التهذيب في اختصار المدونة
المؤلف : أبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني
ولو قال له: يا ابن الخبيثة، حلف أنه ما أراد قذفاً، فإن لم يحلف سجن حتى يحلف، فإن طال سجنه نكل، والنكال على قدر ما يراه الإمام.
وحالات الناس في ذلك مختلفة، فالمعروف بالأذى يبالغ في عقوبته.
وأما ذو الفضل والمروءة تقع منه الفلتة، فليعاقب بالشتم الفاحش عقوبة مثله، وإن كان شيئاً خفيفاً، فليتجاف عنه.
4098 - ومن قال لرجل: يا شارب الخمر، أو: يا خائن، أو: يا آكل الربا، أو: يا حمار، أو: يا ابن الحمار، أو: يا ثور، أو: يا خنزير، فعليه النكال.(1)
وإن قال له: يا فاجر بفلانة، ضرب ثمانين، إلا أن يأتي ببينة على أمر صنعه بها من وجوه الفجور، أو يدعي أمراً له فيه مخرج، مثل أن يجحدها مالاً، فيقول: لم تفجر بي وحدي، قد فجرت بفلانة قبلي، للأمر الذي كان بينهما، فليحلف أنه ما أراد إلا ذلك ويصدق.
4099 - ومن قال لرجل: جامعت فلانة حراماً، أو باضعتها حراماً، أو وطئتها حراماً، ثم قال: لم أرد قذفاً، [و]أردت أنك تزوجتها تزويجاً حراماً، أو حكى ذلك عن نفسه فطالبته المرأة، فقال: لم أرد قذفاً وأردت أني [كنت] قد وطئتك بنكاح فاسد، فإنه يحد، إلا أن يقيم في الوجهين بينة أنه تقدم [له] فيها نكاح فاسد منه، أو من الرجل المقذوف، أو تزوجها في عدتها تزويجاً حراماً، ويحلف أنه ما أراد إلا ذلك، فيدرأ عنه الحد.
وكذلك قوله لرجل: كنت وطئت أمك، وقال: أردت بنكاح، فإن أتى ببينة أنه تزوجها لم يحد، وإلا حد.
4100 - ومن قال لرجل: ما أنا بزان، أو قال: قد أخبرت أنك زان، حُد، لأن في التعريض الحد كاملاً.
وإن قال: أشهدني فلان أنك زان، حُد، إلا أن يقيم بينة على قول فلان.
وكذلك إن قال له: يقول لك فلان: يا زان، قال ذلك كله عند الإمام أو عند غيره.
4101 - وإن قال رجل حر لعبد: يا زان، فقال له العبد: لا، بل أنت، نكل الحر وجُلد العبد حد الفرية أربعين.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/223)، ومواهب الجليل (6/303)، والشرح الكبير (4/330).
ومن قال لرجل: زنى فرجك، أو يدك، أو رجلك، فعليه الحد.
4102 - ومن قال لرجل مسلم: لست لأبيك، وأبوه نصراني وأمه نصرانية، أو كان أبوه عبداً مسلماً، فإنه يحد لأنه نفاه.
وكذلك إن قال له: لست ابن فلان لجده، وجده كافر. أو قال لرجل من ولد عمر بن الخطاب: لست ابن الخطاب، فإنه يحد، لأنه قطع نسبه.
وإن قال له: ليس أبوك الكافر ابن أبيه، لم يحد، حتى يقول للمسلم: لست من ولد فلان.
[وكذلك] لو قال لكافر: لست لأبيك، أو ليس أبوك فلاناً، أو يا ولد زنا، أو يا ابن الزانية، فلا يحد وإن كان للمقذوف ولد مسلم.
وإن قال لرجل: لست ابن فلان لجده، وقال: أردت أنك لست ابنه لصلبه، لأن دونه لك أب، لم يصدق وعليه الحد، كان جده مسلماً أو كافراً.
وإن قال له: أنت ابن فلان، نسبه إلى جده في مشاتمة أو غيرها، لم يحد.
وكذلك إن نسبه إلى جده لأمه، لم يحد، لأنه كالأب يحرم عليه ما نكح.
ولو نسبه إلى عمه، أو خاله، أو إلى زوج أمه، لحد.
وكذلك إن نسبه إلى غير أبيه في سباب أو في غير سباب، فعليه الحد.
ومن قال لعربي: لست من بني فلان، لقبيلته التي هو منها، حُد، وإن كان مولى لم يحد بعد أن يحلف أنه لم يرد نفياً، لأنه من عرض بقطع نسب رجل، كمن عرض بالحد.
وكذلك إن قال لعربي: يا نبطي، فعليه الحد، وإن قال [ذلك] لرجل من الموالي، حلف أنه لم يرد نفياً، ونكل، وإن لم يحلف، لم يحد ونكل.(1)
وإن قال لرجل من الموالي: لست من موالي بني فلان، وهو منهم، ضرب الحد، لأنه قطع نسبه.
وكذلك إن قال له: لست من الموالي، وله أب معتق، أو قال له: لست من موالي فلان، وفلان قد أعتق أباه أو جده، فإنه يحد.
وإن قال: لست مولى فلان، وفلان قد أعتقه نفسه، لم يحد، لأنه لم ينفه من نسب.
ومن قال لرجل: لست ابن فلان، وأمه أم ولد، ضُرب الحد، [لأنه قطع نسبه].
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (6/227)، والأنباط: جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين، وهم ليسوا من العرب، اللسان (14/22).
4103 - ومن قال لعبده وأبواه حران [مسلمان]: لست لأبيك، ضرب سيده الحد. وكذلك إن قال له: يا ابن الزانية، أو يا ابن الزاني، فإن كان أبوا العبد قد ماتا ولا وارث لهما، أو لهما وارث، فإن للعبد أن يحد سيده في ذلك.
وإن قال [لعبده]: لست لأبيك، وأبوه مسلم وأمه كافرة أو أمة، فقد وقف فيها مالك. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يحد، لأنه حمل أباه على غير أمه.
4104 - ومن قال: إن فلاناً الميت ليس لأبيه، فلأب الميت القيام بالحد، لما نفاه من نسب ولده.
ومن قال لعربي: لست من العرب، أو قال [له]: يا حبشي، أو: يا فارسي، أو يا رومي، أو: يا بربري، فعليه الحد.
وإن قال للفارسي: يا رومي، أو يا حبشي، أو [لبربري: يا فارسي، أو: يا حبشي، أو نحو هذا، لم يحد].
وقد اختلف عن مالك - رحمه الله - في الذي يقول لبربري أو لرومي: يا حبشي، أن عليه الحد أو لا حد عليه، وأنا أرى أن لا حد عليه حتى يقول له: يا ابن الأسود، فإن لم يكن في آبائه أسود، فعليه الحد. وأما إن نسبه إلى جنس فقال له: يا ابن الحبشي، وهو بربري، فالحبشي والرومي في هذا سواء إذا كان بربرياً.
وإن قال لفارسي أو بربري: يا عربي، فلا حد عليه.
وإن قال لعربي: يا قرشي، أو لمصري: يا يماني، أو ليماني: يا مصري، أو لقيسي: يا كلبي، أو لرجل من كلب: يا تميمي، فعليه الحد، لأن العرب تنسب إلى آبائها [وهذا] نفي لها من آبائها.(1)
وإن قال لقرشي: يا عربي، فلا يحد، لأن كل قبيلة من العرب يجمعها هذا الاسم.
4105 - ومن قذف ولده، أو ولد ولده، أو ولد ابنته، فقد استثقل مالك أن يحد لولده، وقال: ليس ذلك من البر. قال ابن القاسم: وأنا أرى إن قام على حقه أن يحد له.
ويجوز في ذلك عفوه عند الإمام، وكذلك ولد الولد.
ولا يقاد من أب أو جد، في نفس أو جارحة، وتُغلظ عليهما الدية، إلا في العمد البين، مثل أن يضجعه فيذبحه أو يشق جوفه.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/227).
وإن قال له [أبوه]: يا ابن الزانية، فله القيام بحد أمه إن ماتت، وإن كانت حية فلا قيام له بذلك إلا أن توكله.
ومن قال لبنيه: ليسوا بولدي، فقام عليه أخوتهم لأمهم من رجل غيره، فطلبوا حد أمهم وقد ماتت، فإن حلف أنه لم يرد قذفاً وأنه أراد في قلة طاعتهم له، لم يحد، وإن نكل، حد، ولو كانت الأم حية كان لها القيام دون بنيها.
4106 - ومن قذف رجلاً بين يدي القاضي وليس معه غيره، فلا يقيم عليه الحد، وإن شهد معه [غيره]، فلا يحده هو أيضاً، وليرفع ذلك إلى من هو فوقه [فيقيم الحد]، وكذلك إن رأى رجلاً اغتصب من رجل مالاً ولم يره غيره، فلا يحكم به،وليرفع ذلك إلى من فوقه ويكون هو شاهداً. وهذا المعنى مستوعب في كتاب الأقضية.
4106 - ومن قال لرجل: يا ابن الزانيين، فإنما عليه حد واحد.
ومن قال لرجل: لست ابن فلانة، لأنه، لم يحد.
ومن قال لامرأته في ولدها منه: إنك لم تلديه، وقالت هي: بل قد ولدته، فإن كان مقراً به قبل ذلك، فهو ولده ولا يلاعن فيه، [وليس] بقاذف، وإن كان لم يقرّ [به] قط، ولم يعلم بالحمل، فالولد ولده، إلا أن ينفيه [بلعان]، لأن من أقر بالوطء فالولد ولده، فإن نفاه التعن، وإن نكل عن اللعان، لزمه الولد ولم يحد، وكان كمن قال لرجل: لست لأمك.
4107 - ومن أقر بوطء أمته ثم أتت بولد، فقال لها: لم تلديه، ولم يدع استبراء، وقالت الأمة: بل [قد] ولدته منك، فهي مصدقة والولد لاحق به.
4108 - وإذا نظرت امرأة إلى رجل فقالت: ابني، ومثله يولد لمثلها، فصدقها، لم يثبت نسبه منها، إذ ليس ههنا أب يلحق به.
4109 - ومن قال لرجل: يا ابن الأقطع، أو المقعد، أو الأعمى، أو الأحمر، أو الأزرق، أو الأصهب، أو الآدم، فإن لم يكن أحد من آبائه كذلك، جُلد الحد، وإن قال له: يا ابن الأسود، رب الحد، عربياً كان أو مولى، إلا أن يكون من آبائه أسود.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/302)، ومواهب الجليل (6/303).
4110 - وإن قال له: يا ابن الحجام، أو: يا ابن الخياط، فإن كان من العرب ضُرب الحد، إلا أن يكون من آبائه أحد يعمل ذلك [العمل]، وإن كان من الموالي رأيت أن يحلف بالله ما أراد قطع نسبه، ولا يحد وعليه التعزير، لأن ذلك [من] أعمال الموالي.
وسُئل مالك - رحمه الله - عمن قال لرجل: يا ابن المطوق، يعني: الراية [التي] تُجعل في الأعناق وهو مولى فقال: لا يُحد، وكأني رأيته أن لو كان عربياً لجعل عليه الحد.
4111 - ومن قال لرجل أبيض: يا حبشي، فإن كان من العرب حُد، وإن كان من غير العرب ودعاه بغير جنسه من البيض كلهم، فلا حدّ عليه، وإن قال له: يا بربري، وهو حبشي لم يُحد.
ومن قال لرجل: يا أعور يا مقعد - وهو صحيح - على وجه المشاتمة، فإنما عليه الأدب، ومن آذى مسلماً أُدّب.
ومن قال لعربي: يا مولى، أو: يا عبد، فعليه الحد، وإن قال لمولى: يا عبد، لم يحد.
4112 - ومن قال لرجل: يا أبي، أو يا ابني، فلا شيء عليه. وإن قال له: يا يهودي، أو يا نصراني، أو يا مجوسي، ونحوه، نُكل، ولم يحد مالك في النكال حداً، وإن قال له: يا ابن اليهودي، أو يا ابن المجوسي، أو: [يا] ابن عابد وثنٍ، حد، إلا أن يكون أحد من آبائه كذلك فينكل.(1)
4113 - ومن قال: جامعت فلانة بين فخذيها، أو في أعكانها، فعليه الحد.
قال مالك - رحمه الله: ولا يجب الحد إلا في قذف، [أو نفي،] أو تعريض يُرى أنه أريد به القذف، ولا تعريض أشد من هذا، وإن قال: فعلت بفلانة في دبرها، فلها أن تطلبه بحدها، فإن ثبت على إقراره، حُد حد الزنا.
4114 - ومن قذف رجلاً، ثم ارتد المقذوف، أو قذفه وهو مرتد، لم يحد قاذفه، ولو رجع إلى الإسلام لم يحد له، كمن قذف رجلاً بالزنا فلم يحد له حتى زنا المقذوف، فلا يحد قاذفه.
ومن قذف رجلاً ثم ارتد القاذف، أو قذف وهو مرتد، فإنه يحد، أقام على ردته أو رجع إلى الإسلام.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/233)، ومواهب الجليل (6/302).
4115 - ومن قذف ملاعنة التعنت بولد أو بغير ولد، حُد، ومن قال لولد الملاعنة: لست لأبيك، فإن كان في مشاتمة حُد، وإن كان على وجه الخبر، لم يحد.
4116 - ومن وطئ جارية عنده رهناً، أو عارية، أو وديعة، أو بإجارة، فعليه الحد. والله الموفق.
* * *
(كتاب الأشربة)(1)
4117 - قال: وما أسكر كثيره من الأشربة، فقليله حرام.
ومن شرب خمراً، أو نبيذاً مسكراً، قليلاً أو كثيراً، سكر منه أم لا، فعليه الحد ثمانون جلدة، وكذلك إن شهدت عليه بينة أن به رائحة مسكر، جلد الحد، كان أصله نبيذ زبيب، أو عصير عنب أو تمر أو تين أو حنطة أو غير ذلك، وكذلك الأُسْكُرْكُة إذا أسكرت، لأنها عنده خمراً إذا كانت تسكر، وعصير العنب ونقيع الزبيب وجميع الأشربة، شربها حلال ما لم تسكر، فإذا أسكرت فهي خمر.
ولا أَحُدّ في مقام الانتباذ قدراً من توقيت أو غليان، والسكر علة التحريم ولا ينظر إلى الغليان.
قال مالك - رحمه الله - : وكنت أسمع أن المطبوخ إذا ذهب ثلثاه لم يكره، ولا أرى ذلك، ولكن إذا طبخ حتى لا يسكر كثيره، حل، وإن أسكر كثيره، حرم قليله، ولا يجعل درديّ المسكر وعكره في شراب يضران به، ولا في شيء من الأشربة أو الأطعمة.
وأرخص مالك أن يُجعل في النبيذ عجين، أو سويق، أو دقيق، ليعجله أو ليشتد به قليلاً، ثم نهى عنه، وقال: بالمغرب تراب يجعلونه في العسل فأنا أكرهه، وهذه أشياء يريدون بها إجازة الحرام.
قال ابن القاسم: ولا أرى به بأساً ما لم يسكر، ولا يعجبني أن ينبذ البسر المذنب الذي قد أرطب بعضه، حتى يكون بسراً كله أو رطباً كله.
__________
(1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (524)، والتقييد للزرويلي (6/306)، ومنح الجليل (9/463).
4118 - ولا يجوز أن ينبذ تمر مع زبيب، ولا بسر أو زهو مع رطب، ولا حنطة مع شعير أو شيء من ذلك مع تين أو عسل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ البسر والتمر جميعاً، أو الزهة والتمر جميعاً.(1)
قال مالك - رحمه الله - : وإن نبذ كل واحد مما ذكرنا على حدة، لم ينبغ أن يخلطا عند الشراب.
وما حلا من النبيذ، فلا يجوز فيه الخليطان، لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جاء.
وإذا خلط العسل بنبيذ لم يصلح أن يشربه، ويجوز أن يخلط نبيذه بالماء ويشربه، لأن الماء لا ينتبذ، وإنما يكره أن يخلطه بشيء يكون منه نبيذ.
ولا بأس بأكل الخبز بالنبيذ، لأن الخبز ليس بشراب. قيل: فهل ينقع في نبيذه الخبز ويدعه يوماً أو يومين ثم يشربه قبل أن يسكر؟ قال: هذا مثل ما أعلمتك من الجذيذة وشبه ذلك أن مالكاً كرهه في قوله الآخر.
ولا ينتبذ في الدباء والمزفت. قيل: أليس نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الظروف ثم وسع فيها؟ قال: قال مالك - رحمه الله - : قد ثبت نهي النبي عليه السلام عن الدباء.
وسئل مالك - رحمه الله - عن الخمر يجعل فيها الحيتان فيصير مرياً، فقال: لا أرى أكله، وكرهه.
والمزفت(2)، فلا ينبذ فيهما، ولا أكره غير ذلك من الفخار أو غيره من الظروف وأكره مزفت الدباء وغير مزفته، وأكره كل ظرف مزفت كان فخاراً أو دباء أو غيرهما، والزفت شيء يعرفه الناس يزفتون به قلالهم وظروفهم.
4119 - قال مالك - رحمه الله - : إذا ملك المسلم خمراً فليهرقها، فإن اجترأ فخللها فصارت خلاً أكلها و بئس ما صنع.
* * *
(كتاب جنايات العبد)
__________
(1) رواه أبو داود (3703)، والترمذي (1876)، ومالك (2/844)، ومسلم (1991)، (3/1576)، والبخاري (5/2120، 2121، 2126)، والنسائي (8/288، 290).
(2) رواه مسلم (1992)، ومالك في الموطأ (2/443).
4120 - قال ابن القاسم: ولو أن عبداً قتل رجلاً له وليان، فعفا أحدهما عن العبد على أن يأخذ جميعه ورضي بذلك السيد، فإن دفع السيد إلى أخيه نصف الدية، تم فعله، وإن أبى خُيّر العافي بين أن يكون العبد بينهما أو يرده، فإذا رده فلهما القتل أو العفو، فإن عفوا عنه خُيّر السيد بين إسلامه أو فدائه منهما بالدية. وقد قال أيضاً: إن للأخ الدخول مع أخيه في العبد، فيكون بينهما لشركتهما في الدم، وكذلك إن عفا أحدهما على أن دفع إليه السيد [العبد] القاتل وزاده عبداً آخر، فإن السيد إن دفع إلى الذي لم يعف نصف الدية، تم ما صن. وإن أبى: قيل للعافي: ادفع إلى أخيك نصف القاتل وحده فيتم فعلك، فإن أبى، رد العبدين وقتلا القاتل إن أحبا. وقد قيل: إن الولي يدخل مع أخيه في العبدين، لأنه ثمن للدم الذي بينهما.(1)
4121 - ومن أعتق عبده بعد علمه أنه قد قتل قتيلاً خطأ، سئل سيده، فإن أراد حمل الجناية فذلك له، وإن قال: ظننت أنها تلزم ذمته ويكون حراً يتبع بها، حلف على ذلك ورد عتقه، وكذلك لو جرح الحر جرحاً، [و]حلف السيد [ما أراد حمل الجناية بعتقه]، فإن كان للعبد مال مثل الجناية، أو وجد معيناً على أدائها مضى عتقه، وإلا بيع منه بقدرها وعتق ما فضل، فإن كان لا فضل فيه، أسلم رقاً لأهل الجناية، وإن باعه بعد علمه أنه قد جنى، حلف ما أراد حملها، ثم إن دفع الأرش لأهل الجناية، وإلا كان لهم إجازة البيع وقبض الثمن، ولهم فسخه وأخذ العبد. قال غيره: إلا أن يشاء المبتاع دفع الأرش إليهم، فذلك له، ويرجع على البائع بالأقل مما افتكه به أو الثمن.
قال ابن القاسم: ولو افتكه البائع فللمبتاع رده بهذا العيب، إلا أن يكون البائع بيّنه له، فيلزمه البيع. قال غيره: هذا في العمد، وأما في الخطأ فلا، وهو كعيب ذهب.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/328، 336).
4122 - وإذا قتل عبد رجلاً له وليان، فعفا أحدهما، ثم قال: عفوت ليكون لي نصف العبد، لم يصدق إلا أن يأتي بدليل، فإن جاء به كان العبد بين الوليين إلا أن يفديه سيده بجميع الدية، وله فداء نصفه بنصفها من أحدهما، وإسلام نصفه إلى الآخر.
