التهذيب في اختصار المدونة
المؤلف : أبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني
1373 - وإن تزوجها بصداق نصفه نقد ونصفه على ظهره، فإن كان الذي على ظهره يحل بالبناء عندهم جاز وإن كان لا يحل إلا إلى موت أو فراق لم يجز النكاح، وفسخ قبل البناء وثبت [بعده]، وكان لها صداق المثل ما لم ينقص عن المعجل، ولا ينقص منه شيء.
1374 - ومن نكح امرأة على أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يخرجها من بلدها جاز النكاح وبطل الشرط، وليس لما يفسد به النكاح من الشروط حد، وإن وضعت عنه لذلك من صداقها في العقد لم ترجع به وبطل الشرط إلا أن يكون فيه عتق أو طلاق، ولو شرطت عليه هذه الشروط بعد العقد، ووضعت عنه لذلك بعض صداقها لزمه ذلك، فإن أتى شيئاً من ذلك رجعت عليه بما وضعت.
وإن أعطته [مالاً] على أن لا يتزوج عليها فإن فعل فهي طالق ثلاثاً، فإن تزوج وقع الطلاق وبانت منه ولم ترجع عليه بشيء إذ تم لها شرطها.
وإن تزوجها على شروط تلزمه ثم صالحها أو طلقها طلقة فانقضت عدتها ثم تزوجها، عاد عليه الشرط في بقية طلاق ذلك الملك، وإن شرط في نكاحه الثاني أنه إنما ينكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شيء لم ينفعه ذلك.
1375 - وإن قال الخاطب للأب في البكر أو لولي مفوض إليه: زوجني فلانة بمائة، فقال: قد فعلت، ثم قال الخاطب: لا أرضى، لم ينفعه، ولزمه النكاح بخلاف البيع. قال سعيد بن المسيب: ثلاث ليس فيهن لعب، هزلهن جد، النكاح والطلاق والعتاق.(1)
1376 - ويجوز نكاح الخصي والمجبوب وطلاقهما.
__________
(1) رواه أبو داود (2194)، والترمذي (1184)، ومالك (2/548)، وابن ماجة (2039).
1377 - وللعبد أن يتزوج أربعاً إن شاء حرائر أو إماء، وحد العبد في الفرية أربعون جلدة، وطلاقه طلقتان، وأجله في الفقد والاعتراض والإبلاء نصف أجل الحر، وكذلك سائر الحدود، وهو في كل الكفارات كالحر إلا أنه لا يجزيه العتق في الكفارات إذ الولاء لغيره، وجائز أن يتزوج العبد والمكاتب ابنة سيده عند ابن القاسم واستثقله مالك. وإذا اشترى المكاتب أو المأذون له زوجته انفسخ النكاح ووطئها بملك اليمنين. ومن زوج عبده فالمهر في ذمة العبد لا في رقبته إلا أن يشترطه على السيد.
قال ربيعة: إن خطب عليه السيد وسمى فالصداق على السيد، وإن أذن له فنكح فذلك على العبد وللحرة ما سمى وللأمة أيضاً، إلا أن يجاوز ثلث قيمتها.
1378 - وإذا تزوج عبد أو مكاتب بغير إذن سيده ونقد المهر وبنى بها، فللسيد فسخه ويترك للزوجة ربع دينار، وترد ما بقي، فإن أعدمت توبعت به فإن عتق العبد أو أدى المكاتب أو عتق اتبعته الزوجة بما أدت إن غرها، وإن بين لها فلا شيء لها، وإن أبطله السيد عنه أو السلطان قبل العتق لم يلزمه شيء إن أُعتق وكذلك ما تداينه بغير إذن سيده، وإن لم يعلم [السيد] بنكاحه إلا بعد العتق فلا كلام له والنكاح ثابت، وكذلك ما أعتق أو تصدق، وكل ما لزم ذمة العبد فلا يأخذه الغرماء من خراجه [ولا من] عمل يده ولا مما فضل بيده من ذلك وإنما يأخذون [ذلك] مما أفاده العبد بهبة أو صدقة أو وصية، فإن عتق العبد يوماً بما] أتبع بذلك، وكل دين لحق المأذون له في التجارة كان دينه فيما في يديه وفيما كسبه من التجارة دون خراجه وعمل يده، ويضرب فيه السيد بدينه.
1379 - وإذا اشترت المرأة زوجها بعد البناء انفسخ النكاح واتبعته بمهرها كمن داين عبداً ثم اشتراه فإنه يتبعه بدينه، وإن اشترته قبل البناء فلا مهر لها.
قال سحنون: إلا أن يرى أنها وسيده اغتزيا فسخ نكاحه، فلا يجوز [ذلك] وتبقى الزوجة [له]، إذ الطلاق بيد العبد فلا تخرج من عصمته بالضرر.
1380 - ولا يتزوج الرجل مكاتبته ولا أمته، ولا المرأة مكاتبها وهو عبد ما دام في حال الأداء. ولا بأس أن يرى شعرها إن كان وغداً وإلا فلا، وكذلك عبدها. وإذا كان لها فيه شريك فلا يرى شعرها وغداً كان أو غيره.
1381 - وللحر أن يتزوج من الإماء ما بينه وبين أربع إن خشي العنت، وكذلك للعبد، وإن لم يخش العنت، ولا يتزوج الرجل أمة ولده، وإن كان الأب عبداً وكأنها أمته إذ لو زنا بها لم يحد، وجائز أن يتزوج أمة والده أو أمة أخيه أو أمة زوجته إذ لو زنا بها حد، وذكر الولد يتزوج أمة والده ثم يبتاعها منه في كتاب أمهات الأولاد، ولا أحب للرجل أن يطأ أمة عبده ولا يزوجها إياه حتى ينتزعها قبل ذلك، فإن وطئها هو أو زوجها من عبده قبل أن ينتزعها مضى ذلك وكان انتزاعاً.
1382 - ولا ينكح حر أمة على حرة، فإن فعل جاز وخيرت الحرة في أن تقيم معه أو تختار نفسها، ولا تقضي إلا بواحدة وتكون بائنة، بخلاف خيار المعتقة فإن رضيت بالمقام سوى بينهما في القسم، ورأى ابن المسيب: أن للحرة الثلثين.
قال ابن القاسم: وكذلك لها الخيار إن تزوج عليها أمة أخرى.
1383 - ولا بأس بنكاح حرة على أمة، وللحرة الخيار إن لم تكن علمت وإن كانتا أمتين فعلمت بواحدة فلها الخيار بعد علمها بالأخرى فإن رضيت فلها ثلث القسم.
قال مالك: وإنما جعلنا لها الخيار لما قالت العلماء ولولا ذلك لأجزته، لأنه حلال في كتاب الله، وروى ابن القاسم وابن وهب وعلي عن مالك أنه لا ينبغي للحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولاً لحرة، ولا في عدم الطول إلا أن يخشى العنت.
وقال غيره: لا يتزوجها على حرة ولا على أمة [ولا على أم ولد]، وليس عنده شيء إلا في عدم الطول وخوف العنت.
قال مالك: والطول المال وليست الحرة تحته بطول تمنعه نكاح أمة إذا خشي العنت. قيل: فإن لم يخش العنت وتزوج أمة؟، قال: كان مالك مرة يقول: ليس له أن يتزوجها إذا لم يخش العنت، وكان يقول: إن كانت تحته حرة فلا يتزوج أمة، فإن فعل وتزوجها على حرة فرق بينه وبين الأمة، ثم رجع فقال: تخيّر الحرة.
1384 - وإذا نكح عبد حرة على أمة، أو أمة على حرة فلا خيار للحرة، إذ الأمة من نسائه، ويقسم العبد بين الحرة والأمة بالسوية، وللمكاتب العبد التسري في ماله بغير إذن السيد، ولا يتزوج مكاتب ولا مكاتبة بغير إذن السيد لرجاء فضل أو غيره، لأن ذلك يعيبهما إذا عجزا، فإن فعلا فللسيد فسخه.
1385 - ومن تزوج امرأة أخبرته أنها حرة ثم علم قبل البناء أنها أمة أذن لها السيد أن تستخلف رجلاً على إنكاحها، فللزوج الفراق ولا صداق لها، وإن كان [قد] بنى بها فلها المسمى، إلا أن يزيد على صداق المثل فلترد ما زاد، [فإن شاء رد] وإن شاء أمسك ولها المسمى، وللسيد في الوجهين على الأب قيمة الولد يوم الحكم، ولا شيء على الأب فيمن مات منهم قبل ذلك، ومن قتل من ولدها فأخذ الأب فيه دية حر، ثم استُحقّت الأم فعليه الأقل من قيمته يوم القتل عبداً، أو ما أخذ في ديته، وإن استُحقت وفي بطنها جنين فعلى الأب قيمته من يوم الوضع وهو حر، ولو ضرب رجل بطنها قبل الاستحقاق أو بعده فألقت جنيناً ميتاً فللأب عليه غرة عبد أو وليدة، لأنه حر، ثم للمستحق على الأب الأقل من ذلك أو من عشر قيمة أمه يوم ضربت، وولدها لاحق النسب، له حكم الحر في النفس والجراح وفي الغرة قبل الاستحقاق وبعده، وإن استحقت الأمة بعد موت زوجها ولم يدع مالاً أو كان زوجها حياً وهو عديم وله منها ولد موسر، فللمستحق على الولد قيمته، وإن كان عديماً فذلك عليه إن أيسر، وقد قيل: لا شيء على الولد، وهذا في كتاب الاستحقاق مستوعب، ولو استحق الأمة عم الولد أخذ قيمتهم، إذ لا يعتق عليه ابن أخيه، ولو كان جدهم لم يأخذ قيمتهم ولا شيء له من ولائهم، لأنهم أحرار وإنما أخذت القيمة فيهم بالسنة.
1386 - ولو غرت أمة الأب ولده فتزوجها فولدت منه ثم استحقها الأب، فلا شيء له من قيمة ولدها إذ لو ملكهم عتقوا عليه، وكذلك إن غرت أمة الولد والده [فتزوجها فولدت منه].
1387 - ولو كانت الغارّة أم ولد فلمستحقها قيمة الولد على أبيهم على رجاء العتق لهم بموت سيد أمهم، ولو مات سيد [أمهم] قبل القضاء بقيمتهم لم يكن لورثته من قيمة الولد شيء، لأنهم بموت السيد عتقوا، وإن ألفاهم السيد قُتلوا فللأب دية أحرار وعليه الأقل مما أخذ أو من قيمتهم يوم قتلوا.
1388 - وإن غرت مدبرة ففي ولدها القيمة على الرجاء أن يعتقوا [أو يرقوا] بخلاف بولد] أم الولد. وإن كانت مكاتبة [غرت من نفسها فولدت فلا شيء لمولاها على أبي الولد، لأنهم إن أعتقت أمهم عتقوا بعنقها، لأنهم في كتابتها إلا أن تعجز فترجع رقيقاً، فتلزم الأب قيمة الولد، ولكن تؤخذ من الأب قيمتهم فتوضع تلك القيمة على يدي رجل]، فإن عجزت أخذها السيد، وإن أدت رجعت القيمة إلى ألب، وإن غرت الأمة عبداً [أخبرته] أنها حرة فتزوجها، فولدها رق لربها، إذ لا بد من رقه مع أحد الأبوين، ولا يغرم العبد قيمتهم.
1388 - ومن قال لرجل: فلانة حرة، ثم زوجها إياه غيره فلا رجوع للزوج على المخبر، علم أنها أمة أم لا، وكذلك إن ولي المخبر العقد ولم يعلم أنها أمة، فإن [كان] وليها عالماً رجع الزوج عليه بما أدى من الصداق، ولا يرجع عليه بما يغرم من قيمة الولد إذ لم يغره من ولد. ولو أنه إذ غره عالماً وولي العقد أعلمه أنه غير ولي لها لم يرجع عليه الزوج بشيء.
ولو غر عبد حرة فتزوجته على أنه حر، فإن أجاز السيد نكاحه فلها الخيار ما لم تدعه يطؤها بعد علمها به، فإن كرهته فرق السلطان بينهما، إلا أن يتطوع الزوج بالفراق دونه فليزم.(1)
1389 - [قال مالك:] وترد النساء من العيوب الأربعة، الجنون والجذام والبرص وعيب الفرج، ولا صداق لها إن لم يبن بها، وإن بنى بها فلها الصداق، ويرجع به الزوج على وليها إن كان الذي أنكحها أب أو أخ أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، ثم لا يرجع به الأب عليها، وإن كان الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو السلطان أو من لا يظن به علم ذلك فلا شيء عليه، وترد المرأة ما أخذت إلا ربع دينار. قال ربيعة: فإن وطئها بعد العلم بدائها فقد وجبت له.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/288)، والفواكه الدواني (2/39)، ومواهب الجليل (3/538)، ومنح الجليل (3/379)، والمدونة الكبرى (2/215).
قال ابن المسيب: وإن كان بالزوج جنون أو ضرر فالمرأة مخيرة بين أن تقيم أو تفارق. قال مالك: وأرى الضرر الذي أراد ابن المسيب هذه الأشياء التي ترد بها المرأة.
1390 - ولا ترد إذا وجدت عمياء أو عوراء أو مقعدة أو قطعاء أو شلاء أو سوداء أو قد ولدت من زنا، ولا من شيء سوى العيوب الأربعة، إلا أن يشترط السلامة مما ذكرنا ثم يجد ذلك بها فلا صداق لها إن لم يبن بها، فإن بنى بها فلها المهر، ويرجع به على الولي الذي شرط له ذلك، وما عرف أهل المعرفة أنه من عيوب الفرج ردت به، وإن جامع معه، وقد تجامع المجنونة.
1391 - ومن تزوج امرأة فإذا هي لِغيّة(1)، فإن زوجوه على نسب فله ردها وإلا لزمته، فإن ردها فلا صداق عليه إن لم يكن بنى بها، وإن بنى بها فعليه صداقها، ويرجع به على من غره، وإن كانت هي الغارة ترك لها ربع دينار وردت ما بقي.
1392 - وإن انتسب لها فألفته لِغيّة خيرت بين أن تقبله أو ترده. ومن غر من وليته فزوجها في عدة ودخلت، فسخ النكاح، وضمن الولي الصداق كله، ولو كانت هي الغارة ترك لها ربع دينار، وردت الباقي.
1393 - [قال مالك:] وإن كان الرجل مجبوباً أو خصياً فلم تعلم المرأة فلها أن تقيم أو تفارق بواحدة بائنة لا بأكثر منها، ويتوارثان قبل أن تختار فراقه، فإن فارقته بعد أن دخل بها فعليها العدو إن كان يطؤها، وإن كان لا يطؤها [فلا عدة عليها].
__________
(1) أي لغير نكاح، وانظر: شرح الزرقاني (3/401)، والتاج والإكليل (3/486)، ومواهب الجليل (2/501)، ومنح الجليل (3/408).
قيل [لابن القاسم] فإن كان مجبوب [الذكر] قائم الخصا، قال: إن كان يولد لمثله فعليها العدة ويسأل عن ذلك، [فإن كان] يحمل لمثله لزمه الولد وإلا لم يلزمه ولا يلحق به، وإن علمت به حين تزوجته أنه مجبوب أو خصي، أو عنين لا يأتي النساء أصلاً، أو أخبرها [بذلك]، فلا كلام لها، وإن لم تعلم بذلك في العقد ثم علمت به [بعد العقد] وتركته وأمكنته من نفسها، فلا كلام لامرأة الخصي والمجبوب، وأما العنين فلها أن ترافعه، ويؤجل سنة، لأنها تقول: تركته لرجاء علاج أو غيره، إلا أن تتزوجه وهي تعلم ما به - كما وصفنا - فلا كلام لها بعد ذلك.
* * *
(كتاب النكاح الثاني)
1394 - [قال ابن القاسم:] ولا يجوز نكاح وبيع في صفقة [واحدة]، مثل: أن يتزوجها بعبد على أن أعطته داراً أو مالاً، أو بمال على أن تعطيه عبداً بثمن مسمى، ويفسخ ذلك قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل.
وقال غيره: إن بقي مما يعطي الزوج ربع دينار فصاعداً جاز النكاح.
1395 - ومن نكح على عبد آبق، أو بعير شارد، أو جنين في بطن أمه، أو بما في بطن أمته، أو بما تلد غنمه، أو بثمرة أو زرع لم يبد صلاحهما، أو على دار فلان، أو على أن يشتريها لها، فسخ النكاح في ذلك كله قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل وترد ما قبضت من آبق أو شارد أو غيره. وما هلك بيدها ضمنته، ولا تضمنه قبل قبضه، وتكون مصيبته من الزوج، وما قبضته ثم تغير في يديها في بدن أو سوق فقد فات، وترد قيمة ما يقوم يوم قبضته، وترد مثل ماله مثل إن زالت عينه أو تغيرت، وكذلك في فسخ ما عقد على خمر أو خنزير، أو إجازته في كل ما فساده في صداقه، وكذلك إن تزوجها على دار أو أرض أو غنم، كل ذلك غائب، فإن وصفه جاز، وإن لم يصفه فسخ النكاح قبل البناء، وثبت بعده ولها صداق المثل.
وإن تزوجها أو ابتاع سلعة بدراهم بعينها غائبة لم يجز، إلا أن يشترط [أن] عليه بدلها إن تلفت، ولو حضرت الدراهم ونقدها إياها جاز كالبيع، فإن استحقت كان عليه بدلها ويتم النكاح والبيع.
1396 - ومن نكح على بيت أو خادم ولم يصف ذلك جاز، و[كان] لها خادم وسط، والبيت، فإن كانت من الأعراب فلهم بيوت [قد عرفوها]، فإن نكح على بيت من بيوت الحضر أو على شوار بيت(1)، جاز [ذلك] إن كان معروفاً، وشورة الخضر لا تشبه شورة البادية. وإن نكح على مائة بعير أو شاة أو بقرة ولم يصف، جاز وعليه الوسط من الأسنان، وكذلك على عبد بغير عينه ولم يصفه ولا ضرب له أجلاً، جاز ذلك وكان لها عبد وسط حال، وليس للزوج دفع قيمته إلا أن ترضى المرأة، وكذلك على عرض موصوف ليس بعينه، أو بمائة دينار ولم يضرب لذلك أجلاً فالنكاح جائز، ويكون ذلك كله نقداً، وكذلك الخلع.
1397 - ومن نكح على قلال خل بأعيانها فوجدتها خمراً، فهي كمن تزوجت على مهر فأصابت به عيباً، فلها رده وترجع بمثله إن كان يوجد مثله، أو بقيمته إن كان لا يوجد مثله.
1398 - وإذا أخذت المرأة رهناً بصداق مسمى أو بصداق مثلها فهلك بيدها ضمنت ما غابت عليه ولم تضمن ما لا يغاب عليه، وإن أصدقها شقصاً ففيه الشفعة بقيمته، وإن أظهرا مهراً وأسرا دونه أخذ بما أسرا إن شهد به عدول.
__________
(1) هو متاع البيت، وانظر: الكافي لابن عبد البر (1/250)، والمدونة الكبرى (7/188)، والتاج والإكليل (3/500).
1399 - ومن نكح امرأة بألف درهم على أنه إن كانت له امرأة أخرى فصداقها ألفان لم يجز كالبعير الشارد، وإن نكحها بألفين فوضعت عنه في عقد النكاح ألفاً على أنه لا يخرجها من بلدها، أو نكحها بألف على أنه إن أخرجها من بلدها فمهرها ألفان، فله أن يخرجها وليس لها إلا الألف، وهو كالقائل لزوجته: إن أخرجتك من [هذه] الدار فلك ألف، فله أن يخرجها بغير شيء، حتى لو انعقد عليه النكاح بألف ثم حطته بعد ذلك نصفها على أن لا يخرج بها أو لا يتزوج عليها أو نحوه ففعل ذلك، فلها الرجوع بما جعلت له إن فعل شيئاً، وله أن يفعله.
قال علي بن زياد: إن حطته [امرأة] في العقد من صداق مثلها لما شرطت عليه، لزمه ما حطت إن فعل من ذلك شيئاً، وإن كانت الحطيطة مما ناف على صداق المثل، لم يلزمه [ما حطت إن فعل من ذلك شيئاً]، ورواه ابن نافع عن مالك.
1400 - وإن نكحت على عبد بعينه فألفته معيباً [فردته] أو استحق [رجعت] على الزوج بقيمته، فإن فات المعيب عندها رجعت [على الزوج] بقيمة عيبه، وإن حدث به عندها عيب مفسد فلها رده وما نقصه [وأخذ قيمته، أو حبسه] وأخذ قيمة العيب القديم، وكذلك الزوج في الخلع. وإن نكحت على أمة فألفتها ذات زوج، فذلك عيب ولها ردها وأخذ قيمتها.
1401 - ومن زوج ابنته وضمن لها الصداق في عقد النكاح أخذته به ولا يرجع به الأب على الزوج، فإن مات الأب أخذته البنت من رأس ماله، فإن لم يترك شيئاً فلا شيء لها على الزوج، إلا أن يكون لم يدخل بها فلا سبيل له إليها إلا بدفع الصداق. وكذلك ذو القدر يزوج رجلاً ويضمن صداقه فلا يتبعه بشيء منه، لأنه بمعنى الحِمْل وليست هذه الوجوه كحمالة الديون. وكذلك من قال لرجل: بع من فلان فرسك والثمن لك علي، فباعه، ثم هلك الضامن كان ذلك في ماله، فإن لم يدع شيئاً فلا شيء على المبتاع. وكذلك من وهب لرجل مالاً فلم يدفعه إليه حتى قال لرجل: بعه فرسك بالذي وهبت له وأنا ضامن له حتى أدفعه إليك، فقبض الرجل الفرس وأشهد على الواهب بالثمن فإن هذا يثبت للبائع على الواهب، فإن لم يقبض البائع الثمن حتى مات الواهب ولم يدع مالاً فلا يرجع البائع على الموهوب له بشيء من ثمن الفرس.
1402 - ومن زوج ابنه الصغير ولا مال للابن فالصداق على الأب، فإن مات الأب أخذته المرأة من ماله، ولا يحاسب به الابن، ويدفع إليه ميراثه كاملاً مما بقي، وإن كان على الأب دين فقام عليه الغرماء كان للمرأة أن تحاصهم بصداقها، وإن ضمن الأب صداق ابنه البالغ ودفعه عنه ثم طلق الابن قبل البناء رجع نصف الصداق إلى الأب، ولو لم يدفعه الأب رجعت عليه المرأة بنصف صداقها، ولا يرجع الأب على الابن بشيء مما أدى عنه، لأن هذه الوجوه ليست كحمالة الديون.
قال ربيعة: ومن زوج ابنه الصغير والابن مليء فعليه الصداق، وإن لم يكن ملياً فعلى الأب.
قال أبو الزناد: أو يجعله على الابن فيلزمه.
قال يحيى بن سعيد: من زوج ابنه صغيراً أو كبيراً، وليس له مال فالصداق على الأب عاش أو مات، وإن كان لواحد منهما مال فذلك عليه إلا أن يشترطه الأب على نفسه.
1403 - قال ابن وهب عن مالك: وإذا كان الولد صغيراً ولا مال له فزوجه الأب بصداق عاجل، أو بعضه مؤجل فالصداق على الأب، ولا يلزم الابن منه شيء لا معجله ولا مؤجله وإن أيسر، ولا يرجع به عليه الأب.
قال مالك: ومن زوج ابنه الصغير في مرضه وضمن [عنه] صداقه، لم يجز الضمان وجاز النكاح، فإن شاء الابن البناء وهو كبير أدى الصداق، وإلا لم يلزمه وفارق، فإن كان صغيراً نظر له وليه أو وصيه في دفع الصداق وثبات النكاح أو فسخه، وإن طلبت ذلك الزوجة في مرض الأب لم يكن لها شيء في مال الأب.
1404 - وقال مالك فيما يضمن الأب عن ابنه في مرضه: لا يعجبني هذا النكاح.
قال ابن القاسم: فإن صح الأب لزمه الضمان، وإن مرض بعد صحته [فقد لبث عليه الضمان].
* * *
[في أقل الصداق وحكم النكاح بأقل منه وبغير صداق]
1405 - [قال ابن القاسم:] وأقل الصداق ربع دينار، فمن نكح بدرهمين أو بما يساويهما، فإما أتم لها ثلاثة دراهم وثبت النكاح، وإن أبى فسخ، إلا أن يدخل فيجبر على إتمامها، ولا يفسخ للاختلاف في إجازة هذا الصداق.
وقال غيره: يفسخ قبل البناء وإن أتم الزوج ربع دينار، ويفسخ أيضاً بعد البناء ولها صداق مثلها، [وهو] كمن تزوج بلا صداق.
قال ابن القاسم: وإن طلّق قبل البناء فلها نصف الدرهمين.
1406 - وإذا وهبت المرأة صداقها لزوجها بعد أن قبضته أو قبل، وهي جائزة الأمر، ثم طلقها قبل البناء فلا رجوع له عليها بشيء، ولو وهبته نصفه فله الربع عليها إن قبضته، أو لها عليها إن لم تقبضه، وكذلك في هبتها ستين من مائة وأربعين وقبضت الباقي، فإنما عليها نصف ما قبضت، وإن وهبت مهرها لأجنبي قبل قبضه وهي جائزة الأمر فإن حمله الثلث جاز، وإن جاوز الثلث بطل جميعه إلا أن يجيزه الزوج، فإن لم يقبضه الموهوب [له] حتى طلقت قبل البناء، فإن كانت موسرة يوم طلقها فللموهوب [له] أخذ الزوج به، [كان الصداق عيناً أو عرضاً]، وللزوج الرجوع عليها بنصفه، وإن كانت يوم طلقها معسرة حبس الزوج نصفه ودفع نصفه إلى الموهوب له، ولو قبض الموهوب جميعه قبل الطلاق لم يرجع عليه الزوج بشيء، كانت الزوجة يوم الهبة معسرة أو موسرة، أو الآن، ويتبعها الزوج بنصفه.
وقال غيره: إذا كانت يوم الهبة موسرة ولم يقبضه الموهوب [له] حتى طلقت، لم ينظر إلى عسرها يوم الطلاق، وعلى الزوج دفع جميعه إلى الموهوب ومتابعتها بنصفه.
1407 - وكل ما أصدق الرجل امرأته من حيوان أو غيره مما هو بعينه فقبضته أو لم تقبضه فحال سوقه أو نقص في بدنه أو نما أو توالد ثم طلقها قبل البناء، فللزوج نصف ما أدرك من هذه الأشياء يوم طلق على ما هو به من نقص أو نماء، ولا ينظر في هذا إلى قضاء قاض، لأنه كان في ذلك شريكاً لها، ألا ترى [أن] هذه الأشياء لو هلكت ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء، ولو هلكت بيده كان له أن يدخل بها ولا صداق عليه.
1408 - ولو نكحها بعرض بعينه فضاع بيده ضمنه، إلا أن يعلم ذلك فيكون منها، وكذلك إن نكحها على حائط بعينه أو عبد بعينه ثم طلقها قبل البناء، كان ما أغلت الثمرة أو العبد بينهما، كان بيدها أو بيد الزوج، وللذي في يديه الحائط قدر سقيه وعلاجه في حصة الآخر. وكذلك الأمة تلد عند الزوج أو عندها أو كسبت مالاً أو أغلت غلة أو يوهب لها أو للعبد مال، فذلك كله إن طلقت المرأة قبل البناء بينهما، وكذلك ما أغل، أو تناسل من إبل أو بقر أو غنم، أو أثمر من شجر أو نخل أو كرم، فذلك كله بينهما، ومن استهلك من ذلك شيئاً ضمن حصة صاحبه، إلا أنه يقضي لمن أنفق منهما بنفقته التي أنفق نصف قيمته يوم العتق، ولا يرد العتق موسرة كانت أو معسرة، أنها إن كانت معسرة يوم العتق وقد علم الزوج، فترْكه ذلك رضى، ولو قام حينئذ رده إن شاء إن زاد على ثلثها، ولم يعتق منه شيء، فإن طلق قبل البناء فله نصفه.(1)
1409 - قال مالك: ويعتق عليها نصفه، وكذلك لو كان عبداً أصله لها فأعتقته كله ولا مال لها سواه فرد الزوج عتقها، ثم مات عنها أو طلقها، عتق الآن عليها جميعه، وكذلك ما رد من عتق مفلس ثم أيسر وهو بيده، قال مالك: يعتق عليه. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال في الزوجة: يعتق عليها [إن مات زوجها أو طلقها]، فلا أدري هل [يرى أن] يقضي [بذلك] عليها أم لا، والذي أرى أن لا يقضى عليها بعتقه، ولا ينبغي لها ملكه.
وإن نكحها بعبد فجنى عليه جناية ثم طلقها قبل البناء فأرش ذلك بينهما، فيه، ثم يكون له نصف ما بقي، وقد قيل: إن كل غلة أو ثمرة للمرأة خاصة بضمانها.
1410 - قال ابن القاسم: ولو قبضت ذلك المرأة ثم وهبته لأحد وهي جائزة الأمر، ثم طلقها الزوج قبل البناء، كان له [عليها] نصف قيمته يوم وهبته، نما عند الموهوب أو نقص.
وقال غيره: بل نصف قيمته يوم قبضته.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/521)، ومواهب الجليل (3/501)، والتقييد (2/201).
1411 - [قال ابن القاسم:] ولو نكحها بعبد بعينه فدفعه إليها فأعتقته، غرمت ولو جنى العبد وهو [بيد] المرأة، خيرت المرأة فإن فدته لم يأخذ منها الزوج نصفه، إلا أن يدفع إليها نصف ما فدته به، وإن أسلمته فلا شيء للزوج إلا أن تحابي فلا تجوز محاباتها على الزوج في نصفه، ولو جنى العبد وهو بيد الزوج فليس للزوج دفعه، وإنما ذلك للمرأة فإن طلقها قبل أن تدفعه وهو عنده أو عندها، كان بمنزلتها في نصفه.
1412 - ومن تزوج امرأة بألف درهم فاشترت منه بها داره، أو عبده، أو ما لا يصلح لجهازها، ثم طلقها قبل البناء، فإنما له نصف ذلك نما أو نقص، وهو بمنزلة ما أصدقها إياه. ولو اشترت ذلك من غيره رجع عليها إذا طلقها بنصف الألف درهم، وكان ضمان ذلك منها إلا أن يكون ما اشترت من غير الزوج مما يصلح لجهازها، مثل خادم وعطر [وثياب] وفرش [وأسرّة] ووسائد وكسوة ونحوه، فليس للزوج إذا طلقها إلا نصف ذلك.
1413 - قال ابن وهب عن مالك: وليس للمرأة أن تحبس ذلك، وتدفع إلى الزوج نصف ما نقدها عيناً، لأنه كان لذلك ضامناً إلا أن يرضى.
1414 - وإن تزوجها على عبد بعينه أو أمة بعينها أو دار بعينها فاستحق بعض ذلك، فإن كان الذي استحق من الدار فيه ضرر، كان لها أن ترد بقيتها وتأخذ قيمتها وتحبس ما بقي وترجع بقيمة ما [استحق]، وإن استحق منها مثل البيت أو الشيء التافه الذي لا ضرر فيه رجعت بقيمته فقط، وكذلك العروض، فأما ما يستحق من العبد أو الأمة من جزء قلّ أو كثر، فلها أن ترد بقيته وترجع بقيمة جميعه، أو تحبس ما بقي منه وترجع بقيمة ما استحق، ولو كان جماعة رقيق أو جملة ثياب فاستحق بعضها فمحمل ذلك محمل البيوع.
1415 - وإن تزوجها على مسمى ثم زادها فيه بعد ذلك طوعاً ولم تقبضه حتى مات أو طلق قبل البناء فلها نصف الزيادة إن طلق، ولا تأخذه إن مات، لأنها عطية لم تقبض.
1416 - [قال مالك:] ومن تزوج امرأة على من يعتق عليها عتق عليها بالعقد، فإن طلقها قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته معسرة كانت أو موسرة، ولا يتبع العبد بشيء ولا يرد عتقه كمعسر أعتق بعلم غريمه فلم ينكر، والزوج حين أصدقها إياه قد علم أنه يعتق عليها فلذلك لم أدره على العبد بشيء. وقد بلغني عن مالك أنه استحسن ألا يرجع الزوج على المرأة بشيء، وقوله الأول أحب إلي.
1417 - [قال مالك:] وإذا أسلمت الكتابية أو المجوسية ولم يسلم الزوج فهو فسخ بغير طلاق، فإن لم يبن بها فلا صداق لها نقداً ولا مؤخراً، وإن قبضته ردته، لأن الفرقة [جاءت] من قبلها، ولو بنى بها كان لها جميعه، وكذلك الأمة تعتق تحت عبد فتختار نفسها مثلها سواء، إلا في الفسخ فإنه بطلاق.
1418 - وصداق الأمة [التي] نصفها حر، موقوف بيدها كمالها، ويلي عقد نكاحها من له فيها الرق برضاها. ومن تزوج أمة ثم ابتاعها من سيدها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده، لأن الفسخ من قبله.
وإن ابتاعها بعد البناء فالصداق لسيدها البائع كمالها، إلا أن يشترطه المبتاع، [وإن ابتاعها غير الزوج فمهرها للسيد البائع بنى بها الزوج أم لا، إذ النكاح قائم [بمنزلة مالها]، إلا أن يشترطه المبتاع].
1419 - قال مالك: وإن عتقت أمة تحت عبد بعد البناء فاختارت نفسها، فلها مهرها كمالها إلا أن يشترطه السيد، وكذلك إن لم يبن بها فاختارت المقام مع الزوج، وقد كان الزوج [قد] فرض لها العتق فمهرها لها يتبعها إذا عتقت، إلا أن يكون سيدها أخذه قبل العتق أو اشترطه فيكون له، فإن اختارت هذه نفسها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده، لأن الفسخ من قبله.
ولو زوجها السيد بتفويض ففرض لها الزوج بعد العتق، فهو لها ولا سبيل للسيد عليه، إذ لم يكن ذلك بمال لها فيشترطه، وإذ لو مات الزوج أو طلق قبل الفريضة لم يكن لها شيء. ومن زوج أمته فله منعها من الزوج حتى يقبض صداقها.
1420 - قال بكير وغيره: وللسيد أخذ صداقها إلا قدر ما تحل به، وله أن يضع منه بغير إذنها.
1421 - [والمرتدة إذا دخل بها زوجها قبل أن تستتاب، أو يسلم أحد الزوجين المجوسيين بعد البناء، فيفرق بينهما، فللمرأة صداقها المسمى كاملاً. وكذلك من زوج أمته وشرط أن ما ولدت فهو حر، لم يقر هذا النكاح ويكون لها إن دخل بها المسمى].
1422 - ونكاح التفويض جائز، وهو أن يعقداه ولا يسميان صداقاً، فإن بنى بها فلها صداق مثلها، وليس كصداق أختها أو ذات رحمها، ولكن مثلها في المال والجمال والحال، وينظر ناحية الرجل فقد يُزوج فقير لقرابته، وأجنبي لماله، فليس صداقهما سواء.(1)
1423 - وليس للزوج البناء حتى يفرض، فإن فرض اقل من صداق المثل لم يلزمها إلا أن ترضى وإلا أتمه أو طلق، فإن رضيا بالأقل ثم طلق أو مات أحدهما كان ما رضياه صداقاً ماضياً، وإن فرض لها في مرضه لم يجز إلا أن يطأها في مرضه فيجوز ذلك، ويكون ما سمى من رأس ماله ما لم يزد على المثل فيرد ما زاد.
وإذا رضيت ثيب بأقل من صداق مثلها لزمها ولا قول لوليها.
1424 - قال مالك: وإذا زوج البكر أبوها بتفويض ثم فرض لها الزوج بعد ذلك أقل من صداق مثلها فرضيت، لم يكن لها ذلك إلا أن يرضى الأب بذلك فيجوز، ولا ينظر إلى رضاها مع الأب. وإن زوجها غير الأب فرضيت بعد ذلك وأباه الولي لم يجز رضاها، والرضى إلى الولي، [ولو رضيه الولي] ما جاز أيضاً.
1425 - قال ابن القاسم: إلا أن يكون [ذلك] نظراً لها، مثل أن يعسر الزوج ويسأل التخفيف، ويخاف الولي الفراق ويرى أن مثله رغبة لها فيجوز ذلك إذا رضيت، وما كان على غير هذا لم يجز وإن أجازه الولي، ولو فرض [لها] الزوج صداق المثل لزم ذلك المرأة والولي، ولا قول لمن أباه منهما.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/89)، حاشية الدسوقي (2/314)، والتاج والإكليل (3/514)، والفواكه الدواني (2/24)، والشرح الكبير (2/314)، ومواهب الجليل (3/514).
وإن فرض الزوج بعد عقد النكاح قبل المسيس أو بعده ما رضيت به المرأة وهي ممن يجوز أمرها، أو رضي به الولي وهي بكر والولي ممن يجوز أمره عليها وهو الأب في ابنته البكر، فذلك جائز، ويكون صداقها هذا الذي تراضيا عليه، ولا يكون صداق مثلها.
[قال غيره: إلا أن يدخل بها [الزوج]، فلا ينقص المولى عليها أب أو وصي من صداق مثلها].
1426 - قال ابن القاسم: وإذا كان ولي البكر ممن لا يجوز أمره عليها، فلا يجوز رضاها بأقل من صداق مثلها، ولا يجوز ما وضعت للزوج بعد الطلاق قبل البناء من النصف الذي وجب لها، وإنما [يجوز] ذلك للأب وحده، وقد قيل: إذا رضيت بذلك أو وضعت عن الزوج ما وجب لها بعد الطلاق جاز، إذ لا يولى عليها، وإنما لا يجوز ذلك لمن يولى عليها [بأب] أو وصي.
1427 - قال مالك: [ومن نكح ولم يفرض صداقاً جاز، وفرض صداق المثل إن بنى]، ولا يجب صداق المثل في نكاح التفويض إلا بالبناء، إذ لو مات قبل البناء والتسمية لم يكن لها صداق ولا متعة، ولها الميراث، ولو طلق لم يكن لها غير المتعة فقط.
1428 - [ومن نكح بغير صداق فإن كان على إسقاط أو موهوب فسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل].
1429 - قال ابن القاسم: وليس للموهوبة إذا لم يسموا معها صداقاً كالتفويض، وكأنه قال في الهبة: قد زوجتكها بلا صداق فهذا لا يصلح، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ولها صداق المثل.
قال سحنون: وقد كان قال: يفسخ وإن دخل.
وقال ابن شهاب في التي وهبت نفسها لرجل فمسها: فعليهما العقوبة ولها صداق المثل من أجل ما يرى بهما من الجهالة ويفرق بينهما].
قال ابن القاسم: ومن نكح بغير صداق فإن كان على إسقاطه، فسخ قبل البناء وثبت بعده ولها صداق المثل، [قال ابن القاسم:] وهذا الذي أستحسن، وقد بلغني ذلك عن مالك، وقيل: يفسخ وإن دخلا.
قال ابن القاسم: وإن لم يذكرا الصداق ولا شرطا إسقاطه، فذلك تفويض جائز.
1430 - وإذا اختلف الزوجان في الصداق بعد الطلاق وقبل البناء، فالقول قول الزوج مع يمينه، فإن نكل حلفت وأخذت ما تدعي، وكذلك إن ماتت قبل البناء وادعى ورثتها تسمية، وادعى الزوج تفويضاً، فالقول قوله مع يمينه، وله الميراث. وإن اختلفا في الصداق قبل البناء من غير موت ولا طلاق فادعت المرأة أكثر مما أقر به الزوج، فالقول قولها [مع يمينها]، ويخير الزوج في إتمام ما ادعته وإلا تحالفا وفسخ النكاح ولا صداق لها، وأما بعد البناء فالقول قول الزوج مع يمينه، لأنها أمكنته من نفسها [فصارت مدعية وهو مقر لها بدين، فالقول قوله مع يمينه]، وإن ادعى الزوج أنه دفع الصداق وأنكرت الزوجة، أو مات الزوج فادعت الزوجة أنها لم تقبض صداقها، أو مات الزوجان وتداعى ورثتهما [في] دفع الصداق فلا قول للمدخول بها ولا لورثتها، وإن لم يدخل بها صدقت هي أو ورثتها. وإن قال ورثة الزوج في المدخول بها قد دفعه، أو قالوا: لا علم لنا، فلا شيء عليهم، وإن ادعى ورثتها العلم عليهم حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج لم يدفع الصداق، ولا يمين على غائب، ومن يُعلم أنه لا علم عنده.
1431 - وإن نكح على نقد [معجل] ومؤجل فادعى بعد البناء أنه دفع المؤجل وأكذبته، فإن بنى بها بعد الأجل صدق، وإن بنى بها قبل الأجل صدقت، كان المؤجل عيناً أو حيواناً [مضموناً]، مع الأيمان فيما ذكرنا.
1432 - ومن وهب ابنته لرجل لم يجز، إلا أن تكون هبته إياها ليس على نكاح، لكن على وجه الحضانة، أو ليكفلها له، فيجوز، ولا قول لأمها إن فعل ذلك نظراً لحاجة وفقر، وإن وهبها بصداق مسمى وأريد به النكاح جاز، وكذلك واهب السلعة على ثمن مسمى فذلك بيع.
1433 - ومن تزوج امرأة على حكمه أو حكمها أو حكم فلان جاز، فإن وقع الرضى بالحكم فيه وإلا فسخ ولا شيء لها، ويلزم المرأة النكاح إن فرض لها الزوج قبل البناء صداق المثل كالتفويض، وكان ابن القاسم يكره هذا النكاح حتى بلغه أنه قول مالك فأخذ به وأجازه.
وقال غيره: ما قال ابن القاسم أول قوله أنه لا يجوز ويفسخ ما لم يفت بدخول، لأنه خرج عن حد ما أرخص فيه من التفويض.
1434 - قال ابن القاسم: وإن بنى بها في نكاح التحكيم قضى لها بصداق المثل، والنكاح ثابت.(1)
1435 - وكل ما فسد لصداقه كالنكاح بالآبق والشارد وفسخ قبل البناء، فلا صداق [لها] فيه ولا متعة، وكذلك إن لم يفسخ حتى طلقها قبل البناء فلا متعة عليه، ويلزم فيه الطلاق والخلع قبل الفسخ بما أخذ للاختلاف فيه ويتوارثان فيه. وإن طلقها فيه ثلاثاً لم تحل له إلا بعد زوج، وكذلك كل ما يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، والذي يتزوج بغير ولي مثل ذلك، لأن مالكاً وقف في فسخه بعد البناء.
1436 - قال سحنون: وقد كان قال لي: كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه [فهو فسخ بغير طلاق، ولا ميراث فيه] ويرد فيه الخلع، وترجع عليه بما أخذ منها، [لأنها كانت أملك بفراقه]، وقد بينا اختلاف قوله في هذا في كتاب [النكاح] الأول، وفيه ذكر العبد يتزوج بغير إذن سيده.
1437 - [قال مالك:] ولا يجوز نكاح المريض والمريضة، ويفسخ وإن دخلا، وإن بنى بها وهي مريضة ثم ماتت، فلها الصداق ولا يرثها.
1438 - قال مالك: وإن بنى [بها] المريض كان صداقها في ثلثه مبدأ على الوصايا والعتق ولا ترثه، قال مالك: وإن صحّا ثبت النكاح، دخلا أو لم يدخلا، ولها المسمى، وكان يقول: لا يثبت وإن صحا، ثم عرضته عليه فقال: امحه، وأرى إذا صحا أن يثبت النكاح، وإن فسخ قبل البناء فلا صداق لها ولا ميراث.(2)
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/515)، والفواكه الدواني (2/25)، والتاج والإكليل (3/515).
(2) انظر المدونة الكبرى (4/246)، والقوانين الفقهية لابن جزي (1/132)، ومواهب الجليل (2/210)، والتاج والإكليل (3/450).
1439 - قلت: فمن اشترى جارية أو أراد شراءها أو خطب الحرة، فقال [له] أبوه: قد نكحت الحرة ووطئت الأمة بشراء، فكذبه الابن، [قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئاً، إلا أن مالكاً قال:] لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع إلا أن يكون قد فشا وعرف، قال مالك: وأحب إلي أن لا ينكح وأن يتورع، ولا تجوز أيضاً شهادة امرأتين في الرضاع إلا أن يكون شيئاً قد فشا وعرف في الأهلين والمعارف والجيران، فتجوز حينئذ شهادتهما.
1440 - قال ابن القاسم: فشهادة الولد في مسألتك كشهادة المرأة في الرضاع، فلا يقبل قول الأب إلا أن يكون ذلك من قوله فاشياً قبل الشراء أو النكاح، وأرى له أن يتنزه عنها بغير قضاء، وكذلك الأم إذا لم يزل يسمعونها تقول: [قد] أرضعت فلانة، فلما كبرت أراد الابن تزويجها فلا يفعل.
