسر وفاقا لهم وتكره الخطاف وقيل تجوز وحرمها الشافعي مع كل ما نهي عن قتله كالنمل ومع ما أمر بقتله في الحرم كالغراب والحدأة والحية والفأرة والعقرب وأما الجراد
أقسام الكتاب
1 2 3