كتاب : منار السبيل في شرح الدليل
المؤلف : ابن ضويان، إبراهيم بن محمد بن سالم

مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} 1 وعن أبي حاتم المزني مرفوعاً: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" . قالوا: يا رسول الله: وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات رواه الترمذي، وقال حسن غريب.
"2- والصناعة:" فلا يكون صاحب صناعة دنيئة: - كالحجام، والكساح، والزبال، والحائك - كفئاً لمن هو أعلى منه، لأن ذلك نقص في عرف الناس أشبه نقص السبب. وفي حديث: "العرب بعضهم لبعض أكفاء، إلا حائكاً، أو حجاماً" قيل لأحمد: كيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. أي أنه يوافق العرف.
"والميسرة" بحسب ما يجب لها: فلا تزوج موسرة بمعسر، لأن عليها ضرراً في إعساره، لإخلاله بنفقتها، ومؤنة أولاده، لقوله صلى الله عليه وسلم "الحسب المال" وقال: "إن أحساب الناس بينهم هذا المال" رواه النسائي بمعناه. وعنه: لا تعتبر، لأن الفقر شرف في الدين وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً" رواه الترمذي. وليس هو أمراً لازماً، فأشبه العافية في المرض.
"3- والحرية:" فلا تزوج حرة بعبد، لأنه منقوص بالرق، ممنوع من التصرف في كسبه، غير مالك له. ولأنه صلى الله عليه وسلم خير
ـــــــ
1 السجدة الآية/ 18.

بريرة حين عتقت تحت العبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة، فبالسابقة أولى.
"4- والنسب:" فلا يكون المولى والعجمي كفءاً لعربية لما تقدم عن عمر. وقال سلمان لجرير: إنكم معشر العرب لا نتقدمكم في صلاتكم، ولا ننكح نساءكم، إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وجعله فيكم رواه البزار بسند جيد، ورواه سعيد بمعناه. والعرب بعضهم لبعض أكفاء، والعجم كذلك لأن المقداد بن الأسود الكندي، تزوج ضباعة ابنة الزبير عم النبي، صلى الله عليه وسلم. وزوج أبو بكر أخته الأشعث بن قيس الكندي. وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب.

باب المحرمات في النكاح

باب المحرمات في النكاح:
"تحرم أبداً: الأم، والجدة من كل جهة" لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 1 وأمهاتك: كل من انتسبت، إليها بولادة، لقوله صلى الله عليه وسلم، لما ذكر هاجر أم إسماعيل: "تلك أمكم يا بني ماء السماء" .
"والبنت ولو من زنى" وهي: كل من انتسبت إليك بولادة، وهي ابنة الصلب.
"وبنت الولد" ذكراً كان أو أنثى، وإن نزلت درجتهن، لقوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.

"والأخت من كل جهة" شقيقة، أو لأب، أو لأم، لقوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ} 1 وبنتها،
"وبنت ولدها، وبنت كل أخ، وبنت ولدها" وإن نزلن، لقوله تعالى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} 1.
"والعمة والخالة" من كل جهة، وإن علتا: كعمة أبيه، وعمة أمه، وخالة أبيه، وخالة أمه، لقوله تعالى: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} 1 ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح أو ملك يمين، أو وطء شبهة، أو حرام. قاله في الكافي.
"ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب" من الأقسام السابقة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" متفق عليه. وعن علي مرفوعاً: "إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب" رواه أحمد و الترمذي وصححه. ولأن الأمهات والأخوات منصوص عليهن في الآية. و الباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات.
"إلا أم أخيه" من الرضاع،
"وأخت ابنه من الرضاع، فتحل" مرضعة وبنتها لأبي مرتضع وأخيه من نسب. وتحل أم مرتضع وأخته من نسب لأبيه وأخيه من رضاع، لأنهن في مقابلة من يحرم بالمصاهرة، لا في مقابلة من يحرم من النسب
"كبنت عمته وعمه، وبنت خالته وخاله" لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 2.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.
2 النساء من الآية/ 24.

"ويحرم أبداً بالمصاهرة أربع: ثلاث بمجرد العقد: زوجة أبيه، وإن علا" من نسب أو رضاع، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 1 قال ابن المنذر: الملك في هذا. والرضاع بمنزلة النسب. وممن حفظنا ذلك عنه: عطاء وطاوس وغيرهما، ولا نعلم عن غيرهما خلافهما. ذكره في الشرح.
"وزوجة ابنه وإن سفل" من نسب أو رضاع. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. وقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} 2 احتراز عمن تبناه.
"وأم زوجته" وإن علت من نسب. ومثلهن من رضاع: فيحرمن بمجرد العقد. نص عليه. قال في الشرح: وهو قول أكثر أهل العلم، لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} 2 والمعقود عليها من نسائه: فتدخل أمها في عموم الآية. قال ابن عباس: أبهموا ما أبهمه القرآن وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "أيما رجل نكح امرأةً دخل بها، أو لم يدخل، فلا يحل له نكاح أمها" رواه ابن ماجه، ورواه أبو حفص بنحوه.
"فإن وطئها حرمت عليه أيضاً بنتها، وبنت ابنها" من نسب أو رضاع لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} 2. قال في الشرح: سواء كانت في حجره أو لم تكن.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 22.
2 النساء من الآية/ 23.

إلا أنه روي عن عمر وعلي أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره وهو قول داود. وقال ابن المنذر: أجمع علماء الأمصار على خلافه. انتهى. وقوله: اللاتي في حجوركم، خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، لأن التربية لا تأثير لها في التحريم. فإن ماتت الزوجة قبل الدخول، لم تحرم بناتها. قال في الشرح: وهو قول عامة العلماء. وحكاه ابن المنذر إجماعاً، لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} 1 وهذا نص لا يترك بقياس ضعيف. والدخول بها: وطؤها. انتهى.
"وبغير العقد لا حرمة إلا بالوطء في قبل أو دبر، إن كان ابن عشر في بنت تسع، وكانا حيين" فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} 2 ونظائره، ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح، تعلق بالمحظور: كوطء الحائض. وعن ابن عباس أن وطء الحرام لا يحرم وبه قال: ابن المسيب، وعروة، والزهري، ومالك، والشافعي. ذكره في الشرح، واختاره الشيخ تقي الدين.
"ويحرم بوطء الذكر ما يحرم بوطء الأنثى" وقال في الشرح: الصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة، فإن هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم، فيدخلن في عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 3 انتهى.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.
2 النساء من الآية/ 22.
3 النساء من الآية/ 24.

واختار أبو الخطاب: أن حكم التلوط في تحريم المصاهرة، حكم المباشرة فيما دون الفرج، لكونه وطئاً في غير محله.
"ولا تحرم أم" زوجة أبيه، وكذا أم زوجة ابنه.
"ولا بنت زوجة أبيه وابنه" فيجوز أن ينكح امرأة، وينكح ابنة بنتها أو أمها، لعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 24.

فصل ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها
:
من نسب أو رضاع. حكاه ابن المنذر إجماعاً، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} 1 وعن أبي هريرة مرفوعاً "لا تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" متفق عليه.
"فمن تزوج نحو أختين في عقد أو عقدين معاً لم يصح" فيهما، لأنه لا يمكن تصحيحهما، ولا مزية لإحداهما على الأخرى، فبطل فيهما.
"فإن جهل" أسبق العقدين
"فسخهما حاكم" إن لم يطلقهما، لبطلان النكاح في أحدهما وتحريمها عليه، ونكاح إحداهما صحيح. ولا تتيقن بينونتها منه إلا بطلاقهما، أو فسخ نكاحهما، فوجب ذلك.
"ولاحداهما نصف مهرها بقرعة" وله العقد على إحداهما في الحال إذاً.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.

"وإن وقع العقد مرتباً" وعلم السابق.
"صح الأول فقط" لأنه لا جمع فيه، وبطل الثاني، لأن الجمع حصل به.
"ومن ملك أختين أو نحوهما" كامرأة وعمتها، أو وخالتها
"صح" ولو في عقد واحد. قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في ذلك.
"وله أن يطأ أيهما شاء" لأن الأخرى لم تصر فراشاً، كما لو ملك إحداهما وحدها.
"وتحرم الأخرى" نص عليه، لعموم قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} 1.
"حتى يحرم الموطوءة بإخراج عن ملكه، أو تزويج بعد الإستبراء" لئلا يكون جامعاً بينهما في الفراش، أو جامعاً ماءه في رحم أختين، فإن عزلهما عن فراشه واستبرأها، لم تحل أختها، لأنه لا يؤمن عوده إليها، فيكون جامعاً بينهما. قاله في الكافي.
"ومن وطء امرأة بشبهة أو زنى حرم في زمن عدتها نكاح أختها" أو عمتها أو خالتها.
"ووطؤها إن كانت زوجة أو أمة" له
"وحرم أن يزيد على ثلاث غيرها" أي: الموطوءة بشبهة أو زنى.
"بعقد" فإن كان له ثلاث زوجات، لم يحل له نكاح رابعة، حتى تنقضي عدة الموطوءة بشبهة أو زنى.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.

"أو وطء" أي: لو كان له أربع زوجات، لم يحل له أن يطأ منهن أكثر من ثلاث، حتى تنقضي عدة موطوءته بشبهة أو زنى، لئلا يجمع ماؤه في أكثر من أربع نسوة.
"وليس لحر جمع أكثر من أربع" زوجات إجماعاً لقوله، صلى الله عليه وسلم، لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسك أربعاً، وفارق سائرهن" رواه الترمذي. وقال نوفل بن معاوية أسلمت وتحتي خمس نسوة. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "فارق واحدة منهن" رواه الشافعي. وعن قيس بن الحارث قال أسلمت وعندي ثمان نسوة، فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: "إختر منهن أربعاً" رواه أبو داود وابن ماجه. قال في الشرح: والآية أريد بها التخيير بين اثنتين، وثلاث، وأربع كقوله: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 1 ومن قال غير ذلك فقد جهل العربية.
"ولا لعبد جمع أكثر من ثنتين" وهو قول: عمر وعلي، وغيرهما، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعاً. والآية فيها ما يدل على إرادة الأحرار لقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 2 ذكره في الشرح.
"ولمن نصفه حر فأكثر جمع ثلاث" نص عليه، اثنتين بنصفه الحر، وواحدة بنصفه الرقيق.
ـــــــ
1 فاطر من الآية/ 1
2 النساء من الآية/ 3.

"ومن طلق واحدة من نهاية جمعه" كحر طلق واحدة من أربع، وعبد طلق واحدة من اثنتين
"حرم نكاحه بدلها حتى تنقضي عدتها" نص عليه، لأن المعتدة في حكم الزوجة، إذ العدة أثر النكاح.
"وإن ماتت فلا" يحرم نكاح بدلها. نص عليه، لأنه لم يبق لنكاحها أثر.

فصل وتحرم الزانية على الزاني وغيره
حتى تتوب وتنقضي عدتها:
لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} 1 لفظه لفظ الخبر، والمراد النهي ونهى النبي، صلى الله عليه وسلم، مرثد بن أبي مرثد الغنوي أن ينكح عناقاً2 رواه أبو داود والترمذي والنسائي. فإذا تابت، وانقضت عدتها حلت لزان كغيره في قول أكثر أهل العلم، منهم: أبو بكر وعمر وابنه وابن عباس.
"وتحرم مطلقته ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره" لقوله تعالى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} 3 والمراد بالنكاح هنا: الوطء، لقوله عليه الصلاة والسلام لامرأة رفاعة لما أرادت أن ترجع إليه بعد أن طلقها ثلاثاً، وتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير: "لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" رواه الجماعة.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 3.
2 عناق –بفتح العين- بغي كانت في مكة صديقة لمرثد. كما في رواية أبي داود تهذيب السنن 3/6.
3 البقرة من الآية/ 230.

"والمحرمة حتى تحل من إحرامها" لحديث عثمان مرفوعاً "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" رواه الجماعة إلا البخاري، ولم يذكر الترمذي الخطبة.
"والمسلمة على الكافر" لقوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} 1 وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 2.
"والكافرة غير الكتابية على المسلم" لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 3 وقوله: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 2 ويباح نكاح حرائر أهل الكتاب بالإجماع، قال ابن المنذر: لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرمه، قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 4 وهم: اليهود والنصارى، ومن دان بالتوراة والإنجيل. فأما من يتمسك بصحف إبراهيم وشيث، وزبور داود فليسوا أهل كتاب، لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا...} 5 وأما المجوس فلا تحل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، وهو قول عامة العلماء. ذكره في الشرح. وضعف أحمد رواية من روى عن حذيفة أنه تزوج مجوسية فقال أبو وائل: يقول: يهودية وهو أوثق.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 221.
2 الممتحنة من الآية/ 10.
3 البقرة من الآية/ 221.
4 المائدة من الآية/ 5.
5 الأنعام من الآية/ 156.

"ولا يحل لحر كامل الحرية نكاح أمة ولو مبعضة، إلا إن عدم الطول، وخاف العنت" فيجوز له نكاح الأمة المسلمة، لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ...} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} 1 واشتراط العجز عن ثمن الأمة. اختاره جمع كثير، وقدم في التنقيح أنه: لا يشترط، وتبعه في المنتهى.
"ولا يكون ولد الأمة حراً إلا باشتراط الحرية" فإن شرطها فهو حر، لحديث "المسلمون على شروطهم" ولقول عمر مقاطع الحقوق عند الشروط.
"أو الغرور" للزوج بأن ظنها، أو شرطها حرة، فولده حر، لاعتقاده حريته، ويفديه بقيمته يوم ولادته، ويرجع به على من غره. قضى به عمر وعلي وابن عباس، رضي الله عنهم.
"وإن ملك أحد الزوجين الآخر أو بعضه انفسخ النكاح" لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض. وحكى ابن المنذر الإجماع: على أن نكاح المرأة عبدها باطل.
"ومن جمع في عقد بين مباحة ومحرمة صح في المباحة" لأنها محل قابل للنكاح، أضيف إليها عقد من أهله فصح، كما لو انفردت به.
"ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بالملك" لأنه إذا حرم النكاح، لكونه طريقاً إلى الوطء فهو نفسه أولى بالتحريم.
"إلا الأمة الكتابية" فيحرم نكاحها لا وطؤها بملك اليمين لقوله
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 25.

تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 1 ولأن نكاح الأمة الكتابية إنما حرم لأجل إرقاق الولد، وبقائه مع كافرة، وهذا معدوم في وطئها بملك اليمين.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 3.

باب الشروط في النكاح

باب الشروط في النكاح:
والمعتبر منها: ما كان في صلب العقد، واختار الشيخ تقي الدين: أو اتفقا عليه قبله، وقال: على هذا جواب أحمد في مسائل الحيل. قال في الإنصاف: وهو الصواب الذي لا شك فيه. فإن لم يقع الشرط إلا بعد لزوم العقد لم يلزم. نص عليه.
"وهي قسمان: صحيح لازم للزوج، فليس له فكه: كزيادة مهر، أو نقد معين، أو لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها، أو لا يفرق بينها وبين أبويها أو أولادها، أو أن ترضع ولدها، أو يطلق ضرتها" لأن لها فيه قصداً صحيحاً. ويروي صحة الشرط في النكاح، وكون الزوج لا يملك فكه: عن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن العاص، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، ويؤيده حديث: "إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج" متفق عليه. وحديث: "المسلمون على شروطهم" وروى الأثرم "أن رجلاً تزوج امرأة، وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها. فقال الرجل: إذاً يطلقننا. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط" قال في الشرح: وإن شرط طلاق ضرتها فالصحيح أنه باطل

لنهيه، صلى الله عليه وسلم، أن تشترط المرأة طلاق أختها متفق عليه.
"فمتى لم يف بما شرط كان لها الفسخ على التراخي" لما تقدم، ولأنه شرط لازم في عقد، فثبت حق الفسخ بفواته، كشرط الرهن في البيع. قاله في الكافي.
"ولا يسقط" ملكها الفسخ
"إلا بما يدل على رضاها من قول، أو تمكين مع العلم" أي: مع علمها بعدم وفائه لها بما شرطت عليه.
"والقسم الفاسد نوعان:"
"1- نوع يبطل النكاح" وهو: ثلاثة أقسام:
أحدها: نكاح الشغار.
"وهو: أن يزوجه موليته بشرط أن يزوجه الآخر موليته، ولا مهر بينهما" قال في الكافي: ولا تختلف الرواية عن أحمد في فساده.
"أو يجعل بضع كل واحدة مع دراهم معلومة مهراً للأخرى" وروي عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا فيه - أي: بين المتناكحين - لحديث ابن عمر أن النبي، صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار - والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق - متفق عليه. وعن الأعرج أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقاً فكتب معاوية إلى مروان يأمره أن يفرق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله، صلى الله عليه

وسلم رواه أحمد وأبو داود، ولأنه شرط عقد في عقد فلم يصح، كما لو باعه ثوبه بشرط أن يبيعه ثوبه.
2- نكاح المحلل، وقد ذكره بقوله:
"أو يتزوج بشرط أنه: إذا أحلها طلقها" وهو باطل حرام في قول عامة أهل العلم. قاله في الشرح، لحديث: "لعن الله المحلل والمحلل له" رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر بن الخطاب وابنه وعثمان بن عفان، وروي عن علي وابن عباس.
"أو ينويه" أي: ينوي الزوج التحليل.
"بقلبه" فالنكاح باطل أيضاً. نص عليه. لعموم ما سبق. وروى نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال له: تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني، ولم يعلم؟ قال لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها، قال: وإن كنا نعده على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سفاحاً. وقال: لا يزالا زانيين، و إن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها وهذا قول عثمان. وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثاً، أيحلها له رجل؟ قال: من يخادع الله يخدعه.
"أو يتفقا عليه قبل العقد" ولم يذكر فيه فلا يصح إن لم يرجع عنه، وينو حال العقد أنه نكاح رغبة، فإن حصل ذلك صح، لخلوه عن نية التحليل وشرطه، وعليه يحمل حديث ذي الرقعتين، وهو: ما روى أبو حفص بإسناده عن محمد بن سيرين، قال: قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار، وعليه إزار من بين يديه رقعة، ومن خلفه رقعة. فسأل

عمر فلم يعطه شيئاً. فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته، فطلقها ثلاثاً، فقال: هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئاً ويحلك لي؟ قالت: نعم إن شيء ت. فأخبروه بذلك، قال: نعم. فتزوجها فدخل بها، فلما أصبحت أدخلت إخوته الدار، فجاء القرشي يحوم حول الدار، ويقول يا ويله ! غلب على امرأته. فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين غلبت على امرأتي. قال: من غلبك؟ قال: ذو الرقعتين، قال: أرسلوا إليه. فلما جاءه الرسول، قالت له المرأة: كيف موضعك من قومك؟ قال: ليس بموضعي بأس، قالت: إن أمير المؤمنين يقول لك: طلق امرأتك، فقل: لا والله لا أطلقها، فإنه لا يكرهك. فألبسته حلة، فلما رآه عمر، قال: الحمد لله الذي رزق ذا الرقعتين. فدخل عليه، فقال: تطلق امرأتك؟ قال: لا والله لا أطلقها. قال عمر: لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط ورواه سعيد بنحوه، وقال: من أهل المدينة. ولهذا قالوا: من لا فرقة بيده لا أثر لنيته.
3- نكاح المتعة وقد ذكره بقوله:
"أو يتزوجها إلى مدة، أو يشترط طلاقها في العقد بوقت كذا"
وهو باطل. نص عليه. قال ابن عبد البر: على تحريمه مالك، وأهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل الكوفة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي وسائر أصحاب الآثار. ذكره في الشرح، لحديث الربيع بن سبرة قال: "أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نهى عنه في حجة الوداع. وفي لفظ: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: حرم متعة النساء" رواه أبو داود. ولمسلم

عن سبرة: أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها وحكي عن ابن عباس الرجوع عن قوله بجواز المتعة قال سعيد بن جبير لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء ! قال ابن عباس: وما ذاك؟ قال: قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال محبسه ... يا صاح، هل لك في فتوى ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال: سبحان الله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، ولا تحل إلا للمضطر.
وأما إذن النبي، صلى الله عليه وسلم، فيها فقد ثبت نسخه. قال الشافعي: لا أعلم شيئاً أحله الله، ثم حرمه، ثم أحله، ثم حرمه إلا المتعة.
"أو ينويه بقلبه" أي: ينوي الزوج طلاقها بوقت كذا.
"أو يتزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج" لأنه شبيه بالمتعة. وقال في الشرح: وإن تزوجها بغير شرط، إلا أن نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته فهو صحيح في قول عامة أهل العلم إلا الأوزاعي، فقال: هو نكاح متعة.
"أو يعلق نكاحها، كـ: زوجتك إذا جاء رأس الشهر، أو: إن رضيت أمها، أو: إن وضعت زوجتي ابنة، فقد زوجتكها" فيبطل النكاح، لأنه عقد معاوضة فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع.
"2- لا يبطله كأن يشترط أن لا مهر لها، ولا نفقة، أو أن يقسم لها أكثر من ضرتها، أو أقل، أو إن فارقها رجع عليها بما أنفق فيصح النكاح

دون الشرط" لمنافاته مقتضى العقد، وتضمنه إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، كإسقاط الشفيع شفعته قبل البيع، والعقد صحيح، لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره فيه، ولا يضر الجهل به فلم يبطله. وكذا إن شرط أن لا يطأها، أو يعزل عنها، أو لا يقسم لها إلا في النهار دون الليل. ونقل عن أحمد: ما يحتمل إبطال العقد، فروي عنه في النهاريات، والليليات: ليس هذا من نكاح أهل الإسلام. وكان الحسن وعطاء: لا يريان بتزويج النهاريات بأساً. ذكره في الشرح.

فصل وإن شرطها مسلمة فبانت كتابية
:
فله الخيار.
"أو شرطها بكراً، أو جميلة، أو نسيبة، أو شرط نفي عيب" لا يفسخ به النكاح، كشرطها سميعة أو بصيرة
"فبانت بخلافه فله الخيار" لأنه شرط صفة مقصودة ففاتت، أشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة. ولا شيء عليه إن فسخ قبل الدخول، وبعده يرجع بالمهر على الغار.
"لا إن شرطها أدنى فبانت أعلى" كأن شرطها كتابية فبانت مسلمة، أو أمة فبانت حرة، لأنه زيادة خير فيها.
"ومن تزوجت رجلاً على أنه حر، فبان عبداً فلها الخيار" إن صح النكاح بأن كملت شروطه، وكان بإذن سيده. فإن اختارت الفسخ لم يحتج إلى حاكم، كمن عتقت تحت عبد. وإن اختارت إمضاءه فلأوليائها الاعتراض عليها إن كانت حرة، لعدم الكفاءة.

"وإن شرطت فيه صفة" ككونه نسيباً، أو عفيفاً، أو جميلاً ونحوه،
"فبان أقل فلا فسخ لها" لأنه ليس بمعتبر في صحة النكاح، أشبه شرطها طوله وقصره، إلا إذا شرطته حراً فبان عبداً فلها الفسخ.
"وتملك الفسخ من عتقت كلها تحت رقيق كله بغير حكم الحاكم" حكاه ابن المنذر، وابن عبد البر وغيرهما إجماعاً، لا إن كان حراً، وهو قول ابن عمر وابن عباس، لحديث عروة عن عائشة "أن بريرة أعتقت، وكان زوجها عبداً فخيرها رسول الله، صلى الله عليه وسلم" - ولو كان حراً لم يخيرها - رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه. فأما خبر الأسود عن عائشة "أنه، صلى الله عليه وسلم، خير بريرة، وكان زوجها حراً". رواه النسائي - فقد روى القاسم وعروة عنها "أنه كان عبداً" رواه البخاري. وهما أخص بها من الأسود، لأنهما ابن أخيها، وابن أختها. وقال ابن عباس: "كان زوج بريرة عبداً أسود لبني المغيرة يقال له: مغيث" رواه البخاري وغيره. قال أحمد: هذا ابن عباس وعائشة قالا: إنه عبد، رواية علماء المدينة وعملهم، وإذا روى أهل المدينة حديثاً، وعملوا به فهو أصح شيء، وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده.
"فإن مكنته من وطئها، أو مباشرتها، أو قبلتها" بطل خيارها، لقوله، صلى الله عليه وسلم لبريرة: "إن قربك فلا خيار لك" رواه أبو داود. وروي عن ابن عمر وحفصة. قال ابن عبد البر: لا أعلم لهما مخالفاً من الصحابة.

"ولو جهلت عتقها، أو ملك الفسخ بطل خيارها" نص عليه، لعموم ما تقدم. وروى نافع عن ابن عمر "أن لها الخيار ما لم يمسها" رواه مالك. وقال القاضي وأبو الخطاب: لا يبطل، لأن تمكينها مع جهلها لا يدل على رضاها به. ذكره في الكافي. وقال في الشرح: و إن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد. لا نعلم فيه خلافاً.

باب حكم العيوب في النكاح

باب حكم العيوب في النكاح:
يثبت خيار العيب لكل واحد من الزوجين في الجملة. روي عن عمر وابن عباس. ذكره في الشرح.
"وأقسامها المثبتة للخيار ثلاثة:"
"قسم يختص بالرجل، وهو: كونه قد قطع ذكره، أو خصيتاه، أو أشل، فلها الفسخ في الحال" لأن فيه نقصاً يمنع الوطء أو يضعفه. وروى أبو عبيد بإسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سند تزوج امرأة، وهو خصي، فقال له عمر: أعلمتها؟ قال: لا. قال: أعلمها، ثم خيرها.
"وإن كان عنيناً بإقراره، أو ببينة، طلبت يمينه فنكل، ولم يدع وطئاً أجل سنة هلالية منذ ترافعه إلى الحاكم" روي ذلك عن: عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة وعليه فتوى فقهاء الأمصار. وقال ابن عبد البر: على هذا جميع القائلين بتأجيله. وأما قصة عبد الرحمن بن الزبير، فلم تثبت عنته، ولا طلبت المرأة ضرب المدة. قال ابن عبد البر: وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه، فلا معنى لضرب المدة.
"فإن مضت" السنة.

"ولم يطأها فلها الفسخ" لأنه قول من سمينا من الصحابة، ولأنه إذا مضت الفصول الأربعة، ولم يزل، علم أنه خلقة. ولا يحتسب عليه منها ما اعتزلته فقط.
"وقسم يختص بالأنثى، وهو: كون فرجها مسدوداً لا يسلكه ذكر، أو به بخر. أو قروح سيالة، أو كونها فتقاء، بانخراق ما بين سبيليها، أو كونها مستحاضة" 1 فيثبت الخيار للزوج، لأن ذلك يمنع الوطء، أو يمنع لذته، ولما فيه من النفرة أو النقص، أو خوف تعدي أذاه أو نجاسته.
"وقسم مشترك، وهو: الجنون، ولو أحياناً، والجذام، البرص، وبخر الفم، والباسور، والناصور، واستطلاق البول أو الغائط، فيفسخ بكل عيب تقدم" 2 لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، تزوج امرأة من بني غفار، فرأى بكشحها بياضاً، فقال لها: "البسي ثيابك، والحقي بأهلك" رواه أحمد وسعيد في سننه. قال في الكافي: فثبت الرد بالبرص بالخبر، وقسنا عليه سائر العيوب، لأنها في معناه في منع الاستمتاع. انتهى. وقال عمر، رضي الله عنه: "أيما امرأة غر بها رجل، بها جنون أو جذام أو برص، فلها مهرها بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غره" رواه مالك والدارقطني.
"لا بغيره: كعور، وعرج، وقطع يد ورجل، وعمى، وخرس، وطرش" لأن ذلك لا يمنع الاستمتاع، ولا يخشى تعديه.
ـــــــ
1 البخر: الرائحة المنتنة.
2 الناصور: علة تحدث في البدن من المقعدة وغيرها بمادة خبيثة ضيقة الفم يعسر برؤها، وتقول الأطباء: كل قرحة تزمن في البدن فهي ناصور.

فصل ولا يثبت الخيار في عيب زال بعد العقد
:
لزوال سببه،
"ولا لعالم به وقت العقد" لدخوله على بصيرة، أشبه من اشترى ما يعلم عيبه.
"والفسخ على التراخي لا يسقط في العنة إلا بقولها: رضيت" ونحوه، لأن العلم بعدم قدرته على الوطء لا يكون إلا بالتمكين، فلم يكن التمكين دليلاً على الرضى، فلم يبق إلا القول.
"أو: باعترافها بوطئه في قبلها" فإن اعترفت بطل كونه عنيناً عند أكثر أهل العلم. ذكره في الشرح.
"ويسقط في غير العنة بالقول، أو بما يدل على الرضى من وطء أو تمكين مع العلم" كمشتري المعيب، يسقط خياره بالقول، وبما يدل على رضاه بالعيب.
"ولا يصح الفسخ هنا، وفي خيار الشرط بلا حاكم" لأنه فسخ مجتهد فيه بخلاف خيار المعتقة تحت عبد، فإنه متفق عليه.
"فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر" لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها، فأسقطت مهرها كردتها، وإن كان منه، فإنما فسخ لعيب دلسته، فكأنه منها.

"وبعد الدخول أو الخلوة يستقر المسمى" لأنه نكاح صحيح فيه مسمى صحيح، فوجب المسمى كما لو ارتدت.
"ويرجع به على المغر" له من زوجة وولي ووكيل، لما تقدم عن عمر وعنه: لا يرجع على أحد لأن ذلك يروى عن علي. قاله في الكافي. قال أحمد: كنت أذهب إلى قول علي فهبته، فملت إلى قول عمر.
"وإن حصلت الفرقة من غير فسخ بموت أو طلاق فلا رجوع" لأن سببه الفسخ، ولم يوجد.
"وليس لولي صغير أو مجنون أو رقيق تزويجه بمعيب" لأن فيه ضرراً بهم، وهو لا ينظر لهم إلا بما فيه الحظ والمصلحة.
"فلو فعل لم يصح إن علم" العيب، لأنه عقد لهم عقداً لا يجوز عقده، كما لو باع عقاراً لمن في حجره لغير مصلحة.
"وإلا" يعلم الولي أنه معيب
"صح ولزمه الفسخ إذا علم" العيب، كما لو اشترى له معيباً.

باب نكاح الكفار

باب نكاح الكفار:
تتعلق بأنكحتهم أحكام النكاح الصحيح: من وقوع الطلاق، والظهار، والإباحة للزوج الأول، والإحصان، وغير ذلك، لقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} 1 {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} 2 فأضاف النساء إليهم، وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة. وقال صلى الله عليه وسلم "ولدت من نكاح لا سفاح" وإذا ثبتت الصحة ثبتت أحكامها، ولأنه أسلم خلق كثير في عصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأقرهم على أنكحتهم، ولم يكشف عن كيفيتها.
"يقرون على أنكحة محرمة ما داموا معتقدين حلها، ولم يرتفعوا إلينا" لأنه، صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يتعرض لهم في أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم. وعنه في مجوسي تزوج كتابية، أو اشترى نصرانية: يحال بينه وبينها. فيخرج منه أنهم لا يقرون على نكاح المحارم، فإن عمر كتب أن: فرقوا بين كل ذي رحم من المجوس.
"فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا" بإيجاب وقبول، وولي
ـــــــ
1 المسد من الآية/ 4.
2 التحريم من الآية/ 11.

وشاهدي عدل منا، كأنكحة المسلمين، لقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} 1.
"وإن أسلم الزوجان معاً، أو أسلم زوج الكتابية، فهما على نكاحهما" ولم تتعرض لكيفية عقده، لما تقدم. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معاً في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع. وعن ابن عباس "أن رجلاً جاء مسلماً على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله: إنها كانت مسلمة معي فردها عليه" رواه أبو داود.
"وإن أسلمت الكتابية تحت زوجها الكافر" كتابي أو غيره قبل الدخول انفسخ النكاح. حكاه ابن المنذر إجماعاً، لأنه لا يجوز لكافر ابتداء نكاح مسلمة.
"أو أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين، وكان قبل الدخول انفسخ النكاح" لقوله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 2 وقال: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 2.
"ولها نصف المهر إن أسلم فقط" أي: دونها.
"أو سبقها" بالإسلام لمجيء الفرقة من قبله كما لو طلقها.
"وإن كان بعد الدخول وقف الأمر إلى انقضاء العدة" لحديث مالك في الموطأ عن ابن شهاب، قال: كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر، أسلمت يوم الفتح، وبقي صفوان
ـــــــ
1 المائدة من الآية/ 42.
2 الممتحنة من الآية/ 10.

حتى شهد حنيناً والطائف وهو كافر، ثم أسلم، فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم، بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح قال ابن عبد البر: شهرة هذا الحديث أقوى من إسناده. وهذا بخلاف ما قبل الدخول، فإنه لا عدة لها. وقال ابن شبرمة: كان الناس على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته، فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما. قال ابن عبد البر: لم يختلفوا فيه إلا شيء روى فيه عن النخعي شذ فيه: زعم أنها ترد إلى زوجها، وإن طالت المدة، لأنه، صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول رواه أبو داود. واحتج به أحمد، قيل له: أليس يروى أنه ردها بنكاح مستأنف؟ قال: ليس لذلك أصل. قيل: إن بين إسلامها وبين ردها إليه ثمان سنين. وفي حديث عمرو بن شعيب أنه ردها بنكاح جديد قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسناداً، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
"فإن أسلم المتخلف قبل انقضائها فعلى نكاحهما" لما سبق،
"وإلا تبينا فسخه منذ أسلم الأول" منهما، لاختلاف الدين، ولا تحتاج لعدة ثانية.
"ويجب المهر بكل حال" لاستقراره بالدخول.

فصل وإن أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع فأسلمن
:
في عدتهن.
"أو لا، وكن كتابيات" لم يكن له إمساكهن، بغير خلاف.
"واختار منهن أربعاً إن كان مكلفاً، وإلا فحتى يكلف" فيختار منهن، لأن غير المكلف لا حكم لقوله، ولا يختار عنه وليه، لأنه حق يتعلق بالشهوة، فلا يقوم غيره فيه مقامه. وسواء تزوجهن في عقد أو عقود، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر. نص عليه، لعموم ما تقدم في باب المحرمات.
"فإن لم يختر أجبر بحبس، ثم تعزير" ليختار، لأنه حق عليه، فأجبر على الخروج منه كسائر الحقوق.
"وعليه نفقتهن إلى أن يختار" لوجوب نفقة زوجاته عليه، وقبل الاختيار لم تتعين زوجاته من غيرهن بتفريطه، وليست إحداهن أولى بالنفقة من الأخرى.
"ويكفي في الاختيار: أمسكت هؤلاء، وتركت هؤلاء" ونحوه، كـ: أبقيت هؤلاء، وباعدت هؤلاء.
"ويحصل الاختيار بالوطء، فإن وطئ الكل تعين" الأربع:
"الأول" للإمساك، وما بعدهن للترك.