1441 - وإذا تزوج أخوان أختين، فأدخلت على كل واحد [منهما] زوجة أخيه فوطئها، ردت كل واحدة إلى زوجها ولا يطؤها إلا بعد ثلاث حيض، وعلى العالمة منهما الحد ولا صداق لها، وإن قالت: لم أعلم، فلها صداق المثل على الواطئ: ويرجع هو به على من أغره.
1442 - ومن نكح أمة فليس له أن يتبوأ معها بيتاً، وتبقى في خدمة ساداتها، وليس للسادة منعه الوطء إذا أراده، ولا يضروا به، ويمنع هو من الضرر بهم، وللسيد بيعها وليس للمبتاع منع زوجها منها، وإن بيعت بموضع لا يصل إليها الزوج فله طلبها والخصومة إن منع منها، ويتبعه البائع بمهرها وبنصفه إن طلق قبل البناء.
1443 - [قال ابن القاسم:] ويحكم في الخنثى بمخرج البول في نكاحه وميراثه وشهادته وغير ذلك، وما اجترأنا على سؤال مالك عنه. ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة كان زنى بها بعد الاستبراء، أو امرأة كان قذفها فحد لها أو لم يحد.(1)
__________
(1) انظر: التقييد (2/219).
1444 - وإذا ادعت امرأة نكاح رجل أو ادعاه هو عليها فلا يمين على المنكر، إذ لا يقضى بنكوله. وإذا ادعى رجلان امرأة، كل واحد منهما يدعي أنها زوجته وأقاما البينة، ولم يعلم الأول منهما، والمرأة مقرة بأحدهما أو بهما أو منكرة لهما، فإن عُدّلت البينتان فسخت نكاحيهما وكانت طلقة، ونكحت من أحبت منهما أو من غيرهما، فإن كانت إحدى البينتين عادلة والأخرى غير عادلة قضيت بالعادلة.
قيل: فإن كانت واحدة أعدل من الأخرى وكلهم عدول؟ قال: يفسخان جميعاً بخلاف البيوع، لأن السلع لو ادعى رجل أنه ابتاع هذه السلعة من فلان وأقام بينة [عادلة]، وادعى آخر أنه ابتاعها من فلان وأقام بينة، قضى بأعدل البينتين صدقهما البائع أو كذبهما.
1445 - وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه أو شيئاً منه فسد النكاح، وكان فسخاً بغير طلاق، ملكه بشراء أو ميراث أو صدقة أو وصية.
وإذا اشترت الأمة زوجها وهي غير مأذون لها فرد سيدها ذلك فهما على نكاحهما، ولا يطلق السيد على عبده بغير إذنه.
قال ابن نافع عن مالك: ومن زوج أمته من عبده ثم وهبها له، يغتزي فسخ النكاح وأن يحلها لنفسه أو لغيره، لم يجز، ولا تحرم بذلك على الزوج.
1446 - ومن ملك من امرأته شقصاً ثم آلى منها أو ظاهر لم يلزمه الظهار إذ ليست بأمة تامة له ولا زوجة ويلزمه الإيلاء إن نكحها يوماً ما.
1447 - ومن ضمن صداق عبده ثم دفع السيد العبد إلى الزوجة في صداقها فرضيت، فسخ النكاح، فإن لم يكن بنى بها رجع العبد إلى سيده.
1448 - وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها، فإن أعسر به الزوج قبل البناء تلوم الإمام له وضرب له الأجل، ويختلف التلوم فيمن يرجى له ومن لا يرجى له، فإن لم يقدر عليه فرق بينهما وإن أجرى النفقة، وإن أعسر بعد البناء لم يفرق بينهما إذا أجرى النفقة واتبعته به ديناً، ولها أخذه بجميع المهر بعد تمام العقد، إن نكحها مثل نكاح الناس على النقد، فأما ما كان من مهر إلى موت أو فراق فإن هذا يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل نقداً لا تأخير فيه، ولمالك قول [آخر] أن لها قيمة المؤجل، ولا يعجبني.
1449 - ولا تلزم من لم يدخل نفقة حتى تُبتغى منه ويدعى إلى البناء، فحينئذ تلزمه النفقة والصداق، إلا أن يكون أحدهما لم يبلغ حد الجماع فلا يلزمه صداق ولا نفقة حتى يبلغا ذلك، وذلك في الصبي بالاحتلام، ولا يلزمه حتى يحتلم، وإن كان مثله يطأ، وهي أن تكون مثلها يوطأ. وإن دُعي الزوج إلى البناء وهي رتقاء خُيّر بين أن يقيم أو يفارق، فإن فارق فلا صداق لها إلا أن تعالج نفسها بأمر يوصل به إلى جماعها، ثم تدعوه إلى البناء فلها الصداق والنفقة، ولا تجبر على العلاج. ولو دعى الزوج إلى البناء، وهي لا يجامع مثلها من صغرها فلهم منعه إلى بلوغ ذلك، وقد قال مالك في التي شرطوا عليه أن لا يدخل بها إلى سنة إن كان لصغر أو لاستمتاع [أهلها] منها لتغربه بها، فذلك لازم وإلا بطل الشرط.
1450 - ومن دعته زوجته إلى البناء والنفقة وأحدهما مريض مرضاً لا يقدر معه على الجماع، لزمه أن ينفق أو يدخل، وإذا كانا صحيحين في العقد لم ينظر إلى ما حدث بهما من مرض، إلا أن يكون مرضاً بلغ حد السياق فلا يلزمه ذلك. والصداق أوجب من النفقة في هذه المسائل، لأن لها منع نفسها حتى تقبضه.
ولو تجذمت بعد النكاح حتى لا تجامع معه فدعته إلى البناء، قيل له: ادفع الصداق [وأنفق] وادخل أو طلق. ويباع على الرجل فيما يلزمه من نفقة امرأته عروضه وريعه إن لم يكن له عين.
1451 - وتلزم العبد نفقة امرأته حرة كانت أو أمة، وإن كانت الأمة تبيت عند أهلها، ونفقة زوجة العبد في ماله إن كان له مال، ولا نفقة لها من كسبه وعمله وذلك لسيده، فإن لم يجد غيره فرق بينهما إلا أن يتطوع السيد بالنفقة، ولا يباع [العبد] في نفقة زوجته، ولا تلزمه نفقة أولاده الأحرار ولا العبيد، ولا تجبر أم الولد على نفقة ولدها كالحرة، ونفقة ولد المكاتبة عليها إن كاتبت عليهم أو حدثوا في كتابتها، كان زوجها حراً أو عبداً أو كان في كتابة أخرى على حدة، ونفقتها هي على زوجها، وإن كانت مع الأب في كتابة فنفقة الولد على الأب حدثوا في الكتابة أو كاتب عليهم، وليس عجز المكاتب عن نفقة ولده الصغار كعجزه عن الكتابة والجنابة.
1452 - وإذا خاصمت المرأة زوجها في النفقة فرض لها شهراً بشهر، أو أقل أو أكثر بقدرها من قدره في عسره ويسره، ويجتهد الإمام في ذلك، فإن أعوزته النفقة وهما حران أو عبدان، أو أحدهما حر [والآخر عبد] ولم ترض الزوجة بالمقام معه فرق الإمام بينهما بعد التلومن ويختلف التلوم فيمن يرجى له ومن لا يرجى له، [وأمر عمر بن عبد العزيز أن يضرب للزوجة في التلوم في النفقة شهر أو شهران، وقاله سعيد بن المسيب، قالا: وإن لم ينفق عليها إلى ذلك الأجل فرق بينه وبينها، قيل لابن المسيب: يا ابا محمد أسنة هذا؟ فأقبل بوجهه كالمغضب، فقال: سنة سنة نعم سنة]، قال مالك: وإذا [فرق الإمام بينهما ثم] أيسر الزوج في العدة ارتجع إن شاء، وإن لم يوسر فلا رجعة له.
1453 - ولا يؤخذ من الحاضر كفيل بالنفقة، ومن طلق وأراد سفراً فقالت له امرأته: [إني] أخاف حملاً فأقم لي بالنفقة حميلاً، لم يلزمه حميل إلا في حمل ظاهر، فإن ظهر بعد أن سافر اتبعته بما أنفقت إن كان في حال حملها موسراً، وكذلك لو أنفقت وهو حاضر ولم تطلبه كان لها اتباعه بما أنفقت في الحمل، وإن أراد الزوج سفراً فطلبته بالنفقة فرض لها بقدر ما يرى من إبعاده ومقامه، فيدفعه إليها أو يقيم لها به كفيلاً يجريه لها. ومن أقام مع امرأته سنين بعد البناء [بها] وهو مليء، فادعت أنه لم ينفق عليها فلها أخذه بها إن صدقها، وإن أنكر فالقول قوله ويحلف، وكذلك الغائب يقدم فيقول: كنت أبعث بالنفقة، فتكذبه، فالقول قوله مع يمينه، إلا أن تكون المرأة رفعت ذلك إلى السلطان وأشهدت واستعدت في غيبته، فمن يومئذ تلزمه النفقة إن كان ملياً ولا يقبل دعواه الإرسال بعد قيامها إلا أن يأتي بمخرج.
1454 - وما أنفقت على نفسها في [حال] حضرته أو غيبته وهو معدم فلا شيء لها، وإن أنفقت عليه في ذاته وهو حاضر مليء أو معدم، فلها اتباعه به إلا أن يرى أن ذلك بمعنى الصلة، وكذلك المنفق على أجنبي مدة، فله اتباعه به إلا أن يكون بمعنى الصلة والضيافة، ومن قضى له بذلك لم يأخذ ما أنفق من السرف كالدجاج والخرفان ونحوه، ولكن نفقة ليست بسرف.
1455 - ومن أنفق على صبي صغير لم يرجع عليه بشيء، إلا أن يكون للصبي مال حين أنفق عليه فيرجع بما أنفق عليه في ماله ذلك، فإن تلف المال وكبر الصبي فأفاد مالاً، لم يرجع عليه بشيء [إلا أن يكون للصبي مال]، وإذا أنفق الوصي التركة على الطفل ثم طرأ دين على أبيه يغترقها ولم يعلم به الوصي، فلا شيء عليه ولا على الصبي وإن أيسر، وقال المخزومي: يتبع الصبي بما أنفق عليه.
1456 - وإن أنفقت [المرأة] على نفسها وعلى صغار ولده وأبكار بناته من مالها أو تسلفت والزوج غائب، فلها اتباعه بذلك إن كان في وقت نفقتها موسراً، وتضرب بما أنفقت على نفسها مع الغرماء، ولا تضرب معهم بما أنفقت على الولد.
1457 - وإذا قوي الرجل على نفقة امرأته دون صغار ولده منها لم تطلق عليه، إذ لا تلزمه النفقة على ولده إلا في يسره، ويكون الولد من فقراء المسلمين.
1458 - ومن كان له على امرأته دين وهي معسرة فلا يقاصّها به في نفقتها، وعليه أن ينفق عليها ويتبعها بدينه، وإن كانت ملية فله مقاصّتها بدينه في نفقتها.
1459 - وإذا فرض القاضي للزوجة ثم مات أو عزل، فادعت المرأة قدراً وادعى الزوج دونه فالقول قوله إذا أشبه نفقة مثلها، وإلا فقولها فيما يشبه، فإن لم يأتيا بما يشبه ابتدي لهما الفرض، وإن ادعت في ثوب أنها أخذته هدية، وقال الزوج: بل في فرضك، فالقول قوله إلا أن يكون الثوب لا يفرض مثله لمثلها، فالقول قولها.
1460 - وإذا قبضت نفقة شهر فتلفت قبل الشهر أو أنفدتها أو تخرقت الكسوة أوسرقت قبل مدتها، فلا شيء على الزوج، وكذلك إن دفع إليها نفقة سنة عنها أو عن ولدها فقد ضمنتها بالقبض، وإن هلكت الزوجة أو هلك الولد قبل المدة رجع الزوج بما بقي في المحاسبة. ولا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال يعدى فيه وتباع فيها عروضه وريعه إن لم يكن له عين، ولا يؤخذ منها بما تأخذ منه كفيل، ويقام الزوج على حجته إذا قدم، وهكذا يصنع فيه إذا أقيم عليه بدين وهو غائب. وإن كان للزوج ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها في ذلك، ولها أن تقيم البينة على من جحد من غرمائه أن لزوجها عليهم ديناً، ويقضي عليهم بنفقتها، وكذلك لمن قام عليه بدين، وإذا لم يكن للزوج مال يعدى فيه فأنفقت من عندها حتى قدم، فإن كان في غيبته ملياً رجعت عليه وإلا فلا.
1461 - وإذا أسلم المجوسي فلا نفقة لزوجته المجوسية إذ لا تؤخر، إما أن تسلم وإلا فرق بينهما.
قال يحيى بن سعيد: إذا وجد الفقير قواماً من الخبز والزيت وغليظ الثياب لم يفرق بينهما.
قال ربيعة: وأما الشملة والعباءة فلا، وليس عليه خادم إلا في يسره، ويتعاونان في الخدمة في عسره.(1)
1462 - [قال مالك:] والعنين الذي يؤجل هو المعترض عن امرأته - وإن أصاب غيرها من حرة أو أمة - يضرب له السلطان أجل سنة من يوم ترافعه، وقاله عمر وابن مسعود(2)، فإن لم يصبها في الأجل فإما رضيت بالمقام وإلا فرق بينهما بتطليقة واعتدت ولا رجعة له، ولها جميع الصداق لطول المدة، قال مالك، وقال قوم: لها نصفه، وأنا أرى لها نصفه إذا طلقها هو بقرب البناء، وإذا قال المعترض في الأجل: جامعتها، دُيّن وحلف، فإن نكل حلفت وفرق بينهما، فإن نكلت بقيت [له] زوجة، وتوقف فيها مالك مرة إذ نزلت [بالمدينة]، وأفتى غيره بالمدينة أن تجعل الصفرة في قبلها، وقال ناس: يجعل النساء معها.
1463 - [قال ابن القاسم:] ومن تزوج امرأة فوطئها مرة واحدة في ذلك النكاح، ثم اعترض عنها أو حدث له ما منعه الوطء من علة أو زمانة فلا حجة لها، وقد تقدم في الجزء الأول ذكر امرأة الخصي والمجبوب والعنين، تعلم به فتتركه ثم ترافعه.
1464 - ويجوز ضرب ولاة المياه وصاحب الشرطة الأجل للعنين [والمعترض] والمفقود.
1465 - ومن تزوج امرأة فوصل إليها ثم طلقها ثم نكحها ثانية فاعترض عنها، فلها مرافعته وضرب الأجل.
1466 - [قال مالك:] وإذا حدث بالزوج جنون بعد النكاح عزل عنها وأجل سنة لعلاجه، فإن صح وإلا فرق بينهما، وقضى به عمر بن الخطاب.
وقال ربيعة: إن كان يؤذيها ولا يعفيها من نفسه لم تجلس عنده، وإن لم يرهقها بسوء صحبته لم يجز طلاقه إياها.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (4/115).
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (3/331، 332).
1467 - قال مالك: والأجذم البين الجذام يفرق بينه وبين امرأته إذا طلبت ذلك.
قال ابن القاسم: فإن كان ممن يرجى برؤه في العلاج وقدر على علاجه، فليضرب له الأجل.
1468 - وإذا اختلف في متاع البيت زوجان عند طلاق أو خلع أو لعان أو فراق، بإيلاء أو غيره، أو ماتا أو أحدهما فاختلف الورثة، والزوجان حران أو عبدان، أو أحدهما عبد أو مكاتب والآخر حر، أو كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً، فإن لم تقم بينة قضي للمرأة بما يعرف أنه للنساء، وللرجل بما يعرف [أنه] للرجال أو للرجال والنساء، لأن البيت بيته.
1469 - وما ولي الرجل شراءه من متاع النساء وأقام بذلك بينة أخذه بعد يمينه أنه ما اشتراه إلا لنفسه، إلا أن يكون لها أو لورثتها بينة أنه اشتراه لها. وما كان في البيت من متاع الرجل فأقامت المرأة فيه بينة أنها اشترته فهو لها، وورثتها في البينة واليمين بمنزلتها، إلا أنهم [إنما] يحلفون على علمهم أنهم لا يعلمون أن الزوج اشترى هذا المتاع الذي يدعي من متاع النساء، ولو كانت المرأة حلفت على البتات. وورثة الرجل بهذه المنزلة.
والمتاع الذي يعرف للنساء هو مثل: الطست والتور والمنارة والقباب والحجال والأسرّة والفرش والوسائد والمرافق والبسط وجميع الحلي، إلا السيف والمنطقة وخاتم الفضة فإنه للرجل، وللرجل جميع الرقيق ذكراناً وإناثاً، وأما أصناف الماشية وما في المرابط من خيل أو بغال أو حمير [فلمن حازها].
1470 - ومن أقام بينة فيما يعرف للآخر كان له، ولا أبالي في هذا الاختلاف كانت رقبة الدار لأحدهما أو لغيرهما. وإن اختلفا في الدار بعينها كانت للرجل، وليس على المرأة من خدمتها وخدمة بيتها شيء.
1471 - والقسم بين الزوجات يوم بيوم لا أكثر، ويعدل في المبيت. وإن نكح بكراً أو ثيباً أقام عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً.(1)
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (4/268)، والتاج والإكليل (4/9)، ومواهب الجليل (3/477)، ومختصر خليل (1/128).
قال ابن القاسم: وذلك حق لهما لازم دون نسائه، ثم يأتنف القسم، وليس ذلك بيد الزوج، وذكر أشهب عن مالك أن ذلك بيد الزوج.
1472 - وإن سافر لحاجة أو حج أو غزو، سافر بأيتهن شاء بغير قرعة إذا كان على غير ضرر ولا ميل، وإن كانت القرعة ففي الغزو، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله فيه. وإذا قدم ابتدأ القسم، ولا يقاص التي كانت معه، ولو سافرت إحداهن للحج أو لضيعتها وأقام الزوج، لم تحاسبه بما سافرت وابتدأ القسم. وإن تعمد المقام عند واحدة منهن شهراً حيفاً، لم يحاسب به وزجر عن ذلك وابتدأ العدل، فإن عاد نُكّل، كالعبد المعتق نصفه يأبق لا يحاسب بخدمة ما أبق فيه.
1473 - وإذا رضيت امرأة بترك أيامها أو بالأثرة عليها على أن لا يطلقها جاز، ولها الرجوع متى شاءت، فإما عدل أو طلق، وقد قال الله تعالى: {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} (النساء: 128)، ولو شرط في عقد النكاح أن يؤثر عليها أو على أن لا مبيت لها فسخ قبل البناء وثبت بعده وبطل الشرط.
وليس عليه المساواة في الجماع [ولا بالقلب].
1474 - ولا حرج عليه في أن ينشط للجماع في يوم هذه دون يوم الأخرى، إلا أن يفعل ذلك لضرر أن يكف عن هذه لوجود لذته في الأخرى، فلا يحل له ذلك.
1475 - ومن سرمد العبادة وترك الوطء، لم ينه عن تبتله، وقيل له: إما وطئت أو فارقت إن خاصمته، وكذلك إن ترك الجماع لغير ضرر ولا علة، إلا أن ترضى المرأة بالمقام على ذلك.
1476 - وقسم الحر والعبد بين نسائه المسلمات الحرائر والإماء الكتابيات سواء، والقسم بين صغيرة جومعت أو كبيرة، صحيحة [أو مجنونة]، أو بإحداهن رتق أو داء أو مرض لا تجامع معه أو حيض، سواء، لكل واحدة منهن يومها.
1477 - ويقسم المريض بين نسائه بالعدل إن كان مرضاً يقدر أو يدور عليهن فيه، فإن لم يقدر أقام عند أيتهن شاء لإفاقته ما لم يكن حيفاً، فإذا صح ابتدأ القسم.
1478 - وليس لأم ولد مع حرة قسم، وجائز أن يقيم عند أم ولده ما شاء ما لم يضار.
والمجبوب ومن لا يقدر على الجماع يقسم من نفسه بالعدل إذ له أن يتزوج.(1)
* * *
(كتاب النكاح الثالث)
1479 - ولابأس أن يتزوج الرجل امرأتين في عقدة واحدة إذا سمى لكل واحدة صداقها، وإن أجملهما في صداق [واحد] لم يجز. قيل: فما لهما إن مات أو طلق قبل البناء. قال: نكاحهما غير جائز.
1480 - وإذا نكح أمة وحرة في عقدة وسمى صداق كل واحدة، قال مالك: يفسخ نكاح الأمة، ويثبت على الحرة، ثم قال: إن علمت الحرة جاز ولا خيار لها، وإن لم تعلم خيرت بين أن تقيم أو تفارق.
1481 - ومن نكح أماً وابنتها في عقدة [واحدة] ثم تبين أن للأم زوجاً، فسخ نكاحهما ولم يثبت نكاح الابنة، كصفقة جمعت حلالاً وحراماً، وكذلك إن لم يكن للأم زوج فلا بد من فسخه، وليس له حبس إحداهما وفراق الأخرى، ثم ينكح بعد ذلك من شاء منهما إن كان لم يبن بهما قبل الفسخ. وقيل: لا تتزوج الأم للشبهة في البنت.
1482 - قال ابن القاسم: وإن كان قد بنى بهما قبل الفسخ حرمتا عليه للأبد، ولو بنى بواحدة منهما فسخ نكاحهما وخطب التي بنى بها بعد الاستبراء أماً كانت أو بنتاً ولم تحل له الأخرى أبداً.
1483 - ومن تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج ابنتها وهو لا يعلم فدخل بالابنة، فارقهما جميعاً، ولا صداق للأم، ويتزوج الابنة - إن شاء - بعد ثلاث حيض أو وضع حمل، وتحرم عليه الأم للأبد، لأنها صارت من أمهات نسائه.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (4/206).
وإن كان نكاح البنت حراماً فالحرمة تقع فيه، كما يثبت فيه النسب والصداق ويدفع الحد، وإن نكح الأم آخراً وهو لا يعلم، فبنى بهما أو بألم خاصة فارقهما [جميعاً] وحرمتا عليه للأبد. ولا صداق للابنة إن لم يبن بها وإن كان الفسخ من قبله، لأنه لم يتعمده، وإن لم يبن بالآخرة ثبت على الأولى أماً كانت أو بنتاً دخل بها أم لا، ويفسخ نكاح الثانية، ومحمل الجدات في التحريم محمل الأمهات، ومحمل بنات البنات وبنات الأبناء محمل البنات.
ومن وطئ امرأة أو قبّل أو باشر أو نظر للذة، بملك [يمين] أو نكاح صحيح أو فاسد أو حرام بشبهة أو في عدة، فإنها تحرم على آبائه وأبنائه، وتحرم عليه ابنتها بنكاح أو بملك، فإن تزوجها في عدة فلم يبن بها حتى تزوج أمها أو أختها، أقام على نكاح الثانية، لأن نكاح المعتدة غير منعقد، وهي تحل لآبائه وأبنائه ما لم يلتذ بها.
1484 - قال مالك: ومن زنى بأم امرأته أو بابنتها حرمت عليه زوجته، وقال في موطئه: لا يحرم الزنا حلالاً، وأصحابه على ما قال في الموطأ لا اختلاف بينهم فيه، وكذلك من تزوج أم امرأته عالماً فوطؤه إياها تحريم للابنة في أحد قوليه ويحد، إلا أن يعذر بجهالة فلا يحد، ويلحق به الولد، وهذا أكد في التحريم من الزنا للحوق النسب وزوال الحد.
1485 - ومن تزوج امرأة بنكاح صحيح، أو في إجازته اختلاف، حرمت بالعقد دون الوطء على آبائه وإن بعدوا، وأبنائه وإن سفلوا بنسب أو رضاع، وحرمت عليه أمهاتهان ولا تحرم عليه ابنتها بالعقد على الأم دون وطء أو التذاذ، وأما إن تزوج ذات محرم أو رضاع أو معتدة لم تحرم بالعقد فقط.
1486 - ومن زنى بامرأة أو تلذذ منها حراماً حرمت عليه أمها وابنتها، وتحرم [هي] على آبائه وأبنائه وإن كانت في عصمة أحدهما في أحد قولي مالك.
1487 - ومن تزوج أختاً بعد أخت فلم يبن بهما أو بنى بإحداهما أو بهما فليثبت على الأولى ويفارق الآخرة فسخاً بغير طلاق، وكذلك كل من يحرم الجمع بينهن ممن يجوز [له] نكاح إحداهما بعد صاحبتها، وللمدخول بها المسمى أو المثل إن لم يسم، وكذلك من تزوج أخته من الرضاعة ففرق بينهما بعد البناء فلها المسمى.
1488 - وإن نكح أختين في عقدة ولم يعلم هو ولا هما بذلك فلم يبن بهما أو بنى بإحداهما أو بهما، فليفارقهما وينكح أيتهما شاء بعد استبرائها إن مسها، ولا خيار له في حبس إحداهما.(1)
1489 - ومن وطئ أمة بملك ثم تزوج أختها لم يعجبني ذلك، إذ لا يجوز [له] أن ينكح إلا في الموضع الذي يجوز له الوطء فيه، إلا أنه لا يفرق بينه وبين امرأته، ويوقف عنهما حتى يحرم أيتهما شاء.
قال سحنون: وقد قال عبد الرحمن: إن النكاح لا ينعقد، وهو أحسن قوليه.
قال أشهب في كتاب الاستبراء: عقد النكاح تحريم للأمة كان يطؤها أم لا.
1490 - ومن باع أمة وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى المبيعة [لم يطأ إلا الزوجة، والعقد ها هنا كالوطء في الملك.
1491 - ومن اشترى أختين فوطئ إحداهما فلا يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي وطئ، فإن باع التي وطئ ثم وطئ الباقية ثم اشترى المبيعة، تمادى على وطء الباقية، وإن لم يطأ الباقية حتى اشترى المبيعة] وطئ أيتهما شاء، ولو أنه حين وطئ إحداهما وثب على الأخرى فوطئها قبل أن يحرم عليه التي وطئ، وقف عنهما حتى يحرم أيتهما شاء، [فإن حرم التي وطئ أخيراً تمادى على وطء الأولى، فإن حرم الأولى فلا يطأ الثانية حتى يستبرئها، لأن وطأها كان فاسداً].
__________
(1) انظر: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (2/251)، والفواكه الدواني (2/19)، وجواهر الإكليل (1/289)، ومنح الجليل (3/341).
1492 - ومن اشترى أختاً بعد أخت فله أن يطأ الأولى أو الآخرة. فأما من تزوج امرأة فلم يمسها حتى اشترى أختها فليقم على وطء الزوجة، ولا يطأ التي اشترى حتى يفارق امرأته، فإن وطئ المشتراة كفّ عن الزوجة حتى يحرم فرج الأمة ولا يفسدها هنا النكاح على كل حال.
1493 - ومن زوج أم ولده ثم اشترى أختها فوطئها ثم رجعت إليه أم الولد، أقام على وطء الأمة، ولو ولدت منه الأمة ثم زوجها وأختها ثم رجعتا إليه جميعاً وطئ أيتهما شاء، إلا أن يطأ أولاهما رجوعاً، وما وجب في أُخْتَي النسب وجب مثله في أختي الرضاعة في ها، وكثير من هذا المعنى في كتاب الاستبراء.
1494 - ومن طلق امرأته طلاقاً بائناً فله تزويج أختها في عدتها، وكذلك خامسة في عدة رابعة مبتوتة، وإن طلقها تطليقة فادعى أنها أقرت بانقضاء العدة، وذلك في أمد تنقضي العدة في مثله فأكذبته، فلا يصدق في نكاح الخامسة، أو الأخت، أو قطع النفقة والسكنى، لأن القول في العدة قولها، فإن نكح الأخت أو الخامسة، فسخ الثاني إلا أن يأتي هو على قولها ببينة أو بأمر يعرف به انقضاء العدة.
1495 - ولا يجمع بين الأختين من نسب أو رضاع، ولا بين المرأة وبنات أختها ولا بنات أخيها، أو مع بنات بنيها الذكور والإناث من نسب أو رضاع.
قال ابن شهاب: ولا بينهما وبين من لأبيها أو لأمها من عمة أو خالة في عصمة نكاح ولا في وطء بملك أو بنكاح وملك، ويجمع بينهن في الرق، فإن وطئ إحداهما لم يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي وطئ.
1496 - قال ابن القاسم: ومن وطئ أمة له أو لولده فلم تحمل وامرأته أم لها، حرمت عليه امرأته، لأنه ممن لا حد عليه فيها. وهذا لا اختلاف فيه، فإن حملت منه الأمة عتقت عليه، وكذلك من ملك ذات محرم منه فوطئها فحملت منه، فإنه لا يحد وتعتق عليه، وحرم عليه ما كان له فيها من المتعة.
قال يحيى بن سعيد: لا ينكح الرجل بنت ابن امرأته ولا بنت بنتها من غيره ولا شيئاً من أولادهما وإن بعدن منها.
1497 - [قال ابن القاسم]: والصغيرة التي يجامع مثلها تحصن واطئها بنكاح ولا يحصنها، ولكنه يحلها. والمجنونة المغلوبة على عقلها تحصن واطئها ولا يحصنها. وقال بعض الرواة: يحصنها، لأنها بالغ مسلمة ونكاحها حلال.
وإذا لم يحتلم الصبي ومثله يقوى على الجماع، فزوجه أبوه أو وصيه امرأة فبنة بها وجامعها لم يحصنها ولا يحلها، ولا يجب بوطئه مهر ولا عدة إن بارى عنه أب أو وصي، وتقع الحرمة بعقد نكاحه بين آبائه وأبنائه وبين هذه المرأة.
ولا حد على كبيرة زنت بصغير لم يبلغ، وإن تزوج الحرة عبد أذن له سيده في النكاح، أو خصي قائم الذكر أو مجنون فوطئها قبل علمها به، لم يحلها ولا أحصنها، ولها الخيار حين تعلم به، فإن وطئها بعد علمها به ورضاها أحلها وأحصنها ولا خيار لها. ولا يحصن المرأة ولا يحلها مجبوب إذ لا يطأ، ويحصن الحر وطء الأمة المسلمة أو الحرة الكابية بنكاح صحيح، والأمة المسلمة والحرة الكتابية يحلهن وطء العبد والحر المسلم بنكاح، ولا تكونان به محصنتين حتى توطأ هذه بعد إسلامها وهذه بعد العتق. والعبد لا يحصنه ذلك حتى يطأ بعد عتقه، والوطء بعد عتق أحدهما يحصن المعتق منهما.(1)
1498 - قال مالك: ومن بنى بزوجته ثم طلقها فادعت المسيس وأنكره لم يحلها ذلك لزوج كان طلقها إلا بتقاررهما على الوطء.
قال ابن القاسم: أما في الإحلال فلا أمنع المطلق منها، وأدينها، وأخاف [أنّ] إنكار الزوج ليضر بها في نكاحها، ولا يكون الرجل محصناً، لأنها لا تصدق عليه في الإحصان ولا تكون [هي] بذلك محصنة إن زنت.
قال غيره: ولها أن تسقط ما أقرت به من الإحصان قبل أن تؤخذ في زنا أو بعد ما أخذت فتقول أقررت لأخذ الصداق.
__________
(1) انظر: التقييد (2/254).
1499 - ومن أقر بجماع امرأته من عنين أو غيره وأنكرت هي ذلك ثم طلقها ألبتة، كانت مخيرة في أخذ الصداق أو تركه، ولا تكون بذلك محصنة إلا بأمر يعرف به المسيس بعد النكاح، وإن أقامت امرأة مع زوجها عشرين سنة ثم أخذت تزني، ثم قالت: لم يكن [الزوج] جامعني، والزوج مقر بالجماع، فهي محثنة والحد واجب لا يزيله إنكارها. وقال غيره: لدفعها حداً قد وجب [عليها] ولم يكن منها قبل ذلك دعوى.
1500 - ومن تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى مات، فادع أنه طرقها ليلاً فجامعها لم تصدق، ولا يحلها ذلك، ولا يحصنها إلا بدخول يعرف، وهي مثل الأولى ولها طرح ما ادعت.
1501 - [قال ابن القاسم:] والردة تزيل إحصان المرتد من رجل أو امرأة، ويأتنفان الإحصان إذا أسلما، ومن زنا منهما بعد رجوعه إلى الإسلام وقبل تزويجه لم يرجم، وإن ارتد وعليه يمين بالله بعتق أو ظهار فالردة تسقط ذلك عنه.
وقال غيره: لا تطرح ردته إحصانه في الإسلام، ولا أيمانه [بالطلاق]، ألا ترى أنه لا يتزوج بعد إسلامه امرأة أبتها قبل ردته إلا بعد زوج، وكذلك إن وطئ مبتوتة قبل ردته [بنكاح] فحلت لمن أبتها، لم تبطل ذلك ردته.
1502 - ولا يحصن الزوجين و[لا] يحل المطلقة ثلاثاً، إلا نكاح يصح عقده ويصح الوطء فيه، ولا يجزئ من الوطء إلا مغيب الحشفة وإن لم ينزل، ولا يكون بوطء الملك [محصناً]، وكل نكاح لا يقران عليه وإن رضي الولي، كمن تزوج ذات محرم منه، أو حرة زوجت نفسها، أو أمة زوجت نفسها بغير إذن السيد، أو تزوج امرأة على عمتها أو خالتها أو أخت امرأته ودخل بهما، أو بجمعهما في عقد [ولم يعلم ذلك كله]، فلا يحلها ذلك ولا يحصنها. وكذلك ما للولي أو لأحد الزوجين فسخه أو إجازته، كاستخلاف الحرة أجنبياً يزوجها [من رجل] بغير إذن وليها فيدخل بها، ونكاح العبد بغير إذن سيده فلا يحلها ذلك الوطء ولا يحصنها، وإنما يحلها ويحصنها إذا وطئها بعد إجازة الولي أو السيد، وكذلك الزوج في عيوب المرأة، لا يحلها وطؤه ولا يحصنها قبل علمه بعيوبها حتى يطأها بعد العلم، وكل وطء أحصن الزوجين أو أحدهما فإنه يحل المبتوتة، وليس كل ما يحل يحصن، ولا يحصن إلا مسيس معروف ليس لأحد فسخه، ولو صح العقد وفسد الوطء ما أحصن ولا أحل كوطء الحائض أو أحدهما معتكف أو صائم [في] رمضان أو محرم، وكل وطء نهى الله عنه [لا يحصن ولا يحل].
قال المغيرة: ولا يحل ما أمر الله به ما نهى عنه.
1503 - [قال مالك:] والنصرانية يبتها مسلم، فلا يحلها وطء نصراني بنكاح إلا أن يطأها بعد إسلامه، لأن ذلك ليس بنكاح إلا أن يسلم الزوج وحده أو يسلما جميعاً، فيثبت النكاح.
1504 - وإن طلق الحر زوجته ثلاثاً أو العبد طلقتين، لم تحل له إلا بعد زوج، ولا يحلها نكاح المحلل حتى يكون النكاح رغبة غير مدالسة.(1)
قال: قيل لمالك: إنه يحتسب في ذلك. قال: يحتسب في غير هذا.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/469).
وإن نكح نصراني نصرانية بخمر أو خنزير أو بغير مهر وشرطا ذلك وهما يستحلانه، ثم أسلما بعد البناء، ثبت النكاح، فإن كانت قبضت قبل البناء ما ذكرنا فلا شيء لها غيره. وإن لم تكن قبضته وقد بنى بها فلها صداق المثل، وإن كان لم يبن بها حتى أسلما، وقد قبضت ما ذكرنا أو لم تقبض، خُيّر بين إعطائها صداق المثل ويدخل بها، أو الفراق وتكون طلقة، ويصير كمن نكح على تفويض.
قال غيره: إن قبضته مضى ذلك ولا شيء لها غيره، بنى بها أو لم يبن.
ولا يطأ الكافر مسلمة بنكاح أو ملك ويُتقدم في ذلك إلى أهل الذمة، ويعاقب فاعله بعد التقدم [إليه] ولا يجد، [ومن] عذر بجهل فلا يعاقب، وتباع الأمة على مالكها ويفسخ النكاح [وإن أسلم الزوج].
قال ربيعة: فإن نكحها وزعم أنه مسلم، فلما خشي الظهور عليه أسلم وقد بنى بها، فلها الصداق ويفرق بينهما وإن رضي أهل المرأة، ثم إن رجع إلى الكفر قُتل.
1505 - [قال مالك:] وإن أسلم مجوسي أو ذمي وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام حينئذ، فإن أبته وقعت الفرقة بينهما، وإن أسلمت بقيت زوجة ما لم يبعد ما بين إسلامهما، [وإن بعد انقطعت العصمة بينهما]، ولم يحد البعد، ورأى الشهر وأكثر من ذلك قليلاً ليس بكثير، فإن أسلمت الزوجة بعد البناء وزوجها مجوسي أو كتابي فلا يعرض عليه الإسلام، ولكنه إن أسلم في عدتها كان أملك بها، وليس له ذلك إن انقضت. وإذا وقع الفراق بإسلام أحد الزوجين كان فسخاً بلا طلاق، وإن أسلم كتابي بدار الحرب أو بعد قدومه إلينا لم تزل عصمته عن نسائه ويقع طلاقه عليهن، وأكره له الوطء بدار الحرب بعد الإسلام، كما أكره أن ينكح [بها] خوفاً أن تلد ولداً فيكون على دين الأم، وإن خرجا إلينا بأمان فأسلم أحدهما كانا في الفرقة والاجتماع كالذميين يسلم أحدهما.
1506 - وإن أسلم ذمي وتحته كتابية بنى بها أم لا، ثبت على نكاحه، وبقيت له زوجة.
وإن كانت صغيرة زوجها إياه أبوها، فهما [على] نكاحهما، ولا خيار لها إن بلغت.
1507 - وإن أسلم الصبي الذمي وقد زوجه أبوه مجوسية، لم يفسخ نكاحه إلا أن يثبت على إسلامه حتى يحتلم فتقع الفرقة بينهما، إلا أن تسلم هي عند ذلك فتبقى له زوجة، لأنه لو ارتد عن الإسلام قبل بلوغه لم يقتل.
وإذا أسلم الزوج قبل البناء وهما مجوسيان ففرق بينهما فلا صداق عليه، لأنه فسخ بعير طلاق، وإذا وقعت الفرقة بينهما [بإسلام أحدهما] [وذلك قبل البناء فلا صداق لها ولا متعة، وإذا وقعت الفرقة بينهما بإسلام أحدهما وهما مجوسيان أو ذميان] وقد بنى بها فرفعتها حيضتها فلها السكنى، لأنها إن كانت حاملاً اتبع ما في بطنها، وكذلك من نكح ذات محرم منه ولم يعلم ففرق بينهما بعد البناء فلها السكنى، لأنها تعتد منه وإن كان فسخاً.
1508 - وإذا سبيت ذات زوج فعليها الاستبراء بحيضة ولا عدة عليها، لأنها صارت أمة.
1509 - وإن أسلمت امرأة في دار الحرب ثم قدمت إلينا بأمان ثم أسلمت، فاستبراؤها ثلاث حيض. فإن أسلم زوجها فيها كان أملك بها إن ثبت أنها زوجته. ولوكان إسلام الزوجة في دار الحرب أو عندنا وذلك قبل البناء لبانت، ولا سبيل له إليها وإن أسلم مكانه، ولا متعة لها ولا صداق، وإن قبضته ردته وإن بنى بها فلها المسمى.
يقسم أو بعد أن قسم، فذلك هدم للنكاح، ولو سبيت المرأة ثم قدم الزوج بأمان أو سبي وهي في الاستبراء، فلا سبيل له إليها لزوال العصمة بالسبي، ولو أسلم الزوج بدار الحرب وأقام بها، أو قدم إلينا مسلماً، أو أتى [إلينا] بأمان فأسلم، وخلف أهله على النصرانية فسباها المسلمون، فهي في عصمته إن أسلمت، وإن أبت فرق بينهما، إذ لا ينكح [مسلم] أمة كتابية، وهي وولدها [وما في بطنها من ولد]، ومهرها الذي على الزوج، وجميع ما للزوج ببلد الحرب فيء، قال غيره: وولده الصغار تبعاً له وكذلك ماله، إلا أن يقسم فيستحقه بالثمن.
1510 - ومن طلق امرأته وهي أمة، ثم ارتجعها في سفره قبل انقضاء عدتها وأشهد بذلك، فوطئها سيدها بعد عدتها وقبل علمه برجعة الزوج، ثم قدم الزوج، فلا رجعة له، إذ وطء السيد لها بالملك كوطئها بنكاح.
1511 - وكره مالك نكاح نساء أهل الحرب لتركه لولده بدار الكفر، وأنا أرى أن يطلقها ولا أقضي عليه.
1512 - ويجوز للمسلم نكاح حرة كتابية، وإنما كره ذلك مالك ولم يحرمه لما تتغذى به من خمر أو خنزير، وتغذي به ولدها وهو يقبل ويضاجع، وليس له منعها من ذلك ولا من الذهاب إلى الكنيسة.
1513 - ولا يجوز [وطء] مجوسية بنكاح أو ملك، قال ابن شهاب: ولا قبلة ولا مباشرة.
1514 - ويطأ الأمة الكتابية بالملك، ولا يجوز بنكاح لمسلم حر أو عبد كانت لمسلم أو ذمي، ولا يزوجها سيدها من غلام له مسلم.
1515 - ولا يُمنع نصراني من نكاح مجوسية أو مجوسي من نكاح نصرانية، والولد تبع للوالد في الدين وأداء الجزية، وتبع للأم في الملك والحرية، والحضانة لها وإن لم تسلم ولو أسلمت الأم دون الأب بقي الولد على دين الأب، وكذلك لو كان في بطنها، وإسلام الأب إسلام لصغار بنيه.
1516 - وإذا زوج الكتابي ابنته الطفلة لكتابي ثم أسلم الأب وهي صغيرة، كان ذلك فسخاً لنكاحها.
1517 - ولو زوج المجوسي ابنه [الطفل] مجوسية، ثم أسلم الأب وابنه صغير، عرض على زوجة الصبي الإسلام، إن أسلمت وإلا فرق بينهما ما لم يطل ذلك.
1518 - وإذا كان الغلام والجارية في حد المراهقة في إسلام الآباء من أبناء اثنتي عشرة وثلاث عشرة سنة فلا يجبر على الإسلام، ويترك الأمر إلى بلوغه، فإما أقام حينئذ على دينه ونكاحه فلا يعرض له أو يسلم فيحكم بما ذكرنا في إسلام أحد الزوجين البالغين.
1519 - ومن أسلم وله ولد صغار فأقرهم حتى بلغوا اثني عشرة سنة أو شبه ذلك فابوا الإسلام، فلا يجبروا، وقال بعض الرواة: يجبرون وهم مسلمون، وهو أكثر مذاهب المدنيين، ومن أسلم وله ولد مراهق من أبنء ثلاث عشرة سنة وشبه ذلك، ثم مات الأب أوقف ماله إلى بلوغ الولد، فإن أسلم ورث الأب وإلا لم يرث، وكان المال للمسلمين، ولو أسلم الولد قبل احتلامه لم يتعجل أخذ ذلك حتى يحتلم، لأن ذلك ليس بإسلام، ألا ترى أنه لو أسلم ثم رجع إلى النصرانية أكره على الإسلام ولم يقتل. ولو قال الولد: إني لا أسلم إذا بلغت، لم ينظر إلى ذلك، ولا بد من إيقاف المال إلى احتلامه، ولو كان الولد لا يعقل دينه ابن خمس سنين أو ست، فهم مسلمون بإسلام الأب ويرثونه مكانهم، وقاله أكثر الرواة.
1520 - ولو أسلم حربي أو ذمي عن أكثر من أربع زوجات نكحهن في عقدة أو في عقد، فليختر منهن أربعاً كن أول من نكح أو آخرهن، ويفارق باقيهن، وكذلك الأمر في الأختين. وإن أسلم عن أم وابنتها تزوجهما في عقدة أو عقدتين، فإن لم يكن بنى بهما فله اختيار إحداهما ويفارق الأخرى، وقال غيره: لا يحبس واحدة منهما. قال ابن القاسم: فإن حبس الأم فأراد ابنه نكاح البنت التي خلاها [أبوه] فلا يعجبني ذلك، وإن كان قد بنى بهما جميعاً فارقهما ولا تحلان [له] أبداً، وإن بنى بواحدة أقام عليها وفارق الأخرى ولم يكن له أن يختار التي لم يمس، وكذلك المجوسي يسلم وعنده أم وابنتها قد أسلمتا جميعاً، الجواب واحد، قيل له: فذمي أو حربي تزوج امرأة فماتت قبل أن يمسها فتزوج أمها ثم أسلما جميعاً، فلم يذكر جواباً، وأتى بنظير يدل على جواز النكاح وثباته، فذكر مسألة المجوسي يسلم وعنده أم وابنتها قد أسلمتا جميعاً.
