كتاب : المقتضب
المؤلف : المبرد

الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير وجوه العربية وإعراب الأسماء والأفعالفالكلام كله: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى. لا يخلو الكلام - عربيّا كان أو أعجميّا من هذه الثلاثة.
والمعرب: الاسم المتمكّن، والفعل المضارع. وسنأتي على تفسير ذلك كله إن شاء الله.
أما الأسماء فما كان واقعاً على معنى، نحو: رجل، وفرس، وزيد، وعمرو، وما أشبه ذلك وتعتبر الأسماء بواحدة: كل ما دخل عليه حرف من حروف الجر فهو اسم، وإن امتنع من ذلك فليس باسم.
وإعراب الأسماء على ثلاثة أضرب: على الرفع، والنصب، والجر.
فأما رفع الواحد المعرب غير المعتل فالضم ؛ نحو قولك: زيدٌ، وعبد الله، وعمرٌو.
ونصبه بالفتح: نحو قولك: زيداً، وعمرواً، وعبد الله.
وجرّه بالكسرة ؛ نحو قولك: زيدٍ، وعمروٍ، وعبد الله.
فهذه الحركات تسمى بهذه الأسماء إذا كان الشيء معرباً، فإن كان مبنيّاً لا يزول من حركة إلى أخرى، نحو: حيث، وقبل، وبعد - قيل له مضموم. ولم يقل مرفوع ؛ لأنه لا يزول عن الضم.
وأين و كيف يقال له مفتوح، ولا يقال له منصوب، لأنه لا يزول عن الفتح.
ونحو: هؤلاء، وحذار، وأمس مكسورٌ، ولا يقال له مجرور، لأنه لا يزول عن الكسر وكذلك من، وهل، وبل يقال له موقوف، ولا يقال له مجزوم. لأنه لا يزول عن الوقف.
وإذا ثنّيت الواحد ألحقته ألفاً، ونوناً في الرفع.
أما الألف فإنها علامة الرفع، وأما النون فإنها بدل من الحركة والتنوين اللذين كانا في الواحد. فإن كان الاسم مجروراً أو منصوباً، فعلامته ياءٌ مكان الألف وذلك قولك: جاءني الرجلان، ورأيت. الرجلين، ومررت بالرجلين.
يستوى النصب، والجر في ذلك، وتكسر النون من الاثنين لعلة سنذكرها مع ذكر استواء الجر، والنصب في موضعها إن شاء الله.
فإن جمعت الاسم على حدّ التثنية ألحقته في الرفع واواً، ونوناً.
أما الواو فعلامة الرفع، وأما النون فبدلٌ من الحركة والتنوين اللذين كانا في الواحد. ويكون فيه في الجر، والنصب ياء مكان الواو. ويستوي الجر، والنصب في هذا الجمع ؛ كما استويا في التثنية ؛ لأن هذا الجمع على حد التثنية، وهو الجمع الصحيح.
وإنما كان كذلك ؛ لأنك إذا ذكرت الواحد، نحو قولك: مسلم ثم ثنّيته أدّيت بناءه كما كان، ثم زدت عليه ألفاً، نوناً، أو ياء ونوناً فإذا جمعته على هذا الحدّ أديت بناءه أيضاً، ثم زدت عليه واواً، ونوناً، أو ياء ونوناً، ولم تغيّر بناء الواحد عمّا كان عليه.
وليس هكذا سائر الجمع ؛ لأنك تكسر الواحد عن بنائه، نحو. قولك: درهم، ثم تقول: دراهم: تفتح الدال، وكانت مكسورة، وتكسر الهاء وكانت مفتوحة، وتفصل بين الراء والهاء بألف تدخلها. وكذلك أكلب، وأفلس، وغلمان.
فلذلك قيل لكل جمع بغير الواو، والنون: جمع تكسير. ويكون إعرابه كإعراب الواحد ؛ لأنه لم يأت على حد التثنية.
ونون الجمع الذي على حد التثنية أبداً مفتوحة.
وإنما حركت نون الجمع، ونون الاثنين، لالتقاء الساكنين، فحركت نون الجمع بالفتح لأن الكسر، والضم لا يصلحان فيها. وذلك أنها تقع بعد واو مضموم ما قبلها، أو ياءٍ مكسور ما قبلها، ولا يستقيم توالي الكسرات والضّمّات مع الياء والواو، ففتحت.
وكسرت نون الاثنين، لالتقاء الساكنين على أصل ما يجب فيهما إذا التقيا. ولم تكن فيهما مثل هذه العلّة فتمتنع.
وإذا جمعت المؤنث على حدّ التثنية فإن نظير قولك: مسلمون في جمع مسلم أن تقول في مسلمة: مسلمات، فاعلم.
وإنّما حذفت التاء من مسلمة ؛ لأنها علم التأنيث، والألف والتاء في مسلمات علم التأنيث ومحال أن يدخل تأنيث على تأنيث.
فإذا أردت رفعه قلت: مسلماتٌ فاعلم، ونصبه وجرّه: مسلماتٍ.
يستوي الجر، والنصب ؛ كما استويا في مسلمين، لأن هذا في المؤنث نظير ذلك في المذكر.
وإنما استوى الجر والنصب في التثنية، والجمع ؛ لاستوائهما في الكناية. تقول: مررت بك، ورأيتك. واستواؤهما أنهما مفعولان ؛ لأن معنى قولك: مررت بزيد: أي فعلت هذا به. فعلى هذا تجري التثنية، والجمع في المذكر، والمؤنث من الأسماء.
فأما الأفعال فإنا أخرنا ذكرها حتى نضعها في مواضعها. بجميع تفسيرها إن شاء الله.
هذا باب

الفاعل
وهو رفع. وذلك قولك: قام عبد الله، وجلس زيدٌ.

وإنما كان الفاعل رفعاً لأنه هو والفعل جملةٌ يحسن عليها السكوت، وتجب بها الفائدة للمخاطب. فالفاعل، والفعل بمنزلة الابتداء، والخبر إذا قلت: قام زيد فهو بمنزلة قولك: القائم زيد.
والمفعول به نصب إذا ذكرت من فعل به. وذلك لأنه تعدى إليه فعل الفاعل.
وإنما كان الفاعل رفعاً والمفعول به نصباً، ليعرف الفاعل من المفعول به، مع العلة الذي ذكرت لك.
فإن قال قائل: أنت إذا قلت: قام زيد، فليس ههنا مفعول يجب أن تفصل بينه وبين هذا الفاعل.
فإن الجواب في ذلك أن يقال له: لمّا وجب أن يكون الفاعل رفعاً في الموضع الذي لا لبس فيه للعلة التي ذكرنا ولما سنذكره من العِلَل في مواضعها فرأيته مع غيره علمت أنّ المرفوع هو ذلك الفعل الذي عهدته مرفوعاً وحده وأنّ المفعول الذي لم تعهده مرفوعاً.
وكذلك إذا قلت: لم يقم زيد، ولم ينطلق عبد الله، وسيقوم أخوك.
فإن قال قائل: إنما رفعت زيداً أولاُ لأنه فاعل، فإذا قلت: لم يقم فقد نفيت عنه الفعل فكيف رفعته ؟.
قيل له: إن ّالنفي إنّما يكون على جهة ما كان موجباً، فإنما أعلمت السامع من الذي نفيت عنه أن يكون فاعلا، فكذلك إذا قلت: لم يضرب عبد الله زيدا علم بهذا اللفظ من ذكرنا أنه ليس بفاعل ومن ذكرنا أنه ليس بمفعول، ألا ترى أن القائل إذا قال: زيد في الدار فأردت أن تنفي ما قال أنك تقول: ما زيد في الدار: فتردّ كلامه ثم تنفيه. ومع هذا فإن قولك: يضرب زيد يضرب هي الرافعة فإذا قلت: لم يضرب زيدٌ فيضرب التي كانت رافعة لزيد قد رددتها قبله، و لمْ إنّما عملت في يضرب ولم تعمل في زيد وإنما وجب العمل بالفعل. فهذا كقولك: سيضرب زيد إذا أخبرت، وكاستفهامك إذا قلت: أضرب زيد ؟ إنّما استفهمت فجئت بالآلة التي من شأنها أن ترفع زيدا وإن لم يكن وقع منه فِعْل.
ولكنّك إنّما سألت عنه هل يكون فاعلا ؟ وأخبرت أنه سيكون فاعلا. فللفاعل في كل هذا لفظ واحد يعرف به حيث وقع. وكذلك المفعول، والمجرور، وجميع الكلام في حال إيجابه، ونفيه.
وسنضع من الحجج المستقصاة في مواضعها أكثر من هذا ؛ لأن هذا موضع اختصار وتوطئة لما بعده إن شاء الله.
هذا باب

حروف العطف بمعانيها
فمنها الواو. ومعناها: إشراك الثاني فيما دخل فيه الأوّل ؛ وليس فيها دليل على أيّهما كان أوّلاً ؛ نحو قولك: جاءني زيد وعمرو، ومررت بالكوفة والبصرة. فجائز أن تكون البصرة أوّلاً، كما قال الله عزّ وجلّ: " واسجدي واركعي مع الرّاكعين " والسجود بعد الركوع.
ومنها الفاء. وهي توجب أنّ الثاني بعد الأوّل، وأنّ الأمر بينهما قريب ؛ نحو قولك: رأيت زيدا، فعمرا، ودخلت مكة فالمدينة.
و ثُمّ مثل الفاء ؛ إلاّ أنّها أشدّ تراخيا. تقول: ضربت زيدا ثم عمروا، وأتيت البيت ثم المسجد.
ومنها أو. وهي لأحد الأمرين عند شكّ المتكلم، أو قصده أحدهما. وذلك: قولك أتيت زيداً أو عمروا، وجاءني رجل أو امرأةٌ.
هذا إذا شكّ، فأما إذا قصد فقوله: كل السمك، أو اشرب اللبن: أي لا تجمع بينهما، ولكن اختر أيّهما شئت ؟. وكذلك أعطني ديناراً، أو اكسني ثوبا.
وقد يكون لها موضع آخر، معناه: الإباحة. وذلك قولك: جالس الحسن، أو ابن سيرين، وائت المسجد أو السوق: أي قد أذنت لك في مجالسة هذا الضرب من الناس، وفي إتيان هذا الضرب من المواضع.
فإن نهيت عن هذا قلت: لا تجالس زيدا أو عمرا: أي لا تجالس هذا الضرب من الناس. وعلى هذا قول الله عز وجل " ولا تطع منهم آثماٌ أو كفوراً " .
و إِمّا بالخبر بمنزلة أَو، وبينهما فصل.
وذلك أنك إذا قلت: جاءني زيد، أو عمرو، وقع الخبر في زيد يقينا حتّى ذكرت أَوْ فصار فيه وفي عمرو شكّ ؛ و إِمّا تبتديء بها شاكّاً. وذلك قولك: جاءني إمّا زيدٌ، وإمّا عمرو: أي: أحدهما. وكذلك وقوعها للتخيير ؛ تقول: اضرب إمّا عبد الله، وإمّا خالدا. فالآمر لم يشكّ ولكنّه خيّر المأمور ؛ كما كان ذلك في أَوْ. ونظيره قول الله عزّ وجلّ: " إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفورا " وكقوله: " فإمّا منّا بعد وإمّا فداء " .
ومنها لا. وهي تقع لإخراج الثاني ممّا دخل فيه الأوّل. وذلك قولك: ضربت زيدا، لا عمروا، ومررت برجل، لا امرأة.

ومنها بل. ومعناه: الإضراب عن الأوّل، والإثبات للثاني ؛ نحو قولك: ضربت زيدا، بل عمروا، وجاءني عبد الله، بل أخوه، وما جاءني رجل، بل امرأة.
ومنها لكنْ. وهي للاستدراك بعد النفي. ولا يجوز أن تدخل بعد واجب إلاّ لترك قصّة إلى قصّة تامّة ؛ نحو قولك: جاءني زيد لكن عبد الله لم يأت، وما جاءني زيد لكن عمرو، وما مررت بأخيك لكن عدوّك. ولو قلت: مررت بأخيك لكن عمرو لم يجز.
ومنها حتّى. ولها باب على حياله .
ومنها أَمْ. وهي في الاستفهام نظيرة أَوْ في الخبر، ونذكره في باب الاستفهام إن شاء الله.
فهذه الحروف - حرف العطف - تدخل الثاني من الإعراب فيما دخل فيه الأوّل.
هذا باب

من مسائل الفاعل والمفعول
وتقول: أعجبني ضرب الضارب زيدا عبد الله. رفعت الضرب، لأنه فاعل بالإعجاب، وأضفته إلى الضارب، ونصبت زيدا ؛ لأنه مفعول في صلة الضارب، ونصبت عبد الله بالضرب الأول، وفاعله الضارب المجرور، وتقديره: أعجبني أن ضربَ الضاربُ زيدا عبدَ الله. فهكذا تقدير المصدر.
وتقول: سرّني قيام أخيك، فقد أضفت القيام إلى الأخ وهو فاعل، وتقديره: سرني أن قام أخوك.
وتقول: أعجبني ضَرْبٌ زيدٍ عمروا، وإن شئت قلت: ضربٌ زيدٍ عمرو إذا كان عمرو ضرب زيدا، تضيف المصدر إلى المفعول كما أضفته إلى الفاعل. وإن نونت، أو أدخلت فيه ألفاً ولاما جرى ما بعده على أصله، فقلت: أعجبني ضربٌ زيدٌ عمروا، وإن شئت نصبت زيد ورفعت عمروا، أيهما كان فاعلا رفعته، تقدم أو تأخر.
وتقول أعجبني الضَرْبُ زيدُ عمروا، فمما جاء في القرآن منوّنا قوله: " أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبةٍ يتيماً ذا مقربةٍ " وقال الشاعر فيما كان بالألف واللام:
لقد علمت أولى المغيرة أنني ... لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا
أراد عن ضرْب مِسْمَع، فلما أدخل الألف واللام امتنعت الإضافة، فعمل عمل الفعل. ومثله قوله:
وهن وقوفٌ ينتظرن قضاءه ... بضاحي عذاةٍ أمره وهو ضامز
أي ينتظرن أن يقضي أمره، فأضاف القضاء غلى ضميره.
ومثل ذلك: عجبت من ضرْبِ الناس زيدا إذا كان مفعولا، وترفعه إذا كان فاعلا، على ما وصفت لك. وتصير الناس في موضع نصب، لأنهم مفعولون.
وتقول: أعجبني دقُّ الثوب القصار، وأكل الخبز زيدٌ، ومعاقبة اللص الأمير. فهذا لا يصلح إلا أن يكون الأخير هو الفاعل.
وتقول: ما أعجب شيء شيئا إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو، فنصبت إعجاباً بالمصدر، وأضفته إلى زيد، فالتقدير: ما أعجب شيء شيئا، كما أعجب زيدا أن ركب الفرس عمرو، لأنك أضفت الركوب إلى الفرس، والفرس مفعول، لأن عمروا ركبه، وزيد المفعول، لأن الركوب أعجبه.
وتقول: سرني والمشبعه طعامك شتم غلامك زيدا، بالنصب، والرفع في زيد على ما تقدره، من أن يكون فاعلا، أو مفعولا.
وتقول: أعجب إعطاء الدراهم خاك غلامك إيَّاك، نصيت إياك بأعجب وجعلت غلامك هو الذي أعطى الدراهم أخاك.
وتقول: ضرب الضارب عمروا المكرم زيدا أحب أخواك، نصبت الضرب الأول بأحب، وجررت الضارب بالإضافة، وعديته إلى عمرو، ونصبت المكرم بالضرب الأول، والضرب الأول متعد ؛ فإن رأيت ألا تعديه قلت: ضرب الضارب المكرمٍ زيدا أحب أخواك. وهذا كله في صلة الضرب ؛ لأنك أضفته إلى الضارب، وسائر الكلام إلى قولك أحب متصل به.
وتقول: سر الشارب المطعمه طعامك شرابك زيدا.
ف الشراب ينتصب ب الشارب. والمطعم يرتفع بالفعل الذي في الشارب. ونصبت الطعام بالفعل الذي في المطعم وكله اسم واحد.
وتقول: ظننت الذي الضارب أخاه زيدٌ عمروا. فالذي في موضع نصب بظننت، وعمروا مفعول ثان. وقوله: الضارب أخاه زيد الضارب مبتدأ وزيد خبره، وهما جميعا في صلة الذي. وإنما اتصلا بالذي للهاء التي في قولك أخاه ؛ لأنها ترجع إلى الذي.
ولو قلت: قام الذي ضربت هندٌ أباها لم يجز، لأن الذي لا يكون اسماً إلا بصلة، ولا تكون صلته إلا كلاما مستغنيا، نحو الابتداء والخبر، والفعل والفاعل، والظرف مع ما فيه، نحو في الدار زيد، ولا تكون هذه الجملة صلة له إلا وفيها ما يرجع إليه من ذكره. فلو قلت: ضربني الذي أكرمت هند أباها عنده، او في داره لصلح لما رددت إليه من ذكره.

ونظير الذي ما، ومن، وأي، وأل التي في معنى الذين وكل موصول مما لم نذكره فهذا مجراه ولو قلت: ضرب من أبوك منطلق زيدا لم يجز، فإن جعلت مكان الكاف هاء وقلت: أبوه صحت المسألة بالراجع من ذكره.
وكذلك بلغني ما صنغت، لأن ههنا هاء محذوفة والمعنى: ما صنعته.
وكذلك رأيت من ضربت، وأكرمت من أهنت. في كل هذا قد حذفت هاءً. وإنما حذفتها ؛ لأن أربعة أشياء صارت اسما واحدا ؛ وهي: الذي، والفعل، والفاعل، والمفعول به، فخفَّفت منها. وإن شئت جئت بها.
وإنما كانت الهاء أولى بالحذف ؛ لأن الذي هو الموصول الذي يقع عليه المعنى، والفعل هو الذي يوضحه، ولم يجز حذف الفاعل ؛ لأن الفعل لا يكون إلا بفاعل، فحذفت المفعول من اللفظ، لأن الفعل قد يقع ولا مفعول فيه، نحو قام زيد، وتكلم عبد الله، وجلس خالد. وإنما فعلت هذا بالمفعول في الصلة، لأنه كان متصلاً بما قبله، فحذفته منه كما تحذف التنوين من قوله:
ولا ذاكر الله إلا قليلا
وما أشبهه، ولو كان منفصلاً لم يجز حذفه ؛ لأن الضمير قد خرج من الفعل وصار في حيز الباء. وكذلك: الذي ضربت أخاه زيد، لا يجوز حذف الهاء من الأخ كما حذفت الهاء من الأول لما ذكرت لك.
وتقول: سر دفعك إلى المعطى زيدا دينارا درهما القائم في داره عمرو. نصبت القائم بسر، ورفعت عمروا بقيامه. ولو قلت: سرّ دُفُعك إلى زيد درهما ضربك عمروا كان محالا ؛ لأن الضرب ليس مما يسر. وكذلك لو قلت: أعجب قيامك قعودك كان خطأ. ولو قلت: وافق قيامك قعود زيد لصلح. ومعناه أنهما قد اتفقا في وقت واحد. فلو أردت معنى الموافقة التي هي إعجاب لم يصلح إلا في الآدميين.
وتقول: اشتهى زيد شتما عمرو خالد. كأنك قلت: أن يشتم عمرو خالدا.
وكذلك الألف واللام، فإن لم تنون، ولم تدخل ألفاً ولاماً، أضفت المصدر إلى الاسم الذي بعده، فاعلا كان أو مفعولا، وجرى الذي بعده على الأصل.
وقد فسرنا هذا فيما مضى في ذكرنا هذ الباب وتقول: أعجبك ضرب زيد عمروا، إذا كان زيد فاعلا، وضرب زيدٍ عمرو إذا كان زيد مفعولا، ونحوه وقال الشاعر:
أفنى تلادي وما جمعت من نشبٍ ... قرع القواقيز أفواه الأباريق
التقدير: أن قرعت القواقيز أفواه الأباريق، وتنصب الأفواه إن جعلت القواقيز فاعلا.
هذا باب نقول في

مسائل طوال يمتحن بها المتعلمون
الضاربَ الشاتمَ المكرِمَ المعطِيةَ درهما القائم في داره أخوك سوطا أكرم الآكل طعامه غلامه زيدٌ عمروا خالدٍ بكرا عبد الله أخوك، نصبت الضارب بأكرم، وجعلت ما بعد الضارب في صلته إلى قولك: أكرم. فصار اسما واحدا، والفاعل هو الآكل، وما بعده صلة له إلى ذكرك الأسماء المفردة. وهذه الأسماء المنصوبة بدل من الضارب، والشاتم، والمكرم. وخالدٍ المجرور بدل من الهاء في غلامه والمرفوع بدل من أحد هؤلاء الفاعلين الذي ذكرتهم. وتقديرها: كأنك قلت: أكرم الآكل طعامه غلامه الرجل الذي ضرب سوطا رجلا شتم رجلا أكرم رجلا أعطاه درهما رجلٌ قام في داره أخوك.
ولو قلت: أعجب ضرب زيدٍ غلامه خالداً عمراً بكرٍ لم يجز، لقولك: بكر وحده.
والمسألة - إذا حذفته منها - صحيحة. وذلك لأنك إذا قلت: أعجب ضرب زيدٍ غلامه خالدا عمرا نصبت عمرا بأعجب ونصبت خالدا فجعلته بدلا من الغلام، فإن جئت ببكر فجررته فإنما تجعله بدلاً من الهاء في غلامه والهاء هي زيد، فقد أحلت حين جعلت زيدا بكرا، وفصلت بين الصلة والموصول.
ولو قلت: ظننت بناء الدار الساكنها المعجبه القائم عنده الذاهب إليه أخواه معجبا بكرا كان جيدا، إذا جعلت معجبا بكرا هو المفعول الثاني في ظننت، ولم تذكر الباني.
فإن ذكرت الباني جعلته اسما قبل المفعول الثاني فرفعته، لأن قولك الساكنها صفة للدار وما بعده داخل في صلته، والصلة والموصول اسم واحد ألا ترى أنك تقول: جاءني عبد الله، ورأيت زيدا، فإنما تذكر بعد جاءني ورأيت اسما واحدا فاعلا أو مفعولا.
وتقول: جاءني القائم إليه الشارب ماءه الساكن داره الضارب أخاه زيدٌ فالقائم إليه اسم واحد وهذا كله في صلته.

وكذلك لو قلت: جاءني الذي اللذان ضرباه القائمان إليك كانت الذي جاءك واحدا، وهذا الكلام من صلته بمنزلة قولك: جاء الذي أبوه منطلق، وجاءني الذي أبوه غلامه زيدٌ إذا كان الغلام للأب، فإنما الصلة موضحة عن الموصول وفي هذه المسائل ما يدلك على جميع ما يرد عليك في هذا الباب إن شاء الله.
وتقول: ضربت زيدا أخا عمرو، فإن شئت جعلت أخا عمرو صفة ؛ وإن شئت جعلته بدلا.
وتقول: ضربت أخاك زيدا، فلا يكون زيد إلا بدلا، لأنه اسم علم. وإنما الصفات تحلية الشيء ؛ نحو الظريف، والطويل، وما أشبه ذلك مما أخذ من الفعل أو نسب، نحو الفلاني، والتميمي، والبكري، وما اعتوره شيء من هذين المعنيين.
والبدل يجوز في كل اسم معرفةً كان أو نكرةً مظهراً كان أو مضمر إذا كان الأول في المعنى أو كان بعضه.
فأما بدل المعرفة من المعرفة فكقولك: مررت بأخيك عبد الله.
ونظير بدل المعرفة من المعرفة نحو قول الله عز وجل: " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم " .
وبدل المعرفة من النكرة كقولك: مررت برجل زيد. كأنك نحيت الرجل ووضعت زيدا مكانه. فكأنك قلت: مررت بزيد، لأن ذلك الرجل هو زيد في المعنى: ونظير هذا قول الله " وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم صراط الله " .
وبدل النكرة من المعرفة كقولك: مررت بزيد رجل صالح، وضعت الرجل في موضع زيد، لأنه هو في المعنى. ونظير هذا قول الله عز وجل: " لنسفعنا بالناصية ناصيةٍ كاذبةٍ " .
وأما بدل بعض الشيء منه للتبيين فنحو قولك: ضربت زيدا رأسه وجاءني قومك بعضهم أراد أن يبين الموضع الذي وقع الضرب به منه، وأن يعلمك أن بعض القوم جاء لا كلهم. ومن ذلك قول الله عز وجل " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " لأن فرض الحج إنما وقع منهم على المستطيع.
وقد يجوز أن يبدل الشيء من الشيء إذا اشتمل عليه معناه، لأنه يقصد قصد الثاني، نحو قولك: سلب زيدٌ ثوبه، لأن معنى سلب: أخذ ثوبه، فابدل منه لدخوله في المعنى.
ولو نصبت الثوب كان أجود إذا لم ترد البدل.
ومثل ذلك قول الله عز وجل " يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه " ، لأن المسألة وقعت عن القتال. ومثل ذلك قول الأعشى ينشد كما أصف لك:
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويته ... تقضي لباناتٍ ويسأم سائم
اراد: لقد كان في ثواء حول، فأوقع الفعل على الحول، وجعل ثواء بدلا منه، كما أنه إذا قال: ضربت زيدا رأسه، إنما أراد: ضربت رأس زيد، فأوقع الفعل وجعله بدلا. ويروى: تقضى لباناتٌ ويسأم.
وللبدل موضع آخر وهو الذي يقال له: بدل الغلط. وذلك قولك. مررت برجل حمارٍ، أراد أن يقول: مررت بحمار، فإما أن يكون غلط في قوله: مررت برجل، فتدارك، فوضع الذي جاء به وهو يزيده في موضعه، أو يكون كأنه نسى، فذكر .
فهذا البدل لا يكون مثله في قرآن ولاشعر، ولكن إذا وقع مثله في الكلام غلطا أو نسيانا، فهكذا إعرابه.
هذا باب

ما كان لفظه مقلوبا
ً
فحق ذلك أن يكون لفظه جاريا على ما قلب إليهفمن ذلك قسى، وإنما وزنها فُعول، وكان ينبغي أن يكون ... قووس ؛ لأن الواحد قوس وأدنى العدد فيه أقواس والكثير قياس، كما تقول: ثوب و أثواب و ثياب، وسوط وأسواط وسياط. و كذلك جميع هذا الباب الذي موضع العين منه واو.
فأما قووس فجار على غير ما تجري عليه ذوات الواو ؛ نحو: كعب وكعوب، وصقر وصقور، فكرهوا واوين بينهما ضمة فقلبوا.
وكان حق فَعْل من غبر المعتل أن يكون أدنى العدد فيه أَفْعُل " ؛ كقولك: كعب وأكعب، وكلب أكلب، وصقر وأصقر. فهذه العلة قلب إلى أَفْعَال فقيل: أبيات، وأثواب .
إذ كان ذلك قد يكون في غير المعتل من فرخ وأفراخ. وزند و أزناد، وجد وأجداد فإن احتاج إليه شاعر رده إلى الأصل كما قال:
لكل دهرٍ قد لبست أثوابا
فهذا نظير فُعُول في الواو.
ومن المقلوب قولهم أينق في جمع ناقة. وكان أصل هذه أنوق والعلة فيه كالعلة فيما وصفنا.
فلو سميت بأنيق رجلا لم تصرفه إلا في نكرة ؛ لأنه أَفْعُل على مثال أقتل.

ومن ذلك أَشْيَاءُ في قول الخليل: إنما هي عنده فَعْلاءُ. وكان أصلها شيئاء يا فتى فكرهوا همزتين بينمها ألف فقلبوا ؛ لنحو ما ذكرت لك من خطايا كراهة ألفين بينهما همزة، بل كان هذا أبعد، فقلبوا فصارت اللام التي هي همزة في أوله، فصار تقديره من الفعل: لَفْعَاء ولذلك لم ينصرف، قال الله عز وجل: " لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم " ولو كان أَفْعالا لا تصرف كما ينصرف أحياء وما أشبهه.
وكان الأخفش يقول: أشياء أَفْعِلاءُ يافتى، جمع عليها فَعْل ؛ كما جُمِع سمح على سُمَحاء، وكلاهما جمع لفعِيل ؛ كما تقول في نصيب: أَنْصباءُ: وفي صديق: أَحصْدِقاءُ، وفي كريم: كُرَماءُ، وفي جليس: جلساء. فسمح وشيء على مثال فَعْل فخرج إلى مثال فَعيل .
قال المازني: فقلت له: كيف تصغرهن ؟ فقال: أشياء. فسألته: لِمَ لَمْ ترده إلى الواحد ؟ إنه أَفْعِلاءُ فقد وجب عليه فلم يأت بمقنع. وهذا ترك قوله ؛ لأنه إذا زعم أنهأفعلاء فقد وجب عليه أن يصغر الواحد ثم يجمعه، فيقول في تصغير أشياء على مذهبه: شُيَيْئات فاعلم، تقدير: فُعَيْلاتُ ولا يجب هذا على الخليل لأنه إذا زعم أنه فَعْلاءُ فقد زعم أنه اسم واحد في معنى الجمع، بمنزلة قوم، ونفر، فهذا إنما يجب عليه تصغيره في نفسه. فقد ثبت قول الخليل بحجة لازمة .
ومما يؤكد ذلك السماع: قول الأصمعي - فيما حدث به علماؤنا - : أن أعرابياً سمع كلام خلف الأحمر فقال: يا أحمر، إن عندك لأشاوى فقلب الياء واواً، وأخرجه مُخْرَج صحراء وصحارى، فكل مقلوب فله لفظه .
هذا باب

اللفظ بالحروف
قال سيبويه: خرج الخليل يوماً على أصحابه فقال: كيف تلفظون بالباء من ضربْ والدال من قدْ وما أشبه ذلك من السواكن ؟ فقالوا: با، دال، فقال: إنَّما سمّيتم باسم الحرف، ولم تلفظوا به. فرجعوا في ذلك إليه فقال: أرى - إذا أردت اللفظ به - : أن أزيد ألف الوصل فأقول اِبْ، اِدْ ؛ لأن العرب إذا أرادت الابتداء بساكن زادت ألف الوصل فقالت: اِضربْ، اُقتلْ إذا لم يكن سبيل إلى أن تبتدي بساكن .
وقال: كيف تلفظون بالباء من ضَربَ والضاد من ضُحَى ؟ فأجابوه كنحو جوابهم في الأول فقال: أرى - إذا لفظ بالمتحرك - أن تزاد هاءٌ لبيان الحركة كما قالوا: ارمه " وما أدراك ماهيه " فأقول: بَهْ، ضُهْ وكذلك كل متحرك. وبعد هذا ما لا يجوز في القياس غيره .
فإن سميت بحرف من كلمة فإن في ذلك اختلافا .
فإن سميت بالباء من ضَرَب فإن بعض النحويين كان يزيد ألف الوصل فيقول: هذا إبٌ فاعلم. وهذا خطأٌ فاحش ؛ وذلك أن ألف الوصل لا تدخل على شيءٍ متحرك، ولا نصيب لها في الكلام ؛ إنما تدخل ليوصل بها إلى الساكن الذي بعدها ؛ لأنك لا تقدر أن تبتدئ بساكن، فإن كان قبلها كلام سقطت .
وقال غيره: أرى أن أقول: ربٌ فاعلم فأرد موضع العين من ضربَ فقيل له: أرأيت ما تثبت عينه ولامه، وفاؤه محذوفة من غير المصادر التي فاؤها واو ؛ نحو: عِدة، وزِنة ؟.
فاعتلّ بما قد وجد من غيرها وذلك قولهم: ناس المحذوف موضع الفاء ولا نعلم غيره. ويدلك على ذلك الإتمام إذا قلت: أناس. فإنما هو فُعال على وزن غراب مشتق من أنِس، وإنسان فِعْلان وهذا واضح جداً .
قال أبو الحسن: ضبٌ كما ترى فيحذف موضع العين كما فعل في مذْ لأن المحذوف في منذ موضع العين .
وكذلك سهٌ إنما المحذوف التاء من أستاه قال الشاعر :
ادْعُ أُحيحاً باسمه لا تنسَهْ ... إِنَّ أُحيحاً هي صِئْبَانُ السَّهْ
وقد قال أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: " العين وكاء السه " والقول الأول لأبي عثمان المازني، ثم رأى بعدٌ إذا سمى بالباء من ضربَ فليرد الكلام كله فيقول: ضرَبٌ كما ترى، ولا يحذف ؛ لأنه إذا آثر أن يردّ ردّ على غير علة .
ولو سميت رجلاً ذو لقلت: هذا ذوَّا فاعلم ؛ لأن أصله كان فَعَلاً. يدلك على ذلك: ذواتا، وقولك: هما ذوَا مال .
هذا باب
ما يسمى به من الأفعال المحذوفة والموقوفة
إذا سميت رجلا لِتَقُمْ أو لم تَقمْ أو إنْ تقمْ أقمْ فالحكاية لأنه عامل ومعمول فيه إذا جئت بالعامل معه .

وإن سميته أَقِم أو تَقُمْ وليس معهما لمْ أعربت فقلت: هذا أَقومَ فاعلم، وهذا تقوم فاعلم، ورأيت تقوم فاعلم ؛ لأنه ليس فيه فاعل. ورددت الواو لأنها حذفت في الفعل لالتقاء الساكنين فلما تحركت الميم رجعت .
وإن سميته قُمْ أو بعْ قلت: هذا قومٌ على وزن فُعْل، وهذ بِيعٌ على وزن ديك يافتى لأن الأسماء لا تنجزم. وإذا تحركت أواخرها ردّ ما حذف لالتقاء الساكنين. وإن سميته أَقِمْ قلت: هذا أقيم قد جاء. لا تصرفه للزيادة التي في أوله .
وإن سميته رَزيدا حكيته. فإن حذفت زيدا وسميته بالفِعْل وحده قلت: هذا رأى مثل قفا، وعصا، ترد الهمزة وهي عين الفعل وترد الألف. لأن الأسماء لا تنجزم .
وهذه جمل تدل على أبوابها إن شاء الله .
حدود التصريف ومعرفة أقسامهوما يقع فيه، من البدل، والزوائد، والحذف، ولا بد من أن يصدر بذكر شيء من الأبنية ؛ لتعرف الأوزان. وليعلم ما يبنى من الكلام، وما يمتنع من ذلك .
هذا باب

ما يكون عليه الكلم بمعانيه
فأقل ما تكون عليه الكلمة حرف واحد. ولا يجوز لحرف أن ينفصل بنفسه. لأنه مستحيل. وذلك أنه لا يمكنك أن تبتدئ إلا بمتحرك، ولا تقف إلا على ساكن. فلو قال لك قائل: الفِظ بحرف، لقد كان سألك أن تحيل ؛ لأنك إذا ابتدأت به ابتدأْت متحركاً، وإذا وقفت عليه وقفت ساكناً، فقد قال لك: اجعل الحرف ساكناً متحركاً في حال .
ولكن سنذكر اللفظ بالحروف ساكنها ومتحركها في موضعه، ليوصل إلى المتكلم به إن شاء الله فما كان على حرف فلا سبيل إلى التكلم به وحده.
فمما جاء على حرف مما هو اسم التاء في قمت إذا عنى المتكلم نفسه، أو غيره من ذكر أو أنثى، إلا أنها تقع له مضمومةً ذكراً كان أو أنثى، ولغيره إذا كان ذكراً مفتوحة، وإن كانت أنثى مكسورة .
والكاف من نحو: ضربتك، ومررت بك، تنفتح للمذكر، وتنكسر للمؤنث .
والهاء في ضربته، ومررت به، ولها أحكام نبينها إن شاء الله .
وذلك أن أصل هذه الهاء أن تلحقها واو زائدة ؛ لأن الهاء خفية. فتوصل بها الواو إذا وصلت، فإن وقفت لم تلحق الواو لئلا يكون الزائد كالأصلي. وذلك قولك: رأيتُهو يا فتى، ورأيتَهو يا فتى، فتلحق بعد المضموم والمفتوح .
فإن كان قبلها كسرة جاز أن تتبعها واوا، أو ياء أيهما شئت .
أما الواو فعلى الأصل الذي ذكرت لك، وأما الياء فلقرب الجوار، لأن الضمة مستثقلة بعد الكسرة، والناس عامةً للكسرة، والياء بعدها أكثر استعمالاً .
فأما أهل الحجاز خاصةً فعلى الأمر الأول فيها يقرأون " فخسفنا بِهُو وبدارهو الأرضَ " لزموا الأصل. وهما في القياس على ما وصفت لك.
فإن كانت هذه الهاء بعد واو، أو ياء ساكنتين، أو ألف فالذي يختار حذف حرف اللين بعدها: تقول: عليه مال يا فتى بكسر الهاء من أجل الياء التي قبلها كما فعلت ذلك للكسرة.
ومن لزم اللغة الحجازية قال: عليه مالٌ .
وتقول: هذا أبوه فاعلم " فألقى موسى عصاه " .
وإنما حذفت الياء، والواو، لأن الهاء خفية، والحرف الذي يلحقها ساكن، وقبلها حرف لين ساكن فكره الجمع بين حرفي لين ساكنين لا يفصلهما إلا حرف خفي .
وإن شئت ألحقت الياء. والواو على الأصل، لأن الهاء حرف متحرك في الحقيقة. وذلك قولك على قول العامة: عليهى مال، وعلى قول أهل الحجاز: عليهو مال " فألقى عصاهو فإذا هي " . وهذا أبوهو فاعلم .
فإن كان قبل الهاء حرف ساكن من غير حروف المد واللين فأنت مخير: إن شئت أثبت، وإن شئت حذفت .
أما الإثبات فعلى ما وصفت لك، وأما الحذف، فلأن الذي قبل الهاء ساكن وبعدها ساكن وهي خفية. فكرهوا أن يجمعوا بينهما ؛ كما كرهوا الجمع بين الساكنين. وذلك قولك: " منه آياتٌ محكماتٌ " وإن شئت قلت " منهو اآيات " ، وعنهو أخذت. فهذا جملة هذا .
واعلم أن الشاعر إذا احتاج إلى الوزن وقبل الهاء جرف متحرك، حذف الياء والواو اللتين. بعد الهاء ؛ إذ لم يكونا من أصل الكلمة. فمن ذلك قوله :
فإنْ يكُ غَثّاً، أو سَمينا فإنَّنِي ... سَأَجعَلُ عيْنَيْهي لنفسهِ مقْنَعَا
وقال آخر :
أو معبر الظهر ينبي عن وليته ... ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا
وقال آخر :
وما له من مجد تليد، وما لهو ... من الريح فضلٌ لا الجنوب ولا الصبا

وأشد من هذا في الضرورة أن يحذف الحركة كما قال :
فظلت لدى البيت العتيق أريغه ... ومطواي مشتاقان له أرقان
فأما ما كان من هذه الحروف التي جاءت لمعان، فهي منفصلة بأنفسها مما بعدها وقبلها، إلا أن الكلام بها منفردة محالٌ، كما وصفت لك. فإن منها: كاف التشبيه التي في قولك: أنت كزيد، ومعناه: مثل زيد ، واللام التي تسمى لام الملك ؛ نحو هذا لعبد الله ولك. تكون مكسورة مع الظاهر، ومفتوحة مع المضمر: لعلة قد ذكرت في موضعها .
وهي التي في قولك: جئت لأكرمك ؛ لأن الفعل انتصب بإضمار أن، و أن والفعل مصدر. فقد صار المعنى جئت لإكرامك .
ومنها الباء التي تكون للإلصاق، والاستعانة .
فأما الإلصاق فقولك مررت بزيد، وألممت بك، وأما الاستعانة فقولك: كتبت بالقلم، وعمل النجار بالقدوم .
ومنها واو القسم التي تكون بدلاً من الباء ؛ لأنك إذا قلت: بالله لأفعلن فمعناه: أحلف بالله. فإذا قلت: والله لأفعلن فذلك معناه ؛ لأن مخرج الباء، والواو من الشفة .
ومن ذلك الكاف التي تلحق آخر الكلام لا موضع لها، نحو كاف ذاك، ورويدك و " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " .
وقولهم: أبصرك زيدا .
وهذه الحروف كثيرة إلا أنا نذكر منها شيئاً يدل على سائرها .
هذا من باب

ما جاء من الكلم على حرفين
فمن ذلك مَنْ وهي لمن يعقل تكون في الخبر، والاستفهام، والمجازاة .
وتكون في الخبر معرفةً، ونكرةٌ. فإذا كانت معرفة لزمتها الصلة، كما تلزم الذي .
وإذا كانت نكرة لزمها النعت لإبهامها .
فأما كونها في الاستفهام فكقولك: مَنْ ضربك ؟ ومن أخوك ؟ وأما المجازة فقولك: من يأتني آته .
وأما في الخبر فرأيت من عندك .
وأما كونها نكرةً فقولك: مررت بمن صالح كما قال :
يا رُبّ من يبغض أذوادنا ... رحن على بغضائه واغتدين
ألا ترى أنها في جميع هذا واقعة على الآدميين .
ومنها ما وهي سؤال عن ذات غير الآدميين، وعن صفات الآدميين .
وتقع في جميع مواضع من، وإن كان معناها ما وصفت لك.
وذلك قولك في الاستفهام: ما عندك ؟ فليس جواب هذا أن تقول: زيد، أو عمرو، وإنما جوابه أن تخبر بما شئت من غير الآدميين، إلا أن تقول: رجل فتخرجه إلى باب الأجناس.
ويكون سؤالاً عن جنس الآدميين إذا دخل في الأجناس، أو تجعل الصفة في موضع الموصوف كما تقول: مررت بعاقل. ومررت بحليم، فإن ما على هذه الشريطة - تقع على الآدميين لإبهامها. قال الله عز وجل " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " . ف ما ههنا للآدميين، وكذلك تقول: رأيت ما عندك بمعنى الذي .
وتقول: ما تصنع أصنع على المجازة. وقد قيل في قوله عز وجل، معناه: أو ملك أيمانهم، وكذا قيل في قوله عز وجل: " والسماء وما بناها " أي وبنائها، وقالوا: والذي بناها .
وأما وقوعها نكرةٌ فقوله:
رُبَّ ما تكره النفوس من الأمر له فرجةٌ كحل العقال
واعلم أنه لا يكون اسم على حرفين إلا وقد سقط منه حرف ثالث، يبين لك ذاك التصغير والجمع .
فالأسماء على أصول ثلاثة بغير زيادة: على ثلاثة، وأربعة، وخمسة .
والأفعال على أصلين: على ثلاثة، وأربعة، ونذكر هذا في موضعه .
ومما جاء على حرفين من الحروف التي جاءت لمعنى والأسماء الداخلة على هذه الحروف قولهم قَدْ .
وهي تكون اسما إذا كانت في موضع حَسْب ؛ نحو قوله: كأَنْ قَدْ، ونحو قولك: قدك من هذا: أي حسبك .
وتكون حرفاً جاء لمعنى. فإذا كانت كذلك فلها موضعان من الكلام : أحدهما: أن تكون لقوم يتوقعون الخبر ؛ نحو قولك: ها جاء زيد ؟ فيقول لك: قد جاء .
وتقول: لما يأت فيقول لك: قد أتى .
وتكون في موضع ربما كقوله :
قد أترك القرن مصفراً أنامله ... كأن أثوابه مجت بفرصاد
وقوله :
وقد أقود أمام الخيل سلهبةً ... يهدي لها نسبٌ في الحي معلوم
ومنها هَلْ وهي للاستفهام ؛ نحو قولك: هل جاء زيد ؟ وتكون بمنزلة قد في قوله عز وجل " هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر " ؛ لأنها تخرج عن حد الاستفهام، تدخل عليها حروف الاستفهام ؛ نحو قولك: أم هل فعلت ؟ وإن احتاج الشاعر إلى أن يلزمها الألف فعَلَ كما قال :
سائل فوارس يربوعٍ بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم

ومنها مِنْ وأصلها ابتداء الغاية ؛ نحو سرت من مكة إلى المدينة. وفي الكتاب: من فلان إلى فلان فمعناه: أن ابتداءه من فلان، ومحله فلان .
وكونها في التبعيض راجعٌ إلى هذا. وذاك أنك تقول: أخذت مال زيد، فإذا أردت البعض قلت: أخذت من ماله، فإنما رجعت بها إلى ابتداء الغاية .
وقولك: زيد أفضل من عمرو إنما جعلت غاية تفضيله عمرا. فإذا عرفت فضل عمرو علمت أنه فوقه .
وأما قولهم. إنها تكون زائدة فلست أرى هذا كما قالوا. وذاك أن كل كلمة إذا وقعت وقع معها معنى فإنما حدثت لذلك المعنى، وليست بزائدة. فذلك قولهم: ما جاءني من أحد، وما رأيت من رجل. فذكروا أنها زائدة. وأن المعنى: ما رأيت رجلاً، وما جاءني أحد، وليس كما قالوا وذلك ؛ لأنها إذا لم تدخل جاز أن يقع النفي بواحد دون سائر جنسه تقول: ما جاءني رجل، وما جاءني عبد الله. إنما نفيت مجيء واحد ؛ وإذا قلت: ما جاءني من رجل فقد نفيت الجنس كله، ألا ترى أنك لو قلت: ما جاءني من عبد الله لم يجز، لأن عبد الله معرفة، فإنما موضعه موضع واحد .
ومنها قَطْ ومعناها حسب وهي اسم وقولك: قطك في معنى قولك: حسبك .
ومن هذه الحروف في معناها: ما استوعاه الوعاء ؛ نحو قولك: الناس في مكان كذا، وفلان في الدار.
فأما قولهم: فيه عيبان فمشتق من ذا، لأنه جعله كوعاء للعيبين. والكلام يكون له أصل ثم يتسع فيه فيما شاكل أصله. فمن ذلك قولهم: زيد على الجبل. وتقول عليه دين، فإنما أرادوا أن الدين قد ركبه وقد قهره.
وقد يكون اللفظ واحدا ويدل على اسم، وفِعل ؛ نحو قولك: زيد على الجبل يا فتى، وزيد علا الجبل. فيكون علا فِعْلاَ، ويكون حرفا خافضا، والمعنى قريب .
ومن كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين، فأما اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين فهو الباب، نحو قولك: قام، وجلس، وذهب، وجاء، وجمل، وجبل .
وأما اختلاف اللفظين والمعنى واحد ؛ فنحو جلس وقعد، وقولك: برٌ وحنطة، وذراع وساعد اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين فقولك. ضربت مثلا، وضربت زيدا، وضربت في الأرض، إذا أبعدت.
وكذلك وجدت تكون من وجدان الظالة، وتكون في معنى علمت ؛ كقولك وجدت زيدا كريما، وفي معنى الموجدة، نحو وجدت على زيد.
فهذا عارض في الكتاب ثم نعود إلى الباب.
ومنها لَمْ وهي نفي للفعل الماضي. ووقوعها على المستقبل من أجل أنها عاملة، وعملها الجزم، ولا جزم إلا لمعرب. وذلك قولك: قد فعل، فتقول مكذبا: لم يفعلْ ؛ فإنما نفيت أن يكون فَعَل فيما مضى.
والحروف تدخل على الأفعال فتنقلها ؛ نحو قولك: ذهب ومضى فتخبر عما سلف، فإن اتصلت هذه الأفعال بحروف الجزاء نقلتها إلى ما لم يقع، نحو: إن جئتني أكرمتك، وإن أكرمتني أعطيتك فإنما معناه: إن تكرمني أعطك .
ومن هذه الحروف لَنْ وإنما تقع على الأفعال نافيةً لقولك: سيفعل، لأنك إذا قلت: هو يفعل جاز أن تخبر به عن فِعْل في الحال، وعما لم يقع، نحو هو يصلي، أي هو في حال صلاة، وهو يصلي غدا. فإذا قلت: سيفعل، أو سوف يفعل فقد أخلصت الفعل لما لم يقع، فإذا قلت: لن يفعل فهو نفي لقوله: سيفعل ؛ كما أن قولك: ما يفعل نفي لقوله: هو يفعل.
ومنها لا وموضعها من الكلام النفي. فإذا وقعت على فِعْل نفته مستقبلا. وذلك قولك: لا يقوم زيد، وحق نفيها لما وقع موجبا بالقسم، كقولك: ليقومن زيد فتقول: لايقوم يا فتى. كأنك قلت: والله ليقومن فقال المجيب: والله لا يقوم وإذا وقعت على اسم نفته من موضعه ؛ كقولك: لارجل في الدار، ولا زيدٌ في الدار ولا عمروٌ، ويفرد لهذا الباب يستقصى فيه إن شاء الله.
ولوقوعها زائدةً في مثل قوله " لئلا يعلم أهل الكتاب أن لايقدرون على شيء " أي ليعلم كما قال الراجز:
وما ألوم البيض ألا تسخرا ... لما رأين الشمط القفندرا
ومن الحروف ما يستجمع منه معانٍ: فمن ذلك مَنْ لها أربعة مواضع كما ذكرت لك.
ومن ذلك ما لها خمسة مواضع: تكون جزاءً في قولك: ما تصنع أصنع.
وتكون استفهاما لقولك: ما صنعت ؟

وتكون بمنزلة الذي في قولك: أرأيت ما عندنا ؟: إلا أنها في هذه المواضع اسم، ووقوعها على ذات غير الآدميين نحو قولك - إذا قال ماعندك ؟ فرس، أو حمار، أو مال، أو بر، وليس جواب قوله: ما عندك ؟ زيد، ولا عمرو. وقد خبرتك بعمومها في قوله " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " وأما وقوعها لصفات الآدميين فكقولهم: ما زيد ؟ فيقول: شريف، أو وضيع.
ولها موضعان تقع تقع فيهما وليست باسم، إنما هي فيهما حرك: فأحدهما: النفي، نحو قولك: ما زيد في الدار، وما يقوم زيد.
والموضع الآخر هي فيه زائدة مؤكدة لايخل طرحها بالمعنى، كقول الله عز وجل " فبمارحمة " وكذلك " فبما نقضهم ميثاقهم " .
ومن الحروف التي يستجمع لها معانٍ أن الخفيفة لها أربعة مواضع: فمن ذلك الموضع الذي تنصب فيه الفعل، فمعناها: أنها والفعل في معنى المصدر. وذلك قولك: يسرني أن تذهب غداً ومع الفعل الماضي لما فرط نحو أن تقوم يا فتى. معناه: يسرني قيامك، وأريد أن تذهب يا فتى. إنما هو: أريد ذهابك. ولا يقع في الحال. إنما يقع مع الفعل المستقبل لما بعد، نحو يسرني أن ذهبت، وأن كلمت زيدا، لأن معناه ما مضى.
وتكون مخففة من الثقيلة، نحو قولك علمت أن زيدٌ خيرٌ من عمرو، ومعناه: علمت أن زيدا خيرٌ من عمرو.
والفصل بين أن خفيفةً. وبين أن المخففة من الثقيلة أن الخفيفة لا تقع ثابتةً، إنما تقع مطلوبةً أو متوقعة ؛ نحو أرجو أن تذهب، وأخاف أن تقوم. فإذا وقعت مخففة من الثقيلة وقعت ثابتةٌ على معنى الثقيلة ؛ نحو أعلم أن ستقوم، على معنى قولك: أنك ستقوم. ولا يصلح: أرجو أنك ستقوم، لأنه لم يستقر عنده، لأن الثقيلة إنما تدخل على ابتداءٍ مستقر.
فأما ظننت فإن الثقيلة، والخفيفة يجوزان بعدها تقول: طننت أنك منطلق، تخبر أن هذا قد استقر في ظنك ؛ كما استقر الأول في علمك.
ويجوز للتشكك أن تقع على الخفيفة، لأنها ترجع إلى معنى أرجو: وأخاف. ومن ذلك قول الله عز وجل " تظن بأن يفعل بها فاقرةٌ " :.
وتقع أن في موضع أي الخفيفة للعبارة والتفسير كقوله عز وجل: " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم " . معناه أي امشوا. ولا تقع إلا بعد كلام تام ؛ لأنه إنما يفسر بعد تمامه.
وتقع زائدةً توكيدا كقولك: لما أن جاء ذهبت. والله أن لو فعلت لفعلت. فإن حذفت لم تخلل بالمعنى. فهذه أربعة أوجه: وكذلك المكسورة تقع على أربعة أوجه: فمنهم الجزاء ؛ نحو إن تأتني آتك.
ومنهم أن تكون في معنى ما، نحو إن زيد في الدار: أي ما زيد في الدار.
وقال الله عز وجل " إن الكافرون إلا في غرور " وقال " إن يقولون إلا كذبا " .
وتكون مخففة من الثقيلة. فإذا كانت كذلك لزمتها اللام في خبرها لئلا تلتبس بالنافية. وذلك قولك: إن زيدٌ لمنطلقٌ.
وقال الله عز وجل " إن كل نفسٍ لما عليها حافظٌ " .
فإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام ؛ نحو إن زيدا منطلق ؛ لأن النصب قد أبان. وجاز النصب بها إذا كانت مخففة من الثقيلة، وكانت الثقيلة إنما نصبت لشبهها بالفعل، فلما حذف منها صار كفعل محذوف، فعمل الفعل واحدٌ وإن حذف منك كقولك: لم يك زيد منطلقا وكقولك: ع كلاما.
وأما الذين رفعوا بها فقالوا: إنما أشبهت الفعل باللفظ، لا في المعنى. فلما نقصت عن ذاك اللفظ الذي به أشبهت الفعل رجع الكلام إلى أصله ؛ لأن موضع إن الابتداء ؛ ألا ترى أن قولك: إن زيدا لمنطلق إنما هو زيد منطلق في المعنى. ولما بطل عملها عاد الكلام إلى الابتداء، فبالابتداء رفعته لا بإن ؛ وما بعده خبره. وهذا القول الثاني هو المختار.
وليس كذا كأن إذا خففت، لأنك إذا قلت: كأن تشبه. فإذا خففت فذلك المعنى تريد.
وقولك لكن في منزلة إن في تخفيفها وتثقيلها في النصب و الرفع وما يختار فيهما ؛ لأنها على الابتداء داخلة.
- وتكون إن زائدة في قولك: ما إن زيد منطلق فيمتنع ما بها من النصب الذي كان في قولك: ما زيد منطلقا .. كما يمتنع إن الثقيلة بها من النصب في قولك: إنما زيد أخوك.
فمن ذلك قوله :
فما إن طبنا جبنٌ ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
فقد ذكرنا من الحروف والأسماء التي تقع على حرفين ما فيه دليل على تأويل ما كان مثله مما لم نذكره إن شاء الله .
ونذكر من الآيات التي على ثلاثة أحرف ما يدل على ما بعده .

من ذلك عِنْد ومعناها الحضرة ؛ نحو قولك: زيد عندك. فإن قلت: عند فلان عِلْم، أو عنده مال: أي له مال وإن لم يكن بحضرته، فإنما أصله هذا، وإن اتسع ؛ كما تقول: على زيد ثوبٌ، فهذا صحيح. فإن قلت: عليه مالٌ، فتمثيل ؛ لأنه قد ركبه .
ومن هذه الحروف لَدُنْ وهي اسم فمعناها عند. يدلك على أنه اسم دخول الآلات كقولك: من لدنك ؛ كما تقول: من عندك .
ومنها أيان وأصله الثلاثة وإن - زادت حروفه. ومعناه: متى، كقوله عز وجل " يسأل أيان يوم القيامة " .
فهذه الحروف تفتح لك ما كان من هذه الآلات .
هذا باب

الأبنية ومعرفة حروف الزوائد
اعلم أن الأسماء التي لا زيادة فيها تكون على ثلاثة أجناس: تكون على ثلاثة أحرف، وعلى أربعة، وعلى خمسة، ولا زيادة في شيءٍ من ذلك. ونحن مفسروه بأقسامه وأوزانه، وذاكرون ما يلحقه من الزوائد بعد الفراغ من الأصول، وكم مبلغ عدده من الزوائد ؟ فأما الأفعال فتكون على ضربين: تكون على ثلاثة أحرف، وعلى أربعة أحرف بلا زوائد، ثم تلحقها الزوائد. وسنخبر عن ذلك، وعن امتناعها أن تكون خمسة ؛ كما كانت الأسماء، ونخبر عما وقع من الأسماء والأفعال على حرفين ما الذاهب منه ؟ ولم ذهب ؟ إن شاء الله .
فأول الأبنية ما كان - من الأسماء على ثلاثة أحرف، والحرف الأوسط منه. ساكن.
لا يكون اسم غير محذوف على أقل من ذلك. وذلك أنه لابد لك من تحريك الأول ؛ لأنك لا تبتدئ بساكن، ويتحرك الآخر، لأنه حرف الإعراب .
فأول ذلك ما كان على فَعْلٍ، وهو يكون اسماً ونعتاً .
فالاسم نحو: بكر، وكعب، والنعت قولك: ضخم، وجزل .
ويكون على فِعْل فيهما. فالاسم: جِذْع، وعِجْل، والنعت نِقْض، ونضِوْ .
ويكون على فُعْلٍ فيهما. فالاسم خرج، وقفل. والنعت مر، وحلو .
ويكون على فَعَلٍ فيهما. فالاسم جمل، وجبل. والنعت بطل، وحسن .
ويكون على فَعِلٍ فيهما. فالاسم فخذ، وكتف. والنعت فرح، وحذر .
ويكون على فَعُلٍ فيهما. فالاسم: رجل، وعضد، والنعت حذر، وندس .
ويكون على فُعُلٍ فيهما. فالاسم نحو: طنب، وعنق، والنعت جنب، وشلل .
ويكون على فِعَلٍ فيهما. فالاسم ضلع، وعنب. والنعت، عدى، وقيم .
ويكون على فِعِلٍ في الاسم. ولم يأت ثبتا إلا في حرفين: وهما إبل، وإطل .
ويكون على فُعُلٍ اسماً، ونعتاً. فالاسم صرد، ونغر. والنعت حطم، ولبد، وكتع، وخضع قال :
قد لفها الليل بسواقٍ حطم
وقال الله عز وجل " أهلكت مالاً لبدا " .
ولا يكون في الكلام فعل في اسم، ولا فِعْل .
ولا يكون في الأسماء شيءٌ على فُعِل : فهذا جميع بناءات الثلاثة بغير زوائد .
ونذكر الزوائد، والبدل، ثم نرجع إلى بناءات الأربعة إن شاء الله .
هذا باب
معرفة الزوائد ومواضيعها
وهي عشرة أحرف: الألف، والياء، والواو، والهمزة، والتاء، والنون، والسين، والهاء، واللام، والميم .
فأما الألف فإنها لا تكون أصلاً في اسم ولا فعل، إنما تكون زائدة، أو بدلاً. ولا تكون أبداً إلا ساكنة. ولا يكون ما قبلها أبداً إلا منها: أي إلا مفتوحاً ؛ لأن الفتحة من الألف، والضمة من الواو، والكسرة من الياء .
والألف لا تزاد أولاً ؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة، ولا يبتدأ بساكن، ولكن تزاد ثانيةً فما فوق ذلك .
فأما زيادتها ثانيةً فقولك: ضارب، وذاهب ؛ لأنهما من ضرب، وذهب .
وتزاد ثالثةً في قولك: ذهاب، وجمال .
ورابعةً في قولك: حبلى للتأنيث، والإلحاق، وغير ذلك في مثل عطشان، وسكران .
فهذا موضع جُمَل. فإنما مذكر ما يدل على الموضع، ثم نرجع نستقصى في بابه إن شاء الله .
وتزاد خامسةً في مثل حَبَنْطىً، وَزَعْفران .
وسادسةً في مثل قبعثرىً .
فأما الياء فتزاد أولاً فيكون الحرف على يفْعَل، نحو يَرْمَع، ويَعْملة، وفي مثل قولك يربوع، ويعسوب .
وتزاد ثانيةًفي مثل قولك: جَيْدَر، وَبَيْطَر .
وثالثةً في مثل سَعِيد، وعِثْيَر .
ورابعةٌ مثل قنديل، ودهليز. وما بعد ذلك كالألف .
وتزاد للنسب مضعفةً ؛ نحو قولك: تميمي، وقيسي .
وتزاد للإضافة إلى نفسك ؛ نحو غلامي وصاحبي .
وتقع في النصب ؛ نحو ضربني، والضاربي .
وتقع دليلاً على النصب، والخفض في التثنية، والجمع ؛ محو مسلمَيْن ومسلِمين .

وأما الواو فلا تزاد أولا كراهة أن تقع طرفا، فيلزمها البدل ولكن تزاد ثانية في مثل حوقل، وكوثر.
وثالثةً في مثل ضروب، وعجوز ورابعةً في مثل تَرْقُوَة وخامسةً في مثل قلنسوة ؛ كالألف والياء .
وتزاد دليلا على رفع الجمع في مثل قولك: مسلمون. ولها مواضع نذكرها في باب البدل إن شاء الله.
وأما الهمزة فموضع زيادتها أن تقع أولا ؛ نحو أحمر، وأحمد، وإصليت وإسكاف.
وكذلك في جمع التكسير ؛ نحو أَفْعُل كأَكْلُب، وأفلس ؛ وأفعال كأعدال، وأجمال.
وفي الفعل في قولك: أفعلت ؛ نحو أكرمت، وأحسنت. وفي مصدره في قولك: إكراما، وإحسانا. فهذا موضعها.
وقد تقع في غير هذا الموضع فلا تجعل زائدةً إلا بثبت. نحو قولك: شمأل، وشأمل يدلّك على زيادتها قولك: شملت الريح فهي تشمل شمولا.
والميم بمنزلة الهمزة ؛ إلاّ أنّها من زوائد الأسماء، وليست من زوائد الأفعال ولكن موضعها كما ذكرت لك أوّلا.
فمن ذلك مفعول، نحو: مَضْروب، ومَقتْول.
وإذا جاوز الفعل ثلاثة أحرف لحقت اسم الفاعل والمفعول ؛ نحو: مُكرِم ومُكرَم، ومنطلق، ومنطَلق به، ومستخرج، ومستخرَج منه.
وتلحق في أوائل المصادر، والمواضع ؛ كقولك: أدخلته مُدْخَلا، وهذا مُدْخَلنا. وكذلك مغزًى وملهًى. فهذا موضع زيادتها.
فإن وقعت غير أول لم تزد إلا بثبت ؛ نحو قولهم: زُرْقُم، وفُسْحُم ؛ إنّما هو من الأزرق، وفسحم منسوب إلى انفساح الصدر.
وكذلك دلامص: الميم زائدة، لأنهم يقولون: دَليص، ودِلاص. فتقديرها: فُعَامِل.
وأمّا النون فتلحق في أوائل الأفعال إذا خبّر لتكلم عنه وعن غيره ؛ كقولك: نحن نذهب.
أو تلحق ثانيةً مثل ؛ مَنْجَنِيق، وَجُنْدُب.
وتلحق ثالثةً في حبنطى ودلنظى.
ورابعةً في رَعْشَن، وَضَيْفَن ؛ لأن رَعْشَن من الارتعاش، وضيفن إنما هو الجائى مع الضيف.
وتزاد مع الألف في غضبان، وسكران.
ومع الياءات، والواو، والألف، في التثنية، والجمع، في رجلَيْن، ومسلِمين، ومسلمون. وكذلك الألف في رجلان.
وتزاد علامةً للصرف في قولك: هذا زيدٌ، ورأيت زيداً.
وفي الفعل، مفردة، ومضاعفةً، في قولك: اضربَنْ زيدا ؛ أو اضربَنَّ عمروا. ففي هذا دليل.
وأما التاء فتزداد علامةً للتأنيث في قائمة، وقاعدة. وهذه التاء تبدل منها الهاء في الوقف.
وتزاد مع الألف في جمع المؤنث في مسلمات، وذاهبات.
وتزاد وحدها في افتعل، ومفتعل ؛ نحو اقتدر، وافتقر.
ومع السين في مستفعل ؛ نحو مستضرب، ومستخرج.
وتزاد مع الواو في ملكوت، وعنكبوت. ومع الياء في عفريت.
وتزاد في أوائل الأفعال يعنى بها المخاطب، مذكّرا كان أو مؤنثا، والأنثى الغائبة.
فأما المخاطب فنحو: أنت تقوم، وتذهب، وأنتِ تقومين، وتذهبين.
والأنثى الغائبة ؛ نحو: جاريتك تقوم، وتذهب.
وتقع زائدةَ في تفعّل، وتفاعل. فأما تفعَّل فنحو تشجَّع وتقرّأ.
وأما تفاعل، فنحو: تغافل، وتعاقل.
وأما السين فلا تلحق زائدة إلاّ في موضع واحد، وهو استفعل، وما نصرف منه.
والهاء تزاد لبيان الحركة، ولخفاء الألف.
فأما بيان الحركة فنحو قولك: ارمه " وما أدراك ما هيه " و " فبهداهم اقتده " .
وأما بعد الألف فقولك: يا صاحباه، ويا حسرتاه.
فأما اللام فتزاد في ذلك، وأولئك، وفي عبدل تريد العبد.
هذا باب

حروف البدل
وهي أحد عشر حرفاً. منها ثمانية من حروف الزوائد التي ذكرناها، وثلاثة من غيرها وهذا البدل ليس ببدل الإدغام الذي تقلب فيه الحروف ما بعدها.
فمن حروف البدل حروف المد واللين المصوتة. وهي الألف، والواو، والياء.
فالألف تكون بدلاً من كل واحدة منهما ؛ كم وصفت لك.
وتكون بدلاً من التنوين المفتوح ما قبله في الوقف ؛ نحو رأيت زيدا، ومن النون الخفيفة، لأنها كالتنوين إذا انفتح ما قبلها ؛ تقول اضربن زيدا فإذا وقفت قلت: اضربا. وفي قوله: " لنسفعن بالناصية " والوقف " لنسفعا " .
والواو تكون بدلاً من الألف الزائدة في فاعِل، وفاعِلة، في التصغير والجمع ؛ كقولك: ضُوَيرب، وضَوارب.
ومن الهمزة إذا انضم ما قبلها، وكانت ساكنة ؛ نحو جؤنة ولؤم، ومن الهمزة المبدلة لالتقاء الهمزتين في التصغير والجمع. وذلك قولك في آدم: أُوَيْدِم، وأَوادِم .

وتكون بدلاً من الياء إذا انضم إلى ما قبلها وكانت ساكنة ؛ نحو قولك: مُوقِن، ومُوسِر ؛ لأنها من أيقنت، وأيسرت، فإن تحركت، أو زالت الضمة رجعت إلى أصلها ؛ تقول: مَيَاقِن، ومَياسِر.
ولها في باب فتوى، وطوبى ما نذكره في موضعه إن شاء الله.
والياء تكون بدلا من الواو إذا انكسر ما قبلها وهي ساكنة. وذلك قولك: ميزان، وميعاد، وميقات ؛ لأنه من وزنت، ووعدت، ومن الوقت. فإن زالت الكسرة، أو تحركت رجعت إلى أصلها. وذلك قولك: مَوَازِين، ومَوَاعيد، ومواقيت.
وتبدل من الواو إذا كانت رابعة فصاعدا ؛ نحو أغزيت، واستغزبت، وغازيت.
وتبدل مكان أحد الحرفين إذا ضوعفا في مثل قولك: دينار، وقيراط. فإنما الأصل تثقيل النون والراء ؛ ألا ترى أنهما إذا افترقا ظهرا، تقول: دنانير وقراريط.
وكذلك تقول: أمللت، وأمليت، وتقضيت من القِضَّة، وتَسَرَّبْت. والأصل تسررت، وتقضضت.
وأما الهمزة فإنها تبدل مكان كل ياءٍ، أو واو تقع طرفا بعد ألف زائدة، وذلك قولك: سَقَّاءٌ، وغزَّاءٌ.
وتبدل مكان إحدى الواوين إذا التقيا في أول كلمة، وذلك قولك في تصغير واصل: أويصل.
وكذلك تصغير واعِد: أويعد.
فإن انضمت الواو كنت في بدلها وتركه مخيرا. وذلك قولك في وجوه: أجوه. وإن شئت: وجوه، وكذلك ورقة، وأرقة، ومن ذلك قول الله عز وجل " وإذا الرسل أقتت " إنما هو فعلت من الوقت.
والتاء تبدل من الواو والياء في مفتعل وما تصرف منه ؛ نحو متعد، ومتزن، ومتبس من اليبس. فهذا موضعها فيها.
وتبدل من الواو خاصة في قولك: تراث، إنما هو من ورثت، وتجاه فعال من الوجه. وكذلك تخمة، وتكأة فعلة.
وتيقور فيعول من الوقار.
فهذا موضع جُمَل وتوطئة لما بعده.
وأما الهاء فتبدل من التاء الداخلة للتأنيث ؛ نحو نَخْلَة، وتمرة، إنما الأصل التاء والهاء بدل منها في الوقف.
والميم تبدل من النون إذا سكنت وكانت بعدها الباء، نحو قولك: عنبر، ومنبر. وشنباء فاعلم.
والنون تكون بدلا من ألف التأنيث في قولك: غضبان، وعطشان، إنما النون، والألف في موضع ألفى حمراء يافتى، ولذلك لم تقل، غضبانة، ولا سكرانة ؛ لأن حرف تأنيث لا يدخل على حرف تأنيث. فكذلك لا تدخل على ما تكون بدلا منه.
ولهذه العلة قيل في النسب إلى صنعاء، وبهراء: صنعاني، وبهراني. ونشرح هذا في باب ما ينصرف وما لا ينصرف إن شاء الله.
فهذه ثمانية أحرف من حروف الزوائد.
فأما الثلاثة التي تبدل وليست من حروف الزوائد ف أحدها: الطاء وهي تبدل مكان التاء في مُفتْعل، وما تصرف منه إذا كان قبلها حرف من حروف الإطباق.
وحروف الإطباق الصاد، والضاد، والطاء والظاء. وذلك قولك: مُصْطبر، ومضطَّهد، ومظلم وهو مفتعل من الظلم.
وأما ما تصرفن منهن للإدغام ففي بابه نذكر.
ومنهن الدال. وهي تبدل مكان التاء في مفتعل، وما تصرف منه إذا كان قبلها حرف مجهور من مخرجها، ومما يدانيها من المخرج ؛ نحو الذال، والزاي، وذلك قولك في مُفْتِعل من الزين: مزدان، ومن الذكر: مدكر.
والحرف الثالث الجيم وهي تبدل إن شئت مكان الياء المشددة في الوقف للبيان، لأن الياء خفية، وذلك قولك: تَميمِجّ في تيميى ؛ وعَلِجّ أي علىّ.
هذا باب

معرفة بنات الأربعة التي لا زيادة فيها
فمنها ما يكون على فَعْلَل، فيكون اسما وصفة، فالاسم نحو جعفر، ونهشل. والنعت، مثل سلجم، وسلهب.
ويكون على فُعْلُل فيهما. فالاسم ؛ نحو البرثن، والترتم.
والصفة، نحو قولك رجل قلقل، وناقة كحكح.
ويكون على فِعْلِل فيهما، فالاسم البربرج والخمخم.
والنعت اللطلط وهو قليل.
ويكون على فِعْلَل فيهما. فالاسم درهم. والصفة هجرع.
ويكون علىفِعَلُّ غير مضاعف في النعت خاصة. وذلك قولهم: سبطر وقمطر.
واعلم أنه لا يكون اسم على أربعة أحرف كلها متحركة إلا وأصله في الكلام غير ذلك فيحذف. وذلك قولهم: عُلَبِط ونحوه، وإنما أصله عُلابِط.
وكذلك هُدَبِد إنما أصله هُدابِد، وذلك جميع بابه.
هذا باب
معرفة بنات الخمسة من غير زيادة
وهي على أربعة أمثلة: منها فَعَلَّل، وهو يكون اسما ونعتا.
فالاسم نحو: السفرجل. والصفة نحو شمردل.
ويكون على فُعَلَّل فيهما.
فالاسم، نحو الخزعبلة. والصفة ؛ نحو الخبعثن، والقذعملة.

ويكون على فِعْلَلَّ غير مضاعف، فيكون اسما، ونعتا.
فالاسم قرطعب. والنعت جردحل، وحنزقر.
ويكون على فَعْلَلِل نعتا. وذلك قولهم: عجوز جحمرش، وكلب نخورش.
هذا باب

معرفة الأبنية وتقطيعها بالأفاعيل
وكيف تعتبر بها في أصلها وزوائدها
ونبدأ بالأسماء الصحيحة.
فإذا قيل لك: ابن من ضرب مثل جعفر فقد قال لك: زد على هذه الحروف الثلاثة حرفا. فحق هذا أن تكرر اللام، فتقول: ضَرْيَبٌ فاعلم، فيكون على وزن جعفر، وتكون قد وضعت الفاء والعين في موضعهما، وكررت اللام حتى لحق بوزن فَعْلَل، ألا ترى أنك تقول إذا قيل لك: ابن من ضرب مثل قطع: ضَرَّبَ فاعلم، لأنه إنما قال لك: كرر العين، فإنما زدت على العين عينا مثلها.
ولو قال لك: ابن لي من ضرب مثل صمحمح لقلت: ضربرب، لأنه إنما قال لك: كرر العين واللام، فأجبته على شرطه.
ولو قال لك: ابن لي من ضرب مثل جدول لقلت: ضَرْوبٌ فاعلم ؛ لأنه لم يقل لك ألحقه بجعفر، إنما اشترط عليك أن تلحقه بما فيه واو زائدة، فزدت له واوا بحذاء الراء.
وكذلك لو قال لك: ابن لي من ضرب مثل كوثر لقلت: ضَوْرَبٌ فاعلم، فاحتذيت على المثال المطلوب منك.
ولو قال: ابن لي من ضرب مثل حيدر لقلت: ضيربٌ فاعلم.
ولو قال: ابن لي من ضرب مثل سلقى لقلت: ضربي، وقلت لنفسك: ضربيت مثل قولك: سلقيت.
فهذا يجرى في الزوائد، والأصول على ما وصفت لك.
وإنما ذكرنا هذا الباب توطئةً لما بعده.
تفسير: يقال: سلقه: إذا ألقاه على قفاه. وإذا ألقاه على وجهه قيل: بطحه. وإذا ألقاه على أحد جنبيه قيل: قتَّره، وقطَّره. وإذا ألقاه على رأسه قيل نكته.
هذا باب
معرفة الأفعال أصولها وزوائدها
فالفعل في الثلاثة يقع على ثلاثة أبنية إذا كان ماضيا: يكون على فعَلَ، فيشترك فيه المتعدى وغير المتعدى.
وذلك نحو: ضرب، وقتل فهذا متعدً، وجلس وقعد. لما لا يتعدى.
ويكون على فَعِلَ فيهما. فما يتعدى فنحو: شرب، ولقم .
وأما ما لا يتعدى فنحو: بطر، وخرق.
والفعل الثالث لما لا يتعدى خاصةً، إنما هو للحال التي ينتقل إليها الفاعل وذلك ما كان على فَعُلَ نحو: كرُم، وظرُف، وشرُف.
فأما ما كان على فَعِلَ فاللازم في مستقبله يَفْعَل تقول: شرب يشرب، وعلم يعلم.
وما كان على فَعُل فاللازم يَفْعُلُ ؛ نحو كرُم يكرُم، وظرُف يظرُفُ.
وأما ما كان على فَعَلَ فإنه يجىء على يَفْعِل، و يَفْعُل ؛ نحو: يضرب، ويقتل.
وإن عرض فيه حرف من حروف الحلق جاز أن يقع على فعَلَ يَفْعَل. وذاك إذا كان الحرف من حروف الحلق عينا أو لاما.
فأما العين فنحو: ذهب يذهب، وطحن يطحن. وأما موضع اللام فصنع يصنع وقرأ يقرأ.
وهذه الأفعال التي على ثلاثة أحرف تختلف مصادرها لاختلافها في أنفسها ؛ لأن المصدر إنما يجرى على فِعْله.
فإذا خرجت الأفعال من الثلاثة لم يكن كل فِعْل منها إلا على طريقة واحدة، ولم تختلف مصادرها.
وذاك أن الفعل إذا خرج من الثلاثة إنما يخرج لزائد يلحقه، إلا أن يكون من بنات الأربعة، فيكون في الأربعة أصلا ؛ كما كانت بناب الثلاثة.
فأما بنات الثلاثة فإن الهمزة تلحقها أولا، فيكون الفعل على أَفْعَل ؛ نحو: أخرج، وأكرم.
ويكون المستقبل، نحو: يخرج، ويكرم، وكان الأصل أن يكون وزنه يُؤَفْلِ، فحذفت الهمزة ؛ لأنه كان يلرمه إذا أخبر عن نفسه أن يجمع بين همزتين وذلك ممتنع.
فلما كانت زائدة وكانت تلزم ما لا يقع في الكلام مثله حذفت. وأتبعت حروف المضارع الهمزة ؛ كما جرين في باب وعد مجرى الياء.
ويكون المصدر على إفْعَال وذلك قولك: أكرم يُكْرِم إكراما، وأحسن يُحْسِن إحسانا.
ويكون على فاعَلْت فيكون مستقبله على وزن مستقبل أَفْعَلت قبل أن يحذف. وذلك قولك: قاتل يقاتل، وضارب يضارب.
ومعنى فاعَل إذا كان داخلا على فعَلَ أن الفعل من اثنين، أو أكثر وذلك ؛ لأنك تقول: ضريت، ثم تقول: ضاربت. فتخبر أنه قد كان إليك مثل ما كان منك وكذلك شاتمت.
فإن لا يكن فيه فعَلَ فهو فِعْل من واحد: نحو عاقبت اللص، وطارقت نعلى.
والمصدر يكون على مفاعَلة ؛ نحو: قاتلت مُقاتلة، وشاتمت مُشاتمة.
ويقع اسم الفعل على فِعال، نحو القِتال، والضراب.

واعلم أن الفعلين إذا اتفقا في المعنى جاز أن يحمل مصدر أحدهما على الآخر ؛ لأن الفعل الذي ظهر في معنى فعله الذي ينصبه. وذلك نحو قولك: أنا أدعك تركاً شديداً، وقد تطويت انطواءً، لأن تطويت في معنى انطويت. قال الله عز وجل: " وتبتل إليه تبتبلا " لأن تبتل وبتل بمعنى واحد. وقال: " والله أنبتكم من الأرض نباتاً " ولو كان على أنبتكم لكان إنباتا، قال امرؤ القيس:
ورضت فدلت صعبةً أي إذلال
ولو كان على ذلت لكان: أي ذل. لكن رضت في معنى أذللت.
ويكون الفعل على فعَّل فيكون مستقبله على يُفَعِّل ؛ لأنه في وزن فاعل، وأَفْعَل. فلذلك وجب أن يكون مستقبله كمستقبلهما.
والمصدر على التفْعِيل: نحو: قطعت تقطيعا، وكسرت تكسيرا .
وهذه الأفعال الفصل بين فاعلها ومفعولها كسرةٌ تلحق الفاعل قبل آخر حروفه، وفتحة ذلك من الحرف من لفعول ؛ نحو قولك: مُكرِم ومُكرَم، ومُقاتِل، ومُقَاتَلٌ، ومُقطَّع ومُقطِّع.
وما كان من للصادر التي أوائلها الميم، أو أسماء المواضع التي على ذلك الحد، أو الأزمنة فعلى وزن المفعول ؛ لأنها مفعولات.
فالمصدر مفعول أحدثه الفاعل، والزمان والمكان مفعول فيهما، وذلك قولك أنزلته منزلاً. قال الله عز وجل: " ليدخلنهم مدخلا يرضونه " و " باسم الله مجراها ومرساها " .
وتقول: هذا مقاتلنا: أي موضع قتالنا، كما قال:
أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا غم الجبان من الكرب
وتقول: سرحته مسرحا، أي تسريحا. قال:
ألم تعلم مسرحي القوفي ... فلاعيا بهن، ولا اجتلابا
ويكون الفعل على افْتعَلَ فيكون مستقبله على يَفْتِعلُ.
والمصدر الافْتِعال، ويكون الفاعل مُفْتعِلا. على ما وصفت.
ويكون على انْفعَلَ وهو في وزن افْتعَل. ويكون للمستقبل يَنْفَعِل على وزن يفْتعِل وهو بناءٌ لا يتعدى الفاعل إلى المفعول.
ومصدره الانْفعِال على وزن الافْتِعال.
وفاعله مُنْفعِل. ولا يقع فيه مفعول إلا الظرفان: الزمان والمكان. تقول: هذا يوم منطلق فيه .
ويَنْفعِل يكون على ضربين: فأحدهما: أن يكون لما طلوع الفاعل، وهو أن يرومه الفاعل فيبلغَ منه حاجته. وذلك قولك: كسرته فانكسر، وقطعته فانقطع.
ويكون للفاعل بالزوائد فِعْلا على الحقيقة ؛ نحو قولك: انطلق عبد الله، وليس على فعَلْته.
وفي هذا الوزن إلا أن الإدغام يدركه، لأنك تزيد على اللام مثلها، وذلك قولك: احمر، واخضر.
وأصله احمرر.
يتبين ذلك لك إذا جعلت الفعل لنفسك، وقلت: احمررت، لأ التضعيف يظهر إذا سكن آخره فيصير احمررت على وزن انفعلت وافتعلت، والفاعل منه محمر وأصله محمرر، وهو فِعْل لا يتعدى الفاعل ؛ لأن أصل هذا الفعل إنما هو لما يحدث في الفاعل، نحو احمر، واعور.
فان وقع ذلك للمكان أو الزمان قلت: مكان محمر فيه، ومعور فيه.
ويكون المصدر على مثال افْعِلال، نحو: الاحمرار والاصفرار فلذلك على زن الاْفتِعَال والانْفعَال.
ويكون الفعل على مثال اسْتفْعَلْت، نحو استخرجت، واستكثرت.
ويكون مستقبله على يَسْتفْعِل، نحجو: يستخرج، ويستكثر.
ويكون المصدر اسْتِفْعَالا ؛ نحو: استخراجا، واستكثارا.
والفاعل مستخرج، والمفعول مستخرج.
ويكون على مثال افْعَنْللْت، وافْعَوْعَلْت. إلا أن افْعَنْلَلَت ملحقة فنحتاج إلى أن نعيد ذكرها في باب الأربعة. وذلك قولك: اقْعَنْسَسَ، وفي افْعَوْعَل: اغدودن .
والمصدر كمصدر اسْتفْعَلْت. تقول من افْعَنْللْت: افْعِنْلالا، ومن افْعَوْعَلْت افْعِيعَالا. تقلب الواو ياءً ؛ لأنكسار ما قبلها، وسكونها.
ويكون على افْعَوَّلْت ؛ نحو: اعلوطت، تقول: اعلوط الرجل، إذا ركب دابته فضم بيديه على عنقها إذا خاف السقوط.
والمصدر اعلواطا. تصح الواو ؛ لأنها مشددة، وكما صحت الواو في الفعل صحت في المصدر.
ويكون على افْعَاللْت فيكون على هذا الوزن ؛ إلا أن الإدغام يدركه. والأصل أن يكون على وزن استخرجت وما ذكرنا بعدها. وذلك قولك: احماررت، واشهاببت، واحمار الدبة واشهاب.
والمصدر افْعِيلال على وزن استخراج، وذلك قولك: احمار احمِيرارا. وهذا الوزن أكثر ما يكون عليه الاسم حروفا، ولا يوجد اسم على سبعة أحرف إلا في مصدر الثلاثة والأربعة المزيدة.

ويكون الفعل على تَفعَّلَ فيكون على ضربين: على المطاوعة من فعَّل فلا يتعدى، نحو قولك: قطعته فتقطع، وكسرته فتكسر، فهذا للمطاوعة.
ويكون على الزيادة في فِعْل الفاعل ؛ نحو: تقحمت عليه وتقدمت إليه.
والأصل إنما هو من قحمته فتقحم، وقدمته فتقدم.
والمصدر التَفَعُّل، نحو: التقدم، والتقحم فإذا كان على زيادة غير فَعَّلَ كان مثل تكلم ومثل ما يقول النحويون: إنه يخرج من هيئة إلى هيئة، نحو: تشجع، وتجمل، وتصنع.
ويكون على تَفَاعَل كما كان تَفَعَّل ؛ لأن هذه التاء إنما لحقت فعل وفاعل في الأصل. فيكون على ضربين.
أحدهما: المطاوعة. وذلك نحو: ناولته فتناول، وليس كقولك: كسرته فانكسر، لأنك لم تخبر في قولك: انكسر بفعل منه على الحقيقة، وأنت إذا قلت: قدمته فتقدم، وناولته فتناول تخبر أنه قد فَعَلَ على الحقيقة ما أردت منه. فإنما هذا كقولك: أدخلته فدخل.
ويكون ضرب آخر، وهو أن يظهر لك من نفسه ما ليس عنده وذلك ؛ نحو تعاقل، وتغابى، وتغافل كما قال:
إذا تخازرت وما بي من خزر
والمصدر التَّفَاعُل على وزن التفعُّل.
ففي ما ذكرنا دليل لى كل ما يرد عليك من هذه الأفعال إن شاء الله.
هذا باب معرفة

ألفات القطع وألفات الوصل
وهن همزات في أوائل الأسماء، والأفعال، والحروف
فما كان من ذلك أصلياً فهمزته مقطوعة، لأنها بمنزلة سائر الحروف، وكذا إذا ألحقت بغير ما استثنيه لك. وذلك نحو قولك في الهمزة الأصلية: أب، وأخ، والزائدة: أحمر، وأصفر تقول: رأيت أباك، وأخاك، وأحمر، وأصفر.
وفي الأفعال الهمزة الأصلية ؛ نحو همزة أكل وأخذ. والزائدة همزة أعطى، وأكرم. تقول: يا زيد أحسن، وأكرم .
فأما الهمزة التي تسمى ألف الوصل فموضعها الفِعْل. وتلحق من الأسماء أسماءٌ بعينها مختلة. والمصادر التي أفعالها فيها ألف الوصل.
وإنما دخلت على هذه الألف لسكون ما بعدها. لأنك لا تقدر على أن تبتدىء بساكن، فإذا وصلت إلى التكلم بما بعدها سقطت.
وإنما تصل إلى ذلك بحركة تلقى عليه، أو يكون قبل الألف كلام فيتصل به ما بعدها. وتسقط الألف، لأنها لا أصل لها وإنما دخلت توصلا إلى ما بعدها ؛ فإذا وصل إليه فلا معنى لها.
فآية دخولها في الفِعل أن تجد الياء في يَفْعَل مفتوحة. فمان كان كذلك فلحقته الألف فهي ألف الوصل وذلك قولك: يضرب، ويذهب، وينطلق، ويستخرج. وذلك قولك: يا زيد اضرب، ويا زيد انطلق، ويا زيد استخرج.
فإن انضمت الياء في يَفْعل لم تكن الألف إلا قطعا. وذلك نحو: أحسن، وأكرم، وأعطى، لأنك تقول: يكرم، ويحسن، ويعطى. تكون الألف ثابتة ؛ كما تكون دال دحرج ؛ لأن حروف المضارعة تضم فيها كما تنضم مع الأصول في مثل قولك: يدحرج ويرامى.
فكل ما كان من الفِعْل ألفه مقطوعةٌ، فكذلك الألف في مصدره، تقول: يا زيد أكرم إكراما، وأحسن إحسانا.
وإذا كانت في الفعل موصولة فكذلك تكون مصدره. تقول: يا زيد استخرج استخراجا، وانطلق انطلاقا.
وهذه الألف الموصولة أصلها أن تبتديء مكسورةً. تقول: اعلم، انطلق.
فإن كان الثالث من يَفْعل مضموما ابتدئت مضمومةً. وذلك لكراهيتهم الضم بعد الكسر ؛ حتى إنه لا يوجد في الكلام إلا أن يلحق الضم إعرابا، نحو قولك: فخذٌ كما ترى.
فكرهوا أن يلتقى حرف مكسور وحرفٌ مضموم لا حاجز بينهما إلا حرفٌ ساكن، وذلك قولك في ركض يركض، وعدا يعدو، وقتل يقتل إذا استأنفت: اركض برجلك، اعد يافتى، اقتل.
وكذلك للمرأة. تقول: اُقْتلُي، لأن العلة واحدة، تقولها لها: اغزي اعدي ؛ لأن الأصل كان أن تثبت الواو قبل الياء، ولكن الواو كانت في يعدو ساكنة، والياء التي لحقت للتأنيث ساكنة. فذهبت الواو لالتقاء الساكنين، والأصل أن تكون ثابتة، فاستؤنفت ألف الوصل مضمومةً على أصل الحرف، لأن يعدوا بمنزلة يقتل.
وكذلك تقول: استضعفت زيد. انطلق به، اقتدر عليه. وقد مضى تفسير هذا.
وأما وقوع ألفات الوصل للأسماء فقولك: ابن، واسم، وامرؤ، كما ترى.
فأما ابن فإنه حرف منقوص مسكن الأول فدخلت لسكونه، وإنما حدث فيه هذا السكون لخروجه عن أصله، وموضع تفسيره فيما نذكره من بنات الحرفين.
وكذلك اسم.

