كتاب : منار السبيل في شرح الدليل
المؤلف : ابن ضويان، إبراهيم بن محمد بن سالم
المجلد الأول
مقدمةمقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي شرح صدر من شاء من عباده للفقه في الدين، ووفق لاتباع آثار السلف الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا معين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الأمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فهذا شرح على كتاب: "دليل الطالب لنيل المطالب" الذي ألفه
الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي
تغمده الله برحمته، وأباحه بحبوحة جنته، ذكرت فيه ما حضرني من الدليل والتعليل، ليكون وافياً بالغرض من غير تطويل، وزدت في بعض الأبواب مسائل يحتاح إليها النبيل، وربما ذكرت رواية ثانية أو وجهاً ثانياً لقوة الدليل، نقلته من كتاب الكافي لموفق الدين عبد الله بن اًحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي.
من شرح المقنع الكبير لشمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة وغالب نقلي من مختصره، ومن فروع ابن مفلح وقواعد ابن رجب وغيرها من الكتب.
وقد أفرغت في جمعه طاقتي وجهدي، وبذلت فيه فكري وقصدي، ولم يكن في ظني أن اًتعرض لذلك، لعلمي بالعجز عن الخوض في تلك المسالك، فما كان فيه من صواب فمن الله، أو خطأ فمني، وأسأله سبحانه العفو عني، ولما تكففته من أبواب العلماء وتطفلت به على موائد الفقهاء تمثلت بقول بعض الفضلاء:
أسير خلف ركاب النجب ذا عرج ... مؤملاً كشف ما لا قيت من عوج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ... فكم لرب الورى في ذاك من فرج
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً ... فما على عرج في ذاك من حرج
وإنما علقته لنفسي، ولمن فهمه قاصر كفهمي، عسى أن يكون تذكرة في الحياة، وذخيرة بعد الممات، وسميته "منار السبيل في شرح الدليل" أسأل الله العظيم أن يجعله لوجهه خالصاً، وإليه مقرباً، وأن يغفر لي ويرحمني والمسلمين، إنه غفور رحيم.
مقدمة صاحب المتن مع شرحها
بسم الله الرحمن الرحيم
"الحمد لله رب العالمين" ابتدأ كتابه بالبسملة ثم بالحمدلة اقتداء بكتاب الله عز وجل، وعملاً بحديث "كل أمر ذي بال، لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر"، أي ذاهب البركة، رواه الخطيب والحافظ عبد القادر الرهاوي، وبحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع" وفي رواية: "بحمد الله". وفي رواية: "بالحمد". وفي رواية "فهو أجذم". رواها الحافظ الرهاوى في الأربعين له.
"وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك يوم الدين" قال ابن عباس و مقاتل: قاضي يوم الحساب، وقال قتادة: الدين الجزاء. وإنما خص يوم الدين بالذكر مع كونه مالكاً للأيام كلها، لأن الأملاك يومئذ زائلة فلا ملك ولا أمر الا له.
"وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبين لأحكام شرائع الدين" بأقواله وأفعاله وتقريراته، والدين هنا الإسلام، قال تعالى {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمر: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم".
"الفائز بمنتهى الإرادات من ربه" كالحوض المورود، والمقام المحمود،
وغير ذلك من خصائصه. قال تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى1}، والفوز والنجاة والظفر بالخير، قاله في القاموس.
"فمن تمسك بشريعته" بفعل المأمورات، واجتناب المنهيات.
"فهو من الفائزين" في الدنيا والآخرة.
"صلى الله وسلم عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين" حكى البخاري في صحيحه عن أبي العالية الصلاة من الله تعالى ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى وقيل الرحمة، وقيل رحمة مقرونة بتعظيم. وتستحب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً2} ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا علي من الصلاة" وتتأكد في ليلة الجمعة ويومها، وعند ذكره، وقيل تجب لقوله صلى الله عليه وسلم: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" وحديث: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي" وهي ركن في التشهد الأخير وخطبتي الجمعة كما يأتي - والنبي إنسان أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بتبليغه فهو رسول.
"وعلى آل كل وصحبه أجمعين" وآل النبي أتباعه على دينه الصحيح عندنا، وقيل أقاربه المؤمنون، والصحب اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على ذلك. وجمع بين الآل والصحب رداً على الشيعة المبتدعة، حيث يوالون الآل دون الصحب.
ـــــــ
1 الضحى -5.
2 الأحزاب – 56.
"وبعد" يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر استحباباً، في الخطب والمكاتبات، لفعله عليه السلام.
"فهذا مختصر" وهو ما قل لفظه وكثر معناه، قال علي رضي الله عنه: خير الكلام ما قل ودل ولم يطل فيمل.
"في الفقه" وهو لغةً الفهم، واصطلاحاً معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالاستدلال بالفعل أو بالقوة القريبة.
"على المذهب الأحمد مذهب الإمام أحمد" بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه وأرضاه، ولد ببغداد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، ومات بها في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، وفضائله ومناقبه شهيرة.
"بالغت في إيضاحه رجاء الغفران" من الله جل وعلا.
"وبينت فيه الأحكام أحسن بيان" والأحكام خمسة: الوجوب، والحرمة، والندب، والكراهة، والإباحة.
"لم أذكر فيه إلا ما جزم بصحته أهل التصحيح والعرفان وعليه الفتوى فيما بين أهل الترجيح والإتقان" من المتأخرين.
"وسميته بدليل الطالب لنيل المطالب والله أسأل أن ينفع به من اشتغل به من المسلمين"
"وأن يرحمني والمسلمين إنه أرحم الراحمين" آمين.
كتاب الطهارة
كتاب الطهارة[وهي رفع الحدث] أي زوال الوصف القائم بالبدن، المانع من الصلاة ونحوها.
[وزوال الخبث] أي النجاسة، أو زوال حكمها بالاستجمار أو التيمم [وأقسام الماء ثلاثة، أحدها طهور وهو الباقي على خلقته] التي خلق عليها سواء نبع من نبع من الأرض، أو نزل من السماء، على أي لون كان.
[يرفع الحدث ويزيل الخبث] لقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [ الأنفال: 11] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد" متفق عليه، وقوله في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وهو أربعة أنواع:
1 -[ ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهو ما ليس مباحاً] كمغصوب ونحوه، لقوله صلى الله عليه وسلم، في خطبته يوم النحر بمنى "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" رواه مسلم من حديث جابر.
2- [و ماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ والخنثى، وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث] لحديث الحكم بن عمرو الغفاري
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" رواه الخمسة. وقال أحمد: جماعة كرهوه. وخصصناه بالخلوة، لقول عبد الله بن سرجس: توضأ أنت ها هنا وهي ها هنا، فأما إذا خلت به، فلا تقربنه.
3 - [وماء يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه وهو ماء بئر بمقبرة] قال في الفروع في الأطعمة: وكره أحمد ماء بئر بين القبور، وشوكها وبقلها. قال ابن عقيل: كما سمد بنجس والجلالة، انتهى.
[وماء اشتد حره أو برده] لأنه يؤذي ويمنع كمال الطهارة.
[أو سخن بنجاسة أو بمغصوب] لأنه لا يسلم غالباً من صعود أجزاء لطيفة إليه، وفي الحديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه النسائي والترمذي وصححه.
[أو استعمل في طهارة لم تجب] لتجديد وغسل جمعة.
[أو في غسل كافر] خروجاً من خلاف من قال: يسلبه الطهورية.
[أو تغير بملح مائي] كالملح البحري لأنه منعقد من الماء.
[أو بما لا يمازجه، كتغيره بالعود القماري، وقطع الكافور والدهن] على اختلاف أنواعه لأنه تغير عن مجاوره لأنه لا يمازج الماء وكراهته خروجاً من الخلاف، قال في الشرح: وفي معناه ما تغير بالقطران والزفت والشمع لأن فيه دهنية يتغير بها الماء.
[ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث] تعظيماً له ولا يكره الوضوء والغسل منه، لحديث أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ" رواه أحمد عن علي،
وعنه يكره الغسل لقول العباس "لا أحلها لمغتسل". وخص الشيخ تقي الدين الكراهة بغسل الجنابة.
[وماء لا يكره إستعماله كماء البحر] لما تقدم.
[والآبار والعيون والأنهار] لحديث أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة - وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن - فقال صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور لا ينجسه شئ" . رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وحديث "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شئ ؟.." .
[والحمام] لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه، ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة أو قصد التنعم به، ذكره في المبدع. وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عمر أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يغتسل بالحميم.
[ولا يكره المسخن بالشمس] وقال الشافعي: تكره الطهارة بما قصد تشميسه لحديث "لا تفعلي فإنه يورث البرص" رواه الدارقطني وقال: يرويه خالد بن إسماعيل، وهو متروك، و عمرو الأعسم، وهو منكر الحديث، ولأنه لو كره لأجل الضرر لما اختلف بقصد تشميسه وعدمه.
[والمتغير بطول المكث] وهو الآجن قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن الوضوء بالماء الآجن جائز سوى ابن سيرين. وكذلك ما تغير في آنية الأدم والنحاس، لأن الصحابة كانوا يسافرون
وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة، ولم يكونوا يتيممون معها، قاله في الشرح.
[أو بالريح من نحو ميتة] قال في الشرح: لا نعلم في ذلك خلافاً.
[أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب، وورق شجر ما لم يوضعا] وكذلك ما تغير بممره على كبريت وقار وغيرهما، وورق شجر على السواقي والبرك، وما تلقيه الريح والسيول في الماء، من الحشيش والتبن ونحوهما، لأنه لا يمكن صون الماء عنه، قاله في الكافي.
[الثاني طاهر يجوز استعماله في غير رفع الحدث وزوال الخبث، وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه، بشئ طاهر] غير اسمه حتى صار صبغاً، أو خلاً، أو طبخ فيه فصار مرقاً، فيسلبه الطهورية، قال في الكافي: بغير خلاف لأنه أزال عنه اسم الماء فأشبه الخل.
[فإن زال تغيره بنفسه: عاد إلى طهوريته، ومن الطاهر ما كان قليلاً واستعمل في رفع حدث] لأن النبي صلى الله عليه وسلم "صب عليه جابر من وضوئه" رواه البخاري. وفي حديث صلح الحديبية: "وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه" ويعفى عن يسيره. وهو ظاهر حال النبي، صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنهم يتوضؤن من الأقداح.
[أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف، النائم ليلاً نوماً ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثاً بنية وتسمية وذلك واجب] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه، قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" رواه مسلم. ويفتقر
للنيًة لحديث عمر "إنما الأعمال بالنيات" وللتسمية قياساً على الوضوء قاله: أبو الخطاب.
[الثالث نجس يحرم استعماله إلا للضرورة، ولا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث، وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل] لحديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينو به من السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" رواه الخمسة وفي لفظ ابن ماجه وأحمد لم ينجسه شئ يدل على أن ما لم يبلغهما ينجس. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" متفق عليه يدل على نجاسة من غير تغير، ولأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية، فلم يعف عنه. قاله في الكافي. وحمل حديث بئر بضاعة على الكثير جمعاً بين الكل. قاله في المنتقى.
[أو كان كثيراً وتغير بها أحد أوصافه] قال في الكافي: بغيرخلاف. وقال في الشرح: حكاه ابن المنذر إجماعاً.
[فإن زال تغيره بنفسه أو بإضافة طهور إليه أو بنزح منه ويبقى بعده كثير طهر] أي عاد إلى طهوريته.
[والكثير قلتان [من قلال هجر]1 تقريباً، واليسير ما دونهما] وإنما خصت القلتان بقلال هجر، لوروده في بعض ألفاظ الحديث، ولأنها كانت مشهورة الصفة، معلومة المقدار. قال ابن جريج: رأيت قلال هجر، فرأيت القلة تسع قربتين وشيئاً، والاحتياط أن يجعل الشئ نصفاً، فكانت
ـــــــ
1 ما بين القوسين أدخل تصحيحا على متن الشارح وليس في الأصول المخطوطة.
القلتان خمس قرب تقريباً، والقربة مائة رطل بالعراقي، والرطل العراقي تسعون مثقالاً.
[وهما خمسمائة رطل بالعراقي، وثمانون رطلاً وسبعان ونصف سبع بالقدسي، ومساحتهما] [أي القلتان]
[ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً. فإذا كان الماء الطهور كثيراً ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور، ولو مع بقائها فيه] .
لحديث بئر بضاعة السابق، رواه أحمد وغيره.
[وإن شك في كثرته فهو نجس]
[وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة، بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة] لأنه اشتبه المباح بالمحظور، فيما لا تبيحه الضرورة، فلم يجز التحري، كما لو كان النجس بولاً أو كثر عدد النجس، أو اشتبهت أخته بأجنبيات، قاله في الكافي.
[ويلزم من علم بنجاسة شئ إعلام من أراد أن يستعمله] لحديث "الدين النصيحة" .
باب الانية
باب الآنية
[يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثميناً] في قول عامة أهل العلم، قاله في الشرح لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من جفنة و توضأ من تور من صفر و تور من حجارة، و من قربةً و إداوة.
[إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما] لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة" وقال "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" متفق عليهما. وما حرم استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالطنبور، ويستوي في ذلك الرجال والنساء، لعموم الخبر.
[وتصح الطهارة بهما وبالإناء المغصوب] هذا قول الخرقي. لأن الوضوء جريان الماء على العضو، فليس بمعصية. إنما المعصية استعمال الإناء.
[ويباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة لغير زينة] لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. رواه البخاري.
[وآنية الكفار وثيابهم طاهرة] لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة رواه أحمد و توضأ من مزادة
مشركة وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية. ومن يستحل الميتات والنجاسات منهم فما استعملوه من آنيتهم فهو نجس لما روى أبو ثعلبة الخشني قال: قلت يارسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم قال: "لا تاكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها" متفق عليه. وما نسجوه، أو صبغوه، أو علا من ثيابهم، فهو طاهر، وما لاقى عوراتهم، فقال أحمد: أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيها.
[ولا ينجس شئ بالشك ما لم تعلم نجاسته] لأن الأصل الطهارة.
[وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبها وجلدها نجس. ولا يطهر بالدباغ] في ظاهر المذهب لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 والجلد جزء منها. وروى أحمد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب قال أحمد: ما أصلح إسناده.
[والشعر والصوف والريش طاهر] لقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} 2 والريش مقيس عليه، ونقل الميموني عن أحمد: صوف الميتة لا أعلم أحداً كرهه.
[إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو غير مأكولة كالهر والفأر. ويسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
"1" المائدة – 3.
"2" النحل – 80.
قال: "أوك سقاءك، واذكر اسم الله وخمر إناءك، واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عوداً" متفق عليه.
باب الاستنجاء وآداب التخلي
باب الاستنجاء وآداب التخلي[الاستنجاء هو ازالة ما خرج من السبيلين بماء طهور أو حجر طاهر مباح منق] قال في الشرح: والاستجمار بالخشب والخرق وما في معناهما مما ينقي جائز في قول الأكثر، وفي حديث سلمان عند مسلم: نهانا أن نستنجي برجيع أو عظم وتخصيصها بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة وما قام مقامها.
[فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء] بأن تزول النجاسة وبلتها، فيخرح آخرها نقياً لا أثر به.
[ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات تعم كل مسحة المحل] لقول سلمان نهانا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو عظم رواه مسلم.
[والإنقاء بالماء عود خشونة المحل كما كان، وظنه كاف] دفعاً للحرج.
[ويسن الاستنجاء بالحجر ونحوه، ثم بالماء] لقول عائشة رضي الله عنها مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة بالماء من أثر الغائط والبول، فإني أستحييهم، وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله صححه الترمذي.
[فإن عكس كره] نص عليه لأن الحجر بعد الماء يقذر المحل.
[ويجزئ أحدهما] أي الحجر أو الماء لحديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء وعنزةً فيستنجي بالماء متفق عليه. وحديث عائشة مرفوعاً "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" رواه أحمد وأبو داود.
[والماء أفضل] لأنه أبلغ في التنظيف ويطهر المحل. وروى أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعاً "نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} 1 قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية" .
[ويكره استقبال القبلة، واستدبارها في الاستنجاء] تعظيماً لها.
[ويحرم بروث وعظم] لحديث سلمان المتقدم.
[وطعام ولو لبهيمة] لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن" رواه مسلم. علل النهي بكونه زاداً للجن، فزادنا وزاد دوابنا أولى لأنه أعظم حرمة.
[فإن فعل لم يجزه بعد ذلك إلا الماء] لأن الاستجمار رخصة، فلا تستباح بالمحرم، كسائر الرخص. قاله في الكافي.
[كما لو تعدى الخارج موضع العادة] فلا يجزئ إلا الماء لأن
ـــــــ
1 التوبة – 107.
الاستجمار في المعتاد رخصة للمشقة في غسله لتكرار النجاسة فيه، بخلاف غيره.
[ويجب الاستنجاء لكل خارج] وهو قول أكثر أهل العلم، قاله في الشرح، لقوله صلى الله عليه وسلم في المذي: "يغسل ذكره ويتوضأ" وقال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" .
[إلا الطاهر] كالمني، وكالريح، لأنها ليست نجسة، ولا تصحبها نجاسة، قاله في الشرح و الكافي لحديث: "من استنجى من الريح فليس منا" . رواه الطبراني في المعجم الصغير. قال أحمد: ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة رسوله.
[والنجس الذي لم يلوث المحل] لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا.
فصل مايسن لداخل الخلاء
[يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى] لأنها لما خبث.
[وقول بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث] لحديث علي مرفوعاً "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء أن يقول: بسم الله " رواه ابن ماجه. وعن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهمً إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" رواه الجماعة.
[وإذا خرج قدم اليمنى] لأنها تقدم إلى الأماكن الطيبة.
[وقال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني] لحديث عائشة كان صلى الله عليه وسلم إذا خرح من الخلاء قال: "غفرانك" .
حسنه الترمذي. وعن أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا خرح من الخلاء يقول: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" رواه ابن ماجه.
[ويكره في حال التخلي استقبال الشمس والقمر] تكريماً لهما.
[ومهب الريح] لئلا ترد البول عليه.
[والكلام] نص عليه لقول ابن عمر مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، وهو يبول، فلم يرد عليه رواه مسلم.
[والكلام والبول في إناء] بلا حاجة نص عليه. فإن كانت لم يكره لحديث أميمة بنت رقية. رواه أبو داود.
[وشق] لأنها مساكن الجن، لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر قال يقال إنها مساكن الجن رواه أحمد، وأبو داود. وروي أن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام، ثم استلقى ميتاً.
[ونار] لأنه يورث السقم، وذكر في الرعاية: ورماد.
[ولا يكره البول قائماً] لقول حذيفة انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سباطة قوم فبال قائماً رواه الجماعة. وروى الخطابي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً من جرح كان بمأبضه. قال الترمذي: وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً، وحملوا النهي على التأديب، لا على التحريم. قال ابن مسعود: "إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم".
[ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل] لقول
أبي أيوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" . قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها، ونستغفر الله متفق عليه.
[ويكفي إرخاء ذيله] لقول مروان الأصغر أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليه فقلت أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ قال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء، أما إذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس رواه أبو داود.
[وأن يبول، أو يتغوط، بطريق مسلوك، وظل نافع] أو مورد ماء، لما روى معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق، والظل" رواه أبو داود.
[وتحت شجرة عليها ثمر يقصد] لما تقدم. ولئلا ينجس ما سقط منها.
[وبين قبور المسلمين] لحديث عقبة بن عامر مرفوعاً - وفيه - "ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق" رواه ابن ماجه.
[وأن يلبث فوق قدر حاجته] قال في الكافي: وتكره الإطالة أكثر من الحاجة لأنه يقال: إن ذلك يدمي الكبد ويتولد منه الباسور، وهو كشف للعورة بلا حاجة، وروى الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً "إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم، إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم" .
باب السواك
باب السواك[يسن بعود رطب لا يتفتت] ولا يجرح الفم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك بعود أراك قاله في الكافي.
[وهو مسنون مطلقاً ] لقوله صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" رواه أحمد قال في الشرح ولا نعلم في استحبابه خلافاً، ولا نعلم أحداً قال بوجوبه إلا إسحاق و داود.
[إلا بعد الزوال للصائم فيكره] لحديث علي مرفوعاً: "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي" أخرجه البيهقي. ولأنه يزيل خلوف فم الصائم، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، لأنه أثر عبادة مستطاب فلم تستحب إزالته كدم الشهداء.
[ويسن له قبله بعود يابس ويباح برطب] لقول عامر بن ربيعة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم حسنه الترمذي.
[ولم يصب السنة من استاك بغير عود] وقيل بلى بقدر ما يحصل من الإنقاء. قال في الشرح: وهو الصحيح لحديث أنس مرفوعاً: "يجزئ من السواك الأصابع" رواه البيهقي، قال محمد بن عبد الواحد الحافظ: هذا إسناد لا أرى به بأساً.
[ويتأكد عند وضوء وصلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" متفق عليه، وفي رواية لأحمد "لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" وللبخاري تعليقاً "عند كل وضوء".
[وانتباه من نوم وعند تغير رائحة فم] لأن السواك شرع لإزالة الرائحة وقراءة تطييباً للفم لئلا يتأذى الملك عند تلقي القراءة منه، وعن حذيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك متفق عليه.
[وكذا عند دخول مسجد ومنزل] لما روى شريح بن هانئ قال: سألت عائشة بأي شئ كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت بالسواك رواه مسلم. والمسجد أولى من البيت.
[وإطالة سكوت وصفرة أسنان] لأن ذلك مظنة تغير الفم.
[ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعداً] لأن عائشة رضي الله عنها لينت السواك للنبي صلى الله عليه وسلم فاستاك به.
فصل في سنن الفطرة
[يسن حلق العانة ونتف الإبط وتقليم الاظافر] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الابط" متفق عليه.
[والنظر في المرآة] وقول "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي" رواه البيهقي عن عائًشة، ورواه ابن مردويه وزاد "وحرم وجهي على النار" .
[والتطيب بالطيب] لحديث أبي أيوب مرفوعاً "أربع من سنن المرسلين، الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح" رواه أحمد.
[والاكتحال كل ليلة في كل عين ثلاثاً] لحديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
[وحف الشارب وإعفاء اللحية] لحديث ابن عمر مرفوعاً "خالفوا المشركين أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى" متفق عليه.
[وحرم حلقها] ذكره الشيخ تقي الدين، قاله في الفروع.
[ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها] لأن ابن عمر كان يفعله إذا حج أواعتمر، رواه البخاري.
[والختان واجب على الذكر والأنثى] لأنه من ملة إبراهيم عليه السلام، وفي الحديث "اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة" متفق عليه وقد قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} 1 وقال صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم: "ألق عنك شعر الكفر واختتن" رواه أبو داود. وفي قوله صلى الله عليه وسلم "إذا التقى الختانان وجب الغسل" دليل على أن النساء كن يختتن. وقال أحمد: كان ابن عباس يشدد في أمره حتى قد روي عنه أنه لا حج له ولا صلاة.
[عند البلوغ وقبله أفضل] لأنه أقرب إلى البرء، ولأنه قبل ذلك ليس مكلفاً. ونقل في الفروع عن الشيخ تقي الدين أنه قال: يجب إذا وجبت الطهارة والصلاة.
ـــــــ
"1" النحل/ 122.
باب الوضوء
باب الوضوء[تجب فيه التسمية] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
[وتسقط سهوا] نص عليه لحديث "عفي لأمتى عن الخطأ والنسيان" .
[وإن ذكرها في أثنائه ابتداء] صححه في الانصاف وقيل: يأتي بها حيث ذكرها ويبني على وضوئه، قطع به في الإقناع، وحكاه في حاشية التنقيح عن أكثر الأصحاب.
[وفروضه ستة: غسل الوجه] لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 1
[ومنه المضمضة والاستنشاق] لحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم وفيه: فمضمض واستنثر متفق عليه.
[وغسل اليدين مع المرفقين] لقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} 1
[ومسح الرأس كله] لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1
[ومنه الأذنان] لقوله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس" . رواه ابن ماجه.
[وغسل الرجلين مع الكعبين] لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 1
ـــــــ
1 المائدة/ 5.
[والترتيب] لأن الله تعالى ذكره مرتباً. وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتباً وقال "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" أي بمثله.
[والموالاة] لحديث خالد بن معدان أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء رواه أحمد وأبو داود وزاد والصلاة ولو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط.
[وشروطه ثمانية: انقطاع ما يوجبه] قبل ابتدائه ليصح.
[والنية] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[والإسلام والعقل والتمييز] وهذه شروط في كل عبادة إلا التمييز في الحج.
[والماء الطهور المباح] لما تقدم في المياه فلا يصح بنحو مغصوب لحديث "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" .
[وإزالة ما يمنع وصوله] إلى البشرة ليحصل الإسباغ المأمور به.
[والاستجمار] وتقدم.
فصل في النية
[فالنية هنا قصد رفع الحدث أو قصد ما تجب له الطهارة كصلاة وطواف ومس مصحف أو قصد ما تسن له كقراءة وذكر وأذان ونوم ورفع شك وغضب وكلام محرم وجلوس بمسجد وتدريس علم وأكل فمتى نوى شيئاً من ذلك ارتفع حدثه ولا يضر سبق لسانه بغير مانوى] لأن محل النية القلب.
[ولا شكه فى النية. أو في فرض بعد فراغ كل عبادة وإن شك فيها
في الأثناء استأنف] ليأتي بالعبادة بيقين ما لم يكثر الشك فيصير كالوسواس فيطرحه.
فصل في صفة الوضوء
[في صفة الوضوء وهى أن ينوي ثم يسمي] لما تقدم.
[يغسل كفيه ثم يتمضمض ويستنشق ثم يغسل وجهه من منابت شعر الرأس المعتاد] إلى الذقن. لما روى عن عثمان رضي الله عنه أنه دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا الحديث متفق عليه.
[ولا يجزئ غسل ظاهر شعر اللحية] وكذا الشارب والعنفقة والحاجبان ونحوها إذا كانت تصف البشرة فيغسلها وما تحتها.
[إلا أن لا يصف البشرة] فيجزئ غسل ظاهره.
[ثم يغسل يديه مع مرفقيه] لحديث عثمان المتقدم.
[ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه] لأنه يسير عادة فلو كان واجباً لبينه صلى الله عليه وسلم، قال في الإنصاف: وهو الصحيح، واختاره الشيخ تقي الدين، وألحق به كل يسير منع حيث كان من البدن كدم وعجين ونحوهما.
[ثم يمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه إلى ما يسمى قفاً والبياض فوق الأذنين منه] لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 والباء
ـــــــ
1 المائدة/ 7.
للإلصاق فكأنه قال وامسحوا رؤوسكم، ولأن الذين وصفوا وضوءه صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه مسح برأسه كله، ولا يجب مسح ما استرسل من شعره، قال في الكافي والشرح: وظاهر قول أحمد أن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها، لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها.
[ويدخل سبابتيه في صماخي1 أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما] لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما صححه الترمذي وللنسائي باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه.
[ثم يغسل رجليه مع كعبيه وهما العظمان الناتئان] في أسفل الساق لحديث عثمان.
ـــــــ
1 لم تكن الجملة واضحة في الأصل، وفي بعض نسخ المتن صماخ بالافراد.
فصل في سننه
[وسننه ثمانية عشر: استقبال القبلة] قال في الفروع: وهو متجه في كل طاعة إلا لدليل.
[والسواك] لما تقدم.
[وغسل الكفين ثلاثاً] لحديث عثمان.
[والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق] لحديث عثمان المتقدم.
[والمبالغة فيهما لغير الصائم] لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: "اسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
ـــــــ
1 لم تكن الجملة واضحة في الأصل، وفي بعض نسخ المتن صماخ بالافراد.
[والمبالغة في سائر الأعضاء مطلقاً] لقوله أسبغ الوضوء قال ابن عمر الإسباغ الإنقاء.
[والزيادة في ماء الوجه] لأن فيه غضوناً وشعوراً، ولقول علي لابن عباس ألا أتوضأ لك وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلى. فداك أبي وأمي. قال: فوضع إناء، فغسل يديه، ثم مضمض واستنشق واستنثر، ثم أخذ بيديه فصك بهما وجهه، وألقم ابهاميه ما أقبل من أذنيه. قال: ثم عاد في مثل ذلك ثلاثاً، ثم أخذ كفاً من ماء بيده اليمنى فأفرغها على ناصيته، ثم أرسلها تسيل على وجهه، وذكر بقية الوضوء رواه أحمد وأبو داود.
[وتخليل اللحية الكثيفة] لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي عز وجل رواه أبو داود.
[وتخليل الأصابع] لحديث لقيط المتقدم.
[وأخذ ماء جديد للأذنين] كالعضو المنفرد، وإنما هما من الرأس على وجه التبع.
[وتقديم اليمنى على اليسرى] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفى شأنه كله متفق عليه.
[ومجاوزة محل الفرض] لأن أبا هريرة توضأ فغسل يده حتى أشرع في العضد، ورجله حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ وقال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة، من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله" متفق عليه.
[والغسلة الثانية والثالثة] لأن النبي صلى لله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال: "هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاةً. ثم توضأ مرتين، ثم قال: هذا وضوئي، ووضوء المرسلين قبلي" أخرجه ابن ماجه.
[واستصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء] لتكون أفعاله مقرونةً بالنية.
[والإتيان بها عند غسل الكفين] لأنه أول مسنونات الطهارة.
[والنطق بها سرا] كذا قال تبعاً للمنقح وغيره، ورده عليه الحجاوي بأنه لم يرد فيه حديث، فكيف يدعى سنيته ؟ ! بل هو بدعة، وكذا قال الشيخ تقي الدين في الفتاوى المصرية: التلفظ بالنية بدعة.
[وقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله مع رفع بصره إلى السماء: بعد فراغه] لحديث عمر مرفوعاً "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكً له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" رواه أحمد ومسلم وأبو داود. ولأحمد وأبي داود في رواية "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء فقال:...." وساق الحديث.
[وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاون] روي عن أحمد أنه قال: ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد لأن عمر قال ذلك ولا بأس بها لحديث المغيرة أنه أفرغ على النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه رواه مسلم. وقول عائشة كنا نعد له طهوره وسواكه.
باب المسح على الخفين
باب المسح على الخفينقال ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين اختلاف. وقال أحمد: ليس في قلبي من المسح على الخفين شئ. فيه أربعون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هو أفضل من الغسل لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما طلبوا الأفضل. وعن جرير قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير بعد نزول المائدة: متفق عليه.
[يجوز بشروط سبعة لبسهما بعد كمال الطهارة بالماء] لما روى المغيرة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما" متفق عليه.
[وسترهما لمحل الفرض ولو بربطهما] فإن ظهر منه شئ لم يجز المسح، لأن حكم ما استتر المسح، وحكم ما ظهر الغسل، ولا سبيل إلى الجمع، فغلب الغسل. قاله في الكافي.
[وإمكان المشي بهما عرفاً] لأنه الذي تدعو الحاجة إليه.
[وثبوتهما بنفسهما] فإن لم يثبتا إلا بنعلين كالجوربين ونحوهما مسح عليهما وعلى سيور النعلين. لما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين رواه أبو داود والترمذي.
[وإباحتهما] فلا يجوز المسح على المغصوب ونحوه. ولا الحرير لرجل لأن لبسه معصية، فلا تستباح به الرخصة.
[وطهارة عينهما، وعدم وصفهما البشرة] فإن وصفها لم يجز المسح عليه، لأنه غير ساتر لمحل الفرض أشبه النعل.
