كتاب : شرح العمدة في الفقه
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني
شرح العمدة في الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الحمد لله العليم الحكيم الغفور الرحيم العظيم الحليم الجواد الكريم الذي عم بريته فضله العميم ووسع خليقته إحسانه القديم وهدى صفوته إلى صراطه المستقيم ونهج شرعته على المنهج القويم ووسع كل شيء رحمة وعلما على الإجمال والتقسيم ودبر كل شيء قدرة وحكما بالتقدير والتعليم ووسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم أحمده حمدا يكافئ نعمه ويوافي مزيد التكريم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالآيات والذكر الحكيم ففتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وهدى به من الجهل الصميم صلى اله عليه وعلى آله أفضل صلاة وتسليمأما بعد فقد تكررت مسألة بعض أصحابنا وصدقت رغبته في شرح كتاب العمدة تأليف الإمام الأوحد شيخ الإسلام أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه وأرضاه وجعل أعلى الفردوس متبوءه ومثواه شرحا يفسر مسائلها ويقرب دلائلها ويفرع قواعدها ويتم مقاصدها متوسطا بين الإيجاز والإطناب والإخلال والإسهاب فاستخرت الله تعالى وأجمعت ذلك راجيا من الله سبحانه تحقيق محمود الأمل وإخلاص صالح العمل والإعانة على الإبانة والهداية إلى الدارية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
كتاب الطهارة
باب أحكام المياهمسألة 8 خلق الماء طهورا يطهر من الأحداث والنجاسات
الطهور هو ما يتطهر به مثل الفطور والسحور والوجور فأما الطهور فمصدر طهر الشيء وطهر طهارة وطهرا وطهورا ليس الطهور هو الطاهر ولا مبالغة فيه وكذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن ماء البحر هو الطهور ماؤه الحل ميته وقال جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا أي مطهرة وهذه صفة للماء دون غيره من المائعات فلذلك طهر غيره ودفع النجاسة عن نفسه والحدث هو معنى يقوم بالبدن تمتنع معه الصلاة والطواف والنجاسة هي أعيان مستخبثة في الشرع يمتنع المصلي من استصحابها وهي في الأصل مصدر نجس الشيء ينجس نجاسة فهو نجس ويقال نجس الشيء ينجس نجسا ثم سمي الشيء النجس نجاسة ونجسا فلا يثنى ولا يجمع إلا أن يريد الأنواع والماء يطهر من الحدث والنجاسة لقوله تعالى 8 وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقوله تعالى 8 وينزل عليكم من
8 - السماء ماء ليطهركم به وقوله في آية الوضوء 8 فلم تجدوا ماء فتيمموا وتطهر النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه بالماء مشهور وأجمعت الأمة على ذلك
مسألة
ولا تحصل الطهارة بمائع غيرهأما طهارة الحدث فهي كالاجماع لان الله تعالى أمر بالتيمم عند عدم الماء وقال النبي صلى الله عليه و سلم الصعيد الطيب طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين إلا في النبيذ نبيذ التمر فإن بعض العلماء أجاز الوضوء به في الجملة على تفصيل لهم لما روى ابن مسعود قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة لقي الجن فقال أمعك ماء قلت لا قال فما في هذه الاداوة قلت نبيذ قال أرنيها تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ ثم صلى رواه الإمام أحمد وابن ماجة وأبو داود والترمذي وهذا الحديث قد ضعفه جماعة من الحفاظ ثم إن صح فلعله كان ماء قد طرح فيه تمرات تزيل ملوحته بدليل قوله تمرة طيبة وماء طهور ثم هو منسوخ بآية
المائدة التي فرض فيها اليمم عند عدم الماء فإن قصة الجن كانت بمكة في أول الإسلام وأما نجاسة الخبث فعنه ما يدل على أن تزال بكل مائع طاهر يزيل كالخل ونحوه وهو قول أبي حنيفة لان المقصود هو زوال النجاسة ولذلك يحصل بصوب الغمام وبفعل المجنون وبدون النية وظاهر المذهب كما ذكره الشيخ لان النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالماء في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد وفي دم الحيض وغسل آنية المجوس ولان الطهارة بالماء يجوز أن تكون تعبدا فلا يلحق به غيره كطهارة الحدث ولان الماء ألطف وأنفذ في الأعماق مع أنه ليس له في نفسه طعم ولا لون ولا ريح يبقى بعد زوال النجاسة وهو مخلوق للطهارة دون غيره من المائعات فإنها خلقت للآكل وللدهان وغير ذلك وأعمها وجودا وهو طهور يدفع النجاسة عن نفسه ولا يتنجس في وروده عليها إلى غير ذلك من الصفات التي اختص بها فلا يجوز إلحاق غيره به
مسألة فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جاريا لم ينجسه شيء إلا ما غير لونه
أو طعمه أو ريحه وما سوى ذلك يتنجس بمخالطته النجاسةأما الماء الدائم فظاهر المذهب أنه لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه إذا كان كثيرا إلا أن يظهر فيه طعم النجاسة أو لونها أو ريحها وأن القليل ينجس
بالملاقاة وعنه رواية أخرى أن الجميع لا ينجس إلا بالتغير لما روى أبو سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الماء طهورا لا ينجسه شيء وفي رواية أنه يستقى لك من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها محائض النساء ولحوم الكلاب وعذر الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الماء طهور لا ينجسه شيء رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن قال الإمام أحمد هو حديث صحيح
والصحيح الأول لما روى عبدالله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلا من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب فقال إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث
رواه الائمة الخمسة ولفظ ابن ماجة وأحمد في رواية لم ينجسه شيء قال الترمذي حديث حسن فلو كان القليل لا يحمل الخبث ولا يتنجس لم يكن لتقديره فائدة وصح عنه أنه صلى الله عليه و سلم نهى عن البول في الماء الدائم ثم الاغتسال منه ونهى عن اغتسال الجنب فيه وأمر المستيقظ من نوم الليل ألا يغمس يده فيه وأمر بإراقة الإناء من ولوغ الكلب فيه وهذا كله يدل على أن القليل تؤثر فيه النجاسة ولانه لقلته قد تبقى النجاسة فيه غير مستهلكة فيفضي استعماله إلى استعمالها وقوله صلى الله عليه و سلم لا ينجسه شيء يريد والله أعلم أن ذات الماء لا تنقلب نجسة بالملاقاة فرقا بينه وبين المائعات حيث تنقلب نجسة بوقوع النجاسة فيها لانه طهور يطهر غيره فنفسه أولى فأما إذا تغير بالنجاسة فإنما حرم استعماله كما يحرم استعمال الثوب الملطخ بالدم والبول فإذا زال التغير كان كزوال النجاسة عن الثوب ولهذا السبب كان سائر المائعات غير الماء
ينجس بوقوع النجاسة فيه قليلا كان أو كثيرا في المشهور من المذهب وعنه اعتبار القلتين فيها كالماء وعنه اعتبارها فيما أصله الماء منها كخل التمر دون ما ليس أصله الماء كالعصير وحد الكثير هو القلتان في جميع النجاسات على إحدى الروايتين كما ذكره الشيخ واختاره أبو الخطاب وابن عقيل وأكثر متأخري أصحابنا على ظاهر حديث ابن عمر والرواية الاخرى أن البول من الآدمي والعذرة الرطبة خاصة ينجسان الماء إلا أن يكون مما لا يمكن نزحه كالمصانع التي بطريق مكة وأكثر نصوص أحمد على هذا وهو قول أكثر المتقدمين من أصحابنا لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه رواه الجماعة وقال الخلال وجدنا
باسناد صحيح عن علي أنه سئل عن صبي بال في بئر فأمرهم أن ينزحوها وأما الماء الجاري فعن أحمد ما يدل على روايتين إحداهما أنه كالدائم إذا كانت عين النجاسة في جريه منه تبلغ قلتين ولم تتغير فهي طاهرة وإن نقصت عنها فهي نجسه وإن كانت النجاسة واقعة بكل جرية تمر عليها ولم تتغير إن بلغت قلتين فهي طاهرة وإلا فهي نجسة والجرية ما تحاذي النجاسة من فوقها وتحتها وعن يمينها وعن شمالها ما بين جانبي النهر فأما ما أمامها فهو طاهر لانها لم تلحقه وكذلك ما وراءها لانها لم تصل اليه وإن اجتمعت الجريات كلها وفيها جرية طاهرة تبلغ قلتين فالجميع طاهر ما لم يتغير وإلا فهو نجس في المشهور وعلى قولنا إن ضم القليل إلى القليل أو الكثير النجس يوجب طهارة الجميع إذا زال التغير فهنا كذلك
وقال ابن عقيل متى بلغ المجموع هنا قلتين وكانت النجاسة في جرية منه فهو طاهر لانه ماء واحد وقال السامري إن كانت الجرية التي فيها النجاسة قلتين أو مجموع المتقدم والمتأخر قلتين فهو طاهر وإلا فلا
وهذه الرواية اختيار القاضي وجمهور اصحابنا لعموم حديث القلتين وقياسا للجاري على الدائم والرواية الاخرى أن الجاري لا ينجس إلا بالتغير قليلا كان أو كثيرا اختاره الشيخ وغيره وهو أظهر لان النبي صلى الله
عليه وسلم قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه وفي لفظ يتوضأ منه ومفهومه جواز ذلك في الجاري مطلقا وكذلك قوله لا يغتسل احدكم في الماء الدائم وهو جنب ومفهومه جواز الاغتسال في الجاري وإن استدبر الجرية وكذلك نهيه صلى الله عليه و سلم أن يبال في الراكد ومفهومه الإذن في البول في الماء الجاري ولو ينجسه لم يأذن فيه وكذلك حديث بئر بضاعة عام ومفهوم حديث القلتين لا يعارض هذا لان قوله إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث دليل على أن ما دون القلتين بخلاف ذلك وإذا فرقنا بين جاريه وواقفه حصلت المخالفة لا سيما وسبب الحديث هو السؤال عن الماء الراكد ولان القليل الواقف إنما ينجس والله أعلم لضعفه عن استهلاك النجاسة والجاري لقوة جريانه يحيلها ويدفعها إذا ورد عليها فكان كالكثير
مسألة
والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي القلة هي الجب والخابية سميت بذلك لانها تقل باليد والتقدير بقلال هجر هكذا رواه الشافعي والدارقطني في حديث مرسل إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر وهي قلال معروفة عندهم كانوا يعتبرون بها الاشياء وهي أكثر القلال وأشهرها على عهد النبي صلى الله عليه و سلم قال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث المعراج ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل أذان الفيلة وأما قلال هجر فقال ابن جريج رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشياء فأثبتنا الشيء احتياطا وجعلناه نصفا لانه أقصى ما يطلق عليه اسم شيء منكر فصارت القلتان خمس قرب بقرب الحجاز وقرب الحجاز كبار معلومة تسع القربة منها نحو مائة رطل كذا نقله الذين حددوا الماء بالقرب وإنما يقال ذلك بعد التجربة فصارت القلتان خمسمائة رطل بالعراقي ورطل العراق الذي يعتبر به الفقهاء تسعون مثقالا فيكون مائة وثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم فإذا حسبت ذلك برطل دمشق وهو ستمائة درهم كانت القلتان مائة وسبعة أرطال وسبع رطل
وعنه رواية أخرى أنها أربعمائة رطل لان يحيى بن عقيل قال رأيت
قلال هجر وأظن كل قلة تأخذ قربتين والاول أحوط فإن الثاني إنما أخبر عن ظن وهذا التحديد تقريب في الصحيح من الوجهين وقيل من الروايتين فلو نقص الماء نقصا يسيرا لم يؤثر لان تقدير القلال بالقرب إنما كان عن رأي وحساب يقبل الزيادة والنقص وتقدير القرب بالارطال تقريب فإن القرب وغيرها من أوعية الماء لا تكاد تتساوى على التحقيق إذ لا يقصد كيل الماء ووزنه غالبا في تطهير الماء فإذا كان الماء كثيرا يبلغ قلتين فإنما ينجس بالتغير فإذا زال التغير طهر لان الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها كالخمر إذا زالت عنه الشدة المسكرة صار حلالا طاهرا أو كالثوب النجس إذا غسل طهر وذلك بثلاثة اشياء أحدها ان يزول بنفسه فيطهر في أصح الروايتين والثانية لا يطهر لان النجاسة بحالها لم تزل ولم تستهلك والصحيح الاول لانها تستهلك بمرور الزمان عليها الثاني أن ينزح الماء ويزول تغيره وهو قلتان فصاعدا لان بالنزح زالت النجاسة فإن لم يزل تغيره حتى نقص عن القلتين كان حينئذ نجسا بالملاقاة فلا يطهر بزوال تغيره بعد ذلك الثالث أن يضم اليه قلتا ماء طهور جملة أو متتابعا بحسب العادة بصب او إجراء من عين أو نهر أو نبع ويزول تغيره فيطهر سواء اختلط الماء ان أو لم يختلطا بأن يكون أحدهما صافيا والآخر كدرا لانهما قلتان أضيفتا إلى مائع نجس ولم يغيرهما كان الجميع طاهرا كما لو أضيفتا إلى خمر أو دم وأما الماء القليل فسواء كان متغيرا أو لم يكن لا يطهر حتى يضم إليه قلتا ماء طهور ويزول تغيره لان نجاسته تكون بملاقاة القليل للنجاسة
فإذا كان المضاف إليه كثيرا دفع النجاسة عن نفسه وعما يرد عليه فأما إن أضيف إلى الكثير المتغير أو الى القليل ما دون القلتين وزال تغيره لم يطهر في ظاهر المذهب وقيل يطهر فيهما وقيل يطهر في الصورة الاولى دون الثانية فاما إن طرح فيه تراب فقطع تغيره لم يطهر ولا يجب غسل جوانب النهر في أصح الروايتين
فصل
فإن تغير بعض الماء الكثير بالنجاسة لم تنجس بقيته إذا بلغ قلتين في أصح الوجهين وقال ابن عقيل ينجس لانه ماء واحد وإذا لم يتغير الماء الكثير بالنجاسة وكانت مستهلكة فيه كالبول والخمر جاز استعمال جميعه ولم يجب أن يبقى قدرها وإن كانت النجاسة قائمة فيه وهو قدر القلتين فاغترفت منه في إناء فهو طهور وإن كان أكثر من قلتين جاز التناول من جميع جوانبه سواء كان بينه وبين النجاسة قلتان أو لا وسواء في نجاسته ما يدركه الطرف وما لا يدركه إذا تيقن وصوله إلى الماء في المشهور من المذهب ولو سقطت عذرة أو قطعة ميتة في ماء يسير فانتضح منه بسقوطها شيء فهو نجس وإذا شك هل ما وقعت فيه النجاسة قلتان أو انقص فهو نجس في أصح الوجهين
مسألة
وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور أو خالطه فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته
أما اذا طبخ فيه كماء الباقلي المغلي فإنه قد صار أدما ومرقة ليس بماء حقيقة ولا اسما وأما اذا خالطه فغلب على اسمه أما بأن سلب الماء رقته وجريانه فتصير صبغا وحبرا إن كان كثيفا او تكون أجزاؤه أكثر من أجزاء الماء إن كان لطيفا حتى يقال حل فيه ماء أو ماء ورد فيه ماء فهذا لم تنف فيه حقيقة ولا اسما وإن غير طعمه أو لونه أو ريحه سلبه التطهير أيضا في أشهر الروايتين لأنه ليس بماء مطلق
والرواية الاخرى هو باق على تطهيره وكذلك على هذه أن غير صفاته الثلاث في أشهر الطريقين وعنه أنه طهور إذا لم يجد المطلق هكذا حكى بعض أصحابنا ثلاث روايات وحكى السامري طريقين أحدهما أن الروايتين على الإطلاق والثانية أن الروايتين فيما إذا عدم الماء المطلق فقط وهي طريقة ابن أبي موسى وعلى الاولى في التغير اليسير ثلاثة أوجه أحدها
انه كالكثير والثاني في الفرق بين الرائحة وغيرها والثالث العفو عنه مطلقا وهو اصح
فصل
فأما إن تغير بما لا يمكن صونه عنه فهو باق على طهوريته كالماء المتغير بالطحلب وورق الأشجار المنجابة فيه وما يحمله المد من الغثاء وما ينبت فيه وكذلك ان تغير بطول مكثه وكذلك ما تغير بمجاريه كالقار والنفط لان هذا التغير لا يمكن صون الماء عنه وهو من فعل الله ابتداء فأشبه التغير الذي خلق الله عليه الماء حتى لو طرحت فيه هذه الاشياء عمدا سلبته التطهير إلا الملح المنعقد من الماء لانه ماء فهو كذوب الثلج والبرد وفي التراب وجهان لكونه طهورا في الجملةوإن تغير بطاهر لا يخالطه كالخشب والادهان وقطع الكافور فهو باق على طهوريته في اشهر الوجهين ولا أثر لما غير الماء في محل التطهير مثل ان يكون على بدن المغتسل زعفران أو سدر أو خطمي فتغير به لان النبي صلى الله عليه و سلم أمر بغسل المحرم وغسل ابنته بماء وسدر وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسدر ولان هذا تدعو اليه الحاجة
فصل
وأما المستعمل في رفع الحدث فهو طاهر في ظاهر المذهب لما روى جابر قال جاءني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأا مريض لا أعقل فتوضأ وصب وضوءه علي متفق عليه
وفي الصحيح أيضا عن المسور بن مخرمه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ولان بدن المحدث طاهر فلا ينجس الماء بملاقاته كسائر الطاهرات ودليل طهارته ما روى الجماعة عن أبي هريرة قال لقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا جنب فانسللت فأتيت الرحل فاغتسلت ثم جئت وهو قاعد فقال أين كنت يا أبا هريرة فقال كنت جنبا فقال سبحان الله إن المؤمن لا ينجس وهو مع طهارته غير مطهر في المشهور أيضا لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب قالوا يا أبا
هريرة كيف يفعل قال يتناوله تناولا رواه مسلم ولو كان الغسل فيه يجزئ ولا يغير الماء لم ينه عنه ولأن الصحابة ما زالوا تضيق بهم المياه في اسفارهم فيتوضؤون ولا يجمعون مياه وضوئهم ولو كانت مطهرة لجمعوها ولأنه مستعمل لإزالة مانع من الصلاة فانتقل حكم المنع إليه كالمستعمل في إزالة النجاسة وما دام الماء يجري على بدن المغتسل وعضو المتوضئ على وجه الاتصال فليس بمستعمل حتى ينفصل
فإن انتقل من عضو إلى عضو لا يتصل به مثل أن يعصر الجنب شعر رأسه على لمعة من بدنه أو يمسح المحدث رأسه ببل يده بعد غسلها فهو مستعمل في إحدى الروايتين كما لو انفصل الى غير محل التطهير مثل أن يمسح رأسه ببل يأخذه من لحيته أو يعصر شعره في كفه ثم يرده على اللمعة وفي الاخرى ليس بمستعمل وهو أصح لما روت الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح رأسه بما بقي من وضوئه في يديه رواه احمد وأبو داود وعن ابن عباس قال اغتسل رسول الله صلى الله عليه و سلم من جنابة فلما خرج رأى لمعة على منكبه الايسر لم يصبها الماء فعصر شعره عليها رواه احمد وابن ماجة
ولانه ما زال يتنقل في مواضع التطهير فأشبه انتقاله إلى محل متصل وإن اغتمس الجنب في ماء يسير بنية الطهارة صار الماء مستعملا ولم يرتفع حدثه لنهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك والنهي يقتضي الفساد وهل يصير مستعملا بانفصاله أول جزء منه أو بملاقاة اول جزء منه على وجهين انسبهما بكلامه الاول وصار هنا مستعملا قبل انفصال جميع البدن بخلاف ما إذا اغتسل لا يصير حتى ينفصل كما أن الماء إذا ورد على النجاسة لم ينجس حتى ينفصل وإذا وردت على قليله نجسته ولو لم ينو الاغتسال حتى انغمس كان كمن صب عليه الماء فترتفع الجنابة ويصير مستعملا في وجه وفي وجه لا يرتفع إلا عن أول جزء منفصل وإذا غمس المتوضئ يده في الإناء بعد غسل وجهه ولم ينو غسلها فيه لم يصر
مستعملا وقيل يصير مستعملا كما لو اغترف بها الجنب بعد النية والصحيح الاول لان عبد الله بن زيد لما توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم اغترف بيده من الإناء بعد غسل وجهه وقال هكذا كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذلك الجنب في رواية والرواية الاخرى الفرق للعسر والمشقة في الوضوء ولان الاثر جاء فيه وإذا كان الانغماس في ماء كثير لم يغيره كالنجاسة واولى
ولو جمع حتى بلغ قلتين كان كالماء القليل النجس إذا جمع إلى مثله حتى بلغ قلتين لا يصير طهورا في ظاهر المذهب
فصل
فأما المستعمل في طهر مستحب كغسل الجمعة وتجديد الوضوء فهو طهور في أظهر الروايتين لانه لم يزل مانعا وفي الاخرى هو غير مطهر لانه مستعمل في طهارة شرعية فأشبه الاول وعلى هذا إذا قلنا إن وطء الذمية لا يجوز حتى تغتسل من الحيض وهو إحدى الروايتين فاغتسلت كان ذلك الماء مستعملا لانه أزال المانع وقيل لا يكون مستعملا لانه ليس بعبادةوإذا غسل رأسه بدلا عن المسح ففي المسألة وجهان فأما فضل الطهور وهو ما تبقى في الإناء فهو طهور سواء كان المتطهر رجلا أو امرأة لما روى
ابن عباس قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم من صحفة فأراد النبي صلى الله عليه و سلم أن يتوضأ منه فقلت يا رسول الله إني كنت جنبا فقال إن الماء لا يجنب رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح لكن إذا خلت بالطهارة منه امرأة لم يجز للرجل أن يتطهر به في وضوء ولا غسل في أشهر الروايتين
لما روى الحكم بن عمرو الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه الخمسة وقال الترمذي هذا
حديث حسن قال أحمد أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقولون إذا خلت بالماء فلا يتوضأ منه ويحمل توضؤ النبي صلى الله عليه و سلم بفضل وضوء ميمونه على أنها لم تخل به توفيقا بين الحديثين وإن تعارضا فحديث المنع أولى لانه حاضر ولانه ناقل عن الاصل فيكون أولى من المبقي على الاصل لان الاصل الحل فالحضر بعده فإن كان الحل بعده لزم البعد مرتين وإن كان الحل قبل الحظر لزم مرة واحدة
والخلوة لا يشاركها الرجل سواء شاهدها او لم يشاهدها في إحدى الروايتين لعموم الحديث خصص منه حال المشاركة لقول عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد تختلف
أيدينا فيه من الجنابة متفق عليه وقال عبد الله بن سرجس اغتسلا جمعيا هي هكذا وأنت هكذا فإذا خلت به فلا تقربه والرواية الاخرى ألا تشاهد عند الطهارة وهي أصح لان النبي صلى الله عليه و سلم توضأ بفضل ميمونة
ومتى شاهدتها امرأة أو صبي مميز أو كافر فهو كالرجل عند الشريف أبي جعفر وغيره كخلوة النكاح
وقال القاضي يختص بالرجل المسلم لان الحكم يختص به بخلاف خلوة النكاح وهل يختص ذلك بفضل طهارة الحدث أو يعم طهارتي الحدث والخبث على وجهين وكذلك هل للرجل استعماله في الخبث على وجهين وفيما خلت به الكافرة وجهان فأما ما خلا به خنثى مشكل فلا
بأس به ولا يؤثر التطهير من الماء الكثير في أصح الوجهين
فأما فضل طهور الرجل للمرأة فلا بأس به في المنصوص المشهور وقيل تمنع منه ولا بأس بشربه في اصح الروايتين ويكره في الاخرى إذا خلت به
فأما المستعمل في غير الحدث فلا بأس به إلا ما غمس القائم من نوم الليل يده فيه قبل غسلها ثلاثا ففي بقاء طهوريته روايتان فإن قلنا يؤثر فسواء غمسها قبل نية غسلها أو بعده في المشهور وقيل لا يؤثر إلا بعد نية غسلها وقيل بعد نية الوضوء نوى غسلها او لم ينوه وحد هذه اليد الى الكوع وفي غمس اليسير كالاصبع والاصبعين وجهان وفي غمس من ليس من أهل الطهارة الشرعية كالكافر والمجنون والصبي غير المميز وجهان ولا يؤثر الغمس في الكثير نص عليه بل يصح وضوؤه فيه ويجزئ عن غسلهما
وكذلك ما لو وقف تحت انبوب او ميزاب فتوضأ ولم ينقل الماء بيده فأما اذا نقله بيده او صبه فيهما من الإناء صبا وتوضأ قبل غسلهما فهل يجزئه عن غسلهما ويصح وضوؤه على روايتين ويجوز استعمال هذا الماء فيما تستعمل فيه المياه الطاهرة في أشهر الوجهين وفي الآخر يراق بكل حال وإذا لم يجد إلا هذا الماء على القول بأنه غير طهور توضأ به وتيمم والمنفصل من اليد المغسولة كالمغتسل به في رفع الحدث إن قيل بوجوبه وإلا فكالمستحب
فصل
ولا يكره المسخن بالشمس في المنصوص المشهور وقال التميمي وحفيده رزق الله يكره لانه روى عن عمر لا تغتسلوا بالمشمس فإنه يورث البرص وليس بشيء لان الناس ما زالوا يستعملونه ولم يعلم أن
أحدا برص ولان ذلك لو صح لم يفرق بين ما قصد بتشميسه وما لم يقصد والاثر ان صح فلعل عمر بلغه ذلك فنهى عنه كما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن تأبير النخل وقال ما أراه يغني شيئا ثم قال أنتم أعلم بأمر دنياكم لان المرجع في ذلك الى العادة وكذلك المسخن بالنار إلا أن يكون شديد الحرارة يمنع غسباغ الوضوء
لان النبي صلى الله عليه و سلم أذن في دخول الحمام بالأرز إلا أن يكون الوقود نجسا فيكره في اصح الروايتين لاحتمال وصول بعض اجزاء النجاسة الى الماء فإن كان بينهما حاجز حصين كره ايضا في احد الوجهين لان سخونته إنما كانت باستعمال النجاسة وايقادها هل هو مكروه أو محرم على وجهين وفي كراهة الاغتسال والتوضؤ من ماء زمزم روايتان وأما إزالة النجاسة به فتكره قولا واحدا
مسألة وإذا شك في طهارة الماء أو غيره أو نجاسته بنى على اليقين
يعني إذا تيقن الطهارة ثم شك هل تنجس أم لا بنى على ما تيقنه من طهارته وكذلك إذا تيقن النجاسة وكذلك البدن والثوب والأرض وجميع الأعيان وهذه قاعدة ممهدة في الشرع وهي استصحاب الحال المعلومة وإطراح الشك ولذلك لم يكره التوضؤ بماء سقايات الأسواق والحياض الموروده وكذلك إذا تيقن الحدث أو الطهارة وشك في زواله بنى على المستيقن فإذا شك في عدد الركعات أو الأطواف أو الطلقات بنى على اليقين وهو الأقل وكذلك إذا شك في حياة الرجل وموته لتوريثه بنى على يقين الحياة وإذا شك في خلق الجنين وقت موت مورثه بنى على اليقين وهو العدم وفروع هذا الأصل كثيرة جدا والسبب في ذلك أن الشيء إذا كان على حال فانتقاله عنها يفتقر إلى زوالها وحدوث الأخرى وبقاء الثانية وبقاء الأولى لا يفتقر إلا إلى مجرد الإبقاء فيكون البقاء أيسر من الحدوث فيكون أكثر والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب فإن أخبره مخبر بنجاسته لم يجب أن يقبل منه حتى يبين السبب فيقبل سواء كان رجلا أو امرأة مستورا أو معروفا بالعدالة بخلاف الفاسق وخبر الصبي كشهادته
مسألة وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما تيقن به غسلها
لأنه اشتبه الطاهر بالنجس فوجب اجتناب الجميع حتى يتيقن الطهارة إما
بالغسل او اليقين كما لو اشتبه المذكى بالميت ولانا قد تيقنا النجاسة فلا يزول حكمها إلا بيقين الطهارة بناء على اليقين فعلى هذا إن كان رآها على يديه او على ثوبه الملبوس غسل ما يمكن رؤيته وإن رآها على أحد كميه غسل الكمين وإن رآها على بقعة غسلها جميعها فأما إذا تيقن أنها اصابت موضعا بعينه وشك هل أصابت غيره لم يجب أن يغسل إلا ما تيقن نجاسته
وقد نبه الشيخ رحمه الله تعالى على أنه إذا اشتبه الطاهر بالنجس اجتنبهما جميعا وهذا ظاهر المذهب وقال جماعة من أصحابنا يتحرى إذا كانت أواني الماء الطهور اكثر والاول أصح لما تقدم ويلزمه أن يعدم الطهور بخلطه بالنجس أو بإراقتهما في إحدى الروايتين وهذا إذا لم يكن محتاجا اليه للشرب ونحوه فإنه حينئذ لا يريقه ويجب التحري للاكل والشرب في اصح الروايتين ولا يلزمه غسل ما أصاب ه اذا وجد الماء في اصح الوجهين
مسألة
وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهمالانه أمكنه تأدية فرضه بيقين من غير ضرر فاشبه ما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها ثم إن شاء توضأ من كل واحد منهما وضوءا كاملا
وان شاء غسل العضو من هذا ثم من هذا ثم يصلي صلاة واحدة في اصح الوجهين هذا إذا لم يكن محتاجا الى احدهما للشرب فإن كان محتاجا اليه توضأ بما يرى أنه المطهر والا بأيهما شاء ويتيمم في الصورتين
مسألة
وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في ثوب بعد ثوب بعدد النجس وزاد صلاة
لانه إذا صلى صلاة زائدة على عدد النجس تيقن أنه صلى في ثوب طاهر ولم تتعد اليه النجاسة بخلاف الاواني ولا يجزئه أن يتحرى كالقبلة للعلة التي تقدمت لان القبلة يغلب اشتباهها وعليها دلائل منصوبة وإصابة عين الكعبة لا يحصل بالتكرار وسواء قلت النجاسة أو كثرت في المشهور وقال ابن عقيل إذا كثرت ولم يعلم عددها أجزا التحري وهذا التكرار في المياه والثياب إنما يجزئ اذا لم يكن طاهرا بيقين فأما مع وجوده فلا يجزئ إلا به لانه لا بد من الجزم بالنية إذا أمكن إلا أن يتوضأ بغرفة من هذا وغرفة من هذا
مسألة وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن بالتراب
أما الكلب والخنزير فلا يختلف المذهب في نجاستهما وفي وجوب غسل الاناء من نجاستهما سبعا إحداهن بالتراب لما روى أو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا شرب الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبعا رواه الجماعة ولمسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ولمسلم أيضا إذا ولغ الكلب في اناء احدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار
فلما امر بإراقة الاناء وسمي الغسل طهورا دل على النجاسة إذا الطهارة الواجبة في عين البدن لا تكون إلا عن نجاسة وعنه أنه يجب غسلها ثمانيا لما روى عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب رواه مسلم وغيره والصحيح أنه عد التراب ثامنة وإن لم تكن غسله كما قال تعالى ثلاثة رابعهم كلبهم يحقق ذلك ان اهل اللغة قالوا اذا كان اسم فاعل على العدد من غير جنس المفعول يجعله زائدا كما قال الله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم وإن كان من جنسه جعله أحدهم لقوله ثاني اثنين فلما قال سبع مرات علم ان
التراب سماه ثامنا لانه من غير الجنس وإلا قال فاغسلوه ثمانيا وعفروه الثامنة كما روى أبو داود في حديث أبي هريرة اذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرات السابعة بالتراب
واذا ثبت هذا الحكم في الكلب فالخنزير الذي لا يباح اقتناؤه والانتفاع به اصلا ونص عليه القرآن أولى وله ان يستعمل التراب في اي غسله شاء فإن كان المحل يتضرر بالتراب لم يجب استعماله في اصح الوجهين
ويجزئ موضع التراب الاشنان والصابون ونحوهما في أقوى الوجوه
وقيل لا يجزئ مطلقا وقيل لا يجزئ إلا عند عدم التراب واما الغسلة الثامنة فلا تجزئ بدل التراب في الاصح ويجب التسبيع والتراب في جميع نجاسات الكلب من الريق والعرق والبول وغيرها وكذلك في جميع موارد نجاسته التي لا تتضرر بالتراب في المشهور وقيل عنه لا يجب التراب إلا في الاناء خاصة واما سائر الحيوانات فعلى قسمين احدهما ما يؤكل لحمه فهذا طاهر وكذلك ما لا يؤكل لحمه لشرفه وهو الانسان سواء كان مسلما او كافرا ولا يكره سؤره في ظاهر المذهب وعنه يكره سؤر الكافر والثاني ما لا يؤكل لحمه وهو ضربان احدهما ما هو طواف علينا كالهر وما دونها في الخلقة مثل الحية والفأرة والعقرب وشبه ذلك فهذا لا يكره سؤره الا ما تولد من النجاسات كدود النجاسة والقروح فإنه يكون نجسا لنجاسة اصله لما روت كبشة بنت كعب بن مالك أنها سكبت وضوءا لابي قتادة
الانصاري فجاءت هرة فأصغى لها الاناء حتى شربت منه وقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات رواه اصحاب السنن وقال الترميذي حديث حسن صحيح
وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بفضلها رواه ابو داود
ومما ينبني على ذلك أنه إذا خرجت الهرة أو الفأرة أو الحية من مائع يسير لم تنجسه في المنصوص وقيل تنجسه لملاقاة دبرها والاول أصح لان من عادة الحيوان جمع دبره إذا دخل الماء خوفا من دخوله فيه فلا يتحقق التنجيس واذا اكلت نجاسة ثم ولغت في ماء يسير فقيل طاهر وقيل هو نجس إلا أن تغيب غيبة يمكن أنها وردت فيها ماء يطهر فاها وقيل نجس إلا أن تلغوا بعد الاكل بزمن يزول فيه أثر النجاسة بالريق
والضرب الثاني من المحرم ما ليس بطواف وهو نوعان احدهما الوحشي وهو سباع البهائم وجوارح الطير وما يأكل الجيف مثل الفهد والنمر والغراب الابقع والبازي والصقر فهذا نجس في اشهر الروايتين وفي الاخرى هو طاهر لما روى جابر قال قيل يا رسول الله أنتوضأ بما افضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها رواه الشافعي والدارقطني ولان الاصل في الاعيان الطهارة ويفارق الكلب بجواز اقتنائه مطلقا وجواز بيعه ووجه المشهور حديث ابن عمر المتقدم في القلتين لما سئل صلى الله عليه و سلم عن الماء يكون بأرض الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب
ولو كانت اسؤرها طاهرة لم يكن للتحديد فائدة ولا يقال لعله اراد اذا بالت فيه لان الغالب انها انما ترده للشرب والبول فيه نادر فلا يجوز حمل اللفظ العام على الصور القليلة ثم انه لم يستفصل ولو كان الحكم يختلف لبينه ايضا فإنه صلى الله عليه و سلم لما علل طهارة الهر بأنها من الطوافين علينا علم ان المقتضى لنجاستها قائم وهو كونها محرمة لكن عارضة مشقة الاحتراز منها فطهرت لذلك لانه لما علل طهارتها بالطواف وجب التعليل به وعند المخالف انها طهرت لانها حيوان لا يحرم اقتناؤه وليس للطواف اثر عنده
ولان تحريم الاكل يقتضي كونه خبيثا لقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث ويقتضي نجاسته الا ما قام عليه الدليل بدليل الميتة والدم ولحم الخنزير ونهيه صلى الله عليه و سلم عن جلود السباع يؤيد ذلك أو لانه حيوان حرم لا لحرمته ليس بطواف فكان نجسا كالكلب والخنزير والحديث المتقدم ضعيف لا تقوم به حجة والثاني الانسى وهو البغل والحمار ففيه روايتان وجههما ما تقدم ورواية ثالثة انه مشكوك فيه لتعارض دليل الطهارة والنجاسة فيتوضأ بسؤره ويتيمم والطهارة هنا اقوى لان فيها معنى الطواف وهو انه لا يمكن الاحتراز منها غالبا
مسألة
ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقيةفي هذه المسألة روايات إحداهن أنه لا يجب العدد بل يجزئ ان تكاثر النجاسة بالماء حتى تزول لان النبي صلى الله عليه و سلم قال للمستحاضة واغسلي عنك الدم وصلي وقال لابي ثعلبة في آنية المجوس إن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء وقالت اسماء بنت ابي بكر جاءت امراة الىالنبي صلى الله عليه و سلم فقالت إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به فقال تحته ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه متفق عليه
وكذلك في غير هذه الاحاديث امر بغسل النجاسة ولو كان العدد واجبا لذكره في جواب السائل عن التطهير لانه وقت حاجة ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولان المقصود إزالة النجاسة فاذا زالت لم يجب الزيادة كغسل الطيب عن بدن المحرم والرواية الثانية يجب ان تغسل ثلاث مرات كما اختاره الشيخ لان النبي صلى الله عليه و سلم امر القائم من نوم الليل ان يغسل يده ثلاثا معللا بتوهم النجاسة فوجوب الثلاث مع تحققها اولى واكتفى في الاستنجاء بثلاثة احجار فالاجتزاء بثلاث غسلات اولى
وروي عن عائشة ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يغسل مقعدته ثلاثا قال ابن عمر فعلناه فوجدناه دواء وطهورا رواه ابن ماجة والرواية الثالثة انه يجب التسبيع في جميع النجاسات وهي اختيار اكثر اصحابنا لان النبي صلى الله عليه و سلم امر بذلك في نجاسة الكلب فوجب إلحاق سائر النجاسات بها لانها في معناها يحقق ذلك ان الحكم لا يختص بمورد النص بل قد اتفقوا على انه يلحق به الثوب والبدن وغيرهما وكذلك الحقنا بالريق العرق والبول والخنزير
وايضا فإنه اذا وجب التسبيع في الكلب مع انه مختلف في نجاسته ومرخص في الانتفاع به ففي النجاسات المجمع عليها وجاء التغليظ بها والوعيد بقوله تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه مع انها لا تزول غالبا الا بالسبع
وايضا فإن التسبيع في نجاسة الكلب إما ان يكون تعبدا او انه مظنة للإزالة غالبا فعلق الحكم به كالعدد في الاستجمار لئلا يتوهم حصول الازالة بدونها مع بقاء النجاسة وكذلك جعلها الغاية في غسل الميت ولغير ذلك من الاسباب ومهما فرض من ذلك فالنجاسات كلها سواء
ويؤيد ذلك انا لما الحقنا غير الحجر به في باب الاستنجاء اشترطنا العدد فإذا الحقنا المزيل بالمزيل في العدد فكذلك المزال بالمزال واما الاحاديث المطلقة فلعله صلى الله عليه و سلم ترك ذكر العدد اكتفاء بالتنبيه عليه بالولوغ او بجهة اخرى فانها قضايا اعيان او لعلمه بأنها لا تزال في تلك الوقائع الا بالتسبيع او لعل ذلك كان قبل فرض العدد في غسل الولوغ ولا يمكن ان يقال الاحاديث مطلقة بعده لانه يلزم منه التغيير مرتين والاجتزاء بثلاثة احجار لانها محففة وهي لا تمنع النجاسة بخلاف الماء فإنه يمنع النجاسة وكذلك لا يحصل الانقاء بدون السبع في الغالب
وعنه رواية رابعة يجب السبع فيما عدا السبيلين فإنه يجزئ فيهما ثلاث لما تقدم والفرق بينهما تكرر نجاسة السبيلين ومشقة السبع فيهما وكذلك اكتفى فيهما بالجامد وعنه يجب التسبيع في السبيلين وفيما عدا البدن فأما سائر البدن فلا عدد لان البدن يشق التسبيع فيه لكثرة ملاقاته النجاسة تارة منه وتارة من غيره بخلاف غيره وبخلاف السبيلين فإن نجاستهما مغلظة كما تقدم ولذلك نجست كثير الماء في رواية
وهل يشترط التراب او ما يقوم مقامه على القول بالتسبيع على وجهين احدهما يشترط قاله الخرقي وغيره كنجاسة الكلب
وروت ام قيس بنت محصن قالت سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الثوب يصيبه دم الحيض قال حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر رواه الخمسة الا الترمذي فأمر بالسدر مع الماء ونحن نجيز غير التراب من الجامدات على الصحيح والثاني لا يشترط وهو اشهر لما روى ابو هريرة ان خولة بنت يسار قالت يا رسول الله ليس لي الا ثوب واحد وأنا احيض فيه قال فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه قالت يا رسول الله ان لم يخرج اثره قال يكفيك الماء ولا يضرك اثره رواه احمد وابو داود
وعامة الاحاديث امر فيها بالماء فقط لا سيما الاستنجاء فإنه نقل عنه قولا وفعلا ونقل عنه دلك يده بالتراب بعده وهو سنة فكيف ترك نقل التدلك بالتراب وهو واجب لكن هذا يقتضي السقوط في نجاسة السبيل ولان استعمال التراب فيه مشقة عظيمة لا سيما ونحن نشترط طهارته بخلاف العدد فإن النجاسة غالبا لا تزول إلا به وولوغ الكلب يقال فيه لزوجة لا تزول غالبا إلا به
مسألة
وإن كانت على الارض فصبة واحدة تذهب بعينها لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم صبوا على بول الاعرابي ذنوبا من ماء
النجاسة على الارض تفارق ما على المنقولات من ثلاثة أوجه احدها انه لا يشترط فيها عدد سواء كان فيها كلب او غيره والثاني انه لايشترط انفصال الغسالة عن موضع النجاسة والثالث ان الغسالة طاهرة اذا لم تتغير وذلك للحديث الذي ذكره وهو ما رواه الجماعة عن ابي هريرة ان اعرابيا بال في المسجد فقال النبي صلى الله عليه و سلم صبوا على بوله سجلا من ماء او ذنوبا من ماء
وقد روي انهم حفروا التراب فألقوه والقوا مكانه ماء من وجه مرسل ووجه منكر ولم يصححوه ولان التراب النجس لو كان قد اخرج لم يحتج الى تطهير الطاهر
وابو هريرة شهد القصة ولم يذكر ذلك فاذا ثبت انهم قد صبوا على المبال الماء فلولا انه قد طهره وانفصل طاهرا لكان ذلك تكثيرا للنجاسة ولان الارض وما اتصل بها من البناء والاجرنة لو لم تطهر الا بانفصال الماء عنها وتكرار غسلها مع نجاسة المنفصل قبل المرة الاخرة لافضى ذلك الى انتشار النجاسة وامتناع إزالتها بالكلية اذ غالب الارض لا مصرف عندها وما عنده مصرف فنادر والنادر ملحق بالغالب بخلاف ما يمكن نقله وتحويله
الى المصارف وعنه ان النجاسة اذا كانت بولا قائما لم تنشف لا بد من انفصال الماء عنها وانه يكون نجسا بخلاف ما نشف وما في معناه من الجامد لان الناشف قد جف والاول هو المذهب
فصل
اذا كان مورد النجاسة لم تنتشر بها كالاواني كفى مرور الماء عليها بعد ازالة العين وان كان قد تشربها كالثياب والطنافس فلا بد من استخراجها بالعصر وشبهه من الفرك والتنقل في كل مرة ولا يكفي تجفيفه عن العصر في اصح الوجهينولو بقي بعد المبالغة والاستقصاء اثر لون او ريح لم يضر لقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث المتقدم ولا يضرك اثره والريح قد يعبق عن مجاورة لا مخالطة فهو بالعفو اولى من اللون واذا غمس المحل النجس في ماء كثير او ملئ بماء كثير لكثرة لم يحتسب غسله حتى ينفصل الماء عنه في المنصوص كما لو كان الماء قليلا وقد ورد عليه وقيل اذاعولج في الماء بما يليق به من عصر ونحوه حتى يتبدل عليه الماء فتلك غسله لحصول مقصود الانفصال وعلى هذا ما يحتاج الى العدد يجب اخراجه من الماء سبع مرات على الاول ويكفي تبديل الماء عليه سبع مرات على الثاني
وان غمسه في ماء قليل نجسه ولم يطهر ولم يحتسب غسله كما لو القته ريح وكما لو اغتسل فيه الجنب فأما ان ترك الثوب النجس في وعاء ثم صب عليه الماء وعصره كان غسلة يبني عليها ويطهر المحل بذلك كما لو صب عليه في غير اناء وكما لو اخذ الماء بفمه لتطهير نجاسة فيه ثم مجة وهذا لان الماء اذا ورد على النجاسة لم يحكم بنجاسته حتى ينفصل كما لا يحكم باستعماله ما دام على العضو ولا تزول طهوريته بتغيره بالطاهر على البدن حتى ينفصل لان الماء طهور فما دام يتطهر به فطهوريته باقية
فصل
المنفصل قبل طهارة المحل هو نجس سواء كان متغيرا او لم يكن بخلاف المتصل فإنه إن لم يتغير لم يحكم بتنجيسه حتى ينفصل وان تغير فتأثيره باق مع نجاسته فأما المنفصل بعد طهارة النجس فنجس ايضا عند ابن حامد والصحيح انه طاهر وهو طهور ايضا في اقوى الوجهين وان انتضح من المنفصل شيء قبل تكميل السبع فيما يعتبر فيه فقيل يجب تسبيعه وقيل يجب غسله بعدد ما بقي بعد انفصاله فيغسل من الاولى ست وهذا اصح والله اعلم
فصل
ما لا يمكن غسله لا يطهر كالتراب اذا اختلط به رميم الموتى وفتات الروث فأما ما يقع بالماء النجس كاللحم والحب فهل يمكن تطهيره بغسل الحب وغلي اللحم والتجفيف في كل مرة على روايتين فأما اللبن المنقوع بالمائع النجس كالخمر والبول فإنه يصب عليه الماء حتى يداخل اجزاءه ويصير طينا ويذهب اثر النجاسة فان لم يداخله طهر ظاهره دون باطنه فإن كانت فيه اعيان النجاسة كروث ورميم لم يطهر الا ان يطبخ بالنار فيغسل فيطهر ظاهره لان النار اكلت النجاسة والماء ازال الاثر ولا يطهر باطنه لان الماء لم يصل اليه الا ان يسحق سحقا ناعما فيخلص اليه الماء حينئذ وكذلك المائعات كالخل ونحوه لا يطهر لان النجاسة لا تزايلها الا الماء فإن النجاسة تفارقه كما تقدم وإلا الادهان مثل الزيت والشيرج ونحوهما فإنه يطهر بالغسل على احد الوجهين وذلك بأ يصب عليه الماء الحار ويفتح في اسفل الوعاء ثقب يخرج منه الماء والا الزئبق فإنه لا يقوى شيء من النجاسات على مداخلته لقوته وتماسكه فاشبه الجامداتمسألة
ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضحوذلك لما روت ام قيس بنت محصن الاسدية انها اتت بابن لها لم يأكل الطعام الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
يؤتي بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتي بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله متفق عليهما وعن علي بن ابي طالب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل قال قتادة وهذا ما لم يطعما فإذا اطعما غسلا جميعا رواه احمد وابو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن
وعن ابي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قال النبي صلى الله عليه و سلم يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة وقد قيل ان الغلام يبول رزقا مستلقيا
على ظهره فينشر نجاسته فتعظم المشقة بغسلها فإذا أكل الطعام قوي واشتد ظهره فقعد فيقل انتشار نجاسته والجارية لا يجاوز بولها محلها وقيل اشياء اخر منها ان الغلام يحمل على الايدي عادة بخلاف الجارية ومنها ان مزاجه حار فبوله رقيق بخلاف الانثى فإنها شديدة الرطوبة والنضح ان يعم الماء النجاسة وان لم يجر عنها
ومعنى اكله الطعام ان يشتهيه للاغتذاء به بخلاف ما يحنكه وقت الولادة ويلعقه من الاشربة نحوها
مسألة
وكذلك المذي
وهو ماء رقيق يخرج لابتداء الشهوة اذا تحركت وبتفكر او نظر او مس وبعد فتورها من غير احساس به وظاهر المذهب انه نجس وعنه انه طاهر اختاره ابو الخطاب في خلافه لما روى سهل بن حنيف قال كنت القى من المذي شدة وكنت اكثر من الاغتسال فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يجزيك من ذلك الوضوء فقلت يا رسول الله كيف اصنع بما يصيب ثوبي قال يكفيك ان تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى انه اصابه رواه ابو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وأحمد ولفظه فتمسح بدل قوله فتنضح به والاثرم ولفظه يجزئك ان تأخذ حفنة من ماء فترش عليه فلم يأمره بغسل فرجه منه ولو كان واجبا لامره ويحمل الامر بالنضح وبالغسل في حديث علي على الاستحباب ولانه جزء من المني اذا يخرج بسبب الشهوة من مخرج المني لكنه لم يستحكم بكمال الشهوة والاول هو المشهور لكن يكفي نضح المحل منه في احدى الروايتين كما ذكره الشيخ للحديث المذكور وحمله على هذا اولى من حمله وسكوته عن غسله على مجرد الاستحباب فإن الاصل في الامر الوجوب لا سيما في مثل هذا وسكوته عن غسل الفرج منه قد يكون لعلم المستمع فإنه كان عالما بنجاسته ولكن سأل عن موجب خروجه وعن كيفية التطهر منه ولانه متردد بين المني لانه جزء منه وبين البول لكونه لم يكمل وهو مما يشق التحرز منه فاجرا فيه النضح كبول الغلام والاخرى لا يجزئ الا الغسل لما روي عن علي قال كنت رجلا مذاء فاستحييت ان اسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرت المقداد فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ واذا امر بغسل الذكر فكذلك سائر المحال
والنضح ينبغي ان يكون في غير مخرجه فأما مخرجه ففي قدر ما يجب غسله منه ثلاث روايات احداهن يجب الاستنجاء منه كالبول اختارها الخلال لانه نجس فاشبه سائر النجاسات ولان في حديث علي عن النبي صلى الله عليه و سلم في المذي الوضوء وفي المني الغسل قال الترمذي حديث حسن صحيح وكذلك حديث سهل لم يذكر الا الوضوء الثانية يجب غسل جميع الذكر ما اصابه منه وما لم يصبه لحديث علي يغسل ذكره الثالثة يغسل جميع الذكر والانثيين اختارها ابو بكر والقاضي
لما روي عن علي قال كنت مذاء فاستحييت ان اسال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمكان ابنته فامرت المقداد فسأله فقال يغسل ذكره وانثييه ويتوضأ رواه احمد وابو داود فإن قيل يرويه هشام بن عروة عن ابيه عن علي وهو لم يدركه قلنا مرسله احد اجلاء الفقهاء السبعة رواه ليبين الحكم المذكور فيه وهذا من اقوى المراسيل وقد روى عبد الله بن سعد قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الماء يكون بعد الماء
فقال ذاك المذي وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وانثييك وتوضا رواه ابو داود
ولانه خارج بشهوة فجاز أن يجب بغسله اكثر من محله كالمنى وذلك لان الانثيين وعاؤه فغسلهما يقطعه ويزيل اثره
مسألة
ولا يطهر شيء من النجاسات بالمسح ولا يعفى عنه الا اسفل الخف والحذاء فإنه يجزئ دلكه بالارض في احدى الروايات وفي الاخرى لا يجزئ كسائر الملبوسات والثالثة يجزئ في غير الغائط والبول لغلظهما ووجه الاولى وهي اصح قوله اذا وطئ احدكم بنعله الاذى فإن التراب له طهور رواه ابو داود ولانه محل يتكرر اصابة النجاسة له فأجزا فيه المسح كالسبيلين وكذلك خرج في طهارتهما طهارة السبيلين بالاستجمار وجهان وذيول الثياب يتوجه فيها الجواز لحديث ام سلمة وكذلك لا تزول النجاسة بالشمس والريح والاستحالة في المشهور وفي الجميع وجه قوي
مسألة
ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه وهو ما لا يفحش في النفس
النجاسات على قسمين ما يبطل الصلاة قليلها وكثيرها وما يعفى عن يسيرها
اما المذي فيعفى عنه في اقوى الروايتين لان البلوى تعم به ويشق
التحرز منه فهو كالدم بل اولى للاختلاف في نجاسته والاجتزاء عنه بنضحه وكذلك المني اذا قلنا بنجاسته واما الودي فلا يعفى عنه في المشهور عنه كالبول واما الدم فيعفى عن يسيره رواية واحدة وكذلك القيح والمدة والصديد وماء القروح ان كان متغيرا فهو كالقيح والا فهو طاهر كالعرق قال احمد القيح والصديد والمدة عندي اسهل من الدم الذي فيه شك يعني في نجاسته وسئل القيح والدم عندك سواء فقال الدم لم يختلف الناس فيه والقيح قد اختلف الناس فيه
قال البخاري بزق عبد الله بن ابي اوفى دما فمضى في صلاته وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم ولم يتوضا وحكى احمد ان ابا هريرة ادخل اصبعه في انفه فخرج عليها دم فلم يتوضا وعن جابر ابن عبدالله انه سئل عن رجل يصلي فامتخط فخرج من مخاطه شيء
من دم قال لا بأس بذلك يتم صلاته ولان الله سبحانه حرم الدم المسفوح خاصة لان اللحم لا يكاد يخلو من دم فأباحة للمشقة فلان يبيح ملاقاته في الصلاة أولى لان الانسان لا يكاد يخلو من دماميل وجروح وقروح فرخص في ترك غسلها
والمعفو عنه دم الادمي ودم البق والبراغيث إن قيل بنجاسته ودم الحيوان المأكول فأما المحرم الذى له نفس سائله فلا يعفى عن دمه لان التحرز منه يمكن وهو مغلظ لكون لبنه نجسا وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه خلع نعليه في الصلاة وعلل بأن فيهما دم حلمة وكذلك دم الحيضة وما خرج من السبيلين لا يعفى عنه في اصح الوجهين لانه يغلظ بخروجه من السبيل ولذلك ينقض قليله الوضوء والتحرز منه ممكن واما قدر اليسير فعنه ما دون شبر في شبر وعنه ما دون قدر الكف وعنه القطرة والقطرتان وقيل عنه مادون ذراع في ذراع والمشهور عنه ما يفحش في النفس لان ابن عباس قال في الدم اذا كان فاحشا اعاد
ولان التقدير مرجعه العرف اذا لم يقدر في الشرع ولا في اللغة قال الخلال الذي استقر عليه قوله ان الفاحش ما يستفحشه كل انسان في نفسه
وهذا هو ظاهر المذهب الا ان يكون قطرة او قطرتين فيعفى عنه بكل
حال لان العفو عنه لدفع المشقة فإذا لم يستفحشه شق عليه غسله واذا استفحشه هان عليه غسله قال ابن عقيل الاعتبار بالفاحش في نفوس اكثر الناس واوساطهم ومما يعفى عنه اثر الاستجمار ان لم نقل بطهارته وبول ما يؤكل لحمه وروثه إن قلنا بنجاسته كدمه المختلف فيه ولمشقة الاحتراز منه
وكذلك يعفى عن يسير ريق الحيوانات المحرمة وعرقها إذا قلنا بنجاستها في إحدى الروايتين وفي الاخرى لا يعفى كريق الكلب والخنزير وعرقهما والفرق بينهما ان هذه الحيوانات يباح اقتناؤها مطلقا ويشق معه التحرز من ريقها وعرقها وقد اختلف في نجاستها وركب النبي صلى الله عليه و سلم حمارا ويعفى عن يسير بول الخفاش في إحدى الروايتين لانه في وقت النبي صلى الله عليه و سلم والى وقتنا لا يسلم الناس منه في المساجد ولا من الصلاة عليه ولا يعفى عن يسير النبيذ المختلف فيه في اصح الروايتين كالمجمع عليه فإنه رواية واحدة قال ابن عقيل وفي العفو عن يسير القيء روايتان وكذلك ذكر ان يسير القيء يعفى عنه
وكذلك كلما لا ينقض الوضوء خروجه كيسير الدود والحصى والخارج من غير الفرجين لا يجب غسل موضعه كما لا يجب التوضؤ منه وذكر القاضي في العفو عن أرواث البغل والحمار والسباع روايتين أقواهما أنه لا
يعفى واما الذي لا يعفى عن يسيره فكالبول والغائط والخمر والميتة لقول النبي صلى الله عليه و سلم تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه وقوله إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ولان هذه نجاسات مغلظة في أنفسها ولا يعم الابتلاء بها وليس في نجاستها اختلاف فلا وجه للعفو عنها مع ان الاختلاف فيها لا اثر له على الاصح
فصل في بيان النجاسات وهي اما حيوان او جماد اما الحيوان فقد تقدم ذكره وما تحلل من ظاهره مثل ريقه ودمعه وعرقه فهو مثله وأما روث غير المأكول وبوله فهو نجس بكل حال الا ما لا نفس له سائلة فإن روثه وبوله وجميع رطوباته طاهرة وكذلك لبن غير المأكول كالحمر لا يجوز شربه للتداوي ولا غير سواء قلنا بطهارة ظاهرة او لا إلا لبن الآدمي فإنه ظاهر
وأما الشعر فحكمه حكم ميتته في ظاهر المذهب وعنه انه طاهر مطلقا والقيء نجس لان النبي صلى الله عليه و سلم قاء فتوضأ وسواء أريد
غسل يده او الوضوء الشرعي لانه لا يكون إلا عن نجاسة
فأما بلغم المعدة فطاهر في أقوى الروايتين كبلغم الرأس وفي الاخرى هو نجس كالقيء والبيض واللبن في أحد الوجهين وفي الآخر كالولد
وأما المني فكاللبن مطلقا واما الجماد فالميتة وقد ذكرها في الآنية والدم كله نجس وكذلك المدة والقيح والصديد وماء القروح المتغير على ما ذكرناه من العفو عن يسيره الا الدماء المأكولة كالكبد والطحال وما بقي على اللحم بعد السفح ودم السمك رواية واحدة والا الدماء التي ليست سائلة كدم الذباب والبق والبراغيث في أقوى الروايتين إلا دم الشهيد ما دام عليه لان الشارع أمر بإبقائه عليه مع كثرته فلو حمله مصل لم تبطل صلاته
وإلا العلقة في وجه كالطحال والمني والصحيح انها نجسة وسواء استحالت عن مني او عن بيض والمائعات المسكرة كلها نجسة لان الله سماها رجسا والرجس هو القذر والنجس الذي يجب اجتنابه وامر باجتنابها مطلقا وهو يعم الشرب والمس وغير ذلك وامر بإراقتها ولعن النبي صلى الله عليه و سلم عينها فهي كالدم واولى لامتيازها عليه بالحد وغيره
ولا يجوز القصد الى تخليها فإن خللت لم تطهر في المنصوص المشهور لما روى انس ان النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الخمر تتخذ خلا قال لا رواه مسلم وغيره
وعنه ايضا أن ابا طلحة سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال اهرقها قال أفلا نجعلها خلا قال لا رواه احمد وأبو داود وقيل عنه تطهر وقيل بنقلها من مكان الى مكان دون القاء شيء فيها فأما ان ابتدأ الله قلبها طهرت وان امسكها كذلك سواء ليتخذ العصير للخل او للخمر في المشهور وقيل ان اتخذه للخمر ثم امسكه حتى تخلل لم تطهر والاول اصح لقول عمر لا تأكل خلا من خمر افسدت حتى يبدأ الله بفسادها وذلك حين طاب الخل ولا بأس على امرئ اصاب خلا من اهل الكتاب ان يبتاعه ما لم يعلم انهم تعمدوا إفسادها رواه سعيد
مسألة ومني الآدمي وبول ما يؤكل لحمه طاهر
وأما المني فأشهر الروايتين انه طاهر لما روت عائشة قالت كنت افرك المني من ثوب رسول صلى الله عليه و سلم ثم يذهب فيصلي فيه رواه الجماعة إلا البخاري ولو كان نجسا لم يجزئ فركه كسائر النجاسات والرواية الاخرى هو نجس يجزئ فركه لهذا الحديث لان الفرك انما يدل على خفة النجاسة كالدم ولهذا يجزئ مسح رطبه على هذه الرواية نص عليه ذكره القاضي كفرك يابسة وان كان مفهوم كلام اكثر اصحابنا انه لا يجزئ الا الفرك كقول ابي حنيفة فإنه خلاف المذهب
ويختص الفرك بمني الرجل لانه ابيض غليظ يذهب الفرك والمسح بأكثره بخلاف مني المرأة فإن الفرك والمسح لا يؤثر فيه طائلا وانما يجب الغسل أو المسح أو الفرك في كثيره فأما يسيره يعفى عنه كالدم وأولى وإذا استبه موضع الجنابة فرك الثوب كله أو غسل ما رأى وفرك ما لم ير وهذا مشروع على الرواية الاولى استحبابا والاولى اشهر لان الاصل في النجاسة وجوب الغسل ولان اثر ابن عباس سئل عن المني يصيب الثوب فقال امطه عنك ولو باذخر او خرقه فإنما هو بمنزلة المخاط أو البزاق ونحوه عن
سعد ابن ابي وقاص وقد روى حديث ابن عباس مرفوعا
وأما الرطوبة التي في فرج المرأة فطاهر في اقوى الروايتين واما بول ما يؤكل لحمه وروثه فطاهر في ظاهر المذهب لما روي عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا بأس ببول ما أكل لحمه رواه الدارقطني واحتج به احمد في رواية عبد الله وقال ابو بكر عبد العزيز ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولما اخرجا في الصحيحين عن انس بن مالك ان رهطا من عكل أو قال من عرينه قدموا فاجتووا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بلقاح وامرهم ان يشربوا من ابوالها والبانها رواه الجماعة ولم يأمرهم بغسل افواههم وما يصيبهم منه مع انهم أعراب معتادون شربه
حديثو عهد بجاهلية وساقه مع اللبن سياقة واحدة وكل هذا يدل على طهارته وصح عنه انه اذن في الصلاة في مرابض الغنم ولم يأمر بحائل وطاف على بعيره واذن لام سلمة بالطواف على بعير وكان الاعرابي يدخل بعيره في المسجد وينتجه فيه ولو كانت ارواثها نجسة مع ان عادة البهائم الا تمتنع من البول في بقعة دون بقعة لوجب صيانة المسجد عن ذلك ولما سألته الجن الزاد لهم ولدوابهم قال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم قال النبي صلى الله عليه و سلم لا تستنجوا بها فإنها زاد إخوانكم من الجن
فلو كان قد أباح لهم الروث النجس لم يكن في صيانته عن نجاسة مثله معنى وقال ابو بكر بن الاشج كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلون وخروء البعير في ثيابهم
باب الآنية
مسألةلا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة
هذا التحريم يستوي فيه الرجال والنساء بخلاف التحلي فإنه يختص بالرجال ويباح لهم منه أشياء مستثناه وكل ما يلبس فهو من باب الحلية سواء كان سلاحا أو لباسا وما لم يلبس فهو من باب الآنية مثل المكحلة والمحبرة والمرود والإبريق والاصل في ذلك ما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم متفق عليه
وفي لفظ لمسلم إن الذي يأكل او يشرب في آنية الذهب والفضة وعن حذيفة بن اليمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا بشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة متفق عليه
فنهى صلى الله عليه و سلم عن الاكل والشرب لانهما أغلب الافعال وفي التطهير منها والاستمداد والاكتمال والاستصباح ونحو ذلك لان ذلك
مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له والله لا يحب المسرفين ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور
وكذلك يحرم اتخاذها في المشهور من الروايتين فلا يجوز صنعتها ولا استصياغها ولا اقتناؤها ولا التجارة فيها لانه متخذ على هيئة محرمة الاستعمال فكان كالطنبور وآلات اللهو ولان اتخاذها يدعو الى استعمالها غالبا فحرم كاقتناء الخمر والخلوة بالاجنبية ولا تصح الطهارة منها في اصح الوجهين اختاره ابو بكر وسواء اغترف منها او اغتمس فيها لانه اتى بالعبادة على الوجه المحرم فأشبه الصلاة في الدار المغصوبة فعلى هذا إن جعلها مصبا لما ينفصل عنه حين التوضؤ فوجهان اصحهما عدم الصحة وفي الثاني يصح اختاره الخرقي وغيره لان التحريم لا يرجع الى نفس العبادة ولا الى شرط من شرائط وجوبها وادائها فأشبهه التوضؤ في المكان المغصوب والصلاة بخاتم ذهب لان الآنية ليست من الوضوء ولا من شروطه بخلاف البقعة والسترة في الصلاة والمال في الحج
مسألة
وحكم الضبب بهما حكمهما إلا ان يكون يسيره من الفضةالضبة ثلاثة اقسام أحدها الكثيرة فحرام مطلقا لما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من شرب في إناء ذهب أو فضة أو في إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم رواه الدارقطني
وقال ابن عقيل يباح الكثير للحاجة وثانيها اليسير للحاجة كتشعيب التاج وشعيرة السكين فيباح إجماعا وقد روى البخاري عن انس ان قدح النبي صلى الله عليه و سلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة
ولانه إنما قصد به الاصلاح ودفع الحاجة دون الزينة والحلية ولا يباشرها بالاستعمال الا أن يحتاج الى ذلك كلحس الطعام ويباشر بها الشرب إذا كانت في موضعه فإن لم يحتج اليه فهو منهي عنه نهي تحريم في اصح الوجهين وفي الاخر نهي تنزيه ومعنى الحاجة ان تكون الضبة مما يحتاج اليها سواء كانت من فضة او نحاس او حديد فتباح
فأما إن احتيج الى نفس الفضة بأن لا يقوم غيرها مقامها فتباح وإن كان كثيرا ولو كان من الذهب وثالثها اليسير لغير حاجة كحلقة الإناء فيحرم في المنصوص لما ذكرنا ولان ابن عمر كان يكره الإناء فيه حلقة من فضة
وقيل يباح مطلقا وقيل يباح منه ما لم يباشرها بالاستعمال كرأس المكحلة وتحلية الدواة والمقلمة وأما المضبب بالذهب فحرام مطلقا لما روت اسماء بنت يزيد قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يصلح من الذهب شيء ولا خر بصيصه رواه احمد وهي مثل عين الجرادة فأما يسيره في اللباس ففيه وجهان يومي اليهما وقيل يباح حلية السلاح دون حلية اللباس وقد أومأ إليه أيضا
مسألة
ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها
سواء كانت ثمينة مثل الياقوت والبلور والعقيق او غير ثمينة كالخزف والخشب والصفر والحديد والجلود
لان النبي صلى الله عليه و سلم واصحابه كانت عادتهم استعمال اسقية الادم وآنية البرام والخشب ونحوها ولا يكره شيء منها إلا الصفر والنحاس والرصاص في احد الوجهين اختاره ابو الفرج المقدسي لان ذلك يؤثر عن عبدالله بن عمر ولان الماء قد يتغير فيها ويقال إن الملائكة تكره ريحها والآخر لا يكره وهو المشهور لان عبد الله بن زيد قال اتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ رواه البخاري وكذلك الثمين الذي يفوت قيمة النقدين فإن أدلة الاباحة تعمه والنهي اختص النقدين ولا يشبههما
لان الثمين لا يعرفه إلا خواص الناس ولا يسمح الناس باتخاذه آنية فلا يحصل سرف ولا فخر ولا خيلاء وإن فرض ذلك كان المحرم نفس الفخر والخيلاء كما إذا حصل في المباحات والطاعات وأما الاعيان فإنما تحرم إذا كانت فضة غالبة كذلك ولهذا لما حرم الحرير ابيح ما كان أغلى قيمة منه من الكتان ونحوه
مسألة
ويجوز استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستهاأما الاواني التي استعملوها ففيها ثلاث روايات أحدها يباح مطلقا لما روى جابر بن عبدالله قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فنصيب آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعيب ذلك عليها رواه احمد وأبو داود
وفي الصحيحين عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه توضأوا من مزادة مشركة وروى انس أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه رواه احمد والثانية تكره لما روى ابو ثعلبة الخشني قال قلت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم قال إن وجدتم غيرها فلا
تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا متفق عله ولانهم لا يجتنبون النجاسة لا سيما الخمر لاستحلالهم إياها فالظاهر أن أوانيهم لا تسلم من ذلك
وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم دع ما يريبك الى ما لا يريبك قال الترمذي حديث حسن صحيح والرواية الثالثة أن من لا تباح ذبيحته كالمجوس والمشركين أو من يكثر استعمال النجاسة كالنصارى المتظاهرين بالخمر والخنزير لا تباح أوانيهم وتباح آنية من سواهم لكن في كراهتها الخلاف المتقدم والصحيح أنها لا تكره وهذا اختيار القاضي وأكثر اصحابنا من يجعل هذا التفصيل هو المذهب قولا واحدا لحديث أبي ثعلبة المتقدم حملا له على من يكثر استعمال النجاسة وحملا لغيره على غير ذلك كما جاء مفسرا فيما رواه ابو داود عن ابي ثعلبة قال قلت يا رسول الله ان ارضنا ارض اهل كتاب وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف نصنع بأنيتهم وقدورهم قال إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء واطبخوا فيها واشربوا قال آدم بن الزبرقان سمعت الشعبي قال غزوت مع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فكنا إذا انتهينا الى اهل قرية
فإن كانوا اهل كتاب اكلنا من طعامهم وشربنا من شرابهم وإن كانوا غير أهل كتاب انتفعنا بآنيتهم وغسلناها وعلى هذه الرواية لا يؤكل من طعام هؤلاء إلا الفاكهة ونحوها مما لم يصنعوه في آنيتهم نص عليه وتكون آسارهم نسجة ذكرها القاضي وغيره وذلك لان من تكون ذبيحته نجسة او من هو مشهور باستعمال النجاسة لا تسلم آنيته المستعملة من ذلك إلا على احتمال نادر لا يلتفت إليه وما لم يستعملوه او شك في استعماله فهو على أصل الطهارة وأما الثياب فما لم يعلم أنهم استعملوه لا تكره قولا واحدا سواء نسجوه او حملوه كالآنية لان عامة الثياب والآنية التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه كانت من نسج الكفار وصنعتهم وما لبسوه ففي كراهته روايتان إلا أن يكون مما يلي العورة كالسراويل والازر ففي جواز استعماله روايتان
فأما ثياب المجوس ونحوهم كآنيتهم كما تقدم في أحد الوجهين وفي الآخر هي كثياب غيرهم من اهل الكتاب
مسألة
وصوف الميتة وشعرها طاهر
وكذلك الوبر والريش على ظاهر المذهب وعنه ما يدل على نجاسته لانه جزء من الحيوان فيتنجس بالموت كغيره والصحيح الاول لان حياته من جنس النبات وهو النمو والاغتذاء ولهذا لا ينجس المحل بمفارقتها بدليل
الزرع إذا يبس والبيض المتصلب في جوف الميتة بخلاف حياة الجلد واللحم فإنهما بالإحساس والحركة الإرادية وهذه التي ينجس المحل بمفارقتها ولهذا يجوز أخذه حال الحياة بخلاف غيره من الاجزاء
ولان النبي صلى الله عليه و سلم قال ما ابين من البهيمة وهي حية فهو ميت فلو كان جزء منها لكان ميتا بالابانة وقد أجمع الناس على جواز الانتفاع بالمجزوز وإذا نتف الريش والشعر فهل يطهر بالغسل اسفله المترطب بالنجاسة على وجهين
مسألة
وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجسهذا أشهر الروايتين وفي الاخرى الدباغ مطهر في الجملة لما روى ابن عباس قال تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هلا أخذتم أهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا إنها ميتة فقال إنما حرم أكلها
رواه الجماعة الا البخاري والنسائي لم يذكر فيه يالدباغ
وعنه ايضا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أيما إهاب دبغ فقد طهر رواه مسلم ووجه الاولى ما روى عبد الله بن عكيم قال كتب الينا رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل وفاته بشهر لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب رواه الخمسة وقال الترمذي حديث حسن صحيح
وقد استقر الحكم بعد ذلك على وقال احمد ما اصلح اسناده وفي لفظ الدراقطني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب وهذا ناسخ لغيره لانه متأخر ومشعر بنهي بعد رخصة لا سيمعا وفي حديث ابن عباس إنما حرم أكلها وقد استقر الحكم بعد ذلك على تحريم الادهان بودكها ويدل على تقدمه ما روت سودة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت ماتت شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننتبذ فيه حتى صار شنا رواه البخاري وهذا إنما يكون في اكثر من شهر وعن سلمة بن المحبق انه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فأتى على بيت فراء فيه قربة معلقة فسأل الشراب فقيل
إنها ميتة فقال ذكاتها دباغها وهذا قبل وفاته بأكثر من سنة فلو كان رخصة أخرى بعد النهي لزم النسخ مرتين وقيل الاهاب اسم للجلد قبل الدباغ لان هذا لم يعلم من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه رخصة ولا عادة الناس الانتفاع به
فصل
وإذا قلنا بتطهير الدباغ فهل يكون كالحياة او كالذكاة على وجهين أحدهما انه كالحياة لانه يحفظ الصحة على الجلد ويصلحه للانتفاع كالحياة فعلى هذا يطهر جلد ما كان طاهرا في الحياة كالهر وما دونها في الخلقة وكذلك جلد ما سوى الكلب والخنزير في روايةوالوجه الثاني أنه كالذكاة فلا يطهر إلا ما تطهره الذكاة وهذا أصح كما سبق من قوله دباغها ذكاتها ولما روت عائشة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت رواه احمد وابو داود وابن
ماجة والنسائي ولفظه انه سئل عن جلود الميتة فقال دباغها ذكاتها فقد شبه الدباغ بالذكاة وحكم المشبه مثل المشبه به او دونه ولانه صلى الله عليه و سلم نهى عن جلود السباع ولا تكاد تستعمل الا مدبوغة ولم يفصل وهذا مبنى على ان الذكاة لاجل الماكول فأما غير المأكول فلا يطهر جلده بالذكاة لانه ذبح غير مشروع فلم يفد طهارة الجلد كذبح المحرم الصيد والذبح في غير الحلق واللبة ولانه ذبح لا يفيد حل اللحم فلم يفد طهارة الجلد كذبح المجوسي والمرتد وهذا لان التنجيس لو كان لمجرد احتقان الرطوبات في الجلد وإزالته مشروعة بكل طريق لم يفرق بين ذابح وذبح ومذبح ومذبح والذي يدل على ان ما لا يؤكل لحمه لا يطهر جلده لا بذكاة ولا بدباغ ما روى ابو المليح بن اسامة عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن جلود السباع رواه احمد وابو داود والنسائي والترمذي وزاد أن تفترش
وعن معاوية بن ابي سفيان قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن جلود النمور ان يركب عليها رواه احمد وابو داود وفي لفظ لاحمد نهى عن لبس صوف النمور وعن المقدام بن معدي يكرب قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن مياثر النمور رواه احمد والنسائي وعن المقدام انه قال لمعاوية انشدك الله هل تعلم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها قال نعم رواه احمد وابو داود والنسائي وعن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر رواه ابو داود وهذه الاحاديث نصوص في أنها لا تباح بذكاة ولا دباغ
فصل
ولا بد فيما يدبغ به ان يكون منشفا للرطوبة منقيا للخبث عن الجلد حتى لو نقع الجلد بعده في الماء لم يفسد سواء كان ملحا او قرظا او شبا او غير ذلك ولا بد من طهارته وهل يجب غسل الجلد بعد الدبغ على وجهين ويجوز بيع الجلد المدبوغ ولا يباح اكله إذا كان من حيوان مأكول في اقوى الوجهين ويباح استعماله في اليابسات مع القول بنجاسته في إحدى الروايتين وفي الاخرى لا يباح وهو الاظهر للنهي عن ذلك فأما قبل الدباغ فلا ينتفع به قولا واحدا كما لا يلبس جلد الكلب والخنزير وان دبغ
مسالة
وكذلك عظامهاعظم الميتة نجس وكذلك قرنها وضفرها وحافرها وعصبها في المشهور من المذهب وقيل هو كالشعر لانه ليس فيه رطوبات تنجسه ولانه لا يحس ولا يألم فيكون كالشعر والظاهر الاول لان النبي صلى الله عليه و سلم كتب الى جهينة لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب
ولانه فيه حياة الحيوان بدليل قوله تعالى من يحيي العظام وهي رميم ولان العصب يحس ويألم وكذلك الضرس وذلك دليل الحياة
وأما ما لا يحس منه مثل القرن والظفر والسن إذا طال فإنما هو لمفارقة الحياة ما طال وقد كان مقتضى القياس نجاسته لكن منع من ذلك اتصاله بالجملة تبعا لها ودفعا للمشقة بتنجيس ذلك كما قلنا فيما حشي على العقب وبسط على الانامل وسائر ما يموت من اللحم ولم ينفصل فإذا انفصل او مات الاصل زال المانع فطهر على السبب وتعليل نجاسة اللحم باحتقان الرطوبات فيه قد تقدم الجواب عنه
مسألة
وكل ميتة نجسة إلا الآدميأما نجاسة الحيوان بالموت في الجملة فإجماع وقد دل على ذلك قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وذلك يعم أكلها والانتفاع بها وغير ذلك لما روى جابر بن عبد الله انه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه رواه الجماعة
والكلام في فصلين في أجزاء الميتة وفي اجناسها أما أجزاؤها فاللحم نجس وكذلك الجلد وقد تقدم القول في العظم والشعر وأما ما لا يموت بموتها كالبيض واللبن فإنه لا ينجس بالموت لكن هل ينجس بنجاسة وعائه أما البيض فإذا كان قد تصلب قشره فهو طاهر مباح لانه لا يصل اليه شيء من النجاسة كما لو غمس في ماء نجس وكما لو طبخ في خمر أو ماء نجس وكذلك لو سلقه في ماء ملح أو مر لم يتغير طعمه وقال ابن عقيل هو طاهر مباح وان لم يتصلب لان جمودها وغشاءها الذي هو كالجلد مع لينه يمنع نفوذ النجاسة اليها
كما لو وقعت في مائع نجس والمشهور انها تتنجس إذا لم تتصلب لانها في النمور والحاجز غير حصين فلا ينفك غالبا من ان يشرب اجزاء عقيب الموت قبل ذهاب حرارة الحياة واما اللبن والإنفحة فطاهر في احدى الروايتين لان الصحابة فتحوا بلاد المجوس وأكلوا من جبنهم مع علمهم بنجاسة ذبائحهم وأن الجبن إنما يصنع بالإنفحة وان اللبن لم ينجس بالموت إذا لا حياة فيه ولا بملاقاة وعائه لان الملاقاة في الباطن لا حكم لها اذ الحكم بالتنجيس إنما يتسلط على الاجسام الظاهرة
ولذلك لم ينجس المني والنجاسة تخرج من مخرج المني وعلى هذه الرواية فجلد الإنفحة نجس كجلد الضرع وإنما الكلام فيما فيهما والرواية الاخرى هما نجس وهي المنصورة ولانه مائع في وعاء نجس فأشبه ما لو أعيد في
الضرع بعد الحلب او حلبت في اناء نجس وما عللوا به ينتقض بالمخ في العظم فانه نجس وأما المني والنجاسة فميز له اللبن الخارج في الحياة لانه لو نجس ما خلق طاهرا في الباطن بما يلاقيه لنجس ابدا بخلاف ما بعد الموت فإنه خروجه نادر كما لو خرج المني والنجاسة بعد الموت
وما ذكر عن الصحابة لا يصح لانهم وإن اكلوا من جبن بلاد فارس فلانة كان بينهم يهود ونصارى يذبحون لهم فحينئذ لا تتحقق نجاسة الجبن ولهذا كتب ابو موسى الاشعري الى عمر يذكر ان المجوس لما رأوا أن المسلمين لا يشترون جبنهم وإنما يشترون جبن اهل الكتاب عمد المجوس وصلبوا على الجبن كما يصلب اهل الكتاب ليشترى جبنهم فكتب اليه عمر ما تبين لكم انه من صنعتهم فلا تأكلوه وما لم يتبين لكم فكلوه ولا تحرموا على انفسكم ما أحل الله لكم رواه عبد الملك بن حبيب
وقال قد تورع عمرو بن مسعود وابن عباس في خاصة انفسهم من اكل الجبن الا ما ايقنوا انه من جبن المسلمين أو اهل الكتاب خيفة ان يكون من جبن المجوس وقيل لابن عمر انا نخاف ان يجبن الجبن بإنفحة الميتة فقال ما علمت انه ميتة فلا تأكل وأما اجناس الميت فكل ميت نجس الا ما يباح اكله ميتا وما ليس له دم سائل وما حرم لشرفه وقد استثناها الشيخ رحمه الله كذلك لعموم الآية والقياس سواء كان طاهرا في الحياة او نجسا لكن يبقى نجسا لسببين كما حرم السببين
أما الانسان فلا ينجس في ظاهر المذهب وعنه رواية اخرى ينجس لعموم الآية ووقع زنجي في بئر زمزم فمات فأمر ابن عباس بها تنزح رواه الدارقطني ولانه ذو نفس سائلة لا تباح ميتته فنجس بالموت كالشاة والاول اصح لان النبي صلى الله عليه و سلم قال المؤمن لا ينجس متفق عليه وفي لفظ الدارقطني المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا وروى الدارقطني ايضا عن النبي صلى الله عليه و سلم ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه فإنه ليس بنجس
ولان ذلك منقول عن ابن مسعود وابن عباس وعائشة في قضايا متعددة ولم يعرف لهم مخالف ولانه آدمي مسلم فلم ينجس بالموت كالشهيد فإنه
مسلم على القولين ولانه لو نجس لم يطهر بالغسل ولان الموجب لطهارته شرفه وكذلك لا حيا ولا ميتا وان قلنا ينجس بالموت بحسب اعضائه بالانفصال كسائر الحيوان فاما الشعر فهو طاهر في اصح الروايتن لانه ليس بمحل للحياة وفي رواية اخرى انه نجس بناء على انه من الجملة كاليد سواء جز او تساقط بخلاف شعر المأكول فإنه لما احتيج اليه كان جزه كتذكية
وهذا ضعيف كما سبق ويطهر بالغسل في اصح الروايتين ولا ينجس الشهيد كما لا ينجس دمه وان قلنا لا ينجس بالموت فكذلك اعضاؤه على الاصح وقيل تنجس وان لم ينجس في الجملة لان الحرمة انما تثبت لها اذا كانت تابعة وهو ضعيف لان حرمة الاعضاء كحرمة الجملة وهذا يختص بالمسلم واما الكافر فينجس على الروايتين لان المقتفي للطهارة من الاثر والقياس مفقود فيه وسبب التنجيس موجود فعمل عمله وعموم كلام بعض اصحابنا يقتفي التسوية كما في الحياة
مسألة
وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته
اما السمك اذا مات بمفارقة الماء فهو حلال طاهر بالاجماع وكذلك اذا مات في الماء حتف انفه وهو الطافي في ظاهر المذهب وقد خرج فيه وجه انه حرام وليس بشيء ومع ذلك فهو طاهر ايضا لان دمه طاهر كالجراد هو طاهر وان قلنا لا يحل ان مات فيه بغير سبب لانه ليست له نفس سائلة وما عدا السمك مما يباح ففيه ثلاث روايات أحدها ان جميعه يباح بلا ذكاة لعموم الحديث فعلى هذا لا ينجس الماء لموته فيه
والثانية لا يباح منه الا السمك لانه هو الميتة المعروفة بدليل قوله احل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والثالثة ان ما لا يعيش الا في الماء فهو كالسمك وما يعيش في البر لا يباح الا بالتذكية وهو ظاهر المذهب كما ذكره الشيخ رحمه الله لما روى ابو هريرة قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله انا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا منه عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته رواه الخمسة وقال الترمذي حديث حسن صحيح ولان ما لا يعيش الا في الماء لا يمكن تذكيته غالبا فأشبه السمك بخلاف ما يعيش في البر
فأما حيوان البحر المحرم كالضفدع والتمساح على المشهور والكوسج اذا قلنا بتحريمه فهو نجس بالموت وينجس الماء القليل كما ينجس غيره من المائعات
مسألة
وما لا نفس له سائله إذا لم يكن متولدا من النجاساتالنفس هي دمه ومنه سميت النفساء لجريان نفسها يقال نفست المرأة اذا حاضت ونفست اذا ولدت ومنه قول الشاعر ... تسيل على حد الظبات نفوسها ... وليس على غير الظبات تسيل ...
وهو قسمان أحدهما المتولد من النجاسة مثل صراصير الكنيف فهو نجس حيا وميتا لانه متولد من نجس فكان نجسا كالكلب والثاني ما هو متولد من طاهر كالذباب والبق والعقرب والقمل والبراغيث والديدان والسرطان سواء لم يكن له دم او كان له دما غير مسفوح فهذا لا ينجس بالموت ولا ينجس المائع اذا وقع فيه لما روى ابو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا وقع الذباب في شراب احدكم فليغمسه كله ثم
فإن في احد جناحية شفاء وفي الاخر داء رواه البخاري
فأمر بغمسه مع علمه بأنه يموت بالغمس غالبا لا سيما في الاشياء الحارة فلو كان ينجس الشراب لم يأمر بإفساده وقد روى الدارقطني عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوءه وقد روي عن عمر ومعاذ وابي الدرداء وابن مسعود وابي امامة انهم كانوا يقتلون القمل في الصلاة ومنهم من كان يدفنه في المسجد ولو كان نجسا لصانوا صلاتهم عن حمل النجاسة ومسجدهم عن دفن النجاسة فيه ولانه ليس له دم سائل فأشبه دود الخل والباقلا
فصل
إذا مات في الماء ما يشك فيه هل له نفس سائلة فهو طاهر في أظهر الوجهين فأما الوزغ فهو نجس في المنصوص من الوجهين والله اعلم
مسألة
يستحب لمن اراد دخول الخلاء ان يقول بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث ومن الرجس النجس الشيطان الرجيموذلك لما روي عن علي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل احدكم الخلاء ان يقول بسم الله رواه ابن ماجه والترمذي وعن انس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم اذا دخل الخلاء قال اللهم اين اعوذ بك من الخبث والخبائث رواه الجماعة وفي لفظ للبخاري اذا اراد ان يدخل
وعن زيد بن ارقم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن هذه الحشوش محتضرة فاذا دخل احدكم فليقل اللهم اين اعوذ بك من الخبث
والخبائث رواه ابو داود وابن ماجة وعن ابي امامة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يعجز أحدكم اذا دخل مرفقه ان يقول اللهم اين اعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم رواه ابن ماجة الحشوش جمع حش وهي في الاصل البساتين كانوا يقضون الحاجة فيها ثم سمي موضع قضاء الحاجة حشا والمحتضرة التي تحضرها الشياطين ولذلك امر بذكر الله والاستعاذة قبل الدخول
والخبث بسكون الباء قال ابو عبيد وابن الانباري وغيرهما قالوا وهو الشر والخبائث الشياطين فكأنه استعاذ من الشر ومن اهل الشر وقال الخطابي انما هو الخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة استعاذ
من ذكرانهم وإناثهم والاول أقوى لان فعيل اذا كان صفة جمع على فعلا مثله ظريف وظرفا وكريم وكرما وإنما يجمع على فعل إذا كان اسما مثل رغيف ورغف ونذير ونذر ولانه اكثر معنى والنجس بالكسر والسكون اتباع لما قبله ولو افردته لفتحته والمخبث ذو الاصحاب الخبثاء وهو ايضا الذي يعلم غيره الخبث
مسألة
وإذا خرج قال غفرانك الحمد الله الذي اذهب عني الاذى وعافانيلقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا خرج من الخلاء قال غفرانك رواه الخمسة الا النسائي قال الترمذي حديث حسن غريب وعن انس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي اذهب عني الاذى وعافاني رواه ابن ماجة وذكره الامام احمد ولان الخلاء مضنة الغفلة والوسواس فاستحب الاستغفار عقيبه
مسألة
ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج
وهذا عكس دخول المسجد لان اليمنى احق بالتقديم الى الاماكن الطيبة
واحق بالتأخير عن الاذى ومحل الاذى وكذلك قدمت في الانتعال دون النزع لانه صيانة لها وهذا فيما يشترك فيه العضوان فأما ما يختص بأحدهما فإنه يفعل باليمين ان كان من باب الكرامة كالاكل والشرب وبالشمال إن كان من باب إزالة الاذى كالاستنجاء والسواك
مسألة
ولا يدخله بشيء فيه اسم الله إلا من حاجة
لما روى انس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا دخل الخلاء نزع خاتمه رواه اصحاب السنن وقال الترمذي حديث حسن صحيح غريب وكان نقش خاتمه محمد رسول الله فإن كان معه دراهم او كتاب او خاتم فيه ذكر اسم الله وخاف عليه استصحبه وستره واحترز من سقوطه
وان كان خاتما ادار فصه الى باطن كفه فإن دخل بشيء فيه اسم الله من غير حاجة كره لانه يصان عنه ذكر الله تعالى باللسان فعما كتب عليه اسمه اولى بدليل المحدث يمنع من مس المصحف دون تلاوة القرآن
مسألة ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى
لما روى سراقة بن مالك قال علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اتينا الخلاء ان نتوكأ على اليسرى وننصب اليمنى رواه الطبراني في معجمه ولان ذلك اسهل لخروج الحدثفصل
ولا يتكلم لما روى ابن عمر أن رجلا مر ورسول الله صلى الله عليه و سلم يبول فسلم عليه فلم يرد عليه رواه الجماعة الا البخاري وعن ابي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عوراتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك رواه احمد وابو داود وابن ماجة
وعن ابن عمر أن رجلا مر على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يبول فسلم عليه الرجل فرد عليه السلام فلما جاوزه ناداه النبي صلى الله عليه و سلم فقال انما حملني على الرد عليك خشية ان تذهب فتقول اني سلمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يرد علي فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلم علي فإنك ان تفعل لا أرد عليك رواه الشافعي وهذا يدل على ان الكلام هنا مكروه وانه يجوز لعذر واذا عطس حمد الله بقلبه في اشهر الروايتين والاخرى يحمده بلسانه خفية لعموم الامر به ولانه كلام لحاجة والاول اولى لان النبي صلى الله عليه و سلم لم يرد السلام مع تأكده وتعلق حق الانسان به فغيره اولى
وحكى الامام احمد ان ابن عباس كان يكره ذكر الله على خلائه ويشدد فيه وذكر الله سبحانه اعظم من غيره من الكلام فلا يقاس به
مسألة
وإن كان في الفضاء ابعد واستترأما أنه يبعد فلما روى جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فكان لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يرى رواه ابن ماجة وعن المغيرة بن شعبة قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر فأتى حاجته فأبعد في المذهب حتى توارى عني رواه الجماعة واما الاستتار بما يمكنه من هدف حائط او حائش نخل او كثيب رمل فلما روى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من اتى الغائط فليستتر فإن لم يجد الا ان يجمع كثيبا من رمل فليستديره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني ادم من فعل فقد احسن ومن لا فلا حرج رواه الامام احمد وابو داود وابن ماجة وسنذكر حديث ابن جعفر وغيره ولان ذلك جهده في ستر العورة المأمور بها ولهذا كره ان يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض لان كشف العورة إنما أبيح للحاجة فيقدر بقدرها وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم
أنه كان اذا اراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض رواه ابو داود والترمذي واحتج به الامام احمد
مسألة
وارتاد موضعا رخوا
لما روى ابو موسى قال مال رسول الله صلى الله عليه و سلم الى دمث في جنب حائط فبال ثم قال كان بنو اسرائيل اذا بال احدهم فأصابه شيء من بوله يتبعه فيقرضه بالمقاريض وقال اذا اراد احدكم ان يبول فليرتد لبوله ولا يقضي حاجته في المستحم ثم يتوضأ او يغتسل فيه لانه يورث الوسواس وربما اصابه شيء منها ولذلك يكره الاستنجاء في كل موضع
نجس الا المكان المعد للاستنجاء خاصة ويكره البول في الماء الدائم وان كثر وبلغ حدا لا يمكن نزحه لعموم النهي عن ذلك
ولان فتح هذا الباب يفضي الى كثرة البول فيغيره وهي الموارد المذكورة في حديث معاذ وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اتقوا الملاعن الثلاث ان يقعد احدكم في ظل يستظل فيه او في طريق او في نقع ماء رواه احمد
وأما الجاري فيكره فيه التغوط لبقاء اثره
فأما البول فلا يكره إلا أن تكون الجرية قليلة وتحتها مستعمل يصيبه بيقين لمفهوم النهي عن البول في الماء الدائم ولا يكره البول في الآنية
للحاجة لما روي عن عائشة قالت يقولون إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصى الى علي لقد دعا بالطست ليبول فيها فانخنثت نفسه وما اشعر فإلى من اوصى رواه النسائي وعن اميمة بنت رقيقة قالت كان للنبي صلى الله عليه و سلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل رواه النسائي وأبو داود
ولا يكره البول قائما لعذر ويكره مع عدم العذر اذا خاف ان ترى عورته او يصيبه البول فإن أمن ذلك لم يكره في المنصوص من الوجهين لما روى حذيفة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم اتى سباطة قوم فبال قائما رواه الجماعة وفي الآخر يكره لما روي عن عائشة قالت من حدثكم أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم بال قائما فلا تصدقوه ما كان يبول الا جالسا رواه احمد وابن ماجة والنسائي والترمذي وقال هو احسن حديث في هذا الباب واصح وهذا يدل على ان الغالب عليه كان الجلوس وان بوله قائما كان لعذر إما لانه لم يتمكن من الجلوس في السباطة او لوجع كان به لما روى ابو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بال قائما من جرح كان بمأبضه أي تحت ركبته قال الشافعي كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما فترى لعله كان به إذ ذاك وجع الصلب ولكن قد رويت الرخصة عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وابي هريرة وابن عمر وسهل بن سعد وانس ولان الاصل الإباحة فمن ادعى الكراهة فعليه الدليل
مسألة
ولا يستقبل شمسا ولا قمراوذلك لان بهما يستضئ اهل الارض فينبغي احترامهما وقد ورد ان اسماء الله مكتوبه عليهما وهذا على سبيل التنزيه فإن كان بينهما حائل فلا بأس3
وكذلك يكره ان يستقبل الريح خشية ان يرجع عليه رشاش بوله
مسألة
ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ويجوز ذلك في البنيان
هذا هو المنصور عند الاصحاب وانه يحرم الاستقبال والاستدبار في الفضاء دون البنيان وعنه يحرم فيهما اختاره ابو بكر لما روى ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا جلس احدكم لحاجته فلا
يستقبل القبلة ولا يستدبرها رواه احمد ومسلم
وعن ابي ايوب الانصاري عن البني صلى الله عليه و سلم قال إذا اتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط ولا تستدبروها ولكن شرقوا او غربوا قال ابو ايوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله متفق عليه وعنه يحرم الاستقبال فيهما دون الاستدبار لما روى ابن عمر قال رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة متفق عليه فهذا يبيح الاستدبار فيبقى الاستقبال على ظاهر النهي
ووجه الاول حديث ابن عمر المذكور وعن عراك بن مالك ان عائشة قالت ذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم ان ناسا كرهوا ان يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال اوقد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة رواه احمد وابن ماجة وروى ابو داود عن مروان الاصفر قال رأيت ابن عمر اناخ راحلته مستقبل القبلة يبول اليها فقلت يا ابا الرحمن اليس قد نهي عن
هذا قال انما هذا في الفضاء فاذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس
وعلى هذا يحمل ما روى جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم ان تستقبل القبلة ببول فرايته قبل ان يقبض بعام يستقبلها رواه احمد وابو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن غريب وقال البخاري هذا حديث حسن صحيح وقد قيل في وجه الفرق ان كشف العورة محظور في الاصل وانما يباح لحجة فاذا لم يكن بين يديه او قريبا منه شيء يستره كان افحش وجهه القبلة اشرف الجهات فصينت عنه وعلى هذا نقول ان الجلوس في الصحراء في وهد او وراء جدار او بعير كما بين البنيان وان الجلوس على سطوح الوديان ولا سترة لها كالفضاء
مسألة
فإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره الى راسه ثم ينتره ثلاثايعني يمسح من اصل الذكر تحت الانثيين الى رأسه وينتر الذكر يفعل
ذلك ثلاثا لما روى عيسى بن يزداد عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا بال احدكم فليمسح ذكره ثلاث مرات رواه احمد وابن ماجة وقال ابو الشعثاء اذا بلت فاسمح اسفل ذكرك ولانه بالمسح والنتر يسترخي ما اذ عساه يبقى ويخشى عودته بعد الاستنجاء وان احتاج الى نحنهة او مشي خطوات لذلك فعل وقد احسن
وقيل بل يكره لانه وسواس وبدعة وقال احمد اذا توضأت فضع يدك على سفلتك ثم اسلت ما ثم حتى ينزل ولا تجعل ذلك من همك ولا تلتفت الى ظنك وان استنجى عقب انقطاع البول جاز ولا يطيل
المقام لغير حاجة لان المقام فيه لغير حاجة مكروه لانه محتضر الشياطين وموضع ابداء العورة ويقال عن لقمان الحكيم ان اطالة الجلوس يدمي الكبد ويورث البواسير
مسألة
ولا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بها
أما مس الذكر باليمين فمنهي عنه في كل حال لما روى ابو قتادة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يمسكن احدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه متفق عليه وكذلك الاستنجاء باليمين ولان سلمان الفارسي قيل له لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة فقال سليمان اجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط او بول او ان نستنجئ باليمين او ان نستنجئ بأقل من ثلاثة احجار أو ان نستنجي برجيع او بعظم رواه مسلم وغيره ولا يستعين بيمينه في ذلك الا ان يحتاج الى ذلك اما مسح الدبر فلا حاجة فيه الى الاستعانة باليمين
واما مسح القبل فيستغنى عنها بأن يقصد الاستجمار بجدار او موضع ناب او حجر ضخم ونحو ذلك مما لا يحتاج الى امساكه فإن اضطر الى الحجارة الصغار او الحرث ونحوها جعل الحجر بين عقبيه او بين اصابعه ان
امكن وتناول ذكره بشماله فمسحه بها فإن شق عليه ذلك فله الاستعانة باليمين كما له ان يستعين بها في صب الماء وكما لو كان اقطع اليسرى وهل يمسك ذكره بشماله والحجر بيمينه او بالعكس على وجهين اصحهما الاول وبكل حال تكون اليسرى هي المتحركة لأن الاستجمار انما يحصل بالحركة ولو استتنجى بيمينه صح مع الكراهة
مسألة
ثم يستجمر وترا ثم يستنجي بالماءهذا هو الافضل لان عائشة رضي الله عنها قالت مرن ازواجكن ان يتبعوا الحجارة الماء من اثر الغائظ والبول فإني استحييهم كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله احتج به احمد في رواية حنبل وروى ايضا في كتاب الناسخ والمنسوخ ان ناسا من الانصار كانوا يتبعون الاستنجاء بالحجارة الماء فنزلت فيه رجال ولان الغسل بعد تجفيف النجاسة ابلغ في
التنضيف فصار كالغسل بعد الحت والفرك في غير ذلك ولانه ابعد من مس الاذى باليد المحوج الى تكلف تطهيرها
وانما يستحب الايتاء في الاستجمار لما اخرجا في الصحيحين عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من استجمر فليوتر وان قطع عن شفع جاز لان في رواية ابي داود وابن ماجة من فعل فقد احسن ومن لا فلا حرج وان اقتصر على احدهما فالماء افضل في ظاهر المذهب وعنه انه يكره الاستنجاء من غير استجمار لان فيه مباشرة النجاسة بيده ونشرها من غير حاجة ولان الاقتصار على الحجر يجزئ بالاجماع من غير كراهة والماء قد انكره بعض السلف والاول اصح لان الماء يطهر المحل ويزيل الاثر والحجر يخفف وكان قياسها على سائر البدن يقضي الا يجزئ الا الماء وانما اجزأت الاحجار رخصة فاذا استعمل الطهور كان افضل والمباشرة باليد لغرض صحيح وهو الازالة كما في سائر المواضع ثم في الحجر يبقى اثر النجاسة ويدوم فإن لم يكره الحجر فلا اقل من ان يكون مفضولا وما نقل عن بعض الصحابة من انكار الماء فهو الله اعلم انكار على من يستعمله معتقدا لوجوبه ولا يرى الاحجار مجزئة لانهم شاهدوا من الناس محافظة على الماء لم يكن في اول الاسلام فخافوا التعمق في الدين كما قد يبتلى به بعض الناس
ولهذا قال سعد بن ابي وقاص لم يلحقون في دينكم ما ليس منه يرى احدكم ان حقا عليه ان يغسل ذكره اذا بال فان لم يحمل على هذا فلا وجه له فقد اخرجا في الصحيحين عن انس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل الخلاء فاحمل انا وغلام نحوي اداوه من ماء وعنزة فيستنجي بالماء وقصة اهل قباء مشهورة ويستحب للمستنجي ان يدلك يده بالارض لما روى ابو هريرة قال كان النبي صلى الله عليه و سلم اذا اتى الخلاء اتيته بماء في تورا او ركوة فاستنجي ثم مسح يده بالارض رواه داود وابن ماجة
فصل
