كتاب : المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
المؤلف : عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد، ابن تيمية
الحراني
ويقبل في معرفة الموضحة وداء الدابة ونحوهما طبيب وبيطار واحد إذا لم يوجد غيره نص عليه.
__________
عليه الرجال كالنكاح وفيه روايتان فجعل الروايتين عامتين في هذا الصنف حتى أدرج فيه التزكية إذا قلنا هي شهادة انتهى كلامه.
وقال القاضي في المجرد عن نص الإمام أحمد على قبول شهادة المرأة الواحدة في الإسلام يخرج من هذا أن كل تعقد ليس من شرط صحته الشهادة كالوصية سواء كانت في المال أو بالنظر والوكالة والكتابة فإنه يثبت بشهادة رجل وامرأتين وبشاهد ويمين لأنه لا يفتقر إلى الشهادة فجاز أن يثبت بذلك كالبيع.
وذكر أبو الخطاب في المسألة شهادة القابلة أنه إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فادعى أنه غير محصن فشهد رجل وامرأتان بإحصانه فانه يرجم وإن لم يكن للنساء مدخل في الشهادة بالحد.
قوله: "وقبل في معرفة الموضحة وداء الدابة وغيرهما1 طبيب وبيطار واحد إذا لم يوجد غيره نص عليه".
كذا قطع بهذه المسألة جماعة من الأصحاب منهم صاحب المستوعب والكافي لأنه مما يعسر عليه إشهاد اثنين فقبل فيه قول الواحد كالرضاع ونحوه ولأنه إذا أمكن إشهاد اثنين اعتبر لأنه الأصل.
قال الإمام أحمد في رواية أحمد بن منصور كل موضع يضطر الناس إليه مثل القابلة تجوز فيه شهادة الطبيب وحده وقال أيضا إذا كان في موضع يضطر إليه إذا لم يكن إلا طبيب واحد وبيطار جاز إذا كان ثقة وقال أيضا يجوز
__________
1 في نسخة: ونحوهما.
ومن أتى برجل وامرأتين أو شاهد ويمين فيما يوجب القود لم يثبت به قود ولا مال وعنه يثبت المال إن كان المجنى عليه عبدا نقلها ابن منصور.
__________
قول بيطار واحد ولم يقيده بضرورة ولا حاجة.
قوله: "ومن أتى برجل وامرأتين أو شاهد ويمين فيما يوجب القود لم يثبت به قود ولا مال".
قطع به القاضي في التعليق وجماعة من الأصحاب وعللوا ذلك بأن القتل يوجب القصاص والمال بدل منه فإذا لم يثبت الأصل لم يجب بدله وإن قلنا موجبة أحد شيئين لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار فلو أوجبنا الدية وحدها أوجبنا معينا وقد تقدم كلام ابن عبد القوي في قوله فإن قلنا بالقبول في الجناية المذكورة.
وقد علل الشيخ تقي الدين هذه المسألة بأن المشهود عليه غير معين قال وهذا التعليل أنما يجئ في بعض الصور إذا كان على العاقلة.
قوله: "وعنه يثبت المال إن كان المجني عليه عبدا نقلها ابن منصور".
قال الشيخ تقي الدين لاختلاف المستحق في العبد كما في الحدود والحقوق لكن في الواجب أحدهما وهناك جميعهما كما أن في القود شيئين لو أخذ فهي أربعة أقسام لأنه إما الاثنان أو أحدهما على البدل لواحد أو لاثنين لكن إن كان الحقان لاثنين متلازمين كالخلع لم يقبل وإن كانا غير متلازمين كالقطع والتعزيز قبلت فصارت خمسة انتهى كلامه.
وقال بعض أصحابنا الموجودين في هذا الزمان إن تعليل الرواية باختلاف المستحق فيه نظر قال وإنما وجهها أن العبيد أموال هذا هو الأصل والمقصود بهم وإن قلنا بالقود بخلاف الأحرار انتهى كلامه وفيه نظر أيضا.
وذكر ابن عبد القوي هذه الرواية فقال وعنه يثبت المال إن كان المجني عليه رقيقا للمدعي لأوليائه نقلها ابن منصور ولم يعللها وقال في الرعاية الكبرى
ومن أتى بذلك في سرقة ثبت له المال دون القطع.
وإن أتى بذلك رجل في خلع ثبت له العوض.
فأما البينونة فتثبت بمجرد دعواه.
وإن أتت بذلك امرأة ادعت الخلع لم يثبت به.
__________
وعنه إن كان المجني عليه عبدا أو حرا أولا قود فيه ثبت المال.
قوله: "ومن أتى بذلك في سرقة ثبت له المال دون القطع".
تقدمت في قوله فإن قلنا بالقود في الجناية المذكورة.
وقال ابن عبد القوي ولقائل أن يقول ولم لا يثبت القطع تبعا لثبوت السرقة كما يثبت رجم المحصن تبعا لثبوت الإحصان باثنين انتهى كلامه.
وفيه نظر لأنه لا يلزم من ثبوت الأدنى وهو المال بشاهده ثبوت الحد وهو الأعلى مع عدم شاهده وهو انتفاؤه بالشبهة والرجم لم يثبت تبعا وإنما ثبت بشهود الزنا وشاهدي الإحصان والسرقة لم تثبت ولهذا قال أبو الخطاب في هذه المسألة تثبت شهادتهن في أخذ مال مطلق لا أخذ يوجب الحد.
قوله: "وإن أتى بذلك رجل في خلع ثبت له العوض".
لأنه يدعي مالا كما يثبت مقدار عوضه والمهر بها إذا اختلفا فيها.
قوله: "فأما البينونة فتثبت بمجرد دعواه" لإقراره بها.
قال في الرعاية الكبرى وقيل بل بذلك.
قوله: "وإن أتت بذلك امرأة ادعت الخلع لم يثبت به".
لأنه ليس بمال ولا يقصد منه بخلاف دعوى الزوج فإن قصده عوضه لقدرته على مفارقتها بالطلاق.
وإن أتى بذلك رجل ادعى على آخر بيده أمة لها ولد أنها أم ولده وإن ولدها ولده حكم له بالأمة وأنها أم ولد وفي ثبوت حرية الولد ونسبه منه روايتان وقيل يثبت نسبه بدعواه وإن بقيناه للمدعى عليه.
ومالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والولادة والحيض والرضاع ونحوه تقبل فيه امرأة.
__________
قوله: "وإن أتى بذلك رجل ادعى على آخر بيده أمة لها ولد أنها أم ولده وأن ولدها ولده حكم له بالأمة".
لأنه يدعي ملكها لأن أم الولد مملوكة له وقد أقام بينة كافية في الملك.
قوله: "وأنها أم ولده".
أما حكم ثبوت الاستدلال فواضع لكن هل حصل بقول البينة أو بإقراره ظاهر كلام غير واحد أنه حصل بقول البينة وصرح بعضهم بأنه ليس بمراد وأنه إنما حصل بإقراره وقطع به في المغني لأن المدعي مقر بأن وطأها كان في ملكه وإقراره يثبت في ملكه.
قوله: "وفي ثبوت حرية الولد ونسبه منه روايتان".
أي من مدعيه وللشافعي أيضا قولان أحدهما يثبت لأن الولد نماء الجارية وقد ثبتت له ومن ثبت له العين له نماؤها زاد بعضهم في تعليلها ثم يثبت نسبة وحريته بإقراره والثانية لا يثبت نصره في المغني بأنه إنما يدعي حريته ونسبه وهذه البينة لا تصلح لإثبات ذلك فعلى هذا يبقى الولد في يد المدعي عليه مملوكا له.
قوله: "وقيل يثبت نسبه بدعواه وإن بقيناه للمدعى عليه".
احتياطا للنسب مع أنه لا ضرر على أحد فيه وهو منفعة للولد.
قوله: "ومالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والولادة والحيض والرضاع ونحوه تقبل فيه امرأة".
وعنه يفتقر إلى امرأتين.
__________
لا بد من عادة أو غالبا قاله الشيخ تقي الدين وغيره وهو صحيح وهذا هو المنصوص في المذهب وذكر القاضي أنه أصح الروايتين وأن الإمام أحمد نص عليه في رواية الجماعة.
قال في رواية ابن منصور تجوز شهادة امرأة واحدة في الاستهلال والحيض والعدة وفيما لا يطلع عليه إلا النساء وكذلك نقل أبو طالب عنه تقبل شهادة القابلة بالاستهلال هذا ضرورة ويقبل في الرضاع امرأة واحدة.
وقال في رواية الميموني هو موضع ضرورة لا يحضره الرجال ونص في رواية إسماعيل بن سعيد على قبول شهادة امرأة في الاستهلال وقال في رواية أحمد بن سعيد وغيره الشهادة شهادة امرأة واحدة في الرضاع.
قوله: "وعنه يفتقر إلى امرأتين".
قال حنبل قال عمي يجوز في الاستهلال شهادة امرأتين صالحتين وقال الفضل بن عبد الصمد سمعت أبا عبد الله وسئل عن شهادة امرأة واحدة في الرضاع وهل تريد الإضرار قال لا تقبل شهادتها وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شهادة السوداء: "كيف وقد قيل".
وقال مهنا سألت الإمام أحمد عن شهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي فقال لا تجوز شهادتها وحدها وقال لي أحمد بن حنبل قال أبو حنيفة تجوز شهادة القابلة وحدها وإن كانت يهودية أو نصرانية.
وسألت أحمد هو كما قال أبو حنيفة فقال أنا لا أقول لا تجوز شهادة واحدة عليه فكيف أقول بيهودية وهذه الرواية قول مالك لأن كل جنس يثبت به الحق يكفي فيه اثنان كالرجال.
قال الشيخ تقي الدين وعن أحمد ما يقتضي أن قبول الواحدة إنما هو إذا
ـ
لم يكن غيرها وقوله في رواية أبي طالب "تقبل شهادة القابلة بالاستهلال هذه ضرورة" يدل عليه وذكر القاضي عند مسألة تعديل الواحد أنه تجوز شهادة الطبيب في الجراحة وكل موضع يضطر إليه فيه مثل القابلة إذا لم يكن إلا طبيب واحد أو بيطار واحد ومقتضى هذا أنه في العيوب التي تحت الثياب إن وجد امرأتان وإلا اكتفى بواحدة كما في البيطار انتهى كلامه.
وذكر أيضا أن القاضي جعل الشرط في ذلك دون القابلة وقد تقدم وجه هذا.
وقال ابن عقيل في الفنون وهو قول في الرعاية لا تقبل في الولادة شهادة امرأة حاضرة بدلا من القابلة بل يختص ذلك بالقابلة لأنها تتولى ذلك بنفسها وتعمله بيدها وأن الطفل خرج من هذه المرأة وعن الإمام أحمد رحمه الله التوقف في هذه المسألة قال صالح قلت لأبي تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال قال فيها اختلاف كثير قلت إلى أي شيء تذهب قال دعها وقال أبو حنيفة لا يقبل في ذلك إلا رجلين أو رجل وامرأتين ووافق على الولادة وروى ذلك عن عمر رواه سعيد بن منصور بإسناد فيه ضعف وانقطاع وقال تعالى: [282:2] {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية وقال الشافعي لا يقبل من النساء أقل من أربع لأن كل امرأتين كرجل.
ولنا ما تقدم من قبول النبي صلى الله عليه وسلم شهادة أمة في الرضاع.
وعن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما يجوز من الشهود في الرضاع؟ قال: "رجل أو امرأة" قال البيهقي إسناد ضعيف وقد اختلف في متنه وروى المدايني عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة" وعن علي "أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال" رواه أحمد وسعيد
ـ
من رواية جابر الجعفي ولأن هذه شهادة على عورة فقبل فيها شهادة النساء منفردات فقبل فيه شهادة امرأة كالخبر.
قال أبو الخطاب واحتج يعني الخصم بأنها شهادة على الولادة فلم يقبل فيها امرأة كما لو ادعت المطلقة البائن أنها ولدت وجحد المطلق فشهدت امرأة بولادتها فإنه لا يقبل ذلك ولا يلحق النسب بالمطلق كذلك هنا في مسألتنا قالوا وكذلك لو علق طلاقها بالولادة فشهدت امرأة بالولادة وكذلك إذا شهدت باستهلال الولد لا يقبل منها في الإرث.
قلنا لا نسلم جميع ذلك ونقول يثبت النسب ويقع الطلاق ويستحق الميراث ذكره شيخنا وقال هو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية ابن منصور وأبي طالب وهو مذهب أبي يوسف ومحمد وإنما سلمه أبو حنيفة وقال إنما يثبت قول القابلة في الولادة ويثبت الولد بالفراش فإذا زال الفراش بالبينونة لم يثبت النسب وفي الطلاق والميراث لا يثبت إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين يشهدان بالولادة ثم أفرد أبو الخطاب مسألة وقال أبو حنيفة لا يثبت النسب إلا أن يكون النكاح قائما أو يكون الحمل ظاهرا ويقر بالحبل ولا يقبل في الاستهلال والطلاق إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.
وكذا ذكر القاضي المسألة والخلاف مع أبي حنيفة وقال فلا يجوز أن يقال ثبت هناك بإقراره وبظهور الحمل لأن هذا الإقرار والظهور لا عبرة به بدليل أنه لا يصح اللعان عليه ولا الإقرار به لأنه يصير تعلقا بشرط.
ومن الحجة قول علي السابق لأن هذه حجة تامة في ثبوت الولادة فيثبت بها ذلك كرجل وامرأتين وهذا لأن ثبوت النسب يترتب على ثبوت الولادة في حال قيام النكاح بلا خلاف فرتب على ثبوتها مع بقاء حكم النكاح وهو العدة كما لو كان ثبوت الولادة برجلين.
ـ
فصل
قال الشيخ تقي الدين قال أصحابنا والاثنتان أحوط وليس الرجل أحوط من المرأة جعله القاضي محل وفاق انتهى كلامه.
وقال أبو الخطاب فإن قيل فلم قلتم إن الاثنين أحوط فأجاب للخروج من الخلاف قال فأما الحجة فالواحدة والجماعة فيه سواء.
فصل
قال الشيخ تقي الدين حديث أبي مسروعة في الأمة الشاهدة بالرضاع يستدل به على شهادة المرأة الواحدة وعلى شهادة الأمة وعلى أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة على الشهادة وعلى أن الشهادة بالرضاع المطلق تؤثر حملا للفظ المطلق على ماله قدر انتهى كلامه.
فصل
روى الخلال عن الإمام أحمد أنه قال وسئل هل تجوز شهادة امرأة في الاستهلال والحيض والعدة والسقط والحمام كل مالا يطلع عليه إلا النساء تجوز شهادة امرأة واحدة إذا كانت ثقة.
ونص الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه على قبول شهادة المرأة في الحمام يدخله النساء بينهن جراحات.
وقال حنبل قال عمي ولا تجوز إلا فيما لا يراه الرجال.
ووجه ابن عقيل عدم قبول شهادة الصبيان في الجراح في الصحراء بأن قال لأنه لو قبل لأجل العذر لقبل شهادة النساء بعضهن على بعض في الجراح في الحمامات بل حمام النساء لا يدخله رجل قط والصحراء قد لا تخلو من رجل.
فلو جاز هنا لعذر لجاز في شهادة النساء في تجارحهن في الحمامات.
ـ
وقالت المالكية وإحدى الروايات عن أحمد إن الجراحة تدعو إلى قبول شهادتهم في هذا الموضع كما دعت الحاجة إلى قبول شهادة النساء منفردات في الولادة لأنهن يخلون بها قالوا ولهذا قال الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه في المرأة تشهد على مالا يحضره الرجال من إثبات إهلال الصبي وفي الحمام يدخله النساء فيكون بينهن الجراحات.
قال القاضي في التعليق ضمن مسألة شهادة الصبيان الجواب أنه ليس العادة أن الصبيان يخلون في الأهداف أن يكون معهم رجل بل لا بد أن يكون معهم من يعلمهم أو ينظر إليهم فلا حاجة تدعو إلى قبول شهادتهم على الانفراد.
ثم نقول إذا كان الشخص على صفة لا تقبل شهادته لم يجز قبولها وإن لم يكن هناك غيره ألا ترى أن النساء يخلو بعضهن ببعض في المواسم والحمامات وربما يجني بعضهن على بعض ولا تقبل شهادة بعضهن على بعض على الإنفراد وكذلك قطاع الطريق والمحبسون بها لا تقبل شهادة بعضهم على بعض وإن لم يكن معهم غيرهم.
قال الشيخ تقي الدين الصورة التي استشهد بها قد نص الإمام أحمد على خلاف ما قاله لكنه ملحق وعلى المنصوص هنا أن كل مجمع للنساء لا يحضره الرجال لا تقبل شهادتهن فيه كالشهادة على الولادة وليس بين هذا وبين ماسلمه القاضي وغيره فرق إلا أن المشهود به في الحمام ونحوها لا يقع غالبا بخلاف الاستهلال ونحوه فإنه يقع غالبا ولا يشهده إلا النساء ولهذا فرق المالكية بين الصبيان والنساء بأن الصبيان اجتماعهم مظنة القتال بخلاف النساء وأيضا فان الاستهلال ونحوه هو جنس لا يطلع عليه الرجال وجراح الحمام ونحوها جنس يطلع عليه الرجال وإنما كونه في الحمام هو الذي منع الاطلاع وهذا نظير نص أحمد على قبول شهادة البيطار والطبيب ونحوه للضرورة فصارت الضرورة
والرجل فيه كالمرأة.
__________
مؤثر في الجنس وفي العدد فيتوجه على هذا أن تقبل شهادة المعروفين بالصدق وإن لم يكونوا ملتزمين للحدود عند الضرورة مثل الحبس وحوادث البر وأهل القرية الذين لا يوجد فيهم عدل وله أصول أحدها شهادة أهل الذمة في الوصية إذا لم يكن مسلم وشهادتهم على بعضهم في قول الثاني شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال الثالث شهادة الصبيان فيما لا يشهده الرجال ويظهر ذلك بمحتضر في السفر إذا حضر إثنان كافران واثنان مسلمان مصدقان ليسا بملازمين للحدود واثنان مبتدعان فهذان خير من الكافرين والشروط التي في القرآن إنما هي شروط التحمل لا الأداء وقد ذكر القاضي هذا المعنى في مسألة شهادة أهل الكتاب على الوصية فقال لما قاس على شهادة النساء منفردات فقال الضرورة قد تؤثر في الشهادات بدليل شهادة النساء على الإنفراد فيما لا يطلع عليه الرجال.
فإن قيل الأنوثة لا تؤثر في الدين وفي العدالة وهذا يؤثر في العدالة فيما قد اعتبرت فيه.
قيل لا يمنع أن يسقط اعتبارها لأجل الضرورة كما قالوا العدالة معتبرة في ولاية النكاح فسقط اعتبارها بالضرورة وهو إذا كان الأب كافرا والبنت مسلمة جاز أن يزوجها لأنها حال ضرورة وفقد العدالة ليس بأكثر من فقد الصفة في الشهادة وهذا يجوز مع الضرورة كالذكورية هي شرط في الشهادة وتسقط عند الضرورة وهي في الحال التي لا يطلع عليها الرجال.
قوله: "والرجل فيه كالمرأة".
وفي عبارة جماعة كأبي الخطاب والشيخ موفق الدين أنه أولى لكماله ولأن ما قبل فيه قول الرجال كالرواية.
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة
لا تجوز الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي.__________
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة
قوله: "لا تجوز الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي".
أما جواز الشهادة على الشهادة فذكره في المغني بالإجماع.
وقال الإمام أحمد في رواية أبي طالب إنها لا تجوز في الحدود وتجوز في الحقوق قال ليس تختلف الناس في هذا وذلك لأن الحاجة داعية إليها فإنها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على الوقوف وما يتأخر ثبوته عند الحاكم ثم يموت أو يموت شهوده وفي ذلك ضرر ومشقة فوجب القبول كشهود الأصل ونصب القاضي وأصحابه الخلاف في هذه المسألة مع داود فإنه قال لا تجوز الشهادة على الشهادة وتقبل في المال وما يقصد منه المال عند الأئمة الأربعة وهل يختص القول في ذلك كقول أبي بكر وابن حامد وهو قول أبي حنيفة والشافعي في قول لأنه لا يثبت إلا بشاهدين أو لا يختص فيقبل في الجميع كقول مالك والشافعي في قول وهو الصحيح عند أصحابه لعموم الدليل في ذلك أولا يقبل في حد الله ويقبل فيما سواه قدمه غير واحد وهو ظاهر كلام الخرقي لأن حد الله مبني على الستر والدرء بالشبهات بخلاف غيره أولا يقبل في النسب والحد ويقبل فيما عدا ذلك فيه روايتان.
وذكر في المغني أن الدم كالحد ونصر أبو الخطاب والشريف وغيرهما أن الدم كالأموال وذكر القاضي وغيره أن الحد رواية واحدة في عدم القبول ورواية القبول ذكرها في الإفصاح والرعاية وغيرها وقد قال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن الشهادة على الشهادة فقال جائزة.
ولا يحكم بها إلا إن تعذر شهادة الأصل بموت أو مرض أو غيبة إلى مسافة القصر وقيل إلى مسافة لا تتسع للذهاب والعود في اليوم.
__________
قوله: "ولا يحكم بها إلا إن تعذر شهادة شهود الأصل بموت أو مرض أو غيبة".
زاد في المغني وغيره أو خوف من السلطان أو غيره وهذا قول الأئمة الثلاثة لأن الأدنى لا يقبل مع القدرة على الأقوى وكسائر الإبدال.
وقال ابن عبد القوي مع ذلك أ حبس وفي معناه الجهل بمكانهم ولو في المصر انتهى كلامه.
وقال أبو يوسف ومحمد تقبل شهادة حاضر في المصر.
وقال الشيخ تقي الدين متوجه على قولنا إن شهادة الفرع خبر ولو كان الأصل في المجلس لم تقبل الفروع ذكره يعني القاضي محل وفاق وقد علل يعني القاضي بالمشقة على شهود الأصل في الحضور وهذا تتعدد أسبابه قال يعني القاضي ويحتمل أن نعتبر سفرا تقصر فيه الصلاة ويحتمل أن لا يعتبر ذلك وتجوز مع الغيبة القصيرة لأن مشقة السفر القصير أكثر من مشقة المريض المقيم في البلد انتهى كلامه.
قوله إلى مسافة القصر.
قطع به في المستوعب وغيره ورجحه غير واحد وهو قول الثلاثة لأن مادونه في الحاضر.
قوله وقيل إلى مسافة لا تتسع للذهاب والعود في اليوم الواحد.
ذكره القاضي في موضع وبه قال أبو يوسف وأبو حامد والشافعي للمشقة في ذلك بخلاف مادون اليوم وفي المسألة قول آخر تقدم.
وعنه لا يحكم بها حتى يموت الأصول.
فعلى الأولى إن شهد الفروع فلم يحكم حتى حضر الأصول أو صحوا وقف حكم الحاكم على سماعه منهم وإن حدث فيهم مالو حدث فيمن أقام الشهادة منع الحكم بها منعه ههنا.
__________
قوله: "وعنه لا يحكم بها حتى يموت الأصول".
نص عليه في رواية جعفر بن محمد وغيره إذا كان حيا وهو غائب لم يشهد على شهادته إلا أن يكون موتا لأنه لا يؤمن أن يتغير عن حاله لما يحدث من الحوادث انتهى كلامه وروى عن الشعبي.
قوله: "فعلى الأولى إن شهد الفروع فلم يحكم حتى حضر الأصول أو صحوا وقف حكم الحاكم على سماعه منهم".
لأنه قدر على الأصل قبل العمل بالبدل فأشبه المتيمم يقدر على الماء.
قوله: "وإن حدث فيهم مالو حدث فيمن أقام الشهادة منع الحكم بها منعه ههنا".
هذا قول الحنيفة وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية جعفر بن محمد المذكورة قاله القاضي لإن الحكم مبني عليها كشهود الفرع وغيرهم.
فصل
وإنكار شهود الأصل يمنع قبول شهادة شهود الفرع ذكره القاضي وغيره محل وفاق وكذلك احتج المخالف في الرواية لأنه لو شهد شاهدان على شهادة شاهدين فقال شاهدا الأصل لا نذكر ذلك ولا نحفظه لم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهما كذلك الخبر وكذلك الحاكم إذا ادعى رجل أنه قضى له بحق على فلان ولم يذكر القاضي فأحضر المدعي بينة على حكمه لم يرجع إليها كذلك ههنا
ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل.
__________
قال القاضي والجواب أنا لا نسلم هذا في القاضي بل نقول يرجع وأما شهود الفرع فإننا لم نسمع شهادتهم لأن الشهادة أغلظ حكما وأشق طريقا من الخبر.
قال الشيخ تقي الدين القول في الشهود كالقول في الحكام والمحدثين متوجه.
قوله: "ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل".
نقله محمد بن الحكم وغيره وقال في رواية الميموني لا تجوز شهادة على شهادة إلا أن يشهدك فأما إذا سمعه يتحدث فإنما هو حديث.
ونقل ابن منصور قلت للإمام أحمد قال ابن أبي ليلى السمع سمعان إذا قال سمعت فلانا أجزته وإذا قال سمعت فلانا يقول سمعت فلانا لم يجزه كان هذا شهادة على شهادته لم يشهد عليه قال ما أحسنه.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما لأن الشهادة على الشهادة فيها معنى النيابة والنيابة بغير إذن لا تجوز ولأنه يحتمل أن يكون له في تحمله عذر فلم يشهد مع الاحتمال بخلاف الاسترعاء فانه لا يكون إلا على واجب.
وخرج ابن عقيل هذه المسألة على شهادة المستخفي قياسا فقال في الفصول وهذا يخرج على ما قدمنا في شهادة المستخفي ووجهه أن هذا ينقل شهادته ولا ينوب عنه لأنه لا يشهد مثل شهادته وإنما ينقل شهادته وقال ابن حمدان وإن شهد عدل عند حاكم فعزل فهل الحاكم المعزول يصير فرعا على الشاهد يحتمل وجهين.
قال المغني فإن قيل فلو سمع رجلا يقول لفلان على ألف درهم جاز أن يشهد بذلك فكذا هذا قلنا الفرق بينهما من وجهين.
أحدهما أن الشهادة تحتمل العلم ولا يحتمل الإقرار ذلك.
فيقول أشهده على شهادتي بكذا.
__________
الثاني أن الإقرار أوسع في لزومه من الشهادة بدليل صحته في المجهول وأنه لا يراعى فيه العدد بخلاف الشهادة ولأن الإقرار قول الإنسان على نفسه وهو غير متهم عليها فيكون أقوى منها ولهذا لا تسمع الشهادة في حق المقر ولا يحكم بها.
قوله: "فيقول أشهده على شهادتي بكذا".
قال في المغني فأما إن قال أشهد أني أشهد على فلان بكذا فالأشبه أنه يجوز أن يشهد على شهادته وهو قول أبي يوسف لأن معنى ذلك اشهد على شهادتي أني أشهد لأنه إذا قال أشهد فقد أمره بالشهادة ولم يسترعه وما عدا هذه المواضع لا يجوز أن يشهد فيها على الشهادة انتهى كلامه.
وفي كلام الشيخ تقي الدين أشهد على أني أشهد وقال في الرعاية فيقول أشهدك أو أشهد على شهادتي أني أشهد لزيد على عمرو بكذا أو أني أشهد له عليه بكذا أو أنه عندي طوعا بكذا أو أشهد به عليه إلى أن قال فان سمعه فرعه يقول أشهد له عليه بكذا لم يشهد على شهادته به أو قال أشهدني فلان بكذا أو عندي شهادته عليه بكذا أو لفلان على فلان كذا أو شهدت عليه به أو أقر عندي به فوجهان أقواهما منعه قال وإن سمعه خارج مجلس الحكم يقول عندي شهادة لزيد أو أشهد بكذا لم يصر فرعا.
قال في المغني ولو قال شاهد الأصل أنا أشهد أن لفلان على فلان ألفا فاشهد به أنت عليه لم يجز أن يشهد على شهادته لأنه ما استرعاه بشهادة فيشهد عليها ولا هو شاهد بالحق لأنه ما سمع الاعتراف به ممن هو عليه ولا شاهد بسببه.
ـ
فصل
قال في الكافي ويؤدي الشهادة على الصفة التي تحملها فيقول أشهد أن فلانا يشهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وإن سمعه يشهد عند الحاكم أو يعزو الحق إلى سببه ذكره.
قال في المستوعب في الصورتين الأخيرتين فيقول أشهد على شهادة فلان عند الحاكم بكذا أو يقول أشهد على شهادته بكذا وأنه عزاه إلى واجب فيؤدى على حسب ما تحمل فإن لم يؤدها على ذلك لم يحكم بها الحاكم.
وقال في المسألة الأولى ويشترط أن يؤدي شاهد الفرع إلى الحاكم ما تحمله على صفته وكيفيته.
وقال الشيخ تقي الدين الفرع يقول أشهد على فلان أنه يشهد له أو أشهد على شهادة فلان بكذا فإن ذكر لفظ المسترعي فقال أشهد على فلان أنه قال أشهد أني أشهد فهو أوضح فالحاصل أن الشاهد بما يسمع تارة يؤدي اللفظ وتارة يؤدي المعنى وقال أيضا والفرع يقول أشهد أن فلانا يشهد أو بأن فلانا يشهد فهو أول رتبة والثانية أشهد عليه أنه يشهد أو بأنه يشهد والثالثة أشهد على شهادته.
وقال في الرعاية ويحكي الفرع صورة تحمله ويكفي العارف أشهد على شهادة فلان بكذا والأولى أن يحكي ما سمعه أو يقول شهد فلان عند الحاكم بكذا أو أشهد أن فلانا أشهد على شهادته بكذا.
فرع
فإن سمع شاهدا يشهد عند حاكم فقال آخر أشهد بمثل ما شهد به أو قال وبذلك أشهد أو قال وكذلك أشهد أو قال أشهد بما وضعت به خطي ولم يذكر وقت الأداء ما تحمله وكتب به خطه فقال ابن حمدان يحتمل
أو يسمعه يشهد بها عند الحاكم أو يعزوها إلى سبب وجوبه من قرض أو بيع ونحوه فيجوز وعنه لا يجوز بدون الاسترعاء بحال.
ولا تثبت شهادة شاهدي الأصل إلا بشاهدين فتثبت سواء شهدا على كل واحد منهما أو شهدا على كل شاهد شاهد نص عليه.
وقال ابن بطة لا تثبت إلا بأربعة على كل أصل فرعان.
__________
أوجها الثالث أنه يصح في كذلك وبذلك فقط والقول بالصحة في الجميع أولى.
قوله: "أو يسمعه يشهد بها عند الحاكم أو يعزوها إلى سبب وجوبه من قرض أو بيع ونحوه فيجوز وعنه لا يجوز بدون الاستبرعاء بحال".
منهم من يحكي وجهين ومنهم من يحكي روايتين ورواية الجواز ذكر في الرعاية أنها أشهر وهو مذهب الشافعي لأنه يزول الاحتمال بذلك فهو كما لو استرعاه ورواية المنع قطع به القاضي في التعليق وبه قال أبو حنيفة لما تقدم.
قوله: "سواء شهدا على كل واحد منهما أو شهدا على كل شاهد شاهد نص عليه".
في رواية المروزي وجعفر بن محمد وحرب وحكاه أيضا إجماعا قال إلا أن أبا حنيفة أنكره لأن شهادة شاهدي الأصل تجري مجرى الإقرار الواحد لأنهما لو كانا مجرى الإقرارين من رجلين لجاز شهادة أحد شاهدي الأصل مع أجنبي على شهادة الآخر وإذا ثبت هذا فالإقرار الواحد اذا شهد عليه نفسان صح وجاز الحكم به وكما لو شهدا بنفس الحق ولأنهم بدل فاكتفى بمثل عدد الأصل.
قوله: "وقال ابن بطة لا تثبت إلا بإربعة على كل أصل فرعان".
ذكره أبو حفص في تعليقه وكذا حكاه غير واحد وهو أحد قولي الشافعي وذكره في الخلاصة رواية عن الإمام أحمد كما لا يثبت إقرار مقرين بشهادة اثنين
ويتخرج أن تكفي شهادة فرعين بشرط أن يشهدا على كل واحد من الأصلين.
ولا مدخل للنساء في شهود الفرع ولا في أصولهم.
__________
يشهد كل واحد منهما على شاهد واحد ولا من ثبت به أحد طرفي الشهادة لا يثبت به الطرف الآخر كما لا يجوز أن يكون شاهد أصل فرعا مع آخر على شاهد أصل والفرق ظاهر.
قوله: "ويتخرج أن تكفى شهادة فرعين بشرط أن يشهدا على كل واحد من الأصلين".
وقطع به ابن هبيرة عن الإمام أحمد وهو ظاهر ما ذكره في المغني والكافي عن ابن بطة وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في القول الآخر لأنه إثبات حق آدمي بقول عدلين فهو كالشهادة على إقرار نفسين وقد قال في رواية حرب لا تجوز شهادة رجل على شهادة امرأة.
قال القاضي فقد منع أن يكون شهود الأصل نساء فأولى أن يمنع أن يكون شهود الفرع نساء وحملها أبو الخطاب على أنها لا تقبل شهادة الرجل حتى ينضم إليه غيره قال فيخرج من هذه الرواية أنه لا يكفي شاهد واحد.
وذكر القاضي رواية أخرى أنه تقبل شهادة شاهد من شهود الفرع على شاهدي الأصل قال في رواية حرب تقبل شهادة رجل على شهادة رجلين.
وذكر أبو الحسين أن القول الأول الصحيح من المذهب واحتج له بالقياس على أخبار الديانات ثم قال فإن قيل لو كان جاريا مجرى الخبر لجاز أن تقبل شهادة شاهد واحد من شهود الفرع على شهادة شاهدي الأصل كما يقبل خبر الواحد على اثنين قيل في ذلك روايتان.
قوله: "ولا مدخل للنساء في شهود الفرع ولا في أصولهم".
وعنه يدخلن فيهما وعنه يدخلن في الأصول دون الفروع وهو الأصح فإذا شهد رجل وامرأتان على مثلهم أو على رجلين لم يجز إلا على الوسطى ولو شهد رجلان على رجل وامرأتين جاز إلا على الأولى.
__________
نصره القاضي في التعليق ونصره أصحابه أيضا لأنه ليس بمال ولا يقصد منه ويطلع عليه الرجال أشبه القود والنكاح ولأن في الشهادة على الشهادة ضعفا فاعتبر تقويتها باعتبار الذكورية فيها.
قوله: "وعنه يدخلن فيهما".
نصره في المغني وقدمه في الرعاية وقيد جماعة هذه الرواية فيما تقبل فيه شهادتهن مع النساء أو منفردات وحكاه في الرعاية قولا وليس كذلك.
قال القاضي في التعليق إن حربا نقل عن الإمام أحمد ما يقتضي هذه الرواية فقال شهادة امرأتين على شهادة امرأتين تجوز قال ورأيت في جامع الخلال أن هذا قول إسحاق قال شهادة رجل على شهادة امرأتين جائز يحكم به فلا يضاف هذا إلى أحمد وبهذا قال أبو حنيفة لأن القصد من شهادتهن إثبات الحق فكان لهن مدخل كالبيع.
قال الشيخ تقي الدين هذا قياس المذهب في التي قبلها بناء على أن الشهادة على الشهادة تجري مجرى الخبر وإن ألحقناها بثبوت حكم الحاكم قوى المذهب وهذا متوجه جدا فإن شاهد الفرع مسترعى كالحاكم انتهى كلامه.
قوله: "وعنه يدخلن في الأصول دون الفروع وهو الأصح".
هذه طريقته في الكافي وغيره لأنهم قدموا الدخول في الأصول وأطلقوا روايتين في الفروع وبه قال الشافعي لأنها شهادة بمال بخلاف شهادتهن في الفروع.
قوله: "فإذا شهد رجل وامرأتان إلى آخره".
ولا يجوز أن يحكم بالفروع حتى تثبت عدالتهم وعدالة أصولهم وإذا حكم ثم رجع شاهدا الفرع ضمنا ولو قالا لقد بان لنا كذب الأصول أو غلطهم لم يضمنا شيئا.
__________
تفريع واضح على الروايات.
فرع
قال القاضي ولو شهد على شاهدين بأن هذه الدار لزيد وعلى آخرين بأنها لعمرو صح ذكره محل وفاق.
قوله: "ولا يجوز أن يحكم بالفروع حتى تثبت عدالتهم وعدالة أصولهم".
لأن الحاكم يبنى على شهادتهما ومقتضى كلامه الاكتفاء بتعديل شهود الفرع كغيرهم وهو صحيح وذكر في المغني أنه لا يعلم فيه خلافا وقال في الرعاية وفيه نظر ووجهه أن فيه تهمة كما لا يزكى ففيه في الشهادة.
قوله: "وإذا حكم ثم رجع شاهدا الفرع ضمنا".
لأنهما تسببا إلى إتلافه بشهادة الزور فأشبه مالو أتلفوه بأيديهم.
قوله: "ولو قالا لقد بان لنا كذب الأصول أو غلطهم لم يضمنا شيئا".
وفي كلام بعضهم إشارة إلى هذا لأنهما لم يفرطا ولم يتسببا في إتلافه ولأنهما لو ضمنا في هذه الحال أفضى إلى عدم الشهادة على الشهادة وظاهر كلام جماعة الضمان لأن إتلافه حصل بشهادتهم كالتي قبلها والافتراق في الكذب لا يمنع الضمان ويعرف من كلامه أنهما لو قالا لا نعلم أنهم كذبة أو غالطون ضمنا.
وصرح به الشيخ تقي الدين قال لأنه من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين وكذلك كل من شهد على أقرار أو حكم يعلم أنه باطل وإن شهدوا على عقد يعلمون تحريمه انتهى كلامه.
وإن رجع الأصول فقالوا كذبنا أو غلطنا ضمنوا وقيل لا يضمنون ولو قالوا ما أشهدناهم بشيء لم يضمن الفريقان شيئا.
وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض سواء قبض المال أو لم يقبض تالفا كان أو باقيا.
__________
قوله: "وإن رجع الأصول فقالوا كذبنا أو غلطنا ضمنوا".
وقدمه في الرعاية لأن الحكم مبنى على شهادتهم وكذلك تعتبر عدالتهم ولأنهم سبب فضمنوا كالمزكين.
قوله: "وقيل لا يضمنون".
قدمه الشيخ وغيره وتبع أبا الخطاب في ذكره احتمالا بالضمان وقطع به القاضي ونصب الخلاف مع محمد بن الحسن بحصول الإتلاف عقيب شهادة الفروع كالمباشر مع المتسبب.
قوله: "ولو قالوا ما أشهدناهم بشيء لم يضمن الفريقان شيئا".
أما الأصول فلعدم ثبوت ذلك عليهم وأما الفروع فإنه لا تفريط منهم والأصل صدقهم فلا ضمان.
قوله: "وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض سواء قبض المال أو لم يقبض تالفا كان أو باقيا".
قد أطلق في مواضع أن الشاهد يضمن ولم يفرق بين ما قبل التلف وبعده قاله الشيخ تقي الدين وسيأتي في الشاهد واليمين وذكره القاضي محل وفاق وذكر في المغني أنه قول أهل الفتيا من علماء الأمصار لأن حق المشهود له قد وجب فلا يزول إلا ببينة أو إقرار ولم يوجد واحد منهما.
قال الشيخ تقي الدين في كلام أحمد ما ظاهره أنه ينقض الحكم إذا رجعا بعد الحكم ثم إن كان المال باقيا أعيد وإن كان تالفا ضمناه ولفظ رواية ابن
ـ
منصور يقتضي ذلك فإنه قال إذا شهد شهادة ثم رجع عنها وقد أتلف مالا فهو ضامن لحصته فإنما أوجب الضمان إذا تلف المال وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل قضى عليه بشهادة شاهدين فرجع أحد الشاهدين قال يلزمه ويرد الحكم قيل لأبي عبد الله وإذا قضى له بحق بشهادة شاهد ويمين المدعي ثم رجع الشاهد فقال إذا تلف الشيء كان على الشاهد لأنه إنما ثبت ههنا بشهادته ليس اليمين من الشهادة في شيء فقد نص على أن يرد الحكم.
قال إذا تلف الشيء كان على الشاهد وقال أحمد بن القاسم قلت لأبي عبد الله فإن رجع الشاهد عن الشهادة كم يغرم قال المال كله لأنه شاهد وحدة قضى بشهادته ثم قال لي كيف قول مالك فيها قلت لا أحفظه قلت له بعد هذا المجلس إن مالكا كان يقول إن رجع الشاهد فعليه نصف الحق لأني إنما حكمت بشيئين بشهادة ويمين الطالب فلم أره رجع عن قوله وسألته عن رجوع الشهود قبل الحكم وبعده سواء قال لا كيف يكون سواء وقبل الحكم لم يقع شيء ولم يؤخذ من الرجل شيء كيف يكون هذا وذاك سواء هذا قائم بعد بحاله.
فعلم أن الموجب للضمان بعد هذا فعل تلف المال لا مجرد الحكم ولكن جوابه بأن الضمان جميعه على الشاهد دون المال قد يظن أنه لا ضمان معه على الطالب فلا ينقض الحكم لكن مقصود أحمد أن الشاهد هنا يطالب بجميع المشهود به بخلاف ما لو كانا شاهدين فإنه إذا رجع أحدهما لم يطالب إلا بنصفه وروى الأثرم عن ابن أبي شيبة عن وكيع قال قال سفيان إذا مضى الحكم جازت الشهادة ويغرم الشاهد إذا رجع وعن ابن أبي شيبة عن ابن مهدي وغندر عن شعبة عن حماد قال: "يرد الحكم" ثم ذكر نص أحمد قال يلزمه ويرد الحكم انتهى كلامه.
ويلزمهم الضمان ولا يلزم من زكاهم شيء.
وإن رجع شهود العتق غرموا القيمة.
__________
وعن ابن المسيب والأوزاعي ينقض الحكم وإن استوفى الحق كما لو تبين أنهما كانا كافرين قلنا في الأصل لم يوجد شرط الحكم وفي الفرع وجد ظاهرا وكذا باقي الرجوع.
قوله: "ويلزمهم الضمان".