فإن صغرتهما أو غيرهما مما فيه ألف الوصل من الأسماء - سقطت الألف، لأنه يتحرك ما بعدها فيمكن الابتداء به. وذلك قولك: بنى، وسمى، تسقط الألف وترد ما ذهب منهما.
وأما مرؤ فاعلم فإن الميم متى حركت سقطت الألف.
تقول هذا مرءٌ فاعلم، وكما قال تعالى " يحول بين المرء وقلبه " ، وهذا مريىٌّء فاعلم.
ومن قال: امرؤ قال في مؤنثه: امرأة، ومن قال: مرءٌ قال في مؤنثه: مرأة.
واعلم أنك إذا قلت امرؤ فاعلم ابتدأت الألف مكسورة، وإن كان الثالث مضموما، وليس بمنزلة اركض، لأن الضمة في اركض لازمة، وليست في قولك امرؤ لازمة لأنك تقول في النصب رأيت امرأ، وفي الجر مررت بامرىء فليست بلازمة.
وأما قولنا: إذا تحرك الحرف الساكن، فبتحويل الحركة عليه سقطت ألف الوصل.
فمن ذلك أن تقول: اسأل فإن خففت الهمزة فإنّ حكمها - إذا كان قبلها حرف ساكن - أن تحذف فتلقى على الساكن حركتها، فيصير بحركتها متحرّكا. وهذا نأنى على تفسيره في باب الهمزة إن شاء الله. وذلك قولك: سل ؛ لأنك لما قلت: اسأل - حذفت الهمزة فصارت: اسل فسقطت ألف الوصل لتحرك السين. قال الله عزّ وجل " سل بني إسرائيل " .
ومن ذلك ما كانت الياء والواو فيه عينا ؛ قال، وباع، لأنك تقول: يقول، ويبيع فتحول حركة العين على الفاء.
فإذا أمرت قلت: قل، وبع ؛ لأنهما متحركتان.
ولو كانتا على الأصل لقلت: قول، وبيع على مثال قتل، وضرب. يقول، ويبيع على مثال يقتل، ويضرب، ولقلت: أقول ؛ كما تقول: اقتل، وقلت: ابيع ؛ كما تقول: اضرب لسكون الحرف.
ومن ذلك ما كانت فاؤه واوا ووقع مضارعه على يَفْعِل ؛ لأنك تحذف الواو التي هي فاءٌ، فتستأنف العين متحركة، فتقول: عِدْ، وزِنْ ؛ لأنهما من وعد، ووزن، يعد، ويزن ففاؤهما واو تذهب في يَفْعِل. وإنما الأمر من الفعل المستقبل، لأنك إنما تأمره بما لم يقع. وكل ما جاءك من ذا فعلى هذا فقس إن شاء الله.
ومن ألفات الوصل الألف التي تلحق مع اللام للتعريف وزعم الخليل أنها كلمة بمنزلة قد تنفصل بنفسها. وأنها في الأسماء بمنزلة سوف في الأفعال. لأنك إذا قلت: جاءني رجل فقد ذكرت منكورا، فإذا أدخلت لألف واللام صار معرفة معهودا.
وإذا قلت: زيد يأكل فأنت مبهم على السامع، لا يدري أهو في حال أكل أم يوقع ذلك فيما يستقبل ؟ فإذا قلت: سيأكل، أو سوف يأكل فقد أبنت أنه لما يستقبل.
ولو احتاج شاعر إلى فصل الألف واللام لاستقام ذلك. وكان جائزا للضرورة، كما يجوز مثله في سوف، وقلّما، وقد، ونحوها من الحروف التي تكون أصلا للأفعال كما قال حيث اضطر الشاعر:
صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصالٌ على طول الصدود يدوم
وإنما قلما للفعل. وعلى هذا قال الشاعر حيث اضطر:
دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل ... بالشحم إنا قد مللناه بجل
ففصل الألف واللام على أنّه قد ردهما في البيت الثاني.
وقد شرحت لك أنّ هذه الألف إذا اتصلت بالاسم الذي فيه كلام قبله سقطت إذ كانت زائدة، لسكون ما بعدها. تقول: أستخرجت من زيد مالا ؟ إذا كنت مستفهما ؛ لأن ألف الاستفهام لما دخلت سقطت ألف الوصل، فمن ثمّ ظهرت ألف الاستفهام مفتوحة. قال الله عز وجل " سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم " فذهبت ألف الوصل.
فإن لحقت ألف الاستفهام ألف الوصل التي مع اللام لم تحذف ؛ لأنها مفتوحة، فلو حذفت لم يكن بين الاستفهام والخبر فصل، ولكنها تجعل مدة. فتقول: آلرجل قال ذاك ؟ آلغلام ضربك ؟ وكذا حكم كلّ ألف وصل تقع مفتوحةٌ. ولا نعرفها مفتوحة إلا التي مع اللام، وألف ايم التي تقع في القسم ؛ فإنك إذا استفهمت عنها قلت: آيم الله لقد كان ذاك ؟ والعلة الفرق بين الخبر والاستخبار.
هذا باب

تفسير بنات الأربعة
من الأسماء والأفعال بما يلحقها من الزوائد
فالاسم من بنات الأربعة يكون على مثال فُعْلُول. وذلك ؛ نحو قولك: عصفور، وزنبور فالواو وحدها زائدة.
ويكون على مثال فِعْلِيل ؛ نحو دهليز، وقنديل.
ويكون على مثال فِعْلال ؛ نحو سرداح، وحملاق.
ويكون على مثال فُعالِل، نحو عذافر، وعلابط.
وتلحق الأفعال الزوائد. فيكون على مثال تَفَعْلَلَ. وذلك ؛ نحو: تدحرج، وتسرهف وهذا مثال لا يتعدّى ؛ لأنه في معنى الانفعال وذلك قولك: دحرجته فتدحرج، وسرهفته فتسرهف.

ويكون بالزوائد على مثال افْعَلَل وذلك، نحو احرنجم، واخرنطم وألف هذا موصولة ؛ لأنك إذا قلت: يحرنجم فتحت الياء.
وقد مضى تفسير هذا. وفيما كتب لك دليل على المعرفة بموضع الزوائد.
هذا بابما كان فاؤه واواً من الثلاثة
اعلم أن هذه الواو إذا كان الفعل على يَفْعِل سقطت في المضارع. وذلك قولك: وعد يعد، ووجد يجد، ووسم يسم.
وسقوطها ؛ لأنها وقعت موقعا تمتنع فيه الواوات.
وذلك أنها بين ياء وكسرة وجعلت حروف المضارع الأخر توابع للياء ؛ لئلاّ يختلف الباب ولأنه يلزم الحروف ما لزم حرفا منها ؛ إذ كان مجازها واحدا.
وقد بينت لك أنه إذا اعتل الفعل اعتل المصدر إذا كان فيه مثل ما يكون في الفعل.
فإن كان المصدر من هذا الفعل على مثال فَعْلٍ ثبتت واوه ؛ لأنه لا علة فيها. وذلك قولك: وعدته وعدا، ووصلته وصلا.
وإن بنيت المصدر على فِعْلَة لزمه حذف الواو ؛ وكان ذلك للكسرة في الواو، وأنه مصدر فِعْل معتل محذوف.
وذلك قولك: وعدته عدةً، ووزنته زنة.
وكان الأصل وعدة، ووزنة، ولكنك ألقيت حركة الواو على العين ؛ لأن العين كانت ساكنة، ولا يبتدأ بحرف ساكن.
والهاء لازمة لهذا المصدر ؛ لأنها عوض مما حذف ؛ ألا ترى أنك تقول: أكرمته إكراما، وأحسنت إحسانا. فإن اعتلّ المصدر لحقته الهاء عوضا لما ذهب منه. وذلك قولك: أردت إرادةً، وأقمت إقامةً. ولو صحّ لقلت فيه: أقومت إقواما، ولم تحتج إلى الهاء. وكذلك عدة، وزنة.
ولو بنيت اسما على فِعْلَة غير مصدر لم تحذف منه شيئاً ؛ نحو قولك: وجهة ؛ لأنه لا يقع فيه فعَل يَفْعِل، وإن كان في معنى المصادر.
وإنما اعتل المصدر للكسرة، واعتلال فعله. فإن انفرد به أحدهما لم يعتلل، ألا ترى أنك تقول: وعدته وعدا.
ومثل ذلك خوان، لم تنقلب واوه ياءً، لأنه ليس بمصدر.
وكذلك الجوار لا يعتلّ، لأنه مصدر جاورت ؛ فيصحّ كما صح فعله.
وتقول: قمت قياما، فيعتل المصدر لاعتلال فعله، والكسرة التي فيه. واو قلت: قلت قولا لصحّ المصدر ؛ لأنه لا علّة فيه، وهو بمنزلة وعدا من وعدت.
فإن كان الفعل على فِعَلَ كان مضارعه صحيحا إذا كان على يَفْعَل وذلك قولك: وجل يوجل، ووحل يوحل، ووجع الرجل يوجع، لأن الواو لم تقع بين ياءٍ، وكسرة.
وثبات الواو بعد الياء إذا لم تكن كسرة غير منكر كقولك: يوم، وما أشبهه. وقد استنكر ذلك بعضهم. وله وجه من القياس. فقالوا: يبجل، وييحل. وليس ذلك بجيد ؛ لأن القلب إنما يجب إذا سكن أول الحرفين، نحو: سيد، وميت. وأصلهما سيود، وميوت ؛ لأنه من ساد يسود، ومات يموت. وكذلك ليّة. إنما هي لوية، لأنها من لويت.
وقال قوم: نكسر أوائل المضارعة، لتنقلب الواو ياءً ؛ لأن الواو الساكنة إذا انكسر ما قبلها انقلبت ياءً، كما ذكرت لك في ميزان، وميعاد، فقالوا: نقول: ييجل، وييحل.
ولو كسروا الأحرف الثلاثة: الهمزة والتاء والنون، لكان قياسا على قولك بالكسر في باب فَعِل كلّه إذا قلت: أنا إعلم، وأنت تعلم. ولكن لما كسروا الياء في ييجل علمنا أن ذلك ؛ لتنقلب الواو ولولا ذلك لم يكسروا الياء وهذا قبيح لإدخالهم الكسر في الياء.
وقال قوم - وهم أهل الحجاز - : نبدلها على ما قبلها فنقول: يا جل ويا حل. وهم الذين يقولون: موتعد، وموتزن، ويا تعد ويا تزن.
وهذا قبيح ؛ لأن الياء والواو إنما تبدلان إذا انفتح ما قبلهما، وكلّ واحدة منهما في موضع حركة ؛ نحو: قال، وباع، وغزا، ورمى.
فأما إذا سكنا وقبل كلّ واحدة منهما فتحةٌ فإنهما غير مغيرتين ؛ نحو قولك: قول، وبيع. وكذا إن سكن ما قبلهما لم تغيرا ؛ كقولك: رمى، وغزو.
وإنما القياس، والقول المختار يوجل، ويوحل. وهذه الأقاويل الثلاثة جائزة على بعد.
هذا باب

ما لحقته الزوائد من هذا الباب
اعلم أنك إذا قلت: افْتَعَل، ومُفتْعَل ما تصرف منه فإن الواو من هذا الباب تقلب فيه تاءً. وذلك الاختيار، والقول الصحيح.
وإنما فعلوا ذلك، لأن التاء من حروف الزوائد والبدل. وهي أقرب الزوائد من الفم إلى حروف الشفة .
فإن قلت: إن السين من حروف البدل فسنبين أن السين ليست من حروف البدل، وإنما تلزم استفعل، وما تصرف منه. وقد مضى تفسير هذا.
وقد كانت التاء تبدل من الواو في غير هذا الباب في مثل قولك: أتلج وإنما هو من ولج.

وكذلك فلان تجاه فلان، وهو فُعال من الوجه، والتراث من ورثت. والتخمة من الوخامة. وهذا أكثر من أن يحصى. فلما صرت إلى افتعل من الواو كرهوا ترك الواو على لفظها، لما يلزمها من الانقلاب بالحركات قبلها. وكانت بعدها تاء لازمة، فقبلوها تاءً، وأدغموها في التاء التي بعدها. وذلك قولك: اتعد، واتزن، ومتعد، ومتزن، ومتجل من وجلت.
وكانت الياء من قبل الزوائد مخالفةً للواو فيما فاؤه واوٌ وذلك قولك: يبس ويئس إذا قلت: ييبس وييئس وكذلك ما كان فعَلَ منه مفتوحا، نحو يعر الجدى ييعر، وينع يينع، لم تحذف الياء لوقوعها بين الياء والكسرة، لأنه ليس فيها ما في الواو. فلذلك ثبت، كما ثبتت ضاد يضرب، وعين يَفْعَل .
فمن قال في يبس، ويئس: ييبس، وييأس فهو على قياس من قال: يوجل.
وبعض ما يقول: يا جل يقول: ياءس ويابس. وهذا ردىء جداً.
فإذا صرت إلى باب يَفْتَعِل، ومُفْتَعِل صارت الياء في البدل كالواو تقول: متبس، ومتئس .
وإنما صارت كذلك، لان الياء إذا انضم ما قبلها صارت واوا، لسكونها، فالتبست بالواو ولأن الواو إذا انكسر ما قبلها صارت ياءً، ألا ترى أنك تقول: موسر، وموقن. فتقلب الياء واوا، كما فعلت ذلك بالواو في ميزان. فقد خرجنا في مفْتَعل إلى باب واحد فأما من يقول: يا جل فإنه يقول: ياتئس، وياتزن، وموتئس، وموتزن.
فإذا أراد افتعل قال: ايتزن الرجل. ويقول: ايتبس إذا أرادوا افتعل من اليبس. ويقيس هذا أجمع على ما وصفت لك وهو قول أهل الحجاز. ولأصل والقياس ما بدأنا به.
والضمة مستثقلة في الواو، لأنها من مخرجها، وهما جميعا من أقل المخارج حروفا. ونبين هذا في بابه إن شاء الله .
فمتى انضمت الواو من غير علة فهمزها جائز. وذلك قولك في وجوع: أجوه، وفي وعد: أعد.
ومن ذلك قوله " وإذا الرسل أقتت " إنما هي فُعِّلت من الوقت، وكان أصلها وقتت.
وأما قولنا: إذا انضمت لغير علة، فإن العلة أن يحدث فيها حادث إعراب وذلك قولك: هذا غزوٌ وعدو.
ويكون لالتقاء الساكنين كقولك: اخشوا الرجل " لترون الجحيم " " ولا تنسوا الفضل بينكم " .
وإنما وجب في الأول ما لم يجب في هذا، لأن الضمة هناك لازمة.
تقول: وُعِدَ، فلا تزايلها الضمة ما كانت لما لم يسمّ فاعله.
وفي قولك: وجوه لا يكون على غير هذه البنية. وكذلك كلّ ما كانت ضمّته عل هذه البنية.
فأما من ضم للإعراب فإن ضمته لعلة، متى زالت تلك العلة زالت الضمة. تقول: هذا غزوٌ. ورأيت غزواً، ومررت بغزو، فالضمة مفارقة.
وكذلك ما ضم لالتقاء الساكنين ؛: إنما ضمته إذا وقع إلى جانب الواو ساكن، نحو اخشوا الرجل. فإن وقع بعدها متحرّك زالت الضمة ؛ نحو قولك: اخشوا زيدا، واخشوا عبد الله.
فإن انكسرت الواو أوّلا فهمزها جائز. ولا تهمزها مكسورةً غير أول، لعلةٍ نذكرها إن شاء الله.
وذلك في قولك وسادة: إسادة، وفي وشاح: إشاح.
وإن التقت في أول الكلمة واوان ليست إحداهما للمدّ لم يكن بدّ من همز الأولى ؛ إذ كنت مخيرا في همز الواو إذا انضمت.
وذلك قولك في تصغير واصل: أَوَيْصَل. وكان أصلها: وُوَيْصِل ؛ لأن في واصل ؛ لأن في واصل واوا، وألف فاعل تبدل في التصغير واوا. تقول في ضارب: ضويرب.
وجمع التكسير بمنزلة التصغير. وذلك قولك في جمع ضاربة: ضوارب. فتقلب الألف واوا، فاجتمعت في واصل واوان إذا صغرته، أو جمعت واصلة، تقول في جمعها: أواصل.
وكذلك تصغير واقد.
ولو قيل لك: ابن من وعد فَوْعَل لقلت: أوعد. وكان أصلها ووعد ؛ لأن واوا من الأصل، وبعدها واو وفَوْعَل، فهمزت الأولى على ما وصفت لك.
وأما قولنا: إلاّ أن تكون الثانية مدّة فإن المدة الألف، والياء المكسور ما قبلها، والواو المضموم ما قبلها.
فإذا التقت واو في أول الكلام إلى جانبها واو، والأولى مضمومة - فإن شئت همزة الأولى لضمها، ولا يكون ذلك لازماً ؛ لأن الواو التي هي مدة ليست بلازمة. وذلك إذا أردت مثل قوول زيد، وهو فُوعِلَ من قاولت ومن وعدت تقول: ووعد زيد. وإن شئت همزت الواو لضمها، وليست من أجل اجتماع الواوين ؛ لو كان لذلك لم يجز إلا الهمز، ولكن المدة بدل من ألف واعد، وليست بلازمة، إنما انقلبت واوا لما أردت بناء ما لم يسمّ فاعله. ومثل ذلك قول الله عز وجل " ماووري عنهما من سوآتهما " ؛ واو كان غير القرآن لكان همز الواحد جائزا.

وأما الياء فلا يلحقها من الهمز ما يلحق الواو لخروجها من العلة وصحتها فيما تعتل فيه الواو من باب وعدت.
هذا باب

الواو أو الياء منه في موضع العين من الفعل
فإذا كانت واحدة منهما عينا وهي ثانية فحكمها أن تنقلب ألفا في قولك: فعَلَ. وذلك نحو قولك: قال، وباع.
وإنما انقلبت ؛ لأنها في موضع حركة، وقد انفتح ما قبلها. وقد تقدم قولنا في هذا.
فإذا قلت: يَفْعل فما كان من بنات الواو فإنَّ يفعل منه يكون على يَفْعُل كما كان قتل يقتل، ولا يقع على خلاف ذلك. لتظهر الواو. وذلك قولك: قال يقول، وجال يجول، وعاق يعوق.
وكان الأصل يعوق، ويجول مثل يقتل. ولكن لما سكنت العين في فَعَلَ سكنت في يفْعُل، لئلا يختلف الفِعْلان. ألا ترى أنك تقول: دعي، فتقلب الواو ياءً لكسرة ما قبلها. فإذا قلت: يدعى كانت ألفها منقلبة من ياءٍ. ويدلّك على ذلك قولك: هما يدعيان، فإنما انقلبت في يدعيان إتباعا لدعي، فكذلك ما ذكرت لك. وتبين هذا موضعه بغير ما ذكرنا من الحجج إن شاء الله.
وإذا قلت: يَفْعل في فَعَلَ من الياء كان على يَفْعِل كما كان ضرب يضرب. ولم يبن على غير ذلك لتسلم الياء. وذلك قولك: باع يبيع، وكال يكيل، فأسكنت الياء من الأصل من قولك: يبيع، ويكيل.
فإذا قلت: فعلت من الواو لزمك أن تلقى حركة العين على الفاء، كما فعلت ذلك في يَفْعُل، وتسقط حركة الفاء، إلا أنك تفعل ذلك بعد أن تنقلها من فَعَلْت إلى فَعُلْت لتدلّ الضمة على الواو ؛ لأنك لو أقررتها على حالها لاستوت ذوات الواو وذوات الياء. وذلك قولك: قلت، وجلت.
فإن قال قائل: إنما قلت فَعُلْت في الأصل وليست منقلبة. قيل له: الدليل على أنها فَعَلت قولك: الحق قلته، ولو كانت في الأصل فَعُلْت لم يتعد إلى مفعول. لأن فَعُلت إنما هو فعل الفاعل في نفسه ؛ ألا ترى أنك لا تقول: كرمته، ولا شرفته، ولا في شيءٍ من هذا الباب بالتعدي.
وإذا قلت: فَعَلْت من الياء نقلتها إلى فَعِلْت لتدل الكسرة على الياء ؛ كما دلّت الضمة على الواو. وذلك قولك: بعت، وكلت.
فإن قال قائل: ما تنكر من أن تكون فَعِلت في الأصل ؟ قيل: لأن مضارعها يَفْعِل. تقول: باع يبيع، وكال يكيل.
ولو كانت فَعِلَ لكان مضارعها يَفْعَل ؛ نحو شرب يشرب، وعلم يعلم.
وقد تدخل فَعِل على ذوات الياء والواو، وهما عينان، كما دخلن عليهما وهما لامان في قولك: لقي، وشقى، وغبي، وذلك قولك: خفت، وهبت، إنما فَعِلت في الأصل، يدلك على ذلك يخاف، ويهاب.
فإن قال قائل: فلم لا نقلت خفت إلى فَعُلْت ؛ لأنها من الواو فتنقلها من فَعِل إلى فَعُل ؟ قيل: إنما جاز في فَعَل التحويل ؛ لاختلاف مضارعه ؛ لأن ما كان على فَعَل وقع مضارعه على يَفْعِل، ويَفْعُل و يَفْعَل إن كان فيه حرف من حروف الحلق ؛ نحو: صنع يصنع، وذهب يذهب.
وما كان من فَعِل فيَفْعَل لازم له. وقد ذكرت لك لزوم الفِعْلِ بعضه بعضا في اعتلاله وصحّته ؛ أعني المضارع والماضي.
هذا باب
اسم الفاعل والمفعول من هذا الفعل
فإن بنيت فاعلا من قلت، وبعت لزمك أن تهمز موضع العين ؛ لأنك تبنيه من فِعْل معتلٍّ، فاعتل اسم الفاعل لاعتلاله فِعْله، ولزم أن تكون علته قلب كلّ واحد من الحرفين همزة، وذلك قولك: قائل، وبائع ؛ وذاك أنه كان قال: وباع، فأدخلت ألف فاعِل قبل هذه المنقلبة ؛ فلما التقت ألفان - والألفان لا تكونان إلاّ ساكنتين لزمك الحذف لالتقاء الساكنين، أو التحريك. فلو حذفت لالتبس الكلام، وذهب البناء، وصار الاسم على لفظ الفعل، تقول فيهما: قالٌ: فحركت العين لأن أصلها الحركة، والألف إذا حركت صارت همزة. وذلك قولك: قائل، وبائع.
فإن قلت فما بالك تقول: هو عاور غدا وجملك صايدا غدا من الصيد ؟ قيل: صح الفاعل لصحة فِعْله ؛ لأنك تقول عور، وصيد، وحول، وصيد البعير يصيد فتقول: ما باله يصح ولا يكون كقال، وباع ؟ قيل: لأنه منقول مما لابد أن يجري على الأصل لسكون ما قبله. وما بعده. وذلك قولك: اعورّ، واحولّ ؛ فإنما عور، وحول منقول من هذا ؛ ألا ترى أنك تقول: اختار الرجل، وابتاع، ثم تقول: اعتونوا، وازدوجوا، فيصح ؛ لأنه منقول من تعاونوا، وتزاوجوا ؛ لأن هذا لا يكون للواحد.
فإن بنيت مفعولا من الياء أو الواو، قلت في ذوات الواو: كلام مقولٌ، وخاتم مصوغ.

وفي ذوات الياء: ثوب مبيع، وطعام مكيل، وكان الأصل مكيول، ومقوول، ولكن لما كانت العين ساكنة كسكونها في يقول، ولحقتها واو مفعول، حذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين.
ومبيع لحقت الواو ياءً وهي ساكنة، فحذفت إحداهما ؛ لالتقاء الساكنين.
فأما سيبويه، والخليل فإنهما يزعمان أن المحذوف واو مفعول ؛ لأنها زائدة. والتي قبلها أصليّة، فكانت الزيادة أولى بالحذف. والدليل على هذا عندهما مبيع ؛ فلو كانت الواو ثابتة والياء ذاهبة لقالوا: مبوع.
وأما الأخفش فكان يقول: المحذوفة عين الفعل ؛ لأنه إذا التقى ساكنان حذف الأول، أو حرّك لالتقاء الساكنين. فقيل للأخفش: فإن كان الأول المحذوف فقل في مبيع: مبوع ؛ لأن الياء من مبيع ذهبت والباقية واو مفعول.
فقال: قد علمنا أن الأصل كان مبيوع، ثم طرحنا حركة الياء على الباء التي قبلها ؛ كما فعلنا في يبيع، وكانت الياء في مبيوع مضمومة، فانضمت الباء، وسكنت الباء، فأبدلنا من الضمة كسرة لتثبت الياء، ثم حذفنا لالتقاء الساكنين، فصادفت الكسرة واو مفعول، فقلبتها ؛ كما تقلب الكسرة واو ميزان، وميعاد. وقوله: " أبدلنا من الضمة كسرة لتثبت الياء " إنما يريد كما فُعِل في بيض، لأن بيضا أصله فُعْل جميع فعلاً جمع أَفْعَل الذي يكون نعتا ؛ كقولك: أحمر وحمر، وأصفر، وصفر فكذا القياس في أبيض ولكن أبدلوا من الضمّة كسرة.
فقيل للأخفش: قد تركت قولك، لأنه يزعم أنه يَفعَل ذلك في الجمع، ولا يفعله في الواحد، لعله نذكرها في باب الجمع إن شاء الله، وكان يقول: لو صغت فُعْلا من البياض تريد به واحدا لقلت: بوض.
فأما سيبويه والخليل وغيرهما من النحويين البصريين فيقولون: معيشة يجوز أن تكون مَفْعُة، ويجوز أن تكون مَفْعِلة ولكن تقلب ضمتها كسرة حتى تصح الباء، كما قالوا في بيض.
وكذلك قولهم في ديك، وقيل يجوز أن يكون فِعْلا. ويجوز أن يكون فُعْلا، لا يفرقون في ذلك بين الواحد والجمع.
فإذا اضطر شاعر جاز له أن يرد مبيعا وجميع بابه إلى الأصل، فيقول: مبيوع ؛ كما قال علقمة بن عبدة:
حتى تذكر بيضاتٍ وهيجه ... يوم الرذاذ عليه الدجن مغيوم
وأنشد أبو عمرو بن العلاء:
وكأنها تفاحةٌ مطيوبةٌ
وقال آخر:
نبئت قومك يزعمونك سيدا ... وإخال أنك سيدٌ مغيون
فأما الواو فإن ذلك لا يجوز فيها، كراهيةٌ للضمة بين الواوين ؛ وذلك أنه كان يلزمه أن يقول: مقوول، فلهذا لم يجز في الواو ما جاز في الياء.
هذا قول البصريين أجمعين، ولست أراه ممتنعا عند الضرورة، إذ كان قد جاء في الكلام مثله، ولكنه يعتل لاعتلال الفِعْل. والذي جاء في الكلام ليس على فِعْل، فإذا اضطر الشاعر أجرى هذا على ذاك.
فمما جاء قولهم: النوور، وقولهم: سرت سوورا ونحوه، قال أبو ذئيب:
وغير ماء المرد فاها فلونه ... كلون النؤور وهي أدماء سارها
وقال العجاج:
كأنّ عينيه من الغوور
وهذا أثقل من مَفْعول من الواو لأن فيه واوين وضمتين. وإنما ثم واوان بينهما ضمة.
هذا باب

ما لحقته الزوائد من هذه الأفعال
اعلم أن أصل الفعل من الثلاثة فَعَلَ فمتى لحقته زائدة فإنها تلحقه بعد اعتلاله، أو صحته .
فما كان معتلاً وقبل يائه أو واوه حرف متحرك، فقصته قصة فَعَلَ في الانقلاب. وإن كان قبل كل واحد منهما ساكن طرحت حركة حرف المعتل على الساكن الذي قبلها لئلا يلتقي ساكنان ؛ لأنك إذا سلبت المعتل حركته سكن، وأبدلته ؛ لأن الزيادة إنما لحقته بعد أن ثبت فيه حكم البدل .
فمن ذلك أن تلحقه الهمزة في أوله فتقول: أقام، وأصاب، وأجاد، ونحو ذلك. والأصل أقوم، وأجود، كما أن أصل قال قول، وأصل باع بيع. فطرحت حركة الواو، والياء على موضع الفاء من الفعل، وقلبت التي تطرح حركتها إلى الحرف الذي حركتها منه: إن كانت مفتوحة قلبتها ألفاً، وإن كانت مضمومة قلبتها واواً، وإن كانت مكسورة قلبتها ياءً .
وذلك قولك: أقام للفتحة .
وتقول في المضارع: يقيم ؛ لأن أصله يقوم. فهذا مثل يقول لأن أصله يقول على وزن يقتل. الياء والواو في ذلك سواء .

فإن بنيت منه مصدرا قلت: إقامة، وإرادة، وإبانة، وكان الأصل إقوامة، وإبيانة، ولكنك فعلت بالمصدر ما فعلت بالفعل، فطرحت حركة الواو أو الياء على ما قبلها. فصارت ألفاً ؛ لأنها كانت مفتوحة، وإلى جانبها ألف الإفعال. فحذفت إحدى الألفين لالتقاء الساكنين .
فأما سيبويه والخليل فيقولان: المحذوفة الزائدة. وأما الأخفش فيقول: المحذوفة عين الفعل، على قياس ما قال في مبيع. كلا الفريقين جارٍ على أصله .
والهاء لازمة لهذا المصدر عوضا من حذف ما حذف منه: لأن المصدر على أَفْعلت إِفْعالا ؛ نحو قولك: أكرمت إكراما، وأحسنت إحسانا. فكان الأصل أقومت إقواما فلما لزمه الحذف دخلت الهاء عوضا مما حذف ؛ إذن كلت الهاء لا تمتنع منها المصادر، إذا أردت المرة الواحدة. ويكون فيها على غير هذا المعنى والعوض ؛ كقولهم: بطريق، وبطاريق، وزنديق وزناديق، فإن حذفت الياء دخلت الهاء فقلت: بطارقة وزنادقة ؛ لأن الجمع مؤنث، فأدخلت الهاء ؛ لأنها تدخل فيما هو موضع لها ؛ ألا ترك تقول: صيقل وصياقلة، وحمار وأحمرة.
وكل ما لزمه حذفٌ من هذا الباب بغير هذه الزائدة فحاله في العوض كحال ما لحقته الزيادة التي ذكرناها.
وذلك قولهم: استقام استقامة، واستطاع استطاعة ؛ لأنه كان في الأصل استطوع استطواعا ؛ كما تقول: استخرج استخراجا. فلما حذفت لالتقاء الساكنين عوّضت.
فأما قولك: انقاد انقيادا، واختار اختيارا، فإنه على تمامه ؛ لأن الياء المنكسر ما قبلها منفتحةٌ في هذه المصادر، فإنما هن بمنزلة الياء في النصب في أواخر الأسماء، والأفعال إذا كان ما قبلها مكسورا ؛ نحو قولك: رأيت قاضيا يا فتى، ويريد أن يقضى فاعلم، ولكنها تتقلب في الانقياد، ونحوه من الواو، فيكون هذا اعتلالها.
وذلك أن قولك: قياد من انقياد مثل قيام الذي هو مصدر قمت، فانقلب على جهة واحدة.
وفي هذه الجملة ما يدل على ما يرد عليك من هذا الباب إن شاء الله.
فإن بنيت شيئا من هذه الأفعال بناء ما لم يسم فاعُله فإنك تجريها مجرى الثلاثة في القلب، وتسلم صدرها ؛ لأنها في إلحاق الزوائد كالصحيح من الأفعال وذلك قولك فيما كان من أَفْعَل: قد أقيم عبد الله. فتلقى حركة الواو على ما قبلها: لأنها كانت قبل: أقوم عبد الله ؛ مثل أخرج، فحولت الحركة على القاف فانكسرت القاف وسكنت الواو فانقلبت ياءً، لسكونها وكسرة ما قبلها. والأصل في هذا ما ذكرت لك في باب أَفعل.
فإن قلت: قد اختير، وانقيد ضممت ألف الوصل ؛ لأن حق هذا الكلام أن يكون افتعل، وانفعل، ولكنّك طرحت حركة العين على ما قبلها كما فعلت في قيل، وبيع، لأن تير من اختير، و قيد من انقيد بمنزلة قيل، وبيع. وقد مضى القول في هذا.
وكذلك اسُتْفُعْلِ ؛ نحو استطيع.
ومن كان قوله: قد بوع، وقُول فعل ههنا كما فَعَلَ ثم.
ومن رأى الإشمام أشمّ ههنا، فالمجرى واحد.
هذا باب

الأسماء المأخوذة من الأفعال
اعلم أن كل اسم كان على مثال الفعل، وزيادته ليست من زوائد الأفعال، فإنه منقلب حرف اللين كما كان ذلك في الأفعال، إذ كان على وزنها وكانت زيادته في موضع زيادتها.
والنحويّون البصريّون يرون هذا جاريا في كل ما كان على هذا الوزن الذي أصفه لك.
ولست أراه كذلك، إلا أن تكون هذه الأسماء مصادر فتجري على أَفْعالها.
أو تكون أسماءً لأزمنة الفعل، أو لأمكنته الدالة على الفِعْل.
فأما ما صيغ منها اسما لغير ذلك فليس يلازمه الاعتدال ؛ لبعده من الفِعْل. وسنأتي على شرح ذلك إن شاء الله.
تقول في مَفْعَل - إذا أردت به مذهب الفعل من القول والبيع وما كان مثل واحد منهما - : مقال ومباع، لأنه في وزن أقال، وأباع. فالميم في أوّله كالهمزة في أوّل الفعل، فلم تخف التباسا، لأن الميم لا تكون من زوائد الأفعال.
فإن بنيت منه شيئا على مُفْعَل قلت: مقال، ومراد ؛ كما كنت تقول: يقال، ويراد.
فإن صغت اسما لا تريد به مكانا من الفعل، ولا زمانا للفعل، ولا مصدرا قلت في مَفْعَل من القول: هذا مقول، ومن البيع: مبيع ؛ كما قالوا في الأسماء: مزيد. وقالوا: إن الفكاهة مقودةٌ إلى الأذى.
وعلى هذا قالوا: مريم، ولو كان مصدرا لقلت: مراما، وهذا مرامك إذا أردت الموضع الذي تروم فيه، وكذلك الزمان.

وعلى هذا استخرت مستخارا في معنى الاستخارة وانقدت منقادا في معنى قولك: انقيادا.
واعلم أن المصدر واسم المكان والزمان بزيادة الميم في أوائلها يكون لفظها لفظ المفعول إذا جاوزت الثلاثة من الفِعْل. وذلك ؛ لأنها مفعولات. وذلك نحو قوله: " وقل ربي أنزلني منزلا مباركا " " وباسم الله مجراها ومرساها " ، وما أشبه ذلك.
فأما الفاعل منها فيجرى على وزن يُفْعِل، إلا أن الميم في أول اسمه مضمومة، ليفصل بين الاسم والفعل.
والمفعول يجرى على مثال ؟ يُفْعَل ؛ إلا أن الميم في أوله مضمومة لأنه اسم ؛ والميم آية الأسماء فيما كان من الأفعال المتزيدة، وذلك قولك للفاعل: مقيم، ومريد ؛ لأن فعله يقيم، ويريد.
والمفعول مقام، ومراد، على مثال يقام، ويراد.
فإن كانت هذه الميم في اسم ولم يكن بها على مثال الفعل فالاسم تامٌ.
وذلك قولك: رجل مقول، ومخيط، ومشوار، من الشارة والهيئة، ومسوك. فيتم ؛ لأنه إنما اعتل الاسم لإجرائه على الفعل، فلما خرج عن ذلك كان على أصول الأسماء.
ولو بنيت مثل جعفر من قلت وبعت لقلت: قولل وبيعع. فإن قال قائل: هذا مما تلزمه العلّة، لأنه على مثال دحرج، قيل له: يمتنع هذا من العلة لشيئين: أحدهما: الإلحاق بدحرج ؛ لأن الملحق بالأصلي يقع على مثاله.
والعلة الأخرى: أن الياء والواو، لا تقع واحدة منهما أصلا في ذوات الأربعة، إلا فيما كان مضاعفا ؛ نحو الوحوحة، والوعوعة، وما كان مثله. فلهذا امتنعنا من العلة في هذا البناء ونبين هذا في موضعه بعد مقدمته إن شاء الله.
فإن كانت الياء والواو بعد حرف متحرك، لم تلق على ما قبلها حركة واحدة منهما، لأن قياس المتحرك الذي قبلهما قياس قاف قال، وباء باع وذلك قولك. اختار الرجل، وانقاد وأصلهما اختير وانقود ؛ لأن اختار انفعل من الخير، وانقاد انفعل من القود فصارت أواخرها كقال، وباع. فما كان يلزم في ذاك فهو في هذا لازم فهذه جملة كافية فيما يرد عليك من بابها إن شاء الله.
فإن كانت زوائد الأسماء كزوائد الأفعال لم يكن في الأسماء إلا التصحيح ؛ لئلاّ يلتبسا وذلك أنك لو بنيت أَفْعَل من القول والبيع اسما لقلت: أقول، وأبيع يا فتى، كما تقول: زيد أقول الناس، وأبيعهم ؛ لئلاّ يلتبسا بمثل أخاف، وأراد، وما أشبهه.
وعلى هذا تقول: أقولة وأبيعة، لئلاّ يلتبس بقولك: أبيع وما أشبهه.
وكذلك أبيناء ؛ لأن ألف التأنيث لا يعتد بها فالكلام بغير الألف إنما هو افْعَل فهذا مما لا اختلاف فيه بين النحويين.
فإن كانت الزائدة لا تبلغ به مثال الأفعال، فإن الاسم عند سيبويه، والخليل، وغيرهما من البصريين.
وكذلك إذا كان بينه وبين مثال الأفعال فصل بحركة.
فيقولون: لو بنينا مثل تِفْعِل من القول لقلنا: تقيل. وكان أصله تقول، ولكنا ألقينا حركة الواو على ما قبلها، فسكنت وقبلها كسرة فانقلبت ياءً.
فلو قلناه من البيع لقلنا: تبيع.
وكذلك لو بنينا تُفْعُل منهما لقلنا: تقول وتبوعٌ ؛ كما يقولون فيما لحقته الميم، وليس بمشتقّ من الفعل مصدرا ولا مكانا.
وقالوا: فعل هذا: لأن زيادته من زيادة الأفعال، والحركة قد رفعت اللبس.
ولا أراه كما قالوا ؛ لأنه ليس مبنيا على فِعْل فتلحقه علّته، ولا هو على مثاله.
هذا باب

ما كان على ثلاثة أحرف
مما عينه واو أو ياء
فما بنيته من ذلك على فَعَلٍ وجب في عينه الانقلاب. وذلك قولك: دار، وباب، وساق، وما أشبهه.
وإنما انقلبت ؛ لأنها متحركة وقبلها فتحة، فصارت في الأسماء بمنزلة قال، وباع، في الأفعال.
فإن قال قائل: لم لم تجر على أصلها ليكون بينها وبين الفعل فرق، كما فُعِل ذلك فيما لحقته الزوائد ؟ قيل له: الفصل بينهما أن الأفعال فيما لحقته الزوائد تلقى حركة عينه على ما قبله، وتسكن ؛ وهذه لم تلق حركة عينها على غيره، واحتيج إلى الفرق مع الزوائد ؛ لأن ما لحقته زائدة من الأسماء تبلغ به زنة الأفعال لم ينصرف، فيلتبس بالفعل ؛ لأنه لا يدخله خفض، ولا تنوين وما كان على ثلاثة فالتنوين، والخفض فصل بينه وبين الفعل، فقد أمن اللبس.
وأصل انقلاب الياء، والواو في فَعَل واحد اسما كان أو فِعْلا، لأن القالب لهما الفتحة قبلهما، وأنهما في موضع حركة. فهذا بمنزلة قفاً، وغزا.

والأفعال في أَفْعَل وما أشبهها تقلب، وتلقى الحركة على ما قبلها، ولا يكون ذلك في الأسماء لأن أَفْعل وما أشبهه مما يسكن فاؤه إنما يبني على فَعَل، فيعتل بعلته والأسماء مصوغة على غير تصرف، فإنما يلزمها صحة الياء والواو.
وإذا سكنا فإن كان شيء من هذا على فَعْل صحت واوه وياءه، لسكونهما، وقد تقدّم القول في هذا وذلك ؛ نحو: قَوْل، وبَيْع.
ونذكر سائر الأمثلة التي على ثلاثة أحرف إن شاء الله.
وكذلك ما بنى على مثال لا يكون عليه الفعل ؛ نحو فُعَل. فإنك تقول فيها من القول: قُوَل ومن البيع: بُيَع، كما قلت: صُوَر، ونُوَم، ونحو ذلك. وما كان على فِعَل ؛ نحو بيعَ، وحِوَل.
وكذلك لو بنيت من واحد منهما مثل إِبِل لقلت من القول: قِوِل، ولم تقلب، لأّنّها متحرّكة ؛ ومن البيع، بِيِع.
فإن بنيت منهما مثل فُعُل فإنّ الياء تسلم فيه، نحو قولك: رجل صَيُود، وقوم صُيُد، ودجاجة بَيُوض، ودجاج بُيُض.
ومن أسكن فقال في رُسُل: رُسْل لما نذكره بعد هذا الباب. قال في صُيُد: صِيدٌ، وفي بُيُض: بيضٌ ؛ لأنه فُعْل فيلزم فيه ما يلزم في جمع أبيض.
ومن بناه من الواو فإنه يختار الإسكان ؛ كما قال في رُسُل: رُسْل، وفي عَضُد: عَضْد ؛ كراهة الضمة في الواو على ما تقدم به قولنا، فيقول في فُعُل من القول: قُول ؛ كما تقول في جمع خِوان: خُوْن، والأصل قُوُل، وخُوُن.
فإن جئت به على الأصل فأردت أن تبدل من الواو همزة كان ذلك جائزا لانضمامها.
وقلما يبلغ به الأصل، وهو جائز، ولكنه مجتنب، لثقله، ولأن الصحيح فيه يجوز فيه إسكان المضموم والمكسور في مثل هذا الباب. فممّا جاء على الأصل قول العجّاج:
وفي الأكفّ اللامعات سورّ
وقال الآخر:
أغرّ الثنايا أحمّ اللثا ... ت تمنحه سوك الإسحل
وأما ما كان من هذا على فَعِلٍ أو فَعُلٍ فإنه يعتل، فتنقلب واوه وياؤه ألفا، كما اعتلّ خافٌ، وطالٌ ؛ لأن المعتلّين في موضع حركة وقبل كل واحد منهما فتحة.
فأما القَوَد والصَيَد والخَوَنَةُ، والحَرَكة، وما كان نحو ذلك من باب فُعِلٍ ؛ نحو رجل حَوِل، وعَوِر، فإن هذا يفسّر في باب ما يبلغ به الأصل إن شاء الله.
وأما العَوَرَ، والحَوَلَ، والصَّيَد مصدر الأصْيد فإنما صحت لصحة افعالها، ليكون بينها وبين ما اعتلّ فعله فصل، وكما قلنا: إن هذه الأفعال من عوِر وحوِل إنّما هي منقولة من اعْوَرّ واحْوَلّ، نقول إنّ مصادرها منقولةٌ من مصادره.
هذا باب

ما اعتلت عينه مما لامه همزة
وذلك نحو قولك: جاء يجيء، وساء يسوء، وشاء يشاء.
فما كان من هذا على فَعِلَ فهو بمنزلة خاف يخاف.
وما كان منه على فَعَلَ يَفْعِل فه بمنزلة باع يبيع ؛ وذلك لأن الهمزة ليست من حروف العلة فالواو والياء قبلها بمنزلتهما قبل سائر الحروف، ولكنا أفردنا هذا الباب لنبيّن ما يلحق الهمزة من القلب في فاعِلٍ ونحوه، وما يدعى فيه من التقديم والتأخير، ونبيّن اختلاف النحويين في ذلك إن شاء الله.
اعلم أنك إذا بنيت من شيءٍ من هذه الأفعال اسما على فاعِل اعتلّ موضع العين منه، فهمز على ما وصفت لك في قائل، وبائع. فإذا همزت العين التقت هي واللام التي هي همزةٌ فلزم الهمزة التي هي لام القلب إلى الياء، لكسرة ما قبلها، لأنه لا يلتقي همزتان في كلمة إلا لزم الآخرة منهم البدل والإخراج من باب الهمز. فنقول: جاء كما ترى، وكان الأصل جائيٌ فقلب، لما ذكرت لك، وكذلك شاءٍ، وساءٍ.
فهذا قول النحويين أجمعين إلا الخليل بن أحمد، فإنه كان يقول: قد رأيتهم يفرون إلى القلب فيما كانت فيه همزة واحدة، استثقالا لها، فيقدمون لام الفعل، ويؤخرون الهلزة التي هي عين فيما لا يهمز فيه غيرها، ليصير العين طرفا فيكون ياءً، وذلك قوله:
لاث به الأشاء والعبرى
وقال:
فتعرفوني أنني أنا ذاكمو ... شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم
يريد شائك أي ذو شوكة.
قال: فلما التقت همزتان كان القلب لازما، فأقول: جائيٌ فاعلم، وشائيٌ يا فتى، فالهمزة التي تلي الألف إنما هي لام الفعل التي لم تزل همزة، والمتأخرة إنما هي عين الفعل التي كانت تهمز للاعتلال إذا كانت إلى جانب ألف، ويمضى على هذا القياس في كل ما كان مثل هذا في واحد أو جمع.
وكلا القولين حسن جميل.
هذا باب

الأسماء الصحيحة والمعتلة على مثال فَعِلٍ
وفَعُلٍ، وما كان منها في ثاني حروفه كسرة، وما كان من الأفعال كذلك .
اعلم أنه يجوز إسكان الحرفين من المضموم، والمكسور في الموضعين اللذين حددتهما استثقالا للكسرة والضمة.
وذلك قولك في عَضُد: عضد، وفي حُمُر: حُمْر، وفي فَخِذ: فَخْذ.
والفعل تقول في علم: عَلَمَ، وفي كرُم: كرْمَ .
ولا يجوز في مثل ذهب أن تسكن، ولا في مثل جملٍ، لا يسكن ذلك اسما ولا فِعْلا، لخفة الفتحة، وثقل الكسرة والضمة، ألا ترى أنك تقول: هذا زيد، ومررت بزيد، وتبدل في النصب من التنوين ألفا تقول: زيدا، لأن الفتحة لا علاج فيها، ولذلك تقول: هذا قاضٍ فاعلم، ومررت بقاضٍ يا فتى، ولا تحرك الياء المكسور ما قبلها بضمة ولا كسرة. وتقول: رأيت قاضيا، وتفسير هذا في باب مصطفون بما يزيده إيضاحا .
هذا باب

جمع الأسماء المعتلة عيناتها
وما يلحقها مما هو صحيح إذا زيدت فيه حروف اللين
ويجب التصدير في هذا الباب أن نبداً بذكر الأسماء الصحيحة التي لا زوائد فيها وما يلحقها من الزوائد التي تسمى الملحقة، والزوائد غير الملحقة، واجتماع الجمع، والتصغير.
اعلم أن الأسماء إذا كانت على أربعة أحرف أصلية، أو فيها حرف مزيد، فإن جمعها على مثال تصغيرها في الأصل، فإن خرج من ذلك شيءٌ فلعلة موجبة.
إذا جمعت اسما على مثال جعفر، أو قمطر، أو جلجل، فإن تصغيره جعيفر، وقميطر وجليجل ؛ لأن العدد أربعة، وتصغير الأربعة على مثال واحد، اختلفت حركته، أو اتفقت، زائدا كان أو أصليا.
فالأصلية ما قدمنا، والزوائد في قولك رغيف: رغيف وفي عجوز، عجيز، وفي مثل ذلك جدول جديل، وإن شئت قلت: جديول، لأنها متحركة، وإن كانت زائدة كما قلت في أسود: أسيد. وأسيود. والقلب أجود ، لأن واو جدول ملحقة، والملحق حكم الأصلي ؛ ألا ترى أنك تقول: جداول، كما تقول: أساود.
وإن كانت الأربعة مستوية في التصغير على اختلاف حركاتها، لأن التصغير مثال يخرج إليه، كما أن الثلاثة على مثال واحد، وإن اختلفت حركاتها، ألا ترى أنك تقول في عمر: عمير، وكذلك عمرو، وكذلك جمل، ومعى، وكل ما كان من الثلاثة.
وإن كان الاسم على خمسة أحرف أصلية، أو فيها زائدة، فإن التصغير على ما كان في الأربعة.
تقول في تصغير سفرجل: سفيرج، وتحذف اللام الأخيرة وإن كانت من الأصل، لأن التصغير تناهى دونها.
وتقول في تصغير قلنسوة: قليسية إن حذفت النون، وقلينسة إن حذفت الواو، لأن الزيادتين إذا استوتا كنت في حذف إحداهما بالخيار أيها شئت.
فإن كانت إحداهما للإلحاق أو لعلامة أقررتها وحذفت الأخرى، إلا أنه يجوز لك العوض في الجمع والتصغير من كل ما حذفت، وذلك أنك إذا صغرت اسما على خمسة ورابعة أحد الحروف الثلاثة المصوتة وهي الياء، والواو، والألف، فإن جمعه وتصغيره غير محذوف فيهما شيء. وذلك قولك في مثل دينار دنانير إذا جمعت، ودنينير إذا صغرت، وفي قنديل :قناديل وقنيديل، وفي سرحوب: سراحيب، وسريحيب، وفي برذون: براذين وبريذين، تقر الباء ياءً، وتقلب الواو والألف إلى الباء، لأن كل واحدة منهما تقع ساكنة بعد كسرة.
والعوض أن تقول في تصغير سفرجل: سفيريج إن شئت وفي الجمع: سفاريج. فتجعل هذا الياء عوضا مما حذفت، ودليلا على أنك حذفت من الاسم شيئا، فهذا غير ممتنع فعلى هذا تقول في قلنسوة فيمن حذف النون، قليسية وقلاسي، ومن حذف الواو قال: قلينيسة وقلانيس.
فأما قولنا فيما كان على أربعة أحرف: إن تصغيره من باب جمعه، فإنما تأويل ذلك أنك إذا جمعت زدت حرف اللين ثالثا، وكسرت ما بعده، فإن عوضت في التصغير عوضت في الجمع، وإن تركته محذوفا في أحدهما فكذلك هو في الآخر، لأنك إذا صغرت ألحقت حرف اللين ثالثا، وكسرت ما بعده.
والفصل بين التصغير والجمع، أن أول التصغير مضموم، وأول الجمع مفتوح، وحرف لين الجمع ألف، وحرف لين التصغير ياء.
فإن قلت: فما بالك تقول في ضارب: ضويرب، وأنت لا تقول في جمعه: ضوارب ؟ قيل له: الأصل أن يقال في جمعه: ضوارب، ولكنه اجتنب للبس بين المذكر والمؤنث لأنك تقول في جمع ضاربه: ضوارب.
وما كان من باب فاعلٍ فإنما هو اسم مبني من الفعل، أو على جهة النسب، فأما ما كان من الفعل منه فهو الباب، نحو: ضارب، وقاتل، وشاتم.

