كتاب : منار السبيل في شرح الدليل
المؤلف : ابن ضويان، إبراهيم بن محمد بن سالم

فصل الأجارة عقد لازم
لإجارة عقد لازم] وبه قال مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، فليس لأحدهما فسخها بلا موجب لأنها عقد معاوضة كالبيع.
[لا تنفسخ بموت المتعاقدين] أو أحدهما مع سلامة المعقود عليه كالبيع. قال في الفروع: وعنه: تنفسخ بموت مكتر لا قائم مقامه. اختاره الشيخ- يعني: الموفق -.
[ولا بتلف المحمول] قال الزركشي: هذا هو المنصوص، وعليه الأصحاب إلا الموفق، وصححه في الإنصاف، لأن المعقود عليه المنفعة فله أن يحمل ما يماثله.
[ولا بوقف العين المؤجرة] لوروده على ما يملكه المؤجر من العين المسلوبة النفع زمن الإجارة.

[ولابانتقال الملك فيها بنحو هبة وبيع] ويصح بيع العين المؤجرة نص عليه، لأن الإجارة عقد على المنافع، فلا تمنع البيع، كبيع المزوجة.
[ولمشتر لم يعلم الفسخ أو الإمضاء والأجرة له] من حين الشراء نص عليه.
[وتنفسخ بتلف العين المؤجرة المعينة] كدابة أو عبد مات، ودار انهدمت، لزوال المنفعة بتلف المعقود عليه.
[وبموت المرتضع] أو امتناعه من الرضاع منها، لتعذر استيفاء المعقود عليه، لأن غيره لا يقوم مقامه في الإرتضاع، لاختلاف المرتضعين فيه، وقد يدر اللبن على واحد دون آخر، وكذا إن ماتت مرضعة.
[وهدم الدار] لما تقدم.
[ومتى تعذر استيفاء النفع ولو بعضه من جهة المؤجر فلا شئ له] من الأجرة، لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة، فلم يستحق شيئاً.
[ومن جهة المستأجر فعليه جميع الأجرة] لأن المعقود عليه تلف باختياره تحت يده، فأشبه تلف المبيع تحت يده. هذا إن عطلت، فإن آجرها الآخر حاسبه على تمام مدته، لأنها عقد لازم فترتب مقتضاه: وهو ملك المؤجر الأجرة، والمستأجر المنافع.
[وإن تعذر بغير فعل أحدهما كشرود المؤجرة، وهدم الدار] انفسخت الإجارة لفوات المقصود بالعقد، أشبه ما لو تلف.
[ووجب من الأجرة بقدر ما استوفى] من المنفعة قبل ذلك. وإن غصبت المؤجرة خير المستأجر بين الفسخ، وعليه أجرة ما مضى إن كان، وبين الامضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل.

[إن هرب المؤجر، وترك بهائمه] وله مال أنفق عليها الحاكم من ماله، لوجوب نفقتها عليه، فإن لم يكن له مال.
[وأنفق عليها المستأجر بنية الرجوع رجع، لأن النفقة على المؤجر كالمعير] لقيامه عنه بواجب، فإذا انقضت الإجارة باعها حاكم، ووفاه ما أنفقه، لأن في ذلك تخليصاً لذمة الغائب وإيفاء للنفقة.

أبي حنيفة ومالك. وروى أحمد في المسند عن علي رضي الله عنه: أنه كان يضمن الأجراء، ويقول: لا يصلح الناس إلا هذا وحمل على المشترك، لما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي: أنه كان يضمن الصباغ والصواغ، وقال: لا يصلح الناس إلا هذا.
[لا ما تلف بحرزه، أو بغير فعله، إن لم يفرط] أو يتعدى. نص عليه، لأن العين في يده أمانة كالمودع، ولا أجرة له فيما عمل فيه، لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه.
[ولا يضمن حجام، وختان، وبيطار خاصاً كان أو مشتركاً إن كان حاذقاً، ولم تجن يده، وأذن فيه مكلف، أو وليه] أي: ولي غير المكلف لأنه فعل فعلاً مباحاً فلم يضمن سرايته، فإن لم يكن حاذقاً ضمن، لأنه لا يحل له مباشرة الفعل إذن فيضمن سرايته. وإن جنت يده بأن تجاوز بالختان إلى بعض الحشفة ضمن، لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ كإتلاف المال، وإن لم يأذن فيه مكلف وقع الفعل به، أو ولي صغير ومجنون وقع الفعل بهما ضمن، لأنه فعل غير مأذون فيه، وعليه يحمل ما روي أن عمر قضى في طفلة ماتت من الختان بديتها على عاقلة خاتنتها.
[ولا] ضمان على.
[راع لم يتعد، أو يفرط بنوم، أوغيبتها عنه] لأنه مؤتمن كالمودع فإن تعدى، أو فرط ضمن كسائر الأمناء.
[ولا يصح أن يرعاها بجزء من نمائها] للجهالة، لما تقدم بل بجزء منها مدة معلومة.

فصل في استقرار الأجرة
[وتستقرالأجرة بفراغ العمل] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفً عرقه" رواه ابن ماجة.
[وبانتهاء المدة] إذا كانت الإجارة على مدة، وسلمت إليه العين بلا مانع، ولو لم ينتفع لتلف المعقود عليه تحت يده، فاستقر عليه عوضه، كثمن المبيع إذا تلف بيد مشتر.
[وكذا ببذل تسليم العين] لعمل في الذمة.
[إذا مضى مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها، ولم تستوف] كما لو استأجر دابة ليركبها إلى موضع معين ذهاباً وإياباً بكذا، وسلمها له، ومضى ما يمكن ذهابه ورجوعه فيه على العادة، ولم يفعل استقرت عليه الأجرة، لتلف المنافع تحت يده باختياره، فاستقرعليه الضمان، كتلف المبيع تحت يد المشتري.
[ويصح تعجيل الأجرة] كما لو استأجره سنة تسع في سنة ثمان، وشرط عليه تعجيل الأجرة يوم العقد.
[وتأجيرها] بأن تكون مؤجلة بأجل معلوم كالثمن.
[وإن اختلفا في قدرها] أي: الأجرة، أو المنفعة.
[تحالفا وتفاسخا] لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع ويبدأ بيمين المؤجر نص عليه.

[وإن كان قد استوفى ما له أجرة فأجرة المثل] أي: مثل تلك العين، لاستيفائه منفعته.
[والمستأجر أمين لا يضمن، ولو شرط على نفسه الضمان، إلا بالتفريط] لأنه قبض ليستوفي منها ما ملكه فيها، فلم يضمنها، كالزوجة، والنخلة التي اشتراها ليستوفى ثمرتها. قال في الشرح: قال أحمد فيمن يكري الخيمة إلى مكة فتسرق من المكتري: أرجو أن لا يضمن، وكيف يضمن إذا ذهب ؟! ولا نعلم في هذا خلافاً، فإن شرط المؤجر الضمان فالشرط فاسد. وروى الأثرم عن ابن عمر قال: لا يصلح الكرى بالضمان. وعن فقهاء المدينة أنهم قالوا: لا يكرى بضمان. انتهى.
[ويقبل قوله في أن لم يفرط] لأن الأصل عدمه، والبراءة من الضمان.
[وأن ما استأجره أبق، أو شرد، أو مرض، أو مات] في مدة الإجارة أو بعدها، لأنه مؤتمن، والأصل عدم انتفاعه، وكذا لو صدقه المالك، واختلفا في وقته، ولا بينة للمالك قبل قول المستأجر بيمينه، لأن الأصل عدم العمل، ولأنه حصل في يده، وهو أعلم بوقته.
[وإن شرط عليه أن لا يسير بها في الليل، أو وقت القائلة، أو لا يتأخر بها عن القافلة ونحو ذلك مما فيه غرض صحيح فخالف ضمن] لما ذكر عن فقهاء المدينة أنهم قالوا: لا يكرى بالضمان إلا أنه من شرط على كرى أن لا ينزل بطن واد، ولا يسير به ليلاً مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف أنه ضامن، وكما إذا شرط ذلك في المضاربة.
[ومتى انقضت الإجارة رفع المستأجر يده، ولم يلزمه الرد ولا مؤنته

كالمودع] لأنه عقد لا يقتضي الضمان، فلا يقتضي رده ومؤنته بخلاف العارية، وفي التبصرة: يلزمه رد بشرط، وتكون بعد انقضاء المدة بيد المستأجر أمانة إن تلفت بغير تفريط فلا ضمان عليه.

باب المسابقة

باب المسابقة[وهي جائزة في السفن، والمزاريق، والطيور، وغيرها، وعلى الأقدام، وبكل الحيوانات1] أجمع المسلمين على جواز المسابقة في الجملة، لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ...} 2 ولمسلم مرفوعاً: "ألا إن القوة الرمي" وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم، سابق بين الخيل المضمرة من الحفيا إلى ثنية الوداع، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق متفق عليه. وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة على قدميه رواه أحمد وأبو داود. وصارع ركانة فصرعه رواه أبو داود. وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يرفعون حجراً ليعلموا الشديد منهم فلم ينكر عليهم.
[لكن لا يجوز أخذ العوض إلا في مسابقهً الخيل، والإبل، والسهام] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" رواه الخمسة، ولم يذكر ابن ماجة نصل. ويتعين حمله على المسابقة
ـــــــ
1 المزراق: الرمح القصير.
2 الأنفال من الآية/61.

بعوض جمعاً بينه وبين ما تقدم، للإجماع على جوازها بغير عوض في غير الثلاثة، ولأنها آلات الحرب المأمور بتعلمها، وأحكامها، وذكر ابن عبد البر تحريم الرهن في غير الثلاثة إجماعاً.
[بشروط خمسة: الأول: تعيين المركوبين، والراميين بالرؤية] لأن القصد معرفة جوهر الدابتين ومعرفة حذق الرماة، ولا يحصل ذلك إلا بالتعيين بالرؤية.
[الثاني: اتحاد المركوبين، أو القوسين بالنوع] فلا تصح بين عربي وهجين، ولا بين قوس عربية وفارسية، لأن التفاوت بينهما معلوم بحكم العادة أشبها الجنسين.
[الثالث: تحديد المسافة بما جرت به العادة] لحديث ابن عمر السابق فلو جعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها غالباً، وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع لم تصح، لأن الغرض المقصود بالرمي يفوت بذلك. قال في الشرح: وقيل: ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني.
[الرابع: علم العوض وإباحته] وجوز حالأً، ومؤجلاً.
[الخامس: الخروج عن شبه القمار بأن يكون العوض من واحد] فإن كان من الإمام على أن من سبق فهو له جاز، ولو من بيت المال، لأن فيه مصلحة وحثاً على تعليم الجهاد، ونفعاً للمسلمين، أو كان من أحد غيرهما، أو من أحدهما جاز، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، لأنه إذا جاز بذله من غيرهما فأولى أن يجوز من أحدهما. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، سبق بين الخيل وأعطى السابق رواه أحمد.

[فإن أخرجا معاً لم يجز] لأنه قمار إذ لا يخلو كل منهما أن يغنم أو يغرم، لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن: فالذي يربط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله، وذكر ما شاء الله أجر. وأما فرس الشيطان: فالذي يقامر ويراهن عليه" الحديث رواه أحمد. وحمل على المراهنة من الطرفين من غير محلل.
[إلا بمحل لا يخرج شيئاً] وبه قال ابن المسيب، و الزهري، وحكي عن مالك: لا أحبه. وعن جابر بن زيد أنه قيل له: إن الصحابة لا يرون به بأساً فقال: هم أعف من ذلك. قاله في الشرح.
[ولا يجوز] كون المحلل.
[أكثر من واحد] لدفع الحاجة به.
[يكافئ مركوبه مركوبيهما] في المسابقة.
[ورميه رمييهما] في المناضلة، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أدخل فرساً بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق فليس قماراً، ومن أدخل فرساً بين فرسين، وقد أمن أن يسبق فهو قمار" رواه أبو داود. فجعله قماراً إذا أمن أن يسبق، لأن وجوده كعدمه. واختار الشيخ تقي الدين: يجوز من غير محلل قال: وهو أولى واًقرب إلى العدل من كون السبق من أحدهما، وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما، وهو بيان عجز الآخر. انتهى.
[فإن سبقا معاً أحرزا سبقيهما] ولا شئ للمحلل، لأنه لم يسبق أحدهما.

[ولم يأخذا من المحلل شيئاً] لئلا يكون قماراً.
[وإن سبق أحدهما، أو سبق المحلل أحرز السبقين] لوجود شرطه. ويسن أن يكون لهما غرضان إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني، لفعل الصحابة رضي الله عنهم. قال إبراهيم التيمي: رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين. وعن ابن عمر مثله، ويروى أن الصحابة يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهباناً، ويروى مرفوعاً: "ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة" ويكره للأمين، والشهود مدح أحدهما إذا أصاب، وعيبه إذا أخطأ لما فيه من كسر قلب صاحبه وغيظه، وحرمه ابن عقيل.
[والمسابقة جعالة] لأن الجعل في نظير عمله وسبقه.
[لا يؤخذ بعوضها رهن، ولا كفيل] لأنها عقد على ما لم تعلم القدرة على تسليمه، وهو السبق، أو الإصابة أشبه الجعل في رد الآبق.
[ولكل فسخها] كسائر الجعالات.
[ما لم يظهر الفضل لصاحبه] فإن ظهر، فللفاضل الفسخ، وليس للمفضول، لئلا يفوت غرض المسابقة، فإنه متى بان له أنه مسبوق فسخ.

كتاب العارية


كتاب العاريةوهي مستحبة بالإجماع لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} 1 وهي من البر وقال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 2 قال ابن عباس، وابن مسعود: العواري وفسرها ابن مسعود قال: القدر والميزان والدلو قال في الشرح: وهي غير واجبة في قول الأكثر لحديث: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع" .
[منعقدة بكل قول أو فعل يدل عليها] كأعرتك هذه الدابة، أو اركبها، أو استرح عليها، ونحوه، وكدفعه دابة لرفيقه عند تعبه، وتغطيته بكسائه لبرده فإذا ركب الدابة، أو استبقى الكساء كان قبولاً.
[بشروط ثلاثة: كون العين منتفعاً بها مع بقائها] لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرساً فركبها و استعار من صفوان بن أمية أدراعاً رواه أبو داود. وقيس عليه سائر ما ينتفع به مع بقاء عينه.
[وكون النفع مباحاً] لأن الإعارة لا تبيح له إلا ما أباحه الشرع فلا تصح الإعارة لغناء أو زمر ونحوه. وتصح إعادة كلب لصيد،
ـــــــ
1 المائدة من الآية/3.
2 الماعون من الآية/7.

وفحل لضراب، لاباحة نفعهما، والمنهي عنه العوض عن ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر في حق الإبل والبقر والغنم إعارة دلوها، وإطراق فحلها.
[وكون المعير أهلاً للتبرع] لأنها نوع تبرع إذ هي إباحة منفعة
[وللمعيرالرجوع في عاريته أي وقت شاء] لأن المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير، فجاز الرجوع فيه، كالهبة قبل القبض.
[ما لم يضر بالمستعير] فإن أضر به لم يرجع، لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" .
[فمن أعار سفينة لحمل، أو أرضاً لدفن، أو زرع لم يرجع حتى ترسي السفينة، ويبلى الميت، ويحصد الزرع] ولا يتملك الزرع بقيمته. نص عليه، لأن له وقتاً ينتهي إليه.
[ولا أجرة له منذ رجع إلا في الزرع] إذا رجع المعير قبل أوان حصده، ولا يحصد قصيلاً فله أجرة مثل الأرض من رجوعه إلى الحصاد، لوجوب تبقيته فيها قهراً عليه، لأنه لم يرض بذلك بدليل رجوعه فتعين إبقاؤه بأجرته إلى الحصاد جمعاً بين الحقين.

فصل: المستعير كاالمستأجر
فصل المستعير كالمستأجر
[والمستعير في استيفاء النفع كالمستأجر] له أن ينتفع بنفسه، وبمن يقوم مقامه لملكه التصرف فيها بإذن مالكها.
[إلا أنه لا يعير ولا يؤجر] ما استعاره لعدم ملكه منافعه بخلاف المستأجر.
[إلا بإذن المالك] فإن أعاره بدون إذنه فتلف عند الثاني، فللمالك تضمين أيهما شاء، ويستقر الضمان على الثاني، لأنه قبضه على أنه ضامن له، وتلف في يده فاستقر الضمان عليه، كالغاصب من الغاصب. قاله في الكافي.
[وإذا قبض المستعير العارية فهى مضمونة عليه بمثل مثلي، وقيمة متقوم يوم تلف] لأنه يوم تحقق فواتها.
[فرط أو لا] نص عليه، ولو شرط نفي ضمانها، وبه قال ابن عباس وعائشة وأبو هريرة، وهو قول الشافعي وإسحاق، لقوله صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: "بل عارية مضمونة" وروي "مؤداة" رواه أبو داود. فأثبت الضمان من غير تفصيل. وعن سمرة مرفوعاً "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" رواه الخمسة وصححه الحاكم.
[لكن لا ضمان في أربع مسائل إلا بالتفريط: 1 - فيما إذا كانت العارية وقفاً ككتب علم وسلاح] لأن قبضه ليس على وجه يختص مسعتير

بنفعه، لأن تعلم العلم وتعليمه، والغزو من المصالح العامة، أو لكون الملك فيه لغير معين، أو لكونه من جملة المستحقين له.
[2 - وفيما إذا أعارها المستأجر] لقيام المستعير مقامه في استيفاء المنفعة فحكمه حكمه في عدم الضمان.
[3 - أو بليت فيما أعيرت له] كثوب بلي بلبسه ونحوه، لأن الاذن في الاستعمال تضمن الإذن في الإتلاف به، وما أذن في إتلافه لا يضمن كالمنافع.
[4 - أو أركب دابته منقطعاً لله تعالى فتلفت تحته] لم يضمنها، لأنها بيد صاحبها، وراكبها لم ينفرد بحفظها أشبه ما لوغطى ضيفه بلحاف فتلف عليه لم يضمنه، كرديف ربها، وكرائض يركب الدابة لمصلحتها فتلفت تحته، وكوكيل ربها إذا تلفت تحت يده، لأنه لم يثبت لها حكم العارية.
[ومن استعار ليرهن فالمرتهن أمين] لا يضمن إلا إن تعدى، أو فرط.
[ويضمن المستعير] سواء تلفت تحت يده، أو تحت يد المرتهن، لما تقدم.
[ومن سلم لشريكه الدابة، ولم يستعملها، أو استعملها في مقابلة علفها بإذن شريكه، وتلفت بلا تفريط لم يضمن] قال في شرح الاقناع: وإن سلمها إليه لركوبها لمصلحته، وقضاء حوائجه عليها فعارية.

كتاب الغصب


كتاب الغصب[وهو الإستيلاء عرفاً على حق الغير عدواناً] وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ } 1 أما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" الحديث رواه مسلم. وأجمعوا على تحريمه في الجملة، وإنما اختلفوا في فروع منه. قاله في الشرح.
[ويلزم الغاصب رد ما غصبه] لحديث: "على اليد ما أخذت حتى ئؤديه" وتقدم وحديث: "لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا لاعباً ولا جًاداً، ومن أخذ عصا أخيه فليردها" رواه أبو داود.
[بنمائه] أي بزيادته متصلة كانت، أو منفصلة، لأنها من نماء المغصوب، وهو لمالكه فلزمه رده كالأصل.
[ولو غرم رده أضعاف قيمته] كمن غصب حجراً أو خشباً قيمته درهم مثلاً، وبنى عليه، واحتاج في إخراجه، ورده إلى خمسة دراهم، لما سبق.
[وإن سمر بالمسامير] المغصوبة.
[باباً قلعها وردها] ولا أثر لضرره، لأنه حصل بتعديه.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/188.

[وإن زرع الأرض فليس لربها بعد حصده إلا الأجرة] لأنه انفصل عن ملكه، كما لو غرس فيها غرساً ثم قلعه.
[وقبل الحصد يخير بين تركه بأجرته، أو تملكه بنفقته، وهي: مثل البذر وعوض لواحقه] لحديث رافع بن خديج مرفوعاً: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شئ، وله نفقته" رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه. قال أحمد: إنما أذهب إلى هذا الحكم استحساناً على خلاف القياس، ولأنه أمكن الجمع بين الحقين بغير إتلاف، فلم يجز الإتلاف.
[وإن غرس أو بنى في الأرض ألزم بقلع غرسه وبنائه] لقوله صلى الله عليه وسلم "ليس لعرق ظالم حق" حسنه الترمذي.
[حتى ولو كان] الغاصب.
[أحد الشريكين] في الأرض.
[وفعله له بغير إذن شريكه] للتعدي.

فصل على الغاصب ارش نقص المغصوب
[وعلى الغاصب أرش نقص المغصوب] بعد غصبه، وقبل رده، لأنه نقص عين نقصت به القيمة، فوجب ضمانه، كذراع من الثوب.
[وأجرته مدة مقامه بيده] إن كان لمثله أجرة سواء استوفى المنافع، أو تركها، لأنه فوت منفعته زمن غصبه، وهي: مال يجوز أخذ العوض عنه، كمنافع العبد. قال في الشرح: وقال أبو حنيفة: لا يضمن المنافع، وهو الذي نصره أصحاب مالك، واحتج بعضهم بقوله: "الخراج بالضمان"

وهذا في البيع لا يدخل فيه الغاصب، لأنه لا يجوز له الإنتفاع به إجماعاً. انتهى.
[فإن تلف ضمن المثلي بمثله، والمتقوم بقيمته يوم تلفه] قال ابن عبد البر: كل مطعوم من مأكول أو مشروب فمجمع على أنه يجب على مهلكه مثله لا قيمته، نص عليه، لأن المثل أقرب إليه من القيمة. وإن لم يكن مثلياً ضمنه بقيمته، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه قيمة العدل" متفق عليه. فأمر بالتقويم في حصة الشريك، لأنها متلفة بالعتق. قال في الشرح: وحكي عن العنبري، يجب في كل شئ مثله، لحديث "القصعة لما كسرتها إحدى نسائه" صححه الترمذي. ولنا حديث العتق. وهذا محمول على أنه جوزه بالتراضي. انتهى.
[في بلد غصبه] لأنه موضع الضمان بمقتضى التعدي.
[ويضمن مصاغاً مباحاً من ذهب أو فضة بالأكثرمن قيمته أو وزنه] ويقوم بغير جنسه، لئلا يودي إلى الربا.
[والمحرم] كأواني الذهب، والفضة، وحلي الرجال يضمن
[بوزنه] من جنسه، لأن صناعته محرمة لا قيمة لها شرعاً.
[ويقبل قول الغاصب في قيمة المغصوب] التالف.
[وفي قدره] بيمينه حديث لا بينة للمالك، لأنه منكر، والأصل براءته من الزائد.
[ويضمن] الغاصب
[جنايته] أي: المغصوب.
[وإتلافه] أي: بدل ما يتلفه.

[بالأقل من الأرش أو قيمته] أي: العبد كما يفديه سيده، لتعلق ذلك برقبته، فهي نقص فيه كسائر نقصه. وجناية المغصوب على الغاصب، أو على ماله هدر، لأنها لو كانت على غيره كانت مضمونة عليه، ولا يجب له على نفسه شئ فتسقط.
[وإن أطعم الغاصب ما غصبه] لغير مالكه فأكله، ولم يعلم لم يبرأ الغاصب، لأن الظاهر أن الإنسان إنما يتصرف فيما يملك، وقد أكله على أنه لا يضمنه، فاستقر الضمان على الغاصب، لتغريره. وإن علم الآكل له بغصبه استقر ضمانه عليه، لأنه أتلف مال غيره بلا إذنه من غير تغرير، ولمالكه تضمين الغاصب له، لأنه حال بينه وبين ماله، وله تضمين آكله، لأنه قبضه من يد ضامنه، وأتلفه بغير إذن مالكه.
[حتى ولو] أطعمه الغاصب
[لمالكه فأكله، ولم يعلم لم يبرأ الغاصب] لأنه بالغصب أزال سلطانه، وبالتقديم إليه لم يعد ذلك السلطان، فإنه إباحة لا يملك بها التصرف في غير ما أذن له فيه. قال في الكافي: قيل للإمام أحمد في رجل له قبل رجل تبعة، فأوصلها إليه على سبيل الصدقة، ولم يعلم، قال: كيف هذا ؟! يرى أنه هدية ويقول: هذا لك عندي. انتهى.
[وإن علم الآكل حقيقة الحال استقر الضمان عليه] أما المالك فلأنه أتلف ماله عالماً به، وأما غيره، فلأنه أتلف مال غيره بلا إذنه من غير تغرير.
[ومن اشترى أرضاً فغرس، أو بنى فيها، فخرجت مستحقة للغير، وقلع غرسه أو بناؤه] لكونه وضع بغير حق.

[رجع على البائع بجميع ما غرمه] من ثمن، وأجرة غارس، وبان، وثمن مؤن مستهلكة، وأرش نقص بقلع ونحوه، لأنه غره ببيعه، وأوهمه أنها ملكه، وذلك سبب بنائه وغرسه.

فصل المتلف ضامن
[ومن أتلف ولو سهواً مالاً لغيره ضمنه] لأنه فوته عليه، فوجب عليه ضمانه، كما لو غصبه، فتلف عنده.
[وإن أكره على الإتلاف] لمال مضمون فأتلفه.
[ضمن من أكرهه] قال في القواعد: وحده لكن للمستحق مطالبة المتلف، ويرجع به على المكره، لأنه معذور في ذلك الفعل، فلم يلزمه الضمان بخلاف المكره على القتل فإنه غير معذور، فلهذا شاركه في الضمان، وبهذا جزم القاضي في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وابن عقيل في عمد الأدلة. والوجه الثاني: عليهما الضمان كالدية. صرح به في التلخيص. انتهى.
[ومن فتح قفصاً عن طائر، أو حل قناً، أو أسيراً، أو حيواناً مربوطاً فذهب أو حل وكاء1 زق فيه مائع فاندفق ضمنه] لأنه تلف بسبب فعله.
[ولو بقي الحيوان أو الطائر حتى نفرهما آخر ضمن المنفر] وحده، لأن سببه أخص فاختص الضمان به، كدافع واقع في بئر مع حافرها.
ـــــــ
1 الوكاء: رباط القربة ونحوها.

[ومن أوقف دابة بطريق، ولو واسعاً] نص عليه.
[أو ترك بها نحو طين، أو خشبة ضمن ما تلف بذلك] الفعل لتعديه به، لأنه ليس له في الطريق حق، وطبع الدابة الجناية بفمها أو رجلها فإيقافها في الطريق، كوضع الحجر، ونصب السكين فيه.
[لكن لو كانت الدابة بطريق واسع فضربها فرفسته فلا ضمان] لعدم حاجته إلى ضربها، فهو الجاني على نفسه.
[ومن اقتنى كلباً عقوراً، أو أسود بهيماً، أو أسداً، أو ذئباً أو جارحاً] أو هراً تأكل الطيور، وتقلب القدور عاد
[فأتلف شيئاً ضمنه] لأنه متعد باقتنائه.
[لا إن دخل دار ربه بلا إذنه] فإنه لا يضمن، لأن الداخل متعد بالدخول.
[ومن أجج ناراً بملكه فتعدت إلى ملك غيره بتفريطه ضمن] كمن أجج ناراً تسري عادة لكثرتها، أو في ريح شديدة تحملها، أو فرط بترك النار مؤججة ونام ونحوه، لتعديه، أو لتقصيره، كما لو باشر إتلافه. قال في الكافي: وكذا إن سقى أرضه فتعدى إلى حائط غيره.
[لا إن طرأت ريح] فلا ضمان، لأنه ليس من فعله، ولا بتفريطه.
[ومن اضطجع في مسجد، أو في طريق] واسع لم يضمن ما تلف به، لأنه فعل مباح لم يتعد فيه على أحد في مكان له فيه حق. أشبه ما لو فعله بملكه.
[أو وضع حجراً بطين في الطريق، ليطأ عليه الناس لم يضمن] ما تلف به، لأنه محسن.

فصل في ضمان تلف الدابة
[ولا يضمن رب بهيمة غير ضارية ما أتلفته نهاراً من الأموال والأبدان] لحديث: "العجماء جرحها جبار" متفق عليه. يعني هدراً.
[ويضمن راكب وسائق وقائد قادرعلى التصرف فيها] جناية يدها، وفمها، ووطء رجلها، لحديث النعمان بن بشير مرفوعاً: "من وقف دابةً في سابلة من سبل المسلمين، أو في سوق من أسواقهم، فما وطئت بيد أو رجل فهو ضامن" رواه الدارقطني. ولا يضمن ما نفحت1 برجلها، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "الرجل جبار" رواه أبو داود. وخص بالنفح، لأن المتصرف فيها يمكنه منعها من الوطء لما لا يريد دون النفح.
[وإن تعدد راكب ضمن الأول] ما يضمنه المنفرد، لأنه المتصرف فيها، والقادرعلى كفها.
[أو من خلفه إن انفرد بتدبيرها] لصغر الأول أو مرضه أو عماه، لأنه المتصرف فيها.
[وإن اشتركا في تدبيرها، أو لم يكن إلا قائد وسائق اشتركا في الضمان] لأن كلاً منهما لو انفرد لضمن، فإذا اجتمعا ضمنا.
[ويضمن ربها ما أتلفته ليلاً إن كان بتفريطه] لحديث مالك عن الزهري، عن حزام ابن محيصة، أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطاً
ـــــــ
1 نفحت الدابة الرجل: ضربته بحد حافرها.

فأفسدت فيه، فقضى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن على اًهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. قال ابن عبد البر: وإن كان مرسلاً فهو مشهور حدث به الأئمة الثقات، وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول، ولأن عادة أهل المواشي إرسالها نهاراً للرعي، وعادة أهل الحوائط حفظها نهاراً.
[وكذا مستعيرها ومستأجرها، ومن يحفظها] لأن يده عليها.
[ومن قتل صائلاً عليه، ولو آدمياً دفعاً عن نفسه، أو ماله] لم يضمنه إن لم يندفع إلا بالقتل، لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" رواه الخلال بإسناده. وقال الحسن: من عرض لك فى مالك فقاتلته، فإن قتلته فإلى النار، وإن قتلك فشهيد، ولأنه لو لم يدفعه لاستولى قطاع الطريق علىأموال الناس، واستولى الظلمة والفساق على أنفس أهل الدين وأموالهم. قاله في الكافي. وقال في الشرح فإن كانت بهيمة، ولم يمكنه دفعها إلا بقتلها جاز له قتلها إجماعاً، ولا يضمنها.
[أو أتلف مزماراً، أو آلة لهو] لم يضمنه، لأنه لا يحل بيعه. أشبه الكلب والميتة.
[أو كسر إناء فضة، أو ذهب] لم يضمنه، لأن اتخاذه محرم.
[أو] كسر إناءً
[فيه خمر مأمور بإراقتها] وهي: ما عدا خمر الخلال، والذمي المستترة لم يضمن، لما روى أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره أن يأخذ مدية، ثم خرج إلى أسواق المدينة، وفيها

زقاق الخمر قد جلبت من الشام، فشققت بحضرته، وأمر أصحابه بذلك.
[أو كسر حلياً محرماً] لم يضمنه لإزالته محرماً، وإن أتلفه ضمنه بوزنه كما تقدم.
[أو] أتلف
[آلة سحر أو] آلة
[تعزيم أو] آلة
[تنجيم أو صور خيال] لم يضمن لحديث أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته رواه مسلم.
[أو أتلف كتباً مبتدعة مضلة، أو أتلف كتاباً فيه أحاديث رديئة لم يضمن في الجميع] لأنه يحرم بيعه لا لحرمته. أشبه الكلب، والميتة. قال في الفنون: يجوز إعدام الآية من كتب المبتدعة، لأجل ما فيه، وإهانة لما وضعت له. وقال في الهدي: يجوز تحريق أماكن المعاصي، وهدمها كما حرق النبي صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه.

باب الشفعة

باب الشفعةوهي ثابتة بالسنة، والإجماع. أما السنة فحديث جابر مرفوعاً: "قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم" الحديث. متفق عليه. وقال ابن المنذر: أجمعوا على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط.
[لا شفعة لكافر على مسلم] نص عليه، لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا شفعة لنصراني" ، رواه الدارقطني في كتاب العلل.
[وتثبت للشريك فيما انتقل عنه ملك شريكه بشروط خمسة: الأول: كونه مبيعاً] صريحأً، أو ما في معناه كصلح عن إقرار بمال، أو عن جناية توجبه، وهبة بعوض معلوم، لأنه بيع في الحقيقة، لحديث جابر "هو أحق به بالثمن" رواه الجوزجاني.
[فلا شفعة فيما انتقل عنه ملكه بغير بيع] كموهوب بغير عوض، وموصى به، وموروث في قول عامة أهل العلم، قاله في الشرح، لأنه مملوك بغير مال، ولأن الخبر ورد في البيع، وهذه ليست في معناه، ويحرم التحيل لإسقاطها. قال أحمد: لا يجوز شئ من الحيل في إبطالها، ولا إبطال حق مسلم، وعن أبي هريرة مرفوعاً: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" .

[الثاني: كونه مشاعاً من عقار] لحديث جابر مرفوعاً: "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" رواه الشافعي. وعنه أيضاً إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة رواه أبو داود.
[فلا شفعة للجار] لما تقدم، وبه قال عثمان، و ابن المسيب، ومالك، والشافعي، وحديث أبي رافع مرفوعاً: "الجار أحق بصقبه" رواه البخاري وأبو داود. قال في القاموس: أحق بصقبه أي: بما يليه ويقرب منه. أجيب عنه بأنه أبهم الحق، ولم يصرح به، أو أنه محمول على أنه أحق بالفناء الذي بينه وبين الجار ممن ليس بجار، أويكون مرتفقاً به. وحديث الحسن عن سمرة مرفوعاً: "جار الدار أحق بالدار" صححه الترمذي. أجيب عنه باختلاف أهل الحديث في لقاء الحسن لسمرة، ولو سلم لكان عنه الجوابان المذكوران، أو أنه أريد بالجار في الأحاديث الشريك فإنه جار أيضاً، والشريك أقرب من اللصيق، كما أطلق على الزوجة لقربها. قال ابن القيم في الإعلام: والصواب أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من طريق أو ماء ثبتت الشفعة، وإلا فلا. نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، وهو قول عمر بن عبد العزيز، واختاره الشيخ تقي الدين. وحديث جابر الذي أنكره من أنكره على عبد الملك صريح فيه، فإنه قال: الجار أحق بصقبه ينتظر به وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً انتهى بمعناه.
[ولا فيما ليس بعقار، كشجر وبناء مفرد] وحيوان وجوهر وسيف ونحوها، لأنه لا يبقى على الدوام، ولا يدوم ضرره بخلاف الأرض.

[و يؤخذ الغرس والبناء تبعاً للأرض] لا نعلم فيه خلافاً. قاله في المغني، لحديث جابر: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أوحائط الحديث، رواه مسلم.
[الثالث: طلب الشفعة ساعة يعلم فإن أخر الطلب لغير عذر سقطت] نص عليه. قال: الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "الشفعة كحل العقال" رواه ابن ماجة. وفي لفظ: "الشفعة كنشط العقال إن قيدت ثبتت، وإن تركت فاللوم على من تركها" ولأن إثباتها على التراخي يضر بالمشتري، لكونه لا يستقر ملكه على المبيع. ولا يتصرف فيه بعمارة خوفاً من أخذه بالشفعة، وضياع عمله.
[والجهل بالحكم عذر] إذا أخر الطلب جهلاً بأن التأخير يسقط الشفعة - ومثله يجهله - لم تسقط، لأن الجهل مما يعذر به أشبه ما لو تركها، لعدم علمه بها.
[الرابع: أخذ جميع المبيع] دفعاً لضرر المشتري بتبعيض الصفقة في حقه بأخذ بعض المبيع مع أن الشفعة على خلاف الأصل دفعاً لضرر الشركة، والضرر لا يزال بالضرر.
[فإن طلب أخذ البعض مع بقاء الكل سقطت] شفعته لما تقدم.
[والشفعة بين الشفعاء على قدر أملاكهم] لأنها حق يستفاد بسبب الملك، فكانت على قدر الأملاك، وإن تركها بعضهم فليس للباقي إلا أخذ الجميع، حكاه ابن المنذر إجماعاً. وإن كان المشتري شريكاً فهي بينه وبين الآخر، لأنهما تساويا في الشركة، فتساويا في الشفعة، وبه

قال الشافعي. وحكي عن الحسن، و الشعبي: لا شفعة للآخر، لأنها لدفع ضرر الداخل. قاله في الشرح.
[الخامس: سبق ملك الشفيع لرقبة العقار] بأن كان مالكاً لجزء منه قبل البيع، لأن الشفعة ثبتت لدفع الضرر عن الشريك، فإذا لم يكن له ملك سابق فلا ضرر عليه.
[فلا شفعة لأحد اثنين اشتريا عقاراً معاً] إذ لا سبق.
[وتصرف المشتري بعد أخذ الشفيع بالشفعة باطل] لانتقال الملك للشفيع بالطلب.
[وقبله صحيح] لأنه ملكه، وثبوت حق التملك للشفيع لا يمنع من تصرفه، فإن باعه فللشفيع أخذه بأحد البيعين، وإن وهبه أو وقفه، أو تصدق به، أو جعله صداقاً ونحوه فلا شفعة، لأن فيه إضراراً بالمأخوذ منه إذاً، لأن ملكه يزول عنه بغير عوض، والضرر لا يزال بالضرر.
[ويلزم الشفيع أن يدفع للمشتري الثمن الذي وقع عليه العقد] لحديث جابر مرفوعاً: "هو أحق به بالثمن" رواه الجوزجاني في المترجم.
[فإن كان فمثله] كدراهم، ودنانير، وحبوب، وأدهان من جنسه، لأنه مثله من طريق الصورة والقيمة فهو أولى به مما سواه.
[أو متقوماً] كحيوان وثياب ونحوها
[فقيمته] لأنها بدله في الإتلاف، وتعتبر وقت الشراء، لأنه وقت استحقاق الأخذ سواء زادت أو نقصت بعده.
[فإن جهل الثمن] أي: قدره، كصبرة تلفت، أواختلطت بما لا تتميز منه.