نص عليه ذكره القاضي وغيره كما تقدم وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في المذهب القديم وقال في الجديد لا ضمان عليهما ووافق في العتق والطلاق.
ووجه قولنا أن شهادتهما صارت سببا في الإتلاف وهما متعديان في السبب فضمنا لمحل الوفاق.
فرع
ذكر القاضي أنه لو أقر المشهود له بالعين للمشهود عليه بعد ما حكم له بها الحاكم فإنها تعود إليه على حكم ملك مستقبل1.
قوله: "ولا يلزم من زكاهم شيء".
ذكره القاضي محل وفاق في مسألة رجوع الأصول لأن من زكاه صدقة محتمل وإنما كذبه في رجوعه فلا يلزمهم شيء مع الشك.
قوله: "وإن رجع شهود العتق غرموا القيمة".
وكذا لو صدق العبد الشهود في بطلان الشهادة لم يرجع إلى الرق لأن في الحرية حقا لله تعالى ذكره القاضي محل وفاق فيه وفي الطلاق.
__________
1 بهامش الأصل: فإنها تعود على حكم ملك المستقبل، كذا ذكره القاضي.
وإن رجع شهود بطلاق قبل الدخول غرموا نصف المسمى وإن كان بعده لم يغرموا شيئا وعنه يغرمون المسمى كله.
وإن رجع شهود القود أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف وقيل يستوفى فإذا كان لآدمي كما في الفسق الطارئ.
__________
قوله: "وإن رجع شهود بطلاق قبل الدخول غرموا نصف المسمى".
وفاقا لأبي حنيفة ومالك لا مهر المثل ولا نصفه خلافا لقولي الشافعي لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل مالو أخرجته من ملكه بردة أو رضاع وقد ألزم الزوج نصف المسمى بشهادتهما فرجع كما يرجع به على من فسخ نكاحه.
قوله: "وإن كان بعده لم يعزموا شيئا".
هذا هو الراجح في المذهب وفاقا لأبي حنيفة ومالك خلافا للشافعي في ضمان مهر المثل لأنهما لم يقررا على الزوج شيئا ولم يخرجا من ملكه متقوما كما لو أخرجاه أو غيرهما برضاع أو غيره.
قوله: "وعنه يغرمون المسمى كله".
فإن عدم فما يلزم الزوج من مهر المثل لأنهما فوتا عليه نكاحها كما قبل الدخول وهذه الرواية تدل على أن المسمى لا يتقرر بالدخول فيرجع الزوج على من فوت عليه نكاحها برضاع أو غيره.
قوله: "وإن رجع شهود القود أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف".
هذا هو المشهور وقطع به غير واحد لأنه يدرأ بالشبهة والمال يمكن جبره والقود شرع للتشفى لا للجبر فعلى هذا ذكره ابن الزاغوني في الواضح أن المشهود عليه له الدية إلا أن نقول الواجب القصاص حسب فلا يجب شيء.
قوله: "وقيل يستوفى إذا كان لآدمي كما في الفسق الطارئ".
وإن كان بعده وقالوا أخطانا لزمهم دية ما تلف ويتقسط الغرم على عددهم بحيث لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر وإن رجع منهم خمسة غرموا النصف.
وإن شهد بالمال رجل وثمان نسوة ثم رجعوا لزم الرجل الخمس وكل امرأة العشر.
__________
على خلاف فيه وفرق بأن الشاهد هنا يقر بأن شهادته زور حين شهادته وحين الحكم بها فهو أقوى في الشبهة لأن من طرأ فسقه لا يقر بشيء من ذلك ولو أقر لم يتحقق صدقه في فسقه ولو بعد الاستيفاء لم يضمن شيئا بخلاف الراجع.
قوله: "وإن كان بعده وقالوا أخطأنا لزمهم دية ما تلف".
مخففة لا تحمله العاقلة ويعزران.
قوله: "ويتقسط الغرم على عددهم بحيث لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر وإن رجع منهم خمسة غرموا النصف".
قطع به جماعة ونص عليه أحمد لأنه حصل بقول الجميع كما لو رجعوا جميعا ويحتمل أن يجب على الراجع الجميع لأن الحق إنما ثبت به ذكره ابن الزاغوني وعلى الأول إذا شهد بالقتل ثلاثة وبالزنا خمسة فرجع أحدهم في القتل فالثلث وفي الزنا فالخمس قال في الرعاية الكبرى وقيل لا يلزمهما شيء لبقاء من يكفي فيهما وهو أقيس وهو قول أبي حنيفة ومنصوص الشافعي وإن رجع من ثلاثة القتل اثنان فهل يغرمان النصف أو الثلثين على الوجهين وإن رجع من خمسة الزنا اثنان فهل عليهما الخمسان أو الربع على الوجهين.
قوله: "وإن شهد بالمال رجل وثمان نسوة ثم رجعوا لزم الرجل الخمس وكل امرأة العشر".
وقيل يلزمه النصف وكل امرأة نصف الثمن.
وإذا شهدوا أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الستة لزمتهم الدية أسداسا وقيل يلزم شهود الزنا النصف وشاهدي الإحصان النصف.
__________
قطع به غير واحد وهو قول أبي حنيفة والشافعي لما تقدم ولأن كل امرأتين كرجل.
قوله: "وقيل يلزمه النصف وكل امرأة نصف الثمن".
ذكره القاضي في الجامع الصغير وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن الرجل نصف البينة بدليل رجوعه وحده قبل الحكم وقيل الرجل كأنثى وفيه وعن أبي حنيفة وأصحابه متى رجع من النسوة ما زاد على اثنتين فليس على الراجعات شيء ويكون قولا لنا كما تقدم في التي قبلها وهو قول بعض الشافعية.
قوله: "وإذا شهدوا أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الستة لزمتهم الدية أسداسا".
لأن القتل حصل بقول جميعهم كما لو شهدوا جميعا على الزنا.
قوله: "وقيل يلزم شهود الزنا النصف وشاهدي الإحصان النصف"
لأنه قتل بنوعين فتقسم الدية عليهما وذكر ابن هبيرة عن الإمام أحمد روايتين كالوجهين وقال أبو حنيفة والأظهر عن مالك وأحد الوجهين للشافعية لا ضمان على شهود الإحصان لأنهم شهدوا بالشرط لأن السبب الموجب للقتل ثبت بشهادة الزنا وذكر ابن عقيل مثل هذا في تعليل مسألة الحكم بشاهد ويمين وتشبه هذه المسألة ما لو شهد اثنان بتعليق عتق أو طلاق واثنان بوجود شرطه ثم رجعوا قال في الرعاية فالعزم على كل جهة نصفه وقيل يغرم كله شهود التعليق.
وقيل يلزمه النصف وكل امرأة نصف الثمن.
وإذا شهدوا أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الستة لزمتهم الدية أسداسا وقيل يلزم شهود الزنا النصف وشاهدي الإحصان النصف.
__________
قطع به غير واحد وهو قول أبي حنيفة والشافعي لما تقدم ولأن كل امرأتين كرجل.
قوله: "وقيل يلزمه النصف وكل امرأة نصف الثمن".
ذكره القاضي في الجامع الصغير وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن الرجل نصف البينة بدليل رجوعه وحده قبل الحكم وقيل الرجل كأنثى وفيه وعن أبي حنيفة وأصحابه متى رجع من النسوة ما زاد على اثنتين فليس على الراجعات شيء ويكون قولا لنا كما تقدم في التي قبلها وهو قول بعض الشافعية.
قوله: "وإذا شهدوا أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الستة لزمتهم الدية أسداسا".
لأن القتل حصل بقول جميعهم كما لو شهدوا جميعا على الزنا.
قوله: "وقيل يلزم شهود الزنا النصف وشاهدي الإحصان النصف"
لأنه قتل بنوعين فتقسم الدية عليهما وذكر ابن هبيرة عن الإمام أحمد روايتين كالوجهين وقال أبو حنيفة والأظهر عن مالك وأحد الوجهين للشافعية لا ضمان على شهود الإحصان لأنهم شهدوا بالشرط لأن السبب الموجب للقتل ثبت بشهادة الزنا وذكر ابن عقيل مثل هذا في تعليل مسألة الحكم بشاهد ويمين وتشبه هذه المسألة ما لو شهد اثنان بتعليق عتق أو طلاق واثنان بوجود شرطه ثم رجعوا قال في الرعاية فالعزم على كل جهة نصفه وقيل يغرم كله شهود التعليق.
وإذا حكم في مال بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم المال كله نص عليه.
__________
قوله: "وإذا حكم في مال بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد عن الشهادة غرم المال كله نص عليه".
في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث وأبي الحارث يضمن الشاهد جميع المال ولا يرجع بنصفه على المشهود له وقال إنما ثبت الحق بشهادته.
وكذلك نقل ابن مشيش وابن بختان وهذا قول مالك.
قال الشيخ تقي الدين بنى القاضي المسألة على أن الحكم إنما وقع بالشهادة وإنما اليمين للاحتياط كاليمين مع الشاهدين على الغائب وأن اليمين قول المدعي فلا يحكم له بها وهذه بحوث تشبه بحوث الحنفية فإنهم لا يجعلون اليمين في جنبة المدعي قط ويتوجه للمسألة مأخذ آخر وهو أن اليمين هنا قول آخر فأشبهت دعواه وقبضه فإن الشاهد هو الذي مكنه من أن يحلف ويأخذ كما أن الشاهدين هما اللذان مكناه من أن يأخذ ألا ترى أنه لا يحلف إلا بعد الشهادة بخلاف أحد الشاهدين مع الآخر وحقيقته أن الشاهد متسبب في الإتلاف والحالف مباشر ولم يمكن إحالة الحكم عليه فيحال على السبب وكل واحد من الشاهدين متسبب وهذا فقه جيد يبين به حسن فقه أبي عبد الله.
وقال القاضي في التعليق ضمن مسألة الشاهد إذا ادعى على ميت أو صبي أو مجنون واستحلفه الحاكم مع بينته فإن الحكم بالبينة لا باليمين ذكره محل وفاق فلو رجع الشاهدان هنا ضمنا جميع المال قال وهو يستحلف عندنا إذا ألزمه الحاكم وفيها روايتان مطلقا فاعتذر المخالف بأن اليمين هناك على وجه الاستظهار لأن المدعى عليه لا يعبر عن نفسه واليمين هنا لإثبات الحق فقال لا نسلم أنها لإثبات الحق وإنما هي للاحتياط وإنما يثبت الحق بالشاهد
وقيل يغرم النصف ويضمن شهود التزكية إذا رجعوا عنها ما يضمنه من زكوهم لو رجعوا.
__________
قال الشيخ تقي الدين وهذا يؤيد أن الروايتين في مسألة الغائب أن يحلف على ثبوت الحق المشهود به لا على بقائه كما في الشاهد واليمين إذ لولا ذلك لكان عذر المخالف عن تلك المسألة ظاهرا لأن المحلوف عليه المشهود به.
قوله: "وقيل يغرم النصف".
خرجه أبو الخطاب من رد اليمين على المدعي وهو قول الشافعي وحكاه بعضهم عن مالك ورواية عن الشافعي يرجع بنصفه على المشهود له.
قال الشيخ تقي الدين وهذه العبارة ليست بجيدة إلا فيما إذا رجعا معا وفي هذه الصورة قرار الجميع على المشهود له وأما الشاهد فيضمن إما الجميع وإما النصف ويرجع به.
قوله: "ويضمن شهود التزكية إذا رجعوا عنها ما يضمنه من زكوهم لو رجعوا".
وكذا ذكره الشيخ موفق الدين محل وفاق قاس عليه رجوع شهود الأصل لأن الحكم ينبنى على شهادتهم كشهود الفرع
فصل
قال الشيخ تقي الدين وإذا تبين خطأ الشهود أو كذبهم أو خطأ المزكين فهنا الحكم باطل لكن ينبغي أن تكون الشهادة أو التزكية سببا للضمان والقرار على المتلف بخلاف الرجوع فإنه لا ضمان إلا على الراجع انتهى كلامه.
ولعل هذه المعنى يؤخذ من كلام الشيخ موفق الدين وغيره.
وقال القاضي لو شهدا عليه بالقرض فحكم الحاكم عليه بالمال وسلمه إلى المقرض ثم أقام المشهود عليه البينة بعد ذلك أنه كان قضاه لم يضمن شهود
وإذا رجع شهود الحق قبل الحكم لغت شهادتهم ولم يضمنوا.
__________
القرض لأنه لم يكن في شهادتهم إثبات المال في الحال ولو كانوا شهدوا بأن لفلان عليه ألف درهم فحكم الحاكم بشهادتهم ثم أقام المقضي عليه البينة أنه كان قضاه قبل ذلك ضمن الشهود الذين شهدوا بالمال ذكره محل وفاق مع الحنفية.
قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضى أن خطأ المشهود موجب للضمان كرجوعهم وإن ظهر ذلك ببينة كما قيل في شاهد الزور قد يظهر كذبة بإقرار أو تبيين لكن هنا قالوا ببينة.
قال الشيخ تقي الدين وكذا يجب فإن الشهادة إذا كانت باطلة فسواء علم بطلانها برجوعهم أو بطريق آخر وكذلك التزكية لو ظهر فسق الشهود ضمن المزكون وكذلك يجب أن يكون في الولاية لو أراد الإمام أن يولي قاضيا أو واليا لا يعرفه فسأل عنه فزكاه أقوام ووصفوه بما يصلح معه للولاية ثم رجعوا أو ظهر بطلان تزكيتهم فينبغي أن يضمنوا ما أفسده الوالي والقاضي وكذلك لو أشاروا عليه أو أمروه بولايته فإن الآمر بالأمر بمنزلة الشهادة بالشهادة لكن الذي لا ريب في ضمانه من تعمد المعصية مثل أن يعلم منه الخيانة أو العجز ويخبر عنه بخلاف ذلك أو يأمر بولايته أو يكون لا يعلم بحاله ويزكيه أو يشير به فأما إذا اعتقد صلاحه وأخطأ فهذا معذور والسبب هنا ليس محرما وعلى هذا فالمزكي للعامل من المقرض والمشتري والوكيل كذلك فالتزكية أبدا جنس واحد وأما الأمر فهو نظير التزكية التي هي خبر انتهى كلامه.
قوله: "وإذا رجع شهود الحق قبل الحكم لغت شهادتهم ولم يضمنوا".
وهذا قول عامة العلماء لأنها شرط الحكم فيشترط استدامتها إلى انقضائه كعدالتها ولأن رجوعها يظهر كذبها ولأنه يزول ظنه في أن ما شهد به حق.
وإذا زاد العدل في شهادته أو نقص قبل الحكم.
__________
كما لو تغير اجتهاده وقد قال الإمام أحمد في رواية الأثرم في شاهدين شهدا على رجل بألف درهم فقال أحدهما بعد إقامة الشهادة قد قضاه منها خمسمائة درهم قد أفسد ما شهد به إذا كان بحضرة ذلك ولو جاء بعد هذا المجلس فقال أشهد أن قضاه منها خمسمائة لم يقبل لأنه قد أمضى الشهادة قال ابن عقيل وظاهر هذا من كلامه أنه لم يعتبر حكم الحاكم وإنما اعتبر انقضاء المجلس وهو محمول على أن الإمام أحمد أبطل شهادته في قدر المرجوع فيه قبل أن يحكم الحاكم بشهادتهما.
وقال الشيخ تقي الدين عقيب هذا النص وشهادته بالقضاء رجوع أو بمنزلة الرجوع وقد قال إذا كان في غير ذلك المجلس لم يقبل لأن الشهادة عند الحاكم قد تعلق بها حق المشهود له وثبتت عنده فرجوعه حينئذ كرجوعه بعد الحكم لكن لم يذكر ضمانه للمشهود عليه إما لعدم الحاجة أو كمذهب الشافعي انتهى كلامه.
قوله: "وإذا زاد العدل في شهادته أو نقص قبل الحكم".
قال ابن منصور قلت للإمام أحمد الرجل يغير شهادته ويزيد وينقص قال من الرجل العدل ليس به بأس وقطع به في المستوعب والكافي وغيرهما.
وبه قال أبو حنيفة والثوري وإسحاق أنها شهادة من عدل كغيرها والشهادة شرط الحكم فيجب استمراره على شهادته إلى تمامه لأن ما ذكره محتمل لاحتمال سبق اللسان وقيل يؤخذ بقوله الأول وهو قول مالك لأنه أداها غير متهم كما لو اتصل بها الحكم وقيل ترد شهادته في ذلك مطلقا وهو قول الزهري لأنه مقر بغلط في الأولى ولا يؤمن مثله في الثانية.
أو أداها بعد إنكارها قبلت نص عليه.
وإذا علم الحاكم بشاهد الزور بإقراره أو تبين كذبه يقينا عزره وطاف به حتى يشتهر أمره ويقال إنا وجدناه شاهد زور فاجتنبوه.
__________
قوله: "أو أداها بعد إنكارها قبلت نص عليه".
في رواية ابن منصور إذا قيل له عندك شهادة قال لا ثم شهد بها شهادته جائزة وكذلك ذكره القاضي محل وفاق إذا أنكر الشاهد شهادته ثم شهد بها قبلت وكذلك قطع به جماعة كالمستوعب والكافي لأن ما ذكره محتمل لاحتمال النسيان وقد أشار أحمد إلى هذا فقال ذكر ما لم يقبل ذلك وقيل لا تقبل كالمدعي إذا أنكر أن تكون له بينة فان بينته لا تقبل في المشهور والتفريق بينهما فيه إشكال وفرق القاضي بين مسألة الكتاب وبين المدعي إذا أنكر الشهادة له بأن البينة غير متهمة وصاحب الحق متهم.
قوله: "وإذا علم الحاكم بشاهد الزور بإقراره أو تبين كذبه يقينا عزره وطاف به حتى يشتهر أمره ويقال إنا وجدناه شاهد زور فاجتنبوه".
قال الإمام أحمد في رواية عبد الله وإسحاق بن إبراهيم في شاهد الزور يطاف به في حيه ويشهر أمره ويؤدب أيضا ما به بأس.
وقال في رواية ابن منصور ويقام للناس ويعرف ويؤدب وهكذا في رواية يعقوب يشهر أمره وبهذا قال مالك والشافعي لأنه قول محرم يضر به الناس لا كفارة فيه أشبه السب والقذف ولأن فيه زجرا وذكر القاضي في تعزير الإمام على الظهار وجهين وفرق غيره بأن فيه كفارة وبأنه يختص بنفسه ولو سب نفسه أو شتمها لم يعزر ولو سب غيره وشتمه عزر.
قال الشيخ تقي الدين هذا مع قوله إن كل معصية لا حد فيها ولا كفارة يجب فيها التأديب والتعزير انتهى كلامه.
ـ
وقال أبو حنيفة لا يعزر ثم حكى أنه يوقف في قومه ويقال إنه شاهد زور وحكي عنه عدمه ووافق أنه إذا كان مصرا فعل به ذلك لكن إذا ظهر منه الندم والتوبة لم يعزر وقد روى عن عمر رضي الله عنه أنه كتب فيه أن يجلد ظهره وفي رواية أربعين ويسخم وجهه ويطال حبسه ويطاف به وفي رواية يحلق رأسه والأسانيد فيها ضعف.
فتأولت الحنفية ذلك على أنه كان مصرا ولهذا جمع بين التعزير والحبس والتسخيم قالوا وعندكم يفعل التسخيم والحبس والتعزير فقال القاضي الظاهر يقتضي الجمع بينهما لكن قام دليل الإجماع على إسقاط الحبس.
قال الشيخ تقي الدين قال الإمام أحمد يؤدب والأثران عن عمر هو رواهما فلعل الأدب عنده هو ما رواه عن عمر انتهى كلامه.
ونقل عنه حنبل يحكم فيه السلطان بما يرى وقال في رواية مهنا يبعث به إلى مجلسه ثم يقولون هذا فلان شهد بالزور اعرفوه فقلت له ثم يضرب قال نعم قلت كم قال يعزر كم قال نصف الحد لا أقل قلت ويسود وجهه قال قد روى عن عمر "أنه سود وجه شاهد الزور" قلت ترى أنت أن يسود وجهه قال لا أرى فرأيت أنه كره تسويد الوجه.
ونقل عنه حنبل أيضا قال يبين أمره قلت له فعليه عقوبة في نفسه قال يبين للناس أمره ويشهر لئلا يغر غيره ولا يغتر به وذاك إلى السلطان إن شاء عاقب.
وقال القاضي وغيره لا يزيد في التعزير على عشر جلدات والله أعلم بمعنى قول الإمام أحمد نصف الحد.
قال ابن عقيل ولا أدري من أين له هذا التقدير يعني القاضي وقال ابن عقيل أيضا قال أصحابنا ولا يركب ولا يحلق رأسه ولا يمثل به وهذا
ـ
إنما يكون بحسب حاله فعندي أنه لا يفعل ذلك بمن ندرت منه نادرة وهو من أهل البيوتات وذوي الهيئات فأما إن كان معروفا بذلك يتكرر منه أشباه ذلك فردعه بما يراه الحاكم رادعا لمثله وإن أفضى إلى إشهاره راكبا والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مثل بالعرنيين لما رأى ذلك حدهم وعقوبتهم والصحابة رضي الله عنهم بعده مثلت لما رأت ذلك فأبو بكر أحرق في اللواط وعلي أحرق الزنادقة في الأخاديد ولما شاور أبو بكر في حد اللواط وفي الذي يلاط به اختلف الصحابة في أنواع المثلة فقيل يحرق وقيل يرجم وقيل يرمى من شاهق أعلى بيت في القرية وقيل يحبس إلى أن يموت انتهى كلامه.
وكلام الإمام أحمد في رواية حنبل السابق يشهد له.
واحتج الحنفية فقالوا الرجوع عن القول الموجب وهو الإقرار بالزنا أسقط عنه الحد فالرجوع عن القول الذي يوجب التعزير وهو التزوير على المشهود عليه أولى أن يسقط عنه.
فقال القاضي والجواب أنه ليس الخلاف فيمن تاب وإنما الخلاف فيمن ثبت عليه أنه شهد بالزور إما بقيام البينة على إقراره بذلك أو بعلم الحاكم به قطعا بأن شهد بقتل رجل والحاكم يعلم أنه لم يقتل وهو أن يكون الرجل عنده وقت القتل أو يكون الذي يدعي أنه مقتول حي لم يقتل فأما إذا تاب فإنا لا نعزره وقيل لا يسقط التعزير بالتوبة لأنه قد تعلق بحق آدمي وهو شهادته عليه وحقوق الآدميين لا تؤثر فيها التوبة.
قال الشيخ تقي الدين أما إذا تاب بعد الحكم فيما لا يبطل برجوعه فهنا قد تعلق به حق آدمي ثم تاره يجيء إلى الإمام تائبا فهذا بمنزلة قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة عليه وتارة يتوب بعد ظهور تزويره فهنا لا ينبغي أن يسقط
ـ
عنه التعزير وقد احتج الحنفية بأنه ساع في الأرض بالفساد فهو كقاطع الطريق وذلك لو جاءنا تائبا قبل القدرة عليه لم نعزره كذلك شاهد الزور إذا جاء تائبا فقال القاضي والجواب عنه ما تقدم.
فصل
قال الشيخ تقي الدين الإقرار بالشهادة هل يكون بمنزلة الشهادة على الشهادة فيه حديث الأمة السوداء في الرضاع فإن عقبة بن الحارث "أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة أخبرته أنها أرضعتهما" فنهاه عنها من غير سماع من المرأة وقد احتج به الأصحاب من قبول شهادة المرأة الواحدة في الرضاع فلولا أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة ما صحت الحجة وهو ظاهر يؤيده أن الإقرار كحكم الحاكم بالعقد الفاسد مسوغ للحاكم الثاني أن ينفذه مع مخالفته لمذهبه والشهادة على الشهادة بمنزلة كتاب القاضي إلى القاضي فإذا كان الإقرار بالحكم يجوز العمل به كالشهادة فكذلك الإقرار بالشهادة إلا أنه إنما لم يجب العمل بالإقرار بالكتاب إذا خالف رأي القاضي الثاني لأن إقرارهم لا يقبل عليه.
فلو كان الإقرار بكتاب لا يرى مخالفته وجب عليه العمل به وعلى هذا فمتى أقر أهل الوقف بكتاب يتضمن شرط الواقف أو غيره وجب العمل به في حقهم وضابطه أن الإقرار ثلاثة أنواع إقرار بنفس الحكم كإقراره بأن له علي ألفا أو بأن هذا العين ملكه أو بأني عبده أو أنه أخوه أو أني زوجه ونحو ذلك وإقرار بسببه كالإقرار بالبيع والهبة والإرث ونحو ذلك وإقرار بحجة الحكم كالإقرار بالإقرار والإقرار بالشهادة والإقرار بالحكم وكل هذه شهادات على نفسه فأما الإقرار بالسبب فمعروف.
وأما الإقرار بالحكم فمقبول إلا أن يكون فيه حق لله تعالى وهو مما يجهل المقر ثبوته مثل إقراره بأنه يجب رجمه أو يجب قطع يده أو يجب حد قذفه
ـ
أو يجب قتله قودا أو أن هؤلاء يستحقون دمه فالأشبه في مثل هذا أن يستفسر عن صفة الإقرار كما استفسر النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا أو يفرق بين الحق المحض لله تعالى وبين القود وحد القذف.
وأما الإقرار بالحجة فمقبول أيضا لكن لو قال أقررت بهذا المال وكنت غالطا فهنا يتوجه أن لا يحكم بهذا الإقرار كما لو قال كان له علي وقضيته لأن الإقرار الأول لم يثبت والثاني إنما أثبته على صفة لا يحكم بها فهو كما لو قال شهد على شاهد وهو كاذب والشاهد لم تعلم عدالته وفيه نظر.
يوضح هذا أن أصحابنا شبهوا الشهادة على الشهادة بالشهادة على الإقرار وقبلوا على كل شاهد شاهدا والرجل هنا أعني عقبة بن الحارث مقر شاهد على الشهادة والاحتجاج بحديث الأمة السوداء على أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة على الشهادة فيه نظر لأنه فتيا من النبي صلى الله عليه وسلم لعدم شروط الحكم من الدعوى وغيرها واقتصار الأصحاب في الشهادة على الشهادة على مجرد المعنى يدل على أنه لا أثر في المسألة عندهم.
كتاب الإقرار
مدخل
كتاب الإقرار
قال بعض الأصحاب رحمهم الله تعالى الإقرار الاعتراف وهو إظهار الحق لفظا وقيل تصديق المدعي حقيقة أو تقديرا وقيل هو صيغة صادرة من مكلف مختار رشيد لمن هو أهل لاستحقاق ما أقر به مكذب للمقر وما أقر به تحت حكمه غير مملوك له وقت الإقرار به.وقال ابن حمدان هو إظهار المكلف الرشيد المختار ما عليه لفظا أو كتابة في الأقيس أو إشارة أو على موكله أو موروثه أو موليه بما يمكن صدقه فيه.
ـ
قوله: "أو كتابه في الأقيس".
وذكر في كناية الطلاق أن الكتابة للحق ليست إقرارا شرعيا في الأصح وقوله أو إشارة.
بعد مراده من الأخرس ونحوه أما من غيره فلا أجد فيه خلافا.
والأصل فيه الكتاب والسنة وأجمعوا على صحة الإقرار قال في المغني لأنه إخبار على وجه ينفي عنه التهمة والريبة ولهذا كان آكد من الشهادة فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وإن أكذب المدعي ببينته ثم أكذب المقر ثم صدقه سمع.
ويجب الإقرار بحق الآدمي وحق الله تعالى الذي لا يسقط بالشبهة كزكاة وكفارة ولا يصح إقرار واحد بما ليس بيده وتصرفه شرعا واختصاصه قال في الرعاية ولا بما هو ملكه حين الإقرار على الأشهر فيه وأطلق غيره الروايتين ونص القاضي في الخلاف على صحة الإقرار مع أنه إضافة الملك إليه قال في الرعاية ولا بما يستحيل منه ولا لمن لا يصح أن يثبت ذلك له بحال وإقراره بما في يد غيره وتصرفه شرعا وحسا دعوى أو شهادة فإذا صار بيده وتصرفه شرعا لزمه حكم إقراره.
قال الشيخ تقي الدين إن الإقرار ينقسم إلى ما يعلم كذبه كإقراره لمن هو أكبر منه أنه ابنه ومن هذا الجنس كل إقرار بحق أسنده إلى سبب وذلك السبب باطل مثل أن يقر أن له في تركة أبيه ثلثها بجهة الإرث وليس بوارث أو أن لفلان علي كذا من ثمن كذا أقرض كذا أو نكاح كذا إذا كان السبب لا يثبت به ذلك الحق فحيثما أضاف الحق إلى سبب باطل فهو باطل وإن أضافه إلى سبب يصلح أن يكون حقا لكن قد علم ارتفاعه مثل أن يقول له علي ألف من ثمن هذه الدار ويكون المشتري قد أبرأه قبل ذلك أولها علي
ـ
صداقها وتكون قد أبرأته منه قبل ذلك أوله علي حقه من إرث أبي ويكونان قد اصطلحا قبل ذلك وتبارآ فهذا أيضا كذلك لأن الإقرار إخبار فإذا كان الخبر قد علم كذبه وبطلانه كان باطلا.
قال وإلى ما يعلم صدقه كإقراره بأن هذا المال الذي خلفه أبوه هو بينه وبين أخيه ابن الميت نصفين وإلى ما يحتمل الأمرين فالأصل فيه التصديق إلا أن يثبت ما يعارضه مما يقفه أو يرفعه.
فالأول مثل تكذيب المقر له فإنه أيضا خبر فليس تصديق أحدهما أولى من الآخر فيعود الأمر كما كان.
وأما الثاني فالبينات فإذا قامت البينة بأنه كان مكرها على إقراره فإقرار المكره لا يصح أيضا وإن أمكن أن يكون مطابقا كان إقرار تلجئة وهو أن يتفق المقر والمقر له على الإقرار ظاهرا مثل بقاء المقر به للمقر فهو باطل فإذا شهدت بينة بأنهما اتفقا قبل الإقرار كان ذلك مبطلا لهذا الإقرار وإذا كان الإقرار إنشاء في الباطن مثل إقرار المريض لمن يقصد التبرع له إما بعطية وإما بإبراء فيجعل الإنشاء إقرارا لينفذ1.
قال فإذا قامت البينة بأنهما اتفقا على الإقرار على ذلك مثل أن يشهد الشاهد أنه قيل للمريض أعط فلانا ألف درهم أو أوص له بها فقيل له بل أجعل ذلك إقرارا أو أنه قال المريض كيف أصنع حتى أعطي فلانا ألفا من أصل المال فقيل له أقر له بها أو أن اثنين تراضيا على ذلك ثم أمرا به
__________
1 بهامش الأصل: في نسخة: إن كان لوارث أو لينفذ من أصل المال ليضيع المال على الورثة، أو لئلا يزاحم الوصايا، ومثل إقرار الأب لابنه بالدار الفلانية: ملكه، وأشياء من هذا يقصد به الإعطاء أو الإبراء، ويجعل ذلك إقراراً، فهذا قد كتبت حكمه وسيأتي.
ـ
المريض فإنه يجب العمل بهذه البينة أو يقول ما له عندي شيء أو ما لأحد عندي شيء لكن أنا مقر أو أقر له يألف أو اشهدوا علي أن له عندي ألفا أو يقول بعد ذلك له عندي ألف فيكون قد تقدم الإقرار ما يبطله وما ينافيه وإن شهدت بينة بأن هذا المقر به لم يكن ملكا للمقر له بل كان ملكا للمقر إلى حين الإقرار إن كان عينا أو كانت ذمته بريئة منه إن كان دينا فهل تقبل هذه البينة فإنها تضمنت نفيا فينبغي أن يقال إن كان نفيا يحاط به قبل ذلك وإلا لم يقبل وهل يستفصل المقر له من أين لك هذا الملك نعم.
قال وكذلك يستفصل المدعي عنده التهمة والمدعى عليه.
فصل
من ملك شيئا ملك الإقرار به ومن لا فلا وهذا المشهور في كلام الأصحاب وثم صور مستثناة.
وقال الشيخ تقي الدين ما يملك إنشاءه يملك الإقرار به وما لا يملكه فإن كان مما لا يمكنه إنشاؤه بحال ملك الإقرار به أيضا كالنسب والولاء وما يوجب القود عليه إذا لا طريق إلى ثبوته إلا بالإقرار به فصار كالشهادة بالاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها لكن يستثنى النكاح والولد على ما فيه من الخلاف.
وإن كان مما يمكنه إنشاء سببه في الجملة كالأفعال الموجبة للعقوبة1 قبل إذا لم يكن متهما فيه وأحسن من هذا أن ما لا يصح أو مالا يحل إنشاؤه منه إن كان متهما في إقراره به لم يقبل وإلا قبل وهنا يتبين أن المقر شاهد على نفسه بمالا يمكنه إنشاؤه ومن هذا إقراره بالبينونة فإنه لا يملك إنشاءها لكنه لا يتهم على إسقاط حقه من الرجعة وسقوط حقها من النفقة ضمنا وتبعا.
__________
1 بهامش الأصل في نكت ابن شيخ السلامية: الموجبة للمال.
ـ
وقد ذكر القاضي في إخبار الحاكم بعد العزل لما قاسه على الإخبار قبل العزل فقيل له المعنى في الأصل أنه يملك الحكم فلهذا ملك الإقرار به وليس كذلك ههنا لأنه لا يملكه فلم يملك الإقرار به كمن باع عبدا ثم أقر أنه أعتقه أو باعه بعد أن باعه لم يقبل منه.
فقال هذا غير ممتنع كالوصي إذا ادعى دفع المال إلى الصبي بعد بلوغه أو ادعى الإنفاق عليه فإنه يقبل وإن كان في حال لا يملك التصرف عليه وكذلك العبد المأذون إذا حجر عليه فأقر بثمن مبيع في حال الإذن وكذلك المكاتب إذا أقر بعد العجز بثمن مبيع في حال الكتابة يقبل ذلك وإن لم يملك ذلك في حال الإقرار كذلك ههنا وكذلك الموصى وكذلك المودع إذا ادعى رد الوديعة أو تلفها بعد عزل المودع له وكذلك العبد إذا أقر بجناية عمدا فإنه يقبل إقراره وإن لم يكن مالكا لما أقر به.
قال ولا معنى لقولهم إن دعوى النفقة لا يمكن إقامة البينة عليها فإنه منقوض برد الوديعة يمكن إقامة البينة عليه يقبل قوله فيها ويقبل والإنفاق على الزوجة لا يمكن إقامة البينة عليه ومع هذا لا يقبل قوله فيها.
قال الشيخ تقي الدين تسمية هذه الأشياء إقرارا يجوز وقد ذكر الجد وغيره تسمية بعض هذا إقرار والتحقيق أن يقال المخبر أن أخبر بما على نفسه فهو مقر وإن أخبر بما على غيره لنفسه فهو مدعى وإن أخبر بما على غيره لغيره فإن كان مؤتمنا عليه فهو مخبر وإلا فهو شاهد فالقاضي والوكيل والمأذون له والوصي كل هؤلاء مأذون لهم مؤتمنون فإخبارهم بعد العزل ليس إقرارا وإنما هو خبر محض انتهى كلامه.
فصل
قال الشيخ تقي الدين فأما ما يملك الإنسان إنشاءه فهل يجوز إقراره به
ـ
ويجعل الإنشاء في ضمن الإقرار قاصدا بالإقرار الإنشاء مثل أن يقر أنه ملك ابنه الشيء الفلاني أو أنه قد وقف المكان الفلاني أو أنه وقف عليه من واقف جائز الأمر يعني نفسه انتهى كلامه والجواز متوجه.
فصل
قال القاضي في التعليق ضمن مسألة النكول الإنسان لا يكون مخيرا بين أن يقر وبين أن لا يقر لأنه لا يخلو إما أن يكون الحق عليه فلا يسعه أن لا يقر أولا يكون عليه فلا يسعه أن يقر لأنه كاذب.
قال الشيخ تقي الدين فأما إذا كان الإنسان ببلد سلطان ظالم أو قطاع طريق ونحوهم من الظلمة فخاف أو يؤخذ ماله أو المال الذي يتركه لوارثه أو المال الذي بيده للناس إما بحجة أنه ميت لا وارث له أو بحجة أنه مال غائب أو بلا حجة أصلا فهل للإنسان أن يقر إقرارا يدفع به ذلك الظلم ويحتفظ المال لصاحبه مثل أن يقول لحاضر إنه ابنه أو يقر أن له عليه كذا وكذا أو يقرأ أن المال الذي بيده لفلان فإن ظاهر هذا الإقرار يتضمن مفسدتين إحداهما الكذب والثانية صرف المال إلى من لا يستحقه عمن يستحقه وهذا إقرار تلجئه.
أما الأول فينبغي أن يكون كالتعريض في اليمين فيجوز له أن يتأول في إقراره بأن يعني بقوله ابني كونه صغيرا وبقوله أخي أخوة الإسلام وأن المال الذي بيدي له أي له ولاية قبضه لكوني قد وكلته في إيصاله إلى مستحقه وإن له في ذمتي عشرة آلاف درهم أي له في عهدتي أي يستحق فيما عهدت إليه قبض ذلك ونحو ذلك فإن النبي كان مع أبي بكر وأقر أنه أخوه وحلف على ذلك وكذلك إبراهيم عليه السلام أقر على زوجته أنها أخته وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم "أقر أنهم من ماء".
كتاب الإقرار
لا يصح الإقرار من غير مكلف مختار.
__________
وأما الثانية فلا يجوز ذلك إلا إذا أزال هذه المفسدة بأن يكون المقر أمينا حقا والاحتياط أن يشهد على المقر له أن هذا إقرار تلجئة تفسيره كذا وكذا.
وينبغي أن يكون التعريض في الشهادة إذا خاف الشاهد من إظهار الباطن ظلم المشهود عليه كذلك بأن يستنطق الشهادة ولا يمكن كتمانها وكذلك التعريض في الحكم إذا خاف الحاكم من إظهار الأمر وقوع الظلم وكذلك التعريض في الفتوى والرواية والإقرار والشهادة والحكم والفتوى والرواية ينبغي أن يكون كاليمين بل اليمين خبر وزيادة.
قوله: "ولا يصح الإقرار من غير مكلف مختار".
لأن القلم مرفوع عنه بنص الحديث المشهور وكبيعه وغيره.
وقوله: "مختار" لما تقدم ولأنه عفى عن المكره بنص الخبر المشهور.
وقال الخلال من تقدم إلى الحاكم فدهش فأقر ثم أنكر قال إسحاق بن إبراهيم سئل الإمام أحمد عن الرجل يقدم إلى السلطان بحق لرجل عليه فيمدده السلطان فيدهش فيقر له ثم يرجع بعد ما أقر به فيقول هددني ودهشت للسلطان أن يأخذه بما أقر به أو يستثبت وهو ربما علم أنه أقر بتهديده إياه قال أبو عبد الله يؤخذ بإقراره الأول.
قال الشيخ تقي الدين السلطان هو الحاكم كما ترجم الخلال والتهديد من الحاكم إنما يكون على أن يقول الحق لا على أن يقر مثل أن يقول اعترف بالحق أو أن كذبت عزرتك أو إن تبين لي كذبك أدبتك فيهدده على الكذب
إلا من الصبي المأذون له فيصح في قدر ما أذن له فيه إذا صححنا تصرفه بالإذن.
__________
والكتمان ويأمره بالصدق والبيان فإن هذا حسن فأما أن كان التهديد على نفس الإقرار فهذا أمر بما يجوز أن يكون حقا وباطلا ومحرما فالأمر به حرام والتهديد عليه أحرم وهو مسألة الإكراه على الإقرار ففرق بين أن يكرهه على قول الحق مطلقا أو على الإقرار انتهى كلامه.
قوله: "إلا من الصبي المأذون له فيصح في قدر ما أذن له فيه إذا صححنا تصرفه بالإذن".
أما قوله: "إذا صححنا تصرفه بالإذن" فقيد واضح لأنه إذا لم يصح تصرفه بالإذن فوجود الإذن كعدمه لعدم فائدته وكذا ما زاده في الرعاية مع اتفاق الدين واختلافه.
وأما صحة إقراره فيما أذن له فيه فهو المذهب كما قطع به هنا وقطع به غيره ولو كان في المحرر زاد نص عليه كان أولى وهو نص مشهور قال الإمام أحمد في رواية مهنا في إقرار اليتيم يجوز إقراره بقدر ما أذن له الوصي في التجارة وهو قول أبي حنيفة كالبالغ والفرق بالتكليف لا أثر له وقال أبو بكر وابن أبي موسى إنما يصح إقراره فيما أذن له في التجارة فيه في الشيء اليسير يتسامح به كما صح تصرفه فيه بدون إذنه أن نقول لا يصح إقراره مطلقا كقول مالك والشافعي.
وظاهر ما رواه الأثرم عن الإمام أحمد في ابن أربع عشرة سنة كان أجيرا مع رجل فقد أستاذه شيئا فأقر الغلام أنه أخذه ثم أنكره فقال لا يجب عليه إقراره حتى يأتي أحد الحدود الإنبات أو الاحتلام أو خمسة عشر سنة.
وقال القاضي في التعليق وهذا محمول على أنه غير مأذون له في التجارة
وإذا أقر من يشك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ فالقول قوله بلا يمين.
__________
وقال الشيخ تقي الدين ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا أتى عليه الحدود صح إقراره بمثل هذا وإن لم يكن رشيدا وهو ظاهر كلام الجد.
لكن قد يقال يقبل في الحدود لا في الأموال فتقطع يده ولا يغرم كالعبد انتهى كلامه.
والمشهور صحة إقرار السفيه بمال ويتبع به بعد فك الحجر.
فرع
لو أقر الأب على ابنه المأذون له لم ينفذ وذكره القاضي محل وفاق في حجة المخالف وسلمه واعتذر بأنه لا يملك بإذنه الإقرار وإنما يرتفع عنه الحجر بإذنه في التجارة فيجوز إقراره لنفسه.
قال الشيخ تقي الدين هذا يشبه مذهب أبي حنيفة وأما على أصلنا فإنما استفاد الإقرار بإذنه بدليل أنه يتقدر في قدر ما أذن فيه وعلى أصل أبي حنيفة لا يتقدر ولو أقر الأب بصدقة في مال ابنه فإنه يقبل لأن الأب يملك التصرف.
