كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي
5 - باب الرجل يموت وعليه نذر
749 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس : أن ( 1 ) سعد ( 2 ) بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه قال : اقضه ( 3 ) عنها
قال محمد : ما كان من نذر أو صدقة أو حج قضاها عنها أجزأ ( 4 ) ذلك إن شاء الله تعالى : وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : أن سعد هكذا رواه مالك وتابعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما عن الزهري وقال سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن سعد أخرج جميع ذلك النسائي . وأخرجه أيضا من رواية الأوزاعي وابن عيينة عن الزهري على الوجهين وابن عباس لم يدرك القصة . فإن أم سعد عمرة بنت مسعود وقيل بنت سعد بن قيس الأنصارية الخزرجية من المبايعات ماتت والنبي صلى الله عليه و سلم غائب في غزوة دومة الجندل وكانت في الربيع الأولى سنة خمس وكان سعد بن عبادة عند ذلك معه وابن عباس كان حين ذلك مع أبويه بمكة فترجح رواية من زاد عن سعد ويحتمل أنه أخذه عن غيره كذا ذكره الحافظ ابن حجر في " فتح الباري "
( 2 ) أحد النقباء من الأنصار
( 3 ) قوله : قال اقضه أي استحبابا لا وجوبأ خلافا للظاهرية تعلقا بظاهر الأمر قائلين سواء كان بمال أو بدل وأصحابنا خصوه بالعبادات المالية دون البدنية المحضة لقول ابن عباس : ( لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد ) أخرجه النسائي في سنه الكبرى ونحوه عن ابن عمر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه . وفرقوا بين ما إذا أوصى المتوفى أيضا بالنذر فيجب على الورثة ذلك من ثلث ماله وإن لم يوص لا يجب عليه فإن أوفى تبرعا فالمرجو من سعة فضل الله أن يكون مقبولا )
( 4 ) قوله : أجزأ ذلك أي سقط عن ذمة الناذر ذلك إن شاء الله وهذا تعليق للإجزاء عند عدم الوصية ويؤيده ما في صحيح البخاري عن ابن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت قبل أن تحج فقال : لو كان عليها دين أكنت قاضيه ؟ قال : نعم قال : فاقض فدين الله أحق بالقضاء ( وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالي أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقا واستدل للجمهور بقصة أم سعد هذه وقول الزهري : إنها صارت سنة بعد ولكن يمكن أن يكون سعد قضاه من تركتها أو تبرع به . فتح الباري 11 / 585
6 - باب من حلف أو نذر في معصية
750 - أخبرنا مالك حدثنا طلحة ( 1 ) بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( 2 ) : من نذر أن يطيع اللع فليطعه ( 3 ) ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . من نذر نذرا في معصية ولم يسم ( 5 ) فليطع الله وليكفر ( 6 ) عن يمينه . وهو قول أبي حنيفة
_________
( 1 ) قوله : طلحة بن عبد الملك الأيلي - بفتح الهمزة - وثقه أبو داود والنسائي وجماعة كذا في " الإسعاف "
( 2 ) قوله : قال : من نذر قال الزرقاني : هذا الحديث رواه القعنبي ويحيى بن بكير وأبو مصعب وسائر رواة " الموطأ " عن مالك مسندا وأخرجه البخاري عن شيخه أبي عاصم الضحاك عن مخلد وأبي نعيم الفضل بن دكين والترمذي والنسائي عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به وتابعه عبيد الله عن طلحة عند الترمذي
( 3 ) قوله : فليطعه أي وجوبا فإن المباح يصير واجبا بالنذر لقوله تعالى : ( وليوفوا نذورهم ) ( سورة الحج : الآية 29 )
( 4 ) قوله : فلا يعصه كما إذا نذر ترك الكلام مع أبويه أو ترك الصلاة أو حلف في ذلك فإنه يجب عليه أن لا يأتي بالمعصية ( قال الموفق : نذر المعصية فلا يحل الوفاء به إجماعا ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من نذر أن يعصي الله فلا يعصيه " ولأن معصية الله لا تحل في حال ويجب على الناذر كفارة يمين روي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعمران بن حصين وسمرة بن حندب وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة عليه فإنه قال فيمن نذر ليهدمن دار غيره لبنة لبنة لا كفارة عليه وهذا في معناه وروي هذا عن مسروق والشعبي وهو مذهب مالك والشافعي ... إلخ . المغني 9 / 3 - 4 ) بل يخالف ما نذر به وما حلف عليه ويوافق ما أمره ربه
( 5 ) قوله : ولم يسم أي لم يعين تلك المعصية بل قال : علي معصية ربي ونحو ذلك وكأنه حمل قوله : " من نذر أن يعصيه فلا يعصيه " على نذر المعصية غير مسماة وليس بظاهر فإن الظاهر أن مراده صلى الله عليه و سلم الإطلاق سمى أو لم يسم
( 6 ) قوله : وليكفر عن يمينه هذا على تقرير أنه حلف ظاهر وأما إذا لم يحلف بل اكتفى على كلمة النذر فلأن كلمة النذر نذر بصيغة يمين بموجبه لأن النذر عبارة عن إيجاب المباح وهو مستلزم لتحريم الحلال وهو معنى اليمين فيلزم ما يلزمه في اليمين إذا حنث . وفي المسألة تفصيل واختلاف مبسوط في كتب الأصول
751 - أخبرنا مالك أخبرني ( 1 ) يحيى بن سعيد قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : أتت امرأة إلى ابن عباس فقالت : إني نذرت أن أنحر ( 2 ) ابني فقال : لا تنحري ابنك وكفري ( 3 ) عن يمينك ( 4 ) فقال شيخ عند ابن عباس جالس : كيف ( 5 ) يكون في هذا كفارة ؟ قال ابن عباس : أرأيت ( 6 ) أن الله تعالى قال ( 7 ) : ( والذين يظاهرون من نسائهم ) ثم جعل فيه من الكفارة ما قد رأيت ؟
قال محمد : وبقول ابن عباس ( 8 ) نأخذ . وهذا ( 9 ) مما وصفت لك أنه من حلف أو نذر نذرا في معصية فلا يعصين وليكفرن ( 10 ) عن يمين
_________
( 1 ) في نسخة : أخبرنا
( 2 ) أي أذبح
( 3 ) قوله : وكفري عن يمينك أي بكفارة اليمين وفي رواية عن ابن عباس : ينحر مائة من الإبل مقدار دية النفس وروي عنه أيضا : ينحر كبشا أخذا من فداء إسماعيل على نبينا وE وروي قوله الأول عن عثمان وابن عمر وروي الأخيران عن علي كذا ذكره ابن عبد البر
( 4 ) سمى النذر يمينا لكونه موجب موجبه
( 5 ) أي فإنه نذر معصية
( 6 ) أي أخبرني
( 7 ) قوله : قال : ( والذين يظاهرون ... ) ( سورة المجادلة : الآية 2 ) غرضه إثبات أن لا تنافي بين المعصية ووجوب الكفارة فإن الظهار أمر قبيح عرفا وشرعا وقد قال الله تعالى في حق المظاهرين : ( وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور ) ثم جعل فيه الكفارة في الآية التالية وهو تحرير رقبة : ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) ( سورة المجادلة : الآية 4 ) فكذلك نذر المعصية وإن كان ممنوعا شرعا يلزم فيه كفارة اليمين وبه ظهر الجواب عن كلام ابن عبد البر حيث قال : لا معنى للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار لأن الظهار ليس بنذر ونذر المعصية جاء فيه نص النبي صلى الله عليه و سلم . انتهى . وذلك لأن الظهار وإن لم يكن نذرا لكنه متشارك به في كونه معصية فإذا جاز وجوب الكفارة في الظهار جاز في النذر بالمعصية وهما متساويان في ورود النهي عنه صراحة أو إشارة
( 8 ) وأخرج صاحب الكتاب في كتاب " الآثار " في مثل هذا عن مسروق وابن عباس أنهما أمرا بذبح الكبش وقال : به نأخذ
( 9 ) أي هذا من فروع ما ذكرت لك من الحكم الكلي
( 10 ) قوله : وليكفرن عن يمينه وبه قال أحمد في رواية وفي رواية عنه : يلزمه في هذه الصورة ذبح الشاة . وقال مالك والشافعي : لا يلزمه شيء كذا في " رحمة الأمة "
752 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) ابن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر ( 2 ) عن يمينه وليفعل
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا ابن سهيل بن أبي صالح هكذا وجدنا في بعض النسخ وفي بعضها سهيل بن أبي بن أبي صالح وفي نسختين مصححتين : أخبرنا ابن أبي صالح وهو الصحيح الموافق لما في رواية يحيى بن مالك : عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ... إلخ . ولعل لفظ الابن على سهيل في نسخة الأولى من زيادات النساخ فإن هذه الرواية لسهيل بن أبي صالح لا لابنه ولا لسهيل بن أبي بن أبي صالح وهو سهيل - بضم السين مصغرا - ابن أبي صالح أبو زيد المدني ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث وقال الحاكم : أحد أركان الحديث قد أكثر مسلم الرواية عنه في الأصول والشواهد وروى عنه مالك وهو الحكم في شيوخ المدينة الناقد لهم وأرخ وفاته ابن قانع سنة 138 ، وأبوه أبو صالح اسمه ذكوان السمان الزيات المدني . قال أبو حاتم : ثقة صالح يحتج بحديثه وقال أبو داود : سألت ابن معين من كان الثبت في أبي هريرة ؟ فقال : ابن المسيب وأبو صالح وابن سيرين والأعرج مات سنة 101 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله : فليكفر عن يمينه أي بعد الحنث فإنه لو قدم الكفارة ثم حنث لا يجوز عندنا لأن سبب وجوب الكفارة هو الحنث لا إرادته ولا اليمين فإنه عقد للبر لا للحنث ولا يجوز تقديم الشيء على سببه وذهب الشافعي إلى إجزاء التكفير بالمال قبل الحنث وأما الصوم فلا يجزئ في ظاهر مذهبه وفي وجه يجوز تقديمه أيضا وبه قال مالك وأحمد كذا في " البناية " . وقال الزرقاني ( شرح الزرقاني 3 / 65 ) : ظاهر هذا الحديث إجزاء التكفير قبل الحنث ومنع ذلك أبو حنيفة وأصحابه والعجب أنهم لا تجب الزكاة عندهم إلا بتمام الحول وأجازوا تقديمها قبله من غير أن يرووا مثل هذه الآثار وأبوا من تقديم الكفارة قبل الحنث مع كثرة الرواية والحجة في السنة ومن خالفها محجوج بها قاله ابن عبد البر . وهذا كلام صدر عن الغفلة عن أصول الحنيفة فإن الحول عندهم إنما هو سبب لوجوب أداء الزكاة لا لوجوبه وسببه ملك النصاب وقالوا : لا يجوز تقديم الزكاة على ملك النصاب ويجوز بعد ملكه على الحول بخلاف الحنث فإنه سبب لوجوب الكفارة لا لوجوب أدائه حتى يجوز تقديمه وجعل اليمين سببا غير معقول وما ذكره من كون ظاهر الحديث المذكور جواز التقديم غير مقبول فإن الواو لمطلق الجمع لا للترتيب على الأصح . فمن أين يفهم التقديم . وفي المقام كلام طويل . ليس هذا موضعه ( راجع أوجز المسالك 9 / 69 - 70 )
7 - باب من حلف ( 1 ) بغير الله ( 2 )
753 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع ( 1 ) عمر بن الخطاب وهو يقول : ولا وأبي ( 2 ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله ينهاكم أن تحلفوا ( 3 ) بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله ثم ليبرر ( 4 ) أو ليصمت ( 5 )قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي لأحد أن يحلف بأبيه فمن كان حالفا فليحلف بالله ثم ليبرر أو ليصمت
_________
( 1 ) قوله : حلف كان ذلك من عادة أهل الجاهلية فنهي عنه في الإسلام حتى ورد : " من حلف بغير الله فقد أشرك أخرجه أحمد والترمذي والحاكم
( 2 ) بغير الله : من الكعبة والقرآن والنبي وغير ذلك
( 1 ) سمع : في رواية كان ذلك في سفر غزاة
( 2 ) حلف بالأب حسبما اعتادوه
( 3 ) التخصيص بذكر الآباء إما بحسب المورد أو بناء على أن الحلف به كان غالبا عندهم وإلا فالحكم عام
( 4 ) من بررت في يمينه إذا صدق فيه وفعل على حسبه
( 5 ) بضم الميم على الرواية المشهورة وحكي بالكسر : أي ليسكت
8 - باب الرجل يقول : ماله في رتاج الكعبة
754 - أخبرنا مالك أخبرني ( 1 ) أيوب بن موسى من ولد ( 2 ) سعيد بن العاص عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أبيه ( 3 ) عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت فيمن قال : مالي في رتاج ( 4 ) الكعبة يكفر ذلك بما يكفر اليمين
قال محمد : قد بلغنا هذا عن عائشة رضي الله عنها . وأحب إلينا أن يفي ( 5 ) بما جعل ( 6 ) على نفسه فيتصدق ( 7 ) بذلك ويمسك ما يقوته ( 8 ) فإذا ( 9 ) أفاد مالا تصدق بمثل ما كان أمسك . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرني مالك ... إلخ في " موطأ يحيى : وشرحه للزرقاني : ( مالك عن أيوب بن موسى ) بن عمرو بن سعيد بن العاصي المكي الأموي ثقة مات سنة 132 هـ ( عن منصور بن عبد الرحمن ) بن طلحة بن الحارث العبدري ( الحجبي ) بفتح الحاء والجيم نسبة إلى أبي حجابة الكعبة المكي ثقة أخطأ ابن حزم في تضعيفه ( عن أمه ) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية لها رؤية وحدثت عن عائشة وغيرها من الصحابة . انتهى . وقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص " : هذا الحديث أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح وصححه ابن السكن ورواه أبو داود نحوه عن عمر من قوله . انتهى
( 2 ) أي من أولاده
( 3 ) هكذا في كثير من النسخ لهذا الكتاب وتخالفه رواية يحيى ( في نسخة يحيى : منصور الحجبي : ولكن في النسخ المصرية منصور بن عبد الرحمن الحجبي كما في " موطأ محمد " : قال الحافظ : هو ابن صفية بنت شيبة ثقة من الخامسة أخطأ ابن حزم في تضعيفه . تقريب التهذيب 2 / 276 ) )
( 4 ) قوله : في رتاج الكعبة بكسر الراء بمعنى الباب يقال : جعل فلان ماله في رتاج الكعبة ( وفي " المحلى " : المراد في هذا الحديث نفس الكعبة لأنه أراد أن ماله هدي إلى الكعبة لا إلى بابها . انظر الأوجز 9 / 115 ) أي نذره لها هديا كذا في " المغرب " وغيره
( 5 ) من الوفاء
( 6 ) أي بما ألزمه على نفسه بالنذر
( 7 ) لأن جعله في رتاج الكعبة عبارة عن التصدق به في سبيل الله
( 8 ) أي قدر ما يكفيه لئلا يحتاج إلى المذلة والمسألة
( 9 ) أي حصل مالا آخر كافيا
9 - باب اللغو من الأيمان
755 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لغو اليمين : قول الإنسان : لا والله وبلى والله
قال محمد : وبهذا نأخذ . اللغو ( 1 ) ما حلف عليه الرجل وهو يرى أنه حق فاستبان ( 2 ) له بعد أنه على غير ذلك فهذا ( 3 ) من اللغو عندنا
_________
( 1 ) قوله : اللغو ... إلخ اختلفوا في تفسير اللغو المذكور في قوله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله بالغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) ( سورة البقرة : الآية 225 ) على أقوال : الأول : أنه أن تحلف على شيء وأنت غضبان أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس . الثاني : هو الحلف على المعصية مثل أن لا يصلي ولا يصنع الخير أخرجه وكيع وعبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير . الثالث : أن تحرم ما أحل الله لك أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس . الرابع : أن تحلف على الشيء ثم تنسى فلا يؤاخذ الله فيه ولكن يجب الكفارة إذا تذكر أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن النخعي . الخامس : وهو مختار أصحابنا أن اللغو هو أن تحلف على الشيء ظانا أنه صادق وهو في الواقع كاذب ( واختلفوا في لغو اليمين فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية هو أن يحلف بالله على أمر يظنه على ما حلف عليه ثم يتبين أنه بخلافه سواء قصده فسبق على لسانه إلا أن أبا حنيفة ومالكا قالا : يجوز أن يكون في الماضي وفي الحال وقال أحمد : هو في الماضي ثم اتفقوا ثلاثتهم على أنه لا إثم ولا كفارة وعن مالك : أن لغو اليمين أن يقول : لا والله وبلى والله على وجه المحاورة من غير قصد إلى عقدها . وقال الشافعي : لغو اليمين ما لم يعقده وإنما يتصور ذلك عنده في قوله : لا والله وبلى والله عند المحاورة والغضب واللجاج من غير قصد سواء كانت على ماض أو مستقبل وهو رواية عن أحمد . رحمة الأمة ص 301 ) فلا مؤاخذة فيه لا كفارة ولا إثما وهو المروي عن إبراهيم أخرجه عبد بن حميد عن ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن عائشة أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي وعن أبي هريرة أخرجه ابن جرير . السادس : هو كلام الرجل في بيته وفي المزاح والهزل : لا والله وبلى والله من غير قصد اليمين أخرجه وكيع والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس وأبو الشيخ عن ابن عمر وروى نحوه مرفوعا من حديث عائشة أخرجه ابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي والآثار مبسوطة في " الدر المنثور "
( 2 ) أي ظهر
( 3 ) قوله : فهذا من اللغو فلا يجب فيه كفارة ولا إثم وأما إذا حلف على ماض كاذبا عمدا ففيه الإثم دون الكفارة وفيه خلاف الشافعي وإذا حلف على مستقبل ولم يبر عمدا ففيه الكفارة والإثم وهو المسمى باليمين المنعقدة
كتاب ( 1 ) البيوع في التجارات والسلم ( 2 )
1 - باب بيع ( 3 ) العرايا_________
( 1 ) كتاب البيوع : في نسخة : أبواب
( 2 ) والسلم : بفتحتين : نوع من البيوع : بيع آجل بعاجل بشروط مذكورة في موضعها
( 3 ) قوله : بيع العرايا قد ورد في الأحاديث المنع عن بيع المزابنة - وهو بيع التمر على النخل بتمر مجذوذ مثل كيله خرصا - عند البخاري ومسلم من حديث جابر وأبي سعيد الخدري ومن حديث أنس وابن عباس عند البخاري ومن حديث أبي هريرة عند مسلم والترمذي ومن حديث ابن عمر عند الشيخين وحديث زيد عند الترمذي وحديث سعد عند أبي داود والنسائي وحديث رافع عند النسائي وإنما نهى عنه لأنه يتضمن الربا من جهة النسيئة ومن جهة عدم التساوي جزما والتخمين أمر غير قطعي ومن ثم نهى عن المحاقلة وهو بيع الحنطة في سنبلها بمثل كيلها خرصا من الحنطة . وورد من حديث زيد وأبي هريرة وسهل بن سعد الرخصة في بيع العرايا وفي بعض الروايات نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المزابنة ورخص في العرايا أن يباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا وقد اختلفوا في تفسيرها اختلافا فاحشا ومذهب الحنفية في ذلك أن المزابنة في جميع صورها منهي عنه والعرية المرخص فيها ليست من صور البيع حقيقة بل هو من صور الهبة والعطية وهو قريب من معناه اللغوي فإن العرية بمعنى العطية بفتح العين وكسر الراء المهملة وتشديد الياء المثناة التحتية ويجمع على عرايا وقال الشافعي يجوز ذلك في ما دون خمسة أوسق وبه قال أحمد وفي خمسة أوسق له قولان في قول يجوز وفي قول لا وهو قول أحمد واختلف عن مالك أيضا في خمسة أوسق وهذا الإختلاف بناء على وقوع الشك في رواية أبي هريرة وزيادة التفصيل في البناية وغيرها وقد عقد الطحاوي في شرح معاني الآثار لهذه المسألة بابا وحقق فيه قول الحنفية بما لا مزيد عليه لكن أكثر ما ذكره منظور فيه عند المصنف والحق مع الجماعة
756 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص ( 1 ) لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها ( 2 )
_________
( 1 ) رخص : أي أجاز له
( 2 ) بخرصها : بالفتح بمعنى التقدير والتخمين
757 - أخبرنا مالك أخبرنا داود بن الحصين أن أبا سفيان مولى ابن أبي أحمد أخبره عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق ( 1 ) أو في خمسة أوسق ( 2 ) . شك داود ( 3 ) لا يدري أقال خمسة أو فيما دون خمسة ؟
قال محمد : وبهذا نأخذ . وذكر ( 4 ) مالك بن أنس أن العرية إنما تكون أن الرجل يكون له النخل فيطعم ( 5 ) الرجل منها ثمرة نخلة أو نخلتين يلقطها ( 6 ) لعياله ثم يثقل ( 7 ) عليه دخوله حائطه فيسأله ( 8 ) أن يتجاوز له عنها على أن يعطيه بمكيلتها تمرا عند ( 9 ) صرام النخل فهذا ( 10 ) كله لا بأس به عندنا لأن التمر كله كان للأول ( 11 ) وهو يعطي منه ما شاء ( 12 ) فإن شاء سلم له ( 13 ) تمر النخل وإن شاء أعطاها بمكيلتها من التمر لأن هذا ( 14 ) لا يجعل بيعا ولو جعل ( 15 ) بيعا ما حل ( 16 ) تمر بتمر إلى أجل
_________
( 1 ) بالفتح فسكون فضم جمع وسق - بفتحتين - وهو مقدار ستين صاعا
( 2 ) قوله : وفي خمسة أوسق قال شارح المسند : اختلفوا في أن هذه الرخصة يقتصر على مورد النص وهو النخل أم يتعدى إلى غيرها على أقوال : أحدها : اختصاصها بالنخل وهو قول أهل الظاهر على قاعدتهم في ترك القياس . الثاني : تعديها إلى العنب بجامع ما اشتركا فيه من إمكان الخرص فإن ثمرتها متميزة مجموعة في عناقيدها بخلاف سائر الثمار فإنها متفرقة مستترة بالأوراق وبهذا قال الشافعي . الثالث : تعديها إلى كل ما ييبس ويدخر من الثمار وهذا هو المشهور عند المالكية وجعلوا ذلك علة في محل النص وأناطوا به الحكم . الرابع : تعديتها إلى كل ثمرة مدخر وغير مدخرة هذا قول محمد بن الحسين وهو قول للشافعي . ووقع في حديث أبي هريرة عند البخاري أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص في بيع العرايا فيما دون الخمسة أوسق أو خمسة أوسق فاعتبر من قال بجواز العرايا بمفهوم العدد ومنعوا ما زاد عليه واختلفوا في جواز الخمسة للشك المذكور والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها وعند الشافعية فيما دونها لا في خمسة وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر . فمأخذ المنع أن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ بما يتيقن ويلغى ما وقع فيه الشك والسبب فيه أن النهي عن بيع المزابنة هل وقع متقدما ثم وقعت الرخصة في العرايا أو النهي عن المزابنة وقع مقرونا مع الرخصة فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم ويرجح الأول بما عند البخاري : قال سالم : أخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص بعد ذلك لصاحب العرية قال ابن عبد البر : وقال آخرون لا يجوز إلا في أربعة أوسق لوروده في حديث جابر فيما أخرجه الشافعي وأحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول حين أذن لصاحب العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول : الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة . قال الحافظ : يتعين المصير إليه وأما حدا فلا يجوز تجاوزه فليس بالواضح . انتهى . وهذا كله عند غيرنا وأما عند أصحابنا الحنفية فذكر العدد في الحديث واقع اتفاقا وهو خلاف الظاهر
( 3 ) أي شيخ مالك : أي ذلك قال أبو سفيان ؟
( 4 ) قوله : وذكر مالك ... إلخ تفصيل المقام وتنقيحه على ما في " فتح الباري " وشرح " مسند الإمام " للحصكفي وغيره أنهم اختلفوا في تفسير العرية المرخص بها على أقوال : الأول : أن العرية عطية تمر النخل دون الرقبة وقد كانت العرب إذا دهمتهم سنة تطوع أهل النخل بمن لا نخل معه ويعطيهم من تمر النخلة فإذا وهب رجل ثمرة نخله ثم تأذى بدخوله عليه رخص للواهب أن يشتري رطبها من الموهوب له بتمر يابس بمثل كيله خرصا . هذا هو المشهور من مذهب مالك وشرطه عنده أن يكون البيع بعد بدو الصلاح وأن يكون بثمن مؤجل إلى الجذاذ لا حال لئلا يلزم الربا بالنسيئة وأن لا تكون هذه المعاملة إلا مع المعري المالك خاصة . قال ابن دقيق العيد : يشهد لهذا التفسير أمران : أحدهما : أن العرية مشهورة في ما بين أهل المدينة متداولة بينهم وقد نقل مالك هكذا الثاني : ما وقع في بعض طرق رواية زيد رخص لصاحب العرية فإنه يشعر باختصاصه بصفة تميزها عن غيره . القول الثاني : أن يكون لرجل نخلة أو نخلتان في حائط رجل له نخل كثير فيتأذى صاحب النخل الكثير من دخول صاحب القليل فيقول له : أنا أعطيك خرص نخلك تمرا فرخص لهما ذلك وهذا رواية عن مالك . والقول الثالث : أنها نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطعون أن ينتظروا بها فرخض لهم أن يبيعوها بما شاؤوا من التمر رواه أحمد من حديث زيد وهو وإن خالف فيما ذكره مالك من أن المراد بصاحب العرية واهبها لكنه محتمل فإن الموهوب له صار بالهبة صاحبا لها وعلى هذا لا يتقيد البيع بالواهب بل هو وغيره سواء وحكي عن الشافعي تقييد الموهوب له بالمسكين وهو اختيار المزني تلميذ الشافعي ومستنده ما ذكره الشافعي في " مختلف الحديث " عن محمود بن لبيد قال : قلت لزيد بن ثابت : ما عراياكم هذه ؟ قال : فلان وفلان وأصحابه شكووا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا فضة يشترون بها منه وعندهم فضل تمر فرخص لهم أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا . قال الشافعي : قوله : يأكلونها رطبا يدل على أن مشتري العرية يشتريه ليأكلها رطبا وأنه ليس له رطب يأكلها غيرها ولو كان المراد من صاحب العرية صاحب الحائط كما قال مالك لكان لصاحب الحائط في حائطه رطب غيره ولم يفتقر إلى بيع العرية قال ابن المنذر : هذا لا أعرف أحدا ذكره غير الشافعي وقال السبكي : لم يذكر الشافعي إسناده وكل من حكاه إنما حكاه عن الشافعي ولم يجد البيهقي له سندا قال : ولعل الشافعي أخذه من " سير الواقدي " وعلى تقدير صحته فليس قيد الفقير في كلام الشارع . واعتبرت الحنابلة هذا القيد منضما إلى ما اعتبره مالك فعندهم لا يجوز بيع العرية إلا لحاجة صاحب الحائط إلى البيع أو لحاجة المشتري إلى الرطب . والقول الرابع : ما قاله الشافعي أن العرايا أن يشتري الرجل ثمر النخلة أو أكثر بخرصه من التمر بأن يخرص الرطب ويقدر كم ينقص إذا يبس ثم يشتري بخرصه تمرا فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع . وللعرية صور منها : أن يقول رجل لصاحب الحائط : بعيني ثمر هذه النخلة أو نخلات معينة فيخرصها ويبيعه ويقبض منه الثمن ويسلم إليه النخلات فينتفع برطبها . ومنها : أن يهب صاحب الحائط فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا أو لا يحب أكلها رطبا فيبيع ذلك الرطب من الواهب أو غيره بخرصه بتمر يأخذه معجلا وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور . ومنع أبو حنيفة ومن تبعه صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة وهي أن يعري الرجل رجلا ثمر نخل من نخيله ولا يسلمه ثم يظهر له ارتجاع تلك الهبة فرخص له أن يحبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهب له من الرطب بخرصه تمرا . وحمله على ذلك أخذا لعموم النهي عن المزابنة وعن بيع الثمر بالتمر قال ابن نجيم في " البحر الرائق " : أصحابنا خرجوا عن الظاهر بثلاثة أوجه : الأول : إطلاق البيع على الهبة والثاني : قوله رخص خلاف ما قرروه لأن الرخصة إنما تكون بعد ممنوع والمنع إنما كان في البيع دون الهبة الثالث : التقيد بخمسة أوسق أو ما دونها لأنه على مذهبنا لا فائدة له فإن الهبة لا تتقيد وقيل : لأنهم لم يفرقوا في الرجوع بالهبة بين ذي رحم وغيره وبأنه لو كان الرجوع جائزا فليس إعطاؤه التمر بدل الرطب بل هو تجديد هبته لأن الهبة الأولى لم تكمل بعدم القبض . ومنهم من قال : إذا تعارض المحرم والمبيح قدم المحرم وهو مردود بأن الرخصة متصلة بالنهي وقد ثبت في البخاري : أنه نهى عن بيع المزابنة ثم رخص بعد ذلك في بيع العرايا فبطل القول بالنسخ
( 5 ) أي فيهب رجلا ثمرة واحدة فما فوقها
( 6 ) بضم القاف يأخذها الرجل الموهوب له لعياله
( 7 ) أي يشق على مالك النخل دخول الموهوب له الثمر في بستانه مرة بعد أخرى لصرم الثمر الموهوب
( 8 ) قوله : فيسأله أي فيسأل الواهب الموهوب له أن يتجاوز الموهوب له عن تلك الثمرة للواهب على أن يعطيه الواهب بقدر كيليها ثمرا عند الصرام - بالكسر - أي قطع ثمر النخل
( 9 ) قوله : عند متعلق بالإعطاء وهذا قيد احترازي فإنه لو أعطى من التمر مقدار كيلها في الحال لا يجوز
( 10 ) قوله : فهذا كله لا بأس به عندنا حمل كلام مالك على ما اختاره أبو حنيفة أن العرية ليست ببيع بل هو فروع الهبة ( مما لا شك فيه أن مذهب الحنفية في ذلك قريب من مذهب الإمام مالك لأن كونها موهوبة شرط عند مالك أيضا وكذا يشترط جواز بيعها بالوهب وحاصل الاختلاف أنها رجوع الواهب في هبته بالبدل عند الحنفية وشراء الواهب هبته عند المالكية وقال الشافعي وأحمد : خمسة أوسق مستثنى من نهي المزابنة فيجوز بيعها من الواهب وغيره مع اختلافهم في شروط الجواز . انظر لامع الداري 6 / 128 ) وليس كذلك فإن مذهب مالك في ذلك معروف من أنه قائل بالرخصة في بعض صور المزابنة وهو بيع العرية وهو بيع عنده حقيقة لا مجازا والدليل عليه تقييده بقوله عند صرام النخل فإن صورة العطية غير مقيدة عنده بهذا القيد ولا عند غيره
( 11 ) أي لصاحب النخلة
( 12 ) أي أي قدر شاء
( 13 ) أي للموهوب له
( 14 ) أي هذا العطاء ليس ببيع حقيقة بل مجازا
( 15 ) قوله لو جعل بيعا ... إلخ قد شيد الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( 1 / 213 - 215 ) أركانه فإنه بعد ما خرج طرقه من حديث زيد بن ثابت وابن عمر وجابر وسهل بن أبي حثمة وأبي هريرة النهي عن المزابنة والرخصة في بيع العرايا قال : فقد جاءت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وتواترت الرخصة في بيع العرايا وقبلها أهل العلم جميعا ولم يختلفوا في صحة مجيئها وتنازعوا في تأويلها فقال قوم : العرايا أن الرجل يكون له النخل والنخلتان في وسط النخل الكثير لرجل آخر . قالوا : وقد كان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم فيجيء صاحب النخلة والنخلتين بأهله فيضر ذلك بأهل النخل الكثير فرخص رسول الله صلى الله عليه و سلم لأهل النخل الكثير أن يعطي صاحب النخلة أو النخلتين خرص ماله من ذلك تمرا لينصرف هو وأصحابه ويخلص تمر الحائط كله لصاحب النخل الكثير وقد روي هذا القول عن مالك وكان أبو حنيفة في ما سمعت أحمد بن أبي عمران يذكر أنه سمعه عن محمد بن سماعة عن أبي يوسف عنه قال : معنى ذلك عندنا أن يعري الرجل ثمر نخلة من نخله فلا يسلم ذلك إليه حتى يبدو له فرخص له أن يحبس ذلك ويعطيه مكانه خرصه تمرا وكان هذا تأويل أشبه وأولى مما قال مالك لأن العرية إنما هي العطية . انتهى . وفيه ما لا يخفى فإن العرية وإن كان يستعمل بمعنى العطية إلا أنه ليس بمقتصر عليه فقد ذكروا أن العرية فعيلة بمعنى مفعولة أو بمعنى فاعلة فمن جعلها مفعولة قال هي من عري النخل إذا أفردها عن النخل ببيع ثمارها رطبا وقيل : من عراه يعروه إذا أتاه وتردد إليه لأن صاحبها يتردد إليها ومن جعلها فاعلة جعلها مشتقة من قولهم : عريت النخلة بفتح العين وكسر الراء فكأنها عريت عن حكم أخواتها على أنه لو سلم أن العرية معنى العطية ليس إلا فهو لا يستلزم أن يكون بيع العرايا عبارة عن العطية بل العرية بنفسها بمعنى العطية وبيعها غير الهبة كما مر في القول الأول من الأقوال المذكورة سابقا ثم قال الطحاوي : فإن قال قائل : ذكر في حديث زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الثمر بتمر ورخص في العرايا فصارت العرايا في هذا الحديث أيضا هي بيع ثمر بتمر قيل له : ليس في الحديث من ذلك شيء إنما فيه ذكر الرخصة في العرايا مع ذكر النهي عن بيع الثمر بالتمر وقد يقرن الشيء بالشيء وحكمهما مختلف . انتهى . وفيه أن هذا التقرير إن يمشي في خصوص هذه العبارة فماذا يقول فيما أخرجه عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الثمر حتى يطعم وقال : لا يباع منه شيء إلا بالدراهم والدنانير إلا العرايا فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص فيها وما أخرجه عن عمرو بن دينار الشيباني قال : بعت ما في رؤوس نخلي بمائة وسق إن زاد فلهم وإن نقص فعليهم فسألت ابن عمر عن ذلك ؟ فقال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الثمر بالتمر إلا أنه رخص في العرايا . وما أخرجه عن جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المزابنة إلا أنه أرخص في العرايا
وما أخرجه عن سهل : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الثمر بالتمر إلا أنه رخص في العرية أن يباع بخرصها من التمر يأكلها أهلها رطبا . فهذه العبارات وأمثالها صريحة في أن بيع العرايا داخل في المزابنة وبيع الثمر بالتمر وأن الرخصة فيه بعد النهي عن المزابنة مطلقا والتزام أن الاستثناء في هذه منقطع فمع عدم صحته في بعضها التزم أمر غير ملتزم ومفض إلى إخلال الكلم ثم قال الطحاوي : فإن قال قائل : قد ذكر التوقيف في حديث أبي هريرة على خمسة أوسق وفي ذكر ذلك ما ينفي أن يكون حكم ما هو أكثر من ذلك كحكمه قيل له : ما فيه ما ينفي شيئا وإنما يكون كذلك لو قال : لا يكون العرية إلا في خمسة أوسق إنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص في خمسة أوسق وفي ما دون خمسة أوسق فذلك يحتمل أن يكون رسول الله قد رخص فيه لقوم في عرية لهم هذا مقدارها فنقل أبو هريرة ذلك وأخبر بالرخصة فيما كانت . انتهى . وفيه أن مثل هذا الاحتمال المحض لا يسمع ما لم يدل عليه دليل وإلا لفسدت الأحكام واختل النظام ولا ريب في أن الظاهر الذي يجب المصير إليه إلا إذا خالفه دليل معارض له ما قاله القائل ثم قال : فإن قال قائل : ففي حديث ابن عمر وجابر : أنه رخص في العرايا فصار ذلك مستثنى من بيع الثمر بالتمر قيل له : قد يجوز أن يكون قصد بذلك إلى المعري فرخص له أن يأخذ تمرا بدلا من الثمر في رؤوس النخل لأنه يكون في معنى البائع وذلك له حلال فيكون الاستثناء لهذه العلة . انتهى . وفيه أن هذا عدول عن الحقيقة الظاهرة من غير حجة وأمثال هذه التأويلات قبولها كبناء بيت وهدم قصر ثم قال : فإن قال قائل : لو كان تأويل هذه الآثار ما ذهب إليه أبو حنيفة لما كان لذكر الرخصة معنى ؟ قيل له : قد اختلف فيه فقال عيسى بن أبان : معنى الرخصة في ذلك أن الأموال كلها لا يملك بها أبدا إلا من كان مالكها لا يبيع رجل ما لا يملك ببدل فالمعري لم يكن ملك العرية لأنه لم يكن قبضها والتمر الذي يأخذه بدلا منها قد جعل طيبا له فهذا هو الذي قصد بالرخصة إليه . انتهى . وفيه أن هذا تكلف تستبشعه الطبائع السليمة فإن ملك المعري للبدل على التقرير المذكور ليس على سبيل البيع لا حقيقة ولا حكما لا شرعا ولا عرفا بل ليس له ملكه لكون الهبة مشروطة بالقبض فلا يذهب وهم أحد إلى عدم جوازه فضلا عن أن يذكر لفظ الرخصة فيه . هذا ما ظهر في الوقت وفي المقام كلام لا يسعه المقام
( 16 ) لدخول الربا فيه من جهة النسيئة واحتمال عدم التساوي
2 - باب ما يكره من بيع الثمار قبل أن يبدو ( 1 ) صلاحها
758 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو ( 1 ) صلاحها . نهى البائع والمشتري_________
( 1 ) قبل أن يبدو صلاحها : أي يظهر صلاحها ( ذكر في " الأوجز " فيها سبعة أبحاث فارجع إليه 11 / 96 )
( 1 ) حتى يبدو صلاحها : بأن يصلح لتناول الناس وعلف الدواب
759 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الرجال ( 1 ) محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة : أن ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الثمار حتى ينجو من العاهة ( 3 )
قال محمد : لا ينبغي ( 4 ) أن يباع شيء من الثمار على أن يترك في النخل حتى يبلغ ( 5 ) إلا أن يحمر أو يصفر أو يبلغ بعضه فإذا كان كذلك ( 6 ) فلا بأس ببيعه على أن يترك حتى يبلغ ( 7 ) فإذا لم يحمر أو يصفر أو كان أخضر أو كان كفرى ( 8 ) فلا خير ( 9 ) في شرائه على أن يترك حتى يبلغ . ولا بأس بشرائه على أن يقطع و يباع ( 10 ) . وكذلك بلغنا عن الحسن البصري أنه قال : لا بأس ببيع الكفرى على أن يقطع فبهذا نأخذ
_________
( 1 ) لقب به لأنه كان له عشرة أولاد رجال وكنيته في الأصل أبو عبد الرحمن كذا قال الزرقاني
( 2 ) هذا مرسل وصله ابن عبد البر من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ذكره السيوطي في " التنوير "
( 3 ) أي الآفة
( 4 ) قوله : لا ينبغي أن يباع شيء ... إلخ لا خلاف للعلماء في جواز بيع الثمار بعد بدو الصلاح واختلفوا في تفسيره فعندنا هو أن يأمن العاهة والفساد وعند الشافعي ظهور الصلاح بظهور النضج ومبادئ الحلاوة وقيل : بدو الصلاح إذا اشتراها مطلقة يجوز عندنا وعند الشافعي ومالك وأحمد لا يجوز البيع بشرط القطع قبل بدو الصلاح يجوز فيما ينتفع به اتفاقا وبشرط الترك لا يجوز بالاتفاق . والبيع بعد بدو الصلاح على ثلاثة أوجه : أحدها : أن يبيعها قبل أن تصير منتفعا بها بأن لم يصلح لتناول بني آدم وعلف الدواب فقال شيخ الإسلام : لا يجوز وذكر القدوري والأسبيجابي يجوز . والثاني : ما إذا باعه بعد ما صار منتفعا به إلا أنه لم يتناه عظمها فالبيع جائز إذا باع مطلقا أو بشرط القطع وبشرط الترك فاسد لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع لأحد المتعاقدين . والثالث : ما إذا باعه بعد ما تناهى عظمه فالبيع جائز عند الكل إذا باعه مطلقا أو بشرط القطع وبشرط الترك لا يجوز في القياس وهو قولهما ويجوز في الاستحسان وهو قول محمد والشافعي ومالك وأحمد . واختلف أصحابنا في البيع قبل بدو الصلاح فعامة مشائخنا على أنه لا يجوز وهو قول شمس الأئمة السرخسي وجواهر زاده والجمهور وقال بعضهم : يجوز لكونه منتفعا به في الحال أو المال إلا أن يشترط تركه على الشجر . والتفصيل في " البناية " وغيره
( 5 ) أي إلى أن يدرك
( 6 ) أي أحد من الصور المذكورة
( 7 ) أي إلى كماله
( 8 ) بضم الكاف والفاء المفتوحة وبالراء المشددة المفتوحة : طلع النخل ( والكفرى : وعاء الطلع وقشره الأعلى وقيل : هو الطلع حين ينشق . المنتقى 4 / 222 )
( 9 ) قوله : فلا خير في شرائه أي لا يجوز شراؤه بهذا الشرط وهذا بالاتفاق . وإنما الخلاف في البيع قبل بدو الصلاح مطلقا من غير اشتراط قطع ولا تبقية فمقتضى الأحاديث المذكورة البطلان ( قال العيني : مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق عدم جواز بيع الثمار على الأشجار وبه قال مالك في رواية وأحمد في قول . لامع الدراري 6 / 132 ) وبه قال الشافعي وأحمد وجمهور العلماء وهو قول لمالك ووافق في قوله الثاني أبا حنيفة في جواز البيع قال في " شرح المسند " : استدل أبو حنيفة فيما ذهب إليه بما أخرجه مرفوعا : من باع نخلا مؤبرا فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع . فجعله للمشتري بالشرط فدل على جواز بيعه مطلقا وقال : لا يصلح لأصحاب الشافعي الاستدلال بأحاديث الباب فإنهم تركوا ظاهرها في إجازة البيع قبل بدو الصلاح بشرط القطع ولم يفهم ذلك من الحديث مع أن له معارضات أخر وحديث التأبير لا معارض له فتعين العمل به . ويقال في أحاديث النهي إنه للإرشاد على العزيمة بدليل ما في " صحيح البخاري " عن زيد قال : كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتاعون الثمار فإذا جد ( في الأصل أخذ وهو تحريف وسقطت كلمة ( عاهات ) بعد قشام فزدناها أخرجه البخاري في باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها 3 / 33 ) الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع : إنه أصاب الثمر الدمان ( ( الدمان ) : بفتح الدال وتخفيف الميم : عفن يصيب النخل فيسود ثمره وجاء في غريب الخطابي بالضم ) أصابه مراض ( ( مراض ) : داء في الثمرة فتهلك ) أصابه قشام ( ( قشام ) : هو أن ينتقص ثمر النخل قبل أن يصير بلحا ) عاهات يحتجون بها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما كثرت الخصومة عنده : لا تبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة
( 10 ) قوله : ويباع قال القاري : هذا قيد اتفاقي لكثرة وقوعه
