كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين

فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته وإن أتلفها بعده فهي في ذمته والمكاتب كالحر ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده إلا أن تكون بينهما مهايأة فهل يدخل في المهايأة على وجهين
__________
يملك فلا
"فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه" لأنه يلزمه حفظها وذلك وسيلة إليه ويسلمها إلى الحاكم ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان
"إن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته"أي تتعلق قيمتها برقبته كالجناية وكذا إذا تلفت بتفريطه فلو تلفت بلا تفريط فلا ضمان عليه كالحر
"وإن أتلفها بعده فهي في ذمته" لأنه غير متعد في إتلافها بعد الحول بالنسبة إلى صاحبها قال في الشرح هذا إذا قلنا يملكها العبد بعد التعريف وإن قلنا لا يملكها فهو كما لو أتلفها في حول التعريف ويصلح أن ينبني ذلك على استدانة العبد
فائدة: المدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن
"والمكاتب كالحر" لأن المال له في الحال وأكسابه له وهو شامل لأكسابه الصحيحة والفاسدة فإن عجز صار عبدا وحكم لقطته كالعبد "ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده" لأنها من كسبه وهي بينهما فيعرفان ويملكان بالقسط كسائر الاكساب "إلا أن تكون بينهما مهايأة" بأن يتفق هو والسيد على أن المنافع يوما لهذا ويوما للآخر "فهل يدخل في المهايأة على وجهين" أصحهما لا يدخل لأنها من الاكساب النادرة أشبهت الميراث فعلى هذا يكون بينهما كالعبد المشترك والثاني يدخل لأنها من كسبه أشبهت سائر الأكساب فيكون لمن وجد في يومه وكذا حكم نادر من كسبه كهدية وهبة ووصية ونحوها قاله في المغني والشرح

باب اللقيط
وهو الطفل المنبوذ وهو حر ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه
__________
باب اللقيطهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح والتقاطه فرض كفاية لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: من الآية2) ولأن فيه إحياء نفس فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر وإنجائه من الغرق وروى سعيد عن سفيان عن الزهري عن سنين أبي جميلة قال وجدت ملقوطا فأتيت عمر رضي الله عنه فقال عريفي يا أمير المؤمنين أنه رجل صالح فقال عمر أكذلك هو قال نعم قال فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته وفي لفظ علينا رضاعه "وهوالطفل المنبوذ" من نبذ أي طرح سواء كان في شارع أو غيره وليس هناك من يدعيه وقيل والمميز إلى البلوغ وعليه الاكثر قال الحلواني يستحب لمن رآه أن يأخذه ويربيه إن كان أمينا وإن كان سفيها فللحاكم رفع يده عنه وتسليمه إلي أمين ليربيه وله ثلاثة أركان اللقيط وقد عرف والإلتقاط وفي وجوب الإشهاد عليه ما في اللقطة وقيل يجب قولا واحدا لئلا يسترقه والملتقط وهو كل حر مكلف رشيد وفي اعتبار العدالة وجهان وهو حر
في جميع الأحكام إجماعا حكاه ابن المنذر وقال النخعي إن التقطه للحسبة فهو حر وإن التقطه للاسترقاق فهو له وهذا قول لا يعرج على مثله ولا يصح في النظر فإن الاصل في الآدميين الحرية فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا وإنما الرق لعارض كوجدانه في دار حرب .
"ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه" لقول عمر ولأنه

ويحكم بإسلامه إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا فإن كان فيه مسلم فعلى وجهين
__________
مصرف ميراثه ولا يجب على الملتقط إجماعا فإن تعذر الإنفاق من بيت المال فعلى من علم حاله من المسلمين فإن تركوه أثموا ويسقط بفعل البعض ثم إن كان متبرعا فلا شيء له وإن كان بنية الرجوع بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت قصدا بالمعروف وإن كان بغير أمر من الحاكم فقولان وما حكى أنه لا يرجع مع إذن الحاكم سهو "ويحكم بإسلامه" أي هو محكوم بإسلامه إذا وجد في دار الإسلام وإن كان فيها أهل ذمة تغلبيا للإسلام والدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى ثم دار الإسلام قسمان ما اختطه المسلمون كبغداد والبصرة لقيطها محكوم بإسلامه قطعا الثاني دار فتحها المسلمون كمدائن الشام فإن كان فيها مسلم حكم بإسلام لقيطها وإن لم يكن فيها مسلم حكم بكفره وهو داخل في قوله "إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا" لأن الدار لهم وأهلها منهم
ثم بلاد الكفار قسمان أيضا بلد يغلب المسلمون الكفار عليه كالساحل فإن كان فيه مسلم حكم بإسلام لقيطه قاله في الشرح وقال القاضي يحكم بإسلامه لاحتمال أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه وبلاد لم تكن للمسلمين كالهند والروم فلقيطها كافر وكلام المؤلف محمول عليه.
"فإن كان فيه مسلم" كتاجر وغيره "فعلى وجهين" أحدهما وجزم به في الوجيز أنه محكوم بإسلامه تغليبا للإسلام وهذا بالنسبة إلى الظاهر بدليل أنه لو أقام كافر بينة أنه ولده ولد على فراشه حكم له به والثاني يحكم بكفره تغليبا للدار والأكثر
وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد أنه يجب غسله ودفنه في مقابر المسلمين وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين وإذا وجد في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على ظاهر

وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له وإن كان مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم
__________
ما حكموا به أنه كافر
"وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب" فوقه "أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له" لأن الطفل يملك وله يد صحيحة بدليل أنه يرث ويورث ويصح أن يشتري له وليه ويبيع ومن له ملك صحيح فله يد صحيحة كالبالغ فعلى هذا كلما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعة فهو تحت يده ويثبت له الملك في الظاهر وينفق عليه منه وجعل في المغني والشرح من ذلك ما جعل فيه كخيمة ودار وكلام المجد يخالفه "وإن كان مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين" أما المدفون تحته فهو كالمتصل ولأنه يحكم به للبالغ فكذا للطفل والثاني ليس له لأنه موضع لا يستحقه لأن الظاهر أنه لو كان له لشده واضعه في ثيابه ليعلم به وتوسط ابن عقيل والمجد فجعلاه له بشرط طراوة الدفن اعتمادا على القرينة
وأما المطروح قريبا منه فقطع المجد والمؤلف في الكافي وصححه في المغني والشرح أنه له عملا بالظاهر والثاني وأورده أبو الخطاب مذهبا لا يكون له كالبعيد ويرجع به إلى العرف وحيث لم يحكم له به فهو لقطة أو ركاز قاله في المغني والشرح
وفي ثالث إن وجد رقعة فيها أنه له فهو له
"وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا" لأن عمر أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال له عريفه أنه رجل صالح ولأنه سبق إليه فكان أولى به للخبر.
"وله الإنفاق عليه مما وجد معه" من عين أو غيره "بغير إذن حاكم" لأنه

وعنه ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه فإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافرا واللقيط مسلم أو بدويا ينتقل في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده
__________
وليه فلم يفتقر إلى إذن حاكم كولي اليتيم "وعنه ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه" لأنه إنفاق على طفل فلم يجز بغير إذن الحاكم كما لو أنفق على صغير مودع وأصلها ما نقله عنه أبو الحارث في رجل أودع آخر مالا وغاب وطالت غيبته وله ولد ولا نفقة له هل ينفق عليه هذا المستودع من مال الغائب فقال تقوم امرأته إلى الحاكم حتى يأمره بالإنفاق فلم يجعل له الإنفاق من غير إذن الحاكم وهذا مثله
وقال في المغني و الشرح والصحيح أنه مخالف له من وجهين أحدهما أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله والثاني أنه ينفق على اللقيط من ماله وهذا بخلافه لأنه يشترط عنده إثبات حاجته لعدم ماله وعدم نفقة متروكة برسمه ومتى لم يجدها حاكما فله الإنفاق عليه بكل حال لأنه حال ضرورة وبالجملة فالمستحب استئذانه في موضع يجد حاكما لأنه أبعد من التهمة والخروج من الخلاف فإن بلغ واختلفا في قدرها والتفريط قبل قول المنفق لأنه أمين "فإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافر واللقيط مسلم أو بدويا ينتقل في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده"
وفيه مسائل الأولى: أنه لا يقر في يد الفاسق لأنه ليس في حفظه إلا الولاية ولا ولاية لفاسق وفارق اللقطة من حيث إنها في معنى التكسب وإنها إذا انتزعت منه فترد إليه بعد الحول وظاهر الخرقي أنه تقر في يده في الحضر وهو أحد الوجهين لكونه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فيكون أحق فإن أراد السفر به منع لأنه يبعده ممن يعرف حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه قال في المغني فعلى قوله ينبغي أن يجب الإشهاد عليه ويضم إليه أمين يشارفه ليؤمن التفريط فيه وفيه وجه يقر في يده مطلقا كاللقطة ويجاب عما ذكر بأن اللقيط ظاهر ومكشوف لا تخفى الخيانة فيه بخلافها ولأنه يمكن أخذ بعضها وإبدالها

وإن التقطه في البادية مقيم في حلة
__________
بخلاف اللقيط ولان المال محل الخيانة والنفوس إلى أخذها داعية بخلاف النفوس فإن كان مستور الحال فوجهان
فرع: لا يقر في يد مبذر وإن لم يكن فاسقا قاله في التلخيص فإن اراد السفر به لم يمنع للأمن عليه وقال ابن حمدان السفية كالفاسق
الثانية: أنه لا يقر في يد العبد لأنه لا ولاية له إلا أن يأذن له سيده لأن منافعه مملوكة له فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه فيصير كما لو التقطه سيده وسلمه إليه فإذا أذن له فليس له الرجوع قاله ابن عقيل والأمة كالعبد لكن إن لم يجد أحدا يلتقطه سواه تعين عليه كتخليصه من الغرق ذكره في المغني والشرح
فائدة: المدبر والمكاتب وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن
الثالثة: أنه لا يقر في يد كافر إذا كان اللقيط مسلما لأنه لا ولاية لكافر ولأنه لا يؤمن أن يعلمه الكفر بل الظاهر أنه يربيه على دينه نعم حيث حكم بكفر اللقيط فإنه يقر في يده لأن بعضهم أولياء بعض
الرابعة أنه لا يقر في يد البدوي الذي ينتقل في المواضع لأن فيه إتعابا للطفل بتنقله فعليه يؤخذ منه ويدفع إلى صاحب قرية لأنه أرفه له وأخف عليه وفي آخر أنه يقر في يد لأن الظاهر أنه ولد بدويين وإقرار في يد ملتقطه أرجى لكشف نسبه وأطلقهما في الفروع
الخامسة أنه لا يقر في يد من وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية لأن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له والظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به.
"وإن التقطه في البادية مقيم في حله" بكسر الحاء المهملة البيوت المجتمعة وحينئذ يقر في يد لأن الحلة كالقرية في كونه لا يرحل لطلب الماء والكلأ

أو من يريد نقله إلى الحضر أقر معه وإن التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر فهل يقر في يده على وجهين وإن التقطه اثنان قدم الموسر على المعسر والمقيم على المسافر فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما
__________
"أو من يريد نقله إلى الحضر أقر معه" لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدّعة والدين.
"وإن التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر فهل يقر في يده على وجهين" أحدهما لا يقر في يده لأن بقاءه ببلد أرجى لكشف نسبه والثاني يقر لأن ولايته ثابتة والبلد الثاني كالأول في الرفاهية أشبه المنتقل من أحد جانبي البلد إلى الجانب الآخر وكذا الخلاف لو أراد نقله من قرية إلى قرية أو من حلة إلى حلة وعلى المنع ما لم يكن البلد الذي كان فيه وبيئا كغور بيسان قاله الخرقي وقيل إن نوى الإقامة فيما انتقل به إليه من حلة وقرية وبلد جاز وفي الترغيب من وجده بفضاء خال نقله حيث شاء.
"وإن التقطه اثنان" بحيث إنهما تناولاه جميعا "قدم الموسر على المعسر" لأن ذلك أحفظ للطفل "والمقيم على المسافر" لأنه أرفق بالطفل وعلم منه أنهما لو كانا غير متصفين بما ذكرنا فإنه ينزع من أيديهما ويقدم الأمين على غيره والمسلم على الكافر ولو كان المسلم فقيرا لأن النفع الحاصل بإسلامه أعظم من النفع الحاصل بيساره وعلى قياس قولهم يقدم الجواد على البخيل وفي الترغيب يقدم بلدي على غيره وظاهر العدالة على مستور الحال وقيل سواء لأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح.
"فإن تساويا" في الصفات "وتشاحا أقرع بينهما" لقوله تعالى {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (آل عمران: من الآية44) لأنه لا يمكن كونه عندهما في حالة واحدة وكالقرعة في الشركة والقسم والعتق وظاهره ولو كان بينهما مهايأة لاختلاف الأغذية والأنس والإلف والمرأة كالرجل وقيل يسلمه الحاكم إلى أحدهما أو غيرهما فلو رضي أحدهما بتسليمه إلى

وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة فإن لم تكن لهما بينة قدم صاحب اليد فإن كان في أيديهما أقرع بينهما فإن لم تكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم وإلا سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أومن غيرهما
__________
الآخر جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به
"وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة" لأنها أقوى فإن كان لكل منهما بينه قدم أسبقهما تاريخا فإن استوى تاريخهما أو أطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وسقطتا في وجه فيصير كمن لا بينة لهما وفي الآخر يقرع بينهما فإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينته أو بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على الخلاف في دعوى المال.
"فإن لم تكن لهما بينة قدم صاحب اليد" لأن اليد دليل استحقاق الإمساك وظاهره أنه لا يحلف قال القاضي هو قياس المذهب كالطلاق وقال أبو الخطاب ونصره في الشرح يحلف أنه التقطه.
"فإن كان في أيديهما أقرع بينهما" لاستوائهما في السبب ولم يمكن تسليمه إليهما فتثبت القرعة وحينئذ يسلم إلى من تقع القرعة له مع يمينه وعلى قول القاضي لا يمين فإن ادعى أنه أخذه منه قهرا وسأل يمينه حلف وفي المنتخب لا كطلاق.
"فإن لم تكن لهما يد فوصفه أحدهما" بان يقول في ظهره شامة أو بخده علامة قدم ذكر معظم الاصحاب كلقطة المال ولأن الوصف يدل على القوة فقدم به
وذكر القاضي وصاحب المبهج والمنتخب والوسيلة لا يقدم واصفه وذكره في الفنون عن أصحابنا لتأكده لكونه دعوى نسب وللغني بالقافة وكما لو وصف المدعي المدعي
"وإلا" إذا انتفى الوصف "سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما" ذكره القاضي وأبو الخطاب لأنه لاحق لهما وقيل لا يسلمه الحاكم بل يقرع

فصل
وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه
__________
بينهما وفي المغني هو الأولى كما لو كان في أيديهما ولأنهما تنازعا حقا في يد غيرهما أشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما وظاهره أنه لا تخيير للصبي صرح به في الفروع
فصل
"وميراث اللقيط وديته" دية حر "إن قتل لبيت المال" إن لم يخلف وارثا لأنه مسلم ولا وارث له فكان ماله وديته لبيت المال كغير اللقيط وعنه إن قتل خطأ فديته لملتقطه ذكره في الرعاية وإن جنى خطأ عقل عنه بيت المال ولا ولاء عليه وقال شريح وإسحاق ولاءه لملتقطه لقول عمر لأبي جميلة فهو حر ولك ولاؤه ولما روى واثلة بن الأسقع مرفوعا تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وميراث ولدها الذي لاعنت عليه رواه أبو داود وحسنه الترمذي وجوابه بأنه لم يثبت عليه رق ولا على أبائه فلم يثبت عليه ولاء كمعروف النسب وحديث واثلة لا يثبث قاله ابن المنذر وقال في خبر عمر أبو جميلة رجل مجهول لا يقوم بحديثه حجة ولو سلم فمعنى قوله لك ولاؤه أي لك ولاية القيام به وحفظه.
"وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية" نص عليه أي ذلك فعل جاز إذا رآه أصلح لقوله "السلطان ولي من لا ولي له" ومتى عفي على مال أو صالح عليه كان لبيت المال كجنابة الخطأ الموجبة للمال.
"وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه" ورشده في الأشهر ليقتص أو يعفو لأن مستحق الإستيفاء المجني عليه وهو حينئذ لا يصلح فانتظر أهليته ليستوفي حقه ويحبس الجاني إلى بلوغه حتى يستوفي حقه وعنه للإمام القصاص قبل

إلا أن يكون اللقيط فقيرا أو مجنونا فللإمام العفو على مال ينفق عليه وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط وإن ادعى إنسان أنه مملوه لم يقبل
__________
ذلك لأنه أحد نوعي القصاص فكان له استيفاؤه عن اللقيط كالنفس
وجوابه أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على مستحقه كما لو كان بالغا غائبا وفارق القصاص في النفس لأن القصاص ليس له بل لوارثه والإمام هو المتولي عليه
"إلا أن يكون اللقيط فقيرا أو مجنونا فللإمام" أي يجب عليه "العفو على مال ينفق عليه" لأنه ليست له حالة معلومة تنتظر لأن ذلك قد يدوم بخلاف العاقل ولا بد من اجتماع الوصفين فإن فقد أحدهما فوجهان.
"إن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوعه فالقول قول اللقيط" لأنه محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر بدليل أنه يجب عليه حد الحر إذا كان قاذفا في الأصح وحينئذ يجب القصاص وإن كان الجاني حرا وقيل يقبل قول القاذف لأنه يحتمل صحة قوله بأن يكون ابن أمة فيكون ذلك شبهة في إسقاط الحر وعلم منه أنه إذا صدقه اللقيط أنه رقيق سقط الحد لإقرار المستحق بسقوطه ووجب على القاذف التعزير لقذفه من ليس بمحصن والقصاص ليس بحد وإنما وجب حقا لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله وإن مات البالغ ممسكا عنهما فكسائر المسلمين في سائر أحكامه.
"وإن ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل" لأن مجرد الدعوى لا تكفي في انتزاع المدعي للخبر وفي الشرح أنها تسمع الدعوى لأنها ممكنة وإن كانت مخالفة لظاهر الدار وإن لم تكن له بينة فلا شيء له لأنها تخالف الظاهر وتفارق دعوى النسب من وجهين أحدهما أن دعوى النسب لا تخالف الظاهر بخلاف دعوى الرق الثاني أن دعوى النسب يثبت بها حقا للقيط ودعوى

إلا ببينة تشهد أن امته ولدته في ملكه ويحتمل ألا يعتبر قولها في ملكه وإن أقر بالرق بعد بلوغه لمس يقبل وعنه يقبل رواية واحدة قال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة.
__________
الرق يثبت بها حقا عليه فلم تقبل بمجردها
"إلا ببينة تشهد أن امته ولدته في ملكه" لأنها لا تلد في ملكه إلا ملكه يحترز به عما ولدته قبل ملكه وهذا ليس بشرط فإنها لو شهدت بأنه عبده أو مملوكه حكم له به وإن لم يذكر سبب الملك كما لو شهدت بملك دار ذكره في المغني والشرح.
"ويحتمل ألا يعتبر قولها في ملكه" لأن أمته ملكه فنماؤها ملكه كسمنها ومتى شهدت البينة باليد فإن كانت للملتقط لم يثبت بها ملك وإن كانت لأجنبي حكم له باليد والقول قوله مع يمينه في الملك وفي الفروع وإن ادعى رقه وهو طفل أو مجنون وليس بيد غيره بل بيده وليس واجده فهو له وإن أنكر بعد بلوغه وفي الشرح إن كانت الدعوى بعد بلوغ اللقيط كلف إجابته فإن أنكر وثم بينة حكم بها فإن كان اللقيط تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته.
"وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل" على المذهب لأنه يبطل حق الله من الحرية المحكوم بها وهذا ظاهر فيما إذا كان قد اعترف بالحرية لنفسه قبل ذلك وكذا إذا لم يعترف في الأصح "وعنه: يقبل" لأنه مجهول الحال فيقبل إقراره كالحد والقصاص وإن تضمن فوات نفسه وشرط في المغني عليها ألا يكون أقر بالحرية فإن كان قد أقر بها لم يقبل لأنه يكون مكذبا لقوله كما لو أقر بدين ثم جحده.
"وقال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة" وهو قول المزني لأنه أقر بما يوجب حقا عليه وحقا له فوجب أن يثبت ما عليه فقط كما لو قال لفلان عندي ألف ولي عنده رهن

وهل يقبل في غيره على روايتين وإن قال أنه كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد وقيل يقبل قوله إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله
__________
"وهل يقبل في غيره على روايتين" إحداهما يقبل إقراره في الجميع لأن هذه الأحكام تتبع الرق فإذا ثبت الأصل بقوله ثبت التبع كما لو شهدت امرأة بالولادة فإنها تثبت ويثبت النسب تبعا فإذا قلنا يقبل إقراره بالرق بعد نكاحه وهو ذكر وكان قبل الدخول فسد النكاح في حقه ولها عليه نصف المهر وإن كان بعد الدخول فسد نكاحه وعليه المهر وولده حر تابع لأمه فإن كان متزوجا بأمة فولده لسيدها ويتعلق المهر برقبته وإذا قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام فالنكاح فاسد ويفرق بينهما ولا مهر لها قبل الدخول وبعده على الخلاف وإن كان أنثى وقلنا يقبل فيما عليه فالنكاح صحيح في حقه ولا مهر قبل الدخول وبعده لا يسقط مهرها ولسيدها الأقل من المسمى أو مهر المثل والولد حر
فرع: إذا أقر بالرق ابتداء ابتداء لإنسان فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وإن كذبه بطل إقراره فإن أقر به بعد ذلك لآخر جاز وقيل لا يسمع إقراره الثاني لان إقراره الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له وكما لو اعترف بالحرية ثم أقر بالرق.
"وإن قال أنه كافر" بعد البلوغ "لم يقبل قوله" وهو مسلم سواء كان حكم بإسلامه أو كفره فلا يقبل إقراره بالكفر بعد ذلك لأنه إنكار بعد إقرار فلا يقبل كغيره وإن وصف الكفر وهو ممن حكم بإسلامه بالدار لم يقر على كفره "وحكمه حكم المرتد" أي إذا بلغ استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل
"وقيل يقبل قوله" حكاه القاضي أي يقر على كفره لأن قوله أقوى من الظاهر فيقر بجزية ورد بأن دليل الإسلام وجد من غير معارض فثبت حكمه واستقر فلا تجوز إزالة حكمه كما لو كان ولد مسلم
"إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله" لأن إسلامه ثبت يقينا فلا يقبل

وإن أقر إنسان أنه ولده الحق به مسلما كان أو كافرا رجلا كان أو امرأة حيا كان الملتقط أو ميتا
__________
إقراره بمنافيه وقال القاضي إن وصف كفرا يقر عليه بالجزية عقدت له الذمة فإن امتنع من التزامها أو وصف كفرا لا يقر عليه ألحق بمأمنه وبعده في المغني لأنه لا يخلو إما أن يكون ابن حربي فهو حاصل في أيدي المسلمين بغير عهد ولا عقد فيكون لواجده ويكون مسلما تبعا لسابيه أو يكون ولد ذميين أو أحدهما فلا يقر على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب أو يكون ولد مسلم أو مسلمين فيكون مسلما قال أحمد في نصرانية ولدت من فجور ولدها مسلم لأن أبويه يهودانه أو ينصرانه وهذا ليس معه إلا أمه
فصل
"وإن أقر إنسان أنه ولده ألحق به" لأن الإقرار به محض مصلحة الطفل لاتصال نسبه ولا مضرة على غيره فيه فقبل كما لو أقر له بمال وشرطه أن ينفرد بدعوته وأن يمكن كونه منه ثم إن كان المقر به ملتقطه أقر في يده وإن كان غيره فله أن ينتزعه من الملتقط لأنه قد ثبت أنه أبوه فيكون أحق به كما لو قامت به بينة.
"مسلما كان" المدعي "أو كافرا" لأن الكافر يثبت له النكاح والفراش فيلحق به كالمسلم حرا كان أو عبدا لأن له حرمة فيلحق به كالحر لكن لا تثبت له حضانة ولا تجب نفقته عليه ولا على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فعلى هذا تجب في بيت المال "رجلا كان أو امرأة" على المذهب لأن المرأة أحد الأبوين فيثبت النسب بدعواها كالأب وإذن يلحقها نسبه دون زوجها وكذا إذا ادعى الرجل نسبه لم يلحق بزوجته وقيل لا يثبت النسب بدعوتها بحال وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم وجوابه بأنها تدعى حقا لا منازع فيه ولا مضرة على احد فقبل كدعوى المال
"حيا كان الملتقط أو ميتا" لأنهما سواء معنى فوجب استواؤهما حكما

ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة تشهد أنه ولد على فراشه وعنه لا يلحق بامراة ذات زوج وعنه إن كان لها إخوة أو نسب معروف لم يلحق بها وإلا لحق وإن ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهم بينة قدم بها فإن تساووا في البينة.
__________
"ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة تشهد أنه ولد على فراشه" ذكره بعض أصحابنا لأن اللقيط محكوم بإسلامه بظاهر الدار فلا يقبل قول الكافر في كفره بغير بينة كما لو كان معروف النسب ولأنها دعوى تخالف الظاهر فلم تقبل بمجردها كدعوى الرق وإذا قبل في النسب لعدم الضرر والكفر بخلافه فإن فيه ضررا عظيما لأنه سبب الخزي في الدنيا والآخرة فإذا أقام بينة بما ذكر لحقه نسبا ودينا لتحقق الولادة والولد المحقق يتبع مطلقا وقياس المذهب أنه لا يلحقه في الدين إلا أن تشهد البينة أنه ولد كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته.
"وعنه لا يلحق بامراة ذات زوج" لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضاه وظاهره أنها إذا لم تكن ذات زوج أنه يلحقها لعدم الضرر.
"وعنه إن كان لها إخوة أو نسب معروف لم يلحق بها" نقلها الكوسج لأنه يلزم من لحوق النسب بها لحوق النسب بالأخوة والنسب المعروف ولأنه إذا كان لها أهل ونسب معروف لم تخف ولادتها عليهم ويتضررون بإلحاق النسب بها لما فيه من تعييرهم بولادتها من غير زوجها "وإلا" أي إذا لم يكن كذلك "لحق" لعدم الضرر.
"وإن ادعاه اثنان أو أكثر" سمعت لأن كل واحد لو انفرد صحت دعوته فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى ولا فرق بين المسلم والكافر والحر والعبد "لأحدهم بينة قدم بها" لأنها تظهر الحق وتثبته "فإن تساووا في البينة" أي أقام كل منهما بينة تعارضتا وسقطتا لأنه لا يمكن استعمالهما هنا بخلاف المال فإنه يقسم بينهما أو بالقرعة والقرعة لا تثبت النسب لا يقال إنما يثبت هنا بالبينة لا بالقرعة وإنما هي مرجحة لأنه يلزم إذا اشترك رجلان في وطء

أو عدمها عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا فإن ألحقته بإحداهما لحق به وإن ألحقته بهما لحق بهما .
__________
امرأة وأتت بولد أن يقرع بينهما ويكون لحوقه بالوطء لا بالقرعة "أو عدمها" أي لم يكن لهما بينة "عرض معهما" أي مع المدعيين "على القافة" وهم قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرفت منه المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف وقيل أكثر ما يكون في بني مدلج رهط مجزز وكان إياس بن معاوية قائفا وكذا شريح.
"أو مع أقاربهما وفي الكافي والشرح عصبتهما "إن ماتا فإن ألحقته بأحدهما لحق به" في قول الجماهير وقال أصحاب الرأي لا حكم للقافة ويلحق بالمدعيين جميعا لأن الحكم بها مبني على الشبه والظن فإن الشبه يوجد بين الأجانب وينتفي بين الأقارب وبدليل الرجل الذي ولد له غلام أسود وقوله عليه السلام لعله نزعه عرق ولو كان الشبه كافيا لاكتفى به في ولد الملاعنة وحجتنا ما رواه الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززا المدلجي نظر آنفا إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض وقضى به عمر بحضرة الصحابة فكان إجماعا ولأنه يرجع لقولها كالبينة ويدل عليه قوله عليه السلام في ولد الملاعنة "لولا الإيمان لكان لي ولها شأن" فحكم عليه السلام به للذي أشبهه منهما وحينئذ فإن انتفى المانع وجب العمل به لوجود مقتضيه.
"وإن ألحقته بهما" لحق بهما لما روى سعيد ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما وبإسناده عن الشعبي قال وعلي يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه ورواه الزبير ابن بكار عن عمر فعلى هذا يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعا ميراث أب واحد وإن مات أحدهما فله إرث أب كامل ونسبه من الأول قائم نص عليه كما أن الجدة إذا انفردت

ولا يلحق بأكثر من أم واحدة وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم وإن كثروا وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة ضاع نسبه في احد الوجهين
__________
أخذت ما تأخذه الجدات والزوجة كالزوجات
فرع: إذا ألحقته القافة بكافر أو أمة لم يحكم برقه ولا كفره لأنه ثبت إسلامه وحريته بظاهر الدار فلا يزول ذلك بظن ولا شبهة.
"لا يلحق بأكثر من أم واحدة" يعني إذا ادعت امرأتان نسب اللقيط فهو مبني على قبول الدعوى منهما فإن كانت إحداهما ممن تقبل دعواها دون الأخرى فهو ابنها كالمنفردة وإن كانتا ممن لا تقبل دعواهما فوجودهما كعدمهما وإن كانتا جميعا ممن تسمع دعواهما فهما كالرجلين لكن لا يلحق بأكثر من أم واحدة فإن ألحقته بأمين سقط قولها
فرع: إذا ادعى نسبه رجل وامرأة فلا تنافي بينهما لإمكان كونه منهما بنكاح أو وطء شبهة فيلحق بهما جميعا ويكون ابنهما بمجرد دعواهما كالإنفراد.
"وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم وإن كثروا" نص عليه في رواية مهنا أنه يلحق بثلاثة لأن المعنى الذي لأجله الحق باثنين موجود فيما زاد عليه قياسا وقولهم إن إلحاقه باثنين على خلاف الأصل ممنوع وإن سلمناه لكن ثبت لمعنى موجود في غيره فيجب تعدية الحكم به كإباحة الميتة في المخمصة أبيح على خلاف الأصل ويقاس عليه مال الغير وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة ورد بأنه تحكم فإنه لم يقتصر على المنصوص ولا عدي الحكم إلى ما في معناه "وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين" للأثر فيقتصر عليه فعلى هذا يكون كمن ادعاه اثنان ولا قافة.
"وإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة ضاع نسبه في أحد الوجهين" وهو قول الوجهين وهو قول أبي بكر وجزم به في الوجيز وفي المغني أنه أقرب لأنه لا دليل لأحدهم أشبه من لم يدع نسبه فعلى هذا لا يرجح أحدهم بذكر

وفي الآخر يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما أو ما إليه أحمد وكذلك الحكم إن وطيء اثنان امرأة بشبهته أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده اليسرى وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطيء أري القافة معهما
__________
علامة في جسده لأنه لا يرجح به في سائر الدعاوى سوى الإلتقاط في المال وكذا إذا اختلف قائفان أو اثنان وثلاثة وإن اتفق اثنان وخالفا ثالثا أخذ بقولهما نص عليه ومثله بيطاران وطبيبان في عيب ولو رجعا.
"وفي الآخر" وهو قول ابن حامد "يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما" لأن الإنسان يميل طبعه إلى قريبه دون غيره ولأنه مجهول النسب أقر به من هو أهل الإقرار فيثبت نسبه كما لو انفرد "أومأ إليه أحمد" حكاه القاضي عنه في رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد فعلى قوله لو انتسب إلى أحدهما ثم عاد فانتسب إلى الآخر أو نفى نسبه من الأول ولم ينتسب إلى الآخر لم يقبل منه لأنه قد ثبت نسبه فلا يقبل رجوعه عنه فلو الحقته القافة بغير من انتسب اليه بطل انتسابه لأنها اقوى كالبينة مع القافة.
"وكذلك الحكم إن وطيء اثنان امرأة بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطيء أري القافة معهما" كاللقيط فألحق بمن ألحقوه به منهما سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت الفراش ذكره القاضي وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة أن يدعي الزوج أنه من الشبهة فعلى قوله إن ادعاه لنفسه اختص به لقوة جانبه ذكره في المحرر وفي ثالث يكون صاحب الفراش أولى به عند عدم القافة لثبوت فراشه ذكره في الواضح وكذلك إن تزوجها كل منهما تزويجا فاسدا أو كان أحدهما صحيحا والآخر فاسدا أو بيع أمته فوطئها المشتري قبل الإستبراء لكن متى ألحق بالقافة أو الإنتساب وهو ينكره فهل له نفيه باللعان على روايتين

ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة
__________
"ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجريا في الإصابة" كذا في المحرر والوجيز لأن قوله حكم فاعتبرت له هذه الشروط وظاهره أنه لا تعتبر الحرية وهو وجه واعتبرها في الشرح وغيره ولا الإسلام وفي المستوعب لم أجد أحدا من أصحابنا اشترط إسلام القائف وعندي أنه يشترط ويكفي قائف واحد نص عليه كحاكم فيكفي مجرد خبره لقصة مجزز وعنه يعتبر اثنان ولفظ الشهادة منهما اختاره جمع فإن ألحقته بواحد ثم جاءت أخرى فألحقته بآخر كان للأول لأن قول القائف جرى مجرى الحكم فلم ينقض بمخالفة غيره وكذا لو ألحقته بواحد ثم عادت فألحقته بغيره فإن أقام الآخر بينة أنه ولده حكم به وسقط قول القائف وقوله مجربا في الإصابة أي كثير الإصابة فمن عرف مولودا بين نسوة ليس فيهن أمه ثم وهي فيهن فأصاب كل مرة فقائف وقال القاضي يترك الصبي بين عشرة رجال غير مدعية فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله وإن نفاه عنهم ترك مع عشرين منهم مدعية فإن ألحقه به علمت أصابته وإلا فلا وقضية إياس بن معاوية في ولد الشريف من جارية شاهدة بذلك
ملحق: إذا كان لامرأتين ابن وبنت فادعت كل واحدة منهما أنها أم الابن عرض معهما على القافة وذهب بعضهم أنه يعرض لبنهما على أهل الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه ووزنه وقيل لبنها خفيف دون لبنه لأنه ثقيل وعلى الأول إن لم توجد قافة اعتبر باللبن خاصة

كتاب الوقف
باب الوقف
كتاب الوقفوهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
__________
كتاب الوقف
وهو مصدر وقف يقال وقف الشيء وأوقفه وحبسه وأحبسه وسبله كله بمعنى واحد لكن أوقف لغة شاذة عكس أحبسه وهو مما اختص به المسلمون قال الشافعي لم يحبس أهل الجاهلية وإنما حبس أهل الإسلام وهو من القرب المندوب إليها والأصل فيه ما روى عبدالله بن عمر قال: " أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر فيها فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس عندي منه فما تأمرني فيه قال "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث" قال فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه" وفي لفظ "غير متأثل" متفق عليه
وقال جابر لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف ولم يره شريح وقال لا حبس عن فرائض الله قال أحمد هذا مذهب أهل الكوفة ولعله في غير المساجد ونحوها قال القرطبي لا خلاف بين الإئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك والأول قول أكثر العلماء سلفا وخلفا قال أحمد من يرد الوقف إنما يرد السنة التي أجازها النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها أصحابه ومن الغرائب ما حكاه صاحب المبسوط أن لزوم الوقف من الأنبياء عليهم السلام خاصة وجوابه بأن الوقف قربة مندوب إليها لقوله تعالى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} (الحج: من الآية77) .
"هو تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة" كذا في التلخيص والوجيز ومرادهم بتسبيل المنفعة أن يكون على بر أو قربة وأحسنه حبس مال يمكن الإنتفاع به مع

وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها أو سقاية ويشرعها لهم والأخرى لا يصح إلا بالقول.
__________
بقاء عينه ممنوع من التصرف في عينه بلا عذر مصروف منافعه في البر تقربا إلى الله تعالى وله أربعة أركان الواقف وشرطه أن يكون جائز التصرف والموقوف عليه وما ينعقد به وسمي وقفا لأن العين موقوفة وحبسا لأن العين محبوسة.
"وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه" عرفا "مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها" هذه الرواية ظاهر المذهب ونص عليها في رواية جماعة لأن العرف جار بذلك وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يحصل به كالقول قال الشيخ تقي الدين أو أذن فيه وأقام نقله أبو طالب وجعفر ولو نوى خلافه.
"أو سقاية ويشرعها لهم" أي للناس والمراد به البيت المبني لقضاء حاجة الناس وليس منصوصا عليه في كتب اللغة والغريب وإنما المذكور فيها أن السقاية بكسر السين الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها.
"والأخرى لا يصح إلا بالقول" ذكرها القاضي اختارها أبو محمد الجوزي وقد سأله الأثرم عن رجل أحاط حائطا على أرض ليجعلها مقبرة ونوى بقلبه ثم بدا له العود فقال إن كان جعلها لله فلا يرجع ولأن هذا تحبيس على وجه القربة فوجب أن يتعين باللفظ كالوقف على الفقراء لكن قال في المغني وهذه لا تنافي الأولى فإنه إن أراد بقوله إن كان جعلها لله أي نوى بتحويطها جعلها لله فهذا تأكيد للأولى وزيادة عليها إذ منعه من الرجوع بمجرد التحويط مع النية وإن أراد بقوله جعلها لله أي اقترنت بفعله قرائن دالة على ذلك من إذنه للناس في الدفن فيها فهي عين الأولى وإن أراد أنه وقفها بقوله فيدل بمفهومه على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط والنية