1521 - وما استحل أهل الشرك في دينهم من نكاح بصداق فاسد فإنه ثابت إذا أسلموا عليه، وقد تقدم هذا، وما كان في شروطهم من أمر مكروه فإنه لا يثبت من ذلك إلا ما كان يثبت في الإسلام، ولا يفسخ من ذلك إلا ما كان يفسخ في الإسلام. وما كان لها من شروط بطلاق فيها أو في غيرها أو بعتاق أن لا يتزوج عليها أو [لا] يخرج بها ونحوه، أو ألا يمنعها من أهلها [فذلك كله يسقط عنه]، وما شرط ألا نفقة لها أو نفقة محدودة أو فساد في صداق بطل الشرط ورد إلى ما يجب في الإسلام، ولا أفسخ به النكاح إذا عقدوه بما يجيزونه وإن فسخ بين المسلمين قبل البناء، [وإذا تزوج ذمي زوجة ذمي سواه فرافعه زوجها إلينا منع من ذلك، وهذا من التظالم الذي أمنعه منه].
1522 - وإذا تزوج صغيران من أهل الذمة بغير إذن أبويهما، أو زوجهما أجنبي ثم أسلما بعد البلوغ ثبتا على نكاحهما، ولا يفسخ ما عقد في الشرك إذا أسلموا إلا ما لا يحل وطؤه.
1523 - وإذا طلق الذمي امرأته ثلاثاً [ولم يفارقها]، فرفعت زوجته أمرها إلى الإمام فلا يعرض لهما ولا يحكم بينهما إلا أن يرضيا جميعاً بحكم الإسلام. [فالحاكم مخير فيهم إن شاء حكم وإن شاء ترك، فإن حكم بينهم حكم بحكم الإسلام]، قال مالك: وأحب إلي أن لا يحكم بينهم.
1524 - وطلاق الشرك ليس بطلاق، وكذلك إن طلق النصراني زوجته ثلاثاً ثم تزوجها قبل زوج ثم أسلما، فليقيما على نكاحهما.
1525 - وإن تزوج ذمي ابنته أو أخته أو أقام على مبتوتة لم يعرض لهم، إذ كان ذلك مما يستحلونه في دينهم، وإن أعلنوا الزنا أدبوا، ولا يحصن الوطء بين النصرانيين حتى يطأها بعد إسلامهما.
1526 - وإذا قسم المغنم بدار الحرب فصار لرجل في سُهمانه جارية فاستبرأها بحيضة، فجائز أن يطأها بدار الحرب، وإن كان لها زوج حربي، وكرهه بعض الناس خيفة أن تهرب منه حاملاً.
1527 - ومن كان عنده ثلاث نسوة في دار الإسلام، ثم خرج تاجراً إلى دار الحرب فتزوج بها رابعة، ثم قدم وتركها فأراد نكاح خامسة، فليس ذلك له، إذ الحربية في عصمته.
1528 - ولا توطأ المسبية من غير أهل الكتاب حتى تجيب إلى الإسلام، بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أو تصلي أو تجيب بأمر يعرف بعد الاستبراء، وتجزيه حيضتها عنده قبل الإسلام، كمن اشترى مودعة عنده قد حاضت، وإن كانت المجوسية صغيرة لم تحض، فإن كانت ممن تعرف الإسلام لم يطأها حتى يجبرها على الإسلام وتدخل فيه، إذا كانت قد عقلت ما يقال لها.
1529 - ولا بأس أن يزوج الرجل عبده النصراني أمته النصرانية، فإن أسلم العبد فالنكاح يفسخ إلا أن تسلم الأمة مكانها، مثل المجوسية يسلم زوجها، فإن أسلمت الأمة فالعبد أحق بها إن أسلم في عدتها.
1530 - وردة أحد الزوجين مزيلة المعصمة حينئذ، وردة الزوج طلقة بائنة، وإن أسلم في عدتها فلا رجعة له، قال في كتاب العدة: وكذلك ردة المرأة طلقة بائنة وإن رجعت إلى الإسلام.(1)
1531 - قال ابن شهاب: والأسير يعلم تنصره فلا يدري أطوعاً أو كرهاً فلتعتد زوجته ويوقف ماله وسريته، فإن أسلم عاد ذلك إليه إلا الزوجة، وإن كات حكم فيه بحكم المرتد، فإن ثبت إكراهه ببينة لم تطلق عليه، وكان كحال المسلم في نسائه وماله، ويرث ويورث.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/466)، ومواهب الجليل (3/479)، ومختصر اختلاف العلماء (2/360).
1532 - قال ابن القاسم: وإذا ارتد وتحته ذمية أو نكحها في ردته فسخ النكاح، وإن ارتد إلى مثل دينها، وإن ارتد ثم رجع إلى الإسلام فإنه يوضع عنه كل ما كان لله مما تركه قبل ارتداده، من صلاة أو زكاة أو صيام أو حج، وما كان عليه من نذر أو يمين بعتق أو بالله أو بظهار فإن ذلك كله يسقط، ويؤخذ بما كان للناس من سرقة أو قذف أو قتل أو قصاص أو غير ذلك مما لو فعله في كفره لأخذ به، وإن قتل على ردته فالقتل يأتي على كل حد أو قصاص وجب عليه للناس، إلا القذف فإنه يحد ثم يقتل، وإذا أسلم المرتد لم يجزه ما حج قبل ردته، وليأتنف الحج لقول الله تبارك وتعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (الزمر: 65)، ويأتنف الإحصان، وقد تقدم هذا، وإذا قتل [المرتد] لم يرثه ورثته من المسلمين ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه، وميراثه للمسلمين، وتبطل وصاياه قبل الردة وبعدها، وإذا ارتد المريض فقتل لم ترثه زوجته، ولا يتهم أحد أن يرتد لئلا يرثه ورثته، وميراثه للمسلمين.
1533 - وإن مات للمرتد أو للذمي أو للعبد ولد حر مسلم لم يرثوه ولم يحجبوا، ثم إن أسلم المرتد أو الذمي أو عتق العبد قبل أن يقسم ميراث الابن فلا شيء لهم منه، وإنما الميراث لمن وجب له يوم مات الميت، وقد جرى [ذكر] كثير من أحكام المرتد في كتب العبيد، وبالله التوفيق.(1)
* * *
(كتاب الظهار)
1534 - [قال مالك:] ومن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فهو مظاهر، [ومن] ظاهر بشيء من ذوات المحارم من نسب أو رضاع أو بصهر فهو مظاهر، [وإن قال لها: أنت علي مثل أمي أو كرأس أمي أو كقدمها أو كفخذها ونحوه، فهو مظاهر]، وقال بعض [كبار] أصحاب مالك إذا قال لها: رأسك علي كظهر أمي أو يدك أو أصبعك لزمه الظهار، وكذلك في البطن والفرج كما لو طلق منها ذلك العضو لزمه الطلاق فيها.
__________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (4/338).
1536 - قال مالك: وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، فهو مظاهر، لأنه جعل للحرام مخرجاً حين قال مثل أمي، قال غيره: لا تحرم به، لأن الله تعالى أنزل الكفارة في الظهار، ولا يَعْقِل من لفظ به فيه شيئاً سوى التحريم، قال مالك: وإن لم يذكر أمه كان البتات.
1537 - وإن قال لها أنت علي كظهر فلانة [أو مثل ظهر فلانة] لجارة له أجنبية، وهي ذات زوج أم لا فهو مظاهر، وقال غيره: هي طالق ولا يكون مظاهراً.(1)
1538 - قال مالك: وإن قال لها: أنت علي كفلانة، لأجنبية ولم يذكر الظهر، فهو البتات.
1539 - وإن قال [لها]: كفلانة، من ذوات محارمه فهو مظاهر، لأن هذا وجه الظهار، إلا أن يريد بذلك التحريم فيكون البتات.
1540 - وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، أو حرام كأمي ولا نية له، فهو مظاهر، وهذا لا اختلاف فيه.
1541 - قال ربيعة: وإن قال لها: أنت علي مثل كل شي حرمه الكتاب، فهو مظاهر.
1542 - قال ابن شهاب: وإن قال لها: كبعض ما حُرم علي من النساء، فهو مظاهر.
1543 - ومن تظاهر من أمته أو من أم ولده، أو من مدبرته فهو مظاهر، وإن تظاهر من معتقة إلى أجل لم يكن مظاهراً، لأن وطأها لا يحل له.
1544 - وإن تظاهر الذمي من امرأته ثم أسلم، لم يلزمه ظهار كما لا يلزمه طلاقه في الشرك، وكل يمين كانت عليه من طلاق أو عتاق أو صدقة أو شيء من الأشياء فهو موضوع عنه إذا أسلم، وإن تظاهرت امرأة من زوجها لم يلزمها شيء.
1546 - ولا يلزم الصبي ولا المعتوه الذي لا يفيق ولا المكره، ظهار ولا طلاق ولا عتق، ويلزم السكران ظهاره وطلاقه.
1547 - قال مالك: ومن قال لامرأته: إن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي، فهو مظاهر إن شاءت الظهار، وذلك إليها ما لم توقف. وقال غيره: إنما هذا على اختلاف قول مالك في التمليك.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (6/50)، ومواهب الجليل (4/112)، والتاج والإكليل (4/119)، والبيان والتحصيل (5/171)، والنوادر والزيادات (5/293).
1548 - وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي اليوم أو هذه الساعة، فهو مظاهر منها وإن مضى ذلك الوقت، ولا يطؤها حتى يكفّر، كما لو قال لها: أنت طالق اليوم أو هذه الساعة كانت طالقاً أبداً.
1549 - وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي إن دخلت هذه الدار اليوم أو كلمت فلاناً اليوم، أو قال [لها]: أنت علي كظهر أمي اليوم إن كلمت فلاناً أو دخلت الدار، فإن مضى اليوم ولم يفعل ذلك لم يكن مظاهراً وإنما يجب عليه الظهار بالحنث، وكذلك إن قال لها: إن دخلت الدار اليوم فأنت طالق، أو قال: أنت طالق إن دخلت الدار اليوم، فمضى ذلك اليوم ثم دخلت لم يلزمه طلاق، [وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي أو أنت طالق إلى قدوم فلان، لم يلزمه ظهار ولا طلاق حتى يقدم فلام فيلزمه ذلك، وإن لم يقدم فلان فلا شيء عليه، وأما إن قال لها: من الساعة إلى قدوم فلان، لزمه الظهار والطلاق مكانه].
1550 - ومن ظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة فكفارة واحدة تجزيه، وإن تظاهر منهن في مجالس مختلفة، أو كان في مجلس واحد فخاطب كل واحدة [منهن بالظهار دون الأخرى، حتى أتى على الأربع، أو قال لإحدى امرأتيه: أنت علي كظهر أمين ثم قال للأخرى: أنت علي مثلها، فعليه في ذلك لكل واحدة منهن كفارة].(1)
1551 - وإن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، قال لها ذلك مرراً في شيء واحد أو في غير شيء، فليس عليه إلا كفارة واحدة، وإن نوى بقوله ثلاث ظهارات، إلا أن ينوي ثلاث كفارات [فتلزمه ثلاث كفارات] كاليمين بالله، وإن قال ذلك في أشياء مختلفة، مثل: أن يحلف بالظهار إن دخل [هذه] الدار، ثم يحلف به إن كلم فلاناً فعليه في كل شيء يفعله من ذلك كفارة، بخلاف ما لو جمعهما في ظهار واحد.
قيل: فكل كلام تكلم به رجل ينوي به الظهار أو الإيلاء أو تمليكاً أو خياراً، أيكون ذلك كما نوى؟ قال: نعم، إذا أراد أنك بما قلت مخيرة أو مظاهر منها أو مطلقة.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/441).
1552 - ومن قال لأربع نسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، فتزوج واحدة لزمه الظهار ولا يقربها حتى يكفر، فإن كفر وتزوج البواقي فلا ظهار عليه فيهن، وإن لم يكفر ولم يطأ الأولى حتى ماتت أو فارقها سقطت عنه الكفارة، ثم إن تزوج البواقي لم يطأ واحدة منهن حتى يكفر، لأنه لم يحنث في يمينه بعد، وإنما يحنث [في يمينه] بالوطء، لأن من تظاهر من امرأته ثم طلقها أو ماتت قبل أن يطأها فلا كفارة عليه، وإنما يوجب [عليه] كفارة الظهار الوطء، فإن وطئ [فقد] لزمته الكفارة، ولا يطأ في المستقبل حتى يكفر، ولو كان هذا قد وطئ الأولى ثم ماتت أو طلقها أو لم يطلقها لزمته الكفارة، فإن تزوج البواقي فلا يقرب واحدة منهن حتى يكفر.
1553 - ومن قال لنسائه: من دخلت منكن هذه الدار فهي علي كظهر أمي، فدخلنها كلهن أو بعضهن فعليه في كل واحدة دخلتها كفارة كفارة، وكذلك لو قال: ايتكن كلمتها فهي علي كظهر أمي، فإن كلم واحدة منهن لزمته كفارة، ولم يلزمه في من لم يكلم منهن ظهار وإن وطئها حتى يكلمها، وله وطؤهن قبل أن يكلمهن، ثم إن كلم أخرى لزمته كفارة ثانية، بمنزلة ما لو قال لأربع نسوة: من تزوجتها منكن فهي علي كظهر أمي، فتزوج واحدة كان منها مظاهراً، ثم إن تزوج أخرى كان أيضاً مظاهراً بخلاف قوله: إن تزوجتكن، وإن قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي إن لم أضرب غلامي اليوم، ففعل لم يلزمه ظهار. وإن قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، لزمه الظهار إن تزوجها، ومن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق لم يلزمه شيء إن تزوج، وإن قال: فهي علي كظهر أمي، لزمه ذلك، لأن له المخرج بالكفارة بخلاف الطلاق، ولا يطأ إن تزوج حتى يكفر، وكفارة واحدة تجزيه عن ذلك.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/120)، والمدونة (6/56).
1554 - وإن قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت الدار وهي في غير ملكه، لم يحنث بدخولها وهي في غير ملكه، فإن تزوجها فدخلت الدار وهي تحته عاد عليه الظهار إلا أن يكون طلقها أولاً البتة، فإن الظهار يسقط عنه إن تزوجها بعد زوج، ولو حنث بدخولها قبل أن يفارقها أو كان إنما تظاهر منها بغير يمين ثم أبتها قبل أن يكفر، فهذا إن نكحها بعد زوج عاد عليه الظهار ولم يطأها حتى يكفّر.
1555 - ومن تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فهو مظاهر منها، وإن تظاهر من امرأته وهي حرة أو أمة أو صبية أو محرمة أو حائض أو رتقاء أو كتابية لزمه ذلك، وكفارته منهن سواء، ويلزمه الظهار والطلاق في زوجته الكابية كالمسلمة.
1556 - وإن تظاهر العبد من امرأته وهي حرة أو أمة، فكفارته منهما سواء. وظهار الرجل من زوجته قبل البناء وبعده [سواء]، كما لو ظاهر من أمة لم يطأها قط لزمه الظهار.
1557 - [والمجوسيان إذا أسلم الزوج ثم ظاهر منها أو طلق مكانه ثم أسلمت بقرب إسلامه، فذلك يلزمه].
1558 - ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق أو أنت علي كظهر أمي أو فأنت علي كظهر أمي وأنت طالق، فإن تزوجها طلقت عليه، ثم إن تزوجها بعد ذلك لم يقربها حتى يكفر كفارة الظهار، لأن الطلاق والظهار وقعا بالعقد معاً فلزماه، والذي قدم الظهار في لفظه أبين، وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي، طلقت عليه ولم يلزمه فيها ظهار إن تزوجها يوماً ما، لأنه أوقعه بعد أن بانت منه، ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي، لزمه إن نكحها الإيلاء والظهار جميعاً، كما يلزمه ذلك في التي في عصمته.
* * *
[في منع المظاهر من امرأته حتى يكفر]
1559 - ومن تظاهر من زوجته فلا يطأها حتى يكفر، ويجب عليها أن تمنعه من نفسها، فإن خشيت [منه] على نفسها رفعت ذلك إلى الإمام ومنعه الإمام من وطئها إن خاصمته، ويؤديه إن رأى ذلك، ولا يقبل ولا يباشر ولا يلمس ولا ينظر إلى صدرها ولا إلى شعرها حتى يكفر، وجائز أن ينظر إلى وجهها، وقد ينظر غيره إليه، وجائز أن يكون معها في بيت ويدخل عليها بلا إذن إذا كان يؤمن ناحيته.
1560 - [فإن امتنع من الكفارة وهو قادر عليها دخل عليه الإيلاء، لأنه مضار ووقف لتمام أربعة أشهر من يوم] التظاهر، فإما كفّر أو طلقت عليه، فإن كفّر زال عنه حكم الإيلاء وإن لم يطأ، وإن قال: أنا أكفّر، ولم يقل: أنا أطأ، فذلك له، لأن نيته الكفارة وليس الوطء، فإذا كفّر كان له أن يطأ بلا كفارة، وإن كان لا يعلم منه ضرر وكان يعمل في الكفارة فلا يدخل عليه الإيلاء، وإذا كان من أهل الصوم فمضت أربعة أشهر ولم يصم فلها إيقافه، وروى غيره أن وقفه لا يكون إلا بعد ضرب السلطان [له] الأجل، وكل لمالك، والوقف بعد ضرب الأجل أحسن، فإذا أوقفته فقال: أنا أصوم شهرين عن ظهاري، أو كان ممن يقدر على عتق أو إطعام فقال: أخروني حتى أعتق أو أطعم، اختبره الإمام مرتين أو ثلاثاً، فإن لم يأخذ في ذلك بعد التلوم فرق بينهما، لأنه مضار كالمولي إذا أوقف فقال: أنا أفي، فاختبره الإمام مرة بعد مرة، فلم يف وعرف كذبه ولم يكن له عذر طلّق عليه، وهذا المعنى مستوعب في كتاب الإيلاء، ومن قال لزوجته: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، فهو مولٍ حين تكلم بذلك، فإن وطئ سقط افيلاء عنه ولزمه الظهار بالوطء، ولا يقربها بعد ذلك حتى يكفر كفارة الظهار، فإن تركها ولم يكفر كان سبيله كما وصفنا في المظاهر المضار.
1561 - ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم، فإن أعسر قبل أن يكفر أجزأه الصوم، وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر لا إلى حاله قبل ذلك، ولو أيسر بعد أن أخذ في صوم أو إطعام فإن كان بعد صوم اليومين ونحوهما أحببت له أن يرجع إلى العتق ولا أوجبه [عليه]، وإن كان قد صام أياماً لها عدد فما ذلك عليه وليمض على صومه، وكذلك الإطعام مثل ما فسرنا في الصوم، وكذلك في كفارة القتل.
1562 - وإن صام ثلاثة أيام في الحج ثم وجد [ثمن] الهدي في اليوم الثالث، فليمض على صومه، وإن وجد ثمنه وهو في أول يوم فإن شاء أهدى أو تمادى في صومه.
1563 - قال مالك: وإن تظاهر العبد فليس عليه إلا الصوم ولا يطعم وإن أذن له سيده، فالصوم [له] أحب إلي. قال ابن القاسم: بل هو الواجب عليه، ولا يطعم من قدر أن يصوم، وأما العتق فلا يجزيه في شيء من الكفارات وإن أذن له السيد.
1564 - قال مالك: وأما إن أذن له أن يطعم في اليمين بالله أجزأه، وفي قلبي منه شيء، والصوم أبين عندي. قال ابن القاسم: إن أطعم بإذن سيده أجزأه، لأن سيده لو كفّر عنه بالطعام أو رجل كفّر عن صاحبه بالطعام أجزأه.
ومن ظاهر من زوجته ثم طلقها ثلاثاً أو واحدة فبانت منه، ثم أعتق عن ظهاره منها أو صام أو أطعم، ثم تزوجها بعد ذلك، لم تجزه تلك الكفارة، لأنه أخرجها قبل وجوبها، ومتى تزوج المرأة رجع عليها الظهار.
1565 - ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فكفّر عن ظهاره هذا ثم تزوجها، لم تجزه تلك الكفارة، لأنه [قد] كفر قبل نية العودة، ولا ينوي ذلك فيمن ليست في عصمته ولا يكفر قبل حنثه وقد قال الله عز وجل: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}، والعودة ها هنا إرادة الوطء والإجماع عليه، فمن كفّر قبل إرادته كان كمن كفّر عن شيء وجب عليه.
1566 - وإذا وطئ المظاهر قبل أن يكفر ناسياً أو عامداً في ليل أو نهار، لزمته الكفارة بجماعه، ماتت بعد ذلك أو طلقها أو مات عنها، وإن طلقها ثلاثاً أو واحدة قبل أن يطأها فلا كفارة عليه إلا أن يتزوجها يوماً [ما]، فيعود عليه الظهار، ولا يطأ حتى يكفر، ولو طلقها قبل أن يمسها وقد عمل في الكفارة لم يلزمه تمامها. قال ابن نافع: وإن أتمها أجزأه إذا أراد العودة قبل الطلاق.
1567 - [ومن] أكل ناسياً في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع، أو أكره على الفطر، أو تقيأ، أو ظن أن الشمس قد غابت فأكل، أو أكل بعد الفجر ولم يعلم، أو وطئ نهاراً غير التي تظاهر منها ناسياً، فليقض في ذلك يوماً ويصله بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله. وله أن يطأ غير من تظاهر منها في خلال الكفارة، ليلاً في الصوم أو نهاراً في الإطعام، كانت الموطوءة زوجة أو أمة، فإن وطئ التي تظاهر منها ليلاً أو نهاراً أول صيامه أو آخره ناسياً أو عامداً ابتدأ الشهرين، وكذلك حكم الإطعام، وإن لم يبق إلا مسكين، وكذلك من وطئ في الحج ناسياً أو عامداً فعليه أن يتم حجه ذلك ويقضيه من قابل.
1568 - قال ابن القاسم: ومن صام عن ظهاره شهراً ثم مرض وهو لا يجد رقبة لم يكن له أن يطعم، وإن تمادى به المرض أربعة أشهر لم يدخل عليه الإيلاء، لأنه غير مضار، وتُنتظر إفاقته، فإذا صح صام إلا أن يعلم أن ذلك المرض لا يقوى صاحبه على الصيام، بعده فيصير حينئذ من أهل الإطعام.
وقال أشهب: إذا مرض صار من أهل الإطعام.
1569 - ومن ظاهر من امرأته وليس له إلا خادم واحدة أو دار لا فضل فيها أو عرض فيه ثمن رقبة، لم يجزه إلا العتق، ولا يجزيه الصوم، لأنه يقدر على العتق، وإن تظاهر من أمته وليس له غيرها لم يجزه الصوم، وأجزأه عتقها عن ظهاره، وله أن يتزوجها بعد ذلك.
1570 - [ومن صام شهراً وأطعم ثلاثين مسكيناً] عن ظهاره، أو أعتق [نصف] عبد وأطعم ثلاثين مسكيناً، [أو صام شهراً، لم يجزه ذلك].
1571 - والإطعام في الظهار ستون مسكيناً لكل مسكين مد من حنطة بمد هشام، وهو مدان إلا ثلث بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن كان عيش بلدهم تمراً أو شعيراً أطعم منه في الظهار عدل شبع مد هشام من الحنطة، ويطعم من ذلك في كفارة الأيمان عشرة مساكين وسطاً من شبع الشعير والتمر، ولا أحب أن يغدي ويعشي في الظهار، لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلغ مداً بالهاشمي ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى أيضاً، ويجزئ ذلك في سواهما من الكفارات، ويكون مع الخبز إدام، وإن كان الخبز وحده وكان فيه عدل ما يخرج من الحب أجزأه، ويخرج في كفارة الأيمان وفي الإفطار في رمضان في كل شيء مداً لكل مسكين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - خلا فدية الأذى، فإنه يخرج فيها مدين لكل مسكين، ولا يجزئ السويق والدقيق في شيء من الكفارات كما لا يجزئ ذلك في زكاة الفطر.
1572 - ومن أعطى في سائر الكفارات من الذي هو عيشهم أجزأه، ولا يجزئ في ذلك [دقيق أو سويق]، ولا يجزئ عرض أو دراهم فيها وفاء بالقيمة، ومن أعطى في الظهار ستين مداً بالهاشمي، لعشرين ومائة مسكين نصف مد [نصف مد]، لم يجزه ذلك إلا أن يزيد [لستين] منهم لا من غيرهم نصف مد لكل واحد فيجزيه، وإن أعطى ذلك لثلاثين مسكيناً لكل مسكين مدين لم يجزه حتى يعطي ستين مسكيناً لكل مسكين مداً، ولا يجزيه في فدية الأذى أن يعطي اثني عشر مسكيناً مداً [مداً]، ولكن يُعطي ستة مساكين لكل مسكين مدين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك في كفارة الإفطار في رمضان لا يجزيه أن يعطي ثلاثين مسكيناً مدين مدين، ولا عشرين ومائة مسكين نصف مد [نصف مد]، ولكن يعطي ستين مسكيناً لكل مسكين مداً بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن أطعم ثلاثين مسكيناً في كفارة الظهار حنطة ثم ضاق السعر حتى صار عيشهم التمر أو الشعير، أو خرج إلى بلد عيشهم ذلك، أجزأه أن يطعم من ذلك ثلاثين مسكيناً، وكذلك هذا في جميع الكفارات، وإن أطعم في كفارة الظهار ثلاثين [مسكيناً] ثم لم يجد في ذلك البلد غيرهم، فلا يجزيه أن يطعمهم في غد بقية الكفارة، وليبعث بها إلى بلد آخر.
1572 - ومن عليه كفارتان عن يمينين، فأعطى اليوم مساكين عن إحدى يمينيه ثم لم يجد في غد غيرهم، فلا يعجبني أن يعطيهم عن اليمين الأخرى، كانت كاليمين الأول أو مخالفة لها كاليمين بالله مع ظهار ونحوه.
قال يونس بن عبيد: إلا أن تحدث عليه اليمين الثانية بعد ذلك، فليعطهم في غد إن شاء.
1573 - قال ابن القاسم: ولا يطعم في شيء من الكفارات من فيه عُلْقة رق ولا ذمياً ولا غنياً، فإن فعل أعاد، ولا يجزئ أن يطعم في الكفارات كلها إلا حراً مسلماً، ولا يطعم في شيء من الكفارات أحداً من قرابته وإن كانت نفقتهم لا تلزمه، فإن أطعم من لا تلزمه نفقتهم أجزأه إن كانوا محاويج، ويطعم الرضيع من الكفارات إذا كان قد أكل الطعام، ويعطى ما يعطى الكبير.
1574 - ومن أعتق عن ظهاره نصف عبد لا يملك غيره، ثم أيسر بعد ذلك فابتاع باقيه فأعتقه عن ظهاره، لم يجزه، لتبعيض العتق، ولو لم يكن عليه ظهار كان له ملك باقيه، ولو أعتق نصفه عن ظهاره وهو موسر، فقوم عليه باقيه ونوى به الظهار لم يجزه، لأن الحكم يوجب عليه عتق بقيته، ولا يجزيه أن يعتق عن ظهاره أو غيره من الكفارات رقبة يشتريها بشرط العتق، ولا مدبراً، أو مكاتباً وإن لم يؤد من كتابته شيئاً، أو معتقاً إلى أجل، أو أم ولد، أو عبداً، قال: إن اشتريته فهو حر، فاشتراه [فأعتقه] عن ظهاره لم يجزه، لأن كل من يعتق عليه إذا ملكه فلا يجزيه عتقه عن ظهار صار إليه بميراث أو هبة أو غيرها، ولا يجزيه إلا رقبة يملكها [قبل أن تعتق عليه].
1575 - وإن أعتق ما في بطن أمته عن ذلك لم يجزه، ويعتق إذا وضعته، وإن أعتق عبده عن ذلك على مال يكون عليه ديناً لم يجزه، وإن كان المال في يد العبد فاستثناه السيد جاز عتقه إذ له انتزاعه، كمن أوصى بعتق رقبة فوجد الوصي عبداً يباع وأبى ربه بيعه حتى يتعجل من العبد مالاً، فذلك جائز.(1)
ومن أعتق عبده عن رجل عن ظهار على جعل جعله له، فالولاء للمعتق عنه وعليه الجعل كاملاً، ولا يجزيه عن ظهاره، كمن اشترى رقبة بشرط العتق.
1576 - ولا يجزئ في الظهار أو غيره من الكفارات إلا رقبة مؤمنة سليمة، ولا يجزئ اقطع اليد الواحدة أو أصبعين أو أصبع أو الإبهام أو الإبهامين أو الأذنين، أو أشل أو أجذم، أو أبرص أو أصم، أو مجنون وإن أفاق أحياناً، ولا أخرس ولا أعمى، ولا مفلوج يابس الشق، وأجاز غيره مقطوع الأصبع الواحدة أو من به برص خفيف ولم يكن مرضاً.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/136)، وحاشية الدسوقي (2/449)، التاج والإكليل (3/252)، (4/125).
1577 - قال ابن القاسم: ولا يعجبني الخصي في الكفارات، وأجاز مالك عتق الأعور، ويجزئ العرج الخفيف أو العيب الخفيف، كجدع في أذن وقطع أنملة وطرف أصبع، فأرجو أن يجزئ في كل الكفارات.
وما كان من عيب فاحش ينقصه فيما يحتاج إليه من غنائه وجزائه لم يجزه، ويجزئ عتق الصغير والأعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة.
قال مالك: وعتق من صلى وصام أحب إلي.
1578 - قال ابن القاسم: يريد من عقل الإسلام والصيام والصلاة، وأجاز عتق الرضيع في الكفارة عدد من التابعين، وأجاز أبو هريرة وغيره عتق ولد الزنا في الكفارات.
1579 - ومن أعتق عبده عن رجل عن ظهاره أو عن شيء من الكفارات فبلغه ذلك فرضي به أجزأه، كمن أعتق عبده عن ميت لظهار لزمه أو أدى عنه كفارة لزمته أن ذلك يجزيه، فكذلك الحي إذا بلغه ذلك فرضي به. قال غيره: لا يجزئ.
وقد قال ابن القاسم غير هذا إذا كان بأمره وهو أحسن، لأنه عتق لا يُرد رضي هذا أو كره. أو لا ترى أنه هو لو أعتق رقبة أو كفّر عنه رجل قبل أن يريد العود لم يجزه، وقاله كبار أصحاب مالك.
1580 - ومن صام شعبان ورمضان ينوي بهما الظهار ويريد أن يقضي رمضان في أيام أخر، لم يجزه [رمضان] لفرضه ولا لظهاره.
1581 - ومن صام ذا القعدة وذا الحجة لظهار عليه أو قتل نفس خطأ لم يجزه، قال مالك: إلا من فعله بجهالة وظن أن ذلك يجزيه، فعسى أن يجزيه وما هو بالبين، وأحب إلي أن يبتدئ.
1582 - قال مالك: ومن سافر في شهري ظهاره فمرض فأفطر فيهما، فأخاف أن يكون السفر هيج عليه مرضه، ولو أيقنت أن ذلك لغير حر أو برد أهاجه السفر لجزأه البناء ولكني أخاف، ومن صام لظهاره ثم مرض فأفطر فليبن إذا صح، فإن أفطر يوماً متعمداً بعد قوته على الصوم ابتدأ، وإن حاضت امرأة في صوم عليها متتابع ولم تصل قضاء أيام حيضتها به فلتبتدئه، وقول الله عز وجل: {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}، يقول لضعف أو كبر وإن كان صحيحاً، ومن الناس من هو صحيح لا يقوى على الصوم.
1583 - ومن تظاهر وهو مريض مثل الأمراض التي يصح من مثلها الناس فلينتظر حتى يصح، ثم يصوم إذا كان لا يجد رقبة، وكل مرض يطول صاحبه ولا يدري أيبرأ منه أم لا ولعله يحتاج إلى أهله، فليطعم وليصب أهله، ثم إن صح أجزأه ذلك الإطعام، لأن مرضه كان إياساً.
قال أشهب: إذا طال مرضه وإن رجي برؤه وقد احتاج إلى أهله فليطعم.
1584 - ومن ظاهر من أربع نسوة له في غير مرة [واحدة]، فلزمه لكل واحدة منهن كفارة، فأعتق عنهن أربع رقاب في مرة واحدة، أجزأه وإن لم يعين التي أعتق عن كل واحدة، لأنه لم يشرك بينهن في العتق، وليس لهن من ولائهم شيء، وكذلك إن أعتق ثلاث رقاب عن ثلاث منهن غير معينات وحاشا واحدة من نسائه لم ينوها بعينها، أجزأه، إلا أنه لا يطأ واحدة من الأربع حتى يعتق رقبة رابعة، ولو ماتت واحدة منهن أو طلقها كان كذلك أيضاً.
وإن أعتق ثلاث رقاب عن الأربع استأنف عتق أربع رقاب، لأنه أشركهن في كل رقبة، ولا يجزيه ههنا عتق رقبة رابعة ماتت منهن واحدة أو طلقها أو لم يطلقها، وكذلك الجواب في تظاهره من امرأتين وعتقه عنهما. ولو صام ثمانية أشهر متتابعات عن الأربع ينوي لكل واحدة منهن لم يعينها كفارة، أجزأه، وكذلك الإطعام، فإن أشركهن في كل يوم من الصايم أو في كل مسكين في الإطعام، لم يجزه إلا أن ينوي به مداً لكل مسكين في كفارته، فإن لم ينو به امرأة بعينها ولا كفارة كاملة فيجزيه ذلك، لأن الإطعام يجوز أن يفرق فيطعم اليوم عن هذه أمداداً وفي غد عن الأخرى كذلك ثم يتم بعد ذلك كفارة لكل واحدة فتجزيه، وإن كان مفترقاً بخلاف الصوم، لأن فيه شرط التتابع، فإن ماتت منهن واحدة وقد أطعم [عن جميعهن] مائة وعشرين مسكيناً ولم ينو ما لكل واحدة من ذلك ولا أشركهن في كل مسكين، سقط حظ الميتة من ذلك وجبر على ما بقي بعد ذلك تمام ثلاث كفارات، ولو تظاهر منهن في كلمة ثم وطئ واحدة منهن لزمته كفارة واحدة، فإن صام شهرين ونوى بصومه التي وطئ وأدخل الباقيات في نيته أو نسيهن فذلك يجزيه عنهن، ولوجامع ليلاً في صومه غير التي نوى الصيام عنها ابتدأ، لأن صومه كان يجزئ عن جميعهن، كالحلف بالله في أشياء يحنث بفعل أحدها، فكفارة تجزيه عن جميعها، وإن نوى بالكفارة الشيء الذي فيه حنث، ناسياً لباقيها أو ذاكراً [لذلك].
1585 - وكذلك لو كفر قبل حنثه في اليمين بالله ينوي أحدها أجزأه، عن جميعها، وإن كانت الكفارة في اليمين بالله بعد الحنث أحب إلينا.
وإن كفر قبل حنثه أجزأه كمن حلف بعتق رقبة أن لا يطأ امرأته فأخبر أن الإيلاء عليه فأعتق إرادة إسقاط الإيلاء. قال مالك: أحب إلي أن يعتق بعد الحنث، فإن أعتق قبله أجزأه ولا إيلاء عليه. وباقي مسائل هذا الكتاب قد تقدم ذكرها فأغنى عن إعادتها.
* * *
(كتاب التخيير والتمليك)
1586 - ومن قال لامرأته بعد البناء: اختاري نفسك، فقالت: قد اخترت نفسي، فهي ثلاث ولا مناكرة للزوج، وإن قالت: قد قبلت أمري، سئلت: ما الذي قبلت؟ فإن قالت: ما جعل لي من الخيار ولم أطلق، قيل لها: فطلقي إن أردت أو رُدّي، فإن طلقت ثلاثاً لزمه ولا مناكرة له، وإن طلقت دون البتات لم يلزمه شيء، وإنما لها أن تطلق ثلاثاً أو ترد ذلك، وإن قالت: أردت بذلك الطلاق، سئلت: أي الطلاق [أرادت]؟ فإن كان دون البتات بطل، وإن كان البتات لزم، ولا مناكرة للزوج.
وله مناكرتها في التمليك إذا قضت بأكثر من واحدة إن ادعى في ذلك نية ويُحلّف، وإن قضت بواحدة فقال: كذلك أردت، كان أملك بها.
1587 - وقوله لها: اختاري خيار، وإن قال: أمرك بيدك، فهذا تمليك، فإن قال لها: اختاري في واحدة، فقالت: اخترت نفسي، وقال الزوج: ما أردت إلا واحدة، [فإنه] يُحلّف وتلزمه واحدة [وله الرجعة]، وإن قال لها: اختاري في طلقة، فقالت: قد اخترتها أو اخترت نفسي، لم تلزمه إلا واحدة وله الرجعة، وكذلك له الرجعة في التمليك إذا قضت بدون البتات إلا أن يكون مع ذلك فداء فتكون بائناً. وإن قال [لها]: اختاري تطليقتين، فاختارت واحدة، أو قال [لها]: طلقي نفسك ثلاثاً، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة، لم يقع عليها شيء.
[وإن خيرها بعد البناء فقالت: قد خليت سبيلك، ونوت واحدة لم يقع عليها من الطلاق شيء]، وإن لم تكن لها نية فهي البتات.
1588 - وإن قال لها: اختاري اليوم كله فمضى اليوم ولم تختر فلا خيار لها، وكذلك إن خيرها ولم يوقت يوماً ثم افترقا من المجلس قبل أن تختار، فلا خيار لها في قول مالك الأول، وبه أخذ ابن القاسم وعليه جماعة من الناس، وقوله الآخر إن لها أن تختار وإن مضى الوقت أو تفرقا ما لم توقف أو توطأ، وإن قال لها: إذا جاء غد فقد خيرتك، وقفت الآن فتقضي أو ترد، وإن وطئها قبل غد فلا شيء بيدها.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/126)، والتقييد (3/19).
1589 - وإن قال لأجنبية: يوم أتزوجك فاختاري، فتزوجها فلها أن تختار، وإن قال لها: كلما تزوجتك فلك الخيار أو فأنت طالق، فالخيار لها والطلاق واقع عليها كلما تزوجها وإن نكحها بعد ثلاث تطليقات، لقوله كلما.
1590 - وإن قال لامرأته: إذا قدم فلان فاختاري، فذلك لها إذا قدم ولا يحال بينه وبين وطئها، وإن وطئها الزوج بعد قدوم فلان ولم تعلم المرأة بقدومه إلا بعد زمان، فلها أن تختار حين تعلم. وإن خيرها ثم خاف أن تختار نفسها فأعطاها ألف درهم على أن تختاره، لزمته الألف إن اختارته.
1591 - وكذلك إن شرط في عقد نكاحها أنه إن تسرر عليها فأمرها بيدها ففعل، فأرادت أن تطلق نفسها، فقال لها: لا تفعلي ولك ألف درهم، فرضيت بذلك لزمته الألف. وإن خيرها فقالت: قد اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي، فإنها توقف فتختار أو تترك.
1592 - وإن خيرها قبل البناء فقالت: قد اخترت نفسي أو طلقت نفسي ثلاثاً، أو قالت له: قد خليت سبيلك، تريد الثلاث فله أن يناكرها. فإن قال [لها]: لم أرد بذلك إلا واحدة، صدق، لأن الواحدة تبينها، والخيار والتمليك فيها سواء، فإن لم تكن له نية حين خيرها فهي ثلاث ولا يناكرها. وإن ملكها قبل البناء أو بعده ولا نية فالقضاء ما قضت، ولا مناكرة له إلا أن تكون له نية فله ذلك، ويحلف على ما نوى.
1593 - قال مالك: وإن خيرها أو ملكها فذلك لها ما دامت في مجلسها، وإن تفرقا فلا شيء لها، وإن وثب حين ملكها يريد قطع ذلك عليها لم ينفعه، وحد ذلك إذا قعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله ولم يقم فراراً، فلا خيار لها بعد ذلك. وقال في باب بعد هذا: إذا طال المجلس وذهب عامة النهار وعلم أنهما قد تركا ذلك أو قد خرجا مما كانا فيه [إلى غيره]، فلا قضاء لها، ثم رجع مالك إلى أن ذلك بيدها حتى توقف أو توطأ، قالت في المجلس: قد قبلت، أو لم تقل.
وأخذ ابن القاسم بقوله الأول.
1594 - [قال ابن القاسم] فإن قال لها: أنت طالق إن شئت، فكأنه تفويض وذلك بيدها وإن افترقا ما لم توطأ، وأرى أن توقف فتقضي أوترد، وإن قال لها: اختاريني أو اختاري نفسك، [فقالت: قد اخترت نفسي]، فقال: لم أرد الطلاق وإنما أردت أن تختاري أي ثوب اشتريه لك، فإن تقدم كلام يدل على ذلك فذلك له ويدين، وإلا فهو البتات، وإن قالت: قد طلقت نفسي، سئلت: أي الطلاق؟ فإن كان ثلاثاً لزمه ولا مناكرة له [عليها]، وإن كان أقل لم يلزمه.
وإن قالت: قد فعلت أو قبلت أمري، أو اخترت أو اخترت أمري، سئلت ما أرادت بذلك؟، فإن قالت: لم أرد به الطلاق، صُدّقت، وإن أرادت به طلاقاً دون البتات لم يلزمه، وإن أرادت البتات لزم ولا مناكرة له، وتُسأل المرأة في جوابها بماله وجوه تتصرف ما أرادت به في خيار أو تمليك؟ إلا أنه يناكرها في التمليك خاصة إن ادعى نية ويُحلّف على ما نوى، فإن لم تكن له نية حين ملكها فقضت بالثلاث لزمه، ولا مناكرة له.
1595 - وإذا أجابت بألفاظ ظاهرة المعاني، كقولها: اخترت نفسي، أو قبلت نفسي، أو طلقت نفسي منك ثلاثاً، أو طلقتك [ثلاثاً]، أو بنت منك [أو بنت مني]، [أو حرمت عليك، أو حرمت علي، أو برئت منك، أو برئت مني] ونحو هذا، فهو البتات، ولا تُسأل فيه المرأة عن نيتها في خيار ولا تمليك، إلا أن للزوج أن يناكرها في التمليك على ما وصفنا.(1)
1596 - [قال مالك:] وإن قال لها: اختاري أباك أو أمك، أو كانت تكثر التردد إلى الحمام أو الغرفة، فقال لها: اختاريني أو اختاري الحمام أو الغرفة، فإن لم يرد بذلك طلاقاً فلا شيء عليه، وإن أراد به الطلاق فهو الطلاق.
1597 - قال ابن القاسم: ومعنى قوله إن أراد به الطلاق [فهو الطلاق]: إنما ذلك إذا اختارت الشيء الذي خيرها فيه بمنزلة ما لو خيرها نفسها فإن لم تختر ذلك فلا شيء لها.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/129)، وحاشية الدسوقي (2/413)، والتاج والإكليل (4/94).
1598 - ومن قال لرجل: خيّر امرأتي، فسمعته المرأة فاختارت نفسها قبل أن يخيرها، فذلك لازم إن جعله رسولاً، وإن أراد تفويضه إليه كقوله: خيرها إن شئت أو بكلام دل به على ذلك، فلا خيار لها حتى يخيرها الرجل. وإن أشهد أنه قد خير امرأته ثم ذهب فوطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت، ويعاقب الزوج في فعله، كما لو شرط لها إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيدها، ثم فعل ذلك وهي لا تعلم، لم ينبغ له أن يطأها حتى يعلمها فتقضي أو تترك، وإن وطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت، [وكذلك الأمة تعتق تحت عبد، لها أن تمنعه من وطئها حتى تختار، فإن وطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت]، فإن أمكنته بعد العلم فلا خيار لها.
1599 - [قال مالك:] وإن قال لها: أمرك بيدك، فطلقت نفسها واحدة فهي واحدة، فإن قال الزوج: إنما أردت أن تطلق نفسها ثلاثاً، أو تقيم فالواحدة تلزمه ولا قول له، وإن قالت: طلقت نفسي البتة، أو اخترت نفسي، أو قبلت نفسي، فهي ثلاث إلا أن يناكرها مكانه فيُحلّف ويلزمه ما نوى من واحدة أو أكثر، ولا تسأل ههنا كم أرادت من الطلاق، لأنها قد بينت وليس لها أن تقول هذه الألفاظ أردت دون الثلاث. وإن قالت: قد قبلت [أو قبلت] أمري أو طلقت نفسي، سُئلت عن نيتها؟ فيلزم ما نوت إلا أن يناكرها الزوج فيما زادت على الواحدة، فإن جهلوا سؤالها في المجلس حتى مضى شهر أو شهران ثم سألوها فقالت: أردت ثلاثاً، فللزوج مناكرتها فيما زاد على الواحدة. وإن قالت: لم أرد بقولي قبلت أو قبلت أمري طلاقاً صدقت وكان لها أن تطلق نفسها الآن أو ترد، وإن كان بعد شهرين، لأن قبولها ما جعل لها لا يزيله من يدها إلا إيقاف من إمام أو تترك [هي] ذلك أو توطأ طوعاً، وإن وطئت كرهاً فهي على أمرها، وإن قال لها: قد ملكتك الثلاث، فقالت: أنا طالق ثلاثاً، فذلك لها.