"ويحصل بالطلاق: فمن طلقها فهي مختارة" لأن الوطء والطلاق لا يكونان إلا في زوجة.
"وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن في العدة اختار ما يعفه" منهن إلى أربع
"إن جاز له نكاحهن" - أي: الإماء -: بأن كان عادم الطول خائف العنت
"وقت اجتماع إسلامه بإسلامهن" تنزيلاً له منزلة ابتداء العقد.
"وإن لم يجز له" نكاح الإماء
"فسد نكاحهن" لأنهم لو كانوا جميعاً مسلمين لم يجز ابتداء نكاح واحدة منهن، فكذا استدامته.
"وإن ارتد أحد الزوجين، أو هما معاً قبل الدخول انفسخ النكاح" في قول عامة أهل العلم، لقوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 1 {...لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 1 ولاختلاف دينهما.
"ولها نصف المهر إن سبقها" بالردة، أو ارتد الزوج وحده دونها، لمجيء الفرقة من جهته، أشبه الطلاق.
"وبعد الدخول تقف الفرقة على انقضاء العدة" لأن الردة اختلاف دين بعد الإصابة، فلا يوجب فسخه في الحال، كإسلام كافرة تحت كافر.
ـــــــ
1 الممتحنة من الآية/ 10.

كتاب الصداق


كتاب الصداق:
الأصل فيه: الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: {...أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ...} 1 وقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً...} 2 قال أبو عبيد: يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله. وقيل: نحلة من الله للنساء.
وأما السنة: فقوله، صلى الله عليه وسلم، لعبد الرحمن: "ما أصدقتها؟" قال: وزن نواة من ذهب. وأجمعوا على مشروعيته.
"تسن تسميته في العقد" لأنه، صلى الله عليه وسلم. يزوج ويتزوج كذلك، ولأن تسميته أقطع للنزاع، وليست شرطاً، لقوله: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً...} 3. وروي أنه، صلى الله عليه وسلم: زوج رجلاً امرأة ولم يسم لها مهراً.
"ويصح بأقل متمول" لحديث: "التمس ولو خاتماً من حديد" وعن عامر بن ربيعة: أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 24.
2 النساء من الآية/ 4.
3 البقرة من الآية/ 236.

الله، صلى الله عليه وسلم: "أرضيت من مالك، ونفسك بنعلين؟" قالت: نعم. فأجازه رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه. وأجمعوا على أن لا توقيت في أكثره. ذكره في الشرح. ويسن تخفيفه، لقول عمر: لا تغالوا في صدقات النساء.. الحديث، رواه أبو داود والنسائي. وعن عائشة مرفوعاً: "أعظم النساء بركةً أيسرهن مؤنة" رواه أبو حفص، ورواه أحمد بنحوه.
"فإن لم يسم" فهو تفويض البضع،
"أو سمى فاسداً" كخمر وحر،
"صح العقد، ووجب مهر المثل" لأن المرأة لا تسلم إلا ببدل، ولم يسلم البدل، وتعذر رد العوض، لصحة النكاح فوجب بدله.
"وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن لم يصح" لأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال، لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ...} 1 وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} 2 والطول: المال. ولأن تعليم القرآن لا يقع إلا قربة لفاعله، فلم يصح أن يقع صداقاً، كالصوم والصلاة. وروي أن النبي، صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً على سورة من القرآن، ثم قال: "لا تكون لأحد بعدك مهراً" . رواه النجاد وسعيد في سننه. وأما حديث الموهوبة - وقوله، عليه السلام، فيه "زوجتكها بما معك من القرآن" متفق عليه - فقيل: معناه: زوجتكها، لأنك من أهل القرآن، كما زوج أبا طلحة على
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 24.
2 النساء من الآية/ 25.

إسلامه، وليس فيه ذكر التعليم، ويحتمل أن يكون خاصاً بذلك الرجل، لحديث النجاد.
"وتعليم معين من فقه، أو حديث، أو شعر مباح، أو صنعة صح" لأن ذلك منفعة معلومة، كرعاية غنمها مدة معلومة، وخياطة ثوب معلوم، لقوله تعالى عن شعيب لموسى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ...} 1 ولأن منفعة الحر يجوز العوض عنها في الإجارة، فجازت صداقاً كمنفعة العبد.
"ويشترط علم الصداق: فلو أصدقها داراً، أو دابة، أو ثوباً مطلقاً" بأن لم يعينه، ولم يصفه، ولم يقل: من عبيدي،
"أو رد عبدها أين كان، أو خدمتها مدة فيما شاءت، أو ما يثمر شجره" مطلقاً، أو في هذا العام،
"أو حمل أمته أو دابته لم يصح" الإصداق أي: التسمية. وهذا اختيار أبي بكر، لجهالة هذه الأشياء قدراً وصفة، والغرر فيها كثير، ومثل ذلك لا يحتمل، لأنه يؤدي إلى النزاع إذ لا أصل يرجع إليه. ولها مهر المثل، لما تقدم.
"ولا يضر جهل يسير، فلو أصدقها عبداً من عبيده، أو دابة من دوابه، أو قميصاً من قمصانه صح، ولها أحدهم بقرعة" نص عليه، لأن الجهالة فيه يسيرة، ويمكن التعيين فيه بقرعة، ولأنه لو تزوجها على مهر مثلها صح على كثرة الجهل، فهذا أولى.
"وإن أصدقها عتق قنه صح" لأنه يصح الإعتياض عنه.
ـــــــ
1 القصص من الآية/ 27.

"لا طلاق زوجته" لحديث ابن عمرو مرفوعاً: "لا يحل للرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى" . رواه أحمد. ولأن خروج البضع من الزوج ليس بتمول، ولها مهر مثلها، لفساد التسمية.
"وإن أصدقها خمراً، أو خنزيراً، أو مالاً مغصوباً يعلمانه لم يصح المسمى" وصح النكاح. نص عليه، وهو قول عامة الفقهاء، لأن فساد العوض لا يزيد على عدمه، ولو عدم فالنكاح صحيح، فكذا إذا فسد، ولها مهر المثل، لما تقدم.
"وإن لم يعلماه صح" النكاح،
"ولها قيمته يوم العقد" لرضاها به وتسليمه ممتنع، فوجب الانتقال إلى قيمته يوم العقد، ولا تستحق مهر المثل، لعدم رضاها به.
وإن أصدقها
"عصيراً فبان خمراً صح" العقد،
"ولها مثل العصير" لأنه مثلي، فالمثل أقرب إليه من القيمة، ولهذا يضمن به في الإتلاف.

فصل وللأب تزويج بنته مطلقا
ً:
بكراً أو ثيباً.
"بدون صداق مثلها وإن كرهت" نص عليه، لقول عمر: "لا تغالوا في صداق النساء...". وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكر فكان اتفاقاً منهم على أن يزوج بذلك، وإن كان دون صداق المثل.

وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين، وهو من أشراف قريش نسباً وعلماً وديناً، ومن المعلوم أنهما ليسا مهر مثلها، ولأن المقصود من النكاح السكن، والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من يكفيها، ويصونها، ويحسن عشرتها دون العوض، والظاهر من الأب مع شفقته أنه لا ينقصها من صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح.
"ولا يلزم أحداً تتمته" لا الزوج، ولا الأب، لصحة التسمية.
"وإن فعل ذلك غير الأب بإذنها مع رشدها صح" ولا اعتراض، لأن الحق لها وقد أسقطته.
"وبدون إذنها يلزم الزوج تتمته" أي: مهر المثل، لفساد التسمية، لأنها غير مأذون فيها فوجب على الزوج مهر المثل.
"فإن قدرت لوليها مبلغاً فزوجها بدونه ضمن" النقص، ولو كان أكثر من مهر المثل.
"وإن زوج ابنه فقيل له: ابنك فقير من أين يؤخذ الصداق؟! فقال: عندي لزمه" المهر عنه، لأنه صار ضامناً بذلك، وكذا لو ضمنه غير الأب.
"وليس للأب قبض صداق بنته الرشيدة، ولو بكراً إلا بإذنها" لأنها المتصرفة في مالها، فاعتبر إذنها في قبضه كثمن مبيعها.
"فإن أقبضه الزوج لأبيها لم يبرأ، ورجعت عليه، ورجع هو على أبيها. وإن كانت غير رشيدة سلمه إلى وليها في مالها" لأنه مال لها، فأشبه ثمن مبيعها. ويجوز لأبي المرأة أن يشترط بعض الصداق أو كله

لنفسه إن صح تملكه من مال ولده، لقوله: {...عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} 1 فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه، وهو شرط لنفسه. وروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف، فجعلها في الحج والمساكين، ثم قال للزوج: جهز امرأتك. وروي نحوه عن الحسين.
"وإن تزوج العبد بإذن سيده صح" قال في الشرح، بغير خلاف نعلمه.
"وعلى سيده المهر والنفقة والكسوة والمسكن" نص عليه، لأن ذلك تعلق بعقد بإذن سيده، فتعلق بذمة السيد كثمن ما اشتراه بإذنه.
"وإن تزوج بلا إذنه لم يصح" النكاح. نص عليه، لحديث جابر مرفوعاً: "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر" . رواه أحمد والترمذي وحسنه. والعهر: دليل بطلان النكاح. قال في الشرح: وأجمعوا على أنه ليس له النكاح بغير إذن سيده، فإن فعل ففيه روايتان: أظهرهما البطلان. وهو قول: عثمان، وابن عمر، والشافعي. وعنه: موقوف على إجازة السيد، وهو قول أصحاب الرأي. انتهى.
"فلو وطئ" في نكاح لم يأذن فيه سيده
"وجب في رقبته مهر المثل" لأن قيمة البضع الذي أتلفه بغير حق أشبه أرش الجناية.
ـــــــ
1 القصص من الآية/ 27.

فصل وتملك الزوجة بالعقد جميع المسمى
:
لحديث: "إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك" ولأن النكاح عقد يملك فيه المعوض بالعقد، فملك به العوض كاملاً، وسقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول لا يمنع وجوب جميعه بالعقد.
"ولها نماؤه إن كان معيناً" متميزاً من حين العقد، لأنه نماء ملكها، ولحديث: "الخراج بالضمان" .
"ولها التصرف فيه" ببيع ونحوه، لأنه ملكها، إلا نحو مكيل قبل قبضه.
"وضمانه ونقصه عليها" لتمام ملكها عليه، إلا نحو مكيل.
"إن لم يمنعها قبضه" فإن منعها ضمن، لأنه كالغاصب بالمنع.
"وإن أقبضها الصداق، ثم طلق قبل الدخول، رجع عليها بنصفه إن كان باقياً" ولم يزد ولم ينقص، لما يأتي.
"وإن كان قد زاد زيادة منفصلة" كحمل وولادة
"فالزيادة لها" لأنها نماء ملكها، ويرجع في نصف الأصل، لعدم ما يمنعه.
"وإن كان تالفاً رجع في المثلي بنصف مثله، وفي المتقوم بنصف قيمته يوم العقد" ويشارك بما يرجع به الغرماء كسائر الديون.

"والذي بيده عقدة النكاح الزوج" لا ولي الصغيرة. روي عن علي وابن عباس وجبير بن مطعم، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "ولي العقد الزوج" . رواه الدارقطني. ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج، لتمكنه من قطعه وإمساكه، وليس إلى الولي منه شيء، ولقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 1 والعفو الذي هو أقرب للتقوى: هو: عفو الزوج من حقه. وأما عفو الولي عن مال المرأة فليس هو أقرب للتقوى. وعنه: أنه الأب، فله أن يعفو عن نصف صداق الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول. قال في الكافي: والمذهب الأول، قال أبو حفص: ما أرى القول الأول إلا قديماً.
"فإذا طلق قبل الدخول: فأي الزوجين عفا لصاحبه عما وجب له من" نصف.
"المهر، وهو جائز التصرف" بأن كان مكلفاً رشيداً
"برئ منه صاحبه" لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 1. وقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 2.
"وإن وهبته صداقها قبل الفرقة، ثم حصل ما ينصفه: كطلاق" وخلع.
"رجع عليها ببدل نصفه، وإن حصل ما يسقطه" كردتها، ورضاعها
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.
2 النساء من الآية/ 4.

من ينفسخ به نكاحها، ولعانها، وفسخه لعيبها، وفسخها لعيبه أو إعساره، أو عدم وفائه بشرط شرط عليه في النكاح قبل الدخول.
"رجع ببدل جميعه" لأن عود نصف الصداق، أو كله إلى الزوج بالطلاق، أو الردة، وهما غير الجهة المستحق بها الصداق أولاً، فأشبه ما لو أبرأ إنساناً آخر من دين، ثم ثبت له عليه مثله من وجه آخر، وكما لو اشتراه من زوجته، ثم طلقها أو ارتدت فإنه يرجع عليها ببدل نصفه أو كله.

فصل فيما يسقط الصداق وينصفه ويقرره
:
"يسقط كله قبل الدخول حتى المتعة" أي: ولا يجب متعة بدلاً عنه.
"بفرقة اللعان" لأن الفسخ من قبلها، لأنه إنما يكون إذا تم لعانها،
"وبفسخه لعيبها" لتلف المعوض قبل تسليمه، فسقط العوض كله: كتلف مبيع بنحو كيل قبل تسليمه.
"وبفرقة من قبلها: كفسخها لعيبه، وإسلامها تحت كافر، وردتها تحت مسلم، ورضاعها من ينفسخ به نكاحها" لحصول الفرقة بفعلها، وهي المستحقة للصداق، فسقط به.
"ويتنصف بالفرقة من قبل الزوج: كطلاقه، وخلعه، وإسلامه، وردته" لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 1 الآية. وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج، لأنه في معناه، ذكره في الكافي.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.

"وبملك أحدهما الآخر" فإن اشترته تم البيع بالسيد، وهو قائم مقام الزوج، فلم تنمحض الفرقة من جهتها.
"أو قبل أجنبي كرضاع" أمه أو أخته، ونحوهما زوجة له صغرى رضاعاً محرماً.
"ونحوه" كوطء أبي الزوج، أو ابنة الزوجة، وكذا لو طلق حاكم على مؤل قبل دخول، لأنه لا فعل للزوجة في ذلك، فيسقط به صداقها، ويرجع الزوج بما لزمه على المفسد، لأنه قرره عليه.
"ويقرره كاملاً موت أحدهما" لبلوغ النكاح نهايته، فقام ذلك مقام الاستيفاء في تقرير المهر، ولأنه أوجب العدة فأوجب كمال المهر كالدخول، ولحديث بروع، ويأتي.
"ووطؤه" أي: وطء زوج زوجته، لأنه استوفى المقصود فاستقر عليه عوضه.
"ولمسه لها، ونظره إلى فرجها لشهوة" نص عليه، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ...} 1 الآية. وحقيقة المس: التقاء البشرتين. وعن محمد ابن عبد الرحمن بن ثوبان مرفوعاً: "من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق، دخل بها، أو لم يدخل" . رواه الدارقطني.
"وبطلاقها في مرض ترث فيه" لأنه نوع استمتاع، أشبه الوطء.
"وتقبيلها، ولو بحضرة الناس" لأنه يجب عليها عدة الوفاة إذاً، ومعاملة له بضد قصده، كالفار بالطلاق من الإرث، والقاتل.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.

"وبخلوته بها عن مميز، إن كان يطأ مثله" كابن عشر فأكثر
"ويوطأ مثلها" كبنت تسع فأكثر، مع علمه بها ولم تمنعه، وإن لم يطأها. روي عن الخلفاء الراشدين، وزيد وابن عمر. روى الإمام أحمد والأثرم عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق باباً، أو أرخى ستراً، فقد وجب المهر، ووجبت العدة ورواه أيضاً عن الأحنف عن ابن عمر وعلي. وهذه قضايا اشتهرت، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان كالإجماع. ولأنها سلمت نفسها التسليم الواجب عليها، فاستقر صداقها. وأما قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ...} 1 فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة، بدليل ما سبق. و أما قوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} 2 فعن الفراء أنه قال: الإفضاء: الخلوة، دخل بها أو لم يدخل، لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء، وهو: الخالي، فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.
2 النساء من الآية/ 21.

فصل وإذا اختلفا في قدر الصداق
:
"أو جنسه، أو ما يستقر به، فقول الزوج أو وارثه" بيمينه لأنه منكر، لحديث: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر" ولأن الأصل براءته مما يدعى عليه.
"وفي القبض أو تسمية المهر" بأن قال: لم أسم لك مهراً، وقالت: بل سميت لي قدر مهر المثل.

"فقولها أو وارثها" لأن الأصل عدم القبض، ولأن الظاهر تسميته.
"وإن تزوجها بعقدين على صداقين: سر، وعلانية، أخذ بالزائد" مطلقاً، لأنه إن كان السر أكثر فقد وجب بالعقد، ولم يسقطه العلانية، وإن كان العلانية أكثر فقد بذل لها الزائد فلزمه، كما لو زادها في صداقها بعد تمام العقد، لقوله تعالى: {...فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ...} 1
"وهدية الزوج ليست من المهر" نص عليه.
"فما قبل العقد إن وعدوه لم يفوا رجع بها" قاله الشيخ تقي الدين. فإن كان الإعراض منه أو ماتت فلا رجوع له.
"وترد الهدية في كل فرقة اختيارية مسقطة للمهر" كفسخ لعيب ونحوه قبل الدخول، لدلالة الحال على أنه وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال ملك الرجوع، كالهبة بشرط الثواب.
"وتثبت كلها" أي: الهدية
"مع مقرر له" أي: المهر، كوطء، وخلوة
"أو لنصفه" كطلاق ونحوه، لأنه المفوت على نفسه.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 24.

فصل لمن زوجت بلا مهر
:
وهي: المفوضة. والتفويض: الإهمال، كأن المهر أهمل حيث لم يسم - قال الشاعر:
لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم1
أي: مهملين مهر مثلها، والعقد صحيح في قول عامة أهل العلم.
قاله في الشرح، لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً...} 2. وعن ابن مسعود: أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يدخل بها حتى مات. فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي، فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بروع بنت واشق - امرأة منا - مثل ما قضيت. رواه أبو داود والترمذي، وصححه. وعن عقبة بن عامر أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟" قال: نعم. وقال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلاناً؟" قالت: نعم. فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يعطها شيئاً. فلما حضرته الوفاة، قال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
1 وتتمة البيت: ولا سراة إذا جهالهم سادوا.
2 البقرة من الآية/ 236.

زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقاً. ولم أعطها شيئاً فأشهدكم أني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهماً، فباعته بمائة ألف. رواه أبو داود
"أو بمهر فاسد" كخمر، أو خنزير.
"فرض مهر مثلها عند الحاكم" قبل الدخول وبعده، لأن النكاح لا يخلو من مهر. قال في الشرح: ولا نعلم فيه مخالفاً. انتهى. ولأن الزيادة على مهر المثل ميل على الزوج، والنقص عنه ميل على الزوجة، والميل حرام.
"فإن تراضيا فيما بينهما، ولوعلى قليل صح، ولزم" لأن الحق لا يعدوهما.
"فإن حصلت لها فرقة منصفة للصداق في فرضه، أو تراضيهما وجبت لها المتعة" نص عليه. وهو قول ابن عمر، وابن عباس، لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ...} 1. والأمر يقتضي الوجوب، وأداء الواجب من الإحسان، فلا تعارض ولا متعة لغيرها في ظاهر المذهب، لأنه لما خص بالآية من لم يفرض لها، ولم يمسها دل على أنها لا تجب لمدخول بها ولا مفروض لها. وقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 2. فخص الأولى بالمتعة، والثانية بنصف المفروض، مع
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 236.
2 البقرة من الآية/ 237.

تقسيمه النساء قسمين، فدل على اختصاص كل قسم بحكمه. وروى عنه حنبل: لكل مطلقة متاع. روي عن علي وغيره لقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} 1 وقال تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} 2. قال أبو بكر: العمل عندي على هذه الرواية، لو لا تواتر الروايات عنه بخلافها، فتعين حمل هذه الرواية على الاستحباب، جمعاً بين دلالة الآيات. ذكر معناه في الكافي و الشرح، قال في الكافي: فأما المتوفى عنها فلا متعة لها، بغير خلاف، لأن الآية لم تتناولها، ولا هي في معنى المنصوص عليه، والمتعة معتبرة بحال الزوج
"على الموسر قدره، وعلى المقتر قدره" نص عليه، للآية.
"فأعلاها خادم" إذا كان الزوج موسراً.
"وأدناها: كسوة تجزئها في صلاتها إذا كان معسراً" وأوسطها: ما بين ذلك، لقول ابن عباس: أعلى المتعة: خادم، ثم دون ذلك النفقة، ثم دون ذلك الكسوة. وهذا تفسير من الصحابي، فيجب الرجوع إليه. قاله في الكافي.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 241.
2 الأحزاب من الآية/ 49.

فصل ولا مهر في النكاح الفاسد إلا بالخلوة أو الوطء
:
لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه ولم يستوف المعقود عليه، أشبه البيع الفاسد والإجارة الفاسدة إذا لم يتسلم.
"فإن حصل أحدهما" أي: الخلوة، أو الوطء.
"استقر المسمى إن كان" نص عليه، لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة: "... ولها الذي أعطاها بما أصاب منها" قال القاضي: حدثناه أبو بكر البرقاني، وأبو محمد الخلال بإسنادهما. ولاتفاقهما على أن المهر واستقراره بالخلوة بقياسه على النكاح الصحيح.
"وإلا فمهر المثل" وقال في الشرح: ولا يستقر بالخلوة في قول الأكثر.
"ولا مهر في النكاح الباطل" بالإجماع، كنكاح خامسة، أو ذات زوج، أو معتدة،
"إلا بالوطء في القبل" لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلها المهر بما استحل من فرجها" أي: نال منه، وهو: الوطء. ولأنه إتلاف لبضع بغير رضى مالكه، فأوجب القيمة، وهو: المهر، كسائر المتلفات.
"وكذا الموطوءة بشبهة، والمكرهة على الزنى" فيجب لكل منهما مهر المثل بالوطء لذلك.

"لا المطاوعة" على الزنى، فلا يجب لها المهر، لأنه إتلاف بضع برضى مالكه، فلم يجب له شيء كسائر المتلفات.
"ما لم تكن أمة" فيجب لسيدها مهر مثلها على زان بها، ولو مطاوعة، لأنها لا تملك بضعها، فلا يسقط حق سيدها بطواعيتها.
"ويتعدد المهر بتعدد الشبهة" كأن وطئها ظاناً أنها زوجته خديجة، ثم وطئها ظاناً أنها زوجته زينب، ثم وطئها ظاناً أنها سريته، فيجب لها ثلاثة مهور.
"و" يتعدد المهر بتعدد.
"الإكراه" فإن اتحدت الشبهة أو الإكراه، وتعدد الوطء فمهر واحد.
"وعلى من أزال بكارة أجنبية بلا وطء أرش البكارة" لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير عوضه، فيرجع فيه إلى أرشه كسائر المتلفات، وهو ما بين مهرها بكراً وثيباً.
وقيل: أرشه حكومة.
"وإن أزالها الزوج، ثم طلق قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف المسمى إن كان" لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ...} 1 الآية. وهذه مطلقة قبل المسيس والخلوة، فليس لها إلا نصف المسمى.
"وإلا فالمتعة" لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ...} 2.
"ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد" كالنكاح بلا ولي.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.
2 البقرة من الآية/ 236.

"قبل الفرقة" بطلاق أو فسخ لأنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتاج إلى إيقاع فرقة، كالصحيح المختلف فيه، بخلاف النكاح الباطل.
"فإن أباها الزوج فسخها الحاكم" نص عليه، لقيامه قيام الممتنع. وللزوجة قبل الدخول منع نفسها من زوجها، حتى تقبض مهرها الحال، مسمى لها كانت، أو مفوضة. حكاه ابن المنذر إجماعاً. ولها النفقة زمن منع نفسها، لقبضه، لأن المنع من قبل الزوج. نص عليه. لا مهرها المؤجل، ولو حل، لأنها رضيت بتأخيره.

باب الوليمة وآداب الأكل

باب الوليمة وآداب الأكل:
"وليمة العرس سنة مؤكدة" لأنه صلى الله عليه وسلم، فعلها - كما في حديث أنس - وأمر بها عبد الرحمن بن عوف حين قال له: تزوجت. فقال له: "أولم ولو بشاة" متفق عليهما.
قال في الشرح: وليست واجبة في قول الأكثر.
"والإجابة إليها في المرة الأولى واجبة، إن كان لا عذر ولا منكر" قال ابن عبد البر: لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها، إذا لم يكن فيها لهو، لقوله صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى إليها الأغنياء، ويترك الفقراء. ومن لم يجب، فقد عصى الله ورسوله" . وعن ابن عمر مرفوعاً: "أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها" . وكان ابن عمر يأتي الدعوى في العرس وغير العرس، ويأتيها وهو صائم. متفق عليهما. وإن علم أن في الدعوى منكراً:

كزمر وخمر وآلة لهو، وأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، لأنه يجمع بين واجبين: إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر. وإن لم يمكنه الإنكار لم يحضر، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر" رواه أحمد.
"وفي الثانية: سنة. وفي الثالثة: مكروهة" لحديث: "الوليمة أول يوم: حق، والثاني: معروف، والثالث: رياء وسمعة" . رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.
"وإنما تجب" الإجابة للوليمة،
"إذا كان الداعي مسلماً يحرم هجره" بخلاف، نحو رافضي، ومتجاهر بمعصية.
"وكسبه طيب. فإن كان في ماله حرام، كرهت إجابته، ومعاملته، وقبول هديته" وهبته، وصدقته.
"وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته" جزم به في المغني و الشرح وغيرهما.
"وإن دعاه اثنان فأكثر، وجبت عليه إجابة الكل، إن أمكنه الجمع" بأن اتسع الوقت،
"وإلا" يمكن الجمع،
"أجاب: الأسبق قولاً" لوجوب إجابته بدعائه، فلا يسقط بدعاء من بعده،
"فالأدين" لأنه الأكرم عند الله،
"فالأقرب رحماً" لما في تقديمه من صلته،

"فجواراً" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما باباً، فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً، فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق" . رواه أحمد، وأبو داود.
"ثم يقرع" إن استويا، أو استووا في ذلك، فيقدم من خرجت له القرعة، لأنها تميز المستحق عند استواء الحقوق.
"ولا يقصد بالإجابة نفس الأكل، بل ينوي الإقتداء بالسنة، وإكرام أخيه المؤمن، ولئلا يظن به التكبر" رجاء أن يثاب على نيته.
"ويستحب أكله ولو صائماً" تطوعاً، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم: كان في دعوة، وكان معه جماعة، فاعتزل رجل من القوم ناحية، فقال صلى الله عليه وسلم: "دعاكم أخوكم وتكلف لكم. كل يوماً، ثم صم يوماً مكانه إن شئت" .
"إلا صوماً واجباً" فلا، لأنه يحرم قطعه، لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 1 وعن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليدع، وإن كان مفطراً فليطعم" رواه أبو داود. ويستحب إعلامهم بصيامه، لأنه يروى عن عثمان وابن عمر. وليعلموا عذره، وتزول التهمة.
"وينوي بأكله وشربه التقوي على الطاعة" لتنقلب العادة عبادة.
"ويحرم الأكل بلا إذن صريح أو قرينة، ولو من بيت قريبه أو صديقه" لحديث ابن عمر مرفوعاً: "من دخل على غير دعوة، دخل سارقاً، وخرج مغيراً" رواه أبو داود. وقال في الآداب: ويباح الأكل من بيت القريب
ـــــــ
1 محمد من الآية/ 33.

والصديق من مال غير محرز عنه، إذا علم أو ظن رضي صاحبه بذلك، نظراً إلى العادة والعرف.
"والدعاء إلى الوليمة، وتقديم الطعام إذن في الأكل" حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دعي أحدكم إلى طعام، فجاء مع الرسول، فذلك إذن لك" . رواه أحمد وأبو داود، وقال ابن مسعود: "إذا دعيت فقد أذن لك" رواه أحمد.
"ويقدم ما حضر من الطعام من غير تكلف" لما روى أحمد في المسند: أن سلمان دخل عليه رجل، فدعا له بما كان عنده، فقال: لو لا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهانا - أو قال: لو لا أنا نهينا - أن يتكلف أحدنا لصاحبه، لتكلفنا لك. ويباح النثار والتقاطه، لأنه صلى الله عليه وسلم: نحر خمس بدنات، وقال: "من شاء اقتطع" رواه أحمد وأبو داود. وهذا جار مجرى النثار، لأنه نوع إباحة. وعنه: يكره، لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة. رواه أحمد والبخاري. ولأن فيه دناءة. وخبر البدنات يدل على إباحته في الجملة. ومن أخذ منه شيئاً ملكه، لأنه نوع إباحة، أشبه ما يأكله الضيفان. وإن قسم على الحاضرين كان أولى بلا خلاف، لقول أبي هريرة: قسم النبي، صلى الله عليه وسلم، يوماً بين أصحابه تمراً، فأعطى كل إنسان سبع تمرات... الحديث، رواه البخاري. وفرق الإمام أحمد على الصبيان الجوز، لكل واحد خمسة خمسة، لما حذق ابنه حسن.
"ولا يشرع تقبيل الخبز" لحديث عائشة: دخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرأى كسرة ملقاة، فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: "يا عائشة، أكرمي كريمك، فإنها ما نفرت عن قوم، فعادت إليهم" .

رواه ابن ماجه. ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له بنحوه، ولفظه: "أحسني جوار نعم الله عليك" . قال في الآداب: فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل، لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان.
"وتكره إهانته، ومسح يديه به، ووضعه تحت القصعة" نص عليه، لما تقدم، وكره أحمد الخبز الكبار، وقال: ليس فيه بركة. ويجوز قطع اللحم بالسكين، لما روى البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتز من كتف شاة... الحديث. احتج به أحمد. وسئل عن حديث النهي عنه، فقال: ليس بصحيح.

فصل ويستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده
:
لحديث أنس مرفوعاً: "من أحب أن يكثر خير بيته، فليتوضأ إذا حضر غداؤه، وإذا رفع" . إسناده ضعيف. رواه ابن ماجه وغيره. وعن سلمان مرفوعاً: "بركة الطعام: الوضوء قبله وبعده" . قال جماعة من العلماء: المراد بالوضوء هنا: غسل اليدين، لا الوضوء الشرعي. وعنه: يكره قبله. اختاره القاضي. قال الشيخ تقي الدين: من كرهه، قال: هذا من فعل اليهود، فيكره التشبه بهم.
"وتسن التسمية جهراً على الطعام والشراب" لحديث عائشة مرفوعاً: "إذا أكل أحدكم، فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره" . وقيس عليه الشرب.

"وأن يجلس على رجله اليسرى، وينصب اليمنى" لأنه صلى الله عليه وسلم جثا عند الأكل، وقال: "أما أنا فلا آكل متكأً" . رواه مسلم. أي: بل مستوفزاً بحسب الحاجة. وعن أنس: أنه صلى الله عليه وسلم أكل مقعياً تمراً - وفي لفظ - يأكل منه أكلاً ذريعاً رواه مسلم.
"أو يتربع" وجعل بعضهم التربع من الاتكاء.
"ويأكل بيمينه بثلاثة أصابع مما يليه" لقوله صلى الله عليه وسلم، لعمر بن أبي سلمة: "يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" . متفق عليه. وعن كعب بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها" رواه الخلال.
"ويصغر اللقمة، ويطيل المضغ" قال الشيخ تقي الدين: على أن هذه المسألة لم أجدها مأثورة، ولا عن أبي عبد الله، لكن فيها مناسبة. وقال أيضاً: نظير هذا ما ذكره الإمام أحمد من استحباب تصغير الأرغفة. نقله عنه في الآداب.
"ويمسح الصحفة" لحديث جابر: أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بلعق الأصابع والصحفة، وقال: "إنكم لا تدرون في أية البركة" رواه مسلم.
"ويأكل ما تناثر" لحديث جابر مرفوعاً: "إذا وقعت لقمة أحدكم، فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذىً، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان..." . الحديث، رواه مسلم.
"ويغض طرفه عن جليسه" لئلا يستحي.

"ويؤثر المحتاج" لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ...} 1 الآية.
"ويأكل مع الزوجة والمملوك والولد ولو طفلاً" لقول عائشة "كنت أتعرق العرق، فأناوله النبي، صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في..". الحديث. "وأكل معه صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة وهو صغير".
"ويعلق أصابعه" لما تقدم.
"ويخلل أسنانه" لما روي عن ابن عمر: "ترك الخلال يوهن الأسنان" ورفعه بعضهم. وفي حديث: "تخللوا من الطعام، فإنه ليس شيء أشد على الملك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح الطعام" .
"ويلقي ما أخرجه الخلال، ويكره أن يبتلعه، فإن قلعه بلسانه لم يكره" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبلع. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج" . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
"ويكره نفخ الطعام" والشراب. قال في الآداب: أطلقه الأصحاب، لظاهر الخبر. انتهى. وعن ابن عباس مرفوعاً: "نهى أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه".
"وكونه حاراً" لأنه لا بركة فيه. وقال أبو هريرة: "لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره" رواه البيهقي بإسناد حسن.
"وأكله بأقل" من ثلاث أصابع لأنه كبر،
ـــــــ
1 الحشر من الآية/ 9.