4123 - ومن عفا عن عبد قتله عمداً، جاز عفوه وبقي العبد لسيده، إلا أن يعفو على أن يسترقه، فيرجع الخيار إلى سيده بين أن يفديه بالدية أو يسلمه، وإن كان خطأ فكانت قيمته قدر ثلث تركة القتيل، جاز عفوه، وإلا جاز منه قدر الثلث.
قال سحنون: وقد قيل: إنما يكون في الثلث الأقل من قيمة العبد أو الدية.
ومن جنى عبده جناية، فقال: أبيعه وأدفع الأرش من ثمنه، فليس له ذلك إلا أن يضمن وهو ثقة مأمون، أو يأتي بضامن ثقة فيؤخر اليومين ونحوهما، وإلا فداه أو أسلمه، فإن باعه ودفع [إلى] المجني عليه دية الجرح، جاز بيعه وإلا لم يجز.
4124 - وإذا ولدت الأمة بعد أن جنت، لم يسلم ولدها معها، إذ يوم الحكم يستحقها المجني عليه، وقد زايلها الولد قبله، ولكن تسلم بمالها، وهو قول أشهب في الولد والمال.
4125 - وإذا جنى عبد مأذون له وعليه دين من تجارة، ثم أسره العدو، فابتاعه رجل من العدو فلم يفده سيده بالثمن، فليس لأهل الجناية أخذه إلا بدفع الثمن الذي صار به لمبتاعه، إذ لو أسلمه سيده أولاً بالجناية، لم يكن [لمن صار] له أخذه إلا بدفع الثمن، وأما الدين فباق في ذمته، وإنما يسقط عن العبد وعمن يصير له ما كان قبل أن يؤسر العبد في رقبته.
4126 - وإذا جنى عبد فلم يحكم فيه حتى جنى جنايات على قوم، فإن سيده بالخيار، إما فداه بدياتهم أجمع، وإلا أسلمه إليهم فتحاصوا فيه بقدر مبلغ جناية كل واحد منهم، ولو فداه ثم جنى، فعليه أن يفديه ثانية أو يسلمه.
4127 - ومن أعتق نصف عبده، ثم جنى قبل القضاء [عليه] بعتق بقيته، لم يكن كالحر، إذ لو مات السيد أو لحقه دين قبل الحكم، رق باقيه، ولكن يلزم السيد الأقل من نصف قيمته، أو من نصف الأرش للمجني عليه ويعتق جميعه، لأنه لو أسلمه لقَوَّمْته عليه أيضاً إن كان موسراً وعتق، ويكون نصف الأرش الباقي في ذمة العبد بكل حال، ولو مات السيد قبل القيام، كان نصف الأرش في ذمة العبد، ويخير الورثة في النصف الرقيق بين إسلامه رقاً، وبين أن يفدوه ويكون لهم رقاً.
ولو أعتق المليء شقصاً له من عبد بينه وبين رجل، ثم جنى العبد قبل التقويم خير المتمسك بين أن يفدي شقصه منه ثم يقومه على المعتق، أو يسلمه فيقومه المسلم إليه على المعتق بقيمته يوم الحكم معيباً، ويتبع العبد لا العاقلة بنصف الجناية وإن جاوزت ثلث الدية، لأن العاقلة لا تحمل عن عبد.(1)
ومن أعتق حصته من عبد، ثم وهب المتمسك منه حصته لرجل بعد العتق، جاز ذلك، وكان التقويم للموهوب له، بخلاف البيع، لأنه في البيع باع نصفه بعين أو عرض، على أن يأخذ المبتاع قيمته مجهولة، فذلك غرر، ولا غرر في الهبة.
وإذا جنى المعتق بعضه أو جُني عليه، فلسيده أو عليه بقدر ملكه منه، وللعبد بقدر ما عتق منه، وتبقى حصة العبد فيما يأخذ من أرش بيده. وكان مالك يقول: يأخذ الأرش كله من له فيه الرق، ثم قال: هو بينهما.
__________
(1) انظر: الكافي (1/504، 505)، والتمهيد (14/277، 278)، والتاج والإكليل (6/338).
4128 - ومن أوصى، فقال: عبدي حر بعد موتي بشهر، فمات السيد والثلث لا يحمله، قيل للورثة: أجيزوا الوصية وإلا فأعتقوا منه الثلث بتلاً، فإن أجازوا [الوصية] خدمهم تمام الشهر ثم خرج كله حراً، فإن جنى قبل مضي الشهر، قيل للورثة: افدوا خدمته أو أسلموها، فإن أسلموها خدم العبد في الجناية، فإذا أتم الشهر، عتق واتبع ببقية الأرش في ذمته، وإن افتكه الورثة خدمهم بقية الشهر، ثم عُتق ولم يتبع بشيء، وإن لم يجيزوا الوصية، عتق من العبد محمل الثلث، ثم إن جنى أتبع بما يقع منه ويخير الورثة في إسلام ما رق منه أو فدائه.
ولو جنى قبل أن يجيز الورثة في ضيق الثلث، خُيّروا بين أن يفدوه ويخدمهم إلى الأجل ويعتق ولا يتبع بشيء، فيكونوا قد أجازوا الوصية، وإن أبوا عتق منه بتلاً ما حمل الثلث وأتبع من الأرش بحصة ذلك، وخُيّروا في فداء ما رق منه أو إسلامه.
4129 - وإذا جنى موصىً بعتقه قبل موت السيد، كان للسيد أن يدفعه أو يفتديه، فإن فداه كان على الوصية إذا لم يغيرها قبل موته، فإن أسلمه بطلت الوصية، إذ له أن يغيرها، وإن لم يقم ولي الجناية حتى مات السيد، فالعبد رهن بالجناية إن أسلمه الورثة للمجني عليه، وإن افتكوه عتق في ثلث سيده.
4130 - ومن بتل في مرضه عتق عبده، ثم جنى العبد، فإن كان يوم بتله له مال مأمون من ربع وعقار، كان كالحر في جنايته، والجناية عليه يقتص في العمد ويتبع العاقلة في الخطأ، وإن كان المال كثيراً وليس بمأمون، أوقف إلى موته، فكان كالمدبر إن حمله الثلث أتبع بالجناية أو بحصة ما حمل منه، وخُيّر الورثة فيما رق.
وكذلك إن أوصى بعتقه، فجنى بعد موت السيد، وقبل أن يقوم في الثلث، فإن حمله الثلث عتق وأتبع بالجناية ديناً عليه، كالمدبر، لنه في حدوده وحرمته كالعبد ما لم يقوم في الثلث وإن كان الثلث يحمله، إلا أن تكون أموال السيد مأمونة فيكون في جنايته، والجناية عليه كالحر.
قال سحنون: وقد أعلمتك باختلافهم في المال المأمون.
ولو بتله في المرض ولا مال له، أو له مال غير مأمون، فجنى العبد جناية فلم ينظر فيها حتى أفاد السيد في مرضه مالاً مأموناً، فإني أبتل عتق العبد ويتبع بالجناية في الذمة، ولا تحملها العاقلة، لأنه يوم جنى كان ممن لا تحمل [العاقلةٍ] جريرته، والعاقلة لا تحمل جريرته حتى يحمل هو معها ما لزمها من الجرائر.
4131 - ولو جني عليه في مرض السيد أو قتل، فعقله عقل عبد، إذ لا تتم حرمته حتى تكون أموال السيد مأمونة، والذي قال مالك في المال المأمون: إنه الدور والأرضون والنخل.
وإن بتله في المرض ثم جنى جناية، ثم مات السيد ولا مال له غيره، عتق ثلثه واتبع بثلث الأرش، وخير الورثة في فداء مارق منه أو إسلامه، وهذا كالمدبر سواء، وإن صح السيد، عتق العبد وأتبع بالجناية. وإذا أوقف المبتل لم يقل لسيده: أسلمه أو افده، كما يخير في المدبر، لأن هذا لا خدمة له فيه ولا رق، وله في المدبر الخدمة إلى الموت.
قال سحنون: وعلى هذا ثبت بعد أن قال غيره: وهو أصل قولهم وأحسنه، وكل قول تجده له أو لغيره على خلاف هذا، فأصلحه على هذا.
وإذا وقف المبتل في المرض أوقف ماله معه، وإن جنى لم يسلم معه في جنايته، لأنه قد يعتق بعضه إذا مات سيده، ولا مال له غيره، وليس للورثة إن افتكوا ما رق منه أن يأخذوا ماله، وإن أسلموه فلا يأخذ المجني عليه شيئاً ويكون المال موقوفاً معه، لأن من دخلت فيه شعبة من الحرية، وقف ماله معه، ولم يكن للذي له بقية الرق أن يأخذ من ماله شيئاً.
قال سحنون: هذه المسألة أصل مذهبهم، فلا تعدها إلى غيرها.
4132 - وكل عبد بين رجلين، فليس لأحدهما أن يأخذ من ماله قدر نصيبه، إلا أن يجتمعا على أخذ ماله، وإن أذن أحدهما لصاحبه في أخذ حصته من المال، وترك هو نصيبه في يد العبد، جاز، لأنه إن كانت هبة منه أو مقاسمة، فهي جائزة، ثم إن باعها العبد بعد ذلك فاشترط المبتاع ماله فالثمن بينهما نصفين، لأن ماله ملغى، ولا حصة له من الثمن.
ومن بتل في مرضه عتق عبده، وماله غير مأمون، وللعبد مال، فهو كمن لا مال له.
4133 - ومن قال: اعتقوا عبدي فلاناً بعد موتي، فجنى العبد بعد موته [قبل أن يعتقوه]، فهو كالمدبر يجني بعد موت سيده، فإن حمله الثلث عتق وكانت جنايته في ذمته، وإن لم يحمله، قيل للورثة: ادفعوا ما بقي لكم من العبد بما بقي من الجناية أو افدوه بأرش ما بقي من الجناية، وإن أوصى أن يشتري عبد بعينه فيعتق، فاشتروه ثم جنى [العبد] قبل العتق، كان كالموصى بعتقه [بعينه] يجني بعد الموت، فإنه يعتق ويتبع بالجناية في ذمته، بخلاف عبد ليس بعينه، لأن لهم إذا اشتروه أن لا يعتقوه، ويستبدلوا به غيره إذا كان ذلك خيراً للميت.
4134 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين معلومة أو حياة الرجل، فجنى العبد، خَيّر مالك رقبته، فإن فداه بقي في خدمته، وإن أسلمه خير المخدم [بين أن يفديه أو يسلمه للمجني عليه]، فإن فداه خدمه، فإذا تمت خدمته فإن دفع إليه السيد ما فداه به أخذه، وإلا أسلمه للمخدم رقاً، وأما الموصى بخدمته لرجل سنة وبرقبته لآخر، والثلث يحمله إذا جنى، فإن صاحب الخدمة يبدأ، فإن فداه، خدمه ثم أسلمه بعد الأجل للموصى له بالرقبة، ولا يتبع بشيء مما أدى، وإن أسلمه خير صاحب الرقبة فإن فداه أخذه وسقطت الخدمة.
قال سحنون: اختلف قوله في هذا الأصل، وأحسن ما قال هو وغيره: إن من أخدم عبده رجلاً سنين، أو أوصى بذلك ثم برقبته لآخر، والثلث يحمل الموصى بذلك فيه، ثم جنى، أن يبدأ صاحب الخدمة بالتخيير، فإن فداه خدمه بقية الأجل، ثم لم يكن لصاحب الرقبة سبيل إليه حتى يعطيه ما افتكه به، وإلا كان للذي فداه رقاً، وإن أسلمه سقط عنه، وقيل لصاحب الرقبة: أسلم أو افتد، فإن أسلمه استرقه المجني عليه، وإن فداه صار له وبطلت الخدمة.
4135 - وإذا أوصى بخدمته لرجل سنين، وأوصى مع ذلك برقبته لآخر والثلث يحمله، فقتله رجل أو قطع يده في الخدمة، كان ما يجب في ذلك لمن له مرجع الرقبة، قاله مالك، واختلف فيه أصحابه، وهذا أصل مذهبهم.
وإن جنى المعتق إلى أجل، خُيّر سيده، فإما فدا الخدمة أو أسلمها، فإن فداها عتق العبد للأجل ولم يتبعه بشيء، وإن أسلمها خدم العبد في الجناية، فإن أوفاها قبل الأجل رجع إلى سيده، وإن حل الأجل ولم تتم عتق وأتبع ببقية الأرش.
4136 - قال مالك - رحمه الله - : وإذا جنى المدبر وله مال، دفع ماله لأهل الجناية، فإن لم يكن فيه وفاء، قيل لسيده: أسلم خدمته، أو افدها بباقي الجناية.
وإن جنى المدبر على جماعة فأسلم إليهم، تحاصوا في خدمته، ولو جرح واحداً فأسلم إليه خدمته ثم جرح آخر، تحاص مع الأول في الخدمة، هذا بجنايته والأول بما بقي له.
قال ابن وهب وابن نافع عن مالك وعبد العزيز: إذا جنى المدبر خير سيده بين أنه يفدي خدمته بما جنى، أو يسلم خدمته فيختدمه المجني عليه فيما يجب له، فإن تم قصاصها وسيده حي، رجع إليه مدبراً. وإن مات السيد فعتق في ثلثه، كان بما بقي من جنايته ديناً عليه، قالا: فإن أدركه دين [يرقه] إذا مات سيده، والدين والجناية يغترقانه، فالمجني عليه أحق برقبته، إلا أن يفديه أهل الدين ببقية الجناية، وإن كانا لا يغترقانه، بيع منه للجناية وللدين، ثم عتق منه ثلث ما بقي.
4137 - قال ابن القاسم: إذا جنى المدبر في حياة سيده، وعلى سيده دين يغترق قيمة المدبر أو لا يغترقه، فأهل الجناية أحق بخدمته، إلا أن يدفع إليهم الغرماء الأرش فيأخذوه ويؤاجروه حتى يستوفوا دينهم، فإن لم يأخذه الغرماء وأسلم للمجني عليه يختدمه، ثم مات السيد وعليه دين، وفي رقبة المدبر كفاف للدين [والجناية] وفضلة، بيع منه لذلك، وبدئ بالبيع للجناية ثم للدين، ثم عتق ثلث ما بقي، وإن كان لا فضل في قيمته عنهما أو قيمته أقل منها، قيل للغرماء: أهل الجناية أحق به منكم إلا أن تزيدوا على قيمة الجناية فيأخذوه، ويحط عن الميت بقدر الذي زدتم، فذلك لكم.(1)
وإن جنى المدبر، وله مال وعليه دين، فغرماؤه أحق بماله، فإن لم يكن له مال، كان دينه في ذمته والجناية في خدمته، وإذا جنى العبد وعليه دين، كان دينه أولى بماله، وجنايته أولى برقبته، ويقال للسيد: ادفع أو افتد. وإذا مات سيد المدبر وعليه دين يغترق قيمة المدبر، وعلى المدبر دين، فليبع في دين سيده، ويكون دينه في ذمته يتبع به، أو في ماله إن كان له مال، ولغرماء السيد أن يؤاجروا المدبر في دينهم إن أعدم السيد. وفي كتاب المدبر طرف من هذا.
وإذا جنى العبد على سيده، فلا شيء عليه، وأما المدبر يجني على سيده، فإن عبد الحكم بن أعين أخبرني عن مالك، أنه قال: يختدمه السيد بالجناية، فإن مات السيد ولم يتمها عتق في ثلثه وأتبع ببقية الجناية، وإن عتق بعضه في الثلث أتبع بحصة ما عتق منه من بقيتها وسقط ما بقي.
قال غيره: لا يختدمه السيد بجنايته، إذ له عظم رقبته، و[إذ] لو فداه من أجنبي لم يتبعه بما فداه ولا اختدمه فيه، ولو أسلمه لأتبعه [المجروح] بما بقي إن عتق في الثلث.
قال ابن القاسم: وإن جنى المدبر على سيده وعلى أجنبي، اختدماه بقدر جنايتهما. قال سحنون: وهذا مثل الأول.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/238).
ولو أن مدبراً ورجلاً حراً، قتلا قتيلاً خطأ، كانت نصف ديته على عاقلة الرجل، ونصف الدية في خدمة المدبر.
4138 - وإذا قتل المدبر رجلاً عمداً، فعفا أولياؤه على أخذ خدمته، فذلك لهم، إلا أن يفديها السيد بجميع الدية، وليس لهم العفو على رقه وإن رضي السيد.
وإذا جنى المدبر ثم أعتقه سيده، فإن أراد حمل الجناية لزمه، وإلا حلف ما أراد حملها، ثم ردت خدمته، وخير بين أن يسلمه أو يفتديه مدبراً، فإن أسلمه وكان للمدبر مال، أديت منه الجناية وعُتق، [فإن لم يكن في ماله وفاء للجناية، أُخذ منه وخدم المجروح بما بقي له وعتق]، وإن لم يكن له مال أخدمته المجروح، فإن استوفي عَقْل جُرحه والسيد حي، خرج المدبر حراً.
4139 - وإن مات السيد قبل وفاء ذلك، وكان المدبر يحمله الثلث، عتق وأتبع ببقية الجناية، وإن لم يدع السيد غيره عتق ثلثه وأتبع ببقية الأرش، ورق باقيه للمجروح إن كان قيمة [ذلك] مثل ما قابله من بقية الأرش، ولا خيار فيه للورثة، لأن صاحبهم قد تبرأ منه لما أسلمه.(1)
وإن لم يحلف السيد أنه ما أراد حمل الجناية، عتق وكانت الجناية على السيد، فإن لم يكن له مال، رد عتقه وأسلم إلى المجروح يختدمه، فإن أدى في حياة سيده، عتق ولم يلحقه دين استحدثه السيد بعد عتقه.
وإن لم يوفها حتى مات السيد وقد استحدث بعد عتقه ديناً يغترق المدبر، لم ينظر إلى ذلك وعتق ثلثه، وأتبع [بثلث] بقية الأرش، ثم إن كان له معين في فداء ثلثيه بثلثي باقي الخدمة، عتق، وإلا رق ثلثاه لأهل الجناية، إلا أن يكون في ثمن ثلثيه فضل عن ثلثي باقي الجناية، فيباع من ثلثيه بقدر ثلثي [باقي] الجناية ويعتق ما بقي، ولو كان للسيد مال يخرج من ثلثه، عتق وأتبع بباقي الجناية، وإن كان دين السيد قبل العتق وقبل الجناية، كان كمدبر لم يجعل له عتق سواء.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/377)، والفواكه الدواني (2/141).
4140 - ولو أن عبداً بين رجلين، دبر أحدهما نصيبه، فرضي شريكه وتماسك هو بنصيبه، جاز ذلك، فإن جنى خيّر من دبر في إسلام [خدمة] نصف العبد، أو دفع نصف الجناية، وخير المتمسك في إسلام نصف الرقبة، أو دفع نصف الجناية، وما جنى العبد أو استهلك من الأموال، فهو في رقبته.
وأما المدبر يجني أو يستهلك مالاً، فذلك سواء، وهو في خدمته إلا أن يكون للمدبر مال، فيدفع في جنايته، فإن كان فيه وفاء بالجناية رجع إلى سيده، وإن كان لم يف بذلك أو لم يكن معه شيء، خُيّر سيده، فإما فدى خدمته بجميع ما جنى أو استهلك أو بما عجز عنه ماله من ذلك، أو يدفع إليهم خدمته، فيتحاصون فيها، فإن مات السيد والثلث يحمله، عتق وأتبعوه بما بقي لهم، وإن لم يترك غيره عتق ثلثه وأتبعوه بثلث ما بقي لهم، وخُير الورثة في فداء ما رق منه، أو إسلامه.
وما جنى على المدبر فعقله لسيده وليس كماله، ومهر المدبرة كمالها، وهي أحق به بعد موت السيد من ورثته، إذ به استحلت.
4141 - وإذا جنى مدبر الذمي - والمدبر ذمي - خير بين إسلامه عبداً، إذ لا أمنعه بيعه، كما لو أعتق عبده فلم يخرج من يده، كان له بيعه، وإن فدى المدبر، بقي على تدبيره.
ولو أسلم مدبره ثم جنى، خير في إسلام خدمته، أو فدائها، فيؤاجر له ولا يختدمه، لأن مدبر الذمي إذا أسلم، ألزمته فيه التدبير وأجرته عليه، وصار حكماً بين مسلم وذمي، ولا يعتق عليه.
ولو حلف ذمي بعتق رقيقه، فأسلم السيد ثم حنث، لم يعتقوا عليه. ولو حلف بعتقهم ومنهم مسلمون، فحنث، عتقوا عليه، إذ لو أعتق النصراني عبده المسلم، لزمه ذلك.