وصريحه وقفت وحبست وسلبت وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت فلا يصح الوقف بالكناية إلا أن ينويه أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية
__________
وهذا لا ينافي الأولى لأنه فيها يضم إلى فعله إذنه للناس في الدفن ولم يوجد هنا فانتفت هذه الروايات للإحتمالات وصار المذهب رواية واحدة فصار بمنزلة من قدم إلى ضيفه طعاما كان إذنا في أكله ومن ملأ خابية ماء كان سبيلا له وكالبيع والهبة وأما الوقف على المساكين فلم تجربه عادة بغير لفظ
فرع: الاخرس يصح وقفه بالإشارة المفهمة كغيره.
"وصريحه وقفت" لأنه موضوع له وكلفظة التطليق في الطلاق "وحبست وسبلت" لأنه ثبت لهما عوض في الشرع فمتى أتى بواحده منها صار وقفا من غير انضمام أمر زائد ولو عبر ب أو ك الوجيز والفروع لكان أولى وفي كلام بعضهم أن الصريح لا ينحصر في الثلاثة وفي المغني والكافي إذا جعل علو موضع أو سفله مسجدا صح وكذا وسطه وإن لم يذكر استطراقا كبيعه فيتوجه منه الإكتفاء بلفظ يشعر بالمقصود وهو أظهر على أصلنا فيصح جعلت هذا للمسجد أو فيه ونحوه وهو ظاهر نصوصه فيكون تمليكا للمسجد جزم به الحارثي أي للمسلمين لنفعهم به وظاهر كلام المؤلف لا يكون تمليكا لأنهم ذكروا في الإقرار له وجهين كالحمل.
"وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت" لأنه لم يثبت لها عرف لغوي ولا شرعي لأن الصدقة تستعمل في الزكاة وهي ظاهرة في صدقة التطوع والتحريم يستعمل في الظهار والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم أو تأبيد الوقف.
"فلايصح الوقف بالكناية" مجردة فعلى هذا لا بد من انضمام شيء آخر إليها ليترجح إفادتها للوقف وأشار إليه بقوله.
"إلا أن ينويه" فيصح ويكون على ما نوى إلا أن النية تجعله وقفا في الباطن دون الظاهر.
"أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية" من الصرائح والكناية وهي خمسة علم

أو حكم الوقف فيقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة ولاتباع ولا توهب ولا تورث ولا يصح إلا بشروط أربعة أحدهما أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الإنتفاع بها دائما مع بقاء عينها كالعقار والحيوان والأثاث والسلاح.
__________
ذلك من تمثيله لأن اللفظ يترجح بذلك لإرادة الوقف "أو" يقرن به "حكم الوقف فيقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة" هذا مثال للأول ولا تباع ولا توهب ولا تورث هذا مثال للثاني لأن هذه القرينة تزيل الإشتراك وذكر أبو الفرج أن أبدت صريح وأن صدقة موقوفة أو مؤبدة أو لاتباع كناية.
"ولا يصح إلا بشروط أربعة" لم يتعرض المؤلف للواقف لظهوره وشرطه أن يكون مالكا جائز التصرف وهو في الصحة من رأس المال وفي مرض الموت أو ما نزل منزلته من الثلث.
"أحدها أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الإنتفاع بها دائما مع بقاء عينها" قال أبو محمد الجوزي بقاء متطاولا أدناه عمر الحيوان "كالعقار" لحديث عمر قال أحمد في رواية الأثرم إنما الوقف في الدور والأرضين على ما وقف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عقيل وظاهر هذا حصره على العقار لأنه هو الذي يتأبد حقيقة بخلاف غيره.
"والحيوان" لما روى أبو هريرة مرفوعا "من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة حسنات" رواه البخاري ولأنه يحصل تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فصح وقفه كالعقار.
"والأثاث والسلاح" لقوله عليه السلام "أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاد في سبيل الله" متفق عليه ولفظ البخاري وأعتده قال الخطابي الأعتاد ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآله الجهاد ونقل المروذي لايجوز وقف سلاح ذكره أبو بكر وعنه ولا منقول لأنها أعيان

ويصح وقف المشاع.
__________
لا تبقى على التأبيد فلم يجز وقفها كالطعام ورد بالفرق قوله في عين يحترز به عن الموصى بمنفعته فلا يصح وقفه من مالك المنفعة قوله يجوز بيعها يحترز به عن الحر فإنه لا يصح أن يقف نفسه
وأرض السواد قال الإمام أحمد القطائع ترجع إلى الأصل إذا جعلها للمساكين فظاهره أنه يصح وقفها وهي في الأصل وقف ومعناه أن وقفها يطابق الأصل لا أنها تصير وقفا بهذا القول قاله في الشرح ويستثنى منه وقف المصحف فإنه يصح رواية واحدة قاله في الوسيلة. والماء قال الفضل سألت أحمد عن وقف الماء فقال إن كان شيئا استجازوه بينهم جاز وحمله القاضي وغيره على وقف مكانه وهو بعيد لأن وقف مكان الماء لا تتوقف صحته على استجازتهم له ومقتضاه أن النص شاهد بصحة الوقف لنفس الماء قال الحارثي وهو مشكل من وجهين أحدهما إثبات الوقف فيما لم يملكه فإن الماء يتجدد شيئا فشيئا والثاني ذهاب العين بالإنتفاع والوقف يستدعى بقاء أصل ينتفع به على ممر الزمان ولكن قد يقال مادة الحصول من غير تأثير بالإنتفاع تنزل منزلة بقاء العين مع الإنتفاع وتأتي تتمة ذلك "ويصح وقف المشاع" في قول أكثر الفقهاء لما روى ابن عمر أن عمر قال إن المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي منها فاردت أن اتصدق بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم "احبس أصلها وسبل ثمرتها" رواه النسائي وابن ماجة ولأنه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزا فجاز عليه مشاعا كالبيع ويعتبر أن يقول كذا سهما من كذا سهما قاله أحمد
قال في الفروع ثم يتوجه أن المشاع لو وقف مسجدا أثبت حكم المسجد في الحال فيمنع منه الجنب عند القسمة متعينة هنا كتعيينها طريقا للإنتفاع بالموقوف وفي الرعاية الكبرى لو وقف نصف عبده صح ولم يسر إلى بقيته وإن كان لغيره

ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية وعنه لا يصح ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار ولا غير معين كأحد هذين ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والكلب
__________
فإن أعتق ما وقفه منه أو أعتقه الموقوف عليه لم يصح ولم يسر وإن اعتق الواقف بقيته أو أعتقه شريكه فيه عتق بقيته ولم يسر إلى الموقوف وإن علق عتقه بصفة ثم وقفه قبلها صح وقفه.
"ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية" لما روى نافع أن حفصة ابتاعت حليا بعشرين ألفا حبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته رواه الخلال ولوجود الضابط ولأن فيه نفعا مباحا مقصودا فجاز أخذ الأجرة عليه وصح وقفه كوقف السلاح في سبيل الله.
"وعنه: لا يصح" نقلها الأثرم وحنبل قال في المغني والشرح وأنكر حديث حفصه لأن التحلي ليس هو المقصود الاصلي من الأثمان فلم يصح وقفها كالدنانير ورد بأن المفسد فيها عدم الانتفاع بعينها وهذا في الحلي معدوم
قال في التلخيص وهو محمول على رواية منع وقف المنقول وذكر القاضي في تعليقه رواية الأثرم وحنبل ولفظها لا أعرف الوقف في المال فإن لم يكن في الرواية غير هذا ففي أخذ المنع منه نظر قاله الزركشي.
"ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار" لأنه نقل ملك على وجه القربة فلم يصح في غير معين كالهبة.
"ولا" وقف "غير معين كأحد هذين" العبدين لما ذكرنا وفيه احتمال في العتق فيخرج المبهم منهما بالقرعة "ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد" لأنه نقل للملك فيها في الحياة فلم يجز كالبيع وفيه وجه وقيده ابن حمدان إن صح بيعها والكلب لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
"والكلب" أبيح الإنتفاع به على خلاف الأصل للضرورة فلم يجز التوسع فيها وكذا لا يصح وقف الحمل منفردا

ولا ما لا ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان والمطعوم والرياحين الثاني أن يكون على بر كالمساكين والمساجد
__________
"ولا" يصح وقف "مالا ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان" وهي الدنانير والدراهم "والمطعوم والرياحين" في قول عامة العلماء لأن مالا ينتفع به إلا بإتلاف لا يصح وقفه كالشمع ليشعله وقيل يصح في الأثمان بناء على إجارتها ورد لأن تلك المنفعة ليست المقصودة التي خلقت له الأثمان فلم يجز الوقف له كوقف الشجر على نشر الثياب ويستثنى منه لو وقف فرسا بسرج ولجام مفضضين فإنه يصح ويدخل تبعا نص عليه أما لو وقفهما للتحلي والوزن فاختار صاحب التلخيص الصحة كإجارتها لذلك واختار المؤلف وجمع ضدها لأن ذلك ليس من المرافق العامة فإن أطلق بطل وقيل يصح ويحمل عليهما.
مسألة:
لا يصح وقف قنديل نقد على مسجد ويزكيه ربه وقيل يصح فيكسر ويصرف لمصلحته وقال ابن المنجا تمثيله بالمطعوم والرياحين فيه نظر من جهة أنهما لا يبقيان فيحذفان ويقتصر على التمثيل بالأثمان أو يبقيان مع حذف مع بقائه فإنه يصح أن يقال إنهما لا ينتفع بهما دائما لأن نفعهما يحصل في بعض الزمن وعلم منه أن وقف مالا منفعة فيه كالعين المؤجرة لا يصح لعدم وجود المعنى نعم إن وقفها مدة الإجارة إذا انقضت صح إن قيل يصح تعليق الوقف على شرط.
"لثاني أن يكون على بر" ومعروف إذا كان الوقف على جهة عامة لأن المقصود منه التقرب إلى الله تعالى وإذا لم يكن على بر لم يحصل المقصود "كالمساكين والمساجد" فإذا قال جعلت ملكي للمسجد صار حقا من حقوقه ولا يعتبر قبول ناظره لتعذره بالقبول كحالة وقف المسجد فإنه لا يشترط قبوله لأن الناظر لا يكون إلا بعد الوقف

والقناطر والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة ولا يصح على الكنائس وبيوت النار
__________
"والقناطر" والسقايات والمقابر وكتب العلم "والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة" نص عليه لأن القريب الذمي موضع القربة بدليل جواز الصدقة عليه ويصح الوقف على أهل الذمة جزم به الأكثر لأن صفية وقفت على أخ لها يهودي ولأنهم يملكون ملكا محترماً ولأن من جاز أن يقف عليه الذمي جاز أن يقف المسلم عليه كالمسلم وصحح الحلواني على فقرائهم وصححه في الواضح من ذمي عليهم وعلى بيعة وكنيسة ومقتضى كلام صاحب التلخيص والمحرر أنه لايصح الوقف عليهم لأن الجهة معصية بخلاف أقاربه وإن وقف ذمي على ذمي شيئا وشرطه أن يستحقه ما دام ذميا فأسلم فله أخذه أيضا لأن الواقف عينه له ويلغو شرطه ورده في الفنون وقيل يشترط أن لا يكون معصية فيصح في المباح كالوقف على الأغنياء وقيل ومكروه
فائدة: يصح الوقف على الصوفية وهم المشتغلون بالعبادات في غالب الأوقات المعرضون عن الدنيا قال الشيخ تقي الدين فمن كان منهم جماعا للمال أو لم يتخلق بالأخلاق المحمودة ولا تأدب بالآداب الشرعية غالبا أو فاسقا لم يستحق ولم يعتبر الحارثي الفقر قال في الفروع ويتوجه احتمال لا يصح عليهم ولهذا قال الإمام ما رأيت صوفيا إلا سلما الخواص قاله أبو محمد الجويني إذ ليس له حد يعرف به.
"ولا يصح على الكنائس وبيوت النار" والبيع لأن ذلك معصية لكون أن هذه المواضع بيت للكفر والمسلم والذمي سواء قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعا وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا والضياع بيد النصارى فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم وحكم الوقف على قناديل البيعة ومن يخدمها ويعمرها كالوقف عليها قاله في المغني والشرح وإن قال أنت حر بشرط أن تخدم الكنيسة سنة بعد موتي وهما نصرانيان فأسلم العبد قبل تمامها عتق في الحال وعنه تلزمه القيمة لبقية الخدمة وعنه لا وهي

وكتابة التوراة والإنجيل ولا على حربي ولا مرتد ولا يصح على نفسه في إحدى الروايتين وإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه
__________
أصح وأوفق لأصوله.
"وكتابة التوارة والإنجيل" للإعانة على المعصية فإنها منسوخة وقد بدل بعضها غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئا استكبته منها وقال "أفي شك أنت يا ابن الخطاب ألم آت بها بيضاء نقية ولو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي" وكتب الزندقة من باب أولى.
"ولا على حربي ولا مرتد" لأن أموالهما مباحة في الأصل تجوز إزالتها فما يتجدد لهم أولى ولانتفاء الدوام لأنهما مقتولان عن قرب
تنبيه: لا يصح الوقف على قطاع الطريق ولا على المغاني ولا التنوير على قبر وتبخيره ولا على من يقيم عنده أو يخدمه ولا وقف ستور لغير الكعبة وصححه ابن الزاغوني فيصرف لمصلحته ذكره ابن الصيرفي.
"ولايصح على نفسه في إحدى الروايتين" قال في رواية أبي طالب لاأعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى أو في سبيله فإن وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه فعليها يكون باطلا وجزم به الأكثر وقدمه في الفروع لأن الوقف تمليك إما للرقبة أو للمنفعة وكلاهما لا يصح لأن الإنسان لا يجوز له أن يملك نفسه من نفسه كما لا يجوز أن يبيع ماله من نفسه والأصح أنه يصرف لمن بعده في الحال.
والثانية يصح ذكره في المذهب ظاهر المذهب واختاره ابن أبي موسى وابن عقيل وأبو المعالي والشيخ تقي الدين لأنه يصح أن يقف وقفا فينتفع به كذلك إذا خص نفسه بانتفاعه وكشرط غلته له ومتى حكم به حاكم حيث يجوز له الحكم وظاهر كلامهم ينفذ حكمه ظاهرا لأنها مسألة اجتهادية وهل ينفذ باطنا فيه خلاف.
"وإن وقف على غيره واستثنى" كل الغلة أو بعضها له أو لولده "الأكل منه

مدة حياته صح الثالث أن يقف على معين يملك ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد ولا على حيوان لا يملك كالعبد والحمل
__________
مدة حياته" أو مدة معلومة "صح" الوقف والشرط نص عليه واحتج بأنه قال سمعت ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل أهله منها بالمعروف وشرط عمر أكل الوالي عليها وكان هو الوالي عليها وفعله جماعة من الصحابة وقيل لا يصح الوقف لأنه إزالة ملك فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه كالبيع وقيل لا يصح شرطه فإن صح فمات في أثناء المدة كان لورثته ويصح إجارتها. "الثالث: أن يقف على معين يملك" لأن الوقف تمليك فلم يصح غير معين كالهبة "ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد" لما ذكرنا ولا على أحد هذين وفيه وجه بناء على أنه لا يفتقر إلى قبول ولا على معدوم أصلا كوقفه على من سيولد لي أو لفلان وصححه فيه في المغني لأنه يراد للدوام بخلاف الوصية وفي الترغيب هو منقطع الأول ولم يعتبر الحارثي أن يملك لحصول معناه فيصح لعبد وبهيمة ينفقه عليهما
"ولا على حيوان لا يملك كالعبد" قال أحمد فيمن وقف على ممالكيه لا يصح الوقف حتى يعتقهم وظاهره ولو قلنا أنه يملك بالتمليك لأن ملكه كالعدم وقيل يصح إن قلنا يملك به ويكون لسيده والمدبر وأم الولد كالقن وكذا المكاتب في الأصح لأن ملكه غير مستقر لا يقال الوقف على المساجد صحيح وهي لا تملك فينبغي أن يصح هنا لأن الوقف على المسلمين إلا أنه عين في نفع خاص لهم فيرد أنه يصح على الكنائس ويكون الوقف على أهل الذمة
وجوابه أن الجهة التي عين صرف الوقف فيها ليست نفعا بل هي معصية محرمة يزدادون بها عقابا بخلاف المساجد "والحمل" لما ذكرنا وصححه ابن عقيل والحارثي كوصية قال في الفروع ويتوجه في الوقف على حمل صحة

والملك والبهيمة الرابع أن يقف ناجزا فإن علقه على شرط لم يصح إلا أن يقول هو وقف بعد موتي فيصح في قول الخرقي وقال أبو الخطاب لايصح.
__________
الهبة له وأولى لصحتها لعبد وعلى الأول يصح تبعا كعلى أولادي وأولاد فلان وفيهم حمل مستحق هو وكل حمل من أهل الوقف بالوضع من ثمر وزرع ما يستحقه مشتر نص عليه "والملك والبهيمة" لعدم ملكها والجن والميت كذلك
"الرابع: أن يقف ناجزا" كوقفت داري على كذا ولا خلاف في صحته بشرطه لأنه نقل للملك أشبه البيع "فإن علقه بشرط لم يصح" لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز تعليقه على شرط في الحياة كالهبة وفيه وجه وقيل إن قلنا هو لله تعالى وظاهره شامل لما إذا شرط شرطا فاسدا كخيار فيه وتحويله وتغيير شرط وخرج من البيع صحته وفي الشرح إذا شرط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه بطل الوقف طاعة لا نعلم في بطلان الشرط خلافا لأنه ينافي مقتضى العقد وقيل يصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع.
"إلا أن يقول هو وقف بعد موتي فيصح في قول الخرقي" أي يصح تعليق الوقف المعلق بالموت واختاره أبو الخطاب في خلافه ونصره في المغني والشرح وذكر أنه ظاهر كلام أحمد وقدمه في الفروع واحتج أحمد بأن عمر أوصى فكان في وصيته هذا ما أوصى به عبد الله أمير المؤمنين إن حدث به حادث أن ثمنا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه رواه أبو داود ولأن هذا تبرع معلق بالموت فصح كالهبة والصدقة فعلى هذا ينفذ من الثلث فما دون ويقف الباقي على إجازة الورثة كالتدبير.
"وقال أبو الخطاب" والقاضي وابن البنا في الخصال "لا يصح" لأنه تعليق

فصل
ولا يشترط القبول إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان: أحدهما يشترط ذلك فإن لم يقبله أورده بطل في حقه دون من بعده
__________
للوقف على شرط فلم يصح كما لو علقه على شرط في الحياة وحمل القاضي كلام الخرقي على أنه قال قفوا بعد موتي هذا وصية بالوقف لا إيقاف وفي الشرح سوى المتأخرون من أصحابنا بين تعليقه بالموت وبين تعليقه بشرط في الحياة ولايصح لما بينهما من الفرق لأن هذا وصية وهي أوسع من التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول وللمجهول والحمل وكما لو قال إذا مت فداري لفلان أو أبرأته من ديني الذي عليه
فصل
"ولا يشترط" القبول إذا كان على غير معين كالمساكين أو من لا يتصور منه القبول كالمسجد والقناطر لأنه لو اشترط لامتنع صحة الوقف فيه ويلزم بمجرد الإيجاب وذكر صاحب النظم احتمالا يقبله نائب الإمام
"إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان: أحدهما يشترط ذلك" صححه صاحب النهايةلأنه تبرع فكان من شرطه القبول كهبة ووصية ولو على التراخي وقال الشيخ تقي الدين وأخذ ريعه قبول والثاني وهوالمذهب واختاره القاضي وجزم به في الوجيز أنه لا يشترط ذلك لأنه إزالة ملك يمنع البيع فلم يعتبر فيه القبول كالعتق والفرق أن الوقف لا يختص المعين بل يتعلق به حق من يأتي من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم إلا أنه مرتب فصار كالوقف على الفقراء قال ابن المنجا وهذا الفرق موجود بعينة في الهبة والأشبه أنه ينبني ذلك على الملك هل ينتقل إلى الموقوف عليه أم لا فعلى هذا لا يبطل بالرد كالعتق وعلى الأول "فإن لم يقبله أو رده بطل في حقه" لأنه تمليك لم يوجد شرطه أشبه الهبة لكن اختلفوا فيما إذا رد ثم قبل هل يعود أم لا قاله الشيخ تقي الدين "دون من بعده" لأن المبطل وجد في

وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز يصرف في الحال إلى من بعده وفيه وجه آخر إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين يصرف إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض ثم يصرف إلى من بعده وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مآلا أو على من يجوز ثم على من لا يجوز أوقال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى الروايتين
__________
الأول فاختص به وصار كالوقف المنقطع الابتداء يخرج في صحته في حق من سواه وبطلانه وجهان مبنيان على تفريق الصفقة والأصح صحته لتعذر استحقاقه لفوت وصف فيه وأشار إليه بقوله" كان كما لو وقف من لا يجوز" كالمجهول "ثم على من يجوز" كالمساكين "يصرف في الحال إلى من بعده" لأن الواقف قصد صيرورة الوقف إليه في الجملة ولا حالة يمكن انتظارها فوجب الصرف إليه لئلا يفوت غرض الواقف ولئلا تبطل فائدة الصحة.
"وفيه وجه آخر" قال ابن حمدان وهوأصح وأشهر "إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين" أي كعبده وأم ولده لأنه أحد نوعي الوقف "يصرف إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض" لأنها إحدى حالتي الإنقطاع أشبه الأخرى "ثم يصرف إلى من بعده" أي من يجوز عليه الوقف لإنه مرتب "وإن وقف على جهة تنقطع" كأولاده لأنه بحكم العادة يمكن انقراضهم "ولم يذكر مآلا" المآل بهمزة مفتوحة بعد الميم المفتوحة المرجع "أو على من يجوز" الوقف كأولاده "ثم على من لا يجوز" كالكنائس.
"أو قال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه" قد تضمن هذا صحة الوقف قال في الرعاية في الأصح وقال محمد بن الحسن لا يصح لأن الوقف مقتضاة التأبيد فإذا كان منقطعا صار وقفا على مجهول وجوابه أنه معلوم المصرف فصح كما لو صرح بمصرفه إذ المطلق يحمل على العرف كنقد البلد وحينئذ يصرف "إلى ورثة الواقف" نسبا قاله في الوجيز والفروع بقدر إرثهم "وقفا عليهم في إحدى الروايتين" وفي الكافي هي

والأخرى إلى أقرب عصبته وهل يختص به فقراؤهم على وجهين وقال القاضي في موضع يكون وقفا على المساكين
__________
ظاهر المذهب وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع لأن الوقف مصرفه البر وأقاربه أولى الناس ببره لقوله عليه السلام "إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات فكذا صدقته المنقول "والأخرى" يصرف "إلى أقرب عصبته لأنهم أحق أقاربه ببره لقوله عليه السلام "ابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك" رواه النسائي فيحتمل أن يكون ملكا لهم وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى وظاهر الخرقي عكسه والمذهب أنه يكون وقفا عليهم لأن الملك زال عنه بالوقف فلا يعود ملكا لهم وعنه ملكا ويحتلمه كلام الخرقي في الورثة "وهل يختص به فقراؤهم على وجهين" أحدهما وهو ظاهر كلام الإمام والخرقي والمجد أنه لا يختص بهم بل يشمل الفقير والغني منهما لأنه لو وقف على أولاده شملهما فكذا هنا والثاني واختاره القاضي في الروايتين أنه يختص الفقراء منهم إذ القصد بالوقف البر والصلة والفقراء أولى بهذا المعني من غيرهم ونص على أنه يصرف في مصالح المسلمين.
"وقال القاضي في موضع" وهو الجامع الصغير والشريف أبو جعفر وإليه ميل المؤلف وهو رواية "يكون وقفا على المساكين" قال في الشرح وهو أعدل الأقوال لأنهم أعم جهات الخير ومصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها فإن كان للواقف أقارب مساكين كانوا أولى به استحبابا كصلاته وحيث قلنا يصرف إلى الأقارب فانقرضوا أو لم يوجد له قريب فإنه يصرف لبيت المال نص عليه في رواية أبي طالب وقطع به أبو الخطاب والمجد لأنه مال لا مستحق له وقال الأكثر يرجع الفقراء والمساكين إذ القصد بالوقف الصدقة الدائمة لقوله عليه السلام "أو صدقة جارية" وقال ابن أبي موسى يباع ويجعل ثمنه للمساكين ونقل حرب عنه مثله

وإذا قال وقفت داري سنة لم يصح ويحتمل أن يصح ويصرف بعدها مصرف المنقطع ولا يشترط إخراج الوقف على يده في إحدى الروايتين
__________
وعنه يرجع إلى ملك واقفة الحي قال ابن الزاغوني في الواضح الخلاف في الرجوع إلى الأقارب أو إلى بيت المال أو إلى المساكين مختص بما إذا مات الواقف أما إن كان حيا فانقطعت الجهة فهل يعود الوقف إلى ملكه أو إلى عصبته فيه روايتان وظاهر المتن أن المسائل الثلاث على سنن واحد وأن الخلاف فيها وفي الشرح إذا قال وقفت هذا وسكت أو صدقة موقوفة أنه لا نص فيها وقال ابن حامد يصح وهو قياس قول أحمد في النذر المطلق فإنه ينعقد موجبا للكفارة وفي الفروع وكذا إذا قال وقفه ولم يزد وقال القاضي وأصحابه أنه يصرف في وجوه البر وفي عيون المسائل فيها وفي تصدقت به الجماعة المسلمين وفي الروضة إن قال وقفته صح في الصحيح عندنا
تنبيه: للوقف أربعة أحوال متصل الإبتداء والإنتهاء ولا إشكال في صحته ومنقطع الإنتهاء وهو صحيح في الأصح ومنقطع الإبتداء متصل الإنتهاء ومتصل الإبتداء والإنتهاء منقطع الوسط والمذهب صحتهما وقيل بالبطلان بناء على تفريق الصفقة
مسألة: لو وقف على الفقراء ثم على ولده صح لهم دونه وقيل وعليه كما لو وقف على فقراء بلد معين
"وإذا قال وقفت داري سنة لم يصح" لأن مقتضى الوقف التأبيد وهذا ينافيه فلو قال وقفت هذا على ولدي سنة ثم على المساكين صح "ويحتمل أن يصح" لأنه منقطع الإنتهاء وقد بينا صحته "و" حينئذ "يصرف بعدها" أي بعد السنة "مصرف المنقطع" أي منقطع الإنتهاء "ولايشترط إخراج الوقف عن يده في إحدى الروايتين" في ظاهر المذهب لأن الوقف يزول به ملك الواقف ويلزم بمجرد اللفظ لحديث عمر السابق ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة فيلزم بمجرده

فصل
ولا يملك الموقوف عليه الوقف وعنه لا يملكه ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه
__________
كالعتق والثانية لا يلزم إلا بالقبض وإخراج الوقف عن يده اختارها ابن أبي موسى وقاله محمد بن الحسن لأنه تبرع بمال لم يخرجه عن المالية فلم يلزم بمجرده كالهبة فلو شرط نظره له سلمه ليد غيره ثم ارتجعه واجيب بالفرق فإنها تمليك مطلق والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فهو بالعتق أشبه فإلحاقه به أولى وعلم منه أن الخلاف في لزوم الوقف وهو ظاهر كلام الأكثر وصرح في الهداية أنه في الصحة ولعله ظاهر المتن
فصل:
"ويملك الموقوف عليه الوقف" في ظاهر المذهب لأنه سبب يزيل التصرف في الرقبة فملكه المنتقل إليه كالهبة إلا أن يكون مما لا يملك كالمسجد ونحوه فإن الملك فيه ينتقل إلى الله تعالى.
"وعنه لا يملكه" الموقوف عليه ويكون تمليكا لله تعالى وهو اختيار ابن أبي موسى لأنه إزالة ملك عن العين والمنفعة على وجه القربة بتمليك المنفعة فلم ينتقل إلى صاحبها كالعتق ولأنه لو انتقل إليه لافتقر إلى قبوله كسائر الأملاك وعنه أنه باق على ملك الواقف لقوله "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" ولأنه لا يوجب زوال الملك عنه فتلزمه الخصومة فيه والأول أولى لأنه سبب لم يخرج به الملك عن المالية فوجب أن ينتقل إليه كالهبة والبيع وفارق العتق من حيث أنه إخراج عن حكم المالية ولأنه لو كان تمليكا للمنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى وقول أحمد إنهم لا يملكون التصرف في الرقبة جمعا بينهما لا يقال عدم ملكه التصرف فيها يدل على عدم ملكه لها لأنه ليس بلازم بدليل أم الولد فإنه يملكها ولا يملك التصرف في رقبتها.
"ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه" بغير خلاف نعلمه لأنه نماء ملكه قاله

وليس له وطء الجارية فإن فعل فلا حد عليه ولا مهر وإن أتت بولد فهو حر وعليه قيمته ويشتري بها ما يقوم مقامه وتصير أم ولد له وتعتق بموته وتجب قيمتها في تركته ويشتري بها مثلها وتكون وقفاً.
__________
في الشرح ومقتاضاه أنه مبني على الملك وفيه شيء ويستوفيه بنفسه وبالإجارة والإعارة ونحوها إلا أن يعين في الوقف غير ذلك وينبني على الخلاف ما إذا كان الموقوف ماشية فإنه لا تجب زكاتها على الثانية والثالثة لضعف الملك أو انتفائه ووجبت على الموقوف عليه في ظاهر كلامه واختاره القاضي في التعليق والمجد وقيل لا تجب لضعف الملك اختاره في التلخيص والأصح يخرج المعين فطرته على الأولى كعبد اشتري من غلة الوقف لخدمة الوقف لتمام التصرف فيه ذكره أبو المعالي والخلاف فيما يقصد به تملك الريع أما المسجد والمقبرة فلا خلاف أنه ينقطع عنه اختصاص الآدمي ويشبه ذلك الربط والمدارس.
"وليس له وطء الجارية" لأن ملكه ناقص ولا يؤمن حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من الوقف بأن تبقى أم ولد.
"فإن فعل فلا حد عليه" للشبهة "ولا مهر" عليه لأنه لو وجب لوجب له لا يجب للإنسان شيء على نفسه.
"وإن أتت بولد فهو حر" لأنه من وطء شبهة "وعليه" أي على الواطيء "قيمته" يوم الوضع "ويشتري بها ما يقوم مقامه" أي عبد مكانه لأنه فوت رقه ولأن القيمة بدل عن الوقف فوجب أن ترد في مثله "وتصير أم ولد" له لأنه أحبلها بحر في ملكه وإن قلنا لا يملكها لم تصر أم ولد له صرح به في المغني والشرح لأنها أجنبية.
"وتعتق بموته" كأم الولد "وتجب قيمتها في تركته" لأنه أتلفها على من بعده من البطون "يشتري بها مثلها وتكون وقفا" لينجبر على البطن الثاني ما فاتهم وقيل يصرف إلى البطن الثاني إن تلقى الوقف من واقفه وهو ظاهر كلام جماعة فلهم

وإن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد حر وعليه المهرلأهل الوقف وقيمة الولد فإن تلفت فعليه قيمتها يشتري بها مثلها ويحتمل أن يملك قيمة الولد ها هنا وله تزويج الجارية وأخذ مهرها وولده وقف معها ويحتمل أن يملكه
__________
اليمين مع شاهدهم لثبوت الوقف مع امتناع بعض البطن الأول منها فإن كان النصف طلقا فأعتقه مالكه لم يسر إلى الوقف لأنه لم يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى
"وإن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد حر" لاعتقاده أنه وطيء في ملك وإن كان عبدا وظاهره أنه إذا وطئها مكرهة أو مطاوعة فعليه الحد لانتفاء الشبهة "وعليه المهر لأهل الوقف" لأنه وطيء جاريتهم في غير ملك أشبه الأمة المطلقة ولأنه عوض المنفعة وهي مستحقة لهم "و" عليه "قيمة الولد" لأن رقه فات بسبب من جهة وهو اعتقاد الحرية وتعتبر قيمته يوم تضعه حيا لأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك ويكون الولد وقفا معها تبعا لها "وإن تلفت فعليه" أي المتلف سواء كان اجنبيا اوالواقف "قيمتها" لأنه إتلاف حصل في مستحق الغير فوجبت القيمة كما لو أتلف غير الوقف وكذا إن كان المتلف الموقوف عليه لأنه لا يملك التصرف في الرقبة إنما له المنفعة "يشتري بها مثلها" لأنه أقرب إلى الوفاء بشرط الواقف يصير وقفا بالشراء "ويحتمل أن يملك" الموقوف عليه "قيمة الولد" لأنه يملك النماء وهو منه "ههنا" يعني إذا وطئها أجنبي بشبهة "ولا يلزمه قيمة الولد إن أولدها" لأن ما تملك قيمته لا تلزمه قيمته وله أي للموقوف عليه "تزويج الجارية" في الأصح لأنه عقد على منفعتها أشبه الإجارة والثاني لا يجوز تزويجها لأنه عقد على منفعتها في العمر فيفضي إلى تفويت منفعتها في حق من يأتي من البطون وهذا الخلاف مبني على الملك وحينئذ ليس له أن يتزوجها وإن قلنا هو ملك لله فيزوجها حاكم ويتزوجها "وأخذ مهرها" لأنه بدل المنفعة وهل يستحقها كالأجرة "وولدها وقف معها" أي إذا ولدت من زوج أو زنى لأن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها كأم الولد والمكاتبة "ويحتمل أن يملكه" لأنه من نمائها كثمرة الشجرة

وإن جنى الوقف خطا فالأرش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون في كسبه وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين
__________
فرع: إذا طلبت التزويج لزمه إجابتها لأنه حق لها طلبته فتعينت الإجابة وما فات من الحق به يفوت نفعا فلا يصلح أن يكون مانعا كغير الموقوفة.
"وإن جنى الوقف" جناية موجبة للمال "خطأ فالأرش على الموقوف عليه" جزم به الشيخان وفي الوجيز ومرادهم إذا كان معينا لأنه ملكه فكانت عليه كجناية أم الولد ولم يتعلق أرشها برقبة الوقف لأنه لا يمكن بيعه ولا يلزمه أكثر من قيمته كأم الولد.
"ويحتمل أن يكون في كسبه" كما لو يكن معينا كالوقف على المساكين لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه والمذهب إن قلنا هو ملك لله فالأرش في كسبه لتعذر تعلقه برقبته لكونه لا يباع وبالموقوف عليه لكونه لا يملكه وقيل هو في بيت المال وحكاه في التبصرة رواية كأرش جناية الحر المعسر وضعفه في المغني بأن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها وجناية العبد لا تحملها
تنبيه: لم يتعرض المؤلف إذا جنى جناية موجبة للقود والقطع أنه يجب فإن قتل يبطل الوقف لا بقطعه ويكون باقيه وقفا كتلفه بفعل الله تعالى فإن قتل فالظاهر لا يجب القود كعبد مشترك وتجب القيمة وليس للموقوف عليه العفو عنها لأنه لا يختص بها ويشتري بها مثلها يكون وقفا ويتوجه اختصاص الموقوف عليه بها إن قلنا يملكه وإن قطع طرفه فللعبد القود وإن عفا فأرشه يصرف في مثله وفي الترغيب احتمال كنفعه كجناية بلا تلف طرف ويعايا بمملوك لا مالك له وهو عبد وقف على خدمة الكعبة قاله ابن عقيل في المنثور.
"وإذا وقف على ثلاثة" كزيد وعمر وبكر "ثم على المساكين فمن مات منهم" أورد "رجع نصيبه إلى الآخرين" لأنهما من الموقوف عليهم أولا وعوده

فصل
ويرجع إلى شرط الواقف في قسمه على الموقوف عليه وفي التقديم.
__________
إلى المساكين مشروط بانقراضهم إذ استحقاق المساكين مرتب ثم فإذا مات الثلاثة أوردوا فللمساكين عملا بشرطه فلو وقف على ثلاثة ولم يذكر له مآلا فمن مات منهم فحكم نصيبه حكم المنقطع كما لو ماتوا جميعا قاله الحارثي واختار في القواعد أنه يصرف إلى الباقي وهوأظهر
فصل
"ويرجع إلى شرط الواقف" لأن عمر وقف وقفا وشرط فيه شروطا ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة ولأن ابن الزبير وقف على ولده وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غيرمضرة ولا مضرة بها فإذا استغنت بزوج فلا حق لها فيه ولأن الوقف متلقي من جهته فاتبع شرطه ونصه كنص الشارع قال الشيخ تقي الدين يعني في الفهم والدلالة في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب أوالشارع أو لا فلو تعقب شرطه جملا عاد إلى الكل واستثناء كشرط نص عليه وكذا مخصص من صفة وعطف بيان وتوكيد وبدل ونحوه وجار ومجرور نحو وعلى أنه وبشرط أنه ونحوه "في قسمه على الموقوف عليه" أي على أن للأنثى سهما وللذكر سهمين أو بالعكس والمستحب أن يقسمه على أولاده على حسب قسمة الله تعالى في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين وقال القاضي المستحب التسوية بينهم لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة ورد بأنه اتصال المال إليهم فينبغي أن يكون على حسب الميراث كالعطية والذكر في مظنة الحاجة غالبا بوجوب حقوق تترتب عليه بخلاف الأنثى.
"وفي التقديم" بأن يقف على أولاده مثلا يقدم الأفقه أو الأدين أوالمريض