"أو أكثر من ثلاث أصابع" لأنه شره. ولم يصحح الإمام أحمد حديث أكله صلى الله عليه وسلم بكفه كلها.
"أو بشماله" بلا ضرورة، لأنه تشبه بالشيطان. وذكره النووي في الشرب إجماعاً. وذكر ابن عبد البر وابن حزم: أن الأكل بالشمال محرم، لظاهر الأخبار.
"أو من أعلى الصحفة: أو وسطها" لقوله: "... وكل مما يليك..." . وعن ابن عباس مرفوعاً: "إذا أكل أحدكم طعاماً، فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن ليأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها" وفي لفظ آخر "كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها، يبارك فيها" رواهما ابن ماجه.
"ونفض يده في القصعة، وتقديم رأسه إليها عند وضع اللقمة في فمه" لأنه ربما سقط منه شيء فيها فيقذرها.
"وكلامه بما يستقذر" إذا أكل مع غيره، أو بما يضحكهم أو يحزنهم. قاله الشيخ عبد القادر. وكذا فعله ما يستقذر: كتمخط.
"وأكله متكئاً، أو مضطجعاً" لما تقدم. وقال ابن هبيرة: أكل الرجل متكئاً يدل على استخفافه بنعمة الله. وعن ابن عمر نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل وهو منبطح على بطنه رواه أبو داود.
"وأكله كثيراً بحيث يؤذيه" لحديث: "ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن..". الحديث، رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وعن سمرة بن جندب أنه قيل له: إن ابنك بات البارحة بشماً، فقال: أما لو مات

لم أصل عليه قال الشيخ تقي الدين: يعني: أنه أعان على قتل نفسه. انتهى. فإن لم يؤذه جاز، لقوله، صلى الله عليه وسلم، لأبي هريرة "اشرب" - أي: من اللبن - فشرب، ثم أمره ثانياً، وثالثاً، حتى قال: والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغاً" رواه البخارى.
"أو قليلاً بحيث يضره" لحديث "لاضرر ولا ضرار" وقيل لأحمد هؤلاء الذين يأكلون قليلاً، ويقللون طعامهم. قال: ما يعجبني، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: فعل قوم هكذا فقطعهم عن الفرض. رواه الخلال.
"ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب والمروءة، ومع الفقراء بالإيثار، ومع العلماء بالتعليم، ومع الإخوان بالانبساط، وبالحديث الطيب والحكايات التي تليق بالحال" إذا كانوا منقبضين. قال معناه الإمام أحمد. وقال جعفر بن محمد: قال لي أحمد: كل. فلما رأى ما نزل بي قال: إن الحسن كان يقول: والله لتأكلن، وكان ابن سيرين
يقول: إنما وضع الطعام ليؤكل، وكان إبراهيم بن أدهم يبيع ثيابه، وينفقها على أصحابه. قال: فانبسطت فأكلت، فقال: لتأكلن هذه، انتهى.
"وما جرت به العادة من إطعام السائل ونحو الهر، ففي جوازه وجهان" قال في الآداب و الفروع: والأولى جوازه، لحديث أنس في الدباء وفيه "فجعلت أجمع الدباء بين يديه" رواه البخاري. وقال: قال ابن المبارك: لا بأس أن يناول بعضهم بعضاً، ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى.

فصل ويسن أن يحمد الله إذا فرغ من أكله أو شربه
:
لحديث: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم.
"ويقول: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة" لحديث معاذ بن أنس الجهني مرفوعاً: "من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه ابن ماجه.
"ويدعو لصاحب الطعام" لقول جابر: صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي، صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعاه وأصحابه، فلما فرغوا، قال: "أثيبوا أخاكم" . قالوا: يا رسول الله: وما إثابته؟ قال: "إن الرجل إذا دخل بيته، وأكل طعامه، وشرب شرابه، فدعوا له، فذلك إثابته" رواه أبو داود. ويؤيده حديث: "ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه" .
"ويفضل منه شيئاً ولا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته" أو كان ثم حاجة. قال أبو أيوب كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا أتي بطعام أكل، وبعث بفضله إلي. فيسأل أبو أيوب عن موضع أصابعه، فيتبع موضع أصابعه.
"ويسن إعلان النكاح والضرب عليه بدف لا حلق فيه ولا صنوج"

لحديث عائشة مرفوعاً: "أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالغربال" رواه ابن ماجه. وحديث "فصل ما بين الحلال والحرام: الدف، والصوت في النكاح" رواه الخمسة، إلا أبا داود. قال الموفق:
"للنساء" وفي الرعاية:
"ويكره للرجال" مطلقاً. قال في الفروع: وظاهر نصوصه، وكلام الأصحاب: التسوية. انتهى. وهو ظاهر النصوص.
"ولا بأس بالغزل في العرس" لقوله، صلى الله عليه وسلم، للأنصار.
"أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم
ولو لا الذهب الأحمر ... لما حلت بواديكم
ولو لا الحبة السوداء ... ما سرت عذاريكم"
وكان صلى الله عليه وسلم، يكره نكاح السر حتى يضرب بدف، ويقال:
"أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم"
رواه عبد الله بن أحمد في المسند.

باب عشرة النساء

باب عشرة النساء:
"يلزم كلاً من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الأذى، وأن لا يمطله بحقه" لقوله تعالى: {...وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...} 1 وقوله: {...وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ...} 2 قال بعضهم: التماثل هنا في تأدية كل منهما ما عليه لصاحبه. وفي حديث: "استوصوا بالنساء خيراً" رواه مسلم.
"وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه" لقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} 3 وحديث: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذي.
"وليكن غيوراً من غير إفراط" لحديث جابر بن عتيك مرفوعاً: "إن من الغيرة ما يحب الله، ومن الغيرة ما يبغض الله. ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله: فالغيرة في الريبة. وأما الغيرة التي يبغض الله: فالغيرة في غير الريبة.." . الحديث، رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
"وإذا تم العقد وجب على المرأة أن تسلم نفسها لبيت زوجها إذا
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 19.
2 البقرة من الآية/ 228.
3 البقرة من الآية/ 228.

طلبها وهي حرة" وأما الأمة مع الإطلاق، فلا يجب تسليمها إلا ليلاً. نص عليه.
"يمكن الاستمتاع بها كبنت تسع" نص عليه في رواية أبي الحارث. وذهب في ذلك إلى أن النبي، صلى الله عليه وسلم بني بعائشة وهي بنت تسع سنين.
"إن لم تشترط دارها" فإن شرطتها فلها الفسخ إن نقلها عنها للزوم الشرط.
"ولا يجب عليها التسليم إن طلبها وهي محرمة" بحج أو عمرة.
"أو مريضة، أو صغيرة، أو حائض، ولو قال: لا أطأ" هذه الأعذار تمنع الاستمتاع بها، ويرجى زوالها، أشبه ما لو طلب تسليمها في نهار رمضان. فإن طرأ الإحرام، أو المرض، أو الحيض بعد الدخول فليس لها منع نفسها من زوجها مما يباح له منها.

فصل وللزوج أن يستمتع بزوجته كل وقت
:
على أي صفة كانت" لقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 1 قال جابر: من بين يديها، ومن خلفها، غير أن لا يأتيها إلا في المأتى متفق عليه. وحديث: "إذا باتت المرأة هاجرةً فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" متفق عليه.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 223.

"ما لم يضرها أو يشغلها عن الفرائض" لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" .
"ولا يجوز لها أن تتطوع بصلاة أو صوم وهو حاضر إلا بإذنه" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" متفق عليه.
"وله الاستمناء بيدها" كذا قال. وقال في شرح الإقناع في باب التعزير: لأنه كتقبيلها.
"والسفر بلا إذنها" لأنه لا ولاية لها عليه.
"ويحرم وطؤها في الدبر" في قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، لحديث: "إن الله لا يستحي من الحق. لا تأتوا النساء في أعجازهن" رواه ابن ماجه.
"ونحو الحيض" يحرم وطؤها فيه إجماعاً، لقوله تعالى: {...فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 1. وحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد، صلى الله عليه وسلم" رواه الأثرم.
"وعزله عنها بلا إذنها" نص عليه. وهو: أن ينزل الماء خارجاً عن الفرج، لما فيه من تقليل النسل، ومنع الزوجة من كمال الاستمتاع. وعن ابن عمر: "نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها" رواه أحمد وابن ماجه.
"ويكره أن يقبلها أو يباشرها عند الناس" لأنه دناءة.
"أو يكثر الكلام حال الجماع" قياساً على التخلي، ولحديث: "لا تكثروا
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 222.

الكلام عند مجامعة النساء فإنه منه يكون الخرس والفأفأة" رواه أبو حفص. وكره الوطء متجردين، لحديث: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجرد تجرد العيرين" رواه ابن ماجه. ويكره بحيث يراه أو يسمعه غير طفل لا يعقل. قال أحمد: كانوا يكرهون الوجس، وهو: الصوت الخفي. وكره نزعه قبل فراغها، لحديث أنس مرفوعاً، وفيه: "ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها" رواه أحمد وأبو حفص.
"أو يحدثا بما جرى بينهما" لنهيه صلى الله عليه وسلم، عنه رواه أبو داود وغيره.
"ويسن أن يلاعبها قبل الجماع" لتنهض شهوتها، وتنال من لذة الجماع مثل ما يناله.
"وأن يغطي رأسه" عند الجماع، وعند الخلاء. قال في الفروع: ذكره جماعة.
"وأن لا يستقبل القبلة" عند الجماع، لأن عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك. قاله في الشرح.
"وأن يقول عند الوطء: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا" قال عطاء في قوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} 1. هي التسمية عند الجماع. وعن ابن عباس مرفوعاً: "لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فولد بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبداً" متفق عليه.
"وأن تتخذ المرأة خرقة تناولها للزوج بعد فراغه من الجماع" ليمسح بها. وهو مروي عن عائشة.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 223.

فصل وليس عليها خدمة زوجها في عجن وخبز وطبخ ونحوه
:
نص عليه، لأن المعقود عليه منفعة البضع، فلا يملك غيره من منافعها.
"لكن الأولى لها فعل ما جرت به العادة" وأوجب الشيخ تقي الدين المعروف من مثلها لمثله. وفي حديث عائشة مرفوعاً: "ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان نولها أن تفعل" رواه أحمد وابن ماجه.
"وله أن يلزمها بغسل نجاسة عليها، وبالغسل من الحيض. والنفاس والجنابة" واجتناب المحرمات إذا كانت مكلفة.
"وبأخذ ما يعاف من ظفر وشعر" قال القاضي: رواية واحدة، لأنه يمنع كمال الاستمتاع.
"ويحرم عليها الخروج بلا إذنه، ولو لموت أبيها" لحديث أنس أن رجلاً سافر، ومنع زوجته من الخروج، فمرض أبوها: فاستأذنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حضور جنازته، فقال لها: "اتقي الله ولا تخالفي زوجك" . فأوحى الله إليه: "أني قد غفرت لها بطاعتها زوجها" . رواه ابن بطة في أحكام النساء. وقال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها. ويستحب إذنه لها في عيادتهما، وشهود جنازتهما، لما فيه من صلة

الرحم، والمعاشرة بالمعروف. ومنعها يؤدي إلى النفور، ويغري بالعقوق.
"لكن لها أن تخرج لقضاء حوائجها" التي لا بد لها منها، للضرورة.
"ولا يملك منعها من كلام أبويها، ولا منعهما من زيارتها" لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
"ما لم يخف منهما الضرر" فله المنع دفعاً للضرر.
"ولا يلزمها طاعة أبويها" في فراقه ومخالفته.
"بل طاعة زوجها أحق" لوجوبها عليها.

فصل ويلزمه أن يبيت عند الحرة بطلبها ليلة من أربع ليال
:
إن لم يكن له عذر. لقوله، صلى الله عليه وسلم، لعبد الله بن عمرو: "إن لزوجك عليك حقاً" متفق عليه. وروى الشعبي أن كعب بن سوار كان جالساً عند عمر بن الخطاب، فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين، ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي. والله إنه ليبيت ليله قائماً، ويظل نهاره صائماً. فاستغفر لها، وأثنى عليها، واستحيت المرأة، وقامت راجعة. فقال كعب: يا أمير المؤمنين: هلا أعديت المرأة على زوجها فلقد أبلغت إليك في الشكوى. فقال لكعب: اقض بينهما، فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم. قال: فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن. فأقضي بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن، ولها يوم

وليلة. فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر، اذهب فأنت قاض على البصرة وفي لفظ: نعم القاضي أنت رواه سعيد. وهذه قضية اشتهرت فلم تنكر، فكانت إجماعاً.
"والأمة ليلة من سبع" لأن أكثر ما يمكنه جمعه معها ثلاث حرائر، لهن ست، ولها السابعة. والصحيح: أن لها ليلة من ثمان، نصف ما للحرة، لأن زيادتها على ذلك تخل بالتنصيف. وزيادة الحرة على ليلة من أربع زيادة على الواجب، فتعين ما ذكرنا. قاله في الكافي.
"وأن يطأ في كل ثلث سنة مرة إن قدر" وطلبته، لأن الله تعالى قدر ذلك بأربعة أشهر في حق المؤلي، فكذلك في حق غيره، لأن اليمين لا توجب ما حلف عليه، فدل أن الوطء واجب بدونها.
"فإن أبى" الوطء أو البيتوتة الواجبين.
"فرق الحاكم بينهما إن طلبت" نص عليه في رواية ابن منصور، في رجل تزوج امرأة، ولم يدخل بها، يقول: غداً أدخل بها، غداً أدخل بها إلى شهر، هل يجبر على الدخول؟ قال: أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها، وإلا فرق بينهما. فجعله كالمؤلي. ولا يصح الفسخ هنا إلا بحكم حاكم، لأنه مختلف فيه.
"وإن سافر فوق نصف سنة في غير أمر واجب" كحج، وغزو واجبين،
"أو طلب رزق يحتاج إليه وطلبت قدومه، لزمه" فإن أبى بلا عذر فرق بينهما بطلبها، لما تقدم.
"ويجب عليه التسوية بين زوجاته في المبيت" قال في الشرح:

ولا نعلم خلافاً في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم. انتهى. لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1. وزيادة إحداهن في القسم ميل. وعن أبي هريرة مرفوعا "من كان له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل" وعن عائشة كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقسم بيننا فيعدل، ثم يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك" رواهما أبو داود.
"ويكون ليلة وليلة" لفعله صلى الله عليه وسلم.
"إلا أن يرضين بأكثر" لأن الحق لا يعدوهن، ولقوله، صلى الله عليه وسلم، لأم سلمة: "فإن سبعت لك سبعت لنسائي" . رواه أحمد، ومسلم. وعماد القسم الليل، إلا لمن معيشته بالليل، كحارس، والنهار يدخل تبعاً، لأن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه. وقالت عائشة قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في بيتي، وفي يومي، وإنما قبض نهاراً. ولزوجة أمة مع حرة، ليلة من ثلاث ليال رواه الدارقطني عن علي، واحتج به أحمد. وقال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم أن القسم بين المسلمة والذمية سواء.
"ويحرم دخوله في نوبة واحدة إلى غيرها إلا لضرورة" كأن تكون منزولاً بها، فيريد أن يحضرها، أو توصي إليه.
"وفي نهارها إلا لحاجة" كعيادة، وسؤال عن أمر يحتاج إليه. فإن لم يلبث، لم يقض، لأنه زمن يسير.
"وإن لبث أو جامع لزمه القضاء" بأن يدخل على المظلومة في ليلة
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 19.

الأخرى، فيمكث عندها بقدر ما مكث عندها تلك الليلة، أو يجامعها إن كان جامع ليعدل بينهما. وليس عليه قضاء قبلة ونحوها، لقول عائشة كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يدخل علي في يوم غيرى، فينال مني كل شيء إلا الجماع.
"وإن طلق واحدة وقت نوبتها أثم" لأنه تسبب بالطلاق إلى إبطال حقها من القسم.
"ويقضيها متى نكحها" لتمكنه من إيفائها حقها، كالمعسر بالدين إذا أيسر.
"ولا يجب أن يسوي بينهن في الوطء ودواعيه" لا نعلم فيه خلافاً قاله في الشرح. لأن الداعي إليه الشهوة والمحبة، ولا سبيل إلى التسوية في ذلك. قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} 1. قال ابن عباس: في الحب والجماع، وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذا قسمي فيما أمللك، فلا تلمني فيما لا أملك" .
"ولا في النفقة والكسوة، حيث قام بالواجب، وإن أمكنه ذلك" وفعله،
"كان حسناً" لأنه أكمل.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 129.

فصل وإذا تزوج بكراً أقام عندها سبعاً وثيباً ثلاثاً:
"ثم يعود إلى القسم بينهن" وتصير الجديدة آخرهن نوبة، لحديث أبي قلابة عن أنس قال: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب، أقام عندها سبعاً، وقسم. وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً، ثم قسم. قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنساً رفعه إلى النبي، صلى الله عليه وسلم أخرجاه.
"وله تأديبهن على ترك الفرائض" قال أحمد: أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من الجنابة، ولا تتعلم القرآن. وعن معاذ مرفوعاً: "أنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخفهم في الله" رواه أحمد.
"ومن عصته وعظها" أي: خوفها الله عز وجل، وذكر لها ما أوجب عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها بالمخالفة من الإثم وسقوط النفقة والكسوة، وما يباح من هجرها وضربها، لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ...} 1.
"فإن أصرت، هجرها في المضجع ما شاء" ما دامت كذلك. قال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك. وقد هجر النبي، صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهراً متفق عليه.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 34.

"وفي الكلام ثلاثة أيام فقط" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" متفق عليه.
"فإن أصرت ضربها ضرباً غير شديد" لحديث عمرو بن الأحوص مرفوعاً وفيه: "...فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح" الحديث، رواه ابن ماجه والترمذي. وصححه. قال ثعلب: غير مبرح، أي: غير شديد. وفي حديث: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها في آخر اليوم" .
"بعشرة أسواط لا فوقها" لحديث "لا يجلد أحدكم فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله تعالى" متفق عليه. ويجتنب الوجه والمواضع المخوفة والمستحسنة، لأن القصد التأديب، لا الإتلاف. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" رواه أحمد وأبو داود. وقال أحمد في الرجل يضرب امرأته: لا ينبغي لأحد أن يسأله، ولا أبوها: لم يضربها؟ للخبر. رواه أبو داود.
"ويمنع من ذلك إن كان مانعاً لحقها" حتى يوفيه، لأنه يكون ظالماً بطلبه حقه مع منعه حقها.

كتاب الخلع
:
وهو: فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها، أو من غيرها، بألفاظ مخصوصة. سمي بذلك لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس من بدنها. قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} 1.
يباح لسوء العشرة لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 2. وإذا كرهت زوجها، وظنت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز الخلع على عوض، للآية. قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدا خالف فيه، إلا بكر بن عبد الله المزني: فإنه زعم أنها منسوخة بقوله: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} الآية3. ولا يفتقر إلى حاكم. روى البخاري ذلك عن عمر وعثمان ويكره مع استقامة الحال، لحديث: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" . رواه الخمسة، إلا النسائي. ويقع، لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا} 4. ويستحب إجابتها إلى
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 187.
2 البقرة من الآية/ 229.
3 النساء من الآية/ 20.
4 النساء من الآية/3.

الخلع حيث أبيح، لقوله، صلى الله عليه وسلم، لثابت بن قيس: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" رواه البخاري. واختلف كلام الشيخ تقي الدين في وجوب إجابته، وألزم بها بعض حكام الشام المقادسة الفضلاء. قاله في الفروع و الإنصاف، لأمره صلى الله عليه وسلم، لثابت بها. ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها فيه، "لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل المختلعة عن حالها".
"وشروطه سبعة:"
"1- أن يقع من زوج يصح طلاقه" مسلما كان أو ذميا، حرا كان أو عبدا، كبيرا أو صغيرا يعقله، لأنه إذا ملك الطلاق - وهو: مجرد إسقاط لا تحصيل فيه - فلأنه يملكه محصلا لعوض أولى.
"2- أن يكون على عوض" فإن خالعها بغير عوض لم يصح. حكاه الشيخ تقي الدين إجماعا. وعنه: يصح بلا عوض. اختارها الخرقي. لكن إن كان بلفظ الطلاق، أو نواه به فهو طلاق رجعي، وإلا لم يقع به شيء.
"ولو مجهولا" كـ: على ما بيدها أو بيتها، كالوصية، لأنه إسقاط لحقه من البضع، وليس بتمليك شيء. والإسقاط تدخله المسامحة، ويكره بأكثر مما أعطاها. روي عن عثمان، لقوله، صلى الله عليه وسلم، في حديث جميلة: "ولا تزدد" رواه ابن ماجه. وعن علي أن النبي، صلى الله عليه وسلم "كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها" رواه أبو حفص. ولا يحرم ذلك، لقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 1 وقالت الربيع: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي،
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 229.

فأجاز ذلك علي عثمان، رضي الله عنه ومثل هذا يشتهر، فيكون إجماعا.
"ممن يصح تبرعه" وهو: المكلف غير المحجور عليه.
"من أجنبي وزوجة" لأنه بذل مال في مقابلة ما ليس بمال ولا منفعة، أشبه التبرع. قال في الشرح: ويصح من الأجنبي من غير إذن المرأة في قول الأكثر.
"لكن لو عضلها ظلما لتختلع لم يصح" والزوجية بحالها، لقوله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} 1. ولا يستحق العوض، لأنها أكرهت عليه بغير حق، للنهي عنه وهو يقتضي الفساد. فإن كان بلفظ الطلاق وقع رجعيا، فإن عضلها لنشوزها، أو تركها فرضا أبيح الخلع وعوضه، لأنه بحق، وكذا مع زناها. نص عليه، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 2 والاستثناء من النهي إباحة.
"3- أن يقع منجزا" فلا يصح تعليقه على شرط، كـ: إن بذلت لي كذا فقد خالعتك، إلحاقا له بعقود المعاوضات، لاشتراط العوض فيه. وقال في الكافي: يصح الخلع منجزا ومعلقا على شرط، لما فيه من معنى الطلاق.
"4- أن يقع على جميع الزوجة" لأنه فسخ، فلا يصح خلع جزء منها، مشاعا كان: كنصفها، أو معينا، كيدها.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 19.
2 النساء من الآية/ 19.

"5- أن لا يقع حيلة لإسقاط يمين الطلاق" أي: فرارا من وقوع الطلاق المعلق على مستقبل، فيحرم خلع الحيلة، ولا يصح، لأن الحيل خداع لا تحل ما حرم الله. قال الشيخ تقي الدين: خلع الحيلة لا يصح على الأصح، كما لا يصح نكاح المحلل، لأنه ليس المقصود منه الفرقة، وإنما يقصد منه بقاء المرأة مع زوجها، والعقد لا يقصد به نقيض مقصوده. انتهى. واختار ابن القيم في إعلام الموقعين أنه: يحرم ويصح، أي: يقع، ونصره من عشرة أوجه.
"6- أن لا يقع بلفظ الطلاق، بل بصيغته الموضوعة له" وتأتي:
"7- أن لا ينوي به الطلاق" فإن كان بلفظ الطلاق، أو نيته وقع رجعيا إن كان دون الثلاث، وبائنا إن كان بعوض يدفع له لبذل العوض في إبانتها، أشبه الخلع.
"فمتى توفرت الشروط كان فسخا بائنا لا ينقض به عدد الطلاق"
روي ذلك عن: ابن عباس، رضي الله عنهما، وطاوس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور، وهو: أحد قولي الشافعي. واحتج ابن عباس بقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 1 ثم قال: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 1 ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 2 فذكر تطليقتين، والخلع، وتطليقة بعدهما، فلو كان الخلع طلاقا لكان رابعا، ولا خلاف في تحريمها بثلاث، ولأنه ليس بصريح في الطلاق، ولا نوى به الطلاق، فصار فسخا كسائر الفسوخ. وعنه: أنه طلقة
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 229.
2 البقرة من الآية/ 230.

بائنة بكل حال. وروي ذلك عن عثمان وعلي وابن مسعود، لكن ضعف أحمد الحديث عنهم فيه، وقال: ليس في الباب شيء أصح من حديث ابن عباس.
"وصيغته الصريحة لا تحتاج إلى نية" لأن الصريح لا يحتاح إليها.
"وهي: خلعت، وفسخت، وفاديت" لأنه ثبت للخلع عرف الاستعمال، والفسخ حقيقة فيه، وورد القرآن بالافتداء.
"والكناية بـ: أريتك، وأبرأتك، وأبنتك" لأنها تحتمل الخلع وغيره.
"فمع سؤال الخلع وبذل العوض يصح بلا نية" لأن قرينة الحال مع الكناية تقوم مقام النية.
"وألا" يكن سؤال، ولا بذل عوض.
"فلا بد منها" أي: النية ممن أتى بكناية خلع، كطلاق ونحوه.
"ويصح بكل لغة من أهلها كالطلاق" لعدم التعبد بلفظه، ولا يحصل بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ من الزوح، لقوله: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة" . رواه البخاري. وفي رواية: فأمره، ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فقد اقتصر على بعض القصة، وعليه يحمل كلام أحمد وغيره، وليس في الخلع رجعة في قول الأكثر. قاله في الشرح. ويلغى شرط رجعة فيه دونه، كالبيع بشرط فاسد. ولا يقع بمعتدة من خلع طلاق، ولو واجهها به، لأنه قول ابن عباس وابن الزبير، ولا يعرف لهما مخالف في عمرهما، فكان إجماعا، ولأنها لا تحل له إلا بعقد جديد، فلم يلحقها طلاقه، كالمطلقة قبل الدخول، وحديث: "المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة" لا يعرف له أصل.

كتاب الطلاق


كتاب الطلاق:
"يباح لسوء عشرة الزوجة" كسوء خلقها، وتضرره بها من غير حصول الغرض بها دفعا للضرر عن نفسه.
"ويسن إن تركت الصلاة ونحوها" وعجز عن إجبارها عليها، وكونها غير عفيفة، لأن في إمساكها نقصا ودناءة، وربما أفسدت عليه فراشه. وعنه: يجب الطلاق هنا، لقوله: أخشى أن لا يحل له المقام مع امرأة لا تصلي - وتقدم - وقال: لا ينبغي إمساك غير عفيفة.
"ويكره من غير حاجة" لإزالته النكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، ولحديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود.
"ويحرم في الحيض ونحوه" كفي طهر أصابها فيه. قال في الشرح: وأجمعوا على تحريمه في الحيض، وفي طهر أصابها فيه.
"ويجب على المؤلي بعد التربص" إن أبى الفيئة.
"قيل: وعلى من يعلم بفجور زوجته" لئلا يكون ديوثا، فينقسم الطلاق إلى أحكام التكليف الخمسة.
"ويقع طلاق المميز إن عقل الطلاق" أي: علم أن النكاح يزول به، لعموم حديث: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" . وحديث "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله" رواه الترمذي. وعنه:

لا يصح منه حتى يبلغ، قال أبو عبيدة هو قول أهل العراق، وأهل الحجاز. ذكره في الشرح، لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق" .
"وطلاق السكران بمائع" ولو خلط في كلامه، أو سقط تمييزه بين الأعيان، ويؤاخذ بسائر أقواله. وكل فعل يعتبر له العقل: كإقرار، وقذف، وقتل، وسرقة. قال الشيخ تقي الدين: وكذا بحشيشة مسكرة، وفرق بينها وبين البنج بأنها تشتهى وتطلب. وقدم الزركشي: أنها ملحقة بالبنج. واختار الخلال والقاضي: وقوع طلاق السكران، لما روى وبرة الكلبي، قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه، فأتيته في المسجد، ومعه عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن، فقلت: إن خالدا يقول: إن الناس انهمكوا في الخمر، وتحاقروا عقوبته، فقال عمر: هؤلاء عندك فسلهم، فقال علي: نراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون، فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قالوا. فجعلوه كالصاحي في فريته، وأقاموا مظنة الفرية مقامها.
وفي طلاق السكران روايتان قيل للإمام أحمد: بماذا يعلم أنه سكران؟ فقال: إذا لم يعرف ثوبه من ثوب غيره، ونعله من نعل غيره. ونقل عن الشافعي: إذا اختلط كلامه المنظوم، وأفشى سره المكتوم. قاله الشيخ محمد التيمي.
وعنه لا يقع طلاقه. اختارها أبو بكر، لقول عثمان: ليس لمجنون، ولا لسكران طلاق وقال ابن عباس: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز. ذكرهما البخاري في صحيحه. قال ابن المنذر: ثبت عن عثمان أنه لا يقع طلاقه. ولا نعلم أحدا من

الصحابة خالفه. قال أحمد: حديث عثمان أرفع شيء فيه، وهو أصح يعني من حديث علي. منصور لا يرفعه إلى علي. ذكره في الشرح. أي: لأنه زائل العقل أشبه المجنون1.
"ولا يقع ممن نام أو زال عقله بجنون أو إغماء" ومن به برسام أو نشاف، للحديث السابق.
"ولا ممن أكرهه قادر ظلما بعقوبة أو تهديد له أو لولده" قال في الشرح: ولم تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع، لما تقدم عن ابن عباس. وقال أيضا فيمن يكرهه اللصوص فيطلق: ليس ب شيء وعن عائشة مرفوعا: "لا طلاق ولا عتق في إغلاق" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. والإغلاق: الإكراه. وروى سعيد وأبو عبيد: أن رجلا على عهد عمر تدلى في حبل يشتار عسلا فأقبلت امرأته، فجلست على الحبل، فقالت: لتطلقها ثلاثا، وإلا قطعت الحبل، فذكرها الله تعالى والإسلام، فأبت. فطلقها ثلاثا، ثم خرج إلى عمر، فذكر ذلك له، فقال له: ارجع إلى أهلك، فليس هذا طلاقا.
ـــــــ
1 قال الحافظ في "فتح الباري": ذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران أيضا عثمان، وأبو الشعثاء، وعطاء، وطاووس، وعكرمة، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم. وبه قال: ربيعة، والليث، وإسحاق المزني، واختاره الطحاوي: وقال الإمام ابن القيم: والصحيح أنه لا عبرة بأقواله: من طلاق، ولا عتاق، ولا بيع، ولا هبة، ولا وقف، ولا إسلام، ولا ردة، ولا إقرار، لبضعة عشر دليلا. انظر "أعلام الموقعين" 3/332.

فصل ومن صح طلاقه صح أن يوكل غيره فيه وأن يتوكل غيره
:
لأن الطلاق إزالة ملك، فصح التوكيل والتوكيل فيه كالعتق.
"وللوكيل أن يطلق متى شاء، ما لم يحد له حدا" أي: يعين له وقتا للطلاق فلا يتعداه، لأن الأمر للموكل.
"ويملك طلقة" لأنها السنة، فينصرف الإطلاق إليها.
"ما لم يجعل له أكثر" فيملكه.
"وإن قال لها: طلقي نفسك. كان لها ذلك متى شاءت" كوكيل غيرها، لأنه مقتضى اللفظ والإطلاق.
"وتملك الثلاث إن قال لها: طلاقك، أو أمرك بيدك، أو: وكلتك في طلاقك" لأنه مفرد مضاف، فيعم جميع أمرها، فيتناول الثلاث أفتى به أحمد مرارا وقاله علي وابن عمر وابن عباس وفضالة، رضي الله عنهم وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن عثمان: في أمرك بيدك. القضاء ما قضت رواه البخاري في تاريخه.
"ويبطل التوكيل بالرجوع، وبالوطء" للزوجة التي وكل في طلاقها لدلالة الحال على ذلك، ولأنه عزل، أشبه عزل سائر الوكلاء. وعن علي في رجل جعل أمر امرأته بيدها، قال: هو لها حتى ينكل.

باب سنة الطلاق وبدعته
:
أي إيقاعه على وجه مشروع، وعلى وجه محرم منهي عنه.
"السنة لمن أراد طلاق زوجته: أن يطلقها واحدة في طهر لم يطأها فيه" لقوله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 1. قال ابن مسعود وابن عباس: طاهرا من غير جماع.
"فإن طلقها ثلاثا، ولو بكلمات، فحرام" روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر. قال في الشرح: ولم يصح في عصرهم خلاف قولهم. فأما حديث المتلاعنين. فلا حجة فيه. فإن اللعان يحرمها أبدا، فهو كالطلاق بعد انفساخه برضاع أو غيره. وحديث فاطمة: أن زوجها أرسل إليها بتطليقة بقيت لها من طلاقها. وحديث امرأة رفاعة، جاء فيه أنه: طلقها آخر ثلاث تطليقات متفق عليه. وإن طلق ثلاثا. بكلمة واحدة، وقعت ثلاثا في قول الأكثر انتهى مختصرا. وفي حديث ابن عمر قال: قلت: يا رسول الله: أرأيت لو أني طلقتها ثلاثا، كان يحل لي أن أراجعها؟ قال: "إذا عصيت ربك، وبانت منك امرأتك" رواه الدارقطني. وعن مجاهد قال: جلست عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فسكت، حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم، فيركب الأحموقة، ثم يقول: يا بن عباس،
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 1.

يا بن عباس، وإن الله قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا} 1 وإنك لم تتق الله، فلم أجد لك مخرجا. عصيت ربك، فبانت منك امرأتك رواه أبو داود. وعن مجاهد أيضا: أن ابن عباس سئل عن رجل طلق امرأته مائة، فقال: عصيت ربك، وفارقت امرأتك وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رجلا طلق امرأته ألفا، قال: يكفيك من ذلك ثلاث وعن سعيد أيضا: أن ابن عباس سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم، قال أخطأ السنة، وحرمت عليه امرأته رواهن الدارقطني. قال في المنتقى: وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث بالكلمة الواحدة.
"وفي الحيض أو في طهر وطئ فيه، ولو بواحدة، فيدعي حرام" لمخالفته لقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 2 وعن ابن عمر أنه: طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال له: مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء متفق عليه.
"ويقع" نص عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر فيه بالرجعة، ولا تكون إلا بعد طلاق. قال نافع: وكان عبد الله طلقها تطليقة، فحسبت من طلاقها. قال ابن المنذر لم يخالف فيه إلا أهل البدع، وتستحب رجعتها إذا طلقها زمن البدعة، لحديث ابن عمر. وعنه: أنها واجبة، وهو قول مالك، لظاهر الأمر. قاله في الشرح.
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 2.
2 الطلاق من الآية/ 1.

"ولا سنة ولا بدعة لمن لم يدخل بها" لأنها لا عدة عليها، فتضرر بتطويلها.
"ولا الصغيرة وآيسة" لأنها لا تعتد بالأقراء، فلا تختلف عدتها، ولا ريبة لهما، ولا ولد يندم على فراقه.
"وحامل" وظاهر كلام أحمد: أن طلاق الحامل سنة. فإنه قال: أذهب إلى حديث سالم عن أبيه، وفيه: "فيطلقها طاهرا أو حاملا" رواه مسلم.
"ويباح الطلاق، والخلع بسؤالها زمن البدعة" لأن المنع منه، إنما شرع لحق المرأة، فإذا رضيت بإسقاط حقها، زال المنع.