760 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد ( 1 ) عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت : أنه كان لا يبيع ثماره حتى يطلع ( 2 ) الثريا يعني بيع ( 3 ) النخل
_________
( 1 ) عبد الله بن ذكوان
( 2 ) قوله : حتى يطلع الثريا بضم المثلثة وفتح الراء المهملة وتشديد الياء المثناة التحتية النجم المعروف لأنها تنجو من العاهة حينئذ وعند أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعا : إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل بلدة والنجم الثريا . وعند أحمد والطهاوي والبيهقي عن ابن عمر : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الثمار حتى يؤمن عليها العاهة قيل : متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : إذا طلعت الثريا ( انظر جامع الأصول 1 / 468 ) . قال الزرقاني : طلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف وذلك عند اشتداد الحر وابتداء نضج الثمار وهو المعتبر في الحقيقة وطلوع النجم علامة له
( 3 ) أي بيع ثماره
3 - باب الرجل يبيع بعض الثمر ( 1 ) ويستثني بعضه
761 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ( 1 ) : أن محمد بن عمرو بن حزم باع حائطا ( 2 ) له يقال له الأفراق ( 3 ) بأربعة آلاف درهم واستثنى منه بثماني ( 4 ) مائة درهم تمرا_________
( 1 ) في نسخة : التمر
( 1 ) قوله : عن أبيه هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري وقد مرت تراجم عمرو بن حزم وأبي بكر وابنه عبد الله وغيرهم في مواضع متفرقة . وصاحب القصة محمد بن عمرو بن حزم جد عبد لله قال ابن حبان في " الثقات " : كنيته أبو عبد الملك ولد سنة عشر في العهد النبوي ومات يوم الحرة سنة ثلاث وستين روى عنه ابنه أبو بكر وغيره
( 2 ) أي بستانا
( 3 ) بفتح الهمزة وسكون الفاء ( الأفراق : بفتح فسكون ورابعه ألف وهو بغير الألف في " شرح الزرقاني " وهو تحريف قال البكري : الأفراق : بفتح أوله وبالراء والقاف : على وزن أفعال : كأنه جمع فرق : وهو موضع بالمدينة : فيه حوائط نخل وذكر هذا الحديث عن مالك . معجم ما استعجم 1 / 176 )
( 4 ) أي بمقدارها تمر
762 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن : أنها كانت تبيع ثمارها وتستثني ( 1 ) منها
_________
( 1 ) أي بعضا معينا منها
763 - أخبرنا مالك أخبرنا ربيعة بن عبد الرحمن عن القاسم بن محمد : أنه كان يبيع ( 1 ) ويستثني منها
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس بأن يبيع الرجل ثمره ويستثني بعضه إذا استثنى شيئا ( 2 ) من جملته ربعا أو خمسا أو سدسا
_________
( 1 ) في نسخة : يبيع ثمارها
( 2 ) قوله : شيئا معينا من جملته بأحد من الكسور كالثلث ونحوه وأما إذا استثنى شيئا مجهولا فلا يجوز لجهالة المبيع بجهالة المستثنى وقد ورد نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الثنيا في البيع إلا أن تعلم أخرجه الترمذي وغيره . ويجور أيضا إذا استثنى نخلا معينة معدودة لأن الباقي معلوم مشاهدة فلا تفضي الجهالة إلى المنازعة . وأما إذا باع ثمارا واستثنى أرطالا معلومة فإن كانت مجذوذة جاز فإن الباقي يعرف بكيله على الفور وإن كانت على الشجر فعند الشافعي وأحمد لا يجوز خلافا لمالك ولأبي حنيفة في رواية الحسن عنه وعلى ظاهر الرواية عند الحنفية يجوز لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه انفرادا يصح استثناؤه بخلاف استثناء الحمل وأطراف الحيوان فإنه لا يجوز بيعه فكذا استثناؤه كذا في " الهداية " وشروحها
4 - باب ما يكره من بيع التمر بالرطب
764 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدا ( 2 ) أبا عياش مولى لبني زهرة ( 3 ) أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عمن اشترى البيضاء ( 4 ) بالسلت ( 5 ) ؟ فقال له سعد : أيهما أفضل ؟ قال : البيضاء قال : فنهاني عنه ( 6 ) وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عمن اشترى التمر بالرطب ؟ فقال ( 7 ) : أ ( 8 ) ينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا : نعم فنهى عنه ( 9 )
قال محمد : وبهذا ( 10 ) نأخذ . لا خير في أن يشتري الرجل قفيز ( 11 ) رطب بقفيز من تمر يدا بيد ( 12 ) لأن الرطب ينقص إذا جف فيصير أقل ( 13 ) من قفيز فلذلك فسد البيع فيه
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا عبد الله بن يزيد ... إلخ قد أخرجه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة والحاكم والدارقطني والبيهقي والبزار كلهم من حديث زيد بن عياش أنه سأل سعد بن أبي وقاص الحديث . وذكر الدارقطني في " العلل " أن إسماعيل بن أمية وداود بن الحسين والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد وافقوا مالكا على إسناده . وذكر - ابن المديني أن أباه حدثه عن مالك عن داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد عن زيد بن عياش أبي عياش وسماع أبي عن مالك قديم قال : فكأن مالكا كان علقه عن داود ثم لقي شيخه عبد الله بن يزيد فحدثه به فحدث به مرة عن داود ثم استقر رأيه على التحديث ورواه البيهقي من حديث ابن وهب عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا هو مرسل قوي كذا ذكره الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير "
( 2 ) قوله : أن زيدا قد أعل أبو حنيفة هذا الحديث من أجله وقال : مداره على زيد بن عياش وهو مجهول وكذا قال ابن حزم وتعقبوهما بأن الحديث صحيح وزيد ليس بمجهول قال الزرقاني : زيد كنيته أبو عياش واسم أبيه عياش المدني تابعي صدوق نقل عن مالك أنه مولى سعد بن أبي وقاص وقيل : إنه مولى بني مخزوم وفي " تهذيب التهذيب " لابن حجر العسقلاني : زيد بن عياش أبو عياش الزرقي ويقال : المخزومي روى عن سعد وعنه عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنيس ذكره ابن حبان في " الثقات " وصحح الترمذي وابن خزيمة وابن حبان حديثه المذكور وقال الدارقطني : ثقة وقال الحاكم في " المستدرك " : هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك وأنه محكم في كل ما يرويه إذ لم يوجد في روايته إلا الصحيح خصوصا في رواية أهل المدينة والشيخان لم يخرجاه لما خشيا من جهالة زيد . انتهى
وفي " فتح القدير شرح الهداية " : قال صاحب " التنقيح " : زيد بن عياش أبو عياش الزرقي المدني ليس به بأس ومشائخنا ذكروا عن أبي حنيفة بأنه مجهول ورد طعنه بأنه ثقة وروى عنه مالك في " الموطأ " وهو لا يروي عن مجهول وقال المنذري : كيف يكون مجهولا وقد روى عنه ثقتان عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنيس وهما مما احتج بهما مسلم في " صحيحه " وقد عرفه أئمة هذا الشأن وأخرج حديثه مالك مع شدة تحريه في الرجال وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : قال أبو حنيفة : إنه مجهول فإن كان هو لم يعرفه فقد عرفه أئمة النقل . انتهى . وفي " غاية البيان شرح الهداية " : نقلوا تضعيفه عن أبي حنيفة ولكن لم يصح ضعفه في كتب الحديث فمن ادعى فعليه البيان . انتهى . وفي " البناية " للعيني عند قول صاحب " الهداية " زيد بن عياش ضعيف عند النقلة : هذا ليس بصحيح بل هو ثقة عند النقلة . انتهى . وفي " التلخيص الحبير " : قد أعل هذا الحديث جماعة منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق بجهالة زيد والجواب أن الدارقطني قال : إنه ثقة ثبت وقال المنذري : روى عنه اثنان ثقتان وقد اعتمده مالك مع شدة تحريه وصححه الترمذي والحاكم وقال : لا علم أحدا طعن فيه . انتهى . وبالجملة فالجهالة عن زيد مرتفعة جهالة العين وجهالة الوصف كلاهما بتصريح النقاد ( وفي بذل المجهود 15 / 19 : والأصل أنه وقع الاختلاف في جرح زيد بن عياش وتعديله بين أبي حنيفة ومالك - رحمهما الله - فرواية مالك تقتضي تعديله ضمنا وتبعا وثبت الجرح عن أبي حنيفة صراحة فلا يقاوم تعديل مالك بجرح أبي حنيفة خصوصا لم يخالف الإمام في زمانه أحد فلا عبرة بمن بعده في ذلك والله أعلم )
( 3 ) بضم الزاء قبيلة : ينسب إليها الزهري
( 4 ) أي الشعير كما في رواية ووهم وكيع فقال : عن مالك الذرة ولم يقله غيره والعرب تطلق البيضاء على الشعير والسمراء على البر كذا قال ابن عبد البر
( 5 ) بضم السين وسكون اللام : ضرب من الشعير لا قشر له يكون في الحجاز قال الجوهري
( 6 ) أي عن بيع أحدهما بالآخر للتفاوت في المنفعة ( ونهي سعد عن التفاضل في السلت بالبيضاء يقتضي أنهما عنده جنس واحد ولذلك أخذ حكمهما من منع التفاضل في الرطب بالتمر وهذا مذهب مالك أن السلت والحنطة والشعير جنس واحد في الزكاة وفي منع التفاضل . المنتقى 4 / 243 . وأما عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد فهما صنفان انظر لامع الدراري 6 / 117 . وفي البذل 15 / 19 : أما بيع البيضاء بالسلت فما قال فيه سعد رضي الله عنه من النهي إن كان محمولا على البيع يدا بيد فهو على الورع والاحتياط لمشابهته بالحنطة أوقعت الشبهة فيه فنهاه احتياطا لكن الحكم فيه أنهما نوعان مختلفان فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا إذا كان يدا بيد وأما إذا حمل على النسيئة فذلك لا يجوز انظر الأوجز 11 / 137 )
( 7 ) أي لمن حوله من الصحابة كما في رواية
( 8 ) بهمزة الاستفهام
( 9 ) لعدم التماثل
( 10 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال أحمد والشافعي ومالك وغيرهم قالوا : لا يجوز بيع التمر بالرطب لا متفاضلا ولا متماثلا يدا بيد كان أو نسيئة وأما التمر بالتمر والرطب بالرطب فيجوز ذلك متماثلا لا متفاضلا يدا بيد لا نسيئة وفيه خلاف أبي حنيفة حيث جوز بيع التمر بالرطب متماثلا إذا كان يدا بيد لأن الرطب تمر وبيع التمر بالتمر جائز متماثلا من غير اعتبار الجودة والرداءة وقد حكي عنه أنه لما دخل بغداد سألوه عن هذا وكانوا أشداء عليه بمخالفته الخبر فقال : الرطب إما أن يكون تمرا أو لم يكن تمرا فإن كان تمرا جاز لقوله صلى الله عليه و سلم : التمر بالتمر مثلا بمثل وإن لم يكن تمرا جاز لحديث : إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم . فأوردوا عليه الحديث فقال : مداره على زيد بن عياش وهو مجهول أو قال : ممن لا يقبل حديثه واستحسن أهل الحديث هذا الطعن منه حتى قال ابن المبارك : كيف يقال إن أبا حنيفة لا يعرف الحديث وهو يقول : زيد ممن لا يقبل حديثه قال ابن الهمام في " الفتح " ( فتح القدير 6 / 168 - 169 ) : رد ترديده بأن ههنا قسما ثالثا وهو أنه من جنس التمر ولا يجوز بيعه بالآخر كالحنطة المقلية بغير المقلية لعدم تسوية الكيل بهما فكذا الرطب والتمر لا يسويهما الكيل وإنما يسوي في حال اعتدال البدلين وهو أن يجف الآخر وأبو حنيفة يمنعه ويعتبر التساوي حال العقد وعروض النقص بعد ذلك لا يمنع من المساواة في الحال إذا كان موجبه أمرا خلقيا وهو زيادة الرطوبة بخلاف المقلية بغيرها فإنه في الحال يحكم بعدم التساوي لاكتناز أحدهما وتخلخل الآخر . ورد طعنه في زيد بأنه ثقة كما مر وقد يجاب أيضا بأنه على تقدير صحة السند فالمراد النهي نسيئة فإنه ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة " نسيئة " أخرجه أبو داود عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعدا يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة وأخرجه الحاكم والطحاوي في " شرح معاني الآثار " ورواه الدارقطني وقال : اجتماع هؤلاء الأربعة أي مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك ابن عثمان وآخر على خلاف ما رواه يحيى بن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث وأنت تعلم أن بعد صحة هذه الرواية يجب قبولها لأن المذهب المختار عند المحدثين هو قبول الزيادة وإن لم يروها الأكثر إلا في زيادة تفرد بها بعض الحاضرين في المجلس فإن مثله مردود كما كتبناه في " تحرير الأصول " وما نحن فيه لم يثبت أنه زيادة في مجلس واحد لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة : أينقص الرطب إذا جف عريا عن الفائدة إذا كان النهي عنه للنسيئة . انتهى كلام ابن الهمام . وهذا غاية التوجيه في المقام مع ما فيه الإشارة إلى ما فيه وللطحاوي كلام في " شرح معاني الآثار " ( 2 / 199 وبسط شيخنا على هذا الحديث في الأوجز 11 / 37 فارجع إليه ) مبني على ترجيح رواية النسيئة وهو خلاف جمهور المحدثين وخلاف سياق الرواية أيضا ولعل الحق لا يتجاوز عن قولهما وقول الجمهور
( 11 ) القفيز مكيال يسع اثني عشر صاعا كذا في " المنتخب "
( 12 ) أي وإن كان قبضا بقبض وإن كان أحدهما نسيئة فظاهر عدم جوازه لحرمة النسأ في الأموال الربوية
( 13 ) أي فيدخل فيه الربا
5 - باب ما لم يقبض من الطعام وغيره
765 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن حكيم ( 1 ) بن حزم ابتاع ( 2 ) طعاما أمر به ( 3 ) عمر بن الخطاب للناس فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه ( 4 ) فسمع بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرد عليه ( 5 ) وقال : لا تبع طعاما ابتعته حتى تستوفيه
_________
( 1 ) قوله : أن حكيم بن حزام قال الزرقاني : بمهملة وزاء معجمة بن خويلد بن أسد ابن عبد العزى القرشي الأسدي ابن أخي خديجة أم المؤمنين أسلم يوم الفتح وصحب وله أربع وسبعون سنة وعاش إلى سنة أربع وخمسين أو بعدها
( 2 ) أي اشترى
( 3 ) أي بشرائه
( 4 ) أي يقبضه من البائع
( 5 ) أي بيعه
766 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من ابتاع ( 1 ) طعاما فلا يبعه ( 2 ) حتى يقبضه
قال محمد : وبهذا ( 3 ) نأخذ . وكذلك ( 4 ) كل شيء بيع من طعام أو غيره فلا ينبغي أن يبيعه الذي اشتراه حتى يقبضه وكذلك ( 5 ) قال عبد الله بن عباس قال ( 6 ) : أما الذي نهى عنه رسول الله فهو الطعام أن يباع حتى يقبض . وقال ابن عباس ( 7 ) : ولا أحسب كل شيء إلا مثل ذلك . فبقول ابن عباس نأخذ الأشياء كلها مثل الطعام لا ينبغي أن يبيع المشتري شيئا اشتراه حتى يقبضه وكذلك قول أبي حنيفة رحمه الله إلا أنه رخص في الدور ( 8 ) والعقار ( 9 ) والأرضين التي لا تحول أن تباع قبل أن تقبض أما نحن فلا نجيز ( 10 ) شيئا من ذلك حتى يقبض
_________
( 1 ) أي اشترى
( 2 ) بصيغة النهي وفي رواية : فلا يبيعه
( 3 ) قوله : وبهذا نأخذ اختلفوا في هذه المسألة فقال مالك : يجوز جميع التصرفات في غير الطعام قبل القبض لورود التخصيص في الأحاديث بالطعام وقال أحمد : إن كان المبيع مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه قبل القبض وفي غيره يجوز وقال زفر ومحمد والشافعي : لا يجوز بيع شيء قبل القبض طعاما كان أو غيره لإطلاق الأحاديث . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز بيع غير المنقول قبل القبض لأن النهي معلول بضرر انفساخ العقد لخوف الهلاك وهو في العقار وغيره نادر وفي المنقولات غير نادر كذا في " البناية "
( 4 ) أي لا يجوز بيعه قبل القبض
( 5 ) قوله : وكذلك قال عبد الله بن عباس إلخ قال السيد مرتضى في " عقود الجواهر المنيفة في أدلة الإمام أبي حنيفة " : أبو حنيفة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : نهينا عن بيع الطعام حتى يقبض قال ابن عباس وأحسب كل شيء مثل الطعام ( أي في عدم جواز بيعه قبل القبض وهذا من اجتهاده . بذل المجهود 15 / 171 ) لا يجوز بيعه حتى يقبض كذا أخرجه الحارثي من طريق إسماعيل بن يحيى عنه وأخرجه الأئمة الستة بلفظ : الذي نهى عنه رسول الله فهو الطعام أن يباع حتى يقبض قال : ولا أحسب كل شيء إلا مثله
( 6 ) أي صاحب الكتاب
( 7 ) أخرجه البخاري وغيره
( 8 ) بالضم جمع دار
( 9 ) بالفتح : كل ملك ثابت كالدار والنخل كذا في " المصباح "
( 10 ) لعموم الروايات
767 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال : كنا نبتاع ( 1 ) الطعام في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث ( 2 ) علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي نبتاعه فيه إلى مكان سواه قبل ( 3 ) أن نبيعه
قال محمد : إنما كان ( 4 ) يراد بهذا القبض ( 5 ) لئلا يبيع شيئا من ذلك حتى يقبضه فلا ينبغي أن يبيع شيئا اشتراه رجل حتى يقبضه
_________
( 1 ) أي نشتري
( 2 ) أي بعث إلينا رجلا يأمرنا بانتقال المشترى من المكان الذي اشتري فيه
( 3 ) متعلق بالانتقال
( 4 ) قوله : إنما كان يعني ليس المقصود من هذا عدم جواز البيع في مكان الشراء فإن الأمكنة كلها سواسية في ذلك بل المقصود منه تحصيل القبض التام حتى لو جوز البيع هناك تسارع الناس إلى البيع قبل القبض في ذلك المكان ( قال الباجي : معناه - والله أعلم - أنه اشتراه جزافا وقد ورد ذلك مفسرا وقال النووي : في الحديث جواز بيع الصبرة جزافا وهو مذهب الشافعي وأصحابه : بيع الصبرة من الحنطة والتمر وغيرهما صحيح وليس بحرام وهل هو مكروه ؟ فيه قولان للشافعي أصحهما : مكروه كراهة تنزيه والثاني ليس بمكروه ونقل عن مالك أنه لا يصح البيع إذا كان بائع الصبرة جزافا يعلم قدرها . انظر أوجز المسالك 15 / 200 )
( 5 ) أي بهذا الأمر بالانتقال
6 - باب الرجل يبيع المتاع أو غيره نسيئة ( 1 ) ثم يقول : انقدني ( 2 ) وأضع عنك
768 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد ( 1 ) عن بسر ( 2 ) بن سعيد عن أبي صالح ( 3 ) بن عبيد مولى السفاح أنه أخبره : أنه باع بزا ( 4 ) من أهل دار نخلة ( 5 ) إلى أجل ثم أرادوا الخروج إلى كوفة فسألوه ( 6 ) أن ينقدوه ويضع عنهم فسأل زيد بن ثابت فقال : لا آمرك أن تأكل ( 7 ) ذلك ولا توكله
قال محمد : وبهذا نأخذ . من وجب له دين على إنسان إلى أجل فسأل ( 8 ) أن يضع ( 9 ) عنه ويعجل له ( 10 ) ما بقي لم ينبغ ذلك لأنه يعجل قليلا بكثير دينا فكأنه ( 11 ) يبيع قليلا نقدا بكثير دينا . وهو قول ( 12 ) عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر ( 13 ) وهو قول أبي حنيفة ( 14 )
_________
( 1 ) كخطيئة وزنا : أي على التأخير والتأجيل
( 2 ) من النقد أي أعطني الثمن معجلا وأنقص منك شيئا مما وجب عليك
( 1 ) الزناد : بكسر الزاء
( 2 ) بضم الباء فسكون السين
( 3 ) قوله : عن أبي صالح بن عبيد بالضم مصغرا - مولى السفاح - بفتح السين المهملة وتشديد الفاء لقب لأول خلفاء بني العباس وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس . هكذا وجدنا العبارة في نسخة شرح عليها القاري وفي " موطأ يحيى " ( 2 / 672 ) : مالك عن أبي الزناد عن بسر بن سعيد عن عبيد بن أبي صالح مولى السفاح انتهى وفي " جامع الأصول " 1 / 571 أبو صالح عبيد بن أبي صالح مولى السفاح تابعي روى عن زيد بن ثابت وروى عنه بسر بن سعيد . انتهى . وفي " كتاب الثقات " لابن حبان : عبيد بن خزاعة عداده في أهل المدينة يروي عن زيد بن ثابت وروى عنه بسر بن سعيد
( 4 ) قوله : أنه باع بزا بفتح الباء وتشديد الزاء المعجمة عن ابن دريد هو المتاع من الثياب خاصة وعن الليث ضرب من الثياب وعن ابن الأنباري رجل حسن البز أي حسن الثياب وقال محمد في " السير الكبير " هو عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز كذا في " شرح القاري " عن " المغرب "
( 5 ) قال الزرقاني : محلة بالمدينة فيه البزازون
( 6 ) قوله : فسألوه أي طلب أهل دار نخلة من البائع وهو أبو صالح عبيد أن يعطوه الثمن نقدا ويحط هو بعض الثمن عنهم
( 7 ) قوله : أن تأكل ذلك أي الثمن الذي تأخذه عنهم معجلا ولا توكله لهم ما تحط عنه يعني لا يجوز لك هذا أن تضع بعض الثمن وتأخذ عوضه ما بقي معجلا فإنه يكون كمن اشترى مائة مؤجلة بخمسين معجلة فيدخل النسأ والتفاضل في الجنس الواحد ( كذا في المنتقى 6 / 65 )
( 8 ) أي المديون
( 9 ) أي يحط قدرا من دينه
( 10 ) أي للدائن
( 11 ) هذا إذا أراد المعاوضة والمقابلة وإن أراد كل واحد التبرع فلا بأس به
( 12 ) أي عدم جواز مثل هذا
( 13 ) أخرجه عنه مالك في " الموطأ "
( 14 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال الحكم بن عتيبة والشعبي ومالك وأجازه ابن عباس ورآه من المعروف وحكاه اللخمي عن ابن القاسم من المالكية وعن ابن المسيب والشافعي القولان واحتج المجيز بخبر ابن عباس : لما أمر رسول الله بإخراج بني النضير قالوا : لنا على الناس ديون لم تحل فقال : ضعوا وتعجلوا . وأجاب المانعون باحتمال أن هذا الحديث قبل نزول تحريم الربا كذا في " شرح الزرقاني " ( 3 / 321 ، والأوجز 11 / 327 )
7 - باب الرجل يشتري الشعير بالحنطة
769 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن سليمان بن يسار أخبره : أن عبد الرحمن ( 1 ) بن الأسود بن عبد يغوث فني ( 2 ) علف دابته فقال لغلامه : خذ من حنطة أهلك فاشتر به ( 3 ) شعيرا ولا تأخذ ( 4 ) إلا مثلا ( 5 ) بمثل
قال محمد : ولسنا نرى بأسا بأن يشتري ( 6 ) الرجل قفيزين من شعير بقفيز من حنطة يدا بيد . والحديث ( 7 ) المعروف في ذلك ( 8 ) عن عبادة بن الصامت أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الذهب ( 9 ) بالذهب مثلا بمثل . والفضة بالفضة مثلا بمثل والحنطة بالحنطة مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل
ولا بأس ( 10 ) بأن يأخذ الذهب بالفضة والفضة ( 11 ) أكثر ولا بأس بأن يأخذ الحنطة بالشعير والشعير أكثر يدا بيد في ذلك ( 12 ) أحاديث كثيرة معروفة . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أن عبد الرحمن بن الأسود هو ممن ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقال : إن له صحبة وكان أبوه من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه و سلم كذا قال ابن حبان في " كتاب الثقات " وذكر ابن الأثير الجزري في " أسد الغابة " عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري : كان ذا قدر كبير بين الناس وهو ابن خال النبي صلى الله عليه و سلم أدرك النبي صلى الله عليه و سلم ولا تصح له رؤية ولا صحبة روى عنه سليمان بن يسار ومروان وغيرهما
( 2 ) قوله : فني بفتح الفاء وكسر النون أي فقد وعدم علف دابته بفتحتين
( 3 ) أي بدل ذلك
( 4 ) قوله : ولا تأخذ إلخ هكذا أخرجه مالك عن سعد بن أبي وقاص وابن معيقيب أيضا ومبناه على أن البر والشعير جنس واحد وقال مالك : هو الأمر عندنا - أي بالمدينة - أن البر والشعير جنس واحد لتقارب المنفعة وبهذا قال أكثر الشاميين وقد يكون من خبز الشعير ما هو أطيب من خبز الحنطة وهذا خلاف الجمهور قال الزرقاني : لم يتفرد به مالك حتى يشنع عليه بعض أهل الظاهر - والله حسيبه - ويقول : القط أفقه من مالك فإنه إذا رميت له لقمتان : إحداهما شعير فإنه يذهب عنها ويقبل على لقمة البر ( شرح الزرقاني 3 / 293 ، والمنتقى 5 / 2 )
( 5 ) أي بلا زيادة ولا نقصان
( 6 ) بشرط التقابض في المجلس
( 7 ) قوله : والحديث المعروف هذا الحديث روي من طرق جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة بعضها مطولة وبعضها مختصرة على ما بسطه الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " والعيني في شرحها والسيوطي في " الدر المنثور " وغيرهم فأخرج الستة ومالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي من حديث عمر مرفوعا : الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء . وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي وعبد بن حميد من حديث أبي سعيد الخدري : الذهب بالذهب مثل بمثل يدا بيد والفضة بالفضة مثل بمثل يدا بيد والبر بالبر مثل بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد . وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والبيهقي عن أبي سعيد مرفوعا : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل . وحديث عبادة أخرجه الجماعة إلا البخاري وفي الباب عن أبي الدرداء أخرجه مالك والنسائي وبلال عند الطبراني والطحاوي وأبي هريرة عند مسلم ومعمر بن عبد الله عند مسلم وأبي بكر عند البزار وعثمان عند مسلم والطحاوي وهشام بن عامر عند الطبراني والبراء وزيد بن أرقم عند البخاري ومسلم وفضالة بن عبيد عند الطحاوي وأبي داود وابن عمر عند الطحاوي والحاكم وأبي بكرة عند البخاري ومسلم وأنس عند الدارقطني
( 8 ) أي فيما يؤخذ به ذلك الحكم
( 9 ) قوله : الذهب بالذهب بالرفع على أن المعنى بيع الذهب بالذهب أو بالنصب أي بيعوا الذهب . وقد ورد في كثير من الرويات في هذا الحديث ذكر الأشياء الستة الذهب والفضة والملح والتمر والبر والشعير وهذا الحديث أصل في باب الربا وقد أغرب الظاهرية حيث لم يحرموا الربا إلا في هذه الأشياء الستة دون غيرها وغيرهم من العلماء متفقون على أن الحكم معلول ومتعد إلى غيرها حسب تعدي العلة واختلفوا في العلة فعند مالك هي الادخار والاقتيات والطعم وعند الشافعي الطعم والثمنية وعندنا القدر والجنس فعندنا إذا اتحد القدر - أي الكيل والوزن - والجنس حرم التفاضل والنسأ وإذا اختلف الجنس حل التفاضل وحرم النسأ . وقد عرف تفصيل ذلك في كتب الفقه
( 10 ) من ههنا كلام صاحب الكتاب
( 11 ) الواو حالية
( 12 ) قوله : في ذلك أي في جواز التفاضل عند اختلاف الجنس أخبار كثير ففي حديث عبادة عند الأربعة ومسلم في آخره : إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد . وفي رواية الترمذي في آخر حديثه : بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون أن يباع البر بالبر إلا مثلا بمثل والشعير بالشعير إلا مثلا بمثل فإذا اختلف الأصناف فلا بأس أن يباع متفاضلا إذا كان يدا بيد وهذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وقال الشافعي : الحجة في ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم : بيعوا الشعير بالبر كيف شئتم يدا بيد وقد كره قوم من اهل العلم أن يباع الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل وهو قول مالك بن أنس والقول الأول أصح ( في المغني 4 / 27 ، البر والشعير جنسان هذا هو المذهب وبه يقول الشافعي وإسحاق وأهل الرأي وغيرهم وعن أحمد أنهما جنس واحد وحكي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وحماد ومالك وغيرهم قال النووي : قال مالك والأوزعي ومعظم علماء المدينة والشام : إنهما صنف واحد قال ابن رشد : أما حجة مالك فإنه عمل سلفه بالمدينة وقال الموفق : ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : " بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد " وهذا صريح صحيح لا يجوز تركه بغير معارض مثله . انتهى . انظر لامع الداري 6 / 117 ) . انتهى
8 - باب الرجل يبيع الطعام نسيئة ثم يشتري بذلك ( 1 ) الثمن شيئا آخر
770 - أخبرنا مالك حدثنا أبو الزناد ( 1 ) أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار : كانا يكرهان أن يبيع الرجل طعاما إلى أجل بذهب ثم يشتري بذلك الذهب تمرا قبل أن يقبضهاقال محمد : ونحن لا نرى بأسا ( 2 ) أن يشتري بها تمرا قبل أن بقبضها إذا كان التمر بعينه ولم يكن دينا ( 3 ) . وقد ذكر هذا القول ( 4 ) لسعيد بن جبير فلم يره شيئا ( 5 ) وقال : لا بأس به . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) يشتري : أي قبل أن يقبضه
( 1 ) عبد الله بن ذكوان
( 2 ) قوله : ونحن لا نرى بأسا أي يجوز عندنا ذلك لأن المنهي عنه إنما هو بيع ما لم يقبض لا الشراء بما لم يقبض ولا الشراء بالدين وقد ذكر مالك الكراهة ( قال شيخنا في الأوجز 11 / 210 : ظاهر كلام الإمام مالك - رضي الله عنه - أنه نهى عن ذلك وكرهه لأنه أدخله في بيع الذريعة ولذا أباح إذا شرى البائع التمر من غير المشتري . وتقدم سابقا أن بيوع الذريعة محرمة عند مالك وأحمد خلافا للحنفية والشافعية ) أيضا عن ابن شهاب وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مثل قول ابن المسيب وابن يسار . وقال : إنما نهوا عن أن لا يبيع الرجل حنطة بذهب ثم يشتري بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب من بائعه الذي اشترى منه الحنطة فأما أن يشتري بالذهب التي باع بها إلى أجل من غير بائعه ويحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة فلا بأس به وقد سألت عن ذلك غير واحد من أهل العلم فلم يروا بأسا . انتهى . ولعل كراهتهم كانت للتهمة لا لأمر شرعي
( 3 ) فإنه إن كان دينا لا يجوز لأنه بيع الكالئ بالكالئ وقد نهى عنه
( 4 ) أي قول ابن المسيب وغيره
( 5 ) أي شيئا مقبولا
9 - باب ما يكره من النجش ( 1 ) وتلقي ( 2 ) السلع ( 3 )
771 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن تلقي السلع حتى تهبط ( 1 ) الأسواق ونهى ( 2 ) عن النجشقال محمد : وبهذا نأخذ . كل ذلك مكروه فأما النجش ( 3 ) فالرجل يحضر فيزيد ( 4 ) في الثمن ( 5 ) ويعطي ( 6 ) فيه ما لا يريد أن يشتري به ليسمع بذلك غيره فيشتري ( 7 ) على سومه فهذا لا ينبغي . وأما تلقي السلع فكل أرض كان ذلك ( 8 ) يضر ( 9 ) بأهلها فليس ينبغي ( 10 ) أن يفعل ذلك بها فإذا كثرت الأشياء بها ( 11 ) حتى صار ذلك لا يضر بأهلها فلا بأس بذلك ( 12 ) إن شاء الله تعالى ( 13 )
_________
( 1 ) قوله : من النجش بفتحتين و يروي بسكون الجيم وقيل : بالتحريك اسم وبالسكون مصدر قاله العيني وقال أيضا : هو مكروه بإجماع الأربعة
( 2 ) أي استقبال التجار قبل أن يدخلوا البلد
( 3 ) بالكسر فالفتح : جمع سلعة وهي المتاع
( 1 ) قوله : حتى تهبط الأسواق أي تنزل في الأسواق وتدخل في البلاد وورد في رواية عن ابن مسعود أنه عليه السلام نهى عن ( في الأصل : " أن " وهو خطأ ) تلقي ( قال الخطابي : وقد كره التلقي جماعة من العلماء منهم مالك والأوزعي والشافعي واحمد وإسحاق ولا أعلم أحدا منهم أفسد البيع غير أن الشافعي - رضي الله عنه - أثبت الخيار للبائع قولا بظاهر الحديث وأحسبه مذهب أحمد ولم يكره أبو حنيفة التلقي ولا جعل لصاحب السلعة الخيار إذا قدم السوق وكان أبو سعيد الإصطخري يقول : إنما يكون له الخيار إذا كان المتلقي قد ابتاعه بأقل من الثمن فإذا ابتاعه بثمن مثله فلا خيار له . بذل المجهود 15 / 104 . وفي هذا عدة أبحاث بسطها في الأوجز 11 / 368 ) الجلب أخرجه الترمذي وغيره
( 2 ) إنما نهي عنه وكذا عن التلقي لكونه متضمنا للغرر
( 3 ) قوله : فأما النجش فالرجل إلخ قال ابن بطال : أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله . ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد البيع في صورة النجش وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك والمشهور عند الحنابلة كذلك إذا كان ذلك بمواطأة البيع أو صنعه والأصح عند الحنفية والشافعية صحة البيع مع الإثم والنجش لا يتم إلا بأمور : منها أن لا يريد الناجش شراءه ومنها أن يزيد في الثمن ليقتدي به السوام أكثر مما يعطون لو لم يسمعوا سومه وأما مواطأة البيع وجعله الجعل على الناجش على ذلك فليس بشرط إلا أنه يزيد في المعصية وقيد ابن العربي وابن عبد البر وابن حزم التحريم ( قال القسطلاني في ( باب النجش ) : لا يجوز ذلك البيع الذي وقع بالنجش وهو مشهور مذهب الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعه والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار . والأصح عند الشافعية وهو قول الحنفية صحة البيع مع الإثم . لامع الدراري 6 / 54 ) في النجش بأن يكون الزيادة فوق ثمن المثل فلو أن رجلا رأى سلعة تباع بدون قيمتها فزاد لينتهي إلى قيمتها لم يكن ناجشا بل يؤجر على ذلك ووافقه على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وهو المفهوم من كلام صاحب " النهاية حاشية الهداية " حيث قال : أما إذا كان الراغب يطلب السلعة من صاحبها بدون قيمتها فزاد رجل في الثمن إلى أن يبلغ فيمتها فلا بأس به وإن لم يكن له رغبة في ذلك كذا في " شرح مسند الإمام الأعظم
( 4 ) عند المبايعة
( 5 ) أي ثمن المبيع
( 6 ) أي يظهر عطاؤه أكثر وكذا إذا مدح السلعة فوق الحد ليغتر المشتري
( 7 ) أي فيشتري الغير على ما قاله الناجش به فيغتر به
( 8 ) أي التلقي
( 9 ) بأن كان فيه قحط وغلاء
( 10 ) لإفضائه إلى الضرر
( 11 ) أي بتلك الأرض
( 12 ) أي بالتلقي
( 13 ) قوله : إن شاء الله قيد الحكم به لعدم وجود ما يدل على ذلك نصا وإنما حكم به لأن النهي بالتلقي معلول بإجماع القائسين بالإضرار والغرر وهو مفقود في صورة عدم الضرر وظاهر أحاديث النهي عن التلقي الإطلاق وبه أخذ الشافعي وغيره سواء ضر به أهل البلد أم لا ( في الهداية : ونهى عن تلقي الجالب وهذا إذا كان يضر بأهل البلد فإن كان لا يضر فلا بأس به إلا إذا لبس السعر . بذل المجهود 15 / 104 ، وفي هامشه : أن المنع منه لحق أهل البلد وبه قال مالك وقال الشافعي لحق الجالب كذا في العارضة ) وتعلق قوم بظاهرها فقالوا ببطلان البيع بالتلقي . وللطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( 2 / 200 ) في هذه المسألة كلام نفيس فإنه أخرج أولا من حديث ابن عباس : لا تستقبلوا السوق ولا يتلق بعضكم بعضا . ومن حديث ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتلقى السلع حتى يدخل الأسواق ومن حديث أبي سعيد لا تلقوا شيئا حتى يقوم بسوقكم ومن حديث أبي هريرة : لا تلقوا الركبان وقال : احتج قوم بهذه الآثار فقالوا : من تلقى شيئا قبل دخوله السوق واشتراه فشراؤه باطل وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا : كل مدينة لا يضر التلقي بأهلها فلا بأس به فيها ثم أخرج من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : كنا نتلقى الركبان فنشتري منه الطعام جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نبيعه حتى نحوله من مكانه . وبسند آخر عنه : كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه . وقال : ففي هذه الآثار إباحة التلقي وفي الأول النهي فأولى بنا أن نجعل ذلك على غير التضاد فيكون ما نهى عنه من التلقي لما في ذلك من الضرر على غير المتلقين من المقيمين في الأسواق ويكون ما أبيح من التلقي هو الذي لا ضرر فيه على المقيمين . ثم أخرج لإبطال قول من قال بالبطلان من حديث أبي هريرة مرفوعا : لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه شيئا فهو بالخيار إذا أتى السوق فعلم منه أن البيع مع التلقي صحيح مع الإثم فإنه إن كان باطلا لم يكن للخيار فيه معنى
10 - باب الرجل يسلم ( 1 ) فيما يكال ( 2 )
772 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا بأس بأن يبتاع ( 1 ) الرجل طعاما إلى أجل معلوم بسعر ( 2 ) معلوم إن كان ( 3 ) لصاحبه ( 4 ) طعام أو لم يكن ما لم يكن ( 5 ) في زرع لم يبد ( 6 ) صلاحها أو في تمر لم يبد صلاحها فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الثمار وعن شرائها حتى يبدو صلاحهاقال محمد : هذا عندنا لا بأس به . وهو السلم ( 7 ) يسلم الرجل في طعام إلى أجل معلوم بكيل ( 8 ) معلوم من صنف ( 9 ) معلوم ولا خير ( 10 ) في أن يشترط ذلك من زرع معلوم أو من نخل معلوم . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : يسلم من الإسلام يقال : أسلم في كذا إذا قدم ثمنه وأجل ذلك الشيء فالثمن المعجل يسمى رأس المال والمبيع المؤجل المسلم فيه ومعطي الثمن رب السلم وصاحب المبيع المسلم إليه والقياس يأبى عن جواز هذا العقد لأنه داخل تحت بيع ما ليس عنده إلا أنه جوز لورود الشرع بذلك فورد مرفوعا : من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم أخرجه الستة . وفي الباب أحاديث كثيرة وآية المداينة في سورة البقرة دالة على جوازه كما نقل عن ابن عباس . وله شروط مذكورة في كتب الفروع وجمعوها في قولهم : إعلام رأس المال ببيان جنسه وقدره وصفته وتعجيله قبل الافتراق وإعلام المسلم فيه ببيان الجنس والنوع والقدر والوصف وتأجيله بأجل معلوم والقدرة على تحصيله
( 2 ) مجهول من الكيل
( 1 ) يبتاع : أي يشترى
( 2 ) بالكسر : أي مقدار معلوم
( 3 ) أي سواء كان عنده ذلك الطعام المسلم فيه أو لم يكن بشرط أن يكون التحصيل ممكنا
( 4 ) وهو البائع
( 5 ) قوله : ما لم يكن في زرع إلخ يؤيده ما في رواية أبي داود عن ابن عمر : لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحها ( فيه إشارة إلى أن يكون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى وقت حلول الأجل . بذل المجهود 15 / 146 ) . وما عند الطبراني من حديث أبي هريرة : لا تسلفوا في ثمر حتى يأمن صاحبها عليها العاهة . وبه أخذ أصحابنا حيث شرطوا في جواز السلم كون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى محل الأجل وفيما بينهما خلافا للشافعي فيما إذا كان موجودا عند حلول الأجل فقط وذلك لأن القدرة على التسليم بالتحصيل فلا بد من الاستمرار ولذا قالوا : لو أسلم في حنطة جديدة تخرج من زرعه فسد وفي مطلقة صح . وتفصيله في كتب الفقه
( 6 ) أي لم يظهر
( 7 ) أي هذا العقد هو المسمى بالسلم وبالسلف أيضا
( 8 ) قوله : بكيل معلوم هذا في المكيلات وفي الموزونات بوزن معلوم وفي المذروعات بذراع معلوم وفي المعدودات المتقاربة بعدد معلوم فإن السلم جائز في كل منها ولا يجوز فيما يتفاوت تفاوتا فاحشا وفيما لا يمكن تعيينه بالبيان
( 9 ) أي نوعا ووصفا
( 10 ) لاحتمال الفساد بالعاهة
11 - باب بيع ( 1 ) البراءة
773 - أخبرنا مالك حدثنا يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله بن عمر : أنه باع ( 1 ) غلاما له بثمان مائة درهم بالبراءة . وقال الذي ( 2 ) ابتاع ( 3 ) العبد لعبد الله بن عمر : بالعبد داء ( 4 ) لم تسمه لي فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل : باعني ( 5 ) عبدا وبه داء فقال ابن عمر : بعته بالبراءة ( 6 ) فقضى ( 7 ) عثمان على ابن عمر أن يحلف بالله : لقد باعه وما ( 8 ) به داء يعلمه فأبى ( 9 ) عبد الله بن عمر أن يحلف فارتجع الغلام ( 10 ) فصح ( 11 ) عنده العبد فباعه عبد الله بن عمر بعد ذلك بألف وخمس مائة درهمقال محمد : بلغنا ( 12 ) عن زيد بن ثابت أنه قال : من باع غلاما بالبراءة فهو بري من كل عيب وكذلك باع عبد الله بن عمر بالبراءة ورآها ( 13 ) براءة جائزة . فبقول زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر نأخذ ( 14 ) من باع غلاما أو شيئا وتبرأ ( 15 ) من كل عيب ورضي بذلك المشتري وقبضه على ذلك فهو بريء من كل عيب ( 16 ) علمه أو لم يعلمه لأن المشتري قد برأه ( 17 ) من ذلك . فأما أهل المدينة ( 18 ) قالوا : يبرأ البائع من كل عيب لم يعلمه فأما ما علمه وكتمه ( 19 ) فإنه لا يبرأ منه وقالوا ( 20 ) : إذا باعه بيع المبرأت ( 21 ) برئ من كل عيب علمه أو لم يعلمه ( 22 ) إذا قال : بعتك ( 23 ) بيع المبرات فالذي يقول أتبرأ من كل عيب وبين ذلك ( 24 ) أحرى ( 25 ) أن يبرأ لما اشترط من ( 26 ) هذا وهو قول أبي حنيفة وقولنا والعامة