[فيمسح للمقيم، والعاصى بسفره] - لأن سفر المعصية لا تستباح به الرخص.
[من الحدث بعد اللبس يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن] لا نعلم فيه خلافاً في المذهب. قاله في الشرح، لحديث علي. رواه مسلم. وعن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم رواه أحمد وقال: هذا أجود حديث في المسح على الخفين. لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم.
[فلو مسح في السفر ثم أقام، أو في الحضر ثم سافر، أو شك في ابتداء المسح، لم يزد على مسح المقيم] لأنه اليقين وما زاد لم يتحقق شرطه.
[ويجب مسح أكثر أعلى الخف] فيضع يده على مقدمه، ثم يمسح إلى ساقه، لحديث المغيرة بن شعبة، رواه الخلال.
[ولا يجزئ مسح أسفله، وعقبه، ولا يسن] لقول علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه رواه أبو داود.
[ومتى حصل ما يوجب الغسل] بطل الوضوء لحديث صفوان بن عسال قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن
لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
[أو ظهر بعض محل الفرض] بطل الوضوء ونزع أحد الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم، قاله في الشرح.
[أو انقضت المدة بطل الوضوء] لمفهوم أحاديث التوقيت.
فصل في المسح على الجبيرة
[وصاحب الجبيرة إن وضعها على طهارة لم تتجاوز محل الحاجة] وهو الجرح أو الكسر وماحوله مما يحتاج إلى شده.
[غسل الصحيح ومسح عليهما بالماء وأجزأ] لحديث صاحب الشجة "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده" رواه أبو داود.
[وإلا وجب مع الغسل أن يتيمم لها] إذا كان يتضرر بنزعها.
[ولا مسح ما لم توضع على طهارة وتجاوز المحل فيغسل] الصحيح
[ويمسح، ويتيمم] خروجاً من الخلاف. وعن أحمد لا يشترط تقدم الطهارة لها لحديث صاحب الشجة لأنه لم يذكر الطهارة، ويحتمل أن يشترط التيمم عند العجز عن الطهارة لأن فيه إنما يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليها ومثلها دواء ألصق على الجرح ونحوه فخاف من نزعه نص عليه، وقد روى الأثرم عن ابن عمر أنه خرج بإبهامه قرحة فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها وقال مالك في الظفر يسقط: يكسوه مصطكى ويمسح عليه. وتفارق الجبيرة الخف في ثلاثة أشياء: وجوب مسح جميعها، وكون مسحها لا يوقت، وجوازه في الطهارة الكبرى، قاله في الكافي.
باب نواقض الوضوء
باب نواقض الوضوء[وهي ثمانية أحدها: الخارج من السبيلين قليلاً كان أو كثيراً طاهراً كان أو نجساً] لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من غائط وبول ونوم" رواه أحمد والنسائي، والترمذي وصححه. وقوله: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" وقوله في المذي: "يغسل ذكره ويتوضأ" متفق عليهما. وقوله للمستحاضة: "توضئي لكل صلاة" رواه أبو داود.
[الثاني: خروج النجاسة من بقية البدن فإن كان بولاً أو غائطاً نقض مطلقاً] لدخوله في النصوص السابقة.
[وإن كان غيرهما كالدم والقئ نقض إن فحش في نفس كل أحد بحسبه] لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: "إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة" رواه الترمذي. وروى معدان بن طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه رواه أحمد والترمذي وقال: هذا أصح شئ في هذا الباب. ولا ينقض اليسير لقول ابن عباس في الدم: إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة قال أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه ابن عمر عصر بثرة فخرج دم وصلى ولم يتوضأ و ابن أبي أوفى عصر دملاً وذكر غيرهم ولم
يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعاً قال في الكافي: والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا، قال أحمد: هما أخف علي حكماً من الدم.
[الثالث: زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من غائط وبول ونوم" وقوله "العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" رواه أبو داود. وأما الجنون والإغماء والسكر ونحوه فينقض إجماعاً. قاله في الشرح.
[ما لم يكن النوم يسيراً عرفاً من جالس وقائم] لما روى أنس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون رواه مسلم بمعناه.
وفي حديث ابن عباس فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني رواه مسلم.
[الرابع مسه بيده - لا ظفره - فرج الآدمي المتصل بلا حائل أو حلقة دبره] لحديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ" قال أحمد: هو حديث صحيح. وفي حديث أبي أيوب و أم حبيبة "من مس فرجه فليتوضأ" قال أحمد: حديث أم حبيبة صحيح وهذا عام ونصه على نقض الوضوء بمس فرج نفسه ولم يهتك به حرمة، تنبيه على نقضه بمسه من غيره.
[لا مس الخصيتين ولا مس محل الفرج البائن] لأن تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه.
[الخامس لمس بشرة الذكر لأنثى اًو الأنثى الذكر، لشهوة من غير حائل، ولو كان الملموس ميتاً أو عجوزاً أو محرماً] لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1، وقرئ {أولمستم} قال ابن مسعود: القبلة من اللمس
ـــــــ
1 النساء/ 42.
وفيها الوضوء رواه أبو داود، فإن لمسها من وراء حائل، لم ينقض في قول أكثر أهل العلم، وسئل أحمد عن المرأة إذا لمست زوجها قال: ما سمعت فيه شيئاً، ولكن هي شقيقة الرجال، أحب إلي أن تتوضأ، قاله في الشرح.
[لا لمس من دون سبع] وقال في الكافي لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وذوات المحارم وغيرهن لعموم الأدلة.
[ولا لمس سن وظفر وشعر ولا اللمس بذلك] لأنه لا يقع عليه اسم امرأة.
[ولا ينتقض وضوء الممسوس فرجه ولا الملموس بدنه، ولو وجد شهوة] لعدم تناول النص له.
[السادس: غسل الميت أو بعضه] لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء قال أبو هريرة: أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفاً في الصحابة، وقيل لا ينقض. وهو قول أكثر العلماء، قال الموفق: وهو الصحيح، لأنه لم يرد فيه نص ولا هو في معنى المنصوص عليه وكلام أحمد يدل على أنه مستحب فإنه قال: أحب إلي أن يتوضأ. وعلل نفي الوجوب، بكون الخبر موقوفاً على أبي هريرة، قاله في الشرح.
[والغاسل، هو من يقلب الميت ويباشره، لا من يصب الماء] ونحوه.
[السابع: أكل لحم الإبل ولو نيئاً] لحديث جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال: "إن شئت توضأ، وإن شئت لا تتوضا" . قال: أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال: "نعم توضأ من لحوم الإ بل" رواه مسلم.
[فلا نقض ببقية أجزائها ككبد وقلب وطحال وكرش وشحم وكلية
ولسان ورأس وسنام وكوارع ومصران ومرق لحم، ولا يحنث بذلك من حلف لا يأكل لحماً] لأنه ليس بلحم، وعنه ينقض، لأن اللحم يعبر عن جملة الحيوان، كلحم الخنزير قاله فى الشرح.
[الثامن: الردة] عن الإسلام لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} 1 وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 2 [وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت] .
ـــــــ
1 المائدة/ 5.
2 الزمر/ 65.
فصل من تيقن الطهارة وشك في الحدث
[ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بما تيقن]
وبهذا قال عامة أهل العلم، قاله في الشرح لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً، فأشكل عليه هل خرج منه شئ أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" رواه مسلم والترمذي.
[ويحرم على المحدث الصلاة] لحديث ابن عمر مرفوعاً "لا يقبل الله صلاةً بغير طهور، ولا صدقة من غلول" رواه الجماعة إلا البخاري.
[والطواف] فرضاً كان أو نفلاً لقوله صلى الله عليه وسلم "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام" رواه الشافعي.
[ومس المصحف ببشرته بلا حائل] فإن كان بحائل لم يحرم، لأن المس إذاً للحائل والأصل في ذلك قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 3.
ـــــــ
3 الواقعة/ 79.
وفي حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً وفيه لا يمس القرآن إلا طاهر. رواه الأثرم والدارقطني متصلاً، واحتج به أحمد وهو لمالك في الموطأ مرسلاً.
[ويزيد من عليه غسل بقراءة القرآن] لحديث علي رضي الله عنه، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجبه وربما قال: لا يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة1 رواه ابن خزيمة و الحاكم والدارقطني وصححاه.
[واللبث في المسجد بلا وضوء] لقوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وهو الطريق، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود، فإن توضأ الجنب جاز له اللبث فيه، لما روى سعيد بن منصور و الأثرم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة.
ـــــــ
1 قلت: لكن خالفهما الاكثرون فضعفوا هذا الحديث كما قال النووي: ذكر الخطابي أن الإمام أحمد كان يوهن حديث على هذا.
على أن الحديث لو صح لم يكن دليلا على تحريم قراءة القرآن في حالة الجنب، لأنه ليس فيه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ القرآن في حالة الجنابة، فقد يكون ترك القراءة في هذه الحالة لا لأنها محرمة بل يجوز لأنها مكروهة أو خلاف الأولى فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحواله.
ناصر الدين.
باب مايوجب الغسل
باب ما يوجب الغسل
[وهو سبعة، أحدها انتقال المني، فلو أحس بانتقاله فحبسه فلم يخرج وجب الغسل] لوجود الشهوة بانتقاله أشبه ما لو ظهر.
[فلو اغتسل له ثم خرج بلا لذة لم يعد الغسل] لأنها جنابة واحدة فلا توجب غسلين.
[الثاني خروجه من مخرجه ولو دماً ويشترط أن يكون بلذة] هذا قول عامة الفقهاء حكاه الترمذي، قال في الشرح: ولا نعلم فيه خلافاً لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إذا فضخت الماء فاغتسل" رواه أبو داود، والفضخ خروجه على وجه الشدة. وقال: إبراهيم الحربي بالعجلة.
[ما لم يكن نائماً ونحوه] فلا يشترط ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم إذا رأت الماء" رواه النسائي بمعناه.
[الثالث تغييب الحشفة كلها أو قدرها] من مقطوعها.
[بلا حائل في فرج] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان وجب الغسل" رواه مسلم فإذا غيب الحشفة تحاذى الختانان.
[ولو دبرا] لأنه فرج أصلي.
[لميت أو بهيمة أو طير] لعموم الخبر.
[لكن لا يجب الغسل إلا على ابن عشر وبنت تسع] ومعنى الوجوب في حق من لم يبلغ، أن الغسل شرط لصحة صلاته وطوافه وقراءته.
[الرابع إسلام الكافر ولو مرتداً] لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم أن يغتسل حين أسلم رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
[الخامس خروج دم الحيض]
[السادس خروج دم النفاس] قال في المغني: لا خلاف في وجوب الغسل بهما.
[السابع الموت] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إغسلنها" وقال في المحرم: "اغسلوه بماء وسدر" وغيرهما.
[تعبداً] لأنه لو كان عن حدث لم يرتفع مع بقاء سببه، ولو كان عن نجاسة لم يطهر مع بقاء سببه.
فصل: في شروط الغسل
فصل: شروط الغسل[وشروط الغسل سبعة:]
[1- انقطاع ما يوجبه 2 - النية 3 - الإسلام 4- العقل 5- التمييز 6 -الماء الطهور المباح 7 - إزالة ما يمنع وصوله]
[وواجبه التسمية وتسقط سهواً] وتقدم نحوه في الوضوء.
[وفرضه أن يعم بالماء جميع بدنه وداخل فمه وأنفه] لحديث ميمونة وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضوء الجنابة فأفرغ على يديه، فغسلهما مرتين أو ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق وغسل
وجهه وذراعيه، ثم أفاض الماء على رأسه، ثم غسل جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيديه متفق عليه.
[حتى ما يظهر من فرج المرأة عند القعود لحاجتها] لأنه في حكم الظاهر ولا مشقة في غسله.
[وحتى باطن شعرها] لأنه جزء من البدن، وفي حديث عائشة: ثم يخلًل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد روى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده متفق عليه. وعن علي مرفوعاً "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء، فعل الله به كذا وكذا من النار" قال علي فمن ثم عاديت شعري رواه أحمد وأبو داود.
[ويجب نقضه في الحيض والنفاس] لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "انقضي شعرك واغتسلي" رواه ابن ماجه: بإسناد صحيح. وأكثر العلماء على الاستحباب، لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة أفأنقضه للحيضة ؟ قال "لا" رواه مسلم. وحديث عائشة ليس فيه حجة للوجوب، لأنه ليس في غسل الحيض إنما هو في حال الحيض للإحرام، ولو ثبت الأمر بنقضه لحمل على الاستحباب، جمعاً بين الحديثين، قاله في الشرح.
[لا الجنابة] لقول أم سلمة: قلت: يارسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال "لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" رواه مسلم.
[ويكفي الظن فى الإسباغ] لقول عائشة "حتى إذا ظن أن أروى بشرته، أفاض عليه الماء" متفق عليه.
[وسننه: الوضوء قبله. وازالة ما لوثه من أذى. وإفراغه الماء على رأسه ثلاثاً، وعلى بقية جسده ثلاثاً، والتيامن، والموالاة، وإمرار اليد على الجسد، وإعادة غسل رجليه بمكان أخر] لحديث عائشة و ميمونة في صفة غسله صلى الله عليه وسلم متفق عليهما، وفي حديث ميمونة "ثم تنحى فغسل قدميه" رواه البخاري.
[ومن نوى غسلاً مسنوناً، أو واجباً، أجزأ أحدهما عن الآخر، وإن نوى رفع الحدثين أو الحدث وأطلق، أو أمراً لا يباح إلا بوضوء وغسل، أجزأ عنهما] قال ابن عبد البر: المغتسل إذا عمً بدنه، ولم يتوضأ فقد أدى ما عليه، لأن الله تعالى إنما افترض عليه الغسل، وهذا إجماع لا خلاف فيه، إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبله، تأسياً به، صلى الله عليه وسلم.
[ويسن الوضوء بمد وهو رطل وثلث بالعراقي، وأوقيتان وأربعة أسباع بالقدسي والاغتسال بصاع وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي وعشر أواق وسبعان بالقدسي] لحديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد متفق عليه.
[ويكره الإسراف] لما روى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال "ما هذا السرف" ؟ فقال: أفي الوضوء إسراف ؟ قال "نعم، وإن كنت على نهر جار" .
[لا الإسباغ بدون ما ذكر] أي المد والصاع. وهذا مذهب أكثر أهل العلم. قاله في الشرح لأن عائشة كانت تغتسل هي والنبي صلى الله
عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك رواه مسلم. وروى أبو داود والنسائي عن أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد.
[ويباح الغسل] والوضوء.
[في المسجد ما لم يؤذ به] أحداً، أو يؤذ المسجد. قال ابن المنذر: أباح ذلك من نحفظ عنه من علماء الأمصار، وروي عن أحمد أنه كرهه صيانة للمسجد عن البصاق، وما يخرج من فضلات الوضوء. ذكره في الشرح.
[وفي الحمام إن أمن الوقوع في المحرم] نص عليه لما روي عن ابن عباس أنه دخل حماماً كان بالجحفة وعن أبي ذر نعم البيت الحمام يذهب الدرن، ويذكر بالنار.
[فإن خيف كره] خشية المحظور. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عمر رضي الله عنهما بئس البيت الحمام يبدي العورة، ويذهب الحياء.
[وإن علم حرم] لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
فصل في الأغسال المستحبة
[في الأغسال المستحبة وهي ستة عشر: آكدها لصلاة جمعة في يومها لذكر حضرها] لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" وقال صلى الله عليه وسلم: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" متفق عليهما. وليس بواجب حكاه ابن المنذر إجماعاً.
[ثم لغسل ميت] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "من غسل ميتاً
فليغتسل ومن حمله فليتوضأ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه. وروي ذلك عن ابن عباس، والشافعي، و إسحاق، و ابن المنذر، قاله في الشرح.
[ثم لعيد في يومه] لحديث ابن عباس، و الفاكه بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى رواه ابن ماجه.
[ولكسوف واستسقاء] قياساً على الجمعة والعيد، لأنهما يجتمع لهما.
[وجنون وإغماء] لأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء متفق عليه. ولا يجب، حكاه ابن المنذر إجماعاً، قاله في الشرح.
[ولاستحاضة لكل صلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش لما استحيضت: "اغتسلي لكل صلاة" رواه أبو داود.
[ولإحرام] بحج أو عمرة، لحديث زيد بن ثابت أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل رواه الترمذي وحسنه.
[ولدخول مكة وحرمها] لأن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويدخل نهاراً ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله. رواه مسلم.
[ووقوف بعرفة] لما روى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم. ولدخوله مكة. ولوقوفه عشية عرفة ولأنه يروى عن علي وابن مسعود.
[وطواف زيارة، وطواف وداع، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار] لأن هذه كلها أنساك يجتمع لها، فاستحب لها الغسل قياساً على الإحرام ودخول مكة.
[ويتيمم للكل للحاجة1، ولما يسن له الوضوء إن تعذر] نقله صالح2 في الإحرام ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام.
ـــــــ
1 كانت في الأصل ويتيمم الكل الحاجة وما ذكرناه من الأصول المخطوطة.
2 هو أبو الفضل صالح ابن الإمام أحمد بن حنبل ولد سنة 203 وتوفي سنة 266.
باب التيمم
باب التيمم[ويصح بشروط ثمانية: 1-النية، 2 - والإسلام، 3 - والعقل، 4 - والتمييز، 5- والاستنجاء أو الاستجمار] لما تقدم.
6- [دخول وقت الصلاة. فلا يصح التيمم لصلاة قبل وقتها، ولا لنافلة وقت نهي] لحديث أبي أمامة مرفوعاً: "جعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجداً وطهوراً فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده، وعنده طهوره" رواه أحمد.
[7- تعذر استعمال الماء إما لعدمه] لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} الآية1 وقوله صلي الله عليه وسلم: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير" صححه الترمذي.
[أو لخوفه باستعماله الضرر] لقوله تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية1. ولحديث صاحب الشجة. وعن عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد
ـــــــ
1 النساء/ 43. ونص الآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} .
فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح" الحديث. رواه أحمد وأبو داود، والدارقطني.
[ويجب بذله لعطشان من آدمي أو بهيمة محترمين] لأن الله تعالى غفر لبغي بسقي كلب، فالآدمي أولى. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء فخشي العطش أنه يبقي ماءه للشرب ويتيمم.
[ومن وجد ماء لا يكفي لطهارته استعمله فيما يكفي وجوباً ثم تيمم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم" رواه البخاري.
[وإن وصل، المسافر إلى الماء، وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروجه، عدل إلى التيمم] محافظة على الوقت، قاله الأوزاعي والثوري، وقيل لا يتيمم لأنه واجد للماء. وهذا قول أكثر أهل العلم. قال معناه في الشرح.
[وغيره لا. ولو فاته الوقت، ومن في الوقت أراق الماء أو مر به وأمكنه الوضوء، ويعلم أنه لا يجد غيره حرم] لتفريطه.
[ثم إن تيمم وصلى لم يعد] في أحد الوجهين، والثاني يعيد لأنه مفرط. قاله في الشرح. ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله، كالحطاب ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه، ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته، صلى بالتيمم ولا إعادة. قاله في الشرح.
[وإن وجد محدث ببدنه وثوبه نجاسة ومعه ماء لا يكفي، وجب غسل ثوبه، ثم إن فضل شئ غسل بدنه. ثم إن فضل شئ تطهر وإلا تيمم]
نص أحمد على تقديم غسل النجاسة. قال في الشرح: ولا نعلم فيه خلافاً.
[ويصح التيمم لكل حدث] لعموم الآية، وحديث عمار، وقوله في حديث عمران بن حصين: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك". متفق عليه.
[وللنجاسة على البدن بعد تخفيفها ما أمكن] لأنها طهارة على البدن مشترطة للصلاة، فناب فيها التيمم، كطهارة الحدث. قاله في الكافي. قال أحمد: هو بمنزلة الجنب.
[فإن تيمم لها قبل تخفيفها لم يصح] كتيمم قبل استجمار.
[ 8- أن يكون بتراب طهور مباح غير محترق، له غبار يعلق باليد] للآية. قال ابن عباس الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر وقال تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} 1 وما لا غبار له لا يمسح بشئ منه. وقال الأوزاعي: الرمل من الصعيد. وإن ضرب يده على لبد أو شعر، ونحوه. فعلق به غبار جاز، نص عليه لأنه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده الحائط ومسح وجهه ويديه.
[فإن لم يجد ذلك صلى الفرض فقط، على حسب حاله. ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ. ولا إعادة] لأنه أتى بما أمر به.
[وواجب التيمم التسمية، وتسقط سهواً] قياساً على الوضوء.
[وفروضه خمسة: 1- مسح الوجه، 2- ومسح اليدين إلى الكوعين] للآية. واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع، بدليل
ـــــــ
1 النساء/ 43.
قطع يد السارق. وفي حديث عمار:" إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه". متفق عليه.
[3- الترتيب في الطهارة الصغرى. فيلزم من جرحه ببعض أعضاء وضوئه، إذا توضأ أن يتيمم له عند غسله، لو كان صحيحاً، 4 - الموالاة فيلزمه أن يعيد غسل الصحيح عند كل تيمم] قال في الإ نصاف: وقال الشيخ تقي الدين: لا يلزمه مراعاة الترتيب. وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره. وقال: الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة.
فإذا خرج الوقت الذي تيمم فيه لبعض أعضاء وضوئه أعاد التيمم فقط.
[5- تعيين النية لما تيمم له من حدث أو نجاسة، فلا تكفي نية أحدهما عن الآخر، وإن نواهما أجزأ] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[ومبطلاته خمسة: ما أبطل الوضوء. ووجود الماء] لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير له" رواه أحمد، والترمذي، وصححه. هذا إذا كان تيممه لعدم الماء. وإن تيمم لمرض ونحوه لم يبطل بوجوده.
[وخروج الوقت] روي ذلك عن علي، وابن عمر.
[وزوال المبيح له، وخلع ما مسح عليه] والصحيح لا يبطل. وهو قول سائر الفقهاء. قاله في الشرح.
[وإن وجد الماء، وهو في الصلاة، بطلت] لعموم قوله "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" .
[وإذا انقضت لم تجب الإعادة] لأنه أدى فريضة بطهارة صحيحة.
[وصفته أن ينوي، ثم يسمي ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ضربة واحدة] لحديث عمار وفيه: "التيمم ضربة للوجه والكفين" رواه أحمد وأبو داود.
[والأحوط اثنتان لعد نزع خاتم ونحوه] ليصل إلى ما تحته.
[فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه] إن اكتفى بضربة واحدة، وإن كان بضربتين مسح بأولاهما وجهه، وبالثانية يديه.
[وسن لمن يرجو وجود الماء تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار] لقول علي رضي الله عنه في الجنب يتلوًم ما بينه وبين آخر الوقت.
[وله أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من الفرض والنفل، لكن لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض] لقوله صلى الله عليه وسلم "وإنما لكل امرئ ما نوى" .
باب إزالة النجاسة
باب إزالة النجاسة[يشرط لكل متنجس سبع غسلات] لقول ابن عمر أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً. وعنه: ثلاث غسلات لأمره - صلى الله عليه وسلم – "القائم من نوم الليل أن يغسل يديه ثلاثاً فانه لا يدري أين باتت يده". علل بوهم النجاسة. وعنه يكاثر بالماء من غير عدد قياساً على النجاسة على الأرض، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء" . ولم يذكر عدداً. وفي حديث علي مرفوعاً: "بول الغلام ينضح وبول الجًارية يغسل" . ولم يذكر عدداً.
[وأن يكون إحداها بتراب طهور. أو صابون ونحوه، في متنجس بكلب أو خنزير] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسلة سبعاً أولاه بالتراب" رواه مسلم. وقيس عليه الخنزير.
[ويضر بقاء طعم النجاسة لا لونها، أو ريحها، اًو هما عجزاً] لما روي أن خولة بنت يسار قالت: يارسول الله أرأيت لو بقي أثره؟ تعني الدم. " فقال يكفيك الماء ولا يضرك أثره" . رواه أبو داود بمعناه.
[ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعاماً لشهوة نضحه وهو غمره بالماء] لحديث أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره، فبال
على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه. وعن علي مرفوعاً: "بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل" . رواه أحمد.
[ويجزئ في تطهير صخر وأحواض وأرض تنجست بمائع ولو مر كلب أو خنزير مكاثرتهما بالماء، بحيث يذهب لون النجاسة وريحها] لقوله صلى الله عليه وسلم في بول الأعرابي " أريقوا عليه ذنوباً من ماء" متفق عليه.
[ولا تطهر الأرض بالشمس والريح والجفاف، ولا النجاسة بالنار] روي عن الشافعي و ابن المنذر،لأمره صلى الله عليه وسلم أن يصب على بول الأعرابي ذنوب من ماء. والأمر يقتضي الوجوب.
[وتطهر الخمرة بإنائها إذا انقلبت خلاً بنفسها] وتحل بالإجماع. قال في الكافي: كالماء الذي تنجس بالتغير، إذا زال تغيره.
[وإذا خفي موضع النجاسة غسل حتى يتيقن غسلها] ليخرج من العهدة بيقين. هذا قول مالك والشافعي وابن المنذر. قاله في الشرح.
فصل في النجاسات
[المسكر المائع وكذا الحشيشة] نجس، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 1.
[وما لا يؤكل من الطير والبهائم مما فوق الهر خلقة نجس] لحديث ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب فقال: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وفي رواية: لم ينجسه شئ.
ـــــــ
1 المائدة/ 90.
[وما دونهما في الخلقة، كالحية والفار والمسكر غير المائع فطاهر] وسؤر الهر، وما دونه في الخلقة طاهر في قول أكثر أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، لحديث أبي قتادة مرفوعاً وفيه: فجاءت هرًة، فأصغى لها الإناء حتى شربت وقال: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات" . فدل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر، وبتعليله على نفي الكراهة مما دونها عما يطوف علينا. قاله في الشرح.
[وكل ميتة نجسة] لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ...} 1 [غير ميتة الآدمي] لحديث "المومن لا ينجس" . متفق عليه.
[والسمك والجراد] لأنها لو كانت نجسة لم يحل أكلها.
[وما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفساء والبق والقمل والبراغيث] لحديث "إذا وقع الذباب إناء أحدكم فليمقله" وفي لفظ "فليغمسه فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاءً" رواه البخاري. وهذا عام في كل حار وبارد، ودهن مما يموت الذباب بغمسه فيه، فلو كان ينجسه كان أمراً بإفساده، فلا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا مات فيه. قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافاً، إلا ما كان من الشافعي في أحد قوليه. قاله في الشرح.
[وما أكل لحمه، ولم يكن أكثر علفه النجاسة، فبوله وروثه وقيئه ومذيه ومنيه ولبنه طاهر] لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في
ـــــــ
1 الأنعام من الآية/ 145.
مرابض الغنم" . رواه مسلم. وقال للعرنيين "انطلقوا إلى إبل الصدقة فاشربوا من أبوالها" متفق عليه.
[وما لا يؤكل فنجس] لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي يعذب في قبره: "إنه كان لا يتنزه من بوله" . متفق عليه. والغائط مثله. وقوله لعلي في المذي "اغسل ذكرك" . قال في الكافي: والقيء نجس لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد أشبه الغائط.
[إلا مني الآدمي ولبنه فطاهر] لقول عائشة كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي به متفق عليه. لكن يستحب غسل رطبه، وفرك يابسه. وكذا عرق الآدمي وريقه طاهر كلبنه، لأنه من جسم طاهر.
[والقيح والدم والصديد نجس] لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم: "اغسليه بالماء" متفق عليه. والقيح والصديد مثله. إلا أن أحمد قال: هو أسهل.
[لكن يعفى في الصلاة عن يسير منه لم ينقض الوضوء، إذا كان من حيوان طاهر في الحياة ولو من دم حائض] في قول أكثر أهل العلم. روي عن ابن عباس، وأبي هريرة وغيرهما، ولم يعرف لهم مخالف، ولقول عائشة: يكون لأحدانا الدرع فيه تحيض ثم ترى فيه قطرة من الدم فتقصعه بريقها. - وفي رواية - تبله بريقها ثم تقصعه بظفرها. رواه أبو داود وهذا يدل على العفو لأن الريق لا يطهره، ويتنجس به ظفرها، هو إخبار عن دوام الفعل، ومثل هذا لا يخفى عليه صلى الله
عليه وسلم، قال في الشرح: وما بقي في اللحم من الدم معفو عنه، لأنه إنما حرم الدم المسفوح، ولمشقة التحرز منه.
[ويضم يسير متفرق بثوب لا أكثر] فإن صار بالضم كثيراً لم تصح الصلاة فيه، والا عفي عنه.
[وطين شارع ظنت نجاسته] طاهر. عملاً بالأصل، ولأن الصحابة، والتابعين يخوضون المطر في الطرقات، ولا يغسلون أرجلهم. روي عن عمر وعلي، وقال ابن مسعود: كنا لا نتوضأ من موطئ ونحوه عن ابن عباس، وهذا قول عوام أهل العلم. قاله في الشرح.
[وعرق وريق من طاهر طاهر] لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً وفيه: "فإذا انتخع أحدكم فلينتخع عن يساره، أو تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا، فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه في بعض" ولو كانت نجسة لما اًمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة، ولا تحت قدمه، ولنجست الفم.
[ولو أكل هر ونحوه، أو طفل نجاسة ثم شرب من مائع لم يضر] لعموم البلوى. ومشقة التحرز.
[ولا يكره سؤر حيوان طاهر، وهو فضلة طعامه وشرابه] .
باب الحيض
باب الحيض[لا حيض قبل تمام تسع سنين] لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك. وقد روي عن عائشة أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. وقال الشافعي: رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة.
[ولا بعد خمسين سنة] لقول عائشة: إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ذكره أحمد، وعنه إن تكرر بها الدم فهو حيض إلى ستين، وهذا أصح لأنه قد وجد. قاله في الكافي.
[ولا مع حمل] فإن رأت الحامل دماً فهو دم فساد، لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة" يعني تستعلم براءتها من الحمل بالحيضة فدل على أنها لا تجتمع معه.
[وأقل الحيض يوم وليلة] لأن الشرع علق على الحيض أحكاماً، ولم يبين قدره، فعلم أنه رده إلى العادة كالقبض، والحرز. وقد وجد حيض معتاد يوماً، ولم يوجد أقل منه. قال عطاء: رأيت من تحيض يوماً، وتحيض خمسة عشر. وقال أبو عبد الله الزبيري. كان في نسائنا من تحيض يوماً، وتحيض خمسة عشر يوماً.
[وأكثره خمسة عشر يوماً] لما ذكرنا.
[وغالبه ست أو سبع] لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: "تحيضي في علم الله ستة أيام، أو سبعةً أيام ثم اغتسلي وصلي اًربعةً وعشرين يوماً، اًو ثلاثةً وعشرين يوما كما يحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن" صححه الترمذي.
[وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً] احتج أحمد بما روى عن علي: أن امرأة جاءت وقد طلقها زوجها، فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض. فقال علي لشريح: قل فيها، فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه، وأمانته فشهدت بذلك، وإلا فهي كاذبة. فقال علي: قالون أي جيد بالرومية. وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر ولا يمكن إلا بما ذكر.
[وغالبه بقية الشهر] لأن الغالب أن المرأة تحيض في كل شهر حيضة.
[ولا حد لأكثره] لأنه لم يرد تحديده في الشرع. ومن النساء من لا تحيض.
[ويحرم بالحيض أشياء: منها الوطء في الفرج] لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 1.