[ولا حيلة سقطت الشفعة] لأنها لا تستحق بغير بدل، ولايمكن أن يدفع إليه ما لا يدعيه.
[وكذا] تسقط الشفعة
[إن عجز الشفيع، ولو عن بعض الثمن، وانتظر ثلاثة أيام ولم يأت به] لأنه قد يكون معه نقد فيمهل بقدر ما يعده، والثلاث يمكن الإعداد فيها غالباً، فإذا لم يأت به فيها ثبت عجزه. نص عليه.

باب الوديعة

باب الوديعةالأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا...} 1 وقال تعالى: {..فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ...} 2 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك.." الحديث، رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه. وأجمعوا على جواز الإيداع والاستيداع. قاله في الشرح. وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة، لما فيه من قضاء حاجة المسلم ومعونته.
[يشترط لصحتها كونها من جائز التصرف لمثله] لأنها نوع من الوكالة.
[فلو أودع ماله لصغير، أو مجنون، أو سفيه فأتلفه فلا ضمان] لتفريطه بدفعه إلى أحدهم.
ـــــــ
1 النساء من الآية/57.
2 البقرة من الآية/283.

[وإن أودعه أحدهم صار ضامناً] لتعديه بأخذه، لأنه أخذ ماله من غير إذن شرعي فضمنه كما لو غصبه.
[ولا يبرأ إلا برده لوليه] في ماله كدينه الذي عليه، فإن خاف هلاكه معه إن تركه فأخذه لم يضمنه، لقصده به التخلص من الهلاك فالحظ فيه لمالكه.
[ويلزم المودع حفظ الوديعة في حرز مثلها] عرفاً، لأن الله تعالى أمر بأدائها، ولا يمكن أداؤها بدون حفظها، ولأن المقصود من الإيداع الحفظ، والإستيداع التزام ذلك، فإذا لم يحفظها لم يفعل ما التزمه.
[بنفسه أو بمن يقوم مقامه كزوجته وعبده] وخازنه الذي يحفظ ماله عادة، فإن دفعها إلى أحدهم فتلفت لم يضمن، لأنه مأذون فيه عادة، أشبه ما لو سلم الماشية إلى الراعي.
[وإن دفعها لعذر] كمن حضره الموت، أو أراد سفراً وليس أحفظ لها
[إلى أجنبي] ثقة، أو إلى حاكم فتلفت
[لم يضمن] لأنه لم يتعد، ولم يفرط.
[وإن نهاه مالكها عن إخراجها من الحرز، فأخرجها لطروء شئ، الغالب منه الهلاك] كحريق ونهب فتلفت
[لم يضمن] لتعيين نقلها، لأن في تركها تضييعاً لها.
[وإن تركها ولم يخرجها] مع طروء ما الغالب معه الهلاك فتلفت ضمن لتفريطه.
[أو أخرجها لغير خوف] فتلف

[ضمن] سواء أخرجها إلى مثله، أو أحرز منه لمخالفة ربها بلا حاجة،
[وإن قال له] ربها:
[لا تخرجها ولو خفت عليها فحصل خوف وأخرجها أو لا] فتلقت.
[لم يضمن] لأنه إن تركها فهو ممتثل أمر صاحبها لنهيه عن إخراجها مع الخوف، كما لو أمره بإتلافها. وإن أخرجها فقد زاده خيراً وحفظاً كما لو قال له: أتلفها، فلم يتلفها.
[وإن ألقاها عند هجوم ناهب ونحوه إخفاء لها لم يضمن] لأن هذا عادة الناس في حفظ أموالهم.
[وإن لم يعلف البهيمة حتى ماتت] جوعاً أو عطشاً
[ضمنها] لأن علفها وسقيها من كمال الحفظ الذي التزمه بالإستيداع، إذ الحيوان لا يبقى عادة بدونها.

فصل في رد الوديعة
[وإن أراد المودع السفر رد الوديعة إلى مالكها أو إلى من يحفظ ماله] أي: مال مالكها.
[عادة] كزوجته وعبده لأن فيه تخلصاً له من دركها وإيصالاً للحق إلى مستحقه، فإن دفعها إلى حاكم إذاً ضمن، لأنه لا ولاية له على رشيد حاضر.
[فإن تعذر] بأن لم يجد مالكها ولا وكيله ولا من يحفظ ماله عادة.
[ولم يخف عليها معه في السفر] لم ينهه مالكها عنه.

[سافر بها ولا ضمان] لأنه موضع حاجة، ولأن القصد الحفظ وهو موجود هنا.
[وإن خاف عليها دفعها للحاكم] لقيامه مقام صاحبها عند غيبته، ولأن في السفر بها غرراً ومخاطرة، لأنه عرضة للنهب وغيره، لحديث: "إن المسافر وماله لعلى قلت، إلا ما وقى الله" أي: على هلاك.
[فإن تعذر] دفعها للحاكم.
[فلثقة] كمن حضره الموت لأن كلاً من السفر والموت سبب لخروج الوديعة عن يده. وروي أنه صلى الله عليه وسلم، كان عنده ودائع، فلما أراد الهجرة أودعها عند أم أيمن، وأمر علياً أن يردها إلى أهلها.
[ولا يضمن مسافر أودع] وديعة في سفر.
[فسافر بها فتلفت بالسفر] لأن إيداعه في هذه الحال يقتضي الإذن في السفر بها.
[وإن تعدى المودع في الوديعة، بأن ركبها لا لسقيها أو لبسها] إن كانت ثًياباً.
[لا لخوف من عث، أو أخرج الدراهم لينفقها، أو لينظر إليها، ثم ردها أو حل كيسها فقط حرم عليه وصار ضامناً] لهتكه الحرز بتعديه.
[ووجب عليه ردها فوراً] لأنها أمانة محضة وقد زالت بالتعدي.
[ولا تعود أمانة بغير عقد] جديد كأن ردها إلى صاحبها، ثم ردها صاحبها إليه، لأن هذا وديعة ثانية.
[وصح] قول مالك.

[كلما خنت، ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين] لصحة تعليق الإيداع على الشرط كالوكالة.

فصل المودع امين
[والمودع أمين لا يضمن، إلا إن تعدى أو فرط أو خان] لأن الله تعالى سماها أمانة، والضمان ينافي الأمانة، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "من أودع وديعةً فلا ضمان عليه" رواه ابن ماجة. ولئلا يمتنع الناس من الدخول فيها مع مسيس الحاجة إليها. وعنه إن ذهبت من بين ماله ضمنها، لأن عمر، رضي الله عنه، ضمن أنساً وديعة ذهبت من بين ماله. قال في الشرح: والأول أصح، وكلام عمر محمول على التفريط.
[ويقبل قوله بيمينه في عدم ذلك] لأنه أمين، والأصل براءته.
[وفي أنها تلفت] لتعذر إقامة البينة عليه. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن المودع إذا أحرزها، ثم ذكر أنها ضاعت، أن القول قوله. وقال أكثرهم: مع يمينه، ذكره في الشرح.
[أو أنك أذنت لي في دفعها لفلان وفعلت] أي: دفعتها له مع إنكار مالكها الإذن. نص عليه، لأنه ادعى رداً يبرأ به، أشبه ما لو ادعى الرد إلى مالكها.
[وإن ادعى الرد بعد مطله بلا عذر] أو بعد منعه منها لم يقبل إلا بينة لأنه صار كالغاصب.
[أو ادعى ورثته الرد] منهم، أو من مورثهم.
[لم يقبل إلا ببينه] لأنهم غير مؤتمنين عليها من قبل مالكها.

[وكذا كل أمين] كوكيل وشريك ونحوهما.
[وحيث أخر ردها بعد طلب بلا عذر، ولم يكن لحملها مؤنة ضمن] ما تلف منها، لأنه فعل محرماً بإمساكه ملك غيره بلا إذنه، أشبه الغاصب. ويمهل لأكل ونوم وهضم طعام بقدره.
[وإن أكره على دفعها لغير ربها لم يضمن] كما لو أخذها منه قهراً، لأن الإكراه عذر يبيح له دفعها.
[وإن قال له: عندي ألف وديعة، ثم قال: قبضها، أو تلفت قبل ذلك، أو ظننتها باقية، ثم علمت تلفها صدق بيمينه ولا ضمان] لأنها إذا ثبتت الوديعة ثبتت أحكامها.
[وإن قال: قبضت منه ألفاً وديعة فتلفت فقال] المقر له [بل] قبضتها مني
[غصباً، أو عارية ضمن] ما أقر به، وقبل قول المقر له بيمينه، لأن الأصل في قبض مال الغير الضمان. وإذا مات، وثبت أن عنده وديعة لم توجد فهي دين عليه. وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة. قاله في الشرح. ويعمل بخطه على كيس ونحوه أن هذا وديعة لفلان. نص عليه.

باب إحياء الموات

باب إحياء الموات[وهي: الأرض الخراب الدارسة التي لم يجر عليها ملك لأحد، ولم يوجد فيها أثر عمارة] فتملك بالإحياء. قال في المغني: بغير خلاف نعلمه بين القائلين بالإحياء.
[أو وجد فيها أثر ملك أو عمارة، كالخرب التي ذهبت أنهارها، واندرست آثارها، ولم يعلم لها مالك] كآثار الروم ومساكن ثمود، ملكت بالإحياء، لأنها في دار الإسلام، فتملك كاللقطة. وروى سعيد في سننه عن طاووس مرفوعاً: "عادي الأرض لله ورسوله، ثم هي لكم بعد" ورواه أبو عبيد في الأموال، وقال: عادي الأرض التي بها مساكن في آباد الدهر فانقرضوا. نسبهم إلى عاد لأنهم مع تقدمهم ذوو قوة وآثار كثيرة، فنسب كل أثر قديم إليهم.
[فمن أحيا شيئاً من ذلك ولو كان ذمياً] ملكه لعموم الخبر، ولأنه من أهل دار الإسلام، فملك بالإحياء كتملكه مباحاتها من حشيش وحطب وغيرهما.
[أو بلا إذن الإمام ملكه] كأخذ المباح، لحديث جابر مرفوعاً: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" صححه الترمذي. وعن سعيد بن زيد مرفوعاً: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لعرق1 ظالم حق" حسنه الترمذي.
ـــــــ
1 العرق الظالم: هو أن يجيء الرجل إلى أرض، قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرساً غصباً، أو يزرع، أو يحدث فيها شيئاً ليستوجب به الأرض. وقال ابن الأثير: والرواية لعرق بالتنوين، وهو على حذف المضاف، أي لذي عرق ظالم.

وروى مالك وأبو داود عن عائشة مثله. قال ابن عبد البر: وهو سند صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم. قال في المغني: وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه، ويملكه محييه.
[بما فيه من معدن جامد كذهب وفضة وحديد وكحل] لأنه من أجزاء الأرض، فتبعها في الملك كما لو اشتراها، بخلاف الركاز، لأنه مودع فيها للنقل وليس من أجزائها. وهذا في المعدن الظاهر، إذا ظهر بإظهاره وحفره، وأما ما كان ظاهراً فيها قبل إحيائها فلا يملك، لأنه قطع لنفع كان واصلاً للمسلمين، بخلاف ما ظهر بإظهاره فلم يقطع عنهم شيئاً.
[ولا خراج عليه إلا إن كان ذمياً] فعليه خراج ما أحيا من موات عنوة، لأنها للمسلمين، فلا تقر في يد غيرهم بدون خراج. وأما غير العنوة كأرض الصلح، وما أسلم أهله عليه، فالذمي فيه كالمسلم.
[لا ما فيه من معدن جار: كنفط وقار] وما نبت فيه من كلأ أو شجر، لحديث: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلإ والنار" رواه الخلال وابن ماجة من حديث ابن عباس، وزاد فيه: "وثمنه حرام" ولأنها ليست من أجزاء الأرض، فلم تملك بملكها كالكنز ولكنه أحق به، لحديث: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو له" رواه أبو داود.
وفي لفظ فهو أحق به.
[ومن حفر بئراً بالسابلة، ليرتفق بها كالسفارة لشربهم ودوابهم،

فهم أحق بمائها ما أقاموا] عليها ولا يملكونها، لجزمهم بانتقالهم عنها، وتركها لمن ينزل منزلتهم بخلاف التملك.
[وبعد رحيلهم تكون سبيلاً للمسلمين] لعدم أولوية أحد من غير الحافرين على غيره.
[فإن عادوا كانوا أحق بها] من غيرهم، لأنهم إنما حفروها لأنفسهم ومن عادتهم الرحيل والرجوع فلا تزول أحقيتهم به.

فصل ويحصل احياء الموات بحائط
[ويحصل إحياء الأرض الموات إما بحائط منيع] نص عليه، لحديث جابر مرفوعاً: "من أحاط حائطاً على أرض فهي له" رواه أحمد وأبو داود. وعن سمرة مرفوعاً مثله.
[أو إجراء ماء لا تزرع إلا به] لأن نفع الأرض بذلك أكثر من الحائط، وكذا حبس ماء لا تزرع معه، كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء لكثرته فإحياؤها بسده عنها بحيث يمكن زرعها، فيدخل في عموم الإحياء المذكور في الحديث.
[أو غرس شجر] لأنه يراد للبقاء كبناء الحائط.
[أو حفر بئر فيها] فيصل إلى مائه، أو حفر نهر. نص عليه.
[فإن تحجر مواتاً، بأن أدار حوله أحجاراً] أو تراباً أو شوكاً أو حائطاً غير منيع لم يملكه، لأن المسافر قد ينزل منزلاً ويحوط على رحله بنحو ذلك.

[أو حفر بئراً لم يصل ماؤها] لم يملكها. نص عليه.
[أوسقى شجراً مباحاً، كزيتون ونحوه، أو أصلحه ولم يركبه] أي: يطعمه.
[لم يملكه] قبل إحيائه لأن الموات إنما يملك بالإحياء ولم يوجد.
[لكنه] أي: من تحجر الموات، أو حفر البئر ولم يصل ماؤها، أو سقى الشجر المباح ولم يركبه.
[أحق به من غيره] لقوله صلى الله عليه وسلم "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به" رواه أبو داود.
[ووارثه بعده] أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك حقاً أو مالاً فهو لورثته" لأنه حق للمورث، فقام فيه وارثه مقامه كسائر حقوقه.
[فإن أعطاه أحد كان له] لأن صاحب الحق آثره به وأقامه مقامه فيه.
[ومن سبق إلى مباح فهو له، كصيد وعنبر ولؤلؤ ومرجان وحطب وثمر ومنبوذ رغبة عنه] كالنثار في الأعراس ونحوها، وما يتركه حصاد ونحوه من زرع وثمر رغبة عنه، للحديث السابق. فإن سبق إليه اثنان قسم بينهما، لاستوائهما في السبب.
[والملك مقصور فيه على القدر المأخوذ] فلا يملك مالاً يحوزه ولا يمنع غيره منه.

باب الجعالة

باب الجعالة[وهي جعل مال معلوم لمن يعمل له عملاً مباحاً ولو مجهولاً كقوله: من رد لقطتي أو بنى لي هذا الحائط أو أذن بهذا المسجد شهراً فله كذا] قال في الشرح: ولا نعلم فيه مخالفاً لقوله: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير} 1 وحديث أبي سعيد في رقية اللديغ على قطيع من الغنم متفق عليه انتهى. ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها. ولا تجوز الإجارة عليه للجهالة، فدعت الحاجة إلى العوض مع جهالة العمل.
[فمن فعل العمل بعد أن بلغه الجعل استحقه كله] لما تقدم، لاستقراره بتمام العمل، كالربح في المضاربة.
[وإن بلغه في أثناء العمل استحق حصة تمامه] لأن عمله قبل بلوغه غير مأذون فيه، فلا يستحق عنه عوضاً لتبرعه به.
[وبعد فراغ العمل لم يستحق شيئاً] لذلك.
[وإن فسخ الجاعل قبل تمام العمل لزمه] للعامل
[أجرة المثل] لما عمل، لأنه عمل بعوض لم يسلم له، ولا شئ لما يعمله بعد الفسخ، لأنه غير مأذون فيه.
[وإن فسخ العامل] قبل تمام العمل.
[فلا شئ له] لأنه أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه.
ـــــــ
1 يوسف من الآية/72.

وإن زاد جاعل في جعل، أو نقص منه قبل شروع في عمل جاز وعمل به لأنه عقد جائز كالمضاربة.
[ومن عمل لغيره عملاً بإذنه من غير أجرة أو جعالة فله أجرة مثله] لدلالة العرف على ذلك.
[وبغير إذنه فلا شئ له] لا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح. لأنه متبرع حيث بذل منفعته من غير عوض، فلم يستحقه. ولئلا يلزم الإنسان ما لم يلتزمه ولم تطب به نفسه.
[إلا في مسألتين. الأولى: أن يخلص متاع غيره من مهلكه] كغرق وفم سبع وفلاة يظن هلاكه في تركه.
[فله أجرة مثله] لأنه يخشى هلاكه وتلفه على مالكه، وفيه حث وترغيب في إنقاذ الأموال من الهلكة.
[الثانية: أن يرد رقيقاً آبقاً لسيده فله ما قدره الشارع وهو دينار أو اثنا عشر درهماً ] لقول ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار: إن النبي صلى الله عليه وسلم، جعل رد الآبق إذا جاء به خارجاً من الحرم ديناراً. ولأن ذلك يروى عن عمر وعلي، رضي الله عنهما، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة. وسواء كان يساويها أو لا. قال في الكافي: ولأن في ذلك حثاً على رد الأباق، وصيانة عن الرجوع إلى دار الحرب وردتهم عن دينهم، فينبغي أن يكون مشروعاً. انتهى. ونقل ابن منصور: سئل أحمد عن الآبق، فقال: لا أدري، قد تكلم الناس فيه، لم يكن عنده فيه حديث صحيح. وعنه: إن رده من خارج المصر فله أربعون

درهماً، وإن رده من المصر فله دينار، لأنه يروى عن ابن مسعود، رضي الله عنه.

باب اللقطة

باب اللقطة[وهي ثلاثة أقسام]
[أحدها: ما لا تتبعه همة أوساط الناس، كسوط ورغيف ونحوهما، فهذا يملك بالالتقاط ولا يلزم تعريفه] لحديث جابر قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به رواه أبو داود. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق، فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها" أخرجاه. وفيه إباحة المحقرات في الحال. قاله في المنتقى. وقال في الشرح: ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والإنتفاع به. انتهى. وعن سلمى بنت كعب قالت: وجدت خاتماً من ذهب في طريق مكة، فسألت عائشة، فقالت: تمتعي به. ورخص النبي صلى الله عليه وسلم، في الحبل في حديث جابر وقد تكون قيمته دراهم، وليس عن أحمد تحديد اليسير. وقال: ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة وما لا خطر له فلا بأس.
[لكن إن وجد ربه دفعه إن كان باقياً] لربه لأنه عين ماله، كما في الإقناع.
[وإلا لم يلزمه شئ] أي: لم يضمنه، لأنه ملكه بأخذه. والذي رخص النبي صلى الله عليه وسلم، في التقاطه لم يذكر فيه ضماناً، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

[ومن ترك دابته ترك إياس بمهلكة أو فلاة، لانقطاعها، أو لعجزه عن علفها ملكها آخذها] لحديث الشعبي مرفوعاً: "من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له" قال عبد الله بن محمد بن حميد بن عبد الرحمن فقلت - يعني للشعبي -: من حدثك بهذا؟ قال: غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والدارقطني، ولأن فيه إنقاذاً للحيوان من الهلاك مع ترك صاحبها لها رغبة عنها.
[وكذا ما يلقى في البحر خوفاً من الغرق] فيملكه آخذه لإلقاء صاحبه له اختياراً فيما يتلف بتركه فيه، أشبه ما لو ألقاه رغبة عنه.
[الثاني: الضوال] اسم للحيوان خاصة، ويقال لها: الهوامي، والهوافي، والهوامل.
[التي تمتنع من صغار السباع: كالإبل والبقر والخيل والبغال والحمير] أي: الأهلية. قال في الشرح و الكافي: والأولى إلحاقها بالشاة، لأنه علل أخذ الشاة بخشية الذئب، والحمر مثلها في ذلك، وعلل المنع من الإبل بقوتها على ورود الماء وصبرها، والحمر بخلافها. انتهى بمعناه.
[والظباء] التي تمتنع بسرعة عدوها.
[فيحرم التقاطها] لأن جريراً أمر بالبقرة فطردت حتى توارت، ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا يؤوي الضالة إلا ضال" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. وعن زيد بن خالد قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن لقطة الذهب والورق فقال:

"اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإذا جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه" . وسأله عن ضالة الإبل. فقال: "ما لك ولها؟ دعها، فإن معها حذاءها، وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها" . وسأله عن الشاة، فقال: "خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب" متفق عليه.
[وتضمن كالغصب] للتعدي، ولا تملك بالتعريف، لعدم إذن المالك والشارع فيه، أشبه الغاصب.
[ولا يزول الضمان إلا بدفعها للإمام أو نائبه] لأن له نظراً في حفظ مال الغائب.
[أو بردها إلى مكانها بإذنه] أي: الإمام، أو نائبه، لقول عمر لرجل وجد بعيراً: أرسله حيث وجدته رواه الأثرم.
[ومن كتم شيئاً منها لزمه قيمته مرتين] لربه. نص عليه، لحديث: "في الضالة المكتومة غرامتها، ومثلها معها" قال أبو بكر في التنبيه: وهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يرد.
[وإن تبع شئ منها دوابه فطرده، أو دخل داره. فأخرجه لم يضمنه حيث لم يأخذه] لحديث جرير السابق.
[الثالث: كالذهب والفضة والمتاع، وما لا يمتنع من صغار السباع، كالغنم والفصلان والعجاجيل والأوز والدجاج، فهذه يجوز التقاطها لمن وثق من نفسه الأمانة والقدرة على تعريفها] لحديث زيد بن خالد "في النقدين والشاة" وقيس عليه الباقي، لأنه في معناه.

[والأفضل مع ذلك تركها] قاله أحمد. فلا يتعرض لها. روي عن ابن عباس، وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة. ويحرم على من لا يأمن نفسه عليها أخذها، لما فيه من تضييعها على ربها، كإتلافها، ويضمنها إن تلفت فرط أولاً، لأنه غير مأذون فيه، أشبه الغاصب، ولا يملكها ولو عرفها، لأن السبب المحرم لا يفيد الملك، كالسرقة..
[فإن أخذها، ثم ردها إلى موضعها] بغير إذن الإمام أو نائبه.
[ضمن] لأنها أمانة حصلت في يده، فلزمه حفظها كسائر الأمانات، والتفريط فيها تضييع لها.
فصل
[وهذا القسم الأخير ثلاثة أنواع:]
[أحدها: ما التقطه من حيوان] مأكول، كفصيل وشاة.
[فيلزمه خير ثلاثة أمور: أكله بقيمته] في الحال، لحديث "هي لك أو لأخيك أو للذئب" . فسوى بينه وبين الذئب، وهو لايستأني بأكلها. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها، لأنه سوى بينه وبين الذئب. انتهى. ولأن فيه إغناء عن الإنفاق عليه حراسة لماليته على ربه إذا جاء. وإذا أراد أكله حفظ صفته، فمتى جاء ربه فوصفه غرم له قيمته.
[أو بيعه وحفظ ثمنه] ولو بلا إذن الإمام، لأنه إذا جاز أكله بلا إذن فبيعه أولى.

[أو حفظه وينفق عليه من ماله] ليحفظه لمالكه، فإن تركه بلا إنفاق عليه فتلف، ضمنه لتفريطه.
[وله الرجوع بما أنفق إن نواه] نص عليه، لأنه أنفق عليه لحفظه، فكان من مال صاحبه.
[فإن استوت الثلاثة خير] لعدم المرجح إذاً.
[الثاني: ما خشي فساده] بإبقائه كخضروات ونحوها.
[فيلزمه فعل الأصلح من بيعه] وحفظ ثمنه لما تقدم.
[أو أكله بقيمته] قياساً على الشاة.
[أو تجفيف ما يجفف] كعنب ورطب.
[فإن استوت الثلاثة خير] لأنه أمانة بيده فتعين عليه فعل الأحظ.
[الثالث: باقي المال] من أثمان ومتاع ونحوهما.
[ويلزم التعريف في الجميع] من حيوان وغيره لأنه صلى الله عليه وسلم، أمر به زيد بن خالد، وأبي ابن كعب، ولم يفرق ولأن طريق وصولها إلى صاحبها، فوجب كحفظها.
[فوراً] لأنه مقتضى الأمر، ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها.
[نهاراً] لأنه مجمع الناس وملتقاهم.
[أو كل يوم] قبل اشتغال الناس بمعاشهم.
[مدة أسبوع] لأن الطلب فيه أكثر.
[ثم عادة] أي كعادة الناس، ويكثر منه في موضع وجدانها وفي الوقت الذي يلي التقاطها.

[مدة حول] لحديث زيد السابق. وروي عن عمر وعلي وابن عباس، ولأن السنة لا تتأخرعنها القوافل، ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد، من الحر والبرد والإعتدال.
[وتعريفها بأن ينادي في الأسواق وأبواب المساجد] أوقات الصلوات لأن عمر، رضي الله عنه، أمر واجدها بتعريفها على باب المسجد قاله في الشرح.
[من ضاع منه شئ أو نفقة] ولا يصفها، لأنه لايؤمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها فتضيع على مالكها.
[وأجرة المنادي على الملتقط] نص عليه، لوجوب التعريف عليه فأجرته عليه.
[فإذا عرفها حولاً فلم تعرف دخلت في ملكه قهراً عليه] كالميراث. نص عليه. وروي عن عمر وغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تعرف فاستنفقها" - وفي لفظ: "و إلا فهي كسبيل مالك" - وفي لفظ: "ثم كلها" - وفي لفظ: "فانتفع بها" - وفي لفظ: "فشأنك بها" - وفي لفظ: "فاستمتع بها" .
[فيتصرف فيها بما شاء بشرط ضمانها] لقوله في حديث زيد السابق: "فإذا جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه" متفق عليه.

فصل في التصرف باللقطة
[ويحرم تصرفه فيها حتى يعرف وعاءها ووكاءها - وهو ما يشد به الوعاء -وعفاصها - وهو: صفة الشد - ويعرف قدرها وجنسها وصفتها] لقوله: "اعرف وكاءها وعفاصها" نص على الوكاء والعفاص، وقيس الباقي. ولأنه يجب دفعها إلى ربها بوصفها، فلا بد من معرفته، لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب.
[ومتى وصفها طالبها يوماً من الدهر لزم دفعها إليه] لما تقدم.
[بنمائها المتصل] لأنه يتبع في الفسوخ.
[وأما المنفصل بعد حول التعريف فلواجدها] لأنها نماء ملكه ولأنه يضمن النقص بعد الحول فالزيادة له ليكون الخراج بالضمان.
[وإن تلفت أو نقصت في حول التعريف ولم يفرط لم يضمن] لأنها أمانة بيده كالوديعة.
[وبعد الحول يضمن مطلقاً] فرط أو لا لدخولها في ملكه، فتلفها من ماله.
[وإن أدركها ربها بعد الحول مبيعة أو موهوبة لم يكن له إلا البدل] لصحة تصرف الملتقط فيها لدخولها في ملكه.
[ومن وجد في حيوان نقداً أو درة فلقطة لواجده يلزمه تعريفه] ويبدأ بالبائع لاحتمال أن يكون من ماله، فإن لم يعرف فلواجده، وإن وجد درة غير مثقوبة في سمكة فهي لصياد ولو باعها. نص عليه.

[ومن استيقظ فوجد في ثوبه مالاً لا يدري من صره فهو له] بلا تعريف، لأن قرينة الحال تقتضي تمليكه.
[ولا يبرأ من أخذ من نائم شيئاً إلا بتسليمه له بعد انتباهه] لتعديه، لأنه إما سارق أو غاصب، فلا يبرأ من عهدته إلا برده لمالكه في حال يصح قبضه فيها.

باب اللقيط

باب اللقيط[وهو طفل يوجد لا يعرف نسبه ولا رقه] نبذ في شارع أو غيره، أو ضل الطريق ما بين ولادته إلى سن التمييز فقط - على الصحيح - قاله في الإنصاف.
[والتقاطه والإنفاق عليه فرض كفاية] لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى...} 1 .
[ويحكم بإسلامه] إن وجد بدار الإسلام إذا كان فيها مسلم أو مسلمة، لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها تغليباً للإسلام، فإنه يعلو ولا يعلى عليه.
[وحريته] لأنها الأصل في الآدميين، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، والرق عارض، الأصل عدمه. وروى سنين أبو جميلة، قال: وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر بن الخطاب، فقال عريفي: يا أمير المومنين، إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم. فقال:
ـــــــ
1 المائدة من الآية/3.

اذهب به وهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته. وفي لفظ: وعلينا رضاعه رواه سعيد في سننه.
[وينفق عليه مما معه إن كان] لوجوب نفقته في ماله، وما معه فهو ماله.
[فإن لم يكن فمن بيت المال] لما تقدم.
[فإن تعذر اقترض عليه] أي: على بيت المال.
[الحاكم فإن تعذر] الإقتراض، أو الأخذ من بيت المال.
[فعلى من علم بحاله] الإنفاق عليه، لأن به بقاءه فوجب، كإنقاذ الغريق، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} 1
[والأحق بحضانته واجده] لما تقدم عن عمر، ولسبقه إليه فكان أولى به.
[إن كان حراً مكلفاً رشيداً] لأن منافع القن مستحقة لسيده، فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه، وغير المكلف لا يلي أمر نفسه فغيره أولى، وكذا السفيه.
[أميناً عدلاً، ولو ظاهراً] كولاية النكاح، ولما سبق.
ـــــــ
1 المائدة من الآية/3.

فصل في ميراث اللقيط
[وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال] إن لم يخلف وارثاً كغير اللقيط، فإن كان له زوجة فلها الربع، والباقي لبيت المال، ولا يرثه ملتقطه، لحديث "إنما الولاء لمن أعتق" وقول عمر: ولك ولاؤه أي: ولايته وحضانته. وحديث واثلة بن الأسقع مرفوعاً: "المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، قال ابن المنذر: لا يثبت.
[وإن ادعاه من يمكن كونه منه من ذكر أو أنثى ألحق به ولو] كان اللقيط
[ميتاً] احتياطاً للنسب، لأن الإقرار به محض مصلحة للقيط لاتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه، فقبل كما لو اًقر له بمال.
[وثبت نسبه وإرثه] لمدعيه.
[وإن ادعاه اثنان فأكثر معاً قدم من له بينة] لأنها علامة واضحة على إظهار الحق.
[فإن لم تكن] بينة لأحدهم، أو تساووا فيها.
[عرض على القافة] وهم قوم يعرفون الأنساب بالشبه، ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرفت منه معرفة ذلك، وتكررت منه الإصابة فهو قائف. واشتهر ذلك في بني مدلج وبني أسد.

[فإن ألحقته بواحد لحقه] لقضاء عمر به بحضرة الصحابة، رضي الله عنهم، ولم ينكر، فكان إجماعاً. وعن عائشة قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم، مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: "ألم تري أن مجززاً المدلجي نظر آنفاً إلى زيد وأسامة، وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض؟" متفق عليه. فلولا أن ذلك حق لما سر به النبي صلى الله عليه وسلم.
[وإن ألحقته بالجميع لحقهم] لما روى سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف: قد اشتركا فيه جميعاً، فجعله عمر بينهما رواه سعيد. وبإسناده عن الشعبي قال: وعلي يقول: هو ابنهما، وهما أبواه يرثهما ويرثانه رواه الزبير بن بكار عن عمر. ويلحق بثلاثة، لأن المعنى في الإثنين موجود فيما زاد، فيقاس عليه.
[وإن أشكل أمره] على القافة، أو لم يوجد قافة، أو نفته عنهما، أو تعارضت أقوالهم.
[ضاع نسبه] لتعارض الدليل، ولا مرجح لبعض من يدعيه، فأشبه من لم يدع نسبه أحد. وقال ابن حامد: يترك حتى يبلغ، ويؤخذان بنفقته، لأن كل واحد منهما مقر، فإذا بلغ أمرناه أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه، لأن ذلك يروى عن عمر، ولأن الطبع يميل إلى الوالد ما لا يميل إلى غيره، فإذا تعدرت القافة رجعنا إلى اختياره، ولا يصح انتسابه قبل بلوغه. قاله في الكافي.

[ويكفي قائف واحد] في إلحاق النسب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، سر بقول مجزز وحده. [وهو كالحاكم فيكفي مجرد خبره] لأنه ينفذ ما يقوله بخلاف الشاهد.
[بشرط كونه مكلفاً ذكراً] لأن القيافة حكم مستندها النظر، والإستدلال، فاعتبرت فيه الذكورة، كالقضاء.
[عدلاً] لأن الفاسق لا يقبل خبره، وعلم منه اشتراط إسلامه بالأولى.
[حراً] لأنه كحاكم.
[مجرباً في الإصابة] لأنه أمر علمي، فلا بد من العلم بعلمه له، وطريقه التجربة فيه، ويكفى أن يكون مشهوراً بالإصابة، وصحة المعرفة في مرات. قال القاضي: يترك الغلام مع عشرة غير مدعيه، ويرى القائف، فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله، وإن نفاه عنهم جلعناه مع عشرين فيهم مدعيه، فإن ألحقه بمدعيه علمت إصابته.

المجلد الثاني
كتاب الوقف

كتاب الوقف:
قال الشافعي رحمه الله: لم تحبس أهل الجاهلية، وإنما حبس أهل الإسلام. وهو مستحب، لحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه الجماعة إلا البخارى وابن ماجه. وقال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ذو مقدرة إلا وقف. ويجوز وقف الأرض والجزء المشاع لحديث ابن عمر قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عندى منه، فما تأمرني فيه؟ فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث" ، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء، وفي القربى، والرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول فيه. وفي لفظ: "غير متأثل" متفق عليه، وعنه أيضاً قال: قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إلي منها، وقد أردت أن أتصدق بها. فقال صلى الله عليه وسلم: "احبس أصلها وسبل ثمرتها" رواه النسائي وابن ماجه. وهذا وصف المشاع.

"يحصل بأحد أمرين: بالفعل، مع دليل يدل عليه: كأن يبني بنياناً على هيئة المسجد، ويأذن إذناً عاماً بالصلاة فيه، أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن إذناً عاماً بالدفن فيها" أو سقاية ويشرعها لهم، ويأذن في دخولها، لأن العرف جار بذلك، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت به كالقول، وجرى مجرى من قدم طعاماً لضيفانه، أو نثر نثاراً. قال في الكافي.
"وبالقول، وله صريح وكناية، فصريحه: وقفت وحبست وسبلت" متى وقف بواحدة منها صار وقفاً لأنه ثبت لها عرف الاستعمال، وعرف الشرع بقوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها" فصارت كلفظ الطلاق. وإضافة التحبيس إلى الأصل والتسبيل إلى الثمرة لا يقتضي المغايرة في المعنى، فإن الثمرة أيضاً محبسة على ما شرط صرفها إليه.
"وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت" فليست صريحة لأنها مشتركة بين الوقف وغيره من الصدقات والتحريمات.
"فلا بد فيها من نية الوقف" فمن نوى بها الوقف لزمه حكماً، لأنها بالنية صارت ظاهرة فيه.
"ما لم يقل: على قبيلة كذا، أو طائفة كذا" أو يقرن الكناية بحكم الوقف كقوله: تصدقت به صدقةً لا تباع، أو لا توهب، أو لا تورث، لأن ذلك كله لا يستعمل في غير الوقف.

