كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين

المجلد الأول
كتاب الطهارة

مدخل

كتاب الطهارة
ـــــــ
كتاب الطهارة
بدأ المؤلف بذلك اقتداء بالأئمة منهم الشافعي لأن آكد أركان الدين بعد الشهادتين الصلاة ولا بد لها من الطهارة لأنها شرط والشرط متقدم على المشروط وهي تكون بالماء والتراب والماء هو الأصل وبدؤوا بربع العبادات اهتماما بالأمور الدينية فقدموها على الدنيوية وقدموا ربع المعاملات على النكاح وما يتعلق به لأن سبب المعاملات وهو الأكل والشرب ونحوهما ضروري يستوي فيه الكبير والصغير وشهوته مقدمة على شهوة النكاح وقدموا النكاح على الجنايات والمخاصمات لأن وقوع ذلك في الغالب إنما هو من شهوة البطن والفرج وهذه مناسبة حسنة ذكرها المتولي في تتمته.
ثم أعلم أن تعريف المركب متوقف على معرفة كل من مفرديه فالكتاب والكتب مصدران صرح به جماعة و كتب يدور معناها على الجمع يقال كتبت البغلة إذاجمعت بين شفريها بحلقة أو سير قال سالم بن دارة:
لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك واكتبها بأسيار
أي واجمع بين شفريها بحلقة أو سير.
والقلوص في الإبل بمنزلة الجارية في الناس وتكتبت بنو فلان إذا اجتمعوا ومنه قيل لجماعة الخيل كتيبة والكتابة بالقلم كتابة لاجتماع الكلمات والحروف وقول من قال إن الكتاب مشتق من الكتب عجيب لأن المصدر لايشتق من مثله وجوابه أن المصدر أطلق وأريد به اسم المفعول وهو المكتوب كقولهم ثوب نسج اليمن أي منسوجه فكأنه قيل المكتوب للطهارة والمكتوب للصلاة ونحوها أوأن المراد به الاشتقاق الأكبر وهو اشتقاق الشيئ مما يناسبه مطلقاً كالبيع مشتق من الباع وهيـــــــ
بالمثلثة عبارة عن الرمل المجتع وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا.
وأما الطهارة: فمصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما كالضخامة فعل لازم لايتعدى إلا بالتضعيف فيقال طهر وقد تفتح الهاء من طهر فيكون مصدره طهرا دون طهارة كحكم حكما وأما فعالة فلم يأت مصدرا لفعل
ومعناها لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار ومادة "ن ز ه" ترجع إلى البعد وفي الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على مريض قال لا بأس طهور إن شاء الله أي مطهر من الذنوب وهي أقذار معنوية.
وشرعا: رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء أو رفع حكمه بالتراب ذكره في المغني و الشرح وأورد عليه عكسه الحجر وما في معناه في الاستجمار ودلك النعل وذيل المرأة على قول والأغسال المستحبة والتجديد والغسلة الثانية والثالثة فإنها طهارة شرعية ولا تمنع الصلاة ثم يحتاج إلى تقييدهما بكونهما طهورين
وأجيب عن الأغسال المستحبة وما في معناه بأن ذلك مجاز لمشابهته الرافع في الصورة زاد ابن أبي الفتح وما في معناه ورد بأنه مع ما فيه من الإجمال يوهم أن من حدث أو نجاسة بيان لما في معناه وليس كذلك وإنما هو لبيان ما يمنع الصلاة
وفي الوجيز استعمال الطهور في محل التطهير على الوجه المشروع ورد بأن فيه زيادة مع أنه حد للتطهير لا للطهارة فهو غير مطابق للمحدود
وفي شرح الهداية خلو المحل عما هو مستقذر شرعا وهو إما حسي ويسمى نجاسة وإما حكمي ويسمى حدثا فالتطهير إخلاء المحل من الأقذار الشرعية
وفي ابن المنجا استعمال الماء الطهور أو بدله في أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص ورد بأنه قاصر وبأن الطهارة قد توجد حيث لا فعل بالكلية


ـــــــ
كالخمرة إذا انقلبت بنفسها خلا والأولى أنها رفع الحدث وإزالة النجس وما في معنى ذلك لأن الشرع لم يرد باستعماله إلا فيهما فعند إطلاق لفظ الطهارة في كلام الشارع إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي وكذا كل ما له موضوع شرعي ولغوي كالصلاة فكتاب الطهارة هو الجامع لأحكام الطهارة من بيان ما يتطهر به وما يتطهر له وما يجب أن يتطهر منه إلى غير ذلك.

باب المياه
ـــــــ
باب المياهالباب معروف وقد يطلق على الصنف وهو ما يدخل منه إلى المقصود ويتوصل به إلى الإطلاع عليه.
المياه جمع ماء وهمزته منقلبة عن هاء فأصله موه وجمعه في القلة أمواه وفي الكثرة عند البصريين مياه وعند الكوفيين مياه جمع قلة أيضا وهو اسم جنس وإنما جمع لاختلاف أنواعه وهي أي المياه على ثلاثة أقسام لأن الماء لا يخلو إما أن يجوز الوضوء به أولا فإن جاز فهو الطهور وإن لم يجز فلا يخلو إما أن يجوز شربه أولا فإن جاز فهو الطاهر وإلا فهو النجس أو نقول إما أن يكون مأذونا في استعماله أولا الثاني النجس والأول إما أن يكون مطهرا لغيره أو لا والأول الطهور والثاني الطاهر وطريقة الخرقى وصاحب التلخيص أن الماء ينقسم إلى قسمين طاهر وهو قسمان طاهر مطهر وطاهر غير مطهر ونجس وطريقة الشيخ تقي الدين أنه ينقسم إلى طاهر ونجس وقال إثبات قسم طاهر غير مطهر لا أصل له في الكتاب والسنة وذكر ابن رزين أنه أربعة أقسام

وهي على ثلاثة أقسام ماء طهور
ـــــــ
وزاد المشكوك فيه
"ماء طهور" قدمه على قسميه لمزيته بالصفتين والطهور بضم –الطاء- المصدر وقال اليزيدي وبفتحها في ذاته المطهر غيره مثل الغسول الذي يغسل به فعلى هذا هو من الأسماء المتعديه وفاقا لمالك والشافعي
وقال أبو حنيفة وابن داود: هو من الأسماء اللازمة بمعنى الطاهر سواء لأن العرب لا تفرق بين فاعل وفعول في التعدي واللزوم كقاعد وقعود وإذا كان الطاهر غير متعد فالطهور كذلك وأيضا لو كان الطهور متعديا لم يصدق عليه هذا الإطلاق حقيقة إلا بعد وجود التطهير كقتول وضروب وجوابه قوله تعالى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وفي الصحيحين من حديث جابر مرفوعا "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" ولو أراد به الطاهر لم يكن له مزية على غيره لانه طاهر في حق كل أحد وروي مالك والخمسة وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر فقال "هو الطهور ماؤه" 1 ولو لم
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مالك في الموطأ "12", ومن طريقه أبوداود "83",والترمذي "69" والنسائي "1/50", و"1/176", وابن ماجه"386", "3246", وأحمد"2/393,361,237", والدارمي "2017,735", وابن الجارود"43", والبغوي "في شرح السنة" "281", والبهقي في "السنن" "1/3", والدارقطني "1/36" والبخاري في "التأريخ" "3/478", وصححه ابن حبان "1243"وهو في الموارد "119", وابن خزيمة "111", والحاكم "1/140" ووافقه الذهبي.
وأخرجه أحمد "2/392", والحاكم"1/141"
وأخرجه أحمد أيضا "2/392"والبخاري في "التاريخ" "3/478" والدارمي"734", والحاكم "1/141", والبيهقي "1/3" من طرق, به.
قال البيهقي فيما نقله عنه الزيلعي في نصب الراية "1/97": ". وإنما لم يخرجه البخاري, ومسلم في صحيحيهما لاختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة, والمغيرة بن أبي بردة".==

.
ـــــــ
يكن الطهور متعديا بمعنى المطهر لم يكن ذلك جوابا للقوم حيث سألوه عن التعدي إذ ليس كل طاهر مطهرا
وأما قوله تعالى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان: 21] فمعناه: طاهرا مطهرا وإن لم يحتج هناك إلى التطهير إذ لا نجاسة فيها لأن القصد وصفه بأعلى الأشربة عندنا وهو الماء الجامع للوصفين
وقال ابن عباس: شرابا طهورا أي مطهرا من الغل والغش
وقولهم: إن العرب سوت بينهما في اللزوم والتعدي قلنا قد فرقوا بينهما في الجملة فقالوا قتول لمن كثر منه القتل فيجب أن يفرق هنا وليس الأمر إلا من حيث اللزوم والتعدي
قال القاضي أبو الحسين وغيره: وفائدة الخلاف أن عندنا أن النجاسة لا تزال بشيء من المائعات غبر الماء وعندهم يجوز
وقال الشيخ تقي الدين: ولا ترفع النجاسة عن نفسها والماء يدفعه لكونه مطهرا وقيل - وفاقا لمالك-: الطهور: ما يتكرر منه التطهير كالصبور والشكور لمن تكرر منه الصبر والشكر.
وأجاب القاضي عن قولهم إن المراد جنس الماء أو كل جزء ضم إلى غيره وبلغ قلتين أو أن معناه بفعل التطهير ولو أريد ما ذكروه لم يصح وصفه بذلك إلا بعد الفعل.
ـــــــ
=قلت: وتابع سعيد بن سلمة عن المغيرة به يزيد بن محمد القرشي عند الحاكم "1/142" والبيهقي, قال الزيلعي: ولايضر اختلاف من اختلف عليه فيه فإن مالكا قد اقام إسناده عن صفوان بن سليم وتابعه الليث بن سعد عن يزيد عن الحلاج كلاهما عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن ابي بردة ثم يزيد بن محمد القرشي عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فصار الحديث بذلك صحيحا.
وقال الترمذي في "العلل" رقم "23": سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هو حديث صحيح. ونقل الحافظ بن حجر في "تهذيب التهذيب" "10/230" تصحيح هذغ الحديث عن بن خزيمة, وابن حبان, وابن المنذر, والخطابي والطحاوي, وابن مندة والحاكم وابن حزم, والبهقي وعبد الحق.

وهو الباقي على أصل خلقته
ـــــــ
"وهو الباقي على أصل خلقته" على أي صفة كان من برودة أو حرارة أو ملوحة أو غيرها كماء السماء لقوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:48]
وذوب الثلج والبرد لقوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم طهرني بالثلج والبرد" ظاهرا البارد رواه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى
وماء البحر لقوله عليه السلام "هو الطهور ماؤه" وكره جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر الوضوء بماء البحر وقال هو نار
وماء البئر لأنه عليه السلام توضأ من بئر بضاعة رواه النسائي1 وغيره
قال أحمد حديث بئر بضاعة صحيح
وماء العيون والأنهار لأنهما كماء البئر وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء" وأمر أسماء بنت عميس أن تغسل دم الحيض بالماء
واقتضى كلامه جواز الطهارة أيضا بكل ماء شريف جزم به في الوجيز حتى ماء زمزم في رواية ورجحها المجد وهو قول أكثر العلماء لقول علي "ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ" رواه عبد الله بن
ـــــــ
1 الحديث عند الترمذي كتاب الطهارة باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء"66" مقرونا بـ"هناد" الحسن بن علي الخلال وغير واحد.
وأخرجه أحمد "11273" "3/31", وأبو داود, كتاب الطهرة باب: ماجاء في بئر بضاعة "66" والنسائي: كتاب المياه, باب: ذكر بئر بضاعة "1/174". وابن الجارود في "المنتقى" "47", والدارقطني "10" "1/30-29", ولبيهقي في "السنن الكبرى" "1/4-5", والمزي في "تهذيب الكمال" "19/84" ترجمة عبيد الله بن عبد الرحمن من طرق عن أبي اسامة, به. ولفظه: عن أبي سعيد الخدري؛ قال: قيل: يارسول الله! أنتوضأ من بئر يضاعة, وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء".

و ما تغير بمكثه أو بطاهر لا يمكن صونه عنه كالطحلب
ـــــــ
أحمد بإسناد صحيح
ويكره في أخرى نص عليه وذكر القاضي أبو الحسين أنها أصح وقدمها أبو الخطاب واحتج أحمد بما روي عن زر بن حبيش قال رأيت العباس قائما عند زمزم يقول ألا لا أحله لمغتسل ولكنه لكل شارب حل وبل
وروي أبو عبيد في الغريب أن عبد المطلب بن هاشم قال ذلك حين احتفره والأول أولى لأن شرفه لا يلزم منه ذلك كالماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وكالنيل والفرات فإنهما من الجنة وقول العباس محمول على من يضيق على الناس الشراب وكونه من منبع شريف لا يمنع منه كعين سلوان اللهم إلا أن يقال له خصوصية انفرد بها وهي كونه يقتات به كما أشار إليه أبو ذر في بدء إسلامه
وفي التلخيص أنه لا يكره الوضوء به فدل على أن إزالة النجاسة به تكره وجزم به في الوجيز وذكر الأزجي في نهايته أنه لا يجوز إزالة النجاسة به وفيها يتخرج أن تقول لا تحصل الطهارة به لحرمته
وفي جبل التراب الطاهر به ورش الطرق وجهان.
واختلف الأصحاب لو سبل ماء للشرب هل يجوز الوضوء به مع الكراهة أم يحرم على وجهين وقيل يكره الغسل لا الوضوء اختاره الشيخ تقي الدين وظاهر كلامه لايكره ما جرى على الكعبة وصرح به غير واحد.
"وما تغير بمكثه" يعني أن الماء الآجن الذي تغير بطول إقامته في مقره باق على إطلاقه لأنه عليه السلام توضأ بماء آجن ولأنه تغير عن غير مخالطة أشبه المتغير بالمجاورة وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ قوله من أهل العلم سوى ابن سيرين فإنه كره ذلك وجزم به في الرعاية وفي المحرر لا بأس به
و تغير "بطاهر لا يمكن صونه عنه" أي لا يمكن التحرز منه "كالطحلب" يجوز

وورق الشجر أو بما لا يخالطه كالعود والكافور والدهن أوبما أصله الماء كالملح البحري أو ما تروح بريح ميتة إلى جانبه
ـــــــ
فيه ضم اللام وفتحها وهو النبت الأخضر الذي يخرج في أسفل الماء حتى يعلوه
"وورق الشجر" الذي يسقط فيه لأنه يشق الاحتراز عنه أشبه المتغير بتبن أو عيدان وكالمتغير بكبريت أو قار أو في آنية أدم أو نحاس وفي الرعاية هو من الطهور المكروه وفي المحرر لا بأس به
وفي المتغير بتراب طهور طرح فيه قصدا وجهان قال ابن حمدان إن صفا الماء فطهور وإلا فطاهر وجزم في المغني و الشرح أنه طهور لكونه يوافق الماء في صفتيه الطاهرية والطهورية وفي المحرر عكسه وهذا كله مع رقته فإن ثخن بحيث لا يجري على الأعضاء لم تجز الطهارة به لأنه طين وليس بماء
"أو" تغير "بما لا يخالطه كالعود" والمراد به العود القماري بفتح القاف منسوب إلى قمار موضع من بلاد الهند والكافور هو المشموم من الطيب والدهن على اختلاف أنواعه لأنه تغير عن مجاورة أشبه المتغير بجيفة بقربه وفيه وجه يصير طاهرا اختاره أبو الخطاب وأطلق في المحررالخلاف.
ومفهوم كلامه في المغني والشرح إن تخلل من ذلك شيئ فطاهر وإلا فطهور فلو خالط الماء بان دق أو إنماع فأقوال.
"أو" تغير "بما أصله الماء كالملح البحري" وهو الماء الذي يرسل على السباخ فيصير ملحا لأن المتغير به منعقد من الماء أشبه ذوب الثلج واقضى ذلك أن الملح المعدني ليس كذلك وهو صحيح صرح به في المغني وغيره لأنه خليط مستغنى منعقد من الماء أشبه الزغفران وقيل لا يسلبه الطهورية لأنه كان في الأصل ماء ولهذا يذوب بالنار
"أو ما تروح بريح ميتة إلى جانبه" بغير خلاف نعلمه لأنه تغير مجاورة.

أو سخن بالشمس، أو بطاهر
ـــــــ
"أو سخن بالشمس" نص عليه كراهة وقال في رواية أبي طالب أهل الشام يروون فيه شيئا لا يصح واختاره النووي
وقال أبو الحسن التميمي يكره المشمس فصدا وفاقا للشافعي وقال لا أكرهه إلا من جهة الطب وروي في الأم عن عمر أنه قال لا تغتسلوا بالماء المشمس فإنه يورث البرص
وروي الدار قطني عن عائشة قالت "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سخنت ماء في الشمس فقال: "لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص"
وشرطه عندهم أن يكون ببلاد حارة وآنية منطبعة كنحاس لا خزف ولا يشترط تغطية رأس الإناء ولا قصد التشميس على الأصح وإن برد زالت الكراهة على الأصح في زيادة الروضة.
والأول قول أكثر العلماء لعموم الأدلة فإنها تشمل المشمس وغيره لأن سخونته بغير نجاسة أشبه المشمس بغير قصد والمشمس في البرك والسواقي والمسخن بالطاهرات لأنها صفة خلق عليها الماء أشبه ما لو برده
وحديث عائشة في بعض الإشارة إسماعيل بن عياش وفي بعضها الهيثم بن عدي وفي بعضها وهب بن وهب أبو البختري وكلهم ضعفاء
قال النووي: هو حديث ضعيف باتفاق المحدثين ومنهم من يجعله موضوعا وخبر عمر أيضا ضعيف باتفاقهم لأنه من رواية إبراهيم بن أبي يحيى ويعضد ذلك إجماع أهل الطب على أن استعمال ذلك لا أثر له في البرص ولأنه لو أثر لما اختلف بالقصد وعدمه
"أو بطاهر" كالحطب نص عليه في رواية صالح وابن منصور وقاله أكثر العلماء لعموم الرخصة
وعن عمر أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به رواه الدارقطني بإسناد

فهذا كله طاهر مطهر يرفع الأحداث, ويزيل الأنجاس غير مكروه الاستعمال.
ـــــــ
صحيح
وعن ابن عمر "أنه كان يغتسل بالحميم" رواه ابن أبي شيبة ولأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه وكرهه مجاهد لأنه عليه السلام نهى عن الوصوء بالماء الحميم وذكر في المستوعب و المغني و المحرر أنه إن اشتد حره كره وعليه يحمل النهي عن الوضوء بماء الحميم إن ثبت لكونه يؤذي أو يمنع الإسباغ ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة أو قصد التنعم به وهذا إجماع منهم على أن سخونة الماء لا توجب كراهته
"فهذا" إشارة إلى ما سبق "كله طاهر مطهر يرفع الأحداث"
جمع حدث وهو ما أوجب الوضوء أو الغسل
"ويزيل الأنجاس" جمع نجس بفتح الجيم وكسرها وهو في اللغة المستقذر يقال نجس ينجس كعلم يعلم ونجس ينجس كشرف يشرف
وفي الاصطلاح كل عين حرم تناولها على الإطلاق في حالة الاختيار مع إمكانه لا لحرمتها ولا استقذارها ولا لضرر بها في بدن أو عقل
واحترز بالإطلاق عما يباح قليله دون كثيره كبعض النبات الذي هو سم وبالاختيار عن الميتة فإنها لا تحرم في المخمصة مع نجاستها وبإمكان التناول عن الحجر ونحوه من الأشياء الصلبة وبعدم الحرمة عن الآدمي وبعدم الاستقذار عن المخاط والمني زاد بعضهم مع سهولة التمييز يحترز به عن الدود الميت في الفاكهة ونحوها
"غير مكروه الاستعمال" لأن الكراهة تستدعي دليلا والأصل عدمه واستثنى بعضهم لا إن تغير بمخالطة عود أو كافور أو دهن أو بما أصله الماء أو سخن بمغصوب أو اشتد حره أو برده أو ماء زمزم في إزالة نجاسة أو بئر في مقبرة فيكره

وإن سخن بنجاسة، فهل يكره استعماله؟ على روايتين
ـــــــ
"وإن سخن بنجاسة فهل يكره استعماله على روايتين" كذا أطلقهما كثير من الأصحاب منهم أبو الخطاب
وفي المحرر و التلخيص و الفروع إحداهما لا يكره اختاره ابن حامد لأن الرخصة في دخول الحمام تشمل الموقود بالطاهر والنجس وأنه لم تتحقق نجاسته أشبه سؤر الهر وماء سقايات الأسواق والأحواض في الطرقات
والثانية يكره صححها في الرعاية وإن برد ونصرها أبو الخطاب وجزم بها في الوجيز قال المجد وهو الأظهر لعموم قوله عليه السلام: "دع ما يريبك" ولأنه لا يسلم غالبا من دخانها وصعوده بأجزاء لطيفة منها
وقيل: إن ظن وصول النجاسة كره وإن ظن عدمه فلا وإنه تردد فروايتان وفي المغني إن تحقق وصول النجاسة إليه وكان الماء يسيرا نجس وإن تحقق عدم وصولها إليه والحائل غير حصين كره وإن كان حصينا فقال القاضي يكره واختار الشريف وابن عقبل وصححه الأزجي أنه لا يكره
فرع : إذا وصل دخان النجاسة فهل هو كوصول نجس أو طاهر مبني على الاستحالة وعنه يكره ماء الحمام لعدم تحري من يدخله ونقل الأثرم أحب أن يجدد ماء غيره
فرع : لا تصلح الطهارة بماء مغصوب كالصلاة في ثوب غصب وإن حفرت البئر بمال مغصوب أو في موضع غصب أو مما ثمنه المتعين في عقد شرائه حرام صح على الأصح.

فصل
القسم الثاني : ماء طاهر غيرمطهر وهو ما خالطه طاهر فغيراسمه أو غلب على أجزائه أو طبخ فيه فغيره
ـــــــ
فصل:
هو عبارة عن الحجز بين شيئين ومنه فصل الربيع لأنه يحجز بين الشتاء والصيف وهو في كتب العلم كذلك لأنه حاجز بين أجناس المسائل وأنواعها
القسم الثاني : "ماء طاهر غيرمطهر" جعله وسطا لسلب إحدى الصفتين وبقاء الأخرى
وهو قسمان: أحدهما : غير مطهر بالإجماع "وهو ما خالطه طاهر" يمكن أن يصان الماء عنه والمراد بالمخالطة هنا الممازجة بحيث يستهلك جرم الطاهر في جرم الماء وتتلاقى جميع أجزائهما
والثاني مختلف في التطهير به وسيأتي
والأول: ثلاثة أنواع: ما خالطه طاهر "فغيراسمه" بأن صار صبغا أو خلا لأنه أزال عنه اسم الماء
"أو غلب على أجزائه" فصيره حبرا لأن المخالط إذا غلب على أجزاء الماء أزال معناه لكونه لا يطلب منه الإرواء
"أو طبخ فيه فغيره" حتى صار مرقا كماء الباقلاء المغلي لانه قد بقي طبيخا وزال عنه مقصود الماء من الإرواء أشبه ما لو صار حبرا
وقد فهم منه أن الماء إذا خالطه الطاهر ولم يغيره أنه باق على طهوريته لما روت أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وزوجته من قصعة فيها أثر العجين رواه أحمد وغيره وقد أورد ابن المنجا بأن الطبخ إن تغير فيه تغير الاسم أو غلبة الاجزاء كانـــــــ
كالنوعين فلا حاجة إلى ذكره وإن لم يعتبر فيه ذلك دخل فيه ماء سلق فيه بيض فإنه يسمى طبخا بدليل اليمين وطبخ ما ذكر لا يسلبه الطهورية وأجاب بأن المراد به الطبخ المعتاد وقوله طبخ فيه لا عموم له
تذنيب : حكم المياه المعتصرة من الطهارات كماء الورد وما ينزل من عروق الاشجار غير مطهر خلافا لابن أبي ليلى والأصم إذ الطهارة لا تجوز إلا بالماء المطلق وكذا النبيذ نص عليه وهو قول الجماهير واختاره الطحاوي وصححه قاضي خان.
وقال عكرمة وفاقا لأبي حنيفة في المشهور عنه يتوضأ به في السفر عند عدم الماء وعنه يجب الجمع بينه وبين التيمم وقاله محمد بن الحسن وعنه الجمع بينهما مستحب ويجوز الاقتصار على النبيذ وقاله إسحاق وقال أبو حنيفة يتوضأ به وتشترط فيه النية ولا يتيمم
قال الرازي: وهي أشهر عنه وقاله زفر
قال في المحيط و المبسوط وقاضي خان: النبيذ المشتد حرام شربه فكيف يتوضأ به واحتجوا بما روي أبو فزارة واسمه راشد بن كيسان عن أبي زيد عن ابن مسعود قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فقال "أمعك ماء" قلت لا قال "ما في الإداوة" قلت نبيذ فقال "تمرة طيبة وماء طهور" رواه أحمد وأبو بكر ابن أبي شيبة1
ـــــــ
1 أحمد في "المسند" "1/499" وأخرجه أيضا "1/450,402" وأبو داود "84" والترمذي"88", وابن ماجه "384", وابن أبي شيبة في "المصنف" "1/83-39" وأبو يعلى "مسنده" "8/5046" "9/531/9" وابن عدي في "الكامل" "4/1330" "7/2746", والطبراني في "الكبير" "10/9967,9962", وابن حبان في "المجروحين" "3/158", والبيهقي في "الكبير" "1/10,9", والمزي في "تهذيب الكمال" "33/333- ترجمة أبي زيد", وابن الجوزي في "العلل المتناهية" "1/رقم 587", والجوزقاني في "الأباطيل" "1/312" من طرق عن أبي فزارة به مطولا ومختصرا.

فإن غيرأحد أوصافه: لونه
ـــــــ
وجوابه: أنه مائع لا يقع عليه اسم الماء المطلق أشبه نبيذ الزبيب وحديث ابن مسعود لم يصححه أحمد وأبو زرعة
وقال الخلال: كأنه موضوع
وقال جماعة: "لم يكن ابن مسعود مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن" وقال الطبراني أحاديث الوضوء بالنبيذ وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية
قال عبد الحق لا يصح منها شيء
وقال الطحاوي إنما ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى الوضوء بالنبيذ اعتمادا على حديث ابن مسعود ولا أصل له
ثم شرع في بيان القسم الثاني المختلف فيه فقال "فإن غير" أي الطاهر سواء كان مذرورا كالزعفران والأشنان أو حبوبا كالباقلاء والحمص
"أحد أوصافه" والمذهب أو أكثرها "لونه" واختلف في لون الماء على أقوال وذهب جماعة أنه لا لون له ورد بقوله عليه السلام عن ماء الحوض"
ـــــــ
= قلت: ابو زيد مولى عمرو بن حريث هذا جهله البخاري والترمذي وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وابن حبان وأبو أحمد الحاكم وابن عدي وغيرهم.
وقال بن عدي: لايصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف القرآن.
وقال بن أبي حاتم في "العلل" "1/17" سمعت أبا زرعة يقول حديث أبي فزارة ليس بصحيح وأبو زيد مجهول.
وقال بن عبد البر في"الاستيعاب": "..أبو زيد مولي عمرو بن حريث مجهول عندهم لا يعرف بغير رواية أبي فزارة, وحديثه عن ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ منكر لاأصل له ولا رواه من يوثق به ولا يثبت"
وقال النووي في "المجموع شرح المهذب" "1/94": هو حديث ضعيف بإجماع المحدثين وزاد في شرحه "صحيح مسلم" "4/223": مداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول.
وذكر الهيثمي في "المجمع" "8/316-317" وقال: رواه أبو داود وغيره. باختصار. ورواه أحمد وفيه أبو زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول.
وقال الحافظ في"الفتح" "1/354": "هذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه".

أو طعمه أو ريحه أو استعمل في رفع حدث
ـــــــ
"أشد بياضا من اللبن"
"أو طعمه أو ريحه" فهو طاهر غير مطهر في رواية نص عليها اختارها الخرقي وأبو بكر في الشافي وأبو حفص في المقنع والقاضي وقال هي المنصورة عند أصحابنا لأنه تغير بمخالطة طاهر يمكن صونه عنه أشبه ما لو تغير بطبخ ولأنه لو وكل في شراء ماء لم يلزمه قبوله والنصوص إنما وردت في الماء المطلق العاري عن القيود بدليل صحة النفي ولو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء الزعفران لم يحنث
وكلامه دال على أنه لا فرق في التغيير بين الأوصاف الثلاثة لأن الأصحاب سووا بينها قياسا لبعضها على بعض لكن الخرقي شرط الكثرة في الرائحة دون غيرها قال ابن حمدان وهو أظهر لسرعة سرايتها ونفوذها
وفي أخرى مطهر نقلها أبو الحارث والميموني وذكر في الكافي أنها أكثر الروايات عنه لقوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43]وهو عام في كل ماء لأنه نكرة في سياق النفي فلم يجز التيمم عند وجوده ولأنه لم يسلبه اسمه ولا رقته أشبه المتغير بالدهن
وفي ثالثة: طهور مع عدم قاله ابن أبي موسى والأول أصح لأنه إن لم يسلبه اسمه فقد سلبه الإطلاق والقياس على المتغير بالدهن لا يصح لأنه تغير عن مجاورة وهذا تغير عن مخالطة.
فرع : إذا غير وصفين أو ثلاثة فذكر القاضي روايتين إحداهما مطهرة لأن الصحابة كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة ولم يكونوا يتيممون معها والثانية ليس بمطهر على الأشهر لأنه غلب على الماء أشبه ما لو زال اسمه
"أو استعمل" وكان دون القلتين جزم به في المحرر و الوجيز "في رفع

.
ـــــــ
حدث" أي حدث كان فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم "صب على جابر من وضوئه" رواه البخاري. غير مطهر في رواية وفي الكافي إنها الأشهر وذكره ابن شهاب ظاهر المذهب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" رواه مسلم من حديث أبي هريرة
ولولا أنه يفيد منعا لم ينه عنه ولأنه أزال به مانعا من الصلاة أشبه ما لو أزال به النجاسة أو استعمل في عبادة على وجه الإتلاف أشبه الرقبة في الكفارة
وفي أخرى مطهر اختارها ابن عقيل وأبو البقاء لما روي ابن عباس مرفوعا " الماء لا يجنب "رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي لأنه ماء طاهر لاقى أعضاء طاهرة فلم يسلبه الطهورية أشبه ما لو تبرد به
وفي ثالثة: نجس نص عليه في ثوب المتطهر لأنه عليه السلام نهي عن الغسل في الماء الدائم ونهى عن البول فيه ولا شك أن البول ينجسه فكذا الغسل ولأنه أزال مانعا من الصلاة أشبه إزالة النجاسة
قال جماعة: وعليها يعفى عما قطر على بدن المتطهر وثوبه ويستحب غسله في رواية وفي أخرى لا صححه الأزجي والشيخ تقي الدين والأولى أصح لأن رفع الحدث لا يقاس على إزالة النجس لما بينهما من الفرق وبأنه يكفي اشتراكهما في أصل المنع من التطهير به ولا يلزم اشتراكهما في التنجيس قاله في الشرح
وقال أبو الفرج: ظاهر كلام الخرقي أنه طهور في إزالة الخبث وفيه نظر والمنفصل من غسل الميت إذا قلنا بطهارته فيه الروايات ويستثنى على الأول غيرغسل ذمية لحيض ونفاس وجنابة ذكره في الشرح فيه وجها واحدا بالشرط السابق فإن كان قلتين أو غسل رأسه بدلا عن مسحه لم يسلبه
مسألة : إذا اشترى ماء ليشربه فبان قد توضئ به فعيب لأنه مستقذر شرعا ذكره في "النوادر".

أو طهارة مشروعة كالتجديد وغسل الجمعة أوغمس يده فيه قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثا فهل يسلبه الطهورية على روايتين
ـــــــ
"أو طهارة مشروعة كالتجديد وغسل الجمعة" والإحرام وسائر الأغسال المستحبة فالمذهب أنه طهور قدمه في الكافي و المحرر وجزم به في الوجيز وصححه في النهاية لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا أشبه التبرد
والأخرى غيرمطهر قدمها ابن تميم لأنه استعمل في طهارة شرعية أشبه ما لو رفع به حدثا وظاهره أن الطهارة إذا لم تكن مشروعة كالتبرد لم تسلبه الطهورية بغير خلاف نعلمه قاله في المغني و الشرح.
مسائل :
الأولى : المذهب يصير الماء مستعملا بانتقاله إلى عضو آخر وعنه لا قاله في النهاية وعنه لا في الجنب وعنه يكفيهما مسح اللمعة بلا غسل ذكره ابن عقيل.
الثانية : أعضاء الحدث الأصغر ليست كعضو واحد وعنه بلى:
الثالثة : إذا انغمس جنب أو محدث في قليل راكد بنية رفع حدثه أو نواه بعد انغماسه لم يرتفع وصار مستعملا نص عليه
قيل: بأول جزء لاقى منه الماء كمحل نجس لاقاه وذلك الجزء غير معلوم قاله القاضي وغيره وقيل بأول جزء انفصل كالمتردد على المحل ويتوجه على الخلاف ما لو اغترف منه آخر وتوضأ به قبل الانفصال وقيل ليس مستعملا وقيل يرتفع.
"أو غمس يده" وهي من رؤوس الأصابع إلى الكوع وقيل أو بعضها "فيه" أي في الماء إذا كان دون قلتين ودل على أنه لا أثر لغمسها في مائع طاهر وهو كذلك في الأصح
"قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثا فهل يسلبه الطهورية على روايتين"ـــــــ
إحداهما: يسلبه اختاره أبو بكر والقاضي وكثير من الأصحاب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده" متفق عليه من حديث أبي هريرة ولفظه لمسلم وفي رواية "فليغسل يده" ولأبي داود والترمذي وصححه "من الليل" فأتى ذلك الوجوب
وعليها غسلهما شرط لصحة الوضوء قاله ابن عبدوس وهل هو تعبد فيجب إن شدت يده أو جعلت في جراب أو نحوه أو معلل بوهم النجاسة فلا يجب فيه وجهان
ويتعلق هذا الحكم بالنوم الناقض للوضوء وقال ابن عقيل هو مازاد على نصف الليل لأنه قبل ذلك لا يسمى بيتوتة بدليل ما لو دفع قبل نصف الليل فإن عليه دما وينتقض بمن وافاها بعد نصف الليل فإنه لا دم عليه مع كونه أقل من نصفه واقتضى كلامه أن نوم النهار لا أثر له
قال في الشرح رواية واحدة حملا للمطلق على المقيد وعنه بلى وهو قول الحسن وظاهره أنه يؤثر غمسها فيه بعد غسلها مرة أو مرتين وهو كذلك في قول الأكثر وقيل يكفي غسلها مرة فعلى هذا لا يؤثر غمسها فيه بعد ذلك وفي وجوب النية والتسمية لغسلهما أوجه
ثالثها: تجب النية فقط والمذهب لا فرق في الغمس بعد نية غسلها أو قبلها وقال المجد إنما يؤثر إذا كان بعد نية الوضوء وقبل غسلهما وعليها إذا لم يجد غيره استعمله وتيمم معه ويجوز استعماله في شرب وغيره وقيل يكره وقيل يحرم صححه الأزجي للأمر بإراقته وظاهره أنه إذاحصل في يده من غير غمس أنه طهور وهو كذلك في رواية وعنه كغمسه وفم أو رجل كيد في قليل بعد نية غسل واجب لا وضوء وفي الشرح أنه إذا

وإن أزيلت به النجاسة فانفصل متغيراً أو قبل زوالها فهو نجس وإن انفصل غير متغير بعد زوالها فهو طاهر إن كان المحل أرضا.
ـــــــ
كانت يده نجسة والماء قليل وليس معه ما يغترف به فإن أمكنه أن يأخذ بفيه ويصب على يديه أو يغمس خرقة أو غيرها فعل فإن لم يمكنه تيمم كي لا ينجس الماء ويتنجس به ومقتضاه أنه شامل للصغير والمجنون والكافر كضدهم وهو وجه.
والثانية : لا يسلبه اختارها الخرقي والشيخان وجزم بها في الوجيز وذكر في الشرح أنه الصحيح لأنه ماء لاقى أعضاء طاهرة فكان على أصله ونهيه عليه السلام عن غمس اليد إن كان لوهم النجاسة فهو لا يزيل الطهورية كمالا يزيل الطاهرية وإن كان تعبدا اقتصر على مورد النص وهو مشروعية الغسل وحديث أبي هريرة محمول على الاستحباب
وفي ثالثة: هو نجس اختارها الخلال لأنه مأمور بإراقته في خبر رواه أبو حفص العكبري
وقد فصل بعضهم فقال إن قلنا بوجوب غسلهما فكمستعمل في رفع حدث وإن سن غسلهما كمستعمل في طهارة مسنونة
"وإن أزيلت به النجاسة فانفصل متغيرا" فهو نجس بغير خلاف لانه تغير بالنجاسة أو قبل زوالها يعني إذا متغير مع بقاء النجاسة كالمنفصل في السادسة من ولوغ الكلب
"فهو نجس" لأنه ملاق لنجاسة لم يطهرها فكان نجسا أشبه ما لو وردت عليه والمحل المنفصل عنه في الصورة الأولى طاهر صرح به الآمدي وهو مقتضى كلام القاضي وجزم في الانتصار بنجاسته وهو ظاهر كلام الحلواني
"وإن انفصل غيرمتغير بعد زوالها" وهو معنى كلامه في المحرر و الوجيز ولم يبق للنجاسة أثر "فهو طاهر إن كان المحل أرضا" نصره في الشرح وقدمه ابن تميم وابن حمدان لما روي البخاري من حديث أبي هريرة أن أعرابيا بال في

وإن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين
وهل يكون طهورا على وجهين وإن خلت بالطهارة منه
ـــــــ
طائفة المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم "دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء" أمر بذلك لأجل التطهير ولولا أنه يطهر لكان تكثيرا للنجاسة ويلزم منه طهارة المحل وقد صرح به في المحرر و الوجيز وإن لم ينفصل الماء وعن أحمد: إن كانت النجاسة رطبة والأرض صلبة فمنفصلة نجس
وقيل: المنفصل عن الأرض كالمنفصل عن غيرها في الطهارة والنجاسة وحكاه ابن البنا رواية
فرع : إذا وقع خمر على أرض فذهب بالماء لونه دون ريحه عفي عنه في الأصح وتطهر أرض البئر اليابسة ونحوها بنبع ماء طهور كثير فيها
"وإن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين" قاله ابن تميم وغيره لأنه انفصل عن محل محكوم بطهارته كالمنفصل في السابعة من ولوغ الكلب
وهو معنى كلامه في الوجيز وآخر غسلة زالت النجاسة بها ولانه بعض المتصل وهو طاهر بالإجماع
وشرطه الانفصال وصرح به في المحرر بخلاف الأرض لأنه إذا لم ينفصل فعين النجاسة قائمة ومقصود الغسل زوالها والثاني نجس اختاره ابن حامد لأنه ماء قليل لاقى نجاسة أشبه ما لو انفصل قبل زوالها والبلل الباقي إنما عفي عنه للضرورة
"وهل يكون طهورا على وجهين" مبنيان على المستعمل في رفع الحدث لأنه أزيلت به نجاسة حكمية لأنها زالت بما قبلها من الغسلات أشبه الحدث لاشتراكهما في المنع الشرعي "وإن خلت بالطهارة" أي الكاملة عن حدث "منه" إذا كان قليلا جزم به في الشرح و الوجيز لأن النجاسة لا تؤثر في

امرأة فهو طهور ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب
ـــــــ
الماء الكثير فهذا أولى
وقيل وبكثير "امرأة" مسلمة كانت أو ذمية وهو أحد الوجهين عنها إذا خلت به لغسلها من الحيض لأنه قد تعلق به إباحة وطئها
والثاني : لا يمنع لأن طهارتها غير صحيحة ومثله غسلها من النفاس والجنابة
وقيل: المميزة كذلك
"فهو طهور" بالأصل لأنه يجوز لها أن تتطهر به ولغيرها من النساء أشبه بالذي لم تخل به "ولا يجوز الرجل الطهارة به في ظاهر المذهب" لما روي الحكم بن عمرو الغفاري قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" رواه الخمسة إلا أن النسائي وابن ماجة قالا وضوء المرأة وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان واحتج به أحمد في رواية الأثرم
وخصصناه بالخلوة لقول عبد الله بن سرجس توضأ أنت ها هنا وهي ها هنا فإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم
ثم في معنى الخلوة روايتان:
إحداهما انفرادها به عن مشاركة رجل لقول عائشة "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة" متفق عليه
والثانية وهي الأصح أن لا يشاهدها أحد ثم طهارتها فعلى هذا هل ينعقد بمشاهدة المرأة والصبي والكافر على وجهين
أحدهما تزول كخلوة النكاح اختاره الشريف أبو جعفر
والثاني لا تزول إلا بمشاهدة مسلم مكلف اختاره القاضي والثانية تجوز،ـــــــ
وهي اختيار ابن عقيل قال في الشرح وهو أقيس لما روي ابن عباس أن امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم استحمت من جنابة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من فضلها فقالت يا رسول الله إني اغتسلت منه فقال "الماء لا يجنب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه
وهو ظاهر في الخلوة لأن العادة أن الإنسان يقصد الخلوة في الاغتسال وكاستعمالهما معا وكإزالتها به نجاسة وكامرأة أخرى وكتطهرها بما خلا به في الأصح فيهن ونقله الجماعة في الأخيرة وذكره القاضي وغيره إجماعا
وفي ثالثة: يجوز مع الكراهة ومعناه اختيار الآجري وهذا كله على رواية الطهورية وقيل أو الطاهرية وهو الذي في المستوعب واقتضى كلامه أن الخلوة به للشرب أو التبريد أو التنظيف من وسخ لا أثر له وهذا هو الأصح وإن كان لغسل بعض أعضائها عن حدث أو في طهر مستحب أو طهارة خبث أثرت قياسا على الوضوء
والثاني : لالأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة
فرع : الخنثى هنا كرجل ذكره ابن تميم وقدمه في الفروع وعند ابن عقيل كامرأه
قال ابن حمدان: هل تلحق الصبية بالمرأة والصبي بالرجل على وجهين وفيما تيممت به خلوة احتمالان
تذنيب : إذا اغترف بيده من القليل بعد نية غسله صار مستعملا نقله واختاره الأكثر وعنه لا اختاره جماعة لصرف النية بقصد استعماله خارجه
قال في الفروع وهو أظهر وقيل اغتراف متوضئ بعد غسل وجهه لم ينو غسلها فيه كجنب والمذهب طهور لمشقة تكرره فإن وقع في طهور مستعمل عفي عن يسيره فإن كثر الواقع وتفاحش منع في رواية
وقال المجد: الحكم للأكثر قدرا.

فصل
القسم الثالث: ماء نجس وهو ما تغير بمخالطة النجاسة فإن لم يتغير وهو يسير فهل ينجس على روايتين
ـــــــ
وقال ابن عقيل: إن كان الواقع بحيث لوكان خلا غيره منع
ونصه فيمن انتضح من وضوئه في إنائه لا بأس
وإن كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فكمله بمائع آخر لم يغيره جاز الوضوء به في رواية ورجحها في الشرح لأن المائع قد استهلك وإن بلغ بعد خلطه قلتين أو كانا مستعملين فطاهر وقيل طهور
فصل
"القسم الثالث ماء نجس" هذا شروع في بيان ما يسلب الماء صفتيه طهارته وتطهيره "وهو ما تغير بمخالطة النجاسة" في غير محل التطهير فينجس إجماعا حكاه ابن المنذر
وحكي ابن إلبنا أن بعضهم أخذ من كلام الخرقي العفو عن يسير الرائحة وهو شاذ إذ لا فرق بين كثير التغير ويسيره
مسألة يحرم استعماله إلا ضرورة لدفع عطش أو لقمة ويجوز سقيه البهائم قياسا على الطعام إذا تنجس وقال الأزجي لا يجوز قربانه بحال بل يراق
"فإن لم يتغير وهو يسير فهل ينجس على روايتين" أظهرهما ينجس قال في النهاية عليه الفتوى وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لما روي ابن عمر قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بالفلاة وما ينوبه من الدواب والسباع فقال " إذا بلغ الماء قتلتين لم ينجسه شيء" وفي رواية "لم يحمل الخبث" رواه الخمسة والحاكم وقال على شرط الشيخين ولفظه لأحمد وسئل ابن


ـــــــ
معين عنه فقال إسناده جيد وصححه الطحاوي قال الخطابي ويكفي شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه ولأنه عليه السلام أمر بإراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب ولم يعتبر التغيير وعموم كلامه يشمل الجاري والراكد وهو المذهب
وفي ثانية أن الجاري لا ينجس إلا بالتغير اختارها الموفق وجمع ورجحها في الشرح
وفي أخرى: تعتبر كل جرية بنفسها اختارها القاضي وأصحابه فإن كانت يسيرة نجست وإلا فلا والجرية ما أحاط بالنجاسة فوقها وتحتها إلى قرار النهر ويمنة ويسرة ما بين حافتي النهر زاد في المغني و الشرح ما قرب من النجاسة أمامها وخلفها ولابن عقيل ما فيه النجاسة وقدر مساحتها فوقها وتحتها ويمينها ويسارها انتهى
فإن كانت النجاسة ممتدة فهل تجعل كل جرية منها كنجاسة مفردة أو كلها نجاسة واحدة فيه وجهان والثانية لا ينجس إلا بالتغيير اختاره ابن عقيل وابن المنى والشيخ تقي الدين وفاقا لمالك لما روي أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر تلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم "الماء طهور لا ينجسه شيء" رواه أحمد وابو داود والترمذي وحسنه
قال أحمد حديث بئر بضاعة صحيح
قلت ويعضده حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه" رواه ابن ماجة والدارقطني
فرع: يسير النجاسة مثل كثيرها في التنجس وإن لم يدركها الطرف أي لا تشاهد بالبصر وفي عيون المسائل لابد أن يدركها الطرف وفاقا للشافعي وقيل إن مضى زمن تسري فيه زاد في الشرح إلا أن ما يعفى عن يسيره

وإن كان كثيرا، فهو طاهر إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرة مائعة ففيه روايتان: إحداهما لا ينجس، والأخرى ينجس.
ـــــــ
كالدم حكم الماء الذي تنجس به حكمه في العفو عن يسيره
"وإن كان كثيرا" ولم يغير بالنجاسة "فهو طاهر" بغير خلاف في المذهب ما لم يكن بول آدمي أو عذرته لخبر القلتين وبئر بضاعة وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى نجاسته إلا أن يبلغ حدا يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه واختلف فيه فقيل ما إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الآخر وقيل عشرة أذرع في مثلها وما دون ذلك فهو قليل وإن بلغ ألف قلة
"إلا ان تكون النجاسة بولاً" أي بول آدمي بقرينة ذكر العذرة فإنها مختصة به ولا فرق بين قليله وكثيره وخص في التلخيص الخلاف به فقط وقاله أحمد في رواية صالح
"أو عذرة مائعة" لأن أجزاءها تتفرق في الماء وتنتشر فهي كالبول بل أفحش والمذهب أن حكم الرطبة واليابسة إذا ذابت كذلك نص عليه
قال في الشرح وقدمه في الرعاية والأولى التفريق بين الرطبة والمائعة" ففيه روايتان إحداهما لا ينجس" اختارها أبو الخطاب وابن عقيل وقدمه السامري وفي المحرر لخبر القلتين ولأن نجاسة الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب وهو لا ينجسها فهذا أولى
"والأخرى ينجس" نص عليه في رواية صالح والمروذي وأبي طالب اختارها الخرقي والشريف والقاضي وابن عبدوس وأكثر شيوخ أصحابنا لما روي أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه" لفظ البخاري وقال مسلم ثم يغتسل منه وهذا يتناول القليل والكثير وهو خاص في البول وخبر القلتين محمول على بقية النجاسات فحصل الجمع بينهما.

إلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته فلا ينجس
ـــــــ
"إلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته فلا ينجس" هذا مستثنى مما سبق وهو الماء إذا كان كثيرا ووقعت فيه نجاسة ولم يتغير فهو طاهر واستثني من ذلك ما إذا كانت النجاسة بولا أو عذرة مائعة فإنه ينجس على المذهب وإن لم يتغير ما لم يبلغ الماء نزحه
قال في الشرح: لا نعلم خلافا أن الماء الذي لا يمكن نزحه إلا بمشقة عظيمة مثل المصانع التي جعلت موردا للحاج بطريق مكة يصدرون عنها ولا كانتا ما فيها أنها لا تنجس إلا بالتغيير
قال في المغني: لم أجد عن أحمد ولا عن أحد من أصحابه تقدير ذلك بأكثر من المصانع التي بطريق مكة
وقال الشيرازي: المحققون من أصحابنا يقدرونه ببئر بضاعة وهي ستة أشبار في مثلها
قال أبو داود: وقدرتها فوجدتها ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان هل غيربناؤها قال: لا
وقال: سمعت قتيبة بن سعيد قال سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها فقال أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة قلت فإذا نقص قال دون العورة
تنبيهات : الأول أن كل مائع كزيت وسمن ينجس قليله وكثيره بملاقاة النجاسة في رواية صححها في الشرح وقدمها في الرعاية لأنه لا يطهر غيره وإذا انضم إلى الماء النجس ماء طاهر كثير طهره إن لم يبق فيه تغير وإن كان الماء النجس كثيرا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير طهر فلم يرفع النجاسة عن نفسه كاليسير
وفي أخرى: كالماء ينجس إن قل أو تغير وإلا فلا
وفي ثالثة ما أصله الماء كالخل التمري فهو كالماء وغيره ينجس مطلقا وقال الشيخ تقي الدين ولبن كزيت.

وإذا انضم إلى الماء النجس ماء طاهر كثير طهره إن لم يبق فيه تغير وإن كان الماء النجس كثيرا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير طهر
ـــــــ
الثاني : ظاهر كلامهم أن نجاسة الماء النجس عينية وذكر الشيخ تقي الدين لا لأنه يطهر غيره فنفسه أولى وإنه كالثوب النجس ولهذا يجوز بيعه
الثالث: إذا غيرت نجاسة بعض الطهور الكثير ففي نجاسته ما لم يتغير مع كثرته وجهان والأشهر أنه طهور
"وإذا انضم إلى الماء النجس ماء طاهر" أي طهور "كثير طهره إن لم يبق فيه تغير وإن كان الماء النجس كثيرا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير طهر" هذا شروع في بيان تطهير الماء النجس وهو ينقسم ثلاثة أقسام
أحدها : أن يكون الماء النجس دون قتلين فتطهيره بالمكاثرة حسب الإمكان زاد في الرعاية عرفا واعتبر الأزجي والسامري الاتصال فيه بقلتين طهوريتين إما أن يصب فيه أو يجري إليه من ساقية أو نحو ذلك فيزول بهما تغيره إن كان متغيرا وإن كان غير متغير طهر بمجرد المكاثرة لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها وعما اتصل بها ولا ينجس إلا بالتغيير وفهم منه أن النجس القليل لا يطهر بزوال تغيره بنفسه لأنه علة نجاسته الملاقاة لا التغيير
الثاني : أن يكون قلتين فإن كان غير متغير بالنجاسة فتطهيره وإن كوثر بماء يسير أو بغير الماء فأزال التغير لم يطهر ويتخرج بالمكاثرة أو متغيرا بها فتطهيره بالمكاثرة إذا زال التغير وبزوال تغيره بنفسه لأن علة التنجيس زالت كالخمرة إذا انقلبت بنفسها خلا وقال ابن عقيل لا تطهر بناء على أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة
الثالث: الزائد على القلتين فإن كان غيرمتغير فتطهيره بالمكاثرة فقط وإن كان متغيرا فتطهيره بالأمرين السابقين وبثالث وهو أن ينزح منه حتى يزول التغير ويبقى بعد النزح قلتان هذا إن كان متنجسا بغير البول والعذرة ولم يكن مجتمعا من متنجس كل ما دون قلتين نص عليه فإن نقص عنهما

وإن كوثر بما يسير، أو بغير الماء فأزال التغير لم يطهر، ويتخرج: أن يطهر، والكثير ما بلغ قلتين
ـــــــ
قبل زوال التغير ثم زال لم يطهر لأن علة التنجس في القليل مجرد ملاقاة النجاسة ويعتبر زوال التغير في الكل
تنبيه : إذا كان متنجسا بغير بول آدمي وعذرته فإن كان بأحدهما ولم يتغير فتطهيره بإضافة نزحه وإن تغير وكان نزحه فتطهيره بإضافة نزحه مع زوال تغيره أو بنزح يبقى بعده قلتان أو بزوال تغيره بنفسه وإن كان بما نزحه فبإضافة نزحه كمصانع مكة مع زوال التغير
"وإن كوثر" أو كان كثيرا فأضيف إليه "ماء يسير" طهور "أو بغير الماء" كالتراب والخل ونحوهما لا مسك ونحوه "فأزال التغير" لم يطهر على المذهب لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى "ويتخرج أن يطهر" والكثير ما بلغ قلتين واليسير ما دونهما وهما خمسمائة أن يطهر وقاله بعض أصحابنا لخبر القلتين ولأن علة النجاسة زالت وهي التغير أشبه ما لو زال بالمكاثرة
وقال ابن عقيل: التراب لا يطهر لأنه يستر النجاسة بخلاف الماء وقيل به في النجس الكثير فقط جزم به في المستوعب وغيره وأطلق في الإيضاح روايتين في التراب
مسألة : إذا اجتمع من نجس وطهور وطاهر قلتان بلا تغير فكله نجس وقيل طاهر وقيل طهور وإن أضيفت قلة نجسة إلى مثلها ولا تغير لم تطهر في المنصوص كنجاسة أخرى وفي غسل جوانب بئر نزحت وأرضها روايتان
"والكثير ما بلغ قلتين" هما تثنية قلة وهي اسم: لكل ما ارتفع وعلا
ومنه: قلة الجبل والمراد هنا الجرة الكبيرة سميت قلة لعلوها وارتفاعها وقيل لأن الرجل العظيم يقلها بيده أي يرفعها والتحديد وقع بقلال هجر
وفي حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا

واليسير ما دونهما، وهما خمسمائة رطل بالعراقي، وعنه: أربعمائة، وهل ذلك تقريب
ـــــــ
ورقها مثل آذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر" رواه البخاري
ولأنها مشهورة الصفة معلومة المقدار لا يختلف كالصيعان ولأن خبر القلتين دل بمنطوقه على رفعهما النجاسة عن أنفسهما وبمفهومه على نجاسة ما لم يبلغهما فلذلك جعلناهما حدا للكثير
"واليسير مادونهما" أي دون القتلين "وهما خمسمائة رطل بالعراقي" وعنه أربعمائة رطل بالعراقي قدمه في المحرر و الفروع وذكره في الشرح ظاهر المذهب لقول عبد الملك بن جريج رأيت قلال هجر فرأيت القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا والاحتياط إثبات الشيء وجعله نصفا لأنه أقصى ما يطلق عليه اسم شيء منكر فيكون مجموعهما خمس قرب بقرب الحجاز كل واحدة تسع مائة رطل عراقية باتفاق القائلين بتحديد الماء بالقرب
والرطل العراقي: مائة وثمانية وعشرون درهما قاله في المغني القديم وعزاه إلى أبي عبيد وقيل وثلاثة أسباع درهم ذكره في التلخيص وقيل وأربعة أسباع درهم قاله في المغني الجديد وهو المشهور فعلى هذا هو سبع الرطل الدمشقي ونصف سبعه فتكون القلتان بالدمشقي مائة رطل وسبعة أرطال وسبع رطل ويعبر عنه بأوقية وخمسة أسباع أوقية وبالقدسي ثمانون رطلا وسبعا رطل ونصف سبع وبالحلبي تسعة وثمانون رطلا وسبعا رطل وبالمصري أربعمائة وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع رطل
ومساحتهما مربعا: ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا ومدورا ذراع طولا وذراعان ونصف ذراع عمقا والمرادبه ذراع اليد صرح به بعضهم
"وعنه: أربعمائة" رواه عنه الأثرم وقدمه ابن تميم لقول يحيى بن عقيل رأيت قلال هجر وأظن القلة تأخذ قربتين رواه الجوزجاني وعلى هذا هما بالدمشقي خمسة وثمانون رطلا وثلثا رطل وأربعة أسباع أوقية وفي ثالثة هما قربتان وثلث جعلا للشيء ثلثا "وهل ذلك تقريب" أو تحديد على وجهين وإذا شك في نجاسة الماء "وهل ذلك تقريب" صححه في المغني

أو تحديد؟ على وجهين ، وإذا شك في نجاسة الماء، أو كان نجسا فشك في طهارته بنى على اليقين.
ـــــــ
و الشرح و الفروع لأن الشيء إنما جعل نصفا احتياطيا والغالب استعماله فيما دون النصف "أو تحديد" هو ظاهر قول القاضي واختاره الآمدي لأن ما جعل احتياطيا يصير واجبا كغسل جزء من الرأس مع الوجه
"على وجهين" ظاهر كلامه أن الخلاف راجع إلى الروايتين وكلامه في المغني و المحرر يقتضي اختصاص الخلاف بالأولى
قال ابن المنجا: وهو الأشبه إذ قيل القربة تسع مائة بالإجماع لأنه لا ترديد في كون القلة قربتين وإنما الترديد في الزائد عليهما وإن قيل هي مائة تقريبا حسن مجيء الخلاف المذكور قال ابن حمدان: الأصح أن الخمسمائة تقريب والأربعمائة تحديد وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا نقصت القلتان رطلا أو رطلين ووقع فيهما نجاسة فعلى الأولى طاهر لأنه نقص يسير لا أثر له وعلى الثاني نجس لأنه نقص عن قلتين
مسائل : إذا وقع نجاسة في قليل ولم تغيره وقلنا ينجس بها فانتضح منه على ثوب ونحوه نجس على المذهب وله استعمال كثير لم يتغير ولو مع قيام النجاسة فيه وبينه وبينها قليل وإن شك في كثرة الماء أو نجاسة عظم أو روثة أو جفاف نجاسة على ذباب وغيره أو ولوغ كلب أدخل رأسه في إناء وثم بفيه رطوبة فوجهان ونقل حرب فيمن وطئ روثة فرخص فيه إذا لم يعرف ما هي
"وإذا شك في نجاسة الماء" فهو طاهر لأنها متيقنة فلا تزول بالشك وإن وجده متغيرا لأنه يحتمل أن يكون بمكثه أو بما لا يمنع وليس هذا الموطأ بالماء بل يجري فيه وفي غيره
"أوكان نجسا فشك في طهارته بني على اليقين" أي الأصل لأن الشيء

وإن اشتبه الماء الطاهر بالنجس لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب.
ـــــــ
إذا كان على حال فانتقاله عنها يفتقر إلى عدمها ووجود الأخرى وبقاؤها وبقاء الأولى لا يفتقر إلا إلى مجرد البقاء فيكون أيسر من الحدوث وأكثر والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب فإن أخبره عدل بنجاسته وذكر السبب قبل وإن لم يعينه فقال القاضي لا يلزم قبول خبره لاحتمال اعتقاد نجاسته بسبب لا يعتقده المخبر وقيل يقبل كالرواية ويكفي مستور الحال في الأصح كعبد وأنثى وإن أخبره أن كلبا ولغ في هذا الإناء فقط وقال آخر إنما ولغ في هذا حكم بنجاستهما لأن صدقها ممكن فإن عينا كلبا ووقتا يضيق عن شربه منهما تعارضا ولم يحكم بنجاسة واحد منهما فإن قال أحدهما ولغ في هذا وقال الآخر نزل ولم يشرب قدم قول المثبت إلا أن يكون ضريرا فيقدم قول البصير عليه
فرع: إذا أصابه ماء ولا أمارة تدل على النجاسة كره سؤاله عنه نقله صالح لقول عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا فلا يلزم الجواب وقيل بلى كما لو سئل عن القبلة وقيل الأولى السؤال والجواب وقيل بلزومهما وأوجب الأزجي إجابته إن علم نجاسته
"وإن اشتبه الماء الطاهر" أي الطهور "بالنجس" تنقسم هذه المسألة إلى صور منها أن يزيد عدد النجس أو يتساويان فهذا لا يجوز التحري فيهما بغير خلاف
ومنها أن يزيد عدد الطاهر على عدد النجس قال ابن المنجا وهي مسألة الكتاب فيكون من باب إطلاق اللفظ المتواطئ إذا أريد به بعض محاله وهو مجاز شائع
"لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب" لأنه اشتبه عليه المباح بالمحظور في موضع لا تبيحه الضرورة كما لو اشتبهت أخته باجنبيات أو كان أحدهما بولا لأن البول لا مدخل له في التطهير

ويتيمم. وهل يشترط إراقتهما أو خلطهما؟ على روايتين.
ـــــــ
والثانية: له التحري إذا زاد عدد الطهور وهو قول أبي بكر وابن شاقلا والنجاد لأن الظاهر إصابته الطهور وجهة الإباحة ترجحت أشبه ما لو اشتبهت عليه اخته في نساء بلد كبير لأنه يشق عليه اجتناب الكل ولذلك يجوز له النكاح من غير تحر وعلى هذا هل يكتفي بمطلق الزيادة أو كون الطهور أكثر عرفا أو كون النجس تسع الطهور فيه أوجه وظاهر كلامهم: لا فرق بين الأعمى وغيره وهل يلزم من علم النجس إعلام من أراد أن يستعمله فيه احتمالات ثالثها يلزم إن شرطت إزالتها لصلاة وإن توضأ من أحدهما بلا تحر فبان طهورا لم يصح ويعايا بها وقال أبو الحسين يصح
"ويتيمم" في الصور السابقة لأنه عادم للماء حكما وظاهره أنه إذا تيمم وصلى به ثم علم النجس فلا إعادة عليه وهو كذلك في الأصح
"وهل يشترط إراقتهما أو خلطهما على روايتين" كذا أطلقهما في الفروع إحداهما لا يشترط لصحة التيمم إعدامهما بخلط أو إراقة جزم بها في الوجيز وقدمها ابن تميم وغيره وصححها في المغني و الشرح لأنه غير قادر على استعماله أشبه ما لو كان في بئر لا يمكنه الوصول إليه
والثانية : تشترط الإراقة ليكون عادما للماء حقيقة وحكما واختارها الخرقي وأبو البركات وهذا إذا أمن العطش ولم يكن عنده طهور بيقين ولم يمكن تطهير أحدهما بالآخر والمحرم بغصب كالنجس فيما ذكرنا.
فرع: إذا احتاج إلى شرب و أكل لم يجز بلا تحر في الأصح فإن فعل قال ابن حمدان أو تطهر من أحدهما بتحر ثم وجد ماء طهورا وجب غسل ثيابه وأعضائه وقيل يسن ويريق النجس إن علمه واستغنى عنه وإن خاف العطش توضأ بالطاهر وحبس النجس وقيل ويتيمم وهو أولى كما لو خاف احتياجهما للعطش.

وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما وصلى صلاة واحدة وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة وزاد صلاة.
ـــــــ
فرع إذا توضأ بماء ثم علم نجاسته أعاد نقله الجماعة خلافا للرعاية ونصه حتى يتيقن براءته وذكر في الفصول والأزجي إن شك هل كان وضوؤه قبل نجاسة الماء أو بعده لم يعد لأن الأصل الطهارة
"وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما" قال في الوجيز مع عدم طهور مشتبه وظاهر ما ذكره المؤلف أنه يتوضأ من كل واحد منهما وضوء كاملا صرح به في المغني و المحرر لأنه أمكنه تأدية فرضه بيقين فلزمه ذلك كما لو نسي صلاة من خمس لا يعلم عينها والمذهب أنه يتوضأ منهما وضوءاً واحداص فيأخذ من هذا غرفة ومن هذا غرفة مطلقاً فإن توضأ منهما مع طهور بيقين وضوأواحداً صح وإلا فلا فإن احتاج إلى أحدهما للشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده وتيمم ليحصل له اليقين ذكره في الشرح
"وصلى صلاة واحدة" قال في المغني والشرح بغير خلاف نعلمه لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين من غير حرج فلزمه كما لو كانا طهورين ولم يكفه أحدهما
"وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة" وهو يعلم عددها "صلى في كل ثوب صلاة" ينوي بها الفرض احتياطا كمن نسي صلاة من يوم ولم يجز التحري مطلقا بخلاف القبلة والأواني وفرق أحمد بينهما بأن الماء يلصق ببدنه فيتنجس به وأنه يباح طلبه فيه ثم العدم بخلاف الماء النجس
قال الأصحاب: ولأن القبلة يكثر الاشتباه فيها والتفريط هنا حصل منه بخلافها ولأن لها أدلة تدل عليها بخلاف الثياب
"وزاد صلاة" لأنه صلى في ثوب طاهر يقينا وإن لم يعلم عدد النجس صلى حتى يتيقن أنه صلى في طاهر صرح به الأصحاب فإن كثر ذلك وشق صلاته في الكل فقال ابن عقيل يتحرى في أصح الوجهين دفعا للمشقة ،


ـــــــ
والثاني : لا يتحرى لأنه يندر جدا وقيل يصلي في واحد بلا تحر وفي الإعادة وجهان ولا تصح في ثياب مشتبهة مع وجود طاهر يقينا وكذا حكم الأمكنة الضيقة وأما الواسعة فيصلي حيث شاء بلا تحر .

باب الآنية
كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله ولو كان ثمينا كالجوهر ونحوه
ـــــــ
باب الآنيةالآنية هي الأوعية: جمع إناء كسقاء وأسقية وجمع الآنية أواني والأصل اآني أبدلت الهمزة الثانية واوا كراهة اجتماع همزتين كآدم وأوادم وهو مشتق من الأدمة أو من أديم الأرض أي وجهها وهي ظروف الماء لأنه لما ذكر الماء ذكر ظرفه
"كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله" كالخشب والجلود والصفر والحديد ويستثنى منه جلد الآدمي وعظمه لحرمته "ولو كان" الإناء "ثمينا كالجوهر ونحوه" كبلور وياقوت وزمرد وهذا قول عامة العلماء من غير كراهة إلا ما روي عن عبد الله بن عمر أنه كره الوضوء في الصفر والنحاس والرصاص واختاره أبو الفرد المقدسي لأن الماء يتغير فيها وروي أن الملائكة تكره ريح النحاس والأول أولى لما روي عبد الله بن زيد قال "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من بنو فتوضأ" رواه البخاري
وقد ورد أنه توضأ من جفنة ومن تور حجارة ومن إداوة ومن قربة فثبت الحكم فيها لفعله وما في معناه قياسا لأنه مثله ولأن العلة المحرمة للنقدين مفقودة في الثمين لكونه إلا خواص الناس فلا يؤدي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء ولأن إباحته لا تفضي إلى استعماله لقلته بخلاف النقدين فإنهما في مظنة الكثرة فيفضي إلى الاستعمال وكثرة أثمانها لا تصلح فارقا كما في الثياب فإنه يحرم الحرير وإن قل ثمنه بخلاف غيره وإن بلغ ثمنه أضعاف إلا آنية الذهب والفضة والمضبب بهما فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها على الرجال والنساء ثمن الحرير وكذلك يباح فص الخاتم جوهرة ولو بلغ ثمنها مهما بلغ ويحرم ذهبا ولو كان يسيرا .

إلا آنية الذهب والفضة والمضبب بهما فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها على الرجال والنساء.
ـــــــ
"إلا آنية الذهب والفضة" حتى الميل ونحوه "والمضبب بهما" لأن علة تحريم النقدين هي الخيلاء وكسر قلوب الفقراء وهي موجودة في المضبب بهما ويأتي حكمها
"فإنه يحرم اتخاذها" ذكر في الشرح عن شيخه أنه قال لا يختلف المذهب فيما علمنا في تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة وليس كذلك بل الخلاف فيه مشهور فذكر ابن تميم وصاحب المحرر رواية وبعضهم حكاه وجها أنه لا بحرم الاتخاذ وفاقا للشافعي لأنه لا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير
وقال أبو الحسن التميمي: إذا اتخذ مسعطا أو قنديلا أو نعلين أو مجمرة أو مدخنة من النقدين كره ولم يحرم
والأول هو المشهور عندالعلماء وفي المذهب لأن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي وأما ثياب الحرير فإنها لا تحرم مطلقا لأنها تباح للنساء وتباح للتجارة فيها
"واستعمالها" هذا مما اتفق على تحريمه لما روي حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" وروت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" متفق عليهما فتوعد عليه بالنار فدل والجرجرة وقوع الماء بانحداره في الجوف وغير الأكل والشرب في معناه لأن ذكرهما خرج في مخرج الغالب وما كان كذلك لا يتقيد الحكم به لقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} الآية "على الرجال والنساء" لعموم الأخبار والمعنى فيهما أن كلا من الجنسين

فإن توضأ منها فهل تصح طهارته؟ على وجهين إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة ، كتشعيب القدح ونحوه فلا بأس بها.
ـــــــ
مكلف ولم يكن دليل مخصص وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إليه لأجل التزين للزوج "فإن توضأ منها" وفيها وإليها وفي إناء مغصوب أو ثمنه "فهل تصح طهارته على وجهين" أحدهما تصح صححه في المغني و الشرح وقدمه في الفروع لأن الإناء ليس بشرط ولا ركن للعبادة فلم يؤثر لأنه أجنبي والثاني لا تصح اختاره أبو بكر والقاضي وابنه أبو الحسين لإتيانه بالعبادة على وجه محرم أشبه الصلاة في الأرض المغصوبة وفرق بينهما في المغني و الشرح بأن الأفعال في الدار المغصوبة محرم بخلاف مسألتنا
وقيل: في صحة الوضوء والغسل روايتان وجزم في الوجيز بالصحة مع الكراهة منه وبه وفيه وصرح بهما الخرقي
والأشهر على أن مراده بالكراهة التحريم فعلى عدم الصحة إن جعلها مصبا للماء صح ذكره في المغني و الشرح لأن المنفصل الذي يقع في الآنية قد رفع الحدث فلم يزل كذلك بوقوعه فيه وذكر ابن عقيل أنه لا يصح لوجود الفخر والخيلاء
"إلا أن تكون الضبة يسيرة" عرفا "من الفضة كتشعيب القدح فلا بأس بها" لما روى البخاري عن أنس "أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة" ولأنه ليس فيه سرف ولا خيلاء وظاهره أن المضبب بذهب حرام مطلقا لقوله عليه السلام "لا يصلح من الذهب ولا خربصيصة" وفيه وجه
وكذا المضبب بفضة سواء كانت كثيرة لحاجة أو لغيرها وهو أحد الوجوه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من شرب من إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" رواه الدارقطني
فمقتضى هذا تحريم المضبب مطلقا ترك العمل به فيما ضبته يسيرة للنص

إذا لم يباشرها بالاستعمال وثياب الكفار وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها
ـــــــ
السابق فيبقى ما عداه على مقتضاه والحاجة غير مشترطة في اليسيرة وصرح به في المغني و الشرح وحكياه عن القاضي لأنه لا سرف فيه ولا خيلاء أشبه الصفر إلا أنه كره الحلقة لأنها تستعمل
وقال أبو الخطاب: لا تباح إلا لحاجة وجزم به الشيخان وفي الوجيز لأن الرخصة وردت في الحاجة فيجب قصر الحكم عليها فعلى هذا تباح وفاقا
وقيل: تكره "إذا لم يباشرها بالاستعمال" لئلا يكون مباشرا للفضة التي جاء الوعيد في استعمالها وظاهره أنه يكره إذا باشرها بالاستعمال قدمه في الرعاية والمذهب أنه يباح مباشرتها مع الحاجة وبدونها فظاهر كلامه أنه يحرم وقيل يكره وقيل يباح والكثير ما كثر في العرف وقيل ما لاح على بعد وقيل ما استوعب أحد جوانبه والحاجة أن يتعلق به غرض غير الزينة في ظاهر كلام بعضهم
وقال الشيخ تقي الدين مرادهم أن يحتاج إلى تلك الصورة لا إلى كونها من ذهب أو فضة فإن هذه ضرورة وهي تبيح المنفرد
فرع : المطلي والمطعم ونحوهما كمموه ومكفت بأحدهما كالمصمت وقيل لا وقيل لوحك واجتمع منه شيء حرم وإلا فلا
"وثياب الكفار وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها" وجملته أن الكفار على ضربين أهل كتاب وغيرهم فالأول يباح أكل طعامهم وشرابهم واستعمال أوانيهم بشرطه قال ابن عقيل لا تختلف الرواية في ذلك لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: من الآية5] وتوضأ عمر من جرة نصرانية
وروى أحمد "أن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي بخبز شعير وإهالة سنخة .

وعنه: ما ولي عوراتهم كالسراويل ونحوه لا يصلي فيه وعنه: أن من لا تحل ذبيحتهم لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم إلا بعد غسله.
ـــــــ
وفي كراهة استعمال أوانيهم روايتان
وأما ثيابهم فما علا منه كالعمامة ونحوها فلا بأس به وما ولي عوراتهم كالسراويل قال أحمد أحب أن يعيد الصلاة فيه وهو قول القاضي وقال أبو الخطاب لا يعيد لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وأما غيرهم فحكمهم حكم أهل الذمة في ظاهر ما ذكره المؤلف وقاله أبو الحسين والآمدي ونص عليه أحمد "لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة" متفق عليه وعملا بالأصل
وعنه: المنع من الثياب والأواني مطلقا لحديث أبي ثعلبة الخشني ولأنهم لا يتورعون عن النجاسة وعنه الكراهة وعليها يحمل النهي في حديث أبي ثعلبة ولقوله عليه السلام "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه النسائي
"وعنه ما ولي عوراتهم كالسراويل" هو أعجمي مفرد ممنوع من الصرف لشبهه بمفاعيل ونحوه كالتبان والقميص لا يصلي فيه عملا بالظاهر وقد تقدم قول أحمد فيه
"وعنه: أن من لا تحل ذبيحتهم" كالمجوس وعبدة الأوثان "لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم إلا بعد غسله" لحديث أبي ثعلبة قال: قلت: "يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء وكلوا فيها" متفق عليه
ووجهه أنه إذا منع في أهل الكتاب ونهي عن استعمال أوانيهم بدون غسلها ففي غيرهم أولى ولأن ذبائحهم ميتة فنجاسة الآنية بها متيقنة وعليها يمنع من الثياب أيضا لأن الظاهر أنهم لا يتوقونها في الثياب فتكون نجسة وقيل تغسل آنية من يستحل الميتة والنجاسة كالمجوس وبعض النصارى وطهارة غيرها ،

ولا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة ونحوها، ولا يطهر جلد والميتة بالدباغ.
ـــــــ
قدمه في الكافي
واعلم أن الخلاف في ذلك كله قبل الغسل وعدم تحقق النجاسة فأما بعد غسلها فلا خلاف في طهارتها وجواز استعمالها ومع تحقق النجاسة فلا خلاف في المنع وكذا حكم ما صبغوه
قيل لأحمد عن صبغ اليهود بالبول فقال: المسلم والكافر في هذا سواء ولا تسأل عن هذا ولا تبحث عنه فإن علمت فلا تصل فيه حتى تغسله
"ولا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة ونحوها" لأن النجاسة بعيدة منها لأنها لا تخالطها وملاقاة رطب النجاسة لها غير متيقن والأصل الطهارة
فرع: إذا شك في استعماله فهو طاهر في ظاهر المذهب لأنه الأصل وقيل يغسل إن كان لمجوسي وإن كان لكتابي كره وعنه لا يكره وقيل لابد من غسل قدر النصراني
وما نسجه الكفار فهو مباح اللبس لأنه عليه السلام وأصحابه كانت ثيابهم من نسج الكفار وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد روايتين أصحهما لا يجب غسلها وذكر أيضا في الإرشاد أن المسلم إذا داوم شرب الخمر أنه في آنيته وثيابه وسؤره كالمجوس
وفي كراهة ثوب المرضع والحائض والصغير روايتان ذكر في الشرح الإباحة ثم ذكر عن أصحابنا أن التوقي لذلك أولى لاحتمال النجاسة فيه
"ولا يطهر جلد الميتة" أي الذي نجس بموتها "بالدباغ" نقله الجماعة وهو ظاهر المذهب وقول عمر وابنه وعائشة وعمران بن حصين لما روى عبد الله بن عكيم قال أتانا كتاب رسو الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أو شهرين "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" رواه الخمسة ولم يذكر التوقيت غير أبي داود وأحمد وقال ما أصلح إسناده وقال أيضا حديث ابن عكيم

وهل يجوز استعماله في اليابسات بعد الدبغ؟ على روايتين.
ـــــــ
أصحها ورواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله
وفي رواية الطبراني والدار قطني "كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" وهو دال على سبق الرخصة وأنه متأخر وإنما يؤخذ بالآخر من أمره عليه السلام لا يقال هو مرسل لكونه من كتاب لا يعرف حامله لأن كتابه عليه السلام كلفظه ولهذا كان يبعث كتبه إلى النواحي بتبليغ الأحكام
فإن قلت: الإهاب اسم للجلد قبل الدبغ وقاله النضر بن شميل وأجيب بمنع ذلك كما قاله طائفة من أهل اللغة يؤيده أنه لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الانتفاع به قبل الدبغ ولا هو من عادة الناس
"وهل يجوز استعماله في اليابسات" احترز به عن المائعات فإن كثيرا من الأصحاب منعوا من ذلك وذكروه رواية واحدة
قال ابن عقيل: ولو لم ينجس الماء بأن كانت تسع قلتين لأنها نجسة العين وجوزه الشيخ تقي الدين إذا لم ينجس الماء "بعد الدبغ على روايتين" كذا في ابن تميم وفي المغني و الشرح وخصاه بجلد طاهر حال الحياة وبعضهم حكاهما قبله وإن كان جلد كلب أو خنزير لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تنتفعوا من الميتة بشي" رواه الدارقطني بإسناد جيد
والثانية : يجوز وهي الأصح لما روى ابن عباس قال تصدق على مولاة لميمونة بشاة فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هلا استمتعتم بإهابها فدبغتموه فانتفعتم به" رواه مسلم ولأن الصحابة لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم وذبائحهم ميتة ونجاسته لا تمنع الانتفاع به كالاصطياد بالكلب وإذا جاز استعماله جاز دبغه وإلا احتمل التحريم واحتمل الإباحة كغسل تجاسة بمائع وماء مستعمل وإن لم يطهر قاله القاضي وكلام غيره

عنه: يطهر منها جلد ماكان طاهراً في الحياة.
ـــــــ
خلافه قال في الفروع وهو أظهر
فرع : اختلف قول أحمد في جواز المخرز بشعر الخنزير وفي كراهته روايتان وقيل لا يجوز الخرز برطبه وفي يابسه الخلاف فإن خرز برطبه وجب غسله
مسألة: يجوز اتخاذ منخل من شعر نجس نص عليه وقال ابن حمدان رحمه الله يكره
"وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهرا في الحياة" قال ابن حمدان وهي أولى ونقل جماعة أنها آخر قولي أحمد لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" رواه مسلم وهو يتناول المأكول وغيره فيخرج منه ما كان نجسا في الحياة لكون الدبغ إنما يؤثر في رفع نجاسة حادثة بالموت فيبقى ما عداه على مقتضى العموم
وعنه يطهر جلد ما هو مأكول اللحم واختارها جماعة وهي قول الأوزاعي وأبي ثور لقوله عليه السلام: "ذكاة الأديم دباغه" رواه أحمد لأنه شبه الدباغ بالذكاة وهي إنما تعمل في مأكول اللحم فلم تؤثر في غير مأكول كالذبح والأول ظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى لعموم لفظه في ذلك
وعلى هذا: هل الدباغ يصيره كالحياة وهي اختيار المؤلف وصاحب التلخيص فلا يطهر منها إلا ما كان طاهرا في الحياة كالهر أو كالذكاة وقد يخرج عليهما جلد الآدمي فإن في طهارته إن قيل بنجاسته وجهين والأشهر عدمه وحكى ابن حزم الإجماع على أنه يحرم استعمال جلده وسلخه والمذهب الأول ثم الأصحاب لعدم رفع المتواتر بالآحاد عدا الشيخ تقي الدين وغيره ونقل الجماعة أنه لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان ونقل خطاب بن بشر عنه أنه قال كنت أذهب إليه رأيت السنة كلها وهو المذهب عند الأصحاب فرفعنا المتواتر بالآحاد لما

ولا يطهر جلد غير المأكول بالذكاة.
ـــــــ
بينهما من الفرق
مسائل : لا يفتقر الدبغ إلى فعل آدمي فلو وقع في مدبغة طهر لأنها إزالة نجاسة فهو كالمطر يطهر الأرض النجسة ولا تحصل بتشميسه وقيل بلى وكما في تتريبه أو ريح قال في المغني ويفتقر ما يدبغ به أن يكون منشفا للخبث قال في الرعاية ولا بد فيه من زوال الرائحة الخبيثة ولا تحصل بنجس كالاستجمار وفي الرعاية بلى ويغسل بعده وينتفع بما طهر
وقيل: ويأكل المأكول وما طهر بدبغه جاز بيعه وإجارته ذكره في الشرح وغيره وعنه لا كما لو لم يطهر وقال أبو الخطاب يجوز بيعه مع نجاسته كثوب نجس قال في الفروع فيتوجه منه بيع نجاسة يجوز الانتفاع بها ولا خرق ولا إجماع فأما قبل الدبغ ولا يطهر المأكول بالذكاة ولبن الميتة وانفحتها نجسة في ظاهر المذهب فلا ويغسل المدبوغ في وجه قال في المغني وهو أولى لقوله عليه السلام: "جلد الشاه الميتة يطهره الماء والقرظ " رواه أبو داود ولأن ما يدبغ به ينجس بملاقاة الجلد فإذا الآلة نجسة فلا ينعقد إلا كمال وفي آخر يطهر لقوله عليه السلام: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" ولأنه طهر بانقلابه فلم يفتقر إلى غسل كالخمرة
"ولا يطهر جلد غير المأكول بالذكاة" نص عليه لما روي أبو المليح بن أسامة عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع" رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم ورواه الترمذي وزاد وإن يفترش ولأنه ذبح غيرمشروع فلم يفد طهارة الجلد كذبح المحرم الصيد لأن عندنا كل ذبح لا يفيد إباحة اللحم لا يفيد طهارة المذبوح
قال القاضي: لا يجوز الانتفاع بها قبل الدبغ ولا بعده وهل يباح لبس جلد الثعلب والصلاة فيه أو لا أو يباح لبسه فقط أو يباحان مع كراهة الصلاة فيه روايات قال أبو بكر لا يختلف قوله إنه يلبس إذا دبغ بعد تذكيته .

ولبن الميتة وإنفحتها نجسة في ظاهر المذهب، وعظمها وقرنها وظفرها نجس
ـــــــ
"ولبن الميتة وإنفحتها" بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة ذكره الجوهري ويقال أيضا منفحة "نجسة في ظاهر المذهب" هذا هو المنصور ثم أصحابنا روى سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح أن ابن عباس سئل عن وعظمها وقرنها وظفرها نجس الجبن يصنع فيه أنافح الميتة فقال لا تأكلوه وقال ابن مسعود "لا تاكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب" رواه البيهقي وروي عن عمر وابنه مثله ولأنه مائع في وعاء نجس أشبه ما لو حلب في إناء نجس
والثانية : أنهما طاهران لأن الصحابة فتحوا بلاد المجوس وأكلوا من جبنهم مع علمهم بنجاسة ذبائحهم لأن الجبن إنما يصنع بها واللبن لا ينجس بالموت إذ لا حياة فيه والأول أولى لأن في صحة ما نقل عن الصحابة نظرا ولو سلم صحته فكان بينهم يهود ونصارى يذبحون لهم فلا يتحقق القول بالنجاسة وفي الكافي و الشرح أن الجبن نجس والخلاف في الإنفحة والأشهر أن الخلاف فيهما وقيل هما في محلهما نجسان وبعد أخذهما طاهران
فرع : إذا صلب قشر بيضة فطاهرة لأنه لا يصل إليها شيء من النجاسات أشبه ما لو غمست في ماء نجس وإن لم تكمل البيضة فقال أصحابنا ما كان قشرها أبيض فهو طاهر وإلا فهو نجس لأن الحاجز غير حصين وقال ابن عقيل لا ينجس لأن جمودها وغشاوتها الذي هو كالجلد مع لينه يمنع نفوذ النجاسة إليها والأول أشهر فعلى النجاسة إن صارت فرخا فهو طاهر
"وعظمها وقرنها وظفرها" وسنها وحافرها وعصبها "نجس" نص على ذلك من مأكول أو غيره كالفيل لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: من الآية3] والعظم من جملتها فيكون محرما وعنه طاهر وفاقا لأبي حنيفة لأن وصوفها وشعرها وريشها طاهر الموت لا يحلها فلا تنجس بالموت كالشعر وقد روى أبو داود بإسناده عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين

وصوفها وشعرها وريشها طاهر
ـــــــ
من عاج" والعاج هو عظم الفيل وقال مالك إن ذكي الفيل فعظمه طاهر وإلا فهو نجس لأن الفيل مأكول عنده فعلى هذا يجوز بيعه واختاره ابن وهب المالكي فقيل لأنه لا حياة فيه وقيل وهو أصح لأن سبب التنجيس وهي الرطوبة منتفية والأول أولى لأن الحياة تحله فينجس بالموت كالجلد بدليل قوله تعالى {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يّس: 78] وبدليل الإحساس والألم وهو في العظام أشد منه في اللحم والضرس يألم ويلحقه القرس ويحس ببرودة الماء وحرارته وحديث ثوبان فيه حميد الشامي وسئل عنه أحمد وابن معين فقالا لا نعرفه ولو سلم فقال الخطابي عن الأصمعي العاج الذبل وقيل هو عظم السلحفاة البحرية
وقيل: العصب كالشعر لأنه ليس فيه رطوبة منجسة وحكم ما ذكرنا إن أخذ من مذكى فهو طاهر وإن أخذ من حي فهو نجس لقوله عليه السلام "ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" رواه الترمذي وقال حسن غريب وكذا ما يسقط من قرون الوعول في حياتها وفي المغني و الشرح احتمال بطهارته كالشعر وأما مالا ينجس بالموت كالسمك فلا بأس بعظامه
"وصوفها وشعرها وريشها طاهر" يعني الميتة الطاهرة في الحياة وإلا فالنجسة فيها لا يزيدها الموت إلا خبثا وهذا هو الأشهر عن أحمد نقل الميموني صوف الميتة ما أعلم أحدا كرهه وعليه أصحابه لقوله تعالى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [النحل: 80] وهي في سياق الامتنان فالظاهر شمولها لحالتي الحياة والموت ولحديث ابن عباس في شاة ميمونة وعن أحمد أنها نجسة أو مأ إليه في شعر الآدمي الحي واختارها الاجري ومن ثم حكاية صاحب التلخيص الخلاف في شعر غير الآدمي والقطع بالطاهرة فيه غريب ولما تقدم من حديث عبد الله بن عكيم "لا تنتفعوا من الميتة بشيء" ولعموم قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]


ـــــــ
وجوابه بأن المراد بالآية الحياة الحيوانية ومن خاصيتها الحس والحركة الإرادية وهما منفيان في الشعر
ووبر كشعر ودخل في قولنا الميتة الطاهرة في الحياة شعر الهرة ونحوها واختاره المؤلف وابن عقيل وقيل بنجاسته بعد الموت لزوال علة الطواف به وجعل القاضي الخلاف في المنفصل في حياته أيضا وألحق ابن البنا بذلك سباع البهائم إذا قلنا بطهارتها فأما أصول الشعر والريش إذا نتف من الميتة وهو رطب فهو نجس برطوبة الميتة وهل يطهر كمال فيه وجهان ونقل أبو طالب ينتفع بصوفها إذا غسل قيل فريش الطير قال هذا أبعد وحرم في "المستوعب" نتف ذلك من حي لإيلامه وكرهه في "النهاية".

باب الاستنجاء
يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
ـــــــ
باب الاستنجاءالاستنجاء: استفعال من نجوت الشجرة أي قطعتها فكأنه قطع الأذى وقيل هو مأخوذ من النجوى وهي ما ارتفع من الأرض لأن من أراد قضاء الحاجة استتر بها وهو إزالة خارج من سبيل بماء وقد يستعمل في إزالته بالحجر ويسمى الاستجمار وهو استفعال من الجمار وهي الحجارة الصغار لأنه يستعملها في استجماره وعبر بعض بالاستطابة يقال استطاب وأطاب إذا استنجى قاله أهل اللغة وبعض بقضاء الحاجة وهو ظاهر
"يستحب لمن أراد دخول الخلاء" بالمد: المكان الذي يتوضأ فيه وقال الجوهري سمي بذلك لأنه يتخلى فيه أي ينفرد
"أن يقول بسم الله" لما روي علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله" رواه ابن ماجه والترمذي وقال ليس إسناده بالقوي وتقال في ابتداء كل فعل تبركا بها وقدمت هنا على الاستعاذة لأن التعوذ هناك للقراءة والبسملة من القرآن فيقدم التعوذ عليها وشرطه أن لا يقصد ببسم الله القرآن فإن قصده حرم قاله بعضهم
"أعوذ بالله من الخبث والخبائث" اقتصر في الغنية و المحرر و الفروع على ذلك مع التسمية لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" متفق عليه الخبث بإسكان الباء قاله أبو عبيد ونقل القاضي عياض أنه أكثر روايات الشيوخ وفسره بالشر والخبائث بالشياطين فكأنه استعاذ من الشر وأهله.

و من الرجس النجس، الشيطان الرجيم، ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى.
ـــــــ
قال الخطابي هو بضم الباء وهو جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة فكأنه استعاذ من ذكرانهم وإناثهم
وقيل الخبث الكفر والخبائث الشياطين
"ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم" وفي البلغة ك المقنع وكذا في الوجيز عنه أنه لم يذكر الاستعاذة من الخبث والخبائث لما روى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم" رواه ابن ماجة
قال الجوهري الرجس القذر والنجس اسم فاعل من نجس ينجس فهو نجس
قال الفراء إذا قالوه مع الرجس أتبعوه إياه أي قالوه بكسر النون وسكون الجيم والشيطان مشتق من شطن أي بعد يقال دار شطون أي بعيدة سمي بذلك لبعده من تقلد الله تعالى وقيل من شاط أي هلك سمي به لهلاكه بمعصية الله تعالى والرجيم نعت له وهو بمعنى راجم أي يرجم غيره بالإغواء أو بمعنى مرجوم لأنه يرجم بالكواكب عند استراقه السمع
"ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى" لما روي أنس قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه" رواه الخمسة إلا أحمد وصححه الترمذي وقد صح أن نقش خاتمه محمد رسول الله ولأن الخلاء موضع القاذورات فشرع ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض تعظيم اسم الله وتنزيهه عنه
والمذهب أنه يكره دخوله بما فيه ذكر الله تعالى بلا حاجة فلو لم يجد من يحفظه له أو خاف ضياعه فلا بأس حيث أخفاه قال أحمد الخاتم إذا كان فيه اسم الله تعالى يجعله في باطن كفه وقال في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم أرجو أن لا يكون به بأس وقال في المستوعب إن إزالة ذلك أفضل وجزم

ويقدم رجله اليسرى في الدخول، واليمنى في الخروج، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى ولا يتكلم.
ـــــــ
بعضهم بتحريمه بمصحف ويتوجه أن اسم الرسول كذلك وأنه لا يختص بالبنيان
"ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج" على العكس من المسجد ونحوه لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه لأنها أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة وأحق بالتحرز عن الأذى ومحله ولهذا قدمت في الانتعال دون النزع صيانة لها لما روى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة أنه قال من بدأ برجله اليمنى قبل يساره إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر وقد يفهم من لفظ الدخول والخروج اختصاص ذلك بالبنيان وليس كذلك بل يقدم يسراه إلى موضع جلوسه في الصحراء ويمناه عند منصرفه
"ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" لما روى أبو داود من طريق رجل لم يسمه وقد سماه بعض الرواة القاسم بن محمد عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض"
ولأن ذلك أستر له وهذه الكراهة مقيدة بعدم الحاجة ولكن المؤلف تبع النص الوارد والمراد أنه لم يستكمل الرفع حتى يدنو فلو عبر بقوله يرفع ثوبه شيئا فشيئا كان أولى ولعله يجب إن كان ثم من ينظره
"ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى" لحديث سراقة بن مالك قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكيء على اليسرى وأن ننصب اليمنى رواه الطبراني والبيهقي ولأنه أسهل لخروج الخارج فعلى هذا تكون اليمنى منصوبة إكراما لها
"ولا يتكلم" أي يكره أن يتكلم ولو برد سلام نص عليه كابتدائه لما روي ابن عمر "أن رجلا مر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبول فسلم عليه فلم يرد عليه" رواه مسلم وأبو داود وقال روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم ثم رد على الرجل السلام" وكلامه شامل لذكر الله تعالى بلسانه وجوزه ابن سيرين والنخعي

ولا يلبث فوق حاجته فإذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
ـــــــ
لان ذكر الله محمود على كل حال وما ذكرناه أولى لأنه عليه السلام لم يرد السلام الواجب فذكر الله تعالى أولى
فلو عطس حمد الله بقلبه ذكره الأصحاب وعنه وبلفظه ذكره ابن عقيل لعموم الأمر به وكذا إجابة المؤذن ذكره أبو الحسين وغيره وجزم صاحب النظم بتحريم القراءة في الحش وسطحه وهو متوجه على حاجته ويستثنى منه ما إذا رأى أعمى يقع في بئر أو حية تقصد إنسانا فإن إنذاره لا يكره
"ولا يلبث فوق حاجته" لأنه مضر عند الأطباء قيل إنه يدمي الكبد وقيل يورث الباسور قال جدي رحمه الله تعالى وهو كشف لعورته خلوة بلا حاجة وفي أخرى يحرم اختاره المجد وغيره وحكى أبو المعالي أنها مسألة سترها عن الملائكة والجن ولا يديم النظر إلى عورته "فإذا خرج قال غفرانك" وهو منصوب على المفعولية أي أسألك غفرانك مأخوذ من الغفر وهو الستر وسره أنه لما خلص من النجو المثقل للبدن سأل الخلاص مما يثقل القلب وهو الذنب لتكمل الراحة
"الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" لما روى أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: " غفرانك الحمد الله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" رواه ابن ماجة من رواية إسماعيل بن مسلم وقد ضعفه الأكثر وفي مصنف عبد الرزاق أن نوحا عليه السلام كان يقول إذا خرج من الخلاء " الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأذهب عني أذاه"
مسائل : يستحب له تغطية رأسه ولا يرفعه ولا بصره إلى السماء ولا يبصق على بوله لأنه يورث الوسواس وأن ينتعل ويتنحنح زاد بعضهم ويمشي خطوات قال الشيخ تقي الدين هذا بدعة

فإن كان في الفضاء أبعد واستتر وارتاد مكان رخوا ولا يبول في شق ولا سرب
ـــــــ
"فإن كان في الفضاء" هو ما اتسع من الأرض "أبعد" لما روى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد" رواه أبو داود وصرح السامري باستحباب ذلك "واستتر" بما أمكنه من حائش نخل أو كثيب رمل لما روى عبد الله بن جعفر قال "كان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل" رواه مسلم
وفسر بأنه جماعة النخل لا واحد له من لفظه ولأن ذلك جهده في ستر العورة المأمور بها وذكر السامري أنه ينبغي ذلك
"وارتاد" أي طلب "مكانا رخوا" يجوز فيه فتح الراء وكسرها ومعناه لينا هشا أو عال أو يلصق ذكره بالأرض الصلبة لما روى أبو موسى قال "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله لعيه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى في أصل جدار فبال ثم قال: " إذا بال أحدكم فليرتد لبوله" رواه أحمد وأبو داود ولأنه يأمن بذلك من رشاش البول
"ولا يبول في شق" بفتح الشين واحد الشقوق "ولا سرب" بفتح السين والراء عبارة عن الثقب وهو ما يتخذه الدبيب والهوام بيتا في الأرض لما روى قتادة عن عبد الله بن سرجس قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر قالوا لقتادة ما يكره من البول في الجحر قال يقال إنها مساكن الجن" رواه أحمد وأبو داود
وقد روي أن سعد بن عبادة بال بجحر بالشام ثم استلقى ميتا فسمع من بئر المدينة قائل يقول:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده
ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده

ولا طريق، ولا ظل نافع، ولا تحت شجرة مثمرة.
ـــــــ
فحفظوا ذلك فوجدوه في اليوم الذي مات فيه سعد ولأنه يخاف أن يخرج ببوله دابة تؤذيه أو ترده عليه فتنجسه والمراد بهذا النهي الكراهة صرح به في الفروع كمورد ماء وفم بالوعة وكذا يكره على نار لأنه يورث السقم ورماد قاله في الرعاية ومثله على قرع وهو الموضع المتجرد من النبت بين بقايا منه
"ولا طريق" وقيده ابن تميم بأن يكون مأتيا والأشهر عدمه
"ولا ظل نافع" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا اللاعنين " قالوا وما اللاعنان قال" الذي يتخلى في طرق الناس أو في ظلهم" رواه مسلم ففي إضافة الظل إليهم دليل على أن المراد المنتفع به ولم يقيده في المستوعب والأصح ما ذكرنا
"ولا تحت شجرة مثمرة" وهي التي أثمرت أو قرب ثمرها لأنه يفسد على الناس ثمرهم أو تعافها النفس فأما إذا لم تكن مثمرة أو ليس وقت ثمر جاز إن لم يكن ظلا نافعا لأن أثرها يزول بالأمطار وغيرها إلى مجيئ الثمر ذكره في شرح العمدة ودل كلامه أن الغائط أشد من البول لغلاظته ولا يطهر بصب الماء عليه
تذنيب : لا يبول في راكد نص عليه وإن بلغ حدا لا يمكن نزحه وأطلق فيه ولا يجوز أن يتغوط في جار لبقاء أثره وقد صرح به ابن تميم قال في الشرح فأما البول فيه فلا بأس به إذا كان كثيرا وظاهر كلام غيره الجواز مطلقا ولا يبول في موضع الوضوء أو الغسل نص عليه للنهي عنه فإن بال وصب عليه الماء وكان مما لا يقف عليه فلا كراهة وفي المغني روايتان والمنصوص أنه يجوز في إناء بلا حاجة وقدم في الرعاية أنه يكره من غير حاجة

ولا يستقبل الشمس ولا القمر، ولا يجوز أن يستقبل القبلة في الفضاء وفي استدبارها فيه واستقبالها في البنيان روايتان.
ـــــــ
ولا يبول على ماله حرمة ولا على ما نهي عن الاستجمار به لحرمته وفي النهاية يكره على الطعام كعلف دابة قال في الفروع وهو سهو فرع يكره أن يتوضأ على موضع بوله أو يستنجى عليه لئلا يتنجس به فلو كان في الأبنية المتخذة لذلك فلا ينتقل عنها للمشقة أو كان بالحجر لم يكره لأنه لو انتقل لنضح بالنجاسة
"ولا يستقبل الشمس ولا القمر" لأنه روي أن معهما ملائكة وأن أسماء الله مكتوبة عليهما وأنهما يلعنانه وبهما يستضيء أهل الأرض فينبغي احترامهما وكالريح وإن استتر عنهما بشيء فلا بأس
"ولا يجوز أن يستقبل القبلة" عند التخلي "في الفضاء" لما روى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" رواه البخاري ومسلم وله معناه من حديث أبي هريرة ولأن جهة القبلة أشرف الجهات فصينت عن ذلك
وعن أحمد يجوز وهو قول عروة وربيعة وداود لما روى جابر قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرايته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" رواه أحمد والترمذي وقال حسن غريب وصححه البخاري لا يقال هذا ناسخ للأول لأنه يحتمل أنه رآه في البنيان أو مستترا بشيء أو يكون الموطأ به فلا يثبت النسخ بالاحتمال ويجب حمله على ذلك توفيقا بين الدليلين وجوزه في المبهج إذا كانت الريح في غير جهتها وعلى المنع يكفي انحرافه عن الجهة نقله أبو داود ومعناه في الخلاف وظاهر كلام المجد وحفيده لا يكفي
"وفي استدبارها فيه" أي في الفضاء "واستقبالها في البنيان روايتان" وجملته أن الرواية عن أحمد قد اختلفت ففي رواية أنه يجوز الاستدبار في الفضاء

فإذا فرغ من قضاء حاجته مسح بيده اليسرى.
ـــــــ
والبنيان لحديث ابن عمر قال "رقيت على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة" متفق عليه
والظاهر أنه كان في الفضاء. وفي ثانية بالمنع فيهما قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لما روى أبو هريرة مرفوعا قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها" رواه مسلم
وفي ثالثة جوازهما في البنيان فقط صححه في الشرح وذكر ابن هبيرة أنه الأشهر عنه وقدمه في المحرر واختاره الأكثر لما روى الحسن بن ذكوان عن مروان الأصغر قال "رأيت ابن عمر أناخ راحلته ثم جلس يبول إليها فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا قال إنما نهي عن هذا في الفضاء أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا" رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم وقال على شرط البخاري والحسن ضعفه ابن معين وقال أحمد أحاديثه أباطيل وقواه جماعة وروى له البخاري فهذا تفسير لنهيه عليه السلام العام فتحمل أحاديث النهي على الفضاء وأحاديث الرخصة على البنيان
وفي رابعة: يحرم استقبالها في البنيان قدمها جماعة لعموم النهي
وفي خامسة يجوز قدمها في المحرر وذكر في الشرح أنها أولى لما ذكرنا وعلم منه أنه لا يكره استقبال بيت المقدس وهو ظاهر ما في الخلاف وحمل النهي حين كان قبلة ولا يسمى بعد النسخ قبلة ونقل حنبل يكره وفاقا للشافعي لبقاء حرمته
فرع: يكفي الاستتار في الأشهر بدابة أو جدار ونحوه وفي إرخاء ذيله وجهان وظاهره لا يعتبر قربه منها كما لو كان في بيت قال في الفروع ويتوجه وجه كسترة صلاة ويكره استقبالها باستنجاء "فإذا فرغ من قضاء حاجته مسح بيده اليسرى" لما روت عائشة قالت:

من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينثره ثلاثاً ولا يمس فرجه بيمينه ولا يسيتجمر بها
ـــــــ
كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه ويده اليسرى لخلائه وما كان من أذى " رواه الشيخان
"من أصل ذكره" وهو الدرز الذي تحت الأنثيين من حلقة الدبر فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه من مجامع العروق "إلى رأسه" لئلا يبقى شيء من البلل في ذلك المحل
"ثم ينتره ثلاثا" نص عليه برفق لما روى عيسى بن يزداد عن أبيه مرفوعا قال إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا رواه أحمد وأبو داود لأنه بالنتر يستخرج ما عساء يبقى ويخشى عوده بعد الاستنجاء هذا هو الاستبراء فإن احتاج أن يمشي خطوات مشى خطوات قيل أكثرها سبعون خطوة قال الشيخ تقي الدين ذلك بدعة ويتوجه إن لم يستبرئ خرج منه شيء وجب
"ولا يمس فرجه بيمينه" لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمسكن أحدكم بيمينه وهو يبول" متفق عليه
وظاهره اختصاص النهي بحالة البول قال ابن المنجا وإنما لم يذكره المؤلف رحمه الله لوضوحه "ولا يستجمر بها" صرح في الوجيز بالكراهة فيهما واقتصر في المحرر على الثاني لما روى سلمان قال "نهانا رسول الله عن كذا وأن نستنجي باليمين" رواه مسلم
وفي حديث أبي قتادة "ولا يتمسح في الخلاء بيمينه"
ثم إن كان يستجمر من الغائط أخذ الحجر بيساره فمسح به وإن كان من بول أمسك ذكره بشماله ومسحه على الحجر فإن كان صغيرا ولم يمكنه وضعه بين عقبيه وإلا أمسك الحجر بيمينه ومسح بيساره وفيه وجه:

فإن فعل أجزأه ثم يتحول عن موضعه ثم يستجمر ثم يستنجي بالماء ويجزئه أحدهما
ـــــــ
يمسك ذكره بيمينه ويمسحه بيساره والأول أولى وبكل حال تكون اليسرى هي المتحركة لأن الاستجمار إنما يحصل بالمتحركة فإن كان أقطع اليسرى أو بها مرض استجمر بيمينه للحاجة قال في التلخيص يمينه أولى من يسار غيره
"فإن فعل أجزأه" مع الكراهة لأن الاستجمار بالحجر لا باليد فلم يقع النهي على ما يستنجي به لكون أن النهي نهي تأديب لا تحريم وقيل يحرم ويصح
فرع تباح المعونة بيمينه في الماء للحاجة
"ثم يتحول عن موضعه" مع خوف التلوث لئلا يتنجس وهذا واجب ولو لم يزد على درهم "ثم يستجمر ثم يستنجي بالماء" وجمعهما أفضل لقول عائشة "مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحييهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله" رواه أحمد واحتج به في رواية حنبل والنسائي والترمذي وصححه ولأنه ابلغ في الإنقاء وأنظف لأن الحجر يزيل عين النجاسة ولا تباشرها يده والماء يزيل أثرها فإن بدأ بالماء فقال أحمد يكره "ويجزئه أحدهما" أما الماء فلما روى أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم "إذا خرج لحاجته أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء فيستنجي به" متفق عليه ولفظه لمسلم
ويواصل صب الماء ويسترخي قليلا ويدلك الموضع حتى يخشن وينقى
وأما الأحجار فلقوله عليه السلام في حديث جابر "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" رواه أحمد وأبو داود ولكن الماء أفضل في ظاهر المذهب لأنه يزيل العين والأثر ويطهر المحل والحجر يخفف النجاسة وكان القياس يقتضي عدم إجزائه لكن الإجزاء رخصة.

إلا أن يعدو الخارج موضع العادة فلا يجزئ إلا الماء
ـــــــ
وعنه يكره الاستنجاء وحده لأن فيه مباشرة النجاسة بيده ونشرها من غير حاجة وعنه الحجر أفضل اختاره ابن حامد والاقتصار عليه مجزئ بالإجماع
فأما ما نقل عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن الزبير وابن المسيب وعطاء من إنكار الماء فهو والله أعلم إنكار على من يستعمله معتقدا لوجوبه ولا يرى الأحجار مجزئة لأنهم شاهدوا من الناس محافظة عليه فخافوا التعمق في الدين
"إلا أن يعدو الخارج موضع العادة" جزم به في المتسوعب و التلخيص و الوجيز مثل أن ينتشر إلى الصفحتين أو يمتد إلى الحشفة كثيرا اقتصر عليه في الشرح وحده وفي شرح العمدة إلى النصف من الألية والحشفة فأكثر فإن كان أقل من ذلك عفي عنه وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية وظاهر المحرر أنها إذا تعدت عن مخرجها مطلقا
"فلا يجزئ إلا الماء" لأن الأصل وجوب إزالة النجاسة بالماء وإنما رخص في الاستجمار لتكرر النجاسة على المحل المعتاد فإذاجاوزته خرجت عن حد الرخصة فوجب غسلها كسائر البدن والغسل للمتعدي نص عليه وبه قطع ابن تميم
ونفس المخرج يجزئ فيه الاستجمار وجزم به في الوجيز وهو مقتضى كلامه في المحرر أن الماء متعين للكل وحكى ابن الزاغوني في الوجيز روايتين ونص أحمد أنه لا يستجمر في غير المخرج
وقيل يستجمر في الصفحتين والحشفة وبه قطع الشيرازي وظاهره أنه لا يشترط التراب ولا العدد لأنه لم ينقل
واختلف الأصحاب فيما إذا انسد المخرج وانفتح غيره فقال القاضي والشيرازي يجزئه الاستجمار فيه لأنه صار معتادا ونفاه ابن حامد

ويجوز الاستجمار بكل طاهر ينقي كالحجر والخشب والخرق
ـــــــ
والمؤلف ونصره في الشرح لأنه لا يتعلق به أحكام الفرج وحينئذ يتعين الماء سواء انفتح فوق المعدة أو تحتها صرح به الشيرازي وقيده ابن عقيل والمجد بما إذا انفتح أسفل المعدة قال ابن تميم وظاهر كلامهم إجراء الخلاف مع بقاء المخرج فلو يبس الخارج في مخرجه أو تنجس بغير نجاسة كالحقنة إذا خرجت أو استجمر بنجس وجب غسل المحل في الأشهر ويغسل الأقلف المفتوق نجاسة حشفته ونص أحمد أنه يسن وقيل حكم طرف القلفة حكم رأس الذكر وقيل إن تعذر إخراجها فهو كمختون
تنبيهان:
الأول : البكر كالرجل لأن عذرتها تمنع من انتشار البول فأما الثيب فإن خرج البول ولم ينتشر فكذلك وإن تعدى إلى موضع الحيض فقال أصحابنا يجب غسله لأن مخرج الحيض غير مخرج البول وفي المغني احتمال لا يجب لأن هذا إعادة في حقها فكفى فيه الاستجمار كالمعتاد
الثاني : يبدأ الرجل والبكر بالقبل وقيل يتخير كالثيب وذكر السامري أنها تبدأ بالدبر فلا تدخل إصبعها بل يكفي ما ظهر لأن المشقة تلحق به كداخل العينين وهو في حكم الباطن وقال أبو المعالي وابن حمدان هو في حكم الظاهر واختلف كلام القاضي ويخرج على ذلك إذا خرج ما احتشته ببلل هل ينقض
مسألة إذا استجمر في فرج واستنجى في آخر فلا بأس ويستحب لمن استنجى نضح فرجه وسراويله بالماء لدفع الوسواس وعنه لا لمن استجمر ومن ظن خروج شيء فقال أحمد لا تلتفت حتى تتيقن ولم ير حشو الذكر فإن فعل فصلى ثم أخرجه فوجد بللا فلا بأس ما لم يظهر خارجا
"ويجوز الاستجمار بكل طاهر ينقي كالحجر" إجماعا "والخشب والخرق" هذا هو الصحيح في المذهب لما روى أحمد وأبو داود والدارقطني ،

إلا الروث والعظام والطعام وما له حرمة وما يتصل بالحيوان
ـــــــ
وقال إسناده صحيح
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" والثانية واختارها أبوبكر وهي قول داود لا يجزئ إلا الأحجار لأنه نص عليها وعلق الإجزاء بها وألاول أولى لأن المراد بالأحجار كل مستجمر فيدخل فيه جميع الجامدات ولقول سلمان أمرنا عليه السلام أن لا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم فلولا أنه يعم الجميع لم يكن لاستثناء الرجيع والعظم معنى وإنما خص الحجر بالذكر لأنه أعم الجامدات وجودا وأشملها تناولا لا يقال المراد بالرجيع الحجر المستجمر به مرة لأنه في اللغة اسم الروث سمي بذلك لأن الحيوان رجعه بعد أن أكله يؤيده ما رواه أحمد من حديث رويفع بن ثابت مرفوعا " من استجمر برجيع دابة فإن محمدا بريء منه"
"إلا الروث والعظام والطعام وماله حرمة وما يتصل بالحيوان" لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن" رواه مسلم
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يستنجى بروث أو عظم وقال إنهما لا يطهران" رواه الدارقطني وقال إسناد صحيح وإذا ثبت ذلك في طعام الجن ففي طعام الآدمي أولى وبالجملة فيشترط في المستجمر به شروط الأول أن يكون جامدا لأن المائع إن كان ماء فهو استنجاء وإن كان غيره امتزج بالخارج فيزيد المحل نجاسة ويؤخذ هذا من تمثيله بالحجر والخرق
الثاني أن يكون طاهرا لما روى ابن مسعود "أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحجرين وألقى الروثة وقال: "إنها لركس" رواه البخاري والركس النجس
الثالث أن يكون منقيا فلا يجوز بالفحم الرخو قاله في الشرح وغيره ،

ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات إما بحجر ذي شعب أو بثلاثة
ـــــــ
ولا بالزجاج ولا الحجر الأملس والبلور إذ المقصود الإنقاء ولم يحصل
الرابع : أن لا يكون محترما فلا يجوز بطعامنا ولا بطعام دوابنا وكذا طعام الجن ودوابهم وكذلك كتب الفقه والحديث وما فيه اسم الله تعالى لما فيه من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها وإذا ثبت ذلك في الطعام بحرمة الأكل فهاهنا أولى
وكذلك ما يتصل بحيوان كيده وذنبه وصوفه المتصل به لأن له حرمة فهو كالطعام وقد ينجس الغير فقوله وماله حرمة يدخل فيه الطعام وما يتصل بحيوان فذكره كاف عنهما ولهذا اقتصر في المحرر و الوجيز عليه
الخامس : أن لا يكون محرماً فلا يجوز بمغصوب ولا ذهب ولا فضة ذكره في النهاية وجزم به في الوجيز ولم يذكره المؤلف وقيل يجوز بالمغصوب وهو مخرج من رواية صحة الصلاة في بقعة غصب ورد بأن الاستجمار رخصة والرخص لا تستباح على وجه محرم واختار الشيخ تقي الدين الإجزاء في ذلك وبما نهي عنه قال لأنه لم ينه عنه لكونه لا ينقي بل لإفساده ومن مذهبه أن النجاسة تزال بغير الماء وهي من باب التروك بدليل أنه لا يشترط لزوالها قصد وجوابه رواية الدارقطني السابقة وحيث قيل بعدم الإجزاء فإنه يتعين الماء في الشرط الأول وكذا في الثاني على ما قطع به المجد والمؤلف في الكافي وفي المغني احتمال بإجزاء الحجر وهو وهم وفي الثالث يعدل إلى طاهر منق وفي الرابع والخامس هل يجزئه الحجر جعلا لوجود آلة النهي كعدمها أو يعدل إلى الماء لعدم فائدة الحجر إذن لنقاء المحل فيه وجهان
"ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات" منقية "إما بحجر" كبير "ذي" ثلاث "شعب أو بثلاثة" إذا حصل له الإنقاء بثلاثة أحجار فهي مجزئة بغير خلاف وأما الحجر الكبير الذي له شعب فيجوز الاقتصار عليه في ظاهر المذهب ,

.
ـــــــ
اختاره الخرقي وجل المشايخ
وعنه لابد من ثلاثة أحجار اختارها أبو بكر والشيرازي لأنه عليه السلام نص عليها وعلق الإجزاء بها ولأنه إذا استجمر به تنجس فلم يجز كالصغير والأول أصح لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تغوط أحدكم فليتمسح ثلاث مرات" رواه أحمد وهذا يبين أن المقصود تكرار التمسح لا تكرار الممسوح به ولأنه يحصل بالشعب الثلاثة ما يحصل بالأحجار الثلاثة من كل وجه فلا معنى للفرق
فعلى هذا إن كسر ما تنجس أو غسله أو استجمر بثلاثة أحجار لكل منهما ثلاث شعب أجزأه لحصول المعنى والإنقاء وعلى قول أبي بكر لا يجزئه جمودا على اللفظ
قال في الشرح وهو بعيد قال ابن عقيل ولو مسح وضوء أو بالحائط في ثلاث مواضع فهو كالحجر الكبير
تذنيب : الإنقاء بالحجر بقاء أثر لا يزيله إلا الماء وقال المؤلف خروج الحجر أي الأخير لا أثر به إلا يسيرا فلوبقي ما يزول بالخرق لا بالحجر أزيل على ظاهر الأول لا الثاني ويندب نظره إلى الحجر قبل رميه ليعلم هل قلع أم لا والإنقاء بالماء خشونة المحل كما كان والأولى أن يقال أن يعود المحل إلى ما كان عيه لئلا ينتقض بالأمرد ونحوه ويكفي الظن جزم به جماعة وفي النهاية بالعلم ومثله طهارة الحدث
مسألة ينبغي أن يعم بكل مسحة المحل ذكره الشريف وابن عقيل وذكر القاضي أن المستحب أن يمر الحجر الأول من صفحة مقدم اليمنى إلى مؤخرها ثم يديره على اليسرى حتى يصل بهاإلى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثاني من صفحته اليسرى كذلك ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين وقال ابن تميم إن أفرد كل جهة بحجر فهل يجزئ على وجهين وذكره ابن الزاغوني

فإن لم ينق بها زاد حتى ينقى ويقطع على وتر ويجب الاستنجاء من كل خارج إلا الريح
ـــــــ
رواية
"فإن لم ينق بها" أي بالمسحات الثلاث "زاد حتى ينقي" لأن المقصود إزالة أثر النجاسة "ويقطع" في الزيادة "على وتر" استحبابا لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استجمر فليوتر" رواه الشيخان
فإن قطع على شفع جاز لأن في رواية أبي داود وابن ماجة "من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج"
"ويجب الاستنجاء أو الاستجمار من كل خارج" لخبر عائشة وغيره إذ الأمر يقتضي الوجوب وأكد ذلك بلفظ الإجزاء فإنه غالبا يستعمل فيه وكلامه شامل للمعتاد كالغائط والبول والنادر كالدود والحصى والطاهر والنجس وهو ظاهر كلام الأصحاب وظاهر المحرر أنه لا يجب في طاهر كمني ودواء تحملت به إن قيل بطهارة فرجها والمذي على رواية وللرطب واليابس حتى لو أدخل ميلا في ذكره ثم أخرجه لزمه الاستنجاء وهو المشهور ربطا للحكم بالمظنة وهي استصحاب الرطوبة وقال في المغني و الشرح القياس أنه لا يجب في يابس لا ينجس المحل وذكر ابن تميم ذلك وجها
"إلا الريح" فإنه لا يجب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من استنجى من ريح فليس منا" رواه الطبراني في معجمه الصغير قال أحمد ليس فيها استنجاء في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله عليه السلام ولأن الغسل إنما يجب لإزالة النجاسة ولا نجاسة فيها قال في المبهج لأنها عرض باتفاق الأصوليين وفيه نظر لأن من المعلوم أن للريح الخارجة من الدبر رائحة منتنة قائمة بها ولا شك في كون الرائحة عرضا فلو كانت الريح أيضا عرضا لزم قيام العرض بالعرض وهو غير جائز عند المتكلمين وهي طاهرة
وفي النهاية نجسة فتنجس ماء يسيرا وفيه بعد .

فإن توضأ قبله فهل يصح وضوؤه على روايتين
وإن تيمم قبله خرج على روايتين وقيل لايصح وجهاً واحداً
ـــــــ
وذكر أبو الخطاب: أنها غير ناقضة بنفسها بل بما يتبعها من النجاسة ويعفى عن خلع السراويل للمشقة
وقيل لا استنجاء من نوم وريح وإن أصحابنا بالشام قالت الفرج يرمص كما ترمص العين وأوجبت غسله ذكره أبو الوقت الدينوري
"فإن توضأ قبله" أي قبل الاستنجاء إذا كانت النجاسة عليه "فهل يصح وضوؤه على روايتين" إحداهما يصح قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز وصححها القاضي
وفي الشرح لأنها إزالة نجاسة فلم تشترط لصحة الطهارة كالتي على غيرالفرج فعليها يباح له به مس المصحف وليس الخف والصلاة عند عجزه عما يستنجي به ويستمر وضوؤه ما لم يحدث ثم يزيلها بخرقة أو غيرها والأخرى لا يصح وهي ظاهرالخرقي وقدمها في الرعاية و الفروع وذكر أنها اختيار الأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المقداد: "يغسل ذكره ثم يتوضأ" فرتب الوضوء بعد الغسل ولأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم فعلى هذه لا يستبيح شيئا مما ذكرنا
"وإن تيمم قبله خرج على الروايتين" السابقتين فيصح عند ابن حامد واختار القاضي وابن حمدان البطلان وبناه في المغني و الشرح على رواية صحة الوضوء فقط
"وقيل لا يصح وجها واحداً" جزم به في الوجيز لأنه لا يرفع الحدث وإنما يستباح به ولا يباح مع قيام المانع كالتيمم فعلى هذا إذا كانت على غير الفرج فهو كما لو كانت عليه ذكره القاضي وابن عقيل وفي وجه يجزئ لأنه استباح الصلاة بغيره أشبه ما لو كانت على الثوب قال في المغني وهو الأشبه لأن نجاسة الفرج سبب وجوب التيمم فجاز أن يكون بقاؤها مانعا ,


ـــــــ
بخلاف سائر النجاسات
مسألة يحرم منع المحتاج إلى الطهارة ولو وقفت على طائفة معينة ولو في ملكه لبذلها للمحتاج شرعا وعرفا ولو صرح الواقف بالمنع قال الشيخ تقي الدين يمنع أهل الذمة من دخول طهارة إن حصل بهم ضرر ومع عدمه لا مزاحمة لهم .

باب السواك وسنة الوضوء
السواك مسنون في جميع الأوقات
ـــــــ
باب السواك وسنة الوضوءالسواك والمسواك اسم للعود الذي يتسوك به وهو مشتق من التساوك وهو التمايل والتردد لأن المتسوك يردده في فيه ويحركه يقال جاءت الإبل تساوك إذا كانت أعناقها تضطرب من الهزال
وقيل هو مشتق من ساك إذا دلك وهو يذكر ويؤنث وقيل يذكر فقط وجمعه سوك ككتب ويقال سؤك بواو مهموزة
وفي الشرع استعمال عود أو نحوه في الأسنان لإذهاب التغيير ونحوه
"وسنة الوضوء" السنة لغة الطريقة واصطلاحا عبارة عن قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره
وإذا أطلقت في مقابلة الواجب فالمراد بها المستحب ومنه قوله عليه السلام "إن الله فرض صيام رمضان وسننت قيامه"
والوضوء بالفتح اسم للماء الذي يتوضأ به وقيل بالفتح فيهما وقيل بالضم فيهما وهو أضعفها وأصله من الوضاءة وهي النظافة وفي الشرع أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية "السواك مسنون في جميع الأوقات" اتفق العلماء على أنه سنة مؤكدة لحث الشارع ومواظبته عليه وترغيبه فيه وندبه إليه يوضحه ما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" رواه الشافعي وأحمد وابن خزيمة والبخاري تعليقا ورواه أحمد أيضا عن أبي بكر وابن عمر وهذا شامل للنبي صلى الله عليه وسلم واختاره ابن حامد وقيل كان واجبا عليه اختاره القاضي وابن عقيل وليس بواجب على الأمة إجماعا لما روى أبو هريرة

إلا للصائم بعد الزوال فلا يستحب
ـــــــ
مرفوعا قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" متفق عليه
قال الشافعي: لو كان واجبا لأمرهم به شق او لم يشق ويعضده ما روت عائشة مرفوعا قال "فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفا" رواه الحاكم وصححه وقال على شرط مسلم وهذا مما أنكر عليه وضعفه البيهقي بسبب أن ابن إسحاق مدلس ولم يسمعه من الزهري
"إلا للصائم بعد الزوال فلا يستحب" في المشهور حتى ذكر ابن عقيل أن المذهب لا يختلف فيه لما روى بو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" متفق عليه وهو إنما يظهر غالبا بعد الزوال فوجب اختصاص الحكم به ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعا فتستحب إدامته كدم الشهيد
فإن قلت لم وصف دم الشهيد بريح المسك من غير زيادة وخلوف فم الصائم بأنه أطيب منه ولا شك أن الجهاد أفضل من الصوم قلت الدم نجس وغايته أن يرفع إلى أن يصير طاهرا بخلاف الخلوف ولا فرق فيه بين المواصل وغيره
وظاهره لا فرق فيه بين العود الرطب وغيره فلو خالف كره في رواية صححها في التلخيص وقدمها في الرعاية و الفروع وهي المذهب لما تقدم وعنه يباح لما روى عامر بن ربيعة قال "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم" رواه أحمد وأبو داود والبخاري تعليقا
وعنه يستحب مطلقا اختارها الشيخ تقي الدين قال في الفروع وهي أظهر لقوله عليه السلام: " من خير خصال الصائم السواك " رواه ابن ماجة
وعنه: يكره قبله بعود رطب؟ اختارها القاضي وجزم بها الحلواني وغيره .

ويتأكد استحبابه في ثلاثة مواضع: عند الصلاة والانتباه من النوم وتغير رائحة الفم
ـــــــ
وعنه فيه لا اختاره المجد وغيره وهو قول عمر وابنه وابن عباس وكالمضمضة المسنونة
ونقل حنبل: لا ينبغي أن يستاك بالعشي
وقال الترمذي: لم ير الشافعي بأسا بالسواك للصائم أول النهار وآخره كما حكاه البخاري عن ابن عمر وظاهر كلامه أنه لا يكره قبل الزوال وهو كذلك ويؤخذ منه أن الكراهة ينعقد بعد غروب الشمس
"ويتأكد استحبابه في ثلاثة مواضع عند الصلاة" لما تقدم وهو عام في الفرض والنفل حتى صلاة المتيمم وفاقد الطهورين وصلاة الجنازة والظاهر أنه لا يدخل فيه الطواف وسجدة الشكر والتلاوة
"والانتباه من النوم" لما روى حذيفة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك" متفق عليه
يقال: شاصه وماصه إذا غسله وقيل هو الدلك والحك ولأن النائم يتغير فاه لانطباقه.
"وتغير رائحة الفم" بكلام أو سكوت أو أكل أو جوع أو عطش لحديث عائشة ولأنه شرع في الأصل لتنظيف الفم
ويتأكد أيضا في مواضع منها عند الوضوء في المضمضة قاله في المحرر وغيره لقوله عليه السلام " لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" رواه أحمد لأنه أبلغ في التنظيف
زاد في الرعاية والغسل ومنها قراءة القرآن ذكره في الفروع وسبقه إليه أبو الفرج
ومنها: دخول المنزل لما روى المقداد بن شريح عن أبيه قال قلت لعائشة:

ويستاك بعود لين ينقي الفم ولا يجرحه ولايضره ولا يتفتت فيه فإن استاك بأصبعه أو خرقة فهل يصيب السنة؟ على وجهين
ـــــــ
بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته قالت "بالسواك" رواه مسلم فدخول المسجد أولى
ومنها اصفرار الأسنان وصرح به بعضهم
"ويستاك بعود لين ينقي الفم" كالأراك ونحوه لما روى ابن مسعود قال "كنت أجني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكا من أراك" رواه أبو يعلى الموصلي وما في معناه العرجون كالأراك لكن قال في الفروع ويتوجه احتمال أن الأراك أولى لفعله عليه السلام وذكر الأزجي أنه لا يعدل عنه وعن الزيتون والعرجون وهو ساعد النخل الذي تكون فيه الثمرة إلا لتعذره
قال صاحب التيسير من الأطباء من زعموا أن التسوك من أصول الجوز في كل خامس من الأيام ينقي الرأس ويصفي الحواس ويحد الذهن والسواك باعتدال يطيب الفم والنكهة ويجلو الأسنان ويقويها ويشد اللثة بحيث "لا يجرحه ولا يتفتت فيه" يحترز بذلك عن الريحان والرمان فإنه روى قبيصة بن ذؤيب مرفوعا: " لا تخللوا بعود الريحان ولا الرمان فإنهما يحركان عرق الجذام" رواه محمد بن الحسين الأزدي وقيل السواك بالريحان يضر بلحم الفم وكذا الطرفاء والآس وألاعواد الذكية التخلل بذلك كله مكروه كالسواك
"فإن استاك بإصبعه أو خرقة فهل يصيب السنة؟ على وجهين" كذا في المحرر أحدهما لا يصيب قدمه في الكافي و الرعاية وابن تميم وهو المذهب لأنه لا يحصل الإنقاء به حصوله بالعود
والثاني : بلى وفاقا لأبي حنيفة وقاله في الوجيز في الإصبع لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يجزئ من السواك الأصابع" رواه البيهقي والحافظ الضياء في المختارة وقال لا أرى بإسناد هذا الحديث بأسا وفي المغني و الشرح أنه

ويستاك عرضا على لسانه وأسنانه ويدهن غباً
ـــــــ
يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء وذكر أنه الصحيح
ولم يتعرض الأصحاب إلى إصبع غيره ولا إليها إذا كانت منفصلة وظاهره الإجزاء إذا قلنا بطهارتها وإن كان دفنها على الفور واجباً
وقيد في الرعاية الخرقة بكونها خشنة وفاقا للشافعي وفيه وجه يصيب إن لم يجد عودا وفيه وجه لا يصيب بإصبع مع وجود خرقة وفيه وجه العود والخرقة سواء ثم الإصبع وفيه وجه يصيب بالإصبع عند الوضوء خاصة
"ويستاك عرضا على لسانه وأسنانه" زاد في الرعاية ولثته لأنه عليه السلام كان يستاك عرضا رواه الطبراني والحافظ الضياء وضعفه ولأن التسوك طولا ربما أدمى اللثة وأفسد الأسنان وقيل الشيطان يستاك طولا وقال في المبهج و الإيضاح طولا وفي الشرح إن استاك على لسانه أو حلقه فلا بأس أن يستاك طولا لخبر أبي موسى رواه أحمد
فائدة : ذكر ابن تميم وغيره أنه يغسل السواك وأنه لا بأس أن يستاك بالواحد اثنان أو أكثر قال في الرعاية ويقول إذا استاك اللهم طهر قلبي ومحص ذنوبي قال بعض الشافعية وينوي به الإتيان بالسنة
"ويدهن غبا" لأنه عليه السلام "نهى عن الترجل إلا غبا" رواه النسائي والترمذي وصححه والترجل: تسريح الشعر ودهنه والغب يوما ويوما نقله يعقوب عن أحمد وفي الرعاية ما لم يجف الأول لا مطلقا للنساء واللحية كالرأس في ظاهر كلامهم ويفعله كل يوم للحاجة لخبر أبي قتادة رواه النسائي
وقال الشيخ تقي الدين: يفعل ما هو الأصلح بالبلد كالغسل بماء حار في بلد رطب لأن المقصود ترجيل الشعر وهو فعل الصحابة وأن مثله نوع اللبس والمأكل .

ويكتحل وترا ويجب الختان، مالم يخفه على نفسه
ـــــــ
غريبة: قال الشافعي: ما رأيت شيئا أنفع للوباء من البنفسج يدهن به ويشرب
"ويكتحل" في كل عين "وترا" بالإثمد المطيب لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج" رواه أحمد وأبو داود في كل عين ثلاثة أطراف كما أخرجه الترمذي وحسنه وعن أحمد في اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين وقيل مرودين في كل واحدة والخامس يقسم بينهما وكان ابن سيرين يفعله تسوية بينهما
"ويجب الختان" عند البلوغ واختار الشيخ تقي الدين الوجوب إذا وجبت الطهارة والصلاة "ما لم يخفه على نفسه" ذكره معظم الأصحاب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة" رواه البخاري ومسلم ولم يذكر السنين
وقد عورض بما رواه الوليد بن مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا قال " اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة"
وقال الزهري كان الرجل إذا أسلم أمر بالاختتان وإن كان كبيرا رواه البخاري في الأدب بإسناد صحيح
وأصرح منه قوله عليه السلام "ألق عنك شعر الكفر واختتن" رواه أبو داود وخرج منه إلقاء الشعر بدليل فبقي الختان على أصل الوجوب وهو شامل للذكر وهو قطع جلدة غاشية على الحشفة ذكره جماعة ونقل الميموني أو أكثرها
وللأنثى وهو: قطع جلدة فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك ويستحب أن لا تؤخذ كلها نص عليه
وعنه: لا يجب على النساء وصححها بعضهم وعنه: يستحب .

ويكره القزع
ـــــــ
فعلى الأول يختتن الخنثى في ذكره وفرجه وأنه إذا خيف منه فظاهر المحرر وجزم به في الوجيز وغيره أنه يسقط قال ابن تميم على الأصح ونقل حنبل يختتن فظاهره يجب لأنه قل من يتلف منه
قال أبو بكر: والعمل على ما نقله الجماعة وأنه متى خشي عليه لم يختتن ويعتبر لذلك زمن معتدل ولو أمره به ولو في حر أو برد فتلف ففي ضمانه وجهان وإن أمره به وزعم الأطباء أنه يتلف أو ظن تلفه ضمن لأنه ليس له
تذنيب : فعله زمن الصغر أفضل على الأصح وقيل التأخير زاد بعضهم على الأول إلى التمييز قال الشيخ تقي الدين هذا هو المشهور وفي التلخيص قيل مجاوزه عشر وفي الرعايه بين سبع وعشر فان أخره حتى يدرك جاز لقوله ابن عباس كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك
ويكره يوم السابع للتشبه باليهود وعنه لا قال الخلال العمل عليه
"ويكره القزع" وهو حلق بعض رأسه نص عليه لما روى نافع عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع فقيل لنافع ما القزع قال أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه" متفق عليه
وقيل: بل حلق وسطه
وقيل: بل حلق يقع منه وكنتف الشيب وهو قول الأكثر
وظاهره يقتضي أن له حلقه كله وإن لم يكن في نسك وهو كذلك كقصه وعنه يكره لغير نسك وحاجة وفاقا لمالك وكحلق القفا زاد فيه جمع لمن لم يحلق رأسه ولم يحتج إليه كحجامة أو غيرها نص عليه وقال هو من فعل المجوس ويكره لامرأة حلقه كقصه وقيل يحرمان عليها نقل الأثرم أرجو ألا بأس لضرورة ويستثنى على الأول ما جزم به

ويتيامن في سواكه
ـــــــ
بعضهم أنه يحرم حلقه على مريد لشيخه لأنه ذل وخضوع لغير الله تعالى
مسائل : يجوز اتخاذ الشعر قال في الفروع ويتوجه احتمال لا إن شق إكرامه وفاقا للشافعي ولهذا قال أحمد هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومؤونة ويسرحه ويفرقه ويكون إلى أذنيه وينتهي إلى منكبيه كشعره عليه السلام ولا بأس بزيادته على منكبيه وجعله ذؤابة ويعفي لحيته وذكر ابن حزم أن ذلك فرض كقص الشارب وأطلق أصحابنا وغيرهم أن ذلك سنة وفي المذهب ما لم يستهجن طولها وفاقا لمالك ويحرم حلقها ذكره الشيخ تقي الدين ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة
ونصه: لا بأس بأخذه وما تحت حلقه لفعل ابن عمر وفي المستوعب وتركه أولى وأخذ أحمد من حاجبه وعارضه
ويحف شاربه وهي أولى في المنصوص وفاقا لأبي حنيفة والشافعي ولا يمنع منه ولا بأس أن ينظف أنفه خصوصا إذا فحش كإبطه ويحلق عانته وله إزالته بما شاء والتنوير فعله أحمد في العورة وكره الآمدي كثرته ويدفن ذلك نص عليه ويفعله كل أسبوع ولا يتركه فوق أربعين يوما عند أحمد وأما الشارب ففي كل جمعة لأنه يصير وحشا وقيل عشرين وقيل للمقيم
ويقلم أظفاره مخالفا يوم الجمعة قبل الزوال وقيل يوم الخميس وقيل يخير ويسن أن لا يحيف عليها في الغزو لأنه يحتاج إلى حل شيء نص عليه وينظر في مرآة ويقول اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار لحديث أبي هريرة رواه أبو بكر بن مردويه ويتطيب الرجل بما ظهر ريحه وخفي لونه والمرأة عكسه لأثر رواه النسائي والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة
"ويتيامن في سواكه" أي يبدأ بجانبه الأيمن ويستاك بيساره نقله حرب قال الشيخ تقي الدين ما علمت أحدا خالف فيه كانتثاره وفيه نظر وذكر جده:

وطهوره وانتعاله ودخوله المسجد
وسنن الوضوء عشر: السواك. والتسمية. وعنه أنها واجبة مع الذكر
ـــــــ
إن قلنا: يستنجي بيمينه فيستاك بها
"وطهوره وانتعاله ودخوله المسجد" وأكله وشربه لحديث عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله" متفق عليه
"وسنن الوضوء" سمي وضوء لتنظيفه المتوضىء وتحسينه
"عشر: السواك" لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على متي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" رواه أحمد بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة وللبخاري تعليقا عند كل وضوء والمراد عند المضمضة
"والتسمية" هذا اختيار الخرقي والمؤلف قال الخلال إنه الذي استقرت عليه الرواية لقوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: من الآية6] فلم يذكرها ولأنها طهارة فلم تجب لها التسمية كطهارة الخبث قال أحمد ليس يثبت في هذا حديث ولا أعلم فيه حديثا له إسناد جيد وإن صح فهو محمول على تأكيد الاستحباب.
"وعنه: أنها واجبة مع الذكر" اختارها أبو بكر وابن شاقلا وأبو جعفر وأبو الحسين والقاضي وأصحابه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" رواه أحمد وأبو داود ولأحمد وابن ماجة من حديث سعيد بن زيد وأبي سعيد مثله قال البخاري أحسن ما في هذا الباب حديث سعيد بن زيد وكذلك قال إسحاق هو أصحها فعلى هذا تسقط سهوا نص عليه وهو المذهب لأن الوضوء عبادة تتغاير أفعالها فكان في واجباتها ما يسقط سهوا كالصلاة ولا تسقط في اخرى فعلى هذا تكون شرطا اختارها ابن عبد وس والمجد لكن قال الشيرازي وابن عبد وس متى سمي في أثنائه أجزأه على كل حال لأنه

وغسل الكفين إلا أن يكون قائما من نوم الليل ففي وجوبه روايتان والبداءة بالمضمضة والاستنشاق
ـــــــ
قد ذكر الله تعالى على وضوئه وإذا قيل بوجوبها فهل تسمى فرضا أو سنة فيه روايتان والأخرس تكفي إشارته بها.
تتميم : محلها اللسان لأنها ذكر ووقتها بعد النية لتكون شاملة لجميع أفعال الوضوء وصفتها بسم الله فإن قال بسم الله الرحمن أو القدوس لم يجزئه على الأشهر كما لو قال الله أكبر على المحقق
"وغسل الكفين" أي قبل الوضوء مطلقا لما روى أحمد والنسائي عن أوس بن أبي أوس الثقفي قال "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فاستوكف ثلاثا" أي غسل كفيه والمذهب أنهما يغسلان ثلاثا ولو تحقق طهارتهما نص عليه
"إلا أن يكون قائما من نوم الليل" ناقض للوضوء "ففي وجوبه روايتان" الأصح والظاهر عن أحمد وجوب غسلهما تعبدا واختاره أكثر أصحابنا لما تقدم من الأمر به وهو يقتضي الوجوب والثانية هي مستحبة اختارها الخرقي والشيخان لأن الله تعالى أمرالقائم إلى الصلاة بغسل أعضاء الوضوء وهو شامل للقائم من النوم لا سيما وقد فسره زيد بن أسلم بالقيام من الليل ولم يذكر غسل اليدين وحمل الأمر على الندب لأنه علل بوهم النجاسة وطريان الشك على يقين الطهارة غيرمؤثر فيها.
فرع : إذا نسي غسلهما سقط مطلقا لأنها طهارة مفردة وإن وجب وفيه وجه لا يسقط لأنه من تمام الوضوء والأول أقيس لأنه يجوز تقديم غسلهما قبل الوضوء بزمن طويل ووجوب غلسهما لمعنى فيهما وقيل بل لإدخالهما الإناء ويعتبر لغسلهما نية وتسمية.
مسألة : يتوجه كراهة غمسها في مائع وأكل شيء رطب بها
"والبداءة بالمضمضة والاستنشاق" أي قبل غسل الوجه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم

والمبالغة فيهما إلا أن يكون صائما وتخليل اللحية
ـــــــ
في حديث عثمان أنه أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ولأنهما في حكم الباطن فقدما لئلا يخرج منه أذى بعد غسل الظاهر فيلوثه وقيل يجب
"والمبالغة فيهما" إلى أقاصيهما هذا قول عامة المتأخرين لأن في بعض ألفاظ لقيط بن صبرة "وبالغ في الاستنشاق" واقتصر الخرقي عليه تبعا لحديث لقيط قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء فقال: " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" رواه أحمد وأبو داود وصححه الترمذي وصرح به ابن الزاغوني وابن شاقلا وإنما لم يجب على المشهور ونص أحمد لسقوطها بصوم النفل والواجب لا يسقط بالنفل وعن أحمد وجوب المبالغة فيهما على المفطر وقيل في الكبرى والمبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يصيره سعوطا وفي المضمضة إدارة الماء في أقاصي الفم زاد في الرعاية و أكثره ولا يصيره وجورا وله بلعه كلفظه
"إلا أن يكون صائما" فإنه مكروه صرح به غير واحد وحرمه أبو الفرج الشيرازي وينبغي أن يقيد ذلك بصوم الفرض صرح به الزركشي
"وتخليل اللحية" لما روي عن عثمان "أنه توضأ وخلل لحيته حين غسل وجهه ثم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل الذي رأيتموني فعلت" رواه الترمذي وصححه وحسنه البخاري
وهذا إذا كانت كثيفة فأما إن كانت خفيفة تصف البشرة فإنه يجب غسلها وقيل يجب التخليل لظاهر الأمر وهو قول اسحاق وقيل لا يستحب وهو بعيد وعلى الأول فيخللها من تحتها بأصابعه نص عليه أو من جانبيها بماء الوجه وقيل بماء جديد
ونص أحمد على أنه إن شاء خللها مع وجهه وإن شاء إذا مسح رأسه ,

وتخليل الأصابع والتيامن وأخذ ماء جديد للأذنين
ـــــــ
وحكم بقية الشعور كعنفقة وشارب وحاجب ولحية امرأة وخنثى كذلك
"وتخليل الأصابع" أي تخليل أصابع اليدين والرجلين لما روى لقيط ابن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وخلل بين الأصابع" رواه الخمسة وصححه الترمذي
وهو في الرجلين آكد ذكره في الشرح وعنه لا يسن تخليل أصابع اليدين إذ تفريجهما يغني عن تخليلهما ويخلل أصابع رجليه بخنصرة اليسرى لأنها معدة لإزالة الوسخ والدرن من باطن رجله لأنه أبلغ يبدا بخنصرها إلى إبهامها وفي اليسرى بالعكس ليحصل التيامن فيه وأصابع يديه إحداهما بالأخرى فإن كانت أو بعضها ملتصقة سقط.
"والتيامن" بغير خلاف علمناه لما روى أبو هريرة مرفوعا قال: "إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم" رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد وشذ الرازي فحكى في تفسيره عن أحمد وجوب غسل اليمنى قبل اليسرى وهو منكر فقد قال ابن عبدوس هما في حكم اليد الواحدة حتى لو غسل إحداهما بماء الأخرى جاز
"وأخذ ماء جديد للأذنين" ظاهرهما وباطنهما في رواية وهي المذهب لما روى عبد الله بن زيد "أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الذي لرأسه" رواه البيهقي وقال إسناده صحيح ولأن من فعل ذلك خرج من الخلاف والثانية واختارها القاضي وأبو الخطاب والمجد لا يسن لأن غالب من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه وأذنيه بماء واحد يؤكده قوله عليه السلام: "الأذنان من الرأس " رواه ابن ماجة فعلى الأولى يدخل سباحتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما كذا وصفه ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم رواه النسائي وتسن مجاوزة موضع الفرض.

والغسلة الثانية والثالثة
ـــــــ
"والغسلة الثانية والثالثة" لما روى عبد الله بن زيد "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين" رواه البخاري وفي رواية أنه عليه السلام دعا بماء فتوضأ مرة مرة فقال: "هذا وظيفة الوضوء أو قال هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة ثم توضأ مرتين مرتين وقال هذا وضوء من توضأه كان له كفلان من الأجر وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي" رواه ابن ماجة وقوله عليه السلام في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لما سئل عن الوضوء "فاراه ثلاثا ثلاثا فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم" رواه أبو داود وتكلم مسلم على قوله أو نقص وأوله البيهقي على نقصان العضو واستحسنه الذهبي وأما الزيادة على الثلاث فيكره زاد بعضهم لغير وسواس وقيل يحرم للخبر قال أحمد لا يزيد عليها إلا رجل مبتلى.
خاتمة : ظاهر كلامه أنه لا يسن مسح العنق وهو الصحيح لعدم ثبوت ذلك في الحديث وعنه يسن اختاره في الغنية وابن الجوزي وابن رزين وأطلق في المحرر الخلاف وأنه لا يسن غسل داخل العينين واختاره القاضي والشيخان نظرا إلى أن الضرر المتوقع كالمتحقق
وقيل: يسن مع أمن الضرر جزم به صاحب التلخيص وحكى بعضهم رواية بالوجوب مخرجة من وجوب ذلك في الغسل والأصح أنه لا يجب غسلهما لنجاسة .

باب فرض الوضوء وصفته وشرطه
وفروضه ستة: غسل الوجه والفم والأنف منه وغسل اليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين.
ـــــــ
باب فرض الوضوء وصفته وشرطه"وفروضه ستة" الفروض جمع فرض وهو لغة التأثير وشرعا قيل ما أثيب فاعله وعوقب تاركه وهو عبارة عن استعمال الماء الطهور في الأعضاء المخصوصة على صفة مفتتحة بالنية وكان فرضه مع فرض الصلاة كما رواه ابن ماجة ثم أعلم أن الفرض والشرط يشتركان في توقف العبادة على وجودهما ويفترقان بأن الشرط خارج عنها والفرض داخلها وبأن الشرط يستصحب فيها إلى انقضائها والفرض ينقضي ويخلفه غيره فمنهم من نظر إلى المعنى الأول فسمى النية ونحوها فرضا وهي بالمعنى الثاني شرط
"غسل الوجه" لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]
"والفم والأنف منه" أي من الوجه لدخولهما في حده
"وغسل اليدين إلى المرفقين" لقوله تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] "ومسح الرأس" لقوله تعالى {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6]
"وغسل الرجلين" لقوله تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] أي كل واحدة منهما وهو فرض عندنا وعند الجماهير لقراءة نافع وابن عامر والكسائي وحفص بالنصب في {وَأَرْجُلَكُمْ} عطفا على اليدين وقرأ

وترتيبه على ما ذكره الله تعالى
ـــــــ
الباقون بالخفض للمجاورة كقوله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} [سبأ: 5] سبأ وقيل لما كانت الأرجل في مظنة الإسراف في الماء وهو منهي عنه مذموم عطفها على الممسوح لا للتمسح بل للتنبيه على الاقتصار على مقدار الواجب ثم قيل {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] دفعا لظن ظان أنها ممسوحة لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع ولفعله عليه السلام وقوله "ثم يغسل رجليه كما أمره الله تعالى" رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة والدارقطني وصححاه وقال سعيد حدثنا يونس بن أبي يعقوب عن أبي الجحاف عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين إسناد حسن وقالت عائشة "لأن يقطعا أحب إلي أن أمسح القدمين" وهذا في حق غيرلابس الخف فأما لابسه فغسلهما ليس فرضا متعينا في حقه
"وترتيبه على ما ذكر الله تعالى" هذا هو الأصح وفي الكافي إنه ظاهر المذهب لأن الله تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات ولا نعلم لهذا فائدة غيرالترتيب والآية سيقت لبيان الواجب والنبي صلى الله عليه وسلم رتب الوضوء وقال "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" ولأنه عبادة تبطل بالحدث فكان الترتيب من شرطه كالصلاة يجب فيها الركوع قبل السجود ولو كان التنكيس جائزا لفعله ولو مرة لتبيين الجواز وهذا كله على أن الواو للجمع المطلق فأما إذا قيل إنها للترتيب فواضح
فعلى هذا لو بدأ بشيء من الأعضاء قبل غسل الوجه لم يحسب له نعم إن توضأ منكسا أربع مرات صح وضوؤه إن قرب الزمن لأنه حصل له في كل مرة غسل عضو ولو غسلها جميعا بانغماس واحد أو وضأه أربعة في حالة واحدة لم يجزئه وإن لبث في جار فمرت عليه أربع جريات متعاقبة سقط الترتيب إن قيل بإجزاء الغسل عن المسح وقيل إن أمر يده على رأسه كفاه وإلا فلا ولو لم تمر عليه إلا جرية واحدة لم يجزئه وإن انغمس في

والموالاة على إحدى الروايتين وهي ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله
ـــــــ
كثير راكد فمنصوصه وقطع به جمع إن خرج مرتبا جاز وإلا فلا والثانية وحكاها أبو الخطاب وابن عقيل بعدم الوجوب وأخذوا ذلك من نصه على جواز تأخير المضمضة والاستنشاق وأبي ذلك عامة الأصحاب وقيل يسقط بالجهل والنسيان
"والموالاة على إحدى الروايتين" ذكر ابن هبيرة أنها المشهورة وصححها في الرعاية وجزم بها في الوجيز ورجحها في الشرح لقوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: من الآية6] لأن الأول شرط والثاني جواب وإذا وجد الشرط وهو القيام وجب أن لا يتأخر عنه جوابه وهو غسل الأعضاء يؤيده ما روى خالد بن معدان " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء" رواه أحمد وأبو داود وزاد والصلاة وهذا صحيح وفيه بقية وهو ثقة روى له مسلم
والثانية ونقلها حنبل عنه: أنها لا تجب وهي قول ابن المنذر لأن الله تعالى أمر بالغسل ولم يشترط الموالاة وعن ابن عمر أنه غسل رجليه بعد ما جف وضوؤه ونصر الشيخ تقي الدين ذلك وزعم أنه الأشبه بأصول الشريعة وله نظائر منها التتابع في صوم شهري الكفارة وجوابه النص والإجماع ثم لو تركه لعذر لم ينقطع وكذا الموالاة في قراءة الفاتحة وفي الطواف والسعي لا يبطل بفعل المكتوبة
"وهو أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله" في زمن معتدل أو بمقداره من الشتاء والصيف والهواء وهل الاعتبار بما يلي العضو المغسول أو أولها أو جميعها فيه أقوال والتفريق المبطل ما يعد في العرف تفريقا قال الخلال هو الأشبه بقوله والعمل عليه فلو جف الأول لاشتغاله في الثاني بسنة كتخليل وإسباغ لم يضر وكذا إن كان لوسوسة وإزالة

والنية شرط لطهارة الحدث كلها
ـــــــ
وسخ في الأصح وإن كان للاشتغال بتحصيل الماء فروايتان ويضر إسراف وإزالة الوسخ لغير الطهارة وزيادة على الثلاث لأنه ليس من الطهارة شرعا ولا تسقط هي وترتيب سهوا كبقية الفروض
"والنية" لغة القصد يقال نواك الله بخير أي قصدك به ومحلها القلب فلابد أن يقصد بقلبه وأن يخلصها لله تعالى لأنه عمل القلب والنص دل على الثواب في كل وضوء ولا ثواب في غير منوي بالإجماع
"شرط" وهو لغة العلامة ومنه قوله تعالى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [القتال: 18] واصطلاحا ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم "لطهارة الحدث كلها" بغير خلاف نعلمه لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: من الآية5] البينة والإخلاص محض النية وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات" وأكده بقوله: "وإنما لكل امرئ ما نوى" وقوله: "لا عمل إلا بنية" ولأن الوضوء عبادة لقوله عليه السلام: "الطهور شطر الإيمان" رواه مسلم وأخبر أن الخطايا تخرج بالوضوء وكل عبادة لابد لها من نية فالعبادة ما أمر به شرعا من غير اضطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي قيل لأبي البقاء الإسلام والنية عبادتان ولا يفتقران إلى النية فقال الإسلام ليس بعبادة لصدوره من الكافر وليس من أهلها سلمنا لكن صح للضرورة لأنه لا يصدر إلا من كافر وأما النية فلقطع التسلسل ولأنها طهارة حكمية فافتقرت إلى النية كالكفارة بخلاف طهارة الخبث فإنها نقل عين أشبه رد الوديعة ولأن طهارة الحدث بابها الفعل اشبهت الصلاة وطهارة النجاسة بابها الترك أشبهت ترك الزنا وذكر بعض أصحابنا عن طوائف من العلماء أنه ليس من شرط العبادة النية بدليل الستارة واستقبال القبلة وهما شرطان للعبادة وأجيب بأنهما يوجدان في جميع الصلاة كوجودهما قبلها فنية الصلاة متضمنة لهما بخلاف طهارة الحدث ولهذا لو حلف لا يتطهر وهو متطهر لم يحنث بالاستدامة ولو حلف لا يستتر ولا يستقبل حنث باستدامتهما وظاهره أنها

وهي أن يقصد رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها فأن نوى ما تسن له الطهارة أو التجديد ، فهل يرتفع حدثه؟ على روايتين
ـــــــ
ليست بشرط في طهارة النجس وهو كذلك في الأصح وفيه وجه يشترط إن كانت على البدن وفي رواية أنها شرط مطلقا
"وهي أن يقصد رفع الحدث" وهو المانع مما تشترط له الطهارة والمراد رفع حكمه وإلا فالحدث إذا وقع لا يرتفع
"أوالطهارة لما لا يباح إلا بها" أي يقصد استباحة عبادة لا تستباح إلا بالطهارة كالصلاة والطواف ومس المصحف لأن ذلك يستلزم رفع الحدث ضرورة أن صحة ذلك لا تجتمع معه فإن نوى التبرد وما لا تشرع له الطهارة كأكل وبيع ونوى مع ذلك الطهارة صحت وإلا فلا وإن غسل أعضاءه ليزيل عنها النجاسة أو ليعلم غيره لم يجزئه وإن نوى صلاة معينة لا غيرها ارتفع مطلقا وإن نوى طهارة مطلقة أو وضوء مطلقا فالراجح أنه لا يرتفع وإن نوى الجنب بغسله القراءة وفي الأصغر وجهان وإن نوى بغسله اللبث في المسجد ارتفع الأصغر في أعضاء الوضوء وقيل وغيرها وجهان وإن نوى من حدثه مستمرا استباحة الصلاة صح وارتفع حدثه ولا يحتاج إلى تعيين النية للفرض فلو نوى رفع الحدث لم يرتفع في الأقيس ويسن نطقه بها سرا ولا يضر سبق لسانه بخلاف قصده
تنبيه : يشترط لصحة وضوء عقل وتمييز وإسلام ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه وإزالة ما يمنع وصول الماء وطهر من حيض ونفاس وفراغه من خروج خارج وطهورية ماء وإباحته
"فإن نوى ما تسن له الطهارة" كقراءة القرآن والأذان ونحوهما
"أوالتجديد" ناسيا حدثه
"فهل يرتفع حدثه على روايتين" إحداهما لا يرتفع اختارها ابن حامد ,

وإن نوى غسلا مسنونا فهل يجزئ عن الواجب على وجهين وإن اجتمعت أحداث توجب الوضوء أو الغسل ، فنوى بطهارته أحدها ، فهل يرتفع سائرها؟ على وجهين
ـــــــ
والشيرازي وأبو الخطاب كمن نوى التبرد والأخرى يرتفع اختارها أبو حفص والشيخان وجزم بها في الوجيز لأنه نوى طهارة شرعية بكذا السامري أنه لا يرتفع إذا نوى ما تسن له الطهارة وفي الرعاية إن جدد محدث الدفع ناسيا حدثه لم يرتفع في الأشهر وفي حصول التجديد إذا لم يرتفع احتمالان
"وإن نوى غسلا مسنونا" كغسل يوم الجمعة فهل يجزئه عن الواجب كغسل الجنابة "على وجهين" هما مبنيان على الخلاف السابق والمذهب الإجزاء كعكسه فإن لم يرتفع الواجب حصل المسنون وقيل لا وقيل يجزئه الواجب لأنه أعلى فإن نواهما حصلا نص عليه
"وإن اجتمعت أحداث توجب الوضوء أو الغسل" متنوعة قيل معا وقيل أو متفرقة "فنوى بطهارته أحدها" وقيل وعلى أن لا يرتفع غيره "فهل يرتفع سائرها" أي باقيها
قال ابن هشام: ولا أعلم أحدا من أئمة اللغة ذكر بأنها بمعنى الجميع إلا الجوهري وهو وهم "على وجهين" أحدهما يرتفع وهو قول القاضي وجزم به في الوجيز وهو الأصح لأن الأحداث تتداخل فإذا ارتفع البعض ارتفع الجميع والآخر لا يرتفع إلا ما نواه وقاله أبو بكر عبد العزيز لأنه لم ينوه أشبه ما لم ينو شيئا
فعلى قوله إذا اغتسلت من هي حائض جنب للحيض حل وطؤها دون غيره لبقاء الحرمة وفيه وجه إن سبق أحدهما ونواه ارتفع عن المنوي وإلا فلا وفيه وجه يجزئ نية حيض عن جنابة من غير عكس وما سوى

ويجب تقديم النية على أول واجبات الطهارة ويستحب تقديمها على مسنوناتها واستصحاب ذكرها في جميعها وإن استصحب حكمها أجزأه
ـــــــ
ذلك يرتفع وفيه وجه لا يجزئ أحدهما عن الآخر ويجزئ في غيرهما وظاهره أنه إذا نوى الجميع ارتفع وهو كذلك عند الأكثر لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة إلا غسلا واحدا وهو يتضمن التقاء الختانين والإنزال
"ويجب تقديم النية على أول واجبات الطهارة" لأن النية شرط لصحتها فيعتبر وجودها في أولها فلو فعل شيئا من الواجبات قبل وجود النية لم يعتد به ويجوز تقديمها بزمن يسير كالصلاة وقيل وطويل ما لم يفسخها والأصح أنه لا يبطلها عمل يسير "ويستحب تقديمها على مسنوناتها" أي يستحب تقديمها على أول المسنونات منها كغسل اليد إذا لم يكن قائما من نوم الليل ليشمل مفروض الوضوء ومسنونه فلو فرق النية على أعضاء الطهارة صح في الأشهر.
فرع : غسل الذمية من الحيض لا يفتقر إلى نية واعتبره الدينوري
قال في الرعاية والنص أنه لا يجزئ غسل بلا نية
"واستصحاب ذكرها في جميعها" قال الشيخ تقي الدين وهو أفضل لتكون أفعاله مقرونة بالنية "وإن استصحب حكمها أجزأه" ومعناه أن ينوي المتطهر في أولها ثم لا ينوي قطعها فإن عزبت عن خاطره وذهل عنها لم يؤثر ذلك في قطعها كالصلاة والصيام.
فرع: إذا شك في النية في أثناء طهارته لزمه استئنافها إلا أن يكون وهما كالوسواس فلا يلتفت والأصح أنها لا تبطل بعد فراغه كالشك في حدث والثاني تبطل لأن حكمها باق بخلاف الصلاة وإن أبطلها في أثناء طهارته بطل ما مضى في الأصح ولم تبطل في آخر لأنه وقع صحيحا فلم تبطل فتكون النية كما لو نوى قطعها بعد الفراغ من الوضوء ثم هل يتم على الأول ينبني على وجوب الموالاة

فصل :
وصفة الوضوء أن ينوي ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثا ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا من غرفة وإن شاء من ثلاث وإن شاء من ست
ـــــــ
فصل :
"وصفة الوضوء" المراد بها هنا الكيفية "أن ينوي ثم يسمي" وقد تقدما "ويغسل يديه" أي كفيه "ثلاثا" لأن من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه كان يبدأ فيغسل كفيه ثلاث مرات لأن اليدين آلة لنقل الماء فاستحب غسلهما تحقيقا لطهارتهما وتنظيفا لهما وحينئذ فيتكرر غسلهما عند الاستيقاظ من النوم وفي أوله ومع كل يد
"ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا من غرفة" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "توضأ فأخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق" رواه البخاري
والمضمضة إدارة الماء في الفم والاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى باطن الأنف والسنة أن يكون بيمينه ويستنثر بيساره وعنه يجب في الصغرى وظاهره أنه يسن تقديم المضمضة عليه ويتوجه أنه يجب وفاقا للشافعي ولأن الفم أشرف لكونه محل القراءة والذكر وغيرهما وهما في ترتيب وموالاة كغيرهما
وإن شاء من ثلاث للحديث المتفق عليه أنه أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات وإن شاء من ست لأن في حديث جد طلحة بن مصرف قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم "يفصل بين المضمضة والاستنشاق" رواه أبو داود ووضوؤه كان ثلاثا ثلاثا فلزم كونهما من ست والأفضل كما نص عليه أن يكون لهما من غرفة واحدة وفي تسميتهما فرضا وسقوطهما سهوا روايتان والمذهب أنهما يسميان فرضا ولا يسقطان سهوا

وهما واجبان في الطهارتين وعنه أن الاستنشاق وحده واجب فيهما وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى
ـــــــ
"وهما واجبان في الطهارتين" هذا هو المشهور لأن الله تعالى أمر بغسل الوجه وأطلق وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وتعليمه تمضمض واستنشق في كل وضوء توضأه ولم ينقل عنه الإخلال به مع اقتصاره على المجزئ وهو الوضوء مرة مرة
وقوله "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" وفعله إذا خرج بيانا كان حكمه حكم ذلك المبين ولو كان مستحبا لتركه ولو مرة لتبيين الجواز كما في الثانية والثالثة وقد روى الدارقطني عن أبي هريرة قال "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق" وإسناده جيد
وفي حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأت فتمضمض " رواه أبو داود بإسناد جيد
ولأنهما في حكم الظاهر بدليل أن وضع الطعام والخمر فيهما لا يوجب فطرا ولا ينشر حرمة ولا توجب حدا وحصول النجاسة فيهما يوجب غسلهما وينقض الوضوء بوصولهما إليهما ولايشق إيصال الماء إليهما بخلاف باطن اللحية الكثة
"وعنه أن الاستنشاق وحده واجب فيهما" لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في انفه ماء ثم لينثر" وفي لفظ "فليستنشق" وإذا ثبت ذلك في الوضوء ففي الغسل أولى ولأن طرف الأنف لا يزال مفتوحا بخلاف الفم وقاله أبو عبيد وأبو ثور وعنه أنهما واجبان في الكبرى لأنه يجب إيصال الماء فيها إلى باطن الشعور ونحوه ومن الصغرى لأن المأمور فيها غسل الوجه وهو ما تقع به المواجهة وليسا كذلك أشبها باطن اللحية الكثة وعنه يجبان في الأصغر فقط نقلها الميموني وعنه يجب الاستنشاق وحده في الأصغر ذكرها صاحب الهداية وعنه عكسها ذكرها ابن الجوزي وعنه هما سنة

ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا مع ما استرسل من اللحية ومن الأذن إلى الأذن عرضا
ـــــــ
وفاقا لمالك والشافعي كانتثاره
"ثم يغسل وجهه" للنص فيأخذ الماء بيديه جميعا أو يغترف بيمينه ويضم إليها الأخرى ويغسل بها ثلاثا لأن السنة قد استفاضت به خصوصا حديث عثمان المتفق على صحته من منابت شعر الرأس غالبا فلا عبرة بالأقرع الذي ينبت شعره في بعض جبهته ولا بالأجلح الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا مع ما استرسل من اللحية ومن الأذن إلى الأذن عرضا لأن ذلك تحصل به المواجهة وعلم من كلامه أن الأذنين ليسا من الوجه وأن البياض الذي بين العذار والأذن منه ونص الخرقي عليه لأنه يغفل الناس عنه
وقال مالك ليس من الوجه ولا يجب غسله
قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقوله هذا ولأنه يجب في حق غير المتلحي فكذا غيره فيدخل في حد الوجه العذار وهو الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن مرتفعا إلى الصدغ ومنحطا إلى العارض
والعارض: هو الشعر النابت على الخد واللحيان العظمان اللذان في أسفل الوجه قد اكتنفاه وعليهما ينبت أكثر اللحية والذقن وهو مجمع اللحيين والحاجبان وأهداب العينين والشارب والعنفقة ولا يدخل صدغ وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار محاذي رأس الأذن وينزل عن رأسها قليلا في ظاهر كلام أحمد وهو الأصح
واختلف في التحذيف وهو الشعر بين انتهاء العذار والنزعة فقال ابن حامد هو منه وذكر بعضهم أنه الأصح
وضابطه: أن يضع طرف خيط على رأس الأذن والطرف الثاني على أعلى

فإن كان فيه شعر خفيف يصف البشرة وجب غسلها معه وإن كان يسترها أجزأه غسل ظاهره ويستحب تخليله ثم يغسل يديه إلى المرفقين
ـــــــ
الجبهة ويفرض هذا الخيط مستقيما فما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف ولا يدخل فيه النزعتان وهما ما انحسر عنه الشعر في الرأس متصاعدا من جانبيه واختار ابن عقيل والشيرازي خلافه ودل كلامه أنه يجب غسل اللحية مع مسترسلها أو خرج عن حد الوجه عرضا وهو ظاهر المذهب وعنه لا يجب غسل ما خرج عن محاذاة البشرة طولا وعرضا وهو ظاهر الخرقى في المسترسل كما لا يجب غسل ما استرسل من الرأس والأول أصح لأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة وخرج ما نزل من الرأس عنه لعدم مشاركة الرأس في الترؤس.
مسألة : يستحب أن يزيد في ماء الوجه لأساريره ودواخله وخوارجه وشعوره قاله أحمد وكره أن يأخذ الماء ثم يصبه ثم يغسل وجهه وقال هذا مسح وليس بغسل وتقدم أنه لا يجب غسل داخل العينين
"فإن كان فيه شعر خفيف يصف البشرة وجب غسلها معه" لأنها لا يستر ما تحتها اشبه الذي لا شعر عليه ويجب غسل الشعر تبعا للمحل
"وإن كان يسترها أجزأه غسل ظاهره" لحصول المواجهة فوجب تعلق الحكم به بخلاف الغسل
وقيل: لا كتيمم وقيل يجب غسله وشعر غيراللحية كهي وقيل يجب غسله وفاقا للشافعي. "ويستحب تخليله" كما تقدم.
فرع : لو كان عليه شعر خفيف وكثيف فظاهر كلامهم أن لكل واحد حكمه
"ثم يغسل يديه" للنص ولا خلاف بين الأمة فيه "إلى المرفقين" ويجب غسل أظفاره ولا يضر وسخ يسير في الأصح كبراجمه وقيل إن منع وصول الماء إلى

ثلاثا ويدخل المرفقين في الغسل ثم يمسح رأسه
ـــــــ
ما تحته كشمع ففي صحة طهارته وجهان وجزم ابن عقيل بعدمها وقيل يسامح فلاح ونحوه
وظاهره أنه إذا نبت له إصبع زائدة أو يد في محل الفرض فإنه يجب غسلها معه فلو كان النابت في العضد أو المنكب ولم يتميز الأصلي غسلا وجها واحدا وإن تميز لم يجب غسل ما لم يحاذ الفرض وكذا إن حاذاه منها شيء على المذهب
واختار القاضي والشيرازي وصححه ابن حمدان أنه يجب غسل المحاذي وإذا تدلت جلدة إلى محل الفرض أو منه غسلت وقيل إن تدلت من محل الفرض غسلت وإلا فلا ذكره ابن تميم
وإن التحم رأسها في محل الفرض وجب غسل ما فيه منها ثلاثا لحديث عثمان وغيره "ويدخل المرفقين في الغسل" لما روى الدارقطني عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقه وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية الكريمة
وعنه لا يجب إدخالهما فيه وقاله زفر لأن إلى للغاية
قلنا وقد تكون بمعنى مع كقوله تعالى {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52] {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] فبين عليه السلام أنها كذلك أو يقال اليد تطلق حقيقة إلى المنكب وإلى آخر عدا المرفق فإن كانت اليد لا مرفق لها غسل إلى قدر المرفق في غالب الناس
"ثم يمسح رأسه" وهو فرض بالإجماع وسنده النص وهو ما ينبت عليه الشعر في حق الصبي قال في الشرح وينبغي أن يعتبر غالب الناس فلا يعتبر الأقرع ولا

فيبدأ بيديه من مقدم رأسه ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه ويجب مسح جميعه
ـــــــ
الأجلح كما سبق في حد الوجه
"فيبدأ بيديه من مقدم رأسه ثم يمرها إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه" كذا في المحرر وفي المغني و الشرح يضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى ويضعهما على مقدم رأسه ويضع الإبهامين على الصدغين ثم يمر يديه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه لما روى عبد الله بن زيد في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فمسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى إذا ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه متفق عليه
ويستثنى من ذلك ما إذا خاف أن ينتفش شعره برد يديه فإنه لا يردهما نص عليه بل يمسح إلى قفاه فقط سواء كان رجلا أو امرأة
وعنه يبدأ بمؤخره ويختم به
وعنه تبدأ هي من وسطه إلى مقدمه ثم من الوسط إلى مؤخره
قال في المغني و الشرح وكيف مسح بعد استيعاب قدر الواجب أجزأه ويجزئ بعض يده وبحائل في الأصح وفاقا لأبي حنيفة والشافعي
"ويجب مسح جميعه" هذا ظاهرالخرقي ومختار عامة الأصحاب وذكر القاضي والسامري أنه اصح الروايات لأنه تعالى أمر بمسح الرأس وبمسح الوجه في التيمم وهو يجب الاستيعاب فيه فكذا هنا إذ لا فرق ولأنه عليه السلام مسح جميعه وفعله وقع بيانا للآية والباء للإلصاق أي إلصاق الفعل بالمفعول فكأنه قيل الصقوا المسح برؤوسكم أي المسح بالماء وهذا بخلاف لو قيل امسحوا رؤوسكم فإنه لا يدل على أنه ثم شيء ملصق كما يقال مسحت رأس اليتيم وأما دعوى أن الباء إذا وليت فعلا متعديا أفادت التبعيض في مجرورها فغير مسلم دفعا للاشتراك ولإنكار الأئمة.
قال أبو بكر: سألت ابن دريد وابن عرفة عن الباء تبعض فقالا لا نعرفه في

مع الاذنين وعنه يجزئ مسح أكثره
ـــــــ
اللغة وقال ابن برهان من زعم أن الباء تبعض فقد جاء عن أهل اللغة بما لا يعرفونه وقوله {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] وقول الشاعر:
شربن بماء البحر
فمن باب التضمين كأنه قيل تروى
وما روي "أنه عليه السلام مسح مقدم رأسه" فمحمول على أن ذلك مع العمامة كما جاء مفسرا في حديث المغيرة بن شعبة ونحن نقول به وظاهره أنه يتعين استيعاب ظاهره كله لكن استثنى في المترجم و المبهج اليسير للمشقة
"مع الأذنين" أي يجب مسحهما مع الرأس في رواية اختارها جماعة لقوله عليه السلام "الأذنان من الرأس" وعنه يجزئ مسح أكثره وظاهر المذهب أنه لا يجب مسحهما وإن وجب الاستيعاب لأنهما منه حكما لا حقيقة لأن الرأس عند إطلاق لفظه إنما يتناول ما عليه الشعر بدليل أنه لا يجزئ مسحهما عنه وإن قلنا بإجزاء البعض قاله الجمهور
"وعنه يجزئ مسح أكثره" لأنه يطلق على الجميع كما يقال جاء العسكر والمراد أكثره ولأن إيجاب الكل قد يفضي إلى الحرج غالبا وأنه منفي شرعا فإن ترك الثلاث فما دون جاز وقاله محمد بن مسلمة وعنه يجزئ بعضه وفي الانتصار في التجديد وفي التعليق للعذر واختاره الشيخ تقي الدين وأنه يمسح معه العمامة ويكون كالجبيرة فلا توقيت
وعنه يجزئ بعضه للمرأة وهي الظاهرة عند الخلال والمؤلف لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها
وعنه قدر الناصية وفي تعيينها وجهان وهي مقدمة عند القاضي وقدمه في الفروع وقيل قصاص الشعر.

ولا يستحب تكراره وعنه: يستحب
ـــــــ
تذنيب : إذا مسح بشرة راسه دون ظاهر شعره لم يجزئه وكذا إذا مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ولو كان معقوصا على الرأس وإن غسل رأسه بدلا عن مسحه ثم أمر يده عليه جاز في الأشهر وكذا الخف والجبيرة
قال ابن حامد إنما يجزئ الغسل عنه إذا نواه به فلو أصاب رأسه ماء من غير قصد ثم مسحه بيده بعد نية الوضوء أجزأه في الأقيس والثاني لا كما لو وضع يده مبلولة على رأسه ولم يمرها عليه أو وضع عليه خرقة مبلولة أوبلها عليه ولو كان على راسه خضاب فمسح عليه لم يجزئه نص عليه
"ولا يستحب تكراره" في الصحيح من المذهب قال الترمذي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم لأن أكثر من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه واحدة ولأنه مسح في طهارة عن حدث فلم يستحب تكراره كالمسح على الخفين وفي التيمم
"وعنه يستحب" قال في المغني ويحتمله كلام الخرقي لقوله والثلاث أفضل وفيه نظر بماء جديد نصره أبو الخطاب وابن الجوزي لما روى عثمان "أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح راسه ثلاثا" رواه أبو داود قال ابن الصلاح حديث حسن
ولأنه أصل في الطهارة فسن تكراره كالوجه والاول أولى قال أبو داود أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس واحدة فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا وقالوا فيها ومسح برأسه ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره
قال في الشرح أحاديثهم لا يصح منها شيء صريح لا يقال إن مسحه عليه السلام مرة واحدة لتبيين الجواز وثلاثا لتبيين الفضيلة كما فعل في الغسل لأن قول الراوي هذا طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على انه طهور على الدوام.
فرع: إذا زال شعره بعد غسله أو مسحه أو ظفر و عضو لم يؤثر في

ثم يغسل رجليه ثلاثا إلى الكعبين ويدخلهما في الغسل ويخلل أصابعه فإن كان أقطع غسل ما بقي من محل الفرض وإن لم يبق شيء سقط
ـــــــ
طهارته في قول أكثر العلماء وقيل بلى وروي عن بعض السلف
"ثم يغسل رجليه" للآية الكريمة ثلاثا لحديث عثمان وغيره إلى الكعبين أي كل رجل تغسل إلى الكعبين ولو أراد كعاب جميع الأرجل لذكره بلفظ الجمع كقوله تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] لأن مقابلة الجمع بالجمع يقتضي توزيع الأفراد على الأفراد كقولك ركب القوم دوابهم والكعبان هما العظمان الناتئان اللذان في أسفل الساق من جانبي القدم وقاله أبو عبيد ويدل عليه حديث النعمان بن بشير قال كان أحدنا يلصق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة رواه أحمد وأبو داود ولو كان مشط القدم لم يستقم ذلك ويدخلهما في الغسل كما سبق ولقوله عليه السلام: "ويل للأعقاب من النار" متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو
"ويخلل أصابعه" وقد تقدم فإن كان أقطع غسل ما بقي من محل الفرض لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه
"وإن لم يبق شيء" من محل الفرض "سقط" لفوات المحل فلو قطع من المرفق غسل رأس العضد نص عليه وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز وفيه وجه يستحب مسح طرفه صححه في الرعاية وهو ظاهر كلام المؤلف
فإن كان القطع من فوق المرفق لم يجب شيء ولم يستحب مسح موضع القطع وقيل يستحب وهو ظاهر ما في الشرح لئلا يخلو العضو عن طهارة وهو موضع التحجيل
فأما المتيمم إذا قطعت يده من مفصل الكوع سقط مسح ما بقي هناك وإن قلنا يجب في الغسل لأن الواجب هنا مسح الكفين وقد رميا بخلاف الوضوء فإن المرفق من جملة محل الفرض وهذا أحد الوجهين والمنصوص وجوب المسح أيضا لأن المأمور به مسح اليد إلى الكوع

ثم يرفع نظره إلى السماء ويقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وتباح معونته وتنشيف أعضائه
ـــــــ
فرع: إذا تبرع بتطهيره لزمه ذلك ويتوجه لا ويتيمم فإن لم يجد إلا بأجرة مثله لزمه وقيل لا لتكرر الضرر دواما فإن عجز صلى وفي الإعادة وجهان كعادم الطهورين قال في الفروع ويتوجه في استنجاء مثله وفي المذهب يلزمه بأجرة مثله وزيادة لا تجحف في وجه
"ثم يرفع نظره إلى السماء ويقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" لما روى مسلم عن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" ورواه الترمذي وزاد "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " ورواه أحمد وأبو داود وفيه ثم رفع نظره إلى السماء قال في الفروع ويتوجه ذلك بعد الغسل ولم يذكروه
"وتباح معونته" كتقريب ماء الوضوء أو الغسل إليه أو صبه عليه لما روى المغيرة بن شعبة قال "بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إذ نزل فقضى حاجته فصببت عليه من إداوة كانت معي فتوضأ ومسح على خفيه" متفق عليه ولفظه لمسلم ويقف عن يساره وقيل عكسه.
فرع: إذا وضأه غيره اعتبرت النية في المتوضئ لأنه المخاطب وقيل مع نية من وضأه إن كان مسلما قال ابن تميم لو وضأه غيره ولا عذر كره وأجزأه وعنه لا وإن أكرهه عليه لم يصح في الأصح
"وتنشيف أعضائه" من غيركراهة فيهما لما روى قيس بن سعد قال زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فأمر له سعد بغسل فوضع له فاغتسل ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها رواه أحمد وأبو داود وعنه يكرهان كنفض يده لخبر أبي هريرة "إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان"

ولايستحب
ـــــــ
رواه المعمري وغيره
والمذهب: عدم الكراهة اختاره الشيخان لكن قيل حصول عن مسح بلل الخف فكرهه وقال لا أدري لم اسمع فيه بشيء
"ولا يستحب" جزم به في الوجيز لأنه إزالة أثر العبادة فلم يستحب كإزالة دم الشهيد ولو كان أفضل لداوم عليه
مسائل : الأولى المفاضلة بين أعضاء مكروهة لحديث عبد الله بن زيد وعنه تكره إذ لا مفاضلة بينها كما تدل عليه الأحاديث ويعمل في عددها بالأقل وفي النهاية بالأكثر
الثانية : يسن التجديد لكل صلاة للأخبار منها ما وراه أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة" وإسناده صحيح وعنه لا كما لا يستحب تجديد الغسل وكما لو لم يصل بينهما وقيل يكره وقيل المداومة ولا بأس أن يصلي به ما لم يحدث وهو قول الأكثر وحكى الطحاوي عن ابن عمر وجماعة وجوب الوضوء لكل صلاة وقال النخعي لا يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات وخصها قوم بالمسافر
الثالثة : يباح هو وغسل في المسجد إن لم يؤذ به أحدا حكاه ابن المنذر إجماعا وعنه يكره وإن نجس المنفصل حرم كاستنجاء وريح وهل تكره إراقته فيما يداس فيه روايتان ويكره في مسجد قال الشيخ تقي الدين ولا يغسل فيه ميت قال ويجوز عمل مكان للوضوء للمصلحة بلا محذور
الرابعة : إذا بقي لمعة من محل الفرض لم يصبها الماء فهل يجزئ مسحها على روايتين مع الترتيب والموالاة في ظاهر المذهب
الخامسة : يكره الكلام على الوضوء والمراد بغير ذكر الله تعالى صرح به جمع وكذا السلام عليه وظاهر كلام الأكثر لا يكره السلام ولا الرد وإن


ـــــــ
كان على طهر فهو أكمل لفعله عليه السلام ويستقبل القبلة وكذا في كل عبادة إلا لدليل.
السادسة : الحدث يحل جميع البدن كالجنابة قال في الفروع ويتوجه أعضاء الوضوء وهو ظاهر.
السابعة : يجب الوضوء بالحدث وقيل بإرادة الصلاة بعد وقواه ابن الجوزي وذكر في الفروع ويتوجه قياس المذهب بدخول الوقت لوجوب الصلاة إذن ووجوب الشرط بوجوب المشروط ويتوجه مثله في غسل قال الشيخ تقي الدين وهو لفظي.
فائدة : الحكمة في غسل الأعضاء المذكورة في الوضوء دون غيرها أنه ليس في البدن ما يتحرك للمخالفة أسرع منها فأمر بغسلها ظاهرا تنبيها على طهارتها الباطنة ورتب غسلها على ترتيب سرعة الحركة في المخالفة فأمر بغسل الوجه وفيه الفم والأنف فابتدأ بالمضمضة لأن اللسان أكثر الأعضاء وأشدها حركة لأن غيره قد يسلم وهو كثير العطب قليل السلامة غالبا ثم بالأنف لينوب عما يشم به ثم بالوجه لينوب عما نظر ثم باليدين لتنوب عن البطش ثم خص الرأس بالمسح لأنه مجاور لمن تقع منه المخالفة ثم بالأذن لأجل السماع ثم بالرجل لأجل المشي ثم أرشده بعد ذلك إلى تجديد الإيمان بالشهادتين .

باب المسح على الخفين
يجوز المسح على الخفين والجرموقين
ـــــــ
باب المسح على الخفينوفي الفروع مسح الحائل وهو أولى لشموله وأعقبه للوضوء لأنه لما جاز للمتوضئ أن يعدل عن غسل الرجلين إلى مسح الحائل أتى به بعده وهو رخصة وعنه عزيمة ومن فوائدها المسح في سفر المعصية ويعتبر المسح على لابسه ويرفع الحدث على المشهور وهو أفضل لأنه عليه السلام واصحابه إنما طلبوا الأفضل وفيه مخالفة أهل البدع وعنه الغسل لأنه المفروض وفاقا وعنه هما سواء لورود السنة بهما وقيل المسح أفضل إن لم يداومه ولا يستحب أن يلبس ليمسح كالسفر ليترخص
"يجوز المسح على الخفين" وهو ثابت بالسنة الصريحة قال ابن المبارك ليس فيه خلاف وقال الحسن روى المسح سبعون نفسا فعلاً منه عليه السلام وقولا وقال أحمد ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم
قلت: ومن أمهاتها حديث جرير قال "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه" قال إبراهيم النخعي فكان يعجبهم ذلك لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائده متفق عليه
فلا يكون الأمر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخا للمسح كما صار إليه بعض الصحابة وقد استنبطه بعض العلماء من القرآن في قراءة من قرأ وأرجلكم بالجر وحمل قراءة النصب على الغسل لئلا تخلو إحدى القراءتين عن فائدة وظاهره أنه يجوز المسح حتى لزمن وامرأة ومن له رجل واحدة لم يبق من فرض الأخرى شيء ويستثنى منه الحاج إذا لبسهما لحاجة "والجرموقين" لما روى بلال قال "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين" رواه

والجوربين والعمامة
ـــــــ
أحمد وأبو داود ولأنه ساتر يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف
تنبيه : الموق: هو الجرموق وهو خف صغير وقال الجوهري هو مثال الخف يلبس فوقه لا سيما في البلاد الباردة وهو معرب وكذا كل كلمة فيها جيم وقاف
"والجوربين" لما روى المغيرة بن شعبة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ورواته ثقات وتكلم فيه جماعة حتى قال ابن معين الناس كلهم يروونه على الخفين غيرأبي قيس وقال أبو داود كان ابن مهدي لا يحدث به لأن المعروف عن المغيرة الخفين وهذا لا يصلح مانعا لجواز رواية اللفظين وهو يدل على أن النعل لم يكن عليهما لأنه لو كان كذلك لم يذكر النعلين كما لا يقال مسحت الخف ونعله ولأن جماعة من الصحابة مسحوا عليهما ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع ولأنه ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف وهو شامل للمجلد والمنعل وصرح به غيره واقتضى كلامه جواز المسح على جورب الخرق وهو أشهر وعنه لا وجزم بها في التلخيص فإن ثبت بفعل متصل أو منفصل مسحهما في قول القاضي وقدمه في الرعاية وعنه أو أحدهما وقيل يمسح الجورب وحده وقيل عكسه قال في المغني و الشرح الظاهر أنه عليه السلام إنما مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم فأما أسفله وعقبه فلا يسن مسحه في الخف فكذا النعل ويبطل الوضوء وقيل بل المسح بخلع أحدهما وإن لم يكن مسح عليه لأنه شرط لجواز المسح كما لو ظهر قدم الماسح
فائدة : الجورب أعجمي معرب قال الزركشي هو غشاء من صوف يتخذ للدفء
"والعمامة" لما روى المغيرة بن شعبة قال "توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على

والجبائر وفي المسح على الفلانس وخمر النساء المدارة تحت حلوقهن روايتان
ـــــــ
الخفين والعمامة" رواه الترمذي وصححه وقال عمر من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله عز وجل رواه الخلال ولأن الرأس يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين وخالف فيه الأكثر
"والجبائر" لما روي عن علي رضي الله عنه قال "انكسرت إحدى زندي فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أمسح على الجبائر" رواه ابن ماجة من رواية عمرو بن خالد وقد كذبه أحمد وابن معين ويعضده حديث صاحب الشجة وهو قول ابن عمر ولم يعرف له في الصحابة مخالف ولأنه مسح على حائل أبيح المسح عليه كالخف
فائدة : الجبائر واحدتها جبيرة وهي أخشاب أو نحوها توضع على الكسر لينجبر
"وفي المسح على القلانس" واحدها قلنسوة وأراد به المبطنات كدنيات القضاة والنوميات نص أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم وقاله أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع أنه لا يمسح عليها ككلة ولأنها أدنى من عمامة غير محنكة ولا ذؤابة لها
والثانية : يجوز اختارها الخلال وجزم بها في الوجيز وقال روي عن رجلين صحابيين عمر وأبي موسى رواه الأثرم وروي عن أنس أيضا ولأنه ملبوس معتاد ساتر للرأس أشبه العمامة المحنكة وعلم منه أن الطاقية لا يمسح عليها وهو كذلك
"وخمر النساء" واحدها خمار وهو القناع الذي تغطي به رأسها المدارة تحت حلوقهن روايتان وكذا في المحرر والمذهب أنه يجوز لما روى بلال قال "مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين والخمار" رواه مسلم وفي لفظ لأحمد "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " امسحوا على الخفين والخمار" وكانت أم سلمة تمسح على خمارها .

ومن شرطه ان يلبس الجميع بعد كمال الطهارة
ـــــــ
ذكره ابن المنذر ولأنه ساتر يشق نزعه أشبه العمامة المحنكة والثانية المنع لعدم المشقة بالمسح من تحته ولا تدعو الحاجة إليه كالوقاية وعلم منه أنه إذا لم يكن مدارا تحت حلقها أنه لا يجوز وهو كذلك لما ذكرنا.
"ومن شرطه أن يلبس الجميع بعد كمال الطهارة" هذا هو المشهور والمجزوم به عند المعظم لما روى أبو بكرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة" إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما رواه الشافعي.
وابن خزيمة والطبراني وحسنه البخاري وقال هو صحيح الإسناد.
والطهر المطلق ينصرف إلى الكامل ولأن ما اشترطت له الطهارة اشترط كمالها كمس المصحف.
والثانية : لا اختارها الشيخ تقي الدين وفاقا لأبي حنيفة لما روى المغيرة بن شعبة قال "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال دعها فإني أدخلتهما طاهرتين" متفق عليه ولفظه للبخاري.
وهو أعم أن يوجد ذلك معا أو واحدة بعد أخرى لأن حدثه حصل بعد كمال الطهارة واللبس فجاز المسح كما لو نزع الأول ثم لبسه فلو غسل رجلا ثم أدخلها الخف خلع ثم لبس بعد غسل الأخرى وإن لبس الأولى طاهرة ثم الثانية خلع الأولى وظاهر كلام أبي بكر والثانية ولو نوى جنب رفع حدثيه وغسل رجليه وأدخلهما الخف ثم تمم طهارته أو فعله محدث ولم يعتبر الترتيب فإنه يمسح وعلى الأولى: لا.
وكذا لبس عمامة قبل طهر كامل فلو مسح رأسه ثم لبسها ثم غسل رجليه مسح على الثانية وعلى الأولى يخلع ثم يلبس وكذا ينبني عليهما لو غسل رجليه ثم لبس خفيه ثم غسل بقية أعضائه وقلنا لا ترتيب وإن تيمم ثم لبس الخف لم يجز المسح نص عليه لأن التيمم

إلا الجبيرة على إحدى الروايتين
ـــــــ
لا يرفع حدثا على المذهب وقيل بالجواز بناء على أنه رافع
قال الشيخ تقي الدين هذا فيمن تيممه لعدم الماء أما من تيمم لمرض كالجريح ونحوه فينبغي أن يكون كالمستحاضة وتعليلهم يقتضيه ومن توضأ بسؤر المشكوك فيه ثم لبس ثم توضأ منه مرة أخرى فله المسح ولا يمسح على طهارة لا تبيح الصلاة غير هذه وكلامه شامل لأصحاب الأعذار كمن به سلس البول والمستحاضة ونحوهما وهو المنصوص لأن طهارتهم في حقهم كاملة
فلو زال العذر لزمهم الخلع واستئناف الطهارة كالمتيمم يجد الماء بخلاف ذي الطهر الكامل يخلع أو تنقضي المدة وقد علم مما سبق اشتراط تقدم الطهارة وهو المعروف قال في المغني بغير خلاف نعلمه وحكى الشيرازي رواية بعدمه رأسا فلو لبس محدثا ثم توضأ وغسل رجليه جاز له المسح وهو غريب بعيد.
مسألة : يكره اللبس على طهارة يدافع أحد الأخبثين نص عليه لأنه يراد للصلاة أشبه الصلاة
"إلا الجبيرة على إحدى الروايتين" فإنه لا يشترط لها تقدم الطهارة قدمها ابن تميم واختارها الخلال وابن عقيل وصاحب التلخيص فيه والمؤلف وجزم بها في الوجيز للأخبار وللمشقة لأن الجرح يقع فجأة أو في وقت لا يعلم الماسح وقوعه فيه والثانية يشترط اختاره القاضي والشريف وأبو الخطاب وابن عبدوس وقدمها في الرعاية و الفروع لأنه مسح على حائل أشبه الخف فعليها حكمها حكم الخف في الطهارة فإن شد على غير طهارة نزع وإن شق نزعها تيمم لها وقيل ويمسح وقيل هما وكذا لو تعدى بالشد محل الحاجة وخاف وإن كان شد على طهارة مسح فيها حائلا فإن كان جبيرة جاز وإلا فوجهان وكذا لبسه خفا على طهارة مسح فيها عمامة أو عكسه وقال ابن حامد إن كانت في رجله وقد مسح

ويمسح المقيم يوماً وليلةً والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها إلى حلها أو برئها وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس
ـــــــ
عليها ثم لبس الخف لم يمسح عليه
تنبيه : قوله على إحدى الروايتين يحتمل أن الخلاف راجع إلى ما عدا الجبيرة من الممسوح ويحتمل أن يعود إليها وهو وإن قرب ففيه بعد قاله ابن المنجا من جهة أن الخلاف فيها ليس مختصا بالكمال وأن الخلاف فيما عداها أشهر من الخلاف فيها فيه نظر ووجهه ظاهر
فرع : الدواء كجبيرة ولو جعل في شق قارا وتضرر بقلعه فعنه يتيمم للنهي عن الكي وعنه له المسح كما لو ألقم إصبعه مرارة لحاجة وشق نزعها وعند ابن عقيل يغسله وعند القاضي إن خاف تلفا صلى وأعاد
"ويمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولباليهن" لأخبار منها ما روي عن شريح بن هانئ قال "سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت سل عليا فإنه كان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقال "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة" رواه مسلم وقال أحمد في رواية الأثرم هو صحيح مرفوع والمراد به سفر القصر لأنه الذي يتعلق به الرخص فإن كان القصر أو محرما مسح كالمقيم جعلا لوجود هذا السفر كعدمه وحينئذ يخلع ثم انقضاء المدة فإن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم فلو مسح وصلى أعاد نص عليه وقيل يمسح كالجبيرة اختاره الشيخ تقي الدين وقيل يمسح العاصي بسفره كغيره ذكره ابن شهاب وقيل لا يمسح أصلا عقوبة له
"إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها إلى حلها أو برئها" لأن مسحها للضرورة وما كان كذلك فيتقدر بقدرها
"وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس" أي: من وقت جواز مسحه بعد حدثه في ظاهر المذهب لحديث صفوان بن عسال قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا

وعنه من المسح بعده ومن مسح مسافراً ثم أقام أتمّ مسح مقيم وإن مسح مقيماً ثم سافر
ـــــــ
سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم رواه أحمد والترمذي وصححه وقال الخطابي هو صحيح الإسناد
يدل بمفهومه أنها تنزع لثلاث يمضين من الغائط ولأنها عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة فلو مضى من الحدث يوم وليلة أو ثلاثة إن كان مسافرا ولم يمسح انقضت المدة وما لم يحدث لا تحتسب المدة فلو بقي بعد لبسه يوما على طهارة اللبس ثم أحدث استباح بعد الحدث المدة
"وعنه من المسح بعده" روي عن عمر أنه قال امسح إلى مثل ساعتك التي مسحت فيها خرجه الخلال واختاره ابن المنذر لظاهر قوله عليه السلام "يمسح المسافر ثلاثا" فلو كان أوله الحدث لم يتصور إذا الحدث لابد أن يسبق المسح وهو محمول على وقت جواز المسح وأما تقديره بخمس صلوات فلا يصح لأنه عليه السلام قدره بالوقت دون الفعل فعلى هذا يمكن المقيم أن يصلي بالمسح ست صلوات يؤخر الصلاة ثم يمسح في اليوم الثاني ويصليها فيه في أول وقتها وإن كان له عذر يبيح الجمع أمكنه أن يصلي سبع صلوات والمسافر أن يصلي ست عشرة صلاة وإن جمع فسبع عشرة صلاة
"ومن مسح مسافرا ثم أقام أتم مسح مقيم" كما في المغني و الشرح بغير خلاف نعلمه لأنها عبادة تختلف في الحضر والسفر فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكمه ولو تلبس بصلاة في سفينة فدخلت الإقامة في أثنائها بطلت قال في الرعاية في الأشهر وقوله أتم مسح مقيم مراده إذا لم يستكمل مدة الإقامة فإن استكملها خلع قال ابن تميم رواية واحدة لتغليب جانب الحضر وذكر الشيرازي أنه إذا مسح أكثر من يوم وليلة ثم أقام أتم مسح مسافر
"وإن مسح مقيما ثم سافر" أتم مسح مقيم اختاره الخرقي وابن أبي موسى

أو شك في ابتدائه أتمّ مسح مقيمٍٍِ وعنه يتم مسح مسافر ومن أحدث ثم سافر قبل المسح أتمّ مسح مسافر
ـــــــ
والأكثر لما تقدم من تغليب جانب الحضر وظاهره أنه لا فرق بين أن يصلي في الحضر أو لا وهذا من جملة المسائل التي أقيم فيها الزمان مقام الفعل كما إذا رهنه أو وهبه شيئا عنده وأذن له في قبضه ومضى زمن إمكانه صار كالمقبوض وقال أبو بكر يتوجه أن يقال إن صلى بطهارة المسح في الحضر غلب جانبه
"أوشك في ابتدائه أتم مسح مقيم" لأن الأصل الغسل والمسح رخصة فإذا وقع الشك في شرطها رد إلى الأصل وسواء شك هل أول مسحه في حضر أو سفر أو علم أول المدة وشك هل كان مسحه حاضرا أو مسافرا
"وعنه يتم مسح مسافر" فيهما أما الأولى فاختارها الخلال وصاحبه وأبو الخطاب في الانتصار لأن هذا مسافر فيعطي حكمه وادعى الخلال أنه نقله عن احمد أحد عشر نفسا ورجع عن قوله الأول
وأما الثانية فلأنه مسافر قال ابن حمدان كونه يتم مسح مسافر مع الشك في أوله غريب بعيد لأنه لا يجوز المسح مع الشك في إباحته لأن الأصل وجوب الغسل فلو شك في بقاء المدة لم يمسح فإن مسح الشاك فبان بقاء المدة صح وضوؤه وقيل لا كما يعيد ما صلى به مع شكه بعد يوم وليلة قال في الكافي وغيره ومن لبس وأحدث ومسح وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعدها وقلنا ابتداء المدة من المسح بني الأمر في المسح في المدة قبل الظهر وفي الصلاة على أنه مسح بعدها لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ووجوب الغسل فعاد كل شيء إلى أصله.
فرع لو مسح إحدى خفيه في الحضر والأخرى في السفر يتوجه لنا خلاف.
"ومن أحدث ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر" قال في المغني لا نعلم فيه خلافا لأنه ابتدأ المسح مسافرا وذكر في الخلاف و الرعاية رواية أخرى،

ولا يجوز المسح إلا على ما يستر محل الفرض كله ويثبت بنفسه فإن كان فيه خرق يبدو منه بعض القدم أو كان واسعا يرى منه الكعب أو الجورب خفيفا يصف القدم أو يسقط منه إذامشى أو شد لفائف لم يجز المسح
ـــــــ
أنه يتم مسح مقيم كمن سافر بعد دخول الوقت ولم يحرم بالصلاة وقيل إن مضى وقت صلاة
"ولا يجوز المسح إلا على ما يستر محل الفرض" وهو القدم كله ويثبت بنفسه فإن كان فيه خرق يبدو منه بعض القدم أو كان واسعا يرى منه الكعب أو الجورب خفيفا يصف القدم أو يسقط منه أو شد لفائف لم يجز المسح.
إعلم أنه يشترط لجواز المسح على حوائل الرجل شروط:
الأول: أن يكون ساترا لمحل الفرض وإلا فحكم ما استتر المسح وما ظهر الغسل ولا سبيل إلى جمعهما فوجب الغسل لأنه الأصل وسواء كان ظهوره لقصر الحائل أو سعته أو صفائه أو خرق فيه وإن صغر حتى موضع الخرز وظاهره أن الخرق إذا انضم ولم يبد منه شيء أنه يجوز المسح وهو المنصوص لكن مال المجد إلى العفو عن خرق لا يمنع متابعة المشي نظرا إلى ظاهر خفاف الصحابة وبالغ الشيخ تقي الدين فقال يجوز على المخرق ما لم يظهر أكثر القدم فإن ظهر أكثره فهو كالنعل أو الزربول الذي لم يستر القدم مما في نزعه مشقة بأن لا يخلع بمجرد خلع الرجل إنما يخلع بالرجل الأخرى أو باليد وقال إنه يغسل ما ظهر من القدم ويمسح النعل أو يمسح الجميع معتمدا في ذلك على أحاديث وهي ضعيفة.
الثاني : أن يكون ثابتا بنفسه إذ الرخصة وردت في الخف المعتاد وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه وحينئذ لا يجوز المسح على ما يسقط لزوال شرطه ولا على اللفائف في المنصوص وحكاه بعضهم إجماعا لعدم ثبوتها بنفسها وسواء كان تحتها نعل أو لا ولو مع مشقة في الأصح وحكى ابن عبدوس رواية بالجوازـــــــ
بشرط قوتها وشدها وقيل يجوز مسح لفافة تحت خف مخرق كجورب تحت مخرق أما إذا ثبت الخف ونحوه بنفسه لكن يبدو منه بعض القدم بدون شده فيجوز مسحه مع شده صححه ابن تميم ونصره في الشرح واختاره ابن عبدوس وفيه وجه لا اختاره الآمدي قال الزركشي وفي معنى ذلك الزربول الذي له أذن.
الثالث : أن يمكن متابعة المشي فيه فلو تعذر لضيقه أو نعل جديدة أو تكسيره كرقيق الزجاج لم يجز المسح لأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معناه وفيه وجه.
الرابع : أن يكون مباحا فلا يجوز المسح على المغصوب والحرير لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة وبناه جماعة على الخلاف في الصلاة في الدار المغصوبة وفي ثالث إن لبسه لحاجة كالبلاد الباردة التي يخشى فيها سقوط أصابعه أجزأه المسح عليه قاله في المستوعب و الفصول و النهاية.
الخامس : أن يكون معتادا فلا يجوز على الخشب والزجاج والنحاس وهو اختيار الشيرازي واختار أبو الخطاب والمجد والقاضي وزعم أن قياس المذهب جوازه لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه أشبه الجلود والأولى أن نقول الرخصة إنما وردت في الخفاف المتعارفة للحاجة السادس: أن يكون طاهر العين ولم يذكره المؤلف وفيه وجهان أصحهما أنه يشترط ويظهر أثر الخلاف فيمن لبس جلد كلب أو ميتة في بلد ثلج وخشي سقوط أصابعه فظاهر كلام المؤلف لا يشترط للإذن فيه إذا ونجاسة الماء حال المسح لا تضر كالجنب إذا اغتسل وعليه نجاسة لا تمنع وصول الماء على أحد القولين.
واختار ابن عقيل وابن عبدوس والمجد: يشترط لأنه منهي عنه في الأصل ,

وإن لبس خفا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر جاز المسح ويمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه
ـــــــ
وهذه ضرورة نادرة وإذاً يتيمم للرجلين فإن كان طاهر العين وبباطنه أو بالقدم نجاسة لا تزال إلا بالماء فقيل هو كالوضوء قبل الاستنجاء وقيل إن تعذر الخلع وقلنا بجواز المسح تيمم وصلى والإعادة تحتمل وجهين وعلى الأول يستفيد بذلك مس المصحف والصلاة عند عجزه عن إزالته النجاسة
"وإن لبس خفا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر جاز المسح" أي إذا جمع بين ملبوسين يجوز المسح على كل منهما فله مسح الأعلى بشرط لبسه قبل الحدث لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه أشبه المنفرد واقتضى كلامه أن الحدث إذا تقدم لبس الفوقاني أنه لا يمسح وصرح به في المغني وكثير من الأصحاب لأنه لبسهما على حدث
وكذا لو مسح ثم لبس آخر لم يمسح عليه صرح به في المحرر وغيره بل على ما تحته
ولو نزع الفوقاني بعد مسحه عليه بطل وضوؤه وله مسح ما تحته في رواية وإن لبس على لفافة أو مخرق صحيحا مسح عليه لأنهما كخف واحد وكذا إن لبس على صحيح مخرقا نص عليه وفيه وجه يجمع بينهما وقال القاضي وأصحابه يمسح الصحيح لأن الفوقاني لا يمسح عليه منفردا أشبه ما لو كان تحته لفافة وإن كانا مخرقين ولم يسترا لم يجز بحال وكذا إن سترا قدمه في الرعاية وقيل يجوز لأن القدم استتر بهما فكانا كخف واحد
"ويمسح أعلى الخف" هذا هو السنة ويجزئ الاقتصار عليه بغير خلاف
"دون أسفله وعقبه" أي لا يسن مسحهما مع أعلى الخف وهذا هو المنصوص وعليه أكثر الأصحاب لما روي عن علي رضي الله عنه قال "لو كان الدين بالرأي لكان اسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه" رواه أحمد وأبو داود قال الحافظ عبد

ويضع يده على الأصابع ثم يمسح إلى ساقه ويجوز المسح على العمامة المحنكة
ـــــــ
الغني إسناد صحيح فبين أن الرأي وإن اقتضى مسح أسفله إلا أن السنة أحق أن تتبع لأن أسفله مظنة ملاقاة النجاسة وكثرة الوسخ فمسحه يفضي إلى تلويث اليد من غير فائدة وقيل يسن وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى لأنه عليه السلام مسح أعلى الخف وأسفله رواه أحمد وقال روي هذا من وجه ضعيف والترمذي وقال معلول وسألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث فقالا ليس بصحيح أما لو مسحهما مع أعلاه أجزأه لأنه أتى بالمقصود وزيادة وقيل هو أفضل.
ولا يجزئ الاقتصار عليهما وجها واحدا لأنه عليه السلام إنما مسح ظاهر خفيه وعلم منه أنه لا يجب استيعاب الخف بالمسح بل الواجب مسح أكثر أعلاه أي أكثر ظهر القدم وقيل قدر الناصية من الرأس وقيل هو المذهب وقيل يجب جميعه لأنه بدل عن مغسول.
"فيضع يده" معوجة الأصابع ويستحب تفريجها على الأصابع أي على أطراف أصابع رجليه ثم يمسح إلى ساقه هذا صفة المسح المسنون وقاله ابن عقيل وغيره اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى قال في البلغة ويقدم اليمنى.
وقد روى البيهقي في سننه عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم "مسح على خفيه" وضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح إلى اعلاه مسحة واحدة فليس فيه تقدم فلو مسح من ساقه إلى أسفل جاز قال أحمد كيفما فعلت فهو جائز نعم لو مسحه بخرقة أو خشبة أو أصبع أو غسله ففيه خلاف سبق وظاهره أنه لا يستحب تكرار المسح وهو كذلك لقوله مسحة واحدة لأنه يوهنه ويخلقه من غير فائدة بل قال ابن تميم وغيره يكره.
"ويجوز المسح على العمامة المحنكة" وهي التي يدار منها تحت الحنك لوث

إذا كانت ساترة لجميع الرأس إلى ما جرت العادة بكشفه ولا يجوز على غير المحنكة إلا أن تكون ذات ذؤابة
ـــــــ
أو لوثان ونحوه وهذه كانت عمة المسلمين على عهده صلى الله عليه وسلم وهي أكثر سترا من غيرها ويشق نزعها وسواء كان لها ذؤابة أو لم يكن قاله القاضي صغيرة كانت أو كبيرة.
"إذاكانت ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه" كمقدم رأسه وجوانبه والأذنين إذا قلنا إنهما منه يشق التحرز عنه فعفي عنه بخلاف خرق الخف ويشترط لما ذكره أن تكون مباحة فلو كانت مغصوبة أو حريرا لم تبح وأما الطهارة والتوقيت فقد تقدما وهذا خاص بالرجل فأما المرأة فلا تمسح عليها لانها منهية عن التشبه بالرجال فكانت محرمة في حقها وفيه وجه تمسح عليها لضرر بها.
وإن كان تحت العمامة قلنسوة يظهر بعضها فالظاهر جواز المسح عليهما لأنهما صارا كالعمامة الواحدة قاله في المغني.
"ولا يجوز على غيرالمحنكة" يعني إذا كانت صماء لأنها لم تكن عمة المسلمين ولايشق نزعها أشبهت الطاقية والكلة وهو منهي عن لبسها وقد روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط" رواه أبو عبيد والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء قال عبد الله كان أبي يكره أن يعتم الرجل بالعمامة ولا يجعلها تحت حنكه وقد روي عنه أنه كرهه كراهة شديدة وقال إنما يعتم مثل هذا اليهود والنصارى وذكر ابن شهاب وغيره وجها بالجواز قالوا لم يفرق أحمد وفي مفردات ابن عقيل هو مذهبه واختاره الشيخ تقي الدين وقال هي كالقلانس المبطنة وأولى لأنها في الستر ومشقة النزع لا تقصر عنها.
"إلا أن تكون ذات ذؤابة" بضم الذال المعجمة وبعدها همزة مفتوحة وقال الجوهري هي من الشعر والمراد هنا طرف العمامة المرخي سمي ذؤابة مجازا

فيجوز في أحد الوجهين ويجزئ مسح أكثرها وقيل لا يجزئ إلا مسح جميعها
ـــــــ
فيجوز في أحد الوجهين اختاره المؤلف لأن إرخاء الذؤابة من السنة قال أحمد في رواية ويجزئ مسح أكثرها وقيل لا يجزئ إلا الأثرم وإبراهيم بن الحارث ينبغي أن يرخي خلفه من عمامته كما جاء عن ابن عمر أنه كان يعتم ويرخيها بين كتفيه وعن ابن عمر قال عمم النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بعمامة سوداء وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع ولانها لا تشبه عمائم أهل الذمة.
والثاني: لا قال في الشرح وهو الأظهر وهو ظاهر الوجيز لأنه منهي عنها روي ذلك عن عمر وابنه وطاووس والحسن ولأنه لايشق نزعها وأطلقهما في المحرر و الفروع.
"ويجزئ مسح أكثرها" قدمه جماعة وجزم به في الوجيز وصححه في الشرح لأنها ممسوحة على وجه البدل فأجزأ بعضها كالخف ويختص ذلك بأكوارها وهي دوائرها قاله القاضي فإن مسح وسطها فقط أجزأه في وجه كما يجزئ بعض دوائرها وفي آخر لا أشبه ما لو مسح اسفل الخف وحده.
"وقيل لا يجزئ إلا مسح جميعها" قيل إنه الصحيح وأخذه من نص الإمام أحمد أنه قال يمسح العمامة كما يمسح راسه لكن قال في المغني يحتمل أنه أراد التشبيه في صفة المسح دون الاستيعاب ويحتمل أنه أراد التشبيه في الاستيعاب فيخرج فيها من الخلاف ما في وجوب استيعاب ويحتمل أنه أراد التشبيه في الاستيعاب فيخرج فيها من الخلاف ما في وجوب استيعاب الرأس وفيه روايتان أظهرهما وجوبه فيه فكذا هنا ولأنها بدل من جنس المبدل فيقدر بقدره كقراءة غير الفاتحة عوضا عنها إذا عجز عنها بخلاف التسبيح وبه يجاب عن مسح بعض الخف.
فرع: ما جرت العادة بكشفه يستحب أن يمسح عليه مع العمامة نص عليه لأنه عليه السلام مسح على عمامته وناصيته وتوقف أحمد عن الوجوب ,

ويمسح على جميع الجبيرة إذا لم يتجاوز قد ر الحاجة
ـــــــ
والأصح عدمه لأن الفرض انتقل إلى العمامة فلم يبق لما ظهر حكم وفي المغني و الشرح أنه لا خلاف في الأذنين أنه لا يجب مسحهما لأنه لم ينقل وليسا من الرأس إلا على وجه التبع "ويمسح على جميع الجبيرة" سواء كانت على كسر أو جرح نص عليه لحديث صاحب الشجة لأنه لايشق المسح عليها كلها بخلاف الخف وهو مسح للضرر أشبه التيمم هذا إذا كانت في محل الفرض فإن كان بعضها في غيرمحله غسل ما حاذى محل الفرض نص عليه وظاهره يقتضي استيعابها بالمسح وأنه لا إعادة عليه لأنها طهارة عذر فأسقطت الفرض كالتيمم .
وذكر ابن أبي موسى وابن عبدوس ثانية بوجوب الإعادة لكنهم بنوها على ما إذا لم يتطهر لها وقلنا بالاشتراط فظاهره أنه يكتفي بالمسح وحده وهو المشهور لأنه مسح على حائل فأجزأ من غير تيمم كمسح الخف بل أولى إذ صاحب الضرورة أحق بالتخفيف.
والثانية : يتيمم معه لظاهر قصة صاحب الشجة وضعف بانه يحتمل أن الواو فيه بمعنى أو ويحتمل أن التيمم فيه لشد العصابة على غير طهارة.
"إذا لم يتجاوز" بشدها "قدر الحاجة" لأنه موضع حاجة فتقيد بقدرها واقتضى أنه إذا تجاوز بشدها إلى موضع لم تجر العادة به أنه لا يجزئه المسح وهو كذلك لأنه يكون تاركا لغسل ما يمكنه غسله من غير ضرر فعلى هذا ينزعها فإن خاف التلف به سقط وكذا إن خاف الضرر على المشهور فيسمح قدر الحاجة ويتيمم للزائد ولم يجزئه مسحه على المذهب لعدم الحاجة إليه.
وفيه وجه يجزئه المسح على الزائد اختاره الخلال وغيره لانه قد صارت ضرورة إلى المسح عليه أشبه موضع الكسر.

ومتى ظهر قدم الماسح
ـــــــ
وفي ثالث: يجمع في الزائد بينهما ونقل الميموني والمروذي عن أحمد أنه لا بأس بالمسح على العصائب كيف شدها لأن هذا لا ينضبط وهو شديد جدا والأول أولى وأصح إن شاء الله تعالى .
مسألة تفارق الجبيرة الخف من أوجه:
الأول : أنه لا يجوز المسح عليها إلا عند التضرر بنزعها.
الثاني : أنه يجب استيعابها.
الثالث : أن المسح عليها مقيد بالحل أو البرء.
الرابع : أنه يمسح عليها في الكبرى.
الخامس : أنه لا يشترط لها تقدم طهارة في رواية.
السادس : أنها تجوز من خرق ونحوه وأنها لو كانت من حرير ونحوه جاز المسح عليها على رواية صحة الصلاة
السابع : أن مسحها عزيمة والخف بخلاف ذلك كله وتقدم أوجه أخر
"ومتى ظهر قدم الماسح" بطلت طهارته في المشهور لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال بطلت الطهارة في القدمين فيبطل في جميعها لكونها لا تتبعض وحكم انكشاف بعض القدم من خرق حكم ظهوره كله فلو أخرج القدم قال المجد الجد: أو بعضه إلى ساق الخف فهو كخلعه نص عليه لأنه لا يمكنه المشي فيه.
وعنه : إن جاوز العقب أثر وإلا فلا.
وعنه: لا وعنه لا يبعضه ونزع أحد الخفين كنزعهما لأنهما كخف واحد
وقوله : الماسح يحترز به ما إذا غسل رجليه في الخف فإذاطهرت لم يلزمه

أو رأسه أو انقضت مدته استأنف الطهارة وعنه يجزئه مسح رأسه وغسل قدميه ولا مدخل لحائل في الطهارة الكبرى إلا الجبيرة
ـــــــ
شيئ ويصلي به ما أراد.
"أو" ظهر "رأسه" بطلت أيضا قال في المغني إلا أن يكون الكشف يسيرا فإنه لا يضر قال أحمد إذازالت عن رأسه فلا بأس به ما لم يفحش قال ابن عقيل وغيره ما لم يرفعها بالكلية لأنه معتاد وظاهر المستوعب و الوجيز أنها تبطل بظهور شيء من رأسه وكذا إذا انتقضت بعد مسحها فإنها تبطل وفي بعضها روايتان
"أو انقضت مدته" وهو متطهر "استأنف الطهارة" لما تقدم "وعنه يجزئه مسح راسه وغسل قدميه" لأنه أزال بدل غسلهما فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء وفي الأولى يغسل رجليه فقط وهذا مبني على اشتراط الموالاة كما جزم به ابن الزاغوني والمؤلف وبينا أن الخلع إذا كان عقب المسح كفاه غسل رجليه أو رفع الحدث كما جزم به أبو الحسين واختاره المجد وذكر أبو المعالي أنه الصحيح في المذهب عند المحققين ويرفعه في المنصوص وفاقا أو مبني على غسل كل عضو بنية أو على أن الطهارة لا تتبعض في النقض وإن تبعضت في الثبوت كالصوم والصلاة اختاره في الانتصار ويتوجه لا يلزمه شيء بل يصلي به.
فرع إذا حدث ما تقدم وهو في الصلاة فظاهر كلامهم كما لو كان خارجها وبناه ابن عقيل على قدرة المتيمم على الماء.
"ولا مدخل لحائل في الطهارة الكبرى" لحديث صفوان قال "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة".
"إلا الجبيرة" لحديث جابر ولأن الضرر يلحق بنزعها بخلاف الخف فإذا زالت فكالخف وقيل طهارته باقية قبل البرء واختاره الشيخ تقي الدين مطلقا.

باب نواقض الوضوء
وهي ثمانية: الخارج من السبيلين قليلا كان أو كثيرا نادرا أو معتادا
ـــــــ
باب نواقض الوضوءالنواقض جمع ناقضة لا ناقض لأنه لا يجمع على فواعل إلا المؤنث وشذ فوارس وهوالك ونواكس جمع فارس وهالك وناكس يقال نقضت الشيء إذا أفسدته فنواقض الوضوء مفسداته واستعماله فيه مجاز كاستعماله في العلة وإنما حقيقته في البناء واستعمل في المعاني بعلاقة الإبطال
"وهي ثمانية: الخارج من السبيلين" أي على سبيل البدل وأحدهما سبيل وهو الطريق وهما مخرج البول والغائط والمراد إلى ما هو في حكم الظاهر ويلحقه حكم التطهير إلا ممن حدثه دائم
"قليلا كان" الخارج "أو كثيرا" ذكر لمقابلة الأول وهو مغن عنه "نادرا أو معتادا" فالمعتاد كالبول والغائط فينقض إجماعا لقوله تعالى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وقوله عليه السلام "ولكن من غائط وبول ونوم" والنادر كالدود والحصى حتى دم الاستحاضة لما روى عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فسالت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو دم عرق" رواه أبو داود والدارقطني وقال إسناده كلهم ثقات
فقد أمر بالوضوء لكل صلاة ودمها غير معتاد ولأنه خارج من السبيل أشبه المعتاد مع أنه لا يخلو عن بلة تتعلق به فينتقض بها وهو شامل للمني.
والريح وإن خرجت من القبل على المشهور لعموم قوله عليه السلام: "لا

الثاني خروج النجاسات من سائر البدن فإن كان غائطا أو بولا نقض قليلها
ـــــــ
وضوء إلا من صوت أو ريح" رواه الترمذي وصححه من حديث أبي هريرة
وقال أبو الحسين قياس المذهب النقض بالريح من قبل المرأة دون قبل الرجل وعلله ابن عقيل لأن قبلها له منفذ إلى الجوف بخلاف الرجل وريح الدبر إنما نقض لاستصحابه جزء لطيفا من النجاسة بدليل نتنها وكما إذ أقطر في فرجه دهنا ثم سال أو احتشى قطنا ثم خرج منه أو كان في وسط القطن ميل فسقط بلا بلة في وجه إناطة بالمظنة ولا نقض في آخر لانتفاء الخارج فإن تيقن خروج بلة نقض على الأعرف
وابعد من قال لا نقض حتى يخرج بول قاله الزركشي وتبعيده بعيد فإنه ظاهر نقله عبد الله واختاره القاضي وفي وجه ينقض الدهن دون غيره وفي نجاسة الدهن وجهان لنجاسة باطنه أو أنه باطن فلم يتنجس به كنخامة الحلق وهو مخرج القيء وكذا إذاطهرت مقعدته يعلم أن عليها بللا ولم ينفصل فإنه ينتقض على المنصوص وكذا طرف مصران أو رأس دودة وخرج منه ما إذا احتقن ولم يخرج منها شيء أو وطئ في الفرج أو دونه فدخل فرجها ولم يخرج في وجه ومجرد الحقنة فيها أوجه ثالثها ينقض من دبره وظاهر كلامهم فيما تحمله لا فرق بين كون طرفه خارجا أولا
"الثاني خروج النجاسات من سائر" أي باقي "البدن فإن كان غائطا أو بولا نقض قليلها" بغير خلاف في المذهب لما سبق وكالخارج من السبيلين وسواء كانا منسدين أو مفتوحين فوق المعدة أو تحتها وإن انسد المخرج المعتاد وانفتح غيره قال ابن عقيل أسفل المعدة فخرج منه ريح لم ينقض في الأشهر وإن خرج منه بول أو غائط ورجي انقطاعه نقض كثيره وفي يسيره روايتان قال في النهاية إن انسد المخرج المعتاد خلقة فسبيل الحدث المنفتح والمسدود كعضو زائد من الخنثى.

وإن كان غيرهما لم ينقض إلا كثيرها وهو ما فحش في النفس
ـــــــ
وعلم منه أن الخارج إذا كان طاهرا فإنه لا ينقض سواء كان بصاقا أو نخامة أو بلغما وهو أصح الروايتين فيه وعنه بلى وهو قول أبي يوسف واصلهما هل يفطر الصائم والأول أصح لأنها تخلق من البدن كبلغم الرأس وقيل هو نجس إذا انعقد وازرق وحكاه بعضهم رواية "وإن كان غيرهما لم ينقض إلا كثيرها" وهو قول عمر وابن عباس لقوله عليه السلام لفاطمة "إنه دم عرق" فعلل بكونه دم عرق والقيح والدم كذلك ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبه الخارج من السبيل وفيه نظر
وقيل لا ينقض دم وقيح ودود
وعنه لا ينقض قيح ولا صديد ولا مدة إلا أن يخرج ذلك من السبيل فلو خرج دم كثير بمص علق أو قراد نقض فإن لم يخرج بنفسه بل بقطنة ونحوها فكذلك بخلاف مص ذباب وبعوض لقلته ومشقة الاحتراز منها ذكره أبو المعالي
وظاهره أن اليسير لا ينقض وهو كذلك ذكره القاضي رواية واحدة وحكاه أحمد عن ابن عمر
وروي عن ابن أبي أوفى وجابر واشتهر ذلك ولم ينكر فكان إجماعا قال أحمد قال ابن عباس في الدم إذا كان فاحشا أعاد الوضوء والقليل لا أرى فيه الوضوء لأن أصحاب رسول اله صلى الله عليه وسلم رخصوا فيه
ثم بين حد الكثير فقال "وهو ما فحش في النفس" أي كل أحد بحسبه نص عليه واحتج بقول ابن عباس الفاحش ما فحش في قلبك قال الخلال إنه الذي استقر عليه قوله وذكره المؤلف المذهب
قال في الشرح لأن اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيره محرج فيكون منفيا .

وحكي عنه أن قليلها ينقض ، الثالث زوال العقل
ـــــــ
وعنه يعتبر نفوس أوساط الناس اختاره القاضي وجماعة كثيرة وجزم به في التلخيص و المحرر وقدمه في الفروع كما يرجع في يسير اللقطة إليهم
وعنه: الفاحش قدر الكف
وعنه: قدر عشر أصابع
"وحكي عنه أن قليلها ينقض" لما روى معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم "قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فسألته فقال صدق أنا صببت له وضوءه" رواه أحمد واحتج به وقال الترمذي هو أصح شيء في الباب
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ" رواه ابن ماجة والدارقطني من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي وروايته عن الحجازيين ضعيفة عند أكثر المحدثين
وكخارج معتاد لكن قال في المغني لا تعرف هذه الرواية ولم يذكرها الخلال في جامعه إلا في القلس وأطرحها
وقال الشيخ تقي الدين لا نقض مطلقا واختاره الآجري في غيرالقيء فإن شرب ماء وقذفه في الحال فنجس وبالجملة فيحملان على الفاحش جمعا بين الأدلة
فائدة : القلس بالتحريك وقيل بالسكون ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقيء فإن عاد فهو قيء
"الثالث زوال العقل" أو تغطيته: قال أبو الخطاب وغيره ولو تلجم ولم يخرج شيء إلحاقا بالغالب لأن الحس يذهب معه والمزيل له على ضربين نوم وغيره فغير النوم كالجنون والإغماء والسكر ينقض كثيرها

إلا النوم اليسير جالسا أو قائما وعنه أن نوم الراكع والساجد لاينقض يسيره
ـــــــ
ويسيرها إجماعا على كل الأحوال لأن هؤلاء لا يشعرون بحال بخلاف النائم وفي إيجاب الوضوء بالنوم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه وأما النوم فتقلد من الله تعالى على عبده ليستريح بدنه عند تعبه وهي غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء فينقض في الجملة لما روى علي ابن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم "قال العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" رواه أحمد وأبو داود عن بقية عن الوضين بن عطاء ولأنه مظنة خروج الحدث فأقيم مقامه كالتقاء الختانين ونقل الميموني أنه لا ينقض قال الخلال هو خطا بين واختاره الشيخ تقي الدين إذا ظن بقاء طهره ولا تفريع عليها.
ثم هو ينقسم إلى أقسام فقال إلا النوم اليسير عرفا لأنه لا حد له في الشرع.
وقيل: ما لم يتغير عن هيئته كسقوطه وقيل مقدار الكثير ركعتان ونص أحمد أنه إذا رأى فيه حلما ومن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه فلو شك في كثرته لم ينقض جالسا أو قائما اختاره الخرقي وجزم به في الوجيز وقدمه ابن تميم لما روى أنس قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون" رواه أبو داود بإسناد صحيح وهو محمول على اليسير لأنه اليقين والقائم كالقاعد لاشتراكهما في انضمام محل الحدث وظاهره أنه ينقض إذا كان كثيرا وهو كذلك على المذهب لأن مع الكثرة لا يحس بما يخرج منه بخلاف اليسير وعنه: لا.
"وعنه أن نوم الراكع أو الساجد لا ينقض يسيره" لأنهما من الصلاة أشبه الجالس وظاهره أنه ينقض اليسير منهما على المذهب وهو كذلك وقياسهما على الجالس غيرمستقيم لان محل الحدث فيهما منفتح بخلاف الجالس وقدم في المحرر و البلغة استثناء اليسير في الحالات الاربع وعنه ينقض اليسير إلا في الجالس وعنه لا نقض فيها وهي اختيار القاضي والشريف وأبي الخطاب

والرابع: مس الذكر
ـــــــ
والشيرازي وابن عقيل لما روى أحمد في الزهد عن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نام العبد وهو ساجد يباهي الله به الملائكة يقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وهو ساجد" فسماه ساجدا مع نومه ولأن الأصل الطهارة فلا ينعقد بالشك وظاهره أن نوم المستند والمتكئ والمحتبي كالمضطجع وهوكذلك على الأشهر
"الرابع: مس الذكر" أي ذكر الآدمي في ظاهر المذهب لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه قال من مس ذكره فليتوضأ رواه مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وصححه أحمد وابن معين قال البخاري أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة
وعن أم حبيبة معناه رواه ابن ماجة والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أفضى أحكم بيده إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء" رواه الشافعي وأحمد وفي رواية له وليس دونه ستر وقد روي ذلك عن بضعة عشر صحابيا وهذا لا يدرك بالقياس فعلم أنهم قالوه عن توقيف.
وعنه لا ينقض لما روى قيس بن طلق عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة هل عليه وضوء قال: "لا إنما هو بضعة منك" رواه الخمسة ولفظه لأحمد وصححه الطحاوي وغيره ولأنه جزء من جسده أشبه رجله فعليها يستحب الوضوء من مسه واختارها الشيخ تقي الدين في فتاويه والأولى أصح لأن حديث قيس ضعفه الشافعي وأحمد قال أبو زرعة وأبو حاتم قيس لا تقوم بروايته حجة ولو سلم صحته فهو منسوخ لأن طلق بن علي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤسس في المسجد" رواه الدارقطني وفي رواية أبي داود قال "قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل كأنه بدوي فسأله" الحديث ولا شك ن التأسيس كان في السنه

بيده أو ببطن كفه أو بظهره
ـــــــ
الأولى من الهجره وإسلام أبي هريره كان في السنه السابعه وبسره في السنة الثامنة عام الفتح هذا وإن لم يكن نصا في النسخ فهو ظاهر فيه وحديثهم مبقي على الأصل وأحاديثنا ناقلة عنه وهي أولى فإن كان الأمر به هو المنسوخ لزم التغيير مرتين وإن كان ترك الوضوء هو المنسوخ لم يلزم التغيير إلا مرة واحدة فيكون أولى وقياسهم الذكر على بقية البدن لا يستقيم لأنه يتعلق به أحكام بنفرد بها من إيجاب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك ومنهم من حمله على المس من وراء حائل لأنه كان في الصلاة والمصلي في الغالب إنما يمسه من فوق ثيابه ولهذا علل بأنه بضعة منه قلت وقد روى الطبراني بإسناده وصححه عن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ" قال ويشبه أن يكون طلق سمع الناسخ والمنسوخ وفي تصحيحه نظر فإنه من رواية حماد بن محمد الحنفي وأيوب بن عتبة وهما ضعيفان وحينئذ فيتعارض روايتاه ويرجع إلى أحاديث النقض.
"بيده" وهي من رؤوس الأصابع إلى الكوع كالسرقة والتيمم.
"أو ببطن كفه أو بظهره" للعموم والأول مغن عنه لأنه يشمله وعنه يختص النقض ببطن الكف لأنه آلة اللمس وفي حرف كفه وجهان وظاهره أنه لا فرق بين ذكر نفسه وذكر غيره لقوله عليه السلام: "ويتوضأ من مس الذكر" رواه أحمد والنسائي وعنه يختص بذكر نفسه والصغير والكبير على المنصوص وعنه لا نقض بمس ذكر طفل ذكرها الآمدي والحي والميت على المذهب وسواء مسه سهوا أو لغير شهوة على المشهور وعنه إن تعمد مسه نقض وعنه إن مسه من فوق حائل لشهوة نقض ولا فرق أيضا بين أصل الذكر ورأسه على المذهب وعنه يختص بالثقب وعنه بالحشفة وهما بعيدان ومراده إذا كان أصليا سواء كان صحيحا أو أشل فلو كان زائدا لم ينقض في الأصح وشمل كلامه اليد

ولا ينقض مسه بذراعه وفي مس الذكر المقطوع وجهان وإذا لمس قبل الخنثى المشكل وذكره انتقض وضوؤه وإن مس أحدهما لم ينقض إلا يمس الرجل ذكره للشهوة
ـــــــ
الصحيحة والشلاء والزائدة على الصحيح والمذهب أنه ينقض إذا مسه من غيرحائل ولو بزائد خلا ظفره ولا ينقض مسه بذراعه في ظاهر المذهب كالعضد لأن الحكم المعلق على مطلق اليد لا يتجاوز الكوع وعنه بلى وهي قول الأوزاعي لأنها في الوضوء كذلك والأول أصح لأنه إنما غسله فيه لتقييده بها وعلم منه أنه لا ينقض مسه بغير اليد زاد ابن تميم وفي الفرج وجهان واختار بمسه بفرج والمراد لا ذكره بذكر غيره وصرح به أبو المعالي وفي مس الذكر المقطوع المنفصل وجهان وقيل روايتان كذا في المحرر و الفروع وظاهر المذهب أنه لا ينقض لذهاب الحرمة والثاني بلى وقطع به الشيرازي لبقاء الاسم وكذا الخلاف في مس محله وذكر الأزجي وأبو المعالي فيه ينقض ولا يتعلق بالذكر البائن شيء من أحكام الختانين لأنه كيد بائنة بخلاف فرج بائن وحكم لمس القلفة وهي الجلدة التي تقطع في الختان قبل قطعها كالحشفة لأنها منه ولا ينقض مسها بعد قطعها لزوال الاسم والحرمة وإذا لمس قبل الخنثى المشكل وذكره انتقض وضوؤه لأن لمس الفرج متيقن لأن الخنثى ن كان ذكرا فقد لمس ذكره وإن كان امرأة فقد مس فرجها وإن مس أحدهما لم ينتقض لاحتمال أن يكون غير فرج فلا ينقض الوضوء مع قيام الاحتمال إلا أن يمس الرجل ذكره أي الخنثى لشهوة فإنه ينتقض لأن الخنثى إن كان رجلا فقد لمس ذكرا وإن كان امرأة فقد لمس الرجل امرأة لشهوة وفي

وفي مس الذكر ومس المرأة فرجها روايتان وعنه لاينقض مس الفرج بحال
ـــــــ
المحرر و الوجيز و الفروع صورة أخرى وهي إذا لمست المرأة قبله لأن الخنثى إن كان امرأة فقد لمست المرأة فرج امرأة وإن كان رجلا فقد لمسته لشهوة
"وفي مس الدبر ومس المرأة فرجها" هو اسم المخرج الحدث وهو ما بين شفريها دون اسكتيها
"روايتان" روايتان إحداهما ونقلها أبو داود أنه ينتقض قدمها في المحرر و الفروع واختارها أكثر الأصحاب لقوله عليه السلام: "من مس فرجه فليتوضأ" رواه ابن ماجه وغيره
والفرج اسم جنس مضاف فيعم ولقوله عليه السلام: "أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ" رواه أحمد من حديث عمرو بن شعيب وإسناده جيد إليه وكالذكر والأخرى لا ينتقض
أما الدبر فقال: الخلال إنها الأشيع في قوله واختارها جماعة قال في الفروع وهي أظهر لأن غالب الأحاديث تقيده بالذكر وأما الفرج فقال المروزي قيل لأبي عبد الله الجارية إذا مست فرجها أعليها وضوء قال لم أسمع فيه بشيء ولا يفضي مسه إلى خروج خارج بخلاف الذكر وظاهره أن الخلاف مختص بما إذا مست فرج نفسها والأشهر لا فرق بين مس فرجها وفرج غيرها وفي التلخيص و البلغة ينقض مس فرج المرأة وفي مس فرج غيرها وجهان.
وظاهر كلامهم: لا يشترط للنقض بذلك الشهوة وهو مفرع على المذهب وشرطها ابن أبي موسى.
"وعنه لا ينقض مس الفرج بحال" لما سبق وظاهره: أنه لا ينقض بمس غير الفرجين من البدن وهو كذلك في قول أكثر العلماء

الخامس: أن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة.
ـــــــ
وقال عروة يجب في مس الأنثيين.
وقال عكرمة: يجب على من مس ما بين فرجيه ولا تجب بمس فرج بهيمة ولو كانت مأكولة لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معناه وفيه احتمال وهو قول الليث زاد في الرعاية لشهوة ولا بمس المخرج المعتاد إذا انسد وانفتح غيره وفيه وجه وقيل معها
فرع إذا انتشر عضوه بتكرر نظر لم ينتقض في الأصح كما لو كان عن فكر
"الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة" هذا ظاهر المذهب لأنه عليه السلام صلى وهو حامل أمامة والظاهر أنه لا يسلم من مسها ولأنه ليس بحدث وإنما هو داع إليه فاعتبرت الحالة التي تدعو إليها وهي حالة الشهوة
وفي الوجيز بشهوة بالباء وهو أحسن لتدل على المصاحبة والمقارنة وهو شامل للأجنبية وذات المحرم والصغيرة والكبيرة لعموم النص واللمس الناقض معتبر مع الشهوة فإذا وجدت فلا فرق لكن في العجوز والمحرم والصغيرة وجه وهو ظاهر الخرقي فيها وصرح به المجد مقيدا بالتي لا تشتهي وللميتة والحية لأن الموت لا يرفع عنها الاسم وكما يجب الغسل بوطئها
واختار الشريف وابن عقيل خلافه لأنها ليست محلا للشهوة وسواء كان المس باليد أو غيرها من سائر البشر للعموم والتخصيص تحكم
ولا فرق أيضا بين مسها بعضو زائد أو مس عضو زائد منها وخرج من كلامه إذا كان اللمس بحائل وهو المنصوص ولو مع شهوة ذكره المؤلف وغيره لأنه لم يمسها
والشهوة المجردة لا توجب الوضوء وعنه ينقض ذكر القاضي أنه قياس المذهب.

وعنه لاينقض وعنه ينقض لمسها بكل حال
ـــــــ
قال ابن حمدان وهو بعيد وخرج منه أيضا مس الرجل الرجل والمرأة المرأة لشهوة لأنه ليس بداخل في الآية الكريمة وأما لمسها له مع الشهوة فروايتان
إحداهما: لا أثر له لأن النص إنما ورد في الرجل واللمس منه مع الشهوة مظنة لخروج الحدث فأقيم مقامه
والأخرى وهي أصح قال في المغني وهي ظاهر كلام الخرقي ينقض لأنها ملامسة ناقضة فاستويا فيها كالجماع وهي أدعى إلى الحدث لفرط شهوتها
"وعنه لا ينقض" اختارها الآجري والشيخ تقي الدين لما روت عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ" رواه أبو داود والنسائي واحتج به أحمد وضعفه يحيى القطان وابن معين والترمذي وغيرهم ووقعت يد عائشة على قدمه عليه السلام وهو يصلي ومسها برجله وهو يصلي رواه النسائي ولو بطل وضوؤه لفسدت صلاته ولأنه مس فلم ينقض كمس البهيمة
والملامسة في الآية اريد بها الجماع قاله علي وابن عباس ولو باشر مباشرة فاحشة وقيل إن انتشر نقض وإذا لم ينقض مس فرج وأنثى استحب الوضوء نص عليه
"وعنه: ينقض لمسها بكل حال" وهو قول ابن مسعود ورواه الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه وقال عمر وابن مسعود القبلة من اللمس وفيها الوضوء رواه الأثرم وحقيقة اللمس التقاء البشرتين قال الشاعر:
لمست بكفي كفه أطلب الغنى
ولأنه مس ينقض فلم تعتبر فيه الشهوة كالذكر والأول أصح جمعا بين الآية

ولا ينقض مس الشعر والسن والظفر والأمرد وفي نقض وضوء الملموس روايتان ، السادس: غسل الميت
ـــــــ
والأخبار إذ الآية محمولة على الشهوة وفعله عليه السلام على عدمها وهو أريد بها الجماع لاكتفى بقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
"ولا ينقض لمس الشعر والسن والظفر" لشهوة نص عليه لأن ذلك ينفصل عنها حال السلامة أشبه الدمع ولا يقع عليها الطلاق بإضافته إليه وفيه وجه ينتقض لأنه من جملتها قال بعضهم وكذا الخلاف إن لمسها الرجل بهذه الأشياء.
"والأمرد" أي لا ينقض لمسه مع شهوة نص عليه وهو المذهب لعدم تناول الآية له ولأنه ليس بمحل للشهوة شرعا.
وعنه بلى جزم به في الوجيز لأنها مباشرة لآدمي حقيقة ولا نقض بمس خنثى مشكل ولا بمسه رجلا و امرأة لأنه متيقن للطهارة شاك في الحدث.
"وفي نقض وضوء الملموس روايتان" أظهرهما لا نقض قاله ابن هبيرة واختارها المجد وهي ظاهر الوجيز لأنه لا نص فيه وقياسه على اللامس لا يصح لفرط شهوته.
والثانية : بلى وهي اختيار ابن عبدوس لأن ما ينقض بالتقاء البشرتين لا فرق فيه بين اللامس والملموس كالتقاء الختانين ثم محلها إذا وجدت الشهوة في الملموس كما ذكره الشيخان وخص بعضهم الملموس بالمرأة وفي الرعاية وفي نقض وضوء الملموس فرجه وجهان وقيل لا ينقض وضوء الملموس ذكره بخلاف لمس قبل المرأة .
"السادس: غسل الميت" هذا هو المنصوص عن أحمد وعامة أصحابه وجزم به في الكافي و الوجيز وقدمه في المحرر و الفروع لما روى عطاء أن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وكان شائعا لم ينقل عنهم الإخلال به ولأن الغاسل لا يسلم من مس عورة الميت غالبا فأقيم

السابع أكل لحم الجزور لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم"
ـــــــ
مقامه كالنوم مع الحدث وعنه لا اختاره التميمي وصححه المؤلف لما روى الدارقطني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أي يكفيكم أن تغسلوا أيديكم" وإسناده جيد ولأنه الأصل ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معناه وكغسل الحي فعلى الأول لا فرق فيه بين المسلم والكافر والرجل والمرأة والكبير والصغير للعموم وسواء غسله في قميص أولا وفيه وجه أنه لا ينقض إذا غسله في ثوب ولم يمس فرجه ذكر في الرعاية أنه الأظهر وخرج من كلامه إذا غسل بعضه وهو أظهر الاحتمالين ثم ابن حمدان وإذا يممه عند تعذر غسله وفيه قول.
فرع الغاسل من يقلبه ويباشره ولو مرة لا من يصب الماء ونحوه.
"السابع: أكل لحم الجزور" على الأصح لقول رسو الله صلى الله عليه وسلم "توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب وصححه أحمد وإسحاق وقال ابن خزيمة لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح وروى مسلم معناه من حديث جابر بن سمرة.
قال الخطابي: ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث فعلى هذا لا فرق فيه بين قليله وكثيره نيئه أو مطبوخة عالما كان الآكل أو جاهلا وعنه إن علم النهي نقض.
قال الخلال وعلى هذا استقر قوله لأنه خبر آحاد فيعذر بالجهل كما يعذر بجهل الزنا ونحوه الحديث العهد بالإسلام.
وعنه ينقض نيئه وعنه إن طالت المدة كعشر سنين لم يعد بخلاف ما إذا قصرت وعنه لا يعيد إذا تركه متأولا وعنه إذا كثر أكلها وعنه: لا

فإن شرب من لبنها فعلى روايتين
ـــــــ
نقض مطلقا وهو قول أكثر العلماء لما روى جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أحمد وأبو داود والنسائي وإسناده جيد وقال عمر وابن عباس الوضوء مما خرج وليس مما دخل رواه سعيد ولأنه مأكول أشبه سائر المأكولات والأول أصح لا يقال يحتمل أن يراد بالوضوء غسل اليدين لأنه مقرون بالأكل كما حمل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء قبل الطعام وبعده"
ويحتمل أن يراد به على وجه الاستحباب لأن الوضوء الوارد في الشرع يحمل على موضوعه الشرعي ولأنه جمع بين ما أمر به وهو الوضوء من لحومها وبين ما نهي عنه وهو عدم الوضوء من لحوم الغنم
والخصم يقول: بأنه يستحب فيهما ولأن السؤال وقع عن الوضوء والصلاة والوضوء المقترن بها لا يفهم منه غيرالوضوء الشرعي ولأن مقتضى الأمر الإيجاب لأنه أوجب الوضوء منه ودعوى النسخ مردودة بأمور وقيل الوضوء منه معلل بأنها من الشياطين إذ كل عات متمرد شيطان فالكلب الأسود شيطان الكلاب والإبل شياطين الأنعام فالأكل منها يورث خالة شيطانية والشيطان يطفئه بارد الماء
"فإن شرب من لبنها فعلى روايتين"كذا في المغني و المحرر و الفروع إحداهما ينقض لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى اله عليه وسلم قال "توضؤوا من لحوم الإبل وألبانها" رواه أحمد وابن ماجة من رواية الحجاج بن أرطاة وروى الشالنجي نحوه من حديث البراء بن عازب وإسناده جيد والأخرى لا وهي ظاهر الوجيز قال الزركشي واختيار الأكثرين لما روي ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مضمضوا من اللبن فإن له دسما" فدل على أنه يكتفي بها في كل لبن ولأن الأخبار الصحيحة إنما وردت في اللحم والحكم فيه غير معقول المعنى فيقتصر على مورد النص فيه .

وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين، الثامن:الردة عن الإسلام
ـــــــ
وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين وفي الفروع روايتان إحداهما لا ينقض لأن النص لم يتناوله والثانية بلى لأن ذلك من جملة الجزور فإطلاق لفظ اللحم يتناوله بدليل أن الله تعالى لما حرم لحم الخنزير تناول جميع أجزائه والأشهر الاول والحكم في بقية الأجزاء كالكرش والمصران والسنام والدهن كذلك
وعلم منه أن لا وضوء من غيره سواء مسته النار أو لا وهو قول أكثر العلماء وروي عن الخلفاء الراشدين ولا وضوء بأكل لحم محرم وكذا طعام محرم على الأصح وعنه يختص النقض بلحم الخنزير قال أبو بكر وبقية النجاسات تخرج عليه حكاه ابن عقيل وقال الشيخ تقي الدين الخبيث المباح للضرورة كلحم السباع أبلغ من الإبل فبالوضوء منه أولى قال والخلاف فيه مبني على أن لحم الإبل تعبدي أو عقل معناه
"الثامن: الردة عن الإسلام" هذا هو المجزوم به عند أكثر الأصحاب وهو أشهر الروايتين لقوله تعالى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ولقول ابن عباس الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وحدث اللسان أشد وفيهما الوضوء لكن في إسناده بقية بصيغة عن قال في التحقيق لا يصح ورواه ابن شاهين مرفوعا فيدخل في عموم قوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" متفق عليه ولأنها عن حدث فأبطلتها الردة كالتيمم لكن الآية دالة على أن الردة تحبط العمل بمجردها والأشهر عن أصحابنا أنها لا تحبطه إلا بالموت لقوله تعالى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: من الآية217] البقرة وبنوا على ذلك صحة الحج في الإسلام الأول وقضاء ما فاته من صلاة وزكاة وصوم على المشهور ثم الإحباط إنما ينصرف إلى الثواب دون الفعل بدليل مصل خلفه وهو مسلم ولقائل أن يقول هذا تمسك بدليل

ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين فإن تيقنهما وشك في
ـــــــ
الخطاب والمنطوق مقدم عليه وعنه لا نقض حكاها ابن الزاغوني ولم يذكرها القاضي وعامة أصحابه في النواقض لعدم فائدتها لوجوب الغسل عليه إذا عاد إلى الإسلام فيدخل فيه الوضوء وصرح به جماعة
ورده الشيخ تقي الدين بأن فائدته تظهر إذا عاد إلى الإسلام فإنا نوجبهما عليه فإن نواهما بغسله أجزأه على المشهور ولو لم ينقض لم يجب إلا الغسل فقط ويمكن أن يكون مراد القاضي ما أوجب غسلا أوجب وضوءا فهو ملازم له وظاهره أنه لا نقض بغيرها من غيبة ونميمة وقهقهة ونقله الجماعة نعم يستحب من الكلام المحرم وفي استحبابه من القهقهة وجهان.
"ومن تيقن الطهارة" اليقين ما أذعنت النفس للتصديق به وقطعت به وقطعت بأن قطعها صحيح "وشك في الحدث" الشك خلاف اليقين "أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين" لما روى عبد الله بن زيد قال شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" متفق عليه ولمسلم معناه مرفوعا من حديث أبي هريرة ولم يذكر فيه وهو في الصلاة ولأنه إذا شك تعارض عنده الأمران فيجب سقوطهما كالبينتين إذا تعارضتا ويرجع إلى اليقين وسواء كان في الصلاة أو خارجها تساوي عنده الأمران أو غلب على ظنه أحدهما لأن غلبة الظن إذا لم يكن لها ضابط في الشرع لم يلتفت إليها كظن صدق أحد المتداعيين بخلاف القبلة والوقت هذا اصطلاح الفقهاء
وعند الأصوليين إن تساوى الاحتمالان فهو شك والراجح ظن والمرجوح وهم
"فإن تيقنهما" أي: تيقن الطهارة والحدث في وقت الظهر مثلا "وشك في

السابق منهما نظر في حالة قبلهما فإن كان متطهراً فهو محدث وإن كان محدثاً فهو متطهر ومن أحدث حرم عليه الصلاة
ـــــــ
السابق منهما" أي لم يعلم الآخر منهما "نظر في حاله قبلهما" أي قبل الطهارة والحدث وهو ما قبل الزوال فإن كان محدثا فهو الآن متطهر لأنه تيقن زوال ذلك الحدث بطهارة ولم يتيقن زوال تلك الطهارة بحدث آخر لاحتمال أن يكون الحدث الذي تيقنه بعد الزوال هو الذي كان قبله فلم يزل يقين الطهارة بالشك
"وإن كان متطهرا فهو محدث" لما ذكرنا هذا في تيقن الحالين وأما تيقن الفعلين فإذا تيقن أنه في وقت الظهر مثلا تطهر عن حدث وأحدث عن طهر ولا يعلم أسبقهما فإنه يكون على مثل حاله قبلهما جزما فإن كان متطهرا فهو الآن متطهر لأن الطهارة التي قبل الزوال قد تيقن زوالها بالحدث وتيقن زوال الحدث بالطهارة التي في وقت الظهر والأصل بقاؤها وإن كان محدثا فهو الآن محدث وكذا لو عين وقتا لا يسعهما فإن جهل حالهما وأسبقهما أو تيقن حدثا وفعل طهارة فقط فبضد حاله قبلهما وإن تيقن أن الطهارة عن حدث ولا يدري الحدث عن طهارة فمتطهر مطلقا وعكس هذه بعكسها
مسألة : إذا سمعا صوتا أو شما ريحا من أحدهما لا بعينه فلا وضوء عليهما على الأصح ولا يأتم أحدهما بصاحبه ولا يصاففه في الصلاة إن كانا وحدهما وإن كان أحدهما إماما أعادا صلاتهما نص عليه وقيل عنه ينوي كل منهما الانفراد ويتم صلاته وحده
"ومن أحدث حرم عليه الصلاة" لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" رواه مسلم وهو يعم الفرض والنفل والسجود المجرد كسجدة التلاوة والقيام المجرد كصلاة الجنازة وسواء كان عالما أو جاهلا فلو صلى مع الحدث لم يكفر وحكى ابن حزم والنووي عن بعض العلماء جواز الصلاة على الجنازة بغير وضوء ولا تيمم

والطواف ومس المصحف
ـــــــ
"والطواف" لما روى الترمذي بإسناده عن عطاء بن السائب عن طاووس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير" إسناده جيد إلى عطاء وهو مختلف فيه واختلط في آخر عمره قال أحمد عطاء رجل صالح قال الترمذي وقد روي عن طاووس عن ابن عباس موقوفا ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب
"ومس المصحف" لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] أي لا يمس القرآن وهو خبر بمعنى النهي وحرك بالضم لالتقاء الساكنين ورد بانه اللوح المحفوظ والمطهرون الملائكة لان المطهر من طهره غيره ولو أريد بنو آدم لقيل المتطهرون
وجوابه بأن المراد هم وبنو آدم قياسا عليهم بدليل ما روى عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان فيه "لا يمس القرآن إلا طاهر" رواه الأثرم والنسائي والدارقطني متصلا قال الأثرم واحتج به أحمد ورواه مالك مرسلا ومقتضاة أنه لا يباح مسه بشيء من جسده حتى يتطهر ولو بتيمم قال المؤلف إن احتاجه وهو شامل لما يسمى مصحفا من الكتابة والجلد والحواشي والورق الأبيض المتصل به بدليل البيع على المذهب وله حمله بعلاقته أو بحائل منفصل عنه لا يتبعه في البيع كغلافه أو بحائل تابع للحامل كحمله في كمه أو ثوبه أو تصفحه بعود ونحوه على المشهور جزم به أبو الخطاب وابن عبدوس والقاضي والمؤلف
وعنه: المنع من حمله بعلاقته وتصفحه بكمه وخرجه القاضي منه إلى بقية الحوائل ولم يعول عليه في المغني وله الكتابة منه من غير مس جزم به كثير من الأصحاب وقيل هو كالتقليب بالعود وقيل يجوز للمحدث دونـــــــ
الجنب وهذا إذا لم يحمله على مقتضى ما هو في التلخيص وغيره
وله مس تفسير على المذهب ومنسوخ تلاوته على الأصح والأحاديث المأثورة والتوراة والإنجيل لأنها ليست بقرآن وحكم البعض كالكل فلو كتب بعضه منفردا لم يجز مسه وإن لم يسم مصحفا نعم في مس الصبيان ألواحهم وفي رواية ذكرها القاضي ومس الدراهم المكتوب عليها القرآن وثوب طرز به روايتان أظهرهما الجواز لمسيس الحاجة إليه وعلم منه أن طهارة الخبث لا يشترط انتفاؤها نعم يمنع من مسه بعضو نجس لا بغيره على المذهب والذي لا يمسه لكن له نسخه دون حمل ومس وعنه المنع وحمله القاضي على حمله حال كتابته ولا يجوز مسه بعضو طهره حتى يكملها
مسائل:
الأولى: لا يكره تحليته بذهب أو فضة لتضييق النقدين وعنه لا كالضبة وكتطييبه نص عليه وكيسه الحرير نقله الجماعة لان ذلك قدر يسير وقيل يكره للرجال لا للنساء وقيل يحرم جزم به جماعة ككتب العلم في الأصح قال ابن الزاغوني كتبه بذهب حرام لأنه زخرفة ويؤمر بحكه فإن اجتمع منه ما يتمول زكاه قال أبو الخطاب إذا بلغ نصاباً
وكره أحمد توسده وجهان وكذا كتب العلم التي فيها قرآن وفي معناه التخطي ورميه وضوء بلا وضع ولا حاجة تدعو إلى ذلك ويحرم كتبه بحيث يهان كبول حيوان ونحوه وتجب إزالته ويحرم دوسه والمراد غير حائط المسجد
قال في الفصول وغيره يكره أن يكتب على حيطان المسجد ذكرا وغيره لأن ذلك يشغل المصلي ويلهيه ويدفن إذا بلي لتعظيمه وصيانته وله نقطه وشكله وكتابة الأعشار والسور وعدد الآيات في رواية وعنه يستحب نقطه وعلله أحمد بأن فيه منفعة الناس واختاره أبو الحسين بن المنادي .


ـــــــ
الثانية : يجوز تقبيله وعنه: يستحب ونقل جماعة الوقف ولا يجعله على عينيه لعدم النقل وظاهره أنه لا يقام له لكن يؤخذ من فعل أحمد الجواز.
الثالثة: له أخذ الفأل فيه فعله ابن بطة ولم يره غيره من الأصحاب ونقل ابن نفل أنه يحرم حكاه القرافي عن الطرطوشي المالكي وظاهر مذهب الشافعي الكراهة.
الرابعة : يحرم السفر به إلى دار الحرب وقيل إلا مع غلبة السلامة وفي المستوعب يكره بدون غلبتها.
الخامسة : لا يجوز أن يملكه لكافر فلو ملكه بإرث ألزم على إزالة ملكه عنه لأنه يتدين بانتهاكه وإزالة حرمته .

باب الغسل
وموجباته سبعة: خروج المني الدافق بلذة فإن خرج لغير ذلك لم يوجب
ـــــــ
باب الغسلهو مصدر من غسل الثوب والبدن يغسله غسلا قال عياض بالفتح الماء وبالضم الفعل وذكر ابن بري أن غسل الجنابة بفتح الغين وقال ابن مالك بالضم الاغتسال ظاهرا الذي يغتسل به
وقال الجوهري غسلت الشيء غسلا بالفتح والاسم الغسل بالضم وبالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره وهو واجب إجماعا وسنده {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة 6]يقال رجل جنب وكذا المثنى والمجموع قال الجوهري وقد يقال جنبان وجنبون وفي صحيح مسلم ونحن جنبان سمي به لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة وقيل لمجانبته الناس حتى يتطهر وقيل لأن الماء جانب محله والأحاديث مشهورة بذلك
"وموجباته سبعة" وفي المحرر و الفروع ستة
"خروج المني" من مخرجه فإن خرج من غيره كما لو انكسر صلبة فخرج منه لم يجب وحكمه كالنجاسة المعتادة "الدافق بلذة" ولو دما
"فإن خرج لغير ذلك" كمرض أو برد أو كسر ظهر لم يوجب في أصح الروايتين لما روى علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فضخت الماء فاغتسل وإن لم تكن فاضخا فلا تغتسل" رواه أحمد والفضخ هو خروجه بالغلبة قاله إبراهيم ويستثنى منه النائم فعلى ما ذكره يكون نجسا وليس مذيا قاله في الرعاية .

فإن أحس بانتقاله فأمسك ذكره فلم يخرج فعلى روايتين
ـــــــ
والثانية يجب ذكرها ابن عبدوس والقاضي وأخذها من نصه فيمن جامع ثم اغتسل ثم أنزل فعليه الغسل مع أن ظاهر حاله أنه يخرج لغير شهوة
وفي الصحيحين عن أم سلمة أن أم سليم قالت "يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا احتلمت قال نعم إذا رأت الماء"
وقال عليه السلام في حديث علي "وفي المني الغسل" رواه الخمسة وصححه الترمذي وهذا ما لم يصر سلسا قاله القاضي وجمع فيجب الوضوء فقط لكن قال في المغني و الشرح يمكن منع كون هذا منيا لأن الشارع وصفه بصفة غير موجودة فيه وظاهره أنه واجب بالخروج ويتوجه بإرادة القيام إلى الصلاة
فائدة: المني يخلق منه الحيوان لخروجه من جميع البدن وينقص به جزء منه ولهذا يضعف بكثرته فيجبر بالغسل
"فإن أحس بانتقاله" من ظهره "فأمسك ذكره فلم يخرج فعلى روايتين" إحداهما لا يجب اختارها المؤلف والشيرازي وهي ظاهر الخرقي لما تقدم من الأخبار إذ الحكم في الجميع مرتب على الرؤية لأن الشهوة بمجردها لا توجب غسلا لأنها أحد وصفي العلة ويسمى جنبا ولا يحصل إلا بخروجه وإن خرج بعد الغسل أو خرجت بقية المني لم يجب الغسل والثانية: بلى وهي المذهب المنصوص عنه وجزم بها الأكثر لأن الجنابة أصلها البعد لقوله تعالى {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] أي البعيد ومع الانتقال قد باعد الماء محله فصدق عليه اسم الجنب وإناطة للحكم بالشهوة وتعليقا له على المظنة إذ بعد انتقاله يبعد عدم خروجه قيل ومحلهما فيما إذا لم يخرج إلى قلفة الأقلف وفرج المرأة أما إذا خرج

وإن خرج بعد الغسل أو خرجت بقية المني لم يجب الغسل وعنه يجب وعنه يجب إذا خرج قبل البول دون ما بعده
ـــــــ
إليهما فإنه يجب رواية واحدة.
فعلى الأولى يجب الغسل إذا خرج رواية واحدة ذكره ابن تميم وغيره وإن خرج بغير شهوة لأن انتقاله كان لشهوة زاد في الرعاية وأعاد ما صلى وعلى الثانية يحصل به البلوغ والفطر وفساد النسك ووجوب بدنة في الحج حيث وجبت لخروج المني قاله القاضي في تعليقه إلزاما وجعله ابن حمدان وجها وبعده وأطلق في الفروع الوجهين وكذا انتقال حيض قاله لشيخ تقي الدين.
"وإن" قلنا يجب بالانتقال فاغتسل له ثم خرج بعد الغسل أو اغتسل لمني خرج بعضه ثم "خرجت بقية المني لم يجب الغسل" ذكر الخلال أنه الذي تواترت عليه الرواية واختاره القاضي وابن أبي موسى وجزم به في الوجيز لما روى سعيد عن ابن عباس أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل قال يتوضأ وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي ولأنه مني واحد فأوجب غسلا واحدا كما لو خرج دفعة واحدة لأنه خارج لغير شهوة أشبه خروجه في البرد وبه علل أحمد قال لأن الشهوة ماضية وإنما هو حدث أرجو أنه يجزئه الوضوء "وعنه يجب" قدمها في "الرعاية" وصححها المؤلف لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث فيناط الحكم به.
"وعنه يجب إذا خرج قبل البول" اختاره القاضي في تعليقه لأنه بقية مني دافق بلذة "دون ما بعده" لأن الظاهر أنه غيرالأول وقد تخلف عنه شرطه وهو الدفق واللذة وروي نحوها عن علي وضعفه أحمد.
وعنه يجب إذا خرج بعدالبول دون ما قبله لأنه مني جديد ولو كان من

الثاني: إلتقاء الختانين
ـــــــ
بقية الأول لما تخلف وكذا لو جامع فلم ينزل واغتسل ثم خرج لغير شهوة وجزم جماعة وهو المنصوص يغتسل وظاهره انه لا يجب بمجرد الإحتلام من غير انزال وهو المنصوص لحديث عائشة وعنه بلى وعنه إن وجد لذة الإنزال فعلى الأول إن خرج لشهوة اغتسل في الحال وإلا فروايتا الانتقال والمنصوص أنه يجب لئلا يلزم انتقال مني وخروجه من غيراغتسال وعلم مما تقدم أنه إذا وطئ دون الفرج فدب منيه فدخل فرج المرأة ثم خرج أو وطئ في الفرج ثم خرج من فرجها بعد غسلها أو خرج ما استدخلته بقطنة أو غيرها ولم ينزل منيها قال ابن حمدان أو خرج ما دخله من مني امرأة بسحاق فإنه لا يجب على المنصوص وفي الكل وجه.
مسألة: إذا انتبه بالغ أو من يحتمل بلوغه فوجد بللا جهل أنه مني وجب على الأصح كمن ذكر معه حلما نص عليه لحديث عائشة.
رواه أحمد واحتج به وغسل بدنه وثوبه احتياطاً ولا يجب.
والثانية: لا يجب ذكرها الشيخ تقي الدين لأنه يحتمل أن يكون منيا أو مذيا وهو طاهر بيقين فلا يزول بالشك وإن وجده يقظة وشك فيه توضأ ولا يلزمه غسل ثوبه وبدنه وقيل يلزمه حكم غيرالمني قال في الفروع ويتوجه احتمال حكمهما وإن سبق نومه نظر أو برد أو ملاعبة لم يجب نص عليه وعنه بلى وعنه إن ذكر معه حلما وإن تيقنه مذيا فلا وإن رأي منيا يثوب ينام فيه وقال أبو المعالي والأزجي لا بظاهره لجوازه من غيره اغتسل ويعمل في الإعادة باليقين وإن كان ينام فيه هو وغيره فلا على الأصح.
الثاني: التقاء الختانين لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" أخرجه البخاري ومسلم وزاد هو وأحمد "وإن لم ينزل" وفي حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وهو تغييب الحشفة في الفرج قبلاً كان أو دبراً من آدمي
ـــــــ
"إذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل" رواه مسلم وما روي عن عثمان وعلي وطلحة والزبير أنه لا يجب إلا بالإنزال لقوله "الماء من الماء" فمنسوخ بما روى أبي بن كعب قال إن الفتيا التي كانوا يقولون "الماء من الماء" رخص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالاغتسال" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه قال الحافظ عبد الغني إسناده صحيح على شرط الشيخين
ثم المراد من التقائهما تقابلهما وتحاذيهما فقال "وهو تغييب الحشفة" الأصلية أو قدرها إن فقدت وإن لم ينزل "في الفرج" الأصلي بلا حائل.
وقيل ومعه وإن لم يجد حرارة ليحترز به من الخنثى المشكل إذا أولج حشفته ولم ينزل في فرج أصلي أو أولج غير الخنثى ذكره من قبل الخنثى فلا غسل على واحد منهما لاحتمال كون الحشفة أو القبل خلقة زائدة
ومن أنزل منهما وجب عليه الغسل وإن تواطأ خنثيان في قبليهما أو دبريهما فوجهان وقيل إن قلنا الزائد كأصلي وجب وإلا فلا وإن تواطأ رجل وخنثى في دبريهما اغتسل الرجل بيقين والأصح وجوبه على الخنثى احتياطا وظاهره أنه إذا مس الختان الختان من غيرإيلاج فلا غسل كمن أولج بعض الحشفة وأنه لا فرق بين العالم والجاهل فلو مكث زمانا لم يصل احتاط في الصلاة ويعيد حتى يتيقن نص عليه لأنه مما اشتهرت به الأخبار فلم يعذر بالجهل والطائع والمكره لأن موجب الطهارة لا يشترط فيه القصد كسبق الحدث والنائم كاليقظان "قبلا كان أو دبرا" في المنصوص لوجود شرطه وقيل على الواطئ من آدمي لما تقدم وكلامه شامل للبالغ وغيره قال الإمام أحمد يجب على الصغير إذا وطئ والصغيرة إذا وطئت مستدلا بحديث عائشة والأصح يلزمه إن أراد ما يتوقف على الغسل أو الوضوء أو مات قبل فعله شهيداً لكن القاضي صرح

وقال أبو بكر لاغسل عليه أو بهيمة حي أو ميت ، الثالث: إسلام الكافرأصلياً كان أو مرتداً
ـــــــ
بعدم الوجوب مستدلا بعدم التكليف كالحائض أو بهيمة حي أو ميت الثالث إسلام الكافر أصليا كان أو مرتدا وحمل كلام أحمد على الاستحباب ورده في المغني لكونه صرح بالوجوب ولعل الخلاف لفظي إذ مراده بالوجوب اشتراطه للصلاة ونحوها لا التأثيم بتأخيره ومراد القاضي بالاستحباب انتفاء إلزامه بذلك وشرط بعضهم لوجوبه مجامعة مثله وشرط بعضهم للذكر ابن عشر وللأنثى بنت تسع وظاهر إطلاق الأكثر عدم الاشتراط "أو بهيمة" حتى سمكة قاله القاضي في تعليقه وتبعه في الفروع لأنه إيلاج في فرج أشبه الآدمية ولو غيبت امرأة حشفة بهيمة اغتسلت وإن كانت مقطوعة فلا "حي أو ميت" لما ذكرنا فيعاد غسل الميت وذهب جمع إلى أنه لا يجب بوطئها لأنه ليس بمقصود ورد بأنه ينتقض بالعجوز والشوهاء والمذهب يجب على النائم والمجنون.
فرع لو قالت امرأة لي جني يجامعني كالرجل فلا غسل لعدم الإيلاج والاحتلام ذكره أبو المعالي وفيه نظر قال ابن الجوزي في قوله تعالى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 56] فيه دليل على أن الجني يغشى المرأة كالإنسي وفيه نظر لأنه لا يلزم من الغشيان الإيلاج لاحتمال أن يكون غشيانه عن ملابسة ببدنه خاصة.
"الثالث إسلام الكافر اصليا كان أو مرتدا" على الأصح لما روى أبو هريرة أن ثمامة بن أثال أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل" رواه أحمد وابن خزيمة من رواية العمري وقد تكلم فيه وقال أبو بكر لا غسل عليه وروى له مسلم مقرونا وعن قيس بن عاصم "أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يغتسل بماء وسدر" رواه أحمد والترمذي وحسنه ولأنه لا يسلم غالبا من جنابة فأقيمت المظنة مقام الحقيقة كالنوم والتقاء الختانين ولأن المرتد مساو للأصلي في المعنى وهو الإسلام فوجب.
وظاهره لا فرق بين أن يغتسل قبل إسلامه وبين من أجنب أولا لأنه عليه

وقال أبوبكر لاغسل عليه ، الرابع: الموت
ـــــــ
السلام لم يستفصل ولو اختلف الحال لوجب الاستفصال ولا فرق فيه بين البالغ وغيره في ظاهر كلام الأكثر وقيده ابن حمدان بالبالغ ومقتضى ما ذكروه أن الغسل شرط لصحة الصلاة فيصير بمنزلة وطء الصبي.
"وقال أبو بكر لا غسل عليه" وحكى في الكافي رواية فعلى هذا يستحب الغسل وليس بواجب قال في المغني وغيره إلا أن يكون وجد منه سببه قبل إسلامه كجنابة فيلزمه حينئذ وسواء اغتسل في كفره أو لا لأنه عليه السلام لم يأمر به في حديث معاذ حين بعثه إلى اليمن ولو كان واجبا لأمر به كغيره إذ هو أول واجبات بعد الإسلام ويقع كثيرا وتتوفر الدواعي على نقله ولو وقع لنقل وحديث أبي هريرة في إسناده مقال ويحمل على الاستحباب لحديث قيس بقرينة السدر.
وأجيب بأن حديث معاذ إنما ذكر فيه أصول الإسلام لا شرائطها فعلى هذا الأشهر لو أجنب في كفره ثم أسلم تداخلا وعلى الثاني يجب للجنابة فلو اغتسل في كفره أعاده لعدم صحة نيته واختار الشيخ تقي الدين لا إن اعتقد وجوبه بناء على أنه يثاب على طاعة في الكفر إذا أسلم وقيل لا غسل على كافر مطلقا.
فرع : يستحب أن يغتسل مع الماء بالسدر كإلقاء شعره للخبر.
قال أحمد ويغسل ثيابه قال بعضهم إن قلنا بنجاستها وجب وإلا استحب.
فرع : يحرم تأخير الإسلام لغسل أو غيره ولو استشار مسلما فأشار بعدم الإسلام أو أخر عرض الإسلام عليه بلا عذر لم يجز وذكر صاحب التتمة من الشافعية أنه يصير مرتدا ورد عليه بعضهم.
"الرابع الموت" لأنه مأمور به كما يأتي ولو لم يجب لما أمر به في قوله عليه السلام: "اغسلنها." إلى غيره من الأحاديث وهو تعبد لا عن حدث لأنه لو كان عنه لم يرتفع مع بقاء سببه كالحائض لا تغتسل مع جريان الدم,

الخامس الحيض ، السادس: النفاس، وفي الولادة العرية عن الدم وجهان
ـــــــ
ولا عن نجس لأنه لو كان عنه لم يطهر مع بقاء سبب التنجيس وهو الموت ويستثنى منه شهيد المعركة والمقتول ظلما وسيأتي
"الخامس الحيض" بغير خلاف لقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش "وإذا ذهبت فاغتسلي وصلي" متفق عليه وأمر به أم حبيبة وسهلة بنت سهيل وحمنة وغيرهن يؤكده قوله تعالى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] أي إذا اغتسلن فمنع الزوج من وطئها قبل غسلها فدل على وجوبه عليها
"السادس: النفاس" كالحيض يجتمع ثم يخرج قال في المغني لا خلاف في وجوب الغسل بهما وظاهره أنه يجب بالخروج وهو المذهب إناطة للحكم بسبه لكن الانقطاع شرط لصحته اتفاقا وكلام الخرقي يدل على أنه يجب بالانقطاع وهو ظاهر الأحاديث وينبني عليهما أن الحائض إذا استشهدت فعلى الثاني لا تغسل إذ الانقطاع الشرعي الموجب للغسل لم يوجد وعلى الأول تغسل للوجوب بالخروج وقد حصل الانقطاع حسا أشبه ما لو طهرت في أثناء عادتها
وقال بعضهم: لا يجب على الوجهين لأن الطهر شرط لصحة الغسل أو في السبب الموجب له ولم يوجد وينبني عليهما من علق عتقا أو طلاقا على ما يوجب غسلا وقع بالخروج وعلى الثاني بالانقطاع
"وفي الولادة العرية عن دم" كذا قيده في المحرر و المغني و الشرح وجهان وفي الكافي روايتان
أحدهما: وهو اختيار الشيخين وظاهر الخرقي و الوجيز أنه لا يجب لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص
والثاني : بلى وهو اختيار ابن أبي موسى وابن عقيل وابن البنا لأنها

ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية فصاعداً
ـــــــ
مظنة النفاس الموجب فأقيم مقامه كالتقاء الختانين أو لأنه مني منعقد ورد بخروج العلقة فإنها لا توجب غسلا بلا نزاع زاد في الرعاية بلا دم وينبني عليهما الفطر وتحريم الوطء قبل الاغتسال والولد طاهر على الأصح وفي غسله مع دم وجهان
مسالة : لا غسل على حائض لجنابة حتى ينقطع حيضها في المنصوص لعدم الفائدة وعنه يجب وعلى الأول لو اغتسلت صح نص عليه وقال لا أعلم أحدا منع الإعطاء ثم رجع عنه لان بقاء أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر كما لو اغتسل المحدث الحدث الأصغر قاله في الشرح وعنه لا يصح وهي أظهر لأنها لم تستفد به شيئا وفي وجوب غسل ذمية طهرت من حيض لوطء زوج مسلم أو سيد روايتان
"ومن لزمه الغسل حرم عليه" ما يحرم على المحدث وحرم عليه "قراءة آية فصاعدا" على الأصح رويت كراهة ذلك عن عمر وعلي وروى أحمد وأبو داود والنسائي من رواية عبد الله بن سلمة بكسر اللام عن علي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحجبه وربما قال لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة" ورواه ابن خزيمة والحاكم والدار قطني وصححاه قال شعبة لست أروي حديثا أجود من هذا فيدخل فيه الكافر إذا أسلم ولم يغتسل فإنه يحرم عليه القراءة وضعفه الشيخ تقي الدين وقال لا وجه له وعن أحمد جواز قراءتها نقلها الخطابي وأشار إليها في التلخيص فقال وقيل يتخرج من تصحيح خطبة الجنب قراءة آية لاشتراطها وظاهره أنه لا يجوز قراءة آيات للتعوذ
وفي الواضح أنه يجوز آية وآيتان لأنه لا إعجاز فيه بخلاف ما إذا طال وقيل يباح لحائض ونفساء بعد انقطاع الدم
قال القاضي هو ظاهر كلام أحمد.