والاولى ان يبدا الرجل بالقبل لانه اذا بدا بالدبر ربما اصابت نجاسة القبل يده واصابت دبره في حالة غسله والمرأة تتخير في أحد الوجهين لتوازنهما في حقها والثاني تبدا بالدبر لان نجاسته افحش واعسر ازالة فتبدأ بها لئلا ينجس القبل بها وقد طهر والثيب والبكر فيه سواء الا ان البكر يخرج بولها فوق الفرج والعذرة تمنع نزول البول اليه واما الثيب فيمكن نزول البول في فرجها والمنصوص من الوجهين انه لا يجب تطهير باطن فرجها لما فيه من المشقة كداخل العينينوالآخر يجب فعلى هذا ان لم يتحقق نزول شيء من البول اليه لم يجب شيء وان تحققنا فهل يجب غسله بالماء لان النجاسة تعدت المخرج او يكتفي فيه بالحجر للمشقة في ذلك وانه معتاد على وجهين اصحهما اجزاء الحجر
مسألة
وان اقتصر على الاستجمار اجزاءه اذا لم تتعد النجاسة موضع الحاجةاما اذا لم تتعد النجاسة موضع الحاجة فإنه يجزئه الاستجمار اذا انقى واكمل العدد سواء في ذلك جميع ما يستنجى منه من البول والمذي والودي والدم وغير ذلك
وانما يجزى بشرطين احدهما الانقاء لانه هو المقصود وعلامة ذل الا يبقى في المحل شيء يزيله الحجر والثاني ثلاث مسحات لما تقدم من حديث سلمان ولما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اذا ذهب احدكم الى الغائط فليستطب بثلاثة احجار فإنها تجزئ عنه رواه ابو داود فعلق الاجزاء بها ونهى عما دونها وهذا اجماع من الامة ان الاقتصار على الاحجار يجزئ من غير كراهة واما اذا تعدت موضع الحاجة فلا يجزئه الا الماء لان الاصل ان يجب ازالة النجاسة بالماء وانما رخص في الاستجمار لتكرار النجاسة على المخرج ومشقة ايجاب الغسل فاذا تعدت عن المخرج المعتاد خرجت عن حد الرخصة فوجب غسلها كنجاسة سائر البدن وحد ذلك ان ينتشر الغائط الى نصف باطن الالية فاكثر وينتشر البول الى نصف الحشفة فاكثر فاما والرمة بأنهما طعام الجن ودليل على الحكم يعم الحجارة وغيرها والا لنهي الناس عنها سوى الاحجار عموما
وقد روى الدارقطني عن طاووس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا اتى احدكم البراز فليستطب بثلاثة احجار او ثلاثة اعواد او ثلاث حثيات من تراب ثم ليقل الحمد لله الذي اذهب عني ما يؤذيني وامسك
علي ما ينفعني وهو مرسل حسن الشرط الاول ان يكون جامدا لان المائع ان كان مطهرا فذلك غسل واستنجاء وان لم يكن مطهرا أماع النجاسة ونشرها وحينئذ لا يجزئه الا الماء لان النجاسة انتشرت عن المخرج المعتاد والثاني ان يكون طاهرا فلا يجوز بجلد ميتة ولا بروث نجس ولا عظم نجس ولا حجر نجس لان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الاستنجاء بالروث والعظم في حديث ابن مسعود وابي هريرة وسلمان وخزيمة بن ثابت وسهل بن حنيف ورويفع بن ثابت وقد تقدم اكثرها وذلك يعم العظم الطاهر والنجس والروث الطاهر والنجس اما الطاهر فقد علله بأنه زاد اخواننا من الجن ففي النجس منه لا عله له الا النجاسة لا سيما الروثة وكسائر الركس والنجس وهما
بمعنى واحد ولا يقال الجميع زاد الجن لانه قد بين انما زادهم كل عظم ذكر اسم الله عليه
ولانه اذا استجمر بشيء نجس اورث المحل نجاسة غير نجاسته وما سوى نجاسته لا يجزئ الاستجمار فيها وكذلك لو خالف واستنجى بالنجس لم يجزئه الاستجمار ثانيا وتعين الماء وقيل يجزئ لان هذه النجاسة مائعة لنجاسة المحل ولا يقال المقصود الانقاء من نجاسة المستنجي به غير حاصل الثالث ان يكون منقيا لان الانقاء هو مقصود الاستجمار فلا يجزئ بزجاج ولا فحم رخو ولا حجر املس الرابع ان لا يكون محترما مثل الطعام ولا يجوز الاستنجاء به سواء في ذلك طعام الانس والجن وعلف دواب الانس والجن
لما روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم ان الجن سألوه الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في ايديكم اوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد اخوانكم وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان كان يحمل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم اداوة لوضوئه وحاجته فبينما هو يتبعه قال أبغني احجارا استنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة فاتيته باحجار احملها في طرف ثوبي حتى وضعتها الى جنبه ثم انصرفت حتى اذا فرغ مشيت معه
فقلت ما بال العظم والروثة فقال هما من طعام الجن وانه اتاني وقد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت الله لهم الا يمروا بعظم ولا
بروثة الا وجدوا عليها طعاما رواه البخاري فبين له صلى الله عليه و سلم ما هو طعام الجن ونهانا عنه وتبرأ ممن يستنجئ به فبما هو طعامنا اولى وكذلك ما مكتوب فيه اسم الله تعالى او شيء من الحديث والفقه سواء كان ورقا او حجرا او اديما لان حرمته اعظم من حرمة علف دواب الجن وكذلك ايضا ما هو متصل بحيوان كيده وذنبه وريشه وصوفه وكذلك يد نفسه سواء في ذلك الحيوان الطاهر والنجس الآدمي وغيره ولان الحيوان محترم فاشبه المطعوم واذا كان قد نهى عن الاستنجاء بعلف الدواب فالنهي عن الاستنجاء بها اولى ولا يجوز الاستنجاء بهذه الاشياء لان الاستنجاء رخصة فلا يباح بمحرم كالقصر في سفر المعصية وقد روى الدارقطني ان النبي صلى الله عليه و سلم نهى ان يستنجى بروث او عظم وقال انهما لا يطهران وقال اسناد صحيح فإن استنجي بها فهل يجزئه اعادة الاستنجاء او يتعين الماء على وجهين
فإن قيل قد نهي عن الاستنجاء باليمين وقد قلتم يجزئ قلنا اليد ليست شرطا في الاستنجاء وانما جاءت لانه لا يمكنه الاستنجاء بغيرها حتى لو استغنى عنها بأن يقعد في ماء جار حتى ينقى المحل حصلت الطهارة وكذلك لو استنجى بيد اجنبي فقد اثم واجزاه واما المستنجى به فهو شرط في الاستنجاء كالماء في الطهارة والتراب في التيمم فان كان محرما لعينه كان كالوضوء بالماء النجس وان كان لحق الغير كان كالمتوضئ بالماء المغصوب او اشد لانه رخصة
فصل
والاستنجاء واجب لكل خارج من السبيلين فلو صلى بدونه لم تصح الصلاة لما روى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بقبرين فقال انهما يعذبان وما يعذبان في كبير اما احدهما فكان لا يستتر من بوله واما الاخر فكان بمشي بالنميمة رواه الجماعة سواء كان الخارج نادرا او معتادا رطبا او يابسا كالروث والبول والدود والحصى والمذي ولان خروج الخارج من هذا المحل مظنة استصحاب الرطوبة النجسة فعلق الحكم به وان تخلفت عن الحكم في آحاد الصور
وقال كذلك اعتبر العدد وان زالت الرطوبة بدونه الا الريح فان الامام احمد قال ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا سنة رسولة انما عليه الوضوء
فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من استنجى من الريح فليس منا رواه الطبراني وابو حفص العكبري ولان الريح ليس لها جرم
لا صق يزال ولا هي مظنة استجلاب رطوبة يمكن ازالتها واما الخارج الطاهر فيجب الاستنجاء منه في المشهور كما يجب من يسير الدم والقيح وان عفي عنه في غير هذا الموضع لان خروجه من السبيل يورث تغليظا ولان الاستنجاء من المني فعل النبي صلى الله عليه و سلم واصحابه على الدوام ولا اعلم اخلالهم به بحال
فصل
والافضل في الاستجمار ان يمر حجرا من مقدم صفحته اليمنى الى مؤخرها ثم يديرها على اليسرى حتى يرجع الى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى الى مؤخرها ثم يديره على اليمنى حتى يرجع به الى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين لان العدد معتبر في ازالة هذه النجاسة فاستوعب المحل في كل مرة منه كالعدد في ولوغ الكلب
وما روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم اولا يجد احدكم حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة رواه الدارقطني وقال اسناد حسن محمول على الابتداء بهذه المواضع لانه قد جاء بلفظ اخر عنه أنه
كان يقبل بواحد ويدبر بآخر ويحلق بالثالث فإن مسح على كل جهة مسحة فوجهان
فصل
السنة ان يستنجي قبل الوضوء فان اخره الى بعده اجزاه في احدى الروايتين لانها نجاسة فصح الوضوء قبل ازالتها كما لو كانت على البدن فعلى هذا اذا توضأ استفاد بذلك مس المصحف ولبس الخفين ويستمر وضوؤه اذا لم يمس فرجهوالرواية الاخرى لا يصح وضوؤه وهي اشهر لان في حديث المذي يغسل ذكره ثم يتوضأ رواه النسائي ولان النبي صلى الله عليه و سلم واصحابه لم ينقل عنهم انهم يتوضؤون الا بعد الاستنجاء وفعله اذا خرج امتثالا للامر فحكمه حكم ذلك الامر ولانهما محلان وجب غسلهما بسبب واحد في بدن واحد فكان الترتيب بينهما مشروعا كمحال الوضوء فاما التيمم فقال ابن حامد هو كالوضوء وقال القاضي لا يجزئه وان قلنا يجزئ الوضوء
لانه مبيح للصلاة ليس برافع للحدث والاستباحة قبل الاستنجاء لا تحصل فيكون كالتيمم قبل الوقت فعلى هذا لو كانت النجاسة في غير المخرج لم يجز في وجه كذلك وقيل يجزئ لانه استباح الصلاة من غيرها فاشبه ما لو كانت على الثوب
فصل
يستحب اذا توضأ ان ينضح فرجه بالماء ليقطع عنه الوسواس بخروج البول نص عليه لما روى سفيان بن الحكم او الحكم بن سفيان قال رايت النبي صلى الله عليه و سلم توضأ ثم نضح فرجه رواه احمد وابو داود وابن ماجة والنسائي
وعن زيد بن حارثة ان النبي صلى الله عليه و سلم اتاه جبريل عليه السلام في اول ما اوحي اليه فعلمه الوضوء والصلاة فلما فرغ من الوضوء اخذ
غرفة من ماء فنضح بها فرجه رواه احمد والدارقطني وابن ماجة ولفظه علمني جبريل الوضوء وامرني ان انضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء وهذا في المستنجي بالماء فأما المستجمر فتنجسه ان قلنا ان المحل نجس وان قلنا هو طاهر فهو مكروه نص عليه
باب الوضوء
مسألةلا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا ان ينويه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى
يعني ان يقصد بغسل الاعضاء رفع حدثه وهو المانع مما تشترط له الطهارة بقصد او استباحة عبادة لا تستباح الا بالوضوء وهي الصلاة والطواف ومس المصحف فاما ان غسل اعضاءه ليبردها بالماء او يزيل عنها نجاسة او ليعلم غيره لم يرفع حدثه وكذلك النية تشترط في الغسل والتيمم لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى رواه الجماعة
ولانها عبادة مأمور بها فافتقرت الى نية كسائر العبادات فانه يجب عليه ان ينوي العبادة المأمور بها وان يخلصها لله لقوله وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ولا يقال هي شرط للصلاة فاشبهت طهارة الخبث والاستتار والاستقبال لان الوضوء عبادة في نفسه وشرط للصلاة ولان ازالة النجاسة من باب المتروك ولهذا لا يحتاج الى عمل اصلا بخلاف طهارة الحدث ولذلك اختصت بالماء واما الاستقبال والاستتار فانهما يوجدان في جميع الصلاة مثل وجودهما قبلها فنية الصلاة تنتظمهما بخلاف التوضؤ
ولذلك اذا حلف لا يتطهر وهو متطهر لم يحنث بالاستدامة واذا حلف لا يستتر وهو مستتر ولا يستقبل القبلة وهو مستقبلها فاستدام ذلك حنث
فصل
ومحل النية القلب فلو سبق لسانه بغير ما قصده كان الاعتبار بما قصد ولو قصد مع الوضوء التبرد او غيره لم يضره كما لو قصد تعليم غيره او قصد مع الصلاة تعليمها ويستحب تقديم النية على غسل اليد لانه اول المسنونات ويجب تقديمها على الوجه والمضمضة والاستنشاق ولانه اول الواجبات ويجوز تقديمها عليه بالزمن اليسير كالصلاة ويجب استصحاب حكمها الى اخر الوضوءوالافضل ان يستصحب ذكرها ايضا كما قلنا في الصلاة وغيرها ومعنى الاستدامة ان لا يفسخها بأن ينوي قطع الوضوء او ينوي بالغسل تبردا او تنظفا من النجاسة ويعزب عن نية الوضوء فان فسخها بطلت في اقوى الوجهين كما تبطل الصلاة والصيام فان افرد كل عضو بنيته بأن يقصد غسله في وضوئه جاز ولم يبطل ما غسله بالفسخ كما لو نوى ابطالها بعد فراغها في الصحيح المشهور
مسألة
ثم يقول بسم اللهلما روى عن يعقوب بن سلمة الليثي عن ابيه عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن
لم يذكر اسم الله عليه رواه احمد وابو داود وابن ماجة
وعن سعيد بن زيد وابي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله رواهما احمد وابن ماجة ولان ذكر اسم الله مشروع في اول الافعال العادية كالاكل والشرب والنوم ودخول المنزل والخلاء فلان يشرع
في اول العبادات اولى والمسنون التسمية هذا احدى الروايتين عن الامام احمد قال الخلال الذي استقرت عليه الروايات انه لا بأس به يعني اذا ترك التسمية وهي اختيار الخرقي وغيره لان الاحاديث فيها ليست قوية
وقال احمد ليس يثبت فيها حديث ولا اعلم فيها حديثا له اسناد جيد
وقال الحسن بن محمد ضعف ابو عبدالله الحديث في التسمية وقال اقوى شيء فيه حديث كثير عن ربيح يعني حديث ابي سعيد ثم ذكر رباحا اي من هو ومن ابو ثفال يعني الذي يروي حديث سعيد بن زيد وقال البخاري في حديث ابي هريرة لا يعرف لسلمة سماع
من ابي هريرة ولا ليعقوب سماع من ابيه ولو صحت حملت على الذكر بالقلب وهو النية وكذلك قال ربيعة لما ذكرنا من الاحاديث
والرواية الاخرى انها واجبة اختارها ابو بكر والقاضي واصحابه وكثير من اصحابنا بل اكثرهم لما ذكرنا من الاحاديث
قال ابو اسحاق الجوزجاني قال ابن ابي شيبة ثبت لنا عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا وضوء لمن لم يسم وتضعيف احمد لها محمول على احد الوجهين اما انها لا تثبت عنده اولا لعدم علمه بحال الراوي ثم علمه فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب ولهذا اشار الى انه لا يعرف رباحا ولا ابا ثفال وهكذا تجئ عنه كثيرا الاشارة الى انه لم يثبت عنده ثم زال ثبوتها فان النفي سابق على الاثبات واما انه اشار الى انه لم يثبت على طريقة تصحيح المحدثين
فان الاحاديث تنقسم الى صحيح وحسن وضعيف واشار الى انه ليس بثابت اي ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ الثقة عن مثله وذلك لا ينفي ان يكون حسنا وهو حجة ومن تأمل الحافظ الامام علم انه لم يوهن
الحديث وانما بين مرتبته في الجملة انه دون الاحاديث الصحيحة الثابتة وكذلك قال في موضع آخر احسنها حديث ابي سعيد ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها احسنها وهذا معنى احتجاج احمد بالحديث الضعيف وقوله ربما اخذنا بالحديث الضعيف وغير ذلك من كلامه يعني به الحسن
فاما ما رواه متهم او مغفل فليس بحجة اصلا ويبين ذلك وجوه احدها ان البخاري اشار في حديث ابي هريرة الى انه لا يعرف السماع في رجاله وهذا غير واجب في العمل بل العنعنة مع امكان اللقاء ما لم يعلم ان الراوي مدلس وثانيها انه قد تعددت طرقه وكثرت مخارجه وهذا مما يشد بعضه بعضا ويغلب علىالظن ان له اصلا وروي ايضا مرسلا رواه سعيد عن مكحول عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال اذا تطهر الرجل وذكر اسم الله طهر جسده كله واذا لم يذكر اسم الله لم يطهر منه الا مكان الوضوء
وهذا وان احتج به على ان التسمية ليست واجبة فإنه دليل على وجوبها لان الطهارة الشرعية التي تطهر الجسد كله حتى تصح الصلاة ومس المصحف بجميع البدن فاذا لم تحصل الشرعية جعلت الطهارة الحسية وهي مقتصرة على محلها كما لو لم ينو
وروى الدراوردي ثنا محمد بن ابي حميد عن عمر بن يزيد ان رجلا توضأ ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فكأن النبي صلى الله عليه و سلم اعرض عنه وقال له تطهر فرجع فتوضأ ثم اجتهد فجاء فسلم فأعرض عنه وقال ارجع فتطهر فلقي الرجل عليا فاخبره بذلك فقال له علي هل سميت الله حين وضعت يدك في وضوئك فقال لا والله فقال ارجع فسمي الله في وضوئك فرجع فسمى الله على وضوئه ثم رجع الى النبي صلى الله عليه و سلم فسلم عليه فرد عليه واقبل عليه بوجهه ثم قال اذا وضع احدكم طهوره فليسم الله رواه الجوزجاني عن نعيم بن حماد عنه وثالثها ان تضعيفه اما من جهة ارسال او جهل راو وهذا غير قادح على احدى الروايتين وعلى الاخرى وهي قول من لا يحتج بالمرسل نقول اذا عمل به جماهير اهل العلم وارسله من اخذ العلم عن غير رجال المرسل الاول او روي مثله عن الصحابة او وافقة ظاهر القرآن فهو حجة وهذا الحديث قد اعتضد باكثر ذلك فإن عامة اهل العلم عملوا به في شرع التسمية في الوضوء ولولا هذا الحديث لم يكن لذلك اصل وانما اختلفوا في صفة شرعها هل هو ايجاب او ندب وروي من وجوه متباينة مسندا ومرسلا ولعلك تجد
في كثير من المسائل ليس معهم احاديث مثل هذه ورابعها ان الامام احمد قال احسنها يعني احاديث هذا الباب حديث ابي سعيد وكذلك قال اسحاق بن راهويه وقد سئل اي حديث اصح في التسمية فذكر حديث ابي سعيد وقال البخاري احسن حديث في هذا الباب حديث سعيد بن زيد
وهذه العبارة وان كانوا انما يقصدون بها بيان ان الاثر اقوى شيء في هذا الباب فلولا ان اسانيدها متقاربة لما قالوا ذلك وحملها على الذكر بالقلب او على تأكيد الاستحباب خلاف مدلول الكلام وظاهره وانما يصار اليه لموجب ولا موجب هنا واذا قلنا بوجوبها فانها تسقط بالسهو على احدى الروايتين كالذبيحة واولى فان قلنا تسقط سمى متى ذكرها وان قلنا لا تسقط لغا ما فعله قبلها وهذا على المشهور وهو انها تجب في اول الوضوء قبل غسل الوجه وقال الشيخ ابو الفرج متى سمى اجزاءه
مسألة
ويغسل كفيه ثلاثا
هذا مسنون لكل متوضىء سواء ان تحقق طهارتها او شك في ذلك وهي من جملة الوضوء حتى لو غسلها قبل الوضوء استحب له اعادة غسلها بعد النية وكذلك الذي يوضئ الميت يستحب له ان يغسل كفيه كلما وضأه نص عليه وذلك لان الذين وضأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكروا انه كان يبدأ فيغسل كفيه ثلاثا ولان اليد الة لنقل الماء فاستحب تطهيرها تحقيقا لطهارتهما وتنظيفا لهما وادخالا لغسلهما في حيز العبادة ولو انه على سبيل التجديد
فاما ان كان المتوضئ قد قام من نوم الليل كان غسلهما اوكد حتى يكره تركه وهو واجب في احدى الروايتين قال القاضي واصحابه لا عن حدث ولا عن نجس لكن تعبد اختارها ابو بكر واكثر اصحابنا لما روى ابو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اذا استيقظ احدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري اين باتت يده متفق عليه الا ان البخاري لم يذكر العدد ومقتضى الامر الايجاب لا سيما وغسل اليد مستحب مطلقا فلما خص به هذه الحال دل على وجوبه وهذا يختص بنوم الليل دون نوم النهار لان المبيت انما يكون بالليل فعلى هذا لو استيقظ المحبوس ولم يدر ليل هو ام نهار لم يلزمه غسلهما ومن
نام اكثر الليل لزم الغسل دون من بات اقله كالمبيت بمزدلفة وقال القاضي يلزم كل من نام نوما ينقض وضوءه فان بات ويده في جراب او مكتوفا وجب غسلهما في اظهر الوجهين وتشترط النية لذلك في اشهر الوجهين لانه عبادة ولا تشترط التسمية على الاصح وان قلنا باشتراطها في الوضوء بل المستحب ان يفردها بالتسمية ويجوز تقديمها على الوضوء بالزمن الطويل لانها ليست من جملته والرواية الثانية انه سنة اختارها الخرقي وجماعة لان قوله اذا قمتم الى الصلاة يعم القائم من النوم وغيره لا سيما وقد فسره زيد بن اسلم بالقيام من الليل ولم يذكر شيئا اخر ولان الطهور الواجب اما عن خبث وهي طهارة باجماع واما عن حدث ولو كان كذلك لاجزأ غسلهما في جملة اعضاء الوضوء بنية الحدث واكتفى لهما بغسلة واحدة وحملوا الحديث على الاستحباب كما روى ابو هريرة عنه صلى الله عليه و سلم انه قال اذا استيقظ احدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه متفق عليه
لتعليله بوهم النجاسة ولانه قد روى في لفظ صحيح اذا اراد احدكم الطهور فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها وهذا يدل على انه اراد به غسل اليد المسنون عند الوضوء وعلى هذه الرواية حكم غسلهما هنا حكم
غسلهما عند ارادة كل وضوء الا انه موكد هنا يكره تركه وهل يختص ذلك بمن يريد الوضوء او يعمه وغيره بحيث يغسل عند الوضع في الطعام وغيره من المائعات يحتمل وجهين
مسألة
ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا يجمع بينهما بغرفة واحدة او ثلاثلان الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكروا ذلك فيه والسنة ان يتمضمض ويستنشق بيمينه ويستنثر بشماله وان يقدمهما على ظاهر الوجه للسنة المستفيضة بذلك ولان تقديم الباطن اولى لئلا يخرج منه اذى بعد غسل الظاهر فيلوثه وان يقدم المضمضة للسنة ولان الفم اشرف واحق بالتطهير وهو اشبه بالباطن وقوله يجمع بينهما اي الجمع بين المضمضة والاستنشاق بماء واحد افضل من ان يفصل كل واحد بماء لان في حديث عبدالله بن زيد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه و سلم انه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات وفي لفظ تمضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا متفق عليهما وفي لفظ تمضمض واستنثر ثلاثا من غرفة واحدة رواه البخاري وكذلك في حديث ابن عباس وعثمان وغيرهما وهذه الاحاديث اكثر واصح من احاديث الفصل ولان هذا يحصل معه الاسباغ مع الرفق من غير سرف ثم ان شاء تمضمض واستنشق الثلاث بغرفة واحدة ان امكنة ان يسبغ بها وان شاء بثلاث غرفات لان الحديث جاء بهما وان فعل المضمضة بماء والاستنشاق بماء
جاز لانه قد جاء في الاحاديث اما بغرفتين او ست غرفات واذا جمعهما بماء واحد في غرفة واحدة او فصلهما بماءين في ست غرفات كمل وصفته المضمضة اولا ثم الاستنشاق في احد الوجهين كما لو فرقهما بغرفتين وفي الاخر يتمضمض ثم يستنشق ثم يتمضمض ثم يستنشق كما لو جمعهما بثلاث غرفات ويحتمل ان تكمل المضمضة في الست وفي الاخرى يتمضمض ويستنشق الحاقا لكل واحد بجنسه وقد روى عبد الله بن احمد في المسند عن علي انه تمضمض ثلاثا ثم استنشق ثلاثا بكف كف وقال احببت ان اريكم كيف كان طهور نبي الله صلى الله عليه و سلم
فصل
والمضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين الصغرى والكبرى في ظاهر المذهب وعنه ان الاستنشاق وحده هو الواجب لما روى ابو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اذا توضأ احدكم فليستنثر وفي لفظ فليجعل في انفه ماء ثم يستنثر متفق عليه وفي لفظ لمسلم من توضأ فليستنشق وقال للقيط بن صبرة وبالغ في الاستنشاق الا ان تكون صائما فامر بالمبالغة والاستنثار المستلزمين للاستنشاق قام الدليل على استحباب الصفة بقي اصل الفعل على الوجوب ولم يرد مثل هذه الاحاديث الصحاح في المضمضة ولان طرف الانف لا يزال مفتوحا ليس له ساتر بخلاف الفم ولهذا امر القائم من نومه بالاستنشاق ثلاث مرات ولم يذكر المضمضة والرواية الثالثة انهما يجبان في الكبرى دون الصغرى لان الغسل مبناه على وجوب غسل جميع ما يمكن من الظاهر والباطن بدليل باطن الشعور الكثيفة من اللحية والرأس بخلاف الوضوء فانه لا يجب فيه غسل ما استتر كباطن اللحية
ويروى عنه انه يجب الاستنشاق وحده في الوضوء خاصة لانه الذي جاء فيه النص والصحيح الاول لان الله سبحانه وتعالى امر بغسل الوجه مطلقا وفسره النبي صلى الله عليه و سلم بفعله وتعليمه فمضمض واستنشق في كل وضوء توضأه ولم ينقل عنه انه اخل به ابدا مع اقتصاره على اقل ما يجزئ حين توضأ مرة مرة وقال هذا صفة الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة الا به وهذا اقصى حدا في اقتصادر الوجوب من جهة ان فعله اذا خرج امتثالا لامر كان حكمه حكم ذلك الامر في اقتضاء الوجوب
ومن جهة انه لو كان مستحبا لاخل به ولو مرة ليبين جواز الترك كما ترك الثانية والثالثة ومن جهة انه لما توضأ قال هذا صفة الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة الا به وقد روى ابو داود عن لقيط بن صبرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اذا توضأت فمضمض وعن حماد بن
سلمة عن عمار بن ابي عمار عن ابي هريرة قال امر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمضمضة والاستنشاق وعن سليمان بن موسى الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه رواهما الدارقطني
وقد روى هذين الحديثين مسندين ومرسلين والمرسل اذا ارسل من جهة اخرى او عضده ظاهر القرآن او السنة صار حجة وفاقا وهو كذلك ولان الفم والانف في الوجه وحكمهما حكم الظاهر وتخصيص النبي صلى الله عليه و سلم الاستنشاق بالامر لا لانه اولى بالتطهير من الفم كيف والفم اشرف لانه محل الذكر والقراءة وتغيره بالخلوف اكثر لكن يشبه والله اعلم ان الفم لما شرع له التطهير بالسواك واوكد امره وكان غسله بعد الطعام مشروعا
وقبل الطعام على قول علم اعتناء الشارع بتطهيره بخلاف الانف فانه ذكر لبيان حكمه خشية ان يهمل اذا لم يشرع غسله الا في الوضوء وعند الانتباه
فصل
وهل تسمى المضمضة والاستنشاق فرضا على روايتين منصوصتين وكذلك عنه في صدقة الفطر بناء على احدى الروايتين عنه ان الفرض ما يثبت بكتاب الله دون ما ثبت وجوبه بالسنة او ما يثبت بدليل قاطع دون ما ثبت بخبر الواحد والعموم ونحو ذلك وربما قيل ما لم يسقط في عمد ولا سهو ويجوز تأخيرهما عن غسل ظاهر الوجه ويجب تقديمهما على غسل اليد في احدى الروايتين لانهما من الوجه فوجب تقديمهما كسائر اجزائه
والرواية الثانية انه يجوز تأخيرهما عن جميع الاعضاء وانه لا يجب الترتيب والموالاة بينهما وبين غيرهما لما روى المقدام بن معدي كرب قال اتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم مضمض واستنشق ثلاثا ثم مسح راسه واذنيه ظاهرهما وباطنهما رواه احمد وابو داود ولان وجوبهما
لم يعلم بنص القرآن والترتيب انما يجب بين الاعضاء المذكورة في القرآن ليبدأ بما بدأ الله به وانما هما من الوجه على سبيل التبع كما ان الاذنين من الرأس فجاز غسلهما تبعا
مسألة
ثم يغسل وجهه ثلاثالقوله سبحانه اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم والتثليث في سائر الاعضاء المغسولة لما روي عن عثمان انه دعا بإناء فافرغ على كفيه ثلاثا مرات فغسلهما ثم ادخل يميينه في الاناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه الى المرفقين ثلاثا مرات ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاثا مرات الى الكعبين ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضا نحو وضوئي هذا ثم قال من توضا نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه
ويستحب ان يزيد في ماء الوجه لاساريره ودواخله وخوارجه وشعوره وان يمسح ما فيه لانها مظنة نبو الماء عنها قال احمد يؤخذ للوجه اكثر مما يؤخذ لعضو من الاعضاء وكره ان يأخذ الماء ثم يصبه ثم يغسل
وجهه وقال هذا مسح ولكنه يغسل غسلا وقد روى ابو امامة وصف وضوء النبي صلى الله عليه و سلم فذكر ثلاثا وقال وكان يمسح الماقين رواه احمد والمأق طرف العين من جهة الانف والاذن
مسألة
من منابت شعر الرأس الى ما انحدر من اللحيين والذقن والى اصول الاذنين
لان الرأس ما عليه الشعر وهو المشروع مسحه فما دون المنابت هو من الوجه وهذا معتبر بغالب الناس فاما الاقرع الذي ينبت الشعر في بعض جبهتيه او الاجلح الذي انحسر الشعر عن مقدم راسه فلا عبرة بهما بل يجب على الاقرع غسل الشعر النابت على الوجه وغسل ما تحته ان كان يصف البشرة وقوله الى ما انحدر من اللحيين والذقن فاللحيان هما العظمان اللذان في اسفل الوجه قد اكتنفاه وعليهما تثبت اكثر اللحية
والذقن مجتمع اللحييين فيجب غسل البشرة ان كانت ظاهرة وغسل ما عليها من الشعر وما استرسل من اللحية عن اللحيين والذقن وعنه لا يجب غسل ما خرج عن محاذاة البشرة طولا وعرضا كما لا يجب مسح ما
استرسل من الرأس ولان الفرض كان على البشرة قبل النبات فلما نبت الشعر انتقل الفرض اليه فما لم يحاذ البشرة لم ينتقل اليه شيء والصحيح الاول لان النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من عبد يغسل وجهه كما امره الله تعالى الى خرت خطايا وجهه من اطراف لحيته مع الماء ولانه ثابت في المحل المغسول فتبعه وان طال كالظفر اذا خرج عن حد الاصبع
ولان اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة والوجاهة بخلاف الذوائب فانها لا تشارك الرأس في التراس والارتفاع ولذلك كان غسل اللحية مشروعان ومسح الذوائب مكروها وقد ذكر اصحابنا وغيرهم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم راي رجلا قد غطى لحيته في الصلاة فقال اكشف عن وجهك فان اللحية من الوجه وقوله من الاذن الى الاذن يعني به من وتد الاذن اصلها دون فرعها فلم تدخل الاذنان في الوجه فاما البياض بين الاذنين والعذار فمن الوجه
قال الاصمعي والمفضل بن سلمة ما جاوز وتد الاذن من العارض والعارضان من الوجه ولانه قبل نبات الشعر كان يجب غسله اجماعا وكذلك بعده ولان فيه معنى التوجه والمواجهة والوجاهة ولان حكم الموضحة يثبت في
عظمه وهي لا تثبت الا في راس او وجه وليس من الرأس فيكون من الوجه فاما الشعور النابتة في الوجه فان كانت تصف البشرة وجب غسلها وغسل ما تحتها كما كان يجب قبل نبات الشعر لانه ما دام يظهر فهو ظاهر لا يشق ايصال الماء اليه وان لم تصف البشرة لم يجب الا غسل ظاهرها فقط سواء في ذلك شعر الحاجبين والشاربين والعنفقة والعذار واللحية هذا هو المنصوص لانه يشق ايصال الماء اليها ولانه لم ينقل عنه انه غسل باطن اللحية قال احمد وقد سئل ايما عجب اليك غسل اللحية او تخليلها فقال غسلها ليس من السنة وقيل يجب غسل باطن ما سوى اللحية وكذلك لحية المرأة وان كان كثيفا لان ايصال الماء لا يشق غالبا والصحيح الاول لان الفرض بعد الستر انتقل الى الظاهر ولان في ايجاب غسل باطنها مشقة وتطريقا للوسواس كاللحية والذي يدخل في الوجه من الشعور الحاجبان واهداب العينين والشاربان والعنفقة والعذار والعارضان
والعذار هو الشعر النابت على العظم النابي محاذيا صماخ الاذن مرتفعا الى الصدغ ومنحطا الى العارض والعارض هو النابت على اللحيين الى الذقن وقال الاصمعي ما جاوز وتد الاذن فهو عارض فاما التحذيف والصدغ والتحذيف هو ما ارتفع عن العذار اخذا الى طرف اللحيين والنزعة ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا والصدغ هو ما ارتفع من العذار الى فوق مشيا الى فرع الاذن ودونه قليلا وهو يظهر في حق الغلام قبل نبات لحيته ففيها ثلاثة اوجه احدها يجب غسلهما لانهما داخلان في تدوير الوجه فدخلا في حده وان كان شعرهما متصلا بشعر الرأس كما ان
النزعتين لما دخلا في حد الرأس كانتا منه وان خليا من الشعر والثاني لا يجب لان هذا الشعر متصل بشعر الرأس ابتداء فكانه منه كسائره والثالث يجب غسل التحذيف خاصة لانه يعتاد اخذه دون اخذ الصدغ ولان محله يجب غسله لو لم يكن عليه شعر فكذلك اذا كان عليه ويستحب غسل داخل العين اذا امن الضرر في احد الوجهين لان ابن عمر كان يفعله ولا يستحب في الاخر وهو اشبه لانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم ولانه مظنة تخوف الضرر في الجملة مع تكرار الوضوء
مسألة