فصل شروط الوقف سبعة
:
1- "كونه من مالك جائز التصرف" فلا يصح من محجور عليه، ولا من مجنون.
"أو ممن يقوم مقامه" كوكيله فيه.
2- "كون الموقوف عيناً يصح بيعها" فلا يصح وقف أم ولد وكلب وخمر ومرهون.
"وينتفع بها نفعاً مباحاً مع بقاء عينها" كالعقار والحيوان والسلاح. قال الإمام أحمد: إنما الوقف في الأرضين والدور على ما وقف أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال فيمن وقف خمس نخلات على مسجد: لا بأس به. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله" متفق عليه. قال الخطابي: الأعتاد: ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة الجهاد. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً واحتساباً فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه حسنات" رواه البخاري، وقالت أم معقل: يا رسول الله: إن أبا معقل جعل ناضحه في سبيل الله. فقال: "اركبيه فإن الحج من سبيل الله" 1 رواه أبو داود وروى الخلال عن نافع
ـــــــ
1 الناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه الماء.

أن حفصة ابتاعت حلياً بعشرين ألفاً حبسته على نساء آل الخطاب، فكانت لا تخرج زكاته.
"فلا يصح وقف مطعوم ومشروب غير الماء، ولا وقف دهن وشمع وأثمان وقناديل نقد على المساجد، ولا على غيرها" 1 لأن ما لا ينتفع به إلا بإتلافه لا يصح وقفه، لأنه يراد للدوام ليكون صدقة جارية، ولا يوجد ذلك فيما لا تبقى عينه.
3- "كونه على جهة بر وقربة: كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب" والسقايات وكتب العلم، لأنه شرع لتحصيل الثواب. فإذا لم يكن على بر لم يحصل مقصوده الذي شرع لأجله. قال في الكافي: فإن قيل: كيف جاز الوقف على المساجد، وهي لا تملك؟ قلنا: الوقف إنما هو على المسلمين، لكن عين نفعاً خاصاً لهم.
"فلا يصح على الكنائس، ولا على اليهود والنصارى، ولا على جنس الأغنياء والفساق" وقطاع الطريق، لأن ذلك إعانة على المعصية. وقد غضب النبي، صلى الله عليه وسلم، حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي" وقال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعاً كثيرة، وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا، والضياع بيد النصارى، فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم.
"لكن لو وقف على ذمي أو فاسق أو غني معين صح" لما روي "أن
ـــــــ
1 النقد: يريد به الذهب والفضة.

صفية بنت حيي زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، وقفت على أخ لها يهودي.
4- "كونه على معين غير نفسه يصح أن يملك فلا يصح الوقف على مجهول، كرجل ومسجد، ولا على أحد هذين" الرجلين أو المسجدين لتردده، كبعتك أحد هذين العبدين، ولأن تمليك غير المعين لا يصح.
"ولا على نفسه" عند الأكثر. نقل حنبل وأبو طالب عن الإمام أحمد: ما سمعت بهذا ولا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى. ويصرف في الحال لمن بعده، كمنقطع الابتداء. وعنه: يصح. قال في التنقيح: اختاره جماعة منهم ابن أبي موسى والشيخ تقي الدين، وصححه ابن عقيل والحارثي وأبو المعالي في النهاية وغيرهم، وعليه العمل في زمننا وقبله عند حكامنا، وهو أظهر. وفي الإنصاف: وهو الصواب، وفيه مصلحة عظيمة، وترغيب في فعل الخير. انتهى. وإن وقف شيئاً على غيره، واستثنى غلته أو بعضها مدة حياته أو مدة معينة له أو لولده صح الوقف والشرط. احتج أحمد بما روي عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر ويدل له أيضاً قول عمر لما وقف: لا جناح على من وليها أن يكل منها، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه وكان الوقف في يده إلى أن مات، ثم بنته حفصة ثم ابنه عبد الله.
"ولا على من لا يملك كالرقيق ولو مكاتباً، والملائكة والجن والبهائم والأموات" لأن الوقف تمليك، فلا يصح على من لا يملك.
"ولا على الحمل استقلالا" لأنه لا يملك إذاً.

"بل تبعاً" كقوله: وقفت كذا على أولادي ثم على أولادهم وفيهم حمل فيشمله.
5- "كون الوقف منجزاً" أي: غير معلق ولا موقت ولا مشروط فيه خيار أو نحوه.
"فلا يصح تعليقه إلا بموته، فيلزم من حين الوقف إن خرج من الثلث" احتج بقول عمر: إن حدث بي حدث الموت فإن ثمغاً صدقة وذكر الحديث. ورواه أبو داود بنحوه. ووقفه هذا كان بأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، واشتهر في الصحابة فلم ينكر، فكان إجماعاً. وثمغ: بالفتح مال بالمدينة لعمر وقفه. قاله في القاموس.
"6- أن لا يشترط فيه ما ينافيه كقوله: وقفت كذا على أن أبيعه أو أهبه متى شيء ت، أو بشرط الخيار لي، أو بشرط أن أحوله من جهة إلى جهة" فإذا شرط أن يبيعه متى شاء، أو يهبه، أو يرجع فيه بطل الوقف والشرط. قاله في الشرح وغيره، لمنافاته لمقتضاه.
"7- أن يقفه على التأبيد، فلا يصح: وقفته شهراً، أو إلى سنة ونحوها" لأنه إخراج مال على سبيل القربة، فلم يجز إلى مدة كالعتق. قاله في الكافي.
"ولا يشرط تعيين الجهة، فلو قال: وقفت كذا وسكت صح، وكان لورثته من النسب" لا ولاءً ولا نكاحاً.
"على قدر إرثهم" وقفاً عليهم، لأن الوقف مصرفه البر، وأقاربه أولى الناس ببره، فكأنه عينهم لصرفه. فإن عدموا فهو للفقراء والمساكين وقفاً عليهم، لأنهم مصرف الصدقات، ونصه يصرف في مصالح المسلمين.

فصل ويلزم الوقف بمجرده ويملكه الموقوف عليه
إذا كان معيناً، لأن الوقف سبب نقل الملك عن الواقف. ولم يخرج عن المالية، فوجب أن ينتقل الملك إليه كالهبة والبيع.
"فينظر فيه هو" أي: الموقوف عليه إن كان مكلفاً رشيداً.
"أو وليه" إن كان محجوراً عليه كالطلق1.
"ما لم يشترط الواقف ناظراً فيتعين" لأن عمر جعل وقفه إلى ابنته حفصة، ثم يليه ذو الرأي من أهلها.
"ويتعين صرفه إلى الجهة التي وقف عليها في الحال" لأن تعيينه لها صرف له عما سواها، لأنه لو لم يجب إتباع تعيينه لم يكن له فائدة.
"ما لم يستثن الواقف منفعته أو غلته له أو لولده أو لصديقه مدة حياته أو مدة معلومة فيعمل بذلك" لما تقدم.
"وحيث انقطعت الجهة والواقف حي رجع إليه وقفاً" أي: متى قلنا يرجع إلى أقارب الواقف وقفاً، وكان الواقف حياً رجع إليه وقفاً.
"ومن وقف على الفقراء فافتقر تناول منه" لوجود الوصف الذى هو الفقر فيه. ولو وقف مسجداً أو مقبرة أو مدرسة فهو كغيره في الانتفاع به، لما روي أن عثمان، رضي الله عنه، سبل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين2.
ـــــــ
1 كذا في الأصل وأظنها: الطلاق.
2 بئر رومة: بضم الراء: التي حفرها عثمان بناحية المدينة، وقيل: اشتراها وسبلها.

"ولا يصح عتق الرقيق الموقوف بحال" لتعلق حق من يؤول إليه الوقف به، ولأن الوقف عقد لازم لا يمكن إبطاله، وفي القول بنفوذ عتقه إبطال له. وإن كان بعضه غير موقوف فأعتقه مالكه صح، ولم يسر إلى البعض الموقوف، لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة لم يعتق بالسراية.
"لكن لو وطئ الموقوفه عليه حرم" لأن ملكه لها ناقص، ولا حد بوطئه للشبهة، ولا مهر لأنه لو وجب لكان له. ولا يجب للإنسان على نفسه شيء.
"فإن حملت صارت أم ولد تعتق بموته" لولادتها منه وهو مالكها.
"وتجب قيمتها في تركته" لأنه أتلفها على من بعده من البطون.
"يشترى بها مثلها" يكون وقفاً مكانها، وولده منها حر للشبهة، وعليه قيمته يوم وضعه حياً، لتفويته رقه على من يؤول إليه الوقف بعده.

فصل ويرجع في مصرف الوقف إلى شرط الواقف
لأن عمر، رضي الله عنه، شرط في وقفه شروطاً، ولو لم يجب إتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة أن الزبير وقف على ولده، وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضراً بها، فإذا استغنت بزوج فلا حق لها فيه.
"فإن جهل، عمل بالعادة الجارية، فإن لم تكن فبالعرف" لأن العادة المستمرة، والعرف المستقر يدل على شرط الواقف أكثر مما يدل لفظ الاستفاضة. قاله الشيخ تقي الدين.

"فإن لم يكن" عادة، ولا عرف ببلد الواقف
"فالتساوي بين المستحقين" لثبوت الشركة دون التفضيل.
"ويرجع إلى شرطه في الترتيب بين البطون" بأن يقول: على أولادي، ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم.
"أو الاشتراك" كأن يقف على أولاده وأولادهم.
"وفي إيجار الوقف أو عدمه، وفي قدر مدة الإيجار، فلا يزاد على ما قدر" إلا عند الضرورة.
"ونص الواقف كنص الشارع" في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل. قاله الشيخ تقي الدين.
"يجب العمل بجميع ما شرطه ما لم يفض إلى الإخلال بالمقصود" الشرعي.
"فيعمل به فيما إذا شرط أن لا ينزل في الوقف فاسق ولا شرير ولا ذو جاه" لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه.
"وإن خصص مقبرة أو مدرسة أو إمامتها بأهل مذهب أو بلد أو قبيلة تخصصت" بهم عملاً بشرطه.
"لا المصلين بها" فلا تختص بهم، ولغيرهم الصلاة بها لعدم التزاحم، ولو وقع فهو أفضل، لأن الجماعة تراد له.
"ولا" يعمل بشرطه
"إن شرط عدم استحقاق من ارتكب طريق الصلاح" قال الشيخ: إذا شرط استحقاق ريع الوقف للعزوبة فالمتأهل أحق من المتعزب إذا استويا في سائر الصفات.

فصل فيما يشترط في الناظر
:
"ويرجع في شرطه إلى الناظر" في الوقف إما بالتعيين كفلان، أو بالوصف كالأرشد أو الأعلم، فمن وجد فيه الشرط ثبت له النظر عملاً بالشرط.
"ويشترط في الناظر خمسة أشياء:"
"1- الإسلام" إن كان الوقف على مسلم، أو جهة من جهات الإسلام كالمساجد والمدارس والربط ونحوها، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} 1.
"2- التكليف" لأن غير المكلف لا ينظر في ملكه الطلق، ففي الوقف أولى.
"3- الكفاية للتصرف 4- والخبرة به 5- والقوة عليه" لأن مراعاة حفظ الوقف مطلوبة شرعاً. وإذا لم يكن الناظر متصفاً بهذه الصفات لم يمكنه مراعاة حفظ الوقف.
"فإن كان ضعيفاً ضم إليه قوي أمين" ليحصل المقصود.
"ولا تشترط الذكورة" لأن عمر، رضي الله عنه، جعل النظر في وقفه إلى ابنته حفصة ثم إلى ذي الرأي من أهلها.
ـــــــ
1 النساء من الآية/141.

"ولا العدالة حيث كان بجعل الواقف له" ويضم إلى الفاسق أمين لحفظ الوقف، ولم تزل يده لأنه أمكن الجمع بين الحقين.
"فإن كان من غيره" أي: غير الواقف، كمن ولاه حاكم أو ناظر.
"فلا بد فيه من العدالة" لأنها ولاية على مال، فاشترط لها العدالة، كالولاية على مال يتيم.
"فإن لم يشترط الواقف ناظراً فالنظر للموقوف عليه مطلقاً" أي: عدلاً كان أو فاسقاً، رجلاً أو امرأة، رشيداً أو محجوراً عليه.
"حيث كان محصوراً" كأولاده وأولاد أولاده كل واحد منهم ينظر على حصته كالملك المطلق.
"وإلا فللحاكم" أو نائبه النظر إذا كان الوقف على غير معين كالوقف على الفقراء أو المساجد والربط ونحوها إذا لم يعين الواقف ناظراً عليه لأنه ليس له مالك معين، ويتعلق به حق الموجودين ومن يأتي بعدهم، ففوض الأمر فيه إلى الحاكم.
"ولا نظر للحاكم مع ناظر خاص" قال في الفروع: أطلقه الأصحاب.
"لكن له أن يعترض عليه إن فعل ما لا يسوغ" فعله لعموم ولايته.
"ووظيفة الناظر: حفظ الوقف وعمارته، وإيجاره وزرعه، والمخاصمة فيه وتحصيل ريعه، والاجتهاد في تنميته، وصرف الريع في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء المستحقين" لأن الناظر هو الذي يلي الوقف وحفظه، وحفظ ريعه وتنفيذ شرط واقفه، وطلب الحفظ فيه مطلوب شرعاً، فكان ذلك إلى الناظر.
"وإن آجره بأنقص" من أجر مثله.

"صح" عقد الإجارة،
"وضمن" الناظر
"النقص" إن كان المستحق غيره لأنه يتصرف في مال غيره على وجه الحط، فضمن ما نقصه بعقده كالوكيل.
"وله الأكل بمعروف" نص عليه.
"ولو لم يكن محتاجاً" قاله في القواعد
"وله التقرير في وظائفه" لأنه من مصالحه، فينصب إمام المسجد ومؤذنه وقيمه ونحوهم، ويجب أن يولي في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعاً.
"ومن قرر في وظيفة على وفق الشرع حرم إخراجه منها بلا موجب شرعي" كتعطيله القيام بها. قال الشيخ تقي الدين: ومن لم يقم بوظيفته غيره من له الولاية بمن يقوم بها إذا لم يتب الأول ويلتزم بالواجب.
"ومن نزل عن وظيفة بيده لمن هو أهل لها صح، وكان أحق بها" من غيره.
"وما يأخذه الفقهاء من الوقف فكالرزق من بيت المال لا كجعل ولا كأجرة" في أصح الأقوال، فلا ينقص به الأجر مع الإخلاص. قال الشيخ تقي الدين: وما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة بل رزق للإعانة على الطاعة وكذلك المال الموقوف على أعمال البر، والموصى به، أو المنذور له ليس كالأجرة والجعل. انتهى1. وينبني عليه أن القائل
ـــــــ
1 قال شيخ الإسلام في الاختيارات ص/178: ومن أكل المال بالباطل: قوم لهم رواتب أضعاف حاجتهم، وقوم لهم جهات معلومها كثير يأخذونه، وينيبون غيرهم بيسير.

بالمنع من أخذ الأجرة على نوع القرب لا يمنع ممن أخذ المشروط في الوقف. قاله الحارثي.

فصل ومن وقف على ولده أو ولد غيره دخل الموجودون
حال الوقف ولو حملاً.
"فقط" نص عليه.
"من الذكور والإناث" لأن اللفظ يشملهم، لأن الجميع أولاده.
"بالسوية من غير تفضيل" لأنه شرك بينهم، وكما لو أقر لهم ب شيء وعنه: يدخل ولد حدث بعد الوقف. اختاره ابن أبي موسى، وأفتى به ابن الزاغوني، وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل، وجزم به في المبهج و المستوعب، واختاره في الإقناع.
"ودخل أولاد الذكور خاصة" لأنهم دخلوا في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 1 لأن كل موضع ذكر الله فيه الولد دخل ولد البنين. فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ويفسر بما فسر به.
"وإن قال: على ولدي، دخل أولاده الموجودون ومن يولد لهم" أي: لأولاده الموجودين.
"لا الحادثون، وعلى ولدي ومن يولد لي دخل الموجودون والحادثون تبعاً" للموجودين.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.

"ومن وقف على عقبه أو نسله أو ولد ولده أو ذريته دخل الذكور والإناث لا أولاد الإناث" لأنهم لم يدخلوا في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 1 لأنهم إنما ينسبون إلى قبيلة آبائهم دون قبيلة أمهاتهم. وقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} 2 وقال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد3
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد" ونحوه، فمن خصائصه انتساب أولاد فاطمة إليه.
"إلا بقرينة" كقوله: من مات عن ولد فنصيبه لولده. وقوله: وقفت على أولادي فلان وفلان وفلانة، ثم أولادهم، أو: على أن لولد الذكر سهمين ولولد الأنثى سهماً ونحوه.
"ومن وقف على بنيه أو بني فلان فللذكور خاصة" لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة. قال تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} 4 وقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ...} 5 وإن وقف على بناته اختص بهن، وإن كانوا قبيلة كبني هاشم وتميم دخل نساؤهم،
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 الأحزاب من الآية/ 5.
3 جاخزانة الأدب لعبد القادر البغدادي في الشاهد/ 73 مايلي: "المعنى: أن بني أبنائنا مثل بنينا... وهذا البيت لا يعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة وغيرهم. قال العيني: هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر، والرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث، وأن الايساب إلى الآباء، والفقهاء كذلك في الوصية، وأهل المعاني والبيان في التشبيه. ولم أر أحدا منهم عزاه إلى قائله. اهـ.".
4 الصافات من الآية/ 153.
5 آل عمران من الآية/ 14.

لأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها. وروي أن جواري من بني النجار قلن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
دون أولادهن من رجال غيرهم لأنهم إنما ينتسبون لآبائهم كما تقدم.
"ويكره هنا" أي: فما الوقف.
"أن يفضل بعض أولاده على بعض لغير سبب" شرعي لأنه يؤدي إلى التقاطع.
ولقوله، صلى الله عليه وسلم، في حديث النعمان بن بشير: "...اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" . قال: فرجع أبي في تلك الصدقة رواه مسلم.
"والسنة أن لا يزاد ذكر على أنثى" واختار الموفق، وتبعه في الشرح و المبدع وغيره: للذكر مثل حظ الأنثيين على حسب قسمة الله في الميراث، كالعطية، والذكر في مظنة الحاجة غالباً بوجوب حقوق تترتب عليه بخلاف الأنثى.
"فإن كان لبعضهم عيال أو به حاجة أو عاجز عن التكسب" فخصه بالوقف أو فضله.
"أو خص المشتغلين بالعلم، أو خص ذا الدين والصلاح فلا بأس بذلك" نص عليه، لأنه لغرض مقصود شرعاً.

فصل والوقف عقد لازم
بمجرد القول أو الفعل الدال عليه.
"لا يفسخ بإقاله ولا غيرها" لأنه عقد يقتضي التأبيد، سواء حكم به حاكم أو لا، أشبه العتق.
"ولا يوهب ولا يرهن ولا يورث ولا يباع" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث" قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم، وإجماع الصحابة على ذلك، فيحرم بيعه ولا يصح.
"إلا أن تتعطل منافعه بخراب أو غيره" كخشب تشعث وخيف سقوطه
"ولم يوجد ما يعمر به، فيباع ويصرف ثمنه في مثله أو بعض مثله" نص عليه أحمد، قال: إذا كان في المسجد خشبات لها قيمة جاز بيعها وصرف ثمنها عليه. وقال: يحول المسجد خوفاً من اللصوص، وإذا كان موضعه قذراً. قال أبو بكر:1 وروي عنه أن المساجد لا تباع، إنما تنقل آلتها. قال: وبالقول الأول أقول، لإجماعهم على جواز بيع الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو، فإن لم يبلغ ثمن الفرس أعين به في فرس حبيس. نص عليه، لأن الوقف مؤبد، فإذا لم يمكن تأبيده بعينه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى.
ـــــــ
1 هو أحمد بن محمد أبوبكر المعروف بالخلال، المتوفى 311 نقل عن أصحاب الإمام أحمد المسائل الكثيرة، وله المؤلفات القيمة.

واتصال الإبدال يجري مجرى الأعيان، وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض، كذبح الهدي إذا أعطب في موضعه مع اختصاصه بموضع آخر، فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفي منه ما أمكن. قاله ابن عقيل وغيره. وقوله: فيباع - أي: وجوباً - كما مال إليه في الفروع، ونقل معناه القاضي وأصحابه، والموفق والشيخ تقي الدين.
"وبمجرد شراء البدل يصير وقفاً" كبدل أضحية، وبدل رهن أتلف، لأنه كالوكيل في الشراء، وشراء الوكيل يقع لموكله، والاحتياط وقفه، لئلا ينقضه بعد ذلك من لا يرى وقفه بمجرد الشراء.
"وكذا حكم المسجد لو ضاق على أهله" نص عليه، وفي المغني: ولم تمكن توسعته في موضعه.
"أو خربت محلته اًو استقذر موضعه" لما تقدم. قال القاضي: يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه فيباع.
"ويجوز نقل آلته وحجارته لمسجد آخر احتاج إليها وذلك أولى من بيعه" لما روى أن عمر، رضي الله عنه، كتب إلى سعد لما بلغه أن بيت المال الذي في الكوفة نقب، أن انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم يظهر خلافه، فكان كالإجماع.
"ويجوز نقض منارة المسجد وجعلها في حائطه لتحصينه" من نحو كلاب. نص عليه، في رواية محمد بن الحكم لأنه نفع.
"ومن وقف على ثغر فاختل صرف في ثغر مثله" قاله في التنقيح.
"وعلى قياسه مسجد ورباط 1 ونحوهما" كسقاية فإذا تعذر
ـــــــ
1 الرباط: مساكن مجتمعة يسكنها الغرباء والفقهاء.

الصرف فيها صرف في مثلها تحصيلاً لغرض الواقف حسب الإمكان. ونص أحمد في رواية حرب فيمن وقف على قنطرة فانحرف الماء: يرصد لعله يرجع - أي: الماء - إلى القنطرة فيصرف عليها ما وقف عليها. قال في الاختيارات: وجوز جمهور العلماء تغيير صورة الوقف للمصلحة، كجعل الدور حوانيت والحكورة المشهورة. انتهى. قال ابن قندس: يريد بذلك أن كثيراً من الأوقاف كان بساتين، فأحكروها وجعلت بيوتاً وحوانيت، ولم ينكر ذلك العلماء الأعيان. انتهى. وما فضل من حاجة الموقوف عليه مسجداً كان أو غيره: من حصر وزيت وأنقاض وآلة جديدة، يجوز صرفه في مثله، لأنه انتفاع به في جنس ما وقف له، ويجوز صرفه إلى فقير. نص عليه. واحتج بأن شيبة بن عثمان الحجبي كان يتصدق بخلقان الكعبة. وروي الخلال بإسناده أن عائشة أمرته بذلك ولأنه مال الله ولم يبق له مصرف، فصرف إلى المساكين.
"ويحرم حفر البئر وغرس الشجر بالمساجد" لأن البقعة مستحقة للصلاة فتعطيلها عدوان، فإن فعل طمث البئر وقلعت الشجرة. نص عليه. قال: غرست بغير حق ظالم غرس فيما لا يملك.
"ولعل هذا" أي: تحريم حفر البئر في المسجد.
"حيث لم يكن فيه مصلحة" قال في الإقناع: ويتوجه جواز حفر بئر إن كان فيه مصلحة ولم يحصل به ضيق. قال في الرعاية: لم يكره أحمد حفرها فيه.

باب الهبة

باب الهبة"وهي التبع بالمال في حال الحياة" خرج الوصية.
"وهي مستحبة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" وهي أفضل من الوصية، لحديث أبي هريرة سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، أي الصدقة أفضل؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا" رواه مسلم بمعناه.
"منعقدة بكل قول" يدل على الهبة بأن يقول: وهبتك أو أهديتك أو أعطيتك ونحوه.
"أو فعل يدل عليها" لأنه صلى الله عليه وسلم، كان يهدي ويهدى إليه، ويعطي ويعطى، ويفرق الصدقات، ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها، وكان أصحابه يفعلون ذلك، ولم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول، ولو كان شرطاً لنقل عنهم نقلاً متواتراً أو مشهوراً، ولأن دلالة الرضى بنقل الملك تقوم مقام الإيجاب والقبول.
"وشروطها ثمانية:"
"1- كونها من جائز التصرف" وهو الحر المكلف الرشيد.
"2- كونه مختاراً غير هازل" فلا تصح من مكره ولا هازل.
"3- كون الموهوب يصح بيعه" اختاره القاضي وقدمه في الفروع،

لأنه عقد يقصد به تمليك العين، أشبه البيع. قال في الكافي: وتجوز هبة الكلب وما يجوز الانتفاع به من النجاسات، لأنه تبرع فجاز في ذلك كالوصية، ولا تجوز في مجهول ولا عجوز عن تسليمه.
"4- كون الموهوب له يصح تمليكه" فلا تصح لحمل، لأن تمليكه تعليق على خروجه حياً، والهبة لا تقبل التعليق.
"5- كونه يقبل ما وهب له بقول أو فعل يدل عليه" لما تقدم.
"قبل تشاغلهما بما يقطع البيع عرفاً" على ما تقدم تفصيله.
"6- كون الهبة منجزة" فلا تصح معلقه كإذا قدم زيد فهذا لعمرو، لأنها تمليك لمعين في الحياة، فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع إلا تعليقها بموجب الواهب فيصح، وتكون وصية، وأما قوله صلى الله عليه وسلم، لأم سلمة - "إني قد أهديت إلى النجاشي حلةً، وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودةً علي، فإن ردت فهي لك" الحديث رواه أحمد - فوعد لا هبة.
"7- كونها غير مؤقتة" كوهبتكه شهراً أو سنة، لأنه تعليق لانتهاء الهبة، فلا تصح معه كالبيع.
"لكن لو وقتت بعمر أحدهما" كقوله جعلتها لك عمرك أو حياتك أو عمري.
"لزمت ولغى التوقيت" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه" رواه أحمد ومسلم. وفي لفظ قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالعمرى لمن وهبت له متفق عليه. وعن جابر أن رجلاً

من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخل حياتها فماتت، فجاء إخوته، فقالوا نحن فيه شرع سواء. قال: فأبى، فاختصموا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقسمها بينهم ميراثاً رواه أحمد.
والرقبى: أن يقول: إن مت قبلي عادت إلي، وإن مت قبلك فهي لك. قال مجاهد: هي أن يقول: هي للآخر منى ومنك موتاً سميت رقبى، لأن كلاً منهما يرقب موت صاحبه. ففيها روايتان. إحداهما: هي لازمة لا تعود إلى الأول، لعموم الأخبار، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته ومماته" رواه أحمد ومسلم وفي حديث جابر مرفوعاً: "العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها" رواه الخمسة. وهو قول جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس ومعاوية وزيد بن ثابت، وقضى بها طارق بالمدينة بأمر عبد الملك. قال في الشرح. ولأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك، وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته منافياً لحكم الأملاك، ولأنه شرط رجوعها على غير الموهوب له، وهو وارثه بعد ما زال ملك الموهوب له فلم يؤثر، كما لو شرط بعد لزوم العقد شرطاً ينافي مقتضاه. وعنه: ترجع إلى المعمر والمرقب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون عند شروطهم" وسئل القاسم عنها، فقال: ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم، وما أعطوا. وقال جابر: إنما العمرى الذي أجاز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقول: هي لك ولعقبك. فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها متقق عليه. وأجيب عنه بأنه من قول جابر نفسه، فلا يعارض ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وقول القاسم لا يقبل في مقابلة من

سمينا من الصحابة والتابعين، فكيف في مخالفة سيد المرسلين؟! قاله في الشرح.
"وكونها بغير عوض فإن كانت بعرض معلوم فبيع" يثبت فيها الخيار، والشفعة، وضمان العهدة. وعنه: يغلب فيها حكم الهبة، فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به، لقول عمر: من وهب هبةً أراد بها الثواب فهو على هبته، يرجع فيها إذا لم يرض منها رواه مالك في الموطأ. وعن أبي هريرة مرفوعاً "الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها" 1 رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي. وقال أحمد: إذا وهب على وجه الإثابة فلا يجوز له إلا أن يثيبه منها.
"وبعوض مجهول فباطلة" كالبيع بثمن مجهول، فترد بزيادتها المتصلة والمنفصلة. وإن تلفت ضمنها ببدلها. وعنه: تصح، ويعطيه ما يرضيه، أو يردها، ويحتمل أن يعطيه قيمتها، فإن لم يفعل فللواهب الرجوع، لما روى عن عمر. قاله في الكافي.
"ومن أهدى ليهدى له أكثر فلا بأس" لحديث "المستعذر يثاب من هبة" لغير النبي، صلى الله عليه وسلم2، لقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 3 ولما فيه من الحرص والمضنة.
ـــــــ
1 قوله: مالم يثبت منها، أي: مالم يعوض عنها. ومعنى الحديث أن للواهب الرجوع في هبته، وأنه إذا رجع ترد عليه هبته مالم يعوض عنها، وهو مذهب أبي حنيفة. انتهى. انظر حاشية السندي على سنن ابن ماجه والمناوي في فيض القدير.
2 انظر غاية المنتهى 3/12. بتحقيقنا ففيه الكثير من خصوصياته، صلى الله عليه وآله وسلم.
3 المدثر من الآية/ 6.

"ويكره رد الهبة وإن قلت" لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "لا تردوا الهدية" رواه أحمد.
"بل السنة أن يكافى أو يدعو" لحديث "من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" رواه أحمد وغيره. وحكى أحمد في رواية مثنى عن وهب قال: ترك المكافآت من التطفيف، وقاله مقاتل.
"وإن علم أنه أهدى حياء وجب الرد" قاله ابن الجوزي. قال في الآداب: وهو قول حسن، لأن المقاصد في العقود عندنا معتبرة.

فصل وتملك الهبة بالعقد
لما روي عن علي وابن مسعود أنهما قالا: الهبة إذا كانت معلومة فهي جائزة قبضت أو لم تقبض فيصح تصرف الموهوب له فيها قبل القبض على المذهب. نص عليه. والنماء للمتهب. قاله في الإنصاف.
"وتلزم بالقبض بشرط أن يكون القبض بأذن الواهب" قال المروزي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة. وقال الصديق لما حضرته الوفاة لعائشة: يا بنية إني كنت نحلتك جاد1 عشرين وسقاً، ولو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال الوارث فاقتسموه على كتاب الله تعالى رواه مالك في الموطأ.
ـــــــ
1 قوله جاد عشرين: بتشديد الدال المهملة، أي: أعطاها ما يجد عشرين وسقا. أي: ما يحصل من ثمرته ذلك. والجد: صرام النخل.

وتبطل بموت متهب قبل قبضها، لقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: "إني قد أهديت إلى النجاشي حلةً وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودةً علي، فإن ردت فهي لك" . قالت: فكان ما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم وردت عليه هديته، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة رواه أحمد.
"فقبض ما وهب بكيل أو وزن أو عد أو ذرع بذلك، وقبض الصبرة، وما ينقل بالنقل، وقبض ما يتناول بالتناول، وقبض غير ذلك بالتخلية" كقبض مبيع.
"ويقبل ويقبض لصغير ومجنون وليهما" وهو أب، أو وصيه، أو الحاكم، أو أمينه كالبيع والشراء. قال أحمد: لا أعرف للأم قبضاً. ولا يحتاح أب وهب موليه إلى توكيل، لانتفاء التهمة قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن الرجل إذا وهب لولده الطفل داراً بعينها، أو عبداً بعينه، وقبض له من نفسه، وأشهد عليه: أنها تامة، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض. وصحح في المغني: أن الأب وغيره في هذا سواء لانتفاء التهمه هنا بخلاف البيع.
"ويصح أن يهب شيئاً ويستثني نفعه مدة معلومة" نحو شهر وسنة كالبيع.
"وأن يهب حاملاً، ويستثني حملها" كالعتق.
"وإن وهبه وشرط الرجوع متى شاء لزمت ولغى الشرط" لأنه شرط ينافيها، فتصح هي مع فساد الشرط، كالبيع بشرط أن لا يخسر.

"وإن وهب دينه لمدينه، أًو أبرأه منه، أو تركه له صح، ولزم بمجرده، ولو قبل حلوله" لأن تأجيله لا يمنع ثبوته في الذمة.
"وتصح البراءة ولو مجهولاً" لهما أو لأحدهما، لقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين: "اقتسما وتوخيا الحق، واستهما، ثم تحالا" .
"ولا تصح هبة الدين لغير من هو عليه" لأنه غير مقدور على تسليمه "إلا إن كان ضامناً" فإنها تصح لتعلقه في ذمته.

فصل ولكل واهب أن يرجع في هبته قبل إقباضها
لبقاء ملكه مع الكراهة خروجاً من خلاف من قال: تلزم بالعقد، لحديث "العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه" متفق عليه. ولأنه يروى عن علي، وابن مسعود.
"ولا يصح الرجوع إلا بالقول" نحو رجعت في هبتي أو إرتجعتها، أو رددتها، لأن الملك ثابت للموهوب له يقيناً، فلا يزول إلا بيقين، وهو صريح الرجوع.
"وبعد إقباضها يحرم ولا يصح" لحديث ابن عباس مرفوعاً: "العائد في هبته كالكلب يقيء القيء، ثم يعود في قيئه" متفق عليه. قال أحمد في رواية: قال قتادة: ولا أعلم القيء إلا حراماً.
"ما لم يكن أباً فإن له أن يرجع" فيما وهبه لولده، قصد التسوية أو لا، لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه الخمسة، وصححه الترمذي.

" بشروط أربعة":
"1- أن لا يسقط حقه من الرجوع" فإن أسقطه سقط.
"2- أن لا تزيد زيادة متصلة" كالسمن والتعلم فإن زادت فلا رجوع. وأما الزيادة المنفصلة فهي للابن، ولا تمنع الرجوع.
"3- أن تكون باقيةً في ملكه" لأن الرجوع فيها بعد خروجها عن ملكه إبطال لملك غيره.
"4- أن لا يرهنها" الولد فإن رهنها أو حجر عليه لفلس سقط الرجوع، لما فيه من إسقاط حق المرتهن والغرماء.
"وللأب الحر أن يتملك من مال ولده ما شاء" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" رواه سعيد وابن ماجه، ورواه الطبراني في معجمه مطولاً وعن عائشة مرفوعاً: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم" رواه سعيد والترمذي وحسنه.
"بشروط خمسة:"
"1- أن لا يضره" لحديث "لا ضرر ولا ضرار" ولأنه أحق بما تعلقت به حاجته.
"2- أن لا يكون في مرض موت أحدهما" المخوف فلا يصح فيه، لانعقاد سبب الإرث.
"3- أن لا يعطيه لولد آخر" نص عليه، لأنه ممنوع من التخصيص من مال نفسه فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذه من مال ولده الآخر أولى.
"4- أن يكون التملك بالقبض مع القول أو النية" لأن القبض يكون للتملك وغيره فاعتبر ما يعين وجهه.

"5- أن يكون ما تملكه عيناً موجودة، فلا يصح أن يتملك ما في ذمته من دين ولده، ولا أن يبرئ نفسه" كإبرائه غريمه، لأن الولد لا يملكه إلا بقبضه.
"وليس لولده أن يطالبه بما في ذمته من الدين" وقيمة المتلف وغير ذلك، لحديث "أنت ومالك لأبيك" .
"بل إذا مات أخذه من تركته من رأس المال" لأنه حق ثابت عليه لا تهمة فيه، كدين الأجنبي، وله مطالبته بنفقته الواجبة، لفقره وعجزه عن التكسب، لضرورة حفظ النفس.

فصل يباح للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته في حال حياته
على فرائض الله عز وجل، لعدم الجور فيها.
"ويعطي من حدث حصته وجوباً" ليحصل التعديل الواجب.
"ويجب عليه التسوية بينهم على قدر إرثهم" إقتداء بقسمة الله تعالى. وقياساً لحال الحياة على حال الموت. وسائر الأقارب في ذلك كالأولاد. قال عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى، وقال إبراهيم: كانوا يستحبون التسوية بينهم حتى في القبلة فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين. وما ذكر عن ابن عباس مرفوعاً: "سووا بين أولادكم ولو كنت مؤثراً لآثرت النساء" الصحيح أنه مرسل، ذكره في الشرح.
"فإن زوج أحدهم أو خصصه بلا إذن البقية حرم عليه" لقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث النعمان "لا تشهدني على جور" متفق عليه.

والجور حرام. وكان الحسن يكرهه، ويجيزه في القضاء، وأجازه مالك والشافعي، لخبر أبي بكر لما نحل عائشة ولنا حديث النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل ولدك نحلته مثل هذا" ؟ فقال: لا. فقال: "فأرجعه" متفق عليه. ذكره في الشرح.
"ولزمه أن يعطيهم حتى يستووا" نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" رواه مسلم.
"فإن مات قبل التسوية، وليس التخصيص بمرض موته المخوف ثبت للآخذ" فلا رجوع لبقية الورثة عليه. نص عليه، لقول الصديق: وددت لو أنك حزتيه وقول عمر: لا عطية إلا ما حازه الولد.. وهو قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح.
"وإن كان بمرض موته لم يثبت له شيء زائد عنهم إلا بإجازتهم" لأن حكمه كالوصية، وفي الحديث: "لا وصية لوارث" .
"ما لم يكن وقفاً، فيصح بالثلث كالأجنبي" احتج أحمد بحديث عمر، وتقدم في الوقف، وبأن الوقف لا يباع، ولا يورث، ولا يصير ملكاً للورثة. وقال أحمد: إن كان على طريق الأثرة1 فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال، أو به حاجة فلا بأس، لأن الزبير خص المردودة من بناته ذكره في الشرح.
ـــــــ
1 الأثرة، كما في اللسان: بفتح الهمزة والثاء الاسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى.