باب صريح الطلاق وكنايته

باب صريح الطلاق وكنايته:
الصريح: ما لا يحتمل غيره من كل شيء، والكناية: ما يحمل غيره.
"صريحه لا يحتاج إلى نية، وهو: لفظ الطلاق، وما تصرف منه" كـ: طالق، وطلقتك، ومطلقة "اسم مفعول" .
"غير أمر" كـ: طلقي.
"ومضارع" كـ: تطلقين.
"ومطلقة: اسم فاعل" فلا يقع بهذه الألفاظ الثلاث الطلاق.
"فإذا قال لزوجته: أنت طالق، طلقت، هازلا كان أو لاعبا، أو لم ينو" لأن إيجاد هذا اللفظ من العاقل، دليل إرادته. قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم، أن هزل الطلاق وجده سواء، لحديث أبي

هريرة مرفوعا: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" رواه الخمسة إلا النسائي.
"حتى ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم يريد الكذب بذلك" فإنها تطلق، وإن لم ينو. لأن نعم: صريح في الجواب، والجواب الصريح للفظ الصريح، صريح. ولو قيل: ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد الكذب، لم تطلق إن لم ينو به الطلاق، لأنه كناية تفتقر إلى نية، ولم توجد.
"ومن قال: حلفت بالطلاق، وأراد الكذب، ثم فعل ما حلف عليه، وقع الطلاق حكما" لأنه خالف ما أقر به، ولأنه يتعلق به حق لغيره، فلم يقبل، كإقراره له بمال، ثم يقول: كذبت.
"ودين" فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه لم يحلف، واليمين إنما تكون بالحلف.
"وإن قال: علي الطلاق، أو يلزمني الطلاق، فصريح" في المنصوص لا يحتاج إلى نية، سواء كان
"منجزا أو معلقا، أو محلوفا به" ويقع واحدة، ما لم ينو أكثر.
"وإن قال: علي الحرام، إن نوى امرأته" أو دلت قرينة على إرادة ذلك.
"فظهار" ويأتي حكمه
"وإلا فلغو" لا شيء فيه.
"ومن طلق زوجة" له.
"ثم قال لضرتها: شركتك،: أنت شريكتها، أو مثلها: وقع عليهما

الطلاق" نص عليه، لأنه صريح، لا يحتاج إلى نية لأنه جعل الحكم فيهما واحدا، وهذا لا يحتمل غير ما فهم منه، أشبه ما لو أعاده بلفظه على الثانية.
"وإن قال: علي الطلاق، أو: امرأتي طالق، ومعه أكثر من امرأة. فإن نوى امرأة معينة انصرف إليها، وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة" لأنها تميز الشكل. و إن كان هناك سبب يقتضي تعميما، أو تخصيصا، عمل به.
"وإن لم ينو شيئا: طلق الكل" لأن الكل امرأة، وهي محل لوقوع طلاقه عليها ولا مخصص.
"ومن طلق في قلبه لم يقع" في قول عامة أهل العلم. قاله في الشرح، لحديث: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل" صححه الترمذي.
"فإن تلفظ به، أو حرك لسانه: وقع، ولو لم يسمعه" لأنه تكلم به.
"ومن كتب صريح طلاق زوجته" بما يبين.
"وقع" وإن لم ينوه، لأن الكتابة صريحة في الطلاق، لأنها حروف يفهم منها المعنى، وتقوم مقام قول الكاتب، لأنه صلى الله عليه وسلم، أمر بتبليغ الرسالة، وكان في حق البعض بالقول، وفي آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف، وإن كتبه ب شيء لا يبين ككتابته بأصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام أحمد: أنه لا يقع. وقال أبو حفص: يقع لأنه كتب حروف الطلاق، أشبه كتابته بما يبين. ذكره في الكافي.
"فلو قال: لم أرد إلا تجويد خطي، أو غم أهلي، قبل حكما"

لأنه أعلم بنيته، وقد نوى محتملا غير الطلاق، وإذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته لا يكون ناويا للطلاق. وقال في الكافي: وإن قصد غم أهله: فظاهر كلام أحمد أنه يقع، لأن ذلك لا ينافي الوقوع، فيغم أهله بوقوع الطلاق بها.
"ويقع بإشارة الأخرس فقط" حيث كانت مفهومة، لقيامها مقام نطقه.

فصل وكنايته لا بد فيها من نية الطلاق
:
لقصور رتبتها عن التصريح، فوقف عملها على النية تقوية لها، لأنها تحتمل غير معنى الطلاق، فلا تتعين له بدون نية.
"وهي قسمان: ظاهرة، وخفية. فالظاهرة: يقع بها الثلاث" لأن ذلك يروى عن علي وابن عمر وزيد، ولم ينقل خلافهم في عصرهم، فكان إجماعا. قاله في الكافي. وكان الإمام أحمد يكره الفتيا في الكتابة الظاهرة - مع ميله إلى أنها ثلاث. وعنه: يقع ما نواه اختاره أبو الخطاب، لحديث ركانة: "أنه طلق البتة، فاستحلفه النبي صلى الله عليه وسلم: ما أردت إلا واحدة. فحلف، فردها عليه" رواه أبو داود.
"والخفية: يقع بها واحدة" لأن مقتضاه الترك دون البينونة كصريح الطلاق وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لابنة الجون: "الحقي بأهلك" . متفق عليه. ولم يكن ليطلق ثلاثا، وقد نهى عنه. وقال لسودة: "اعتدي فجعلها طلقة" متفق عليه.

"ما لم ينو أكثر" فيقع ما نوى، لأنه لفظ لا ينافي العدد، فوجب وقوع ما نواه به.
"فالظاهرة: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شيء ت، وحللت للأزواج، ولا سبيل لي عليك، أو لا سلطان، وأعتقتك، وغطي شعرك، وتقنعي، و" الكناية
"الخفية: اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وخليتك، وأنت مخلاة، وأنت واحدة، ولست لي بامرأة، واعتدي، واستبرئي، واعتزلي، والحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك الله، وإن الله قد طلقك، والله قد أراحك مني، وجرى القلم" ولفظ فراق، وسراح، فيقع ما نواه، لأنه محتمل له. فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة، لأنه اليقين.
"ولا تشترط النية في حال الخصومة أو الغضب وإذا سألته طلاقها" اكتفاء بدلالة الحال، لأنها تغير حكم الأقوال والأفعال.
"فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، دين" فيما بينه وبين الله تعالى، فإن صدق لم يقع عليه شيء.
"ولم يقبل حكما" لتأثير دلالة الحال في الحكم، كما يحمل الكلام الواحد على المدح تارة، والذم أخرى بالقرائن. قال في الكافي: ويحتمل التفريق بين الكنايات: فما كثر استعماله منها في غير الطلاق، كقوله: اذهبي، واخرجي، وروحي، لا يقع بغير نية بحال. وما ندر استعماله كقوله: اعتدي، وحبلك على غاربك، وأنت بائن، وبتة إذا أتى به حال

الغضب، أو سؤال الطلاق، كان طلاقا. فأما إن قصد بالكناية غير الطلاق، لم يقع على كل حال، لأنه لو قصد ذلك بالصريح لم يقع، فبالكناية أولى.

باب ما يختلف به عدد الطلاق

باب ما يختلف به عدد الطلاق:
ويعتبر بالرجال حرية ورقا. روي عن: عمر وعثمان وزيد وابن عباس، رضي الله عنهم. وبه قال: مالك والشافعي.
"يملك الحر والمبعض ثلاث طلقات والعبد طلقتين" لأن الطلاق خالص حق الزوج، فاعتبر به، لقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 1. وعن عائشة مرفوعا: "طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره" . وعن عمر قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق طلقتين، وتعتد الأمة حيضتين رواهما الدارقطني.
"ويقع الطلاق بائنا في أربع مسائل: "
"إذا كان على عوض" كالخلع، لأن القصد إزالة الضرر عنها، ولو جازت رجعتها لعاد الضرر.
"أو قبل الدخول" لأن الرجعة لا تملك إلا في العدة، ولا عدة عليها لقوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 2.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 229.
2 الأحزاب من الآية/ 49.

"أو في نكاح فاسد" لأنها إذا لم تحل بالنكاح لعدم صحته، وجب أن لا تحل بالرجعة فيه. ولا يحل نكاحها في هذه المسائل الثلاث إلا بعقد جديد بشروطه.
"أو بالثلاث" دفعة واحدة، أو دفعات، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، لما تقدم.
"ويقع ثلاثا إذا قال: أنت طالق بلا رجعة، أو البتة، أو بائنا" لأنه وصف الطلاق بما يقتضي الإبانة.
"وإن قال: أنت الطلاق، أو: أنت طالق، وقع واحدة" وكذا قوله: علي الطلاق، أو يلزمني، لأنه صريح في المنصوص لا يحتاح إلى نية، سواء كان منجزا، أو معلقا، أو محلوفا به، كـ: أنت الطلاق لأقومن، لأنه مستعمل في عرفهم، كما في قوله:
فأنت الطلاق، وأنت الطلا ... ق، وأنت الطلاق ثلاثا تماما
ولأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا، وينكرون ذلك، ولا يعلمون أن: أل، فيه للاستغراق.
"وإن نوى ثلاثا وقع ما نواه" لأنه نوى بلفظه ما يحتمله.
"ويقع ثلاثا إذا قال: أنت طالق كل الطلاق، أو أكثره، أو عدد الحصى، ونحوه" كعدد القطر، والرمل والريح، والتراب والنجوم، لأن هذا اللفظ يقتضي عددا. والطلاق له أقل وأكثر: فأقله واحدة وأكثره ثلاث.
"أو قال لها: يا مائة طالق" فثلاث تقع، كقوله: أنت مائة طالق.
"وإن قال: أنت طالق أشد الطلاق، أو أغلظه، أو أطوله، أو ملء

الدنيا، أو مثل الجبل، أو على سائر المذاهب: وقع واحدة" لأن ذلك لا يقتضي عددا. فالطلقة الواحدة تتصف بكونها يملأ الدنيا ذكرها، وأنها أشد الطلاق عليها، فلم يقع الزائد بالشك. قاله في الكافي.
"ما لم ينو أكثر" فيقع ما نواه، لأن اللفظ يحتمله.

فصل والطلاق لا يتبعض بل جزء الطلقة كهي
:
فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة، أو ثلث طلقة، أو سدس طلقة ونحوه: فواحدة. لأن ذكر بعض ما لا يتبعض، كذكر جميعه، لأن مبناه على السراية، كالعتق. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنها تطلق بذلك، إلا داود.
"وإن طلق زوجته" بأن قال لها: نصفك، أو ربعك، أو خمسك طالق، أو بعضك طالق، أو جزء منك طالق،
"طلقت كلها" لأنه أضاف الطلاق إلى جملة لا تتبعض في الحل والحرمة، وقد وجد فيها ما يقتضي التحريم، فغلب، كاشتراك مسلم ومجوسي في قتل صيد.
"وإن طلق جزءا منها، لا ينفصل: كيدها، وأذنها، وأنفها، طلقت" كلها، لإضافة الطلاق إلى جزء ثابت، استباحه بعقد النكاح، أشبه الجزء الشائع.
"وإن طلق جزءا ينفصل: كشعرها، وظفرها، وسنها، لم تطلق" قال أبو بكر: لا يختلف قول أحمد: إنه لا يقع طلاق وعتق، وظهار وحرام بذكر الشعر، والظفر، والسن، والروح، وبذلك أقول.

انتهى. ولأنها أجزاء تنفصل منها حال السلامة، أشبهت الريق والعرق ونحوهما. والروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به، ولأنها تزول عن الجسد في حال سلامته، وهي حال النوم. وقال أبو الخطاب: يقع بإضافته إلى روحها ودمها، لأن دمها من أجزائها، وروحها بها قوامها.

فصل وإذا قال أنت طالق لا بل أنت طالق فواحدة
:
نص عليه. لأنه صرح بنفي الأولى، ثم أثبته بعد نفيه. فالمثبت: هو المنفي بعينه، وهو: الطلقة الأولى، فلا يقع به أخرى. قاله ابن رجب في القواعد.
"وإن قال: أنت طالق، طالق، طالق: فواحدة" لعدم ما يقتضي المغايرة، فيقع ما نواه، لأن لفظه يحتمله.
"وأنت طالق، أنت طالق: وقع ثنتان" في مدخول بها، لأن اللفظ للإيقاع، فيقتضي الوقوع، كما لو لم يتقدمه مثله.
"إلا أن ينوي تأكيدا متصلا أو إفهاما" لها لانصرافه عن الإيقاع بنية ذلك، وغير المدخول بها تبين بالأولى، نوى بالثانية الإيقاع أو لا، متصلا أو لا. روي ذلك عن: علي وزيد بن ثابت وابن مسعود.
"وأنت طالق، فطالق، أو: ثم طالق: فثنتان في المدخول بها" لأن حروف العطف تقتضي المغايرة.
"وتبين غيرها بالأولى" فلا يلزمها ما بعدها. لأنها تصير بالبينونة الأجنبية.

"و: أنت طالق، وطالق، وطالق: فثلاث معا، ولو غير مدخول بها" لأن الواو تقتضي الجمع، ولا ترتيب فيها.

فصل يصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات وطلقات
فصل ويصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات وطلقات:
نص عليه، لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول فصح، كقول الخليل عليه السلام {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} 1 وقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاما} 2
"فلو قال: أنت طالق ثلاثا، إلا واحدة طلقت ثنين" لما سبق.
"و: أنت طالق أربعا، إلا ثنتين: يقع ثنتان" لصحة استثناء النصف.
"و" إن قال:
"و: أنت طالق أربعا، إلا ثنتين: يقع ثنتان" لأنهما نصف الأربع.
"وشرط في الاستثناء اتصال معتاد" لأن غير المتصل يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه، بخلاف المتصل، فإن الاتصال يجعل اللفظ جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها. ويكون الاتصال إما،
"لفظا" بأن يأتي به متواليا
"أو حكما : كانقطاعه بعطاس ونحوه" كسعال، وتنفس، وشرط نيته
ـــــــ
1 الزخرف من الآية/ 26-27.
2 العنكبوت من الآية/ 14.

قبل تمام ما استثنى منه، وكذا شرط متأخر، كـ: أنت طالق إن قمت، لأنها صوارف للفظ عن مقتضاه، فوجب مقارنتها لفظا ونية.

فصل في طلاق الزمن
:
الماضي والمستقبل.
"إذا قال: أنت طالق أمس، أو: قبل أن أتزوجك، ونوى وقوعه" .
"إذا: وقع" في الحال لإقراره على نفسه بما هو أغلظ في حقه.
"وإلا" ينو وقوعه الآن
"فلا" أي: فلا يقع الطلاق. نص عليه، لأنه أضافه إلى زمن يستحيل وقوعه فيه، لأن الطلاق رفع للاستباحة، ولا يمكن رفعها في الماضي.
"و: أنت طالق اليوم إذا جاء غد: فلغو" لا يقع به شيء. قاله في المجرد، لأنه لا يقع في اليوم، لعدم الشرط، وإذا جاء غد لم يمكن الطلاق في اليوم، لأنه زمن ماض. وقال القاضي: في موضع يقع في الحال، لأنه علقه بشرط محال فلغا شرطه، ووقع الطلاق.
"و: أنت طالق غدا، أو يوم كذا وقع بأولهما " أي: طلوع فجره فإذا وجد ما يكون ظرفا له منها وقع، لصلاحية كل جزء منه لوقوع الطلاق فيه، ولا مقتضي لتأخيره عن أوله.
"ولا يقبل حكما إن قال: أردت آخرهما" لأن لفظه لا يحتمله.
"و: أنت طالق في غد، أو في رجب: يقع بأولهما" لما تقدم. وأول الشهر: غروب الشمس من آخر الشهر الذي قبله.

"فإن قال: أردت آخرهما: قبل حكما" لأن آخر هذه الأوقات منها كأولها، فإرادته لذلك لا تخالف ظاهر لفظه.
"وأنت طالق كل يوم: فواحدة" كـ: أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد، لأنه إذا طلقت اليوم كانت طالقا غدا وبعده.
"وأنت طالق في كل يوم فتطلق" ثلاثا،
"في كل يوم واحدة" إن كانت مدخولا بها، وإلا بانت بالأولى، فلا يلحقها ما بعدها.
"و: أنت طالق إذا مضى شهر: فبمضي ثلاثين يوما، وإذا مضى الشهر فبمضيه" لأن أل للعهد الحضوري.
"وكذلك إذا مضى سنة" فتطلق بانقضاء اثني عشر شهرا، لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا} 1. أي: شهور السنة وتعتبر بالأهلة. ويكمل ما حلف في أثنائه بالعدد.
"أو السنة" أي: إذا قال: أنت طالق إذا مضت السنة: فتطلق بانسلاخ ذي الحجة، لأن أل للعهد الحضوري.
ـــــــ
1 التوبة من الآية/ 36.

باب تعليق الطلاق

باب تعليق الطلاق:
بالشروط: بإن، أو إحدى أخواتها. لا يصح التعليق إلا من زوج، فلو قال: إن تزوجت امرأة أو فلانة فهي طالق: لم يقع بتزويجها في قول أكثر أهل العلم. وروي عن ابن عباس، ورواه الترمذي عن علي وجابر بن عبد الله لقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ...} 1.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك" . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه. وعن المسور بن مخرمة مرفوعا: "لا طلاق قبل نكاح ولا عتاق قبل ملك" رواه ابن ماجه. وقال أبو بكر: لا يختلف قول أبي عبد الله: إن الطلاق إذا وقع قبل النكاح أنه لا يقع. ذكره في الكافي.
"إذا علق الطلاق على وجود فعل مستحيل كـ: إن صعدت السماء فأنت طالق: لم تطلق" وكذا: إن طرت، أو: قلبت الحجر ذهبا، أو شاء الميت أو البهيمة، لأن ذلك مستحيل عادة، أي: لا يتصور في العادة وجوده.
"وإن علقه على عدم وجوده كـ: إن لم تصعدي إلى السماء فأنت طالق: طلقت في الحال" لأنه علقه على عدم فعل المستحيل، وعدمه معلوم في الحال، وما بعده.
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 49.

"وإن علقه على غير المستحيل" كـ: إن لم أشتر من زيد عبده فأنت طالق:
"لم تطلق إلا باليأس مما علق عليه الطلاق" وهو: موت العبد، أو عتقه.
"ما لم يكن هناك نية، أو قرينة تدل على الفور، أو يقيد بزمن" كقوله: اليوم، أو: في هذا الشهر.
"فيعمل بذلك" أي: بالنية، أو القرينة، أو التقييد.
"ويصح التعليق مع تقدم الشرط وتأخره، كـ: إن قمت فأنت طالق، أو: أنت طالق إن قمت. ويشترط لصحة التعليق أن ينويه قبل فراغ التلفظ بالطلاق" فلو طلق غير ناو التعليق، ثم عرض له فقال: إن قمت، لم ينفعه التعليق، ووقع الطلاق، لأن الطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه.
"وأن يكون متصلا لفظا أو حكما، فلا يضر لو عطس ونحوه، أو قطعه بكلام منتظم، كـ، أنت طالق - يا زانية - إن قمت. ويضر إن قطعه بسكوت" بين شرط وجوابه سكوتا، يمكنه كلام فيه ولو قل.
"وكلام غير منتظم كقوله: سبحان الله وتطلق في الحال" لقطع التعليق، ولأن غير المتصل يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه، بخلاف المتصل، فإن الإتصال يجعل الكلام جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها.

فصل في مسائل متفرقة
:
"إذا قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق: فأذن لها، ولم يعلم" فخرجت طلقت، لأن الإذن هو الإعلام: ولم يعلمها،
"أو علمت وخرجت، ثم خرجت ثانيا بلا إذنه طلقت" لوجود الصفة وهي: خروجها بلا إذنه.
"ما لم يأذن لها في الخروج كلما شاءت" فلا يحنث بخروجها بعد ذلك. نص عليه، لوجود الإذن ما لم يجدد حلفا أو ينهاها.
"وإن خرجت بغير إذن فلان فأنت طالق فمات، وخرجت: لم تطلق" على الصحيح من المذهب. قاله في الإنصاف.
"وإن خرجت إلى غير الحمام" بغير إذني.
"فأنت طالق، فخرجت له، ثم بدا لها غيره: طلقت" لأن ظاهر يمينه منعها من غير الحمام، فكيفما صارت إليه حنث، وقد صدق عليها أنها خرجت إلى غير الحمام، كما لو خالفت لفظه.
"وزوجتي طالق أو عبدي حر إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله" أو إن لم يشأ الله، أو لم يشأ الله:
"لم تنفعه المشيئة شيئا، ووقع" الطلاق والعتاق. نص عليه، وذكر قول قتادة: قد شاء الله الطلاق حين أذن فيه. وقال ابن عباس إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق، إن شاء الله: فهي طالق ولأنه

تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فبطل، كما لو علقه على شيء من المستحيلات، ولأنه استثناء يرفع حملة الطلاق حالا ومآلا، فلم يصح كاستثناء الكل.
"وإن قال: إن شاء فلان: فتعليق لم يقع إلا أن يشاء" فلان.
"وإن قال: إلا أن يشاء: فموقوف، فإن أبى المشيئة، أو جن أو مات: وقع الطلاق إذا" لأنه أوقع الطلاق، وعلق رفعه بشرط، ولم يوجد.
"و: أنت طالق إن رأيت الهلال عينا، فرأته في أول" ليلة،
"أو ثاني" ليلة،
"أو ثالث ليلة: وقع" الطلاق، لأنه هلال.
"و" إن رأته
"بعدها" أي: بعد الثالثة:
"لم يقع" الطلاق، لأنه يقمر بعد الثالثة، فلم يحنث برؤيتها له، ما لم يكن نية.
"و: أنت طالق إن فعلت كذا، أو فعلت أنا كذا، ففعلته أو فعله مكرها" لم يقع. نص عليه، لعدم إضافة الفعل إليه.
"أو مجنونا، أو مغمى عليه، أو نائما، لم يقع" الطلاق، لأنه مغطى على عقله، لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة" . وتقدم.
"وإن فعلته أو فعله ناسيا" لحلفه،
"أو جاهلا" أنه المحلوف عليه، أو جاهلا الحنث به:
"وقع" الطلاق، لأنه معلق بشرط، وقد وجد، ولأنه تعلق به حق آدمي، فاستوى فيه العمد والنسيان والخطأ، كالإتلاف، بخلاف اليمين

المكفرة، فلا يحنث فيها نصا، لأنه محض حق الله، فيدخل في حديث: "عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان" .
"وعكسه مثله، كـ: إن لم تفعلي كذا، أو إن لم أفعل كذا فلم تفعله أو لم يفعله هو" ناسيا أو غيره على التفصيل السابق، ويكون على التراخي، لأن "إن" حرف يقتضي التراخي، إذا لم ينو وقتا بعينه: فلا يقع الطلاق إلا في آخر أوقات الإمكان، وذلك في آخر جزء من حياة أحدهما. قال في شرح العمدة: لا نعلم في هذا خلافا.

فصل في الشك في الطلاق
:
"ولا يقع الطلاق بالشك فيه، أو فيما علق عليه" لأن النكاح متيقن فلا يزول بالشك، ولأنه شك طرأعلى يقين، فلا يزيله، كالمتطهر يشك في الحدث، ولحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" قال الموفق: والورع التزام الطلاق، لحديث: "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" . وندب قطع شك برجعته إن كان الطلاق رجعيا خروجا من الخلاف، أو بعقد جديد إن أمكن ليتيقن الحل وإلا فبفرقة متيقنة لئلا تبقى معلقة.
"فمن حلف لا يأكل تمرة مثلا، فاشتبهت بغيرها، وأكل الجميع إلا واحدة: لم يحنث" لاحتمال أن تكون المحلوف على عدم أكلها، ويقين النكاح ثابت فلا يزول بالشك.
"ومن شك في عدد ما طلق بنى على اليقين، وهو الأقل" نص عليه، لما سبق.

"ومن أوقع بزوجته كلمة، وشك هل هي طلاق أو ظهار: لم يلزمه شيء" لأن الأصل عدمهما، ولم يتيقن أحدهما.

باب الرجعة

باب الرجعة:
"وهي: إعادة زوجته المطلقة" طلاقا غير بائن.
"إلى ما كانت عليه" قبل الطلاق.
"بغير عقد" ولا تفتقر الرجعة إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة ولا علمها إجماعا. ذكره في الشرح وغيره لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1. وقوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2. وحديث ابن عمر حين طلق امرأته، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم "مره فليراجعها" متفق عليه. وطلق النبي، صلى الله عليه وسلم حفصة، ثم راجعها رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق دون الثلاث، والعبد دون الاثنتين: أن لهما الرجعة في العدة.
"من شرطها:"
"1- أن يكون الطلاق غير بائن"
فإن كان بعوض فلا رجعة، لأنه إنما جعل لتفتدي به المرأة من الزوج، ولا يحصل ذلك مع ثبوت الرجعة، بل يعتبر عقد بشروطه.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 228.
2 البقرة من الآية/ 229.

"2- وأن تكون في العدة" لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1. وإن طلق قبل الدخول فلا رجعة، لأنه لا عدة عليها، ولا تربص في حقها يرتجعها فيه.
"وتصح الرجعة بعد انقطاع دم الحيضة الثالثة حيث لم تغتسل" نص عليه. وروي عن عمر وعلي وابن مسعود، لوجود أثر الحيض المانع للزواج من الوطء، وتنقطع بقية الأحكام من التوارث، والطلاق، واللعان، والنفقة، وغيرها بانقطاع الدم.
"وتصح قبل وضع ولد متأخر" إن كانت حاملا بعدد لبقاء العدة.
"وألفاظها: راجعتها ورجعتها، وارتجعتها وأمسكتها، ورددتها، ونحوه" كأعدتها، لورود السنة بلفظ الرجعة في حديث ابن عمر، واشتهر هذا الاسم فيها عرفا، وورد الكتاب بلفظ الرد في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1. وبلفظ الإمساك في قوله: {... فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ...} 2. وقوله: {... فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ...} 3.
"ولا تشترط هذه الألفاظ، بل تحصل رجعتها بوطئها" في ظاهر المذهب، لأنها زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء، ويرث أحدهما صاحبه إن مات إجماعا، فالوطء دليل على رغبته فيها. واختار الشيخ تقي الدين: أن الوطء رجعة مع النية. وعن أحمد: لا تحصل الرجعة
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 228.
2 البقرة من الآية/ 231.
3 البقرة من الآية/ 229.

إلا بالقول، وهو ظاهر كلام الخرقي، لقوله تعالى: {... وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ...} 1. ولا يحصل الإشهاد إلا على القول. "وسئل عمران بن حصين عن الرجل يطلق امرأته، ثم يقع بها، ولم يشهد على طلاقها، ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد" رواه أبو داود. فعلى هذه الرواية تبطل الرجعة إن أوصى الشهود بكتمانها. نص عليه، لما روى أبو بكر في الشافي بسنده إلى خلاس، قال طلق رجل امرأته علانية، وراجعها سرا، وأمر الشاهدين بكتمانها - أي: الرجعة - فاختصموا إلى علي، فجلد الشاهدين، واتهمهما، ولم يجعل له عليها رجعة.
"لا بنكحتها، أو تزوجتها" لأنه كناية، والرجعة استباحة بضع مقصود، فلا تحصل بكناية، كالنكاح، وفيه وجه تصح الرجعة به، اختاره ابن حامد، لأن الأجنبية تحل به، فالزوجة أولى. قدمه في الكافي.
"ومتى اغتسلت من الحيضة الثالثة، ولم يرتجعها بانت، ولم تحل له إلا بعقد جديد" مستكمل للشروط إجماعا، لمفهوم قوله تعالى: {... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 2. أي: في العدة.
"وتعود" الرجعية إذا راجعها، والبائن إذا نكحها.
"على ما بقي من طلاقها" ولو بعد وطء زوج آخر في قول أكابر الصحابة، منهم: عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران بن حصين وأبو هريرة وزيد وعبد الله بن عمرو، رضي الله عنهم، لأن وطء الثاني لا يحتاج
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 2.
2 البقرة من الآية/228.

إليه في الإحلال للزوج الأول، فلا يغير حكم الطلاق. وعنه: ترجع بالثلاث بعد زوج، وهو قول: ابن عمر وابن عباس، وأبي حنيفة. ذكره في الشرح.

فصل وإذا طلق الحر ثلاثا
:
"أو طلق العبد ثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا" لقوله تعالى: {... فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1. بعد قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 2. قال ابن عباس: كان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثا، فنسخ ذلك قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 2. إلى قوله: {...فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1 رواه أبو داود والنسائي.
"ويطأها في قبلها مع الانتشار" لقوله، صلى الله عليه وسلم، لامرأة رفاعة "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" متفق عليه. وعن ابن عمر سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر، فيغلق الباب، ويرخي الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها: هل تحل للأول؟ قال: "حتى تذوق العسيلة" رواه أحمد والنسائي، وقال "حتى يجامعها الأخر" . وعن عائشة مرفوعا: "العسيلة: هي الجماع" . رواه أحمد والنسائي.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 230.
2 البقرة من الآية/ 229.

"ولو مجنونا، أو نائما، أو مغمى عليه، وأدخلت ذكره في فرجها" مع انتشاره، لوجود حقيقة الوطء من زوج، أشبه حال إفاقته.
"أو لم يبلغ عشرا أو لم ينزل" لما تقدم، ولعموم قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1.
"ويكفي تغييب الحشفة، أو قدرها من مجبوب" الحشفة.
"ويحصل التحليل بذلك" لحصول ذوق العسيلة به، ولأنه جماع يوجب الغسل، ويفسد الحج، أشبه تغييب الذكر.
"ما لم يكن وطؤها في حال الحيض، أو النفاس، أو الإحرام، أو في صوم الفرض" فلا تحل، لأنه وطء حرم لحق الله تعالى فلم يحلها، كوطء المرتدة. قال في الكافي: وظاهر النص أنه يحلها، لدخوله في العموم، ولأنه وطء تام في نكاح صحيح تام فأحلها، كما لو كان التحريم لحق آدمي مثل أن يطأ مريضة تتضرر بوطئه، فإنه لا خلاف في حلها به. انتهى. ولا تحل بوطء دبر أو شبهة، أو وطء في ملك يمين، أو في نكاح فاسد أو باطل، لقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1. والنكاح المطلق في الكتاب والسنة: إنما يحمل على الصحيح.
"فلو طلقها الثاني، وادعت أنه وطئها وكذبها، فالقول قوله في تنصف المهر" إن لم يخل بها فإن خلا بها تقرر المهر، وإن لم يدخل للحديث.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 230.

"وقولها في إباحتها للأول" لأنها لا تدعي عليه حقا. ولأنها مؤتمنة على نفسها، وعلى ما أخبرت به عن نفسها، ولا سبيل إلى معرفة ذلك حقيقة إلا من جهتها، كإخبارها بانقضاء عدتها. ولمطلقها ثلاثا نكاحها إن غلب على ظنه صدقها.

كتاب الإيلاء
:
وهو: الحلف على ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر. قال ابن قتيبة: يؤلون من نسائهم: يحلفون: إذا حلف لا يجامعها. حكاه عنه أحمد. وقرأ أبي بن كعب وابن عباس: يقسمون مكان يؤلون.
"وهو حرام" لأنه يمين على ترك واجب.
"كالظهار" لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورا} 1. وقال قتادة: كان الإيلاء طلاقا لأهل الجاهلية. وقال سعيد بن المسيب: كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية: كان الرجل لا يحب امرأته، ولا يريد أن يتزوج بها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبدا، فيتركها لا أيما، ولا ذات بعل، وكانوا عليه في ابتداء الإسلام، فضرب الله له أجلا في الإسلام. ذكره البغوي وغيره.
"يصح من زوج يصح طلاقه" لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} 2
ـــــــ
1 المجادلة من الآية/ 2.
2 البقرة من الآية/ 226.

ولا يصح من مغمى عليه ومجنون، لأنه لا قصد لهما، ولا حكم ليمينهما.
"سوى عاجز عن الوطء: إما لمرض لا يرجى برؤه، أو لجب كامل، أو شال" لأنه لا يطلب منه الوطء، لامتناعه منه بعجزه لا بيمينه.
"فإذا حلف الزوج بالله تعالى، أو بصفة من صفاته أنه لا يطأ زوجته أبدا، أو مدة تزيد على أربعة أشهر: صار مؤليا" فإذا حلف على أربعة أشهر فما دونها لم يكن مؤليا، لدلالة الآية على أنه لا يكون مؤليا بما دونها.
"يؤجل له الحاكم إن سألت زوجته ذلك أربعة أشهر من حين يمينه" للآية، فلا يفتقر إلى ضرب حاكم كالعدة.
"ثم يخير بعدها بين أن يكفر ويطأ" لزوال اليمين، والضرر عنها بالوطء، وعليه الكفارة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" متفق عليه.
"أو يطلق" لقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1 وقوله {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2.
ومن امتنع من بذل ما وجب عليه لم يمسك بمعروف فيؤمر بالتسريح
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 226 و/227.
2 البقرة من الآية/ 229.

بإحسان. وعن ابن عمر قال: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق. يعني: المؤلي رواه البخاري. قال: ويذكر ذلك عن: عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة، واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سليمان ابن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يوقفون المؤلي رواه الشافعي والدارقطني.
"فإن امتنع من ذلك طلق عليه الحاكم" لقيامه مقام الممتنع، ولأنه حق تدخله النيابة كقضاء دينه.

كتاب الظهار

كتاب الظهار:
قال ابن المنذر. أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صريح الظهار أن يقول: أنت علي كظهر أمي. وهو محرم، لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} 1 الآيات. نزلت في خويلة بنت مالك بن ثعلبه، حين ظاهر منها ابن عمها أوس بن الصامت فجاءت تشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجادله فيه، ويقول: "اتقي الله، فإنه ابن عمك" ، فما برحت حتى نزل القرآن. رواه أبو داود وصححه.
"وهو: أن يشبه امرأته، أو عضوا منها بمن تحرم عليه من رجل أو امرأة، أو بعضو منه. فمن قال لزوجته: أنت، أو: يدك علي كظهر، أو: كيد أمي" أو: كظهر أختي، أو عمتي، أو خالتي، ونحوها ممن تحرم عليه على التأبيد صار مظاهرا في قول أكثرهم، لأنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الأم.
"أو: كظهر، أو يد زيد" أو أبي أو أخي.
"أو: أنت علي كفلانة الأجنبية، أو أنت علي حرام، أو قال: الحل علي حرام، أو ما أحل الله لي" حرام.
"صار مظاهرا" روي ذلك عن عثمان وابن عباس، لأن هذه الألفاظ
ـــــــ
1 المجادلة من الآية/ 2.

صريحة في الظهار لا تحتمل غيره. وعنه: كناية يحتاج إلى نية. وعنه: يمين روى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود. وفي المتفق عليه عن ابن عباس، قال: إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 1 ذكره في الشرح وقال في الكافي: الثالثة أنه يرجع فيه إلى نيته: إن نوى اليمين كان يمينا، لأن ذلك يروى عن أبي بكر وعمر وعائشة، رضي الله عنهم.
"وإن قال: أنت علي كأمي، أو مثل أمي وأطلق" فلم ينو ظهارا ولا غيره.
"فظهار" نص عليه، لأنه المتبادر منه هذه الألفاظ.
"وإن نوى في الكرامة ونحوها" كالمحبة،
"فلا" يكون مظاهرا بل يدين، ويقبل حكما لاحتماله، وهو أعلم بمراده.
"وأنت أمي، أو مثل أمي" ليس بظهار إلا مع نية أو قرينة، لأنه في غير التحريم أظهر، فاحتمال هذه الصور لغير الظهار أكثر من احتمال الصور التي قبلها له، وكثرة الاحتمالات توجب اشتراط النية.
"أو: علي الظهار، أو: يلزمني، ليس بظهار إلا مع نية أو قرينة" دالة عليه: كأن يقولها حال خصومة أو غضب، لأنه يصير كناية فيه والقرينة تقوم مقام النية، ولأن لفظه يحتمله، وقد نواه به.
"وأنت علي كالميتة أو الدم، أو الخنزير يقع ما نواه من طلاق، أو ظهار، أو يمين" لأن لفظه يحتمله.
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 21.