وأما ما كان على جهة النسب فنحو فارس، ودارع، ونابل: أي ذو فرس، وذو درع، وذو نبل، وليس فيه فَعَل فهو فاعِل.
وما كان للمرأة فعلى هذا، نحو ضربت، وشتمت، وقتلت.
فلما كان جمع فاعلة فواعل اجتنبوا مثل ذلك في المذكر، وعدلوا به عن هذا الباب، لكثرة أبنية المذكر في الجمع.
ولو احتاج إليه شاعر لرده إلى الأصل فجمعه على فواعل.
ألا تراهم قالوا في جمع فارس: فوارس، إذ كان مثل هذا مطرحا من المؤنث. وكذلك هالك في الهوالك لما أردت الجنس كله. قال الفرزدق حيث احتاج إليه:
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار
هذا باب

جمع ما كان على أربعة أحرف
وثالثه واو، أو ياء، أو ألف
فما كان من ذلك أصلا، أو ملحقا بالأصلي، أو متحركا في الواحد، فإنه يظهر في الجمع وذلك قولك - فيما كان أصلا وكان متحركا في الواحد - " أساود إذا جمعت أسود، وأصايد إذا جمعت أصيد، وقد جعلت كل واحد منهما اسما.
وأما ما كان متحركا في الواحد وهو زائد فقولك في جدول: جداول، وفي قسور: قساور، وفي عثير: عثاير.
وأما ما كان أصلا وهو ساكن في الواحد فقولك في مقال: مقاول، لأنه من القول، وفي مباع: مبايع، لأنه من البيع.
وإن جمعت يزيد اسم رجل قلت: يزايد، قال الفرزدق:
وإني لقوامٌ مقاوم لم يكن ... جريرٌ ولا مولى جريرٍ يقومها
فإن جمعت اسما على أربعة وثالثه حرف لين زائد ساكن، فإنك تهمز ذلك الحرف في الجمع وذلك قولك في رسالة: رسائل، وفي عجوز: عجائز، وفي صحيفة: صحائف.
وإنما فعلت ذلك، لأن هذه الأحرف لا أصل لها، فلما وقعت إلى جانب ألف ولم تكن متحركة، ولا دخلتها الحركة في موضع أبدلت لما قبلها، ثم تحركت كما تحرك لالتقاء الساكنين، فلزمتها الهمزة، كما لزمت قضاءً، لما سنبيّنه في موضعه إن شاء الله.
فأما معيشة فلا يجوز همز يائها، لأنها في الأصل متحركة، فإنما ترد إلى ما كان لها، كما ذكرت لك في صدر الباب.
فأما قراءة من قرأ معائش فهمز فإنه غلط، وإنما هذه القراءة منسوبة إلى نافع بن أبي نعيم، ولم يكن له علم بالعربية، وله في القرآن حروف وقد وقف عليها.
وكذلك قول من قال في جمع مصيبة: مصائب إنما هو غلط، وإنما الجمع مصاوب، لأن مصيبة مُفْعِلة، فعلى هذا يجري وما أشبهه.
هذا باب
ما كانت عينه إحدى هذه الأحرف اللينة
ولقيها حرف لين
وذلك نحو: سيّد و، وميّت، وهيّن ، وليّن، لأن هذا البناء إنما هو فَيْعِل من ياءٍ أو واو.
فأما ذوات الواو منه فهيّن، وميّت، وسيّد، لأنه من ساد يسود، ومات يموت، وأما ليّن فمن الياء.
والحكم فيهما واحد في بنائهما على باب فَيْعِل، لأنهما مشتركان في العلة، فخرجا إلى باب بواحد خلافاً على الصحيح وذاك أنه لا يكون في الصحيح فَيْعِل، إنما نظير هذا البناء من الصحيح فَيْعَل نحو رجل جَيْدَرٍ وزينب، وخيفق.
فهذا البناء من المعتل نظيره ما ذكرت لك من الصحيح.
وقد يكون للمعتل البناء الذي له نظير من الصحيح على غير لفظه، ويكون له البناء لا يقابله فيه الصحيح.
فمما كان من المعتل على خلاف لفظه في الصحيح سوى ما ذكرت لك قولهم في فاعِلٍ من الصحيح: فَعَلَة، نحو كاتب وكتَبَة، وحافظ وحفَظَة، وعالم وعلَمَة.
ونظير هذا من المعتل فُعَلَة مضموم الأول، وذلك قولك في قاضٍ: قضاة، ورامٍ ورماة وغازٍ وغزاة، وشارٍ وشراة.
وما كان للمعتل خاصةً دون الصحيح قولهم: كان كينونة، وصار صيرورة، فأصل هذا إنما هو فَيْعَلولة، ولا يكون فَيْعَلُول إلا في ذوات الواو والياء. فإن قال قائل: إنما وزنه فَعْلُول، لأن اللفظ على ذلك، قيل له: الدليل على أنه ليس بٍفَعْلُولٍ وأنه على ما ذكرنا أنه ليس في الكلام فَعْلُولٌ بفتح الفاء، وأنه لو كان على ما وصفتم لكان اللفظ كَوْنُونَة، لأنه من الواو، ولكنت تقول في قيدود، قودود بالواو، لأنه من القود ولكنه لما كان يجوز لك أن تقول في ميّت: مَيْت، وفي هيّن: هَيْن، وكذلك جميع بابه، استثقالا للتضعيف في حروف العلّة جعلت الحذف فيما كثر عدده غالباً، فقلت: قيدود، وكينونة، وكان الأصل كينونة ؛ كما أن أصل سيد سيود، لأنه فيعِل من ساد يسود، فلزم فيه من الإدغام والقلب ما لزم في سيد ؛ لأن صدور هذه الأسماء كسيد، وإن كانت مفتوحة.

فإذا جمعت سيّدا، أو ميّتا، أو ما كان مثلهما، فإن النحويين يرون همز المعتل الذي يقع بعد الألف وذلك قولك: سيائد، وميائت، فإن قال قائل: ما بالهم همزوا، وإنما هي عين، وقد تقدم شرطهم في باب معيشة أنه لا يهمز موضع العين، وإنما يهمز ما كان من هذا زائدا ؟ فإن قولهم في هذا إنما هو لالتقاء هذه الحروف المعتلة، وقرب آخرها من الطرف، ولأنهم جعلوا هذه الألف بين واوين أو ياءين وواو، فالتقت ثلاثة حرف كلها لينة، فكأنها على لفظة واحدة وقربت من الطرف، وهو موضع لا يثبت فيه واو ولا ياء بعد ألف، وإنما تقلب كل واحدة منهما همزة، ففعلوا هذا لما قبلها، ولقربها من الطرف، ألا ترى أن الواحدة منهما إذا كانت طرفا أبدلت وذلك: قولك غزّاء، وسقّاء، وإنما هما من غزوت، وسقيت، فكانتا ياءً، أو واوا.
وكذلك جميع هذا الباب.
وقالوا: إن وقع بينها وبين الطرف حرف صحيح لم تهمز وذلك قولهم في طاووس: طواويس، وفي بيّاع: يباييع. ولا تكون إلا ذلك، لبعدهما من الطرف، كما لا يكون في باب قضاء وسقاءٍ إلا الهمز.
فهذا قول جميع النحويين فيما تباعد من الطرف.
وأما مذ ذكرنا من باب جمع سيد، وميت فإن أبا الحسن الأخفش كان لايهمز من هذا الباب إلا ما كانت الألف فيه بين واوين، نحو قولك في أوّل - وزنه أفعل ففاؤه من لفظ عينه - : أوائل.
وكذلك يقول في فَوْعَل من قلت، وجلت: قَوائل، وجوَائِل. فيجعل علته في همز الواو، لقربها من الطرف نظيرا لما ذكرناه أنه إذا التقت الواوان أولا همزت الأولى منهما. فكان يجعل هَمْزَ الأخرى من هذا الباب واجباً. وإن كانت الألف قد حالت لاجتماع الواوين والقرب من الطرف ولا يرى مثل ذلك إذا اجتمعت ياءان. أو ياء، وواو، ويقول: لأنه لو التقت الياءان، أو الياء والواو لم يلزمني همز.
والنحويون أجمعون غيره لا يختلفون في إجراء الياء، والواو، والياءين مجرى الواوين في هذا الباب، كما صدّرنا به في أوّل الباب.
وعلّتهم في ذلك ما وصفنا من التقاء المتشابهة وذلك. لأنهم يجيزون في النسب إلى راية، وغاية: رائيٌّ وغائيٌّ، فيهمزون لاجتماع الياءات إن شاءوا، ولهذا باب نذكره فيه فلذلك ذكرنا أحد وجوهه ليستقصى في موضعه إن شاء الله.
وإنما أخّرنا تفسير هذا، ليقع بابا على حياله مستقصى. والقول البيّن الواضح قول النحويين لاقول أبي الحسن الأخفش، ألا ترى أنه يلزمك من همز الياء إذا وقعت طرفا ما يلزمك من همز الواو إذا وقعت طرفاً بعد الألف، وأن الياء والواو تظهران إذا وقع الإعراب على غيرهما، نحو سقاية، وشقاوة.
وليس هذا من باب ما يقع من همز الواو إذا لقيها واو أول الكلمة ولا مما يناسبه.
والدليل على ذلك أنهما جميعا إذا تباعدتا من الطرف لم يكن همز. وهذا يدل على أنه من أجل الأواخر، لا من أجل الأوائل.
ولو بنيت مثل فَيْعال من كلت فقلت: كيّال لقلت في الجمع: كياييل، فلم تهمز، كما تقول: طواويس.
هذا باب

الجمع على وزن فعل وفعال مما اعتلت عينه
اعلم أن ما كان من هذا من ذوات الواو فإن الأجود فيه أن تصح الواو وتظهر، وذلك قولك على قول من قال في جمع شاهد: شهّد في صائم: صُوّم، وقائل قُوّل. وكذلك جميع هذا الباب.
وقد يجوز أن تقلب الواو ياءً وليس بالوجه، ولكن تشبيها بما اعتلت لامه. وذلك أنك تقول في جمع عاتٍ: عتىّ لا يصلح غيره إذا كان جمعا.
فلما كان هذا الباب يقرب من الطرف جاز تشبيهه بهذا الذي هو طرف فتقول في صائم: صُيّم، وقائل قُيّل. والوجه ما ذكرت لك أولا، وإن هذا تشبيه ومجاز.
فإن بنيته على فُعّال ظهرت الواو، ولم يجز إلاّ ذلك، لتباعدها من الطرف، وذلك قولك: صائم وصوّام، وقائل وقوّال.
وهذا كنحو ما ذكرت لك في الجمع الذي قبله في صحته إذا تباعد من الطرف.
فأما ما كان من الياء فجارٍ في البابين جميعا - فُعّل - وفُعّال - على الأصل.
تقول: قوم بُيّعٌ، وبُيّاعٌ، يكون إلا ذلك.
وكذلك إن بنيت واحدا من الواو على فُعّل لم يجز القلب، لأن الوجه فيما اعتلت لامه فكانت واوا الثبات في الواحد، نحو قولك: عتا يعتو عتوّا. قال الله عز وجل " وعتوا عتوّاً كبيراً " .
فالواحد إذا كان الواو فيه عينا لازم لموضعه، وذلك قولك: رجل قُوّل، كما تقول: رجل حُوّل قُلّب، لا يكون إلا ذلك.
هذا باب

ما كان من الجمع على فعله
اعلم أن كل ما كان من هذا الجمع من بنات الياء، والواو اللتين هما عينان فإن الياء منه تجرى على أصلها، والواو إن ظهرت في واحدة ظهرت في الجمع.
فأما ما ظهرت فيه فقولك: عَوْد وعِوَدَة، وثَوْر وثِوَرَة.
وأما ما قبلت فيه في الواحد فقولك: دِيمه ودِيَم، وقامة وقِيمَ فأما قولهم: ثِيَرَة فله علة أخّرناها، لنذكرها في موضعها إن شاء الله.
هذا باب
جمع ما كان على فعل من ذوات الياء
والوا اللتين هما عينان
فأدنى العدد فيه أَفْعال إذ كان يكون ذلك في غير المعتل، نحو: فرخ وأفراخ، وزَنْد وأَزْناد.
فأما ما كان من الواو فنحو قولك: صَوت وأَصوات، وحَوض وأَحواض، ثوب وأَثواب وما كان من الياء فشَيْخ وأَشياخ، وبيت وأَبيات، وقَيْد وأَقياد.
فإذا جاوزت الثلاثة إلى العشرة فقد خرجت من أدنى العدد.
فما كان من الواو فبابه فِعال. وذلك قولك: ثوب وثياب، وحوض وحياض، وسط وسياط، تنقلب ابلواو فيه ياءً، لكسرة ما قبلها، ولأنها كانت في الواحد ساكنة.
فإن كانت في الواحد متحركة ظهرت في الجمع، نحو قولك: طويل وطِوال، وما كان مثله.
أما ما كان من الياء فإنك تقول فيه إذا جاوزت أدنى العدد فُعُول لأن فُعول، وفِعال يعتوران فعْل من الصحيح، وذلك قولك: كَعْب وكُعوب، وفلس وفلوس، ويكونان معا في الشيء الواحد، نحو كِعاب وكعوب، وفِراخ وفُروخ.
فلما استبدّت الواو بفِعال كراهية الضمتين مع الواو خصت الياء بفُعول لئلا يلتبسا وذلك قولك: شيخ وشيوخ، وبيت وبيوت، وقَيْد وقُيود.
فإن قال قائل: فلم لم يفصل بينهما في العدد الأقل ؟ فإن الجواب في ذلك أنهما تظهران في أَفْعَال، فتعلم الواو من الياء، وذلك قولك: أبيات، وأحواض. فكل واحد منهما بين من صاحبه، كما كان في بيت، وحوض.
وإن احتاج شاعر فجمع ما كان من باب فَعْلٍ، ونحوه على أَفْعُلٍ جاز ذلك، لأن باب فَعْل كان في الصحة لأَفْعُل، نحو: كَلْب وأَكْلُب، وكَعْب وأَكْعُب، وكذلك ما كان نظيرا لهذا إذا اضطر ؛ كما قال:
لكل عيشٍ قد لبست أثوبا
ومثل ذلك عين وأعين، وأعيان جيد على ما وصفت لك ؛ قال:
ولكنني أغدو عليّ مفاضةٌ ... دلاصٌ كأعيان الجراد المنظّم
ومثل أعين، وأثوب قوله:
أنعت أعياراً رعين الخنزرا ... أنعتهنّ آيراً وكمرا
ومثل أعيان قوله:
يا أضبعًا أكلت آيار أحمرةٍ ... ففي البطون وقد راحت قراقير
هذا باب
ما يصح من ذوات الياء والواو
لسكون ما قبله وما بعده
وذلك نحو: وقال، وبايع، لأن قبل الياء والواو ألفا، فلو قلبتها لصرت إلى علة بعد علة. فلا يجوز أن تغير حرف اللين بطرح حركته على ما قبله، إذا كان الذي قبله من حروف اللين .
ومن ذلك ما كان على فُعَّل، وفُعَّال، وفَعّال، وأَفْعَال. وذلك قولك: رجل قُوّل، وقوم قُوّال، ورجل قَوَّال، وبَيَّاع. وكذلك أقياد. وأحوال. وكل ما سكن ما قبله من هذا المنهاج ولم نذكره فهذا قياسه .
وأما قولهم: أَهْوِناء، وأَبْنياء، وأَخْوِنة، وأَعْينة جمع عيان: وهي حديدة تكون في الفدان فإنما صححن لأن أولهن زيادة الفعل، فصُحّحن، ليفصل بين الإسم والفعل .
وقد مضى تفسير هذا .
ومن هذا الباب ساير، وتساير القوم، وتقاولوا، وتبايعوا .
كل يجري مجرى واحداً، وكل ما لم نذكره فهذا مجراه إذا كان على هذا .
هذا باب
ما اعتل منه موضع اللام
اعلم أن كل ما كان من هذا على فَعَلَ فكان من الواو فإن مجرى بابه يَفْعُل، لا يجوز إلا ذلك، لتسلم الواو ؛ كما ذكرت لك في باب ما اعتلت عينه. وذلك قولك: غزا يَغْزُو، وعدا يَعْدُو، ولها يلهو .
فإن كان من الياء على يَفْعِل ؛ لأن تسلم الياء ؛ كما ذكرت لك في باب العين. وذلك نحو: رمى يرمي، وقضى يقضي، ومشى يمشي وتعتل اللام فتسكن في موضع الرفع منهما، كما تقول: هذا قاضٍ فاعلم ؛ لأن الضمة والكسرة مستثقلتان في الحروف المعتلة .
فأما في النصب فتحرك الياء، لما قد تقدمنا بذكره في الفتحة. وذلك كقولك: أريد أن ترميَ يا فتى، وأن تغزوَ فاعلم كما تقول: رأيت قاضياً، وغازياً .

فإن لحق شيئاً من هذه الأفعال الجزم فآية جزمها حذف الحرف الساكن ؛ لأن الجزم حذف فإذا كان آخر الفعل متحركاً حذفت الحركة، وإذا كان ساكناً حذف الحرف الساكن. تقول: لم يغزُ، ولم يرمِ، كما تفعل بالألف إذا قلت: لم يخشَ .
واعلم أن فَعِلَ يدخل عليهما وهما لامان ؛ كما دخل عليهما وهما عينان وذلك قولك: شقِيَ الرجل، وغَبِيَ من الشقوة، والغباوة، وخشِيَ يا فتى من الخشية .
فإذا قلت: يَفْعل لزمه يَخْشَى، ويَرْضَى. فإن أردت نصبه تركته مسكّناً ؛ لامتناع الألف من الحركة ؛ كما تقول: رأيت المثنى فلا يحرك .
وإن أردت الجزم حذفتها ؛ كما وصفت لك من حكم هذا الفعل .
هذا باب

ما لحقته الزوائد من هذه الأفعال
اعلم أن الزوائد تلحقها كما تلحق الصحيح فتقول: أعطى الرجل ومعناه: ناول. والأصل عطا يعطو، إذا تناول ؛ كما تقول: غزا الرجل، وأغزيته، وجرى الفرس، وأجريته .
ويكون على اسْتَفْعَلَ، وفاعَل، وافْعَوْعَل، وجميع أبنية الفعل، إلا أنك إذا زدت في الفعل فصارت ألفه رابعة استوى البابان: لخروج بنات الواو إلى الياء ؛ لأنك إذا قلت: يَفْعل فيما فيه الزيادة من هذا الباب انكسر ما قبل الواو، فانقلبت ياءً ؛ كما تنقلب واو ميزان ؛ لسكونها، وكسرة ما قبلها، وذلك قولك: يُغْزى، ويُعْدِي، ويَسْتَغْزى ونحو ذلك .
فعلى هذا يجرى أغزيت، واستغزيت ؛ كما أنك تقول: دُعِيَ، وغُزِيَ فتقلب الواو ياءً .
وتقول في المضارع: هما يُدْعَيان، ويُغْزَيان ؛ لأن الفعل إذا لزم في أحد وجهيه شيء اتبعه الآخر لئلا يختلف، إذ كان كل واحد منهما يبنى على صاحبه .
فإن قال قائل: ما بال تَرَجَّى، وتَغَازَى يرجعان إلى الياء وليس واحد منهما يلحقه في المضارع كسرة. لأنك تقول: ترجّى يَتَرَجَّى، وتَغَازَى يَتَغَازى، فلم قلت: تَعَازينا، وترجّينا ؟.
قيل: لأن التاء إنما زادت بعد أن انقلبت الواو ياء .
ألا ترى أنك تقول: رجّى يُترجّى، وغَازَى يُغَازى، ثم لحقت التاء .
والدليل على ذلك أن غازى لا يكون من واحد، ويتغازى على ذلك لا يجوز أن تقول: تغازى زيد حتى تقول: وعمرو، وما أشبهه .
هذا باب
بناء الأسماء على هذه الأفعال
المزيد فيها وغير المزيد فيها ؛ وذكر مصادرها، وأزمنتها، ومواضعها
اعلم أن كل اسم بنيته من فِعْل من هذه الأفعال التي هي فَعَلَ فبناء الاسم فاعل ؛ كما يجري في غيرها. فتقول من غزوت: هذا غازٍ فاعلم ومن رميت: هذا رامٍ يا فتى ومن خشيت: هذا خاشٍ فاعلم .
واعتلاله كاعتلال فِعله إذا قلت: هو يغزو، ويرمي فأسكنتهما في موضع الرفع، وقلت: لم يغزُ، ولم يرمِ فحذفتهما في موضع الجزم. والعلة في فَاعِل أنك تسكن الياء في موضع الرفع والخفض، فتقول: هذا غازٍ، ومررت بغازٍ، وكذلك حكم كل ياءٍ انكسر ما قبلها وهي مخفَّفة .
فأما في موضع النصب فتقول: رأيت قاضياً، وغازياً لخفة الفتحة ؛ كما كانت تقول في الفعل: لن يغزو، ولن يرميَ يا فتى، فتحرك أواخر الأفعال بالفتح، لما قد تقدم تفسيره .
وكلما زاد من هذه الأفعال شيءٌ فقياسه قياس غيره من الفعل الصحيح، إلا أنك تسكن آخره في الرفع والخفض، كما كان اعتلال فعله، وتفتحه في النصب على ما وصفت لك. وذلك قولك - إذا بنيت من هذا الفعل شيئاً على أَفْعَل - : أعطى وأغزى، وهن يعطي، ويغزي، ولن يعطي، ولن يغزي .
وكذلك استعطى، وهو يَسْتَعْطِي، ولن يستعطي، ورأيت مستعطياً. فعلى هذا مجرى جميع هذه الأفعال .
هذا باب
من بنى من هذه الأفعال اسما
ً
على فَعِيل، أو فَعُول، أو فِعال، أو فَعْلَل، وما أشبه ذلك اعلم أنك إذا قلت من رميت: رمياً فاعلم على مثال جعفر فأردت جمعه فإنك تقول: رمايٍ فاعلم. تلتقي في آخره ياءان يُذهب إحداهما التنوين ؛ لالتقاء الساكنين ؛ كما أنك إذا قلت: قاضٍ فاعلم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ؛ لأن الياء ساكنة، ويلحقها التنوين وهو ساكن ؛ فتذهب لالتقاء الساكنين .
وتقول: بعيرٌ معيٍ وإبل معايٍ ؛ لأنك إنما جئت بعد الألف بحرف أصلي. فإذا قلت من هذا شيئاً أصله الحركة لم يلزمك في الجمع همزه .
وقد مضى تفسير هذا في باب الياء والواو اللتين هما عينان .

وأما قولهم: إبل مَعَايَا فليس هذا لازماً، ولكنه يجوز ذلك. كل ما كان آخره ياءً قبلها كسرةٌ: أن تبدلها ألفاً بأن تفتح ما قبلها، وذلك قولهم: مِدْرى ومَدارَى، وعذراءُ وعَذَارَى .
وكذلك كل ما كان مثله. والأصل مدارٍ وعذارٍ، ولكنه جاز ذلك على ما وصفنا، لأن الفتحة والألف، أخف من الكسرة والياء، ولم تخف التباسا، لأنه لا يكون شيءٌ من الجمع أصل بنائه فتح ما قبل آخره، ولذلك لم يجز في مثل رامٍ فاعلم أن تحمله على الفتح وتثبت مكان يائه ألفاً ؛ لأنه كان يلتبس براميَ، وغازَى، فهذا جائز هناك، ممتنعٌ في كل موضع دخله التباس .
فإن بنيته بناء فَعِيلة، أو فَعِيل الذي يكون مؤنثاً، أو ما كان جمعه كجمعها لزمك الهمز، والتغيير، من أجل الزيادة: كما ذكرت لك في باب صحائف، وسفائن .
وكذلك فِعالة، وفُعالة، وفَعُول، وكل مؤنث على أربعة أحرف ثالث حروفه حرف لين وما جمعته على جمعه .
وذلك قولك إذا جمعت مثل رمية أو رماية: رمايا، وقضية قضايا وكان الأصل: هذا قضائي فاعلم، ورمائي فاعلم ؛ كقولك: صحائف، فكرهوا الهمزة، والياء، والكسرة، فألزموه بدل الألف، ولم يجز إلا ذلك ؛ لأنه قد كان يجوز فيما ليست فيه هذه العلة، فلما لزمت العلة كان البدل لازماً، فلما أبدلت وقعت الهمزة بين ألفين، فأبدلوا منها ياءً، لأن مخرج الهمزة يقرب من مخرج الألف، فكان كالتقاء ثلاث ألفات، فلذلك قالوا: مطايا، وركايا .
ولو اضطر شاعر لرده إلى أصله ؛ كرد جميع الأشياء إلى أصولها للضرورة. وسنبين ذلك بعد فراغنا من الباب إن شاء الله .
وتقول في فُعْلُول من رميت، وغزوت: رميي، وغزويّ، وفي الجمع: رماييّ، وغزاويّ. لا تهمز في التباعد من الطرف خاصة فإن قلت فَعِيلة مما لامه مهموزة، أو ما يلحقه في الجمع ما يلحق فَعِيلة ؛ نحو: فُعالة، وفِعالة وفَعُولة اعتل اعتلال ما وصفت لك. وذلك قولك: خطيئة، فإن جمعتها قلت: خطايا .
وكان أصلها أن تلتقي همزتان فتقول: خَطَائِيء فاعلم، فأبملت إحدى الهمزتين ياء، لئلا تلتقي همزتان. فلما اجتمعت همزة وياء، خرجت إلى باب مطية وما أشبهها.
واعلم أن كل ما ظهرت الواو في واحدة فإنها تظهر في جمعه .
ليس إن التي تظهر في الجمع تلك الواو، ولكنك تبدل من همزته واوا ؛ لتدل على ظهور الواو في الواحد، إذ كان قد يجوز أن تبدل الهمزة واوا في الباب الذي قبله، وإن كان الاختيار الياء. وذلك في قولك في داوة: أداوى، وهراوة: هراوى .
وقد قال قوم في جمع شهية. شهاوى. فهذا عندهم على قياس من قال في مطية: مطاوى. وليس القول عندي ما قالوا، ولكنه جمع شهوى. وهو مذهب أكثر النحويين .
وكان الخليل يرى في هذا الجمع الذي تلتقي فيه علتان من باب مطايا، وأداوى، الذي تجتمع فيه همزة، وحرف علة القلب ؛ كما كان يرى في باب جاء ذلك لازماً، إذ كان يكون في غيره اختيارا. وكذلك هذا الباب، إذ كنت تقول في شوائع: شواعٍ على القلب أن يكون هذا لازماً فيما اجتمعت فيه ياء، وهمزة .
قال الشاعر :
وكان أولاها كعاب مقامرٍ ... ضربت على شُزُنٍ فهن شواعي
فكان يقول في جمع خطيئة: خطائي، فاعلم ؛ لأنها الهمزة التي كانت في الواحدة .
وإذا كانت الهمزة في الواحد لم يلزمها في الجمع تغيير ؛ لأن الجمع لم يجلبها، ألا ترى أنك لو جمعت جائية لم تقل: إلا جواءٍ فاعلم. لأنك إنما ودت الهمزة التي كانت في الواحدة وكذلك لو بنيت فَعْلَل من جاء يا فتى لقلت: جَيْأَى، وتقديرها جيعىً.
فإن جمعت قلت: جياءٍ فاعلم ؛ لأن الهمزة لم تعرض في جمع، إنما كانت في الواحد كالفاء من جعفر، فقلت في الجمع كما قلت: جعافِر .
فهذا أصل هذا الباب: إن التغيير إنما يلزم الجمع إذا كان الهمزة مجتلباً فيه، ولم يثن في واحده .
وكان الخليل يجيز خطايا، وما أشبهه على قولهم في مدرى: مدارى، وفي صحراءٍ: صحارى لا على الأصل، ولكنه يراه المخفة أكثر. ألا ترى أنه إذ أثبت الألف أبدل من الهمزة ياءً، كما يفعل ؛ لئلا تقع همزة بين ألفين لشبه الهمزة بالألف .
واعلم أن الشاعر إذا اضطر رد هذا الباب إلى أصله وإن كان يرى القول لأول، لأنه يجوز له للضرورة أن يقول: ردد في موضع رد، لأنه الأصل كما قال :
الحمد لله العلي الأجللِ
وكما قال :
أني أجود لأقوامٍ وإن ضننوا

ويجوز له صرف ما لا ينصرف ؛ لأن الأصل في الأشياء أن تنصرف. فإذا اضطر إلى الباء المكسور ما قبلها أن يعربها في الرفع والخفض فعل ذلك ؛ لأنه الأصل ؛ كما قال ابن الرقياتى :
لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطلب
لأن غواني فواعل، فجعل آخرها كآخر ضوارب .
وقال الآخر :
قد عجبت مني ومن يعيليا ... لما رأتني خلفا مقلوليا
لأنه لما بلغ بتصغير يعلى الأصل صار عنده بمنزلة يعلم لو سميت به رجلاً ؛ لأنه إذا تم لم ينصرف. فإنما انصرف باب جوارٍ في الرفع والخفض، لأنه أنقض من باب ضوارب في هذين الموضعين .
وكذلك قاضٍ فاعلم. لو سميت به امرأة لانصرف في الرفع والخفض ؛ لأن التنوين يدخل عوضاً مما حذف منه .
فأما في النصب فلا يجرى ؛ لأنه يتم فيصير بمنزلة غيره مما لا علة فيه .
فإن احتاج الشاعر إلى مثل جوارٍ فحقه - إذا حرك آخره في الرفع والخفض - ألا يجريه، ولكنه يقول: مررت بجواري كما قال الفرزدق :
فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا
فإنما أجراه للضرورة مجرى ما لا علة فيه .
فإن احتاج إلى صرف ما لا ينصرف صرفه مع هذه الحركة، فيصير بمنزلة غيره مما لا علة فيه ؛ كما قال :
فلتأنينك قصائدٌ وليركبن ... جيشٌ إليك قوادم الأكوار
ألا ترى أنه في قوله: مولى مواليا قد جعله بمنزلة الصحيح ؛ كما قال جرير :
فيوماً يجارين الهوى غير ماضيٍ ... ويوماً ترى منهن غُولٌ تغوَّلُ
وقال الكميت :
خريع دوادي في ملعبٍ ... تأزَّر طولاً وتلقى الإزارا
ويكفيك من هذا كله ما ذكرت لك: من أن الشاعر إذا اضطر رد الأشياء إلى أصولها. فأما قوله :
سماء الإله فوق سبع سمائيا
فإنه رد هذا إلى الأصل من ثلاثة أوجه : أحدهما: أنه جمع سماءً على فعائل، والذي يعرف من جمعها سماوات .
والثاني: أنه إذا جمع سماءً على فعائل فحقه أن يقول: سمايا، لأن الهمز يعرض في الجمع بدلاً من الألف الزائدة في فَعال وترجع الواو التي هي همزة، في سماءٍ، لأن سماءً إنما هو فَعال من سموت. فتصير الواو ياءً لكسرة ما قبلها، كما صارت واو غزوت ياءً في غازٍ، فتلقى همزة، وياء، فيلزم التغيير كما ذكرت لك، فردها للضرورة إلى سمائيا ثم فتح آخرها وكان حق الياء المنكسر ما قبلها أن تسكن، فإذا لحقها التنوين حذفت لالتقاء الساكنين، فحرك آخرها بالفتح، كما يفعل بالصحيح الذي لا ينصرف .
فهذه ثلاثة أوجه: جمعها على فعائل، وتركها ياءً، ومنعها الصرف .
وأما ما كان من هذا الباب كأول في بابه فِعلَّته في الهمز كعلة أول، إلا أن الهمز يلزم ذوات الياء، والواو، والتغيير .
تقول في فَعَّل من حييت: حيا. وكذلك فَعْلَل: اللفظان سواء .
فأما فعَّل فإنك ثقلت العين - وهي ياء - ؛ كما ثقلت عين قطَّع، فانفتح ما قبل الياء التي هي لام وهي في موضع حركة، فانقلبت ألفا .
ولا يكون اسم على مثال فَعَّل إلا أن تصوغه معرفةً، فتنقله من فعَّل. فأما قولهم بقَّم فإنه اسم أعجمي. فلو سميت به رجلاً لم تصرفه في المعرفة ؛ لأنه وقع من كلام العرب على مثال لا تكون عليه الأسماء، فلم يكن بأمثل حالاً من عربي لو بنيته على هذا المثال .
فأما قولهم: خضَّم - للعنبر بن عمرو بن تميم - فإنما هو فعل منمقول، وهو غير منصرف في الاسم .
وهذا شيء ليس من هذا الباب، ولكن لما ذكر وصفنا حاله. ثم نعود من القول إلى الباب. وأما فَعْلَلٌ من حييت فإن العين ساكنة، واللامان متحركان، فأدغمت العين في اللام الأولى، وأبدلت الثانية ألفا .
فإن جمعت فعْلَل فتقدير جمعه: فعَالل ؛ كما قلت في قردذ: قرادذ .
وإن جمعت فَعَّل فتقدير جمعه فَعاعِل ؛ كما تقول في سلَّم: سلالم وأيهما جمعت يلزمه الهمز. ليس من أجل أن فيه زائداً، ولكن لالتقاء حرفين معتلين، الألف بينهما كما ذكرت لك في أوائل .
فتقول فيهما: حيايا. وكان الأصل حيائي، فلزم ما لزم مطية في قولك: مطايا. وكذلك لو قلت: فعاعل من جئت لقلت: جيايا .
وكان الأصل جيائي. فكنت تبدل الثانية ياءً، كما فعلت في قولك: هذا جاءٍ فاعلم، ثم تذهب إلى باب مطايا .

فإن قلت: فَعالِل، وفَعاعِل من شويت ولويت، قلت: شوايا، ولوايا فتظهر الواو ؛ لأن العين واو ؛ كما أظهرت الباء في حييت، وجيت - فإن قلت: مَفْعَل من شويت أو حييت، قلت: مَشْوىً، ومَحْياً .
فإن جمعت قلت: مشاوٍ، ومحايٍ. فلم تهمز، لأنه لم يعرض ما يهمز من أجله، وإنما وقع حرفا العلة الأصليان بعد الألف .
فإن بنيت منه شيئاً على مفاعيل، أو فعاليل أو ما أشبه ذلك لم يصلح الهمز أيضاً. وذلك قولك: مشاوي وملاوي ؛ لبعد حرف العلة من الطرف وقد تقدم تفسير هذا في باب طواويس.
فإن كان مكان الواو ياء ففيه ثلاثة أقاويل: تقول في فعاليل، أو مفاعيل من حييت: حياوي. أبدلت من الياء واواً ؛ كراهية اجتماع الياءات ؛ كما قلت في النسب إلى رحى: رحوي .
ويجوز أن تبدل من إحدى الياءات همزة، فتقول: حيائي فاعلم. وهو الذي يختاره سيبويه. وليست الهمزة بمنزلة ما كنت تهمز قبل، فيلزمك التغيير من أجلها، لأنكم فيه مخير، وإنما هي بدل من الياء، وهي بمنزلة الياء لو ثبتت .
ومن أجرى الأشياء على أصولها فقال في النسب إلى رحى: رحييّ، وإلى أمية: أمييّ، ترك الياء هنا على حالها، فقال: حياييّ .
وبهذه المنزلة. والنسب إلى راية، وآية، وما كان مثلهما .
يجوز إقرار الياء مع ياء النسب الثقيلة، فتقول: راييّ، وآييّ. وتبدل الهمزة إن شئت. وتقلبها واوً. وهي أجود الأقاويل عندي. وسيبويه يختار الهمزة .
فأما ما كان من الياء مثل شويت إذا قلت: فعاعيل فلا يجوز إلا شواويّ فاعلم .
وذاك ؛ لأن الواو من أصل الكلمة، وقد كان يفر إليها من الياء التي هي أصل، فلما كانت ثابتة لم يجز أن يتعدى إلى غيرها .
وهذا الباب يرجع بعد ذكرنا شيئاً من الهمز وأحكامه، وشيئاً من التصغير والنسب، مما يجري وما يمتنع من ذا إن شاء الله.
هذا الباب

ذوات الياء التي عيناتها ولاماتها ياءات
وذلك نحو قولك: عييت بالأمر، وحييت.
فما كان من هذا الباب فإن موضع العين منه صحيح ؛ لأن اللام معتلة، فلا تجمع على الحرف علتان، فيلزمه حذف بعد حذف، واعتلال .
فالعين من هذا الفعل يجري مجرى سائر الحروف. تقول: حييت، ويحيا ؛ كما تقول: خشيت ويخشى.
وكذلك إن كان موضع العين واو، وموضع اللام ياء، فحكمه حكم ما تقدم، وذلك نحو: شويت، ولويت، يشوى، ويلوى، كما تقول: رميت، ويرمى ولا تقلب الواو في شوى ألفا ؛ كما قلبتها في قال، ولكن يكون شويت بمنزلة رميت، وحييت، بمنزلة خشيت .
وتقول: هذا رجل شاو، ورجل لاوٍ وحاوىٍ بغير همزة ؛ لأن العين لاعلة فيها. ولا يلزم الخليل قلب هذا، لأنه بمنزلة غير المعتل.
وتقول في المفعول: مكان محيى فيه، ومشوي فيه ؛ كما تقول: مرمى فيه، ومقضى فيه. تجربة على هذا.
هذا الباب
ما كانت عينه ولامه واوين
اعلم أنه ليس من كلامهم أن تلتقي واوان إحداهما طرف من غير علة. فإن التقت عين ولام كلاهما جاز ثباتها إن كانت العين ساكنة ؛ لأنك ترفع لسانك عنهما رفعةً واحدة للإدغام. وذلك قولف قٌوة، وحوة، وصوة، وبكن قو، والحو، ونحو ذلك.
فإن بنيت من شيءٍ من هذا فعلا لم يجز أن تبنيه على (فَعَلَ ). فتلتقي فيه واوان، لأنك لو أردت مثل غزوت أغزو لقلت: قووت أقوو، فجمعت بين واوين في آخر الكلمة، وهذا مطرح من الكلام ؛ لما يلزم من الثقل والإعتلال.
فإنما يقع الفِعْل منه على فَعِلتُ ؛ لتنقلب الواو الثانية ياءً في الماضي، وألفاً في المستقبل. وذلك قولك: قوي يقوى، وحوي يحوى. فإذا قلت كذلك صرفت الواو الثانية المنقلبة ياءً تصريف ما الياء من أصله، ما دمت في هذا الموضع .
فإن قال قائل: ما بال الواوين لم تثبتا ثبات الياءين في حييت، ونحوه ؟. فلأن الواو مخالفة للياء في مواضعها ؛ ألا تراها تهمز مضمومةً إذا التقت الواوان أولاً، ولا يكون ذلك في الياء .
فإن أخرجت الواو التي تلاقيها واو من هذا المثال حتى يقعا منفصلتين ثبتتا للحائل بيتهما وذلك قولك - إن أردت مثل احمار - احواوى الفرس، واحواوت الشاة: فترجع الواوان إلى أصولهما ؛ لأنه لا مانع من ذلك .
وإنما ندل في هذا الموضع على الأصل ؛ لأنه موضع جمل، ونأتي على تفسيره في موضع التفسير والمسائل إن شاء الله .