والتأخير والجمع والترتيب والتسوية والتفضيل وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة والناظر فيه
__________
ونحوه قال في رواية محمد بن الحكم فيما إذا خص بعضهم بالوقف إن كان على طريق الأثرة فأكرهه وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة فلا بأس.
"والتأخير" بأن يقف على ولد فلان بعد بني فلان
"والجمع" بأن يقف على أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه.
"والترتيب" بأن يقف على أولاده ثم أولادهم ثم يقف على اولاده وإن نزلوا الأعلا فالأعلا أو الأقرب فالأقرب أو على أولاده فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولاده فالتقديم بقاء أصل الإستحقاق للمؤخر على صفة أن له ما فضل وإلا سقط والترتيب عدم استحقاق المؤخر مع وجود المقدم.
"والتسوية" بأن يقف على طائفة بينهم بالتسوية وقيل يمنع تسوية بين فقهاء كمسابقة.
"والتفضيل بأن يقول لواحد الثلث وللآخر الثلثان.
"وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة" لقضية ابن الزبير في بناته وليس هو تعليق للوقف بصفة بل وقف مطلق والإستحقاق له صفة فلو شرط أن يخرج من شاء منهم ويدخل من شاء من غيرهم لم يصح لمنافاته مقتضاه لا قوله يعطي من شاء ويمنع من شاء لتعليقه استحقاقه بصفة كما لو وقفه على المشتغلين بالعلم من ولده فإنه يستحقه المشتغل دون غيره فمن ترك الإشتغال زال استحقاقه فإن عاد إليه عاد استحقاقه ذكره في المغني والشرح وقال الحارثي بالفرق لا يتجه وقال الشيخ تقي الدين كل متصرف بولاية إذا قيل يفعل ما شاء فإنما هو لمصلحة شرعية حتى لو صرح الواقف بما يهواه أو يراه مطلقا فشرط باطل لمخالفة الشرع وكشرطه تغيير شرط.
"و" في "الناظر فيه" بأن يقول الناظر فلان فإن مات ففلان لأن عمر جعل وقفه إلى حفصة تليه ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها ولأن مصرف الوقف

والإنفاق عليه وسائر أحواله
__________
يتبع فيه شرط الواقف فكذا في نظره وشرطه أن يكون مكلفا ثقة كافيا في ذلك خبيرا به قويا عليه فإن جعله لغيره لم يعزله بلا شرط وإن شرطه لنفسه ثم لغيره صح في الأصح وإن فوضه لغيره أو أسنده فله عزله قاله ابن حمدان والحارثي وقيل لا واختاره جمع
وللناظر التقرير في الوظائف وفي الأحكام السلطانية يقرر في الجوامع الكبار الإمام ولا يتوقف الإستحقاق على نصيبه إلا بشرط ولانظر لغيره معه أطلقه الأصحاب في الفروع ويتوجه مع حضوره فيقرر حاكم في وظيفة خلت في غيبته ولو سبق توليه ناظر غائب قدمت والناظر منفذ لما شرطه الواقف.
"والإنفاق عليه" بأن يقول يعمر الوقف من المكان الفلاني مثلا "وسائر أحواله" لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه ولأن ابتداء الوقف مفوض إليه فكذا في تفاصيله فلو شرط أن لا يؤجر أو قدرها بمدة اتبع وأن لا ينزل فاسق وشرير ومتجوه ونحوه عمل به قال في الفروع وإلا توجه أن لا يعتبر في فقهاء ونحوهم وفي إمام ومؤذن الخلاف وقال الشيخ تقي الدين لا يجوز أن ينزل فاسق في جهة دينية كمدرسة وغيرها مطلقا لأنه يجب الإنكار وعقوبته فكيف ينزل وإن نزل مستحق تنزيلا شرعيا لم يجز صرفه بلا موجب شرعي.
تنبيه: للحاكم النظر العام فيعترض عليه إن فعل ما لا يسوغ وله ضم أمين مع تفريطه أو تهمته وكذا مع ضعفه ومن ثبت فسقه أو أمر متصرفا بخلاف الشرط الصحيح عالما بتحريمه قدح فيه فإما أن ينعزل أو يعزل أو يضم إليه أمين على الخلاف ثم إن صار هو والوصي أهلا كما لو صرح به وكالموصوف ذكره الشيخ تقي الدين وذكر الجدفي النكت أنه لو عزل من وظيفته للفسق ثم تاب لم يعد إليها وإذا فرط سقط مماله بقدر ما فوته من الواجب وإذا أطلق النظر لحاكم المسلمين شمل أي حاكم وأفتى جماعة من ذوي المذاهب أنه عند التعدد يكون للسلطان تولية من شاء ولو فوضه حاكم لم يجز لآخر نقضه ولو ولى كل منهما شخصا قدم ولي الأمر أحقهم

فإن لم يشترط ناظرا فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم
__________
فرع: إذا جهل شرط الواقف تساوى فيه المستحقون لأن الشركة ثبتت ولم يثبت التفضيل فوجبت التسوية كما لو شرك بينهم بلفظه ذكره في الكافي وغيره وقيده الشيخ تقي الدين بما إذا لم يكن عادة قال لأن العادة المستمرة والعرف المستقر في الوقف يدل على شرط الواقف أكثر مما يدل لفظ الإستفاضة.
"فإن لم يشترط ناظرا" أو شرطه لإنسان فمات "فالنظر للموقوف عليه" على المذهب لأنه ملكه وغلته له فكان نظره إليه كملكه المطلق فإن كان واحدا استقل به مطلقا وقيل يضم إلى الفاسق أمين حفظا لأصل الوقف عن التضييع وإن كان مولى عليه قام وليه مقامه وإن كانوا جماعة فهو بينهم على قدر حصصهم ويستثنى منه ما إذا كان الوقف على مسجد أو من لا يمكن حصرهم فإنه للحاكم لأنه ليس له مالك معين وله أن يستنيب فيه.
"وقيل للحاكم" أي حاكم البلد اختاره ابن أبي موسى لأنه يتعلق به حق الموجودين وحق من يأتي من البطون وبناه المؤلف وهو ظاهر المحرر والفروع على الملك فإن قلنا هو للموقوف عليه فالنظر له لأنه يملك عينه ونفعه وإن قلنا هو لله تعالى فالحاكم يتولاه ويصرفه في مصرفه كالوقف على المساكين والحاصل إن كان النظر لغير موقوف عليه وكانت ولايته من حاكم أو ناظر فلا بد فيه من شرط العدالة وإن كانت ولايته من واقف وهوفاسق أو عدل ففسق إليه أمين ووظيفة ناظر حفظ وقف وعمارة وإيجار وزراعة ومخاصمة فيه وتحصيل ريعه من أجرة وزرع وثمره وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق ونحوه
فرع: إذا شرط النظر لاثنين فأكثر لم يصح تصرف أحدهما بلا شرط وإن شرطه لكل منهما صح فإن شرطه لاثنين من أفاضل ولده فلم يوجد منهما إلا واحد ضم إليه أمين لأن الواقف لم يرض بنظر واحد ذكره في الكافي وكذا لو جعله لاثنين فمات أحدهما أو انعزل

وينفق عليه من غلته وإن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث بالسوية
__________
"وينفق عليه" أي على الوقف "من غلته" إن لم يعين واقف من غيره لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ولايحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه فكان من ضرورته فإن لم يكن له غلة فالنفقة على موقوف عليه معين إن كان الواقف ذاروح فإن تعذر الإنفاق بيع وصرف الثمن في عين أخرى تكون وقفاً لمحل الضرورة وإن كان على غير معين كالمساكين فالنفقة من بيت المال فإن تعذر بيع ثم إن كان الوقف عقارا لم تجب عمارته من غير شرط فإن كان بشرطه عمل به
وقال الشيخ تقي الدين تجب عمارته بحسب البطون وتقدم عمارته على أرباب الوظائف قال الشيخ تقي الدين الجمع بينهما حسب الإمكان أولى بل قد يجب ولو احتاج المطلوب مسبل أو دار موقوفة لسكنى حاج أو غزاة ونحوهم إلى مرمة أو جر منه بقدر ذلك
فرع: للناظر الإستدانة عليه بلا إذن حاكم كشرائه الوقف بنسيئة أو بنقد لم يعينه قال في الفروع ويتوجه في قرضه مالا لولي
"وإن وقف على والده" أو أولاده أو على أولاد فلان "ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث" والخناثي لأن اللفظ يشملهم "بالسوية" لأنه شرك بينهم وإطلاقها يقتضي التسوية كما لو أقر لهم بشيء كولد الأم في الميراث ولا يدخل فيه الولد المنفي باللعان لأنه لا يسمى ولدا ولا يستحق منه حمل إلا بعد انفصاله لأنه لا يسمى ولدا قبل انفصاله فيستحق من ثمر وزرع كمشتر نقله المروذي وقطع به في المغني وغيره ونقل جعفر يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد قطع به في المبهج وقال الشيخ تقي الدين الثمرة للموجود عند التأبير وبدو الصلاح ويشبه الحمل إن قدم إلى ثغر موقوف عليه فيه أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه نقله يعقوب وقياسه من نزل في

ولا يدخل فيه ولد البنات وهل يدخل فيه ولد البنين على روايتين وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين
__________
مدرسة ونحوه واختار شيخنا يستحق بحصته من مغلة وإن من جعله كالولد فقد أخطأ ذكره في الفروع
"ولا يدخل فيه ولد البنات" بغير خلاف قاله في المغني والشرح لعدم دخولهم في قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} (النساء: من الآية11) ولقول الشاعر:
بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
لأن ولد الهاشمية ليس بهاشمي ولا ينسب إلى أبيها شرعا ولا عرفا وبهذا علل أحمد فقال لأنهم من رجل آخر وقيل شملهم لدخولهم في مسمى الأولاد.
"وهل يدخل ولد البنين على روايتين" كذا في المحرر والفروع أحدهما وجزم بها في الوجيز يدخلون لدخولهم في قولهم تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} (النساء: من الآية11) وحينئذ يشمل ولد البنين وإن سفلوا لأنه ولد لقوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ} (الأعراف: من الآية26) {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} (البقرة: من الآية47) ولقوله عليه السلام "ارموا بني اسماعيل فإن أباكم كان راميا" ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين فكذا إذا لم يكونوا قبيلة وحينئذ يستحقون في الوقف بعد آبائهم مرتبا وظاهره يشمل الموجودين ومن سيوجد وفيه رواية وهذا ما لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك.
والثانية لا يدخلون اختارها القاضي وأصحابه لأن ولده حقيقة ولد صلبه والكلام لحقيقته وإنما يسمى ولد الولد ولدا مجازا بدليل صحة النفي إلا أن يقترن به ما يدل على إدخالهم كقوله وقفت على أولادي لولد الذكور الثلثان ولولد الإناث الثلث وآية الميراث دلت قرينة على إرادة الولد وإن سفل فحمل اللفظ على حقيقته ومجازة.
"وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين" بغير

ونقل عنه لا يدخل فيه ولد البنات ونقل عنه في الوصية يدخلون فيه وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله وقال أبو بكر وابن حامد يدخلون فيه إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون
__________
خلاف علمناه لأنه ولد ولده حقيقة وانتسابا "ونقل عنه لا يدخل فيه ولد البنات" لأنه قال فيمن وقف على ولده ما كان من ولد البنات فليس لهم شيء فهذا النص يحتمل تعديته إلى هذه المسألة ويحتمل أن يكون مقصورا على من وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده والمنع اختاره القاضي في التعليق والجامع والشيرازي وأبو الخطاب في خلافة الصغير وفي الفروع اختاره الأكثر كمن ينسب إلي ونص عليها في ولد ولدي الصلبي إلا بقرينة تدل على دخولهم.
"ونقل عنه في الوصية يدخلون فيه وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله" لأن حكم الوقف والوصية واحد والقول بدخولهم هو رواية ثابتة عن أحمد قدمها في المحرر والرعاية واختارها أبو الخطاب في الهداية لأن البنات أولاده فأولادهن أولاد اولاده حقيقة لقوله تعالى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} (الأنعام: من الآية84) وإلى قوله {وَعِيسَى} (الأنعام: من الآية85) وهو ولد بنته وقال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر "إن ابني هذاسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" يعني الحسن رواه البخاري قال في الشرح والقول بدخولهم أصح وأقوى دليلا.
"وقال أبو بكر وابن حامد يدخلون فيه" هذا رواية لأن ولد البنت يدخل في التحريم الدال عليه قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (النساء: من الآية23) "إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون" لأنه ليس من صلبه وفي الروايتين في المغني أنهما اختارا الدخول مطلقا وفي الخصال لابن البنا أن ابن حامد اختار الدخول وابا بكر ما ذكره هنا وهو في المغني القديم وقيل إن قال ولد ولدي لصلبي شمل ولد بنيه لصلبه وفي التبصرة يشمل في الذرية وإن الخلاف في ولد ولده ومحل الخلاف

__________
مع عدم القرينة أما مع القرينة فالعمل بها ولهذا قيل في عيسى والحسن إنهما إنما دخل مع الذكر والكلام مع الإطلاق وأجاب في المغني والشرح عن قضية عيسى بأنه لم يكن له نسب ينتسب إليه فنسب إلى أمه والحسن بأنه مجاز اتفاقا بدليل قوله تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} (الأحزاب: من الآية40)
مسألة: إذا قال على ولدي ثم على ولده ولدي عند الفقراء لم يشمل البطن الثالث ومن بعده في الأشهر فإن قال على ولدي فإذا انقرض ولد ولدي فعلى الفقراء شمل ولد ولده وقيل لا كما لو قال على ولدي لصلبي فلو وقف على ولده فلان وفلان ثم على ولد ولده منع جزم به في المغني وغيره وقال القاضي لا ونقله حرب لأن قوله على ولدي يستغرق الجنس فيعم والتخصيص بقوله فلان وفلان تأكيد للبعض فلا يوجب إخراج البقية كالعطف في قوله تعالى {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} (البقرة: من الآية97) وعلى الأول فيقصر الوقف على المسلمين وأولادهما وأولاد الثالث جعلا لتسميتهما بدلا للبعض من الكل فاختص الحكم به ويجوز أن يكون بدل الكل من الكل لانطلاق لفظ الولد على الأثنين كانطلاقه على الجميع
فرع: إذا قال على أولادي ثم أولادهم عند الفقراء فترتب جملة وقيل إفراد وفي الإنتصار إذا قوبل جمع مقابلة الفرد منه بالفرد من مقابلة لغة فعلى هذا قال في الفروع الأظهر استحقاق الولد وإن لم يستحق أبوه شيئا قاله شيخنا ومن ظن أن الوقف كالإرث لم يدري ما يقول ولهذا لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم لم تحرم الثانية مع وجود الشروط فيه إجماعا وقول الواقف من مات فنصيبه لولده يعم ما استحقه وما يستحقه مع صفة الإستحقاق استحقه أولا تكثيرا للفائدة ولصدق الإضافة بأدنى ملابسة
تنبيه: إذا قال من مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته والوقف مرتب فهو لأهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف وكذا إن كان مشتركا بين

وإن وقف على بنيه أو نبي فلان فهو للذكور خاصة
__________
البطون فإن لم يوجد في درجته أحد بطل هذا الشرط وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره وإن كان الوقف على البطن الأول على أن نصيب من مات منهم عن غير ولد لمن في درجته فخلاف والأشهر أنه يستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه ونحوهم إلا أن يقول يقدم الأقرب فالأقرب إلى المتوفي ونحوه فيختص بهم وليس من الدرجة من هو أعلا منه أو أنزل وإن شرط أن نصيب المتوفى عن غير ولد لمن في درجته استحقه أهل الدرجة وقت وفاته وكذا من سيولد منهم أفتى به الشارح وصاحب الفائق وابن رجب قال وعلى هذا لو حدث من هو أعلا من الموجودين وكان في الوقف استحقاق الأعلا فالأعلا أخذه منهم وقوله من مات فنصيبه لولده يشمل الأصل والعائد واختار الشيخ تقي الدين الأصل فقط
تتمة: لو قال هو وقف على أولادي ثم أولادهم الذكور والإناث ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط ثم نسلهم وعقبهم عند الفقراء على أنه من مات منهم وترك ولدا وإن سفل فنصيبه له فمات أحد الطبقة الأولى وترك بنتا فماتت ولها أولاد فقال شيخنا ما استحقته قبل موتها لهم ويتوجه لا ولو قال من مات عن غيرولد وإن سفل فنصيبه لإخوته ثم نسلهم وعقبهم عم من أعقب ومن لم يعقب ومن أعقب ثم انقطع عقبه لأنه لا يقصد غيره واللفظ يحتمل فوجب الحمل عليه قطعا ذكره شيخنا ويتوجه نفوذ حكم بخلافة ذكره في الفروع
"وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة" في قول الجمهور لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة لقوله تعالى {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} (الصافات:153) {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} (آل عمران: من الآية14) و {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الكهف: من الآية46) ولا يدخل فيه الخنثى لأنه لا يعلم كونه ذكرا وعكسه لو وقف على بناته اختص بهن ولا شيء للذكور ولا للخناثى لأنه لا يعلم كونه أنثى لانعلم فيه خلافا

إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكور والإناث من اولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى
__________
"إلا أن يكونوا قبيلة" كبيرة قاله في الرعاية كبني هاشم وتميم وقضاعة "فيدخل فيه النساء" لقوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الاسراء: من الآية70) ولأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها وروى أن جواري من بني النجار قلن:
نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار
ويقال امرأة من بني هاشم دون "أولادهن من غيرهم" وحكاه في الرعاية قولا لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة الموقوف عليها بل إلى غيرها وكما لو قال المنتسبين إلي واقتضى ذلك دخول أولادهن منهم وهو ظاهر لدخول الإنتساب حقيقة ولايشمل مواليهم وعلى الأول يكفي واحد منهم وقيل بل ثلاثة ويأخذ كل واحد مارآه الناظر وقيل بل قدر حقه من الزكاة مع فقرة كالوقف على الفقراء
"وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكور والإناث من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى" لقوله تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (الحشر: من الآية7) فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أولاده وأولاد عبدالمطلب وأولاد هاشم ذكرهم وانثاهم ولم يعط من هو أبعد كبني عبد شمس وبني نوفل شيئا لا يقال هما كبني المطلب لأنه علل عليه السلام بأنهم لم يفارقوه في جاهلية ولاإسلام ولم يعط قرابة أمه وهم بنو زهرة شيئا وجعل هاشما الأب الرابع ولا يتصور أن يكون رابعا إلا أن يعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا وظاهره أنه يستوي فيه الذكر والأنثى والكبير والصغير والقريب والبعيد والغني والفقير لشمول اللفظ لهم ولا يدخل في الكافر لأنه لم يدخل في

وعنه إن كان يصل قرابته من قبل أمه في حياته صرف إليهم وإلا فلا وأهل بيته بمنزلة قرابته
__________
المستحق من قربى النبي صلى الله عليه وسلم.
"وعنه يجاوز بها أربعة آباء فعليها يعطي كل من يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينتسبون إلى الأب الأدنى لانهم قرابتهم فيتناولهم من اللفظ وعنه ثلاثة آباء "وعنه إن كان يصل قرابته من قبل أمه في حياته" كإخوته أمه وأخواله وخالاته "صرف إليهم" لأن صلته إياهم في حياته قرينة تدل على إرادتهم بصلته هذه وإلا فلا أي وإن لم يصلهم في حياته فلا يصرف إليهم لما ذكرنا وهذه الرواية نقلها صالح وعبدالله وابن هانيء وصححها القاضي وجماعة ونقل صالح إن وصل أغنياءهم أعطوا وإلا الفقراء أولى وأخذ عدم دخولهم في كل لفظ عام والأول أولى وأصح لأن هذا عرف في الشرع فيجب حمله عليه وتقديمه على العرف اللغوي كالوضوء ولا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم وهذا مع الإطلاق فأما إن وجدت قرينة لفظية أو حالية تدل على إرادتهم أو حرمانهم عمل بها
فرع: قرابة أمه كذلك وعنه إن وصلهم شملهم ومثله قرابة غيره أو الفقهاء ويصل بعضهم ذكره القاضي
تنبيه: إذا وقف على أقرب قرابته أو أقرب الناس إليه قدم الأقرب نسبا وإرثا وابنه كأبويه وقيل يقدم عليهما وأخوه لأبيه أو أبويه كجد أب وقيل عكسه وأخوه لأبيه كأمه إن شمل قرابته وكذا أبناؤهما وولد أبويه أولى منهما قال في الفروع ويتوجه رواية كأخيه لأبيه لسقوط الأمومة في النكاح وجزم به في التبصرة وأبوه أولى من ابن ابنه وفي الترغيب عكسه ويستوي جداه وعماه كأبويه.
"وأهل بيته بمنزلة قرابته" نص عليه في رواية عبدالله فيمن أوصى بثلث ماله لأهل بيته قال هو بمنزلة قوله لقرابتي حكاه ابن المنذر عنه واحتج بقوله عليه

وقال الخرقي يعطي من قبل أبيه وأمه وقومه ونسباؤه كقرابته
__________
السلام "لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي" فجعل سهم ذوي القربى عوضا لهم من الصدقة التي حرمت عليهم فكان ذوي القربى الذين سماهم الله تعالى هم أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس وحكى القاضي عن ثعلب أن أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكر والأنثى وقال القاضي ولد الرجل لا يدخل في اسم القرابة ولا أهل بيته وفيه شيء فإن ولد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته وأقاربه الذين حرموا الصدقة وأعطوا من سهم ذوي القربى بل هو أقرب قرابته.
"وقال الخرقي يعطي من قبل أبيه وأمه" لأن أمه من أهل بيته فكذا أقاربها من أولادها وأبويها وإخوتها وأخواتها ونقل صالح يختص من يصله من قبل أبيه وأمه ولو جاوز أربعة آباء وإن القرابه تعطى أربعة آباء فمن دون واختار أبو محمد الجوزي أن قومه وأهل بيته كقرابة أبويه وأن القرابة قرابة أبيه إلى أربعة آباء وعنه أزواجه من أهله ومن أهل بيته ذكرها الشيخ تقي الدين وقال في دخولهن في آله وأهل بيته روايتان اختار الدخول وهو قول الشريف
فرع: أهل الوقف هم المتناولون له.
"وقومه ونسباؤه كقرابته" نص عليه لأن قوم الرجل قبيلته وهم نسباؤه وقيل كذي رحمه وقال أبو بكر هو بمثابة اهل بيته لأن أهل بيته أقاربه وأقاربه هم قومه ونسباؤه وقال القاضي إذا قال لرحمي أو لأرحامي أو لنسبائي صرف إلى قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس فعليه يدفع إلى كل من يرثه بفرض أو تعصيب أو بالرحم في حال قال في المغني وقول أبي بكر في المتناسبين أولى من قول القاضي لأن ذلك في العرف على من كان من العشيرة التي ينسبان إليها وإذا كان كل واحد منهما ينسب إلى قبيلة صاحبه فليس بمناسب لها
فائدة: القوم للرجال دون النساء لقوله تعالى {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}

والعترة هم العشيرة وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات والأيامي والعزاب من لا زوج له ومن الرجال والنساء ويحتمل أن يختص الأيامي بالنساء والعزاب بالرجال
__________
[الحجرات: من الآية11]سموا به لقيامهم بالأمر ذكره ابن الجوزي.
"والعترة هم العشيرة" الأدنون هذا أصح وأشهر في عرف الناس وبذلك فسره ابن قتيبة لقول أبي بكر في محفل من الصحابة نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر أحد وهم أهل اللسان فلا يعول على خلافه لكن توقف أحمد في ذلك وقيل ذريته وقيل ولده وولد ولده.
"وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات" والأولاد لأن الرحم تشملهم وهي في القرابة من جهة الأم أكثر استعمالا فإذا لم يجعل ذلك مرجحا فلا يجعل ذلك مانعا وذكر القاضي مجاوزته للأب الخامس
تذنيب:
إذا وقف على جماعة أو جمع من الأقرب إليه فثلاثة فإن لم يكن يتمم العوز من الأبعد ويشمل أهل الدرجة ولو كثروا وفي الفروع ويتوجه في جماعة اثنان لأنه لفظ مفرد وقال المجد أقل الجمع مماله تثنية خاصة ثلاثة ويتوجه وجه في لفظ الجمع اثنان ولفظ النساء ثلاثة والرهط لغة ما دون العشرة من الرجال خاصة وفي كشف المشكل هو ما بين الثلاثة إلى العشرة.
"والأيامي والعزاب من لا زوج له من الرجال والنساء" ذكره أصحابنا لما روى عن سعيد بن المسيب قال أيمت حنة من زوجها وأيم عثمان من رقية يقال رجل عزب وامرأة عزبة قاله ثعلب وإنما سمي عزبا لانفراده ولايقال أعزب ورد بأنها لغة حكاها الأزهري عن أبي حاتم وفي صحيح البخاري عن ابن عمر وكنت شابا أعزب وسواء تزوج الرجل أولا والمرأة سواء كانت بكرا أو ثيبا وقيل لا يكون الأيم إلا بكرا "ويحتمل أن يختص الأيامي بالنساء والعزاب بالرجال" لقوله تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (النور: من الآية32) وفي الخبر

فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن وقيل هو للرجال وللنساء وإن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه.
__________
أعوذ بالله من سرار الأيم إنما أراد به النساء لأن العرف اختصاصهن بهذا الإسم العرفي اختصاصهن بهذا الأسم العرفي يقال امرأة أيم بغير هاء ولو كان الرجل مشاركا لها لقيل أيم وأيمة كقائم وقائمه وحكى أبو عبيد أيمة ولأن العرف أن العزب يختص بالرجل.
"فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن" بموت أو غيره قال أحمد في رواية حرب وقد سئل عن رجل وصى لأرامل بني فلان فقال قد اختلف الناس فيها فقال قوم هو للرجال والنساء والذي يعرف يعرف في كلام الناس أن الأرامل النساء لأنه هو المعروف فيحمل المطلق عليه.
"وقيل هو للرجال والنساء" وقاله الشعبي وإسحاق وأنشد:
هذي الارامل قد قضيت حاجتها
فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
فيقال رجل أرمل وامرأة أرملة والأول أولى لأن الأرامل جمع أرملة فلا يكون جمعا للمذكر لأن اختلاف المفرد يقتضي اختلاف الجمع والشعر لا دلالة فيه لأنه لو شمل لفظ الأرامل للمذكر والمؤنث لقال حاجتهم لأن تذكير الضميرعند اجتماع النوعين لازم وسمى نفسه أرملا تجوزا بدليل أنه وصف نفسه بأنه مذكر ولو ثبت في الحقيقة أنه لهما لكن خصه أهل العرف بالنساء فهجرت الحقيقة وصارت مغمورة
فرع: إخوته وعمومته وبكر وثيب وعانس لذكر وأنثى
"وإن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم" أي في الموقوف "من يخالف دينه" وفيه وجه آخر أن المسلم وإن كان الواقف كافرا عليهم من يخالف دينه على المذهب لأن الظاهر من حال الواقف أنه لم يرد من يخالف دينه مما بينهما من المقابلة فيكون ذلك قرينة صارفة للفظ عن شموله بدليل أنه تبارك وتعالى لما اطلق آية الميراث لم يشمل المخالف فكذا هنا فعلى هذا لو كان الواقف مسلما لم يدخل الكافر وكذا عكسه فإن صرح بهم دخلوا لأن إخراجهم يترك به صريح المقال وهو أقوى من قرينة الحال وكدا إن وجدت قرينة

وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل فيه و إن كان الواقف كافرا
__________
دالة على إرادتهم فلو كان أهل القرية والأقارب كلهم كفارا دخلوا لأن إخراجهم يؤدي إلى رفع اللفظ بالكلية فإن كان فيهم مسلم واحد والباقي كفار دخلوا أيضا لأن إخراجهم بالتخصيص بعيد وفيه مخالفة الظاهر وإن كان الأكثر كفارا فهو للمسلمين في ظاهر قول الخرقي لأنه أمكن حمل اللفظ عليهم والتخصيص يصح بإخراج الأكثر وقيل يدخل الكفار لأن التخصيص في مثل هذا بعيد وأن تخصيص الصورة النادرة قريب وتخصيص الأكثر بعيد يحتاج إلى دليل
فائدة: حكم سائر ألفاظ العموم كالإخوة والأعمام واليتامى والمساكين حكم أهل قريته "وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل فيه وإن كان الواقف كافرا" لأن اللفظ عام وحاصله أن الواقف إن كان كافرا تناول أهل دينه لأن لفظه يتناولهم والقرينة دالة على إرادتهم وهل يدخل فيه المسلم ينظر فإن وجدت قرينة على دخولهم كما إذا لم يكن إلا مسلمون وإن انتفت القرائن فوجهان وإن كان في القرية كافر من غير دين أهل الواقف لم يدخل لأن قرينة الحال تخرجه وقيل بدخوله بناء على توريث الكفار بعضهم من بعض.
ملحق: الصبي والغلام من لم يبلغ واليتيم من لا أب له ولو جهل بقاء أبيه فالأصل بقاؤه وقال الشيخ تقي الدين يعطي من ليس له ببلد الإسلام أب يعرف فإن بلغ خرج من حد اليتم
والشاب والفتى من بلغ إلى الثلاثين وقيل وخمسة والكهل منها إلى منها إلى السبعين وفي الكافي والترغيب إلى آخر العمرثم الهرم
والأشراف أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الشيخ تقي الدين قال وأهل العراق كانوا لا يسمون شريفا إلا من كان من بني العباس وكثير من أهل الشام وغيرهم لا

و إن وقف على مواليه وله موال من فوقه ومن أسفل تناول جميعهم وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم وإلا جاز تفصيل بعضهم على بعض
__________
يسمون إلا من كان علويا والشريف في اللغة خلاف الوضيع والضعيف ولما كان أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أحق البيوت بالتشريف صار من كان من أهل بيته شريفا فلو وصى لبني هاشم لم يدخل مواليهم نص عليه
"وإن وقف على مواليه وله موال من فوقه ومن أسفل تناول جميعهم" ويستوون فيه لأن الاسم يشملهم جميعا قال ابن أبي موسى من وقف على مواليه المعتقين جاز وكان بينهم على ماشرط فإن ماتوا ولهم أولاد صار ما كان وقفا عليهم وقفًا على أولادهم.
"وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق لأنهم أقوى عصبة بدليل ثبوت الميراث لهم ولا يستحق مولى أبيه مع وجود مواليه فإن لم يكن له موال فقال الشريف هو لمولى أمه لأن الاسم يتناوله مجازا وقد تعذرت الحقيقة فإن كان له موالي أب حين الوقف ثم انقرض مواليه لم يكن لموالي الأب في ظاهر ما ذكروا لأن الأسم تناول غيرهم فلا يعود إليهم إلا بعقد ولم يوجد "وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم" كبني فلان الذين ليسوا بقبيلة "وجب تعميمهم والتسوية بينهم" لأن اللفظ يقتضى ذلك وقد أمكن الوفاء به فوجب العمل بمقتضاه اشبه ما لو أقر لهم وقوله تعالى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (النساء: من الآية12) يوضحه فإن كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه فصار مما لا يمكن استيعابه كوقف علي رضي الله عنه وجب تعميم من أمكن منهم والتسوية بينهم لأن التعميم والتسوية كان واجبا فإذا تعذر وجب ما أمكن كالواجب الذي يعجز عن بعضه "وإلا" أي وإن لم يمكن حصرهم واستيعابهم كبني هاشم وبني تميم لم يجب تعميمهم إجماعا لأنه غير ممكن "وجاز تفضيل بعضهم على بعض" لأنه إذا جاز

والإقتصار على واحد منهم ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر من القدر الذي يدفع إليه في الزكاة والوصية كالوقف في هذا الفصل
__________
حرمانه جاز تفضيل غيره عليه "والإقتصاد على واحد منهم" على المذهب لأن مقصود الواقف مجاوزة الجنس وذلك يحصل بالدفع إلى واحد منهم "ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة" هذا رواية عن أحمد لأنها أقل الجمع قال في الخلاف وقد سئل أحمد عن رجل أوصى بثلثه في أبواب البر قال يجزا ثلاثة أجزاء فعلى هذا الفرق أن الوصية يعتبر فيها لفظ الموصي وأمر الله يعتبر فيها المقصود بدلالة أن الموصي للمساكين لا يعدل إلى غيرهم والإطعام في الكفارة يجوز صرفها إلى غيرالمساكين وإن كان منصوصا عليهم ومقتضى ذلك صحة الوقف على من لا يمكن حصرهم ولا استيعابهم كالمساكين
"ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر من القدر الذي يدفع إليه في الزكاة" أي إذا كان الوقف على الأصناف الذين يأخذون الصدقات أو بعضهم صرف إليهم ويعطي كل منهم من الوقف مثل القدر الذي يعطي من الزكاة لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المعهود في الشرع فعلى هذا إذا كان الموقوف عليه الفقراء لم يدفع إلى واحد منهم زيادة على خمسين درهما أو قيمتها من الذهب لأنه القدر الذي يحصل به الغني واختار أبوالخطاب وابن عقيل زيادة المسكين على الخمسين وقد أومأ إليه أحمد وقيل لكل صنف ثمن وإن وقف على الفقراء أو المساكين أعطي الآخر وفيه وجه.
"والوصية كالوقف في هذا الفصل" لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف فإن وصى أن يفرق في فقراء مكة فقال أحمد في رواية أحمد بن الحسين بن حسان هل يفرق على قوم دون قوم فقال ينظر إلى أحوجهم قال القاضي فظاهره أنه يعتبر العدد
تذنيب: إذا وقف مدرسة أو رباطا أو خانقاه أو نحو ذلك على طائفة اختصت بهم وإن وقف عليها مسجدا أو مقبرة فوجهان والأشبه اختصاص من عينهم

فصل
والوقف عقد لازم
__________
ولا يختص أحد بالصلاة اتفاقا وإن عين إماما أو ناظرا تعين وقيل إن وقف مسجدا على الفقراء وشرطه لهم اختصوا به إمامة ونظرا وعنه على ما جرت به العادة وكذا إن وقفه على أهل مذهب في الأشبه
فصل
"والوقف عقد لازم" أي يلزم بمجرد القول لأنه تبرع يمنع البيع والهبة فلزم بمجرد كالعتق وقال في التلخيص وغيره وحكمه اللزوم في الحال أخرجه مخرج الوصية أو لم يخرجه حكم به حاكم أولا لقوله عليه السلام لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث قال الترمذي العمل على هذا الحديث عند أهل العلم وإجماع الصحابة على ذلك ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية فإذا نجزه في الحياة لزم من غير حكم كالعتق وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه أنه لايلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه إلا أن يوصى به بعد موته أو يحكم بلزومه حاكم وحكاه بعضهم عن علي وابن مسعود وابن عباس واحتج له بما رواه المحاملي عن عبدالله بن زيد صاحب الأذان أنه جعل حائطه صدقة وجعله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبواه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما ولأنه إخراج مال على وجه القربة فلم يلزم بمجرده كالصدقة وجوابه السنة الثابتة مع أن هذا الخبر ليس فيه ذكر الوقف والظاهر أنه جعله صدقة غير موقوف فرأى النبي صلى الله عليه وسلم والديه أحق بصرفها إليهما بدليل أنه لم يردها إليه ويحتمل أن الحائظ كان لهما وتصرفه فيه بحكم النيابة عنهما ولم يجيزاه عند القياس على الصدقة ليس بظاهر فإنها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم وإنما يفتقر إلى القبول والوقف لا يفتقر إليه فافترقا

ولا يجوز فسخه بإقالة ولاغيرها ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه فيباع
__________
"ولايجوز فسخه بإقالة ولاغيرها" لأن ذلك شأن العقود المقتضية للتأبيد "ولا يجوز بيعه" ولا المناقلة به "إلا أن تتعطل منافعه" بالكلية كدار انهدمت أو ارض خربت وعادت مواتا ولم تمكن عمارتها نقل علي ابن سعيد لا يستبدل به ولايبيعه إلا أن يكون بحال لا ينتفع به ونقل أبو طالب لا يغير عن حاله ولا يباع إلا أن لا ينتفع منه بشيء وقاله الأصحاب وفي المغني والشرح إلا أن يقل فلا يعد نفعا ونقل مهنا أو ذهب أكثر نفعة.
"فيباع" لما روي أن عمر كتب إلى سعد لما بلغه أن بيت المال الذي بالكوفة نقب أن انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبله المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان كالإجماع
وحكى في التلخيص عن أبي الخطاب أنه لايجوز بيعه وهو غريب لا يعرف في كتبه لأن مالا يجوز بيعه مع بقاء منفعه لا يجوز مع تعطلها كالعتق وجوابه بأن فيما ذكرناه استبقاء للوقف عند تعذر إبقائه بصورته فوجب ذلك كما لو استولد الجارية أو قتلها أو قتلها غيره وقال ابن عقيل الوقف مؤبد فإذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الإنتفاع على الدوام في عين أخرى واتصال الأبدال جرى مجرى الأعيان وجمودنا على العين مع تعطيلها تضييع للغرض قولهم يباع اي يجوز بيعه نقله وذكره جماعة وظاهر رواية الميموني يجب لأن الولي يلزمه فعل المصلحة ولأنه استبقاء للوقف بمعناه فوجب كإيلاد أمة موقوفة وقال الشيخ تقي الدين مع الحاجة تجب بالمثل وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة ولا يجوز بمثله لفوات التعيين بلا حاجة فإن أمكن بيع بعضه ليعمر به الباقي جاز وإن لم يمكن الإنتفاع بشيء منه بيع جميعه ذكره في المغني والشرح قال في الفروع والمراد مع اتحاد الواقف كالجهة ثم إن كان المراد عينين كدارين