قوله وإذا أقر من يشك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ فالقول قوله بلا يمين.
وكذا قطع به الشيخ موفق الدين وغيره أما كون القول قوله فلأن الأصل معه وهو الصغر وسيأتي كلام الشيخ تقي الدين في الفصل بعده.
وأما كونه بلا يمين فكحكمنا بعدم بلوغه وغير المكلف لا يجوز تكليفه بوجوب اليمين عليه.
قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يجب عليه اليمين لأنه إن كان لم يبلغ لم يضره وإن كان قد بلغ حجزته فأقر بالحق انتهى كلامه.
فأما إن كان اختلافهما بعد ثبوت بلوغه وادعى أنه حين الإقرار لم يبلغ
ـ
فهل يقبل قوله مع يمينه عملا بالأصل وهو الصغر قطع به في المغني أولا يقبل لتعليق الحق بذمته ظاهرا فيه وجهان ذكرهما في الكافي.
وهذا بخلاف دعوى زوال العقل حين الإقرار لأن الأصل السلامة ذكره الشيخ موفق الدين.
وينبغي أن يقال إلا أن يكون يعتريه ذلك في بعض الأحيان فتكون كمسألة الصغير على الخلاف كما سوى بينهما في دعوى البائع الصغر أو زوال العقل حين البيع.
قال الشيخ موفق الدين فإن ادعى أن كان مكرها لم يقبل إلا ببينة فإن ثبت أنه كان مقيدا أو محبوسا أو موكلا به فالقول قوله مع يمينه لأن هذه دلالة الإكراه انتهى كلامه.
وعلى هذا تحرم الشهادة عليه وكتابة حجة عليه وما أشبه ذلك في هذه الحال.
فصل
قال الشيخ تقي الدين قد نص أحمد على أنهما إذا اختلفا فقال بعتك قبل أن أبلغ وقال المشتري بل بعد بلوغك فالقول قول المشتري وهذا يتجه في الإقرار وسائر التصرفات لأن الأصل في العقود الصحة فإما أن يقال هذا عام وإما أن يفرق بين أن يتيقن أنه وقت التصرف كان مشكوكا فيه غير محكوم ببلوغه أولا يتيقن فإنا هنا تيقنا صدور التصرف ممن لم نثبت أهليته والأصل عدمها فقد شككنا في الشرط وهناك يجوز صدوره في حال الأهلية وحال عدمها والظاهر صدره وقت الأهلية والأصل عدمه قبل وقت الأهلية والأهلية هنا متيقن وجودها.
ـ
فصل
قال الشيخ تقي الدين سئلت عن مسألة وهي من أسلم أبوه فادعى أنه بالغ فأفتى بعضهم بأن القول قوله في ذلك وقلت إذا لم يقر بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ بمنزلة ما إذا ادعت انقضاء العدة بعد أن ارتجعها وهكذا يجيء في كل من أقر بالبلوغ بعد حق ثبت في حق الصبي مثل الإسلام وثبوت الذمة للولد تبعا لأبيه ولو ادعى1 البلوغ بعد تصرف الولي وكان رشيدا أو بعد تزويج ولي أبعد منه إلا أن يقال لا يحكم بإسلام الولد وذمته حتى يسأل هل بلغ أو لم يبلغ بخلاف تصرف الولي له أو لموليته فإن الولاية كانت ثابتة والأصل بقاؤها وهنا الأصل عدم إسلام الولد وذمته فيقال في الرجعة كذلك ينبغي أن لا تصح الرجعة حتى تسأل المرأة ومع أن في مسألة الرجعة وجهين على قول الخرقي ينبغي أن يكون القول قوله هنا مطلقا كما في الرجعة وما ذكرته على الوجه المقدم ولم أجد فرقا بين كون المرأة مؤتمنة على فرجها في انقضاء العدة أو في بلوغها وهكذا في كل موضع كان الإنسان مؤتمنا فيه إذا ادعى ذلك بعد تعلق الحق به ونظيره اختلاف الروايتين فيما إذا ادعى المجهول الرق بعد التصرف ففيه روايتان لكن هناك إذا قبلناه فلأن الرق حق آدمي فالمقر به حق آدمي بخلاف الحيض أو البلوغ فإنه سبب يثبت له وعليه به حقوق وقد يقال في الرجعة لم يقبل قوله2 لأن فيه إبطال حق آدمي بخلاف الإسلام والذمة فيقال بل إبطال الإسلام والعصمة أعظم ونظيره في المجهول المحكوم بإسلامه كاللقيط فاللقيط إذا ادعى الكفر بعد البلوغ انتهى كلامه.
__________
1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية "أو لو ادعى"
2 بهامش الأصل: في نسخة الذي ذكره شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين "وقد يقال في الرجعة: لم يقبل قولها"
ومن أكره على أن يقر لزيد فأقر لعمرو أو أن يقر بدراهم فأقر بدنانير صح إقراره.
ومن أقر في مرضه بشيء فهو كإقراره في صحته إلا في ثلاثة أشياء أحدها إقراره بالمال لوارث فإنه لا يقبل.
__________
قوله: "ومن أكره على أن يقر لزيد فأقر لعمرو أو أن يقر بدراهم فأقر بدنانير صح إقراره".
لأنه أقر بما لم يكره عليه فهو كما لو أقر به ابتداء.
قوله: "ومن أقر في مرضه بشيء فهو كإقراره في صحته".
لأن الأصل التساوي ودعوى مخالفة حال المرض وحال الصحة في ذلك تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وقد يعلل بعدم التهمة.
فصل
ولا تفتقر الشهادة إلى أن يقولوا طوعا في صحة عقله لأن الظاهر السلامة وصحة الشهادة ذكره في المغنى.
قوله: "إلا في ثلاثة أشياء أحدها إقراره بالمال لوارث فإنه لا يقبل".
هذا المذهب قال القاضي نص عليه في رواية الجماعة فقال في رواية ابن منصور إقرار المريض في مرضه للوارث لا يجوز.
وقال في رواية أبي طالب في الرجل يقر عند موته أن لامرأته عليه صداق ألف درهم تقيم البينة على الألف فإن لم تكن بينة فصداق نسائها.
وقال في رواية مهنا في امرأة أقرت في مرضها أنه ليس لها على زوجها مهر لم يجز إقرارها إلا أن يقيم شهودا أنها أخذته ولا يصدق قولها وهذا قول أبي حنيفة كهبته ولأنه محجور عليه فأشبه إقرار الصبي فعلى هذا لو أجازه
ـ
بقية الورثة صح ذكره جماعة منهم الشيخ موفق الدين واحتج له وقال مالك يقبل ذلك إذا كان لا يتهم له ولا يقبل إذا كان يتهم له كمن له بنت وابن عم فأقر لبنته لم يصح ولو أقر لإبن عمه صح ولو كانت له زوجة وابن عم صح إقراره لابن العم دون الزوجة ولو كانت له زوجة وولد صح إقراره للزوجة دون الولد لأن علة المنع التهمة واختص الحكم بها.
وجوابه أن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها فاعتبرت مظنتها وهو الإرث.
وللشافعي قولان أحدهما كقولنا والثاني يقبل وهو قول جماعة منهم إسحاق كالأجنبي والفرق واضح وسلم الشافعي على ما ذكره القاضي لو قال كنت وهبت لفلان الوارث كذا ثم أتلفه لا يجوز بخلاف ما لو قال كنت وهبت لفلان الأجنبي كذا ثم أتلفه عليه فإنه يجوز.
وذكر ابن البنا من أصحابنا أنه يصح إقرار المريض باستيفاء دين الصحة والمرض جميعا.
قال في المستوعب وهو محمول على ما إذا كان الغرماء غير الوارثين.
وقال ابن هبيرة إذا أقر المريض باستيفاء ديونه قال أبو حنيفة يقبل قوله في ديون الصحة دون ديون المرض وقال مالك إن كان ممن لا يتهم قبل إقراره سواء كان إقراره في المرض أو في الصحة وقال الإمام أحمد يقبل في ديون المرض والصحة جميعا كذا ذكر وهو صحيح لأن مراده من أجنبي وكذا ذكره أصحابنا في كتب الخلاف.
قال في الرعاية ولا يصح إقرار رجل مريض بقبض صداق ولا عوض خلع بلا بينة ويصح بقبض حوالة ومبيع وقرض ونحو ذلك وإن أطلق احتمل وجهين.
وقال الأزجي في نهايته فإن أقر مريض بهبة أنها صدرت منه في صحته
ـ
لأجنبي صح وإن كان لوارث فوجهان.
وقال الشيخ تقي الدين في الإقرار للوارث هنا احتمالات أحدها أن يجعل إقراره للوارث كالشهادة فترد في حق من ترد شهادته له كالأب بخلاف من لا ترد ثم على هذا هل يحلف المقر له معه كالشاهد وهل تعتبر عدالة المقر ثلاث احتمالات.
ويحتمل أن يفرق مطلقا بين العدل وغيره فإن العدل معه من الدين ما يمنعه من الكذب ويخرجه إلى براءة ذمته بخلاف الفاجر وإنما حلف المقر له مع هذا للتأكيد فإن في قبول الإقرار مطلقا فسادا عظيما وكذا في رده مطلقا فساد وإن كان أقل فإن المبطلين في هذا الإقرار أكثر من المحقين وهذه الحجة لمن رده كالشهادة مع التهمة وكطلاق الفار انتهى كلامه.
فصل
وإن كان على المريض دين للوارث فقال القاضي هو مأمور بإيصال الحق إلى وارثه ويقدر أن يقضيه دينه باطنا ويوصله إليه فيتخلص بذلك من ظلمه وإن كان لو أقر لم يقبل إقراره كما أن الوصي إذا كان شاهدا على الميت بدين وليس معه شاهد غيره فهو مأمور بقضاء الدين سرا وإيصاله إلى مستحقه ليخلص الميت وإن أظهر ذلك أو أقر به لم يقبل قوله فيه ولم يثبت به الدين وإن كان مأمورا بالقضاء.
فصل
ويجوز عندنا للميت الإقرار لجميع الورثة ويخيرون بين أخذ المال والإقرار بالإرث هذا لفظ القاضي وأظنه موافقة للحنفية قاله الشيخ تقي الدين.
قوله: "ولو أقر لامرأته بالصداق فلها قدر مهر المثل بالزوجية".
لا بإقراره والذي قطع به الشيخ موفق الدين وغيره أنه يصح الإقرار لأنه
ولو أقر أنه كان أبانها في صحته لم يسقط إرثها.
__________
إقرار بما تحقق سببه ولم يعلم البراءة منه أشبه ما لو اشترى عبدا من وارثه فأقر للبائع بثمن مثله وقيل لا يصح ذكره في الرعاية.
ثم ذكر ما في المحرر قولا فيكون وجه عدم الصحة أنه أقر لوارث وهو قول الشعبي وصاحب المحرر تبع القاضي وهو معنى كلامه في المستوعب.
قال القاضي وأما إذا أقر لزوجته بالصداق فنقل أبو طالب عنه إذا أقر عند موته أن لامرأته عليه صداق ألف درهم تقيم البينة أن لها صداق ألف درهم لا يجوز إقراره لها لعل صداقها أقل فإن لم يكن لها بينة فصداق نسائها إذا كان ذلك يعرف فإن لم يعرف ذلك يكون ذلك من ثلثه.
قال فقد نص على أنه لا يقبل إقراره بالصداق على الإطلاق وإنما يقبل ما صادف مهر المثل لأن ثبوته بالعقد لا بإقراره فإن تعذر مهر المثل اعتبر من ثلثه واختلفت الرواية في قدر الصداق فنقل أبو الحارث مهر المثل لأنها معاوضة في مرض الموت أشبه ثمن المبيع ولا يعتبر من الثلث لأنها وصية لوارث.
ونقل أبو طالب من الثلث لأن الزيادة على مهر المثل محاباة لا يقابلها عوض فهي كالمحاباة والمحاباة هناك من الثلث فكذلك هنا هكذا نقل الشيخ تقي الدين كلام القاضي ثم قال من عنده كلامه في رواية أبي طالب يقتضي أنه إذا لم يعرف مهر المثل اعتبر ما أقر به من الثلث لأنا قد تيقنا أن لها صداقا فلم نبطل الإقرار ولم نعلم أن هذا كله واجب فكأنه ملك أن يوصى به لأنه لا طريق إلى معرفته من غيره ووصيته من الثلث لأنه غير مصدق للوارث انتهى كلامه.
قوله: "ولو أقر أنه كان أبانها في صحته لم يسقط إرثها".
كذا ذكره غيره وذكر في المغني أنه قول أبي حنيفة ومالك لأنه غير
ولو أقر لها بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره.
__________
أمين أقر بما يسقط حق غيره فهو كإقراره بمال غيره وعند الشافعي يقبل.
قوله: "ولو أقر بها بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره".
قال الشيخ تقي الدين الفرق بين هذه وبين أن يتبرع في مرضه ظاهر بمنزلة أن يقر ثم يصح ثم يمرض ونظيرها أن يتبرع لأخيه ثم ينحجب بولد يولد له ثم يموت الولد انتهى كلامه.
ووجه المسألة أنه أقر لوارث في مرض الموت أشبه ما لو لم يبنهما قال القاضي أومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور فيمن أقر في مرضه لامرأة بدين ثم تزوجها ثم مات وهي وارثة يجوز هذا أقر لها وليست له بامرأة إلا أن يكون تلجئة فقد أجاز الإقرار1 فاقتضى أنها لو كانت وارثة لم يصح وبهذا قال أبو حنيفة وقال محمد بن الحسن إقراره جائز فإن برأ من ذلك المرض ثم تزوجها ثم مات صح الإقرار وفاقا على ما ذكره القاضي.
قال الشيخ تقي الدين أخذ مذهب الإمام أحمد من عكس علته وقد يكون الحكم ثابتا في هذه الصورة لعلة أخرى عنده ثم قوله: "أقر لها وليست لها بامرأة".
قد يراد به ليست امرأة في بعض زمان الإقرار ثم الأخذ بتعليله يقتضي أنه إذا صح ثم تزوجها يكون الإقرار أيضا باطلا وإن كان البرء ليس من فعله وقد فرق القاضي بالتهمة في الطلاق بأن يكونا قد تواطآ على ذلك وهذه العلة منتفية فيما إذا انفسخ النكاح بغير فعله وفيما إذا طلقها ثلاثا وفيما إذا كان الزوج المطلق سفيها فيخرج في المسألتين ثلاثة أوجه انتهى كلامه.
__________
1 في نسخة بهامش الأصل: وجعل العلة فيه: أنها لم تكن وارثة حين الإقرار
ولو أقر لوارث ثم صار عند الموت أجنبيا أو بالعكس فهل يعتبر بحال الإقرار أو الموت على روايتين.
وإذا أقر بدين لوارث وأجنبي لزم في حصة الأجنبي ويتخرج أن لا يلزم إذا عزاه إلى سبب واحد أو أقر الأجنبي بذلك.
__________
والقاضي والأصحاب اعتبروا المظنة وعللوا بجواز أن يكون على وجه الحيلة فقد اكتسب تهمة فيخرج وجه في مسألة المحرر فيه بعد والتخريج فيما إذا برى ء من ذلك المرض فيه بعد أيضا لأن كل مرض معتبر بنفسه بدليل ما لو تبرع في المرض الأول أو طلق فارا أو غير ذلك.
قوله: "ولو أقر لوارث ثم صار عند الموت أجنبيا أو بالعكس فهل يعتبر بحالة الإقرار أو الموت على روايتين".
إحداهما يعتبر بحالة الإقرار قطع به القاضي وغيره وهو المشهور ونصره في المغني لوجود التهمة في هذه الحال بخلاف العكس كالشهادة.
والثانية بحالة الموت وهي مذهب الشافعي لأنه معنى يعتبر فيه عدم الميراث فأشبه الوصية والفرق أن الوصية عطية بعد الموت فاعتبر فيها حالة الموت بخلاف مسألتنا.
قوله: "وإذا أقر بدين لوارث وأجنبي لزمه في حصة الأجنبي".
هذا هو المنصور في المذهب كما لو كان الإقرار بلفظين.
قال القاضي وهذا بناء على أصلنا في تفريق الصفقة في البيع مع انتفاء الجهالة فيه فأولى أن يفرق في الإقرار مع دخول الجهالة فيه.
وذكر أبو الخطاب والأصحاب قولا بعدم اللزوم والصحة أخذا من تفريق الصفقة وقاس القاضي الصحة على الوصية.
قال الشيخ تقي الدين فكان التفريق بينهما محل وفاق ولو أقر لأجنبي ولعبده بدين فإنه يصح في حصة الأجنبي ذكره محل وفاق ولو أقر بزق خمر
الثاني إقراره بالمال لغير وارث ففيه روايتان أصحهما قبوله لكن هل يحاص به دين الصحة على وجهين.
__________
وبزق خل وبملكه وبملك غيره ذكره محل وفاق وقاس في المغني عدم الصحة على شهادته لابنه وأجنبي وفرق بأن الإقرار أقوى ولذلك لا تعتبر فيه العدالة ولو أقر بشيء له فيه نفع كالإقرار بنسب موسر قبل وهذا الفرق على منصوص الإمام أحمد وهو عدم صحة الشهادة لهما ولنا قول تصح شهادته للأجنبي وكأن صاحب المحرر رأى أن الإقرار لقوته ودخوله الجهالة فيه لا يتخرج فيه عدم الصحة مطلقا قال ويتخرج أن لا يلزم إذا عزاه إلى سبب واحد أو أقر لأجنبي بذلك ولم أجد هذا التخريج لغيره وهذا قول أبي حنيفة.
قوله: "الثاني إقراره بالمال لغير وارث ففيه روايتان أصحهما قبوله".
هذا هو المنصوص وذكر في الكافي أنه ظاهر المذهب لعدم التهمة في حقه بخلاف الوارث وذكر في المغني أن الأصحاب حكوا رواية لا يقبل مطلقا تسوية بين الوارث وغيره لأن حق الورثة تعلق بماله أشبه المفلس والفرق ظاهر.
قوله: "لكن هل يحاص به دين الصحة على وجهين".
وذكر في المستوعب روايتين وأن أصحهما عدم المحاصة.
وذكر القاضي في موضع أنه قياس المذهب أخذا من مسألة المفلس لأنه في الموضعين أقر بعد تعلق الحق بما له وصححه في الخلاصة وقدمه غير واحد وبه قال أبو حنيفة.
قال الشيخ تقي الدين ونصه أن إقرار لا يبطل التبرعات السابقة على الإقرار يقوي أنهم لا يزاحمون والقول بالمحاصة ظاهر كلام الخرقي واختاره ابن أبي موسى وأبو الحسن التميمي وقال القاضي في موضع وقطع به أبو الخطاب
والأخرى لا يقبل فيما زاد على الثلث فلا يحاص دين الصحة.
__________
والشريف في رءوس المسائل وبه قال مالك والشافعي لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال فتساويا كديني الصحة وكما لو ثبتا ببينة وكالمهر وكما لو أقر لهما جميعا في المرض ذكره القاضي وغيره محل وفاق واعترض المخالف بأن مهر المثل ثبت بالعقد لا بالإقرار.
فقال القاضي النكاح ثبت بإقراره لا بالبينة ولأنها قد تكون مطلقة منه فتستحق نصف المهر فإذا أقر بالدخول استحقت كمال الصداق بإقراره فيكون نصف الصداق مستحقا بإقراره.
وقال الشيخ تقي الدين إذا أقر في مرضه بدين ثم أقر لآخر أو أقر في صحته بدين ثم أقر في مرضه بوديعة أو غصب أو عارية فتخرج على الوجهين وعلى هذا لو أقر بدين ثم بوديعة لم يبعد الخلاف انتهى كلامه.
وينبغي أن يكون إن أقر له بعين أن يكون المقر له أولى بها على الثاني دون الأول1 ولهذا قال في الرعاية ولو أقر بعين لزمه في حقه ولم ينفرد بها المقر له حتى يستوفى الغرماء وقيل بلى.
وقال في المستوعب بعد حكاية الروايتين في المحاصة قال أبو الحسن التميمي وكذلك إذا أقر بعين ماله لزمه الإقرار في حقه ولم ينفرد به المقر له حتى يستوفى الغرماء قال في المستوعب وهذا على الرواية الأولة يعني عدم المحاصة.
قوله: "والأخرى لا يقبل فيما زاد على الثلث فلا يحاص دين الصحة" لأنه ممنوع من عطية الزائد على الثلث لأجنبي كالوارث فيما دونه وعدم
__________
1 بهامش الأصل قوله: "وينبغي أن يكون- إلى آخره" هو كلام الشيخ عز الدين بن شيخ السلامية.
وإذا قال هذا الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره فهل يلزمهم التصدق بالكل أو الثلث على روايتين سواء صدقوه أو كذبوه.
__________
المحاصة علي هذه الرواية واضح ذكره غير واحد.
قال الشيخ تقي الدين ويؤخذ من معنى كلام غيره فعلى هذه الرواية يكون الإقرار بما زاد على الثلث وصية قال وكذلك الإقرار بالثلث كذا قال فلو وصى لآخر بالثلث فعلى هذه الرواية ينبغي أن يتزاحما في الثلث لأن رده فيما زاد على الثلث إجراء له مجرى الوصية ولو جعلناه خبرا محضا لقبلناه ولا فرق اللهم إلا أن يقال للمقر أن يبطل حق الموصى له بالإقرار ولا يملك ذلك في حق الورثة فاذا أقر كان كأنه أبطل كل وصية زاحمت هذا الإقرار لكن على هذا تبطل الوصايا المزاحمة له وكلاهما محتمل انتهى كلامه.
قال في المستوعب وغيره والأخرى لا يصح إلا في مقدار الثلث إلا أن يجيز الورثة بعد وفاة المقر كما لو كان الإقرار لوارث.
قوله: "وإذا قال هذه الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره فهل يلزمهم التصدق بالكل أو بالثلث على روايتين سواء صدقوه أو كذبوه".
ظاهره أن على إحدى الروايتين يلزمهم التصدق بالثلث مطلقا والأخرى بالجميع مطلقا وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية فإنه قال لزم الورثة أن يتصدقوا بثلثها سواء صدقوه أو كذبوه.
وقال شيخنا يلزمهم أن يتصدقوا بجميعها وهو أيضا ظاهر كلام الشيخ موفق الدين وغيره.
وذكر في المستوعب ما قدمه أبو الخطاب ثم قال هذا على رواية الجماعة أن اللقطة تملك بعد الحول وعلي رواية حنبل والبغوي أنها لا تملك بعد الحول دراهم كانت أو غيرها يلزمهم أن يتصدقوا بجميعها انتهى كلامه.
وإذا أعتق عبده أو وهبه ولا يملك غيره ثم أقر بدين نفذ العتق والهبة ولم يقبل الإقرار في نقضهما نص عليه.
__________
وفيه نظر فإن الكلام إنما هو على المذهب ولم يذكر أبو الخطاب وجماعة هذه الرواية الغريبة في عدم ملك اللقطة وحكوا الخلاف هنا ولهذا قطع أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل بوجوب التصدق بالجميع ونصبا الخلاف مع أبي حنيفة في الاكتفاء به بالثلث وعلل بأنه إقرار لغير وارث فمعلوم أنهما لم يريدا بهذا التفريع على الرواية الغريبة.
وقال في الخلاصة ما قدمه أبو الخطاب ثم قال وقيل تكون الألف صدقه إذا صدقوه انتهى كلامه.
وكلام أبي الخطاب وغيره يخالفه وذكر ابن عبد القوى لزوم الصدقة بالجميع أشهر الروايتين وعلل بأنه إقرار لأجنبي قال وسواء صدقوه أو كذبوه وعنه يلزمهم الثلث إن كذبوه بناء على الرواية الأخرى في الإقرار للأجنبي انتهى كلامه.
وفيه نظر وهو خلاف كلام الشيخ موفق الدين والشيخ مجد الدين وغيرهما لأن بعضهم هنا أطلق الخلاف وبعضهم قدم لزوم التصدق بالثلث مع اتفاقهم على أن الصحيح صحة الإقرار لأجنبي وعلل الشيخ موفق الدين وغيره لزوم التصدق بالثلث بأن الأمر بالصدقة به وصيغة بجميع المال فيلزمه الثلث وعلل القول الآخر بأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه على وجه يلزمه الصدقة بجميعه فيكون ذلك إقرارا منه لغير وارث فيجب امتثاله.
فقد ظهر من ذلك أن الأولى أن يقال نقلا ودليلا أن على المذهب وهو ملك اللقطة وصحة الوصية هل يلزمهم التصدق بالثلث أو بالجميع على قولين.
قوله: "وإذا أعتق عبدا أو وهبه ولا يملك غيره ثم أقر بدين نفذ العتق والهبة ولم يقبل الإقرار في نقضها نص عليه".
وقيل يقبل ويباع العبد فيه.
وإذا أقر المريض بدين ثم بوديعة بعينها أو بالعكس فرب الوديعة أحق بها.
الثالث إقراره بوارث فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح.
__________
وكذا حكاه الشيخ موفق الدين وغيره عن نص الإمام أحمد قاطعين به لأن الحق ثبت في التبرع في الظاهر فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حق غيره.
قوله: "وقيل يقبل".
لثبوته عليه باعترافه كما لو ثبت ببينة كما ساوى دين المريض الثابت باعترافه دين الصحة وتكلم بعضهم في هذه المسألة بكلام عجيب.
قوله: "وإذا أقر المريض بدين ثم بوديعة بعينها أو بالعكس فرب الوديعة أحق بها".
لأن صاحب الدين لا يفوت حقه بفوات العين غالبا لثبوت حقه في الذمة.
قوله: "الثالث إقراره بوارث فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح".
وصححه أيضا القاضي والشيخ موفق الدين وغيرهما وقدمه جماعة لأنه عند الإقرار غير وارث ووجه الآخر أنه عند الموت وارث ولأنه إقرار لوارث أشبه ما لو أقر له بمال.
قلنا هذا إقرار بمال من طريق الحكم وهناك من طريق الصريح والأصول تفرق بين الإقرارين ألا ترى أنه لو اشترى دارا من زيد فاستحقت وعاد على زيد بالثمن ثم ملكها المشترى لم يلزمه تسليمها إلى زيد وإن كان دخوله معه في عقد الشراء إقرارا منه بأن الدار ملك لزيد ولو أقر صريحا بأن الدار ملك لزيد ثم ملكها بوجه من الوجوه لزمه تسليمها إليه وكذلك لو اشترى إنسان دارا فاستحقت كان له الرجوع على البائع بالدرك ولو أقر بأن الدار للبائع
وإذا أقر العبد بحد أو قود أو طلاق ونحوه صح وأخذ به في الحال إلا قود النفس فإنه يتبع به بعد العتق نص عليه.
__________
ثم اشتراها وقبضها منه ثم استحقت لم يرجع عليه بشيء ذكر هذا الكلام القاضي في التعليق وذكره أيضا في المستوعب وغيره.
قال الشيخ موفق الدين ويمكن بناء هذه المسألة على ما إذا أقر لغير وارث ثم صار وارثا فمن صحح الإقرار ثم صححه ههنا ومن أبطله أبطله وما قاله صحيح.
وقال الشيخ تقي الدين كلام القاضي الذي أخذه من كلام الإمام أحمد إنما يقتضي المنع إذا كان له وارث فأما من لا وارث له إذا أقر بوارث فقد نص الإمام أحمد في الروايتين على قبول قوله ومن قال بأنه كالوصية1 فقد يخرج هذا على روايتين انتهى كلامه.
قوله: "وإذا أقر العبد بحد أو قود أو طلاق ونحوه صح وأخذ به في الحال إلا قود النفس فإنه يتبع به بعد العتق نص عليه".
في رواية مهنا فقال إذا أقر أنه قتل عمدا وأنكر مولاه فلم يقم بينة لم يجز إقراره قيل له يذهب دم هذا قال يكون عليه إذا عتق.
وكذلك نقل ابن منصور عنه إذا اعترف بالسرقة أو بجرح فهو جائز ولا يجوز في القتل وهذا هو المذهب والمنصور في كتب الخلاف وبه قال زفر والمزنى وداود لأنه يسقط حق السيد به أشبه الإقرار بقتل الخطأ فإنه لا يلزمه في حال رقه ذكره القاضي وغيره محل وفاق ولأن من لا يصح
__________
1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين "ومن علل بأنه كالوصية".
وقال ابن عقيل وأبو الخطاب يؤخذ به في الحال أيضا وليس للمقر له بالقود العفو على رقبة العبد.
وإذا أقر العبد بجناية خطأ أو غصب أو سرقة أو العبد غير المأذون له بمال عن معاملة أو مطلقا لم يقبل على السيد.
__________
إقراره بقتل الخطأ لا يصح إقراره بقتل العمد كالصبي والمجنون وقيل لا يصح إقراره بقود في النفس فما دونها فلا يصح إقراره بمال وقيل في إقرار العبد روايتان بالقتل والتجريح.
قوله: "وقال ابن عقيل وأبو الخطاب يؤخذ به في الحال أيضا وليس للمقر له العفو على رقبة العبد".
لئلا يفضي إلى إيجاب مال في حق غيره وظاهر كلام الخرقي أنه يؤخذ به في الحال أيضا.
وذكر الشيخ تقي الدين بعد حكاية قول ابن عقيل وأبي الخطاب أن القاضي قاله في ضمن مسألة إقرار المرأة بالنكاح واحتجا به وهو مذهب الأئمة الثلاثة ولأنه مال في المعنى لأنه مال لأحد نوعي القصاص فصح إقراره به كما دون النفس.
قال وبهذا ينتقض الدليل الأول ولأن إقرار مولاه عليه به لا يصح فلو لم يقبل إقراره لتعطل وعفو المقر له بالقود على رقبة العبد أو على مال ليس له من الأصحاب من ذكره ومنهم من لم يذكره والشيخ موفق الدين تفقه فيه فقال وينبغي وقد عللوا القول الأول بأنه متهم في أن يقر لمن يعفو على مال فيستحق رقبته ليخلص من سيده.
قوله: "وإذا أقر لعبد بجناية خطأ أو غصب أو سرقة أو للعبد غير المأذون له بمال عن معاملته أو مطلقا لم يقبل على السيد".
لأنه إيجاب حق في رقبة مملوكه لمولاه فلم يقبل إقراره على أحد سواه.
بل يتبع به بعد العتق ويقطع للسرقة في الحال.
__________
وقوله: "غير المأذون له" يعني يقبل إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه كالصبي المأذون له ذكره القاضي محل وفاق في مسألة الصبي المأذون له أن إقرار العبد المحجور عليه لا يلزمه في الحال ولو كان مأذونا له لزمه.
قوله: "بل يتبع به بعد العتق".
عملا بإقراره على نفسه وهذا إحدى الروايتين ذكرهما الشيخ موفق الدين وغيره والأخرى يتعلق برقبته كجنايته.
قوله: "ويقطع للسرقة في الحال".
نص عليه في رواية مهنا لما تقدم قال في المغني ويحتمل أن لا يجب القطع لأن ذلك شبهة وهو قول أبي حنيفة لأن هذه العين لم يثبت حكم السرقة فيها فلم يثبت القطع.
وقال القاضي إذا أقر العبد المأذون له بحق لزمه مما لا يتعلق بأمر التجارة كالقرض وأرش الجناية وقتل الخطأ والغصب فحكمه حكم العبد المحجور عليه.
وقال أبو الخطاب وغيره لم يصح قبل الإذن قال ولا يلزم إذا أقر بدين من جهة التجارة لأنه مأذون فيه ونصبوا الخلاف مع أبي حنيفة في قوله معلق برقبته وقال القاضي فحكمه حكم العبد المحجور عليه وفي روايتان إحداهما يتعلق بذمته ويتبع به بعد العتق والثانية برقبته ولا يتعلق ذلك بذمة السيد رواية واحدة واستدل القاضي بأنه أقر بحق يتعلق بإتلاف يثبت في ذمته كما لو أقر أنه أفضى امرأة بكرا بإصبعه.
قال الشيخ تقي الدين هذا الذي قاله فيه نظر من وجهين أحدهما جعله القرض من ديون غير التجارة وهو خلاف ما في هذا الكتاب وغيره الثاني:
ـ
أنه جعله فيما لم يؤذن له كالمحجور وجعل في المحجور روايتين إحداهما يتعلق برقبته والروايتان فيما ثبت من معاملة المحجور عليه فأما ما أقر به هو ولم يصدقه السيد ولا قامت به بينة فإنه لا يثبت في رقبته وجنايته على النفوس والأموال تتعلق برقبته والرواية الأخرى فيها غريبة وما قصد القاضي إلا ديون المعاملة كما في هذا الكتاب وغيره إلا أن يريد القاضي بالقرض مالا تعلق له بالتجارة وما زاد على قدر الإذن انتهى كلامه.
وبناه أبو حنيفة على أن ضمان الغاصب يجري مجرى البيع الفاسد بدليل أنه يتعلق به تمليك ولو أقر بشراء فاسد لزمه كذلك إذا أقر بالغصب.
فقال القاضي لا نسلم أن الملك يتعلق بالغصب ولا بالبيع الفاسد ولو أقر أنه أفضى امرأة بكرا لم يؤخذ في الحال عنده.
قال الشيخ تقي الدين أبو حنيفة بناه على أصله في أن الإذن فك الحجر مطلقا فيبقى في الأموال كالحر.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا يتوجه فيمن أقر بحق الغير وهو غير متهم كإقرار العبد بجنايته الخطأ وإقرار القاتل بجنايته الخطأ أن يجعل المقر كشاهد ويحلف معه المدعي فيما يثبت بشاهد ويمين أو يقيم شاهدا آخر كما قلنا في إقرار بعض الورثة بالنسب هذا هو القياس والاستحسان انتهى كلامه.
فصل
قال القاضي فإن حجر الولي عليه فأقر بدين بعد الحجر لم يصدق.
وقال في رواية حنبل إذا حجر الولي على العبد فبايعه رجل بعد ما علم أن مولاه حجر عليه لم يكن له شيء لأنه هو أتلف ماله.
واحتج القاضي بأن الحجر لا يتبعض فإذا صار محجورا عليه في البيع والشراء وجب أن يصير محجورا عليه في إيجاب الدين.
ولو أقر بالجناية مكاتب تعلقت برقبته وذمته ذكره القاضي.
__________
قال الشيخ تقي الدين وكذلك ذكر أبو محمد فصلوا بين أن يأذن له مرة ثانية أو لا يأذن له وقال أبو حنيفة إن كان عليه دين يحيط بما في يده فإقراره باطل وإن لم يكن عليه دين وكان في يده مال لزمه في المال ولا يلزم في رقبته واحتج بأن يده ثابتة على المال بعد الحجر بدليل أنه لو حجر عليه وله ودائع عند أقوام كان هو الذي يتقاضاها ولا يبطل الحجر ما ثبت له من الحق ولم يمنع القاضي هذا الوصف قاله الشيخ تقي الدين.
واحتج أبو الخطاب وغيره بأنه محجور عليه بالرق فلم يصح إقراره كما لو كان عليه دين يحيط بما في يده.
وقال الشيخ تقي الدين قياس المذهب صحة إقراره مطلقا كالحاكم والوكيل والوصي بعد العزل ولأن الحجر عندنا يتبعض ثبوتا فيتبعض زوالا انتهى كلامه.
واحتج الشريف وغيره بأن الحجر لا يتبعض فإذا كان محجورا عليه في البيع والابتياع لم يصح بالإقرار في الدين ولنا أن نقول حجر يمنع بعض التصرف في أعيان المال لحق الغير فمنع التصرف مطلقا لحقه أيضا تسوية بين تصرفاته ولأنه محجور عليه لحق الغير فلم يقبل إقراره كالمحجور عليه لفلس أو سفه يقر بدين وعليه دين قبل الحجر.
قوله: "ولو أقر بالجناية مكاتب تعلقت برقبته وذمته ذكره القاضي".
وذكره أيضا أصحابه كأبي الخطاب والشريف فإنهم قالوا لزمه فإن عجز بيع فيها إن لم يفده المولى.
وقال في المستوعب لزمته فإن عجز تعلقت برقبته وقال أبو حنيفة يستسعى فيها في الكتابة وإن عجز بطل إقراره بها وسواء قضاها أو لم يقضها
ويتخرج أن لا يتعلق إلا بذمته كالمأذون ولو أقر السيد على العبد بشيء مما ذكرنا لم يقبل عليه ولم يلزم السيد منه إلا فداء ما يتعلق بالرقبة لو ثبت بالبينة.
وإذا أقر عبد غير مكاتب لسيده أو أقر له سيده بمال لم يصح.
__________
وعن الشافعي كقولنا وعنه أنه موقوف إن أدى الكتابة لزمته وإن عجز بطل فمن أصحابنا من اقتصر في حكاية هذا القول ومنهم من زاد حتى يعتق.
واحتج الأصحاب بأن إقرار لزمه في حال الكتابة فلا يبطل بعجزه كالإقرار بالدين وعن الشافعي أن المكاتب في يد نفسه فصح إقراره بالجناية كالحر قالوا ولا يلزم المأذون له لأنه في يد المولى.
قوله: "ويتخرج أن لا يتعلق إلا بذمته كالمأذون".
بجامع الرق وقد تقدم الفرق.
قوله: "ولو أقر السيد على العبد بشيء مما ذكرنا لم يقبل عليه".
لأنه لا يملك من العبد إلا المال.
قوله: "ولم يلزم السيد منه إلا فداء ما يتعلق بالرقبة لو ثبت بالبينة".
لأنه إيجاب حق في ماله وكجناية الخطأ وقطع بهذا في الكافي وقال في المغني ويحتمل أن يصح إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ويجب المال دون القصاص.
قوله: "وإذا أقر عبد غير مكاتب أو أقر له سيده بمال لم يصح".
أما المسألة الأولى فلأن مال العبد لسيده ولو قلنا بأنه يملك فقد أقر له بماله فلم يفد إقراره شيئا وكان هذا على المشهور وهو عدم ثبوت مال لسيد عبد في ذمته وهو الذي قطع به غير واحد.
ومن أقر أنه باع عبده نفسه بألف فصدقه لزمه الألف وإن كذبه حلف ولم يلزمه شيء ويعتق فيهما.
ومن أقر لعبد غيره بمال صح وكان لسيده وبطل برده.
__________
وقال بعض الأصحاب ويحتمل أن يصح إقرارهما بما يكذبهما إن قلنا العبد يملك وإلا فلا.
وقال الشيخ تقي الدين إقراره لسيده ينبنى على ثبوت مال السيد في ذمة العبد ابتداء ودواما وفيها ثلاثة أوجه في الصداق وأما المسألة الثانية فلما تقدم من أن مال العبد لسيده فلا يصح إقراره لنفسه وفيه الإحتمال في التي قبلها وقال الشيخ تقي الدين وإقرار سيده له ينبني على أن العبد إذا قيل يملك هل يثبت له دين على سيده انتهى كلامه والمشهور لا يثبت.
قوله: "ومن أقر أنه باع عبده نفسه بألف فصدقه لزمه الألف وإن كذبه حلف ولم يلزمه شيء ويعتق فيهما".
أما لزوم الألف في حالة التصديق فلاتفاقهما عليه.
قال الشيخ موفق الدين ويكون كالكتابة.
قال ابن عبد القوي وهو كالكتابة في ذمة العبد لكنها حالة ويعتق في الحال وهذا معنى كلام غيره.
وأما عتقه في حالة التكذيب فلإقراره بذلك وهو يدعى عليه شيئا الأصل عدمه فلهذا لم يلزمه شيء ويحلف على نفيه وقيل لا يحلف وهذا غريب.
قوله: "من أقر لعبد غيره بمال صح وكان لسيده وبطل برده".
ومقتضى هذا أنه يلزمه بتصديقه.
وصرح به غيره لأن يد العبد كيد سيده والحق للسيد فيه.
وقال الشيخ تقي الدين إذا قلنا يصح قبول الهبة والوصية بلا إذن السيد
وإن أقر ببهيمة لم يصح وقيل يصح ويكون لمالكها فيعتبر تصديقه.
__________
لم يفتقر الإقرار إلى تصديق السيد وقد يقال بل وإن لم نقل بذلك نحو أن يكون قد تملك مباحا فأقر بعينه أو أتلفه وضمن قيمته انتهى كلامه وهو متوجه.
فرع
وإن أقر لعبد بنكاح أو قصاص أو تعزيز أو حد قذف صح وإن كذبه السيد ذكره الشيخ موفق الدين وغيره لأن الحق له دون سيده.
وقال الشيخ تقي الدين وهذا في النكاح فيه نظر انتهى فجعل النظر في النكاح خاصة فإن العبد لا يصح نكاحه إلا بإذن سيده فإن في ثبوت نكاح العبد ضررا عليه فلا يقبل إلا بتصديق السيد كإقرار القاتل بجناية الخطأ انتهى كلامه. 1 وعلى الأول المطالبة والعفو للعبد.
وقال الشيخ شمس الدين بن عبد القوي إذا قلنا الواجب أحد شيئين القصاص أو الدية يحتمل أن للسيد المطالبة بالدية مالم يعف العبد انتهى كلامه.
والقول بأن للسيد المطالبة بالدية فيه إسقاط حق العبد مما جعله الشارع مخيرا فيه فيكون منفيا.
قوله: "وإن أقر ببهيمة لم يصح".
هذا الذي قطع به في المستوعب والكافي وغيرهما لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك.
قوله: "وقيل يصح ويكون لمالكها فيعتبر تصديقه".
كالإقرار للعبد قال في الرعاية كما لو أقر بسببها أو بسبب دار.
__________
1 بياض في الأصل.
ومن أقر لحمل امرأة صح إلا أن تلقيه ميتا أو يتبين أن لا حمل فيبطل.
__________
وقال في المغني وإن قال على بسبب هذه البهيمة لم يكن إقرارا لأنه لم يذكر لمن هي ومن شرط صحة الإقرار ذكر المقر له وإن قال لمالكها أو لزيد على بسببها ألف صح الإقرار وإن قال بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح إذا لم يمكن إيجاب شيء بسبب الحمل.