اعلم أنه لا يكون فعل، ولا اسم موضع فائه واو، ولامه واو. لا يكون في الأفعال مثل وعوت وأما الياء فقد جاء منها لخفتها. وذلك قولك: يديت إليه يداً. وهو مع ذلك قليل ؛ لأن باب سلس، وقلق أقل من باب رد. فلذلك كثر في الياء مثل حييت، وعييت، وقل فيما وصفت لك .
هذا باب

ما جاء على أن فعله على مثال حييت
وإن لم يستعمل
لأنه لو كان فِعْلا للزمته علة بعد علة. فرفض ذلك من الفعل ؛ لما يعتوره من العلل. وذلك نحو: غاية، وراية، وثاية .
فكان حق هذا أن يعتل منه موضع اللام، وتصحح العين، كما ذكرت لك في باب حييت، فيكون فَعَلة منه على مثال حياة، ولكنه إنما بنى اسماً، فلم يجر على مثل الفعل. هذا قول الخليل.
وزعم سيبويه عمرو بن عثمان أن غير الخليل ولم يسمهم كان يقول: هي فَعْلَة في الأصل وكان حقها أن تكون أية. ولكن لما التقت ياءان قلبوا إحداهما ألفاً كراهية التضعيف. وجاز ذلك ؛ لأنه اسم غير جارٍ على فِعْل .
وقول الخليل أحب إلينا .
ومما رفض منه الفعل لما يلحقه من الاعتلال أول. وهو أَفْعَل. يدلك على ذلك قولهم: هو أول منه، كقولك: هو أفضل منه، وأفضل الناس، وأن مؤنثه الأولى ؛ كما تقول: الكبرى والصغرى. ولكن كانت فاؤه من موضع عينه، ومثل هذا لا يكون في الفعل .
ومما لا يكون منه فِعْل يوم وآءة ؛ لما يلزم من الاعتلال واعلم أن اللام إذا كانت من حروف اللين، والعين من حروف اللين فإن العين تصحح، ولا تعتل، وتعل اللام، فتكون العين بمنزلة غير هذه الحروف ؛ لئلا تجتمع على الحرف علتان وقد مضى تفسير هذا في باب حيت. وإنما ذكرناها هاهنا لمجيء هذه الأسماء على ما لا يكون فعلاً، ولا اسماً مأخوذاً من فِعْل .
فلو بنيت من حييت فَعَلَة أو من قويت لقلت: قواة .. وحياة ؛ كما تقول من رميت: رماة. فتكون الياء أو الواو التي هي عين بمنزلة غير المعتل .
فأما قولهم: شاءٌ كما ترى فإن فيه اختلافاً : يقول قوم: الهمزة منقلبة من ياءٍ، وأنها كانت في الأصل شاي كما ترى، فأعلت العين وهي واو من قولهم: سويٌ وقلبت الياء همزة ؛ لانها طرف وهي أبعد ألف. فكان هذا بمنزلة سقاءٍ وغزاءٍ. فيقال لهم: هلا إذا أعلت العين صححت اللام، ليكون كباب غاية، وآية ؟ ألا ترى أنهم لما أعلوا العين صححوا اللام ؛ لئلا تجتمع علتان ؛ فقالوا: آي، وراي جمع راية، قال العجاج :
وخطرت أيدي الكماة، وخطر ... رايٌ إذا أورده الطعن صدر
ونظير ذلك قولهم في جمع قائم: قيام، وفي جمع ثوب: ثياب، فلما جمعوا روي قالوا: رواءٌ فاعلم، فأظهروا الواو التي هي عين لما اعتلت الياء، وهي في موضع اللام .
ولا اختلاف في أنه لا يجتمع على الحرف علتان .
وزعم أهل هذه المقالة في شاءٍ يا فتى أنه واحد في معنى الجمع ولو كان جمع شاة وعلى لفظها لم يكن إلا شياه، لأن الذاهب من شاة الهاء، وهي في موضع اللام يدلك على ذلك قولهم: شويهة في التصغير .
وزعم أن الهمزة منقلبة من حرف لين لقولهم: شويٌ في معنى الشاء وقساد قولهم ما شرحت لك .
وأما غير هؤلاء فزعم أن شاءً جمع شاة على اللفظ ؛ لأن شاة كانت في الأصل شاهة، على قولك شويهة، والظاهر هاء التأنيث، فكرهوا أن يكون لفظ الجمع كلفظ الواحد، في الوقف، فأبدلوا من الهاء همزة فقالوا: شاءً فاعلم، لقرب المخرجين ؛ كما قالوا: أرقت، وهرقت، وإياك، وهياك، وكما قالوا: ماء فاعلم، وإنما أصله الهاء، وتصغيره مويه فاعلم وجمعه أمواه، ومياه .
وذهب هؤلاء إلى أن شوي مخفف الهمزة كما تقول في النبي، والبرية، ويفسر هذا في باب الهمز مستقصى إن شاء الله.
وهذا القول الثاني هو القياس .
باب
الهمز
اعلم أن الهمزة حرف يتباعد مخرجه عن مخارج الحروف، ولا يشركه في مخرجه شيءٌ، ولا يدانيه إلا الهاء والألف. ولهما علتان نشرحهما إن شاء الله .
أما الألف فقد تقدم قولنا في أنها لا تكون أصلاً، وأنها لا تكون إلا بدلاً أو زائدة. وإنما هي هواء في الحلق يسميها النحويون الحرف الهاوي .

والهاء خفية تقارب مخرج الألف، والهمزة تحتهما جميعاً. أعني الهمزة المحققة فلتباعدها من الحروف، وثقل مخرجها، وأنها نبرة في الصدر، جاز فيها التخفيف، ولم يجز أن تجتمع همزتان في كلمة سوى ما نذكره فيالتقاء العينين اللتين بنية الأولى منهما السكون، ولا يجوز تحريكها في موضع البتة .
فإذا كانت الهمزة مفتوحة وقبلها فتحة وأردت تحقيقها قلت: قرأ الرجال، وسأل عبد الله. كذا حق كل همزة إذا لم ترد التخفيف .
فإن أردت التخفيف نحوت بها نحو الألف، لأنها مفتوحة، والفتحة من مخرج الألف. فقلت: قرأ يا فتى .
والمخففة بوزنها محققةً، إلا أنك خففت النبرة ؛ لأنك نحوت بها نحو الألف، ألا ترى أن قوله:
أان رأت رجلاً دعشى أضر به
في وزنها لو حققت فقلت: أأن. وتحقيقها إذا التقتا ردئ جداً، ولكني ذكرته ؛ لأمثل لك .
فإن كانت قبلها فتحةٌ وهي مضمومة نحوت لها نحو الواو، لأن الضمة من الواو في محل الفتحة من الألف. وذلك قولك: لؤم الرجل إذا حققت، فإذا خففت قلت: لوم الرجل الوزن واحد على ما ذكرت لك.
فإن كانت مكسورةٌ وما قبلها مفتوحٌ نحوت نحو الياء، وذلك يئس الرجل. والمخففة - حيث وقعت - بوزنها محققة، إلا أن النبر بها أقل، لأنك تزيحها عن مخرج الهمزة المحققة.
فإن كانت مضمومة وقبلها فتح أو كسر، فهي على ما وصفنا ينحى بها نحو الواو.
وكذلك المكسورة ينحى بها نحو الياء، مع كل حركة تقع قبلها.
فأما المفتوحة فإنه إن كانت قبلها كسرة جعلت ياءً خالصة، لنه لا يجوز أن ينحى بها نحو الألف، وما قبلها مكسور، أو مضموم، لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا. وذلك قولك في جمع مئرة من مأرت بين القوم: أي أرشت بينهم: مئر. فإن خففت الهمزة قلت: مير، تخلصها ياءً. ولا يكون تخفيفها إلا على ما وصفت لك للعلة التي ذكرنا.
وإن كان ما قبلها مضموما وهي مفتوحة جعلت واوا خالصة والعلة فيها العلة في المكسور ما قبلها إذا انفتحت. وذلك قولك في جمع جؤنة: جؤن مهموز.
فإن خففت الهمزة أخلصتها واو، فقلت: جون.
واعلم أن الهمزة إذا كانت ساكنة فإنه تقلب - إذا أردت تخفيفها - على مقدار حركة. ما قبلها وذلك قولك في رأس، وجؤنة وذئب، - إذا أردت التخفيف - : راس، وجونة، وذيب، لأنه لا يمنكنك أن تنحو بها نحو حروف اللين، وأنت تخرجها من مخرج الهمزة إلا بحركة منها، فإذا كانت ساكنة فإنما تقلبها على ما قبلها. فتخلصها ياءً، أو واوا، أو ألفا.
وكان الأخفش يقول: إذا انضمت الهمزة وقبلها كسرة قلبتها ياءً، لأنه ليس في الكلام واو قبلها كسرة، فكان يقول في يستهزئون - إذا خففت الهمزة - : يستهزيون.
وليس على هذا القول أحد من النحويين. وذلك: لأنهم لم يجعلوها واوا خالصة ،إنما هي همزة مخففة، فيقولون: يستهزيون، وقد تقدم قولنا في هذا.
واعلم أنه ليس من كلامهم أن تلتقى همزتان فتحققا جميعاً، إذا كانوا يحققون الواحدة. فهذا قول جميع النحويين إلا عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، فإنه كان يرى الجمع بين الهمزتين، وسأذكر احتجاجه وما يلزم على قوله بعد ذكرنا قول العامة.
النحويون إذا اجتمعت همزتان في كلمتين كل واحدة منهما في كلمة تخفف إحداهما فإن كانتا في كلمة واحدة أبدوأ الثانية منهما، وأخرجوها من باب الهمزة.
أما ما كان في كلمة، فنحو قولهم: آدم، جعلوا اثانية ألفا خالصة، للفتحة قبلها.
وقالوا في جمعه: أوادم، كما قالوا في جمع خالد: خوالد، فلم يرجعوا بها إلى الهمز. وقالوا في فاعِل من جئت، ونحوه: جاءٍ كما ترى، فقلبوا الهمزة ياءً، لأنها في موضع اللام من الفعل، وموضع العين تلزمه الهمزة لاعتلاله ؛ كما قلت في فاعِل من يقول: قائل. فلما التقت الهمزتان في كلمة قلبوا الثانية منهما على ما وصفنا.
فإذا كانتا في كلمتين فإن أبا عمرو بن العلاء كان يرى تخفف الأولى منهما وعلى ذلك قرأ في قوله عز وجل " فقد جاء أشراطها " إلا أن يبتدأ بها ضرروة كامتناع الساكن.
وكان يحقق الأولى إذا قرا " ألد وأنا عجوزٌ " ويخفف الثانية، ولا يلزمها البدل، لأن ألف الاستفهام منفصلة، وكان الخليل يرى تخفيف الثانية على كل حال، ويقول: لأن البدل لا يلزم إلا الثانية، وذلك لأن الأولى يلفظ بها، ولا مانع لها، والثانية تمتنع من التحقيق من أجل الأولى التي قد ثبتت في اللفظ.

وقول الخليل أقيس، وأكثر النحويين عليه.
فأما ابن أبي إسحق فكان يرى أن يحقق في الهمزتين، كما يراه في الواحدة، ويرى تخفيفها على ذلك، ويقول: هما بمنزلة غيرهما من الحروف، فأنا أجريهما على الأصل، وأخفف إن شئت استخفافا، وإلا فإن حكمهما حكم الدالين، وما أشبههما. وكان يقول في جمع خطيئة - إذا جاء به على الأصل - : هذه خطائىء ويختار في الجمع التخفيف، وأن يقول: خطايا، ولكنه لا يرى التحقيق فاسدا.
واعلم أن الهمزة المتحركة إذا كان قبلها حرف ساكن فأردت تخفيفها، فإن ذلك يلزم فيه أن تحذفها، وتلقى حركتها على الساكن الذي قبلها، فيصير الساكن متحركا بحركة الهمزة.
وإنما وجب ذلك ؛ لأنك إذا خففت الهمزة جعلتها بين بين، قد ضارعت بها الساكن، وإن كانت متحركة.
ووجه مضارعتها أنك لا تبتدئها بين بين ؛ كما لا تبتدىء ساكنا. وذلك قولك: من ابوك، فتحرك النون، وتحذف الهمزة، ومن اخوانك.
وتقرأ هذه الآية إذا أردت التخفيف " الله الذي يخرج الخب في السماوات " وقوله " سل بني إسرائيل " .
إنما كانت اسأل فلما خففت الهمزة طرحت حركتها على السين، وأسقطتها، فتحركت السين، فسقطت ألف الوصل. ومن قال: هذه مرأة كما ترى فأراد التخفيف قال: مرة فهذا حكمها بعد كل حرف من غير حروف اللين.
فأما إذا كانت بعد ألف، أو واو، أو ياءٍ فإن فيها أحكاما: إذا كانت الياء، و الواو مفتوحا ما قبلهما فهما كسائر الحروف. تقول في جيأل: جيل.
وكذلك إذا كانت واحدة منهما اسما، أو دخلت لغير المد واللين.
وتقول في فَوْعَل من سألت: سوأل فإن أردت التخفيف قلت: سول كما قلت في الياء.
وكذلك ما كنت فيه واحدة منهما اسما، وإن كان قبل الواو ضمة. أو قبل الياء كسرة. تقول في اتبعوا أمره: اتبعو مره، وفي اتبعى أمره: اتبعى مره، وفي اتبعوا إبلكم: اتبعى بلكم.
لا تبالى أمفتوحةً كانت الهمزة، أم مضمومة، أم مكسورة.
فإن كانت الياء قبلها كسرة وهي ساكنة زائدة لم تدخل إلاّ لمدّ، أو كانت واو قبلها ضمة على هذه الصفة لم يجز أن تطرح عليها حركة، لأنه ليس مما يجوز تحريكه وذلك نحو: خطيئة، ومقروءة، فإن تخفيف الهمزة أن تقلبها كالحرف الذي قبلها، فتقول في خطيئة: خطيّة، وفي مقروءة: مقروّة.
وإنما فعلت ذلك ؛ لأنك لو ألقيت حركة الهمزة على هذه الياء وهذه الواو لحرّكت شيئا لا يجوز أن يتحرك أبدا ؛ لأنها للمد، فهو بمنزلة الألف، إلا أن الإدغام فيه جائز، لأنه مما يدغم، كما تقول: عدو، ودلى، ومغزو، ومرمى. وأما الألف فإن الإدغام فيها محال وهي تحتمل أن تكون الهمزة بعدها ببن بين، كما.
احتملت الساكن المدغم في قولك: دابة، وشابة ؛ لأن المدة قد صارت خلفا من الحركة، فساغ ذلك للقائل. ولولا المد لكان جمع الساكنين ممتنعا في اللفظ.
فتقول - إذا أردت اتبعا أمره فخفّفت - : اتبعا امره فتجعلها بين بين. وكذلك مضى إبراهيم، وجزى أمه، لأن الألف لا تكون إلا ساكنة، فلو طرحت عليها الحركة لخرجت من صورتها، وصارت حرفا آخر.
وتقول في نبيء - إذا خففت الهمزة - نبي كما ترى. هكذا يجري فيما لم تكن حروف ليّنة أصلية، أو كالأصلية.
وهم في نبيء على ثلاثة أضرب: أما من خفف فقال نبي وجعلها كخطية فإنه يقول: نباء، فيردها إلى أصلها ؛ لأنها قد خرجت عن فعيل، كما قال:
يا خاتم النبآء إنك مرسلٌ ... بالحق كل هدى السبيل هداكا
ومن قال: نبي فجعلها بدلا لازما، كقولك: عيد وأعياد، وكقولك: أحد في وحد فيقول أنبياء، كما يقول: تقي وأتقياء، وشقي وأشقياء، وغني وأغنياء.
وكذلك جمع فَعِيل الذي على هذا الوزن.
وكذلك يقول من أخذه من قولك: نبا ينبو، أي مرتفع بالله، فهذا من حروف العلة، فحقّه على ما وصفت لك.
وإن خففت الهمزة من قولك: هو يجيئك، ويسوءك قلت: يجيك، ويسوك، تحرك الياء والواو بحركة الهمزة، لأنهما أصلا في الحروف. فهذا يدلك على ما يرد عليك من هذا الباب.
واعلم أنه من أبى قول ابن أبي إسحق في الجمع بين الهمزتين فإنه إذا أراد تحقيقهما أدخل بينهما ألفا زائدة، ليفصل بينهما، كالألف الداخلة بين نون جماعة النساء، والنون الثقيلة إذا قلت: اضربنان زيدا.
فتقول: " آئذا كنا ترابا " وتقول: " آأنت قلت للناس " ومثل ذلك قول ذي الرمة:

فياظبية الوعساء بين جلاجلٍ ... وبين النّقا آأنت أم أم سالم
وإنما نذكر هاهنا من الهمزة ما يدخل في التصربف.
اعلم أن الهمزة التي للاستفهام إذا دخلت على ألف وصل سقطت ألف الوصل ؛ لأنه لا أصل لها، وإنما أتي بها لسكون ما بعدها، فإذا كان قبلها كلام وصل به إلى الحرف الساكن سقطت الألف وقد تقدم القول في هذا، إلا الألف التي مع اللام فإنك تبدل منها مدة مع ألف الاستفهام، لأنها مفتوحة، فأرادوا ألا يلتبس الاستفهام بالخبر. وذلك قولك - إذا استفهمت - : آبن زيد أنت ؟، " آتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار " .
وألف ايم التي للقسم، و ايمن بمنزلة ألف اللام: لأنها مفتوحة وهي ألف وصل. فالعلة واحدة.
وكل ما كان بعد هذا فما ذكرناه دال عليه.
فإذا التقت الهمزتان بما يوجبه البناء نحو بنائك من جئت مثل فَعْلَل قلبت الثانية ألفا، لانفتاح ما قبلها، كما وصفت لك في الهمزتين إذا التقتا: من أنه واجب أن تقلب الثانية منهما إلى الحرف الذي منه الحركة، وأنهما لا تلتقيان في كلمة واحدة فيقرا جميعا، فتقول: جيأى على وزن جيعىً.
فإن قال قائل: فما بالك تجمع بين الهمزتين في كلمة واحدة إذا كانتا عينين في مثل فعّل وفَعّال. وذلك قولك: رجل سئال وقد سئل فلان. ولا تفعل مثل ذلك في مثل جعفر، وقمطر ؟.
فالجواب في هذا قد قدمنا بعضه، ونرده هاهنا ونتمه.
إنما التقت الهمزتان إذا كانت عينين فيما وصفنا. لأن العين إذا ضوعفت فمحال أن تكون الثانية إلا على لفظ الأولى، وبهذا علم أنهما عينان. ولولا ذلك لقيل: عين، ولام، ومع هذا أن العين الأولى لا تكون في هذا البناء إلا ساكنة، وإنما ترفع لسانك عنهما رفعةً واحدة للإدغام.
فإن قال: فأنت إذا قلت: قمطر فاللام الأولى ساكنة، فهلاّ وجب فيها وفي التي بعدها ما وجب في العينين ؟ قيل: من قبل أن اللام لا تلزمه أن تكون اللام التي بعدها على لفظها، وإن جاز أن تقع .
ولكن العين هذا فيها لازم، ألا ترى أن قمطرا مختلفة اللامين بمنزلة جعفر، ونحوه .
فإذا قلت من قرأت مثل قمطر قلت: قِرَأْيٌ فاعلم، تصحح الياء، لأنه لا تلتقي همزتان .
فإن قيل: فلم قلبتها ياءً وليست قبلها كسرة ؟.
فإنما ذلك، لأنك إذا قلبتها إلى حروف اللين كانت كما جرى أصله من حروف اللين. فالياء، والواو إذا كانت واحدة منهما رابعةً فصاعدا. أصليةً كانت أو زائدة، فإنما هي بمنزلة ما أصله ياء ؛ ألا ترى أن أغزيت، وغازيت على لفظ. راميت، وأحييت .
وقد تقدم قولنا في هذا. ونعيد مسائل الهمز مع غيرها مما ذكرنا أصوله في موضع المسائل والتصريف إن شاء الله .
واعلم أن قوماً من النحويين يرون بدل الهمزة من غير علة جائزاً، فيجيزون قريت، واجتريت في معنى قرأت، واجترأت .
وهذا القول لا وجه له عند أحد ممن تصح معرفته، ولا رسم له عند العرب .
ويجيز هؤلاء حذف الهمزة لغير علة إلا الاستثقال .
وهذا القول في الفساد كالقول الذي قبله .
وهم يقولون في جمع بريء الذي هو براء على كريم وكرماء، وبراء على كريم وكرام. فهؤلاء الذين وصفنا يقولون براء فاعلم، فيحذفون الهمزة من برآء، ويقولون: الهمزة حرف مستثقل، فنحذفه ؛ لأن فيما أبقينا دليلا على ما ألقينا.
ويشبهون هذا بفاعِل إذا قلت: رجل شاكٌ السلاح.
وليس ذا في ذاك من شيءٍ، لأنه من قال: شاكٌ السلاح فإنما أدخل ألف فاعِل، وبعدها الألف التي في الفعل المنقلبة وهي عين، فتحذف ألف فاعِل، لالتقاء الساكنين.
وقد قال لهم بعض النحويين: كيف تقولون في مضارع قريت. ؟ فقالوا: أقرا - فقد تركوا قولهم من حيث لم يشعروا ؛ لأن من قلب الهمزة فأخلصها ياءً لزمه أن يقول: يقري، كما تقول: رميت أرمى ؛ لأن فعَل يَفْعَل إنما يكون في حروف الحلق.
ولو جاز أن تقلب الهمزة إلى حروف اللين لغير علة لجاز أن تقلب الحروف المتقاربة المخارج في غير الإدغام ؛ لأنها تنقلب في الإدغام ؛ كما تنقلب الهمزة لعلة. فإن فُعِل هذا لغير علة فليفعَلْ ذلك.
ولكن إذا اضطر الشاعر جاز أن يقلب الهمزة عند الوقف على حركة ما قبلها، فيخلصها على الحرف الذي منه حركة ما قبلها ؛ كما يجوز في الهمزة الساكنة من التخفيف إن شئت. فمن ذلك قول عبد الرحمن بن حسان:
وكنت أذل من وتدٍ بقاعٍ ... يشجج رأسه بالفهر واجى

إنما هو من وجأت.
وقال الفرزدق:
راحت بمسلمة البغال عشيةً ... فارعى فزارة لاهناك المرتع
وقال حسان بن ثابت:
سالت هذيل رسول الله فاحشةً ... ضلت هذيلٌ بما قالت ولم تصب
فهذا إنما جاز للاضطرار ؛ كما يجوز صرف مالا ينصرف، وحذف مالا يحذف مثله في الكلام.
وقد يقال في معنى سألت: سلت أسال مثل خفت أخاف، وهما يتساولان. كما يختلف اللفظان والمعنى الواحد، نحو قولك: نهض، ووثب. فإنما هذا على ذلك لا على القلب. ولو كان على القلب كان في غير سألت موجودا ؛ كما كان فيها. فهذا حق هذا.
هذا باب

ما كان على فعلى مما موضع العين منه ياء
أما ما كان من ذلك اسما فإن ياءه تقلب واوا ؛ لضمة ما قبلها. وذلك نحو قولك: الطوبى، والكوسى. أخرجوه بالزيادة من باب بيض ونحوه.
فإن كانت نعتا أبدلت من الضمة كسرة ؛ لتثبت الياء ؛ كما فعلت في بيض، ليفصلوا بين الاسم والصفة، وذلك قولهم: قسمةٌ ضيزى، ومشية حيكى. يقال: هو يحيك في مشيته، إذا جاء يتبختر. ويقال: حاك الثوب، والشعر يحوكه.
فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون هذا فِعْلَى ؟ قيل له: الدليل على أنه فُعْلَى مغير موضع الفاء أن فِعْلى لا تكون نعتا، وإنما تكون اسما ؛ نحو معزى، ودفلى، وفُعْلَى يكون نعتا كقولك: امرأة حبلى، ونحوه.
فإن قال قائل: من أين زعمت أن الطوبى، والكوسى اسمان ؟ فمن قبل أن هذا البناء لا يكمل نعتا إلا بقولك: من كذا. تقول: هذا أفضل من زيد، وهذه أفضل من زيد، فيكون أفعل للمؤنث والمذكر، والاثنين والجمع، على لفظ واحد.
فإذا قلت الفضل والفضلى، ثنّيت وجمعت ؛ كما فصلت بين المؤنث والمذكر ولهذا باب يفرد مستقصى فيه مسائله.
فلما ذكرت لك جرت مجرى الأسماء.
فإن كان هذا الباب من الواو، جرى على أصله اسما وصفةً.
فأما الاسم فنحو قولك: القولى، والسودى تأنيث قولك: هذا أسود منه، وأقول منه ؛ لأن هذا إذا ردّ إلى الألف واللام خرج إلى باب الأكبر والكبرى.
وإن كان نعتا لم يلزم أن يكسر ما قبل واوه، إنما لزم الكسر في فُعْل مما كان من الياء، ألا ترى أنك تقول في جمع أسود: سود، خلافا لأبيض وبيض. فكذلك تسلم الواو من هذا اسما، وصفة.
هذا باب
ما كان على فعلى وفعلى من ذوات الواو
والياء اللتين هما لامان
أما ما كان على فَعْلَى من ذوات الياء فإن ياءه تقلب واوا إذا كان اسما، وتترك ياءً على هيئتها إذا كان نعتا.
فأما الاسم فالفتوى، والتقوى، والرعوى.
وأما النعت فنحو قولك: صديا، وريا، وطيا.
ولو كانت ريا اسما لكانت روّى. وذلك، لأنك كنت تقلب اللام واوا، والعين واوا، لأنها من رويت. فتلقى الواوان فيصير بمنزلة قوّل.
وأما ما كان من الواو فإنك لا تغيره اسما ولا صفة.
تقول في الاسم: دعوى، وعدوى.
والصفة مثل شهوى. وإنما فعلت ذلك لأن الصفة تجرى هاهنا على أصلها ؛ كما جرت الصفة من الياء على أصلها.
وأما الاسم فلا تقلب من الواو ؛ لأن هذا باب قد غلبت الواو على بابه، فإذا أصيبت الواو لم تغير، لأن الياء تنقلب إلى الواو.
وأما ما كان من هذا الباب على فُعْلَى فإن واوه تنقلب ياءً إذا كان اسما ؛ كقولك: الدنيا، والقصيا.
والنعت يجرى على أصله، ياءً كان أو واوا ؛ كما وصفت لك فيما مضى من النعوت.
وذوات الياء لا تتغير هاهنا ؛ كما أن ذوات الواو لا تتغير في فَعَْى. فعلى هذا يجري التصريف في هذه الأبواب.
وأما قولهم: القصوى فهذا مما نذكره مع قولهم: الخونة، والحوكة.
و: قد علمت ذاك بنات ألببه وحيوة، وضيون. وغير ذلك مما يبلغ له الأصل إن شاء الله.
هذا باب
المسائل في التصريف مما اعتل منه موضع العين
تقول: إذا بنيت فُوِعِلَ من سرت: سوير.
فإن قال قائل: هلا ادغمت الواو في الياء ؛ كما قلت في لية وأصلها لوية ؛ لأنها من لويت يده، ولأن حكم الواو والياء إذا التقتا والأولى منهما ساكنة، أن تنقلب الواو إلى الياء، وتدغم إحداهما في الأخرى، فأما ما كان من هذا ياؤه بعد واوه فنحو: لويته، وشويته ليّة، وشيا إنما كانا لوية، وشويا ؛ لأن العين واو، وكذلك مرميّ فاعلم إنما هو مرموي ؛ لأن اللام ياء وقبلها واو مفعول.
وأما ما كانت الياء منه قبل الواو: فنحو سيد، وميت ؛ لأنه في الأصل سيود، وميوت.

فإذا قال: فلم لم يكن في سوير مثل هذا ؟ فالجواب في ذلك أن واو سوير مدة، وما كان من هذه الحروف مد فالإدغام فيه محال، لأنه يخرج من المد ؛ كما أن إدغام الألف محال. والدليل على أن هذه الواو مدة أنها منقلبة من ألف، ألا ترى أنها كانت ساير، فلما بنيت الفعل بناء ما لم يسم فاعله قلت: سوير فالواو غير لازمة.
ولو قلت مثل هذا من القول لقلت: قوول، فلم تدغم. والعلة في هذا، العلة فيما قبله ؛ لأنها بدل من ألف قاول.
ونذكر قلب الواو في الإدغام إلى الياء وإن كانت الياء قبلها، ثم نعود إلى المسائل إن شاء الله .
قد قلنا: إذا التقيت الياء والواو وإحداهما ساكنة، وجب الإدغام، وقلبت الواو إلى الياء فيقال: فهلا قلبت الياء إلى واو إذا كانت الواو بعدها ؛ كما أنك إذا التقى حرفان من غير المعتل فإنما تدغم الأول في الثاني، وتقلب الأول إلى لفظ الثاني ؛ نحو قولك في وتد: ود، وفي يفتعل من الظلم: يطلم، فتدغم الظاء إلى الطاء. وكذلك ذهب طلحة تريد: ذهبت طلحة، تقلب التاء طاءً .
ومثل ذلك أخت، تريد: أخذت، فتدغم الذال في التاء. وأنفت تريد: أنفذت ؟ قيل: الجواب في هذا: أنه إذا التقى الحرفان ولم يكن في الآخر منهما علة مانعة تمنع من إدغام الأول فيه أدغم فيه .
وإن كان الأول أشد تمكناً من الذي بعده، وتقاربا تقارب ما يجب إدغامه، لم يصلح إلا قلب الثاني إلى الأول .
فمن ذلك حروف الصفير وهي السين، والصاد، والزاي. فإنها لا تدغم فيما جاورها من الطاء، والتاء، والدال .
ومجاورتهن إياها أنهن من طرف اللسان، وأصول الثنايا العلى، وحروف الصفير من طرف اللسان، وأطراف الثنايا، ولهن انسلال عند التقاء الثنايا، لما فيهن من الصفير، وتجاورهن الظاء، والذال، والثاء من طرف اللسان، وأطراف الثنايا. إلا أن هذه الحروف يلصق اللسان لها بأطراف الثنايا، وهي حروف النفث وإذا تفقدت ذلك وجدته .
ومعنى النفث: النفخ الخفي .
فالصاد وأختاها لتمكنهن لا يدغمن في شيءٍ من هؤلاء الستة، وتدغم الستة فيهن. ونذكر هذا في موضعه إن شاء الله .
فإذا التقى حرفان أحدهما من هذه الستة، والآخر من حروف الصفير فأردت الإدغام أدغمته على لفظ الحرف من حروف الصفير .
تقول من مُفْتَعِل من صيرت - إذا أردت الإدغام - : مصير، وفي مستمع: مسمع، وفي مزدان، ومزدجر ؛ مزان، ومزجر .
فكذلك الياء، والواو. ويجب إدغامها على لفظ الياء، لأن الياء من موضع أكثر الحروف وأمكنها والواو مخرجها من الشفة، ولا يشركها في مخرجها إلا الباء، والميم فأما الميم فتخالفها ؛ لمخالطتها الخياشيم بما فيها من الغنة ؛ ولذلك تسمعها كالنون .
والباء لازمةٌ لموضعها، مخالفة للواو ؛ لأن الواو تهوي من الشفة للفم ؛ لما فيها من اللين حتى تتصل بأختيها: الألف، والياء .
ولغلبة الياء عليها مواضع نذكرها في باب الإدغام ؛ لأنه يوضح لك ما قلنا مبيناً .
وليست الواو كالفاء ؛ لأن الفاء لا تخلص للشفة، إنما مخرجها من الشفة السفلى، وأطراف الثنايا العليا .
فلذلك وجب ما وصفنا من الإدغام .
ولا يجب الإدغام إذا كانت إحداهما حرف مد .
وآية ذلك أن تكون منقلبة من غيرها ؛ كما وصفت لك في واو سوير ؛ لأنها منقلبة من ألف ساير .
وأما واو مغزو ومرمي، فليست واحدة منهما منقلبة من شيءٍ، إنما هي واو مَفْعُول غير منفصلة من الحروف. ولو كانت منفصلةً لم تدغم وقبلها ضمة ؛ إلا ترى أنك تقول: ظلموا واقداً فلا تدغم ؛ كما لا تدغم إذا قلت: ظلماً. وكذلك أغزي ياسراً لا يلزمك الإدغام، لكسرة ما قبل الياء، وضمة ما قبل الواو .
ولو كات قبل كل واحدة منهما فتحة لم يجز إلا الإدغام في المثلين، ولم يمكنك إلا ذلك .
تقول: رموا واقداً، وأخشى ياسراً .
فإن قلت: فما بالك من أخشى واقداً، ورموا ياسراً لا تدغم، والأول منهما ساكن وقد تقدم الشرط في الواو والياء ؟ فإنما قلنا في المتصلين .
فأما المنفصلان فليس ذلك حكمهما، لأنك في المنفصلين - إذا تقاربت الحروف - مخير.
وأما في هذا الموضع فلا يجوز الإدغام ؛ لأن الواو علامة الجمع والياء علامة التأنيث، فلو أدغمت واحدة منهما على خلاف لذهب المعنى، وهذا يحكم لك في باب الإدغام إن شاء الله. ورجع بنا القول إلى ما يتبع باب سوير.

قد تقدمنا في القول أن الواو الزائدة والياء، ، إذا كانا مدتين لم تدغما، كما أن الألف لم تدغم، فإذا كانتا مدتين صارتا كالألف.
وإنما استحال الإدغام في الألف ؛ لأنها لو كانت إلى جانبها ألف لا يجوز أن تدغم فيها، لأن الألف لا تكون إلا ساكنة ولا يلتقى ساكنان.
وبعد فإن لفظها وهي أصلية لا تكون إلا مداً، وابلمد لا يكون مدغما، واو رمت ذلك في الألف لتقلتها عن لفظها.
فتقول: قد قوول زيد، وبويع لا غير ذلك.
وكذلك رؤيا إذ خففت الهمزة وأخلصتها واوا، لأن الهزة الساكنة إذا خففت انقلبت على حركة ما قبلها.
ولم يجز في هذا القول أن تدغمها، لأنها مدة، ولأن أصلها غير الواو، فهي منقلبة كواو سوير.
وأما من قال: ريا ورية فعلى غير هذا المذهب، ونذكره في بابه إن شاء الله.
فهذا حكم الزوائد.
ولو قلت: افْعَوْعَلَ من القول لقلت: اقوول، ومن البيع: ابيع وكان أصلها: ابيويع، فأدغمت الواو في الياء التي يعدها .
فإن بنيت الفعل من هذا بناء ما لم يسم فاعله قلت: ابيويع، واقووول، ولا يجوز الإدغام، لأن الواو الوسطى مدة.
فأما عدو، وولى، فالإدغام لازم، لأن الواو والياء لم تنقلبا من شيءٍ.
وتقول في مثل احمار من الحوة: احواوت، واحووى الرجل، وإنما أصل احمار احمارر، فأدركه الإدغام. ويظهر ذلك إذا سكنت الراء الأخيرة تقول: احماررت، ولم يحمارر زيد.
فعلى هذا تقول: احواويت، واحواوى زيد.
فإذا قلت: يحواوى لم تدغم، لأن الياء ساكنة، والواو متحركة.
وإنما يجب الإدغام في هذا سكن الأول.
فإن بنيت الفعل بناء ما لم يسم فاعله قلت: احووى في هذا المكان، فلا تدغم، لأن الواو الوسطى منقلبة عن ألف افعالّ.
فإن قلت: فما بالك تقول في المصدر على مثل احميرار: احوياء ؟ وأصلها احويواء، فتدغم هلا تركت الياء مدة ؟ فمن قيل أن المصدر اسم، فبناؤه على حالة واحدة، والفعل ليس كذلك لتصرفه.
فالملحقة في هذا الباب، والزائدة لغير الإلحاق سوتاء في قول النحويين.
وكان الخليل يقول: لو بنيت أَفْعَلْت من اليوم في قول من قال: أجودت، وأطيبت لقلت: أيمت وكان الأصل: أيومت، ولكن انقلبت الواو للياء التي قبلها ؛ كما فعلت في سيد.
فإن بنيت الفعل بناء ما لم يسم فاعله، أو تكلمت بمضارعه قلت في قول الخليل: أووم ؛ لأن الياء منقلبة من واو، فلما بناها هذا البناء جعلها مدة، وإن كانت أصلية، لأنها منقلبة ؛ كما انقلبت واو سوير من ألف ساير، فقد صارت نظيرتها في الانقلاب.
وتقول في موئس فيمن خفف الهمزة: مويس، فتجعلها بين بين، وفي ميأل وهو مِفْعَل من وألت: ميال، فلا تجعلها كالواو في خطيئة إذا قال: خطية إذا خفف الهمزة.
والنحويون أجمعون على خلافه، لإدخاله الأصول على منهاج الزوائد فيقولون: ايم، لأنها أصلية، فالإدغام لازم لها ؛ لأن المد ليس بأصل في الأصول.
ويقول في مِفْعَل من وألت: مول إذا خففوا الهمز، والأصل ميئل، فطرحوا حركة الهمزة على الياء فلما تحركت رجعت إلى أصلها، لأنها من واو وألت، كما رجعت واو ميزان إلى أصلها في قولك: موازين.
ويقول النحويون في موئس إذا خففوا الهمزة: ميس، لأنهم طرحوا حركتها على الواو، فسقطت الهمزة، ورجعت الواو إلى الياء لما تحركت، لأنه من يئست. فهذا قول النحويون وهو الصواب والقياس.
ولو بنيت من القول فَعَّل أو من البيع لقلت: قول، وبيع، فإن بنيته بناء ما لم بسم فاعله: قلت: قول، وبيع، لأنها ليست منقلبة، إنما رددت العين مثقلة كما كانت.
وتقول في افْعَلْ من أويت إذا أمرت: ايو يا رجل، وللاثنين: ايويا، وللجمع: ايووا، وللنساء :ايوين ؛ كما تقول من عويت.
فالياء مبدلة من الهمزة، ولا يلزمك الادغام، لأن الألف ألف وصل، فليس البدل لازما للياء، لأن أصها الهمز.
ولكنك لو قلت مثل إوزة من أويت لقلت: إياة، فاعلم.
وكان أصلها إئواة، فلما التقت الهمزتان أبدلت الثانية ياء ؛ لكسرة ما قبلها ؛ كما ذكرت لك في جاءٍ ونحوه، فصارت ياء خالصة وبعدها واو، فقلبتها لها ؛ لأن الياء ساكنة، ولم تجعلها مدا، لأنه اسم، وقد تقدم قولنا في هذا في باب عدو، وولى، ونحوه.

ولو قلت من وأيت مثل عصفور لقلت: وؤيىّ، لأنك إذا قلت: وأيت، فالواو في موضع الفاء، والهمزة في موضع العين فلما قلت: فعلول احتجت إلى تكرير اللام للبناء، والواو الزائدة تقع بين اللامين ؛ كما تقع في مثال فُعْلول فقلت: وؤيىّ.
والأصل وؤيوى، فقلبت الواو ياء ؛ للياء التي بعدها، وضممت الواو الأولى لمثال فُعْلول. وإنما لزمك الإدغام لأنه اسم، ولولا ذلك لكانت واو فُعْلول كواو سوير، ولكن الأسماء لا تتصرف. وقد مضى القول في هذا.
ألا ترى أن قولك: مرمي إنما هو مَفْعْول من رميت، فكان حقّه أن يكون مرموى فأدغمت. فكذلك آخر فُعْلُول.
ولو قلت مثل مَفْعُول من حييت لقلت: هذا مكان محيى فيه.
وكان الأصل: محيوى، وكذلك مشويّ، وكان - الأصل مشووى ؛ لأن العين واو بعدها واو مفعول، وبعد واو مفعول الياء التي هي لام الفعل.
ولو قلت مثل فَعالِيل من رميت لقلت: رمايي فاعلم. لم تغير ؛ لتباعد الألف من الطرف، فأدغمت الياء الزائدة في الياء التي هي لام.
فأما مثل طويل، وقويم، وما أشبه ذلك فلا يلزمك الإدغام ؛ لتحرك الحرف الأول من المعتلين. ونبين هذا بأكثر من هذا التبيين في باب مسائل التصريف إن شاء الله.
هذا باب

تصرف الفعل إذا اجتمعت فيه حروف العلة
إذا بنيت الماضي من حييت فقلت: حيي يا فتى فأنت فيه مخير: إن شئت أدغمت، وإن شئت بينت.
تقول: قد حيّ في هذا الموضع، وقد حيي فيه.
أما الإدغام فيجب للزوم الفتحة آخر فَعَلَ، وأنه قد صار بالحركة بمنزلة غير المعتل ؛ نحو: ردّ، وكرّ.
وأما ترك الإدغام ؛ فلأنها الياء التي تعتل في يحيى، ويحيى، فلا تلزمها حركة ؛ ألا ترى أنك تقول: هو يحيى زيدا، ولم يحى، فتجعل محذوفة، كما تحذف الحركة. وكذلك يحيا ونحوه ؛ وقد فسرت لك من اتصال الفعل الماضي بالمضارع، وإجرائه عليه في باب أغزيت ونحوه ما يغنى عن إعادته.
ومن قال: حي يا فتى قال للجميع: حيّوا مثل: ردّ، وردّوا، لأنه قد صار بمنزلة الصحيح.
ومن قال: حيى فبين قال: حيوا للجماعة. وذلك ؛ لأن الياء إذا انكسر ما قبلها لم تدخلها الضمة، كما لا تقول: هو يقضي، يا فتى، ولا هو قاضيٌ.
وكان أصلها حييوا على وزن علموا، فسكّنت والواو بعدها ساكنة، فحذفت لالتقاء الساكنين.
فمثل الإدغام قراءة بعض الناس " ويحيا من حي عن بينة " وهو أكثر وترك الإدغام: " من حيى عن بينة " وقد قريء - بهما جميعا.
وكذلك قيل في الإدغام:
عيوا بأمرهمو كما ... عيّت ببيضتها الحمامه
وقال في ترك الإدغام:
وكنا حسبناهم فوارس كهمسٍ ... حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
فإذا قلت: هو يَفْعَل لم يجز الإدغام البتّة. وذلك قولك: لن يعيى زيد، ولن يحيى أحد ؛ لأن الحركة ليست بلازمة، وإنما تدخل للنصب. وإنما يلزم الإدغام بلزوم الحركة.
وكذلك قول الله عز وجل " أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيى الموتى " ؛ لا يجوز الإدغام كما ذكرت لك.
فإذا قلت: قد فُعِلَ من حييت على قول من بيّن قلت: قد حيي في هذا المكان. ومن أدغم قال: قد حيّ في هذا المكان.
وإن شاء قال: قد حيّ، فأبدل من الضمة كسسرة ؛ للياء التي بعدها.
وكذلك كلّ ما كان من هذا، اسما كان أو فِعْلا. تقول: قرنٌ ألوى وقرون لي، وإن شئت قلت: ليٌّ ؛ والأصل الضم. وإنما دخل الكسر من أجل الياء ؛ لأن جمع - أَفْعَل فُعْل، إذا كان أَفْعل نعتا ؛ نحو أحمر وحمر، ولكن الكسر في هذا أكثر لخفته.
وكذلك ما كان على فعُول مما اعتلت لامه، وتقول: ثديّ، وعصي، وإن شئت قلت: ثدي وعصي، والكسر أكثر ؛ لما ذكرت لك والضم الأصل ؛ لأن البناء فُعُول.
فأما المفتوحة فلا تبدل كسرة لخفة الفتحة ؛ نحو: ولي، وعدي. وكذلك " لبا بألسنتهم " .
فإذا ثنيت أُفْعُوْعِلَ من حييت لقلت في قول من لم يدغم: قد احيوييا في هذا، وفي قول من أدغم: أحيويا فيه.
فإن قلت: فكيف اجتمعت الواو وهي ساكنة، والياء بعدها ساكنة للإدغام ؟ فقد تقدم قولنا في أن حرف المد يقع بعده الساكن المدغم ؛ لأن المدة عوض من الحركة، وأنك تعتمد على الحرفين المدغم أحدهما في الآخر اعتمادةً واحدة ؛ نحو قولك: دابة، وشاب ؛ وتمود الثوب، وهذا بريد ود، ونحو ذلك.

ونحن ذاكرو ما تلتقى لامه، وعينه - على لفظ واحد بجميع علله من الصحيح، ثم نرجع إلى المعتل إن شاء الله.
إذا قلت: فَعِل أوفعَل مما عينه ولامه سواء فكان الحرفان متحركين ؛ فإنه يلزمك أن تسكن المتحرك الأول، فتدغمه في الذي بعده ؛ لأنها لفظ واحد، فلا يقع في الكلام التباين. وذلك قولك: رد، وفر، وعض، وردوا، وفروا .
فإن سكن الثاني ظهر التضعيف. وإنما يظهر لأن الذي بعده ساكن، فإن أسكنته جمعت بين ساكنين.
لذلك تقول: رددت، وفررت، وتقول: لم يرددن ولم يفررن ؛ لأن ما قبل نون جماعة النساء لا يكون إلا ساكنا ؛ لما قد تقدم ذكره. وكذلك ما قبل التاء إذا عني بها المتكلم نفسه، أو مخاطبه.
وتقول: ردا لا غير ؛ لأن الثانية تتحرك.
فإذا أمرت الواحد فقلت: افْعَلْ من هذه المضاعفة فأنت مخير إن شئت قلت: اردد ؛ كما تقول: أقتل. وتقول: إعضض ؛ كما تقول: إذهب. وتقول: إفرر ؛ كما تقول: إضرب. وهذا أجود الأقاويل.
وقد يجوز أن تقول: فرّ، رد، غض. فإذا قلت ذلك فإنما طرحت حركة العين على الفاء، فلما تحركت الفاء سقطت ألف الوصل، وقد التقى في الوقف ساكنان، فإذا وصلت فكان الحرف من باب يَفْعُل فأنت في تحريكه مخير: يجوز فيه الوجوه الثلاثة: تقول: غض يا فتى، وغض، وغض.
أما الكسر فعلى أنه أصل في التقاء الساكنين.
وأما الضم فللإتباع. وأما الفتح فلأنه أخف الحركات ؛ لأنك إنما تحرك الآخر لالتقاء الساكنين.
فإن كان من باب مسّ جاز فيه الفتح من وجهين: لخفته، والإتباع. وجاز الكسر لما ذكرت لك.
وإن كان من باب فرّ جاز فيه الكسر من وجهين: للإتباع، ولأنه أصل التقاء الساكنين. وجاز الفتح لخفته.
وإنما جاز في هذا ما لم يجز فيما قبله مما تحرك منه الأول، لأن هذا أصله الحركة، وإنما سكن للجزم، وليس السكون لازما له ؛ لأنك لو ثنيته أو جمعته أو أنثته، للزمته الحركة ؛ نحو: ردا، وردوا، وردى.
وكذلك إن أدخلت فيه النون - الخفيفة، أو الثقيلة.
وما كان قبل التاء، والنون التي لجماعة المؤنث لم يكن إلا ساكنا لا تصل إليه الحركة، فلما كان كذلك كان تحريكه تحريك اعتلال، ولك يكن كما قد تقدّمنا في ذكره.
فان لقيه ساكن بعده اختير فيه الكسر.
ولا أراه إذا حرك للذي بعده في التقدير يجوز فيه إلا الكسر.
فان قدر تحريكه لما قبله جازت فيه الوجوه كلها، على ما تقدّمنا بذكره. وذلك قولك: ردّ الرجل، وغض الطرف. وإن شئت قدّرته لما قبله فقلت في المضموم بالأوجه الثلاثة، كما كان من قبل أن يدخل الساكن الذي بعده. وقلت في المفتوح بالفتح والكسر.
وكذلك المكسور. وهذا البيت ينشد على الأوجه الثلاثة لما ذكرنا وهو:
فغض الطرف إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وكذلك الذي بعده وهو:
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى ... والعيش بعد أولئك الأيام
فعَلى ما ذكرت لك مجرى هذا الباب. وقد تقدم قولنا في ذوات الياء و الواو المضاعفة، ثم ذكرنا ذا. ونعود إلى استقصاء ما فيها إن شاء الله.
اعلم أنه لا يقع في الأفعال ما تكون عينه ياء ولامه واوا، ولكن تكون عينه واوا، ولامه ياء، وذلك نحو: شويت، ولويت، وطويت. ويلحق به ما كانت عينه ولامه واوين، لأنه يبنى على فَعِلت، فيصير لامه بمنزلة ما أصله الياء، نحو: حويت، وقويت.
فأما قولهم: حيوان في الاسم فقد قيل فيه قولان: قال الخليل: الواو منقلبة من ياءٍ، لأنه اسم، فخروجه عن الفعل كخروج آية، وبابها .
وقال غيره: اشتاق هذا من الواو لو كان فعلا، ولكنه لا يصلح لما تقدمنا بذكره.
ونظيره في هذا الباب على هذا القول جبيت الخراج جباية، وجباوة، وليس من جباوة فِعْل.
ومثل ذلك فاظ الميت فيظاً وفوظا، وليس من فوظ فِعْل.
ولذلك ظهر على الأصل ليدل على أصله.
وقد تقدم قولنا في أنه لا تظهر واوان مجتمعين إذا كانت إحداهما طرفا، ولا يقع في الكلام ما موضع فائه واو، ولامه واو، نحو وعوت. ونحن ذاكرو ما يتصل به إن شاء الله.
إذا بنيت من الغزو فَعَلَلْت قلت: غزويت. ولم يجز إلا ذلك ؛ لأنها في المضارع يغزوي على ما ذكرنا من الباب.
ولو لم يكن ذلك لوجب ألا تجتمع واوان ؛ ألا ترى أنهم يذهبون بفَعَلْت من الواو إلى فِعِلت في نحو قويت وحويت ؛ لئلّ يجتمع واوان.