ويصرف ثمنه في مثله.
__________
فظاهر وكذا عينا واحدة ولم تنقص القيمة بالتشقيص فإن نقصت توجه البيع في قياس المذهب كبيع وصي لدين أو حاجة صغيرة بل هذا أسهل لجواز تغيير صفاته لمصلحة وذكر الحافظ ابن رجب أن عبادة من أصحابنا أفتى في أوقاف وقفها جماعة على جهة واحدة من جهات البر إذا خرب بعضها للمباشر أن يعمره من الأجرة ووافقه طائفة من الحنفية
تنبيه: لم يتعرض المؤلف للمتولي بيعه والأشهر أنه الحاكم قدمه في الفروع وفي التلخيص ويكون البائع الإمام أو نائبه نص عليه وكذلك الشراء بثمنه وهو ظاهر ما في المغني والشرح لأنه فسخ لعقد لازم مختلف فيه اختلافا قويا فيتوقف فسخه على الحاكم كما قيل في الفسوخ المختلف فيها ولكونه بيعا على الغائبين وهم الذين يستحقونه بعد انقراض الموجودين وجزم في المحرر أنه ناظره وقيل بل يفعله الموقوف عليه إن قلنا يملكه
فرع: لو شرط الواقف أنه لا يباع فخرب يباع وشرطه إذن فاسد نص عليه قال حرب قلت لأحمد رجل وقف ضيعة فخربت وقال في الشرط لا يباع فباعوا منها سهما وأنفقوه على البقية ليعمروها قال لا بأس بذلك إذا كان كذلك لأنه اضطرار ومنفعة لهم. "ويصرف ثمنه في مثله" كذا في المحرر والوجيز والفروع وزاد أو بعض مثله قاله أحمد لأنه أقرب إلى غرض الواقف وكجهته وظاهر الخرقي أنه لا يتعين المثل واقتصر عليه في المغني والشرح إذ القصد النفع لكن يتعين صرف المنفعة في المصلحة التي كانت الاولى تصرف إليها لأن تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه لا يجوز كما لا يغير الوقف بالبيع مع إمكان الإنتفاع به وقوة كلامه وهو ظاهر الخرقي أنه لا بد من إيقاف الناظر له وصرح في الرعاية أنه يصير وقفا بمجرد الشراء وجوزهما الشيخ تقي الدين لمصلحة وأنه قياس الهدي وذكره وجها في المناقلة وأومأ إليه أحمد

وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى بثمنه ما يصلح للجهاد وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته
__________
"وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو" بأن ينحطم "بيع" كالوقف إذا تعطلت منافعه "واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد" نصر عليه محافظة على غرض الواقف وعنه يصرفه على الدواب الحبس أو يصرف ثمنه في مثله وظاهره التخيير وعلى الأول إن لم يكن ثمنه ثمن فرس أخرى أعين به في شراء فرس حبيس نص عليه ذكره في المغني والشرح لأن المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤه وصيانتها عن الضياع.
"وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه" فإنه يباع إذا خربت محلته نقله عبدالله ذكره جماعة وفي رواية صالح يحول المسجد خوفا من اللصوص وإذا كان في موضعه قدر وقال القاضي يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه ونص على جواز بيع عرصته وتكون الشهادة على الإمام.
"وعنه لا تباع المساجد" نقلها علي بن سعيد لأنها آكد من غيرها "لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر" اختاره أبو محمد الجوزي لأنه أقرب إلى غرض الواقف لكن نقل جعفر فيمن جعل خانا في السبيل وبنى بجنبه مسجدا فضاق أيزاد منه في المسجد قال لا قيل فإنه ترك ليس ينزل فيه فقد عطل قال يترك على ما صير إليه ولا يجوز نقله مع إمكان عمارته قاله في الفنون وإن جماعة أفتوا بخلافه وغلطهم
"ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته" نقل أبو داود إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة تشعث وخافوا سقوطه جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه لأنه إذا جاز بيع الكل عند الحاجة فبيع بعضه مع بقاء البعض أولى وقاسه في الشرح على بيع بعض الفرس الحبيس عند تعذر الإنتفاع به

وما فضل من حصره وزيته عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر والصدقة به على فقراء المسلمين ولا يجوز غرس شجرة في المسجد
__________
ويجوز نقض منارته وبناء حائطه بها لتحصينه من الكلاب نص عليه في رواية محمد بن عبدالحكم للمصلحة.
"وما فضل من حصره وزيته" وقصبه ونفقته وعبارة الوجيز والفروع وما فضل عن حاجته وهي أولى "عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر" قاله أحمد لأنه انتفاع في جنس ما وقف له فكان مصروفا له في مثله وكالهدي "والصدقة به على فقراء المسلمين" نص عليه في رواية المروذي واحتج بأن شيبة بن عثمان الحجي كان يتصدق بخلقان الكعبة وروى الخلال بإسناده أن عائشة أمرته بذلك وهذه قضية انتشرت ولم تنكر فكان كالإجماع ولأنه مال لله تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين ولأن نفع المسجد عام والفقراء كذلك وخصه أبو الخطاب والمجد بفقراء جيرانه لأنهم أحق بمعروفه وعنه لا يصرف لهما وعنه بلى لمثله واختاره الشيخ تقي الدين وقال أيضا وفي سائر المصالح وبناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته قال وإن علم أن ريعه يفضل عنه دائما وجب صرفه لأن بقاءه فساد وإعطاؤه فوق ما قدره الواقف لأن تقديره لا يمنع استحقاقه كغير مسجده وقال ومثله وقف غيره ولا يجوز لغير الناظر صرف الفاضل
فرع: فضل غلة موقوف على معين استحقاقه مقدر يتعين إرصاده ذكره أبو الحسين والحارثي ونقل حرب فيمن وقف على قنطرة فانحرف الماء يرصد لعله يرجع وإن وقف على ثغر فاختل صرف في ثغر مثله وعلى قياسه مسجد ورباط ونحوهما.
"ولا يجوز غرس شجرة في المسجد" نص عليه وقال تقلع غرسته بغير حق لأن المسجد لم يبن لذلك إنما بني لقراءة القرآن والصلاة وذكر الله تعالى ولما يحصل بها من الأذى وفي الإرشاد والمبهج يكره غرسها فيه وقيل يكره إن لم يضق وإلا حرم فإن غرست فيه وأثمرت فقال

فإن كانت مغروسة فيه جاز الأكل منها قال أبو الخطاب إذا لم يكن بالمسجد حاجة إلى ثمنها فإن احتاج صرف ذلك في عمارته
__________
أحمد لا أحب الأكل منها وقيل تباح لفقراء الدرب وقيل مع غنى المسجد عنها وظاهر النص والمحرر أنه لا يختص قلعها بواحد وفي المستوعب والشرح أنه للإمام.
"فإن كانت مغروسة" بأن وقف وهي "فيه" فإن عين مصرفها اتبع وإلا صارت كالوقف المنقطع "جاز الأكل منها" لأنها تبع للمسجد وهو لكل من المسلمين الإنتفاع به فكذا الأكل منها وظاهره مطلقا وهو قول.
"قال أبو الخطاب إذا لم يكن بالمسجد حاجة إلى ثمنها" اقتصر في المحرر على هذا لأن حاجة المسجد مقدمة على غيره "فإن احتاج ذلك صرف في عمارته" لأنها مقدمة على غيرها وقول أبي الخطاب تقييد لما أطلق لعدم ذكره بواو العطف وذكر جماعة أنه يصرف في مصالحه فإن فضل فلجاره كلها نص عليه قال جماعة ولغيره وقيل للفقير منهم
فرع: لا يجوز حفر بئر في المسجد ولا يغطى بالمغتسل لأنه للموتى ونقل المروذي أنها تطم وفي الرعاية أن أحمد لم يكره حفرها فيه ثم قال بلى إن كره الوضوء فيه
مسألة: إذا غرس الناظر أو بنى فيه فهو له إن أشهد وإلا للوقف قال في الفروع ويتوجه في أجنبي للوقف بنيته وقال شيخنا يد الواقف ثابتة على المتصل به ما لم تأت حجة يدفع موجبها كمعرفة كون الغارس غرسها بماله بحكم إجارة أو إعارة أو على المنفعة فليس له دعوى البناء بلا حجة ويد أهل العرصة المشتركة ثابتة على ما فيها بحكم الإشتراك إلا مع بينة باختصاصه ببناء ونحوه

باب الهبة والعطية
وهي تمليك في حياته بغير عوض وإن شرط فيها عوضا معلوما صارت بيعا وعنه يغلب فيها حكم الهبة
__________
باب الهبة والعطيةأصلها من هبوب الريح أي مروره يقال وهبت له شيئا وهبا بإسكان الهاء وفتحها وهبة والإسم الموهب والموهبة بكسر الهاء فيهما والإتهاب قبول الهبة والإستيهاب سؤال الهبة وتواهب القوم أي وهب بعضهم بعضا ووهبته كذا لغة قليلة
والعطية قال الجوهري هي الشيء المعطى والجمع العطايا والعطية هنا الهبة في مرض الموت فذكر الهبة في الصحة والمرض وأحكامهما قاله في المطلع
"وهي تمليك في حياته بغير عوض" فخرج بالأول ما ليس بتمليك كالعرية فإنها إباحة وبالثاني الوصية وبالثالث عقود المعاوضات كالبيع والإجارة والمراد به ماله المعلوم الموجود صرح به في الوجيز بما يعد هبة عرفا ويعتبر فيه أن يكون من جائز التصرف.
"وإن شرط فيها عوضا معلوما" صح نص عليه "وصارت بيعا" لأنه تمليك بعوض معلوم أشبه البيع ومعناه أنه يثبت فيها الخيار والشفعة وحكى في الفروع قولا أنها تصح بقيمتها فعليه يلغو الثواب المشروط ويرجع إلى قيمتها والظاهر أنه يرجع إلى ذلك إذا جعل الثواب مجهولا ونبه عليه في الفائق وقيل لا يصح لأنه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها ولنفي الثمن ورد بأنه تمليك بعوض فصح عارية.
"وعنه يغلب فيها حكم الهبة" ذكرها أبو الخطاب لأنه وجد لفظها الصريح فكان المغلب فيها الهبة كما لو لم يشرط عوضا وحينئذ لا يثبت

وإن شرط ثوابا مجهولا لم يصح وعنه أنه قال يرضيه بشيء فعلى هذا إن لم يرض فله الرجوع فيها أو في عوضها إن كانت تالفة
__________
فيها أحكام البيع المختصة به وظاهره أن الهبة المطلقة لا تقتضي عوضا سواء كانت لمثله أو دونه أو أعلا منه وقال ابن حمدان هي من الأدنى تقتضي عوضا هو القيمة لقول عمر من وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها
وجوابه بأنها عطية على وجه التبرع فلم يقتض ثوابا كهبة المثل والوصية أو قول عمر خالفه ابنه وابن عباس وقبل يقتضي عوضا مع عرف فلو أعطاه ليعاوضه أو ليقضي له حاجة فلم يف فكالشرط فعلى ما ذكره لو عوضه عن الهبات كانت هبة مبتدأة لا عوضا أيهما أصاب عيبا لم يكن له الرد وإن خرجت مستحقة أخذها صاحبها ولم يرجع الموهوب له ببدلها
"وإن شراط ثوابا" أي عوضا "مجهولا لم تصح" الهبة لأنه عوض مجهول في معاوضة فلم يصح كالبيع وحينئذ حكمها حكم البيع الفاسد فيردها الموهوب له بزيادتها مطلقا لأنها نماء ملك الواهب وإن كانت تالفة رد قيمتها.
"وعنه أنه قال يرضيه بشيء "أي هو صحيح وذكره الشيخ تقي الدين ظاهر المذهب فإذا أعطاه عنها عوضا رضيه لزم العقد لأنها تصح بغير عوض فلأن تصح بعوض مجهول من باب أولى قال أحمد في رواية محمد بن الحكم هذا لك على أن تثيبني فله أن يرجع إذا لم يثبه لأنه شرط ونص على معناه في رواية إسماعيل بن سعيد ولا يجوز أن يكافئه بالشكر والثناء نص عليه.
"فعلى هذا إن لم يرض فله الرجوع فيها أو في عوضها إن كانت تالفة" لأنه عقد معاوضة فاسد فيلزمه ضمان العين إذا تلفت كالبيع الفاسد وقيل يعطيه قدر قيمتها والأول أصح لأن هذا بيع فيعتبر التراضي ومقتضاه أنه يرجع في العين مع بقائها مطلقا لكن إن تغيرت بزيادة أو نقصان ولم يثبه منها فقال أحمد لا

وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها وتلزم بالقبض.
__________
أرى عليه نقصان ما نقص عنده إذا رده إلى صاحبه إلا أن يكون ثوبا لبسه أو جارية استخدمها فأما غير ذلك إذا نقص فلا شيء عليه كالرهن
فرع: إذا ادعى ربها شرط العوض أو قال رهنتني ما بيدي فقال بل بعتكه فأيهما يصدق إذا حلف فيه وجهان وجزم في الكافي في الأولى أنه يقبل قول المنكر
"وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب" بأن يقول وهبتك وأهديت إليك وأعطيتك ونحوه كهذا لك "والقبول" بأن يقول قبلت أو رضيت "والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها" اختاره ابن عقيل وهو الصحيح لأنه عليه السلام كان يهدي ويهدى إليه ويعطي ويعطى ويفرق الصدقات ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها وكان أصحابه يفعلون ذلك ولم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول ولو كان شرطا لنقل عنهم نقلا متواترا أو مشتهرا وكالبيع وذكر القاضي وأبو الخطاب أنها لا تصح إلا بالإيجاب والقبول ولا تصح بدونه وسواء وجد قبض أم لا لأنها عقد تمليك فافتقر إلى ذلك كالنكاح وفي المستوعب والمغني أنها لا تصح إلا بلفظ الهبة والعفو والتمليك وفي الرعاية في عفو وجهان وما ورد في الأخبار دال على خلافه قال ابن عقيل إنما يشترط الإيجاب والقبول مع الإطلاق وعدم العرف ولأنه يكتفي بها في المعاوضات فالهبة أولى والنكاح يشترط فيه الإشهاد وغيره ولا يقع إلا قليلا فيه ذلك بخلاف الهبة.
"وتلزم بالقبض"بإذن واهب بلا شبهة لما روى مالك عن عائشة أنا أبا بكر نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالعالية فلما مرض قال يا بنية كنت نحلتك جداد عشرين وسقا ولو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك فإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله تعالى وروى ابن عيينة عن عمر نحوه ولم

وعنه تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة ولا يصح القبض إلابإذن الواهب إلا ما كان في يد المتهب فيكفي مضي زمن يتأتى قبضه فيه
__________
نعرف لهما في الصحابة مخالفا ولأنها هبة غيرمقبوضة فلم تلزم كالطعام المأذون في أكله "وعنه تلزم في غيرالمكيل والموزون" والمعدود والمزروع "بمجرد الهبة" أي إذا كان متميزا فإنه يلزم بمجرد العقد اختاره الأكثر قال ابن عقيل هي المذهب لعموم قوله عليه السلام: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" ولأنه إزالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقف والعتق ولأنه تبرع فلا يعتبر فيه القبض كالوصية ولأنه عقد لازم ينقل الملك فلم يقف لزومه على القبض كالبيع وحديث أبي بكر محمول على أنه أراد به عشرين وسقا مجدودة فيكون مكيلا غير معين ولا تصح الهبة فيه قبل تعيينه فيكون معناه وعدتك بالنحلة لكنه خلاف الظاهر وأجابوا عن الوقف والوصية والعتق بالفرق فإن الوقف إخراج ملك لله تعالى فخالف التمليكات والوصية تلزم في حق الوارث والعتق إسقاط حق وليس بتمليك وإذا قلنا الهبة تملك بالعقد بمجرده فيصح التصرف فيها قبل القبض نص عليه لأن حق الواهب انقطع عنها بمجرد انتقال ملكه وليست في ضمانه ولا محذور في التصرف فيها بوجه وظاهره أن الهبة حيث افتقرت إلى القبض فإنها تصح بالعقد واختار الخرقي وجمع عكسه قال المروذي اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة والأشهر الأول وهل يملكها به فيه وجهان وعليهما يخرج النماء قال جماعة إن اتصل القبض.
"ولا يصح القبض" إذا قيل يلزم به "إلا بإذن الواهب" لأنه قبض غير مستحق عليه فلم يصح إلا بإذنه كأصل العقد وكالرهن "إلا ما كان في يد المتهب" كالوديعة والمغصوب "فيكفي مضى زمن يتأتى قبضه فيه" هذا رواية واختارها القاضي لأنه مقبوض فلا معنى لتجديد الإذن فيه وقول ابن المنجا أنه

وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض وإن مات الواهب قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع وإن أبرأ الغريم غريمه من دينه
__________
المذهب فيه نظر فإن ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور أنها تلزم من غير مضي مدة يتأتى فيها القبض قدمه في المحرر والفروع وصححه في المغني والشرح لأن قبضه مستدام فأغنى عن الإبتداء كما لو باعه سلعة
ويبنى على الخلاف الرجوع والنماء وفي الرعاية الزيادة قبل القبض للمتهب إذا قبض ما يعتبر قبضه وقيل للواهب وهو أقيس والأصح أنه إذا أذن في القبض ثم رجع عن الإذن أو في الهبة صح رجوعه "وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض" كما لو لم يكن في يده.
"وإن قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع" في الأصح لأنه عقد مآله إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار وكما لو مات المتهب بعد القبول وقال القاضي وقدمه في الشرح إنها تبطل سواء كان قبل الإذن في القبض أو بعده لأنه عقد جائز فبطل بموت أحد المتعاقدين كالوكالة وظاهره أن ورثة المتهب لا تقوم مقامه بل تبطل الهبة بموته في الأصح
فرع: يقبض أب لطفل من نفسه والأصح لا يحتاج قبولا ويقبل ويقبض للطفل والمجنون وليهما وقيل وغيره ممن يقوم بمصلحتهما إذا عدم وأمين الحاكم كهو
أصل: يصح قبض المميز وقبوله بلا إذن وليه وقيل يتوقف صحة قبضه فقط على إذنه ولا يصح هبة من صغير وسفيه ولو بإذن وليهما وتصح الهبة من العبد وقيل بإذن سيده وما اتهبه عبد غير مكاتب وقبله فهو لسيده ويصح قبوله بلا إذن سيده نص عليه وقيل لا يقبله إلا بإذنه فإن قبله وقلنا يملكه فهو له دون سيده وإلا فلا ذكره في الرعاية
"وإن ابرأالغريم غريمه من دينه" ولو اعتقد أنه ليس له عنده شيء ولو قبل حلوله

أو وهبه له أو أحله منه برئت وإن رد ذلك ولم يقبله وتصح هبة المشاع وهبة كل ما يجوز بيعه
__________
خلافا للحلواني وغيره "أو وهبه له أو أحله منه" أو أسقطه عنه أو تركه أو ملكه أو تصدق به عليه أو عفا عنه "برئت ذمته وإن رد ذلك ولم يقبله" في المنصوص لأنه إسقاط حق فلم يفتقر إلى القبول كالعتق والطلاق والشفعة وبهذا فارق هبة المعين لأنه تمليك وفي المغني في إبرائها له من المهر هل هو إسقاط أو تمليك فيتوجه منه احتمال لا يصح وإن صح اعتبر قبوله
وفي الموجز والإيضاح لا تصح هبة إلا في معين وفي المغني وإن حلف لا يهبه فأبرأه لم يحنث لأن الهبة تمليك وعلى النص يصح ولو كان المبرأ منه مجهولا وفيه خلاف لكن لو جهله ربه وكتمه المدين خوفا من أنه لو عمله لم يبره لم تصح البراءة ومن صور البراءة من المجهول لو أبرأه من أحدهما أو أبرأ أحدهما ويؤخذ بالبيان والمذهب لا يصح مع إبهام المحل كأبرأت أحد غريمي ولو أبرأه من مائة وهو يعتقد أنه لا شيء له وكانت عليه ففي صحة البراءة وجهان أصلهما ما لو باع مالا كان لمورثه يعقتد أنه باق لمورثه وكان قد مات وانتقل إليه.
"وتصح هبة المشاع" جزم به الأكثر لما في الصحيح أن وفد هوازن لما جاؤوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنم منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم" ولأنه يجوز بيعه وظاهره سواء أمكن قسمته أولا لكن يعتبر لقبضه إذن الشريك قاله في المجرد فيكون نصفه مقبوضا تملكا ونصف الشريك أمانة وقال في الفنون بل عارية مضمونة وفي الرعاية من اتهب مبهما أو مشاعا من منقول أو غيره فأذن له شريكه في القبض كان سهمه أمانة مع المتهب أو يوكل المتهب شريكه في قبض سهمه منه ويكون بيده أمانة وإن تنازعا قبض لهما وكيلهما أو أمين الحاكم والأشهر إن أذن له في التصرف مجانا فكعارية وإن كان بأجرة فكمأجور
"و" تصح "هبة كل ما يجوز بيعه" لأنه تمليك في الحياة فصح كالبيع

ولا تصح هبة المجهول وما لا يقدر على تسليمه ولا يجوز تعليقها على شرط
__________
وظاهره أن ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته وفي أم الولد أوجه وفي الكلب المعلم والصوف على الظهر وجهان وفي المغني والشرح والوجيز تصح هبته ونجاسة يباح نفعها كالوصية نقل حنبل فيمن أهدى إلى رجل كلب صيد ترى له أن يثيب عليه قال هذا خلاف الثمن هذا عوض من شيء فأما الثمن فلا
"ولا تصح هبة المجهول" كالحمل في البطن واللبن في الضرع نص عليه في رواية أبي داود وحرب لأنه تمليك فلم يصح في المجهول كالبيع وشرطه إلا ما تعذر علمه كالصلح صرح به الأئمة وقيل لا يصح إن كان دون المتهب لانتفاء العلة وعلم منه أنه لا تصح هبة المعدوم كالتي تحمل أمته أو شجرته من باب أولى.
"وما لا يقدر على تسليمه" كالآبق والشارد والمغصوب لغير غاصبه لأنه عقد يفتقر إلى القبض أشبه البيع وظاهره أنه إذا وهبه لغاصبه أو لمن يتمكن من أخذه صح لإمكان قبضه وليس لغير الغاصب القبض إلا بإذن الواهب فإن وكل المالك الغاصب في تقبيضه صح وإن وكل المتهب الغاصب في القبض له فقبل ومضى زمن يمكن قبضه فيه صار مقبوضا وملكه المتهب وبرىء الغاصب من ضمانه ذكره في الشرح وقيل تصح هبة غيرمقدور عليه وقاله أبو ثور لأنه تمليك بلا عوض كالوصية قال في الفروع ويتوجه منه هبة معدوم غيره. "ولا يجوز تعليقها على شرط" جزم به أكثر الأصحاب لأنها تمليك لمعين في الحياة فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع وما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك" وعد لا هبة واستثنى في الفروع وسبقه إليه ابن شهاب والقاضي غير الموت أي موت المبرىء
تنبيه: لا يصح تعليق الإبراء بشرط نص عليه فيمن قال إن مت فأنت في

ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو ألا يبيعها ولا يهبها ولا توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة إلا في العمرى وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو أرقبتكها أو جعلتها لك عمرك أو حياتك فإنه
__________
حل لأنه إن كان تمليكا فكتعليق الهبة وإلا فقد يقال هو تمليك من وجه والتعليق مشروع في الإسقاط المحض فقط فإن ضم التاء فوصية وعن أحمد أنه جعل رجلا في حل من عيبه بشرط أن لا يعود قال ما أحسن الشرط فيتوجه فيهما روايتان وذكر الحلواني صحة الإبراء بشرط واحتج بنصه المذكور
"ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها" أو بشرط أن يبيعها أو يهبها أو يهب فلانا شيئا لم يصح الشرط رواية واحدة وكذا الهبة وفيها وجه بناء على الشروط الفاسدة في البيع وإن وهب أمة واستثنى حملها صح في قياس قوله في العتق وفيه تخريج.
"ولا توقيتها" خلافا للحارثي "كقوله وهبتك هذا سنة" لأنه تعليق لانتهاء الهبة وقيل يلغو توقيته وتصح الهبة مطلقا
"إلا في العمرى" والرقبى فإنهما نوعان من الهبة ويصح توقيتهما سميت عمرى لتقييدها بالعمر وسميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه
"وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار" أو أعطيتك "أو أرقبتكها" قال ابن القطاع أرقبتك أو أعطيتك وهي هبة ترجع إلى المرقب إن مات المرقب وقد نهى عنه والفاعل منهما معمر ومرقب بكسر الميم الثانية والقاف والمفعول بفتحهما وقال أبو السعادات يقال أعمرته الدار أي جعلتها له يسكنها مدة عمره فإذا مات عادت إلى كذا كانوا يفعلونه في الجاهلية فأبطل ذلك الشرع وأعلمهم أن من أعمر شيئا أو أرقبه في حياته فهو له ولورثته من بعده "أو جعلتها لك عمرك" أو عمري "أو حياتك" أوما بقيت "فإنه" أي ذلك

يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده.
__________
وهو العمرى والرقبى "يصح" في قول أكثر العلماء وحكي عن بعضهم ضده لقوله عليه السلام "لا تعمروا ولا ترقبوا" هذا نهي وهو يقتضي الفساد وجوابه ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم "قال العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها" رواه أبو داود واالترمذي وحسنه والنهي ورد على وجه الإعلام لهم أنكم إن أعمرتم أوأرقبتم نفذ للمعمر وللمرقب ولم يعد إليكم منه شيء بدليل حديث جابر مرفوعاً "من أعمر عمرى فهي لمن أعمرها حياً وميتاً ولعقبه" رواه مسلم ولو أريد به حقيقة لم يمنع صحته كطلاق الحائض وصحة العمرى ضرر على المعمر فإن ملكه يزول لغير عوض قاله في المغني والشرح.
"وتكون للمعمر" بفتح الميم ملكاً في قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم لما روى جابر قال: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له" متفق عليه ورواه مالك في الموطأ "ولورثته من بعده" لما روى زيد ابن ثابت "أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث" لأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته منافياًلحكم الأملاك فإن عدموا فلبيت المال دون ربها نص عليه ومقتضاه أنه إذا أضافها إلى عمر غيره أنها لا تصح وعنه يرجع بعد موت المعمر إلى المعمر وقاله الليث لقول جابر إنما العمرى التي أجازها النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك أما إذا قال هي لك ماعشت فإهنا ترجع إلى صاحبها وليس بظاهر مع أنه حمل قوله على تمليك المنافع وجوابه بأنه قضى بها طارق بالمدينة بأمر عبد الملك بن مروان وقول بعضهم إنها تمليك المنافع لايضر إذا نقلها الشارع إلى تمليك الرقبة كالمنقولات الشرعية أما لو قال أعمرتك هذه الدار ولعقبك فلاخلاف عندنا في الصحة كما اقتضاه كلامه في الكافي وذكر العقب تأكيد .
تنبيه: ليس ذلك خاصا بالعقار بل يجري فيه وفي الحيوان والثياب نقل

وإن شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتا صح الشرط وعنه لا يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده
__________
يعقوب وابن هانىء من يعمر الجارية أيضا قال لاأراه وحمله القاضي على الورع لأن بعضهم جعلها تمليك المنافع وروى سعيد بإسناده عن الحسن أن رجلا أعمر فرسا حياته فخاصمه بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام "من ملك شيئا حياته فهو لورثته بعده " والإنسان إنما يملك الشيء عمره فقد وقته بما هو مؤقت به في الحقيقة فصار كالمطلق.
"وإن شرط رجوعها إلى المعمرعند موته" إن مات قبله أو إلى غيره وتسمى الرقبى أو رجوعها مطلقا إليه أو إلى ورثته "أو قال هي لآخرنا موتا صح الشرط" كالعقد على الأصح لقوله عليه السلام "المسلمون على شروطهم" قال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم وحينئذ يعمل بالشرط.
"وعنه لا يصح" الشرط نص عليه في رواية أبي طالب وفي المغني هو ظاهر المذهب وقدمه في المحرر والفروع لما روى أحمد بإسناده مرفوعا قال "لا عمرى ولا رقبى فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته وموته" وهذا صريح في إبطال الشرط لأن الرقبى يشترط فيها عودها إلى المرقب إن مات الآخر قبله.
"وتكون للمعمر ولورثته من بعده" لقوله عليه السلام "من ملك شيئا حياته فلورثته بعد موته" وعنه بطلانهما كالبيع
فرع: إذا قال سكناه لك عمرك أو غلته أو خدمته لك أو منحتكه فهو عارية نقله الجماعة لأنه في التحقيق هبة المنافع والمنافع إنما تستوفى بمضي الزمان شيئا فشيئا وتبطل بموت أحدهما
تنبيه: إذا وهب أو باع فاسدا ثم تصرف في العين بعقد صحيح مع علمه بفساد الأول صح الثاني لأنه تصرف في ملكه عالما بأنه ملكه وإن اعتقد صحة الأول ففي الثاني وجهان كما لو تصرف في عين يعتقد أنها لأبيه فبان أنه قد مات وملكها قال القاضي أصلهما من باشر بالطلاق امرأة يعتقدها أجنبية فبانت

فصل
والمشروع في عطية الاولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم
__________
امراته أو باشر بالعتق من يعتقدها حرة فبانت أمته ففي وقوعهما روايتان
فصل
"والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم" أي يجب التعديل في عطية أولاده للذكر مثل حظ الانثيين اقتداء بقسمة الله تعالى وقياسا لحال الحياة على حال الموت قال عطاء ما كانوا يقتسمون إلا على كتاب الله تعالى وقاله عطاء وشريح وإسحاق وقيل لصلبه وذكره الحارثي لا ولد بنيه وبناته للحقيقة وعنه يستحب ذكر كأنثى وقاله أكثر العلماء لقوله عليه السلام لبشير بن سعد "سو بينهم" وكالنفقة
وجوابه أن الذكر أحوج منها من جهة أن الصداق والنفقة عليه بخلافها وحديث بشير قضية في عين وحكاية حال لا عموم لها إنما يثبت حكمها في مثلها ولا يعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أثني أولا ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى
ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء وعنه لا يجب التعديل في النفقة كشيء تافه نص عليه وقال أبو يعلى الصغير كشيء يسير وعنه بلى مع تساوي فقر فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا أو غنى
نقل أبو طالب لا ينبغي أن يفضل أحدا من ولده في طعام وغيره قال إبراهيم كانوا يستحبون التسوية بينهم حتى في القبل فدخل فيه نظر وقف وظاهره أنه لا يجب التعديل بين غيرهم بل ذلك مخصوص بالأولاد فقط جزم به المؤلف في كتبه وزعم الحارثي أنه المذهب وان عليه المتقدمين من أصحابنا قال في الفروع وهو سهو إذ الأصل تصرف الإنسان في ماله كيف شاء خرج منه الأولاد للخبر مع أنه عليه السلام لم يسأل بشيرا هل لك وارث غير

فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا
__________
ولدك أم لا واختار الأكثر أن بقية الأقارب كالأولاد نص عليه وهو المذهب لأن المنع من ذلك كان خوف قطيعة الرحم والتباغض وهو موجود في الأقارب
والأم كالأب فيما ذكرنا لأنها أحد الأبوين أشبهت الأب ولوجود المعنى المقتضى للمنع "فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا" نص عليه وجزم به الأصحاب لما روى النعمان بن بشير قال : "تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال "أكل ولدك أعطيت مثله" قال لا قال "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة" وفي لفظ "فاردده" وفي لفظ "فارجعه" وفي لفظ "لا تشهدني على جور" وفي لفظ "فأشهد على هذا غيري" وفي لفظ "سو بينهم" متفق عليه وذلك يدل على التحريم لأنه سماه جورا أو أمر برده وامتنع من الشهادة عليه ولا شك أن الجور حرام والأمر يقتضي الوجوب وهو يورث العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها وقيل يجوز تفضيل أحدهم واختصاصه لمعنى فيه ويكره إن كان على سبيل الأثرة اختاره المؤلف ونصره في الشرح وقال الليث والثلاثة يجوز ذلك مطلقا لأن أبا بكر نحل عائشة جداد عشرين وسقا دون سائر ولده
واحتج الشافعي بقوله: "أشهد على هذا غيري" فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها لأنه عطية تلزم بموت المعطي كالتسوية
وجوابه بأن فعل أبي بكر لا يعارض ما تقدم وبأنه نحلها لمعنى فيها لا يوجد في غيرها من أولاده أو كان قاصدا بأن ينحل غيرها فأدركته الوفاة وبأن قوله: "أشهد" إلى آخره ليس بأمر لأن أدنى أحواله الإستحباب ولا خلاف في

فإن مات قبل ذلك ثبت للمعطي وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبدالله بن بطة وإن سوى بينهم في الوقف
__________
كراهته مع أنه لو كان أمرا لبادر إلى امتثاله وإنما هو تهديد وظاهره أنه إذا خص بعضهم بإذن الباقي أو كان لمعنى كزمانة أو عمى أو طلب علم جاز وأنه لا فرق في ذلك بين الصحة والمرض وعنه لا ينفذ في مرضه ونقل الميموني معناه قال أبو الفرج يؤمر برده.
"فإن مات"الواهب "قبل ذلك ثبت للمعطي" ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع نص عليه واختاره الخلال وصاحبه والخرقي وأكثر العلماء لقول أبي بكر لعائشة رضي الله عنها وددت أنك حزتيه فدل أنها لو كانت حازتة لم يكن له الرجوع ولقول عمر ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد فإن كان في المرض فقد خالف ويقف على إجازة بقية الورثة لكن إن كانت العطية في المرض ليسوي بينهم فقد توقف أحمد والأشهر الجواز لأنه طريق لفعل الواجب.
"وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبدالله بن بطة" وأبو حفص والشيخ تقي الدين قال أحمد عروة قد روى حديث عمر وعثمان وإن سوى بينهم في الوقف وعائشة وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ترد في حياة الرجل وبعد موته ولأنه عليه السلام سمى ذلك جورا وفي رواية لمسلم "إني لا أشهد إلا على حق" وغير الحق لا يجوز والجور لا يحل فعله ولا يختلف بالحياة والموت ولا يطيب أكله ويتعين رده وعنه أنها باطلة واختارها الحارثي وقال أبو يعلى الصغير قولهم لو حرم لفسد والتحريم يقتضي الفساد في رواية لا في أخرى بدليل قوله في الصلاة في دار غصب فدل على الخلاف
أصل لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده نقله الأكثر وعنه بلى ونقل ابن الحكم لا يعجبني فإن حدث له وارث سوى ندباً قدمه جماعة وقيل وجوبا قال أحمد أعجب إلي يسوي اقتصر عليه في المغني
"وإن سوى بينهم في الوقف" ذكر كأنثى جاز قاله القاضي وقدمه في

أوقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز نص عليه وقياس المذهب لا يجوز
__________
الفروع لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة نقل ابن الحكم لا بأس قيل فإن فضل قال لا يعجبني على وجه الأثرة إلا لعيال بقدرهم أو حاجة لأن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته واختار المؤلف أنه يستحب أن يقسم بينهم كقسمة الميراث لأنه إيصال المال إليهم فيكون على حسب الميراث وذكر أن قول القاضي لا أصل له وهو ملغي بالعطية والهبة لأن الوقف لا ينقل الرقبة أو ينقلها على وجه من القصور بخلاف الهبة "أو وقف ثلثه في مرض"ه أو وصى بوقفه "على بعضهم جاز نص عليه" اختاره القاضي والأكثر واحتج الإمام بأن عمر جعل أمر وقفه إلى حفصة تأكل منه وتشتري رقيقا ولأن الوقف ليس في معنى المال فهو كعتق الوارث وكالوقف على الأجانب وعلل في رواية الميموني بأن الوقف غير الوصية لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة ينتفعون بغلتها.
"وقياس المذهب لا يجوز" ظاهره أنه لا نقل فيها عن الإمام لكن نص في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن وصى لأولاد بنته بأرض توقف فقال إن لم يرثوه فجائز وظاهره أنه لا يجوز الوقف على وارث في المرض اختارها أبو حفص وابن عقيل ذكرها أبوالخطاب ورجحها في المغني والشرح لأنه تخصيص لبعض ورثته بماله في مرضه فمنع منه كالوصية وإلحاقا له بالهبة وحديث عمر ليس فيه تخصيص لبعض الورثة بالوقف لأنه جعل الولاية إليها وليس ذلك وقفا عليها وكونه انتفاعا بالغلة لا يقتضي جوازالتخصيص كما لو أوصى لوارث بمنفعة عبد وحمل كلامه على أنه وقف على الورثة فعنه كهبة فتصح بالإجازة وعنه لا إن قيل هبة وعنه يلزم في ثلثه وهي أشهر
تنبيه: إذا وقف داره في مرض موته وهي تخرج من ثلثه على ابنه وبنته نصفين جاز على المنصوص ولزم لأنه لما كان له تخصيص البنت بها فبنصفها أولى وعلى المنصور في المغني وغيره إن أجاز الإبن جاز وإن رده بطل الوقف فيما زاد على

ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته إلا الأب
__________
نصيب الإبن وهو السدس ويرجع إلى الإبن ملكا فيكون له النصف وقفا والسدس ملكا والثلث للبنت جميعه وقفا وقيل يبطل الوقف في نصف ما وقف على البنت وهو الربع ويبقى ثلاثةأرباعها وقفا نصفها للإبن وربعها للبنت والربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثا وتصح من اثني عشر للإبن ستة أسهم وقف وسهمان ملك وللبنت ثلاثة أسهم وقف وسهم ملك ولو كان لا يملك غيرها وقلنا يلزم في الثلث فردا فثلثها وقف بينهما بالسوية وثلثاها ميراثا وإن رد ابنه فله ثلثا الثلثين إرثا ولبنته ثلثها وقفا وإن ردت فلها ثلث الثلثين إرثا ولابنه نصفها وقفا وسدسها إرثا كرد الموقوف عليه
فرع: لا يصح وقف زائد على الثلث على أجنبي جزم به المؤلف وجماعة وأطلق بعضهم وجهين وكذا على وارث ولو حيلة كوقف مريض ونحوه على نفسه ثم عليه
"ولا يجوز" أي لا يحل "لواهب أن يرجع في هبته" اللازمة كذا في الرعاية والوجيز لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "العائد في هبته كالكلب يقيىء ثم يعود في قيئه" متفق عليه ولأحمد والبخاري ليس لنا مثل السوء وفي رواية لأحمد قال قتادة ولا أعلم القيء إلا حراما وكالقيمة وظاهره وإن لم يثب عليها صرح به في المحرر وكذا حكم الهدية "إلا الأب" فله الرجوع في أظهر الروايات عنه وصححه ابن حمدان وهو المذهب عند الشيخين لما روى عمر وابن عباس مرفوعا "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه الخمسة وصححه الترمذي وسواء قصد برجوعه التسوية بين أولاده أو لا وظاهره لا فرق فيه بين المسلم والكافر في ظاهر كلامهم وفي الإختيارات منع الأب الكافر أن يرجع فيما أعطى ولده الكافر ثم أسلم فإن كان في حال إسلام الولد ففيه نظر ومقتضاه أن الأم لا رجوع لها وهو ظاهر كلام أحمد قال في رواية الأثرم ليست هي عندي