ويخلل لحيته ان كانت كثيفة وان كانت تصف البشرة لزمه غسلهااما التي تصف البشرة فقد تقدم القول فيها واما تخليل الكثيفه فلما روى انس ان النبي صلى الله عليه و سلم كان اذا توضأ اخذ كفا من ماء فادخله تحت حنكه فخلل لحيته وقال هكذا امرني ربي رواه ابو داود وعن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه و سلم كان اذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك وشبك لحيته باصابعه من تحتها رواه ابو داود وتخليلها من تحتها ليصيب الماء اسافلها كما اصاب عاليها واما غسلها فليس بسنة كما تقدم
مسألة
ثم يغسل يديه الى المرفقين ثلاثا ويدخلهما في الغسل
لقوله وايديكم الى المرافق والتثليث لما تقدم ويجب غسل المرفقين لان المرفق هو من جنس اليد وهو مفصل حسي ونهايته متميزة ومثل هذه الغاية والحد انما يذكر اذا اريد دخوله في المحدود والمغيا كما لو قال بعتك هذا الثوب من هذا الطرف الى هذا الطرف وبعتك هذه الارض الى شاطئ النهر وقد قيل لان اسم اليد يتناولها الى المنكب وبقوله الى المرافق لنفي الزيادة على المرفق فيبقى المرفق داخلا في مسمى اليد المطلقة
وقد روى الدارقطني عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا توضأ ادار الماء على مرفقيه وفعله اذا وقع امتثالا لامر وتفسيرا للمجمل كان مثله في الوجوب لا سيما وادخاله احوط وارتفاع الحدث بدونه مشكوك فيه والاصل بقاؤه فان كان اقطع من دون المرفقين الى الاصابع غسل ما بقي منه لان العجز عن بعض الواجب لا يسقط فعل ما
يقدر عليه منه لقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وقل النبي صلى الله عليه و سلم اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم متفق عليه
وان كان القطع من فوق المرفق سقط الغسل لسقوط محله وان قطعت من مفصل المرفق سقط الغسل وغسل راس العضد في احد الوجهين لان غسلهما انما وجب تبعا لابرة الذراع اذا لا يمكن غسلها الا يمكن بغسل راس العضد والمنص منهما وجوب غسل راس العضد لان المرفق اسم لمجتمع عظم الذراع وعظم العضد فاذا ذهب احدهما وجب غسل الاخر كما لو بقي بعض الذراع ولو قطعت يد المتيمم من مفصل الكوع سقط مسح ما بقي هناك وان قلنا في الوضوء بغسل ما بقي لان الواجب هناك مسح الكفين وقد ذهبا بخلاف الوضوء
فان المرفق من جملة محل الفرض هذا احد الوجهين والمنصوص وجوب المسح ايضا لان المامور به مسح اليد الى الكوع واذا عجز الاقطع عن افعال الطهارة ووجد من ينجيه ويوضئه متبرعا لزم ذلك وان لم يجد الا باجرة المثل لزم ذلك ايضا في اشهر الوجهين كما يلزمه شراء الماء والاستنابة في الحج فان لم يجد من يطهره فقد عجز عن الطهارة في الحال كعادم الماء فيصلي وفي الاعادة وجهان واذا انقلعت جلدة من العضد
حتى تدلت من الذراع وجب غسلها وان انقلعت من الذراع حتى تدلت من العضد لم يجب اعتبارا باصلها ولو انقلعت من احدهما والتحم راسها بالاخر غسل ما حاذى موضع الفرض من ظاهرهما وباطنهما المتجافي وما تحته ولو كانت له يد زائدة اصلها في محل الفرض وجب غسلها كالاصبع الزائدة وان كانت في العضد او المنكب وهي مثل الاصلية وجب غسلها ليؤدي الفرض بيقين وان تميزت فهل يجب غسل ما حاذى محل الفرض منهما على وجهين
مسألة
ثم يمسح راسه مع الاذنين يبدا بيده من مقدمه ثم يمرهما الى قفاه ثم يردهما الى مقدمهلقوله وامسحوا برؤوسكم والسنة في مسحه ما روى عبد الله بن زيد ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مسح راسه بيديه فاقبل بهما وادبر بدأ بمقدم راسه ثم ذهب بهما الى قفاه ثم ردهما الى المكان الذي بدأ منه رواه الجماعة قيل لاحمد من له شعر الى منكبيه كيف يمسح في الوضوء فاقبل احمد بيديه على راسه مرة وقال هكذا كراهية ان ينتشر شعره يعني انه يمسح الى قفاه ولا يرد يديه
قال احمد حديث علي هكذا يعني انه من خاف انتفاش شعره لم يرد يديه سواء كان رجلا او امراة وعنه ان المرأة تبدأ بمؤخر راسها ثم ترد
يديها إلى مقدمة ثم تعيدهما إلى مؤخرة لما روت الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخره ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما رواه ابو داود والترمذي وقال حديث حسن وعنه أنها تمسح كما روت الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ عندها فمسح الرأس كله من فوق الشعر كل ناحية لمنصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته رواه ابو داود
وعنه تضع يدها على وسط الرأس ثم تجرها الى مقدمه ثم ترفعها وتضعها حيث بدأت ثم تحركها إلى مؤخرة بمسحة واحدة محافظة على أن تقبل وتدبر وعلى مسحة لا تغير شعرها لأن بقاء شعرها على هيئة مقصود وكيف ما مسح الرجل والمرأة جاز وأما الاذنان فهما من الرأس بحيث يجزئ مسحهما بمائة كسائر أجزاء الرأس بلا خلاف في المذهب لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الاذنان من الرأس رواه أحمد وابن ماجة
وروى الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت الخطايا من فيه وذكر الحديث إلى أن قال فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه رواه النسائي وهذا يدل على دخولهما في مسمى الرأس ولأن الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكروا أنه مسح رأسه واذنيه قال ابن عباس بغرفة واحدة ولم يذكروا أنه أخذ لهما ماء جديدا قال ابن المنذر مسحهما بماء جديد غير موجود في الأخبار عن النبي صلى الله عليه و سلم
ولان الله سبحانه إنما أمر بمسح الرأس وفعله صلى الله عليه و سلم خرج امتثالا للأمر وتفسيرا للمجمل فعلم أن الرأس المذكور في القران هو ما مسحه صلى الله عليه و سلم يريد بذلك أنهما عضوان متصلان بالرأس ايصال خلقة فكانا منه كالنزعتين وذلك لأن البياض الذي فوق الأذن هو من الرأس لأن الموضحة يثبت حكمها فيه وهي لا تكون إلا في رأس أو وجه وليس من
الوجه فتكون من الراس لكن هل الأفضل أن يمسحها بماء الرأس أو يأخذ لهما ماء جديدا على روايتين إحداهما أن الأفضل مسحهما بماء جديد لأن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه رواه مالك في الموطأ ولأنهما لا يشبهان الرأس خلقة ولا يدخلان في مطلقة فأفردا عنه بماء وإن كانا منه كداخل الفم والأنف ومعنى هذا ألا يمسحا إلا بماء جديد وذكر القاضي عبد الوهاب وابن حامد أنهما يمسحان بماء جديد بعد أن يمسحان بماء الرأس وليس بشيء لأن فيه تفضيلا لهما على الرأس ولأن ذلك خلاف المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والثانية مسحهما بماء الرأس أفضل لأن الذين وصفوا وضوء رسول صلى الله عليه و سلم ذكروا أنه مسح رأسه وأذنيه بماء واحد وما نقل خلاف ذلك محمول على أن اليد لم يبق فيها بلل وحينئذ يستحب أخذ ماء جديد لهما ويفارق الفم والأنف لأنهما يغسلان قبله ولا
يكفيهما مع الوجه ماء واحد والسنة مسح ظاهرهما وباطنهما وأن يدخل سباحتيه في صماخهما ويمسح بإبهاميه ظاهرهما لأن ذلك منقول عن النبي صلى الله عليه و سلم
ولا يستحب تكرار مسح الرأس والأذنين بل السنة مسحة واحدة يقبل بها ويدبر في أصح الروايتين لأن عبدالله بن زيد لما حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة مع ذكره التثليث في غسل جميع الأعضاء وكذلك عامة الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل عثمان وعلي وابن عباس وعائشة وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم في رواياتهم الصحاح ذكروا أنه مسح رأسه مرة واحدة منهم من صرح بذلك ومنهم من ذكر العدد ثلاثا ثلاثا ولم يذكروا في الرأس عددا
ولأنه مسح فلم يستحب تكراره كالتيمم ومسح الخف والرواية الأخرى يستحب مسحه ثلاثا أيضا لما روى مسلم عن عثمان أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ ثلاثا ثلاثا وروى أبو داود في سننه أن عثمان حين حكى
وضوء رسول صلى الله عليه و سلم قال ومسح رأسه ثلاثا ولكن الصحيح في حديث عثمان أنه مسح رأسه مرة واحدة كذلك قال أبو داود وغيره ويستحب مسح العنق في إحدى الروايتين لما روى الإمام أحمد في المسند عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق
وحكى الإمام أحمد عن أبي هريرة أنه مسح وقال هو موضع الغل والثانية لا يستحب وهو أظهر لأن الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يذكروه ولو كان مسنونا لتكرر منه فنقلوه ولأنه ليس من الرأس حقيقة ولا حكما والحديث قد طعن فيه سفيان بن عيينة وأحمد وغيرهما ولعله قد فعل ذلك مرة لغرض إذ لو داوم عليه لنقله مثل عثمان وعلي
مسألة
ثم يغسل رجليه إلي الكعبين ثلاثا ويدخلهما في الغسل
لقوله تعالى 8 وأرجلكم إلى الكعبين 8 وقد قرئت بالنصب والخفض وقال من قرأها بالنصب من الصحابة مثل علي وابن مسعود وابن عباس عاد الأمر إلى الغسل
ولو كان عطفا على محل الجار والمجرور فهو وقراءة الخفض سواء في أنه يراد به الغسل فإن المسح اسم لإيصال الماء إلى العضو سواء سال الماء أو لم يسل قال أبو زيد يقال تمسحت للصلاة
وأيضا من لغة العرب أن الفعلين إذا تقارب معناهما استغنوا بأحدهما لدلالته على الآخر لذا كان في الكلام ما يدل عليه وكان هذا من باب
الإيجاز والاختصار كما قال تعالى 8 يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين إلى قوله وحور عين وهن لا يطاف بهن وإنما يطفن كأنه قال يؤتون بهن كما قال
ورأيت زوجك في الوغا متقلدا سيفا ورمحا وقال علفتها تبنا وماء باردا
وقد دل على أنه أراد المسح الذي هو إجراء الماء على العضو قرينتان إحداهما أنه حدده إلى الكعبين والحد إنما يكون للمغسول لا للممسوح والثانية أن من يقول بالمسح يمسحهما إلى مجتمع القدم والساق فيكون في كل رجل كعب ولو كان كذلك لقيل إلى الكعاب كما قال وأيديكم إلى المرافق لأن مقابلة الجمع بالجمع يقتضي توزيع الأفراد على الأفراد فلما قال إلى الكعبين علم أن في كل رجل كعبين كأنه قال وكل رجل إلى كعبيها
ودلنا على مراد الله من كتابه رسوله المبين عنه ما أنزل إلينا فإن سننه تفسر الكتاب وتبينه وتعبر عنه وتدل عليه فإن الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل عثمان وعلي وعبدالله بن زيد وعبدالله بن عباس والمقدام ابن معدي كرب والربيع بنت معوذ رضي الله عنهم وغيرهم أخبروا أنه غسل رجليه وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمرو قال تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفره فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا قال فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا متفق عليه
وفي الصحيح عن أبي هريرة وعائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ويل للأعقاب من النار وروى هذا المتن جماعة من الصحابة منهم جابر وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعن عبدالله بن الحارث الزبيدي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار رواه أحمد وكذلك جاء عنه تخليل الأصابع فعلا وأمرا وليس في المسح شيء من ذلك وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على غسل القدمين
وأما التثليث في غسلهما وإدخال الكعبين فلما تقدم والكعبان هما العظمان الناتيان في جانبي الساق لما تقدم وروى النسائي عن عثمان وعلي صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم أن كل واحد منهما غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثا ثم اليسرى كذلك وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع مثل ما صنعت وهذا هو المعروف في اللغة قال
النعمان ابن بشير كان أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة ومنكبه بمنكبه وكذلك ذكره الأصمعي وأبو عبيد وغيرهما من أهل اللغة
مسألة
ويخلل أصابعهلما روى المستورد بن شداد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا توضأ خلل أصابع رجليه بخنصره رواه أصحاب السنن ويستحب أيضا تخليل أصابع اليدين وقد روي عنه أن سنة التخليل تختص بأصابع الرجلين فإن تفرق أصابع اليدين يعني من تخليلها والأول هو المذهب لما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لابن عباس
إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حسن غريب
ولأنها تضم غالبا عند أخذه الماء ويستحب أن يتعاهد أعضاءه كلها بالدلك لا سيما عقبه وغضون وجهه ويحرك خاتمه إن كان عليه لما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا توضأ حرك خاتمه رواه ابن ماجة والدارقطني فإن غلب على ظنه وصول الماء إلى مواضعه بدون الدلك وتحريك الخاتم والتخليل أجزأه وكذلك يغسل ما على عقد الأصابع وما تحت الأظفار من الوسخ لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلاته إنني أوهم فيها ما لي لا أيهم ورفغ أحدكم بين ظفرة وأنملته
يعني داخل الرجل رفغه اجتمع الوسخ والدرن بين ظفرة وأنملته والأرفاغ المغابن مثل الآباط وأصول الفخذين وفي حديث الفطرة وغسل البراجم وهي العقد التي في ظهور الأصابع فإن اجتمع ما تحت الأظفار ومنع وصول الماء إلى ما تحته ففيه وجهان
مسألة
ثم يرفع نظره إلى السماء فيقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء رواه مسلم والترمذي وزاد فيه اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من التطهرين وفي رواية لأبي داود من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء وروي أيضا أنه قال سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
مسألة
الرأس كلههذا هو المشهور في المذهب وعنه يجزئ مسح أكثره لأن مسح جميعه فيه مشقة وقد خفف فيه بالمسح وبالمرة الواحدة فكذلك بالقدر وعنه قدر الناصية لما روى أنس قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية فادخل يده تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة رواه أبو داود وعلى هذا فله أن يمسح قدر الناصية من اي موضع شاء في اشهر الوجهين وفي الآخر تتعين الناصية وبكل حال لا يجزئ الأذنان
والصحيح الأول لقوله فامسحوا برؤوسكم أمر بمسح الرأس كما أمر بمسح الوجه في آية التيمم فإذا أوجب استيعاب الوجه بالتراب فاستيعاب الراس بالماء أولى ولأن الرأس اسم للجميع فلا يكون ممتثلا إلا بمسح جميعه كما لا يكون ممتثلا إلا بغسل جميع الوجه ولأن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ فمسح جميع رأسه وفعله مبين للآية كما تقدم وما نقل عنه أنه مسح على مقدم رأسه فهو مع العمامة كما جاء مفسرا في حديث المغيرة بن شعبة وذلك جائز
وادعاء أن الباء إذا دخلت على فعل يتعدى بنفسه تفيد التبعيض لا أصل له فإنه لم ينقله موثوق به والاستعمال لا يدل عليه بل قد أنكره المعتمدون من علماء اللسان ثم إن إنها تفيده في كل موضع فهذا منقوض بآية التيمم وبقوله تنبت بالدهن وقرأت بالبقرة في كل ركعة وتزوجت بالمرأة وحبست صدره بصدره وعلمت بهذا الأمر وما شاء الله من الكلام وان ادعى أنها تفيده في بعض المواضع فذلك لا من نفس الباء بل من موضع آخر
كما قد يفاد ذلك مع عدم الباء ثم من أين علم أن هذا الموضع من جملة تلك المواضع على أنه لا يصح في موضع واحد ولا فرق من هذه الجهة بين قولك أخذت الزمام وأخذت به وأما قوله عينا يشرب بها عباد الله وقوله شربن بماء البحر فإنه لم يرد التبعيض فإنه لا معنى له هنا وإنما
الشرب والله أعلم يضمن معنى الزي فكأنه قال يروي بها عباد الله ثم الأحاديث التي ذكرناها أكثرها يقال فيه مسح برأسه وأذنيه فأقبل بهما وأدبر فيذكر استيعاب المسح مع إدخال الباء
قالوا ويقال مسحت ببعض رأسي ومسحت بجيمع راسي ولو كانت للتبعيض لتناقض وإنما دخلت والله أعلم لأن معناها إلصاق الفعل به والمسح هو إلصاق ماسح بممسوح ويضمن معنى الإلصاق فكأنه قيل الصقوا برؤوسكم فيفهم أن هناك شيئا ملصق بالرأس وهو الماء بخلاف ما لو قيل امسحوا رؤوسكم فإنه لا يدل على الماء لأنه يقال مسحت رأس اليتيم ومسحت الحجر وليس هناك شيء يلصق بالممسوح في غير اليد
ولربما توهم أن مجرد مسح الرأس باليد كاف ولهذا والله أعلم دخلت الباء في آية التيمم لتبين وجوب إلصاق التراب بالأيدي والوجوه ولا يجب مسح الأذن وإن قلنا بالاستيعاب في أشهر الروايتين لأنها منه حكما لا حقيقة بدليل أنها تضاف تارة إليه وتارة إلى الوجه بقوله سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره وفي الأخرى يجب لأنهما من الرأس وبكل حال لا يجب مسح ما استتر بالغضاريف كما استتر بالشعر من الراس
وإذا مسح بشرة رأسه من تحت الشعر دون أعلى الشعر لم يجزئه كما لو غسل باطن اللحية دون ظاهرها وكذلك لو مسح المسترسل محلولا أو معقودا على أعلى الرأس وإن قلنا يجزئ مسح البعض ولو خضب رأسه أو طينه لم يجز المسح عليه لأنه ليس هو الرأس ولا حائله الشرعي كما لو كان الخضاب على يديه ورجليه وإذا مسح رأسه أو جهه في التيمم بخرقة
ونحوها أجزأه في أصح الوجهين لأن المسح في الآية مطلق فيتناول اليد وغيرها كما يتناول يد الغير
ولو وضع يده المبلولة على رأسه من غير إمرار لم يجزئه في المشهور وكذلك الخرقة لأنه لا يسمى مسحا بخلاف غمس العضو في الماء فإنه يسمى غسلا وإن مسح الراس بإصبع أو إصبعين أجزأه في أشهر الروايتين بناء على أن البلل الباقي على الأصبع ليس بمستعمل وإنما المستعمل ما انتقل إلى الرأس وإذا غسل رأسه أو خفه وأمر يده عله أجزأ لأنه مسح وزيادة وإن لم يمر يده لم يجزئه في إحدى الروايتين لأن الإمرار بعض المسح ولم يأت به وفي الأخرى يجزئ لأنه أكثر من المسح
ولو وقف تحت ميزان أو مطر ليقصد الطهارة أجزأ إن أمر يده وإن لم يمرها ولم يجر لم يجزئه في أشهر الوجهين فإن جرى فعلى روايتي الغسل ولو أصابه ذلك من غير قصد ثم أمر يده عليه أجزأه في أشهر الروايتين لأن الماء الواقع بغير قصد غير مستعمل فإذا مسح به كان كما لو نقله بيده وفي الأخرى لا يجزئ لأنه لم يقصد نقل الطهور إلى محله
مسألة
وترتيب الوضوء على ما ذكرنا
ظاهر المذهب أن ترتيب الأعضاء على ماذكر الله تعالى واجب فإن
نكسها أو غسلها جميعا باغتماس أو يوضئه أربعة لم يجزئه فأما ما كان مخرجه في كتاب الله واحدا كالوجه واليدين إذا قدم بعضه على بعض كتقديم ظاهر الوجه على باطن الفم والأنف وتقديم اليسرى على اليمنى فإنه جائز وقد حكى أبو الخطاب وغيره فيه رواية أخرى أن الترتيب ليس بواجب مأخوذ من نصه على جواز تأخير المضمضة والاستنشاق عن جميع الأعضاء وأبى ذلك غيره وخصوا ذلك بمورد نصه فرقا بين المضمضة والاستنشاق وغيرهما حيث صرح هو بالتفرقة كما تقدم
وهذا أصح وليس القول بوجوب الترتيب لاعتقادنا أن الواو تفيد الترتيب فإن نصه ومذهبه الظاهر أنها لا تفيده وإنما قلناه لدليل آخر وذلك أن الله سبحانه أدخل ممسوحا بين مغسولين وقطع النظير عن نظيره أما على قراءة النصب فظاهر مع قول من قال من الصحابة والتابعين عاد الأمر إلى الغسل وعلى قراءة الخفض أوكد لأنه مع تأخير الرجلين أدخلهما في خبر المسح مراد به غسلهما مع إمكان تقديمهما
والكلام العربي الجزل لا يقطع فيه النظير عن النظير ويفصل بين الأمثال بأجنبي إلا لفائدة ولا فائدة هنا إلا الترتيب وكذلك لو قال الرجل أكرمت زيدا وأهنت عمرا وأكرمت بكرا ولم يقصد فائدة مثل الترتيب ونحوه لعدعيا ولكنه ولا يجوز أن تكون الفائدة استحباب الترتيب فقط لأن الآية إنما ذكر فيها الواجبات فقط وكذلك لم يذكر فيها ترتيب اليسرى
واليمنى وأيضا ما ذكره أبو بكر وهو أنا وجدنا المأمورات المعطوف بعضها على بعض ما كان منها مرتبطا بعضه ببعض وجب فيه الترتيب كقوله8 اركعوا واسجدوا 8
8 - وقوله إن الصفا والمروة من شعائر الله 8 وما لم يكن مرتبطا لم يجب فيه الترتيب كقوله 8 وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة 8 8 وأتموا الحج والعمرة لله 8 8 وإنما الصدقات للفقراء والمساكين 8 8 واعلموا أن ما غنتم من شيء فإن لله خمسه 8 وشبه ذلك وآية الوضوء من القسم الأول وأيضا فإن الترتيب يجوز أن يكون مرادا من جهة الابتداء وفعله صلى الله عليه و سلم خرج امتثالا للأمر ولم يتوضأ قط إلا مرتبا فيكون تفسيرا للآية لا سيما ولو كان التنكيس جائزا لفعله ولو مرة ليبين الجواز
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما طاف واستلم الركن ثم خرج وقال إن الصفا والمروة من شعائر الله فابدأوا بما بدأ الله به هذا لفظ النسائي فإما أن يكون اللفظ عاما وإن كان السبب خاصا فيكون حجة من
جهة العموم وإما أن يكون خاصا فإنما وجب الابتداء بالصفا لأن الله بدأ به في خبره فلأن يجب الابتداء بالوجه الذي بدأ الله به في أمره أولى فعلى هذا إذا نكس فغسل يديه قبل وجهه لم يحتسب به ولم يصر الماء مستعملا
وإن نوى المحدث وانغمس في ماء كثير راكد ففيه وجهان أحدهما وهو المنصوص أن الحدث لا يرتفع عن العضو حتى ينفصل عنه الماء فإذا أخرج وجهه ثم يديه ثم مسح راسه ثم خرج من الماء أجزأه وإلا فلا مراعاة للترتيب في الانفصال والثاني يرتفع الحدث قبل انفصال الماء فإذا مكث في الماء قدر ما يسع الترتيب ومسح رأسه ثم مكث بقدر غسل رجليه أو قلنا يجزئ الغسل عن المسح أجزأه وقد تقدم نظير ذلك في إزالة النجاسة وفي الماء المستعمل
فأما إن كان الماء جاريا فمرت عليه أربع جريات أجزأه إن مسح رأسه إن قلنا الغسل يجزئ عن المسح وإلا فلا وقد قيل يجزئه جرية واحدة لكن عليه مسح رأسه وغسل رجليه لأن الغسل لا يجزئ عن المسح فلم تصح طهارة الرأس ولا الرجلين لأنهما بعده مأخوذا من نصه في رجل اراد الوضوء فاغتمس في الماء ثم خرج من الماء فعليه مسح رأسه وغسل رجليه والصحيح الأول لأن الطهارة في هذه المسألة إنما حصلت بإنفصال العضو عن الماء
كما تحصلت في الماء الجاري بانفصال الماء عن العضو وقد نص على مثل ذلك في طهارة الجنب ويسقط ترتيب الوضوء عن الجنب تبعا للغسل إذ قلنا يجزئ عنه الغسل كما سقط فعله حتى لو اغتسل إلا أعضاء وضوئه لم يلزمه الترتيب فيها لبقاء حكم الجنابة فيها ولو غسل بعضها عنها ثم أحدث لزمه الترتيب فيما غسله ولم يلزمه في باقيها
مسألة
وأن لايوخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله هذا ظاهر المذهب والمنصوص في رواية الجماعةوورى عنه حنبل أنها ليست واجبة لأن الله تعالى أمر بالغسل مطلقا ولم يشترط الموالاة وعن ابن عمر أنه غسل رجليه بعد ما جف وضوؤه ولأن ما جاز تفريق النية على أبعاضه جاز تفريق أفعاله كالزكاة والحج والحدود ولأنها طهارة فأشبهت الغسل والصحيح الأول لما روى خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يصلي في ظهر قدمه لمعه كقدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره رسول الله صلى الله عليه وسم أن يعيد الوضوء والصلاة رواه أحمد وأبو داود وقال أحمد إسناد جيد
ورأى عمر في قدم رجل مثل موضع الفلس لم يصبه الماء فأمره أن يعيد الوضوءوالصلاة رواه الأثرم أما الزكاة فلا يرتبط بعضها بعض والحج عبادات تتعلق بأمكنة وأزمنة ويحتاج كل فعل منه إلى نية والحج لا ينقص بعد وقوعه أما الغسل فإنما لم تشترط المولاة فيه لما تقدم في المياه عنه صلى الله عليه و سلم أنه رأى لمعة بعد عسله فعصر شعره عليها وعن علي قال جاء رجلا إلي النبي صلى الله عليه و سلم فقال إني اغتسلت من الجنابة وصليت الفجر ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه الماء فقال النبي صلى الله عليه و سلم لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك رواه ابن ماجة
ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة وكذلك الأكل والمجامع ثانيا وكان أصحاب رسول صلى الله عليه و سلم يتحدثون في المسجد إذا توضأ وهم جنب ولولا أن الجنابة تنقض بالوضوء لم يكن في ذلك فائدة وإنما تنقض إذا صح تبعيضها وإذا صح تبعيضها صح تفريقها بخلاف الوضوء فإنه لايصح تبعيضه في موضع واحد بل لايرتفع الحدث عن عضو حتى يرتفع عن جميع الأعضاء وقال ابن عباس فيمن نسي المضمضة والاستنشاق في الجنابة وصلى أنه ينصرف فيمضمض ويستنشق ويعيد الصلاة رواه سعيد في سننه
ولأن الموالاة تابعة للترتيب والتريب إنما يكون بين عضوين وبدن الجنب كالعضو الواحد ولأن تفريق الغسل يحتاج إليه كثيرا فإنه قد يكون أصلح للبدين وقد ينسى فيه موضع لمعة أو لمعتين أو باطن شعره وفي إعادته مشقة عظيمة والوضوء يندر ذلك فيه وتخف مؤونة الإعادة فافترقا ولأن الوضوء يتعدى حكمه محله إلى سائر البدن وذلك لايكون إلا جملة الغسل لايتعدى حكمه محله فأشبه إزالة النجاسة كما أشار إليه قوله صلى الله عليه و سلم أن تحت كل شعرة جنابة
ومتى فرق الغسل فلا بد من نية يستأنفها في تمامة وكذلك الوضوء إذا أخرنا تفريقه لأن النية الحكمية تبطل بطول الفصل كما تبطل بطول الفصل قبل الشروع ولاتسقط الموالاة بالنسيان فلو نسي موضع ظفر من قدمه وطال الفصل أعاد الوضوء إذا ذكره الجاهل لأن الذي أمره النبي صلى الله عليه و سلم بإعادة الوضوء كان جاهلا ولم يعذره بذلك وحد الموالاة أن يغسل العضو الثاني قبل أن يجف الماء عن الذي قبله في الزمن المعتدل أو مقداره من الشتاء والاصيف والصيف
فلو لم يشرع فيه حتى نشفت رطوبة الأول أو أخر غسل آخره حتى نشف أوله استأنف فإن الأول بعد شروعه في الثاني وقبل فراغه لاشتغاله بسنة من تخليل أو تكرار أو إسباغ أو إزالة شك لم يعد تفريقها كما لو طول أركان الصلاة قال أحمد إذا كان في علاج الوضوء فلا بأس وإن كان لعبث أو سرف أو زيادة على الثلاث قطع الموالاة كما لو كان لترك وكذلك إذا كان لوسوسة في الأقوى وإن كان لإزالة وسخ فقد قيل إنه كذلك لأنه ليس من الطهارة شرعا وعنه أن التفريق المبطل ما يعد في العرف تفريقا
مسألة
وغسل الكفين ثلاثا والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائما
وقد تقدم غسل الكفين وأما المبالغة فلما روى لقيط بن صبرة قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما رواه الخمسة وقال الترمذي حديث حسن صحيح وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا رواه أحمد وأبو داود ابن ماجة والمضمضة في معناها ليستغرق داخل الفم وقد تقدم العذر عن تركها في الحديث
والمبالغة إن يدير الماء في أقاصي الفم وأن يجتذبه بالنفس إلي أقصى الأنف من غير أن يصير سقوطا أو وجورا وقال أبو إسحاق بن شاقلا المبالغة في الاستنشاق واجبة للأمر بها وظاهر المذهب أنها سنة لأنها تسقط في صوم التطوع ولاتستحب فيه ولو كانت واجبة لما تركت لأجل التطوع
مسألة
وتخليل اللحية والأصابع ومسح الأذنين وغسل الميامن قبل المياسر أما تخليل اللحية والأصابع ومسح الأذنين فقد تقدم ذكرهوأما غسل الميامن قبل المياسر فلأن عائشة رضي الله هنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب التيامن في تنعله وترجله وظهوره وفي شأنه كله متفق عليه ولأن الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم بدأوا بالميامن قبل المياسر ولأن الوضوء مما يشتمل العضوين وهو من باب الكرامة فقدمت فيه اليمنى كالانتعال ودخول المسجد والترجل وهو سنة فلو قدم اليسرى جاز نص عليه لأن مخرجها في متاب الله واحد لم يقدم احداهما على الاخرى وهذا معنى قول علي رضي الله عنه ما أبالي إذا أتمكت وضوئي بأي أعضائي بدأت كذلك جاء عنه مفسرا
وقد روى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه أن عليا سئل فقيل له أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء فقال لا حتى يكون كما أمر الله رواه أحمد
مسألة
والغسل ثلاثا ثلاثا وتكره الزيادة عليها والإسراف في الماءالسنة أن يغسل كل عضو ثلاثا وإلا فمرتين وإن اقتصر علي مرة جاز تقدم وإنما تحصل السنة بالإسباغ
مسألة
والواجب من ذلك النية والغسل مرة مرة ما خلا الكفين
وقد تقدم دليل وجوب النية وأما الاجتزاء بالغسل مرة فلما روى ابن عباس قال توضأ النبي صلى الله عليه و سلم مرة مرة رواه الجماعة إلا مسلما
وأما الكفان فغسلهما قبل الوجه سنة لما تقدم وإنما محل وجوبهما بعد الوجه لما تقدم وإنما تحصل السنة بإسباغ كل مرة فإن لم يسبغ بالأولى كانت الثانية تماما لها ولهذا جاء عن علي رضي الله عنه لما حكى وضوء النبي
صلى الله عليه و سلم أخذ غرقه رابعة لوجهة فأما الزيادة على ثلاث سابغات والزيادة من الماء على قدر الحاجة فمنهي عنها لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء أعرابي إلى رسول صلى الله عليه و سلم فسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا وقال هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم رواه أحمد والنسائي وابن ماجة
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف فقال أفي الوضوء إسراف قال نعم وإن كنت على نهر جار رواه ابن ماجة وعن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء رواه ابن ماجة وعبد الله بن أحمد وعن عبد الله بن مغفل أنه سمع
ابنه يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال يا بني سل الله تبارك وتعالى الجنة وعذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يعتدون في الدعاء والوضوء رواه أحمد
ولو خالف بين الأعضاء بأن يغسل وجهه ثلاثا ويده مرتين لم يكره في أشهر الروايتين وإذا شك هل غسل مرتين أو أكثر بنى على اليقين كعدد الركعات ويستحب أن يشرع في العضد والساق إذا غسل يديه ورجليه في أشهر الروايتين لما روى أبو هريرة قال قال رسو الله صلى الله عليه و سلم أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من أثر الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله متفق عليه
فصل
ويكره تنشيف أعضائه في الوضوء والغسل في إحدى الروايتين ما لم يخف ضررا من برد وغيره لان ميمونة لما وضعت غسل النبي صلى الله عليه و سلم قالت فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده رواه الجماعة ولأنه أثر عبادة لا يخاف ضرره أو لا يستحب إزالته فكرهت كدم الشهيد وخلوف فم الصائم وطرده التراب بجبهة الساجد والرواية الأخرى لايكره ولايستحب وهي أصح لما روى قيس بن سعد قال زارنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في منزلنا فأمر له سعد بغسل فوضع له فاغتسل ثم ناولته ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة
وعن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه رواه ابن ماجة ولأن هذا الأثر لم يرد الشرع باستطابته فأشبه غبار القدمين في سبيل الله وبهذا ينقض قياسهم وأصل قياسهم عكس علتنا وأما نفض يده فكرهه القاضي وأصحابه
لما روى عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم وقال طائفةمن أصحابنا لايكره كالتنشيف لحديث ميمونة المتقدم ويباح معاونته في الوضوء باستقاء الماء وحمله وصبه عليه والأفضل أن يلي هو ذلك بنفسه فأما إن استناب غيره في فعل الوضوء بأن نوى وغسل الغير أعضاءه فإنه يكره ويجزئه كما لو نوى ووقف تحت ميزاب وأنبوب والله أعلم
مسألة