_________
( 1 ) قوله : بيع البراءة أي البيع بشرط البراءة من كل عيب من جانب البائع
( 1 ) قوله : أنه باع هكذا في نسخة عليها شرح القاري وظاهره ان البائع هو سالم بن عبد الله بن عمر وألفاظ الرواية تأبى عنه فالصحيح ما في " موطأ يحيى " مالك عن يحيى عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر باع غلاما له ( شرح الزرقاني 3 / 255 ) الحديث
( 2 ) أراد بذلك الرد على ابن عمر بخيار العيب
( 3 ) أي اشتراه
( 4 ) أي مرض لم تذكره لي عند البيع ولم تشترط البراءة منه
( 5 ) أي ابن عمر
( 6 ) أي بشرط البراءة عن كل عيب
( 7 ) أي حكم
( 8 ) نافية والواو حالية
( 9 ) أي امتنع من الحلف ( قال الباجي : لم يكن إباؤه عن اليمين لأنه رضي الله عنه كان دلس بعيبه وعلمه وفهمه يقتضي معرفته بأن لا أثم في يمين بارة ولكنه لا يخلو من أحد أمرين إما أنه اعتقد أن البيع بالبراءة يبرئه مما علم وما لم يعلم والثاني : التصاون عن اقتطاع الحقوق بالأيمان وهكذا يجب أن يكون حكم ذوي الأنساب والأقدار . المنتقى 4 / 186 )
( 10 ) قوله : فارتجع الغلام أي من المشتري إلى ابن عمر بسبب العيب لما امتنع ابن عمر من الحلف
( 11 ) أي صح عن المرض عند ابن عمر ( في المغنى 4 / 198 : فباعه ابن عمر بألف درهم وكذا في التلخيص الحبير 3 / 24 ، وفي الموطأ بألف وخمسمائة درهم هذا هو الصحيح أما ما جاء بألف إما غلط من الناسخ أو الراوي اكتفى على ذكر الألف وترك المئات اختصارا . أوجز المسالك 11 / 69 )
( 12 ) قوله : بلغنا عن زيد إلخ قد ذكر الشمني وغيره من أصحابنا أن الذي اشترى العبد من ابن عمر وجرى معه ما جرى كان زيد بن ثابت وهذا البلاغ الذي ذكره صاحب الكتاب يخالفه أنه لو كان مذهب زيد في ذلك البراءة المطلقة لما خاصم مع ابن عمر عند عثمان بعد ما ذكر البراءة من كل عيب إلا أن تكون عنه رويتان في ذلك مقدمة ومؤخرة لكن الكلام في ثبوت كون المشتري المذكور هو زيد بن ثابت وتخاصمه مع ابن عمر وقد ذكره من علماء الشافعية الرافعي وغيره أيضا قال الحافظ في " تخريج أحاديثه " : أخرجه مالك في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد عن سالم عن أبيه ولم يسم زيد بن ثابت وصححه البيهقي وأخرجه يزيد بن هارون عن يحيى وابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عنه وعبد الرزاق من وجه آخر عن سالم ولم يسم أحد منهم المشتري وتعيين هذا المبهم ذكره في " الحاوي " للماوردي وفي " الشامل " لابن الصباغ بغير إسناد وزاد أن ابن عمر كان يقول : تركت اليمين فعوضني الله عنها . انتهى . ( التلخيص الحبير 3 / 24 )
( 13 ) أي ابن عمر
( 14 ) قوله : نأخذ : أي لكونه موافقا للقياس لا بقول عثمان وقد اختلف العلماء فيه فمذهبنا أنه إذا شرط البراءة من كل عيب وقبله المشتري ليس له أن يرده بعيب سواء سمى البائع جملة العيوب أو لم يسم وسواء علم عيوبه أو لم يعلم بعضها لأن في الإبراء معنى الإقساط والجهالة في الإسقاط لا تفضي إلى المنازعة ويدخل فيه البراءة عن العيب الموجود وقت العقد والحادث قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف في ظاهر الرواية عنه وقال محمد : لا يدخل فيه الحادث وهو قول زفر والحسن والشافعي ومالك وأبي يوسف في رواية وللشافعي في شرط البراءة أقوال : في قول : يبرأ مطلقا وفي قول : لا يبرأ عن عيب لأن في البراءة معنى التمليك وتمليك المجهول لا يصح وبه قال أحمد في رواية وفي رواية عنه : يبرأ عما لا يعلمه دون ما يعلمه وفي قول الشافعي وهو الأصح عندهم وهو رواية عن مالك : لا يبرأ في غير الحيوان ويبرأ في الحيوان عما لا يعلمه دون ما يعلمه كذا في " البناية "
( 15 ) بأن قال : أبيع وأنا بريء من كل عيب فيه
( 16 ) قوله : فهو بريء من كل عيب لحديث : المسلمون عند شروطهم أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة والترمذي والحاكم من حديث عمرو والدارقطني والحاكم من حديث أنس وابن أبي شيبة مرسلا عن عطاء وفي رواية الترمذي زيادة : إلا شرطا حرم حلالا وأحل حراما كذا في " التلخيص "
( 17 ) أي البائع أي قبل براءته
( 18 ) أي علماؤها منهم مالك
( 19 ) أي لم يبينه للمشتري
( 20 ) قوله : وقالوا الظاهر أن الضمير راجع إلى أهل المدينة وقال القاري : أي والحال أن فقهائنا قالوا
( 21 ) بصيغة المجهول
( 22 ) بيان لبيع المبرات ( في جميع نسخ الموطأ : بيع المبرات وهو تحريف بيع الميراث لأن بيع الميراث بيع براءة عندهم . انظر هامش الأوجز 11 / 69 )
( 23 ) في نسخة : نبيعك
( 24 ) أي أوضح الإبراء العام الذي هو مفاد بيع المبرأت ( في جميع نسخ الموطأ : بيع المبرات وهو تحريف بيع الميراث لأن بيع الميراث بيع براءة عندهم . انظر هامش الأوجز 11 / 69 )
( 25 ) أي أليق لكونه مصرحا
( 26 ) أي من بيع المبرات
12 - باب بيع ( 1 ) الغرر
774 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو حازم ( 1 ) بن دينار عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 2 ) نهى عن بيع الغررقال محمد : وبهذا كله نأخذ . بيع الغرر كله ( 3 ) فاسد . وهو قول أبي حنيفة والعامة
_________
( 1 ) قوله : بيع الغرر ( إن الغرر هو الخداع قال النووي : وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ولهذا قدمه مسلم ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لا يتم ملك البائع عليه إلخ تنسيق النظام ص 167 ) بفتحتين ما يغتر به وهو الخطر بمعنى أنه لا يدري أيكون أم لا كذا في " المغرب "
( 1 ) أبو حازم : اسمه سلمة
( 2 ) قوله : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلخ هذا حديث مرسل باتفاق رواة مالك ورواه أبو حذافة عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهو منكر والصحيح ما في " الموطأ " ورواه ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد وهو خطأ وليس ابن أبي حازم بحجة إذا خالفه غيره وهذا الحديث محفوظ عن أبي هريرة ومعلوم أن ابن المسيب من كبار رواته كذا قال ابن عبد البر . وذكر في " التلخيص " : أن النهي عن بيع الغرر أخرجه مسلم وأحمد وابن حبان من حديث أبي هريرة وابن ماجة وأحمد من حديث ابن عباس وفي الباب عن سهل بن سعد عند الدارقطني و الطبراني وأنس عند أبي يعلى وعلي عند أحمد وأبي داود وعمران بن حصين عند ابن أبي عاصم وابن عمر عند البيهقي وابن حبان
( 3 ) قوله : كله أي بجميع أقسامه كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء ولبن في ضرع ونحو ذلك مما هو مبسوط في كتب الفقه
775 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : لا ربا ( 1 ) في الحيوان ( 2 ) وإنما نهي ( 3 ) عن ( 4 ) الحيوان عن ثلاث : ( 5 ) عن المضامين ( 6 ) والملاقيح ( 7 ) وحبل ( 8 ) الحبلة . والمضامين ( 9 ) ما في بطون ( 10 ) إناث الإبل والملاقيح ما في ظهور الجمال ( 11 )
_________
( 1 ) أي ليس التفاضل فيه بجنسه أو بغير جنسه ربا لعدم كونه موزونا ولا عدديا متقاربا وسيجيء تفصيل هذا فيما سيأتي
( 2 ) قوله : في الحيوان قال الزرقاني : المختلف جنسه كمتحد وبيع يدا بيد فإن بيع إلى أجل واختلفت صفاته جاز وإلا منع عند مالك وأجازه الشافعي مطلقا وهو ظاهر قول ابن المسيب لأنه صلى الله عليه و سلم أمر بعض أصحابه أن يعطي بعيرا في بعيرين إلى أجل فهو مخصص لعموم حرمة الربا وأجيب بحمله على مختلف الصفة والمنافع جمعا بين الأدلة ومنعه أبو حنيفة اتفقت الصفات أو اختلفت لقوله تعالى : ( وحرم الربا ) ( سورة البقرة : الآية 275 تمام الشاهد : وأحل الله البيع وحرم الربا ) وهذه زيادة . انتهى . وسيجيء تفصيل هذا البحث عن قريب إن شاء الله
( 3 ) قوله : وإنما نهي ذكر ابن حجر في " التلخيص " أن النهي عن بيع المضامين والملاقيح أخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا وفي إسناده ضعف وفي الباب عن عمران بن حصين وهو في البيوع لابن أبي عاصم وعن عباس في " الكبير " للطبراني والبزار عن ابن عمر أخرجه عبد الرزاق وإسناده قوي
( 4 ) في نسخة : من
( 5 ) أي ثلاث صور
( 6 ) جمع مضمون
( 7 ) جمع ملقوح
( 8 ) بفتحتين فيهما . وغلط من سكن الباء قاله ابن حجر
( 9 ) هذا التفسير من مالك كما ذكره الزرقاني أو من ابن المسيب على ما ذكره شارح " المسند "
( 10 ) أي من الأولاد
( 11 ) قوله : ما في ظهور الجمال جمع جمل وهو ذكر الإبل لأنه يلقح الناقة ولذا سميت النخلة التي يلقح بها الثمار فحلا قال الزرقاني : وافق الإمام على هذه التفسير جماعة من الأصحاب وعكسه ابن حبيب فقال : المضامين ما في الظهور والملاقيح ما في البطون وزعم أن تفسير مالك مقلوب وتعقب بأن مالكا أعلم منه باللغة . انتهى . وفي " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي في حرف الضاد المعجمة : قال أبو عبيدة معمرة بن المثنى فيما رأيته في " غريب الحديث " له وهو أول من صنف غريب الحديث عند بعض العلماء وعند بعضهم النضر بن شميل قال : المضامين ما في أصلاب الفحول وكذلك قاله صاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وكذلك ذكره الجوهري وغيرهم وقال " صاحب المحكم " : المضامين ( قال ابن الأثير : جمع مضمون : وهو ما في صلب الفحل ضمن الشيء بمعنى تضمنه ومنه قولهم : مضمون الكتاب كذا وكذا . " جامع الأصول " 1 / 569 ) ما في بطون الحوامل كأنهن تضمنه وقال الأزهري في " شرح ألفاظ المختصر " : المضامين ما في أصلاب الفحول سميت بذلك لأن الله أودعها ظهورها فكأنها ضمنتها وحكى صاحب " مطالع الأنوار " عن مالك أنه قال : المضامين الأجنة في البطون وعن ابن حبيب من أصحابه : هو ما في ظهور الإبل الفحول . انتهى . وفيه أيضا في حرف اللام : واحد الملاقيح عند صاحب " صحاح اللغة " ملقوحة وكذلك قال أبو عبيد والقاسم بن سلام والأزهري وغيرهم : إن الملاقيح الأجنة في بطون الأمهات واحدها ملقوحة لأن امها لقحتها أي حملتها فاللاقح الحامل ولم يخصها الأزهري وابن الفارس بالإبل وخصها أبو عبيد والجوهري بالإبل . انتهى . ويظهر من هذا كله أنهم اختلفوا في تفسير المضامين والملاقيح التي نهي عن بيعها في الحديث بعد ما اتفقوا على أن المراد بهما ما في البطون من الأجنة وما في أصلاب الفحول من النطف التي تكون مادة للأولاد ولم تقع بعد في الرحم ففسر بعضهم الأول بالأول والثاني بالثاني وعكس بعضهم ولكل وجهة ومناسبة وكان هذان البيعان من بيوع الجاهلية يبيعون ولد الناقة قبل أن تولد وقبل أن تقع نطفة الفحل في البطن وإنما نهي عنهما لأن فيهما غررا وبيع ما ليس عنده وما لا يقدر على تسليمه . ولقد أعجب علي القاري حيث فسر قوله ما في ظهور الجمال بقوله من الوبر وأراد به الشعر الذي على الظهر . ولعل ما ذكرنا ظاهر على كل من له مهارة في فنون الحديث وغريبه فكيف خفي على هذا المتبحر ؟ ولا عجب فإن لكل عالم زلة ولكل جواد كبوة
776 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع ( 1 ) عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع ( 2 ) حبل الحبلة . وكان ( 3 ) بيعا يبتاعه الجاهلية يبيع ( 4 ) أحدهم الجزور ( 5 ) إلى أن تنتج ( 6 ) الناقة ( 7 ) ثم تنتج التي في بطنها ( 8 )
قال محمد : وهذه البيوع كلها مكروهة ( 9 ) ولا ينبغي ( 10 ) لأنها غرر عندنا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الغرر
_________
( 1 ) كذا أخرجه الستة من حديث نافع عن ابن عمر ذكره العيني
( 2 ) قوله : عن بيع حبل الحبلة بفتح الباء والحاء فيهما ورواه بعضهم بسكون الباء في الأول قال القاضي عياض : هو غلط والصواب الفتح والأول مصدر بحبلت المرأة والحبل مختص بالآدميات ويقال في غيرهن من الحيوانات الحمل قال أبو عبيد : لا يقال شيء من الحيونات حبل إلا ما جاء في هذا الحديث والحبلة جمع حابل كظلمة وظالم وقيل : الهاء للمبالغة . واختلفوا في المراد بحبل الحبلة المنهي عنه فقيل : هو البيع بثمن مؤجل إلى أن تلد الناقة ويلد ولدها وهذا تفسير ابن عمر ومالك والشافعي وغيرهم وقيل : هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال وبه قال أبو عبيد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو أقرب إلى اللغة والبيع فاسد على كلا المعنين كذا في " تهذيب الأسماء واللغات " . وفي " شرح المسند " : قال ابن التين : محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين وعلى الأول : هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها ؟ وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو بيع جنين الجنين فصارت أربعة أقوال . انتهى . فعلة النهي إما جهالة الأجل أو أنه غير مقدور تليمه أو أنه بيع ما في بطون الأنعام وحكى صاحب " المحكم " في تفسيره قولا خامسا : أنه بيع ما في بطون الأنعام وهو أيضا من بيوع الغرر لكن هذا إنما فسر به ابن المسيب بيع المضامين كما رواه مالك وفسر به غيره بيع الملاقيح وحكي عن ابن كيسان وأبي العباس المبرد أن المراد بالحبلة الكرمة وحبلها أي حملها وثمرها قبل أن يبلغ الإدراك كما نهي عن بيع ثمر النخلة حتى تزهي . وهو قول شاذ
( 3 ) هذا تفسير من ابن عمر كذا ذكره ابن عبد البر
( 4 ) بيان لابتياع أهل الجاهلية
( 5 ) بفتح الجيم وضم الزاء : الناقة
( 6 ) قال السيوطي : بضم أوله وفتح ثالثه فعل لازم البناء للمفعول : أي تلد الناقة
( 7 ) قوله : الناقة قال القاري : أي المبيعة . انتهى . وهذا قيد مخل مختل والظاهر هو الإطلاق
( 8 ) أي بعد كبرها
( 9 ) أي فاسدة غير جائزة
( 10 ) أي لا يجوز
13 - باب بيع المزابنة
777 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى ( 1 ) عن بيع المزابنة . والمزابنة بيع الثمر بالتمر ( 2 ) وبيع العنب بالزبيب كيلا
_________
( 1 ) قوله : نهى عن بيع المزابنة قال السيوطي في " تنوير الحوالك " : زاد ابن بكير : والمحاقلة . والمزابنة ( المزابنة بيع التمر على الشجر بجنسه موضوعا على الأرض من الزبن وهو الدفع لأن أحد المتابعين إذا وقف على غبن فيما اشتراه أراد فسخ العقد وأراد الآخر إمضاءه وتزابنا أي تدافعا . وكل واحد يدفع صاحبه عن حقه لما يزداد منه وخص بيع الثمر على رؤوس النخل بجنسه بهذا الاسم لأن المساواة بينهما شرط وما على الشجر لا يحصر بكيل ولا وزن وإنما يكون مقدرا بالخرص وهو حدث وظن لا يؤمن فيه من التفاوت . بذل المجهود 15 / 23 ) مشتقة من الزبن وهو المخاصمة والمدافعة والمحاقلة من الحقل وهو الحرث وموضع الزرع قال ابن عبد البر : تفسير المزابنة في حديث ابن عمر وأبي سعيد . وتفسير المحاقلة في حديث أبي سعيد إما مرفوع أو من قول الصحابي الراوي فيسلم له الأمر لأنه أعلم به
( 2 ) قوله : بيع الثمر بالتمر الأول بالثاء المثلثة المفتوحة مع الميم كذلك وهو رطب النخل والثاني بفتح التاء المثناة الفوقية : اليابس وكذا الفرق بين العنب بكسر الأول وفتح الثاني والزبيب فالأول رطب والثاني يابس
778 - أخبرنا مالك ( 1 ) أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 2 ) نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة . والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة . قال ابن شهاب : سألت ( 3 ) عن كرائها بالذهب والورق فقال : لا بأس به ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : السيوطي : أخرجه الخطيب في رواته من طريق أحمد بن أبي طيبة عيسى بن دينار الجرجاني عن مالك عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة به موصولا
( 2 ) قوله : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا مرسل عند جميع رواة " الموطأ " وكذا عند بقية أصحاب ابن شهاب وقد روى النهي جماعة من الصحابة : منهم جابر وابن عمر وأبو هريرة ورافع بن خديج وكلهم سمع منه ابن المسيب كذا قال ابن عبد البر
( 3 ) في نسخة : سألنا . أي ابن المسيب
( 4 ) سيجيء تفصيل ما يتعلق بهذا المقام في " باب المعاملة والمزابنة "
779 - أخبرنا مالك حدثنا داود بن الحصين أن أبا سفيان مولى ابن أحمد ( 1 ) أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المزابنة والمحاقلة . والمزابنة اشتراء الثمر في رؤوس النخل بالتمر والمحاقلة كراء الأرض
قال محمد : المزابنة عندنا اشتراء الثمر ( 2 ) في رؤوس النخل ( 3 ) بالتمر كيلا ( 4 ) لا يدرى التمر الذي أعطى أكثر ( 5 ) أو أقل والزبيب بالعنب لا يدرى أيهما أكثر والمحاقلة اشتراء الحب ( 6 ) في السنبل بالحنطة كيلا لا يدرى أيهما أكثر وهذا كله مكروه ( 7 ) ولا ينبغي مباشرته . وهو قول أبي حنيفة والعامة وقولنا ( 8 )
_________
( 1 ) في نسخة : ابن أبي أحمد وهو الصحيح الموافق لما مر في غير موضع
( 2 ) أي الرطب
( 3 ) قوله : في رؤوس النخل هذا القيد من الصحابة وهو اتفاقي عند الجمهور كما أن قيد الكيل اتفاقي فإنه متى كان جزافا بلا كيل فهو أولى بالمنع وعن هذا لم يجوزوا بيع الرطب المجذوذ من النخل بتمر مجذوذ ودل عليه زيد بن عياش عن سعد وقد مر البحث فيه
( 4 ) أي بالتخمين الجزاف
( 5 ) أي من الثمر على النخل
( 6 ) من الحنطة وغيرها
( 7 ) أي منهي عنه لعدم التساوي المشروط في الأموال الربوية
( 8 ) وهو قول الجمهور سلفا وخلفا بل قول الكل ( وهذه المسألة متفق عليها بين الأئمة . بذل المجهود 15 / 23 )
14 - باب شراء الحيوان باللحم
780 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد ( 1 ) عن سعيد بن المسيب قال : نهي ( 1 ) عن بيع الحيوان باللحم . قال ( 2 ) : قلت لسعيد بن المسيب : أرأيت ( 3 ) رجلا اشترى شارفا ( 4 ) بعشر شياه ( 5 ) - أو قال شاة - فقال سعيد بن المسيب : إن كان اشتراها لينحرها ( 6 ) فلا خير ( 7 ) في ذلك . قال أبو الزناد : وكان من أدركت من الناس ينهون عن بيع الحيوان باللحم وكان يكتب في عهود ( 8 ) العمال ( 9 ) في زمان ( 10 ) أبان ( 11 ) وهشام ( 12 ) ينهون ( 13 ) عن ذلك ( 14 )
_________
( 1 ) عبد الله بن زكوان
( 2 ) بصيغة المجهول
( 3 ) أي أبو زناد
( 4 ) أي أخبرني
( 5 ) قوله : شارفا قال الزرقاني : بشين معجمة وألف وراء مهملة وفاء : المسنة من النوق والجمع الشرف
( 6 ) جمع شاة
( 7 ) أي ليذبحها وفي نسخة : ليتجرها
( 8 ) قوله : فلا خير في ذلك أي لا يجوز إذ كأنه اشترى الحيوان بلحم فإن لم يرد نحرها جاز لأن الظاهر أنه اشترى حيوانا بحيوان فيوكل إلى نيته وأمانته ولا ربا في الحيوان كما مر عنه قاله إسماعيل القاضي المالكي نقله عنه الزرقاني
( 9 ) بالضم جمع عهد أي دفاتر أحكامهم
( 10 ) جمع عامل
( 11 ) هو زمان عبد الملك بن مروان
( 12 ) أي ابن عثمان بن عفان
( 13 ) أي ابن إسماعيل المخزومي . وسيأتي ذكره في " باب عهدة الثلاث والسنة "
( 14 ) معروف أو مجهول
( 15 ) أي عن بيع الحيوان باللحم
781 - أخبرنا مالك أخبرنا داود بن الحصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : وكان من ميسر ( 1 ) أهل الجاهلية يبع اللحم بالشاة والشاتين
_________
( 1 ) بفتح الميم وكسر السين كالقمار
782 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أنه بلغه ( 1 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الحيوان باللحم
قال محمد : وبهذا ( 2 ) نأخذ . من باع لحما من لحم الغنم بشاة حية لا يدى اللحم ( 3 ) أكثر أو ما في الشاة أكثر فالبيع فاسد ( 4 ) مكروه لا ينبغي . وهذا مثل المزابنة ( 5 ) والمحاقلة وكذلك بيع الزيتون بالزيت ودهن السمسم ( 6 ) بالسمسم
_________
( 1 ) قوله : أنه بلغه لم يذكره في " موطأ يحيى " وإنما فيه عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم الحديث . قال ابن عبد البر : لا أعلمه يتصل من وجه ثابت وأحسن أسانيده مرسل سعيد هذا ولا خلاف عن مالك في إرساله ورواه يزيد بن مروان عن مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد . وهذا إسناد موضوع لا يصح عند ملك . انتهى . وقال الحافظ في " التلخيص " : أخرجه أبو داود في " المراسيل " ووصله الدارقطني في " الغريب " عن مالك عن الزهري عن سهل وحكم بتضعيفه وصوب الرواية المرسلة التي في " الموطأ " وتبعه ابن عبد البر وابن الجوزي وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار وفيه ثابت بن زهير ضعيف وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة . وقد اختلف في صحة سماعه منه أخرجه الحاكم والبيهقي وابن خزيمة . انتهى
( 2 ) قوله : وبهذا نأخذ اختلفوا فيه فجوز أبو حنيفة وأبو يوسف والمزني تلميذ الشافعي بيع اللحم بالحيوان سواء كان اللحم من جنس ذلك الحيوان أو لا مساويا لما في الحيوان أو لا بشرط التعجيل أما بالنسيئة فلا لا لإمتناع السلم في الحيوان واللحم وذلك لأنه باع موزونا بما ليس بموزون إذ الحيوان ليس بموزون عادة ولا يعرف قدر ثقله بالوزن لأنه يثقل نفسه تارة ويخففها أخرى واتحاد الجنس مع اختلاف المقدارية لا يمنع التفاضل وإنما يمنع النساء فقلنا به . وقال محمد : إن باعه بلحم غير جنسه كلحم البقر بالشاة الحية ولحم الجزور بالبقرة الحية يجوز كيف ما كان وإن كان من جنسه كلحم شاة بشاة حية فشرطه أن يكون اللحم المفرز أكثر من اللحم الذي في الشاة ليكون لحم الشاة بمقابلة مثله من اللحم وباقي اللحم بمقابلة السقط وهو ما لا يطلق عليه اسم اللحم كالكرش والجلد والأكارع ولو لم يكن كذلك يتحقق الربا إما لزيادة السقط إن كان اللحم المفرز مثل لحم الحيوان أو زيادة اللحم إن كان لحم الشاة أكثر فصار كبيع الحل أي دهن السمسم بالسمسم والزيتون بدهنه فإنه لا يجوز إلا على ذلك الاعتبار ولو كانت الشاة مذبوحة مسلوخة إذا تساويا وزنا جاز اتفاقا إذا كانت مفصولة عن السقط وإن كانت بسقطها لا يجوز غلا على الاعتبار المذكور . وقال مالك والشافعي وأحمد : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان أصلا في متحد الجنس ( قال الموفق : لا يختلف المذهب أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه وهو مذهب مالك والشافعي وقول فقهاء المدينة السبعة . وحكي عن مالك : أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان معد للذبح ويجوز بغيره وقال أبو حنيفة : يجوز مطلقا لأنه باع مال الربا بما لا ربا فيه أشبه بيع اللحم بالدرهم أو بلحم من غير جنسه . المغني 7 / 37 ) ولو باعه بلحم من غير جنسه فقال مالك وأحمد يجوز وللشافعي قولان والأصح : لا لعموم النهي . ولا يخفى أن السمع وارد بالنهي مطلقا فمنه قوي ومنه ضعيف فمن القوي رواية مالك وأبي داود في المراسيل - ومرسل سعيد بن المسيب حجة بالاتفاق - وأخرجه ابن خزيمة عن أحمد بن حفص السلمي : حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة وقال البيهقي : إسناده صحيح ومن أثبت سماع الحسن عن سمرة فهو عنده موصول ومن لم يثبته فهو عنده مرسل جيد والمرسل عندنا حجة مطلقا وأسند الشافعي إلى رجل مجهول من أهل المدينة : أنه صلى الله عليه و سلم نهى أن يباع حي بميت وأسند أيضا عن أبي بكر الصديق أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان وبسنده إلى القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهم كرهوا ذلك كذا حققه ابن الهمام في " فتح القدير " وكأنه أشار إلى ترجيح ما وافقته الروايات الحديثية
( 3 ) أي المفرز المبيع
( 4 ) لاحتمال الربا
( 5 ) أي في تحقيق شبهة الربا
( 6 ) بكسر السينين ( كنجد ) بالفارسية
15 - باب الرجل يساوم الرجل بالشيء فيزيد عليه أحد
783 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يبع ( 1 ) بعضكم على بعض ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي إذا ساوم ( 3 ) الرجل الرجل بالشيء أن يزيد ( 4 ) عليه ( 5 ) غيره فيه حتى يشتري أو يدع ( 6 )
_________
( 1 ) قوله : لا يبع ( في الحديث أربعة أبحاث : الأول : في معنى البيع والثاني : في المراد بالبعض والثالث : في شرط النهي والرابع : فيمن خالف الحديث فباع على البيع . انظر الأوجز 11 / 266 ) بالجزم على النهي وفي رواية : لا يبع بالخبر مرادا به لنهي . قال الباجي : أي لا يشتر وقال ابن حبيب : إنما النهي للمشتري على البائع قال الباجي : ويحتمل حمله على ظاهره فيمنع البائع أيضا أن يبيع على يبيع أخيه إذا ركن المشتري إليه وقال عياض : الأولى حمله على ظاهره وهو أن يعرض سلعة على المشتري برخص ليزهده في شراء سلعة الآخر الراكن إلى شرائها وقال الأبي : البيع حقيقة إنما هو إذا انعقد الأول فلما تعذرت الحقيقة حمل على أقرب المجاز إليها وهو المراكنة وإذا كانت العلة ما يؤدي إليه من الضرر فلا فرق بين المساوم على سوم غيره والبيع على البيع كذا في " شرح الزرقاني " . وبهذا يظهر أن ما اختاره صاحب الكتاب من حمل هذا الحديث على السوم على سوم غيره ليس على ما ينبغي فإن النهي عنه مفاد الحديث : لا يسوم الرجل على سوم أخيه وفي رواية : لا يستام الرجل أخرجه المصنف في كتاب " الآثار " والشيخان وغيرهم من حديث أبي هريرة والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر . وأما حديث الباب فقد أخرج نحوه الشيخان من حديث أبي هريرة ومسلم من حديث عقبة فلا ضرورة فيه على حمله على السوم وإن كان ذلك صحيحا بناء على أن البيع من الأضداد يطلق على الشراء أيضا بل هو محمول على ظاهره المتعارف فكما أن الشراء على الشراء مكروه كذلك البيع على البيع ( قال الحافظ ابن حجر : البيع على البيع حرام وكذلك الشراء على الشراء وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع : افسخ لأشتري منك بأزيد وهو مجمع عليه وأما السوم فصورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول له رده لأبيعك خيرا منه بثمنه أو مثله بأرخص منه أو يقول للمالك استرده لأشتريه منك بأكثر . فتح الباري 4 / 353 )
( 2 ) زاد ابن وهب والقعنبي وعبد الله بن يوسف في هذا الحديث عن مالك بسنده : ولا تلقوا السلع حتى تهبط بها إلى الأسواق قال ابن عبد البر : هي زيادة محفوظة من حديث مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر
( 3 ) السوم والاستيام تشخيص قيمة شيء وتقديرها عند المبايعة قال في " منتهى الأرب " : الاستيام ( بهاوكردن ) بالفارسية
( 4 ) قوله : أن يزيد إنما يكره ( قال الحافظ : ذهب الجمهور إلى صحة البيع المذكور مع تأثيم فاعله وعند المالكية والحنابلة في فساده روايتان وبه جزم أهل الظاهر . فتح الباري 4 / 35 ) هذا إذا تراوض الرجلان على السلعة البائع والمشتري وركن أحدهما إلى الآخر فساومه آخر بالزيادة لأن فيه إضرارا وأما إذا ساوم الرجل ولم يجنح قلب البائع إليه فلا بأس للآخر أن يساوم بالزياد لأن هذا بيع من يزيد وهو جائز كذا في " شرح الطحاوي "
( 5 ) أي على ذلك الرجل القاصد للشراء المساوم
( 6 ) أي يترك فيشتريه الآخر
16 - باب ما يوجب البيع بين البائع والمشتري
784 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : المتبايعان ( 2 ) كل واحد منهما بالخيار ( 3 ) على صاحبه ما لم يتفرقا ( 4 ) إلا بيع الخيار ( 5 )
قال محمد : وبهذا ( 6 ) نأخذ وتفسيره ( 7 ) عندنا على ما بلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال : المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا قال : ما لم يتفرقا عن منطق ( 8 ) البيع إذا قال البائع : قد بعتك فله ( 9 ) أن يرجع ما لم يقل ( 10 ) الآخر : قد اشتريت فإذا قال المشتري ( 11 ) : قد اشتريت بكذا وكذا فله ( 12 ) أن يرجع ما لم يقل البائع قد بعت . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا نافع قال الزرقاني : أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه يحيى القطان وأيوب والليث في الصحيحين وعبيد الله وابن جريج عند مسلم كلهم عن نافع نحوه وتابع نافعا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عند الشيخين وجاء أيضا من حديث حكيم بن حزام عند البخاري . انتهى . وذكر الحافظ في " تخريج أحاديث الهداية " أنه جاء من حديث سمرة أخرجه النسائي وابن ماجة ونحوه لأبي داود عن أبي بردة وللنسائي عن عبد الله بن عمرو . انتهى . وقال السيوطي : هذا أحد الأحاديث التي رواها مالك في " الموطأ " ولم يعمل به . قال مالك بعد روايته : ليس لهذا الحديث عندنا حد معروف ولا أمر معمول به وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن هذا الحديث ثابت وأنه من أثبت ما نقل العدول وأكثرهم استعملوه وجعلوه أصلا من أصول الدين في البيوع ورده مالك وأبو حنيفة وأصحابهما ولا أعلم أحدا رده غير هؤلاء ( في قوله : لا أعلم أحدا رده غير هؤلاء قصور كبير من مثله فقد نقل عياض وغير عن معظم السلف وأكثر أهل المدينة وفقهائها السبعة - وقيل إلا ابن المسيب - إلى آخر ما بسطه الزرقاني والحافظ في الفتح . كذا في أوجز المسالك 11 / 319 ) وقال بعض المالكيين : دفعه مالك بإجماع أهل المدينة على ترك العمل به وذلك عنده أقوى من خبر الرجال وقال بعضهم : لا تصح هذه الدعوى لأن سعيد بن المسيب وابن شهاب روي عنهما العمل به وهما من أجل فقهاء المدينة ولم يرو عن أحد ترك العمل به نصا إلا عن مالك وربيعة يخلف عنه وقد كان ابن أبي ذئب وهو من فقهاء المدينة في عصر مالك ينكر على مالك اختياره ترك العمل به . انتهى
( 2 ) أي كل واحد من البائع والمشتري وفي رواية للصحيحن : البيعان
( 3 ) أي في القبول والرد
( 4 ) قوله : ما لم يتفرقا اختلفوا في تأويله على أقوال : الأول : أن معناه التفرق بالأقوال وهو قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري في رواية وربيعة الرأي ومالك وأبي حنيفة ومحمد فقالوا : المراد به أنه إذ قال البائع : بعت وقال المشتري : اشتريت فقد تفرقا بالأقوال ولا شيء لهما بعد ذلك من خيار ويتم البيع ولا يقدر المشتري على رد البيع إلا بخيار الرؤية أو خيار العيب أو خيار الشرط . الثاني : أن المراد التفرق بالأبدان فلا يتم البيع بدونها وبه يلزم البيع وهو قول ابن المسيب والزهري وعطاء بن أبي رباح وابن أبي ذئب وسفيان بن عيينة والأوزاعي والليث بن سعد وابن أبي مليكة والحسن البصري وهشام بن يوسف وابنه عبد الرحمن وعبد الله بن حسن القاضي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد ومحمد بن جرير الطبري وأهل الظاهر وحد التفرق أن يغيب كل واحد منهما عن صاحبه حتى لا يراه قاله الأوزاعي وقال الليث : أن يقوم أحدهما وقال آخرون : هو افتراقهما من مجلسهما أو نقلهما . وحجتهم في ذلك بأنه ورد في الخبر لفظ : المتبايعين واسم البيع لا يجب إلا بعد البيع وسلفهم في ذلك من الصحابة : ابن عمر فإنه حمل الحديث على التفرق بالأبدان وأثبت به خيار المجلس فكان إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له أخرجه الترمذي وغيره . وأبو برزة الأسلمي فإن رجلين اختصما إليه فرس بعد ما تبايعا وكانا في سفينة فقال : لا أراكما افترقتما وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا حكاه الترمذي وأخرجه أبو داود والطحاوي وغيرهما . والقول الثالث : أن معناه التفرق بالأبدان لكن لا على ما فهمه أصحاب القول الثاني قال عيسى بن أبان معناه أن الرجل إذا قال لرجل : قد بعتك عبدي هذا بألف درهم فللمخاطب بذلك القول أن يقبل ما لم يفارق صاحبه فإذا افترقا لم يكن له بعد ذلك أن يقبل قال : ولولا أن هذا الحديث جاء ما علمنا ما يقطع للمخاطب من القبول فلما جاء هذا الحديث علمنا أن افتراق أبدانهما بعد المخاطبة بالبيع يقطع القبول قال : وهذا أولى ما حمل عليه الحديث ( قال شيخنا في الأوجز 11 / 318 : والأوجه عندي في معنى الحديث - إن كان صحيحا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان - أن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان والمراد بالمتبايعين المتساومان والحديث من باب خيار القبول في المجلس والمعنى أن كل واحد منهم بالخيار في المجلس البائع في النكول عن الإيجاب والمشتري في القبول فإذا انقضى المجلس فلم يبق الإيجاب ولا حق القبول فتأمل . ثم رأيت الحافظ قد حكاه عمن سلف فلله الحمد والمنة فقال : وقالوا : وقت التفرق في الحديث هو ما بين قول البائع قد بعتك وبين قول المشتري اشتريت قالوا : فالمشتري بالخيار في قوله : اشتريت أو تركه والبائع بالخيار إلى أن يوجب المشتري هكذا حكاه الطحاوي عن عيسى بن أبان منهم وحكاه ابن خويز منداد عن مالك . اهـ ) لأنا رأينا الفرقة التي لها حكم فيما اتفقوا عليه هي الفرقة في الصرف فكانت تلك الفرقة إنما يجب بها فساد عقد متقدم ولا يجب بها صلاحه وهذه الفرقة المروية في خيار المتبايعين إذا جعلناها على ما ذكرنا فسد بها ما كان تقدم من عقد المخاطب وإن جعلناها على ما قالت الفرقة الثانية يتم بها بخلاف فرقة الصرف ولم يكن لها أصل فيما اتفقوا عليه وهذا التفسير مروي أيضا عن أبي يوسف رحمه الله هذا ملخص ما في " شرح معاني الآثار " ( 2 / 203 ) للطحاوي وشرحه المسمى " بنخب الأفكار في تنقيح معاني الاثار " للعيني ولعل المنصف غير ( في الأصل : الغير وهو خطأ ) المتعصب يستيقن بعد إحاطة الكلام من الجوانب في هذا البحث والمتأمل فيما ذكرنا وما سنذكره أن أولى الأقوال هو ما فهمه الصحابيان الجليلان وفهم الصاحبي وإن لم يكن حجة لكنه أولى من فهم غيره بلا شبهة وإن كان كل من الأقوال مستندا إلى حجة
( 5 ) قوله : إلا بيع الخيار أي إلا بيع شرط فيه الخيار إلى ثلاثة أيام فإنه يبقى فيه الخيار بعد تفرق الأقوال أيضا وكذا بعد تفرق الأبدان وهذا أحد المعاني التي ذكرت فيه وهو مشترك بين القائلين بالتفرق قولا وبين القائلين بالتفرق بدنا فإنهم متفقون على بقاء الخيار في البيع بشرط الخيار بعد التفرق . وثانيها : أن معناه إلا بيعا شرط فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم بنفس البيع ولا يكون فيه خيار وهذا مختص بالقائلين بالتفرق بدنا الذي يحتجون بهذا الحديث لإثبات خيار المجلس . وثالثها : قال النووي : وهو أصحها أي على رأيهم أن المراد التخيير بعد تمام العقد قبل مفارقة المجلس يعني يثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا في المجلس ويختارا إمضاء البيع فيلزم البيع بنفس التخاير ولا يدوم إلى المفارقة ( انظر بذل المجهود 15 / 127 )
( 6 ) قوله : وبهذا نأخذ وفيه وفي قوله الآخر بعد ذكر التفسير : وهو قول أبي حنيفة : تصريح بأنهما لم يتركا هذا الحديث بالقياس ولم يدعا العمل به كما هو المشهور على الألسنة بل إنهما حملا الحديث على ما حمل عليه النخعي أخذا به واحتجا به في إثبات خيار القبول فيما إذا أوجب أحد المتبايعين فإن للآخر حينئذ الخيار في أن يقبله أو يرده ما لم يتفرقا قولا فإذا تفرقا قولا وتم الكلام من الجانبين إيجابا وقبولا فلا خيار له إلا في بيع الخيار الذي يكون شرط الخيار لأحدهما أو لهما إلى ثلاثة أيام كما هو مذهب غيره وقد أورد البيهقي في " سننه " قاصدا التشنيع على أبي حنيفة من طريق ابن المديني عن سفيان يعني ابن عيينة أنه حدث الكوفيين بحديث البيعان بالخيار قال : فحدثوا به أبا حنيفة وقال : إن هذا ليس بشيء أرأيت إن كانا في سفينة إلخ قال ابن المديني : إن الله سائله عما قال . انتهى
قال السيد مرتضى الحسيني في " عقود الجواهر المنيفة في أدلة الإمام أبي حنيفة " : هذه حكاية منكرة لا تليق بأبي حنيفة مع ما سارت به الركبان وشحنت به كتب أصحابه ومخالفيه من شدة ورعه وزهده ومخافته من الله وشدة احتياطه في الدين وعلى تقرير صحة الحكاية لم يرد بقوله هذا ليس بشيء : الحديث وإنما أراد أنه ليس هذا الاحتجاج بشيء يعني تأويله بالتفرق بالأبدان فلم يرد الحديث بل تأويله بأن التفرق المذكور فيه هو التفرق بالأقوال ولهذا قال : أرأيت لو كانا في سفينة أو تاويل المتبايعين بالمتساومين وهو لم ينفرد باجتهاده في هذا القول بل وافقه عليه شيخ إمامه الذي يقتدى به وشيخه من قبل والثوري والنخعي وغيرهم . انتهى
( 7 ) قوله : وتفسيره عندنا لما ورد على قوله : وبهذا نأخذ أن الحديث بظاهره يثبت خيار المجلس والحنفية ليسوا بقائلين به فكيف يصح قوله وبهذا نأخذ ؟ أشار إلى الجواب عنه بتفسير الحديث بالتفرق القولي وقد طال الكلام بين أصحاب التفرق القولي ومثبتي خيار المجلس نقضا ودفعا . أما أصحاب خيار المجلس فأوردوا على أصحاب التفرق القولي بوجوه :
- الأول : أنه تفسير مخالف للمتبادر والجواب عنه على ما في " شرح معاني الآثار " و " فتح القدير " وغيرهما أن التفرق كثيرا ما استعمل في الكتاب والسنة في التفرق القولي كما في قوله تعالى : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) ( سورة البينة : الآية 4 ) وقوله تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) ( سورة النساء : الآية 130 ) . والمراد به تفرق قول الزوجين في الطلاق بأن يقول الزوج طلقتك والمرأة قبلت وقوله صلى الله عليه و سلم : افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة
- والثاني : أن الخبر ورد بلفظ المتبايعين والبيعين وهذا اللفظ لا يطلق إلا بعد حصول التفرق القولي وتمام العقد فلا يكون الخيار إلا بعده وإن هو إلا خيار المجلس فلا بد أن يحمل التفرق على التفرق البدني والجواب عنه على ما في " الهداية " وشروحها أن هذا إغفال منهم عن مقتضى اللغة فإن المتساومين أيضا قد يسميان متابعين لمناسبة القرب وقد قال صلى الله عليه و سلم : لا يبيع الرجل على بيع أخيه فقد سمى قرب البيع بيعا فيمكن أن يكون سمى غير ( في الأصل الغير وهو خطأ ) المتفرقين قولا في هذا الحديث بالمتبايعين لقربهما منه وأيضا المتبايع بالحقيقة إنما يكون من يباشر العقد لا قبله ولا بعده فإن كلا منهما بعد الفراغ وقبل المباشرة متبايع مجازا باعتبار ما كان أو ما يكون وحالة المباشرة إنما هي ما إذا صدر عن أحدهما الإيجاب وقصد الآخر تلفظ القبول ولم يتفرغ بعد
- والثالث : أن هذا التفسير يخالف ما فهمه ابن عمر وعمل على وفقه كما مر ذكره فلا يعتبر به وأجاب عنه الزيلعي وغيره بأنه تقرر في الأصول أن تأويل الصحابي لمحتمل التأويل واختياره لأحد التأويلين ليس بحجة ملزمة على غيره ولا يمنعه عن اختيار تأويل يغايره وفيه نظر ظاهر عندي فإنه بعد تسليم ما حقق في " الأصول " لا شبهة في أن تأويل الصحابي أقوى وأحرى بالقبول من تأويل غيره وتقليده أولى من تقليد غيره وقال الطحاوي في " شرح معاني الآثار " : قد يجوز أن يكون ابن عمر أشكلت عليه الفرقة التي سمعها من النبي صلى الله عليه و سلم ما هي ؟ فاحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذهب إليه عيسى بن أبان واحتملت عنده الفرقة بالأقوال على ما ذهبنا إليه ولم يحضره دليل يدل أنه بأحدهما أولى منه بما سواه ففارق بائعه ببدنه احتياطا ويحتمل أيضا أن يكون فعل ذلك لأن بعض الناس يرى أن البيع لا يتم إلا بذلك وهو يرى أن البيع يتم بغيره فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه . انتهى