وقال الشيخ تقي الدين عن هذا القول هذا هو الذي ذكره القاضي في ضمن مسألة الحمل فإنه قال من صح الإقرار له بالوصية والإرث صح الإقرار المطلق له كالطفل والبالغ فقيل له هذا يبطل بالإقرار للبهيمة فإنه لا يصح وتصح الوصية لها لأنه لو أوصى بمائة درهم علق بها دابة فلان لم يستحقها صاحبها.
ووجب صرفها إلى علفها ومع هذا إن أبهم الإقرار لها لم يصح فقال هذا لا يبطل لأن الإقرار هناك صحيح لأنه لصاحب البهيمة وليس للبهيمة والذي يدل على ذلك أنه إذا رد الوصية لم تصح وإذا قبلها صحت.
ثم ذكر في نفس المسألة أنه يصح لما قاسه المخالف وقال لا خلاف أنه لو قال لهذه البهيمة على ألف درهم لم يصح إقراره كذلك الحمل فقال القاضي وعلى أن البهيمة لا يصح الإقرار لها إذا كان مضافا إلى الوصية والحمل يصح الإقرار له إذا كان مضافا إلى الوصية انتهى كلامه ولا يخفى أن فيه نظر.
قوله: "ومن أقر لحمل امرأة بمال صح".
هذا هو المشهور ونصره القاضي وأبو الخطاب والشريف وغيرهم.
وذكر الشيخ زين بن المنجا أنه المذهب لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح وهو الوصية والإرث فيحمل عليه المطلق حملا لكلام المكلف على الصحة كالإقرار لطفل وهذا أصح قولى الشافعي.
قوله: "إلا أن تلقيه ميتا أو يتبين أن لا حمل فيبطل".
وإن ولدت حيا و ميتا فالمال للحي وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين فهو لهما بالسوية إلا أن يعزوه إلى ما يوجب التفاضل من إرث أو وصية تقتضيه فيعمل به وهذا قول ابن حامد.
__________
كذا قطع به غير واحد لفوات شرطه وذكر في المغني والكافي أنه إذا خرج ميتا وقد كان عزى الاقرار إلى إرث أو وصية عادت إلى ورثة الموصى وموروث الطفل وإن أطلق الاقرار كلف ذكر السبب فيعمل بقوله فإن تعذر التفسير بموته أو غيره بطل إقراره كمن أقر لرجل لا يعرف من أراد بإقراره.
قال الشيخ تقي الدين ظاهر ما في الكتاب يبطل مطلقا وقال أيضا قد ثبت أن المال للحمل إما إرثا أو وصية وأنه بإلقائه ميتا يكون لورثة ما فإذا لم يعرفوا ذلك يكون بمنزلة أن يقول هذا المال الذي في يدي وديعة أو غصب ولا يذكر المالك أو يقول لا أعرف عينه.
قوله: "وإن ولدت حيا وميتا فالمال للحي".
لأن الشرط فيه محقق.
قوله: "وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين فهو لهما بالسوية".
لعدم المزية لأحدهما على الآخر.
قوله: "إلا أن يعزوه إلى ما يوجب التفاضل من إرث أو وصية تقتضيه فيعمل به وهذا قول ابن حامد".
وكذا ذكر في المغني وغيره وذكر في الرعاية هذا قولا وقدم التسوية وليس بجيد وذكر في الكافي وغيره أنه بينهما نصفين من غير تفضيل ومراده ما تقدم.
وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الإقرار للحمل إلا أن يعزوه إلى إرث أو وصية فيصح ويكون من الاثنين على حسب ذلك.
__________
قوله: "وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الإقرار للحمل إلا أن يعزوه إلى إرث أو وصية فيصح ويكون بين الاثنين على حسب ذلك".
وهذا قول أبي حنيفة لأنه لا يملك بغير الإرث والوصية والاستدلال بها على ذكر السبب فيه نظر وقد وقع الاتفاق على صحة الإقرار للطفل مع انحصار السبب فيه كذا في مسألتنا وقد ذكر بعض الأصحاب قولا بعدم صحته مطلقا ولا أحسبه قولا في المذهب.
ويقال عزوته إلى كذا أو عزيته وأعزوه وعزواه وعزياه لغتان والواو أفصح.
فصل
وإن قال لهذا الحمل على ألف درهم أقرضنيها فذكر الشيخ موفق الدين تفريعا على قول ابن حامد أنه يصح إقراره في قياس المذهب لأنه وصله بما يسقطه فهو كما لو قال ألف لا تلزمني فإن قال أقرضني ألفا لم يصح لأن القرض إذا سقط لم يبق شيء يصح به الإقرار.
قال الشيخ تقي الدين الصلة المناقضة لفظا ظاهرا فأما الصلة المناقضة شرعا كقوله من ثمن خمر أو خنزير فوجهان وهذه الصلة مناقضة عقلا فهو كما لو قال ألف من ثمن مبيع من ألف سنة ومن أجرة من مائة عام ونحو ذلك.
فصل
وإن أقر لمسجد أو مقبرة أو طريق وعزاه إلى سبب صحيح مثل أن يقول:
ومن أقر بمال في يده لغيره فكذبه بطل إقراره وأقر بيده وقيل ينتزع منه لبيت المال فعلى هذا أيهما غير قوله لم يقبل منه وعلى الأول وهو المذهب إن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه.
__________
من غلة وقفه صح وإن أطلق خرج على الوجهين قبلها فإن صح نزل على ما يمكن من ذلك وغيره وإن أقر لدار أو دكان لم يصح.
قوله: "ومن أقر بمال في يده لغيره فكذبه بطل إقراره".
لأنه لا يقبل قول الغير على غيره في ثبوت حق له ينكره
قوله: "وأقر بيده".
وقدمه أيضا غيره جعلا لإقراره كالعدم في البطلان.
قوله: "وقيل ينتزع منه لبيت المال".
لأنه ضائع لخروجه من ملك المقر وعدم دخوله في ملك المقر له.
وذكر ابن عبد القوي على هذا يعطاه من قامت له بينة به أو وصفه كسائر الأموال الضائعة.
قوله: "فعلى هذا أيهما غير قوله لم يقبل منه"
لأنه تعلق الحق ببيت المال فصار كزائد.
قوله: "وعلى الأول وهو المذهب إن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه".
وقطع به الشيخ موفق الدين في مسائل اللقيط لما تقدم من جعل إقراره كالعبد يقر سيده ومن ادعى عينا في يده أو أقر بها قبل منه.
وذكر في الرعاية أنه يقبل منه في الأشهر كما لو قال غلطت وعدم القبول مطلقا حتى مع الغلط عليه يدل كلام الشيخ موفق الدين في الأقضية والدعاوي لاعترافه أنها لغيره فلا يسمع منه الرجوع عن إقراره وصورة الغلط
ولم يقبل بعدها عود المقر له إلى دعواه ولو كان عوده إلى دعواه قبل ذلك فوجهان ولو كان المقر عبدا أو نفس المقر بأن أقر برقها الغير فهو كغيره من الأقوال على الأول وعلى الثاني يحكم بحريتهما.
__________
تشبه صورة الجهل وهي أن من أنكر المال المقر به له فيصدقه المقر ثم بان أنه للمقر له فهل يسقط حق المقر له بإنكاره جهلا أم لا يسقط ويغرمه المقر كما في الرعاية أنه لا يسقط ويغرمه المقر وفيه احتمال.
قوله: "ولم يقبل بعدها عود المقر له أولا إلى دعواه".
لتعلق حق غيره بذلك ولا يملك إسقاطه.
قوله: "ولو كان عوده إلى دعواه قبل ذلك فوجهان".
أحدهما يقبل لدعواه شيئا لا منازع له فيه والثاني لا يقبل لأنه لم يثبت استحقاقه بتكذيبه وليس هو بصاحب يد فيقبل منه.
قال الشيخ تقي الدين كذلك يجيء الوجهان في كل مالم يتعلق به حق غيره إذا أنكر استحقاقه والنسب فيه حق الولد وستأتي الزوجية فيها قولان.
قوله: "ولو كان المقر له عبدا أو نفس المقر بأن يقر برقبته للغير فهو كغيره من الأموال على الأول".
يعني على قولنا يقر بيده لأنه مال فأشبه غيره من الأموال ولا حرية مع ثبوت اليد عليه.
قوله: "وعلى الثاني يحكم بحريتهما".
يعني على قولنا ينزع لبيت المال لأنه لا يد لأحد عليه والأصل في بني آدم الحرية فعمل بها ولا ناقل عنه وقد ذكر الشيخ موفق الدين في اللقيط إذا أقر إذا بالرق ابتداء لإنسان فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وإن كذبه بطل إقراره فإن به بعد ذلك لرجل آخر جاز.
وإذا أقرت المرأة على نفسها بالنكاح فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح.
__________
وقال بعض أصحابنا يتوجه أن لا يسمع إقراره الثاني لأن إقراره الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له فإذا بطل إقراره برد المقر له بقي الاعتراف بنفي مالك له غيره فلم يقبل إقراره بما نفاه كما لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق.
ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له فلم يمنع إقراره ثانيا كما لو أقر بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد الأول وفارق الإقرار بالحرية فإن إقراره بها يبطل ولو لم يرد انتهى كلامه.
قوله: "وإذا أقرت المرأة على نفسها بالنكاح فعنه لا يقبل".
لأن النكاح يفتقر إلى شرائط لا يعلم حصولها بالإقرار ولأنها تدعي حقا لها وهي النفقة والكسوة والسكنى.
قوله: "وعنه يقبل وهو الأصح".
وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه حق عليها فقبل كما لو أقرت بمال وقد قال الأصحاب رحمهم الله تعالى إذا ادعى اثنان عبدا فأقر أنه لأحدهما فهو للمقر له ومرادهم وليس هو في يد أحد كما لو صرحوا به.
وقال أبو حنيفة لا يلتفت إلى إقراره وهو بينهما واحتجوا بأن من صح إقراره للمدعي إذا كان منفردا صح إذا كان لأحد المتداعيين كالذي في يده مال وأقر به لغيره وهذا التعليل جار في مسألتنا ولا خفاء أن المراد غير المجبرة أما المجبرة فلا يقبل إقرارها.
قال الشيخ تقي الدين المجبرة لا معنى لقبول قولها.
وقال أيضا وكلام القاضي والجد وإن تضمن أن إقرار المجبرة بالنكاح
وعنه إن ادعى زوجيتها واحد قبل وإن ادعاها اثنان لم يقبل نقلها الميموني.
__________
كإقرار غيرها فهو في غاية الضعف فإن المجبرة في النكاح بمنزلة السفيه في المال إذا أقر بعقد بيع لا يصح وإن صدق في إقراره لأنه إقرار على الغير.
قوله: "وعنه إن ادعى زوجيتها واحد قبل وإن ادعاها اثنان لم يقبل نقلها الميموني".
قطع في المغني أنه لا يقبل منها إذا ادعاها اثنان.
وذكر الشيخ تقي الدين أن القاضي نصر ذلك لأنها متهمة في إقرارها في أنها مالت لأحدهما لجماله وماله ولهذا منعناها أن تلي عقد النكاح فصار كإقرار العبد بقتل الخطأ لا يقبل ولو أقر بقتل العمد قبل لأنه غير متهم في ذلك بخلاف ما إذا كان المدعى واحدا لأنه لا تهمة تلحق لإمكانها عقد النكاح عليه ولأنها تعترف بأن بضعها ملك عليها فصار إقرارا بحق غيرها ولو أرادت ابتداء تزويج أحدهما قبل انفصالها من دعوى الآخر لم يكن لهما.
وهذا بخلاف دعواهما عينا في يد ثالث فأقر لأحدهما فإنه يقبل لأنها لا تثبت بإقراره إنما يجعل المقر له كصاحب اليد فيحلف والنكاح لا يستحق باليمين فلم ينفع الإقرار به هنا.
قال القاضي وهذا بخلاف من ادعى عليه اثنان عقد بيع فإن إقراره لأحدهما لا تهمة فيه فإن الغرض المال وهذا يحصل منها.
قال الشيخ تقي الدين كلاهما سواء في العرف والشرع فإنه إذا ادعاها اثنان تقدر أن تتزوج بأحدهما أيضا إذا حلفت للآخر كما في البيعين وإن كان المانع الدين فلا فرق بين أن تحلف للآخر أو تنكره وهو زوجها وفي الباطن لا يمكنها إنكاره ولا الحلف وفي الظاهر يمكن كلاهما وإن لم يوجب
ـ
عليها يمينا فهي يكفي مجرد إنكارها فالحاصل أن مجرد الدعوى لا تمنعها من شيء انتهى كلامه.
قال القاضي في التعليق إدا ادعي نفسان زوجية امرأة فأقرت لأحدهما فهل يقبل إقرارها أم لا نقل الميموني عن الإمام أحمد إذا ادعيا امرأة وأقرت لواحد منهما وجاءا بشاهدين ولم يجيء ولي فرق بينهما فإن أنكرتهما وقامت لكل واحد منهما بينة أنها امرأته فهو على ما يقول الولي لأن كل واحد منهما مكذب بيته صاحبه فإن لم يكن ولي فسخت النكاح قال وظاهر هذا أنه لا يقبل إقرارها وإذا أقر الولي لأحدهما قبل إقراره وحكم بها لمن أقر له الولي وحكم البينتين إذا تعارضتها في النكاح أن تسقطا ويكونان كمن لا بينة لهما فيجري الإقرار مع البينة مجراه مع عدمها وإنما قبل إقرار الولي لأنه يملك العقد عليها أن لأن المسألة محمولة على أن الولي يملك الإجبار على النكاح ومن ملك العقد ملك الإقرار به فأما المرأة فلم يقبل إقرارها في هذا الموضع لما نذكره فإن كان المدعي واحدا فأقرت له فهل يقبل إقرارها أم لا يتخرج على روايتين نص عليهما في الرق إذا ادعى رجل رق امرأة فأقرت له قال وحكم العتق والنكاح سواء لأن المزيل لهما مبنى على التغليب والسراية وهو العتق والطلاق.
قال الشيخ تقي الدين "قوله إذا ادعيا نكاح امرأة وأقرت لواحد منهما وجاء بشاهدين ولم يجيء بولي فرق بينهما" مضمونها أنه يفرق بينهما مع قيام البينة بالنكاح وهذا يبين أنه لم يكن لرد الإقرار لأن البينة قد شهدت بما أقرت به لأن قوله وجاء فيه ضمير مفرد لا مثنى هذا ظاهره لأنه قال وأقرت لواحد منهما وجاءا بشاهدين فرق بينهما فهذه ضمائر الوحدة وهذا يبين لك أن الرد1 لم يكن لكونه ادعاها اثنان فأقرت لأحدهما وإنما النكاح
__________
1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية "أن المؤثر"
ـ
عنده ثابت فأبطله لعدم الولي ألا تراه يقول فرق بينهما وهذا إنما يقال في النكاح المنعقد لا فيما لم يثبت وليس في الرواية أنها اجتمعت بمن أقرت له فعلم أن قوله فرق بينهما للثبوت.
وحينئذ فيحتمل أن يكون الإبطال لأن البينة شهدت على عقد مجرد لم يتضمن مباشرة الولي وهذه الشهادة لا تصح كما ذكره القاضي أخذا من مفهوم كلامه أو شهدت على عقد بغير ولي فتكون قد صرحت البينة بعدم الولي فلا ريب أنه باطل عنده ويحتمل أن الدعوى بالنكاح عن امرأة لا تصح وإنما تصح على وليها معها لأن المرأة وحدها لا يصح منها بذل النكاح ولا الإقرار به كما دل عليه كلامه كما لو ادعى عليها الرق في إحدى الروايتين بناء على أن المرأة لا تعقد النكاح وإنما يعقده وليها فالدعوى عليها كالدعوى على السفيه بعقد بيع أو الدعوى على أحد الوصيين بعقد بيع وإذا لم يصح والشهادة القائمة شهادة على غير خصم1 ففيه حكم على ولي غائب عن المجلس يمكن حضوره فلا يصح أو لأن الشهادة لم تكن عليه فإنها لا تصح إلا بحضوره فيفرق بينهما حتى يثبت النكاح أو لأجل ثبوت فساده ألا تراه قال في الصورة الثانية فسخت النكاح وقال في الأولى فرق بينهما فعلمنا أنه تفريق بدن لا إبطال نكاح ويحتمل أن المرأة كانت مجبرة وإذا كانت مجبرة لم يصح إقرارها ولا الدعوى عليها كما قاله القاضي في إقرار الولي عليها وهذا الاحتمال أظهر في القياس فلا تكلف في تخريجه على القواعد المذهبية.
وقوله: "إذا أنكرتهما وأقام كل واحد بينة فهو على ما يقول الولي فإن لم يكن ولي فسخت النكاح".
__________
1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية "وإذا لم يصح بالشهادة القائمة على غير الخصم".
ـ
يقتضى أن العبرة بإقرار الولي إما لأنه مجبر كما تأوله القاضي أو لأنه مأذون له فالعبرة بتصديقه وتكذيبه لأنه هو المباشر للعقد الذي يصح منه ذلك دونها كما أن العبرة به إذا ادعى على سفيه بعقد بيع فإذا قامت البينتان إما أن يقال سقطتا للتهاتر كما قاله القاضي أو يقال ثبت العقدان فالمرجع إلى الولي في تعيين أيهما هو الصحيح لكونه بإذنه أو لكونه المقدم كما قلته فيما إذا ثبت بيعان فالمرجع إلى البائع في تعيين المقدم ويحلف للآخر.
وقوله: "فإن لم يكن ولي فسخت النكاح".
يؤيد هذا الاحتمال لأنه لو لم يثبت عقد لم يحتج إلى فسخ بل يثبت عقدان لم يتعين صحيحهما أو لم يكن فيهما صحيح لعدم إذن الولي فينفسخ النكاحان وإذا نزلت المسألة على الولي المجبر كما فسروا به قوله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها" ظهر ما ذكرته جيدا.
وبكل حال قد تبين أن ليس في كلام الإمام أحمد ما يقتضى أنه أبطل الإقرار لادعاء نفسين لها ولا تأثير للمدعيين بل عنده أن إقرار المرأة لم يصح إما مطلقا وإما إذا كانت مجبرة وهذا هو الحق فإنه لا أثر لهذا من جهة الفقه انتهى كلامه.
وقول القاضي في سقوط البينتين هو معنى كلام غير واحد.
قال في المغني وإذا أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا وحيل بينهما وبينها والذي قاله في الرعاية تعارضتا وسقطتا ولا نكاح وقال غير واحد وإن جهل سبق التاريخ عمل بقول الولي نص عليه قال ابن حمدان المجبر فإن جهل فسخا فأما إن اختلف تاريخهما فهي للأسبق تاريخا.
فرع
ظاهر كلام القاضي هنا أنه لا يرجح أحدهما بكون المرأة في يده وبيته
وإن أقر وليها عليها بالنكاح قبل إن كانت مجبرة.
__________
وهو ظاهر كلام غيره أيضا وقطع به في المغني لعدم ثبوت اليد على حرة.
وقال القاضي في موضع آخر إذا ادعيا نكاح امرأة وأقاما البينة وليست في يد واحد منهما فإنهما يتعارضان ويسقطان ذكره محل وفاق.
قال الشيخ تقي الدين ومقتضى هذا أنها لو كانت في يد أحدهما كانت من مسائل الداخل والخارج.
فرع
فلو أقر الرجل بالنكاح فهل يقبل إقراره يخرج على الروايتين في قبول قول المرأة والأولى في العبارة أن يقال إذا ادعى النكاح وصدقته فهل تقبل دعواه لأن الحق له والحق فيه تبع بخلافها؟.
قال الشيخ تقي الدين عقب رواية عدم قبول إقرارها ويلزم من هذا أيضا أنه لا يصح إقرار الرجل بالنكاح فإنها إذا أقرت ابتداء فلا بد من تصديقه فلا يصح وإن أقر هو ابتداء فتصديقها إقرارها فلا يصح انتهى كلامه.
قال في الكافي من ادعى نكاح صغيرة في يد فرق بينهما وفسخه الحاكم إلا أن يكون له بينة لأن النكاح لا يثبت إلا بعقد وشهادة ومقتضى هذا أنها لو صدقته فيه لم يقبل لكن قال وإن صدقته إذا بلغت قبل ولم يزد على ذلك.
وقال في الرعاية قبل على الأظهر وقد قال في آخر باب في المستوعب ومن أقر بأب أو مولى عليه أعتقه أو بزوجية وصدقه المقر له ثبت إقراره بذلك سواء كان المقر رجلا أو امرأة انتهى كلامه.
قوله: "وإن أقر وليها عليها بالنكاح قبل إن كانت مجبرة"
أو مقرة له بالإذن وإلا فلا نص عليه وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة.
وإذا أقر الرجل أو المرأة بزوجية الآخر فلم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح وورثه.
__________
لعدم اعتبار قولها.
قوله: "أو مقرة له بالأذن وإلا فلا نص عليه وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة".
لما تقدم من أن من ملك شيئا ملك الإقرار به وقال ابن عبد القوى لأنها كالمقرة بأصل العقد.
معنى قوله: "وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة".
لعل هذا في الموجود في كلامهم قال ابن عبد القوي لأن الفروج يحتاط لاستباحتها فلا تباح مع لفظ محتمل ولهذا لا ينعقد بالكناية وهذا فيه نظر والأول أولى ولعل صورة الإذن من أهلها لم يتفطن لها فلا يكون مخالفا فيها وإن تناولها إطلاق كلامه فأما إن لم تكن مجبرة ولا مقرة بالإذن لم يقبل قوله عليها كإقرار أجنبي على غيره بمال.
قوله: "وإذا أقر الرجل أو المرأة بزوجية الآخر ولم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح وورثه".
هذا ينبنى على صحة إقرار المرأة بالنكاح قاله الشيخ تقي الدين وهو صحيح.
وإنما ذكرها الأصحاب لخلاف أبي حنيفة فيها.
قال القاضي هذا قياس قول أصحابنا وهو قول أبي يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة إن أقرت المرأة وماتت فصدقها لم يرثها وإن أقر هو ومات فصدقته ورثته.
ولنا أنه أحد الزوجين فورث كالآخر وكما لو وجد التصديق في الحياة.
إلا أن يكون قد كذبه في حياته فوجهان.
ومن أقر بولد أو أب أو زوج أو مولى أعتقه قبل إقراره وإن سقط به وارثا معروفا إذا أمكن صدقه.
__________
قال الشيخ شمال في شرحه وقد ذكرنا فيما إذا أقر بنسب كبير عاقل بعد موته هل يرثه على وجهين بناء على ثبوت نسبه فيخرج هنا مثله انتهى كلامه.
كذا قال ومأخذ الخلاف في الملك لا يجيء في هذه لكن فيما إذا أقر بنسب صغير ميت قول بعدم الإرث معللا بالتهمة في ذلك كذلك يخرج هنا.
قوله: "إلا أن يكون قد كذبه في حياته فوجهان".
والصحة والإرث قطع به أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل ونصبا الخلاف مع أبي حنيفة كما تقدم وذكر ابن عبد القوي أن عكس هذا أقوى الوجهين في نظيرهما في ثبوت النسب وهو غريب وقطع غير بثبوت النسب احتياطا له.
وهذه المسألة نظير من أقر له بمال فكذبه ثم صدقه وفيها وجهان وكذلك يجيء هنا لو كذبه في الحياة ثم صدقه فيها وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى.
قوله: "ومن أقر بولد أو أب أو زوج أو مولى أعتقه قبل إقراره وإن أسقط به وارثا معروفا".
كذا ذكر غيره نصا وظاهرا لأنه إقرار من مكلف ليس فيه منازع فثبت كما لو أقر بمال ولأن الظاهر احتياط الإنسان فلا يلحق به من ليس منه فيقبل ذلك.
قوله: "إذا أمكن صدقه".
ولم يدفع به نسبا لغيره وصدقه المقربه إلا في الولد الصغير أو المجنون.
__________
لأنه لا يلتفت إلى قول من لا يمكن صدقه.
قوله: "ولم يدفع به نسبا لغيره".
لما فيه من قطع النسب الثابت من غيره وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم "من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه" .
قوله: "وصدقه المقر به".
لأن له قولا صحيحا فاعتبر تصديقه في ذلك كما لو أقر له بمال فإن صدقه ثبت وإن كان بعد موت المقر لوجود الإقرار والتصديق وذكر ابن عبد القوي أنه لو خرج فيه قول كما سيأتي لم يكن بعيدا للتهمة فيه ولا بد من عدم اشتراط المنازع فيه لأنه لا ترجيح يسقط به حق الآخر.
قوله: "إلا في الولد الصغير أو المجنون".
فلا يشترط تصديق كما سبق في باب ما يلحق من النسب لأنه لا قول له وإن بلغ أو عقل فأنكر لم يقبل منه للحكم بثبوت نسبه كما لو قامت به بينة وكما لو ادعى ملك عبد صغير في يده وثبت ملكه بذلك فلما كبر جحد قوله وسبق فيه رواية بأن إقرار المزوجة لا يقبل بالولد تقدم ذلك.
فصل
وظاهر كلامه أنه لو استلحق كبيرا عاقلا ميتا لم يثبت نسبه وهو أحد الوجهين لأنه مكلف لم يوجد منه تصديق والثاني يثبت قطع به في الكافي وهو قول القاضي وغيره وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه غير مكلف كالصغير وذكر الشيخ تقي الدين أو الأول أصح وأن في الإقرار بالميت الصغير نظرا وذكر غيره احتمالا في ثبوت نسبه دون ميراثه للتهمة وقال أبو حنيفة لا يثبتان لذلك قلنا:
فلا يشترط تصديق كما سبق في باب ما يلحق من النسب وسبق فيه رواية بأن إقرار المرأة المزوجة لا يقبل بالولد.
__________
يبطل بما إذا كان المقر به حيا موسرا والمقر فقيرا قال في المستوعب لا عبرة بمن قال لا يثبت نسبه.
فصل
ومتى ثبت نسب المقر به ورجع المقر عن الإقرار لم يقبل رجوعه وإن صدقه المقر له في الرجوع فكذلك في أصح الوجهين كالثابت بالفراش والثاني لا يثبت كالمال.
قال الشيخ تقي الدين إن جعل النسب فيه حق الله فهو كالحرية وإن جعل حق آدمي فهو كالمال والأشبه أنه حق لآدمي كالولاء.
ثم إذا قبل التراجع عنه فحق الأقارب الثابت من المحرمية ونحوها هل يزول.
وكذلك إذا رجع عن التصادق على النكاح فالمصاهرة الثابتة هل تزول أو تكون كالإقرار بالرق بعد التصرف انتهى كلامه.
فصل
قال الشيخ تقي الدين فأما إن ادعى نسبا فلم يثبت لعدم تصديق المقر به1 أو قال لا أب لي أو أنا فلان بن فلان وانتسب إلى غير معروف أو قال لا أب لي أو لا نسب لي ثم ادعي بعد هذا نسبا آخر أو ادعى أن له أبا فقد ذكروا فيما يلحق من النسب أن الأب إذا اعترف بالابن بعد نفيه قبل منه فكذلك غيره لأن هذا النفي أو الإقرار لمجهول أو لمنكر لم يثبت به نسب.
__________
1 بهامش الأصل: في كلام الشيخ تقي الدين "أو قال: لا أب لي"
ويكفى في تصديق الولد بالوالد وفي عكسه سكوته إذا أقر به نص عليه وللشاهد أن يشهد بنسبهما بناء على ذلك وقيل لا يكفي حتى يتكرر ذلك.
ومن أقر بطفل له أم فجاءت بعد موت المقر تدعى زوجيته لم تثبت بذلك.
__________
فيكون إقراره بعد ذلك مجهولا كما قلنا فيما إذا أقر بمال المكذب إذا لم نجعله لبيت المال فإنه إذا ادعى المقر بعد هذا أنه ملكه قبل منه ولو كان المقر به رق نفسه فهو كغيره بناء على أن الإقرار للمكذب وجوده كعدمه وهناك على الوجه الآخر نجعله بمنزله المال الضائع أو المجهول الحال فيحكم بالحرية وبالمال لبيت المال وهنا يكون بمنزلة المجهول النسب فيقبل منه الإقرار به1 ثانيا وسر المسألة أن الرجوع عن الدعوى مقبول والرجوع عن الإقرار غير مقبول والإقرار الذي لم يتعلق به حق لله ولا لآدمي هو من باب الدعاوي فيصح الرجوع عنه انتهى كلامه.
وقد تقدمت الإشارة إلى المسألة في غير موضع.
قوله: "ويكفي في تصديق الولد بالوالد وفي عكسه سكوته إذا أقر به نص عليه وللشاهد أن يشهد بنسبهما بناء على ذلك".
هذا هو المشهور لأن النسب يحتاط له فاكتفى بالسكوت كما لو بشر بولد فسكت بخلاف سائر الأشياء.
قوله: "وقيل لا يكفي حتى يتكرر ذلك".
لأن السكوت محتمل فاعتبر التكرار لزوال الاحتمال.
قوله: "ومن أقر بطفل له أم فجاءت بعد موت المقر تدعى زوجيته لم تثبت بذلك".
__________
1 بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية في كلام الشيخ تقي الدين هذا "فيقبل به الإقرار"
ـ
كذا ذكره الأصحاب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة إن كانت حرة معروفة الأصل فهي زوجة استحسانا.
وقال القاضي فإن قيل أليس قد قال أبو بكر في النكاح من المقنع وأومأ إليه الإمام أحمد في رجل باع أمة له من رجل فولدت عند المشترى ولدا فأدعاه البائع أنه ولده وصدقه المشترى أنها تصير أم ولد للبائع فحمل إقراره بالولد على أنه كان في ملكه ولم يحمله على وطء شبهة لذلك يجب أن يحمل إقراره بالولد على أنه كان في زوجية.
قيل له كلام أبي بكر محمول في تلك المسألة على أن البائع ادعى أنه ولده وأنها علقت به في ملكه فمثاله هنا أن يقر بنسبه في زوجية وسلم القاضي أن إقراره بالولد لا يكون إقرارا بنسب أخيه قاله الشيخ تقي الدين.
ومراد القاضي والله أعلم غير التوأم وظاهر كلام أبي بكر خلاف ما قال الشيخ تقي الدين في مسألة أبي بكر قد تقدم في هذه المسألة وجهان في الاستيلاد مع أن الوجهين ذكرهما في الكافي على قولنا أن الاستيلاد لا يثبت إلا إذا علقت به في ملكه فأما إذا قلنا إنه إذا استولدها بنكاح أو وطء شبهة ثم ملكها صارت أم ولد فهذا الأشبه فيه.
وقال ونظير هذا اللقطة فلذلك يجب أن يكون في هذه المسألة مع أن الأشبه بكلام الإمام أحمد ثبوت الاستيلاد هناك والزوجية هنا حملا على الصحة انتهى كلامه.
والوجه بصيرورتها أم ولد وهو منصوص الشافعي لأنه الظاهر بإقراره بولدها وهي في ملكه بخلاف مسألتنا.
ووجه الأول أن ذلك ليس حقيقة لفظه ولا مضمونه والنسب يحتاط له
ولا يصح إقرار من له نسب معروف بغير هؤلاء الأربعة من جد وابن ابن وأخ وعم وغيرهم إلا وورثة أقروا بمن لو أقر به مورثهم ثبت نسبه.
__________
فيلحق بشبهة أو نكاح فاسد فلا يلزمه مالم يتضمنه لفظه وكما لو كانت غير معروفة بالحرية عند أبي حنيفة.
قوله: "ولا يصح إقرار من لا نسب له معروف بغير هؤلاء الأربعة من جد وابن ابن وأخ وعم وغيرهم".
لأن إقرار الإنسان على غيره مقبول وفيه عار وضرر وقال بعضهم من له نسب معروف لا يصح إقراره ولعل مراده من ليس له فسقطت لفظة "ليس".
قوله: "إلا ورثة أقروا بمن لو أقر به موروثهم ثبت نسبه".
وهذا قول الشافعي وأبي يوسف وحكاه عن أبي حنيفة.
قال في المغني والمشهور عن أبي حنيفة لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا يثبت بإقرار اثنين وهذا الذي حكاه عن مالك حكاه الأصحاب عن أبي حنيفة كالشهادة.
ولنا قصة سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة وهي مشهورة متفق عليها وقد أثبت فيها النبي صلى الله عليه وسلم بقول عبد بن زمعة وحده فلأن الوارث يقوم مقام الموروث في حقوقه ولو أنه واحد كذا النسب لأنه منها ولأنه حق يثبت بإقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين بخلاف الشهادة ولهذا لا نعتبر لفظها ولا العدالة.
ويعرف من قوله: "ورثة" أقرار غير الوارث لا يقبل لعدم قبوله في المال فكذا النسب ومقتضى كلامه أنه لو أقر الوارث بمن نفاه الموروث ثبت نسبه والظاهر أنه لم يرده لأنه قد حكى في موضع آخر أن نص الإمام أحمد لا يثبت خلافا للقاضي وقطع الشيخ موفق الدين وغيره بالمنصوص لما فيه من الضرر
فإن كان المقر بعض الورثة لم يثبت النسب.
__________
على الموروث والعار عليه.
قوله: "فإن كان المقر بعض الورثة لم يثبت النسب".
ذكره غير واحد بالإجماع إذالم يكن المقر اثنين لأن النسب لا يتبعض ولا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر.
قال في الرعاية فإن أقر بعضهم ولم يشهد منهم أو من غيرهم عدلان أنه ولده أو ولد على فراشه أو أنه أقر به لم يثبت نسبه على المذهب فهذا رواية في ثبوت النسب بقول البعض ولعل مراده إذا كان البعض ابنين لأنه هو المعروف في كلام القاضي وغيره قال ابنه أبو الحسين إذا أقر اثنان من الورثة على أبيهما بدين أو نسب فهل يثبت ذلك في حق الباقين بغير لفظ الشهادة على روايتين إحدهما يعتبر لفظ الشهادة لأنه إثبات حق على الغير أشبه ما إذا شهد اثنان على نسب الغير أو بدين على الغير والثانية لا يعتبر لأنه يشبه الشهادة لأنه إثبات حق على الغير ويشبه الإقرار من حيث تثبت المشاركة له فيما في يده من المال المقصود فأعطيناه حكم الأصلين فاشترطنا العدد اعتبارا بالشهادة ولم تشترط لفظ الشهادة اعتبارا بالإقرار.
قال القاضي في التعليق ويتخرج على هذا الاختلاف هل يشترط فيهما العدالة على روايتين وقال أبو حنيفة يثبت إذا كانا عدلين.
فرع
وإذا لم يثبت النسب من الموروث لعدم إقرار كل الورثة فهل يثبت من المقر حتى لو مات المقر ولا وارث له غير المقر به يرثه الذي قطع بعضهم أنه لا يثبت.
وذكر غير واحد وجهين أحدهما يثبت لأن النسب يحتاط له والمعنى
لكن يعطى للمقر له ما فضل في يده عن حقه أو كله إن كان يسقطه كما ذكر في الفرائض.
ولو مات المنكر المقر وارثه ثبت نسب المقر به منهما وقيل لا يثبت لكن يعطيه الفاضل في يده عن إرثه فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وكان المقر به أخا ورثه دونهم على الأول وعلى الثاني يرثونه دون المقر به.
__________
الذي لأجله لم يثبت النسب من الموروث يختص به ولا يتعداه والثاني لا يثبت لأن النسب لا يتبعض.
قوله: "لكن يعطى للمقر له ما فضل في يده عن حقه أو كله إن كان يسقطه كما ذكر في الفرائض".
تقدم ذلك.
قوله: "ولو مات المنكر والمقر وارثه ثبت نسب المقر به منهما".
وقدمه أيضا في المغني لأنه صار جميع الورثة كما أقر به ابتداء.
وقطع به في المستوعب وقال ذكره القاضي في المجرد.
قوله: "وقيل لا يثبت لكن يعطيه الفاضل في يده عن إرثه".
كما لو لم يمت وكما لو أنكر الأب نسبه في حياته فأقر به الوارث وكذا الخلاف لو كان وارثه ابنا فأقر بالذي أنكره أبوه ذكره في المغني وغيره فأما إن كان المقر غير مكلف لم يثبت النسب فإن مات فوارثه يقوم مقامه وإن صار مكلفا ثبت نسبه وإن أقر له وإلا فلا وإن لم يخلف وارثا إلا أخاه المقر قام مقامه في الإقرار لأنه صار جميع الورثة.
قوله: "فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وكان المقر به أخا ورثه دونهم على الأول وعلى الثاني يرثونه دون المقر به".
ولو مات المقر بنسب ممكن ولم يثبت ولم يخلف وارثا من ذي سهم ولا رحم ولا مولى سوى المقر به جعل الإقرار له كالوصية فيعطى ثلث المال في أحد الوجهين وجميعه في الآخر وقيل لا يجعل كالوصية ويكون الإرث لبيت المال.
__________
هذا تفريع واضح لا حاجة للمختصر إليه لأنه ثبتت أخوته على الأول بخلاف الثاني والأخ يسقط بني العم.
قوله: "ولو مات المقر بنسب ممكن ولم يثبت ولم يخلف وارثا من ذي سهم ولا رحم ولا مولى سوى المقر به جعل الإقرار كالوصية فيعطى ثلث المال في أحد الوجهين وجميعه في الآخر".
لأن إقراره تضمن جعل المال له فأشبه جعل المال وصية وهل تصح وصية من لا وارث له بجميع ماله فيه روايتان وعليهما يخرج الوجهان في هذه المسألة.
قوله: "وقيل لا يجعل كالوصية ويكون الإرث لبيت المال".
لأن ثبوت المال من ثبوت الأخوة فإذا انتفى انتفى تابعه وقطع في المغني بعدم ثبوت النسب لعدم إقرار كل الورثه ثم قال وهل يتوارثان فيه وجهان.
أحدهما يتوارثان لأن كل واحد منهما يقر أنه لا وارث له سوى صاحبه ولا منازع لهما والثاني لا يتوارثان لأن النسب بينهما لم يثبت فإن كان لكل واحد منهما وارث غير صاحبه لم يرثه لأنه منازع في الميراث ولم يثبت نسبه انتهى كلامه.
فقد جعل الخلاف في توارثهما مع انتفاء النسب وهذا غريب وكيف يثبت التوارث مع انتفاء سببه وقد تقدم قريبا ذكر هذه المسألة في فرع وأن فيها خلافا في ثبوت النسب وأن فيها معنى الإرث ذكره في المستوعب وغيره.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الفرائض في زياداته على كتاب
وإن أقر المجهول النسب الذي عليه ولاء بنسب وإرث لم يقبل حتى يصدقه مولاه نص عليه ويتخرج أن يقبل بدونه.
__________
أبيه حدثنا عبد الله بن عوف وكان ثقة حدثنا شريك من جابر عن الشعبي عن علي في رجل ادعى أخاه وأنكره إخوته قال: "يتوارثان بينهما دونهم".
جابر هو الجعفي ضعيف وإن صح فقد يقال توارثهما يدل على تواضع النسب وثبوته بينهما لما بينهما من اللازم.
وقال الشيخ تقي الدين هذا يقتضي أن المقر به يرث المقر مطلقا كما عليه أن يدفع في حياته فضل ما في يده له كأنه أقر بأن المال الذي في يده يتسحقه هكذا قال.
قوله: "وإذا أقر المجهول النسب الذي عليه ولاء بنسب وإرث لم يقبل حتى يصدقه مولاه".
نص عليه في رواية أحمد بن القاسم وذكر له أن قوما يقولون في الحميل إنه إنما منعوه الميراث إلا ببينة من أجل الميراث فأما قوم يسبون جاءوا مسلمين أو أسلموا في مواضعهم فإنهم خلاف هذا قال أجل هذا غير ذاك.
قال القاضي فقد نص على أنه لا يقبل قبول السبي وبين أن العلة فيه إسقاط الميراث بالميراث وقال أيضا في رواية حرب من ميراث الحميل إذا قامت البينة أنه أخوه أو ابنه أو وارث له ورثتاه وإلا فلا.
قال القاضي فقد نص على اعتبار البينة في ذلك وأنه لا يقبل مجرد إقرارهم وهذا هو الذي عليه الأصحاب لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والحق لمولاه فلا يقبل إقراره بما يسقطه كما لو دفع بإقراره نسبا لغيره.
قوله: "يتخرج أن يقبل بدونه".
وإن لم يكن له عليه ولاء قبل إقراره وإن كان أخا أو عما أو غيرهما بشرط التصديق والإمكان.
وإذا أقر ورثة ميت عليه لزمهم قضاؤه من التركة وإن أقر بعضهم لزمه منه بقدر إرثه.
__________
قال ابن عبد القوى لأنه لم يسقط به نسبا والإرث يسقط تبعا لا قصدا فلا نص لحد الأصل انتهى كلامه.
ولعل هذا التخريج من قبول إقراره بالنسب وهو أسقط به وارثا معروفا إذا لم يدفع به نسبا لغيره وهنا لم يسقط به نسبا والنسب يحتاط لإثباته وهذا قول أبي حنيفة وأنهم يصدقون في كل ما يصدق فيه أهل الذمة.
قوله: "وإن لم يكن عليه ولاء قبل إقراره به وإن كان أخا أو عما بشرط التصديق والإمكان".
قال في الرعاية وتصديقه إن كان مكلفا لأنه لا ضرر على أحد بإقراره فيقبل.
قوله: "وإذا أقر ورثه ميت بدين عليه لزمهم قضاؤه من التركة".
كإقرار الميت به في حياته لأن الوارث يقوم مقام الموروث والإقرار أبلغ من البينة ويلزم الوارث أقل الأمرين من قيمتها أو قدر الدين بمنزلة الجاني.
قوله: "وإن أقر بعضهم لزمهم منه بقدر إرثه".
فلو كان ابنين فأقر أحدهما وجب عليه في حصته نصف الدين وإن كانوا ثلاثة وجب عليه ثلث الدين قال القاضي في رواية الأثرم فيمن علم على أبيه دينا فإنما عليه بحصته وإن لم يرد الآخرون وكذلك نقل إسحاق بن إبراهيم عنه في الورثة يقر اثنان منهم بدين على أبيهم وينكر الباقون أعطى كل واحد منهما بحصته من الدين الذي على أبيهما وهذا قول الشافعي وأبي ثور لأنه لا يستحق أكثر من ذلك كما لو أقر الورثة كلهم ولأنه أقر بدين تعلق بمال
إلا أن يقرأ عدلان فيشهدا للغريم أو عدل يحلف مع شهادته فإنه يسقط حقه.