"فإن لم ينو شيئا فظهار" كقوله: أنت علي حرام. وعنه: يمين. وقال في المغني: أكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار ليس بظهار، وهو قول: مالك وأبي حنيفة والشافعي. ووجه ذلك الآية المذكورة، ولأن التحريم يتنوع: منه ما هو بظهار، وبطلاق، وبحيض، وبإحرام، وصيام، فلا يكون التحريم صريحا في واحد منها، ولا ينصرف إليه بغير نية، كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق. انتهى. وإن قالت لزوجها: نظير ما يصير به مظاهرا منها فليس بظهار، لقوله تعالى: {... الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ...} 1 فخصهم بذلك. وعليها كفارته قياسا على الزوج. وروى الأثرم بإسناده عن عائشة بنت طلحة أنها قالت: إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي. فسألت أهل المدينة، فرأوا أن عليها الكفارة وروى سعيد أنها استفتت أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهم يومئذ كثير فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه، فتزوجته وأعتقت عبدا. وليس لها ابتداء القبلة والاستمتاع قبل التكفير، وعليها التمكين لزوجها من وطئها قبل التكفير لأنه حق للزوج، فلا تمنعه كسائر حقوقه.
ـــــــ
1 المجادلة من الآية/ 2.

فصل يصح الظهار من كل من يصح طلاقه
فصل ويصح الظهار من كل من يصح طلاقه:
مسلما كان أو كافرا حرا كان أو عبدا، كبيرا أو مميزا يعقله، لأنه تحريم كالطلاق فجرى مجراه.
"منجزا، أو معلقا أو محلوفا به" كالطلاق.
"فإن نجزه لأجنبية" بأن قال لها: أنت علي كظهرأمي،
"أوعلقه بتزويجها" بأن قال: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، أو قال: النساء علي كظهر أمي،
"أو قال لها. أنت علي حرام ونوى أبدا: صح ظهارا" لقول عمر رضي الله عنه، في رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، ثم تزوجها، قال: عليه كفارة الظهار رواه أحمد. ولأنها يمين مكفرة فصح عقدها قبل النكاح، كاليمين بالله تعالى. والآية خرجت مخرج الغالب.
"لا إن أطلق" فقال لأجنبية: أنت علي حرام، ولم ينو أبدا،
"أو نوى إذا" أي: أنها حرام عليه إذا، لأنه صادق في حرمتها عليه قبل عقد النكاح ويقبل منه دعوى ذلك حكما، لأنه الظاهر.
"ويصح الظهار" مطلقا غير مؤقت ويصح
"مؤقتا كـ: أنت علي كظهر أمي شهر رمضان، فإن وطئ فيه فمظاهر" عليه كفارته،

"وإلا فلا" أي: فيزول حكم الظهار بمضيه، لحديث سلمة بن صخر، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وفيه: ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أصاب فيه، فأمره بالكفارة ولم ينكر تقييده بخلاف الطلاق، فإنه يزيل الملك، وهذا يوقع تحريما يرفعه التكفير، أشبه الإيلاء.
"وإذا صح الظهار حرم على المظاهر الوطء ودواعيه قبل التكفير" لقوله تعالى: {... فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا...} 1. وقوله: {... فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا...} 2. وقوله، صلى الله عليه وسلم: "فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به" رواه أهل السنن، وصححه الترمذي. ولأن ما حرم الوطء من القول حرم دواعيه، كالطلاق والإحرام.
"فإن وطىء ثبتت الكفارة في ذمته" لقوله تعالى: {... ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ...} 1 الآية والعود: الوطء. نص عليه. ولا يجب أكثر من كفارة، لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يأمر سلمة بن صخر بأكثر منها.
"ولو مجنونا" بأن ظاهر، ثم جن فوطئ، لوجود العود.
"ثم لا يطأ حتى يكفر" للخبر السابق، ولبقاء التحريم.
"وإن مات أحدهما قبل الوطء فلا كفارة" لأنه لم يوجد الحنث، ويرثها كما بعد التكفير.
ـــــــ
1 المجادلة من الآية/ 3.
2 المجادلة من الآية/ 4.

فصل الكفارة فيه على الترتيب
فصل والكفارة فيه على الترتيب:
"عتق رقبة مؤمنة" كسائر الكفارات، لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ...} 1 نص على المؤمنة في كفارة القتل. وقسنا عليها سائر الكفارات، لأنها في معناها حملا للمطلق على المقيد.
"سالمة من العيوب المضرة في العمل" ضررا بينا، لأن المقصود تمليك العبد منفعته، وتمكينه من التصرف لنفسه، ولا يحصل هذا مع العيب المذكور، كعمى وشلل يد، أو رجل أو قطع إحداهما، ونحوها، لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع.
"ولا يجزئ عتق الأخرس الأصم" لأنه ناقص بفقد حاستين تنقص قيمته بنقصها نقصا كثيرا، وكذا أخرس لا تفهم إشارته.
"ولا الجنين" لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا بعد.
"فإن لم يجد" رقبة، ولا مالا يشتريها به فاضلا عن حاجته، لنفقته وكسوته ومسكنه، وما لا بد له منه من مؤنة عياله ونحوه:
"صام شهرين متتابعين" للآية، والحديث.
"ويلزمه تبييت النية من الليل" وتعيينها لجهة الكفارة، لحديث "وإنما لكل امرئ ما نوى" .
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 92.

"فإن لم يستطع الصوم، للكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، أطعم ستين مسكينا" للآية ولأمره، صلى الله عليه وسلم، سلمة بن صخر بالإطعام حين أخبره بشدة شبقه وشهوته بقوله: وهل أصبت ما أصبت إلا من الصيام !. وأمر صلى الله عليه وسلم، أوس بن الصامت بالإطعام حين قالت امرأته: إنه شيخ كبير ما به من صيام وقيس عليهما ما في معناهما.
"لكل مسكين مد بر" لأنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة، رضي الله عنهم. قاله في الكافي.
"ونصف صاع من غيره" لما روى أحمد عن أبي يزيد المدني قال "جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، للمظاهر: "أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر" . قال في الكافي: وهذا نص، ولأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام، فكان منها لكل فقير من التمر نصف صاع، كفدية الأذى. انتهى.
"ولا يجزئ الخبز" لخروجه عن الكيل والادخار أشبه الهريسة. وعنه: يجزئه، للآية، لأن مخرج الخبز قد أطعمهم، فعليها يعتبر أن يكون من مد بر فصاعدا.
"ولا غير ما يجزئ في الفطرة" لأن الكفارة وجبت طهرة للمكفر عنه، كما أن الفطرة طهرة للصائم فاستويا في الحكم. فإن عدمت الأصناف الخمسة أجزأ ما يقتات من حب وثمر، قياسا على الفطرة، ولقوله تعالى: {...مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} 1
ـــــــ
1 المائدة من الآية/ 89.

"ولا يجزئ العتق والصوم والإطعام إلا بالنية" لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" . ولأنه يختلف وجهه، فيقع تبرعا ونذرا وكفارة، فلا يصرفه إلى الكفارة إلا النية، ومحلها في العتق والإطعام معه، أو قبله بيسير.

كتاب اللعان

كتاب اللعان:
"إذا رمى الزوج زوجته بالزنى فعليه حد القذف" إن كانت محصنة، "أو التعزير" إن كانت غير محصنة. ويأتي تعريف الإحصان في القذف.
"إلا أن يقيم البينة" عليها به، أو تصديقه، فلا حد، كما لو كان المقذوف غيرها.
"أو يلاعن" والأصل فيه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 الآية. ثم قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} 2 الآيات. فدلت الآية الأولى على وجوب الحد، إلا أن يسقط بأربعة شهداء. والثانية: على أن لعانه يقوم مقام الشهداء في إسقاط الحد. وعن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة، وإلا حد في ظهرك" . فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق،
ـــــــ
1 النور من الآية/ 4.
2 النور من الآية/ 6.

ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد. فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 رواه البخاري.
"وصفة اللعان أن يقول الزوج أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى، ويشير إليها" إن كانت حاضرة، ومع غيبتها يسميها، أو ينسبها بما تميز به.
"ثم يزيد في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تقول الزوجة أربعا: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى، ثم تزيد في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" للآيات والأحاديث.
"ويسن تلاعنهما قياما" لما في حديث ابن عباس: "أن هلالا جاء فشهد، ثم قامت فشهدت"
"بحضرة جماعة" لأن ابن عباس، وابن عمر وسهلا حضروه. مع حداثة سنهم، فدل على أنه حضره جمع كثير، لأن الصبيان إنما يحضرون المجالس تبعا للرجال. ولذلك قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند النبي، صلى الله عليه وسلم. رواه الجماعة، إلا الترمذي.
"وأن لا ينقصوا عن أربعة" رجال، لأن الزوجة ربما أقرت فشهدوا عليها.
"وأن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج والزوجة عند الخامسة ويقول: اتق الله. فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" لأن عذاب الدنيا ينقطع، وعذاب الآخرة دائم. وكون الخامسة هي
ـــــــ
1 النور من الآية/ 6.

الموجبة، أي: للعنة، أو الغضب على من كذب منهما لالتزامه ذلك. والسر في ذلك التخويف، ليتوب الكاذب منهما ويرتدع. وعن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلوا إليها" ، فجاءت، فتلا عليهما أية اللعان، وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: والله لقد صدقت عليها، فقالت: كذب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لاعنوا بينهما" فقيل لهلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. فلما كانت الخامسة، قيل يا هلال: "اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب" . فقال: والله لا يعذبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها. فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم قيل لها: اشهدي، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. فلما كانت الخامسة قيل لها: "اتقي الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب" ، فتلكأت ساعة، ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى: أن لا نفقة لها ولا سكنى، من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق، ولا متوفى عنها. رواه أحمد وأبو داود. وروى الجوزجاني عن ابن عباس في خبر المتلاعنين: ثم أمر به، فأمسك على فيه ووعظه إلى أن قال: ثم أمر بها فأمسك على فمها، ووعظها... الحديث وشرط حضور الحاكم أو نائبه، وأن يأتي به بعد إلقائه عليه، وكمال لفظاته الخمس، والترتيب

على ما ورد به الشرع، والإتيان بصورة الألفاظ الواردة: والإشارة من كل واحد إلى صاحبه إن كان حاضرا، أو تسميته إن كان غائبا. فإن فقد شيء من ذلك لم يصح اللعان لمخالفته للنص.

فصل شروط اللعان ثلاثة
فصل وشروط اللعان ثلاثة:
"1- كونه بين زوجين مكلفين" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 فلا لعان بقذف أمة، ولا حد. وأما اعتبار التكليف، فلأن قذف غير المكلف لا يوجب حدا، واللعان إنما وجب لإسقاط الحد.
"2- أن يتقدمه قذفها بالزنى" ولو في دبر، لأنه قذف يجب به الحد. ولا فرق بين الأعمى والبصير نص عليه، لعموم الآية.
"3- أن تكذبه" الزوجة في قذفها
"ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان" لأن اللعان إنما ينتظم بتكذيبها فإن صدقته، أو عفت عن الطلب بحد القذف، أو سكتت فلم تقر ولم تنكر لحقه النسب، ولا لعان، لأن الحق لها، فلا يستوفى من غير طلبها وإن كان بينهما نسب يريد نفيه، فله أن يلاعن، لأنه محتاج إليه، وهو حق له، فلا يسقط برضاها.
"ويثبت بتمام تلاعنهما أربعة أحكام: "
"1- سقوط الحد أو التعزير" الذي أوجبه القذف عنها وعنه. ولو قذفها برجل سماه سقط حكم قذفه بلعانه، لأن هلال بن أمية قذف
ـــــــ
1 النور من الآية/ 6.

زوجته بشريك بن سحماء، ولم يذكره في لعانه، ولم يحده النبي صلى الله عليه وسلم، لشريك ولا عزره له، ولأن اللعان بينة في أحد الطرفين فكان بينة في الآخرة كالشهادة.
"2- الفرقة ولو بلا فعل حاكم" لأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد فلم يقف على تفريق الحاكم، كالرضاع وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم، بينهما بمعنى: أنه أعلمهما بحصول الفرقة باللعان. وعنه لا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما، لقول ابن عباس في حديثه: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهما. وفي حديث عويمر: أنه قذف امرأته، فتلاعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. فدل على أن الفرقة لم تحصل بمجرد اللعان. قدمه في الكافي.
"3- التحريم المؤبد" لقول سهل بن سعد: مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعا أبدا رواه الجوزجاني. وقال عمر، رضي الله عنه: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا رواه سعيد، وعن علي وابن مسعود نحوه.
4-"انتفاء الولد، ويعتبر لنفيه ذكره صريحا، كـ: أشهد بالله لقد زنت، وما هذا ولدي" وظاهر كلام أبي بكر صحة نفي الحمل في لعانه لظاهر حديث هلال بن أمية، فإنه لاعنها قبل الوضع، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انظروها فإن جاءت به كذا وكذا" . الحديث. ونفي عنه الولد قال ابن عبد البر: الآثار على هذا كثيرة، وأوردها، ولم ينقل ملاعنة بعد وضعه وشرط لنفيه أن لا يتقدمه إقرار

به أو بتوأمه، أو تهنئة به، فيسكت، أو يؤمن على الدعاء أو يؤخر النفي بلا عذر لأنه خيار لدفع ضرر، فكان على الفور كخيار الشفعة.

فصل فيما يلحق من النسب
:
"إذا أتت زوجة الرجل بولد بعد نصف سنة" وهي أقل الحمل لما روي: أن عثمان أتي بامرأة ولدت لدون ستة أشهر، فشاور القوم في رجمها، فقال ابن عباس: أنزل الله تعالى: {... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً...} 1 وأنزل: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 2، فالفصال في عامين، والحمل ستة أشهر، وذكر أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر. وأكثرها أربع سنين، لما روى الوليد بن مسلم: قلت لمالك بن أنس حديث عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل، قال مالك: سبحان الله، من يقول هذا؟! هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان، تحمل أربع سنين وقال أحمد: نساء بني عجلان، يحملن أربع سنين.
"منذ أمكن اجتماعه بها، ولو مع غيبه فوق أربع سنين" قال في الفروع و المبدع: ولعل المراد: ويخفى سيره.
"حتى ولو كان ابن عشر" سنين
"لحقه نسبه" لحديث: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" متفق عليه. وحديث: "واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود. وأمره بالتفريق بينهم في المضاجع دليل على إمكان
ـــــــ
1 الأحقاف من الآية/ 15.
2 لقمان من الآية/ 14.

الوطء وهو سبب الولادة. وقد روي أن عمرو بن العاص وابنه لم يكن بينهما إلا اثنا عشر عاما.
"ومع هذا لا يحكم ببلوغه" إن شك فيه، لأن الأصل عدمه وإنما ألحقنا به الولد احتياطا للنسب.
"ولا يلزمه كل المهر" إن لم يثبت الدخول أو الخلوة، لأن الأصل براءته منه.
"ولا يثبت به عدة ولا رجعة" لعدم ثبوت موجبهما.
"وإن أتت به لدون نصف سنة منذ تزوجها" وعاش، أو لأكثر من أربع سنين منذ أبانها
"أو علم أنه لم يجتمع بها، كما لو تزوجها بحضرة جماعة، ثم أبانها في المجلس، أو مات: لم يلحقه نسبه" للعلم بأنه ليس منه لعدم إمكانه.
"ومن ثبت" أنه وطئ أمته في الفرج أو دونه.
"أو أقر أنه وطء أمته في الفرج أو دونه، ثم ولدت لنصف سنة" فأكثر
"لحقه" نسب ما ولدته، لأنها صارت فراشا له لوطئه ولأن سعدا نازع عبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة، فقال عبد بن زمعة: هو أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر" متفق عليه. فإن ادعى أنه كان يعزل عنها، لم ينتف عنه الولد بذلك، لاحتمال

أن يكون أنزل ولم يحس به، ولأنه يكون من الريح. وقال عمر رضي الله عنه: "ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يعزلون، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد ذلك أو أنزلوا" رواه الشافعي في مسنده.
"ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها، فولدت لدون نصف سنة، لحقه" نسب ما ولدته للعلم بأنها كانت حاملا به قبل العتق أو البيع، حين كانت فراشا له.
"والبيع باطل" لأنها أم ولد، والعتق صحيح.
"ولنصف سنة فأكثر لحق المشتري" إن كانت مستبرأة، لأنه ولد أمة المشتري ولا تقبل دعوى غيره له بدون إقراره.
"ويتبع الولد أباه في النسب" إجماعا لقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} 1 ما لم ينفه بلعان.
"وأمه في الحرية" فولد حرة حر وإن كان من رقيق، لأنه جزء من أمه.
"وكذا" يتبعها.
"في الرق" فولد أمة قن لمالك أمه، ولو كان من حر.
"إلا مع شرط" زوج أمة حرية أولادها فهم أحرار، لحديث: "المسلمون عند شروطهم" .
"أو غرور" بأن شرطها أو ظنها حرة، فبانت أمة، فولدها حر، وإن كان أبوه رقيقا ويفديه.
"ويتبع في الدين خيرهما" فولد المسلم من كتابية: مسلم. وولد
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 5.

كتابي من مجوسية: كتابي. لكن لا تحل ذبيحته، ولا يحل لمسلم نكاحه لو كان أنثى.
"وفي النجاسة، وتحريم النكاح، والذكاة، والأكل أخبثهما" فالبغل من الحمار الأهلي محرم نجس تبعا للحمار، وما تولد بين هر، وشاة محرم الأكل تغليبا لجانب الحظر.

كتاب العدة


كتاب العدة:
وأجمعوا على وجوبها للكتاب والسنة في الجملة.
"وهي: تربص من فارقت زوجها بوفاة أو حياة" بطلاق، أو خلع أو فسخ.
"والمفارقة بالوفاة تعتد مطلقا" كبيرا كان الزوج أو صغيرا، يمكنه الوطء أو لا كبيرة كانت الزوجة أو صغيرة، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 1.
"فإن كانت، حاملا من الميت، فعدتها: حتى تضع كل الحمل" لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2 وأجمعوا على ذلك إلا ابن عباس، فإنه قال: تعتد بأقصى الأجلين. ذكره في الشرح. وإنما تنقضي العدة بوضع ما تصير به أمة أم ولد، وهو ما تبين فيه خلق إنسان. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط إذا علم أنه ولد. ذكره في الشرح.
"وإن لم تكن حاملا، فإن كانت حرة فعدتها: أربعة أشهر، وعشر ليال بأيامها" لأن النهار تبع الليل، للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث،
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 234.
2 الطلاق من الآية/ 4.

إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" متفق عليه. ولا يعتبر الحيض في عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم.
"وعدة الأمة نصفها" شهران وخمس ليال، في قول عامة أهل العلم لإجماع الصحابة على تنصيف عدة الأمة في الطلاق، فكذا عدة الوفاة. وإذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة. حكاه ابن المنذر إجماعا لأنها زوجته، ويلحقها طلاقه وإيلاؤه، ولا تنتقل البائن لأنها أجنبية منه.
"والمفارقة في الحياة" لطلاق أو غيره قبل المسيس
"لا تعتد" بالإ جماع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 1 الآية.
"ولا إن خلا بها" ولو لم يمسها فتجب العدة بالخلوة، لما روى أحمد بإسناده عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا، أو أرخى حجابا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة.
"أو وطئها وكان ممن يطأ مثله، ويوطأ مثلها، وهو: ابن عشر، وبنت تسع" فعليها العدة بالإجماع، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2 ولأنه مظنة لاشتغال الرحم بالحمل، فتجب العدة لاستبرائه. فإن وطئ ابن دون عشر، أو وطئت بنت دون تسع، فلا عدة لذلك الوطء، لتيقن براءة الرحم من الحمل.
"وعدتها إن كانت حاملا بوضع الحمل" كله، للآية السابقة. وعن
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 49.
2 البقرة من الآية/ 228.

أبي بن كعب قلت: يا رسول الله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن: للمطلقة ثلاثا، أو للمتوفى عنها؟ فقال: "هي للمطلقة ثلاثا، وللمتوفى عنها" رواه أحمد، والدارقطني. وعن الزبير بن العوام أنها كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت لي وهي حامل: طيب نفسي بتطليقة. فطلقها تطليقة. ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعت. فقال: ما لها خدعتني، خدعها الله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها" رواه ابن ماجه.
"وإن لم تكن حاملا، فإن كانت تحيض فعدتها: ثلاث حيض إن كانت حرة" أومبعضة بغير خلاف بين أهل العلم، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1، الآية. والقرء الحيض. روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس، رضي الله عنهم. وبه قال الحسن ومجاهد، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي، لأنه المعهود في لسان الشرع، لحديث: "تدع الصلاة أيام أقرائها" رواه أبو داود. وحديث "إذا أتى قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء" رواه النسائي. ولم يعهد في لسانه استعمال القرء بمعنى: الطهر، وإن كان في اللغة مشتركا بين الحيض والطهر. وقالت عائشة، رضي الله عنها أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض رواه ابن ماجه.
"وحيضتان إن كانت أمة" لحديث ابن عمر مرفوعا: "طلاق الأمة: طلقتان، وقرؤها: حيضتان" رواه أبو داود. ولأنه قول: عمر وابنه،
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 228.

وعلي. ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، فكان إجماعا، وهو مخصص لعموم الآية. وكان القياس أن تكون عدتها. حيضة ونصفها، كحدها، إلا أن الحيض لا يتبعض ولاتعتد بحيضة طلقت فيها، بل تعتد بعدها بثلاث حيض كوامل. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم. ولا تحل مطلقته لغيره إذا انقطع دم الحيضة الأخيرة حتى تغتسل في قول أكابر الصحابة، منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبو موسى وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء رضي الله عنهم. وعنه: القرء الطهر. روي عن زيد بن ثابت وعائشة، وهو قول: الفقهاء السبعة والزهري، وبه قال: ربيعة ومالك والشافعي، لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 1 أي: في عدتهن. وإنما يطلق في الطهر، فعليها آخر العدة آخر الطهر الثالث إذا رأت الدم بعده انقضت عدتها. ويحتمل أن لا يحكم بانقضائها حتى ترى الدم يوما وليلة، لأن ما دونه يحتمل أن لا يكون حيضا. قاله في الكافي.
"وإن لم تكن تحيض: بأن كانت صغيرة، أو بالغة ولم تر حيضا ولا نفاسا أو كانت آيسة، وهي: من بلغت خمسين سنة" أو ستين سنة كما تقدم.
"فعدتها: ثلاثة أشهر إن كانت حرة" إجماعا لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 2، أي كذلك.
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 1.
2 الطلاق من الآية/4.

"وشهران إن كانت أمة" نص عليه. واحتج بقول عمر: عدة أم الولد حيضتان، ولو لم تحض كان عدتها شهرين رواه الأثرم.
"ومن كانت تحيض ثم ارتفع حيضها قبل أن تبلغ سن الإياس، ولم تعلم ما رفعه، فتتربص تسعة أشهر" للحمل لأنها غالب مدته لتعلم براءة رحمها.
"ثم تعتد عدة آيسة" ثلاثة أشهر. قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره منهم منكر، علمناه فصار إجماعا قاله في الكافي و الشرح.
"وإن علمت ما رفعه من مرض، أو رضاع، أو نحوه، فلا تزال متربصة حتى يعود الحيض، فتعتد به" وإن طال الزمن لأنها مطلقة، لم تيأس من الدم، فيتناولها عموم الآية. وعن محمد بن يحيى بن حبان أنه كانت عند جده امرأتان: هاشمية، وأنصارية. فطلق الأنصارية وهي ترضع. فمر بها سنة، ثم هلك ولم تحض، فقالت الأنصارية لم أحض فاختصموا إلى عثمان، فقضى لها بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان، فقال: هذا عمل ابن عمك، وهو أشار علينا بهذا. يعني: علي بن أبي طالب رضى الله عنه رواه الأثرم
"أو تصير آيسة فتعتد كآيسة" نص عليه. قال في الإنصاف: وعنه تنتظر زوال ما دفعه، ثم إن حاضت اعتدت به، وإلا اعتدت بسنة. ذكره محمد بن نصر المروزي عن مالك. ومن تابعه منهم: أحمد. ونقل ابن هانئ أنها تعتد بسنة. واختار الشيخ تقي الدين: إن علمت عدم عوده فكآيسة، وإلا اعتدت سنة. انتهى.

فصل وإن وطئ الأجنبي بشبهة أو نكاح فاسد
"أو زنى من هي في عدتها: أتمت عدة الأول" سواء كانت عدته من نكاح صحيح أو فاسد، أو وطء بشبهة أو زنى، لأنه في شغل الرحم كالصحيح، فوجبت العدة منه، ما لم تحمل من الثاني، فتنقضي عدتها منه بوضع الحمل، ثم تتم عدة الأول،
"ثم تعتد للثاني" لأنهما حقان اجتمعا لرجلين فلم يتداخلا، وقدم أسبقهما، كما لو تساويا في مباح غير ذلك. ولخبرعلي، رضي الله عنه أنه قضى في التي تتزوج في عدتها، أنه يفرق بينهما، ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول، وتعتد من الآخر رواه مالك. وقال عمر: "أيما امرأة نكحت في عدتها، ولم يدخل بها الذي تزوجها، فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، وكان خاطبا من الخطاب. وإن دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم اعتدت من الآخر ولم ينكحها أبدا" رواه الشافعي. وروي عن أحمد: أنها تحرم على الزوح الثاني على التأبيد، لقول عمر، رضي الله عنه. والصحيح من المذهب: أنها تحل له، لأنه وطء شبهة، فلم يحرم على التأبيد، كالنكاح بلا ولي وقد روي أن عليا قال: إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، يعني:

الزوج الثاني، فقال عمر: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع إلى قول علي قاله في الكافي.
"وإن وطئها عمدا من أبانها: فكالأجنبي" تتم العدة الأولى، ثم تبتدئ العدة الثانية للزنى، لأنهما عدتان من وطأين، يلحقه النسب في أحدهما دون الآخر، كما لو كانا من رجلين.
"وبشبهة: استأنفت العدة من أولها" ودخلت فيها بقية العدة الأولى، لأنهما عدتان من واحد لوطأين، يلحق النسب فيهما لحوقا واحدا فتداخلا، كما لو طلق الرجعية في عدتها بعد أن راجعها، فإنها تستأنف العدة. فإن طلق الرجعية قبل رجعتها، بنت على عدتها الأولى، لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة، أشبها الطلقتين في وقت واحد.
"وتتعدد العدة بتعدد الواطئ بالشبهة" لحديث عمر السابق، ولأنهما حقان لآدميين، فلم يتداخلا: كالدينين. فإن تعدد الوطء من واحد، فعدة واحدة.
"لا بالزنى" فإن العدة لا تعدد في الأصح، وهو اختيار ابن حمدان، لعدم لحوق النسب فيه. فبقي القصد العلم ببراءة الرحم، فتعتد من آخر وطء.
"ويحرم على زوج الموطوءة بشبهة أو زنى أن يطأها في الفرج ما دامت في العدة" لأنها عدة قدمت على حق الزوج فمنع من الوطء قبل انقضائها، لا الاستمتاع، لأن تحريمها لعارض يختص بالفرج، فأبيح الاستمتاع منها بما دونه كالحيض.

فصل ويجب الإحداد على المتوفى عنها زوجها
"بنكاح صحيح ما دامت في العدة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج: أربعة أشهر وعشرا" متفق عليه.
"ويجوز للبائن" من حي، ولايسن لها. قاله في الرعاية.
"والإحداد: ترك الزينة والطيب: كالزعفران" قال في الشرح: وأما الطيب: فلا خلاف في تحريمه، وأما اجتناب الزينة: فواجب في قول عامة أهل العلم. انتهى.
"ولبس الحلي، ولو خاتما" لقوله، صلى الله عليه وسلم "ولا الحلي"
"ولبس الملون من الثياب: كالأحمر والأصفر والأخضر" لقوله صلى الله عليه وسلم. ".. ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب" . الحديث، متفق عليه. والعصب: ثياب يمنية فيها بياض وسواد، يصبغ غزلها، ثم ينسج. قاله القاضي، وصحح في الشرح أنه: نبت يصبغ به.
"والتحسن بالحناء والاسفيذاج" وهو: شيء يعمل من الرصاص، إذا دهن به الوجه يربو ويبرق، لأنه من الزينة. وعن أم سلمة مرفوعا "المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل" رواه النسائي.

"والاكتحال بالأسود" لما تقدم. ولا بأس بالكحل الأبيض: كالتوتياء ونحوه، لأنه لا يحسن العين. قاله في الكافي.
"والأدهان بالمطيب" لعموم قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث أم عطية: "ولا تمس طيبا" أخرجاه.
"وتحمير الوجه وحفه" لأنه من الزينة.
"ولها لبس الأبيض، ولو حريرا" لأن حسنه من أصل خلقته، فلا يلزم تغييره.
"وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي مات زوجها" وهي ساكنة
"فيه" ولو مؤجرا أو معارا. روي عن: عمر وعثمان وابن عمر وابن مسعود وأم سلمة، لحديث فريعة، وفيه. "... امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" . فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا رواه الخمسة، وصححه الترمذي. قال في الشرح: وبه قال مالك، والشافعي. قال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار.
"ما لم يتعذر" كتحولها لخوفها على نفسها، أو مالها، أو حولت قهرا، أو بحق يجب عليها الخروج من أجله، أو لتحويل مالكه لها، أو طلبه فوق أجرته. أو لا تجد ما تكتري به إلا من مالها: فتنتقل حيث شاءت للضرورة، ولسقوط الواجب للعذر. ولم يرد الشرع بالاعتداد في معين غيره، فاستوى في ذلك البعيد والقريب. ويلزم من انتقلت بلا حاجة العود إلى منزلها لتتم عدتها فيه تداركا للواجب، وكذا من سافرت ولو لحج، ولم تحرم به، ومات زوجها قبل مسافة قصر، رجعت

واعتدت بمنزله، لأنها في حكم الإقامة. وعن سعيد بن المسيب قال: توفي أزواج نساؤهم حاجات أو معتمرات، فردهن عمر من ذي الحليفة حتى يعتددن في بيوتهن رواه سعيد.
"وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت" لأن المكان ليس شرطا لصحة الاعتداد. ولهم إخراجها لطول لسانها، وأذاها لأحمائها بالسب ونحوه لقوله تعالى: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 1 فسره ابن عباس بما ذكرناه، وهو قول الأكثرين، والفاحشة تعم الأقوال الفاحشة، لقوله صلى الله عليه وسلم، لعائشة: "إن الله لايحب الفحش ولا التفحش" . ولها الخروح في حوائجها نهارا، لقوله صلى الله عليه وسلم "اخرجي فجذي نخلك" رواه أبو داود وغيره. وروى مجاهد: قال: استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقلن: يا رسول الله: نستوحش بالليل، فنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا بادرنا بيوتنا. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإذا أردتن النوم، فلتات كل امرأة إلى بيتها" وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه: بلغه أن سائب بن خباب توفي، وأن امرأته جاءت إلى عبد الله بن عمر فذكرت له وفاة زوجها، وذكرت له حرثا لهم بقناة، وسألته: هل يصلح لها أن تبيت فيه؟ فنهى عن ذلك؟ فكانت تخرج من المدينة سحرا، فتصبح في حرثهم، فتظل فيه يومها، ثم تدخل المدينة إذا أمست فتبيت في بيتها. ولأن الليل مظنة الفساد، فلم يجز لها الخروج فيه من غير ضرورة.
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 1.

باب استبراء الإماء

باب استبراء الإماء:
"وهو واجب في ثلاثة مواضع:"
"1- إذا ملك الرجل، ولو طفلا" بإرث أو شراء ونحوه،
"أمة يوطأ مثلها" بكرا كانت، أو ثيبا، كالعدة. قال الإمام أحمد: بلغني أن العذراء تحمل، فقال له بعض أهل المجلس: نعم، قد كان في جيراننا.
"حتى ولو ملكها من أنثى" فيحرم وطؤها قبل استبرائها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن أبي سعيد أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، و لاغير حامل حتى تحيض حيضة" رواه أحمد وأبو داود.
"أو كان بائعها قد استبرأها" لعموم الأحاديث، ولأن المشتري يجب عليه الاستبراء، لحفظ مائه، لاحتمال كون البائع لم يستبرئها. وقال ابن عمر، رضي الله عنه: إذا وهبت الوليدة التي توطأ، أو بيعت، أو عتقت فلتستبرئ بحيضة، ولا تستبرئ العذراء" حكاه البخاري في صحيحه.
"أو باع أو وهب أمته، ثم عادت إليه بفسخ، أو غيره" ولو قبل تفرقهما من المجلس.

"حيث انتقل الملك لم يحل استمتاعه بها، ولو بالقبلة حتى يستبرئها" لأنه تجديد ملك يحتمل اشتغال الرحم قبله، فأشبه ما لو اشتراها، وكشراء الصغيرة. وعنه: لا يجب الاستبراء إن عادت قبل التفرق، لأن يقين البراءة معلوم، فأشبه الطلاق قبل الدخول. قاله في الكافي.
"2- إذا ملك أمة ووطئها، ثم أراد أن يزوجها، أو يبيعها قبل الإستبراء فيحرم" لأن الزوج لا يلزمه الاستبراء، فيفضي تزويجها قبل الإستبراء إلى اختلاط المياه، واشتباه الأنساب، ولأن عمر، رضي الله عنه أنكر على عبد الرحمن بن عوف حين باع جارية له كان يطؤها قبل استبرائها. قال: ما كنت لذلك بخليق ولأن فيه حفظ مائه وصيانة نسبه، فوجب عليه، كالمشتري، وللشك في صحة البيع، لاحتمال أن تكون أم ولد، ولأنه قد يشتريها من لايستبرئها، فيفضي إلى اختلاط المياه.
"فلو خالف" فزوجها، أو باعها قبل استبرائها:
"صح البيع" لأن الأصل عدم الحمل
"دون النكاح" فلا يصح، كتزوج المعتدة.
"وإن لم يطأها جاز" البيع والنكاح، لعدم وجوب الاستبراء إذا، لأنها ليست فراشا له، وقد حصل يقين براءتها منه.
"3- إذا أعتق أمته أو أم ولده، أو مات عنها لزمها استبراء نفسها إن لم تستبرئ قبل" لأنها فراش لسيدها، وقد فارقها بالموت أو العتق، فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بلا استبراء وتسبترئ أم الولد إذا مات عنها، كما تستبرئ المسبية، لأنه استبراء بملك اليمين. وعنه:

تستبرئ بأربعة أشهر وعشر، لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال: لا تفسدوا علينا سنة نبينا، صلى الله عليه وسلم، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها: أربعة أشهر وعشر قال في الكافي: والصحيح الأول، لما ذكرناه. وخبر عمرو لا يصح. قاله أحمد.