1600 - وإن قال لها: أمرك بيدك إذا جاء غد، فذلك وقت، بخلاف قوله: إذا قدم فلان، وإن قال لها: أمرك بيدك أمرك بيدك [أمرك بيدك]، فطلقت نفسها ثلاثاً سُئل الزوج عما أراد، فإن نوى واحدة حُلّف وكانت واحدة، وإن أراد الثلاث فهي الثلاث، وإن لم تكن له نية فالقضاء ما قضت من واحدة فأكثر، ولا مناكرة له. وإن قال لها: أمرك بيدك، وأراد ثلاثاً، فطلقت نفسها واحدة، فذلك لها وتلزمه طلقة وله الرجعة.
1601 - وإن قال لها: أمرك في أن تطلقي نفسك ثلاثاً، أو قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة لم يلزم كالخيار. وإن ملكها في تطليقتين فقضت بواحدة لزمته طلقة إلا أن يريد معنى الخيار في أن تطلقي [نفسك] اثنتين أو تدّعي.
1602 - وإن قال لها: أمرك بيدك، وكرر ذلك ثلاث مرات ينوي بالتكرار ثلاثاً، فقالت: طلقت نفسي واحدة، أو ملكها مرة ونوى الثلاث أو لا نية له حين ملكها فقضت بتطليقة أنها واحدة وله الرجعة. وإن ملكها ولا نية له فقالت: [قد] حرمت نفسي أو بتت نفسي أو أبنت نفسي، فهي ثلاث.
1603 - وإن قال لها: أمرك بيدك، ثم قال لها أيضاً قبل أن تقضي: أمرك بيدك على ألف درهم، فلها القضاء بالقول الأول بلا غرم، كالقائل لزوجته: إن أذنت لك أمك فأنت طالق البتة، ثم قال لها بعد ذلك: إن أذنت لك [إليها]، إلا أن يقضي [به] علي سلطان فأنت طالق [ثلاثاً]، فالقول الثاني منه ندم والأول يلزمه.
وإن ملكها قبل البناء ولانية له فطلقت نفسها واحدة ثم واحدة ثم واحدة، فإن نسقتهن لزمته الثلاث، إلا أن تنوي هي واحدة كطلاقه إياها إذا كان نسقاً قبل البناء، وإن ملكها قبل البناء أو بعده فقالت: قد خليت سبيلك، فإن نوت بذلك واحدة أو اثنتين [أو ثلاثاً] لزمه ذلك، إلا أن يناكرها فيما زاد على الواحدة، ويحلف إن ادعى نية، فإن لم تنو هي شيئاً فهي ثلاث، إلا أن تكون للزوج نية فله ما نوى مع يمينه.
1604 - وإن ملّك أمر امرأته رجلين لم يجز طلاق أحدهما دون الآخر، إلا أن يكونا رسولين كالوكيلين في البيع والشراء، ولو كان أمة فملكها ولا نية له أو نوى الثلاث فقضت بالثلاث فهي ثلاث، لأن طلاق الحر الأمة ثلاث، ولو كان عبداً لزمته طلقتان، لأن ذلك جميع طلاقه.
1605 - قيل: فإن قال لها: حياك الله، يريد بذلك التمليك، أو: لا مرحباً، يريد بذلك الإيلاء أو الظهار. [قال]: قال مالك: كل كلام ينوي به الطلاق فهي طالق، وكذلك هذا.
1606 - وإن قال لها: طلقي نفسك أو طلاقك بيدك، فذلك كالتمليك إن طلقت نفسها ثلاثاً أو قضت بالبتات، فإن قال الزوج: أردت واحدة، فالقول قوله غذا ردّ عليها مكانه ويحلف وإلا فالقضاء ما قضت. ولو قال لها: طلقي نفسك فقالت: اخترت نفسي، أو حرّمت نفسي، أو بتت نفسي، أو برئت منك، أو أنا بائنة منك، فذلك كله ثلاث إن لم يناكرها في مجلسه، وله مناكرتها مكانه فيما زاد على الواحدة إن ادعى نية ويحلف.
1607 - وإن قال لها: أنت طالق [ثلاثاً] إن شئت، فذلك كالخيار ولا تلزمه الواحدة إن قضت بها، وإن قال [لها]، أنت طالق واحدة إن شئت، فقالت: قد شئت ثلاثاً، لزمته واحدة، وإن قال: طالق كلما شئت فلها أن تقضي مرة بعد مرة، ولا يزول ما بيدها إلا أن ترد ذلك، أو توطأ طوعاً، أو توقف، فلا قضاء لها بعد ذلك، [كما لو قال لها: أمرك بيدك إلى سنة، فتركت ذلك عند سلطان أو غيره، فلا قضاء لها بعد ذلك].
وإن ملكها إلى أجل فلها أن تقضي مكانها، وإن قال لها: أنت طالق غداً إن شئت، فقالت: أنا طالق الساعة، أو قال لها: أنت طالق الساعة - إن شئت - فقالت: أنا طالق غداً، وقع الطلاق فيهما جميعاً الساعة، وكذلك من ملك امرأته فقضت بالطلاق إلى أجل فهي طالق مكانها، وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فردت ذلك فلا ردّ لها، لأن هذا يمين متى دخلت وقع الطلاق، بخلاف قوله: أنت طالق كلما شئت، لأن هذا غير يمين وهو من وجه التمليك.
1608 - وإن قال لها: أمرك بيدك، ثم قال لها: أنت طالق، فإن قضت بواحدة لزمته طلقتان، وإن قضت بالثلاث فله أن يناكرها إن كانت له نية أنه ما ملّكها إلا واحدة وتكون اثنتين. وإن خيّرها أو ملكها فلم تقض حتى طلقها ثلاثاً أو واحدة، ثم نكحها بعد زوج أو بعد عدتها من الطلقة فلا قضاء لها، لأن هذا ملك مستأنف.
1609 - وإذا ملكها أمرها أو ملّك أمرها لأجنبي ثم بدا له، فليس له ذلك، والأمر إليهما، فإن قاما من المجلس قبل أن تقضي المرأة أو الأجنبي فلا شيء لهما بعد ذلك في قول مالك الأول، وبه أخذ ابن القاسم، ولهما ذلك في قوله الآخر ما لم يوقفا أو توطأ الزوجة، وإن خلى هذا الأجنبي بينها وبين زوجها وأمكنه منها زال ما بيده من أمرها، فإن جعل أمرها بيد رجل يطلق متى شاء فلم يطلق حتى وطئها الزوج، زال ما بيد الرجل، فإن لم يطأ الزوج حتى مرض فطلقها الوكيل في مرض الزوج لزمه الطلاق وترثه كما ترثه المفتدية في مرضه، والتي قال لها في صحته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق البتة، فدخلتها وهو مريض فإنها ترثه.
1610 - وإن شرط لها في عقد النكاح إن تزوج عليها فأمرها بيدها فتزوج فقضت بالثلاث فلا مناكرة له، وإن كان تبرع بهذا الشرط بعد العقد فله أن يناكرها فيما زاد على الواحدة إن ادعى نية ويحلف.
1611 - [قال مالك:] وإن قال لها: أمرك بيدك إلى سنة، فإنها توقف متى [ما] علم بذلك ولا تترك تحته، وأمرها بيدها حتى توقف فتقضي أو ترد.
1612 - قال ابن القاسم: وكذلك إن قال لها: إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق، فإنها توقف الآن فتقضي أو ترد، إلا أن يطأها في الوجهين وهي طائعة، فيزول ما بيدها ولا توقف.
1613 - وإن قال لها قبل البناء أو بعده: أنت علي حرام، فهي ثلاث، ولا ينوى في المدخول بها، وله نيته في التي لم يدخل بها في واحدة فأكثر، وإن قال: أردت بذلك الظهار لم يصدق. وإن قال لها: أنت طالق البتة، فهي ثلاث، وإن قال: أردت واحدة، لم يقبل منه قبل البناء ولا بعده.
ويؤخذ الناس بما لفظت به ألسنتهم [من أمر الطلاق].
1615 - قال ابن القاسم: ولا يدين في الطلاق.
1616 - وإن قال لها: برئت مني أو بنت مني أو أنت خلية، وقال: لم أرد بذلك طلاقاً، فإن تقدم كلام يكون هذا جوابه، [يدل] على أنه لم يرد به الطلاق، وإلا فقد بانت منه إذا كان كلاماً مبتدأ، وإن قال: أردت بذلك الظهار، لم يصدق، وإن قال: كل حلال علي حرام، فلا يلزمه وإن نوى عموم التحريم، إلا في زوجاته، نواهن حين تكلم بذلك أم لا، وبنّ منه، إلا أن يحاشيهن بقلبه أو بلسانه فيكون ذلك له، وينوى، ولا شيء عليه في غيرهن مما حرم من ماله أو أمهات أولاده، أو ليس ثياب أو طعام أو غيره، ولا تلزمه كفارة يمين، [وإن نوى به اليمين].
وقال ربيعة: من قال: الحلال علي حرام، فهي يمين إذا حلف أنه لم يرد امرأته، ولو أفردها كانت طالقاً البتة، وقاله ابن شهاب، إلا أنه لم يجعل فيها يميناً، وقال: ينكل على أيمان اللبس، وقال زيد بن أسلم: إنما كفّر النبي - صلى الله عليه وسلم - [يمينه] في قوله لجاريته أم إبراهيم: “والله لا أطؤك” لا في قوله لها بعد ذلك: “أنت علي حرام”.(1)
1617 - وإن قال لها: قد حرمتك علي، أو حرمت نفسي عليك فهو سواء، وإن قال لها: قد طلقتك، أو أنا طالق منك، فهو سواء، وهي طالق، وإن قال لها: أنت علي حرام ثم قال: لم أرد بذلك الطلاق إنما أردت الكذب، فالتحريم يلزمه ولا ينوى.
__________
(1) رواه مالك في المدونة (5/395)، والحاكم (2/493)، والدارقطني (3/42)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
1618 - قال ابن القاسم: وقد سئل مالك - رحمه الله - عن ما يشبه هذا فلم يجعل له نية، [وأخبرني] من أثق به أن مالكاً سئل عن رجل لاعب امرأته فأخذت بفرجه على وجه التلذذ فنهاها فأبت، فقال لها: هو عليك حرام، وقال: أردت أن أحرم أن تمسه ولم أرد [بذلك] تحريم امرأتي، فتوقف فيها مالك وتخوف أن يكون حنث فيها. ورأى غيره من أهل المدينة أن التحريم يلزمه، وهذا أخف عندي ممن نوى الكذب في التحريم، ولم أقل لك إن التحريم يلزم صاحب الفرج.
1619 - [وإن قال لها: أنت علي كالميتة، أو كالدم، أو كلحم الخنزير فهو ثلاث، وإن لم ينو به الطلاق].
1620 - وإن قال لها: حبلك على غاربك فهي ثلاث ولا ينوّى.
1621 - وإن قال لها: أنت خلية أو برية أو بائنة، قال: مني أو أنا منك، أو لم يقل، أو [قال]: وهبتك أو رددتك إلى أهلك، قال عبد العزيز: أو إلى أبيك، فذلك في المدخول بها ثلاث، ولا ينوى في دونها قبل الموهوبة أهلها، أو ردوها، وله نيته في ذلك كله إن لم يدخل بها في واحدة [فأكثر منها، وإن لم يكن له نية فذلك ثلاث فيهن.
1622 - وقال ربيعة في البرية والخلية والبائنة: إنها ثلاث في المدخول بها، وإن لم يدخل بها فهي واحدة].
قال ابن القاسم: وأما قوله: أنا منك بات، أو أنت [مني] باتة، فلا ينوى قبل البناء ولا بعده أنه أراد واحدة وتلزمه ثلاث، وإن قال لها: أنا خلي أو بري أو بائن أو بات، قال: منك، أو لم يقل، أو قال: أنت خلية أو برية أو بائنة، قال: مني، أو لم يقل، إلا أنه قال في هذا كله: لم أرد به طلاقاً، فإن تقدم كلام من غير الطلاق يكون هذا جوابه فلا شيء عليه ويديّن، وإلا لزمه ذلك ولا تنفعه نيته. وإن قال لها بعد البناء: أنت طالق واحدة بائنة فهي ثلاث، وكذلك إن قال لها: التحقي أو استبرئي أو ادخلي أو اخرجي، يريد بقوله واحدة بائنة فهي ثلاث.
1623 - وإن قالت له: أود لو فرّج الله لي من صحبتك، فقال لها: أنت بائن أو خلية أو برية أو بائنة، أو قال: أنا منك بريء أو خلي أو بائن أو بات، ثم قال: لم أرد به الطلاق وأردت بالبائن فرجة بيننا، لزمه الطلاق ولا ينوى، كما لو سألته الطلاق فقال لها: أنت بائن، ثم قال: لم أرد الطلاق فلا يصدق، لأنه جواب لسؤالها.
1624 - وإن قال لها: قد خليت سبيلك وقد بنى أو لم يبن فله نيته في واحدة فأكثر منها فإن لم تكن له نية فهي ثلاث.
1625 - قال ابن وهب عن مالك: وقوله: قد خليت سبيلك، كقوله: قد فارقتك، وإن قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي، أو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقاً، فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة بنى بها أم لا، وإن قال لها: أنت طالق اعتدي، [لزمته طلقتان] إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فتلزمه واحدة، وإن قال لها كلاماً مبتدأ: اعتدي، لزمه الطلاق، ويسأل عن نيته كم نوى؟ واحدة أو أكثر؟، فإن لم تكن له نية فهي واحدة، وإن لم يرد به الطلاق وكان جواباً لكلام قبله كدراهم تعتدها ونحوه فلا شيء عليه، وإن قال لها: إلحقي بأهلك، ولم ينو طلاقاً فلا شيء عليه، وإن نوى طلاقاً فهي ما نوى من واحدة فأكثر، وكذلك لو قال لها: يا فلانة، أو أنت حرة، أو اخرجي، أو تقنعي، أو خزاك الله، أو كلي، أو اشربي، أو كلاماً ليس من ألفاظ الطلاق، فلا شيء عليه إلا أن يريد بذلك الطلاق، فيلزمه ما نوى من واحدة فأكثر، فأما إن أراد أن يلفظ بأحرف الطلاق فلفظ [بما ليس من ألفاظ الطلاق] غلطاً فلا شيء عليه حتى ينوي أنها بما يلفظ به طالق، فيلزمه ما ذكرنا.
وإن قال لها: يا أمة يا أخت أو يا عمة أو يا خالة، فلا شي ءعليه وذلك من كلام [أهل] السفه.
1626 - ومن خطب إلى رجل فقال: هي أختك من الرضاعة، ثم قال بعد ذلك: والله ما كنت إلا كاذباً، فلا يتزوجها.
1627 - وإن قال: حكمة طالق، وله زوجة وجارية تسميان كذلك، فقال: نويت الجارية، فإن كانت عليه بينة لم يقبل منه، وله ذلك في الفتيا.
1628 - ولو حلف لسلطان طائعاً بطلاق امرأته في أمر كذب فيه، وقال: نويت امرأتي الميتة، فلا يُنوّى في قضاء ولا فتيا، لأنه قال: امرأتي، وتطلق امرأته، [قال مالك:] وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة، فقال: والله ما أردت بقولي ألبتة [طلاقها]، وإنما أردت واحدة، فزل لساني لفلظت بالبتة، فهي ثلاث.
قال سحنون: وهذا الذي قال: البتة، قد كان عليه بينة فلذلك لم ينوه مالك.
قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق، وقال: نويت من وثاق ولم أرد الطلاق ولا بينة عليه وجاء مستفتياً، فهي طالق، كما لو قال لها كلاماً مبتدأ: أنت برية، ولم ينو به الطلاق، فهي طالق.
1629 - قال مالك - رحمه الله - : ويؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم، ولا تنفعهم نياتهم في ذلك، إلا أن يكون جواباً لكلام كان قبله.
1630 - وإن قال لها: أنت طالق تطليقة، ينوي بها أن لا رجعة لي عليك فيها، فله الرجعة، وقوله: لا رجعة لي عليك ونيته، باطل، إلا أن ينوي بقوله: لا رجعة لي عليك البتات. وإن قال لها: أنت طالق، ونوى اثنتين أو ثلاثاً فهو ما نوى، وإن لم ينو شيئاً فهي واحدة، وإن أراد أن يطلق ثلاثاً أو يحلف بها فقال: أنت طالق، ثم سكت عن ذكر الثلاث وتمادى في يمينه، فإن كان حالفاً فهي واحدة إلا أن يريد بلفظه أنت طالق الثلاث فتكون ثلاثاً، ولو أخذ ليحلف على شيء فلما قال: طالق ثلاثاً، بدا له فصمت فلا شيء عليه، وإن قال لها: أنت طالق الطلاق كله، فهي الثلاث.
1631 - وإن قال لها: لست لي بامرأة، أو [قال:] ما أنت لي بامرأة أو لم أتزوجك، أو قال له رجل: ألك امرأة؟ فقال: لا، فلا شيء عليه في ذلك إلا أن ينوي به الطلاق، وإن قال لها: لا نكاح بيني وبينك، أو لا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك، فلا شيء عليه إذا كان الكلام عتاباً، إلا أن ينوي بقوله هذا الطلاق.
قال ابن شهاب: وإن قال لها: انت سائبة أو مني عتيقة أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، فليحلف ما أراد بذلك طلاقاً ويدين، فإن نكل وزعم أنه أراد [به] طلاقاً، كان ما أراد من الطلاق ويحلف على ذلك، وينكل من قال مثل هذا عقوبة موجعة، لأنه لبّس على نفسه وعلى حكام المسلمين، وقال القاسم بن محمد في عبد تحته امرأة فكلمه أهلها فيها، فقال: شأنكم بها، فرأى الناس ذلك طلاقاً.
قال ربيعة: وإن قال لها: لا سبيل لي عليك، دُيّن، وكذلك إن قال لها: لا تحلين لي، يدين، لأنه إن شاء قال: أردت الظهار أو اليمين.
قال عطاء بن أبي رباح: ومن قال: والله مالي امرأة فهي كذبة.
قال ابن شهاب: وإن قال لها: أنت السراح، فهي واحدة إلا أن يريد بذلك بتّ الطلاق، وقال جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم في البتة والحرام والخلية والبرية والبائنة: إنها ثلاث(1). انتهى.
* * *
(كتاب الإيلاء)
__________
(1) كابن عمر والإمام علي وربيعة ويحيى بن سعيد وأبي الزناد وعمر بن عبد العزيز. وانظر: المدونة لمالك (5/402)، وفتح الباري (9/370)، واختلاف العلماء (1/197)، ومختصره (2/421)، وسنن البيهقي (7/343).
1632 - قال مالك رحمه الله: وإذا حلف حر أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو العبد شهرين فليسا بموليين حتى يزيدا على ذلك، وإن حلف أن لا يتطهر منها من جنابة، أو آلى منها بحج أو عمرة، أو بصوم أو بطلاق، أو بعتق أو بهدي، أو قال: إن قربتك فعلي أن أصلي مائة ركعة، أو حلف بالله أن لا يطأها حتى يقدم فلان أو حتى يوفي لفلان حقه، أو حتى يفعل كذا، وهو ما يمكنه فعله أم لا، فهو في جميع ذلك مولٍ.(1)
1633 - قال مالك: وإن قال لها: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً، فهو مول، إذ لها أن تقيم بلا وطء، وروى عنه أكثر الرواة أنه لا يمكن من الفيء بالوطء، إذ باقي وطئه لا يجوز، وروي عنه أيضاص أن السلطان يطلق عليه جين ترافعه، ولا يضرب له أجل المولي ولا يمكن من فيئه.
قال ابن القاسم: رفعته قبل أربعة أشهر أو بعدها. قال سحنون: وهذا أحسن.
وإن قال لها: إن وطئتك حتى أمس السماء فعلي كذا، فهو مول، إذ لها أن تقيم بلا وطء، فإن قامت عليه قبل أجل الإيلاء، لم يوقف حتى يحل أجل الإيلاء فيوقف، لأن فيئته [بعد الأجل] الوطء، فإما فاء فأحنث نفسه، وإلا طلق عليه السلطان، وإن قال لها: إن وطئتك فعلي نذر أو يمين كفارة، فهو مول. قيل: فإن حلف بالله أن لا يلتقي معها إلى سنة؟ قال: كل يمين بمنع الجماع فهو بها مول، فإن كان هذا يمتنع منه بيمينه فهو مول.
قال ابن شهاب: وإن حلف أن لا يكلمها وهو في ذلك يمسها فليس بمول.
1634 - قال مالك: وليس في الهجران إيلاء، وإن حلف بالله أن لا يطأها واستثنى فرآه مالك مولياً وله أن يطأ بلا كفارة. وقال غيره: لا يكون مولياً.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/131)، حاية الدسوقي (3/227)، مواهب الجليل، المدونة الكبرى (6/89)، الرسالة لأبي زيد (1/96).
1635 - وإن حلف أن لا يطأها بعهد الله وميثاقه أو كفالته أو ذمته أو قدرته أو عظمته أو جلاله، فهذه كلها أيمان، فما حلف به من ذلك فهو به مول بنفس الإيلاء والأجل فيه أربعة أشهر من يوم حلف للحر، وشهران للعبد، كانت زوجة أحدهما أمة أو حرة، مسلمة أو كتابية، وإنما ينظر في أجل الإيلاء للرجال، لأن الطلاق على الرجال والعدة على النساء.
1636 - وإن قال لها: أشهد ألا أقربك أو أعزم على نفسي أو أقسم، فلا يكون بذلك مولياً إلا أن يريد بالله، وقوله أشهد ولعمري ليس بيمين.
وإن قال لها: إن وطئتك فهو يهودي أو نصراني أو زان، أو حلف ليغضبنها أو ليسوءنها، فترك [الوطء] أربعة أشهر، فليس بمول.
1637 - وإن قال لها: والله لا أطؤك، فلما مضت أربعة أشهر وقف، فقال: أردت أن لا أطأها بقدمي، قيل له: إن وطئت بان صدقك وأنت في الكفارة أعلم إن شئت فكفر أو فدع. وكذلك إن قال: [أردت] أن لا أطأها في هذه الدار، قيل له: أخرجها وجامعها إن كنت صادقاً ثم لا كفارة عليك، ولا يترك من غير أن يجامعها، وإن بين فقال: لا أطؤك في هذه الدار سنة فليس بمول، ولكن يؤمر بالخروج منها ليجامع إذا طلبت ذلك المرأة. وإن قال [لها]: لا أطؤك في هذا المصر أو في هذه البلدة، فهو مول.
1638 - قال ابن القاسم: وإن قال لها: إن وطئتك فكل مملوك أملكه فيما أستقبل حر، أو كل مال أملكه من ذي قبل صدقة، فليس بمول، ولو حلف بهذا لم يكن عليه أن يتصدق بثلث ما يفيد، فإن خص بلداً لم يكن مولياً حتى يملك من تلك البلدة مالاً أو عبداً فيكون مولياً حينئذ، للزوم الحنث له بالوطء، وكل يمين لا يحث فيه بالوطء فليس بمول.
قال غيره: هو مول قبل الملك إذ يلزمه بالوطء عقد يمين من رأس أو مال، وقاله ابن القاسم أيضاً. وإن قال: إن جامعتك فعلي صوم هذا الشهر فليس بمول، إلا أنه إن جامعها فيه صام بقيته، فإن لم يطأها حتى انسلخ فلا شيء عليه، كمن حلف بعتق عبده إن جامع امرأته فباع عبده ثم جامعها، لم يكن مولياً.
1639 - وإن قال لها: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا يوماً، لم يلزمه الإيلاء إلا أن يطأ وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر، واختلف فيها بالمدينة، وإن حلف أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، أو إلى سنة، فمضت السنة قبل توقفه فليس بمول، وإن حلف أن لا يطأها ثمانية أشهر فوقف لأربعة أشهر فأبى أن يفيء فطُلّق عليه ثم ارتجع، فإن انقضت الأربعة الأخرى قبل تمام العدة ولم يمس، فرجعته ثابتة، وإن انقضت العدة قبلها فليست برجعة، وإن قال لها: والله لا أطؤك، ثم قال بعد ذلك بشهر: علي حجة إن قربتك، [فوقف] لأربعة أشهر من اليمين الأول فطلق عليه ثم ارتجع، فلا إيقاف عليه لليمين الثانية، إذ لو حنث بالوطء لزمته اليمينان جميعاً، فكذلك التطليق عليه إن لم يف باليمينين جميعاً، وقاله غيره.
1640 - ومن حلف بالطلاق ليجلدن عبده جلداً يجوز له، فباعه قبل أن يجلده، ضرب له أجل المولي إن رفعه، فإن حلّ الأجل قبل أن يملكه بشراء أو غيره فيجلده، طلقناها عليه واحدة، فإن ملكه في العدة أيضاً فضربه كانت له الرجعة، وإن انقضت قبل أن يملكه بانت منه، ثم إن نكحها عاد مولياً ووقف، إلا أن يملكه فيضربه فيبر. قال ابن دينار: ساعة باعه طلقت عليه.
[قال ابن دينار: ومن حلف بحرية غلامه ليضربنه، فباعه قبل الضرب]، نقضت البيع وأعتقته عليه إذ لا أنقض صفقة سلم إلا إلى عتق ناجز.
1641 - ومن دخل عليه الإيلاء لضرر أو غيره ولم يحلف على ترك الوطء، مثل أن يقول: إن لم أفعل أو لأفعلن كذا فأنت طالق، فهو على حنث ولا يطأ، فإن رفعته ضُرب له الأجل من يوم رفعته.
قال غيره: هذا إذا تبين ضرره بها وإن لم يمكنه فعل ما حلف عليه لم يحل بينهما ولا يضرب له أجل، فإذا أمكنه فعل ذلك حيل بينهما وضرب له أجل المولي إن رفعته.
كالحالف بالطلاق ليحجن ولم يوقت سنة بعينها وهو في أول السنة، أو لأخرجن إلى بلد كذا ولا يمكنه الآن الخروج لخوف طريق ونحوه ولا يستطيع الحج في أول السنة، فهذا لا يحال بينه وبين امرأته، فإذا أمكنه خروج أو جاء وقت الحج فتركه إلى وقت إن خرج لم يدركه، منع حينئذ من الوطء، وضرب له أجل المولي من يومئذ إن رفعته، فإن فعل ما يبرّ به من الحج إن كان يدركه أو الخروج إلى البلد قبل الأجل برّ، وإن جاء الأجل ولم يفعل ما أمكنه من ذلك طلق عليه، فإن ارتجع ففعل الحج أو الخروج إلى البلد قبل انقضاء العدة ثبتت رجعته، لأن فيئته ههنا فعله، وأما في نفس الإيلاء فالوطء فيئته.
1642 - وقال ابن نافع عن مالك: له الوطء ما بينه وبين أول حجه، فإذا جاء إبان الخروج الذي يدرك فيه الحج من بلده فحينئذ لا يمسها حتى يحج.
ومن قال [لرجل]: امرأتي طالق إن لم تهب لي ديناراً، أو لامرأته النصرانية: أنت طالق إن لم تسلمي، حيل بينه وبينها ولم يدخل عليه في هذا إيلاء، ولكن يتلوم له الإمام على قدر ما يرى أنه أراد بيمينه، فإن أسلمت أو وهب له الأجنبي الدينار وإلا طلقت عليه.(1)
1643 - ومن قال لأجنبية: والله لا أطؤك، وأنت علي كظهر أمي، ثم نكحها لزمه الإيلاء ولم يلزمه الظهار، إلا أن يريد [بقوله] إن تزوجتك فيلزمه الظهار.
1644 - ولا يجوز لرجل أن يطأ أم جارية له قد وطئها بملك اليمين.
1645 - وإن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق ووالله لا أقربك، فإن نكحها طلقت، ثم إن نكحها ثانية لزمه الإيلاء، وإن قال لها: إن تزوجتك فوطئتك فأنت طالق، كان مولياً من يوم التزويج، فإن وطئها طلقت [عليه] وسقط الإيلاء.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (6/92)، والتاج والإكليل (4/80)، ومختصر اختلاف العلماء (2/482).
1646 - ومن آلى من صغيرة لا يوطأ مثلها، لم يؤجل حتى يمكن [من] وطئها، فمن يومئذ يضرب له الأجل. ومن طلق امرأته طلقة بملك الرجعة ثم آلى منها، فهو مول إن مضت أربعة أشهر قبل انقضاء العدة فإما فاء أو طلق [عليه].
1647 - وإن قال لها: إن وطئتك فعبدى ميمون حر، فباعه فله أن يطأ، فإن اشتراه عاد موليا ولا يحنث إلا بالوطء، وهو فى ملكه، وإن قال: زينب طالق واحدة، أو قال ثلاثا إن وطئت عزة، فطلق زينب واحدة، فإن انقضت عدتها فله وطء عزة، ثم إن تزوج زينب بعد زوج أو قبل زوج، عاد موليا فى عزة، فإن وطئ عزة بعد ذلك أو وطئها فى عدة زينب من طلاق واحدة، حنث، ووقع على زينب ما ذكر من الطلاق، ولو طلف زينب ثلاثا ثم نكحها بعد زوج، لم يعد عليه فى عزة إيلاء لزوال طلاق ذلك الملك كمن حلف بعتق عبد له أن لا يطأ امرأته فمات العبدفقد سقط اليمين، ولو طلق عزة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج وزينب عنده، عاد موليا ما بقى من طلاق زينب شىء، كمن آلى أو ظاهر ثم طلق ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج، فذلك يعود عليه أبدا حتى يكفر أو يفىء.
1648 - ومن حلف أن لا يطأ امرأته حتى يموت فلان، أو حتى يقدم أبوه، وأبوه باليمين الأول فهو مول.
1649 - ومن قال لنسائه الأربع: والله لا أقرب واحدة منكن ولا نية له، لواحدة بعينها فيمينه على جميعهن، فإن ماتت إحداهن أو طلقها البته كان على إيلائه فيمن بقى، وإن وطئ واحدة منهن حنث فى جميعهن ويكفر. ثم لا كفارة عليه فيمن وطئ من البواقى، ولا يطق على المولى لتمام أجل الإيلاء حتى يوقف. وإن حلف أن لا يطأ امرأته إلا فى بلد كذا ومسافتها أقل من أربعة أشهر أو أكثر، أو حتى يكلم فلانا أو يقضيه حقه فهو مولٍ، فإن وقف بعد الأجل، فقال: دعونى أخرج، فإن كانت البلدة قريبة والرجل فى موضع قريب مثل ما يختبر بالفيئة، فذلك له، وإن بعد ذلك طلق عليه، ولا يزاد فيما أحل الله، وقيل له: ارتجع إن أحببت.
1650 - وإن جامعها المولى بين فخذيها بعدما وقفته أو قبل أن توقفه، فلا يفئ إلا بالجماع إذا لم يكن عذر، ولا يفيء بالوطء دون الفرج، ولا بالقبلة والمباشرة واللماس، إلا أن الكفارة تلزمه بالوطء دون الفرج، إلا أن يكون نوى الفرج فلا تلزمه كفارة، كمن حلف بعتق أمته إن وطئها، فإنه يحنث بالوطء دون الفرج.
وتحمل أيمانهم على الاعتزال حتى يخص بنيته الفرج، وأحسن للمولي أن يكفر في اليمين بالله بعد الحنث، وإن كفر قبله أجزأه وزال عنه الإيلاء.
قال أشهب: لا يزول عنه الإيلاء حتى يطأها وهو أعلم في كفارته إذ لعله كفر عن يمين بالله سلفت، إلا أن تكون يمينه في شيء بعينه فتزول.
1651 - قال ابن القاسم وغيره: إذا وقف المولي فعجل حنثه زال إيلاؤه، مثل أن يحلف أن لا يطأ بطلاق امرأة له أخرى، أو بعتق عبد له بعينه، فإن طلق المحلوف بها أو أعتق العبد أو حنث فيهما، زال الإيلاء عنه.
1652 - وكذلك إن حلّ الأجل وهو مريض أو مسجون أو غائب، وكانت يمينه بما ذكرنا أو بصدقة شيء بعينه أو بالله، لم تطلق عليه، ولكن يوقف المريض أو المسجون في موضعه ويكتب إلى الغائب، وإن كان بلده مسيرة شهر أو شهرين فيوقف أيضاً في موضعه، فإما عجلوا الكفارة أو إياقع ما ذكرنا من المعيّنات، من عتق أو طلاق أو صدقة، وإلا طلق على كل واحدة آلى منها، فإن قالوا: نحن نفعل، اختبروا مرة وثانية، فإن لم يفعلوا طلق عليهم.
1653 - قال ابن القاسم: في يمينهم بالله إنهم إن فاؤوا بألسنتهم أجزأهم.
قال سحنون: وهذه الرواية أصح من كل ما كان من هذا الصنف غير هذا، وعليه أكثر الرواة.
1654 - قال ابن القاسم: وإذا أمكنهم الوطء فلم يطؤوا طلق عليهم، ولو كفروا في تلك الحال المتقدمة ثم أمكنهم الوطء فلم يطؤوا فلا إيلاء عليهم، فإن آلوا بما لا يكفّر قبل الحنث فالفيئة لهم بالقول، حتى يمكنهم الوطء فيطؤوا أو يطلق عليهم، ولا يحنث المريض إذا فاء بلسانه، وإنما يحنث إذا جامع. وإن وقف المولي وهي حائض فقال: أنا أفيء، أمهل حتى تطهر، وإن آلى الصحيح ثم مرض فلم يف بالكفارة فطلق عليه ثم مات من مرضه ذلك، ورثته.
1655 - [ومن] ترك وطء زوجته لغير عذر ولا إيلاء لم يُترك، فإما وطئ أو طلق، وكذلك يقضي، وقد كتب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - إلى قوم غابوا بخراسان: إما قدموا أو يدخلون نساءهم إليهم أو طلقوا.
1656 - ومن تزوج امرأة بكراً أو ثيباً فوطئها مرة ثم حدث له من أمر الله ما منعه الوطء، وعلم أنه لم يترك ذلك وهو يقدر عليه ولا ليمين عليه، فلا يفرق بينه وبينها أبداً. وإن آلى خصي أو شيخ كبير قد تقدم له فيها وطء، أو آلى الشاب ثم قطع ذكره، لم يوقّفواولا حجة لنسائهم.
1657 - وإن طلق على المولي للأجل وهي مستحاضة فارتجع ولم يطأ حتى مضت أربعة أشهر ثانية، ولم تتم العدة، لأن عدتها سنة، فلا يوقف ثانية، ولكنه إن وطء في العدة فهي رجعة، وإن لم يطأ حتى تمت العدة لم تكن رجعة.
1658 - وإن آلى من امرأته بعد البناء ثم طلقها واحدة فحلّ أجل الإيلاء قبل تمام العدة وقف، فإن طلق عليه الإمام كانت طلقة أخرى، وإن تمت العدة قبل الأجل فقد بانت منه، وإن نكحها عاد مولياً ووقف لأربعة أشهر من يوم نكح، [لا] لتمام الأجل الأول.
1659 - والمولي والمظاهر إذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج، فذلك يعود عليه أبداً حتى يفيء أو يُكفّر. وإن آلى هذا إلى أجل بعيد فطلق عليه لأجل الإيلاء ثم نكحها بعد ذلك، فإن بقي من أجل يمينه أكثر من أربعة أشهر عاد مولياً وإلا لم يعد. وإذا طلق على المولي وقد بنى فله الرجعة في بقية العدة بالقول، ويتوارثان ما لم تنقض [العدة]، فإن ارتجعها بالقول فواسع له أن يخلو وإياها، فإن لم يطأ حتى دخلت في أول دم الحيضة الثالثة حلت، ولم تكن تلك رجعة إلا لمعذور بمرض أو سجن أو سفر، فرجعته رجعة بالقول، ثم إذا أمكنه الوطء بعد العدة فلم يطأ فرق بينهما وأجزأته العدة الأولى إلا أن يكون خلا بها فيها وأقر أنه لم يطأ، فلتأتنف العدة ولا يكون له عليها رجعة في هذه العدة المؤتنفة، فإن قال: إني وطئتها، فأنكرت هي فالقول قوله مع يمينه، وإذا طلق على المولي قبل البناء فلا رجعة له، وإن طلق عليه وقد بنى، ثم لم يرتجع بالوطء حتى تمت العدة، ثم تزوجها فعاد الإيلاء عليه وأوقفته لتمام الأجل فلم يف فطلق عليه، فإنه لا رجعة له ههنا، إذ لا عدة عليها، لأنه لم يبن في النكاح الثاني.
1660 - وإذا آلى العبد ثم عتق وقد بقي من أجل إيلائه شهر، فلزوجته إيقافه لتمام أجل العبد، ولا ينتقل إلى أجل الحر، كانت هي حرة أو أمة، إذ لو طلق واحدة ثم أعتق لم ترجع عنده إلا على واحدة، كما أن الأمة إذا أعتقت وهي في عدتها من طلاق يملك الزوج الرجعة أم لا تنتقل من عدة الإماء.
1661 - وإن آلى العبد بعتق أو بصدقة كان مولياً، لأنه لو حنث ثم أعتق لزمته اليمين.
1662 - قال مالك في عبد حلف في جارية إن اشتراها فهي حرة: لا أحب له شراءها وإن لم يأمره سيده باليمين، وما حلف به الكافر من إيلاء أو يمين بالله أو بظهار أو عتق أو طلاق أو صدقة، لم يلزمه ذلك إذا أسلم.
* * *
(كتاب اللعان)
1663 - واللعان يجب بثلاثة أوجه: فوجهان مجتمع عليهما، وذلك أن يدعي أنه رآها تزني كالمورد في المكحلة ثم لم يطأها بعد ذلك، أو ينفي حملاً يدعي قبل استبراء، والوجه الثالث أن يقذفها بالزنا ولا يدعي رؤية ولا نفي حمل، فأكثر الرواة يقولون: إنه يحد ولا يلاعن، قاله ابن القاسم مرة، وقاله المخزومي وابن دينار، وقالا: إن نفى حملاً ولم يدع استبراء جلد الحدّ ولحق به الولد، وقال ابن القاسم مرة أخرى: [إنه] إن قذف أو نفى حملاً لاعن، ولم يكشف عن شيء، وقاله ابن نافع.
1664 - ويبدأ الزوج في اللعان فيشهد أربع شهادات، يقول في الرؤية: أشهد بالله لرأيتها تزني، وفي نفي الحمل: أشهد بالله لزنت، ويقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول المرأة في الرؤية: أشهد بالله ما رآني أزني، وفي الحمل: أشهد بالله ما زنيت [أربع مرات]، وتقول في الخامسة، أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
1665 - واللعان بين كل زوجين، كانا [حرين أو] مملوكين أو أحدهما، أو محدودين أو كتابية تحت مسلم، إلا الكافرين فلا لعان بينهما، وأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما بغيررؤية، كان حراً أو عبداً، إذ لا يحد قاذفهما، ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملاً، وادعى استبراء، أو ادعى رؤية لم يمس بعدها لخوف الحمل، ولو شاء أن يلاعن في قذفهما ليحق ذلك عليهما لم أمنعه.(1)
1666 - ويلتعن المسلم في المسجد عند الإمام دبر الصلوات بمحضر من الناس، وفي الحديث أنهما تلاعنا بعد العصر.(2)
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/140)، ومواهب الجليل (4/132)، والكافي (1/286)، والثمر الداني (1/478)، والرسالة (1/97).
(2) رواه البخاري (5002)، ومسلم (3723).
1667 - وتلاعن النصرانية في كنيستها حيث تعظم وتحلف بالله، وللزوج أن يحضر معها إن شاء أو يدع، ولا تدخل هي معه المسجد، لأنها تمنع من المسجد. وبتمام اللعان تقع الفرقة بين الزوجين، وإن لم يفرق بينهما الإمام، ثم لا تحل له أبداً وإن أكذب نفسه، ولكن يحدّ ويلحق به الولد، إلا أن يكذب نفسه وقد بقي من لعان الزوجة ولو مرة [واحدة] فيحد وتبقى له زوجة.
1668 - ولو لاعن من نفي حمل ثم انفشّ لم تحل له أبداً، إذ لعلها أسقطته وكتمته.
1669 - ولا لعان في قذف الصبي لامرأته الكبيرة، إذ لا حد عليه إن قذف أو زنا، ولأنه لا يلحقه ولد إن كان.
1670 - وإذا قذف الحر امرأته الحرة فقال: [رأيتها] تزني، وهي لا يحمل مثلها من كبر أو صغر، فإنه يلاعن إن كانت الصغيرة قد جومعت وإن لم تبلغ المحيض، وكذلك من قذفهما إن كانتا حرتين مسلمتين ليزيل حد قذفه، وتلتعن الكبيرة ولا تلتعن الصغيرة، إذ لا تحد إن نكلت أو أقرت أو زنت، ألا ترى أن النصرانية لو نكلت عن لعان المسلم أو صدقته لم يكن عليها حد.
1671 - وإذا رأى الزوج الحمل ظاهراً فسكت شهراً أو حتى وضعته أو قامت بينة أنه رآه يوماً أو يومين فلم ينكره، أو أنه أقرّ به ثم نفاه، لم ينفعه نفيه، ويلحق به وتبقى له زوجة، كانت مسلمة أو كتابية أو أمة مسلمة، ويحد للحرة المسلمة، ولا يحد للأمة ولا الكتابية، وأما إن قدم من سفر فله أن ينفي الحمل وإن كان ظاهراً، ومن قال: رأيت امرأتي اليوم تزني ولم أجامعها بعد ذلك، إلا أني كنت وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ولم أستبرئ، فإنه يلاعن، قال مالك: ولا يلزمه ما أتت به من ولد، قال ابن القاسم: إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فيلزمه، وقد اختلف في ذلك قول مالك: فمرة ألزمه الولد، ومرة لم يلزمه [الولد]، ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملاً، قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلي [أنه] إذا كان بها يوم الرؤية حمل ظاهر لا شك فيه، فإن الولد يلحق به إذا التعن على الرؤية، وقال المخزومي: إن أقرّ بالحمل وادعى رؤية لاعن، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فالولد منه، وإن كان لستة أشهر فأكثر فهو للعان، فإن ادعاه بعد ذلك ألحق به وحُدّ.
1672 - قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن [واحد]، ووضعت ولداً ثم وضعت آخر بعده لخمسة أشهر فهو حمل واحد، فإن أقرّ الزوج بأحدهما ونفى الآخر حدّ ولحقا به جميعاً، وإن وضعت الثاني لستة أشهر فأكثر فهما بطنان، فإن أقرّ بالأول ونفى الثاني وقال: لم أطأها بعد ولادة الأول، لاعن ونفى الثاني، إذ هما بطنان، فإن قال: لم أجامعها من بعد ما ولدت الأول وهذا الثاني ولدي، فإنه يلزمه، لأن الولد للفراش ويسأل النساء فإن قلن إن الحمل يتأخر هكذا لم يحد وكان بطناً واحداً، وإن قلن لا يتأخر حد ولحق به، بخلاف الذي يتزوج امرأة ولم يبن بها حتى أتت لستة أشهر من يوم تزوجت فأقر به الزوج وقال: لم أطأها منذ تزوجتها، فهذا يحد ويلحق به الولد.
1673 - ومن قدم من سفر فولدت امرأته ولداً ونفاه والتعن، ثم ولدت آخر بعد شهر، كان منفياً باللعان الأول، وهذا اللعان الأول ينفي كل ولد لهذا الحمل، فإن ادعى الولد الثاني حد ولحقا به جميعاً، وإن ولدت ولداً ميتاً أو مات بعد الولادة ولم يعلم به الزوج لغيبة أو غيرها ثم نفاه إذا علم فإنه يلاعن، لأنه قاذف.
1674 - ومن زنت زوجته فحدت، ثم قال: رأيتها تزني ولم يقذفها بالزنا الذي حدت فيه التعن، فإن كذب نفسه نكل ولم يحد، ومن قذف امرأته وقد كانت وطئت غصباً التعن. قال غيره: إن قذفها برؤية غير الغصب تلاعنا جميعاً، فأما إن غصبت فاستمرت حاملاً فنفى الولد لم ينتف [الولد] إلا بلعان، ولا تلتعن هي إذ تقول: إن لم يكن منك فمن الغاصب.