ويقدم ما ثبت بالبينة أو إقرار الميت على ما ثبت بمجرد إقرار الورثة.
__________
مشترك فلزمه بقدر حصته كالشريك ولأنه حق يتعلق بالتركة فلم يؤخذ منه إلا ما يخصه كالوصية وقال أبو حنيفة يلزمه جميع الدين أو جميع ميراثه لأن الدين يتعلق بالتركة فلا يستحق الوارث منها إلا ما فضل ولأنه يدعي أن ما يأخذه المنكر غصبا فأشبه ما لو غصبه أجنبي.
وقال ابن عبد القوي ويخرج لنا مثله على قولنا إنه إذا اختار السيد فداء العبد الجاني يلزمه جميع الأرش انتهى كلامه وفيه نظر.
وقد تقدم لنا في إقرار بعض الورثة بالنسب أنه إذا أقر اثنان من الورثة بدين هل يلزم الباقين على روايتين.
قوله: "إلا أن يقرأ عدلان فيشهدا للغريم أو عدل يحلف مع شهادته فإنه يسقط حقه".
يعني من التركة لثبوت الحق كما لو كانت البينة أجنبية.
قوله: "ويقدم ما ثبت بالبينة أو إقرار الميت على ما ثبت بمجرد إقرار الورثة".
أما كون إقرار الميت يقدم على إقرار الوارث فتؤكده بالسبق واحتمال المواطأة في الثاني ومن عليه الحق أعلم به فيقدم.
قوله: "وقيل يقدم ما أقر به الورثة".
لثبوته بإقرارهم كشهادتهم ويحتمل التسوية بين الإقرارين ويقدم ما ثبت ببينة على مجرد الإقرارين لقوتهما ولما في التساوي من تسليط على إبطال حق غيره الثابت بالبينة بمجرد قوله.
وإذا أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة ثم أقر مثله لآخر في مجلس ثان لم يشارك الثاني الأول وإن كانا في مجلس واحد تشاركا عند الخرقي كما لو أقر لهما معا.
__________
قوله: "وإذا أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة ثم أقر بمثله لآخر في مجلس ثان لم يشارك الثاني الأول".
قطع به الأصحاب رحمهم الله تعالى وقال الشيخ تقي الدين يشبه إذا أقر في مرضه مرتين أو أقر في صحته ثم في مرضه من وجه انتهى كلامه.
وقال الشافعي يقبل إقراره الثاني فيتشاركان لأن من قبل إقراره أولا قيل ثانيا إذا لم يتغير حاله كالموروث.
ووجه قولنا أن الأول تعلق حقه بالتركة فلا يقبل إقرار غيره بما يسقط حقه كإقرار الراهن بجناية الرهن أو الجاني فأما الموروث فإن أقر في صحته صح لعدم تعلق الدين بماله وإن أقر في مرضه لم يحاص المقر له غرماء الصحة لذلك قال في المغني.
وهذا يدل على استوائهما في الحكم لاستوائهما في المعنى وأنه إذا قيل بالمحاصة قيل بالمشاركة هنا لعدم الفارق فيكون لنا قولان كقول الشافعي.
قال في المغني وأن أقر يعني الموروث في مرضه لغريم يستغرق تركته دينه ثم أقر لآخر في مجلس آخر والفرق بينهما أن إقراره الأول لم يمنعه من التصرف في ماله ولا أن يعلق به دينا آخر بأن يستدين دينا آخر بفعله فلا يملكه بقوله ولا يملك التصرف في التركة ما لم يلتزم قضاء الدين انتهى كلامه ولعل الفرق من هذه الجهة فيه نظر فتأمله.
قوله: "وإن كانا في مجلس واحد تشاركا عند الخرقي كما لو أقر لهما معا".
قطع به جماعة منهم الشيخ موفق الدين وصاحب المستوعب لأن حكم
وقيل يقدم الأول وظاهر كلام أحمد يتشاركان إن تواصل الكلام بالإقرارين وإلا قدم الأول ولو أقر لرجل بعين التركة ثم أقر بها لآخر فهي للأول ويغرم قيمتها للثاني.
__________
المجلس حكم الحال الواحد فيما يعين قبضه ولحوق الزيادة وإمكان الفسخ وغير ذلك كذا في مسألتنا.
قال الشيخ تقي الدين وهو الذي في التعليق ذكره وفاقا مع أبي حنيفة في ضمن مسألة الإقرار مرتين لكن قال إذا ادعى رجل أن له على أبيه ألف درهم فأقر له بذلك فقيدها بالإقرار بعد الدعوى فيمكن الفرق انتهى كلامه.
قوله: "وقيل يقدم الأول".
لما تقدم لأن الغير لا يملك إسقاط حق غيره كما نقول في إقرار الراهن بجناية الرهن أو الجاني ودعوى ثاني المجلس ممنوعة وإنما حصل الثاني في مواضع لمصلحة المكلفين لاحتمال حصول اتحاد غرض أو غيره أو دهشة ونحو ذلك فجعل الشارع المجلس فيه ظاهرا نظرا إلى مصلحة مخصوصة.
قوله: "وظاهر كلام الإمام أحمد يتشاركان إن تواصل الكلام بالإقرارين وإلا قدم الأول".
لأن مع تواصل الكلام هو كالإقرار الواحد بدليل أنه يملك تغييره وتقريره بشرط استثناء ونحو ذلك فيكون كالكلام الواحد وإلا قدم الأول لما تقدم.
قوله: "ولو أقر لرجل بعين التركة ثم أقر بها لآخر فهي للأول ويغرم قيمتها الثاني".
لأنه حصل للأول بالإقرار السابق ولم يقبل رجوعه بالإقرار الثاني لأنه حق آدمي ويغرم قيمتها للثاني لأنه بإقراره لغيره حال بينه وبين ملكه
باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره
باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره
إذا ادعى على رجل مائة فقال نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر بها أو بدعواك فقد أقر بالمدعى.__________
فغرمه كما لو شهد على غيره بإعتاق عبده ثم رجع عن الشهادة وكما لو أتلفه ثم أقر به وقال الشافعي في أحد القولين لا يغرم للثاني شيئا ولنا فيما إذا قال غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو وجه لا شيء لعمرو فيلزم هنا مثله وأولى لأن أبا حنيفة وافق في صورة الغصب وقال هنا إن سلم الغير إلى الأول بحكم حاكم فهي له ولا شيء للثاني لأن الواجب الإقرار وقد أقر وإنما منعه الحكم من القول وهو غير موجب الضمان.
فصل
قد عرفت من هذه المسألة أن الرجوع عن الإقرار بغير حد خالص لله لا يقبل وهذا صحيح وقطع به أكثر الأصحاب وقال في المغني لا نعلم فيه خلافا لأنه حق ثبت لغيره وقدم هذا في المستوعب والرعاية وقدم أبو بكر في التنبيه أن من أقر بمال أو حد أنه يقبل رجوعه تسوية بين الحقين.
قال السامري لما حكى في قبول الرجوع عن الإقرار بالأموال وجها لا يجوز أن يكون هذا مذهبا.
قوله: "وإذا ادعى رجل على رجل مائة فقال نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر بها أو بدعواك فقد أقر بالمدعي".
وهو واضح قال تعالى: [44:7] {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ} وقيل لسلمان "قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة قال أجل" وكذا إن قال زاد بعضهم لعمري أو لا أنكر أنا بحق في دعواك.
ـ
وقوله: "إذا ادعى" قال الشيخ تقي الدين لا بد أن يكون بصيغة الخبر وهو إني أستحق عنده أو لي عنده وإما بصيغة الطلب وهو أن يقول أعطني انتهى كلامه وهو ظاهر فإنه إذا قال أعطني مائة قال نعم لا يلزم أن يكون مستحقا عليه وهو محتمل لذلك وللوديعة والقرض وغير ذلك فإذا قال أعطني عبدي هذا أو أعطني الألف الذي عليك قال نعم كان مقرا قطع به الشيخ موفق الدين وغيره لأنه تصديق لما ادعاه لأن "نعم" مقررة لما سبقها وهذا بخلاف ما لو قال خذها أو خذ فإنه ليس بصيغة التصديق وإنما هو بذل مجرد ولا يلزم من بذل المدعى به وجوبه ولا إشكال.
وقال الشيخ تقي الدين في هذه المسألة عقيب كلام الشيخ موفق الدين فيه نظر فإن "نعم" هنا جوابا لطلب وجواب الطلب الطاعة والبذل وفي كونه إقرارا وجهان فإن قوله هنا "نعم" لا يزيد على قوله خذها بل هو إلى الأخذ أقرب ومثاله الساعة أعطيك أو نعم أنا أعطيك أو وكرامة وعزازة.
وأما كون الطالب وصفها بأنها عنده فهذا له نظائر في الطلب استفهاما وأمرا مثل ألهذا العدل عندك ألف أو لهذه المرأة التي طلقتها عندك ألف وقد أبرأتك هذه المرأة التي طلقتها من جميع الدعاوى أو تقول هذه المطلقة قد أبرأتك أتصدقها فيقول نعم انتهى كلامه.
قال الشيخ تقي الدين والنحويون يقولون "نعم" جواب الاستفهام ولكن قد صارت في العرف بمنزلة أجل كما قد استعمل أجل جواب الاستفهام انتهى كلامه.
وهو يقتضي أن العرف يعمل دون الحقيقة اللغوية ولعل مراده في العامي دون اللغوي كما هو الراجح في المذهب في نظائره.
وقد ذكر ابن الحاجب وغيره أن "نعم" مقررة لما سبقها من الكلام شيئا مثبتا
وإن قال يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أحسب أو أظن أو أقدر.
__________
كان أو منفيا استفهاما كان أو خبرا تقول لمن قال قام زيد أو ما قام زيد أو لم يقم زيد نعم تصديقه لما قبله هذا بحسب اللغة دون العرف ألا ترى أنه لو قيل لك أليس لي عندك كذا مالا فقلت نعم لألزمك القاضي به تغليبا للعرف على اللغة.
وظاهر هذا تقديم العرف مطلقا كما هو ظاهر قول الشيخ تقي الدين وقال في المغني وإن قال أليس لي عندك ألف قال بلى كان إقرارا صحيحا لأن بلى جواب للسؤال بحرف النفي قال الله تعالى: [182:7] {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} وستأتي هذه المسألة في كلام المصنف.
وظاهر هذا أنه لو قال نعم لم يكن إقرارا صحيحا لخروجه عن اللغة وقد ذكروا في قوله أن دخلت الدار فأنت طالق بفتح "أن" هل يكون شرطا أم لا أم يفرق بين المعاصي وغيره كما هو الراجح؟ وكذا الخلاف في غير هذه المسألة.
فظهر من هذا أن الإتيان بحرف الجواب في غير محله كنعم في الجواب المنفي كقوله أليس عندك كذا فيقول نعم فيه ثلاثة أقول.
قوله: "وإن قال يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أحسب أو أظن أو أقدر".
لأن هذه الأشياء تستعمل للاستهزاء و"لعل وعسى" للترجي وللمستقبل "وأظن وأحسب وأقدر" وضعت للشك والأصل بقاء براءة الذمة.
وقال القاضي في ضمن مسألة فيما أعلم فيما أعلم لا يمتنع أن نقول إذا قال له على ألف فيما أحسب وفيما أظن أنه يلزمه.
أو قال خذ أو أتزن أو أحرز أو افتح كمك لم يكن مقرا.
وإن قال أنا مقر أو أنا أقر أو لا أنكر أو خذها أو أتزنها أو أحرزها أو اقبضها أو هي صحاح فوجهان.
__________
قوله: "أو قال خذ أو اتزن أو أحرز أو فتح كمك لم يكن مقرا".
قطع به الأصحاب لأن هذه الأشياء تستعمل على سبيل البسط والمزح مع احتمالها خذ الجواب واتزن أو احرز أو افتح كمك لشيء آخر والذمة لا تشتغل بالاحتمال.
وقال الشيخ تقي الدين الصواب أن المفصول المحذوف هنا هو الدرهم على قياس أصح الوجهين إذا قال أنا مقر فتكون كالتي بعدها أعني خذها يبقى أن مجرد البذل هل هو إقرار كما لو قال أعطني الألف التي لك التي لي عندك فقال نعم ففيهما إذا ثلاثة أوجه.
قوله: "وإن قال أنا مقر أو أنا أقر أو لا أنكر إلى أن قال فوجهان".
أحدهما يكون مقرا لأن الظاهر انصرافه إلى المدعي لوروده عقب الدعوى وكذا الخلاف إن قال أقررت لأنه تعالى اجتزأ منهم في كونهم مقرين في الآية بقولهم {أَقْرَرْنَا} جوابا لقوله تعالى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ} ثم قالوا {أَقْرَرْنَا} ولم يقولوا أقررنا بذلك.
والثاني لا يكون مقرا لاحتمال مقر ببطلان دعواك أو بالعقد أو الشهادة ونحوه لأن قوله: "أقر" وعد بالإقرار في المستقبل فهو كقوله سأقر بدعواك ونحوه ولم أجد في هذا الأصل خلافا ولا يلزم من عدم إنكاره إقراره لوجود واسطة وهي السكوت عنهما مع احتمال لا أنكر بطلان دعواك وقيل يكون مقرا في "أنا مقر" فقط قواه بعضهم.
ـ
قال الشيخ تقي الدين قياس المذهب فيما إذا قال "أنا مقر" أن يكون مقرا بها لأن المفعول ما في الدعوى كما قلنا في قوله قبلت أن القبول ينصرف إلى الإيجاب لا إلى قبول شيء آخر فالإقرار أولى وقال المتوجه إن مجرد نفي الإنكار إن لم ينضم إليه قرينة بأن يكون المدعي مما يعلمه المطلوب أو قد ادعى عليه علمه وإلا لم يكن إقرار وإن قال "لا أنكر أن تكون محقا" فوجهان لاحتمال محقا في اعتقاده ونحوه.
قوله: "أو أخذها أو أتزنها أو أحرزها أو اقبضها أو هي صحاح فوجهان".
ووجههما ما تقدم ولاحتمال خذها وإن لم تكن واجبة علي.
فصل
وإن قال لي عليك ألف فقال قضيتك منها مائة فقال القاضي ليس هذا إقرارا بشيء لأن المائة قد رفعها بقوله والباقي لم يقر به وقوله: "منها" يحتمل مما يدعيه وكذا قطع به في الكافي وغيره وذكر في المغني أنه يجيء على الرواية الأخرى يعني قوله إذا قال كان له على كذا وقضيت منه كذا أنه يلزمه ما ادعى قضاءه لأن في ضمن دعوى القضاء إقرارا بأنها كانت عليه فلا يقبل دعوى القضاء بغير بينة.
وقال ابن حمدان في الرعاية الكبرى ويحتمل أن يلزمه الباقي يعني تقبل دعوى القضاء وهي تتضمن الإقرار بالباقي فيلزمه.
وقال الشيخ تقي الدين يخرج على أحد الوجهين في "أتزنها وخذها واقبضها" أنه مقر بباقي الألف لأن الهاء ترجع إلى المذكور ويتخرج أن يكون مقرا بالمائة على رواية في قوله: "كان له علي وقضيته" ثم هل هو مقر بها وحدها أو بالجميع على ما تقدم انتهى كلامه.
وإن قال له على مائة إن شاء الله.
__________
فصل
قال الشيخ تقي الدين هذه الألفاظ يعني الإقرار تارة تكون مبتدأة وهو ظاهر وتارة تكون جواب طلب وتارة جواب خبر وتارة جواب استفهام من المقر له أو من الشهود أو من غيرهما ثم تارة يكون بحضرة الحاكم وتارة بحضرة من يعلم أنهم يشهدون عليه وتارة مطلقا وقد تقدم هذا القسم في الشهادات ثم هذه الألفاظ قد تظهر على وجه التهكم والاستهزاء فهذه أقسام لا بد من اعتبارها.
قوله: "وإن قال له على مائة إن شاء الله".
قال أبو طالب سمعت الإمام أحمد قال إذا قال الرجل على ألف درهم إن شاء الله فقد أقر ليس استثناؤه بشئ وعلى هذا الأصحاب لأنه وصل بإقراره ما يرفعه واللفظ لا يحتمله فصح الإقرار وبطل ما يرفعه كاستثناء الكل.
قال أبو الخطاب وغيره ولا يلزم إذا قال له على ألف قبضها لأن ذلك يحتمله اللفظ وكذا ذكره القاضي والأولى المنع كما قطع به غير واحد ولأنه عقب الإقرار بما لا يفيد حكما آخر ولا يقتضي رفع الحكم أشبه ما لو قال له علي ألف في مشيئة الله وقال أبو حنيفة ومالك في المشهور عنه والشافعي لا يصح الإقرار وهو احتمال في الرعاية لأنه علق إقراره بشرط فلم يصح كتعليقه على مشيئة زيد ولنا في هذا الأصل وجهان.
أحدهما الصحة كتعليقه بمشيئة الله تعالى.
والثاني لا يصح لإن الإقرار إخبار بحق سابق فلا يعلق على شرط مستقبل فعلى هذا الفرق أن مشيئة الله تعالى تذكر في الكلام تفويضا إليه وتبركا
ـ
بخلاف مشيئة الآدمي ولأن مشيئة الله لا تعلم إلا بوقوع الأمر فلا يمكن وقوف الأمر على وجودها ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا فيوقف الأمر على وجودها والماضي لا يمكن وقفه في تعيين الأمر هنا على المستقبل فيكون وعدا.
فصل
ولو قال بعتك إن شاء الله أو زوجتك إن شاء الله فقال أبو إسحاق بن شاقلا لا أعلم خلافا عنه في أنه إذا قيل له قبلت هذا النكاح فقال نعم إن شاء الله أن النكاح واقع وبه قال أبو حنيفة ذكره في المغني وقال القاضي وظاهر هذا أن الاستثناء في العقد لا يبطله ويحتمل أن يفرق بين الاستثناء في الإقرار والاستثناء في العقود فلا يحكم بصحة العقود وإن صححنا الإقرار لأنه إذا وجب البيع والنكاح كان له الرجوع في ذلك قبل القبول بخلاف الإقرار فإنه لا يمكنه الرجوع فيه ويحتمل أن يلزم على ما قال أبو إسحاق بن شاقلا ويكون تقديره إن شاء الله أن أتلفظ بالبيع أو إن شاء الله أن أبيعك وقد علمنا مشيئتنا به بوجود الإيجاب من جهته وقال القاضي أيضا في الخلاف وعلى قياس الإقرار بالبيع والنكاح وذكر أبو الخطاب والشريف مسألة تعليق الإقرار بمشيئة الله ثم قال وكذلك إذا قال قبلت النكاح إن شاء الله ذكره أبو إسحاق ثم استدل للمسألة كما تقدم وقال ولأن هذا مما يصح في المجهول وليس فيه تمليك فتعليقه بالشرط لا يبطله كالعتاق والطلاق والضمان ولا يلزم البيع لأنه لا يصح في مجهول ولا يلزم النكاح لأنه يبطل إذا علقه بشرط وإن كان يصح في المجهول لأننا قلنا وليس فيه تمليك وفي ذلك تمليك ومقتضى هذا أن تعليق الإقرار بشرط مطلقا لا يبطله بخلاف البيع والنكاح.
أو فيما أعلم أو في علمي أو إلا أن يشاء زيد أو إلا أن أدخل الدار أو قال المداعي أعطني فرسي هذه أو ثوبي هذا أو المائة التي لي عليك فقال نعم أو قال أو ليس لي عليك مائة فقال بلى فقد أقر بذلك ولزمه.
__________
قوله: "أو فيما أعلم أو في علمي".
وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي لأنه لما أضافه إلى علمه كان يقينا لأن ما في علمه لايحتمل إلا الوجوب.
قال أبو الخطاب والشريف دليله إذا قال له علي ألف أعلمها وقال أبو حنيفة الإقرار باطل.
قال الشيخ تقي الدين وسلم ما إذا قال لفلان على ألف درهم وقد علمت وسلم له القاضي وغيره أن الشاهد لو قال أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم فيما أعلم لم تقبل شهادته وفرق بأن الإقرار يصح بالمجهول والمبهم ولا تصح الشهادة بذلك قال الشيخ تقي الدين وفيه نظر انتهى كلامه.
وما قاله صحيح والأولى قبول الشهادة وهذا الفرق لا أثر له هنا.
وقد عرف من هذه المسألة أنه لو قال فيما أظن لم يلزمه شيء وهو كذلك ونقله ابن هبيرة عن اتفاق الأئمة الأربعة.
قوله: "أو إلا أن يشاء زيد أو إلا أن يشاء الله كان الحكم كذلك".
وفيه الاحتمال السابق في قوله إن شاء الله وفيه نظر هنا.
قوله أو قال المدعي أعطني فرسي هذه أو ثوبي هذا أو المائة التي لي عليك فقال نعم أو قال المدعي أليس لي عليك مائة فقال بلى فقد أقر بذلك ولزمه.
تقدم ذلك في قوله إدا ادعى على رجل مائة والأولى بأن يكون مقرا وقد تقدم ذلك.
وإذا علق الإقرار بشرط تقدمه كقوله إن قدم فلان أو إن شاء أو إن دخل الدار فله علي مائة أو إن شهد فلان علي بكذا صدقته ونحو ذلك لم يصح إلا في قوله إذا جاء وقت كذا فعلي لزيد كذا أو قال إن شهد علي فلان بكذا فهو صادق فإنه على وجهين.
__________
قوله: "وإذا علق على الإقرار بشرط تقدمه كقوله إن قدم فلان أو إن شاء أو إن دخل الدار فله علي مائة أو إن شهد فلان علي بكذا صدقته ونحو ذلك لم يصح".
أما المسألة الأولى فلأنه ليس بمقر في الحال لأن المشروط عدم عند عدم شرطه والشرط لا يقتضى إيجاب ذلك بل إشكال فيقال يجب عند وجود الشرط وأما في الثانية فلا يصدق الكاذب.
وقال الشيخ تقي الدين والتحقيق أنه إن كان الشرط بما يجب به الحق صح تعليق الإقرار به1 كقول المرأة إن كان قد طلقني فله علي ألف أو إن طلقني أو إن كان عمل لي ونحو ذلك انتهى كلامه.
وليس هذا إقرارا وإنما هو التزام فهو كقولها اخلعني أو طلقني ولك ألف أو علي ألف أو بألف ونحو ذلك.
قوله: "إلا في قوله إذا جاء وقت كذا فعلى لزيد كذا أو قال إن شهد علي فلان بكذا فهو صادق فإنه على وجهين".
أما عدم صحة إقراره في المسألة الأولى فذكر في المغني أنه قول الأصحاب وقطع به في الكافي وهو منصوص الشافعي لأنه بدأ بالشرط.
وقوله: "فعلي كذا" يصلح إقرارا ووعدا فلا يثبت الإقرار مع الاحتمال.
__________
1 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين أنه قال "والتحقيق أنه إن كان الشرط مما قد يجب الوفاء به صح تعليق الإقرار به"
ولو أخر الشرط كقوله له على ألف إن شفي زيد أو إن قدم أو إذا جاء المطر أو إن شهد بها فلان ونحوه فعلى وجهين إلا في قوله له علي كذا إذا جاء وقت كذا فإنه يصح وجها واحدا.
__________
ووجه الصحة أنه ظاهر في الإقرار لأن لفظه على ظاهرة في الثابت واللازم ومجيء الوقت يصلح أجلا لحلول الحق بخلاف غيره وحمل كلام المكلف على الصحة أولى.
وأما المسألة الثانية فوجه عدم الصحة فيها أنه علقه على شرط ووجه الصحة أنه لا يتصور صدقه إلا أن يكون ثابتا في الحال وقد أقر بصدقه.
قوله: "ولو أخر الشرط كقوله له على ألف إن شفى زيد أو إن قدم أو إذا جاء المطر أو إن شهد بها فلان ونحوه فعلى وجهين".
أحدهما لا يكون مقر لما تقدم وكما لو قدم الشرط والثاني يكون مقرا فإن قدم الإقرار فلم يثبت حكمه والشرط لا يصلح أجلا فبطل ولأن الحق ثابت في الحال لا يقف على الشرط فسقط الاستثناء ولأن المقر لا يكون عليه علم الشرط إلا وهو عليه في الحال لأن الشرط لا يوجد.
قوله: "إلا في قوله له علي كذا إذا جاء وقت كذا فإنه يصح وجها واحدا".
وكذا قطع به في الكافي وغيره ونقله في المغني عن الأصحاب وهو منصوص الشافعي لأنه بدأ بالإقرار وقوله: "إذا جاء وقت كذا" يحتمل أنه أراد المحل فلا يبطل بالاحتمال قال في المغني ويحتمل أن لا فرق بينهما يعني هذه المسألة وعكسها المتقدمة قال لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء فيكون فيهما جميعا وجهان انتهى كلامه.
وإن أقر بدين مؤجل فالقول قوله في التأجيل نص عليه.
__________
وقال الشيخ تقي الدين مضمون هذه المسائل أن الإقرار لا يتعلق بشرط بل إذا تأخر الشرط هل يبطل وحده أو الإقرار كله على وجهين.
قال والصواب أن نفس الإقرار لا يتعلق وإنما يتعلق المقر به لأن المقر به قد يكون معلقا بسبب يوجبه أو يوجب أداءه أو دليل يظهره فالأول كما لو قال إن قدم فلان فعلي لزيد ألف درهم فإذا قال مقرا إذا قدم زيد فلفلان علي ألف درهم صح وكذا لو قال إن رد عبدي الآبق فله ألف درهم ثم أقر بها فقال إن رد عبدي فله عندي صح وكذا الإقرار بعوض الخلع لو قالت إن طلقني أو إن عفا عني قال وأما التعليق بالشهادة فقد يشبه التحكيم ولو قال إن حكمت علي بكذا التزمته لزمه عندنا فكذلك قد يرضي بشهادته وهو في الحقيقة التزام وتزكية للشاهد ورضى بشهادة واحد فهو بمنزلة أن يقول للحاكم إن شهد علي فلان فاقض بحكمه وما هو ببعيد لأن تعديل الشخص للشاهد قد يكفي.
وإذا حكم بشاهد فابرأ المطلوب من اليمين فهو بمنزلة إن شهد فلان فهو صادق انتهى كلامه.
قوله: "وإن أقر بدين مؤجل فالقول قوله في التأجيل نص عليه".
في رواية ابن الحكم سئل الإمام أحمد عمن أقر فقال لفلان علي كذا وكذا إلى أجل.
فقال أبو عبد الله إذا قال لي في مرة واحدة قبل منه يعني إلى أجل وفي رواية أبي طالب في مسألته الطويلة في مناظرة أبي ثور وهي في الفلس وهذا هو المذهب لأن الأجل صفة في الدين فرجع فيه إلى المقر كالسواد والبياض والحلول ولأنه هكذا أقر كما لو قال ناقصة ولا بد من اتصاله وفي
ويحتمل أن يكون قول خصمه في حلوله فعلى الأول لو عزاه إلى سبب يقبل الأمرين فالقول قوله في الضمان وفي غيره وجهان.
__________
معناه سكوت لا يمكنه الكلام فيه.
قوله: "ويحتمل أن يكون قول خصمه في حلوله".
ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة ومالك وعن الشافعي كالمذهبين لأن التأجيل يمنع استيفاء الحق في الحال كما لو قال قضيته إياها والفرق ظاهر.
قوله: "فعلى الأول لو عزاه إلى سبب يقبل الأمرين فالقول قول في الضمان وفي غيره وجهان".
أما كون القول قول المقر في الضمان فلأنه فسر كلامه بما يحتمله من غير مخالفة لأصل ولا ظاهر فقبل لأن الضمان مقتضاه ثبوت الحق في الذمة فقط ومن أصلنا صحة ضمان الحال مؤجلا.
وأما إذا كان السبب غير ضمان كبيع وغيره فوجه قبول قول المقر في التأجيل أنه سبب يقبل الحلول والتأجيل فقبل قوله فيه كالضمان ولأن الأصل براءة الذمة وإنما ثبت شغلها بالحق وصفة الحلول أمر زائد محتمل فلا ينتقل عن الأصل بالاحتمال ووجه عدم قبول قوله أن سبب متقضاه الحلول فوجب العمل بمقتضاه وأصله كما لو صرح به أو فلم يقبل تفسيره بخلافه كما لو صرح به وبهذا فارق الضمان هذا ما ظهر لي من حل كلامه.
وقال ابن عبد القوي بعد نظمه كلام المحرر الذي يقوي عندي أن مراده يقبل في الضمان أي يضمن ما أقر به لأن إقرار عليه فإن ادعى أنه ثمن مبيع أو أجرة ليكون بصدد أن لا يلزمه هو أو بعضه إن تعذر قبض ما ادعاه أو بعضه أحد الوجهين يقبل لأنه إنما أقر به كذلك فأشبه ما إذا أقر بمائة
وإذا أقر العربي بالعجمية أو بالعكس وقال لم أدر ما قلت حلف وخلى سبيله.
وإذا قال لفلان على مائة درهم وإلا فلفلان على مائة دينار أو قال لفلان على مائة درهم وإلا فلفلان لزمته المائة للأول ولا شيء للثاني.
__________
صكة معيبة أو ناقصة قال وقيل بل مراده نفس الضمان أن يقبل قوله إنه ضامن ما أقر به عن شخص حتى إن برى ء منه برى ء المقر ويريد بغيره سائر الحقوق انتهى كلامه ولا يخفى حكمه.
وقد ذكر في المستوعب بعد مسألة الإقرار بدين مؤجل وإن أقر أنه كفل بألف إلى أجل كانت مؤجلة إلا أن تقوم ببينة بالحلول وهذا يؤيده ما تقدم.
وتخصيصه هذه المسألة يقتضي عدم القبول في غيرها فيكون تضمن القبول في الضمان وعدم القبول في غيره.
قوله: "وإذا أقر العربي بالعجمية أو بالعكس وقال لم أدر ما قلت حلف وخلى سبيله".
لأنه منكر والظاهر صدقه والأصل براءة ذمته وكذا إن أقر بغير لسانه ولو قال وإن أقر بغير لسانه لعربي بعجمية كان أولى.
قال الشيخ تقي الدين إذا أقر العامي بمضمون محضر وادعى عدم العلم بدلالة اللفظ ومثله يجهله فهو كما لو قال في الطلاق إن دخلت أو قال أنت طالق واحدة في ثنتين انتهى كلامه وهو متوجه.
قوله: "وإذا قال لفلان مائة درهم وإلا فلفلان علي مائة دينار أو قال لفلان علي مائة درهم وإلا فلفلان لزمته المائة الأولى ولا شيء للثاني".
قطع به جماعة في كتب الخلاف منهم أبو الخطاب والشريف لأن
وقال القاضي في الجامع قياس المذهب أن يلزمه المقداران لهما ولو قال لأحدهما علي مائة لزمته وطولب بالتعيين كالإقرار بالعين وإذا قال له علي مائة لا تلزمني أو مائة إلا مائة لزمته المائة.
وإن قال له علي من ثمن خمر مائة لم تلزمه.
__________
مقاصد الناس ومرادهم ترجع إلى أن للأول فإن لم يكن فالثاني كما يقول بع هذا الثوب من فلان وإلا فمن فلان وإلا كما يقول الحاكم للقاذف أئت بأربعة يشهدون لك وإلا جلدتك واقض دينك وإلا حبستك ويراد بذلك عند تعذر الأول كذا في مسألتنا وقد ثبت للأول بإقراره فلا يملك رفعه.
قوله: "وقال القاضي في الجامع قياس المذهب أن يلزمه المقداران لهما".
لأنه أقر للأول فثبت له وأضرب عنه بالإقرار الثاني فيلزمه أيضا كما لو قال لزيد لا بل لعمرو واقتصر في المستوعب على حكاية قول القاضي هذا وقاسه على هذا الأصل والأول أولى وقال أبو حنيفة لا يلزمه هذا الإقرار في حقهما جميعا.
قوله: "ولو قال لأحدهما على مائة لزمته وطولب بالتعيين كالإقرار بالعين".
وكذا ذكره غيره الحكم والدليل.
قوله: "وإذا قال له على مائة لا تلزمني أو مائة إلا مائة لزمته المائة".
أما في المسألة الثانية فلأنه استثنى الكل فلا يصح بغير خلاف وأما في المسألة الأولى فلأن هذا يناقض ما أقر به أو نقول رفع جميع ما أقر به فلم يقبل كاستثناء الكل وفي هذه المسألة احتمال بعيد ذكره في الرعاية الكبرى.
قوله: "وإن قال له على من ثمن خمر مائة لم تلزمه".
لأنه لما قدم الصفة على المقر به لم يلتزم شيئا فهو كما لو قال على خمر
وإن قال له على مائة من ثمن خمر أو بكفالة بشرط الخيار أو ثمن مبيع لم أقبضه أو هلك قبل قبضه فوجهان.
__________
قبلها ألف بخلاف ما لو أخرها لأن إقراره به مطلقا اقتضي لزومه فلا يقبل رفعه لأنه رجوع عن إقراره بحق آدمي كاستثناء الكل.
قوله: "وإن قال له على مائة من ثمن خمر أو سلفا بشرط الخيار أو ثمن مبيع لم أقبضه أو هلك قبل قبضه فوجهان".
وكذلك لو قال بشرط أجل مجهول ذكره القاضي وغيره.
أحدهما يلزمه ما أقر به ولا يقبل قوله لم يذكر ابن هبيرة عن الإمام أحمد غيره واحتج في ذلك بمذهب ابن مسعود رضي الله عنه وأنه قول أبي حنيفة ومالك وأظهر قولي الشافعي عند أصحابه لما تقدم.
والثاني يقبل قوله وهو الذي ذكره القاضي قياس المذهب وقياس قول الإمام أحمد في مسألة كان له على وقضيته لأنه عزا إقراره إلى سببه فقبل كما لو عزا إلى سبب صحيح وقيل يقبل قوله في ثمن مبيع لم أقبضه وفي معناه هلك قبل قبضه ذكره القاضي وغيره وصرحوا ومن شرط ضمانه القبض وهو واضح وهو ظاهر اختيار الشيخ موفق الدين وغيره لأنه إقرار بحق في مقابلة حق لا يميل أحدهما عن الآخر فإذا لم يسلم ما له ما عليه كما لو قال بعتك هذا بألف قال بل ملكتنيه بغير شيء ولأنه فسر الإقرار بما يحتمله فقبل كاستثناء البعض.
وحكى القاضي وأصحابه عن أبي حنيفة إن عين المبيع قبل قوله وإن كان أضعاف الثمن وإن لم يعين لم يقبل قوله.
قال القاضي إذا لم يكن معينا فإنما يكون موصوفا فإذا أحضر له ما تتناوله الصفة لزمه قبوله ولم يجز له الامتناع فلا فرق بين المعين وغيره.
وإذا قال كان له علي كذا وقضيته فهو منكر والقول قوله مع يمينه نص عليه في رواية ابن منصور وغيره.
__________
قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أنه إذا لم تكف الصفة لم يلتفت إليه وكذلك لو ادعى أن المحضر غير الموصوف.
قوله: "ألف من ثمن مبيع ثم سكت ثم قال لم أقبضه قبل كالمتصل".
ذكره في المعنى ويؤخذ من كلام غيره لأن الإقرار تعلق بالبيع والأصل عدم القبض ولو قال على ألف ثم سكت ثم قال من ثمن مبيع لم أقبضه لم يقبل.
قوله: "وإذا قال كان له على كذا وقضيته فهو منكر والقول قوله مع يمينه نص عليه في رواية ابن منصور وغيره".
وأبي الخطاب وابن ماهان وهو الذي نصره القاضي وغيره وذكر القاضي أنه المذهب وأنه لم يجد عن أحمد رواية بغير هذا وقطع به ابن هبيرة عن أحمد واحتج في ذلك بمذهب ابن مسعود واختاره الخرقي وغيره لأنه قول يمكن صحته ولا تناقض فيه من جهة اللفظ فوجب قبول قوله ولا يلزمه شيء كاستثناء البعض بخلاف المنفصل فإنه قد استقر بسكوته عليه ولهذا لا يرفعه استثناء ولا غيره.
واحتج القاضي بأنه يصح أن يرفع جميع ما أقر به كما يصح أن يرفع البعض إذا لم يتناقض اللفظ كما في قول صاحب الشريعة وقال لأنه رفع ما ثبت بقوله على وجه لا يفضي إلى التناقض فأشبه دعوى الاستبراء بعد الاعتراف بالوطء.
قال الشيخ تقي الدين هذا الضابط يعم صورا كثيرة لكن قد ينازع في قوله له على وقال لو قال إلى سنة أو ألف طرية فذكره القاضي محل وفاق محتجا به وكذلك لو قال ألف من ثمن مبيع شرط فيه الخيار.
وعنه أنه مقر بالحق مدع لقضائه فيحلف خصمه أو يأتي ببينة وعنه أن هذا ليس بجواب صحيح فيطالب برد الجواب.
__________
وقال الشيخ تقي الدين وكأن الضابط أن الصلاة المغيرة قدرا أو وصفا تقبل بلا تردد فأما الصلاة المسقطة فهي محل وفاق.
قوله: "وعنه أنه مقر بالحق مدع لقضائه فيحلف خصمه أو يأتي ببينة به".
اختارها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة ومالك وهو أحد قولي الشافعي وهو الأظهر عند أصحابه لأنه أقر وادعى القضاء فلا يسمع إلا ببينة أو يحلف خصمه كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل ولأنه وصل كلامه بما يرفعه فلم يقبل كاستثناء الكل.
قوله: "وعنه أن هذا ليس بجواب صحيح فيطالب برد الجواب".
لأنه كلام ظاهره التناقض لأنه نفي ما أثبت فكان وجوده كعدمه فيطالب بجواب صحيح قال في الرعاية الكبرى وهي أصح وأشهد كذا قال.
فصل
وكذا الخلاف فيمن قال وقضيت منه كذا وكذا الخلاف أيضا إن قال وبرئت منه أو من بعضه وقيل تقبل دعوى الوفاء لا الإبراء لأنه فعل الغير فلم يقبل قوله فيه بخلاف الوفاء وإن قال جوابا للدعوى أبرأني منها أو برئت إليه منها فهو كقوله كان له على ألف وقضيته قدمه في الرعاية وذكر ابن أبي موسى أنه إقرار فإن عجز عن إثبات البراءة فله اليمين.
فصل
ولو قال كان لي عنده ألف درهم قبضت منها خمسمائة وأطالبه بخمسمائة أخرى فهذا لا يكون إقرارا بالخمسمائة المقبوضة على الرواية الأولى وهو ظاهر.
ـ
وأما على الرواية الثانية فقد يقال كذلك أيضا لأنه بدأ بالدعوى قبل القبض ولم يقر إلا بأنه قبض ما هو حقه وهذا اللفظ ليس بإقرار بحال بخلاف قوله كان لي علي فإن هذا اللفظ لو تجرد كان إقرارا.
ومثال ذلك أن يقول ابتعت منه بعيرا وقبضته وكذلك كل قبض مسبوق بدعوى الاستحقاق بخلاف ما لو قال قبضت منه ألفا كانت لي عليه أو كانت لي عنده فإن هذا بمنزلة قوله كان له علي ألف وقضيته إياه أو كان له عندي غصب وأعطيته إياه لكن ذاك إقرار بقبض وهذا إقرار بحق.
ونظير هذا أن يقول اقترضت منه ووفيته أو ابتعت منه ووفيته فإن الإقرار بأسباب الحقوق من العقود والفرض وسائر الأفعال كالإقرار بالحقوق فقوله كان له على أو عندي كذا أو غصب أو ثمن مبيع أو قرض أو أعطيته ذلك منزله قوله اقترضت منه ووفيته أو استعرت منه وأعدت إليه وبمنزلة قوله قبضت منه دين حق كان لي عنده فإن الدين يسقط بالقضاء والإبراء.
وجماع هذا كل إقرار بقبض غير موجب للضمان أو غير موجب للرد هل يجعل إقرارا بقبض مجرد وتسمع دعوى المقبض باستحقاق الرد أو الضمان.
لكن فرق بين أن يقر بقبض حقه وبين أن يقر بقبض مال المعطى ويدعى قبضا غير مضمون فالأول قبضته الدين الذي كان لي عليه أو الوديعة التي كانت لي عنده أو العارية أو الغصب والثاني أودعني أو رهنني ونحو ذلك.
فصل
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية إذا قلنا بظاهر المذهب وأنه ليس بمقر بل منكر فهل يحلف على بقاء الاستحقاق أو يحلف على لفظ الجواب إن اتفقا على نفي الاستحقاق فلا ريب وإلا فينبغي أن تطابق اليمين جواب الدعوى فيحلف لقد رددت عليه هذه الألف الذي يدعى به أو لقد وفيته إياها وإن لم
وإن قال له علي كذا وقضيته إياه ففيه الروايتان الأوليان وعنه ثالثة أنه قد أقر بالحق وكذب نفسه بالوفاء فلا يسمع منه ولو أتى ببينة.
__________
يقر بها في الحال لكون الإنكار مقيدا بردها في الزمن الماضي كما لو أنكر المؤتمنون الاستحقاق بناء على رد أو تلف فكما أن جواب الدعوى مجمل ومفسر فكذا اليمين على الجواب مجمل ومفسر انتهى كلامه.
وهذه المسألة وهي هل نكلف المدعى عليه اليمين على حسب الدعوى أو تكفي يمينه على نفي الاستحقاق مطلقا أو إن كان الجواب مطابقا للدعوى كلف اليمين على حسبه وإلا حلف على نفي الاستحقاق فيه ثلاثة أوجه.
قوله: "وإن قال له على كذا وقضيته إياه ففيه الروايتان الأوليان".
إحداهما يلزمه فيحلف المدعي أنه باق عليه ويأخذه نصره في المغني واختاره أبو الخطاب وقدمه بعضهم لما تقدم ولأنه قول متناقض وبه قال أبو حنيفة ومالك.
والثانية لا يلزمه مع يمينه وهي التي ذكرها القاضي وأبو الخطاب في رءوس المسائل واختارها الخرقي وعن الشافعي كالمذهبين لأنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل كاستثناء البعض لأنه يحتمل أنه كان له وقضاه.