[والطلاق] لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 2.
[والصلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة" .
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 222.
2 الطلاق من الآية/ 1.
[والصوم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل؟" قلن بلى رواه البخاري.
[والطواف] لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" . متفق عليه.
[وقراءة القرآن] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن" رواه أبو داود الترمذي.
[ومس المصحف] لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 1.
[واللبث في المسجد] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لجنب، ولا حائض" رواه أبو داود.
[وكذا المرور فيه إن خافت تلويثه] فإن أمنت تلويثه لم يحرم، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "ناوليني الخمرة من المسجد" فقالت: إني حائض فقال: "إن حيضتك ليست في يدك" رواه الجماعة، إلا البخاري.
[ويوجب الغسل] لقوله صلى الله عليه وسلم: "دعي الصًلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي" متفق عليه.
[والبلوغ] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" أوجب عليهما السترة بوجود الحيض فدل على أن التكليف حصل به، وإنما يحصل ذلك بالبلوغ.
[والكفارة بالوطء فيه، ولو مكرهاً، أو ناسياً، أو جاهلاً للحيض والتحريم، وهي دينار اًو نصفه على التخيير] لما روى ابن عباس عن
ـــــــ
1 الواقعة/ 79.
النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار أو نصف دينار" قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة.
[وكذا هي إن طاوعت] قياساً على الرجل.
[ولا يباح بعد انقطاعه، وقبل غسلها، أو تيممها، غير الصوم] فإنه يباح كما يباح للجنب قبل اغتساله.
[والطلاق] لأنه إنما حرم طلاق الحائض لتطويل العدة، وقد زال هذا المعنى، قاله في الكافي.
[واللبث بوضوء في المسجد] قياساً على الجنب.
[وانقطاع الدم: بأن لا تتغير قطنة احتشت بها في زمن الحيض طهر] والصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض، لما روى مالك عن علقمة عن أمه أن النساء كن يرسلن بالدرجة فيها الشئ من الصفرة إلى عائشة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء قال مالك وأحمد: هو ماء أبيض يتبع الحيضة. وفي زمن الطهر طهر لا تعتد به، نص عليه لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً رواه أبو داود.
[وتقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة] لحديث معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة رواه الجماعة. وقالت أم سلمة: كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في
النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس رواه أبو داود.
فصل في المستحاضة ودائم الحدث
[ومن جاوز دمها خمسة عشر يوما فهي مستحاضة]
لأنه لا يصلح أن يكون حيضا فإن كان لها عادة قبل الإستحاضة جلستها ولو كان لها تمييز صالح لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة : "امكثي قدر ما كانت تحسبك حيضتك ثم اغتسلي وصلي" رواه مسلم فإن لم يكن لها عادة أو نسيتها فإن كان دمها متميزا بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر وكان الأسود لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فهي مميزة حيضها زمن الأسود فتجلسه ثم تغتسل وتصلي لما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت : يارسول الله : إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال : "لا إن ذلك عروق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" متفق عليه وفي لفظ: "إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي إنما هو عرق" رواه النسائي وقال ابن عباس ما رأت الدم البخر أي فإنها تدع الصلاة إنها والله إن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم وإن لم يكن لها عادة ولا تمييز فهي متحيرة.
[فتجلس من كل شهر ستا أو سبعا بتحر حيث لا تمييز ثم تغتسل وتصوم وتصلي بعد غسل المحل وتعصيبه] لحديث حمنة بنت
جحش قالت : قلت يارسول الله إني أستحاض حيضة شديدة فما ترى فيها ؟ قال "أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم" قالت : هو أكثر من ذلك قال : "فاتخذي ثوبا" قالت : هو أكثر من ذلك قال : "فتلجمي" قالت : إنما أثج ثجا فقال لها : "سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم" فقال لها : "إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ئم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن" الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
[وتتوضأ في وقت كل صلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : "وتوضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت" وقال في المستحاضة : "وتتوضأ عند كل صلاة" رواهما أبو داود والترمذي.
[وتنوي بوضوئها الاستباحة] لأن الحدث دائم.
[وكذا يفعل كل من حدثه دائم] لحديث : "صلي وإن قطر على الحصير" رواه البخاري و صلى عمر وجرحه يثعب دما.
[ويحرم وطئ المستحاضة] لأنه أذى في الفرج أشبه دم الحيض.
[ولا كفارة] لعدم ثبوت أحكام الحيض فيه. وعنه يباح. وهو قول أكثر أهل العلم لحديث حمنة وأم حبيبة. قاله في الشرح.
[والنفاس لا حد لأقله] لأنه لم يرد تحديده فرجع فيه إلى الوجود
وقد وجد قليلا وكثيرا وروي أن امرأة ولدت على عهده صلى الله عليه وسلم فلم تر دما فسميت ذات الجفوف.
[وأكثره أربعون يوما] قال الترمذي : أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي قال أبو عبيد : وعلى هذا جماعة الناس وعن أم سلمة كانت النفساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين يوما رواه الخمسة إلا النسائي.
[ويثبت حكمه بوضع ما يتبين فيه خلق إنسان] ولو خفيا وأقل ما يتبين فيه إحدى وثمانون يوما. وغالبه ثلاثة أشهر قاله المجد وابن تميم وابن حمدان وغيرهم.
[فإن تخلل الأربعين نقاء فهو طهر] لما تقدم.
[لكن يكره وطؤها فيه] قال أحمد : ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال : لا تقربيني.
[ومن وضعت ولدين فأكثر فأول مدة النفاس من الأول] كما لو كان منفردا.
[فلو كان بينهما أربعون يوما فلا نفاس للثاني] لأنه تبع للأول فلم يعتبر في آخر النفاس كما لا يعتبر في أوله لأنه نفاس واحد من حمل واحد فلم يزد على الأربعين قاله في الكافي.
[وفي وطء النفساء ما في وطء الحائض] من الكفارة قياسا عليه نص عليه.
[ويجوز للرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع] لأنه حق له.
[وللأنثى شربه لحصول الحيض ولقطعه] لأنه الأصل الحل حتى يرد التحريم ولم يرد.
باب الأذان والاقامة
باب الأذان والإقامة
[وهما فرض كفاية] لحديث: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" والأ مر يقتضي الوجوب، ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة كالجهاد.
[في الحضر] في القرى والأمصار. قال مالك رحمه الله: إنما يجب النداء في مساجد الجماعة.
[على الرجال] فأما النساء فليس عليهن أذان، ولا إقامة. قاله ابن عمر وأنس وغيرهما. ولا نعلم من غيرهم خلافهم. قاله في الشرح.
[الأحرار] لا الأرقاء لاشتغالهم بخدمة ملاكهم في الجملة.
[ويسنان للمنفرد] لحديث عقبة بن عامر مرفوعاً: "يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية جبل يؤذن بالصلاة، ويصلي، فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن، ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غقرت لعبدي، وأدخلته الجنة" رواه النسائي.
[وفي السفر] لقوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث، ولابن عم له: "إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما" متفق عليه.
[ويكرهان للنساء، ولو بلا رفع صوت] لأنهما وظيفة الرجال، ففيه نوع تشبه بهم.
[ولا يصحان إلا مرتين متواليين عرفاً] لأنه شرع كذلك، فلم يجز الإخلال به. قال في الكافي: لأنه لا يعلم أنه أذان بدونهما، فإن سكت سكوتاً طويلاً، أو تكلم بكلام طويل، بطل للإخلال بالموالاة. فإن كان يسيراً جاز. قال البخاري في صحيحه: وتكلم سليمان بن صرد في أذانه. وقال الحسن: لا بأس أن يضحك وهو يؤذن أو يقيم.
[وأن يكونا من واحد] فلا يصح أن يبني على أذان غيره، ولا على إقامته لأنه عبادة بدنية، فلم يبن فعله على فعل غيره كالصلاة. قاله في الكافي، وفي الإنصاف: لو أذن واحد بعضه، وكله آخر لم يصح بلا خلاف أعلمه.
[بنية منه] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[وشرط كونه مسلماً] فلا يعتد بأذان كافر لأنه من غير أهل العبادات.
[ذكراً] فلا يعتد بأذان أنثى. لأنه يشرع فيه رفع الصوت، وليست من أهل ذلك. قاله في الكافي.
[عاقلاً مميزاً] فلا يصح من مجنون، وطفل. لأنهما من غير أهل العبادات.
[ناطقاً] لينطق به.
[عدلاً ولو ظاهراً] فلا يصح أذان فاسق لأنه صلى الله عليه وسلم:
وصف المؤذنين بالأمانة والفاسق غير أمين. وأما مستور الحال فيصح أذانه. قال في الشرح: بغير خلاف علمناه.
[ولا يصحان قبل الوقت] قال في الشرح: أما غير الفجر فلا يجزئ الأذان إلا بعد دخول الوقت. بغير خلاف نعلمه. انتهى. لحديث: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكًم أحد كم" .
[إلا أذان الفجر، فيصح بعد نصف الليل] لحديث: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" متفق عليه.
[ورفع الصوت ركن] ليحصل السماع المقصود بالإعلام.
[مالم يؤذن لحاضر] فبقدر ما يسمعه. وإن رفع صوته فهو أفضل.
[وسن كونه صيتاً] أي رفيع الصوت: لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد: "ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك" ولأنه أبلغ في الإعلام.
[أميناً] لأنه مؤتمن على الأوقات، والحديث: "أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون" رواه البيهقي من طريق يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام.
[عالماً بالوقت] ليتمكن من الأذان في أوله ويؤمن خطؤه.
[متطهراً] لحديث أبي هريرة: "لا يؤذن إلا متوضئ" رواه الترمذي، والبيهقي مرفوعاً. وروي موقوفاً، وهو أصح.
[فيهما] أي الأذان، والإقامة، لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "قم فأذن" ، وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤذنون قياماً وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن من السنة أن يوذن
قائماً. فإن أذن قاعداً لعذر فلا بأس. قال الحسن العبدي. رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن قاعداً، وكانت رجله أصيبت في سبيل الله رواه الأثرم. ويجوز على الراحلة. قال ابن المنذر: ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير فينزل فيقيم ذكره في الشرح.
[لكن لا يكره أذان المحدث] نص عليه لأنه لا يزيد على القراءة.
[بل إقامته] للفصل بينها وبين الصلاة بالوضوء. قال مالك: يؤذن على غير وضوء، ولا يقيم إلا على وضوء.
[ويسن الأذان أول الوقت] لما روي أن بلالاً كان يؤذن في أول الوقت لا يخرم، وربما أخر الإقامة شيئاً رواه ابن ماجه.
[والترسل فيه] لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر" رواه أبو داود.
[وأن يكون على علو] قال في الشرح: لا نعلم خلافاً في استحبابه لأنه أبلغ في الإعلام. وروي أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة من بني النجار بيتها من أطول بيت حول المسجد رواه أبو داود.
[رافعاً وجهه جاعلاً سبابتيه في أذنيه] لقول أبي جحيفة إن بلالاً وضع أصبعيه في أذنيه رواه أحمد، والترمذي وصححه، وقال: العمل عليه عند أهل العلم. وعن سعد القرظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل أصبعيه في أذنيه وقال: "إنه أرفع لصوتك" رواه ابن ماجه.
[مستقبلاً القبلة] لفعل موذنيه صلى الله عليه وسلم. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبله في الأذان.
[ويلتفت يميناً لحي على الصلاة، وشمالاً لحي على الفلاح] لقول أبي جحيفة لقد رأيت بلالاً يؤذن فجعلت أتتبع فاه ها هنا، وها هنا، يقول يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه.
[ولا يزيل قدميه] للخبر، وسواء كان بمنارة أو غيرها، وقال القاضي والمجد:
[ما لم يكن بمنارة] فإنه يدور.
[وأن يقول بعد حيعلة أذان الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين ويسمى التثويب] لقول بلال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب في الفجر، ونهاني أن أثوب في العشاء رواه ابن ماجه. ودخل ابن عمر مسجداً يصلى فيه، فسمع رجلاً يثوب في أذان الظهر، فخرج وقال: أخرجتني البدعة. ويكره الأذان والإقامة. والنداء بالصلاة بعد الأذان، ونداء الأمراء. وهو قول: الصلاة يا أمير المؤمنين، ونحوه. ووصل الأذان بعده بذكر لأنه بدعة ذكره في شرح العمدة.
[ويسن أن يتولى الأذان، والإقامة واحد ما لم يشق] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء قد أذن، ومن أذن فهو يقيم" .
[ومن جمع أو قضى فوائت، اًذن للأولى، وأقام للكل] لقول جابر: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين رواه مسلم. ولحديث ابن مسعود في قصة الخندق أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات، حتى ذهب
من الليل ما شاء الله، ثم أمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء رواه الأ ثرم.
[وسن لمن سمع المؤذن أو المقيم أن يقول مثله. إلا في الحيعلة، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله] لحديث عمر مرفوعاً "إذا قال المؤذن: الله اًكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر. ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: أشهد أن محمداً رسول اللًه. ثم قال: حي على الصلاة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله. فقال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، دخل الجنة" رواه مسلم.
[وفي التثويب: صدقت وبررت] قال في الفروع: وقيل يجمع يعني، يقول ذلك، ويقول: الصلاة خير من النوم.
[وفي لفظ الإقامة: أقامها الله، وأدامها] لما روى أبو داود عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما أن قال قد قامت الصلاة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقامها الله، وأدامها" وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأ ذان.
[ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة. والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته] لحديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: "إذا
سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة" رواه مسلم. وروى البخاري وغيره عن جابر مرفوعاً "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاماً مًحموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة" .
[ثم يدعو هنا، وعند الإقامة] لحديث أنس مرفوعاً "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" رواه أحمد والترمذي وصححه. ودعا أحمد عند الإقامة، ورفع يديه.
[ويحرم بعد الأذان الخروج من المسجد بلا عذر أو نية رجوع] قال الترمذى: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر. ثم ذكر حديث أبي هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
تتمة في صفة الأذان. قال في الكافي: ويذهب أبو عبد الله - يعني أحمد - إلى أذان بلال الذي أريه عبد الله بن زيد. كما روي عنه أنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً فقلت: ياعبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال: وما تصنع به ؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت: بلى. فقال:
تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد اًن محمداً رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. ثم قال: استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله. حي على الصلاة. حي على الفلاح. قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما رأيت فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك" رواه أبو داود.
فهذه صفة الأذان والإقامة المستحبة، لأن بلالاً كان يوذن به حضراً، وسفراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات. انتهى.
ـــــــ
انظر كتاب "الكافي" للإمام الموفق ابن قدامة حيث إن هذا الفصل منقول من الجزء الأول صفحة 128 وقد من الله علينا بطبعه.
باب شروط الصلاة
باب شروط الصلاة[وهي تسعة: الإسلام، والعقل، والتمييز] فلا تصح من كافر لبطلان عمله. ولا مجنون لعدم تكليفه. ولا من طفل، لمفهوم الحديث "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع" الحد يث.
[وكذا الطهارة مع القدرة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاةً بغيير طهور" رواه مسلم وغيره.
[الخامس: دخول الوقت] قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الآية1 قال ابن عباس: دلوكها: إذا فاء الفئ. وقال عمر رضي الله عنه: الصلاة لها وقت شرطه الله، لا تصح إلا به. وهو: حديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلوات الخمس، ثم قال: "ما بين هذين وقت" رواه أحمد، والنسائي، والترمذي بنحوه.
[فوقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، سوى ظل الزوال. ثم يليه الوقت المختار للعصر حتى يصير ظل كل شئ مثليه، سوى ظل الزوال، ثم هو وقت ضرورة إلى الغروب. ثم يليه وقت المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر. ثم يليه الوقت المختار للعشاء إلى ثلث الليل الأول. ثم هو وقت ضرورة إلى طلوع الفجر. ثم يليه وقت الفجر إلى شروق الشمس] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه
ـــــــ
1 الإسراء/ 78.
جبريل عليه السلام فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس. ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شئ مثله. ثم جاءه المغرب فقال: قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر فقال: قم فصله، فصلى الفجر حين برق الفجر، أو قال سطع الفجر. ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شئ مثله. ثم جاءه العصر فقال قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شئ مثليه. ثم جاءه المغرب وقتاً واحداً لم يزل عنه. ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو قال ثلث الليل فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفر جداً، فقال له: قم فصله. فصلى الفجر ثم قال: مابين هذين وقت رواه أحمد والنسائي والترمذي بنحوه. وقال البخاري: هو أصح شئ في المواقيت. وعن أبي موسى أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة قال في آخره". ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق - وفي لفظ - فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وأخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول. ثم أصبح فدعا السائل فقال: "الوقت فيما بين هذين" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
[ويدرك الوقت بتكبيرة الإحرام] لحديث عائشة مرفوعاً "من أدرك من العصر سجدةً قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أداها" رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. والسجدة هنا الركعة، قاله في المنتقى. والسجدة جزء من الصلاة: فدل على إدراكها بإدراك جزء منها. وهذا قول الشافعي. وعن أحمد: لا تدرك إلا بركعة
لما في المتفق عليه: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح".
[ويحرم تأخير الصلاه عن وقت الجواز] لمفهوم أخبار المواقيت.
[ويجوز تأخير فعلها فى الوقت مع العزم عليه] لأن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثانى في آخر الوقت.
[والصلاة أول الوقت أفضل. وتحصل الفضيلة بالتأهب أول الوقت] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليه.
وقال: "بكروا بالصلاة فى يوم الغيم فإنة من فاتته صلاة العصر حبط عمله" رواه أحمد، وابن ماجه. وقال رافع بن خديج: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله متفق عليه. وكان يصلي الصبح بغلس. قال ابن عبد البر: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، أنهم كانوا يغلسون. ومحال أن يتركوا الأفضل، وهم النهاية في إتيان الفضائل وحديث "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" رواه أحمد وغيره.
حكى الترمذي عن الشافعي وأحمد و إسحاق أن معنى الإسفار: أن يضئ الفجر، فلا يشك فيه. انتهى. وعن ابن عمر مرفوعاً: "الوقت الأول من الصلاة رضوان الله. والآخر عفو الله" رواه الترمذي، والدارقطني. وروى الدارقطني من حديث أبي محذورة نحوه، وفيه: "ووسط الوقت رحمة الله".
[ويجب قضاء الصلاة الفائتة مرتبة] لما روى أحمد أنه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: "هل علم أحد
منكم أني صليت العصر" قالوا: يارسول الله ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام الصلاة، فصلى العصر، ثم أعاد المغرب. وفاته أربع صلوات فقضاهن مرتباً وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" .
[فوراً] لحديث "من نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه.
[ولا يصح النفل المطلق إذن] أي قبل القضاء كصوم نفل ممن عليه قضاء رمضان. ولا يصلي سننها. لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. فإن كانت صلاة واحدة فلا بأس بقضاء سنتها لأنه صلى لما فاتته صلاة الفجر صلى سنتها قبلها رواه أحمد ومسلم.
[ويسقط الترتيب بالنسيان] لحديث "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان" .
[وبضيق الوقت ولو للاختيار] فيقدم الحاضرة، لأن فعلها آكد. بدليل أنه يقتل بتركها بخلاف الفائتة. قاله في الكافي. وإذا نسي صلاة، أو أكثر ثم ذكرها قضاها فقط، لحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك" وقال البخاري في صحيحه: قال إبراهيم: من نسي صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة.
[السادس: ستر العورة مع القدرة بشئ لا يصف البشرة] لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 1 وقوله صلى الله عليه وسلم:
ـــــــ
1 الأعراف/ 30.
"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وحديث سلمة بن الأكوع قال: قلت يا رسول الله إني أكون في الصيد وأصلي في القميص الواحد قال: "نعم وازرره ولو بشوكة" صححهما الترمذي. وحكى ابن عبد البر الإجماع على فساد صلاة من صلىً عرياناً، وهو قادر على الاستتار.
[فعورة الرجل البالغ عشراً، أو الحرة المميزة، والأمة، ولو مبعضة، ما بين السرة والركبة] لحديث علي مرفوعاً "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت" رواه أبو داود. وحديث أبي أيوب يرفعه: "أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة" . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً "ما بين السرة والركبة عورة" رواهما الدارقطني. ودليل الحرة المميزة مفهوم حديث "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" .
[وعورة ابن سبع إلى عشر الفرجان] لقصوره عن ابن العشر، ولأنه لا يمكن بلوغه.
[والحرة البالغة كلها عورة فى الصلاة إلا وجهها] لما تقدم، ولحديث "المرأة عورة" رواه الترمذي. و قالت أم سلمة: يارسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال "نعم إذا كان سابغاً يغطى ظهور قدميها" رواه أبو داود.
[وشرط فى فرض الرجل البالغ ستر أحد عاتقيه بشئ من اللباس] لحديث أبى هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال "لا يصلى الرجل فى ثوب واحد ليس على عاتقه منه شئ" متفق عليه.
[ومن صلى في مغصوب أو حرير عالماً ذاكراً لم تصح] لقوله صلى
الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" . فإن كان ناسياً، أو جاهلاً صح. ذكره المجد إجماعاً.
[ويصلى عرياناً مع وجود ثوب غصب] ولا يعيد لأنه يحرم استعماله.
[وفي حرير لعدم، ولا يعيد] لأنه قد رخص في لبسه فى بعض الأحوال كالحكة، والضرورة.
[وفي نجس لعدم، ويعيد] في المنصوص لأنه ترك شرطاً. قال فى الكافي: ويتخرج أن لا يعيد كما لو عجز عن خلعه، أو صلى فى موضع نجس لا يمكنه الخروج منه.
[ويحرم على الذكور لا الإناث لبس منسوج ومموه بذهب أوفضة] لحديث أبى موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم" صححه الترمذي. [ولبس ما كله، أو غآلبه حرير] لذلك، ولحديث عمر مرفوعاً: "لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه فى إلآخرة" متفق عليه.
[ويباح ما سدي بالحرير، وألحم بغيره] لقول ابن عباس: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت. أما العلم، وسدا الثوب، فليس به بأس رواه أبو داود.
[أو كان الحرير وغيره في الظهور سيان] قال فى الكافي: وإن استويا ففيه وجهان أحدهما: إباحته، للخبر. أي خبر ابن عباس. والثاني تحريمه، لعموم خبر التحريم.
[السابع: اجتناب النجاسة لبدنه وثوبه وبقعته مع القدرة] لقوله تعالى:
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 1 وقوله صلى الله عليه وسلم: "تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه" وقوله لأسماء في دم الحيض "تحثه، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه" متفق عليه. وأمره صلى الله عليه وسلم بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد وحديث القبرين وفيه "أما أحدهما، فكان لا يستنزه من بوله" .
[فإن حبس ببقعة نجسة، وصلى صحت. لكن يومئ بالنجاسة الرطبة غاية ما يمكنه ويجلس على قدميه] لأنه صلى على حسب حاله أشبه المربوط إلى غير القبلة.
[وإن مس ثوبه ثوباً نجساً، أو حائطاً لم يستند إليه، أو صلى على طاهر، طرفة متنجس، أو سقطت عليه النجاسة، فزالت، أو أزالها سريعاً صحت] صلاته لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا مصل عليها، أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فخلع الناس نعالهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟" قالوا رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا. قال: "إن جبريل أتانى، فأخبرنى أن فيهما قذراً" رواه أبو داود. ولأن من النجاسة ما لا يعفى عن يسيرها، فعفي عن يسير زمنها.
[وتبطل إن عجز عن إزالتها فى الحال] لاستصحابه النجاسة فى الصلاة
ـــــــ
1 المدثر/ 4.
[أو نسيها ثم علم] لأن اجتناب النجاسة شرط للصلاة كما تقدم فيعيد. وهو قول الشافعي، وقال مالك: يعيد ما دام في الوقت. وعنه لا تفسد. وهو قول عمر و عطاء و ابن المسيب و ابن المنذر. ووجهه حديث النعلين قاله في الشرح.
[ولا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة] لحرمة لبثه فيها. وعنه: بلى مع التحريم. اختاره الخلال، والفنون وفاقاً. قاله في الفرع. - يعنى وفاقاً للأئمة الثلاثة -، لحديث "جعلت لي الأرض مسجداً، وطهوراً" وقال أحمد: تصلى الجمعة في موضع الغصب. يعني إذا كان الجامع مغصوباً، وصلى الإمام فيه، فامتنع الناس فاتتهم الجمعة.
[وكذا المقبرة] لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" رواه مسلم.
[والمجزرة، والمزبلة، والحش، وأعطان الإبل، وقارعة الطريق والحمام] لما روى ابن ماجه، والترمذي، وعبد بن حميد في مسنده، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن: المزبلة والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله. وأما الحش، فلاحتمال النجاسة، ولأنه لما منع الشرع من الكلام، وذكر الله فيه. كان منع الصلاة أولى. قال:
[وأسطحة هذه مثلها] لأنها تتبعها في البيع ونحوه. قال في الشرح: والصحيح قصر النهي على ما تناوله النص.
[ولا يصح الفرض في الكعبة] لأنه يكون مستدبراً لبعضها، ولأن النهي عن الصلاة على ظهرها ورد صريحاً في حديث ابن عمرالسابق، وفيه تنبيه على النهي عن الصلاة فيها. لأنهما سواء في المعنى.
[والحجر منها] لحديث عائشة.
[ولا على ظهرها] لما تقدم.
[إلا إذا لم يبق وراءه شئ] لأنه غير مستدبر لشئ منها، كصلاته إلى أحد أركانها.
[ويصح النذر فيها، وعليها، وكذا النفل بل يسن فيها] لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين متفق عليه، وألحق النذر بالنفل.
[الثامن: استقبال القبلة مع القدرة] لقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1 الآية. وحديث "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة" وحديث ابن عمر في أهل قباء لما حولت القبلة متفق عليه.
[فإن لم يجد من يخبره عنها بيقين صلى بالاجتهاد، فإن أخطأ فلا إعادة عليه] 2 لما روى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم، في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل حياله. فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 3 رواه ابن ماجه. وإن أمكنه معاينة الكعبة ففرضه الصلاة إلى عينها، لا نعلم فيه خلافاً، قال في الشرح، والبعيد إصابة الجهة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين
ـــــــ
1 البقرة/ 144.
2 إن لفظة عليه غير موجودة في المتون المخطوطة.
3 البقرة/ 116.
المشرق والمغرب قبلة" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، ويعضده قوله في حديث أبي أيوب ولكن شرقوا أو غربوا.
[التاسع: النية. ولا تسقط بحال] لحديث عمر.
[ومحلها القلب. وحقيقتها العزم على فعل الشئ. وشرطها: الإسلام، والعقل، والتمييز] كسائر العبادة.
[وزمنها أول العبادات، أو قبلها بيسير. والأفضل قرنها بالتكبير] 1 خروجاً من خلاف من شرط ذلك.
[وشرط مع نية الصلاة تعيين ما يصليه من ظهر، أو عصر، اًو جمعة، أو وتر، أو راتبة] لتتميز عن غيرها.
[وإلا أجزأته نية الصلاة] إذا كانت نافلة مطلقة.
[ولا يشترط تعيين كون الصلاة حاضرة أو قضاء] لأنه لا يختلف المذهب فيمن صلى في الغيم، فبان بعد الوقت أن صلاته صحيحة، وقد نواها أداء. قاله في الكافي.
[أو فرضاً] لأنه إذا نوى ظهراً ونحوها علم أنها فرض.
[وتشترط نية الإمامة للإمام والإئتمام للمأموم] 2 لأن الجماعة يتعلق بها أحكام، وإنما يتميزان بالنية فكانت شرطاً في الفرض، وقدم في المقنع، و المحرر: لا تشترط نية الإمامة في النفل لأنه صلى الله عليه
ـــــــ
1في سائر المخطوطات، قبيلها بيسير.
2 قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" ما خلاصته: كان صلى الله عليه وآله وسلم، إذا قام إلى الصلاة قال: "الله أكبر" ، ولن يقل شيئا قبلها ولا تلفظ بالنية ألبتة، ولا قال: أصلي الله صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماما أو مأموما... وهذه بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل... ولا عن أصحابه، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة.
وسلم قام يتهجد وحده فجاء ابن عباس، فأحرم معه، فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. وعنه: وكذا في الفرض. اختاره الموفق، و الشارح، والشيخ تقي الدين، وفاقاً للأئمة الثلاثة. قال في الشرح. ومما يقويه حديث جابر وجبار.
[وتصح نية المفارقة لكل منهما لعذر يبيح ترك الجماعة] لقصة معاذ، وقال الزهري في إمام ينوبه الدم، أو يرعف: ينصرف، وليقل: أتموا صلاتكم. واحتج أحمد بأن معاوية لما طعن صلوا وحداناً.
[ويقرأ مأموم فارق إمامه في قيام أو يكمل وبعد الفاتحة كلها له الركوع فى الحال] لأن قراءة الإمام قراءة للمأموم.
[ومن أحرم بفرض ثم قلبه نفلاً صح إن اتسع الوقت] لكن يكره لغير غرض صحيح مثل أن يحرم منفرداً فتقام جماعة. نص أحمد فيمن صلى ركعة من فريضة منفرداً، ثم حضر الإمام، وأقيمت الصلاة، يقطع صلاته، ويدخل معهم.
[وإلا لم يصح وبطل فرضه] لأنه أفسد نيته.
كتاب الصلاة
كتاب الصلاةالصلوات المكتوبات خمس، لحديث طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً قال: يا رسول الله ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ قال: "خمس صلوات في اليوم والليلة" . قال: هل علي غيرهن؟ قال: "لا، إلا أن تطوع شيئاً" متفق عليه.
[تجب على كل مسلم مكلف] لأنه قد أسلم كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ولم يؤمروا بقضاء، ولحديث "رفع القلم عن ثلاثة" الخ.
[غير الحائض والنفساء] لما تقدم.
[وتصح من المميز، وهو من بلغ سبعاً والثواب له] لقوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} 1 .
[ويلزم وليه أمره بها لسبع، وضربه على تركها لعشر] لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها لعشر، و فرقوا بينهم في المضاجع" رواه أحمد، واًبو داود.
[ومن تركها جحوداً فقد ارتد، وجرت عليه أحكام المرتدين] لأنه مكذب لله، ورسوله، ولإجماع الأمة.
[وأركانها أربعة عشر لا تسقط عمداً، ولا سهواً، ولا جهلاً: أحدها:
ـــــــ
1 فصلت/ 46.
القيام في الفرض على القادر منتصباً] لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1 وقال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه البخاري.
[فإن وقف منحنيآ، أو مائلاً بحيث لا يسمى قائماً، لغير عذر لم تصح] لأنه لم يأت بالقيام المفروض.
[ولا يضر خفض رأسه] كهيئة الإطراق.
[وكره قيامه على رجل واحدة لغير عذر] ويجزئ في ظاهر كلامهم.
[الثاني: تكبيرة الإحرام. وهى الله أكبر. لا يجزئه غيرها] وعليه عوام أًهل العلم. قاله في المغني، لقوله في حديث المسئ: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" وقال: "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" رواه أبو داود.
[يقولها قائماً. فإن ابتدأها أو أتمها غير قائم صحت نفلاً] لما تقدم.
[وتنعقد إن مد اللام لا إن مد همزة الله، أو همزة أكبر، أو قال أكبار، أو الأكبر] لمخالفته الأحاديث.
[والجهر بها، وبكل ركن وواجب بقدر ما يسمع نفسه، فرض] لأنه لا يعد آتياً بذلك بدون صوت. والصوت ما يسمع، وأقرب السامعين إليه نفسه.