وإذا أسلم مدبر الذمي، ثم قتل أو جرح، كان عقله لسيده.
4142 - قال مالك - رحمه الله - : أحسن ما سمعت في جناية أم الولد أن يلزم السيد الأقل من أرش جنايتها، أو من قيمتها أمة يوم الحكم، زادت قيمتها أو نقصت، فذلك عوض عن إسلامها لَمّا لم يكن سبيل إلى رقها، وكذلك ما استهلكت، أو أفسدت بيدها أو دابتها، أو بحفرة حفرتها حيث لا ينبغي لها، أو اغتصبت أو اختلست، لأن هذا كله من العبيد جناية، وعلى السيد فيها الأقل - كما ذكرنا - ، وإن كان ذلك أكثر من قيمتها [و]لم يتبع السيد بما ناف على قيمتها، ولا هي إن أعتقت، لأنها إن كانت أمة فأسلمت لم يكن عليها فضل الجناية، وإخراج قيمتها بأمر قاض أو بغير أمره سواء، ويحاص أهل جنايتها بذلك غرماء سيدها، وتقوّم أمةً بغير مالها، وقيل: تقوم بمالها ولا يقوم ولدها معها وإن ولدته بعد الجناية.
وأما إن أسلم السيد عبده أو أمته بجرح أصابه واحد منهما، فليس عليه أكثر من ذلك.
ومن قتلت أم ولده رجلاً خطأ، فلم ينظر فيه حتى قتلت آخر، فليدفع قيمتها تكون بين أوليائهما نصفين.
ولو حكم في الأول بالأقل، ثم جنت على ثان، وجب للثاني الأقل أيضاً ثانية يوم الحكم له، وكذلك يفديها كلما جنت، إلا أن يتأخر الحكم حتى يجتمع لها جنايات كل جناية مثل قيمتها فأكثر، فلا يغرم إلا قيمة واحدة، يتحاصون فيها بقدر جناية كل واحد كالعبد يجني فيفديه السيد، ثم يجني، فعليه أن يفتديه أيضاً أو يسلمه.
وإذا اجتمعت عليه جنايات قبل أن يفتديه، خُيّر السيد بين أن يدفع قيمة ما جنى لكل واحد منهم، أو يسلمه فيتحاصون فيه بقدر جنايتهم.
وأما المدبر يجني فتسلم خدمته، ثم يجني على آخر، فإنه يحاص الأول في الخدمة، ولا يخير سيده ههنا ولا من أسلم إليه، بخلاف العبد.
4143 - وإن جنت أم الولد على رجل أقل من قيمتها، ثم جنت على آخر أكثر من قيمتها، فعلى سيدها قيمتها لهما، يقتسمانها بقدر جناية كل واحد منهما.
ولو جنت، ثم جنت على آخر، فقام أحدهما والآخر غائب، فله الأقل من أرشه أو مما ينوبه في المحاصة مع الغائب من قيمتها الآن، ثم إن قام الآخر، فله الأقل من أرش جرحه أو حصته من قيمتها يوم تقوم.
ولو جنت فلم يحكم عليه حتى جنى عليها ما أخذت له أرشاً، فعلى سيدها أن يخرج الأقل من أرش الجناية أو من قيمتها، معيبة يوم الحكم فيها مع الأرش الذي أخذه فيها. وكذلك العبد يجني ثم يُجنى عليه قبل أن يحكم فيه بشيء فسيده مخير بين إسلامه مع ما أخذ في أرشه، أو يفتديه، وهذا إذا كان ما أخذ في أرشه أقل من دية ما جنى، فإن كان فيه وفاء لذلك أو أكثر، فلا خيار للسيد، ويؤدي من ذلك للمجني [عليه] أرش جرحه، ويبقون لسيدهم.
4144 - وأم الولد إذا قتلت رجلاً عمداً فعفا أولياؤه على أخذ قيمتها من السيد، لم يلزم السيد ذلك إلا أن يشاء، فإن أبى، فلهم القتل أو العفو، كالحر يُعفى عنه في العمد على غرم الدية فيأبى.
قال غيره: يلزم السيد في أم الولد، غرم الأقل من قيمتها أو من الأرش، وليست كالحر، ولها حكم العبد.
وقال أشهب في الحر: تلزمه الدية وإن كره، ولا يقتل.
قال ابن القاسم: ولو عفا الولي في العمد على أخذ رقبتها لم يكن له ذلك وإن رضي السيد. وكذلك المدبر، وإن جنت ولم يحكم فيها حتى ماتت، فلا شيء على السيد، ولو تمت ومات السيد ولا مال له، فلا شيء على أم الولد.(1)
قال غيره: هذا إذا قاموا على السيد وهو حي، وأما إن مات السيد قبل قيامهم، فلا شيء عليه، وذلك عليها، لأنها هي الجانية، وما جني على أم الولد، فعقله لسيدها، وكذلك المدبرة.
__________
(1) انظر: التقييد (6/320).
4145 - ومن اغتصب حرة نفسها، فعليه صداقها، وإن اغتصب أمة نفسها أو أم ولد أو مكاتبة أو مدبرة، فلم ينقصها ذلك فلا شيء عليه إلا الحد، وإن نقصها غرم ما نقصها، وكان ذلك للسيد، إلا في المكاتبة فإن سيدها يأخذه، ويقاصها به في آخر نجومها، وإنما يقوم من ذكرنا، ممن فيه علقة رق في الجناية عليه قيمة عبد.
وإذا جنت أم الولد على سيدها، فلا شيء [له] عليها. وأما المعتق إلى أجل، فهو في جنايته على سيده كالمدبر. وقد ذكرناه.
4146 - وإذا ولدت أم الولد ولداً، من غير السيد بعدما صارت له أم ولد، فجنى ذلك الولد جناية أكثر من قيمته أو أقل، فإن السيد مخير بين أن يفديه ويبقى على حاله، أو يسلم خدمته فيختدم بالأرش، فإن أوفى رجع إلى سيده، وإن مات السيد قبل أن يوفي، عتق ورجع ببقية الأرش عليه، وهو بخلاف أمه فيما جنت، وللمجني عليه أن يأخذ خدمة الولد حتى يتم حقه، إلا أن يفتكه السيد بدية الجناية.
4147 - وإذا جنت أم ولد الذمي، فله أن يفديها بالأقل، وله إسلامها رقاً للمجني عليه، إذ لا أمنعه من بيعها، ويحل وطؤها لمن أسلمت إليه أو لمبتاعها. وما استدانت أم الولد من تجارة أذن لها فيها، ففي ذمتها كالعبد.
4148 - قال مالك - رحمه الله - : ولا قود بين الأرقاء وبين الأحرار في الجراح كلها، فأما في النفس، فلا يقتل حر بعبد. قال ربيعة: إلا في حرابة.
قال مالك - رحمه الله - : ويقتل العبد بالحر إن شاء الولي [قتله]، فإن استحياه خُيّر سيده فإما أسلمه أو فداه بدية الحر.
وإن قتل حر عبداً، فعليه قيمته ما بلغت وإن جاوزت الدية، وإن جرحه فعليه ما نقصه بعد برئه.
قال مالك - رحمه الله - : وموضحة العبد ومنقلته وجائته ومأمومته في ثمنه بمنزلتها في دية الحر. قال عبد العزيز: إذ [قد] لا ينقص ثمنه إذا برئ، فلا بد أن يكون فيهن ما ذكرنا.
4149 - وإذا جنت أمة، ثم وطئها السيد فحملت، فإن لم يعلم بالجناية، أدى الأقل من قيمتها يوم حملت أو الأرش، فإن لم يكن معه أتبع به، وإن علم بالجناية قبل الوطء، لزمه جميع الأرش وإن جاوز قيمتها، وإن لم يكن له مال أسلمت إلى المجني عليه، ولا شيء عليه في الولد، إذ لا تسلم أمة بولدها، وكذلك الابن يطأ من تركة أبيه أمة، فتحمل وعلى الأب دين يغترقها، فإن علم به وبادر الغرماء، لزمته لهم قيمتها، فإن لم يكن له مال بيعت لهم في دينهم، وإن لم يعلم بدين أبيه، أتبع بقميتها في عدمه، وكانت له أم ولد.
وقال غيره: هذا بخلاف وطء السيد، وعلى السيد إسلامها في عدمه إن لم يعلم بالجناية، إذ لو باعها ولم يعلم بالجناية فأعتقها المبتاع، لم يكن ذلك فوتاً يبطل حق المجني عليه. ولو باعها الورثة ولم يعلموا بالدين، فأعتقها المبتاع، لم يرد العتق، وإنما لهم الثمن إن وجدوه، وإلا أتبعوا به من أخذه.
4150 - والقصاص في المماليك بينهم، كهيئته بين الأحرار: نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه، يخير سيد المجروح إن شاء استقاد، وإن شاء أخذ العقل، إلا أن يسلم الجاني سيده.
4151 - وإن جرح عبد عبداً، فقال سيد المجروح: لا أقتص، ولكن آخذ العبد الجارح، [فذلك له] إلا أن يفديه سيده بالأرش.
ولو قال سيد الجارح: إما أن تقتص أو تدع، فالقول قول سيد المجروح. وكذلك في القتل.(1)
وإذا جنى العبد جناية، فسيده مخير فيها بين إسلامه أو فدائه، فإن مات العبد قبل أن يختار السيد بطلت الجناية، وإن كان للعبد مال، كانت رقبته وماله في جنايته، يقال لسيده: ادفعه وماله، أو افده بعقل [جميع] جنايته، ولو كان العبد مدياناً، فأهل دينه أولى بماله، وجنايته في رقبته.
__________
(1) انظر: المدونة (6/366).
وللرجل أن يقتص من عبده لعبده، في النفس والجراح، ولا يكون ذلك إلا عند السلطان ببينة ثبتت. وكذلك في [قطع] السرقة، لا يقطع إلا عند السلطان. وإنما للسيد أن يقيم حد الخمر والزنا، فإن قطع يد عبده في سرقة دون الإمام، عوقب، إلا أن يعذر بجهل، ولا يعتق عليه إذا كانت له بينة، لأن بعض الصحابة قد قطع دون الإمام، وإنما زجر الناس عن ذلك، لئلا يدعي من مثّل بعبده أنه سرق.
وكذلك إن عدى رجل، فقتل قاتل وليه دون الإمام، فإن كان إليه العفو أو القتل، لم يلزمه إلا الأدب، لئلا يجترئ على الدماء.
4152 - وإذا جرح رجل عبداً أو قذفه، فأقر سيده أنه أعتقه العام الأول، لم يصدق على الجرح والقذف إلا ببينة، وكان له حكم العبد في ذلك الجرح، وكان ذلك للعبد، لأن السيد قد أقر أنه لا شيء له فيه.
ولو قامت البينة على ما قاله السيد، كان له حكم الحر في ذلك كله أقر السيد أو جحد.
ولو جرحه السيد أو قذفه، ثم ثبت أنه أعتقه قبل ذلك، والسيد جاحد، فلا شيء عليه من ذلك، إلا أنه يحكم بعليه] بالعتق، وجعل ابن القاسم حكمه حكم الحر مع الأجنبيين، بخلاف السيد.
وقال غيره: إذا جحد عبده العتق، فأثبت ذلك ببينة، فله حكم الحر فيما مضى من حد أو جرح، له أو عليه، مع أجنبي أو مع السيد، ذلك سواء، وبه قال سحنون. وقد تقدمت هذه المسألة في كتاب العتق الثاني أتم مما هنا.
4153 - قال مالك - رحمه الله - : وإن اغتصب العبد حرة أو أمة نفسهما، ففي رقبة العبد للحرة صداق مثلها، وللأمة ما نقصها، إما فداه بذلك سيده أو أسلمه.
قال ربيعة في عبد افتض بكراً: فهو لها إلا أن يكون صداقها دون رقبته، فإنه يباع بغير أرضها، فيأخذ صداقها من ثمنه، وما فضل فلسيده.
قال مالك - رحمه الله - : ومن باع عبداً سارقاً دلس به، فسرق من المبتاع، فرده على سيده بالعيب، فذلك في ذمته إن عتق يوماً ما. وإن سرق من أجنبي مالاً، فقطع فيه فرده المبتاع، فهي جناية: إما أسلمه البائع أو فداه [بها]، بخلاف سرقته من المبتاع، إذ لا يقطع فيها للإذن في الدخول، وسرقته من أجنبي يقطع فيها، وإنما يلزم المبتاع ما حدث من العيوب عنده من غير العيب الذي دلس له به البائع.(1)
4154 - قال ابن القاسم: وما سرق العبد من سيده فلا يتبع بشيء منه، عتق أو رق، قلّ ما سرق من ذلك أو كثر.
4155 - وإن أقر عبد أنه وطئ هذه الأمة، أو هذه المرأة غصباً، لم يصدق إلا أن تأتي وهي مستغيثة أو متعلقة به، وهي تدمي إن كانت بكراً، وإن كانت ثيباً أدركت وهي تستغيث متعلقة به، فإنه يصدق. وكذلك إن أقر أنه قطع أصبع صبي، فإن أدرك الصبي وهو متعلق به وأصبعه تدمي، صدق في مثل هذا، وخير سيده في أن يفديه أو يسلمه، ولا يتهم ههنا بفرار إلى شيء، وما لم يتبين هكذا لم يصدق، ولا يلزم ذمته إن عتق. وفي كتاب الديات ذكر الحر يقر بقتل خطأ.
4156 - وقضى عمر بن عبد العزيز في أمة أقرت أنها عضّت أصبع صبي وقد طمرت أصبعه فمات، أن يحلف ولاته خمسين يميناً لمات من عضها، وتكون الأمة لهم، وإلا فلا شيء لهم.(2)
قال ابن القاسم: وما أقر به العبد مما يلزمه في جسده: من قتل، أو قطع، أو غيره، فإنه يقبل إقراره. قال أبو الزناد: إذا أقر طائعاً غير مسترهب.
وما آل إلى غرم سيده، فلا يقبل فيه إقراره إلا ببينة على فعله، مثل إقراره بغصب أمة أو حرة نفسها، ولم يكن من تعلقها به ما وصفنا، أو بجرح، أو بقتل خطأ، أو باختلاس مال، أو استهلاكه أو سرقة لا قطع فيها، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، فلا يصدق ولا يتبع بشيء من ذلك إن عتق.
__________
(1) انظر: المدونة (16/384)، ومواهب الجليل (5/159).
(2) رواه عبد الرزاق في مصنفه (18299)، (10/45).
وإن أقر العبد أنه قتل حراً عمداً، فلوليه القصاص، فإن عفا على أن يستحييه لم يكن له ذلك، وله معاودة القتل إن كان ممن يظن أن ذلك له، كعفو الولي عن حر قتل وليه عمداً على أخذ الدية، فيأبى القاتل أداءها، فللولي أن يقتله.
4155 - وإن أقر بسرقة، فقال المسروق منه: أنا آخذ السرقة وأعفو عن قطع يده ولا أرفعه إلى الإمام، لم يكن له شيء من ذلك.
4156 - قال مالك - رحمه الله - : أحسن ما سمعت في جناية المكاتب، أنه إن أدى جميع العقل حالاً وإن جاوز قيمة رقبته، أو كان ديناراً أو أكثر، بقي على كتابته، وإلا عُجِّز وخُير سيده في أن يسلمه رقاً أو يفتديه بالأرش، وعجزه عن الأرش قبل القضاء عليه به وبعده سواء، ولو قوي على أداء ما حلّ من الكتابة دون الأرش حالاً، فقد عجز ولا ينجم عليه الأرش بخلاف العاقلة. قيل: فإن عجز المكاتب عن أداء العقل وأداه عنه سيده، هل يبقى علة كتابته؟ قال: إذا لم يقو على [أداء] الجناية، رق مكانه، وخير سيده بين أن يدفعه أو يفتديه. وكذلك إن جنى على سيده فلم يعجل له الأرش، عجّزه.
وللمكاتب دفع أم ولده في جنايته إن خاف العجز، كما لو بيعها في عجزه عن الكتابة.
4157 - وإذا جنى مكاتب جناية عمداً، فصالحه منها أولياء الجناية على مائة دينار فلم يؤدها حتى عجز، فإن ثبتت خير في إسلامه أو افتدائه بالأقل من المائة، أو قيمة الأرش.
وإذا أقر مكاتب بقتل عمداً أو خطأ، فصالح منه على مال، لم يجز، ولهم في العمد قتله بإقراره، فإن لم يقتصوا لم يكن لهم في مال المكاتب شيء، ولا في رقبته إن عجز.
وإن أقر مكاتب بقتل خطأ، لم يلزمه شيء، عجز أو عتق. ولو أقر بدين لزم ذمته، عتق أو رق.
وإن قتل المكاتب رجلاً له وليان عمداً، فعفا أحدهما، فإن أدى المكاتب إلى الآخر نصف الدية، وإلا عُجّز وخُيّر سيده في إسلام نصفه، أو افتدائه بنصف الدية، ولا شيء للعافي، أدى نصف الدية [المكاتب] أو السيد بعد عجزه، إلا أن يزعم أنه عفا لأخذ الدية ويستدل على ذلك، وإلا لم يقبل قوله.
وإذا جنى المكاتب ثم أدى الكتابة وعتق قبل القيام عليه، فلا عتق له إلا أن يؤدي.
قال ابن القاسم: ولو مات الأب قبل القيام عليه ولم يترك مالاً، بطلت الجناية والدين، ولم يلزم ولده من ذلك شيء، وإنما كان للأب معونة مال الولد في خوف العجز في حياته، فإذا مات عديماً لم يلزم ولده من دينه شيء ولا من جنايته.
ولو قام ولي الجناية في حياة الأب ولا مال له، فاختار الولد أداءها، ويتمادون على كتابتهم، فإن لم يؤدوها حتى مات الأب لزمتهم.
4158 - وإذا مات مكاتب وعليه دين، وترك عبداً قد جنى قبل موته أو بعده، فولي الجناية أحق بالعبد، إلا أن يفتكه غرماء المكاتب بالأرش، فذلك لهم، وكذلك عبد الحر المديان يجني جناية.
ومن جنى ما لا تحمله العاقلة وعليه دين وليس له غلا العبد، ضرب فيه أهل دينه وأهل جنايته، لأن ذلك كله لزم ذمته.
4159 - ومن قتل مكاتبه عمداً أو خطأ، ومعه ولد في الكتابة، فليقاصوا السيد بقيمته في آخر نجومه ويسعون فيما بقي، وإن أوفى ذلك بالكتابة عتقوا. وإن كان فضل أخذوه بينهم بالميراث، كانوا ممن كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة.
وكذلك إن قتله أجنبي فأخذ السيد قيمته، فليقاص ولده بها كما وصفنا. ولو شجه السيد موضحة، فليقاصه في آخر نجومه بنصف عشر قيمته، الجناية حالة للقائم بها، وإلا رق وخير سيده، فإما فداه، أو أسلمه ورد معه ما اقتضى من نجم بعد الجناية، ولا يحبس ذلك إذا أسلمه.
4160 - وإذا مات مكاتب وترك مالاً، وعليه دين وجناية خطأ، فأهل الدين أولى بماله، لأن الجناية في رقبته والدين في ماله، فإن فضل من ماله شيء، كان لأهل الجناية حتى يستوفوا الجناية. وإن مات ولا دين عليه فأهل الجناية أولى بماله من سيده، إلا أن يدفع إليهم السيد الأرش، والعبد مثله، وإن مات ولم يترك مالاً، بطلت الجناية والدين.
4161 - وإن كان على المكاتب دين [وجناية]، ومعه ولد حدثوا في الكتابة، لم يلزم الولد دينه، وتلزمه الجناية في حياة الأب إن لم يقدر عليها الأب، فإن لم يؤدها الابن عجّز.
قال غيره: وكذلك الدين إن لم يؤده الولد عجز، إذ لا تؤدى كتابة قبل دين، قالا: فإن عجز أسلم السيد الجاني وحده أو فداه، والدين باق في ذمته.
قال غيره: ولو أدى الولد الدين أو الجناية وعتقا، لم يرجع على أبيه بشيء.
مكاتباً على حاله في أدائه وقوته. وكذلك إن جرحه فليحسب له ذلك في آخر كتابته.
وكذلك المكاتبة تلد ولداً في كتابتها فيقتله السيد، فإنه يغرم قيمته، فإن كان فيه وفاء بالكتابة، كان قصاصاً، وإن كان فيه فضل عن الكتابة، أخذت الأم من ذلك الفضل قدر مورثها.