فصل واستبراء الحامل بوضع الحمل
:
الذي تنقضي به العدة.
"ومن تحيض: بحيضة" تامة، لقوله، صلى الله عليه وسلم، في سبي أوطاس "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" رواه أحمد وأبو داود.
"والآيسة والصغيرة" التي يوطأ مثلها،
"والبالغ التي لم تر حيضا: بشهر" لأن الشهر أقيم مقام الحيضة قي عدة الحرة والأمة. وعنه: بشهرين، كعدة الأمة. وعنه: بثلاثة أشهر. قال في الكافي: وهي أصح. قال أحمد بن القاسم: قلت لأبي عبد الله: كيف جعلت ثلاثة أشهر مكان الحيضة، وإنما جعل الله في القرآن مكان كل حيضة شهرا؟ فقال: من أجل الحمل: فإنه لا يبين في أقل من ذلك، فإن عمر بن عبد العزيز سئل عن ذلك، وجمع أهل العلم والقوابل، فأخبروا أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، فأعجبه ذلك، ثم قال: ألا تسمع قول ابن مسعود: إن النطفة أربعون يوما، ثم علقة أربعون يوما، ثم مضغة بعد ذلك، فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة. وهي: لحمة، فيتبين حينئذ وهذا معروف عند النساء. فأما شهرا فلا معنى له، ولا أعلم أحدا قاله. انتهى.

"والمرتفع حيضها، ولم تدر ما رفعه: بعشرة أشهر" تسعة للحمل، وواحد للاستبراء.
"والعالمة مارفعه: بخمسين سنة وشهر" لما تقدم في العدة. فإن عاد الحيض قبلها، استبرأت بحيضة.
"ولا يكون الاستبراء إلا بعد تمام ملك الأمة كلها، ولو لم يقبضها" لأن الملك ينتقل بالبيع، وقد وجد.
"وإن ملكها حائضا لم يكتف بتلك الحيضة" للخبر، وكما لو طلق زوجته، وهي حائض.
"وإن ملك من تلزمها عدة اكتفى بها" لحصول العلم بالبراءة بها، فلا فائدة في الاستبراء لدخوله في العدة.
"وإن ادعت الأمة الموروثة تحريمها على الوارث بوطء مورثه" كأبيه وابنه صدقت.
"أو ادعت المشتراة أن لها زوجا صدقت" فيه، لأنه لا يعرف إلا من جهتها.

كتاب الرضاع
:
"يكره استرضاع الفاجرة والكافرة" نص عليه. وقال عمر، رضي الله عنه اللبن نسبة فلا تسق من يهودية ولا نصرانية
"وسيئة الخلق" لئلا يشبهها الولد في الحمق، فإنه يقال: الرضاع يغير الطباع.
"والجذماء والبرصاء" 1 ونحوهما مما يخاف تعديه. وفي المحرر: وبهيمة. وفي الترغيب: وعمياء.
"وإذا أرضعت المرأة طفلا" في الحولين ذكرا أو أنثى
"بلبن حمل لاحق بالواطئ" نسبه،
"صار ذلك الطفل ولدهما" في تحريم نكاح، وثبوت محرمية وإباحة نظر وخلوة، لا في وجوب نفقة وإرث وعتق وولاية ورد شهادة.
"وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما" فيما ذكر.
"وأولاد كل منهما" أي: المرضعة، والواطئ اللاحق به الحمل الذي ثاب عنه اللبن.
ـــــــ
1 الجذام:علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيأتها، وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها عنتقرح، والبرص: بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج.

"من الآخر أو غيره" كأن تزوجت المرضعة بغيره، فصار لها منه أولاد، أو تزوج الواطئ بغيرها، وصار له منها أولاد، فالذكور منهم:
"إخوته، و" البنات:
"أخواته، وقس على ذلك" فآباؤهما: أجداده، وأمهاتهما: جداته، وإخوتهما وأخواتهما: أعمامه وعماته وأخواله وخالاته، لأن ذلك كله فرع ثبوت الأمومة والأبوة.
"وتحريم الرضاع في النكاح، وثبوت المحرمية كالنسب" لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} 1 نص على هاتين في المحرمات، فدل على ما سواهما. وعن عائشة مرفوعا: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" وعن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. في ابنة حمزة: "لا تحل لي: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة" متفق عليهما.
"بشرط أن يرتضع خمس رضعات" فصاعدا، لحديث عائشة قالت أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس رضعات، وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والأمر على هذا رواه مسلم. وبه قال الشافعي. وهذا الحديث يخص عموم حديث "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" والآية: فسرتها السنة، وبينت الرضاعة المحرمة. وعنه أن قليله يحرم كالذي يفطر الصائم، وهو قول مالك، لعموم الآية والحديث. وعنه: لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات، وهو قول
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.

أبي عبيد وابن المنذر، لمفهوم قوله، صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم المصة ولا المصتان" وفي حديث آخر "لا تحرم الإملاجة، ولا الإملاجتان" 1 رواهما مسلم. والأول أولى، لأن المنطوق أقوى من المفهوم. ويشترط أيضا أن يكون
"في العامين" لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} 2 ولقوله، صلى الله عليه وسلم "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام" صححه الترمذي. وعن عائشة مرفوعا: "فإنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه. قال في شرح المحرر: يعني: في حال الحاجة إلى الغذاء واللبن.
"فلو ارتضع بقية الخمس بعد العامين بلحظة: لم تثبت الحرمة" لأن الله تعالى جعل تمام الرضاعة حولين، فدل على أنه لا حكم للرضاع بعدهما وكانت عائشة، رضي الله عنها، ترى رضاع الكبير يحرم، لحديث3 سالم. وعن أم سلمة قالت: "أبى سائر أزواج النبي، صلى
ـــــــ
1 الإملاجة: الإرضاعة الواحدة، مثل المصة. وفي القاموس ملج الصبي أمه –كنصر وسمع- تناول ثديها بفمه، وامتلج اللبن: امتصه وأملجه: أرضعه، والمليج: الرضيع.
2 البقرة من الآية/ 233.
3 ونصه: قالت عائشة إن امرأة أبي حذيفة جاءت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله، إن سالما يدخل علي وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "أرضعيه حتى يدخل عليك" رواه أحمد ومسلم.

الله عليه وسلم، أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لسالم خاصة رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه.
"ومتى امتص الثدي، ثم قطعه ولو قهرا، ثم امتص ثانيا: فرضعة ثانية" لأن المصة الأولى زال حكمها بترك الإرتضاع، فإذا عاد فامتص فهي غير الأولى، ولأن قوله، صلى الله عليه وسلم "لا تحرم المصة ولا المصتان" يدل على أن لكل مصة أثرا.
"والسعوط، في الأنف، والوجور. في الفم وأكل ما جبن أو خلط بالماء وصفاته باقية: كالرضاع في الحرمة" لحديث ابن مسعود مرفوعا: "لا رضاع إلا ما أنشر العظم، وأنبت اللحم" رواه أبو داود. ولوصول اللبن إلى جوفه، كوصوله بالارتضاع، والأنف سبيل لفطر الصائم، فكان سبيلا للتحريم بالرضاع كالفم.
"وإن شك في الرضاع، أو عدد الرضعات بنى على اليقين" لأن الأصل عدم الرضاع المحرم.
"وإن شهدت به مرضية ثبت التحريم" متبرعة بالرضاع، أو بأجرة، لحديث عقبة بن الحارث، قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: "وكيف وقد زعمت ذلك؟" متفق عليه. وفي لفظ للنسائي فأتيته من قبل وجهه، فقلت: إنها كاذبة، فقال: "كيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ خل سبيلها" وقال الشعبي: كان القضاة يفرقون بين الرجل والمرأة بشهادة امرأة واحدة في الرضاع.

وقال الزهري: فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان بشهادة امرأة واحدة، وظاهره: سواء شهدت على فعل نفسها، أو على فعل غيرها، كالولادة.
"ومن حرمت عليه بنت امرأة" من النسب:
"كأمه، وجدته، وأخته" وبنت أخيه، وبنت أخته، أو بمصاهرة. كربيبته التي دخل بأمها
"وإذا أرضعت طفلة" رضاعا محرما،
"حرمتها عليه أبدا" كبنتها من نسب.
"ومن حرمت عليه بنت رجل: كأبيه، وجده، وأخيه، وابنه إذا أرضعت زوجته بلبنه طفلة" رضاعا محرما.
"حرمتها عليه أبدا" لحديث "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" .

كتاب النفقات


كتاب النفقات:
أي: ما يجب على الإنسان من النفقة بالنكاح والقرابة والملك، وما يتعلق بذلك.
"يجب على الزوج ما لا غناء لزوجته عنه من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن بالمعروف" لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} 1 الآية وهي: في سياق أحكام الزوجات. وعن جابر مرفوعا: "اتقوا الله في النساء: فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم وأبو داود. والمعروف: قدر الكفاية. وأجمعوا على وجوب نفقة الزوجة على الزوج إذا كانا بالغين، ولم تكن ناشزا. ذكره ابن المنذر وغيره. ولأن الزوجة محبوسة لحق الزوج فيمنعها ذلك من التصرف والكسب، فتجب نفقتها عليه.
"ويعتبر الحاكم ذلك إن تنازعا بحالهما" جميعا، يسارا وإعسارا لهما أو لأحدهما، لأنه أمر يختلف باختلاف حال الزوجين، فرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم كسائر المختلفات. وقال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 وقال النبي صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 7.
2 البقرة من الآية/ 233.

"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" فاعتبر حالها. وقال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الآية1 فاعتبر حاله. فاعتبار حالهما جمع بين الدليلين. والشرع ورد بالإنفاق من غير تقدير فيرد إلى العرف. ذكره في الشرح.
"وعليه مؤنة نظافتها من دهن وسدر وثمن ماء الشراب، والطهارة من الحدث والخبث وغسل الثياب" لأن ذلك كله من حوائجها المعتادة.
"وعليه لها خادم إن كانت ممن يخدم مثلها" لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف، ولأنه من حاجتها، كالنفقة. ولا يلزمه أكثر من واحد، لأن خدمتها في نفسها تحصل بالواحد.
"وتلزمه مؤنسة لحاجة" كخوف مكانها، وعدو تخاف على نفسها منه، لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف إقامتها بمكان لا تأمن فيه على نفسها.
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 7.

فصل والواجب عليه دفع الطعام في أول كل يوم
:
عند طلوع شمسه، لأنه أول وقت الحاجة إليه فلا يجوز تأخيره عنه.
"ويجوز دفع عوضه إن تراضيا" وكذا تعجيل النفقة وتأخيرها عن وقت الوجوب، لأن الحق لا يعدوهما.
"ولا يملك الحاكم أن يفرض عوض القوت دراهم مثلا إلا بتراضيهما" فلا يجبر من امتنع منهما. قال في الهدي: أما فرض الدراهم: فلا أصل

له في كتاب ولا سنة، ولا نص عليه أحد من الأئمة، لأنها معارضة بغير الرضى عن غير مستقر. وفي الفروع: وأما مع الشقاق والحاجة كالغائب مثلا فيتوجه الفرض للحاجة إليه قطعا للنزاع. ولا تعتاض عن الواجب الماضي بربوي، كحنطة عن خبز، ولو تراضيا عليه، لأنه ربا.
"وفرضه ليس بلازم" لأنه فرض غير الواجب.
"ويجب لها الكسوة في أول كل عام" للآية والخبر، ولأنه يحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام، فلزمه كالنفقة، فيعطيها كسوة السنة، لأنه لا يمكن ترديد الكسوة شيئا فشيئا بل هو شيء واحد يستدام إلى أن يبلى.
"وتملكها" أي النفقة والكسوة
"بالقبض" كما يملك رب الدين دينه بقبضه.
"فلا بدل لما سرق أو بلي" لأنها قبضت حقها منه فلم يلزمه غيره.
"وإن انقضى العام، والكسوة باقية فعليه كسوة للعام الجديد" اعتبارا بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة، كما أنها لو بليت قبل ذلك لم يلزمه بدلها، وكذا غطاء ووطاء وستارة يحتاج إليها. واختار الشيخ تقي الدين، وتبعه ابن نصر الله، وغيره: أنه كماعون الدار ومشط يجب بقدر الحاجة، وعليه العمل.
"وإن مات أو ماتت قبل انقضائه" أي: قبل مضي العام
"رجع عليها بقسط ما بقي" من العام، لتبين عدم استحقاقه، كنفقة تعجلتها. وقدم في الكافي: لا يرجع لأنه دفع ما استحق دفعه، فلم يرجع به كنفقة اليوم.

"وإن أكلت معه عادة، أو كساها بلا إذن" منها أو من وليها، وكان ذلك بقدر الواجب عليه:
"سقطت" نفقتها وكسوتها عملا بالعرف. ومن غاب عن زوجته مدة، ولم
ينفق عليها لزمته نفقة الزمن الماضي، ولو لم يفرضها حاكم، لاستقرارها في ذمته، فلم تسقط بمضي الزمان، كأجرة العقار، ولأن عمر، رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم بأن ينفقوا أويطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى قال ابن المنذر: ثبت ذلك عن عمر. وكذا لو كان حاضرا ولم ينفق، لعذر أو لا، لأنه حق يجب مع اليسار والإعسار.

فصل والرجعية مطلقا
:
أي: سواء كانت حاملا أو لا، لها السكنى والنفقة والكسوة، لأنها زوجة، لقوله تعالى: {... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ...} 1 ولأنه يلحق طلاقه وظهاره، أشبه ما قبل الطلاق.
"والبائن" الحامل كالزوجة، لقوله تعالى: {... وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2 وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس: "لا نفقة لك، إلا أن تكوني حاملا" رواه أحمد وأبو داود والنسائي، ورواه مسلم بمعناه.
"والناشز الحامل" كالزوجة، لأن النفقة للحمل، فلا تسقط بنشوز أمه.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 228.
2 الطلاق من الآية/ 6.

"والمتوفى عنها زوجها حاملا كالزوجة في النفقة، والكسوة، والمسكن" من حصة الحمل من التركة إن كانت، لأنه موسر فلا تجب نفقته على غيره، وإلا فعلى وارثه الموسر للقرابة.
"ولا شيء لغير الحامل منهن" أي: البائن، والناشز، والمتوفى عنها، لمفهوم ما سبق. وأما قول عمر، ومن وافقه في المبتوتة: فقد خالفه علي وابن عباس ومن وافقهما، والحجة معهما. ذكره في الشرح. ولأن النفقة للحمل فتجب بوجوده، وتسقط بعدمه، وتسقط بمضي الزمان كسائر الأقارب. قال المنقح: ما لم تستدن بإذن حاكم، أو تنفق بنية الرجوع.
"ولا" نفقة
"لمن سافرت لحاجتها، أو لنزهة أو زيارة ولو بإذن الزوج" لتفويتها التمكين لحظ نفسها وقضاء أربها، إلا أن يكون مسافرا معها متمكنا منها.
"وإن ادعى نشوزها، أو أنها أخذت نفقتها وأنكرت، فقولها بيمينها" لأن الأصل عدم ذلك. واختار الشيخ تقي الدين وابن القيم في النفقة: القول قول من يشهد له العرف، لأنه تعارض الأصل والظاهر، والغالب أنها تكون راضية، وإنما تطالبه عند الشقاق.
"ومتى أعسر بنفقة المعسر، أو كسوته أو مسكنه، أو صار لا يجد النفقة إلا يوما دون يوم، أو غاب الموسر وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة وغيرها، فلها الفسخ فورا ومتراخيا" للحوق الضرر الغالب بذلك بها، إذ البدن لا يقوم بدون كفايته، وهو قول عمر وعلي وأبي هريرة،

لقوله تعالى: {... فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ...} 1 وقد تعذر الإمساك بالمعروف فيتعين التسريح بالإحسان، لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" وعن أبي هريرة مرفوعا: في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته. قال: "يفرق بينهما" رواه الدارقطني. وسئل ابن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته، أيفرق بينهما؟ قال: نعم، قيل: سنة؟ قال: سنة. وقال ابن المنذر: ثبت أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا وقد سبق. ولأن جواز الفسخ بذلك أولى من العنة. لأن الضرر فيه أكثر.
"ولا يصح بلا حاكم" لأنه فسخ مختلف فيه، فلم يجز بغير الحاكم، كالفسخ للعنة.
"فيفسخ بطلبها، أو تفسخ بأمره" لأنه لحقها فلم يجز بدون طلبها.
"وإن امتنع الموسر من النفقة أو الكسوة، وقدرت على ماله: فلها الأخذ منه بلا إذنه بقدر كفايتها، وكفاية ولدها الصغير" لأن هندا بنت عتبة، قالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه. فرخص لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه، لأنه موضع حاجة إذ لا غنى عن النفقة، ولا قوام إلا بها، وتتجدد بتجدد الزمن فتشق المرافعة بها إلى الحاكم، والمطالبة بها كل يوم.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 229.

باب نفقة الأقارب والمماليك

باب نفقة الأقارب والمماليك:
من الآدميين والبهائم. أجمعوا على وجوب نفقة الوالدين والمولودين. حكاه ابن المنذر وغيره، لقوله تعالى: {... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً...} 1 ومن الإحسان إليهما: الإنفاق عليهما عند حاجتهما. وقال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 وعن عائشة مرفوعا: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه" رواه أبو داود. ولحديث هند المتقدم
"ويجب على القريب نفقة أقاربه، وكسوتهم، وسكناهم بالمعروف" لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 2 فأوجب على الأب نفقة الرضاع، ثم أوجب على الوارث مثل ذلك. وروى أبو داود أن رجلا سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، من أبر؟ قال: "أمك وأباك، وأختك وأخاك" وفي لفظ "ومولاك الذي هو أدناك حقا واجبا، ورحما موصولا" وقضى عمر رضي الله عنه، على بني عم منفوس بنفقته احتج به أحمد.
ـــــــ
1 الإسراء من الآية/ 23.
2 البقرة من الآية/ 233.

"بثلاثة شروط"
"الأول: أن يكونوا فقراء لا مال لهم، ولا كسب" لأنها مواساة، فلا تستحق مع الغناء عنها، كالزكاة،
"الثاني أن يكون المنفق غنيا. إما بماله أو كسبه، وأن يفضل عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته" وكسوتهم وسكناهم، لحديث جابر مرفوعا: "إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل فعلى عياله، فإن كان فضل فعلى قرابته" وفي لفظ "ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول" صححه الترمذي. ولأن وجوب نفقة القريب على سبيل المواساة فيجب أن تكون في الفاضل عن الحاجة الأصلية.
"الثالث أن يكون وارثا لهم بفرض أو تعصيب" للآية.
"إلا الأصول والفروع فتجب لهم وعليهم مطلقا" أي: سواء ورثوا أو لا، لعموم ما تقدم. ويدخل الأجداد وأولاد الأولاد في اسم الآباء والأولاد. قال تعالى: {... مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ...} 1 وقال: {... يَا بَنِي آدَمَ...} 2 {... يَا بَنِي إِسْرائيلَ...} 3 وقال النبي صلى الله عليه وسلم، في الحسن "إن ابني هذا سيد" ولأن بينهما قرابة توجب العتق، ورد الشهادة، أشبه الولد والوالدين الأقربين.
"وإذا كان للفقير ورثة دون الأب فنفقته على قدر إرثهم" منه، لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ...} 4 فوجب أن يرتب مقدار النفقة على مقدار الإرث.
ـــــــ
1 الحج من الآية/ 78.
2 الأعراف من الآية/ 31 وغيرها.
3 البقرة من الآية/ 40 وغيرها.
4 البقرة من الآية/ 233.

"ولا يلزم الموسر منهم مع فقر الآخر سوى قدر إرثه" لأن ذلك القدر هو الواجب عليه يسار الآخر، فلا يتحمل عن غيره إذا لم يجد الغير ما يجب عليه.
"ومن قدر على الكسب أجبر" عليه.
"لنفقة من تجب عليه" نفقته،
"من قريب وزوجة" لأن تركه مع قدرته عليه تضيع لمن يعول، وهو منهي عنه. ولا تجبر امرأة على نكاح، لنفقة على قريبها الفقير.
"ومن لم يجد ما يكفي الجميع بدأ بنفسه" لحديث "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" .
"فزوجته" لأن نفقتها معاوضة، فقدمت على ما وجب مواساة، ولذلك تجب مع يسارهما وإعسارهما بخلاف نفقة القريب.
"فرقيقه" لوجوبها مع اليسار والإعسار، كنفقة الزوجة.
"فولده" لوجوب نفقته بالنص.
"فأبيه" لانفراده بالولاء، واستحقاقه الأخذ من مال ولده، وقد أضافه إليه بقوله عليه الصلاة والسلام "أنت ومالك لأبيك" .
"فأمه" لأن لها فضيلة الحمل والرضاع والتربية. وقيل: الأم أحق، لما روي أن رجلا قال: يا رسول الله: من أبر؟ قال: "أمك" . قال: ثم من؟ قال: "أمك" . قال: ثم من؟ قال: "أمك" . قال: ثم من؟ قال: "أباك" متفق عليه. وقيل: هما سواء لتساويهما في القرابة.
"فولد ابنه، فجده، فأخيه، ثم الأقرب فالأقرب" لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله: من أبر؟ قال:

"أمك" . قلت: ثم من؟ قال: "أمك" . قلت: ثم من؟ قال "أمك" . قلت: ثم من؟ قال: "أباك، ثم الأقرب فالأقرب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن طارق المحاربي مرفوعا: "إبدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك أدناك" رواه النسائي. ولأن النفقة صلة وبر، ومن قرب أولى بالبر ممن بعد.
"ولمستحق النفقة أن يأخذ ما يكفيه من مال من تجب عليه بلا إذنه" لحديث هند السابق. وقيس عليه سائر من تجب له النفقة.
"وحيث امتنع منها زوج أو قريب، وأنفق أجنبي بنية الرجوع رجع" لأنه قام عنه بواجب، كقضاء دينه.
"ولا نفقة مع اختلاف الدين" بقرابة، ولو من عمودي نسب، لأنهما لا يتوارثان.
"إلا بالولاء" فتجب للعتيق على معتقه بشرطه، وإن باينه في دينه، لأنه يرثه مع ذلك، فدخل في عموم قوله تعالى: {... وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ...} 1.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 233.

فصل وعلى السيد نففة مملوكه وكسوته ومسكنه
:
لحديث أبي هريرة مرفوعا: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" رواه أحمد ومسلم والشافعي في مسنده. وأجمعوا

على أن نفقة المملوك على سيده، ولأنه لا بد له من نفقة، ومنافعه لسيده، وهو أحق الناس به، فوجبت عليه نفقته كبهيمته.
"وتزويجه إن طلب" أو بيعه، لقوله تعالى: {... وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ...} 1.
"وله أن يسافر بعبده المزوج وأن يستخدمه نهارا" ويمكنه من الإستمتاع بها ليلا.
"وعليه إعفاف أمته: إما بوطئها، أو تزويجها، أو بيعها" إزالة لضرر الشهوة عنها.
"ويحرم أن يضربه على وجهه" لحديث ابن عمر مرفوعا: "من لطم غلامه فكفارته عتقه" رواه مسلم.
"أو يشتم أبويه ولو كافرين" قال أحمد: لا يعود لسانه الخنى والردى2 ولا يدخل الجنة سيئ الملكة، وهو: الذي يسيء إلى مماليكه3
"أو يكلفه من العمل ما لا يطيق" لما تقدم. وفي حديث أبي ذر "ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه" متفق عليه.
"ويجب أن يريحه وقت القيلولة، ووقت النوم، والصلاة المفروضة" لأنه العادة، ولأن تركه إضرار بهم. وفي الحديث "لا ضرر ولا ضرار" .
"وتسن مداواته إن مرض" إزالة للضرر عنه.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 32.
2 الخنى: الفاحش من الكلام.
3 قال في اللسان: وفي الحديث "لا يدخل الجنة سيئ الملكة" أي: الذي يسيء صحبة المماليك.

"وأن يطعمه من طعامه" ويلبسه من لباسه، لحديث أبي ذر مرفوعا: "هم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس" الحديث، متفق عليه. وعن أبي هريرة مرفوعا: "إذا أتى أحدكم خادمة بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنه ولي حره وعلاجه" رواه الجماعة. وعن أنس قال: كان عامة وصية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
"وله تقييده إن خاف عليه" إباقا. نص عليه. وقال: يباع أحب إلي.
"وتأديبه" إن أذنب، ولا يجوز بلا ذنب. ويستحب العفو عنه مرة أو مرتين
"ولا يصح نفله إن أبق" لحديث جرير مرفوعا "أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة" وفي لفظ "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة" رواه مسلم.
"وللإنسان تأديب زوجته وولده ولو مكلفا بضرب غير مبرح" إن أذنبوا، لحديث "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" رواه الجماعة إلا النسائي.
"ولا يلزمه بيع رقيقه مع قيامه بحقوقه" لأن الملك للسيد، والحق له، فلا يجبر على بيعه، كما لا يجبر على طلاق زوجته مع قيامه بما يجب لها. فإن لم يقم بحقه وطلب بيعه، لزمه إجابته إزالة للضرر. وفي الخبر

"عبدك يقول: أطعمني، وإلا فبعني. وامرأتك تقول: أطعمني، أو طلقني" رواه أحمد والدارقطني بمعناه.

فصل وعلى مالك البهيمة إطعامها وسقيها
:
لحديث ابن عمر مرفوعا: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض" متفق عليه.
"فإن امتنع أجبر" أي: أجبره الحاكم لقيامه مقام الممتنع من أداء الواجب، كقضاء دينه.
"فإن أبى أو عجز: أجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن كانت تؤكل" إزالة للضرر عنها. لقوله، صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" ولأنها تتلف إذا تركت بلا نفقة. وإضاعة المال منهي عنها.
"ويحرم لعنها" لحديث عمران أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان في سفر، فلعنت امرأة ناقة، فقال: "خذوا ما عليها، ودعوها فإنها ملعونة" . فكأني أراها الآن تمشي في الناس لا يعرض لها أحد وحديث أبي برزة "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة" رواهما أحمد ومسلم.
"وتحميلها مشقا" لما في ذلك من تعذيب الحيوان والإضرار به.
"وحلبها ما يضر ولدها" لأن لبنها مخلوق له، أشبه ولد الأمة، ولعموم حديث "لا ضرر ولا ضرار" .
"وضربها في وجهها ووسمها فيه" لأنه، صلى الله عليه وسلم، لعن من وسم، أو ضرب الوجه، ونهى عنه ذكره في الفروع.

"وذبحها إن كانت لا تؤكل" لأنه إضاعة مال.
"ويجوز استعمالها في غير ما خلقت له" كبقر لركوب وحمل، وإبل وحمر لحرث، لأن مقتضى الملك جواز الانتفاع بها فيما يمكن، وهذا منه كالذي خلقت له، وبه جرت عادة بعض الناس. وحديث: بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها، إذ قالت: إني لم أخلق لذلك. إنما خلقت للحرث متفق عليه. أي: هو معظم النفع، ولا يلزم منه منع غيره.

باب الحضانة

باب الحضانة:
تجب لحفظ صغير، ومعتوه، ومجنون، لأنهم يهلكون بتركها ويضيعون، فلذلك وجبت إنجاء من الهلكة.
"وهي حفظ الطفل غالبا عما يضره والقيام بمصالحه: كغسل رأسه وثيابه ودهنه وتكحيله وربطه في المهد ونحوه وتحريكه لينام" ونحو ذلك مما يصلحه.
"والأحق بها: الأم" لشفقتها. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا. ولقوله، صلى الله عليه وسلم "أنت أحق به ما لم تنكحي" رواه أبو داود. وقضى أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، بعاصم بن عمر بن الخطاب لأمه أم عاصم وقال لعمر: ريحها، وشمها، ولطفها، خير له منك رواه سعيد. واشتهر ذلك في الصحابة فكان إجماعا. قاله في الكافي. وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الأم إذا تزوجت سقطت حضانتها. ذكره في الشرح.

"ولو بأجرة مثلها مع وجود متبرعة" كالرضاع.
"ثم أمهاتها القربى فالقربى" لأنهن في معنى الأم، لتحقق ولادتهن وقد قضى أبو بكر على عمر، رضي الله عنهما، أن يدفع ابنه إلى جدته وهي بقباء، وعمر بالمدينة قاله أحمد.
"ثم الأب" لأنه أصل النسب وأحق بولاية المال.
"ثم أمهاته" لأنهن يدلين بعصبة قريبة.
"ثم الجد" لأب، لأنه في معنى الأب.
"ثم أمهاته" القربى فالقربى، لإدلائهن بعصبة.
"ثم الأخت لأبوين" لقوة قرابتها ومشاركتها له في النسب.
"ثم لأم" لإدلائها بالأم كالجدات.
"ثم لأب" لأنها تقوم مقام الشقيقة وترث ميراثها.
"ثم الخالة لأبوين، ثم لأم ثم لأب" لإدلاء الخالات بالأم، وعنه أن الخالة تقدم على الأب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الخالة بمنزلة الأم" متفق عليه.
"ثم العمات كذلك" أي: تقدم العمة لأبوين، ثم لأم، ثم لأب، لأنهن يدلين بالأب
"ثم خالات أمه، ثم خالات أبيه، ثم عمات أبيه" كذلك لأنهن نساء من أهل الحضانة، فقدمن على من بدرجتهن من الرجال: كتقديم الأم على الأب.
"ثم بنات إخوته وأخواته، ثم بنات أعمامه وعماته" على التفصيل المتقدم.

"ثم لباقي العصبة: الأقرب فالأقرب" فتقدم الإخوة، ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم، ثم أعمام الأب، ثم بنوهم، وهكذا. قال في الشرح: وللرجال من العصبات مدخل في الحضانة لأنه، صلى الله عليه وسلم، لم ينكر على علي وجعفر مخاصمتهما زيدا في حضانة ابنة حمزة انتهى بمعناه.
"ولا حضانة لمن فيه رق" ولو قل، لأنها ولاية، وليس هو من أهلها.
"ولا لفاسق" ظاهرا، لأنه لا يوثق به في أداء واجب الحضانة، ولا حظ للولد في حضانته، لأنه ربما نشأ على طريقته.
"ولا لكافر على مسلم" لأنه أولى بذلك من الفاسق.
"ولا لمتزوجة بأجنبي" من المحضون، للحديث السابق.
"ومتى زال المانع، أو أسقط الأحق حقه ثم عاد، عاد الحق له" في الحضانة لقيام سببها مع زوال المانع.
"وإن أراد أحد الأبوين السفر ويرجع، فالمقيم أحق بالحصانة" إزالة لضرر السفر.
"وإن كان لسكنى - وهو: مسافة قصر - فالأب أحق" إن كان الطريق آمنا، لأنه الذي يقوم بتأديبه وتخريجه وحفظ نسبه. فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع.
"ودونها" أي: دون مسافة القصر.
"فالأم أحق" لأنها أتم شفقة، ولأن مراعاة الأب له ممكنة، ولما

سبق عن أبي بكر، رضي الله عنه. وهذا كله إن لم يقصد المسافر به مضارة الآخر، وإلا فالأم أحق، كما ذكره الشيخ تقي الدين وابن القيم.

فصل وإذا بلغ الصبي سبع سنين عاقلا خير بين أبويه
:
لحديث أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد والشافعي. وعنه أيضا جاءت امرأة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله: إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت" . فأخذ بيد أمه، فانطلقت به رواه أبو داود والنسائي. وعن عمر أنه: خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد. وعن عمارة الحربي خيرني علي بين أمي وعمي، وكنت ابن سبع أو ثمان ولأن التقديم في الحضانة لحق الولد، فيقدم من هو أشفق. واختياره دليل ذلك. قال في الشرح: ولأنه إجماع الصحابة.
"فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا" ليحفظه ويعلمه ويؤدبه.
"ولا يمنع من زيارة أمه، ولا هي من زيارته" لما فيه من الإغراء بالعقوق وقطيعة الرحم.
"وإن اختار أمه كان عندها ليلا" لأنه وقت الانحياز إلى المساكن،
"وعند أبيه نهارا ليعلمه ويؤدبه" لئلا يضيع، ولأن النهار وقت التصرف في الحوائج، وعمل الصنائع.

"وإذا بلغت الأنثى سبعا كانت عند أبيها وجوبا إلى أن تتزوج" لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها، ولمقاربتها الصلاحية للتزويج. وإنما تخطب من أبيها، لأنه وليها، وأعلم بالكفء. ولم يرد الشرع بتخييرها. ولا يصح قياسها على الغلام، لأنه لا يحتاج إلى ما تحتاج إليه الأنثى.
"ويمنعها" الأب
"ومن يقوم مقامه من الإنفراد" بنفسها خشية عليها، لأنه لا يؤمن عليها دخول المفسدين. قاله في الكافي.
"ولا تمنع الأم من زيارتها، ولا هي من زيارة أمها إن لم يخف الفساد" وتمنع من الخلوة بها إن خيف أن تفسد قلبها. قاله في الواضح وغيره.
"والمجنون، ولو أنثى عند أمه مطلقا" صغيرا كان أو كبيرا، لحاجته إلى من يخدمه ويقوم بأمره، والنساء أعرف بذلك، وأمه أشفق عليه من غيرها.
"ولا يترك المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه" لأن وجوده كعدمه فتنتقل الحضانة عنه إلى من يليه. قال الشيخ تقي الدين: ولو كان الأب عاجزا عن حفظها، أو يهمله لاشتغاله عنه، أو قلة دينه، والأم قائمة بحفظها: قدمت. وكذا إ ذا تركها عند ضرة أمها لا تعمل مصلحتها، بل تؤذيها، وأمها تعمل مصلحتها ولا تؤذيها: فالحضانة هنا للأم قطعا انتهى.

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات:
"وهي: التعدي على البدن بما يوجب قصاصا أو مالا" وأجمعوا على تحريم القتل بغير حق، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ...} الآية1 وحديث ابن مسعود مرفوعا: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة" متفق عليه. فمن قتل مسلما متعمدا فسق، وأمره إلى الله تعالى، وتوبته مقبولة عند أكثر العلم، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2.
"والقتل ثلاثة أقسام:" عمد، وشبه عمد، وخطأ، هذا تقسيم أكثر أهل العلم، وهو مروي عن عمر وعلي. وأنكر مالك شبه العمد، وجعله من قسم العمد، قال في الشرح: ولنا قوله، صلى الله عليه وسلم، "ألا إن دية الخطإ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا: مائة من الإبل: منها أربعون في بطونها أولادها" رواه أبو داود.
"أحدهما: العمد العدوان، ويختص القصاص به" فلا يثبت في غيره
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.
2 النساء من الآية/ 48.