وفي بعض آية روايتان ويجوز له العبور في المسجد
ـــــــ
وقيل يباح لنفساء فقط اختاره الخلال
وقيل يباح لحائض أن تقرأ قبل الانقطاع
قال الجد وهو بعيد لكن اختار الشيخ تقي الدين بأنه يباح لها أن تقرأه إذا خافت نسيانه بل يجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب
"وفي بعض آية روايتان" أظهرهما لا يجوز قاله في الشرح وهو ظاهر الوجيز لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه سولم قال: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن" رواه ابن ماجة والترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ولأنه يطلق عليه أشبه الكثير ويستثنى منه قول بسم الله تبركا على الغسل والوضوء والحمد لله عند تجدد نعمة بشرط عدم قصد القراءة نص عليه والثانية الجواز وهي الأصح وقدمه في المحرر و الرعاية كالذكر ولو كررها ما لم يتحيل على قراءة تحرم عليه فإذا وافق نظم القرآن ولم يقصده جاز نص عليه وله تهجيه في الأصح والتفكر فيه وتحريك شفتيه ما لم يبين الحروف وقراءة أبعاض آية متوالية أو آيات يسكت بينها سكوتا طويلا وظاهره أن من فمه نجس لا يمنع من قراءته ويحتمل المنع وذكر ابن تميم أنه أولى
فرع : الكافر كالجنب يمنع من قراءته ولو رجي إسلامه نقل منها أكره أن يضعه في غير موضعه
"ويجوز له العبور في المسجد" ذكره في المستوعب وقدمه في الرعاية و الفروع لقوله تعالى {وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وهو الطريق
وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم أنبأنا أبو الزبير عن جابر قال "كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا" وحديث عائشة "إن حيضتك ليست

ويحرم عليه اللبث فيه إلا أن يتوضأ.
ـــــــ
في يدك" رواه مسلم شاهد بذلك وقيل لحاجة قاله في الشرح وابن تميم وصاحب الوجيز وكونه طريقا قصيرا حاجة
وكره أحمد اتخاذه طريقا وقيل يحرم على حائض وجنب كما لو حصل تلويث نص عليه وقيل لهما دخوله للأخذ منه دون الوضوء.
ويمنع منه سكران وفي الخلاف لا ومجنون وقيل فيه يكره كصغير وفيه في النصيحة يمنع اللعب لا صلاة وقراءة ونقل مهنا ينبغي أن يجنب الصبيان المساجد وظاهره أنه يجوز له العبور في كل مسجد حتى مصلى العيد لأنه أعد للصلاة حقيقة لا مصلى الجنائز ذكره أبو المعالي ولم يمنع في النصيحة حائضا من مصلى العيد لأنه ليس بمسجد ومنعها في المستوعب "ويحرم عليه اللبث فيه إلا أن يتوضأ" وكذا في المحرر و الوجيز وغيرهما لما روى سعيد وحنبل بإسنادهما عن عطاء بن يسار قال "رأيت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوءهم للصلاة" إسناده صحيح ولأن الوضوء يخفف حدثه فيزول بعض ما منعه وعنه لا وفاقا للآية ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا أحل لحائض ولا جنب" رواه أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها والأكثر يضعفه وفي الرعاية رواية يجوز لجنب مطلقا وفيه وجه لا يجوز لحائض ونفساء لأن حدثهما باق لا أثر للوضوء فيه فإن لم ينقطع الدم لم يجز نص عليه وإن تعذر واحتاج فبدونه نص عليه وكمستحاضة ونحوها وعند أبي المعالي والمؤلف أنه يجوز بتيمم وهو قول علي وابن عباس كلبثه لغسله فيه.
فرع: يمنع من عليه نجاسة تتعدى وهو ظاهر قول القاضي في اللبث قال بعضهم يتيمم لها للعذر وهو ضعيف
فرع: إذا كان الماء في المسجد جاز دخوله بلا تيمم وإن أراد اللبث فيه

فصل
والأغسال المستحبة ثلاثة عشر غسلاً: الجمعة والعيدين
ـــــــ
للاغتسال تيمم قال ابن تميم وفيه بعد وقال أبو علي العكبري هذه المسألة سألها أبو يوسف المالك فجوز الدخول بغير تيمم
فصل
"والأغسال المستحبة ثلاثة عشر غسلا" وكذا في المحرر "للجمعة" لما روى الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وإسناده جيد إلى الحسن واختلف في سماعه منه ونقل الأثرم عن أحمد لا يصح سماعه منه ويعضده حديث عائشة ويكون في يومها لحاضرها إن صلى ويستثنى منه المرأة وقيل ولها وعنه يجب على من تلزمه ولا يشترط لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" متفق عليه ويعضده حديث ابن عمر أنه عليه السلام قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" والأصح الأول والأمر به محمول على الاستحباب بدليل أن عثمان رضي الله عنه أتى الجمعة بغير وقوله واجب قيل كان واجبا ثم نسخ وقيل يطلق ويراد به متأكد الاستحباب كما تقول حقك واجب علي وبدليل ما عطف عليه وهو آكدها على الأشهر "والعيدين" لأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يغتسل لذلك" رواه ابن ماجة من طريقين وفيهما ضعف ولأنها صلاة تشترط لها الجماعة أشبهت الجمعة وهو مقيد بما إذا حضرها وصلى ولو منفردا وقاله جماعة وفي التلخيص إن حضر ولو لم يصل ومثله الزينة والطيب لأنه يوم الزينة بخلاف الجمعة ووقته كالجمعة وعنه بعد نصف ليلته وقال أبو المعالي في جميعها أو بعد

والاستسقاء والكسوف ومن غسل الميت والمجنون والمغمي عليه إذا أفاقا من غير احتلام
ـــــــ
نصفها كالأذان قال ابن عقيل المنصوص عن أحمد أنه قبل الفجر وبعده لأن زمن العيد أضيق من الجمعة.
"والاستسقاء والكسوف" في الأصح لأن ذلك عبادة يجتمع لها الناس كالجمعة.
"ومن غسل الميت" على الأصح لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصحح جماعة وقفه عليه وعن علي نحو وهو محمول على الاستحباب بدليل أن أسماء غسلت أبا بكر وسألت هل علي غسل قالوا لا رواه مالك مرسلا.
والثانية: يجب مطلقا واختاره جماعة من العلماء منهم أبو إسحاق الجوزجاني وعنه من كافر لأنه عليه السلام أمر عليا أن يواري أبا طالب فلما رجع قال اغتسل رواه أحمد وعنه حتى الحي قاله القاضي وفي المغني لا نعلم لقائل هذا القول حجة توجبه وأهل العلم على خلافه وفيه وجه لا يستحب مطلقا قال أحمد وابن المديني لا يثبت فيه شيء.
"والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا من غير احتلام" بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر ثبت "أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء" متفق عليه من حديث عائشة وليس بواجب والجنون في معناه بل أولى لأن زوال العقل في نفسه لا يوجبه كالنوم ووجود الإنزال مشكوك فيه فلا يزال عن اليقين وإن وجد معه بلة على المعروف من المذهب قاله الزركشي لأنه يحتمل أن يكون لغير شهوة أو مرض فإن تيقن معهما الإنزال وجب لأنه من جملة الموجبات كالنائم وعنه يجب مطلقا لأن الأصل في أفعاله عليه السلام الوجوب وتكرر مع مشقته ولم يتركه .

وغسل المستحاضة لكل صلاة والغسل للإحرام لدخول مكة والوقوف بعرفة.
ـــــــ
"وغسل المستحاضة لكل صلاة" لما روي "أن أم حبيبة رضي الله عنها استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل عند كل صلاة" متفق عليه ففهمت من الأمر به الاغتسال لكل صلاة وفي غير الصحيح أنه أمرها به لكل صلاة وعن عائشة "أن زينب بنت جحش استحيضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلي لكل صلاة" رواه أبو داود وليس بواجب لأنه لو كان واجبا لبينه.
وعنه: بلى لأمره عليه السلام زينب وأختها به وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين وهو أشد ما قيل فيها وذكر ابن أبي موسى أن انقطاع دم الاستحاضة بوجب الغسل.
"والغسل للإحرام" لما روى زيد بن ثابت "أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل" رواه الترمذي وحسنه لكنه من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو متكلم فيه وسواء كان بحج أو بعمرة أبو بهما وظاهره ولو مع حيض أو نفاس لأن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل رواه مسلم من حديث عائشة.
لا يقال أمرها به لأجل النفاس فلا ينتهض دليلا لأن حدث النفاس مستمر والغسل لا يؤثر فيه فتعين ما قلنا.
"ولدخول مكة" أي حرمها لفعله عليه السلام متفق عليه من حديث ابن عمر وكان يفعله ولو مع حيض قاله في المستوعب واختار الشيخ تقي الدين: لا.
"والوقوف بعرفة" رواه مالك عن نافع عن ابن عمر ورواه الشافعي عن علي ورواه ابن ماجة مرفوعا .

والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار والطواف
ـــــــ
"والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار والطواف" لأنها مواضع يجتمع لها الناس ويزدحمون فيعرقون فيؤذي بعضهم بعضا فاستحب كالجمعة وهو شامل لطواف الزيارة والوداع وظاهره أنه لا يستحب لغير ذلك ولكن نقل صالح عن أبيه أنه يستحب لدخول الحرم وفي منسك ابن الراغوني ولسعي وفي الإشارة و المذهب وليالي منى وعنه ولحجامة ونص أحمد ولزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ولكل اجتماع مستحب قال في الرعاية في قياس المذهب فرع: يتيمم للكل في الأصح لحاجة نقله صالح في الإحرام ولما يسن الوضوء له لعذر وظاهر ما قدمه في الرعاية لا لغير عذر.

فصل في صفة الغسل
وهو ضربان: كامل يأتي فيه بعشرة أشياء: النية والتسمية
ـــــــ
فصل في صفة الغسللما تمم الكلام على الواجب والمستحب شرع في بيان صفته والعلم بالموصوف متقدم على العلم بالصفة
"وهو ضربان: كامل" سمي كاملا لاشتماله على الواجبات والسنن يأتي فيه بعشرة أشياء وكذا في المحرر و الوجيز وجعلها في الكافي تسعة وفيه حديث عائشة وميمونة متفق عليهما "النية" وهو أن ينوي رفع الحدث أو استباحة ما لا يشرع إلا به كقراءة القرآن ونحوها "والتسمية" قال أصحابنا هي هنا كالوضوء قياسا لإحدى الطهارتين على الأخرى وفي المغني أن حكمها هنا أخف لأن حديث التسمية إنما تناول

وغسل يديه ثلاثاً وغسل ما به من أذى والوضوء ويحثي بالماء على رأسه ثلاثاً يروي بها أصول الشعر ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثاً
ـــــــ
بصريحه الوضوء لاغير انتهى ويتوجه عكسه لأن غسل الجنابة وضوء وزيادة ولم يذكرها الخرقي هنا نظراً للحدثين.
"وغسل يديه ثلاثا" كما في الوضوء لكن هنا آكد باعتبار رفع الحدث عنهما بذلك ولفعله عليه السلام في حديث ميمونة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ويكون قبل إدخالهما الإناء ذكره في الكافي وغيره
"وغسل ما به من أذى" لحديث عائشة ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه وظاهره لا فرق بين أن يكون على فرجه أو بقية بدنه نجسا كان كما صرح به في المحرر أو طاهرا مستقذرا كالمني كما ذكره بعضهم وهو المراد بقوله في الوجيز و الفروع وغسل ما لوثه "والوضوء" الكامل لقوله عليه السلام: " ثم يتوضأ وضوءه للصلاة" .
وعنه: يؤخر غسل رجليه لحديث ميمونة ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه وعنه هما سواء لمجيء السنة بهما والعمل على الأول لحديث عائشة لأنه إخبار عن غالب فعله وميمونة أخبرت عن غسل واحد.
"ويحثي" يقال: حثوت أحثو حثوا كغزوت وحثيت أحثي حثيا كرميت بالماء على رأسه ثلاثا يعني بالماء لقول ميمونة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات.
"يروي بها" في كل مرة "أصول الشعر" لقول عائشة "ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات" ولقوله عليه السلام: " تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشرة" رواه أبو داود
"ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثا" لقول عائشة رضي الله عنها ثم أفاض

ويبدأ بشقه الأيمن ويدلك بدنه بيده وينتقل من موضعه فيغسل قدميه، ومجزئ وهو أن يغسل مابه من أذى
ـــــــ
على سائر جسده ولقول ميمونة رضي الله عنها ثم غسل سائر جسده وما ذكره من التثليث فيه هو الصحيح وجزم به في المحرر و الوجيز وقيل مرة ولم يرجح في الفروع شيئا "ويبدأ بشقه الأيمن" لأنه عليه السلام كان يعجبه التيامن في طهوره.
"ويدلك بدنه بيده" لأنه أنقى وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه وبه يخرج من الخلاف.
"وينتقل من موضعه" فيعيد "غسل قدميه" لقول ميمونة ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه وقيل لا يعيد غسلهما إلا لطين ونحوه كالوضوء وعنه يخير لورودهما وظاهر إحدى روايات حديث عائشة أنه جمع بينهما وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب قاله الزركشي.
فرع : يستحب أن يخلل أصول شعر رأسه ولحيته بماء قبل إفاضته عليه قاله في المغني و الشرح ويكفي ظن وصول الماء إلى ما يجب غسله أو مسحه قال بعضهم ويحرك خاتمه ليتيقن وصول الماء.
"ومجزئ" أي: كاف "وهو أن يغسل ما به من أذى" ظاهره يقتضي أن صحة الغسل متوقفة على الحكم بزوال النجاسة سواء كانت على فرجه أو غيره وهو ظاهر كلام المستوعب وقد تبعا أبا الخطاب لكن عبارته أبين فإنه قال يغسل فرجه ثم ينوي وكذا قال ابن عبدوس ومنهم من حمل كلامهما على ما قال أبو الخطاب ويكون المراد به الاستنجاء بشرط تقدمه على الغسل كما هو في الوضوء لكن قال الزركشي يشكل هذا على المؤلف فإنه اختار ثم أنه لا يجب تقديم الاستنجاء وعلى الخرقي بأنه لا بد من تقدمه.
وظاهر المذهب أنه لا يشترط ذلك في المجزئ فعلى هذا يرتفع الحدث مع بقاء النجاسة وصرح به ابن عقيل وهو المشهور ونص أحمد أن الحدث لا يرتفع

وينوي ويعم بدنه بالغسل
ـــــــ
إلا مع آخر غسلة طهرت المحل فيعضد الأول ثم هل يرتفع الحدث مع بقاء النجاسة أو لا يرتفع إلا مع الحكم بزوالها فيه قولان ثم محلهما ما لم تكن النجاسة كثيفة تمنع وصول الماء فإن منعته فلا.
"وينوي" أي يقصد رفع الحدث أو استباحة أمر لا يباح إلا بها كمس المصحف "ويعم بدنه بالغسل" لقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ولما روى جابر "أن أناسا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا عن غسل الجنابة وقالوا إنا بأرض باردة فقال: "إنما يكفي أحدكم أن يحفن على رأسه ثلاث حفنات" رواه مسلم وظاهره الاجتزاء بالتطهير والاغتسال من غير وضوء.
والمراد بتعميمه الظاهر جميعه وما في حكمه من غير ضرر كالفم والأنف وتركهما هنا اعتمادا على ما سبق وصرح به الخرقي وأن يغسل البشرة التي تحت الشعور كالرأس واللحية وإن كانت كثة وذكر الدينوري أن باطن اللحية الكثة في الجنابة كالوضوء.
ويجب غسل الشعر ظاهره وباطنه مع مسترسله في ظاهر قول أصحابنا.
والثانية: لا يجب غسل المسترسل ورجحه في المغني و الشرح فعلى الأول إن ترك غسل شيء منه لم يتم غسله فلو غسله ثم تقطع لم يجب غسل موضع القطع.
ولم يتعرض المؤلف لنقض الشعر والمنصوص أنه يجب نقضه في الحيض قال في الشرح رواية واحدة لقول عائشة رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت حائضا "انقضي شعرك واغتسلي" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح وعن أم سلمة رضي الله عنها نحوه رواه مسلم لأن مدة الحيض تطول فيتلبد فشرع النقض طريقا موصلا إلى وصول الماء إلى أصول الشعر ولا يتكرر بخلاف الجنابة.

.
ـــــــ
وعنه لا يجب كالجنابة وصححه في المغني و الشرح واختاره ابن عبدوس وابن عقيل في التذكرة وروى مسلم من رواية عبد الرزاق عن أم سلمة أفأنقضه من الحيض والجنابة قال لا وفيه وجه يجب كالحيض وقيده ابن الزاغوني بما إذا طال وتلبد والنفساء كالحائض أما إذا كان على رأس إحداهن ما يمنع وصول الماء كالسدر ونحوه وجب نقضه والرجل كالمرأة ذكره في المغني.
وكذا يجب غسل حشفة الأقلف إذا أمكن تشميرها كما يجب تطهيرها من النجاسة بخلاف الرتق وكذا ما يظهر من فرجهاعند قعودها لحاجتها لأنه يمكن تطهيره من غير ضرر كحشفة الأقلف.
ونص أحمد أنه لا يجب غسله مطلقا لأنه من الباطن أشبه الحلقوم وكذلك يثبت الفطر بحصول الحشفة فيه لكن حمله القاضي على ما عمق منه ظاهره أنه لا تسمية وقد تقدمت ولا ترتيب وهو كذلك اتفاقا.
قال أحمد إذا انغمس الجنب مرة واحدة ثم تمضمض واستنشق اجزأه بخلاف المحدث ولا موالاة على الأصح للحاجة إلى تفريقه كثيرا ولكثرة المشقة بإعادته.
ولخبر اللمعة وحيث فاقت الموالاة فيه أو في وضوء وقلنا يجوز فلا بد للإمام من نية مستأنفة بناء على أن من شرط النية الحكمية قرب الفعل منها كحالة الابتداء فدل على الخلاف.
ولا دلك وقد أوجبه مالك حيث يناله لأنه لا يقال اغتسل إلا لمن دلك نفسه ولأنها طهارة عن حدث فوجب فيها إمرار اليد كالتيمم مع أن أحمد قال في رواية أبي داود وسأله رجل عن إمرار اليد فقال إذا اغتسل بماء بارد في الشتاء أمر يده لأن الماء ينزلق عن البدن في الشتاء والجواب عن التيمم بأنه أمرنا بالمسح ويتعذر في الغالب إمرار التراب بغير اليد فإن علم أن الماء لم يصل إلى.

ويتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع
ـــــــ
محله فيجب كباطن الشعور الكثيفة.
تذنيب : يستحب السدر في غسل الحيض وظاهر نقل الميموني وكلام ابن عقيل يجب وأن تأخذ مسكات فتجعله في قطنة أو شيء وتجعلها في فرجها بعد غسلها فإن لم تجد فطيبا فإن لم يكن فطينا ولم يذكره المؤلف ليقطع الرائحة.
وقال أحمد: غسل حائض ونفساء كميت.
قال القاضي في الجامع معناه يجب مرة ويستحب ثلاثا ويكون السدر والطيب كغسل الميت "ويتوضأ بالمد" وهو رطل وثلث عراقي وبالدرهم مائة وواحد وسبعون درهما وثلاثة أسباع درهم "ويغتسل بالصاع" وهو أربعة أمداد فيكون خمسة أرطال وثلثا بالعراقي نص عليه لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع متفق عليه وقال لكعب "أطعم ستة مساكين فرقا من طعام" قال أبو عبيدة لا اختلاف بين الناس أعلمه أن الفرق ثلاثة آصع والفرق ستة عشر رطلا بالعراقي.
واومأ أحمد في رواية ابن مشيش أنه ثمانية أرطال من الماء اختاره في الخلاف و منتهى الغاية لا مطلقا.
تنبيه : الرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون واربعة أسباع درهم وهو تسعون مثقالا والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم هكذا كان قديما ثم إنهم زادوا فيه مثقالا فجعلوه أحدا وتسعين مثقالا وكمل مائة وثلاثين درهما وقصدوا بذلك زوال الكسر والعمل على الأول لأنه الذي كان وقت تقدير العلماء المد به وهو بالدمشقي ثلاثة أواق وثلاثة أسباع أوقية والصاع رطل واوقية وخمسة أسباع أوقية وإن شئت رطل وسبع رطل,

فإن أسبغ بدونهما أجزأه وإذا اغتسل ينوي الطهارتين أجزأ عنهما وعنه لا يجزئ حتى يتوضأ
ـــــــ
"فإن أسبغ بدونهما أجزأه" في المنصوص لحديث عائشة قالت "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك" رواه مسلم وفي كراهته وجهان وذكر ابن تميم أن أحمد أومأ إلى عدم الإجزاء لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجزئ من الوضوء المد ومن الغسل الصاع" رواه أحمد والأثرم فدل على أنه لا يحصل الإجزاء بدونه
وجوابه: أن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به فوجب أن يجزئه بدليل حديث عائشة وبما روت أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم "توضأ فأتى بماء في إناء قدر ثلثي المد" رواه أبو داود والنسائي وحديثهم يدل بمفهومه وهذا بالمنطوق وهو مقدم عليه اتفاقا مسألة: إذا زاد على ذلك جاز لكن يكره الإسراف والزيادة الكثيرة فيه قاله في المغني و الشرح لما روي ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على سعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف فقال أفي الماء إسراف قال نعم وإن كنت على نهر جار" رواه ابن ماجة
"وإذا اغتسل ينوي الطهارتين" وقال الأزجي والشيخ تقي الدين أجزأ عنهما على المنصوص ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة لأن الله تعالى أمر الجنب بالتطهير ولم يأمر معه بوضوء ولأنهما عبادتان فتداخلا في الفعل دون النية كما تدخل العمرة في الحج ولا يرد غسل الحائض الجنب لأن موجبهما واحد
"وعنه لا يجزئه" عن الأصغر "حتى يتوضأ" قبل الغسل أو بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم "توضأ لما اغتسل" وفعله يفسر الآية ولأنهما عبادتان مختلفتا القدر والصفة فلم تتداخلا كالحدود والكفارات
وقال أبو بكر: يتداخلان إذا أتى بخصائص الصغرى وهي الترتيب

ويستحب للجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو الوطء ثانياً أن يغسل فرجه
ـــــــ
والموالاة والمسح فلو غسل وجهه ثم يديه ثم مسح رأسه حين أفاض عليه الماء ثم غسل رجليه أجزأه والأول أصح لقول الله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] فجعل الاغتسال نهاية المنع من الصلاة فيجب إذا اغتسل أن تجوز له الصلاة لا يقال النهي هنا عن قربان مواضع الصلاة وذلك يزول بالاغتسال لأنا نقول هو نهي عن الصلاة وعن مسجدها ولا يجوز حمله على المسجد فقط لأن سبب نزول الآية صلاة من صلى بهم وخلط في القراءة وسبب النزول يجب أن يكون داخلا في الكلام.
وسئل جابر أيتوضأ الجنب بعد الغسل قال: لا.
وعن ابن عمر نحوه رواهما سعيد.
فإن نوى أحدهما ارتفع وحده وعلى الأول لو نوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو أمرا لا يباح إلا بوضوء واغتسل ارتفعا وظاهر كلام جماعة عكسه كالثانية.
قال ابن حامد: الجنابة المجردة عن حدث قبلها أو بعدها لا يجب سوى الغسل ذكره ابن عبد البر إجماعا وذكر في الشرح لو اغتسل إلا أعضاء الوضوء لم يجب الترتيب فيها لان حكم الجنابة باق.
وقال ابن عقيل والآمدي فيمن غسل جميع بدنه إلا رجليه ثم أحدث يحب الترتيب في الأعضاء الثلاثة لانفرادها في الأصغر دون الرجلين لبقاء حدث الجنابة عليهما فيغسلهما عن الجنابة ثم يتوضأ في بقية أعضائه وإن نوت من انقطع حيضها بغسلها حل الوطء صح وقيل لا لأنها إنما نوت ما يوجب الغسل وهو الوطء ذكره أبو المعالي
"ويستحب للجنب" ولو أنثى وحائض ونفساء بعد انقطاع الدم "إذا أراد النوم أو الأكل" أو الشرب أو "الوطء ثانيا أن يغسل فرجه" لإزالة ما عليه من.

ويتوضأ
ـــــــ
الأذى "ويتوضأ" روي ذلك عن علي وابن عمر رضي الله عنهما أما كونه يستحب بالنوم فلما روى ابن عمر قال: يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال: "نعم إذا توضأ فليرقد" وعن عائشة قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد ان ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة" متفق عليهما وفي كلام أحمد ما يقتضي وجوبه قاله الشيخ تقي الدين والأصح خلافه لما روت عائشة قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء" رواه الخمسة
قال يزيد بن هارون هذا الحديث وهم وضعفه أحمد وغيره وصححه آخرون فيحمل على الجواز والأولان على الاستحباب للجمع ويكره تركه في الأصح
وأما كونه يستحب للأكل والشرب فلما روت عائشة قالت "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة" رواه أحمد بإسناد صحيح وعنه يغسل يديه ويتمضمض
واما كونه يستحب لمعاودة الوطء فوفاقا لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا" رواه مسلم ورواه ابن خزيمة والحاكم وزاد " فإنه أنشط للعود" .
ولا يكره تركه في المنصوص فيهما وغسله عندكل مرة أفضل وعنه أن ذلك خاص بالرجل لأن عائشة أخبرت عنه بالوضوء ولم تذكر أنها كانت تفعله ولا أمرها به مع اشتراكهما في الجنابة.
ومن أحدث بعده لم يعده في ظاهر كلامهم لتعليلهم بخفة الحدث أو بالنشاط وظاهر كلام شيخنا يتوضأ لمبيته على إحدى الطهارتين قاله في الفروع .ـــــــ
مسائل:
الأولى: كره أحمد بناء الحمام وبيعه وإجارته وقال من بنى حماما للنساء ليس بعدل وحرمه القاضي وحمله الشيخ تقي الدين على غير البلاد الباردة ويكره كسب الحمامي وفي نهاية الأزجي لا
الثانية : له دخوله بشرط أن يستر عورته ويغض بصره عن عوراتهم ولا يمس عورة أحد ولا يمكن أحدا من مس عورته وقال ابن البقاء يكره وجزم به في الغنية واحتج بأن أحمد لم يدخله لخوف وقوعه في محرم وإن علمه حرم
وفي التلخيص و الرعاية له دخوله مع ظن السلامة غالبا قال الشيخ تقي الدين الأفضل تجنبها بكل حال مع الاستغناء عنها لأنها مما أحدث الناس من رقيق العيش
الثالثة : للمرأة دخوله لعذر وإلا حرم نص عليه وكرهه بدونه جماعة وفي عيون المسائل لا يجوز لها دخوله إلا من علة يصلحها الحمام واعتبر القاضي والمؤلف مع العذر تعذر غسلها في بيتها لخوف ضرر ونحوه وظاهر كلام أحمد وجماعة خلافه وقيل اعتياد دخولها عذر للمشقة وقيل ولا تتجرد فتدخله في قميص خفيف أومأ إليه
الرابعة : ثمن الماء على الزوج أو عليها أو ماء الجنابة عليه فقط أو عكسه فيه أوجه وماء الوضوء كالجنابة ذكره أبو المعالي قال في الفروع ويتوجه يلزم السيد شراء ذلك لرقيقه ولا يتيمم في الأصح
الخامسة : تكره القراءة فيه في المنصوص ونقل صالح لا يعجبني لنهي عمر عنه رواه ابن بطة وظاهره ولو خفض صوته وذكر ابن عبد البرقال سئل مالك عن القراءة فيه فقال القراءة بكل مكان حسن وليس الحمام بموضع قراءة فمن قرأ الآيات فلا بأس وكذا السلام في الأشهر .ـــــــ
ورخص فيه بعضهم كالذكر فإنه حسن لما روى النخعي أن أبا هريرة دخل الحمام فقال لا إله إلا الله وعن سفيان قال كانوا يستحبون لمن دخله أن يقول يا بر يا رحيم من علينا وقنا عذاب السموم وسطحه ونحوه كبقيته قال في الفروع ويتوجه فيه كصلاة
السادسة: إذا اغتسل بحضرة أحد من بني آدم وجب عليه ستر عورته وإن لم يحضره أحد فينبغي أن يستتر بسقف أو نحوهما وأن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض قال الشيخ تقي الدين وهو آكد فإن تجرد في الفضاء واغتسل جاز مع الكراهة وقيل لا يكره كما لو استتر بحائط وذكر القاضي في كراهة كشف العورة للاغتسال في الخلوة روايتين
السابعة : يكره الاغتسال في مستحم أو ماء عريانا وعنه لا اختاره جماعة وفاقا وقال أحمد لا يعجبني إن للماء سكانا قاله الحسن رواه أبو حفص العكبري واحتج أبو المعالي للتحريم خلوة بهذا الخبر والله أعلم.

باب التيمم
وهو بدل لايجوز إلا بشرطين أحدهما دخول الوقت فلا يجوز لفرض قبل وقته
ـــــــ
باب التيممالتيمم في اللغة: القصد لقوله تعالى {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] أي قاصدين {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] يقال يممت فلانا وتيممته وأممته إذا قصدته قال الشاعر العذري
وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا مبتغيه أم الشر الذي هو يتبغيني
وفي الشرع: قيل هو عبارة عن قصد شيء مخصوص وهو التراب الطاهر على وجه مخصوص وهو مسح الوجه واليدين من شخص مخصوص وهو العادم أو من يتضرر باستعماله زاد ابن المنجا بنية مخصوصة.
وأحسن منه مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد وهو ثابت بالإجماع وسنده قوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43] والمائدة وحديث عمار وغيره وهو من خصائص هذه الأمة لأن الله تعالى لم يجعله طهورا لغيرها توسعة عليها وإحسانا إليها.
"وهو" أي التيمم "بدل" عن الماء لأنه مرتب عليه يجب فعله عند عدمه ولا يجوز مع وجوده إلا لعذر وهذا شأن البدل وهو مشروع لكل ما يفعل بالماء عند العجز عنه شرعا كمس المصحف قال المؤلف إن احتاجه سوى جنب وحائض ونفساء انقطع دمهما في صورة تقدمت.
"لا يجوز إلا بشرطين أحدهما الوقت فلا يجوز لفرض قبل وقته" في الصحيح من المذهب لأن القائم إلى الصلاة أمر بالوضوء فإن لم يجده تيمم ,

ولا لنفل في وقت النهي عنه، الثاني العجز عن استعمال الماء لعدم
ـــــــ
وهذا يقتضي أن لا يفعله إلا بعد قيامه إليها وإعوازه الماء والوضوء إنما جاز قبل الوقت لكونه رافعا للحدث بخلاف التيمم فإنه طهارة ضرورة فلم يجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة وعنه يجوز قبل الوقت.
قال القاضي القياس: أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث فعلى هذا يجوز قبله كالماء ويشهد له عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين" ولأنه بدل فيتساوى بمبدله إلا ما خرج بدليل كالإطعام مع العتق في الكفارة واختاره الشيخ تقي الدين ولقد أبعد عبد العزيز في حكايته الإجماع على منع التيمم قبل الوقت.
"ولا النفل في وقت النهي عنه" لأنه ليس بوقت لها فعلى ما ذكره وقت المكتوبة دخول وقتها والفائتة كل وقت وكذلك المنذورة على المذهب وصلاة الاستسقاء باجتماع الناس والصلاة على الميت بفراغ طهره.
لكن يقال: شخص لا يصح تيممه حتى ييمم غيره وصلاة الكسوف به إن أجيزا في وقت نهي وإلا فمقيد التطوعات بجواز فعلها.
"الثاني: العجز عن استعمال الماء" لأن غير العاجز يجد الماء على وجه لايضره فلم يتناوله النص "لعدمه" حضرا كان أو سفرا قصيرا كان أو طويلا مباحا أو غيره هذا هو المذهب لقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43, والمائدة: 6]
دل بمطلقه على إباحته في كل سفر أو السفر القصير يكثر فيكثر فيه عدم الماء فلو لم يجز التيمم إذن لأفضى إلى حرج ومشقة وهو ينافي مشروعية التيمم ولأنه عزيمة لا يجوز تركها بخلاف الرخص لحديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليمسه بشرته فإن ذلك خير" رواه أحمد والنسائي ,

أو لضررلاستعماله من جرح
ـــــــ
والترمذي وصححه لكنه من رواية عمرو بن بجدان ولم يرو أبي قلابة وقد قيل لأحمد معروف قال لا وروى أبو بكر البزار معناه من حديث أبي هريرة وصححه ابن القطان.
فلو خرج من المصر إلى أرض من أعماله لحاجة كالحراثة والاحتطاب ونحوهما ولا يمكنه حمل الماء معه ولا الرجوع للوضوء إلا بتفويت حاجته فله التيمم ولا إعادة عليه في الأشهر وقيل بلى لأنه كالمقيم ولو كانت الأرض التي يخرج إليها من عمل قرية أخرى فلا إعادة وكذا إذا تيمم وصلى في سفر المعصية.
قال الشيخ تقي الدين ويتخرج أنه يعيد وقيل يختص بالسفر المباح الطويل وعن أحمد فيمن عدم الماء في الحضر لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر اختارها الخلال لأن ظاهر الآية يقتضي جوازه بحالة عدم الماء في السفر وإلا لم يكن للتقيد به فائدة.
وجمهور الأصحاب على ما ذكره المؤلف لخبر أبي ذر ولأنه عادم أشبه المسافر والتقييد بالسفر خرج مخرج الغالب لأنه محمل العدم غالبا فعلى الأصح لا إعادة ولو حضر لأنه أتى بما أمر به وعنه يعيد الحاضر لأنه عذر نادر وفيه وجه إن لم يطل العدم.
تنبيه: إذا عجز المريض عن الحركة أو عمن يوضئه فكالعادم وإن خاف فوت الوقت إن انتظر من يوضئه فالأصح ولا إعادة.
"أو لضرر في استعماله من جرح" لقوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] ولحديث جابر في قصة صاحب الشجة راه أبو داود والدارقطني وكما لو خاف من عطش أو شبع وهذا مع الخوف في استعماله فإن لم يخف لزمه استعمال الماء كالصحيح والخوف المبيح هو زيادة المرض أو بطؤه لا خوف التلف .

أو برد شديد أو مرض يخشى زيادته أو تطاوله
ـــــــ
"أو برد شديد" للنص ولحديث عمرو بن العاص قال "احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب" قلت ذكرت قول الله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فضحك ولم يقل شيئا" رواه أحمد وأبو داود ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض وعنه لا يتيمم لخوف البرد لمن قدر على تسخين الماء في الوقت.
قال في الشرح وغيره متى أمكنه تسخين الماء أو استعماله على وجه يأمن الضرر بأنه كلما غسل عضوا ستره لزمه وظاهر المتن أنه لا إعادة وهو الصحيح كالمريض وعنه بلى مطلقا وعنه يعيد الحاضر فقط لأنه عذر نادر.
مسألة : إذا خاف البردان سقوط أصابع قدميه فخلع خفيه سقط المسح وكفى غسل غيرهما وتيمم لترك مسح حائل رجليه إن كان مانع وإن قدر على غسل بعض عضو تيمم للباقي.
فرع : إذا أعاد القادر أو البردان الصلاة فالأولى فرضه قاله أبو المعالي وفيه وجه الثانية وهو الأصح ثم جمهور الشافعية وللشافعي قول فرضه إحداهما لا بعينها وله قول كلاهما فرض واختاره القفال والفوراني وصاحب الشامل قال الشيخ محي الدين وهو قوي فإنه مكلف بهما واختاره الشيخ تقي الدين في شرح العمدة.
"أو مرض" لقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43 والمائدة: 6]وإذا جاز لشدة البرد فلأن يجوز للمريض بطريق الأولى وشرطه أنه يخشى زيادته أو تطاوله لأن من لا يخشى ذلك لا يخاف الضرر ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شيء من ماله أو ضررا على نفسه من سبع

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24