ويسن السواك عند تغير الفم وعند القيام من النوم وعند الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوالأما استحبابه في جميع الأوقات فلما روى أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم السواك مطهرة للفم مرضاة للرب رواه أحمد وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم السواك مطهرة للفم مرضاة للرب رواه أحمد والنسائى وذكره
البخارى نعليقا ولأن جميع الأوقات مظنة ما يطهر الفم منه من إدام وأكل وما يطهر له من كلام الله وكلام العباد ولذلك استحب مطلقا ويتأكد اسحبابه لسببين أحدهما عند تغير الفم بمأكول أو خلوه من الطعام أو غير ذلك
وكذلك عند القيام من الليل لما روى حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك متفق عليه يعني يغسله ويدلك وفي لفظ كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل ولأن بالنوم ينطبق فمه فيحتبس فيه البخار المتصاعد من معدته فيغيره
وكذلك إذا دخل منزله وقد قيل لعائشة بأي شيء كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل منزلة قالت بالسواك أخرجه مسلم
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لايرقد ليلا ولا نهارا فيستقيظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ رواه أبو داود وأما إذا تغير طعمه أو يحه أو اصفر لون الأسنان من مطعموم أو خلو من الطعام أو غير
ذلك فلما روى تمام بن العباس قال أتو النبي صلى الله عليه و سلم أو أتى فقال مالي أراكم تأتوني قلحا استاكوا رواه أحمد
ولأن السواك إنما شرع لتطييب الفم وتطهيره وتنظيفه فإذا تغير فقد تحقق اسبب المقتضي له فكان أولى منه عند النوم
والسبب الثاني إذا أراد الصلاة لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة رواه الجماعة وعن عائشة قالت قال رسول الله عليه وسلم فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير السواك سبعون صلاة رواه أحمد وليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه و سلم علل ترك الأمر بالمشقة فلو كان أمر إيجاب لحصلت المشقة في وجوبه وفي وجوبه على النبي صلى الله عليه و سلم وجهان أحدهما كان واجبا عليه قال القاضي وابن عقيل
لما روى عبد الله بن حنظلة الغسيل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق ذلك أمر بالسواك لكل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث رواه أحمد وأبو داود وهو مأمور بالتوضؤ لكل صلاة أمر استحباب فعلم أن الموضوع وجوبه والسواك بدل عنه فيكون واجبا والثاني لم يكن واجبا عليه قاله ابن حامد لما روى واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرت بالسلواك حتى خشيت أن يكتب علي رواه أحمد
وهذا معنى تفضيله على التحديد وهو مزية الأمر حتى كاد يصير مفروضا وهذا الوجه أشبه فإن الأصل مشاركة أمته له في الأحكام وإنما استحب للمصلي لأن القائم إلى الصلاة يقرأ القرآن ويذكر الله ويدعوه فاستحب له تطهير الفم لأنه مجرى القرآن ولئلا يؤذي الملائكة والآدميين بريح فمه ولأن
الله يحب المتطهرين وكذلك يستحب لكل قارئ وذاكر وداع كما يستحب لهم الوضوء وأوكد وقد جاء طهروا أفواهكم بالسواك فإنها مجاري القرآن وكذلك السواك عند الوضوء لأنه به وبالمضمضة تكمل نظافة الفم
وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء رواه أحمد وذكره البخاري تعليقا قال ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه و سلم
وأما الصائم بعد الزوال فيكره له في أظهر الروايتين وفي الأخرى لا
يكره ولا يستحب على هذه الرواية أيضا وقيل يستحب لما روي عن عاذشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من خير خصال الصائم السواك رواه ابن ماجة وقال عامر بن ربيعة رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وذكره البخاري تعليقا
ولأنه أحد طرفي النهار فأشبه أوله والأولى ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك متفق عليه وخلوف الصوم إنما يظهر غالبا بعد الزوال فتكره إزالته لأنه أثر عبادة مستطاب في الشرع فنهي عن إزالته كدم الشهيد وما قبل الزوال إنما يكون خلوفه من أثر النوم أو الأكل بالليل فلم تكره إزالته وعلى ذلك يحمل ما جاء من الحديث ويستحب أن يكون السواك عودا لينا يطيب الفم ولايضره ولايتفتت فيه كالأراك والزيتون والعرجون
ويكره بعود الريحان والرمان والآس لأن ذلك يضر الفم يقال إن الرمان يضر لحم الفم ويهيج الدم وعود الريحان يحرك عرق الجذام فأما اليابس فيجرح وأما الرطب فيتفتت وأما الندي فيحصل المقصود ويستحب غسله إذا اجتمع عليه ما يغسله لأن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه رواه أبو داود ولا بأس أن يتسوك بسواك غيره وإن لم يغسله
قالت عائشة دخل عبد الرحمن بن إبي بكر ومعه سواك يستن فيه فنظر إليه النبي صلى الله عليه و سلم فقلت له اعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستن به رواه البخاري فإن استاك بأصبعه أو بخرقة فقيل لايصيب السنة لأن الشرع لم يرد به مع غلبة وجوده وتيسره وقيل يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء لأنه ينظف الفم ويزيل تغيره أو تجففه كالعود وقيل يحزىء الأصبع مع الماء في المضمضة لأن في حديث علي بن أبي طالب لما وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه تمضمض ثلاثا فأدخل بعض أصابعه في فيه رواه أحمد في المسند وعن أنس أن رجلا من بني عمرو بن عوف قال يا رسول الله إنك رغبتنا في السواك فهل من دون ذلك من شيء فقال أصابعك سواك عند وضوئك أمرها علي أسنانك إنه لا عمل
لمن لانية له ولا أجر لمن لا حسبة له رواه أبو جعفر ابن البحتري الرزاز وسمع أبو هريرة رجلا يقول لم أتسوك منذ ثلاثة أيام فقال لو أمررت أصبعك على أسنانك في وضوئك كان بمنزلة السواك رواه حرب في مسائله
والسنة أن يستاك على عرض الأسنان لما روى عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استكتم استاكوا عرضا وإذا شربتم فاشربوا مصا رواه سعيد في سننه وأبو د اود في مراسيله وعن ربيعة بن أكثم
قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستاك عرضا ويشرب مصا ويقول هذا أهنأ وأمرأ رواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات وقال الخطابي الشوص ذلك الأسنان عرضا بالسواك ونحوه ولأن الاستياك على طول الاسنان من طرفها إلى عمودها ربما آذى اللثة وأفسد العمود
ويستحب الاستياك على لسانه لأن أبا موسى قال أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأيته يستاك على لسانه متفق عليه ويستحب التيامن في سواكه أن يبدأ بالجانب الأيمن لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعجبه التيامن في طهوره وفي شأنه كله وأن يستاك باليد اليسرى نص عليه
لأنه إماطة أذى يفعل بإحدى اليدين فكان باليسرى كالاسنتجاء مع استحباب الابتداء بالشق الأيمن فيه
فصل
ويستحب أن يكتحل وترا لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اكتحل أحدكم فليكتحل وترا رواه أحمد وفي لفظ من اكتحل فليوتر من فعل ذلك فقد أحسن ومن لا فلا حرج رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والإيتار أن يكتحل في كل عين مرة واحدة أو ثلاثا أو خمسا وقيل هو أن يجعل في العين ثلاثا أو خمسا في اليمنى ثنتين وفي اليسرى واحدة أو في اليمنى ثلاثا وفي اليسرى ثنتين لما روى محمد ابن سعد في الطبقات عن عمران بن أبي أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يكتحل في اليمنى ثلاثا وفي اليسرى ثنتين بالإثمدوعن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا اكتحل يجعل في اليمنى ثلاثة مراود وفي اليسرى مرودين والأول أصح لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن وهذا أشهر وأثبت وهو أشبه بالتسوية بين العينين في النفع والزينة ويستحب الاكتحال بالإثمد عند النوم لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خير
أكحالكم الإثمد عند النوم ينبت الشعر ويجلو البصر رواه الخمسة وقال الترمذي حديث حسن
فصل
ويستحب الترجل غبا وهو تسريح الشعر ودهنه وكذلك دهن البدن لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه يدهن غبا رواه الترمذي في الشمائل وقال جابر بن سمرة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مشط رأسه وليحته فكان إذا ادهن لم يتبين وإذا شعث رأسه تبين وكان كثير شعر اللحية رواه أحمد ومسلم وعن عبد الله بن المغفل قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الترجل إلا غبا رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح
قال أحمد معناه يدهن يوما ويوما لا والقصد أن يكون ادهانه في رأسه وبدنه متوسطا على حسب حاله حتى لو احتاج إلى مداومته لكثرة شعره وقحول بدنه جاز لما روى عن أبي قتادة أنه كانت له جمة ضخمة فسأل النبي صلى الله عليه و سلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم رواه النسائي وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كان له شعر فليكرمه رواه أبو داود وعن جابر قال رأى النبي صلى الله عليه و سلم رجلا ثائر الرأس فقال أما يجد هذا ما يسكن به شعره رواه أحمد وأبو داود والنسائى
واتخاذ الشعر أفضل من إزالته بحلق أو قطع نص عليه وقال قد كان للنبي صلى الله عليه و سلم جمة وقال عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كان لهم جمم وعشرة لهم شعر ويسن فرقه من مؤخره فإنه أفضل من سدله نص عليه لما روى ابن عباس قال كان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب ويعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فسدل ناصيته ثم
فرق بعد متفق عليه وذكره في الفطرة في حديث ابن عباس يعني بالناصية وجميع الشعر
وفي شروط عمر على النصارى ألا يفرقوا نواصيهم لئلا يتشبهوا بالمسلمين وهذا إنما يتأتي فيما طال منه والأفضل أن يكون قدر الشعر كشعر النبي صلى الله عليه و سلم إن قصر فإلى أذنيه وإنه طال فإلى منكبيه وإن طوله أكثر من ذلك جاز وتقصيره أفضل وكذلك إن قصره بمقراض أو غيره قالت عائشة كان شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم فوق الوفرة ودون الجمة رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح والوفرة الشعر إلى شحمة الأذن والجمة ما بلغ المنكبين
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يضرب شعر منكبيه وفي رواية بين أذنيه وعاتقه متفق عليه وفي رواية إلى أنصاف أذنيه رواه أحمد ومسلم وعن سهل بن الحنظلية قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإرسال إزاره فبلغ
ذلك خريما فعجل فأخذ شفرة فقطع بها شعره إلى إنصاف أذنيه ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه رواه أحمد وأبو داود
وعن وائل بن حجر قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم ولي شعر طويل فلما رآني قال ذباب ذباب قال فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد فقال لم أعنك وهذا أحسن رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي
وهل يكره حلق الشعر في غير الحج والعمرة إلا من حاجة على روايتين أحدهما يكره لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال في الخوارج وسيماهم التحليق وقال عمر لصبيع التميمي الذي كان يسأل عن المتشابهات لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك وقال ابن عباس رضي الله عنه
الذي يحلق رأسه في المصر شيطان قال أحمد كانوا يكرهون ذلك والثانية لايكره ولا يستحب بل تركه أفضل
لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال احلقوه كله أو ذروه كله رواه أحمد وأبو داود والسنائي باسناد صحيح وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم فقال لاتبكوا اعلى أخي بعد اليوم ادعو إلي بني أخي قال فجيء بنا كأنا أفرخ فقال ادعو إلي الحلاق قال فجيء بالحلاق فحلق رؤوسنا رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولأنه لايكره استئصاله بالمقارض فكذلك حلقه
وما جاء فيه من الكراهة فهو والله أعلم فيمن يعتقد قربة وشعار الصالحين هكذا كانت الخوارج فأما إن حلقه على أنه مباح وإن تركه أفضل فلا فأما المرأة فيكره لها قولا واحدا ويكره حلق القفا لمن لم يحلق رأسه ولم يحتج إليه لأنه من فعل المجوس ومن تشبه بقوم فهو منهم فأما عند الحجامة ونحوها فلا بأس والفزع مكروه لما روى ابن عمر قال نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن القزم متفق عليه وهو حلق بعض الرأس دون بعض مأخوذ من قزع السحاب وهو المتفرق منه
فصل
ويستحب أن ينظر في المرآة ليتجنب ما يشيبه ويصلح ما ينبغي إصلاحه وروى عن خالد بن معدان قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسافر بالمشط والمرآة والدهن واسلواك والكحل رواه ابن سعد في الطبقات ويستحب أن يتطيب لما روى أنس قال قال روسل الله صلى الله عليه و سلم حبب إلي النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة رواه أحمد والنسائي وفي لفظ للنسائي حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة وأن يتبخر لما روى نافع قال كان ابن عمر يستجمر بالألوة غير مطراة وبكافور يطرحه مع الألواة ثم قال هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ويسحتب للرجل من الطيب ما خفي لونه لما روى أبو هريرة وعمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خير طيب الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه رواهما الترمذي وقال حديث حسن
فصل
في خصال الفطرة روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس من الفطرة الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار رواه الجماعة
وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتفاض الماء يعني الاستنجاء قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي قال أبو داود وقد روي عن ابن عباس نحو حديث عائشة قال خمس كلها في الرأس وذكر منها الفرق وجميع هذه الخصال مقصودها النظافة والطهارة وإزالة ما يجمع الوسخ والدرن من الشعور والأظفار والجلد
وأما قص الشارب فقال زيد بن أرقم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يأخذ شاربه فليس منا رواه أحمد والنسائى والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم جزوا الشوارب وارخو اللحى خالفوا المجوس رواه أحمد ومسلم
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب متفق عليه وفي رواية البخاري كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه وتحصل السنة بقضبه حتى يبدو الإطار وهو طرف الشفة وكلما أخذ فوق ذلك فهو أفضل نص عليه ولايستحب حلقه لأن في لفظ البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال انهكوا الشوارب واحفوا اللحى
قال البخارى وكان ابن عمر يحفي شاربه حتى ينظر إلى موضع الحلق وروى حرب في مسائله عن عبد الله بن رافع قال رأيت أبا سعيد الخدري وسلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله وابن عمر وأبا أسيد
يجوزون شواربهم أخا الحلق وأما إعفاء اللحية فإنه يترك ولو أخذ ما زاد علي القبضة لم يكره نص عليه كما تقدم عن ابن عمر وكذلم أخذ ما تطاير منها
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها رواه الترمذي وقال حديث غريب فأما حلقها فمثل حلق المرأة رأسها وأشد لأنه من المثلة المنهي عنها وهي محرمة ويكره نتف الشيب وإرالته بمتقاش ونحوه لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن نتف الشيب رواه الخمسة وفي رواية لأحمد وأبي داود لاتنتفوا الشيب
فإنه نور المسلم ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة ورفعه بها درجة وحط عنه بها خطيئة
فأما خضابه بالحمرة والصفرة فسنة مستحبة لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن اليهود والنصارى لايصبغون فخالفوهم رواه الجماعة
قال عثمان بن عبد الله بن موهب دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعرالنبي صلى الله عليه و سلم فإذا هو مخضوب رواه أحمد والبخارى وابن ماجة بالحناء والكتم وللبخاري عن ابن موهب أن أم سلمة أرته شعر النبي صلى الله عليه و سلم أحمر وعن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم رواه الخمسة وقال الترمذي حديث حسن صحيح
وعن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران وكان ابن عمر يفعل ذلك رواه أبو داود والنسائي ويكره الخضاب بالسواد لما روى جابر بن عبد الله قال جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكأن رأسه ثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذهبوا به إلي بعض نسائه فليغيره بشيء وجنبوه الواد رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي ولأن التسويد يشبه تكون الخلقة وذلك تزوير وتغيير لخلق الله فيكره كما كره وصل الشعر والنمص والتفلج
وإما الاستحداد فهو استعمال الحديد في إزالة شعر العانة ولوقصه أو نتفه أو تنور جاز والحلق أفضل والأفضل في الإبط أن ينتفه ولو حلقه أو قصه أو نوره جاز أيضا ولو نور غير ذلك من شعر الساقين والفخذين جاز أيضا نص عليه لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا اطلى بدأ
بعورته فطلاها بالنورة وسائر جسده أهله رواه ابن ماجة وفيه مقال لكنلا ينور عورته إلا هو أو من يحل له مسها من زوجه أو أمه
قال أبو العباس النسائي ضربت لأبي عبد الله نورة ونورته بها فلما بلغ إلى عانته نورها هو وقال نافع كنت أطلي ابن عمر فإذا بلغ عورته نورها هو بيده رواه الخلال وترك التنور أفضل قال ابن عمر هو مما أحدثوا من النعيم وأما قص الأظفار فمن السنة لإزالة فحشها ودفع ما يجتمع تحتها من وسخ الأرفاغ ونحوها وقد ذكر إسحاق بن راهويه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال مالي لا أيهم ورفع أحدكم بين ظفره وأنملته إلا أن ينبغي الاقتصاد في قصها وآلا يحيف نص عليه واحتج بحديث ذكره عن الحكم بن عمير قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا نحفي من الأظفار في الجهاد وقال عمر وفروا الأظفار في أرض
العدو فإنه سلاح قال أحمد هو يحتاج إليها في أرض العدو ألا ترى أنه إذا أراد الرجل أن يحل الحبل أو الشيء ولم يكن له أظفار لم يستطع وروى عبيد الله بن بطة بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من قص أظفاره مخالفا الم ير في عينيه رمدا وفسر أبو عبد الله بن بطة ذلك بأن يقص الخنصر من اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ثم البنصر ثم السباحة ويقص اليسرى الإبهام ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السباحة ثم البنصر وذكرأن عمر بن رجاء فسره كذلك وجاء فيه لون آخر ذكره القاضي أبو يعلى عن وكيع أنه روي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عائشة إذا أنت قلمت أظفارك فابدئي بالوسطى ثم الخنصر ثم الإبهام ثم البنصر ثم السبابة فإن ذلك يورث الغنى هذه الصفة لاتخالف الأولى إلا في الابتداء بالوسطى قبل الخنصر ومبني ذلك على الابتداء بالأيمن فالأيمن من كل يد مع المخالفة ويستحب غسل رؤوس الأنامل بعد قص الأظفار لإزالة ما عليها من الوسخ ولأنه يقال إن حك الجسد بها قبل الغسل يضره
وفي حديث الفطرة غسل البراجم والبراجم العقد التي في ظهور الأصابع والرواجب ما بينها ومعناه غسل المواضع التي تتسخ ويجتمع فيها الوسخ ويستحب أن يأخذ الظفر في كل أسبوع لما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأخذ أظفاره وشاربه في كل جمعة وإن تركه أكثر من ذلك فلا بأس مالم يجاوز أربعين يوما لما روى أنس قال وقت لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة رواه الجماعة إلا البخاري
ويستحب فيما ذكره القاضي أن يكون يوم الجمعة لما روى ابن بطة بإسناده عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه قال من قص أظفاره يوم الجمعة أذخل في شفاء وأخرج منه داء وقال يزيد بن مروان في
حديث له من قلم أظفاره يوم الجمعة لم يمت بالماء الأصفر وبإسناده عن نافع عن ابن عمرا أنه كان يقلم أظفاره ويقص شاربه كل جمعة وذكر غيره يوم الخميس لما روي أن عليا قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقلم أظفاره يوم الخميس ثم قال يا علي قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل واللباس والطيب يوم الجمعة
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبح المؤمن يوم الجمعة وهو محرم فإذا صلى حل فإذا مكث في الجامع حتى يصلي العصر مع إمامه كان كمن أتى بحجة وعمرة فقيل يا رسول الله متى نتأهب للجمعة قال يوم الخميس رواه الحاكم وأخرجه أيضا من حديث ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد ويستحب دفن ما أزال من شعره وظفره نص عليه وحكاه عن ابن عمر
لما روت ميل بنت مشرح الأشعري أنها رأت أباها مشرحا يقلم أظفاره ثم يجمعها ويدفنها ويخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل ذلك رواه البخارى في تاريخه والخلال وابن بطة وروى حرب بإسناده عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اذفنوا شعوركم وأظفارها فدفنتها وعن ابن عمر أنه لق رأسه فأمر بدفن شعره وروى ابن بطة عن رجل من بني هاشم قال أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بدفن الدم والشعر
وأما الختان فواجب على الرجال في المنصوص المعروف من الذهب لأن الله سبحانه أمرنا باتباع ملة إبراهيم عليه السلام والختام من ملته لما
روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم متفق عليه فإن قيل ضمن ملته سائر خصال الفطرة وهي غير واجبة لاسيما وقد قرن النبي صلى الله عليه و سلم بينه وبينها في نسق واحد قلنا إزالة الشعور والأظفار القصد بها إزالة ما يجتمع بسببها من العرق والوسخ والدرن وإزالة الأوساخ ليست واجبة وكذلك ما قصدت به
وأما قلفة الذكر فالمقصود التطهير من النجاسة التي تحتقن فيها ونجاسة البول تجب إزالتها وعامة عذاب القبر منها فلذلك وجب إزالة ما يوجب احتقانها واجتماعها يؤيد ذلك أن المقطوع هنا من أصل الخلقة وكذلك يحشر الخلق يوم القيامة غرلا فلولا أن إزالتها من الواجبات لما تكلف قطعه بخلاف الشعر والظفر ولأن البول المحتقن في القلفة نجاسة شرع زوالها فكان واجبا كسائر النجاسات
وكذلك قال ابن عباس الأقلف لايقبل الله له صلاة ولا تؤكل ذبيحته ولاتقبل شهادته وأما المرأة ففيها روايتان إحداهما أن خفضها
واجب كالرجل والثانية لايجب لأن ترك ختان الرجل مظنة احتقان النجاسة بخلاف المرأة وقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الختان سنة للرجل مكرمة للنساء رواه أحمد يعني بالسنة الطريقة الشرعية وإنما يجب إذا غلب على الظن سلامة المختون فأما إن خشي عليه لكبر أو مرض فإنهه يسقط بل يمنع منه
وإنما يجب الختان إذا وجبت الطهارة والصلاة إنما شرع لذلك والختان قبل ذلك أفضل وهو قبل التمييز أفضل من بعده في المشهور لأنه قربة وطهرة فتقديمها أحرز لأن فيه تخليصا من مس العورة ونظرها فإن عورة الصغير لاحكم لها ولذلك يجوز مسها وتقبيلها كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يقبل زبيبة الحسن وقيل التأخير إلى سن التمييز أولى لما روى سعيد بن حبير قال سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه و سلم قال أنا يومئذ مختون قال وكانوا لايختنون الرجل حتى يدرك يعني والله أعلم حتى يقارب الإدراك مثل تراهق وفي رواية لأحمد
توفي النبي صلى الله عليه و سلم وأنا ابن عشر سنين مختون
وعنه علي أنه كره أن تختتن الجارية قبل سبع سنين ولايكره بعد سبعة أيام وقبلها فيه روايتان إحداهما يكره لأنه فعل اليهود فكره التشبه بهم والآخرى لايكره لأنه لم يثبت فيه نهي وقد روي عن أبي جعفر أن فاطمة كانت تختتن ولدها يوم السابع وروي عن مكحول وغيره أن إبراهيم ختتن ابنه إسماعيل لثلاث عشرة سنة وختتن ابنه إسحاق لسبعة أيام
ويؤخذ في ختان الرجل جلدة الحشفة وإن أخذ أكثرها جاز وأما المرأة فيستحب ألا يجتذ خافضها نص عليه وحكي عن ابن عمر أنه قال لختاتة أبقى منه شيئا إذا خفضت وعن أم عطية أم رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمر ختانة تختن فقال إذا ختنت فلا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل رواه أبو داود
وقالت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه و سلم لختانة إذا خفضن فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرع للزوج وأحظى لها عند زوجها رواه حرب في مسائله
باب المسح على الخفين
مسألةيجوز المسح علي الخفين وما اشبهها من الجوارب الصفقية التي تشبت في القدمين والجراميق التي تجاوز الكعبين في الطهارة الصغرى يوما وليلة للمقيم وثلاثا للمسافر لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح المسافر ثلاثة أيام وليالهن والمقيم يوما وليلة
هذا الكلام فيه فصول الأول أن المسح على الخفين جائز في الوضوء للسنة المستفيضة المتلقاة بالقبول وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم تفسير القرآن فقوله تعالى وأرجلكم بالنصب خطاب لمن رجله في غير الخفين المشروطين وقراءة الخفض خطاب للابسي الخفاف أو يكون المسح على كلتي القراءتين يجمع المسح على الرجل مع الحائل وعدمه أو تكون كلتا القرائتين في غير اللابسين وعلم ذلك كله بالسنة وهي ما روي عن جرير أنه بال ثم توضأ ومسح علي خفيه فقيل له تفعل هذا قال نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال إبراهيم فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة رواه الجماعة
وفي رواية لأحمد قال ما أسلمت إلا بعد أن نزلت المائدة وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح بعد ما أسلمت
قال أحمد سبعة وثلاثون نفسا يروون المسح عن النبي صلى الله عليه و سلم ويروون عن الحسن قال حدثني سبعون من أصحاب النبي الله صلى الله عليه و سلم أنه مسح على الخفين
الفصل الثاني
إنه جائز على الخفين وعلى كل ما أشبههما من الجوارب والجراميق سواء لبس ذلك على ما يجوز السمح عليه أو على مالا يمسح عليه ولذلك ثلاثة شروطأحدها أن يستر محل الغرض وهو القدم إلى ما فوق الكعبين
والثاني أن يثبت في القدم بنفسه
والثالث أن يمكن متابعة المشي فيه
لما روى عبد الرحمن بن عوف عن بلال أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه رواه أحمد وأبو داود
قال الجوهري والموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب والموق إنما يلبس غالبا فوق الخف وعن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح
ولأن ما يلبس في الرجل إذا كان المحل الفرض يمشي فيه عادة فقد شارك الخف في المعنى الذي أبيح له المسح فيشاركه فيه سواء كان مما يقطع به المنازل والقفار أولا ولهذا يمسح علي الخف من جلد وإن لم يكن له
نعل وذلك لأن المشي فيه عادة هو مظنة الحاجة إلى لبسه وستره لمحل الغرض لينتقل الغرض إليه فإذا حصلا تعين جواز المسح عليه
ولذلك كان المسح على ذلك منتشرا في الصحابة من غير مخالف قال أحمد يذكر المسح على الجورين عن سبعة أو ثمانية من الصحابة وجورب الخرق كوجورب الصوف إذا كان صفيقا حيث يمشي في مثله عادة وإن كان رقيقا يتخرق في اليومين أو الثلاثة أو لايثبت بنفسه لم يمسح عليه لأن في مثله لايمشي فيه عادة ولايحتاج إلى المسح عليه
وإذا ثبت الجوربان بنعلين يمسح عليهما كما جاء في الحديث وقال أحمد يذكر المسح على الحوربين والنعلين عن عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ويمسح على الجورب وعلى سيور النعل التي على ظاهر القدم كما جاء في الحديث ولايمسح أسفله وعقبه لأنه ليس بمحل المسح في
الخف فإن مسح الجورب وحده أو النعل وحده فقيل لايجزؤه لأن الرخصة إنما جاءت في هذه المواضع خاصة وقيل يجزئ لأنهما أجريا مجرى جورب منعل
فأما الشرط الأول فيفيد إنه لايجوز المسح على الخف المخرق أو الواسع الذي يرى منه بعض القدم أو الحفيف الذي يصف القدم أو القصير الذي هو دون الكعبين لأن الرجل متى بدت هي أو بعضها كان الظاهر منها حكمه الغسل والجمع بين السمح والغسل لايجوز فيتعين غسل الجميع وقد قال بعض أصحابنا إن المسح على المخروق الذي يمكن متابعة المشي فيه حائز لأن خفاف القوم لم تكن تخلوا من مثل هذا ولم تقيد الرخصة بالساتر دون غيره فإأما إن كان فيه خرق ينضم على الرجل ولاتبدو منه القدم جاز المسح عليه نص عليه لأن القدم مستور بالخف وإما أن لم يثبت وما في معناه بنفسه إما لسعة فيه أو شرج
فقال أصحابنا لايجزؤه مسحه وإن كان قد شده أو شرجه لأنه كاللفافة
قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل إذا كان يمشي عليهما ويثبتان في رجله فلا بأس
وقال أيضا إذا كان يمشي فيه فلاينثني فلابأس عليه فإنه فإذا انثنى ظهر موضع الوضوء
قالوا هذا كان القياس في الجوربين مع النعلين لكن خالفناه للخبر ولأن الحاجة تدعو إلى لبس الجوربين كذلك بخلاف ما لا يثبت إلا بشده فإنه لا يلبس غالبا إلا بشده وقد خرج بعض أصحابنا وجها في اللفافة إنه يمسح عليها إذا وجد مشقة بنزعها فالخف والجورب الذي يثبت بالشد أولى وهذا قياس الجوربين إذا ثبتا بتعلين فإن ثبت بنفسه لكن بشده أو شرجه ستر القدم مسح عليه في أقوى الوجهين لأنه كالساتر بنفسه ومشقة خلفه أظهر وفي الآخر يجرؤه اختاره أبو الحسن الآمدي لأنه كما لم يكف ثبوته بالشد والشرج فكذلك ستره والصحيح الأول لأن الستر ليس هو مقصود اللبس وإنما اعتبرناه لئلا يجب غسل البادي بخلاف ثبوته ولأنه لو ستر القدم بانضمام بعضه إلى بعض لجاز المسح على المنصوص فهذا أولى وسواءكان الخف من جلود أو لبود أو خشب أو زجاج في أشهر الوجهين وفي الآخر لايجوز إلا في ملبوس معتاد كما لم يجز في اللفائف فلا يجوز في الخشب والزجاج والصفر والنحاس وأما ما لا يمكن متابعة المشي فيه إما لضيقه أو ثقله أو تكسره بالمشي أو تعذره كرقيق الخرق أو اللبود لم يجز مسحه لأنه ليس بمنصوص ولا في معنى المنصوص
وأما الخف المحرم كالحرير والمغصوب فقيل هو على روايتي الصلاة في
الدار المغصوبة وقيل لايجزئ قولا واحدا لأنه رخصة فلا يستباح بمعصية كالقصر في سفر المعصية وصلاة الخوف في القتال المحرم وقد تقدم مثل هذا في الاستنجاء بالمغصوب ولو لبس جلدا نجسا لحاجة كبلاد الثلج التي يخشى فيها من سقوط أصابعه بحلقه أجزأه مسحه في أحد الوجهين