وهو ليس بشيء فيما يظهر لي فإن مثل هذه الاحتمالات لو اعتبرت لم يحصل الجزم بكون فعل واحد من الصحابة أمرا مذهبا له لجواز أن يكون فعله احتياطا وظاهر سياق قصة ابن عمر المروية في الكتب تشهد شهادة ظاهرة على أنه كان مذهبا له وهو الذي نسبه إليه أصحاب الاختلاف وذكروه في معرض الخلاف
ثم قال الطحاوي : وقد روي عنه ما يدل على ان رأيه كان الفرقة بخلاف ما ذهب إليه البيع يتم بها وذلك أن سليمان بن شعيب قال : نا بشر بن بكر حدثني الأوزاعي حدثني الزهري عن حمزة بن عبد الله عن ابن عمر أنه قال : ما أدركت الصفقة حيا فهو من مال المبتاع فهذا ابن عمر قد كان يذهب فيما أدركت الصفقة حيا فهلك بعدها أنه من مال المشتري فدل ذلك على أنه كان يرى أن الصفقة تتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك وأن المبيع ينتقل بذلك من ملك البائع إلى المشتري حتى يهلك من ماله إذا هلك . انتهى
وعندي فيه ضعف ظاهر فإنه ليس فيه التصريح بنفي خيار المجلس ولزوم البيع قبل التفرق البدني وغاية ما فيه الإطلاق وتقييده بالهلاك بعد التفرق سهل لا سيما إذا علم أنه كان مذهبه ذلك أنه لا يلزم البيع إلا بعد الفرقة وإذا جاز ذكر الاحتمال في ذلك الأثر جاز فيه بالطريق الأولى مع أنه لا لزوم بين كونه ملكا للمشتري وبين انتفاء خيار المجلس فإن حصول الملك لا ينافي خيار الرؤية وخيار العيب فيجوز أن لا ينافي خيار المجلس أيضا . والرابع : أن هذا التفسير يخالف ما قضى به أبو برزة ونسبه إلى النبي صلى الله عليه و سلم كما أخرجه الطحاوي والبيهقي أنهم اختصموا إليه في رجل باع جارية فنام معها البائع فلما أصبح قال : لا أرضى فقال أبو برزة : إن النبي عليه السلام قال : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وكانا في خباء شعره
وأخرجا أيضا عن أبي الوضيء : نزلنا منزلا فباع صاحب لنا من رجل فرسا فأقمنا في منزلنا يومنا وليلتنا فلما كان الغد قام الرجل يسرج فرسه فقال صاحبه : إنك قد بعتني فاختصما إلى أبي برزة فقال : إن شئتما قضيت بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه و سلم سمعته يقول : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وما أراكما تفرقتما
وأجاب عنه الطحاوي بقوله : في هذا الحديث ما يدل على أنهما تفرقا بأبدانهما لأن فيه أن الرجل قام يسرج فرسه فقد تنحى بذلك من موضع إلى موضع فلم يراع أبو برزة ذلك وقال : ما أراكما تفرقتما ؟ أي لما كنتما متشاجرين أحدكما يدعي البيع والآخر ينكره لم تكونا تفرقتما الفرقة التي يتم بها البيع . انتهى
ولي فيه نظر : أما أولا فلأن هذا التأويل إن صح في الأثر الثاني لم يصح في الأثر الأول وأما ثانيا فلأنه يحتمل أن يكون أبو برزة يظن أن الافتراق إنما يكون بغيبوبة أحدهما من الآخر لا مجرد القيام والافتراق فلا يلزم عليه رعاية التنحي وأما ثالثا : فلأن حمل التفرق الواقع في كلام أبي برزة على التفرق القولي مما يأبى عنه الفهم السليم وكيف يظن به أنه حكم بمجرد التخاصم بعدم التفرق القولي ولم يطلب من المدعي بينته ولا من المدعى عليه حلفا ؟ وبالجملة فلا شبهة في أن ابن عمر وأبا برزة ذهبا إلى التفرق البدني وتأويل كلماتهما بما يأبى عنه السباق والسياق غير مرضي غاية ما في الباب أن لا يكون قولهما ومذهبهما حجة على غيرهما وهو أمر آخر قد عرفت ما عليه
وأما أصحاب التفرق القولي فأوردوا لتأييد تفسيرهم وإبطال ما ذهب إليه مخالفهم وجوها عديدة : منها أن إثبات خيار المجلس وحمل التفرق على التفرق البدني يخالف قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ( سورة المائدة : الآية 1 ) وهذا عقد قبل التخيير . وقوله تعالى : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) ( سورة النساء : الآية 29 ) . وبعد الإيجاب والقبول يصدق ( تجارة عن تراض ) من غير توقف على التخيير فقد أباح الله الأكل قبله وقوله تعالى : ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) ( سورة البقرة : الآية 282 ) فإنه أمر بالتوثق بالشهادة كيلا يقع التجاحد للبيع والبيع يصدق قبل الخيار بعد الإيجاب والقبول فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم بعده للزم إبطال هذه النصوص وفيه ما ذكره ابن الهمام في " فتح القدير " من أنا نمنع تمام العقد قبل الافتراق والتخيير ونقول : العقد الملزم إنما يعرف شرعا وقد اعتبر الشرع في كونه ملزما اختيار الرضى بعد الإيجاب والقبول بالأحاديث الصحيحة وكذا لا يتم التجارة عن التراضي إلا به شرعا فإنما أباح الأكل بعد الاختيار والبيع وإن صدق بعد الإيجاب والقبول لكن التام منه متوقف على الافتراق أو الاختيار . ومنها أن إثبات خيار المجلس يعارضه حديث النهي عن البيع الغرر فإن كل واحد لا يدري ما يحصل له هل الثمن أم المثمن . ومنها أنه خيار مجهول العاقبة فيبطل خيار الشرط إذا كان كذلك . وفيهما ما فيهما فإنه منقوص بخيار الرؤية وخيار التعيين وغير ذلك ومنها ما ذكره الطحاوي أن حديث : من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه يدل على أنه إذا قبضه حل له بيعه وقد يكون قابضا له قبل افتراق بدنه وبدن بائعه وأقره السيد المرتضى في " عقود الجواهر " . وعندي هو ضعيف فإن هذا الحديث وأمثاله ساكتة عن ما وقع فيه البحث فيقيد بالقبض والافتراق مع أنه لا يدل إلا على حرمة البيع قبل الاستيفاء لا على ثبوت جوازه بعده متصلا وإن منعت عنه الموانع الأخر . وفي المقام كلام مبسوط مظانه الكتب المبسوطة وفيما ذكرناه كفاية لألي الفطنة . وقد شيد الطحاوي أركان المسألة بالنظر والقياس وقال : إنا قد رأينا الأموال تملك بعقود في أبدان وفي أموال ومنافع وأبضاع فكان ما يملك من الأبضاع هو النكاح فكان ذلك يتم بالعقد لا بفرقة بعده وكان ما يملك به المنافع هو الإجارات فكان ذلك أيضا مملوكا بالعقد لا بالفرقة بعد العقد فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الأموال المملوكة بسائر العقود من البيوع وغيرها تكون مملوكة بالأقوال لا بالفرقة وهذا هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد . انتهى . وفيه أيضا ما فيه فإن كثيرا من الأحكام كخيار الرؤية وخيار التعيين وخيار العيوب ثابتة في البيع دون أمثاله فللخصم أن يقول ليكن خيار المجلس من هذا القبيل
( 8 ) أي عن نطق ما يتعلق به من إيجاب وقبول وشرط
( 9 ) أي للبائع
( 10 ) قوله : ما لم يقل الآخر قد اشتريت قال في " الهداية " إذا أوجب أحد المتعاقدين البيع فالآخر بالخيار إن شاء قبل في المجلس وإن شاء رده . وهذا خيار القبول لأنه لو لم يثبت له الخيار يلزمه حكم العقد من غير رضاه وإذا لم يفد الحكم بدون قبول الآخر فللموجب أن يرجع لخلوه عن إبطال حق الغير وإنما يمتد إلى آخر المجلس لأن المجلس جامع للمتفرقات فاعتبرت ساعاته ساعة واحدة دفعا للعسر وتحقيقا لليسر
( 11 ) أي ابتداء
( 12 ) أي المشتري
17 - باب الاختلاف في البيع ( 1 ) بين البائع والمشتري
785 - أخبرنا مالك أنه بلغه ( 1 ) أن ابن مسعود كان يحدث ( 2 ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أيما ( 3 ) بيعان ( 4 ) تبايعا فالقول قول البائع أو يترادانقال محمد : وبهذا نأخذ . إذا اختلفا ( 5 ) في الثمن ( 6 ) تحالفا ( 7 ) وترادا ( 8 ) البيع - وهو ( 9 ) قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا - إذا كان المبيع قائما ( 10 ) بعينه فإن كان المشتري قد استهلكه ( 11 ) فالقول ما قال المشتري في الثمن في قول أبي حنيفة وأما في قولنا فيتحالفان ويترادان القيمة ( 12 )
_________
( 1 ) الاختلاف في البيع : أي في الثمن وغيره مع الاعتراف بأصله
( 1 ) قوله : بلغه وصله الشافعي والترمذي من طريق ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود وقال الترمذي : مرسل وعون لم يدرك ابن مسعود كذا في " التنوير "
( 2 ) قوله : كان يحدث الخ ... قال ابن عبد البر : جعل مالك حديث ابن مسعود كالمفسر لحديث ابن عمر في الخيار إذ قد يختلفان قبل الافتراق والتراد إنما يكون بعد تمام البيع فكأنه عنده منسوخ لأنه لم يدرك العمل عليه وقد ذكر له حديث ابن عمر فقال : لعله مما ترك ولم يعمل لكن حديث ابن مسعود منقطع لا يكاد يتصل أخرجه أبو داود وغيره بأسانيد منقطعة . انتهى
( 3 ) قال الكرماني : زيدت " ما " على " أي " لزيادة التعميم
( 4 ) البيع بفتح الباء وتشديد الياء المكسورة البائع وفيه تغليب أي البائع والمشتري
( 5 ) أي البائع والمشتري
( 6 ) أي في قدره
( 7 ) قوله : تحالفا لكون كل منهما مدعيا من وجه ومنكرا من وجه فإن نكل أحدهما ثبت دعوى الآخر وإن حلفا فسخ البيع وهذه الزيادة أي ذكر التحالف وإن لم يقع في حديث ابن مسعود في ما أخرجه الشافعي والنسائي والدارقطني ولم يقع في روايتهم ذكر التراد أيضا ووقع عند الترمذي وابن ماجه وأحمد ومالك والطبراني وأبي داود والحاكم والبيهقي والنسائي والدارقطني من طريق آخر ذكر التراد دون التحالف لكنه ورد في ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات " المسند " من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده والطبراني والدارمي من هذا الوجه فقال : عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود مرفوعا : إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما على الآخر تحالفا . قال الحافظ ابن حجر في " التلخيص " : تفرد بهذه الزيادة وهي قوله : " والسلعة قائمة " ابن أبي ليلى . وهو محمد بن عبد الرحمن الفقيه وهو ضعيف سيئ الحفظ وأما قوله : " تحالفا " فلم يقع عند أحد منهم وإنما عندهم : فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع . انتهى
( 8 ) في نسخة : ويرادا
( 9 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة ( وبه قال الشافعي ومالك في رواية وعنه القول المشتري مع يمينه وبه قال أبو ثور وزفر لأن البائع يدعي زيادة ينكرها المشتري والقول قول المنكر . انظر المغني 4 / 211 ) إذا اختلف المتبايعان فادعى أحدهما ثمنا وادعى البائع أكثر منه أو ادعى البائع بقدر من المبيع وادعى المشتري أكثر منه وأقام أحدهما البينة قضي له بها وإن أقاما البينة فالبينة المثبتة للزيادة أولى ولو لم يكن لأحدهما بينة قيل للمشتري : إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البيع وإلا فسخنا البيع وقيل للبائع : إما أن تسلم ما ادعاه المشتري وإلا فسخناه فإن لم يتراضيا استخلف الحاكم كلا منهما على دعوى الآخر . وفسخ البيع . هذا إذا كان المبيع قائما وإن كان هالكا ( قال الموفق : وإن كانت السلعة تالفة واختلفا في ثمنها بعد تلفها فعن أحمد روايتان : إحداهما يتحالفان مثل لو كانت قائمة وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن مالك والأخرى : القول قول المشتري مع يمينه اختارها أبو بكر : وهذا قول النخعي والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة . الأوجز 11 / 325 ) ثم اختلفا لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف والقول قول المشتري لأن التحالف بعد القبض على خلاف القياس ثبت بالنص وقد ورد بلفظ : البيعان إذا اختلفا والمبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع وترادا وعند محمد : تحالفا ويفسخ البيع على قيمة الهالك لوجود الدعوى والإنكار من الطرفين . والمسألة مبسوطة بدلائلها وتفاريعها في " الهداية " وشروحها
( 10 ) أي موجودا بنفسه لا هالكا
( 11 ) أي لا يتحالفان بل يقضى بالبينة على البائع وبالحلف على المشتري
( 12 ) أي قيمة الهالك
18 - باب الرجل يبيع المتاع بنسيئة فيفلس ( 1 ) المبتاع
786 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أيما ( 2 ) رجل ( 3 ) باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ( 4 ) ولم يقبض ( 5 ) الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده ( 6 ) بعينه فهو ( 7 ) أحق به وإن مات ( 8 ) المشتري ( 9 ) فصاحب المتاع فيه أسوة ( 10 ) للغرماء ( 11 )قال محمد : إذا مات ( 12 ) وقد قبضه فصاحبه فيه أسوة للغرماء وإن كان لم يقبض المشتري فهو ( 13 ) أحق به من بقية الغرماء حتى يستوفي حقه وكذلك إن أفلس المشتري ولم يقبض ( 14 ) ما يشتري فالبائع أحق بما باع حتى يستوفي حقه
_________
( 1 ) فيفلس : أي فيصير المشتري مفلسا فيعجز عن أداء الثمن
( 1 ) قوله : أن قال ابن عبد البر : هكذا هو في جميع " الموطآت " مرسلا وبجميع الرواة عن مالك إلا عبد الرزاق فإنه وصله عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر عن أبي هريرة وكذا رواية أصحاب الزهري عنه مختلفة في إرساله ووصله ورواية من وصله صحيحة فقد رواه عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر عن أبي هريرة وبشير بن نهيك وهشام بن يحيى كلاهما عن أبي هريرة مرفوعا الثلاثة في الفلس دون حكم الموت والحديث محفوظ لأبي هريرة لا يرويه غيره فيما علمت
( 2 ) قوله : أيما مركب من " أي " وهي اسم ينوب مناب الشرط ومن " ما " المبهمة الزائدة وهي من المقحمات التي يستغنى بها عن تفصيل غير حاضر أو تطويل غير مخل قاله الطيبي
( 3 ) بالجر مضاف إليه لأي
( 4 ) أي اشتراه
( 5 ) أي من المشتري
( 6 ) أي فوجد البائع متاعه بعينه عند المشتري المفلس
( 7 ) أي البائع أحق ( أي كائنا من كان وارثا أو غريما . فتح الباري 5 / 63 ) بأخذ ذلك الشيء بدينه من سائر الغرماء
( 8 ) قوله : وإن مات ... إلخ هذا الحديث صحيح ثابت من رواية الحجازيين والبصريين وهو نص في الفرق بين الحي والميت وأجمع على القول به فقهاء المدينة والحجاز والبصرة والشام وإن اختلفوا في بعض فروعه وهو مذهب مالك وأحمد وسر الفرق أن ذمة المشتري عينت بالفلس فصار البيع بمنزلة من اشترى سلعة فوجد بها عيبا فله ردها واسترجاع شيئه ولا ضرر على بقية الغرماء لبقاء ذمة المشتري وفي الموت وإن عينت الذمة أيضا لكنها ذهبت رأسا فلو اختص البائع بسلعة عظم الضرر على سائر الغرماء لخراب ذمة الميت ومذهب الشافعي أن البائع أحق بمتاعه في الموت أيضا لحديث أبي داود وابن ماجه وغيرهما عن ابي المعتمر عمرو بن نافع عن عمر بن خلدة الزرقي قال : أتينا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه . ورد بأن أبا المعتمر مجهول الحال فيكون حديث التفريق أرجح وبأنه يحتمل أن يكون في الودائع والمغصوب ونحو ذلك فإنه لم يذكر فيه البيع ومذهب الحنيفية في ذلك أن صاحب المتاع ليس بأحق لا في الموت ولا في الحياة لأن المتاع بعد ما قبضه المشتري صار ملكا خالصا له والبائع صار أجنبيا منه كسائر أمواله فالغرماء شركاء البائع فيه كلتا الصورتين وإن لم يقبض فالبائع أحق لاختصاصه به وهذا معنى واضح لولا ورد النص بالفرق وسلفهم في ذلك علي رضي الله عنه فإن قتادة روى عن خلاس بن عمرو عن علي أنه قال : هو أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها . وأحاديث خلاس عن علي ضعيفة وروي مثله عن إبراهيم النخعي ومن المعلوم أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه و سلم ولا عبرة للرأي بعد ورود نصه كذا حققه ابن عبد البر والزرقاني ( وبسطه شيخنا في الأوجز 11 / 353 )
( 9 ) أي المفلس الذي لم يرد الثمن
( 10 ) بالضم أي هو مساو لهم وأحد الشركاء معهم يأخذ مثل ما يأخذون ويحرم عما يحرمون
( 11 ) في نسخة : الغرماء
( 12 ) أي المشتري والحال أنه قبض المبيع
( 13 ) أي صاحب المتاع وهو البائع
( 14 ) وإن قبض فهو أسوة للغرماء
19 - باب الرجل يشتري الشيء أو يبيعه فيغبن ( 1 ) فيه أو ( 2 ) يسعر ( 3
) على المسلمين787 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر : أن رجلا ( 1 ) ذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه يخدع ( 2 ) في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : من بايعته فقل : لا خلابة ( 3 ) . فكان الرجل إذا باع فقال : لا خلابة
قال محمد : نرى ( 4 ) أن هذا كان لذلك الرجل خاصة
_________
( 1 ) فيغبن : بصيغة المجهول يقال : غبنه مغبون أي خدعه وحصل له نقصان
( 2 ) أو : قال القاري : أو لتوزيع الباب فهو عطف على ( يشتري )
( 3 ) يسعر : معروف غائب من التسعير ( وفي الأثر : جواز العمل بالتسعير من الحاكم وبه قال ابن عمر وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وهو وجه للشافعية في حالة الغلاء وفيما عدا قوت الآدمي عند الزيدية ومن أجازه كمالك عمه في حالات الغلاء والرخص وفي طعام الآدمي والحيوان وفي الإدام وسائر الأمتعة . نيل الأوطار 5 / 186 . وفي " الهداية " : لا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس إلا إذا تعلق به دفع ضرر العامة فحينئذ لا بأس به . انظر هامش الكوكب الدري 2 / 339 ) وهو تقدير سعر على التجار
( 1 ) قوله أن رجلا لم يسم الرجل في هذه الرواية ولأحمد وأصحاب السنن والحاكم من حديث أنس أن رجلا من الأنصار كان يبايع على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان في عقدته - أي رأيه وعقله - ضعف وكان يبتاع فأتوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فنهاه عن البيع فقال : إني لا أصبر على البيع فقال : إذا بايعت فقل : لا خلابة . ووقع في رواية الحاكم والطبراني والشافعي والدارقطني : أن ذلك الرجل حبان بالفتح وتشديد الباء ابن منقذ بذال معجمة بعد قاف مكسورة ابن عمرو الأنصاري ووقع عند ابن ماجه والبخاري في " التاريخ " أن القصة لوالده منقذ بن عمرو وجعله ابن عبد البر أصح كذا في " التلخيص " ( 3 / 21 )
( 2 ) مجهول أي يغبن في المبايعة
( 3 ) قوله : فقل لا خلابة ( بكسر المعجمة وتخفيف اللام : أي لا خديعة . وقد ذهب الشافعية والحنفية إلى أن الغبن غير لازم فلا خيار للمغبون سواء قل الغبن أو كثر وأجابوا عن الحديث بأنها واقعة وحكاية حال قال ابن العربي : إنه كله مخصوص بصاحبه لا يتعدى إلى غيره . وقال مالك في بيع المغابنة : إذا لم يكن المشتري ذا بصيرة كان له فيه الخيار وقال أحمد في بيع المسترسل : يكره غبنه وعلى صاحب السلعة أن يستقصي له وحكي عنه أنه قال : إذا بايع فقال : لا خلابة فله الرد . انظر بذل المجهود 15 / 173 . وبسط شيخنا الكلام على هذا الحديث في الأوجز 11 / 388 فارجع إليه ) بالكسر أي لا نقصان ولا غبن أي لا يلزم مني خديعتك زاد في رواية البخاري في " التاريخ " والحاكم والحميدي وابن ماجه : وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاثة أيام . وقال التوربشتي : لقنه هذا القول ليلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة ليرى له ما يرى لنفسه . وكان الناس في ذلك الزمان إخوانا لا يغبنون أخاهم المسلم وينظرون له أكثر ما ينظرون لأنفسهم
( 4 ) قوله : نرى أي نظن أن هذا الحكم خاص به وللنبي صلى الله عليه و سلم أن يخص من شاء بما شاء . قال النووي : اختلف العلماء في هذا الحديث فجعله بعضهم خاصا به : وأنه لا خيار بغبن وهو الصحيح وعليه الشافعي وأبو حنيفة وقيل : للمغبون الخيار لهذا الحديث بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة . انتهى . وقال ابن عبد البر : قال بعضهم : هذا خاص بهذا الرجل وحده وجعل له الخيار ثلاثة أيام اشترطه أو لم يشترطه لما كان فيه الحرص على المبايعة مع ضعف عقله ولسانه وقيل : إنما جعل له أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثا مع قوله : لا خلابة
788 - أخبرنا مالك أخبرنا يونس ( 1 ) بن يوسف عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب مر على حاطب ( 2 ) بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق ( 3 ) فقال له عمر : إما أن تزيد ( 4 ) في السعر وإما أن ترفع ( 5 ) من سوقنا
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي أن يسعر على المسلمين فيقال لهم ( 6 ) : بيعوا كذا وكذا بكذا وكذا ويجبروا ( 7 ) على ذلك . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : يونس بن يوسف بن حماس بالكسر من عباد أهل المدينة ثقة قال ابن حبان : هو يوسف بن يونس . ووهم من قلبه كذا في " التقريب "
( 2 ) قوله : حاطب بن أبي بلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الفوقية والمهملة عمرو بن عمير اللخمي حليف بني أسد شهد بدرا ومات في سنة 30 ، قاله الزرقاني
( 3 ) أي بالمدينة
( 4 ) أي بأن تبيع بمثل ما يبيع أهل السوق وقال القاري : إن ( لا ) ههنا محذوفة أي بأن لا تزيد ولا حاجة إليه
( 5 ) أي متاعه لئلا يضر بأهل السوق وبغيرهم
( 6 ) أي لا يجوز له التسعير بسعر معين عليهم
( 7 ) فإن قال ذلك على سبيل المشورة لا بأس به
20 - باب الاشتراط في البيع وما يفسده
789 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود : اشترى من امرأته ( 1 ) الثقفية جارية ( 2 ) واشترطت عليه ( 3 ) أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الذي تبيعها ( 4 ) به فاستفتى ( 5 ) في ذلك عمر بن الخطاب فقال : لا تقربها ( 6 ) وفيها شرط لأحد ( 7 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . كل شرط ( 8 ) اشترط البائع على المشتري أو المشتري على البائع ليس من شروط ( 9 ) البيع وفيه ( 10 ) منفعة للبائع أو المشتري فالبيع فاسد . وهو ( 11 ) قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : امرأته الثففية بفتحتين نسبة إلى ثقيف قبيلة وهي زينب بنت عبد الله بن معاوية بن عتاب بن الأسعد بن غاضرة صحابية لها رواية عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن زوجها وروى عنها ابن أخيها وبسر بن سعيد كذا في " استيعاب ابن عبد البر "
( 2 ) أي مملوكة لها
( 3 ) أي على زوجها المشتري
( 4 ) أي في ذلك الوقت وإن كان زائدا على ثمنها في الحال
( 5 ) أي سأل ابن مسعود عن حكم هذا العقد
( 6 ) أي الجارية المشتراة
( 7 ) أي من البائع والمشتري
( 8 ) قوله : كل شرط لخ الضابط فيه على ما في " الهداية " وشروحها أن كل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين أو المعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق يفسد البيع إذا لم يكن متعارفا ولم يرد به الشرع كشرط الأجل في الثمن والمثمن وشرط الخيار ولم يكن متضمنا للتواثق كالشرط بشرط الكفيل بالثمن فإنه جائز . وذلك كمن اشترى حنطة على أن يطحنها البائع أو ثوبا على أن يخيطه أو عبدا على أن لا يبيعه المشتري بعد ذلك أو لا يبيعه إلا منه ونحو ذلك . فإن كان مقتضى العقد لا يفسد كشرط الملك للمشتري وتسليم الثمن ونحو ذلك وكذا إذا لم يكن فيه نفع لأحد المتبايعين أو فيه نفع للمعقود عليه وليس من أهل الاستحقاق كمن باع ثوبا أو حيوانا سوى الرقيق على أن لا يبيعه ولا يهبه وكذا إذا كان متعارفا كما إذا اشترى نعلين بشرط أن يحذوه البائع والفروع مبسوطة في كتب الفروع ( بسط شيخنا بعضها في الأوجز 11 / 83 )
( 9 ) أي ليس من مقتضياته
( 10 ) أي والحال أن في ذلك الشرط
( 11 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وبه قال الشافعي إلا أنه خصه بما سوى شرط العتق واستثنى البيع مع شرط العتق منه وهو رواية عن أبي حنيفة بدليل حديث بريرة في " الصحيحين " : أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أن تشتريها عائشة وتشترط الولاء لمواليها فإنما الولاء لمن أعتق . وسيجيء هذا الحديث مع ما له وما عليه وبه تعلق ابن أبي ليلى فقال : البيع جائز والشرط باطل مطلقا وقال ابن شبرمة : البيع والشرط جائزان مستدلا بما روي عن جابر : بعت من النبي صلى الله عليه و سلم ناقة وشرط لي حملانها إلى المدينة أخرجه الحاكم وغيره . ونحن نقول شرط جابر لم يكن في صلب العقد وحديث النهي العام يقدم على حديث بريرة الخاص لتقدم النافي على المبيح . وزيادة تفصيل هذه المسألة في " فتح القدير "
790 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول : لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدته ( 1 ) إن شاء باعها وإن شاء وهبها وإن شاء صنع بها ما شاء
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهذا ( 2 ) تفسير : أن العبد لا ينبغي أن يتسرى ( 3 ) لأنه إن وهب لم يجز هبته كما يجوز هبة الحر فهذا معنى قول عبد الله بن عمر . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : إلا وليدته كأنه أراد أنه لا يطأ الرجل جارية إلا جارية له مملوكة ملكا صحيحا إن شاء باعها أو وهبها وإن لم يشأ لم يفعل وصنع بها ما شاء من العتق والتدبير وغير ذلك والجارية التي ليست كذلك لا يحل وطؤها فإنها إما مملوكة للغير كجارية الزوجة والوالدين أو مملوكة له ملكا فاسدا كما إذا اشتراها بالبيع بشرط أن لا يبيعها ولا يهبها ونحو ذلك فلا يحل وطؤها لأنها مملوكة ملكا خبيثا ولا يجوز له بيعها وشراؤها والتصرف فيها بل يجب الإقالة من العقد السابق . وعلى هذا يطابق هذا الأثر ترجمة الباب مطابقة ظاهرة جعل صاحب الكتاب هذا الأثر تفسيرا لقولهم : إن العبد لا يحل له أن يتسرى أي يأخذ جارية ويطأها وحمله على معنى أن لا يطأ الرجل إلا وليدته التي يملك فيها التصرفات ما شاء وهذا مختص بالحر فإن العبد المملوك للغير إن ملك جارية كما إذا كان مأذونا لا يجوز له هبتها فلا يحل له وطؤها وإن أذن له المولى . وهذا المعنى وإن كان يمكن استنباطه لكنه أجنبي عما ترجم به الباب إلا أن يكون غرضه منه مجرد ذكر الإشارة إليه . ثم وجدت في " شرح معاني الآثار " ما يوافق ما فهمته ففيه : نا فهد نا أبو غسان نا زهير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : لا يحل فرج إلا فرج إن شاء صاحبه باعه وإن شاء وهبه وإن شاء أمسكه لا شرط فيه . نا محمد بن النعمان نا سعيد بن منصور نا هشيم أخبرنا يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يكره أن يشتري الرجل الأمة على أن لا يبيع ولا يهب فقد أبطل عمر بيع عبد الله وتابعه عبد الله على ذلك . انتهى . ثم وجدت في " الدر المنثور " للسيوطي في تفسير سورة المؤمنين عند قوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون ) الآية ( سورة المؤمنون : الآية 5 ) أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن عمر : أنه سئل عن امرأة أحلت جاريتها لزوجها ؟ فقال : لا يحل لك أن تطأ فرجا إلا أن شئت بعت وإن شئت وهبت وإن شئت أعتقت . وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن وهب قال : قال رجل لابن عمر : إن أمي كان لها جارية فإنها أحلتها لي أطواف عليها فقال : لا يحل لك إلا أن تشتريها أو تهبها لك . انتهى . وعلى هذا يفيد الأثر أمرا آخر هو إبطال تحليل الفروج وعاريتها وهبتها وعدم جواز الوطء بنحو ذلك
( 2 ) أي هذا القول من ابن عمر
( 3 ) من التسري وهو أخذ الجارية للوطء
21 - باب من باع نخلا مؤبرا ( 1 ) أو عبدا وله مال
791 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من باع ( 1 ) نخلا قد أبرت فثمرتها ( 2 ) للبائع إلا أن يشترطها ( 3 ) المبتاع_________
( 1 ) قوله : مؤبرا من التأبير وهو التشقيق والتلقيح ( قال ابن عبد البر : إلا أنه لا يكون حتى يتشقق الطلع وتظهر الثمرة فعبر به عن ظهور الثمرة للزومه منه والحكم متعلق بالظور دون نفس التلقيح بغير اختلاف بين العلماء . لامع الدراري 6 / 138 . وفي الحديث عدة أبحاث بسط شيخنا الكلام عليه في الأوجز 11 / 94 ) يعني شق طلع النخلة بشيء ليذر فيه شيئا من طلع النخل الذكر ليكون ذلك أجود وهو خاص بالنخل وكان أهل المدينة يفعلونه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أجازه قاله النووي وغيره
( 1 ) قوله : من باع نخلا مؤبرا خص النخل مع ان غيره في حكمه لكثرته في المدينة وظاهر القيد بالتأبير يقتضي أنه لو لم يكن مؤبرا فليس كذلك على طريق مفهوم المخالفة وبه قال مالك والشافعي إن الثمرة للمشتري مطلقا إذا لم تؤبر وعندنا القيد اتفاقي والحكم غير مختلف . واستدل الطحاوي به في " شرح معاني الآثار " على جواز بيع الثمار قبل بدو صلاحها وقد مر تفصيله
( 2 ) قوله : فثمرتها إلخ لأن العقد إنما وقع على رقبة النخل والاتصال وإن كان خلقة لكنه ليس للقرار بل للقطع بخلاف بيع العرصة يدخل فيه البناء
( 3 ) قوله : إلا أن يشترطها المبتاع أي المشتري بأن يقول : اشتريت النخلة بثمرها وكذا إذا قال اشتريت العبد بماله فإنه يدخل فيه المال لكن لا بد أن يكون المال معلوما عند الشافعي وأبي حنيفة للاحتراز عن الغرر ظاهر مذهب المالكية والحنابلة والظاهرية الإطلاق . ويستفاد من أمثال هذه الأحاديث أن الشرط الذي لا ينافي العقد لا يفسد كذا في " شرح المسند "
792 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر : أخبرنا مالك عمر بن الخطاب قال : من باع ( 1 ) عبدا وله مال ( 2 ) فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة
_________
( 1 ) قوله : قال من باع إلخ هذا موقوف في رواية نافع ورفعه سالم عن أبيه أخرجه البخاري ومسلم ورواه النسائي من طريق سالم عن أبيه عن عمر مرفوعا وفيه ضعيف
( 2 ) قوله : وله مال . . إلخ استدل به المالكية على أن العبد يملك قال أحمد والشافعي في القديم : يملك إذا ملكه سيده مالا وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد : لا يملك أصلا واللام للاختصاص والانتفاع كذا في " شرح المسند "
22 - باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج أو تهدى إليه
793 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن ( 1 ) عبد الرحمن بن عوف اشترى من عاصم بن عدي جارية فوجدها ( 2 ) ذات زوج فردها ( 3 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا يكون ( 4 ) بيعها طلاقها ( 5 ) فإذا كانت ذات زوج فهذا ( 6 ) عيب ترد به . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) في بعض النسخ : أن عبد الرحمن بن عوف قال : إنه اشترى
( 2 ) أي ظهر له بعد الشراء أنها ذات زوج
( 3 ) أي بخيار العيب
( 4 ) أي لا يكون بيع الجارية المتزوجة طلاقا وفرقة من زوجها كما قاله بعض العلماء
( 5 ) في نسخة : طلاقا
( 6 ) قوله : فهذا عيب قال في " المحيط " وغيره : النكاح والدين عيب في العبد والجارية وعند الشافعي إن كان الدين عن شراء أو استقراض بغير إذن المولى فليس بعيب لأنه يتأخر إلى ما بعد العتق
794 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب : أن عبد الله ( 1 ) بن عامر أهدى ( 2 ) لعثمان بن عفان جارية من البصرة ولها زوج فقال عثمان : لن أقربها ( 3 ) حتى يفارقها زوجها فأرضى ابن عامر زوجها ففارقها ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : أن عبد الله قال الزرقاني : هو ابن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي ولد في العهد النبوي وأتي به إليه فتفل عليه قال ابن حبان : له صحبة ولاه ابن خاله عثمان بن عفان البصرة سنة 29 هـ وافتتح خراسان وكرمان مات بالمدينة سنة سبع أو ثمان وخمسين وأبوه صحابي من مسلمة الفتح
( 2 ) أي وهب
( 3 ) أي لن أطأها لحرمتها علي
( 4 ) أي طلقها فحلت لعثمان بعد العدة
23 - باب ( 1 ) عهدة الثلاث والسنة
795 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر ؟ قال : سمعت أبان بن عثمان وهشام ( 1 ) بن إسماعيل يعلمان الناس عهدة الثلاث والسنة يخطبان ( 2 ) به على المنبرقال محمد : لسنا نعرف ( 3 ) عهدة الثلاث ولا عهدة السنة إلا أن يشترط ( 4 ) الرجل خيار ثلاثة أيام أو خيار سنة فيكون ذلك على ما اشترط ( 5 ) وأما في قول أبي حنيفة فلا يجوز الخيار ( 6 ) إلا ثلاثة أيام
_________
( 1 ) قوله : باب عهدة الثلاث والسنة قال مالك : ما أصاب العبد أو الوليد في الأيام الثلاثة من حين يشتريان حتى تنقضي الثلاثة فهو من البائع وإن عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص فإذا مضت السنة فقد برىء البائع من العهدة كلها . قال الزرقاني ( شرح الزرقاني 3 / 254 ) : إنما يقضى بهما إن شرطا أو اعتيدا في رواية أهل مصر عن مالك وروى المدنيون عنه يقضى بهما مطلقا . انتهى . وفي كتاب " الحجيج " وهو من تصانيف عيسى بن أبان القاضي من تلامذة المؤلف وصاحبه على ما ذكره الكفوي في " طبقات الحنفية " - وقيل من تأليفات المؤلف محمد عن أبي حنيفة - : إذا اشترى العبد أو الوليدة بغير البراءة فقبض ما اشترى فأصاب العبد شيء أو حدث به عيب في الأيام الثلاثة أو بعد ذلك من جنون أو جذام أو برص أو غير ذلك لم يقدر المشتري على أن يرد العبد بما حدث عنده لأنه حدث عنده فكيف يرده بأمر حدث عنده . وقال أهل المدينة : ما أصاب العبد أو الجارية عند المشتري في الأيام الثلاثة يرده فإذا مضت الأيام الثلاثة لم يرده من شيء إلا من ثلاث خصال الجنون والجذام البرص فإذا أصابه شيء من هذه الثلاثة في السنة من حين يشتريه رده بذلك فإذا مضت السنة فقد برئ البائع من العهدة كلها ( وكان الشافعي لا يعتبر الثلاث والسنة في شيء منها وينظر إلى العيب فإن كان حدث مثله في تلك المدة التي اشتراه فيها إلى وقت الخصومة فالقول قول البائع مع يمينه وإن كان لا يمكن حدوثه في تلك المدة رد على البائع وضعف أحمد حديث العهدة وقال : لا يثبت في العهدة حديث كذا أفاده الشيخ في " البذل " . أوجز المسالك 11 / 64 ) . انتهى
( 1 ) قوله : وهشام هو ابن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي والي المدينة لعبد الملك بن مروان ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات "
( 2 ) قوله : يخطبان به على المنبر قال الزرقاني : فالعمل به أمر قائم بالمدينة قال الزهري : والقضاة منذ أدركنا يقضون بهما . وروى أبو داود عن الحسن البصري عن عقبة مرفوعا : عهدة الرقيق ثلاث . ولم يسمع الحسن من عقبة وروى ابن أبي شيبة عن الحسن عن سمرة مرفوعا : عهدة الرقيق ثلاثة أيام . وفي سماع الحسن من سمرة خلاف
( 3 ) قوله : لسنا نعرف يعني في الشرع بالطريق الذي يجب به العمل فإن عهدة الثلاث والسنة إن كان من فروع خيار العيب فليس بمنكر وإلا فلم يثبت إلا خيار الشرط أو العيب أو خيار الرؤية أو خيار التعيين أو نحو ذلك قال في كتاب " الحجج " ( ص 201 ) : لو كان عندكم في ذلك حديث مفسر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو عن أحد من أصحابه لاحتججتم به وإنما هذا رأي منكم اصطلحتم عليه وليس يقبل هذا منكم إلا بالحجة والبرهان وكيف فرقتم بين الرقيق في هذا وبين الدواب وهو حيوان يحدث فيهما شيء كما يحدث في الحيوان
( 4 ) قوله : إلا أن يشترط يشير إلى أن العهدة المنقولة إن كانت بالشرط يدخل في خيار الشرط فيعتبر بما شرطا لكن لا تخصيص له بالثلاث والسنة وإلا فلا
( 5 ) قوله : على ما اشترط سواء كان خيار شهر أو سنة أو أكثر وبه قال أبو يوسف ومحمد واستدل لهما بحديث " المسلمون على شروطهم " : وذكر صاحب " الهداية " في دليلهما : أن ابن عمر أجاز الخيار إلى شهرين وقال في العناية لهما حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم أجاز الخيار إلى شهرين وقال الأنزاري : روى أصحابنا في شروح " الجامع الصغير " إن ابن عمر أجاز الخيار إلى شهرين وكذا ذكره فخر الإسلام وقال العتابي : إن ابن عمر باع بشرط الخيار شهرا وقال في : المختلف : روي أنه باع جارية وجعل المشتري الخيار إلى شهرين وهذا كله لم يثبت بإسناد صحيح كذا في " البناية " وقد يستدل لهما بأن الخيار إنما شرع للحاجة إلى الفكر والتأمل وقد تمس الحاجة إلى الأكثر فصار كالتأجيل في الثمن
( 6 ) قوله : فلا يجوز الخيار إلا إلى ثلاثة أيام وبه قال زفر والشافعي وأحمد وحجتهم حديث حبان بن منقذ وقد مر ذكره من قبل
24 - باب بيع ( 1 ) الولاء
796 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 1 ) نهى ( 2 ) عن بيع الولاء وهبتهقال محمد : وبهذا نأخذ ( 3 ) . لا يجوز بيع الولاء ولا هبته وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : بيع الولاء قال القاري : بفتح الواو والمد لغة بمعنى المقاربة والمناصرة وشرعا : عبارة عن عصوبة النسب يرث منها المعتق وقد ورد : " الولاء لمن أعتق " رواه أحمد والطبراني عن ابن عباس وفي رواية : " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " رواه الطبراني عن عبد الله بن أبي أوفى والحاكم والبيهقي عن ابن عمر
( 1 ) قوله : أن رسول الله إلخ هكذا أخرجه أبو حنيفة عن عطاء بن يسار عن ابن عمر وعند الشيخين وغيره من طريق ابن دينار عن ابن عمر وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح واعتنى أبو نعيم بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار فأورده عن خمسة وثلاثين نفسا عنه وأخرجه أبو عوانة في " صحيحه : من طريق عبيد الله بن عمرو بن دينار وعمرو بن دينار كلهم عن ابن عمر وعند الدارقطني في " غرائب مالك " عن عبد الله بن دينار عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه وظاهره أن ابن دينار لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر وليس كذلك ففي " مسند الطيالسي " أن شعبة قال له : أسمعت ابن عمر وليس يقول هذا ؟ فحلف بسماعه وفي الباب أخبار كثيرة والتفصيل في " شروح المسند "
( 2 ) لكونه ليس بمال
( 3 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال الجمهور سلفا وخلفا إلا ما روى عن ميمونة أنها وهبت سليمان بن يسار لابن عباس وروى عبد الرزاق عن عطاء جواز أن يأذن السيد لعبد أن يوالي من شاء وجاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن عروة وابن عباس . ولعلهم لم يبلغهم الحديث وقد أنكر ذلك ابن مسعود في زمان عثمان وقال : أيبيع أحدكم نسبه ؟ أخرجه عبد الرزاق كذا في " فتح الباري " وغيره
797 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم : أرادت أن تشتري وليدة ( 1 ) فتعتقها فقال أهلها ( 2 ) : نبيعك على أن ولاءها ( 3 ) لنا فذكرت ذلك ( 4 ) لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لا يمنعك ( 5 ) ذلك فإنما الولاء لمن أعتق ( 6 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . الولاء لمن أعتق لا يتحول ( 7 ) عنه وهو كالنسب ( 8 ) . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : وليدة أي جارية هي بريرة بفتح الباء وكسر الراء الأولى كما صرح به أبو حنيفة في روايته عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وكانت مكاتبة لقوم من الأنصار وقيل لبني هلال والحديث مروي في الصحيحين والسنن وغيرها وفي بعض الروايات : أنها جاءت إلى عائشة تستعين بها في كتابتها وفي بعضها عن عائشة : جاءت بريرة فقالت : كاتب أهلي على تسع أواق ( قد اختلفت الروايات في قصة بريرة وجمع بينها شيخ شيخنا في البذل 16 / 261 ، فارجع إليه ) في كل عام أوقية فأعينيني فقالت : إن أحبوا أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك فعلت ويكون ولاؤك لي فأبوا ذلك إلا أن يكون الولاء لهم . وظاهره يدل على جواز بيع المكاتب إذا رضي بذلك ولو لم يعجز نفسه وهو قول الأوزعي والليث ومالك وابن جرير وابن المنذر ومنعه أبو حنيفة والشافعي في أصح القولين وبعض المالكية وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها واستعانتها بعائشة يدل على ذلك وهو يحتاج إلى دليل وذهب جمع من العلماء إلى جواز بيع المكاتب إذا وقع التراضي بذلك كذا في " شرح المسند "