[الثالث: قراءة الفاتحة مرتبة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" متفق عليه.
[وفيها إحدى عشرة تشديدة، فإن ترك واحدة، أو حرفاً، ولم يأت
ـــــــ
1 البقرة/ 238.
بما ترك تصح] لأنه لم يقرأها كلها. والشدة أقيمت مقام حرف. قاله في الكافي.
[فإن لم يعرف إلا آية كررها بقدرها،] لأنها بدل عنها، فاعتبرت المماثلة، وإن لم يعرف آيةً عدل إلى التسبيح، والتهليل، لحديث عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال: "قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله" رواه أبو داود.
[ومن أمتنعت قراءته قائماً صلى قاعداً وقرأ] لأن القراءة آكد.
[الرابع: الركوع] وهو واجب بالإجماع. قاله في المغني لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} 1 [الحج: 77] ، ولحديث المسىء وغيره.
[وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه وأكمله أن يمد ظهره مستوياً، ويجعل رأسه حياله] لحديث أبي حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره وفي لفظ فلم يصوب رأسه، ولم يقنع حديث صحيح.
[الخامس: الرفع منه، ولا يقصد غيره. فلو رفع فزعاً من شئ لم يكف]
[السادس: الاعتدال قائماً] لقوله صلى الله عليه وسلم: للمسئ في صلاته: "ثم ارفع حتى تعتدل قائماً" .
[ولا تبطل إن طال] لقول أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
1 الحج/ 77.
إذا قال: "سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم" الحديث. رواه مسلم.
[السابع: السجود] لقوله تعالى: {وَاسْجُدُوا} 1 [الحج: 77] وقوله صلى الله عليه وسلم "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" .
[وأكمله تمكين جبهته، وأنفه، وكفيه، وركبتيه، وأطراف أصابع رجليه من محل سجوده] لما في حديث أبي حميد: كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد أمكن جبهته، وأنفه من الأرض الحديث.
[وأقله وضع جزء من كل عضو] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين" متفق عليه.
[ويعتبر المقر لأعضاء السجود، فلو وضع جبهته على نحو قطن منقوش، ولم ينكبس لم تصح] لعدم المكان المستقر عليه.
[ويصح سجوده على كمه، وذيله، ويكره بلا عذر] لقول أنس: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود متفق عليه. وقال البخاري في صحيحه، قال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة، والقلنسوة، ويداه في كمه. وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل. فرأيته واضعاً يديه في ثوبه إذا سجد رواه أحمد، وقال إبراهيم: كانوا يصلون في المساتق، والبرانس، والطيالسة ولا يخرجون أيديهم. رواه سعيد.
ـــــــ
1 الحج/ 77.
[ومن عجز بالجبهة لم يلزمه بغيرها] لأنها الأصل فيه، وغيرها تبع لها، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما" رواه أحمد وأبو داود و النسائى. وليس المراد وضعهما بعد الوجه، بل إنهما تابعان له في السجود، وغيرهما أولى، أو مثلهما.
[ويومئ ما يمكنه] لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" .
[الثامن: الرفع من السجود]
[التاسع: الجلوس بين السجدتين] لقوله صلى الله عليه وسلم للمسئ: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً" .
[وكيف جلس كفى، والسنة أن يجلس مفترشاً على رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويوجهها إلى القبلة] لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، وينهى عن عقبة الشيطان رواه مسلم. وقال ابن عمر: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة.
[العاشر: الطمأنينة وهي السكون. وإن قل في كل ركن فعلي] لأمره صلى الله عليه وسلم الأعرابي بها في جميع الأركان، ولما أخل بها قال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل" .
[الحادي عشر: التشهد الأخير] لقول ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله من عباده. فقال النبي صلى الله
عليه وسلم "لا تقولوا السلام على الله، ولكن قولوا التحيات لله" . فدل هذا على أنه فرض.
[وهو: اللهم صل على محمد بعد الإتيان بما يجزئ من التشهد الأول] لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة لما قالوا قد عرفنا أو علمنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك ؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد" الحديث متفق عليه.
[والمجزئ منه. التحيات لله سلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، سلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. والكامل مشهور] واختار أحمد تشهد ابن مسعود، فإن تشهد بغيره مما صح عنه صلى الله عليه وسلم جاز. نص عليه. وتشهد ابن مسعود هو قوله: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن "التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، السًلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". متفق عليه. قال الترمذي هو أصح حديث في التشهد. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين. ويترجح أيضاً "بأنه عليه الصلاة والسلام أمره أن يعلمه الناس" رواه أحمد.
[الثانى عشر الجلوس له، وللتسليمتين. فلو تشهد غير جالس، أو سلم الأولى جالساً، والثانية غير جالس لم تصح] لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" .
[الثالث عشر: التسليمتان] لقوله صلى الله عليه وسلم "وتحليلها التسليم" رواه أبو داود، والترمذى.
[وهو أن يقول مرتين: السلام عليكم، ورحمة الله. والأولى أن لا يزيد: وبركاته] لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله رواه مسلم.
[ويكفي في النفل تسليمة واحدة] لقول ابن عمر كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها رواه اًحمد.
[وكذا في الجنازة] السنة فيها تسليمة واحدة عن يمينه. قال الإمام اًحمد: عن ستة من الصحابة، وليس فيه اختلاف، إلا عن إبراهيم. قاله في المغني. وقال ابن: المنذرأجمع كل من نحفظ عنه، أن صلاة من اقتصرعلى تسليمة واحدة جائزة. قاله في المغني، و الكافي. وقال في الإنصاف: قلت: هذامبالغة. قال ابن القيم: وهذه عادته، إذا رأى أكثر أهل العلم. حكاه إجماعاً.
[الرابع عشر: ترتيب الأركان كما ذكرنا. فلو سجد مثلاً قبل ركوعه عمداً بطلت، وسهواً لزمه الرجوع ليركع، ثم يسجد] لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها مرتبة. وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وعلمها المسئ في صلاته مرتبة بثمَّ.
وسلم يكبر في كل رفع، وخفض، وقيام، وقعود رواه أحمد، والنسائي، والترمذي وصححه. وأمر به. وأمره للوجوب.
[لكن تكبيرة المسبوق التي بعد تكبيرة الإحرام سنة] للركوع، نص عليه. لأنه نقل عن زيد بن ثابت، وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف. قاله في المغني.
[وقول: سمع الله لمن حمده للإمام، والمنفرد] لحديث أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكبر حين يقوم إلى الصلاة، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: "سمع الله لمن حمده" ، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول - وهو قائم – "ربنا ولك الحمد" الحديث. متفق عليه.
[لا للمأموم] لحديث أبي موسى، وفيه وإذا قال: "سمع الله لمن حمده"، فقولوا: "اللهم ربنا لك الحمد" رواه أحمد ومسلم.
[وقول ربنا ولك الحمد للكل] لما تقدم، قال في المغني: وهو قول أكثر أهل العلم.
[وقول: سبحان ربي العظيم مرة في الركرع، وسبحان ربى الأعلى مرة فى السجود] لقول حذيفة في حديثه: فكان - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم". وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى" رواه الخمسة، وصححه الترمذي. وعن عقبة بن عامر قال: لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} 1 قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها فى ركوعكم" فلما نزلت:
ـــــــ
1 الواقعة/ 74، 96.
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 1 قال: "اجعلوها في سجودكم" رواه أحمد، وأبو داود. وابن ماجه.
[وربى اغفر لى بين السجدتين] لحديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين "رب اغفر لي، رب اغفر لي" رواه النسائي وابن ماجه.
[والتشهد الأول على غير من قام إمامه سهواً] لوجوب متابعته.
[والجلوس له] لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله..." الحديث رواه أحمد والنسائي. وفي حديث رفاعة بن رافع: فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد رواه أبو داود. ولما نسيه في صلاة الظهر، سجد سجدتين قبل أن يسلم مكان ما نسي من الجلوس رواه الجماعة بمعناه.
[وسننها: أقوال، وأفعال. ولا تبطل الصلاة بترك شئ منها، ولو عمداً. ويباح السجود لسهوه] لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين" .
[فسنن الأقوال أحد عشر: قوله بعد تكبيرة الإحرام: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك] قال أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر- يعني ما رواه الأسود - أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر، ثم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"
رواه مسلم. ولأن عائشة وأبا سعيد قالا: كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال ذلك.
1 الأعلى/ 1.
[والتعوذ] للآية. وقال ابن المنذر: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" .
[والبسملة] لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة: "بسم الله الرحمن الرحيم". وعدها آية ولأن الصحابة أثبتوها في المصاحف فيما جمعوا من القرآن. قاله في الكافي.
[وقول: آمين] لحديث "إذا أمن الإمام فأمنوا" متفق عليه.
[وقراءة السورة بعد الفاتحة] في الأوليين للأحاديث. قال في المغني: ولا نعلم خلافاً في اًنه يسن قراءة سورة مع الفاتحة في الأوليين.
[والجهر بالقراءة للإمام] في الصبح، والجمعة والأوليين من المغرب، والعشاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
[ويكره للمأموم] لأنه لا يقصد إسماع غيره، وهو مأمور بالإنصات.
[ويخير المنفرد] قيل لأحمد: رجل فاتته ركعة من المغرب، أو العشاء مع الإمام أيجهر أم يخافت ؟ فقال: إن شاء جهر وإن شاء خافت. وقال الشافعي يسن الجهر لأ نه غير مأمور بالإنصات قاله في المغني.
[وقول غير المأموم بعد التحميد: ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد] لما روى أبو سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد" متفق عليه. ولا يستحب للمأموم الزيادة على "ربنا ولك الحمد" نص عليه لقوله: وإذا قال: "سمع الله لمن حمده" فقولوا "ربنا ولك الحمد" .
ولم يأمرهم بغيره. وعنه ما يدل على استحبابه. وهو اختيار أبي الخطاب، لأنه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم، كالتكبير. قاله في الكافي.
[وما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي] لحديث سعيد بن جبيرعن أنس قال: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة به من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز - قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
[والصلاة في التشهد الأخير على آله عليه السلام والبركة عليه وعليهم] لحديث كعب بن عجزة: خرج علينا النبي، صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك: فكيف نصلي عليك؟ قال "قولوا اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمدً، وعلى آل محمدً، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد" متفق عليه.
[والدعاء بعده] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال" رواه الجماعة إلا البخاري، والترمذي.
[وسنن الأفعال، وتسمى الهيئات: رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وحطهما عقب ذلك] لأن مالك بن الحويرث إذا صلى كبر، ورفع يديه. وإذا أراد أن يركع رفع يديه.
وإذا رفع رأسه رفع يديه. وحدث أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم صنع هكذا متفق عليه.
[ووضع اليمين على الشمال، وجعلهما تحت سرته] لحديث وائل بن حجر وفيه ثم وضع اليمنى على اليسرى رواه أحمد، ومسلم. وقال علي رضي الله عنه: إن من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة رواه أحمد.
[ونظره إلى موضع سجوده] لما روى ابن سيرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقلب بصره في السماء فنزلت هذه الآية {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 1 فطأطأ رأسه رواه أحمد في الناسخ و المنسوخ، وسعيد بن منصور في سننه بنحوه، وزاد فيه وكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه وهو مرسل. قال أحمد: الخشوع في الصلاة أن ينظر إلى موضع سجوده.
[وتفرقته بين قدميه قائماً] ويراوح بينهما إذا طال قيامه، لحديث ابن مسعود.
[وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله] لحديث ابن مسعود إنه ركع فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه. وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. ولحديث أبي حميد المتقدم.
[والبداءة في سجوده بوضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه] لحديث وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ـــــــ
1 المؤمنون/ 2.
إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" رواه الخمسة، إلا أحمد.
[وتمكين أعضاء السجود من الأرض، ومباشرتها لمحل السجود سوى الركبتين فيكره] لما تقدم.
[ومجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقة، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة مضمومة الأصابع] لحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول صلى الله عليه وسلم قال فيه: وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شئ من فخذيه. وفي حديث ابن بحينة كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد يجنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه متفق عليه. وفي حد يث أبي حميد: ووضع كفيه حذو منكبيه رواه أبو داود والترمذي وصححه.
وفي لفظ سجد غير مفترش، ولا قابضهما، واستقبل بأطراف رجليه القبلة.
[ورفع يديه أولاً في قيامه إلى الركعة] لحديث وائل بن حجر المتقدم.
[وقيامه على صدور قدميه، وإعتماده على ركبتيه بيديه] لحديث أبي هريرة كان ينهض على صدور قدميه وفي حديث وائل بن حجر وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه رواه أبو داود.
[والافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول] لقول أبي حميد: ثم ثنى رجله اليسرى، وقعد عليها وقال: وإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى، ونصب الأخرى وفي لفظ وأقبل بصدر اليمنى على قبلته.
[والتورك في الثاني] لقول أبي حميد فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى، وجلس متوركاً على شقه الأيسر، وقعد على مقعدته رواه البخاري.
[ووضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين. وكذا في التشهد، إلا اًنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر، ويلحق إبهامها مع الوسطى. ويشير بسبابتها عند ذكر الله] لحديث ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام، فدعا بها رواه أحمد ومسلم. وفي حديث وائل بن حجر: ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها، يدعو بها رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
[والتفاته يميناً وشمالاً في تسليمه. ونيته به الخروج من الصلاة وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات] لحديث عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وعن يساره، حتى يرى بياض خده رواه أحمد ومسلم. فإن لم ينو به الخروج من الصلاة، لم تبطل. نص عليه. فإن نوى به الرد على الملكين أو على من معه، فلا بأس. نص عليه. لحديث جابر: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام، وأن يسلم بعضنا على بعض. رواه أبو داود.
فصل فيما يكره فى الصلاة
[يكره للمصلي اقتصاره على الفاتحة] لمخالفته السنة.
[وتكرارها] لأنه لم ينقل، وخروجاً من خلاف من أبطلها به، لأنها ركن.
[والتفاته بلا حاجة] لقوله في حديث عائشة: "هو اختلاس يختلسة الشيطان من صلاة العبد" رواه أحمد والبخاري. ولا يكره مع الحاجة لحديث سهل بن الحنظلية، قال ثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب رواه أبو داود. قال: وكان أرسل فارساً إلى الشعب يحرس.
[وتغميض عينيه] نص عليه، واحتج بأنه فعل اليهود ومظنة النوم.
[وحمل مشغل له] لأنه يذهب الخشوع.
[وافتراش ذراعيه ساجداً] لحديث أنس مرفوعاً: "اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" متفق عليه.
[والعبث] لأنه رأى رجلاً يعبث في صلاته، فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" .
[والتخصر] لحديث أبي هريرة نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل متخصراً. متفق عليه.
[والتمطي] لاً نه يخرجه عن هيئة الخشوع.
[وفتح فمه. ووضعه فيه شيئاً] لأنه يذهب الخشوع، ويمنع كمال الحروف.
[واستقبال صورة] لما فيه من التشبه بعبادة الأوثان.
[ووجه آدمي] نص عليه.
[ومتحدث ونائم] لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى النائم والمتحدث رواه أبو داود.
[ونار] نص عليه. لأنه تشبه بالمجوس.
[وما يلهيه] لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى اًعلامها نظرة. فلما انصرف قال "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانيته، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي" متفق عليه.
[ومس الحصى وتسوية التراب بلا عذر] لحديث أبي ذر مرفوعاً: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه" رواه أبو داود.
[وتروح بمروحة] لأنه من العبث. قاله في الكافي.
[وفرقعة أصابعه، وتشبيكها] لحديث علي مرفوعاً: "لا تقعقع أصابعك، وأنت في الصلاة" رواه ابن ماجة. و عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة، ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه رواه الترمذي وابن ماجة. وقال ابن عمر في الذي يصلي، وهو مشبك: "تلك صلاة المغضوب عليهم" رواه ابن ماجة.
[ومس لحيته] لأنه من العبث.
[وكف ثوبه] لحديث "ولا أكف ثوباً ولا شعراً" متفق عليه. ونهى أحمد رجلاً كان إذا سجد جمع ثوبه بيده اليسرى.
[ومتى كثر ذلك عرفاً، بطلت] لأن العمل الكثير المتوالي يبطلها، - كما يأتي
[وأن يخص جبهته بما يسجد عليه] لأنه من شعار الرافضة.
[وأن يمسح فيها أثر سجوده] لقول ابن مسعود إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة.
[وأن يستند بلا حاجة] لأنه يزيل مشقة القيام، ويجوز لها، لأنه صلى الله عليه وسلم لما أسن،وأخذه اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه رواه أبو داود.
[فإن استند بحيث يقع لو أزيل ما إستند إليه، بطلت] صلاته لأنه بمنزلة غير القائم.
[وحمده إذا عطس أو وجد مايسره. واسترجاعه إذا وجد ما يغمه] خروجاً من خلاف من أبطل الصلاة بذلك. ونص أحمد على عدم البطلان، وذكر حديث علي حين أجاب الخارجي ويأتي في الحدود.
فصل فيما يبطل الصلاة
[يبطلها ما أبطل الطهارة] لأنها شرط.
[وكشف العورة عمداً] لما تقدم في الشروط.
[لا إن كشفها نحو ريح، فسترها في الحال] فلا تبطل لأنه يسير أشبه اليسير من العورة. قاله في الكافي.
[أولا، وكان المكشوف لا يفحش في النظر] لأنه يسير، يشق التحرز منه، وقال التميمي: إن بدت وقتاً، واستترت وقتاً، لم يعد، لحديث عمرو بن سلمة. فلم يشترط اليسير. قاله في الشرح.
[واستدبار القبلة حيث شرط استقبالها، واتصال النجاسة به إن لم يزلها فى الحال] لما تقدم في الشروط.
[والعمل الكثير عادة من غير جنسها لغير ضرورة] كالمشي، والحك، والتروح فإن كثر متوالياً أبطل الصلاة إجماعاً. قاله في الكافي. قال: وإن قل لم يبطلها، لحمله صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاته. إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها متفق عليه. وفتح الباب لعائشة وهو في الصلاة. وتقدم وتأخر في صلاة الكسوف.
[والإستناد قويا لغير عذر] لأن القيام ركن، والمستند قوياً كغير قائم.
[ورجوعه عالماً ذاكراً للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة] لما روى زياد بن علاقة، قال صلى بنا المغيرة بن شعبة. فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس. فسبح به من خلفه، فأشار إليهم، قوموا. فلما فرغ من صلاته سلم، وسجد سجدتين، وسلم، وقال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد. ولقوله صلى الله عليه وسلم :" فإن استتم قائماً فلا يجلس، وليسجد سجدتين" رواه أبو داود وابن ماجه.
[وتعمد زيادة ركن فعلي] لأنه، يخل بهيئتها فتبطل إجماعاً. قاله في الشرح.
[وتعمد تقديم بعض الأركان على بعض] لأن ترتيبها ركن كما تقدم.
[وتعمد السلام قبل إتمامها] لأنه تكلم فيها.
[وتعمد إحالة المعنى في القراءة] أي قراءة الفاتحة. لأنها ركن.
[وبوجود سترة بعيده، وهو عريان] لأنه يحتاج إلى عمل كثير للاستتار بها.
[وبفسخ النية، وبالتردد في الفسخ وبالعزم عليه] لأن استدامة النية شرط.
[وبشكه: هل نوى فعمل مع الشك عملاً] قال في الكافي: ومتى شك في الصلاة، هل نوى أم لا، لزمه استئنافها، لأن الأصل عدمها. فإن ذكر أنه نوى قبل أن يحدث شيئاً من أفعال الصلاة أجزأه، وإن فعل شيئاً قبل ذكره بطلت صلاته، لأنه فعله شاكاً في صلاته.
[وبالدعاء بملاذ الدنيا] وما يشبه كلام الآدميين، لقوله صلى الله
عليه وسلم: "إن صلاتنا هذه لا يصح فيها شئ من كلام الناس، إنما هي التسبيح، والتكبير وقراءة القرآن" رواه مسلم.
[وبالإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله أحمد] لأنه كلام وقوله صلى الله عليه وسلم لما عرض له الشيطان في صلاته: "أعوذ بالله منك. ألعنك بلعنة الله" قبل التحريم، أو مؤول. قاله في الفروع. وعده في الإقناع في باب النكاح من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
[وبالقهقهة] لحديث جابر مرفوعاً "القهقهة تنقض الصلاة، ولا تنقض الوضوء" رواه الدارقطني. وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة. وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها. قاله في المغني.
[وبالكلام ولو سهواً] لما تقدم. وقوله: "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" رواه الجماعة، عن زيد بن أرقم.
[وبتقدم المأموم على إمامه] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" .
[ويبطلان صلاة إمامه] لعذر أو غيره اختاره الأًكثر وفاقاً لأبي حنيفة. قاله في الفروع.
[وبسلامه عمداً قبل إمامه] لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر.
[أوسهواً، ولم يعده بعده] فتبطل وفاقاً للشافعي. قاله في الفروع.
[وبالأًكل والشرب] قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن من أكل أو شرب في الفرض عامداً أن عليه الإعادة.
[سوى اليسير عرفاً لناس وجاهل] ويسجد له، لأنه تبطل الصلاة بعمده، فعفي عن سهوه، فيسجد له. قاله في الكافي.
[ولا تبطل إن بلع ما بين أسنانه بلا مضغ] لأنه لا يمكن التحرز منه.
[وكالكلام إن تنحنح بلا حاجة، أو نفخ فبان حرفان] لقول ابن عباس: من نفخ في صلاته فقد تكلم رواه سعيد. وعن أبي هريرة نحوه. وقال ابن المنذر: لا يثبت عنهما، والمثبت مقدم على النافي. وعنه أكرهه، ولا أقول: يقطع الصلاة، لحديث الكسوف، وفيه: "ثم نفخ فقال أف أف" رواه أبو داود. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في صلاته.
[أو انتحب لا خشية لله] فإن كان من خشية الله تعالى لم يبطلها، لأن عمر كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف.
[لا إن نام فتكلم، أو سبق على لسانه حال قراءته] أوغلط فيها، فأتى بكلمة من غير القرآن. وتوقف أحمد في كلام النائم، وينبغي أن لا تبطل لرفع القلم عنه. قاله في المغني.
[أو غلبه سعال، أو عطاس، أو تثاؤب، أو بكاء1] نص عليه في البكاء وقال مهنا: صليت إلى جنب أبي عبد الله، فتثاءب خمس مرات، وسمعت لتثاؤبه هاه، ولأنه صلى الله عليه وسلم قرأ من المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون، ثم أخذته سعلة فركع رواه النسائي.
ـــــــ
1 في هامش نسحة الكتبي ما يلي: قوله لا إن نام فذلك النوم اليسير من قائم أو جالس.
باب سجود السهو
باب سجود السهو[يسن إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهواً] لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين" رواه مسلم.
[ويباح إذا ترك مسنوناً] ولا يسن لأنه لا يمكن التحرز منه.
[ويجب إذا زاد ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً. أو قعوداً، ولو قدر جلسة الاستراحة1] لحديث، ابن مسعود: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم، فقال: "ما شأنكم؟" فقالوا: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شئ قال: "لا" . قالوا: فإنك صليت خمساً. "فانفتل فسجد سجدتين" ، ثم سلم، ثم قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي اًحدكم فليسجد سجدتين" وفي لفظ "فإذا زاد الرجل أو نقص، فليسجد سجدتين" رواه مسلم.
[أو سلم قبل إتمامها] لحديث عمران بن حصين قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام، فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج
ـــــــ
1 وفي هامش نسخة الكتبي ما يلي: قوله قدر جلسة الاستراحة فيه تفصيل فإذا كان السهو في جلسة الاستراحة ففه صورتان: الأولى إذا تعمده فهذا مكروه في حقه ذلك الفعل ولا يسجد للسهو. والثانية إذا جلسها ساهيا فحينئذ يسجد للسهو وجوبا. وإن كان في غيرها وكان قدرها لزمه سجود السهو.
فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم رواه مسلم.
[أو لحن لحناً يحيل المعنى] لأن عمده يبطل الصلاة، فوجب السجود لسهوه.
[أو ترك واجباً] لحديث ابن بحينة أنه صلى الله عليه وسلم قام في الظهر من ركعتين، فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى الصلاة، انتظر الناس تسليمه، كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم متفق عليه. فثبت هذا بالخبر، وقسنا عليه سائر الواجبات. قاله في الكافي.
[أو شك في زيادة وقت فعلها] لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها، أو زائداً عليها، فضعفت النية، واحتاجت للجبر بالسجود لعموم حديث: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين" متفق عليه.
فان شك في الزيادة بعد فعلها فلا سجود عليه، لأن الأصل عدم الزيادة، فلحق بالمعدوم.
[وتبطل الصلاة بتعمد ترك سجود السهو الواجب] لأنه ترك واجباً من الصلاة عمداً.
[إلا إن ترك ما وجب بسلامه قبل إتمامها] لأنه محل السجود له بعد السلام ندباً، فلم يؤثر تركه في إبطالها، لأنه خارج عنها.
[وإن شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام، أو بعده] لأن الأحاديث وردت بكل من الأمرين، فلو سجد للكل قبل السلام أو بعده جاز. وقال الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام، ذكره في المغني.
[لكن إن سجدهما بعده تشهد وجوباً وسلم] لحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم، فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم. رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه. ولأن السجود بعد السلام في حكم المستقل بنفسه من وجه، فاحتاح إلى التشهد، كما احتاح إلى السلام.
[وان نسي السجود حتى طال الفصل. عرفاً أو أحدث، أو خرج من المسجد، سقط] نص عليه. لفوات محله.
[ولا سجود على مأموم دخل أول الصلاة إذا سها في صلاته] في قول عامة أهل العلم. قاله في المغني لحديث ابن عمر مرفوعاً: "ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه، وعلى من خلفه" رواه الدارقطني.
[وإن سها إمامه لزمه متابعته في سجود السهو] حكاه ابن المنذر إجماعاً، لما تقدم. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما سجد لترك التشهد الأول، والسلام من نقصان، سجد الناس معه ولعموم قوله: "فإذا سجد فاسجدوا" .
[فإن لم يسجد إمامه، وجب عليه هو] وبه قال مالك. قال في المغني: لأن صلاته نقصت بسهو إمامه، فلم يجبرها، فلزمه هو جبرها، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "فعليه، وعلى من خلفه" .
[وإن قام لركعة زائدة جلس متى ذكر] فإن كان قد تشهد عقب الركعة التي تمت بها صلاته، سجد للسهو، ثم سلم. وإلا تشهد وسجد، وسلم.
[وإن نهض عن ترك التشهد الأولى ناسياً، لزمه الرجرع ليتشهد، وكره إن استتم قائماً] لحديث المغيرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من الركعتين، فلم يستتم قائماً فليجلس، فإن استتم قائماً فلا يجلس، وليسجد سجدتين" . رواه أبو داود وابن ماجه.
[ولزم المأموم متابعته] لحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" ولما قام عليه السلام عن التشهد قام الناس معه وفعله جماعة من الصحابة.
[ولا يرجع إن شرع فى القراءة] لأن القراءة ركن مقصود، فإذا شرع فيه لم يرجع إلى واجب، ولحديث المغيرة.
[ومن شك في ركن، أو عدد ركعات، وهو في الصلاة بنى على اليقين - وهو الأقل - ويسجد للسهو] لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدرأصلى ثلاثاً، أو أربعاً فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، فإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان" رواه أحمد، ومسلم.
[وبعد فراغه لا أثر للشك] لأن الظاهر الإتيان بها على الوجه المشروع، ولأن ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه. قاله في الكافي.
باب صلاة التطوع
باب صلاة التطوع[وهي أفضل تطوع البدن] لقوله صلى الله عليه وسلم "واعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة" رواه ابن ماجه.
[بعد الجهاد] لقوله تعالى :{فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} الآية1. وحديث "وذروة سنامه الجهاد" .
[والعلم] تعلمه، وتعليمه. قال أبو الدرداء: العالم، والمتعلم في الأجر سواء وسائر الناس همج لاخير فيهم.
[وأفضلها ما سن جماعة] لأنه أشبه بالفرائض.
[وآكدها الكسوف] لأنه صلى الله عليه وسلم "فعلها، وأمر بها".
[فالإستسقاء] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستسقي تارة، ويترك أخرى.
[فالتراويح] لأنها تسن لها الجماعة.
[فالوتر] لحديث بريدة مرفوعاً: "من لم يوتر فليس منا" رواه أحمد.
[وأقله ركعة] لحديث ابن عمر، وابن عباس مرفوعاً: "الوتر ركعة من آخر الليل" رواه مسلم.
[وأكثره إحدى عشرة] لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه
ـــــــ
1 النساء/94.
وسلم يصلى بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة متفق عليه.
[وأدنى الكمال ثلاث بسلامين] لأن ابن عمر كان يسلم من ركعتين حتى يأمر ببعض حاجته.
[ويجوز بواحد سرداً] لحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يفصل فيهن رواه أحمد، والنسائي.
[ووقته ما بين صلاة العشاء، وطلوع الفجر] لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "أوتروا قبل أن تصبحوا" رواه مسلم. وحديث "إن الله قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: وهي الوتر فصلوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
[ويقنت فيه بعد الركوع ندباً] لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة، وأنس، وابن عباس. وعن عمر، وعلي أنهما كانا يقنتان بعد الركوع رواه أحمد، والأثرم.
[فلو كبر، ورفع يديه، ثم قنت قبل الركوع جاز] لحديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قبل الركوع رواه أبو داود. وروى الأثرم عن ابن مسعود أنه كان يقنت في الوتر، وكان إذا فرغ من القراءة كبر، ورفع يديه، ثم قنت وقال أبو بكر الخطيب: الأحاديث التي فيها القنوت قبل الركوع كلها معلولة.
[ولا بأس اًن يدعو في قنوته بما شاء] لأن عمر رضي الله عنه قنت بسورتي أبي قال ابن سيرين: كتبهما أبي في مصحفه إلى قوله ملحق.
[ومما ورد "اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا
فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرما قضيت، إنك تقضى ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"] رواه أحمد ولفظه له، والترمذي وحسنه، من حديث الحسن ابن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر "اللهم اهدني، إلى وتعاليت" وليس فيه: "ولا يعز من عاديت". ورواه البيهقي، وأثبتها فيه.
["اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"] لحديث علي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك" إلى آخره رواه الخمسة، والروايتان بالإفراد وجمعهما المؤلف، ليشارك الإمام المأموم في الدعاء.
[ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم] لحديث الحسن بن علي السابق، وفي آخره: وصلى الله على محمد رواه النسائي. وعن عمر: الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شئ حتى تصلي على نبيك رواه الترمذي.
[ويؤمن المأموم] إن سمعه، لا نعلم خلافاً، قاله إسحاق، ولحديث ابن عباس.
[ثم يمسح وجهه بيديه هنا وخارج الصلاة] إذا دعا، لعموم حديث عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لا يحطهما حتى يمسح بهما وجهه رواه الترمذي. ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس "فإذا فرغت فامسح بهما وجهك" رواه أبو داود، وابن ماجه.
[وكره القنوت فى غير الوتر] حتى في الفجر، لحديث مالك الأشجعى قال: قلت لأبى: يا أبت إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ها هنا بالكوفة نحو خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني محدث رواه أحمد، والترمذي، وصححه. وعن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوت في صلاة الفجر بدعة رواه الدارقطني.
[وأفضل الرواتب سنة الفجر] لحديث عائشة مرفوعاً: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" رواه أحمد، ومسلم، والترمذي، وصححه. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "لا تدعوا ركعتي الفجر، ولو طردتكم الخيل" رواه أحمد، وأبو داود.
[ثم المغرب] لحديث عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة سوى المكتوبة ؟ فقال "نعم بين المغرب، والعشاء".
[ثم سواء. والرواتب المؤكدة عشر: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها1، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر] لقول ابن عمر: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة، كانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فحدثتني حفصة أنه كان إذا طلع الفجر، وأذن المؤذن صلى ركعتين متفق عليه.
ـــــــ
1 إن لفظة المؤكدة من مخطوطات ا لمتن وسقطت من الأصل.
[ويسن قضاء الرواتب، والوتر] لأنه صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر حين نام عنها وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر وقيس الباقي. وعن أبي سعيد مرفوعاً: "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره" رواه أبو داود.
[إلا ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه] لحصول المشقة به، إلا سنة الفجر فيقضيها مطلقاً لتأكدها.
[وفعل الكل ببيت أفضل] لحديث: "عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" رواه مسلم. لكن ما شرع له الجماعة مستثنى أيضاً.
[ويسن الفصل بين الفرض، وسنته بقيام، أو كلام] لقول معاوية: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم، أو نخرج رواه مسلم.
[والتراويح عشرون ركعة برمضان] جماعة1، لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة" رواه أبو بكر عبد العزيز في الشافي بإسناده. وعن يزيد بن رومان: كان الناس في زمن عمر بن الخطاب يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة رواه مالك. وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم، جمع أهله وأصحابه وقال: "إنه من قام مع الإمام، حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة" رواه أحمد، والترمذي، وصححه.
ـــــــ
1 الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه صلاها أحدى عشرة ركعة مع الوتر، انظر رسالة "صلاة التراويح" للمحدث الشيخ ناصر الدين الألباني المطبوعة بدمشق سنة 1377هـ.
[ووقتهما ما بين العشاء والوتر] لحديث "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" متفق عليه.
فصل: في صلاة الليل والضحى
[وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم.[والنصف الأخير أفضل من الأول] لقوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا إذا مضى شطر الليل" الحديث رواه مسلم. وحديث: "أفضل الصلاةً صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينامً سدسه" .
[والتهجد ما كان بعد النوم] لقول عائشة رضي الله عنها: الناشئة القيام بعد النوم وقال الإمام أحمد: الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة، ومن لم يرقد فلا ناشئة له، وقال: هي أشد وطءاً أي: تثبتاً تفهم ما تقرأ وتعي أذنك.
[ويسن قيام الليل] لحديث: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم" رواه الحاكم وصححه.
[وافتتاحه بركعتين خفيفتين] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتح صلاته بركعتين خفيفتين" رواه أحمد، ومسلم وأبو داود.
[ونيته عند النوم] لحديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "من نام، ونيته أن يقوم كتب له ما نوى، وكان نومه صدقةً عليه" رواه أبو داود، والنسائي.
[ويصح التطوع بركعة] قياساً على الوتر، قال في الإقناع: مع الكراهة.
[وأجر القاعد غير المعذور نصف أجر القائم] لحديث: "من صلى قائماً فهوأفضل، ومن صلى قاعداً فلة نصف أجر القائم" متفق عليه. أما المعذور فأجره قاعداً كأجره قائماً للعذر.
[وكثرة الركوع، والسجود اًفضل من طول القيام] غير ما ورد تطويله، كصلاة كسوف، لحديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد" وأمره صلى الله عليه وسلم بكثرة السجود في غير حديث رواهن أحمد، ومسلم، واًبو داود. وعنه: طول القيام أفضل، لحديث جابر مرفوعاً: "أفضل الصلاة طول القنوت" رواه أحمد، ومسلم، والترمذي. وعنه التساوي، اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: التحقيق أن ذكر القيام - وهو القراءة - أفضل من ذكر الركوع، والسجود. ونفس الركوع، والسجود، أفضل من نفس القيام، فاعتدلا.
[وتسن صلاة الضحى] لحديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، رواهما مسلم.
[غباً] بأن يصليها في بعض الأيام دون بعض، لحديث أبي سعيد، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها رواه أحمد، والترمذي، وقال: حسن غريب.
[وأقلها ركعتان] لحديث: وركعتي الضحى وصلاها صلى الله عليه وسلم أربعاً كما في حديث عائشة، رواه أحمد، ومسلم وصلاها ستاً كما في حديث جابر بن عبد الله رواه البخاري في تاريخه.
[وأكثرها ثمان] لحديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، صلى ثماني ركعات سبحة الضحى رواه الجماعة.
[ووقتها من خروج وقت النهى إلى قبيل الزوال] لحديث: "قال الله تعالى: ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" رواه الخمسة، إلا ابن ماجه.
[وأفضله إذا اشتد الحر] لحديث "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" رواه مسلم.
[وتسن تحية المسجد] لحديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" رواه الجماعة.
[وسنة الوضوء] لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال حدًثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف1 نعليك بين يدي في الجنة" ، قال: ما عملت عملاً أرجى عندي، أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل، ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي. متفق عليه.
[وإحياء ما بين العشاءين. وهو من قيام الليل] قال الإمام أحمد: قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر، وعن قتادة عن أنس في قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} 2 قال: كانوا يصلون فيما بين
ـــــــ
1 قال الحميدي: الدف الحركة الخفيفة والسير اللين.
2 الذاريات/17.
المغرب والعثساء وكذلك {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} 1 رواه أبو داود. وعن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، فلما قضى صلاته قام، فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء، ثم خرج رواه أحمد، والترمذي.
ـــــــ
1 ألم – السجدة/16.
فصل في سجود التلاوة والشكر
[ويسن سجود التلاوة مع قصر الفصل للقارئ، والمستمع] لحديث ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد، ونسجد معه، حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته. متفق عليه.
[وهو كالنافلة فيما يعتبر لها] من الشروط لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى، فكان صلاة كسجود الصلاة.
[يكبر إذا سجد بعد تكبيرة إحرام] لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر، وسجد، وسجدنا معه رواه أبو داود.
[وإذا رفع] كبر. قال في الفروع: في الأصح وفاقاً - يعني للأئمة الثلاثة - وفي الكافي: يكبر للرفع منه، ولأنه رفع من سجود أشبه سجود الصلاة، وسجود السهو.
[ويجلس ويسلم] إذا رفع تسليمة واحدة، كصلاة الجنازة، لعموم حديث: وتحليلها التسليم.
[بلا تشهد] لأنه لم ينقل فيه.
[وإن سجد المأموم لقراءة نفسه، أو لقراءة غير إمامه عمداً بطلت صلاته]
لزيادته فيها عمداً، ولحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" .
[ويلزم المأموم متابعة إمامه في صلاة الجهر، فلو ترك متابعته عمداً بطلت صلاته] للحديث السابق.
[ويعتبر كون القارئ يصلح إماماً للمستمع، فلا يسجد إن لم يسجد] القارئ لحديث عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتى إلى نفر من أصحابه، فقرأ رجل منهم سجدة، ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك كنت إمامنا، ولو سجدت سجدنا" رواه الشافعي وغيره.
[ولا قدامه، ولا عن يساره مع خلو يمينه] أي التالي عن ساجد معه، لعدم صحة الائتمام به إذاً.
[ولا يسجد رجل لتلاوة امرأة وخنثى] لعدم صحة ائتمامه بها.
[ويسجد لتلاوة أمى، وزمن] لأن قراءة الفاتحة، والقيام ليسا ركناً في السجود.
[ومميز] لأنه تصح إمامته في النفل.
[ويسن سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم] لحديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجداً رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة. وسجد أبو بكر حين جاءه قتل مسيلمة رواه سعيد. وسجد علي حين وجد ذا الثدية في الخوارج رواه أحمد. وسجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه. وقصته متفق عليها.
[وإن سجد له عالماً ذاكراً في صلاته بطلت] لأن سببه لا يتعلق بالصلاة بخلاف سجود التلاوة.
[وصفته وأحكامه كسجود التلاوة]
فصل في أوقات النهى
[وهى من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح] لحديث "إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر" احتج به أحمد. وعنه من صلاة الفجر، لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" متفق عليه.
[ومن صلاة العصر الى غروب الشمس] لحديث أبي سعيد، وغيره وفيه: "ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس" متفق عليه.
[وعند قيامها حتى تزول] لحديث عقبة بن عامر ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب رواه مسلم.
[فتحرم صلاة التطوع في هذه الأوقات ولا تنعقد ولو جاهلاً للوقت والتحريم] لعموم النهي، ولأن النهي في العبادات يقتضي الفساد.
[سوى سنة فجر قبلها] لما تقدم.
[وركعتي الطواف] لحديث جبير مرفوعاً: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة من ليل أو نهار" رواه الأثرم، والترمذي وصححه.
[وسنة الظهر إذا جمع] لحديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قضاهما بعد العصر متفق عليه.
[وإعادة جماعة أقيمت، وهو بالمسجد] لحديث أبي ذر مرفوعاً: "صل الصلاة لوقتها، فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل ولا تقل: إني صليت، فلا أصلي" رواه أحمد، ومسلم، وتأكدها للخلاف في وجوبها.
[ويجوز فيها قضاء الفرائض] لعموم حديث: "من نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه.
[وفعل المنذورة، ولو نذرها فيها] لأنها واجبة أشبهت الفرائض.
[والإعتبار في التحريم بعد العصر بفراغ صلاة نفسه لا بشروعه فيها، فلو أحرم فيها ثم قلبها نفلاً لم يمنع من التطوع] لما تقدم.
[وتباح قراءة القرآن فى الطريق] قال إبراهيم التيمي: كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشي في الطريق، فإذا قرأت سجدة قلت له: أسجد في الطريق ؟ قال نعم.
[ومع حدث أصغر، ونجاسة ثوب، وبدن، وفم] لقول علي رضي الله عنه كان صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، ثم يخرج فيقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولا يحجبه - وربما قال: لا يحجزه - من القرآن شئ ليس الجنابة رواه الخمسة.
[وحفظ القرآن فرض كفاية] إجماعاً.
[ويتعين حفظ ما يجب في الصلاة] وهو الفاتحة فقط على المذهب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب.
باب صلاة الجماعة
باب صلاة الجماعة[تجب علي الرجال الأًحرار القادرين حضراً وسفراً] لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} 1.
والأمر للوجوب، وإذا كان ذلك مع الخوف، فمع الأمن أولى، ولحديث أبي هريرة مرفوعاً: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً،ولقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" متفق عليه. ولما استأذنه أعمى لا قائد له أن يرخص له أن يصلي في بيته، قال "هل تسمع النداء؟" فقال: نعم، قال: "فأجب" رواه مسلم، وعن ابن مسعود قال: "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق" رواه مسلم، وغيره.
[وأقلها إمام، ومأموم ولو أنثى] لحديث أبي موسى مرفوعاً: "الإثنان فما فوقهما جماعة" رواه ابن ماجه. و قال صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: "وليؤمكما أكبركما" .
[ولا تنعقد بالمميز في الفرض] نص عليه لأن ذلك يروى عن ابن مسعود وابن عباس.
ـــــــ
1 النساء /101.
[وتسن الجماعة في المسجد] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وقال ابن مسعود من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن. الحديث رواه مسلم.
[وللنساء منفردات عن الرجال] لفعل عائشة، وأم سلمة ذكره الدارقطني. وأمر صلى الله عليه وسلم أم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود والدارقطني.
[وحرم أن يؤم بمسجد له إمام راتب فلا تصح إلا مع إذنه إن كره ذلك، ما لم يضق الوقت] لأنه بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بالإمامة ممن سواه، لحديث: "لا يؤمن الرجل في بيته إلا بإذنه" فإن كان لا يكره ذلك، أو ضاق الوقت صحت لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعله عبد الرحمن بن عوف فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحسنتم" رواه مسلم.
[ومن كبر قبل تسليمة الإمام الأولى أدرك الجماعة. ومن أدرك الركوع غير شاكً أدرك الركعة، واطمأن، ثم تابع] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا جئتم إلى الصلاة، ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك ركعةً فقد أدرك الصلاة" رواه أبو داود. وفي لفظ له: "من أدرك الركوع أدرك الركعة" .
[وسن دخول المأموم مع إمامه كيف أدركه] لما تقدم.
[وإن قام المسبوق قبل تسليمة إمامه الثانية، ولم يرجع انقلبت نفلاً] لتركه العود الواجب لمتابعة إمامه بلا عذر، فيخرح عن الائتمام ويبطل فرضه.
[وإذا أقيمت الصلاة التى يريد أن يصلى مع إمامها لم تنعقد نافلته]
لحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه الجماعة، إلا البخاري وكان عمر يضرب على الصلاة بعد الإقامة.
[وإن أقيمت، وهو فيها، اًتمها خفيفة] لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (محمد: من الآية33) 1 .
[ومن صلى ثم أقيمت الجماعة سن أن يعيد، والأولى فرضه] لحديث أبي ذر المتقدم.
[ ويتحمل الإمام عن المأموم القراءة] لقوله تعالى :{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (لأعراف: من الآية204) 2 قال الإمام أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة. وفي حديث أبي هريرة: وإذا قرأ فأنصتوا رواه الخمسة، إلا الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءته له قراءة" رواه أحمد في مسائل ابنه عبد الله، ورواه سعيد، والدارقطني مرسلاً. وحديث عبادة الصحيح محمول على غير المأموم، وكذلك حديث أبي هريرة، وقد جاء مصرحاً به عن جابر مرفوعاً: "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، إلا وراء الإمام" رواه الخلال. وقوله "اقرأ بها في نفسك" من قول أبي هريرة. قال في المغني: وقد خالفه تسعة من الصحابة، قال ابن مسعود: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه تراباً.
[وسجود السهو] إذا دخل مع الإمام من أول الصلاة وتقدم في بابه.
[وسجود التلاوة] إذا قرأ في صلاته آية سجدة، ولم يسجد إمامه.
ـــــــ
1 محمد /33.
2 الأعراف/203.
[والسترة] لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة، ولم يأمرهم أن يستتروا بشئ. قاله في الكافي.
[ودعاء القنوت] حيث سمعه، فيؤمن فقط.
[والتشهد الأول إذا سبق بركعة فى رباعية] لئلا يختلف على إمامه.
[وسن للمأموم أن يستفتح ويتعوذ في الجهرية] لأن مقصود الإستفتاح، والتعوذ لا يحصل باستماع قراءة الإمام لعدم جهره بهما بخلاف القراءة.
[ويقرأ الفاتحة، وسورة حيث شرعت] أي السورة.
[في سكتات إمامه وهي قبل الفاتحة] في الركعة الأولى فقط.
[وبعدها، وبعد فراغ القراءة] ودليل السكتات: حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يسكت سكتتين إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلها وفي رواية سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم، ولا الضالين رواه أبو داود.
[ويقرأ فيما لا يجهر فيه متى شاء] لقول جابر كنا نقرأ فى الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الآخرتين بفاتحة الكتاب رواه ابن ماجة. قال في المغني: والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه. هذا قول أكثر أهل العلم.
فصل: من احرم قبل إمامه، تخفيف الامام، ذهاب النساء للمسجد
فصل من احرم قبل إمامه[ومن أحرم مع إمامه، أو قبل إتمامه لتكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته] أي المأموم لأن شرطه أن يأتي بها بعد إمامه وقد فاته، ولأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته.
[والأولى للمأموم أن يشرع فى أفعال الصلاة بعد إمامه] لحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: رًبنا ولكً الحمد، وإذا سجد فاسجدوا" متفق عليه. والفاء للتعقيب. وقال في حديث أبي موسى "فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم" رواه مسلم.
[فإن وافقه فيها أوفي السلام كره] لمخالفة السنة. ولم تفسد صلاته، لأنه اجتمع معه في الركن. قاله في الكافي.
[وإن سبقه حرم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام" والنهي يقتضي التحريم. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار" متفق عليه.
[فمن ركع، أو سجد، أو رفع قبل إمامه عمداً، لزمه أن يرجع ليأتي به مع إمامه] ليكون مؤتماً به.
[فإن أبى عالماً عمداً بطلت صلاته] لترك المتابعة الواجبة بلا عذر،
ولحديث أبي هريرة السابق. قال الإمام أحمد: لو كان له صلاة لرجي له الثواب، ولم يخش عليه العقاب.
[لا صلاة ناس، وجاهل] لحديث: "عفي لأمتى عن الخطإ والنسيان" .
[ويسن للامام التخفيف مع الإتمام] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم السقيم، والضعيف، وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول مًا شاء" رواه الجماعة.
[ما لم يؤثر المأموم التطويل] لزوال علة الكراهة وهي: التنفير. قال الحجاوي: إن كان الجمع قليلاً فإن كان كثيراً لم يخل ممن له عذر.
وقال الشيخ تقي الدين: تلزمه مراعاة المأموم، وإنه ليس له أن يزيد عن القدر المشروع، وإنه ينبغي أن يفعل غالباً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالباً، ويزيد وينقص للمصلحة كما كان صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحياناً.
[وانتظار داخل إن لم يشق على المأموم] لحديث ابن أبي أوفى: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم رواه أحمد، وأبو داود. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم الانتظار في صلاة الخوف لإدراك الجماعة.
[ومن استأذنته امرأته، أو أمته إلى المسجد كره منعها، وبيتها خير لها] لحديث: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهنً خير لهن وليخرجن تفلات" 1 رواه أحمد، وأبو داود.
ـــــــ
1 قال في اللسان وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لتخرج النساء إلى المساجد تفلات" ، أي: تاركات للطيب قال أبو عبيد: المتفلة التي ليست بمتطيبة.
فصل في الامامة
[الأولى بها الأجود قراءة الأفقه] لجمعه بين المرتبتين.
[ويقدم قارئ لا يعلم فقه صلاته على فقيه أمي] لحديث: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فًأقدمهم هجرة" الحديث.
[ثم الأسن] لقوله: "فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سناً" رواه مسلم. وقوله: "وليؤمكم اًكبركم" متفق عليه.
[ثم الأشرف] إلحاقاً للإمامة الصغرى بالكبرى، ولحديث: "قدموا قريشاً، ولا تقدموها" وحديث: "الأئمة من قريش" .
[ثم الأتقى، والأورع] لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1
[ثم يقرع] مع التشاح قياساً على الأذان.
[وصاحب البيت] الصالح للإمامة أحق بها ممن حضره في بيته لحديث "لا يؤمن الرجل الرجل في بيته" رواه مسلم.
[وإمام المسجد، ولو عبداً أحق] بالإمامة فيه لأن ابن عمر أتى أرضاً له، وعندها مسجد يصلي فيه مولى له، فصلى ابن عمر معهم، فسألوه أن يؤمهم فأبى، وقال: صاحب المسجد أحق. رواه البيهقى بسند جيد. وقال أبو سعيد مولى أبي أسيد تزوجت وأنا مملوك،
ـــــــ
1 الحجرات/13.
فدعوت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم أبو ذر، وابن مسعود، وحذيفة، فحضرت الصلاة، فتقدم أبو ذر فقالوا: وراءك، فالتفت إلى أصحابه فقال: أكذلك؟ قالوا نعم، فقدموني رواه صالح بإسناده في مسائله.
[والحر أولى من العبد] لشرف الحر، وكونه من أهل المناصب.
[والحاضر] أولى من المسافر، لأنه ربما قصر ففات المأمومين بعض الصلاة جماعة.
[والبصير] أولى من الأعمى، لأنه أقدر على توقي النجاسة واستقبال القبلة بعلم نفسه.
[والمتوضئ أولى من ضده] وضد المتوضىء المتيمم، لأن الوضوء يرفع الحدث.
[وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه] للافتئات عليه.
[ولا تصح إمامة الفاسق إلا في جمعة، وعيد تعذراً خلف غيره] لقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} 1 . وروى ابن ماجه عن جابر مرفوعاً: "لا تؤمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجراً، ولا فاجر مؤمناً، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه، وسيفه" وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاح والحسن والحسين يصليان وراء مروان وقال صلى الله عليه وسلم "الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر" رواه أبو داود. وقال البخاري في صحيحه: باب إمامة المفتون والمبتدع. وقال الحسن: صل وعليه بدعته. ثم روى عن عبيد الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن
ـــــــ
1 الم السجدة/18.
عفان، وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج فقال الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم.
[وتصح إمامة الأعمى والأصم] لأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يستخلف ابن أم مكتوم، يؤم الناس، وهو أعمى" رواه أبو داود. وقيس عليه الأ صم.
[والأقلف] لأنه ذكر مسلم عدل قارئ فصحت إمامته.
[وكثير لحن لم يحل المعنى. والتمتام الذي يكرر التاء مع الكراهة، فى الكل للخلاف فى صحة إمامتهم. ولا تصح إمامة العاجز عن شرط أو ركن إلا بمثله] لإخلاله بفرض الصلاة.
[إلا الإمام الراتب بمسجد المرجو زوال علته، فيصلى جالساً، ويجلسون خلفه] لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم جالساً فصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا صلى جالساً فصًلوا جلوساً أجمعين" 1 متفق عليه.
[وتصح قياماً] لأنه الأصل، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم من صلى خلفه قائماً بالإعادة.
[وإن ترك الإمام ركناً، أو شرطاً مختلفاً فيه مقلداً صحت، ومن صلى خلفه معتقداً بطلان صلاته أعاد] لأنه ترك ما تتوقف عليه صحة صلاته.
[ولا إنكار في مسائل الاجتهاد] لعدم الدليل، ولو قلنا المصيب واحد.
[ولا تصح إمامة المرأة بالرجل] لما تقدم.
ـــــــ
1 الذي وقعت عليه من ألفاظ الحديث "فصلو قعوداً أجمعون" وما ذكره المؤلف له وجه من العربية.
[ولا إمامة المميز بالبالغ في الفرض، وتصح إمامته في النفل، وفي الفرض بمثله] قال ابن مسعود: لا يؤمن الغلام حتى تجب عليه الحدود وقال ابن عباس: لا يؤمن الغلام حتى يحتلم رواهما الأثرم. ولم ينقل عن غيرهما من الصحابة خلافه. وأما النفل، وفرض مثله فتصح، لأنها نفل في حق كل منهم.
[ولا تصح إمامة محدث، ولا نجس يعلم ذلك] لما تقدم.
[فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت صلاة المأموم وحده] لما روي عن عمر اًنه صلى بالناس الصبح، ثم خرج إلى الجرف، فأهراق الماء، فوجد في ثوبه احتلاماً، فأعاد الصلاة، ولم يعد الناس وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان، وعلي. ولا يعرف لهم مخالف. فكان إجماعاً. قاله في الكافي.
[ولا تصح إمامة الأمى: وهو من لا يحسن الفاتحة إلا بمثله] لعجزه عن ركن الصلاة. قال الزهري: مضت السنة أن لا يؤم الناس من ليس معه من القرآن شئ.
[ويصح النفل خلف الفرض] لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث محجن بن الأدرع: "فإذا جئت فصل معهم، واجعلها نافلةً" رواه أحمد، وفي حديث أبي سعيد "من يتصدق على ذا فيصلًي معه؟" رواه أحمد، وأبو داود.
[ولا عكس] لحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" متفق عليه. وعنه يصح، لحديث معاذ. متفق عليه.
[وتصح المقضية خلف الحاضرة وعكسه حيث تساوتا في الاسم] رواية واحدة. ذكره الخلال لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت.
فصل في مكان وقوف الأمام والمأموم
[يصح وقوف الإمام وسط المأمومين] لأن ابن مسعود صلى بين علقمة، والأسود، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعل رواه أبو داود.
[والسنة وقوفه متقدماً عليهم] لأنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا قام إلى الصلاة تقدم، وقام أصحابه خلفه ولمسلم، وأبي داود أن جابراً وجباراً وقفا أحدهما عن يمينه، وآخرعن يساره، فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه.
[ويقف الرجل الواحد عن يمينه محاذياً له] لأنه صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس، وجابراً إلى يمينه، لما وقفا عن يساره رواه مسلم.
[ولا تصح خلفه] لحديث وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد رواه أبو داود.
[ولا عن يساره مع خلو يمينه] لما تقدم.
[وتقف المرأة خلفه] لقول أنس: صففت أنا واليتيم وراءه، والمرأة خلفنا، فصلى بنا ركعتين متفق عليه.
[وإن صلى الرجل ركعة خلف الصف منفرداً فصلاته باطلة] لما تقدم.
[وإن أمكن المأموم الاقتداء بإمامه، ولو كان بينهما ثلاث مائة ذراع، صح إن رأى الإمام، أو رأى من وراءه] وإلا لم يصح، لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب.
[وإن كان الإمام، والمأموم فى المسجد لم تشترط الرؤية، وكفى سماع التكبير] لأن المسجد كله موضع للجماعة. قال أحمد في المنبر إذا قطع الصف: لم تضر، لأنهم في موضع الجماعة، ويمكنهم الإقتداء بسماع التكبير أشبه المشاهدة.
[وإن كان بينهما نهر تجري فيه السفن، أو طريق لم تصح] لما تقدم عن عائشة. إلا لضرورة كجمعة، وعيد إذا اتصلت الصفوف. روي عن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة: أرجو أن لا يكون به بأس.
[وكره علو الامام عن المأموم] لأن عمار بن ياسر كان بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار، فقام على دكان، والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة، فأخذ بيده، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ من صلاته، قال له
حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أم الرجل القوم، فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم؟" فقال عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي. رواه أبو داود. ولا بأس باليسير، لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر، ونزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر، ثم عاد الحديث متفق عليه.
[لا عكسه] لأن أبا هريرة صلى على سطح المسجد بصلاة الإمام رواه الشافعي، ورواه سعيد عن أنس.
[وكره، لمن أكل بصلاً، أو فجلاً ونحوه حضور المسجد] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل الثوم، والبصل، والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" متفق عليه.
فصل فيمن يعذر بترك الجمعة والجماعة
[يعذر بترك الجمعة والجماعة المريض] لأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن المسجد. وقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس متفق عليه. وقال ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض.
[والخائف حدوث المرض] لأنه في معناه.
[والمدافع أحد الأخبثين] لحديث عائشة مرفوعاً: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثين" رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
[ومن له ضائع يرجوه، أو يخاف ضياع ماله، أو فواته، أو ضرراً فيه]
[أو يخاف على مال استؤجر لحفظه كنظارة بستان] لحديث ابن عباس مرفوعاً: "من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر" - قالوا: فما العذر يا رسول الله ؟ قال: "خوف أو مرض - لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى" رواه أبو داود. والخوف ثلاثة أنواع: على المال من سلطان، أو لص، أو خبز، أو طبيخ يخاف فساده، ونحوه. وعلى نفسه من عدو، أو سيل، أو سبع. وعلى أهله، وعياله. فيعذر في ذلك كله، لعموم الحديث. وكذا إن خاف موت قريبه. نص عليه
لأن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد، وهو يتجمر للجمعة، فأتاه بالعقيق، وترك الجمعة.
[أو أذى بمطر، ووحل، وثلج، وجليد، وريح باردة بليلة مظلمة] لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر المنادي فينادي بالصلاة صلوا في رحالكم في الليلة الباردة، وفي الليلة المطيرة في السفر متفق عليه. وروي في الصحيحين عن ابن عباس في يوم مطير وفي رواية لمسلم وكان يوم جمعة.
[أو تطويل إمام] لأن رجلاً صلى مع معاذ، ثم انفرد فصلى وحده لما طول معاذ، فلم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم حين أخبره.
باب صلاة اهل الأعذار
باب صلاة أهل الأعذار
[يلزم المريض أن يصلى المكتوبة قائماً ولو مستنداً] لحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" .
[فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه] لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه الجماعة، إلا مسلماً.
[والأيمن أفضل ويومئ بالركوع، والسجود، ويجعله أخفض] لحديث علي مرفوعاً وفيه: "فإن لم يستطع أن يسجد أومأ إيماءً، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، وإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة. فإن لم يستطع صلى مستلقياً ورجلاه ممًا يلى القبلة" رواه الدارقطني.
[فإن عجز أومأ بطرفه، واستحضرالفعل بقلبه. وكذا القول إن عجز عنه بلسانه] أومأ له، واستحضره بقلبه لحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" .
[ولا تسقط ما دام عقله ثابتاً] لقدرته على الا يماء مع النية. ولا ينقص أجر مريض إذا صلى على ما يطيقه، لحديث أبي موسى مرفوعاً "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" .
[ومن قدر على القيام] في أثنائها، وقد صلى قاعداً انتقل إليه.
[والقعود في أثنائها] وقد صلى على جنب.
[انتقل إليه] لتعيينه والحكم يدور مع علته.
[ومن قدر على أن يقوم منفرداً، ويجلس في الجماعة خير] قال في الشرح: لأ نه يفعل في كل منهما واجباً، ويترك واجباً.
[وتصح على الراحلة ممن يتاذى بنحو مطر، ووحل] لحديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى إلى مضيق هو وأصحابه، وهو على راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم. فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن، ثم تقدم، فصلى بهم - يعني - إيماءً، يجعل السجود أخفض من الركوع رواه أحمد، والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، وفعله أنس رضي الله عنه. ذكره أحمد.
[أو يخاف على نفسه نزوله] من عدو، أوسبع ونحوه. اًو يعجز عن الركوب إذا نزل.
[وعليه الاستقبال، وما يقدر عليه ويومئ من بالماء، والطين] إذا لم يمكنه الخروج منه بالركوع والسجود لحديث: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" .
فصل فى صلاة المسافر
[قصر الصلاة الرباعية أفضل] من إتمامها. نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاءه داوموا عليه. وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيتة" ولا تقصر المغرب، ولا الصبح، إجماعاً. قاله ابن المنذر.
[لمن نوى سفراً مباحاً] أي ليس حراماً، ولا مكروهاً، واجباً كان كحج، وجهاد متعينين، أو مسنوناً كزيارة رحم، أو مستوى الطرفين كتجارة.
[لمحل معين] فلا يقصر هائم لا يدري أين يذهب. ولا سائح لا يقصد مكاناً معيناً ونحوهما.
[يبلغ ستة عشر فرسخاً] تقريباً، وهي أربعة برد.
[وهى يومان قاصدان في زمن معتدل بسير الأثقال ودبيب الأقدام] لحديث ابن عباس مرفوعاً "يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان" رواه الدارقطني. وكان ابن عباس، وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد وقال البخاري في صحيحه: باب في كم يقصر الصلاة. وسمى النبي صلى الله عليه وسلم، يوماً وليلة سفراً. وكان ابن عباس، وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد وهي: ستة عشر فرسخاً. انتهى.
[إذا فارق بيوت قريته العامرة] لأنه قبل ذلك لا يكون ضارباً في الأرض، ولا مسافراً. ولأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل.
[ولا يعيد من قصر، ثم رجع قبل استكمال المسافة] لأن المعتبر نية المسافة لا حقيقتها.
[ويلزمه إتمام الصلاة إن دخل وقتها وهو فى الحضر] لأنها وجبت تامة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين.
[أو صلى خلف من يتم] نص عليه، لأن ابن عباس سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال تلك السنة رواه أحمد.
[أو لم ينو القصر عند الإحرام] لأن الأصل الإتمام، فإطلاق النية ينصرف إليه. قاله في الكافي.
[أو نوى إقامة مطلقة] لانقطاع السفر المبيح للقصر.
[أو أكثر من أربعة أيام، أو أقام لحاجة، وظن أن لا تنقضي، إلا بعد الأربعة] لأن النبي صلى الله عليه وسلم اًقام بمكة، فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها، وذلك أنه قدم صبح رابعة، فأقام إلى يوم التروية، فصلى الصبح، ثم خرج. فمن اًقام مثل إقامته قصر، ومن زاد أتم. ذكره الإمام أحمد. قال أنس: أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة ومعناه ما ذكرنا، لأنه حسب خروجه إلى منى، وعرفة، وما بعده من العشر.
[أو أخر الصلاة بلا عذر حتى ضاق وقتها عنها] لأنه صار عاصياً بتأخيرها عمداً بلا عذر. وقيل يقصر لعدم تحريم السبب. وفاقاً للأئمة الثلاثة. قاله في الفروع.
[ويقصر إن أقام لحاجة بلا نية الإقامة فوق أربعة أيام، ولا يدري متى تنقضي أوحبس ظلماً، أو بمطر ولو أقام سنين] قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسافر يقصر مالم يجمع إقامة. انتهى. وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة رواه أحمد. ولما فتح مكة اًقام بها تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين رواه البخاري.
وقال أنس اًقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة رواه البيهقي بإسناد حسن وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وقد حال الثلج بينه وبين الدخول رواه الأثرم.
فصل في الجمع
[يباح بسفر القصر الجمع بين الظهر والعصر، والعشاءين بوقت إحداهما] نص عليه، لحديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر، والعصر جميعاً، ثم سار. وكان يفعل مثل ذلك في المغرب، والعشاء. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن غريب. وعن أنس: معناه. متفق عليه. وسواء كان سائراً، أو نازلاً لأنها رخصة من رخص السفر، فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر رخصه. قاله في الكافي.
[ويباح لمقيم مريض يلحقه بتركه مشقة] لقول ابن عباس جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، بالمدينة من غير خوف، ولا مطر وفي رواية من غير خوف، ولا سفر رواهما مسلم. وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، فلم يبق إلا المرض، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالجمع بين الصلاتين. والإستحاضة نوع مرض.
[ولمرضع لمشقة كثرة النجاسة] نص عليه.
[ولعاجز عن الطهارة لكل صلاة] كمن به سلس البول قياساً على الاستحاضة.
[ولعذر، أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة] وتقدم.
[ويختص بجواز جميع العشاءين، ولو صلى ببيته، ثلج وجليد، ووحل وريح شديدة باردة، ومطر يبل الثياب، ويوجد معه مشقة] لأنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب، والعشاء في ليلة مطيرة رواه النجاد بإسناده. وفعله أبو بكر، وعمر، وعثمان. وروى الأثرم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال إن من السنة، إذا كان يوم مطير، أن يجمع بين المغرب والعشاء ولمالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر، جمع معهم وقال أحمد في الجمع في المطر: يجمع بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق. كذا صنع ابن عمر. ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر، قال أحمد: ما سمعت بذلك. وهذا اختيار أبي بكر. والثلج، والبرد في ذلك كالمطر، والوحل كذلك، والريح الشديدة الباردة تبيح الجمع،
وهو قول عمر بن عبد العزيز. ويجوز الجمع للمنفرد، ومن كان طريقه إلى المسجد في ظلال، ومن مقامه في المسجد، لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال المشقة، وعدمها كالسفر، و لأنه صلى الله عليه وسلم جمع في مطر وليس بين حجرته والمسجد شئ.
[والأفضل فعل الأرفق به من تقديم الجمع، أو تأخيره] لحديث معاذ السابق.
[فإن جمع تقديماً اشترط لصحة الجمع نيته عند إحرام الأولى] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[وأن لا يفرق بينهما بنحو نافلة بل بقدر إقامة، ووضوء خفيف] لأن معنى الجمع المقارنة، والمتابعة، ولا يحصل مع تفريق أكثر من ذلك.
[وأن يوجد العذر عند افتتاحهما، وأن يستمر إلى فراغ الثانية] لأنه سببه.
[وإن جمع تأخيراً اشترط نية الجمع بوقت الأولى قبل أن يضيق وقتها عنها] لأن تأخيرها حرام فينافي الرخصة، ولفوات فائدة الجمع: وهي التخفيف بالمقارنة.
[وبقاء العذر إلى دخول وقت الثانية لا غير] لأن العذر هو المبيح للجمع، فإن لم يستمر إلى وقت الثانية زال المقتضي للجمع، فامتنع. كمسافر قدم، ومريض برئ.
[ولا يشترط للصحة اتحاد الإمام، والمأموم، فلو صلاهما خلف إمامين، أو بمأموم الأولى، وبآخر الثانية، أو خلف من لم يجمع، أوإحداهما منفرداً، أو الأخرى جماعة، أو صلى بمن لم يجمع، صح] لعدم المانع من ذلك.
فصل فى صلاة الخوف
[تصح صلاة الخوف إن كان القتال مباحاً حضراً، وسفراً] لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} الآية 1 وصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع الصحابة على فعلها وصلاها علي، وأبو موسى، وحذيفة.
[ولا تأثير للخوف فى تغيير عدد ركعات الصلاة] فيقصر في السفر ويتم في الحضر.
[بل فى صفتها، وبعض شروطها] على نحو ما ورد. قال أحمد: صحت صلاة الخوف عن النبى صلى الله عليه وسلم، من ستة أوجه، فأما حديث سهل فأنا أختاره.
[وإذا اشتد الخوف صلوا رجالاً، وركباناً للقبلة، وغيرها، ولا يلزم افتتاحها إليها] للآية. وقال ابن عمر فإن كان الخوف أشد من ذلك، صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم، وركباناً مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها متفق عليه. زاد البخاري، قال نافع: لا أرى ابن عمر قال ذلك إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم.
[يومون طاقتهم] لأنهم لو أتموا الركوع، والسجود لكانوا هدفاً لأسلحة العدو معرضين أنفسهم للهلاك.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/228.
[وكذا في حالة الهرب من عدو إذا كان الهرب مباحاً، أو سيل، أو سبع. أو نار أو غريم ظالم، أو خوف فوت وقت الوقوف بعرفة، أو خاف على نفسه، أوأهله، أو ماله، أو ذب عن ذلك، وعن نفس غيره] لما في ذلك كله من الضرر. ونص عليه أحمد في الأسير إذا هرب. ومثله إن خاف فوت عدو يطلبه، لقول عبد الله بن أنيس: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى خالد بن سفيان الهذلي، قال: اذهب فاقتله فرأيته، وقد حضرت صلاة العصر، فقلت: إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة، فانطلقت وأنا أصلي: أومئ إيماء نحوه رواه أحمد، وأبو داود.
[وإن خاف عدواً إن تخلف عن رفقته فصلى صلاة خائف، ثم بان أمن الطريق لم يعد] لعموم البلوى بذلك.
[ومن خاف أو أمن في صلاته انتقل وبنى] لأن الحكم يدور مع علته.
[ولمصل كر وفر، لمصلحة. ولا تبطل بطوله] هذا قول أكثر أهل العلم. قاله في المغني. و لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالمشي إلى وجاه العدو، ثم يعودون لما بقي وهذا عمل كثير، واستدبار للقبلة.
[وجاز لحاجة حمل نجس ولا يعيد] لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وقوله: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} 1 ولا يجب حمل السلاح في قول أكثر أهل العلم، بل يستحب.
ـــــــ
1 النساء من الآية/101.
باب صلاة الجمعة
باب صلاة الجمعة[تجب على كل ذكر، مسلم، مكلف، حر، لا عذر له] لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الآية1 وروى ابن ماجه عن جابر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا، في شهري هذا، في عامي هذا، فمن تركها في حياتي، أو بعدي، وله إمام عادل، أو جائر استخفافاً بها، أو جحوداً بها، فلا جمع الله له شمله، ولا بارك الله في أمره" . وعن طارق بن شهاب مرفوعاً: "الجمعة حق واجب على كل مسلم، إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أًو مريض" رواه أبو داود.
[وكذا على كل مسافر لا يباح له القصر] كسفر معصية. وما دون المسافة فتلزمه بغيره.
[وعلى مقيم خارج البلد، إذا كان بينهما وبين الجمعة وقت فعلها فرسخ فأقل] لقوله صلى الله عليه وسلم "الجمعة على من سمع النداء" رواه أبو داود. ولم يكن اعتبار السماع بنفسه، فاعتبر بمظنته، والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً بموضع عال،
ـــــــ
1 الجمعة من الآية/9.
والرياح ساكنة، والأصوات هادئة، والعوارض منتفية فرسخ. فاعتبرناه به. قاله في الكافي.
[ولا تجب على من يباح له القصر] لأنه صلى الله عليه وسلم سافر هو وأصحابه في الحج، وغيره، فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه، مع اجتماع الخلق الكثير وقال إبراهيم: كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك، وبسجستان السنتين لا يجمعون، ولا يشرقون. رواه سعيد.
[ولا على عبد، ومبعض، وامرأة] لما تقدم.
[ومن حضرها منهم أجزأته] قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن لا جمعة على النساء. وأجمعوا على أنهن إذا حضرن، فصلين الجمعة أن ذلك بجزئ عنهن.
[ولا يحسب هو، ولا من ليس من أهل البلد من الأ ربعين، ولا تصح إمامتهم فيها] لأنهم من غير أهل الوجوب، وإنما صحت منهم تبعاً.
[وشرط لصحة الجمعة أربعة شروط: أحدها: الوقت، وهو من أول وقت العيد إلى خروج وقت الظهر] لقول عبد الله بن سيدان السلمي شهدت الجمعة مع أبي بكر، فكانت خطبته، وصلاته قبل نصف النهار وشهدتها مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: انتصف النهار. ثم شهدتها مع عثمان، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك، ولا أنكره رواه الدارقطني، وأحمد واحتج به، قال: وكذلك روي عن ابن مسعود، وجابر، وسعيد، ومعاوية. أنهم صلوا قبل الزوال، فلم ينكر وعن جابر كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم، يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا، فنريح حين تزول الشمس رواه أحمد، ومسلم.
[وتجب بالزوال، وبعده أفضل] خروجاً من الخلاف، ولأنه الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم يصليها فيه فى أكثر أوقاته لقول سلمة بن الأكوع كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذا زالت الشمس، ثم نرجع، فنتتبع الفيء أخرجاه. وما قبل الزوال وقت للجواز لا للوجوب.
[الثانى: أن تكون بقرية، ولو من قصب] فأما أهل الخيام، وبيوت الشعر فلا جمعة لهم. لأن ذلك لا ينصب للإستيطان. وكانت قبائل العرب حول المدينة، فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجمعة.
[يستوطنها أربعون استيطان إقامة لا يظعنون صيفاً ولا شتاء] وهو قول أكثر أهل العلم، قاله في المغني.
[وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء] لما يأتي.
[الثالث: حضور أربعين] لقول كعب بن مالك: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت في نقيع يقال له: نقيع الخضمات. قلت كم أنتم يومئذ ؟ قال: أربعون رجلاً رواه أبو داود. قال ابن جريج قلت ل عطاء أكان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ؟. قال: نعم. وقال أحمد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم، وكانوا أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة. وقال جابر مضت السنة أن في كل أربعين، فما فوق جمعة، وأضحى، وفطر رواه الدارقطني.
[فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً] نص عليه. لأن العدد شرط، فاعتبر في جميعها. وقال في الكافي: وقياس المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها جمعة.
[الرابع تقدم خطبتين] لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما متفق عليه. ومداومته عليهما دليل على وجوبهما.
[من شرط صحتها خمسة أشياء: الوقت] لأنهما بدل ركعتين. قالت عائشة: إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة.
[والنية] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[وقوعهما حضراً. وحضورالأربعين] لما تقدم، ولأنه ذكر اشترط للصلاة، فاشترط له العدد.
[وأن يكون ممن تصح إمامته فيها] فلا تصح خطبة من لا تجب عليه الجمعة. كعبد، ومسافر.
[وأركانها ستة: حمد الله] لحديث: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله، فهو أجذم" رواه أبو داود. وقال جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس: يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله الحديث.
[والصلاة على رسول الله] صلى الله عليه وسلم، لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله، كالأذان.
[وقراءة آية من كتاب الله] عز وجل لقول جابر بن سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات، ويذكر الناس رواه مسلم.
[والوصية بتقوى الله] لأنها المقصود بالخطبة، فلم يجز الإخلال بها.
[وموالاتهما مع الصلاة] لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم خلافه، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" .
[والجهر بحيث يسمع العدد المعتبر حيث لا مانع] لهم من سماعه كنوم بعضهم، أو غفلته، أو صممه، فإن لم يسمعوا لخفض صوته، لم تصح لعدم حصول المقصود. وعن جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته الحديث رواه مسلم.
[وسنتها الطهارة] فلا تشترط نص عليه، وعنه أنها من شرائطها. قاله في المغنى.
[وستر العورة، وإزالة النجاسة] قياساً، لأن الخطبتين بدل ركعتين من الجمعة. لقول عمر، وعائشة: قصرت الصلاة لأجل الخطبة ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم تطهر بين الخطبة والصلاة، فدل على أنه يخطب متطهراً.
[والدعاء للمسلمين] لأنه، صلى الله عليه وسلم، كان إذا خطب يوم الجمعة دعا، وأشار بأصبعه، وأمن الناس رواه حرب في مسائله. ولأن الدعاء لهم مسنون فى غيرالخطبة، ففيها أولى.
[وأن يتولاهما مع الصلاة واحد] قال أحمد في الإمام يخطب يوم الجمعة، ويصلي الأمير بالناس. لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة، لأنه لا يشترط اتصالها بها، فلم يشترط أن يتولاهما واحد كصلاتين.
[ورفع الصوت بهما حسب الطاقًة] لما سبق.
[وأن يخطب قائماً] لقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} 1 . وقال جابر بن سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم، يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب رواه مسلم.
[على مرتفع] لأنه أبلغ في الإعلام، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره.
[معتمداً على سيف، أو عصا] أو قوس لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود.
[وأن يجلس بينهما قليلاً] لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس متفق عليه.
[فإن أبى، أو خطب جالساً، فصل بينهما بسكتة] ليحصل التمييز بينهما. وليست واجبة، لأن جماعة من الصحابة سردوا الخطبتين من غير جلوس: منهم المغيرة، وأبي بن كعب. قاله أحمد.
[وسن قصرهما، والثانية أقصر] لحديث عمار مرفوعاً: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة" رواه مسلم.
[ولا بأس أن يخطب من صحيفة] كقراءة في الصلاة من مصحف.
ـــــــ
1 الجمعة من الآية/11.
فصل يحرم الكلام والإمام يخطب
[يحرم الكلام والإمام يخطب، وهو منه بحيث يسمعه] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت" متفق عليه.
[ويباح إذا سكت بينهما] لأنه لا خطبة إذاً ينصت لها.
[أو شرع في دعاء] لأنه غير واجب، فلا يجب الإنصات له.
[وتحرم إقامة الجمعة، وإقامة العيد في أكثر من موضع من البلد] لأن النبي، صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة.
[إلا لحاجة كضيق، وبعد، وخوف فتنة] لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير، فصار إجماعاً، قاله في الكافي، و المغني. وقيل ل عطاء: إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر. قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه.
[فإن تعددت لغير ذلك فالسابقة بالاحرام هي الصحيحة] لحصول الاستغناء بها، فأنيط الحكم بها.
ومن أحرم بالجمعة في وقتها، وأدرك مع الإمام ركعة أتم جمعة رواه البيهقي عن ابن مسعود، وابن عمر. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "من أدرك ركعةً من الجمعة أدرك الصلاة" رواه الأثرم، ورواه ابن ماجه، ولفظه "فليضف إليها أخرى" . وعنه مرفوعاً: "من أدرك ركعةً من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة" متفق عليه.
[وإن أدرك أقل نوى ظهراً] وقال أبو إسحاق بن شاقلا: ينوي جمعة، لئلا تخالف نيته نية إمامه، ثم يبني عليها ظهراً، لأنهما فرض من وقت واحد. قاله في الكافي.
[واًقل السنة بعدها ركعتان] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه.
[وأكثرها ست] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات" . رواه الجماعة إلا البخاري. فالمجموع ست ركعات: ركعتان من فعله، وأربع من أمره. قاله في القواعد.
[ويسن قراءة سورة الكهف في يومها] لحديث أبي سعيد رواه البيهقي.
[وأن يقرأ في فجرها: آلم السجدة، وفي الثانية هل أتى] نص عليه، لأنه عليه السلام "كان يفعله" متفق عليه.
[وتكره مداومتة عليهما] لئلا يظن أنها مفضلة بسجدة. قاله أحمد وقال جماعة: لئلا يظن الوجوب.
باب صلاة العيدين
باب صلاة العيدين[وهي فرض كفاية] لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، ولأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليها.
[وشروطها كالجمعة] لأنها صلاة عيد، فأشبهت الجمعة، قاله في الكافي.
[ما عدا الخطبتين] فإنها في العيد سنة، لقول عبد الله بن السائب: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى الصلاة قال: "إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب" رواه أبو داود. ولو وجبت لوجب حضورها، واستماعها.
[وتسن في الصحراء] لحديث أبي سعيد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج في الفطر، والأضحى إلى المصلى. متفق عليه. وكذا الخلفاء بعده.
[ويكره التنفل قبلها، وبعدها قبل مفارقة المصلى] نص عليه، لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج يوم الفطر فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما، ولا بعدهما متفق عليه.
[ووقتها كصلاة الضحى] لأنه صلى الله عليه وسلم، وخلفاءه، كانوا يصلونها بعد ارتفاع الشمس. ويسن تعجيل الأضحى، وتأخير
الفطر. لما روى الشافعي مرسلاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران، أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس.
[فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال، صلوا من الغد قضاء] لحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: غم علينا هلال شوال، فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرالناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد رواه الخمسة، إلا الترمذي، وصححه إسحاق، والخطابي. ولأن العيد يشرع له الاجتماع العام، وله وظائف دينية و دنيوية، وآخر النهار مظنة الضيق عن ذلك غالباً.
[وسن تبكير المأموم] ليحصل له الدنو من الإمام، وانتظار الصلاة، فيكثر ثوابه.
[وتأخر الإمام إلى وقت الصلاة] لقول أبي سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر، والأضحى إلى المصلى، فأول شئ يبدأ به الصلاة رواه مسلم. ويخرج ماشياً، وعليه السكينة والوقار، لقول علي رضي الله عنه: إن من السنة أن تأتي العيد ماشياً حسنه الترمذي وقال: العمل على هذا عند أهل العلم.
[وإذا ذهب في طريق يرجع من أخرى] لحديث جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا خرج إلى المصلى خالف الطريق. رواه البخاري، ورواه مسلم عن أبي هريرة.
[وكذا الجمعة] قياساً على العيد.
[وصلاة العيد ركعتان] لقول عمر: صلاة الفطر، والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم. وقد خاب من افترى رواه أحمد.
[يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وقبل التعوذ ستاً. وفي الثانية قبل القراءة خمساً] نص عليه، لحديث عائشة مرفوعاً: "التكبير في الفطر، و الأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات، سوى تكبيرًتي الركوع" رواه أبو داود. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه. رواه أحمد، وابن ماجه. واعتددنا بتكبيرة الإحرام، لأنها في حال القيام، ولم نعتد بتكبيرة القيام، لأنها قبله. قاله في الكافي.
[يرفع يديه مع كل تكبيرة] لأن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة، وفي العيد وعن زيد كذلك. رواهما الأثرم. وفي حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير قال أحمد: فأرى أن يدخل فيه هذا كله.
[ويقول بينهما: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً] لقول عقبة بن عامر سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد، قال: يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم رواه الأ ثرم، وحرب. واحتج به أحمد.
[ثم يستعيذ] لأن الاستعاذة للقراءة، فتكون فى أولها.
[ثم يقرأ جهراً] بغير خلاف، قاله الموفق، لقول ابن عمر: كان النبى صلى الله عليه وسلم، يجهر بالقراءة في العيدين، والاستسقاء رواه الدارقطني.
[الفاتحة، ثم سبح في الأولى، والغاشية فى الثانية] لقول سمرة كان صلى الله عليه وسلم، يقرأ فى العيدين {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 1 {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} 2 رواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس، والنعمان بن بشير مرفوعاً مثله. وروي عن عمر، وأنس.
[فإذا سلم خطب خطبتين] لقول ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه.
[وأحكامهما كخطبتي الجمعة] لما في حديث جابر ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكرهم إلى آخره رواه مسلم. وعن الحسن وابن سيرين: أنهما كرها الكلام يوم العيد والإمام يخطب.
[لكن يسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع] لما روى سعيد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: يكبرالإمام يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، وفي الثانية سبع تكبيرات، ويكثر التكبير بين أضعاف الخطبة. لقول سعد المؤذن: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير فى خطبة العيدين رواه ابن ماجه.
ـــــــ
1 الأعلى/1.
2 الغاشية/1.
[وإن صلى العيد كالنافلة صح، لأن التكبيرات الزوائد، والذكر بينهما] سنة لا تبطل الصلاة بتركه، قال في المغني، لا أعلم فيه خلافاً.
[والخطبتين سنة] لما تقدم.
[وسن لمن فاتته قضاؤها، ولو بعد الزوال] لما روي عن أنس أنه إذا لم يشهدها مع الإمام بالبصرة جمع أهله، ومواليه، ثم قام عبد الله بن عتبة مولاه، فصلى بهم ركعتين، يكبر فيهما.
فصل ويسن التكبير المطلق
[يسن التكبير المطلق] أي الذي لم يقيد بأدبار الصلوات.
[والجهر به فى ليلتي العيدين إلى فراغ الخطبة] لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ...} 1 وعن على رضى الله عنه أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق وقال الإمام أحمد: كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعاً. وأوجبه داود في الفطر، لظاهر الآية. وليس فيها أمر، وإنما أخبر عن إرادته تعالى. قاله في المغني. وروى الدارقطني أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر، ويوم الأضحى، يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام.
[وفي كل عشر ذي الحجة] ولو لم ير بهيمة الأنعام. قال البخاري كان ابن عمر، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما.
ـــــــ
1 البقرة، من الآية/185.
[والتكبير المقيد في الأضحى عقب كل فريضة صلاها في جماعة] قيل لأحمد: تذهب إلى فعل ابن عمر: لا يكبر إذا صلى وحده ؟ قال: نعم. وقال ابن مسعود: إنما التكبير على من صلى في جماعة رواه ابن المنذر.
[من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى الصبح يوم عرفة، ثم أقبل علينا، فقال: "الله أكبر" ومد التكبير إلى آخر أيام التشريق رواه الدارقطني بمعناه. قيل لأحمد بأي شئ تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق ؟ قال: بالإجماع عن عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود رضى الله عنهم.
[إلا المحرم، فيكبر من صلاة ظهر يوم النحر] إلى عصر آخر أيام التشريق. نص عليه، لأن التلبية تنقطع برمى جمرة العقبة. والمسافر كالمقيم، في التكبير. وكذلك النساء فى الجماعة. قيل لأحمد: قال سفيان: لا يكبر النساء أيام التشريق الا في جماعة، قال: حسن. وقال البخاري: كان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز في المسجد، ويخفضن أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال. والمسبوق يكبر إذا فرغ فى قول الأكثر. قاله فى المغنى.
[ويكبر الإمام مستقبل الناس] لحديث جابر المتقدم.
[وصفته شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، واللًه أكبر الله أكبر، ولله الحمد] لحديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه، فيقول: على مكانكم، ويقول:
"الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" رواه الدارقطني. وقاله علي رضي الله عنه، وحكاه ابن المنذر عن عمر، وقال أحمد: أختار تكبير ابن مسعود، وذكر مثله.
[ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا، ومنك] نص عليه، قال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، وواثلة بن الأسقع. وقال الشيخ تقي الدين في الاقتضاء: فأما قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر، فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف العلماء فيه، ففعله ابن عباس، وعمرو بن حريث من الصحابة، وطائفة من البصريين، والمدنيين، ورخص فيه أحمد، وإن كان لا يستحبه. وكرهه طائفة من الكوفيين كإبراهيم النخعى، وأبي حنيفة، ومالك، وغيرهم. ومن كرهه قال: هو من البدع. ومن رخص فيه قال: فعله ابن عباس بالبصرة، حين كان خليفة لعلى عليها، ولم ينكرعليه، وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار لا يكون بدعة، لكن ما يزاد على ذلك من رفع الأصوات فى المساجد، وأنواع الخطب، والأشعار الباطلة، مكروه في هذا اليوم وغيره. انتهى. ويسن الاجتهاد في العمل الصالح أيام العشر.
باب صلاة الكسوف
باب صلاة الكسوف[وهي سنة] مؤكدة لفعله، وأمره صلى الله عليه وسلم.
[من غير خطبة] لأنه صلى الله عليه وسلم، أمر بالصلاة دون الخطبة. وقال الشافعي: يخطب لها، لحديث عائشة.
[ووقتها من ابتداء الكسوف إلى ذهابه] لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى ينجلي" رواه مسلم.
[ولا تقضى إن فاتت] لما تقدم. ولم ينقل الأمر بها بعد التجلي لفوات محلها.
[وهى ركعتان يقرأ في الأولى جهراً الفاتحة، وسورة طويلة، ثم يركع طويلاً، ثم يرفع، فيسمع، ويحمد، ولا يسجد بل يقرأ الفاتحة، وسورة طويلة، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يصلي الثانية كالأولى، ثم يتشهد ويسلم]
كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في يوم شديد الحر، فصلى بأصحابه، فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم سجد سجد تين، ثم قام، فصنع نحو ذلك. فكانت أربع ركعات، وأربع سجدات رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود. وعن عائشة قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث منادياً فنادى: الصلاة جامعة، وخرج إلى المسجد
فصف الناس وراءه، وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات متفق عليه.
[وإن أتى في كل ركعة بثلاثة ركوعات] فلا بأس، لحديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم، لما كسفت الشمس، صلى ست ركعات بأربع سجدات. رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود.
[أو أربع] فلا بأس، لحديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم، صلى في كسوف ثماني ركعات في أربع سجدات رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[أوخمس فلا بأس] لقول أبي بن كعب: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم، فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات وسجدتين، ثم قام إلى الثانية، فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات وسجدتين رواه أبو داود، وعبد الله بن أحمد في المسند.
[وما بعد الأول سنة لا تدرك به الركعة] لأنه روي من غير وجه بأسانيد حسان من حديث سمرة، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين، كل ركعة ركوع رواها أحمد، والنسائي.
[ويصح أن يصليها كالنافلة] لما تقدم. ولا تصلى وقت نهي، لعموم أحاديث النهي. ويؤيده قول قتادة انكسفت الشمس بعد العصر ونحن بمكة، فقاموا يدعون قياماً، فسألت عن ذلك عطاء، فقال: هكذا كانوا يصنعون رواه الأثرم.
باب صلاة الاستسقاء
باب صلاة الإستسقاء
[وهي سنة] لقول عبد الله بن زيد: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستسقى، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة. متفق عليه.
[ووقتها، وصفتها، وأحكامها كصلاة العيد] لقول ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم، ركعتين كما يصلي في العيدين صححه الترمذي. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر، كانوا يصلون صلاة الإستسقاء، يكبرون فيها سبعاً وخمساً رواه الشافعي، وعن ابن عباس نحوه، وزاد فيه: وقرأ فى الأولى بسبح، وفى الثانية بالغاشية وقالت عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بدا حاجب الشمس رواه أبو داود. وذكر ابن عبد البر: أن الخروج لها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء. وفي المغنى: لا تفعل وقت نهي بلا خلاف.
[وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس، وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم] لأن المعاصي سبب القحط، والتقوى سبب البركات قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الآية1.
ـــــــ
1 الأعراف من الآية /95.
[ويتنظف لها، ولا يتطيب] ولا يلبس زينة، لأنه يوم استكانة وخشوع.
[ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً] لقول ابن عباس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم، للإستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً. صححه الترمذي.
[ومعه أهل الدين، والصلاح، والشيوخ] لأنه أسرع للإجابة.
[ويباح خروج الأطفال، والعجائز، والبهائم] ولا يستحب لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى الطبراني في معجمه بإسناده عن الزهري أن سليمان عليه السلام، خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأى نملة قائمة رافعة قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وروى الطحاوي، وأحمد نحوه عن أبي الصديق الناجي. وعن أبى هريرة مرفوعاً: خرج نبي من الأنبياء يستسقي... وذكر نحوه. رواه الدارقطني.
[والتوسل بالصالحين] بتقديمهم: يدعون ويؤمن الناس على دعائهم، لفعل عمر بالعباس، ومعاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، واستسقى به الضحاك بن قيس مرة أخرى.
[فيصلى، ثم يخطب خطبة واحدة] لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم، خطب بأكثر منها.
[يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد] لقول ابن عباس: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى الإستسقاء، كما صنع فى العيد.
[ويكثر فيها الإستغفار، وقراءة آيات فيها الأمر به] قال الشعبي:
خرج عمر يستسقي، فلم يزد على الإستغفار. فقالوا: ما رأيناك استسقيت ! فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} الآية 1 {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} الآية2 رواه سعيد فى سننه.
[ويرفع يديه، وظهورهما نحو السماء] من شدة الرفع، لقول أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم، لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الإستسقاء، فإنه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه متفق عليه. ولمسلم أن النبي، استسقى، فأشار بظهر كفه إلى السماء.
[ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمن المأموم] كالقنوت.
[ثم يستقبل القبلة فى أثناء الخطبة، فيقول سراً: اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا] لأنه صلى الله عليه وسلم حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه. متفق عليه.
[ثم يحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر، والأيسرعلى الأيمن] نص عليه للإمام، والمأموم في قول أكثر أهل العلم. لقول عبد الله بن زيد: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم، حين استسقى أطال الدعاء، وأكثر المسألة. قال: ثم تحول إلى القبلة، وحول رداءه، فقلبه ظهراً لبطن وتحول الناس معه رواه أحمد.
ـــــــ
1 نوح من الآية/10-11.
2 هود من الآية/52.
[ويتركونه حتى ينزعونه مع ثيابهم] لأنه لم يقل عنه عليه السلام، ولا عن أحد من أصحابه أنهم غيروا أرديتهم حين عادوا.
[فإن سقوا، وإلا عادوا ثانياً، وثالثاً] لحديث "إن الله يحب الملحين في الدعاء" وقال أصبغ: استسقي للنيل بمصر خمس وعشرين مرة متوالية، وحضره ابن وهب، وابن القا سم، وجمع.
[ويسن الوقوف في أول المطر، والوضوء والاغتسال منه، وإخراج رحله، وثيابه ليصيبها] لحديث أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: لم صنعت هذا ؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه" رواه مسلم، وأبو داود. وروي أنه عليه السلام، كان يقول إذا سال الوادي: "اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهوراً، فنتطهر به" .
[وإن كثر المطر حتى خيف منه سن قول "اللهم حوالينا، ولا علينا اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر"] لما في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ذلك
{رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} الآية1 لأنها تناسب الحال.
[وسن قول: مطرنا بفضل الله ورحمته. ويحرم بنوء كذا] لما في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟
ـــــــ
1 البقرة من الآية/286.
قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكًوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلكً كافر بي، مؤمن بالكًوكب" قال في الفروع: وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر إجماعاً.
[ويباح في نوء كذا] لأنه لا يقتضي الإضافة للنوء، فلا يكره. خلافاً للآمدي. قاله في الفروع.
كتاب الجنائز
كتاب الجنائز[يسن الاستعداد للموت، والإكثارمن ذكره] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" رواه البخاري.
[ويكره الأنين] لما روي عن عطاء أنه كرهه.
[وتمني الموت إلا لخوف فتنة] لحديث "لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه" الحديث متفق عليه. وفي الحديث "وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضني إليك غير مفتونً" .
[وتسن عيادة المريض المسلم] لحديث البراء أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، باتباع الجنائز، وعيادة المرضى. متفق عليه.
[وتلقينه عند موته: لا إله إلا الله، مرة] نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" رواه أحمد ومسلم.
[ولم يزد] فيضجره.
[إلا أن يتكلم] فيعيد تلقينه، لتكون آخر كلامه. لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه أبو داود.
[وقراءة الفاتحة، ويس] قال أحمد: ويقرؤون عند الميت إذا حضر ليخفف عنه بالقرآن. وأمر بقراءة الفاتحة. وعن معقل بن يسار مرفوعاً: "اقرؤوا يس على موتاكم" رواه أبو داود.
[وتوجيهه إلى القبلة على جنبه الأيمن] لأن حذيفة قال: وجهوني إلى القبلة واستحبه مالك، وأهل المدينة، والأوزاعي، وأهل الشام. وقال صلى الله عليه وسلم، عن البيت الحرام: "قبلتكم أحياءً، وأمواتاً" رواه أبو داود.
[وقول: بسم الله، وعلى وفاة رسول الله] نص عليه. لما روى البيهقي عن بكر بن عبد الله المزني، ولفظه: "وعلى ملة رسول الله".
[ولا بأس بتقبيله، والنظر إليه ولو بعد تكفينه] لحديث عائشة، وابن عباس أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم، بعد موته رواه البخاري والنسائي. وقالت عائشة: قبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه رواه أحمد، والترمذي، وصححه.
فصل في غسل الميت
[وغسل الميت فرض كفاية] إجماعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم، في الذي وقصته ناقته: "اغسلوه بماء، وسدر، كفنوه في ثوبيه" متفق عليه.
[وشرط فى الماء الطهورية، والإباحة] كباقي الأغسال.
[وفى الغاسل: الإسلام، والعقل والتمييز] لأنها شروط في كل عبادة.
[والأفضل ثقة عارف بأحكام الغسل] ليحتاط فيه، ولقول ابن عمر لا يغسل موتاكم إلا المأمونون.
[والأولى به وصية العدل] لأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله
امرأته أسماء بنت عميس، فقدمت بذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين، ففعل.
[وإذا شرع في غسله ستر عورته وجوباً] قال في المغني: لا نعلم في ذلك خلافاً، لحديث علي: لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت رواه أبو داود.
[ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها] لأن النظر إلى العورة حرام، فلمسها أولى.
[ويجب غسل ما به من نجاسة] لأن المقصود بغسله تطهيره حسب الإمكان.
[ويحرم مس عورة من بلغ سبع سنين] لما تقدم.
[وسن أن لا تمس سائر جسده إلا بخرقة] لما روي أن علياً غسل النبي صلى الله عليه وسلم، وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص ذكره المروذي عن أحمد.
[وللرجل أن يغسل زوجته وأمته] لقوله صلى الله عليه وسلم، لعائشة: "لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك" رواه ابن ماجه. وغسل علي فاطمة رضي الله عنهما، ولم ينكره منكر فكان إجماعاً. قاله في الكافي.
[وبنتاً دون سبع] قاله القاضي، و أبو الخطاب وكرهه سعيد، و الزهري.
[وللمرأة غسل زوجها، وسيدها، وابن دون سبع] حكاه ابن المنذر إجماعاً، لحديث أبي بكرالسابق، وقالت عائشة: لواستقبلنا
من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا نساؤه رواه أحمد، وأبو داود ولما مات إبراهيم ابن النبى صلى الله عليه وسلم، غسله النساء.
[وحكم غسل الميت فيما يجب، ويسن كغسل الجنابة] لقوله صلى الله عليه وسلم، للنساء اللاتي غسلن ابنته: "ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها" رواه الجماعة.
[لكن لا يدخل الماء في فمه، وأنفه] فى قول الأكثر.
[بل يأخذ خرقة مبلولة، فيمسح بها أسنانه، ومنخريه] ليقوم مقام المضمضة، والاستنشاق. لحديث: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم" .
[ويكره الإقتصار في غسله على مرة] قال أحمد: لا يعجبنى أن يغسل واحدة.
ولقوله صلى الله عليه وسلم، حين توفيت ابنته "اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء، وسدر" .
[إن لم يخرج منه شئ، فإن خرج وجب إعادة الغسل إلى سبع، فإن خرج بعدها حشي بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ثم يغسل المحل] قال أحمد: لا يزاد على سبع خرج منه شئ أو لم يخرج، ولكن يغسل النجاسة، ويحشو مخرجها بالقطن.
[ويوضأ وجوباً، ولا غسل] لجنب أحدث بعد غسله، لتكون طهارته كاملة.
[وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الوضوء، ولا الغسل] لما فيه من الحرج.
[وشهيد المعركة] لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه. لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم. ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم رواه البخاري.
[والمقتول ظلماً لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه] لحديث سعيد بن زيد مرفوعاً: "من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه. وعنه: يغسل ويصلى عليه، لأن ابن الزبير غسل، وصلي عليه. فأما الشهيد بغير قتل كالمطعون، والمبطون، فيغسل. لا نعلم فيه خلافاً. قاله في المغني.
[ويجب بقاء دمه عليه] لأمره صلى الله عليه وسلم، بدفن شهداء أحد بدمائهم.
[ودفنه في ثيابه] لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد، والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود، وابن ماجه. فإن سلب ثيابه كفن في غيرها. لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثوبين ليكفن حمزة فيهما، فكفنه في أحدهما، وكفن في الآخر رجلاً آخر قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد.
[وإن حمل فأكل، أو شرب، أو نام أو بال أو تكلم، أو عطس، أو طال بقاؤه عرفاً] فهو كغيره يغسل، ويصلى عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، غسل سعد بن معاذ، وصلى عليه، وكان شهيداً وصلى المسلمون على عمر، وعلي، وهما شهيدان. قاله في المغني.
[أوقتل وعليه ما يوجب الغسل من نحو جنابة فهو كغيره] لأن
النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوم أحد: "ما بال حنظلة بن الراهب؟ إنى رأيت الملائكة تغسله" ! قالوا: إنه سمع الهايعة، فخرج وهو جنب، ولم يغتسل رواه الطيالسى. وإن سقط من دابته، أوتردى من شاهق، أو وجد ميتاً لا أثر به، غسل، وصلي عليه. نص عليه، لأنه ليس بقتيل الكفار. وتأول أحمد قوله صلى الله عليه وسلم: "ادفنوهم بكلومهم" وإن سقط من الميت شئ غسل، وجعل معه في أكفانه. فعلته أسماء بابنها فإن لم يوجد إلا بعض الميت غسل، وصلى عليه، لإجماع الصحابة. قال أحمد: صلى أبو أيوب على رجل وصلى عمر على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رؤوس بالشام رواهما عبد الله بن أحمد. وقال الشافعي: ألقى طائر يداً بمكة من وقعة الجمل، عرفت بالخاتم، فكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصلى عليها أهل مكة.
[وسقط لأربعة أشهر، كالمولود حياً] يغسل، ويصلى عليه. نص عليه لحديث المغيرة مرفوعاً "والسقط يصلى عليه" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه، ولفظه: "والطفل يصلى عليه" وذكره أحمد، واحتج به.
[ولا يغسل مسلم كافراً، ولو ذمياً، ولا يصلى عليه، ولا يتبع جنازته] لأن في ذلك تعظيماً له وقد قال تعالى: {لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} 1.
[بل يوارى لعدم من يواريه] من الكفار كما فعل بأهل القليب يوم
ـــــــ
1 الممتحنة من الآية/13.
بدر. وعن علي، رضي الله عنه، قال: قلت للنبي، صلى الله عليه وسلم، إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: "اذهب فواره" رواه أبو داود، والنسائي.
فصل في تكفينه
[وتكفينه فرض كفاية] لقوله صلى الله عليه وسلم "كفنوه في ثوبيه" متفق عليه.
[والواجب ستر جميعه] لقول أم عطية: فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه فقال: "أشعرنها إياه"، ولم يزد على ذلك رواه البخاري.
[سوى رأس المحرم، ووجه المحرمة] لقوله: "ولا تخمروا رأسه" .
[بثوب لا يصف البشرة] ليستره.
[ويجب أن يكون من ملبوس مثله] لأنه لا إجحاف به على الميت، ولا على ورثته.
[ما لم يوصى بدونه] لأن الحق له، وقد تركه. وقد أوصى أبو بكر الصديق أن يكفن في ثوبين، كان يمرض فيهما رواه البخاري.
[والسنة تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض من قطن] قال الترمذي: العمل عليه عند أكثر أهل العلم.
[تبسط على بعضها، ويوضع عليها مستلقياً، ثم يرد طرف العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على الأيسر، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك] لقول عائشة: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ثلاث أثواب بيض سحولية جدد يمانية، ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فيها إدراجاً. متفق عليه.
[والأنثى فى خمسة أثواب من قطن: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين] لحديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم، ابنة النبى صلى الله عليه وسلم، عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحقا، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر رواه أبو داود.
[والصبي في ثوب واحد] واحد لأنه دون الرجل.
[ويباح فى ثلاثة] ما لم يرثه غير مكلف.
[والصغيرة فى قميص، ولفافتين] بلا خمار، نص عليه.
[ويكره التكفين بشعر، وصوف] لأنه خلاف فعل السلف.
[ومزعفر، ومعصفر] ولو لامرأة، لعدم وروده عن السلف.
[ومنقوش] لذلك، ولأنه لا يليق بالحال.
[ويحرم بجلد] لأمره صلى الله عليه وسلم، بنزع الجلود عن الشهداء.
[وحرير ومذهب] لتحريمه على الذكور في الحياة، ويكره تكفين المرأة بالحرير.
فصل في الصلاة عليه
[والصلاة عليه فرض كفاية] لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على أطفالكم فإنهم أفراطكم" وقوله في الغال: "صلوا على صاحبكم" وقوله: "إن صاحبكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه" وقوله: "صلوا على من قال: لا إله إلا الله" والأمر للوجوب.
[وتسقط بمكلف، ولو أنثى] لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة، فلم يشترط لها العدد.
[وشروطها ثمانية: النية، والتكليف، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة] لأنها من الصلوات، فأشبهت سائرهن.
[وحضور الميت، إن كان بالبلد] فلا تصح على جنازة محمولة، أو من وراء جدار.
[وإسلام المصلى، والمصلى عليه، وطهارتهما ولو بتراب لعذر] لما تقدم. ولا يصلى على كافر لقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} 1 .
[وأركانها سبعة: القيام في فرضها] لأنها صلاة وجب القيام فيها، كالظهر.
[والتكبيرات الأربع] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كبر على النجاشي أربعاً متفق عليه.
ـــــــ
1 التوبة/85.
[وقراءة الفاتحة] لعموم حديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال: لأنه من السنة، أو من تمام السنة رواه البخاري.
[والصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم] لما يأتي.
[والدعاء للميت] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" رواه أبو داود.
[والسلام] لعموم حديث "وتحليلها التسليم" .
[والترتيب] لما يأتي.
[لكن لا يتعين كون الدعاء في الثالثة، بل يجوز بعد الرابعة. وصفتها: أن ينوي، ثم يكبر، ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر، ويصلي على محمد، كفي التشهد1 ثم يكبر، ويدعو للميت بنحو: اللهم ارحمه، ثم يكبر، ويقف بعدها قليلاً، ويسلم] لما روي أنه صلى الله عليه وسلم، قال: "إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، ويقرأ في نفسه، ثم يصلي على النًبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التًكبيرتين، ولا يقرأ في شئ منه، ثم يسلم سراً في نفسه" رواه الشافعي في مسنده، والأثرم، وزاد: السنة أن يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل إمامهم. وروى الجوزجاني عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يكبر على الجنازة أربعاً، ثم يقول ما شاء الله، ثم ينصرف قال الجوزجاني: كنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف.
ـــــــ
1 إن قول المؤلف: "كفي" مشكل لأن الحرف في لا يكون اسماً مطلقاً – كما يقرر ابن هشام – بذلك لا يجوز أن يدخل عليه حرف جر آخر. وأما [الكاف] فقد تكون اسمية غير أن الشواهد الواردة على اسميتها بعيدة عن هذا التركيب، فتأمل.
[وتجزئ واحدة] عن يمينه. قال الإمام أحمد: عن ستة من الصحابة، وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم.
[ولو لم يقل ورحمة الله] لما روى الخلال، وحرب، عن على، رضي الله عنه أنه صلى على زيد بن الملفق، فسلم واحدة عن يمينه. السلام عليكم.
[ويجوز أن يصلى على الميت من دفنه إلى شهر وشئ] قليل كيوم، ويومين. قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر؟ يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من ستة وجوه كلها حسان وقال: أكثر ما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهر.
[ويحرم بعد ذلك] نص عليه، لأنه لا يتحقق بقاؤه على حاله بعد ذلك، ويصلى على الغائب بالنية لصلاته عليه السلام على النجاشي. قال في الاختيارات: ولا يصلى كل يوم على غائب، لأنه لم ينقل. يؤيده قول الإمام أحمد: إذا مات رجل صالح صلي عليه، واحتج بقصة النجاشي.
فصل في حمله ودفنه
[وحمله ودفنه فرض كفاية] لقوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 1 قال ابن عباس: أكرمه بعد دفنه ولأن في تركهما هتكاً لحرمتها، وأذى للناس بها.
ـــــــ
1 عبس/21.
[لكن يسقط الحمل والدفن والتكفين بالكافر] 1 لأن فاعلها لا يختص بكونه من أهل القربة.
[ويكره اًخذ الأجر على ذلك، وعلى الغسل] لأنها عبادة.
[وسن كون الماشى أمام الجنازة] لقول ابن عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود.
[والراكب خلفها] لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعاً: "الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها" صححه الترمذي.
[والقرب منها أفضل] كالإمام في الصلاة.
[ويكره القيام لها] لقول علي: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قعد رواه مسلم.
[ورفع الصوت معها، ولو بالذكر والقرآن] لحديث: "لا تتبع الجنازة بصوت، ولا نار" رواه أبو داود.
[وسن أن يعمق القبر، ويوسع بلا حد] لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: "احفروا، وأوسعوا، وأعمقوا" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه. وقوله للحافر: "أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين" رواه أحمد، وأبو داود. قال أحمد: يعمق إلى الصدر، لأن الحسن، وابن سيرين كانا يستحبان ذلك.
[ويكفي ما يمنع، السباع، والرائحة] لأنه حصل به المقصود.
[وكره إدخال الخشب وما مسته نار] كآجر تفاؤلاً أن
ـــــــ
1 هذه الجملة كانت غير واضحة في الأصل وصححت من مخطوطات المتن.
لا يمس الميت نار. وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون اللبن، ويكرهون الخشب، والآجر.
[ووضع فراش تحته، وجعل مخدة تحت رأسه] نص عليه، لما روي عن ابن عباس أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شئ ذكره الترمذي، وعن أبي موسى لا تجعلوا بيني، وبين الأرض شيئاً.
[وسن قول مدخله القبر: "بسم الله، وعلى ملة رسول الله"] رواه أحمد، والترمذي وقال: حسن غريب.
[ويجب أن يستقبل به القبلة] لقوله صلى الله عليه وسلم، في الكعبة: "قبلتكم أحياء، وأمواتاً" ولأنه طريقة المسلمين بنقل الخلف عن السلف.
[ويسن على جنبه الأيمن] لأنه يشبه النائم، وهذه سنته.
[ويحرم دفن غيره عليه أو معه] لأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يدفن كل ميت في قبر" .
[إلا لضرورة] لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى يوم أحد، كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد، ويسأل أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقدمه فى اللحد حديث صحيح.
[وسن حثو التراب عليه ثلاثاً، ثم يهال] لحديث أبي هريرة قال فيه: فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً. رواه ابن ماجه. وللدارقطني معناه من حديث عامر بن ربيعة، وزاد وهو قائم.
[واستحب الأكثر تلقينه بعد الدفن] لحديث أبي أمامة فيه. رواه أبو بكر عبد العزيز في الشافي، ويؤيده حديث "لقنوا موتاكم لا إله
إلا الله" وسئل أحمد عنه، فقال: ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام. قال: وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه. وفي الإختيارات: الأقوال فيه ثلاثة: الكراهة، والاستحباب، والإباحة وهو أعدلها.
[يسن رش القبر بالماء] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، رش على قبر ابنه إبراهيم ماء، ووضع عليه حصباء رواه الشافعي.
[ورفعه قدر شبر] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر. رواه الشافعي.
[ويكره تزويقه، وتجصيصه، وتبخيره] لقول جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يقعد عليه رواه مسلم، زاد الترمذي وأن يكتب عليها.
[وتقبيله، والطواف به] والصحيح تحريمه، لأنه من البدع، وقد روي أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات.
[والإتكاء إليه] لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً قد اتكأ على قبر، فقال: "لا تؤذه" .
[والمبيت والضحك عنده، والحديث في أًمر الدنيا] لأنه غير لائق بالحال.
[والكتابة عليه، والجلوس، والبناء] لما تقدم. فإن كان البناء مشرفاً وجب هدمه، لقوله صلى الله عليه وسلم، لعلي: "لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" رواه مسلم.
[والمشي بالنعل، إلا لخوف شوك، ونحوه] لحديث بشير بن الخصاصية قال: بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: "يا صاحب السبتيتين اًلق سبتيتيك" 1 فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلعهما، فرمى بهما. رواه أبو داود. قال أحمد: إسناده جيد.
[ويحرم إسراج المقابر، والدفن بالمساجد] وكذا بناء المساجد على القبور لقول ابن عباس: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد، والسرج رواه أبو داود، والنسائي.
[وفي ملك الغير، وينبش] ما لم يأذن مالكه.
[والدفن بالصحراء أفضل] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ولم تزل الصحابة والتابعون، ومن بعدهم، يقبرون في الصحارى.
[وإن ماتت الحامل حرم شق بطنها] لأنه هتك حرمة متيقنة لإبقاء حياة متوهمة، واحتج أحمد بحديث عائًشة مرفوعاً: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي" رواه أبو داود، ورواه ابن ماجه عن أم سلمة، وزاد: "في الإثم".
[وأخرج من النساء من ترجى حياته] بأن كان يتحرك حركة قوية، وانفتحت المخارج، وله ستة أشهر فأكثر، ولا يشق بطنها، لما تقدم.
ـــــــ
1 الرواية الصحيحة "يا صاحب السبتيتين ألقهما" والتعال السبتية من السبت وهو الحلق لأن شعرها قد حلق عنها، والمراد بها جلود البقر وكل جلد مدبوغ.
[فإن تعذر لم تدفن حتى يموت] الحمل لحرمته.
[وإن خرج بعضه حياً شق الباقى] لتيقن حياته بعد أن كانت متوهمة.
فصل في التعزية وزيارة القبور
[تسن تعزية المسلم] لحديث عمرو بن حزم مرفوعاً: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الجنة" رواه ابن ماجه. وعن ابن مسعود مرفوعاً: "من عزى مصاباً فله مثل أجره" رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: غريب.
[إلى ثلاثة أيام] بلياليهن لأنها مدة الإحداد المطلق. قال المجد: إلا إذا كان غائباً فلا بأس بتعزيته إذا حضر.
[فيقال له: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك] لأن الغرض الدعاء للمصاب، وميته، وروى حرب عن زرارة بن أبي أوفى قال: عزى النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً على ولده فقال "آجرك الله وأعظم لك الأجر" .
[ويقول هو: استجاب الله دعاءك، ورحمنا الله وإياك] رد به الإمام أحمد رحمه الله.
[ولا بأس بالبكاء على الميت] لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب. ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه – ويرحم" متفق عليه.
وأخبار النهي محمولة على بكاء معه ندب، أو نياحة. قال المجد: إنه كره كثرة البكاء والدوام عليه أياماً كثيرة.
[ويحرم الندب: وهو البكاء مع تعداد محاسن الميت، والنياحة: وهي رفع الصوت بذلك برنة] لقوله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} 1 قال أحمد: هو النوح، فسماه معصية، وقالت أم عطية: أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم، في البيعة أن لا ننوح متفق عليه. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن النائحة والمستمعة.
[ويحرم شق الثوب، ولطم الخد، والصراخ، ونتًف الشعر، ونشره، وحلقه] لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" وعن أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وسلم، برئ من الصالقة2، والحالقة، والشاقة متفق عليهما.
[وتسن زيارة القبور للرجال] نص عليه، وحكاه النووي إجماعاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم الموت" رواه مسلم. وللترمذي "فإنها تذكر الآخرة" وهذا التعليل يرجح أن الأمرللإستحباب، وإن كان وارداً بعد الحظر. بلا سفر لعدم نقله، وللحديث الصحيح: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" .
[وتكره للنساء] لأن النهي المنسوخ يحتمل أنه خاص بالرجال،
ـــــــ
1 الممتحنة من الآية/12.
2 الصلق، كما في اللسان: الصوت الشديد. وفي الحديث "ليس منا من صلق أو حلق" أي: ليس منا من رفع صوته عند المصيبة ولا من حلق شعره.
فدار بين الحظر والإباحة، فأقل أحواله الكراهة، ويؤيده حديث ابن عباس مرفوعاً: "لعن الله زوارات القبور" رواه أهل السنن. قال في الكافي: فلما زال التحريم بالنسخ بقيت الكراهة، ولأن المرأة قليلة الصبر، فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة، فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله، بخلاف الرجل. انتهى. وعنه: لا يكره لعموم قوله "فزوروها" ولأن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهما رواه الأثرم.
[وإن اجتازت المرأة بقبر فى طريقها، فسلمت عليه، ودعت له فحسن] لأنها لم تخرج لذلك.
[وسن لمن زار القبور أو مر بها أن يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم، والمستأخرين. نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفرلنا ولهم] للأخبار الواردة بذلك عن أبي هريرة، وبريدة، وغيرهما رواها أحمد، ومسلم. وقوله إن شاء الله للتبرك، أو في الموت على الإسلام، أو في الدفن عندهم.
[وابتداء السلام على الحي سنة] لحديث "أفشوا السلام" وما بمعناه.
[ورده فرض كفاية] فإن كان واحداً تعين عليه لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} 1 وعن علي مرفوعاً: "يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم" رواه أبو داود.
ـــــــ
1 النساء من الآية/85.
[وتشميت العاطس إذا حمد فرض كفاية، ورده فرض عين] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا عطس أحدكم، فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله" وعنه أيضاً: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل أخوه، أو صاحبه: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم" رواه أبو داود.
[ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس] قاله أحمد.
وفي الغنية: يعرفه كل وقت، وهذا الوقت آكد. وقال ابن القيم: الأحاديث، والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور، وسمع كلامه وأنس به. وهذا عام في حق الشهداء، وغيرهم، وأنه لا توقيت في ذلك. انتهى.
[ويتأذى بالمنكر عنده، وينتفع بالخير] قال الشيخ تقي الدين: استفاضت الآثار بمعرفة الميت بأحوال أهله، وأصحابه في الدنيا، وأن ذلك يعرض عليه، وجاءت الآثار بأنه يرى أيضاً، وبأنه يدري بما فعل عنده، ويسر بما كان حسناً، ويتألم بما كان قبيحاً. انتهى.
كتاب الزكاة
كتاب الزكاةوهي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" متفق عليه.
[شرط وجوبها خمسة أشياء. أحدها: الإسلام، فلا تجب علىالكافر، ولو مرتداً] لأنها من فروع الإسلام، لحديث معاذ "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ماتدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوكً لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم" متفق عليه.
[الثاني: الحرية، فلا تجب على الرقيق] في قول الأكثر، فإن ملكه سيده مالاً، وقلنا لا يملك فزكاته على سيده، وهو مذهب سفيان. و إسحاق. وعنه: لا زكاة على واحد منهما. قال ابن المنذر: وهذا قول ابن عمر، وجابر، ومالك. قاله في الشرح.
[ولو مكاتباً] قال في الشرح: لا نعلم أحداً خالف فيه إلا أبا ثور. وعن جابر مرفوعاً: "ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق" رواه الدارقطني.
[لكن تجب على البعض بقدر ملكه] من المال بجزئه الحر لتمام ملكه عليه.
[الثالث: ملك النصاب تقريباً في الأثمان، وتحديداً في غيرها] لما يأتي وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب إلا فى السائمة. روي ذلك عن علي، وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة.
[الرابع: الملك التام، فلا زكاة على السيد في دين الكتابة] قال في الشرح: بغير خلاف علمناه.
[ولا في حصة المضارب] من الربح.
[قبل القسمة] نص عليه. ومن له دين على ملئ زكاه إذا قبضه لما مضى، وبه قال علي والثوري. وقال عثمان، وابن عمر، والشافعي، و إسحاق، وأبو عبيد: عليه إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه. وعن عائشة: ليس في الدين زكاة وعن ابن المسيب: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. وفي الدين على غير الملئ، والمجحود، والمغصوب، والضائع روايتان، إحداهما: لا تجب فيه، وهو قول إسحاق، وأهل العراق، لأنه خارج عن يده، وتصرفه أشبه دين الكتابة. والثانية: يزكيه إذا قبضه لما مضى، وهو قول الثوري، وأبي عبيد، لقول علي في الدين المظنون: إن كان صادقاً فليزكه إذا قبضه، لما مضى وعن ابن عباس نحوه رواهما أبو عبيد. وعن مالك: يزكيه إذا قبضه لعام واحد، قاله في الشرح.
وفي حديث ابن عبد العزيز كتب إلى ميمون بن مهران في مظالم كانت في بيت المال أن يردها على أربابها، ويأخذ منها
زكاة عامها، فإنها كانت مالاً ضماراً. المال الضمار: الغائب الذي لا يرجى، وإذا رجي فليس بضمار، وإنما أخذ منه زكاة عام واحد، لأن أربابه ما كانوا يرجون رده عليهم، فلم يوجب عليهم زكاة السنين الماضية وهو في بيت المال. رواه مالك في الموطأ بمعناه.
[الخامس: تمام الحول] لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه.
[ولا يضر لو نقص نصف يوم] ونحوه. صححه في تصحيح الفروع، لأنه يسير.
[وتجب في مال الصغير والمجنون] لقوله صلى الله عليه وسلم: "ابتغوا في أموال اليتامى كيلا تأكله الزكاة" رواه الترمذي. وروي موقوفاً على عمر.
[وهي في خمسة أشياء: في سائمة بهيمة الأنعام، وفي الخارج من الأرض وفى العسل، وفي الأثمان. وفي عروض التجارة] لما يأتي مفصلاً.
[ويمنع وجوبها دين ينقص النصاب] في الأموال الباطنة رواية واحدة، لأن عثمان قال بمحضر من الصحابة: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم رواه أبو عبيد. ولم ينكر فكان إجماعاً. وفي الأموال الظاهرة روايتان، إحداهما: يمنع، وهو قول إسحاق. والثانية: لا يمنع، وهو قول مالك، والشافعي، قاله في الشرح.
[ومن مات، وعليه زكاة أخذت من تركته] نص عليه، ولو لم يوص بها: لحديث "فدين الله أحق بالوفاء" .
باب زكاة السائمة
باب زكاة السائمة[تجب فيها بثلاثة شروط. إحداها: أن تتخذ للدر، والنسل، والتسمين، لا للعمل] قال أحمد: ليس في العوامل زكاة.
[الثاني: أن تسوم - اًي ترعى - المباح أكثر الحول] لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعاً: "في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. وفي حديث الصديق مرفوعاً: "وفي الغنم في سائمتها، إذا كانت أربعين ففيها شاة" الحديث. وفي آخر: "إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاةً شاةً واحدةً فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها" فقيد بالسوم.
[الثالث: أن تبلغ نصاباً فأقل نصاب الإبل خمس، وفيها شاة، ثم في كال خمس شاة إلى خمسة وعشرين، فتجب بنت مخاض وهي ما تم لها سنة] إجماعاً في ذلك كله.
[وفي ست وثلاثين، بنت لبون - لها سنتان - وفي ست وأربعين حقة - لها ثلاث سنين - وفي إحدى وستين جذعة - لها أربع سنين - وفي ست وسبعين ابنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان] إلى مائة وعشرين. هذا كله مجمع عليه. قاله في الشرح.
[وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين، فيستقر فى كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة] لحديث أنس
أن أبا بكر الصديق كتب له حين وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل، فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبخاري، وقطعه في مواضع.
فصل في زكاة البقر
[وأقل نصاب البقر، أهلية كانت، أو وحشية ثلاثون. وفيها تبيع - وهو ما له سنة - وفي أربعين مسنة - لها سنتان - وفى ستين تبيعان، ثم فى كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة] لقول معاذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة الحديث. رواه أحمد.
فصل في زكاة الغنم
[وأقل نصاب الغنم ، أهلية كانت ، أو وحشية] وهي غير الظباء. قال بعضهم : يذكرونها ، ولا تعلم ، ولعلها توجد في بعض الأمكنة.
[أربعون . وفيها شاة : لها سنة ، جذعة ضأن : لها ستة أشهر] لقول سعر بن ديسم أتاني رجلان على بعير ، فقالا : إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتؤدي صدقة غنمك . قلت : فأي شئ تأخذان ؟ قالا : عناق جذعة ، أو ثنية رواه أبو داود . ولأن هذا السن هو المجزئ في الأضحية . كذلك في الزكاة .
[وفي مائة وإحدى وعشرين: شاتان . وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه. ،ثم في كل مائة شاة] لما روى أنس في كتاب الصدقات : وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ، فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففيها شاتان ، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث ، ففيها ثلاث شياه ، فإذا زادت على ثلاثمائة ، ففي كل مائة شاة ، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةً ، شاةً واحدة فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها رواه أحمد، وأبو داود.
فصل في الخلطة
[وإذا اختلط اثنان فأكثر من أهل الزكاة في نصاب ماشية لهم جميع الحول، واشتركا فى المبيت، والمسرح، والمحلب، والفحل، والمرعى زكيا كالواحد. ولا تشترط نية الخلطة، ولا اتحاد المشرب، والراعى، ولا اتحاد الفحل إن اختلف النوع: كالبقر، والجاموس، والضأن، والمعز] لما روى أنس في كتاب الصدقات "ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
[وقد تفيد الخلطة تغليظاً كاثنين اختلطا بأربعين شاة لكل واحد عشرون، فيلزمهما شاة] إنصافاً.
[وتخفيفاً كثلاثة اختلطوا بمائة وعشرين شاة، لكل واحد أربعون، فيلزمهم شاة] أثلاثاً، ومع عدم الخلطة يلزمهم ثلاث، كل واحدة شاة.
[ولا أثر لتفرقة المال] ولا خلطته. نص عليه، لأن الخبر لا يمكن حمله على غير الماشية. ولا يختلف المذهب في سائر الأموال أن يضم مال الواحد بعضه إلى بعض، تقاربت البلدان أو تباعدت، لعدم تأثير الخلطة فيها. قاله في الكافي.
[ما لم يكن المال سائمة، فإن كانت سائمة بمحلين بينهما مسافة قصر، فلكل حكم نفسه، فإن كان له شياه بمحال متباعدة في كل محل أربعون، فعليه شياه بعدد المحال، ولا شئ عليه إن لم يجتمع له في كل محل أربعون ما لم يكن خلطة] لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة" .
باب زكاة الخارج من الأرض
باب زكاة الخارج من الأرضأجمعوا على وجوبها في الحنطة، والشعير، والتمر والزبيب. حكاه ابن المنذر، وابن عبد البر.
[تجب في كل مكيل مدخر من الحب، كالقمح، والشعير، والذرة، والحمص، والعدس، والباقلاء، والكرسنة، والسمسم، والدخن، والكراويا، والكزبرة، وبزر القطن، والكتان، والبطيخ، ونحوه] 1 لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} 2 وقوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء، والعيون، أو كان عشرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر" رواه البخاري. ويدل على اعتبار الكيل حديث "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" متفق عليه.
[ومن الثمر: كالتمر، والزبيب، واللوز، والفستق، والبندق، والسماق] لما تقدم. وحديث: "لا زكاة في حب، ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق" رواه مسلم. دل على وجوب الزكاة في الحب، والثمر، وانتفائها عن غيرهما، قاله في الكافي.
[ولا زكاة في عنب، وزيتون، وجوز، وتين، ومشمش، وتوت، ونبق، وزعرور، ورمان] لعدم هذه الأوصاف فيها. وقد روى موسى
ـــــــ
1 وفي أصول المتن، والأرز، والمقصود من البطيخ هو بزره.
2 البقرة من الآية /267.
ابن طلحة أن معاذاً لم يأخذ من الخضروات صدقة وله عن عائشة معناه. وروى الأ ثرم بإسناده عن سفيان بن عبد الله الثقفي أنه كتب إلى عمر- وكان عاملاً له على الطائف - أن قبله حيطاناً فيها من الفرسك، والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافاً، فكتب يستأمر في العشر، فكتب إليه عمر أن ليس عليه عشر، هي من العضاه كلها، فليس عليها عشر والفرسك: الخوخ.
[وإنما تجب فيما تجب بشرطين. الأول: أن يبلغ نصاباً، وقدره بعد تصفية الحب، وجفاف الثمر خمسة أوسق، وهي ثلاثمائة صاع] لأن الوسق ستون صاعاً. إجماعاً، لنص الخبر، رواه أحمد، وابن ماجه.
[وبالأرادب: سته وربع، وبالرطل العراقي: ألف وستمائة، وبالقدسي مائتان وسبعة وخمسون، وسبع رطل] لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "ليس فيما دون خمسة أوسق صد قة" رواه الجماعة.
[الثانى: أن يكون مالكاً للنصاب وقت وجوبها، فوقت الوجوب في الحب إذا اشتد، وفى الثمر إذا بدا صلاحها] لأنه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات به، فأشبه اليابس. قاله في الكافي. وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود، فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه رواه أبو داود. فلا زكاة فيما يلقطه اللقاط من السنبل، وما يأخذه أجرة بحصاده، أو يوهب له. نص عليه. قال أحمد: هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة.
فصل:فيما يسقي بكلفة او بدونها
[ويجب فيما يسقى بلا كلفة العشر، وفيما يسقى بكلفة نصف العشر] لحديث ابن عمر مرفوعاً: "فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنًضح نصف العشر" رواه أحمد، والبخاري. وللنسائي، وأبي داود، وابن ماجه: "فيما سقت السماء، والأنهار، والعيون، أو كان بعلاً العشر، وفيما سقي بالسوًاني، والنضح نصف العشر" .[ويجب إخراج زكاة الحب مصفى، والثمر يابساً] لما روى الدارقطني عن عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره أن يخرص العنب زبيباً كما يخرص التمر ولا يسمى زبيباً، وتمراً حقيقة إلا اليابس، وقيس الباقي عليهما.
[فلوا خالف، وأخرج رطبها لم يجزئه، ووقع نفلاً] لما تقدم.
[وسن للإمام بعث خارص لثمرة النخل والكرم إذا بدا صلاحها، ويكفى واحد وشرط كونه مسلماً أميناً خبيراً] لما تقدم. وممن يرى الخرص عمر، وسهل بن أبي حثمة، والقاسم بن محمد، ومالك، والشافعي، وأكثر أهل العلم. قاله في الشرح.
[وأجرته على رب الثمرة] لعمله في ماله عملاً مأذوناً فيه.
[ويجب عليه بعث السعاة قرب الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر]
لفعله صلى الله عليه وسلم.
[ويجتمع العشر، والخراج في الأرض الخراجية] العشر في غلتها، والخراج في رقبتها،
[وهي ما فتحت عنوة، ولم تقسم بين الغانمين كمصر، والشام، والعراق] وما جلا عنها أهلها خوفاً منا، وما صولحوا على أنها لنا، ونقرها معهم بالخراج.
[وتضمين أموال العشر والأرض الخراجية باطل] نص عليه، لأنه يقتضي الإقتصار عليه في تملك ما زاد، وغرم ما نقص، وهذا مناف لموضوع العمالة، وحكم الأمانة. وسئل أحمد في رواية حرب عن تفسير حديث ابن عمر: القبالات ربا قال: هو أن يستقبل القرية، وفيها العلوج، والنخل. فسماه ربا: أي في حكمه في البطلان. وعن ابن عباس: إياكم والربا: ألا وهي القبالات، ألا وهي الذل، والصغار.
[وفي العسل العشر، ونصابه مائة وستون رطلاً عراقية] نص عليه، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها رواه أبو عبيد، والأثرم، وابن ماجه. قال أحمد: أخذ عمر منهم الزكاة، قال الأثرم: قلت ذلك على أنهم يطوعون ؟ قال: لا بل أخذ منهم. وروى الجوزجاني عن عمر أن ناساً سألوه فقالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لنا وادياً باليمن فيه خلايا من نحل، وإنا نجد ناساً يسرقونها. فقال عمر: إذا أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقاً حميناها لكم والفرق: ستة عشر رطلاً عراقية.
[وفي الركاز: وهو الكنز، ولو قليلاً الخمس، ولا يمنع وجوبه الدين]
لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "وفي الركاز الخمس" رواه الجماعة. يصرف مصرف الفئ. نص عليه، لما روى أبو عبيد بإسناده عن الشعبي أن رجلاً وجد ألف دينار مدفونة خارج المدينة، فأتى بها عمر بن الخطاب، فأخذ منها مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة، فقال: أين صاحب الدنانير ؟ فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك فلو كان الخمس زكاة لخص به أهل الزكاة1.
ـــــــ
1 جزم الخرقي أنه زكاة، وتبعه جماعة. واختار ابن حامد: يؤخذ الركاز كله من الذمي لبيت المال.
باب زكاة الأثمان
باب زكاة الأثمان[وهى الذهب، والفضة، وفيها ربع العشر] لحديث عائشة، وابن عمر مرفوعاً: "أنه كان يأخذ من كل عشرين مثقالاً نصف مثقال" رواه ابن ماجه. وفي حديث أنس مرفوعاً: "وفي الرقة1 ربع العشر" متفق عليه.
[إذا بلغت نصاباً فنصاب الذهب بالمثاقيل: عشرون مثقالاً] لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب، ولا في أقل من مائتي درهم صدقة" رواه أبو عبيد.
[وبالدنانير خمسة وعشرون، وسبعا دينار. وتسع دينار] بالدينار الذي زنته درهم، وثمن درهم.
[ونصاب الفضة مائتا درهم] لما تقدم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" رواه أحمد، ومسلم عن جابر، والأوقية أربعون درهماً.
[والدرهم اثنتا عشرة حبة خروب، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم] عشرة الدراهم سبعة مثاقيل.
[ويضم الذهب إلى الفضة فى تكميل النصاب ويخرج من أيهما شاء] لأن زكاتهما ومقاصدهما متفقة.
ـــــــ
1 الرقة: الدارهم المضروبة.
[ولا زكاة في حلي مباح معد لاستعمال أو إعارة] لحديث جابر مرفوعاً: "ليس في الحلي زكاة" رواه الطبراني. قال الإمام أحمد: خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: ليس في الحلي زكاة. زكاته إعارته، وهم أنس وجابر، وابن عمر، وعائشة، وأسماء أختها. وقال الترمذي: ليس يصح في هذا الباب شئ يعني: إيجاب الزكاة في الحلي.
[وتجب في الحلى المحرم] كآنية الذهب، والفضة، لأن الصناعة المحرمة كالعدم.
[وكذا فى المباح المعد للكرى أوالنفقة إذا بلغ نصاباً وزناً] لأن سقوط الزكاة فيما اتخذ لاستعمال، أو إعارة لصرفه عن جهة النماء، فبقي ما عداه على الأصل.
[ويخرج عن قيمته إن زادت] عن وزنه، لأنه أحظ للفقراء.
فصل في التحلي بالذهب والفضة
[وتحرم تحلية المسجد بذهب، أو فضة] لأنه سرف، وتجب إزالته كسائر المنكرات، وتجب زكاته إن بلغ نصاباً، إلا إذا استهلك، فلم يجتمع منه شئ، فلا تجب إزالته لعدم الفائدة فيها، ولا زكاته، لأن ماليته ذهبت. ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أراد جمع ما في مسجد دمشق مما موه به من الذهب فقيل له: إنه لا يجتمع منه شئ، فتركه.
[ويباح للذكر من الفضة الخاتم، ولو زاد على مثقال] لأنه صلى الله عليه وسلم: اتخذ خاتماً من ورق متفق عليه.
[وجعله بخنصر يسار أفضل] قال الدارقطني وغيره: المحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يتختم في يساره. وضعف أحمد في رواية الأثرم، وغيره حديث التختم باليمنى. وفي البخاري من حديث أنس كان فصه منه ولمسلم كان فصه حبشياً.
[وتباح قبيعة السيف فقط، ولو من ذهب] قال أنس كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضة رواه الأثرم. ولأن عمر كان له سيف فيه سبائك من ذهب وعثمان بن حنيف كان في سيفه مسمار من ذهب ذكرهما أحمد.
[وحلية المنطقة] وهي ما يشد به الوسط، لأن الصحابة اتخذوا المناطق محلاة بالفضة.
[والجوشن، والخوذة] قياساً على المنطقة، لمساواتها معنى، فوجب أن تساويها حكماً - والجوشن: الدرع. والخوذة: البيضة - وما دعت إليه ضرورة كأنف لأمره صلى الله عليه وسلم، عرفجة بن أسعد، لما قطع أنفه يوم الكلاب، أن يتخذ أنفاً من ذهب رواه أبو داود، والحاكم. وكذا ربط الأسنان. روى الأثرم عن موسى بن طلحة، وأبي جمرة الضبعي، وثابت البناني، وإسماعيل بن زيد بن ثابت، والمغيرة بن عبد الله أنهم شدوا أسنانهم بالذهب.
[لا الركاب، واللجام، والدواة] ونحوها فتحرم كالآنية.
[ويباح للنساء ما جرت عادتهن بلبسه، ولو زاد على ألف مثقال] لعموم حديث "أحل الحرير، والذهب لإناث أمتي" ولعدم ورود الشرع بتحديده.
[وللرجل والمرأة التحلي بالجوهر، والياقوت والزبرجد] لعدم النهي عنه1.
[وكره تختمهما بالحديد، والنحاس، والرصاص] نص عليه. ونقل مهنا عن أحمد: أكره خاتم الحديد، لأنه حلية أهل النار.
[ويستحب بالعقيق] لحديث "تختموا بالعقيق فإنه مبارك" قال العقيلي: لا يثبت في هذا شئ. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
ـــــــ
1 هذا إذا لم يكن فيه تشبه الرجال بالنساء والعكس. وعندها ذلك محرماً ملعون فاعله بلسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
باب زكاة العروض
باب زكاة العروض[وهي ما يعد للبيع، والشراء لأجل الربح] فتجب الزكاة فيها إذا بلغت قيمتها نصاباً. حكاه ابن المنذر إجماعاً. وعن سمرة بن جندب أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع رواه أبو داود.
[فتقوم إذا حال الحول عليها. وأوله من حين بلوغ القيمة نصاباً بالأحظ للمساكين من ذهب، أو فضة، فإن بلغت القيمة نصاباً وجب ربع العشر، وإلا فلا] احتج أحمد بقول عمر لحماس: أد زكاة مالك، فقال: ما لي إلا جعاب1، وأدم، فقال: قومها، وأد زكاتها رواه أحمد، وسعيد وأبو عبيد، وغيرهم، وهو مشهور.
[وكذا أموال الصيارف] لأنها معدة للبيع، والشراء لأجل الربح.
[ولا عبرة بقيمة آنية الذهب، والفضة بل بوزنها. ولا بما فيه صناعة محرمة، فيقوم عارياً عنها] لأن وجودها كالعدم.
[ومن عنده عرض للتجارة، أو ورثه فنواه للقنية، ثم نواه للتجارة لم يصر عرضاً بمجرد النية] حتى يحول عليه الحول على نية التجارة، لأن القنية هي الأصل، فلا ينتقل عنها إلا بالنية، ويعتبر وجودها في جميع الحول كالنصاب. لقوله في حديث سمرة: "مما نعده للبيع" رواه أبو داود.
ـــــــ
1 الجعبة بفتح الجيم: كنانة النشاب، والجمع جعاب.
[غير حلي اللبس] لأن الأصل وجوب زكاته، فإذا نواه للتجارة، فقد رده إلى الأصل، فيكفي فيه مجرد النية.
[وما استخرج من المعادن، ففيه بمجرد إخراجه، ربع العشر إذا بلغت القيمة نصاباً بعد السبك، والتصفية] لقوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} 1 وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذ من معادن القبلية الصدقة وقدرها ربع العشر لأنها زكاة في الأثمان، فأشبهت زكاة سائر الأثمان. قاله في الكافي. ويشترط بلوغ النصاب لعموم ما تقدم.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/267.
باب زكاة الفطر
باب زكاة الفطر[تجب بأول ليلة العيد، فمن مات، أو أعسر في الغروب فلا زكاة عليه] نص عليه.
[وبعده تستقر في ذمته] لقول ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر من رمضان وذلك يكون بغروب الشمس ليلة العيد، لأنه أول زمن يقع فيه الفطر من جميع رمضان.
[وهي واجبة على كل مسلم] قال ابن المنذر: أجمعوا على أنها فرض، لحديث ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين رواه الجماعة.
[يجد ما يفضل عن قوته، وقوت عياله يوم العيد وليلته] لأن النققة أهم، فيجب البداءة بها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك" رواه مسلم. وفي لفظ: "وابدأ بمن تعول" رواه الترمذي.
[بعدما يحتاج من مسكن، وخادم، ودابة، وثياب بذلة وكتب علم] لأن هذه حوائج أصلية يحتاج إليها كالنفقة.
[وتلزمه عن نفسه، وعن من يمونه من المسلمين] كزوجة وعبد وولد، لعموم حديث ابن عمر: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصدقة الفطر عن الصغير، والكبير، والحر، والعبد ممن تمونون. رواه الدارقطني.
[فإن لم يجد لجميعهم بدأ بنفسه] لحديث: "ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول" .
[فزوجته] لوجوب نفقتها مع الإيسار، والإعسار، لأنها على سبيل المعاوضة.
[فرقيقه] لوجوب نفقته مع الإعسار، بخلاف نفقة الأقارب، لأنها صلة.
[فأمه] لقوله صلى الله عليه وسلم، للأعرابي حين قال: من أبر؟ قال: "أمك" . قال: ثم من؟ قال: "أمك" . قال: ثم من؟ قال: "أباك" .
[فأبيه] لما سبق وحديث "أنت ومالك لأبيك" .
[فولده] لقربه، ووجوب نففته في الجملة.
[فأقرب في الميراث] لأنه أولى من غيره كالميراث.
[وتجب على من تبرع بمؤنة شخص شهر رمضان] نص عليه، لعموم حديث: "أدوا صدقة الفطر عمن تمونون" وروى أبو بكر عن علي، رضي الله عنه زكاة الفطر عمن جرت عليه نفقتك وعنه: لا تلزمه في قول الأكثر، واختاره أبو الخطاب، وصححه في المغني، و الشرح، وحمل نص أحمد على الاستحباب.
[لا على من استأجر أجيراً بطعامه] لعدم دخوله في المنصوص عليهم.
[وتسن عن الجنين] لفعل عثمان رضي الله عنه ولا تجب. قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه لا يوجبها عن الجنين، وتجب على اليتيم.
ويخرج عنه وليه من ماله. لا نعلم أحداً خالف فيه إلا محمد بن الحسن. وعموم حديث ابن عمر يقتضي وجوبها عليه. قاله في الشرح.
فصل في اخراجها
[والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة] لما في المتفق عليه من حديث ابن عمر مرفوعاً وفي آخره: وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة وفي حديث ابن عباس: "من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" وقال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} 1 هو زكاة الفطر.
[وتكره بعدها] خروجاً من الخلاف، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم" رواه سعيد بن منصور. فإذا أخرها بعد الصلاة لم يحصل الإغناء لهم في اليوم كله.
[ويحرم تأخيرها عن يوم العيد مع القدرة] لأنه تأخير للحق الواجب عن وقته وكان عليه الصلاة والسلام، يقسمها بين مستحقيها بعد الصلاة فدل على أن الأمر بتقديمها على الصلاة للإستحباب.
[ويقضيها] من أخرها لأنه حق مالي وجب، فلا يسقط بفوات وقته كالدين. قاله في الكافي.
[وتجزئ قبل العيد بيومين] لقول ابن عمر: كانوا يعطون قبل الفطر بيوم، أو يومين رواه البخاري. وهذا إشارة إلى جميعهم
ـــــــ
1 الأعلى/14.
فيكون إجماعاً، ولأن ذلك لا يخل بالمقصود، إذ الظاهر بقاؤها، أو بعضها إلى يوم العيد.
[والواجب عن كل شخص صاع تمر، أو زبيب، أو بر، أو شعير، أو أقط] لحديث أبي سعيد: كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط متفق عليه.
[ويجزئ دقيق البر، والشعير إذا كان وزن الحب] نص عليه، واحتج على إجزائه بزيادة تفرد بها ابن عيينة من حديث أبي سعيد أو صاعاً من دقيق قيل لابن عيينة: إن أحداً لا يذكره فيه، قال: بل هو فيه رواه الدارقطني. قال المجد: بل هو أولى بالإجزاء، لأنه كفى مؤنته كتمر منزوع نواه.
[ويخرج مع عدم ذلك ما يقوم مقامه من حب يقتات، كذرة، ودخن، وباقلاء] لأنه أشبه بالمخصوص عليه، فكان أولى.
[ويجوز أن يعطي الجماعة فطرتهم لواحد] نص عليه، وبه قال مالك، وأصحاب الرأي، و ابن المنذر.
[وأن يعطي الواحد فطرته لجماعة] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً.
[ولا يجزئ إخراج القيمة في الزكاة مطلقاً] سواء كانت في المواشي، أوالمعشرات، لمخالفته النصوص.
[ويحرم على الشخص شراء زكاته وصدقته، ولو اشتراها من غير من أخذها] لحديث عمر" لا تشتره، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكة بدرهم، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه" متفق عليه.
باب إخراج الزكاة
باب إخراج الزكاة[يجب إخراجها فوراً، كالنذر والكفارة] لأن الأمر المطلق يقتضي الفورية ومنه {وَآتَوُا الزَّكَاةَ} 1 .
[وله تأخيرها لزمن الحاجة] نص عليه وقيده جماعة بزمن يسير.
[ولقريب وجار] لأنها على القريب صدقة وصلة، والجار في معناه.
[ولتعذرإخراجها من النصاب، ولو قدر أن يخرجها من غيره] لأنها مواساة، فلا يكلفها من غيره، فإن أخرجها من غيره جاز.
[ومن جحد وجوبها عالماً، كفر ولو أخرجها] لتكذيبه لله، ولرسوله، وإجماع الأمة، يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل.
[ومن منعها بخلاً، وتهاوناً أخذ منه وعزر] لارتكابه محرماً.
[ومن ادعى إخراجها، أو بقاء الحول، أو نقص النصاب، أو زوال الملك، صدق بلا يمين] لأنها عبادة، وحق لله تعالى، فلا يحلف عليها كالصلاة.
[ويلزم أن يخرج عن الصغير، والمجنون وليهما] نص عليه، لأنه حق تدخله النيابة، فقام الولي فيه مقام المولى عليه، كنفقة وغرامة.
[ويسن إظهارها] لتنتفي عنه التهمة.
[وأن يفرقها ربها بنفسه] ليتيقن وصولها إلى مستحقها. وقال
ـــــــ
1 البقرة من الآية/277.
عثمان رضي الله عنه: هذا شهر زكاتكم. فمن كان عليه دين فليقضه، ثم يزكي بقية ماله وأمرعلي رضي الله عنه، واجد الركاز أن يتصدق بخمسه.
[ويقول عند دفعها: اللهمً اجعلها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً" رواه ابن ماجه.
[ويقول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً] لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} 1 أي: ادع لهم. قال عبد الله بن أبي أوفى كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى متفق عليه.
ـــــــ
1 التوبة من الآية/104.
فصل ويشترط لإخراجها نية من مكلف
[ويشترط لإخراجها نية من مكلف، وله تقديمها بيسير، والأفضل قرنها بالدفع، فينوي الزكاة، أو الصدقة الواجبة] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[ولا يجزئ إن نوى صدقة مطلقة، ولو تصدق بجميع ماله] لأن الصدقة تكون نفلاً، فلا تنصرف إلى الفرض إلا بالتعيين، وكما لو صلى صلاة مطلقة.
[ولا تجب نية الفرضية] اكتفاء بنية الزكاة، لأنها لا تكون إلا فرضاً.
[ولا تعيين المال المزكى عنه] فإن كان له نصابان، فأخرج الفرض عن أحدهما بعينه أجزأه، لأن التعيين لا يضر. قاله في الكافي.
[وإن وكل في إخراجها مسلماً أجزأته نية الموكل مع قرب الإخراج] لأن الفرض متعلق بالموكل، وتأخر الأداء عن النية بزمن يسير جائز.
[وإلا نوى الوكيل أيضاً] لئلا يخلو الدفع إلى المستحق عن نية مقارنة، أو مقاربة. [والأفضل جعل زكاة كل مال في فقراء بلده، ويحرم نقلها إلى مسافة قصر، وتجزئ] لما في حديث معاذ "فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" ولأن عمر أنكر على معاذ لما بعث إليه بثلث الصدقة، ثم بشطرها، ثم بها، وأجابه معاذ بأنه لم يبعث إليه شيئاً، وهو يجد أحداً يأخذه منه رواه أبو عبيد.
[ويصح تعجيل الزكاة لحولين فقط] لما روى أبو عبيد في الأموال عن على أن النبي صلى الله عليه وسلم، تعجل من العباس صدقة سنتين ويعضده رواية مسلم فهي علي ومثلها.
[وإذا كمل النصاب لأمنه للحولين] لنقص النصاب الذي هو سببها فلا يجوز تقديمها عليه. كالكفارة على الحلف. قال في المغني: بغير خلاف نعلمه.
[فإن تلف النصاب، أونقص وقع نفلاً] لانقطاع الوجوب، ولا رجوع له إلا فيما بيد الساعي عند تلف النصاب.
باب أهل الزكاة
باب أهل الزكاة[وهم ثمانية] للآية1 وحديث "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غضيره في الصدقات حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء: فإن كنت من تلك الأجزاء، أعطيتك" رواه أبو داود. فلا يجوز صرفها لغيرهم، كبناء مساجد، وتكفين موتى، ووقف مصاحف. قال في الشرح: لانعلم فيه خلافاً إلا ما روي عن أنس، والحسن.
[1 - الفقير: وهو من لم يجد نصف كفايته] فهو أشد حاجة من المسكين، لأن الله بدأ به، وإنما يبدأ بالأهم، فالأهم.
[2 - المسكين: وهو من يجد نصفها، أو أكثرها] لقول تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} 2 فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال: "اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" رواه الترمذي. فدل على أن الفقراء أشد، فيعطى كل واحد منهما ما يتم به كفايته.
[3 - العامل عليها: كجابي، وحافظ، وكاتب، وقاسم] لدخولهم
ـــــــ
1 التوبة/60، ونصها: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
2 الكهف من الآية/80.
في قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم.
[4 - المؤلف: وهو السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيباً له في الإسلام وعن أبي سعيد قال: بعث علي وهو باليمن بذهيبة، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان، فغضبت قريش، وقالوا: تعطي صناديد نجد وتدعنا؟! فقال: "إني إنما فعلت ذلك أتألفهم" . متفق عليه.
قال أبو عبيد: وإنما الذي يؤخذ من أموال أهل اليمن الصدقة.
[أو يرجى بعطيته قوة إيمانه] لقول ابن عباس في المؤلفة قلوبهم: هم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقة قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك عابوه. رواه أبو بكر في التفسير. [أو إسلام نظيره.]
[أو جبايتها ممن لا يعطيها] لأن أبا بكر، رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم، والزبرقان بن بدر، مع حسن نياتهما وإسلامهما، رجاء إسلام نظرائهما وعدم إعطاء عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، للمؤلفة لعدم الحاجة إليه، لا لسقوط سهمهم، لأنه ثابت بالكتاب والسنة، ولا يثبت النسخ بالاحتمال.
[5- المكاتب] ويجوز العتق منها، لعموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} 1 ويجوز أن يفدي بها أسيراً مسلماً. نص عليه، لأنه فك رقبة.
[6- الغارم: وهو من تدين للإصلاح بين الناس، أو تدين لنفسه وأعسر] لدخوله في قوله تعالى: {...وَالْغَارِمِينَ} وعن أنس مرفوعاً: "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع" رواه أحمد، وأبو داود. وفى حديث قبيصة بن مخارق الًهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها" ، ثم قال " يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رًجل تحمل حمالةً فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك" الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
[7- الغازي في سبيل الله] وإنما يستحقه الذين لا ديوان لهم، فيعطى ولو غنياً، لأنه لحاجة المسلمين. قال في الفروع: ويتوجه أن الرباط كالغزو. ويعطى الفقير ما يحج به الفرض ويعتمر، لحديث "الحج، والعمرة في سبيل الله" رواه أحمد.
[8- إبن السبيل: وهو الغريب2 المنقطع بغير بلده] لحديث أبي سعيد مرفوعاً "لا تحل الصدقة لغني، إلا في سبيل الله أو ابن السبيل
ـــــــ
1 التوبة من الآية/60.
2 وفي هامش الأصل ما يلي: ومن غرم أو سافر بمعصية، لم يدفع إليه وإن تاب فعلى وجهين.
أو جار فقير يتصدق عليه، فيهدي لك أو يدعوك" رواه أبو داود. وفي لفظ: "لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة: للعامل عليها، أو رجل إشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أومسكين تصدق عليه، فأهدى منها لغني" رواه أبو داود وابن ماجه.
[فيعطى الجميع من الزكاة بقدر الحاجة] فيعطى الفقير والمسكين ما يكفي حولاً، والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما، والغازي ما يحتاح إليه لغزوه، وابن السبيل ما يوصله إلى بلده، والمؤلف ما يحصل به التأليف.
[إلا العامل فيعطى بقدر أجرته، ولو غنياً أو قناً] لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعياً ولم يجعل له أجرة، فلما جاء أعطاه. متفق عليه.
[ويجزئ دفعها إلى الخوارج والبغاة] لأن ابن عمر كان يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير، أو نجدة الحروري قال في الشرح: بغير خلاف علمناه في عصرهم.
[وكذلك من أخذها من السلاطين قهراً أواختياراً عدل فيها، أو جار] قال أحمد: قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور، قال: ادفعها إليهم وقال سهيل بن أبي صالح: أتيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: عندي مال، وأريد إخراج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى، قال: ادفعها إليه1 فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد، رضي الله عنهم، فقالوا مثل ذلك وبه قال الشعبي والأوزاعي.
ـــــــ
1 يعني الساعي من قبلهم.
فصل فيمن لاتدفع لهم
[ولا يجزئ دفع الزكاة للكافر] غير المؤلف، لحديث معاذ "تؤخذ من أغنيائهم، فترد إلى فقرائهم" وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الذمي لا يعطى من الزكاة.
[ولا للرقيق] لأًن نفقته على سيده. قال في الشرح: ولا يعطى الكافر، ولا المملوك. لا نعلم فيه خلافاً.
[ولا للغني بمال أو كسب] 1 سوى ما تقدم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب" وقوله: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي" رواهما أحمد وأبو داود.
[ولا لمن تلزمه نفقته] كزوجته، ووالديه، وإن علوا، وأولاده، وإن سفلوا. الوارث منهم وغيره، نص عليه. وقال ابن المنذر: أجمعوا على أنها لا تدفع إلى الوالدين في الحال التي يجبر على النفقة عليهم، ولأن الدفع إلى من تلزمه نفقته يغنيهم عن النفقة، ويسقطها عنه فيعود النفع إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه.
[ولا للزوج] لأنها تنتفع بالدفع إليه، وعنه: يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة ابن مسعود: "زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم" أخرجه البخاري. ولأنه لا تلزمها نفقته، فلم تحرم
ـــــــ
1 هذه الجملة لم تكن واضحة في الأصل وصححت من مخطوطات المتن.
عليه زكاتها، كالأجنبي. وأما الزوجة فلا يجوز دفعها إليها. حكاه ابن المنذر إجماعاً، لوجوب نفقتها عليه.
[ولا لبني هاشم] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. وسواء أعطوا من الخمس أم لا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس" رواه مسلم. ما لم يكونوا غزاة، أو مؤلفة، أو غارمين لإصلاح ذات البين، فيعطون لذلك. وكذا مواليهم، لحديث أبي رافع مرفوعاً: "إنا لاتحل لنا الصدقة، وإن موالي القوم منهم" رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه 1.
[فإن دفعها لغير مستحقها، وهو يجهل، ثم علم لم يجزئه ويستردها منه بنمائها] لأنه لا يخفى حاله غالباً كدين الآدمي.
[وإن دفعها لمن يظنه فقيراً فبان غنياً أجزأه] لقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين: "إن شئتما أعطيتكما منها، ولا حظً فيها لغني" وقال للذي سأله من الصدقة: "إن كنت من تلك الأجزاء أًعطيتك" فاكتفى بالظاهر، ولأن الغني يخفى، فاعتبار حقيقته يشق.
[وسن أن يفرق الزكاة على أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم، على قدر حاجتهم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "صدقتك على ذي الرحم صدقة وصلة" .
[وعلى ذوي الأرحام كعمته، وبنت أخيه] ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق.
[وتجزئ إن دفعها لمن تبرع بنفقته بضمه إلى عياله] اختاره الشيخ
ـــــــ
1 وفي هامش الأصل ما يلي: ولهم الأخذ من صدقة التطوع والنذر ووصايا الفقراء.
تقي الدين، لدخوله في العمومات، ولا نص ولا إجماع يخرجهم، ولحديث زينب، وفيه أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما ؟ قال: "لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة" رواه البخاري.
صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل. الحديث متفق عليه. وعن أنس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان" رواه الترمذي. وعن ابن عباس مرفوعاً: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" - يعني أيام العشر- قالوا: يارسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سًبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه، ثم لم يرجع من ذلك بشئ" رواه البخاري.
[وعلى جاره] لقوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ...1} ِالْجَنْبِ2 ... وحديث "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" متفق عليه.
[وذوي رحمه فهي صدقة وصلة] لقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى} 2 وحديث "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" رواه أحمد وغيره.
[ومن تصدق بما ينقص مؤنة تلزمه، أوأضر بنفسه، أوغريمه أثم بذلك] لقوله صلى الله عليه وسلم "وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى" متفق عليه. وحديث "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه مسلم، وعن أبي هريرة: قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصدقة، فقام رجل فقال: يارسول الله، عندي دينار. قال: "تصدق به على نفسك" . قال: عندى آخر. قال "تصدق به على ولدك"
ـــــــ
1 النساء من الآية/35.
2 النساء من الآية/35.