4162 - وكذلك إن قتل المكاتب ومعه في الكتابة أبواه وولده لعجل السيد قيمته، فيحسب من آخر النجوم، فإن أوفت بالكتابة، عتقوا فيها ولا تراجع بينهم، وإن كان في القيمة فضل، فهو لورثته الذين معه في الكتابة ميراثاً. وكذلك لو كان السيد هو الجاني.
وليس لغرماء المكاتب أو العبد في قيمتهما إذا قُتلا شيء، قتلهما أجنبي أو السيد، ولا في شيء من قبل رقبتيهما من نفس أو جرح، كما لا يدخلون في ثمن العبد إن بيع، والدين [باق] في ذمتهما، وعلى قاتل المكاتب، قيمته عبداً مكاتباً في قوة مثله على الأداء وصفته، ولا ينظر إلى قلة ما بقي عليه وكثرته، حتى لو بقي عليه دينار فقط، وآخر لم يؤد شيئاً، فقتلهما رجل وكانت قوتهما على الأداء سواء [وقيمة رقابهما سواء]، فقيمتهما متفقة، وإن تفاضلت قيم الرقاب خاصة وقوة الأداء واحدة، فقيمتهما مختلفة، وغنما يقوم على قدر قوته على الأداء مع قيمة رقبته. وفي كتاب المكاتب ذكر من وضع عن مكاتبه ما عليه في المرض.
4163 - ومن كاتب عبده وأمته - وهما زوجان في كتابة - فحدث بينهما ولد، ثم جنى على الولد ما قيمته أكثر من الكتابة، فللسيد تعجيل الكتابة من ذلك ويعتقون، وما فضل فللولد ولا يرجع على أبويه بما عتقا به.
وأما ما اكتسب الابن فهو له، وعليه أن يسعى معهما ويؤدي في الكتابة على قدر قوته وأداء مثله، وليس للأبوين أن يأخذا ماله إلا أن يخافا العجز، فلهما أن يؤديا الكتابة من مال الولد. وكذلك إن كان للأبوين مال وخاف الولد العجز، فإن الكتابة تؤدى من مال الأبوين، وليس للأبوين أن يعجزا أنفسهما إذا كان لهما مال ظاهر، وكذلك الولد، ولا يرجع بعضهم على بعض بشيء مما أدى عن صاحبه. وفي كتاب المكاتب إيعاب هذا.
4164 - وإذا مات مكاتب وترك ولداً لا سعاية فيهم رقوا مكانهم، إلا أن يكون فيما ترك ما يؤدي عنهم نجومهم، إلا أن يبلغوا السعي فيفعل ذلك بهم، أو يترك ولداً ممن يسعى فيدفع المال إليهم، فإن لم يقووا ومعهم أم ولد للأب، دفع إليها إن لم يكن فيه وفاء ولها أمانة وقوة على السعي، فإن لم يكن فيها ذلك وكان في المال مع ثمنها إن بيعت كفاف الكتابة، بيعت وأديت الكتابة وعتق الولد. أو يكون في ثمنها مع المال ما يؤدي إلى بلوغ الولد السعي، فإن لم يكن ذلك رقوا أجمعون مكانهم.
قال مالك - رحمه الله - : لا اختلاف عندنا أن ما جني على المكاتب كجناية عبد، وأن ذلك يتعجله السيد، ويحسب عليه من آخر النجوم، لحجته أن يعجز العبد فيرجع إليه معضوباً.
4165 - وإذا جنى عبد المكاتب، فله أن يسلمه أو يفديه على وجه النظر، والمكاتب إذا قتله عبده فللسيد أن يقتص منه في النفس والجراح بأمر الإمام، كعبدين له، إلا أن يكون مع المكاتب ولد في كتابته، فيصير له مثل ما للسيد من الحجة في النفع بماله، فإن اجتمع هو وهم على القصاص، قتلوا، ومن أبى ذلك من سيد أو ولد فلا قتل للثاني.
ثم إن صار العبد للولد بالأداء أو للسيد بالعجز، لم يكن لمن كان عفا عنه منهم أن يقتله إن صار إليه. وإن صار لمن كان أراد القتل من ولد أو سيد، فله أن يقتل.
وإذا قتل المكاتب رجلاً عمداً، فعفا الأولياء على استرقاقه، بطل القتل وعادت كالخطأ، وقيل للمكاتب: أد الدية حالة، فإن عجز عن ذلك خير السيد بين إسلامه أو افتدائه [بالدية]، وكذلك العبد إذا قتل رجلاً عمداً، فعفا عنه الأولياء على أن يكون لهم، فسيده يخير كما ذكرنا.
4166 - وإذا جنى مكاتب على عبد لسيده، أو على مكاتب آخر لسيده وهو معه في كتابة أو ليس معه في الكتابة، فعليه تعجيل قيمته للسيد، فإن عجز رجع رقيقاً وسقط ذلك عنه، وكذلك ما استهلك له، لأنه أحرز ماله، بخلاف العبد يجني على السيد، لأن العبد لو استهلك مالاً لسيده، لم يلزمه غرمه.
4167 - ومن كاتب عبدين له في كتابة، فقتل أحدهما الآخر عمداً أو خطأ - وهما أخوان أو أجنبيان - فللسيد أخذ القيمة في الخطأ، ويُخيّر في العمد بين أن يقتص أو يعفو على أخذ القيمة، فإن أخذها في عمد أو خطأ وفيها وفاء للكتابة، عتق بها الجاني وأتبعه السيد بحصة ما عتق به منها في عمد أو خطأ، كان أخاً أو أجنبياً، ولا أتهم الجاني أن يكون أراد تعجيل العتق بالقيمة التي أدى، إذا كان على أدائها قادراً قبل العتق، ويعتق بها.
فأما إن لم يكن للجاني مال، أو كان معه أقل من القيمة وللمقتول مال، فلا أعتقه فيما ترك المقتول إن قتله عمداً، إذا استحيى، للتهمة على تعجيل العتق ههنا ويكون عليه قيمة المقتول، فإن كان كفاف الكتابة، عتق وأتبعه السيد بما ينوبه منها وإلا عجز.
وإن أداها ولم تف بالكتابة، أخذها السيد وحسبها له في آخر الكتابة، وسعى هذا القاتل فيما بقي، فإن أدى وعتق، رجع عليه السيد بما كان حسبه له من القيمة في حصته من الكتابة.
وإن كان القتل خطأ عتق القاتل في تركه المقتول، كان أخاً أو أجنبياً، لأنه لا تهمة عليه، إلا أن السيد يرجع على الأجنبي بما أدى عنه من المال الذي تركه المكاتب وبقيمة المقتول أيضاً، ولا يرجع السيد على الأخ بما عتق من التركة، لأن أخاه لم [يكن] يرجع عليه لو أدى عنه، ويرجع عليه بقيمة أخيه، لأن الأخ لا يرث من القيمة.
4168 - والمكاتب إذا قتله أجنبي فأدى قيمته، عتق فيها من كان في الكتابة، ولا يرجع عليه بشيء إذا كان ممن لا يجوز له ملكه.
4169 - وإذا جنى أحد المكاتبين في كتابة، فعجز عن الغرم، فإن لم يؤد من معه في الكتابة الأرش حالاً عجزا وإن لم يحل شيء من نجومها، وخير السيد في الجاني وحده، ولو أدى الذي معه الأرش ثم عتقه رجع به عليه إلا أن يكون ممن يعتق عليه، [فلا يرجع عليه] كأدائه عنه الكتابة.
4170 - وإذا قتلت مكاتبة ولدها عمداً، لم تقتل به، ولا يقاد ن الأبوين إلا في مثل أن يضجعه فيذبحه.
وليس للمكاتب أن يعفو عن قات لعبده عمداً أو خطأ، على غير شيء إن منعه سيده، لأنه معروف صنعه، لأن للسيد أن يمنعه من هبة ماله ومن صدقته، ويخير سيد الجاني بين فدائه، أو إسلامه رقاً للمكاتب. ولو طلب هو أن يقتص وعفا سيده على أخذ قيمة العبد، فذلك للسيد دونه إلا أن يعجل المكاتب كتابته، فيتم له ما يشاء من عفو أو قصاص.
4171 - وإذا قتل السيد مكاتباً لمكاتبه أو عبداً، غرم له قيمته معجلة ولم يقاصه بها في كتابته، لأنه جنى على مال له لا على نفسه، فإن كان للمكاتب الأسفل ولد في كتابته فللمكاتب الأعلى تعجيل تلك القيمة من سيده ويأخذها قصاصاً من آخر كتابة المقتول، ويبقى ولد المقتول فيما بقي، وإن كانت كفافاً عتقوا، وإن كان فضلاً ورثوه.
4178 - ومن عجل عتق عبده أو عتق مكاتبه، وكتب عليهما مالاً يدفعانه إليه وثبتت حريتهما، ثم ماتا أو أفلسا، لم يدخل السيد مع الغرماء، ولا يكون له إلا ما فضل بعد الدين.
وليس للسيد أن يفلس مكاتبه إلا عند محل النجم، فينظر في حال العبد في العجز والأداء.
4179 - وإذا ولدت المكاتبة بعد أن جنت ثم ماتت، فلا شيء على الولد. وكذلك الأمة إذا ولدت بعد الجناية ثم ماتت، فلا شيء على الولد ولا على السيد، ولو لم تمت لم تكن الجناية إلا في رقبتها، و يكون ولدها في جنايتها، ولدتهم قبل الجناية أو بعدها. وبالله التوفيق.
* * *
(كتاب الجراح)(1)
__________
(1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (ص488)، والتقييد (6/332)، والمقدمات لابن رشد (286).
4180 - قال مالك - رحمه الله - : شبه العمد باطل لا أعرفه، وإنما هو عمد أو خطأ، ولا تغلظ الدية [إلا] في مثل ما فعله المدلجي بابنه، فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة حذفه بها أو بغيرها، مما يقاد من غير الولد فيه، فإن الأب يدرأ عنه القود وتغلظ عليه الدية وتكون في ماله حالة، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة.
[قال ابن القاسم:] [وهي التي] في بطونها أولادها، لا تبالي من أي الأسنان كانت، ولا يرث الأب في هذا من مال الولد ولا من ديته شيئاً، لأنه من العمد لا من الخطأ. ولو كان من الخطأ لحملته العاقلة وورث من ماله لا من ديته، والأم في ذلك بمنزلة الأب، وتغلظ الدية على أب الأب كالأب، وكذلك الأب يجرح ولده أو يقطع شيئاً من أعضائه، أو كحال ما صنع المدلجي، فإن الدية تغلظ فيه وتكون في مال الأب حالة، كان أقل من ثلث الدية أو أكثر، ولا تحمله العاقلة.
قال مالك: ولو أضجع رجل ابنه فذبحه ذبحاً، أو شق بطنه مما يعلم أنه تعمد القتل، أو صنعت ذلك والدة بولدها، ففيه القود، إلا أن يعفو من له العفو أو القيام، وقد قال غيره: إنه لا يقاد منه في هذا أيضاً.
ولا تغلظ الدية في أخ، [ولا زوجة]، ولا زوج، ولا واحد من القرابات.
ولا تغلظ الدية في الشهر الحرام، ولا على من قتل خطأ في الحرم.
وتغلظ الدية على أهل الذهب والورق، فينظر كم قيمة أسنان دية المغلظة، وكم قيمة أسنان دية الخطأ، وهي: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، فينظر كم زادت قيمة المغلظة على قيمة أسنان دية الخطأ، ثم ينظر كم ذلك الزائد من قيمة أسنان دية الخطأ، فإن كان قدر ربعها، كان له دية وربع. وكذلك ما قل أو كثر من الأجزاء، ولم يمض في هذا توقيت، ولكن ينظر فيه في كل زمان، فيزاد في الدية بقدر ما بين القيمتين.
4181 - ومن تعمد ضرب رجل بلطمة، أو بلكزة، أو ببندقة، أو بحجر، أو بقضيب، [أو بعصا، أو بغير ذلك]، ففي ذلك كله القود إن مات من ذلك.
قال مالك - رحمه الله - : ومن العمد ما لا قود فيه، كالمتصارعين، أو يتراميان على وجه اللعب، [أو يأخذ برجله على وجه اللعب] فيموت من ذلك، ففي هذا كله دية الخطأ على العاقلة أخماساً.
ولو تعمد هذا على وجه القتال فصرعه فمات، أو أخذ برجله فسقط فمات، كان [له] في ذلك القصاص.
4182 - وفي الأنف الدية كاملة، قُطع من المارن أو من أصله كالحشفة، فيها الدية [كاملة]، كما في استئصال الذكر.
وإذا قطع بعض الحشفة، فمن الحشفة يقاس لا من أصل الذكر، فما نقص منها، ففيه بحسابه من الدية.
وكذلك ما قطع من الأنف، إنما يقاس من المارن لا من أصله، ألا ترى أن اليد إذا قطعت من المنكب تم عقلها، وإن قطع منها أنملة، فإنما فيها بحساب الأصبع.
مالك: ومن خرم أنف رجل أو كسره خطأ، فبرئ على غير عثل، فلا شيء عليه، وإن برئ على عثل ففيه الاجتهاد.
وقال سحنون: ليس فيه اجتهاد، لأن الأنف قد جاء فيه فرض مسمى، فإذا برئ على عثل، كان فيه بحساب ما نقص من ديته، لأن العثل نقص.
4183 - قال مالك - رحمه الله - : وكل نافذة في عضو من الأعضاء إذا برئ ذلك وعاد لهيئته على غير عثل فلا شيء فيه. وإن برئ على عثل ففيه الاجتهاد، وليس العمل عند مالك على ما قيل: إن في كل نافذة في عضو ثلث دية ذلك العضو، وليس كالموضحة تبرأ على غير عثل، وينبت الشعر في موضع الشجة فيكون فيها ديتها، وذلك نصف عشر الدية، لأن الموضحة فيها دية مسماة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس في خرم الأنف عقل مسمى.
وفي موضحة الخدّ، عقل الموضحة.
وليس الأنف واللحي الأسفل بمن الرأس] في جراحهما، لأنهما عظمان منفردان، وإنما في موضحة ذلك الاجتهاد.
وليس فيما سوى الرأس من الجسد إذا أوضح عن العظم، عقل الموضحة.
وموضحة الوجه والرأس إذا برئت على شين، زيد في عقلها بقدر الشين، ولم يأخذ مالك بقول سليمان بن يسار في موضحة الوجه أنه يزاد لشينها ما بينها وبين نصف عقلها، وعظم الرأس من حيث ما أصابه فأوضحه، فهو موضحة، وكل ناحية منه سواء، وحد ذلك منتهى الجمجمة، فإن أصاب أسفل من الجمجمة، فذلك من العنق لا موضحة فيه، والموضحة والمنقلة لا تكون إلا في الوجه والرأس.
وحد الموضحة [ما أفضى] إلى العظم، ولو قدر إبرة.
وحد المنقلة ما أطار فراش العظم وإن صغر.(1)
ولا تكون المأمومة إلا في الرأس، وهي ما أفضى إلى الدماغ ولو بمدخل إبرة.
وحدّ الجائفة: ما أفضى إلى الجوف ولو بمدخل إبرة.
وإذا نفذت الجائفة [فقد اختلف فيها قول مالك، وأحب إلي أن يكون فيها ثلثا الدية].
4184 - وإذا قطع اللسان من أصله، ففيه الدية كاملة، وكذلك إن قطع منه ما منع الكلام، وإن لم يمنع من الكلام شيئاً، ففيه الاجتهاد بقدر شينه إن شانه، وإنما الدية في الكلام لا في اللسان، بمنزلة الأذنين، إنما الدية في السمع لا في الأذنين.
وإن قطع من لسانه ما ينقص من حروفه، فعليه بقدر ذلك، ولا يحسب فيما نقص الكلام على عدد الحروف، فرب حرف أثقل من حرف في المنطق، لكن بالاجتهاد في قدر ما نقص من كلامه.(2)
وفي اللسان القود إذا كان يستطاع القود منه، ولم يكن متلفاً، مثل: الفخذ والمنقلة والمأمومة وشبه ذلك، وإن كان متلفاً لم يقد منه.
ومن قطعت حشفته فأخذ الدية، ثم قطع عسيبه، ففيه الاجتهاد، وينتظر بالمقطوع حشفته حتى يبرأ، لأن مالكاً، قال: لا يقاد من جراح العمد ولا يعقل الخطأ إلا بعد البرء.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/316)، والتاج والإكليل (6/246).
(2) انظر: المدونة الكبرى (16/310)، والتاج والإكليل (6/262).
وإن طلب المقطوع الحشفة تعجيل فرض الدية، إذ لا بد [له] منها، مات أو عاش لم يكن له ذلك، ولعل أنثييه أو غيرهما تذهبان من ذلك. وكذلك إن أوضحه فأراد تعجيل دية الموضحة، فلا يعجل له شيء، إذ لعله يموت فتكون فيه القسامة. وكذلك إن ضرب مأمومة خطأ، فالعاقلة تحملها مات أو عاش، ولكن لا يعجل له شيء حتى يبرأ، لأنه لو مات منها لم تجب الدية إلا بقسامة، فإن أبى ورثته أن يقسموا، كان على العاقلة ثلث [الدية] لمأمومته، وإنما في هذا الإتباع.
قال: وقد سمعت أهل الأندلس سألوا مالكاً عن اللسان إذا قطع، وزعموا أنه ينبت، فرأيت مالكاً يصغي إلى أنه لا يعجل له حتى ينظر إلى ما يصير [إليه]، إذا كان القطع قد منعه الكلام. قلت: في الدية أو في القود؟ قال: في الدية.
4185 - قال مالك - رحمه الله - : في الصلب الدية.(1)
قال ابن القاسم: وذلك إذا أقعد عن القيام، مثل اليد إذا شلت، وإن مشى وقد برئ على حُدب أو عثل، ففيه الاجتهاد، والصلب إذا كسر خطأ فبرئ على هيئته، فلا شيء فيه، وكذلك كل كسر خطأ يبرا ويعود لهيئته، فلا شيء فيه، إلا أن يكون عمداً يستطاع فيه القصاص، فإنه يقتص منه وإن كان عظماً، إلا في المأمومة والجائفة والمنقلة وما لا يستطاع أن يقتص منه، فليس في عمد ذلك إلا الدية مع الأدب.
قال مالك: وفي عظام الجسد القود، مثل الهاشمة، إلا ما كان مخوفاً مثل الفخذ وشبهه، فلا قود فيه.
قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمة في الرأس، فلا قود فيها، لأني لا أجد هاشمة تكون في الرأس إلا كانت منقلة.
ولا قصاص في الصلب والفخذ، و[لا في] عظام العنق.
وفي كسر أحد الزندين - وهما قصبتا اليد - القصاص.
وإن كان خطأ، فلا شيء فيه إلا أن يبرأ على عثل، فيكون فيه الاجتهاد، وفي كسر الذراعين والعضدين والساقين والقدمين والكفين والأصابع، القصاص.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/312)، والتمهيد (17/340)، وشرح الزرقاني (4/217).
وفي كسر الضلع، الاجتهاد إذا برئ على عثل، وإن برئ على غير عثل فلا شيء فيه، وإن كسر عمداً، فهو كعظام الصدر إن كان مخوفاً كالفخذ، فلا قود فيه، وإن كان مثل اليد والساق، ففيه القصاص.
وفي الترقوة إذا كسرت عمداً، القصاص، لأن أمرها يسير لا يخاف منه.
وإذا كسرت خطأ، ففيها الاجتهاد إذا برئت على عثل، وإذا برئت على غير عثل فلا شيء فيها.
وكذلك اليد والرجل وجميع عظام الجسد، إذا كسرت خطأ فبرئت على غير عثل، فلا شيء فيها.
وإذا قطعت [اليد] من أصل الأصابع أو المنكب، فقد تم عقلها، وذلك على العاقلة في الخطأ، وإن كان عمداً، ففي ذلك القصاص، ويقتص في اليد من المنكب.
والأنف إذا كسر عمداً، اقتص منه، فإن برئ الجاني على مثل حال المجني عليه أو أكثر، فقد مضى، وإن كان في الأول عثل وبرئ المقتص منه على غير عثل أو على عثل دون عثل الأول، اجتهد للأول من الحكومة على قدر ما زاد [في] شينه، وهذا مثل اليد، وأما الباضعة والملطا والدامية والسمحاق، وشبه ذلك مما يستطاع منه القود، ففيه القود في العمد مع الأدب.