وعنه ليس له الرجوع وعنه له الرجوع إلا أن يتعلق به حق أو رغبة مثل أن يتزوج الولد أو يفلس
__________
كالرجل لأن له أن يأخذ من مال ولده بخلاف الأم ولولايته وحيازته جميع المال وقيل بلى وهو ظاهر الخرقي وصححه في المغني والشرح لقوله عليه السلام "سووا بين أولادكم" ولا للمرأة فيما تهب زوجها وهو إحدى الروايات لقوله تعالى {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} الآية وعنه لها الرجوع مطلقا نقلها الأثرم وحكاه الزهري عن القضاة وأطلقهما في المحرر والفروع وقيداه بمسألته وسيأتي "وعنه ليس له الرجوع" كالجد لعموم ما سبق وفيه وجه ذكره ابن رزين وجوابه بأنه عليه السلام قال لبشير : "فارجعه" وفي رواية فاردده رواه مالك عن الزهري عن حميد عن النعمان وأقل أحوال الأمر الجواز .
"عنه له الرجوع إلا أن يتعلق به حق أو رغبة" لغير الولد مثل أن يهب ابنه شيئا فيرغب الناس في معاملته فيداينوه أو في مناكحته فيزوجوه أو يهب ابنته شيئا فتتزوج وقد نبه عليه بقوله "مثل أن يتزوج الولد أو يفلس" لأنه تعلق بها حق غير الإبن ففي الرجوع إبطال حقه يؤيده قوله عليه السلام "لا ضرر ولا إضرار" والرجوع ضرر وفيه تحيل على إلحاق الضرر بالمسلمين زاد في الفروع تبعا الرعاية والوجيز أو ما يمنع تصرف المتهب مؤبدا أو مؤقتا كالرهن ونحوه فلا رجوع
فرع: إذا أسقط حقه من الرجوع فاحتمالان في الإنتصار وإن علق الرجوع بشرط لم يصح
تنبيه: يحصل الرجوع في الهبة بالألفاظ الدالة عليه علم الولد أو لا ولا يفتقر إلى حكم حاكم في الأصح فإن أخذ ما وهبه لولده ونوى به الرجوع كان رجوعا ويقبل قوله في نيته فإن مات الأب ولم يعلم هل نوى الرجوع ولم توجد قرينة لم يحكم بأنه رجوع وإن حفت به قرائن دالة على الرجوع فوجهان وفي المغني ينبني هذا على نفس العقد فمن أوجب الإيجاب في القبول فليس

وإن نقصت العين أو زادت زيادة منفصلة لم يمنع الرجوع والزيادة للإبن ويحتمل أنها للأب وهل تمنع المتصلة الرجوع على روايتين.
__________
برجوع وإلا فهو رجوع فإن نوى الرجوع من غير قول ولا فعل لم يحصل الرجوع وجها واحدا
"وإن نقصت العين" أو تلف بعضها لم يمنع الرجوع ولا ضمان على الولد فيما تلف منها لأنه تلف على ملكه سواء تلف بفعله أو لا وإن جنى العبد جناية تعلق أرشها برقبته فهو كنقصانه بذهاب بعض أجزائه فإن رجع الأب فيه ضمن أرش الجناية وإن كانت على العبد فرجع الأب فأرش الجناية عليه للإبن كالزيادة المنفصلة.
"أو زادت زيادة منفصلة" كالولد والثمرة وكسب العبد "لم تمنع الرجوع" بغير خلاف نعلمه قاله في الشرح لأن الرجوع في الأصل دون النماء ممكن وفيه في الموجز رواية "والزيادة للإبن" لأنها حادثة في ملكه ولا يتبع في الفسوخ وكذا هنا وكولد الأمة منه "ويحتمل أنها للأب" ذكره القاضي كالرد بالعيب ولأنها زيادة في الموهوب فملكها الأب كالمتصلة لكن إن كانت الزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينهما منع من الرجوع إلا أن يقول المنفصلة للأب فيرجع فيهما جميعا أو يرجع في الأم ويتملك الولد من مال ولده قاله في الشرح وفيه شيء وإن اختلفا في حدوث زيادة ففي أيهما يقبل قوله وجهان.
"وهل تمنع" الزيادة "المتصلة" كالسمن في العين وتعلم صنعة في المعاني "الرجوع" إذا زادت بها القيمة قاله في الشرح "على روايتين" كذا في الكافي والمحرر إحداهما لا تمنع لأنها زيادة في الموهوب فلم يمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والمنفصلة والثانية وهي أشهر ورجحها في الشرح يمنع لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم ينتقل إليه

وإن باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له الرجوع على وجهين وإن رجع إليه ببيع أو هبة لم يملك الرجوع وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع
__________
من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها وحينئذ يمتنع الرجوع في الأصل لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص لأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب في عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح بخلاف الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة وعلى المنع فللأب أخذها بطريق التملك بشرطه وقصر العين وتفصيلها زيادة متصلة يجري فيها الخلاف
فرع: إذا وهب حاملا من غيره فولدت في يده فهبة متصلة وقيل منفصلة إن قلنا لا حكم للحمل وإن رجع فيها حاملا جاز وإن لم تزد قيمتها وإن زادت قيمتها فمتصلة ولو وهبه نخلة فحملت فهي قبل التأبير زيادة متصلة وبعده منفصلة.
"وإن باعه المتهب" أو وهبه لم يملك الواهب الرجوع قولا واحدا "ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة" أو فلس المشتري "فهل له الرجوع على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر والفروع واقتصر على ذكر الفسخ فقط وهو مغن
أحدهما وجزم به في الوجيز لا يملك الرجوع لأن الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عادة أشبه ما لو عاد إليه بالهبة أما لو عاد إليه بخيار المجلس أو الشرط فله الرجوع لأن الملك لم يستقر عليه
والثاني يملكه لأن السبب المزيل ارتفع وعاد الملك بالسبب الأول أشبه فسخ البيع بالخيار "وإن رجع إليه ببيع أوهبة لم يملك الرجوع" لأنه عاد إليه بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه فلم يملك فسخه وإزالته كالذي لم يكن موهوبا
"وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع" كما لو وهبه لغير ابنه ولأن

إلا أن يرجع هو وإن كاتبه أو رهنه لم يملك الرجوع إلا أن ينفك الرهن أو تنفسخ الكتابة وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهب له إلا مخافة غضبه أو إضرارا بها بأن يتزوج عليها
__________
في رجوعه إبطالا لملك غير ابنه وقيل له أن يرجع وإن لم يرجع ابنه "إلا أن يرجع هو" لأن المانع من الرجوع زوال مالك الإبن وقد عاد إليه وقيل لا يملكه لأنه عاد إليه بعد استقرار ملك غيره عليه أشبه ما لو وهبه ابن الإبن لأبيه
"وإن كاتبه أو رهنه لم يملك الرجوع" لأن حق المرتهن والمكاتب تعلق به والرجوع يبطله فلم يجز لما فيه من الضرر بالغير وهذا عند من لا يرى بيع المكاتب وقاله جماعة فأما من أجاز بيعه فحكمه عنده كالعين المستأجرة
"إلا أن ينفك الرهن أو تنفسخ الكتابة" لزوال المانع والتزويج لا يمنع الرجوع والمعلق عتقه بصفة كذلك وإذا رجع وكان التصرف لازما كالإجارة والتزويج فهو باق بحاله وإن كان جائزا كالوصية بطل والصحيح في التدبير أنه لا يمنع الرجوع
فرع: إذا قال أبوه وهبتك هذا العبد وهو سمين أو كبير فلي الرجوع فقال ابنه وهو مهزول فسمن أو صغير فكبر فلا رجوع لك فوجهان فلو قال وهبتك هذا الذهب مصوغا فقال ابنه أنا صغته صدق الواهب.
"وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت"نقلها أبو طالب ثم ذكر العلة فقال "لأنها لا تهب له إلا مخافة غضبه أو إضرارا بها بأن يتزوج عليها" لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب به والله تعالى إنما أباحه عند طيب نفسها بقوله تعالى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} (النساء: من الآية4) وظاهره إن لم يكن سألها فهو جائز وقيل يرجع إن وهبته لدفع ضرر فلم يندفع أو عوض أو شرط فلم يحصل وعنه يرد عليها الصداق مطلقا ولو قال هي طالق

فصل
وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجته وعدمها في صغره وكبره إذا لم تتعلق حاجة الإبن به.
__________
ثلاثا إن لم تبرئني فأبرأته صح وهل ترجع ثالثها ترجع إن طلقها ذكره الشيخ تقي الدين وغيره
فصل
"وللأب أن يأخذ من مال ولده" قال في المستوعب لا تختلف الرواية أن مال الولد ملك له دون أبيه "ما شاء" من ماله "ويتملكه" لأن من جاز له أخذ شيء جاز له أن يتملكه بدليل الأشياء المباحة ولهذا قال أحمد ليس بين الرجل وبين ولده ربا قال لا يمنع الإبن الأب ما أراد من ماله فهو له ويستثنى من ذلك سريته ولو لم تكن أم ولد
"مع حاجته" أي الوالد "وعدمها في صغره" أي الولد "وكبره" لما روى سعيد والترمذي وحسنه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" وروى الطبراني في معجمه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أبي احتاج مالي فقال "أنت ومالك لأبيك"
ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع وما كان موهوبا له كان له أخذ ماله كعبده يؤيده أن سفيان بن عيينة قال في قوله تعالى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} (النور: من الآية61) ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم في قوله تعالى {مِنْ بُيُوتِكُمْ} لأن بيوت أولادهم كبيوتهم ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية فكان له التصرف كمال نفسه وشرطه إذا لم تتعلق حاجة الإبن به ومالا يضره نص عليه وجزم بها في الوجيز لأن حاجة الإنسان مقدمة على دينه فلأن تقدم على أبيه بطريق الأولى وشرط في

و إن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء لم يصح تصرفه
__________
الكافي والشرح والوجيز ما لم يعطه ولدا آخر نص عليه لأن تفضيل أحد الولدين غير جائز فمع تخصيص الآخر بالأخذ منه أولى
وعنه: له أن يتملك ما لا يجحف به جزم به في الكافي وذكر في الشرح أن لا يجحف بالإبن ولا يضر به ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته وعنه له كتملكه كله ويروى أن مسروقا زوج ابنته بصداق عشرة آلاف درهم فأخذها فأنفقها في سبيل الله وقال للزوج جهز امرأتك واستدل ابن عقيل بقوله عليه السلام " لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه" رواه الدارقطني ولأن ملك الولد تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته
وجوابه بأنه مخصوص بما سبق فلا تنافي بينهما وظاهره لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى وان الجد لا يكون كذلك وفيه رواية مخرجة من ولايته وإجباره أنه كالأب في كل شيء ما لم يخالف الإجماع كالعمريتين وفي الأم قول
"وإن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء لم يصح تصرفه" على الأصح لأن ملك الولد على مال نفسه تام فصح تصرفه فيه ولو كان للغير أو مشتركا لم يجز ذلك وقال الشيخ تقي الدين ويقدح في أهليته لأجل الأذى سيما بالحبس وعنه له أن يبرىء من مال ولده ويتسرى منه وما فعل فيه فهو جائز وفيه بعد لأنه تصرف في ملك غيره بما لا حظ فيه خصوصا مع صغر الولد إذ ليس من الحظ إسقاط دينه وعتق عبده وهبة ماله
تنبيه: يحصل التملك بقبضه نص عليه مع قول أو نية قال في الفروع ويتوجه أو قرينة وفي المبهج في تصرفه في غيرمكيل وموزون روايتان بناء على حصول ملكه قبل قبضه ويصح بعده ولو أراد أخذه مع غناه فليس له أن يأبى عليه نقل الأثرم ولو كنت أنا لجبرته على دفعه إليه على حديث النبي صلى الله عليه وسلم

وإن وطىء جارية فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا يلزمه قيمته ولا مهر ولا حد عليه وفي التعزير وجهان وليس للإبن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك
__________
أنت ومالك لأبيك.
"إن وطىء جارية ابنه" أي قبل تملكها فقد وطئها وليست بزوجة ولا ملك يمين وهو حرام "فأحبلها صارت أم ولد له" لأن إحبال الأب لها يوجب نقل الملك إليه وحينئذ يكون الوطء مصادفا للملك وذلك يقتضي صيرورتها أم ولد ضرورة مصادفة الوطء الملك ومقتضاه أنها إذا لم تحبل منه أنها باقية على ملك الولد وولده حر لأنه من وطء شبهة "لا تلزمه قيمته ولا مهر" ولا قيمتها إذ ليس له مطالبة الأب بشيء من ذلك "ولا حد عليه" على الأصح للشبهة "وفي التعزير وجهان" أشهرهما التعزير وذكره القاضي رواية واحدة لأنه وطىء وطأ محرما كوطء المشتركة والثاني لا لأنه لا يقتص منه بالجناية على ولده فلا يعزر بالتصرف في ماله والفرق أن التعزير هنا حق لله تعالى بخلاف الجناية على ولده قال بعضهم فيضرب مائة إلا سوطا
فرع: إذا تملكها فليس له وطؤها حتى يستبرئها فإن كان الإبن وطئها لم تحل له بحال فإن وطئها بعد وطء الإبن فروايتان كوطء ذات محرم بملك يمين ولا ينتقل الملك فيها إن كان الإبن استولدها فإن وطئها الأب والإبن في طهر واحد وأتت بولد عرض على القافة ويحد الإبن لوطئه جارية أبيه ولم يلحقه الولد ويكون ملكا لأبيه وقد أوجب أحمد أن يعتقه الأب لكونه جزءا من ابنه.
"وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك" قاله الزبير بن بكار وسفيان بن عيينة لما روي إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال "أنت ومالك لأبيك" رواه الخلال ولأن المال أحد نوعي الحقوق فلم يملك مطالبة أبيه به كحقوق الأبدان وظاهره أنه لا يطالبه بنفقته والمذهب أنه يطالبه بها وجزم به في الوجيز وغيره وعين بمال له في يده قاله في الرعاية وقيل له أن يطالبه بماله في ذمته مع حاجته إليه

والهدية والصدقة نوعان من الهبة
__________
وغنى والده عنه وقيل يثبت له في ذمته مطلقا فعلى هذا ففي ملكه إبراء نفسه نظر قاله القاضي وذكر غيره لا يملكه كإبرائه لغريمه ولا طلب له في حياة والده فإن مات الإبن فليس لورثته مطالبة الأب في الأشهر كمورثهم وإن مات الأب بطل دين الإبن قاله أحمد وقيل يرجع في تركة الأب لأن دينه لم يسقط عن الأب وإنما تأخرت المطالبة وحمله بعضهم على ما أخذه على سبيل التمليك
مسألة: إذا مات فوجد ما اشتراه منه بعينه قال في المبهج أو بعضه ولم ينقد ثمنه أو وجد ما أقرضه فهل يأخذه أو يكون إرثا فيه روايتان وما قضاه في مرضه أو وصى بقضائه فمن رأس ماله وإلا لم يسقط بموته ولو أقر بقبض دينه فأنكر رجع على غريمه وهو على الأب نقله منها فظاهره أنه لا يرجع إن أقر الإبن .
"الهدية والصدقة نوعان من الهبة" أي هما نوعا الجنس كالإنسان والفرس مع الحيوان وحاصله إن قصد بإعطائه ثواب الآخرة فصدقة وإن قصد إكراما وتوددا ونحوه فهدية وإلا فهبة وعطية ونحلة وهما كهبة فيما تقدم لكن نقل المروذي وحنبل لا رجوع في الصدقة وفي عيون المسائل والمستوعب لا يعتبر في الهدية قبول للعرف ومن أهدى إليه ليهدي له أكثر فلا بأس به لغير النبي صلى الله عليه وسلم نقله أحمد عن الضحاك ونقل أبو الحارث فيمن سأل الحاجة فسعا معه فيها فيهدي إليه إن علم أنه لأداء الأمانة لم يقبل إلا أن يكافئه ونقل يعقوب لا ينبغي للخاطب إذا خطب لقوم أن يقبل لهم هدية فهاتان روايتان واختار الشيخ تقي الدين التحريم ونقله عن السلف ورخص فيه بعض المتأخرين
فرع: وعاء هدية كهي مع عرف

فصل في عطية المريض
أما المريض غير مرض الموت أو مرض غير مخوف كالرمد ووجع الضرس والصداع ونحوه فعطاياه كعطايا الصحيح سواء يصح في جميع ماله وإن كان مرض الموت المخوف كالبرسام وذات الجنب والرعاف الدائم والقيام المتدارك
__________
فصل في عطية المريض
"أما المريض غير مرض الموت أو مرض غير مخوف كالرمد" وهو ورم حار في الملتحم عن مادة في العين ويعرف بتقدم الصداع وقد يكون من الحجاب وقد يكون من الخارج "ووجع الضرس والصداع" اليسير وهو وجع الرأس "ونحوه" كحمى يوم قاله في الرعاية وقيل ساعة قاله في الشرح وإسهال يسير من غيردم.
"فعطاياه كعطايا الصحيح سواء" لأنه في حكم الصحيح لكونه لا يخاف منه في العادة "يصح في جميع ماله" ولو اتصل به الموت للأدلة وكما لو كان مريضا فبرأ
"وإن كان مرض الموت" القاطع بصاحبه "المخوف" أي مرضا مخوفا اتصل به الموت "كالبرسام" وهو بخار يرتقي إلى الرأس ويؤثر في الدماغ فيحيل عقل صاحبه وقال عياض هو ورم في الدماغ يتغير منه عقل الإنسان ويهذي ويقال فيه سرسام .
"ذات الجنب" وهو قرح بباطن الجنب ووجع القلب والرئة ولا تسكن حركتها وقيل هو دمل كبيرة تخرج بباطن الجنب وتفتح إلى داخل
"والرعاف الدائم" فإنه يصفي الدم فيذهب القوة "والقيام المتدارك" هو المبطون الذي أصابه الإسهال ولا يمكنه إمساكه فإن كان يجري تارة وينقطع أخرى فإن كان يوما أو يومين فليس بمخوف لأنه قد يكون من فضلة الطعام إلا أن يكون معه

والفالج في ابتدائه والسل في انتهائه وما قال عدلان من أهل الطب أنه مخوف فعطاياه كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة كالهبة والعتق والكتابة والمحاباة
__________
زحير وتقطيع فيكون مخوفا لأنه يضعف البدن
"والفالج في ابتدائه" وهو داء معروف يرخي بعض البدن قال ابن القطاع فلج فالجا بطل نصفه أو عضو منه
"والسل في انتهائه" هو بكسر السين داء معروف وقد سل وأسله الله تعالى فهو مسلول على غير قياس ومثله القولنج وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأعضاء ولا ينزل عنه فهذه الأشياء مخوفة وإن لم يكن معها حمى وهي مع الحمى أشد خوفا وإن بادره الدم واجتمع في عضو كان مخوفا لأنه من الحرارة المفرطة وإن هاجت به الصفراء فهي مخوفة لأنها تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج لأنه من شدة البرودة وقد يغلب على الحرارة الغزيرة فيطفئها ذكره في المغني والشرح.
"وما قال عدلان" أي مسلمان "من أهل الطب" أي عند الشك فيه "أنه مخوف" فيرجع إلى قولهما لأنهما من أهل الخبرة كذا جزم به الأصحاب فظاهره أنه لا يقبل فيه قول واحد لأنه يتعلق به حق الوارث والعطايا وقيل يقبل لعدم وذكر ابن رزين المخوف عرفا أوبقول عدلين.
"فعطاياه" صحيحة لأن عمر أوصى حين جرح وسقي لبنا وخرج من جرحه واتفق الصحابة على نفوذ عهده "كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة كالهبة" المقبوضة "والعتق والكتابة والمحاباة" والصدقة والوقف والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم" رواه ابن ماجه فمفهومه ليس له أكثر من الثلث يؤيده ما روى عمران بن حصين أن رجلا

فأما الأمراض الممتدة كالسل والجذام والفالج في دوامه فإن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإلا فلا وقال أبو بكر فيه وجه آخر أن عطيته من الثلث
__________
أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم فاستدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة" رواه مسلم وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطيته فيها في حق ورثته لا تتجاوز الثلث كالوصية وعلم منه أن هذه العطايا إذا وجدت في الصحة فهي من رأس المال بغير خلاف نعلمه
تنبيه: حكم العطية في مرض الموت حكم الوصية في أشياء
منها: أنه يقف نفوذها على خروجها من الثلث أو إجازة الورثة
ومنها: أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة الورثة ومنها أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة
ومنها: أنها تزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كتزاحم الوصايا
ومنها: أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لها قبله ولا بعده
"فأما الأمراض الممتدة كالسل والجذام والفالج في دوامه" وحمى الربع "فإن صار صاحبها صاحب فراش" أي لزم الفراش "فهي مخوفة" أي عطيته من الثلث لأنه مريض صاحب فراش يخشى منه التلف أشبه الحمى المطبقة "وإلا فلا" أي إن لم يصر صاحبها صاحب فراش فليست مخوفة وعطيته حينئذ من رأس المال قال القاضي إذا كان يذهب ويجيء فعطاياه من جميع المال هذا تحقيق المذهب لأنه لا يخاف تعجيل الموت منه وإن كان لا يبرأ منه فهو كالهرم .
"وقال أبو بكر فيه وجه آخر أن عطيته من الثلث" مطلقا لأنها مخوفة في الجملة فوجب إلحاقها به من غير تفصيل وهو رواية نقل حرب في وصية المجذوم

ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب أو في لجة البحر عند هيجانه أو وقع الطاعون ببلده أو قدم ليقتص منه
__________
والمفلوج من الثلث فالمجد أثبتها وجعلها ثابتة وصاحب الشرح حملها على الأول وذكر أبو بكر وجها آخر أن عطايا هؤلاء من المال كله وقول ابن المنجا أنه يلزم منه التناقض على قول أبي بكر ليس بظاهر فغايته أنه حكى وجهين
"ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب" بأن اختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل منهما مكافئة للأخرى أو مقهورة ولا فرق بين كونهما متفقين في الدين لأن توقع التلف هنا كتوقع المريض أو أكثر فوجب أن يلحق به فأما القاهرة بعد ظهورها فليس بمخوف.
"أو في لجة البحرعند هيجانه" أي إذا اضطرب وهبت الريح العاصف لأن الله تعالى وصفهم بشدة الخوف في قوله تعالى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (يونس: من الآية22) وظاهره أنه إذا ركبه وهو ساكن فليس بمخوف.
"أو وقع الطاعون" قال أبو السعادات هو المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان وقال عياض هو قروح تخرج في المغابن وغيرها لا يلبث صاحبها ويغم إذا ظهرت وفي شرح مسلم وأما الطاعون فوباء معروف وهو بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حوله ويخضر ويحمر حمرة بنفسجية ويحصل معه خفقان للقلب {ببلدة} لأنه مخوف إذا كان فيه.
"أو قدم ليقتص منه" لأنه إذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف مع ظهور السلام فمع ظهور التلف وقربه أولى ولا عبرة بصحة البدل ولو عبر بالقتل كغيره لعم سواء كان قصاصا أو غيره كالرجم وكذا إذا حبس للقتل ذكره في الكافي والفروع وأسير عند من عادتهم القتل
مسألة: إذا كان المريض يتحقق تعجيل موته فإن كان عقله قد اختل كمن

والحامل عند المخاض فهو كالمريض وقال الخرقي وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله وإن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة بدىء بالأول فالأول منها
__________
ذبح أو أبينت حشوته فلا حكم لعطيته ولا كلامه وإن كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته أو اشتد مرضه ولم يتغير عقله صح تصرفه وذكر في المغني والشرح وكمن جرح جرحا موحيا مع ثبات عقله وفي الترغيب من قطع بموته كقطع حشوته وغريق ومعاين كميت.
"والحامل عند المخاض" أي عند الطلق كذا ذكره معظم الأصحاب "فهو كالمريض" مرضا مخوفا لأنه يحصل لها ألم شديد يخاف منه التلف "وقال الخرقي وكذك الحامل إذا صار لها ستة أشهر" هو رواية عن أحمد أي عطيتها من الثلث كمريض حتى تنجو من نفاسها لأنه وقت تمكن الولادة فيه وهو من أسباب التلف والأشهر مع ألم وقال إسحاق إذا ثقلت لا يجوز لها إلا الثلث لم يحد حدا وحكاه ابن المنذر عن أحمد.
"وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله" حكاه أبو بكر لأنه لا مرض بهم فهم كالصحيح
تنبيه: إذا ولدت المرأة المشيمة معها أو مات معها فهو مخوف فإن خرجا فحصل ثم ورم أو ضربان شديد فكذلك وإن لم يكن شيء من ذلك فقد روي عن أحمد في النفساء إذا كانت ترى الدم فعطيتها من الثلث والسقط كالولد التام لا مضغة أو علقة إلا أن يكون ألم قاله في المغنى والشرح.
"وإن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة" يحترز به عن الوصية فالتبرع عبارة عن إزالة ملكة فيما ليس بواجب بغير عوض "بدىء بالأول فالأول منها" لأن السابق استحق الثلث فلم يسقط بما بعده وسواء كان السابق عتقا أو غيره وعنه يقسم بين الكل بالحصص وعنه يقدم العتق وعلم منه أن التبرعات إذا كانت عطايا ووصايا تقدم العطايا لأنها أسبق

وإن تساوت قسم بين الجميع بالحصص وعنه يقدم العتق وأما معاوضة المريض بثمن المثل فيصح من رأس المال وإن كانت مع وارث ويحتمل ألا يصح لوارث وإن حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه وتصح فيما عداه
__________
"وإن تساوت" أي وقعت دفعة بأن وكل جماعة فيها فأوقعوها دفعة واحدة "قسم بين الجميع بالحصص" على المذهب لأنهم تساووا في الإستحقاق فيقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس "وعنه يقدم العتق" لأنه آكد لكونه مبنيا على السراية والتغليب وإن كانت كلها عتقا أقرعنا بينهم فيكمل العتق في بعضهم
أصل: إذا قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بالكل صح وإن لم يف فوجهان أشهرهما وهو قياس قول أحمد أنهم لا يملكون الإعتراض عليه لأنه أدى واجبا عليه كأداء ثمن البيع والثاني عكسه لأن حقهم تعلق بماله بمرضه فمنع تصرفه فيه كالتبرع وما لزمه في مرضه من حق لا يمكنه دفعه وإسقاطه فهو من رأس ماله فلو تبرع أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه في العتق لأن الحق ثبت بالتبرع في الظاهر.
"أما معاوضة المريض بثمن المثل فيصح من رأس المال" ذكره الأصحاب لأنه إنما يعتبر من الثلث التبرع وليس هذا تبرعا "وإن كانت مع وارث" لأنه لا تبرع فيها ولا تهمة فصحت كالأجنبي "ويحتمل أن لا يصح لوارث" هذا رواية لأنه خصه بعين المال أشبه ما لو حاباه ومعناه أنها لا تصح معه إلا بإجازة اختاره في الإنتصار لفوات حقه في المعين.
"وإن حابا وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه" لأن المحاباة كالوصية وهي لوارث باطلة فكذا المحاباة "وتصح فيما عداه" لأن المانع من صحة البيع المحاباة وهي هنا مفقودة فعلى هذا لو باع شيئا بنصف ثمنه فله نصفه بجميع الثمن لأنه تبرع له بنصف الثمن فبطل التصرف فيما تبرع به وعنه يبطل بيع الكل وعلى الأول محله بدون إجازة الوارث وتعتبر إجازة

وللمشتري الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه فإن كان له شفيع فله أخذه فإن أخذه فلا خيار للمشتري وإن باع المريض أجنبيا وحاباه
__________
المجنون في مرضه من ثلثه وقال ابن حمدان إن جعلت عطية وإلا فمن كله.
"وللمشتري الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه" فشرع ذلك دفعا للضرر فإن فسخ وطلب قدر المحاباة أو طلب الإمضاء في الكل وتكميل حق الورثة من الثمن لم يكن له ذلك وعنه يصح في العين كلها ويرد المشتري الوارث تمام قيمتها أو يفسخ.
"فإن كان له شفيع فله أخذه" لأنها تجب بالبيع الصحيح وقد وجد "فإن أخذه فلا خيار للمشتري" لزوال الضرر عنه لأنه لو فسخ المبيع رجع بالثمن وقد حصل له الثمن من الشفيع.
فرع: إذا آجر نفسه وحابا المستأجر صح مجانا
"وإن باع المريض أجنبيا وحاباه" لم يمنع ذلك من صحة العقد في قول الجمهور لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض فعليه لو باع عبدا لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابا المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة بأكثر من الثلث فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع وإن ردوا فاختار المشتري فسخ البيع فله ذلك وإن اختار إمضاءه فعن أحمد يأخذ نصف المبيع بنصف الثمن ويفسخ البيع في الباقي وصححه الشيخان وطريقه أن يسقط الثمن وهو عشرة من قيمة العبد وهو ثلاثون ثم يأخذ ثلث المبيع وهو عشرة فينسبه من الباقي وهو عشرون فما خرج بالنسبة صح البيع في مقدار تلك النسبة فيصح البيع في نصف المبيع بنصف الثمن وعلى قول القاضي ينسب الثمن وثلث المبيع من قيمة المبيع فيصح في مقدار تلك النسبة بالثمن كله وهو قول أهل العراق فلو باعه بخمسة عشر وهو يساوي ثلاثين صح البيع في ثلثيه بثلثي الثمن على الأول وعلى الثاني للمشتري خمسة أسداسه

وكان شفيعه وارثا فله الأخذ بالشفعة لأن المحاباة لغيره ويعتبر الثلث عند الموت فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا يخرج من ثلثه تبينا أنه عتق كله وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء
__________
"وكان شفيعه وارثا فله الأخذ بالشفعة" في الأصح "لأن المحاباة لغيره" كما لو وصى لغريم وارثه وهذا إذا لم يكن حيلة ولأنه إنما منع منها في حق الوارث لما فيها من التهمة من إيصال المال إلى بعض الورثة المنهي عنه شرعا وهذا معدوم فيما إذا أخذ بالشفعة ما وقعت فيه المحاباة وقيل لا يملك الوارث الشفعة لإفضائه إلى إثبات حق وارثه
فرع: لا يصح تعليق عطية منجزة ونحوها في مرض مخوف على شرط إلا في العتق فلو علق صحيح عتق عبده فوجد شرطه في مرضه فمن ثلثه في الأصح
"ويعتبر الثلث عند الموت" لأنه وقت لزوم الوصايا واستحقاقها ويثبت له ولاية القبول والرد فإن ضاق ثلثه عن العطية والوصية قدمت العطية في قول جمهور الفقهاء لأنها لازمة فقدمت على الوصية كعطية الصحة وعنه هما سواء وتعتبر قيمة المنجز وقبوله حين نجزه ونماؤه من حينه إلى الموت تبع له فمن جعل عطيته من ثلثه فحمل ما نجزه فكسبه له وإلا فله منه بقدر ما خرج من أصله من الثلث وليس بشركة قاله في الرعاية.
"فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا يخرج من ثلثه تبينا أنه عتق كله" لخروجه من الثلث عند الموت "وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء" نص عليه لأن الدين مقدم على الوصية بدليل قول علي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية وعنه يعتق الثلث لأن تصرف المريض من الثلث كتصرفا الصحيح في الجميع فإن مات قبل سيده مات حرا وقيل بل ثلثه
فرع: هبته كعتقه
فائدة: للمريض لبس ناعم وأكل طيب لحاجته وإن فعله لتفويت حق الورثة منع قاله في الإنتصار وفيه يمنعه إلا بقدر حاجته وعادته وسلمه أيضا لأنه لا

فصل
وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء أحدها أنه يبدأ بالأول فالأول منها والوصايا يسوى بين المتقدم والمتأخر منها والثاني أنه لا يملك الرجوع في العطية بخلاف الوصية والثالث أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها بخلاف الوصية والرابع أن الملك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعى فإذا خرج من الثلث تبينا أن الملك كان ثابتا من حينه
__________
يستدرك كإتلافه وجزم به الحلواني وغيره لأن حق وارثه لم يتعلق بعين ماله
فصل
"وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء أحدها أنه يبدأ بالأول فالأول منها" لوقوعها لازمة "والوصايا يسوى بين المتقدم والمتأخر منها" لأنها تبرع بعد الموت فوجد دفعة واحدة "والثاني أنه لا يملك الرجوع في العطية" لأنها تقع لازمة في حق المعطي ينتقل إلى المعطى في الحياة إذا اتصل بها القبول والقبض ولو كثرت وإنما منع من التبرع بزيادة على الثلث لحق الورثة بخلاف الوصية فإنه يملك الرجوع فيها لأن التبرع فيها مشروط بالموت فقبل الموت لم يوجد فهي كالهبة قبل القبول
"والثالث أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها" لأنها تمليك في الحال "بخلاف الوصية" فإنها تمليك بعد الموت فاعتبر عند وجوده "والرابع أن الملك يثبت في العطية من حينها" بشروطها لأنها إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال فيعتبر قبولها في المجلس كعطية الصحة وكذا إن كانت محاباة أو إعتاقا "ويكون مراعى" لأنا لا نعلم هل هو مرض الموت أو لا ولا نعلم هل يستفيد مالا أو يتلف شيء من ماله فتوقفنا لنعلم عاقبه أمره ليعمل بها فإذا انكشف الحال علمنا حينئذ ما ثبت حال العقد كإسلام أحد الزوجين
"فإذا خرج من الثلث تبينا أن الملك كان ثابتا من حينه" أي من حين العطيه لأن المانع من ثبوته كونه زائدا على الثلث وقد تبين خلافه

فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا وللموهوب له إن كان موهوبا وإن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك فلو أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فقد عتق منه شيء وله من كسبه شيء ولورثة سيده شيئان فصار العبد وكسبه نصفين فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما
__________
فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا لأن الكسب تابع لملك الرقبة وللموهوب له إن كان موهوبا لما ذكرنا وعلم منه أن العتق والهبة نافذان فيه إذا خرج من الثلث فتعين كون الكسب للمعتق والموهوب له للتبعية وإن خرج بعضه من الثلث فلهما أي للمعتق والموهوب له من كسبه بقدر ذلك أي بمقدار نسبة ذلك البعض إليه فلو أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فقد عتق منه شيء وله من كسبه شيء لأن الكسب يتبع ما تنفذ فيه العطية دون غيره فيلزم الدور لأن للعبد من كسبه بقدر ما عتق وباقيه لسيده فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية كذلك ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من كسبه وينقص بذلك قدر المعتق منه ونبه عليه بقوله ولورثة سيده شيئان فصار العبد وكسبه نصفين أي صار مقسوما نصفين لأن العبد لما استحق بعتقه شيئا وبكسبه شيئا كان له في الجملة شيئان وللورثة شيئان فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما أي نصف العبد ونصف الكسب فإذا كان العبد قيمته مائة مثلا وكسب مائة قسمت ذلك على أربعة أشياء فيكون الشيء خمسين وهو أولى من ضم الأشياء ثم يقسم نصفين لأن بالأول تبين مقدار الشيء فيعلم مقدار العتق بخلاف القسمة نصفين فإنه يحتاج إلى نظر لتبين مقدار العتق

وإن كسب مثلي قيمته صار له شيئان وعتق منه شيء وللورثة شيئان فيعتق ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس كسبه والباقي للورثة وإن كسب نصف قيمته عتق منه شيء وله نصف شيء من كسبه وللورثة شيئان فيعتق منه ثلاثة اسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة
__________
وإن كسب مثلي قيمته صار له شيئان وعتق منه شيء وللورثة شيئان فيعتق ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس كسبه والباقي للورثة ففي مسألتنا إذا كسب مائتين قسمت المجموع وهو ثلاثمئة على خمسة أشياء ثلاثة للعبد وشيئان للورثة وجدت كل شيء يعدل شيئين وذلك ثلاثة أخماس العبد وإن كسب نصف قيمته عتق منه شيء وله نصف من كسبه وللورثة شيئان فالجميع ثلاثة أشياء ونصف شيء فأبسطها تصر سبعة له ثلاثة أسباعها فيعتق ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة في الصور كلها لأنه ملكهم وضابط ذلك أن تقول عتق منه شيء وللورثة مثلا ما عتق منه وهو شيئان وله من كسبه شيء إن كسب مثل قيمته وشيئان إن كسب مثلا قيمته وثلاثة أشياء إن كسب ثلاثة أمثال قيمته ونصف شيء إن كسب مثل نصف قيمته وعلى هذا أبدا ثم تجمع الأشياء فتقسم قيمة العبد وكسبه عليها فما خرج فهو الشيء فلو أعتق عبدا لا مال له سواه قيمته مائة فكسب ثلاثة أمثال قيمته فقد عتق منه شيء ولورثة سيده شيئان وله من كسبه ثلاثة أشياء فتجمع الأشياء فتصير ستة فاقسم عليها قيمة العبد وكسبه وذلك أربعمائة يخرج الشيء ستة وستين وثلثين فقد عتق منه شيء وهو ثلثا قيمته ولورثة سيده شيئان مثلا ما عتق منه وله من كسبه ثلاثة أشياء مائتان وهي ثلثا كسبه
فرع: أعتق عبدا قيمته عشرون ثم آخر قيمته عشرة فكسب كل منهما قدر قيمته فكملت الحرية في العبد الأول فيعتق منه شيء وله من كسبه شيء