فصل في المرض المخوف وغيره
:
"المرض غير المخوف كالصداع، ووجع الضرس" والرمد، وحمى ساعة، ونحوها
"تبرع صاحبه نافذ في جميع ماله كتصرف الصحيح" لأن مثل هذه لا يخاف منها في العادة.
"حتى ولو صار مخوفاً، ومات منه بعد ذلك" اعتبارا بحال العطية لأنه إذ ذاك في حكم الصحيح.
"والمرض المخوف كالبرسام" وهو: وجع في الدماغ يختل به العقل. وقال عياض: هو ورم في الدماغ يتغير منه عقل الإنسان ويهذي.
"وذات الجنب" قروح بباطن الجنب.
"والرعاف الدائم" لأنه يصفي الدم فتذهب القوة.
"والقيام المتدارك" أي: الإسهال معه دم، لأنه يضعف القوة. وأول فالج - وهو: داء معروف يرخي بعض البدن - وآخر سل، والحمى المطبقة، وحمى الربع، ومن أخذها الطلق مع ألم حتى تنجو، نص عليه. وما قال طبيبان مسلمان أنه مخوف.
"وكذلك" أي: وألحق بالمرض المخوف
"من بين الصفين وقت الحرب" وكل من الطائفتين مكافئ أو كان من المقهورة.

"أو كان باللجة وقت الهيجان" أي: ثوران البحر بريح عاصف، لأن الله وصف من في هذه الحالة بشدة الخوف، فقال: {وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} 1.
"أو وقع الطاعون ببلده" لأن توقع التلف من أولئك كتوقع المريض وأكثر. قال أبو السعادات فيه: هو المرض العام، والوباء الذي يفسد له الهوى، فتفسد به الأمزجة والأبدان. وقال عياض: هو قروح تخرج من المغابن2 لا يلبث صاحبها، وتعم إذا ظهرت. وقال النووي في شرح مسلم: هو بثر وورم مؤلم جداً يخرج معه لهب، ويسود ما حوله، ويخضر، ويحمر حمرة بنفسجية، ويحصل معه خفقان القلب. انتهى. وعن أبي موسى مرفوعاً: "فناء أمتي بالطعن والطاعون" . فقيل: يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: "وخز أعدائكم من الجن، وفي كل شهادة" رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني. وفي حديث عائشة "غدة كغدة البعير، المقيم به كالشهيد، والفار منه كالفار من الزحف" رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني.
"أو قدم للقتل أو حبس له" لظهور التلف وقربه.
"أو جرح جرحاً موحياً" أي: مهلكاً مع ثبات عقله لأن عمر، رضي الله عنه، لما جرح سقاه الطبيب لبناً فخرج من جرحه، فقال له الطبيب: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم ووصى، فاتفق الصحابة على قبول
ـــــــ
1 يونس من الآية/ 22.
2 المغابن: ج مغبن وهو: الإبط والرفع وما أطاف به، أي: بطن الفخذ عند الحالب من غبن الثوب إذا أثناه وعطفه، وهي معاطف الجلد أيضا.

عهده ووصيته وعلي، رضي الله عنه، بعد ضرب ابن ملجم أوصى وأمر ونهى فإن لم يثبت عقله فلا حكم لعطيته، بل ولا لكلامه.
"فكل من أصابه شيء من ذلك، ثم تبرع ومات نفذ تبرعه بالثلث فقط" أي: ثلث ماله عند الموت، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادةً في أعمالكم" رواه ابن ماجة.
"للأجنبي فقط" لحديث: "لا وصية لوارث" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه.
"وإن لم يمت" من مرضه المخوف.
"فكالصحيح" في نفوذ عطاياه كلها، وصحة تصرفه لعدم المانع.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا:
الأصل فيها: الكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} الآية1 وقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 2 وأما السنة فحديث ابن عمر وسعد وغيرهما، وأجمعوا على جوازها، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنها غير واجبة، إلا على من عليه حق بغير بينة، إلا طائفة شذت فأوجبتها، روي عن الزهري وأبي مجلز، وهو قول داود. ولنا: أن أكثر الصحابة لم يوصوا، ولم ينقل بذلك نكير. وأما الآية: قال ابن عباس وابن عمر: نسختها آية الميراث وحيث ابن عمر: محمول على من عليه واجب. قاله في الشرح.
"تصح الوصية من كل عاقل لم يعاين الموت" لأن أبا بكر وصى بالخلافة لعمر، ووصى بها عمر لأهل الشورى ولم ينكره من الصحابة منكر. وعن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة: منهم عثمان، والمقداد، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان يحفظ عليهم أموالهم، وينفق على أيتامهم من ماله.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 180.
2 النساء من الآية/ 11.

فإن عاين الموت لم تصح وصيته، لأنه لا قول له. وفي الحديث "ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" قال في شرح مسلم: - إما من عنده، أو حكاية عن الخطابي - والمراد: قاربت بلوغ الحلقوم، إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته، ولا صدقته، ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء1.
"ولو مميزاً" لأن صبياً من غسان أوصى إلى أخواله فرفع إلى عمر فأجاز وصيته رواه سعيد. وفي الموطأ نحوه وفيه أن الوصية بيعت بثلاثين ألفاً وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر. وقال شريح وعبد الله بن عتبة: من أصاب الحق أجزنا وصيته.
"أو سفيهاً" لأنه إنما حجر عليه، لحفظ ماله وليس في وصيته إضاعة له، لأنه إن عاش فهو له، وإن مات لم يحتج إلى غير الثواب، وقد حصله.
وأما الطفل والمجنون فلا تجوز وصيتهما في قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح.
وتصح الوصية بلفظ مسموع من الموصي بلا خلاف، وبخط، لحديث ابن عمر - ويأتي - وكتب، صلى الله عليه وسلم، إلى عماله. وكذا الخلفاء إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج مختومة، لا يدرى حاملها ما فيها وذكر أبو عبيد استخلاف سليمان عمر بن عبد
ـــــــ
1 قال ابن هشام في مغني اللبيب: إنهم يعبرون بالفعل عن أمور، منها: مشارفته نحو: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً...} أي: والذين يشارفون الموت وترك الأزواج يوصون وصية.

العزيز، قال: ولا نعلم أحداً أنكر ذلك مع شهرته فيكون إجماعاً. قاله في الشرح. وعن أنس كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به فلان ابن فلان: يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 رواه سعيد ورواه الدار قطني بنحوه.
ويجب العمل بالوصية إذا ثبتت، ولو طالت مدتها ما لم يعلم رجوعه عنها، لأن حكمها لا يزول بتطاول الزمان.
"فتسن" الوصية.
"بخمس من ترك خيراً - وهو المال الكثير عرفاً" قال ابن عباس وددت لو أن الناس غضوا من الثلث لقول النبي صلى الله عليه وسلم "والثلث كثير" متفق عليه. وعن إبراهيم: كانوا يقولون: صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث، وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع رواه سعيد. وأوصى أبو بكر الصديق بالخمس، وقال: رضيت بما رضي الله به لنفسه يريد قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} 2 وقال علي، رضي الله
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 132.
2 الأنفال من الآية/ 41.

عنه لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع وعن العلاء قال: أوصى أبي أن أسال العلماء أي الوصية أعدل؟ فما تتابعوا عليه فهو وصية، فتتابعوا على الخمس.
"وتكره لفقير له ورثة" محتاجون، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالةً يتكففون الناس" .
"وتباح له إن كانوا أغنياء" نص عليه في رواية ابن منصور.
"وتجب على من عليه حق بلا بينة" لحديث ابن عمر مرفوعاً: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" متفق عليه.
"وتحرم على من له وارث بزائد عن الثلث" لنهيه، صلى الله عليه وسلم، سعداً عن ذلك متفق عليه. وعن عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم، أثلاثاً، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولاً شديداً رواه الجماعة إلا البخاري.
"ولوارث ب شيء" مطلقاً نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" رواه اًحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه.
"وتصح" الوصية بزائد عن الثلث، ولوارث مع الحرمة.
"وتقف على إجازة الورثة" لحديث ابن عباس مرفوعاً: "لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً نحوه، رواهما الدار قطني. ولأن المنع لحق الورثة فإذا رضوا بإسقاطه نفذ. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنها تبطل فيما زاد

على الثلث برد الورثة، وبردهم في الوصية للوارث، وإن أجازوا جازت في قول الأكثر. ذكره في الشرح.
وتصح الوصية ممن لا وارث له بجميع ماله. روي عن ابن مسعود، وعبيدة، ومسروق، لأن المنع من الزيادة على الثلث لحق الوارث، وهو معدوم.
"والاعتبار بكون ممن وصى أو وهب وارثاً أو لا عند الموت" أي: موت موص، وواهب. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً.
"وبالإجازة أو الرد بعده" أي: بعد موته، وما قبله لا عبرة به. نص عليه.
"فإن امتنع الموصى له بعد موت الموصي من القبول ومن الرد، حكم عليه بالرد وسقط حقه" من الوصية لعدم قبوله، ولأن الملك متردد بينه وبين الورثة، فأشبه من تحجر مواتاً، وامتنع من إحيائه.
"وإن قبل، ثم رد لزمت ولم يصح الرد" لأن ملكه قد استقر عليها بالقبول كسائر أملاكه إلا أن يرضى الورثة بذلك، فتكون هبةً منه لهم تعتبر شروطها.
"وتدخل في ملكه من حين قبوله" كسائر العقود، لأن القبول سبب دخوله في ملكه، والحكم لا يتقدم سببه، فلا يصح تصرفه في العين الموصى بها قبل القبول ببيع، ولا هبة ولا غيرهما، لعدم ملكه لها.
"فما حدث من نماء منفصل قبل ذلك فلورثته" أي: ورثة الموصي. والنماء المتصل يتبعها كسائر العقود والفسوخ.

"وتبطل الوصية بخمسة أشياء:"
"1- برجوع الموصي" لقول عمر، رضي الله عنه: يغير الرجل ما شاء في وصيته.
"بقول" كرجعت في وصيتي، أو أبطلتها ونحوه.
"أو فعل يدل عليه" أي: على الرجوع، كبيعه ما وصى به، ورهنه وهبته. قال في الشرح: واتفق أهل العلم على أن له أن يرجع في كل ما أوصى به، وفي بعضه إلا العتق، فالأكثر على جواز الرجوع. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أنه إذا أوصى لرجل بطعام، أو ب شيء فأتلفه، أو وهبه، أو بجارية فأحبلها، أنه رجوع.
"2- بموت الموصى له قبل الموصي" في قول الأكثر. قاله في الشرح، لأنها عطية صادفت المعطى ميتاً فلم تصح، إلا إن كانت بقضاء دينه، لبقاء اشتغال الذمة حتى يؤدى الدين.
"3- بقتله للموصي" قتلاً مضموناً ولو خطأً، لأنه يمنع الميراث، وهو آكد منها فهي أولى.
"4- برده للوصية" بعد موت الموصي، لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه.
"5- بتلف العين المعينه الموصى بها" قبل قبول موصى له، لأن حقه لم يتعلق بغيرها. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه على أن الرجل إذا أوصي له ب شيء فهلك الشيء، أنه لا شيء له في مال الميت.

باب الموصى له

باب الموصى له:
"تصح الوصية لكل من يصح تمليكه، ولو مرتداً أو حربياً" قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} 1 قال محمد بن الحنفية، وعطاء، وقتادة: هو وصية المسلم لليهودي والنصراني.
"أو لا يملك، كحمل" قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في صحة الوصية للحمل. أي: إذا علم وجوده حين الوصية. فإن انفصل ميتاً بطلت، لأنه لا يرث.
"وبهيمة ويصرف في علفها" لأن الوصية لها أمر بصرف المال في مصلحتها، فإن ماتت البهيمة الموصى لها قبل صرف جميع الموصى به في علفها، فالباقي للورثة، لتعذر صرفه إلى الموصى له، كما لو رد موصى له الوصية.
"وتصح للمساجد، والقناطر ونحوها" كالثغور، ويصرف في مصالحها الأهم فالأهم عملاً بالعرف.
"ولله ورسوله، وتصرف في المصالح العامة" كالفيء.
"وإن وصى بإحراق ثلث ماله صح، وصرف في تجمير الكعبة، وتنوير المساجد، وبدفنه في التراب: صرف في تكفين الموتى. وبرميه في الماء:
ـــــــ
1 الأحزاب في الآية/ 6.

صرف في عمل سفن للجهاد" في سبيل الله تصحيحاً لكلامه حسب الإمكان.
"ولا تصح لكنيسة، أو بيت نار" أو مكان من أماكن الكفر، لأنه معصية.
"أو كتب التوراة والإنجيل" لأنهما منسوخان، وفيهما تبديل وقد غضب النبي، صلى الله عليه وسلم، حين رأى مع عمر شيئاً مكتوباً من التوراة.
"أو ملك أو ميت أو جني" لأنهم لا يملكون، أشبه ما لو وصى لحجر.
"ولا لمبهم كأحد هذين" لأن التعيين شرط، فإن كان ثم قرينة أو غيرها: أنه أراد معيناً منهما، وأشكل صحت الوصية، وأخرج المستحق بقرعة في قياس المذهب. قاله ابن رجب في القاعدة الخامسة بعد المائة.
"فلو وصى بثلث ماله لمن تصح له الوصية، ولمن لا تصح له كان الكل لمن تصح له" نص عليه، لأن من أشركه معه لا يملك، فلا يصح التشريك.
"لكن لو أوصى لحي وميت" علم موته أو لا.
"كان للحي النصف فقط" لأنه أضاف الوصية إليهما، فإذا لم يكن أحدهما أهلاً للتمليك بطلت الوصية في نصيبه دون نصيب الحي، لخلوه عن المعارض، كما لو كان لحيين فمات أحدهما.

فصل في الوصية لأهل صفة
:
"وإذا أوصى لأهل سكته فلأهل زقاقه حال الوصية" نص عليه، لأنه قد يلحظ أعيان سكانها الموجودين لحصرهم.
"ولجيرانه تناول أربعين داراً من كل جانب" نص عليه، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "الجار: أربعون داراً هكذا، وهكذا، وهكذا" وقال أبو بكر: مستدار أربعين داراً من كل جانب، والحديث محتمل. قاله في الشرح.
"والصغير، والصبي، والغلام، واليافع، واليتيم: من لم يبلغ" فتطلق هذه الأسماء على الولد من ولادته إلى بلوغه.
"والمميز: من بلغ سبعاً. والطفل: من دون سبع. والمراهق: من قارب البلوغ" قال في القاموس: راهق الغلام: قارب الحلم.
"والشاب، الفتى: من البلوغ إلى ثلاثين" سنة.
"والكهل: من الثلاثين إلى الخمسين" قال في القاموس: الكهل: من وخطه الشيب، ورأيت له بجالة، أو من جاوز الثلاثين، أو أربعاً وثلاثين إلى إحدى وخمسين.
"والشيخ من الخمسين إلى السبعين، ثم بعد ذلك هرم" إلى آخر عمره.
"والأيم، والعزب: من لا زوج له من رجل أو امرأة" قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا

الْأَيَامَى مِنْكُمْ} 1 الآية قال في الكافي: ويحتمل أن يختص العزاب بالرجال، والأيامى بالنساء، لأن الاسم في العرف له دون غيرهم.
"والبكر: من لم يتزوج" من رجل وامرأة.
"ورجل ثيب وامرأة ثيبة: إذا كانا قد تزوجا. والثيوبة: زوال البكارة، ولو من غير زوج" كزوالها بيد، أو وطء شبهة، أو زنى.
"والأرامل: النساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو حياة" لأنه المعروف بين الناس.
"والرهط: ما دون العشرة من الرجال خاصة" قال في كشف المشكل: الرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة وكذا النفر من ثلاثة إلى عشرة. فإذا أوصى لصنف ممن ذكر دخل غنيهم وفقيرهم، لشمول الاسم لهم، ولم يدخل غيرهم.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 32.

باب الموصى به
"تصح الوصية حتى بما لا يصح بيعه، كالآبق والشارد والطير بالهواء والحمل بالبطن واللبن بالضرع" لأنها تصح بالمعدوم فهذا أولى، ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث، وهذه تورث عنه. وللموصى له السعي في تحصيله، فإن قدر عليه أخذه إن خرج من الثلث.
"وبالمعدوم، ك: بما تحمل أمته أو شجرته أبداً أو مدة معلومة، فإن حصل شيء فللموصى له" بمقتضى الوصية.

"إلا حمل الأمة فقيمته يوم وضعه" قال ابن قندس: لعله لحرمة التفريق، وإن لم يحصل شيء بطلت الوصية، لأنها لم تصادف محلاً.
"وتصح بغير مال ككلب مباح النفع" 1 لأن فيه نفعاً مباحاً وتقر اليد عليه.
"وزيت متنجس" لغير مسجد، لأنه يستصبح به، بخلاف المسجد فإنه يحرم فيه.
"وتصح بالمنفعة المفردة كخدمة عبد وأجرة دار ونحوهما" لصحة المعارضة عنها كالأعيان.
"وتصح بالمبهم، كثوب" وعبد وشاة لأنها إذا صحت بالمعدوم فالمجهول أولى.
"ويعطى ما يقع عليه الاسم" لأنه اليقين كالإقرار.
"فان اختلف الاسم بالعرف والحقيقة" اللغوية.
"غلبت الحقيقة" لأنها الأصل، ولهذا يحمل عليها كلام الله تعالى، وكلام رسوله، صلى الله عليه وسلم. واختار الموفق وجماعة: يقدم العرف لأنه المتبادر إلى الفهم.
"فالشاة والبعير والثور: اسم للذكر والأنثى من صغير وكبير" ويشمل لفظ الشاة الضأن والمعز، لعموم حديث "في أربعين شاةً شاة" ويقولون: حلبت البعير: يريدون الناقة.
"والحصان والجمل والحمار والبغل والعبد: اسم للذكر خاصة"
ـــــــ
1 لم تكن هذه الجملة واضحة في الأصل وصححت من مخطوطات المتن.

لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} 1 والعطف للمغايرة. وقيل في العبد للذكر والأنثى.
"والحجر" الأنثى من الخيل.
"والأتان والناقة والبقرة: اسم للأنثى" قاله في الإنصاف.
"والفرس والرقيق: اسم لهما" أي: لذكر وأنثى.
"والنعجة: اسم للأنثى من الضأن، والكبش: اسم للذكر الكبير منه" أي: من الضأن.
"والتيس: اسم للذكر الكبير من المعز"
"والدابة عرفاً: اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير" لأن ذلك هو المتعارف. ولم تغلب الحقيقة هنا لأنها صارت مهجورة فيما عدا الأجناس الثلاثة، أشار إليه الحارثي.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 32.

باب الموصى إليه

باب الموصى إليه:
لا بأس بالدخول في الوصية لمن قوي عليه ووثق من نفسه، لفعل الصحابة، رضي الله عنهم. روي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر، وأوصى إلى الزبير ستة من الصحابة وقياس قول أحمد أن عدم الدخول فيها أولى، لما فيها من الخطر.
"تصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل" إجماعاً.
"ولو ظاهراً" أي: مستوراً ظاهر العدالة.
"أو أعمى" لأنه من أهل الشهادة والتصرف، فأشبه البصير.

"أو امرأة" لأن عمر أوصى إلى حفصة.
"أو رقيقاً" له أو لغيره، لأنه يصح توكيله، فأشبه الحر.
"لكن لا يقبل إلا بإذن سيده" لأن منافعه مستحقة له، فلا يفوتها عليه بغير إذنه. ولا تصح وصية المسلم إلى كافر بغير خلاف. قاله في الشرح.
"وتصح من كافر إلى" كافر.
"عدل في دينه" لأنه يلي على غيره بالنسب، فيلي بالوصية كالمسلم.
"ويعتبر وجود هذه الصفات عند الوصية" لأنها شروط للعقد فاعتبرت حال وجوده.
"والموت" لأنه إنما يتصرف بعد موت الموصي، فاعتبر وجودها عنده.
"وللموصى إليه أن يقبل. وأن يعزل نفسه متى شاء" لأنه متصرف بالإذن كالوكيل.
"وتصح الوصية معلقة: كإذا بلغ أو حضر أو رشد أو تاب من فسقه" فهو وصيي وتسمى الوصية لمنتظر.
"أو: إن مات زيد فعمرو مكانه. وتصح مؤقتة: كزيد وصيي سنة ثم عمرو" لقوله صلى الله عليه وسلم "أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحه" رواه أحمد والنسائي. والوصية كالتأمير. ويجوز أن يوصي إلى نفسين، لما روي أن ابن مسعود كتب في وصيته أن مرجع وصيتي إلى الله، ثم إلى الزبير وابنه عبد الله وإن

وصى إلى رجل وبعده إلى آخر فهما وصيان، إلا أن يعزل الأول، وليس لأحدهما الإنفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه.
"وليس للوصي أن يوصي إلا إن جعل له ذلك" كالوكيل، اختاره أبو بكر، وهو ظاهر كلام الخرقي. وعنه: له أن يوصي لأنه قائم مقام الأب فملك ذلك كالأب، قال معناه في الكافي.
"ولا نظر للحاكم مع الوصي الخاص إذا كان كفأ" وإنما للوالي العام الاعتراض لعدم أهليته أو فعله محرما قاله الشيخ تقي الدين.

فصل ولا تصح الوصية إلا في شيء معلوم
ليعلم الموصى إليه ما وصي به إليه ليحفظه ويتصرف فيه كما أمر.
"يملك الموصي فعله" لأنه أصيل والوصي فرعه، ولا يملك الفرع ما لا يملكه الأصل.
"كقضاء الدين وتفريق الوصية ورد الحقوق إلى أهلها" كغصب ورعاية وأمانة، وكإمام أعظم يوصي بالخلافة كما أوصى أبو بكر لعمر، وعهد عمر إلى أهل الشورى1.
"والنظر في أمر غير مكلف" من أولاده وتزويج مولياته ويقوم وصيه مقامه في الإجبار. ولا تصح وصية المرأة بالنظر في حق أولادها الأصاغر،
ـــــــ
1 وهم ستة من الصحابة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبد الله، وسعد بن أبي وقاص.

ولا وصية الرجل بالنظر على بالغ رشيد لعدم ولاية الموصي حال الحياة. قال في الشرح: وأما من لا ولاية له عليهم كالإخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد، فلا تصح الوصية عليهم. لا نعلم فيه خلافاً، إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا: للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل. انتهى.
"لا باستيفاء الدين مع رشد وارثه" وبلوغه، لانتقال المال إلى من لا ولاية له عليه.
"ومن وصي في شيء لم يصر وصياً في غيره" لأنه استفاد التصرف بالإذن، فكان مقصوراً على ما أذن له فيه كالوكيل.
"وإن صرف أجنبي" أي: من ليس بوارث ولا وصي.
"الموصى به لمعين في جهته" الموصى به فيها
"لم يضمنه" لمصادفة الصرف مستحقه.
"وإذا قال له: ضع ثلث مالي حيث شيء ت، أو أعطه، أو تصدق به على من شيء ت، لم يجز له أخذه" لأنه منفذ، كالوكيل في تفرقة مال.
"ولا دفعه إلى أقاربه الوارثين" ولو كانوا فقراء. نص عليه، لأنه متهم في حقهم.
"ولا إلى ورثة الموصي" نص عليه، لأنه قد وصى بإخراجه فلا يرجع إلى ورثته.
"ومن مات ببرية ونحوها" كجزائر لا عمران بها.
"ولا حاكم" حضر موته.
"ولا وصي" له بأن لم يوص إلى أحد.

"فلكل مسلم أخذ تركته وبيع ما يراه" منها كسريع الفساد والحيوان، لأنه موضع ضرورة بحفظ مال المسلم عليه، إذ في تركه إتلاف له.
"وتجهيزه منها إن كانت" 1 موجودة.
"وإلا جهزه من عنده وله الرجوع بما غرمه" على تركته حيث وجدت. أو على من تلزمه نفقته غير الزوج إن لم تكن له تركة.
"إن نوى الرجوع" لأنه قام عنه بواجب، ولئلا يمتنع الناس من فعله مع الحاجة إليه.
ـــــــ
1 لم تكن هذه الجملة واضحة من الأصل، وما ذكرناه من نسخة المكتبي وشرح التغلبي.

كتاب الفرائض


كتاب الفرائض:
"وهي: العلم بقسمة المواريث" أي فقه المواريث، ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها بين مستحقيها. ويسمى العارف بهذا العلم: فارضاً، وفريضاً، وفرضياً. وقد حث صلى الله عليه وسلم، على تعلمه وتعليمه في أحاديث منها: حديث ابن مسعود مرفوعاً: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما" رواه أحمد والترمذي والحاكم، ولفظه له. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "تعلموا الفرائض وعلموها، فإنها نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول علم ينزع من أمتي" رواه ابن ماجه والدار قطني من حديث حفص بن عمر، وقد ضعفه جماعة. وقال عمر، رضي الله عنه: إذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي.
"وإذا مات الإنسان بدئ من تركته بكفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزه من رأس ماله، سواء كان قد تعلق به حق رهن أو أرش جناية أو لا" كما يقدم المفلس بنفقته على غرمائه.
"وما بقي بعد ذلك تقتضى منه ديون الله" تعالى كالزكاة، والكفارة، والحج الواجب، والنذر.
"وديون الآدميين" كالقرض، والثمن، والأجرة، وقيم المتلفات،

لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 1 قال علي، رضي الله عنه إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى أن الدين قبل الوصية رواه الترمذي وابن ماجه.
"وما بقي بعد ذلك تنفذ وصاياه من ثلثه" للآية، إلا أن يجيزها الورثة، فتنفذ من جميع الباقي.
"ثم يقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته" للآيات في سورة النساء2.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 النساء من الآية/ 11/ 12/ 176.

فصل أسباب الإرث ثلاثة
:
"1- النسب" أي: القرابة قربت أو بعدت، لقولة تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 1. والنكاح الصحيح لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} 2 الآية.
"والولاء" لحديث ابن عمر مرفوعاً: "الولاء لحمة كلحمة النسب" رواه ابن حبان و الحاكم وصححه. ولا يورث بغير هذه الثلاثة. نص عليه.
قال في الكافي: فأما المؤاخاة في الدين، والموالاة في النصرة،
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 6.
2 النساء من الآية/ 12.

وإسلام الرجل على يد الآخر، فلا يورث بها، لأن هذا كان في بدء الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 1 الآية انتهى. ولا يرث المولى من أسفل، وقيل: بلى عند عدم غيره ذكره الشيخ تقي الدين، لخبر عوسجة مولى ابن عباس عنه: أن رجلاً مات ولم يترك وارثاً إلا عبداً هو أعتقه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، ميراثه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه. قال: والعمل عند أهل العلم في هذا الباب: أن من لا وارث له فميراثه في بيت المال. وعوسجة وثقه أبو زرعة، وقال البخاري في حديثه: لا يصح.
"وموانعه ثلاثة:"
"1- القتل" لما روي عن عمر، رضي الله عنه: أنه أعطى دية ابن قتادة المدلجي لأخيه دون أبيه، وكان حذفه بسيف فقتله. وقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "ليس لقاتل شيء " رواه مالك في الموطأ ولأحمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده نحوه. وعن ابن عباس مرفوعاً: "من قتل قتيلاً فإنه لا يرثه، وإن لم يكن له وارث غيره، وإن كان والده أو ولده، فليس لقاتل ميراث" رواه أحمد. فكل قتل يضمن بقتل أو دية أو كفارة يمنع الميراث لذلك وما لا يضمن كالقصاص، والقتل في الحد لا يمنع، لأنه فعل مباح، فلم يمنع الميراث.
"2- والرق" فلا العبد قريبه، لأنه لو ورث شيئاً لكان لسيده،
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 6.

فيكون التوريث لسيده دونه. وأجمعوا على أن المملوك لا يورث، لأنه لا ملك له، وإن ملك فملكه ضيف يرجع إلى سيده ببيعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع" فكذلك بموته. وكذا المكاتب، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" . رواه أبو داود.
"3- واختلاف الدين" فلا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً، لحديث أسامة بن زيد مرفوعاً: "لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر" متفق عليه.
"والمجمع على توريثهم من الذكور - بالاختصار - عشرة: الابن، وابنه وإن نزل" بمحض الذكور، لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ...} الآية1. وابن الابن ابن لما تقدم في الوقف.
"والأب وأبوه وإن علا" بمحض الذكور، لقوله تعالى: { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ...} 1 والجد أب، وقيل ثبت إرثه بالسنة، لأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه السدس.
"والأخ مطلقا ً" أي: لأب أو لأم أو لهما، لقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ...} 2. وقوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ...} 3.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 النساء من الآية/ 176.
3 النساء من الآية/ 12.

"وابن الأخ لا من الأم" لأنه من ذوي الأرحام، وابن الأخ لأبوين، أو لأب عصبة.
"والعم" لا من الأم.
"وابنه كذلك" أي: لا من الأم، لحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" .
"والزوج" لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ...} 1.
"والمعتق" وعصبته المتعصبون بأنفسهم، لحديث: "الولاء لمن أعتق" . متفق عليه. وللإجماع.
"ومن الإناث - بالاختصار - سبع: البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها" بمحض الذكور، لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 2 وحديث ابن مسعود في بنت، وبنت ابن، وأخت ويأتي.
"والأم" لقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ...} 2.
"والجدة مطلقاً" لما يأتي.
"والأخت مطلقاً" شقيقة كانت أو لأب أو لأم، لآيتي الكلالة3.
"والزوجة" لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ...} الآية4.
"والمعتقة" لما تقدم. وما عدا هؤلاء فمن ذوي الأرحام - ويأتي حكمهم إن شاء الله -.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 12.
2 النساء من الآية/ 11.
3 النساء من الآية/ 12/176.
4 النساء من الآية/ 12.

فصل الوارث ثلاثة
فصل والوارث ثلاثة:
"1- ذو فرض 2- وعصبة 3- ورحم" ولكل كلام يخصه.
"والفروض المقدرة" في كتاب الله تعالى.
"ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس" وأما ثلث الباقي فثبت بالاجتهاد.
"وأصحاب هذه الفروض - بالاختصار - عشرة: الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة مطلقاً، والأخت مطلقاً، والبنت وبنت الابن، والأخ من الأم" على ما يأتي مفصلاً، والإخوة لأبوين، ذكوراً كانوا أو إناثاً يسمون: بني الأعيان، لأنهم من عين واحدة، ولأب وحده بني العلات: جمع علة، وهي: الضرة، فكأنه قيل: بنو الضرات. قال في القاموس: وبنو العلات بنو أمهات شتى من رجل، لأن الذي يتزوجها على أولى قد كان قبلها تأهل، ثم عل1 من هذه. انتهى. والإخوة للأم فقط: بنو الأخياف، بالخاء المعجمة، أي: الأخلاط، لأنهم من أخلاط الرجال، وليسوا من رجل واحد.
"فالنصف فرض خمسة:"
"1- فرض الزوج حيث لا فرع وارث للزوجة" أي: ابن أو بنت منه
ـــــــ
1 العلل: اشرب الثاني.

أو من غيره، أو ابن ابن، أو بنت ابن لقوله تعالى: {...وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ...} 1.
"2- وفرض البنت" لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ...} 2. قال في المغني: لا خلاف في هذا بين علماء المسلمين.
"3- وفرض بنت الابن" وإن نزل أبوها بمحض الذكور.
"مع عدم أولاد الصلب" بالإجماع، لأن ولد الابن كولد الصلب، الذكر كالذكر والأنثى كالأنثى، لأن كل موضع سمى الله الولد دخل فيه ولد الابن.
"4- وفرض الأخت الشقيقة مع عدم الفرع الوارث"
"5- وفرض الأخت للأب مع عدم الأشقاء" وعدم الفرع الوارث، لقوله تعالى: {...إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ...} 3 وهذه الآية في ولد الأبوين، أو الأب بإجماع أهل العلم. قاله في المغني. ويحل فرض النص للبنت، وبنت الابن والأخت إذا انفردن ولم يعصبن.
"والربع فرض اثنين:"
"1- وفرض الزوج مع الفرع الوارث" لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} 4.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 12.
2 النساء من الآية/ 11.
3 النساء من الآية/ 176.
4 النساء من الآية/ 12.

"2- وفرض الزوجة فأكثر مع عدمه" أي: الفرع الوارث.
"والثمن فرض واحد، وهو: الزوجة فأكثر، مع الفرع الوارث" للزوج ذكراً أو أنثى منها، أو من غيرها بالإجماع، لقوله تعالى: {...وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 12.

فصل في الثلثين
:
"والثلثان: فرض أربعة:"
"1- فرض البنتين فأكثر، وبنتي الابن فأكثر" مع عدم البنات إذا لم يعصبن، لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} 1 و فوق في الآية صلة. كقوله تعالى: {...فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ...} 2 وقد وردت هذه الآية على سبب خاص، لحديث جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هاتان ابنتا سعد، قتل أبوهما معك، يوم أحد شهيداً، وإن عمهما اًخذ مالهما، فلم يدع لهما شيئاً من ماله، ولا ينكحان إلا بمال. فقال: "يقضي الله في ذلك" ، فنزلت آية المواريث، فدعا النبي، صلى الله عليه وسلم، عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك" . رواه أبو داود، وصححه الترمذي والحاكم. فدلت الآية
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 الأنفال من الآية/ 12.

على فرض ما زاد على البنتين، ودلت السنة على فرض البنتين1 وهذا تفسير للآية، وتبيين لمعناها. وقال تعالى في الأخوات: {...فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ...} 2 والبنتان أولى. وبنات الابن كبنات الصلب كما تقدم.
"3- وفرض الأختين الشقيقتين فأكثر، 4- وفرض الأختين للأب فأكثر" لقوله تعالى: {...فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ...} 2 قال في المغني: المراد بهذه الآية: ولد الأبوين، أو ولد الأب بإجماع أهل العلم، وقيس ما زاد على الأختين على ما زاد على البنتين.
"والثلث: فرض اثنين:"
"1- فرض ولدي الأم فأكثر يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم" لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً3 أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} 4 وأجمعوا على أن المراد بالأخ والأخت هنا: ولد الأم. وقرأ ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [من أم]4 والتشريك يقتضي المساواة.
ـــــــ
1 ومن ذلك خير زيد بن ثابت: "إذا ترك الرجل امرأة وبنتا، فلها النصف، وإن كانتا اثنتين أو أكثر، فلهن الثلثان..." أخرجه البخاري.
2 النساء من الآية/ 176.
3 الكلالة: اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين، واختار جمع: اسم للميت نفسه -أي الذي لا ولد له ولا والد- ولا خلاف في إطلاقه على الأخوة من الجهات كلها. غاية المنتهى 2/383.
4 النساء من الآية/ 12. والمنقول عن سعد: من أمه كما في تفسير الطبري.

"2- وفرض الأم حيث لا فرع وارث للميت ولا جمع من الإخوة والأخوات" لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} 1. قال الزمخشري:2 هنا لفظ الإخوة يتناول الأخوين، لأن المقصود الجمعية المطلقة من غير كمية. انتهى. وفي الكافي: وقسنا الأخوين على الإخوة، لأن كل فرض تغير بعدد كان الاثنان فيه بمنزلة الجماعة، كفرض البنات والأخوات. انتهى. الأم؟ فقال: لا أستطيع أن أرد شيئاً كان قبلي، ومضى في البلدان، وتوارث الناس به وهذا من عثمان يدل على اجتماع الناس على ذلك قبل مخالفة ابن عباس.
"لكن لو كان هناك أب، وأم، وزوج، أو زوجة كان للأم ثلث الباقي" بعد فرضهما. نص عليه، لأن الفريضة جمعت الأبوين مع ذي فرض
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 هو: أبو القاسم محمود بن عمر. ولد سنة "467" له "أساس البلاغة" و "الكشاف عن حقائق التنزيل" جمع فيه الكثير من ضلالات المعتزلة وقيل إنه تاب في أواخر عمره وراجع عن مذهب الاعتزال وقال:
يامن يرى مد البعوض جناحها ... في ظلمة الليل البهيم الأليلل
ويرى نياط عروقها في نحرها ... والمخ في تلك العظام النحل
أمنن علي بتوبة تمحو بها ... ما كان مني في الزمان الأول
وعلى كل حال فإن تاب فما تاب كشافه. وكانت وفاته سنة 538.