1675 - ومن نكل من المتلاعنين عن اللعان حدّ مكانه، حد القذف على الزوج، والرجم على الزوجة إن كانت ثيباً، ولا تؤخر إلا بالحمل، وإن كانت بكراً فمائة جلدة.
وإن أقامت المرأة بينة أن الزوج قذفها وهو ينكر حدّ، إلا أن يدعي رؤية، فيلتعن ويقبل منه بعد جحوده.
وقال غيره: لا يقبل رجوعه، لأنه أكذب نفسه [ويحدّ]. ومن قذف زوجته ثم بانت منه وتزوجت ثم قامت بالقذف، فإنهما يلتعنان، ومن أبى منهما اللعان حدّ.
1676 - وإذا تصادق الزوجان على نفي الولد، نفي بغير لعان وحدت الزوجة، وإن كان لها معه قبل ذلك سنين، وقاله مالك والليث، وقال أكثر الرواة: لا ينفى إلا بلعان، ورووه أيضاً عن مالك.
1677 - ومن قال في زوجته: وجدتها مع رجل في لحاف أو تجردت له أو ضاجعته، لم يلتعن إلا أن يدعي رؤية الفرج في الفرج، فإن لم تكن له بينة على ما ذكر فعليه الأدب ولا يحد.
1678 - وعلى قاذف ابن الملاعنة أو قاذف أمه الحد، وإن قال له: ليس ابوك فلاناً، فإن كان على وجه المشاتمة له حد.
قال ربيعة: ومن لاعن زوجته ثم قذفها بعد تمام اللعان حد.
1679 - قال ابن القاسم: ومن قامت عليه بينة أنه أقر بولد لاعن منه وهو منكر، لحق به وحُدّ.
ومن نفى ولداً بلعان، ثم زنت المرأة بعد ذلك، ثم أقر بالولد لحق به ولم يحد، إذ صارت زانية.
ومن قال: رأيت فلاناً يزني بامرأتي، لاعن وحدّ لفلان.
1680 - ومن لاعن في نفي حمل ثم ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً، أو كان لعانه بعد أن ألقته من الضرب، فالغرة للأم ولمن يرث الجنين من عصبته، ويرث ابن الملاعنة إذا مات أمه وعصبتها.
ومن نفى ولداً بلعان ثم ادعاه بعد أن مات الولد [عن مال] فإن كان لولده ولد ضرب الحد ولحق به. وإن لم يترك ولداً لم يقبل قوله، لأنه يتهم في ميراثه ويحد ولا يرثه.
1681 - ومن أنكر لون ولده لزمه ولم يلاعن، وذلك عرق نزعه.
1682 - وإذا ماتت المرأة بعد التعان الزوج، أو بعد أن بقي من لعانهما مرة واحدة ورثها. وإن مات الزوج بعد التعانه قيل للمرأة: التعني، فإن أبت ورثته ورجمت، وإن التعنت لم ترثه.
1683 - ويلتعن الأعمى في الحمل بدعوى الاستبراء، وفي القذف، لأنه من الأزواج، فيُحمّل ما تَحَمّل.
قال غيره: بعلم يدله على المسيس لا بالرؤية.
1684 - ويلاعن الأخرس بما يفهم عنه من إشارة أو كتاب، وكذلك يعلم قذفه.
1685 - ويلاعن في الرؤية من لا يدعي استبراء، فإن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية لحق به ولم ينفعه إن نفاه ولا يحد. ولو قال بعد الوضع لأقل من ستة أشهر: كنت استبرأت، ونفاه، كان اللعان الأول، ثم إن ادعاء أو أكذب نفسه في الاستبراء لحق به وحد، إذ باللعان نفيناه فصار قاذفاً.
1686 - وإن شهد على امرأة بالزنا أربعة، أحدهم زوجها، لاعن الزوج وحُدّ الثلاثة.
ومن قذف زوجته أو أجنبية فلم ترفعاه فلا شيء عليه. ومن لم يُعلم له بزوجته خلوة حتى أتت بولد فأنكره وأنكر المسيس وادعت هي أنه منه وأنه غشيها، وأنكر قولها وأتت به لستة أشهر فأكثر من يوم العقد، وقد طلق أو لم يطلق، لزمه، إلا أن ينفيه بلعان فلا يلزمه، ولا يكون لها إذا لاعن إلا نصف الصداق ولا سكنى لها ولا متعة.
1687 - ومن انتفى من حمل زوجته بلعان، ثم أقرّ به بعدما ولدته حدّ ولحق به، فإن كان موسراً في مدة الحمل أو في بعضه رجعت عليه بالنفقة في مدة يسره، وإن كان يومئذ معسراً لم ترجع عليه بشيء.
وللملاعنة السكنى ولا متعة لها على حال، كانت مدخولاً بها أم لا، سمى لها صداقاً أم لا. ولا تنكح حتى تنقضي عدتها.
1688 - ومن قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض، أو في دم نفاسها، فلا يتلاعنا حتى تطهر.
وكذلك إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنين وغيره، والمرأة حائض، فلا تطلق عليه حتى تطهر، إلا المولي فإنه إذا حلّ الأجل وهي حائض فلم يف طُلّق عليه.(1)
وروى أشهب عن مالك: أنها لا تطلّق عليه حتى تطهر.
* * *
(كتاب الأيمان بالطلاق)
1689 - ومن طلق زوجته فقال له رجل: ما صنعت، فقال: هي طالق، فإن نوى إخباره فله نيته.
1690 - ومن قال لزوجته: إن دخلت الدار أو أكلت أو شربت [أو ركبت]، ونحو هذا، فأنت طالق، فهي أيمان.
1690 - وإن قال لها: إذا حضت أو إن حضت فأنت طالق، لزمه الطلاق مكانه، وإن قال لها: أنت طالق إن شئت أو إذا شئت، فذلك بيدها وإن افترقا، حتى توقف أو توطأ أو يتلذذ منها طائعة. وكانت (إذا) عند مالك أشد من (إن)، ثم ساوى بينهما، ولو قبلته قبل القضاء كان ذلك تركاً لما جعل لها.(2)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/41)، والشرح الكبير (2/364)، ومواهب الجليل (4/41)، ومنح الجليل (4/272).
(2) إن هذا البلب يخص الطلاق المعلق، وانظر: شرح حدود ابن عرفة(176)، ومواهب الجليل (4/107)، وكفاية الطالب (2/26)، والفواكه الدواني (1/423)، وشرح الزرقاني (3/276)، والتقييد (2/366).
1691 - وإن قال لها: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ثم قال لها ذلك ثانية في ذلك الرجل، فهي إن حنث طلقتان حتى يريد واحدة، ولو كان ذلك في يمين بالله لم تلزمه إلا كفارة واحدة، ألا ترى أنه لو قال: والله والله والله لا أكلم فلاناً فكلمه، لم تلزمه إلا كفارة واحدة. ولو قال لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن كلمت فلاناً فكلمته، طلقت ثلاثاً، إلا أن ينوي واحدة ويريد بالبقية إسماعها.
1692 - [وإن قال لها: إن كنت تبغضيني فأنت طالق، فقالت: لا أبغضك، فلا يجبر على فراقها ولكن يؤمر به].
وإن قال لها: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق ثلاثاً، فقالت: إني أحبه، ثم قالت: كنت كاذبة أو لاعبة، فليفارقها ولا يقيم عليها.
1693 - ومن قال لرجل: امرأته طالق لقد قلت لي كذا وكذا، فقال الآخر: امرأته طالق إن كنت قلته [لك]، فليديّنا ويتركا إن ادعيا يقيناً. وإن قال [لها]: إذا حضت أو إذا حاضت فلانة - وفلانة ممن تحيض - فأنت طالق، طلقت الآن، وتأخذ في العدة وتعتد بطهرها الذي هي فيه من عدتها، فإن ارتابت بتأخير الحيض فاعتدت سنة ثم نكحها بعد العدة فحاضت عنده واليمين فيها، لم تلزمه بذلك طلقة ثانية، لأني عجّلت حنثه بذلك.
1694 - وإن قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، لزمته مكانه طلقة.
وقال غيره: لا يلزمه طلاق إلا أن ترفعه إلى السلطان وتوقفه.
1695 - ومن قال لزوجته: إن أكلت من هذا الرغيف فأنت طالق، فلم تأكل منه شيئاً حتى طلقها واحدة، فتزوجت غيره ثم أكلت بعضه لم يحنث بذلك، فإن طلقت وتزوجها الحالف فأكلت بقيته أو بعضه وهي في عصمته حنث ما بقي من طلاق الملك الذي عقد فيه اليمين شيء، فإذا تم لم يحنث بما أكلت عنده في الملك الثاني.(1)
1696 - ومن قال لرجل: امرأتي طالق لو كنت حاضراً لشرّك مع أخي لفقأت عينك، فإنه حانث.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (6/4، 7)، ومواهب الجليل (4/71)، والتاج والإكليل (4/68)، والتقييد (2/368).
1697 - ومن قال لامرأته: إذا قدم فلان أو إن قدم [فلان] فأنت طالق، لم يلزمه طلاق حتى يقدم فلان، وليس هذا من الشك الذي يفرق به ولا هو أجل آت على كل حال، وإنما الشك الذي يفرق به لو قال رجل: امرأته طالق إن كلّم فلاناً، ثم شكّ فلم يدر أكلمه أم لا، طلقت عليه، وكل يمين بالطلاق لا يعلم صاحبها أنه فيها بار فهو حانث.
1698 - وإن قال لها: إذا حملت فأنت طالق، لم يُمنع من وطئها مرة واحدة، ثم تطلق حينئذ.
1699 - وإن قال لها وهي غير حامل: إذا حملت فوضعت فأنت طالق، فإن كان وطئها في ذلك الطهر طلقت عليه مكانها ولا ينتظر بها أن تضع [ولا أن تحمل]، وإن قال لها: إن كنت حاملاً، أو إن لم يكن بك حمل أو إذا وضعت فأنت طالق، طلقت مكانها ولا يُستأنى بها لينظر أبها حمل أم لا، إذ لو ماتا قبل أن يتبين ذلك لم يتوارثا.
1700 - [وإن قال لها: أنت طالق بعد قدوم فلان بشهر طلقت حين قدومه ولا ينتظر الأجل].
1701 - وإن قال لها: أنت طالق إذا مت أنا أو إذا مت أنت، لم يلزمه شيء، وإن قال لها: إذا مات فلان فأنت طالق، أو طلق إلى أجل آت، أو قال لها: أنت طالق قبل موتك بشهر.
1702 - أو قال لها وهي حامل: إذا وضعت فأنت طالق لزمه الطلاق في ذلك كله مكانه، وإن قال لها: أنت طالق كلما حضت أو كلما جاء يوم أو شهر أو سنة، طلقت عليه الآن ثلاثاً ولم تعد عليه اليمين إن نكحها بعد زوج، لأن الملك الذي طلق فيه قد ذهب.
1703 - وإن قال لأجنبية: أنت طالق غداً، فتزوجها قبل غد فلا شيء عليه إلا أن ينوي إن تزوجتك، فتطلق مكانها، وإن قال لامرأته وهي حامل: إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق طلقت ساعتئذ، وإن أتت بغلام لم ترد إليه، وكذلك قوله: إن لم تمطر السماء في وقت كذا فأنت طالق، فإنها تطلق عليه حينئذ، لأن هذا من الغيب، ولا ينتظر به إلى ذلك الوقت لينظر أيكون فيه المطر أم لا، ولو مطر في ذلك الوقت لم ترد إليه، وأما إن قال لها: إن لم يقدم أبي في وقت كذا فأنت طالق، فخلاف ذلك، إذ [قد] يدعي علم قدومه بالخير يأتيه أو غيره.
1704 - وإن قال لها: إن لم أدخل الدار أو أفعل كذا فأنت طالق، لم يقع عليه الطلاق حين تكلم بذلك، ولكن يمنع من وطئها حتى يفعل ما حلف عليه، فإن رفعت أمره [للحاكم] ضرب له من يوم ترفع أجل المولي، ولا ينظر إلى ما مضى قبل ذلك من الشهور، وإنما يضرب له الأجل من يوم حلف، لو حلف بيمين من الأيمان أن لا يطأ، ولا يحتاج في هذا إلى رفعه إلى الإمام، لأنه لو وطئ قبل أن ترفعه زال إيلاؤه وبرّ، والأول لو وطئ قبل أن ترفعه لم تسقط عنه اليمين التي عليه إذا لم يفعلها.
1705 - وإن قال لها: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ثم حلف بمثل ذلك في رجل آخر فكلمتهما لزمته طلقتان، ولا ينوّى إلا أن يكون المحلوف عليه رجلاً واحداً فينوّى.
1706 - وإن قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، ثم قال: كل امرأة أتزوجها من بلد كذا لبلدها فهي طالق، أو قال لها بعد ذلك ولنساء معها: إن تزوجتكن فأنتن طوالق، فإن نكحها لزمته طلقتان ولا ينوى، وإن قال لأجنبية: إن تزوجتك أو يوم أتزوجك فأنت طالق طالق طالق، أو فأنت طالق أنت طالق أنت طالق، أو قدّم ذكر الطلاق قبل ذكر التزويج فهي ثلاث إن تزوجها، إلا أن يريد واحدة فيديّن، وإن قال لامرأته: أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق، أو ثم [ثم ثم] فهي ثلاث ولا ينوى، قال مالك: وفي النسق بالواو إشكال، قال ابن القاسم: ورأيت الأغلب من قوله أنها مثل ثم ولا ينويه، وهو رأيي، وكذلك إن قال ذلك لأجنبية، وقال معه: إن تزوجتك.
والواحدة تبين غير المدخول بها والثلاث تحرمها إلا بعد زوج.
قال ربيعة: وإن قال لامرأته قبل البناء: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، كلاماً نسقاً فهي ثلاث ولا تحل له إلا بعد زوج، قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق إن كنت أحب طلاقك، وهو يحبه بقلبه فهي طالق. وإن قال لها: أنت طالق [ثلاثاً] إن دخلت [هذه] الدار، فطلقها ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج ثم دخلها فلا شيء عليه، ولو كان إنما طلقها واحدة أو اثنتين لحنث بدخولها الآن، لباقي طلاق ذلك الملك، تزوجها قبل زوج أو بعده، ثم لا تحل له إلا بعد زوج. ولا يحنث بدخولها في ملك غيره.
وقد ذكرنا في كتاب العتق الأول مسألة من حلف بعتق عبده إن كلم فلاناً، فباعه ثم كلمه ثم اشترى العبد.
1707 - وإن قال لها وهي حائض: إذا طهرت فأنت طالق، طلقت الآن وجُبر على الرجعة، وإن قال لها: أنت طالق يوم أدخل دار فلان، فدخلها ليلاً، أو حلف على الليل فدخلها نهاراً حنث، إلا أن ينوي نهاراً دون ليل أو ليلاً دون نهار فينوّى.
1708 - وإن قال لها: أنت طالق إن دخلت دار فلان ودار فلان، فدخل إحداهما حنث، ثم إن دخل الثانية لم تطلق ثانية.
1709 - ومن لم يدر كم طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، فهي ثلاث، فإن ذكر في العدة أنها أقل فله الرجعة، وإن ذكر ذلك بعدها كان خاطباً ويصدق في ذلك، وإن بقي على شكه حتى تزوجها بعد زوج ثم طلقها واحدة أو اثنتين لم تحل له إلا بعد زوج، وكذلك بعد ثان وثالث ومائة زوج، إلا أن يبت طلاقها وهي تحته في أي نكاح كان فتعود إن رجعت إليه على ملك مبتدأ.(1)
1710 - وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فقالت: قد دخلت فكذبها، ثم قالت: كنت كاذبة، أو لم تقل، فإنه يؤمر بفراقها ولا يُقضى عليه به، ولو صدقها أولاً لزمه الفراق بالقضاء، وإن رجعت عن إقرارها، وإن قال لها: أنت طالق إن كتمتني أو كذبتني، لشيء سألها عنه فتخبره فلا يدري أكتمته أو كذبته فليفارقها بلا قضاء، ومن لم يدر بما حلف بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة، فليطلق نساءه، ويعتق رقيقه، ويتصدق بثلث ماله، ويمشي إلى مكة، يؤمر بذلك بغير قضاء، وكذلك من حلف بطلاق ثم لم يدر أحنث أم لا، أُمر بالفراق.
وإن كان ذا وسوسة في هذا فلا شيء عليه.
1711 - وإن قال لها: طلقتك قبل أن أتزوجك، أو وأنا صبي فلا شيء عليه، وكذلك إن قال: وأنا مجنون، إن عُرف بأنه كان به جنون.
1712 - ومن طلق بالعجمية لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العدمية، وإن قال لها: يدك أو رجلك أو أصبعك طالق، طلقت كلها، وكذلك العتق.
1713 - ومن طلق بعض تطليقة لزمه طلقة كاملة، ابن شهاب: ويوجع ضرباً من قال ذلك.
1714 - ومن قال لأربع نسوة له: بينكن طلقة إلى أربع، طلقن واحدة واحدة، وإن قال: خمس إلى ثمان، طلقن ثنتين ثنتين، وإن قال: تسع إلى ما فوق، طُلّقن ثلاثاً ثلاثاً.
__________
(1) انظر: مختصر اختلاف العلماء (2/426).
1715 - ومن قال: إحدى نسائي [أو امرأة من نسائي] طالق، أو كان ذلك في يمين حنث بها، فإن نوى واحدة طُلقت التي نوى خاصة، وصُدق في القصء والفتيا، وإن لم ينوها أو نواها فأُنسيها طلقن كلهن بغير ائتناف طلاق، وإن جحد فشهد عليه كان كمن لا نية له.
1716 - وإن قال لها: أنت طالق إن شاء الله، لزمه الطلاق ولا ثنيا له.
1717 - وإن قال لها: إن شاء فلان فذلك له وينظر ما شاء فلان، وإن مات فلان قبل أن يشاء وقد علم بذلك، أو لم يعلم، أو كان ميتاً قبل يمينه، أو قال لها: إن شاء هذا الحجر، أو الحائط، فلا شيء عليه في ذلك.
1718 - وإن قال لامرأة: كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً، فالطلاق يعود عليه أبداً كلما تزوجها، ولو قال: إن تزوجتك أبداً، أو إذا تزوجتك، أو متى ما، فإنما يحنث بأول مرة، إلا أن ينوي أن متى ما، مثل: كلما، فتكون مثلها، وإن قال لأجنبية: إن وطئتك أو يوم أكلمك فأنت طالق، ثم تزوجها وفعل ذلك فلا شيء عليه إلا أن ينوي إن تزوجتك، ومن قال: كل امرأة أتزوجها [فهي] طالق، فلا شيء عليه، كان له يومئذ أربع زوجات فأدنى، أو لا زوجة له، طلق بعض زوجاته أم لا، قال ذلك في يمين مضمنة بفعل فحنث، أو في غير يمين، فله أن ينكح حتى يُكمل أربعاً، ولو طلق كل امرأة في عصمته لزمه، وله أن يتزوج إن شاء.
1719 - ولو قال لزوجته: إن دخلت أنا وأنت الدار فكل امرأة أتزوجها طالق، أو بدأ بذكر التزويج قبل دخول الدار، ثم تزوج امرأة ثم دخل الدار أو دخلت، فلا شيء عليه فيها، ولا فيمن نكح بعدها.
1720 - وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلا من الفسطاط طالق، أو قال: إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق، لزمه الطلاق فيمن تزوج من غيرها(1)، وإن قال: إلا من قرية كذا لقرية صغيرة ليس فيها ما يُتزوج، أو قال: إلا فلانة، وهي ذات زوج أم لا، أو قال: إن لم أتزوج فلانة، فكل امرأة أتزوجها طالق، فلا شيء عليه في ذلك كله، وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلى ثلاثين سنة أو أربعين فهي طالق، فذلك يلزمه إذا أمكن أن يحيا ما أجّل من الأجل، فإن خشي العنت في التأجيل ولم يجد ما يتسرر به، فله أن ينكح ولا شيء عليه. وإن قال: إلى مائتي سنة، أو كان شيخاً فضرب أجلاً يعلم أنه لا يبلغه، فلا شيء عليه.
1721 - وإن خصّ قبيلة أو بلدة كقوله: كل امرأة أنكحها من مضر أو همدان أو مصر أو الشام فهي طالق، فتزوج منها امرأة طلقت عليه، ثم كلما تزوجها أبداً، ولو بعد ثلاث عاد عليه فيها اليمين وطلقت، لأنه لم يحلف على عينها، وترجع كإحدى نساء تلك البلدة.
وكذلك إن قال: من الموالي، وتحته منهن امرأة فلا تطلق عليه، فإن طلقها ثم تزوجها طلقت عليه.
1722 - وإن قال: كل امرأة أتزوجها ما عاشت فلانة فهي طالق، لزمه، لأنه أجل آت، كانت فلانة تحته أم لا، فإن كانت تخته فطلقها فإن نوى بقوله: ما عاشت، أي ما دامت تحتي، فله أن يتزوج، وإن لم تكن له نية، فلا يتزوج ما بقيت، إلا أن يخشى العنت.
1723 - وإن قال لزوجته: كل امرأة أتزوج عليك طالق، فطلق المحلوف لها ثلاثاً، ثم تزوج امرأة، ثم تزوج المحلوف لها بعد زوج، أو تزوجها بعد زوج ثم تزوج عليها، فلا شيء عليه [فيهما].
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/49، 50)، ومواهب الجليل (4/49).
وأما إن طلق المحلوف لها واحدة فانقضت عدتها ثم تزوجها ثم تزوج عليها أجنبية، أو تزوج الأجنبية ثم تزوجها هي عليها، فإن الأجنبية تطلق عليه في الوجهين ما بقي من طلاق الملك الأول شيء، ولا حجة له إن قال: إنما تزوجتها على غيرها ولم أنكح غيرها عليها، ولا أنويه إن ادعى نية في ذلك، لأن قصده أن لا يجمع بينهما.(1)
وكذلك إن قال: إن تزوجت عليك فأمر التي أتزوج عليك بيدك، على وجوه: المسألة الأولى: يكون ذلك بيدها ما بقي من طلاق الملك [الأول] شيء، سواء كان ذلك مشترطاً في عقد النكاح أو تبرع به بعد العقد.
وإن شرط عند نكاحه إن تزوج عليها فأمر نفسها بيدها، ففعل، فلها أن تطلق نفسها بالثلاث، ولا مناكرة له ههنا بنى بها أم لم يبن، فإن طلقت نفسها واحدة وقد بنى بها فلها الرجعة، وإن لم يبن بها بانت بالواحدة.
وإن طلقت واحدة ولم توقف، فليس لها أن تزيد عليها كالتي توقف فتطلق واحدة فقد تركت ما زاد عليها، ولو نكح عليها امرأة ولم تقض فلها أن تقضي، إن نكح ثانية، أي الطلاق شاءت، وتحلف ما رضيت إلا بالأولى وما تركت الذي كان لها من ذلك، ولو طلق الأولى ثم راجعها بنكاح، فللمملكة القضاء وليس رضاؤها بها أولاً بلازم لها مرة أخرى.
1724 - ومن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إن لم أتزوج عليك اليوم، فتزوج نكاحاً فاسداً أو قال لأمته: أنت حرة إن لم [أبعك] اليوم، فباعها فألفيت حاملاً منه، فإنه حانث فيهما.
قيل: فإن نكح على الزوجة أمة؟ قال آخر: ما فارقت عليه مالكاً أن نكاح الأمة على الحرة جائز والخيار للحرة.
ومن قال: كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق [ثلاثاً]، فتزوج منها ودخل، فعليه صداق واحد لا صداق ونصف، كمن وطئ بعد الحنث ولم يعلم فإنما عليه المهر الأول الذي سمى، وليس عليها عدة الوفاة إن دخل بها ثم مات، وإنما عليها ثلاث حيض.
__________
(1) انظر منح الجليل لسيدي محمد عليش (4/93).
1725 - ولو وكّل من يزوجه فلم يحضر عليه فزوجه من الفسطاط لزمه النكاح وطلقت عليه، إلا أن ينهاه عن الفسطاط.
1726 - ومن قال لرجل: أخبر زوجتي بطلاقها، أو أرسل إليها بذلك رسولاً، وقع الطلاق حين قوله للرسول، بلغها الرسول ذلك أو كتمها.
وإن كتب إليها بالطلاق ثم حبس كتابه، فإن كتبه مجمعاً على الطلاق لزمه حين كتبه، وإن كان ليشاور نفسه ثم بدا له فذلك له ولا يلزمه طلاق، ولو أخرج الكتاب من يده عازماً وقد كتبه غير عازم، لزمه حين أخرجه من يده، وإن أخرجه غير عازم فله رده ما لم يبلغها، [وإن بلغها لزمه].
1727 - وما علم من الأخرس بإشارة أو كتاب، من طلاق أو خلع أو عتق أو نكاح أو بيع أو شراء أو قذف، لزمه حكم المتكلم به ويحد قاذفه ويقتص منه وله في الجراح، وما طلق المُبَرْسم في هذيانه وعدم عقله لم يلزمه، ويلزم السكران طلاقه وخلعه وعتقه، وإن قتل قُتل.
1728 - ولا يلزم المكره ما أكره عليه من طلاق أو خلع أو نكاح أو عتق أو غيره. والمجنون الذي يفيق أحياناً، ما طلق في حال إفاقته يلزمه وما طلق في حال جنونه لم يلزمه.
وكذلك المعتوه والمطبق لا يلزمه ما طلق، فأما السفيه في حاله. المخدوع في عقله، فطلاقه يلزمه، ولا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم.
1729 - وإذا أسلمت الذمية وزوجها ذمي فطلقها وهي في عدتها، لم يلزم طلاقه وإن اسلم بعد ذلك.
1730 - ومن حلف بالطلاق على ما يوقن أنه كذلك، ثم ظهر خلافه لزمه الطلاق، قاله عدد من السلف، وقضى عمر بن عبد العزيز في الحالف بطلاق إحدى نسائه على ناقة أقبلت أنها فلانة وليست هي، أن التي نوى من نسائه تطلق، وإن لم ينو واحدة طلقن كلهن، قال ربيعة: ومن ابتاع سلعة فحلف لرجل بالطلاق ليخبرنه بكم أخذها فأخبره، ثم ذكر أنه أقل أو أكثر فهو حانث.
1731 - وإذا أعتقت الأمة تحت عبد حيل بينهما حتى تختار، ولها الخيار بطلقة وتكون بائنة، ولا رجعة له إن عتق في العدة.
وإن قالت حين أعتقت: اخترت نفسي ولا نية لها فهي طلقة بائنة، إلا أن تنوي أكثر فيلزم ما نوت.
1732 - وإن طلقت نفسها أكثر من واحدة أو البتة بعد البناء لزم، ولم تحل له إن طلقت اثنتين فأكثر إلا بعد زوج، لأنه جميع طلاق العبد. وكذلك إن فارقت بواحدة وقد تقدم له فيها طلقة.
وأول قول مالك: أنه ليس لها أن تختار بأكثر من واحدة، ثم رجع إلى أن ذلك لها على حديث زبراء، ولها الخيار عند غير السلطان، وإن لم تختر حتى عتق، أو كان عتق الزوجين في كلمة فلا خيار لها، ولا تختار في الحيض، فإن فعلت لزم، ولو بلغها العتق بعد زمان وهو يطؤها فلها الخيار حين علمت، والخيار لها في مجلسها الذي علمت بالعتق فيه وبعد ذلك ما لم توطأ، ولو وقفت سنة فمنعته نفسها ولم توطأ ثم قالت: لم أسكت رضى بالمقام، صُدّقت ولا يمين عليها كالتمليك وكان لها [الآن] أن تختار.
وإن كان وقوفها رضى بالزوج فلا خيار بعد أن تقول: قد رضيت بالزوج، ولو وطئها بعد علمها بالعتق وجهلت أن لها الخيار أو علمت فلا خيار لها بعد ذلك.
وإن عتق نصفها تحت عبد أو جميعها تحت حر فلا خيار لها.
1733 - [وإذا طلق المريض امرأته قبل البناء فلها نصف الصداق، وترثه إن مات من مرضه ذلك، ولا عدة عليها لوفاة ولا طلاق، فإن دخل بها ثم طلقها في مرضه طلاقاً بائناً فعليه عدة الطلاق وترثه، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة إن مات في العدة، ولو كان طلاقاً يملك فيه رجعتها انتقلت فيه إلى عدة الوفاة إن مات في عدتها، وإن انقضت العدة قبل الوفاة فلها الميراث ولا عدة عليها من الوفاة.(1)
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/99)، والفواكه الدواني (2/30)، والثمر الداني (1/463)، والرسالة (1/93)، والمحلي لابن حزم (10/222).
1734 - والمطلقة في المرض لو تزوجت أزواجاً كل يطلقها في مرضه، لورثت كل من مات منهم، وإن كانت الآن تحت زوج، ومن طلق في مرضه واحدة ثم صح ثم مرض فمات من المرض الثاني، ورثته إن مات وهي في العدة، وإن كان طلاقه إياها البتة لم ترثه وإن مات في عدتها، إذا صح فيما بين ذلك صحة بيّنة، وإن طلقها واحدة في مرضه ثم صح ثم مرض فأردفها طلقة أو أبتها لم ترثه إلا أن يموت وهي في العدة من الطلاق الأول، لأنه في الطلاق الثاني ليس بفار، إلا أن يرتجعها من الطلاق الأول ثم يطلقها في مرضه الثاني، فترثه وإن انقضت عدتها، لأنه بارتجاعها صارت كسائر أزواجه، وصار بالطلاق الثاني فاراً من الميراث].
1735 - والمبتوتة في المرض إن ماتت قبله ثم مات من مرضه ذلك لم ترثه، ولا يرث ميت من حي مات بعده، ولا يرثها إن كان طلقها ألبتة أو واحدة فانقضت عدتها، وإن قال لها في حصته: إن قدم فلان، أو قال: إن دخلت بيتاً فأنت طالق، فقدم أو دخلت في مرضه لزمه الطلاق وورثته إن مات فيه.
وكذلك كل طلاق وقع في مرضه وإن أقر المريض أنه طلق في صحته، ورثته وعليها عدة الطلاق من يوم أقرّ.
فإن كان إقرار بطلاق غير بائن ثم مات وبنى في العدة، انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته، وإن انقضت عدتها من يوم أقرّ [بما أقر] به فلها الميراث ولا عدة عليها.(1)
1736 - ومن قُرّب لحد من قطع يد أو رجل أو جَلد، فطلق حينئذ ثم مات من ذلك، فإن خيف عليه من ذلك الموت فهو كالمريض وحاضر الزحف، ومن حبس للقتل له حكم المريض في ذلك، وراكب البحر والنيل في حين الخوف والهول، قال مالك - رحمه الله - : أفعاله من رأس المال، وروي عنه أنها من الثلث.
__________
(1) انظر: التقييد (2/388).
وأما المفلوج وصاحب حمى الربع والأجذم والأبرص والمقعد وذو الجراح والقروح، فما أرقده من ذلك وأضناه وبلغ به حد الخوف عليه فله حكم المريض وما لم يبلغ ذلك به فله حكم الصحيح، فرب مفلوج أو يابس الجذام يتصرف ويسافر، وكل من لا يجوز قضاؤه في جميع ماله، فطلق في حاله تلك فلامرأته الميراث إن مات من مرضه ذلك.
1737 - ولا تجوز الوصية للمطلقة في المرض وإن تزوجت أزواجاً، لأنها وارث.
وإن قتلته في مرضه خطأ بعد أن طلقها، فالدية على عاقلتها، وترث من ماله دون الدية. وإن قتلته عمداً لم ترث من ماله وقُتلت به. وإن عُفي عنها على مال لم ترث منه أيضاً.
1738 - ومن تزوج في المرض ثم طلق فيه أو لم يطلق فلا ترثه، وهو نكاح لا يقر، قال مالك - رحمه الله - : ولا صداق لها إلا أن يكون دخل بها في مرضه فلها الصداق في ثلثه مُبدّى على الوصايا. قال ابن القاسم: وإن سمى لها أكثر من صداق مثلها كان لها صداق المثل في الثلث مبدّى عليه الوصايا بالعتق وغيره، إلا الدين فإنه يبدّى عليه، لأنه من رأس المال.
1739 - ومن ارتد في مرضه فقتل على ردته، لم يرثه ورثته المسلمون ولا زوجته، إذ لا يتهم أحد بالردة على منع الميراث.
وإن قذفها في مرضه، فلاعن ثم مات من مرضه ذلك ورثته.
1740 - وإن طلق مريض زوجته قبل البناء ثم تزوجها قبل صحته، فلا نكاح لها إلا أن يدخل بها، فيكون كمن نكح في المرض وبنى فيه، والمرض الذي يُحجب فيه عن ماله هو الذي ترثه إن طلق فيه، قال ربيعة: ومن طلق في مرضه ثم تماثل ثم نكس، ورثته إلا أن يصح صحة بينة.
1741 - قال ابن القاسم: وبلغني عن بعض أهل العلم فيمن نكح امرأتين فبنى بواحدة ولم يبن بالأخرى حتى طلق إحداهما طلقة، ثم مات ولم تنقض العدة وجُهلت المطلقة، فللمدخول بها الصداق كاملاً وثلاثة أرباع الميراث، وللتي لم يبن بها ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث.
ولو مات بعد انقضاء العدة أو كان الطلاق ثلاثاً ومات قبل انقضاء العدة، فالصداق على ما ذكرنا والميراث بينهما نصفان، ولو نكح أماً وابنتها في عقدتين، ولم تُعلم الأولى منهما، فإن بنى بهما فلكل واحدة صداقها المسمى، ولا ميراث لهما، وإن لم يبن بهما فالميراث بينهما، ولكل واحدة نصف صداقها [المسمى]، اتفق أو اختلف. وكذلك إن مات عن خامسة غير معلومة.
1742 - وإن شهد رجلان على رجل أنه طلق واحدة من نسائه معينة وقالا: نسيناها، لم تجز الشهادة إن أنكر الزوج ويحلف بالله ما طلق واحدة منهن، وإن شهدا أنه قال: إحداهن طالق، قيل للزوج: إن نويت واحدة تذكرها وإلا طُلّقن كلهن.
وإن شهد أحدهما بتطليقة والآخر بثلاث، لزمته طلقة واحدة وحلف على البتات، فإن نكل طلقت عليه البتة، قاله مالك ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف، وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق ألا يدخل الدار وأنه دخل، وشهد الآخر أنه حلف به أن لا يكلم فلاناً وأنه كلمه لم تطلق عليه، ويلزم الزوج اليمين أنه لم يطلق فإن نكل سجن - كما ذكرنا - .
وفي قول مالك الأول إذا نكل طلقت عليه، وكذلك الحرية في هذا، وإن شهد أحدهما أنه طلقها يوم الخميس بمصر في رمضان، وشهد الآخر أنه طلقها يوم الجمعة بمكة في ذي الحجة طلقت عليه، وكذلك الحرية.
1743 - وإن شهد أحدهما أنه قال في رمضان: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد الآخر أنه قال ذلك في ذي الحجة، وشهدا عليه [هما أو غيرهما أنه دخلها بعد ذي الحجة طلقت عليه]، وإن شهدا عليه جميعاً أنه قال: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد أحدهما أنه دخلها في رمضان وشهد الآخر أنه دخلها في ذي الحجة، طلقت عليه، كمن حلف بالطلاق أن لا يكلم فلاناً فشهد عليه رجل أنه كلمه في السوق وآخر أنه كلمه في المسجد، حنث، وكذلك يمينه بالعتق، وإنما الطلاق حق من الحقوق وليس هو حد من الحدود.
1744 - وإن شهد عليه أحدهما بالبتة، والآخر بقوله: أنت علي حرام أو بالثلاث، لزمته الثلاث، وكذلك واحد بخلية وآخر ببرية أو بائن، وإذا اختلفت الألفاظ وكان المعنى واحداً كانت شهادة واحدة.
1745 - وإن شهد واحد أنه طلق ألبتة وشهد آخر أنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وشهد هو وآخر أنه دخلها، لم تطلق، لأن هذا شهد على فعل وهذا على إقرار.
1746 - وكذلك إن شهد أحدهما أنه طلقها على عبدها فلان، وشهد الآخر أنه طلقها على ألف درهم، فقد اختلفا فلا يجوز، قال ربيعة: ومن شهد عليه ثلاثة نفر كل واحد بطلقة ليس معه صاحبه، فأمر أن يحلف فأبى، فليُفرّق بينهما وتعتد من يوم نكل، وقضي عليه، قال ابن شهاب: وإن شهد واحد بواحدة وآخر باثنتين وآخر بثلاث، لزمته اثنتان.
1747 - وتجوز شهادة الأعمى على معرفة الصوت في الطلاق وغيره، وكذلك من سمع جاره [من] وراء جدار يطلق وإن لم يره.
1748 - وإن شهد رجلان على رجل أنه أمرهما أن ينكحاه أو يبتاعا له بيعاً، وأنهما فعلا وهو ينكر، لم تجز شهادتهما عليه، لأنهما خصمان.
ولو أقر لهما بالوكالة وقال لهما: لم تفعلا، وقالا: قد فعلنا، فالقول قولهما.
1749 - ولا تجوز شهادة النساء في شيء من الأشياء إلا في الأموال وفيما يُغيّب عليه النساء من الولادة والعيوب والاستهلاك.
وكثير من معاني هذا الباب في كتاب الشهادات.
1750 - وإن شهد قوم على رجل أنه أعتق عبده، والعبد والسيد ينكران، فالعبد حر، إذ ليس له أن يرق نفسه.
1751 - وإن شهد السيد وحده أو معه غيره أن عبده طلق امرأته، والعبد ينكر، وامرأة العبد أمة للسيد أو لغيره أو حرة، لم تجز شهادته، لأنه عيب يتهم على إزالته.
1752 - ومن أقر أنه فعل كذا ثم حلف بالطلاق أنه ما فعله، وقال: كنت كاذباً في إقراري، صدق مع يمينه ولا يحنث، ولو أقر بعد يمينه أن قد فعل ذلك ثم قال: كنت كاذباً، لم ينفعه ولزمه الطلاق بالقضاء.
فإن لم تشهد البينة على إقراره بعد اليمين وعلم [هو] أنه كاذب في إقراره عندهم بعد يمينه، حلّ له المقام عليها فيما بينه وبين الله عز وجل، ولم يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره هذا إلا أن لا تجد بينة ولا سلطاناً يفرق [بينهما]، فهي كمن طلقت عليه ثلاثاً ولا بينة لها، فلا تتزين له ولا يرى لها شعراً ولا وجهاً إن قدرت، ولا يأتيها إلا كارهة، ولا ينفعها مرافعته، ولا يمين عليه إلا بشاهد.
1753 - ومن طلق زوجته في سفر ثلاثاً [ببينة]، ثم قدم قبل البتة فوطئها، ثم أتت البينة فشهدوا بذلك وهو منكر للطلاق مفر بالوطء، فليفرق بينهما ولا شيء عليه، قال يحيى بن سعيد: ولا يضرب.
1754 - وإن ادعت امرأة أن زوجها طلقها وأقامت شاهداً لم تحلف معه، ولا يقضى بشاهد ويمين في طلاق ولا قذف ولا نكاح ولا عتق، إلا في الأموال أو في جراح العمد والخطأ يحلف مع شاهده، ويقتص في العمد، ويأخذ العقل في الخطأ، كما يقسم مع الشاهد الواحد في قتل العمد والخطأ، ويستحق مع ذلك القتل في العمد والدية في الخطأ.
1755 - قال يحيى بن سعيد: ومن طلق وأشهد، ثم كتم هو والبينة ذلك إلى حين موته فشهدوا بذلك حينئذ، فلا تجوز شهادتهم إن كانوا حضوراً ويعاقبون، ولها الميراث.
1756 - ومن ادعى نكاح امرأة وأنكرت فلا يمين [له] عليها وإن أقام شاهداً، ولا تحبس ولا يثبت نكاح إلا بشاهدين.
1757 - وإن ادعت أن زوجها طلقها لم يحلف الزوج وترك وإياها، وإن أقامت شاهداً أو امرأتين ممن تجوز شهادتهما [لها] في الحقوق حلف الزوج أو منع منها حتى [يحلف]، قال مالك: فإن نكل طلقت عليه مكانه وعدتها من يوم الحكم(1)، وروي عنه أنه يحبس أبداً حتى يحلف أو يطلق، قال ابن القاسم: وبلغني عنه أنه قال: إذا طال سجنه دين وخلي بينه وبينها ولم يطلق عليه [وإن لم يحلف]، وهو رأيي.
* * *
(كتاب إرخاء الستور)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/90)، ومنح الجليل (4/159)، والتقييد (2/398).
1758 - [قال مالك:] و[من] دخل بامرأته وأرخى الستر ثم طلق، فقال: لم أمسها وصدقته، فلها نصف الصداق وعليها العدة ولا رجعة له.
وكذلك إن تصادقا أنه قبّل أو باشر أو جرد أو وطئ دون الفرج إلا أن يطول مكته معها يتلذذ بها، قال مالك: فأرى لها جميع الصداق. [وقال] أُناس: لها نصفه.
وإن قالت: قد وطئني صدقت، كان الدخول عنده أو عندها إذا كان دخول اهتداء، وعليه الصداق كاملاً.
وإن خلا بها في بيت أهلها قبل دخول البناء، صدق في إنكاره الوطء ولها نصف الصداق.
وإن أقرّ هاهنا بالوطء فأكذبته فلها أخذ جميع الصداق بإقراره أو نصفه، ولا بد لها من العدة للخلوة، ولا رجعة له، ولو كان معها نساء حين قبّل وانصرف بمحضرهن، فلا عدة عليها ولها نصف الصداق.
1759 - وإن أقر بالوطء بعد أن طلق ولا يعلم له بها خلوة، فلا عدة عليها ولها أخذه بالصداق كاملاً أو بنصفه.
وكذلك إن خلا بها ومعها نسوة ثم طلقها فادعى الوطء وأكذبته، فلا عدة عليها.
1760 - وإن دخل بها وهي محرمة أو حائض أو في نهار رمضان فاختلفا في الوطء، فالقول فيه كالقول في الوطء الصحيح في وجوب جميع الصداق بدعواها.
[وكذلك] المغصوبة تُحمل بمعاينة بينة، ثم تخرج فتقول: وطئني غصباً، وهو ينكر، فلها الصداق ولا حد عليه، [وإذا صدقت الزوجة في دعوى الوطء وأخذت جميع الصداق فلا يحلها ذلك لزوج كان طلقها البتة]، قاله مالك، وقال [ابن القاسم]: [وأنا أرى أن] يدين ويخلى بينها وبين نكاحه، [وأخاف] أن يكون هذا من الذي طلقها ضرراً منه بها في نكاحها. ولو مات الزوج بعد البناء بيوم عن غير مناكرة ومثله يطأ، فادعت الوطء كان أبين في إحلالها.
1761 - قيل: فمن طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة فيها، ثم قبلها في عدتها أو لامس لشهوة أو جامع في الفرج [أو فيما دون الفرج]، أو جردها أو نظر إليها أو إلى فرجها، أيكون [ذلك رجعة]؟، قال: [قال مالك] وعبد العزيز: إن وطئها في العدة ينوي بذلك الرجعة وجهل أن يُشهد فهي رجعة، وإن لم ينو ذلك فليست برجعة.
1762 - [ومن] طلق فليُشهد على طلاقه وعلى رجعته، [قال مالك] في التي منعته نفسها وقد ارتجع حتى يشهد: قد أصابت، وإن قال لها: قد ارتجعتك، ولم يُشهد فهي رجعة، ويشهد فيما يُستقبل، فإن أشهد قبل انقضاء العدة فهي رجعة، وإن أشهد بعد انقضائها فليست برجعة وإن صدقته، إلا أن يعلم أنه كان يخلو بها ويبيت معها.
1763 - وإن قال لها: قد ارتجعتك، ثم قال: لم أرد بقولي رجعة وإنما كنت لاعباً، لزمته الرجعة إن كانت في عدتها، وإن انقضت عدتها فلا رجعة له إلا أن تقوم على ذلك بينة.
1764 - وإن قال لها في العدة: كنت ارتجعتك أمس، صُدّق وإن كذبته، لأن ذلك بعد مراجعة الساعة، قال مالك وغيره: وأما إن قال لها: إذا كان غداً فقد راجعتك لم تكن هذه رجعة.
1765 - وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة فصدقته أو كذبته لم يُصدق ولا رجعة له إلا ببينة، أو يعلم أنه كان يدخل عليها في العدة ويبيت عندها فيُقبل قوله وإن أكذبته، وإقرارها له بالمراجعة بعد العدة داعية إلى إجازة نكاح بغير صداق ولا ولي.
1766 - وإن أقام بينة بعد العدة أنه أقر بالوطء في العدة، فهي رجعة إن ادعى أن وطأه إياها أراد به الرجعة.
وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة، فأكذبته وهي أمة وصدقه السيد فلا يقبل ذلك إلا بشاهدين سوى السيد، إذ لا تجوز شهادته على نكاح أمته ولا رجعتها.
1767 - وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد، وغير الحامل ما لم تر أول دم الحيضة الثالثة، فإذا رأته فقد مضت الثلاثة الأقراء، والأقراء هي الأطهار، قال أشهب: وأحب إلي أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة، لأنها ربما رأت الدم ساعة ويوماً ثم ينقطع عنها فيعلم أن ذلك ليس بحيض.
فإذا رأت امرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترجع إلى بيتها والعدة قائمة ولزوجها الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة مستقيمة.
وإن قال لمعتدة: قد ارتجعتك، فأجابته نسقاً لكلامه: قد انقضت عدتي، فإن مضت مدة تنقضي في مثلها صدقت بغير يمين وإلا لم تصدق.
وقضى أبان بن عثمان في مطلقة ادعت بعد خمسة وأربعين يوماً أن عدتها قد انقضت، أنها مصدقة وتحلف. وليس العمل على أن تحلف إذا ادعت فيما تحيض في مثله.
وإن أشهد على رجعتها فمضت، ثم ادعت بعد يوم أو أقل أن العدة قد انقضت قبل رجعتها، لم تصدق وثبتت الرجعة.
1768 - وإن قالت المعدة: [قد دخلت] في دم الحيضة الثالثة، ثم قالت: كنت كاذبة، ونظرها النساء فلم يرين حيضاً لم ينظر إلى قولهن، وبانت بأول قولها إن مضت مدة تنقضي في مثلها العدة، فإن ادعت أنها أسقطت فذلك لا يخفى عن جيرانها، ولكن الشأن تصديقها بغير يمين وإن بعد يوم من طلاقه أو أقل أو أكثر، ولا ينظر إلى الجيران، لأنهن مأمونات على فروجهن، ولو رجعت فقالت: كنت كاذبة، لم تصدق وبانت بأول قولها، لأن ذلك داعية إلى إجازة نكاح بغير صداق ولا ولي، وتنقضي العدة بما أسقطت المرأة مما يعلم النساء أنه ولد من مضغة أو علقة وتكون به الأمة أم ولد، وإذا قالت المطلقة: حضت ثلاث حيض في شهر، سئل النساء فإن أمكن ذلك عندهن صدقت، قال أشهب: وإن قالت: [حضت] ثلاث حيض في شهرين، فقال لها الزوج: قد قلت بالأمس أو قبله إنك لم تحيضي شيئاً، فصدقته لم يقبل قولها الثاني إلا أن يقيم الزوج بينة أنها قالت ذلك، فتكون له الرجعة إن لم يمض من يوم القول ما تحيض فيه ثلاث حيض.
وإن مضى ذلك فلا رجعة له، وإن رجعت عن قولها أنها ما حاضت ثلاث حيض.
1769 - قال ابن القاسم: وإن طلقها قبل أن يُعلم له بها خلوة، ثم أراد ارتجاعها وادعى الوطء وأكذبته، فأقام بينة على إقراره قبل الفراق بوطئها لم ينتفع بذلك ولا رجعة له وإن صدقته، إذ ليس له بناء معلوم، ولتعتد إن صدقته ولها عليه السكنى والنفقة، وإن لم تصدقه فلا عدة عليها ولا نفقة [لها ولا كسوة. وكذلك] إن أقام بينة على إقرارهما بذلك قبل الفراق فلا يصدقان، وعليها العدة ولا رجعة له، ولها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها ولا يتوارثان.
1770 - ولكل مطلقة المتعة، طلقت واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، إلا المطلقة قبل البناء وقد سمى لها، فحسبها نصفه ولا متعة لها، وإن لم يسم لها فليس لها إلا المتعة، وإن كانت مدخولاً بها وقد سمى لها في أصل النكاح مهراً أخذته مع المتعة، وإن لم يسم أخذت صداق مثلها مع المتعة، ولا متعة للمختلعة ولا للمصالحة ولا للمفتدية ولا للملاعنة ولا للأمة تعتق فتختار نفسها، دخل بهن أم لا، سمى لهن صداقاً أم لا.(1)
وعلى العبد المتعة ولا نفقة عليه.
1771 - ومن خلا بزوجته وأرخى الستر وقد سمى لها فطلقها وقال: لم أمسها، وقالت: مسني، فالقول قولها في الصداق ولا متعة لها. وللصغيرة والأمة المدبرة والمكاتبة وأم الولد والذمية حكم الحرة المسلمة في المتعة والطلاق.
1772 - [قال مالك:] وليس للمتعة حد، ولا يجبر من أباها، لأن الله تعالى إنما جعلها حقاً على المتقين وعلى المحسنين، فلذلك خففت ولم يقض بها.
[وقال] غيره: إذا كان الزوج غير متق ولا محسن فلا شيء عليه، [قال ابن عباس] وغيره: أعلى المتعة خادم أو نفقة، وأدناها كسوة.
وقال ابن حُجيرة: على صاحب الديوان متعة ثلاثة دنانير.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/105)، وبداية المجتهد (4/105).
1773 - وإذا كان النشوز من قبل المرأة جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع وإن كان أكثر من الصداق إذا رضيت، ولم يضر بها وهي طلقة بائنة.
وإن كان لما تخاف المرأة من نشوزه أو لظلم ظلمها أو أضرّ بها، لم يجز له أخذ شيء منها، فإن أخذه رده ومضى الخلع.
1774 - ويجوز أن يأخذ منها على إمساكها أو يعطيها على أن تقيم على الأثرة عليها في القسم من نفسه وماله، ولا يأثم في الأثرة بعد ذلك.
1775 - وإن خالعها على عبد لها بعينه ولم تصفه له ولا رآه الزوج قبل ذلك، أو تزوجها على مثل هذا، ففي النكاح يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل.
وفي الخلع يجوز، كمن خالع على ثمر لم يبد صلاحه، أو على بعير شارد، أو عبد آبق، أو جنين في بطن أمه، أو بما تلد غنمها، أو بثمر نخلها العام، فذلك جائز والخلع لازم، وله مطالبة ذلك كله على غرره بخلاف النكاح، قال غيره: لأنه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذه.
1776 - وإن خالعته على ثوب مروي ولم تصفه جاز، وله ثوب وسط من ذلك، وكذلك بدنانير أو دراهم أو عروض موصوفة إلى أجل، فجائز.
1777 - وإن خالعها على مال إلى أجل مجهول كان حالاً كمن باع إلى أجل مجهول، فالقيمة فيه حالة في فوت السلعة.
1778 - وإن خالعها على عبد على أن زادها الزوج ألف درهم جاز، بخلاف النكاح، لأنه إن كان في قيمة العبد فضل عن الألف فقد أخذت منه بضعها بذلك الفضل، وإن كانت كفافاً فهي مبارأة.
1779 - ولا بأس بالمبارأة على أن لا تعطيه ولا تأخذ منه شيئاً، وهي طلقة بائنة، وإن كانت قيمته أقل من الألف فهو كمن صالح زوجته على أن يعطيها من عنده مالاً، فالصلح جائز ولا يرجع عليها بشيء مما دفع إليها.(1)
1780 - وإن خالعها على دراهم أرته إياها فوجدها زيوفاً فله البدل كالبيع، وإن كان على عبد بعينه فاستُحق رجع بقيمته كالنكاح به.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/24).
1781 - وكل حامل بانت من زوجها ببتات أو خلع أو غيره وقد علم بحملها أم لا، فإن لم يتبرأ من نفقة حملها فلها النفقة بالحمل والسكنى والكسوة، وليس لنفقتها حد، وهي على قدر يسره وعسره. وإن اتسع أخدمها، فإن مات قبل أن تضع حملها انقطعت نفقتها.
1782 - فإن بانت منه بما ذكرنا وهي غير حامل فلا نفقة لها ولا كسوة، ولها السكنى في العدة، ولا رجعة له عليها ولا يتوارثان.
1783 - وإن كان طلاقاً فيه رجعة فلها النفقة والكسوة والسكنى، كانت حاملاً أم لا، ويتوارثان ما لم تنقض العدة.
1784 - [ومن] وكل من يصالح عنه زوجته لزمه صلح الوكيل في غيبته، وإن وكل بذلك رجلين فخالعها أحدهما لم يجز إلا باجتماعهما، كما لو وكلهما على بيع أو شراء، بخلاف رسولي الطلاق.
1785 - وإن صالحته أو بارأته على المتاركة، أو خالعته على أن أعطته عبداً أو مالاً وذلك قبل البناء، فليس لها أخذه بنصف الصداق، وإن قبضت جميعه ردته. وقلنا ذلك في المتاركة بغير شيء، فإذا ردّت كان أبعد من أن ترجع بشيء، وإن قالت له قبل البناء: طلقني طلقة على عشرة دنانير من صداقي ففعل، كان لها نصف ما بقي من بعد العشرة، قبضتها أو لم تقبضها.
1786 - وإن قالت له: طلقني طلقة بغير شيء، أو على عشرة دنانير، ولم تقل من صداقي ففعل غرمت العشرة، إن اشترطتها، لأنها اشترت بها طلاقها، وكان لها في الوجهين نصف الصداق.
1787 - وإن قال لها: أنت طالق على عبدك هذا، فإن قبلت قبل التفرق وإلا فلا قبول لها بعد ذلك.
[قيل:] فإذا قال لها: إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق ثلاثاً، هل ذلك لها متى ما أعطته؟ [قال: قال مالك:] إن قال لها: أمرك بيدك متى شئت أو إلى أجل، فأمرها بيدها إلى ذلك الأجل، إلا أن توقف قبله فتقضي أو ترد أو توطأ طوعاً، فيبطل ما بيدها ولا يكون لها أن تقضي بعد ذلك.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/37).
1788 - وإن أعطته شيئاً على أن يطلق ويشرط الرجعة، أو خالعها وشرط أنها إن طلبت شيئاً عادت زوجة، أو شرط رجعتها، فشرطه باطل والخلع يلزمه، ولا رجعة له إلا بنكاح مبتدئ.
1789 - والخلع طلقة بائنة سماها أو لم يسم طلاقاً، وتعتد عدة المطلقة، وله أن ينكحها في عدتها إن تراضيا، لأن الماء ماؤه بوطء صحيح، إلا أن يتقدم له فيها طلاق يكون بهذا ثلاثاً للحر واثنين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج.
وإن أخذ منها شيئاً وانقلبت وقالا ذاك بذاك ولم يسميا طلاقاً فهو طلاق الخلع، [وإن سميا طلاقاً لزم ما سميا].
1790 - وإن نوى بالخلع ثلاثاً أو اشترطت هي في الخلع أن تكون طالقاً بطلقتين [أو ثلاثاً]، فذلك يلزم.
1791 - وإذا لم يكن لها عليه مهر ولا دين فخالعها على أن أعطاها شيئاً أو لم يعطها فذلك خلع، ولا رجعة فيه، [وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة وليس بخلع]. وروي عنه أنها واحدة بائنة.
وأكثر الرواة على أنها غير بائنة، لأنه إذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى.
[قال] غيره: فيمن قال لمدخول بها: أنت طالق طلاق الخلع فهي البتة، لأنها لا تكون واحدة بائنة إلا بالخلع، [وقال ابن القاسم: طلقة بائنة، وقال أشهب: واحدة يملك الرجعة]. والخلع والمبارأة عند السلطان وغيره جائز.
1792 - قال مالك: وإذا خالعها على أن يكون الولد عنده فالخلع جائز وله شرطه، إلا أن يضر ذلك بالصبي ويخاف عليه إن نزع منها، مثل: أن يكون يرضع وقد علق بها فلا سبيل له إليه حتى يخرج من حد الإضرار به والخوف عليه، فيكون له حينئذ أخذه.(1)
__________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (5/349، 350)، والربيع في مسنده (1/225)، وابن أبي شيبة في المصنف (4/327، 328)، وعبد الرزاق (8/145)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/60) نحوه.
1793 - وإن خالعها على أن لا سكنى لها عليه، فإن أراد إلزامها كراء المسكن جاز ذلك إن كان المسكن لغيره، أو كان له وسمى الكراء، وإن كان على أن تخرج من مسكنه، تم الخلع ولم تخرج، ولا كراء له عليها.
1794 - وإن كان لأحدهما على الآخر دين مؤجل فخالعها على تعجيله قبل محله جاز الخلع ورُدّ الدين إلى أجله، و[قيل:] إن كان الدين لها عليه، وهو عين له تعجيله قبل محله، فليس بخلع.
وهو كرجل طلق وأعطى فهي طلقة [واحدة] وله الرجعة، وإن كان الدين مما لا يعجّل إلا برضاها من عرض أو طعام فهذا خلع ولا رجعة له ويرد الدين إلى أجله ويأخذ منها ما أعطاها كما لو طلقها على أن أسلفته، لزمه الطلاق ورد السلف لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عما جرّ نفعاً من السلف. قال [ابن القاسم]: وكذلك إن صالحها على إن أخرته بدين لها عليه إلى أجل فالخلع جائز، ولها أخذه بالمال حالاً، وكل ما رددناه من مثل هذا وأجزنا الخلع، لم يرجع عليها الزوج بصداق المثل ولا غيره.
1795 - وإن خالعها على خمر، تم الخلع ولا شيء له [عليها]، وإن قبضها أهريقت عليه، وإن خالعها على حلال وحرام، جاز منه الحلال وبطل الحرام.
1796 - وإن خالعها على أن عليها نفقة الولد ورضاعه ما دام في الحولين جاز ذلك، فإن ماتت [قبل استكمال الرضاع] كان الرضاع والنفقة في مالها، وإن مات الولد قبل الحولين فلا شيء للزوج عليها، [قال مالك:] ولم أر أحداً طلب ذلك.
1797 - وإن شرط عليها نفقة الولد بعد الحولين أمداً سمياه أو شرط عليها الزوج نفقة نفسه سنة أو سنتين، تم الخلع ولزمها نفقة الولد في الحولين فقط، ولا يلزمها ما ناف على الحولين من نفقة الولد، ولا ما شرط الزوج من نفقة نفسه، وقال المخزومي: يلزمها جميع ذلك كالخلع بالغرر.
1798 - والمبارئة: التي تبارئ زوجها قبل البناء، فتقول: خذ الذي لك وتاركني.
والمختلعة: التي تختلع من كل الذي لها.
والمفتدية: التي تفتدي ببعض مالها وتحبس بعضه، وذلك كله سواء، وهي طلقة بائنة.(1)
وإن قالت له: خالعني أو طلقني أو باريني على ألف درهم أو بألف، فهو سواء.
1799 - وإن خالعها على أن تعطيه ألف درهم، فأصابها عديمة، جاز الخلع [وتبعها] بالدراهم، إلا أن يكون إنما صالحها على أنها إن أعطته الألف تم الصلح، فلا يلزمه الصلح إلا بالدفع. و[من] قال له رجل: طلق امرأتك ولك علي ألف درهم ففعل، لزم ذلك الرجل.
1800 - وإن قالت له: بعني طلاقي بألف درهم ففعل، جاز.
1801 - وإن قالت له: اخلعني ولك ألف درهم، فقال لها: قد خالعتك، لزمتها الألف وإن لم تقل بعد قولها الأول شيئاً، وإذا أتبع الخلع طلاقاً من غير صمات نسقاً لزم، وإن كان بين ذلك صمات أو كلام يكون قطعاً لذلك، لم يلزمه الطلاق الثاني.
1802 - وإن خالعها على مال، ثم تبين [له] أنه قد أبتها قبل ذلك، أو حلف بطلاقها البتة ألا يخالعها، أو أنه قد نكحها وهو محرم، أو أنها أخته من الرضاعة، أو ما يُقرّان عليه، أو انكشف أن بالزوج جنوناً أو جذاماً، فالخلع ماض، وترجع عليه بما أخذ منها، لأنها كانت أملك بفراقه، وفراقها إياه من أجل الجنون والجذام فسخ بطلاق.
وإن انكشف بعد الخلع أن بها جنوناً أو جذاماً أو برصاً كان له ما أخذ وتم الخلع، لأن له أن يقيم.
ولو تركها أيضاً بغير خلع لما غرته كان فسخاً بطلاق.
1803 - وإن قالت له: كنت طلقتني أمس على ألف درهم وقبلت، وقال الزوج: كان ذلك ولم تقبلي، فالقول قولها، وكذلك [قال مالك] في الذي ملّك امرأته [أمرها] ثم خرج فلما رجع قالت: كنت اخترت نفسي، وقال الزوج: لم تختاري، إن القول قولها، واختلف فيها بالمدينة، ومن قول [مالك] يومئذ: أن لا يقضى بالتمليك إلا في المجلس.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (5/474)، والتمهيد لابن عبد البر (23/379)، وموطأ مالك (2/565)، ومنح الجليل (4/25).
1804 - وإن قالت له: خالعني على هذا الثوب، وقال الزوج: بل على هذا العبد، فالقول قولها، وتحلف إلا أن يأتي الزوج ببينة، وإن صالحته على شيء فيما بينهما فلما أتى بالبينة ليشهد جحدت المرأة أن تكون أعطته على ذلك شيئاً، فالخلع ثابت ولا يلزمها غير اليمين، [فإن نكلت حلف هو واستحق]، وإن جاء الزوج بشاهد على ما يدعي حلف معه واستحق.
1805 - ويجوز للأب أو الوصي المبارأة عن الصبي، على النظر له الحظ فيما يأخذ له كيما يُنكحه نظراً، ولأنه يومئذ [ممن] لا يجوز طلاقه، ولا يلزم الصبي أن يطلقها عليه على غير الخلع وأخذ المال، وإن لم يكن للطفل اليتيم وصي فأقام له القاضي خليفة، كان كالوصي في جميع أمره، ويلزم الصبي طلقة بائنة في مبارأة أبيه أو وصيه، فإن تزوجها بعد بلوغه أو قبله ثم طلقها بعد بلوغه طلقتين، لم تحل له إلا بعد زوج، وإذا زوج الوصي يتيمه البالغ بأمره، أو زوج السيد عبده البالغ بغير أمره، فذلك جائز عليه، أو زوج ابنه أو يتيمه قبل البلوغ ثم بلغ سفيهاً، لم تجز المبارأة عن أحد من هؤلاء من غير إذنه، لنه [ممن] يلزم طلاقه إن طلق، ولا يُكرهون على الطلاق.
1806 - وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له، وروى ابن نافع عن [مالك] فيمن زوج وصيفه ووصيفته ولم يبلغا أنه جائز، فإن فرق السيد بينهما على النظر والاجتهاد جاز ذلك، ما لم يبلغا.(1)
وقال ابن نافع: لا يجوز من ذلك إلا ما كان يحمل على وجه الخلع.
1807 - وللأب أن يخالع على ابنته الصغيرة وإن كان على إسقاط جميع المهر، وذلك جائز عليها. وليس للوصي او غيره أن يخالعها من زوجها، بخلاف مبارأة الوصي عن يتيمه، والفرق بينهما أن الوصي يزوج يتيمه ولا يستأمره ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها [ورضاها].
__________
(1) انظر: منح الجليل (4/15)، والتقييد (2/309)، ومواهب الجليل (4/20)، وبداية المجتهد (2/51)، والمدونة (5/350).
وكذلك يباري عن يتيمه ولا يباري عن يتيمته إلا برضاها، وروى [ابن نافع عن مالك] في صغيرة زوجها أبوها أن للخليفة أن يباري عنها على وجه النظر، ويلزمها ذلك إذا كبرت.
1808 - وإذا خالع الأب عن ابنته الثيب بعد البناء وهي بالغ على أن يضمن للزوج الصداق، فلم تر الابنة بطلب الأب أخذت به الزوج ورجع به الزوج على الأب. [وكذلك] إن فعل بها ذلك أخ أو أجنبي.
1809 - وإن خالعها الأب بعد البناء وقبل بلوغها على أن ترك لزوجها جميع المهر جاز ذلك عليها، ثم لأبيها إذا رجعت إليه قبل البلوغ أن يزوجها كما تزوج البكر، ويجوز إذنه عليها.
1810 - ولا تختلع أمة ولا أم ولد من زوج بمال إلا أن يأذن السيد، فإن فعلا بغير إذنه كان له رد العطية ولزم الزوج الخلع، ويرد ما أخذ ولا يتبع به الأمة إن أعتقت.
وأكره أن يزوج [الرجل] أم ولد فإن فعل وجهل لم يفسخ إلا أن يكون أمر بيّن من الضرر بها [فيفسخ].
ويجوز ما خالعت به المكاتبة أو وهبت من مالها بإذن السيد.
1811 - و[من] خالع زوجته في مرضه جاز له ما أخذ منها، فإن مات من مرضه ذلك ورثته، وإن ماتت هي لم يرثها، وكذلك إن ملّكها في مرضه أو خيّرها فاختارت نفسها، أو طلقها طلاقاً بائناً في مرضه بأي وجه كان، فإنه لا يرثها إن ماتت، وهي ترثه إن مات من ذلك المرض، لأن الطلاق جاء من قبله، [قال مالك:] وإن اختلعت منه في مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يجز، ولا يرثها، [قال ابن القاسم:] ولو اختلعت منه على أكثر من ميراثه منها لم يجز، فأما على مثل ميراثه منها أو أقل فجائز، ولا يتوارثان، قال ابن نافع: يلزمه الطلاق ولا يجوز له من ذلك إلا قدر ميراثه مثل ما فسر ابن القاسم.
1812 - قال ابن نافع عن مالك: ويوقف المال حتى تصح أو تموت، وقد تقدم ذكر من خالع على غرر أو أتبع الخلع طلاقاً،وذكر الصبي يخالع عنه أبوه أو وصيه.
1813 - و[من] صالح امرأته ثم ظاهر منها في عدتها أو آلى، لزمه الإيلاء ولم يلزمه الظهار، إلا أن يقول: إن تزوجتك، أويجري قبل ذلك من الكلام ما يدل عليه فيلزمه الظهار إن تزوجها، كمن خالع إحدى امرأتيه فقالت له الأخرى ستراجعها، فقال لها: هي طالق أبداً، ولا نية له، فإن تزوجها طلقت منه مرة واحدة وكان خاطباً، لأن مالكاً جعله جواباً لكلام امرأته.
1814 - و[من] قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، وصالحها، ثم دخلتها بعد الصلح مكانها، لم يلزمه الطلاق.
1815 - وإن قال لها: إن لم أقض فلاناً حقه إلى وقت كذا فأنت طالق، فلما جاء ذلك الوقت وخاف الحنث صالحها فراراً من أن يقع عليه الطلاق فبئس ما صنع ولا يحنث بعد الوقت إن لم يقض فلاناً حقه، لأن الوقت مضى وليست له بامرأة، ولو تزوجها بعد [مضي] الوقت لم يحنث قضى فلاناً حقه أم لا.
1816 - وإن صالحها بدراهم أو طعام أو عروض موصوفة إلى أجل جاز، وله أن يأخذ منها بذلك رهناً وكفيلاً.
1817 - ولا يبع الطعام قبل قبضه [وهو مكروه]، لأنه عنده محمل البيع، وإن صالحها على دين فباعه منها [بعرض] إلى أجل، أو خالعها على عرض موصوف إلى أجل فباعه منها بدين إلى أجل لم يجز، لأنه دين بدين ويرجع فيكون له الدين الأول. وإن صالحها على عبد بعينه على ألا يقبضه إلا إلى أجل من الآجال، فهو حال، والخلع جائز، والأجل [فيه] باطل.
1818 - ويترك الغلام في حضانة الأم حتى يحتلم ثم يذهب حيث شاء.
وللأب تعاهد الولد عند أمهم، وأدبهم وبعثهم إلى المكتب، ولا يبيتوا إلا عندها، إلا أن تتزوج الأم والولد صغير يرضع أو فوق ذلك، فإنه ينزع منها إذا دخل بها زوجها، لا قبل ذلك، ثم لا يرد إليها إن طلقت، ولا حق لها فيه إذا أسلمته مرة.
وتترك الجارية في حضانة الأم في الطلاق والموت حتى تبلغ النكاح، فإذا بلغته نظر فإن كانت الأم في حرز وتحصين فهي أحق بها أبداً حتى تنكح وإن بلغت أربعين سنة، وإن لم تكن الأم في حرز وتحصين [في موضعها، أو كانت غير مرضية في نفسها]، أو نكحت ودخلت، فللأب أخذها منها وكذلك للأولياء أو الوصي أخذ الولد بذلك إذا أخذ إلى أمانة وتحصين.
وكل من له الحضانة من أب أو ذات رحم أو عصبة ليس له كفاية ولا موضعه بحرز ولا يؤمن في نفسه فلا حضانة له. والحضانة لمن فيه ذلك وإن بعد.
وينظر للولد في ذلك بالذي هو أكفأ وأحرز فرُبّ والد يضيع ولده ويدخل عليهم رجالاً يشربون فينزعون منه.
1819 - ويترك الولد في الحضانة عند غير الأم إلى حد ما يترك عند الأم، والأم أحق بحضانة الولد في الطلاق والوفاة، حتى يبلغوا ما وصفناه،فإن ماتت الأم أو نكحت فالحضانة لمن هي أقعد بالأم إذا كانت ذات محرم من الصبيان. فالجدة للأم أحق وإن بعدت بعد الأم، ثم الخالة ثم الجدة للأب.
والأب أولى من الأخوات والعمات وبنات الأخ، فإذا لم يكن الأب فالأخت ثم العمة ثم بنات الأخ ثم العصبة، والأولياء هم العصبة.
ومن هؤلاء الأولياء الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم ومولى النعمة، لأنه وارث ومولى العتاقة.
وليس من يسلم على يديه بولي، ولا ينسب إليه وإن والاه، وإذا تزوجت الأم ولها أولاد صغار وجدتهم لأمهم في بلد ثان، وخالتهم معهم حاضرة، فالخالة أحق، وإذا كان الولد ليس لهم جدة من قبل أمهم، أو لهم جدة لأم لها زوج أجنبي فالحضانة لمن هي أقعد بالأم على ما ذكرنا.
1820 - وكل من خرج من بلده متنقلاً لسكنى بلد آخر غير بلد الأم، من أب أو أحد من أولياء الولد الذين ذكرنا، فله الحلة بالولد إذا كان الولد معه في كفاية، تزوجت الأم أم لا. ويقال لها: اتبعي ولدك إن شئت أو دعيه. وأما من خرج من الأولياء لسفر لغير سكنى فليس له الرحلة بالولد.
1821 - وليس للأم أن تنقل الولد من الموضع الذي فيه والدهم أو أولياؤهم، إلا لما قرب كالبريد ونحوه، حتى يبلغ الأب أو الأولياء خبرهم، ثم لها أن تقيم هناك.(1)
1822 - والذمية إذا طلقت، أو المجوسية يسلم زوجها وتأبى هي الإسلام، فيفرق بينهما، [فإن لها] من الحضانة كما للمسلمة إن كانت في حرز. وتمنع أن تغذيهم بخمر أو خنزير. فإن خيف أن تفعل بهم ذلك ضمت إلى ناس من المسلمين، ولا ينزع منها إلا أن تبلغ الجارية وتكون عندها في حرز.
1823 - وإذا أُعتق ولد الأمة وزوجها حر فطلقها فهي أحق بحضانة ولدها إلا أن تباع فتظعن إلى غير بلد الأب، فالأب أحق به.
أو يريد الأب الانتقال إلى غير بلده فله أخذه، وليس العبد في انتقاله بولده كالحر، والأم أحق به كانت أمة أو حرة، لأن العبد لا قرار له ولا مسكن، وحكم التفرقة في البيع بين الولد وأمه مذكور في كتاب التجارة بأرض الحرب.
ولأم الولد تعتق ما للحرة من الحضانة.
1824 - وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب نفقتهم وكسوتهم وسكناهم ما بقوا في الحضانة، ويخدمهم إذا احتاجوا إلى ذلك وكان الأب ملياً. ولحاضنتهم قبض نفقتهم، فإن كان الأب عديماً فهم من فقراء المسلمين.
1825 - ولا يجبر أحد على نفقتهم، ولا الأم إن كانت موسرة، إلا الأب وحده إذا قدر. وتلزمه نفقة ولده الذكور حتى يحتلموا، والإناث حتى يدخل بهن أزواجهن، إلا أن يكون للصبي كسب يستغني به، أو له مال فيُنفق عليه منه.
1826 - فإن طلقت الجارية بعد البناء أو مات زوجها فلا نفقة لها على الأب وإن كانت فقيرة، وإن طُلّقت قبل البناء فهي على نفقتها.(2)
وعليه نفقة من بلغ من ولده أعمى أو مجنوناً أو ذا زمانة لا حراك له. ولو بلغوا أصحاء ثم أصابهم ذلك بعد خروجهم من ولاية الأب، فلا نفقة لهم عليه.
__________
(1) انظر: منح الجليل (4/421).
(2) انظر: مواهب الجليل (4/220)، وكفاية الطالب (2/166)، وحاشية الدسوقي (2/523)، وحاشية العدوي (2/166).
1827 - ويلزم الولد المليء نفقة أبويه الفقيرين، كانا مسلمين أو كافرين.
والولد صغير أو كبير، ذكر أو أنثى كانت البنت متزوجة أم لا وإن كره زوج الابنة، وكذلك من مال يوهب للولد أو يُتصدّق به عليه.
1828 - وينفق على امرأة واحدة لأبيه لا أكثر، وإن لم تكن أمه. وينفق على جارية أبيه، أو على خادم زوجته، [لأن خادم زوجته كخدمه] إذ على الابن إخدامه إن قدر.
1829 - وينفق على أمه إن كان لها زوج فقير، ولا ينفق على زوجها، ولا حجة للولد إن قال: يفارقها الزوج حتى أنفق عليها.
1830 - وما أُنفق على الوالدين من مال الولد فلا يتبعا به إذا أيسر. فإن كان الأب والابن فقيرين، لم تلزم أحدهما نفقة صاحبه.
1831 - وينفق على من له خادم من الأبوين عليه وعليها، وكذلك إن كانت له دار لا فضل في ثمنها، فله النفقة كما يُعطى من الزكاة.
1832 - ويعدى على الغائب في بيع ماله لنفقته على ما ذكرنا، ومن أسلم وله بنات قد حضن فاخترن الكفر فعليه نفقتهن.
وللزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت، وينفق عليها. وإن قالت: [لا أخرج] حتى آخذ صداقي، فإن كان بنى بها فله الخروج بها وتتبعه به ديناً.
1833 - ولا يلزم الجد نفقة ولد الولد، كما لا تلزمهم نفقته، وتلزم الزوج نفقة زوجته ونفقة خادم [واحدة] من خدمها لا أكثر، ولا تلزمه نفقة أخ ولا ذي رحم منه، قال مالك: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} أن لا يضار.
وإذا كان للبكر خادم ورثتها عن أمها ولا بد لها ممن يخدمها فعلى الأب أن ينفق على الابنة، ولا تلزمه نفقة خادمها، ويقال للأب إما أنفقت على الخادم أو بعتها.
1834 - وإذا قبح ما بين الزوجين وجهل حقيقة أمرهما بعث الإمام حكماً من أهله وحكماً من أهلها، من أهل العدل والنظر، فإن لم [يكن] في أهلهما ما يراه لذلك أهلاً، [أو لا أهل لهما] بعث من غير الأهلين، فإن استطاعا الصلح أصلحا بينهما وإلا فرقا بينهما، ثم يجوز فراقهما دون الإمام. وللزوجين أن يرضيا ببعثهما دون الإمام.
فإن جعلا ذلك إلى رجل عدل [فحكم]، مضى ذلك عليهما.
1835 - ولا يجوز في ذلك تحكيم عبد أو صبي أو مشرك أو سفيه أو امرأة ببعث الإمام أو ببعث الزوجين دونه، أو من يليهما إن كانا في ولاية، لأن ذلك خارج عما أراد الله تعالى من الإصلاح إلى الضرر، وهؤلاء لا يجوز منهم اثنان، فكيف بواحد [وقد] قال ربيعة: لا يبعث الحكمين إلا السلطان، فكيف يجاز تحكيم المرأة والصبي والعبد والنصراني والمسخوط، ولو حكّم الزوجان من ذكرنا أنه لا يحكّم ففرق، لم يمض ذلك ولا يكون طلاقاً، لأن ذلك لم يكن على جهة تمليك الطلاق، يدل على ذلك دخول الزوجة فيه بتحكيمها ولا مدخل للزوجة في تمليك الطلاق، وإذا كان أحد الزوجين أو كلاهما في ولاية، فذلك في بعث الحكمين إلى من يليهما دون العصبة.
1836 - وإذا حكما بالفراق كانت طلقة بائنة، حكما بأخذ مال أو بغير أخذ مال، ولا يفرقا بأكثر من واحدة.
وإن حكما بالفراق بغرم على المرأة لنفي الضرر عنها جاز، وإن حكما بغرم على الزوج لم يجز.
قال ربيعة: إن كان الظلم منه فرقا بغير شيء، وإن كان منهما معاً أعطيا الزوج على الفراق بعض الصداق، وإن كان الظلم منها خاصة جاز ما أُخذ له منها.
وإن حكم أحدهما بالطلاق ولم يحكم الآخر، أو حكم [أحدهما] على مال والآخر على غير مال، لم يلزم شيء إلا باجتماعهما، إلا أن ترضى الزوجة بالمال الذي قال أحدهما واجتمعا على الفراق فيلزم.
وإن حكم أحدهما بواحدة والآخر باثنتين أو اجتمعا على أكثر من واحدة أو على الثلاث، أو حكما بلفظ البتة أو خلية أو برية ونوى بهما الحكمان ثلاثاً لم يلزم في ذلك كله إلا واحدة، دخل بها أم لا، لأن ما زاد على الواحدة خارج عن معنى الاصطلاح، وحكم التي لم يُدخل بها في الحكمين حكم المدخول بها، إلا أنهما لا يبطلان ما للزوج من الرجوع بنصف المهر إن قبضته هي، كما لا يفرقان على الأخذ منه.
ولو حكم بأخذ الزوج منها جميع المهر على الفراق جاز ذلك.(1)
* * *
(كتاب العدة وطلاق السنة)
1837 - وطلاق السنة أن يطلق طلقة في طهر لم يمس فيه، وإن كان في آخر ساعة منه، ولا يتبعها في ذلك طلاقاً ثم يمهلها حتى تنقضي العدة برؤية أول دم الحيضة الثالثة، ويُكره أن يطلقها في طهر قد جامع فيه، فإن فعل لزمه، وتعتد بذلك الطهر، وإن لم يبق منه إلا يوم، ولا يؤمر برجعتها.
1838 - ويكره أن يطلقها ثلاثاً في مجلس واحد أو في كل طهر طلقة، فإن فعل لزمه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أراد أن يطلقها ثلاثاً فليطلقها في كل طهر طلقة.(2)
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (5/386)، ومواهب الجليل (4/56)، والشرح الكبير (2/383)، وحاشية الدسوقي (2/383)، والتقييد (2/326).
(2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/58)، والبيهقي (7/332). وانظر: المدونة (5/419)، وبداية المجتهد (2/48)، والاستذكار (18/49)، والمحلي (10/168)، والدر المنثور (8/190).
1839 - ويطلق الحامل [طلقة] واحدة متى شاء، وتحل بالوضع لآخر ولد في بطنها، وله رجعتها ما لم تضع آخر ولد في بطنها، ولا يطلقها ثلاثاً في مجلس واحد [أو مجالس] فإن فعل لزمه، والتي لم تبلغ المحيض واليائسة منه يطلقهن واحدة متى شاء، وعدتهن ثلاثة أشهر، ويطلق المستحاضة متى شاء وعدتها سنة، كان في ذلك يطؤها أم لا، وله رجعتها ما لم تنقض السنة، فإذا مضت السنة حلت للأزواج، إلا أن ترتاب فتقيم إلى زوال الريبة، وإن كان لها قرء يعرف تحراه فطلقها عنده، قال ربيعة وابن شهاب في التي يئست من المحيض: إن طلقت قبل الأهلة أو بعدها اعتدت من حين طلقت ثلاثة أشهر ثلاثين يوماً كل شهر.
قال سليمان بن يسار وغيره: إذا طلقت النفساء لم تعتد بدم نفاسها واستقبلت ثلاثة قروء، قال ابن القاسم: ولا تطلّق التي رأت القصة البيضاء حتى تغتسل بالماء، فإن فعل لزمه، ولا يجبر على الرجعة.
وإن كانت مسافرة لا تجد الماء فتيممت فلا بأس أن يطلقها بعد التيمم لجواز الصلاة لها.
1840 - ومن طلق زوجته طلاقاً يملك فيه الرجعة، فلا يتلذذ منها بنظرة أو غيرها، ولا يأكل معها، ولا يرى شعرها ولا يخلو معها، وإن كان يريد رجعتها حتى يراجعها، وكان مالك يقول: لا باس أن يدخل عليها ويأكل معها إن كان معها من يتحفظ بها، ثم رجع فقال: لا يفعل ذلك حتى يراجعها، وإن كان معها فلينتقل عنها.
1841 - ومن قال لامرأته وهي حائض: أنت طالق للسنة، أو قال لها: إذا طهرت فأنت طالق، لزمته مكانه طلقة وجبر على الرجعة، ولو قال ثلاثاً للسنة وقعن ساعتئذ، كانت طاهراً أو حائضاً، وبانت منه.
1842 - وله أن يطلقها قبل البناء واحدة متى شاء، وإن كانت حائضاً أو نفساء، وإن دخل بها، فلا يطلقها وهي حائض أو نفساء حتى تطهر، فإن طلقها طلقة قبل أن تطهر لزمه ذلك وأجبر على الرجعة، وإن لم يعلم بذلك حتى طهرت وحاضت [ثم طهرت وحاضت] الثانية [وطهرت]، فليجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة فتحل، وإذا أُجبر على الرجعة في دم حيض أو نفاس وشاء طلاقها أُمهل حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء حينئذ طلق أو أمسك، ويحسب عليها ما طلقها في دم الحيض والنفاس، ولا يطلقها بعد طهرها من الدم الذي ارتجعها فيه بالقضاء، فإن فعل لزمه، ولا يجبر على الرجعة.
1843 - وطلاق المسلم لزوجته الكتابية كطلاق الحرة المسلمة وعدتها منه كعدة [الحرة] المسلمة. وتجبر هي على العدة [منه] إذا بنى بها طلق أو مات.
1844 - وإن مات عنها ذمي بعد البناء فلا ينكحها مسلم إلا بعد ثلاث حيض استبراء.
وإن مات عنها الذمي أو طلقها قبل البناء فلا عدة عليها وينكحها المسلم إن أحب مكانه.
1845 - وعدة الأمة وأم الولد ومن فيها بقية رق في الطلاق إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر ومثلها يوطأ وقد دخل بها، ثلاثة أشهر، وإن كانت ممن تحيض فحيضتان كان الزوج في ذلك حراً أو عبداً.
وطلاق العبد طلقتان كانت زوجته حرة أو أمة.
1846 - وإذا بلغت [المرأة] الحرة عشرين سنة أو ثلاثين فلم تحض، فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر.
ولو تقدم لها حيضة مرة لطالبت الحيض، فإن لم يأتها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة أشهر براءة تأخير الحيض وثلاثة أشهر عدة، فإن حاضت بعدما مضى من السنة عشرة أشهر رجعت إلى الحيض، فإن ارتفع ائتنفت سنة من يوم انقطع الدم عنها، ثم إن عاودها الدم في السنة رجعت إلى الحيض، هكذا تصنع حتى تتم ثلاث حيض أو سنة لا حيض فيها، وكذلك التي لم تحض قط قبل الطلاق، أو اليائسة ترى الدم بعدما أخذت في عدة الأشهر فلترجع إلى عدة الحيض، وتلغي الشهور، وتصنع كما وصفنا، هذا إن قلن النساء فيما رأته اليائسة: إنه حيض، فإن قلن: ليس بحيض، أو كانت في سن من لا تحيض من بنات السبعين أو الثمانين لم [يكن] ذلك حيضاً وتمادت بالأشهر، والعدة [في الطلاق] بعد الريبة، وفي الوفاة قبل الريبة، فإذا أتمت المرأة أربعة أشهر وعشراً في الوفاة ثم استرابت نفسها انتظرت حتى تزول الريبة عنها ثم تحل.
وذكرنا في كتاب الاستبراء تأخير حيضة الأمة في البيع.
1847 - وإذا اختلف الدم على المطلقة فرأته يومين أو ثلاثة، ثم رأت الطهر مثل ذلك ثم رأت الدم كذلك، فهي كالمستحاضة إذا تمادى ذلك بها عدتها سنة، إلا أن يكون بين الدمين من الطهر ما لا يضاف بعضه إلى بعض فيكون الثاني حيضاً مؤتنفاً، قال مالك: وليس الأربعة أيام والخمسة وما قرب طهراً.
1848 - وإذا مات الزوج في عدة من طلاق بائن، والطلاق في صحته أو في مرضه، لم تنتقل إلى عدة الوفاة، وتمادت على عدة الطلاق وورثته في طلاق المرض لا في طلاق الصحة.
فإن مات بعد العدة، والطلاق بائن، أو غير بائن، فلا عدة عليها لوفاة، وإن مات وهي في عدتها من طلاق غير بائن والطلاق في صحته أو في مرضه انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته، وقال ابن عباس وغيره: عليها أقصى الأجلين، فإذا بلغها موت زوجها فعدتها من يوم مات، وإن لم يبلغها ذلك حتى انقضت عدتها فلا حداد عليها وقد حلّت.(1)
وكذلك إن طلقها وهو غائب فعدتها من يوم ط لق إذا أقامت على الطلاق بينة، وإن لم تكن على ذلك بينة إلا أنه لما قدم قال: [قد] كنت طلقتها، فالعدة من يوم إقراره، ولا رجعة له فيما دون الثلاث إذا تمت العدة من يوم إقراره، وترثه في العدة المؤتنفة ولا يرثها، وإن كان الطلاق بتاتاً لم يتوارثا بحال، ولا يرجع عليها بما أنفقت من ماله بعد طلاقه قبل علمها، لأنه فرّط.
1849 - ولا إحداد على مطلقة ببتات [أو واحدة]، وعلى كل معتدة في وفاة زوجها الإحداد، وإن كانت صغيرة أو ذمية تحت مسلم، وابن نافع لا يرى على الكتابية إحداداً.
1850 - وعلى الأمة الإحداد، وتعتد حيث كانت [تبيت]، وليس لسادتها منعها من ذلك، ولهم أن يخرجوها نهاراً للبيع.
ولا يبيعونها إلا ممن لا يخرجها من الموضع الذي تعتد فيه حتى تتم العدة، ولا يزينونها للبيع بما لا تلبسه الحاد.
1851 - ولا تلبس الحاد شيئاً من الصباغ، قال عروة: إلا أن يصبغ بسواد.
ولا تلبس رقيق عُصب اليمن، ووسع في غليطه.
وتلبس رقيق البياض كله وغليظه من الحرير والكتان والقطن.
1852 - ولا تلبس خزاً ولا ما صبغ من ثياب أو جباب حرير أو كتان أو قطن أو صوف، وإن كان أخضر أو أدكن، إلا أن لا تجد غيره وتكون بموضع لا تجد استبداله، فيجوز لها لبسه. وإن وجدت بدلاً ببيع فليس لها لبسه.
__________
(1) انظر: تفسير القرطبي (4/11)، والمغني (8/93)، ورواه البخاري (8/53)، والنسائي في الكبرى (3/390)، والصغرى (6/195)، وعبد الرزاق في المصنف (2/117).
1853 - ولا تلبس حلياً: لا قرطاً ولا خاتماً ولا خلخالاً ولا سواراً ولا خرص ذهب أو فضة، ولا تمس طيباً، قال ابن عمر: ولا تختضب.
قال ربيعة: ولا تحنط ميتاً، ولا تدّهن بزنبق أو بنفسج أو خبر، وتدهن بالشيرج والزيت، ولا تمشط بدهن مريب حناء ولا كتم، ولا ما يختمر في رأسها [وتمشط في السدر وشبهه مما لا يختمر في رأسها، ولا تكتحل إلا من ضرورة فلا بأس به، وإن كان فيه طيب، ودين الله يسر].
وسبيل الأمة والصغيرة وأم الولد والمكاتبة والمدبرة، سبيل الحرة المسلمة البالغة في الإحداد ولزوم العدة من الأزواج.
1854 - إلا أن عدة الأمة وأم الولد، ومن فيها بقية رق في وفاة زوجها على النصف من عدة الحرة.
وإذا مات عن الأمة زوجها أو طلقها طلاقاً بائناً أو غير بائن، ثم عتقت وهي في أثناء هذه العدة فلتبق على عدتها ولا انتقال إلى عدة الحرائر.