"أو الدية فالولي مخير" لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية 1 وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل، وإما أن يفدي" متفق عليه فإن اختار القود فله أخذ الدية والصلح على أكثر منها. قال الموفق: لا أعلم فيه خلافا. وليست هذه الدية هي الواجبة بالقتل بل بدل عن القصاص، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل" 2 رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، وروي أن هدبة بن خشرم قتل قتيلا فبذل سعيد بن العاص والحسن والحسين لابن المقتول سبع ديات ليعفو عنه، فأبى ذلك وقتله.
وإن عفا مطلقا فلم يقيد بقصاص، ولا دية فله الدية، لانصراف العفو إلى القصاص دون الدية، لأنه المطلوب الأعظم في باب القود، فتبقى الدية على أصلها.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 178.
2 الحقة: بكسر الحاء وتشديد القاف والجمع حقاق: وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. والجذعة: بفتح الجيم والدال: وهي التي أتى عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة. والخلفة بكسر اللام: الحاملة.
وكلمة: العقل في الأصل: القتل. والصحيح ما أثبتناه. والمراد بالعقل هنا: الدنة، ولما كان القاتل يجمعها ويعقلها بفناء أولياء المقتول.... منه سميت عقلا.

"وعفوه مجانا أفضل" لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 1 وفي الحديث الصحيح "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا"
"وهو: أن يقصد الجاني من يعلمه آدميا معصوما فيقتله بما يغلب علي الظن موته به" محددا كان أو غيره، فلا قصاص إن لم يقصد القتل، أو قصده بما لا يقتل غالبا.
"فلو تعمد جماعة قتل واحد قتلوا جميعا إن صلح فعل كل واحد منهم للقتل، وإن جرح واحد منهم جرحا والآخر مائة" لإجماع الصحابة. وروى سعيد بن المسيب عن عمر أنه قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا وعن علي أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا وعن ابن عباس أنه قتل جماعة قتلوا واحدا ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا. ولأن فعل كل واحد لو انفرد لوجب به القصاص، ولأن القتل عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت له على الجماعة، كحد القذف. ويفارق الدية فإنها تتبعض، والقصاص لا يتبعض. وإن ترتبت الجناية كأن قطع أحدهما يده، ثم ذبحه الآخر فعلى الأول ما على قاطع اليد منفردة، والثاني هو القاتل، لأنه قطع سراية القطع، كما لو اندمل القطع، ثم قتله. وإن كان قطع اليد آخر فالأول هو القاتل، ولا ضمان على قاطع اليد، لأنه صار في حكم الميت، ولا حكم لكلامه في وصيته ولا غيرها. وإن أجافه جائفة يتحقق الموت منها، إلا أن الحياة فيه مستقرة، ثم ذبحه آخر فالقاتل الثاني، لأن حكم الحياة باق، كما لو قتل مريضا مأيوسا منه. ولهذا
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.

أوصى عمر بعد ما أيس منه فقبلت الصحابة عهده، وأجمعوا على قبول وصاياه. وإن ألقى رجلا من شاهق، فتلقاه آخر بسيف فقده قبل وقوعه: فالقصاص عليه، لأنه مباشر للإتلاف، فانقطع حكم المتسبب، كالحافر مع الدافع. قاله في الكافي.
"ومن قطع أو بط سلعة خطوة من مكلف بلا إذنه، أو من غير مكلف بلا إذن وليه فمات فعليه القود" لتعديه بذلك بغير إذنه.
"الثاني: شبه العمد" ويسمى خطأ العمد، وعمد الخطإ لاجتماع الخطأ. والعمد فيه، لأنه عمد الفعل، وأخطأ في القتل. قاله في المغني.
"وهو: أن يقصده بجناية لا تقتل غالبا ولم يجرحه بها" كمن ضرب شخصا في غير مقتل بسوط، أو عصا، أو حجر صغير، أو لكزه بيده، أو صاح بعاقل اغتفله، ونحو ذلك فمات، فلا قود عليه، والدية على العاقلة في قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح، لقوله، صلى الله عليه وسلم "ألا إن في قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا: مائة من الإبل" رواه أبو داود وحديث أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فقضى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن دية جنينها عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه. ويحمل الحجر على الصغير، والعصا على ما دون عمود الفسطاط جمعا بين الأخبار، لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة التي ضربت ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها: قضى في الجنين بغرة، وقضى بالدية على عاقلتها1 رواه أحمد ومسلم. قال
ـــــــ
1 الغرة: بضم الغين وتشديد الراء وفتحها. أصلها: البياض في وجه الفرس وهي هنا: العبد أو الأمة: كأنه عبر بالغرة عن الجسم كله.

في الشرح: والعاقلة لا تحمل العمد فدل على أنها التي تتخذها العرب لبيوتها وفيها دقه.
"فإن جرحه، ولو جرحا صغيرا قتل به" لأن له مورا وسراية في البدن. وفي البدن مقاتل خفية، أشبه ما لو غرزه في مقتل. قاله في الكافي. ولأن الظاهر موته به.
"الثالث: الخطأ. وهو: أن يفعل ما يجوز له فعله من دق، أو رمي صيد، أو نحوه" كهدف وغرض فيقتل إنسانا.
"أو" رمى من يظنه
"مباح الدم" كحربي ومرتد وزان محصن:
"فيبين آدميا معصوما" لم يقصده بالقتل فيقتله. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن قتل الخطأ أن يرمي شيئا فيصيب غيره. انتهى. وعمد الصغير والمجنون كخطأ المكلف، لأنه لا قصد لهما. قال في الشرح: ولا خلاف أنه لا قصاص على صبي، ومجنون، ومن زال عقله بسبب يعذر فيه.
"ففي القسمين الأخيرين" وهما: شبه العمد والخطأ
"الكفارة على القاتل والدية على عاقلته" لقوله تعالى: {... وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ...} 1 وللأحاديث السابقة. قال في الشرح: ولا قصاص في شيء من هذا، لأن الله لم يذكره.
"ومن قال لإنسان: اقتلني أو اجرحني، فقتله أو جرحه: لم يلزمه شيء"
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.

نص عليه، لإذنه في الجناية عليه، فسقط حقه منها، كما لو أمره بإلقاء متاعه في البحر ففعل.
"وكذا لو دفع لغير مكلف آلة قتل، ولم يأمره به" أي: القتل فقتل بالآلة لم يلزم دافع الآلة شيء، لأنه لم يأمر بالقتل، ولم يباشره.

باب شروط القصاص في النفس
:
"وهي أربعة:"
"1- تكليف القاتل" لأن القصاص عقوبة مغلظة، فلا تجب على غير المكلف:
"فلا قصاص على صغير، ومجنون" ونائم، لحديث "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ" .
"بل الكفارة في مالهما، والدية على عاقلتهما" كالقاتل خطأ.
"2- عصمة المقتول" بأن لا يكون مهدر الدم:
"فلا كفارة، ولا دية على قاتل حربي، أو مرتد، أو زان محصن ولو أنه مثله" في عدم العصمة: بأن قتل حربي حربيا أو مرتدا، وزانيا محصنا. وعكسه لوجود الصفة المبيحة لدمه، ويعذر قاتل لافتئاته على ولي الأمر.
"3- المكافأة: بأن لا يفضل القاتل المقتول حال الجناية بالإسلام، أو الحرية أو الملك، فلا يقتل المسلم ولو عبدا بالكافر ولو حرا" في قول الأكثر. وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية،

لحديث: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ولا يقتل مؤمن بكافر" رواه أحمد وأبو داود. وفي لفظ "لا يقتل مسلم بكافر" رواه البخاري وأبو داود. وعن علي من السنة: أن لا يقتل مؤمن بكافر رواه أحمد.
"ولا الحر ولو ذميا بالعبد ولو مسلما" لقوله تعالى: {...الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ...} 1 ولقول علي: من السنة أن لا يقتل حر بعبد رواه أحمد. وعن ابن عباس مرفوعا مثله. رواه الدارقطني. قال في الكافي: وإن قتل ذمي حر عبدا مسلما فعليه قيمته، ويقتل بنقضه العهد.
"ولا المكاتب بعبده" لأنه مالك رقبة، أشبه الحر
"ولو كان ذا رحم محرم له" لأنه ملكه، فلا يقتل به كغيره من عبيده
"ويقتل الحر المسلم، ولو ذكرا بالحر المسلم، ولو أنثى" لقوله تعالى: {...وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ...} 1 وقوله: {...الْحُرُّ بِالْحُرِّ...} 2 وعن عمرو بن حزم أن النبي، صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن أن الرجل يقتل بالمرأة رواه النسائي. وعن أنس أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل هذا بك: فلان أو فلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فجيء به فاعترف، فأمر به النبي، صلى الله عليه وسلم، فرض رأسه بحجرين رواه الجماعة.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 45.
2 المائدة من الآية/ 178.

"والرقيق كذلك" يعني: يقتل الرقيق المسلم ولو ذكرا بالرقيق المسلم ولو أنثى، وإن اختلفت قيمتهما. كما يؤخذ الجميل بالدميم، والشريف بضده، لقوله تعالى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} 1
"وبمن هو أعلى منه" فيقتل الكافر الحر بالمسلم الحر، ويتتل العبد بالحر، والأنثى بالذكر
"والذمي كذلك" فيقتل الذمي الرقيق بالذمي الحر، لأ نه إذا قتل بمثله فبمن هو أعلى منه أولى.
"الرابع: أن يكون المقتول ليس بولد للقاتل" وإن نزل، وسواء في ذلك ولد البنين أو البنات.
"فلا يقتل الأب وإن علا، ولا الأم وإن علت بالولد، ولا ولد الولد وإن سفل" لحديث عمر وابن عباس مرفوعا: "لا يقتل والد بولده" رواهما ابن ماجه. وروى النسائي حديث عمر. قال ابن عبد البر: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغنى بشهرته وقبوله، والعمل به عن الإسناد حتى يكون الإسناد في مثله تكلفا. وعليه الدية في ماله. نص عليه. وعن عمر، رضي الله عنه أنه أخذ من قتادة المدلجي دية ابنه رواه مالك. ويقتل الولد بكل من الأبوين، لعموم قوله تعالى: {...كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى...} 1 خص منه ما تقدم، وبقي ما عداه.
"ويورث القصاص على قدر الميراث" حتى الزوجين وذي الرحم، لأن القود حق ثبت للوارث على سبيل الإرث، لأنه بدل نفس المقتول، كالدية.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 178.

"فمتى ورث القاتل، أو ولده شيئا من القصاص فلا قصاص" لأنه لا يتبعض، ولا يتصور وجوبه للإنسان على نفسه، ولا لولده عليه. فلو قتل زوجته فورثها ولدها منه: سقط القصاص. أو قتل أخاها فورثته، ثم ماتت، فورثها القاتل بالزوجية، أو ورثها ولده: سقط القصاص لذلك. ومن قتل شخصا في داره، وادعى أنه دخل لقتله أو أخذ ماله، أو وجده يفجر بأهله، فأنكر الولي: فعليه القود، لأن الأصل عدم ذلك. قال في المغنى: ولا أعلم فيه مخالفا. وروي عن علي، رضي الله عنه أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا فقتله. فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته1، فإن اعترف الولي بذلك فلا قصاص ولا دية، لاعتراف الولي بما يهدر الدم. ولما روي عن عمر أنه كان يوما يتغدى، إذ جاء رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون خلفه، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا، فقال له عمر: ما تقول؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته فقال عمر: ما تقولون؟ قالوا يا أمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة فأخذ عمر سيفة فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عاد فعد رواه سعيد.
ـــــــ
1 الرمة: الحبل والمراد به الحبل الذي يقاد به الجاني.

باب شروط استيفاء القصاص

باب شروط استيفاء القصاص:
"وهي ثلاثة:"
"الأول: تكليف المستحق" أي كونه بالغا عاقلا لأن غيره ليس أهلا للاستيفاء، ولا تدخله النيابة.
"فإن كان صغيرا أو مجنونا حبس الجاني إلى تكليفه" لأن معاوية حبس هدبة بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل وكان في عصر الصحابة، ولم ينكر. وبذل الحسن والحسين، وسعيد بن العاص، لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها.
"فإن احتاج إلى نفقة فلولي المجنون فقط العفو إلى الدية" لأن الجنون لا حد له ينتهي إليه عادة، بخلاف الصغير.
"الثاني: اتفاق المستحقين على استيفائه، فلا ينفرد به بعضهم" لأنه يكون مستوفيا لحق غيره بغير إذنه، ولا ولاية له عليه.
"وينتظر قدوم، وتكليف غير المكلف" لأنهم شركاء في القصاص.
"ومن مات من المستحقين فوارثه كهو" لقيامه مقامه، لأنه حق للميت، فانتقل إلى وارثه كسائر حقوقه. وعنه: للكبار استيفاوه، لأن الحسن، رضي الله عنه قتل ابن ملجم، وفي الورثة صغار، فلم ينكر وقيل قتله لكفره وقيل لسعيه في الأرض بالفساد ومتى انفرد به من منع من الإنفراد به عذر فقط، ولا قصاص عليه،

لأنه شريك في الاستحقاق، وعليه لشركائه حقهم من الدية، لإتلافه ما كان مستحقا لشريكه. والوجه الثاني: يجب في تركة القاتل الأول، لأنه قود سقط إلى مال فوجب في تركة القاتل، كما لو قتله أجنبي. ويرجع ورثة القاتل الأول على قاتل موروثهم بدية ما عدا نصيبه. ذكر معناه في الكافي.
"وإن عفا بعضهم، ولو زوجا أو زوجة" سقط القصاص، لأنه لا يتبعض. وأحد الزوجين من جملة الورثة، فيدخل في قوله، صلى الله عليه وسلم "فأهله بين خيرتين" وهذا عام في جميع أهله، والزوجة من أهله، بدليل قوله، صلى الله عليه وسلم "من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، وما علمت على أهلي إلا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي" - يريد عائشة - وقال له أسامة: أهلك، ولا نعلم إلا خيرا وعن زيد بن وهب أن عمر، رضي الله عنه أتي برجل قتل قتيلا فجاء ورثة المقتول ليقتلوه، فقالت امرأة المقتول - وهي: أخت القاتل -: قد عفوت عن حقي. فقال عمر: الله أكبر، عتق القتيل رواه أبو داود. وروى قتادة أن عمر رفع إليه رجل قتل رجلا، فقال أولاد المقتول، وقد عفا بعضهم، فقال عمر لابن مسعود: ما تقول؟ قال: إنه قد أحرز من القتل، فضرب على كتفه، وقال: كنيف ملئ علما1.
"أو أقر بعفو شريكه سقط القصاص" وكذا لو شهد بعفو شريكه،
ـــــــ
1 الكنف: الوعاء. ومنه حديث ابن عمر أنه قال لابن مسعود: كنيف ملئ علما وهو: تصغير تعظيم للكنف.

لإقراره بسقوط نصيبه. ولمن لم يعف من الورثة حقه من الدية على جان. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا. وسواء عفا شريكه مجانا أو إلى الدية، لأنها بدل عما فاته من القصاص. وعن زيد بن وهب أن رجلا دخل على امرأته فوجد عندها رجلا فقتلها، فاستعدى عليه إخوتها عمر، رضي الله عنه، فقال بعض إخوتها: قد تصدقت. فقضى لسائرهم بالدية.
"الثالث: أن يؤمن في استيفائه تعديه إلى الغير" أي: غير الجاني لقوله تعالى: {...فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ...} 1
"فلو لزم القصاص حاملا" أو حملت بعد وجوبه:
"لم تقتل حتى تضع" حملها، وتسقيه اللبأ2. لا نعلم فيه خلافا. قاله في الشرح، لأن تركه يضر الولد، وفي الغالب لا يعيش إلا به. ولابن ماجه عن معاذ بن جبل، وأبي عبيدة، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوس مرفوعا: "إذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها، وحتى تكفل ولدها" ولقوله، صلى الله عليه وسلم، للغامدية "ارجعي حتى تضعي ما في بطنك" ، ثم قال لها: "ارجعي حتى ترضعيه" الحديث، رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
"ثم ان وجد من يرضعه قتلت" لقيامه مقامها في إرضاعه، وتربيته فلا عذر،
"وإلا فلا حتى ترضعه حولين" لما تقدم، ولأنه إذا وجب حفظه، وهو حمل فحفظه، وهو مولود أولى. قاله في لكافي.
ـــــــ
1 الإسراء من الآية/ 33.
2 اللبأ: أول اللبن في النتاج.

فصل ويحرم استيفاء القصاص بلا حضرة سلطان أو نائبه
:
لافتقاره إلى اجتهاده، ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي، ويعذر مخالف لافتئاته بفعل ما منع منه.
"ويقع الموقع" لأنه استوفى حقه. وعن أبي هريرة مرفوعا: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه" رواه أحمد ومسلم، وترجم عليه النسائي: جواز الاقتصاص بغير إذن الحاكم. ويعضده حديث عمر السابق. وعن عثمان نحوه. وعن عبادة مرفوعا: "منزل الرجل حريمه فمن دخل على حريمك فاقتله" قاله أحمد.
"ويحرم قتل الجاني بغير السيف، وقطع طرفه بغير السكين، لئلا يحيف" في الاستيفاء، لحديث "لاقود إلا بالسيف" رواه ابن ماجه. ونهى، صلى الله عليه وسلم عن المثلة رواه النسائي. ولحديث "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" وعنه: يفعل به كما فعل. اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: هذا أشبه بالكتاب والسنة والعدل. انتهى، لقوله تعالى: {...وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ...} 1 وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر باليهودي الذي رض رأس الجارية بحجرين فرض رأسه بحجرين وروي أنه، صلى الله عليه وسلم، قال
ـــــــ
1 النحل من الآية/126.

"من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه" ولأن القصاص مشعر بالمماثلة فيجب أن يعمل بمقتضاه. قاله في الكافي.
"وإن بطش ولي المقتول بالجاني، فظن أنه قتله، فلم يكن، وداواه أهله حتى برئ: فإن شاء الولي دفع دية فعله وقتله، وإلا تركه" قال في الفروع: هذا رأي عمر وعلي ويعلى بن أمية. ذكره أحمد.

باب شروط القصاص فيما دون النفس
:
"من أخذ بغيره في النفس أخد به فيما دونها" لقوله تعالى: {... وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ...} الآية1 ولحديث أنس بن النضر وفيه "كتاب الله القصاص" رواه البخاري وغيره.
"ومن لا" يؤخذ بغيره في النفس
"فلا" يؤخذ به فيما دونها بغير خلاف. قاله في الكافي. كالأبوين مع ولدهما، الحر مع العبد، والمسلم مع الكافر، لعدم المكافأة.
"وشروطه أربعة:"
"أحدها: العمد العدوان فلا قصاص في غيره" فلا قصاص في الخطأ إجماعا، لأنه لا يوجب القصاص في النفس وهي الأصل، ففيما دونها أولى، ولا في شبه العمد. والآية مخصوصة بالخطأ، فكذا شبه العمد. وقياسا على النفس.
"الثاني: إمكان الاستيفاء بلا حيف: بأن يكون القطع من مفصل، أو ينتهي إلى حد كمارن الأنف، وهو: ما لان منه" دون قصبته.
ـــــــ
1 المائدة من الآية/ 45.

"فلا قصاص في جائفة، ولا في قطع القصبة" أي: قصبة الأنف.
"أو قطع بعض ساعده، أو" بعض.
"ساق، أو" بعض.
"عضد، أو" بعض.
"ورك" بغير خلاف، لأنه لا يمكن الاستيفاء منها بلا حيف، بل ربما أخذ أكثر من حقه، أو سرى إلى عضو آخر، أو إلى النفس، فيمنع منه، لما روى ثمران بن حارثة عن أبيه أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل، فاستعدى عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، فأمر له النبي، صلى الله عليه وسلم، بالدية، فقال: إني أريد القصاص، قال: "خذ الدية بارك الله لك فيها" . ولم يقض له بالقصاص رواه ابن ماجه.
"فإن خالف فاقتص بقدر حقه، ولم يسر: وقع الموقع، ولم يلزمه شيء" لأنه حقه. وإنما منع منه لتوهم الزيادة. قاله في الكافي.
"الثالث: المساواة في الاسم" كالعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، للآية.
"فلا تقطع اليد بالرجل وعكسه" لأن القصاص يقتضي المساواة والاختلاف في الاسم دليل على الاختلاف في المعنى.
"و" المساواة
"في الموضع: فلا تقطع اليمين" من يد، ورجل، وعين، وأذن ونحوها

"بالشمال، وعكسه" لعدم المماثلة، ولأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن، فلم يؤخذ بعضها ببعض. قاله في الكافي.
"الرابع: مراعاة الصحة والكمال، فلا يؤخذ كاملة الأصابع والأظافر بناقصتها" رضي الجاني بذلك أو لا، لأنه أكثر.
"ولا عين صحيحة بقائمة" وهي: التي بياضها وسوادها صافيان غير أن صاحبها لا يبصر بها. قاله الأزهري، لنقص منفعتها فلا تؤخذ بها كاملة المنفعة.
"ولا لسان ناطق بأخرس" لأنه أكثر من حقه.
"ولا صحيح بأشل من يد ورجل وأصبع وذكر" والشلل: فساد العضو، وذهاب حركته، فإذا شل ذهبت منفعته فلا يؤخذ به الصحيح، لزيادته عليه، كعين البصير بعين الأعمى.
"ولا ذكر فحل بذكر خصي" أو عنين، لعدم المماثلة.
"ويؤخذ مارن صحيح بمارن أشل" وهو: الذي لا يجد رائحة شيء لأنه لعلة في الدماغ، والأنف صحيح.
"وأذن صحيحة بأذن شلاء" أي: أذن السميع بأذن الأصم وعكسه لأن الصمم لعلة في الدماغ.

"ويشترط لجواز القصاص في الجروح" زيادة على ما سبق
"انتهاؤها إلى عظم: كجرح العضد والساعد، والفخذ والساق، والقدم، وكالموضحة" في رأس أو وجه، لقوله تعالى: {... وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ...} 1 ولإمكان الاستيفاء بلا حيف، ولا زيادة، لانتهائه إلى عظم، فأشبه الموضحة2 المتفق على جواز القصاص فيها.
"والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة" 3 لا يجب فيها قصاص، لأن المماثلة غير ممكنة وله أن يقتص عنها موضحة، لأنها بعض حقه في محل جنايته، ويأخذ ما بين ديتها ودية تلك الشجة التي هي أعظم، لتعذر القصاص فيها فينتقل إلى البدل، كما لو تعذر في جميعها. وهو قول ابن حامد. قاله في الكافي. فيأخذ في هاشمة: خمسا من الإبل، وفي منقلة: عشرا، وفي مأمومة: ثمانية وعشرين بعيرا وثلث بعير. واختار أبو بكر: لا يجب الأرش للباقي، لأنه جرح واحد فلم يجمع فيه بين قصاص وأرش، كالشلاء بالصحيحة.
"وسراية القصاص هدر" أي: غير مضمونة، لقول عمر وعلي: من مات من حد أو قصاص لا دية له: الحق قتله رواه سعيد بمعناه.
ـــــــ
1 المائدة من الآية/ 45.
2 الموضحة بكسر الضاد: الشجة التي تبدي وضح العظم.
3 الهاشمة: هي التي تهشم العظم. والمنقلة بفتح النون وتشديد القاف مع الكسر: وهي التي تنقل العظم أو تكسره. والمأمومة: هي الجناية البالغة أم الدماغ.

"وسراية الجناية مضمونة" بقود ودية في النفس، وما دونها بغير خلاف، لحصول التلف بفعل الجاني، أشبه ما لو باشره. وإن اقتص بعد الاندمال، ثم انتقض جرح الجناية فسرى إلى النفس وجب القصاص به، لأنه اقتص بعد جواز الاقتصاص. قاله في الكافي.
"ما لم يقتص ربها قبل برئه: فهدر أيضا" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رجلا طعن بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أقدني، قال: "حتى تبرأ" ، ثم جاء إليه، فقال: أقدني، فأقاده، ثم جاء إليه، فقال: يا رسول الله: عرجت، فقال: "قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله، وبطل عرجك". ثم نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه". رواه أحمد والدارقطني. ولأنه باقتصاصه قبل الاندمال استعجل ما ليس له استعجاله فبطل حقه، كقاتل مورثه.

كتاب الديات


كتاب الديات:
أجمعوا على وجوب الدية في الجملة، لقوله تعالى: {... وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا...} 1 وحديث النسائي ومالك في الموطأ أنه، صلى الله عليه وسلم، كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل اليمن فيه: الفرائض، والسنن، والديات، وقال فيه: "وفي النفس مائة من الإبل" قال ابن عبد البر: وهو كتاب مشهور عند أهل السير، وهو معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها عن الإسناد، لأنه أشبه المتواتر في مجيئه في أحاديث كثيرة.
"من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب: إن كان عمدا فالدية في ماله، وإن كان غير عمد فعلى عاقلته" قال في الشرح: أجمعوا على أن دية العمد في مال القاتل، وإن كان شبه عمد أو خطأ أو ما جرى مجراه فعلى العاقلة. انتهى. وقال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم أن دية الخطأ على العاقلة. وعن أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه.
"ومن حفر تعديا بئرا قصيرة، فعمقها آخر: فضمان تالف" بسقوطه فيها
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.

"بينهما" لحصول السبب منهما.
"وإن وضع ثالث سكينا" فوقع فيها شخص على السكين فمات.
"فـ" على عواقل الثلاثة الدية
"أثلاثا" نص عليه، لأنهم تسببوا في قتله.
"وإن وضع واحد حجرا تعديا، فعثر فيه إنسان، فوقع في البئر: فالضمان على واضع الحجر، كالدافع" لأنه مباشرة، ولأن الحافر لم يقصد بذلك القتل المعين عادة.
"وإن تجاذب حران مكلفان حبلا، فانقطع، فسقطا ميتين: فعلى عاقلة كل دية الآخر" لتسبب كل منهما في قتل الآخر.
"وإن اصطدما فكذلك" روي ذلك عن علي، رضي الله عنه، لموت كل منهما من صدمة صاحبه، وهي خطأ. وإن اصطدمت امرأتان حاملان فحكمهما في أنفسهما ما ذكرنا، وعلى كل واحدة منهما نصف ضمان جنينها، ونصف ضمان جنين الأخرى، لاشتراكهما في قتله وعلى كل منهما عتق ثلاث رقاب: واحدة لقتل صاحبتها، واثنتان لمشاركتها في الجنين.
"ومن أركب صغيرين لا ولاية له على واحد منهما، فاصطدما، فماتا: فديتهما من ماله" لتلفهما بسبب جنايته، لأنه متعد بذلك. وإن ركبا بأنفسهما، أو أركبهما ولي المصلحة فاصطدما: فهما كالبالغين المخطئين، على عاقلة كل منهما دية الآخر، وعلى كل منهما ما تلف من مال الآخر.
"ومن أرسل صغيرا" لا ولاية له عليه
"لحاجة، فأتلف نفسا أو مالا: فالضمان على مرسله" لأنه خطأ منه.

"ومن ألقى حجرا أو عدلا مملوءا بسفينة فغرقت ضمن جميع ما فيها" لحصول التلف بسبب فعله، كما لو حرقها. وإن رمى ثلاثة بمنجنيق، فقتل الحجر رابعا من غير قصد: فعلى عواقلهم ديته أثلاثا، لأنه خطأ. وإن قتل أحدهم سقط فعل نفسه، وما يترتب عليه، لمشاركته في إتلاف نفسه. روي نحوه عن علي، رضي الله عنه، في مسألة القارصة والقامصة والواقصة1. قال الشعبي وذلك أن ثلاث جوار اجتمعن، فركبت إحداهن على عنق الأخرى، وقرصت الثالثة المركوبة، فقمصت فسقطت الراكبة، فوقصت عنقها، فماتت، فرفعت إلى علي فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن، وألقى الثلث الذي قابل فعل الواقصة، لأنها أعانت على نفسها وقيل: يلزم شركاءه جميع ديته، ويلغى فعل نفسه قياسا على المصطدمين. قاله في الكافي وإن زادوا على ثلاثة، وقتل الحجر آخر غيرهم: فالدية في أموالهم حالة، لأن العاقلة لا تحمل ما دون ثلث الدية.
"ومن اضطر إلى طعام غير مضطر أو شرابه" وطلبه،
"فمنعه حتى مات" المضطر: ضمنه. نص عليه، لأن عمر، رضي الله عنه قضى بذلك لأنه قتله بمنعه طعاما يجب دفعه إليه تبقى حياته به فنسب هلاكه إليه.
"أو أخذ طعام غيره او شرابه وهو عاجز" عن دفعه، فتلف: ضمنه.
ـــــــ
1 القماص: الوثب. وقمص. وثب ونفر. والوقص: كسر العنق. وكان القياس أن يقال: الموقوصة، لكنه حفظ على مشاكلة اللفظ، كما في قوله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21، والقارعة:7] أي: مرضية.

"أو أخذ دابته أو ما يدفع به عن نفسه من سبع ونحوه" كنمر وحية،
"فأهلكه" ذلك الصائل عليه:
"ضمنه" الآخذ، لتسببه في هلاكه. قال في المغني: وظاهر كلام أحمد: أن الدية في ماله، لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالبا. وقال القاضي: تكون على عاقلته، لأنه لا يوجب القصاص، فهو شبه عمد
"وإن ماتت حامل، أو حملها من ريح طعام: ضمن ربه إن علم ذلك من عادتها" أي: أن الحامل تموت من ذلك، وأنها هناك، لتسببه فيه. قال في الكافي: وإذا تجارح رجلان، وزعم كل واحد منهما أنه جرح الآخر دفعا عن نفسه، ولا بينة وجب على كل واحد منهما ضمان صاحبه، لأن الجرح قد وجد، وما يدعيه من القصد لم يثبت، فوجب الضمان، والقول قول كل واحد منهما مع يمينه في نفي القصاص، لأن ما يدعيه يحتمل، فيدرأ عنه القصاص، لأنه يندرئ بالشبهات. انتهى.

فصل وإن تلف واقع على نائم غير متعد بنومه فهدر
:
لأن النائم لم يجن، ولم يتعد.
"وإن تلف النائم فغير هدر" فمع قصد شبه عمد، وبدونه خطأ، وفي كل منهما الكفارة في مال جان، والدية على عاقلته، لحصول التلف منه.
"وإن سلم بالغ عاقل نفسه، أو ولده إلى سابح حاذق ليعلمه فغرق" لم يضمنه المعلم حيث لم يفرط، لفعله ما أذن فيه.
"أو أمر مكلفا ينزل بئرا، أو يصعد شجرة فهلك" به: لم يضمنه

الآمر، لأنه لم يجن عليه، ولم يتعد، أشبه ما لو أذن له ولم يأمره. وإن أمر غير مكلف ضمنه، لأنه تسبب في إتلافه.
"أو تلف أجير لحفر بئر أو بناء حائط بهدم ونحوه" لم يضمنه، أقبضه أجره أو لا، لما تقدم.
"أو أمكنه إنجاء نفس من هلكة فلم يفعل" لم يضمنه، لأنه لم يهلكه، ولم يتسبب في هلاكه، كما لو لم يعلم به.
"أو أدب ولده وزوجته في نشوز" أو أدب معلم صبيه
"أو أدب سلطان رعيته ولم يسرف" أي: يزد على الضرب المعتاد فيه لا في العدد، ولا في الشدة.
"فهدر في الجميع" نص عليه، لفعله ما له فعله شرعا بلا تعد، أشبه سراية القود والحد.
"وإن أسرف أو زاد على ما يحصل به المقصود" فتلف بسببه ضمنه، لتعديه بالإسراف.
"أو ضرب من لا عقل له من صبي أو غيره" كمجنون ومعتوه فتلف:
"ضمن" لأن الشرع لم يأذن في تأديب من لا عقل له، لأنه لا فائدة في ذلك.
ومن أسقطت جنينها بسبب طلب سلطان أو تهديده، أو ماتت أو ذهب عقلها: وجب الضمان، لما روي أن عمر بعث إلى امرأة مغيبة كان رجل يدخل عليها، فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر: فبينما هي في الطريق إذ فزعت، فضربها الطلق، فألقت ولدا، فصاح الصبي صيحتين، ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فأشار

بعضهم أن ليس عليك شيء، إنما أنت وال ومؤدب، وصمت علي فأقبل عليه عمر، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، إن ديته عليك، لأنك أفزعتها فألقته، فقال عمر: أقسمت عليك لا تبرح حتى تقسمها على قومك ومثله لو استعدى رجل بالشرطة حاكما عليها فأسقطت أو ماتت أو ذهب عقلها، فإنه يضمن ما كان بسبب استعدائه. نص عليه.
"ومن نام على سقف، فهوى به لم يضمن ما تلف بسقوطه" لأنه ليس من فعله.
ومن أتلف نفسه، أو طرفه فهدر لما روي أن عامر بن الأكوع يوم خيبر رجع سيفه عليه فقتله، ولم ينقل أنه، صلى الله عليه وسلم، قضى فيه بدية ولا غيرها ولو وجبت لبينها النبي، صلى الله عليه وسلم، ولنقل نقلا ظاهرا، ولا يقتضي النظر أن تكون جنايته على نفسه مضمونة على غيره. وعنه: ديته على عاقلته لورثته، ودية طرفه على عاقلته لنفسه، لما روي أن رجلا ساق حمارا بعصا كانت معه، فطارت منها شظية، فأصابت عينه ففقأتها، فجعل عمر ديته على عاقلته، وقال: هي يد من أيدي المسلمين لم يصبها اعتداء. ولأنها جناية خطأ، فأشبهت جنايته على غيره. قاله في الكافي.