وفي كل عمد القصاص مع الأدب، وإن كان ذلك خطأ، فلا شيء فيه إذا برئ على غير عثل، وإن برئ على عثل، ففيه الاجتهاد.
4186 - وفي العقل الدية.
وليس في الأذنين إذا اصطُلمتا أو ضربتا فتشدخت، إلا الاجتهاد.
وفي الأذنين [الدية] إذا ذهب السمع، اصطلمتا أو بقيتا.
ومن طرحت سنه عمداً فردها فثبتت، فله القود فيها، والأذن كذلك. ولو رد السن في الخطأ فثبتت، لكان له العقل.
وفي كل سن خمس من الإبل، والأضراس والأسنان سواء. وفي السن السوداء خمس من الإبل كالصحيحة، إلا أن تكون تضطرب اضطراباً شديداً، فليس فيها إلا الاجتهاد. وإن كانت سن أو ضرس مأكولة قد ذهب بعضها، فقلعها رجل عمداً أو خطأ، ففيها على حساب ما بقي، لأنها غير تامة، وليس في جفون العين وأشفارها إلا الاجتهاد.
وفي حلق الرأس إذا لم ينبت، الاجتهاد. وكذلك اللحية.
وليس في [عمد] ذلك قصاص. وكذلك الحاجبان إذا لم ينبتا.
وفي الظفر القصاص، إلا أن يقلع خطأ، فلا شيء فيه إذا برئ وعاد لهيئته. وإن برئ على عثل، ففيه الاجتهاد.
4187 - ومن ضرب عين رجل خطأ، فانخسفت، أو ابيضت، أو ذهب بصرها - وهي قائمة - ففيها ديتها، وإن كان ذلك عمداً فانخسفت العين، خُسفت عينه. وإن كان يستطاع القود من البياض في العين القائمة، أقيد وإلا فالعقل.
ومن ضرب عين رجل فنزل فيها الماء وابيضت، فأخذ فيها الدية ثم برئت، فليرد الدية.
قال: وينتظر بالعين سنة، فإن مضت السنة والعين منخسفة لم تبرأ، فلينتظر برؤها، ولا يكون قود ولا دية إلا بعد البرء وإن ضربت فسال دمعها، انتظرها سنة، فإن لم يرق دمعها، ففيها حكومة.
ومن ضرب يد رجل أو رجله فشلت، فقد تم عقلها، وإن كانت الضربة عمداً، فإن الضارب يضرب مثله قصاصاً، فإن شلت يده وإلا كان العقل في ماله دون العاقلة.
4188 - ولا يُمكّن بالذي] له القود في الجراح أن يقتص لنفسه، ولكن يقتص له من يعرق القصاص، وأما في القتل، فإنه يدفع إلى ولي المقتول [فيقتله]، وينهى عن العبث عليه.
وفي شلل الأصابع ديتها كاملة، ثم إن قطعت هذه الأصابع عمداً بعد ذلك أو خطأ، ففيها حكومة، ولا قود في عمدها.
وفي الأنثيين إذا أخرجهما أو رضهما، الدية كاملة. قيل: فإن أخرجهما أو رضهما عمداً؟ قال: قال مالك - رحمه الله - : في الأنثيين القصاص، ولا أدري ما قول مالك في الرض، إلا أني أخاف أن يكون رضهما متلفاً، فلا قود فيها. وكذلك كل ما علم أنه متلف، فلا قود فيه.
وإن قطعت الأنثيان مع الذكر، ففي ذلك ديتان، وإن قطعتا قبل الذكر أو بعده ففيهما الدية، وإن قطع الذكر قبلهما أو بعدهما، ففيه الدية.
ومن لا ذكر له ففي أنثييه الدية، [وإن قطع الذكر قبلهما أو بعدهما، ففيه الدية، ومن لا ذكر له، ففي أنثييه الدية]، ومن لا أنثيين له، ففي ذكره الدية.
والبيضتان عند مالك سواء، اليمنى واليسرى في كل واحدة منهما نصف الدية، [وكذلك الشفتان، في كل واحدة منهما نصف الدية]: كانت السفلى أو العليا. ولم يأخذ مالك بقول ابن المسيب: إن في السفلى ثلثي الدية.
وأليتا الرجل والمرأة فيهما حكومة.
وليس في ثدي الرجل إلا الاجتهاد. وأما ثديا المرأة، ففيهما الدية، وإن قطع حلمتيها، فإن كان قد أبطل مخرج اللبن أو أفسده، ففيه الدية.
وإن قطع ثديا الصغيرة، فإن استُيقن أنه قد أبطلهما فلا يعودان أبداً، ففيهما الدية، وإن شك في ذلك وضعت الدية واستؤني بها كبر الصبية، فإن نبتتا فلا عقل لهما، وإن لم تنبتا أو انتظرت، فيبست أو ماتت قبل أن يعلم بذلك، ففيهما الدية.
وفي المفصلين من الإبهام، عقل الأصبع تام. وفي كل مفصل، نصف عقل الأصبع.
ومن قطعت إبهامه فأخذ دية الأصبع، ثم قطع رجل بعد ذلك العقد الذي بقي من افبهام في الكف، فليس فيه إلا حكومة. وإذا لم يكن في الكف أصبع، فعلى من قطعها أو بعضها حكومة عدل، ومن قطعت له أصبعان بما يليهما من الكف، ففيهما خمسا دية الكف، ولا حكومة له مع ذلك.
4189 - قال مالك - رحمه الله - : ولا يؤخذ في الدية إلا الإبل والدنانير والدراهم، وتؤخذ في ثلاث سنين، كانت إبلاً أو ذهباً أو ورقاً. وثلث الدية في سنة. وإن كان أقل من ثلث، ففي مال الجاني حال.
وثلثا الدية في سنتين، وأما نصفها، فقال فيه مالك مرة: تؤخذ في سنتين، وقال [أيضاً]: يجتهد فيه الإمام إن رأى أن يجعله في سنتين، أو في سنة ونصف فعل.
[قال] ابن القاسم: [في] سنتين أحب إلي، لما جاء أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو في أربع.
قال: وثلاثة أرباعها في ثلاث سنين.
قال: وفي خمسة أسداسها يجتهد الإمام في السدس الباقي.
4190 - قال مالك - رحمه الله - في كتاب الديات: إنما قوم عمر الدية على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق إثنا عشر ألف درهم، حين صارت أموالهم ذهباً وورقاً، وترك دية الإبل على أهلها على حالها.(1)
قال مالك - رحمه الله - : فأهل الذهب أهل الشام ومصر، وأهل الورق أهل العراق، وأهل الإبل أهل البادية والعمود.
ولا يقبل من أهل صنف من ذلك، صنف من غيره. ولا تقبل في الدية بقر ولا غنم ولا عروض.
4191 - والمرأة تعاقل لرجل في الجراح إلى ثلث الدية لا تستكمله، فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها، وتفسير ذلك أن لها في ثلاثة أصابع ونصف أنملة، أحداً وثلاثين بعيراً وثلثي بعير، وهي والرجل في هذا سواء، فإن أصيب منها ثلاثة أصابع وأنملة رجعت إلى عقلها، فكان لها في ذلك ستة عشر بعيراً وثلثا بعير.(2)
وكذلك مأموتها وجائفتها إنما لها في كل واحدة منها ستة عشر بعيراً وثلثا بعير، وإن قطع لها أصبع، ففيه عشر من الإبل، وكذلك في ثان وثالث، ولو قطع لها ثلاثة أصابع معاً من كف واحدة، فلها ثلاثون من الإبل، ثم إن قطع لها من تلك اليد الأصبعان الباقيان في مرة أو مرتين، فإن في كل أصبع خمساً من الإبل.
__________
(1) انظر: الموطأ لمالك (2/850).
(2) انظر: الموطأ (2/854)، وشرح الزرقاني (4/222)، والتاج والإكليل (6/264)، والفواكه الدواني (2/190).
ولو قطع من يدها ثلاثة أصابع، فأخذت ثلاثين بعيراً، ثم قطع لها من اليد الأخرى أصبع أو أصبعان أو ثلاثة، في مرة أو مرتين، لابتدأ فيها الحكم كالأول، فيكون لها في الثلاثة الأصابع ثلاثون بعيراً. وإذا قطع لها أصبعان من كل يد في ضربة [واحدة]، كان لها عشرون بعيراً، ثم إن قطع لها من إحدى اليدين أصبع، أخذت عشراً من الإبل، فإن قطع من اليد الأخرى أصبع، ففيها عشر. وكذلك لو قطع هذان الصبعان من اليدين، معاً ففيهما عشرون من الإبل، فما زاد بعد ثلاثة أصابع من كل كف، ففي كل أصبع خمس خمس، كان القطع معاً أو متفرقاً.
وإن قطع لها ثلاثة أصابع من يد، وأصبع من الأخرى في ضربة، أخذت خمساً خمساً، ثم إن قطع من اليد المقطوع منها الثلاثة [أصابع، أصبع] رابع، ومن اليد الأخرى أصبع أو أصبعان، أخذت في الرابع من إحدى اليدين خمسة أبعرة، وفي الأصبع أو الأصبعين من اليد الأخرى عشرة عشرة، افترق القطع أو كان ذلك كله في ضربة واحدة، ما لم يقطع لها من اليدين في ضربة واحدة أربعة أصابع، وكذلك رجلاها على ما فسرنا في اليدين.
قال ابن القاسم: ولو قطع لها أصبعان عمداً، فاقتصت أو عفت، ثم قطع من تلك الكف أصبعان أيضاً خطأ، فلها فيهما عشرون بعيراً، وإنما يضاف بعض الأصابع إلى بعض في الخطأ، ولو ضربها منقلة، ثم منقلة فلها في ذلك ما للرجل إذا لم يكن في فور واحد، وكذلك لو كانت المنقلة الثانية في موضع الأولى نفسه بعد برئها، فلها فيها مثل ما للرجل، وكذلك المواضح.
ولو أصابها في ضربة بمواضح أو نواقل تبلغ ثلث الدية، رجعت فيها إلى عقلها.
4192 - وفي لسان الأخرس الاجتهاد. قيل: كم في الرجل العرجاء؟ قال: العرج مختلف، وما سمعت [من مالك] فيه شيئاً، إلا أني سمعته يقول: كل شيء أصيب من الإنسان فانتقص، ثم أصيب بعد ذلك الشيء، فإنما له بحساب ما بقي من ذلك العضو.
4193 - قال مالك: وما كان من خلقة خلقها الله عز وجل، لم ينْقُص منه شيء، مثل استرخاء البصر، أو العين الرمدة يضعف بصرها، أو ضعف في يد أو رجل، إلا أنه يبصر بالعين ويسمع بإذنه ويمشي برجله ويبطش بيده، ففي هؤلاء الدية كاملة. وكذلك الذي يصيبه أمر من السماء، مثل العِرْق يضرب في رجل الرجل فيصيبه منه عرج أو رمد، غلا أنه يمشي على الرجل، ويبصر بالعين وقد مسها ضعف، ففيها إن أصيبت الدية كاملة، ولو كان ضعف هذه العين أو اليد أو الرجل بجناية خطأ، أخذ فيها عقلاً ثم أصيبت بعد ذلك، فإنما له ما بقي من العقل.
قال ابن القاسم: فالعرج عندي مثل هذا.
4194 - وقال مالك في باب بعد هذا، في العين يصيبها الرجل بالشيء ينتقص بصرها، أو اليد فيضعفها ذلك وبصرها قائم واليد يبطش بها ولم يأخذ لها عقلاً، فعلى من أصابها بعد ذلك العقل كاملاً، وذلك أن في السن السوداء إذا أصيبت العقل تاماً. قيل لمالك: فإن أخذ لنقص اليد والعين شيئاً؟ قال: ذلك أشكل، أي ليس له إلا ما بقي، ويقاص بما أخذ.
قال ابن القاسم: وقد قال لي [مالك] قبل: إن هذا ليس له [إلا على حساب] ما بقي.
قال ابن القاسم: ولو أصيبت يد رجل أو عينه خطأ، فضعفت فأخذ لها عقلاً إلا أنه يبطش باليد ويعمل بها ويبصر بالعين، ثم أصابها بعد ذلك رجل عمداً، ففيها القصاص بخلاف الدية.
مالك: وفي العين القائمة الاجتهاد. ولم يأخذ مالك بما ذكر عن زيد أن فيها مائة دينار.
وإن كانت السن سوداء أو حمرا أو صفراء، فأسقطها رجل، ففيها العقل كاملاً، والسوداء أشد. قيل: فإن ضربه فاسودت أو احمرت أو اصفرت أو اخضرت؟ قال: إذا اسودت فقد تم عقلها، وإذا كان سائر ذلك كالسواد تم عقلها إلا فعلى حساب ما نقص.
وإن ضربت السن فتحركت، فإن كان اضطراباً شديداً تم عقلها، وإن كان تحريكاً خفيفاً، عقل لها بقدر ذلك، والسن الشديدة الاضطراب ينتظر بها سنة.
4198 - وإذا ذهبت أصبع من الكف بأمر من الله عز وجل، أو بجناية وقع فيها قصاص وعقل، ثم أصيبت الكف خطأ، ففيها أربعة أخماس دية اليد، ولو ذهب منها أنملة قد اقتص منها لقوصص بها في دية الكف.
ومن قطع كفاً خطأ وقد ذهب بعض أصابعها، فإنما عليه بحساب ما بقي من الأصابع في الكف، فإن لم يسبق في الكف إلا أصبع واحدة، فعليه في الأصبع ديتها، واستحسن في الكف حكومة.
ومن قطع كف رجل عمداً، وقد ذهب منها أصبعان أو ثلاثة بأمر من الله تعالى، أو بجناية وقع فيها القصاص أو عقل، لم يقتص منه، ولكن عليه العقل في ماله، ولو ذهب منها أصبع واحدة، قطعت يده قصاصاً عنها كانت الإبهام مقطوعة أو غيرها.
ومن قطع يمين رجل عمداً ولا يمين له، فديتها في ماله لا على العاقلة، فإن كان عديماً ففي ذمته، ولا تغظ عليه الدية كدية العمد إذا قبلت. وعقل المأمومة والجائفة عمداً على العاقلة، كان للجاني مال أو لم يكن، وعليه ثبت مالك وبه أقول. وكان قد قال مالك: إنه في ماله، إلا أن يكون عديماً فتكون على العاقلة ثم رجع. والفرق بين ذلك وبين اليدين، أن الجائفة والمأمومة موضعهما قائم لا قود فيها.(1)
4199 - قال مالك: وكل ما يجنيه عمداً، فلا يقتص منه [و]في جسده مثله، فعقل ذلك على العاقلة، وعلى الجانب الأدب، وكذلك في المأمومة والجائفة. وكذلك ما لا يستطاع منه القود إذا بلغت الحكومة فيه ثلث الدية.
وأما ما ذهب من جسد الجاني، ولو كان قائماً لاقتص منه، فعقل ذلك في ماله أو في ذمته في عدمه.
ولا تحمل العاقلة أقل من الثلث، وإنما تحمل الثلث فصاعداً إذا كان خطأ.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/324)، والتاج والإكليل (6/248).
4500 - ومن شج رجلاً ثلاث مأمومات في ضربة واحدة ففيها الدية كاملة، فإن شجه ثلاث منقلات في ضربة واحدة حملتها العاقلة، لأن هذا يبلغ أكثر من الثلث، وإن كان ذلك في ثلاث ضربات، وكان ضرباً متتابعاً لم يقلع عنه، فهو كضربة واحدة تحملها العاقلة، وإن كان مفترقاً في غير فور واحد لم تحمله العاقلة.
ومن طرح سن صبي لم يثغر خطأ، وقف [عليه] عقله بيد عدل، فإن عادت لهيئتها، رجع العقل إلى صاحبه، وإن لم تعد أعطي العقل كاملاً، وإن مات الصبي قبل أن تنبت سنه، فالعقل لورثته، وإن نبتت أصغر من قدرها الذي قلعت منه، كان له من العقل بقدر ما نقصت.
ولو قُلعت عمداً، وقف له العقل أيضاً، ولا يعجل بالقود حتى يستبرأ أمرها، فإن عادت لهيئتها، فلا عقل فيها ولا قود، وإن عادت أصغر من قدرها، أعطي ما نقصت، فإن لم تعد لهيئتها حتى مات الصبي، اقتص منه وليس فيها عقل، وهو بمنزلة ما لم ينبت.
* * *
(كتاب الديات)(1)
4195 - ودية اليهودي [والنصراني]، مثل دية نصف الحر المسلم، ودية نسائهم على النصف من دية رجالهم، ودية المجوسي ثمان مائة درهم، والمجوسية أربع مائة درهم، وجراحهم من دياتهم على قدر جراح المسلمين من دياتهم.
وإن قتل مسلم ذمياً خطأ، حملت عاقلته الدية في ثلاث سنين.
والديات كلها: دية المسلم والمسلمة، والذمي الذمية، والمجوسي والمجوسية، إذا وقعت تحملها العاقلة في ثلاث سنين، فإن جنى مسلم على مجوسية خطأ ما يبلغ ثلث ديتها، أو ثلث ديته، حملته عاقلته، [وكذلك لمن جنى على مسلمة ما يبلغ ثلث ديتها، حملته عاقلته،] مثل أن يقطع لها أصبعين، فتحمل ذلك عاقلته، لأن ذلك أكثر من ثلث ديتها.
ولو جنت امرأة على رجل ما يبلغ ثلث ديتها، حملته العاقلة أيضاً.
قال مالك - رحمه الله - : والأول أبين، وأصل هذا أن الجناية إذا بلغت ثلث دية الجاني أو ثلث دية المجني عليه، حملتها العاقلة.
__________
(1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (ص2500).
4196 - ولو جنى مجوسي أو مجوسية على مسلم ما يبلغ ثلث دية الجاني، حمل ذلك أهل عواقلهم، الرجال منهم دون النساء، وهم الذين يؤدون معهم الخراج.
وإذا جنى النصراني جناية حمل ذلك أهل جزيته، وهم أه لكورته الذين خراجه معهم، وعلى قاتل عبيدهم [قيمتهم] ما بلغت قيمتهم، كعبيد المسلمين، وإن كانت القيمة أضعاف الدية، إلا أن في مأمومة العبد وجائفته في كل واحد ثلث قيمته، وفي منقلته عشر قيمته ونصف عشر قيمته، وفي موضحته نصف عشر قيمته، وفيما سوى ذلك من جراحه ما نقص بعد برئه.
وإذا قتل ذمي مسلماً خطأ، حمّل ذلك عاقلته.
4197 - وإن أصاب أهل الذمة بعضهم بعضاً، حمل ذلك عواقلهم، وما تظالموا بينهم فالسلطان يحكم فيه بينهم.
قال مالك - رحمه الله - : إنما العقل على القبائل، كانوا أهل ديوان أم لا، ومصر والشام أجناد قد جندت، فكل جند عليهم جرائرهم دون غيرهم من الأجناد، ولا يعقل أهل مصر مع أهل الشام، ولا أهل الشام مع أهل مصر، ولا الحضر مع البدو، ولا أهل البدو مع أهل الحضر، إذ لا يكون في دية واحدة إبل ودنانير، [أو دنانير] ودراهم، وإن انقطع بدوي فسكن الحضر عقل معهم، وكذلك الشامي يوطن مصر، فإنه يعقل معهم، بمنزلة رجل من أهل مصر [مع أهل الشام]، ثم إن جنى وقومه بالشام وليس بمصر من قومه من يحمل ذلك لقلتهم، ضم إليه أقرب القبائل بها إلى قومه، وإن لم يكن بمصر من قومه أحد فليضم إليه أيضاً أقرب القبائل من قومه حتى يقووا على العقل، غذ لا يعقل أهل الشام مع أهل مصر.
ويحمل الغني من العقل بقدره، ومن دونه بقدره، وذلك على قدر طاقة الناس في يسرهم.
4501 - وإذا جنى الصبي والمجنون عمداً أو خطأ بسيف أو غيره، فهو كله [خطأ] تحمله العاقلة إن بلغ الثلث، وإن لم يبلغ الثلث ففي ماله، ويتبع به ديناً في عُدمه.
وإن كان المجنون يفيق أحياناً فما جنى في حال الإفاقة، فكالصحيح في حكمه في الجراح والقتل. وإذا رفع للقود وقد أخذه الجنون، أُخّر لإفاقته.