وإن كان موهوبا لإنسان فله من العبد بقدر ما عتق منه وبقدره من كسبه وإن أعتق جارية ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسب نصف قيمتها يعتق منها ثلاثة أسباعها
__________
وللورثة شيئان فتقسم العبدين وكسبهما على الأشياء الأربعة فيخرج لكل شيء خمسة عشر فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه والباقي للورثة وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق وهو نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه بينهما نصفين فيعتق ربعه وله ربع كسبه ويرق ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما عتق منهما فإن أعتقهما معا أقرعنا بينهما فمن خرجت له قرعة الحرية فهو كما لو بدأ بإعتاقه فلو كانا متساويي القيمة فأعتقهما بكلمة واحدة ولا مال له سواهما فمات أحدهما في حياته أقرع بين الحي والميت فإن وقعت على الميت فالحي رقيق ويتبين أن الميت نصفه حر لأن مع الورثة مثل نصفه وإن وقعت على الحي عتق ثلثيه ولا يحسب الميت على الورثة لأنه لم يصل إليهم وإن كان موهوبا لإنسان فله أي للموهوب له بقدر ما عتق منه لأن القدر الموهوب يعدل القدر المعتق وبقدره من كسبه لأن الكسب يتبع الملك فلزم أن يملك من الكسب بقدر ما ملك من العبد فإن كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له كل دينار شيئا فقد عتق منه مائة وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شيء فيعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلاثمائة وتسعة له من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من نفسه ومائتا جزء من كسبه فإن كان على السيد دين يستغرق قيمته ويقيمة كسبه صرفا في الدين ولم يعتق منه شيء لأن الدين مقدم على التبرع وإن لم يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرف من العبد وكسبه ما يقضي منه الدين وما بقي منهما يقسم على ما يعمل في العبد الكامل وكسبه وإن أعتق جارية لا مال له غيرها ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسب نصف قيمتها يعتق منها ثلاثة أسباعها لأنها لو كسبت نصف

ولو وهبها مريضا آخر لا ملك له أيضا فوهبها الثاني للأول صحت هبة الأول في شيء وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الآخر ثلثا شيء وللأول شيئان فلهم ثلاثة ارباعها ولورثة الثاني ربعها وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد ثم أنسب الثلث إلى الباقي وهو عشرة من عشرين تجده نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء
__________
قيمتها لعتق منها ثلاثة أسباعها سبع بملكها له من نفسها بحقها من مهرها ولا ولاء عليها لأحد وسبعان بإعتاق الميت لكن في التشبيه نظر من حيث إن الكسب يزيد به ملك السيد وذلك يقتضي الزيادة في العتق والمهر ينقصه وذلك يقتضي نقصان العتق ولو وهبها مريضا آخر لا مال له أيضا فوهبها الثاني للأول وماتا جميعا صحت هبة الأول في شيء وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الآخر ثلثا شيء وللأول أي لورثة الأول شيئان فاضربها في ثلاثة ليزول الكسر تكن ثمانية أشياء تعدل الأمة الموهوبة فلهم أي لورثة الأول ثلاثة أرباعها ستة ولورثة الثاني ربعها شيئان وإن شئت قلت المسألة من ثلاثة لأن الهبة صحت من ثلث المال وهبة الثاني صحت في ثلث الثلث فتكون من ثلاثة اضربها في أصل المسألة تكن تسعة أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية بقيت المسألة من ثمانية وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة وهما من جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا لكونه يحرم التفاضل بينهما فأشار إلى الطريقة فقال فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد ثم انسب الثلث إلى ما بقي وهو عشرة من عشرين تجده نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء لأن ذلك يقابله بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميع الثمن أشبه ما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في أحدهما بعيب أو غيره

ويبطل فيما بقي وإن أصدق امرأة عشرة لامال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات لها بالصداق خمسة وشيء بالمحاباة رجع إليه نصف ذلك بموتها صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين أجبرها بنصف شيء وقابل.
__________
ويبطل فيما بقي لانتفاء المقتضي للصحة لا يقال فلا يصح في الجيد بقدر قيمة الرديء ويبطل في غيره لأنه يفضي إلى الربا لكونه عقدا يصح في ثلث الجيد بكل الرديء وذلك ربا ولأن المحاباة في البيع وصية وفيما ذكر إبطالها لأنه لا يحصل لها شيء وطريق الجبر أن يقال يصح البيع في شيء من الأرفع بشيء من الأدنى وقيمة ثلث شيء فتكون المحاباة بثلثي شيء ألقها من الأرفع يبقى قفيزا إلا ثلثي شيء يعدل ثلثي المحاباة وذلك شيء وثلث شيء فإذا جبرته عدل شيئين فالشيء نصف القفيز وإن كان الأدنى يساوي عشرين صحت في جميع الجيد بجميع الردي وإن كان الأدنى يساوي خمسة عشر فاعمل بالطريقين الأولين ولك طريق آخر وهو أن تضرب ما حاباه به في ثلاثة تبلغ خمسة وثلاثين انسب قيمة الجيد إليها بثلثها فيصح بيع ثلثي الجيد بثلثي الرديء وبطل فيما عداه
فرع: لو حابا في إقالة في سلم كمن أسلف عشرة في كر حنطة ثم أقاله في مرضه وقيمته ثلاثون تعين الحكم كما لو ذكره لإمضاء الإقالة في السلم بزيادة وهو ممتنع وإن أصدق امرأة عشرة لا مال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات فيدخلها الدور فنقول لها خمسة بالصداق لأنها مهر مثلها وشيء بالمحاباة لأنها كالوصية ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء رجع إليه نصف ذلك بموتها لأن الزوج يرث نصف ما لامرأته إذا لم يكن لها ولد صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء لأنه كان له خمسة الأشياء وورث اثنين ونصف شيء يعدل شيئين لأنه مثلا ما استحقته المرأة بالمحاباة وذلك شيء أجبرها بنصف شيء لتعلم وقابل أي يزاد على الشيئين نصف شيء فليقابل ذلك النصف المراد

يخرج الشيء ثلاثة فلورثته ستة ولورثتها أربعة وإن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة وعنه تعتبر المحاباة من الثلث قال أبو بكر هذا قول قويم رجع عنه
فصل
ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته عتق ولم يرثه ذكره أبو الخطاب
__________
أي يبقى سبعة ونصف تعدل شيئين ونصفا يخرج الشيء ثلاثة فلورثته ستة لأن لهم شيئين ولورثتها أربعة لأنه كان لها خمسة وشيء وذلك ثمانية رجع إلى ورثته نصفها وهي أربعة والطريقة في هذا أن ننظر ما بقي في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشيء الذي صحت المحاباة فيه وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا والشيء هو خمساها وإن شئت أسقطت خمسه وأخذت نصف ما بقي وإن مات قبلها ورثته لأنها زوجته وسقطت المحاباة نص عليه لأن حكمها في المرض حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث فعله لو وارثة كالكافرة لم تسقط المحاباة لعدم الإرث وحينئذ فلها مهرها وثلث ما حاباها به وعنه تعتبر المحاباة من الثلث لأنها محاباة لمن يجوز عليها الصدقة فاعتبرت من الثلث كمحاباة الأجنبي قال أبو بكر هذا قول قديم رجع عنه وقيل تسقط المحاباة إن لم يجزها بقية الورثة وقيل يسقط المسمى ويجب مهر المثل وقيل مهرها وربع الباقي وقيل بل ثلث المحاباة وكذا الخلاف فيمن تزوج من يرثه في مرضه بأكثر من مهر المثل ولو تزوج مريضة بدون مهرها فهل لها ما نقص فيه وجهان
فصل
ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته عتق من رأس المال لأن إقرار المريض بذلك كالصحيح ولم يرثه ذكره أبو الخطاب وفي الرعاية

لأنه ورثه كان إقراره لوارث وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم في مرضه وهو وارثه أو وصى له به أو وهب له فقبله في مرضه وقال القاضي يعتق ويرث ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه على قياس الأول
__________
أنه أقيس لأنه لو ورثه كان إقراره لوارث فيبطل عتقه لأنه مرتب على صحة الإقرار وهو لا يصح لوارث وعلله الخبري بأن عتقهم وصية فلا يجمع لهم بين الأمرين لأنهم إذا ورثوا بطلت الوصية وإذا بطلت الوصية بطل العتق فيؤدي توريثهم إلى إسقاط توريثهم وقيل يرث لأنه حين الإقرار لم يكن وارثا فوجب أن يرث كما لو لم يصر وارثا وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم أي من يعتق عليه بالشراء في مرضه وهو وارثه أو وصى له به أو وهب له فقبله في مرضه أي يعتق ولا يرث لما ذكرناه وقال القاضي يعتق ويرث وهو المنصوص وقدمه في المحرر والفروع وحاصله أنه إذا ملك من يعتق عليه بهبة أو وصية أو أقر أنه أعتق ابن عمه عتقا من رأس المال وورثا لأنه حين موت موروثه ليس بقاتل ولا مخالف لدينه ولا يكون عتقهم وصية وقيل يعتق من ثلثه وإلا عتق منه بقدر الثلث فلو دبر ابن عمه عتق ولم يرث نص عليه وإن قال أنت حر في آخر حياتي عتق والأشهر يرث وليس عتقه وصية ولو علق عتق عبده بموت قريبه لم يرثه ذكره جماعة قال القاضي لأنه لا حق له فيه قال في الفروع ويتوجه الخلاف
مسألة : إذا اشترى مريض من يعتق على وارثه صح وعتق على الوارث قولا واحدا وإن وصى بعتق بعض عبد أو أعتقه أو دبره وبقيته له أو لغيره وثلثه يحمل كله كمل عتقه وأخذ الشريك حقه وعنه لا سراية فيهن وهو أولى وفي استسعائه للشريك روايتان وعنه السراية في المنجز فقط قال ابن حمدان وإن اشترى المديون ذا رحمه المحرم لم يصح وقيل بلى ويباع في الدين ولو اتهب عبد من يعتق على سيده وقلنا يصح قبوله بدون إذنه عتق على سيده ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه على قياس الأول لأن إرثها يفضي

ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهي مهر مثلها ثم مات صح العتق ولم يستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها وقال القاضي تستحق المائتين.
__________
إلى بطلان عتقها لأنه وصية وإبطال عتقها يبطل توريثها وقال القاضي ترثه نص عليه في رواية المروذي وهو المذهب لأن العتق في هذه الحال وصية بما لا يلحقه الفسخ فيجب تصحيحه للوارث كالعفو عن العمد في مرضه فإنه لا يسقط ميراثه ولا تبطل الوصية ومحله ما إذا خرجت من الثلث كما لو أعتق ابن عمه أو اشترى ذا رحم يعتق عليه ممن يرث ولو أعتقها في صحته وتزوجها في مرضه فإنه يصح وترثه بغير خلاف علمناه ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهي مهر مثلها ثم مات صح العتق والنكاح لأنه صدر من أهله في محله ولم يستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها ووجه أنها إذا استحقت الصداق لم يبق شيء سوى قيمة الأمة المقدر بقاؤها فلا ينفذ العتق في كلها لكون الإنسان محجورا عليه في التصرف في مرضه في جميع ماله وإذا بطل العتق في البعض بطل النكاح وإذا بطل النكاح بطل الصداق وقال القاضي تستحق المائتين وتعتق لأن العتق وصية لها وهي غير وارثة والصداق استحقته بعقد المعاوضة وهي تنفذ من رأس المال فهو كما لو تزوج أجنبية وأصدقها المائتين وفي إرثها الخلاف قال في المغني والأول أولى من القول بصحة العتق واستحقاق الصداق جميعا لإفضائه إلى القول بصحة العتق في مرض الموت من جميع المال ولا خلاف في فساد ذلك فلو أصدق المائتين أجنبية صح وبطل العتق في ثلثي الأمة لأن الخروج من الثلث معتبر بحالة الموت وحالة الموت لم يبق له مال وكذا لو تلفت المائتان قبل موته عتق منها الثلث فقط
فرع: لو أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإن

وإن تبرع بثلث ماله ثم اشترى أباه من الثلثين فقال القاضي يصح الشراء ولا يعتق فإذا مات عتق على الوارث إن كانوا ممن يعتق عليهم
__________
مات ولم يملك شيئا آخر تبينا أن النكاح باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وإن كان دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها وحسابها أن نقول عتق منها شيء ولها بصداقها نصف شيء وللورثة شيئان فتجمعه ثلاثة أشياء ونصفا تبسطها تكن سبعة
مسألة: مريضة أعتقت عبدا لها قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت وخلفت مائة فمقتضى قول الأصحاب أن تضم العشرة إلى المائة فتكون التركة ويرث نصف ذلك والباقي للورثة وقال أبو يوسف ومحمد يحسب عليه قمته أيضا ويضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي لا يرث شيئا وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث وهو مقتضى قول الخرقي
فائدة : وهب أمة حرم على المتهب وطؤها حتى تبرأ أو تموت وفي الخلاف له التصرف وفي الإنتصار والوطء وإن تبرع بثلث ماله في مرضه ثم اشترى أباه من الثلثين وله ابن فقال القاضي ومتابعوه يصح الشراء ولا يعتق الأب في الحال إذا اعتبرنا عتقه من الثلث لكونه اشتراه بمال هو مستحق للورثة بتقدير موته ولأن تبرع المريض إنما ينفذ من الثلث ويقدم الأول فالأول فإذا قدم التبرع لم يبق من الثلث شيء ولو اشترى أباه بماله وهو تسعة دنانير وقيمته ستة فقال المجد عندي تنفذ المحاباة لسبقها العتق ولا يعتق عليه كالتي قبلها وقال القاضي يتحاصان هنا فينفذ ثلث الثلث للبائع محاباة وثلثاه للمشتري عتقا فيعتق به ثلث رقبته ويرد البائع دينارين ويكون ثلثا المشتري مع الدينارين ميراثا فإذا مات المشتري عتق على الوارث لأنه ملك من يعتق عليه إن كانوا ممن يعتق عليهم كالأولاد مثلا لأن الجد يعتق على أولاد ابنه

ولا يرث لأنه لم يعتق في حياته
__________
ولا يرث لأنه لم يعتق في حياته إذ شرط الإرث أن يكون حرا عند الموت ولم يوجد وعلى قول غير القاضي وهو من يقول إن الشراء ليس بوصية يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت وما بقي فللأب سدسه وباقيه للوارث
فرع: من وهب له أبوه استحب له قبوله وقيل يجب فإن قبله عتق عليه بالملك وورث وإن وهب لمكاتبه أبوه فله قبوله ويعتق بعتقه

المجلد السادس
كتاب الوصايا

باب الوصايا

كتاب الوصايا
وهي الأمر بالتصرف بعد الموت
__________
كتاب الوصايا
وهي جمع وصية كالعطايا جمع عطية والعرايا جمع عرية فالوصية فعيله والتاء الساكنة بعد الصاد زائدة للمد والياء المتحركة بعدها لام الكلمة وأدغمت والتاء للتأنيث وأصله وصائي بهمزة مكسورة بعد المد تليها ياء متحركة هي لام الكلمة حسنة هذه الهمزة العارضة في الجمع وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار وصاآ فكرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة فقلبوها ياء فصار وصايا ولو قيل إن وزنه فعالى وإن جمع المعتل خلاف جمع الصحيح لكان حسنا وهي في الأصل ماخوذة من وصيت الشيء إذا وصلته فالموصي وصل ما كان له في حياته بما بعد موته.
والإجماع على مشروعيتها وسنده قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: من الآية180] وقوله تعالى :{ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: من الآية11] وقوله عليه السلام: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" متفق عليه من حديث أبن عمر وعن ابي الدرداء مرفوعا: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة هي اعمالكم" رواه الدارقطني.
"وهي الأمر بالتصرف بعد الموت" فهي لغة عبارة عن الأمر لقوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة:132] {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: من الآية151] ومنه قول الخطيب: أوصيكم بتقوى الله أي: امركم فقوله هي الأمر بالتصرف إلى آخره بيان لأحد نوعي الوصية وهي

والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت وتصح من البالغ الرشيد عدلا كان أو فاسقا رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا.
__________
أن يوصي إلى انسان أن يتكلم على أولاده الصغار أو يفرق ثلث ماله والقيد الأخير أخرج الوكالة وقد أوصى أبو بكر بالخلافة لعمر ووصى بها إلى أهل الشورى ولم ينكر وقد روى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة قال: أوصى الى الزبير سبعة من الصحابة فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أيتامهم من ماله.
"والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت" هذا بيان النوع الثاني منها والقيد الأخير أخرج الهبة وقال ابو الخطاب: هي التبرع بمال يقف نفوذه على خروجه من الثلث فعلى هذا تكون العطية في مرض الموت وصية والصحيح أنها ليست وصية لمخالفتها لها في الأسم والحكم قال في المستوعب: وفي حده اختلال من أوجه وقد يعترض أيضا بانها قد تكون بحق كجلد الميتة ونحوه وليس بمال.
قوله: "بالمال" أي: بجزء منه وقد تكون بكله ويجيزه الوارث ولها أربعة أركان الموصي والموصى له والموصى به والصيغة وهي الإيجاب والقبول فلو قال: هذا لفلان فهو إقرار وليس بوصية إلا أن يتوافقا على إرادة الوصية فيصح ولو قال: هذا من مالي لفلان فهو وصية يعتبر القبول ممن يتصور منه مع التعيين فلو أوصى لمسجد أو لغير معين كالفقراء لم يحتج إلى قبول.
"وتصح" الوصية بالمال "من البالغ الرشيد عدلا كان أو فاسقا رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا" لأن هبتهم صحيحة فالوصية أولى وحاصله أن من جاز تصرفه في ماله جازت وصيته والمراد ما لم يعاين الموت قاله في الكافي لأنه لا قول له والوصية قول وظاهره: في الكافر لا فرق بين الذمي والحربي وفيه احتمال لأنه لا حرمة له ولا لماله ومقتضاه أنها تصح وصية العبد إن قلنا: يملك أو اعتق ثم مات بعدها والحاص أنهاتصح من البالغ العاقل مطلقا قال في المستوعب: لا يختلف المذهب في هذا والضعيف في عقله إن منع

ومن السفيه في أصح الوجهين ومن الصبي العاقل إذا جاوز العشر ولا تصح ممن له دون السبع وفيما بينهما روايتان.
__________
ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه وإلا فكالعاقل ذكره في الشرح.
"و" تصح "من السفيه" بمال لا على أولاده "في أصح الوجهين" وهو قياس قول أحمد قال الخبري هو قول الأكثرين لأنه انما حجر عليه لحفظ ماله وليس فيها إضاعة لماله لأنه إن عاش كان ماله له وان مات فله ثوابه وهو أحوج إليه من غيره والثاني: لا تصح لأنه محجوز عليه في تصرفاته فلم تصح منه كالهبة والأول نصره في الشرح بأنه عاقل مكلف فصحت منه كعبادته.
"ومن الصبي العاقل إذا جاوز العشر" نقله صالح وحنبل قال ابو بكر: لا يختلف المذهب في صحتها لما روى سعيد أن صبيا من غسان له عشر سنين أوصى لأخوال له فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأجاز وصيته وروى مالك في موطأه بإسناده عنه نحوه وانتشر ولم ينكر ولأنه تصرف تمحض نفعا له فصح منه كالإسلام والصلاة ولأنه لا يلحقه ضرر في عاجل دنياه ولا أخراه بخلاف الهبة والعتق المنجز فإنه تفويت لماله وقيده الخرقي إذا وافق الحق وهو مراد في جميع الوصايا.
"ولا تصح ممن دون السبع" قال ابو بكر لا يختلف المذهب فيه لأنه لا تمييز له ولا تصح عبادته ولا إسلامه وعنه: تصح لسبع كعبادته.
"وفيما بينهما" أي: بين السبع والعشر "روايتان" أقيسهما أنها تصح لأنه عاقل فيصح إسلامه ويؤمر بالصلاة وتصح منه كمن جاوز العشر و الثانية: لا تصح وهي ظاهر الوجيز لأنه ضعيف الرأي أشبه من له دون السبع ومن الأصحاب كالقاضي وأبي الخطاب وهو ظاهر نقل الميموني أنه لا يقيد بسن بل إذا عقل تصح منه وعلم منه أنه إذا جاوز العشر قبل البلوغ أنها تصح في المنصوص وعنه: إذا بلغ ثنتي عشرة سنة حكاها أبن المنذر وهي

ولا تصح من غيرعاقل كالطفل والمجنون والمبرسم وفي السكران وجهان وتصح وصية الآخرس بالأشارة ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها ويحتمل أن تصح.
__________
قول إسحاق وفيه وجه أنها لا تصح منه حتى يبلغ تبعا لأبن عباس والحسن ومجاهد لأنه تبرع بالمال فلم تصح منه كالهبة والفرق واضح وهذا في الصبي واما الجارية فقد نص في رواية حنبل أنها إذا بلغت تسع سنين.
"ولا تصح من غير عاقل كالطفل" وهو من له ست سنين فما دونها "والمجنون والمبرسم" وهو قول الأكثر فيهما وفي المغني لا نعلم أحد قال بخلافه إلا إياس بن معاوية فإنه أجاز وصية الصبي والمجنون إذا وافقت الحق وفيه نظر لأنه لا حكم لكلامهما ولا تصرفهما فالوصية كذلك بل أولى فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع ولا ضرر فيها فأولى أن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه لكن إن كان يجن في الأحيان فأوصى حال إفاقته فإنها تصح لأنه في حكم العقلاء في شهادته ووجوب العبادة عليه والمغمى عليه كذلك.
"وفي السكران وجهان" أصحهما لا تصح لأنه غير عاقل أشبه المجنون وطلاقه إنما وقع تغليظا عليه لارتكابه المعصية والثاني: يصح بناء على طلاقه.
"وتصح وصية الآخرس بالأشارة" أي: إذا فهمت لأنها أقيمت مقام نظقه في طلاقه ولعانه وغيرهما فإن لم تفهم فلا حكم لها.
"ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها" أي: بالأشارة المفهمة إذا لم يكن مأيوسا من نطقه ذكره القاضي وابن عقيل قاله الثوري والأوزاعي لأنه غير مأيوس من نطقه وكالقادر على الكلام.
"ويحتمل أن يصح" كالأخرس واختاره ابن المنذر واحتج بأنه عليه السلام صلى وهو قاعد وأشار إليهم أن يقعدوا رواه البخاري وأخرجه أبن عقيل وجها إذا اتصل باعتقال لسانه الموت والأول أشهر والفرق واضح.

وإن وجدت وصيته بخطه صحت ويحتمل أن لا يصح حتى يشهد عليه بما فيها.
__________
"وإن وجدت وصيته بخطه" الثابت بإقرار وارثه أو ببينة "صحت" نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم وفيه وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها لقوله عليه السلام: "ما حق امرئ.. " الخبر فلم يذكر شهادة ولأن الوصية يتسامح فيها ويصح تعليقها على الخطر والغرر وغيره فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث وكتابة الطلاق. "ويحتمل ان لا تصح حتى يشهد عليها بما فيها" هذا رواية عن أحمد وهي قول الحسن وأبي ثور لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة فكذا هنا وأبلغ منه الحاكم فلو كتبها وختمها وأشهد عليه بما فيها لم يصح على المذهب لأن الشاهد لا يعلم ما فيها فلم يجز أن يشهد عليه ككتاب القاضي إلى القاضي وفيها رواية ذكرها الخرقي وهو قول جماعة من التابعين ومن بعدهم وعليه فقهاء البصرة وقضاتها.
واحتج أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله وامرائه في أمر ولايته
وسننه ثم عمل به الخلفاء إلى أعمالهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج والأموال مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وأمضوها على وجهها وهذا أولى من المنع لظهور دليله ومن الأصحاب من خرج في كل مسألة رواية من الأخرى وهذا إذا لم يعلم رجوعه عنها وإن طالت مدته وتغيرت أحوال الموصي لأن الأصل بقاؤه فلا يزول حكمه بمجرد الاحتمال كسائر الأحكام.
فائدة: يستحب أن يكتب وصيته ويشهد عليها لأنه أحوط لها وأحفظ لما فيها وقد روى سعيد عن فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن أبن سيرين عن أنس قال كانوا يكتبون في صدور وصاياهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور أوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا

فصل
و الوصية مستحبة لمن ترك خيرا وهو المال الكثير،
__________
مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } البقرة.
فصل
"والوصية" لا فرق فيها بين الصحة والمرض وعنه: في الصحة من رأس المال وفي المرض من الثلث وعلى الأول هي العطية المنجزة تنفذ من جميع المال وذكر ابن أبي موسى أن المدبر في الصحة يقدم على المدبر في المرض إذا لم يحملهما الثلث وذكر القاضي أن الوصية عطية بعد الموت فلا يجوز فيها إلاالثلث على كل حال.
"وهي مستحبة لمن ترك خيرا" لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ } [البقرة:180] نسخ الوجوب وهو المنع من الترك بقي الرجحان وهو الاستحباب يؤيده ما روى ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا: "يقول الله يا ابن آدم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك وأزكيك" لكنها تجب على من عليه دين أو واجب غيره وعنه: تجب لكل قريب غير وارث وهذا قول أبي بكر وفي التبصرة عنه وللمساكين ووجه البر وظاهره: أنها لا تستحب لمن لم يترك خيرا لأنه تعالى شرط ترك الخير والمعلق بشرط ينتفي عند انتفائه ولقوله: "إنك إن تذر ورثتك اغنياء.." الخبر.
"وهو المال الكثير" واختلف في مقداره فعن أحمد إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية فعلم أنه إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية فعلم أنه إذا ترك ألف درهم فصاعدا أنها تسن وجزم بها في الوجيز وعنه: على أربعمائة دينار وعن ابن عباس إذا ترك سبعمائة درهم لا يوصي وقال من ترك ستين دينارا ما ترك خيرا.

بخمس ماله ويكره لغيره إن كان له ورثة.
__________
وعن طاوس هو ثمانون دينارا وعن النخعي ألف إلى خمسمائة وفي المغني والشرح انه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية لما علل به النبي صلى الله عليه وسلم.
فعليه يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغناهم وحاجتهم فلا يتقيد بقدر من المال.
والأشهر أنها تستحب مع غناه عرفا وقيل: الغني عرفا من له أكثر من ثلاثة آلاف درهم والمتوسط من له ثلاثة آلف درهم والأدنى من له دونها.
"بخمس ماله" روى عن أبي بكر وعلي وهو ظاهر قول السلف قال أبو بكر: رضيت بما رضي الله به لنفسه يعني في قوله تعالى :{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] وقال العلاء بن زياد: أوصي إلي ان أسال العلماء أي: الوصية أعدل فما تتابعوا عليه فهو وصية فتتبايعوا على الخمس وقيل: بالثلث للخبر وفي الإفصاح يستحب بدونه وذكر جماعة بخمسه المتوسط وذكر آخرون أن من ملك فوق ألف إلى ثلاثة ونقل أبو طالب إن لم يكن له مال كثير ألفان أو ثلاثة أوصى بالخمس ولم يضيق على ورثته وإن كان له مال كثير فبالربع والثلث.
والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء بلا خلاف قاله ابن عبد البر: فإن وصى لغيرهم وتركهم صحت في قول الجماهير.
"ويكره لغيره" أي: لغير من ترك خيرا وهو الفقير "إن كان له ورثة" محاويج كذا قيده جماعة قال في التبصرة رواه أبن منصور لأنه عدل عن أقاربه المحاويج إلى الأجانب قال الشعبي ما من مال أعظم أجرا من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس.
واطلق في الغنية استحباب الوصية بالثلث لقريب فقير لا يرث فإن كان غنيا فلمسكين وعالم ودين قطعه عن السبب العذر وكذا قيد في المغني استحبابها

فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله وعنه: لا يجوز إلا الثلث ولا تجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولا لوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة.
__________
لقريب بفقره.
"فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بحميع ماله" وروى عن ابن مسعود وقاله اهل العراق لأن المنع من الزيادة على الثلث لحق الوارث فإذا عدم وجب أن يزول المنع لزوال علته أشبه حال الصحة.
"وعنه لا يجوز إلا الثلث" وهو قول الأوزاعي لأن له من يعقل عنه فلم تنفذه وصيته بأكثر من الثلث كما لو كان له وارث مع أن المسلمين يرثونه وهو بيت المال.
فعلى الأول: لو ورثة زوج أو زوجة ورد بطلت بقدر فرضه من ثلثيه فيأخذ الوصي الثلث ثم ذو الفرض من ثلثيه ثم تتمم الوصية منهما وقيل: لا تتمم كوارث بفرض ورد وعليها بيت المال جهة مصلحة لا وارث ولو وصى أحدهما لآخر فعلى الأولى كله إرثا ووصية وقيل: لا تصح وعلى الثانية: ثلث وصية ثم فرضه والبقية لبيت المال.
تنبيه: ظاهر كلام احمد أنه إذا خلف ذا رحم أنه لا يمنع الوصية بجميع ماله لقوله ومن أوصى بجميع ماله ولا عصبة ولا مولى فجائز وذلك لأن ذا الرحم إرثه كالفضلة أو الصلة بدليل أنها لا تجب نفقتهم على الصحيح.
وظاهر كلام المؤلف: أنها لا تنفذ فيما زاد على الثلث لأن له وارثا في الجملة فيدخل في عموم النص كذي الفرض الذي يحجب بعضهم بعضا.
"ولا تجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولالوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة" وجملته أن الوصية لغير وارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد عليه يتوقف على إجازة الورثة في قول أكثر العلماء يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: "لا" قال فالشطر؟ قال: "لا" قال:

إلا أن يوصي لكل وارث بمعين بقدر ميراثه فهل تصح؟ على وجهين.
__________
"الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" متفق عليه وحديث عمران في المملوكين الستة الذين أعتقهم المريض وليس له مال سواهم يدل على أنه لا يصح تصرفه فيما زاد على الثلث إذا لم يجز الورثة وتجوز بإجازتهم لأن الحق لهم.
وأما الوصية للوارث فكالوصية لغيره بزيادة على الثلث في أنها تصح بإلاجازة وتبطل بالرد بغير خلاف قاله ابن المنذر وابن عبد البر لما روى أبو إمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" رواه أحمد وابو داود والترمذي وحسنه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: "لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة" رواه الدارقطني وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة وإن أجازها الوارث إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد في رواية حنبل لا وصية لوارث وقاله المزني وغيره لظاهر خبر أبي أمامة والأكثر على صحتها في نفسها لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كالأجنبي والخبر قد خص بخبر عمر وإن الاستثناء من النفي إثبات فيكون دليلا على الصحة عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء جاز أن يكون معناه لا وصية نافذة أو لازمة ونحوهما أو يقدر لا وصية لوارث عند عدم الإجازة.
وفائدة الخلاف أنها إن كانت صحيحة فأجازتهم تنفيذ وإلا هبة مبتدأة ويستثنى من ذلك إذا أوصى بوقف ثلثه على بعض الورثة فإنه يصح نص عليه وحاصلة أنها تكره لغير وارث بأكثر من الثلث وتصح وتلزم بالإجازة.
وعنه تحرم الزيادة عليه فتبطل وحدها ولا يجوز لوارث بثلثه نص عليه وفي التبصرة تكره وتصح على الأصح بالإجازة.
"إلا أن يوصي لكل وارث بمعين بقدر ميراثه" كمن خلف ابنا وبنتا وعبدا قيمته مائة وأمه قيمتها خمسون فأوصى للابن بالعبد وللبنت بالأمة "فهل تصح؟ على وجهين" كذا أطلقهما جماعة أشهرهما أنها تصح لأن حق الوارث في القدر

وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وأدخل النقص على كل واحد وعنه: يقدم العتق.
__________
لا في العين بدليل ما لو عارض المريض بعض ورثته أو أجنبيا فإنه يصح إذا كان بثمن المثل وإن تضمن فوات عين المال.
والثاني: لا يصح إلا بإجازة كل منهما للآخر لأن في الأعيان غرضا صحيحا فلا يجوز إبطال حقه منها كما لا يجوز إبطاله من القدر وكذا وقفه بالإجازة ولو كان الوارث واحدا.
"وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وأدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته" لأنهم تساووا في الأصل وتفاوتوا في المقدار فوجب أن يكون كذلك كمسائل العول.
ولا فرق فيه بين العتق وغيره فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة والثالث بمعين قيمته خمسون ولفداء أسير بثلاثين ولعمارة مسجد بعشرين وثلث ماله مائة فجمعت الوصايا كلها فبلغت ثلاثمئة فنسبت منها الثلث فكان ثلثها فيعطي كل واحد ثلث وصيته.
"وعنه يقدم العتق" وما فضل يقسم بين سائر الوصايا على قدرها وهي قول عمر وشريح والثوري لأن فيه حقا لله تعالى وللآدمي فكان آكد لأنه لا يلحقه فسخ وهو أقوى بدليل سرايته ونفوذه من المراهق المفلس والعطايا المعلقة بالموت كالوصايا في هذا.
فرع: إذا أوصى بعتق عبد بعينه لزم الوارث إعتاقه ولم يعتق إلا بإعتاقه فإن امتنع أجبره الحاكم فإن أعتقه أو الحاكم فهو حر من حين أعتقه وولاؤه للموصي لأنه السبب وكسبه بين الموت والعتق إرث وذكر جماعة له وفي الفروع ويتوجه مثله في موصي يوقفه وفي الروضة الموصي بعتقه ليس بمدبر وله حكم المدبر في كل أحكامه.
مسألة: إذا أسقط عن وارثه دينا أو وصى بقضاء دينه أو أسقطت صداقها

وإن أجاز الورثة الوصية وإجازتهم تنفيذ في الصحيح من المذهب ولا تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت أحكامها فيها فلو كان المجيز أبا للمجاز له لم يكن له الرجوع فيه ولو كان المجاز عتقا كان الولاء للموصي يختص به عصبته ولو كان وقفا على المجيزين صح.
__________
عن زوجها أو عفا عن جناية موجبة للمال فهو كالوصية وإن وصى لغريم الوارث أو وهب له هبة صح كما لو أوصى لولد الوارث فإن قصد نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى.
"وإن أجاز الورثة الوصية" بعد موت الموصي وعنه: وقبله في مرضه خرجها القاضي أبو حازم من إذن الشفيع في الشراء ذكره في النوادر واختاره أبن حمدان والشيخ تقي الدين "جازت" بغير خلاف لأن الحق لهم فجازت بإجازتهم كما تبطل بردهم.
وسواء كانت الوصية لوارث أو بزيادة على الثلث لأجنبي وفيه رواية أنها لا تجوز لوارث. "وإجازتهم تنفيذ في الصحيح من المذهب" لأنها إمضاء لقول الموروث ولا معنى للتنفيذ إلا ذلك فيكفي لفظها وهو أجزت وكذا أمضيت أو نفذت فإذا وجد شيء منها لزمت الوصية وإن لم يقبل الموصي له في المجلس.
"لا تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت أحكامها فيها" أي: أحكام الهبة لأنها ليست بهبه "فلو كان المجيز أبا للمجاز له" كمن أوصى لولد ولده مع وجوده "لم يكن له" أي: للأب "الرجوع فيه" لأن الأب إنما يرجع فيما وهب لا فيما وهبه غيره.
"ولو كان المجاز عتقا" بأن اعتق عبدا لا مال له سواه أو وصى بعتقه فأعتقوه نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق الباقي على إجازتهم فإن أجازوه عتق جميعه "وكان الولاء للموصى" لأنه الذي هو أعتقه "يختص به عصبته" كما لو أعتقه في صحته "ولو كان وقفا على المجيزين" كالوقف على أولاده "صح" أي:

وعنه ما يدل على أن الإجازة هبة فتنعكس هذه الأحكام.
__________
الوقف رواية واحدة لأن الواقف عليهم أبوهم.
"وعنه: ما يدل على أن الإجازة هبة" أخذا من إطلاقه في رواية حنبل لا وصية لوارث وظاهره: نفي الوصية مطلقا فتكون إجازتهم ابتداء عطية وأطلقهما أبو الفرج وخصها في الانتصار بالوارث "فتنعكس هذه الأحكام" فيفتقر إلى شروط الهبة من القبض ونحوه. وللأب الرجوع في جميع ما وصى به لابنه ويكون الولاء مشتركا بين العصبة وغيرهم من الورثة والوقف ينبني على صحة وقف الإنسان على نفسه وكلام القاضي يقتضي أن في صحتها بلفظ الإجازة إذا قلنا: هي هبة وجهين قال المجد والصحة ظاهر المذهب وهذا إنما يظهر في الزائد على الثلث ولهذا قيل الخلاف مبنى على أن الوصية بالزائد على الثلث هل هو باطل أو موقوف على الإجازة وقيل: الخلاف مبني على القول بالصحة وأما على البطلان فلا معنى للتنفيذ وهو أشبه.
وقرر الشيخ تقي الدين: أن الوارث إذا أسقط حقه قبل القسمة فإنه يسقط وطرد هذا في الأعيان المشاعة كالغانم إذا اسقط حقه من الغنيمة والموقوف عليه إذا أسقط حقه في الوقف والمضارب اذا اسقط حقه في الربح.
فوائد أخر: منها: إذا أوصى بمجهول فأجازه الوارث فإن قلنا: هي تنفيذ صحت وإلا فوجهان:
ومنها: لو حلف لا يهب فأجاز فإن قلنا: هي عطية حنث وإلا فلا.
ومنها: إجازة المفلس فقال في المغني إنها نافذة على القول بالتنفيذ ويخرج على قول القاضي خلافه لأنه ليس من أهل التبرع.
ومنها: أن ما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز هل يزاحم بالزائد ما لم يجاوزه هو مبني على هذا الاختلاف ذكره المجد قال الشيخ زيد الدين ابن رجب وأشكل توجيهه على الأصحاب وهو واضح فإنه إذا كانت معاً

ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية له وان أوصى له وهو غير وارث فصار عند الموت وارثا بطلت لأن اعتبار الوصية بالموت.
__________
وصيتان إحداهما مجاوزة للثلث و الأخرى لا تجاوزه كنصف وثلث فأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة فإن قلنا: الإجازة تنفيذ زاحم صاحب النصف صاحب الثلث بنصف كامل فيقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب النصف ثلاثة أخماسه وللآخر خمساه ثم يكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة.
وإن قلنا: هي عطية فإنما يزاحمه بثلث خاصة إذا الزيادة عليه عطية محضة من الورثة لم تتلق من الميت فلا تزاحم به الوصايا فيقسم الثلث بينهما نصفين ثم يكمل لصاحب النصف ثلثه بالإجازة.
"ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث" كمن أوصى لأحد إخوته "فصار عند الموت غير وارث" بسبب تجدد ابن للموصي "صحت الوصية له لأن الأخ عند الموت ليس بوارث والاعتبار في الوصية بالموت لانه الحال الذي يحصل به الانتقال الى الوارث والموصي له التصحيح أنها صحيحة في الثلث وما زاد عليه موقوف على الإجازة.
"وان أوصى له وهو غيروارث" كمن أوصى لأخيه مع وجود ابنه "فصار عند الموت وارثا بطلت" وحكاه في الرعاية قولا والمذهب أنها لا تصح إلا بإجازة بقية الورثة "لأن اعتبار الوصية بالموت" بغير خلاف نعلمه فلو وصى لثلاثة أخوة له مفترقين ولا ولد له ومات لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بإجازة الورثة وإن ولد له ابن صحت الوصية للجميع من غير إجازة إذا لم تتجاوز الثلث وإن ولد له بنت جازت الوصية بغير الأخ من الأبوين فيكون لهما ثلثا الموصي بينهما.
فرع: لو وصى لامرأة أجنبية وأوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتها إلا بإلاجازة وإن أوصى أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير

ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي وما قبل ذلك لا عبرة به ومن أجاز الوصية ثم قال إنما أجزت لأنني ظننت المال قليلا فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على ظنه في أظهر الوجهين.
__________
وارث إلا أنه إن طلقها في مرض موته فقياس المذهب أنها لا تعطي أكثر من ميراثها لأنه متهم أنه طلقها ليوصل اليها ماله بالوصية فلم ينفذ كما لو طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها.
"ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي" نص عليه لأنه حق لهم حينئذ فتصح منهم الإجازة والرد كسائر الحقوق "وما قبل ذلك لا عبرة به" هذا زيادة إيضاح فدل على أن الحق لم يملكوه فلم تصح منهم ما ذكر كالمرأة تسقط مهرها قبل النكاح والشفيع يسقط شفعته قبل البيع وقد سبق.
فرع: لا تصح الإجازة والرد إلا من جائز التصرف وتقدم الخلاف في المفلس والسفيه "ومن أجاز الوصية" كما إذا كانت بجزء مشاع زائد على الثلث "ثم قال إنما أجزت لأنني ظننت المال قليلا" كما إذا أوصى بنصف ماله فأجازه الوارث وكان المال ستة آلاف فقال ظننته ثلاثة آلاف "فالقول قوله" لأن الإجازة إما تنفيذ أو هبة وكلاهما لا يجوز في المجهول "مع يمينه" لأنه يحتمل كذبه "وله الرجوع بما زاد على ظنه في أظهر الوجهين" جزم به في الوجيز فعلى هذا يرجع بخمسمئة لأنه رضي بإجازة الوصية على الزائد على الثلث خمسمئة فكانت ألفا فيرجع بخمسمئة فيحصل للموصي له ألفان وخمسمئة والثاني: أنه لا يقبل قوله لأنه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار "إلا أن تقوم به بينة" تشهد باعترافه بقدره أو يكون المال ظاهرا لا يخفي عليه لم يقبل قوله إذا قلنا: الإجازة تنفيذ وإن قلنا: هي هبة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله.
ومن الأصحاب كالقاضي والمجد بنى هذه المسألة على أنه يعتبر أن يكون المجاز معلوما للمجيز أم لا فذكر المجد أنه لو أجاز قدرا مستويا من المال ثم قال: ظننت

إلا أن تقوم به بينه وإن كان المجاز عينا فقال ظننت باقي المال كثيرا لم يقبل قوله في أظهر الوجهين.
__________
المال قليلا أنه لا يقبل قوله ولا تنافي بينهما لوجهين أحدهما أن صحة إجازة المجهول لا تنافي ثبوت الرجوع فيه إذا تبين فيه ضرر على المجيز لم يعلم استدراكا لظلامته كما نقول فيمن أسقط شفعته لمعنى ثم بان بخلافة فإن له العود إليها فكذلك هنا إذا أجاز الجزء الموصى به يظنه قليلا فبان كثيرا فله الرجوع بما زاد على ظنه.
والثاتي: أنه إذا اعتقد أن النصف الموصى به مثلا مئة وخمسون درهما ثم بان ألفا فهو إنما أجاز خمسين لم يجز أكثر منها فلا يجوز أكثر منها فلا تنفذ إجازته في غيرها وهذا بخلاف ما إذا جاز النصف.
"وإن كان المجاز عينا" كعبد تزيد قيمته على الثلث "فقال: ظننت باقي المال كثيرا لم يقبل قوله في أظهر الوجهين" لأن العبد معلوم لا جهالة فيه.
والثاتي: أنه يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الفسخ كالأولى.
وقيل: يصح وجها واحدا لأن المجاز معلوم وكذا الخلاف فيما إذا كان المجاز مبلغا معلوما فلو كان العبد قيمته ستمئة فيجيز الوصية بناء على أن المال ألف مثلا ثم تبين أنه ستمئة فيدعي أنه إنما أجاز بناء على ذلك فعلى الأول والثالث جميع العبد للموصى له وعلى الثاني ثلثا العبد وتسعه لأن له ثلث المال بالأصل وهو أربعمئة وقد أجاز له ستة وستين وثلثين لأن ذلك هو ما بين الألف وستمئة المظنونة قيمة العبد.
قال الشيخ تقي الدين: فإن قال: ظننت أن قيمته ألف فبان أكثر قبل وليس نقصا لصحة الإجازة ببينة أو إقرار قال: وإن أجاز وقال: أردت أصل الوصية قبل.

ولا يثبت الملك للموصي له إلا بالقبول بعد الموت فأما قبوله ورده قبل الموت فلا عبرة به فإن مات الموصي له قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن ردها بعده بطلت أيضا.
__________
"ولا يثبت الملك للموصي له إلا بالقبول بعد الموت" أي: إذا كانت لمعين يمكن القبول منه في قول جمهور الفقهاء لأنه تمليك مال فاعتبر قبوله كالهبة قال أحمد الهبة والوصية واحدة ولا يتعين القبول باللفظ بل يحصل به وبما قام مقام كالهبة والبيع.
ويجوز القبول على التراخي كالفور وحينئذ الملك له شرطان الأول القبول الثاني أن يكون القبول بعد موت الموصي لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق فأما إن كانت لغير معين كالفقراء أو لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة مسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القبول منهم متعذر فسقط اعتباره كالوقف عليهم ولا يتعين واحد منهم فيكتفي به ولو كان فيهم ذو رحم من الموصي له كمن أوصى بعبد للفقراء وأبوه منهم لم يعتق عليه لأن الملك لا يثبت لكل منهم إلا بالقبض.
"فأما قبوله ورده قبل الموت فلا عبرة به" لأنه لم يثبت له حق "فإن مات الموصي له قبل موت الموصي بطلت الوصية" في قول أكثر العلماء لأنها عطية صادفت المعطي ميتا فلم تصح كما لو وهب ميتا إلا أن يكون أوصى بقضاء دينه فلا تبطل قاله الحارثي وغيره
"وإن ردها بعده بطلت أيضا" للرد أحوال.
منها: أن يردها قبل موت الموصي فلا يصح الرد وقد ذكره لأن الوصية لم تقع بعد أشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول
ومنها: أن يردها بعد الموت وقبل القبول وهي مسألة: المتن فيصح الرد وتبطل الوصية بغير خلاف نعلمه لأنه أسقط حقه في حالة يملك قبوله وأخذه أشبه عفو الشفيع عنها بعد البيع.

وإن مات بعده وقبل الرد والقبول أقام وارثه مقامه ذكره الخرقي و قال القاضي: تبطل الوصية في قياس قوله.
__________
ومنها: أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه أشبه رده كسائر أملاكه إلا أن ترضى الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم يفتقر إلى شروطها.
ومنها: أن يرد بعد القبول وقبل القبض فلا يصح الرد لأن الملك يحصل فيه بالقبول من غير قبض وقيل: يصح فيما كيل أو وزن دون المعين في الأشهر فيهما وقيل: يصح مطلقا بناء على أن القبض معتبر فيه فإن لم يقبل فكمتحجر مواتا أي: للورثة مطالبته بأحدهما فإن امتنع حكم عليه بالرد وسقط حقه منها وكل موضع صح الرد قبل القبول أو القبض فالمردود إرث وليس له رده إذن إلى بعض الورثة ولا إلى غيرهم وإذا امتنع الرد بعد القبول والقبض فله هبته وتمليكه لوارث وغيره.
فرع: يحصل الرد بقوله رددت الوصية وكذا لا أقبلها قال أحمد إذا أوصى لرجل بألف فقال لا أقبلها فهي لورثته.
"وإن مات بعده وقبل الرد والقبول أقام وارثه مقامه ذكره الخرقي" قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه حق ثبت للموروث فينتقل إلى الوارث بعد موته ولقوله عليه السلام: "من ترك حقا فلورثته" وكخيار العيب.
ثم إن كان الوارث جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم وإن رد بعض وقبل آخر وترتب على كل حكمه فإن كان فيهم موليا عليه تقيد وليه بفعل الأحظ "و قال القاضي: تبطل الوصية" وهو رواية لأنها تفتقر إلى القبول فإذا مات قبله بطلت كالهبة "في قياس قوله" أي: قول الإمام لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل كخيار المجلس والشرط والشفعة نص عليه وهذا مثله.
وحكى في المغني والشرح البطلان عن ابن حامد وان القاضي قال: هو

وإن قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح فما حدث قبله من نماء منفصل فهو لورثته وإن كان متصلا تبعها.
__________
قياس المذهب.
"وإن قبلها بعد الموت ثبت الملك" للموصى له "حين القبول في الصحيح" من المذهب أومأ إليه أحمد وهو قول أهل العراق لأنه تمليك عين لمعين تفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك القبول كسائر العقود والقبول من تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه
وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب وقدمه في الرعاية أنه إذا قبل تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي لأن ما وجب انتقاله بالقبول وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب كالهبة.
واختار أبو بكر أن الملك يقف مراعى وعلى الأول هل هي قبل القبول على ملك الميت أو الورثة فيه وجهان ونص أحمد في مواضع أنه لا يعتبر له القبول فيملكه قهرا كالميراث وحكاه الحلواني عن الأصحاب ولهذا الاختلاف فوائد نبه المؤلف على بعضها
"فما حدث قبله" أي: قبل القبول "من نماء منفصل" كالولد والثمرة فهو لورثته لأنه ملكهم فعلى هذا يزكونه وقيل: للميت.
وقيل: منذ مات الوصي فيزكيه وفي القواعد أن النماء المنفصل إن قلنا: هو على ملك الموصي له فهو له لا يحسب عليه من الثلث وإن قلنا: هو ملك الميت فتتوفر به التركة فيزداد به الثلث وإن قلنا: على ملك الورثة فنماؤه لهم خاصة وذكر القاضي في خلافه ان ملك الموصى له لا يتقدم القبول وأن النماء قبله للورثة مع أن العين باقية على حكم مال الميت فلا يتوفر به الثلث لأنه لم يكن ملكا له حين الموت.
"وإن كان متصلا تبعها" كما يتبع في العقود والفسوخ.

وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوارث قبل القبول فأولدها صارت أم ولد له ولا مهر عليه وولده حر لا يلزمه قيمته وعليه قيمتها للموصي وإن وصى له بزوجته فأولدها قبل القبول لم تصر أم ولد له وولده رقيق ومن أوصى له بأبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه وعتق الموصى به حينئذ ولم يرث شيئا فتنعكس هذه الأحكام.
__________
"وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوارث قبل القبول" أي: قبول الموصى له "فأولدها صارت أم ولدله" لأنه وطئ مملوكته ولا مهر عليه لأن الإنسان لا يجب عليه مهر من وطء مملوكته وولده حر لأنه وطئها في ملكه "لا يلزمه قيمته" لأنه لاحق فيه لأحد بل انعقد حرا.
"وعليه قيمتها للموصي" إذا قبلها لأنه فوتها عليه أشبه ما لو أتلفها لا يقال كيف قضيتم هنا بعتقها وهي لا تعتق بإعتاقه لأن الاستيلاد أقوى بدليل نفوذه من المجنون والمراهق والشريك المعسر وان لم ينفذ اعتاقهم لكن اذا وطئها الموصى له قبل قبولها كان ذلك قبولا لها ويثبت الملك له كوطء من له الخيار.
"وإن وصى له بزوجته فأولدها قبل القبول لم تصر أم ولد له" لأنها لم تصر ملكا له بعد "وولده رقيق" لأنه من وطء في ملك غيره "ومن أوصى له بأبيه فمات" الموصي له "قبل القبول فقبل ابنه" صح "وعتق الموصى به" وهو الجد "حينئذ" أي: حين القبول "ولم يرث" من أبنه "شيئا" لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره
"ويحتمل أن يثبت الملك حين الموت" كالبيع "فتنعكس هذه الأحكام" فيكون النماء المنفصل للموصى له كالمتصل لأنه نماء ملكه.
وفي الثانية: أنها لا تصير أم ولد له لأنه وطء في غير ملك وهي باقية على الرق وعليه المهر لأنه وطء مملوكة غيره وولده رقيق لما ذكرنا.
وفي الثالثة: يكون حر الأصل ولا ولاء عليه وأمه أم ولد لأنها علقت منه بحر في ملكه.

__________
وفي الرابعة: تثبت حريته من حين موت الموصي ويرث من ابنه السدس وللخلاف فوائد أخرى:
منها: الو أوصى بأمه لزوجها فلم يعلم حتى أولدها ثم قبلها فإن قيل يملكها بالموت فولده حر وهي أم ولده ويبطل نكاحه بالموت وإن قيل لا يملكها إلا بعد القبول فنكاحه باق قبل القبول وولده رقيق للوارث.
ومنها: لو زوج أمته بابنه ثم وصى بها لآخر وهي تخرج من الثلث لم ينفسخ نكاح الابن وعلى الثاني عكسه.
ومنها: لو وصى لرجل بأرض فبنى الوارث فيها أو غرس قبل القبول ثم قبل ففي الإرشاد إن كان الوارث عالما بالوصية قلع غرسه وبناؤه مجانا وإن كان جاهلا فوجهان قال في القواعد وهذا متوجه على القول بالملك بالموت أما إن قيل إنها قبل القبول على ملك الوارث فهو كبناء مشتري الشقص المشفوع وغرسه فيكون محترما يتملك بقيمته.
ومنها: لو بيع شقص في تركة الورثة والموصى له قبل قبوله فإن قلنا: الملك له من حين الموت فهو شريك للورثة في الشفعة وإلا فلا حق له فيها ومنها جريانه من حين الموت في حول الزكاة فإن قلنا: يملكه الموصى له جرى في حوله فإن قلنا: للورثة فهل يجري في حولهم حتى لو تأخر القبول سنة كانت زكاته عليهم أم لا لضعف ملكهم فيه وتزلزله وتعلق حق الموصى له به فهو كمال المكاتب فيه تردد ومنها لو نقص الموصى به في سعر أو صفة فذكر جماعة أنه يقوم بسعره وقت الموت وفي المحرر إن قلنا: يملكه بالموت اعتبرت قيمته من التركة بسعره يوم الموت على أدنى صفاته من يوم الموت إلى القبول لأن الزيادة حصلت في ملكه فلا تحسب عليه والنقص لم يدخل في ضمانه وإن قلنا: يملكه من حين القبول اعتبرت قيمته يوم القبول سعرا وصفة لأنه لم يملكه قبل ذلك وذكر الخرقي ونص عليه أنه

فصل: ويجوز الرجوع في الوصية فإذا قال قد رجعت في وصيتي أو: أبطلتها ونحو ذلك بطلت فإن قال: في الموصي به هذا لورثتي أو: ما أوصيت به لفلان كان رجوعا وأن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو بينهما.
__________
تعتبر قيمته يوم الوصية ولم يحك في المغني خلافا فظاهره أنه يعتبر سعره بيوم الموت على الوجوه كلها لأن حقه تعلق بالموصى به تعلقا قطع تصرف الورثة فيه فيكون ضمانه عليه كالعبد الجاني.
فصل
"ويجوز الرجوع في الوصية" لقول عمر: يغير الرجل ما شاء في وصيته وهو اتفاق في غير الوصية بالعتق ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه وقال الشعبي وغيره: يغير ما شاء منها إلا العتق لأنه اعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره كالتدبير وجوابه بالمنع ولو سلم فالوصية تفارق التدبير فإنه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليقه على صفة في الحياة.
"فإذا قال: رجعت في وصيتي أو: أبطلتها أو نحو ذلك" كـ:غيرتها أو فسختها "بطلت" لأنه صريح في الرجوع.
"فإن قال: في الموصى به هذا لورثتي" لأن ذلك ينافي كونه وصية "أو" قال: "ما أوصيت به لفلان كان رجوعا" بغير خلاف نعلمه لرجوعه عن الأول وصرفه إلى الثاني أشبه ما لو صرح بالرجوع.
"وإن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو بينهما" في قول الجمهور لتعلق حق كل واحد منهما على السواء فوجب أن يشتركا فيه كما لو قال: هو بينهما وقيل: للثاني ونقل الأثرم يؤخذ بآخر الوصية وهو قول عطاء وطاووس لأن الثانية: تنافي الأولى فإذا أتى بها كان رجوعا كما لو قال هذا لورثتي ورد بالفرق وفي التبصرة للأول وأيهما مات فهو للآخر؛

وإن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعا وان كاتبه او دبره او جحد الوصية فعلى وجهين وان خلطه بغيره على وجه لا يتميز او ازال اسمه فطحن الحنطة او خبز الدقيق او جعل الخبز فتيتا او نسج الغزل او نجر الخشبة بابا ونحوه او انهدمت الدار وزال اسمها فقال القاضي: هو رجوع.
__________
لأنه اشترك تزاحم.
فرع: لو وصى بثلثه لرجل ثم بثلثه لآخر فمتغايران وفي الرد يقسم بينهما ولو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما.
"وإن باعه او وهبه او رهنه كان رجوعا" لأنه أزال ملكه عنه وذلك ينافي الوصية والرهن يراد للبيع أشبه ما لو باعه ولأن الوصية تنقل الملك حين الموت وذلك بقيمة القابلية له والقابلية للنقل غير موجودة فيما رهنه وكذا إن كان ثوبا ففصله ولبسه أو جارية فأحبلها أو أولدها.
"وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية" أو اوجبه في بيع هبة فلم يقبل أو عرضه في بيع أو رهن أو وصي ببيعه او هبته "فعلى وجهين" أصحهما أنه رجوع لأن الكتابة والتدبير أقوى من الوصية لأنه يتنجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وجحدها ظاهر في الرجوع وفي الباقي يدل على اختياره الرجوع.
والثاتي: لا يكون رجوعا لأن الكتابة والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه والوصية عقد فلا تبطل بالجحود كسائر العقود وكإيجاره وتزويجه ولبسه وسكناه وهذا كله إذا كانت بمعين فإذا كانت بثلث ماله فيتلف أو بيعه ثم يملك مالا آخر فهي باقية وليس برجوع.
"وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز" ولا ينفصل عنه غالبا قاله في الرعاية "أو أزال اسمه فطحن الحنطة أو خبز الدقيق أو جعل الخبز فتيتا أو نسج الغزل أو نجر الخشبة بابا ونحوه أو انهدمت الدار وزال اسمها فقال القاضي: هو رجوع" صححه في المحرر وجزم به في الوجيز لأنه أزال

وذكر أبو الخطاب فيه وجهين وإن وصى له بقفيز من صبره ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا فإن زاد في الدار عمارة أو إنهدم بعضها فهل يستحقه الموصى له على وجهين.
__________
اسمه وأخرجه عن دخوله في الاسم الدال على الموصى به.
"وذكر أبو الخطاب فيه وجهين" أحدهما أنه رجوع وقاله أكثر العلماء ونصره في الشرح والثاني: واختاره أبو الخطاب إنه ليس برجوع لأن الموصى به باق أشبه غسل الثوب وهو لا يسمى غزلا كما لا يسمى الغزال كتانا وكذا الخلاف إذا ضرب البقرة أو ذبح الشاة أو بني أو غرس ذكرهما ابن رزين في وطئه.
فرع: إذا حدث بالموص به ما يزيل اسمه من غير فعل الموصي كالحب إذا سقط وصار زرعا والدار إذا انهدمت وصارت فضاء فوجهان أشهرهما البطلان لأن الباقي لا يتناوله الاسم.
"وإن وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا" لأنه كان مشاعا وبقي على إشاعته وسواء خلطها بمثلها أو دونها أو خير منها وقيل: إن خلطها بخير منها كان رجوعا وقدمه في الفروع لأنه لا يمكنه تسليم الموصى به الا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم.
"فإن زاد" الموصي "في الدار عمارة أو انهدم بعضها" في حياة الموصي "فهل يستحقه الموصى له؟ على وجهين" كذا أطلقهما في الفروع في الزيادة أحدهما لا يستحقه لأن الزيادة لم تتناولها الوصية والأنقاض لا تدخل في مسمى الدار وإنما يتبع في الوصية ما يتبعها البيع.
والثاتي: يستحقها قدمه في الحاشية لأن الزيادة تابعة كالسمن والمنهدم قد دخل في الوصية فتبقى الوصية ببقائها والمذهب أن زيادة الموصى فيها للورثة دون المنهدم وقال ابن حمدان: الأنقاض أو العمارة إرث وقيل: إن صارت

وإن وصى لرجل بمعين ثم قال إن قدم فلان فهو له فقدم في حياة الموصى فهو له وإن قدم بعد موته فهو للأول في أحد الوجهين وفي الآخر فهو للقادم.
فصل: و يخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص.
__________
فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية وإن بقي اسمها أخذها لا ما انفصل منها
فرع: إذا بنى فيها الوارث وقد خرجت من الثلث رجع على الموصى له بقيمة البناء وقيل: لا يرجع وعليه أرش ما نقص من الدار عما كانت عليه قبل عمارته وإن جهل الوصية فله قيمة بنائه غير مقلوع.
فائدة: نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال ثلثي لفلان ويعطي فلان منه مائة في كل شهر إلى أن يموت فهو للآخر منهما ويعطى هذا مئة في كل شهر فإن مات وفضل شيء رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وإنفاذها على ماأمر به الموصي
"وإن وصى لرجل بمعين ثم قال إن قدم فلان فهو له فقدم في حياة الموصى فهو له" لأنه جعله له بشرط قدومه وقد وجد "وإن قدم بعد موته فهو للأول في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز وهو ظاهر الفروع وصححه أبن المنجا لأنه لما مات قبل قدومه انتقل إلى الأول لعدم الشرط في الثاني وقدوم الثاني بعد ملك الأول له وانقطاع حق الموصى منه فبقي للأول "وفي الآخر فهو للقادم" لأنه مشروط له بقدومه وقد وجد أشبه ما لو قال إن حملت نخلتي بعد موتي فهو لفلان فحملت بعد موته فإنه يستحق حملها بعد ملك الورثة لأصلها.
فصل
"ويخرج الواجبات" كقضاء الدين والزكاة والحج "من راس المال أوصى بها أو لم يوص" لقوله تعالى :{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11] ولقول علي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية رواه الترمذي ولأن حق

وإن وصى معهما يتبرع اعتبر الثلث من الباقي فإن قال: اخرجوا الواجب من ثلثي فقال القاضي: يبدأ به فإن فضل من الثلث شيء فهو لصاحب التبرع.
__________
الورثة إنما هو بعد أداء الدين وقد حكى القرطبي الإجماع على تقديم الدين على الوصية إلا ما حكى عن أبي ثور أنه قدمها عليه حكاه العبدري والحكمة في تقديمها في الآية أن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض فكان إخراجها مشقة على الوارث فقدمت حثا على إخراجها قال الزمخشري: ولذلك جيء بكلمة أو التي للتسوية أي: فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع وإن كان مقدما عليها وقال السبهلي: لما كانت الوصية طاعة غالبا لمنفعة وهو مذموم في غالب أحواله وقد تعوذ منه عليه السلام فبدأ بالأفضل وقال ابن عطية: الوصية غالبا تكون للضعاف فقوي جانبها بالتقديم في الذكر لئلا يطمع ويتساهل فيها بخلاف الدين وحينئذ إن كان له وصي قام بإخراج ذلك ونفاذه وإلا فالوارث نص عليه وقيل: يتولاه الحاكم كما لو كان الوارث صغيرا ولا وصي له.
فرع: إذا أخرج أجنبي عن ميت زكاة تلزمه بإذن وصيه أو وارثه أجزأت وإلا فوجهان وكذا لو أخرجها الوارث وثم أجنبي أخرجها ولم يعلمه وكذا الحج والكفارة.
"وإن وصى معها" أي: مع الواجبات "بتبرع اعتبر الثلث من الباقي" أي: بعد إخراج الواجب فلو كانت تركته أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتدفع أولا ويدفع إلى الموصى له بالثلث عشرة وهو ثلث الباقي بعد الدين.
"فان قال: اخرجوا الواجب من ثلثي" أخرج الثلث وتمم من راس المال على ما قال الموصي كإنه قصد إرفاق ورثته بذلك فإن كان وضى معها بتبرع "فقال القاضي: يبدأ به" قدمه في المحرر و الفروع وجزم به في الوجيز "فإن فضل من الثلث شيء فهو لصاحب التبرع" لأن الدين تجب البداءة به قبل

وإلا بطلت الوصية وقال ابو الخطاب: تزاحم به أصحاب الوصايا ويحتمل أن يقسم الثلث بينهما ويتمم الواجب من رأس المال فيدخله الدور فلو كان المال ثلاثين والواجب عشرة والوصية عشرة جعلت تتمة الواجب شيئا يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء بينهما للواجب خمسة إلا سدس شيء فضم إليه شيئا تكن عشرة فتجبر الخمسة بسدس شيء يبقى خمسة أسداس شيء تعدل خمسة فالشيء ستة ويحصل للوصي الآخر أربعة.
__________
الميراث والتبرع فإن عينه في الثلث وجبت البداءة به وما فضل للتبرع "وإلا بطلت الوصية" أي: إن لم يفضل شيء للتبرع سقط لأنه لم يوصى له بشئ إلا أن بجبز الورثة فيعطي ما أوصى له به.
"وقال ابو الخطاب: تزاحم به أصحاب ألوصايا" فيحتمل ما قاله القاضي وغيره "ويحتمل" ما قاله المؤلف هنا وهو "أن يقسم الثلث بينهما" على قدر حقيهما كالموصى لهما "ويتمم الواجب من رأس المال" لأنه لا بد من وفائه ولم يبق من الثلث ما هو محل له "فيدخله الدور" لأنه لا يعلم قدر الثلث حتى يعلم ما هو الواجب ولا يعلم تتمته حتى يعلم ما يستحقه بالمزاحمة ولا يعلم ما يستحق بالمزاحمة حتى يعلم الثلث فعلى هذا يحتاج إلى العمل بطريق الجبر.
"فلو كان المال ثلاثين والواجب عشرة والوصية عشرة جعلت تتمة الواجب شيئا" ونكر لأنه غير معلوم حالا لا مآلاً "يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء" لأنك إذا أسقطت شيئا من ثلثين يكن ثلثها ذلك "بينهما" أي: بين الواجب والوصية لتساويهما في القدر "للواجب خمسة إلا سدس شيء" لأنه نصف ما ذكر "فضم إليه شيئا" لأنه تتمته "تكن عشرة" لأن الشيء ستة خرج منه سدس جبرا للخمسة فتتبقي خمسة وخمسه أسداس تعدل عشرة "فتجبر الخمسة بسدس شيء من الشيء" ليخرج بلا كسر "يبقى خمسة اسداس شيء تعدل خمسة فالشيء ستة" لأن الخمسة إذا عدلت خمسة أسداس كان كل سدس يعدل واحدا "ويحصل للوصي الآخر" وهو صاحب التبرع "أربعة" وفي

باب الموصى له
تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم و ذمي ومرتد وحربي.
__________
عملها طريق آخر وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة وصاحب التبرع بالقسط فيحصل للواجب خمسة ويبقي له خمسة يأخذ من صاحب التبرع دينارا لأنك نسبت ما لصاحب التبرع وهو خمسة من خمسة وعشرين فكانت الخمس ويأخذ من الورثة أربعة.
فرع: إذا أوصى بالواجب وقرن به الوصية بتبرع مثل حجوا عني وأدوا ديني وتصدقوا عني فوجهان أصحهما أن الواجب من رأس المال لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على التساوي في الحكم لقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} الآية والثاني: أنه من الثلث لأنه قرن به ما يخرجه من الثلث ومن مات بطريق مكة لزمه أن يوصي بحجة الإسلام قاله في الروضة وكذا كل واجب عليه.
باب الموصى لههذا هو الركن الثاني: "تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي" بغير خلاف نعلمه لقوله تعالى :{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} [الأحزاب:6] قال محمد بن الحنفية: هو وصية المسلم لليهودي والنصراني لأن الهبة تصح لهم فصحت لهم الوصية كالمسلم وعلم منه صحتها من الذمي للمسلم من باب أولى ويستثنى من الوصية لكافر ما إذا أوصى له بمصحف أو عبد مسلم أو سلاح أو حد قذف فإنه لا يصح "ومرتد" كالهبة ذكره أبو الخطاب ولكن إن ضاق الثلث عه بدئ بعتقه "وحربي" وظاهره: ولو كان في دار الحرب نص عليه وقاله اكثر العلماء وقيل: لا يصح لقوله تعالى :{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة:6] الآية فدل على أن من قاتلنا لا يحل بره.

وقال ابن أبي موسى: لا تصح لمرتد وتصح لمكاتبه ومدبره،
__________
وجوابه بأنه قد حصل الإجماع على صحة الهبة له والوصية في معناه وقضية عمر شاهدة بذلك ومحل الخلاف فيه إذا أوصى له بغير السلاح والخيل فإن كانت بشيء منهما فيتوجه أنه كبيعه منه
فرع: إذا أوصى لحربي بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي بطلت وإن أسلم بعده قبل القبول فوجهان وقيل: إن ملكت بالقبول بطلت وإن ملكه بالموت فلا وقيل: بلى وهو أولى "وقال ابن ابي موسى: لا تصح لمرتد" لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت ولأن ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة فلا يثبت الملك له بالوصية وقال ابن حمدان: إن بقى ملكه صح الإيصاء له كالهبة له مطلقا وإن زال ملكه في الحال فلا وإن وقف أمر ماله على اسلامه فأسلم احتمل وجهين ولو عبر بقوله في الاصح فيهما لكان اولى إذ الخلاف فيهما معا.
تنبيه: يعتبر تعيين الموصي له فلو قال: ثلثي لأحد هذين أو لجاره أو لقرابته محمد باسم مشترك لم يصح وعنه: بلى كقوله أعطوا ثلثي أحدهما في الأصح فقيل يعينه الوارث وقيل: بقرعة وجزم ابن رزين بصحتها بمجهول ومعدوم فعلى الأول لو قال: عبدي غانم حر بعد موتي وله مائة وله عبدان بهذا الاسم عتق أحدهما بقرعة ولا شيء له نقله يعقوب وعلى الثانية: هي له من ثلثه اختاره أبو بكر.
"وتصح لمكاتبه" لأنه معه كالأجنبي في المعاملات فكذا في الوصية ولانه يملك المال بالعقد فصحت الوصية له كالحر وتصح لمكاتب وارثه ومكاتب أجنبي سواء أوصى بجزء شائع او معين لان الورثة لا يستحقون المكاتب ولا يملكون ماله فإن قال ضعوا عن مكاتبي بعض كتابته وضعوا ما شاؤوا وإن قال: ضعوا نجما فلهم وضع أي: نجم شاؤوا سواء اتفقت أو اختلفت فإن قال ضعوا عنه أي: نجم شاء سواء اتفقت أو اختلفت فإن قال: ضعوا عنه أي: نجم شاء رد ذلك إلى مشيئته وإن قال: ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثر من نصفها وإن قال: الأوسط تعين وإن

وام ولده وتصح لعبد غيره فإذا قبلها فهي لسيده وتصح لعبده بمشاع كثلث ماله فإذا اوصى بثلثه عتق،
__________
كانت خمسة تعين الثالث أو سبعة تعين الرابع وإن اختلفت رجع إلى قول الورثة "ومدبره" لأنه يصير حرا حين لزوم الوصية فصحت كإم الولد فإن لم يخرج من الثلث هو الوصية قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع له و قال القاضي: يعتق بعضه ويملك منها بقدر ما عتق منه وجوابه بأنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو أوصى لعبده القن بمشاع من ماله "وأم ولده" لما روى سعيد أن عمر أوصى لأمهات أولاده لكل واحدة بأربعة الآف وروى عن عمران بن حصين وغيره من التابعين وغيرهم لأنها حرة حين لزوم الوصية وكوصيته أن ثلث فرسه وقف عليها ما دامت على ولدها نقله المروذي وإن شرط عدم تزويجها ففعلت وأخذت الوصية ثم تزوجت فقيل تبطل وقيل: لا كوصيته بعتق أمته على شرطه.
"وتصح لعبد غيره" لأنه يصح اكتسابه فصحت الوصية كالحر إن قلنا: يملك صرح به في الفروع وفي الواضح وهو ظاهر كلام جماعة خلافه وهذا بشرط أن لا يكون عبد وارثه ولا قاتله إن لم يصر حرا وقت نقل الملك.
"فإذا قبلها فهي لسيده" لأنه من كسب عبده وكسبه للسيد ما لم يكن حرا وقت موت موص وان عتق بعده وقبل القبول فالخلاف وظاهره: أن قبول العبد لا يفتقر إلى إذن السيد لأنه كسب كالاحتطاب وفيه وجه لأنه تصرف من العبد فهو كبيعه ورد بأنه تحصيل مال بغير عوض فلم يفتقر إلى إذنه كالمباح.
"وتصح لعبده بمشاع كثلث ماله" لأنها وصية تضمنت العتق بثلث ماله فصحت كما لو صرح بذلك "فإذا أوصى بثلثه عتق" كما إذا كان ثلثه مائة وقيمة العبد مائة أو دونها عتق لأنه ملك من كل جزء من المال ثلثه مشاعا ومن جملته نفسه فيملك ثلثها وإذن يعتق ذلك الجزء لتعذر ملك نفسه

وأخذ فاضل الثلث وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وإن وصى له بمعين او بمائة لم يصح وحكى عنه أنه يصح وتصح للحمل،
__________
ويسري إلى بقيته كما لو اعتق بعض عبده بل أولى وأخذ فاضل الثلث لأنه صار حرا
"وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث" ولا يعتق منه أكثر من ذلك لأن الوصية لا تنفذ في الزائد على الثلث إلا بإجازة الوارث ولم يوجد وعلم مما سبق أنه إذا اوصى له بنفسه أو رقبته أنه يصح ويعتق بقبوله إن خرج من ثلثه وإلا عتق منه بقدره وإن وصى له ببعض رقبته فخرج من الثلث عتق ما وصى له به وفي بقيته روايتان "وإن وصي له بمعين" كدار وثوب "أو بمائة لم يصح" في قول الأكثر لأنه يصير ملكا للورثة فما وصى له به فهو لهم فكأنه وصى لورثته بما يرثونه فلا فائدة فيه.
وعنه: يصح كالمشاع وعليها ما ذكره في الكافي أنه يشتري العبد من الوصية فيعتق وما بقي فهو له قال الزركشي محافظة على تصحيح كلام المكلف ما أمكن إذ تصحيح الوصية يستلزم ذلك وبنى الشيرازي الخلاف على تمليكه ثم قال: وعلى رواية الصحة تدفع المائة إليه فإن باعه الورثة بعد ذلك فالمائة لهم قال في الرعاية: إذا لم يشرطها المبتاع وعنه: يصح ويعطي ثلث المعين إن خرج معه من الثلث وعنه: منعها كقن زمنها ذكره ابن عقيل وعنه: كماله.
"وحكى عنه أنه يصح وتصح للحمل" بغير خلاف نعلمه لأن الوصية تجري مجرى الميراث في الانتقال بعد الموت وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله :{يُوصِيكُمُ اللَّهُ} الآيات والحمل يرث فصحت الوصية له مع أنها أوسع من الميراث لأنها تصح للمخالف في الدين والعبد فالوصية له اولى لكن إن انفصل ميتا بطلت لأنه لا يرث لاحتمال أن لا يكون حيا حين الوصية فلا يثبتان بالشك وسواء مات لعارض من ضرب بطن او غيره فإن

إذا علم أنه كان موجودا حال الوصية بان تضعه لاقل من ستة اشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها أولأقل من اربع سنين إن لم يكن كذلك في أحد الوجهين وإن وصى لمن تحمل هذه المرأة لم تصح.
__________
وضعته حيا صحت "إذا علم أنه كان موجودا حال الوصية" لتحقيق الشرط "بأن تضعه لأقل من ستة أشهر" من حين الوصية "وان كانت ذات زوج او سيد يطؤها" بائنا للعلم بوجوده حال الوصية إذ التمليك لا يصح لمعدوم وفي المغني أن تضعه لستة اشهر فما دون وفيه نظر لأنها إذا وضعته لستة اشهر احتمل حدوثه حال الوصية فلم يصادف موجودا يقينا وقد وهم ابن المنجا فقال لابد من ذكر ستة اشهر لأنها إذا وضعته لذلك علم أنه كان موجودا حال الوصية ويقدم رده ومقتضاه أنها إذا وضعته لأكثر من ذلك أنها لا تصح الوصية لاحتمال حدوثه بعدها وعلى الأول لو كانت فراشا لهما وما وطئا لبعد او مرض أو حبس صحت الوصية في ظاهر كلامهم.
"أولأقل من اربع سنين إن لم يكن كذلك" أي: إن لم تكن ذات زوج أو سيد يطؤها "في أحد الوجهين" لأنه محكوم بوجوده لأحق بأبيه.
والثاني: لا تصح الوصية لأنه مشكوك في وجوده فلم يصح مع الشك فيه ولا يلزم من لحوق النسب صحت الوصية فإن النسب يثبت بالاحتمال وفيه وجه آخر أ نه إذا اتت به لاكثر من سنتين كانت بائنا لا تثبت له الوصية بناء على أن أكثر مدة الحمل سنتان
"وإن وصى لمن تحمل هذه المرأة لم تصح" في قول الأكثر لأن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فإنه تمليك فلم يعتبر وجوده ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث وقيل: تصح كما تصح بما تحمل هذه الجارية وكما لو وقف على من يحدث من ولد أو ولده ولده.
ورد بالفرق بينهما لأنها تجري مجرى الميراث ولا تحصل إلا لموجود والوقف يراد للدوام ومن ضرورته إثباته للمعدوم.