فإذا كانت إحداهما غير طرف، أو كان ما قبلها ساكنا فهي ثابتة، نحو قولك: خيل حو، وبطن قوّ، وقد قلنا في هذا ولكن رددناه لما بعده.
إذا بنيت افْعَلْوعَل من قلت فإن النحويين يقولون: اقووّل فتجتمع ثلاث واوات، ولم تكن واحدة منهن طرفا ينتقل عليها الإعراب، إلا أبا الحسن الأخفس، فإنه كان يقول في هذا المثال: اقويّل: يقلب آخرهن ياء، ويدغم فيها التي قبلها وعلته في ذلك اجتماع الواوات. ويقول: إنما تجرى الأبنية على الأصول، وليس في الأصول ما هو هكذا.
فإن قلت مَفْعُول من غزوت فهو مغزوّ. هذا المجتمع عليه، تصح الواو التي هي حرف الإعراب ؛ لسكون ما قبلها.
وقد يجوز مغزي. وذلك ؛ لأنك قلبت الطرف: كما فعلت في الجمع، وليس بوجه، لأن الذي يقلب إنما يذهب إلى أن الساكن الذي قبلها غير حاجز.
ولا تكون الواو في الأسماء طرفا وما قبلها متحرك، فلم يعتد بما بينهما ؛ ألا ترى أنك إذا جمعت دلو قلت: هذه أدلٍ، وإنما هي أَفْعُل، وتقول في قلنسوة والجمع: قلنسٍ وحقّه قلنسوّ، ولكنك قلبت الواو لما كانت طرفا وكان ما قبلها متحرّكا. على ذلك قال الراجز:
لا مهل حتى تلحقي بعنس ... أهل الرياط البيض والقلنسي
وقال الآخر:
حتى تفضي عرقي الدلى
جمع عرقوة. وكان حقّه عرقوٌ.
فهكذا حكم كل واو طرف إذا تحرك ما قبلها فكان مضموماً أو مكسوراً.
وإن كان مفتوحاً انقلبت ألفاً ؛ كما ذكرت في غزا، وكذلك رمى ؛ لأن حكم الواو في هذا الموضع كحكم الياء.
لو رخمت كروانا فيمن قال: يا حار لقلت: يا كرا، أقبل.
وكان الأصل - يا كرو، لكن تحرك ما قبلها وهي في موضع حركة فانقلبت ألفاً.
ولم يكن ذلك في كروان ؛ لأن الألف بعدها، فلو قلبتها ألفاً لجمعت بين ساكنين ؛ كما كان يلزمك في غزوا لم تردها إلى الواو.
فالذين قالوا: مغزيٌ إنما شبّهوه بهذا وعلى ذلك قالوا: أرض مسنيّة، وإنما الوجه مسنوّة.
فإن كان هذا البناء جمعاً فالقلب لا غير.
تقول في جمع عات: عتيّ، وفي غاز غزيّ. وإن كسرت أوله على ما ذكرت لك قبل فقلت: غزيّ ؛ كما تقول: عصيّ، فالكسر أكثر لخفّته. والأصل الضم ؛ لأنه فُعُول.
وقولي في هذا الجمع أوجب ؛ لأن باب الانقلاب إنما أصله الجمع، فلذلك أجرينا سائر الجمع عليه.
وقد قلنا في صيّم ما يستغنى عن إعادته.
واعلم أن اللام إذا كانت ياء أو واوا، وقبلها ألف زائدة وهي طرف أنها تنقلب همزة. للفتحة والألف اللتين قبلها. وذلك قولك: هذا سقاء يا فتى، وغزّاء فاعلم.
فإذا لم يكن منتهى الكلمة لم تنقلب. وذلك قولك: شقاوة، وعباية.
فأما من قال: عظاءة، وعباءة، فإنما بناه أولا على التذكير، ثم أدخل التأنيث بعد أن فرغ من البناء فأنّثه على تذكيره.
فعلى هذا تقول: صلاءة، وامرأة سقّاءة، وحذّاءة.
ولو بنيتها على التأنيث على غير مذكر لقلت: سقّاية، وحذاوة فاعلم، كما تقول: شقاوة، ونهاية.
وكذلك ما كانت آخره واو وليس بمنتهى الكلمة نحو قولك في مثل فُعُلَة من غزوت إن بنيته على التذكير قلت: غزية ؛ كما كنت تقول في المذكر: هذا غزٍ فاعلم.
وإن بنيته على التأنيث الذي هو من غير تذكير قلت: غزوة، كما قلت: ترقوة، وقلنسوة ؛ لأن الإعراب على الهاء، ولم يثبت له مذكّر يقع تأنيثه عليه.
ألا ترى أنك لو سمّيت رجلا يغزو لقلت: هذا يغزٍ ؛ كما ترى ؛ كما قلت، في الفِعْل: هو يدلو دلوه، وأنا أدلو ؛ لأنّ هذا المثال للفعْل.
وتقول في جمع دلو: هذه أدلٍ فاعلم، تقلب الواو ياء لما ذكرت لك ؛ لأن الأسماء لا يكون آخر اسم منها واوا متحركا ما قبلها، ويقع ذلك في حشو الاسم في مثل: عنفوان، وأقحوان، وغير ذلك حيث وقع ثانياً، أو ثالثاً، أو رابعاً بعد ألاّ يكون طرفاً.
ولو قلت فُعْلُلَة من رميت على التأنيث لقلت: رميوة: تقلب الياء واوا ؛ لانضمام ما قبلها.
ولو بنيتها على التذكير لقلت: رميية، لأنها تنقلب مذكرة فأعللتها على ذلك: وقد تقدم قولنا في أن الحرف إذا كان على أربعة أحرف وآخره ياء أو واو، استوى اللفظان على الياء ؛ لأن الواو تنقلب رابعة فصاعدا إلى الياء لما ذكرنا من العلة، وأعدنا ذلك لقولهم: مذروان، وفلان ينفض مذرويه، وإنما حق هذا الياء، لأن الألف رابعةٌ، ولكنه جاء بالواو ؛ لأنه لا يفرد له واحد. فهو بمنزلة ما بنى على التأنيث مما لا مذكّر له.

وعلى هذا لم يجز في النهاية ما جاز في عظاية من قولك: عظاءة ؛ لأنك تقول في جميع هذا: العظاء. فهذا يحكم لك ما يرد عليك من هذا الباب إن شاء الله.
أبواب الإدغام

هذا باب
مخارج الحروف وقسمة أعدادها
في مهموسها، ومجهورها، وشديدها، ورخوها، وما كان منها مطبقاً، وما كان من حروف القلقلة، وما كان من حروف المدّ. واللين، وغير ذلك.
اعلم أن الحروف العربية خمسة وثلاثون حرفاً، منها ثمانية وعشرون لها صور.
والحروف السبعة جارية على الألسن، مستدلّ عليها في الخط بالعلامات. فأما في المشافهة فموجودة.
فمنها للحلق ثلاثة مخارج: فمن أقصى الحلق مخرج الهمزة. وهي أبعد الحروف. ويليها في البعد مخرج الهاء. والألف هاوية هناك. والمخرج الثاني من الحلق مخرج الحاء والعين.
والمخرج الثالث الذي هو أدنى حروف الحلق إلى الفم مما يلي الحلق مخرج الخاء، والغين.
ثم أوّل مخرج الفم مما يلي الحلق مخرج القاف.
ويتلو ذلك - مخرج الكاف وبعدها مخرج الشين. ويليها مخرج الجيم.
ويعارضها الضاد ومخرجها من الشدق. فبعض الناس تجري له في الأيمن، وبعضهم تجري له في الأيسر.
وتخرج اللام من حرف اللسان، معارضا لأصول الثنايا، والرباعيات. وهو الحرف المنحرف المشارك لأكثر الحروف. ونفسّره في موضعه بمعانيه إن شاء الله.
وأقرب المخارج منه مخرج النون المتحركة. ولذلك لا يدغم فيها غير اللام.
فأما النون الساكنة فمخرجها من الخياشيم ؛ نحو نون منْك، وعنْك وتعتبر ذلك بأنك لو أمسكت بأنفك عند لفظك بها لوجدتها مختلّة.
فأما النون المتحركة فأقرب الحروف منها اللام ؛ كما أن أقرب الحروف من الياء الجيم. فمحل اللام والنون والراء، متقارب بعضه من بعض، وليس في التداني كما أذكر لك.
فإذا ارتفعت عن مخرج النون نحو اللام فالراء بينهما ؛ على أنها إلى النون أقرب. واللام تتصل بها بالانحراف الذي فيها.
ثم من طرف اللسان وأصول الثنايا مصعدا إلى الحنك مخرج الطاء، والتاء، والدال.
ومن طرف اللسان وملتقى حروف الثنايا حروف الصفير. وهي حروف تنسلّ انسلالا وهي السين، والصاد، والزاي.
ومن طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا مخرج الظاء، والثاء، والذال.
ومن الشفة السفلى، وأطراف الثنايا العليا مخرج الفاء.
ومن الشفة مخرج الواو، والباء، والميم ؛ إلا أن الواو تهوى في الفم حتى تتصل بمخرج الطاء والضاد، وتتفشّى حتى تتصل بمخرج اللام. فهذه الاتصالات تقرّب بعض الحروف من بعض، وإن تراخت مخارجها.
والميم ترجع إلى الخياشيم بما فيها من الغنّة. فلذلك تسمعها كالنون ؛ لأن النون المتحركة مشربة غنّة، و الغنّة من الخياشيم.
والنون الخفيفة خالصة من الخياشيم. وإنما سمّيتا باسم واحد ؛ لاشتباه الصوتين. وإلا فإنهما ليسا من مخرج ؛ لما ذكرت ذلك.
- ومن الحروف حروف تجري على النفس، وهي التي تسمّى الرخوة.
ومنها حروف تمنع النفس، وهي التي تسمى الشديدة.
ومنها حروف إذا ردّدتها في اللسان جرى معها الصوت، وهي المهموسة.
ومنها حروف إذا ردّدتها ارتدع الصوت فيها، وهي المجهورة.
ومنها حروف تسمع في الوقف عندها نبرة بعدها ؛ وهي حروف القلقلة ؛ وذلك لأنها ضغطت مواضعها.
ومنها المطبقة، والمنفتحة. ونحن ذاكرو جميع ذلك بأوصافه إن شاء الله.
وأما الحروف الستة التي كملت هذه خمسة وثلاثين حرفا بعد ذكرنا: الهمزة بين بين، فالألف الممالة، وألف التفخم والحرف المعترض بين الشين والجيم، والحرف المعترض بين الزاي، والصاد، والنون، الخفيفة، فهي خمسة وثلاثون حرفا.
ونفسر هذه التي ليست لها صور مع استقصائنا القول في غيرها إن شاء الله.
فأما الحروف المهموسة فنبدأ بذكرها، وهي عشرة أحرف: الهاء، والحاء، والكاف، والصاد، والفاء، والسين، والشين، والتاء، والثاء، وتعلم أنها مهموسة بأنك تردد الحرف في اللسان بنفسه، أو بحرف اللين الذي معه، فلا يمنع النفس، ولو رمت ذلك في المجهورة لوجدته ممتعنا.
فأما الرخوة فهي التي يجري النفس فيها ما غير ترديد.
والشديدة على خلافها. وذاك أنك إذا لفظت بها لم يتّسع مخرج النفس معها.

فالرخوة كالسين، والشين، والزاي، والصاد، والضاد، وكل ما وجدت فيه ما ذكرت لك والشديدة ؛ نحو الهمزة، والقاف، والكاف، والتاء، ونذكر هذا في موضعه مستقصى إن شاء الله.
وهذه الحروف التي تعترض بين الرخوة، والشديدة هي شديدة في الأصل وإنما يجري فيها النفس ؛ لاستعانتها بصوت ما جاورها من الرخوة ؛ كالعين التي يستعين المتكلّم عند اللفظة بها بصوت الحاء، والتي يجري فيها الصوت ؛ لانحرافها واتصالها بما قد تقدمنا في ذكره من الحروف، وكالنون التي يستعين بصوت الخياشيم ؛ لما فيها من الغنة، وكحروف المد واللين التي يجري فيها الصوت للينها.
فهذه كلها رسمها الشدة. فهذا ما ذكرت لك من الاستعانة.
ومنها الراء. وهي شديدة، ولكنها حرف ترجيع. فإنما يجري فيها الصوت ؛ لما فيها من التكرير.
واعلم أن من الحروف حروفا محصورة في مواضعها فتسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه وهي حروف القلقلة. وإذا تفقّدت ذلك وجدته.
فمنها القاف، والكاف، إلا أنها دون القاف ؛ لأن حصر القاف أشدّ، وإنما تظهر هذه النبرة في الوقف، فإن وصلت لم يكن، لأنك أخرجت اللسان عنها إلى صوت آخر، فحلت بينه وبين الاستقرار. وهذه المقلقلة بعضها أشدّ حصرا من بعض، كما ذكرت لك في القاف والكاف.
وإنما قدّمنا هذه المقدّمات في مواضع الأصول لنجريها في مسائل الإدغام على - ما تقدّم منّا فيه غير رادين له. ثم نذكر الإدغام على وجهه إن شاء الله.
هذا باب

إدغام المثلين
ونذكر أولا معنى الإدغام، ومن أين وجب ؟.
اعلم أن الحرفين إذا كان لفظهما واحد فسكن الأول منهما فهو مدغم في الثاني.
وتأويل قولنا مدغم أنه لا حركة تفصل بينهما، فإنما تعتمد لهما باللسان اعتمادة واحدة، لأن المخرج واحد، ولا فصل. وذلك قولك: قطّع، وكسّر. وكذلك محمد، ومعبّد، ولم يذهب بكر، ولم يقم معك. فهذا معنى الإدغام.
فإذا التقى حرفان سواء في كلمة واحدة، الثاني منهما متحرك ولم يكن الحرف ملحقا. وقد جاوز الثلاثة أو كان منها على غير فَعَل، أو ما ليس على مثال من أمثلة الفعل وجب الإدغام، متحرّكا كان الأول أو ساكنا، لأن الساكن على ما وصفت لك والمتحرّك إذا كان الحرف الذي بعده متحرّكا أسكن ؛ ليرفع اللسان عنهما رفعة واحدة ؛ إذ كان ذلك أخفّ، وكان غير ناقض معنى، ولا ملتبس بلفظ. هذا موضع جمل. وسنذكر تفصيلها إن شاء الله.
هذا باب إدغام المثلين في الفعل وما اشتق منه وما يمتنع عن ذلك اعلم أن الألفين لا يصلح ففيها الإدغام، لأن الألف لا تكون إلا ساكنة، ولا يلتقي ساكنان، وقد قلنا في الألف أولا ما يغنى عن إعادته.
وكذلك الهمزتان لا يجوز فيهما الإدغام في غير باب فَعّل وفَعّال، لما ذكرت لك.
فإن التقتا وهما لامان، أوعين ولام مما لم نستثنه لم يجز فيهما الإدغام، لأنه لا يجوز أن يحققا جميعا. فإذا لم يجز اجتماعهما، لأن الثانية في قول الخليل وغيره في الكلمة الأولى مبدلة والأولى في المنفصلين خاصةً في قول أبي عمرو مخففة، فلم يلق الحرف ما يشبهه.
فأما من قال بقول ابن أبي إسحاق تحقيق الهمزتين فغ، ه يدغم، لأنهما بمنزلة غيرهما من الحروف.
فأمما ما يلتقى فيه حرفان الأول منهما ساكن من غير ما ذكرنا فالإدغام فيه واجب، لا يقدر إلا على ذلك، نحو قولك: قوة، وردة، وقر فاعلم.
وأما ما التقتا فيه والأولى متحركة والثانية كذلك مما هو فِعْل نحو قفولك: رد يافتى، وفر فتقديره: فَعَل، وأصله ردد، وفرر، ولكنك أدغمت ؛ لثقل الحرفين إذا فصلت بينهما، لأن اللسان يزايل الحرف إلى موضع الحركة، ثم يعود إليه.
ومثل ذلك مس، وشم، وعض، وتقديرها: فَعِلَ. يبين ذلك قولك: عضضت، وشممت، أشم، وأعض، كما تقول في فَعَلَ رددت، وفررت، أردّ، وأفرّ.
وكذلك فَعُلَ: نحو: لبّ الرجل من اللبّ، ولم يأت من فَعُل غيره، لثقل الضمة مع التضعيف. وذلك قولك: لببت لبابة فأنت لبيب، كما قالوا: سفه سفاهة وهو سفيه.
وأكثرهم يقول: لببت تلب وأنت لبيب، على وزن مرض يمرض وهو مريض، استثقالا للضمة كما وصفت لك.
فهذا لا اختلاف فيه انه مدغم.
فإن كان من هذا شيءٌ من الأسماء فكان على مثال الفِعْل فحكمه حكم الفعل، إلا ما استثنيته لك .

تقول في فَعِلٍ: رجل طبّ، ورجل برّ، ، لأنه من بررت، وطببت، فإنما تقديره: فرقت فأنا فرق.
فاعتلال هذا كاعتلال قولك: هذا رجل خافٌ، ومالٌ إذا أردت فَعِل. وكذلك لو بنيت منه شيئا على فَعُل.
فأما الذي استثنيته فإنه ما كان من هذا على فَعَلٍ فإنه صحيح.
وذلك نحو ذلك: جَلَل، وشَرَر، وضَرَر، وكل ما كان مثله، وإنما صحّحوا هذه الأسماء ؛ لخفة الفتحة، لأنها كانت تصح فيما لا يصح فَعَلْت منه .، نحو: القَوَد، والصَيَد، والخوَنة، والحَوَكة.
فلما كانت فيما لا يكون فَعَلْت منه إلاّ صحيحا لزم أن يصحح.
هذا قول الخليل، وسيبويه، وكل نحوي بصري علمناه.
فأما قولهم في الصدر: قصّ، وقصص فليس قص مدغما من قولك: قصص ولكنهما لغتان تعتوران الاسم كثيرا. فيكون على فَعْل، وفَعَلٍ وذلك قولهم: شعْر، وشعَر، ونهْرٍ ونهَر، وصخْر وصخَر.
وحدثني أبو عثمان المازني عن الأصمعي قال: رأيت أعربيّاً بالموضع الذي ذكره زهيرٌ في قوله:
ثم استمرّوا، وقالوا إنّ مشربكم ... ماء مشرقىّ سلمى فيد أوركك
فقلت: أين ركك ؟ قال هذا: رك فاعلم. هذا بمنزلة ما وصفنا. فإن لم يكن شيءٌ من هذا على مثال الفِعْل من الثلاثة فالإظهار ليس غير وذلك قولك فيما كان على مثال فُعَل: شُرَر، ودُرَر، وقُذَذ، كما قلت في الواو: سُوُر.
وما كان منه على فِعَلٍ فكذلك تقول: قِدَد، وشِدَد، وسِرَر، كما كنت تقول في الثاء والواو: ثِورة، وبِيَع، وقِيمَ، وعِودَة.
وكذلك فُعُلٌ فيه حضضٌ وسررٌ، كما كنتت تقول صيدٌ.
و:
سوك الإسحل
ولو بنيت - منه شيئا على مثال فِعِل مثل إبل لصححته، وكنت تقول: ردد فاعلم، لأنه إنما يعتل من هذا ما كان فعلا، أو على مثاله.
هذه ذوات الثلاثة. فإن زدت على الثلاثة شيئا فالتقى فيه حرفان على اللفظ لا تريد بهما الإلحاق لم يكن إلا مدغما، اسما كان أو فعلا.
وذلك قولك فيما كان فعلا إذا كان على أَفْعَل من المضعف: أَمَدّ، وأَعَدّ، وأَجَدّ في أمره.
وكذلك إن كان اسما ؛ نحو رجل ألد، ورجل أغر، وهذا أبرّ من هذا، وكان الأصل أبرر فأسكنت موضع العين، وألقيت حركته على ما قبله، لأن الذي قبله كان ساكنا، فلما أسكنته حوّلت حركته، لئلا يلتقي ساكنان، كما فعلت في الفعل المضاعف، وذوات الواو والياء في قولك: أقام، وأراد، وقد مضى تفسير هذا.
وما كان منه على فَاعَلَ فكذلك ؛ نحو قولك: عاد عبد الله زيدا، وساره، وماد يافتى ؛ ألا ترى أنك إذا عنيت به نفسك ظهر التضعيف والوزن، فقلت: عاددت زيدا، وماددته ؛ كما كنت تقول فيما كان على أفْعَل: أعددت - ؛ وأصممت زيدا، وأجررته رسنه.
فأما ما كان من هذا على فَعّلَ فإنه لا تغيير فيه. وذلك قولك: ردد عبد الله زيدا، وبدد معيزه، وذاك لأنهم لو ألقوا الحركة على ما قبلها، لم يخرجهم ذلك من إدغام واحد وتضعيف آخر، فلما كانت العلة واحدة امتنع تحريك العين التي لا تقع في الكلام قط إلا ساكنة.
وإن أردت بناء انْفَعَلَ أدغمت، وكذلك افْتَعَلَ ؛ نحو قولك: اقندّ، وارتدّ، وما كان مثلهما.
وكل ما كان من هذه الأفعال فأسماؤها مدغمة مثلها ؛ نحو قولك: منقدّ، ومرتدّ.
وكذلك رادٌّ، ومادٌّ، وموادّ، ومغارّ.
فإن قال قائل: فهلاّ ألقوا على الألف حركة ما بعدها إذا سكّنوه ؟ قيل: ؛ لأن الألف مدّة، فما فيها عِوض من الحركة على ما تقدم به قولنا من احتمالها، واحتمال ما كان مثلها الساكن المدغم ؛ لما فيها من المدة، وفيما بعدها من الاعتماد. ولو ألقيت عليها حركة لزمك أن تهمز، لأن الألف متى تحركت صارت همزة.
وتقول فيما كان من هذا على اسْتفْعَل: استَردّ، واستعدّ، ومستعدّ ؛ وفيما ذكرنا من هذه الأفعال دليل موضّح لما لم نذكره .
وما كان من الأربعة فصاعدا على غير مثال الفعل فمدغم، إلاّ أن يكون ملحقاً. وذلك نحو: مُدُقّ.
ف أما مثل مَعَدّ فليس بمسكن من شيءٍ، وإنما هو فَعَل في الأصل، ويدلك على أن الميم أصل قولهم: تمعددوا.
وفي وزن معدّ هَبَيّ، وهَيَبّة، والشَرّبّة.
ولو كان فَعْلَل لم يجز فيه الإدغام، لأنه ملحق بجعفر وما أشبهه.
ولذلك لم يدغم قَرْدَد، ومَهْدَد، ونحوهما .
فَفَعَلّ من فَعْلَل بمنزلة جُبُنّ ومن قعدد، إنما جُبُنّ فُعُلّ، ولو كان فُعْلُلا لم يدغم، لأنه ملحق بجُلْجُلٍ.

وكذلك طِمِرّ، إنما هو فِعِلّ في الأصل، لأنه لو كان فِعْلِل لم يدغم، نحو قولك: رِمْدِد، لأنه ملحق بِخِمْخِم.
وكذلك الأفعال ما كان منها ملحقا لم يدغم، نحو قولك: جَلْبَبَ يُجَلْبب، لأنه ملحق بدحرج. وكذلك اقْعَنْسَسَ، لأنه ملحق - بقولك: احْرَنْجَمَ.
فالملحق يبلغ به الذي هو ملحق به.
وما كان على غير ذلك فقد أوضحته لك في الثلاثة، وما فوقها في العدة.
هذا باب الإدغام في المثلين في الانفصال إعلم أنه إذا التقى حرفان من كلمتين وقبل الأول منهما حرف متحرك، فإن الإدغام وتركه جائزان.
فإن أردت الإدغام أسكنت الأول، وإنما تفعل ذلك استخفاف، لترفع لسانك رفعةً واحدة. كلما كثرت الحركات في الكلمتين ازداد الإدغام حسنا. وذلك قولك: جعلك وإن شئت قلت: جعل لك. وإنما كان ترك الإدغام جائزا في المنفصلين، ولم يجز فيما سواهما مما ذكرت لك، لأن الكلمة الثانية لا تلزم الأولى.
وإنما وجب في المتّصلين للزوم الحرفين، وكذلك تقول: قَدِ محمد، وقدِم محمد و " أرأيت الذي يكذّبّا لدّين " هذا على ما وصفت لك.
هذا باب

الإدغام في المقاربة وما يجوز منه
وما يمتنع
ونبدأ بحروف الحلق. أما الهمزة، والألف فقد قلنا فيهما.
وأما الهاء فتدغم في الحاء، نحو قولك: اجْبَحّميدا تريد: اجبه حميدا ؛ لأنهما متقاربتان وليس بينهما إلا أن الحاء من وسط الحلق، والهاء من أوله، وهما مهموستان رخوتان.
ولا تدغم الحاء في الهاء ؛ لأن الحاء اقرب إلى اللسان، ولأن حروف الحلق ليست بأصل للإدغام، لبعدها من مخرج الحروف وقلتها، ولكن إن شئت قلبت الهاء حاء إذا كانت بعد الحاء وأدغمت، ليكون الإدغام فيما قرب من الفم. وذلك قولك: أَصْلِحّيْثَما تريد: أصلح هيثما، ف أما أن تدعها من غير أن تقبلها فلا.
وكذلك العين لا تدغم في الهاء، ولا تدغم الهاء فيها.
فأما ترك إدغامها في الهاء، فلقرب العين من الفم.
وأما ترك إدغام الهاء فيها ؛ فلمخالفتها إياها في الهمس والرخاوة.
وقد تقدم قولنا في ذلك.
فإن قلبت العين حاء لقرب العين من الحاء جاز الإدغام. وذلك قولك: محّم تريد: معهم وهي كثيرة في كلام بني تميم.
وكذلك العين والحاء إذا أدغمت واحدة منهما في الأخرى فقلبت العين حاء جاز. تقول: أَصْلِحّا مِرا تريد: أَصْلِحْ عامرا.
وكذلك: ادْفَحّاتِما. تريد: ادفع حاتما. أدغمت العين في الحاء، وهذا حسن.
فأما قلب العين إلى الحاء إذا كانت بعدها فهو جائز، وليس في حسن هذا، لأن حق الإدغام أن يدغم الأول في الثاني، ويحول على لفظه.
والمخرج الثالث من الحلق مخرج الغين والخاء. وإدغام كل واحدة منهما في أختها جيد، وإدغام العين والحاء فيهما يجوز في قول بعض الناس. ولم يذكر ذلك سيبويه، ولكنه مستقيم في اللغة، معروفٌ جائز في القياس، لأن الغين والخاء أدنى حروف الحلق إلى الفم.
فإذا كانت الهاء تدغم في الحاء، والهاء من المخرج الأول من الحلق، والحاء من الثاني، وليس حروف الحلق بأصل للإدغام، فالمخرج الثالث أحرى أن يدغم فيما كان معه في الحلق، وهو متصل بحروف الفم، كما تدغم الباء في الفاء، والباء من الشفة محضة، والفاء من الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا.
تقول: اذهفّى ذلك. تريد: اذهب في ذلك، واضر فّرَجا تريد: اضرب فَرَجا، لقرب الفاء من حروف الفم.
فكذلك تقول: امْدَغّالِبا. تريد: امدَح غَالبا، وامدَخّلَفا. تريد: امدح خلَفا.
وكذلك العين نحو اسْمَخّلَفا. تريد: اسمع خَلَفا، واسْمَغّالِبا، تريد: اسمَع غَالباً.
وسيبويه يأبى هذا التراخى بينهما، وأن الغين والخاء أقرب إلى الفم في المخرج منهما إليه.
وأما ما لا اختلاف فيه فإنك تدغم الغين في الخاء، لاشتراكهما في الرخاوة، وأنه ليس بينهما إلا الهمس والجهر، فتقول في قولك: اصبغ خلفا: اصبخّلفا، وهو أحسن من البيان .
وكذلك ادمَخّالدا تريد: ادْمغْ خالدا، والبيان جائز حسن.
وتدغم الخاء في الغين فنقول: اسلَغّنَمَك. تريد: اسلخ غنمك. والبيان أحسن، لأن الغين مهجورة، والتقاء المهموسين أخفّ من التقاء المجهورين، وكلّ جائز حسن.
ويحتج سيبويه بأنه قد يجوز لك أن تخفى النون معهما، كما تفعل بها مع حروف الفم. وذلك قولك: مُنْغُل، ومُنْخُل، لأنهما إن قربتا من الفم فأصلهما الحلق.

ثم نذكر حروف الفم. وهي حيز على حدة.
تدغم القاف في الكاف. والقاف أدنى حروف الفم إلى الحلق، والكاف تليها. وذلك قولك: الحكّلدة، تريد: الحق كلدة، فتدغم لقرب المخرجين. والإدغام أحسن، لأن الكاف أدنى إلى سائر حروف الفم من القاف، وهي مهموسة، والبيان حسن.
وتدغم الكاف فيها. والبيان أحسن، لأن القاف أدنى إلى حروف الحلق. وهو قولك انْهَقّطنا، تريد: انهك قطنا. والإدغام حسن.
ثم نذكر الشين، وأختيها: الجيم والياء.
اعلم أن الياء لا تدغم في الجيم ولا في الشين، لأنها حرف لين، وحروف اللين تمتنع من الإدغام لعلل. منها.
أن الألف التي هي أمكن حروف اللين لا تدغم في شيءٍ، ولا يدغم فيها شيء: لأنها لا تكون إلا ساكنة، وفي الياء والواو الشبه بها، فيجب أن تمتنعا كامتناعها.
وبعد هذا، فإن حروف المد واللين لا يلائمها في القوافي غيرها، ألا ترى أنك تقول: عمرو، وبكر وما أشبه ذلك في القوافي، فتعادل الحروف بعضها بعضا.
ولو وقعت واو أو ياء بحذاء حرف من هذه الحروف نحو: جَوْر أو خَيْر، مع بكر ونصر لم يجز.
وكذلك تكون القافية على سعيد، وقعود، ولو وقع مكان الياء والواو غيرهما لم يصلح.
فهذه علل لازمة.
ومنها أن في الياء والواو مدًّاوليناً، فلو أدغمت الياء في الشين أو الجيم، أو أدغمت الواو في الباء والميم، لذهب ما كان فيهما من المد واللين.
وهي حروف بائنة من جميع الحروف، لأنها لا يمد صوت إلا بها، والإعراب منها، وتحذف لا لتقاء الساكنين في المواضع التي تحرك فيها غيرها، نحو قولك: هذا الغلام، وأنت تغزو القوم، وترمى الغلام. ولو كان غيرها من السواكن لحرّك لالتقاء الساكنين، نحو اضرب الغلام، وقل الحق.
ولا تدغم الشين ولا الجيم فيها، لئلا يدخل في حروف المد ما ليس يمد، فالياء بائنة منهما للمد واللين الذي فيها، فهي منهما بمنزلة حرف بعيد المخرج من مخرجهما، وإن كانت من ذلك الموضع، كما أنها والواو بمنزلة ما تدانت مخارجه وإن كانت بعيدة المخرج منها. وذلك لما يجمعهما من المد، واللين، والكثرة في الكلام، لأنه ليس كلمة تخلو منهما، ومن الألف، أو من بعضهن، وبعضهنّ حركاتهنّ.
فحروف المد حيّزٌ على حدة، الا ترى أنك تذكرهنّ في مواضع الحركات فيدللن من الإعراب - على ما تدل عليه الحركات، نحو: مسلمين، ومسلمون، ورجلين، ورجلان.
وكذلك، أخوك، وأخاك، وأخيك.
ويبدل بعضهنّ من بعض، وليس هكذا شيءٌ من الحروف.
تقول: ميزان، وميعاد فتقلب الواو ياء، وتقول: موسر، وموقن، فتقلب الياء واوا.
ورمى وغزا، إنما هي واو غزوت وياء رميت وكذلك ما أشبه هذا.
والجيم تدغم في الشين لقرب المخرجين وذلك قولك: أخرِشّبثا، تريد: اخرج شبثا. والإدغام حسن، والبيان حسن.
ولا تدغم الشين في الجيم البتة، لأن الشين من حروف التفشي، فلها استطالة من مخرجها، حتى تتصل بمخرج الطاء، والإدغام لا يبخس الحروف ولا ينقصها.
افرش جبلة، تظهر وتخفى ولا تدغم، والإخفاء في وزن المتحرك، ألا أنه خفض صوت.
وإنما يحكمها المشافهة، نحو قولك: أراك متعقّفا، إنما هو كالاختلاس: فهذه حالة الشين مع الجيم. ولها أخوات نصل ذكرها بها، يدغم فيهنّ ما جاورهنّ، ولا يدغمن في شيء من تلك الحروف، منها الضاد، والميم، والفاء، والراء.
تدغم الطاء وأختاها في الضاد، ولا تدغم الضاد في شيءٍ منها، لانحرافها.
والباء والنون تدغمان في الميم، ولا تدغم الميم في واحدة منهما.
وتدغم الباء في الفاء، ولا تدغم الفاء فيها.
وتدغم اللام، والنون في الراء، ولا تدغم الراء في واحدة منهما، لأن فيها تكرارا.
فيذهب ذلك التكرير.
ألا ترى أنك تقول في الوقف: هذا عمرو، فينبو اللسان نبوةً ثم يعود إلى موضعه وإذا تفطنت لذلك وجدته بينا، وإذا صرنا إلى موضع هذه الحروف ذكرنا العلة في ذلك إن شاء الله.
ثم نذكر الحرف المنحرف، وهو أكثر في الكلام من غيره، وله اتصال بأكثر الحروف وهو اللام.
ومخرجه من حرف اللسان متصلا بما يحاذيه منت الضحاك والثنايا والرباعيات.
وهو يدغم إذا كان للمعرفة في ثلاثة عشر حرفا، لايجوز في اللام معهن إلا الإدغام. فمنها أحد عشر حرفا تجاور اللام، وحرفان يتصلان بها.

وإنما كان ذلك لازما في لام المعرفة ؛ لعلّتين: إحداهما كثرة لام المعرفة، وأنه لا يعرى منكور منها إذا أردت تعريفه، والأخرى: أن هذه اللام لازم لها السكون، فليست بمنزلة ما يتحرك في بعض المواضع.
فإن كانت اللام غير لام المعرفة جاز إدغامها في جميع ذلك، وكان في بعض أحسن منه في بعض. ونحن ذاكروها مستقصاة إن شاء الله.
فهذ الحروف منها أحد عشر حرفا مجاورة لللام وهي: الراء، والنون، والطاء، وأختاها: الدال، والتاء، والظاء، وأختاها: الذال، والثاء، والزاي، وأختاها: الصاد، والسين.
والحرفان اللذان يبعدان من مخرجها ويتصلان بها في التفشّي الذي فيهما: الشين، والضاد.
فأما الشين فتخرج من وسط اللسان من مخرج الميم، والياء، ثم تتفشى حتى تتصل بمخرج الللام.
فلام المعرفة مدغمة في هذه الحروف لا يجوز إلا ذلك، لكثرتها ولزومها، نحو: التمر، والرسول، والطرفاء، والنمر. فكل هذه الحروف في هذا سواء.
فإن كان الام لغير المعرفة جاز الإدغام والإظهار، والإدغام في بعض أحسن منه في بعض.
إذا قلت: هل رأيت زيدا وجعل راشدا، جاز أن تسكّن فتقول: جعرّاشد، كما تسكن في المثلين. والإدغام ههنا أحسن إذا كان الأول ساكنا.
فإن كان منتحركا اعتدل البيان والادغام.
فإن قلت: هل طرقك ؟، أو هل دفعك ؟ أو هل تم لك ؟ فالإدغام حسن، والبان حسن.
وهو عندى أحسن، لتنراخي المخرجين.
وقرأ أبو عمرو " بتؤثرون " فأدغم وقرأ " هثّوّب الكفّار " .
والإدغام في الضاد، والشين أبعد، لما ذكرت لك من تراخي مخارجهما، وهو جائز.
وهو في النون قبيح، نحو: هنّرى، هنّحن، إذا أردت: هل نرى، وهل نحن. وذلك لأن النمون تدغم: في خمسة أحرف ليس منهن شيء يدغم فيها، واللام أحد تلك الحروف.
فاستوحشوا من إدغامها فيها، إذ كانت النون لا يدغم فيها غيرها. وهو جائز على قبحه وإنما جاز، لقرب المخرجين.
فإن كانت الحروف غير هذه فتباعدت من مخرجها لم يجز الإدغام، نحو قولك: الكرم. القوم. العين. الهادى.
وكذلك حروف الشفة، وما اتصل بها، نحو: الفرج، والمثل، والبأس، والوعد، فهذا سبيل اللام.
وأما النون فإن لها مخرجين كما وصفت لك: مخرج الساكنة من الخياشيم محضا. لا يشركها في ذلك الموضع شيء بكماله.
ولكن النون المتحركة ومخرجها مما يلي مخرج الراء واللام.
والميم مخرجها من الشفة تتناولان الخياشيم بما فيها من الغنة.
وللنونات أحكام نذكرها، ثم نعود إلى سائر الحروف.
اعلم أن النون إذا وليها حرف من حروف الفم فإن مخرجها معه من الخياشيم لا يصلح غير ذلك.
وذلك لأنهم كرهوا أن يجاوروا بها مالا يمكن أن يدغم معه إذا وجدوا عن ذلك مندوحة. وكان العلم بها أنها نون كالعلم بها وهي من الفم. وذلك قولك: من قال، ومن جاء ؟ ولا تقول: من قال، ومن جاء ؟ فتبين، وكذلك من سليمان ؟ " ويلٌ يومئذٍ للمكذبين " ولا تقول: من سليمان ؟ ولا " ويلٌ يومئذٍ للمكذبين " فتبين.
فإن كان معها حرف من حروف الحلق أمن عليها القلب، فكان مخرجها من الفم لا من الخياشيم لتباعد ما بينهما، وذلك قولك: من هو ؟ فتظهر مع الهاء وكذلك من حاتم ؟، ولا تقول: من حاتم ؟ فتخفى، وكذلك من عليّ ؟ وأجود القراءتين " ألا يعلم من خلق " فتبين.
وإنما قلت: أجود القراءتين، لأن قوما يجيزون إخفاءها مع الخاء والغين خاصة ؛ لأنهما أقرب حروف الحلق إلى الفم فيقولون: منخل، ومنغل. وهذا عندي لا يجوز.
ولا يكون أبدا مع حروف الحلق إلا الأظهار.
فأما حجة سيبويه في أنها تخرج مع حروف الفم إلى الخياشيم فإنما ذلك عنده لأنها إن أدغمت مع ما تخفى معه لم يستنكر ذلك، ولا يصلح الإدغام لتباعد المخارج. فلما وجدوا عن ذلك مندوحة صاروا إليها.
وأنأ أرى تقويةٍ لهذا القول أن امتناعهم من تبيينها مع حروف تتفرق في الفم، ويتباعد بعضها من بعض فكرهوا أن يبينوها في حيز ما يدغم في نظيره.
ألا ترى أنها تدغم في الميم في قولك: ممثلك ؟.
وتقلب مع الباء ميما إذا كانت ساكنة، وذلك عمبرٌ، وشمباء، وممبر، فهي في كل هذا ميم في اللفظ.
وتدغم في اللام والراء، نحو: من رأيت ؟ ومن لك ؟ فهذا مخرج آخر.
وتدغم في الواو، نحو من ولّى إذا قلت: مولى. فهذا مخرج الميم والباء.
وتدغم في الياء، نحو: من يريد ؟ ومن يقوم ؟

فلما كانت تدغم في حروف بأعيانها من جميع المخارج استنكر إظهارها مع ما جاور هذه الحروف وسنذكر بعقب هذا من أين جاز إدغامها في هذ الحروف على تباعد بعضها من بعض إن شاء الله ؟ أما إدغامها في اللام والراء، فلأن مخرجها بينهما. تقول: أشهد أن محمدا رسول الله، وأحسرّأيك تريد: أحسن رأيك، ومحمد لك.
وإدغامها فيهما على وجهين بغنة، وبغير غنة. وإظهار الغنة أحسن ؛ لئلا تبطل. وإن شئت أذهبت الغنة، كما تخلص ما تدغمه في لفظ الحجرف الذي يدغم فيه.
وأما إدغامها في الميم وإن خرجت من الشفة فهي تجاورها، لما في الميم من الغنة، وتشاركها في الخياشيم، والنون تسمع كالميم، وكذلك الميم كالنون ، وتقعان في القوافي المكفأة، فتكون إحدى القافيتين نونا، والأخرى ميما، فلا يكون عيبا، كما قال:
بني إنّ البرّ شيء هيّنٌ ... المنطق اللين والطعيم
وقال آخر:
ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عملين حديث سنّ
لمثل هذا ولدتني أمي
وقال الآخر:
يطعنها بخنجرٍ من لحم ... بين الذّنابى في مكانٍ سخن
ولا يصلح مثل هذا إلا في حروف متقاربة المخارج: لأن القوافي نسق واحد، فالمتقارب يلحق ما كان من لفظه و وذلك قوله.
إذا ركبت فاجعلاني وسطا ... إني كبيرٌ لا أطيق العندا
ولا تدغم الميم فيها، لأن الميم تنفرد بالشفة، وإنما تشرب غنة من الخياشيم، فالميم داخلة عليها، وهي بائنة من الميم.
والراء لا تدغم فيها ولا شيء مما تدغم فيه يدغم فيها إلا اللام وذلك قبيح وقد ذكرته لك وأما قلبها ميما مع الباء، فلأن الكلام لا يقع في شيءٍ منه ميم ساكنة قبل الباء، فأمنوا الالبتاس وقلبوها ميما، لشبهها الميم في الغنة ؛ ليكون العمل من وجه واحد في تقريب الحرف إلى الباء.
وأما إدغامها في الواو فلعلل غير واحدة: منها مضارعة النون للياء والواو، لأنها تزاد في موضع زيادتهما، فتزاد ثانية، وثالثةً ورابعة.
فأما زيادتها ثانيةً فنحو: عنسل، وعنبس، لأنه من العسول، والعبوس، وجندب، وعنظب وجميع ما كان على هذا الوزن، وهذا موضع زيادة حروف اللين، نحو: كوثر، وبيطر، وتابل، وضارب، وما أشبه ذلك وتزاد ثالثة في حبنطًى، وجَحَنفَل، وهو موضع زيادة الألف في قائل، وحبارى، والواو في جدول، وعجوز، والياء في عِثَير، وقضيب.
وكذلك تزاد النون رابعة في رَعشَن، وضَيفَن، بحذاء الواو والياء والألف في مثل قولك: سلقيت، وحبلى، وترقوة وعرقوة، وذها اكثر من أن يحصى.
وتكون النون علامة إعراب في مثل قولك يفعلان.
والتنوين الذي يدخل الأسماء، والنون الثقيلة والخفيفة في الأفعال، وتبدل من الألف، وتبدل الألف منها، تقول: رأيت زيدا يا فتى فإذا وقفت قلت: رأيت زيدا.
وأما بدلها من الألف فقولك في بهراء: بهراني، وفي صنعاء: صنعاني.
وكذلك فَعْلان الي له فَعْلى إنما نونه بدل من الألف التي هي آخر حمراء، وقد مضى تفسير هذا في الكتاب.
فهي تصرف معها في الزيادات والعلامات. وقد أدغمت فيما جاورها في المخرج، فأشبهنها - لفظاً ومعنى.
وكذلك الياء في باب الزيادات والشبه.
ومع ذلك فإن النون تدغم في الراء، والياء على طريق الراء، وإن يعد مخرجها منها.
وكذلك اللام على طريقها، ألا ترى أن الألثغ بالراء يجعلها ياءً. وكذلك الألثغ باللام، لأن هذه الحروف بعضها يقع على سنن بعض، وبعضٌ ينحرف عن ذلك السنن، فأدغمت في الياء لذلك.
فإذا كانت في كلمة واحدة مع ياءٍ، أو واو، أو ميم ظهرت، لئلا يلتبس بالمضاعف من غيره ؛ نحو: كنية، وزنماء، قنواء.
وزعم سيبويه أن النون إنما أدغمت في الواو، لأن الواو من موضع تعتل فيه النون، لأن الواو والميم من الشفة، ولذلك تقلب النون الساكنة مع الباء ميما، لتعتل مع الباء كما اعتلت مع ما هو من مخرجها، ولم تدغمهما فيها، لأنها لا تجانسها، ولأن الياء لا يدغم فيها ما هو من مخرجها، لتصرف الميم والواو، وذلك قولك: العنبر والشنباء يافتى، وممن أنت ؟ وأمن الالتباس، لأنه ليس في الكلام ميم ساكنة قبل باءٍ.
وأدغم النون في الياء لأن الياء والواو عنده بمنزلة ما تقاربت مخارجه.