قوله: "وعنه ثالثة أنه قد أقر بالحق وكذب نفسه في الوفاء فلا يسمع منه ولو أتى ببينة".
لأن قوله: "له علي" إقرار يلزم منه عدم القضاء فدعوى الوفاء بعد ذلك يكذبها الإقرار السابق فلا تقبل ولا بينة لأنه مكذب لها وقيل ما أجابه بشيء.
فصل
وكذا إن قال وقضيته منه كذا أبو برئت منه أو من بعضه لأن عدم
وإذا قال كان له على كذا وسكت فهو إقرار.
__________
الصحة لتناقض كلامه كذا في البعض لاستحالة بقاء المقر به عليه مع بقاء بعضه.
وقال ابن أبي موسى إن قال قضيت بعضه قبل منه في رواية كاستثناء البعض وإن قال قضيت جميعه لم يقبل إلا ببينة كاستثناء الكل.
قوله: "وإذا قال كان له علي كذا وسكت فهو إقرار".
قطع به في الكافي وغيره وذكره في المغني ظاهر كلام أصحابنا لأنه أقر بالوجوب ولم يذكر ما يرفعه فيجب استدامته حتى يعلم زواله قال ولهذا لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخر أنها كانت ملكه حكم له بها ذكر هذا في الإقرار وذكر في الدعاوي أن المدعى عليه إذا أقر أنها كانت للمدعى أمس أو فيما مضى سمع إقراره في الصحيح وحكم به لأنه حينئذ يحتاج إلى سبب انتقالها إليه فيصير هو المدعي فيحتاج إلى بينه انتهى كلامه.
فالمستشهد به هو نظير له المستشهد له لا فرق بينهما وفيهما جميعا الخلاف.
فعلى هذا إن عاد فادعى القضاء أو الإبراء سمعت دعواه لأنه لا تنافى بين الإقرار وبين ما يدعيه ذكره في المغني والشرح وزاد هذا على إحدى الروايتين.
وإنما زاد هذا لظنه أن معنى سماع دعوى له هو قبول قوله منفصلا كما لو أتى به متصلا على إحدى الروايتين فيها وليس كذلك فسماع الدعوى لعدم التنافي بين الدعوى والإقرار فتسمع بينته لأنه غير مكذب لها ولا يقبل قوله بمجرده كمسألة الاتصال قطع به الشيخ فيها وفي الشرح تبعا له ولم أجد فيه خلافا وهو واضح.
وجاء بن عبد القوي فتتبع الشرح على ما ذكره وزاد فقال كما لو وصله بإقراره مع أنه ذكر مسألة الانفصال في مسألة الاتصال وقطع بما قطع به غيره
ويتخرج أنه ليس بإقرار.
وإذا قال له عندي مائة وديعة قبضها أو هلكت قبل ذلك فالقول قوله نص عليه في رواية ابن منصور ويتخرج أن تلزمه لظهور مناقضته.
__________
قوله: "ويتخرج أنه ليس بإقرار".
هذا التخريج من نظيرها في مسألة الشهادة فإن فيها روايتين على ما ذكره الشيخ تقي الدين وذكر غير واحد وجهين.
وقال القاضي في شرح الخرقي لا يكون إقرارا وهو أحد قولي الشافعي لأنه أخبر به في زمن ماض فلا يثبت في الحال وكذلك لو شهدت البينة به لم يثبت.
وأجيب بأن الإقرار أقوى لأنه شهادة الإنسان على نفسه ويزول به النزاع ولأن الدعوى يجب أن تكون معلقة بالحال والإقرار يسمع ابتداء.
قوله: "وإذا قال له عندي مائة وديعة قبضها أو هلكت قبل ذلك فالقول قوله نص عليه في رواية ابن منصور".
إذا قال لك عندي وديعة دفعتها إليك صدق وهذا قول القاضي وغيره كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل قاله في المغني وغيره.
قوله: "ويتخرج أن تلزمه لظهور مناقضته".
الظاهر أن هذا التخريج من مسألة له على وقضيته وهذا اختيار الشيخ موفق الدين وقول الشافعي وقال ابن حمدان إن قاله منفصلا وإلا فلا.
وهذا خلاف ما ذكره في المغني وفيه نظر لأنه لا مناقضة مع الانفصال.
فرع
وإن قال كانت عندي وظننت أنها باقية ثم عرفت أنها قد تلفت
وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوف أو صغار أو مؤجلة لزمته مائة جيدة حالة.
__________
قال في المغني فالحكم فيها كالتي قبلها وذكر غيره وجهين فعلى هذه الطريقة يقبل هنا وإن قلنا لا يقبل في التي قبلها.
فصل
ذكر الشيخ تقي الدين هنا مسائل المعروف في أكثرها خلاف ما ذكره قال وإذا أقر بأنه ووصله بأني أقررت قبل القبض أو أقررت أن مالي عنده شيء لئلا يتهم أو أني قبضت مالي عليه لئلا يؤذي ونحو ذلك لم يبعد إلا أن يكون هذا الإقرار بالإقرار إقرارا.
ولو قال له عندي هذا المال رهن لم يبعد إلحاقه بهذا وأما لو قال أودعني مالا وأذن لي في الصدقة به فهذا ظاهر.
ولو قال أباح لي أكله إذا شئت وقد أكلته فكذلك.
ولو قال الوارث لمورثي عندك ألف وديعة فقال أودعني ألف درهم وأمرني أن أتصدق بها أو أدفعها إلى فلان فينبغي أن يكون كذلك ولو كان الورثة صغارا فقال أمرني أن أدفعها إلى فلان جعله وصيا فكذلك.
وحاصله أن من أقر بأمانة ووصل كلامه بما يصح فهو بمنزلة من أقر بدين ووصل كلامه بما يصح بخلاف لو ثبتت الأمانة بإقرار أو غيره فادعى فيها آخر فإن هذا يقبل في بعض الأشياء دون بعض انتهى كلامه.
قوله وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوف أو صغار أو مؤجلة لزمه مائة جيدة حالة.
لأن الإطلاق يقتضي ذلك كما لو أطلقه في عقد بيع أو غيره ولأنه إذا سكت
سكوتا يمكنه الكلام فيه استقر حكم ما أقر به فلم يرتفع كالاستثناء المنفصل.
ذكره الأصحاب رضي الله عنهم وعللوا الاستثناء المنفصل باستقرار حكمه ولم يذكروا له أصلا وقاس في المغني الاستثناء في اليمين بإلا فدل على أن هذا عنده محل وفاق ولهذا لم يحك فيه خلافا كما حكاه في الاستثناء في اليمين.
وذكر في المستوعب أن الاستثناء هنا لا يصح إلا متصلا قال على ما ذكرنا في الاستثناء في اليمين ويوافق هذا ما قال ابن الزاغوني في الواضح فإن كان منفصلا وهو أن يسكت سكوتا يمكنه الكلام ثم استثنى فهل يصح فيه روايتان أصحهما لا والثانية يصح كما لو تقارب ما بينهما أو منعه مانع من تمام الكلام انتهى كلامه وهو يقتضي أنه إذا تقارب ما بينهما يصح قولا واحدا وفيه نظر ظاهر.
ويوافق هذا أيضا ما قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يعتبر في اتصال الصفات والاستثناء في الإقرار ما اعتبر في ذلك الإنشاءات وقد فرق الأصحاب بينهما فإن هناك لو سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ووصل به بعض الصلات نفعه إذا عد اتصالا معتادا فينظر انتهى كلامه.
ووجه هذا أنه كلام متصل بعضه ببعض فأشبه الاستثناء في اليمين ووجه القول الآخر أن الأصل اعتبار الاتصال في الجميع خولف في الاستثناء في رواية للخبر فيه فيقتصر عليه ولأن الكفارة حق الله تعالى ومبناه على المسامحة بخلاف مسألتنا وفيه نظر.
والزيوف الرديئة والصغار دراهم طبرية كل درهم ثلثا درهم أربع دوانق.
فرع
ولا فرق بين الإقرار بها من غصب أو وديعة أو قرض أو غيره ذكره غير واحد.
وقيل إن كان ببلدة أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة لزمه منها كثمن المبيع بها.
__________
وقال الشيخ تقي الدين أما إذا كان مودعا فقال له عندي دراهم أو أودعني دراهم ثم قال بعد هي زيوف أو ناقصة ونحو ذلك فيجب أن يقبل قوله مع يمينه لأنه لو ادعى ردها أو تلفها بعد ذلك قبل قوله مع يمينه فلا يكون دعوى تغيرها بأكثر من دعوى ردها أكثر ما فيه أن يقال دعوى الرد والتلف لا تنافي موجب الإقرار الأول بخلاف دعوى الصفة الناقصة لكن هو مؤتمن في الموضعين أكثر ما فيه أنه ادعى ما يخالف الأصل وذلك مقبول منه انتهى كلامه.
قوله: "وقيل إن كان ببلد أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة لزمه منها كثمن البيع بها".
هذا الوجه ذكر في المغني أنه أولى وقدمه في الكافي لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما في البيع والصداق وكما لو كانت معاملتهم بها ظاهرة في الأصح.
ذكر هذا الأصل في الرعاية لأن إطلاق الدرهم ينصرف إلى درهم الإسلام وهو ما كان منها كل عشرة وزن سبعة مثاقيل وتكون فضة خالصة بدليل تقدير الشرع بها نصب الزكوات والديات والجزية والقطع في السرقة ويخالف الإقرار البيع من حيث إنه إقرار بحق سابق فانصرف إلى دراهم الإسلام والبيع إيجاب في الحال فاختص بدراهم البلد1.
__________
1 بهامش الأصل: حاشية اقتضى كلامه -وهو ما صرح به غيره- أنه إذا أقر بعشر دارهم، ثم سكت سكوتا كان يمكنه الكلام فيه. ثم قال: زيوفا =
وإذا قال له علي مائة درهم زيوف قبل تفسيره بمغشوش ولم يقبل بما لا فضة فيه.
__________
قوله: "وإذا قال له على مائدة درهم زيوف قبل تفسيره بمغشوشة ولم يقبل بما لا فضة فيه".
لأنه صادق لأنها دراهم ولأن الإطلاق ينصرف إلى ما فيه فضة وكذا سبق إلى الفهم وإن كان كذلك كان تفسيره به رجوعا عما أقر به فلا يقبل
__________
=أو صفاراً، أو إلى شهر: أنه لزمه عشرة جياد، وأوقية حالة، وذلك: لأنه إذا أقر بدارهم وأطلق اقتضى إقراره الدراهم الوافية، وهي دراهم الإسلام، كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل، وكل درهم ستة دوانق.
وإن أقر بدارهم وأطلق في بلد أوزانهم ناقصة أو نقدهم مغشوش. فهل يلزمه منها؟ فيه وجهان أطلقهما المصنف في الفروع
قال الشيخ موفق الدين في المغني: أولاهما: أنه يلزمه من دراهم البلد، لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم، كما في البيع والأثمان، والثاني: يلزمه الوازنة الخالصة من الغش، لأن إطلاق الدراهم في الشرع ينصرف إليها بدليل أن بها يقرر نصب الزكوات، ومقادير الديات.
ثم ذكر الفرق بين البيع والإقرار ، كما ذكره المصنف هنا. انتهى كلامه.
قال في الفروع: والشهادة بمائة درهم أو دينار من نقد البلد، نقله ابن منصور. انتهى كلامه.
قال ابن منصور: قلت لأحمد: قال سفيان: إذا شهد على رجل بألف درهم أو مائة دينار. قال: له دراهم ذلك البلد، قال أحمد: جيد.
قال في المغني قال القاضي: لأنه لما جاز أن يحمل العقد على ذلك جاز أن تحمل الشهادة عليه.
قال الشيخ تقي الدين: ظاهر الملة أن الشهادة بنفس المال، لا بالإقرار به.
وهذا يقتضي أن إقراره بالمال المطلق يصح، ويحمل على عرف البلد كما في الإقرار.
وإذا قال له عندي رهن فقال المالك وديعة فالقول قول المالك.
__________
كاستثناء الكل وقال في الكافي إن فسر الزيوف بما لا قيمة له لم يقبل لأنه أثبت في ذمته شيئا وما لا قيمة له لا يثبت في الذمة.
وظاهر هذا أنه لو فسره بما لا فضة فيه وله قيمة قبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله وقيل إن قال له على قرض أو ثمن مبيع ألف درهم زيوف أو بهرجة لزمه ألف جياد وهذا هو الذي صححه ابن أبي موسى وابن حمدان في الرعاية الكبرى.
قوله: "وإذا قال له عندي رهن فقال المالك وديعة فالقول قول المالك".
مع يمينه لأن العين تثبت له بالاقرار وادعى المقر دينا فكان القول قول من ينكره مع يمينه لأنه مدع على غيره حقا فلا يقبل قوله إلا ببينة وكذلك لو أقر بدار وقال قد استأجرتها أو بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه بأجرة أو أقر بعبد وادعى استحقاق خدمته أو أقر بسكنى دار وادعى أنه سكنها بإذنه فالقول قول المالك مع يمينه.
قال الشيخ تقي الدين مضمون هذا أنه إذا أقر بعين له فيها حق لا يثبت إلا برضى المالك لم يقبل منه وكذلك إذا أقر بفعل فعله وادعى إذن المالك.
ثم قال الشيخ تقي الدين يتوجه على المذهب أن يكون القول قوله لأن الإقرار تضمن عدم وجوب تسليم العين أو المنفعة المذكورة فما أقر بما يوجب التسليم كما في قوله كان له على وقضيته ولأنا نجوز مثل هذا الاستثناء في الإنشاءات في البيع ونحوه فكذلك في الإقرارات والقرآن يدل على ذلك في آية الدين وقد تقدم نحو هذه المسألة في الرهن وفي العارية وهذا بخلاف مسألة العتق والخلع فإن هناك حقا لله وهو يعلم من نفسه أنه لا يحل له الاستعباد
وإذا قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل وإن قال علي لم يقبل تفسيره بوديعة.
__________
والاستمتاع ولأن يده كانت على الجميع فلا يخرج من يده إلا ما أقر باستحقاق خروجه من وجه انتهى كلامه.
وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين قبل قوله وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه.
قوله: "وإذا قال له عندي ألف ثم فسره بدين أو وديعة قبل".
قال في المغني لا نعلم فيه خلافا وسواء فسره متصلا أو منفصلا.
وكلامه في المحرر يعطى هذا أيضا لأنه فسر لفظه بما يعطيه فقبل كما لو قال له على وفسره بدين فعند ذلك تثبت أحكام الوديعة بحيث لو ادعى تلفها أو ردها قبل وإن قال هي زيوف أو ناقصة فقد تقدم ولأنه إذا فسره بدين فقد أقر على نفسه بما هو أغلظ منه فيقبل.
قوله: "وإن قال علي لم يقبل تفسيره بوديعة".
وكذا قطع به جماعة وهو قول أبي حنيفة وظاهر مذهب الشافعي لأن علي للإيجاب وهو يقتضي كونها في ذمته والوديعة إنما هي عنده والإقرار يؤخذ فيه بظاهر اللفظ ومقتضاه بدليل أنه لو أقر بدراهم لزمته ثلاثة مع جواز التعبير بها عن اثنين ولو أقر بدرهم وقال أردت نصف درهم فأقمت المضاف إليه مقامه لم يقبل منه ولو قبل مطلق الاحتمال لقبل تفسير الدراهم بالناقصة والزائفة والمؤجلة وقيل يقبل لاحتمال صدقه كما لو وصله بكلامه فقال لك على مائة وديعة قبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله متصلا كما لو قال دراهم ناقصة.
وإذا قال له في هذا المال ألف أو في هذه الدار نصفها فو إقرار ولا يقبل تفسيره بإنشاء الهبة.
__________
فرع
وإن قال أودعني مائة فلم أقبضها أو أقرضني مائة فلم آخذها قبل قوله متصلا فقط وكذلك إن قال نقدني مائة فلم أقبضها وهو قول الشافعي.
فصل
وإن قال له على عشرة دراهم عددا لزمه عشرة معدودة وازنة لأن إطلاق الدرهم يقتضي الوزن وذكر العدد لا ينافي فوجب الجمع بينهما ذكره الشيخ موفق الدين وغيره ودعوى أن ذكر العدد لا ينافي قد يمنع فإنه يقال درهم وازن ودرهم عدد وعشرة وازنه وعشرة عدد ولهذا قال الشيخ تقي الدين متى قال عددا وجاء بما يسمى درهما قبل منه لأن هذا هو مفهوم هذا القول فإن التقييد بالعدد ينفي اعتبار الوزن انتهى كلامه.
وقال في الرعاية الكبرى وإن أعطاه خمسين وزنها مائة صح في الأصح.
وقيل بل في الأضعف فعلى الأول إن كان في بلد يتعاملون بها عددا من غير وزن فحكمه حكم ما لو أقر في بلد أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة وإن فسر الدراهم بسكة البلد أو بسكة تزيد عليها قبل وإن فسرها بسكة تنقص عنها فقيل لا يقبل لأن الإطلاق يحمل على دراهم البلد كما في البيع وقيل يقبل لأنه فسرها بدراهم الإسلام.
قوله: "وإذا قال له في هذا المال ألف أو في هذه الدار نصفها فهو إقرار ولا يقبل تفسيره بإنشاء الهبة".
لأن مقتضى ذلك وحقيقته الإقرار له بالملك فلا يقبل تفسيره بما يرفعه.
وكذا إن قال له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة.
وإن قال له من مالي ألف أو له نصف مالي وفسره بابتداء التمليك وأنه قد رجع عنه أو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء وإن قال له داري هذه أو نصف داري أو في مالي ألف أو من ميراثي من أبي ألف فعلى روايتين.
__________
قوله: "وكذا إن قال في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة".
لأن مقتضاه ما خلفه أبوه لإضافته الميراث إليه فاقتضى وجوب ما أقر به.
قوله: "وإن قال له من مالي ألف أو نصف مالي وفسره بابتداء التمليك وأنه قد رجع عنه أو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء".
لأن لفظه يحتمل تفسيره ويحتمل غيره فلا ننتقل عن الأصل بالاحتمال أو باحتمال ظاهر لفظه خلافه ولهذا قال لو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء فعلى هذا لا يكون لفظه محتملا بحيث يؤاخذ بتفسيره وهو معنى كلام غيرهم وإن فسره بدين أو وديعة أو وصية قبل لأنه يجوز أن يضيف إليه مالا بعضه لغيره ومال غيره أيضا لا اختصاص له بدليل أو ولاية.
وكلام بعضهم يقتضي قبول تفسيره بالهبة وغيرها فعلى مقتضاه يكون محتملا غير طاهر في شيء فيؤاخذ بتفسيره.
قوله: "وإن قال له داري هذه أو نصف داري أو في مالي ألف أو في ميراثي من أبي ألف فعلى روايتين".
إحداهما يكون إقرارا.
قال القاضي في التعليق فإن قال له في مالي ألف درهم أو في عبدي هذا نصفه أو قال له عبدي هذا أو داري هذه كان إقرارا صحيحا.
ـ
قال في رواية ابن منصور إذا قال الرجل فرسي هذا لفلان فإذا أقر له وهو صحيح فنعم فأما إن أقر وهو مريض فلا فقد حكم بصحة هذا الإقرار مع إضافته إليه.
وقال أيضا في رواية مهنا إذا قال نصف عبدي هذا لفلان لا يجوز إلا أن يكون وهبة أو أقر له به فقد حكم بصحة الإقرار مع الإضافة إذا أتى بلفظ الإقرار كذا قال.
وحكى مثل هذا عن أصحاب أبي حنيفة وقال أصحاب الشافعي لا يكون إقرارا ويرجع إليه فإن قال هبة لم أقبضه إياها كان القول قوله وإن كان دينا كان القول قوله ولزمه.
قال الشيخ تقي الدين كلام الإمام أحمد نص في أن الإضافة لا تمنع أن يكون إقرارا لكن ليس صريحا في أن هذا اللفظ بمجرده إقرار وهذا محل الخلاف كذا قال.
ووجه هذه الرواية أنه أقر له بجزء من ماله فأشبه ما لو قال له علي ألف أو لفظ يفهم منه الإقرار فأشبه ما ذكرناه.
فعلى هذا إذا فسر هذا اللفظ بما لا يقتضي الملك لم يقبل قاله القاضي.
ويؤخذ من كلام غيره كما لو قال له في مال أبي أو في تركة أبي ألف وأبوه ميت فإنه يكون له مقرا بألف تستوفى من تركة أبيه بلا خلاف عنده وقاسه القاضي على ما لو قال له على درهم ثم قال أردت درهم زعفران فإنه لا يقبل وإن كان الزعفران يوزن وكما لو قال العبد الذي في يدي والثانية لا يكون إقرارا لأنه أضاف المقر به إليه والإقرار إخبار بحق عليه فالظاهر أنه جعله له وهو الهبة والظاهر على هذه الرواية يكون الحكم كالمسألة قبلها.
فقد فرق في المحرر بين "مالي" و"في مالي" وبين "نصف مالي" و"نصف
ـ
داري" وكلام غيره يدل على التسوية بين الصور كلها وأنها على روايتين.
قال في المستوعب فإن قال له في مالي أو من مالي أو قال له عبدي هذا أو داري هذه أو فرسي هذه أوله في عبدي هذا نصفه وفسره بالهبة قبل منه وإلا فلا يلزمه شيء ولا فرق في جميع ذلك بين "من" و"في" وأنه متى أضاف الملك إلى نفسه ثم أخبر بشيء منه لغيره لم يكن إقرارا.
وقد نقل ابن منصور عن الإمام أحمد إذا قال الرجل فرسي هذا لفلان فإقراره جائز إذا كان صحيحا وهذا يقتضي صحة الإقرار مع إضافة الملك إليه وهو الذي نصره القاضي في الخلاف انتهى كلامه.
وهو معنى كلام الشيخ تقي الدين وغيره وأنه قد نقل عن أحمد ما يدل على روايتين قال في رواية مهنا فيمن قال نصف عبدي هذا لفلان لم يجز حتى يقول وهبته وإن قال نصف مالي لفلان لا أعرف هذا.
ونقل ابن منصور إذا قال فرسي هذا لفلان بإقراره جائز.
وظاهر هذه صحة الإقرار وأما حكايته في المحرر الروايتين في ميراثي من أبي ألف فهو معنى كلام غيره لأنها في معنى الصور البواقي ولغير واحد من الأصحاب كلام هنا فيه نظر.
فرع
فإن قال له في داري نصفها بحق لزمني أو بحق له قبلي فهو إقرار على كلا الروايتين.
قال القاضي لأنه إذا قال بحق فقد اعترف أن المقر له يستحق ذلك بحق واجب عرفه له ولزمه الإقرار به.
وقال في الرعاية صح على الأصح فحكى فيها الروايتين.
وإن قال له هذه الدار عارية ثبت به حكم العارية لا ملك الرقبة.
وإذا قال هذا العبد لزيد لا بل لعمرو أو غصبته من زيد لا بل من عمرو أو غصبته من زيد وغصبه زيد من عمرو لزمه دفعه إلى زيد ودفع قيمته إلى عمرو.
__________
قوله: "وإن قال له هذه الدار عارية ثبت به حكم العارية لا ملك الرقبة".
وإن قال سكنى فكما لو قال عارية وإن قال له هذه الدار هبة اعتبرت شروطها قطع بها في هذه المسائل جماعة لأنه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله فصح وذكر القاضي وجها أنه لا يصح ذلك لأنه استثناء من غير الجنس.
فعلى هذا تثبت له الدار ملكا والأولى وليس هنا من أدوات الاستثناء شيء وإنما هذا بدل اشتمال وهو أن يبدل من الشيء بعض ما يشتمل عليه ذلك الشيء وهو شائع في اللغة وهو في القرآن كثير كقوله تعالى: [217:18] {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} فقتال بدل من الشهر وكقوله تعالى: [63:18] {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} أي نسياني ذكره وكقوله تعالى: [21:33] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} وكقوله تعالى: [5،4:85] {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ} وكقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ} ولأنه لو قال هذه الدار ثلثها ربعها صح وكان مقر بالجزء الذي أبدله وقد أبدل الله سبحانه المستطيع للحج من الناس وهو أقل من نصفهم وأبدل القتال من الشهر وهو غيره فيفارق البدل الاستثناء في هذا ويوافقه في كونه يخرج من الكلام بعض ما يدخل فيه لولاه.
قوله: "وإذا قال هذا العبد لزيد لا بل لعمرو أو غصبته من زيد وغصبه زيد من عمرو لزمه دفعه إلى زيد ودفع قيمته إلى عمرو".
ـ
قطع بهذا أكثر الأصحاب وسواء كان متصلا أو منفصلا لأنه ثبت ملك زيد فيه بإقراره له أولا وإقراره ثانيا رجوع عن حق آدمي ثابت فلا يقبل على ما تقدم لكن يقبل في حق نفسه فيغرم قيمته له لاعترافه بإحالته بالإقرار الأول بينه وبين ماله فغرمه كما لو أتلفه وللشافعي قول لا يغرم للثاني شيئا وهو وجه لنا لأنه لا يمكن جمعه لكل واحد منهما وإنما جاء التناقض من الإقرار الثاني فيختص البطلان به ولأن الإقرار الثاني إقرار بملك غيره فلا يقبل كما لو قال العبد الذي في يد زيد لعمرو.
وقال الشيخ تقي الدين يتوجه إذا كان الاستثناء متصلا أن لا يثبت حكم الإقرار الأول كما لو قال كان على وقضيته لأنه كلام منتظم ولهذا لا يثبت به كفر ولا نحوه ولو قال في الطلاق إنه سبق لسانه لكان كذلك انتهى كلامه.
وقوله: "علي وقضيته أقرب إلى هذه المسألة من كان له علي وقضتيه".
وعدم ثبوت الكفر لكونه حقا لله فرجوعه عنه مقبول.
وأما لو قال هذه المطلقة لا بل هذه فإنهما يطلقان فإن ادعى سبق لسانه بالأولى فهل يقبل منه ولا تطلق لم أجد هذا الفرع ولا ببعيد أن يخرج فيها الخلاف فيما إذا أتى بلفظ الطلاق وادعى سبق لسانه إليه وإنما أراد بلفظه غيره وعلى قياسه مسألتنا هذا في الإقرار ونظيرهما في العتق وفي هذا القياس نظر لأفضائه في الإقرار إلى سقوطه وسد بابه لتمكن المقر من رفعه بعد لزومه ظاهرا.
والطلاق مبغوض إلى الله تعالى والعتق محبوب إليه فافترقا.
فصل
وكذلك لو قال أودعنيه زيد لا بل عمرو ولو قال هذا العبد الذي هو في يدي حر ثم قال هو لفلان عتق العبد وضمن قيمته للمقر له كما يغرم الشاهد
وإن قال غصبته من زيد وملكه لعمرو لم يضمن لعمرو شيئا والعبد لزيد وإن قال ملكه لعمرو وغصبته من زيد فقال القاضي وابن عقيل العبد لزيد ولا يضمن المقر لعمرو شيئا وقيل العبد لعمرو ويضمن المقر قيمته لزيد وهو الأصح.
__________
ولو قال هذا الثوب لفلان فهلك في يده قبل أن يسلمه لفلان لزمه الضمان.
ذكر ذلك القاضي في ضمن الرجوع عن الشهادة وقال الإقرار يتعلق به الضمان كما يتعلق بالشهادة في المواضع التي ذكرناها انتهى كلامه.
وقد قال أحمد في رجل قال لرجل استودعتك هذا الثوب قال صدقت ثم قال استودعنيه رجل آخر فالثوب للأول ويغرم قيمته للآخر.
قوله: "وإن قال غصبته من زيد وملكه لعمرو لم يضمن لعمرو شيئا والعبد لزيد".
وكذا قطع به في المغني وغيرهما في الرعاية أنه الأشهر لغيره لإقراره لزيد باليد.
وقوله: "وملكه لعمرو" إقرار على غيره فلا يقبل ولا يغرم له شيئا لعدم تفريطه لجواز أن يكون ملكها لعمرو وهي في يد زيد إعارة أو وصية أو غيرهما.
وقدم في المستوعب أنه يغرم لعمرو كالمسألة بعدها وهو معنى كلام الشيخ شمس الدين في شرحه لكن الظاهر والله أعلم أنه إنما قصد ذكر ما في المغني فينظر فيه.
قوله: "وإن قال ملكه لعمرو وغصبته من زيد فقال القاضي وابن عقيل العبد لزيد ولا يضمن المقر لعمرو شيئا".
كالمسألة قبلها.
قوله وقيل العبد لعمرو ويضمن المقر قيمته لزيد وهو الأصح.
ومن باع عبدا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري ولزمه قيمته للمقر له.
__________
وقال في المغني هذا وجه حسن لأنه ثبت لعمرو بإقراره السابق فلا يقبل بعد إقراره باليد لزيد وللشافعية وجهان كهذين.
وقطع أبو الخطاب في الهداية في هذه المسألة بأن العين للمغصوب منه ويضمن المقر لمن اعترف له بالملك القيمة وتبعه في المقنع والخلاصة وذكر في الرعاية الكبرى أنه الأشهر وقدمه في المستوعب ولم أدر ما يوجه به هذا الوجه ومن العجب أن ابن عبد القوي لم يذكره في كتابه مع أنه ينظم المقنع ويزيد عليه وإنما نظم ما في المحرر.
فرع
ولا فرق في ذلك بين المتصل والمنفصل ولو قال هذا الألف دفعه إلى زيد وهو لعمرو أو قال لعمرو ودفعه إلى زيد فعلى ما تقدم ذكره في المغني وهو واضح.
قوله: "ومن باع عبدا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري ولزمه قيمته للمقر له".
لأن إقرار الإنسان على غيره لا يقبل ولأنه فوته عليه بالبيع فغرمه كتفويته بإتلاف وغيره ويعرف من هذه المسألة أن الحكم كذلك لو نقل الملك فيه بهبة أو غيرها أو أعتقه ثم أقر به.
قال الشيخ تقي الدين ومن باع شيئا ثم ادعى أنه ملك لغيره وهو وكيل المستحق أو وليه فهذا بمنزلة ادعائه لنفسه لأن البيع والشراء ليس إقرارا بالملك فإن كان البائع قد أقر أنه باع ملكه فهل له بعد هذا أن يدعيها لغيره بوكالة أو ولاية ويقيم بينة أم يكون تكذيبه لبينة نفسه بمنزلة تكذيبه لبينه
وإن قال لم يكن ملكي وقد ملكته الآن بإرث أو عقد لم يقبل قوله إلا ببينة إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه فلا تسمع بينته.
وإذا أقر أنه وهب أو قبض أو رهن وأقبض أو قبض ثمن مبيع ثم أنكر القبض غير جاحد لإقراره به وأراد تحليف خصمه ملك تحليفه.
__________
موكله وموليه الثاني هو الأظهر لأن الإنسان لا يدعي ما أقر فإن دعواه به باطل لا لنفسه ولا لغيره انتهى كلامه.
قوله: "وإن قال لم يكن ملكي وقد ملكته الآن بإرث أو عقد لم يقبل إلا ببينة".
لأنه الأصل والظاهر أن ما يتصرف فيه الإنسان له التصرف فيه ولما فيه من التهمة وتقبل البينة لأنه لا معارض لها ولا مانع فعمل بها.
قوله: "إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه فلا تسمع بينته".
لأنه مكذب لها لشهادتها بخلاف ما أقر به.
فرع
قال الشيخ تقي الدين وإن ادعى بعد البيع أنه كان وقفا عليه فهو بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن انتهى كلامه.
وفي معنى دعوى عدم الملك كل دعوى تقتضي تقتض منع نقل الملك فيه كدعواه أنه رهن وغير ذلك وما تقدم من التعليل يدل عليه.
قوله: "وإن أقر أنه وهب وأقبض أو رهن ثمن مبيع ثم أنكر القبض غير جاحد لإقراره به وأراد تحليف خصمه ملك تحليفه".
وعنه لا يملكه.
__________
قطع به في المحرر وصححه أيضا في الرعاية وهو قول أبي يوسف لأن العادة جارية بالقبض فبله فيحتمل صحة ما قاله فيحلف لنفي الاحتمال وهذا خلاف الشهادة على القبض قبله لأنها تكون شهادة زور لأن إنكاره مع الشهادة تكذيب لها وطعن فيها بخلاف الإقرار ولأنه يمكن إقراره بناء على وكيله وظنه والشهادة لا تجوز إلا على يقين.
قوله: "وعنه لا يملكه".
ذكر أبو الخطاب وجماعة في هذه المسألة روايتين وذكر غير واحد وجهين والشيخ موفق الدين ذكر الطريقين في كلامه.
وهذه الرواية نصرها جماعة منهم أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل وهو قول أبي حنيفة ومحمد والمحكي عن الشافعي كالقول الأول فمن أصحابه من حمله على ظاهره ومنهم من تأوله ولم يوجب اليمين.
قال بعضهم وهو الأشبه لأن الإقرار يمنع الاستحلاف في حق المقر له بدليل أنه لو قال لفلان علي ألف درهم ثم قال استحلفوه لي أنه له على هذه الألف لم يكن له ذلك كذا هنا.
قال جماعة ولا يشبه هذا إذا أقر بالبيع وادعى أنه تلجئة إن قلنا إن ذلك يقبل لأنه لم ينفعه ما أقر به ولأن دعواه تكذيب لإقراره فلا تسمع كما لو أقر المضارب أنه ربح ألفا ثم قال غلطت ولأنه لو قال أحلفوه مع يمينه لم يستحلف له كذا هنا.
فرع
وكذلك الحكم لو أقر أنه اقترض منه ألفا وقبضها وقال له علي ألف أو قال له ألف ثم قال ما كنت قبضتها وإنما أقررت لأقبضها ذكره في المغني
وإذا ادعى اثنان دارا في يد ثالث أنها شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمقر به بينهما عند أبي الخطاب وقال القاضي إن أضافا الشركة إلى سبب رجع في تفسيره إليه.
__________
قوله: "وإذا ادعى اثنان دارا في يد ثالث أنها شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمقر به بينهما عند أبي الخطاب".
لم أجد في كلام الشيخ موفق الدين خلاف هذا وقطع به في المستوعب وغيره وذلك لاعترافهما بإشاعة الدار والمقر به بينهما كالباقي.
قوله: "وقال القاضي إن أضافا الشركة إلى سبب رجع في تفسيره إليه".
من إرث أو غنيمة أو شراء ونحوه ولم يكونا قبضاها بعد الملك لها فكذلك وإلا اختص المقر له بالمقر به.
لأنهما إذا لم يضيفا الشركة إلى سبب واحد يحتمل أن كل جزء من الدار مشترك بينهما ويحتمل أن تكون لهما نصفين وهي شركة بينهما بالسوية ومع الاحتمال لم يحصل اعترافهما بالاشتراك في كل جزء فيختص المقر له بالمقر به كما لو ادعى كل واحد منهما نصفها ولا يحتاج أن يقول "معينا" كما زاده بعضهم وإن أضاف الشركة إلى سبب واحد وقبضاها بعد الملك لها فقد حصلت يد كل واحد منهما على نصفها فيختص به وحكى في الرعاية قولا كقول القاضي ولم يذكر كقبضهما بعد الملك بالشراء فيترتب عليه حكم ولبعضهم في هذه المسألة كلام عجيب.
قوله: "ومن أقر لرجل بألف في وقتين لزمه ألف واحد".
وبه قال مالك والشافعي لأنه يحتمل التأكيد وغيره والأصل براءة الذمة اقتصر كثير من الأصحاب على هذا الدليل وفيه نظر لأن الكلام يحمل على حقيقته واصله وما تشتغل به الذمة وحقيقته وأصله التأسيس فيتعدد
ـ
كما لو قال ألف وألف عملا بأصله وهو التغاير مع احتماله التأكيد واستدل بعضهم بأن العرف يشهد بذلك ولذلك لو قال شخص رأيت زيدا ثم قال رأيت زيدا كان زيد الثاني زيدا الأول والرؤية الثانية هي الأولة وهذه دعوى حقيقة عرفية تفتقر إلى دليل والأصل عدمها وبقاء الحقيقة اللغوية واستدل بعضهم بأن الله تعالى كرر الخبر عن جماعة من الرسل عليهم الصلاة والسلام ولم يكن المذكور في قصة غير المذكور في أخرى كذا ههنا وفيه نظر لأنا لا نمنع من استعمال المجاز والظاهر يزول بالقاطع.
وعن أبي حنيفة رواية كهذا القول مع اتحاد المجلس فقط والمشهور عنه أنه يلزمه ألفان وهو الأصح عند أصحابه وسواء كان الإقرار بما في الذمة أو بما في اليد وإن عرفه فقد وافق أبو حنيفة أنه الأول وهو واضح لأن اللام للعهد كقوله تعالى: [16:73] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} .
وكذلك لو شهد له بألف ثم ادعى عليه بألف عند القاضي فأقر بألف فقال الطالب لي عليه ألف أخرى وأنا أقيم البينة فالقول قول المطلوب في أن المشهود به هو المقر به بخلاف الإقرارين وكذلك لو سلم أنه لو قال له علي درهم درهم أنه لا يلزمه إلا درهم واحد بخلاف الإقرارين في دفعتين ولو قال له على ألف من ثمن هذا المتاع بعينه ثم أقر به في مجلس آخر فهو إقرار بشيء واحد وفاقا كما أنه لو عزا الأولى إلى بيع والثاني إلى آخر لزم الألفان وفاقا.
قوله إلا أن يذكر ما يقتضي التعدد كأجلين أو شيئين أو سكتين ونحوه فيلزمه ألفان وقد تقدم.
لأن تغاير الصفات دليل على تغاير الموصوفات كمن قال قبضت ألفا يوم السبت وألفا يوم الأحد بخلاف تعدد الإشهاد وإن قيد أحد الإقرارين بسبب وأطلق الآخر حمل المطلق على المقيد فيكون ألفا واحدا مع اليمين.
ـ
ولو شهد بكل إقرار شاهد جمع قولهما لاتحاد المخبر عنه ولا جمع في الأفعال.
قال الشيخ تقي الدين كلام أصحابنا في المسألة يقتضي أن يكون الإخبار كله من الشهادة ونحوها كالإقرار بخلاف الإنشاءات كتقرير الطلاق وكذلك صرح القاضي بالفرق بين الإخبار والإيقاع فان ما وقع مرة لا يقع ثانية بخلاف ما أخبر به مرة فإنه يخبر به ثانية.
قوله: "قد ذكرنا صحة استثناء الأقل دون الأكثر".
نص أحمد على ذلك وذكر الشيخ موفق الدين أنه لا يعلم في ذلك خلافا وحكى غيره الإجماع وحكاه أيضا هو في استثناء الكل لأن استثناء الأقل لغة العرب وهو في الكتاب والسنة كثير وعكسه استثناء الكل.
وقد قال ابن طلحة المالكي في كتاب المدخل فيما إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا في لزوم الطلاق له قولان بناء على أنه استثناء أو أنه ندم.
قال القرافي فعدم اللزوم يقتضي جواز استثناء الكل من الكل.
قال الشيخ تقي الدين ليس كذلك وإنما على قول مالك يمشي هذا.
وقد تقدم أصله قال وذهبت طائفة من أهل العربية إلى أنه يجوز أن يستثنى عقد صحيح مثل العشرة والعشرين من المائة الواحدة والاثنين من العشرة بل بعض عقد كالخمسة من المائة والنصف من العشرة انتهى كلامه.
وحكى بعضهم هذا عن ابن عصفور ولم أجده في كلامه وكلام الأئمة ولغة العرب يقتضي عدم الفرق وهو أولى.
وقوله: "ودون الأكثر على الأصح".
نص عليه الإمام أحمد في الطلاق في رواية إسحاق فيمن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين هي ثلاث وقطع به أكثر الأصحاب حتى قال في المغني لا يختلف المذهب فيه وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الملك بن الماجشون.
ـ
وذكر القاضي بن معتب في وثائقه أنه مذهب مالك وأصحابه وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول نحاة البصرة وذكر ابن هبيرة أن قول أهل اللغة يوافق هذا القول وحكاه ابن عقيل عن القاضي أبي بكر بن الباقلاني وهو الذي ذكره ابن درستويه والزجاج وأبو بكر بن الأنباري وابن قتيبة وابن جنى وابن عصفور وغيرهم.
وقال ابن عبد القوي وكذا أكثر أهل اللغة من الأئمة المتقدمين وإذا منعه أهل اللغة لم يكن صحيحا ولأن الاستثناء وضع لمعنى وهو الاستدراك أو الاختصار وليس في الحكمة وجود ذلك في الأكثر ولأنا نمنع وجود ذلك في شرع أو لغة أو عادة فثبوته يفتقر إلى دليل والأصل عدمه فعلى هذا لا فرق عند الأصحاب بين استثناء الأكثر من عدد مصرح به إلا تسعين ونحوه أولا.
وفي كلام بعضهم الجواز إذا لم يكن كذلك نحو قولك خذ ما في الكيس من الدراهم إلا السلطانية أو قدم بنو فلان أو الحاج إلا المشاة وإن كان المستثنى أكثر من المستثنى منه والقول الآخر عندنا يصح استثناء الأكثر وقد ذكر القاضي وجها واختاره فيما إذا قال له علي ثلاثة إلا ثلاثة إلا درهمين أنه يلزمه درهمان وهذا إنما يجيء على القول بصحة استثناء الأكثر وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما وهو المشهور من مذهب مالك نقله صاحب الجواهر وغيره كقوله تعالى: [42:15] {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} والغاوون أكثر بدليل قوله تعالى: [103:12] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} وأجيب بأن الغاوين أقل لأن الملائكة من العبادة قال الله تعالى: [103:12] {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وكون السياق في بني آدم لا يمنع العموم وبأن المستثنى منه غير عدد صريح أجاب به القاضي وأصحابه وبأن الاستثناء في الآية من غير الجنس إما المراد
ـ
بعبادي الموحدون ومتبع الشيطان غير موحد وفي هذا نظر وإما لأن العباد ليس للشيطان عليهم سلطان أي حجة فهو على عمومه ومن اتبعه لا يضله بالحجة بل بتزينه يدل على هذا قوله تعالى: [22:14] {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} .
فاستدل ابن عبد القوي على أنه من غير الجنس بأن من وصلتها في موضع نصب في اختيار المحققين من النحاة ولو كان متصلا لكان في موضع رفع في اختيارهم لأنه من منفى بعد تمام الكلام.