واحد فكان للأم ثلث الباقي، كما لو كان معهما بنت، وأبقى لفظ الثلث في الصورتين، وإن كان في الحقيقة سدساً أو ربعاً تأدباً مع القرآن، وتسميان بالغراوين لشهرتهما، وبالعمريتين لقضاء عمر بذلك وتبعه عليه عثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وروي عن علي، وهو قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة. وقال ابن عباس: لها الثلث كاملاً، لظاهر الآية. والحجة معه لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على خلافه، ولأنا لو أعطيناها الثلث كاملاً لزم إما تفضيل الأم على الأب في صورة الزوج، وإما أنه لا يفضل عليها التفضيل المعهود في صورة الزوجة مع أن الأم والأب في درجة واحدة.
"والسدس فرض سبعة:"
"1- فرض الأم مع الفرع الوارث: أو جمع الإخوة والأخوات" لقوله تعالى: {...وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} إلى قوله {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ...} 1.
"2- فرض الجدة فأكثر إلى ثلاث إن تساوين مع عدم الأم" لحديث قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله شيء، وما أعلم لك في سنة رسول الله، في، شيئاً، ولكن ارجعي حتى أسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعطاها السدس فقال: هل معك غيرك؟ فشهد له محمد بن مسلمة، فأمضاه
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.

لها أبو بكر. فلما كان عمر جاءت الجدة الأخرى، فقال عمر: ما لك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلا في غيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما فهو لكما، وأيكما خلت به فهو لها. صححه الترمذي. وعن عبادة بن الصامت: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما. رواه عبد الله ابن أحمد في زوائد المسند. ولا يرث أكثر من ثلاث: أم الأم، وأم الأب، وأم الجد، وما كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن. روي عن علي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود. وروى سعيد بإسناده عن إبراهيم النخعي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ورث ثلاث جدات: اثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم وأخرجه أبو عبيد، والدار قطني. وقال إبراهيم: كانوا يورثون من الجدات ثلاثاً. رواه سعيد. وأجمع أهل العلم على أن أم أبي الأم لا ترث، وكذلك كل جدة أدلت بأب بين أمين، لأنها تدلي بغير وارث. قاله في الكافي.
"3- فرض ولد الأم الواحد" ذكراً كان أو أنثى بالإجماع، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} 1. وفي قراءة عبد الله وسعد {وله أخ أو أخت من أم} .
ـــــــ
1 النساء من الآية/12.

"4- فرض بنت الابن فأكثر، مع بنت الصلب" إجماعاً، لحديث ابن مسعود، وقد سئل عن بنت، وبنت ابن، وأخت، فقال أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. رواه البخاري مختصراً. ولأن الله لم يفرض للبنات إلا الثلثين، وهؤلاء بنات، وقد سبقت بنت الصلب فأخذت النصف، لأنها أعلى درجة منهن، فكان الباقي لهن السدس، فلهذا تسميه الفقهاء تكملة الثلثين، وكذا بنت ابن ابن مع بنت ابن.
"5- فرض الأخت للأب مع الأخت الشقيقة" تكملة الثلثين قياساً على بنت الابن مع بنت الصلب، لأنها في معناه.
"6- فرض الأب مع الفرع الوارث" للآية السابقة.
"7- فرض الجد كذلك" أي: مع الفرع الوارث، لأنه أب.
"ولا ينزلان" أي: الأب والجد.
"عنه" أي: عن السدس.
"بحال" للآية، وقد يكون عائلاً.

فصل في الجد مع الإخوة
ذكوراً أو إناثاً لأبوين، أو لأب والجد: أبو الأب، لا يحجبه حرماناً غير الأب. حكاه ابن المنذر إجماعاً.
وقد كان السلف يتوقون الكلام فيه جداً، فعن علي رضي الله عنه

من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة. وقال ابن مسعود: سلونا عن عضلكم واتركونا من الجد لا حياه الله ولا بياه. وروي عن عمر، رضي الله عنه، أنه لما طعن، وحضرته الوفاة قال: أحفظوا عني ثلاثاً: لا أقول في الجد شيئاً، ولا أقول في الكلالة شيئاً، ولا أولي عليكم أحداً.
وذهب أبو بكر الصديق، وابن عباس، وابن الزبير: إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات كالأب. وروي عن عثمان، وعائشة، وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأبي الطفيل، وعبادة بن الصامت، وهو مذهب أبي حنيفة.
وذهب علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود: إلى توريثهم معه، ولا يحجبونهم به على اختلاف بينهم، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وأبي يوسف ومحمد1، لثبوت ميراثهم بالكتاب العزيز فلا يحجبون إلا بنص، أو إجماع أو قياس، ولم يوجد ذلك، ولتساويهم في سبب الاستحقاق، فإن الأخ والجد يدليان بالأب الجد أبوه، والأخ ابنه، وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة، بل ربما كانت أقوى فإن الابن يسقط تعصيب الأب.
"والجد مع الإخوة الأشقاء، أو الأب، ذكوراً كانوا أو إناثاً كأحدهم"
ـــــــ
1 أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي صاحب الإمام أبي حنيفة المتوفى سنة 192. ومحمد هو: محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة المتوفى سنة 189.

في مقاسمتهم المال، أو ما أبقت الفروض، لأنهم تساووا في الإدلاء بالأب فتساووا في الميراث.
"فإن لم يكن هناك صاحب فرض فله معهم خير أمرين: إما المقاسمة" إن كان الإخوة أقل من مثليه.
"أو ثلث جميع المال" إن كانوا أكثر من مثليه. وإن كانوا مثليه استوى له الأمران. ولا ينقص الجد عن الثلث مع عدم ذي الفرض، لأنه إذا كان مع الأم مثلي ما تأخذه، لأنها لا تزاد على الثلث، والإخوة لا ينقصون الأم عن السدس، فوجب أن لا ينقصوا الجد عن ضعفه وهو: الثلث.
"وإن كان هناك صاحب فرض فله" أي: الجد.
"أو ثلث الباقي بعد صاحب الفرض" لأن له الثلث مع عدم الفروض، فما أخذ من الفروض كأنه ذهب من المال، فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال.
"أو سدس جميع المال" لأنه لا ينقص عنه مع الولد، فمع غيره أولى.
"فإن لم يبق بعد صاحب الفرض إلا السدس أخذه" الجد.
"وسقط الإخوة" مطلقاً لاستغراق الفروض التركة.
"إلا الأخت الشقيقة أو لأب في المسألة المسماة بالأكدرية"

سميت بذلك لتكديرها أصول زيد حيث أعالها، ولا عول في مسائل الجد والإخوة في غيرها، وفرض للأخت مع الجد، ولم يفرض لها معه ابتداء في غيرها، وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما، ولا نظير لذلك، أو لتكدير زيد على الأخت نصيبها بإعطائها النصف، واسترجاعه بعضه. وقيل لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلاً اسمه أكدر.
"وهي زوج، وأم، وجد، وأخت" لغير أم.
"فللزوج: النصف، وللأم: الثلث، وللجد: السدس، ويفرض للأخت: النصف، فتعول لتسعة" ولم يحجب الأم عن الثلث، لأنه تعالى إنما حجبها عنه بالولد والإخوة، وليس هنا ولد ولا إخوة.
"ثم يقسم نصيب الجد والأخت بينهما أربعة على ثلاثة" لأنها إنما تستحق معه بحكم المقاسمة، وإنما أعيل لها لئلا تسقط، وليس في الفريضة من يسقطها، ولم يعصبها الجد ابتداء، لأنه ليس بعصبة مع هؤلاء، بل يفرض له. ولو كان مكانها أخ لسقط لأنه عصبة بنفسه، والأربعة لا تنقسم على الثلاثة، وتباينها. فاضرب الثلاثة في المسألة بعولها تسعة.
"فتصح من سبعة وعشرين" للزوج تسعة، وللأم ستة، وللأخت أربعة، وللجد ثمانية، ويعايا بها، فيقال: أربعةً ورثوا مال ميت، أخذ أحدهم ثلثه، والثاني ثلث الباقي، والثالث ثلث باقي الباقي، والرابع الباقي.
"وإذا اجتمع مع الشقيق ولد الأب عده على الجد إن احتاج لعده"

لأن الجد والد، فإذا حجبه أخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث، وأخ غير وارث كالأم، ولأن ولد الأب يحجبونه نقصاناً إذا انفردوا فكذلك مع غيرهم كالأم، بخلاف ولد الأم فإن الجد يحجبهم بلا خلاف، فمن مات عن جد وأخ لأبوين وأخ لأب، فللجد منه الثلث.
"ثم يأخذ الشقيق ما حصل لولد الأب" لأنه أقوى تعصيباً منه، فلا يرث معه شيئاً، كما لو انفردا عن الجد، فإن استغنى عن المعادة كجد وأخوين لأبوين وأخ فأكثر لأب، فلا معادة لأنه لا فائدة فيها.
"إلا أن يكون الشقيق أختاً واحدة فتأخذ تمام النصف" لأنه لا يمكن أن تزاد عليه مع عصبة، ويأخذ الجد الأحظ له على ما تقدم.
"وما فضل فهو لولد الأب" واحداً كان أو أكثر.
"فمن صور ذلك الزيديات الأربع:" المنسوبات إلى زيد بن ثابت، رضي الله عنه.
"1- العشرية، وهي: جد، وشقيقة، وأخ لأب" أصلها عدد رؤوسهم خمسة: للجد سهمان، وللأخت النصف: سهمان ونصف، والباقي للأخ. فتنكسر على النصف، فاضرب مخرجه اثنين في خمسة، فتصح من عشرة، للجد أربعة، وللشقيقة خمسة، وللأخ للأب واحد.
"2 العشرينية، وهي: جد، وشقيقة، وأختان لأب" كالتي قبلها، إلا أنه يبقى للأختين للأب نصف، لكل واحدة ربع، فتضرب مخرجه أربعة في الخمسة = عشرين، ومنها تصح للجد ثمانية، وللشقيقة عشرة، ولكل أخت لأب واحد.

"3- مختصرة زيد، وهي: أم، وجد، وشقيقة، وأخ، وأخت لأب" لأن زيداً صححها من مائة وثمانية، وردها بالاختصار إلى أربعة وخمسين. أصلها ستة: للأم واحد، يبقى خمسة، للجد والإخوة على ستة تباينها، فاضرب الستة في أصل المسألة تبلغ ستة وثلاثين: للأم سدسها ستة، وللجد عشرة، وللأخت الشقيقة ثمانية عشر يبقى سهمان: للأخ، والأخت للأب على ثلاثة تباينهما، فاضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وثمانية، للأم ثمانية عشر، وللجد ثلاثون، وللشقيقة أربعة وخمسون، وللأخ لأب أربعة، ولأخته سهمان، والأنصباء كلها متوافقة بالنصف، فترد المسألة لنصفها، ونصيب كل وارث لنصفه، فترجع لأربعة وخمسين. ولو اعتبرت للجد فيها ثلث الباقي لصحت ابتداء من أربعة وخمسين.
"4- تسعينية زيد، وهي: أم، وجد، وشقيقة، وأخوان، وأخت لأب" للأم السدس ثلاثة من ثمانية عشر، وللجد ثلث الباقي: خمسة، وللشقيقة النصف: تسعة، يبقى لأولاد الأب واحد على خمسة لا يصح، فاضرب خمسة في ثمانية عشر تبلغ تسعين: للأم خمسة عشر، وللجد خمسة وعشرون، وللشقيقة خمسة وأربعون، ولأولاد الأب خمسة، لأنثاهم واحد، ولكل ذكر اثنان.

باب الحجب
:
وهو باب عظيم. ويحرم على من لم يعرف الحجب أن يفتي في الفرائض. قاله في شرح الترتيب.
"اعلم أن الحجب بالوصف" كالقتل والرق واختلاف الدين.
"يتأتى دخوله على جميع الورثة" لما تقدم.
"والحجب بالشخص نقصاناً كذلك يتأتى" 1 دخوله على جميع الورثة، كحجب الزوج من النصف إلى الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن، ونحوه مما تقدم.
"وحرماناً فلا يدخل على خمسة: الزوجين، والأبوين، والولد" ذكراً كان أو أنثى إجماعاً، لأنهم يدلون إلى الميت بغير واسطة، فهم أقوى الورثة.
"وان الجد يسقط بالأب" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من الصحابة ومن بعدهم.
"وكل جد أبعد بجد أقرب" لإدلائه به، ولقربه.
"وإن الجدة مطلقاً" من قبل الأم أو الأب.
"تسقط بالأم" لأن الجدات يرثن بالولادة، فالأم أولى منهن بمباشرتها الولادة.
ـــــــ
1 كانت كلمة "يتأتى" في المتن، وهي غير موجودة في أصول المتن كلها، والسياق يقضى بأنها من الشرح.

"وكل جدة بعدى بجدة قربى" لأن الجدات أمهات يرثن ميراثاً واحداً من جهة واحدة، فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن، كالآباء والأبناء والإخوة. ولا يحجب الأب أمه أو أم أبيه كالعم. روي عن عمر وابن مسعود وأبي موسى وعمران بن حصين وأبي الطفيل، لحديث ابن مسعود: أول جدة أطعمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السدس أم أب مع ابنها وابنها حي رواه الترمذي. ورواه سعيد بلفظ: أول جدة أطعمت السدس أم أب مع ابنها ولأن الجدات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب، فلا يحجبن به، كأمهات الأم. وكذا الجد لا يحجب أم نفسه.
"وإن كل ابن أبعد يسقط بابن أقرب" ولو لم يدل به لقربه.
"وتسقط الإخوة الأشقاء باثنين: بالابن وإن نزل، وبالأب الأقرب" حكاه ابن المنذر إجماعاً، لأن الله تعالى جعل إرثهم في الكلالة، وهي: اسم لمن عدا الوالد والولد.
"والإخوة للأب يسقطون" بالابن وابنه، وبالأب.
"وبالأخ الشقيق أيضاً" لقوته بزيادة القرب، لحديث علي: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى بالدين قبل الوصية، وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث عن علي. ويسقط ولد الأب أيضاً بالأخت الشقيقة إذا صار عصبة مع البنت، أو بنت الابن، لأنها تصير بمنزلة الأخ الشقيق.
"وبنو الإخوة يسقطون حتى بالجد أبي الأب وإن علا" بلا خلاف، لأنه أقرب منهم.

"الأعمام يسقطون حتى ببني الإخوة وإن نزلوا" لأن جهتهم أقرب، وهذا معنى قول الجعبري:
فبالجهة التقديم ثم بقربه ... وبعدهما التقديم بالقوة أجعلا
"والأخ للأم يسقط باثنين: بفرع الميت مطلقاً" ذكوراً كانوا أو إناثاً، وإن نزلوا.
"وبأصوله الذكور وإن علوا" لأن الله تعالى شرط في إرث الإخوة لأم الكلالة، وهي في قول الجمهور: من لم يخلف ولداً، ولا والداً. والولد يشمل الذكر والأنثى، وولد الابن كذلك، والوالد يشمل الأب والجد.
"وتسقط بنات الابن ببنتي الصلب فأكثر" لاستكمال الثلثين، لمفهوم حديث ابن مسعود السابق.
"ما لم يكن معهن" أي: بنات الابن.
"من يعصبهن من ولد الابن" سواء كان بإزائهن أو أنزل منهن.
"وتسقط الأخوات للأب بالأختين الشقيقتين فأكثر" لاستكمال الثلثين.
"ما لم يكن معهن أخوهن فيعصبهن" في الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين.
"ومن لا يرث" لمانع
"لا يحجب أحداً" نص عليه.
"مطلقاً" لا حرماناً، ولا نقصاناً، بل وجوده كعدمه، روي عن عمر وعلي، لأنه ليس بوارث كالأجنبي.

"إلا الإخوة من حيث هم" أشقاء أو لأب أو لأم.
"فقد لا يرثون ويحجبون الأم نقصاناً" من الثلث إلى السدس، وإن كانوا محجوبين بالأب في أم وأب وإخوة.

باب العصبات

باب العصبات:
وهم: من يرث بغير تقدير.
"اعلم أن النساء كلهن صاحبات فرض، وليس فيهن عصبة بنفسه إلا المعتقة" فإنها عصبة بنفسها.
"وإن الرجال كلهم عصبات بأنفسهم، إلا الزوج وولد الأم. وإن الأخوات مع البنات عصبات" لا فرض لهن، بل يرثن ما فضل عن الفروض، لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ...} 1 الآية فشرط في الفرض عدم الولد، فمتى وجد الولد فلا فرض لهن، إلا أن للأخوات قوة بولادة الأب لهن، ولا مسقط لهن، فكان أدنى حالاتهن مع البنات أو بنات الابن التعصيب، ولحديث ابن مسعود السابق وفيه "وما بقي فللأخت" رواه البخاري. قال ابن رجب في شرح الأربعين: وذهب جمهور العلماء إلى أن الأخت مع البنت عصبة لها ما فضل، منهم: عمر وعلي وعائشة وزيد وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وتابعهم سائر العلماء.
"إن البنات، وبنات الابن، والأخوات الشقيقات، والأخوات للأب،
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 176.

كل واحدة منهن مع أخيها عصبة به له مثلا ما لها" لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} 1 وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} 2.
"وإن حكم العاصب أن يأخذ ما أبقت الفروض" لقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 3 وحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" وقوله صلى الله عليه وسلم، لأخي سعد: ".. وما بقي فهو لك" وتقدم.
"وإن لم يبق شيء سقط" لمفهوم الخبر، ولأن حقه في الباقي، ولا باقي.
"وإذا انفرد أخذ جميع المال" {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} 2 أضاف جميع الميراث إليه، وقيس عليه باقي العصبات.
"لكن للجد والأب ثلاث حالات:"
"1- يرثان بالتعصيب فقط مع عدم الفرع الوارث" لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 1 أضاف الميراث إليهما، ثم خص الأم منه بالثلث دل على أن باقية للأب.
"2- يرثان بالفرض فقط مع ذكوريته" أي: مع الابن أو ابنه، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 11.
2 النساء من الآية/ 11.
3 النساء من الآية/ 176.

"3- بالفرض والتعصيب مع أنوثيته" السدس بالفرض، والباقي بالتعصيب، لقوله صلى الله عليه وسلم،: "فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" والأب أولى رجل ذكر بعد الابن وابنه، والجد مثل الأب في هذه الحالات الثلاث.
"ولا تتمشى على قواعدنا المشركة وهي: زوج، وأم، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء" للزوج: النصف = ثلاثة، وللأم: السدس = واحد، وللإخوة للأم: الثلث = اثنان، وسقط الأشقاء، لاستغراق الفروض التركة. وتسمى المشركة والحمارية لأنه يروى أن عمر أسقط ولد الأبوين، فقال بعضهم، أو بعض الصحابة: يا أمير المؤمنين، هب أن أبانا كان حماراً، أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم وهو قول عثمان، وزيد بن ثابت،، ومالك والشافعي. وأسقطهم الإمام أحمد، وأبو حنيفة وأصحابه، وروي عن علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأبي موسى لقوله تعالى في الإخوة لأم: {...فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ...} 1 فإذا شرك معهم غيرهم لم يأخذوا الثلث، ولحديث "ألحقوا الفرائض بأهلها" ومن شرك لم يلحق الفرائض بأهلها. قال العنبري: القياس ما قال علي، والاستحسان ما قال عمر، ولو كان مكانهم أخوات لأبوين، أو لأب عالت إلى عشرة وتأتي.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 12.

فصل وإذا اجتمع كل الرجال ورث منهم ثلاثة
"الابن، والأب والزوج"
فالمسألة من اثني عشر: للزوج الربع = ثلاثة، وللأب السدس = اثنان، وللابن الباقي.
"وإذا اجتمع كل النساء ورث منهن خمس: البنت، وبنت الابن، الأم، والزوجة، والأخت الشقيقة" أو لأب، فالمسألة من أربعة وعشرين:
للزوجة: الثمن = ثلاثة، وللأم: السدس = أربعة، وللبنت: النصف = اثنا عشر، ولبنت الابن: السدس تكملة الثلثين = أربعة، والباقي = واحد، للأخت تعصيباً.
"وإذا اجتمع ممكن الجمع من الصنفين ورث منهم خمسة: الأبوان، والولدان، وأحد الزوجين" فإن كان الميت الزوج المسألة من أربعة وعشرين، وتصح من اثنين وسبعين. وإن كان الميت الزوجة فالمسألة من اثني عشر، وتصح من ستة وثلاثين.
"ومتى كان العاصب عماً أو ابن عم أو ابن أخ انفرد بالإرث دون أخواته" لأنهن من ذوي الأرحام، والعصبة مقدم على ذي الرحم.
"ومتى عدمت العصبات من النسب ورث المولى المعتق ولو أنثى" لحديث "الولاء لمن أعتق" متفق عليه. وحديث "الولاء لحمة كلحمة النسب" . وروى سعيد بسنده كان لبنت حمزة مولى أعتقته، فمات

وترك ابنته ومولاته، فأعطى النبي، صلى الله عليه وسلم ابنته النصف، وأعطى مولاته بنت حمزة النصف ورواه النسائي وابن ماجه عن عبد الله بن شداد بنحوه.
"ثم عصبته" أي: عصبة المعتق.
"الذكور الأقرب فالأقرب، كالنسب" لحديث زياد بن أبي مريم أن امرأة أعتقت عبداً لها، ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها، ثم توفي مولاها من بعدها، فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ميراثه، فقال، صلي الله عليه وسلم: "ميراثه لابن المرأة" ، فقال أخوها: يا رسول الله، لو جر جريرةً كانت علي، ويكون ميراثه لهذا؟! قال: "نعم" رواه أحمد. ولأنهم يدلون بالمعتق، وبالولاء مشبه بالنسب، فأعطي حكمه.
"فإن لم يكن" للميت عصبة ولا ولاء
"عملنا بالرد" على ذوى الفروض، فيقدم على ذوى الأرحام
"فإن لم يكن" ذو فرض يرد عليه
"ورثنا ذوي الأرحام" لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ...} 1.
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 6.

باب الرد وذوي الأرحام

باب الرد وذوي الأرحام:
"حيث لا1 تستغرق الفروض التركة ولا عاصب رد الفاضل على كل ذي فرض بقدره" كالغرماء يقتسمون مال المفلس بقدر ديونهم، لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 2 وقوله، صلى الله عليه وسلم: "من ترك مالاً فللوارث" متفق عليه.
"ما عدا الزوجين، فلا يرد عليهما من حيث الزوجية" نص عليه، لأنهما لا رحم لهما، فلم يدخلا في الآية. وهذا يروى عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس، رضي الله عنهم. قاله في الكافي. وما روي عن عثمان أنه رد على زوج فلعله كان عصبة، أو ذا رحم، أو أعطاه من بيت المال لا على سبيل الميراث.
"فإن لم يكن إلا صاحب فرض أخذ الكل فرضاً ورداً" لأن تقدير الفروض شرع لمكان المزاحمة، وقد زال.
"وإن كان جماعة من جنس كالبنات فأعطهم بالسوية" كالعصبة من البنين ونحوهم.
"وإن اختلف جنسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة دائماً" لأن الفروض كلها توجد في الستة، إلا الربع والثمن، وهما للزوجين، ولا يرد عليهما، فتجعل عدد سهامهم أصل مسألتهم، وينحصر ذلك في أربعة أصول.
ـــــــ
1 في أصول المتن الأخرى: حيث لم.
2 الأحزاب من الآية/ 6.

"فجدة وأخ لأم، تصح من اثنين" لأن لكل منهما: السدس = واحد من الستة، والسدسان = اثنان منها، فيقسم المال بينهما نصفين فرضاً ورداً.
"وأم وأخ لأم من ثلثه" فيقسم المال بينهما أثلاثاً، وكذا أم وولداها.
"وأم وبنت" أو بنت أو بنت ابن
"من أربعة" للأم السدس = واحد، وللبنت أو بنت الابن: النصف = ثلاثة. فيقسم المال بينهما أرباعاً. للأم: ربعه، وللبنت، أو بنت الابن: ثلاثة أرباعه.
"وأم وبنتان" أو بنتا ابن، أو أختان لغير أم
"من خمسة" للأم: السدس، وللأخريين: الثلثان = أربعة. فالمال بينهن على خمسة. للأم خمسه، وللأخريين: أربعة أخماسه.
"ولا تزيد" مسائل الرد.
"عليها" أي: الخمسة.
"لأنها لو زادت سدساً آخر لاستغرقت الفروض" إذاً فلا رد.
"وإن كان هناك أحد الزوجين فاعمل مسألة الرد، ثم مسألة الزوجية، ثم يقسم ما فضل عن فرض الزوجية على مسألة الرد" فيبدأ بإعطاء أحد الزوجين فرضه، والباقي لمن يرد عليه.
"فإن انقسم صحت مسألة الرد من مسألة الزوجية" ولم يحتج لضرب كزوجة وأم وأخوين لأم، فللزوجة: الربع = واحد من أربعة، والباقي ثلاثة بين الأم وولديها أثلاثاً.
"وإلا" ينقسم الباقي بعد فرض الزوجية على مسألة الرد.

"فاضرب مسألة الرد في مسألة الزوجية" لعدم الموافقة.
"ثم من له شيء في مسألة الزوجية أخذه مضروباً في مسألة الرد، ومن له شيء في مسألة الرد أخذه مضروباً في الفاضل عن مسألة الزوجية. فزوج، وجدة، وأخ لأم مثلاً: فاضرب مسألة الرد - وهي: اثنان - في مسألة الزوجية - وهي: اثنان - فتصح من أربعة" مسطح الاثنين في الاثنين، فللزوج: اثنان، وللجدة: سهم، وللأخ لأم: سهم.
"وهكذا" لو كان مكان الزوج زوجة، فالمسألة: الزوجة من أربعة، والباقي منها بعد فرض الزوجة: ثلاثة على مسألة الرد. اثنين تباينها، فاضرب مسألة الرد في مسألتها - وهي: أربعة - تبلغ ثمانية، للزوجة: ربع = اثنان وللجدة: ثلاثة، وللأخ لأم ثلاثة.

فصل في ذوي الأرحام
:
"وهم: كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة" كالخال، والجد لأم، والعمة. وبتوريثهم قال عمر، وعلي، وعبد الله وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جيل، وأبو الدرداء، لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 1 وعن عمر مرفوعاً: "الخال وارث من لا وارث له" رواه أحمد والترمذي وحسنه. ولأبي داود عن المقداد مرفوعاً: "الخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه" وروى أبوعيد بإسناده أن ثابت بن الدحداح مات، ولم يخلف إلا ابنة أخ له، فقضى النبي، صلى الله عليه وسلم، بميراثه لابنة أخيه قال في الكافي: وقسنا سائر هم على هذين.
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 6.

"وأصنافهم أحد عشر:"
"ولد البنات لصلب أو لابن، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، وولد ولد الأم، والعم لأم، والعمات، والأخوال، والخالات، وأبو الأم، وكل جدة أدلت بأب بين أمين" كأم أبي الأم.
"ومن أدلى بصنف" من هؤلاء كعمة العمة، وخالة الخالة ونحوهما
"ويرثون بتنزيلهم منزلة من أدلوا به" فينزل كل منهم منزلة من أدلى به من الورثة بدرجة، أو درجات حتى يصل إلى من يرث، فيأخذ ميراثه. لما روي عن علي وعبد الله: أنهما نزلا بنت البنت بمنزلة البنت، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب، والخالة منزلة الأم. وروي ذلك عن عمر في العمة والخالة. وعن علي أيضاً: أنه نزل العمة بمنزلة العم. وعن الزهري أنه، صلى الله عليه وسلم، قال: "العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب، والخالة بمنزلة الأم، إذا لم يكن بينهما أم" . رواه أحمد.
"وإن أدلى جماعة منهم بوارث واستوت منزلتهم منه" بلا سبق كأولاده، وكإخوته المتفرقين الذين لا واسطة بينه وبينهم
"فنصيبه لهم" كإرثهم منه. لكن هنا .
"بالسوية: الذكر كالأنثى" لأنهم يرثون بالرحم المجردة، فاستوى ذكرهم وأنثاهم، كولد الأم. اختاره الأكثر، ونقله الأثرم، وحنبل، وإبراهيم بن الحارث.
"ومن لا وارث له" معلوم
"فماله لبيت المال" يحفظه كالمال الضائع. قال في القواعد: مع أنه لا يخلو من بني عم أعلى، إذ الناس كلهم بنو آدم، فمن كان أسبق إلى

الاجتماع مع الميت في أب من آبائه فهو عصبته، ولكنه مجهول، فلم يثبت له حكم، وجاز صرف ماله في المصالح، ولذلك لو كان له مولى معتق لورثه في هذه الحال، ولم يلتفت إلى هذا المجهول. انتهى.
"وليس" بيت المال
"وارثاً وإنما يحفظ المال الضائع وغيره" كأموال الفيء.
"فهو جهة ومصلحة" لأن اشتباه الوارث بغيره لا يوجب الحكم بالإرث للكل، فيصرف في المصالح، للجهل بمستحقه عيناً.

باب أصول المسائل
:
أي: المخارج التي تخرج منها فروضها.
"وهي سبعة:"
"1- اثنان 2- وثلاثة، 3- وأربعة، 4- وستة، 5- وثمانية، 6- واثنا عشر، 7- وأربعة وعشرون" فنصفان كزوج وأخت لأبوين، أو لأب من اثنين مخرج النصف، وتسميان اليتيمتين تشبيها بالدرة اليتيمة، لأنهما فرضان متساويان ورث بهما المال كله، ولا ثالث لهما، ويسميان أيضاً النصفيتين ونصف، والبقية كزوج وأب، أو أخ لغير أم، أو عم أو ابنه كذلك من اثنين مخرج النصف.
وثلث، والبقية من ثلاثة كأبوين. وثلثان، والبقية من ثلاثة كبنتين وأخ لغير أم. وثلثان وثلث من ثلاثة لاتحاد المخرجين، كأختين لأم وأختين لغيرها.

وربع والبقية من أربعة كزوج وابن، وربع مع نصف، والبقية من أربعة، لدخول مخرج النصف في مخرج الربع كزوج وبنت عم.
وثمن، والبقية كزوجة وابن. وثمن مع نصف والبقية كزوجة وبنت عم من ثمانية. ولا يكون كل من أصلي الأربعة والثمانية إلا ناقصاً أي: فيها عاصب، والاثنان والثلاثة تارةً كذلك، وتارةً تكونان عادلتين. فهذه الأصول الأربعة لا تعول، لأنها لا تزحم فيها الفروض.
وسدس، والبقية كأم وابن من ستة. وسدس ونصف والبقية كبنت وأم وعم من ستة، لدخول مخرج النصف في السدس. ونصف وثلث، والبقية كزوج وأم وعم من ستة لتباين المخرجين، ونصف، وثلث، وسدس من ستة: كزوج، وأم، وأخوين لأم وتسمى مسألة الإلزام، ومسألة المناقضة لأن ابن عباس، رضي الله عنهما، لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس إلا بثلاثة من الإخوة، أو الأخوات، ولا يرى العول، ويرد النقص مع ازدحام الفروض على من يصير عصبة في بعض الأحوال بتعصيب ذكر لهن. وهن البنات والأخوات لغير أم، فألزم بهذه المسألة. فإن أعطى الأم الثلث لكون الإخوة أقل من ثلاثة، وأعطى ولديها الثلث، عالت المسألة، وهو لا يراه. وإن أعطاها سدساً فقد ناقض مذهبه في حجبها بأقل من ثلاثة إخوة، وإن أعطاها ثلثاً وأدخل النقص على ولديها فقد ناقض مذهبه في إدخاله النقص على من لا يصير عصبة بحال.
وربع مع ثلثين: كزوج، وبنتين، وعم. وكزوجة، وشقيقتين، وعم من اثني عشر. وربع مع ثلث، كزوجة، وأم، وأخ لغيرها. وكزوجة،

وإخوة، لأم وعم من اثني عشر لتباين المخرجين. أو ربع مع سدس: كزوج، وأم، وابن، أو زوجة، وجدة، وعم من اثني عشر، لتوافق المخرجين. ولا يكون في الاثني عشر والأربعة والعشرين صورة عادلة أصلاً، بل إما ناقصة وإما عائلة.
وثمن مع سدس: كزوجة، وأم، وابن من أربعة وعشرين، لتوافق المخرجين بالنصف، وحاصل ضرب أحدهما في نصف الآخر: أربعة وعشرون. أو ثمن مع ثلثين: كزوجة، وبنتين، وعم، أو معهما سدس: كزوجة، وبنتين، وأم، وعم، من أربعة وعشرين، للتوافق بين مخرج السدس والثمن، مع دخول مخرج الثلثين في مخرج السدس. ولا يجتمع الثمن مع الثلث، لأن الثمن لا يكون إلا لزوجة مع فرع وارث، ولا يكون الثلث في مسألة فيها فرع وارث.
"ولا يعول منها" أي: هذه الأصول.
"إلا الستة وضعفها" أي: الاثنا عشر.
"وضعف ضعفها" أي: الأربعة والعشرون، فتعول إذا تزاحمت فيها الفروض بالإجماع، قبل إظهار ابن عباس الخلاف في ذلك.
"فالستة تعول متوالية إلى عشرة" شفعاً ووتراً.
"فتعول إلى سبعة: كزوج، وأخت لغير أم، وجدة" أو ولد أم، للزوج: النصف = ثلاثة وللأخت لغير أم: النصف = ثلاثة، وللجدة، وولد الأم: السدس، وكذا زوج وأختان لأبوين، أو لأب ونحوها.
"وإلى ثمانية كزوج، وأم، وأخت، وأخت لغير أم" للزوج: النصف = ثلاثة، وللأم: الثلث = اثنان، وللأخت: النصف = ثلاثة.

"وتسمى المباهلة" لأنها أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فجمع الصحابة للمشورة فيها، فقال العباس: أرى أن يقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر، وأتبعه الناس على ذلك، حتى خالفهم ابن عباس، فقال: من شاء باهلته، إن المسائل لا تعول، إن الذي أحصى رمل عالج1 عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفاً ونصفاً، وثلثاً هذان نصفان ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث؟ وقال: وأيم الله، لو قدموا من قدم الله، وأخروا من أخر الله، ما عالت فريضة أبداً. فقال له زفر بن أوس البصري: فمن ذا الذي قدمه الله؟ ومن ذا الذي أخره الله؟ فقال: الذي أهبطه من فرض إلى فرض، فذلك الذي قدمه الله، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي، فذلك الذي أخره الله. فقال له زفر: فمن أول من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب، فقلت: ألا أشرت عليه؟ فقال: هبته وكان امرأ مهيباً رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه عنه. فقال له عطاء بن أبي رباح: إن هذا لا يغني عني ولا عنك شيئاً، لو مت أو مت لقسم ميراثنا على ما عليه الناس اليوم. قال: فإن شاءوا: {فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَهم} 2 الآية قال في المغني: قوله أهبط من فرض إلى فرض، يريد: أن الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض، ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه. وأما من أهبط من فرض إلى ما بقي، يريد: البنات والأخوات، فإنهن يفرض لهن، فإذا كان معهن إخوتهن ورثوا بالتعصيب،
ـــــــ
1 عالج: موضع بالبادية بها رمل، وهو أيضا: ما تراكم من الرمل ودخول بعضه في بعض، كما في اللسان.
2 قوله ولندع أبناءنا وأبناءهم: لا يقصد به لفظ الآية وإنما يريد معناها ونصها: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} آل عمران: من الآية/ 61.