ألا ترى أنهما إذا التقتا والأولى ساكنة لزم الإدغام: نحو: سيد، وأيام، ولويت يده ليا، وشويته شيا. وهذا يبين بعد فراغنا من أمر النون إن شاء الله.
النون تدغم في خمس أحرف: الراء، واللام، والياء والواو، والميم. وتقلب مع الباء كما وصفت لك.
وزعم سيبويه أنها مع ما تدغم فيه مخرجها من الفم، لا من الخياشيم، لأنها لو كانت تدغم في حروف الفم وهي من الخياشيم مع تباعد ما بينهما لجاز أن يدغم الأبعد في الأبعد.
وهذا نقض الباب، والخروج من المعقول.
والقول عندي كما قال في جميع هذه الحروف إلا حروف الشفة، فإن النون لو كانت من مخرج الراء واللام، لبعدت من الميم، ولكن مخرجها مع الميم من الخياشيم، لان الميم تخرج من الشفة، وتصير إلى الخياشيم للغنة التي فيها، فدغم فيها الميم لتلك المجاورة. فهذه قصة النون .
واعلم أن الياء و الواو بمنزلة ما تدانت مخارجه. وذلك لانها مشتركتان في المد و اللين، وأنهما يخرجان جميعا منهما إذا تحركتا، وكان قبل كل واحد منهما فتحة.
والواو تخرج من الشفة، ثم تهوى في الفم حتى تنقطع عند مخرج الألف.
والياء تخرج من وسط اللسان من مخرج الشين والجيم حتى تنقطع عند مخرج الالف، فهما متجاورتان .
فإذا التقتا في كلمة و الأولى منهما ساكنة أدغمت إحداهما في الأخرى.
فما كانت الأولى واوا، والثانية ياءً هو نحو قولك: لويت يده لية، وشويته شياً. وأصله لوية، وشويا.
وإن كانت الثانية واوا قلبتها ياءً ثم أدغمت الياء فيها، لأن الواو تقلب إلى الياء، ولا تقلب الياء إليها، لأن الواو من الشفة، وليست من مجمع الحروف. وإنما الإدغام نقل الأثقل إلى الأخف، والياء من موضع الحروف. وذلك قولك: أيام في جمع يوم، وإنما الأصل أيوام ، ومثله سيد، وميت، وأصلهما سيود، وميوت.
وكذلك قيام، وقيوم، وإنما هو فَيْعَال، وفَيْعُول.
واعلم أن مثل سيد، وميت يجوز فيه التخفيف فتقول: سيد، وميت، لانه اجتمع تثقيل الياء والكسرة، فحذفوا لذلك، وقالوا: ميت، وهين، ولين. وقد فسرنا حال فَيْعَلُول من هذا فيما تقدم، نحو: كينونة، وقيدود. وذكرنا ما يكون بدلا من الألف أو غيرها، فلا يجوز إدغامه، نحو: سوير، وقوول.
وزعم الخليل أن يوم كأنه من يمت، وكذا يجب أن يكون لو كان فِعْلا، لان ذوات الواو إذا كانت فَعَلْت فهي منقولة إلى فَعُلْت، مثل القول والحول، ولكن اجتمع فيها حرفا علة، وكان يجب أن يقعا في يفْعَل ضمة مع ياء وواو، وتكون الضمة في الياء. وهذا كله مطرح من الكلام. فلذلك لم يكن منها فِعْل، كما لم يكن في ويل، وويح، وويس، وويب ومعناها المصادر، لما يجتمع فيها من العلة.
ولا يكون فِعْل في مثل آءة، لأنها حروف كلها معتلة، لأن الألف من حروف العلة. وكذلك الهمزتان ومثل ذلك أول، لأن الفاء والعين واوان، ومعناه أفْعَل، ألا ترى أنك تقول: هو أول منه، والأول، والأولى .
قهذه أشياء لها مواقع من الفعل. وكان يجب في أَفْعَل أن يكون أصله الفِعْل كقولك: هو أفضل من زيد، إنما معناه يحسن فوق حسن زيد. فكذلك كان يجب في أول، لولا ما ذكرت لك .
وقال الخليل: لو قلت أَفْعَلْت من اليوم على قول من قال: أجودت، وأطييت لقلت: أيمت، وهذا لا اختلاف فيه، لأنه كان أيومت، فلزمك الإدغام، لسكون الياء كما قلت: أيام. وقد مضى تفسيرها .
وكان يقول - وهو الذي يخالفه فيه كثير من النحويين - : لو قلت: أَفْعِلَ من اليوم لقلت: أووم، فقبلت الياء واوا، لانضمام ما قبلها، كما تقول: أوقن من أيقنت، ولا تدغم، لأن الأولى حرف لين، لأنها منقلبة كا نقلاب واو سوير، وإن كانت أصلية. ألا ترى إلى قولك: أوقن، وبوطر من البيطرة، لأنا لما قلبنا ذلك جرى مجرى الزائد .
وكان يرى الملحق والأصلي إذا كان منقلبا كجروف اللين، لا يفصل بين بعض ذلك وبعض .
والنحويون أجمعون على خلافه يقولون في أُفْعِلَ من اليوم: أيم، لأن العين تلزم الفاء كلزوم العينين إحداهما في الأخرى في قول، وبيع، ويصرفون هذا على هذا .
فأما ظلموا واقدا، فلا يلزم الخليل ؛ لأن الواو قبلها ضمة، وهي بمنزلة الألف في ظلما ؛ لأنها تحل من الجمع محل الألف من التثنية فيضارع سوير من ساير.

فإن قال قائل: فأنت تطرح عليها حركة الهمزة إذا خففت، فتقول: ظلموا أخاك. فإن كان حرف لين فلا ينبغي أن تحوّل عليها الحركة ؛ كما لا تحوّلها في النبيء، وخطيئة، وبريئة.
قيل: هذا لا يلزم ؛ لأنها حرف لين في اللفظ، ودخلت لمعنى، فليست كما لا تدخل إلا للمد ؛ نحو ياءٍ فَعِيل، وواو فَعُول.
ألا ترى أن هذه إذا كانت قبلها فتحة حرّكت لالتقاء الساكنين ؛ نحو: اخشوا الرجل و " لتبلون في أموالكم " .
وكذلك الياء في قولك: اخشى الرجل. فهذا هكذا.
ولو قال رجل: هو يغزوباه للزمه مثل هذا و الواو لام الفعل.
وتقول: زيد يغزومه. فتضم الواو ؛ لأن الضمة في الحقيقة للهمزة.
وكذلك هو يغزو خوانه. فتكسر لهذه العلة، وهي لام الفعل ولفظها لفظ اللين ؛ لسكونها وانضمام ما قبلها.
وكذلك ياء يقضى. فإن دخل عليها ما ينصب نصبتهما جميعا. وأنت تقول: هو يقضى ياسر ويغزو واقد، فلا تدغم ؛ لما ذكرناه من لفظ اللين.
فإن كانت قبل كل واحدة منهما فتحة لم يكن إلا الإدغام ؛ نحو: اخشوا واقدا، واخشى ياسرا ؛ لأن لفظ اللين قد ذهب.
وفي هذا دليل على جميع هذا الباب.
هذا باب

ما تقلب فيه السين صادا
ً
وتركها على لفظها أجودوذاك لأنها الأصل، وإنما تقلب للتقريب مما بعدها، فإذا لقيها حرف من الحروف المستعلية قلبت معه ليكون تناولهما من وجه واحد.
والحروف المستعلية. الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والخاء، والغين، والقاف.
وإنما قيل: مستعلية ؛ لأنها حروف استعلت إلى الحنك الأعلى. وهي الحروف التي تمنع الإمالة.
ألا ترى أنك تقول: عابد، وحابر، وسالم ولا تقول: قاسم، ولا صاعد، ولا خازم وهذا مبين في باب الإمالة.
فإذا كانت السين مع حرف من هذه الحروف في كلمة جاز قلبها صادا، وكلما قرب منها كان أوجب .
ويجوز القلب على التراخي بينهما. وكلما تراخى فترك القلب أجود. وذلك قولك: سطر، وصطر، وسقر وصقر، وسلخت، وصلخت، ومساليخ ومصاليخ.
فإن كان حرف من هذه الحروف قبل السين لم يجز قلبها ؛ نحو: قست، وقسوت، وطست فاعلم ؛ لأنهم إنما قلبوها وهذه الحروف بعدها، لئلا يكونوا في انحدار ثم يرتفعوا.
وإذا كانت قبلها فإنما ينحدر إليها انحدارا. ووجب ذلك في السين ؛ لأنها والصاد من مخرج، وهما مهموستان جميعاً، وكلاهما من حروف الصفير.
ولم تكن الزاي ههنا ؛ لأنها ليست بمستعلية.
ولا تبدل الصاد من الزاي مع هذه الحروف ؛ لأن الزاي مجهورة، والصاد مهموسة فهي مخالفة لها.
ولم يكن ذلك في الظاء مع الثاء والذال، ولا في الطاء مع التاء والدال ؛ لأن لحروف الصفير في السمع والتصريف ما ليس لهنّ. وقد تقدم قولنا في هذه الحروف.
هذا باب
الأسماء التي وقعت على حرفين
اعلم أن الأسماء أصولها تكون على ثلاثة أحرف بغير زيادة، وعلى أربعة، وتكون على خمسة. فما نقص من الأسماء عن الأفعال فمعلوم نقصه، ومذكورة علّته إن شاء الله.
فما كان من الأسماء على حرفين فنحو: يد، ودم، وإست، وابن، واسم، وأخ، وأب ومالم نذكر فحكمه حكم هذا. وهذه الأسماء المحذوف منها لا يكون ما حذف إلا حرف لين، أو حرفا خفيا كحرف اللين ؛ نحو الهاء، والنون. أو يكون مضاعفا فيستثقل فيه التضعيف فيحذف.
فما لم يكن على هذا الشرط الذي ذكرناه لم يحذف منه شيءٌ ؛ لأنه لا سبيل إلى حذفه.
فما ذهب منه الياء والوا فنحو: ابن، واسم، وأخ، وأب، وهنٍ في بعض الأقاويل.
يدلك على ما ذهب من أب، وأخ التثنية، والجمع، والتصغير. تقول: أخوان، وأبوان، وأخوك، وأبوك.
وتقول: آباءٌ، وآخاءٌ يا فتى. وكذلك أبيّ، وأخيّ، وبنيّ، وسميّ.
أما أب، وأخ فلم يسكنوا أوائلها ؛ لئلا تدخل ألف الوصل وهي همزة على الهمزة التي في أوائلها فيصير إلى اعتلال ثانٍ.
وأما ابن واسم واست، فبنيت على سكون أوائلها، فدخلها ألف الوصل لسكون ما بعدها.
وألف الوصل ليست بأصل في الأسماء، وإنما حقّها الأفعال ؛ لتصرف الأفعال، وأنها تقع مسكّنة الأوائل في مواضع إسكان ضرورة لا محالة. وهذه تذكر عند ذكرنا الأفعال إن شاء الله.
فأما الأسماء فلا يلحقها ذلك، إلا أن تكون منقوصة، فتكون قد زالت عن أصل بنائها، فدخلها لذلك ما يدخل الأفعال ؛ لأنها قد أشبهتها في النقص والانتقال.
فإن قلت: امرؤ لم ينقص منه شيءٌ. فما بال ألف الوصل لحقنه ؟

فإنما ذاك ؛ لتغيره في اتباع ما قبل آخره من أجل الهمزة التي يجوز تخفيفها.
والدليل على ذلك انتقاله من حال إلى حال ألا نرى أنك تقول: هذا امرؤ فاعلم، وهذا مرءٌ فاعلم، كما قال عزّ وجل " يحول بين المرء وقلبه " .
وتقول في مؤنثه: امرأة، ومرأة. فإنما لحقت ألف الوصل هذا الاسم ؛ لهذا الانتقال والتغير اللذين ذكرتهما لك.
فجميع ما جاءت فيه ألف الوصل من الأسماء: ابن، واسم، واست وامرؤ، ومؤنث ذلك على قياسه ؛ نحو: ابنة، وامرأة. وكذلك، اثنان واثنتان، وأيمن في القسم ؛ لأنه اسم يقع بدلا من الفعل في القسم.
تقول: ايم الله، وايمن الله، فألفه موصولة كما قال: " وقال فريقٌ ليمن الله ما ندري " وتحذف النون فتقول: ليم الله ما كان ذلك، فيلحقه من التغيير مع لزومه موضعا واحدا ما يلحق امرأ.
فلا تكون ألف الوصل إلا فيما ذكرت لك من الأسماء ؛ إلا الألف التي مع اللام للتعريف ؛ فإنها داخلة على حرف لا يكون إلا ساكناً.
فأما المصادر التي أَفعالُها موصولة الألفات فهي كأفعالها، نحو: انطلاق، واستخراج، واقتدار.
فإن كانت أفعالها مقطوعة الألفات فهي كذلك ؛ نحو: إكرام، وإحسان. فهذا معنى ألفات الوصل.
وذكرنا ما ذهب منه الباء والواو.
فابن، واسم من ذلك ؛ لقولك: بنيّ، وسميّ، وأبناء، وأسماء ؛ كما قلنا في الأب، والأخ.
فأما الذاهب من الأب، والأخ فقد بان لك أنهما واوان. وقلنا كذلك في ابن.
فإن قال قائل: فما الدليل عليه وليس براجعٍ في تثنية ولا جمع مادلّ على أحدهما دون الآخر ؟.
قلنا: نستدل بالنظائر.
أما ابن فإنك تقول في مؤنثه: ابنة، وتقول: بنت من حيث قلت: أخت، ومن حيث قلت: هنت. ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثا إلا ومذكره محذوف الواو.
يدلك على ذلك أخوان، ومن ردّ في هنٍ قال: هنوات.
فأما الاسم فقد اختلف فيه: فقال بعضهم: هو فِعْل: وقال بعضهم: هو فُعْل وأسماء تكون جمعا لهذا وهذا. تقول في جذع: أجذاع ؛ كما تقول في قُفْل: أَقفال.
ولا يدرك صيغة الأسماء إلا بالسمع. فأكثرهم أنشد:
باسم الذي في كل سورةٍ سمه
فضم وجاء به على فُعْل. وأنشد بعضهم: سمه وهو أقلّ، وأنشد أبو زيد الوجهين جميعا، وأنشد:
فدع عنك ذكر اللهو واعمد لمدحةٍ ... لخير معدٍّ كلها حيثما انتمى
لأعظمها قدراً، وأكرمها أبا ... وأحسنها وجها وأعلنها سما
فأما ابن فتقديره: فَعَل. وذلك أنك تقول في جمعه: أبناءٌ ؛ كما تقول جمل وأجمال، وجبل وأجبال.
فإن قال قائل: فلعلّه فِعْل أو فُعْل، فإن جمعهما على أَفْعال، قيل له: الدليل على ذلك أنك تقول: بنون في الجمع فتحرّك بالفتح.
فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون على فَعْلِ ساكن العين ؟ قيل: لأن الباب في جمع فَعْل أَفْعُل ؛ نحو: كلب وأكلب، وكعب وأكعب. فلو كان فعلا لم يجمع إلا على بابه ليدل عليه، وإنما يخرج الشيء إلى غير بابه إذا أمنت اللبس في مثل أزناد، وبابه.
فهذا لو كان فَعْلا لم يجز فيه أَفْعال مثل أزناد ؛ لأن أزنادا لا لبس فيه، وهذا يلتبس، فكان يلزم الباب.
فأما دم فهو فَعَل. يدلك على ذلك أنك تقول: دمي يدمى فهو دمٍ. فهذا مثل فرق فرقا وهو فرق، ومحذر حذرا فهو حذر. فدم إنما هو مصدر ؛ مثل البطر، والحذر.
ومما يدلك على أنه فَعَل أن الشاعر لما اضطر فأخرجه على أصله وردّ ما ذهب منه جاء به متحرّكا، فقال:
فلو أنا على حجرٍ ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين
فإن قال قائل: فإنك تجمعه على فِعال ؛ كما تقول: كلب وكلاب، وفِعْل وفِعال، فالجواب في ذلك أن فِعالا جمع لفَعَل المتحرك العين ؛ كما يكون لفَعْل الساكن العين ؛ نحو قولك جمل وجمال وجبل وجبال. فهذا غير خارج من ذلك.
وأمّا يد فتقديرها فَعْل ساكن العين ؛ لأنك تقول: أيد في الجمع وهذا جمع فَعْل.
ولو جاء شيءٌ منه لا يعلم ما أصله من هذه المنقوصات، لكان الحكم فيه أن يكون فعْلا ساكن العين ؛ لأن الحركة زيادة، والزيادة لا تثبت.
فأما است ففعَل متحرّكة العين. يدلّك على ذلك أستاه. فإن قال قائل: فلعلها فِعْل أو فُعْل فإن الدليل على ماقلنا سهٌ فاعلم، فترد الهاء التي هي لام، وتحذف العين، وبفتح السين. كما قال الراجز:

ادع أحيحاً باسمه لا تنسه ... إنّ أحيحاً هي صئبان السه
وفي الحديث العين وكاء السه. معناه: أن الإنسان إذا كان متنبها علم ما يخرج منه من الريح.
فأما حر المرأة فتقديره: فِعْل، وقولهم: أَفْعَال في جمعه، بمنزلة جذع و أجذاع، ودليله بيّن ؛ لأن أوله مكسور.
واعلم أنه ما كان على حرفين ولا يدري ما أصله الذي حذف منه ؟، فإن حكمه في التصغير والجمع أن تثبت فيه الياء ؛ لأن أكثر ما يحذف من هذا الياء و الواو، والياء أغلب على الواو عليها، فإنما القياس على الأكثر.
فلو سمّينا رجلا بإن التي للجزاء ثم صغّرناها لقلنا: أني.
وكذلك أَنْ التي تنصب الأفعال.
فإن سمينا إن المخففة قلنا: أنين فاعلم.
لأنا قد علمنا أن أصلها نون أخرى حذفت منها.
وكذلك لو سمّينا برب المخففة من ربّ لقلنا: ربيب ؛ لأنا قد علمنا ما حذف منه.
وكذلك بخ المخففة من بخ ترد فيها الخاء المحذوفة ؛ لأن - الأصل التثقيل ؛ كما قال:
في حسبٍ بخً وعزً أقعسا
واو سمّينا رجلا ذو لقلنا: هذا ذوا قد جاء ؛ لأنه لا يكون اسم على حرفين أحدهما حرف لين ؛ لأن التنوين يذهبه فيبقى على حرف، فإنما رددت ما ذهب، وأصله فعَل، يدلك على ذلك " ذواتا أفنان " و " ذواتى أكلٍ خمطٍ " .
وإنما قلت: هذا ذو مال فجئت به على حرفين ؛ لأن الإضافة لازمة له، ومانعة من التنوين.
كما تقول: هذا فو زيد، ورأيت فا زيد، فإذا أفردت قلت: هذا فمٌ فاعلم ؛ لأن الإسم قد يكون على حرفين إذا لم يكن أحدهما حرف لين كما تقدم، من نحو: زيد، ودم، وما أشبه ذلك.
فإذا سميت رجلا ب هو فإن الصواب أن تقول: هذا هوٌ كما ترى فتثقل.
وإن سميته ب في من قولك: في الدار زيد، زدت عى الياء ياءً وقلت: هذا في فاعلم.
وإن سميته لا زدت على الألف ألفاً ثم همزت، لأنك تحرك ثانية، والألف إذا حكت كانت همزة. فتقول: هذا ولاءٌ فاعلم. وإنما كان القياس أن تزيد على كل حرف من حروف اللين ما هو مثله، لأن هذه حروف لا دليل على ثوالثها، ولم تكن اسما فيعلم ما سقط منها.
وهو وهي اسمان مضمران. فمجرهما نجرى الحروف في جميع محالهما وإن دلا على الظاهر بما تقدم من ذكره، فإنما جمعت ما ظهر في كل واحد منهما متبعا لمثله، حتى يتم اسما ولم تجعل الشاهد غائبا.
وكذلك قالت العرب في لو جيث جعلته. قال الشاعر:
ليت شعري واين مئى ليت ... إن لستا وإن لوا عناء
فزاد على الواو واوا، لتحلق الأسماء، وقال الآخر:
ألام على لو ولو كنت عالما ... بأعقاب لو لم تفتنى أوائله
وقال الآخر:
حاولت لواً فقلت لها : ... إن لوا داك أعيانا
وإن سميت رجلا كي قلت: هذا كي فاعلم.
وكذلك كل ما كان على حرفين ثانية ياءٌ أو واوا، أو ألف ؛ ألا ترى أم حروف التهجي موضوعة على الوقف ؛ نحو، با. تا. ثا. وكذلك رأوها، إنما هي موقوفات غير منونات، لأنهن علامات، فهن على الوقف.
ألا ترى أنك تقول: ولو. زاي. صاد، فتسكن أواخرها، لأنك تريد الوقف، ولولا الوقف لم يجمع بين سساكنين ؛ كما تقول في الوقف: هذا زيد، وهذا عمرو.
فإذا جعلتهن أسماءً قلت: باءٌ، وتاءٌ فزدت على لك حرف مثله على ما وصفت لك. قال الرجل من الأعراب يذم النحويين إذ سمع خصومتهم فيه:
إذا اجتمعوا على ألفٍ، وباءٍ ... وتاءٍ. هاج بينهم قتال
فأعربها على ما ذكرت لك حين جعلها اسما.
وحكاها أبو نجم إذ جدعلها في مواضعها فقال:
أقبلت من عند زي ... ادٍ كالخرف ... تخط رجلاي بخ ... طً مختلف
تكتبان في الطريق لام الف
فإن كانت اسما فالإعراب كما قال:
كما بينت كافٌ تلوح وميمها
فأعرب وأضاف، وكما قال:
كأن أخا اليهود يجد خطا ... بكاف في منازلها ولام
وفواتح السور كذلك على الوقف ؛ لأنها حروف نهج، نحو الم، المر، حم ، طس. ولولا أنها على الوقف لم يجتمع ساكنان.
فإذا جعلت شيئا منها اسما أعربت، كما قال الكميت:
وجدنا لكم في آل حاميم آيةً ... تأولها منا تقي ومعرب
فحرك، ولم يضرب للعجة. وقال:
أو كتبا بين من حاميما ... قد علمت أبناء إبراهيما
قال:
يذكرني حاميم والرمح شاجرٌ ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم

ف أما قراءة الحسن صاد والقرآن فإنه لم يجعلها حرفا ولكنه فِعْل، إنما أراد: صاد بالقرآن عملك. وهذا تفسير الحسن، أي عارض بقالقرآن عملك، من قولك: صاديت الرجل: أي عارضته: ومنه " فأنت له تصدى " أي تعارض.
وأما قولك: هذا فوزيد - ثم تبدل فتقول: فم فهذا بمنلزة تثقيلك لو ثقلت، لأنه إذا كان على حرفين ليس أحدهما حرف لين كان على مثالٍ تكون الأسماء المنقوصة عليه، وإنما أصله فوه فاعلم، وجمعه أفواه، كقولك: ثوب وأثواب، وحوض وأحواض. على ذلك: ما تفوهت بكلمة.
فإذا كان في الإضافة لم تحتج إلى تغييره، لأنك تأمن عليه التوين، فتقول: رأيت فازيد، ومررت بفي زيد، وهذا فوزيد، كما تقول: هذا ذو مال، ورأيت ذا مال ؛ لأن أصل هذه الأسماء الإضافة، فإن أفردتها أخرجتها إلى باب الأسماء.
وما ذكرت لك غيرها من نحو او وفي إنما تلحق بجمله الأسماء المفردة، ثم تضاف إذا حدث ذلك فيها، كما يضاف رجل، وغلام، وما أشبهه. فهذا باب الأسماء، تقول: هذا في زيدٍ، ولو عبد الله.
فإن قال قائل: أجعل ذلك غير مثقل إذا سميت به مؤنثا، لأمنى عليه التنوين.
قيل: لمؤنث قد يكون نكرة فتنون، كقولك: هذه هند أخرى، وتنون زيدا إذا سميت به امرأة في قول جماعة من النحويين، فيستوى المؤنث والمذكر إذا لكم تكن فيها هاء التأنيث، فلا يكون فيه التنوين، نحو رجل سميته بقدم، أودعد أوهند.
فليس هذا الاعتراض بشيءٍ. وليس من كلامهم أن يكون الاسم على هيئة فإذا سمى به غير من هو له خرج إلى هيئة أخرى، فكذلك المفرد لا ينتقل إذا أضفته.
فأما فو زيد، وذو مال، فإنما غيرا من الأصل الذي هو لهما، لأنهما ألزوما الإضافة فكان حرف إعرابهما متنقلا على غير ما عليه جملة الأسماءٍ، إنما يكون ذلك في أسماءٍ بعينها معتلة ؛ نحو قولك: أخوك، وأخاك، وأبوك، وفوزيد، وحموك، وهنوك في بعض اللغات، لأنها في الإفراد أب، وأخ، وهنٌ، وحمٌ، فهذه أسماءٌ كان أصلها الإضافة، لأن رواجعها فيه خاصةً.
فأما فوك فإنما حذفوا لامه لموضع الإضافة، ثم أبدلوا منها في الإفراد الميم لقرب المخرجين، فقالوا: فم كما ترى، لا يكون في الإفراد غيره، وقد لحن كثير من الناس العجاج في قوله:
خالط من سلمى خياشيم وفا
وليس عندي بلاحن، لأنه حيث اضطر أتى به في قافية لا يلحقه معها التنوين في مذهبه. ومن كان يرى نتنوين القوافي فيقول:
أقلى اللوم عاذل والعتابن
لم ينون هذا، لأن ترك التنوين هو الأكثر الأغلب، لما في هذا الاسم من الاعتلال.
واعلم أن ما جاء من الأسماء على حرفين قليل، لأن الثلاثة أقل الأصول، فيكرهون الحذف منها إلا فيما آخره حرف خفي أو حرف لين، فإنهم يستثقلون في ذلك الحركات.
فأما مثل: قل، وبع فإنما حذفت لالتقاء الساكنين ما هو في نيتك، وحذفت من عد، وزن الواوات التي ذهبت، لأنها وقعت في يعد ويزن. ويعود جميع ذلك في تصرف الفعل إذا قلت: وعد، ووزن، وقال، وباع، ويقول، ويبيع.
وكذلك إذا قلت: فه لزيد، وعه كلاما، وشه ثوبا.
إنما لحقها ذلك لذهاب الواو من أولها التي تذهب في عد، وذهاب الياء من آخرها التي تذهب في ارم، ولا يلزم ذلك في تصرف الفعل إذا قلت: وعيت، ووليت، ووشيت.
فأما ما جاء على حرفين مما فيه هاء التأنيث فهو أكثر من ذا، نحو: سنة، وشية، وعدة، وثبة، وقلة، ورية، وذاك ؛ لأن الهاء لما اتصلت به قوى فارع ما كان على ثلاثة، وكان بالهاء أثبت من ابن، واست، واثنين ؛ لأن ألف الوصل يحذفها الوصل، ويحذفها وتحرك ما بعدها، وذلك في التصغير كبنى وتخفيف الهمز كقولك في اسأل: سل، وفي التشديد وهو قولك: اردد، ثم تقول: رد إن شئت. فأما ردا أو ردوا فحذفها لازم للزوم الإدغام.
وهاء التأنيث إنما تذهب في الترخيم، وفي النسب، لأنه عوض منها. وقد يرد في النسب بعض ما يذهب منه الهاء لعلة تلحق. وإنما قصدنا أن نخبر أم ما فيه الهاء من ذوات الحرفين أكثر مما لا هاء فيه.
وهذا شيءٌ اتصل بالتصريف والإدغام لما يقع في مثله، وهو ما أذكره لك.
أعلم أن الحرفين المثلين إذا كانا ملتقيين في كلمة، وكلاهما متحرك، وقبل المتحرك الأول ساكن، طرحت حركة المتحرك الأول على ذلك الساكن، وأغمت كنحو ما ذكرت لك. اقتتلوا.

فإذا التقيا وهما سواء أو متقاربان، والأول منهما أول الكلمة أدخلت ألف الوصل وأدغمت وذلك: اطير زيد إنما كانت تطير، فأسكنت التاء، فلم يجز أن تبتدىء بساكن، فأدخلت ألف الوصل، ثم أدغمت التاء في الطاء.
وكذلك اترس زيد إذا أردته تترس.
فدخول الألف هاهنا كسقوطها من اقتتتلوا إذا قلت: قتلوا، فالتحريك يسقطها، كما أن الإسكان يجلبها.
ومن ذلك قوله " وإذا قتلتم نفساً فادارأتم فيها " وإنما كان تدارأتم فيها، فأدغمت التاء في الدال، فاحتجت إلى ألف الوصل لاستحالة الابتداء بساكن، ومثله " قالوا اطيرنا بك وبمن ومعك " .
فإن قلت: تتكلمون، وتدعون، لم يجز الإدغام وإدخال ألف الوصل، لأن ألف الوصل لا تدخل على الفعل المضارع، لأن الأفعال إذا كانت على ما يَفْعَل وما أشبهه فهي مضارعه للأسماء، نحو فاعِل وما أشبهه، فكما لا تكون ألف الوصل في اسم الفاعل كذلك لا تكون فيما ضارعه. إنما تكون في الأفعال الماضية، نحو: انطلق، واقتدر واحمررت، واستخرج، واغدودن، واحرنجم. أو في الأمر: اضرب، اقتل، استخرج ؛ لأنها تضارع أسماء الفاعلين فتمتنع، فهذا موضعها من الكلام، فقد شرحت لك أمرها في الأفعال وتصرفها، وأمر وقوعها في الأسماء والعلة في ذلك إذ كان بابها الأفعال.
فإذا قلت في المنفصلين: هذا اسم موسى لم يجز أن تطرح حركة الميم على االسين، وتحذف ألف الوصل، كما فعلت في الأفعال، لأن المنفصل بائن مما قبله، وإنما الإدغام على مقدار لزومه. ولكنك تخفى إن شئت، وإن شئت حققت، والمخفى بزنة المحقق، إلا أنك تختلس اختلاسا كقولك: أراك متعففاً. فتختلس ولا يجوز الإدغام، لأن الذي قبل الفاء الوسطى ساكن.
وأما الملحقات من الأسماء فلا إدغام فيها، لأنها تنقص عن مقادير ما ألحقت به. وذلك قولك: قردد، ومهدد وما أشبهه، لأنه ملحق بجعفر، وذكلك الجمع، نحو قولك: قرادد، ومهادد، ليكون مثل جحعفر.
فإن لم يكن ملحقا لزم الإدغام، نحو قولك: رجل ألد، وأصم ؛ لأن أَفْعَلَ ليس بملحق بفعلل.
ألا ترى أن مصادرهما مختلفة إذا كان فِعْلين تقول: درحج دحرجة، وأكرم إكراما.
وكذلك فَعَّلَ ليس بملحق بدحرج، لن مصدره التفعيل.
ولكن مثل جدول ملحقٌ بجعفر وكذلك كوثر.
وإن كنا فعلين فهما ملحقان بدحرج. تقول: حوقل يحوقل حوقلة، وبيطر بيطرة وسهوك سهوكة، وذكلك سلقى يسلقى سلقاة.
وفيما ذكرته لك ما يدال على ما يرد عليك منه إن شاء الله.
هذا باب

ما شبه من المضاعف بالمعتل
محذوف في موضع حذفه
وذلك قولك في أحسست: أحست، وفي مسست: مست، وتطرح حركته على ما قبله، وتحذفها، تشبيها بقولك: أردت، وأقمت، وكلت، وبعت، كمنا استويا في باب رد وقام في الإسكان.
واستويا في التصحيح في باب فُعَل وفِعَل تقول ك صو ركما تقول: درر، ويبيع كما تقول: قدد.
وإنما تفعل هذا في الموضع الذي لا تصل إليه في الحركة يوجه من الوجوه، وذلك في فِعلْت وفَعِلْن.
فأما لم أحس وقولك: احسس، وامسس ومس وحس فلا تحذف ؛ لأن هذا تدخله الحركة إذا ثنيت، أو جمعت أو أثنيت ؛ نحو: أحسوا، وأحسا، وأحسى. وكذلك مسى ومسا.
وإنما جاز في ذلك الموضع لزوم السكون، وليس ذلك بجيد ولا حسن، وإنما هو تشبيه. قال الشاعر:
خلا أن العتاق من المطايا ... أحسن به فهن إليه شوس
ومن قال: مست ففتح الميم فإنما شببها بلست، لأن أصلها كان لاس يلبس، وقد فسرنا امتناعها من ذاك ؛ لما يلزمها في المضارع وغيره من تصرف الفعل.
فهذا الذي فتح الميم حذف لما ذكرت لك، وترك الميم على أصلها للتغيير.
واعلم ان التضعيف مستثقل وأن رفع اللسان عنه مرة واحدة ثم العودة إليه فليس كرفع اللسان عنه وعن الحرف الذي مخرجه ولا فصل بينهما فلذللك وجب وقوم من العرب إذا وقع التضعيف أبدلوا والياء من الثاني لئلا يلتقى حرفان من جنس واحد، لأن الكسرة بعض الياء، وأن الياء تغلب على الواو رابعةٌ فما فوقها حتى تصيرها ياءً، ولا يكون إلا ذلك. وقد مضى هذا.
وذلك قولهم في تقضضت: تقضينت، وفي أملت: أمليت. وذكلك تسريت في تسررت والدليل على أن هذا إنما أبدل لاستثقال التضعيف قولك: دينار، وقيراط، والأصل دنارٌ وقراط. فأبدلت الياء للكسرة، فلما فرقت بين المضاعفين رجع الصل فقلت دنانير، وقراريط، وقريريط.

واعلم أن الشعراء إذا اضطروا إلى إسكان حرف مما هو متحرك فلم يصلوا إلى ذلك أبدلوا منه الياء إذا كانت قبله كسرة، لأن الياء إذا كانت كذلك لم تحرك، فيسلم الإعراب، ويصح الوزن، وذلك وقوله:
لها أشارير من لحمٍ تتممره ... من الثعالى ووخزٌ من أرانيها
لم يجز أن يذكر الباء في الثعالب، ويحركها فينكسر الشعر، فأبدل الياء لما ذكرت لك. ومثله:
ومنهل ليس له حوازق ... ولضفادى جمه نقانق
هذا باب

ما يحذف استخفافا
ً
لأن اللبس فيه مأمونوذلك أن للأشياء أصولا، ثم يحذف منها ما يخرجها عن أصولها.
فمن هذا المحذوف ما يبلغ الشيء أصله.
ومنه ما يحذف لأن ما يبقى دال عليه وإن يكن ذلك أصله.
فأما ما يبلغ به أصله فإن كناية المجرور في الكلام ككناية المنصوب، وذلك لأن الأصل الرفع. وهو الذي لا يتم الكلام إلا به ؛ كالابتداء والخبر، والفعل والفاعل.
وأما المنصوب والمخفوض لما خرجا إليه عن هذا المرفوع.
فلذلك اشتركا في التثنية والجمع، نحو: مسلمَين، ومسلمِين، ومسلمات.
ولذلك كان ما لا ينصرف إذا كان مخفوضا فتح، وحمل على ما هو نظير الخفض، نحو: مررت بعثمان، وأحمر يافتى.
وذلك قولك في الكناية: ضربتك، ومررت بك، وضربته، ومررت به وضربتهم، وعليهم واحد.
وتقول: هذا غلامي، وهذا الضاربي فيستويان، فإذا قلت: ضربني، زدت نونا على المخفوض، ليسلم الفعل، لأن الفعل لا يدخله جر ولا كسر.
فإنما زدت هذه النون ليسلم، لأن هذه الياء تكسر ما وقعت عليه. فإن قلت: قد قلت: الضاربي والياء منصوبة، فإنما ذلك، لأن الضارب اسم فلم يكره الكسر فيه.
والدليل على أن الياء منصوبة قولك: الضارب زيدا .
فإن قلت: فقد يدخل الفعل الكسرة في قولك: اضرب الرجل، فإنما ذلك لالتقاء الساكنين وليس بلازم، وإنما كسروا ليعلموا أنه عارضٌ في الفعل، إذا لم يكن من إعرابه.
ونظير زيادة هذه النون في المنصوب قولهم في المجرور: منى، وعنى، وقدني.
زادوا النون، ليسلم ما قبلها على سكونه، كما سلم الفعل على فتحه، فقد زيدت في المجرور كما زيدت في المنصوب.
ولو كان آخر الاسم متصرفا بالحركة لم تزد، نحو قولك :هذا هنى، ودمى.
فالذي ذكرنا مما يحذف قولك: إنني، وكأنني، ولعلني، أن هذه الحروف مشبهة للفعل مفتوحة الأواخر، فزدت فيها النون، كنما زدتها في الفعل لتسلم حركاتها.
ويجوز فيهن الحذف فتقول: إني، وكأني، ولكني.
وإنما جاز، لأن النون في إن و كأن ثقيلة، وهي مع ذلك مشبهة بالفعل وليست بأفعال، فحذفت كراهية التضعيف، وإن أثبت فلما وصفته.
فن قال قائل، فأنت تقول: لعلى، وليس في لعل نون، فإنما ذلك لأن لعل مضعفة: وهي أقرب الحروف من النون، وتعاقبها، وتدغم كل واحدة منهما في صاحبتها، وقد مضى القول في هذا.
فأما ليتني فلا يجوز حذف النون منها إلا ان يضطر شاعر فيحذفها، لأن الضرروة ترد الأشياء إلى أصولها، والأصل الياء وحدها، وليست ليت بفعل إنما هي مشبهة. فمن ذلك قوله:
تمنى مزيدٌ زيدا فلاقى ... أخا ثقة ذا اختلف العوالي
كمنية جابرٍ إذ قال ليتني ... أصادفه ويهلك جل مالي
فهذا من المحذوف الذي يلغ به الأصل.
ومما حذف استخفافاً لأم ما ظهر دليل عليه قولهم في كل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، مثل بنى الحارث، وبني الهجيم وبني العنبر: هو بلعنبر، وبلجهم، فيحذفون النون لقربها من اللام لأنهم يكرهون التضعيف. فإن كان مثل بني النجار والنمر، والتيم لم يحذفوا، لئلا يجمعوا عليه علتين: الإدغام، والحذف.
ويقولون: علماء بنو فلان، يريدون: على الماء فيحذفون لام على، كما قال:
وما سبق القيسي كن ضعفٌ حيلةٍ ... ولكن طفنت علماء قلفة خالد
واعلم أن كل مدغم فيما بعده إذا كانا من كلمتين فإظهار الأول جائز، لأنه غير لازم للثاني، إلا أنه في بعض أحسن منه في بعض على قدر تداني المخارج وبعدها .
فإذا لقيت التاء دالا أو طاء، كان الإدغام أحسن، لأن مخرج الثلاثة واحد، وإنما يفصل بينها أعراض فيها. وذلك قولك: ذهبطلحة، الإدغام أحسن. وكذلك هد مدارٌ زيدٍ ومثل ذلك: لم يعد تميم، ولم يعد طاهر.

فان قلت: انقط داود كان الإدغام بأن تطبق موضع الطاء أحسن لأن في الطاء إطباقا فيكرهون ذهابه. تقول: انقطا ود.
ولو قلت: انقداود كان حسنا. ولكن الاختيار ما ذكرت لك. وإن لم تدغم فجائز .
والظاء، والثاء، والذال هذا أمر بعضهن مع بعض في تبقية الإطباق وحذفه، وحسن الإدغام وجواز التبيين.
وفيما ذكرت لك من قرب المخارج وبعدها كفاية.
فأما قراءة أبي عمرو " هثوب الكفار ما كانوا يفعلون " فإن التبيين أحسن مما قرأ، لأن الثاء لا تقرب من اللام كقرب التاء وأختيها. وكذلك التاء في قراءته " بتؤثرون الحياة الدنيا " .
وليست هذه اللام كلام المعرفة لازمة لكل اسم تريد تعريفه. فليس يجوز فيها مع هذه الحروف التي ذكرت لك وهي ثلاثة عشر حرفا إلا إلادغام. وقد ذكرناها بتفسيرها.
وإنما يلزم الإدغام على قدر لزوم الحرف، ألا ترى أنها إذا كانت في كلمة واحدة لم يجز الإظهار: إلا أن يضطر الشاعر فيرد الشيء إلى أصله، نحو: رد، وفر، ودابة، وشابة، لأن الباء الأولى تلزم الثانية.
فأما قولهم: أنما تكلمانني، وتكلماني، وقوله: " أفغير الله تأمروني " وفي القرآن: " لم تؤذونني وقد تعلمون " فلان الثانية منفصلة من الأولى، لأنها اسم المفعول. تقول: أنما تظلمان زيدا، وأنتم تظلمون عمرا.
وأما دابة فهي فاعِلة، وكذلك رد فَعَلَ. فهما لازمة إحداهما للأخرى لا تنفصل منها. فإذا اضطر شاعر جاز ردد، وضنن كما قال :
تشكو الوجى من أظلٍ وأظلل
وقال:
مهلا أعادل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضننوا
وقال:
الحمد الله العلي الأجلل
واعلم أن ألف الوصل التي تكون مع اللام للتعريف تخالف سائر ألفات الوصل، وإن كانت في الوصل مثلهن.
وذالك أنها مفتوحة ؛ لأنها لم تلحق اسما ولا فعلا ؛ نحو اضرب، واقتل، وابن، واسم، وإنما لحقت حرفا، فلذلك فتحت وخولف بلفظها لمخالفة ما وقعت عليه الأسماء والأفعال.
فإذا كانت في درج الكلام سقطت كسقوط سائر ألفات الوصل. وذلك قولك: لقيت القوم فتسقط، وتقول: والقوم ذاهبون، وكذلك جميع ما صرفت فيه، إلا أن تلحقها ألف الاستفهام فتجعلها مدة، ولا تحذفها، فيلتبس الخبر بالاستفهام ؛ لأنها مفتوحة، فلو حذفتها لاستوى اللفظان. وذلك قولك في الاستفهام: آلرجل لقيك ؟ وقوله: " آلله خيرٌ أم ما يشركون " .
وكذلك ألف أيم ؛ لأنها لزمت اسما لا يستعمل إلا في القسم، فهو مضارع لألف اللام: تقول: آيم الله لقد كان ذاك، آيمن الله لقد كان ذاك. ولذلك قالوا: يا ألله اغفر لنا، لما كنت في اسم لا تفارقه وثبتت في الاستفهام فعلوا بها ذلك.
وكذلك: أفألله لتفعلن، لما وصفت لك.
فإذا كنت مستأنفة وتحركت اللام بعدها بحركة الهمزة فإن النحويين يختلفون فيها.
فيقول قوم: ألحمر جاءني فيثبتونها وإن تحركت اللام، ولا يجعلونها مثل قولك: " سل بني إسرائيل " ؛ لأنها كانت اسأل، فلما تحركت السين سقطت ألف الوصل.
فهؤلاء يحتجون بثباتها في الاستفهام، وأن ما بعدها ساكن الأصل، لا يكون إلا على ذلك وهؤلاء لايدغمون ما قبل اللام في اللام مما قرب جواره منها ؛ لأن حكم اللام عندهم حكم السكون. فلذلك ثبتت ألف الوصل.
ومنهم من يقول: لحمر جاءني، فيحذف الألف لتحرك اللام. وعلى هذا قرأ أبو عمرو " وأنه أهلك عاد لولى " .
وكان الأخفش يجيز: اسل زيدا ؛ لأن السين عنده ساكنة لأن الحركة للهمزة. وهذا غلط شديد ؛ لأن السين متصرفة كسائر الحروف ؛ وألف الوصل لا أصل لها، فمتى وجد السبيل إلى إسقاطها سقطت، واللام مبنية على السكون لا موضع لها غيره. فأمرها مختلف. ولذلك لحقتها ألف الوصل مفتوحة مخالفةً لسائر الألفات.
تم الإدغام قال أبو العباس: كنا قدمنا في أول كتابنا وبعد ذلك أشياء جرى ذكرها لما يشاكلها في مواضعها، ولم يكن موضع تفسيرها، فوعدنا أن نفسرها إذا قضينا القول فيما قصدنا له عند ذكرها.
فمن ذلك لام الخفض التي يسميها النحوييون لام الملك فقلنا: هي مكسورة مع الأسماء الظاهرة، ومفتوحة مع الأسماء المضمرة ؛ لعلة نذكرها. وهذا أوان ذكرها.
أصلها عندنا الفتح كما يقع مع المضمر ؛ نحو قولك: المال لك، والمال لنا، والدراهم لكم، ولهم. وكذلك كل مضمر.