4502 - وقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنين يخرج ميتاً بجناية جان، بغرة عبد أو وليدة.(1)
قال مالك: والحمران من الرقيق أحب إلي من السودان، فإن قل الحمران بتلك البلدة فليؤخذ من السودان. والقيمة في ذلك خمسون ديناراً أو ستمائة درهم، وليست القيمة بسنة مجمع عليها، وإنا لنرى ذلك حسناً.
فإذا بذل الجاني عبداً أو وليدة، جبروا على أخذها إن ساوى ما بذل خمسين ديناراً أو ستمائة درهم، وإن ساوى أقل من ذلك، لم يجبروا على أخذه إلا أن يشاءوا. وليس عل أهل الإبل في ذلك إبل، وقد قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - [في] الغرة والناس يومئذ أهل إبل، وإنما تقويمها بالعين أمر مستحسن.
4503 - وإذا ضربت المرأة عمداً أو خطأ، فألقت جنيناً ميتاً، فإن علم أنه حمل - وإن كان مضغة أو علقة، أو مصوراً ذكراً أو أنثى - ففيه الغرة بغير قسامة في مال الجاني، ولا تحملها العاقلة، ولا شيء فيه حتى يزابل بطنها، وتورث الغرة على فرائض الله عز وجل. قيل: فهل على الضارب كفارة؟ قال: قال مالك: إنما الكفارة في كتاب الله عز وجل [في قتل الحر خطأ.
واستحسن مالك الكفارة] في الجنين، وكذلك العبد والذمي إذا قتلا ففيهما الكفارة، وفي جنينهما الكفارة، ولو ضربها رجل [خطأ] فماتت، ثم خرج الجنين بعد موتها ميتاً، فلا غرة فيه، وإنما على عاقلته الدية، لأنه مات بموت أمه، وعليه كفارة واحدة.
وإن ضرب بطنها فألقت جنيناً حياً، ثم ماتت بجنين في بطنها، ومات الخارج قبل موتها أو بعد، ففي الأم دية واحدة والكفارة، ولا دية في الجنين الذي لم يزايلها ولا كفارة. والذي ألقته إن استهل صارخاً ففيه القسامة والدية، وإن لم يستهل [صارخاً] ففيه الغرة. وإذا خرج الجنين ميتاً أو حياً، فمات قبل موتها ثم ماتت بعده، ورثته.
__________
(1) رواه البخاري (6910)، ومسلم (1681).
ولو ماتت هي وقد استهل ثم مات بعدها، لورثها، ولو خرج الجنين ميتاً ثم خرج آخر حياً بعده أو قبله، أو ولد للأب ولد من امرأة أخرى فعاش، أو استهل صارخاً ثم مات مكانه وقد مات الأب قبل ذلك كله، كان لهذا الذي خرج حياً [ميراثه من دية الذي خرج ميتاً، ألا ترى أن المولود إذا خرج حياً] يرث أباه الميت أو أخاه قبل ولادته.
ولو ضر بالأب بطن امرأته [خطأ] فألقت جنيناً ميتاً، فلا يرث الأب من دية الجنين شيئاً ولا يحجب، وميراثه لسواه.
ومن ضرب بطن امرأة خطأ فألقت جنيناً حياً، فاستهل ثم مات، ففيه القسامة، والدية على العاقلة، ولو ضرب بطنها عمداً [فألقت جنيناً حياً، ثم استهل فمات]، ففيه القصاص بقسامة، وذلك إذا تعمد ضرب بطنها خاصة.
قال: ولم يكن في الجنين يخرج ميتاً قسامة، لأنه كرجل ضرب فمات ولم يتكلم، وإذا صرخ ثم مات كان كالمضروب يعيش أياماً، ففيه القسامة، إذ لا يدرى أمات الجنين من الضربة، أو لما عرض له بعد خروجه.
4504 - ولو ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلمة خطأ، فألقت جنيناً ميتاً، حملته عاقلة الضارب، وإن كان ذلك عمداً كان في مال الجاني.
وفي جنين أم الولد من سيدها ما في جنين الحرة، وفي جنين الأمة من غير السيد عشر قيمة أمه، كان أبوه حراً أو عبداً.
وفي جنين الذمية عشر دية أمه أو نصف عشر دية أبيه، وهما سواء، [والذكر والأنثى في ذلك سواء].
ولو أسلمت نصرانية حامل تحت نصراني، ففي جنينها ما في جنين النصرانية، وذلك نصف عشر دية أبيه، ولو استهل صارخاً ثم مات، حلف من يرثه يميناً واحدة لمات من ذلك واستحقوا ديته، لأن مالكاً قال في النصراني يقوم على قتله شاهد عدل مسلم: إن ولاته يقسمون معه يميناً واحدة، ويستحقون الدية على من قتله مسلماً كان أو نصرانياً.
وإن تزوج عبد مسلم نصرانية، ففي جنينها ما في جنين الحر المسلم.
وإن أسلمت مجوسية حامل تحت مجوسي ففي جنينها ما في جنين المجوسي، أربعون درهماً.
4505 - وإذا قتل رجل وصبي رجلاً عمداً، قُتل الرجل، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية، ولو كانت رمية الصبي خطأ، ورمية الرجل عمداً، فمات منهما جميعاً، فأحب إلي أن تكون الدية عليهما جميعاً، لأني لا أدري من أيتهما مات.
ومن ثبت عليه أنه قتل رجلاً عمداً ببينة، أو بإقراره، أو بقسامة، فعفي عنه، أو سقط عنه القتل لأن الدم لا يتكافأ، فإنه يضرب مائة ويحبس عاماً، كان القاتل رجلاً أو امرأة، مسلماً أو ذمياً، حراً أو عبداً، لمسلم أو لذمي، [والمقتول مسلم أو ذمي، حر أو عبد، لمسلم أو لذمي]، وكذلك العبد يقتل وليك عمداً فتعفو عنه على أن تأخذه، فإنه يضرب مائة ويحبس عاماً، وإذا قتل عبد وليك فعفوت عنه ولم تشترط شيئاً، فذلك كما لو عفوت عن الحر، ولا تشترط الدية ثم تطلب الدية.
قال مالك: لا شيء لك إلا أن يتبين أنك أردتها فتحلف بالله [إنك] ما عفوت على ترك الدية إلا لأخذها، ثم ذلك لك. وكذلك في العبد لا شيء لك إلا[أن يعرف] أنك عفوت لتسترقه، فذلك لك، ثم يخير سيده. ولو عفوت على أن تأخذه رقيقاً، وقال سيده: إما أن تقتله أو تدعه، فلا قول له، والعبد لك إلا أن يشاء ربه دفع الدية إليك ويأخذه، فذلك له.
4506 - ومن أقر بقتل خطأ، فإن اتهم أنه أراد غناء ولد المقتول كالأخ والصديق، لم يصدق، وإذا كان من الأباعد، صدق إن كان ثقة مأموناً، ولم يخف أن يرشا على ذلك، ثم تكون الدية على عاقلته بقسامة، ولا تجب عليه بإقراره.(1)
وإذا لزمت العاقلة كانت في ثلاث سنين، فإن أبى ولاة الدم أن يقسموا فلا شيء لهم ولا في مال المقر، كما لو ضُرب رجل فقال: قتلني فلان خطأ، فإنه يصدق، ويكون العقل على عاقلة القاتل بقسامة، وإلا لم يكن لهم في مال المدعى عليه شيء.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/406).
4507 - وإذا قتل عشرة رجال رجلاً خطأ وهم من قبائل شتى، فعلى قبيلة كل رجل عشر الدية في ثلاث سنين، ولو جنوا قدر ثلث الدية، حملته عواقلهم أيضاً في سنة، وما كان دون الثلث ففي أموالهم، ولا تحمله عواقلهم.
4508 - وإذا فقا أعور العين اليمنى عين رجل صحيح اليمنى خطأ، فعلى عاقلته نصف الدية، وإن فقأها عمداً، فعليه خمسمائة دينار في ماله، وهو كأقطع اليد اليمنى يقطع يد رجل اليمنى، فدية اليد في مال الجاني، ولا يقتص من اليد أو الرجل اليمنى باليسرى، ولا اليسرى باليمنى، وكذلك العين.
ولا يقاد لسن إلا بمثلها في صفتها وموضعها: الرباعية بالرباعية، والعليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، وإن لم يكن للجاني مثل الذي طرح رجع ذلك إلى العقل.
قال: وإن كان المفقوءة عينه أعور العين اليسرى، فله في عينه اليمنى ألف دينار، إذ لا قصاص له في عين الجاني، [و]لأن دية عين الأعور عند مالك ألف دينار.
[قال مالك: وإن فقأ الأعور عين الصحيح التي مثلها باقية للأعور، فللصحيح أن يقتص [إن أحب]، وإن أحب فله دية عينه، ثم رجع فقال: إن أحب أن يقتص اقتص، وإن أحب فله دية عين الأعور ألف دينار، وقوله الآخِر أعجب إلي.(1)
وإن فقأ أعمى عين رجل عمداً، فديتها في ماله لا على العاقلة.
وإن فقأ أعور عيني رجل [جميعاً] عمداً، فله القصاص في عينه ونصف الدية في العين الأخرى.
4509 - ومن ذهب سمع إحدى أذنيه، فضربه رجل فأذهب سمع الأخرى، [فعليه نصف الدية] بخلاف عين الأعور.
وليست الدية في شيء واحد مما هو زوج في الإنسان، مثل: اليدين والرجلين وشبههما، إلا في عين الأعور وحدها، لما جاء فيها من السنة، وإنما في كل واحد من ذلك نصف الدية،سواء ذهب أولاً أو آخراً.
4510 - ومن شجّ رجلاً موضحة خطأ، فأذهب سمعه وعقله، فعلى عاقلته ديتان ودية الموضحة، لأنها ضربة واحدة، وكذلك إن شجه موضحة ومأمومة في ضربة، فعقلهما على العاقلة.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/549).
وإن شجه موضحة ومأمومة في ضربة متعمداً، اقتص من الموضحة، وحملت العاقلة المأمومة.
وإن ضربه عمداً فأوضحه فأذهب منها سمعه وعقله، فإنه يقاد من الموضحة بعد البرء، ثم ينظر إلى المقتص منه، فإن برئ ولم يذهب سمعه وعقله من ذلك، كان في ماله عقل سمع الأول وعقله، وقد يجتمع في ضربة واحدة قصاص وعقل.
4511 - ولو قطع أصبع رجل عمداً، فشلت من ذلك يده أو أصبع أخرى، اقتص من الجاني في الأصبع ويستأنى به، فإن برئ ولم تشل يده، عقل ذلك في ماله.
قال مالك: وهذا أحب ما في ذلك [إلي] من الاختلاف، وإن ضرب [رجل] رجلاً خطأ فقطع كفه فشل الساعد، فعلى عاقلته دية اليد لا غيرها، لأنها ضربة واحدة.
4512 - وإذا أصيبت العين فنقص بصرها، أغلقت الصحيحة ثم جعل له بيضة أو شيء في مكان يختبر به منتهى بصر السقيمة، فإذا رآها، حولت له إلى موضع آخر، فإن تساوت الأماكن أو تقاربت، قيست الصحيحة ثم أعطي بقدر ما نقصت المصابة من الصحيحة، والسمع مثله، يختبر بالأمكنة أيضاً حتى يعرف صدقه من كذبه.
وإن ادعى المضروب أن جميع سمعه أو بصره ذهب، صدق مع يمينه، والظالم أحق بالحمل عليه، ويختبر إن قدر على ذلك بما وصفنا.
4513 - ومن جنى من أهل الإبل ما لا تحمله العاقلة، فذلك في ماله من الإبل، فإن قطع أصبع رجل خطأ كان في ماله ابنتا مخاض، وابنتا لبون، [وابنا لبون]، وحقتان، وجدعتان، وكذلك لو جنى ما هو أقل من بعير، كان ذلك عليه في الإبل.
وقاتل العمد إذا صولح على أكثر من الدية، فذلك جائز، كان من أهل الإبل أو من غيرهم. وإذا قبلن دية العمد، فهي في مال القاتل لا على العاقلة.
ومن جنى جناية خطأ وهو من أهل الإبل، فصالح الأولياء عاقلته على أكثر من ألف دينار، فذلك جائز إن عجلوها، فإن تأخرت، لم يجز، لأنه دين بدين، ولو جنى عمداً فصالح الأولياء على مال إلى أجل، جاز ذلك، لأن هذا دم وليس بمال.
ولو صالح الجاني على العاقلة، والجناية خطأ مما تحملها العاقلة، فقالت العاقلة: لا نرضى بصلحه ولكنا نحمل ما علينا من الدية، فذلك لهم.
4514 - وما أصاب النائم من شيء يبلغ ثلث الدية، فهو على عاقلته، وإذا نامت امرأة على ولدها فقتلته، فديته على عاقلتها وتعتق رقبة.(1)
وإن شهد شاهد على رجل أنه قتل فلاناً خطأ، فليقسم أولياء القتيل ويستحقون الدية على العاقلة.
ولو شهد رجل على رجل أنه قتل فلاناً خطأ، وشهد آخر على إقرار القاتل بذلك، فلا يجب على العاقلة بذلك شيء إلا بالقسامة.
وإن شهد شاهد على إقرار القاتل أنه قتله خطأ، فلا يثبت ذلك من إقراره إلا بشاهدين، فيقسمون حينئذٍ معهما ويستحقون [الدية]، وذلك بخلاف من أقام شاهداً على إقرار رجل بدين، هذا يحلف مع شاهده ويستحق حقه.
وإذا حسنت حال المحدود في القذف، جازت شهادته في الدم وغيره.
4515 - وتجوز شهادة النساء في جراح الخطأ وقتل الخطأ، لأن ذلك مال.
وإن شهدن مع رجل على منقلة أو مأمومة عمداً، جازت شهادتهن، [لأن العمد والخطأ فيهما مال ليس بقود].
وإذا قال المقتول: دمي عند فلان قتلني عمداً أو خطأ، فلولاته أن يقسموا ويقتلوه في العمد، ويأخذون الدية في الخطأ من العاقلة، وليس للورثة أن يقسموا على خلاف ما قال المقتول.
وإن قال: قتلني: ولم يقل عمداً أو خطأ، فما ادعاه ولاة المقتول من عمد أو خطأ، أقسموا عليه واستحقوه. وإن قال بعضهم: عمداً، و[قال] بعضهم: خطأ، فإن حلفوا كلهم استحقوا دية الخطأ بينهم أجمعين، ولا سبيل إلى القتل.
وإن نكل مدعو الخطأ، فليس لمدعي العمد أن يقسموا، ولا دم لهم ولا دية.
وإن قال بعضهم: عمداً، وقال الباقون: لا علم لنا بمن قتله ولا نحلف، فإن دمه يبطل.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/413).
وإن قال بعضهم: خطأ، وقال الباقون: لا علم لنا، أو نكلوا عن اليمين حلف مدعو الخطأ وأخذوا نصيبهم من الدية، ولا شيء للآخرين، ثم إن أراد الآخرون أن يحلفوا بعد نكولهم ويأخذوا نصيبهم من الدية لم يكن لهم ذلك.
قال مالك: إذا نكل مدعو الدم عن اليمين ردوا الأيمان على المدعى عليهم، ثم [إن] أرادوا بعد ذلك أن يحلفوا، لم يكن لهم ذلك. وكذلك من أقام شاهداً على مال وأبى أن يحلف معه، ورد اليمين على المطلوب، ثم بدا له أن يحلف، فليس ذلك له، وإن نكل المطلوب ههنا غرم، ولم يرد اليمين على الطالب.
فإن لم يكن للمقتول إلا وارث واحد فادعى الخطأ، فليحلف خمسين يميناً ويستحق الدية كلها، وإن ادعى العمد لم يقتل المدعى عليه إلا بقسامة رجلين فصاعداً، فإن حلف معه آخر من ولاة الدم [و]إن لم يكن مثله في القعدد، قُتل وإلا ردت الأيمان على المدعى عليه، فإذا حلف خمسين يميناً برئ، وإن نكل حبس حتى يحلف.
4516 - قال مالك: والمتهم بالدم إذا ردت عليه الأيمان، لا يبرأ حتى يحلف خمسين [يميناً]، ويحبس حتى يحلفها، وليس في شيء من الجراح قسامة، ولكن من أقام شاهداً عدلاً على جرح عمداً أو خطأ، فليحلف معه يميناً واحدة، ويقتص في العمد ويأخذ الدية في الخطأ، وإنما خمسون يميناً في النفس لا في الجراح.
قيل لابن القاسم: لِمَ قال مالك ذلك في جراح العمد وليست بمال؟ فقال: كلمت مالكاً في ذلك فقال: إنه لشيء استحسناه، وما سمعت فيه شيئاً.
قال مالك: الأمر المجتمع عليه أنه لا يقسم في دم العمد أقل من رجلين.
قال ابن القاسم: ولا أراه أخذه إلا من قبل الشهادة، إذ لا يقتل أحد إلا بشاهدين. فإن نكل واحد من ولاة الدم الذين يجوز عفوهم إن عفوا، فلا سبيل إلى القتل، كانوا اثنين أو أكثر.
4517 - وإذا كان للمقتول أولاد صغار - والقتل بقسامة - ، فلأولياء المقتول تعجيل القتل، ولا ينتظر أن يكبر ولده فتبطل الدماء. وإن عفوا، لم يجز عفوهم إلا على الدية لا أقل منها.
وإن كان أولاد المقتول صغاراً وكباراً، فإن كان الكبار اثنين فصاعداً، فلهم أن يُقسموا ويقتلوا ولا ينتظر بلوغ الصغار، وإن عفا بعضهم فللباقين منهم وللأصاغر حظهم من الدية، وإن لم يكن له إلا ولدين كبير وصغير، فإن وجد الكبير رجلاً من ولاة الدم يحلف معه، وإن لم يكن ممن له العفو، حلفا جميعاً خمسين يميناً، ثم للكبير أن يقتل، وإن لم يجد من يحلف معه حلف خمساً وعشرين يميناً واستؤنى بالصغير، فإذا بلغ حلف أيضاً خمساً وعشرين يميناً ثم يستحق الدم.(1)
4518 - وإن كان القتل بغير القسامة وللمقتول ولدان أحدهما حاضر والآخر غائب، فإنما للحاضر أن يعفو، فيجوز العفو على الغائب ويكون له حظه من الدية، وليس له أن يقتل حتى يحضر الغائب، ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب، ولا يكفل، إذ لا كفالة في الحدود ولا في القصاص.
وإن كان للمقتول أولياء كبار وصغار فللكبار، أن يقتلوا ولا ينتظروا الصغار، وليس الصغير كالغائب، [لأن الغائب] يكتب إليه فيصنع في نصيبه ما شاء. والصغير يطول انتظاره فتبطل الدماء، وإن كان أحد الوليين مجنوناً مطبقاً، فللآخر أن يقتل، وهذا يدل على أن الصغير لا ينتظر.
وإن كان في الأولياء مغمى عليه أو مبرسم، فإنه ينتظر إفاقته، لأن هذا مرض من الأمراض.
4519 - ولا يقسم النساء في دم العمد، ويقسمن في [دم] الخطأ. وإنما يحلف ولاة الدم في الخطأ على قدر مواريثهم من الميت، فإن لم يدع الميت إلا ابنة بغير عصبة، حلف خمسين يميناً وأخذت نصف الدية، وإن جاءت مع العصبة حلفت خمساً وعشرين يميناً والعصبة مثلها.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/252).
فإن نكلوا لم تأخذ البنت نصف الدية حتى تحلف خمسين يميناً، [وإن كانت بنتاً وابناً غائباً لم تأخذ البنت ثلث الدية حتى تحلف خمسين يميناً]، وإذا قدم الولد الغائب حلف ثلثي الأيمان وأخذ ثلثي الدية. وإذا انكسرت عليهم يمين نظر من يقع له أكثر تلك اليمين فيجبر عليه. وإن لزم واحداً نصف اليمين وآخر ثلث وآخر سدس، حلفها صاحب النصف.
4520 - وإن كان للمقتول أخ وجد، وأتوا بلوث من بينة، وادعيا الدم عمداً أو خطأ، فليحلفا ويستحقا، وإن كان عشرة أخوة وجد، حلف الجد ثلث الأيمان والإخوة ثلثي الأيمان، فإن عفا الجد عن القتل دون الإخوة، جاز عفوه، وهو كأحدهم.
وإن شهد شاهد على دم عمد أو خطأ، كانت القسامة.