فصل في مقادير ديات النفس
:
"دية الحر المسلم طفلا كان أو كبيرا مائة بعير" لا خلاف في ذلك، لما روى مالك والنسائي أن في كتاب عمرو بن حزم وفي النفس مائة من الإبل.
"أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، أو ألف مثقال ذهبا، أو اثنا عشر ألف درهم" فضة قال القاضي: لا يختلف المذهب أن أصول الدية: الإبل، والذهب، والورق، والبقر، والغنم، لما روى عطاء عن جابر قال: فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة رواه أبو داود. وعن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل، فجعل النبي، صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم رواه أبو داود. وفي كتاب عمرو بن حزم وعلى أهل الذهب ألف دينار وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر قام خطيبا، فقال: إن الإبل قد غلت. قال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة رواه أبو داود. وهذا كان بمحضر الصحابة، فكان إجماعا، قاله في الكافي. فإذا أحضر من وجبت عليه دية أحدها لزم الولي قبوله، وتعتبر السلامة من العيوب في هذه الأنواع، لأن الإطلاق يقتضي السلامة. ولا يعتبر أن تبلغ

قيمتها دية نقد في ظاهر كلام الخرقي، لعموم حديث "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" وقول عمر، رضي الله عنه إن الإبل قد غلت. إلخ دليل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك. وعنه: يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما، لأن عمر قومها باثني عشر ألف درهم، قاله في الكافي.
"ودية الحرة المسلمة على النصف من ذلك" روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عمر وابن عباس، ولا مخالف لهم، وحكاه ابن المنذر، وابن عبد البر إجماعا. وفي كتاب عمرو بن حزم: دية المرأة على النصف من دية الرجل وهو مخصص، للخبر السابق.
"ودية الكتابي الحر كدية الحرة المسلمة، ودية الكتابية على النصف من ذلك" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "دية المعاهد نصف دية المسلم" وفي لفظ أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين رواه أحمد. قال الخطابي: ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا، ولا بأس بإسناده. وفي كتاب عمرو بن حزم: "دية المرأة على النصف من دية الرجل، وكذا جراح الكتابي على نصف جراح المسلم".
"ودية المجوسي الحر ثمانمائة درهم" كسائر المشركين. روي عن عمر وعثمان وابن مسعود في المجوسي، ولا مخالف لهم في عصرهم. وألحق به سائر المشركين، لأنهم دونه. وأما قوله، صلى الله عليه وسلم "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فالمراد في حقن دمائهم، وأخذ الجزية منهم، ولذلك لا تحل مناكحتهم، ولا ذبائحهم. وجراح من ذكر

وأطرافه بالنسبة إلى ديته. نص عليه كما أن جراح المسلم وأطرافه بالحساب من ديته.
"والمجوسية على النصف" لما تقدم. قال في الشرح: ودية أنثاهم - يعني: الكفار - كنصف دية ذكرهم. لا نعلم فيه خلافا. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل.
"ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها" رواه النسائي والدارقطني. فإذا زادت صارت على النصف. روي هذا عن عمر وابنه وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم.
"فلو قطع ثلاث أصابع حرة مسلمة لزمه ثلاثون بعيرا، فلو قطع رابعة قبل برء ردت إلى عشرين" قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر من الإبل قلت: فكم في إصبعين؟ قال عشرون. قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون. قلت: ففي أربع؟ قال: عشرون. قال: فقلت: لما عظم جرحها، واشتدت مصيبتها نقص عقلها !‍؟ قال سعيد: أعراقي أنت قلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم. قال: هي السنة يا بن أخي رواه مالك في الموطأ عنه، وسعيد بن منصور في سننه. وهذا يقتضي سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وأما ما يوجب الثلث فما فوق: فهي فيه على النصف من الذكر، لما سبق، ولقوله في الحديث: "حتى يبلغ الثلث" وحتى للغاية، فيجب أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها، ولأن الثلث في حد الكثرة، لحديث "والثلث كثير" ولذلك حملته العاقلة.

"وتغلظ دية قتل خطأ في كل من حرم مكة، وإحرام، وشهر حرام بالثلث" نص عليه في رواية الجماعة، وهو من المفردات. ولا تغلظ لرحم محرم، خلافا لأبي بكر.
"ففي اجتماع الثلاثة يجب ديتان" واحدة للقتل، وواحدة لتكرر التغليظ ثلاث مرات، لما روى ابن أبي نجيح أن امرأة وطئت في الطواف، فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن عمر أنه قال: من قتل في الحرم، أو ذا رحم، أو في الشهر الحرام فعليه دية وثلث وعن ابن عباس أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام، فقال: ديته اثنا عشر ألفا، وللشهر الحرام أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف ولم يظهر خلاف هذا، فكان إجماعا. قاله في الكافي.
وقال في الشرح: وظاهر كلام الخرقي: أن الدية لا تغلظ ب شيء من ذلك، وهو ظاهر الآية والأخبار. انتهى. أي: أنها عامة في كل قتيل، مطلقة في الأمكنة والأزمنة والقرابة. وقد قتلت خزاعة قتيلا من هذيل بمكة، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم. ".. وأنتم يا خزاعة: قد قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله" الحديث. ولم يذكر زيادة على الدية.
"وإن قتل مسلم كافرا" ذميا أو معاهدا
"عمدا: أضعف ديته" لإزالة القود قضى به عثمان، رضى الله عنه رواه أحمد. عن ابن عمر أن رجلا قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله، وغلظ عليه الدية ألف دينار فذهب إليه أحمد. وظاهره: لا إضعاف في جراحه.

"ودية الرقيق: قيمته، قلت أو كثرت" لأنه مال متقوم فضمن بكمال قيمته، كالفرس. وفي جراحه إن قدر من حر بقسطه من قيمته، لأن ذلك يروى عن علي، رضي الله عنه. وعنه: تضمن جناية عليه بما نقص من قيمته سواء كانت مقدرة من الحر أو لم تكن، لأن ضمانه ضمان الأموال، فيجب فيه ما نقص كالبهائم. ذكره في الكافي.

فصل ومن جنى على حامل فألقت جنينا
"حرا مسلما، ذكرا كان أو أنثى" ميتا
"فديته: غرة. قيمتها: عشر دية أمه، وهي: خمس من الإبل. والغرة: هي عبد أو أمة" لحديث أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معه متفق عليه. وعن عمر أنه استشار الناس في إملاص المرأة1، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قضى فيه بغرة: عبد أو أمة، قال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة متفق عليه. وروي عن عمر وزيد أنهما قالا في الغرة: قيمتها خمس من الإبل ولأنه أقل مقدر في الشرع في الجنايات، وهو: دية السن، والموضحة. قاله في الكافي. وإن شربت الحامل دواء، فألقت جنينا: فعليها غرة، لا ترث منها بغير خلاف. قاله في الشرح.
ـــــــ
1 أملصت المرأة: ألقت ولدها ميتا.

"وتتعدد الغرة بتعدد الجنين" فإن ألقت جنينين فعليها غرتان، أشبه ما لو كانا من امرأتين.
"ودية الجنين الرقيق: عشر قيمة أمه" كما لو جنى عليها موضحة.
"وقيمة الجنين المحكوم بكفره: غرة. قيمتها: عشر دية أمه" قياسا على جنين الحرة، فإن كان من كتابيين فقيمتها: ثلاثمائة درهم، وإن كان من مشركين فقيمتها: أربعون درهما.
"وإن ألقت الجنين حيا لوقت يعيش لمثله، وهو: نصف سنة فصاعدا" ثم مات:
"ففيه ما في الحي، فإن كان حرا ففيه دية كاملة" قال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في الجنين يسقط حيا من الضرب الدية كاملة. ولأنا تيقنا موته بالجناية، فأشبه غير الجنين، ولما تقدم عن عمر في التي أجهضت1 جنينها فزعا منه.
"وإن كان رقيقا فقيمته" لأن قيمة العبد بمنزلة دية الحر.
"وإن اختلفا في خروجه حيا أو ميتا" ولا بينة لواحد منهما:
"فقول الجاني" بيمينه، لأنه منكر لما زاد عن الغرة، والأصل براءته منه. وإن أقاما بينتين بذلك قدمت بينة الأم.
"ويجب في الجنين الدابة ما نقص من قيمة أمه" نص عليه. كقطع بعض أجزائها، قال في القواعد: وقياسه جنين الصيد في الحرم والإحرام.
ـــــــ
1 أجهضت المرأة: أسقطت حملها.

فصل في دية الأعضاء
:
"من أتلف ما في الإنسان منه واحد: كالأنف واللسان والذكر، ففيه دية" تلك النفس التي قطع منها
"كاملة" نص عليه، لحديث عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي الذكر الدية، وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية، وفي اللسان الدية" رواه أحمد والنسائي واللفظ له.
"ومن أتلف ما في الإنسان منه شيئان، كاليدين، والرجلين، والعينين، والأذنين، والحاجبين، والثديين، والخصيتين ففيه" أي: في إتلافهما:
"الدية، وفي أحدهما: نصفها" نص عليه، وكذا الشفتان. وروي عن زيد في الشفة السفلى: ثلثا الدية، وفي العليا: ثلثها، لعظم نفع السفلى، لأنها التي تدور وتتحرك، وتحفظ الريق. وهو معارض لقول أبي بكر وعلي ولحديث عمرو بن حزم مرفوعا، وفيه. ".. وفي الشفتين: الدية، وفي البيضتين: الدية، وفي الذكر: الدية، وفي الصلب: الدية، وفي العينين: الدية، وفي الرجل الواحدة: نصف الدية" الحديث. وروى مالك في الموطأ أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "وفي العين خمسون من الإبل" وفي عين الأعور دية كاملة، لأنه يروى عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر أنهم قضوا بذلك ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا، ولأنه يحصل بها ما يحصل من العينين، فكانت مثلهما في الدية.

"وفي الأجفان الأربعة: الدية" لأن فيها جمالا كاملا ونفعا كثيرا، لأنها تقي العينين ما يؤذيهما من الحر والبرد. وسواء في هذا البصير والأعمى، لأن العمى عيب في غيرها.
"وفي أحدها: ربعها" لأنه ربع ما فيه الدية.
"وفي أصابع اليدين: الدية، وفي أحدها عشرها، وفي الأنملة إن كانت من إبهام" يد أو رجل:
"نصف عشر الدية" لأن في الإبهام مفصلين، ففي كل مفصل: نصف عقل الإبهام.
"وإن كانت من غيره فثلث عشرها" لأن فيه ثلاث مفاصل فتوزع دية الأصبع عليها.
"وكذا أصابع الرجلين " لحديث ابن عباس مرفوعا: "دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع" صححه الترمذي. وعن أبي موسى مرفوعا نحوه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي حديث عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي أصبع من أصابع اليد والرجل: عشر من الإبل" وفي ظفر لم يعد، أو عاد أسود: خمس دية الأصبع. نص عليه وروي عن ابن عباس، ولم يعرف له مخالف من الصحابة. ذكره ابن المنذر.
"وفي السن: خمس من الإبل" روي عن عمر وابن عباس. وكذا الناب والضرس وفي حديث عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي السن: خمس من الإبل" رواه النسائي. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا "في الأسنان خمس خمس" رواه أبو داود. وهو عام

فيدخل فيه الناب والضرس، روي ذلك عن ابن عباس ومعاوية، ويؤيده حديث ابن عباس مرفوعا: "الأصابع سواء، والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء" رواه أبو داود وابن ماجه.
"وفي إذهاب نفع عضو من الأعضاء ديته كاملة" لصيرورته كالمعدوم كما لو قطعه.

فصل في دية المنافع
:
"تجب الدية كاملة في إذهاب كل من سمع وبصر وشم وذوق" لحديث: "وفي السمع الدية" ولأن عمر قضى في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات، والرجل حي ذكره أحمد. ولا يعرف له مخالف من الصحابة.
"وكلام" لأنه من أعظم المنافع.
"وعقل" حكاه بعضهم إجماعا، لأن في كتاب عمرو بن حزم وفي العقل الدية وروي عن عمر وزيد، لأنه أكبر المعاني قدرا، وأعظمها نفعا، وبه يتميز الإنسان عن البهائم، ويهتدي للمصالح، ويدخل في التكليف، فكان أحق بإيجاب الدية.
"وحدب" لأن انتصائب القامة من الكمال والجمال، وبه شرف الآدمي على سائر الحيوانات، وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال: مضت السنة أن في الصلب الدية وفي كتاب عمرو بن حزم: "وفي الصلب الدية".
"ومنفعة مشي ونكاح، وأكل وصوت وبطش" لأن في كل منها نفعا

مقصودا ليس في البدن مثله، لأن ذلك يجري مجرى تلف الآدمي فجرى مجراه في ديته.
"ومن أفزع إنسانا، أو ضربه فأحدث بغائط أو بول أو ريح، ولم يدم فعليه ثلث الدية" لما روي أن عثمان قضى به فيمن ضرب إنسانا حتى أحدث قال أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه. وهذا مظنة الشهرة ولم ينقل خلافه.
"وإن دام" أي: لم يستمسك بوله أو غائطه:
"فعليه الدية" لأن كلا منهما منفعة كبيرة مقصودة ليس في البدن مثلها، أشبه السمع والبصر. فإن فاتت المنفعتان ولو بجناية واحدة فديتان، كما لو أذهب سمعه وبصره.
"وإن جنى عليه، فأذهب سمعه وبصره وعقله وشمه وذوقه وكلامه ونكاحه: فعليه سبع ديات. وأرش تلك الجناية" لما تقدم عن عمر. ولا يدخل فيها أرش الجناية للتغاير.
"وإن مات من الجناية فعليه دية واحدة" لأن أحاديث الديات مطلقة لم يذكر فيها غيرها. وفي نقص شيء مما تقدم إن لم يعلم قدره حكومة لأنه لا يمكن تقديره. وإن علم قدره وجب من الدية بقدر الذاهب، لأن ما وجب في جميعه شيء وجب بعضه بقدره. ويقسم المذاق على خمس: الحلاوة، والمرارة، والعذوبة، والملوحة، والحموضة. ويقسم الكلام على ثمانية وعشرين حرفا. ويقبل قول مجني عليه في نقص بصره وسمعه بيمينه، لأنه لا يعلم إلا من جهته. وإن ادعى نقص إحدى عينيه عصبت العليلة، وأعطي رجل بيضة فانطلق بها، وهو ينظر

حتى ينتهي بصره، ثم يخط عند ذلك ثم عصبت عينه الصحيحة، وفتحت العليلة، وأعطي رجل بيضة فانطلق بها، وهو ينظر حتى ينتهي بصره، ثم يخط عند ذلك، ثم يحول إلى مكان آخر فيفعل مثل ذلك، فإن كانا سواء أعطي بقدر نقص بصره من مال الجاني، كما فعل علي، رضي الله عنه. وروى ابن المنذر نحوه عن أبي بكر. وإنما يمتحن بذلك مرتين، ليعلم صدقه بتساوي المسافتين، وكذبه باختلافهما. قاله في الكافي.
ويعمل كذلك في نقص سمع إحدى الأذنين، وشم أحد المنخرين ونحوهما.

فصل في دية الشجة والجائفة
:
"الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه" وهي عشر:
"1- الحارصة:" وهي التي تشق الجلد قليلا.
"2- البازلة:" وهي الدامية، وهي: التي يخرم منها دم يسير.
"3- الباضعة:" وهي التي تشق اللحم بعد الجلد.
"4- المتلاحمة:" وهي التي تنزل في اللحم كثيرا.
"5- السمحاق:" التي تصل إلى قشرة رقيقة فوق العظم تسمى السمحاق.
فهذه الخمس لا مقدر فيها. وعنه: في الدامية: بعير، وفي الباضعة: بعيران، وفي المتلاحمة: ثلاثة، وفي السمحاق: أربعة، لأن هذا يروى عن زيد بن ثابت. ورواه سعيد عن علي وزيد في السمحاق. والأول ظاهر المذهب، لأنها جروح لم يرد الشرع فيها بتوقيت، فكان الواجب فيها الحكومة، كجروح البدن، قال مكحول: "قضى رسول

الله، صلى الله عليه وسلم في الموضحة بخمس من الإبل، ولم يقض فيما دونها قاله في الكافي. وقال في الشرح: والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوم وهي به قد برئت، فما نقص منه فله مثله من الدية، ولا نعلم خلافا أن هذا تفسير الحكومة، ولا يقوم إلا بعد برء الجرح، فإن لم ينقص في تلك الحال قوم حال جريان الدم. انتهى ملخصا. والتي فيها مقدر ذكرها بقوله.
"وهي خمسة:"
"1- الموضحة التي توضح العظم وتبرزه" ولو يسيرا.
"وفيها: نصف عشر الدية = خمسة أبعرة" لأن في كتاب عمرو بن حزم "وفي الموضحة: خمس من الإبل" رواه النسائي. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "في المواضح خمس خمس من الإبل" رواه الخمسة. وسواء كانت في الرأس أو الوجه، لعموم الأحاديث، وروي عن أبي بكر وعمر.
"فإن كان بعضها في الرأس، وبعضها في الوجه: فموضحتان" لأنه أوضحه في عضوين، فلكل حكم نفسه.
"2- الهاشمة: التي توضح العظم وتهشمه. وفيها: عشرة أبعرة" روي عن زيد بن ثابت، ولم يعرف له مخالف في عصره من الصحابة. وإن ضربه بمثقل فهشمه من غير إيضاح فوجهان أحدهما: فيه حكومة. والثاني: فيه خمس من الإبل، لأنه لو أوضحه وهشمه وجب عشر. ولو أوضحه ولم يهشمه وجب خمس، فدل على أن الخمس الأخرى للهشم، فيجب ذلك فيه إذا انفرد ذكره في الكافي.

"3- المنقلة: التي توضح وتهشم، وتنقل العظم" أي: تزيله عن موضعه، أو يحتاج إلى إزالته ليلتئم.
"وفيها: خمسة عشر بعيرا" حكاه ابن المنذر إجماع أهل العلم. وفي كتاب عمرو بن حزم: "المنقلة خمس عشرة من الإبل". وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا مثل ذلك رواه أحمد وأبو داود.
"4- المأمومة" قال ابن عبد البر: وأهل العراق يقولون لها: الآمة.
"التي تصل إلى جلدة الدماغ. وفيها: ثلث الدية" لما في كتاب عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي المأمومة ثلث الدية" . رواه النسائي. وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا مثله رواه أحمد.
"5- الدامغة: التي تخرق الجلدة" أي: جلدة الدماغ.
"وفيها الثلث أيضا" لأنها أولى من المأمومة، لزيادتها عليها، وصاحبها لا يسلم غالبا، ولم يرد الشرع بإيجاب شيء في زيادتها. ويجب في كسر الضلع إذا جبر مستقيما بعير، وكذا الترقوة1. نص عليه. وفي الترقوتين: بعيران، لما روى أسلم مولى عمر أن عمر، رضي الله عنه: قضى في الترقوة بجمل، وفي الضلع بجمل رواه سعيد بسنده. وفي كسر كل عظم من زند، وعضد، وفخذ، وساق، وذراع وهو: الساعد الجامع لعظمي الزند -: بعيران. نص عليه، لما روى سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في إحدى
ـــــــ
1 الترقوة: بتشديد التاء وفتحها وضم القاف: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين، والجمع: تراقي.

الزندين إذا كسر. فكتب إليه عمر أن فيه: بعيرين، وإذا كسر الزندان ففيهما: أربعة من الإبل ومثله لا يقال من قبل الرأي، ولا يعرف له مخالف من الصحابة. قال في الكافي: ولأن في الزند عظمين ففي كل عظم بعير. انتهى. وألحق بالزند في ذلك باقي العظام المذكورة، لأنها مثله.
وإن جبر شيء من ذلك غير مستقيم فحكومة. وفي البدن الشلاء، والسن السوداء، والعين القائمة: ثلث ديتها، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في العين القائمة السادة لمكانها بثلث ديتها، وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا قلعت ثلث ديتها رواه النسائي. وقضى عمر، رضي الله عنه، بمثل ذلك وفي كل واحد من الشعور الأربعة: الدية كاملة، وهي: شعر الرأس، وشعر اللحية، وشعر الحاجبين، وشعر أهداب العينين، لعموم ما روي عن علي، وزيد بن ثابت في الشعر: الدية ولأن فيها جمالا كاملا، وفي الشارب حكومة. نص عليه.

فصل وفي الجائفة ثلث الدية
:
لما في كتاب عمرو بن حزم "وفي الجائفة: ثلث الدية". رواه النسائي. وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: وفيه "وفي الجائفة: ثلث العقل" رواه أحمد وأبو داود.

"وهي: كل ما يصل إلى الجوف: كبطن، وظهر، وصدر، وحلق" ومثانة.
"وإن جرح جانبا فخرج منه الآخر: فجائفتان" نص عليه، لما روى سعيد بن المسيب: أن رجلا رمى رجلا بسهم، فأنفذه، فقضى أبو بكر بثلثي الدية أخرجه سعيد في سننه. ولا يعرف له مخالف من الصحابة فهو كالإجماع، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت الجوف بأرش جائفتين ولأنه أنفذه من موضعين، أشبه ما لو أنفذه بضربتين. وإن خرق شدقه فليس بجائفة. لأن حكم الفم حكم الظاهر، قاله في الكافي. وفيه حكومة، كجراحات سائر البدن التي لا مقدر فيها.
"ومن وطئ زوجة صغيرة لا يوطأ مثلها فخرق مخرج بول ومني، أو ما بين السبيلين فعليه الدية إن لم يستمسك البول" لإبطاله نفع المحل الذي يجتمع فيه البول. كما لو جنى على شخص فكان لا يستمسك الغائط.
"وإلا" بأن استمسك البول:
"فجائفة" فيها: ثلث الدية لأن عمر، رضي الله عنه: قضى في الإفضاء ثلث الدية ولا يعرف له مخالف من الصحابة.
"وإن كانت الزوجة من يوطأ مثلها لمثله، أو أجنبية كبيرة مطاوعة، ولا شبهة فوقع ذلك" أي: خرق ما بين السبيلين، أو ما بين مخرج بول ومني،
"فهدر" لحصوله بفعل مأذون فيه، كأرش بكارتها، ومهر مثلها ومع الشبهة لها المهر والدية، لأنها إنما أذنت بالفعل مع الشبهة،

لاعتقادها أنه هو المستحق، فإذا كان غيره وجب الضمان وكذا يجب ذلك مع الإكراه، لأنه ظالم متعد.

باب العاقلة
:
"وهي: ذكور عصبة الجاني نسبا وولاء" قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم، حتى عمودي نسبه في أشهر الروايتين، لحديث أبي هريرة: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها. وفي رواية: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة. وقضى بدية المرأة على عاقلتها. متفق عليه. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثون منها إلا ما فضل من ورثتها رواه الخمسة إلا الترمذي. ولا خلاف بين أهل العلم أن العاقلة هم: العصبات، وأن غيرهم من إخوة الأم، وسائر ذوي الأرحام والزوج ليس من العاقلة. قاله في شرح العمدة، وذلك لأن القتل بذلك يكثر فإيجاب الدية على القاتل يجحف به. ولأن العصبة يشدون أزر قريبهم، وينصرونه فاستوى قريبهم وبعيدهم في العقل. وأما حديث - "لا يجني عليك، ولا تجني عليه" - أي: إثم جنايتك لا يتخطاك إليه، وبالعكس، كقوله تعالى:

{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1 وإذا ثبث العقل في عصبة النسب، فكذا عصبة الولاء، لعموم الخبر.
"ولا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا إقرارا" ولا صلحا، لقول ابن عباس: "لا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا" حكاه عنه أحمد، ولا يعرف له مخالف من الصحابة. وروي عنه مرفوعا. وقال عمر: "العمد، والعبد، والصلح، والاعتراف لا تعقله العاقلة" رواه الدارقطني. وقال الزهري: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا. رواه مالك في الموطأ. وعلى هذا وأمثاله تحمل العمومات المذكورة. وقال مالك: في الصبي والمرأة الذي لا مال لهما: إن جنى أحدهما جناية دون الثلث، إنه ضامن، على الصبي والمرأة في مالهما خاصة، إن كان لهما مال أخذ منه، وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه، ليس على العاقلة منه شيء، ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي، وليس ذلك عليه، انتهى. من الموطأ.
"ولا ما دون ثلث دية ذكر مسلم" لما روي عن عمر، رضي الله عنه: أنه قضى في الدية أن لا تحمل منها العاقلة شيئا حتى تبلغ عقل المأمومة. ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني خولف في ثلث الدية فأكثر. لإجحافه بالجاني لكثرته، فيبقى ما عداه على الأصل، إلا غرة جنين حرة مات مع أمه أو بعدها بجناية واحدة: فتحمل الغرة تبعا لدية الأم. نص عليه، لاتحاد الجناية.
ـــــــ
1 الإسراء من الآية/ 15.

"ولا قيمة متلف" لأن الأصل وجوب ضمان الأموال على متلفها كقيمة العبد والدابة.
"وتحمل الخطأ، وشبه العمد" لما تقدم.
"مؤجلا في ثلاث سنين" لما روي عن عمر وعلي أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين وروي نحوه عن ابن عباس. ولا مخالف لهم في عصرهم من الصحابة. ولأنها تحمل ما يجب مواساة. فاقتضت الحكمة تخفيفه عليها.
"وابتداء حول القتل من الزهوق، والجرح من البرء" لأنه وقت استقرار الوجوب، وما يحمله كل واحد منهم غير مقدر، فيرجع إلى اجتهاد الحاكم، فيحمل على كل إنسان ما يسهل عليه. نص عليه، لأن ذلك مواساة للجاني، وتخفيف عنه، فلا يشق على غيره، ولا يزال الضرر بالضرر.
"ويبدأ بالأقرب فالأقرب، كالإرث" لأنه حكم معلق بالعصبات. فقدم فيه الأقرب، كالولاية فيقسم على الآباء، والأبناء في المختار، ثم الإخوة، ثم بنيهم، ثم الأعمام، ثم بنيهم، ثم أعمام الأب، ثم بنيهم، وهكذا حتى ينقرضوا وإن اتسعت أموال الأقربين لحمل العقل: لم يتجاوزهم، وإلا انتقل إلى من يليهم.
"ولا يعتبر أن يكونوا وارثين لمن يعقلون عنه بل متى كانوا يرثون لو لا الحجب عقلوا" لما سبق.
"ولا عقل على فقير" لأنه ليس من أهل المواساة، ولأنها وجبت على العاقلة تخفيفا على الجاني، فلا تثقل على من لا جناية منه.

"وصبي ومجنون وامرأة ولو معتقة" لأنهم ليسوا من أهل النصرة والمعاضدة. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة، والذي لم يبلغ لا يعقلان وأن الفقير لا يلزمه شيء. انتهى. وخطأ الإمام والحاكم في أحكامهما في بيت المال لا تحمله عاقلتهما، لأنه يكثر فيجحف بالعاقلة وخطؤهما في غير حكم: كرميهما صيدا، فيصيبا آدميا على عاقلتهما، كخطأ غيرهما. وعنه: على عاقلتهما بكل حال، لحديث عمر المتقدم في التي أجهضت جنينها.
"ومن لا عاقلة له، أو له وعجزت فلا دية عليه، وتكون في بيت المال، كدية من مات في زحمة: كجمعة وطواف" لأنه، صلى الله عليه وسلم ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر من بيت المال. ولأن المسلمين يرثون من لا وارث له، فيعقلون عنه عند عدم عاقلته وعجزها.
"فإن تعذر الأخذ منه سقطت" لأنها تجب ابتداء على العاقلة دون القاتل، فلا يطالب بها غير العاقلة. وعنه: تجب في مال القاتل: لعموم قوله تعالى: {... وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ...} 1 قال في المقنع: وهو أولى من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال، لأنها تجب على القاتل، ثم تحملها العاقلة. انتهى.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.

باب كفارة القتل
:
"لا كفارة في العمد" لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} 1 فتخصيصه بها يدل على نفيها في غيره، ولأنها لو وجبت في
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.

العمد لمحت عقوبته في الآخرة. وعنه: تجب فيه، لأنها إذا وجبت في الخطأ مع قلة إثمه ففي العمد أولى. وعن واثلة بن الأسقع قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صاحب لنا أوجب - يعني: النار- بالقتل، فقال: "أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار" . رواه أحمد وأبو داود، إلا عمد الصبي والمجنون. ففيه الكفارة، لأنه أجري مجرى الخطأ.
"وتجب فيما دونه" أي: في الخطأ، للآية. وفي شبه العمد، لأنه في معناه.
"في مال القاتل لنفس محرمة ولو جنينا" كأن ضرب بطن حامل، فألقت جنينا ميتا أو حيا، ثم مات، لأنه نفس محرمة، وسواء قتل بمباشرة، أو سبب، أو شارك في القتل، لأن الكفارة موجب قتل آدمي فوجب إكمالها على كل من الشركاء فيه، كالقصاص وهو قول أكثرهم. قال في الكافي: وتجب على النائم إذا انقلب على شخص فقتله، أي: والدية على عاقلته.
"ويكفر الرقيق بالصوم" لأنه لا مال له يعتق منه.
"والكافر بالعتق" لأن الصوم لا يصح منه.
"وغيرهما يكفر بعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين" لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} 1 إلى قوله {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} 1 الآية.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 92.

"ولا إطعام هنا" لأن الله تعالى لم يذكره، وعنه: إن لم يستطع لزمه إطعام ستين مسكينا، قدمها في الكافي، وقال: لأنها كفارة فيها العتق، وصيام شهرين، فوجب فيها إطعام ستين مسكينا إذا عجز عنهما، ككفارة الظهار، والجماع في رمضان، ومن عجز عن الكفارة بقيت في ذمته، فلا تسقط بالعجز، ككفارة قتل صيد الحرم.
"وتتعدد الكفارة بتعدد المقتول" كتعدد الدية، لقيام كل قتيل بنفسه، وعدم تعلقه بغيره.
"ولا كفارة على من قتل من يباح قتله: كزان محصن، ومرتد، وحربي، وباغ، وقصاصا ودفعا عن نفسه" لأنه مأذون فيه شرعا. والمنع منه في بعض الصور للافتئات على الإمام.

كتاب الحدود

كتاب الحدود:
وهي: العقوبات المقدرة شرعا في المعاصي، لتمنع من الوقوع في مثلها، وحدود الله: محارمه، لقوله تعالى: {... تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا...} 1 وحدوده أيضا: ما حده وقدره، كالمواريث، وتزوج الأربع. وما حده الشرع لا يجوز فيه زيادة ولا نقصان لقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} 2.
"لا حد إلا على مكلف" أي: بالغ عاقل. لحديث "رفع القلم عن ثلاثة" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، ولا حد على نائم لذلك، ولا على مكره، لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه" رواه النسائي. وروى سعيد في سننه عن طارق بن شهاب قال: أتي عمر، رضي الله عنه، بامرأة قد زنت، قالت: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي، فخلى سبيلها ولم يضربها وروي: أنه أتي بامرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة، فأعطاها شيئا وتركها.
"ملتزم" لأحكام الإسلام من مسلم وذمي بخلاف حربي ومستأمن.
"عالم بالتحريم" لما روي عن عمر وعلي أنهما قالا: لا حد إلا على
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 187.
2 البقرة من الآية/ 229.

من علمه وروى سعيد بن المسيب، قال: ذكر الزنى بالشام، فقال رجل: زنيت البارحة. قالوا: ما تقول؟ قال: ما علمت أن الله حرمه، فكتب بها إلى عمر، فكتب إن كان يعلم أن الله حرمه فحدوه، وإن لم يكن علم فأعلموه، فإن عاد فارجموه وكذا إن جهل عين المرأة: مثل أن يزف إليه غير زوجته، فيظنها زوجته، أو يدفع إليه غير جاريته فيظنها جاريته، أو يجد على فراشه امرأة يحسبها زوجته أو جاريته فيطأها فلا حد عليه، لأنه غير قاصد لفعل المحرم، ولحديث: "ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" .
"وتحرم الشفاعة، وقبولها في حد لله تعالى بعد أن يبلغ الإمام" لقوله، صلى الله عليه وسلم: "فهلا قبل أن تأتيني به" وعن ابن عمر مرفوعا "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد لله في أمره" رواه أحمد وأبو داود. ولأن أسامة بن زيد لما شفع في المخزومية التي سرقت غضب النبي، صلى الله عليه وسلم وقال: " أتشفع في حد من حدود الله؟!" رواه أحمد ومسلم بمعناه.
"وتجب إقامة الحد ولو كان مقيمه شريكا في المعصية" لوجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يجمع بين معصيتين.
"ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه" سواء كان الحد لله تعالى، كحد الزنى أو لآدمي، كحد القذف، لأنه يفتقر إلى الاجتهاد. ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب تفويضه إليه. ولأنه، صلى الله عليه وسلم، كان يقيم الحدود في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده ونائبه كهو لقوله صلى الله عليه وسلم: "... واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت

فارجمها. فاعترفت، فرجمها" و أمر برجم ماعز. ولم يحضره وقال في سارق أتي به "اذهبوا به فاقطعوه" .
"والسيد على رقيقه" القن روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر. وقال ابن أبي ليلى: أدركت بقايا الأنصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم الحدود إذا زنين، وروى سعيد: أن فاطمة حدت جارية لها ولقوله، صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" رواه أحمد وأبو داود. و عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، قال: "إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير" قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة، أو الرابعة. متفق عليه.
"وتحرم إقامته في المسجد" لحديث حكيم بن حزام: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى أن يستقاد بالمسجد، وأن تنشد الأشعار، وأن تقام فيه الحدود رواه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه.
"وأشده: جلد الزنى، فالقذف، فالشرب، فالتعزير" لأنه تعالى خص الزنى بمزيد تأكيد بقوله: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} 1 فاقتضى مزيد تأكيد. ولا يمكن ذلك في العدد، فيكون في الصفة. ولأن ما دونه أخف منه في العدد، فكذا في الصفة.
"ويضرب الرجل قائما" لأنه وسيلة إلى إعطاء كل عضو من الجسد حظه من الضرب
ـــــــ
1 النور من الآية/ 2.

"بالسوط" أي: بسوط لا خلق. نص عليه لأنه لا يؤلم. ولا جديد، لئلا يجرح. وروى مالك عن زيد بن أسلم مرسلا: أن رجلا اعترف عند النبي، صلى الله عليه وسلم فأتي بسوط مكسور، فقال: "فوق هذا" ، فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته فقال: "بين هذين" . ولا يبالغ في ضرب، لأن القصد أدبه لا هلاكه، وقال الإمام أحمد: لا يبدي إبطه في شيء من الحدود. وعن علي، رضي الله عنه قال: ضرب بين ضربين، و سوط بين سوطين ولا يمد ولا يربط، ولا يجرد من الثياب، لعدم نقله، وقال ابن مسعود، رضي الله عنه: ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد.
"ويجب اتقاء الوجه. والرأس، والفرج، والمقتل" كالفؤاد والخصيتين، لئلا يؤدي إلى قتله، أو ذهاب منفعته، وقال علي، رضي الله عنه: اضرب وأوجع، واتق الرأس والوجه وقال: لكل من الجسد حظ، إلا الوجه والفرج.
"وتضرب المرأة جالسة" لقول علي رضي الله عنه: تضرب المرأة جالسة والرجل قائما
"وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها" لأنه أستر لها، وفي حديث الجهنية:... فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها. الحديث. رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
"ويحرم بعد الحد حبس" نص عليه.
"وإيذاء بكلام" كالتعبير، لنسخه بمشروعية الحد.
"والحد كفارة لذلك الذنب" الذي أوجبه. نص عليه، لخبر عبادة،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5