وأم الولد إذا مات زوجها وسيدها ولم يعلم أولهما موتاً، فلتعتد أربعة أشهر وعشراً مع حيضة، قال سحنون: وهذا إذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال.
وإن كان بينهما أقل من شهرين وخمس ليال فعليها أربعة أشهر وعشر فقط، قال مالك: ولا ميراث لها من زوجها حتى يعلم أن السيد مات قبل زوجها، وعدة أم الولد من وفاة سيدها أو عتقه إياها حيضة، وإن كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر.
قال سليمان بن يسار: أو تكون حاملاً فحتى تضع، قال مالك: ولو مات السيد وهي في أول [دم] حيضتها، أو غاب عنها فحاضت بعده حيضاً كثيرة، ثم مات في غيبته، فلا بد من ائتناف حيضة بعد موته، لأنها لها عدة بخلاف استبراء الملك.
ولقوة الاختلاف فيها قد قال بعض العلماء: عليها أربعة أشهر وعشر، وقال بعضهم: [عليها] ثلاث حيض، قال مالك: ولا حداد عليها في عدتها من وفاة سيدها، ولا أحب لها المواعدة فيها، ولا تبيت إلا في بيتها، وإن زوجها سيدها ثم مات عنها لم يكن على زوجها استبراء.
1855 - وليس للرجل أن يزوج أم ولده أو أمة قد وطئها إلا بعد الاستبراء، ولا يجوز نكاح إلا حيث يجوز الوطء، إلا في دم الحيض وما أشبهه من غير معتدة، أو في دم النفاس فإن النكاح يجوز في ذلك، ولا توطأ حتى تطهر، ولو اعتدت أم الولد من وفاة زوجها وحلت، فلم يطأها السيد حتى مات، أو كان غائباً ببلد يعلم أنه لم يقدم منذ وفاة الزوج فعليها حيضة، ألا ترى أنها لو تمت عدتها من الزوج ثم أتت بولد لها يشبه أن يكون من سيدها، فزعمت أنه من السيد، ألحق به في حياته وبعد موته، إلا أن يقول السيد قبل موته لم أمسها بعد موت زوجها فلا يلحق به، وكل ولد جاءت به أم ولد أو أمة لرجل أقر بوطئها لمثل ما يلد له النساء، فهو بالسيد لاحق وتكون به الأمة أم ولد، أتت به في حياة السيد أو بعد وفاته، أو بعد أن أعتقها، إلا أن يدّعي السيد في حياته الاستبراء فينتفي منه بغير لعان، لأن ملك اليمين لا لعان فيه.
1856 - وكره مالك المواعدة للمرأة أو لوليها في عدة طلاق أو وفاة، كانت حرة أو أمة.
قال بعض التابعين: ولا بأس بالتعريض مثل أن يقول لها: إني بك لمعجب، ولك لمحب، أو فيك لراغب، وإن يقدّر أمر يكن، ونحو ذلك.
وجائز أن يهدي لها، قال عطاء: وأكره مواعدة الولي، وغن كانت المرأة مالكة أمرها، ومن جهل فواعد امرأة في العدة وسمى الصداق ونكح بعد العدة، فاستحب له مالك الفراق بطلقة، دخل بها أم لا، ويخطبها إن شاء بعد عدتها منه إن كان دخل بها، وروى عنه أشهب انه يفرّق بينهما دخل بها أم لا.
1857 - ومن طلقت بخلع فتزوجت في العدة ودخل بها الثاني، قال مالك: يفرق بينهما وتأتنف ثلاث حيض من يوم فسخ نكاح الثاني، فتجزيها عن الزوجين، وإن كانت عدتها بالشهور أجزأها منهما ثلاثة أشهر مستقبلة.
وإن كان قد جاء عن عمر - رضي الله عنه - أنها تتم عدة الأول، وتأتنف عدة الثاني.(1)
__________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/536).
وأما الحامل فالوضع يبرئها من الزوجين جميعاً، ولا يتزوجها الأول في عدة الآخر ولدت أولاداً من الثاني، إذ لا حجة لها باجتهاد إمام أو [بيقين] طلاق، ولا يقربها القادم إلا بعد العدة من ذلك الماء بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر أو وضع حمل إن كانت [حاملا]]، فإن مات القادم قبل وضعها اعتدت منه عدة الوفاة ولا تحل بالوضع دون تمامها ولا بتمامها دون الوضع.(1)
1859 - قال غيره: ومن نكح أم ولد قد أعتقها سيدها أو مات عنها، أو أمة أعتقها ربها وقد وطئها فدخل بها الزوج قبل أن تمضي الحيضة فذلك يحرم كالوطء في العدة.
وروي ذلك عن مالك في أم الولد يموت سيدها فيتزوجها رجل قبل حيضة أنه متزوج في عدة.
وروي عنه أيضاً أنه ليس كالناكح في العدة.
وإذا وطئ السيد أمته في عدة من زوج حر أو عبد حرمت عليه.
وكل وطء بملك أو بشبهة نكاح في عدة نكاح يُحرّم. ألا ترى أن من طلق امرأته البتة ثم ابتاعها لم يحل له وطؤها بالملك حتى تنكح زوجاً غيره.
1860 - قال ابن وهب عن مالك: ومن وطئ أمة بنكاح في عدة [نكاح] [ثم ابتاعها]، لم تحل له أبداً.
1861 - وكل معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن تأتي بولد وقد أقرت بانقضاء عدتها أو لم تقر، فإنه يلحق بالزوج ما بينها وبين خمس سنين فأدنى، إلا أن ينفيه الحي بلعان ويدعي أنه استبرأ قبل طلاقه، ولا يضرها ما أقرت به من انقضاء العدة، لأنها تقول: حضت وأنا حامل ولا علم لي بالحمل، وقد تهراق المرأة الدم على الحمل، وكذلك إن طلقت فارتابت بتأخير حيض فاعتدت سنة فإنها تحل، إلا أن تستراب بعد ذلك، فتنتظر حتى تذهب ريبتها فإن تمادت بها الريبة جلست ما بينها وبين خمس سنين فما وضعت بعد ذلك لم يلحق بالزوج.
__________
(1) انظر: الأم (7/157)، والتاج والإكليل (4/159)، ومواهب الجليل (4/158)، الشرح الكبير (2/501)، والمعونة للبغدادي (2/793)، والكافي (2/530).
وإن أتت به بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة، وتحد المرأة، وإن مضى لهذه المطلقة خمس سنين غلا خمسة أشهر ولم تقر إلا بانقضاء العدة ثم تزوجت، فإن قالت: إنما تزوجت بعد العدة وزوال الريبة صًدّقت، ولا تُنكح مسترابة البطن إلا بهد زوال البطن أو بعد خمس سنين، فإن نكحت قبل الخمس سنين بأربعة أشهر فأتت بولد لخمسة أشهر من يوم نكحت، لم يلحق بأحد من الزوجين وحُدّت وفسخ نكاح الثاني، لأنه نكح حاملاً.
1862 - وإذا كان الصبي لا يولد لمثله وهو يقوى على الجماع، فظهر بامرأته حمل لم يلحق به، وتحد المرأة، فإن مات هذا الصبي لم تنقض عدتها من الوفاة بوضع حملها، وعليها أربعة أشهر وعشر من يوم مات، وإنما الحمل الذي تنقضي به العدة، الحمل الذي يثبت نسبه من أبيه خلا الملاعنة خاصة، فإنها تحل بالوضع وإن لم تلحقه بالزوج.
وإن مات زوجها وهي في العدة لم تنتقل إلى عدة الوفاة.
1863 - وإذا دخل الصبي بزوجته وهو يقوى على الجماع ولا يولد لمثله، ثم صالح عنه أبوه أو وصيه، فلا عدة على امرأته ولا صداق لها ولا غسل عليها من وطئه، إلا أن تلتذ، يعني: تنزل.
والخصي لا يلزمه ولد إن أتت به امرأته، إلا أن يعلم أنه يولد لمثله.
1864 - ومن نكح امرأة ودخل في العدة بها قبل حيضة، ثم ظهر بها حمل فهو للأول، وتحرم على الثاني، ولو نكحت بعد حيضة فهو للثاني إن وضعته لستة أشهر من يوم دخل بها، فإن وضعته لأقل فهو للأول، هذا حكم النكاح، وإن القافة في الأمة يطؤها السيدان في طهر، وكذلك من نكح في عدة وفاة بعد حيضة أو قبل في لحوق الولد، وعدتها منهما وضع الحمل، أحلقت الولد بالأول أو بالثاني وهو فيها أقصى الأجلين.
1865 - وإذا أسلمت ذمية تحت ذمي ثم مات وهي في عدتها، لم تنتقل إلى عدة الوفاة وتمادت على عدتها ثلاث حيض.
وقال غيره: وناكحها في عدة منه ناكح في عدة، [قال مالك:] ولا شيء لها من المهر إن لم يكن دخل بها، مات أو لم يمت.
1866 - وما فسخ من نكاح فاسد أو ذات محرم أو المُنعى لها تنكح أو أمة بغير إذن السيد، فالعدة في ذلك كله كعدة النكاح الصحيح، ويعتددن في بيوتهن.
1867 - وإذا تصادق الزوجان بعد الخلوة في النكاح الفاسد على نفي المسيس لم تسقط بذلك العدة، لأنه لو كان ولد لثبت نسبه إلا أن ينفيه بلعان ولا يكون لها صداق ولا نصفه، لأنها لم تطلبه، وتعاض من تلذذه بها إن كان تلذذ منها بشيء، وقد قيل: [إنها] لا تعاض.
1868 - ولا يضرب السلطان لامرأة المفقود أجل أربع سنين إلا من يوم ترفع إليه، وإن لم تقم إلا بعد سنين، ولا تعتد أربع سنين بغير أمره، وإنما يضرب هذا بعد الكشف عنه، فإن علم إلى أي جهة خرج كتب إليها في الكشف عنه، فإذا يئس من علم خبره ضرب من يومئذ للحر أربع سنين وللعبد حولين، ثم تعتد هي بعد ذلك دون أمر الإمام كعدة الوفاة، كان قد بنى بها أم لا، وعليها الإحداد.
فإن قدم أو صحت حياته قبل أن تنكح، منعت من النكاح وكانت له زوجة بحالها.
وكذلك لو تزوجت ولم يدخل لفسخ نكاح الثاني وردت إلى الأول.
وكذلك التي يبلغها الطلاق ولا تبلغها الرجعة، فإن لم تعلم هي أو لم يقدم هو حتى دخل بها الثاني، فالثاني أحق بها، وأول قول مالك فيهما: إن عقد نكاح الثاني دون البناء يفتيها عن الأول، وأخذ به المغيرة وغيره.
وأخذ ابن القاسم وأشهب فيما بقول مالك الآخر: أن الأول أحق بها ما لم يدخل بها الثاني، وإذا رجعت إلى الأول قبل بناء الثاني كانت عنده على الطلاق كله، وإنما يقع عليها طلقة بدخول الثاني، فأما قبل ذلك فلا.
1869 - وإذا علم أن المفقود مات بعد نكاح الثاني وقبل دخوله، فموته هاهنا كقدومه حينئذ، ويفسخ نكاح الثاني وترث الأول، وتعتد لوفاته من يوم صحة موته، لأن عصمة الأول لم تسقط، وإنما تسقط بدخول الآخر بها.
ولو مات الثاني قبل البناء فورثته، ثم علم أن الأول مات بعد أن نكحت قبل موت الثاني أو بعده، أو علم أن الأول حي ردت ميراثها من الثاني، ورجعت إلى حكم عصمة الأول في حياته وموته.
وإن علم أنه مات بعد بناء الثاني فهو كمجيئه حينئذ فتثبت عصمة الثاني ولا ترث الأول، ولو مات الأول بعد الأجل والعدة، ثم نكحت في وقت تكون فيه في عدة من الأول في صحة موته فسخ نكاح الثاني.
فإن لم يكن دخل بها كان خاطباً إن أحب بعد انقضاء عدة الأول.
وإن كان قد بنى بها في عدة الأول لم تحل له أبداً وترث الأول في الوجهين، وإن صح أنها نكحت بعد تمام عدة الأول من يوم موته ورثته وثبتت مع الثاني.
واسلك بالتي تعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة حتى تعتد وتنكح، هذا المسلك، في فسخ النكاح والموت والميراث وجميع أحكامها.
1870 - وينفق على امرأة المفقود في التأجيل من ماله ولا نفقة لها في العدة، ولولده النفقة ما كانوا صغاراً إن لم يكن لهم مال.
ولا يؤخذ حميل بهذه النفقات، وما أنفق عليهم بعد موته ولم يعلم توبع بذلك الزوجة والولد.
1871 - ولا يقسم ورثة المفقود ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يحيا إلى مثله، فيقسم بين ورثته يومئذ لا يوم فقد أو يصح وقت موته فيرثه ورثته يوم صحة موته، وإن مات له ولد وقف ميراثه منه، فإن أتى أخذه وإن مُوّت بالتعمير رُدّ ذلك إلى ورثة الابن يوم مات الابن، ولا أورّث الأب بالشك.
وكذلك لا يتوارث بالشك من لا يعلم أولهما موتاً بغرق أو هدم. ويرث كل واحد ورثته.
1872 - وإن فقد عبد فأعتقه سيده وله ولد أحرار لم يجز، ولا يتم حتى يعلم أن العتق أصابه حياً.
1873 - ولا يوقف للعبد ميراث من مات من ولده الأحرار، وهو بخلاف الحر في هذا، لأنه على أصل منع الوراثة بالرق حتى يصح عتقه.
وأحسن ذلك أن يدفع إلى ورثة الابن بحميل يعطونه، وينظر الإمام في مال المفقود ويجمعه ويوقفه، كان بيد وارث أو غيره، ويوكل به من يرضاه، وإن كان في ورثته من يراه لذلك أهلاً أقامه له، وينظر في ودائعه وقراضه، ويقبض ديونه، ولا يبرأ من دفع من غرمائه إلى ورثته، لأن ورثته لم يرثوه بعد.(1)
1874 - وما أسكن أو أعار أو أجر إلى أجل أرجئ إليه، وإن قارض إلى أجل فسخ وأخذ المال.
وما لحقه من دين أو اعتراف أو عهدة ثمن أو عيب قضي به عليه، ولا يقام له وكيل، وتباع عروضه في ذلك.
وإن أقام رجل البينة أنه أوصى له بشيء أو أسند إليه الوصية سمعت بينته، فإذا قضي بموته بحقيقة أو تعمير، جعلت الوصي وصيه وأعطيت الموصى له وصيته إن كان حياً وحملها الثلث، ولا أعيد البينة.
وكذلك إن أقامت امرأة بينة أنه زوجها قضيت له كقضيتي على الغائب.
1875 - وأما السر فلا تؤجل امرأته بخلاف المفقود، علمنا موضع الأسير أم لا، لأنه معلوم أنه قد أسر، ولا يصل الإمام من كشف حاله إلى ما يفعله في المفقود، ولا تنكح امرأته إلا أن يصح موته أو تنصره إما طائعاً، أو لا يعلم أطائعاً أم مكرهاً؟ فيفرق بينهما، ويوقف ماله، فإن مات مرتداً كان للمسلمين، وإن أسلم كان له، وإن تنصر مكرهاً كانت في عصمته وينفق عليها من ماله.
1876 - ومن نكح امرأة في عدتها فلم يطأ، إلا أنه قبل أو باشر أو جسّ، حرمت عليه للأبد وعلى آبائه وأبنائه.
1877 - وتعتد امرأة الخصي في الطلاق، قال أشهب: لأنه يصيب ببقية ذكره ويتحاصنان بذلك، وإن كان المجبوب لا يمس امرأته فلا عدة عليها من طلاق.
وليس على التي لا يوطأ مثلها لصغر عدة الطلاق.
1878 - وعلى كل معتدة لوفاة زوج تربص أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة مسلمة أو كتابية، بنى بها أو لم يبن، صغيرة كانت أو كبيرة، والزوج صغير أو كبير، حر أو عبد، مجبوب أو سليم.
__________
(1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (3/464).
وإذا علم بعد وفاة الزوج بفساد نكاحه وأنه مما لا يُقرّان عليه فلا عدة عليها ولا إحداد، وعليها ثلاث حيض استبراء إن كان قد بنى بها، ويلحقه ولدها ولا ترثه ولها الصداق المسمى كله مقدمة ومؤخره.
1879 - وتعتد المرأة في الطلاق والوفاة في بيتها ولا تنتقل منه إلا لضرر لا قرار معه، من خوف سقوطه، أو خوف لصوص بقرية لا مسلمون فيها ونحوه، فإن كان في مدينة فلا تنتقل لضرر جوار ولترفع ذلك إلى الإمام.
1880 - وإن انتقلت لعذر إلى منزل ثان أو ثالث لزمها المقام حيث انتقلت، والكراء في ذلك على الزوج.
وإذا انتقلت لغير عذر ردها الإمام بالقضاء إلى بيتها حتى تتم عدتها فيه، ولا كراء لها فيما أقامت في غيره، ولرب الدار إخراجها منها في عدتها إذا انقضى أجل الكراء.
1881 - وإذا انهدم المسكن فدعت المرأة إلى سكنى موضع ودعا الزوج إلى غيره، فذلك لكثرة كراء [أو سكنى] فتمنع، ولو أسقطت الكراء لسكنت حيث شاءت، وامرأة الأمير المعتدة لا يخرجها الأمير القادم من موضعها حتى تنقضي العدة، وكذلك من حبست عليه دار وعلى آخر بعده، فهلك الأول وترك زوجته، فلا يخرجها من صارت إليه الدار حتى تتم العدة.
1882 - [ومن] بنى بزوجته الصغيرة ومثلها يجامع ثم طلقها أو مات عنها، فليس لأبويها أن ينقلاها إليهما في العدة، ولتعتد حيث كانت يوم مات الزوج أو طلق، ولو خرج أبواها على الحج أو لسكنى بلد آخر فلا يخرجاها حتى تتم العدة.
وتنتوي البدوية مع أهلها حيث انتووا، لا حيث انتوى أهل الزوج، وتقيم هناك بقية العدة ولا تنتوي من قرار.
وإن تبدى زوجها فمات رجعت للعدة في بيتها.
1883 - وتعتد الأمة في الموت والطلاق حيث كانت تبيت، فإذا انتجع سيدها إلى بلد آخر كان له أن يخرجها كالبدوية.
1884 - وتجبر الذمية في العدة من مسلم على العدة في بيتها ولا تنتقل منه، ولا تنكح حتى تنقضي عدتها، وهي في كل شيء من أمرها في العدة والإحداد مثل الحرة المسلمة تجبر على ذلك.
1885 - ولا تبيت معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن إلا في بيتها، ولها التصرف نهارها والخروج سحراً قرب الفجر، وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة، والمطلقة واحدة أو اثنتين لا إذن لزوجها في خروجها عن بيتها، ولا يسافر بها حتى يراجعها، ولا تحج هي في عدتها من وفاة أو طلاق، حجة الفريضة حتى تتم العدة.
1886 - وتبيت المعتدة في دارها حيث كانت تبيت قبل ذلك في مشتاها ومصيفها، [ولو كان في الدار بيوت في إحداها متاعها وسكناها فلتعتد فيه، وتبيت في بيتها هذا واسطوانها وساحة حجرتها حيث شاءت]، وإن كان في الدار مقاصير فلا تبيت إلا في مقصورتها.
وينتقل الزوج من بيتها في طلاق بائن أو غير بائن ولا يقيم معها في حجرة.
ولا بأس أن ينتقل إلى أحد بيوت الدار الجامعة، ولا يدخل عليها فيما فيه الرجعة حتى يرتجع.
1887 - وإذا خرجت المرأة مع زوجها في زيارة، أو إلى الحصاد، أو السواحل والرباط، لإقامة الأشهر والرجوع أو لحاجة من قبض دين ونحوه، ولا يريد انتقالاً، فمات زوجها في الطريق، فلترجع إلى بيتها تعتد فيه بعدت أو قربت أو قد وصلت، ولا ترجع إذا بعدت إلا مع ثقة وإلا قعدت حتى تجد ثقة.
وإن خرج بها على رفض سكنى موضعه اعتدت بموضع نقلها إليه.
وإن مات في الطريق وهي أقرب إلى الموضع الأول أو الثاني فلها المسير إلى أيهما شاءت إن كان قريباً، وإن بعد فلا تمض إلا مع ثقة.
ولها المقام بموضع موته أو تعدل إلى حيث شاءت فتتم هناك عدتها، لأنه مات ولا قرار لها، وهي كمعتدة أخرجها أهل الدار، وبمنزلة التي أخرج زوجها من منزل بكراء فانتقلت على أهلها لتكتري سواه فمات ولم يكتر منزلاً، أو اكتراه ولم يسكنه حتى مات فلتعتد حيث شاءت، وإذا مات زوجها في خروجها إلى الحج وقد سارت اليومين والثلاثة وما قرب، وهي تجد ثقة ترجع معهم فلترجع، وترجع من مثل ذي الحليفة عن المدينة، وردهن عمر(1) من البيداء.
__________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/592).
1888 - ولا يفسخ كراء كريهاً، ولتكر الإبل من مثل ما اكترت، ولو بعدت كإفريقية من الأندلس أو المدينة من مصر، نفذت.
وأما إذا أحرمت فلتنفذ قربت أو بعدت، ثم إن رجعت في بقية العدة أتمتها في بيتها، وكل من أمرتها بالرجوع إلى بيتها فكانت لا تصل حتى تنقضي العدة فلا ترجع ولتقم بموضعها أو حيث شاءت، إلا أن يعلم في التقدير أنه يبقى من عدتها بعد وصولها فلترجع، وكذلك في الطلاق البائن وغيره.
1889 - وكل مطلقة لها السكنى، وكل بائنة [بطلاق] أو بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان ومحوه، فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين، فذلك لها ما أقامت حاملاً، خلا الملاعنة فإنها لا نفقة لها في حملها.(1)
1890 - وكل طلاق فيه الرجعة فلها النفقة والكسوة والسكنى حتى تنقضي العدة، كانت حاملاً أو غير حامل.
وكذلك امرأة المولي إذا فرق بينهما، لأن فرقة الإمام فيها غير بائن، وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة، ويجب السكنى في فسخ النكاح الفاسد أو ذات محرم لقرابة أو رضاع كانت حاملاً أم لا، لأنه نكاح يلحق فيه الولد، وتعتد فيه حيث كانت تسكن ولا نفقة عليه ولا كسوة إلا أن تكون حاملاً فذلك عليه.
وللكتابية الحرة على الزوج المسلم من السكنى والنفقة إذا طلقها ما للمسلمة.
1891 - ومن خلا بصغيرة يجامع مثلها في بيت أهلها ثم طلقها فقال: لم أطأ فصدقته أو كذبته فالقول قوله في طرح السكنى، كما أقبله في نصف الصداق وعليها العدة.
وحيث يجب جميع الصداق يجب السكنى إلا أنه [إن] لم يعلم له بها خلوة، فلا عدة عليها في طلاق وإن ادعى المسيس.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/163)، وشرح الزرقاني (3/270)، والفواكه الدواني (2/64، 65)، والشرح الكبير (2/484).
1892 - وإن دخل بها وهي لا يجامع مثلها لصغر فلا عدة عليها ولا سكنى لها في الطلاق، وليس لها إلا نصف الصداق. وعليها في الوفاة العدة ولها السكنى إن كان ضمها إليه، والمنزل له أو نقد كراه وإن لم يكن نقلها فلتعتد عند أهلها.
وكذلك الكبيرة يموت زوجها قبل البناء وهي في مسكنها، فلتعتد فيه ولا سكنى لها [عليه] إلا أن يكون اسكنها داراً له أو اكتراها ونقد الكراء، فتكون أحق بذلك المسكن حتى تنقضي عدتها، وإذا أعتقت الأمة تحت عبد فاختارت نفسها، أو لم تعتق فطلقها طلاقاً بائناً، فإن كانت بوئت مع زوجها بيتاً فلها السكنى عليه ما دامت في عدتها، وإن لم تبوأ معه [بيتاً] فلتعتد عند سيدها، وإن أخرجها سيدها فسكنت في موضع آخر فلا شيء لها [على الزوج] إذا لم تكن تبيت عنده، ويجبر سيدها على ردّها حتى تنقضي عدتها.
1893 - ولو أعتق العبد أو انهدم المسكن في العدة ولم تبوأ معه بيتاً فلا سكنى [لها] عليه، وليس للأمة الحامل نفقة على الزوج إذا طلقها إذ الولد رق لغيره كان الزوج حراً أو عبداً.
وكذلك حرة طلقها عبد وهي حامل فلا نفقة لها إلا أن يعتق العبد قبل وضعها، فينفق على الحرة من يومئذ، وإن كانت أمة فلا إلا أن تعتق هي أيضاً بعد عتقه فينفق عليها في حملها، لن الولد ولده، ولا نفقة لحامل في الوفاة. وللمتوفى عنها زوجها السكنى في العدة إن كانت دار الميت، أو بكراء وقد نقده، وهي أحق بسكنى دار الميت من غرمائه، وتباع ويشترط سكناها وهي أحق منهم بما نقد كراه، وإن كانت الدار بكراء ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسر فلا سكنى لها في ماله، وتؤدي الكراء من مالها، ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار أو يطلب ما لا يشبه من الكراء، فإن أخرجت أقامت بموضع تنتقل إليه لا تخرج منه، وأما إن طلقها طلاقاً بائناً فلزمه السكنى ثم مات في العدة فقد وجب [لها] السكنى في مال الزوج قبل الوفاة ديناً، ولا يسقطه موته بخلاف المتوفى عنها زوجها ولم يطلقها، [وقد] روى ابن نافع عن مالك أنهما سواء، ولو طلقها وهي في بيت بكراء فأفلس قبل انقضاء العدة فلرب الدار إخراجها، لأنه أحق بمسكنه، وإن كانت المعتدة في مسكن بكراء فلم تطلب به الزوج إلا بعد العدة [فلها الكراء، ولذلك] لو لم يفارقها فطلبته به بعد تمام السكنى فذلك لها إن كان موسراً حين سكنت، وإن كان عديماً فلا شيء عليه.
ولا سكنى على معدم في عدة ولا نفقة حمل إلا أن يوسر في حملها فتأخذه بنفقة ما بقي وكذلك السكنى.
وإن وضعت قبل يسره فلا نفقة لها في شيء من حملها، ولأم الولد السكنى في الحيضة إن مات السيد أو أعتقها ولا نفقة لها، وكل شيء تحبس عليه فيه من عدة أو استبراء فلها فيه السكنى.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/166)، ومنح الجليل (4/355).
وإن كانت حاملاً حين أعتقها فلها النفقة مع الكسنى، [قال غيره: إن كانت حاملاً في الوفاة فلها السكنى ولا نفقة لها]، وللمرتدة الحامل النفقة والسكنى ما دامت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً لم تؤخر واستتببت بولا نفقة لها في هذه الاستتابة، لأنها قد بانت منه]، فإما أن ترجع إلى الإسلام أو تقتل، ويكون ذلك طلقة بائنة ويكون لها السكنى.
والمعترض عن امرأته إذا فرق بينهما عند انقضاء الأجل فلها عليه السكنى في عدتها، وكذلك إن كانا مجوسيين فأسلم الزوج ووقعت الفرقة بينهما وقد بنى بها فلها السكنى.
وللمستحاضة السكنى في عدتها ولا ينقطع ما وجب من السكنى لمطلقة أو لمتوفى عنها وبها ريبة حتى تزول الريبة.
1894 - ومن مات عن أمة أو باعها أو أعتقها فاستبراؤها حيضة، وإن كانت مستبرأة قبل ذلك، إلا المعتقة المستبرأة فذلك يجيزها وتنكح وتحل للزوج مكانها، كما لو زوجها السيد وهي في ملكه حل للزوج وطؤها مكانه ويجزيه استبراء السيد.
ولا يجوز للسيد أن يزوجها حتى يستبرئها.
1895 - ولو أعتق أم ولده بعد الاستبراء أو مات عنها لم يجزها حتى تأتنف حيضة بعد عتقها بخلاف الأمة.(1)
1896 - وإن اشترى مكاتب زوجته بعد البناء فلم يطأها حتى مات، أو عجز فرجعت إلى السيد فعدتها حيضة، قاله مالك، ثم رجع فقال: أحب إلي أن تكون حيضتين، وبهذا أخذ ابن القاسم أن السيد لا يطؤها إلا بعد حيضتين من يوم الشراء.
ولو وطئها المكاتب بعد الشراء انفسخت العدة وحلت بحيضة استبراء.
1897 - ولو مات المكاتب أو عجز بعد ما مضى لها عنده حيضتان من يوم الشراء فصارت الأمة لسيده لم ينبغ للسيد أن يطأها حتى تحيض حيضة.
وإن كان المكاتب قد قال: لم أطأها بعدهما فإن هي خرجت حرة ولم يكن المكاتب وطئها بعد الشراء نكحت مكانها ولا استبراء عليها، لأنها خرجت من ملك إلى حرية.
1898 - ومن اشترى زوجته قبل البناء وطئها بملك يمينه ولا استبراء عليه.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/495).
وقد بقى رسم من آخر هذا الكتاب وهو مذكور في كتاب أمهات الأولاد.
* * *
(كتاب الرضاع)
1890 - ويُحرّم من الرضاع في الحولين ولو مصة واحدة بين الأحرار والمماليك. وحرمة الرضاع في الشرك والإسلام واحدة، ولبن المسلمات والمشركات في حرمة الرضاع سواء.(1)
1891 - والوجور يخرم، والسعوط إن وصل إلى جوف الصبي فإنه يحرم.
وإن حقن بلبن فوصل إلى جوفه حتى يكون له غذاء حرَّم، وإلا لم يحرِّم.
قال عطاء الخراساني: لا يحرم السعوط ولا الكحل باللبن.
1892 - وإن أرضعت ذات زوج صبياً وهي مرضع أو بعد فصال ولدها وهي حامل أو درت عليه ولم تلد قط، فالصبي ابن للزوج.
1893 - وإذا تزوجت المرضعة المطلقة فحملت ثم أرضعت صبياً، فإنه ابن للزوج الأول والثاني، إذا كان لبن الأول لم ينقطع، والماء يغيل اللبن [ويكون فيه غذاء والوطء يدر له اللبن فهو يُحرّم، قال مالك:] وما ذكر في الحديث من الغيلة هو وطء المرضعة التي لا حمل بها ولا يكره ذلك إذ لم ينه النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، [وقد قال أناس: إنما الغيلة أن يُغتال الصبي بلبن قد حملت أمه عليه، فيكون إذا أرضعته بذلك اللبن قد اغتالته].
1892 - قال مالك: ولا يحرّم رضاع الكبير إلا ما قارب الحولين.
ولم يفصل إلا بمثل شهر أو شهرين، وأما لو فصل بعد الحولين أو بعد حول حتى استغنى بالطعام لم يحرم ما أرضع بعد ذلك.
ولو أرضعته امرأة بعد فصاله بيوم أو بيومين لحرّم، لأنه لم يستغن بالطعام.
1893 - وتحرم على الرجل امرأة أبيه أو ابنه من الرضاعة كالنسب.
1894 - وإذا درت بكر لا زوج لها أو يائسة من المحيض فأرضعت صبياً فهي أم له. ولا يُحرّم ما درّ للرجل من لبن.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/149)، وحاشية الدسوقي (2/502)، شرح الزرقاني (3/306)، والتاج والإكليل (1/93)، الفواكه الدواني (2/55)، الشرح الكبير (2/502).
1895 - وإذا حلب من ثدي المرأة لبن في حياتها أو بعد موتها فأوجر به صبي أو دبّ فرضعها وهي ميتة وعلم أن في ثديها لبن فالحرمة تقع بذلك ولا يحل اللبن في ضروع الميتة، قيل: فلم وقعت به الحرمة؟ قال: لأن من حلف أن لا يشرب لبناً فشرب لبن الميتة أو [شرب] لبناً ماتت فيه فأرة حنث إلا أن ينوي اللبن الحلال، ويحد من وطئ ميتة.
1896 - وإذا قالت امرأة عدلة: كنت أرضعت فلاناً وزوجته لم يقض بفراقهما، ولو عرف ذلك من قولها قبل النكاح أمرته بالتنزه عنها [إن كان يوثق بقولها]، ولو شهد بذلك امرأتان بعد العقد وهما أم الزوجة وأم الزوج أو أجنبيتان لم أفض بالفراق، إلا أن يفشر ذلك من قولهما قبل النكاح عند الجيران والمعارف [فيُقضى بالفراق بينهما].
1897 - ولو خطب رجل امرأة فقالت له امرأة: قد أرضعتكما، لم ينبغ له نكاحها، فإن فعل لم يفرق القاضي بينهما.
1898 - وإن قال الأب: رضع فلان وفلانة مع ابني الصغير أو مع ابنتي، ثم قال: أردت أعتذر، لم يقبل منه، فإن تناكحا فرّق السلطان بينهما، [ويؤخذ بإقراره الأول].
وإذا أقر أحد الزوجين أن الآخر أخوه من الرضاعة قبل أن يتناكحا، فسخ نكاحهما إذا شهد على إقرارهما بذلك بينة.
وإذا قالت الأم لرجل أرضعتك مع ابنتي [فلانة]، ثم قالت: كنت كاذبة أو معتذرة لم يقبل قولها الثاني، ولا أحب له أن يتزوجها.
1899 - ومن تزوج صغيرة بعد صغيرة فأرضعتهما أجنبية فليختر واحدة وليفارق الأخرى، ولا يفسد [عقد] نكاحهما كما فسد عقد متزوج الأختين عقدة لفساد العقد فيهما وصحته في هاتين.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/98)، والتقييد (2/279).
1900 - وكذلك لو كُنّ أربعاً فأرضعتهن كلهن فله أن يختار أولادهن رضاعاً أو آخرهن أو من شاء ويفارق البواقي، وإن أرضعت واحدة منهن فهن على نكاحهن، فإن أرضعت ثانية اختار أيتهما شاء وفارق الأخرى، فإن فارق الأولى ثم أرضعت ثالثة اختار أيضاً، فإن فارق الثالثة ثم أرضعت رابعة حبس الثالثة - إن شاء - أو الرابعة وفارق الأخرى.
1901 - [ومن] تزوج امرأة [كبيرة] ورضيعتين في عقدة وسمى لكل واحدة صداقاً، أو في عُقد متفرقة فأرضعت الكبيرة إحداهما قبل [بنائه بالكبيرة وهي في عصمته أو بعد أن فارقها، حرمت الكبيرة للأبد وثبت على [نكاح] الصغيرتين، وإن كان بعد] بنائه بالكبيرة حرمت الكبيرة والصغيرة التي أرضعت ولا صداق للمرضعة وإن تعمدت الكبيرة الفساد، وللكبيرة الصداق بالمسيس.
1902 - ومن تزوج صبية، فأرضعتها أمه أو أخته أو جدته أو ابنته أو ابنة ابنه أو امرأة أخيه أو بنت أخيه أو بنت أخته، وقعت الحرمة بذلك وفًرّق بينهما، ولا صداق للصبية على الزوج ولا على التي أرضعتها - وإن تعمدت - ولكن تؤدب المتعمدة.
وكل ما فُسخ من نكاح من حرك بالرضاع بعد البناء فلها المسمى.
1903 - ولا يُحرّم لبن البهيمة، ولا لبن مزج بطعام يغيب فيه حتى يكون الطعام الغالب عليه، أو طبخ بعد أن مزج على نار حتى غاب اللبن فيه، أو صب عليه ما غمره وغيبه من الماء، أو جعل في دواء غلب عليه ثم أطعم ذلك أو سقي لصبي، لم يُحرم بذلك.
1904 - ويكره استرضاع الكوافر وأن يتخذن ظؤورة لما يتغذين به ويغذين به الولد. وكره مالك استرضاع الفاجرة ولم يحرمه.
1905 - وتجبر ذات الزوج على إرضاع ولدها بلا أجر، إلا أن تكون ممن لا ترضع لشرفها فذلك على الزوج وإن كان لها لبن.
ولو مرضت التي [مثلها] ترضع، أو انقطع درها فالرضاع على الزوج.
وإن مات الأب وللصبي مال فلها أن لا ترضعه وتستأجر له من يرضعه من ماله، إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر أن ترضعه [بأجرها] من ماله، وإن لم يكن للصبي مال لزمها إرضاعه بخلاف النفقة التي لا يقضى بها عليها، ولكن يستحب لها أن تنفق عليه إن لم يكن له مال.
1906 - والرضاع عليها إن طلقت طلاقاً فيه رجعة ما لم تنقض العدة، فإن انقضت
1907 - ومن رهن جارية أو ودعها فلا يستبرئ إذا ارتجعها، ولو ابتاعها منه المودع بعد أن حاضت عنده أجزأه من الاستبراء إن كانت فيه بيته ولا تخرج، ولو كانت تخرج إلى السوق لم يجزه.
1908 - ومن وهب أمة لرجل ثم ارتجعها بعد غيبة الموهوب عليها فليستبرء لنفسه، لأنها قبضت على الحوز.
وأما من باع أمة على المواضعة ثم رجعت إليه في المواضعة قبل أن تحيض أو يذهب معظم حيضتها فلا استبراء عليه، ولو قبضها المبتاع لنفسه على الحوز لا على الأمانة في المواضعة ثم أقاله فليستبرء لنفسه، وإن أقاله بعد يوم من مغيبه عليها، والهبة كذلك.
1909 - ومن وهب لابنه الصغير أو الكبير الذي في عياله جارية ثم اعتصرها، فإن لم تكن تخرج وهي في يد الأب ولم يغب الكبير عليها لم يستبرئ، وإلا فذلك عليه، وإن وطئها الابن فلا اعتصار للأب فيها.(1)
1910 - وكل من انتقل إلى ملكه ملك أمة كانت في حوز غيره بأي وجه ملكها فليستبرئها أو كان الطلاق بائناً ولم تنقض العدة أو انقضت فعلى الأب أجر الرضاع، والأم أولى بذلك، إلا أن يجد الأب بدون ما سألت فذلك له، إلا أن ترضى الأم بما وجد فهي أحق، فإن لم ترض ولم يقبل الولد غيرها وخيف عليه الموت جبرت على رضاعه بأجر مثلها.
__________
(1) انظر: شرح الزرقاني (3/195)، والفواكه الدواني (2/157)، ومواهب الجليل (6/63)، والموطأ (2/539)، والكافي (1/532).
ولو كان الأب معدماً لا يجد شيئاً ووجد من قرابته من ترضعه باطلاً فله، إلا أن ترضعه الأم باطلاً، [وكذلك] إن كان الأب ليس بالواجد، وإنما يقوى على دون الأجر وأصاب من يرضع له بدون ذلك، فللأم أن ترضعه بما وجد أو تسلمه، وإن كان الأب موسراً ووجد من يرضعه باطلاً فليس ذلك له. وللأم أن ترضعه بمثل ما ترضعه به غيرها.
* * *
(كتاب الاستبراء)
1911 - ومن اشترى أمة مستحاضة - يعلم ذلك - استبرأها بثلاثة أشهر، إلا أن لا يبرئها ذلك وتشك، فيرتفع بها إلى تسعة أشهر، والتي رفعتها حيضتها بمنزلتها، إلا أن ترى المستحاضة دماً توقن هي والنساء أنه دم حيض، فتحل [به] متى ما رأته، كالمستحاضة ترى دماً وهي في عدتها من موت أو طلاق توقن هي والنساء أنه دم حيض فيكون ذلك قرءاً تحتسب به.
1912 - ومن كاتب أمته ثم عجزت، أحببت له الاستبراء إلا التي في يديه لا تخرج فلا شيء عليه، [وعليه] في المغصوبة ترجع إليه الاستبراء إن غاب عليها الغاصب، ولو اشتراها الغاصب بعد أن وطئها فليستبرئها من مائه الفاسد.
1913 - ومن اشترى أمة فغاب عليها ثم استحقت بحريّة، لم تنكح إلا بعد ثلاث حيض وإن تقارّا أنه لم يطأ.
ولو وطئها فلا صداق عليه، لأنه وطئ بالملك إلا أن يطأها عالماً بحريتها فعليه الصداق ويحد.
1914 - وإذا استبى العدو أمة أو أم ولد أو مدبرة أو حرة ثم رجعن، لم توطأ الحرة إلا بعد ثلاث حيض، وأولئك بعد حيضة، ولا يصدقن كلهن في نفي الوطء، وقد حزن بمعنى الملك لا على وجه الوديعة.
بحيضة إن كانت ممن تحيض، ملكها ببيع أو إرث أو هبة أو صدقة أو وصية أو من مغنم أو بغير ذلك.
1915 - ومن باع على ابنه الصغير من نفسه أمة، أو رجل ابتاع أمة زوجته، أو خالعها عليها، أو وهبتها له فإن كانت عنده لا تخرج لم يستبرئ، وذلك عليه إن كانت تخرج.
وأما إن ابتاعها ومثلها يوطأ، من رجل لم يطأ أومن صبي أو من امرأة، فلا بد من مواضعتها، ومن أبضع مع رجل في شراء جارية فبعث بها إليه فحاضت في الطريق فلا يقربها حتى يستبرئ.
1916 - ومن باع أمة ثم حبسها بالثمن، أو لم يمنع المشتري من قبضها ولا سأله هو في ذلك وذهب ليأتي بالثمن فأتى فألفاها طامثاً، ففي أول الدم يجزئه، وإن ألفاها آخره، أو بعد الطهر فلا، وليتواضعاها إلا في الوحش فليقبضها وليستبرئ لنفسه.
ولو أمكنه البائع من الرائعة فتركها عنده فإن حيضتها استبراء للمشتري، لأن ضمانها كان معه، لنه استودعه إياها بمنزلة أن لو وضعها عند غيره.
ومن ابتاع أمة في أول الدم أجزأه من الاستبراء، وأما في آخره وقد بقي منه يوم أو يومان فلا، وله المواضعة، فإن ابتاعها فرأت عنده دماً لخمسة أيام من حيضتها عند البائع لم يجزه من الاستبراء، وهو كدم واحد وتدع له الصلاة، وإن رأته بعد أيام كثيرة يكون لها هذا حيضاً مؤتنفاً، فرأته يوماً أو بعض يوم أو يومين ثم انقطع فإن قال النساء: إن [مثل] ذلك حيضة، أجزتها، [وإلا لم يكن استبراء، وغن لم تصل فيه حتى تقيم في الدم ما يعرف ويستيقن أنه استبراء لرحمها. قال مالك:] الثلاثة الأيام والأربعة والخمسة إذا طهرت فيهن ثم رأت الدم بعد ذلك فهو من الحيضة الأولى، قال: ويسأل النساء من عدد أيام الطهر، فإن قلن: إن هذه الأيام تكون طهراً فيما بين الحيضتين، وجاء هذه الأمة بعد هذه الأيام من الدم ما يقول النساء إنه دم حيض ولا يشككن فيه، أجزأ ذلك من الاستبراء وإلا فلا.
1917 - ومن باع أمة رائعة ثم تقابلا قبل التفرق فلا استبراء عليه، وإن أقاله وقد غاب عليها المبتاع فإن أقامت عنده أياماً لا يمكن فيها استبراء فلا يطأها البائع إلا بعد حيضة، ولا مواضعة على المبتاع فيها إذ لم تخرج عن ضمان البائع بعد.
ولو كانت وخشاً فقبضها على ثبات البيع والحوز ثم أقاله قبل مدة الاستبراء فليستبرئ البائع لنفسه أيضاً.
وإن كان إنما دفع الرائعة إليه ائتماناً له على استبرائها فلا يستبرئ البائع إذا ارتجعها قبل أن تحيض أو يذهب عُظم حيضتها.
ولو كانت عند أمين فلا استبراء عليه في الإقالة قبل الحيضة، ولو بعد طول المدة عند الأمين، ولو تقابلا بعد حيضة عند الأمين أو في آخرها، فللبائع على المبتاع فيها المواضعة لضمانه إياها، غلا أن يقيله في أول دمها أو في عظمه فلا استبراء عليه ولا مواضعة فيها كبيع مؤتنف من غيره، وكذلك في بيع الشقص [منها] والإقالة منه.
1918 - ومن ابتاع شقصاً من رائعة فله المواضعة.(1)
1919 - ومن باع أم ولده أو مدبرته ففسخ البيع وردّت، فليستبرئ إذا كان قد دفعها على الحوز وترك المواضعة.
1920 - ومن اشترى من عبده جارية أو انتزعها منه فليستبرئ.
1921 - ومن ابتاع جارية بالخيار ثلاثاً فتواضعاها، أو كانت وخشاً فقبضها فاختار الرد من له الخيار، فلا استبراء على البائع، لأن البيع لم يتم فيها.