لأنه مأذون فيه وإن تنجس الماء بالملاقاة فإن ذلك لايمنع كما لايمنع تنجسه على بدن الجنب في أحد الوجهين ولايجزؤه في الآخر وهو أقوى لأنه مأمور بخلعه في الأصل وإنما إبيح لبسه هنا للضرورة فأشبه من لم يستطع خلع الخف الطاهر بعد انقضالء المدة فإن هذه حالة نادة فعلى هذا يكون حكمه حكم فرضه الغسل وقد عجز عنه لقروح او برد فيتمم ويصلي ولو كان بقدمه أو بباطن خفه نجاسه لا تزال إلا بنزعة فقد قيل هو كالضوء قبل الأستنجاء أو بباطن خفه نجاسة لاتزال إلا بنزعه فقد قيل هو كالوضوء قبل الاتنسجاء لأن الصلاة لا تمكن مع هذه الطهارة غالبا إلا بنقضها والصحيح أنه يصح لطهارته ويستفيد بذلك مس المصحف والصلاة إن عجز عن إزالة النجاسة كما لو توضأ وعلى فرجه نجاسة من غيره بخلاف النجاسة الخارجة فإنها لما أوجبت طهارتين جعلت إحداهما تابعة للأخرى
ومن كان لابسا خفا فالمسح عليه أفضل من أن يخلعه ويغسل في أقوى الروايتين لأن هذا كان عادة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم ينقل عنه أنه خلع وغسل ولأن في ذلك ردا للرخصة وتشبها لأهل البدع فيكون مفضولا والثانية المسح سواء لأن كلا منهما جاءت به السنة وأما
من لاخف عليه فلا يستحب له أن يلبسه لقصد المسح كما لا يستحب له أن يسافر لأن يقصر
الثالث أن المسح إنما يجوز في الطهارة الصغرى دون الكبرى لما روى صفوان بن عسال المرادي قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كنا سفرا أو مسافرين أن لاننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح
ولأن الطهارة الكبرى يجب فيها غسل ما يمكن غسله من غير ضرر وإن كان مستورا بأصل الخلقة كباطن شعر الرأس واللحية فما هو مستور بغير الخلقة أولى بخلاف الوضوء فإنه يسقط فيه غسل ما استتر بنفس الخلقة فجاز أن يشبه به الخف في بعض الأوقات وهذا الوضوء يتكرر بخلاف الغسل ولأن الغسل يشبه بإزالة النجاسة من حيث لايتعدى حكمه بخلاف الوضوء
ولأن تحت كل شعرة جنابة فيحتاج إلى بل الشعر وإنقاء البشر
الرابع أن المقيم يمسح يوما وليلة والسمافر ثلاثة أيام ولياليهن فإذا مضت المدة بطل حكم الطهارة ويحتاج إلى لبس ثان على طهارة غسل إن أحب المسح ثانيا وهلم جرا سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام وسواء في ذلك حال شدة البرد وغيره نص عليه لما تقدم من حديث صفوان
وعن شريح بن هانئ قال سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت سل عليا فإنه أعلم بهذا الأمر مني كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألته فقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن المسح على الخفين فقال للسمافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح والسفر المعتبر للمدة هو السفر المبيح للقصر في قدره وإباحته
فإن كان دون مسافة القصر أو كان محرما مسح كالمقيم جعلا لوجود هذا السفر كعدمه وقيل في السفر المحرم لايمسح أصلا عقوبة له لأن المسح في الأصل رخصة فلا يعان به على سفره وهو ضعيف فإن الرخص التي لاتختص السفر يجوز للعاصي بسفر فعلها كالفطر في المرض والجمع بين الصلاتين له وما أشبه ذلك
وأول المدة المعتبرة من وقت الحدث بعد أن يلبس الخف إلى مثل ذلك الوقت في أشهر الروايتين وفي الأخرى من حين المسح بعد الحدث إلي مثله لظاهر قوله يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن فلو كان أوله الحدث لكان
المسح أقل من ثلاث وقد لايمسح أصلا إذا عدم الماء بعد الحدث ثلاثا وقال عمر عمر إمسح إلى مثل ساعتك التي مسحت فيها رواه الخلال
ووجه الأول أنه أمر في حديث صفوان أن لاننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن من الغائط والبول والنوم فمفهومة إنما ينزع لثلاث يضمنهن من الغائط والبول والنوم ولأن ما بعد الحدث وقت يباح فيه المسح فكان من المدة كما بعد الحدث الثاني والثالث
وهذا لأن وقت العبادة ما جاز فيه فعلها إلا ما وقع فعلها كالصلاة والأضحية ومعنى قوله يمسح المسافر ثلاثا أى لايجوز له المسح ثلاثا بدليل ما بعد الحدث الثاني فإنه من المدة وقد لايحتاج فيه إلى المسح أو بناء على أن الغالب وقوع المسح عقيب الحدث وهذا معنى قول عمر إن شاء الله تعالى
مسألة
ومتى مسح ثم انقضت المدة او خلع قبلها بطلت طهارتهلايختلف المذهب أنه إذا انقضت المدة المعتبرة أو خلع قبلها بطل حكم المسح فلا يجوز أن يصلي به سواء نزع خفيه بعد انقضاء المدة أو لم ينزعهما لأن هذه الحال لايجوز أن يبتدئ طهارة السمح فيها لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أذن في المسح ثلاثا لمن ليس علي طهارة غسل وأمر بالخلع عند انقضاء المدة فمتى انقضت المدة خلع الخف فإنه شرط المسح وكل حال لايجوز فيها ابتداء الطهارة لايجوز فيها استدامتها كالتيمم بعد رؤية الماء وهذا لأن ابتداء الطهارة خصوصا أقوى من استدامتها لأنه فعل وذاك حكم ولهذا يجوز ابتداؤها مع قيام الحدث وطهارة
المتيمم والمستحاضة بعد خروج الوقت ولا يجوز استدامتها فإذا كان بعد انقضاء المدة وخلع الخف يمتنع ابتداء طهارة المسح فكذلك يمتنع استدامتها ويفارق هذا إذا أزال شعره أو ظفره أن طهارتها بحالها لأن ما تحت الشعر والظفر لم يتعلق به الحدث الأصلي قبل ظهوره بدليل أنه لايشرع طهارته وإنما تعلق به الحدث الأصلي قبل ظهوره بدليل أنه لايشرع ظهارته وإنما تعلق به الحدث التابع كغير أعضاء الوضوء فإذا زال الحدث عن محل الوضوء زال عنه تبعا فلا يعود إليه حتى يعود إليها والرجل تعلق بها الحدث الأصلي بدليل أنها تشرع طهارتها فلو غسلها في الخف أجزاء ولهذا يتعدى حكم الحدث في إحداى الرجلين إلي الأخرى ولا يتعدى موضع الشعر والظفر إلى غيره فإذا زال عنها بشرط عاد إليها بفواته وتبطل الطهارة بذلك في أصح الروايتين كما ذكر الشيخ فإذا أراد عودها احتاج إلى طهارة كاملة وفي الأخرى تبطل طهارة الرجلين خاصة فيكفيه غسلهما لأن الوقت واللبس إنما هو معتبر فيهما خاصة فإذا زال كانتا كرجلين لم تغسلا فيكفي غسلهما خاصة وهذاغ بمثابة من توضأ إلا غسل رجليه فانقلب الماء فيتيمم لهما فلو وجد الماء بعد ذلك بيسير أو بكثير وقلنا الموالاة ليست شرطا كفاه غسل رجليه وبنوا هذا على أن الطهارة تتبعض وأنه يجوز تفريقها كالغسل فأما أن نقول الحدث لم يرتفع عن الرجل خاصة فيغسل بحكم الحدث السابق أو نقول ارتفع عنها وعاد إليها خاصة ووجه الأول أن ما أبطل طهارة عضو أبطل طهارة سائر الأعضاء كسائر النواقض ثم من أصحابنا من بني هذا على أن الموالاة واجبة فإذا تأخر غسل الرجلين لم يصح كما لو كانتا طاهرتين والتزموا على هذا إنه لو كان الخلع وانقضاء المدة عقيب السمح كفى غسل رجليه وبنوا هذا على أن ظهارة المسح لاترفع حدث الرجل وإنما تبيح الصلاة بها لأنها طهارة مؤقتة فلم يرتفع الحدث كالتيمم وطهارة المستحاضة فإذا طهرت الرجل وانقضت المدة طهر حكم
السابق والمنصوص أنه يجب عليه استئناف الوضوء سواء طال الفصل أو قصر بناء على شيئين أحدهما أن السمح يرفع الحدث رفعا مؤقتا لأن رفع الحدث شرط لصحة الصلاة مع القدرة عليه فلو لم يحصل لم تصح الصلاة لأنه قادر على غسل رجليه بخلاف المتيمم والمستحاضة فإنهما عاجزان عن رفع الحدث
والثاني أنه إذا ارتفع ثم عاد إلى الرجل سرى إلي بقية الأعضاء لأن الحدث لايتبعض فلا يرتفع عن عضو حتى يرتفع عن الجميع
بدليل أنه لايستفاد ببعضه فائدة أصلا وأن حكمه يتعدى محله وذلك معلق على طهارة جميع الأعضاء ويمكن أن يبنى على أنه وأن لم يرفع لكن الإباحة لا تتعلق ببعض الأعضاء دون بعض فمتى استباح الصلاة بمسح الرجل ثم زالت الإباحة عنها زالت عن جميع الأعضاء ويلزم على هذا متى تيمم لرجليه ثم وجد الماء عقيب ذلك أنه يعيد الوضوء وخلع أحد الخفين كخلعهما فيوجب عليه غسلهما أو جميع الطهارة على اختلاف الروايتين كما لو ظهر بعض القدم وكذلك إذا أخرج القدم أو بعضه إلى ساق الخف خروجا لايمكن متابعة المشي معه في احدى الروايتين وفي الأخرى إن جاوز العقب موضع الغسل فهو كنزعة وإن كان دونه لم يؤثر لأنه يسير والأولى أقوى لأن استقرار القدم هو الشرط في جواز المسح بدليل ما لو أحدث قبل استقرارها فإنه لايمسح وما كان شرطا في ابتداء الطهارة كان شرطا في بقاء حكمها كما تقدم
مسألة
ومن مسح مسافرا ثم أقام أو مقيما ثم سافر أتم مسح مقيم
أما إذا مسح بعض المدة وهو مسافر ثم أقام أتم على مسح يوم وليلة إلا أن يكون قد مسحهما قبل إقامته فيخلع وهذا بلا تردد وأما إذا مسح بعض المدة مقيما ثم سافر ففيهما روايتان إحداهما يتم مسح مسافر اختاره الخلال وصاحبه أبو بكر لأنه سافر في أثناء المدة فأشبه ما لو أحدث ولو لم يمسح حتى سافر فإنه يمسح تمام ثلاثة أيام وليالهن وإن كان ابتدأهن من حين الحدث الموجود في الحضر ولأن المسحات ئ عبادات لايرتبط بعضها ببعض ولايفسد أولها بفساد آخرها فاعتبر كل مسح بالحال الحاضرة كالصوات والصيام بخلاف الصلاة الواحدة والأخرى يتم مسح مقيم كما ذكره الشيخ وهو اختيار الخرقي والقاضي وأكثر أصحابنا لأن المسح عبادة يختلف قدرها بالحضر والسفر فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكمه كالصلاة وهذا لأن المسحات وإن كن عبادات لايرتبط بعضها ببعض لكن وقتها وقت واحد بعضه مرتبط ببعض ولا بد من بناء أحد طرفيه على الآخر فإذا وقع بعض المدة في الحضر وجوزنا أن يتم مسح ثلاث لكان قد وقع مسح الثلاث في الإقامة والسفر وهو خلاف الحديث وهذا أشبه بالصلاة الواحدة من الصلوات لأن تلك لايرتبط بعضها ببعض في الوقت ولا في الفعل ولو جعلت كالعبادات لكان القياس أن يعطي كل بحسابه فإذا مسح ثلثا يوم في الحضر فقد مسح ثلث مدته فيمسح في السفر ثلثي مدته وهي يومان وليلتان وهذا مع أنه لا يقال لا يصح لأن من شأن العبادات وأوقاتها المتعلقة بالسفر والحضر أن يتعلق بأحدهما لابهما ولأنه يفضي إلى جعل مدة ثالثة غير الواحد والثلاثة وهو خلاف السنة وأما إذا أحدث في
الحضر ولم يمسح حتى سافر فإنما أبحنا له أن يمسح مسح مسافر وإن كان أولها في الحضر لأن العبادة لم يفعل شيء منها ولا وجبت في الحضر وإنما وجد وقت جوازها فأشبه ما لو دخل وقت الصلاة على صبي مقيم فبلغ في الوقت بعد سفره ولأن المسح جميعه إذا وقع في السفر تحقق في حقه جميع مشقة السفر بخلاف ما إذا وجد بعضه فإنما يثبت في حقه بعض المشقة والله أعلم
وإذا شك في أول مدة المسح بني على الأصل وهو وجوب غسل الرجلين فلو شك المسافر هل ابتدأ المسح في الحضر أو السفر بنى على مسح حاضر لأن مدته على اليقين كما لو شك المقيم هل ابتدأ المدة في الحضر أو السفر فلو مسح بعد يوم وليلة ثم ذكر أنه أنشأ المسح في السفر أعاد تلك الصلاة كما لو صلى إلى بعض الجهات بغير اجتهاد لم يتبين أنها جهة القبلة أو صلى قريب الزوال بغير اجتهاد لم يتبين أنه بعد الزوال هذا هو المشهور وإن قلنا إن المسافر إذا مسح في الحضر ثم سافر بني على مسح مسافر فكذلك هنا لان مسحه على التقديرين لكنه يحسب المدة من حين احتمال المسح في الحضر أو من حين احتمال المسح علي اختلاف الروايتين وكذلك كل طاهر لبس خفيه ثم شك في الحدث فإنه يبني حكم المدة على أول أوقات الشك ويبني بتلك الطهارة التي لبس عليها وشك في زوالها على الصحة أخذا باليقين في كل واحد من الحكمين
مسألة
ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذوائب ساترة لجميع الرأس إلا ماجرت العادة بكشفهلايختلف المذهب في جواز المسح على العمامة في الجملة وأنه يجزئ
عن مسح ما وازنه الرأس لما روى عمرو بن أمية الضمري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح على عمامته وخفيه رواه أحمد والبخاري وابن ماجة
وعن المغيرة بن شعبة قال توضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ومسح على الخفين والعمامة رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح فإن قيل المراد بذلك أنه مسح بعض رأسه وتمم المسح علي ناصيته وعمامته فنقول المجزئ مسح بعض الرأس والمسح على العمامة استحباب وكذلك حكاه الترمذي عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة
قلنا لايصح أن يكون الفرض إنما سقط بمسح بعض الرأس لوجوه
أحدها ماتقدم من أن استيعاب الرأس بالمسح واجب
الثاني ما روى ثوبان قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا عليه شكوا ما أصابهم فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين رواه أحمد وأبو داود والعصائب العمائم والتساخين الخفاف فلو كان بعض الرأس هو الممسوح والفرض قد سقط لم يكن إلى الأمر بالعصائب حاجة لقوم شكوا البرد وخافوا البرد أن يلحق رؤوسهم وأرجلهم
الثالث أنه أمرهم بمسح العصائب مطلقا كما أمرهم بالخفاف مطلقا ولم يأمرهم مع ذلك بمسح بعض الرأس وتأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز لاسيما وقد قرنه بمسح الخف الذي ليس معه غيره وكذلك سائر الصحابة الذين نقلوا أنه مسح على الخفين والعمامة فهموا من المسح على العمامة ما فهموا من المسح على الخفين أن لباس العضو ثابت عنه
الرابع أن المسح على العمامة إجماع الصحابة ذكره أبو اسحاق والترمذي عن أبي بكر وعمر وقال أبو اسحاق الشالنجي روي المسح علي العمامة عن ثمانية من الصحابة وهم أبو بكر وعمر وعلي وسعد بن أبي وقاص وأبو موسى الأشعري وأنس بن مالك وعبد الرحمن ابن عوف وأبو الدرداء
وروى الخلال بإسناده عن عمر قال من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله ولو كان السمح على العمامة وجوده كعدمه في حصول الإجزاء به وأن الفرض إنما هو مسح بعض الرأس لم يكن في حكاية هذا عن الصحابة فائدة ولكان الواجب أن يقال مذهبهم جواز مسح بعض الرأس ثم لم يذكروا مسح بعض الرأس أصلا فكيف ينسب إليهم مالم يقولوه ولا ستحال قول عمر من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله
فإن المخالف يقول إنما طهره مسح بعض الرأس
الخامس أن أبا بكر عبد العزيز روى بإسناده عن عمر بن رديح عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي بردة عن المغيرة بن شعبة قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرنا أن نمسح على الخفين واعمامة ثلاثة أيام ولياليهن في السفر ويوما وليلة للمقيم
وقد قال يحيى بن معين عمر بن رديح صالح الحديث
وروى الخلال باسناده عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوما وليلة للمقيم
وأحاديث شهر حسان والتوقيت إنما يكون في البدل واللباص والحائل
والسادس إنما نقول بموجب دليلهم في إحدى الروايتين وأنه إنما يجزئ المسح على العمامة إذا مسح ما يظهر من الرأس عادة كمقدمة كما دل عليه حديث المغيرة بن شعبة وكما نقل عن بعض الصحابة وهذا لأن العمامة نابت عن مسح ما سترته فبقى الظاهر على الأصل ولا يقال
ففي هذا جميع بين البدل والمبدل لانا نقول مسح العمامة مع الرأس مشروع إجماعا مع أنه خلاف قياس الرجل إما استحبابا أو وجوبا وذلك لأن ستر جميع الرأس غير معتاد بخلاف ستر جميع القدم
فمن أين لهم ان مسح بعض الرأس بدون العمامة هو المجزئ والرواية الأخرى وهي الصحيحة أته لايجب مسح ما يظهر لأن في حديث بلال وثوبان أمر بمسح الخمار والعصائب ولم يذكر شيء آخر وكذلك عامة من حكى عن المسح على العمامة لم يذكروا الناصية إلا المغيرة فيكون قد فعله في بعض الأوقات إذا لو كان هو المداوم عليه لما أغلفه الأكثرون ولايجب مسح الأذنين على الروايتين لأنه لم ينقل عنه مع مسح العمامة
ولأنهما من الأصل تبعا وقد انتقل الفرض عنه إلى غيره ولأنه عضو يسقط في التيمم وجاء طهوره في القرآن بلفظ المسح فشرع المسح على لباسه كالرجلين وأولى لأن السمح إلى المسح أقرب من المسح على الغسل ولأن الغالب أنه مستور بلباسه واستيعابه يشق ولأن العمامة محل لتكميل وظيفة المسح فكانت محلا للمسح المجزئ كجوانب الرأس وعكسه مسح باطن الخف
وفي مسح المرأة على مقنعتها وهي خمارها المدار تحت حلقهما روايتان
إحداهما لايجوز لأن نصوص الرخص إنما تناولت الرجل بيقين والمرأة مشكوك فيها ولأنها ملبوس على رأس المرأة فهو كالوقاية
والثانية يجوز وهي أظهر لعموم قوله إمسحوا على الخفين
والخمار والنساء يدخلن في الخطاب المذكور تبعا للرجال كما دخلن في المسح على الخفين
وذكر الإمام أحمد وابن المنذر عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها كانت تمسح على الخمار فلولا أنها علمت ذلك من جهة رسول الله صلى الله عليه و سلم نصا أو دلالة لما علمته وهي أفهم لمراده ولأن الرأس يجوز للرجل المسح على لباسه فجاز للمرأة كالرجل ولأنه لباس يباح على الرأس يشق نزعه غالبا فأشبه عمامة الرجل وأولى لأن خمارها يستر أكثر من عمامة الرجل ويشق خلعه أكثر وحاحتها إليه أشد من الخفين
فأما العمامة للمرأة فلا يجوز المسح عليها لأنها منهية عن ذلك وكذلك كل ما فيه تشبه بالرجال وإن فرضت الإباحة بعض الأوقات لحاجة فهي حالة نادره فإما مسح الرجل على القلانس المبطنات الكبار كالنوميات التي تتخذ للنوم والدنيات التي كانت القضاة تلبسها مستقدما ففيه روايتان
إحداهما يجوز لأن عمر وأبا موسى وأنس بن مالك رخصوا في ذلك ولأنه ملبوس مباحم عتاد للرأس أشبه العمامة قال بعض أصحابنا وهذا إذا كانت محبوسة تحت الدقن كالعمامة والخمار
والثانية لايجوز لأن ذلك لباس لايشق نزعه فأشبه القلنسوة غير المبطنة ولأن الحديث إنما جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في العمامة وهذه لاتشبهها من كل وجه فلم تلحق بها
فصل
ومن شرط جواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلاما جرت العادة بكشفه مثل مقدم الرأس والأذنين فإن هذا يعفى عنه بخلاف الخف فإنه لايعفى عن يسيره لأن العمائم إنما تلبس على هذه الصفة ثم هي على ثلاثة أقسامأحدها أن تكون محنكة فيجوز المسح عليها سواء كان لها ذوأبة أو لم يكن من غير إختلاف نعلمه في المذهب وكلام الشيخ على هذا لا مفهوم له
والمحنكة هي التي تدار تحت الحنك منها كوراوتان وتسمى المحنكة أو المتلحاه لأن هذه كانت عمة المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فانصرف كلامه وكلام أصحابه إليها ولم يكونوا كلهم يرفون الذوائب ولأن هذه يشق نزعها فجاز المسح عليها كالخف
الثاني أن لا تكون محنكة ولا ذات ذؤابه فالمذهب المعروف أنه لا يمسح عليها لأنها لم تكن عمة المسلمين فيما مضى ولا تلحق بها لوجهين
أحدهما أنها لايشق نزعها كنزع المحنكة ولاتستر سترها فأشبهت الطاقية والكتلة
والثاني أنه منهي عنها قال عبد الله كان أبي يكره أن يعتم الرجل بالعمامة ولا يجعلها تحت حلقة وقال أيضا يكره أن لا تكون تحت الحنك
كراهية شديدة وقال إنما يتعمم مثل ذلك اليهود والنصارى والمجوس وقال أيضا أحب الرجل إذا اعتم أن يتحنك بها ولا يعتم إلا بتحنيك فإنه مكروه
وقال الميموني رأيت أبا عبد الله وعمامته تحت ذقنه ويكره غير ذلك
وذلك لما روى أبو عبيد في آخر الغرائب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر بالتحلي ونهي عن الإقتعاط قال أبو عبيد أصل هذا الحديث في لبس العمائم إذا لاثها المعتم على رأسه ولم يجعلها تحت حنكة قيل اقتعطها فهو المنهى عنه وإذا أدارها تحت الحنك قيل تلحاها فهو المأمور به
وروى أبو حفص العكبري عن جعدة بن هبيرة قال رأى عمر بن الخطاب رجلا يصلي وقد أقتعط بعمامته فقال ما هذه العمامة الفاسقية ثم دنا منه فحل لوثا من عمامته فحنكة بها ومضى
وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن طاووس في الرجل يلوي العمامة على رأسه ولا يجعلها تحت ذفنه قال تلك عمة الشيطان
وعن الحسن أنه بينما هو يطوف بالبيت إذ أبصر على رجل عمامة قد أعتم بها ليس تحت ذقنه منها شيء فقال له الحسن ماهذه الفاسقية وعن
وعن الحسن أنه بينما هو يطوف بالبيت إذ أبصر على رجل عمامة قد أعتم بها ليس تحت ذقنه منها شيء فقال له الحسن ما هذه الفاسقية وعن عمران المقبري قال هذه الأزعمة التي لاتجعلون تحت الحلق منها عمة قوم لوط يقال لها الابارية
ويتخرج جواز المسح عليها كالقلنسوة المبطنة وأولى لأنها في الستر ومشقة النزع لاتنقص عنها وذلك لأنها داخلة في مسمى العمائم والعصائب التي جاء الإذن بها
وأما حكم لبسها فقد رخص فيه اسحاق بن راهوية وغيره من أهل العلم واحتجوا بما روى وهب بن جرير عن أبيه عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن أبي عبد الله قال أدركت أبناء المهاجرين والأنصار فكانوا يعتمدون ولا يجعلونها تحت الحنك لكن المنصوص عن أحمد الكراهية كما تقدم وأنكر هذا الحديث وقال حديث منكر ما أدري أي شيء ذلك الحديث
وقال أيضا وقد سئل عنه ما أدري ما هو وقيل له تعرف سليمان بن أبي عبد الله فقال لا ورد أحمد له لأن إجماع السلف على خلافه قيل له
سمعت أنت هذا الحديث من وهب فقال نعم وهومعروف ولكن الناس على غير الذي رووا عن يعلى بن حكيم
ولأن أولئك اللذين نقل عنهم لم يعرف منهم ولعلهم من جملة من أنكر عليه كما ذكرنا آنفا لكن المحكي عن أحمد فيها لفظ الكراهة والأقرب أنها كراهة لاترتقي إلى حد التحريم ومثل هذا لايمنع الترخيص كما قلنا في سفر النزهة أنه يبيح القصر على ظاهر المذهب يؤيد هذا أن الكراهة على ما ذكر فلا يختلف بين إرخاء ذؤابة وتركه ومع هذا فيقال مال جماعة من أصحابنا إلى المسح على ذات الذوائب
القسم الثالث أن تكون ذات ذؤابة بلا حنك فيجوز المسح عليها في أحد الوجهين وهو الذي ذكره الشيخ لأن إرخاء الذؤابة من السنة قال أحمد في رواية الأثرم وابراهيم بن الحارث ينبغي أن يرخي خلفه من عمامته كما جاء عن ابن عمر يشير بذلك إلى ما روى أبو بكر الخلال بإسناده عن نافع كان ابن عمر يعتم ويرخيها بين كتفيه
وبإسناده عن عبيد الله بن عمر قال أخبرني أشياخنا أنهم رؤوا أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يعتمون ويرخونها تحت أكتافهم
وبإسناده عن عاصم بن محمد عن أبيه قال رأيت عبد الله بن الزبير اعتم وأرخاها من خلفه نحو ذراع وبإسناده عن سلمة بن وردان قال رأيت على أنس بن مالك عمامة سوداء قد أرخاها من خلفه
وقد روى أبو محمد الخلال بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا علي بن أبي طالب فإذا هو رمد فتفل في عينيه ودعا له بعمامة سوداء وأرخى يطرف العمامة من بين كتفيه ثم قال سر فسار ففتح الله عليه
وعن ابن عمر قال عمم النبي صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن بن عوف عمامة سوداء كرابيس وأرخاها من خلفه قدر أربعة أصابع وقال هكذا فاعتم فإنه إعرف وأجمل
فإذا أرخاها ذؤابة ولم يتحنك فقد أتى ببعض السنة والنهي عن الإقتعاط كان لئلا يتشبه بأهل الكتاب وبهذا يحصل قطع التشبه لأنها ليست من عمائمهم وحملوا حديث سليمان بن أبي عبد الله على أن تلك العمائم كانت بذوائب
والثاني لايجوز لأن عموم النهي يشملها ولأنها لايشق نزعها
ويشترط للمسح على العمامة ما يشترط للمسح على الخف من لبسها على طهارة كاملة ومن اعتبار الوقت وإذا خلعها بطلت طهارته وكذلك إذا
انكشف رأسه إلا أن يكون يسيرا مثل أن يرفعها بقدر ما يدخل يده كحك رأسه أو لمسحه في الوضوء ونحو ذلك فلا بأس به مالم يفحش ولو انتقضت فكذلك إلا أن ينقض بعضها ككور أو كورين ففيه روايتان
إحداهما لاتبطل الطهارة لأن العضو مستور ببعض المسموح فأشبه ما لو زال ظاهر الخف وبقيت بطانته
والثانية تبطل وهي المشهورة لأنه بانتقاض بعضها ينتقض سائرها فلم تبقا على حال تثبت بنفسها فأشبه مالو انفتق الخف فتقا لايثبت في الرجل معه وعلى الرواية التي تقول يجوز غسل رجليه في مسلمة الخف يحتاج هنا إلى مسح رأسه وغسل رجليه لأجل الترتيب
فصل
السنة أن يمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه والأفضل أن يضع يده مفرجة الأصابع على أصابع رجليه ثم يجرها إلى ساقه ولو بدأ بأسفل الساق قبل رؤوس الأصابع جاز
وقال ابن أبي موسى السنة أن يمسح أعلاه وأسفله لما روى المغيرة ابن شعبة أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح أعلى الخف وأسفله رواه الخمسة إلا النسائي
ولأنه موضع يحازي محل الفرض فأشبه أعلاه ولأنه استيعاب بالمسح فكان مشروعا كمسح الرأس والعمامة والأول هو المذهب المنصوص
لقول علي رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح على ظاهر خفيه رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وعن المغيرة بن شعبة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح علي الخفين على ظاهرهما رواه أحمد أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
وذاك الحديث قال الترمذي هو معلول وضعفه أحمد والبخاري وأبو زرعة
قال أحمد الصحيح من حديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح أعلى الخف ولأن أسفل الخف ليس بمحل الفرض فكذلك لسنته كالساق وقد بين علي رضي الله عنه أن الرأي وإن اقتضى مسحه لكونه محل الوسخ والأذى إلا أن السنة أحق أن تتبع مع أن رأيا يخالف السنة رأي فاسد لأن أسفله مظنة ملاقاة النجاسة وكثرة الوسخ فيفضي إلى تلويث اليد من غير فائدة إذا ليس المقصود إزالة الوسخ عن الخف ولهذا لايشرع
غسله بل غسله كغسل الرأس ولأن استيعابه بالمسح يفضي إلى إخلاقه وإتلافه من غير فائدة كما تقدم وذلك لايشرع وبهذا يظهر الفرق بينه وبين العمامة فإنه لا أذى هناك ولا يخاف بلاها لأن مواضع المسح تتبدل بتبدل الوتاد والصفة التي ذكرناها رواها ابن ماجة عن جابر قال مر رسول الله صلى الله عليه و سلم برجل وهو يغسل خفيه فقال بيده كأنه دفعه إنما أمرت بالمسح هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق خططا بالأصابع
ورواه أبوعبد الله بن حامد ولفظه إنما لم تؤمر بهذا فأراه وقال بيده من مقدم الخف إلي الساق وفرق بين الأصابع وهذا أقرب إلى مسح ظهر الخف بجميع تلك اليد بخلاف لو بدأ بما يلي الساق فإن بعض البلل يذهب في الساق وروى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة أنه ذكر وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ثم تؤضا ومسح على الخفين فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلي أثر أصابعه على الخفين قال القاضي وابن عقيل سنة المسح هكذا أن يمسح خفيه بيده اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى قال الإمام أحمد كيف ما فعلت فهوجائز باليد الواحدة أو
باليدين ولايسن تكرار المسح ولايتبع ما بين الأصابع بالماء ولا يجب استيعابه بالمسح لما ذكرنا
قال أحمد المسح على الخف هو مس أعلاه خططا بالأصابع وقال هو أثبت عندنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه مسح مرة واحدةوكذلك عن ابن عمر وعن ابن عباس وأنس ومسح عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى رأيت آثار أصابعه وكذلك قيس بن سعد بن عبادة ولأن الاستيعاب والتكرار يوهيه ويخلقه من غير فائدة والواجب مسح أكثره فلا يجزئ مسح ثلاث أصابع ولايسمى مسحا لما ذكرنا من حديث جابر وقوله إنما أمرت هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق والأمر يقتضي الإيجاب لاسيما وقد أخرجه مخرج البيان للمسح المسقط لفرض الغسل
وفي حديث المغيرة وغيره أنه مسح بكفه وفعله هو المفسر للمسح المفروض وقد كان القياس يقتضي مسح جميعه لأنه بدل عن مغسول فكان كالجبيرة وعضوي التيمم لكن سقط أسفله وعقبه لما ذكرنا فبقي ظاهره والأكثر يقام مقام الجميع في كثير من المواضع بخلاف الأقل والمفروض مسح أكثر ظهر القدم فلو مسح بدل ذلك أسفله أو عقبه لم يجزئه لما روى
الخلال عن عمر قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يأمر بالمسح على ظاهر الخفين إذا لبسهما وهما طاهرتان
ولما تقدم من حديث جابر ولأن عليا بين أن السنة قدمت ظهر الخف على أسفله مخالفة للرأي الذي يوجب تقديم أسفله فمتى مسح أسفله فقد وافق الرأي الفاسد ولأن فعله خرج امتثالا وبيانا لسنة المسح المفروضة بدلا عن الغسل وإن مسح بخرقة أو بأصبع واحدة أو غسل بدلا عن المسح فهو كما ذكرنا في مسح الرأس وأما العمامة فالسنة استيعابها قال أحمد
يمسح على العمامة كما يمسح على رأسه وهو واجب في الوجهين اختاره أبو حفص البرمكي لأنه حائل شرع مسح جميعه فوجب كالجبيرة ولأن الأصل أن البدل يحكى المبدل لاسيما المبدل من الجنس كقراءة غير الفاتحة بدلا عن الفاتحة بخلاف غير الجنس كالتسبيح عن القرآن والثاني لايجب وهو اختيار أكثرهم بل يجزىء أكثرها كالخف لما روى المغيرة بن شعبة قال كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر فتبرز لحاجة ثم جاء فتوضأ ومسح على ناصيته وجانبي عمامته ومسح على خفيه رواه النسائي ولأنه بدل ممسوح رخصة فلم يجب استيعابه كالخف وإن أبان البدل منه هناك غسل ويجب استيعابه وفاقا
وبهذا يفارق الجبيرة لأنها جعلت كالجلد فمسحت في الطهارتين من غير توقيت وهذان الوجهان فرع على ظاهر المذهب وهو وجوب استيعاب الرأس فأما إن قلنا يجزىء الأكثر أو قدر الناصية من الرأس ومن الناصية فهاهنا أولى ويختص محل الإجزاء بأكوارها وهي دوائرها دون وسطها في أحد الوجهين لأن وسطها باطن فهو بمنزلة أسفل الخف وفي الآخر يجزئ من الجميع لأن الأسم يقع على الجميع وليس باطنها محلا للأولى بخلاف الخف
مسألة
ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملةلا يختلف المذهب أنه يشترط في جواز المسح على العمامة والخفين أن يكون قد لبسهما على طهارة فلو كان محدثا حين لبسهما أو أحدث حين وضع قدمه في الخف قبل أن يستقر لم يجز له المسح لأن الحديث تعلق بالرجل في حال ظهورها فصار فرضها الغسل لأنه لا مشقة فيه حينئذ فلا يجوز أن ينوب عنه المسح لأنه أخف منه كمن نسى صلاة حضر فذكرها في السفر فقد استقرت في ذمته تامة فلا يجوز قصرها بخلاف ما إذا لبس طاهرا ثم أحدث فإنه تعلق بها على صفة يشق غسلها فكان الفرض فيها على أحد الأمرين إما الغسل أو المسح وكذلك لا بد أن تكون الطهارة قبل اللبس فلو لبس الخف على حدث ثم توضأ وغسل رجليه فيه لم يجز له المسح عليه حتى يخلعه ثم يلبسه ليكون حين اللبس متطهرا
لما روى المغيرة بن شعبة قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في مسير له فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ثم مسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أذخلتهما طاهرتين فمسح عليهما متفق عليه ولأبي داود دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان فمسح عليهما
وعن المغيرة بن شعبة قال قلنا يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين قال نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان رواه الحميدي في مسنده والدارقطني في سننه وعن صفوان بن عسال قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نمسح على الخفين إذا أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولانخلعهما إلا من جنابة رواه أحمد والدارقطني وابن خريمة قال الخطابي هو صحيح الاسناد وبهذا يدل على أن الطهارة شرط حين ادخلهما الخفين ولأنه إذا لبس الخف محدثا لبسه مع قيام فرض الغسل بالرجل فأشبه ما لو لم يغسلهما حتى أحدث ولا يقال النزع واللبس عبث بل هو تحقيق لشرط الإباحة كما أن من ابتاع طعاما بالكيل ثم باعه فإنه يكيله ثانيا