فكان لهم ما بقي قل أو كثر. انتهى. فكان ابن عباس، رضي الله عنهما، لا يرى العول، ويدخل النقص على من يصير عصبة بحال. وخالفه الجمهور، وألزم بمسألة الإلزام كما تقدم. قال في المغني ولا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس، ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول بحمد الله ومنه. انتهى.
"وإلى تسعة: كزوج، وولدي أم، وأختين لغيرها" للزوج: النصف = ثلاثة، ولولدي الأم: الثلث = اثنان، وللأختين: الثلثان = أربعة.
"وتسمى الغراء" لأنها حدثت بعد المباهلة، واشتهر بها العول.
"والمروانية" لحدوثها زمن مروان. وكذا زوج، وأم، وثلاث أخوات مفترقات.
"وإلى عشرة: كزوج، وأم، وأختين لأم، وأختين لغيرها" للزوج: النصف = ثلاثة، وللأم: السدس = واحد، وللأختين لأم: الثلث = اثنان، وللأختين لغيرها: الثلثان = أربعة.
"وتسمى أم الفروخ" لكثرة عولها، شبهوا أصلها بالأم، وعولها بفروخها. وليس في الفرائض ما يعول بثلثيه سواها وشبهها. وتسمى الشريحية أيضاً، لحدوثها زمن القاضي شريح. روي: أن رجلاً أتاه، وهو قاض بالبصرة، فسأله عنها، فأعطاه ثلاثة أعشار المال، فكان إذا لقي الفقيه يقول: ما يصيب الزوج من زوجته؟ فيقول: النصف مع عدم الولد، والربع معه. فيقول: والله ما أعطاني شريح نصفاً ولا ثلثاً. فكان شريح إذا لقيه يقول: إذا رأيتني ذكرت بي حكماً جائراً، وإذا

رأيتك ذكرت بك رجلاً فاجراً، بين لي فجورك أنك تكتم القضية، وتشيع الفاحشة. وفي رواية: أنك تذيع الشكوى، وتكتم الفتوى.
"والاثنا عشر تعول أفراداً" أي: على توالي الأفراد.
"فتعول إلى ثلاثة عشر: كزوج، وبنتين، وأم" للزوج: الربع = ثلاثة، وللبنتين: الثلثان = ثمانية، وللأم: السدس = اثنان.
"وإلى خمسة عشر: كزوج، وبنتين، وأبوين" كالتي قبلها. ويزاد للأب: السدس = اثنان.
"وإلى سبعة عشر: كثلاث زوجات، وجدتين، وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لغيرها" للزوجات: الربع = ثلاثة: لكل واحدة واحد. وللجدتين: السدس = اثنان: لكل واحدة واحد. وللأخوات للأم: الثلث = أربعة: لكل واحدة واحد. وللأخوات لغيرها: الثلثان = ثمانية: لكل واحدة واحد.
"وتسمى أم الأرامل" وأم الفروج بالجيم، لأنوثة الجميع. ولو كانت التركة فيها سبعة عشر ديناراً، حصل لكل واحدة منهن دينار. وتسمى السبعة عشرية، والدينارية الصغرى1.
"والأربعة والعشرون تعول مرة واحدة إلى سبعة وعشرين: كزوجة، وبنتين، وأبوين" للزوجة: الثمن = ثلاثة، وللبنتين: الثلثان = ستة عشر، ولكن من الأبوين: السدس = أربعة2.
ـــــــ
1 قال الماتن في "غاية المنتهى" 2/ 295: ولا بد في هذا الأصل أن يكون الميت أحد الزوجين.
2 قال الماتن في "غاية المنتهى" 2/396: ويكون الميت فيها إلا زوجا.

"وتسمى المنبرية" لأن علياً، رضي الله عنه، سئل عنها وهو على المنبر يخطب، ويروى أن صدر خطبته كان: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً، ويجزي كل نفس بما تسعى، وإليه المآب والرجعى. فسئل فقال: صار ثمنها تسعاً ومضى في خطبته أي: قد كان للمرأة قبل العول ثمن، فصار بالعول تسعاً. وهو: ثلاثة من سبعة وعشرين.
"و" تسمى أيضاً:
"البخيلة لقلة عولها" لأنها لم تعل إلا مرة واحدة.

باب ميراث الحمل
:
"من مات عن حمل يرثه" وعن ورثة غيره، ورضوا بوقف الأمر على وضعه فهو أولى: خروجاً من الخلاف، ولتكون القسمة مرة واحدة. وإلا،
"فطلب بقية ورثته قسم التركة قسمت، ووقف له الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين" لأن وضعهما كثير معتاد، فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد، وما زاد عليهما نادر، فلا يوقف له شيء.
"ودفع لمن لا يحجبه الحمل إرثه كاملاً، ولمن يحجبه حجب نقصان أقل ميراثه" كالزوجة والأم، فيعطيان الثمن، والسدس.
"ولا يدفع لمن سقطه" الحمل.
" شيء" لاحتمال أن يحجبه.

"فإذا ولد أخذ نصيبه، ورد ما بقي لمستحقه" فإن أعوز شيء رجع على من هو في يده.
"ولا يرث إلا إن استهل صارخاً" نص عليه، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا استهل المولود صارخاً ورث" . رواه أحمد وأبو داود. والاستهلال: رفع الصوت. فصارخاً: حال مؤكدة.
"أو عطس، أو تنفس، أو وجد منه ما يدل على الحياة: كالحركة الطويلة ونحوها" كسعال وارتضاع، لدلالة هذه الأشياء على الحياة المستقرة، فيثبت له حكم الحي، كالمستهل.
"ولو ظهر بعضه فاستهل، ثم انفصل ميتاً لم يرث" لأنه لم يثبت له أحكام الدنيا وهو حي.

باب ميراث المفقود
:
"وهو: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة: كالأسر، والخروج للتجارة، والسياحة، وطلب العلم، انتظر تتمة تسعين سنة منذ ولد" في أشهر الروايتين، لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا، وعنه: ينتظر به حتى يتيقن موته، أو يمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها، وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم. وهو قول: الشافعي، ومحمد بن الحسن، وهو المشهور عن مالك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، لأن الأصل حياته.
"فإن فقد ابن تسعين اجتهد الحاكم" في تقدير مدة انتظاره.
"وإن كان ظاهرها الهلاك: كمن فقد من بين أهله، أو في مهلكه كدرب

الحجاز، أو فقد بين الصفين" أي: صف المسلمين، وصف المشركين1.
"حال الحرب، أو غرقت سفينة، ونجا قوم وغرق آخرون، انتظر تتمة أربع سنين منذ فقد، ثم يقسم ماله في الحالتين" لأنها أكثر مدة الحمل، ولأنها مدة يتكرر فيها تردد المسافرين والتجار. فانقطاع خبره عن أهله إلى هذه الغاية يغلب ظن الهلاك، وتعتد زوجته عدة الوفاة، وتحل للأزواج بعد ذلك. نص عليه، لاتفاق الصحابة على ذلك. قال أحمد: من ترك هذا القول أي شيء يقول؟ هو عن خمسة من الصحابة. وقال: يروى عن عمر من ثمانية أوجه، قيل: زعموا أن عمر رجع، قال: هؤلاء الكذابون،
قيل: فيروى من وجه ضعيف أن عمر قال بخلافه، قال: لا إلا أن يكون إنسان يكذب. ولا تفتقر امرأة المفقود إلى حكم حاكم بضرب المدة وعدة الوفاة، لأن الظاهر موته، أشبه ما لو قامت به بينة. ولا يفتقر أيضاً إلى طلاق ولي زوجها بعد عدة الوفاة لتعتد بعد ذلك بثلاثة قروء، لأنه لا ولاية لوليه في طلاق امرأته. وما روي عن عمر-أنه أمر ولي المفقود أن يطلقها- قد خالفه قول ابن عباس، وابن عمر. وقال عبيد بن عمير: "فقد رجل في عهد عمر، فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له، فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين، ففعلت، ثم أتته، فقال: انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشراً، ففعلت، ثم أتته فقال: أين ولي هذا الرجل؟ فجاء وليه، فقال: طلقها، ففعل، فقال عمر: انطلقي فتزوجي من شيء ت، فتزوجت، ثم جاء زوجها الأول، فقال له عمر: أين كنت؟
ـــــــ
1 الأمر أعم من أن يقصر على المسلمين والمشركين.

فقال: استهوتني الشياطين، فوالله ما أدري في أي أرض، كنت عند قوم يستعبدونني حتى غزاهم قوم مسلمون، فكنت فيمن غنموه، فقالوا لي: أنت رجل من الإنس، وهؤلاء الجن، فما لك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري، فقالوا: بأية أرض الله تحب أن تصبح؟ فقلت: بالمدينة: هي أرضي، فأصبحت وأنا أنظر إلى الحرة - وزاد البيهقي، قال: - فأما الليل فلا يحدثوني، وأما النهار فإعصار ريح أتبعها إلى آخره.
فخيره عمر: إن شاء امرأته، وإن شاء الصداق، فاختار الصداق رواه الأثرم والجوزجاني، وقضى بذلك عثمان وعلي وابن الزبير، وهو قول ابن عباس، وهذه قضايا انتشرت، ولم تنكر فكانت إجماعاً. قاله في الكافي. وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للأبضاع ففي المال أولى. قال الإمام أحمد: إذا أمرت زوجته أن تتزوج قسمت ماله.
"فإن قدم بعد القسم أخذ ما وجده بعينه" لتبين عدم انتقال ملكه عنه.
"ورجع بالباقي" أي: ببدله على من أخذه، لتعذر رده بعينه.
"فإن مات مورث هذا المفقود في زمن انتظاره" أي: في المدة التي قلنا: ينتظر به فيها.
"أخذ كل وارث" غير المفقود
"اليقين" أي: ما لا يمكن أن ينقص عنه مع حياة المفقود أو موته.
"ووقف له الباقي" حتى يتبين أمره، أو تنقضي مدة الانتظار، فإن قدم المفقود أخذه، وإلا فحكمه كبقية ماله.
"ومن أشكل نسبه" ورجي انكشافه.

"فكالمفقود" في أنه إذا مات أحد الواطئين لأمه وقف له منه نصيبه على تقدير إلحاقه به، فإن لم يرج انكشافه: بأن لم ينحصر الواطئون لأمه، أو عرض على القافة1 فأشكل عليهم ونحوه، لم يوقف له شيء.
ـــــــ
1 القافة: جمع قائف، وهو: من يعرف الآثار، من قاف أثر فلان يقوفه قوفا: تبعه. وهنا الذين يلحقون الولد بأبيه على الشبه.

باب ميراث الخنثى
:
نقل ابن حزم الإجماع على توريثه.
"وهو: من له شكل الذكر، وفرج المرأة ويعتبر" أمره في توريثه.
"ببوله" فإن بال من حيث يبول الرجل فهو ذكر، وإن بال من حيث تبول المرأة فله حكم المرأة، لأن الله تعالى أجرى العادة بذلك، فإن بال منهما
"فبسبقه من أحدهما" لما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود له قبل وذكر، من أين يورث؟ قال: "من حيث يبول" وروي أنه صلى الله عليه وسلم، أتي بخنثى من الأنصار فقال: "ورثوه من أول ما يبول منه" وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول. ولأن خروج البول أعم العلامات، لوجوده من الصغير والكبير، وسائر العلامات إنما توجد بعد الكبر.
"فإن خرج منهما معاً اعتبر أكثرهما" لأن الأكثر أقوى في الدلالة. قال في المغني: قال أحمد -في رواية إسحاق بن إبراهيم:- يرث من المكان الذي يبول منه أكثر.

"فإن استويا فمشكل، فإن رجي كشفه بعد كبره" أي: بلوغه.
"أعطي ومن معه اليقين" من التركة وهو: ما يرثونه بكل تقدير.
"ووقف الباقي" حتى يبلغ.
"لتظهر ذكورته بنبات لحيته، أو إنماء من ذكره" زاد في المغنى وكونه مني رجل.
"أو أنوثته بحيض، أو تفلك ثدي" أي: استدارته، أو سقوطه - أي: الثدي - نص عليهما.
"أو إمناء من فرج فإن مات" الخنثى قبل البلوغ.
"أو بلغ بلا أمارة" أي: علامة على ذكورته أو أنوثته.
"واختلف إرثه، أخذ نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى" ففي ابن، وبنت، وولد خنثى، للذكر: أربعة أسهم، وللخنثى: ثلاثة، وللبنت: سهمان. وقال أصحابنا تعمل المسألة على أنه ذكر، ثم على أنه أنثى، ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا، أو وفق إحداهما في الأخرى إن توافقتا، وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا، أو بأكثرهما إن تناسبتا، ثم تضرب الجامعة في اثنين: عدد حالي الخنثى. ففي هذه المسألة: مسألة الذكورية: من خمسة، والأنوثية: من أربعة، اضرب إحداهما في الأخرى للتباين تكن عشرين، ثم في اثنين تبلغ أربعين: للبنت: سهم في خمسة، وسهم في أربعة، يحصل لها تسعة، وللذكر: سهمان في خمسة، وسهمان في أربعة يجتمع له ثمانية عشر، وللخنثى: سهمان في أربعة، وسهم في خمسة، تكن ثلاثة عشر. فإن لم يختلف إرث الخنثى بالذكورة والأنوثة، كولد الأم والمعتق أخذ إرثه مطلقاً،

وإن ورث بكونه ذكراً فقط، كولد أخ أو عم خنثى، أو بكونه أنثى فقط، كولد أب خنثى مع زوج، وأخت لأبوين أعطي نصف ميراثه.

باب ميراث الغرقى ونحوهم
:
كالهدمى ومن وقع بهم طاعون أو قتل وأشكل أمرهم.
"إذا علم موت المتوارثين معاً فلا إرث" لأحدهما من الآخر، لأنه لم يكن حياً حين موت الآخر، وشرط الإرث حياة الوارث بعد موت المورث.
"وكذا إن جهل الأسبق، أو علم ثم نسي" أو علم وجهلوا عينه.
"وادعى ورثة كل" منهما
"سبق الآخر ولا بينة، أو تعارضتا، وتحالفا" أي: حلف كل منهما على إبطال دعوى صاحبه، ولم يتوارثا. نص عليه، وهو قول: أبي بكر الصديق، وزيد، ومعاذ، وابن عباس، والحسن بن علي، رضي الله عنهم، لعدم وجود شرطه، وسقوط الدعويين فلم يثبت السبق لواحد منهما معلوماً، ولا مجهولاً. وقال مالك في الموطأ: لا ينبغي أن يرث أحد أحداً بالشك. وروى في الموطأ أيضاً: أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل، ويوم صفين1، ويوم الحرة2، ثم يوم قديد3، فلم يورث أحد منهم من صاحبه شيئاً إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه. انتهى.
ـــــــ
1 صفين: بكسر الصاد وبشديد الفاء: موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات نشب فيه القتال بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
2 الحرة: بفتح الحاء وتشديد الراء: أرض ذات حجارة سود ومنها الحرة التي بظاهر المدينة كانت بها الوقعة بين أهلها وبين جيش يزيد بن معاوية.
3 قديد: بضم القاف مصغر: موضع قرب مكة.

واحتج في المغني: بأن قتلى اليمامة1، وصفين، والحرة لم يورث بعضهم من بعض، وبما روى جعفر بن محمد عن أبيه أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها، فالتقت الصيحتان في الطريق، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه، فلم ترثه ولم يرثها.
"وإن لم يدع ورثة كل" منهما
"سبق الآخر ورث كل ميت صاحبه" من تلاد2 ماله دون ما ورثه من الآخر، لئلا يدخله الدور، لأن ذلك يروى عن عمر وعلي، وإياس المزني، وشريح، وإبراهيم. قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر أن: ورثوا بعضهم من بعض قال الإمام أحمد: أذهب إلى قول عمر. قال في الإنصاف: وهو من المفردات. وروي عن إياس المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال: "يرث بعضهم بعضاً" ورواه سعيد في سننه عن إياس موقوفاً. فيقدر أحدهما مات أولاً ويورث الآخر منه.
"ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته" ثم يصنع بالثاني كذلك.
ـــــــ
1 اليمامة: موطن بني حنيفة في وسط جزيرة العرب، وفي اتجاه الشرق قليلا. كان خالد بن الوليد يحارب المرتدين في اليمامة من أتباع مسيلمة الكذاب، وفي آخر سنة "11" هجرية كانت المعركة الحاسمة في اليمامة.وقد انتصر فيها المسلمون على الأعداء وهزموهم هزيمة نكراء وقتلوا مسيلمة الكذاب، وشردوا أتباعه. وفي هذه الوقعة قتل من الصحابة عدد كثير.
2 التلاد: بالفتح. المال القديم الأصلي الذي ولد عندك وضده الطارف.

باب ميراث أهل الملل
:
" لا توارث بين مختلفين في الدين" لحديث أسامة بن زيد مرفوعاً: "لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر" . متفق عليه. وذكره الموفق إجماعاً قال الإمام أحمد: ليس بين الناس فيه خلاف.
"إلا بالولاء فيرث به المسلم الكافر، والكافر المسلم" لحديث جابر مرفوعاً: "لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته" . رواه الدارقطني. ولأن ولاءه له، وهو شعبة من الرق، واختلاف الدين لا يمنع الرجل أخذ مال رقيقه إذا مات. وعنه: لا يرثه مع اختلاف الدين، لعموم الخبر. قاله في الكافي.
"وكذا يرث الكافر ولو مرتداً إذا أسلم قبل قسم ميراث مورثه المسلم"
وكذا زوجة أسلمت في عدة قبل القسم. نص عليهما. وروي عن عمر، وعثمان، والحسن بن علي، وابن مسعود، لحديث: "من أسلم على شيء فهو له" رواه سعيد من طريقين: عن عروة، وابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عباس مرفوعاً: "كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام" رواه أبو داود وابن ماجه. وحدث عبد الله بن أرقم عثمان: أن عمر قضى: أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه، فقضى به عثمان. رواه ابن عبد البر في التمهيد بإسناده. والحكمة فيه الترغيب في الإسلام، والحث عليه.

"والكفار ملل شتى لا يتوارثون مع اختلافها" روي عن علي رضي الله عنه، لحديث: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" رواه أبو داود. وهو مخصص للعمومات. وقال القاضي: الكفر ثلاث ملل: اليهودية، والنصرانية، ودين من عداهم. ورد بافتراق حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية، وغيرهم لا يقر بها، وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم، يستحل بعضهم دماء بعض، ويكفر بعضهم بعضاً. وعنه: أن الكفار يرث بعضهم بعضاً وإن اختلفت أديانهم. اختاره الخلال، قال في الفروع، وقدمه في الكافي، قال: لأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلما" . أن الكفار يتوارثون.
"فإن اتفقت" أديانهم.
"ووجدت الأسباب" أي: أسباب الإرث
"ورث بعضهم بعضاً. ولو أن أحدهما ذمي، والآخر حربي أو مستأمن، والآخر ذمي أو حربي" لعموم النصوص، ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع، ولا يصح فيهم قياس، فوجب العمل بعمومها. ومفهوم حديث: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" أن أهل الملة الواحدة يتوارثون، وإن اختلفت الدار.
"ومن حكم بكفره من أهل البدع" المضلة، كالداعية إلى بدعة مكفرة، ما له فيء، نص عليه في الجهمي، وغيره. قاله في الفروع.
"والمرتد، والزنديق وهو: المنافق" الذي يظهر الإسلام، ويخفي الكفر.
"فما لهم فيء" يصرف في المصالح.

"لا يورثون ولا يرثون" لأن المسلم لا يرث الكافر، وكذا أقاربه الكفار من يهود أو نصارى أو غيرهم، لأنه يخالفهم في حكمهم: لا يقر على ردته، ولا تؤكل ذبيحته، ولا تحل مناكحته لو كان امرأة. ولا يرثون أحداً مسلماً، ولا كافراً، لأنهم لا يقرون على ما هم عليه، فلا يثبت لهم حكم دين من الأديان. وعنه: يرثه وارثه المسلم. اختاره الشيخ تقي الدين، لأنه المعروف عن الصحابة: علي وابن مسعود. قاله في الفروع. وقال في المنافق: وعند شيخنا: يرث ويورث لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من تركة المنافقين شيئاً، ولا جعله فيئاً فعلم أن الميراث مداره على النصرة الظاهرة، قال: واسم الإسلام يجري عليهم في الظاهر إجماعاً. انتهى.
"ويرث المجوسي ونحوه" ممن يحل نكاح ذوات المحارم إذا أسلم، أو حاكم إلينا.
"بجميع قراباته" إن أمكن. نص عليه، وهو قول: عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه.
"فلو خلف أمه - وهي: أخته من أبيه - ورثت الثلث بكونها أماً، والنصف بكونه أختاً" لأن الله تعالى فرض للأم: الثلث، وللأخت: النصف. فإذا كانت الأم أختاً وجب إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين، كالشخصين، ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما الأخرى، ولا ترجح بها، فترث بهما مجتمعتين، كزوج هو ابن عم. ولا إرث بنكاح ذات محرم، ولا بنكاح لا يقر عليه كافر لو أسلم. قاله في الفروع.

وإن أولد مسلم ذات محرم بشبهة نكاح، أو ملك يمين، ممن يكون ولدها ذات قرابتين ثبت نسبه للشبهة، وورث بجميع قراباته، لما تقدم.

باب ميراث المطلقة
رجعياً أو بائناً يتهم فيه بقصد الحرمان.
"يثبت الإرث لكل من الزوجين" من الآخر.
"في الطلاق الرجعي" ما دامت في العدة، سواء طلقها في الصحة، أو المرض، قال في المغني: بغير خلاف نعلمه. وروي عن أبي بكر وعثمان وعلي وابن مسعود. وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها، ولا ولي، ولا شهود، ولا صداق جديد.
"ولا يثبت" الإرث
"في البائن إلا لها إن اتهم بقصد حرمانها: بأن طلقها في مرض موته المخوف ابتداء، أو سألته رجعياً فطلقها بائناً، أو علق في مرض موته طلاقها على مالا غنى عنه" شرعاً: كالصلاة المفروضة، والصوم المفروض، والزكاة. أو عقلاً: كالأكل، والنوم، ونحوهما.
"أو أقر" في مرضه.
"أنه طلقها سابقاً في حال صحته، أو وكل في صحته من يبينها متى شاء، فأبانها في مرض موته، فترث في الجميع" أي: جميع الصور المذكورة.
"حتى ولو انقضت عدتها" لما روي أن عثمان، رضي الله عنه،

ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف، وكان طلقها في مرض موته، فبتها واشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكر، فكان إجماعاً. وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أباه طلق أمه وهو مريض، فمات، فورثته بعد انقضاء عدتها. وروى عروة: أن عثمان قال لعبد الرحمن: لئن مت لأورثنها منك، قال: قد علمت ذلك وما روي عن ابن الزبير أنه قال: لا ترث مبتوتة فمسبوق بالإجماع السكوتي زمن عثمان، ولأن المطلق قصد قصداً فاسداً في الميراث، فعورض بنقيض قصده كالقاتل.
"ما لم تتزوج أو ترتد" فيسقط ميراثها، لأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول فلم ترثه.
"فلو طلق المتهم أربعاً، وانقضت عدتهن، وتزوج أربعاً سواهن، ورث الثمان على السواء بشرطه" لأن المبانة للفرار وارثة بالزوجية، فكانت أسوة من سواها. قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب. وقال في الكافي: والثانية لا ترثه - يعني: بعد انقضاء العدة - لأن آثار النكاح زالت بالكلية فلم ترثه، كما لو تزوجت، ولأن ذلك يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة بأن يتزوج أربعاً بعد انقضاء عدة المطلقة، وذلك غير جائز. انتهى. وإن طلقها في مرض غير مخوف، أو في مخوف فصح منه، ومات بعده لم ترثه في قول الجمهور، لأن حكمه حكم الصحة في العطايا والعتاق والإقرار، فكذلك في الطلاق.
"ويثبت له" أي: الزوج، الإرث دونها
"إن فعلت بمرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحها ما دامت معتدة" كذا في التنقيح، و الإنصاف، و المنتهى.

"إن اتهمت" بقصد حرمانه: كإدخالها ذكر ابن زوجها، أو أبيه في فرجها وهو نائم، أو إرضاعها ضرتها الصغيرة، ونحوها، لأنها أحد الزوجين، فلم يسقط فعلها ميراث الآخر. وظاهر الفروع، ك المقنع، و الكافي، و الشرح، حيث أطلقوا ولو بعد العدة، واختاره في الإقناع.
"وإلا سقط" ميراثه منها لو ماتت قبله لعدم التهمة.

باب الإقرار بمشارك في الميراث
:
"إذا أقر الوارث بمن يشاركه في الإرث، أو بمن يحجبه، كأخ أقر بابن للميت" ولو من أمته، نص عليه في رواية الجماعة.
"صح وثبت الإرث والحجب، فإذا أقر الورثة المكلفون بشخص مجهول النسب وصدق، أو كان صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه وإرثه" لأن الورثة يقومون مقام الميت في ماله وحقوقه، وهذا من حقوقه.
"لكن يعتبر لثبوت نسبه من الميت إقرار جميع الورثة حتى الزوج وولد الأم" لأنهما من جملة الورثة.
"أو شهادة عدلين من الورثة، أو من غيرهم" فيثبت نسبه وإرثه، لعدم التهمة، أشبه سائر الحقوق.
"فإن لم يقر جميعهم" بل أقربه بعضهم، وأنكره الباقون، ولم يشهد به عدلان.
"ثبت نسبه وإرثه ممن أقربه" دون الميت، وبقية الورثة، لأن النسب حق أقربه الوارث على نفسه، فلزمه كسائر الحقوق.
"فيشاركه فيما بيده" فإذا أقر أحد ابنيه بأخ لهما فللمقر به ثلث

ما بيد المقر. نقله بكر بن محمد، لأن إقراره تضمن أنه لا يستحق أكثر من ثلث التركة، وفي يده نصفها، فيفضل بيده سدس للمقر به.
"أو يأخذ الكل إن أسقطه" كأخ أقر بابن، لأنه أقر بانحجا به عن الإرث.

باب ميراث القاتل
:
"لا إرث لمن قتل مورثه بغير حق، أو شارك في قتله ولو خطأً" إن لزمه قود، أو دية، أو كفارة، لما تقدم في موانع الإرث.
"فلا يرث من سقى ولده دواءً فمات، أو أدبه، أو فصده، أو بط سلعته" فمات، لأنه قاتل، واختار الموفق: أن من أدب ولده ونحوه، أو فصده، أو بط سلعته لحاجته يرثه، وصوبه في الإقناع، لأنه غير مضمون.
"وتلزم الغرة" وهي: عبد أو أمة، قيمتها: خمس من الإبل
"من شربت دواء فأسقطت" جنينها، لما يأتي في الجنايات.
"ولا ترث منها شيئاً" لأنها قاتلة.
"وإن قتله بحق ورثه، كالقتل قصاصاً أو حداً أو دفعاً عن نفسه" كالصائل إن لم يندفع إلا بالقتل، لأنه غير مضمون ب شيء مما تقدم.
"وكذا لو قتل الباغي العادل، كعكسه" بأن قتل العادل الباغي فيرثه، لأنه فعل مأذون فيه شرعاً، فلم يمنع الميراث، أشبه ما لو أطعمه باختياره فأفضى إلى تلفه.

باب ميراث المعتق بعضه
وما يتعلق به:
"الرقيق من حيث هو" أي: بجميع أنواعه: كالمدبر، والمكاتب، وأم الولد، والمعلق عتقه على صفة قد تقدم في الموانع أنه:
"لا يرث" لأنه لو ورث لكان لسيده، وهو أجنبي.
"ولا يورث" بالإجماع، لأنه لا مال له فإنه لا يملك، ومن قال: يملك بالتمليك، فملك ضعيف غير مستقر يرجع إلى سيده ببيعه، لحديث: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع" فكذلك بموته.
"لكن المبعض يرث ويورث، ويحجب بقدر ما فيه من الحرية" وهو قول: علي وابن مسعود، لحديث ابن عباس مرفوعاً: قال في العبد يعتق بعضه: "يرث ويورث على قدر ما عتق منه" . رواه عبد الله بن أحمد بإسناده. ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه، كما لو كان الآخر مثله. وقال زيد بن ثابت: لا يرث ولا يورث وقال ابن عباس: هو كالحر في جميع أحكامه: في توريثه، والإرث منه، وغيرهما.
"وإن حصل بينه وبين سيده مهاياه" فكان يخدم سيده بنسبة ملكه، ويكتسب بنسبة حريته، أو قاسمه في حياته.
"فكل تركته لوارثه" لأنه لم يبق لسيده معه حق.
"وإلا فبينه" - أي: وارث المبعض -
"بين سيده بالحصص" لما تقدم.

باب الولاء

باب الولاء:
"من أعتق رقيقاً أو بعضه، فسرى إلى الباقي، أو عتق عليه برحم، أو فعل أو عوض أو كتابة أو تدبير أو إيلاد أو وصية، أو أعتقه في زكاته أو نذره أو كفارته، فله عليه الولاء" بالإجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" متفق عليه.
"وعلى أولاده" وإن سفلوا، لأنه ولي نعمتهم، وبسببه عتقوا، ولأنهم فرعه، والفرع يتبع أصله، فأشبه ما لو باشر عتقهم.
"بشرط كونهم من زوجة عتيقة" لمعتقه أو غيره.
"أو أمة" للعتيق، فإن كانوا من أمة الغير فتبع لأمهم حيث لا شرط ولا غرور، وإن كانوا من حرة الأصل فلا ولاء عليهم، لأنهم يتبعونها في الحرية، فتبعوها في عدم الولاء.
"وعلى من له" أي: العتيق
"أو لهم" - أي: أولاده -
"عليه الولاء" لأنه ولي نعمتهم، وبسببه عتقوا.
"وإن قال: أعتق عبدك عني مجاناً" أي: بلا عوض.
"أو عني" فقط.
"أو عنك، وعلي ثمنه" فلا يجب عليه أن يجيبه، لأنه لا ولاية له عليه.

"إن أعتقه" ولو بعد أن افترقا.
"صح" العتق.
"وكان ولاؤه للمعتق عنه" كما لو قال له: أطعم أو أكس عني.
"ويلزم القائل ثمنه فيما إذا التزم به" بأن قال: وعلي ثمنه. ولو قال: أعتقه والثمن علي، ففعل فالولاء للمعتق، لأنه لم يعتقه عن غيره، فأشبه ما لو لم يجعل له جعلاً. قاله في الكافي، لحديث: "الولاء لمن أعتق" .
"وإن قال الكافر: أعتق عبدك المسلم عني" وعلي ثمنه
"فأعتقه صح" عتقه، لأنه إنما يملكه زمناً يسيراً، فاغتفر يسير هذا الضرر، لتحصيل الحرية للأبد.
"وولاؤه للكافر" لأن المعتق كالنائب عنه ويرث الكافر بالولاء روي عن علي، رضي الله عنه، واحتج أحمد بقول علي: الولاء شعبة من الرق. ولعموم حديث: "الولاء لمن أعتق" .

فصل ولا يرث صاحب الولاء إلا عند عدم عصبات النسب
:
لأنه فرع على النسب، فلا يرث مع وجوده. لا نعلم في ذلك خلافاً، لما روى سعيد عن الحسن مرفوعاً: "الميراث للعصبة، فإن لم يكن عصبة فللمولى" . وعنه أن رجلاً أعتق عبداً، فقال للنبي، صلى الله عليه وسلم: ما ترى في ماله؟ فقال: "إن مات ولم يدع وارثاً فهو لك" . وعن ابن عمر مرفوعاً:

"الولاء لحمة كلحمة النسب" رواه الشافعي وابن حيان، ورواه الخلال من حديث عبد الله بن أبي أوفى. والمشبه دون المشبه به، وأيضاً فالنسب أقوى من الولاء، لأنه يتعلق به المحرمية، وترك الشهادة وسقوط القصاص، ولا يتعلق ذلك بالولاء.
"وبعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم" لحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" . وعن عبد الله بن شداد، قال: أعتقت ابنة حمزة مولى لها، فمات وترك ابنة، وابنة حمزة، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته: النصف، وابنة حمزة: النصف. رواه النسائي وابن ماجه.
"فعند ذلك يرث المعتق ولو أنثى" بلا خلاف، لعموم ما تقدم. وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في حديث بريرة.
"ثم عصبته الأقرب فالأقرب" لما روى سعيد بإسناده عن الزهري: أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: "المولى أخ في الدين، وولي نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق" . وروى أحمد عن زياد بن أبي مريم: أن امرأة أعتقت عبداً لها، ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها، ثم توفي مولاها، فأتى أخو المرأة و ابنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ميراثه، فقال، صلى الله عليه وسلم: "ميراثه لابن المرأة" . فقال أخو المرأة: يا رسول الله، لو جر جريرة كانت علي، ويكون ميراثه لهذا؟! قال: "نعم" . وعن إبراهيم قال: اختصم علي والزبير في مولى صفية، فقال علي: مولى عمتي وأنا أعقل عنه، وقال الزبير: مولى أمي وأنا أرثه

فقضى عمر على علي بالعقل، وقضى للزبير بالميراث، رواه سعيد، واحتج به أحمد.
"وحكم الجد مع الإخوة في الولاء كحكمه في النسب" نص عليه.
"والولاء لا يباع ولا يوهب ولا يوقف ولا يوصى به ولا يورث"
وهو قول جمهور الصحابة، ولم يظهر عنهم خلافه، لحديث ابن عمر قال: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن بيع الولاء وهبته. متفق عليه. وحديث: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" . رواه الخلال. ولا يصح أن يأذن لعتيقه فيوالي من شاء روي عن عمر وابنه وعلي وابن عباس وابن مسعود، لأنه كالنسب. وشذ شريح، فقال: يورث كما يورث المال. ولنا ما تقدم، وإجماع الصحابة.
"وإنما يرث به أقرب عصبات المعتق يوم موت العتيق" قال ابن سيرين: إذا مات العتيق نظر إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه، فيجعل ميراثه له. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "ميراث الولاء للكبر من الذكور، ولا يرث النساء من الولاء، إلا ولاء من أعتق" فلو مات المعتق وخلف ابنين، ثم ماتا، وخلف أحدهما ابنا وخلف الآخر تسعة بنين، ثم مات العتيق، كان الولاء بينهم على عددهم: لكل واحد عشرة، كالنسب. قال الإمام أحمد: روي هذا عن: عمر وعثمان وعلي وزيد بن حارثة وابن مسعود، وبه قال أكثر أهل العلم.
ولو اشترى أخ وأخته أباهما فعتق عليهما، ثم ملك قناً فأعتقه، ثم مات الأب، ثم العتيق، ورثه الابن بالنسب دون أخته بالولاء، لأن عصبة المعتق من النسب تقدم على مولى المعتق، وتسمى: مسألة

القضاة. يروى عن مالك أنه قال: سألت سبعين قاضياً من قضاة العراق فأخطؤوا فيها. ذكره في الإنصاف.
"لكن يتأتى انتقاله من جهة إلى أخرى" في مسائل جر الولاء.
"فلو تزوج عبد بمعتقه فولاء من تلده لمن أعتقها" لأنه سبب الإنعام عليهم لأنهم صاروا أحراراً بسبب عتق أمهم.
"فإن عتق الأب انجر الولاء لمواليه" لأنه بعتقه صلح للانتساب إليه، وعاد وارثاً وولياً، فعادت النسبة إليه وإلى مواليه. وروى عبد الرحمن عن الزبير: أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعساً، فأعجبه ظرفهم وحالهم، فسأل عنهم، فقيل له: إنهم موال لرافع بن خديج، وأبوهم مملوك لآل الحرقة، فاشترى الزبير أباهم فأعتقه، وقال لأولاده انتسبوا إلي، فإن ولاءكم لي، فقال رافع بن خديج: الولاء لي، لأنهم عتقوا بعتقي أمهم، فاحتكموا إلى عثمان: فقضى بالولاء للزبير، فاجتمعت الصحابة عليه. واللعس: سواد في الشفتين تستحسنه العرب. وإن عتق الجد لم ينجر الولاء نص عليه، لأن الأصل بقاء الولاء لمن ثبت له، وإنما خولف هذا الأصل في الأب، لإجماع الصحابة عليه، فيبقى فيمن عداه على الأصل. قاله في الكافي.

كتاب العتق


كتاب العتق:
"وهو من أعظم القرب" المندوب إليها إذا اقترنت به النية المعبرة، لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل وغيره. وقال صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله تعالى بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى إنه ليعتق اليد باليد، والرجل بالرجل، والفرج بالفرج" . متفق عليه. ولما فيه من تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وملك نفسه، ومنافعه، وتكميل أحكامه، وتمكينه من التصرف في نفسه، ومنافعه على حسب اختياره، وأفضل الرقاب أنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمناً، نص عليه في رواية الجماعة.
"فيسن عتق رقيق له كعب" لانتفاعه به.
"ويكره إن كان لا قوة له، ولا كسب" لأنه يتضرر بسقوط نفقته الواجبة بإعتاقه، فربما صار كلاً على الناس، واحتاج إلى المسألة.
"أو يخاف منه الزنى أو الفساد" فيكره عتقه. وكذا إن خيف ردته، ولحوقه بدار الحرب.
"ويحرم إن علم ذلك منه" لأنه وسيلة الحرام، وإن أعتقه مع ذلك صح العتق، لصدوره من أهله في محله.
"وهكذا الكتابة" في الحكم المذكور.