ولو قتل الوصي الموصي بطلت الوصية وإن جرحه ثم اوصى له فمات من الجرح لم تبطل الوصية في ظاهر كلامه وقال أصحابنا: في الوصية للقاتل روايتان وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح ويعطي كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة.
__________
"ولو قتل الوصي الموصي" ولو خطأ "بطلت الوصية" قاله الثوري واختاره أبو بكر ونص عليه في المدبر لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد منها فالوصية أولى ولأنه عومل بنقيض قصده.
وقال ابن حامد: تجوز الوصية له واحتج بقول أحمد من جرح رجلا خطأ فعفى المجروح فقال يعتبر من ثلثه وهذه وصية لقاتل لان الهبة له تصح فكذا الوصية.
"وإن جرحه ثم اوصى له فمات من الجرح لم تبطل في ظاهر كلامه" لأنها بعد الجرح صدرت من اهلها في محلها لم يطرأ عليها ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فابطلها فيبطل ما هو آكد منها ولهذا جمع أبو الخطاب بين نصي الإمام.
"وقال اصحابنا: في الوصية للقاتل روايتان:"
إحداهما: لا تصح سواء وصى له ثم قتله أو جرحه جرحا صالحا للزهوق ثم وصى له لأنه قاتل فبطلت كالميراث.
والثانية: بلى لأنها تمليك بعقد فضاهت الهبة و الأولى ما ذكره المؤلف وجزم به في الوجيز وقدمه في المحرر والفروع.
"وإن وصى لصنف من اصناف الزكاة" كالفقراء "أو لجميع الأصناف صح" لأنهم من ابواب البر ولأنهم يملكون بدليل الزكاة والوقف "ويعطي كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة" لأن المطلق في كلام الآدميين يحمل على المقيد في كلام الله تعالى قال في المغنى: وينبغي أن يجعل لكل صنف حيث أوصى لجميعهم ثمن الوصية كما لو اوصى لثمان قبائل والفرق

وأن وصى لكتب القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس ينفق عليه صح فإن مات الفرس رد الموص به او باقية إلى الورثة.
__________
بينهما حيث يجوز الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها من يجوز الدفع إليه والوصية أريد بها بيان ما يجب الدفع إليه انتهى.
ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد في ظاهر المذهب وعنه: يتقيد بثلثه من كل صنف ولا يصرف إلا على المستحق من أهل بلده.
فرع: إذا اوصى بشيء لزيد وبشيء للفقراء ولجيرانه وزيد منهم لم يشاركهم نص عليهما ولو وصى لقرابته بشيء وللفقراء كذلك فلقريب والحاصل سهمان ذكره ابو المعالي قال في الفروع ويتوجه تخريج حكم كل صورة إلى الأخرى قال شيخنا: قد يفرق بينهما بأن زيدا يتعين والقرابة لفظ عام يدخل فيه الفقراء وغيرهم فصلح كل من وصفه سببا لاستحقاقه به فانه علق استحقاقه بوصفه وهو القرابة فإذا كان فيه وصفان صار استحقاقه بهما بخلاف زيد فإنه علق استحقاقه بعينه وعينه لاتتعدد.
"وإن وصى لكتب القرآن أو العلم أو المسجد أو لفرس حبيس ينفق عليه صح" لأن ذلك قربه فصح بذل المال فيه كالوصية للفقير والموصى به للمسجد يصرف في مصالحة تضرب بالعرف.
ويصرفه الناظر إلى الأهم والأصلح باجتهاده فلو قال: إن مت فبيتى مسجد أو فأعطوه ماله من مالي توجه صحته ولو أراد تمليك الفرس أو المسجد لم يصح.
"فإن مات الفرس رد الموصي به أو باقيه" إن كان أنفق بعضه إلى الورثة لأنه لما بطل محل االوصية وجب الرد إلى الورثة كوصيته بعتق عبد زيد فتعذر أو شراء عبد بألف أو عبد زيد بها في المنصوص فيه فاشتروه بدونها ومقتضاه أنه لا يصرف إلى فرس آخر حبيس في المنصوص.
مسائل: إذا أوصى بخدمة عبده سنة ثم هو حر صحت الوصية فلو

وإن وصى في أبواب البر صرفه وقيل: عنه يصرف في أربع جهات في الاقارب والمساكين والحج والجهاد وعنه: فداء الأسرى مكان الحج.
__________
ردها أو وهب لخدمة عتق في الحال وفي المغني والشرح خلافه.
وإن أوصى بعتق نسمة بألف فأعتقوا نسمة بخمسمئة لزمهم عتق أخرى بخمسمئة في الاصح وإن قال: أربعة بكذا جاز الفصل بينهما ما لم يسم ثمنا معلوما نص عليه.
ولو وصى أن يشتري فرسا للغزو بمعين فاشتراه بأقل منه فباقيه نفقة لا إرب في المنصوص "وإن وصى في أبواب البر صرفه في القرب" كلها اختاره المؤلف وجزم به في الوجيز لأن اللفظ للعموم فيجب الحمل عليه ولا يجوز التخصيص إلا بدليل "وقيل عنه" أي: عن الإمام أحمد "يصرف في أربع جهات: في الاقارب والمساكين والحج والجهاد" قال ابن المنجا: وهي المذهب لأن أبواب البر وإن كانت عامة إلا أن الظاهر من حال الموصي أنه أراد المشهور منها والجهات الأربع هي لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة والمساكين مصارف الصدقات والحج والجهاد من أكبر شعائر الأسلام.
وظاهره: انها سواه لكن الغزو أفضلها فيبدا به نص عليه في رواية حرب وهو قول أبي الدرداء.
"وعنه: فداء الأسرى مكان الحج" لأن فداؤهم من اعظم القربات لما فيه من تخليص رقبة مؤمنة من ايدي الكفار وهو يتضمن منفعة المخلص ونفع نفسه بخلاف الحج ونقل المروذي عنه فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر وان وصى إن يحج عنه بالف صرف في حجه بعد أخرى حتى ينفذ ويدفع إلى كل واحد قدر ما يحج به يجزأ ثلاثة أجزاء في الجهاد والقارب والحج قال في المغني: وهذا ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفها في الجهات كلها للعموم ولأنه ربما كان غير هذه الجهات من تكفين ميت وإصلاح طريق وإعتاق رقبة وإغاثة

وإن أوصى أن يحج عنه بألف صرف في حجه بعد اخرى حتى ينفذ ويدفع إلى كل واحد قدر ما يحج به.
__________
ملهوف أحوج من بعضها وأحق.
فرع: إذا قال: ضع ثلثي حيث أراك الله فله صرفه في أي: جهة من جهات القرب و قال القاضي: يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه فإن لم يجد فالى محارمه من الرضاع فإن لم يكن فإلى جيرانه.
"وإن أوصى" أي: من لا حج عليه قاله في الوجيز والفروع "أن يحج عنه بألف صرف" من ثلثه "في حجة" أي: مؤنة حجة أمانة أو جعالة أو إجارة إن صح الإيجار عليه من محل وصيته كحجه بنفسه وقيل: أو من الميقات وهو أولى "بعد اخرى" راكبا أو راجلا نص عليه "حتى ينفذ" لأنه وصى بها في جهة قربه فوجب صرفها فيها كالوصية في سبيل الله وعنه: لا يصرف منها سوى مؤنة حجة واحدة والبقية إرث وعنه: بعد حجه للحج أو سبيل الله فلو لم تكف الألف أو البقية حج من حيث يبلغ في ظاهر نصوصه وعنه: يعان به في حج قال القاضي: وحكاه العنبري عن سوار القاضي ونقل أبو داود يخير بينهما
"ويدفع" الوصي "إلى كل واحد قدر ما يحج به" من غير زيادة على نفقة المثل لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى عوض المثل كالتوكيل في البيع.
ثم إن كان الموصى به لا يحمل الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضا أو نفلا فإن كان فرضا أخذ أكثر الأمرين من الثلث أو القدر الكافي لحج الفرض إذا كان قد أوصى بالثلث فإن كان الثلث أكثر أخذه وصرف في الغرض قدر ما يكفيه وباقيه في حجة أخرى حتى ينفذ وإن كان الثلث أقل ثم قدر ما يكفي الحج في قول الجمهور وان كان تطوعا أخذ الثلث لاغير إذا

وإن قال: حجوا عني بألف دفع الكل إلى من يحج به فإن عينه فقال يحج عني فلان بالف فإن أبى الحج وقال اصرفوا لي الفضل لم يعطه وبطلت الوصية.
__________
لم يجز الورثة ويحج به على ما وصفنا.
"وإن قال: يحج عني حجة بألف دفع الكل إلى من يحج" لأنه اوصى بها في حجه واحدة فوجب أن يعمل بها فإن فضل منها فضل فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه فكأنه صرح به وقيل: إرث جزم به في التبصرة ولا يدفعها إلى وارث نص عليه زاد في الشرح وغيره حيث كان فيها فضل إلا بإذن الورثة واختار جماعة للوارث أن يحج عنه إذا عينه ولم يزد على نفقة المثل وفي الفصول إن لم يعينه جاز وقيل: له في رواية أبي داود أوصى أن يحج عنه قال لا كأنه وصية لوارث.
"فإن عينه فقال يحج عني فلان بألف" صرف ذلك اليه "فإن أبى الحج وقال: اصرفوا لي الفضل لم يعطه" لأنه إنما وصى له بالزيادة بشرط الحج ولم يوجد "وبطلت الوصية" حكاه في الفروع قولا لأن الموصي له لم يقبلها بامتناعه من فعلها أشبه ما لو أوصى له بمال فرده وقيل: في حقه وقد زاده بعضمن اذن له الؤلف في الاصلاح لان الوصية فيها حق للحج وحق للموصى له إذا رده بطل في حقه دون غيره لقوله بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبله بطل في حقه دون غيره لقوله بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبله وكما لو لم يقدر الموص له بفرس في السبيل على الخروج نقله أبو طالب ويحج عنه بأقل ما يمكن من نفقة أو أجرة والبقية إرث كالفرض.
فرع: إذا قال: حجوا عني حجة ولم يذكر قدرا من المال فإنه لا يدفع إلى من يحج إلا قدر نفقة المثل والباقي للورثة قال في الشرح: وهذا يتبني على أنه لا يجوز الاستئجار عليه فإن فلنا بجوازه فلا يستأجر إلا نفسه بأقل ما يمكن وما فضل فهو للأجير لأنه ملك ما أعطى بعقد إلاجارة وإن تلف المال في الطريق فهو من ماله ويلزمه إتمام العمل فلو وصى بثلاث حجج إلى ثلاث نفر صح صرفها في

وإن وصى لأهل سكته فهو لأهل دربه وإن وصى لجيرانه تناول أربعين دارا من كل جانب.
__________
عام واحد وجزم به في الوجيز وفي الرعاية عكسه.
تنبيه: إذا أوصى أن يحج عنه بالنفقة صح واختار أبو محمد الجوزي إن وصى بألف يحج بها صرف في كل حجة قدر نفقته حتى ينفذ وإن قال حجوا عني بألف فما فضل للورثة ولو قال يحج عني زيد بألف فما فضل وصية له أن يحج وله تأخيره لعذر ولا يعطي إلي أيام الحج قاله أحمد نقل أبو طالب اشترى به متاعا يتجر به قال: لا يجوز قد خالف لم يقل اتجر به ولا يصح أن يحج وصي بإخراجها نص عليه لأنه منفذ كقوله تصدق عني لا يأخذ منه وكما لا يحج على دابة موصى بها في السبيل.
"وإن وصي لأهل سكته فهو لأهل دربه" لأن السكة الطريق والدرب طريق مضاف إليه وحينئذ يعطي من كان ساكنا وقت الوصية أو طرأ إليه بعدها وجزم في المستوعب بالأول ونص عليه وقيل: أهل دربه وسكته أهل المحلة الذين طريقهم في دربه.
"وإن وصى لجيرانه تناول أربعين دارا من كل جانب" نص عليه وهو قول الأوزاعي لما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا" رواه احمد وهذا نص لا يجوز العدول عنه أن صح وإلا فالجار المقارب ويرجع فيه إلى العرف قاله في الشرح وحكاه في الفروع قولا ونقل ابن منصور ينبغي أن لا يعطي إلا الجار الملاصق لأنه مشتق من المجاورة.
ومقتضاه أن المجموع مائة وستون وفيه نظر فإن دار الموصي قد تكون كبيرة في التربيع فيسامتها من كل جهة أكثر من دار لصغر المسامت لها أو يسامتها داران يخرج من كل منها شيء عنها فيزيد على العدد ويقسم المال على عدد الدور وكل حصة دار تقسم على سكانها وجيران المسجد من يسمع النداء منه

وقال ابو بكر: مستدار أربعين دارا وإن وصى لأقرب قرابته وله أب وابن فهما سواء والجد والأخ سواء ويحتمل تقديم الابن على الأب والأخ على الجد.
__________
وقال ابو يوسف: الجيران اهل المحلة إن جمعهم مسجد فإن تفرق أهلها في مسجدين صغيرين متقاربين فكذلك وإن كانا عظيمين فكل أهل مسجد جيران.
"وقال ابو بكر: مستدار أربعين دارا" وهو رواية عن احمد لأن الخبر يحتمل وعنه: ثلاثين دارا من كل جانب ذكرها أبن هبيرة وابن الزاغوني قال واحتج لذلك بحديث رواه الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
"وإن وصى لأقرب قرابته" أو لاقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما "وله أب وابن فهما سواء" لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه من غير واسطة فإن كان أحدهما تعين بلا شك "والجد والأخ سواء" لأن كل واحد منهما يدلي بالأب من غير واسطة.
"ويحتمل" وحكاه في المستوعب وجها "تقديم الابن على الأب" لأنه يسقط تعصيبه ورد بأن إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته ولاكونه أقرب منه بدليل أبن الابن يسقط تعصيب من بعده.
"والأخ على الجد" لأنه يدلي ببنوة الأب والجد يدلي بالأبوة فهما كالأب والابن ورد بأنه لا يصح قياس الأخ على الابن لأنه يسقط تعصيب الجد بخلاف الابن وعلم منه تقديم الابن على الجد والابن على ابن الابن.
تنبيه: البنت كالابن والجد أبو الاب وأبو الأم وأم الأب وأم الأم كلهم سواء ذكره في المغني ويحتمل تقديم أبي الأب على أبي الأم لأنه يسقطه ثم بعد الأولاد أولاد البنين وإن سفلوا الأقرب فالأقرب الذكور والإناث وفي أولاد البنات وجهان بناء على الوقف ثم بعد الأولاد الأجداد الأقرب منهم فالأقرب لأنهم العمود الثاني عند الأخوة والأخوات ثم ولدهم وإن سفلوا ولا شيء لولد الأخوات إذا قلنا: بعدم دخول ولد البنات والعم من الأب

والأخ من الأب والأخ من الأم سواء والأخ من الأبوين أحق منهما،
__________
والعم من الأم سواء وفيه احتمال وكذلك أبناؤهما على الترتيب ذكره القاضي.
"والأخ من الأب والأخ من الأم سواء" لأنهما في درجة واحدة لا يقال كيف سوى بينهما إذ لو أوصى لقرابته لم يدخل فيها ولد الأم على المذهب ومن لا يدخل في القرابة لا يدخل في أقرب القرابة لأن ذلك مخرج على الرواية الأخرى كما ذكره في المغني لا على المذهب
"والأخ من الأبوين أحق منهما" لأن له قرابتين فهو أقرب ممن له قرابة واحدة فلو أوصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب سواء كان ممن يرثه في الحال أولا ويستوي فيه قريبهم وبعيدهم.
فرع: لم يتعرض المؤلف لذوي الأرحام فإن قلنا: بالرواية التي تجعل القرابة كل من يقع عليه اسم القرابة كان حكمهم كما سلف وإن قلنا: القرابة تختص بمن كان من أولاد الآباء فلا تدخل فيهم الأم ولا أقاربها.
مسألة: أوصى لجماعة من اقرب الناس إليه أعطى ثلاثة فإن كانوا أكثر في درجة واحدة كالإخوة فهو لجميعهم لأن الاسم يشملهم وإن لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية: وإن لم تكمل منها فمن الثالثة.
فوائد: أوصى بإحراق ثلث ماله صح وصرف في تجمير الكعبة وتنوير المساجد ذكره ابن عقيل وفي التراب يصرف في تكفين الموتى وفي الماء يصرف في عمل سفن للجهاد وفي الهواء قال شيخنا محب الدين بن نصر الله: يتوجه أن يعمل به باذهنج لمسجد ينتفع به المصلون وفيه شيء ولو وصى بكتب العلم لآخر لم يدخل فيها كتب الكلام لأنها ليست من العلم ولو أوصى بدفنها لم تدفن قاله أحمد ونقل الاثرم لا بأس وقال الخلال: الأحوط دفنها.

فصل
ولا تصح الوصية لكنيسة ولا لبيت نار ولا لكتب التوراة والإنجيل ولا لملك ولا لمبيت ولا لبهيمة وإن وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي.
__________
فصل
"ولا تصح الوصية لكنيسة ولا لبيت نار" ولا لعمارتها والإنفاق عليهما لأن ذلك معصية وسواء كان الموصى مسلما أو ذميا "ولا لكتب التوراة والإنجيل" على الأصح قاله في الرعاية لأنها كتب منسوخة والاشتغال بها غير جائز لما فيها من التبديل والتغيير وذكر القاضي لو أوصى بحصر لبيع وقناديلها لا على قصد تعظيمها فهو جائز لأن الوصية في الحقيقة لأهل الذمة لكونهم ينتفعون بها والأصح أنها لا تصح لأن ذلك إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم كنائسهم وعن أحمد صحتها من الذمي لخدمة الكنيسة.
فرع: أوصى ببناء بيت يسكنه المجتازون من أهل الذمة والحرب صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية ولا تصح لكافر بمصحف كعبد مسلم بدليل البيع والهبة وإن وصى له بعبد كافر فأسلم في حياة الموصي بطلت وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول ابتني على الخلاف "ولا لملك ولا لميت ولا لبهيمة" ولا لجني لأنه تمليك فلم تصح لهم كالهبة.
فرع: تصح وصية لحبيس وفرس زيد ولو لو يقبله ويصرفه في غفلة فإن مات فالباقي للورثة.
"وإن وصى" بثلثه أو مائة "لحي وميت يعلم موته فالكل للحي" اختاره أبو الخطاب وجزم به في الوجيز وذكر ابن المنجا أنه المذهب لأنه لما أوصى بذلك مع علمه بموته فكأنه قصد الوصية للحي وحده كما لو صرح به إلا

ويحتمل ألا يكون له إلا النصف وإن لم يعلم موته فللحي نصف الموصى به وإن وصى لوارثه وأجنبي بثلث ماله فرد الورثة فللاجنبي السدس،
__________
أن يقول هو بينهما كالمنصوص في له ولجبريل أو الحائط.
"ويحتمل أن لا يكون له إلا النصف" هذا الاحتمال هو المذهب وقدمه الأشياخ لأنه أضاف الوصية إليها فإذا لم يكن أحدهما محلا للتمليك بطل في نصيبه وبقي نصيب الحي وهو النصف.
"وإن لم يعلم موته فللحي نصف الموصى به" وجها واحدا لأنه أضاف الوصية إليهما ولا قرينة تدل على عدم إرادة الآخر فوجب أن يكون له النصف تضرب بالمقتضى السالم عن المعارض وكما لو أوصى لحيين فمات أحدهما بغير خلاف نعلمه.
فرع: أوصى لله ولزيد بشيء فنصفان وجزم في الكافي وغيره بأن جميعه لزيد لأن ذكر الله تعالى للتبرك وإن وصى للرسول ولزيد صح ونصف الرسول يصرف في المصالح.
"وان وصى لوارثه واجنبي بثلث ماله" فأجاز الورثة وصية الوارث فالثلث بينهما وفي الرد أشار إليه بقوله: "فرد الورثة فللأجنبي السدس" في قول أكثر العلماء لأن كلا منهما له السدس فصح للأجنبي إذ لااعتراض للورثة عليه وبطل سدس الوارث لأن الوصية له لا تصح إلا بإجازة الوارث.
وفي الرعاية: إذا أوصى لوارث وغيره بثلثه اشتركا مع الإجازة ومع الرد على الوارث للآخر الثالث وقيل: نصفه كما لو أوصى لهما بثلثه فرد عليهما أو على الوارث فقط
وإن رد الزائد على الثلث عينا فهو لهما وقيل: للأجنبي وقيل: له السدس ويبطل الباقي ولو أجيز للوارث وحده فله الثلث وكذا الأجنبي إذن وقيل: السدس

وان وصى لهما بثلثي ماله فكذلك عند القاضي وعند ابي الخطاب له الثلث وان وصى بماله لابنيه واجنبي فردا وصيته فله التسع عند القاضي وعند ابي الخطاب له الثلث وان وصى لزيد وللفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع.
__________
"وإن وصى لهما" أي: للوارث وأجنبي "بثلثي ماله فكذلك عند القاضي" أي: إذا ابطل الورثة الزائد على الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما فالثلث بينهما واحد منهما السدس واختاره في الوجيز لأن الوارث يزاحم الأجنبي مع الإجازة فإذا ردوا تعين أن يكون الباقي بينهما كما لو تلف بغير رد.
"وعند أبي الخطاب له الثلث" لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان لأجنبي ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس وكما لو خصوا الوارث بالإبطال فإن قالوا أجزنا وصية الوارث ورددنا نصف وصية الأجنبي صح واتبع كالعكس وإن أجازوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك مطلقا فإن ردوا جميع وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فلهم ذلك على قول القاضي وعلى قول أبي الخطاب: يتوفر الثلث كله للأجنبي.
"وإن وصى بماله لابنيه وأجنبي فردا وصيته فله التسع عند القاضي" لأنه بالرد رجعت الوصية إلى الثلث والموصى له ابنان وأجنبي فيكون للأجنبي التسع لأنه ثلث الثلث.
"وعند أبي الخطاب له الثلث" لأن الأجنبي موصى له بالثلث وبالرد بطلت وصية الوارث فوجب أن يكون له الثلث تضرب بالوصية السالمة عن المزاحم.
"وإن وصى لزيد وللفقراء بثلثه فلزيد التسع" هذا هو المذهب لأنه وصى لثلاث جهات فوجبت التسوية كما لو وصي لزيد وبكر وخالد وقال محمد بن الحسن له الخمس وللفقراء خمسان وللمساكين خمسان

باب الموصى به
تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع.
__________
لأن أقل الجمع اثنان وقال ابن حمدان: ويحتمل أن له السدس لأنهما هنا صنف وظاهره: انه إذا كان زيد مسكينا أنه لا يدفع إليه من سهمهم إذ العطف يقتضي المغايرة فلو كانت الوصية لقوم يمكن حصرهم كزيد وإخوته فهو كأحدهم في وجه وفي آخر كالتي قبلها فلو وصى بثلثه لزيد وللفقراء فنصفان وقيل: كأحدهم.
تنبيه: لو أوصى مسلم لأهل قريته وقيل: أو لقرابته بلفظ عام لم يعم كافرهم إلا بذكره في الأشهر وإن كان الموصى كافرا عم مسلمهم بدون ذكره في الأصح وقيل: إن كان أهل القرية أو الأقارب كلهم كفارا والموصي مسلما عمهم كما لو كان فيهم مسلم وإن كان أكثرهم كفارا لم يعمهم وفيه احتمال.
مسألة: أوصى بثلثه للمساكين وله أقارب محاويج ولم يوص لهم بشيء ولم يرثوه فإنهم أحق به ولو وصى نصراني بثلثه لفقراء المسلمين وله إخوة فقراء أعطى كل واحد خمسين فقط نص عليهما ولو وصى لولد زيد وليس له الا ولد ولد دخلوا فيها ويحتمل دخول ولد البنين فقط.
باب الموصي به
هذا هو الركن الثالث منها "تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالآبق" في الرقيق "والشارد" من الدواب "والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع" لأنها إذا صحت بالمعدوم فهذا أولى ولأنها أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصي له وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث ولا فرق في الحمل بين ان يكون رقيقا أو حمل بهيمة مملوكة له لأن الغرر

وبالمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته أبدا أو في مدة معينة فإن حصل منه شيء فهو له وإلا بطلت وإن وصى له بمائة لا يملكها صح فإن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها وإلا بطلت الوصية وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب،
__________
لا يمنع الصحة فجرى مجرى إعتاقه فإن انفصل ميتا بطلت وإن خرج حيا وعلمنا وجوده حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت وإن لم يكن كذلك فلا لاحتمال حدوثه ويعتبر إمكان الموصى به فلو وصى بما تحمل أمته العقيم أو بألف قنطار من شجرة معينة من سنة معينة قال في الترغيب وغيره واختصاصه به فلو وصى بمال غيره لم يصح ولو ملكه بعد لأن الوصية لم تنعقد.
"وبالمعدوم" لأنه يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن يملك بالوصية "كالذي تحمل أمته أو شجرته أبدا" أي: يكون ذلك للموصى له على التأبيد "أو في مدة معينة" كسنة دون ما عداها معرفا أو منكراً ولا يلزم الوارث السقي لأنه لم يضمن تسليمها بخلاف مشتر "فإن حصل منه شيء فهو له" أي: للموصى له بمقتضى الوصية "والا بطلت" لانها لم تصادف محلا كالوصية بثلثه ولم تخلف شيئا.
فرع: تصح الوصية بإناء ذهب أو فضة وزوجته أي: له أمة فيوصي بها لزوجها وينفسخ نكاحه وقت ثبوت ملكه لها.
"وإن وصى له بمائة لا يملكها صح" إذ غايته أنها معدومة والوصية به صحيحة "فإن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها" صحت لأنه امكن نفوذها "وإلا بطلت" لما ذكرناه "وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب" المعلم لأنه يباح اقتتاؤه للصيد والماشية والحرث وقيل: وحفظ البيوت لأن فيه نفعا مباحا وتقر اليد عليه والوصية تبرع فصحت في غير المال كالمال ولصحة هبته فإن كان مما لا

والزيت النجس فإن لم يكن للموصى مال فللموصى له ثلث ذلك وإن كان له مال فجميع ذلك للموصى له وإن قل المال في أحد الوجهين وفي الآخر له ثلثه.
__________
يباح اقتتاؤه لم يصح سواء قال من كلابي أو من مالي لأنه لا يصح شراء الكلب لأنه لا قيمة له بخلاف ما إذا أوصى بشاة ولا شاة له فإنه يمكن تحصيلها بالشراء.
وظاهره: أنها لا تصح بالجرو الصغير وهو وجه والأصح صحتها بتربيته لأحدها وفي الفروع وإن لم يصد به أو يصيد إن احتاجه أو لحفظ ماشية أو زرع فإن حصل فخلاف وفي الواضح الكلب ليس مما يملكه "والزيت النجس" إذا جاز الاستصباح به قاله في الشرح وإلا لم يصح إذ ليس فيه نفع مباح كالخنزير وسائر سباع البهائم التي لا تصلح للصيد
"فإن لم يكن للموصي مال" سواه "فللموصى له ثلث ذلك" لأن الوصية تنفذ في الثلث "وإن كان له" مال غير الموصى به "فجميع ذلك للموصى له وإن قل المال في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز لأن قليل المال خير من الكلب لكونه لاقيمة له فالثلث أكثر منه حينئذ.
"وفي الآخرة له ثلثه" وإن كثر المال لأن موضوع الوصية على أن يسلم ثلثا التركة للورثة وليس في التركة شيء من جنس الموصى به.
تنبيه: أوصى لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فله الثلث وللأول ثلث الكلاب وجها واحدا لأن ما حصل الورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق الموصى له وهو ثلث المال ولم يحتسب على الورثة بالكلاب لأنها ليست بمال.
وإذا قسمت الكلاب بين الوارث والموصى له قسمت على عددها وإن تشاحوا أقرع.

وان لم يكن له كلب لم تصح الوصية ولا تصح الوصية بما لا نفع فيه كالخمر والميتة ونحوهما وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة ويعطى ما يقع عليه الاسم وان اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف للانثى والبعير والثور هو في العرف للذكر وحده وفي الحقيقة للذكر والأنثى غلب العرف وقال أصحابنا تغلب الحقيقة.
__________
"وإن لم يكن له كلب لم تصح الوصية" لأنها لم تصادف محلا يثبت الحق فيه فإن تجدد له كلب فيتوجه الصحة نظرا إلى حالة الموت لا الوصية "ولا تصح الوصية بما لا نفع فيه كالخمر والميتة ونحوهما" لأن الوصية تمليك فلا تصح بذلك كالهبة وقد حث الشارع على إراقة الخمر وإعدامه فلم يناسب صحة الوصية وظاهره: ولو قلنا: يطهر جلد الميتة بالدباغ ويتوجه عكسه.
"وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة" لأنها إذا صحت بالمعدوم فالمجهول أولى ولأنه ينتقل إلى الوارث فصحت الوصية به كالمعلوم "ويعطى" أي: يعطيه الوارث "ما يقع عليه الاسم" لأنه اليقين كما لو اقر له بعبد قال القاضي: يعطيه الورثة ما شاؤوا من ذكر أو أنثى وصحح في المغني أنه لا يعطى إلا ذكرا لأنه سبحانه وتعالى فرق بين العبيد والإماء بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:32] وهو يقتضي المغايرة ولأنه العرف وبدليل الوكالة وكعكسه وليس له أن يعطيه خنثى فلو أوصى له بواحد من رقيقه شمل الكل.
"وإن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف للأنثى والبعير والثور هو في العرف للذكر وحده وفي الحقيقة للذكر والأنثى غلب العرف" في اختيار المؤلف وجزم به في الوجيز و التبصرة لأن الظاهر أن المتكلم إنما يتكلم بعرفه ولأنه المتبادر إلى الفهم
"وقال أصحابنا: تغلب الحقيقة" لأنها الأصل ولهذا يحمل عليه كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه السلام فعلى هذا إذا أوصى له بشاة يتناول الذكر

والدابة اسم الذكر والانثى من الخيل والبغال والحمير وإن وصى له بغير معين كعبد من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاؤوا منهم في ظاهر كلامه.
__________
والأنثى والضأن والمعز والكبيرة والصغيرة لأن اسم الشاة يتناول ذلك كله بدليل قوله عليه السلام: "في أربعين شاة شاة" وقال المؤلف: لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في بلد عرفهم يتناول ذلك.
وفي الخلاف الشياه اسم لجنس الغنم يتناول الصغار والكبار والكبش الذكر الكبير من الضأن والتيس الذكر الكبير من المعز والجمل الذكر والناقة الأنثى ولو قال عشرة من إبلي وقع على الذكر والأنثى وقيل: إن قال عشرة بالهاء فهو للذكور وإن قال بغير هاء فهو للإناث وكذلك الغنم وفي البعير وجهان حكاهما في الشرح وهما مبنيان على الخلاف والثور الذكر والبقرة للأنثى.
"والدابة: اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير" قاله الأصحاب لأن ذلك هو المتعارف فإن قرن به ما يصرفه إلى أحدها كقوله دابة يقاتل عليها انصرف إلى الخيل فإن قال دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال وخرج منه الذكر ذكره في الشرح وحكاه في الرعاية قولا وقيل: يعتبر عرف البلد وفي التمهيد في الحقيقة العرفية الدابة للفرس عرفا والإطلاق ينصرف إليه وقاله في الفنون عن أصولي يعني نفسه قال لنوع قوة الدبيب لأنه ذو كر وفر انتهى والفرس الذكر والأنثى والحصان للذكر وعكسه الحجرة والحمار للذكر والأتان للأنثى.
فرع: لا يستحق للدابة سرجا ولا للبعير رحلا.
"وإن وصى له بغير معين كعبد من عبيده" وشاة من غنمه "صح" لأن الجهالة هنا أقل من الجهالة في عبد وقد صحت فيه فلأن تصح هنا من باب أولى.
"ويعطيه الورثة ما شاؤوا منهم في ظاهركلامه" نقله ابن منصور واختاره

وقال الخرقي: يعطى واحدا بالقرعة فان لم يكن له عبيد لم تصح في أحد الوجهين وتصح في الآخر ويشترى له ما يسمى عبدا فان كان له عبيد فماتوا إلا واحدا تعينت الوصية فيه.
__________
أبو الخطاب والشريف في خلافيهما وجزم به في الوجيز لأن لفظه تناول واحدا والأقل هو اليقين فيكون هو الواجب فعلى هذا ما يدفعه الوارث من صحيح أو معيب جيد أو رديء يلزم قبوله لتناول الاسم له.
"وقال الخرقي: يعطى واحدا بالقرعه" هذا رواية واختارها ابن أبي موسى لأن الجميع شراء بالنسبة إلى الاستحقاق فكان له أحدهم بالقرعة كالعتق.
ولم يرجح في الفروع شيئا وفي التبصرة هما في لفظ احتمل معنيين قال ويحتمل حمله على ظاهرهما.
"فإن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن الوصية تقتضي عبدا من الموجودين حال الوصية أشبه ما لو أوصى له بما في الكيس ولا شيء فيه أو بداره ولا دار له.
"وتصح في الآخر" لأنه لما تعذرت الصفة بقي أصل الوصية أشبه ما لو أوصى له بألف لا يملكها ثم ملكها.
"ويشتري له ما يسمى عبدا" لأن الاسم يتناوله فيخرج به عن عهدة الوصية وكقوله عبد من مالي ونقل ابن منصور فيمن قال أعطوه مائة من أحد كيسي فلم يوجد فيهما شيء يعطى مائة لأنه قصد إعطاءه وإن ملكه قبل موته فوجهان:
"فإن كان له عبيد فماتوا إلا واحدا" أو لم يكن له إلا عبدا واحدا "تعينت الوصية فيه" لأنه لم يبق غيره وقد تعذر تسليم الباقي وهذا إن حمله الثلث قاله في الرعاية وقيل: يقرع بين الحي والميت وإن تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي أو بعده بغير تفريط من الوارث بطلت لأن

فان قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم على قاتله وإن وصى له بقوس وله أقواس للرمي والبندق والندف فله قوس النشاب لأنه أظهرها إلا أن تقترن به قرينة تصرف إلى غيره وعند ابي الخطاب له واحد منها كالوصية بعبد من عبيده وإن وصى له بكلب أو طبل وله منها مباح ومحرم انصرف الى المباح.
__________
التركة غير مضمونة عليهم لحصولها في أيديهم بغير فعلهم.
فرع : أوصى بعتق أحد عبيده الموجودين صح وأجزأ عتق ما يسمى عبدا وقيل: ما يجزيء في كفارة وهل يعينه الوارث أو بقرعة فيه وجهان وقال في المستوعب: للعبيد تعيين عتق أحدهم.
"وإن قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم" إما باختيار الورثة أو بالقرعة على الخلاف "على قاتله" لأن حقه في واحد منهم وقد قتلهم كلهم فوجب عليه ضمانه كما لو قتل واحد عبد غيره وهذا إذا قتلوا بعد موت الموصي.
فرع: لا تصح الوصية بأم ولده نص عليه وقيل: بلى وقال ابن حمدان: إن جاز بيعها ولم تعتق بموته وإلا فلا.
"وإن وصى له بقوس" صح لأن فيه منفعة مباحة فإن كان "له أقواس للرمي والبندق والندف فله قوس النشاب" في ظاهر المذهب "لأنه أظهرها" ويسمى الفارسي وقوس النبل يسمى العربي "إلا أن تقترن به قرينة" كما لو كان الموصى له ندافا أو بندقانيا أو غازيا فإنه "تصرف إلى غيره" لأن القرينة كالصريح وهذا إذا أطلق فإن وصفها بصفة أو كان له قوس واحد تعينت "وعند أبي الخطاب له واحد منها كالوصية بعبد من عبيده" لأن اللفظ تناول جميعها وقيل: له غير قوس بندق وقيل: ما يرمي به عادة.
وظاهره: أنه لا يستحق وترها لأنه منفصل عنها وقيل: بلى جزم به في الترغيب لأنه لا ينتفع بها إلا به فكان كجزء من أجزائها "وإن وصى له بكلب أو طبل وله منها مباح" ككلب الصيد وطبل الحرب "ومحرم" كضدهما وكالأسود البهيم "انصرف إلى المباح" لأنه فيه منفعة مباحة ووجود المحرم

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24