( 2 ) أي مالكوها المكاتبون
( 3 ) أي بشرط أن يكون ولاؤك لنا لا لها
( 4 ) أي شرطهم
( 5 ) قوله : لا يمنعك ذلك أي لا يمنعك من الشراء شرطهم فإن الشرط باطل شرعا وظاهره أن البيع بالشرط الفاسد جائز والشرط باطل وبه قال قوم وخصه قوم بشرط العتق وقد مر البحث فيه وللطحاوي في " شرح معاني الآثار " كلام طويل محصله بعد روايات هذه القصة أن الاشتراط من أهل بريرة لم يكن في البيع بل في أداء عائشة الكتابة إليهم بدليل رواية عروة عن عائشة جاءت بريرة فقالت : إني كاتبت أهلي على تسع أواق فأعينيني ولم يكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة : ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت فأبوا وقالوا : إن شاءت أن تحسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت عائشة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لا يمنعك ذلك - أي لا ترجعين لهذا المعنى عما كنت نويت في عتاقها من الثواب - اشتريها فأعتقيها فكان ذكر الشراء ههنا ابتداء من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يكن قبل بين عائشة وأهل بريرة . انتهى ملخصا . وغير خفي على الماهر العارف بطرق القصة أن ما أولها به ليس بصحيح وأن كثيرا من الطرق دالة على أن ذكر البيع كان جرى قبل ذلك وأن الشرط كان في البيع ( قال السندي على البخاري : هذا مشكل جدا لأنه شرط مفسد ومع ذلك تغرير للبائع والخديعة له وأوله بعضهم لكن السوق يأباه فالوجه أنه شرط مخصوص بهذا البيع وقع لمصلحة اقتضته وللشارع التخصيص في مثله . وقريب منه ما قاله في الكوكب الدري
وقال الرازي في التفسير الكبير : إن اللام بمعنى على أي اشترطي عليهم الولاء . بذل المجهود 16 / 362 ) ورواية عروة مختصرة والحديث يفسر بعض طرقه بعضا
( 6 ) أي وشرط غير المعتق يكون الولاء له باطل شرعا
( 7 ) أي لا ينتقل منه لا بالشرط ولا بسبب من أسباب الانتقال
( 8 ) أي في اللزوم
25 - باب بيع أمهات ( 1 ) الأولاد
798 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر قال ( 1 ) : قال عمر بن الخطاب : أيما وليدة ( 2 ) ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها ( 3 ) وهو يستمتع ( 4 ) منها فإذا مات فهي حرةقال محمد : وبهذا ( 5 ) نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) هي الإماء اللاتي يطأها مولاها وتلد منه ويدعي نسبه
( 1 ) قوله : قال : قال عمر هذا موقوف على عمر وعند الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا : إذا أولد الرجل أمته ومات عنها فهي حرة وقال الدارقطني : الصحيح وقفه على ابن عمر عن عمر وكذا قال البيهقي وعبد الحق وقال ابن دقيق العيد : المعروف فيه الوقف الذي رفعه ثقة وفي الباب عن ابن عباس مرفوعا : أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه أخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وله طرق وفي إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف جدا . وعنه أنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في مارية التي استولدها النبي صلى الله عليه و سلم : أعتقها ولدها أخرجه ابن ماجه والبيهقي وفي سنده ضعيف . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : سمعت عبيدة السلماني قال : سمعت عليا يقول : اجتمع رأيي ورأي ابن عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ثم رأيت بعد ذلك أن يبعن فقلت له : رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك . وأخرج نحوه البيهقي وأخرج عبد الرزاق بسند حسن رجوع علي عن الجواز وقال الخطابي : يحتمل أن يكون بيع أمهات الأولاد مباحا في زمن الرسول صلى الله عليه و سلم ونهى عنه في آخر حياته فلم يشتهر ذلك النهي فلما بلغ عمر أجمعوا على النهي ومما يدل على الإباحة في العهد النبوي حديث جابر : كنا نبيع أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه و سلم حي لا نرى بذلك بأسا أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن حبان وأبو داود وابن أبي شيبة كذا في " التلخيص الحبير " للحافظ ابن الحجر
( 2 ) أي جارية
( 3 ) قال القاري : بالتشديد والتخفيف أي لا يعطيها الإرث من ماله
( 4 ) أي ينتفع بها في حياته بالخدمة والوطء
( 5 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال الأئمة الثلاثة خلافا لبشر بن غياث وداود الظاهري ومن تبعه وذكر ابن حزم أن جواز البيع مروي عن أبي بكر وعلي وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وزيد بن ثابت وغيرهم كذا في " البناية "
26 - باب بيع الحيوان ( 1 ) بالحيوان نسيئة ( 2 ) ونقدا
799 - أخبرنا مالك أخبرنا صالح بن كيسان أن الحسن ( 1 ) بن محمد بن علي أخبره ( 2 ) أن علي بن أبي طالب باع جملا ( 3 ) له يدعى ( 4 ) عصيفيرا ( 5 ) بعشرين بعيرا إلى أجل_________
( 1 ) نسأ كان أو غير نسأ
( 2 ) قوله : نسيئة ونقدا قال شارح المسند : لم يختلف العلماء في جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد . وإذا كان نسيئة فعن أحمد ثلاث روايات : إحداها : الجواز مطلقا وثانيتها : المنع مطلقا وثالثتها : إن كانت من جنس واحد لم يجز بيع بعضها ببعض وإن كانت من جنسين جازت النسيئة وهو قول مالك والشافعي ومنع أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في رواية النسيئة مطلقا ( تمسك الأولون بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وما ورد في معناه من الآثار وأجابوا عن حديث سمرة بما فيه من المقال واحتج المانعون بحديث سمرة وجابر وابن عباس وما في معناه من الآثار وبعضها يقوي بعضا فهي أرجح من حديث عبد الله بن عمر ودليل التحريم أرجح من دليل الإباحة . وأما الآثار الواردة عن الصحابة فلا حجة فيها وعلى فرض ذلك فهي مختلفة . انظر بذل المجهود في حل أبي داود 11 / 14 )
( 1 ) قوله : الحسن هو الحسن بن محمد المعروف بابن الحنفية بن علي بن أبي طالب كما ذكره الزرقاني لا الحسن بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب كما ظنه القاري وقد اشتبه المحمدين وأحد العليين بالآخر
( 2 ) فيه انقطاع فإن الحسن لم يدرك عليا
( 3 ) بفتحتين أي بعيرا
( 4 ) بصيغة المجهول أي يسمى
( 5 ) بلفظ تصغير عصفور
800 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عبد الله بن عمر اشترى راحلة ( 1 ) بأربعة أبعرة ( 2 ) مضمونة ( 3 ) عليه يوفيها ( 4 ) إياه بالربذة
قال محمد : بلغنا عن علي بن أبي طالب خلاف هذا ( 5 )
_________
( 1 ) أي ناقة قوية ترحل عليها
( 2 ) بوزن أفعلة جمع بعير
( 3 ) أي ثابتة في ذمة ابن عمر إلى أجل
( 4 ) قوله : يوفيها من التوفية أو الإيفاء أي يعطي ابن عمر تلك الأبعرة . إياه أي البائع . بالربذة بفتح الراء المهملة والباء الموحدة فذال معجمة : قرية قريب المدينة
( 5 ) أي خلاف ما دل عليه الأثران المذكوران
801 - أخبرنا ابن أبي ذؤيب ( 1 ) عن يزيد ( 2 ) بن عبد الله بن قسيط عن أبي حسن البزار ( 3 ) عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : أنه ( 4 ) نهى عن بيع البعير بالبعيرين إلى أجل والشاة بالشاتين إلى أجل . وبلغنا ( 5 ) عن النبي صلى الله عليه و سلم : نهى ( 6 ) عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : ابن أبي ذؤيب بصيغة التصغير ذكره ابن حبان في " ئقات التابعين " حيث قال : إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب الأسدي الحجازي يروي عن ابن عمر روى عنه ابن أبي نجيح ومن قال : إنه ابن أبي ذئب فقد وهم . انتهى . وذكر في " تهذيب التهذيب " أنه إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب وقيل أبي ذؤيب روى عن ابن عمر وعطاء بن يسار وعنه ابن أبي نجيح وثقه الدارقطني وأبو زرعة وابن سعد . انتهى ملخصا . وأما ابن أبي ذئب فهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب المدني روى عن عكرمة ونافع وخلق وعنه معمر وابن المبارك ويحيى القطان ذكره الذهبي في " الكاشف "
( 2 ) قال ابن حجر في " التقريب " : يزيد بن عبد الله بن قسيط مصغرا ابن أسامة الليثي أبو عبد الله المدني الأعرج ثقة مات سنة 122 هـ
( 3 ) قوله : البزار بتشديد الزاي المعجمة آخره راء مهملة نسبة إلى بيع البزر كما أن البزاز بالمعجمتين نسبة إلى بيع البز أي الثياب ذكره السمعاني
قال ابن حبان في " ثقات التابعين " : أبو الحسن البزار يروي عن علي : لا يصح الحيوان بالحيوان نسيئة روى عنه أبو العميس . انتهى
( 4 ) قوله : أنه نهى وعند عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عن علي : كره بعيرا ببعيرين نسيئة . وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عنه فهذا يخالف ما أخرجه مالك عن علي . وجاء عن ابن عمر أيضا ما يخالف ما رواه عنه فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه سأل ابن عمر عن بعير ببعيرين إلى أجل فكرهه قال الحافظ في " التلخيص " : يمكن الجمع بأنه كان يرى فيه الجواز وإن كان مكروها على التنزيه . انتهى
( 5 ) قوله : وبلغنا إلخ هذا البلاغ قد أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " بطرقه من حديث سمرة وابن عمر وابن العباس وجابر وجعله ناسخا لما جاء في الجواز وأخرج عن ابن مسعود : السلف في كل شيء إلى أجل مسمى ما خلا الحيوان وكذا أخرجه عن حذيفة . وفي " شرح المسند " : استدلوا في ذلك بما أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ووصححه الترمذي وقال غيره : رجاله ثقات ورواه ابن حبان والدارقطني ورجاله ثقات أيضا وأخرجه الترمذي أيضا من حديث جابر بإسناد لين . واحتج من أجاز بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص ( قلائص : جمع قلوص وهي الناقة الشابة مجمع بحار الأنوار 4 / 313 ) الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة أخرجه أبو داود والدارقطني قال الحافظ : إسناده قوي وجاء أنه صلى الله عليه و سلم استسلف بعيرا بكرا - البكر : الصغير من الإبل والرباعي بالفتح : ما له ست سنين قاله ابن حجر - وقضى رباعيا أخرجه البخاري . وأخرج عبد الرزاق أن رافع بن خديج اشترى بعيرا ببعيرين فأعطى أحدهما وقال : آتيك بالآخر غدا وهو قول ابن المسيب وابن سيرين . وحيث تعارضت الأدلة في بيع الحيوان نسيئة يقدم الحظر فترجح الأدلة السابقة
( 6 ) في نسخة : أنه نهى
27 - باب الشركة ( 1 ) في البيع
802 - أخبرنا مالك أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أن أباه أخبره قال : أخبرني ( 1 ) أبي قال : كنت أبيع البز ( 2 ) في زمان عمر بن الخطاب وإن عمر قال : لا يبيعه ( 3 ) في سوقنا ( 4 ) أعجمي ( 5 ) فإنهم لم يفقهوا ( 6 ) في الدين ولم يقيموا في الميزان والمكيال . قال يعقوب : فذهبت إلى عثمان بن عفان فقلت له : هل لك ( 7 ) في غنيمة باردة ؟ قال : ما هي ؟ قلت : بز قد علمت مكانه ( 8 ) يبيعه صاحبه ( 9 ) برخص ( 10 ) لا يستطيع بيعه ( 11 ) أشتريه لك ثم أبيعه لك قال : نعم فذهبت فصفقت ( 12 ) بالبز ثم جئت به فطرحت ( 13 ) في دار عثمان فلما رجع عثمان فرأى العكوم ( 14 ) في داره قال : ما هذا ؟ قالوا ( 15 ) : بز جاء به يعقوب قال : ادعوه لي فجئت فقال : ما هذا ؟ قلت : هذا الذي قلت لك قال : أنظرته ( 16 ) ؟ قلت : كفيتك ( 17 ) ولكن رابه ( 18 ) حرس ( 19 ) عمر قال : نعم فذهب عثمان إلى حرس عمر فقال : إن يعقوب يبيع بزي فلا تمنعوه ( 20 ) قالوا : نعم ( 21 ) جئت بالبز السوق فلم ألبث ( 22 ) حتى جعلت ثمنه في مزود ( 23 ) وذهبت به ( 24 ) إلى عثمان وبالذي ( 25 ) اشتريت البز منه ( 26 ) فقلت ( 27 ) : عد الذي لك فاعتده وبقي مال كثير قال : فقلت لعثمان : هذا لك أما ( 28 ) إني لم أظلم به ( 29 ) أحدا قال : جزاك الله خيرا وفرح بذلك قال ( 30 ) : فقلت : أما إني قد علمت مكان بيعها مثلها أو أفضل قال : وعائد أنت ؟ قال : قلت : نعم إن شئت قال : قد شئت قال : فقلت : فإني باغ خيرا فأشركني قال : نعم بيني وبينكقال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس بأن يشترك الرجلان في الشراء ( 31 ) بالنسيئة وإن لم يكن لواحد منهم رأس مال على أن الربح بينهما والوضيعة ( 32 ) على ذلك قال : وإن ولي ( 33 ) الشراء والبيع أحدهما دون صاحبه ولا يفضل ( 34 ) واحد منهما صاحبه في الربح فإن ذلك ( 35 ) لا يجوز أن يأكل ( 36 ) أحدهما ربح ما ضمن صاحبه . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) بكسر الشين أي الاشتراك
( 1 ) قوله : أخبرني أبي هو يعقوب المدني مولى الحرقة مقبول وابنه عبد الرحمن الحرقي نسبة إلى حرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء المهملة بعدها قاف : بطن من همدان وقيل : من جهينة وهو الصحيح ابنه أبو شبل العلاء مولى الحرقة مات سنة 132 هـ ذكرهما ابن حبان في " الثقات " كذا في " التقريب " و " الأنساب "
( 2 ) بتشديد الباء بعدها زاء معجمة : أي الثياب
( 3 ) بصيغة الخبر مراد بها النهي وفي نسخة لا يبعه بالنهي
( 4 ) أي سوق المدينة
( 5 ) أي غير عربي
( 6 ) أي لم يعرفوا مسائل الشرع في المعاملات كالعرب
( 7 ) أي هل لك ميل إلى منفعة زائدة ؟
( 8 ) أي عرفت موضعا يباع فيه
( 9 ) أي مالكه
( 10 ) أي بسعر أرخص من سعر السوق
( 11 ) أي لأنه عجمي لا يقدر على بيعه بالسوق أو لغير ذلك
( 12 ) أي اشتريته من الصفقة وهو العقد
( 13 ) أي ألقيته فيه
( 14 ) بالضم بمعنى العدل
( 15 ) أي أهل بيت عثمان
( 16 ) أي أبصرته و تأملته ما فيه نقص
( 17 ) أي صرت لك كافيا عن هذه المؤنة
( 18 ) أي ألقاه في الريب والشك مخافة أن يمنعوه
( 19 ) بفتحتين : جمع الحارس أي حفاظ عمر في السوق المانعين عن بيع العجمي
( 20 ) أي من البيع في السوق
( 21 ) أي لا نمنعه
( 22 ) أي لم أمكث
( 23 ) بكسر الميم وفتح الواو : وعاء للزاد
( 24 ) أي بذلك الثمن
( 25 ) أي بائع البز
( 26 ) أي من ذلك الرجل
( 27 ) قوله : فقلت قال القاري : فقلت أي لبائعه : عد الذي لك أي من ثمنه فاعتده بتشديد الدال أي عده وأخذه وبقي مال كثير أي زائد على قدر ثمنه
( 28 ) حرف تنبيه
( 29 ) أي لم أنقص حق أحد
( 30 ) قوله : قال أي يعقوب فقلت لعثمان . أما حرف تنبيه . قد علمت مكان بيعها أي مكانا تباع فيه الثياب مثلها أي بمثلها في الفائدة أو أفضل أي أنفع مما بعته . قال عثمان : وعائد أنت ؟ أي أراجع أنت إلى مثل هذه الصفقة النافعة ؟ وهل تريد أن تشتري البز بالسعر الأرخص وتبيعه بالنفع ؟ قال يعقوب : قلت : نعم إن شئت أنت يا عثمان قال عثمان : قد شئت أنا مثل هذه المرابحة قال يعقوب : فقلت لعثمان : إني باغ - طالب خير - نفعا وفائدة . فأشركني بفتح الهمزة أي اجعلني لك شريكا في ما يحصل من الربح قال عثمان : نعم أنت شريك في الربح بيني وبينك أي الربح بيني وبينك على التناصف ( قال أبو عمر : أجمع العلماء على أن القراض سنة معمول بها . أوجز المسالك 11 / 407 )
( 31 ) أي شراء مال من غير نقد ثمنه بل مؤجلا
( 32 ) قوله : والوضيعة على وزن فعيلة بمعنى الخسران والنقصان يقال : وضع في تجارته إذا خسر ولم يربح وبيع الوضيعة بخلاف بيع المرابحة كذا في " المغرب " وغيره يعني لا بد أن يشترط الاشتراك في النقصان كما اشترط الاشتراك في الربح فإن شرط الربح دون الوضيعة فالشركة فاسدة
( 33 ) من الولاية أي باشر وعمل
( 34 ) أي لا يزيد واحد في الربح الآخر بل يستويان
( 35 ) أي ذلك العقد
( 36 ) بيان لسبب عدم الجواز أي سببه أن لا يأكل أحدهما ربح ما ضمنه الآخر أو بدل من ذلك أي لا يجوز ذلك وهو أن يأكل
28 - باب القضاء ( 1 )
803 - أخبرنا مالك أخبرنا مالك ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يمنع ( 1 ) أحدكم جاره أن يغرز ( 2 ) خشبة ( 3 ) في جداره ( 4 ) قال : ثم قال أبو هريرة : ما لي أراكم عنها معرضين ؟ والله لأرمين بها بين أكتافكمقال محمد : هذا ( 5 ) عندنا على وجه التوسع من الناس بعضهم على بعض وحسن الخلق فأما في الحكم فلا يجبرون على ذلك . بلغنا أن شريحا اختصم ( 6 ) إليه ( 7 ) في ذلك فقال للذي وضع الخشبة : ارفع رجلك ( 8 ) عن مطية ( 9 ) أخيك . فهذا الحكم في ذلك والتوسع أفضل
_________
( 1 ) القضاء : أي بعض ما يتعلق بقضاء القاضي
( 1 ) بصيغة النفي مرادا به النهي وفي رواية : بالنهي
( 2 ) أي يركز فوق جداره أو في وسط جداره
( 3 ) قوله : خشبة بفتحتين والتنوين بصيغة الواحد وفي رواية " خشبه " بالضمير بصيغة الجمع قال الحافظ في " التلخيص " : هذا الحديث متفق عليه ورواه الشافعي وأبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح وابن ماجه وفي الباب عن ابن عباس ومجمع بن جارية عند ابن ماجه وقال عبد الغني بن سعيد : كل الناس يقولون خشبه بالجمع إلا الطحاوي فإنه يقوله بلفظ الواحد قلت : لم يقله الطحاوي إلا نقلا عن غيره قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سألت ابن وهب عنه فقال : سمعت من جماعة " خشبة " على لفظ الواحد قال : وسمعت روح ابن الفرج يقول : سألت أبا زيد والحارث بن مسكين ويونس عنه فقالوا خشبة بالنصب والتنوين ورواية مجمع يشهد لمن رواه بالجمع
( 4 ) قوله : في جداره قال الزرقاني : النهي للتنزيه فيستحب أن لا يمنع عند الجمهور ومالك وأبي حنيفة والشافعي في الجديد جمعا بينه وبين قوله عليه السلام : لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه رواه الحاكم . وقال الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق وأصحاب الحديث : يجبر إن امتنع واشترط بعضهم تقدم استئذان الجار لرواية أحمد : من سأله جاره وكذا لابن حبان قال البيهقي : لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا ينكر أن يخصها وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بما حدث به يشير إلى قول أبي هريرة : ما لي أراكم عنها - أي عن هذه المقالة - معرضين . ففي " الترمذي " لما حدثهم بذلك طأطؤا رؤسهم فقال : والله لأرمين أي لأصرخن بهذه المقالة بين أكتافكم رويناه بالفوقية جمع كتف وبالنون جمع كنف بفتحها بمعنى الجانب قال ابن عبد البر : أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه فيستيقظ من غفلته أو الضمير للخشبة أي إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به لأجعلن الخشبة بين رقابكم كارهين وأراد به المبالغة قاله الخطابي . وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين وقال : إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة لكن عند ابن عبد البر من وجه آخر : لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم وهذا يرجح التأويل الأول
( 5 ) قوله : وهذا عندنا أي هذا الخبر عندنا محمول على الندب
( قال صاحب " المحلى " : أمر ندب عند أبي حنيفة وأمر إيجاب عند أحمد وإسحاق وأهل الحديث وللشافعي وأصحاب مالك قولان : أصحهما الندب كذا في الأوجز 11 / 227 . وقال الموفق : أما وضع الخشبة إن كان يضر بالحائط لضعفه عن حمله لم يجز بغير خلاف نعلمه لقوله صلى الله عليه و سلم : " لا ضرر ولا ضرار " وإن كان لا يضر به إلا أن به غنية عنه لإمكان وضعه على غيره فقال أكثر أصحابنا : لا يجوز أيضا وهو قول الشافعي وأبي ثور لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه فلم يجز وأشار ابن عقيل إلى الجواز لحديث الباب فأما إن دعت الحاجة إلى وضعه بحيث لا يمكنه التسقيف بدونه فإنه يجوز له وضعه بغير إذنه وبهذا قال الشافعي في القديم وقال في الجديد : ليس له وضعه وهو قول أبي حنيفة ومالك المغني 4 / 555 )
والأولوية لاستحباب التوسع على الناس وحسن الخلق في ما بينهم الذي مقتضاه عدم المنع فأما في الحكم الشرعي الظاهر الذي يتعلق بالقضاة فليس فيه جبر فإن منع فله المنع وإن لم يمنع فهو أحسن
( 6 ) بصيغة المجهول أي تخاصم بعضهم بعضا عنده
( 7 ) في نسخة : عنده
( 8 ) كناية عن رفع الخشبة عن الجدار
( 9 ) أي مركبه . وهذا من قبيل الأمثال الدائرة
29 - باب الهبة والصدقة
804 - أخبرنا مالك أخبرنا داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري ( 1 ) عن مروان بن الحكم أنه قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : من وهب ( 2 ) هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع ( 3 ) فيها ومن وهب هبة يرى ( 4 ) أنه إنما أراد بها الثواب ( 5 ) فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها ( 6 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . من وهب ( 7 ) هبة لذي رحم محرم أو على وجه صدقة فقبضها الموهوب له فليس للواهب أن يرجع فيها ومن وهب هبة لغير ذي رحم محرم وقبضها فله أن يرجع فيها إن لم يثب ( 8 ) منها أو يزد ( 9 ) خيرا ( 10 ) في يده ( 11 ) أو يخرج من ملكه ( 12 ) إلى ملك غيره . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) نسبة إلى مرة بطن من غطفان
( 2 ) قوله : من وهب هبة ( بسط الكلام عليه الباجي في المنتقى 6 / 116 ) أي شيئا موهوبا أو المعنى من فعل هبة على طريق التجريد بقصد صلة رحم أي قرابة أو وهبة للفقير على وجه الصدقة في سبيل الله فلا يجوز للواهب الرجوع فيه ومن وهب هبة مجردة لقصد الثواب دون الصلة والتصدق يجوز له الرجوع وهذا في " الموطأ " موقوف على عمر قال الحافظ في " التلخيص " : ورواه البيهقي من حديث ابن وهب عن حنظلة عن سالم بن عبد الله بن عمر نحوه قال : ورواه عبيد الله بن موسى عن إبراهيم عن حنظلة مرفوعا وهو وهم وصححه الحاكم وابن حزم وروى الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعا : إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع . وأخرجه الدارقطني ومن حديث ابن عباس بسند ضعيف
( 3 ) أي لا يجوز له ولا يعمل برجوعه
( 4 ) بصيغة المعروف أي يظن الواهب أو بصيغة المجهول
( 5 ) أي الجزاء والمكافأة الدنيوية والعوض
( 6 ) أي من تلك الهبة
( 7 ) قوله : من وهب هبة إلخ تفصيله بحيث تظهر فوائد قيوده على ما في " الهداية " وشروحه : أن الهبة لا تخلو إما أن تكون مقبوضة أو غير مقبوضة فإن كانت غير مقبوضة يجوز للواهب الرجوع فيها ويعمل برجوعه لأن الهبة غير ( في الأصل " الغير " وهو تحريف ) المقبوضة لا تفيد ملكا كما قال النخعي : لا يجوز الهبة حتى تقبض والصدقة تجوز قبل أن تقبض ويدل على اشتراط القبض حديث نحلة أبي بكر الصديق كما سيأتي وإن كانت مقبوضة فلا يخلو إما أن يكون لذي رحم محرم أي لذي قرابة المحرمية كالأصول والفروع وإما أن يكون لغيره سواء كان أجنبيا محضا أو كان ذا قرابة ولم يكن محرما كبني الأعمام أو كان محرما ولم يكن ذا رحم كالأخ الرضاعي فإن كان الأول فلا يصح الرجوع فيه لأن المقصود صلة الرحم وقد حصل وكذلك في هبة أحد الزوجين للآخر ويدل عليه حديث سمرة مرفوعا : إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها اخرجه الحاكم وقال : على شرط البخاري والدارقطني والبيهقي في سننيهما وضعفه ابن الجوزي بالكلام في أحد رواته عبد الله بن جعفر وخطأه ابن دقيق العيد وقال : هو على شرط الترمذي وإن كان الثاني فإن كان على سبيل الصدقة على الفقير يقصد بها وجه الله فحسب فلا رجوع أيضا وإلا فله رجوع إلا أن يمنع مانع نحو أن يعوض عنها الموهوب له فحينئذ تنقلب الهبة لازمة وكذا إذا زاد الموهوب له في الموهوب خيرا كالغرس والبناء وكذا إذا خرج من ملكه بالبيع أو الهبة وكذا إذا هلك الموهوب أو مات أحدهما وفي المسألة أبحاث استدلالا واختلافا مذكورة في مظانها
( 8 ) مجهول من الإثابة بمعنى العود والرجوع أي إن لم يعوض
( 9 ) أي ذلك الشيء الموهوب
( 10 ) أي منفعة وزيادة
( 11 ) أي الموهوب له
( 12 ) أي الموهوب له
30 - باب النحلى ( 1 )
805 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن محمد بن النعمان بن بشير يحدثانه عن النعمان بن بشير قال : إن أباه ( 1 ) أتى به ( 2 ) إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ( 3 ) : إني نحلت ابني هذا غلاما ( 4 ) كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ قال : لا قال : فأرجعه ( 5 )_________
( 1 ) قوله : باب النحلى بضم النون على وزن العمرى والرقبى والكبرى والصغرى بمعنى العطية يقال : نحلته بمعنى أعطيته ووهبته
( 1 ) قوله : قال : إن أباه هو بشير بن سعد بن جلاس بن زيد بن مالك الخزرجي الأنصاري أبو النعمان شهد بدرا وأحدا والمشاهد بعدها والعقبة الثانية وهو أول من بايع أبا بكر الصديق يوم السقيفة وقتل مع خالد بن الوليد بعد انصرافه من اليمامة يوم عين التمر سنة 12 ، وابنه النعمان بضم النون ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بست سنين وقيل : بثمان سنين قال ابن عبد البر : لا يصحح بعض أهل الحديث سماعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عندي صحيح استعمله معاوية على حمص ثم على الكوفة واستعمله عليها بعده ابنه يزيد ولما مات دعا الناس إلى خلافة ابن الزبير بالشام فقتله أهل حمص سنة أربع وستين كذا في " أسد الغابة في معرفة الصحابة " وابنه محمد أبو سعيد من ثقات التابعين ذكره في " التقريب " وغيره
( 2 ) أي بالنعمان
( 3 ) قوله : فقال قال الزرقاني : روى هذا الحديث عن النعمان بن بشير عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم وأبي داود والنسائي وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أبي عوانة والشعبي في " الصحيحين "
( 4 ) أي عبدا مملوكا لي
( 5 ) قوله : فأرجعه أمر وجوب عند طاوس والثوري وأحمد في رواية وإسحاق والبخاري فإنهم قالوا : يجب التسوية في الهبة بين الأولاد وقالوا : لو وهب من غير تسوية فهي باطلة وعند الجمهور هو أمر ندب والتفاضل مكروه ( قال الموفق : يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل فإن فاضل بينهم أثم ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض وإما بإتمام نصيب الآخر قال : فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانه أو عمى أو كثرة عالة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو غير ذلك فقد روي عن أحمد ما يدل على جوازه ويدل ظاهر لفظه المنع من التفضيل على كل حال والأول أولى وقال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي : ذلك جائز . انظر : " المغني " 5 / 664 و 665 ) ولا يبطل الهبة كذا ذكره الزرقاني
806 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إن أبا بكر كان ( 1 ) نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية ( 2 ) فلما حضرته الوفاة قال : والله يا بنية ( 3 ) ما من الناس أحب إلي ( 4 ) غنى بعدي منك ولا أعز ( 5 ) علي فقرا منك وإني كنت نحلتك من مالي جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه ( 6 ) واحتزتيه ( 7 ) كان ( 8 ) لك فإنما هو اليوم مال وارث ( 9 ) وإنما ( 10 ) هو أخوك ( 11 ) وأختاك فاقسموه على ( 12 ) كتاب الله عز و جل قالت : يا أبت ( 13 ) والله لو كان ( 14 ) كذا وكذا لتركته ( 15 ) إنما هي ( 16 ) أسماء فمن الأخرى ؟ ( 17 ) قال : ذو بطن ( 18 ) بنت خارجة أراها ( 19 ) جارية فولدت ( 20 ) جارية
_________
( 1 ) قوله : كان نحلها جذاذ بكسر الجيم وضمها وبدالين مهملتين وقيل : بمعجمتين بمعنى القطع قاله القاري . وفي " موطأ يحيى " جاد عشرين وسقا قال الزرقاني : هو صفة للثمر من جد إذا قطع يعني أن ذلك يجد منها وقال الأصمعي : هذه أرض جاد مائة وسق أي يجد ذلك منها فهو صفة النخل التي وهبها ثمرتها يريد نخلا يجد منها عشرون وسقا والوسق ستون صاعا
( 2 ) قوله : بالعالية قال القاري : أي بقرية من العوالي حول المدينة وفي " موطأ يحيى " : بالغابة بمعجمة وموحدة : موضع على بريد من المدينة
( 3 ) تصغير للشفقة
( 4 ) أي بالنسبة إلى بقية الورثة
( 5 ) أي أشق وأصعب
( 6 ) أي قطعتيه
( 7 ) بإسكان الحاء المهملة والزاء المعجمة بينهما فوقية مفتوحة أي حذتيه وجمعته أي قبضته
( 8 ) لأن الحيازة والقبض شرط الملك في الهبة ( الحيازة والقبض شرط في تمام الهبة عند الأئمة الثلاثة وتصح عند احمد بغيره . ( شرح الزرقاني 4 / 44 )
( 9 ) قوله : وارث أي من يرث مني لأنه داخل في تركتي وغير خارج من ملكي وهذا نص على أن الهبة لا تفيد الملك إلا محوزة مقبوضة وهو مذهب الخلفاء الأربعة الراشدين والأئمة الثلاثة وقال أحمد وأبو ثور : تصح الهبة والصدقة من غير قبض وروي ذلك عن علي من وجه لا يصح قاله ابن عبد البر
( 10 ) قوله : وإنما هو أخوك كذا في بعض النسخ وعليه شرح القاري وفسره بمحمد بن أبي بكر وفي " موطأ يحيى " : وإنما هو - أي الوارث لما تركته - أخواك وهو الظاهر والمراد بهما ابناه محمد وعبد الرحمن وأختاك وهي أسماء بنت أبي بكر وأم كلثوم التي كانت في بطن زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري وولدت بعد وفاته قال الزرقاني : يريد به من يرثه بالبنوة لأنه ورثه معهم زوجتاه أسماء بنت عميس وحبيبة وأبوه أبو قحافة
( 11 ) في نسخة : أخواك
( 12 ) أي حسب الفرائض المذكورة في الكتاب
( 13 ) في نسخة : أبي
( 14 ) كناية عن شيء كثير أزيد مما وهبه لها
( 15 ) أي طلبا لرضاك
( 16 ) أي الأخت
( 17 ) أي التي ذكرتها بقولك : أختاك
( 18 ) أي الكائنة في بطن بنت خارجة
( 19 ) أي أظنها أنها أنثى قيل ذلك لرؤيا رآها وعد هذا من كراماته
( 20 ) أي بنت خارجة بعد موت أبي بكر
807 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القادري ( 1 ) أن عمر بن الخطاب قال : ما بال رجال ينحلون ( 2 ) أبناءهم نحلا ( 3 ) ثم يمسكونها ( 4 ) قال ( 5 ) : فإن مات ابن أحدهم ( 6 ) قال : مالي بيدي ( 7 ) ولم أعطه أحدا وإن مات هو ( 8 ) قال : هو لابني ( 9 ) قد كنت أعطيته إياه . من نحل ( 10 ) نحلة لم يحزها الذي نحلها حتى تكون إن مات لورثته فهي باطل
_________
( 1 ) بتشديد الياء صفة لعبد الرحمن نسبة إلى قارة قبيلة
( 2 ) بفتح أوله وثالثه أي يعطون
( 3 ) قوله : نحلا بالضم فسكون : عطية قاله الزرقاني أو بكسر ففتح جمع نحلة بمعنى المنحول أي عطاء قاله القاري
( 4 ) من الإمساك أي لا يقتضونه للموهوب له
( 5 ) أي عمر بن الخطاب
( 6 ) أي الموهوب له
( 7 ) أي في قبضتي
( 8 ) أي الأب الواهب
( 9 ) أي ليحرم بقية ورثته مع أن الهبة بدون القبض غير مفيد للملك
( 10 ) قوله : من نحل أي أعطى نحلة بالكسر أي عطية ومنحولا لم يحزها - بضم الحاء المهملة بعدها زاء معجمة - من الحوز أي لم يجمعها ولم يقبضها الذي نحلها بصيغة المجهول أي الذي أعطيها وهو الموهوب له حتى تكون أي النحلة إن مات لورثته أي الواهب فهي - أي تلك النحلة - باطل لا تفيد ملكا بل هو مشترك بين الورثة
808 - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان قال : من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ ( 1 ) أن يحوز نحلة فأعلن بها وأشهد ( 2 ) عليها فهي جائزة وإن وليها ( 3 ) أبوه
قال محمد : وبهذا كله نأخذ . ينبغي للرجل أن يسوي ( 4 ) بين ولده ( 5 ) في النحلة ( 6 ) ولا يفضل بعضهم على بعض فمن نحل نحلة ولدا أو غيره فلم يقبضها الذي نحلها ( 7 ) حتى مات الناحل و ( 8 ) المنحول فهي مردودة على الناحل ( 9 ) وعلى ورثته ( 10 ) ولا تجوز ( 11 ) للمنحول حتى يقبضها إلا الولد الصغير فإن قبض والده له ( 12 ) قبض فإذا أعلنها وأشهد بها فهي جائزة لولده ولا سبيل ( 13 ) للوالد إلى الرجعة فيها ولا إلى اغتصابها ( 14 ) بعد أن أشهد عليها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : لم يبلغ أي لم يصل إلى حد أن يحوز ويقبض الموهوب له بأن لم يبلغ سن التمييز
( 2 ) بيان للإعلان وهو أمر مستحب
( 3 ) قوله : وإن وليها أبوه الظاهر أن " إن " مشددة مكسورة واسمها وليها وخبره أبوه أي : إن ولي هذه النحلة هو أبوه الواهب فإن قبضه ينوب مناب قبض الصغير ويحتمل أن يكون أن وصايته وولي فعل ماض وفاعله أبوه أي من أعطى للصغير نحلة فأعلن بها فهو جائز وإن كان وليها الأب
( 4 ) قوله : أن يسوي قال الطحاوي في " شرح معاني الآثار " : اختلف أصحابنا في السوية فقال أبو يوسف : يسوى فيها الأنثى والذكر وقال محمد بن الحسن : بل يجعلها بينهم على قدر المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين انتهى . ثم رجح قول أبي يوسف بأن قوله صلى الله عليه و سلم : سووا بينهم في العطية كما تحبون أن يسووا لكم في البر دليل على أنه أراد التسوية بين الإناث والدكور ( قال الموفق : التسوية المستحبة أن يقسم على حسب قسمة الله تعالى الميراث فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وبهذا قال عطاء وشريح وإسحاق ومحمد بن الحسن قال عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى . وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن مبارك : تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لبشير بن سعد : " سو بينهم " . المغني 5 / 666 ، و الأوجز 12 / 257 )
( 5 ) بفتحتين أو بضم فسكون أي أولاده
( 6 ) أي العطية
( 7 ) بصيغة المجهول
( 8 ) الواو بمعنى أو
( 9 ) إن كان حيا
( 10 ) إن كان ميتا
( 11 ) أي لا يجوز للموهوب له ذلك الموهوب أن يتصرف فيه
( 12 ) أي في حكم قبضه
( 13 ) لعدم جواز رجوع الواهب من ذي الرحم المحرم إلا أن يكون العقد السابق مما اشتمل على أمر ممنوع كما في قصة النعمان وأبيه
( 14 ) أي أخذها منه جبرا
31 - باب العمرى ( 1 ) والسكنى
809 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أيما ( 1 ) رجل أعمر ( 2 ) عمرى له ولعقبه ( 3 ) فإنها للذي يعطاها ( 4 ) لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى ( 5 ) عطاء وقعت الموارث فيه_________
( 1 ) قوله : باب العمرى ( وكذلك الرقبى هي العمرى عند الجمهور وقال مالك وأبو حنيفة ومحمد : باطل وأبو يوسف مع الجمهور وكذا قال العيني . هامش بذل المجهود 15 / 236 ) والسكنى العمرى : بضم العين على وزن الكبرى أن يجعل داره له مدة عمره فإذا مات المعمر له ترد على المعمر بكسر الميم وصورته أن يقول : أعمرتك داري هذه أو هي لك عمري أو ما عشت أو عدة حياتك أو ما حييت فإذا مت فهي رد علي وهو جائز عند الجمهور وشرط الرد باطل بل هي في حكم الهبة فهي للمعمر له حيا ولورثته بعده ولا يرتد إلى المعمر الواهب عند أصحابنا وبه قال الشافعي في الجديد ونقل ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعلي وعن شريح ومجاهد وطاوس والثوري . وقال مالك والليث والشافعي في القديم : العمرى تمليك المنافع لا العين ويكون للمعمر له السكنى فإذا مات عادت إلى المعمر فإن قال لك ولعقبك كان سكناها لهم فإذا انقرضت عاد إلى المعمر . وعن جابر : إنما أجاز له رسول الله صلى الله عليه و سلم العمرى أن يقول : هي لك ولعقبك فأما إذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى المعمر وكان الزهري يفتي به أخرجه مسلم . فهذا قول ثالث بالفرق وقال أصحابنا : غيره من الأحاديث مطلقة فنعمل بالمطلق والمقيد جميعا
وأما السكنى : بالضم مثل أن يقول داري لك سكنى أو تسكنها ونحو ذلك فهي عارية للمنافع لا هبة فيرد بعد موته إلى المعمر ( هناك ثلاثة أحوال : أحدها : أن يقول : هي لك ولعقبك فهذا صريح في أنها له ولعقبه لا ترجع إلى المعمر حتى ينقرض العقب عند مالك وعند غيره لا ترجع أبدا . ثانيهما : أن يقول : هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلي فهذه عارية مؤقتة فإذا مات رجعت إلى المعطي وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية والأصح عند أكثرهم لا ترجع وقالوا : إنه شرط فاسد ملغى وثالثها أن يقول : أعمرتكها ويطلق وفي رجوعها إلى المعمر خلاف فمالك يرجع وغيره لا يرجع كذا في الأوجز 12 / 280 ) كذا في " البناية " وغيرها
( 1 ) أيما : مركب من " أي " مضاف إلى ما بعده ومن " ما " الزائدة
( 2 ) بصيغة المجهول
( 3 ) قوله : ولعقبه أي ورثته وهو بفتح العين وكسر القاف ويجوز إسكانها مع فتح العين وكسرها أولاد الإنسان ما تناسلوا ذكره النووي
( 4 ) بصيغة المجهول
( 5 ) قوله : لأنه أعطى إلخ هذا مدرج من قول أبي سلمة بين ذلك ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر فيما أخرجه مسلم وقال محمد بن يحيى الذهلي : إنه من قول الزهري ولمسلم من طريق جابر قال : جعل الأنصار يعمرون المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه . وللطحاوي في " شرح معاني الآثار " روايات كثيرة في هذا الباب
810 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر ورث حفصة ( 1 ) دارها وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد ( 2 ) بن الخطاب ما عاشت ( 3 ) فلما توفيت بنت زيد بن الخطاب قبض عبد الله بن عمر المسكن ورأى ( 4 ) أنه له
قال محمد : وبهذا نأخذ . العمرى هبة ( 5 ) فمن أعمر شيئا ( 6 ) فهو له والسكنى له عارية ترجع إلى ( 7 ) الذي أسكنها وإلى ( 8 ) وارثه من بعده . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا والعمرى إن قال هي له ولعقبه أو لم يقل ولعقبه فهو سواء ( 9 )
_________
( 1 ) قوله : ورث حفصة أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب دارها أي بعد موتها
( 2 ) هي بنت عمه
( 3 ) أي ما دامت حياتها
( 4 ) قوله : ورأى أنه له أي ظن أنه حقه إرثا من أخته حفصة دل هذا على أن السكنى عنده عارية ترجع إلى المعطي وإلى ورثته بعد موته بعد موت من أعطى له السكنى وأما العمرى فعنده أنها له ولعقبه بعده ليس فيه رد ولا رجوع أخرجه الطحاوي عنه
( 5 ) قوله : هبة أي شرعا لورود الأحاديث الكثيرة بما يفيد ذلك وأما ما نقل عن ابن الأعرابي أنه قال : لم يختلف العرب في أن العمرى والرقبى والمنحة والعرية والسكنى أنها على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له ونقل إجماع أهل المدينة على ذلك فرده العيني بأن دعوى الإجماع غير صحيحة لاختلاف كثير من الصحابة فيه وكونه عند العرب تمليك المنافع لا يضر إذا نقلها الشارع إلى تمليك الرقبة كما في الصلاة
( 6 ) دارا كان أو بستانا
( 7 ) أي في حال حياته
( 8 ) أي بعد وفاته