قوله وإن في النصفين وجهين.
أحدهما يصح وهو ظاهر كلام الخرقي وذكر ابن هبيرة أنه ظاهر مذهب أحمد لأن ابن منصور روى عن الإمام أحمد إذا قال لك عندي مائة دينار قضيتك منها خمسين وليس بينهما بينة فالقول قوله.
قال الشيخ تقي الدين هذا ليس من الاستثناء المختلف فيه فإن قوله قضيتك ستين مثل خمسين وما قاله صحيح وهو الذي ذكره ابن عصفور لأن الممنوع منه استثناء الأكثر وهذا ليس بأكثر.
والثاني لا يصح واختاره أبو بكر وذكر الشيخ شمس الدين والشيخ زين الدين أنه أولى بناء على أنه لم يأت في لسانهم قال الزجاج في المعاني في العنكبوت في قصة لوط لم يأت الاستثناء في كلام العرب إلا القليل من الكثير.
وقال أيضا فأما استثناء نصف الشيء فقبيح جدا لم تتكلم به العرب.
وقال أبو بكر بن الأنباري في الكافي وأعلم أنه ليس من كلام العرب أن يستثنى من الشيء نصفه فقبيح أن يقول لزيد علي عشرة إلا خمسة.
فصل
قال النحاة ومنهم ابن السراج في الأول إذا قال له عندي مائة درهم
ـ
إلا درهمين فهو استثناء فيكون مقرا بثمانية وتسعين وإذا قال مائة إلا درهمان فهو صفة ويكون مقرا بمائة لأن التقدير مائة مغايرة لدرهمين وكذلك لو قال مائة غير الألف لأن الصفة تقضي على الموصوف ولو قال ألف مثل مائة أو ألف مثل درهمين كان مقرا بمائة ودرهمين لأن أجزاء المائة قد تماثل درهمين.
وكذلك قاله غير واحد من النحاة إذا قال درهم إلا دانقا فهو مقر بدرهم إلا دانق وإذا قال درهم إلا دانق بالرفع فهو مقر بدرهم كامل.
وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في مسألة توبة القاذف مستشهدا به قال وعلى أن النحاة قالوا إذا قال له علي عشرة دراهم إلا خمسة دراهم إلا ثلاثة دراهم أنه يلزمه سبعة ويرجع الأخير إلى العشرة والاستثناء الأول ليس في الحقيقة باستثناء وإنما هو وصف للعشرة لأن الاستثناء منها يجب أن يكون منصوبا فإذا كان مرفوعا كان وصفا فكأنه قال علي عشرة غير خمسة لا أذكرها فالخمسة مبهمة غير مفسرة فلا تلزمه وقوله إلا ثلاثة فإنها استثناء صحيح فيرجع إلى عشرة.
قال وهذا يدل على بطلان السؤال الذي ذكروه يعني الاستثناء من الاستثناء وهذا الاعتراض عليهم ليس بصحيح.
هذا كلام من كلام الشيخ تقي الدين ولم يفرقوا بين النحوي وغيره.
ويتوجه أن يقال في غير النحوي إذا قال إلا درهمان أنه يكون استثناء لأن الظاهر إرادته وإنما رفع جهلا كما قاله الشيخ موفق الدين وغيره في عشرة غير درهم برفع الراء إنه يلزمه تسعة كذلك.
قوله: "ويصح الاستثناء من الاستثناء كقوله علي سبعة إلا ثلاثة إلا درهما فيلزمه خمسة".
ـ
لأنه أخرج منها بالاستثناء ثلاثة وعاد بالاستثناء من الاستثناء درهم فإذا ضممته إلى الأربعة صار خمسة وإذا صح الاستثناء فصحة الاستثناء من الاستثناء أولى لأن الاستثناء إبطال والاستثناء منه رجوع إلى موجب الإقرار ويكون استثناؤه من الإثبات نفيا ومن النفي إثبات وقد قال تعالى: [60-58:15] {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} .
قوله: "وإذا كان الكل أو الأكثر المستثنى مستثنى منه فهل يبطل وما بعده أو يرجع ما بعده إلى ما قبله أو ينظر إلى ما يؤول إليه جملة الاستثناءات فيه ثلاثة أوجه كذلك".
وجه الأول أن الاستثناء أصل والثاني فرعه والفرع يبطل ببطلان أصله.
ووجه الثاني أنه يحافظ على تصحيح كلام المكلف حسب الإمكان وهو ممكن بأن يجعل الاستثناء الأول كالعدم لبطلانه فيكون الاستثناء الثاني من الذي قبله لبطلان ما بينهما.
ووجه الثالث أن الكلام بآخره والمستثنى والمستثنى منه كجملة واحدة وهذا القول هو الذي وجدته في كلام النحاة.
وقال الشيخ تقي الدين عن الوجهين الأولين مأخذهما هل الاستثناء يمنع دخول المستثنى في اللفظ أو يخرجه بعد ما دخل الأول أصح انتهى كلامه.
والخلاف في الأصل المذكور في كلام أبي الخطاب والشيخ موفق الدين وغيرهما ولم أجد أحدا ذكره أصلا لهذه المسألة بل ما ذكر من التعليل يخالفه وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه كهذه الوجوه.
قوله: "فإذا قال له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما فهل يلزمه إذا صححنا استثناء النصف خمسة أو ستة على وجهين".
ـ
أحدهما يلزمه خمسة لأن التقدير أن استثناء النصف صحيح وثلاثة من خمسة باطل فيبطل ما بعده.
والثاني يلزمه ستة لأن استثناء النصف صحيح واستثناء ثلاثة من خمسة باطل ووجوده كعدمه واستثناء اثنين من خمسة صحيح فصار المقر به سبعة ثم استثنى من الاثنين واحد يبقي ستة وعلى الوجه الثالث أن الكلام بآخره وتصح الاستثناءات كلها ويلزمه سبعة وهو واضح وألزمه بعضهم على هذا الوجه ستة بناء على أن الدرهم مسكوت عليه فلا يصح استثناؤه وفيه نظر.
قوله: "وإذا لم نصححه فهل يلزمه ثمانية أو عشرة على وجهين".
أحدهما يلزمه ثمانية لأن استثناء الخمسة باطل واستثناء ثلاثة من عشرة صحيح يبقى سبعة واستثناء الاثنين باطل واستثناء واحد من ثلاثة صحيح تزيده على سبعة.
وقال بعضهم على هذا الوجه أن استثناء خمسة وثلاثة باطل واستثناء اثنين من ثمانية صحيح واستثناء واحد من اثنين باطل وفيه نظر والثاني يلزمه عشرة لإبطال الأول وما بعده.
قوله: "وقيل يلزمه سبعة عليهما جميعا".
أي سواء قلنا يصح استثناء النصف أولا وهذا بناء على الوجه الثالث وهو تصحيح الاستثناءات كلها كما تقدم وحكاية المصنف هذا الوجه بهذه العبارة فيها شيء وأحسبه لو قال وعلى الوجه الثالث يلزمه سبعة كان أولى.
وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول المالكية قال ولك طريقان إن شئت أن تنقص الآخر مما قبله ثم تنقص الثاني مما قبله إلى الآخر وإن شئت أن تنقص الآخر مما قبله ثم تنقص الثاني ثم تنقص الثالث ثم أن تنقص الأول من المستثنى منه ثم تزيد عليه الثاني ثم تنقص الثالث ثم تزيد عليه الربع إلى آخره وهذا الثاني في الكافي انتهى كلامه.
ـ
والثاني هو الذي في كلام غير واحد.
فصل
وإن كان الاستثناء الثاني بحرف عطف كان مضافا إلى الاستثناء الأول فإذا قال له على عشرة إلا ثلاثة وإلا درهمين كان مستثنيا لخمسة مقرا بخمسة.
وذكر ابن عبد القوي إن هذا الأقوى قال لأن الواو تجعل الاستثناء كشيء واحد كما يأتي في ترفيع المسائل وذكر الشيخ تقي الدين أن الأول قول أبي حنيفة والشافعي فإن استغرقت "إلا" سقط الاستثناء وقال أبو يوسف ومحمد يسقط الأخير المقتضى للاستغراق ويصح ما عداه وكلام هؤلاء إنما هو إذا كانت مستغرقة فأما إذا كانت مذهبة للأكثر فيجوز عندهم والوجهان لأصحابنا انتهى كلامه.
ولم أجد الوجهين صريحا إلا مع حذف إلا.
قوله: "وإذا قال له علي درهمان وثلاثة إلا درهمين أو له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ففي صحة استثنائه وجهان".
أحدهما يصح ذكره القاضي محل وفاق مع الحنفية وغيرهم استدل في الاستثناء المتعقب جملا1 إذا قال له على خمسة وخمسة وخمسة إلا سبعة فإن الاستثناء يعود إلى الجميع وكذلك أبو الخطاب وقال أجمعوا على أنه يلزمه ثمانية وأجاب ابن الحاجب بأنها منفردات وأيضا فللاستقامة وأجاب الآمدي بمنع صحة الاستثناء فيها وهو قول المالكية وذكره بعض متأخريهم وحكاه بعضهم أحد الوجهين للشافعية وقدمه في الرعاية وذكر ابن عبد القوي أنه أصح الوجهين لأن العطف جعل الجملتين كجملة واحدة فعاد الاستثناء إليهما
__________
1 كذا بالأصل.
ـ
كقوله تعالى في آية القذف: [5:24] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} وكقوله عليه الصلاة والسلام.
"لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" .
فعلى هذا يلزمه في المسألة الأولى ثلاثة وفي الثانية درهمان والثاني لا يصح ذكر الشيخ موفق الدين أنه أولى وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن الواو لم تخرج الكلام عن أن يكون جملتين والاستثناء يرفع الجملة الأخيرة أو أكثرها فيصير لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى إلغائه وإلغاء المستثنى منه اختص البطلان به والاستثناء في الآية والخبر لم يرفع أحد الجملتين إنما أخرج منهما معا من اتصف بصفته فنظيره من استأذن فائذن له وأعطه درهما وإلا فلا ونظير مسألتنا الزم زيدا وعمرا إلا عمرا.
وقطع أبو الخطاب في الهداية بهذا القول في المسألة الثانية وتبعه في المستوعب والخلاصة وأطلق في الهداية والمستوعب الخلاف في الأولى وقدم في الخلاصة عدم الصحة فهذا قول ثالث وذكر في المغني خمسة وتسعون إلا خمسة من صور الخلاف وفيها نظر وقطع به في المغني في مائة وعشرين إلا خمسين بصحة الاستثناء جعله أصلا لنظيرها في الطلاق ورأيت بعضهم يميل إلى هذا فيصير قولا رابعا.
فصل
قال في الكافي فإن وجدت قرينة صارفة إلى أحد الاحتمالين انصرف إليه.
قوله: "وإذا قال له علي خمسة إلا درهمين ودرهما لزمه خمسة جمعا للمستثنى".
وقيل ثلاثة لما تقدم في التي قبلها لأن الواو وإن قيل تجعل الجمل كجملة واحدة فسواء كونها مستثناة أو مستثناة منها وهذا معنى كلام غير واحد وصاحب المحرر وقد قدم جعل الجمل المستثناة كجملة وأطلق الخلاف في التي
ـ
قبلها وقد حكى الشيخ موفق الدين في نظيرها في الطلاق وجهين للشافعية وأن جعل الجمل كجملة واحدة قول أبي حنيفة والشافعي وفيه شيء فليتأمل.
فصل
قال الشيخ تقي الدين إذا تعقب الاستثناء اسما مثل له هذا الذهب وهذه الدنانير وهذا البر إلا مثقالا فالمنقول عن مالك والشافعي وأصحابنا عودة إلى الجميع وقال أبو حنيفة يختص بالجملة الأخيرة وبعضهم يعبر عن هذه بأن الاستثناء تعقب جملا وهي المسألة الأصولية ويجعلون الأسماء المفردة داخلة في مسمى الجمل وهم لا يريدون بالجملة الكلام التام كما هو عند النحاة وإنما يعنون بها العدد المجتمع سواء كان أسماء مجتمعة مفيدة أو أسماء دالة على معان وفيها لأصحابنا وجهان انتهى كلامه.
فصل
الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات عندنا وعند الجمهور.
وقال الشيخ تقي الدين الاستثناء من الإثبات نفي أو في حكم النفي فإنه إذا قال له علي عشرة إلا درهمين فإما أن يكون منكرا للدرهمين أو ساكتا عن الإقرار بهما فلا يلزمه بالاتفاق.
فأما الاستثناء من النفي في العدد فقال أبو بكر بن السراج النحوي في الأصول إذا قلت ماله عندي مائة إلا درهمين فإن أردت الإقرار بما بعد إلا رفعته على البدل كأنك قلت ماله عندي إلا درهمان وإذا نصبت فقلت ما له عندي مائة إلا درهمين فما أقررت بشيء لأن عندي لم ترفع شيئا حتى يثبت عندك وكأنك قلت ماله عندي ثمانية وتسعون وكذلك إذا قلت ماله على عشرة إلا درهما لم يكن مقرا بشيء فاذا قلت إلا درهم فأنت مقر بدرهم.
ـ
قال ابن الرومي في توجيه ذلك في شرح الأصول إن النفي دخل على الإيجاب فانه إذا قال له عندي مائة إلا درهمين اعترف بثمانية وتسعين فإذا أدخلت النفي على هذا فكأنك قلت ماله عندي ثمانية وتسعون فأتيت بالاستثناء تحكى صورة الإيجاب إلا أنه استثناء من نفي.
قال الشيخ تقي الدين وعلى هذا فمن نصب في الاستثناء من النفي لا يكون مثبتا للمستثنى ومن لافع يكون مثبتا وكأن الناصب جاء بكلامه النافي ردا على من أثبت والرافع ابتداء وعلى هذا فيكون قوله تعالى: [66:4] {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} على هذه القراءة في قوة ما فعله أكثرهم.
وقال بعضهم هذا الذي قاله ابن السراج إنما هو على لغة من يرفع المستثني من النفي فإذا نصب فيكون قد نطق بكلام غير عربي فيلغو وأما على لغة من يجوز النصب فيكون مقرا وهو حسن انتهى كلامه وهو واضح.
فلو قال نحوى ماله عندي عشرة إلا درهما ورفع إلى حاكم حكم عليه إن رآه إقرارا وإلا كسائر مسائل الخلاف فلو كان المقر له يعتقد أن هذا ليس إقرارا فهل ينفذ الحكم ويسوغ الأخذ ينبغي أن يخرج على ما إذا حكم حنفي بشفعة الجوار لمن يعتقد خلافه وفيها وجهان لنا وللشافعية مع أن هذا يدخل فيما حكاه صاحب المحرر من الروايتين كما تقدم.
فلو ادعى المقر أنه قصد أن يحكى صورة الإيجاب لا الإقرار فهل يقبل منه محل تردد لتردد النظر في مخالفته للظاهر أما الجاهل بالعربية فيتوجه فيه القول المتقدم وهو مؤاخذته بلغته وعرفه.
فصل
إذا قال له علي ألف إلا شيء قبل تفسيره بأكثر من خمسمائة لكن لا يجوز استثناء الأكثر فيتعين حمله على ما دون النصف قاله في المغني.
ـ
وينبغي أن يقال إلا أن نقول بصحة استثناء النصف فيقبل قال وكذلك إن قال إلا قليلا وينبغي أن يقال في هذه ما قاله في التي بعدها.
قال وإن قال له على معظم أو أجل ألف أو قريب من ألف لزمه أكثر من نصف الألف ويحلف على الزيادة إذا ادعيت عليه.
قال الشيخ تقي الدين وقال في الجواهر يعني المالكية إذا قال له عندي قريب المائة أو مائة إلا شيئا قال سحنون قال أكثر أصحابنا يلزمه ثلثا المائة بقدر ما يرى الحاكم وقيل ثلث مائة وقيل واحد وخمسون ليزيد على النصف.
وقال في الجواهر في موضع آخر إذا قال له علي مائة درهم إلا شيئا يلزمه واحد وتسعون وإن قال له على عشرة آلاف إلا شيئا يلزمه تسعة آلاف ومائة وله درهم إلا شيئا يلزمه أربعة أخماس درهم ولو قال له مائة وشيء يقتصر على المائة لأن الشيء لا يمكن رده إلى تقدير كرد الشيء المستثنى فيبطل لأنه شك لا مخرج له قال عبد الملك والمعتبر في جميع ذلك ما يحسن استعمال الاستثناء فيه وما شك فيه لا يثبت انتهى كلامه.
وقولنا أولى لما تقدم والتقدير يتوقف على توقيف ولا توقيف وتعارض الأقوال المذكورة يدل على فسادها ولأن الشيء إذا كان له موضوع فلا فرق بين أن يكون مقرا به أو مستثنى والأولى فيما إذا قال له مائة وشيء ما قلنا وهو أنه يلزمه مائة ويرجع في تفسير الشيء إليه كما لو انفرد.
قال الشيخ تقي الدين وقال ابن معتب في وثائقه إذا قال له علي عشرة إلا شيئا أو إلا كثيرا صدق في تفسيره مع يمينه يعني لأن الاستثناء يصح في التسعة إلى العشرة فكل ما صح استثناؤه صح أن يقر به الاستثناء المجهول وهذا قول الشافعي وعند أصحابنا لا يصح تفسيره بأكثر من
ـ
النصف وفي النصف وجهان ويصح تفسيره بما دون النصف ووافق أبو حنيفة هنا فقال إذا قال له علي مائة درهم إلا قليلا أو إلا بعضها لا بد أن يزيد الباقي على النصف.
قوله: "وإذا قال له على هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسليم تسعة لأنها مقر بها" والواحد مستثنى وهو قليل فلم يلزمه ويرجع إليه في التعيين لأنه أعلم بمراده.
قوله: "فإن ماتوا إلا واحدا فقال هو المستثنى قبل وقيل لا يقبل وللشافعية أيضا وجهان".
أحدهما يقبل وهو الراجح في المذهب كحالة الحياة وكما لو مات بعد تعيينه ومن قال بهذا تعذر تسليم المقر به لتلفه لا لمعنى يرجع إلى تفسيره بخلاف استثناء الجميع.
والثاني لا يقبل لرفعه جميع ما أقر به كاستثنائه فإن قتلوا إلا واحدا أو غصبوا إلا واحدا أو قال غصبتك هؤلاء العبيد إلا واحدا فماتوا إلا واحدا قبل تعيينه في هذه الصور بالباقي وجها واحدا لعدم التهمة لوجوب القيمة بخلاف الإقرار.
قوله: "وإذا قال له علي هذه الدار إلا هذا البيت أوله هذه الدار ولى هذا البيت منها صح استثناؤه منها".
وإن كان معظمها بخلاف قوله إلا ثلثيها أو ثلاثة أرباعها ونحوه لأن الأول استثناء والثاني في معناه.
وقوله: "وإن كان معظمها".
وكذلك ذكر غير ووجهه لأن ليس العدد صريحا ولم يذكره بعضهم وقد تقدم ذلك.
ـ
وقوله: "بخلاف قوله إلا ثلثيها".
وهو معنى كلام غيره يعني فإنه استثناء الأكثر وهو باطل في الأشهر وكذا ذكره في الرعاية.
ويعرف من ذلك أنه لو قال هذه الدار ولى نصفها أنه معنى استثناء النصف وفي صحته خلاف وذكر في الرعاية الكبرى هذه المسألة وقال صح في الأقيس وذكر في الصغرى أنها كقوله إلا ثلثيها.
قوله: "لا يصح الاستثناء من غير الجنس".
قال الخلال باب الرجل يقر للرجل بدنانير ثم يستثنى منها غيرها ذكر هذا بعد باب له علي مائة دينار ولي عليه دينار أنه مقر مدع.
قال ابن منصور قلت لأحمد قال سفيان وإذا قال لك عندي مائة دينار إلا فرسا إلا ثوبا هذا محال يؤخذ بالمائة قال الإمام أحمد كما قال.
وذكر الشيخ تقي الدين أن مراد الخلال بالباب قلة تشبيه الاستثناء من غير الجنس يدعى تقديره لكن لي عليه فرس أو قيمة فرس وذكر أيضا أن رواية ابن منصور ليس فيها تصريح بخلاف مذهب أبي حنيفة بل موافقة لفتيا سفيان انتهى كلامه.
وقد ذكر في المغني أنه يكون مقرا بشيء مدعيا لشيء سواه فيقبل إقراره وتبطل دعواه كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء.
والمذهب أنه لا يصح استثناء غير أحد النقدين من الآخر لأن الاستثناء إما صرف للفظ عما يقتضيه لولاه أو إخراج بعض ما تناوله المستثنى منه أو منع أن يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل وهذه التعريفات في كلام أصحابنا وغيرهم وأما ما كان من غير الجنس فلا يكون استثناء إلا تجوزا وهو في الحقيقة استدراك و "إلا" فيه بمعنى "لكن" قاله أهل العربية منهم ابن السراج وابن
ـ
قتيبة وحكاه عن سيبويه ولذلك لم يأت الاستثناء من غير الجنس في القرآن وغيره إلا بعد الجحد لأن الاستدراك لا يأتي إلا بين متنافيين وقياسا على التخصيص فإنه لا بد من كونه من الجنس والاستثناء من جملة المخصصات عند المخالفين أو أكثرهم ولأنه لو صح لاطرد في جميع المواضع.
وذكر الشيخ تقي الدين أنهم ساعدوا أنه لا يصح في البيع وبهذا قال زفر وبعض المالكية وبعض الشافعية.
وقال مالك والشافعي يجوز الاستثناء من غير الجنس مطلقا لوروده ونحن نمنع ذلك ثم نحمله على المجاز دفعا للاشتراك وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن استثنى ما يثبت في الذمة صح وإن كان من غير الجنس وإن استثنى مالا يثبت في الذمة كالثوب والعبد ونحوه لم يصح الاستثناء وفسر أصحابنا ما يثبت في الذمة بالمكيل والموزون وقال قالوه فيما يتقارب من المكيل والموزون كالجوز والبيض.
قوله: "وعنه يصح استثناء أحد النقدين من الآخر خاصة".
هذه المسألة من الأصحاب من يحكى فيها وجهين وحكى ابن أبي موسى وغيره روايتين إحداهما يصح قطع به الخرقي وقدمه في الخلاصة لأنهما كالجنس الواحد لاجتماعها في أنهما قيم المتلفات وأرش الجنايات ويعبر بأحدهما عن الآخر ويعلم قيمته منه فأشبها النوع الواحد بخلاف غيرهما ومتى أمكن حمل الكلام على وجه صحيح لم يجز إلغاؤه واقتصر أكثر الأصحاب علي هذا حتى إن صاحب الخلاصة مع أنه لا يخل بفوائد الهداية على قوله اقتصر عليه.
وقال أبو الخطاب متى ثبت هذا مذهبا لأحمد كان استثناء الثوب من الدراهم جائزا إذ لا فرق بينهما.
قال في المغني وهو في قوة كلام غيره وقد ذكرنا الفرق.
ـ
قال في المغني ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك انتهى كلامه فصار هذا قولا آخر.
وقال أيضا إنه إذا ذكر نوعا من جنس وذكر نوعا آخر من غير ذلك الجنس مثل عشرة آصع تمرا برنيا إلا ثلاثة تمرا معقليا أنه يحتمل جوازه على قول الخرقي لتقارب المقاصد من النوعين كالعين والورق وأن الصحيح خلافه لأن العلة الصحيحة في العين والورق غير ذلك انتهى كلامه.
وظاهر كلامهم أنه لا يصح استثناء الفلوس من أحد النقدين وينبغي أن يخرج فيها قولان آخران أحدهما الجواز والثالث جوازها مع نفاقها خاصة لما تقدم من التعليل والثاني لا يصح ذكر القاضي أنه ظاهر كلام الإمام أحمد وأنه الصحيح وهو قول أبي بكر وقدمه أبو الخطاب وغيره وهو ظاهر ما نصره جماعة وصححه ابن عقيل وغيره لما تقدم.
فظهر من مجموع المسألة أنه هل يصح الاستثناء من غير الجنس أم لا فيه خمسة أقوال غير مسألة استثناء الفلوس من أحد النقدين.
قوله: "وإذا قال له علي مائة درهم إلا دينارا وصححناه رجع في تفسير قيمة الدينار إليه عند أبي الخطاب".
وقال غيره يرجع إلى سعر الدينار بالبلد إن كان وإلا فإلى التفسير.
ووجه الأول وعليه اقتصر في المستوعب والخلاصة وقدمه في الرعاية أن الدينار مجهول فرجع إليه في قيمته لأن أعلم بمراده كغيره من المجهول.
فعلى هذا إن فسره بأكثر من النصف لم يقبل وإن فسره بدونه قبل وفي النصف وجهان هذا معنى ما ذكره أصحاب هذا الوجه.
ـ
ووجه الثاني أن الدينار إذا كان له سعر فإنه معلوم والظاهر إرادته فيرجع إليه فإن لم يكن فإلى تفسيره.
قال الشيخ تقي الدين بالأول قالت المالكية والشافعية قالوا يقال له اذكر قيمة العبد والثوب المستثنى ويكون مقرا بما يقر فإن استغرقت قيمته الألف لزمه الألف كاستثناء الألف من الألف وإلا صح.
قالت الشافعية وينبغي أن تكون القيمة مناسبة للثوب لئلا يعد نادما.
قالوا وهذا إذا استثنى مجهولا من معلوم فإن قيمة الثوب مجهولة والألف معلومة وعكسه له الألف إلا درهمان فيفسر الألف ويعود الحكم إما إلى الاستغراق فلا يقبل أو إلى عدم الاستغراق فيقبل وإن استثنى مجهولا من مجهول نحو له مائة إلا عشرة أو إلا ثوبا فعلى ما تقدم قال بعض المالكية ولا ينبغي أن ينازعهم أصحابنا في هذا لأنه مقتضى القواعد انتهى كلامه ونحن نوافقهم في المسألة الأخيرة ونخالفهم في الألف إلا درهما على الراجح.
قوله: "وإذا قال له علي شيء أو كذا قيل له فسره ليصير معلوما فتلزم به".
ويصح إقراره بغير خلاف قاله في المغني ويفارق الدعوى حيث لا تصح بالمجهول لكون الدعوى له فاحتيط لها والإقرار عليه فيلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله ولأن المدعي إذا لم يصحح دعواه فله داع إلى تحرير دعواه لكون الحق له بخلاف الإقرار ولأن المقر لا يؤمن رجوعه عن إقراره إذا شدد عليه فيفوت حق المقر له رأسا فقبلناه مع الجهالة وألزمناه تفسيره.
فإن قال له عليه كذا وكذا رجع إلى المقر في تفسيره ذلك ذكره القاضي في الوصايا وجعله أصلا للوصية بكذا وكذا أنه يرجع إلى تفسير الورثة.
قوله: "فإن أبى حبس حتى يفسر".
ـ
قطع به جماعة لأنه امتنع من حق توجه عليه كحق معين امتنع من أدائه.
وقال القاضي يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان فإن بين شيئا فصدقه المقر ثبت وإن كذبه وامتنع من البيان قيل له إن بينت وإلا جعلناك ناكلا وقضينا عليك وهذا قول الشافعية إلا أنهم قالوا إن بينت وإلا أحلفنا المقر له على ما يدعيه وأوجبناه على المقر.
قال في المغني ومع ذلك فمتى عينه المدعي وادعا فنكل المقر فهو على ما ذكروه.
فصل
قال الشيخ تقي الدين إذا أصر في الحبس على الامتناع فعلى المذهب أنه يضرب حتى يقر قال أصحابنا القاضي في كتابه المجرد والجامع وابن عقيل وغيرهما فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أنه يجبر حتى يختار منهن أربعا قالوا فإن لم يختر بعد الإجبار حبسه الحاكم ويكون الحبس ضربا من التعزيز فإن لم يختر ضربه وعزره يفعل ذلك ثانيا وثالثا حتى يختار لأن هذا هو حق قد تعين عليه ولا يقوم غيره مقامه فوجب حبسه وتعزيزه حتى يفعله.
وأيضا لم يذكروا الضرب إلا بعد الحبس وهل يجوز ضربه ابتداء يتوجه فيه ما ذكروه في الناشز هل تضرب من أول مرة على وجهين.
وهكذا إذا كان على رجل دين وله مال ناض لا يعرف مكانه وامتنع من قضاء دينه فإن الحاكم يحبسه ويضربه ويأمر بقضاء الدين لأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك وكذلك مذهب الشافعي منصوصا وكذلك مذهب مالك فيما يغلب على ظني وهو قياس قول أبي بكر ولم يزد ومراده أبو حنيفة قال قد أباح أصحابنا ضربه ثلاث مرات وسكتوا عما بعد الثالثة وقد نص
ـ
الإمام أحمد على نظيره في المصر على شتم الصحابة رضي الله عنهم والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لي الواحد يحل ضربه وعقوبته" .
وأيضا فحديث ابن عمر في صحيح البخاري "لما صالح يهود خيبر على إزالة الصفراء والحمراء فكتم بعضهم مال حيي بن أخطب وزعم أن النفقات أذهبته فقال للزبير دونك هذا فعاقبه حتى يحضر المال فعاقبه حتى أحضر المال1" ولم يقر بأن المال في يده لكن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن المال في يده وأنه كاذب في دعوى خروجه.
وأيضا فإن الله تعالى أباح للزوج ضرب امرأته إذا نشزت فامتنعت عن أداء حقه الواجب من تمكينه من الوطء فعلى قياسه كل من امتنع من أداء حق واجب ثم هل يباح ضربها بأول مرة أو بعد الثلاث على وجهين.
وأيضا فإن التعزير مشروع في حبس المعصية التي لا حد فيها والمعاصي نوعان ترك واجبات وفعل محرمات.
هذا إذا كان التعزير لما مضى وأما إذا كان لما مضى من المعصية وليرجع إلى الطاعة بأداء الواجب والكف عن المحرم أولى2 وأحرى وجميع العقوبات لا تخرج عن هذا.
فمن الأول قتل القاتل ومن الثاني قتل المرتد ودفع الصائل وقد يجتمعان فيصير ثلاثة أقسام ولهذا من لا يقتل بالامتناع من الواجبات الشرعية فإنه يضرب وفاقا سواء كانت حقا لله تعالى أو لآدمي فتارك الصوم والحج إذا لم نقتله نحن كتارك الصلاة عند من لا يقتله وهم الحنفية إذا تقررت قاعدة المذهب.
__________
1 الذي كتم الأصل كنز اليهود بخيبر: هو كناية بن الربيع.
2 كذا في الأصل. ولعله "وأما إذا كان لابعاده عن المعصية، وليواظب على الطاعة الخ- فأولى".
ـ
أن كل حق تعين على إنسان لا يقوم غيره فيه مقامه فإنه يوجب حبسه وتعزيره حتى يفعله فالممتنع من تفسير إقراره نوع من ذلك فإن تفسير الإقرار حق واجب عليه لإثباته فيه فوجب ضربه عليه حتى يفعله.
وذكر الشيخ تقي الدين في موضع آخر أنه إن أصر على الترك عوقب بالضرب حتى يؤدى الواجب وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم ولا أعلم فيه خلافا انتهى كلامه وهذا ظاهر كلام الشافعي في الأم عند ذكره مسألة المرتد.
وقد ذكر الشيخ موفق الدين وغيره أنه إذا حل الدين وامتنع الراهن من الوفاء أن الحاكم يفعل ما يرى من حبسه أو تعزيره ليبيعه أو بيعة الحاكم بنفسه أو نائبه.
وذكر في المستوعب والمغني وغيرهما أن من أسلم تحته أكثر من أربع يجب عليه اختيار أربع فإن أبي أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار قال في المغني إن هذا حق عليه يمكن إيفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كإيفاء الدين.
وهذا يوافق ما ذكره الشيخ تقي الدين في كل ممتنع من واجب عليه وأن له أن يعزره بالضرب ابتداء وأنه لا يقيد بثلاثة.
ثم قال الشيخ تقي الدين إذا ثبت تعزير الممتنع من تفسير إقراره فإنما المأخوذ به أنه وجب بإقراره حق مجهول ولا يعلم قدره إلا من جهته فعزره على بيان ما يعلمه من حق الغير ولا تأثير لكون أصل الحق عرف بإقراره.
ولهذا قلنا إن وارثه يؤخذ بالتفسير وإنما وقع تردد على الرواية الأخرى لأن الوارث قد لا يعلم ما وجب على الميت ولهذا فرق الجد بين أن ينكر الوارث عليه أولا ينكر فأما مع علم من عليه الحق فلا.
فعلى قياس هذا كل من امتنع من إظهار حق عليه يجب إظهاره ولا يعلم
ـ
من غيره كما لو قلت البينة بأنه انتهب من هذا شيئا ولم يعلموا قدره أو نوعه أو بأنه سرق من دار هذا كارة لا يعلمون ما فيها أو بأنه غل كيسا من أمانته لا يعلمون ما فيه ونحو ذلك مما يشهد فيه على المحارب والسارق والغال والخائن بحق عاينوه ولا يعلمون قدره إذ لا فرق بين ثبوت ذلك بإقراره أو بينة وكذلك لو شهدت البينة أيضا بأنا رأيناه اقترض منه مالا أو ابتاع منه سلعة وقبضها ولا نعلم قدر المقترض أو قدر الثمن أو علماه ونسياه.
فإن قيل قد يجوز أن يكون هو نسي ذلك الحق أو نسي قدره ابتداء.
قيل وكذلك إذا أقر بمجهول قد يكون نسيه أو جهل قدره ابتداء ولو امتنع فهل يحكم للمدعي مع يمينه لكون امتناعه لوثا؟.
هذا مذكور في غير هذا الموضع وهي متعلقة بمسألة النكول والرد.
ولو أقر بالقبض المحرم أو غير المحرم كالغصب وسائر أنواعه من النهب والسرقة والخيانة وامتنع من تعيين محله فإنه يضرب كما تقدم في ضرب من عليه دين وله مال ناض لا يعرف مكانه يضرب ليبينه فإنه بيان الواجب كما أن أصل تفسير الحق بيان واجب ولهذا ضرب الزبير بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابنا لعم حيى بن أخطب حتى يعين موضع المال ولو كان المال بيد وكيله أو غيره وامتنع من تبيين محله لعزر بالحبس والضرب حتى يبينه كالمالك لأنه حق تعين عليه فلو علم بالمال من ليس بولي ولا وكيل بأن يقر بعض الناس بأني أعرف من المال عنده أو تقوم البينة بأن فلانا كان حاضرا إقباض المال ونحو ذلك فإن هذا يجب عليه بيان موضع المال لأن ذلك فيه حق للطالب إما أن يكون مستحقا للاستيفاء منه ولقوله تعالى: [2:5] {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ولا يمكن إيصاله إليه إلا ببيان هذا ودلالته ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب فهو كالشاهد الذي يجب عليه أداء الشهادة ولأن إعانة المسلم على حقن دمه وماله
ـ
واجب فإن النبي صلى الله عليه وسلم.قال: "المسلم أخ المسلم لا يسلمه ولا يظلمه" وقال عليه الصلاة والسلام:. "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" ونصر الظالم دفعه وفي الدلالة نصر الاثنين ولأن هذا بذل منفعة لا ضرر فيها في حفظ مال المسلم وهذا من أوجب الأشياء كالقضاء والشهادة لا سيما على أصلنا في إيجاب بذل المنافع مجانا على أحد الوجهين وكما يجب للجار منفعة الجدار ومنفعة إمرار الماء على إحدى الروايتين بل قد توجب دفع الغير عن دمه وماله إذا رأى نفسه أو ماله يتلف وهو قادر على تخليصه وقد أوجب القاضي وأبو الخطاب ضمان النفس على من قدر على تخليصها من هلكه فلم يفعل كما يضمن من لم يؤد الواجب من إطعامها وسقيها وفرق بعض الأصحاب أن سبب الهلاك هناك فعل الغير وهنا منع الطعام وأما تضمين من ترك تخليص المال ففيه نظر.
وأيضا فإن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن خروج الحقوق عن أصحابها منكر وإزالة المنكر واجبة بحسب الطاقة فكيف إذا كان يزول بمجرد البيان والدلالة واجبا عوقب على تركه بالحبس والضرب وكذلك لو كان يعلم موضع من عليه حق لله أو لآدمي وهو يريد استيفاءه من غير ظلم فإن الدلالة على النفوس الظالمة للمظلوم كالدلالة على المال لصاحبه فأما من آوى محدثا وكتمه فإن هذا يعاقب بالضرب والحبس بمنزلة كاتم المال وأولى فإن كتمان النفس ككتمان المال والدلالة عليها من غير الكاتم كالدلالة على المال.
وهذا كله إذا ظهر معرفة المسؤول عن النفس المستحقة والمال المستحق إما بإقراره وإما ببينة فأما إذا اتهم بذلك فهنا يحبس كما يحبس في التهمة بنفس الحق وأما ضربه فهو كالمتهم.
وأصل هذا أن الحق كما يكون عينا من الأموال فقد يكون منفعة على
ـ
البدن كالمنافع المستحقة بعقد الإجارة والحقوق الواجبة عينا أو منفعة إما أن تجب بالشرط وإما أن تجب بالشرع فكأنما أنا نعاقب من امتنع عن النفقة الواجبة شرعا كذلك نعاقب من امتنع عن المنفعة الواجبة شرعا ومن أعظم المنافع بيان الحقوق ومواضعها من النفوس والأموال.
والممتنع عن البيان ممتنع عن منفعة واجبة عليه شرعا متعينة عليه فيعاقب عليها ولو لم تتعين عليه بأن كان العالمون عددا فهنا إذا امتنعوا كلهم عوقبوا أو بعضهم لكن عقوبة بعضهم ابتداء عند إقناعه يخرج على البيان هل هو واجب على الكفاية أو لأعيان كالشهادة والمنصوص أنه واجب بالشرع على الأعيان وكما يعاقب الرجل على شهادة الزور يعاقب على كتمان الشهادة انتهى كلامه.
وهو حسن واضح لم أجد في المذهب ما يخالفه صريحا.
قوله: "فإن فسره بحق شفعة أو أقل مال قبل".
لأنه صحيح لإطلاق "شيء" عليه حقيقة وعرفا فقبل كتفسيره بمال كثير.
وقال الشيخ تقي الدين في الشفعة نظر فإنها ليست مالا بدليل أنها لا تورث ولا يصالح عليها بمال فهي كحد القذف انتهى كلامه.
وهو متوجه لو كان المقر قال له على مال بخلاف له على شيء أو كذا.
قوله: "وإن فسره بميته أو خمر أو مالا يتمول كقشرة جوزة لم يقبل لأن إقراره اعتراف بحق عليه وهذا لا يثبت في الذمة".
مراده والله أعلم قشر جوزة غير الهند لأن قشرة تلك يعد مالا بمفرده قال ابن عبد القوي لو قيل إنه يقبل في إقرار الذمي تفسيره بخمر ونحوه مما يعدونه عندهم مالا لم يكن بعيدا كما يقبل تفسيره من مسلم بجلد ميتة لم يدبغ يعنى في أحد الوجهين لأنه مما يؤول إلى التمول فهنا عندهم أولى لأنها عندهم مال في الحال يجب ردها من غاصبها عليهم انتهى كلامه وهو متوجه
ـ
وقد عرف مما تقدم أنه لو فسره بحبة حنطة ونحوها لم يقبل لعدم تمول ذلك على انفراده عادة قطع به غير واحد وذكر في الرعاية وجهين.
قوله: "وإن فسره بكلب يباح نفعه أو حد قذف فوجهان".
وجه القبول في تفسيره بكلب لأنه شيء يجب رده فيتناوله الإيجاب ووجه عدم القبول أو الإقرار إخبار عما يجب ضمانه والكلب لا يجب ضمانه ولم يفرق في المستوعب وغيره بين ما يجوز اقتناؤه ومالا يجوز ومرادهم ما يجوز كما صرح به جماعة.
وجاء في الرعاية الكبرى فجعله طريقة وقدمها وليس كذلك.
وأما حد القذف فينبغي أن يكون الخلاف فيه مبنيا على الخلاف في كونه حقا لله تعالى أو لآدمي فإن قلنا هو حق لآدمي قبل وإلا فلا.
وقطع بعضهم بالقبول ووجهه بأنه حق عليه في ذمته فالإيجاب يتناوله ووجه بعضهم عدم القبول بأنه ليس بمال ووجهه في المغني مع أنه صحح الأول بأنه لا يؤول إلى مال والله تعالى أعلم.
قوله: "وإن مات قبل أن يفسر أخذ وارثه بمثل ذلك إن ترك تركه وقلنا لا يقبل تفسيره بحد القذف وإلا فلا".
وجه ذلك لأنه حق على مورثهم تعلق بتركته فلزم القيام مقامه كما لو كان الحق معينا ولا فرق ولأن القريب لا يلزمه وفاء دين قريبه الحي فكذلك الميت إذا لم يخلف تركة.
وأما قوله: "وقلنا لا يقبل تفسيره بحد قذف".
كان ينبغي أن يزيد ونحوه لأن الحكم عام فيما ليس بمال لعدم تحقق حق علي الموروث يتعلق بعين التركة فلا يلزم الوارث شيء.
قوله: "وعنه إن صدق الوارث مورثه في إقراره أخذ به وإلا فلا".
ـ
قال الشيخ تقي الدين قد يصدقه في أصل الإقرار وينكر العلم وقد تقدم في الفصل الطويل تعليل الشيخ تقي الدين لهذه الرواية لأن الوارث قد لا يعلم ما وجب على الميت وعللها ابن عبد القوي بأن المقر له لم يدع عليهم ولا يخفى ضعف ذلك.
قوله: "وعندي إن أبي الوارث أن يفسر وقال لا علم لي بذلك حلف ولزمه من التركة ما يقع عليه الاسم كما في الوصية لفلان بشيء لأن ما قاله محتمل فقيل قوله مع اليمين".
وهذا ينبغي أن يكون على المذهب لا قولا ثالثا لأنه يبعد جدا على المذهب إذا ادعى عدم العلم وحلف أن لا يقبل قوله ولو كان صاحب المحرر قال فعلى المذهب أو فعلى الأول وذكر ما ذكره إلى آخره كان أولى.