ولا يحبس المشهود عليه في الخطأ، لأن الدية إنما تجب على العاقلة. ويحبس في العمد حتى يزكوا الشهود، فتجب القسامة. وإن لم يزك فلا قسامة، إذ لا تجب القسامة إلا مع الشاهد العدل. ولا يقسم مع شاهد مسخوط.
ولا يكفل في القصاص ولا في الحدود. وليس في قتل الخطأ حبس ولا تعزير.
4521 - وإذا وجد قتيل في قرية قوم أو دارهم، ولا يدري من قتله، لم يؤخذ به أحد، وتبطل ديته ولا يكون في بيت المال ولا غيره.
4522 - وإذا قال المقتول: دمي عند فلان، وهو مسخوط أو غير مسخوط، فلا يتهم، وليقسم ولاته على قوله، وإن كانوا مسخوطين أيضاً فذلك لهم في العمد والخطأ. وكذلك المرأة تقول: دمي عند فلان، ولا يشبه المقتول الشاهد إذا كان مسخوطاً، ألا ترى أن المدعي يحلف مع شاهده والمدعي مسخوط، أو امرأة، ويقسم مع قول المرأة وهي غير تامة الشهادة، ولا يقسم مع شهادتها.
4523 - وإذا قتل صبي صبياً، فقال المقتول: فلان الصبي قتلني، وأقر القاتل بذلك، وقامت على قول المقتول بينة عادلة، فلا يقسم على قوله، ولا يقبل إقرار الصبي، ولا يجوز في ذلك إلا عدلان على معاينة القتل، والصبي في هذا بخلاف المسخوط والمرأة، لأن الصبي لو أقام شاهداً على حقه لم يحلف [معه].(1)
4524 - ولو قام لنصراني أو عبد شاهد على حق له، حلف معه واستحقه.
ولو قال النصراني: دمي عند فلان، لم يقسم على قوله، لأن النصراني لا يقسم، وإنما يقسم المسلمون.
وإذا قال المقتول: دمي عند فلان، فذكر رجلاً أورع أهل البلد، أقسم مع قوله، وإن رمى بذلك صبياً أقسم مع قوله، وكانت الدية على عاقلة الصبي. وإن رمى ذمياً أو عبداً كان لورثته أن يقسموا ويقتلوا في العمد، فإن استحيوا العبد، خير سيده بين أن يفديه بالدية أو يسلمه. وإن ادعى الخطأ اقسموا، وخير سيده في غرم الدية أو إسلامه بها، وقيل لأهل جزية هذا الذمي: احملوا العقل.
4525 - وإذا قال ابن الملاعنة: دمي عند فلان، فإن كانت أمه معتقة فلمواليها أن يقسموا ويستحقوا الدم في العمد والدية في الخطأ. وإن كانت من العرب أقسمت في الخطأ أمه وأخوته لأمه، وأخذوا حظهم من الدية. وإن كان عمداً فلا قسامة فيه، وهو كمن لا عصبة له، فلا يقتل إلا ببينة، وليس لإخوته لأمه من الدم في العمد شيء. وفي كتاب الولاء والمواريث ذكر من يرثه.
وإذا قتل ابن الملاعنة ببينة، فلأمه أن تقتل، كمن قُتل وله أم وعصبة فصالح العصبة وأبت الأم إلا أن تقتل، فذلك لها، وإن ماتت الأم فلورثتها ما كان لها، وكذلك ابن الملاعنة.
4526 - وإذا شهد شاهدان على رجل بالقتل، لم يكن في ذلك قسامة. ولو قال المقتول: دمي عند فلان وشهد شاهد أنه قتله، لم يجتزأ بذلك، ولا بد من القسامة.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (5/231).
وإذا شهد رجل عدل أن هذا الرجل ضرب فلاناً حتى قتله، فلأوليائه أن يقسموا ويقتلوا. وإن شهد أنه ضربه، وعاش الرجل وتكلم وشرب، ولم يسألوه أين دمك؟ حتى مات، ففيه القسامة.
4527 - ويحلف الورثة في القسامة بالله الذي لا إله إلا هو أن فلاناً قتله، أو مات من ضربه إن كان حياً، ولا يزاد في أيمانهم الرحمن الرحيم، وكذلك سائر الأيمان.
4528 - ويمين القسامة على البت، وإن كان أحدهم أعمى أو غائباً حين القتل.
وما لزم العاقلة من الدية، فهو على الرجال خاصة دون النساء والذرية. ويؤدي الغني على قدره ومن دونه على قدره. وقد كان يحمل على الناس في أعطياتهم من كل مائدة درهم ونصف.
4529 - وإذا ادعى الدم ورثة المقتول على جماعة، وأتوا بلوث من بينة، أو تكلم بذلك المقتول، أو قامت بينة على أنهم ضربوه، أو حملوا صخرة فرموا بها رأسه فعاش بعد ذلك أياماً، وأكل وشرب ثم مات، فللورثة أن يقسموا على واحد أيهم شاءوا، ويقتلوا ولا يقسموا على جميعهم ويقتلوهم، لأن مالكاً قال: ولا يقسم في العمد إلا على واحد، وإن ادعو الخطأ على جماعة وأتوا بلوث من بينة، أقسم الورثة عليهم بالله الذي لا إله إلا هو أنهم قتلوه، ثم تفرق الدية في قبائلهم في ثلاث سنين.
وكذلك إن قامت بينة أنهم جرحوه خطأ فعاش بعد ذلك أياماً ثم مات، فليس للورثة أن يقسموا على واحد ويأخذوا الدية من عاقلته، ولكن يقسمون على جميعهم وتفرق الدية على عواقلهم في ثلاث سنين.
والفرق بين العمد والخطأ، أنه يقول: الضرب منا أجمعين، فلا تخصوا عاقلتي بالدية، ولا حجة له في العمد إلا أن يقسم عليه، لأن في القسامة على الجميع إيجاب لدمه إن شاءوا قتله، واللوث من البينة: الرجل الواحد العدل الذي يرى أنه حاضر الأمر.
ومن أقام شاهداً أن فلاناً قتل عبده عمداً أو خطأ، حلف يميناً واحدة مع شاهده، لأنه مال، وغرم له القاتل قيمته، فإن كان القاتل عبداً خير سيده بين أن يغرم قيمة المقتول أو يسلم عبده، فإن أسلمه لم يقتل، لأنه لا يقتل بشهادة واحد، ولأنه لا قسامة في العبيد في عمد ولا خطأ.
4530 - وإذا قتل عبد رجلاً حراً، فأتى ولاة الحر بشاهد على ذلك، فلهم أن يحلفوا خمسين يميناً ويستحقون دم صاحبهم، فيقتلوا العبد إن شاءوا، أو يستحيوه، فإن قالوا: نحلف يميناً واحدة ونأخذ العبد فنستحييه، لم يكن لهم ذلك، لنه لا يستحق دم الحر إلا ببينة عادلة، أو يحلفوا خمسين يميناً مع شاهدهم.
وليس فيمن قتل بين الصفين قسامة.
4531 - وإذا ضربت امرأة فألقت جنيناً ميتاً، وقالت: دمي عند فلان، ففي المرأة القسامة ولا شيء في الجنين إلا ببينة تثبت، لأنه جرح من جراحها ولا قسامة في جرح، ولا يثبت إلا ببينة أو بشاهد عدل، فيحلف ولاته معه يميناً واحدة ويستحقون ديته.
وإن قالت: دمي عند فلان، فخرج جنينها حياً، فاستهل صارخاً ثم مات، ففي الأم القسامة، ولا قسامة في الولد، لأنها لو قالت: قتلني، وقتل فلانة [معي]، لم يكن في فلانة قسامة [شيء].
وكذلك لو قالت: ضربن يفلان، وألقت جنيناً حياً فاستهل صارخاً ثم مات وعاشت الأم، لم يكن فيه قسامة، ولو قالت [وهي حية]: قتل ابني، لم يقبل قولها، ولا قسامة في ابنها.
4532 - ومن قال: دمي عند أبي، أقسم على قوله، وكانت الدية في الخطأ على العاقلة، وإذا كان عمداً ففي مال الأب.
وإذا حلف الورثة في قسامة العمد، وهم رجال عدد، ثم أكذب نفسه واحد منهم قبل القتل، فلا سبيل إلى القتل إذا كان ممن لو أبى اليمين لم يقتل المدعى عليه.
4533 - ومن قتل رجلاً بحجر قُتل بحجر، وإن خنقه فقتله، قُتل خنقاً، وإن أغرقه أغرقته به، ولو كتفه فطرحه في نهر، فليُصنع به كذلك.
قال مالك: يقتل بمثل ما قتله به، وإن قتله بعصا قُتل بعصا، وليس في مثل هذا عدد، فإن ضربه عصاوين فمات منهما، فإن القاتل يضرب بالعصا أبداً حتى يموت، وإن قطع يديه ثم رجليه ثم ضرب عنقه، فإنه يقتل، ولا تقطع يداه ولا رجلاه.
وكل قصاص عليه، فالقتل يأتي على ذلك كله. وكذلك إن قطع يد رجل وفقأ عين آخر وقتل آخر، فالقتل يأتي على ذلك كله.
وإن شهد شاهد أنه قطع يد رجل [خطأ]، ثم قتله بعد ذلك عمداً، فدية اليد على عاقلته، ويقتل به القاتل، ويستحقون دية اليد بيمين واحدة، ولا يستحقون النفس إلا بقسامة.
وإذا قتل الصحيح سقيماً أجذم كان أو أبرص، أو مقطوع اليدين والرجلين عمداً، قتل به، وإنما هي النفس بالنفس، ولا ينظر إلى نقص البدن و[لا إلى] عيوبه.
4534 - ويقتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، وفي الجراح بينهما قصاص.
وإذا اجتمع نفر على قتل امرأة أو صبي أو صبية عمداً، قتلوا بذلك، وكذلك إن اجتمعوا على قتل غيلة، قتلوا به.(1)
4535 - ولا يقتل الحر بالمملوك، ولا المسلم بالكافر إذا قتله عمداً، ولا قصاص بينهما في جرح ولا نفس إلا بقتله غيلة، وإن قطع يديه ورجليه غيلة، حكم عليه بحكم المحارب.
4536 - وإن قتل مسلم كافراً عمداً، ضرب مائة وحُبس عاماً. وإن قتله خطأ، فديته على عاقلته. وكذلك إن كانوا جماعة، فالدية على عواقلهم.
وإن جرحه المسلم أو قطع يده أو رجله، أو قتله عمداً، فذلك في ماله، ولا تحمل العاقلة من عمد المسلم في جنايته على الذمي إلا المأمومة والجائفة، وإنما استحسن مالك حمل العاقلة المأمومة والجائفة، ولم يكن عنده بالأمر البين.
قال ابن القاسم: وقد اجتمع أمر الناس أن العاقلة لا تحمل العهد. وفي كتاب الجنايات ذكر القصاص بين العبيد.
4537 - وإذا قطع جماعة يد رجل عمداً، فله قطع أيديهم كلهم، بمنزلة القتل، والعين كذلك.
__________
(1) انظر: القوانين الفقهية لابن جزي (ص227).
ومن قطع يد رجل من نصف الساعد، اقتص منه، وإذا قطع بضعة من لحمه، ففيها القصاص.
4538 - مالك: ولا قود في اللطمة. قال ابن القاسم: وفي ضربة السوط القود.
قال سحنون: وروي عن مالك أنه لا قود فيه كاللطمة، وفيه الأدب.
4539 - وإذا شهد صبيان على صبي قبل أن يفترقوا أنه جرح رجلاً أو قتله، لم تجز شهادتهم، وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم فقط. وهذا في كتاب الشهادات مذكور.
4540 - وإذا اغتالت المرأة رجلاً على مال فقتلته، حكم عليها بحكم المحارب.
ومن قطع يد رجل أو فقأ عينه [على وجه الغيلة]، فلا قصاص له، والحكم فيه إلى الإمام، إلا أن يتوب قبل أن يقدر عليه، فيكون عليه القصاص.
ومن قتل وليه قتل غيلة، فصالح فيه على الدية، فذلك مردود، والحكم فيه إلى الإمام، إما أن يقتله أو يصلبه حياً ثم يقتله، على ما يرى من أشنع ذلك.
4541 - ومن فقأ أعين جماعة [اليمنى] وقتاً بعد وقت، ثم قاموا فلتفقأ عينه لجميعهم، وكذلك اليد والرجل، ولو أقام أحدهم وهو أولهم أو آخرهم، فله القصاص، ولا شيء لمن بقي. وكذلك لو قتل رجلاً عمداً، ثم قتل بعد ذلك رجالاً عمداً، قُتل ولا شيء عليه لهم.
ولو قطع يمين رجل، ثم ذهبت يمين القاطع بأمر من الله تعالى، أو سرق فقطعت يده، فلا شيء للمقطوعة يده، وقال في أقطع الكف اليمنى يقطع يمين رجل صحيح من المرفق، فالمجني عليه مخير إما أخذ عقل يده، وإما قطع اليد الناقصة من المرفق ولا عقل له، وكذلك من قطع يد رجل صحيح، والقاطع قد قُطعت من يده ثلاثة أصابع، فلصاحب اليد أن يأخذ العقل أو يقتص، ولا عقل له.
ومن شج رجلاً موضحة فأخذت ما بين قرنيه، و[هي] لا تبلغ من الجاني إلا نصف رأسه، أو أخذت نصف رأس المشجوج وهي تبلغ من الجاني ما بين قرنيه، فإنما ينظر إلى قياس الجرح فيشق من رأس الجاني بقدره.
وإن أوضحه من قرنه إلى قرنه في ضربة، فهي موضحة بواحدة]، وإن ضربه ضربة [واحدة] فأوضحه موضحتين، فله عقل موضحتين، وما دون الموضحة في العمد، ففيه القصاص.
وإن قطع أشل اليد اليمنى يمنى رجل، فله العقل ولا قصاص له.
وإن قطع يد رجل عمداً، ثم قطعت يد القاطع خطأ، فديتها للمقطوع الأول، وإن كان عمداً فللأول أن يقتص من قاطع قاطعه.
4542 - ومن قتل رجلاً [عمداً]، فعدا عليه أجنبي فقتله، غرم ديته لأولياء المقتول الأول، ويقال لأولياء المقتول آخراً: ارضوا أولياء المقتول أولاً وشأنكم بقاتل وليكم في القتل أو العفو، فإن لم يرضوهم، فلأولياء الأول قتله أو العفو عنه، ولهم أن لا يرضوا بما بذلوا لهم من الدية أو أكثر منها.
ومن قتل رجلاً عمداً فحبس للقتل، ففقأ رجل عينه أو جرحه في السجن عمداً أو خطأ، فله القود في العمد والعقل في الخطأ، وله العفو في عمده، ولا شيء لولاة المقتول في ذلك كله، وإنما لهم سلطان على من أذهب نفسه.
وكذلك لو حكم القاضي بقتله وأسلمه إليهم ليقتلوه، فقطع رجل يده عمداً، فله القصاص، بمنزلة ما وصفنا.
ومن قتل وليك عمداً فقطعت يده، فله أن يقتص منك. ولو قطعت يده أو فقأت عينه خطأ، حملت ذلك عاقلتك، ويستقاد له ما لم يقد منه، وتحمل عاقلته ما أصاب من الخطأ.(1)
ومن كسر بعض سن رجل، ففيه القصاص برأي أهل المعرفة. وقد تقدم في كتاب الجراح ذكر من يستقيد في الجراح والقتل.
4543 - ومن سقى رجلاً سماً فقتله، فإنه يقتل بقدر رأي الإمام. والذين يسقون الناس السيكران ويموتون منه ويأخذون أمتعتهم، كالمحاربين.
ومن صالح من موضحة خطأ، على شيء أخذه ثم نزى منها فمات، فليقسم ولاته أنه مات منها، ويستحقون الدية على العاقلة، ويرجع الجاني فيما دفع، ويكون في العقل كرجل من قومه.
وإن قطع يده عمداً فعفا عنه ثم مات منها، فلأوليائه القصاص في النفس بقسامة، إن كان عفا عن اليد لا عن النفس.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/535).
4544 - وللمقتول أن يعفو عن قاتله عمداً، وكذلك في الخطأ إن حمل ذلك الثلث.
4545 - ومن ضُرب فمات تحت الضرب أو بقي مغموراً، لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم ولم يفق حتى مات، فلا قسامة فيه، وإن أكل وشرب وعاش حياة [بينة] تعرف، ثم مات بعد ذلك، ففيه القسامة في العمد والخطأ، إذ لعله مات من أمر عرض له غير ذلك، وكذلك إن مكث يوماً أو يومين فتكلم، [ولم يأكل ولم يشرب، وكذلك إن قطع فخذه فعاش يومه، فأكل وشرب، ثم مات آخر النهار، ففيه القسامة، وأما إن شقت حشوته فتكلم]، وأكل وعاش يومين أو ثلاثة، فإنه يقتل قاتله بغير قسامة إذا كان قد أنفذ مقاتله، ألا ترى أن الشاة إذا خرق السبع بطنها فشق أمعاءها ونثرها أنها لا تؤكل، لأنها غير ذكية، وهي لا تحيا على حال.
4546 - وإذا قتل جماعة رجلاً عمداً، فللولي قتل من أحب منهم، أو العفو أو الصلح فيمن أحب [منهم].
ولو عفا المقتول عن أحدهم، كان للورثة قتل من بقي. ومن قتل عمداً وله إخوة وجَدّ، فمن عفا من الإخوة أو الجد، جاز عفوه، وليس للإخوة للأم في العفو عن الدم نصيب، وإذا قامت بينة بالقتل عمداً، وللمقتول بنون وبنات، فعفو البنين جائز على البنات، ولا أمر لهن مع البنين في عفو ولا قيام، فإن عفوا على الدية دخل فيها النساء، وكانت على فرائض الله عز وجل، وقضي منها دينه.
فإن عفا واحد من البنين سقط حظه من الدية، وكان بقيتها بين من بقي على الفرائض، وتدخل في ذلك الزوجة وغيرها. وكذلك إذا وجب الدم بقسامة، ولو أنه عفا على الدية، كانت له ولسائر الورثة على المواريث، وإذا عفا جميع البنين، فلا شيء للنساء من الدية، وإنا لهن إذا عفا بعض البنين.
قال: والإخوة والأخوات إذا استووا فهم كالبنين [والبنات] فيما ذكرنا، وإن كان الأخوات شقائق والإخوة للأب، [فلا عفو إلا باجتماعهم، لأن الإخوة للأب معهن عصبة، وإذا كان للمقتول بنات وعصبة، أو أخوات وعصبة، فالقول قول من دعا إلى القتل، كان من الرجال أو من النساء].
ولا عفو إلا باجتماعهم، إلا أن يعفو بعض البنات وبعض العصبة، أو بعض الأخوات وبعض العصبة، فلا سبيل إلى القتل، ويقضى لمن بقي بالدية.
وإن قال بعض البنات: نقتل، وبعضهن: نعفو، نظر إلى قول العصبة، فإن عفوا تم العفو، وإن قالوا: نقتل، فذلك لهم. وإن قال بعض العصبة وبعض البنات: نقتل، وعفا من بقي من العصبة والبنات، فلا سبيل إلى القتل.
وإن لم يترك إلا ابنته وأخته، فلابنة أولى بالقتل وبالعفو، وهذا إذا مات مكانه، وإن عاش وأكل وشرب ثم مات، فليس لهما أن يقسما، لأن النساء لا يقسمن في العمد، وليقسم العصبة، فإن أقسموا وأرادوا القتل وعفت الابنة، فلا عفو لها، وإن أرادت القتل وعفا العصبة، فلا عفو لهم إلا باجتماع منهم ومنها، أو منها وبعضهم.
4547 - [وإن كان رجلاً لا عصبة له وكان القتل خطأ، أقسمت أخته وابنته وأخذتا الدية]، وإن كان عمداً لم يجب القتل إلا ببينة.
4548 - ومن أسلم من أهل الذمة أو رجل لا تعرف عصبته، فقتل عمداً أو مات مكانه وترك بنات، فلهن أن يقتلن، فإن عفا بعضهن وطلب بعضهن القتل، نظر السلطان بالاجتهاد في ذلك إذا كان عدلاً، فإن رأى العفو أو القتل أمضاه.
وإن ادعى القاتل أن وليّ الدم عفا، فله أن يستحلفه، فإن نكل ردت اليمين على القاتل، فإن ادعى القاتل بينة غائبة على العفو تلوم له الإمام.