( 9 ) قوله : فهو سواء أي في كون ذلك الشيء المعمر : له ولعقبه بعده ذكر لفظ عقبه أم لم يذكره لإطلاق كثير من الأحاديث الواردة في هذا الباب
كتاب الصرف ( 1 ) وأبواب ( 2 ) الربا
811 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لا تبيعوا الورق ( 1 ) بالذهب أحدهما غائب ( 2 ) والآخر ناجز ( 3 ) فإن استنظرك ( 4 ) إلى أن يلج ( 5 ) بيته فلا تنظره ( 6 ) . إني ( 7 ) أخاف عليكم الرماء والرماء ( 8 ) هو الربا_________
( 1 ) الصرف : هو بيع النقود والأثمان بجنسها
( 2 ) وأبواب الربا : أي أنواعه وطرقه المنهي عنها فهو معطوف على الصرف وليس في بعض النسخ الواو
( 1 ) الورق : بكسر الراء والسكون : الفضة
( 2 ) أي نسيئة
( 3 ) أي نقد
( 4 ) أي استمهلك البائع أو المشتري وطلب منك التأخير
( 5 ) أي يدخل بيته
( 6 ) من الإنظار أي فلا تمهله
( 7 ) استئناف تعليلي
( 8 ) قوله : والرماء هو بفتح الراء المهملة بهده ميم : الربا وهو تفسير من ابن عمر على ما هو الظاهر لاتفاق نافع وابن دينار عليه قاله الزرقاني
812 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال : قال عمر بن الخطاب : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا ( 1 ) بمثل ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا الذهب ( 2 ) بالورق أحدهما غائب والآخر ناجز وإن استنظرك ( 3 ) حتى يلج بيته فلا تنظر إني أخاف عليكم الربا ( 4 )
_________
( 1 ) أي في الوزن
( 2 ) وكذا العكس
( 3 ) أي طلب منك النظرة إلى المهلة
( 4 ) زاد في " موطأ يحيى " بعده : والرماء الربا
813 - أخبرنا مالك حدثنا نافع ( 1 ) ؟ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب ( 2 ) إلا مثلا بمثل ولا تشفوا ( 3 ) بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا ( 4 ) بناجز
_________
( 1 ) هو مولى ابن عمر
( 2 ) أي إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين وزنا من غير اعتبار الجودة والرداءة
( 3 ) قوله : ولا تشفوا قال الزرقاني : بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة من الإشفاف أي لا تفضلوا والشف هو الزيادة وفيه دليل على أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء لبقية الماء
( 4 ) قوله : غائبا بناجز بنون وجيم وزاء معجمة أي مؤجلا بحاضر بل لا بد من التقابض في المجلس ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة أحد صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معا فذهب مالك إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة الصورتين معا وإن لم يحل ما في الذمة فيهما لمراعاة براءة الذمم وأجاز الشافعي الأولى دون الثانية قاله القاضي عياض ( قال الموفق : ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر . ويكون صرفا بعين وذمة في قول أكثر أهل العلم ومنع منه ابن عباس وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن شبرمة لأن القبض شرط وقد تخلف ولنا ما روى أبو داود والأثرم عن ابن عمر كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم الحديث وفيه : فقال صلى الله عليه و سلم : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وليس بينكما شيء قال أحمد : إنما يقضيه إياها بالسعر لم يختلفوا أن يقضيه إياه بالسعر إلا ما قال أصحاب الرأي : إنه يقضيه مكانها ذهبا على التراضي لأنه بيع في الحال فجاز ما تراضيا عليه إذا اختلف الجنس ولنا حديث ابن عمر المذكور فإن كان المقضي الذي في الذمة مؤجلا فقد توقف فيه أحمد وقال القاضي : يحتمل وجهين : أحدهما المنع وهو قول مالك ومشهور قولي الشافعي لأن ما في الذمة لا يستحق قبضه والآخر الجواز وهو قول أبي حنيفة لأن الثابت في الذمة بمنزلة المقبوض . المغني 4 / 55 )
814 - أخبرنا مالك حدثنا موسى ( 1 ) بن أبي تميم عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما ( 2 )
_________
( 1 ) قوله : موسى بن أبي تميم المدني قال أبو حاتم : ثقة ليس به بأس ذكره السيوطي وقال الزرقاني : ليس له في " الموطأ " مرفوع إلا هذا الحديث الواحد
( 2 ) قوله : لا فضل بينهما أي لا زيادة لأحدهما على الآخر مع التقابض فإن اختلف الجنسان حل التفاضل مع حرمة النساء كما في رواية علي عند ابن ماجة والحاكم : فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بورق والصرف هاء وهاء
815 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن مالك ( 1 ) بن أوس ابن الحدثان أنه أخبره ( 2 ) : أنه ( 3 ) التمس صرفا بمائة دينار وقال : فدعاني طلحة ( 4 ) بن عبيد الله فقال : فتراوضنا ( 5 ) حتى اصطرف ( 6 ) مني فأخذ طلحة الذهب يقلبها ( 7 ) في يده ثم قال : حتى ( 8 ) يأتيني خازني من الغابة ( 9 ) وعمر بن الخطاب يسمع كلامه فقال ( 10 ) : لا والله لا تفارقه حتى تأخذ ( 11 ) منه ثم قال ( 12 ) : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الذهب بالفضة ( 13 ) ربا إلا هآء ( 14 ) وهآء ( 15 ) والتمر بالتمر ربا إلا هآء ( 16 ) وهآء والشعير بالشعير ربا إلا هآء وهآء
_________
( 1 ) قوله : عن مالك قال ابن الأثير في " جامع الأصول " : مالك بن أوس ابن الحدثان بن عوف بن ربيعة أبو سعيد النصري من بني نصر بن معاوية اختلف في صحبته وأبوه صحابي قال ابن عبد البر : الأكثر على إثباتها وقال ابن منذه : لا يثبت روى عن العشرة المبشرة وغيرهم مات بالمدينة سنة اثنتين وتسعين . والحدثان بفتح الحاء والدال المهملتين والنصري بفتح النون
( 2 ) أي أخبر ابن شهاب
( 3 ) قوله : أنه التمس أي طلب صرفا أي بيع الصرف : بيع مائة دينار من ذهب عنده بالفضة
( 4 ) أي أحد العشرة المبشرة
( 5 ) قوله : فتراوضنا بإسكان الضاد المعجمة يقال : تراوض البائع والمشتري إذا جرى بينهما حديث البيع والشراء والزيادة والنقصان فيرتضي أحدهما بما يرتضي به الآخر
( 6 ) أي أخذ طلحة مني ما كان عندي صرفا
( 7 ) من التقليب أي يجعل ظهره بطنا وبطنه ظهرا
( 8 ) أي اصبر إلى إتيانه
( 9 ) قوله : من الغابة قال الزرقاني : بغين معجمة فألف فموحدة موضع قرب المدينة به أموال لأهلها وكان لطلحة بها مال نخل وغيره وإنما قال ذلك طلحة لظنه جوازه كسائر البيوع وما كان بلغه حكم المسألة قال المأزري : وإنه كان يرى جواز المواعدة في الصرف كما هو قول عندنا أو إنه لك يقبضها وإنما أخذ يقلبها
( 10 ) أي لمالك بن أوس
( 11 ) أي عوض الذهب في المجلس
( 12 ) أراد به الاستناد بالسنة على ما أفتاه به
( 13 ) في نسخة : بالورق
( 14 ) قوله : إلا هاء وهاء ( قال ابن الأثير : هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين : هاء فيعطيه ما في يده كالحديث الآخر : " إلا يدا بيد " يعني مقابضة في المجلس وقيل : " خذ وأعط "
وقال الطيبي : محله النصب على الحال والمستثنى منه مقدر يعني بيع الذهب بالذهب ربا في جميع الحالات إلا حال التقابض ويكنى عن التقابض بقوله : هاء وهاء لأنه لازمه وعبر بذلك لأن المعطي قال : خذ بلسان الحال سواء وجد معه لسان المقال أو لا فالاستثناء مفرغ . انظر " لامع الدراري على جامع البخاري " 6 / 115 - 116 ) قال النووي : فيه لغتان المد والقصر والمد أفصح وأشهر وأصله هاك فأبدلت المد من الكاف ومعناه خذ هذا ويقول لصاحبه مثله
( 15 ) في " موطأ يحيى " بعده : والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء
( 16 ) أي في جميع الأحوال إلا أن يقال من الجانبين خذ هذا خذ هذا ويحصل التقابض
816 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أو عن سليمان ( 1 ) بن يسار : أنه أخبره أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية ( 2 ) من ورق أو ذهب بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا ( 3 ) بمثل قال له معاوية : ما نرى به بأسا ( 4 ) فقال له أبو الدرداء : من يعذرني ( 5 ) من معاوية أخبره ( 6 ) عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ويخبرني عن رأيه لا أساكنك ( 7 ) بأرض ( 8 ) أنت بها قال : فقدم ( 9 ) أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فأخبره ( 10 ) فكتب إلى معاوية أن لا يبيع ذلك ( 11 ) إلا مثلا بمثل أو ( 12 ) وزنا بوزن
_________
( 1 ) قوله : أو عن سليمان بن يسار الشك لعله من صاحب الكتاب فإن في رواية يحيى الأندلسي عن عطاء بن يسار من دون شك
( 2 ) قوله : سقاية بالكسر هي البرادة : الإناء التي يبرد فيها الماء قاله الزرقاني
( 3 ) أي سواء في القدر
( 4 ) قوله : ما نرى به بأسا ( قال أبو عمر : لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه ورواه الشافعي في " الرسالة " فقرة 1228 ، بتحقيق الأستاذ أحمد شاكر ) بمثل هذا البيع وإنما قال ذلك إما لأنه حمل نهي الفضل على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات ورأى جوازه في الآنية المصوغة من الذهب والفضة ونحوهما وإما لأنه كان لا يرى ربا الفضل كما كان مذهب ابن عباس أولا أخذا من حديث : " لا ربا إلا في النسيئة " من أن الربا إنما هو في تأجيل أحدهما وتعجيل الآخر لا في الفضل حالا وقد قال قوم به وخالفهم الجمهور بشهادة الأخبار الصحيحة ولا حجة بقول أحد مخالف للكتاب والسنة كائنا من كان وقد ثبت في بعض الرويات رجوع ابن عباس عن هذه الفتيا بعد ما وصلت إليه الرويات كما بسطه الحازمي في " كتاب الناسخ والمنسوخ "
( 5 ) قوله : من يعذرني بكسر الذال المعجمة أي من يلومه على فعله ولا يلومني على فعلي أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه أو من ينصرني يقال : عذرته إذا نصرته
( 6 ) قوله : أخبره أي أخبره أنا بالحديث ويخبرني هو عن رأيه ويقول : ما أرى به بأسا ولا رأي بعد الكتاب والسنة وفيه زجر عظيم على من يرد الحديث بالرأي أو يقابله به ولقد عظمت هذه البلية في الأزمنة المتأخرة في الطوائف المقلدة إذا وصل إليهم حديث مخالف لمذهبهم ردوه برأيهم وقابلوه برأي أئمتهم فالله يهديهم ويصلحهم
( 7 ) قوله : لا أساكنك فيه جواز أن يهجر المرء من لم يسمع ولم يطعه وصدر منه أمر غير مشروع لا للبغض والعناد والهوى بل لوجه الله خاصة ويشهد له نصوص كثيرة ذكرها السيوطي في رسالته " الزجر بالهجر "
( 7 ) أي أرض الشام
( 8 ) أي إلى المدينة
( 9 ) أي بما جرى بينه وبين معاوية
( 10 ) أي الذهب والفضة مطلقا
( 12 ) شك من الراوي ومعناهما واحد
817 - أخبرنا مالك أخبرنا يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي : أنه رأى سعيد بن المسيب يراطل ( 1 ) الذهب بالذهب قال : فيفرغ ( 2 ) الذهب في كفة الميزان ويفرغ الآخر الذهب في كفته الأخرى قال : ثم يرفع الميزان فإذا اعتدل ( 3 ) لسان ( 4 ) الميزان ؟ أخذ ( 5 ) وأعطى صاحبه ( 6 )
قال محمد : وبهذا كله نأخذ على ما جاءت الآثار وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : يراطل من رطلت الشيء كنصر : وزنته بيدك لتعرف وزنه تقريبا قاله القاري
( 2 ) بيان لكيفية المراطلة . قوله : فيفرغ بالتشديد والتخفيف أي يلقيه في كفة الميزان بكسر الكاف وتشديد الفاء وجاء ضم الكاف وهو أحد جانبيه اللذين يوضع فيهما الأشياء وتوزن
( 3 ) بأن لم يرتفع أحد الكفتين عن الأخرى بل استويا
( 4 ) قوله : لسان الميزان بكسر اللام ( زبانه ترازو ) ( بالفارسية ) كذا في " منتهى الأرب " وفي " البرهان القاطع " : زبانه بفتح أول ( بروزن بهانه آنجه درميان شاهين ترازوباشد وشاهين بروزن لاحين جوب ترازو ) ( بالفارسية ) . انتهى
( 5 ) أي مال صاحبه
( 6 ) أي ماله
1 - باب الربا قيما يكال ( 1 ) أو يوزن
818 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : لا ربا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يوكل أو يشربقال محمد : إذا كان ما يكال من صنف واحد أو كان ما يوزن من صنف واحد ( 1 ) فهو مكروه أيضا إلا مثلا ( 2 ) بمثل يدا ( 3 ) بيد بمنزلة الذي يؤكل ويشرب وهو قول إبراهيم النخعي وأبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) يكال : أن يباع بالكيل كالحنطة أو الوزن كالذهب والفضة
( 1 ) قوله : من صنف واحد وإن لم يكن مأكولا ولا مشروبا كالجص والنورة ونحوهما فإن علة حرمة الربا عندنا هو القدر والجنس فإذا وجدا حرم الربا وإذا وجد أحدهما حل الفضل وحرم النسأ والمسألة بحذافيرها مبسوطة في " الهداية " وشروحها
( 2 ) أي متساويا في الكيل والوزن
( 3 ) أي قبضا بقبض في المجلس
819 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال ( 1 ) : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : التمر بالتمر مثلا بمثل فقيل : يا رسول الله إن عاملك ( 2 ) على خيبر - وهو رجل من بني عدي من الأنصار - يأخذ الصاع ( 3 ) بالصاعين ( 4 ) قال : ادعوه لي ( 5 ) فدعي ( 6 ) له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تأخذ الصاع بالصاعين فقال : يا رسول الله لا يعطوني ( 7 ) الجنيب بالجمع إلا صاعا بصاعين قال ( 8 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيبا
_________
( 1 ) قوله : قال قال : هذا حديث مرسل في " الموطأ " ووصله داود بن قيس عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الحديث قاله ابن عبد البر
( 2 ) اسمه سواد بن غزية
( 3 ) أي من التمر الجيد
( 4 ) أي من التمر الرديء
( 5 ) أي اطلبوه عندي
( 6 ) بالمجهول أي طلب ذلك العامل عنده
( 7 ) قوله : لا يعطوني أي أصحاب التمر وملاكه أي لا يبيعونني الجنيب بالجمع إلا بالتفاضل ولا يبيعونني بالمساواة قال الحافظ في " التلخيص " : الجنيب بالفتح نوع من التمر وهو أجوده والجمع بإسكان الميم تمر رديء يخلط لرداءته وعامل خبير صاحب القصة هو سواد بن غزية حكي ذلك عن الدارقطني وذكره الخطيب في " مبهماته " قال : وقيل : مالك بن صعصعة
( 8 ) علمه صورة لا تدخل فيها ( في الأصل : " فيه " وهو خطأ ) الربا مع حصول المقصود
820 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) عبد المجيد بن سهيل والزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة ( 2 ) : ان رسول الله صلى الله عليه و سلم استعمل ( 3 ) رجلا على خيبر فجاء بتمر جنيب ( 4 ) فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل ( 5 ) تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله ولكن الصاع ( 6 ) من هذا بالصاعين ( 7 ) والصاعين ( 8 ) بالثلاثة ( 9 ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلا تفعل بع تمرك ( 10 ) بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا وقال ( 11 ) في الميزان مثل ذلك
قال محمد : وبهذا كله نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا عبد المجيد بن سهيل والزهري وهكذا وجدنا في نسخ عديدة من هذا الكتاب وكذا هو في نسخة عليها شرح القاري وظاهره أن لمالك في هذه الرواية شيخين روياه عن ابن المسيب : أحدهما : عبد المجيد وثانيهما : الزهري والذي يظهر أن الواو الداخلية على الزهري من زلة الناسخ وهو صفة لعبد المجيد نفسه وهو شيخ لمالك في هذه الرواية لا غيره واختلفوا في تسميته فقيل : عبد المجيد كما في الكتاب وقيل : عبد الحميد وليس بصحيح ففي " موطأ يحيى " وشرحه للزرقاني : مالك عن عبد الحميد بالمهلة ثم الميم كذا رواه يحيى وابن نافع وابن يوسف وقال جمهور رواة " الموطأ " : عبد المجيد بميم تليها جيم وهو المعروف وكذا ذكره البخاري والعقيلي وهو الصواب والحق الذي لا شك فيه والأول غلط قاله أبو عمر : ابن سهيل بالتصغير زوج الثريا بنت عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ثقة حجة له مرفوعا في " الموطأ " هذا الحديث الواحد عن سعيد بن المسيب إلخ وفي " إسعاف السيوطي " : عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو محمد المدني عن عمه أبي سلمة وسعيد بن المسيب وأبي صالح ذكوان وعنه مالك والدراوردي وآخرون وثقه النسائي وابن معين . انتهى . ومثله في " التقريب " و " الكاشف " وغيرهما
( 2 ) قوله : وعن أبي هريرة قال ابن عبد البر : ذكر أبي هريرة لا يوجد في غير رواية عبد المجيد وإنما المحفوظ عن أبي سعيد كما رواه قتادة عن ابن المسيب عنه ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وعقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد . انتهى . وقال أيضا في " الاستذكار " : الحديث محفوظ عن أبي سعيد وأبي هريرة . انتهى . وهذا بناء على كون راوي الزيادة أي عبد المجيد ثقة فلا تكون زيادته شاذة
( 3 ) قوله : استعمل رجلا أي جعله عاملا قال الزرقاني : هو سواد - بخفة الواو - بن غزية بمعجمتين بوزن عطية كما سماه الدراوردي عن عبد المجيد عند أبي عوانة والدارقطني
( 4 ) قوله : بتمر جنيب هكذا هو في رواية الشيخين وجماعة وذكر جمع من الحنفية منهم صاحب " الهداية " و " النهاية " و " العناية " وغيرهم في بحث المزابنة في هذا الحديث : أنه أهدي إلى رسول الله رطبا فقال : أوكل تمر خيبر هكذا ؟ وبنوا عليه ما ذهب إليه أبو حنيفة من جواز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل من غير اعتبار نقصان الرطب عند الجفاف لأنه صلى الله عليه و سلم سماه تمرا والتمر يجوز بيعه بمثله ولا وجود لما ذكروه في شيء من الطرق كما حققه الزيلعي والعيني
( 5 ) بهمزة الاستفهام أي هل كل تمره جنيب كما أتيت به عندي ؟
( 6 ) أي نأخذ الصاع من الجنيب
( 7 ) أي من الجمع
( 8 ) من الجنيب
( 9 ) من الجمع
( 10 ) قوله : بع تمرك إلخ أشار إليه بما يجتنب به عن الربا مع حصول المقصود وبه احتج جماعة من فقهائنا وغيرهم على جواز الحيلة في الربا وبنوا عليها فروعا والحق أن العبرة في أمثال هذا على النية فإنما لكل امرئ ما نوى ونقل ابن القيم في " إغاثة اللهفان " عن شيخه أنه لا دلالة للحديث على ما ذكروه لوجوه أحدها : أنه صلى الله عليه و سلم أمره أن يبيع سلعته الأولى ثم يبتاع بثمنها سلعة ومعلوم أن ذلك يقتضي البيع الصحيح ومتى وجد البيعان الصحيحان فلا ريب في جوازه . والثاني : أنه ليس فيه عموم وليس فيه أنه أمره أن يبتاع من المشتري ولا أمره أن يبتاع من غيره ولا بنقد ولا بغيره الثالث : أنه إنما يقتضي حصول البيع الثاني بعد انقضاء الأول وهو بعيد عما راموه . وفي المقام أبحاث طويلة مظانها الكتب المبسوطة
( 11 ) قوله : وقال في الميزان مثل ذلك أي قال في ما يوزن إذا احتيج إلى بيع بعضه ببعض مثل ذلك القول الذي قال في التمر المكيل أي يباع غير الجيد الموزون بثمن ثم يشترى به موزون جيد وهذ القول : قال البيهقي : الأشبه أنه من قول أبي سعيد يعني قوله : وكذلك الميزان كما رواية
821 - أخبرنا مالك عن رجل ( 1 ) : أنه سأل سعيد بن المسيب عن رجل يشتري طعاما من الجار ( 2 ) بدينار ونصف درهم أخبرنا مالك أ ( 3 ) يعطيه ( 4 ) دينارا أو نصف ( 5 ) درهم طعاما ؟ قال : لا ولكن يعطيه دينارا ودرهما ويرد ( 6 ) عليه البائع نصف درهم ( 7 ) طعاما
قال محمد : هذا الوجه أحب إلينا والوجه الآخر ( 8 ) يجوز أيضا إذا لم يعطه ( 9 ) من الطعام الذي اشترى أقل مما يصيب ( 10 ) نصف الدرهم منه في البيع الأول فإن أعطاه منه ( 11 ) أقل مما يصيب نصف الدرهم منه في البيع الأول لم يجز ( 12 ) وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : عن رجل أنه سأل في " موطأ يحيى " وشرحه : مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم الخزاعي قال أبو حاتم : شيخ مدني صالح وذكره ابن حبان في " الثقات " أنه سأل سعيد بن المسيب فقال : إني رجل أبتاع الطعام يكون من الصكوك ( قال الباجي : يريد من الصكوك التي تخرج بالأعطية لأهلها على وجه الهبة والعطية المحضة دون وجه من المعاوضة . المنتقى 5 / 12 ) - جمع صك - بالجار بالجيم الساحل المعروف فربما ابتعت منه بدينار ونصف درهم أفأعطي بالنصف طعاما ؟ فقال سعيد : لا ولكن أعط أنت درهما وخذ بقيته طعاما . انتهى وبه يعلم الرجل المبهم
( 2 ) حمله القاري على الشريك في التجارة والذي يظهر من " موطأ يحيى " وشرحه أنه اسم موضع قرب المدينة
( 3 ) بهمزة الاستفهام
( 4 ) أي ذلك المشتري
( 5 ) أي بقدره طعاما
( 6 ) ليكون بيعا ثانيا وإسقاطا للدين
( 7 ) أي بقدره الطعام
( 8 ) هو الذي منعه ابن المسيب ( بسط الكلام عليه في " الأوجز " 11 / 238 ، فارجع إليه
( 9 ) أي البائع
( 10 ) أي من مقدار يقابل نصف الدرهم في البيع الأول
( 11 ) أي ذلك الطعام الذي اشتراه
( 12 ) لكونه مؤديا إلى الربا
2 - باب الرجل يكون له العطايا ( 1 ) أو الدين على الرجل فيبيعه ( 2 )
قبل أن يقبضه822 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد : أنه سمع جميل المؤذن ( 1 ) يقول لسعيد بن المسيب : إني رجل أشتري ( 2 ) هذه الأرزاق التي يعطيها ( 3 ) الناس بالجار ( 4 ) فأبتاع ( 5 ) منها ما شاء الله ثم أريد أن أبيع الطعام المضمون ( 6 ) علي إلى ذلك الأجل فقال له سعيد : أتريد أن توفيهم ( 7 ) من تلك الأرزاق التي ابتعت ( 8 ) ؟ قال : نعم . فنهاه ( 9 ) عن ذلك
قال محمد : لا ينبغي ( 10 ) للرجل إذا كان له دين أن يبيعه حتى يستوفيه لأنه غرر ( 11 ) فلا يدرى ( 12 ) أيخرج ( 13 ) أم لا يخرج . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) العطايا : أي من الإمام في بيت المال أو غيره
( 2 ) فيبيعه : أي ذلك العطاء أو الدين
( 1 ) قوله : جميل المؤذن هو جميل بفتح الجيم بن عبد الرحمن المؤذن المدني أمه من ذرية سعد القرظ سمع ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعنه مالك بواسطة يحيى و بلا واسطة قاله الزرقاني
( 2 ) أي من أصحابها
( 3 ) في نسخة : يعطاها بالمجهول
( 4 ) قوله : بالجار قال القاري : بتخفيف الراء مدينة بساحل البحر بينه وبين المدينة يوم وليلة كذا في " النهاية " . وقال الزرقاني : موضع بساحل البحر يجمع فيه الطعام ثم يفرق على الناس بصكاك وهو الورق التي يكتب فيها ولي الأمر برزق من الطعام لمستحقه
( 5 ) أي أشتري إلى أجل في الثمن
( 6 ) أي الذي اشتريته وهو مضمون علي من جهة الثمن
( 7 ) أي أصحاب الأرزاق الذين باعوه أولا
( 8 ) أي اشتريت أولا
( 9 ) قوله : فنهاه عن ذلك قال الزرقاني : قال مالك : وذلك رأيي أي خوفا من التساهل في ذلك حتى يشترط القبض من ذلك الطعام أو يبيعه قبل أن يستوفيه فمنع من ذلك سدا للذريعة الذي يخاف منه التطرق إلى محذور
( 10 ) قوله : لا ينبغي إلخ استنباط هذا الحكم من الأثر المذكور غير ظاهر
( 11 ) أي بيع فيه تردد
( 12 ) بصيغة المعروف أو المجهول
( 13 ) أي من المديون
823 - أخبرنا مالك أخبرنا موسى بن ميسرة : أنه سمع رجلا يسأل سعيد بن المسيب فقال : إني رجل أبيع الدين ( 1 ) وذكر له شيئا ( 2 ) من ذلك فقال له ابن المسيب : لا تبع إلا ما آويت ( 3 ) إلى رحلك
قال محمد : وبه نأخذ . لا ينبغي للرجل أن يبيع دينا له على إنسان إلا من ( 4 ) الذي هو عليه لأن بيع الدين غرر لا يدرى ( 5 ) أيخرج منه أم لا . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) أي ديني على إنسان
( 2 ) أي بعض صوره
( 3 ) قوله : إلا ما آويت من الإيواء . إلى رحلك بالفتح أي منزلك أي لا تبع إلا ما قبضته لئلا يكون البيع بالغرر
( 4 ) قوله : إلا من الذي أي من المديون لأنه ليس فيه غرر
( 5 ) معروف أو مجهول
3 - باب الرجل يكون عليه الدين فيقضي ( 1 ) أفضل مما أخذه
824 - أخبرنا مالك أخبرنا حميد بن قيس المكي عن مجاهد قال : استسلف ( 1 ) عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضى خيرا منها فقال الرجل ( 2 ) : هذه خير من دراهمي التي أسلفتك قال ابن عمر : قد علمت ( 3 ) ولكن نفسي بذلك طيبة ( 4 )_________
( 1 ) فيقضي : أي يؤدي الدائن
( 1 ) استسلف : أي أخذ قرضا
( 2 ) قوله : فقال الرجل كأنه خشي أن يكون ذلك ربا
( 3 ) أي كونها خيرا
( 4 ) أي راضية
825 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع ( 1 ) : أن رسول صلى الله عليه و سلم استسلف ( 2 ) من رجل ( 3 ) بكرا ( 4 ) فقدمت عليه إبل من صدقة فأمر أبا رافع أن يقضي ( 5 ) الرجل بكره فرجع ( 6 ) إليه أبو رافع فقال : لم أجد فيها ( 7 ) إلا جملا رباعيا خيارا ( 8 ) فقال : أعطه ( 9 ) إياه فإن ( 10 ) خيار الناس أحسنهم قضاء
قال محمد : وبقول ابن عمر ( 11 ) نأخذ . لا بأس بذلك ( 12 ) إذا كان من غير شرط ( 13 ) اشترط عليه . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : عن أبي رافع هو مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أولا مولى العباس فوهبه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقه اسمه على الأشهر أسلم القبطي وقيل : إبراهيم أو ثابت أو هرمز أو سنان أو صالح أو يسار أو عبد الرحمن أو يزيد أو قزمان توفي في خلافة عثمان وقيل : في خلافة علي وهو الصواب كذا ذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " وغيره
( 2 ) قوله : استسلف أي أخذ سلفا وقرضا وفيه دليل للجمهور في تجويز ثبوت الحيوان في الذمة قرضا ولمن ذهب إلى تجويز السلف فيه لأنه يصير معلوما ببيان الجنس والسن والصفة وبعد ذلك ينتفي التفاوت إلا اليسير ومنعه أصحابنا قائلين بأن التفاوت في الحيوانات فاحش في المالية باعتبار المعاني الباطنية فلا يمكن توصيفه بحيث لا يفضي إلى المنازعة ولا ثبوته في الذمة ولا أداء مثله وهذا معنى دقيق قوي يجب اعتباره لولا ورود النصوص بخلافه وقد مر بعض ما يتعلق بهذا المقام في ما مر وأجاب الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن حديث الباب وأمثاله باحتمال أن يكون هذا قبل تحريم الربا ثم حرم الربا وحرم كل قرض جر منفعة وردت الأشياء المستقرضة إلى مثلها فلم يجز القرض إلا في ما له مثل وقد كان أيضا يجوز قبل بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ثم نسخ وبسط ذلك بسطا بسيطا لا يرجع حاصله إلا إلى الحكم بالنسخ بالاحتمال وبالرأي والأولى أن يقال بترجح أحاديث الحرمة على أحاديث الجواز
( 3 ) في " مسند أحمد " ما يفيد أنه أعرابي وفي " أوسط الطبراني " عن العرباض ما يفهم أنه هو ويفهم من " سنن النسائي " والحاكم أنه غيره
( 4 ) قال السيوطي : بالفتح الصغير من الإبل كالغلام من الآدميين
( 5 ) قوله : أن يقضي أي يؤدي الرجل الذي استسلف منه بكره من إبل الصدقة قال النووي : هذا مما يستشكل فيقال : كيف قضى من إبل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها والجواب أنه عليه السلام اقترض لنفسه فلما جاءت إبل الصدقة اشترى منها بعيرا رباعيا ممن استحقه فملكه بثمنه وأوفاه متبرعا بالزيادة من ماله ويدل عليه أن في صحيح مسلم قال : اشتروا فأعطوه إياه ( أو أنه أيضا من المسلمين المفتقرين فكان له حق في بيت المال أيضا كذا في " الكوكب الدري " 2 / 340 ) . والرباعي من الإبل بالفتح ما استكمل ست سنين ودخل في السابعة كذا في " تنوير الحوالك "
( 6 ) أي عاد أبو رافع
( 7 ) أي في إبل الصدقة
( 8 ) بالكسر أي جيدا حسنا
( 9 ) أي أعط الرباعي لذلك الغريم
( 10 ) قوله : فإن أي فإن خيار الناس عند الله وأكثرهم ثوابا أحسنهم قضاء للديون الذين يتبرعون بالفضل ولا يبخسون
( 11 ) قوله : وبقول ابن عمر لا حاجة إليه بعد رواية المرفوع وكان الأحسن أن يقول : وبهذا الحديث نأخذ وبقول رسول الله نأخذ ولعله إنما لم يقله لكون بعض ما في الحديث من جواز قرض الحيوان مخالفا له
( 12 ) أي بقضاء دينه أفضل مما أخذه
( 13 ) قوله : إذا كان من غير شرط اشترط أي حالة المداينة والعقد لئلا يكون ربا فإن كل قرض جر به منفعة فهو حرام كما وردت به الأخبار
826 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر قال : من اسلف سلفا ( 1 ) فلا يشترط ( 2 ) إلا قضاءه ( 3 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي ( 4 ) له أن يشترط افضل ( 5 ) منه ( 6 ) ولا يشترط عليه أحسن ( 7 ) منه فإن الشرط في هذا لا ينبغي . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي استقرض قرضا
( 2 ) أي عند العقد
( 3 ) إلا قضاء مثله من دون زيادة ونقصان
( 4 ) أي لا يحل لمن أسلف
( 5 ) أي في الكمية
( 6 ) أي من الذي أعطى
( 7 ) أي في الكيفية
4 - باب ما يكره من قطع الدراهم والدنانير
827 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال : قطع ( 1 ) الورق ( 2 ) والذهب من الفساد في الأرض
قال محمد : لا ينبغي ( 3 ) قطع الدراهم والدنانير لغير منفعة
_________
( 1 ) قوله : أنه قال قطع الورق والذهب الظاهر أن مراده من قطعهما نقص شيء منهما لتصير أخف وزنا من الدراهم المتعارفة وفي معناهما غشهما لأنه نوع سرقة بل أكبر لسراية ضررها إلى العامة وكأنه أشار إلى أن فاعله من قطاع الطريق الذين قال الله في حقهم : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا ) الآية ( سورة المائدة : الآية 33 ) كذا ذكره القاري في " شرحه " . وقال أيضا : مراد محمد من قطعها كسرهما وإبطال صورهما وجعلهما مصنوعا وظروفا . انتهى . وقال بيري زاده في " شرحه " : لم نعلم ما المراد من القطع في قول ابن المسيب غير أن ابن الأثير قال : كانت المقابلة بها في صدر الإسلام عددا لا وزنا فكان بعضهم يقص أطرافها فنهوا عنه . انتهى . وقال " شارح المسند " : أظن أن قول ابن المسيب : قطع الورق بكسر القاف وفتح الطاء المهملة جمع قطعة وهي التي تتخذ من الذهب أو الورق فلوسا صغيرة ليرفق التعامل بها كما هو الرائج في زماننا كالدواوين في الحرمين والخماسيات في اليمن . وإنما عدها من الفساد في الأرض لأنه ربما لا يلاحظ المتعامل بها امورا واجبة في التقابض والتماثل ( قيل : أراد الدراهم والدنانير المضروبة يسمى كل واحدة منهما سكة لأنه طبع بسكة الحديد أي لا تكسر إلا بمقتضى كرداءتها أو شك في صحة نقدها وإنما كره ذلك لما فيها من اسم الله تعالى أو لأن فيه إضاعة المال وقيل : إنما نهى أن يعاد تبرا وأما للمنفعة فلا . بذل المجهود 15 / 122
وفي الأوجز 11 / 178 : الصحيح من معانيه أنه إن كسره أصلا ففيه إضاعة لأن المسكوك يروج ما لا يروج غير المسكوك مع أن إنفاق المسكوك لا يفتقر فيه إلى وزنه لكونه معلوم المقدار فيأخذه كل أحد من غير تردد أو ريبة وأما إذا كسر شيئا منه فإما أن يكسر ما يحس به أنه مكسور فهو داخل في الأول لأنه لا ينفق نفاق الصحيح وإن أخذ منه شيئا غير معلوم للرأي في بادئ نظره كما يفعله البعض بإلقائه في أدوية حاودة ففيه تغرير وخديعة ) . انتهى
( 2 ) أي الفضة
( 3 ) أي لا يحل لما فيه من الضرر العام
5 - باب المعاملة والمزارعة في النخل ( 1 ) والأرض
828 - أخبرنا مالك أخبرنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن حنظلة ( 1 ) الأنصاري أخبره أنه سأل رافع بن خديج عن كراء المزارع ( 2 ) فقال : قد نهي عنه ( 3 ) قال حنظلة : فقلت لرافع : بالذهب ( 4 ) والورق ؟ قال رافع : لا بأس بكرائها ( 5 ) بالذهب والورققال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس بكرائها بالذهب والورق بالحنطة ( 6 ) كيلا معلوما وضربا معلوما ( 7 ) ما لم يشترط ذلك مما يخرج منها فإن اشترط مما يخرج منها ( 8 ) كيلا معلوما فلا خير فيه ( 9 ) وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا . وقد سئل عن كرائها سعيد بن جبير بالحنطة كيلا معلوما فرخص ( 10 ) في ذلك فقال : هل ذلك إلا مثل البيت يكرى ( 11 )
_________
( 1 ) في النخل والأرض : لف ونشر مرتب
( 1 ) قوله : أن حنظلة هو ابن قيس بن عمرو بن حصن الزرقي الأنصاري التابعي الكبير قيل : وله صحبة ذكره الزرقاني
( 2 ) جمع مزرعة بالفتح : موضع الزرع
( 3 ) قوله : قد نهي عنه ظاهره منع كرائها مطلقا وإليه ذهب الحسن وطاوس والأصم ومن حجتهم حديث الصحيحين وغيرهما مرفوعا : " من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها فإن لم يفعل فليمسك " وتأول مالك وأصحابه أحاديث المنع على كرائها بالطعام أو بما تنبته وأجازوا كرائها بما سوى ذلك لحديث أحمد وأبي داود عن رافع مرفوعا : " من كانت له أرض فليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا طعام مسمى " وتأولوا النهي عن المحاقلة بأنها كراء الأرض بالطعام وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة وأجاز الشافعية والحنيفية كراءها بكل معلوم من طعام أو غيره لما في " الصحيح " عن رافع بعد قوله : أما بالذهب والفضة فلا بأس به : إنما كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم على الماذيانات وأقيال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا فلذلك زجر عنه وأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس به . فبين أن علة النهي الغرر وأجاز أحمد كراءها بجزء مما يزرع فيها كذا في " شرح الزرقاني "
( 4 ) أي هل يجوز ذلك أم لا
( 5 ) أي الأرض المزروعة
( 6 ) أي نحوها من الشعير والذرة من المثليات
( 7 ) أي صنفا معينا
( 8 ) أي من تلك الأرض
( 9 ) قوله : فلا خير فيه أي لا يحل ذلك فلعله لا يخرج منه إلا ذلك القدر المعهود فهذا الشرط لكونه فاسدا يفسد العقد نعم كرائها بثلث ما يخرج أو ربعه ونحو ذلك من الكسور جائز كما سيأتي
( 10 ) أي أجازه
( 11 ) أي ليس ذلك إلا مثل كراء البيت بالذهب والفضة والحنطة الملومة وغير ذلك فكما جاز ذلك جاز هذا
829 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : أن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ( 2 ) فتح خيبر قال لليهود ( 3 ) : أقركم ( 4 ) ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم قال ( 5 ) : وكان ( 6 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص ( 7 ) بينه وبينهم . ثم يقول : إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي قال ( 8 ) : فكانوا يأخذونه
_________
( 1 ) قوله : أن رسول الله مرسل أرسله جميع رواة " الموطأ " وأكثر أصحاب ابن شهاب ووصله منهم طائفة منهم صالح بن أبي الأخضر فزاد عن أبي هريرة قاله ابن عبد البر
( 2 ) قوله : حين فتح خبير بوزن جعفر مدينة كبيرة ذات حصون ونخل على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام وكان فتحه في صفر سنة سبع عند الجمهور وفي " الصحيحن " عن ابن عمر : لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها فسألوه أن يقرهم بها على أن يكفوه العمل ولهم نصف الثمر قاله الزرقاني
( 3 ) الذين كانوا بخيبر
( 4 ) قوله : أقركم أي أثبتكم على نخل خيبر على أن تعملوا فيها والثمر بيننا وبينكم أي على التناصف كما في رواية الصحيحين وغيرهما : ما دام أقركم الله أي إلى ما شاء الله وقد كان عازما على إخراج اليهود من جزيرة العرب فذكر ذلك لليهود منتظرا القضاء والوحي فيهم إلى أن حضرته الوفاة فأجلى اليهود بعده عمر من جزيرة العرب إلى الشام قال القرطبي : يحتمل أنه حد الأجل فلم ينقله الراوي
( 5 ) أي ابن المسيب
( 6 ) قوله : وكان هذا ههنا ليس للاستمرار فإنه إنما بعثه عاما واحدا فإن عبد الله بن رواحة بالفتح بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري من أهل بدر استشهد في غزوة مؤتة سنة ثمان كما ذكره ابن الأثير وغيره
( 7 ) قوله : فيخرص أي يقدر ما على النخيل من الثمار خرصا وتخمينا ويفصل حصة النبي صلى الله عليه و سلم وحصة اليهود خرصا ويقول : إن شئتم فلكم كله وتضمنون نصيب المسلمين وإن شئتم فلنا كله وأضمن مقدار نصيبكم فأخذوا الثمرة كلها وفي رواية : أنه خرص عشرين ألف وسق فأدوا عشرة ألف وسق قال ابن عبد البر : الخرص في المساقاة لا يجوز عند جميع العلماء لأن المساقيين شريكان لا يقتسمان إلا بما يجوز به بيع الثمار بعضها ببعض وإلا دخلته المزابنة قالوا : وإنما بعث رسول الله من يخرص على اليهود لإحصاء الزكاة لأن المساكين ليسوا شركاء معينين فلو ترك اليهود وأكلها رطبا والتصرف فيها أضر ذلك سهم المسلمين قالت عائشة : إنما أمر رسول الله بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق
( 8 ) أي ابن المسيب
830 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سليمان بن يسار : أن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبين اليهود قال : فجمعوا حليا ( 2 ) من حلي نسائهم فقالوا ( 3 ) : هذا لك ( 4 ) وخفف ( 5 ) عنا وتجاوز ( 6 ) في القسمة فقال : يا معشر اليهود والله ( 7 ) إنكم لمن أبغض خلق الله إلي وما ذاك بحاملي أن أحيف عليكم أما الذي عرضتم ( 8 ) من الرشوة فإنها سحت ( 9 ) وإنا لا نأكلها ( 10 ) قالوا : بهذا ( 11 ) قامت السموات والأرض
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس ( 12 ) بمعاملة النخل على الشطر ( 13 ) والثلث والربع وبمزارعة الأرض البيضاء على الشطر والثلث والربع وكان أبو حنيفة يكره ذلك ويذكر ( 14 ) أن ذلك هو المخابرة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم
_________
( 1 ) هذا مرسل في " الموطأ " وموصول بطريق عن جابر وابن عباس عند أبي داود وابن ماجه
( 2 ) بضم الحاء وكسر اللام وشد الياء : جمع أو بفتح الحاء وسكون اللام : مفرد
( 3 ) لعبد الله بن رواحة
( 4 ) أي هدية لك
( 5 ) أي اجعل التخفيف علينا
( 6 ) أي سامح فيها واغمض
( 7 ) قوله : والله إنكم أي وإن كنتم أبغض خلق الله إلي لكونكم - مع كونكم من أهل الكتاب - لم تسلموا لكن لا يحملني هذا البغض على أن أحيف أي أجور وأظلم عليكم من الحيف بمعنى الجور . فإن الظلم لا يحل على أحد ولو كان كافرا
( 8 ) أي أحضرتم عندي لتخفيف القسمة
( 9 ) بالضم أي حرام
( 10 ) لحرمتها . وفيه تعريض على اليهود فإنهم كانوا أكالين للسحت والرشوة كما أخبر به الكتاب
( 11 ) قوله : بهذا أي بهذا العدل الذي تفعله أو بهذا الامتناع عن أكل السحت قامت السموات بغير عمد والأرض استقرت على الماء ولولاه لفسدتا . قال ابن عبد البر : فيه دليل على أن الرشوة عند اليهود أيضا حرام ولولا حرمته عندهم ما عيرهم الله بقوله : ( أكالون للسحت ) وهو حرام عند جميع أهل الكتاب
( 12 ) قوله : لا بأس بمعاملة إلخ المعاملة بلغة أهل المدينة عبارة عن دفع الأشجار الكروم أو النخيل وغير ذلك إلى من يقوم بإصلاحها على أن يكون له سهم معلوم من ثمرها ويقال له المساقاة أيضا وهو عقد جائز عندهما وعليه الفتوى وبه قال أحمد وأكثر العلماء ويشترط ذكر المدة المعلومة وتسمية جزء مما يخرج مشاع إلا أن الشافعي خصه بالنخل والكرم في قوله الجديد وعمم في كل شجر في قوله القديم وحجتهم في ذلك حديث معاملة خبير وغير ذلك والمزارعة عبارة عن عقد على الأرض البيضاء أي الخالية من الزرع ببعض معين مما يخرج عنه وبجوازه قال الجمهور وروي عند ابن أبي شيبة وغيره عن علي وابن مسعود وسعد وجماعة من التابعين من بعدهم وقد ورد في بعض روايات معاملة خيبر العقد على الزرع أيضا . وأما أبو حنيفة فحكم بفسادهما مستدلا بالنهي عن المخابرة ورد ذلك من حديث جابر عند مسلم وزيد بن ثابت عند أبي داود ورافع بن خديج عند مسلم وغيره كذا في " البناية "