ولو ادعى الموروث عدم العلم وحلف فلم أجدها في كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى إلا ما ذكره الشيخ شمس الدين في شرحه بعد أن ذكر قول صاحب المحرر ويحتمل أن يكون المقر كذلك إذا حلف أنه لا يعلم كالوارث وهذا الذي قاله متعين ليس في كلام الأصحاب ما يخالفه.
قوله: "وإذا قال غصبت منه شيئا ثم فسره بنفسه لم يقبل وإن فسره بخمر أو كلب أو جلد ميتة قبل".
أما المسألة الأولى فلاقتضاء لفظه المغايرة لاقتضائه مغصوبا ومغصوبا منه وأحدهما غير داخل في الآخر ولأن الغصب لا يثبت عليه.
وأما الثانية فلأن ما قاله محتمل لأنه قد يرى بالغصب قهر صاحب اليد على ما بيده فيأخذه وإن لم يكن مالا فيقبل تفسيره بذلك وذكر في الكافي أنه يلزمه حق يؤخذ بتفسيره كما تقدم في قوله له علي شيء.
ـ
وذكر في المغني أنه إن فسره بما ينتفع به نفعا مباحا قبل لاشتمال الغصب عليه وإلا فلا فهذه ثلاثة أوجه.
قوله: "وإن فسره بولده فوجهان".
أحدهما لا يقبل قطع به غير واحد.
والثاني يقبل ووجههما ما تقدم.
قوله: "وإن قال غصبتك ثم فسره أني حبستك وسجنتك قبل لصدقه عليه وإلا فلا ويجب تفسيره".
وذكر في الكافي أنه لا يلزمه شيء قد يغصبه نفسه فلا يتوجه عليه مطالبة بالاحتمال.
قوله: "وإذا قال له علي مال عظيم أو خطير أو جليل فهو كقوله مال يقبل تفسيره بأقل متمول".
وبهذا قال الشافعي وبعض المالكية لأنه لا حد لذلك في شرع ولا لغة ولا عرف والناس يختلفون في ذلك لأنه ما من مال إلا وهو عظيم بالنسبة إلى ما دونه.
ويحتمل أنه إن أراد عظمه عنده لقله ماله أو خسة نفسه قبل تفسيره بالقليل وإلا فلا.
وهذا والله أعلم معنى قول ابن عبد القوي ولو قيل يعتبر بالنسبة إليه في نفسه لم يبعد.
قال في الرعاية ويحتمل أن يلزمه ذكر وجه العظم أو يزيد على أقل ما يتمول شيئا لتظهر فائدته.
وقال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يرجع في هذا إلى العرف في حق القائل فإنه هذا يختلف باختلاف القائلين وكذلك في الأيمان والنذور وليس لهذا اللفظ حد في اللغة ولا في الشرع فيرجع فيه إلى العرف فإذا ما يجوز أن يسمى
ـ
عظيما في عرفه قبل منه وإلا فلا ومعلوم أن المالك ونحوه لو قال له عندي مال عظيم لعله سقط من لفظه "أو كثير" وأحضر مائتي درهم كان خلاف عرفه انتهى كلامه.
ولم يوجز عن أبي حنيفة في هذه المسألة نص وقال صاحباه يلزمه مائتا درهم ومن أصحابه من قال إن قوله كقولنا ومنهم من قال عليه عشرة دراهم ومنهم من قال يعتبر فيه حال المقر وما يستعظمه مثله في العادة.
وقال بعض المالكية يلزمه مقدار الدية ومنهم من قال ما يستباح به البضع أو القطع ووافق الحنفية الأصحاب في المال المطلق وأن قوله له علي مال كقوله له علي شيء حكاه القاضي وغيره عنهم.
وحكى بعضهم عنهم التسوية كما هو قول المالكية وكذا حكى القاضي عن المالكية التسليم فيما إذا قال معلوم أو صالح أو نافع أو موزون.
قال الشيخ تقي الدين وسلم أصحابنا أنه لو قال مال جيد أنه يعد معنى زائدا على مسمى المال قال القاضي لأن الجودة تدل على مقدار ولهذا تستعمل في عقد السلم ليصير المسلم فيه معلوما انتهى كلامه وفي هذا التسليم نظر والأولى التسوية والله أعلم.
قوله: "وكذا قوله دراهم أو دراهم كثيرة يقبل تفسيرها بثلاثة".
وبهذا قال الشافعي في المسألة قبلها واختلف المالكية فمنهم من قال يلزمه مائتان وهو قول أبي يوسف ومنهم من قال تسعة ومنهم من قال ما زاد على ثلاثة وهو احتمال في الرعاية فإنه مال ويحتمل أن الكثيرة أكثر فيفسر الزيادة.
وقال أبو حنيفة لا يصدق في أقل من عشرة وكذلك لو قال لفلان علي أكثر ما يقع عليه اسم الدرهم.
قال القاضي ونحن لا نسلم هذا بل نقول يقبل تفسيره فيما زاد على أقل
ـ
الجمع وإن قل فلو فسره بثلاثة دراهم ودانق قبل منه وهذا الخلاف كله في دراهم كثيرة فأما إن قال له علي دراهم لزمه ثلاثة لأنها أقل الجمع.
قال ابن عبد القوى وقوله وأفرة وعظيمة ونحوها ككثيرة في الحكم.
قوله: "وإن قال له على كذا درهما لزمه درهم".
لأن الدرهم يقع مميزا لما قبله والمميز يقبل وكما لو قال كذا وفسره بدرهم وقال أبو حنيفة يلزمه عشرون لأنه أقل كلمة مفردة مميزة تمييز مفرد منصوب وهذا متوجه وهذا أقرب إن شاء الله تعالى.
قوله: "أو كذا كذا درهما لزمه درهم".
كأنه قال شيء شيء و"درهما" تمييز لبيان الشيء المبهم.
قال أبو الخطاب وغيره تكراره يقتضي التأكيد فإذا فسره بدرهم فقد فسره بما يحتمله فيقبل وكذا مذهب الشافعي هنا وفي التي قبلها.
وقال أبو حنيفة يلزمه أحد عشر لأن ذلك أقل مميز منصوب مفرد كمميز متكرر بغير عطف وهذا متوجه.
وذكر الشيخ تقي الدين أن أقرب إن شاء الله تعالى قال فإن أصحابنا بنوه على أن كذا كذا تأكيدا وهو خلاف الظاهر المعروف وأن الدراهم مثل الترجمة لهما وهذا يقتضي الرفع لا النصب ثم هو خلاف لغة العرب.
قوله: "أو فيهما درهم بالرفع لزمه درهم".
لأن تقديره مع عدم التكرير شيء هو درهم في له خبر مبتدأ محذوف أي ذلك له ذلك درهم وفي التكرير كأنه قال له على شيء شيء درهم خبر أي هو درهم.
قوله: "وإذا قال كذا وكذا درهما أو درهم بالرفع لزمه درهم عند ابن حامد ودرهمان عند التميمي".
ـ
وجه الأول ما تقدم كأنه قال كذا درهم لأن كذا يحتمل بعض الدرهم فإذا عطف عليه مثله ثم فسرهما بدرهم واحد جاز وكان كلاما صحيحا.
ووجه الثاني أن التفسير يعود إلى كل واحد من المعطوفين بمفرده لدلالة العطف على التغاير.
قوله: "وقيل درهم وبعض آخر".
أعاد التفسير إلى الثاني والأول مبهم فيرجع في تفسيره إليه.
قوله: "وقيل درهم مع الرفع ودرهمان مع النصب".
لما تقدم ولأنه إذا نصب فهو تمييز لكل واحد فيلزم التعدد والذي نصره القاضي وأبو الخطاب والشريف وغيرهم قول ابن حامد وقال أبو حنيفة في كذا وكذا درهما يلزمه أحد وعشرون لما تقدم وهو متوجه وكلام الشيخ تقي الدين يقتضي أنه اختياره وعن الشافعي كقول ابن حامد والتميمي مع النصب.
قوله: "وإن قال ذلك كله بالخفض قبل تفسيره بدون الدرهم".
وكذا قطع به في الكافي وغيره تقديره بعض درهم لاحتمال لفظه ذلك وهو قول الشافعي وقال القاضي في المجرد يلزمه درهم نقله بعضهم في كذا كذا درهم ولا يحضرني له وجه وقيل يلزمه درهم وبعض آخر مع التكرار بالواو وقال أبو حنيفة يلزمه درهم لأنها أقل عدد المفسر بواحد مخفوض وإن شئت قلت لأنها أقل عدد يضاف إلى الواحد وهذا متوجه وهو مقتضى ما اختاره الشيخ تقي الدين في المسائل قبلها وذكر الشيخ شمس الدين ابن عبد القوي أن هذا القول وقول أبي حنيفة في المسائل قبلها ذكر ابن جنى ذلك كله في بعض كتبه النحوية وابن معطى في فصوله وغيرهما وهو مذهب جماعة من الفقهاء منهم محمد بن الحسن قال وهو الأقيس ردا لما أشكل.
ـ
قوله: "وهذا كله عندي إذا كان يعرف العربية فإن لم يعرفها لزمه بذلك درهم في الجميع".
وجه قول الأصحاب رحمهم الله تعالى ما تقدم تسوية بين الجميع وصاحب المحرر يوافقهم في العالم بالعربية ويلزم الجاهل بها درهم في الجميع لأنه لا فرق عنده في ذلك ويقتضي عرفه ولغته درهم فلزمه وما زاد عليه مشكوك فيه أو يقال الأصل والظاهر عدمه فلم يلزمه وإذا كان لا بد لصاحب المحرر من مخالفة الأصحاب في ذلك فكان ينبغي أن يمشي على مقتضى العربية كما تقدم لا كما ذ كره الأصحاب ولعل هذا متوجه ولعل العامي يلزمه درهم في الجميع والعربي يلزمه مقتضى لسانه كما تقدم فصار هذا قولا آخر.
فرع
وإن قال له عندي كذا درهم بالوقف قبل تفسيره ببعض درهم في اختيار الشيخ موفق الدين وغيره لجواز إسقاط حركة الخفض للوقف فلا يلزمه زيادة مع الشك وقال القاضي يلزمه درهم ويتوجه موافقة الأول في العالم بالعربية وموافقة الثاني في الجاهل بها.
قوله: "وإذا قال له علي ألف رجع في تفسير جنسه إليه".
فإن فسره بجنس أو أجناس قبل منه لأن ذلك محتمل من غير مخالفة لظاهر فقبل.
قوله: "وإذا قال له على ألف ودرهم أو ألف ودينار أو ألف وثوب أو له دينار وألف أو ألف وخمسون درهما أو ألف وخمسمائة دينار".
فالألف من جنس ما ذكر معه نصره القاضي وأصحابه في كتب الخلاف
ـ
ونصره في المغني وقطع به ابن هبيرة عن أحمد في العطف لأن العرب تكتفي بتفسير أحد الشيئين عن الآخر قال الله تعالى: [25:18] {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا} وقال تعالى: [17:50] {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قال أبو الخطاب وغيره لأن حرف العطف يقتضي التساوي بين الشيئين كما تقتضي البينة ذلك في ظاهر الكلام فوجب حمله عليه ولأن المفسر يفسر جميع ما قبله كقوله تعالى: [23:38] {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ} وقال: [4:12] {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} مع مفسر لم يقم دليل على أنه من غير جنسه فكان المبهم جنس المفسر.
قال الأصحاب كما لو قال مائة وخمسون درهما ولعل مرادهم الحجة على قول التميمي لأن هذا الأصل متفق عليه ولهذا قال في المغني فإن قال له على تسعة وتسعون درهما فالجميع دراهم لا أعلم فيه خلافا وإن قال مائة وخمسون درهما فكذلك وخرج بعض أصحابنا وجها أنه لا يكون تفسيرا إلا لما يليه وهو قول بعض الشافعية وكذلك إن قال ألف وثلاثة دراهم أو خمسون وألف درهم أو ألف ومائة درهم أو مائة وألف درهم والصحيح ما ذكرنا انتهى كلامه وذكر في الكافي هذا الأصل مع حكايته احتمالا في ألف وخمسين درهما أو ألف وثلاثة دراهم ومراده والله أعلم ما تقدم.
وقال الشيخ تقي الدين بعد ذكر كلامه في الكافي كأنه فرق بين العدد الذي يلي المعطوف عليه وبين الذي لا يليه.
قوله: "وقيل يرجع في تفسيره إليه".
لأن العطف لا يقتضي التسوية بين المعطوفين في الجنس بدليل جواز قوله رأيت رجلا وحمارا ولأن الألف مبهم فرجع في تفسيره إليه كما لو لم يكن عطف صححه في المستوعب.
وقال التميمي يرجع إلى تفسيره مع العطف دون التمييز والإضافة.
__________
قوله: "وقال التميمي يرجع إلى تفسيره مع العطف دون التمييز والإضافة".
لما تقدم والفرق ما ذكره أبو الخطاب وغير واحد أن الدرهم هنا ذكر تفسيرا ولهذا لا تجب به زيادة على الألف وقال أبو حنيفة إن عطف عليه ما يثبت في الذمة كان من جنسه وإلا فلا.
وقال مالك والشافعي كقول التميمي في المعطوف وأما في المميز والمضاف فالإصطخري وابن خيران كالوجه الثاني وخالفهما غيرهما.
قال الشيخ تقي الدين بخلاف قوله ألف وكر حنطة فإن القاضي كأنه نفي الخلاف فيه عن جميعهم فالتميمي قد يقول هنا.
وقال أيضا قد يتوجه أن المقر إذا مات ولم يظهر شيئا جعل الجميع جنسا واحدا وإن ادعى أن الألف من غير جنس ما معه قبل منه مع يمينه لأنه إذا لم يدع خلاف ذلك فالظاهر أنه لم يفتقر إليهما إلا وهما جنس واحد بخلاف ما إذا فسره بعد ذلك انتهى كلامه وهو خلاف كلام الأصحاب.
فصل
قال في المغني وغيره فأما إن كان لم يفسره به مثل أن يعطف عدد المذكر على عدد المؤنث أو بالعكس ونحو ذلك ولا يكون أحدهما من جنس الآخر ويبقى المبهم على إبهامه كما لو قال على أربعة دراهم وعشر.
فصل
قال في المغني فعلى قول من لا يجعل المجمل من جنس المفسر لو قال بعتك هذا بمائة وخمسين درهما أو خمسة وعشرين درهما لا يصح وهو قول شاذ ضعيف لا يعول عليه انتهى كلامه وهو يؤيد ما تقدم.
وإذا قال له في هذا العبد شرك أو هو شريكي فيه أو هو شركة بيننا رجع في تفسير سهم الشريك إليه.
__________
فصل
وإن قال له على ألف إلا درهما أو ألف درهم سوى مائة فالجميع دراهم بناء على تلازم المستثنى والمستثنى منه فما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر ومتى علم أحد الطرفين علم أن الآخر من جنسه كما لو علم المستثنى منه.
قال في المغني وقد سلموه وقال التميمي وأبو الخطاب يرجع في تفسير الألف إليه وهو قول مالك والشافعي لأن الألف مبهم والدرهم لم يذكر تفسيرا له ولأنه يحتمل أنه أراد الاستثناء من غير الجنس وكلام بعضهم يقتضي أن الخلاف عندنا أنه هل يرجع إليه في تفسير المطلق سواء كان مستثنى أو مستثنى منه والتعليل يقتضيه فعلى هذا القول إن فسره بغير الجنس بطل الاستثناء على الراجح عندنا وعلى قول مالك والشافعي لا يبطل وقد تقدم ذلك.
ولعل صاحبالمحرر اختصر ذكر هذه المسألة لأنها تعرف من مسألة الاستثناء.
قوله: "وإذا قال له في هذا العبد شرك أو هو شريكي فيه أو هو شركة بيننا رجع في تفسير سهم الشريك إليه".
وقد يكون بينهما سواء نقله ابن عبد القوي وعزاه إلى الرعاية وهو قول أبي يوسف لأن الشركة تقتضي التسوية البيع وبدليل الوصية والوقف والمضاربة وبدليل قوله تعالى: [12:4] {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} .
ولنا أن أي جزء كان له منه فله فيه شركة فقبل تفسيره بما شاء كالمساوى وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازا ولا مخالفة للظاهر.
وأما مسألة البيع فلنا وجه بعدم الصحة للجهالة والمذهب الصحة حملا
وإن قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية.
وإن قال له على أكثر من مال فلان وفسره بأكثر منه قدرا أو بدونه وقال أردت كثرة نفعه لحله ونحوه قبل.
__________
لكلام المكلف على الصحة لأن معرفة قدر المبيع شرط بخلاف الإقرار فانه يصح بالمجهول وأما المضاربة ونحوها فالفرق أنه جعل المال لهما فيها على حد واحد ولا مزية لأحدهما على الآخر فتساويا فيه بخلاف الإقرار.
وبهذا يجاب عن الآية أو نقول استفيدت التسوية فيها من دليل آخر وأحسب أن هذا قولنا وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي.
قوله: "وإن قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية".
وجه الأول ما تقدم ولأنه العرف المعتاد فحمل الإطلاق عليه.
ووجه الثاني أن السهم عرف شرعي بدليل الوصية به فحمل الإطلاق عليه كما نقول في نذر رقبة مطلقة تحمل على الرقبة الشرعية وغير ذلك.
وينبغي أن يؤخذ من هذا أنه إذا تعارض في الإقرار حقيقة عرفية و حقيقة شرعية فأيهما يقدم فيه وجهان.
قوله: "وإن قال له علي أكثر من مال فلان وفسره بأكثر منه قدرا أو بدونه وقال أردت كثرة نفعه ونحوه قبل".
مع يمينه لأن ذلك محتمل ويمنع أن الظاهر بخلاف ذلك هذا قول أصحابنا والشافعي.
وقال في الكافي والأولى أنه يلزمه أكثر منه قدرا لأنه ظاهر اللفظ السابق إلى الفهم فلزمه كما لو أقر بدراهم لزمته ثلاثة ولم يقبل تفسيره بدونها مع احتماله.
وإن قال لمن ادعى عليه مبلغا لفلان على أكثر مما لك علي وقال أردت الاستهزاء فقيل يقبل منه وقيل لا يقبل فيلزم بتفسير حقهما.
وإذا قال له على ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية وإن قال له ما بين درهم إلى عشرة أو من درهم إلى عشرة لزمه تسعة وقيل عشرة وقيل ثمانية.
__________
واختار في المغني أنه إن فسره بدونه مع علمه بماله لا يقبل وإلا قبل ولو قال ما علمت لفلان أكثر من كذا وقامت البينة بأكثر منه لم يلزمه أكثر مما اعترف به لأن مبلغ المال حقيقة لا يعرف في الأكثر انتهى كلامه.
قوله: "وإن قال لمن ادعى عليه مبلغا لفلان على أكثر مما لك علي وقال أردت الاستهزاء فقيل يقبل وقيل لا يقبل ويلزم بتفسير حقهما".
وجه الأول احتمال إرادة حقك علي أكثر من حقه والحق لا يختص المال.
ووجه الثاني أن ظاهر اللفظ يدل على إقراره لهما بشيء من المال وأحدهما أكثر فيلزم بتفسيره لجهالته وهذا الراجح عند جماعة وهو أولي فلو ادعى عليه مبلغا فقال لك على أكثر من ذلك لم يلزمه أكثر منه ورجع إلى تفسيره عند القاضي لما تقدم ولاحتمال أنه أراد أكثر منه فلوسا أو حب حنطة وأفعل التفضيل إذا استعمل بمن فإنه يتصل بجنسه وغير جنسه كزيد أشجع من إخوته وزيد أشجع من الأسد بخلاف استعماله مضافا فإن حقه أن لا يضاف إلا إلى ما هو بعض وعند الشيخ موفق الدين لا يقبل منه إلا الأكثر منه قدرا لأن لفظه "أكثر" إنما تستعمل حقيقة في العدد أو في القدر وينصرف إلى جنس ما أضيف إليه أكثر.
قوله: "وإذا قال له على ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية".
لأن ذلك هو ما بينهما وكذا إن عرفهما بالألف واللام.
قوله: "وإن قال له علي ما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة وقيل عشرة وقيل ثمانية".
ـ
أما المسألة الأولى فوجه الخلاف فيها أنها في معنى المسألة الثانية عرفا فتعطى حكمها والأولى أن يقال فيها ما قطع به في الكافي وهو ثمانية لأنه المفهوم من هذا اللفظ وليس هنا ابتداء غاية وانتهاء الغاية فرع على ثبوت ابتدائها فكأنه قال ما بين كذا وبين كذا ولو كانت "إلى" هنا لانتهاء الغاية فما بعدها لا يدخل فيما قبلها على المذهب قال أبو الخطاب وهو الأشبه عندي وهو قول زفر وبعض الشافعية والذي نصره القاضي وغيره أنه يلزمه تسعة وهو قول أبي حنيفة وقال محمد ابن الحسن يلزمه عشرة قال القاضي وغيره والقولان جميعا يقتضي أن يكونا مذهبا لنا لأنه قد نص فيمن حلف لا كلمتك إلى العيد هل يدخل يوم العيد في يمينه أم يكون بدؤه على روايتين.
وأما المسألة الثانية فوجه القول الأول فيها وهو الراجح في المذهب وذكر بعضهم أنه المذهب أن "من" لابتداء الغاية وهو عدد والعدد لا بد له من أول يبني عليه وإلا لم يصح و"إلى" لانتهاء الغاية وما بعدها لا يدخل فيما قبلها في أكثر الاستعمال ولو كان دخولا مكتملا فالأصل عدم الزائد فلا يثبت مع الشك.
ووجه الثاني أنه أحد الطرفين فدخل كالآخر ولهذا يقال قرأت القرآن من أوله إلى آخره وذكر الشيخ تقي الدين أن قياس هذا الوجه أحد عشر لأنه واحد وعشرة والعطف يقتضي التغاير.
ووجه الثالث أنهما حدان فلا يدخل ما بينهما كقوله ما بين درهم وعشرة وقال الشيخ تقي الدين الذي ينبغي في هذه المسائل أن يجمع ما بين الطرفين من الأعداد فإذا قال من واحد إلى عشرة لزمه خمسة وخمسون إن أدخلنا الطرفين وخمسة وأربعون إن أدخلنا المبتدأ فقط وأربعة وأربعون إن
وإن قال ما بين عشرة إلى عشرين أو من عشرة إلى عشرين لزمه تسعة عشر على الأول وعشرون على الثاني وقياس الثالث تسعة.
__________
أخرجناهما وقوله: "ما بين درهم إلى عشرة" ليس بعرفي انتهى كلامه.
هذا المعنى ذكره الأصحاب في إن طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر بصيغة "إن" وكذا بصيغة "كلما" في وجه والمسألة مشهورة وأما هنا فيلزمه ذلك مع إرادته وطريق حسابه أن تزيد أول العدد وهو أحد على عشرة فيصير أحد عشرة ثم أضربهما في نصف العشرة فما بلغ فهو الجواب.
فصل
لو قال له ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط فكلامهم يقتضي أنها على الخلاف في التي قبلها وذكر القاضي أن الحائطين لا يدخلان في الإقرار وجعله محل وفاق في حجة زفر وفرق بأن العدد لا بد له من ابتداء يبنى عليه وذكر الشيخ تقي الدين كلام القاضي ولم يزد.
قوله: "فإن قال ما بين عشرة إلى عشرين أو من عشرة إلى عشرين لزمه تسعة عشر على الأول وعشرون على الثاني وقياس الثالث تسعة".
هذا تقرير واضح على الأوجه الثلاثة وذكر الشيخ تقي الدين أن قياس الثاني ثلاثون وهذا منه بناء على أنه يلزمه في التي قبلها أحد عشر.
فصل
فإن قال له على ما بين كر شعير إلى كر حنطة لزمه كر شعير وكر حنطة إلا قفيز حنطة على قياس المسألة قبلها ذكره القاضي وأصحابه وكذا صاحب المستوعب قال فان قلنا يلزمه تسعة فهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف
وإذا قال له على درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم أو فوقه أو تحته أو مع درهم أو له درهم بل درهم أودرهم لكن درهم أو درهم فدرهم لزمه درهمان.
__________
ومحمد يلزمه كر شعير وكر حنطة وقدمه في الرعاية الكبرى.
قال الشيخ تقي الدين هو قياس الثاني في الأول وكذلك هو عند القاضي.
ثم قال هذا اللفظ ليس بمعهود فإن قال له علي ما بين كر حنطة وكر شعير فالواجب تفاوت ما بين قيمتهما وهو قياس الوجه الثالث اختيار أبي محمد انتهى كلامه.
قوله: "وإذا قال له على درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم أو فوقه أو تحته درهم أو مع درهم".
قطع به غير واحد لأن اللفظ في هذه الصورة يجري مجرى العطف لاقتضائه ضم درهم آخر إلى المقر به فلزماه كالعطف والسياق واحد وهو في الإقرار فلا يقبل احتمال يخالفه لأنه خلاف الظاهر وقيل يلزمه درهم وهو قول القاضي لاحتمال إرادته فوق درهم في الجودة وكذا في باقي الصور فلا يجب الزائد مع الشك في دخوله في إقراره وللشافعي كالوجهين وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال فوق درهم لزمه درهمان وإن قال تحت درهم لزمه درهم لأن فوق تقتضي الزيادة بخلاف "تحت".
قال الشيخ تقي الدين بناء على أصله في الظروف أو لأن الفوق الزيادة بخلاف تحت ثم قال هذا في الظاهر قياس مسألة الظروف لكن فرق القاضي أن المقر به معين وهنا ادعاه أنه مطلق وقطع في الكافي وغيره أنه يلزمه في مع درهمان وحكى الوجهين في "فوق" و"تحت" وفيه نظر.
قوله: "أوله درهم بل درهم أو درهم لكن درهم أو درهم فدرهم لزمه درهمان".
وقيل درهم.
وإن قال درهم قبله أو بعده درهم.
__________
وهذا هو الراجح في المذهب وهو قول أبي حنيفة وقول الشافعي حملا لكلام المكلف على فائدة ولأن العطف يقتضي المغايرة وإضرابه عن الأول لا يسقطه فلزماه كدرهم ودرهم.
قوله: "وقيل درهم".
قال أحمد إذا قال أنت طالق لا بل أنت طالق لا تطلق إلا واحدة وهذا في معناه لأنه لم يقر بأكثر من درهم والأصل عدم وجوب الزيادة فلا يلزمه وذكر القاضي أنه يلزمه درهمان ثم ذكر وجها في "بل" أنه يلزمه درهم قال لأنه للاستدراك وهذا يقتضي التسوية بين "بل" و"لكن" بخلاف درهم فدرهم وهو معنى ما في الكافي وغيره لأنه ذكر في ألف فألف أنه يلزمه ألفان وقدم في درهم بل درهم أنه يلزمه درهم وسلم الشافعي في طالق فطالق أو طلقة فطلقة أنه يقع طلقتان وخرجها ابن حربان على قولين كالإقرار ولو قال درهم ودرهم أو ثم درهم فدرهمان ودرهم أو درهم لزمه واحد وذلك محل وفاق ذكره القاضي وغيره فإن كرر الدرهم ثلاث مرات مع عطف متفق أو بدون عطف لزمه ثلاثة وقيل درهمان وقيل مع إرادة التأكيد وقيل الخلاف دون حرف عطف ومعه إن أراد تأكيدا صدق وإلا فلا ومع مغايرة العطف يلزمه ثلاثة.
قوله: "وإن قال درهم قبله درهم أو بعده درهم".
لزمه درهمان لأن قبل وبعد تستعمل للتقديم والتأخير في الوجوب فحمل عليه ولأن هذا مقتضى العرف والعادة ولا معارض له فلزمه وقد عرف من هذا أنه لو قال درهم قبله درهم أو بعده درهم أنه يلزمه ثلاثة دراهم لأنه فرق بين قبله
أو درهم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان.
__________
درهم وبعده درهم وبين قبل درهم وبعد درهم وذكر في الرعاية الكبرى في درهم قبل درهم أو بعد درهم احتمالين كذا ذكروا.
قال ابن عبد القوي إنه لا يدري ما الفرق بين درهم قبله درهم بعده درهم في لزومه درهمين وجها واحدا وبين درهم فوق درهم ونحوه في لزومه درهما في أحد الوجهين لأن نسبة الزمان والمكان إلى مظروفيهما نسبة واحدة انتهى كلامه.
والمغايرة بين الأجناس كاتحادها ذكره في المغني وغيره.
قوله: "أو درهم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان".
أما المسألة الأولى فقطع به أكثرهم لأنه إنما نفى الاقتصار على واحد وأثبت الزيادة عليه فأشبه درهم بل أكثر فإنه لا يلزمه أكثر من اثنين وهذا قول الشافعي وغيره.
وذكر في الرعاية قولا أنه يجب ثلاثة.
وقال ابن عبد القوي وهو مقتضى درهم بل درهم وهو قول زفر وداود.
وفي كلام الأصحاب إشارة إلى الفرق بين هذه المسألة ودرهم بل درهم أن هذا عطف على وجه الخبر والاستدراك وذاك بخلافه فليتأمل.
وأما المسألة الثانية فلم أجد فيها خلافا ووجهه أنه أقر بشيء وإضرابه عن بعضه رجوع عن حق الغير فلا يقبل وفرق في المغني بين هذه المسألة والاستثناء أن الاستثناء لا ينفي شيئا أقر به وإنما هو عبارة عن الباقي بعد الاستثناء فإذا قال عشرة إلا درهما كان معناه تسعة بخلاف الإضراب وهذا الفرق إنما يتجه على قول تكرر في عبارته وهو أن الاستثناء ليس بإخراج وأن المستثنى مع المستثنى منه كمفرد كقول بعضهم فما على قول في كلامه وكلام
وإن قال له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة وإن قال له قفيز حنطة بل قفيز شعير أو درهم بل دينار لزماه معا.
__________
غيره وقد تقدم أنه إخراج فلا يتجه ولم أجد فرقا فيخرج على هذا أنه لا فرق بين الإخراج بإلا أو بل.
وقال الشيخ تقي الدين يحتمل أن يقبل منه الإضراب لأنه دعوى عطف يقع كثيرا فقبل منه كدعوى العطف في الإقرار برأس المال في المرابحة وبالربح في المضاربة يعني على رواية.
ومقتضى كلامه قبول دعوى العطف مطلقا كالأصلين والفرق بين الأصلين في رواية وبين الإقرار أن المقر ليس بأمين للمقر له ولا دخل معه في شيء يقتضي أنه أمين ليقبل قوله عليه بخلاف الأصلين.
قوله: "وإن قال له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة وإن قال قفيز حنطة بل قفيز شعير أو درهم بل دينار لزماه معا".
قطع به أكثر الأصحاب وتقدم وجهه في المسألة قبلها والفرق بين هذه وبين درهم بل درهم أو درهمان أن الأول يحتمل أن يكون هو الثاني أو بعضه بخلاف مسألتنا وتقدم كلام الشيخ تقي الدين قال بعد كلامه الأول أسقط ما أقر به وأثبت أكثر منه بكلام منتظم فكان أولى بالقبول من قوله على ألف قضيتها انتهى كلامه.
ومقتضاه قبول دعواه مع الاتصال فقط كمسألة الأصل.
فقد ظهر من هذا أو مما قبله أنه هل يقال لا يقبل الإضراب مطلقا وهو المذهب أو يقبل مطلقا أو يقبل مع الاتصال فقط أو يقبل مع الاتصال إضرابه عن البعض فيه أقوال وقول خامس وهو ما حكاه في المستوعب أنه يقبل مع تغاير الجنس لا مع اتحاده لأن انتقاله إلى جنس آخر قرينة في صدقه وأنه هو الذي عليه.
وإن قال له على درهم أو دينار لزمه أحدهما وألزم بتعيينه وإن قال درهم في دينار لزمه درهم.
__________
فعلى هذا يلزمه الدراهم الثلاثة في المسألة الأولى ويلزم في الثانية قفيز شعير أو دينار ولم يذكر صاحب المستوعب هذا القول إلا في مثل القفيز وقطع به في درهم بل دينار ويلزمهما ولا فرق بينهما في القطع والإلحاق وإنما صاحب المستوعب اقتصر.
قوله: "وإن قال له على درهم أو دينار لزمه أحدهما وألزم بتعيينه".
لأن "أو" في الخبر للشك في نسبة الحكم إلى أحد المذكورين فيلزمه حدهما ويعينه لإيهامه كما لو قال له علي شيء ولو قال درهم أو درهمان فقد تقدم أنه يلزمه درهم وينبغي أن يقال والباقي مشكوك فيه فيسأل عنه ويؤخذ به وإما بكسر الهمزة مثل "أو" وقد قال ابن عبد القوي في إما وقد قيل بل ألزمه حتما بما ابتدأ وأراد ما ذكره الشيخ موفق الدين في له على إما درهم وإما درهمان كان مقرا بدرهم والثاني مشكوك فيه فلا يلزمه بالشك وأخذه من هذا القول الذي ذكره فيه نظر ظاهر وكلام الشيخ موفق الدين لا ينافي ما ذكره غيره والله تعالى أعلم.
قوله: "وإن قال درهم في دينار لزمه درهم".
لأنه أقر بدرهم دون دينار ولا يحتمل الحساب فإن قال أردت العطف أو معنى مع لزمه الدرهم والدينار ذكره في المغني وغيره وهو واضح في إرادته معنى مع لاستعمال في بمعناها وفيه نظر في الزيادة والعطف وجعل ابن حامد الزيادة بمعنى مع كإرادة معناها في درهم في عشرة على ما يأتي.
قالوا وإن قال أسلمته درهما في دينار فصدقه المقر له بطل الإقرار فإن سلم
وإن قال درهم في عشرة لزمه درهم إلا أن يريد الحساب أو الجمع فيلزمه ذلك وإن قال له عندي تمر في جراب أو سيف في قراب أو ثوب في منديل أو جراب فيه تمر أو قراب فيه سيف أو منديل فيها ثوب
__________
أحد النقدين في الآخر لا يصح وإن كذبه فالقول قول المقر له لأن المقر وصل إقراره بما يسقطه فلزمه درهم وبطل قوله: "في دينار".
وكذلك إن قال درهم في ثوب وفسره بالسلم أو قال في ثوب اشتريته منه إلى سنة فصدقه بطل إقراره لأنه إن كان بعد التفرق بطل السلم وسقط الثمن وإن كان قبل التفرق فالمقر بالخيار بين الفسخ والإمضاء وإن كذبه المقر له فالقول قوله مع يمينه وله الدرهم.
قوله: "وإن قال درهم في عشرة لزمه درهم".
لاحتمال الزيادة في عشرة لي كما لو قال في عشرة لي وظاهره أنه يلزمه درهم ولو خالف مقتضى عرفه وهو أحد الوجهين والثاني يلزمه مقتضى العرف.
قوله: "إلا أن يريد الحساب أو الجمع فيلزمه ذلك".
إما إذا أراد الحساب فإن كان من أهله لزمه عشرة وإن لم يكن من أهله فظاهر كلامه أنه كذلك وينبغي أن يقال هذا على أحد الوجهين والثاني يلزمه مقتضى عرف العوام واصطلاحهم وأما إذا أراد مع عشرة فإن كان عاميا لزمه أحد عشر وإن كان حاسبا فمن الأصحاب من ذكر احتمالين ومنهم من ذكر وجهين أحدهما يلزمه أحد عشر لأنه لا يمتنع استعماله لاصطلاح العامة ولأنه نوى ما يحتمله في حق عليه فيقبل والثاني عشرة عملا بالظاهر وهو استعمال اللفظ بمعناه في اصطلاحهم.
قوله: "وإذا قال له عندي تمر في جراب أو سيف في قراب أو ثوب في منديل أو جراب فيه تمر أو قراب فيه سيف أو منديل فيها ثوب.
أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل هو مقر بالثاني على وجهين.
__________
أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل هو مقر بالثاني على وجهين".
وكذا درهم في كيس أو صندوق أو كيس أو صندوق فيه دراهم وزيت في زق وفص في خاتم.
أحد الوجهين لا يكون مقرا بالثاني وهو مذهب مالك لأن إقراره لم يتناول الظرف ويحتمل أن يكون في ظرف المقر فلا يلزمه مع الشك.
الثاني يكون مقرا بالجميع لأنه ذكره في سياق الإقرار أشبه المظروف واختيار الشيخ موفق الدين لزوم العمامة والسرج لأن يد العبد على عمامته ويده ليد سيده والظاهر أن سرج الدابة لصاحبها ولهذا لو تنازع رجلان سرجا على دابة أحدهما كان لصاحبها فهو كعمامة العبد ومذهب الشافعي لا يكون مقرا بالثاني ويلزمه عمامة العبد لا سرج الدابة لأنه لا يد للدابة وحكاه بعض أصحابنا قولا لنا وقيل في الكل خلاف الظرف والمظروف وهذا غريب وقيل إن قدم المظروف فهو مقربه وحده وإن أخره فهو مقر بظرفه وحده واختار ابن حامد الوجه الأول ونصره القاضي وتبعه أصحابه ونصبوا الخلاف مع أبي حنيفة واحتج القاضي بأنه أقر بشيء في محله فوجب أن يكون إقرارا بالشيء دون المحل كما لو قال غصبتك دابة في اصطبل أو نخلة في بستان واحتج أبو حنيفة بأن المنديل في الثوب في العادة فقال القاضي ليس يتبع الثوب ألا تراه لو باع الثوب لم تدخل المنديل تبعا له واحتج أبو حنيفة بما لو قال غصبته دابة بسرجها فإنه يلزمه السرج وكذلك إذا قال ثوب بلفافة فقال القاضي لا نسلم لك هذا بل يكون إقرارا بالدابة دون السرج.
ـ
وقال الشيخ تقي الدين الواجب أن يفرق بين ما يتصل أحدهما بالآخر عادة كالقراب في السيف والخاتم في الفص فانه إقرار بهما وكذلك الزيت في الزق والتمر في الجراب فإن ذلك لا يتناول نفس الظرف إلا نوعا هذا كلامه.
فصل
ومن صور الخلاف إذا قال غصبته ثوبا في منديل أو زيتا في زق ونحو ذلك ومن العجب حكاية بعض المتأخرين أنهما يلزمانه وأنه محل وفاق ودليل ذلك ما تقدم واختار التفرقة بين المسألتين الشيخ تقي الدين فإنه قال فرق بين أن يقول غصبته أو أخذت مه ثوبا في منديل أو يقول له عندي ثوب في منديل فإن الأول يقتضي أن يكون موصوفا بكونه في المنديل وقت الأخذ وهذا لا يكون إلا وكلاهما مغصوب بخلاف قوله له عندي فإنه يقتضي أن يكون فيه وقت الإقرار وهذا لا يوجب كونه له انتهى كلامه وهذا المعنى ذكره الشيخ موفق الدين أنه قول أبي حنيفة.
فصل
وإن قال له عندي عبد بعمامة أو بعمامته أو دابة بسرج أو سرجها أو سيف بقراب أو قرابة أو دار بفرشها أو سفرة بطعامها أو سرج مفضض أو ثوب مطرز لزمه ما ذكره قطع به غير واحد.
وقال في المغني في بعض ذلك بغير خلاف لأن الباء تعلق الثاني بالأول لأنهما في موضع الحال من المعرفة والصفة من النكرة وهما مفيدان لمتبوعهما في الحكم ولهذا لو قال إن خرج زيد بعشيرته فأعطه درهما فخرج وحده لم يستحق شيئا ولأن اسم السرج والثوب يجمعهما وهذا بخلاف له عندي دار
وإن قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما والله أعلم.
آخر الكتاب وهو المحرر في الفقه.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
مفروشة أو دابة مسرجة فإن فيه الوجهين ذكره بعضهم وأظنه الشيخ موفق الدين.
وذكر في الرعاية الكبرى أنه إذا قال له في يدي دار مفروشة أنه لا يكون مقرا بالفرش وقد تقدم كلام القاضي في دابة بسرجها ونحو ذلك مع أن في المغني قال فيه بغير خلاف.
قوله: "وإن قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما".
لأن الفص جزء من الخاتم لا ينفك عنه غالبا فهو كقوله له على ثوب فيه علم وذكر في الكافي فيه الوجهين وفي غيره ويحتمل أن يخرج على الوجهين.
قال بعضهم وهو بعيد وإن قال له خاتم وأطلق لزمه الخاتم بفصه لأن اسم الخاتم يجمعهما ذكره الشيخ موفق الدين وغيره.
وقال في الرعاية الكبرى إن جاءه بخاتم بفص وقال ما أردت الفص احتمل وجهين.
_________
مكتوب في الأصل المنقول منه بخط الشيخ الإمام العلامة تقي الدين الجراعي أيده الله تعالى وأبقى حياته.
هذا آخر ما وجد من هذه النسخة لكن فيها غلط كثير وزيادة ونقص.
ولقد اجتهدت في تحريرها حسب الإمكان والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكان الفراغ من طبعه بمطبعة السنة المحمدية في غرة ذي الحجة من سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف من هجرة عبد الله ورسوله محمد خاتم المرسلين وإمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وكان تصحيحه جهد الطاقة على الأصل المخطوط وبمراجعة الأصول المعتمدة في مذهب الإمام أحمد كالمغني وكشاف القناع والمنتهى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________
ووافق الفراغ من كتابة هذه النسخة في يوم تاسع عشرين من شعبان المكرم من سنة ثلاث وستين وثمانمائة على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إلى مغفرته أحمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن الشهير بابن زريق المقدسي الحنبلي غفر الله تعالى له ولوالديه ولمن دعا له بالتوبة والمغفرة والعتق من النار آمين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل وعلى آله وصحبه أجمعين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
_________
ما وجد في هذه النسخة مخالفا للمنقول منها التي هي بخط الشيخ تقي الدين المذكور أعلاه أبقاه الله تعالى فإن كان في كلام الشيخ تقي الدين فهو إما من شرح المحرر له وإما من نكت ابن شيخ السلامية على المحرر وإن كان في التعليل فهو من المغني أو من مجمع البحرين لابن عبد القوي أو من الرعاية فليعم ذلك والحمد لله وحده.
وكان الفراغ من طبعه بمطبعة السنة المحمدية في غرة شهر ذي الحجة من شهور سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بذلنا في تصحيحه أقصى المستطاع مع الاستعانة بكتب المغني وكشاف القناع ومنتهى الإرادات وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد له وحده وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد وعلى إخوانه المرسلين وآلهم أجمعين.