1922 - فإن أحب البائع أن يستبرئ التي غاب المشتري عليها وكان الخيار له خاصة فذلك حسن، إذ لو وطئها المبتاع لكان بذلك مختاراً، وإن كان منهياً عن ذلك كما استحب استبراء التي غاب عليها الغاصب.
1923 - ومن ابتاع جارية فردها بعيب فعلى البائع أن يستبرئ إذا كانت قد خرجت من الحيضة وضمانها من المبتاع، وإن لم تكن خرجت من الحيضة فلا استبراء عليه، يريد ألا مواضعة للبائع على الذي يرد البيع بالعيب، لأنها لو هلكت قبل أن تحيض كانت المصيبة فيها من البائع، وقال أشهب: لا مواضعة على الذي يرد بالعيب، خرجت من الحيضة أم لا، لأنه نقض بيع.
1924 - ومن اشترى جارية حاملاً فلا يتواضعاها حتى تلد، وليقبضها المبتاع وينقد ثمنها ولا يطأها حتى تلد.
فإن ألقت دماً أو مضغة أو شيئاً يستيقن النساء أنه ولد فاستبراؤها ينقضي به كما تنقضي بذلك عدة الحرة، وتكون به الأمة أم ولد.
__________
(1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (4/461).
1925 - وإن ادعت الأمة أنها قد أسقطت فالسقط لا يخفى دمه وينظر إليها النساء، فإن كان بها من ذلك ما يُعلم أنها قد أسقطت أجزأه ذلك إذا طهرت وإلا لم تصدق، خوفاً من أن يكون كان ريحاً فانفشّ، وكذلك إن قالت: أسقطت منذ عشرة أيام وانقطع الدم عني فلا تصدق، ولا يطؤها المبتاع حتى يستبرئ لنفسه بحيضة، ولا حجة له في رد الثمن وطلب المواضعة، لأن البائع يقول له: بعتكها وهي ظاهرة الحمل يعرفها النساء ويشهدن عليه والنقد فيها جائز، ولا أدري ما صار إليه الحمل.
1926 - وإذا كانت الأمة وخش الرقيق ولم يطاها البائع، جاز بيعها بالبراءة من حمل غير ظاهر، كان البائع قد استبرأها أم لا، ويجوز فيها اشتراط ترك المواضعة وانتقاد الثمن، ويقال للمبتاع: استبرئ لنفسك بحيضة مستقبلة قبل أن تطأ، ثم لا رد للمبتاع أن ظهر بها حمل، لأن البائع قد تبرأ منه.(1)
وإن كانت رائعة ولم يطأها البائع فلا يجوز بيعها بالبراءة من حمل غير ظاهر، وإن كان البائع قد استبرأها، ويفسخ البيه ولا بد فيها من المواضعة، وإن كانت بينة الحمل جاز تبري البائع من الحمل إن لم يكن منه، وجاز فيها النقد.
1927 - ولا تصدق الأمة في حيض الاستبراء إن ادعت الحيض، ولا في السقط حتى يراها النساء، ولا أزيل ما ثبت من العهدة بقولها، والحرة في ذلك مصدقة ولا ينظر إليها [أحد]، لأن الله سبحانه ائتمنها عليه.
1928 - وأحب المواضعة على يدي النساء، أو رجل له أهل ينظرونها.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/168)، والمدونة الكبرى (6/124).
وأكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأهما إن قبضها على الأمانة، وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها، فإن قبضها على شرط الحيازة وسقوط المواضعة كالوخش ولم يشترط الاستبراء في المواضعة، أو جهلا وجه المواضعة فقبضها كالوخش ولم يتبرأ البائع من حمل، لم يفسد البيع ولزمهما حكم المواضعة، فإن هلكت في أمد لا يكون فيه استبراء فهي من البائع، وإن هلكت بعد مدة يكون فيها استبراء فهي من المبتاع.
1929 - وإن تبرأ البائع في العقدة من الحمل وليس بظاهر وشرط قبضها كوخش الرقيق وزعم أنه لم يطأ وهي رائعة فسد البيع، وهي من المبتاع من يوم قبضها، وترد إلا أن يفوت فيلزم المبتاع قيمتها يوم القبض أقامت عنده مدة الاستبراء أو يوماً أو يومين.
1930 - ولو أقر البائع بوطئها ولم يدّع الاستبراء وتبرأ من الحمل وشرط ترك المواضعة، فهذا أيضاً فاسد، فإن هلكت في مدة لا يكون فيها استبراء فهي من البائع، وما ولدت فهو به لاحق ولا ينفعه شرطه.
1931 - وإن هلكت بعد مدة يكون فيها استبراء فهي من المبتاع، وعليه قيمتها يوم [جعلناها] تحيض في مثله، لأن من ذلك اليوم وجب عليه ضمانها، ولا ينفعه إن ادعى أنها لم تحض.
1932 - [ومن] اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم يستبرئ، وإن ابتاعها قبل البناء ثم باعها قبل أن يطأها أو بعد أن وطئ فليستبرئ المبتاع بحيضة، وكذلك إن ابتاعها بعد البناء ثم باعها بعد أن وطئها، لأن وطأه فسخ لعدتها منه.
1933 - ولو باعها قبل الوطء هاهنا لم تحل له إلا بحيضتين عدة فسخ النكاح، وكذلك لو طلقها بعد البناء واحدة ثم ابتاعها في العدة [فوطئها بعد الشراء] ثم باعها، [فإن كان قد وطئها بعد الشراء استبرأها مشتريها منه بحيضة]، وأما إن باعها ولم يطأها فحيضتان من يوم طلاقه يحلها.
وإن باعها بعد حيضة لم تحل إلا بعد حيضة ثانية، ولو باعها بعد انقضاء العدة فاستبراؤها حيضة، كان الطلاق واحدة أو ثلاثاً.
1934 - وإن تزوجت [أمة] بغير إذن سيدها ففسخ النكاح بعد البناء لم يمسها إلا بعد حيضتين، لنه استبراء من نكاح يلحق فيه الولد ولا عدة.
1935 - ومن باع أمة بغير أمر ربها، ثم أجاز البيع بعد أن حاضت عند المبتاع أجزأه كالمودعة.
1936 - ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه، فليستبرئها إن لم يكن الأب قد عزلها عنده فاستبرأها.
وقال غيره: لا بد أن يستبرئها لفساد وطئه، وإن كانت مستبرأة عند الأب.
1937 - قال ابن القاسم: وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ.
1938 - وللرجل أن يزوج أمته التي لا يطؤها بغير استبراء، ولا يزوج أمة قد وطئها إلا بعد حيضة.(1)
قيل لمالك: أفلا يزوجها ويكف عنها زوجها حتى تحيض؟ قال: لا.
فإن زوجها وقد وطئها قبل أن تحيض حيضة ثم لم يطأها الزوج حتى حاضت، فالنكاح مفسوخ.
1939 - ولا يجوز نكاح إلا حيث يجوز الوطء، إلا في دم النفاس أو دم حيض من غير معتدة أو من دخلت من المعتدات في الحيضة الثالثة في الحرة، أو الثانية في الأمة، فإن النكاح يجوز في ذلك ولا توطأ حتى تطهر.
1940 - ومن زنت أمته لم يطأها ولم يزوجها إلا بعد حيضة.
1941 - ومن ابتاع أمة رائعة أقرّ بوطئها أو لم يقر ولم يجحد، [لم يزوجها] حتى تخرج من الاستبراء، إذ يلحق بالبائع ما تأتي به من ولد إن ادعاه، ومن باع أمة من وخش الرقيق ولم يطأها وتبرأ من الحمل إن كان بها، فلا يطأها المبتاع حتى تحيض، وله أن يزوجها قبل أن تحيض إن لم يكن بها حمل ظاهر كما كان لبائعها.
1942 - وإذا جاز للبائع أن يزوج أمته قبل أن يستبرئها جاز ذلك للمبتاع إذا قبضها وقبلها بعد الشراء، وإن لم يكن ذلك للبائع كان المبتاع مثله.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/168)، والشرح الكبير (2/493)، ومنح الجليل (4/358).
قيل [لمالك:] فإن كانت رائعة فابتاعتها وتواضعاها أيجوز للمبتاع أن يزوجها؟ قال: إذا قال البائع: لم أطأها، فإن [كان] حمل فليس مني، ولم يتبرأ من الحمل جاز البيع، وللمبتاع قبولها في المواضعة قبل محيضها على الرضا بالحمل إن كان بها، ولا يجوز ذلك في أصل التبايع، وله أن يزوجها مكانه قبل أن يستبرئها كما كان للبائع، ويحل للزوج وطؤها مكانه.
1943 - ومن باع أمة رائعة مثلها يتواضع للاستبراء، فظهر بها حمل فقبلها المبتاع به، فذلك له، وهو كعيب حدث بها، وليس للبائع ردها إلا أن يدعي أن الحمل منه.
1944 - ومن ابتاع أمة ذات زوج فطلقت قبل البناء فلا بد من حيضة. ومن اشترى أمة معتدة من وفاة زوج فحاضت قبل تمام شهرين وخمس ليال لم يطأها حتى تتم عدتها، فإن انقضت عدتها أجزتها من العدة والاستبراء.
1945 - وإن تمت عدتها ولم تحض بعد البيع انتظرت الحيضة، فإن رفعتها حتى مضت ثلاثة أشهر وأحست من نفسها [ريبة] انتظرت تمام تسعة أشهر من يوم الشراء، فإن زالت الريبة قبلها حلت، وإن ارتابت بعدها بحس البطن لم توطأ حتى تذهب الريبة.
قال سحنون: وقد روي عن مالك اختلاف في التي تُشترى وهي ممن تحيض فرفعتها حيضتها بعد الشراء. فروى عنه ابن وهب: أنها تستبرأ بتسعة أشهر، وروى عنه ابن غانم: أنها إذا مضى لها ثلاثة أشهر دعي لها القوابل، فإن قلن:لا حمل بها، فقد حلّت.
قال أشهب: وهذا أحب إلي، لأن رحمها يبرأ بثلاثة أشهر كما يبرأ بتسعة أشهر، لأن الحمل يتبين في ثلاثة أشهر.
1946 - قال ابن القاسم: ومن اشترى [أمة] معتدة من طلاق وهي ممن تحيض، فارتفعت حيضتها فإذا مضت سنة من يوم الطلاق وليوم الشراء ثلاثة أشهر فأكثر حلت.
1947 - ومن وطئ أمة بالملك ثم ابتاع أختها أو عمتها أو خالتها، لم يطأ الثانية حتى يحرم فرج الأولى، فإن وطئها وقف عن معاودة كل واحدة منهما حتى يحرم فرج واحدة، فإن حرم فرج الثانية أقام على وطء الأولى، فإن حرم فرج الأولى لم يطأ الثانية حتى تستبرئ لفساد وطئه، وليحرم إحداهما ببيع أو نكاح أو عتق إلى أجل، أو بما تحرم به عليه.
وإن ظاهر منها لم تحل له أختها إذ له الكفارة، وكذلك إن باعها من عبده أو ابنه [الصغير] أو يتيم في حجره إذ له الاعتصار والانتزاع بالبيع، وكذلك إن زوجها تزويجاً لا يقران عليه، أو باعها من أجنبي بيعاً فاسداً، إلا أن تفوت في البيع الفاسد فتحل له أختها.
وإن باعها وبها عيب حلت له أختها، وهو بيع تام حتى تُردّ به. فإن أُسرت أو أبقت إباق إياس حلت له أختها، وإن اشترى أختين وطئ أيتهما شاء، فإن وطئهما ثم باعها ثم اشتراهما في صفقة [واحدة]، وطئ أيتهما شاء.
وإن وطئهما ثم باع واحدة أو زوجها فلم يمس الباقية حتى رجعت تلك إليه، فلا يطأ إلا الباقية لا الراجعة.
وإن وطئ إحداهما ثم باعها ثم وطئ الباقية، أو باع أمة وطئها ثم اشترى أختها فوطئها، ثم اشترى في الوجهين تلك [المبيعة]، فلا يطؤها حتى يحرم فرج الأخرى، ولو لم يكن وطئ الباقية حتى اشترى المبيعة وطئ أيتهما شاء. وفي كتاب النكاح [الثالث] من هذا المعنى.
1948 - ومن وطئ أمته فلا يبيعها حتى يستبرئها، ثم لا بد إن باع الرائعة من المواضعة كان قد استبرأها أم لا، والحيضة فيها تجزي المتبايعين.
ولو أن من وضعت على يديه تولاها بعد أن حاضت [عنده] تلك الحيضة ولم تخرج من يديه أجزته ووطئ مكانه، كالمودعة أو الشريك تحيض عنده ثم يبتاع حصة شريكه.
ولو وطئها ولم يدع استبراء لم يجز له بيعها بالبراءة من الحمل، كانت رائعة أم لا، ولا بد فيها من المواضعة وقد تقدم هذا.
1949 - ومن ابتاع جارية وهي ممن تستبرأ لم يجز اشتراط النقد في عقدة البيع فيها، وضعت على يدي المبتاع أو على يدي أجنبي، واشتراط النقد فيها يفسد البيع، فإن لم يشترط النقد في العقد ثم تبرع المبتاع بعقد الثمن في المواضعة جاز ذلك، ولا بأس أن يشترطا مواضعة الثمن، فإن هلك قبل محيضها ارتقبت، فإن خرجت من الاستبراء فهو من البائع، وإن لم تخرج حتى هلكت أو ظهر بها حمل فهو من المبتاع.
1950 - قال مالك: وأحب ما سمعت [إلي] في التي لم تحض أو اليائسة من المحيض إذا بيعت، أن تستبرأ بثلاثة أشهر إذ لا يبرأ رحم في أقل من ذلك.
وإن كانت ممن تحيض استبرأها بحيضة، فإن رفعتها حيضتها انتظرت ثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة أشهر، فإن زالت الريبة قبل التسعة حلت، وإن تمادت بعدها لم توطأ حتى تذهب الريبة.
وإن تأخر حيض الأمة في البيع لمرض حدث بها بعد البيع فرضيه المبتاع أجزتها ثلاثة أشهر.
وكلما حدث بها في المواضعة من مرض أو هلاك أو داء أو عيب أو غيره فمن البائع حتى ترى حيضة مسقيمة، والمبتاع بالخيار في حدوث العيب في قبولها به بجميع الثمن أوردها، فإن قبلها المبتاع فلا حجة للبائع.
1951 - ولا ينبغي للمبتاع أن يطأ في الاستبراء أو يقبل أو يجس أو ينظر للذة، ولا بأس أن ينظر لغير لذة.
وإن وطئ المبتاع الأمة في الاستبراء قبل الحيضة نكل إن لم يعذر بجهل، حاضت بعد ذلك أو لم تحض.
وإن افتضها وهي بكر في الاستبراء ثم حدث بها عيب قبل الحيضة بذهاب جارحة أو حمى أو داء، فله ردها بذلك، فإن ردها به رد ما نقصها الافتضاض، وإن لم ينقصها فلا غرم عليه ولا صداق إلا في الحرة.
وأما الأمة فهي كسلعة، فعلى واطئها غصباً ما نقصها الوطء كانت ثيباً أو بكراً.
وإن وطئها المبتاع في الاستبراء فوضعت لستة أشهر من يوم وطئها، فإن كان البائع يطؤها دُعي للولد القافة، فإن ألحقته بالمبتاع كانت له أم ولد.
ولو وضعته لأقل من ذلك فسخ البيع وأُلحق بالبائع إذا أقر بالوطء، وينكل المبتاع حين وطئ في الاستبراء، وإن أنكر البائع الوطء كان الولد لِغَيّة.
وكذلك إن كانت بكراً والبائع ينفي الولد فإنه يكون لِغَيّة، [ويخير] المبتاع في قبولها وردها مع ما نقص وطؤه للبكر أو الثيب إن نقصها شيء، وإلا فلا غرم عليه، وعليه العقوبة إن لم يعذر بجهل.
ولو استلحقه البائع لحق به وفسخ البيع، وصارت له أم ولد.
وإن قال البائع: كنت أفخذ ولا أنزل وولدها ليس مني، لم يلزمه.
وإن قال: كنت أطأ في الفرج وأعزل، فأتت لمثل ما يجيء به من النساء من يوم وطئها لزمه الولد.(1)
* * *
“تم كتاب الاستبراء”
* * *
(كتاب العتق الأول)
1952 - قال ابن القاسم: التدبير والعتق بيمين مختلف، لأن العتق بيمين إذا حنث عتق عليه، إلا أن يجعل حنثه بعد موت فلان، أو بعد خدمة العبد إلى أجل كذا فيكون كما قال، والأيمان بالعتق من العقود التي يجب الوفاء بها.
والوصية بالعتق عدة إن شاء رجع فيها، فمن أبتّ عتق عبد، أو حنث بذلك في يمين، عتق عليه بالقضاء، ولو وعده بالعتق أو نذر عتقه لم يقض بذلك عليه وأمر بعتقه.
1953 - ومن قال لعبد: إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر، فاشتراه أو بعضه عتق عليه جميعه، ويُقوّم عليه نصيب شريكه، وإن اشتراه بيعاً فاسداً أُعتق عليه ولزمته قيمته، ورد الثمن إليه، كمن ابتاع عبداً بثوب فأعتقه ثم استحق الثوب، فعليه قيمه العبد.
1954 - ومن قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، ثم باعه، عتق على البائع ورد الثمن، قال ابن شبرمة: كما لو قال: إذا مت فعبدي فلان حر.
1955 - قال مالك: ولو قال رجل مع ذلك: إن ابتعتك فأنت حر، فابتاعه، فعلى البائع يعتق، لأنه مرتهن بيمينه.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (8/316)، ومنح الجليل (3/408).
1956 - ومن قال: كل مملوك له حر في غير يمين، أو في يمين حنث بها، عتق عليه عبيده ومدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده، وكل شقص له في مملوك، ويقوّم عليه بقيته إن كان مليئاً، ويعتق عليه أولاد عبيده من إمائهم، ولدوا بعد يمينه أو قبل، وأما عبيد عبيده وأمهات أولادهم، فلا يعتقون ويكونون لهم تبعاً.
1957 - ومن قال لعبد غيره: أنت حر من مالي، لم يعتق عليه وإن قال سيده: أنا أبيعه منه، إلا أن يقول: إن اشتريته أو ملكته فهو حر، فهذا إن اشتراه أو ملكه عتق عليه.
ومن قال لأمة غيره: إن وطئتك فأنت حرة، فابتاعها فوطئها، لم تعتق عليه إلا أن يريد إن اشتريتك فوطئتك، وكذلك قوله: إن ضربتك.
1958 - ومن قال: كل مملوك أو جارية أو عبد أشتريه أو أملكه في المستقبل فهو حر، في غير يمين أو في يمين حنث بها، فلا شيء عليه فيما يملك أو يشتري، كان عنده يوم حلف رقيق أم لا، إلا أن يعيّن عبداً أو يختص جنساً أو بلداً، كقوله: من الصقالبة(1) أو من البربر(2) أو من مصر أو الشام أو إلى ثلاثين سنة، فيلزمه ذلك، وهذا كمن عمّ أو خصّ في الطلاق.
1959 - ومن قال: إن دخلت هذه الدار أبداً فكل مملوك أملكه حر، فدخلها، لم يلزمه العتق إلا فيما ملك يوم حلف، فإن لم يكن له يومئذ مملوك فلا شيء عليه فيما يملك قبل الحنث أو بعده.
قال أشهب: ولو قال: إن دخلت هذه الدار فكل مملوك أملكه أبداً حر، [فدخلها لم يعتق عليه ما عنده من العبيد، لأنه إنما أراد ما يملك في المستقبل، كما لو قال:] كل مملوك أملكه أبداً حر، وكل امرأة أتزوجها أبداً طالق، فلا شيء عليه فيما عنده من عبد أو زوجة.
__________
(1) طائفة من طوائف النصارى، وانظر: أحكام أهل الذمة (3/1256)، ومعجم البلدان (1/87)، والمدونة الكبرى (7/155).
(2) قوم من أهل المغرب كالأعراب في القسوة والغلظة، والجمع البرابرة، وهو معرب، وانظر: شرح الزرقاني (2/185)، ومنح الجليل (9/385).
1960 - قال ابن القاسم: وإن قال: كل عبد أشتريه من الصقالبة حر، فأمر غيره فاشتراه له، عتق عليه، لأنه إذا اشتراه بأمره فكأنه هو الذي اشتراه، وكذلك لو قبله من واهب لثواب، عتق عليه حين قبوله إياه قبل أن يثيب منه سمّى ثواباً أم لا، ويلزمه ما سموا من الثواب، وإن لم يسموه فعليه قميته، إلا أن يرضى الواهب بدونها، لأن الهبة للثواب بيع، وإن كان لغير ثواب أو صدقة أو ميراث، فإن نوى في قوله: أشتريه، يريد الملك، حنث.
وإن نوى الاشتراء أو لم تكن له نية، لم يحنث وهو على الشراء حتى ينوي الملك.
1961 - وإن قال: إن فعلت كذا أبداً فكل مملوك أملكه من الصقالبة حر، ففعل، لزمه العتق إن حنث في كل ما يملكه من الصقالبة بعد يمينه من يوم حلف، إلا أن يكون نوى ما يملك من يوم حنث، فله نيته.
1962 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فعبدي حر، فباعه هو أو أفلس فباعه عليه الإمام، ثم كلم فلاناً ثم ابتاع العبد، لم يحنث بذلك الكلام، وإن كلمه بعد شرائه حنث، وإن كلمه بعد أن ورث العبد لم يحنث، إذ لا يقدر على دفع الميراث.
قال غيره: شراؤه بعد بيع السلطان كميراثه إياه لارتفاع التهمة.
قال ابن القاسم: ولو قبله بهبة أو صدقة أو وصية ثم كلم فلاناً عتق عليه، ولو كاتبه ثم كلم فلاناً عتق عليه، فإن كاتبه مع غيره كتابة واحدة ثم كلم فلاناً لم يعتق إلا برضى صاحبه، كما لو ابتدأ عتقه.
1963 - ولو باع العبد ثم اشتراه من تركة من يرثه ثم كلم فلاناً، فإن كان العبد قدر ميراثه أو أقل، لم يعتق عليه، وإن كان أكثر من ميراثه عتق عليه كله.
1964 - ومن حلف بحرية شقص له في عبد إن فعل كذا فابتاع باقيه ثم حنث، عتق عليه جميعه، ولو لم يبتع باقيه حتى حنث عتق عليه شقصه، وقوم عليه باقي العبد، إن كان مليئاً وعتق.
1965 - ولو باع شقصه من غير شريكه، ثم اشترى شقص شريكه ثم فعل ذلك، لم يحنث، وهو كعبد آخر.
1966 - ومن قال: إن كلمت فلاناً أو يوم أكلمه فكل مملوك لي حر، ثم كلمه، عتق عليه ما عنده من عبد يوم حلف، ولا شيء عليه فيما اشترى بعد يمينه، وكذلك إن لم يكن عنده يوم حلف عبد فلا شيء عليه فيما يشتري بعد ذلك، وكذلك في اليمين بالطلاق والصدقة.
1967 - ومن حلف بعتق إن فعلت كذا، أو لا أفعل كذا، فهو على بر، ولا يحنث إلا بالفعل، ولا يمنع من بيع ولا وطء، وإن مات لم يلزم ورثته عتق.
وإن قال: إن لم أفعل كذا، أو لأفعلن، فهو على حنث، يمنع من البيع والوطء، ولا أمنعه من الخدمة، فإن مات قبل الفعل عتق رقيقه في الثلث، إذ هو حنث وقع بعد الموت.
1968 - وإن قال لأمته: إن لم تدخلي أنت الدار أو تفعلي كذا، فأنت حرة، أو لزوجته: فأنت طالق، أو قال: إن لم يفعل فلان كذا فعبدي حر، وزوجتي طالق، منع من البيع والوطء، وهو على حنث، ولا يضرب له في هذا أجل الإيلاء في المرأة، وإنما يضرب له ذلك في يمينه ليفعلن هو، فأما هذا فإن الإمام يتلوم له بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل في تأخير ما حلف عليه، وتوقف لذلك الزوجة أو الأمة أو الأجنبي، فإن لم يفعلوا ذلك أُعتق عليه وطُلق، إلا أن يريد إكراه الأمة على ما يجوز له من دخول دار أو غيره، فله إكراهها ويبر.
1969 - ولو مات الحالف في التلوم مات على حنث وأعتقت الأمة في الثلث، وترثه الزوجة، وقال أشهب: لا تعتق الأمة بموته في التلوم. وإن قال لزوجته: إن لم أتزوج عليك أو أفعل كذا، فأنت طالق، فهو على حنث، ويتوارثان قبل البر، إذ لا تطلق ميتة، ولا يوصى ميت بطلاق.
وللحالف بالعتق ليضربن عبده، أن يضربه فيبر، إلا ضرباً لا يباح مثله، فإني أمنعه منه، ويعتق عليه مكانه.
قال ربيعة: وإن حلف بحرية عبده ليجلدنه مائة سوط، فليوقف لا يبيعه حتى ينظر أيجلده أم لا.
1970 - قال ربيعة ومالك: وإن حلف ليجلدنه ألف سوط عجلت عتقه، ولا أنتظر به ذلك.
1971 - قال مالك: وإن حلف بحرية أمته ليضربنها ضرباً يجوز له، مُنع من البيع والوطء حتى يفعل، فإن باعها نقض البيع، فإن لم يضربها حتى مات، عتقت في ثلثه.
قال ابن دينار: ينتقض البيع وتعتق عليه، ولا تنقض صفقة مسلم إلا إلى عتق.
1972 - ومن ضرب أجلاً في يمينه لأفعلن، أو إن لم أفعل، فهو على بر.
1973 - ومن حلف بطلاق امرأته ليفعلن كذا إلى أجل، لم يُحلّ بينه وبين وطئها، فإن فعل ذلك في الأجل بر، وإن لم يفعله حتى مضى الأجل حنث، ولو طلقها واحدة فانقضت عدتها قبل الأجل أو صالحها فحل الأجل وليست له بامرأة فحنث، فإنه إن تزوجها بعد ذلك فلا شيء عليه، [لأنه مات على بر].
ولو ماتت في الأجل لم يكن عليه شيء، لأنه مات على بر، وإن قال: أمتي حرة إن لم أفعل كذا وكذا إلى أجل، أو إن لم يفعل فلان كذا إلى أجل سماه، فهو على بر.
1974 - قال مالك: ولا يمنع من الوطء في الأجل، ويمنع من البيع، لأنها مرتهنة بيمين، ولو باعها ردَدْت البيع، ولم أقبل منها رضاها بالبيع.
وروي لمالك أنه يمنع من وطئها كمنعه من البيع، فإن كان الفعل في الأجل بر، وإن حل ولم يفعله هو أو من حلف على فعله، عتقت عليه، إلا أن يكون عليه دين فيقضى له بحكم المديان يعتق.
ولو مات السيد في الأجل لم تعتق بموته، لأنه مات على بر.
1975 - ومن أعتق إلى أجل آت لا بد منه، منع من البيع والوطء، وله أن ينتفع بغير ذلك إلى الأجل.
1976 - ومن بتل عتق عبيده في صحته(1) وعليه دين يغترقهم ولا مال له سواهم، لم يجز عتقهم، وإن كان الدين لا يغترقهم بيع من جميعهم مقدار الدين بالحصص لا بالقرعة، وعتق ما بقي.
__________
(1) يعني نجز عتقهم في حال عافيته، وانظر: حاشية الدسوقي (4/378)، التاج والإكليل (6/326).
وإنما القرعة في عتق الوصايا، والبتل في المرض، ولا يجوز لمن أحاط الدين بماله عتق ولا هبة ولا صدقة، وإن كانت الديون التي عليه إلى أجل بعيد إلا بإذن غرمائه، ولا يطأ أمة ردوا عتقه فيها، لأن الغرماء إن أجازوا عتقه فيها أو أسر قبل أن يحدث فيها بيعاً عتقت، فأما بيعه ورهنه وشراؤه، فجائز.
1977 - ومن حلف بطلاق إحدى زوجتيه فحنث، أو قال: إحدى نسائي طالق، فإن نوى واحدة طلقت عليه التي نوى خاصة، وصدق، وإن لم تكن له نية أو نوى واحدة فأنسيها طلقن كلهن، وإن جحد فشُهد عليه، كان كمن لا نية له.
1978 - ومن قال: رأس من رقيقي حر، أو قال: أحدهم حر، ولم ينو واحداً بعينه، فهو مخير في عتق من شاء منهم، بخلاف الطلاق، وهو كقوله: رأس منهم في السبيل أو المساكين، فهو مخير فيمن شاء، ولو كانا عبدين فنوى أحدهما، عتق من نوى، وصدق في نيته بلا يمين، ولو قال هذا في صحته، ثم قال في مرضه: نويت هذا، صدق وعتق من جميع المال، غلا أن تكون قيمته أكثر من قيمة الآخر، فيكون الفضل في الثلث. وقال غيره: بل جميعه خارج من رأس المال.
1979 - وإذا قال العبد: كل عبد أملكه إلى ثلاثين سنة حر، فعتق، ثم ابتاع رقيقاً قبل الأجل فإنهم يعتقون [عليه]، ولا يعتق عليه ما ملك من العبيد وهو في ملك سيده، إذ لا يجوز عتق العبد لعبيده إلا بإذن سيده، سواء تطوع بعتقهم، أو حلف بذلك فحنث، إلا أن يعتق وهم في يديه فيعتقوا، وهذا إذا لم يَرُدّ السيد عتقه حين عتق، فأما إن رده السيد قبل عتقه وبعد حنثه، لم يلزمه فيهم عتق، ولزمه بعد عتقه عتق ما يملك بقية الأجل.
وكذلك أمة حلفت بصدقة مالها ألا تكلم أختها، فعليها إن كلمتها صدقة ثلث مالها ذلك بعد عتقها إن لم يرد سيدها ذلك حتى عتقت. قيل: فعبد قال: إن اشتريت هذه الأمة فهي حرة؟ قال: قد نهاه مالك عن شرائها، وشدد الكراهية فيه، ولم يذكر أن سيده أمر باليمين.
1980 - ومن قال لأمته: إن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة، فدخلت إحداهما، فهي حرة.(1)
وإن قال لأمتيه: إن دخلتما هذه الدار فأنتما حرتان، أو قال لزوجتيه: فأنتما طالقتان، [فدخلتها] واحدة منهما، فلا شيء عليه حتى تدخلا جميعاً. وقال أشهب: تعتق الداخلة فقط.
1981 - ومن قال لزوجته: إن دخلت هذه الدار فأنت طالق، أو لعبده: فأنت حر، فقالت المرأة والعبد بعد ذلك: قد دخلناها، أو قال لهما: إن كنتما دخلتما هذه الدار فأنت طالق وأنت حر، فقالا: قد دخلنا، أو لم يُقرّا، ولا يعلم صدقهما، أو قال لعبده: أنت حر إن كنت تبغضني، فقال العبد: أنا أحبك، أو قال له: أنت حر إن كنت تحبني، فقال: أنا أبغضك، أو قال: إن كان فلان يبغضني فعلي المشي إلى بيت الله، فقال فلان: أنا أحبك، أو سأل امرأته عن خبر فقال لها: أنت طالق إن كتمتني، أو إن لم تصدقيني، فأخبرته وقالت: قد صدقتك ولم أكتمك، وهو لا يدري أكتمته ذلك أم صدقته، فإنه يؤمر في ذلك كله أن يعتق ويطلق ويمشي بغير قضاء.
1982 - ومن ملك عبده العتق وفوّض فيه إليه، فقال العبد: اخترت نفسي، فإن قال: نويت بذلك العتق، صدق وعتق، لأن هذا من أحرف العتق، وإن لم يرد به العتق فلا عتق له.
وقال غيره: يعتق وغن لم يرد به العتق، كما يكون ذلك من المملّكة طلاقاً وإن لم ترده.
1983 - قال ابن القاسم: وإن قال العبد: أنا أدخل الدار، وقال: أدرت بذلك العتق، فلا عتق له، إذ ليس هذا من حروف العتق.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/366)، والتاج والإكليل (6/333)، والمدونة الكبرى (7/165).
وقال غيره: إذا قال العبد: أنا أدخل الدار، أو أذهب، أو أخرج، لم يكن هذا عتقاً، إلا أن يريد بذلك العتق فعتق، لأنه كلام يشبه أن يراد به العتق، قال ابن القاسم: وأما إن قال السيد لعبده: ادخل الدار، يريد بلفظه ذلك العتق، لزمه العتق، بخلاف قول العبد، لأن العبد مدع للعتق إذا جاء بغير حروفه كالمرأة تقول في التمليك: أنا أدخل بيتي ثم تدعي بعد ذلك أنها أرادت به الطلاق، فلا يقبل قولها، ثم ليس للمرأة والعبد بعد ذلك خيار، وإن كانا في المجلس في قولي مالك جميعاً، لأنهما قد تركا ما جعل لهما حين أجابا بغير طلاق ولا عتاق.
والقول فيمن ملّك عبده أو أمته العتق كالقول في تمليك الزوجة أن ذلك في يد المرأة والعبد ما لم يفترقا من المجلس، فإن تفرقا أو طال المجلس بهما حتى يُرى أنهما قد تركا ذلك أو خرجا من الذي كانا فيه إلى كلام غيره يعلم أنهما تركا لما كانا فيه، بطل ما جعل في أيديهما من ذلك. وهذا أول قول مالك وبه أخذ ابن القاسم وعليه جماعة الناس، ثم رجع [مالك] فقال: ذلك لها، وإن قامت من المجلس إلا أن توقف أو تتركه يطؤها طائعة أو يباشرها ونحوه فيزول ما بيدها، وكذلك قال في العتق.
1984 - ومن قال لأمته أو لزوجته: ادخلي الدار، وهو يريد بلفظه ذلك حرية الأمة وطلاق الزوجة، لزمه ذلك، ومن أراد أن يقول لزوجته: أنت طالق، أو لأمته: أنت حرة، فقال لها: ادخلي الدار، ونحو ذلك لم يلزمه شيء حتى ينوي أن الأمة حرة والزوجة طالق بما تلفظ به من القول قبل أن يتكلم به فيلزمه، وإن لم يكن ذلك الكلام من حروف الطلاق أو الحرية. وكذلك إن قال لجاريته: أنت برية أو خلية أو بائن أو بتة، أو قال لها: كلي أو اشربي أو تقنعي، يريد بذلك اللفظ الحرية فهي حرة.
1985 - ومن قال لرجل: أعتق جاريتي فقال لها ذلك الرجل: اذهبي، وقال: أردت بذلك العتق فإنها تعتق، لأنها من حروف العتق، وغن قال: لم أرد بذلك العتق، صُدق.
1986 - ومن قال لعبده: يدك حرة، أو رجلك حرة، أُعتق عليه جميعه، وكذلك إن شهدت عليه بينة وهو يجحد، وإن قال له: أنت حر اليوم، عتق للأبد، وإن قال له: أنت حر اليوم من هذا العمل، وقال: إنما أردت عتقه من العمل ولم أرد الحرية، صدق في ذلك مع يمينه.(1)
1987 - ومن عجب من عمل عبده، أو من شيء رآه منه، فقال له: ما أنت إلا حر، أو قال: تعال يا حر، ولم يرد بشيء من هذا الحرية، إنما أراد بذلك: أنك تعصيني وأنت في معصيتك إياي كالحر، فلا شيء عليه في الفتيا ولا في القضاء.
1988 - قال مالك في عبد طبخ لسيده فأعجبه طبخه، فقال: إنه حر، فقامت [عله] بذلك بينة، أنه لا شيء عليه، لأن معنى قوله أنه حر الفعال.
ولو مر على عاشر فقال: هو حر، ولم يرد بذلك الحرية، فلا عتق له فيما بينه وبين الله، وإن قامت بذلك بينة لم يعتق أيضاً، إذا علم أن السيد دفع بذلك القول عن نفسه ظلماً.
1989 - ومن قال لعبده: أنت حر، أو لامرأته: أنت طالق، وقال: نويت بذلك الكذب، لزمه العتق والطلاق ولا يُنوّى، وإنما النية فيما له وجه مثل ما وصفنا من أمر العاشر ونحوه.
1990 - ومن قال لعبده ابتداء: لا سبيل لي عليك، أو لا ملك لي عليك، عتق عليه، وإن علم أن هذا الكلام جواب لكلام كان قبله، صدق في أنه لم يرد بذلك عتقاً، ولم يلزمه عتقه، ومن قال لأمته: هذه أختي، أو لعبده: هذا أخي، فإن لم يرد به الحرية فلا عتق عليه.(2)
1991 - ومن قال لعبده: قد وهبت لك نفسك، أو عتقتك أو تصدقت عليك بعتقك فهو حر، قبل ذلك العبد أو لم يقبل.
قال غيره: إذا وهبه فقد وجب العتق، فلا ينظر في هذا قبوله، مثل [الزوجة] في الطلاق إذا وهبها فقد وهب ما كان يملك من الزوجية.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (7/169)، والتاج والإكليل (6/332).
(2) انظر: مواهب الجليل (5/245، 246)، والتاج والإكليل (5/245)، وحاشية الدسوقي (3/418).
1992 - ومن وهب لعبده نصف رقبته أو أخذ منه دنانير على عتق نصفه أو على بيع نصفه من نفسه، فجميع العبد حر وولاؤه لسيده.
ولو أن عبداً بين رجلين أعتقه أحدهما عل مال أخذه من العبد، فإن أراد وجه العتاقة عتق عليه كله، وغرم حصة شريكه، ورد المال للعبد، لأن من أعتق عبداً بينه وبين آخر، واستثنى شيئاً من ماله لزمه عتق العبد كله، ورد ما استثنى من المال إلى العبد، وإن علم أنه أراد وجه الكتابة فسخ ما صنع، ورجع العبد بينهما وأعطى نصف المال لشريكه.
1993 - وسئل ابن القاسم عمن قال لأمته: أنت حرة إن هويت أو رضيت أو شئت أو أردت، [متى يكون لها ذلك؟] قال: ذلك لها، وإن قاما من مجلسهما، مثل التمليك في المرأة إلا أن تمكنه من وطء أو مباشرة أو قبلة، فتوقف الجارية لتختار حريتها أو تترك.
ثم قال: وأما أنا فلا أرى لها بعد افتراق المجلس شيئاً، إلا أن يكون شيء فوضه إليها.
1994 - ومن قال: عبيدي أحرار إلا فلاناً، أو نسائي طوالق إلا فلانة، فذلك له.
ولو قال: إن شاء الله، لم ينفعه استثناؤه، ولزمه العتق والطلاق.
1995 - وإن قال: غلامي حر إن كلمت فلاناً إلا أن يبدو لي، أو إلا أن أرى غير ذلك، فذلك له، وإن قال: إلا أن يشاء الله، لم ينفعه ذلك.
وإن قال لامرأته: أنت طالق إن أكلت معي شهراً إلا أن أرى غير ذلك، فقعدت بعد ذلك لتأكل معه فنهاها، ثم أذن لها، فأكلت، فإن كان هذا الذي أراد وهو مخرج يمينه، ورأى ذلك فلا شيء عليه. وإن قال لها: أنت طالق إن شئت أو شاء فلان، لم تطلق عليه حتى ينظر إلى ما تشاء أو يشاء فلان، ولو قال: إن شاء الله، لم ينفعه ثنياه، وطلقت مكانها.
1996 - ومن أمر رجلين بعتق عبده، فأعتقه أحدهما، فإن فوض ذلك إليهما لم يعتق [العبد] حتى يجتمعا، وإن جعلهما رسولين عتق عليه بذلك.
وكذلك إن أمر رجلين أن يطلقا عليه زوجته، الجواب واحد.
قال أشهب وغيره: وكذلك لو ملّك أمته مع أجنبي عتقها، فلا يعتق حتى يجتمعا على العتق، لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه، فإن وطئها انتقض الأمر الذي جعل لهما.
1997 - ومن قال: يا ناصح، فأجابه مرزوق، فقال له: أنت حر، يظنه ناصحاً، فإن قامت بذلك بينة عتقا جميعاً بالقضاء: مرزوق بما شهدت له البينة، وناصح بإقراره بما نوى فيه في لفظه.
وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يعتق إلا ناصح إن لم تكن بينة.
قال أشهب: يعتق مرزوق في القضاء والفتيا، ولا عتق لناصح، لأن الله حرمه.
1998- وإن كان عبد بين رجلين فقال أحدهما: إن كان دخل المسجد أمس فهو حر، وقال الآخر: إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر، فإن ادعيا علم ما حلفا عليه [دُيّنا في] ذلك، وإن قالا: ما نوقن أدخل أم لا؟ وإنما حلفنا ظناً، فليعتقاه بغير قضاء. وقال غيره: بل يجبران على عتقه.
1999- ومن أوصى بعتق عبيده أو بتل عتقهم(1) في مرضه ثم مات، عتق جميعهم إن حملهم الثلث، وإن لم يجعلهم الثلث عتق منهم مبلغه بالسهم، فإن لم يدع غيرهم عتق ثلثهم بالسهم.
2000- وإن قال: ثلث رقيقي أحرار، أو نصفهم، أو ثلثاهم، عتق منهم ما سمي بالقرعة إن حمله الثلث، وإلا فما حمل الثلث مما سمى.
2001- وإن قال في مرضه: عشرة من رقيقي أحرار، وهم ستون، عتق سدسهم، أخرج السهم أكثر من عشرة أو أقل.
2002- ولو هلك عبيده إلا عشرة عتقوا إن حملهم الثلث، وإن كثرت قيمتهم، وإن لم يحملهم الثلث عتق منهم مبلغه بالقرعة، ورق من بقي، وإن بقي منهم أحد عشر عتق منهم عشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً بالسهم، إن حمل ذلك الثلث، وإن بقي منهم عشرون أعتق نصفهم بالقرعة في الثلث، وإن بقي ثلاثون أعتق ثلثهم، ولو سمى جزءاً، أو قال: سدسهم، لم يعتق إلا سدس من بقي، ولو بقي واحد.
__________
(1) أي نجز عتقهم، وانظر: الشرح الكبير (4/378)، والمدونة الكبرى (7/181)، والقوانين الفقهية (1/251)، التمهيد لابن عبد البر (23/422).
2003- ولو قال: رأس منهم حر، ولم يعينه، فالسهم يعتق منهم، إن كانوا خمسة يوم يقومون، عتق خمسهم، أو ستة بعتق] سدسهم، خرج لذلك أقل من واحد أو أكثر.
2004 - وإذا انقسم العبيد على الجزء الذي يعتق منهم، جُزّئ بينهم بالقيمة وأسهمت بينهم، فأعتقت ما أخرجه السهم، وإن لم ينقسموا على الأجزاء علمت قيمة كل واحد، وكتبت اسمه في بطاقة، وأسهمت بينهم، فمن خرج منهم اسمه نظرت، فإن كانت قيمته مبلغ الجزء الذي يعتق منهم عتق، وإن زادت قيمته عتق منه مبلغه فقط، وإن نقص عتق، وأعدت السهم لتمام ما بقي من جزء الوصية، فإما يقع لذلك عبد أو بعض عبد.
2005 - ومن قال عند موته: أنصاف رقيقي أو أثلاثهم أحرار، أو ثلث كل رأس، أو نصف كل رأس، عتق من كل واحد منهم ما ذكر، إن حمل ذلك ثلثه، ولا يبدّى بعضهم على بعض، أو ما حمله ثلثه مما سمي بالحصص من كل واحد بغير سهم.
2006 - ومن قال في صحته: إن كلمت فلاناً فرقيقي أحرار، فكلمه في مرضه ثم مات، عتقوا إن حملهم ثلثه، أو ما حمل منهم بالسهم، ورق ما بقي، وهو كمن بتل عتقهم في مرضه. ولو كانت يمينه: إن لم أفعل كذا فمات، ولم يفعله فهاهنا يعتقون إن حملهم ثلثه أو مبلغه من جميعهم بالحصص بلا سهم، ويدخل معهم كل ولد حدث لهم بعد ذلك اليمين من إمائهم، فيقوّمون معهم في الثلث، وهم كالمدبرين.
2007 - ومن قال في صحته لعبده: إن دخلت أنا هذه الدار فأنت حر، فدخلها في مرضه ثم مات [منه]، عتق العبد في ثلثه.
وكذلك إن قال لامرأته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، فدخلتها في مرضه ورثته، وإن انقضت عدتها كما لو طلقها أو افتدت منه في مرضه، فإنها ترثه.
وإن باع عبدك سلعتك بأمرك ثم أعتقته ثم استُحقت السلعة، ولا مال لك فلا رد للعتق، لأنه دين لحقك بعد إنجازه.
2008 - ومن أعتق في صحته عبده أو دبره أو كاتبه، وعليه دين، وله يومئذ عرض سوى عبده فيه كفاف دينه، فلم يقم غرماؤه حتى هلك العرض، فلا رد لهم لما صنع، وإن لم يعلموا به.