( 13 ) بالفتح : أي النصف
( 14 ) قوله : ويذكر والجواب عن حديث معاملة خيبر بأن ما فعل النبي صلى الله عليه و سلم ليس بعقد مساقاة بل هم كانوا عبيدا له والذي قدر لهم كان نفقة لهم وتعقب بأنهم لو كانوا عبيدا لما صح إجلاؤهم إلى الشام وقد يقال : إنه منسوخ بالنهي عن المخابرة وفيه أن الظاهر أن الأمر بالعكس فإن المعاملة التي وقعت في العهد النبوي دام عليها عمل أبي بكر وعمر إلى وقت الإجلاء ولو كان منسوخا لنقضوها والجمهور حملوا حديث النهي عن المخابرة على ما إذا تضمن على الغرر كما ورد في النهي عن كراء الأرض . وفي المقام تفصيل ليس هذا موضعه
6 - باب إحياء الأرض ( 1 ) بإذن الإمام أو بغير إذنه
_________( 1 ) إحياء الأرض : أي الموات ( بفتح الميم والواو الخفيفة فتح الباري 5 / 18 . وقال الجوهري : الموات بالضم الموت وبالفتح ما لا روح فيه والأرض التي لا مالك لها من الآدميين ولا ينتفع بها أحد كذا في الأوجز 12 / 214 ) : التي لا يعرف ما لكها ولا ينتفع بها . وإحياؤها تحصيل النفع فيها بالزرع وغيره
831 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه قال : قال ( 1 ) النبي صلى الله عليه و سلم : من أحيى أرضا ( 2 ) ميتة فهي له وليس ( 3 ) لعرق ظالم حق ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : قال : قال هذا مرسل باتفاق رواة الموطأ واختلف أصحاب هشام فطائفة رووه مرسلا كمالك وطائفة : عنه عن أبيه عن سعيد بن زيد وطائفة : عنه عن وهب بن كيسان عن جابر وطائفة : عنه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن جابر وهو حديث مقبول تلقاه فقهاء المدينة وغيرهم كذا قال ابن عبد البر . وذكر الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " وغيره أن هذا الحديث روي من طريق تسعة من الصحابة بألفاظ متقاربة :
1 - ابن عباس عند الطبراني وابن عدي
2 - وعائشة عند البخاري وأبي يعلى الموصلي وأبي داود الطيالسي والدارقطني وابن عدي
3 - وسعيد بن زيد عند أبي داود والترمذي والنسائي والبزار
4 - وجابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان وابن شيبة
5 - وعبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني
6 - وفضالة بن عبيد عند الطبراني
7 - ومروان عنده أيضا
8 - وصحابي آخر عنده أيضا
9 - وسمرة عند الطحاوي
( 2 ) قوله : أرضا ميتة قيل بالتشديد ولا يقال بالتخفيف فإنه إذا خفف حذفت منه تاء التأنيث والميتة والموات بالفتح والموتان بفتحتين : الأرض الخراب التي لم تعمر سميت بذلك تشبيها لها بالميتة في عدم الانتفاع
( 3 ) قوله : وليس لعرق ( قال الحافظ في الفتح 5 / 19 : في رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم : صفة له وهو راجع إلى صاحب العرق أي : ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق أي : ليس لعرق ذي ظلم ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق فيكون المراد بالعرق الأرض وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم ) بالكسر قال الخطابي في " شرح سنن أبي داود " : من الناس من يرويه بإضافته إلى الظالم وهو الغارس الذي غرس في غير حقه ومنهم من يجعل الظالم نعتا للعرق ويريد به الغراس والشجر وجعله ظالما لأنه نبت في غير محله واختار الأزهري وابن فارس ومالك والشافعي كونه بالتنوين كما بسطه النووي في " تهذيب الأسماء واللغات )
( 4 ) أي في بقائه
832 - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : من أحيى أرضا ميتة فهي له
قال محمد : وبهذا نأخذ . من أحيى أرضا ميتة بإذن الإمام أو بغير إذنه فهي له ( 1 ) فأما أبو حنيفة فقال : لا يكون له ( 2 ) إلا أن يجعلها له الإمام قال : وينبغي ( 3 ) للإمام إذا أحياها أن يجعلها له ( 4 ) وإن لم يفعل لم تكن له
_________
( 1 ) قوله : فهي له لأنه مال مباح غير مملوك سبقت يده إليه فيملكه كما في الاحتطاب والاصطياد من اشتراط إذن الإمام وبه قال أبو يوسف والشافعي وأحمد وبعض المالكية ونقل عن مالك أنه إن كان قريبا من العامر في موضع يتسامح الناس فيه افتقر إلى إذن الإمام وإلا فلا وحجتهم إطلاق الأحاديث الواردة في هذا الباب وأما أبو حنيفة فاشترط في كونه له إذن الإمام واستدل له بحديث : " الأرض لله ورسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيى شيئا من موتان ( في الأصل موتات وهو تحريف ) الأرض فله رقبتها " أخرجه أبو يوسف في " كتاب الخراج " فإنه أضافه إلى الله ورسوله وكل ما أضيف إلى الله ورسوله لا يجوز أن يختص به إلا بإذن الإمام وذكر الطحاوي أن رجلا بالبصرة قال لأبي موسى : أقطعني أرضا لا تضر بأحد من المسلمين ولا أرض خراج فكتب أبو موسى إلى عمر فكتب عمر إليه : أقطعه له فإن رقاب الأرض لنا كذا في " البناية "
( 2 ) أي لا يملكه الذي أحياه
( 3 ) أي يستحب
( 4 ) أي للذي أحياه
7 - باب الصلح في الشرب ( 1 ) وقسمة الماء ( 2 )
833 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله ( 1 ) بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في ( 2 ) سبيل مهزور ومذينب : يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفلقال محمد : وبه نأخذ لأنه كان كذلك الصلح بينهم : لكل ( 3 ) قوم ما اصطلحوا وأسلموا ( 4 ) عليه من عيونهم وسيولهم وأنهارهم وشربهم ( 5 )
_________
( 2 ) الشـرب : هو بالكسر عبارة عن نصيب الماء
( 2 ) وقسمة الماء : أي المشترك
( 1 ) قوله : عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قال ابن عبد البر : لا أعلمه يتصل بوجه من الوجوه مع أنه حديث مدني مشهور مستعمل عندهم وسئل البزار عنه فقال : لست أحفظ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا اللفظ حديثا يثبت انتهى . وهو تقصير منهما فله إسناد موصول عن عائشة عند الدارقطني في " الغرائب " والحاكم وصححاه وأخرجه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن . واختلفوا في معنى الحديث فقيل : معناه يرسل صاحب الحائط الأعلى جميع الماء في حائطه حتى إذا بلغ الماء إلى كعبي من يقوم فيه أغلق مدخل الماء وقيل : يسقي الأول حتى يروي حائطه ثم يمسك بعد ريه ما كان من الكعبين إلى أسفل ثم يرسل كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) قوله : في سبيل مهزور بفتح الميم وإسكان الهاء وضم الزاء وسكون الواو آخره . ومذينب ( في معجم البلدان : مذينب : بوزن تصغير المذنب واد بالمدينة . الأوجز 12 / 218 ) بضم الميم وفتح الذال وياء مسكنة وكسر النون بعده باء . واديان يسيلان بالمطر بالمدينة يتنافس أهل المدينة في سيلهما قاله الزرقاني
( 3 ) أي ليس فيه حد معين شرعا بل الأمر مفوض إلى آراء الشركاء
( 4 ) أي انقادوا واتفقوا عليه
( 5 ) أي نصيبهم من المياه
834 - أخبرنا مالك أخبرنا عمرو بن يحيى عن أبيه ( 1 ) أن الضحاك ( 2 ) بن خليفة ساق خليجا ( 3 ) له حتى النهر الصغير ( 4 ) من العريض ( 5 ) فأراد أن يمر به ( 6 ) في أرض لمحمد بن مسلمة فأبى ( 7 ) محمد بن مسلمة فقال الضحاك : لم ( 8 ) تمنعني وهو لك ( 9 ) منفعة تشرب به ( 10 ) أولا وآخرا ولا يضرك فأبى ( 11 ) فكلم ( 12 ) فيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فدعا ( 13 ) محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي ( 14 ) سبيله فأبى ( 15 ) فقال عمر : لم تمنع أخاك ( 16 ) ما ينفعه وهو لك نافع تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك ؟ قال محمد : لا ( 17 ) والله فقال ( 18 ) عمر : والله ليمرن به ( 19 ) ولو على بطنك ( 20 ) . فأمره ( 21 ) عمر أن يجريه ( 22 )
_________
( 1 ) هو يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني
( 2 ) قوله : أن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري الأشهلي شهد غزوة بني النضير وليست له رواية وكان يتهم بالنفاق ثم تاب وأصلح كذا في " الإصابة " وغيره
( 3 ) بالفتح : النهر الصغير يقطع من النهر الكبير
( 4 ) ليس هذا في " موطأ يحيى " لعله يعني النهر الصغير تفسيرا للخليج
( 5 ) بالضم واد بالمدينة ( عريض : ناحية من المدينة في طرف حرة واقم ( الحرة الشرقية ) قد شملها العمران اليوم
( 6 ) أي بذلك الخليج
( 7 ) أي امتنع منه ومنعه منه
( 8 ) أي لأي سبب
( 9 ) قوله : وهو لك منفعة قال الباجي : يحتمل أنه كان شرط له ذلك ويحتمل أن يريد أن ذلك حكم الماء أن الأعلى أولى حتى يروى
( 10 ) بيان للمنفعة
( 11 ) أي امتنع ابن مسلمة
( 12 ) أي الضحاك
( 13 ) أي عمر
( 14 ) أي يتركه بما يفعله من إجراء الخليج
( 15 ) أي ابن مسلمة مع حكم عمر
( 16 ) أي في الإسلام أو في الصحبة
( 17 ) أي لا أرضى به
( 18 ) في نسخة : قال
( 19 ) أي بالخليج
( 20 ) قاله مبالغة في الزجر
( 21 ) قوله : فأمره عمر أن يجريه أي أمر عمر الضحاك أن يجري بخليجه في أرض ابن مسلمة ولو لم يرضى به . قيل : إن عمر لم يقض على محمد بذلك وإنما حلف على ذلك ليرجع إلى الأفضل ( قال الباجي : ويحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه لم يقض بذلك على محمد بن مسلمة وإنما أقسم عليه لما أقسم تحكما عليه في الرجوع إلى الأفضل فقد يقسم الرجل على الرجل في ماله تحكما عليه وثقة بأنه لا يحنثه فيبر بقسمه . المنتقى 6 / 46 ، والأوجز 12 / 231 ) ثقة أنه لا يحنثه ( في الأصل : " لا يحلفه " وهو خطأ ) وقيل : هو على سبيل الحكم وقال مالك : كان يقال : تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور فلو كان الشأن معتدلا في زماننا كاعتداله في زمن عمر رأيت أن يقضى له بإجراء مائه في أرضك لأنك تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك ولكن فسد الناس فأخاف أن يطول وينسى ما كان عليه جري الماء فيدعي به جارك في أرضك كذا في " شرح الموطأ " للباجي
( 22 ) في نسخة : يجيزه
835 - أخبرنا مالك أخبرنا عمرو بن يحيى المازني عن أبيه ( 1 ) : أنه ( 2 ) كان في حائط جده ربيع ( 3 ) لعبد الرحمن ( 4 ) بن عوف فأراد عبد الرحمن أن يحوله ( 5 ) إلى ناحية من الحائط هي ( 6 ) أرفق لعبد الرحمن وأقرب إلى أرضه ( 7 ) فمنعه صاحب ( 8 ) الحائط فكلم عبد الرحمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقض ( 9 ) لعبد الرحمن بتحويله
_________
( 1 ) أي يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني
( 2 ) قوله : أنه ضمير للشأن . كان في حائط أي بستان . جده أي جد يحيى وهو أبو حسن تميم بن عبد عمرو الأنصاري الصحابي قاله الزرقاني . وقد مرت ترجمته وترجمة ابن ابنه وابن ابن ابنه
( 3 ) على وزن فعيل : النهر الصغير
( 4 ) أحد العشرة المبشرة
( 5 ) من التحويل أي يصرف ربيعه في جهة أخرى من حائط أبي حسن
( 6 ) أي تلك الجهة أرفق وأسهل سقيا
( 7 ) أي أرض ابن عوف
( 8 ) أي أبو الحسن
( 9 ) قوله : فقضى أي حكم بتحويله لعبد الرحمن لأنه حمل حديث : " لا يمنع أحدكم جاره " على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه وقال مالك : ليس العمل على الحديث عمر هذا ولم يأخذ به مالك وروي عنه أنه إن لم يضر قضى عليه . والمشهور من مذهب مالك وأبي حنيفة عدم القضاء بشيء من ذلك إلا بالرضاء لحديث : " لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفس منه " وروى أصبغ عن ابن القاسم : لا يؤخذ بقضاء عمر على محمد بن مسلمة في الخليج ويؤخذ بتحويل الربيع لأن مجراه ثابت لابن عوف في ناحية وهذا قول الشافعي في القديم وفي قوله الجديد : لا يقضى بشيء من ذلك كذا ذكره الزرقاني ( 4 / 34 )
836 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الرجال عن عمرة بنت عبد الرحمن ( 1 ) أن ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يمنع ( 3 ) نقع بئر
قال محمد : وبهذا نأخذ . أيما رجل كانت له بئر فليس له أن يمنع الناس منها أن يستقوا ( 4 ) منها لشفاههم وإبلهم وغنمهم وأما لزرعهم ( 5 ) ونخلهم فله ( 6 ) أن يمنع ذلك . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) مرسل وصله أبو قرة موسى بن طارق وسعيد الجمحي عن مالك به سندا عن عائشة
( 2 ) في نسخة : عن
( 3 ) قوله : لا يمنع بصيغة المجهول . والنقع بفتح النون وسكون القاف قال بعض الرواة عن مالك : أي فضل مائها يقال ينقع به أي يروي به قال الباجي : ويروى : رهو ( قال أبو الرجال : النقع والرهو هو الماء الواقف الذي لا يسقى عليه أو يسقى وفيه فضل . شرح الزرقاني 4 / 31 ، والمنتقى 6 / 39 ) ماء وهو بمعناه
( 4 ) قوله : أن يستقوا أي أن يستقوا من تلك البئر لشفاههم ودوابهم وهو جمع شفة بالفتح وهو شرب بني آدم بشفتهم وأصله شفهه ولذا صغر بشفيه وجمع بشفاه يقال هم أهل الشفة أي لهم حق الشرب بشفاههم قاله العيني
( 5 ) أي إن قصدوا أن يستقوا منها لزرعهم وأشجارهم
( 6 ) قوله : فله أي لصاحب الماء أن يمنع من ذلك سواء أضر به أو لم يضر لأنه حق خاص ولا ضرورة في ذلك ولو أبيح ذلك لانقطعت منفعة الشرب . وهذا بخلاف مياه البحار والأنهار الكبار والأودية غير ( في الأصل : الغير المملوكة وهو خطأ ) المملوكة لأحد فإن للناس فيها حق الشرب وسقي الدواب والأشجار وغير ذلك لحديث : " الناس شركاء في ثلاثة : الماء والكلأ والنار " أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس والطبراني من حديث ابن عمر وغيرهما . وأما إذا كان الماء محرزا في الأواني وصار مملوكا له بالإحراز ففيه حق المنع . والمسألة بتفاريعها مبسوطة في الهداية وشروحها
8 - باب الرجل يعتق نصيبا ( 1 ) له من مملوك أو يسيب سائبة ( 2 ) أو يوصي
بعتق837 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن ابيه : أن أبا بكر سيب سائبة ( 1 )
قال محمد : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 2 ) في الحديث المشهور : " الولاء لمن أعتق " وقال عبد الله بن مسعود : لا سائبة في الإسلام ( 3 ) ولو استقام ( 4 ) أن يعتق الرجل سائبة فلا يكون لمن أعتقه ولاؤه ( 5 ) لاستقام لمن ( 6 ) طلب من عائشة أن تعتق ويكون الولاء لغيرها فقد طلب ( 7 ) ذلك منها فقال ( 8 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الولاء لمن أعتق " وإذا استقام أن لا يكون لمن أعتق ولاء استقام أن يستثنى عنه ( 9 ) الولاء فيكون لغيره واستقام أن يهب الولاء ويبيعه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الولاء وهبته . والولاء عندنا بمنزلة النسب ( 10 ) وهو لمن أعتق ( 11 ) إن أعتق سائبة أو غيرها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) نصيبا : أي حصة من مملوك مشترك
( 2 ) قوله : أو يسيب سائبة قال في " المغرب " : السائبة كل ناقة تسيب للنذر أي تهمل لترعى حيث شاءت ومنه صبي مسيب أي مهمل ليس معه رقيب وبه سمي والد سعيد بن المسيب وعنده سائبة أي معتق لا ولاء بينهما
( 1 ) قوله : سيب سائبة لا خلاف في جواز العتق بلفظ أنت سائبة أو بشرط أن لا ولاء بينهما ولزومه وإنما كره جماعة من العلماء العتق بلفظ السائبة لاستعمال الكفار لها في الأنعام المسيبة للأصنام واختلفوا في ولائه فذهب مالك إلى أنه لا يوالي أحدا وأن ميراثه للمسلمين وعقله إن جنى عليهم وهو مذنب جمع من السلف والخلف ( وإليه ذهب مالك وجماعة من أصحابه وكثير من السلف وقال ابن الماجشون وابن نافع والشافعي ولاؤه للمعتق . شرح الزرقاني 4 / 100 ) وذهب جمع من المالكية والشافعي والحنفية إلى أن ولاءه لمعتقه كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) قوله : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم استدلال على أن ولاء السائبة للمعتق لا لغيره بالحديث المشهور عند أهل الحديث " الولاء لمن أعتق " من غير تخصيص بعبد دون عبد وبقول ابن مسعود : " لا سائبة في الإسلام " أي لا حكم لها على ما كان في الجاهلية من سقوط حق المعتق في الولاء وبأنه لو صح أن يكون ولاء السائبة لغير معتقه لا له لصح أن يشترط شارط على المالك بعتق عبده بشرط أن لا يكون الولاء للمعتق بل له فإنه لا فرق بين ذلك وبين هذا وقد دلت قصة بريرة كما مر ذكرها على أنه لا يجوز ذلك وبأنه لو صح ذلك لصح انتقال الولاء عن المعتق بيعا وهبة وهو باطل بالنصوص الواردة وقد مر ذكرها
( 3 ) أي إنما كان عادة أهل الجاهلية
( 4 ) أي لو صح
( 5 ) أي ولاء المعتق سائبة
( 6 ) وهم موالي بريرة
( 7 ) بالمجهول والمعروف أي مولى بريرة
( 8 ) ردا عليهم وإبطالا لشرطهم
( 9 ) أي المعتق
( 10 ) فلا يباع ولا يوهب ولا ينتقل
( 11 ) أي سواء فيه إعتاقه سائبة أو غير سائبة
838 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أعتق شركا ( 1 ) له في عبد ( 2 ) وكان له ( 3 ) من المال ما يبلغ ( 4 ) ثمن العبد قوم ( 5 ) قيمة العدل ثم أعطي ( 6 ) شركاؤه حصصهم ( 7 ) وعتق عليه ( 8 ) العبد وإلا ( 9 ) فقد عتق منه ما أعتق ( 10 )
قال محمد : وبهذا ( 11 ) نأخذ من أعتق شقصا ( 12 ) في مملوك فهو حر ( 13 ) كله فإن كان الذي أعتق موسرا ( 14 ) ضمن حصة ( 15 ) شريكه من العبد وإن كان معسرا ( 16 ) سعى العبد لشركائه في حصصهم . وكذلك ( 17 ) بلغنا عن النبي صلى الله عليه و سلم . وقال أبو حنيفة : يعتق عليه بقدر ما أعتق والشركاء بالخيار : إن شاؤا ( 18 ) أعتقوا كما أعتق وإن شاؤا ضمنوه ( 19 ) إن كان موسرا وإن شاؤا استسعوا ( 20 ) العبد في حصصهم فإن استسعوا أو اعتقوا كان الولاء ( 21 ) بينهم على قدر حصصهم وإن ضمنوا المعتق كان الولاء ( 22 ) كله له ورجع ( 23 ) على العبد بما ضمن واستسعاه به ( 24 )
_________
( 1 ) قوله : شركا بكسر الشين وفي رواية للبخاري : شقصا على وزنه وفي أخرى عنده نصيبا والكل بمعنى واحد
( 2 ) قوله : في عبد وكذا في أمة كما في رواية عند مسدد في " مسنده " : من أعتق شركا له في مملوك وأصرح منه ما في رواية الدارقطني والطحاوي : عبدا وأمة وشذ ابن راهويه فقال بتخصيص الحكم في العبد وقال : لا تقويم في عتق الإناث قال القاضي عياض : أنكره عليه حذاق الأصول لأن الأمة في هذا المعنى كالعبد
( 3 ) أي للمعتق
( 4 ) قوله : ما يبلغ ثمن العبد أي قدر قيمة بقيمة العبد كما في راوية النسائي : وله مال يبلغ قيمة أنصباء شركائه فإنه يضمن لشركائه أنصباءهم ويعتق العبد
( 5 ) قوله : قوم مجهول من التقويم . قيمة العدل بالفتح أي الوسط من غير زيادة ولا نقصان ويوضحه رواية مسلم : لا وكس ولا شطط ( الوكس : بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مهملة : النقص والشطط : الجور . فتح الباري 5 / 152 )
( 6 ) بصيغة المجهول أو المعروف فما بعده مرفوع أو منصوب
( 7 ) أي قيمة حصصهم
( 8 ) أي على ذلك المعتق الضامن فالولاء كله له
( 9 ) قوله : وإلا أي إن لم يكن له مال عتق منه ما عتق - بفتح العين في الأول ويجوز الفتح والضم في الثاني قاله الدراوردي ورده ابن التين بأنه لم يقله غيره وإنما يقال عتق بالفتح وأعتق بضم الهمزة ولا يعرف عتق بضم أوله - وهذه الجملة من المرفوع الموصول عند مالك وزعم جماعة أنه مدرج تعلقا بما في " صحيح البخاري " عن أيوب : قال نافع : وإلا فقد عتق منه ما عتق . قال أيوب : لا أدري أشيء قاله نافع أم هو في الحديث ؟ والصحيح أنه ليس بمدرج كما حققه في " فتح الباري " ( 5 / 154 )
( 10 ) وفي رواية : عتق
( 11 ) قوله : وبهذا نأخذ ( إن المسألة خلافية شهيرة جدا . ذكر النووي فيها عشرة مذاهب . والعيني على البخاري أربعة عشر مذهبا وفي الأوجز عشرين مذهبا وفي آخرها : اختلاف هذه المذاهب كلها مبني على اختلاف في أصل كلي وهو أن العتق مجتزئ عند الإمام أبي حنيفة ومن وافقه في فروع هذا الفصل مطلقا بمعنى في حالتي اليسر والعسر معا وليس بمجتزئ مطلقا عند صاحبيه ومن وافقهما ومجتزئ في حالة العسر دون اليسر في المشهور من أقوال الأئمة الباقية . لامع الدراري 6 / 440 ) وبه قال أبو يوسف وقتادة والثوري والشعبي وهو مروي عن عمر وغيره وبه قال الشافعي ومالك وأحمد إلا أن مبنى الحكم عندهما على أن العتق لا يتجزأ فإعتاق البعض إعتاق كله وهو مذهب الشافعي في ما إذا كان المالك واحدا وكان المعتق معسرا أما لو كان موسرا يبقى ملك الساكت كما كان حتى يجوز له بيعه وهبته وبه قال مالك وأحمد . وأما أبو حنيفة فقال بالتجزي فخير الساكت بين الإعتاق والاستسعاء والتضمين إن كان المعتق موسرا وبين الأولين إن كان معسرا كذا في " البناية " . واستدل الطحاوي لمذهبهما وقال : إنه أصح القولين بأحاديث مرفوعة دالة على مذهبهما واستدل له بما أخرجه عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كان لنا غلام بيني وبين أمي وأخي الأسود فأرادوا عتقه وكنت يومئذ صغيرا فذكر الأسود ذلك لعمر فقال : أعتقوا أنتم فإذا بلغ عبد الرحمن فإن رغب فيما رغبتم أعتق وإلا ضمنكم
( 12 ) بالكسر : أي نصيبا في مملوك مشترك
( 13 ) لأن العتق لا يتجزأ
( 14 ) أي ذا مال ويسار يقدر على أداء الضمان
( 15 ) أي قدر قيمته
( 16 ) أي فقيرا غير قادر على الضمان
( 17 ) قوله : كذلك بلغنا قد ورد ذلك من طرق عدة من الصحابة منهم أبو هريرة عند الأئمة الستة وابن عمر عندهم وجابر عند الطبراني وغيرهم كما بسطه الزيلعي في " نصب الراية " وأخرجه الطحاوي من طرق عديدة
( 18 ) بيان للخيار
( 19 ) أي المعتق أي جعلوه ضامنا وأخذوا الضمان منه
( 20 ) أي طلبوا العبد من السعاية فيؤديهم من المال مقدار حصصهم ليعتق كله
( 21 ) لأن العتق وقع منهم جميعا
( 22 ) لخلوص عتق الكل له
( 23 ) أي المعتق الضامن
( 24 ) بيان للرجوع أي طلب منه السعاية بقدر ما أداه ( حاصل مذاهب الأئمة الستة في ذلك أن الرجل إذا أعتق بعض مملوكه يعتق كله في الحال بغير استسعاء عند الأئمة الثلاثة وصاحبي أبي حنيفة وقال الإمام الأعظم رحمه الله تعالى : يستسعى في الباقي وإن كان العبد مشتركا بينهما فأعتق أحدهما نصيبه فقال الإمام أبو حنيفة : الشريك الآخر مخير بين الثلاث : يعتق نصيبه أو يستسعى العبد فالولاء لهما في الوجهين أو يغرم الأول فالولاء له ويستسعى العبد وقال صاحباه : ليس له إلا الضمان مع اليسار أو السعاية مع الإعسار ولا يرجع العبد على المعتق بشيء والولاء للمعتق في الوجهين وقالت الأئمة الثلاثة في المشهور عنهم : إن كان الأول موسرا يغرم والولاء له وإلا فقد عتق منه ما عتق ولا يستسعي . لامع الدراري 6 / 441 )
839 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن عبد الله بن عمر أعتق ولد زنى وأمه ( 1 )
قال محمد : لا بأس بذلك . وهو حسن ( 2 ) جميل بلغنا عن ابن عباس أنه سئل عن عبدين : أحدهما لبغية ( 3 ) والآخر لرشدة ( 4 ) : أيهما يعتق ؟ قال : أغلاهما ( 5 ) ثمنا بدينار ( 6 ) . فهكذا ( 7 ) نقول . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي والدته التي زنت
( 2 ) قوله : وهو حسن جميل أي عتق ولد الزنا وأمه وكذا عتق العبيد الفساق أو الأراذل وأحسن منه عتق الصالحين ذوي الأنساب
( 3 ) قوله : لبغية بفتح الباء وكسر الغين المعجمة وتشديد الياء أي زانية أو بكسر الباء وسكون الغين وفتح الياء : مصدر بمعنى الزنا وهما نسختان قاله القاري
( 4 ) بكسر الراء وسكون الشين : أي صالحة
( 5 ) بالمعجمة أي أعلاهما ثمنا
( 6 ) أي ولو كان التزايد بدينار
( 7 ) قوله : فهكذا نقول وهو قول أبي حنيفة وبه قال الجمهور : إن الأولى أن يعتق ما كان ثمنه أكثر وقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي ذر : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أفضل الرقاب قال : أكثرها ثمنا وأنفسها عند أهلها وفي رواية : أغلاها ثمنا
840 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد قال : توفي ( 1 ) عبد الرحمن بن أبي بكر في نوم ( 2 ) نامه فأعتقت عائشة رقابا ( 3 ) كثيرة . قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس ( 4 ) أن يعتق عن الميت فإن كان أوصى بذلك ( 5 ) كان الولاء له ( 6 ) وإن كان لم يوص كان الولاء لمن أعتق ويلحقه ( 7 ) الأجر إن شاء الله تعالى ( 8 )
_________
( 1 ) في طريق مكة سنة 53 ، وقيل بعدها
( 2 ) أي فجأة في نومه
( 3 ) أي مماليك كثيرة عن أخيها عبد الرحمن
( 4 ) قوله : لا بأس أن يعتق عن الميت ( قال ابن عبد البر : الصدقة والعتق كل منهما جائز عن الميت إجماعا والولاء للمعتق عند مالك وأصحابه قاله الزرقاني وهكذا نقل الإجماع على ذلك الباجي كذا في الأوجز 10 / 380 ) فإن العتق من أفضل أنواع الصدقة والصدقة بجميع أقسامها وكذا العبادات المالية والبدنية ثوابها يصل إلى الميت ويكون باعثا لمغفرته ورفع درجاته وبه وردت الأخبار وشهدت به الآثار كما بسطه السيوطي في " شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور " وغيره في غيره وورد في العتق عن الميت آثار من أحسنها ما أخرجه النسائي عن واثلة قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فقلنا : إن صاحبا لنا قد مات فقال رسول الله : أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار
( 5 ) أي بالعتق
( 6 ) أي للميت فينتقل إلى ورثته لأنه هو المعتق حقيقة بالوصية
( 7 ) أي من أعتق له وهو الميت
( 8 ) قوله : إن شاء الله متعلق بلحوق الأجر والظاهر أنه لمجرد التبرك واختيار الأدب في تعليق الأحكام على المشيئة الإلهية لا للشك في الحكم فإنه لا شبهة في وصول الأجر إلى الميت إذا أعتق الحي عنه وأوصل ثوابه إليه وإن لم يوص . نعم إن كان الإعتاق أو شيء من الصدقات واجبا على الميت فإن أوصى به يجب على الوصي تنفيذه في ثلث ما ترك ويحكم ببراءة ذمته عن ذلك الواجب وإن لم يوص وتبرع الوصي بأداء ما وجب عليه يحكم ببراءة الذمة إن شاء الله تفضلا منه ومنة
9 - باب بيع ( 1 ) المدبر
841 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم كانت أعتقت جارية لها عن دبر ( 1 ) منها ثم إن عائشة رضي الله عنها بعد ذلك اشتكت ( 2 ) ما شاء الله أن تشتكي ثم إنه ( 3 ) دخل عليها رجل سندي ( 4 ) فقال لها ( 5 ) : أنت مطبوبة فقالت له عائشة : ويلك من طبني ( 6 ) ؟ قال : امرأة من نعتها ( 7 ) كذا وكذا فوصفها وقال : إن في حجرها ( 8 ) الآن ( 9 ) صبيا قد بال فقالت عائشة : ادعوا لي ( 10 ) فلانة جارية ( 11 ) كانت تخدمها فوجدوها في بيت جيران لهم في حجرها صبي قالت : الآن ( 12 ) حتى أغسل بول هذا الصبي فغسلته ثم جاءت فقالت لها عائشة : أسحرتني ( 13 ) ؟ قالت : نعم قالت : لم ( 14 ) ؟ قالت : أحببت ( 15 ) العتق قالت : فوالله لا تعتقين ( 16 ) أبدا . ثم أمرت عائشة ابن أختها ( 17 ) أن يبيعها من الأعراب ( 18 ) ممن يسيء ملكتها قالت : ثم ابتع لي ( 19 ) بثمنها رقبة ( 20 ) ثم أعتقها فقالت عمرة : فلبثت ( 21 ) عائشة رضي الله عنها ما شاء الله من الزمان ثم إنها رأت في المنام أن اغتسلي من آبار ثلاثة يمد بعضها بعضا فإنك تشفين ( 22 ) . فدخل على عائشة إسماعيل بن أبي بكر وعبد الرحمن بن سعد بن زرارة فذكرت أم عائشة الذي رأت ( 23 ) فانطلقا إلى قناة ( 24 ) فوجدا آبارا ثلاثة ( 25 ) يمد بعضها بعضا فاستقوا من كل بئر منها ثلاث ( 26 ) شجب حتى ملؤوا الشجب من جميعها ثم أتوا بذلك الماء إلى عائشة فاغتسلت فيه فشفيتقال محمد : أما نحن فلا نرى ( 27 ) أن يباع المدبر وهو قول زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وبه نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : باب بيع المدبر هو مفعول من التدبير وهو تعليق العتق بالموت بأن يقول : إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني ونحو ذلك واختلفوا في جواز بيعه وهبته ونحوهما من التصرفات الموجبة نقل مملوك من مالك إلى مالك بعد ما اتفقوا على جواز الاستخدام والإجارة والوط والتزويج ونحو ذلك فعندنا لا يجوز بيعه وإخراجه من ملكه لكونه مستلزما لإبطال حق الحرية الثابت للمدبر جزما وبه قال مالك وعامة العلماء من السلف والخلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين وهو المروي عن عمر وعثمان وان مسعود وزيد بن ثابت وبه قال شريح وقتادة ولثوري والأوزعي . قال الشافعي وأحمد وداود بجواز البيع وغيره هذا في المدبر المطلق وأما المدبر المقيد - وهو من علق عتقه بالموت على صفته كأن يقول : إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا فأنت حر - فيجوز بيعه عندنا أيضا لأن سبب الحرية لم ينعقد في الحال للتردد في وقوع تلك الصفة كذا في " البناية " . واحتج المجوزون لبيع المدبر المطلق بآثار مفيدة لذلك : منها أثر عائشة المذكور في هذا الباب أنها باعت مدبرتها ( في الأصل : " مدبرته " وهو خطأ ) التي سحرتها ورواه الشافعي والحاكم أيضا وقال : على شرط الشيخين ولم يخرجاه والبيهقي أيضا وإسناده صحيح قاله الحافظ في " التلخيص " . والجواب عنه على ما في " نصيب الراية " وغيره من وجهين الأول : أنا نحمله على بيع الخدمة والمنفعة والثاني : أنا نحمله على المدبر المقيد وعندنا يجوز بيعه إلا أن يبينوا أنها كانت مدبرة مطلقة وهم لا يقدرون على ذلك
ومنها حديث جابر أن رجلا دبر غلاما ليس له مال غيره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن النحام أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وابن حبان وغيرهم . قال الإتقاني في " غاية البيان " : هو محمول على المدبر المقيد أو على ابتداء الإسلام حين كان يباع الحر أو على بيع الخدمة أجمعوا على جواز بيعه ولما نشأ الشافعي جوزه فصار هذا خرقا للإجماع منه . انتهى . ورده العيني في " البناية " بأنه كيف يوفق بين حديثينا وحديثه وحديثنا لم يبلغ إلى الصحة وحديثه صحيح وكون قول الشافعي خرقا للإجماع غير مسلم فإن الشافعي لم ينفرد به بل هو مذهب جابر وعطاء ووافقه أحمد وإسحاق وداود وجوز المالكية بيع المدبر إذا كان على سيده دين ولا مال له سواه وعليه حملوا حديث جابر ففي رواية النسائي في ذلك الحديث : " وكان عليه دين " فلا يفيد إلا جواز بيعه عند الدين لا جواز بيعه مطلقا . وهذا القول أقرب إلى الإنصاف والمعقول
( 1 ) بضمتين : أي من عقبها وبعد موتها أي جعلتها مدبرة
( 2 ) أي مرضت أياما
( 3 ) ضمير الشأن
( 4 ) بكسر السين : نسبة إلى السند مملكة معروفة كالهند
( 5 ) قوله : فقال لها : أنت مطبوبة أي مسحورة يقال : طبه أي سحره وفي رواية : أن عائشة مرضت فتطاول مرضها فذهب بنو أخيها إلى رجل فذكروا له مرضها فقال : إنكم تخبروني خبر امرأة مطبوبة فذهبوا ينظرون فإذا جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها الحديث
( 6 ) أي من سحرني
( 7 ) أي من وصفها كذا وكذا وذكر وصفها
( 8 ) بفتح الحاء وسكون الجيم
( 9 ) أي في هذا الوقت
( 10 ) أي اطلبوا عندي
( 11 ) بدل من فلانة وبيان لها
( 12 ) أي أحضر الآن فلتصبر حتى أغسل البول
( 13 ) بهمزة الاستفهام وصيغة الخطاب
( 14 ) أي بأي سبب سحرتني
( 15 ) أي أردت أن تموت حتى أعتق
( 16 ) أي زجرا وعقوبة لك فمن عجل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه
( 17 ) في نسخة : ابن أخيها
( 18 ) قوله : من الأعراب أي البداوي . ممن يسيء ملكتها أي يشق عليها بكثرة خدمتها وقلة راحتها يقال : فلان حسن الملكة بفتحات أي حسن الصنع إلى مماليكه وسيئ الملكة أي يسيء صحبة المماليك كذا في " النهاية "
( 19 ) أي اشتر لي
( 20 ) أي جارية أخرى
( 21 ) أي في ذلك المرض بسبب السحر
( 22 ) بصيغة المجهول
( 23 ) أي منامها
( 24 ) قوله : إلى قناة القناة : بالفتح مجرى الماء تحت الأرض كذا في " المغرب " وفي " النهاية " : القني : الآبار التي تحفر في الأرض متتابعة يستخرج ماؤها ويسيح على وجه الأرض كذا قال القاري
( 25 ) أي متقاربة متصلة يصل المدد من بعضها إلى بعض
( 26 ) قوله : ثلاث شجب قال القاري : بضمتين جمع شجب بالفتح فسكون وهي القربة البالية
( 27 ) قوله : فلا نرى أن يباع وذلك لما أخرجه الدارقطني من رواية عبيدة بن حسان عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : " المدبر لا يباع ولا يوهب " وهو حر من ثلث المال . قال الدارقطني : لم يسنده غير عبيدة وهو ضعيف وإنما هو عن ابن عمر من قوله وأخرجه أيضا عن علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : المدبر من الثلث . وعلي ضعيف والموقوف أصح كما بسطه الزيلعي في " نصب الراية " والعيني
842 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : من أعتق ( 1 ) وليدة عن دبر منه فإن له أن يطأها وان يزوجها وليس له أن يبيعها ولا أن يهبها وولدها ( 2 ) بمنزلتها
قال محمد : وبه نأخذ . وهو قول أبي حنيفة ( 3 ) والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي علق عتقها بموته ودبرها
( 2 ) قوله : وولدها بمنزلتها فإن الحمل يتبع أمه في الرق والحرية وكذا الولد
( 3 ) قوله : وهو ( وفي البدائع : ولد المدبرة من غير سيدها بمنزلتها لإجماع الصحابة على ذلك فإنه روي عن عثمان خوصم إليه في أولاد مدبرة فقضى أن ما ولدته قبل التدبير عبد وما ولدته بعد التدبير مدبر وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم فيكون إجماعا وهو قول شريح ومسروق وعطاء وطاووس ومجاهد وابن جبير والحسن وقتادة ولا يعرف في السلف خلاف ذلك وإنما قال به بعض أصحاب الشافعي فلا يعتد به بخلاف الإجماع . أوجز المسالك 13 / 5 ) قول أبي حنيفة خلافا للشافعي فإنه قال : إن المدبرة إذا ولدت من نكاح أو زنى لا يصير ولدها مدبرا وإن الحامل ذات دبر صار ولدها مدبرا . وعن جابر بن زيد وعطاء لا يتبعها ولدها في التدبير حتى لا يعتق بموت سيدها كذا ذكر القاري
10 - باب الدعوى والشهادات وادعاء النسب
843 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان عتبة ( 1 ) بن أبي وقاص عهد ( 2 ) إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة ( 3 ) زمعة مني ( 4 ) فاقبضه ( 5 ) إليك قالت : فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال : ابن أخي ( 6 ) قد كان عهد إلي أخي فيه فقام إيه عبد بن زمعة فقال : أخي ( 7 ) وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا ( 8 ) إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إلي فيه أخي عتبة وقال عبد بن زمعة : أخي ( 9 ) ابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو لك ( 10 ) يا عبد بن زمعة ثم قال : الولد للفراش والعاهر الحجر ثم قال لسودة ( 11 ) بنت زمعة : احتجبي منه ( 12 ) لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها ( 13 ) حتى لقي الله عز و جل ( 14 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . الولد للفراش وللعاهر الحجر . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : كان عتبة بن أبي وقاص هو بضم العين وسكون التاء ابن أبي وقاص مالك الزهري مات على شركه كما جزم به الدمياطي . قال الحافظ في " الإصابة " : ولم أر من ذكره في الصحابة إلا ابن منذه واشتد إنكار أبي نعيم عليه وقال : هو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد ما علمت له إسلاما وفي " مصنف عبد الرزاق " أنه صلى الله عليه و سلم دعا على عتبة حين كسر رباعيته أن لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا فكان كذلك وروي عن سعد بن أبي وقاص كما أخرجه ابن إسحاق عنه : ما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل أخي عتبة لما صنع برسول الله ولقد كفاني منه قول رسول الله : اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله وزمعة - الذي ادعى عتبة ابن جاريته - بفتح الزاء المعجمة وسكون الميم وقد تفتح : ابن القيس العامري والد سودة أم المؤمنين وابنه عبد القرشي العامري أخو سودة كان من سادات الصحابة من مسلمة الفتح ولم تسم الوليدة في رواية وابنها المخاصم فيه كان من صغار الصحابة اسمه عبد الرحمن وأصل القصة أنه كانت لهم في الجاهلية إماء تزنين وكانت سادتهن تأتيهن في خلال ذلك فإذا أتت إحداهن بولد ربما يدعيه السيد وربما يدعيه الزاني فإن مات السيد ولم يكن ادعاه ولا أنكر فادعاه ورثته لحق به إلا أنه لا يشارك مستلحقه في ميراثه إلا أن يستلحقه فبل القسمة وإن كان أنكره السيد لم يلحق به وكان لزمعة بن قيس أمة تزني وكان يطأها زمعة أيضا فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة أخي سعد فأوصى عتبة إلى أخيه قبل موته أن يستلحقه به فلما كان يوم الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه فاحتج بوصية أخيه واستلحاقه فلما تخاصم عبد بن زمعة مع سعد أبطل رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوى الجاهلية وقال : " الولد للفراش " أي لصاحب الفراش وهو الزوج والسيد وللعاهر الزاني الحجر بفتحتين على الأشهر أي الخيبة والخسران ولا حق له في الولد بالوطء المحرم وإن كان مشابها له صورة وصدر منه الدعوى يقال : فلان في فيه الحجر والتراب كناية عن حرمانه وقيل : المراد بالحجر الرجم بالحجارة وفيه ضعف فليس كل زان يرجم وقيل : هو بفتح الأول وسكون الجيم أي المنع وظاهر الحديث بإطلاق لفظ الفراش ووروده في مورد خاص : وهو ولد جارية زمعة يقتضي أن يكون الولد للفراش مطلقا سواء كانت المستفرشة أمة وصاحب الفراش سيدا أو المستفرشة زوجة وصاحب الفراش زوجا من غير احتياج إلى ادعائهما واختلف العلماء في ولد الأمة بعد اتفاقهم على أن ولد الزوجة للزوج وإن أنكره أو لم يشبهه بعد إمكان الوطء لقيام العقد مقامه فذهب الشافعية وغيرهم إلى أن ولد الأمة يلحق بسيدها أقر أو لم يقر بعد ثبوت الوطء فإن الأمة تشترى لوجوه كثيرة فلا تكون فراشا إلا بعد ثبوت الوطء وقال الحنيفية : لا تكون فراشا إلا بولد استلحقه قبل فما تلده بعده فهو له وإن لم ينفه وأما الولد الأول فلا يكون له إلا إذا أقر به . وفي الحديث مباحث ومذاهب مبسوطة في " فتح الباري " وشرح الزرقاني . وفيما ذكرناه منهما كفاية ههنا وسيأتي بعض ما بقي
( 2 ) أي أوصى عند موته إلى أخيه سعد أحد العشرة المبشرة
( 3 ) أي جارية
( 4 ) أي من مائي وهو ابني
( 5 ) أي خذه وضمه إليك
( 6 ) أي هذا ابن أخي عتبة فأنا أحق به
( 7 ) أي هو أخي وابن جارية أبي
( 8 ) أي ساق كل منهما صاحبه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وتدافعا عنده
( 9 ) أي هو أخي وابن جارية أبي