"ويحصل العتق بالقول، وصريحه لفظ: العتق، والحرية، كيف صرفا" لأن الشرع ورد بهما، فوجب اعتبارهما. فمن قال لقنه: أنت حر، أو محرر، أو حررتك، أو أنت عتيق، أو معتق: بفتح التاء، أو أعتقتك، عتق وإن لم ينوه. قال أحمد في رجل لقي امرأة في الطريق، فقال: تنحي يا حرة، فإذا هي جاريته، قال: قد عتقت عليه. وقال في رجل قال لخدم قيام في وليمة: مروا أنتم أحرار، وكان فيهم أم ولده لم يعلم بها، قال: هذا به عندي تعتق أم ولده.
"غير أمر، ومضارع، واسم فاعل" فمن قال لرقيقه: حرره، أو أعتقه، أو: أحرره، أو: أو أعتقه، أو: هذا محرر: بكسر الراء، أو: معتق: بكسر التاء، لم يعتق بذلك، لأنه طلب، أو وعد، أو خبر عن غيره، وليس واحد منها صالحاً للإنشاء ولا إخباراً عن نفسه فيؤاخذ به.
ويقع العتق من الهازل، كالطلاق، لا من نائم ومجنون ومغمى عليه ومبرسم، لعدم عقلهم ما يقولون، وكذا حاك وفقيه يكرره. ولا يقع إن نوى بالحرية عفته وكرم خلقه ونحوه، لأنه نوى بكلامه ما يحتمله. قالت سبيعة ترثي عبد المطلب:
ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة ... ويوم على حر كريم الشمائل
"وكنايته مع النية ستة عشر: خليتك، وأطلقتك، وإلحق بأهلك، واذهب حيث شيء ت، ولا سبيل لي أو لا سلطان، أو لا ملك، أو لا رق، أو لا خدمة لي عليك، وفككت رقبتك، ووهبتك لله، وأنت لله، ورفعت يدي عنك إلى الله، وأنت مولاي، أو سائبة، أو ملكتك نفسك. وتزيد الأمة بـ: أنت طالق، أو حرام" فلا يعتق بذلك حتى ينويه، لأنه يحتمل

العتق وغيره، أشبه كناية الطلاق فيه. وقال القاضي في قوله: لا رق لي عليك، ولا ملك لي عليك، وأنت لله: صريح. نص عليه أحمد في: أنت لله، لأن معناه: أنت حر لله، واللفظان الأولان صريحان في نفي الملك، والعتق من ضرورته. انتهى.
"ويعق حمل لم يستثن بعتق أمه" لأنه يتبعها في البيع والهبة ففي العتق أولى، فإن استثني لم يعتق، وبه قال ابن عمر وأبو هريرة. قال أحمد: أذهب إلى حديث ابن عمر في العتق، ولا أذهب إليه في البيع، ولحديث: "المسلمون على شروطهم" .
"لا عكسه" أي: لا تعتق الأمة بعتق حملها، فيصح عتقه دونها، نص عليه، لأن حكمه حكم الإنسان المنفرد، ولأن الأصل لا يتبع الفرع.
"وإن قال لمن يمكن كونه أباه" من رقيقه: بأن كان السيد ابن عشرين سنة مثلاً أو أقل، والرقيق ابن ثلاثين فأكثر
"أنت أبي، أو قال لمن يمكن كونه ابنه: أنت ابني، عتق" فيهما، وإن لم ينوه، ولو كان له نسب معروف، لجواز كونه من وطء شبهة.
"لا إن لم يمكن" كونه أباه أو ابنه، لصغر أو كبر.
"إلا بالنية" لتحقق كذبه، كقوله: أعتقتك، أو: أنت حر منذ ألف سنة، لأن محال معلوم كذبه. ولا يصح العتق إلا من جائز التصرف، لأنه تبرع في الحياة، أشبه الهبة.

فصل ويحصل بالفعل
:
"فمن مثل برقيقه فجدع أنفه أو أذنه ونحوهما" كما لو خصاه.
"أو خرق أو حرق عضواً منه، أو استكرهه على الفاحشة، أو وطئ من لا يوطأ مثلها لصغر، فأفضاها" أي: خرق ما بين سبيليها.
"عتق في الجميع" نص عليه، بلا حكم حاكم، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن زنباعاً أبا روح وجد غلاماً له مع جاريته، فقطع ذكره، وجدع أنفه، فأتى العبد النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على ما فعلت؟" قال: فعل كذا كذا، قال: "اذهب فأنت حر" . رواه أحمد وغيره. وروي أن رجلاً أقعد أمة له في مقلى حار، فأحرق عجزها، فأعتقها عمر، رضي الله عنه، وأوجعه ضرباً. حكاه أحمد في رواية ابن منصور، وقال: وكذلك أقول.
"ولا عتق بخدش، وضرب، ولعن" لأنه لا نص فيه، ولا في معنى المنصوص عليه، ولا قياس يقتضيه،
"ويحصل بالملك، فمن ملك لذي رحم محرم من النسب" كأبيه وجده وإن علا، وولده وولد ولده وإن سفل، وأخيه وأخته وولدهما وإن نزل، وعمه وعمته وخاله وخالته.

"عتق عليه ولو حملاً" كمن اشترى زوجة ابنه أو أبيه أو أخيه الحامل، لحديث الحسن عن سمرة مرفوعاً: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" . رواه الخمسة وحسنه الترمذي، وقال: العمل على هذا عند أهل العلم. وأما حديث: "لا يجزئ ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه" . رواه مسلم. فيحتمل أنه أراد: فيعتقه بشرائه، كما يقال: ضربه فقتله، والضرب: هو القتل. وسواء ملكه بشراء، أو هبة، أو إرث، أو غنيمة أو غيرها، لعموم الخبر. ولا يعتق ابن عمه بملكه، لأنه ليس بمحرم ولا يعتق محرم من الرضاع، لأنه لا نص في عتقهم، ولا هم في معنى المنصوص عليه. وكذا الربيبة، وأم الزوجة وابنتها. قال الزهري: جرت السنة بأنه يباع الأخ من الرضاعة، ومال معتق غير مكاتب عتق بالأداء لسيده. روي عن ابن مسعود، وأبي أيوب، وأنس. وروى الأثرم عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير: يا عمير إني أريد أن أعتقك عتقاً هنيئاً، فأخبرني بمالك إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "أيما رجل أعتق عبده أو غلامه، فلم يخبره بماله، فماله لسيده" . ولأن العبد وماله كانا للسيد فأزال ملكه عن أحدهما فبقي في الآخر كما لو باعه. وحديث ابن عمر مرفوعاً: "من أعتق عبداً، وله مال فالمال للعبد" . رواه أحمد وغيره. قال أحمد: يرويه عبد الله بن أبي جعفر من أهل مصر، وهو ضيف الحديث، كان صاحب فقه، فأما الحديث فليس فيه بالقوي.
"وإن ملك بعضه عتق البعض، والباقي بالسراية إن كان موسراً، ويغرم حصة شريكه" لفعله سبب العتق اختيارا منه وقصداً إليه فسرى

ولزمه الضمان. وإن ملك بعضه بإرث لم يعتق عليه إلا ما ملك، ولو كان موسراً، لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه، لحصول ملكه بدون فعله وقصده.
"وكذا حكم كل من أعتق حصته من مشترك" في أنه يعتق عليه جميعه بالعتق والسراية إن كان موسراً، وإلا عتق منه بقدر ما هو موسر به، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "من أعتق شركاً له في عبد، فكان له ما يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق" . رواه الجماعة والدارقطنى، وزاد "ورق ما بقي" .
"فلو ادعى كل من موسرين أن شريكه أعتق نصيبه عتق، لاعتراف كل بحريته" وصار كل مدعياً على شريكه بنصيبه من قيمته، فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها.
"ويحلف كل لصاحبه" مع عدم البينة ويبرأ، فإن نكل أحدهما قضي عليه للآخر، لي إن نكلا جميعاً تساقط حقاهما لتماثلهما.
"وولاؤه لبيت المال" لأن أحدهما لا يدعيه، أشبه المال الضائع.
"ما لم يعترف أحدهما بعتقه فيثبت له" ولاؤه.
"ويضمن حق شريكه" أي: قيمة حصته، لما تقدم.

فصل ويصح تعليق العتق بالصفة
:
"كـ: إن فعلت كذا فأنت حر" لأنه عتق بصفة فيصح كالتدبير.
"وله وقفه، وكذا بيعه ونحوه" كهبته والوصية به.
"قبل وجود الصفة" ثم إن وجدت، وهو في ملك غير المعلق لم يعتق، لحديث: "لا طلاق، ولا عتاق، ولا بيع فيما لا يملك ابن آدم" . ولأنه لا ملك له عليه فلا يقع عليه عتقه، كما لو نجزه.
"فإن عاد لملكه" ولو بعد وجودها حال زوال ملكه عنه.
"عادت" الصفة.
"فمتى وجدت عتق" لأن التعليق والشرط وجدا في ملكه، كما لو لم يتخللها زوال ملك.
"ولا يبطل" ولو أبطله ما دام ملكه عليه، لأنها صفة لازمة ألزمها نفسه، فلا يملك إبطالها بالقول كالنذر.
"إلا بموته" فيبطل به التعليق، لزوال ملكه زوالاً غير قابل للعودة.
"فقوله: إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر، لغو" لأنه إعتاق له بعد استقرار ملك غيره عليه فلم يعتق، كما لو نجزه. وكقوله لعبد غيره: إن دخلت الدار فأنت حر.

"ويصح: أنت حر بعد موتي بشهر" ذكره القاضي وابن أبي موسى. كما لو وصى بإعتاقه، أو بأن تباع سلعته ويتصدق بثمنها.
"فلا يملك الوارث بيعه" قبل مضي الشهر، وكسبه قبله للورثة ككسب أم الولد حياة سيدها.
"ويصح قوله: كل مملوك أملكه فهو حر، فكل من ملكه عتق"
لإضافته العتق إلى حال يملك عتقه فيه، أشبه ما لو كان التعليق وهو في ملكه، بخلاف: إن تزوجت فلانة فهي طالق، لأن العتق مقصود من الملك، والنكاح لا يقصد به الطلاق، وفرق أحمد بأن الطلاق ليس لله تعالى، وليس فيه قربة إلى الله.
"و: أول" قن أملكه.
"أو: آخر قن أملكه" حر.
"و: أول، أو آخر من يطلع من رقيقي حر، فلم يملك" إلا واحداً،
"أو" لم.
"يطلع إلا واحد عتق" لأنه ليس من شرط الأول أن يكون له ثان، ولا من شرط الآخر أن يكون قبله أول. ولهذا من أسمائه تعالى: الأول، الآخر.
"ولو ملك اثنين معاً، أو طلعا معاً عتق واحد بقرعة" نص عليه، لوجود الصفة فيهما. والمعلق إنما أراد عتق واحد فقط، فيعين بالقرعة.
"ومثله الطلاق" إذا قال: أول امرأة لي تطلع ونحوه طالق، فطلع اثنتان معاً طلق واحدة بقرعة.

فصل وإن قال لرقيقه:
"أنت حر، وعليك ألف عتق في الحال بلا شيء" لأنه أعتقه بغير شرط، وجعل عليه عوضاً لم يقبله، فعتق ولم يلزمه شيء.
و: أنت حر
"على ألف أو بألف، لا يعتق حتى يقبل" لأنه أعتقه على عوض، فلا يعتق بدون قبوله. و على تستعمل للشرط، والعوض، كقوله: {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} 1 وقوله: {...أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} 2.
"ويلزمه الألف، و: على أن تخدمني سنة، يعتق بلا قبول، وتلزمه الخدمة" على الأصح.
"ويصح أن يعتقه، ويستثني خدمته مدة حياته، أو مدة معلومة" لقول سفينة: أعتقتني أم سلمة وشرطت علي أن أخدم النبي، صلى الله عليه وسلم، ما عاش رواه أحمد وابن ماجه، ورواه أبو داود بنحوه. وللسيد بيع الخدمة المستثناة من العبد أو من غيره. نص عليه في رواية حرب.
ـــــــ
1 الكهف من الآية/ 66.
2 الكهف من الآية/ 94.

"ومن قال: رقيقي حر أو زوجتي طالق، وله متعددة، ولم ينو معيناً، عتق وطلق الكل، لأنه مفرد مضاف فيعم" كل رقيق وكل زوجة. قال أحمد في رواية حرب: لو كان له نسوة، فقال: امرأته طالق: أذهب إلى قول ابن عباس: يقع عليهن الطلاق ليس هذا مثل قوله: إحدى زوجاتي طالق. كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 1 وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ...} 2. وحديث: "صلاة الجماعة تفضل عن صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة" . وهذا شامل لكل نعمة، وكل ليلة، وكل صلاة.
ـــــــ
1 إبراهيم من الآية/ 34.
2 البقرة من الآية/ 187.

باب التدبير
:
"وهو: تعليق العتق بالموت، كقوله لرقيقه: إن مت فأنت حر بعد موتي" سمي بذلك لأن الموت دبر الحياة، وأجمعوا على صحة التدبير في الجملة، وسنده حديث جابر: أن رجلاً أعتق مملوكاً عن دبر فاحتاج، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من يشتريه مني؟" فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، وقال: "أنت أحوج منه" متفق عليه.
"ويعتبر كونه" أي: التدبير.
"ممن تصح وصيته" فيصح من محجور عليه لسفه، وفلس ومميز يعقله.

"وكونه" أي: التدبير، في الصحة والمرض.
"من الثلث" نص عليه، لأنه تبرع بعد الموت، أشبه الوصية.
"وصريحه وكنايته كالعتق" و: أنت مدبر، أو: قد دبرتك، لأن هذا اللفظ موضوع له، فكان صريحاً فيه، كلفظ العتق في الإعتاق.
"ويصح مطلقاً، كـ: أنت مدبر. ومقيداً، كـ: إن مت في عامي هذا، أو مرضي هذا فأنت مدبر" فيكون ذلك جائزاً على ما قال، إن مات على الصفة التي قالها عتق، وإلا فلا، لأنه تعليق على صفة، فجاز مطلقاً ومقيداً، كتعليقه على دخول الدار.
"ومعلقاً، كـ، إذا قدم زيد فأنت مدبر" و: إن شفى الله مريضي فأنت حر بعد موتي ونحوه. فإن وجد الشرط في حياة سيده فهو مدبر، وإن لم يوجد حتى مات سيده بطلت الصفة بالموت لأنه يزول به الملك، ولم يوجد التدبير لعدم شرطه. قاله في الكافي.
"ومؤقتاً، كـ: أنت مدبر اليوم أو سنة" فيكون مدبراً تلك المدة، إن مات سيده فيها عتق، وإلا فلا. ويجوز تدبير المكاتب، لا نعلم فيه خلافاً. "ويجوز كتابة المدبر" رواه الأثرم عن أبي هريرة وابن مسعود. وعن محمد بن قيس بن الأحنف عن أبيه عن جده: أنه أعتق غلاماً له عن دبر وكاتبه، فأدى بعضاً وبقي بعض، ومات مولاه فأتوا ابن مسعود، فقال: ما أخذ فهو له، وما بقي فلا شيء لكم رواه البخاري في تاريخه.
"ويصح بيع المدبر وهبته" لحديث جابر، وقد سبق، ولأنه إما وصية أو تعليق على صفة، وأيهما كان لم يمنع البيع، وما ذكر أن ابن

عمر روى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يباع المدبر ولا يشترى" فلم يصح. ويحتمل أنه أراد بعد الموت. أو على الاستحباب، ولا يصح قياسه على أم الولد، لأن عتقها بغير اختيار سيدها، وليس بتبرع. ويكون من رأس المال.
وباعت عائشة، رضي الله عنها، مدبرة لها سحرتها. فقد روى الدارقطني عن عمرة: أن عائشة أصابها مرض، وأن بعض بني أخيها ذكروا شكواها لرجل من الزط1 يتطبب، وأنه قال لهم: إنكم لتذكرون امرأة مسحورة، سحرتها جارية لها، في حجر الجارية الآن صبي قد بال في حجرها. فذكروا ذلك لعائشة فقالت: ادعوا لي فلانة الجارية لها، فقالوا: في حجرها فلان صبي لهم قد بال في حجرها، فقالت: إيتوني بها، فأتيت بها، فقالت: سحر تيني؟ قالت: نعم. قالت لمه؟ قالت: أردت أن أعتق، وكانت عائشة أعتقتها عن دبر منها، فقالت: إن لله علي أن لا تعتقي أبداً، أنظروا أسوأ العرب ملكة فبيعوها منه، واشترت بثمنها جارية فأعتقتها. ورواه مالك في الموطأ، والحاكم وقال: صحيح. وعنه: لا يباع إلا في الدين، أو حاجة صاحبه، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، إنما باعه لحاجة صاحبه.
"فإن عاد لملكه عاد التدبير" لأنه علق عتقه بصفة، فإذا باعه أو وهبه، ثم عاد إليه عادت الصفة.
"ويبطل" التدبير
"بثلاثة أشياء:"
"1- بوقفه" لأن الوقف يجب أن يكون مستقراً.
ـــــــ
1 الزط: جنس من السودان الهنود.

"2- وبقتله لسيده" لأنه استعجل ما أجل له، فعوقب بنقيض قصده، كحرمان القاتل الميراث.
"3- بإيلاد الأمة" من سيدها، لأن مقتضى التدبير العتق من الثلث، والإيلاد: العتق من رأس المال، ولو لم يملك غيرها، فالإستيلاد أقوى، فيبطل به الأضعف.
"وولد الأمة الذي يولد بعد التدبير كهي" أي: بمنزلتها، سواء كانت حاملاً به حين التدبير، أو حملت به بعده، لقول عمر وابنه وجابر: ولد المدبرة بمنزلتها ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف. ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها فتبعها ولدها كأم الولد، بخلاف التعليق بصفة في الحياة والوصية، لأن التدبير آكد من كل منهما.
"وله وطؤها وإن لم يشترطه" حال تدبيرها، سواء كان يطؤها قبل تدبيرها، أو لا. روي عن ابن عمر: أنه دبر أمتين له وكان يطؤهما قال أحمد: لا أعلم أحداً كره ذلك غير الزهري، ولعموم قوله تعالى: {...أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} 1 وقياساً على أم الولد.
"و" له
"وطء بنتها إن جاز" بأن لم يكن وطئ أمها لتمام ملكه فيها، واستحقاقها الحرية لا يزيد على استحقاق أمها.
"ولو أسلم مدبر أو قن أو مكاتب لكافر ألزم بإزالة ملكه عنه" لئلا يبقى ملك كافر على مسلم مع إمكان بيعه، بخلاف أم الولد.
ـــــــ
1 المؤمنون من الآية/ 6.

"فإن أبى بيع عليه" أي: باعه الحاكم إزالة لملكه عنه، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 141.

باب الكتابة

باب الكتابة:
تسن كتابة من علم فيه خير، لقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} 1 يعني: كسباً وأمانة، في قول أهل التفسير. وقال أحمد: الخير: صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة. ونحوه قول: إبراهيم وعمرو بن دينار وغيرهما. وعنه: أنها واجبة إذا دعا العبد الذي فيه خير سيده إليها، لظاهر الآية. ولأن عمر أجبر أنساً على كتابة سيرين والأول أظهر. والآية محمولة على الندب، لحديث: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه" . وقول عمر يخالفه فعل أنس.
"وهي: بيع السيد رقيقه نفسه بمال" فلا تصح على خنزير وخمر
"في ذمته" لا معين.
"مباح" فلا تصح على آنية.
"معلوم" لأنها بيع
"يصح السلم فيه" فلا تصح بجوهر ونحوه، لئلا يفضي إلى التنازع.
"منجم" أي: مؤجل، لأن جعله حالاً يفضي إلى العجز عن أدائه،
وفسخ العقد بذلك، فيفوت المقصود. قاله في الكافي.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 33.

"بنجمين فصاعداً" أي: أكثر من نجمين، في قول أبي بكر، وظاهر كلام الخرقي، لأن علياً، رضي الله عنه، قال: الكتابة على نجمين، وإلا يتأمن الثاني وقال ابن أبي موسى: يجوز جعل المال كله في نجم واحد، لأنه عقد شرط فيه التأجيل، فجاز على نجم واحد كالسلم. قاله في الكافي.
"يعلم قدر كل نجم" بما عقد عليه من دراهم أو دنانير أو غيرهما.
"ومدته" لئلا يؤدي جهله إلى التنازع. ولا يشترط تساوي الأنجم، فلو جعل نجم شهر أو آخر سنة، أو جعل قسط أحدهما مائة والآخر خمسين جاز، لأن القصد العلم بقدر الأجل وقسطه، وقد حصل بذلك.
"ولا يشترط" للكتابة
"أجل له وقع في القدرة على الكسب" فيه، فيصح توقيت النجمين بساعتين في ظاهر كلام كثير من الأصحاب، ولكن العرف، والعادة، والمعنى: أنه لا يصح، قياساً على السلم، لكن السلم أضيق. قاله في تصحيح الفروع، وجزم في الإقناع بعدم الصحة، قال: وصوبه في الإنصاف.
"فإن فقد شيء من هذا ففاسدة" ويأتي حكمها.
"والكتابة في الصحة والمرض من رأس المال" لأنها معاوضة كالبيع والإجارة. قدمه في الإقناع، واختار الموفق، وجمع أنها في المرض المخوف من الثلث.
"ولا تصح إلا بالقول" لأن المعاطاة لا تمكن فيها صريحاً.

"من جائز التصرف" كالبيع.
"لكن لو كوتب المميز صح" لأنه يصح تصرفه وبيعه بإذن سيده، فصحت كتابته كالمكلف. وإيجاب سيده الكتابة له إذن له في قبولها.
"ومتى أدى المكاتب ما عليه لسيده" فقبضه منه سيده أو وليه، إن كان محجوراً عليه عتق، لمفهوم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" . رواه أبو داود. فدل بمفهومه على أنه إذا أدى جميع كتابته لا يبقى عبداً.
"أو أبرأه منه عتق" لأنه لم يبق عليه شيء منها.
"وما فضل بيده" بعد أدائه ما عليه من مال الكتابة
"فله" أي: المكاتب، لأنه كان له قبل عتقه، فبقي على ما كان.
"وإن أعتقه سيده وعليه شيء من مال الكتابة" كان جميع ما معه لسيده، لأنه عتق بغير الأداء. وتقدم الخبر فيه.
"أو مات قبل وفائها كان جميع ما معه لسيده" نص عليه، لأنه مات وهو عبد، كما لو لم يخلف وفاء.
"ولو أخذ السيد حقه ظاهراً" أي: عملاً بالظاهر في كون ما بيد الإنسان ملكه،
"ثم قال: هو حر، ثم بان العوض مستحقاً" أي: مغصوباً ونحوه.
"لم يعتق" لفساد القبض. وإنما قال: هو حر، اعتمادا على صحة القبض.

فصل ويملك المكاتب كسبه ونفعه
:
"وكل تصرف يصلح ماله: كالبيع والشراء والإجارة والاستدانة" لأن الكتابة وضعت لتحصيل العتق، ولا يحصل العتق إلا بالأداء، ولا يمكنه الأداء إلا بالتكسب، وهذه أقوى أسبابه. وفي بعض الآثار: تسعة أعشار الرزق في التجارة. ولأنه لما ملك الشراء بالنقد ملكه بالنسيئة. وتتعلق استدانته بذمته، يتبع بها بعد عتقه، لأن ذمته قابلة للاشتغال، ولأنه في يد نفسه، وليس من سيده غرور، بخلاف العبد المأذون.
"والنفقة على نفسه" لأن هذا من أهم مصالحه.
"ومملوكه" وزوجته وولده التابع له في كتابته من كسبه، لأن فيه مصلحة.
"لكن ملكه غير تام" لأنه في حكم المعسر.
"فلا يملك أن يكفر بمال، أو يسافر لجهاد، أو يتزوج، أو يتسرى، أو يتبرع أو يقرض، أو يجابي، أو يرهن، أو يضارب أو يبيع مؤجلاً، أو يزوج رقيقه أو يحده أو يكاتبه، إلا بإذن سيده" في الكل، لأن حق سيده لم ينقطع عنه، لأنه ربما عجز فعاد إليه كل ما في ملكه. فإن أذن له السيد في شيء من ذلك جاز، لأن المنع لحقه، فإذا أذن زال المانع.
"والولاء" على من أعتقه المكاتب، أو كاتبه بإذن سيده فأدى ما عليه.

"للسيد" لأن المكاتب كوكيله في ذلك.
"وولد المكاتبة إذا وضعته بعدها" أي: بعد كتابتها.
"يتبعها في العتق بالأداء أو الإبراء لا بإعتاقها" بدون أداء أو إبراء، كما لو لم يكن مكاتبة.
"ولا إن ماتت" قيل الأداء والإبراء، لبطلان الكتابة بموتها.
"ويصح شرط وطء مكاتبته" نص عليه، لبقاء أصل الملك، ولأن بضعها من جملة منافعها، فإذا استثنى نفعه صح، كما لو استثنى منفعة أخرى.
"فإن وطئها بلا شرط عزر" إن علم التحريم، لفعله ما لا يجوز له، ولا حد عليه لأنها مملوكته.
"ولزمه المهر ولو مطاوعة" لأنه وطء شبهة، ولأنه عوض منفعتها، فوجب لها، ولأن عدم منعها من الوطء ليس إذناً فيه. ولهذا لو رأى مالك مال من يتلفه، فلم يمنعه، لم يسقط عنه ضمانه.
"وتصير إن ولدت أم ولد" لأنها أمته ما بقي عليها درهم.
"ثم إن أدت عتقت" وكسبها لها.
"وإلا فبموته" بكونها أم ولد، وما بيدها لورثته، كما لو أعتقها قبل موته.
"ويصح نقل الملك في المكاتب" ذكراً كان أو أنثى، لقول بريرة لعائشة: إني كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني على كتابتي. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لعائشة: "اشتريها"

متفق عليه. وليس في القصة ما يدل على أنها عجزت، بل استعانتها بها دليل بقاء كتابتها. وتقاس الهبة والوصية ونحوهما على البيع.
"ولمشتر جهل الكتابة الرد أو الأرش" لأنها عيب في الرقيق، لنقص قيمته بملكه نفعه وكسبه.
"وهو كالبائع في أنه إذا أدى ما عليه يعتق" للزوم الكتابة. فلا تنفسخ بنقل الملك فيه.
"وله الولاء" إذا أدى إليه، وعتق لعتقه عليه في ملكه. ويعود قناً بعجزه عن الأداء، لقيامه مقام البائع.
"ويصح وقفه، فإذا أدى بطل الوقف" لأن الكتابة لا تبطل به.

فصل والكتابة عقد لازم من الطرفين
:
لأنها بيع.
"لا يدخلها خيار مطلقاً" لأن القصد منها تحصيل العتق، فكأن السيد علق عتق المكاتب على أداء مال الكتابة، ولأن الخيار شرع لاستدراك ما يحصل للعاقدين من الغبن، والسيد والمكاتب دخلا فيه راضيين بالغبن.
"ولا تنفسخ بموت السيد وجنونه، ولا بحجر عليه" لسفه أو فلس كبقية العقود اللازمة.
"ويعتق بالأداء إلى من يقوم مقامة" أي: السيد من وليه ووكيله، أو الحاكم مع غيبة سيده، أو إلى وارثه إن مات. والولاء للسيد لا للوارث، كما لو وصى بما عليه لشخص فأدى إليه.

"وإذا حل نجم، فلم يؤده، فلسيده الفسخ" كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع قبل قبضه.
"ويلزم إنظاره ثلاثاً" إن استنظره.
"لبيع عرض، ولمال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه" قصداً لحظ المكاتب والرفق به، مع عدم الإضرار بالسيد.
"ويجب علي السيد أن يدفع للمكاتب ربع مال الكتابة" لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} 1 وظاهر الأمر الوجوب. وروى أبو بكر بإسناده عن علي مرفوعاً في قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} 1 ربع الكتابة وروي موقوفاً على علي، رضي الله عنه، وقال علي: الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني. ويخير السيد بين وضعه عنه ودفعه إليه لأن الله نص على الدفع إليه، فنبه به على الوضع لكونه أنفع. فإن مات السيد بعد العتق وقبل الإيتاء فذلك دين في تركته يحاص به الغرماء، لأنه حق لآدمي فلم يسقط بالموت كسائر حقوقه.
"وللسيد الفسخ بعجزه عن ربعها" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "أيما عبد كوتب على مائة أوقية فأداها، إلا عشر أوقيات فهو رقيق" . رواه الخمسة إلا النسائي. وفي لفظ: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" . رواه أبو داود. وروى الأثرم عن عمر وابنه وعائشة وزيد بن ثابت أنهم قالوا: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" ولأن الكتابة عوض عن المكاتب، فلا يعتق قبل أداء جميعها. ويحمل
ـــــــ
1 النور من الآية/ 33.

حديث أم سلمة مرفوعاً: "إذا كان لإحداكن مكاتب، وكان عنده ما يؤدي، فلتحتجب منه" . صححه الترمذي على الندب، جمعاً بينه وبين ما روى سعيد عن أبي قلابة قال: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه دينار.
"وللمكاتب ولو قادراً على التكسب تعجيز نفسه" بترك التكسب، لأن دين الكتابة غير مستقر عليه، ومعظم القصد بالكتابة تخليصه من الرق، فإذا لم يرد ذلك لم يجبر عليه. فإن ملك ما يوفي كتابته، لم يملك تعجيز نفسه، لتمكنه من الأداء، وهو سبب الحرية التي هي حق لله عز وجل، فلا يملك إبطالها مع حصول سببها بلا كلفة، ويجبر على الأداء ليعتق به.
"ويصح فسخ الكتابة باتفاقهما" فيصح أن يتقايلا أحكامها قياساً على البيع.
قاله في الكافي. وفي الفروع يتوجه أن لا يجوز لحق الله تعالى.

فصل وإن اختلفا في الكتابة فقول المنكر
:
بيمينه لأن الأصل عدمها.
"وفي قدر عوضها أو جنسه أو أجلها أو وفاء مالها، فقول السيد" بيمينه -نص عليه- أشبه ما لو اختلفا في أصلها، ولأن الأصل ملك السيد للعبد وكسبه، فإذا حلف السيد ثبتت الكتابة بما حلف عليه.
"والكتابة الفاسدة - كـ: على خمر، أو خنزير، أو مجهول - يغلب فيها حكم الصفة في أنه إذا أدى" ما سمي فيها.

"عتق" لأن الكتابة جمعت معاوضة وصفة، فإذا بطلت المعاوضة، بقيت الصفة، فعتق بها. قاله في الكافي. وسواء صرح بالصفة بأن قال: إذا أديت إلي ذلك فأنت حر، أو لا، لأنه مقتضى الكتابة، فهو كالمصرح به، وكالكتابة الصحيحة. وإذا عتق بالأداء لم يلزمه قيمة نفسه، ولم يرجع على سيده بما أعطاه، لأنه عتق بالصفة، وما أخذه السيد منه فهو من كسب عبده.
"لا إن أبرئ" العبد من العوض الفاسد، فإنه لا يعتق لعدم صحة البراءة، لأن الفاسد لا يثبت في الذمة.
"ولكل فسخها" لأنها عقد جائز، لأن الفاسد لا يلزم حكمه، وسواء كان فيه صفة أو لم يكن، لأن المقصود المعاوضة، فصارت الصفة مبنية عليها، بخلاف الصفة المجردة. ويملك المكاتب في الفاسدة التصرف في كسبه وأخذ الزكاة والصدقات كالصحيحة، ولا يلزم السيد في الفاسدة أداء ربعها ولا شيء منها، لأن العتق هنا بالصفة، أشبه ما لو قال: إذا أديت إلي فأنت حر.
"وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر عليه" لسفه لأنها عقد جائز من الطرفين، فلا يؤول إلى اللزوم، وأيضاً فالمغلب فيها حكم الصفة المجردة، وهي تبطل بالموت.

باب أحكام أم الولد
:
الأحكام: جمع حكم، وهو: خطاب الله تعالى المفيد فائدة شرعية. ويجوز التسري بالإجماع، لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 1 وفعله عليه الصلاة والسلام.
"وهي: من ولدت من المالك ما فيه صورة، ولو خفية" فلا تصير أم ولد بوضع نطفة أو علقة لا تخطيط فيها، لأنه ليس بولد.
"وتعتق" أم الولد
"بموته" أي: سيدها.
"ولو لم يملك غيرها" لحديث ابن عباس مرفوعاً: "من وطئ أمته فولدت فهي معتقة عن دبر منه" . رواه أحمد وابن ماجه. وعنه أيضاً: قال ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: "أعتقها ولدها" . رواه ابن ماجه، والدارقطني. ولأنه إتلاف حصل بسبب الاستمتاع، فحسب من رأس المال، كإتلاف ما يأكله.
"ومن ملك حاملاً فوطئها" قبل وضعها
"حرم بيع ذلك الولد" ولم يصح، ويلزمه عتقه. نص عليه في رواية صالح وغيره، لأنه قد شرك فيه، لأن الماء يزيد في الولد. وقد قال عمر: أبعد ما اختلطت دماؤكم ودماؤهن، ولحومكم ولحومهن
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 3.

بعتموهن؟! فعلل بالاختلاط وقد وجد. قال الشيخ تقي الدين: ويحكم بإسلامه، وأنه يسري كالعتق، أي: ولو كانت كافرة حاملاً من كافر، فيحكم بإسلام الحمل، لأن المسلم شرك فيه، فيسري إلى باقيه.
"ومن قال لأمته: أنت أم ولدي، أو: يدك أم ولدي، صارت أم ولد" لأن إقراره بأن جزءاً منها مستولد يلزمه الإقرار. باستيلادها، كقوله: يدك حرة.
"وكذا لو قال لابنها: أنت ابني، أو يدك ابني، ويثبت النسب" بهذا الإقرار.
"فإن مات ولم يبين هل حملت به في ملكه، أو غير لم تصر أم ولد إلا بقرينة" كما لو كان ملكها صغيرة.
"ولا يبطل إيلاد بحال ولو بقتلها لسيدها" لعموم ما تقدم. ويملك الرجل استخدام أم ولده، وإجارتها ووطأها، وتزويجها. وحكمها حكم الأمة في صلاتها وغيرها، لأنها باقية على ملكه، إنما تعتق بعد الموت لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "فهي معتقة عن دبر منه" . وقوله: "معتقة من بعده" فدل على أنها قبل ذلك باقية في الرق. ولا يملك بيعها، ولا هبتها، ولا الوصية بها ووقفها، لحديث ابن عمر مرفوعاً: نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: "لا يبعن، ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع منها السيد ما دام حياً، فإذا مات فهي حرة" رواه الدارقطني، ورواه مالك في الموطأ، والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر موقوفاً. ويروى منع بيع أمهات الأولاد عن عمر وعثمان وعائشة.

قال في الفروع: وحكى ابن عبد البر وأبو حامد الإسفرائيني وأبو الوليد الباجي وابن بطال والبغوي: الإجماع على أنه لا يجوز. انتهى. وقال ابن عقيل: يجوز البيع، لأنه قول علي وغيره، وإجماع التابعين لا يرفعه، وبه قال ابن عباس وابن الزبير. وأما حديث جابر: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا. رواه أبو داود. فليس فيه تصريح بأنه كان بعلمه عليه الصلاة والسلام، وعلم أبي بكر، وإلا لم تجز مخالفته، ولم تجمع الصحابة بعد على مخالفتهما. قال في المنتقى: قال بعض العلماء: إنما وجه هذا أن يكون في ذلك مباحاً، ثم نهي عنه، ولم يظهر النهي لمن باعها، ولا علم أبو بكر بمن باع في زمانه، لقصر مدته واشتغاله بأهم أمور الدين. ثم ظهر ذلك زمن عمر، فأظهر النهي والمنع. وهذا مثل حديث جابر أيضا في المتعة، لامتناع النسخ بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقد جاء ما يدل على موافقة علي، رضي الله عنه، على المنع، فروى سعيد بإسناده عن عبيدة قال: خطب علي، رضي الله عنه، الناس، فقال: شاورني عمر في أمهات الأولاد، فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن، فقضى به عمر حياته، وعثمان حياته، فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة: فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده. وروى عنه أنه قال: بعث علي إلي وإلى شريح أن اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف. ذكره في الكافي.
"وولدها الحادث بعد إيلادها كهي" فيجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها، ويمتنع فيه ما يمتنع فيها، سواء عتقت بموت سيدها أو

ماتت قبله، لأن الولد يتبع أمه حرية ورقاً. قال أحمد: قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما: ولدها بمنزلتها.
"لكن لا يعتق بإعتاقها" لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها فيه، فبقي عتقه موقوفاً على موت سيده،
"أو موتها قبل السيد، بل بموته" لما تقدم.
"وإن مات سيدها وهي حامل، فنفقتها مده حملها من ماله" أي: نصيب الحمل الذي وقف له لملكه له.
"وإلا فعلى وارثه" أي: وارث الحمل، لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 1.
"وكلما جنت أم الولد لزم السيد فداؤها بالأقل من الأرش أو يوم الفداء" لأنها مملوكة له، يملك كسبها أشبهت القن. قال في الشرح: وينبغي أن تجب قيمتها معيبة بعيب الإستيلاد، لأن ذلك ينقصها، فاعتبر كالمرض، وغيره من العيوب. انتهى.
"وإن اجتمعت أروش قبل إعطاء شيء منها، تعلق الجميع برقبتها، ولم يكن على السيد إلا الأقل من أرش الجميع أو قيمتها" يشترك فيها أرباب الجنايات،
"ويتحاصون بقدر حقوقهم" إن لم تف بجميعها، لأن السيد لا يلزمه أكثر منه، كالجنايات على شخص واحد.
"وإن أسلمت أم ولد لكافر منع من غشيانها، وحيل بينه وبينها"
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 333.

لتحريمها عليه بالإسلام، ولا تعتق به، بل يبقى ملكه عليها على ما كان قبل إسلامها،
"وأجبر على نفقتها إن عدم كسبها" لأن نفقة المملوك على سيده، فإن كان لها كسب فنققتها فيه، لئلا يبقى له ولاية عليها بأخذ كسبها والإنفاق عليها مما شاء.
"فإن أسلم حلت له" لزوال المانع وهو الكفر.
"وإن مات كافراً عتقت" بموته لعموم الأخبار.