وإذا كان للمقتول عمداً ولد صغير وعصبة، فللعصبة أن يقتلوا أن يأخذوا الدية ويعفوا، ويجوز ذلك على الصغير، وليس لهم أن يعفو على غير مال. وكذلك من وجب لابنه الصغير دم عمد أو خطأ، لم يجز للأب أن يعفو [فيه] إلا على الدية لا اقل منها، فإن عفا الأب في الخطأ وجعل الدية في ماله، جاز ذلك إن كان الأب ملياً يُعرف ملاؤه، فإن لم يكن ملياً لم يجز عفوه. وكذلك العصبة، وإن لم يكونوا أوصياء.
4549 - وإذا جرح الصبي عمداً وله وصي، فللوصي أن يقتص له، وأما إن قتل فولاته أحق من الوصي بالقيام بذلك، وليس للأب أن يعفو عمن جرح ابنه الصغير، إلا أن يعوضه من ماله.
وليس للوصي أيضاً أن يعفو في ذلك إلا على مال على وجه النظر، والعمد في ذلك والخطأ سواء.
ولا يأخذ الأب والوصي في ذلك أقل من الأرش، إلا أن يكون الجارح عديماً فيرى الأب أو الوصي من النظر صلحه على أقل من دية الجرح، فذلك جائز.
وإذا قُتل للصغير عمداً عبد، فأحب إليّ أن يختار أبوه أو وصيه أخذ المال، إذ لا نفع له في القصاص.
4550 - وسئل مالك - رضي الله عنه - عن خير الناس بعد نبيهم؟ فقال: أبو بكر [ثم عمر]، ثم قال: أوفي ذلك شك؟ فقيل: فعلي وعثمان أيهما أفضل؟ فقال: ما أدركت أحداً ممن يقتدى به يفضل أحدهما على صاحبه ويرى الكف عنهما.
4551 - ومن وجب لهم الدم قبل رجل، فقتلوه قبل أن ينتهوا به إلى الإمام، فلا شيء عليهم غير الأدب.
وإذا عفا المقتول خطأ عن ديته، جاز ذلك في ثلثه، فإن لم يكن له مال وأوصى مع ذلك بوصايا، فلتتحاص العاقلة وأهل الوصايا في ثلث ديته.
ولو أوصى بثلثه لرجل بعد الضرب دخلت الوصية في ديته، لأنه قد علم أن قتل الخطأ مال. وكذلك إن أوصى بثلثه قبل أن يضرب وعاش بعد الضرب ومعه من عقله ما يعرف به ما هو فيه فلم يغير الوصية، فإنها تدخل في ديته [إلا أن تختلس نفسه ولا يعرف له بعد الضرب حياة، فلا تدخل الوصايا في ديته].
ولو كان القتل عمداً فقبل الأولياء الدية، لم تدخل فيه الوصايا وإن عاش بعد الضرب، وتورث على الفرائض، إلا أن يكون عليه دين فأهل الدين أولى بذلك.
4552 - ومن قتل رجلاً عمداً، فلم يقتل حتى مات أحد ورثة المقتول وكان القاتل وارثه، بطل القصاص، لأنه ملك من دمه حصة، فهو كالعفو، ولبقية أصحابه عليه حصتهم من الدية. وإن مات وارث المقتول الذي له القيام بالدم، فورثته مقامه في العفو والقتل.
وإن مات من ولاة الدم رجل وورثه رجال ونساء، فللنساء من القتل أو العفو ما للذكور، لأنهم ورثوا الدم عمن له العفو أو القتل.
ومن قُتل عمداً وله بنون وبنات، فماتت واحدة من البنات وتركت بنين ذكوراً، فلا شيء لهم من الدم في عفو ولا قيام، كما لم يكن لأمهم، وإنما لهم إن عفا بعض البنين الذكور عن الدم حصة أمهم من الدية لا غير.
ومن قتل رجلاً عمداً فكان وليّ الدم ولد القاتل، فقد كره [له] مالك القصاص منه، وكان يكره أن يحلفه في الحق، فكيف يقتله؟!.
وإذا هرب القاتل، فلولاة الدم أن يقيموا عليه البينة في غيبته ويقضى عليه، لجواز القضاء على الغائب، فإذا قدم كان على حجته ولا تعاد البينة.
وإذا أفلست امرأة، ثم تزوجت وأخذت مهراً، فليس لغرمائها فيه قيام بدينهم، ولا تقتضي منه ديناً، ويبقى زوجها بلا جهاز، إلا أن يكون الشيء الخفيف كالدينار ونحوه. وفي كتاب التفليس إيعاب هذا بحمد الله تعالى.
4553 - ومن دفع إلى صبي دابة أو سلاحاً يمسكه، فعطب بذلك، فديته عل عاقلته. وكذلك الدابة يسقيها له، وعليه عتق رقبة.
ومن حمل صبياً على دابة يمسكها أو يسقيها، فوطئت رجلاً فقتلته، فالدية على عاقلة الصبي، ولا رجوع لعاقلته على عاقلة الرجل الذي حمله على الدابة بشيء، وإن كان رجلان مرتدفان على دابة فوطئت رجلاً بيديها أو برجليها فقتلته، فأراد على المقدم إلا أن يعلم أن المؤخر حركها أو ضربها فيكون عليهما، لأن المقدم بيده لجامها، أو يأتي من فعلها أمر يكون من المؤخر لا يقدر المقدم على دفعه، وذلك مثل أن يضربها المؤخر فترمح لضربه، فتقتل رجلاً، فهذا وشبهه على عاقلة المؤخر خاصة. ولا يضمن المقدم النفحة إلا أن يكون سببها من فعله، وإذا كان صنيعها لفعل المؤخر لم يعلم به المقدم ولا استطاع حبسها، فذلك على المؤخر خاصة، وإن كان المقدم صبياً فإن كان قد ضبط الركوب، فهو كالرجل فيما ذكرنا. ولا يضمن المقدم ما كدمت إلا أن يكون ذلك بسببه.
وكذلك الراكب على الدابة لا يضمن ما كدمت أو نفحت، غلا أن يكون ذلك من شيء فعله بها. ويضمن ما وطئت بيديها أو رجليها، لأنه هو يسيرها.
وإن جمحت دابة براكبها فوطئت إنساناً فعطب، فهو ضامن.
ومن نخس دابة [رجل، فوثبت] فقتلت إنساناً، فديته على عاقلة الناخس.
ومن قاد قطاراً، فهو ضامن لما وطئ البعير في أول القطار أو في آخره.
وإن نفحت رجلاً فأعطبته، لم يضمن القائد ذلك إلا أن يكون ذلك من شيء فعله بها. والقائد والسائق ضامن لما وطئت الدابة بيديها أو برجليها.
وإن اجتمع قائد وسائق وراكب، فما أوطئت الدابة فعلى القائد والسائق، إلا أن يكون فعلها بسبب الراكب، فذلك عليه، خاصة إذا لم يكن فيه عون من القائد أو السائق.
4554 - وقال مالك في جمّال حمل عدلين على بعير لغيره بإذنه وهو أجير، فسار به وسط السوق، فانقطع الحبل، فسقط عدل على أحد فقتله: إن الجمال ضامن من دون صاحب البعير.
ومن سقط عن دابته على أحد فقتله، فالساقط ضامن، وذلك على عاقلته.
4555 - وما أشرع الرجل في طريق المسلمين من ميزاب، أو ظلة، أو حَفْر بئر، أو سرب للماء أو للريح في داره أو في أرضه، أو حفر شيئاً مما يجوز له في داره أو في طريق المسلمين، مثل: بئر المطر أو مرحاض يحفره إلى جنب حائطه، فلا غرم عليه لما عطب في ذلك كله، وما صنعه في طريق المسلمين مما لا يجوز له من حفر بئر أو رباط دابة ونحوه، فهو ضامن لما أصيب بذلك.
وإن حفر حفيراً في داره، أو جعل حبالة ليُعطب بها سارقاً، فعطب فيها السارق أو غيره، فهو ضامن لذلك. وإن حفر حفيراً في دار رجل بغير إذنه، فعطب فيه إنسان، ضمنه الحافر.
4556 - [مالك:] ومن اتخذ كلباً عقوراً، فهو ضامن لما أصاب إن تقدم إليه فيه.
قال ابن القاسم: وذلك إذا اتخذه حيث يجوز له، فلا يضمن ما أصاب حتى يتقدم إليه فيه، وإن اتخذه بموضع لا يجوز له اتخاذه فيه كالدور وشبهها وقد عرف أنه عقور، ضمن ما أصاب.(1)
والحائط المخوف إذا أُشهد [به] على ربه، ثم عطب تحته أحد، فربه ضامن، وإن لم يشهدوا عليه، لم يضمن وإن كان مخوفاً.
وإن كانت الدار مرهونة أو مكتراة، لم ينفعهم الإشهاد إلا على ربها، فإن غاب رفع أمره إلى الإمام ولم ينفعهم الإشهاد على الساكن، إذ ليس له هدم الدار.
4557 - ومن استأجر عبداً في بئر يحفرها له، ولم يأذن له سيده في الإجارة ولا في العمل، أو بعثه بكتاب إلى سفر بغير إذن سيده، فعطب فيه، فهو ضامن.
4558 - وإذا اصطدم فارسان، فمات الفارسان والراكبان، فدية كل واحد على عاقلة الآخر، وقيمة فرس كل واحد في مال الآخر.
ولو أن سفينة صدمت سفينة أخرى، فكسرتها فغرق أهلها، فإن كان ذلك من ريح غلبتهم أو من شيء لا يستطيعون حبسها، فلا شيء عليهم، وإن كانوا قادرين على أن يصرفوها فلم يفعلوا، ضمنوا.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/278)، ومواهب الجليل (6/241).
ولو أن حراً أو عبداً اصطدما، فماتا جميعاً، فثمن الغلام في مال الحر، ودية الحر في رقبة الغلام، فإن [كان] في ثمن الغلام فضل عن دية الحر، كان في مال الحر، وإلا فلا شيء لسيد العبد.
وإن قتل حر وعبد جميعاً رجلاً خطأ، فعلى عاقلة الحر نصف الدية، ويقال لسيد العبد: ادفع عبدك أو افده بنصف الدية.
4559 - ومن جرح رجلاً جرحين خطأ، وجرحه آخر جرحاً خطأ، فمات من ذلك فأقسمت الورثة عليهما، كانت الدية على عاقلتيهما بنصفين، لا على الثلث والثلثين.
وإذا قتل العبد رجلاً له وليان، فعفى أحدهما، قيل لسيده: ادفع نصفه أو افده بنصف الدية، وإن قتل قتيلين وليهما واحد، فليس له أن يسلم نصفه بدية أحدهما ويفتك نصفه بدية الآخر، ولكن يسلمه كله أو يفتكه بديتيهما، وإن كان لكل قتيل أولياء، فعفا أولياء أحدهما، فلأولياء الآخر قتله، فإن استحيوه ليأخذوه، قيل لسيده: إما أن تسلم نصفه أو تفديه بالدية.
4560 - وإذا جرح العبد رجلاً، فبرأ جرحه، وفدى العبد سيده، ثم انتقض الجرح فمات منه، فليقسم ولاته ولهم قتله في العمد، فإن استحيوه على استرقاقه، صار العمد كالخطأ، وخير سيده بين أن يسلمه أو يفديه بالدية، فإن أسلمه رجع بما دفع أولاً في الجرح، وإن فداه قاصه به في الدية.
ولو أن عبيداً قتلوا رجلاً خطأ، أو جرحوه وهم لمالك واحد أو لجماعة، فدية النفس أو الجرح تقسم على عددهم، فمن شاء سيده منهم فداه بما يقع عليه أو أسلمه، قلّت قيمته أو كثرت، قلّ ما يقع عليه أو كثر، كانوا لواحد أو لجماعة.
4561 - ومن فقأ عيني عبد أو قطع يديه جميعاً فقد أبطله، ويعتق عليه ويضمن قيمته، فإن لم يبطله مثل أن يفقأ عينه الواحدة أو يجذع أذنه وشبهه فعليه ما نقصه ولا يعتق عليه. وقد سمعت أنه يسلم إلى من فعل ذلك به ويعتق عليه، وذلك رأيي إذا أبطله على صاحبه.
4562 - وإذا قطع عبدك يد رجل خطأ، وقتل آخر خطأ، فإن أسلمته فهو بينهما أثلاثاً، ولو استهلك مع ذلك مالاً، حاص أهل المال أهل الجراح في رقبته بقيمة ما استهلك لهم، ولو قتل [رجلاً] واحداً خطأ، وفقا عين آخر، فلك أن تفدي ثلثيه في القتل بجميع الدية، وتسلم إلى صاحب العين ثلثه، فيكون معك في العبد شريكاً.
4563 - وقال في المدبر يجني، فتسلم خدمته في الجناية، فيموت السيد قبل أن يفي ما خدم بالجناية، فلم يحمله الثلث فيعتق منه محمل الثلث: فإنه ينظر ما بقي لأهل الجناية فيقسم [على] ما رق منه وما عتق، فإما فدى الورثة ما رق منه بما ينوبه أو أسلموه، وما وقع على المعتق منه أتبع به.
قيل: أفيأخذون [منه] جميع كسبه حتى يستوفوا بقية الجناية التي صارت لهم على العتيق منه؟ قال: قد قال مالك - رحمه الله - في العبد نصفه حر يجني، فيفدي السيد حصته: إن ما بيد العبد من مال يؤخذ في نصف الجناية التي لزمته، وكذلك المدبر فيما بيده من المال.
وأما ما اكتسب العبد من مال، فلا يؤخذ من الجزء العتيق إلا ما فضل عن عيشه وكسوته، والذي أُخذ من العبد في جنايته إنما هو قضاء لنصيبه الذي عتق منه، فإن كان كفافاً لم يتبع بشيء، وإن كان فيه فضل، وقف الفضل بيده، وإن قصر عن ذلك أتبع به في حصة الحر، وأما ما رق لهم منه، فلا يتبعوه فيه بشيء من الجناية، لأنه رقيق لهم، وعليهم أن يطعموه ويكسوه بقدر الذي رق لهم.
4564 - قال مالك - رحمه الله - في عبد على برذون، مشى على أصبع صبي فقطعها، فتعلق به يقول: هذا فعل بي ذلك، وصدقه العبد: فما كان في مثل هذا، يتعلق به وهو يدمي، ويقر به العبد، [فهو] في رقبته إما فداه سيده أو أسلمه، وأما على غير هذا من إقرار العبد، فلا يقبل إلا ببينة، وإن أقر العبد بقتل عبد لهم، فلهم قتله، فإن استحيوه فليس لهم ذلك، للتهمة أن يكون أقر ليفر إليهم.
4565 - وإن جنى عبد في يديك عارية، أو وديعة، أو رهناً، أو بإجارة، وهو لرجل غائب ففديته، ثم قدم [الغائب]، فإما دفع إليك ما فديته وأخذه، وإلا أسلمه إليك ولا شيء عليه.
4566 - وإن عجز المكاتب وعليه دين، فديته في ذمته إلا أن يكون له مال حين عجز، فيؤدوا منه الدين، وكلما أفاد بعد عجزه، فللغرماء أن يأخذوه في دينهم، إلا ما كان من كسب يده وعمله في الأسواق.
وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة، فرهق العبد دين، وعلى المكاتب دين، فقام الغرماء، فالعبد يباع في دين المكاتب ويثبتون أن عليه ديناً، ويبقى دين العبد في ذمته يتبع به.
4567 - وإذا جنت مكاتبة، ثم ولدت فماتت، فلا شيء على الولد من جنايتها، ولا مما في ذمتها من دين. وكذلك المدبرة تلد بعد الجناية، فلا يدخل ولدها في الجناية، وكذلك الأمة تجني وهي حامل، أو حملت بعد أن جنت ثم وضعت، فلا يسلم ولدها معها في الجناية، وتسلم بمالها، كسبته بعد الجناية أو قبلها. وإذا جنت الأمة، منع سيدها من وطئها حتى يحكم فيها.
4568 - وإذا قتلت أم الولد رجلاً عمداً له وليان، فعفا أحدهما، فعلى السيد الأقل من نصف قيمتها أو نصف الدية، وإذا قال: لا أدفع [إليكم] شيئاً، إنما لكم قتل، فليس ذلك له، كالحر يقتل رجلاً له وليان فيعفو أحدهما، فعليه للآخر نصف الدية، ويجبر على ذلك.
4569 - ولا تجوز شهادة النساء في دم العمد، ولا في العفو عنه.
4570 - ومن قطع أصابع رجل [عمداً]، ثم قطع بقية كفه، فإنما عليه أن يقطع يده من الكف، إلا أن يكون فعل ذلك به على وجه العذاب، فيصنع به مثل ذلك.
ولو طرح رجلاً في نهر ولم يدر أنه لا يحسن العوم، [فمات]، فإن كان على [وجه] العداوة والقتال، قُتل به، وإن كان على غير ذلك، فعليه الدية ولا يقتل به.
4571 - وإن شهد رجل أن فلاناً قتل فلاناً بالسيف، وشهد آخر أنه قتله بالحجر، فذلك باطل، ولا يقسم بذلك.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/271).
4572 - ومن وضع سيفاً في طريق المسلمين، أو في موضع يرصد به قتل رجل، فعطب به ذلك الرجل، فإنه يقتل بهن وإن عطب به غيره، فديته على عاقلته.
قال المصنف - رضي الله عنه - : وقد تركت من هذا الباب مسائل كثيرة، قد تقدم ذكرها في كتاب التفليس، وفي كتاب الجنايات [وغيره]، فأغنى عن إعادتها.
* * *
[قال خلف بن أبي القاسم البراذعي القروي: قد تضمن هذا الكتاب مسائل المدونة والمختلطة كلها، خلا كثيراً من تكرارها وآثارها، وأجريت فيه ذكر مالك وغيره من أصحابه، فيما لا غنى فيه عنه، مما هو في المدونة، وجعلت ما لم أذكر قائله من المسائل منسوباً إلى عبد الرحمن بن القاسم، وإن كانت كلها قول مالك، فمنها ما سمعه منه، أو بلغه عنه، أو قاسه على أصوله، إلا ما بيّن أنه خالفه فيه واختاره من أحد قوليه، فإني ذكرت ذلك حسبما هو في المدونة، وما كان في هذا الكتاب “وهو أحب إليّ”، أو “وبه أقول”، فهو اختيار ابن القاسم، والله تعالى أسأله التوفيق برحمته، وحسبنا الله ونعم الوكيل].
[تم جميع الديوان بحمد الله وعونه، في العشر الأواخر من شعبان المكرم، سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، فرحم الله كاتبه وكاسبه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً الله على محمد خاتم النبيين وسلم تسليماً].
* * *
تم بجمد الله
* * *
الفهرس
كتاب الصَّرف 3
ما يحرم في اقتضاء الطعام بالطعام 17
كتاب بيوع الآجال 20
كتاب البيوع الفاسدة 27
كتاب بيع الخيار 34
كتاب المرابحة 45
كتاب الوكالات 51
كتاب البيع الغَرَر والملامسة 56
كتاب العرايا 62
كتاب التجارة إلى أرض الحرب 66
كتاب التَّدليس بالعيوب 76
كتاب الصلح 94
كتاب الجعل والإجارة 105
في الإجارة والجُعل على بيع السلع، وما يجوز من ذلك وما لا يجوز 106
في إجارة نزو الفحل 113
كتاب تضمين الصناع 125
كتاب المساقاة 131
كتاب الجوائح 138
كتاب كراء الرواحل والدواب 142
كتاب كراء الدور والأرضين 158
كتاب القراض 175
كتاب الشركة 189
كتاب الأقضية 202
كتاب الشهادات 205
كتاب المديان 220
كتاب التفليس 227
كتاب المأذون له في التجارة 232
كتاب الحمالة 236
كتاب الرهون 252
كتاب الغصب 268
كتاب الاستحقاق 278
كتاب الشُّفْعة 288
كتاب الوصايا الثاني 296
كتاب القَسْم 311
كتاب الوصايا 334
كتاب الوديعة 360
كتاب العارية 366
كتاب الحبس 371
كتاب الصدقة 377
كتاب الهبة 380
كتاب الهبات 388
كتاب اللقطة والضوال 393
كتاب الآبق 396
كتاب تحريم الآبار 400
كتاب الحدود في الزنا 405
كتاب القطع في السرقة 415
كتاب المحاربين 429
كتاب القذف 432
كتاب الأشربة 446
كتاب جنايات العبد 448
كتاب الجراح 466
كتاب الديات 477