( 10 ) قوله : هو لك زاد القعنبي عند البخاري وغيره : هو اخوك يا عبد زمعة بضم الدال على الأصل ويروى بالنصب والنون منصوب على الوجهين وسقط في رواية النسائي أداءة النداء فبنى على ذلك بعض الحنفية ان المراد أنه هو لك وأنه عبد لابن زمعة لأنه ابن أمة أبيه لا أنه ألحقه به قال القاضي عياض : وليس كما زعم فإن الرواية بيا وعلى تقدير إسقاطها فعبد علم والعلم يحذف منه حرف النداء مع أن رواية القعنبي صريحة في رد هذا الزعم وظاهر الحديث يفيد الاستلحاق وإن لم يدع السيد ولم يقل به الحنفية مع أن الأخ لا يصلح استلحاقه عند الجمهور لكونه متضمنا على الإقرار على الغير من دون تصديقه ولذا قالت طائفة : إنه صلى الله عليه و سلم قضى بعلمه أنه أخوه لأن زمعة كان والد زوجته وفراشه كان معلوم عنده لا بمجرد دعوى عبد على أبيه وكان النبي صلى الله عليه و سلم من خصائصه الحكم بعلمه وللطهاوي في " شرح معاني الآثار " كلام طويل محصله : أن معنى هو لك أي بيدك تمنع من سواك كاللقطة أو عبدك لا أنه أخوك وإلا لما أمر النبي سودة بالاحتجاب منه ورد بأن ظاهر الروايات بل صريح بعضها نص في الحكم بالأخوة والأمر بالاحتجاب إنما كان احتياطا للشبة لما أنه رأى في ذلك الولد مشابهة عتبة بن أبي وقاص وفي المقام أبحاث طويلة مذكورة في " شرح الموطأ " لابن عبد البر والزرقاني وغيرهما ( انظر الأوجز 12 / 296 )
( 11 ) قوله : لسودة هي أم المؤمنين سودة بالفتح بنت زمعة بن قيس بن زيد بن عمرو بن لبيد بن عدي بن النجار تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد موت خديجة قبل عائشة وقيل بعدها وكانت امرأة ثقيلة فأسنت عند رسول الله فهم بطلاقها فقالت : لا تطلقني وإني وهبت يومي لعائشة وكانت وفاتها في آخر زمان عمر كذا ذكره ابن عبد البر في " الاستعاب "
( 12 ) أي من عبد الرحمن بن وليدة زمعة والد سودة
( 13 ) أي سودة
( 14 ) أي حتى توفي
11 - باب اليمين مع الشاهد
844 - أخبرنا مالك أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه : ( 1 ) أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد
قال محمد : وبلغنا عن النبي صلى الله عليه و سلم خلاف ( 2 ) ذلك وقال : ذكر ذلك ( 3 ) ابن أبي ذئب عن ابن شهاب الزهري قال ( 4 ) : سألته ( 5 ) عن اليمين مع الشاهد فقال : بدعة وأول من قضي بها ( 6 ) معاوية وكان ابن شهاب أعلم عند أهل الحديث بالمدينة ( 7 ) من غيره وكذلك ابن جريج أيضا عن عطاء بن أبي رباح قال ( 8 ) : إنه ( 9 ) قال : كان القضاء الأول ( 10 ) لا يقبل إلا شاهدان فأول من قضى باليمين مع الشاهد عبد الملك بن مروان
_________
( 1 ) قوله : عن أبيه أي محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . قال ابن عبد البر : هذا الحديث مرسل في " الموطأ " ووصله عن مالك جماعة فقالوا : عن جابر منهم عثمان بن خالد وإسماعيل بن موسى وأسنده عن جعفر عن أبيه عن جابر جماعة . انتهى . وفي " التلخيص الحبير " ذكر ابن الجوزي في " التحقيق " عدد من روى هذا الحديث فزادوا على عشرين صحابيا وأصح طرقه حديث ابن عباس أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والشافعي وزاد فيه عن عمرو بن دينار أنه قال : إنما كان ذلك في الأموال وإسناده جيد قاله النسائي . ثم حديث أبي هريرة أخرجه الشافعي وأصحاب السنن وابن حبان وإسناده صحيح قاله أبو حاتم . وحديث جابر : قضى رسول الله بالشاهد الواحد ويمين الطالب أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي من رواية جعفر عن أبيه عنه وقال الدارقطني : كان جعفر ربما أرسله وربما وصله . وفي رواية ابن عدي وابن حبان من طريق إبراهيم بن أبي حية وهو ضعيف عن جعفر عن أبيه عن جابر مرفوعا : أتاني جبريل وأمرني أن أقضي باليمين مع الشاهد . انتهى ملتقطا . وبهذه الأحاديث ذهب الجمهور منهم الأئمة الثلاثة إلى القضاء بشاهد واحد ويمين المدعي
( 2 ) قوله : خلاف ذلك وهو أنه لا يجوز عود اليمين إلى المدعي ففي " مصنف ابن أبي شيبة " : نا سويد بن عمرو نا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي في الرجل يكون له الشاهد مع يمينه قال : لا يجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين . وقال ابن أبي شيبة أيضا : نا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال : هي بدعة وأول من قضى بها معاوية وسنده على شرط مسلم . وفي " مصنف عبد الرزاق " : أخبرنا معمر عن الزهري قال : هذا شيء أحدثه الناس لا بد من شاهدين كذا أورده السيد مرتضى في " الجواهر " . وبهذه الروايات وأمثالها وبالحديث الصحيح : " البينة على المدعي واليمين على من أنكر : وغيره من الأحاديث المشهورة المفيدة لحصر اليمين على المدعي عليه وبظاهر قوله تعالى : ( واستشهدوا شهدين من رجالكم ) ( سورة البقرة : الآية 282 ) الآية ذهب أصحابنا والثوري والأوزعي والزهري والنخعي وعطاء وغيرهم إلى بطلان القضاء بشاهد ويمين وأجابوا عن الأحاديث السابقة بطرق : منها التأويل بأن المراد قضى بشاهد واحد للمدعي ويمين للمدعى عليه وهو مردود بنصوص بعض الروايات . ومنها الكلام في طريق حديث ابن عباس وأبي هريرة بالانقطاع في السند كما بسطه الطحاوي وليس بجيد فإن الكلام فيها ليس بحيث يسقط الاحتجاج بها كما لا يخفى على الماهر . ومنها أن أخبار الآحاد إذا أثبتت زيادة على القرآن والأحاديث المشهورة لا تعتبر بها فإن الزيادة نسخ وخبر الواحد لا ينسخهما وهذه قاعدة مبرهنة في أصول الحنيفية غير مسلمة عند غيرهم فإن ثبتت تلك القاعدة بما لا مرد له ثبت المرام وإلا فالكلام موضع نظر وبحث ( وفي البذل 15 / 293 : كتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - رضي الله عنه - قوله بيمين وشاهد هما للجنس والمعنى قضى بهذا أحيانا وبذاك أحيانا إذا لم يوجد شاهد للمدعي والحاجة إلى ذلك التأويل للجمع بقوله الكلي : البينة على المدعي إلخ . وهو مشتهر بل قريب من المتواتر . ا هـ )
( 3 ) أي خلاف ما مر
( 4 ) أي ابن أبي ذئب
( 5 ) أي ابن شهاب
( 6 ) أي باليمين مع الشاهد
( 7 ) هكذا في نسخة عليها شرح القاري وفي نسختين معتمدتين : أعلم أهل المدينة بالحديث
( 8 ) أي ابن جريج
( 9 ) أي ابن أبي رباح وكان أعلم أهل مكة بالحديث في عصره
( 10 ) أي في الزمان الأول زمان النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه
12 - باب استحلاف ( 1 ) الخصوم
845 - أخبرنا مالك أخبرنا داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان ( 1 ) بن طريف المري ( 2 ) يقول : اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع ( 3 ) في دار إلى مروان ( 4 ) بن الحكم فقضى ( 5 ) على زيد بن ثابت باليمين على المنبر ( 6 ) فقال له زيد : أحلف له مكاني ( 7 ) فقال له مروان : لا والله إلا عند مقاطع ( 8 ) الحقوق قال ( 9 ) : فجعل زيد يحلف أن حقه ( 10 ) لحق وأبى ( 11 ) أن يحلف عند المنبر فجعل مروان يعجب من ذلك ( 12 )قال محمد : وبقول ( 13 ) زيد بن ثابت نأخذ وحيثما ( 14 ) حلف الرجل فهو جائز ولو رأى زيد بن ثابت أن ذلك يلزمه ما أبى أن يعطي الحق الذي عليه ولكنه كره أن يعطي ما ليس عليه فهو ( 15 ) أحق أن يؤخذ بقوله وفعله ممن استحلفه ( 16 )
_________
( 1 ) استحلاف : أي طلب حلف المدعى عليهم وتحليفهم
( 1 ) أبا غطفان : اسمه سعد
( 2 ) بضم الميم وتشديد الراء
( 3 ) أي عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي المدني له رؤية قتل مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين ذكره الزرقاني
( 4 ) أي حين كونه أميرا بالمدينة من جهة معاوية
( 5 ) أي حكم مروان
( 6 ) أي عند المنبر النبوي
( 7 ) أي في مكان لا عند المنبر
( 8 ) أي عند المنبر الذي يقطع عنده الحقوق ويتميز الحق من الباطل
( 9 ) أي أبو غطفان
( 10 ) أي حقه في الدار لثابت
( 11 ) أي امتنع زيد من الحلف عند المنبر
( 12 ) قوله : يعجب من ذلك أي يتعجب من امتناع زيد مع علمه أن اليمين تغلظ بالمكان وأن المنبر مقطع الحقوق قال في " فتح الباري " : وجدت لمروان سلفا فأخرج الكرابيسي بسند قوي عن ابن المسيب قال : ادعى مدع على آخر أنه غصب له بعيرا فخاصمه إلى عثمان فأمره ان يحلف عند المنبر فقال : أحلف له حيث شاء فأبى عثمان أن يحلف إلا عند النبر فغرم له بعيرا مثل بعيره ولم يحلف
( 13 ) قوله : وبقول زيد بن ثابت نأخذ يعني أنه لا يلزم على المدعى عليه إلا اليمين عند الاستحلاف من دون تعيين زمان أو مكان ولا يلزم عليه ان يحلف في المسجد أو عند المنبر النبوي أو بين الركن والمقام فإن فعل ذلك لا بأس به ( وفي " الشرح الكبير " لابن قدامة : إن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز وظاهر كلام الخرقى أن اليمين لا تغلظ إلا في حق أهل الذمة ولا تغلظ في حق المسلم وبه قال أبو بكر . وممن قال : لا يشرع التغليظ بالزمان والمكان في حق المسلم أبو حنيفة وصاحباه وقال مالك والشافعي : تغلظ ثم اختلفا كذا في الأوجز 12 / 134 )
( 14 ) قوله : وحيثما يعني في أي مكان حلف المدعى عليه فهو جائز فإنه لو رأى زيد أن الحلف عند المنبر لازم له ما أنكر أن يؤدي الحق الذي عليه وهو اليمين عند المنبر ولكنه كره أن يعطي ما لا يجب عليه لئلا يتوهم أنه لازم
( 15 ) أي زيد بن ثابت
( 16 ) أي مروان بن الحكم
13 - باب الرهن
846 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ( 1 ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يغلق الرهن ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . وتفسير قوله : " لا يغلق الرهن " أن الرجل كان يرهن الرهن ( 3 ) عند الرجل فيقول ( 4 ) له : إن جئتك بمالك إلى ( 5 ) كذا وكذا وإلا فالرهن لك ( 6 ) بمالك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يغلق الرهن ولا يكون للمرتهن ( 7 ) بماله . وكذلك نقول . وهو قول أبي حنيفة . وكذلك فسره ( 8 ) مالك بن أنس
_________
( 1 ) قوله : عن سعيد بن المسيب هذا مرسل عند جميع رواة " الموطأ " إلا معن بن عيسى فوصله عن أبي هريرة قاله ابن عبد البر وهو موصول من حديثه عند ابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي بلفظ : " لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " ورواه الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بلفظ : " لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه وله غنمه وعليه غرمه " . قال الشافعي : غنمه زيادته وغرمه هلاكه . وله طرق بسطها الحافظ في " التلخيص "
( 2 ) قوله : لا يغلق الرهن يقال : غلق الرهن بغين مفتوحة وكسر اللام وقاف يغلق بفتح أوله واللام غلقا : أي استحقه المرتهن إذا لم يفتك في الوقت المشروط قاله الجوهري قال صاحب " النهاية " : كان هذا من قول أهل الجاهلية أن الراهن إذا لم يرد ما عليه في الوقت المعين ملكه المرتهن فأبطله الإسلام واستدل بهذا الحديث جمع من العلماء على أن الرهن إذا هلك في يد المرتهن لا يضيع بالدين بل يجب على الراهن أداء غرمه وهو الدين ورده الطحاوي في " شرح معاني الآثار " بأنه قال أهل العلم في تأويله غير ما ذكرت ثم أخرج عن مغيرة عن إبراهيم في رجل دفع إلى أجل رهنا وأخذ منه دراهم وقال : إن جئتك بحقك إلى كذا وإلا فالرهن لك بحقك . وأخرج عن طاوس وسعيد بن المسيب ومالك مثل ذلك فعلم أن الغلق المذكور في الحديث هو الغلق بالبيع لا بالضياع
( 3 ) أي الشيء المرهون
( 4 ) أي الراهن
( 5 ) أي إلى مدة معينة
( 6 ) أي مبيع لك ومغلق عندك عوض مالك
( 7 ) بل يرده على الراهن ويأخذ منه ماله أو يبيعه بإذنه ويأخذ قدر ماله ويرد الفضل
( 8 ) ذكر تفسيره يحيى في " موطئه " ( وبهذا فسره أحمد كذا في الأوجز 12 / 143 )
14 - باب الرجل يكون عنده الشهادة
847 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره عن عبد الله ( 1 ) بن عمرو بن عثمان أن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أخبره أن زيد بن خالد الجهيني أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألا ( 2 ) أخبركم بخير الشهداء ؟ ( 3 ) الذي ( 4 ) يأتي بالشهادة أو ( 5 ) يخبر بالشهادة قبل أن يسألها
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 6 ) . من كانت عنده شهادة لإنسان لا يعلم ذلك الإنسان بها فليخبره ( 7 ) بشهادته وإن لم يسألها إياه
_________
( 1 ) قوله : عن عبد الله بن عمرو بفتح العين بن عثمان بن عفان الأموي ولقبه بالمطراف بسكون الطاء المهملة وفتح الراء ثقة شريف تابعي مات بمصر سنة 96 هـ . أن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري وفي رواية يحيى : عن أبي عمرة الأنصاري قال ابن عبد البر : هكذا رواه يحيى وابن القاسم وأبو مصعب ومصعب الزبيري وقال القعنبي ومعن ويحيى بن بكير : عن ابن أبي عمرة وكذا قال ابن وهب وعبد الرزاق : عن مالك وسمياه بعبد الرحمن فرفعا الإشكال وهو الصواب وعبد الرحمن هذا من خيار التابعين كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) بحرف الاستفهام
( 3 ) جمع شهيد يعني الشاهد
( 4 ) أي خيرهم الذي يؤدي الشهادة قبل أن يسأله صاحب الحق
( 5 ) شك من الراوي
( 6 ) قوله : وبهذا نأخذ قد يقال إنه معارض بحديث : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي من بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون " . الحديث أخرجه الشيخان وعند الترمذي : ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها وعند ابن حبان : " ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل على يمين قبل أن يستحلف ويشهد على الشهادة قبل أن يستشهد " . وجمع بينهما بحمل حديث الباب وهو حديث زيد على أداء الشهادة الحقة والثاني على شاهد الزور . وبحمل الثاني على الشهادة في باب الأيمان كأن يقول أشهد بالله ما كان كذا لأن ذلك نظير الحلف وإن كان صادقا والأول على ما عدا ذلك . وبحمل الثاني على الشهادة على المسلمين بأمر مغيب كما يشهد أهل الأهواء على مخالفيهم بأنهم من أهل النار والأول على من استعد للأداء وهي أمانة عنده . وبحمل الثاني على ما إذا كان يعلم به صاحبها فيكره التسرع إلى أدائها والأول على ما إذا كان صاحبها لا يعلم بها كذا في " التلخيص الحبير " ( 4 / 204 )
( 7 ) إحياء للحقوق ودفعا للأضرار
كتاب اللقطة ( 1 )
848 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب الزهري : أن ضوال الإبل ( 1 ) كانت في زمن عمر رضي الله عنه إبلا مرسلة ( 2 ) تناتج لا يمسها أحد حتى إذا كان من زمن ( 3 ) عثمان بن عفان أمر بمعرفتها وتعريفها ثم تباع فإذا جاء صاحبها ( 4 ) أعطي ثمنهاقال محمد : كلا ( 5 ) الوجهين حسن . إن شاء الإمام تركها حتى يجيء أهلها فإن خاف عليها الضيعة ( 6 ) أو لم يجد من يرعا ( 7 ) ها فباعها ووقف ( 8 ) ثمنها حتى يأتي أربابها فلا بأس بذلك
_________
( 1 ) قوله : كتاب اللقطة وهي فعلة بضم الفاء وفتح العين : وصف مبالغة للفاعل كهمزة ولمزة ولعنة وضحكة لكثير الهمز وغيره وبسكونها للمفعول أي الشيء الملتقط كضحكة وهزوة للذي يضحك منه وإنما قيل للمال باعتبار أنه داع كأنه كثير الالتقاط . وما عن الأصمعي وابن الأعرابي أنه بفتح القاف : اسم للمال أيضا فمحول على هذا يعني يطلق على المال أيضا كذا قال ابن الهمام في " فتح القدير "
( 1 ) قوله : أن ضوال الإبل جمع ضالة ( قال الخطابي : الضالة لا يقع على الدراهم والدنانير والمتاع ونحوها وربما اسم للحيوان الذي يضل عن أهلها كالإبل والبقر والطير كذا في الأوجز 12 / 301 ) مثل دابة ودواب والأصل في الضلال الغيبة ومنه قيل للحيوان الضائع ضالة ويقال لغير الحيوان ضائع ولقطة يقال : ضل البعير إذا غاب وخفي عن موضعه كذا ذكره الزرقاني نقلا عن الأزهري
( 2 ) قوله : إبلا مرسلة أي متروكة مهملة لا يتعرضها أحد . تناتج أي تتناتج بعضها بعضا فحذف إحدى التائين . لا يمسها أحد أي لا يمسكها أحد وذلك للنهي عن أخذ ضالة الإبل فعن زيد الجهني : جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه و سلم عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك قلت : فضالة الغنم ؟ قال : هي لك أو لأخيك أو للذئب - وفي رواية خذها - قلت : فضالة الإبل ؟ قال : ما لك ولها ؟ معها سقاؤها ترد الماء وتأكل ( في الأصل تروى وهو خطأ ) الشجر فذرها حتى يجدها ربها أخرجه الأئمة الستة وغيرهم فظاهره أن ضالة الإبل لا ينبغي أخذها لعدم خوف ضياعها وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في البقر والإبل والفرس إن الترك أفضل وقال أصحابنا وغيرهم : كان ذلك إذ ذاك لغلبة أهل الصلاح وفي زمننا لا يأمن وصول يد خائنة ففي أخذه إحياؤها فهو أولى . وقد بسط الكلام فيه ابن الهمام ويؤيد ما قال أصحابنا ما ثبت في زمان عثمان لانقلاب الزمان حيث أمر بتعريفها بعد التقاطها خوفا من الخيانة ثم يبيعها وإمساك ثمنها في بيت المال لأربابها
( 3 ) في نسخة : زمان
( 4 ) أي مالكها
( 5 ) أي ما كان في زمن عمر وما كان في زمن عثمان
( 6 ) بالفتح أي التلف والضياع
( 7 ) من رعي الكلأ
( 8 ) بتشديد القاف من التوقيف أي جعل ثمنها موقوفا ومحفوظا
849 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن رجلا وجد لقطة ( 1 ) فجاء إلى ابن عمر فقال : إني وجدت لقطة فما تأمرني فيها ؟ قال ابن عمر : عرفها ( 2 ) قال : قد فعلت قال : زد قال : قد فعلت قال : لا آمرك ( 3 ) أن تأكلها لو شئت ( 4 ) لم تأخذها
_________
( 1 ) أي شيئا ملتقطا بفتح القاف أو سكونها
( 2 ) أي افعل فيه تعريفا معروفا في الشرع في المجامع والمجالس
( 3 ) أي لا أجيزك أكلها
( 4 ) أي كان لك بد من أخذها فإذا أخذتها وجب عليك حفظها لأنه أمانة
850 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه قال : سمعت سليمان بن يسار يحدث أن ثابت بن ضحاك ( 1 ) الأنصاري حدثه : أنه وجد بعيرا بالحرة ( 2 ) فعرفه ثم ذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمره أن يعرفه قال ثابت لعمر : قد شغلني عنه ضيعتي ( 3 ) فقال له عمر : أرسله حيث وجدته ( 4 )
قال محمد : وبه نأخذ . من التقط ( 5 ) لقطة تساوي عشرة دراهم فصاعدا عرفها حولا ( 6 ) فإن عرفت وإلا تصدق بها فإن كان ( 7 ) محتاجا أكلها ( 8 ) فإن جاء صاحبها ( 9 ) خيره ( 10 ) بين الأجر وبين أن يغرمها ( 11 ) له وإن كان قيمتها أقل من عشرة دراهم عرفها على قدر ( 12 ) ما يرى أياما ثم صنع بها كما صنع ( 13 ) بالأولى وكان الحكم فيها إذا جاء صاحبها كالحكم في الأولى وإن ردها ( 14 ) في الموضع الذي وجدها فيه برئ منها ولم يكن عليه في ذلك ضمان
_________
( 1 ) قوله : أن ثابت بن ضحاك بفتح الضاد وتشديد الحاء بن خليفة الأنصاري الأشبيلي الصحابي الشهير توفي سنة أربع وستين على الصواب كما في الإصابة وغيره
( 2 ) بالفتح وتشديد الراء موضع قرب المدينة
( 3 ) قوله : ضيعتي بالفتح بمعنى العقار والمتاع أي شغلني عن تعريفه الاشتغال بعقاري فإني مشغول به لا أجد فرصة أن أعرفها مرة بعد مرة . وفي " موطأ يحيى " : شغلني عن ضيعتي أي منعني تعريفه عن عقاري
( 4 ) أي في المكان الذي وجدته
( 5 ) قوله : من التقط لقطة تساوي إلخ الفرق بين لقطة العشرة فصاعدا وبين لقطة ما دونها مروي عن أبي حنيفة . وعنه إن كانت مائتي درهم يعرفها حولا وإن كانت أقل منها إلى عشرة يعرفها شهرا وإن كانت أقل من العشرة يعرفها على حسب ما يرى . وعنه أنه إن كان ثلاثة فصاعدا يعرفعا عشرة أيام وإن كانت درهما فصاعدا يعرفها ثلاثة أيام وإن كانت دانقا فصاعدا يعرفها يوما وشيء من هذا ليس بتقدير لازم . وقال الشافعي ومالك وأحمد بالتعريف بالحول من غير فصل بين القليل والكثير لحديث : " من التقط شيئا فليعرفه سنة " أخرجه ابن راهويه وفي الباب روايات كثيرة في التعريف بالحول وأجيب عنه بأنه ليس بتقدير لازم فورد في رواية : التعريف بثلاثة أعوام أخرجه البخاري من حديث أبي بن كعب وظاهر الأحاديث أن الكثير يعرف فيه حولا والعشرة فما فوقها كثير عندنا بدليل تقدير نصاب السرقة والمهر به وما دونه قليل . والمسألة مبسوطة بحذافيرها في " البناية " و " فتح القدير " وغيرهما
( 6 ) أي سنة كاملة
( 7 ) أي الملتقط
( 8 ) قوله : أكلها يشير إلى أنه لو كان غنيا لم يأكلها لعدم الضرورة بل يحفظ أو يتصدق على المساكين
( 9 ) أي مالكها
( 10 ) أي الملتقط من التخيير
( 11 ) أي يضمنها له
( 12 ) أي حسب ما يظن أياما معدودة أنه إذا عرف فيها ظهر مالكها إن كان
( 13 ) أي يتصدق أو يأكل
( 14 ) أي اللقطة
851 - أخبرنا مالك حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسند ( 1 ) ظهره إلى الكعبة : من أخذ ضالة فهو ضال ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . وإنما ( 3 ) يعني بذلك من أخذها ليذهب بها فأما من اخذها ليردها ( 4 ) أو ليعرفها ( 5 ) فلا بأس به
_________
( 1 ) قوله : وهو مسند ظهره إلى الكعبة فيه جواز الجلوس مستندا بالكعبة وبجدار القبلة في المسجد وجواز جعل الكعبة وجهتها خلفه وهو ثابت بآثار أخر أيضا
( 2 ) قوله : فهو ضال أي عن طريق الصواب أو آثم أو ضامن إن هلكت عنده عبر به عن الضمان للمشاكلة وأصل هذا في حديث معروف أخرجه أحمد عنده عبر به عن الضمان للمشاكلة وأصل هذا في حديث معروف أخرجه أحمد ومسلم والنسائي عن زيد مرفوعا : " من آروى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها " فقيد الضلال بمن لم يعرفها فلا حجة لمن كره اللقطة مطلقا في أثر عمر هذا ولا في قوله صلى الله عليه و سلم : " ضالة المسلم حرق النار " أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن الجارود العبدي لأن الجمهور حملوه على ما إذا أخذه من غير تعريف كذا في " شرح الزرقاني "
( 3 ) قوله : إنما يعني بالمعروف أي إنما يريد عمر رضي الله عنه بقوله : من أخذ ضالة فهو ضال من أخذ اللقطة ليذهب بها ويتصرف فيها أو بالمجهول أي إنما يراد بذلك القول وأمثاله مرفوعا كان أو موقوفا
( 4 ) أي على مالكها
( 5 ) أي ليعرف مالكها فيردها إليه
1 - باب الشفعة ( 1 )
852 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد بن عمارة ( 1 ) أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال : إذا وقعت الحدود ( 2 ) في أرض فلا شفعة فيها ولا شفعة ( 3 ) في بئر ولا في فحل نخل_________
( 1 ) قوله : باب الشفعة بالضم اسم من الشفع وهو الضم وهو شرعا عبارة عن تملك العقار على المشتري بمثل ما اشتراه به وهي عند الحنفية وجمع من فقهاء الكوفة تثبت بالشركة في نفس الشيء والشركة في حق الشيء والجوار . ونفى الأخير غيرهم ( قال النووي : أجمع المسلمون على ثبوت الشفعة للشريك في العقار لأنه أكثر الأنواع ضررا واتفقوا على أنه لا شفعة في الحيوان والأمتعة وسائر المنقول قال القاضي : وشذ بعض الناس فأثبت الشفعة في العروض وهي الرواية عن عطاء تثبت في كل شيء حتى في الثوب . وعن أحمد رواية أنها تثبت في الحيوان . أما المقسوم فهل يثبت فيه الشفعة بالجواز : فيه خلاف مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء لا تثبت بالجوار . وحكاه ابن المنذر وجماعة من الصحابة قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : تثبت بالجوار . انتهى مختصرا . الكوكب الدري 2 / 359 )
( 1 ) عمارة : بضم العين ابن عمرو بن حزم الأنصاري
( 2 ) قوله : إذا وقعت الحدود جمع حد وهو ما يتميز به الأملاك بعد القسمة وأشار به إلى وقوع القسمة . فالشفعة تثبت في ما لم يقسم فإذا قسم وميز بين أملاك الشركاء ثم باع أحدهم حصته فلا شفعه بسبب الاشتراك
( 3 ) قوله : ولا شفعة في بئر ولا في فحل نخل أي ذكر نخل وكذا في كل شجر إلا إذا بيع تبعا للأرض وفيه أن الشفعة خاص بالعقار والحوائط وعند البيهقي عن ابن عباس مرفوعا : الشفعة في كل شيء ورجاله ثقات وبه قال عطاء شاذا آخذا بظاهره فقال بالشفعة في كل شيء حتى الثياب وحمله الجمهور على الأرض لدلالة كثير من الأحاديث على ذلك
853 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي سلمة ( 1 ) بن عبد الرحمن : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى ( 2 ) بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فيه
قال محمد : قد جاءت ( 3 ) في هذا أحاديث مختلفة فالشريك أحق ( 4 ) بالشفعة من الجار والجار أحق من غيره بلغنا ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم
_________
( 1 ) قوله : عن أبي سلمة وفي " موطأ يحيى " : عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة وهو مرسل عن مالك عند أكثر رواة الموطأ ووصله ابن الماجشون وأبو عاصم النبيل وابن وهب عن أبي هريرة واختلف فيه رواة ابن شهاب أيضا فمنهم من وصله ومنهم من أرسله كما بسطه ابن عبد البر في " التمهيد "
( 2 ) أي حكم
( 3 ) قوله : قد جاءت في هذا يعني وردت في هذا الباب أحاديث مختلفة بعضها تدل على انحصار الشفعة على الشركة وأن لا شفعة بالجوار وبعضها تدل على ثبوت الشفعة للجوار وهي واردة بطرق كثيرة بألفاظ مختلفة وحملها مالك والشافعي وأحمد القائلون بعدم الشفعة بالجوار على الجار الشريك وهو حمل بعيد وأجاب مثبتوه عن الأحاديث الدالة على أن لا شفعة بعد القسمة على نفي الشفعة بالشركة وهو محمل صحيح توفيقا وجمعا . كما هو مبسوط في " شروح الهداية "
( 4 ) تقديما للأقوى على الأدنى
854 - أخبرنا عبد الله ( 1 ) بن عبد الرحمن بن يعلى الثقفي أخبرني عمرو بن الشريد عن أبيه الشريد بن سويد ( 2 ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الجار أحق بصقبه ( 3 )
وبهذا نأخذ . وهو قول ( 4 ) أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : عبد الله بن عبد الرحمن قال في " التقريب " : عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى أي بالفتح وسكون العين وفتح اللام ابن كعب الطائفي أبو يعلى الثقفي صدوق . وعمرو بن الشريد بفتح المعجمة الثقفي أبو الوليد الطائفي ثقة والشريد بن سويد الثقفي صحابي شهد بيعة الرضوان
( 2 ) بصيغة التصغير
( 3 ) قوله : بصقبه بفتحتين أي بشفعته . قال القاري : أخرجه أبو داود والبخاري والنسائي وابن ماجه وفي رواية لأحمد والأربعة بلفظ : " الجار أحق بشفعة جاره ينظر له إن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا
( 4 ) وبه قال الثوري وابن المبارك ذكره الترمذي
1 - باب المكاتب ( 1 )
855 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : المكاتب عبد ما بقي عليه ( 1 ) من مكاتبته شيءقال محمد : وبهذا نأخذ . وهو ( 2 ) قول أبي حنيفة وهو بمنزلة العبد ( 3 ) في شهادته ( 4 ) وحدوده وجميع أمره ( 5 ) إلا أنه لا سبيل لمولاه ( 6 ) على ماله ما دام مكاتبا
_________
( 1 ) المكاتب : هو الذي قال له مولاه : إذا أديت إلي كذا فأنت حر وهو المملوك رقبة مالك يدا وتصرفا
( 1 ) قوله : ما بقي عليه من مكاتبته أي مال كتابته شيء ولو قل وعند ابن أبي شيبة عنه قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وورد مرفوعا عند أبي داود والنسائي والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : العبد مكاتب ما بقي عليه من مكاتبته درهم قاله الزرقاني
( 2 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور السلف والخلف وكان فيه اختلاف الصحابة فعند ابن عباس يعتق المكاتب بنفس عقد الكتابة وهو غريم المولى بما عليه من بدل الكتابة ففي " مصنف ابن أبي شيبة " عنه قال : إذا بقي عليه خمس أوراق أو خمس ذود أو خمس أوسق فهو غريم . وعند ابن مسعود : بعتق إذا أدى قدر قيمتهة نفسه فأخرج عبد الرزاق عنه قال : إذا أدى قدر ثمنه فهو غريم . وعند زيد بن ثابت : لا يعتق وإن بقي عليه درهم أخرجه عنه الشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي . ومثله أخرجه ابن أبي شيبة عن عمر وعثمان وعبد الرزاق عن أم سلمة وعائشة وابن عمر وهو مؤيد بالأحاديث المرفوعة الثابتة كذا ذكره العيني في " البناية "
( 3 ) أي المكاتب
( 4 ) أي في باب الشهادات وحدود الزنا أو السرقة وغيره
( 5 ) أي جملة أحكامه
( 6 ) أي لا يجوز له التصرف في كسبه لأنه مالك في يده
856 - أخبرنا مالك أخبرنا حميد بن قيس المكي : أن مكاتبا ( 1 ) لابن المتوكل هلك ( 2 ) بمكة وترك عليه ( 3 ) بقية ( 4 ) من مكاتبته وديون الناس وترك ابنة ( 5 ) فأشكل ( 6 ) على عامل مكة القضاء في ذلك فكتب ( 7 ) إلى عبد الملك بن مروان يسأله عن ذلك فكتب إليه عبد الملك أن أبدأ ( 8 ) بديون الناس فاقضها ثم اقض ( 9 ) ما بقي عليه مكاتبته ثم اقسم ما بقي من ماله بين ابنته ومواليه
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 10 ) وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا إنه ( 11 ) إذا مات بدئ بديون الناس ثم بمكاتبته ( 12 ) ثم ما بقي كان ميراثا لورثته الأحرار من كانوا ( 13 )
_________
( 1 ) قال الزرقاني : اسمه عباد
( 2 ) أي مات
( 3 ) أي على ذمته ومات قبل الأداء
( 4 ) أي قدرا من مال كتابته الذي كاتبه مولاه عليه
( 5 ) أي من ورثته
( 6 ) قوله : فأشكل أي وقع الإشكال على أمير مكة وعاملها من جانب عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك الحكم في هذه الصورة لعدم علمه بذلك وتردده في أنه مات حرا أم عبدا
( 7 ) قوله : فكتب أي كتب ذلك العامل إلى ابن مروان وكان بالشام يسأله عن الحكم في هذه الصورة
( 8 ) أي أد أولا ديون الناس على المكاتب من ماله
( 9 ) أي إلى مولاه
( 10 ) قوله : وبهذا نأخذ تفصيله على ما في " الهداية " وشروحها أنه إذا مات المكاتب من غير أداء جميع بدل كتابته أدى بعضه أو لم يؤد شيئا فإن كان له مال لم تنفسخ الكتابة وقضى ما عليه من بدل الكتابة وحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته وما بقي فهو ميراث لورثته وتعتق أولاده المولودون في الكتابة والمشترون فيها فإن كان عليه دين للناس بدئ بأدائه . وهو المروي عن علي أخرجه ابن شيبة وعبد الرزاق وابن مسعود أخرجه البيهقي وبه قال الحسن وابن سرين والنخعي والشعبي والثوري وعمرو بن دينار وإسحاق بن راهوية وأهل الظاهر . وعند الشافعي تبطل الكتابة ويحكم بموته عبدا وما ترك فهو لمولاه لا لورثته وبه قال أحمد وقتادة وعمر بن عبد العزيز وإمامهم فيه زيد بن ثابت أخرجه البيهقي عنه . وإن لم يترك وفاء وترك ولدا مولودا في الكتابة يبقى في كتابة أبيه على نجوم أبيه لدخوله في كتابته فإذا أدى حكم بعتق أبيه قبل موته وعتق الولد . والمسألة مبسوطة بذيولها في موضعها بدلائلها
( 11 ) أي المكاتب
( 12 ) أي بأدائها إلى المولى
( 13 ) رجالا أو نساءا من أصحاب الفرائض أو العصبات
857 - أخبرنا مالك أخبرنا الثقة عندي : أن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار سئلا عن رجل كاتب على نفسه وعلى ولده ثم هلك ( 1 ) المكاتب وترك بنين أيسعون في مكاتبة أبيهم أم هم عبيد ( 2 ) ؟ فقال : بل يسعون ( 3 ) في كتابة أبيهم ولا يوضع ( 4 ) عنهم لموت أبيهم شيء
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة فإذا أدوا عتقوا جميعا
_________
( 1 ) أي مات
( 2 ) أي أرقاء خالصون لا يسعون
( 3 ) لكونهم مكاتبين
( 4 ) أي لا يحط عنهم ولا ينقص شيء
858 - أخبرنامالك أخبرنا مخبر أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم كانت تقاطع ( 1 ) مكاتبيها بالذهب والورق . والله تعالى أعلم
_________
( 1 ) قوله : كانت تقاطع أي تأخذه منهم عاجلا في نظير ما كاتبهم عليه . مكاتبيها بالذهب والورق بكسر الراء أي الفضة وكانت قد كاتبت عدة منهم سليمان وعطاء وعبد الله وعبد الملك كلهم أبناء يسار وكلهم أخذ العلم عنها وعطاء أكثرهم حديثا وسليمان أفقههم وكلهم ثقات وكاتبت أيضا نبهان ونفيعا كذا في " شرح الزرقاني "
1 - باب السبق ( 1 ) في الخيل
859 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ليس برهان ( 1 ) الخيل بأس إذا أدخلوا فيها محللا ( 2 ) إن سبق ( 3 ) أخذ السبق ( 4 ) وإن سبق ( 5 ) لم يكن عليه شيء ( 6 )قال محمد : وبهذا نأخذ . إنما يكره ( 7 ) من هذا أن يضيع كل واحد منهما سبقا ( 8 ) فإن سبق أحدهما أخذ السبقين ( 9 ) جميعا فيكون هذا كالمبايعة ( 10 ) فأما إذا كان السبق من أحدهما أو كانوا ( 11 ) ثلاثة والسبق من اثنين منهم والثالث ليس منه سبق إن سبق ( 12 ) أخذ ( 13 ) وإن لم يسبق لم يغرمه ( 14 ) فهذا لا بأس به أيضا . وهو المحلل ( 15 ) . الذي قال سعيد بن المسيب
_________
( 1 ) قوله : باب السبق بفتحتين ما يجعل من المال رهنا على المسابقة ويقال له الرهان أيضا بالكسر - وبالفتح والسكون : مصدر سبق يسبق كذا في " التهذيب " وغيره
( 1 ) ليس برهان الخيل باس : أي لا بأس بما يتراهن عليها عند المسابقة
( 2 ) بكسر اللام هو من يكون باعثا على حل العقد
( 3 ) أي ذلك المحلل
( 4 ) أي ذلك المال الذي وضع عند ذلك
( 5 ) بالمجهول أي سبقه غيره
( 6 ) أي لم يغرم شيئا
( 7 ) قوله : إنما يكره إلخ تفصيله على ما في " المحيط " و " الذخيرة " وغيرهما أن المسابقة إن كانت بغير شرط وعوض فهو جائز وإن كان بعوض وشرط فإن كان من الجانبين بأن يقول الرجل لآخر إن سبق فرسك أو إبلك أو سهمك أعطيتك كذا وإن سبق فرسي وغير ذلك أخذت منك كذا أو يضع كل منهما مالا بشرط أن السابق أيهما كان يأخذهما فهو غير جائز لأنه من صور القمار والميسر المنهي عنه وفيه تعليق التمليك بالخطر فأما إذا كان المال من أحدهما بأن يقول : إن سبقتني فلك كذا وإن سبقناك فلا شيء لنا أو كان المال من اثنين لثالث بأن يقولا إن سبقتنا فالمالان لك وإن سبقناك فلا شيء عليك فهو جائز وإنما جازت المسابقة في غير صورة القمار لاشتماله على التحريض لا سيما في آلات الحرب كالفرس والسهم وغير ذلك والمراد بالجواز في صورة الجواز حل أخذ المال لا الاستحقاق فإنه لا يستحق بالشرط شيء لعدم العقد والقبض صرح به في " الفتاوي البزازية " وهكذا الحال في المسابقة بالأقدام والشرط في المسائل قال في " الذخيرة " : لم يذكر محمد في " الكتاب " المخاطرة في الاستباق بالأقدام ولا شك أن المال إذا كان مشروطا من الجانبين لا يجوز وإن كان كان من جانب واحد يجوز لحديث الزهري : كانت المسابقة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في الخيل والركاب والأرجل . ولأن الغزاة يحتاجون إلى رياضة أنفسهم كما يحتاجون إلى رياضة الدواب . وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل : أنه إذا وقع الخلاف في المتفقهين في مسألة فأرادا الرجوع إلى الأستاذ وشرط أحدهما لصاحبه أنه إن كان الجواب كما قلت أعطيتك كذا وإن كان الجواب كما قلت فلا آخذ منك شيئا ينبغي أن يجوز وإن كان من الجانبين لا يجوز
( 8 ) أي مالا للغالب ( السبق - بفتحتين - ما يجعل من المال رهنا على المسابقة وهو الذي يسمى جعلا بضم الجيم وسكون العين ويشترط عند المالكية أن يكون مما يصح بيعه كذا في الأوجز 8 / 397 )
( 9 ) سبق نفسه وسبق غيره
( 10 ) أي كالقمار
( 11 ) أي المتسابقون
( 12 ) أي الثالث
( 13 ) أي ذلك المال
( 14 ) أي لم يضمن لغيره شيئا
( 15 ) أي الثالث
860 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إن القصواء ( 1 ) ناقة النبي صلى الله عليه و سلم كانت تسبق ( 2 ) كلما وقعت في سباق ( 3 ) فوقعت ( 4 ) يوما في إبل فسبقت ( 5 ) فكانت على المسلمين ( 6 ) كآبة ( 7 ) أن سبقت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الناس ( 8 ) إذا رفعوا ( 9 ) شيئا أو أرادوا رفع شيء وضعه الله ( 10 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس ( 11 ) بالسبق في النصل والحافر والخف
_________
( 1 ) قوله : إن القصواء بالفتح هي الناقة المقطوعة الأذن في الأصل والعضباء في الأصل مشقوقة الأذن وكان لرسول الله ناقة تسمى بهذين الاسمين وكان ذلك لقبا لها ولم تكن مشقوقة الأذن ولا مقطوعتها كذا في " فتح الباري " وغيره
( 2 ) أي على غيرها من النوق
( 3 ) أي مسابقة
( 4 ) قوله : فوقعت في رواية البخاري عن أنس : كالنبي صلى الله عليه و سلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود - وهو بالفتح : ما استحق للركوب من الإبل - فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه فقال : حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه
( 5 ) أي صارت مسبوقة
( 6 ) في نسخة : المؤمنين
( 7 ) بمد الألف أي حزن وملال بسبب أن صارت الناقة النبوية مسبوقة
( 8 ) قوله : إن الناس قال القاري : يشير إلى مفهوم قوله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) ومفهوم الحديث أنهم إذا خفضوا أو أرادوا خفض شيء رفعه الله نقضا عليهم وتنبيها لهم أنه هو الرافع الخافض لا رافع لما خفضه ولا خافض لما رفعه وأنهم لو اجتمعوا على شيء لم يقدره الله لم يقدروا عليه ولم يصلوا إليه وإن كان من جملتهم الأنبياء والأولياء
( 9 ) أي في زعمهم
( 10 ) أي خفضه وأظهر فيه نقضا
( 11 ) قوله : لا بأس بالسبق بالفتح والسكون : مصدر أي المسابقة في النصل هو بالفتح حديدة السهم أي في المسابقة في السهام . والحافر أي حافر الخيل والبغال والحمير . والخف أي خف الإبل . وقد ورد : " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر " أخرجه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه عن ابي هريرة مرفوعا . وبه قصر مالك والشافعي جواز المسابقة بهذه الأشياء وخصه بعض العلماء بالخيل . وأجازه عطاء في كل شيء قاله الزرقاني
أبواب السير ( 1 )
861 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه بلغه ( 1 ) عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ما ظهر الغلول ( 2 ) في قوم قط إلا ألقي في قلوبهم الرعب ( 3 ) ولا فشا ( 4 ) الزنى في قوم قط إلا كثر فيهم ( 5 ) الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع ( 6 ) عليهم الرزق ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم ( 7 ) ولا ختر ( 8 ) قوم بالعهد إلا سلط ( 9 ) عليهم العدو
_________
( 1 ) قوله أبواب السير بالكسر فالفتح جمع سيرة بالكسر فالسكون بمعنى الطريقة ويطلق في عرف العلماء على أحوال المغازي والجهاد وما يتعلق به المتلقاة من طريقة النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه ( قال ابن عابدين : هذا الكتاب يعبر بالسير والجهاد والمغازي فالسير جمع سيرة وهي فعلية بكسر الفاء من السير فتكون لبيان هيئة السير وحالته إلا أنها غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي وما يتعلق بها كالمناسك على أمور الحج . لامع الدراري 7 / 243 )
( 1 ) قوله : أنه بلغه عن ابن عباس هذا موقوف في حكم المرفوع لأنه مما لا يدرك بالرأي وقد أخرجه ابن عبد البر عن ابن عباس موصولا وفي سنن ابن ماجه نحوه مرفوعا من حديث ابن عباس
( 2 ) بالضم وهو السرقة من الغنيمة قبل القسمة
( 3 ) بالضم أي الخوف من العدو والجبن
( 4 ) أي كثر
( 5 ) كما في قصص بني إسرائيل
( 6 ) أي قطع بركته عنهم أو نقصه
( 7 ) أي ظهر فيهم القتال وسيل الدماء
( 8 ) أي غدر وخالف العهد
( 9 ) جزاء بما كسبوه