كتاب النكاح


كتاب النكاح:
"يسن لذي شهوة لا يخاف الزنى" لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 وقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ...} 2. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" . رواه الجماعة من حديث ابن مسعود. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "إني أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" . متفق عليه. وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء. رواه أحمد والبخاري.
"ويجب على من يخافه" أي: يخاف الزنى بتركه من رجل أو امرأة، في قول عامة الفقهاء. قاله في الشرح، لأنه طريق إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام.
"ويباح لمن لا شهوة له" كالعنين، والكبير، لعدم منع الشرع منه.
"ويحرم بدار الحرب، لغير ضرورة" نص عليه في رواية الأثرم وغيره،
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 3.
2 النور من الآية/ 32.

قال: من أجل الولد لئلا يستعبد، فإن اضطر أبيح له نكاح مسلمة وليعزل عنها، ولا يتزوج منهم. وأما الأسير، فظاهر كلام أحمد لا يحل له التزوج ما دام أسيراً. قال في المغني في آخر الجهاد.
"ويسن نكاح ذات الدين" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك" . متفق عليه. ولمسلم معناه من حديث جابر.
"الولود" لحديث أنس مرفوعاً: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" . رواه سعيد.
"البكر" لقوله، صلى الله عليه وسلم، لجابر: "فهلا بكراً، تلاعبها وتلاعبك" متفق عليه.
"الحسيبة" ليكون ولدها نجيباً من بيت معروف بالدين والصلاح.
"الأجنبية" فإن ولدها يكون أنجب، ولأنه لا يؤمن الطلاق، فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها. الجميلة، لأنه أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته. وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله: أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها، ولا في ماله بما يكره" رواه أحمد والنسائي.
"ويجب غض البصر عن كل ما حرم الله تعالى" لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ...} 1 وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه "والعينان زناهما النظر" الحديث
ـــــــ
1 النور من الآية/30.

متفق عليه. وعن جرير قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن نظر الفجاءة، فقال: "اصرف بصرك" . رواه أحمد ومسلم وأبو داود. قال في الفروع: وليحذر العاقل إطلاق البصر، فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه، وربما وقع من ذلك العشق، فيهلك البدن والدين، فمن ابتلي بشيء من ذلك فليفكر في عيوب النساء. قال ابن مسعود: إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها وما عيب نساء الدنيا بأعجب من قوله تعالى: {...لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} 1 انتهى.
"فلا ينظر إلا ما ورد الشرع بجوازه" ويأتي.
"والنظر ثمانية أقسام:"
"الأول: نظر الرجل البالغ" ولو مجبوباً قال الأثرم: استعظم الإمام أحمد إدخال الخصيان على النساء.
"للحرة البالغة الأجنبية، لغير حاجة، فلا يجوز نظر شيء منها، حتى شعرها المتصل" لما تقدم. وقيل: إلا الوجه والكفين. وهذا مذهب الشافعي، لقوله تعالى: {...إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...} 2. قال ابن عباس: الوجه والكفين.
"الثاني: نظره لمن لا تشتهى: كعجوز، وقبيحة، فيجوز لوجهها خاصة" لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً...} 3 الآية والقبيحة في معناها.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 57.
2 النور من الآية/ 31.
3 النور من الآية/ 60.

"الثالث: نظره للشهادة عليها، أو لمعاملتها، فيجوز لوجهها، وكذا لكفيها للحاجة" أي: لحاجته إلى معرفتها بعينها، للمطالبة بحقوق العقد، ولتحمل الشهادة، وأدائها.
"الرابع: نظره لحرة بالغة يخطبها، فيجوز للوجه، والرقبة، واليد، والقدم" لحديث جابر مرفوعاً: "إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" . قال: فخطبت جارية من بني سلمة، فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها. رواه أحمد وأبو داود. قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها، وفيه أحاديث كثيرة. انتهى. وعن الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم. وقال ابن عبد البر: كان يقال: لو قيل للشحم: أين تذهب؟ لقال: أقوم العوج. وكذا أمة مستامة، لما روى أبو حفص بإسناده: أن ابن عمر كان يضع يده بين ثدييها، وعلى عجزها من فوق الثياب، ويكشف عن ساقها ذكره في الفروع.
"الخامس: نظره إلى ذوات محارمه" وهي: من تحرم عليه أبداً بنسب: كأمه، وأخته، أو بسبب: كرضاع، ومصاهرة، فيجوز نظره إلى ما يظهر منها غالباً لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} 1. وقال تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ} 2. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لعائشة "إئذني له فإنه عمك" .
"ولبنت تسع" لحديث: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" . فدل
ـــــــ
1 النور من الآية/ 55.
2 الأحزاب من الآية/ 31.

على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة الرأس، فيكون حكمها مع الرجال كذوات المحارم. وروى أبو بكر بإسناده: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، في ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا، وهذا: وأشار إلى وجهه، وكفيه" ورواه أبو داود، وقال: هذا مرسل.
"أو أمة لا يملكها، أو يملك بعضها" قال ابن المنذر: ثبت أن عمر قال لأمة رآها متقنعة: اكشفي رأسك، ولا تشبهي بالحرائر، وضربها بالدرة. فإن كانت جميلة حرم النظر إليها، كما يحرم إلى الغلام خشية الفتنة. قال أحمد في الأمة إذا كانت جميلة: تنقبت.
"أو كان لا شهرة له: كعنين، وكبير" لقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ...} 1. أي: الذي لا إرب له في النساء. كذلك فسره مجاهد، وقتادة، ونحوه عن ابن عباس، أن النبي، صلى الله عليه وسلم لم يمنع المخنث من الدخول على نسائه، فلما وصف ابنة غيلان، وفهم أمر النساء، أمر بحجبه.
"أو كان مميزاً، وله شهوة" لقوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ...} 2. ثم قال: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا...} 3.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 31.
2 النور من الآية/ 58.
3 النور من الآية/ 59.

ففرق بينه وبين البالغ. قال الإمام أحمد: حجم أبو طيبة أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو غلام.
"أو كان رقيقاً غير مبعض ومشترك، ونظر لسيدته، فيجوز للوجه والرقبة، واليد، والقدم، والرأس، والساق" لقوله تعالى: {...أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ...} 1. وعن أنس: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، ما تلقى، قال: "إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك، وغلامك" . رواه أبو داود. ويعضده قوله: "إذا كان لإحداكن مكًاتب وعنده ما يؤدي، فلتحتجب منه" . صححه الترمذي.
"السادس: نظره للمداواة، فيجرز للمواضع التي يحتاج إليها" وكذا لمسه، ويستر ما عداه، لكن بحضرة زوج، أو محرم. ومثله من يلي خدمة مريض في وضوء واستنجاء، وكذا حال تخليص من غرق ونحوه، وكذا لو حلق عانة من لا يحسنه. نص عليه لأمره، صلى الله عليه وسلم، بالكشف عن مؤتزر بني قريظة وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق، فقال: انظروا إلى مؤتزره، فلم يجدوه أنبت الشعر، فلم يقطعه.
"السابع: نظره لأمته المحرمة" كالمزوجة،
"ولحرة مميزة دون تسع، ونظر المرأة للمرأة، وللرجل الأجنبي، ونظر المميز الذي لا شهوة له للمرأة، ونظر الرجل للرجل ولو أمرد، يجوز إلى ما عدا ما بين السرة والركبة" .
ـــــــ
1 النور من الآية/ 31.

أما الأمة: فلحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "إذا زوج أحدكم جاريته عبده، أو أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السرة والركبة، فإنه عورة" . رواه أبو داود. ومفهومه إباحة النظر إلى ما عدا ذلك.
وأما الحرة المميزة التي لا تصلح للنكاح: فلأن حكمها مع الرجال حكم المميز مع النساء، والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل. وعنه: إن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية، ولا تدخل معها الحمام، لقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ...} 1 فتخصيصهن بالذكر يدل على اختصاصهن بذلك.
وأما نظر المرأة للرجل: فلقوله صلى الله عليه وسلم، لفاطمة بنت قيس: "اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك فلا يراك" . وقالت عائشة: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد. متفق عليه. وعنه: لا يباح، لحديث نبهان عن أم سلمة قالت كنت قاعدة عند النبي، صلى الله عليه وسلم، أنا وحفصة، فاستأذن ابن أم مكتوم، فقال صلى الله عليه وسلم: "احتجبا منه" ، فقلت: يا رسول الله إنه ضرير لا يبصر، قال: "أفعمياوان أنتما لا تبصرانه !؟" . رواه أبو داود والنسائي. وقد قال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين: هذا الحديث، والآخر "إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه" . كأنه أشار إلى ضعفه. وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث، ثم يحتمل الخصوص. قيل لأحمد: حديث نبهان لأزواجه صلى الله عليه وسلم، وحديث فاطمة لسائر الناس، قال: نعم.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 31.

وأما المميز: فلقوله تعالى: {...أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ...} 1 وأما نظر الرجل للرجل: فلأن تخصيص العورة بالنهي دليل إباحة النظر إلى غيرها، ولمفهوم حديث أبي سعيد مرفوعاً: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" . رواه أحمد ومسلم. لكن إن كان الأمرد جميلاً، يخاف الفتنة بالنظر إليه، لم يجز تعمد النظر إليه. وروى الشعبي قال: قدم وفد عبد القيس على النبي، صلى الله عليه وسلم، وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي، صلى الله عليه وسلم، وراء ظهره رواه أبو حفص.
"الثامن: نظره لزوجته وأمته المباحة له، ولو لشهوة، ونظر من دون سبع، فيجوز لكل نظر جميع بدن الآخر" حتى الفرج. نص عليه، لقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ...} 2 وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك، إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك" . حسنه الترمذي. ومن دون سبع لا حكم لعورته، لما روى أبو حفص عن أبي ليلى، قال: كنا جلوساً عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فجاء الحسن، فجعل يتمرغ عليه، فرفع مقدم قميصه - أراه قال: فقبل زبيبه. وقال أحمد في رواية الأثرم - في الرجل يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها -: إن وجد شهوة فلا، وإلا فلا بأس.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 31.
2 المؤمنون من الآية/ 6.

والسنة: عدم نظر أحد الزوجين إلى فرج الآخر، لأنه أغلظ العورة، ولقول عائشة: ما رأيت فرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قط رواه ابن ماجه. وفي لفظ: ما رأيته من النبي، صلى الله عليه وسلم، ما رآه مني.

فصل ويحرم النظر لشهوة
:
"أو مع خوف ثورانها إلى أحد ممن ذكرنا" غير زوجته، وسريته، لأنه داعية إلى الفتنة. وقال الشيخ تقي الدين: من استحله، كفر إجماعاً. نقله عنه في الفروع و الإنصاف وغيرهما.
"ولمس، كنظر، وأولى" لأنه أبلغ منه، فيحرم اللمس حيث يحرم النظر.
"ويحرم التلذذ بصوت الأجنبية، ولو بقراءة" لأنه يدعو إلى الفتنة بها.
"ويحرم خلوة رجل غير محرم بالنساء، وعكسه" بأن يخلو عدد من رجال بامرأة واحدة، لحديث جابر مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان" رواه أحمد. وعن ابن عباس معناه. متفق عليه. وقال الشيخ تقي الدين: الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة، والمقر لموليه عند من يعاشره لذلك ملعون ديوث، ولو لمصلحة تعليم وتأديب. ذكره عنه في الفروع و الإنصاف.
"ويحرم التصريح بخطبة المعتدة البائن، لا التعريض" لمفهوم قوله

تعالى: {...وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ...} 1. فتخصيص التعريض بنفي الحرج يدل على عدم جواز التصريح، ولأنه لا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح على الإخبار بانقضاء عدتها قيل انقضائها. وقد دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة، فقال: لقد علمت أني رسول الله، وخيرته من خلقه، وموضعي من قومي. وكانت تلك خطبته رواه الدارقطنى. وهذا تعريض بالنكاح في عدة الوفاة. وقال ابن عباس في الآية يقول: إني أريد التزويج، ولوددت أنه يسر لي امرأة صالحة رواه البخاري.
"إلا بخطبة الرجعية" فيحرم التعريض لأنها في حكم الزوجات أشبهت التي في صلب النكاح.
"وتحرم خطبة على خطبة مسلم أجيب" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" . رواه البخاري والنسائي. ولما فيها من الإفساد على الأول وإيذائه، وإيقاع العداوة.
"ويصح العقد" مع تحريم الخطبة، لأن أكثر ما فيه تقدم حظر على العقد، أشبه ما لو قدم عليه تصريحاً أو تعريضاً محرماً. وعن مالك وداود: لا يصح العقد، فإن لم يعلم الثاني إجابة الأول، أو ترك الأول الخطبة، أو أذن للثاني فيها جاز، لحديث ابن عمر يرفعه: "لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن الخاطب" . رواه أحمد والبخاري والنسائي. والتعويل في الإجابة، والرد على ولي مجبرة، وإلا فعليها. وقد جاء عن عروة: أن النبي، صلى الله
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 235.

عليه وسلم، خطب عائشة إلى أبي بكر رواه البخاري، مختصراً مرسلاً. وعن أم سلمة قالت: لما مات أبو سلمة أرسل إلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطبني، وأجبته رواه مسلم مختصراً. ويسن العقد مساء يوم الجمعة، لما روى أبو حفص العكبري مرفوعاً: "أمسوا بالإملاك فإنه أعظم للبركة" ولأن في آخر يوم الجمعة ساعة الإجابة، فاستحب العقد فيها لأنها أحرى لإجابة الدعاء لها. ويسن أن يخطب قبله بخطبة ابن مسعود1 رواه الترمذي وصححه. وروي عن أحمد: أنه كان إذا حضر عقد نكاح، ولم يخطب فيه بخطبة ابن مسعود، قام وتركهم. وهذا على طريق المبالغة في استحبابها، لا على إيجابها. قال
ـــــــ
1 وهي: إن الخمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71]، أما بعد.
كذا أثبتها المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني في رسالته الخاصة بها طبع دمشق 1373.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية1 بعد ذكر خطبة الحاجة: ولهذا استحبت وفعلت في مخاطبة الناس بعد بالعلم عموما وخصوصا من تعليم الكتاب والسنة والفقه في ذلك، وموعظة الناس ومجادلتهم، أن نفتتح بهذه الخطبة الشرعية النبوية،... فإن حديث ابن مسعود لم يخص النكاح من جملة ذلك.
وإن مراعاة السنن الشرعية في الأقوال والأفعال والأعمال في جميع العبادات والعادات هو كمال الصراط المستقيم، وما سوى ذلك وإن لم يكن منهيا عنه، فإنه منقوص مرجوح، إذ خير الهدي هدي محمد.
__________
1 كلامه هذا موجود بخط يده الوجه الثاني من الورقة 63 من المجموع 69 في المكتبة الظاهرية بدمشق.

في الشرح: وليست واجبة عند أحد إلا داود. انتهى. ويجزيء أن يتشهد، ويصلي على النبي، صلى الله عليه وسلم، لما روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعي ليزوج، قال: الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد، إن فلاناً يخطب إليكم، فإن أنكحتموه فالحمد لله، وإن رددتموه فسبحان الله ولا يجب شيء من ذلك، لما في المتفق عليه أن رجلاً قال للنبي، صلى الله عليه وسلم: زوجنيها. فقال: "زوجتكها بما معك من القرآن" . وعن رجل من بني سليم قال: خطبت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، أمامة بنت عبد المطلب، فأنكحني من غير أن يتشهد. رواه أبو داود. ولا بأس بسعي الأب للأيم، واختيار الأكفاء، لعرض عمر حفصة على أبي بكر وعثمان، رضي الله عنهم.

باب ركني النكاح وشروطه

باب ركني النكاح وشروطه:
"ركناه: 1-الإيجاب" وهو: اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه بلفظ النكاح أو تزويج ممن يحسن العربية، لأنهما اللفظان الوارد بهما القرآن. قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 وقال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} 2. وقول سيد لمن يملكها: أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك. لحديث أنس مرفوعاً: "أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها" متفق عليه.
"2-والقبول" وهو: اللفظ الصادر من الزوج، أو من يقوم مقامه، بلفظ: قبلت، أو: رضيت هذا النكاح، أو: قبلت فقط.
"مرتبين" لأن القبول إنما هو للإيجاب، فيشترط تأخره عنه، فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً.
"ويصح النكاح هزلاً" وتلجئة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة" حسنه الترمذي.
"وبكل لسان من عاجز عن عربي" لأن ذلك في لغته نظير الإنكاح والتزويج. و: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا...} 3 ولا يلزمه
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 3.
2 الأحزاب من الآية/ 37.
3 البقرة من الآية/ 286.

تعلم أركانه بالعربية، لأن النكاح غير واجب، فلم يلزم تعلم أركانه، ولأن المقصود هنا المعنى دون اللفظ، لأنه غير متعبد بتلاوته. وقال الشيخ تقي الدين: ينعقد بما عده الناس نكاحاً بأي لغة ولفظ، ولم ينقل عن أحمد أنه خص بلفظ إنكاح أو تزويج، وأول من قاله من أصحابه فيما علمت ابن حامد، وتابعه عليه القاضي، ومن جاء بعده بسبب انتشار كتبه، وكثرة أصحابه وأتباعه. انتهى.
"لا بالكتابة، والإشارة إلا من أخرس" فيصح منه بالإشارة - نص عليه - كبيعه، وطلاقه، والكتابة أولى. قال في الشرح: ولا يثبت خيار الشرط، ولا خيار المجلس في النكاح. لا نعلم فيه خلافاً.
"وشروطه خمسة:"
"الأول: تعيين الزوجين: فلا يصح: زوجتك بنتي، وله غيرها، ولا: قبلت نكاحها لابني، وله غيره، حتى يميز كل منهما باسمه، أو صفته" لأن التعيين لا يحصل بدونه، فإن كانت حاضرة، فقال: زوجتك هذه، أو قال: زوجتك بنتي، ولم يكن له غيرها صح، لحصول التعيين.
"الثاني: رضي زوج مكلف" أي: بالغ عاقل.
"ولو رقيقاً" نص عليه. فليس لسيده إجباره، وأما قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} الآية1. فالأمر مختص بحال طلبه، بدليل عطفه على الأيامى.
"فيجبر الأب، لا الجد في غير المكلف" من أولاده، لما روي أن ابن
ـــــــ
1 النور من الآية/ 32.

عمر زوج ابنه وهو صغير، فاختصموا إلى زيد، فأجازاه جميعا. رواه الأثرم. والبالغ المعتوه في معنى الصغير في ظاهر كلام أحمد والخرقي.
"فإن لم يكن فوصيه" لقيامه مقامه، أشبه الوكيل.
"فإن لم يكن فالحاكم لحاجة" لأنه ينظر في مصالحهما بعد الأب ووصيه.
"ولا يصح من غيرهم أن يزوج غير المكلف" لأنه إذا لم يملك تزويج الأنثى مع قصورها فالذكر أولى.
"ولو رضي" لأن رضاه غير معتبر.
"ورضي زوجة حرة عاقلة ثبت، تم لها تسع سنين" لأن لها إذناً صحيحاً معتبراً يشترط مع ثيوبتها، ويسن مع بكارتها. نص عليه، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" . قالوا: يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت" . متفق عليه. وخص بنت تسع، لقول عائشة: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"، رواه أحمد، وروي عن ابن عمر مرفوعاً. فلا يجوز للأب، ولا لغيره تزويج الثيب إلا بإذنها في قول عامة أهل العلم، إلا الحسن. قال إسماعيل: لا نعلم أحداً قال في الثيب بقول الحسن، وهو قول شاذ: فإن الخنساء زوجها أبوها، وهي ثيب، فكرهت ذلك، فرد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نكاحه قال ابن عبد البر: هو حديث مجمع على صحته، ولا نعلم مخالفاً له إلا الحسن. ذكره في الشرح.

"فيجبر الأب ثيباً دون ذلك" لأنه لا إذن لها معتبر، وهو قول مالك. وقال الشافعي: لا يجوز، لعموم الأحاديث، وقدمه في الكافي و الشرح.
"وبكراً، ولو بالغة" قال في الشرح: وللأب تزويج ابنته التي لم تبلغ تسع سنين - بغير خلاف - إذا وضعها في كفاءة مع كراهتها، وامتناعها. ودل على تزويج الصغيرة قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 1 وتزوجت عائشة وهي ابنة ست متفق عليه. انتهى. وروى الأثرم: أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست، فقيل له: فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني، وإن عشت كانت امرأتي.
وفي البكر البالغة روايتان:
إحداهما: له إجبارها، وهو مذهب مالك والشافعي، لحديث ابن عباس مرفوعاً: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها صماتها" رواه أبو داود. وإثباته الحق للأيم على الخصوص يدل على نفيه عن البكر.
والثانية: لا يجبرها، لحديث أبي هريرة السابق.
"ولكل ولي تزويج يتيمة بلغت تسعاً بإذنها" نص عليه، لقوله، صلى الله عليه وسلم: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها" . رواه أحمد وأبو داود. فدل على أن لها إذناً صحيحاً. وقيد بابنة تسع، لما تقدم عن عائشة، ولأنها تصلح بذلك للنكاح، وتحتاج إليه، فأشبهت البالغة.
"لا من دونها بحال" لأنه لا إذن لها، وغير الأب ووصيه لا إجبار
ـــــــ
1 الطلاق من الآبة/ 4.

له. وقد روي: أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر، فرفع بذلك إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنها يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها" . رواه أحمد والدارقطني بأبسط من هذا.
"إلا وصي أبيها" لأنه قائم مقامه.
"وإذن الثيب: الكلام" قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً للخبر.
"وإذن البكر. الصمات" في قول عامة أهل العلم قاله في الشرح، لحديث: "الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صماتها" رواه الأثرم. وقالت عائشة: يا رسول الله: إن البكر تستحي قال: "رضاها صماتها" متفق عليه. وكذا لو ضحكت أو بكت، لأن في حديث أبي هريرة: "فإن بكت، أو سكتت فهو رضاها، وإن أبت فلا جواز عليها" . رواه أبو بكر.
"وشرط في استئذانها: تسمية الزوج لها على وجه تقع به المعرفة" لتكون على بصيرة في إذنها بتزويجه، ولا يعتبر تسمية المهر.
"ويجبر السيد، ولو فاسقاً عبده غير المكلف" كابنه وأولى، لتمام ملكه وولايته. قال في الشرح: في قول أكثر أهل العلم.
"وأمته ولو مكلفة" مطلقاً. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً.
"الثالث: الولي" نص عليه، لقوله، صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه الخمسة. إلا النسائي، وصححه أحمد وابن معين. قاله المروزى. وعن عائشة مرفوعاً: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها" رواه الخمسة إلا النسائي. وقوله: "بغير إذن وليها" خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له،

ولأن المرأة غير مأمونة على البضع، لنقص عقلها، وسرعة إنخداعها، فلم يجز تفويضه إليها، كالمبذر في المال، فإن زوجت المرأة نفسها، أو غيرها لم يصح. روي عن عمر وعلي وغيرهما. ذكره في الشرح. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" رواه ابن ماجه والدارقطني. وعن عكرمة بن خالد قال: "جمعت الطريق ركباً، فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي، فأنكحها فبلغ ذلك عمر، فجلد الناكح والمنكح، ورد نكاحهما" . رواه الشافعي والدارقطني. وقوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} 1. لا يدل على صحة نكاحها نفسها، بل على أن نكاحها إلى الولي: لأنها نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته، فدعاه النبي، صلى الله عليه وسلم، فزوجها. رواه البخاري وغيره بمعناه، فلو لم يكن لمعقل ولاية النكاح لما عاتبه تعالى على ذلك، وإنما أضافه إلى النساء، لتعلقه بهن وعقده عليهن.
"وشرط فيه ذكورية، وعقل، وبلوغ وحرية" فلا ولاية لامرأة، ولا مجنون، ولا صبي، ولا عبد، لأن هؤلاء لا يملكون تزويج أنفسهم، فلا يملكون تزويج غيرهم بطريق الأولى. قال الإمام أحمد: لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر.
"واتفاق دين" فلا ولاية لكافر على مسلمة وعكسه، لأنه لا توارث بينهما بالنسب، ولقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 2. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 3.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 232.
2 التوبة من الآية/ 71.
3 الأنفال من الآية/ 73.

"وعدالة ولو ظاهرة" قال أحمد: أصح شيء في هذا قول ابن عباس: لا نكاح إلا بشاهدي عدل، وولي مرشد. وقد روى عن ابن عباس مرفوعاً: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط فنكاحها باطل" . ولأنها ولاية نظرية فلا يستبد بها الفاسق، كولاية المال.
"ورشد" لما تقدم عن ابن عباس.
"وهو" هنا
"معرفة الكفء، ومصالح النكاح" وليس هو حفظ المال، فإن رشد كل مقام بحسبه. قاله الشيخ تقي الدين.
"والأحق بتزويج الحرة أبوها" لأنه أكمل نظراً، وأشد شفقة.
"وإن علا" أي: ثم أبوه وإن علا، لأن له إيلاداً وتعصيباً، فأشبه الأب.
"فابنها وإن نزل" يقدم الأقرب فالأقرب، لحديث أم سلمة: أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطبها، فقالت: يا رسول الله: ليس أحد من أوليائي شاهداً. قال: "ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك" ، فقالت لابنها: يا عمر قم فزوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فزوجه. رواه أحمد والنسائي. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج النبي، صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أليس كان صغيراً؟ قال: ومن يقول كان صغيراً؟! ليس فيه بيان. ولأنه عدل من عصبتها، فقدم على سائر العصبات، لأنه أقربهم نسباً وأقواهم تعصيباً.

"فالأخ الشقيق، فالأخ للأب" لأن ولاية النكاح حق يستفاد بالتعصيب، فقدم فيه الأخ الشقيق كالميراث.
"ثم الأقرب فالأقرب كالإرث" لئلا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه، وإن نزلت درجتهم، لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر، ومظنتها القرابة، فأقربهم أشفقهم. ولا ولاية لغير العصبات كأخ لأم، وعم لأم، وخال. نص عليه، لقول علي، رضي الله عنه: إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى يعني: إذا أدركن. رواه أبو عبيد في الغريب.
"ثم السلطان أو نائبه" لقوله "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" . وتقدم. قال الإمام أحمد: والقاضي أحب إلي من الأمير في هذا.
"فإن عدم الكل زوجها ذو سلطان في مكانها" لأن له سلطنة فيدخل في عموم الحديث.
"فإن تعذر وكلت من يزوجها" قال الإمام أحمد في دهقان قرية: يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر، إذا لم يكن في الرستاق قاض. انتهى. لأن شرط الولي في هذه الحال يمنع النكاح بالكلية.
"فلو زوج الحاكم أو الولي الأبعد بلا عذر للأقرب لم يصح" النكاح، لأنه لا ولاية للحاكم والأبعد مع من هو أحق منهما، أشبها الأجنبي.
"ومن العذر غيبة الولي فوق مسافة قصر" ولا تقطع إلا بكلفة ومشقة في منصوص أحمد. قال في الكافي: والرد في هذا إلى العرف،

وما جرت العادة بالانتظار فيه، والمراجعة لصاحبه، لعدم التحديد فيه من الشارع.
"أو تجهل المسافة، أو يجهل مكانه مع قربه" أو تعذرت مراجعته فيزوج الأبعد، لأن الأقرب هنا كالمعدوم.
"أو يمنع من بلغت تسعاً كفءاً رضيته" ورغب بما صح مهراً فللأبعد تزويجها. نص عليه، واختاره الخرقي. وعنه: يزوج الحاكم، وهو اختيار أبي بكر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" .

فصل ووكيل الولي يقوم مقامه
:
سواء كان الولي حاضراً أو غائباً مجبراً أو غير مجبر، لأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع، وقياساً على توكيل الزوج، لأنه صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة. رواه مالك. ووكل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة.
"وله" أي: الولي
"أن يوكل بدون إذنها" لأنه إذن من الولي في التزويج، فلا يفتقر إلى إذن المرأة، ولأن الولي ليس وكيلاً للمرأة بدليل أنها لا تملك عزله من الولاية.
"لكن لا بد من إذن غير المجبرة للوكيل بعد توكيله" لأنه نائب عن غير مجبر فيثبت له ما يثبت لمن ينوب عنه، ولا أثر لإذنها له قبل أن يوكله الولي، لأنه أجنبي إذاً. وأما بعده فولي.

"ويشترط في وكيل الولي ما يشترط فيه" لأنها ولاية فلا يصح أن يباشرها غير أهلها، ولأنه إذا لم يملك تزويج موليته أصالة فلأن لا يملك تزويج مولية غيره بالتوكيل أولى.
"ويصح توكيل الفاسق في القبول" لأنه يصح قبول النكاح لنفسه، فصح لغيره.
"ويصح التوكيل مطلقاً، كـ: زوج من شئت" نص عليه.
"ويتقيد بالكفء" لما روي: أن رجلاً من العرب ترك ابنته عند عمر، وقال: إذا وجدت كفءاً فزوجه ولو بشراك نعله، فزوجها عثمان بن عفان فهي أم عمرو بن عثمان. واشتهر ذلك ولم ينكر.
"ومقيداً، كـ: زوج زيداً" فلا يزوج غيره.
" ويشترط" لنكاح فيه توكيل في القبول
"قول الولي أو وكيله: زوجت فلانة فلاناً، أو لفلان" ويصفه بما يتميز به، ولا يقول زوجتكها ونحوه.
"وقول وكيل الزوج: قبلته لموكلي فلان، أو لفلان" فإن لم يقل ذلك لم يصح النكاح، لفوات شرط من شروطه، وهو تعيين الزوجين.
"ووصي الولي في النكاح بمنزلته" إذا نص له عليه، لأنها ولاية ثابتة للموصي فجازت وصيته بها، كولاية المال، ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته، ويقوم نائبه مقامه، فجاز أن يستنيب فيها بعد موته.
"فيجبر من يجبره" الموصي لو كان حياً
"من ذكر وأنثى" قال في الكافي: وعنه: ليس له الوصية بذلك، لأنها ولاية لها من يستحقها بالشرع، فلم يملك نقلها بالوصية. كالحضانة.

وقال ابن حامد: إن كان لها عصبة لم تصح الوصية بها لذلك، وإن لم يكن صحت لعدمه. انتهى.
"وإن استوى وليان فأكثر في درجة، صح التزويج من كل واحد، إن أذنت لهم" لوجود سبب الولاية في كل منهم بإذن موليته، أشبه ما لو انفرد بالولاية.
"فإن أذنت لأحدهم تعين، ولم يصح نكاح غيره" لعدم الإذن قال في الشرح: وإذا كان لها وليان فأذنت لكل منهما في معين أو مطلق فزوجاها لرجلين، وعلم السابق منهما، فالنكاح له سواء دخل بها الثاني، أو لم يدخل. وقال مالك: إن دخل بها الثاني فهي له، لقول عمر: إذا أنكح وليان فالأول أحق ما لم يدخل بها الثاني. ولنا ما روى سمرة عنه، صلى الله عليه وسلم، قال: "أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول" رواه أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي عنه، وعن عقبة، وروى نحوه عن علي. وحديث عمر لم يصححه أصحاب الحديث. فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان. وعنه: يقرع بينهما. انتهى.
"ومن زوج بحضرة شاهدين عبده الصغير بأمته" جاز أن يتولى طرفي العقد بلا نزاع، لأنه عقد بحكم الملك لا بحكم الإذن.
"أو زوج ابنه بنحو بنت أخيه، أو وكل الزوج الولي" أن يقبل له النكاح من نفسه.
"أو عكسه" بأن وكل الولي الزوج في إيجاب النكاح لنفسه.
"أو وكلا واحداً" بأن وكله الولي في الإيجاب، والزوج في القبول
"صح أن يتولى طرفي العقد" ولا يشترط الجمع بين الإيجاب والقبول، فلذا قال:

"ويكفي: زوجت فلاناً فلانة" وإن لم يقل: وقبلت له نكاحها.
"أو: تزوجتها، إن كان هو الزوج" وإن لم يقل: وقبلت نكاحها لنفسي. وكذا إن كان الزوج هو وليها، وأذنت له، لما روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال لأم حكيم ابنة قارظ: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم. قال: قد تزوجتك. ويجوز أن يجعل أمرها إلى من يزوجها منه بإذنها، لأن المغيرة بن شعبة أمر رجلاً أن يزوجه امرأة، المغيرة أولى بها منه رواه أبو داود.
"ومن قال لأمته: أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك، عتقت، وصارت زوجة له" روي عن علي، وفعله أنس وروى أنس "أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أعتق صفية وجعل عتقها صداقها". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. وعن صفية قالت: "أعتقني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجعل عتقي صداقي" رواه الأثرم.
"إن توفرت شروط النكاح" منها: أن يكون الكلام متصلاً بحضرة شاهدين عدلين، لحديث "لا نكاح إلا بولي وشاهدين" ذكره أحمد.
"الرابع: الشهادة، فلا ينعقد إلا بشهادة ذكرين مكلفين، ولو رقيقين متكلمين" لأن الأخرس لا يتمكن من أداء الشهادة.
"سميعين" لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به.
"مسلمين عدلين ولو ظاهراً من غير أصلي الزوجين وفرعيهما" لأنهم لا تقبل شهادتهم للزوجين. واشتراط الشهادة في النكاح احتياط للنسب خوف الإنكار، روي عن عمر وعلي وغيرهما، لحديث عائشة مرفوعاً "لا بد في النكاح من حضور أربعة: الولي، والزوج،

والشاهدين" رواه الدارقطني. وعن عمران ابن حصين مرفوعاً "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" ذكره أحمد في رواية ابنه عبد الله، ورواه الخلال. ولمالك في الموطأ عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: هذا نكاح السر، ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت1 وعن ابن عباس مرفوعاً: "البغايا: اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة" رواه الترمذي. قال في الشرح: وعنه: يصح بغير شهود، فعله عمر وابن الزبير وهو قول مالك إذا أعلنوه. قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر. وقد أعتق صفية وتزوجها بغير شهود. وقال يزيد بن هارون: أمر الله بالإشهاد في البيع دون النكاح، فاشترطه أصحاب الرأي للنكاح دون البيع. انتهى.
"الخامس: خلو الزوجين من الموانع" الآتية في باب المحرمات
"بأن لا يكون بهم، أو بأحدهما ما يمنع التزويج من النسب، أو سبب" كرضاع، ومصاهرة، واختلاف دين، ونحوها.
"والكفاءة ليست شرطاً لصحة النكاح" بل للزومه. قال في الشرح: وهي أصح. وهو قول أكثر أهل العلم لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 2. وفي البخاري "أن أبا حذيفة أنكح سالماً ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار. وأمر صلى الله عليه وسلم، فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة، فنكحها بأمره" متفق عليه. وزوج أباه زيداً ابنة عمته زينب. وقال ابن مسعود لأخته أنشدك
ـــــــ
1 قوله: تقدمت بضم التاء وكسر الدال المشددة وضم التاء على البناء للمجهول.
2 الحجرات من الآية/ 13.

الله ألا تنكحي إلا مسلماً، وإن كان أحمر رومياً، أو أسود حبشياً انتهى.
"لكن لمن زوجت بغير كفء أن تفسخ نكاحها. ولو متراخياً" لأنه لنقص في المعقود عليه، أشبه خيار العيب.
"ما لم ترض بقول أو فعل" كأن مكنته عالمة بأنه غير كفء.
"وكذا لأوليائها" الفسخ، لتساويهم في لحوق العار بفقد الكفاءة.
"ولو رضيت، أو رضي بعضهم، فلمن لم يرض الفسخ" ويملكه الأبعد مع رضي الأقرب، لعدم لزوم النكاح لفقد الكفاءة، ولأن العار عليهم أجمعين.
"ولو زالت الكفاءة بعد العقد، فلها فقط الفسخ" كعتقها تحت عبد، لأن حق الأولياء في ابتداء العقد، لا في استدامته. قيل لأحمد فيمن يشرب الخمر: يفرق بينهما؟ قال: أستغفر الله. وعنه: أن الكفاءة شرط لصحة النكاح. قدمها في الشرح و الكافي و المنتهى. قال في شرحه: وهي المذهب عند أكثر المتقدمين، لأن منعها من تزويج نفسها لئلا تضعها في غير كفء فبطل العقد لتوهم العار، فها هنا أولى، ولما فيه من حق الله تعالى. وعن جابر مرفوعاً: "لا ينكح النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجهن إلا الأولياء" وقال عمر، رضي الله عنه: لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء رواهما الدارقطني.
"والكفاءة معتبرة في خمسة أشياء:"
"1- الديانة" فلا تزوج عفيفة بفاجر، لأنه مردود الشهادة والرواية وذلك نقص في إنسانيته، فليس كفئاً لعدل. قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5