فإذا قلت: المال لزيد كسرتها ؛ لئلا تلتبس بلام الابتداء، ولم تكن الحركة فيها إعرابا فيسلمها على ما خيلت .
وموضع الالتباس أنك لو قلت: إن زيدا لهذا، وإن عمرا لذاك، وأنت تريد لام الملك، لم يدر السامع أيهما أردت: إن زيدا في ملك ذاك، أو إن زيدا ذاك ؟ فإذا كسرت فقلت: إن زيدا لذاك، علم أنه في ملكه، وإذا قلت: إن زيدا لذاك، علم أن زيدا ذاك.
وكذلك الأسماء المعربة إذا وقفت علها فقلت: إن هذا لزيد لم يدر أهو زيد أم هو له ؟ فإن قال قائل: فلم لا يكون ذلك في الباء ؟ قيل لأن الباء لا يشركها مثلها فتخاف لبسا ؛ فبنيتها أبدا الكسر مع الظاهر والمضمر. تقول مررت بزيد، وبك، وبه، وبهم.
كما أن بنية الكاف الفتح إذا قلت: لست كي ؟ فإنما ذاك ؛ لأن ياء الإضافة تحول كل حركة إلى كسرة. تقول: هذا غلامي، وضربت غلامي، والمال لي.
فأما أمنك الالتباس في اللام مع المضمر ؛ فإنما ذاك لأن ضمير الرفع لا يلتبس بضمير الجر. تقول: إن هذا لك، وإن هذا لأنت، وإن هؤلاء لنحن. فلاختلاف اللفظين أمن الالتباس.
قال: وكنا ذكرنا في صدر هذا الكتاب أمر الأفعال، والأسماء، ووعدنا أن نخبر لم كانت الأسماء على ثلاثة أنحاءٍ لا زيادة فيها: على ثلاثة أحرف، وأربعة، وخمسة ؟ وكانت الأفعال على ضربين: على ثلاثة، وأربعة. ولم يكن في الأفعال شيء على خمسة أحرف كلها أصلى. فهذا وقت تفسيره وموضعه.
للنحويين في هذا أقاويل يقارب بعضها بعضا.
يقولون: الأسماء أمكن من الأفعال ؛ فلذلك كان لها على الأفعال فضيلة تمكنها، وأن الأفعال تبع لها .
فقلنا في تفسير قول هؤلاء: الدليل على صحة ما قالوا أن الأسماء الثلاثية تكون على ضروب من الأبنية تلحقها أبنية الأفعال ؛ لأن أبنية الأفعال إنما: هي فَعَل، وفَعِل، وفَعُل ومضارعاتها: يَفْعُلْ، ويَفْعِل، ويَفْعَل.
والأسماء تكون على فَعَل ؛ نحو: جمل وجبل، وعلى فَعِل ؛ نحو: فخذ وكتف، وعلى فَعُل ؛ نحو: رجل وعضد.
وتكون الأسماء مفردة بفِعَل ؛ نحو: ضلع وعوض، وبفُعُل نحو: خضض، وعنق.
وتكون سواكن الأوساط ؛ نحو: فهد، وكلب، ونحو: جذع، وعدل، ونحو: برد، وخرج.
ويكون في المتحركة، نحو: إبل، وإطلٍ.
فإذا صرت إلى الأربعة لم تكن الأفعال بغير زائدة إلا على فَعْلَلَ ؛ نحو: دحرج، وسرهف، وهملج. فهذا نظيره في الأسماء جعفر، وصندل، وفرقد.
وتكون في الأسماء على فِعْلَل ؛ نحو: درهم، وهجرع.
وفُعْلُل نحو: حبرج وترتم، وفِعْلِل نحو: زبرج، وزئبر.
فلذلك كان في الأسماء مثل سفرجل، وجحمرش، وجردحل، وقذعمل.
فزادت هذه الأبنية كما زادت ما ذكرت لك. وإنما ذكرت لك رسما وبقيت أشياء ؛ لأنى إنما أردت بما بينت الإيضاح لهذا الأصل الذي ذكرته.
وقال قوم: الأفعال تلزمها الزوائد، وتتصرف بها، فيلزمها حروف المضارعة وغير ذلك من الزوائد ؛ كما لحق الأربعة التاء في تدحرج، وألف الوصل والنون، في احرنجم، ونحوه، وتضعيف اللام في قولك: اقشعر، واطمأن، فكرهو أن يبلغوا بها الخمسة، فتلزمها الزوائد فتخرج عن المقدار، وتصير إلى ما يستثقل. والأسماء لا يكره ذلك فيها ؛ لأن الزوائد غير لازمة لها، وإن كانت قد تدخل في بعضها وليس في بمنزلة اللازم للمعاني.
ألا ترى أن قولك: اقتدر، واستخرج، وقاتل، واغدودن، واعلوط قد خرجت هذه الأفعال إلى معانٍ بالزوائد، لولا هذه الزوائد لم تعلم.
إذا قلت: استخرج فمعناه: أنه طلب أن يخرج إليه.
وإذا قلت: فاعَلَ وجب أن يكون الفعل من اثنين.
وإذا قلت: فَعّلَ فقد كثرت الفعل.
والأسماء لا يكون فيها شيء من هذا إلا التي تبنى على أفعالها ؛ نحو: مستخرج، ومنطلق، فإنها بعد راجعة إلى الأفعال.
وقال قوم: لما كانت الأسماء هي التي يخبر عنها، وإنما الأفعال آلة لها، جعلت لها على الأفعال فضيلة تبين بها حال تمكنها.
وكل الأقاويل حسن جميل. وهذا الأخير قول المازني .
باب

مصطفين
قال أبو العباس: وهذا أيضا مما لم يفسر.
إذا كان الاسم مقصورا فإنما تأويل قصره أن يكون آخره ألفا، والألف لا تدخلها الحركات، و لا تكون أصلا، وإنما هي منقلبة من ياءٍ أو واو، أو تكون زائدة .
فأما المنقلبة ؛ فنحو ألف قفا، وإنما هي واو قفوت، وحصى إنما هي منقلبة عن ياءٍ .
تقول إذا جمعت: حصيات ؛ كما أنها في الفعل كذلك.

تقول: رميت وغزوت، وتقول لغيرك: رمى، وغزا.
والزائدة مثل ألف حبلى، لأنه من الحبل، وذكلك معزى، وحبنطى من قولك: معز، وحبط بطنه.
فهذه الألف لا يدخلها إعراب، ولكمنها تنون إذا كان الاسم منصرفا، ويترك تنوينها إذا كان مما لا ينصرف.
فإذا ثنيت اسما هي فيه والاسم على ثلاثة أحرف، أبدلت منها كما كان أصلها، فتظهر الواو الياء، لأنها في موضع حركة، والألف لا تتحرك.
تقول في ثنية قفا: قفوان، وفي تثنية رحى: رحيان ؛ كما كنت قائلا في الفعل: غزوا إذا ثنيت ؛ لأنه من غزوت، ورميا ؛ لأنه من رميت.
وإذا كانت الألف رابعة فصاعدا رجعت إلى الياء على كل حال. تقول: غزوت ثم تقول :أغزيت، واستغريت .
وكذلك الاسم، تقول في تثنية ملهى، ومستغزى: ملهيان، مستغريان .
فأما الياءات فلا يحتاج إلى تفسيرها ؛ لأن الواو إليها تصير، فيصير اللفظ بهما واحدا.
فإذا أردت الجمع على جهة التثنية - وذلك لا يكون إلا لما يعقل - تقول: مسلمان.
ومسلمون، وصالحان - ، وصالحون .
فعلى هذا تقول: في جمع مصطفى مصطفون. وكان الأصل على ما أعطيتك مصطفيون، وقبل أن تنقلب: مصطفوون، ولكنها لما صارت ألفا، لم يجز أن ترد إلى ضمة ولا إلى كسرة لعلتين.
إحداهما: استثقال الضمة والكسرة في الموضع الذي تنقلب الواو والياء فيه ألفين للفتحة قبلهما.
والثانية: أنه لا نظير له فيخرج عن حد الأسماء و الأفعال.
فإن كان في موضع فتح ثبت ؛ لأن الفتحة أخف، ولأن له نظيرا في الأسماء والأفعال.
فأما في الأفعال فإنك تقول للواحد: غزا، وللإثنين: غزوا ؛ لثا بلتبس الواحد بالإثنين. وكذلك رمى، ورميا.
وأما في الأسماء فقولك: النزوان، والغثيان ؛ لأنك لو حذفت لا لتبس بفعال من غير المعتل.
وقولنا: الفتحة أخف. قد بان لك أمرها.
تقول: هذا زيد، ومررت بزيد، فلا تعوض عن التنوين ؛ لأن قبله كسرة أو ضمة.
وتقول: رأيت زيدا، فتبدل منه ألفا من أجل الفتحة.
وتقول: رأيت قاضيا، وتسكن الياء في الخفض والرفع، في الوقف والوصل، ثم تذهب، لالتقاء الساكنين، وهو التنوين الذي يلحقها وهن ساكنة.
وتقول في فخذ - إن شئت - فخذ ؛ وفي علم: علم .
وكذلك في عضد، ورجل: عضد ورجل. ولا يجوز الإسكان في جمل وما كان مثله.
فعلى هذا تقول: هما مصطفيان، وهما الأشقيان، وأعجبني قفواهما، ورأيت قفويهما والمصطفيين.
فإذا كان الجمع لحقت الواو هذه الألف التي كانت في معزى، ومصطفى والواو ساكنة.
وكذلك هذه الألف فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فبقيت واو الجمع، أو ياء الجمع، ، وما قبل كل واحد مفتوح ؛ لأنه كان مفتوحا قبل الألف فحذفت الألف وبقى الشيء على حاله
هذا باب

المضمر المتصل
اعلم أن كل موضع تقدر فيه على المضمر متصلا فالمنفصل لا يقع فيه: تقول: قمت، ولا يصلح: قام أنا. وكذلك ضربتك، لا يصلح: ضربت إياك.
وكذلك، ظننتك قائما، ورأيتني، ولا يصلح: رأيت إياى.
فإن كان موضع لا يقع فيه المتصل وقع فيه المنفصل. هذا جملة هذا.
تقول: أنت قمت، فتظهر أنت ؛ لأن التاء التي تكون في فعلت لا تقع ها هنا. وتقول: ما جاءك إلا أنا. وما جاءني إلا أنت، وما ضربت إلا إياك ضربت ؛ لأن الكاف التي في ضريتك لا تقع ها هنا ح لا تقول كضربت، وكذلك جميع هذا .
واعلم أن ضمير المرفوع التاء. يقول المتكلم إذا عنى نفسه ذكرا كان أو أثنى: قمت، وذهبت.
وإن عنى غيره كانت التاء على حالها إلا أنها مفتوحة للذكر، ومكسورة للمؤنث. تقول: فعلت يا رجل، وفعلت يا امرأة. فإن ثنى المتكلم نفسه، أو جمعها بأن يكون معه واحد أو أكثر قال: فلعنا، ولم يجز فعل نحن ؛ لما ذكرت لك.
وإن ثنى المخاطب قال: فعلتما، ذكرين كنا أو أثنتين. وقد تقدم تفسير هذا. ولا يجوز: فَعَلَ أنتما.
فإن جمع فكان المخاطبون ذكورا قال: فعلتم، ولا يقول: فعل أنتم وإذا كن إناثا قال: فعلتن، ولا يجوز فعل أنتن.
فإن خبر عن ذكر كانت علامته في النية، ودلّ عليها ما تقدم من ذكره فقال: زيد قام، وزيد ذهب.
فإن ثنى ألحق الألف فقال: أخواك قاما.
وإن جمع ألحق واوا مكان الألف وقال: إخوتك قاموا، فإذا كان للغائب مؤنثا فكذلك. تقول في الواحد: هند قامت. التاء علامة التأنيث والضمير في النية، كما كان في المذكر وإن ثنى ألحق الألف.
بك للمخاطب وتكسر الكاف للمؤنث.

وتقول في الغائب: رأيته، ومررت به. ورأيتها، ومررت بها للمؤنث، ورأيتهما، ومررت بهما للمذكر والمؤنث، ورأيتهم، ومررت بهم للمذكر، ورأيتهن، ومررت بهن للمؤنث، ورأيتكن، ومررت بكن للمخاطبات، وللمذكر رأيتكم، ومررت بكم.
وكذلك تقول: هذا الضاربي، الياء في موضع نصب. وهذا الماربي، الياء في موضع خفض.
فأما قولك: ضربني، وأكرمني فإنما الاسم الياء، وهذه النون زائدة. زادوها عمادا للفعل، لأن الأفعال لا يدخلها كسر ولا جر. وهذه الياء تكسر ما قبلها.
تقول: هذا غلامي، ورأيت غلامي، فتكسر الميم التي موضعها مرفوع ومنصوب، فزيدت هذه النون، لتسلم فتحة الفعل في الماضي، وإعرابه في إعرابه.
وذلك ضربني، ويضربني، كما تفعل في الخفض إذا أردت سلامة ما قبل الباء.
تقول: مني وعني، الأن مِنْ، و عنْ لا تحرك نونهما، لأنهما حروف مبنية، وكذلك قطنى، وقدني وما كان كمثل ذلك.
وإنما زيدت النون، لأنها تزاد في الأواخر، كالتنوين الذي يلحق الأسماء، والنون الخفية والثقيلة التي تلحق الأفعال، والنون التي تزاد مع الألف في فعلان، والنون حرف أغن مضارع حروف المد والين .
هذا باب

الإضمار الذي يلحق الواحد الغائب
وتفسير أصله، وأين يجوز أن يبدل من الواو التي تلحقها الياء والعلة في
ذلك ؟
فالأصل في هذا الضمير أن تتبع هاءه واو. فالاسم الهاء وحدها، والواو تلحقها لخفاء الهاء. فإذا وقفت وقفت بالهاء وحدها، لئلا يكون الزاز بمنزلة الحروف الأصلية. وذلك قولك: رأيته، وأعطيته إذا وقفت.
فإذا وصلت قلت: أعطيتهو يا رجل، وجاءني غلامهو فاعلم، ورأيت غلامهو يا فتى، ومررت بغلامهو، ومررت بهو، و " فخسفنا بهو وبدارهو الأرض " ، وعليهو مال، وهذه عصاهو يافتى، وهذا أخوهو فاعلم.
هذا الأصل في هذا كله .
فإن كان قبل هذه الهاء ياءٌ أو كسرة، كان الأحسن أن تبدل من ضمتها كسرة، لاستثقالهم الضمة بعد الياء، والكسرة، ومن الواو ياء.
وإن جئت بها على الأصل كما بدأنا به فعربي جيد .
فأما ما كانت قبلها كسرة فنحو: مررت بهى يا فتى، ونزلت في دارهى يا هذا، ونحو ذلك ، وأما ما كان بالياء فإنما يصلح إذا كانت الياء ساكنة، نحو نزلت عليهى يا فتى، وذهبت إليهى يا رجل.
وإن شئت حذفت التي بعد الهاء، لسكونها وسكون الياء، لأن الهاء التي بينهما حاجز ليس بحصين. فتقول: نزلت عليه يا فتى، وذهبت إليه فاعلم.
وكذلك تفعل بما كان مثله نحو قوله عز وجل " فألقى موسى عصاه " ، لأن هذا يشبه بالتقاء الساكنين، لخفاء الهاء.
فإن كانت الياء متحركة لم يكن ذلك، لأن الحركة حاجزة بينهما. تقول: رأيت قاضيهو يا فتى، وكلمت غازيهو فاعلم.
فإن كانت هذه الهاء لمؤنث لزمتها الألف والفتحة، للفصل بين المؤنث والمذكر، وجرى ذلك في الوقف مجراه في الوصل، لخفة الفتحة والألف، كما أنك تقول: رأيت زيدا في النصب، وتقف في الرفع والخفض بغير واو ولا ياءٍ، ذولك قولك: رأيتها، وضربتها، وهذا غازيها، ورأيت قاضيها.
هذا باب
ما يختار فيه حذف الواو والياء من هذه الهاءات
اعلم أنه إذا كان قبل هاء المذكر ياءٌ ساكنة، أو واو ساكنة، أو ألف كان الذي يختار حذف الواو والياء بعدها.
وذلك ؛ لأن قبلها حرف لين، وهي خفية، وبعدها حرف لين، فكرهوا اجتماع حرفين ساكنين كلاهما حرف لين ليس بينهما إلا حرف خفى، مخرجه مخرج الألف وهي إحدى هذه الثلاث.
وذلك قوله " فألقى موسى عصاه " " وعليه ما حمل " وفيه بصائر ورأيت قفاه يافتى.
وإن أتممت فعربى حسن، وهو الأصل، وهو الاختيار، لما ذكرت لك. فإن كا قبل الهاء حرف ساكن ليس من هذه الحروف، فإن سيبويه والخليل يختاران الإتمام.
والحذف عندى أحسن. وذلك قوله " منه آياتٌ محكماتٌ " ، ومن لدنه يا فتى، في إلا ....
وسيبويه، والخليل يختازان إتمام الواو، لما ذكرت لك، فالإتمام عندهما أجود، لأنها قد خرجت من حروف اللين تقول رأيت ... يا فتى.
واعلم أن الشعراء يضطرون فيحذفون هذه الياء والواو، ويبقون الحركة، لأنها ليست بأصل كما يحذفون سائر الزوائد. فمن ذلك قول الشاعر:
فإن يك غثاً أو سمينا فإنني ... سأجعل عينيهي لنفسه مقنعا
وقال الآخر:
وما له من مجدٍ قديم ولا له ... من الريح حظٌ لا الجنوب، ولا الصبا
وقال:

له زجلٌ كأنه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير
وهذا كثير في الشعر جدا.
وقد اضطر الشاعر أشد من هذه الضرورة، فحذف الحركة مع الحرف، وكان ذلك جائزا؛ لأنها زيادة. وهو قوله:
فظلت لدى البيت العتيق أريغه ... ومطواى مشتاقان له أرقان
هذا باب

إضمار جمع المذكر
اعلم أن حد الإضمار أن يكون كافا، وميما، وواوا إذا كان المخاطبون مذكرين.
فتقول: ضربتكمو ياقوم، ورأيتكمو المنطلقين.
وإنما كانت الواو لهذا لازمة، لأن التثنية رأيتكما، وإذا لزمت التثنية الألف لزمت الجمع الواو كقولك: مسلمان، ومسلمون.
ولكنك تحذف إن شئت هذه الواو استخفافا - فتقول: رأيتكهم، زضربتكم.
وإنما كان ذلك، لأن التثنية تلزمها الألف، فلا يكون ها هنا التباس.
فإن قال قائل: فلم لم تحذف الألف من الاثنين، وتبقى الواو في الجمع ؟ قيل: لما تقدم ذكره من خفة الفتحة والألف.
ألا ترى أنك تقول في المؤنث: مررت بها، فلا تقف إلا بالألف، وفي وقف المذكر: مررت به، ورأيته، بغير ياء ولا واو، كما وصفت لك في قولك: مررت بزيد، ورأيت زيدا.
فإن قال قائل: فما بالكم إذا قلتكم: رأيتكم حذفتم الواو، ولم تثبتوا الحركة ؟ قيل: لأن الضمة في الاستثقال مع هذا كالواو، وإنما بقيت الحركة في الواحد في قوله: " منه آياتٌ محكماتٌ " و " عليه ما حمل " ، لأن ما قبل الهاء ساكن فلم يجوز إسكانها، فيلتقى ساكنان.
وإن خبرت عن جماعة مخاطبين أنهم فعلوا فحقه أن يقال: فعلتمو، وذهبتمو، كما يقال للاثنين: فعلتما.
وأما الكاف في ضربتكم فإنما جاءت، لأنها ضمير المتصوب والمخفوض ثم لحقها زيادة للجمع.
ألا ترى أنك تقول ضربتك، وضربتكتما، وضربتكمو.
وتقول: إذا كانوا فاعلين، ضربت، ضربتما، وضربتموه.
وتقول ضربتم بغير واو ولما أخبرتك في أول باب، فهذا ذاك بعينه.
فإن كان المذكرون غيابا وضعت الهاء مكان الكاف إذا كانوا منصوبين، أو مخفوضين.
تقول: رأيتهمو يا فتى، ومررت بهمو فاعلم.
ويجوز الحذف، ويكون حسنا يختاره أكثر الناس، كما كان في المخاطبين، إلا أنه يجوز الهاء أن تكسر إذا كان قبلها كسرة، أو ياء.
فتقول: مررت بهمى، وتزلت عليهمى.
ومن حذف قال: مررت بهم، ونزلت عليهم.
وإنما جاز هذا في الهاء، لخفائها كما ذكرت لك في الواحد، ومنهم من يكسر الهاء لخفائها ويدع ما بعدها مضموما لأنه ليس من الحروف الخفية. فيقول: مررت بهمو، والإتباع أحسن وهو أن يقول: مررت بهمى، ونزلت عليهمى.
وناس من بكر بن وائل يجرون الكاف مجرى الهاء، إذا كانت مهموسة مثلها وكانت علامة إضمار كالهاء.
وذلك غلط منهم فاحش، لأنها لم تشببها في الخفاء الذي من أجله جاز ذلك في الهاء.
وإنما ينبغي أن يجرى الحرف مجرى غيره إذا أشبههه في علته، فيقولون: مررت بكم، وينشدون هذا البيت:
وإن قال مولاهم على جل حادثٍ ... من الدهر ردوا فضل أحلامكم ردوا
وهذا خطأ عند أهل النظر مردود.
واعلم أن المذكر الواحد لا تظهر له علامة في الفعل. وذلك قولك: زيد قام، وإنما ضميره في النية.
وإنما كان للمخاطب علامة الجهة حرف المخاطبة.
فإن ثنيت الغائب ألحقته ألفا فقلت: فَعَلا، وإن جمعته ألحقت واوا فقلت: فَعَلُوا، لأن الألف إذا لحقت في التثنية لحقت الواو في الجمع.
فأما يفعلون وما كان مثله فإنا أخرنا ذكره حتى نذكره في إعراب الأفعال.
واعلم أن المؤنث يجرى فيما ذكرنا مجرى المذكر، إلا أن علامة المؤنث المخاطب أن يلحقه الكسرة، لأن الكسرة مما تؤنث.
وجمع المؤنث بالنون مكان الميم.
فكل موضع لآ تكون علامة المذكر فيه واوا في الأصل فالنون للمؤنث قفيه مضاعفة. ليكون الحرفان بإزاء الحرفين.
وكل موضع علامة المذكر فيه الواو وحدها فنون المؤنث فيه مفردة.
وتقول فيما كان لمؤنث: ضربتن وقلتن وقلت للمذكرين: ضربتمو وقلتمو، في المفعول: ضربتكن كما تقول: ضربتكمو، وأكرمتكمو.
والموضع الذي تكون فيه مفردة ضربن كما تقول للمذكرين: ضربوا، وأكرموا فلا تلحق إلا واوا واحدة.
فإن قلت: فما بال الواو ساكنة، ونون جمع المؤنث متحركة ؟ قيل: نون التأنيث أصلها السكون، ولكنها حركمت لا لتقاء الساكنين، لأن ما قبلها لا يكون إلا ساكنا.

فإن قيل: فلم فتحت ؟ فالجواب في ذلك أنه نون جمع فحملت على نظيرها.
ومن قال: قمتم، وضربتم لم يحذف إحدى النونين، لأنها إنما تحذف ها هنا استثقالا للضمة، والواو، ولولا ذلك لكان الأصل إثابتها، وإنما هي في المؤنث نون مدغمة، فإذا أدغمت الحرف في الحرف رفعت لسانك رفعةً واحدة .
/الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا باب

إعراب الأفعال المضارعة
وكيف صار الإعراب فيها دون سائر الأفعال
؟
اعلم أن الأفعال إنما دخلها الإعراب لمضارعتها الأسماء، ولولا ذلك لم يجب أن يعرب منها شيء.
و ذلك أن الأسماء هي المعربة. وما كان غير الأسماء فمآله لها، وهي الأفعال، و الحروف.
و إنما ضارع الأسماء من الأفعال ما دخلت عليه زائدةٌ من الزوائد الأربع التي توجب الفعل غير ماض، ولكنه يصلح لوقتين: لما أنت فيه، ولما لم يقع.
و الزوائد: الألف. وهي علامة المتكلم، وحقها أن يقال: همزة.
و الياء: وهي علامة الغائب.
و التاء: وهي علامة المخاطب، وعلامة الأنثى الغائبة.
و النون، وهي للمتكلم إذا كان معه غيره. وذلك قولك: أفعل أنا، وتفعل أنت أو هي، ونفعل نحن، ويفعل هو.
و إنما قيل لها مضارعة؛ لأنها تقع مواقع الأسماء في المعنى. تقول: زيد يقوم، وزيد قائم، فيكون المعنى فيهما واحداً؛ كما قال عز وجل: " و إن ربك ليحكم بينهم " أي لحاكمٌ.
و تقول: زيد يأكل، فيصلح أن يكون في حال أكل، وأن يأكل فيما يستقبل؛ كما تقول: زيد آكلٌ. أي في حال أكل، وزيد آكلٌ غداً. وتلحقها الزوائد لمعنى؛ كما تلحق الأسماء الألف واللام للتعريف؛ وذلك قولك: سيفعل، وسوف يفعل، وتلحقها اللام في إن زيداً ليفعل في معنى لفاعل.
فالأفعال ثلاثة أصناف: منها هذا المضارع الذي ذكرناه، وفعل وما كان في معناه لما مضى، وقولك: افعل في الأمر. وهذان الصنفان لا يقعان في معاني الأسماء، ولا تلحقهما الزوائد كما تلحق الأسماء.
فأما ما كان من ذلك على فعل قلت حروفه أو كثرت إذا أحاط به معنى فعل، نحو: ضرب، وعلم، وكرم، وحمد، ودحرج، وانطلق، وقتدر، وكلم، واستخرج، واغدودن، واعلوط، وقاتل، وتقاتل، وكل ما كان في هذا المعنى، وكذلك إن بنيته بناء ما لم يسم فاعله، نحو: ضرب، ودحرج، واستخرج فهذا كله مبني على الفتح.
و كان حق كل مبنيٍ أن يسكن آخره، فحرك آخر هذا لمضارعته المعربة، وذلك أنه ينعت به كما ينعت بها.
تقول: جاءني رجل ضربنا، كما تقول: هذا رجل يضربنا، وضاربنا.
و تقع موقع المضارعة في الجزاء في قولك: إن فعلت فعلت، فالمعنى: إن تفعل أفعل. فلم يسكنوها كما لم يسكنوا من الأسماء ما ضارع المتمكن، ولا ما جعل من المتمكن في موضع بمنزلة غير المتمكن.
فالمضارع من الأسماء: من عل يا فتى لم يسكنوا اللام، لأنه في النكرة من عل يا فتى.
و المتمكن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكن قولهم: ابدأ بهذا أول ويا حكم.
و أما الأفعال التي تقع للأمر فلا تضارع المتمكن؛ لأنها لا تقع موقع المضارع، ولا ينعت بها؛ فلذلك سكن آخرها.
فإن قال قائل: هي معربة مجزومة؛ لأن معناها الأمر؛ ألا ترى أن قولك: اضرب بمنزلة قولك: ليضرب زيدٌ في الأمر فقوله ذلك يبطل من وجوه: منها قولك: صه، ومه، وقدك في موضع الأمر، وكذلك حذار، ونزال، ونحوهما، فقد يقع الشيء في معنى الشيء وليس من جنسه.
و من الدليل على فساد قوله أن هذه الأفعال المضارعة في الإعراب كالأسماء المتمكنة. والأسماء إذا دخلت عليها العوامل لم تغير أبنيتها، إنما تحدث فيها الإعراب. وكذلك هذه الأفعال تلحقها العوامل فتحدث لها الإعراب بالزوائد التي لحقتها، وهي التاء، والهمزة، والنون، والياء اللواتي في يفعل، وتفعل، ونفعل، وأفعل.
فإذا قلت افعل في الأمر لم تلحقها عاملاً؛ ولم تقررها على لفظها؛ ألا ترى أن الجوازم إذا لحقتها لم تغير اللفظ نحو قولك: لم يضرب زيد وإن تذهب أذهب، وكذلك ليذهب زيد، ولا يذهب عبد الله، فإنما يلحقها العامل وحروف المضارعة فيها.
و أنت إذا قلت: اذهب فليس فيها عامل، ولا فيها شيءٌ من حروف المضارعة.
فإن قال قائل: الإضمار يعمل فبها. قيل: هذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن الفعل لا يعمل فيه الإضمار إلا أن يعوض من العامل.

و الثاني: أنه لو كان ينجزم بجازم مضمر لكان حرف المضارعة فيه الذي به يجب الإعراب، لأن المضمر كالظاهر.
ألا ترى أنك لو أردت إضمار لم وكان هذا مما يجوز من قولك: لم يضرب، فحذفت لم، لبقيت يضرب على لفظها ومعها لم.
فإن قال قائل: فلم بناه على مقدار المضارعة؛ نحو: اضرب، وانطلق فقد كسرت كما تقول: يضرب وينطلق. وكذلك اقتل كما تقول: يقتل؟ قيل: إنما لحقت هذه البنية؛ لأنه لما لم يقع، وكذلك صورة ما لم يقع. فهذا احتجاج مغن، وفيه ما هو أكثر من هذا.
هذا باب

تجريد إعراب الأفعال
اعلم أن هذه الأفعال المضارعة ترتفع بوقوعها مواقع الأسماء، مرفوعةً كانت الأسماء أو منصوبةً أو مخفوضةً. فوقوعها مواقع الأسماء هو الذي يرفعها. ولا تنتصب إذا كانت الأسماء في موضع نصب، ولا تنخفض على كل حال، وإن كانت الأسماء في موضع خفض.
فلها الرفع؛ لأن ما يعمل في الاسم لا يعمل في الفعل. فهي مرفوعة لما ذكرت لك حتى يدخل عليها ما ينصبها، أو يجزمها. وتلك عوامل لها خاصة ولا تدخل على الأسماء، كما لا تدخل عوامل الأسماء عليها. فكلٌّ على حياله.
فأما ما كان منها في موضع رفع فقولك: يقوم زيد. يقوم في موضع المبتدأ، وكذلك: زيد يقوم يقوم في موضع الخبر. وإن زيداً يقوم. يقوم في موضع خبر إن.
و ما كان منها في موضع المنصوب، فنحو: كان زيد يقوم يا فتى، وظننت زيداً يقوم.
و ما كان في موضع المجرور فنحو: مررت برجل يقوم، ومررت برجل يقوم أبوه.
فإذا أدخلت على هذه الأفعال السين أو سوف فقد منعتها بها من كل عامل. وسيأتيك هذا مبيناً في هذا الباب إن شاء الله.
هذا باب
الحروف التي تنصب الأفعال
فمن هذه الحروف أن، وهي والفعل بمنزلة مصدره، إلا أنه مصدر لا يقع في الحال. إنما يكون لما يقع إن وقعت على مضارع، ولما مضى إن وقعت على ماضٍ.
فأما وقوعها على المضارع؛ فنحو: يسرني أن تقوم. المعنى: يسرني قيامك؛ لأن القيام لم يقع. والماضي: يسرني أن قمت. فأن هي أمكن الحروف في نصب الأفعال. وكان الخليل يقول: لا ينتصب فعلٌ البتة إلا بأن مضمرةً أو مظهرةً. وليس القول كما قال لما نذكره إن شاء الله.
و من هذه الحروف لن وهي نفي قولك: سيفعل. تقول: لن يقوم زيد، ولن يذهب عبد الله.
و لا تتصل بالقسم كما لم يتصل به سيفعل.
و من هذه الحروف كي، تقول: جئت كي تكرمني، وكي يسرك زيد.
و منها إذن، تقول: إذن يضربك زيد. فهذه تعمل في الأفعال عمل عوامل الأسماء في الأسماء إذا قلت: ضربت زيداً، وأشتم عمراً.
و اعلم أن هاهنا حروفاً تنتصب بعدها الأفعال وليست الناصبة، وإنما أن بعدها مضمرةٌ. فالفعل منتصب بأن وهذه الحروف عوضٌ منها، ودالةٌ عليها.
فمن هذه الحروف الفاء، والواو، وأو، وحتى، واللام المكسورة.
فأما اللام فلها موضعان: أحدهما نفي، والآخر إيجاب. وذلك قوله: جئتك لأكرمك وقوله عز وجل: " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " . فهذا موضع الإيجاب.
و موضع النفي: ما كان زيد ليقوم. وكذلك قوله تبارك وتعالى: " ما كان الله ليذر المؤمنين " " و ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " .
ف أن بعد هذه اللام مضمرةٌ، وذلك لأن اللام من عوامل الأسماء، وعوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال. ف أن بعدها مضمرةٌ، فإذا أضمرت أن نصبت بها الفعل ودخلت عليها اللام؛ لأن أن والفعل اسمٌ واحدٌ، كما أنها والفعل مصدرٌ. فالمعنى: جئت لأن أكرمك، أي: جئت لإكرامك. كقولك: جئت لزيد.
فإن قلت: ما كنت لأضربك فمعناه: ما كنت لهذا الفعل.
و أما الفاء. وأو ففيهما معان تفسر على حيالها بعد فراغنا من هذا الباب إن شاء الله. وكذا حتى، وإذن.
و كان الخليل يقول: إن أن بعد إذن مضمرةٌ.
و كذلك لن وإنما هي لا أن ولكنك حذفت الألف من لا. والهمزة من أن وجعلتها حرفاً واحداً.
و ليس القول عندي كما قال؛ وذلك أنك تقول: زيداً لن أضرب؛ كما تقول: زيداً سأضرب. فلو كان هذا كما قال الخليل لفسد هذا الكلام؛ لأن زيداً كان ينتصب بما في صلة أن. ولكن لن حرف بمنزلة أن.
و أما كي ففيها قولان: أما من أدخل اللام فقال: لكي تقوم يا فتى فهي عنده والفعل مصدر؛ كما كان ذلك في أن.
و أما من لم يدخل عليها اللام فقال: كيمه كما تقول: لمه ف أن عنده بعدها مضمرة؛ لأنها من عوامل الأسماء كاللام.

هذا باب
إذن
اعلم أن إذن في عوامل الأفعال كظننت في عوامل الأسماء، لأنها تعمل وتلغى كظننت؛ ألا ترى أنك تقول: ظننت زيداً قائماً؛ وزيدٌ ظننت قائمٌ. إذا أردت زيدٌ قائم في ظني، وكذلك إذن إذا اعتمد الكلام عليها نصب بها. وإن كانت بين كلامين أحدهما في الآخر عاملٌ ألغيت ولا يجوز أن تعمل في هذا الموضع، كما تعمل ظننت إذا قلت: زيداً ظننت قائماً؛ لأن عوامل الأفعال لا يجوز فيها التقديم والتأخير؛ لأنها لا تصرف.
فأما الموضع الذي تكون فيه مبتدأة وذلك قولك إذا قال لك قائل: أنا أكرمك قلت: إذن أجزيك. وكذلك إن قال: انطلق زيد قلت: إذن ينطلق عمرو، ومثله قول الضبي:
اردد حمارك لا تنتزع سويته ... إذن يرد وقيد العير مكروب
و الموضع الذي لا تكون فيه عاملةً البتة قولك: إن تأتني إذن آتك؛ لأنها داخلة بين عامل ومعمول فيه.
و كذلك أنا إذن أكرمك.
و كذلك إن كانت في القسم بين المقسم به والمقسم عليه؛ نحو قولك: والله إذن لا أكرمك. لأن الكلام معتمدٌ على القسم. فإن قدمتها كان الكلام معتمداً عليها. فكان القسم لغواً؛ نحو: إذن والله أضربك؛ لأنك تريد: إذن أضربك والله.
فالذي تلغيه لا يكون مقدماً؛ إنما يكون في أضعاف الكلام؛ ألا ترى أنك لا تقول: ظننت زيد منطلق؛ لأنك إذا قدمت الظن فإنما تبني كلامك على الشك.
و إنما جاز أن تفصل بالقسم بين إذن وما عملت فيه من بين سائر حروف الأفعال لتصرفها، وأنها تستعمل وتلغى، وتدخل للابتداء، ولذلك شبهت بظننت من عوامل الأسماء.
و اعلم أنها إذا وقعت بعد واو أو فاءٍ، صلح الإعمال فيها والإلغاء، لما أذكره لك وذلك قولك: إن تأتني آتك وإذن أكرمك. إن شئت رفعت،و إن شئت نصبت. وإن شئت جزمت.
أما الجزم فعلى العطف على آتك وإلغاء إذن. والنصب على إعمال إذن. والرفع على قولك: وأنا أكرمك، ثم أدخلت إذن بين الابتداء والفعل فلم تعمل شيئاً.
و هذه الآية في مصحف ابن مسعود " و إذن لا يلبثوا خلفك " الفعل فيها منصوب بإذن والتقدير والله أعلم الاتصال بإذن، وإن رفع فعلى أن الثاني محمول على الأول كما قال الله عز وجل: " فإذا لا يؤتون الناس نقيراً " أي فهم إذن كذلك.
فالفاء والواو يصلح بعدهما هذا الإضمار على ما وصفت لك من التقدير، وأن تنقطع إذن بعدهما مما قبلهما. ثم يدخلان للعطف بعد أن عملت إذن. ونظير ذلك قولك: إن تعطني أشكرك وإذن أدعو الله لك. كأنه قال: إذن أدعو الله لك ثم عطف هذه الجملة على ما قبلها؛ لأن الذي قبلها كلامٌ مستغنٍ.
و قد يجوز أن تقول: إذن أكرمك إذا أخبرت أنك في حال إكرام، لأنها إذا كانت للحال خرجت من حروف النصب؛ لأن حروف النصب إنما معناهن ما لم يقع. فهذه حال إذن إلى أن نفرد باباً لمسائلها إن شاء الله.
هذا باب
الفاء وما ينتصب بعدها
وما يكون معطوفاً بها على ما قبله
اعلم أن الفاء عاطفةٌ في الفعل؛ كما تعطف في الأسماء. تقول: أنت تأتيني فتكرمني، وأنا أزورك فأحسن إليك؛ كما تقول: أنا آتيك ثم أكرمك، وأنا أزورك وأحسن إليك. هذا إذا كان الثاني داخلاً فيما يدخل فيه الأول. كما تكون الأسماء في قولك: رأيت زيداً فعمراً، وأتيت الكوفة فالبصرة. فإن خالف الأول الثاني لم يجز أن يحمل عليه فحمل الأول على معناه فانتصب الثاني بإضمار أن، وذلك قولك: ما تأتيني فتكرمني، وما أزورك فتحدثني.
إن أراد: ما أزورك، وما تحدثني كان الرفع لا غير؛ لأن الثاني معطوف على الأول.
و إن أراد: ما أزورك فكيف تحدثني؟ وما أزورك إلا لم تحدثني، على معنى: كلما زرتك لم تحدثني كان النصب؛ لأن الثاني على خلاف الأول. وتمثيل نصبه أن يكون المعنى: ما تكون مني زيارة فيكون حديثٌ منك. فلما ذهبت بالأول إلى الاسم أضمرت أن إذا كنت قد عطفت اسماً على اسم، لأن أن وما عملت فيه اسم، فالمعنى: لم تكن زيارة فإكرام، وكذلك كل ما كان غير واجب. وهو الأمر، والنهي، والاستفهام.
فالأمر: ائتني فأكرمك، وزرني فأعطيك، كما قال الشاعر:
يا ناق سيري عنقاً فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا
و النهي مثل لا تأتني فأكرمك، كقوله عز وجل: " لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب " وكقوله عز وجل: " و لا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي " .

و الاستفهام: أتأتيني فأعطيك؟ لأنه استفهم عن الإتيان، ولم يستفهم عن الإعطاء.
و إنما يكون إضمار أن إذا خالف الأول الثاني. أو قلت: لا تقم فتضرب زيداً لجزمت إذا أردت: لا تقم، ولا تضرب زيداً. فإذا أردت: لا تقم فتضرب زيداً، أي فإنك إن قمت ضربته لم يكن إلا النصب؛ لأنك لم ترد ب تضرب النهي. فصار المعنى: لا يكن منك قيام فيكون منك ضربٌ لزيد.
و ذلك أتأتيني فأكرمك؟ المعنى: أيكون هذا منك؟ فإنه متى كان منك كان مني إكرام.
هذا باب

مسائل هذا الباب
و ما يكون فيه معطوفاً أو مبتدأً مرفوعاً
وما لا يجوز فيه إلا النصب إلا أن يضطر شاعرتقول: ما تأتيني فتحدثني. فالنصب يشتمل على معنيين يجمعهما أن الثاني مخالف للأول.
فأحد المعنيين: ما تأتيني إلا لم تحدثني: أي قد يكون منك إتيان ولكن لست تحدثني.
و المعنى الثاني: لا يكون منك إتيان ولا حديث فاعتباره ما تأتيني محدثاً، وكلما أتيتني لم تحدثني.
و الوجه الآخر: ما تأتيني فكيف تحدثني، أي لو أتيتني لحدثتني.
و أما الرفع فعلى وجهين: أحدهما: ما تأتيني، وما تحدثني، والآخر شريك لأول داخل معه في النفي.
و الوجه الثاني أن تقول:ما تأتيني فتحدثني أي ما تأتيني وأنت تحدثني وتكرمني.
و كذلك ما تعطيني فأشكرك، أي: ما تعطيني وأنا أشكرك على حال. ومثل ذلك في الجزم ألم أعطك فتشكرني؟ جزم تشكرني بلم ودخلا معاً في الاستفهام. والرفع على قولك: فأنت تشكرني.
و لو قلت: ما أنت بصاحبي فأكرمك لكان النصب على قولك: فكيف أكرمك؟ ولم يجز الرفع على الشركة، لأن الأول اسم فلا يشرك الفعل معه. ولكن لو حملته على فأنا أكرمك على حال ثم تعطف جملة على جملة لجاز. وعلى هذا قوله:
فما أنت من قيس فتنبح دونها ... و لا من تميم في الرؤوس الأعاظم
و لو رفع على أنت تنبح على حال جاز.
و أما قول الله عز وجل: " لا يقضى عليهم فيموتوا " فهو على قولك: لا تأتيني، فأعطيك، أي لو تأتيني لأعطيتك. وهو الذي ذكرناه في أحد الوجهين من قولك: ما تأتيني فتحدثني إذا أردت: لو تأتيني لحدثتني.
و تقول: كأنك ل تأتنا فتحدثنا إذا أردت الوجه في قولك: محدثاً وهو الذي ذكرناه في ما تأتيني فتحدثني، أي: كلما أتيتني ل تحدثني، فهو ما تأتيني محدثاً. أي قد يكون منك إتيان ولا تحديث، كما قال:
كأنك لم تذبح لأهلك نعجة ... فيصبح ملقىً بالفناء إهابها
و أما قوله عز وجل: " فإنما يقول له كن فيكون " . النصب هاهنا محال؛ لأنه لم يجعل فيكون جواباً. هذا خلاف المعنى؛ لأنه ليس هاهنا شرط.إنما المعنى: فإنه يقول له: كن فيكون، وكن حكاية.
و أما قوله عز وجل: " أن نقول له كن فيكون " فالنصب والرفع.
فأما النصب فعلى أن تقول: فيكون يا فتى، والرفع على هو يقول فيكون.
و أما قول الشاعر:
و ما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... و يغضب منه صاحبي بقؤول
فإن الرفع الوجه؛ لأن يغضب في صلة الذي؛ لأن معناه الذي يغضب منه صاحبي.
وكان سيبويه يقدم النصب ويثنى بالرفع. وليس القول عند كما قال،لأن المعنى الذي يصح عليه الكلام إنما يكون بأن يقع يغضب في الصلة كما ذكرت لك.
ومن أجاز النصب فإنما يجعل يغضب معطوفاً على الشيء، وذلك جائز، ولكنه بعيد. وإنما جاز لأن الشيء منعوت، فكان تقديره: وما أنا للشيء الذي هذه حاله، ولأن يغضب صاحبي وهو كلامٌ محمول على معناه؛ لأنه ليس يقول الغضب إنما يقول ما يوجب الغضب. ومثل هذا يجوز.
تقول: إنما جاء به طعام زيد، والمعنى إنما جئت من أجله. وكذلك قولك: إنما شفاء زيد السيف، وإنما تحيته الشتم، أي هذا الذي قد أقامه مقام التحية ومقام الشفاء؛كما قال:
و خيل قد دلفت لها بخيل ... تحية بينهم ضربٌ وجيع
فهذا كلام مفهوم وتحقيق لفظه ما ذكرته لك.
و أما قول الله عز وجل: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرةً " فهذا هو الوجه؛ لأنه ليس بجواب؛ لأن المعنى في قوله: " ألم تر " إنما هو: انتبه وانظر. أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا.
و ليس كقولك: ألم تأت زيداً فيكرمك؛ لأن الإكرام يقع بالإتيان. وليس اخضرار الأرض واقعاً من أجل رؤيتك.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5