ولا بد أن يبتدئ لبسهما على طهارة كامله في أشهر الروايتين وفي الأخرى يكفيه أن يدخل كل قدم وهي طاهرة فلو غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم الأخرى وأدخلها الخف لم يبح له المسح في ظاهر المذهب حتى يخلع ما لبسه قبل تمام طهره فليلبسه بعده ولذلك لو نوى الجنب رفع الحدثين وغسل رجليه ثم أدخلهما الخف قم ثم طهارته أو فعل ذلك المحدث وقلنا الترتيب ليس بشرط لم يجز له المسح على الأولى وجاز على الثانية
لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان وذلك يقتضي توزيع الأفراد على الأفراد كما يقال دخل الرجلان الدار وهما راكبان فإنه يقتضي أن كليهما راكب حين دخوله سواء كان الأول إذ ذاك راكبا أو لم يكن
ووجه الأول في حديث صفوان المتقدم إذا أدخلناهما مع طهر وذاك إنما يراد به الطهر الكامل
وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رخص للمسافر ثلاثة ايام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما رواه الأثرم والدارقطني وابن خزيمة وقال الخطابي هو صحيح الإسناد
والتطهر إنما هو كمال التوضؤ ولأن اللبس اعتبرت له الطهارة فاعتبرت
الطهارة الكاملة كمس المصحف ومسح الخف فإنه لايجوز أن يمس المصحف بعضو غسله حتى يطهر الجميع
ولا يمسح على خف رجل غسلها حتى يغسل الرجل الأخرى ويلبس خفها والحديث حجة لنا لإثبات أن كل واحدة طاهرة عند دخولها ولا يثبت لها الطهارة حتى يغسل الأخرى لأن الحدث الأصغر لايتبعض ولا يرتفع عن العضو إلا بعد كمال الوضوء ولهذا لايجوز له مس المصحف بعضو مغسول على أن ما ذكروه ليس بمطرد فإنه لو قال لامرأتيه أنتما طالقتان إن شئتما أو إن حضتما لم يقع طلاق واحدة منهما حتى يوجد الشرط منهما
فأما العمامة فقال أصحابنا هي كالخف فلو مسح على رأسه ثم لبسها ثم غسل رجليه لم يجزئه في أشهر الروايتين حتى يبتدء لبسها بعد كمال الطهارة وفي الأخرى يجزئه لأنه لبسها بعد طهارة محلها ولو لبسها محدثا ثم توضأ ومسح على رأسه ورفعها رفعا فاحشا فكذلك كما لو لبس الخف محدثا فلما غسل رجليه رفعه إلى الساق ثم أعاده وإن لم يرفعها رفعا فاحشا فيحتمل أن يكون كما لو غسل رجليه في الخف لأن الرفع اليسير لايخرجه عن حكم اللبس لأنه إنما عفى عنه هناك للمشقة ويتوجه أن يقال في العمامة لايشترط فيها إبتداء اللباس على طهارة بل يكفي فيها الطهارة المستدامة لأن العادة الجارية أن الإنسان إذا توضأ رفع العمامة ومسح برأسه ثم أعادها ولم تجر العادة بأن يبقى مكشوف الرأس إلى آخر الوضوء ولا أن يجعلها بعد وضوئه ثم يلبسها بخلاف الخف
فإن عادته أن يبتدأ لبسه بعد كمال الطهارة وغسله في الخف نادر ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أصحابه في المسح على العمامة شيء من ذلك وهو موضع حاجة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز وقد علل أصحابنا الخف بندرة غسل الرجل فيه وهذه العلة تنعكس في العمامة لا سيما إن قلنا ابتداء اللبس على كمال الطهارة واجب فأما إن قلنا يكفي لبسها على طهارة محلها وجعلنا رفعها شيئا يسيرا ثم إعادتها ابتداء لبس فهو شبيه بما ذكرنا
فصل
يكره أن يلبس الخف وهو حاقن كما يكره أن يصلى بهذه الطهارة وطرد ذلك مس المصحف والطواف بها لأن الحدث القريب إذا لم يكن كالحاصل في المنع فلا أقل من الكراهة وإذا قلنا إن سؤر البغل والحمار مشكوك فيه فطهر منه ثم لبس ثم أحدث ثم توضأ منه وتيمم وصلى صحت صلاته لأن الماء إذا كان طاهرا فقد صلى بطهارة وضوء صحيح وإن كان نجسا فقد صلى بالتيمم وفي هذه لبس على طهارة لا تجوز الصلاة بها والطهارة أربعة أنواع غسل ومسح وتيمم وطهارة المستحاضة فإذا لبسه على طهارة غسل فلا شبهة فيه وإذا لبسه على طهارة مسح فهو على ثلاثة أقسامأحدها أن يلبس خفا على طهارة مسح الخف مثل أن يلبس خفا أو جوريا فيمسح عليه ثم يلبس فوقه خفا أو جرموقا فلا يجوز المسح عليه لأن هذه الطهارة لايمسح بها ثلاثة أيام لأن ما مضى محسوب من المدة والنبي صلى الله عليه و سلم إنما أباح المسح على طهر مسح ثلاث ولأن الخف التحتاني بدل عن الرجل والبدل لا يكون له بدل بخلاف ما إذا لبس الفوقاني قبل أن يحدث فإنه لم يتعلق به حكم البدل فجاز أن يمسح
ويجوز أيضا أن يمسح التحتاني ويدعه كما يجوز أن يغسل الرجل في الخف وإذا مسح الفوقاني ثم نزعه فهو كما لو بدت رجله في أشهر الروايتين لأن المسح تعلق بالفوقاني وحده فصار التحتاني كاللفافة بخلاف ما إذا نزعه قبل المسح أحدث أو لم يحدث فإن المسح عليه جائز ولبس الفوقاني لم يضره شيء وفي الأخرى لا يلزمه نزع التحتاني بل يتطهر عليه إما بمجرد مسحه أو تكميل الطهارة كما لا يلزمه نزع التحتاني كما لو كان هو الممسوح دون الفوقاني ولو لبس الفوقاني بعد أن أحدث وقبل أن يمسح على التحتاني فهو أحرى أن لايجوز لأنه لبسه على غير طهارة
ولا يشبه بهذا أن يخبط على الخف جلدة لأن هنا خفين منفصلين وهذا كله إذا كان الخفان صحيحين فإن كان التحتاني مخرقا والفوقاني صحيحا مسح عليه كما لو لبسه على لفافة وإن كان التحتاني صحيحا والفوقاني مخرقا فالمنصوص من الوجهين جواز المسح عليه لأن خروقه مستورة
والثاني لا يجوز كما لو كان تحته لفافة وعنه أنه كالجوارب مع النعل فإن ثبت الصحيح بالمخروق جاز المسح عليهما كما تقدم في الجورب مع النعل وإن ثبت الصحيح بنفسه مسح عليه خاصة ولو كانا مخرقين وقلنا يمسح على المخرق فوق الصحيح فهنا وجهان
أحدهما يمسح أيضا كالجوارب الثابت بنعل
والثاني لايمسح كالمحرق فوق اللفافة
القسم الثاني أن يلبس خفا أو عمامة على طهارة مسح الجبيرة فهذا يجوز له المسح لأن هذه الطهارة تقوم مقام الغسل من كل وجه حتى في الحدث الأكبر لأنه لايقدر إلا عليها والجبيرة بمنزلة جلده
الثالث أن يلبس خفا على طهارة مسح العمامة أو بالعكس أو يشد جبيرة على طهارة مسح أحدهما ونقول باشتراط الطهارة في الجبيرة ففيه وجهان
أحدهما لايجوز له المسح لأنه لبس على طهارة ناقصة من غير ضرورة أشبه ما لو لبس الخف على خف ممسوح أو لبس العمامة على قلنسوة ممسوحة وجوزنا المسح عليها
والثاني الجواز بناء على أن طهارة المسح ترفع الحدث كما تقدم والنص يتناول ذلك بعمومه وإنما امتنع في الملبوس مع الممسوح لانه بدل البدل ولبعض المدة المعتبرة شرعا كما تقدم وأما إذا لبسه على طهارة تيمم لم يكن له المسح عليه لأن التيمم لا يرفع الحدث بعد لبسه مع بقاء الحدث ولأنه إذا وجد الماء ظهر حكم الحدث السابق قبل لبسه فيكون في التقدير قد لبس وهو محدث لأنه إنما جعلناه متطهرا في ما لا يستمر حكمه كالصلاة والطواف ومس المصحف للضرورة ولا إلى المسح بعد وجود الماء لأنه يتمكن من غسل رجليه ولبس الخف حينئذ وهذا إنما يكون فيمن يتيمم لعدم الماء وأما من تيمم خوف الضرر باستعماله لجرح أو قرح فإنه إذا لبس الخف على هذه الطهارة ينبغي أن يكون كالمستحاضة وتعليل أصحالنا يقتضي ذلك وأما الطهر الذي معه حدث دائم كالمستحاضة ونحوها فإنها إذا لبست الخف على طهارتها تمسح يوما وليلة في الحضر وثلاثة أيام ولياليهن في السفر نص عليه ولا تتقيد بالوقت الذي يجوز لها أن تصلي فيه بتلك الطهارة كطهارة ذي الحدث المنقطع لأن هذه الطهارة كاملة في حقها وإنما وجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة لأن الطهارة فرض لكل صلاة وهي قادرة على ذلك بخلاف اللبس فإنه إنما تشترط له الطهارة حين ابتدأه وقد كانت طهارته حكما والفرق بينهما وبين التيمم أنه لما وجد الماء زالت ضرورته فظهر حكم الحدث السابق ومظنة ذلك أن ينقطع دمها في ابتداء المدة الانقطاع المعتبر فإن ضرورتها قد زالت فكذلك قلنا هنا تبطل طهارتها من أصلها حتى يلزمها استئناف الوضوء لأن الحدث السابق ظهر عمله كما يلزم المتيمم إذا وجد الماء
وقال القاضي في الجامع إنما تمسح على الخف ما دامت في الوقت فتنتفع بذلك لو أحدثت بغير الحدث الدائم فأما بعد خروج الوقت فلا تستبيح المسح كما لا تستبيح الصلاة
والأول أصح قال أحمد المستحاضة تمسح على خفها وقال أيضا الذي به الرعاف إذا لم ينقطع وهو يتوضأ لكل صلاة أرجو أن يجزئه أن يمسح على خفيه
مسألة
ويجوز المسح على الجبيرة إذلم يتعد بشدها موضع الحاجة إلى أن يحلهاهذا ظاهر المذهب أنه يمسح على الجبيرة في الطهارتين من غير توقيت ولا إعادة عليه ولايلزمه شيء آخر وعنه أنه يلزمه التيمم مع مسحها لما روى جابر رضي الله عنه قال خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدرعلى الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو قال يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده رواه أبو داود والدراقطني ولأنه يشبه الجريح لأنه يترك الغسل خشية الضرر ويشبه لابس الخف لأنه يتضرر بنزع الحائل
فلما أشبههما جمع له حكمهما والأول هو المذهب لما صح عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة فالقمها مرارة فكان يتوضأ عليها
وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول من كان به جرح معصوب عليه توضأ ومسح على العصابة ويغسل ما حول العصاب وإن لم يكن عليه عصاب مسح ما حوله
وقد روى ذلك عن جماعة من التابعين ولا يعرف عن صحابي ولاتابعي خلافة وقد روى عن علي رضي الله عنه قال انكسرت إحدى زندي فأمرني النبي صلى الله عليه و سلم أن أمسح على الجبائر رواه ابن ماجة وغيره
وروى عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم وإن كان في إسناده مقال فهو معتضد بما ذكرنا ولأنه مسح على حائل فأجزأه من غير تيمم كمسح الخف والعمامة وأولى لأن هذا يتضرر بالنزع ولابس الخف لايتضرر بالنزع ولأنه إما أن يلحق بذي الجرح الظاهر أو بلابس الخف أو بهما
أما الأول فضعيف منه لأنه لا حائل هناك ينتقل الفرض إليه ويجعل الجرح في حكم الباطن
والثاني أضعف منه لأننا إذا ألحقناه بهما عظمت المشقة وأوجبنا طهارتين عن محل واحد وجعلناه أغلظ من لابس الخف مع أنه أحق بالتخفيف منه فتعين أن يلحق بلابس الخف لاسيما وطهارة المسح تشارك الغسل في رفع الحدث وأنها بالماء جائزة في الجملة في حال الاختيار
وأما حديث صاحب الشجة فمعناه والله أعلم أنه يكفيه إما التيمم وإما أن يعصب على شجه خرقة ثم يمسح عليها لأنهم أجمعوا عل أن الجرح الظاهر لايوجب فأن يتيمم وأن يعصب ثم يمسح العصابة والواو وقد تكون بمعنى أو كما في قوله مثنى وثلاث ورباع وذكر القاضي أنه على هذه الرواية يمسح على الجبيرة أيضا وهل تجب عليه الإعادة تخرج على روايتين أظهرهما لايعيد وفي عصابة الفصاد يمسح ويتيمم لأجل النجاسة فعلى هذا الفرق بين الروايتين أنه هل يجوز له شدها على غير طهارة أم لا وقد صرح بذلك في تعليل هذه الرواية وقوله إذا لم يتعد بشدها موضع الحاجة يعني أن الحاجة تدعو إلى أن يتجاوز بها موضع الكسر فرن الجبيرة توضع على طرفي الصحيح لينجبر الكسر وقد يتجاوز بها إلى جرح أو ورم أو
شيء يرجى به البرء وسرعة البرء وقد يضطر إلى الجبر بعظم يكفيه أصغر منه لكن لم يجد سواه ولا ما يصغر به ومتى تجاوز لغير حاجة ولا ضرورة لزمه النزع إن لم يضره وإن خاف منه الضرر لم يلزمه النزع إلا على قول أبي بكر في جبر كسره بعظم نجس إنه يفعله ما لم يخش التلف وهل يجزئه مسح الزائد على وجهين أحدهما لا يجزئه كما ذكره الشيخ واختاره القاضي وابن عقيل وغيرهما لأنه شده لغير حاجة فيسمح بقدر الحاجة ويتيم الزائد وقيل يمسحه أيضا مع التيمم والثاني يجزئه مسحه قاله الخلال وغيره لأنه قد صار به ضرورة الى المسح عليه فأشبه موضع الكسر وترك التحرز منه لا يمنع الرخصة كمن كسر عظمه ابتداء قال الخلال كان أبو عبد الله يتوقى لأن يبسط الشد على الجرح بما يجاوزه ثم سهل في مسألة الميموني والمروزي لأن هذا مما لا ينضبط وهو شديد جدا ولا بأس بالمسح على العصائب كيف شدها وقوله إلى أن يحلها يعني لا يتوقت مسحها كالخف ونحو ذلك في الطهارتين لأن مسحه لضرورة بخلاف مسح الخف ويجب مسح الجبيرة واستيعابها بالمسح لأنه مسحمشروع للضرورة فوجب فيه لأن الأصل أن البدل يحكى مبدله بخلاف الخف والعمامة وإن كان بعضها في محل الفرض وبعضها خارج عنه مسح ما يحاذي محل الفرض
وهل يشترط أن يتقدمها طهارة على روايتين
إحداهما يشترط كالخف اختارها الخرقى وغيره فعلى هذا إن شدها على حدث نزعها فإن أضره نزعها تيمم لها كالجريح وقيل يمسحها ويتيمم
والرواية الثانية أنه لا تعتبر لها الطهارة قبل الشد اختارها الخلال وصاحبه وغيرهما وأشار الخلال أنها الرواية المتأخرة وهي اختيار الشيخ لأنه ذكر اشتراط الطهارة في العمامة والخف ثم ذكر الجبيرة بعد ذلك ولم يشترط لها لأن حديث جابر ليس فيه ذكر الطهارة
وكذلك حديث علي وكذلك ابن عمر وتفارق الخف من وجهين
أحدهما أن الكسر والفك يقع فجأة وبغتة ويبادر إلى إصلاحه عادة ففي اشتراط الطهارة حرج عظيم وربما تعذرت الطهارة بأن يجري دم ينقض الطهارة ولا يمكن إعادتها إلا بغسل المحل وهو متعذر فيضطر إلى شدها على الحدث فإما أن يؤمر بالتيمم فقط بالمسح خير من التيمم أو بهما وهو خلاف الأصول فيتعين المسح
والثاني أن الجبيرة كالأعضاء وتجري مجرى جلدة انكشطت ثم أعيدت بدليل أنها تمسح في الطهارة الكبرى وأنه لاتوقيت في مسحها بخلاف الخف فإذا حل الجبيرة أو سقطت فهو كما لو خلع العمامة يلزمه استئناف الطهارة في أشهر الروايتين وفي الأخرى يكفيه غسل موضعها والبناء علي ما قبلها إلا أن يكون مسحها في غسل يعم البدن كالجنابة والحيض فيسقط الاستئناف بسقوط الترتيب والموالاة والمسح على حائل الجرح أو الدمل أو غيرهما كالمسح على حائل الكسر سواء كان عصابة أو دواء أو مرارة أو لصوقا سواء تضرر بنزع الحائل دون الغسطل إو بالغسل دون نزع الحائل أو بهما وكذلك لو كان في رجله شق جعل فيه قبر أو شمعا مغلا ونحو ذلك وتضرر بنزعه في أظهر الروايتين وفي الأخرى لا يجزئه المسح لأن ذلك من الكي المنهي عنه حيث استعمل بعد إغلائه بالنار والرخص لاتثبت مع النهي والأول أقوى وفي كراهية الاكتواء روايتان إحداهماأنه لايكره
وإنما تركه درجة رفيعة وتحمل أحاديث النهي على ما فيه خطر ولم يغلب على الظن نفعه لأن النبي صلى الله عليه و سلم كوى أسعد بن زرارة وسعد بن معاذ وأبي بن كعب والثانية يكره لأحاديث النهي فيه والترخيص بالسبب المباح جائز وإن كان مكروها على الصحيح كالقصر في سفر النزهة
مسألة
والرجل والمرأة في ذلك سواء
يعني في مسح الخفين لأن بها حاجة إلى لبسهما وذلك مباح لها فاشبهت الرجل وكذلك تمسح الجبيرة وأما مسحها على الخمار ففيه روايتان تقدم توجيههما ومسحها علي العمامة لا يجوز لما تقدم
باب نواقض الوضوء
وهي سبعة الخارج من السبيلين مع كل حال يعني سواء كان نادرا أو معتادا قليلا أو كثيرا نجسا أو طاهرا أما المعتاد فلقوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط ولقوله عليه الصلاة و السلام في حديث صفوان ولكن من غائط وبول ونوم وقوله في الذي يخيل إليه الشيء في الصلاة لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا أو كحديث علي في المذيوعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ فقال رجل من أهل حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة فقال فساء أو ضراط متفق عليه
أما النادر فكالدود والحصى ودم الاستحاضة وسلس البول والمذي فينقض أيضا لما روى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في المذي الوضوء وفي المني الغسل رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح
ولم يفرق بين دائمه ومنقطعه وعن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى الرسول صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذاك دم عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
وهذه الزيادة قد رويت من قول عروة ولعله أفتى بها مرة وحدث بها أخرى ولعلها كانت عنده عن فاطمة نفسها لا عن عائشة فقد روى عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو دم عرق رواه أبو داود والنسائي
وعن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة
فقال لا اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة ثم صلى وإن قطر الدم على الحصير رواه أحمد وابن ماجة
وعن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن ولأنه خارج من السبيل فنقض كالمعتاد وأما الطاهر فينقض أيضا في ظاهر المذهب كالمني والريح الخارجة من الدبر أو من
قبل المرأة وقبل الرجل في المنصوص المشهور من الوجهين قال أبو بكر لا يحتلف قول أبي عبد الله أن الرجل والمرأة إذا خرجت الريح من قبلهما أنهما يتوضأن وقال القاضي أبو الحسين قياس مذهبنا أن الريح تنقض من قبل المرأة دون الرجل لأن الصائم إذا قطر في إحليله لم يفطر لأنه ليس من الذكر إلى الجوف منفذ بخلاف قبل المرأة
وريح الدبر إنما نقضت لأنها تستصحب بخروجها أجزاء لطيفة من النجاسة بدليل نتنها فإن الرائحة صفة لاتقوم إلا بأجزاء من الجسم وكذلك ريح قبل المرأة بدليل نتنها وربما عللوا ذلك بأن هذا لايدرك فتعليق النقض به محال فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال في الذي يخيل إليه الشيء وهو في الصلاة لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وهذه الريح لا تسمع ولا تشم وإنما تعلم بأن يحس الإنسان في ذكره بدبيب يعتقد قطرة بول فإذا انتهى إلى طرف الذكر فلم يجد له أثرا علم أنها الريح ويلتزم من قال هذا بنجاسة المني وإن الريح تنجس الماء اليسير حيث لم ينقض الطهارة بشئ طاهر ويعتذر عن المني بأنه يوجب الطهارة الكبرى فلا يدخل في نواقض الوضوء إلا أن هذا لا يصح فإن مني الرجل إذا خرج من فرج المرأة بعد اغتسالها أو خرجت من الرجل بقية المني وجب الوضوء دون الغسل
والصحيح الأول لأنه خارج من السبيل فنقض كريح الدبر فإنها طاهرة واكتسابها ريح النجاسة لا يضر فإن الريح قد تكتسب من انفصال أجزاء كالحشا المتغيرة والماء بجيفة على جانبه ولو فرضنا انفصال أجزاء من النجاسة فإنما خالطت أجزاء هوائية وذلك لا يوجب التنجس كنا تقدم وقولهم الريح الخبيثة إنما خرجت مستصحبة لأجزاء من النجاسة قلنا بل نادت الرائحة إلى الهواء الخارج من غير أجزاء كما تنادي الحرارة إلى الماء من غير أجزاء من النار
والفقه في ذلك أن السبيل هو مظنة خروج النجاسة غالبا فعلق الحكم بهذه المظنة وإن علقناه بنفس خروج النجاسة أيضا وإذا قطر في إحليله دهنا ثم سال أو احتشى في قبله أو بدر قطنا ثم خرج منه شيء لا بلة معه أو كان في وسط القطن ميل فسقط بلا بلة نقض في أشهر الوجوه لأنه خارج من السبيل
والثاني لا ينقض لأنه خارج طاهر وجريان الطاهرفي مجرى النجس الباطن لاينجسه مجريان النجاسة في مجرى القيء ومني المرأة في مجرى دمها
والثالث ينقض الدهن لأنه لا يخلو من بلة نجسة تصحبه بخلاف القطن والميل فأما إن تحقق خروج شيء من بلة الباطن نقض قولا واحدا وكذلك إن احتقن فخرج شيء من الحقنة أو وطئ الرجل المرأة فدب ماؤه فدخل في فرجها ثم خرج لأن هذا دخل الجوف فحكم بتنجيسه
وكذلك لو أدخل الميل ثم أخرجه ولو لم يخرج شيء من الحقنة وماء الرجل لم ينقض كما لو لم يخرج الميل وقيل ينقض لأنه في الغالب لا بد أن يتراجع منه أجزاء يسيره فينقض بوجود المظنة كالنوم ولو استرخت مقعدته فظهرت وعليها بلة لم تنفصل عنها ثم عادت نقض في أشبه الوجهين بكلامه لأنها نجاسة ظهرت إلى ظاهر البدن فأشبهن المتصلة
3 - والثاني لا تنقض لأنها لم تفارق محلها من الباطن فأشبهت ما لم تظهر وكذلك لا يحب الاستنجاء منها وكما لو أخرج الصائم لسانه ثم أدخله وعليه ريقه فابتلعه لم يفطر لأنه لم ينفصل
مسألة
والخارج النجس من غيرهما إذا فحشأما النجاسة إذا خرجت من غير السبيلين فهي قسمان أحدهما البول والعذرة فتنقض سواء كان قليلا أو كثيرا وسواء خرج من تحت المعدة أو من فوق المعدة وسواء استد المخرج أو لم يستد من غير اختلاف في المذهب لعموم حديث صفوان ولكن من غائط وبول ولأن السبيل إنما يغلط حكمه لكونه مخرجهما المعتاد فإذا تغلظ حكمه بسببهما فلأن يتغلظ حكم أنفسهما أولى وأحرى ولا ينتقض الوضوء بخروج الريح من ذلك المخرج وقد خرج وجه إنما ينقض فيما إذا استد المخرج المعتاد وانفتح غيره بناء على جواز الاستجمار فيه ويجيء على قول من يقول من أصحابنا أن الريح تستصحب جزءا من النجاسة بأن تنتقض مطلقا
القسم الثاني سائر النجاسات من الدم والقيح والصديد والقيء والدود فينقض فاحشها بغير اختلاف بالمذهب لما روى معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه و سلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال صدق أنا صببت وضؤه رواه أحمد والترمذي وقال هو أصح شيء في هذا الباب وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله قد اضطربوا في هذا الحديث فقال حسين المعلم يجوده
وقيل له حديث ثوبان ثبت عندك قال نعم وروى إسماعيل بن
عياش قال حدثني ابن خريج عن أبيه وعبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فليتصرف فليتوضأ ثم يبين على مامضى من صلاته ما لم يتكلم رواه الخلال والدارقطني وروى ابن ماجة حديث ابن أبي مليكة ولفظه من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم يبن على صلاته وهو في ذلك لايتكلم وقد تكلم في أسناد هذا الحديث لأن المشهور عن ابن جريج عن أبيه وعن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا إلا أنه وإن كان مرسلا فهو مرسل من وجهين وأيده عمل الصحابة وروى مسندا ما يوافقه وهذا يصيره حجه عند من لايقول بالمرسل المجرد لا سيما وقد قال أحمد كان عمر يتوضأ من الرعاف
وقال ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم مثل ذلك وأيضا فإن ذلك منقول عن جماعة من الصحابة في قضايا متفرقة ولم ينقل عنهم خلافه حكى الإمام أحمد في الوضوء من الرعاف عن على وابن مسعود وابن عمر وحكاه ابن عبد البر عن عمر وابن عمر
وروى الشافعي عن ابن عمر أنه كان يقول من وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى ولأنه خارج نجس من البدن فجاز أن ينقض الوضوء كالخارج من السبيل ولا الحجامة سبب يشرع منه الغسل فوجب الوضوء منه كدم الاستحاضة ودليل الوصف في الفرع مذكور في موضعه وأما اليسير من هذه النجاسات فالمشهور في نصه ومذهبه أنه لا ينقض حتى أن من أصحابنا من يجعلها رواية واحدة وحكى ابن أبي موسى وغيره رواية أخرى أن يسيرها ككثيرة وحكاها الخلال في القلس كذلك وحكى أبو بكر الروايتين في القيء والدود بخلاف الدم لأن الدم إنما حرم المسفوح منه بنص القرآن وقد عفي عن اليسير منه وذلك لما ذكر الإمام أحمد عن ابن عمر أنه كان ينصرف من قليل الدم وكثيره
ولأنها نجاسة فنقضت كالبول والغائط ووجه الأول أن عبد الله بن أبي أوفى بزق دما فمضى في صلاته وعصر ابن عمر بثرة فجرى دم فلم يتوضأ ذكره أحمد والبخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليها دم فلم يتوضأ
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سئل عن رجل صلى فامتخط فخرج مع مخاطه شيء من دم قال لا بأس يتم صلاته ذكره أحمد
وقال قال ابن عباس في الدم إذا كان فاحشا أعاد وقال الدم إذا كان قليلا لا أرى فيه الوضوء لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا خصول فيه ولأنه لا يجب إزالة عين هذه النجاسة فأن لا يجب تطهير الزعضاء بسببها أولى وذلك لأنه ليس لها محل معتاد ولا يستعد لها والابتلاء بها كثير فعفي عن يسيرها في طهارتي الحدث والخبث بخلاف نجاسة السبيل وقد تقدم حد الكثير في مسائل العفو فأما الخارج الطاهر من البدن كالجشاء والنخامة ونحو ذلك فلا وضؤ فيه
مسألة
وزوال العقل إلا النوم اليسير جالسا أو قائما
لايختلف المذهب أن النوم في الجملة ينقض الوضوء وليس هو في نفسه حدثا وإنما هو مظنة الحدث وإنما قلنا ينقض الوضوء لقوله صلى الله عليه و سلم في حديث صفوان ولكن من غائط وبول ونوم فأمر أن لا ينزع الخف من النوم ولولا إنه ينقض الوضوء ويوجب الطهارة لما كان حاجة إلى الأمر بأن لا ينزع الخف منه
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة
وعن معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء رواه أحمد والدارقطني وسئل أحمد عن حديث على ومعاوية في ذلك فقال حديث علي أثبت وأقوى ولأن النوم مظنة خروج الخارج لاستطلاق الوكاء
فقامت مقام حقيقة الحدث لاسيما والحقيقة هنا خفية غير معلومة وإذا وجدت لمناط الحكم بها ولو كان حدثا لاستوى فيه النبي صلى الله عليه و سلم وغيره
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم اضطجع حتى نفخ ثم صلى ولم يتوضأ قال ابن عباس لسعيد بن جبير لما سأله عن ذلك إنها ليست لك ولا لأصحابك إنها كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحفظ رواه أحمد وذكر مسلم في الصحيح عن سفيان الثوري قال هذا للنبي صلى الله عليه و سلم لأنه بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم تنام عيناه ولا ينام قلبه فلما لم ينقض وضوءه صلى الله عليه و سلم بنومه لأن قلبه يقظان وهو محفوظ في منامه لم يبق النوم في حقه مظنة الحدث بخلاف غيره ولو كان حدثا لم يفرق بينه وبين غيره كسائر الأحداث والنوم قسمان كثير وقليل أما الكثير فينقض مطلقا لعموم الأحاديث فيه
قال ابن عباس رضي الله عنه الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين وقد روي مرفوعا
ولأن النوم الكثير قد يفضي إلى الحدث من غير شعور لطول زمانه وعدم الإحساس معه بخلاف اليسير ولأن زوال العقل قد استغرق فنقض علي
كل حال كالإغماء والسكر والجنون فإن سائر الأشياء التي تزيل العقل من الإغماء والجنون والسكر لايفرق فيها بين هيئة وهيئة وكذلك النوم المستغرق وأما النوم اليسير فينقض وضوء المضطجع رواية واحدة ولا ينقض وضوء القاعد رواية واحدة وفي القائم والراكع والساجد سواء كان في صلاة أو في غير صلاة أربع روايات إحداها ينقض مطلقا لأن العموم يقتضي النقض بكل نوم خصصه الجالس لما روى أنس رضي الله عنه قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون رواه مسلم ورواه أبو داود ولفظه كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون
وفي لفظ أحمد ينعسون
وروى ثابت عن أنس قال أقيمت الصلاة ورجل يناجي النبي صلى الله عليه و سلم فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه فصلى بهم متفق عليه
ورواه أبو داود وقال ولم يذكر وضوءا ولأن نوم الجالس يكثر وجوده من منتظر الصلاة وغيرهم فتعم به البلوى فيعفى عنه كما عفي عن يسير النجاسة من غير السبيلين
والرواية الثانية ينقض إلا القائم مع الجالس كما ذكره الشيخ وهو اختيار الخرقي لأن النوم إنما نقض لإفضائه إلى الحدث ومحل الحدث مع القائم منضم منحفظ كالقاعد فيبعد خروج الحدث مع عدم العلم به في النوم اليسير لاسيما والقائم لايستثقل في نومه استقبال الجالس بخلاف الراكع والساجد فإن المحل منهما منفرح مستطلق
والرواية الثالثة ينقض إلا القائم والراكع فإن المخرج منه أكثر انفراجا واستطلاقا فأشبه المضطجع
والرواية الرابعة لاينقض في حال من هذه الأحوال حتى يكثر كما تقدم وهذه اختيار القاضي وأصحابه وكثير من أصحابنا لأن النوم إنما نقض لأنه مفض إلى الحدث وهذا إنما يكون غالبا فيمن استرخت مفاصله وتحلل بدنه فأما غيره فالحدث معه قليل والأصل الطهارة فلا تزول بالشك إذ الكلام في النوم اليسير والقاعد وإن كان محل حدثه منضما فإن النوم الثقيل إليه أقرب والراكع والساجد مع انفتاح مخرجهم فرن نومهم يكون أخف فتقابلا من هذا الوجه واستويا في انتفاء الاسترخاء والتحلل المفضي غالبا إلى الخارج ويدل على ذلك ما ورث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لايدري لعله يستغفر فيسب نفسه رواه الجماعة وعن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا نس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ رواه أحمد والبخارى
فلولا أن النوم الذي قد لا يعلم معه ما يقرأ والذي قد يسب فيه نفسه تبقى معه طهارته على أى حال كان لما علل النهي بخشية السب والتباس القراءة إذا كان الوضوء قد بطل وكذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة بات عند خالته ميمونة قال فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني ورواه أحمد في الزهد عن الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا نام أحدكم وهو ساجد يباهي الله به الملائكة يقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وهو ساجد لي فأثبته ساجدا مع نومه وهو وإن كان مرسلا فقد اعتضد بما روى الدارقطني في الأفراد عن علي رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم منزل أبي بكر وهو راكع قد نام في ركوعه فقال لايضيع الله ركوعك يا أبا بكر نومك في ركوعك صلاة
وروى يزيد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ليس على من نام ساجدا
وضوء حتى يضطجع فإنه اضطجع استرخت مفاصله رواه أحمد وقد تكلم فيه فقيل هو موقوف على ابن عباس وقيل لم يسمعه قتادة من أبي العالية وهذا لمن يثبته يجعله مرسلا أو موقوفا يؤيده مرسل الحسن فيصير حجة حتى عند من لايقول بالمرسل المجرد والمرجع في حد القليل والكثير الى العرف لأنه ليس له حد في الشرع فمتى سقط الساجد عن هيئته بتجافيه أو القائم عن قيامه فانتبه ونحو ذلك انتقض طهره وكذلك إن رأى رؤيا في المنصوص من الوجهين وإن شك هل هو قليل أو كثير لم ينتقض والمستند والمحتبي كالمضطجع وعنه كالقاعد لأنه يفضي بمحل الأرض والنوم الناقض من المضطجع وغيره هو أن يغلب على عقله فإن كان يسمع حديث غيره ويفهمه فليس بنائم وإن شك هل نام أولا وهل ما في نفسه رؤيا أو حديث نفس لم ينتقض الطهارة بالشك
مسألة
ولمس الذكر بيدهمس الذكر ينقض الوضوء في ظاهر المذهب وروى عنه أنه لا ينقض لما روى قيس بن طلق عن أبيه قال قال رجل يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ فقال هل هو إلا بضعة منه رواه الخمسة وقال الترمذي هذا أحسن شيء في هذا الباب
وعن أبي أمامة قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن مس الذكر فقال إنما هو جزء منك رواه ابن ماجة
ولأنه عضو منه فلم ينقض كسائر الأعضاء وهذا لأن النقض إما بخارج أو بمظنة خارج وكلاهما مفقود وعلى هذه الرواية الوضوء منه مستحب ونص عليه حملا لأحاديث الأمر به على ذلك توفيقا بين الأحاديث في
ذلك والآثار والصحيح الأول لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ رواه الخمسة
وفي لفظ النسائي إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال أحمد حديث بسرة صحيح
عن أم حبيبه قالت سمعت روسل الله صلى الله عليه و سلم يقول من مسلل فرجه فليتوضأ رواه ابن ماجة والأثرم
قال الإمام أحمد حديث أم حبيبة صحيح وقال أبو زرعة حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى