كتاب : المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
المؤلف : عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد، ابن تيمية
الحراني
بسم الله الرحمن الرحيمقال الشيخ الإمام العالم العلامة مفتي المذاهب رحلة الطلاب نسيج وحده وفريد عصره شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم أبي المفاخر مفلح بن مفرج المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وكان قد صنف هذا الكتاب قبل سنة أربعين وسبعمائة وتوفي ليلة يسفر صباحها عن يوم الخميس ثاني رجب الفرد سنة ثلاث وستين وسبعمائة وله تصانيف باهرة في فنون مشهورة وهذا الكتاب اسمه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر للشيخ مجد الدين بن تيمية تغمده الله برحمته.
كتاب الطهارة
باب المياه
كتاب الطهارة
باب المياهالماء المطهر من الأحداث والأنجاس هو المطلق الباقي على أصل خلقته فإن خالطه طاهر يمكن صونه عنه فغيره زالت طهوريته وعنه لا تزول إلا أن يطبخ فيه أو يغلب على أجزائه واختار الخرقي العفو عن يسير الرائحة خاصة فإن غيره مالا يمازجه كالدهن وقطع الكافور فعلى وجهين ولا بأس بما تغير بمقره أو بملح مائي يكون كطحلب وورق الشجر ونحوهما مما يشق صونه عنه فإن وضعا فيه قصدا زال تطهيره ولا يكره المشمس ولا المسخن بطاهر إلا إذا اشتد حره وفي كراهية المسخن بالنجاسة روايتان.
فإذا استعمل مادون القلتين في رفع حدث فهو طاهر غير مطهر وعنه أنه مطهر وعنه أنه نجس.
فأما المستعمل في طهر مستحب وكماء غمس قائم من نوم الليل يده فيه قبل غسلها ثلاثا فمطهر وعنه ليس بمطهر ولا يرتفع حدث الرجل بماء خلت بالطهارة منه امرأة وعنه ترتفع وله إزالة النجاسة به في أصح الوجهين.
وإذا لاقت نجاسة قلتي ماء فصاعدا ولم تغيره لم ينجس وعنه ينجس بالبول والعذرة الرطبة من الآدمي خاصة إلا ما يشق نزحه لكثرته وما دون القلتين ينجس بملاقاة النجاسة وعنه لا ينجس حتى يتغير كالقلتين وهما خمسمائة رطل بالعراقي تقريبا وقيل: عنه تحديدا وعنه أنهما أربعمائة وما نجس بالتغير لم يطهر إلا بزواله إما بنفسه أو بإضافة قلتين إليه أو بنزح يبقى بعده
قلتان ولا يطهر مادون القلتين إلا بإضافة قلتين إليه مع زوال تغيره ويتخرج التطهير بإضافة مادون القلتين فيهما.
__________
كتاب الطهارة
قوله في المحرر: "ويتخرج التطهير بإضافة ما دون القلتين فيهما" يعنى إذا كان الماء النجس قليلا أو كثيرا فأضيف المطهر إلى كثير نجس فأكثر الأصحاب على أنه لا يطهر وذكر بعضهم تحريجا وبعضهم وجها وبعضهم في بعض مصنفاته وجها وفي بعضها تخريجا وأيا ما كان فأصله مسألة زوال التغير بنفسه وقطع في المستوعب بهذا القول وعلله بأنه لو زال بطول المكث طهر فأولى أن يطهر بزواله بمخالطته لما دون القلتين فخالف في هذه الصورة أكثر الأصحاب كما أنه قطع في الصورة الثانية بما قطع به أكثر الأصحاب في أنه لا يطهر وإن أضيف القليل المطهر إلى قليل نجس وبلغ المجموع قلتين فأكثر الأصحاب أو كثير منهم لم يحك في هذه الصورة خلافا في أنه لا يطهر وأظن منهم الشيخ مجد الدين صاحب المحرر في شرح الهداية وذكر بعضهم لما حال1 وقوع النجاسة في الصورة الأولى فقد حكى في عموم خبر القلتين بخلاف هذه الصورة وجها وبعضهم تخريجا أنه يطهر إلحاقا وجعلا لكثير بالانضمام كالكثير من غير انضمام وحرروه قياسا فقالوا لأنه ماء كثير غير متغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو وقعت فيه ابتداء وهو كثير ولم تغيره أو زال تغيره بنفسه واحتجوا بخبر القلتين وعلى هذا قد يخرج طهارة قلة نجسة إلى مثلها وقد يفرق بينهما وأظن بعض الأصحاب صرح به والذي نص عليه الإمام أحمد رحمه الله أنه لا تطهر قله نجسة إلى مثلها وذكر في الكافي تخريج طهارة قلة نجسة إلى مثلها.
__________
1- كذا في الأصل . ولعل الصواب "كحال".
ـ
قال لما ذكرناه وإنما ذكر الخلاف في القليل المطهر إذا أضيف إلى كثير نجس وهذا فيه نظر واحتج الأصحاب للراجح في المذهب والجواب عن خبر القلتين والاحتجاج به هنا يطول ذكره فليطلب في كلامهم فأما إن لم يبلغ المجموع قلتين فهو نجس وكذا في المحرر فيه إطلاق فإن كان مراده وبلغ المجموع قلتين وردت هذه الصورة على كلامه وإن كان مراده أن التخريج يجري في هذه الصورة أيضا فقال بعضهم يكون التخريج من رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير وفيه نظر لأن التفريع إنما هو على المذهب فأما على رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير فلا إشكال والقليل كالكثير فتطهيره بزوال تغيره على أي وجه كان وإضافة ماء إليه قل أو كثر.
ويحتمل أن يكون المراد أن الماء مطهر للماء النجس وإن لم يبلغ هذا القدر المخصوص إذا غمره لأنه عين للماء أثر في تطهيرها فأثر وإن لم يبلغ القدر المخصوص كسائر المحال وهذا للماء طهر المحل وأزال النجاسة من غير انفصال فيكون حكمه حكم ما انفصل غير متغير بعد زوال النجاسة لا فارق بينهما إلا الانفصال ولا أثر له هنا لعدم اعتباره كما نقول في الماء الكثير أو في نجاسة الأرض فإنه لا يعتبر في تطهيرها الانفصال.
وقولهم "ماء لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى" إن أرادوا:
باب تطهير موارد الأنجاس
باب تطهير موارد الأنجاس
إذا أصابت نجاسة الكلب أو الخنزير غير الأرض وجب غسله سبعا واحدة بتراب وهل يقوم الأشنان ونحوه أو الغسلة الثامنة؟ على وجهين1.فأما بقية النجاسات فعنه تغسل سبعا وفي استيراد التراب وجهان وعنه: تغسل ثلاثا وعنه لا يحسب العدد.
__________
1- بهامش الأصل: أحدهما: يقوم الأشنان ونحوه مقامة . ولا تقوم الغسلة الثامنة مقامة وهو المذهب .
باب الآنية
باب الآنية
يحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة واستعمالها وعنه يجوز اتخاذها وفي صحة الطهارة منها [وجهان أحدهما: تصح وهو المذهب] وكل إناء طاهر من غيرهما فمباح وإن كان ثمينا وما ضبب بذهب أو فضة فحرام إلا يسيرة الفضة لحاجة كشعبة قدح ونحوها فأما يسيرها لغير حاجة فعلى وجهين أحدهما لغير الحاجة حرام وهو المذهب.ولا بأس باستعمال آنية الكفار وثيابهم ما لم يتيقن نجاستها وعنه الكراهة وعنه المنع فيما ولي عوراتهم كالسراويل ونحوها حتى يغسل دون ما علا وعنه المنع في الأواني والثياب ممن لا تباح ذبيحته كالمجوس ونحوهم ولا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة ونحوها.
وإذا اشتبه طهور بنجس تيمم ولم يتحر وهل يلزمه إعدام الطهور بخلط أو إراقة أم لا على روايتين [إحداهما: لا يلزمه وهو المذهب] وقيل: يتحرى إذا كانت أواني الطهور أكثر وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ بكل واحد منهما ثم صلى.
__________
قوله : "وإن اشتبه طاهر بطهور توضأ بكل واحد منهما ثم صلى"
ـ
كذا عبر جماعة من الأصحاب وتبعهم وكذا تبعهم في مسألة اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة وهذا الإطلاق يقتضي أن الحكم كذلك مع القدرة على استعمال ماء طهور بيقين أو ثوب طاهر وليس كذلك عنده على ما ذكره في شرح الهداية وكذا لم أجد أحدا من الأصحاب صرح بالقول بمقتضى هذا الإطلاق.
ووجه عدم القول به أما في مسألة الثياب فلعدم الجزم بالنية من غير حاجة وأما مسألة الوضوء من الطاهر والطهور عند الاشتباه مع القدرة على استعمال طهور غير مشتبه فإن توضأ وضوءين لم يصح لما تقدم وهو إخلاله بالجزم بالنية من غير حاجة وإن كان1 وضوءا واحدا غرفة من هذا وغرفة من هذا لكل وضوء إلى كمال الطهارة صح لجزمه بالنية.
وتشاغله في خلال الطهارة بما ليس منها بشيء يسير لا يطول الفصل به ولا يؤثر.
__________
1 كذا بالأصل . ولعله "وإن توضأ ".
باب الاستطابة والحدث
باب الاستطابة والحدث
يحرم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلي في الفضاء دون البنيان وعنه المنع فيهما ويقدم رجله اليسرى في دخوله الخلاء ويقول بسم الله أعوذ بالله__________
قوله : "يحرم استقبال القبلة ثم ذكر بعد هذا أنه لا يفعل كذا ولا كذا" قد يقال فيه إشعار بأن هذه الأمور غير محرمة لأنه لو أراد التحريم ثم صرح1 به ولو أوضح حكم ذلك بالتحريم أو الكراهة كان أجود.
وبيان ذلك أما استصحاب ما فيه ذكر الله تعالى فمكروه صرح به المصنف في شرح الهداية وغيره وعن الإمام أحمد لا يكره ذكرها الشريف وقطع في المستوعب بأن إزالة ذلك أفضل وهذا قول ثالث ولعله أقرب.
وأما قوله : "ولا يتكلم" فكذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة,
__________
1- كذا بالأصل. ولعله " لصرح به".
من الخبث والخبائث ولا يصحبه ما فيه اسم الله إلا من عذر ويعتمد على رجله اليسرى ولا يتكلم ولا يمكث فوق الحاجة فإذا فرغ مسح ذكره ونثره ثلاثا فإذا خرج قدم رجله اليمنى ثم قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ويبعد في الفضاء ويستتر ويطلب مكانا رخوا ولا يستقبل الشمس ولا القمر ولا يبول في شق ولا سرب،
__________
ولم أجد أحدا منهم ذكر التحريم مع أن دليلهم يقتضيه وعن الإمام أحمد ما يدل عليه قال صالح سألت أبي عن الكلام في الخلاء قال يكره وقال إسحاق بن إبراهيم سألت أحمد عن الكلام في الخلاء قال لا ينبغي له أن يتكلم.
قوله : "ولا يمكث فوق الحاجة" كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة وهذه المسألة هي مسألة كشف العورة خلوة لغير حاجة وفيها ثلاث روايات التحريم والكراهة والجواز لكن هنا يتعين نفي الجواز لأمر اختص به هذا الموضع وبه يعرف قوة الكراهة أو التحريم.
قوله : "ولا يستقبل الشمس ولا القمر" كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة ولم يذكر بعضهم هذه المسألة مع شهرتها فلعله لم يرها والكراهة تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ولكن شرقوا أو غربوا " يدل على عدمها وقطع أبو الفرج الشيرازي المقدسي في كتابه الإيضاح بالتحريم.
قوله : "ولا يبول في شق ولا سرب" كذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة ولا فرق بين أن يكون فم بالوعة أو غيرها صرح به الأزجي في النهاية وفي الرعاية.
باب السواك وأعواده
باب السواك وأعواده
السواك سنة في جميع الأوقات وهي مؤكدة للمتوضئ في المضمضة والقائم من النوم أو إلى الصلاة ولمن تغير فمه بمأكول أو غيره.ويستاك عرضا بعود أراك أو زيتون أو عرجون لا يجرح الفم ولا يتفتت
باب صفة الوضوء
باب صفة الوضوء
وفروضه: ثمانيةأحدها : النية بأن يقصد رفع الحدث أو استباحة أمر تجب له الطهارة ويجب تقديمها على سائر الفروض.
الفرض الثاني : التسمية وعنه أنها سنة وعنه تجب مع الذكر وتسقط بالسهو ويسن عقيبها غسل يديه ثلاثا ويتأكد استحباب غسلهما من نوم الليل وعنه يجب.
الثالث : غسل الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا وما بين الأذنين عرضا والفم والأنف منه وتجب المضمضة والاستنشاق [وعنه أنهما سنة وعنه يجب الاستنشاق وحده].
والسنة: تقديمها على ظاهر الوجه والمبالغة فيهما إلا للصائم ويجب غسل المسترسل من اللحية ويسن غسل باطن الشعور إلا أن تصف البشرة فيجب ولا يسن غسل داخل العينين وقيل: يسن إذا أمن الضرر.
الرابع : غسل يديه مع مرفقيه فإن قطعت يده من مفصل المرفق وجب غسل رأس المرفق الباقي وقيل: يسقط.
باب المسح على الخفين وغيرهما
باب المسح على الخفين وغيرهما
ومن لبس خفين أو عمامة على طهر كامل فله المسح يوما وليلة في الحضر وثلاثة أيام ولياليهن في سفر القصر فإن أدخل إحدى رجليه في الخف قبل غسل الأخرى أو لبس العمامة قبل غسل رجليه لم يجز المسح حتى يخلع ما لبسه قبل تمام طهره فيلبسه بعده وعنه أنه يجوز.وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس وعنه من المسح بعد الحدث ومن أحدث مقيما فلم يمسح حتى سافر أتم مسح مسافر وإن مسح مسافرا ثم أقام أتم مسح مقيم إلا أن يكون قد جاوزه فيخلع وإن مسح مقيما ثم سافر فعلى روايتين ويمسح على ما يستر محل الفرض ويثبت بنفسه من جورب وجرموق ونحوه فإن كان واسعا يسقط من قدمه أو يبدو منه شيء لخرق أو غيره لم يجز المسح عليه وإن لبس تحته صحيحا فإن ثبت الجور بان بنعلين.
فله المسح ما لم يخلع النعلين ولا يمسح على اللفائف ولا على خفين ملبوسين على خفين ممسوحين ويجوز مسح أكثر الخف والسنة أن يمر يده من أصابعه إلى ساقه ولا يسن مسح أسفله ولا يجزئ الاقتصار عليه ويجزئ مسح أكثر العمامة وقيل: يجب استيعابها ويشترط أن تكون محنكة تستر كل الرأس إلا ما العادة كشفه فإن كانت بذؤابة ولا حنك لها فعلى وجهين وإذا ظهر قدمه أو رأسه أو مضت المدة استأنف الوضوء وعنه يجزئه مسح رأسه وغسل رجليه.
والمرأة كالرجل في مسح الخفين وفي مسحها على الخمار روايتان ومن شد جبيرة طاهرا ولم يتعد قدر الحاجة مسحها في الطهارتين إلى أن يحلها فإن كان محدثا فهل له المسح على روايتين.
باب نواقض الوضوء
باب نواقض الوضوء
وهي ثمانيةأحدها : الخارج من السبيلين وإن قل.
الثاني : خروج النجاسة الفاحشة في نفوس متوسطي الناس من بقية البدن وفي يسيرها روايتان إلا يسير البول والغائط فانه كالكثير.
الثالث : زوال العقل إلا بنوم يسير من قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد وعنه ينقض اليسير إلا من الجالس والقائم وعنه ينقض إلا من الجالس.
الرابع : لمس الرجل المرأة أو المرأة الرجل لشهوة فينقض وضوء اللامس
__________
قوله : "الرابع: لمس الرجل للمرأة المرأة للرجل بشهوة فينفض وضوء اللامس وفي الملموس روايتان" أطلق الخلاف ومراده مع الشهوة من
وفي الملموس روايتان وعنه ينقض اللمس وإن لم يكن لشهوة وعنه لا ينقض بحال ومس الشعر والظفر والسن والأمرد لا ينقض.
الخامس : مس فرج الآدمي قبلا كان أو دبرا من رجل أو امرأة ببطن الكف أو ظهره ولا ينقض مسه بذراعه وعنه ينقض وفي مس الذكر المقطوع المنفصل وجهان وعنه لا ينقض مس الفرج بحال ومس فرجى الخنثى المشكل ينقض ومس أحدهما لا ينقض إلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة أو المرأة قبله لشهوة.
__________
الملموس لأنه فرع على ما قدمه وهو ظاهر المذهب فإن قيل باعتبار الشهوة من اللامس فهل يلحق الملموس به مع الشهوة فيه روايتان وإن قيل لا تعتبر الشهوة من اللامس لم تعتبر في الملموس وفي إلحاقه به الروايتان ولهذا قال القاضي أبو الحسنين الملموس هل ينتقض وضوءه في الموضع الذي ينتقض فيه وضوء اللامس على روايتين وعن الشافعي كالروايتين انتهى كلامه.
أما اعتبار الشهوة من اللامس وعدم اعتبارها من الملموس فلا وجه له لأن غاية حكم الملموس أن يساوي حكم اللامس لأنه فرعه وغاية الفرع مساواته لأصله ولهذا صحح جماعة عدم نقض وضوءه الملموس مطلقا وإن قلنا ينقض وضوء اللامس منهم المصنف في شرح الهداية والأزجي في النهاية وذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين ولم أجد أحدا صحح خلاف هذا غير ابن عقيل ومذهب مالك اعتبار الشهوة من الملموس كاللامس فإن وجدت لزمه الوضوء وإلا فلا.
قال المصنف: ويجب أن تحمل رواية النقض عندنا على ذلك.
قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: إذا قلنا بالنقض اعتبرنا الشهوة في المشهور1 كما نعتبرها في اللامس حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس ولا ينتقض إذا لم توجد فيه وإن وجدت في اللامس انتهى كلامه.
__________
1- كذا بالأصل. ولعله "الملموس".
السادس : أكل لحم الجزور وفي شرب ألبانها روايتان وفي كبدها وسنامها وجهان [المعتمد لا ينقض] وعنه لا ينقض لحمها أيضا.
السابع : غسل الميت نص عليه وقال أبو الحسن التميمي لا ينقض.
الثامن : الردة فظاهر قول أبي الخطاب أنها لا تنقض.
ومن كان متطهرا فشك في الحدث أو بالعكس: بنى على اليقين فإن تيقنهما وشك في السابق منهما كان على عكس حالة قبلهما إلا أن يتيقن فعليهما فيكون على مثل حاله قبلهما.
__________
وقول ابن تميم "ولم يعتبر أصحابنا الشهوة في الملموس" هذا يجب أن يكون اكتفاء منهم ببيان حكم اللامس وأن الشهوة معتبرة منه وأن من الواضح أن حكم الملموس مفرع عليه لا أنها تعتبر منه وإن اعتبرت من اللامس ولم أجد أحدا صرح بهذا ويؤخذ من كلامه أن الممسوس فرجه لا ينتقض وضوءه رواية واحدة وصرح به غير واحد وهو مذهب مالك والشافعي مع أن مذهبهما نقض وضوء الملموس كاللامس على أصلهما لأن الملامسة تقتضي المشاركة إلا ما خرج بدليل وهنا ورد بلفظ المس والممسوس لم يمس.
ومن أصحابنا من ذكر في الممسوس فرجه وجهين ومنهم من ذكر روايتين وذكر القاضي في شرحه أن مس المرأة لفرج الرجل أو الرجل لفرج المرأة هل هو من قبيل مس النساء أو من قبيل مس الفرج على وجهين والأظهر أنه ينتقض وضوء الماس منهما لفرج الآخر وإن لم يكن بشهوة والممسوس فرجه لا ينتقض وضوءه في ظاهر المذهب إلا أن يكون عليه شهوة ففيه الروايتان.
قوله : "فإن تيقنهما وشك في السابق منهما كان على عكس حاله قبلهما إلا أن يتيقين أسبق فعليهما فيكون على مثل حاله قبلهما هكذا ذكر الأصحاب
ويحرم على المحدث مس المصحف وفي حمله بعلاقته أو في غلافه وتصفحه بكمه أو عود ونحوه وحمل الدراهم المكتوب عليهما القرآن روايتان [المعتمد الجواز].
__________
قبله هاتين المسألتين وتبعهم وتكلم عليهما في شرح الهداية كلاما حسنا وهذا كلامه أو معناه:
أما المسألة الأولى فصورتها: أن يتيقين أنه على طهارة في وقت وزنه أنه محدث في وقت آخر ولا يتيقن ابتدائها فإنه يكون على خلاف حاله قبلهما لأن الحالة السابقة زالت يقينا لمخالفتهما من الحالين المشكوك فيهما وأما الموافقة لها فيحتمل أن تكون هي بعينها وقد استمرت إلى أن زالت بالمخالفة ويحتمل أنه بعد المخالفة بسبب متجدد فحينئذ لا نزيل يقين الحالة المخالفة بأمر مشكوك فيه.
مثاله إذا قال: أتحقق أني بعد الزوال مرة محدثا ومرة متطهرا ولا أعلم السابق منهما إلى حالة قبل الزوال فإن كان متطهرا فهو الآن محدث لأن تلك الطهارة المتيقنة قبل الزوال زالت بيقين الحدث بعد الزوال وأما الطهارة المتيقنة بعد الزوال فجائز أن تكون هي السابقة وقد استمرت إلى ما بعد الزوال وجائز أن تكون طهارة مستأنفة فلا نزيل يقين الحدث بالشك.
وإن قال: كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن متطهر لماسبق من الاستدلال.
وهذا كما لو علمنا لزيد على عمرو ألف درهم فأقام عمرو بينه بالأداء أو الإبراء فأقام زيد بينة أن عمرا أقر له بألف درهم مطلقا لم تثبت له هذه البينة شيئا لاحتمال أن الألف الذي أقر به هو الألف الذي علمنا وجوبه وقامت البينة ببراءته فلا تشتغل ذمته بالاحتمال وقال الأزجي من أصحابنا المتأخرين في كتاب النهاية له لو قيل إنه يجب عليه الطهارة لكان له وجه لأن يقين الطهارة قد عارضه يقين الحدث وإذا تعارضا سقطا ووجب عليه الوضوء احتياطا.
ــــــ
للصلاة فإنه يكون مؤديا فرضه بيقين والأول أصح فلو لم يعرف ما كان قبلهما لزمه الوضوء لأنه لا بد له من طهارة متيقنة أو مظنونة أو مستصحبة وليس هنا شيء فوجب الوضوء.
وأما المسألة الثانية فصورتها أنه ابتدأ نقض الطهارة وفعلها عن حدث في وقت بعينه وشك في السابق منهما رجع إلى حاله قبلهما.
مثاله إذا قال فعلت ذلك بيقين بعد الزوال ولا أعلم السابق قلنا ما كنت قبله فإن قال متطهرا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وجعلنا الحدث بين الطهارتين تحقيقا لقوله إذ لو كان بعد الثانية لكانت تجديدا لا يزيله الحدث.
فإن قيل: بل يمكن ذلك بأن يكون قد أحدث بينهما حدثا آخر وأنسيه قيل الأصل عدم ذلك.
وإن قال كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث لأن قوله إنما يتحقق بجعل الطهارة بين الحدثين إذ لو كانت بعد الثاني لم يكن قد نقض طهارة واحتمال طهارة أخرى بين الحدثين لا يبنى عليه لأن الأصل عدم ذلك.
وقال الشيخ وجيه الدين من أصحابنا في شرح الهداية له: هذا إذا كان الوقت لا يتسع لهما ولو اتسع الوقت لهما لكانت المسألة بعينها ويصير.
باب موجبات الغسل
باب موجبات الغسل
وهي ستة: خروج المنى دفقا بلذة وتغييب الحشفة في أي فرج كان وإسلام الكافر والموت والحيض والنفاس.وقال أبو بكر: لاغسل على من أسلم وفي الولادة العرية عن دم وجهان.
باب الأغسال المستحبة
باب الأغسال المستحبة
وهي ثلاثة عشر: غسل الجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء والإحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار والطواف والغسل من غسل الميت والإفاقة من إغماء أو جنون لم يتيقن معه حكم وغسل المستحاضة لكل صلاة.باب صفة الغسل
باب صفة الغسل
وكماله بعشر خصال: أن ينوي ويسمي ويغسل يديه ثلاثا ويزيل مابه من نجاسة ثم يتوضأ ويروي شعر رأسه ثلاثا ثم يغسل سائر بدنه ثلاثا ويدلك بدنه بيديه ويبدأ بشقه الأيمن وينتقل عن مكانه فيغسل قدميه.والفرض من ذلك النية وتعميم بدنه بالماء حتى باطن الأنف والشعور وفي الفم والتسمية روايتان [المعتمد أن التسمية واجبة].
ومن نوى بغسله الحدثين ارتفعا به ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة نص عليه وقيل: لا يرتفع الأصغر إلا بهما وعنه لا يرتفع حتى يأتي بالوضوء.
باب التيمم
باب التيمم
التيمم مشروع لمن عدم الماء أو خاف ضررا باستعماله.وصفته : أن ينوي استباحة المكتوبة من حدثه ثم يسمى ويضرب التراب بيديه مفرجة أصابعه ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وظاهر كفيه براحتيه ويدلك كل راحة بالأخرى ويخلل أصابعه هكذا السنة عند أحمد وقال القاضي الأفضل ضربة للوجه وأخرى لليدين إلى المرفقين.
باب الحيض
باب الحيض
وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم وأكثره خمسة عشر يوما وعنه سبعة عشر يوما وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما وعنه خمسة عشر يوما ولا حد لأكثره والمبتدأة بالدم لا تجلس فوق يوم وليلة حتى يتكرر ثلاثا وعنه مرتين ويلزمها غسلان غسل عقيب اليوم والليلة وغسل إذا انقطع الدم في مدة الحيض فإذا تكرر على قدر واحد قضت ماصامت فيه من فرض فإذا زادت عادة المعتادة أو تغيرت بتقدم أو تأخر لم تلتفت إلى ذلك حتى يتكرر ومن انقطع دمها قبل تمام عادتها طهرت فإن عاد في العادة جلسته وعنه لا تجلسه حتى يتكرر ومن رأت يوما دما ويوما طهرا ولم يجاوز مجموعهما أكثر الحيض اغتسلت أيام النقاء وصلت فإن جاوز أكثره فهي مستحاضة يأتي حكمها والصفرة والكدرة في مدة العادة حيض.ويمنع الحيض وجوب الصلاة وفعل الصوم مالم ينقطع ويمنع الحيض
__________
قوله : "ويمنع الحيض وجوب الصلاة - الخ"
وجوب الصلاة وفعل ما تمنعه الجنابة مالم تغتسل منه ويجوز التمتع بالحائض،
__________
ظاهره: أنه لا يمنع غير ذلك وليس كذلك فإنه يمنع صحة الطهارة صرح به غير واحد وهو ظاهر.
قوله : "ويجوز التمتع بالحائض إلا بالوطء في الفرج" وعن الإمام أحمد لا يجوز ذكرها صاحب الوسيلة وقال الخلال والشيخ يعني القاضي بحملانها على الاستحباب انتهى كلامه.
قال جعفر بن محمد قلت للإمام أحمد ما للرجل من امرأته وهي حائض قال قالت عائشة رضي الله عنها "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا أن تتزر" واختار هذا ورخص فيما دون الفرج وينبغي أن يكون هذا رواية بالكراهة لأن مخالفة الأمر توجب ارتكاب المكروه.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول في الحائض تقبل وتلمس وإذا جامعها كان بينهما إزار إلى السرة وإلى الركبة ويباشرها.
وهذه الرواية محتملة لأنه لا بد فيها من إضمار.
وقال الخلال: كأن في مسألة جعفر وحنبل أن أبا عبد الله أحب لهما الإزار في وقت الجماع وهو على ما روت عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم بين عنه الباقون أنه لا بأس به واحتج في ذلك والعمل في مذهبه أنه لا بأس أن يجامع بغير إزار إذا اتقى مخرج الدم انتهى كلامه.
ولا إشكال أن المذهب عدم الكراهة وقد صرح في رواية أبي طالب أنه لا بأس أن يأتيها دون الفرج وصرح قاطعا صاحب النهاية وغيرها.
قال الشيخ تقي الدين: ومع هذا فالمستحب تركه وظاهر كلام إمامنا وأصحابنا: أنه لا فرق بين أن يأمن على نفسه مواقعه المحظور أو يخاف وقطع الأزجي في نهايته بأنه إذا لم يأمن على نفسه من ذلك حرم عليه لئلا يكون طريقا إلى مواقعه المحظور.
إلا بالوطء في الفرج وإذا وطئ لزمه نصف دينار كفارة وعنه لا يلزمه والوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل حرام ولاكفارة فيه.
ولا حيض مع الحمل ولا قبل تسع سنين ولا بعد الستين وفيما بعد الخمسين روايتان وجعله الخرقي مشكوكا فيه فتصوم وتصلى ثم تقضي صومها.
__________
وقد يقال يحمل كلام غيره على هذا.
قوله : "وإذا وطئ لزمه نصف دينار كفارة وعنه لا يلزمه"
وقال وتجب الكفارة بوطء النفساء ولم يذكر خلافا وظاهره أن الكفارة تجب بوطء النفساء رواية واحدة بخلاف وطء الحائض وقد يؤخذ من كلام بعض الأصحاب إيماء إلى هذا لأن داعي الجماع في النفاس يقوي لطول مدته غالبا فناسب تأكد الزاجر بخلاف الحيض والذي نص عليه الإمام والأصحاب رحمهم الله أن وطء النفساء كوطء الحائض في وجوب الكفارة لأن الكفارة إنما وجبت بوطء النفساء قياسا على وطء الحائض وغاية الفرع مساواته لأصله وإذا لم تجب الكفارة في الأصل انتفى وجوبها في الفرع لأنه حينئذ لا دليل لوجوبها ولعل صاحب المحرر فرع على ظاهر المذهب في الحائض.
قوله : "ولا حيض مع الحمل" نص على هذا في رواية الجماعة الأثرم وإبراهيم الحربي وأبي داود وحمدان بن علي وغيرهم فقال الحامل إذا رأت دما تتوضأ وتصلي وتصوم وقال أيضا كيف يكون حبل مع الحيض وكيف تنقضي العدة إذا كان حبلا يعني مع الحيض.
واختار الشيخ تقي الدين أنها تحيض ورواه البيهقي عن إمامنا أحمد رضي الله عنه.
باب حكم المستحاضة
باب حكم المستحاضة
وهي من جاوزت دمها أكثر الحيض فترجع إلى عادتها فإن لم تكنعادة فإن عدم تمييزها فتجلس زمن الدم الأسود مالم ينقص عن أقل الحيض ولم يجاوز أكثره وعنه: لا تعمل بالعادة إلا عند التمييز فإن عدم التمييز وهي مبتدأة أو ناسية لقدر عادتها دون وقتها أولهما حيضت غالب الحيض ستا أو سبعا وعنه أقله وعنه في المبتدأة أكثره وعنه عادة نسائها.
قال القاضي ويتخرج مثلهما في الناسية فإن نسيت وقتها دون عددها جلسته من أول كل شهر وقال أبو بكر تجلسه بالتحري.
وتغسل المستحاضة فرجها وتتلجم وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي به ماشاءت وعنه لاتجمع بوضوء فرضين وكذلك حكم كل من به حدث دائم لاينقطع قدر مايتوضأ ويصلي ويحرم وطء المستحاضة إذا لم يخف العنت وعنه لا يحرم.
باب النفاس
باب النفاس
أكثر النفاس: أربعون يوما ولاحد لأقله فإن جاوز الدم الأربعين فهو استحاضة إلا أن يصادف عادة الحيض فإن انقطع في الأربعين ثم عاد فالعائد نفاس وعنه مشكوك فيه فتصوم وتصلي وتقضي الصوم.وتجب الكفارة بوطء النفساء وهي كالحائض فيما يحرم ويسقط ويكره الوطء في الأربعين بعد الطهر والتطهير وعنه لايكره.
وإذا ولدت توأمين فأول النفاس وآخره من الأول وعنه هما من الثاني وعنه أوله من الأول وآخره من الثاني.
ودم الحامل قبل أن تلد بيومين أوثلاثة نفاس ولا يعد من المدة.
ومن ألقت ما لم يتبين فيه خلق الإنسان لانفاس لها.
كتاب الصلاة
باب المواقيت
كتاب الصلاة
باب المواقيتأول وقت الظهر زوال الشمس وآخره تساوي الشيء وظله سوى فيء الزوال ثم يعقبه وقت العصر وهي الوسطى ويمتد وقتها المختار حتى يصير ظل الشيء مثليه وعنه حتى تصفر الشمس ويبقى إلى غروب الشمس وقت ضرورة لايحل تأخيرها إليه إلا لعذر ثم يعقبه الغروب ووقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق الأحمر ثم يعقبه وقت العشاء ويمتد وقتها المختار إلى ثلث الليل وعنه إلى نصفه ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني وهو البياض البادي من المشرق ولاظلمة بعده ثم يعقبه وقت الصبح ثم يبقى حتى تطلع الشمس.
والصلاة في أول الوقت أفضل إلا عشاء الآخرة والظهر مع القيظ والغيم لمن يقصد الجماعة والمغرب ليلة جمع للمحرم ومع الغيم كالظهر نص عليه وهل الأفضل تأخير الفجر إذا أسفر الجيزان على روايتين.
ومن أخر الصلاة عمدا فخرج الوقت وهو فيها أثم وأجزأته ومن أخبره
__________
كتاب الصلاة
قوله : "ومن أخر الصلاة عمدا فخرج الوقت وهو فيها أثم: وأجزأته"
وقوله : "ورذا أسلم المرتد لزمه قضاء ما تركه قبل الردة من صلاته"
ظاهره أن طرآن الحيض والجنون وما في معناهما من الردة: غير مسقط لأن الوجوب استقر بما التزمه بالإسلام فهو كحقوق الآدميين وقطع المصنف في شرح الهداية والشيخ وجيه الدين والأزجي في نهايته وصاحب الرعاية فيها
ثقة بدخول الوقت عن علم قلده وإن أخبره عن اجتهاد لم يقلده واجتهد فإذا غلب على ظنه دخوله صلى ولم يعد بحال إلا إن تبين صلاته قبل الوقت.
وإذا دخل وقت صلاته على عاقل فجن أو امرأة فحاضت وجب قضاؤها وفي قضاء التي تليها إن كانت تجمع إليها روايتان.
وإذا بلغ صبي أو أفاق مجنون أو أسلم كافر أو طهرت حائض قبل خروج وقت صلاة ولو بقدر تكبيرة وجب قضاؤها وقضاء التي قبلها إن كانت تجمع معها ومن صلى صلاة ثم ارتد ثم أسلم ووقتها باق لم يجب إعادتها ويتخرج أن يجب كمن حج ثم ارتد ثم أسلم فإن في إعادة الحج روايتين.
__________
بأن المرتدة إذا حاضت ثم طهرت وأسلمت لا تقضي الصلاة وقطع المصنف والشيخ وجيه الدين وغيرهما بأن المرتد لا تسقط عنه عبادة زمن جنونه في ردته وقدمه الأزجي لأن سقوطها بالحيض عزيمة وبالجنون رخصة وتخفيف وليس من أهله قال الشيخ وجيه الدين وليس هو من أهله قال الشيخ وجيه الدين لو صلى المجنون لا تكون صلاته معصية بل طاعة ولو صلت كانت معصية قال الأزجي ويحتمل أن لا يجب القضاء لأنه في هذه الحال غير مخاطب بشيء من العبادات لفقد آلة الخطاب وهو العقل لأن المعصية لا تتمكن من سبب الرخصة حتى تمنع التخفيف.
قوله : "ومن صلى صلاة ثم ارتد ثم أسلم ووقتها باق لم تجب إعادتها ويتخرج أن تجب كمن حج ثم ارتد فإن في إعادة الحج روايتين"
والروايتان في مسألة الحج مشهورتان ذكرهما جماعة منهم أبو إسحاق بن شاقلا والقاضي وعن مالك أيضا روايتان ورواية عدم وجوب إعادته نصرها أبو الخطاب وغيره وهي ظاهر ما قطع به الشيخ وغيره وقدمه غير واحد وهي قول
وإذا أسلم المرتد لزمه قضاء ماتركه قبل الردة من صلاة وزكاة وصوم ويتخرج أن لايلزمه وفي قضاء مافات في الردة روايتان وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه أصليا كان أو مرتدا ولا صلاة على الصبي وتصح منه إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ العشر أدب عليها فإن بلغ في الوقت وقد صلاها
__________
الشافعي ورواية الوجوب ذكرها القاضي أبو الحسين وغيره أنها أصحهما وهي قول أبي حنيفة.
وأما مسألة الصلاة فلا أجد أحدا ذكر فيها نصا عن الإمام أحمد ومن الأصحاب من جعلها كمسألة الحج كأبي الخطاب وغيره ومنهم من يأبى ذلك.
قال القاضي أبو يعلى قياس المذهب أن لا يعيد الصلاة ويعيد الحج قال أبو الخطاب ولا أعرف لذلك وجها قال واعتمد على أن الصلاة يفعل أمثالها في الإسلام الثاني والحج لا يفعل أمثاله وتسمى حجة الإسلام ولا بد في هذا الإسلام الثاني من حجة قال وهذا ظاهر الفساد لأنه إن كانت الحجة في الإسلام الأول بطلت بالردة فالصلاة في أول وقت الصلاة تبطل بالردة وإذا أسلم فإن لزمه حجة الإسلام فيجب أن يلزمه ههنا صلاة الوقت فإن وقت الحج جميع العمر كما أن وقت الصلاة مشروع لها وتسمية حجة الإسلام مثل تسمية صلاة الظهر والعصر.
قوله : "فإن بلغ الوقت وقد صلاها أو ابتدأها أعادها"
كذا ذكر الأصحاب لأنه دخل فيها قبل وجوبها ووجود سبب وجوبها أشبه البالغ إذا دخل فيها دخول الوقت لأنها من فروع الدين مقصودة في نفسها أشبه الحج وفيه احتراز من الإيمان والوضوء وهذا قول أبي حنيفة ومالك.
وقال الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية وأما الإسلام فيجب تجديده ولم
أو ابتدأها أعادها وعنه أنها تجب على ابن عشر.
__________
يزد على ذلك واختار الشيخ تقي الدين عدم وجوب إعادتها وذكر أن بعضهم حكاه وجها لنا وهو مذهب الشافعي وقاس أبو الخطاب على الحج.
فقيل له الحج لو بلغ في أثنائه أجزأه فيجب إذا بلغ في أثناء الصلاة أن تجزئه فأجاب بأن كل وقت من عرفة وقوفه يجزئ في الحج وليس كل ركعة من الصلاة تجزئ عن بقية الصلاة فنظيره أن ينصرف من عرفة قبل البلوغ ثم يبلغ فإنه لا يجزئه حتى يعود فيقف بعرفة قال والصحيح أن الحج مثل الصلاة فعلى الرواية التي تقول لا تجزئ الصلاة نقول لا يجزئ الحج إذا بلغ بعد إحرامه قال الشيخ تقي الدين هذا قول منه بروايتين في الصلاة قبل وجوبها قال الشيخ تقي الدين فيصير لنا في الصلاة والحج جميعا ثلاثة أقوال وفي الصوم روايتان أعني إذا بلغ في نفس الفعل فأما إذا بلغ بعد الفعل وبقاء الوقت فلا خلاف في وجوب الحج ويمتنع مثل ذلك في الصوم انتهى كلامه.
وظاهر كلامه في المحرر أن هذا التفريع على قولنا لا تجب عليه كما هو المذهب وأن على رواية وجوبها عليه كما هو قول أبي الحسن التميمي وأبي بكر لا إعادة ويجب عليه إتمامها ولا يجب عليه إتمامها على الأول صرح بذلك القاضي وغيره وعليه يحمل إطلاق كلام غير واحد من الأصحاب وهو ظاهر كلام الإمام أحمد فإنه قال في رواية يعقوب بن بختان في غلام احتلم في بعض الليل يصلي المغرب والعشاء فقيل له وإن كان قد صلاهما قال نعم أليس صلاهما وهو مرفوع عنه القلم قال القاضي فقد أوجب الإعادة بعد الفراغ منها وجعل العلة فيها أنه فعلها قبل جريان القلم انتهى كلامه.
وصرح بعضهم على رواية الوجوب: أنه يقضي ما فاته بعد عشر وهذا واضح وينبغي أن يقال: لو بلغ عشر سنين في أثناء صلاة أو بعدها في وقتها,
ومن زال عقله بغير جنون قضى كل صلاة فاتته ومن أخر صلاة تكاسلا لاجحودا أمر بها فإن أصر حتى ضاق وقت الأخرى وجب قتله وعنه
__________
لزمه إعادتها على هذه الرواية كما بلغ خمس عشرة لتوجه الخطاب إليه ويؤخذ هذا من تعليل الإمام والأصحاب وهو واضح إن شاء الله تعالى.
فصل
المذهب: أن الصلاة لا تجب على صبي وعنه تجب على من بلغ عشرا وعنه تجب على ابن أربع عشرة سنة قال الشيخ وجيه الدين ونقل عن الإمام أحمد في ابن أربع عشرة سنة إذا ترك الصلاة قتل وقال الشيخ موفق الدين في الروضة في المميز وقد روى عنه أنه مكلف فهذه أربع روايات.
ذكر في المحرر أن في قضاء المرتد ما فاته حال الردة من عبادة روايتين وكذا الخلاف مشهور في كتب الأصحاب في وجوب القضاء على المرتد ما تركه في حال ردته وظاهر هذا أن الخلاف مطرد في كل صورة وهو أولى.
وليس الأمر كذلك عند صاحب المحرر رحمه الله تعالى فإنه قال في شرح الهداية له في تارك الصلاة تهاونا إذا دعي إلى فعلها فامتنع وحكمنا بكفره وقتله قال وإذا عاد لم تسقط عنه صلاة مدة امتناعه على الروايتين معا وإن قلنا تسقط عن المرتد لا نكفره بتركها فلو سقطت به لزال التكفير ولأن أمره بها في مدة الاستتابة يدل على صحتها منه وأنه مكلف بها فأشبهت نفس الإسلام في حق المرتد انتهى كلامه وهذا فيه إشكال.
قوله : "ومن زال عقله بغير جنون قضى كل صلاة فاتته"
لو سكرت ثم حاضت لم يلزمها قضاء أيام الحيض وجها واحدا ذكره الأزجي وغيره لما تقدم في المسألة قبلها قال الأزجي وإن شرب محرما فسكر
لايجب إلا بترك ثلاث وبضيق وقت الرابعة ويستتاب بعد وجوب قتله ثلاثة أيام ويقتل حدا وعنه كفرا.
__________
به ثم جن متصلا بالسكر فهل يلزمه قضاء ما فاته في حال الجنون فيه احتمالان أحدهما يلزمه القضاء أيضا لاتصاله بالسكر لأنه هو الذي تعاطى سببا أثر في وجود الجنون والثاني لا يلزمه لأن طرآن الجنون منه ليس من ولا هو منسوب إليه كما فعله لو وجد ذلك ابتداء وزوال العقل بالجنون مسقط للقضاء في حق المسلم فأما المرتد فتقدم في المسألة قبلها.
قوله : "لأن تكفيره بتركها فلو سقطت به لزال التكفير"
لقائل يقول: ليس الخلاف فيما نكفره بتركها لأن ما نكفره بتركها وهي صلاة واحدة أو وحتى يتضايق وقت الأخرى أو غير ذلك على الخلاف المعروف فيه ووجب عليه في حال إسلامه قبل الحكم بوجوب قتله وكفره فإذا وجوب قضائها ليس وجوب قضاء عبادة تركها في حال ردته بل وجوب قضاء عبادة تركها في حال إسلامه وما تركه بعد الحكم بوجوب قتله وكفره من الصلوات ليس نكفره بتركها لأن الغرض أنه قد حكم بكفره وقتله قبل ذلك.
فإن قيل مراده إنما نكفره بتركها يجب قضاؤه ولا يأتي فيه الخلاف في ان تركه المرتد ان ماني حال إسلامه من عبادة هل يجب قضاؤها إذا عاد إلى الإسلام أم لا قيل ليس هذا مراده بل تتمة كلامه ولأن أمره بها في مدة الاستتابة يدل على صحتها منه مدة الاستتابة ثلاثة أيام بعد الحكم بوجوب قتله وكفره وأنه قاسها على الإسلام في حق المرتد مأمور بالإسلام ولأنه قال لم تسقط عنه صلاة مدة امتناعه وما نكفره به صلاة أو صلاتان على ظاهر المذهب ومدة الامتناع حقيقتها إلى زمن التوبة والمراجعة.
قوله : "ولأن أمره بها في مدة الاستتابة يدل على صحتها منه"
ولا يصح أن يصلى حاضرة وعليه فائتة إلا أن يتمها ناسيا للفائتة فإن ذكر
__________
لقائل أن يقول: من يقول إن المرتد لا يجب عليه قضاء ما تركه في حال الردة يقول إنما هو مأمور ومكلف بالإسلام وإيقاع الصلاة من حيث الجملة أعني من حيث هي صلاة لا هذه الصلاة المعينة أو إيقاع الصلاة المحكوم بكفره بتركها ولأنه لا يمتنع وجوب العبادة على المرتد في حال ردته فإذا تاب بإسلام صحيح سقطت عنه ترغيبا في الإسلام ولأن الأدلة في أن المرتد لا يقضي ما تركه في حال الردة تعم مسألتنا لا سيما قياسه على الكافر الأصلي
والأولى حمل كلامه إن أمكن على مسألة ما تركه حال إسلامه وأن الخلاف فيها لا يأتي هنا لكنه يورد هذا القيد على إطلاق كلامه في المحرر فإنه ذكر الخلاف فيما تركه زمن إسلامه من غير تفصيل.
وقول ابن عبد القوي رحمه الله بعد أن ذكر كلام صاحب المحرر في شرح الهداية المذكور هذا يدل على أنه لا يكفر وإن قتل فحد لا نعقاد الإجماع أن الكافر غير مكلف بفعل الصلاة وإن قلنا يكلفون بالفروع وإنما فائدته زيادة العذاب في الآخرة وإلا فلا فيه نظر لأن الإجماع إنما هو في الكافر الأصلي.
فصل
قال ابن عقيل في الفنون فيمن ترك الصلاة تهاونا: وقيل: بكفره إذا كان كافرا فبماذا يكون مسلما بالشهادتين أم بفعل الصلاة قال اعترض به بعضهم وحكاه غيره وهو: الكيا الهراسي في مفرداته عن الشافعي إن قيل بالشهادتين فما زال ناطقا بهما لم يرجع عنهما وإن كان بالصلاة فصلاته مع كفره لا تصح فكيف يعود بها إلى الإسلام؟.
فيها أتمها نفلا وصلى الفائتة ثم الحاضرة وإن ضاق الوقت سقط الترتيب وعنه لا يسقط.
__________
قال ابن عقيل الجواب ليس لنا كلمة تحكي ما في نفسه من الأيمان إلا الشهادتان وليس بقوله لها حين ترك الصلاة ولا يعمل بها إذا تاب وندم وهذا الذي نسلكه مع الزنديق في قبول توبته فإنه يتظاهر بالإسلام حتى يكون مؤديا ثم إذا تاب قبلت توبته وأعدناه إلى الإسلام بنفس الكلمتين لا غير لما ذكرنا.
قال الشيخ تقي الدين: الأصوب: أنه يصير مسلما بنفس الصلاة من غير احتياج إلى إعادة الشهادتين لأن هذا كفره بالامتناع من العمل ككفر إبليس بترك السجود وكفر تارك الزكاة بمنعها والمقاتلة عليها لا بكفره بسكوت فإذا عمل صار مسلما كما أن المكذب إذا صدق صار مسلما ومثل هذا الكافر تصح صلاته كما أن المكذب تصح شهادته فإن صلاته هي توبته من الكفر أما تصييره مسلما على أصلنا بالصلاة فظاهر فإن الكافر الأصلي والمرتد بالتكذيب لو صلى حكم بإسلامه وإنما الكلام في صحة صلاته قبل تجديد الشهادتين والمسألة مذكورة في المرتد لاسيما والكافر يصير مسلما بالشهادة لمحمد صلى الله عليه بالرسالة لتضمن ذلك الشهادة بالتوحيد.
وأيضا فلو قال أنا مسلم صار مسلما وما ذكره في الزنديق فالأشبه أيضا أن الزنديق إذا قبلت توبته فلا بد من أن يذكر أنه تائب منها في الباطن وإن لم يقل فلعل باطنه تغير انتهى كلامه.
وكلام ابن عقيل يقتضي الحكم بإسلامه بالشهادتين فقط كما يكتفي بهما في الزنديق فيكون كالبينة أولا
فظهر من هذا ثلاثة أقوال بالصلاة أم بالشهادتين أم بهما؟
ــــــ
وقول الشيخ تقي الدين: والمسألة مذكورة في المرتد قال: في المرتد الأصلي وهل صلاته صحيحة قال القاضي الصلاة باطلة ويحكم بإسلامه بها كالشهادتين إذا وجدتا حكمنا بإسلامه بهما ولا يستدل بهما على إسلام سابق وقال أبو الخطاب هي صلاة صحيحة مجزئه في الظاهر لأنا نستدل بفعلها على أنه كان معتقدا للإسلام قبلها.
ثم أورد على نفسه أن الإمام أحمد نص على أن المؤتم به يعيد فقال: الأصوب أنه قال بعد الفراغ إنما فعلتها وقد اعتقدت الإسلام قلنا: صلاته صحيحة وصلاة من خلفه وإن قال فعلتها تهزؤا قبلنا فيما عليه من إلزام الفرائض ولم نقبل منه فيما يؤثره من دينه ولأن أحمد قد قال فيمن صلى خلف محدث يعيد ولا يعيدون والمحدث ليس في صلاته كذلك الكافر لا يكون في صلاة من خلفه صحت صلاته.
قال الشيخ تقي الدين شرط الصلاة تقدم الشهادة المسبوقة بالإسلام فإذا تقرب بالصلاة يكون بها مسلما وإن كان محدثا ولا يصح الائتمام لفقد شرطه لا لفقد الإسلام وعلى هذا عليه أن يعيدها انتهى كلامه.
باب الأذان
باب الأذان
الأذان المختار: خمس عشرة كلمة بلا ترجيع يكبر في أوله أربعا ويقول في أذان الفجر بعد الحيعلة "الصلاة خير من النوم" مرتين والإقامة فرادى إحدى عشرة كلمة منها قول "قد قامت الصلاة" مرتين.__________
قوله : "باب الأذان" لم يذكر حكم رفع الصوت بالأذان وظاهر ما ذكره حصول الأذان المشروع بدون رفع الصوت والمعروف في كلام الأصحاب أنه يستحب رفع الصوت بالأذان الظاهر أن مرادهم المبالغة في الرفع بحيث لا يجهد
ويسن أن يرتل الأذان ويحدر الإقامة ويتولاهما معا قائما متطهرا، ويجعل إصبعيه في أذنيه ويدير وجهه إذا حيعل يمنة ويسرة ولا يزيل
__________
نفسه فيكون على هذا لو أذن سرا أو رفع يسيرا لم يحصل الأذان المشروع وقد قطع بأن رفع الصوت بالأذان للجماعة غير الحاضرين زاد في الرعاية أو الصحراء ركن فيه لأنه المقصود بالأذان فان أذن لنفسه أو لجماعة حاضرين فإن شاء رفع صوته قال بعضهم وهو أفضل وإن شاء خافت بالكل أو بالبعض والأفضل رفع مقدار طاقته ولا يجهد نفسه لئلا ينضر وينقطع صوته وعنه التوسط أفضل انتهى كلامه.
قال القاضي: قال الإمام أحمد في رواية: يرفع صوته ما استطاع قال الميموني: رأيت ابن حنبل وهو يؤذن صوتا بين الصوتين وكان إلى خفض الصوت أقرب قال وظاهر هذا: أنه لا يرفع رفعا يخرج عن طبعه قال في رواية حنبل رجل ضعيف الصوت: لا يرفع صوته ولا يخرج من المسجد إذا كان يسمع أهل المسجد والجيران فلا بأس قال القاضي: وظاهر هذا: أنه إذا لم يسمع الجيران لم يصب سنة الأذان وذلك لأن القصد من الأذان الإعلام ودعاء الناس إلى الصلاة ولهذا المعنى لم يؤذن للثانية من صلاتي الجمع ومن الفائتة لأنه لا حاجة إلى جمع الناس لأنهم قد اجتمعوا للأولة فإذا لم يسمع الجيران لم يوجد المقصود فلم يكن مسنونا فإن أذن لنفسه جاز له أن يسر لأنه ليس المقصود منه الإعلام انتهى كلامه.
قوله : "ويجعل إصبعيه في أذنيه" نص عليه في رواية حنبل وروى جماعة عنه أنه كان يفعل ذلك فإن اقتصر على واحدة كفى قاله القاضي وقال: رأيت أبا عبد الله إذا أذن يضع إصبعه على أذنيه في الأذان والإقامة ولعل جعفر بن محمد قال: رأيت أبا عبد الله أذن ووضع أصابعه على أذنيه في
قدميه وعنه يزيلهما وفي مثل المنارة الكبيرة والصومعة فيدور فيها ويؤذن على علو ويقيم فيه مالم يشق عليه ولو أذن جنبا جاز وقال الخرقي يعيده ويجزئ أذان المميز البالغ وعنه لا يجزئ وفي أذان الفاسق والأذان الملحن وجهان.
ويشترط للأذان: الترتيب والموالاة ولا يبطله الفصل اليسير إلا لمحرم كالستر ونحوه ويجوز الأذان للفجر بعد نصف الليل ولا يجوز لغيرها قبل الوقت.
ويسن لمن سمع المؤذن أن يقول كقوله إلا في الحيلعة فإنه يقول: لاحول ولاقوة إلا بالله ويقول في كلمة الإقامة أقامها الله وأدامها وينهض عندها فإن كان الإمام غائبا لم يقوموا حتى يروه.
__________
الأذان والإقامة وكذلك نقل حنبل وقال في رواية أبي طالب أحب أن يجعل يديه على أذنيه على حديث أبي محذورة "وضم أصابعه الأربع ووضع على أذنيه"
قوله : "ويشترط للأذان الترتيب والموالاة" ظاهر ما ذكره أنه لا يشترط للأذان غير ذلك والنية شرط له فلو أذن غافلا أو ساهيا أو لاهيا ونحو ذلك لم يصح أذانه وظاهر ما ذكره شرطا للأذان أنه لا يشترط للإقامة وليس كذلك بل هو شرط لها وكذا يبطلها ما يبطله وغير ذلك.
وقوله في الرعاية "ويعتبر للأذان: النية" قلت: وكذا للإقامة فليس هذا قوله وحده بل هو قول غيره وإنما خص الأذان بالذكر لأن الإقامة تبع له في الأحكام إلا فيما يخالفه كإحدارها.
قوله : "ويسن لمن سمع المؤذن أن يقول إلى آخره" في الصحيحين عن أبي سعيد مرفوعا " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول " وظاهر الأمر على
ويسن الفصل بين أذان المغرب وإقامتها بفعل ركعتين.
والأذان والإقامة: سنتان للمسافرين فرضا كفاية على المقيمين يقاتلون على تركهما وليسا بشرط للصلاة ولا مسنونين للنساء.
وينادى للعيد والكسوف والاستسقاء الصلاة جامعة.
__________
الوجوب وقد قال به هنا بعض العلماء وأكثرهم على الاستحباب كقولنا وقد ورد ما يؤخذ منه صرفه عن ظاهره وهو ما رواه جماعة منهم مسلم عن أنس "أنه عليه الصلاة والسلام كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع إذانا أمسك وإلا أغار فسمع رجلا يقول الله أكبر الله أكبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على الفطرة ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: خرجت من الناس النار "
وقد نص الإمام أحمد في رواية الأثرم وغيره على أنه لا يجب إجابة المؤذن قال القاضي في الجامع الكبير وذلك أنه لا يخلو إما أن الأذان في حق المؤذن واجب أو تطوع فإن كان واجبا في حقه فليس بواجب على غيره لأنه فرض على الكفاية وإن كان تطوعا فأولى أن يكون على السامع تطوعا انتهى كلامه.
وفيه نظر لأن الإجابة ليست بأذان ليكون وجوبها مقتضيا وجوب الأذان على الأعيان وقد يكون الشيء تطوعا ويجب رده بدليل ابتداء السلام ورده والمؤذن يستحب له أن يقول مثل ما يقول في حقه نص عليه قال في المستوعب يقول خفية مثل ما يقوله من يستمعه وعن الإمام أحمد أنه كان إذا أذن فقال كلمة من الأذان قال مثلها سرا.
ولو قال في المحرر "ويستحب لمن سمع الأذان" كان أدل على حكم هذه المسألة وظاهر كلامه وكلام الأصحاب: أنه يكرر قوله مثل ما يقول
ومن صلى مجموعتين أو فوائت أذان للأولى خاصة وأقام لكل صلاة.
وإذا أقيمت الصلاة لم يشرع في نافلة وإن افتتحها ثم أقيمت قطعها إن خشى فوات الجماعة وعنه يتمها.
والأذان أفضل من الإمامة وقيل: هي أفضل.
__________
المؤذن بتكرر سماع الأذان للصلاة الواحدة وفي المسألة قولان للعلماء وينبغي تقييد الأذان الثاني بكونه مشروعا وذلك لظاهر حديث أبي سعيد الذكور ولأن الظاهر من حال السامعين أذان ابن أم مكتوم إجابتهم له بعد سماعهم أذان بلال وإجابتهم له ولأنه أذان مشروع فاستحب إجابته كالأذان الأول وكالأذانين لصلاتي وقتين
وصفة إجابة الأذان: ما ذكره هنا عند أكثر الأصحاب لأن في حديث عمر " فإذا قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله " رواه مسلم وهو أخص من حديث أبي سعيد فيقدم قال في المغنى: أو يجمع بينهما وحكى المصنف في شرح الهداية استحباب الجمع بينهما عن بعض الأصحاب
وقال الخرقى وجماعة يستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول "ولم يستثنوا شيئا".
فهذه ثلاثة أوجه وظاهر كلامه وكلام غير واحد أنه يقول الصلاة خير من النوم كقول المؤذن وقطع المصنف في شرح الهداية أنه لا يقوله بل يقول صدقت وبالحق نطقت ونحوه وعلى الوجه الآخر: يجمع بينهما وعلى غيره يقول صدقت وبررت وهل يقوله معه؟ فيه وجهان وقوله في كلمة الإقامة: " أقامها الله وأدامها " لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله: رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف زاد جماعة " ما دامت السموات والأرض " قال في التلخيص الحبير: وهل يقول كما يقول مع ذلك فيه وجهان ويقول كل ذلك خفية.
ــــــ
وظاهر كلامه: إنه إذا سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة وأجابه فإذا فرغ عاد إليها لأنها لا تفوت وهذا صحيح قال المصنف وغيره: وكذا إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن وافقه ثم أخذ في التحية نص عليه لأنها لا تفوت بالتأخير اليسير وعلل غيره بأن فيه جمعا بين الفضيلتين وعنه لا بأس.
وظاهر كلامه: أن القاعد لا يقوم للصلاة بل يشتغل بالإجابة حتى يفرغ الأذان وهذا صحيح قال بعضهم: ولا يقوم القاعد حتى يفرغ أو يقرب فراغه.
نص الإمام أحمد على معنى ذلك لأن الشيطان ينفر حين يسمع الأذان وظاهر كلامه أيضا: أنه إن سمعه في الصلاة أجابه وليس كذلك لم أجد فيه خلافا وأن الأولى أن يكف عن الإجابة ويشتغل بصلاته لأن في الصلاة شغلا.
قال جماعة: فإذا فرغ من الصلاة أجابه فإن أجابه بجيعلة بطلت لأنه خطاب آدمي وإلا لم تبطل لأنه ذكر وثناء على الله تعالى مشروع مثله فيها وقد ذكر طائفة كابن الجوزي أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه عمدا: هل تبطل صلاته؟ على وجهين وقال الشيخ وجيه الدين بن المنجا في الذكر: كما ذكر غيره قال وإن ذكر الحيعلة وعلم أنها دعاء إلى الصلاة بطلت وإن لم يعلم فهو ككلام الساهي في الصلاة وفيه روايتان ثم قال وهذا إذا نوى به الذكر فإن نوى به الأذان وإقامة الشعار والإعلام بدخول الوقت بطلت.
وإطلاق كلامه أيضا: أنه يجيبه على قضاء الحاجة والظاهر أن هذه الصورة تحته وهذا أولي وإذا سقط رد السلام في هذه الحال مع وجوبه فهذا أولى وفيه نظر لكراهة البداءة بالسلام في هذه الحال وقد ذكر غير واحد: أنه لو عطس وهو على قضاء الحاجة حمد الله وذكر غير واحد رواية: أنه يحمد
باب ستر العورة
باب ستر العورة
وهي شرط لصحة الصلاة وعورة الرجل مابين سرته وركبته وعنهباب اجتناب النجاسات وحكم البقعة
باب اجتناب النجاسات وحكم البقعة
ومن حمل نجاسة لا يعفى عنها أو لاقاها بيديه أو ثوبه أو حمل ما يلاقيها لم تصح صلاته إن علم بها وفي الجاهل والناسي روايتان [المذهب الصحة].وإن صلى على بساط بطرفه نجاسة لا تصيبه جاز فإن حاذاها بصدره إذا
باب استقبال القبلة
باب استقبال القبلة
وهو شرط للصلاة مع القدرة إلا في النفل للمسافر السائر ماشيا أو راكبا فيصلي حيث توجه وعنه لايجوز ذلك إلا للراكب.ويلزمه الإحرام للقبلة إن لم يشق عليه ولا يجوز التنقل على الراحلة في الحضر وعنه يجوز وإصابة عين الكعبة فرض من قرب منها
__________
قال في المحرر "وإصابة عين الكعبة فرض من قرب منها ولم يفرق بين أن يكون ثم حائل أم لا"
والذي قطع به غير واحد أنه إن كان ثم حائل فإن كان أصليا كجبل ففرضه الاجتهاد إلى عينها وعنه إلى جهتها إن تعذر اليقين وإن كان غير أصلي كالدور فلا بد من اليقين فإن تعذر اجتهد.
ونقل ابن الزاغوني وجماعة فيه رواية أن فرضه الاجتهاد وهذا معنى قول بعضهم إن كان غائبا عن الكعبة بحيث يقدر على رؤيتها لكنه مستتر عنها بالمنازل والجدار فهل فرضه يقين القبلة أو التوجه إليها بالاجتهاد فيه روايتان فإن قلنا اليقين فأخطأ أعاد وإلا فلا.
قال الشيخ وجيه الدين إذا كان ممنوعا بحائل من جبل أو أكمة فإنه يستخبر من على ذلك الحائل من المشاهدين هذا إن كان الحائل من الأبنية المحدثة والجدران المستجدة لأنه لو كلف حكم المشاهدة لأدى إلى تكليفه بشيء يشق عليه ولأصحاب الشافعي وجهان أحدهما كمذهبنا فلا فرق بين الحائل المحدث والأصلي وهو ظاهر كلام الشافعي والثاني تجب عليه المعاينة وذلك اليقين في الحائل المحدث لأن ذلك فرضه قبل حدوث الحائل وحدوث الحائل لا يغير حكم الموضع والخبر يكون عن مشاهدة أو عن علم انتهى كلامه.
وقال القاضي في الجامع أما من فرضه المعاينة فأن يكون في المسجد الحرام يشاهد الكعبة ويعاينها وأما من فرضه الإحاطة واليقين وإن لم يعاين فهو كمن كان بمكة من أهلها أو من غيرها لكن كثر مقامه فيها ولكنه من دون
ــــ
حائل عن الكعبة لأمر أصلي الخلقة كالمنازل والتلول لأنه يتمكن من التوجه إلى عينها قطعا وإن كان من دون حائل وهكذا من كان بالمدينة ففرضه الإحاطة واليقين لأنه يتوجه إلى محراب النبي صلى الله عليه وسلم فيقطع على أنه متوجه إلى الكعبة.
وأما من فرضه الخبر فمن خفى عليه التوجه وهناك من يخبر عن الكعبة عن علم ويقين.
وأما من فرضه التقليد فمن خفيت عليه الدلائل ولم يتوصل إلى القبلة بالدليل.
وأما من فرضه الاجتهاد فمن كان من مكة على مسافة لا يتوصل إلى المعاينة ولا يتمكن من الإحاطة واليقين ولا ممن يخبره عن إحاطة ويقين.
فأما من كان بمكة أو بالقرب منها من دون حائل عن الكعبة فإن كان الحائل كالجبال والتلول ففرضه الاجتهاد أيضا وإن كان لا من أصل خلقه كالمنازل ففرضه الإحاطة واليقين.
وكل من قلنا فرضه الإحاطة أو اليقين أو الخبر عمل عليه.
وكل من قلنا فرضه الاجتهاد فهل عليه الاجتهاد في طلب العين أو الجهة على روايتين.
وذكر القاضي أن المشهور والصحيح عن الإمام أحمد أن عليه الاجتهاد في طلب الجهة وأن علي بن سعيد قال إنه مذهب الإمام أحمد وكذا عند غيره من الأصحاب.
وذكره القاضي وغيره الفائدة التي ذكرها في المحرر على الروايتين وأنه لو اختلف اجتهاد رجلين في الجهة الواحدة لكن أحدهما يميل يمينا والآخر يميل شمالا فهل لأحدهما أن يأتم بالآخر؟ ينبني على ذلك.
أو من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وفرض من بعد الاجتهاد إلى جهتها وعنه إلى غيرها فلو انحرف عن قبلته قليلا صحت صلاته على الأولى دون الثانية ومن أخطأ القبلة في الحضر أعاد وإن اجتهد في السفر وأخطأها لم يعد ومن أخبره ثقة بالقبلة عن علم قلده وإن أخبره عن اجتهاد اجتهد ولم يقلده ويقلد الأعمى أوثقهما عنده فإن تساويا قلد أيهما شاء فإن صلى الأعمى بلا دليل أعاد فإن لم يجد مقلدا صلى ولم يعد وقيل: يعيد وقيل: لا يعيد إلا أن يخطئ والجاهل بأدلة القبلة كالأعمى فيما ذكرنا ومن رأى محاريب ببلد خراب أو بلد كفر وشك هل هي للمسلمين أم لا لم يعمل بها.
__________
قوله : "أو من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم".
لتيقن صحة قبلته لعدم إقراره على الخطأ.
قال ابن عبد القوي وفي معناه كل موضع ثبت أنه صلى فيه وضبط جهته قال وكذلك ما اجتمعت عليه الصحابة رضي الله عنهم كمحراب الكوفة وهذا فيه نظر لأنهم لم يجمعوا عليه وإنما أجمع عليه طائفة منهم ولا يحصل مطلوبه.
باب صفة الصلاة
باب صفة الصلاة
يشترط النية للصلاة ويجب تعيينها للمكتوبة والنفل المعين ولا تجب نية الفرضية للفرض ولا نية القضاء للفائتة وقال ابن حامد يجبان.ويكفي لمطلق النفل نية الصلاة.
وإذا تقدمت النية التكبير بزمن يسير أجزأه مالم يفسخها وإذا فسخها في صلاته بطلت وإن تردد في فسخها أو نوى أن يفسخها فعلى وجهين.
ولا تنعقد الصلاة إلا بقوله: "الله أكبر" فإن عجز عنه كبر بلغته وقيل: لا يترجم عنه كالقرآن ويرفع يديه مع التكبير مبسوطتين مضمومتي الأصابع إلى منكبيه وعنه إلى أذنيه وعنه هما سواء.
ثم يضع يمنى يديه فوق كوع اليسرى تحت سرته وعنه تحت صدره وعنه يخير وينظر إلى محل سجوده ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" ثم يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" ثم يقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" سرا وليست من الفاتحة
__________
قوله : "ويرفع يديه مع التكبير"
يستحب ولا يجب وهو من تمام الصلاة نص الإمام على ذلك ويقال لمن تركه تارك السنة في إحدى الروايتين وهل يقال لتاركه مبتدع قال القاضي أطلق القول بأن تاركه مبتدع فقال في رواية محمد بن أبي موسى وقد سأله رجل خراساني إن عندنا قوما يأمرون برفع اليدين في الصلاة وقوما ينهون عنه قال لا ينهاك إلا مبتدع فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القاضي والوجه فيه حديث ابن عمر "أنه كان إذا رأى مصليا لا يرفع يديه في الصلاة حصبه".
وهذا مبالغة ولأن رفع اليدين في تكبيرة الإحرام مجمع عليه هكذا قال ابن المنذر قال القاضي فإذا كان مجمعا عليه فمنكره مبتدع لمخالفة الإجماع.
وهل يهجر من تركه مع العلم روي عن الإمام أحمد فيمن تركه يخبر به فإن لم ينته يهجر ذكره الخلال وهذا الهجر على سبيل الجواز والاستحباب لعدم وجوب المتروك وينبغي أن يكون هذا النص بالهجر والنص بأنه مبتدع بناء على النص بأنه تارك للسنة فأما على النص الآخر أنه لا يكون تاركا للسنة فلا يهجر ولا يبدع فعلى هذا يكون في المسائل الثلاث روايتان.
وعنه هي آية منها ثم يقرأ الفاتحة متوالية وأن أطال قطعها بذكر أو سكوت عمدا ابتدأ وإن كان سهوا أو يسيرا بنى فإذا أتمها قال آمين يجهر بها الإمام ومن خلفه فيما يجهر بقراءته ثم يقرأ سورة في الفجر من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي البقية من متوسطه ويطيل أول ركعتين من صلاته وله قراءة أواخر السور وأوساطها وجمع سور في الفرض وعنه يكره ذلك.
__________
قوله : "في الفاتحة إنه يقرؤها" أطلق القراءة وليس كذلك فإنه يجب تصوت1 الإمام والمنفرد والمأموم بكل قول واجب قطع به الأصحاب وهو قول مالك والشافعي وأكثر الحنفية لأنه لا يكون كاملا بدون الصوت إنما هو مجرد حركة ونية بلا حروف كل أحد يعلم صحة ذلك من نفسه والصوت ما يتأتى سماعه وأقرب السامعين إليه نفسه حتى لو لم يسمعه لم يحصل علم ولا ظن بحصول شرط الصلاة فإن كان ثم مانع كطرش وصمم اعتبر قدر ما يسمع نفسه لو عدم ذلك كما يحصل الإمام سنة الجهر إذا لم يسمع من خلفه لمانع بقدر ما يسمعونه لولا المانع.
واختار الشيخ تقي الدين أنه يكفي محصل الحروف وإن لم يسمع نفسه وهو قول الكرخي الحنفي فإن أسمع نفسه فهو عند الكرخي أدنى الجهر.
قوله : "وجمع سور في الفرض تبع بعضهم على هذا التقديم وتبعه أيضا بعضهم وهو أجود من تقديم غير واحد الكراهة.
وذكر القاضي في الجامع الكبير أن الجواز أصح الروايتين قال نقل ذلك الجماعة صرح بأنه لا بأس في الفريضة في رواية ابنيه وحنبل.
وقال في رواية أبي طالب في الرجل يصلى بالناس يقرأ سورتين في ركعة قال نعم.
قوله : "ويكره" قال في رواية ابن منصور في الذي يجمع بين السور في
__________
1- كذا في الأصل
ويجهر الإمام في الفجر وفي الأوليين من العشاءين ولا قراءة على المأموم.
__________
ركعة قال لا بأس به في التطوع وأما في الفريضة فلا.
وعن الإمام أحمد يكره المداومة ولا يكره ذلك في النفل وقيل: يكره وهو غريب بعيد ودليل المسألة مشهور.
قوله : "ولا قراءة على المأموم" قطع به الأصحاب ونص عليه الإمام أحمد في غير موضع وقال الترمذي في جامعه واختار الإمام أحمد القراءة خلف الإمام وأن لا يترك الرجل فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام
وقال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العكبري سمعت إبراهيم بن أبي طالب سألت أحمد بن حنبل عن القراءة فيما يجهر به الإمام فقال يقرأ بفاتحة الكتاب ورواه البيهقي في مناقب الإمام أحمد عن شيخه الحاكم وقال كأنه رجع إلى هذا القول كما رجع إليه الشافعي فقال يقرأ بفاتحة الكتاب وإن جهر الإمام وحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على صحة ما رجعا إليه هذا كلامه ووجه هذا القول عموم الأدلة الدالة على وجوب الفاتحة بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "فإنها عامة في الإمام والمأموم والمنفرد في خصوص فاتحة الكتاب فيعمل بعمومها في خصوص ما وردت فيه إلى أن يرد دليل تخصيص والأصل عدمه وقد اعتمد في التخصيص على قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [لأعراف: الآية]نقل الإمام أحمد في رواية أبي داود الإجماع على أنها في الصلاة وقوله صلى الله عليه وسلم: " وإذا قرأ فأنصتوا " رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري وصححه هو وغيره من حديث أبي هريرة وقوله صلى الله عليه وسلم: " من كان له إمام فقراءته له قراءة " والصحيح عند الحفاظ أنه مرسل وهذا المعتمد عليه إنما يدل على خصوص المأموم ولا دلالة فيه على خصوص القراءة ولا معارضة بينه وبين ما قبله أما لو دل على خصوص المأموم
ــــــ
وخصوص القراءة كان معتمدا صحيحا في التخصيص وهذا عند التأمل على النظر الصحيح.
واعتمدوا على قياس وهو أنه مأموم صح اقتداؤه بإمامه في ركعة فلم تلزمه قراءتها كما لو أدركه راكعا وقد ثبت الأصل بحديث أبي بكرة وأصل هذا القياس وهو المسبوق المدرك للركوع إن قيل لا تسقط عنه الفاتحة كما هو قول طائفة من العلماء واختاره من الشافعية ابن خزيمة وصاحبه أبو بكر الضبعي فهو ممنوع وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لا " تدرك الركعة بإدراك الركوع " لكن ضعفه ابن عبد البر والصحيح عنه كقول الجماعة وقال الحاكم في تاريخه أبو بكر أحمد بن إسحق بن أيوب الإمام المفتي المتكلم المغازي الرئيس الولي وأحد عصره سمعته وقد سأله الرئيس أبو الحسين عن الرجل يدرك الركوع ولم يقرأ فاتحة الكتاب في تلك الركعة فقال يعيد تلك الركعة قال الحاكم وقد صنف الشيخ أبو بكر هذه المسألة ويروي عن أبي هريرة وجماعة من السابقين أنهم قالوا يعيد الركعة والله أعلم.
ويجاب عن حديث أبي بكرة بأنه يحتمل أنه قرأ الفاتحة بسرعة أو لم يقرأها ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه لها فهو قضية في عين فلا حجه فيه وإن قيل تسقط عنه كما هو قول أكثر القائلين بوجوب الفاتحة على المأموم وإسحق بن راهويه أوجبها على المأموم وقال أجمع الناس على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة وكذا نقل غيره الإجماع.
إن قيل بهذا قيل الدليل الشرعي قد دل على وجوبها على المأموم وعدم سقوطها عنه بخلاف المسبوق والدليل متبع وكون الشيء واجبا أو ركنا وغير ذلك أمور اصطلاحية فجميع ما دل دليل على وجوبه فالأصل عدم سقوطه مطلقا فإن دل دليل على سقوطه في موضع قيل به عملا بالدليل.
ــــــ
وكان الباقي على أصل الدليل وعلى هذا لا يتوجه النقض بالأركان على من أوجبها أو أسقطها عن المسبوق.
ولو أدركه في الركوع فأتى بتكبيرة الإحرام فقط صحت صلاته مع تركه تكبيرة الركوع وهذا واجب سقط للعذر كذا في مسألتنا.
ولو قام الإمام عن التشهد الأول فذكره بعد شروعه في القراءة أو قبلها وقلنا لا يرجع والمأموم جالس قام وتبعه وهذا واجب سقط للعذر وهو متابعة الإمام.
ومن أدلة وجوبها على المأموم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال إني أراكم تقرءون وراء إمامكم قال قلنا يا رسول الله إي والله قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها رواه الترمذي.
حدثنا عباد حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة وقال حديث حسن وقد رواه أحمد في المسند من حديث ابن إسحاق عن مكحول وروى أيضا حدثنا أبي عن بن إسحاق حديث مكحول فذكره ولم أجد أحمد رواه من غير حديث أبي الخفاف1 عن محمد بن أبي عاصم عن صحابي وعن أبي معاذ كما سيأتي بعد ذلك ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن خزيمة حدثنا مؤمل بن هشام اليشكري حدثنا إسماعيل بن علية عن محمد بن إسحاق حدثني مكحول ورواه أبو داود من حديث ابن إسحاق وكذلك الدارقطني وقال إسناده حسن وفي لفظ " لا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن ".
رواه النسائي أخبرنا هشام بن عمار عن صدقة عن زيد بن واقد عن حزام ابن حكيم عن نافع بن محمود بن ربيعة عن عبادة.
__________
1- في الكنى للدولابي: أبو خفاف ناجية بن كعب القرطي كوفي روي عنه شعبة
ــــــ
ورواه أبو داود من حديث زيد بن واقد وكذلك رواه الدارقطني وقال إسناد حسن ورواته ثقات كلهم وعنده أنه سمع عبادة بن الصامت ولحديث عبادة غير طريق وقد رواه البخاري في غير الصحيح وصححه ورواه أيضا ابن حبان والطبراني والبيهقي وغيرهم وقد ضعف الإمام أحمد حديث عبادة من قبل ابن إسحاق وقال لم يرفعه غير ابن إسحاق واعتمد ابن الجوزي على هذا وابن إسحاق لم ينفرد به والظاهر أن الإمام أحمد لم يقع له غير طريق محمد بن إسحاق فلهذا قال هذا وابن إسحاق مختلف فيه والأكثرون على أنه ثقة إذا صرح بالسماع كما هو هنا فالصواب حسن حديثه لزوال التدليس الذي يخشى منه وقال الترمذي وروى هذا الحديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " قال وهذا أصح.
والظاهر أن مراده أن هذا أصح إسنادا من حديث ابن إسحاق فإنه قد حسن حديث ابن اسحاق ولو كان ضعيفا لم يحسنه وضعف أيضا من قبل زيد بن واقد فإن أبا زرعة قال فيه ليس بشيء كذا قال ابن الجوزي وتبعه المصنف في شرح الهداية وليس كذلك فإن زيد بن واقد هذا دمشقي من أصحاب مكحول وثقه الإمام أحمد وابن معين وروى له البخاري في الصحيح ولم يقل فيه أبو زرعة ليس بشيء إنما قال في زيد بن واقد البصري الذي يروي عن حميد وقال ابن عبد البر في نافع بن محمود هو مجهول وليس كذلك فإنه يروي عنه غير واحد من الثقات ووثقه ابن حبان والثاني سديد في الرجال وقد أخرج له ولم أجد فيه جرحا.
وهذه إشارة إلى حديث عبادة ومن نظر فيه ظهر له حسنه وأنه صالح
ــــــ
للاحتجاج به وهو في خصوص المأموم وخصوص القراءة وقد احتج به ابن الجوزي على خصمه الحنفي في قراءة الفاتحة إذا لم يجهر.
قال المصنف في شرح الهداية ثم لو صح فحديث إذا قرأ الإمام فأنصتوا أصح منه إسنادا فهو مقدم عليه
وهذا فيه نظر لأنه بتقدير صحته يجب تقديمه على حديث إذا قرأ فأنصتوا لخصوصه وهذا ظاهر.
قال ثم يحمل قوله: " إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " على الفضيلة والاستحباب لا استثناء من قوله: " فلا تفعلوا " والمراد به استحباب الترك.
وهذا فيه نظر أيضا لأن الصواب مذهبا ودليلا أن حرف النفي إذا دخل على شيء دل حقيقة على عدم صحته فالتزام هذا المحذور الذي ذكره من غير ضرورة ظاهرة بعيد مع أنه مخالف للمذهب لا على كراهة قراءتها بل قد ذهب بعضهم إلى البطلان فإن كان ولا بد من مخالفته فمخالفته بالمصير إلى قول سلف وعليه جماعات من الأئمة أولى لا سيما وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه سئل عن القراءة خلف الإمام فقال اقرأ بفاتحة الكتاب قلت وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قلت وإن جهرت قال وإن جهرت رواه جماعة بمعناه منهم سعيد بن منصور والدارقطني وهذا لفظه وقال إسناد صحيح.
والاستحباب يروى عن الليث والأوزاعي.
وقد روى معنى حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه رواه الإمام أحمد عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من الصحابة ورواه أيضا عبد بن حميد في مسنديهما من حديث أبي قتادة ورواه الطبراني من حديث
ويسن له أن يستفتح ويتعوذ ويقرأ إلا أن يسمع إمامه فيكره وعنه لا يكره أن يستفتح ويتعوذ بحال وعنه يستفتح بكل حال ولا يتعوذ إذا سمع إمامه ومن لم يحسن سورة الحمد لزمه تعلمها فإن ضاق الوقت قرأ من غيرها سبع آيات لا تنقص عنها في الحروف فإن نقصت فعلى وجهين [المذهب الصحة].
__________
عبد الله بن عمرو وغير ذلك من الوجوه وفيها ضعف والله سبحانه وتعالى أعلم.
وحكى القاضي في وجوبها على المأموم في صلاة السر وجهين.
أحدهما تجب ولا تجب في صلاة الجهر مطلقا حكاه ابن المنذر عن الزهري ومالك وعمرو بن دينار وأحمد وإسحاق بن سعيد المؤدب سألت أحمد بن حنبل عن القراءة خلف الإمام فقال اقرأ إذا لم يجهر وظاهره وجوب القراءة في غير حالة الجهر وقال في رواية ابن مشيش وسئل عن القراءة قراءة الإمام لك قراءة فقال هذا الآخر أقوى يعني إذا جهر فأنصت وإذا خافت فاقرأ هكذا في مسائل ابن مشيش.
فصار في وجوبها على المأموم أربعة أقوال.
قوله : "ويسن له أن يستفتح ويتعوذ ويقرأ إلا أن يسمع إمامه فيكره".
قال المصنف في شرح الهداية في فصل سكتات الإمام وعلى كل حال فمتى سكت الإمام السكوت المذكور أو غيره لغفلة أو نوم أو تعب أو اشتغال أو غير ذلك فاغتنام القراءة فيه للمأموم مستحب.
ظاهة استحباب القراءة إذا لم يسمع مطلقا فيدخل فيه استحباب القراءة عند رؤوس الآي واختاره الشيخ زين الدين بن المنجي لأنه الآن لا يسمى قارئا ويقال هو ساكت وقد سكت والأمر بالإنصات إنما هو لاستماع القرآن ولا قراءة في هذه الحال وليس هذا ببعيد إن لم يخالف الإجماع
وإن لم يحسن إلا آية كررها بقدرها وقال ابن أبي موسى لا يجب تكرارها.
وإن لم يحسن قرآنا لزمه قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر فإن لم يحسن ذكرا وقف بقدر الفاتحة.
ثم يرفع يديه ويركع مكبرا ويجعل يديه على ركبتيه ورأسه بإزاء ظهره ويجافي عضديه على جنبيه وإن انحنى بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه أجزأه.
ويقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاثا وهو أدنى الكمال.
__________
وقد قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم: "إذا كان له سكتات قرأ الحمد وإذا لم تكن له سكتات قرأ عند انقطاع نفسه".
واختار ابن المنذر في الإشراف أنه يقرأ في سكتات الإمام فإن بقي من الفاتحة شيء قرأ عند وقفات الإمام فإن بقي شيء فإذا ركع الإمام.
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية هذا لم يقله أحد من العلماء.
وقوله : "فيكره" هذا هو المشهور قال في رواية الميموني يقرأ فيما لا يجهر فيه الإمام ولا يقرأ فيما جهر فيه الإمام وقال في رواية أبي الخطاب لا يقرأ فيما يجهر فيه ويقرأ فيما يسر وقال في رواية عبد الله يقرأ فيما لا يجهر به الإمام فإن جهر أنصت وقال في رواية صالح يقرأ فيما لا يجهر ولا تعجبني القراءة خلف الإمام يعني فيما يجهر أحب إلى أن ينصت وقال في رواية يقرأ فيما لا يجهر ولا يعجبني أن يقرأ والإمام يجهر ذكره جماعة منهم القاضي وأبو الخطاب وصاحب المستوعب وهو معنى كلام الشيخ موفق الدين والمصنف في شرح الهداية وقدم ابن تميم التحريم وذكر في الرعاية الكراهة ثم قولا ببطلان الصلاة بها ومراده والله أعلم على هذا وتكون القراءة محرمة.
قوله : "وإن انحنى بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه أجزأه"
أطلق العبارة وصرح جماعة من الأصحاب في حق متوسط الناس في اليدين
ثم يرفع رأسه ويديه قائلا "سمع الله لمن حمده" إن لم يكن مأموما.
فإذا انتصب قال ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ويقتصر المأموم على التحميد ويأتي به في رفعه وقيل: هو كالإمام والمنفرد.
__________
لو قدر ذلك في حق غيره وأما اشتراط مس ركبتيه بكفيه وعدم الاكتفاء بأصابعه فلم أجد أحدا صرح بالاكتفاء لكن ظاهر كلامه وكلام جماعة الاكتفاء وقد قال حرب قلت لأحمد متى يدرك الرجل الركوع مع الإمام قال إذا وضع يديه على ركبتيه وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه وقطع جماعة منهم الآمدي وابن البنا وصاحب التلخيص بعدم الاكتفاء فإنه لا بد من مس ركبتيه بكفيه.
فصل
لم يذكر حكم يديه بعد الرفع من الركوع قال الإمام أحمد إن شاء أرسلهما وإن شاء وضع يمينه على شماله وقطع به القاضي في الجامع لأنه حالة قيام في الصلاة فأشبه قبل الركوع لأنه حالة بعد الركوع فأشبه حالة السجود والجلوس وذكر في المذهب والتلخيص أنه يرسلهما بعد رفعه وذكر في الرعاية أن الخلاف هنا كحالة وضعهما بعد تكبيرة الإحرام.
فصل
ظاهر كلامه أنه لا يرفع يديه للسجود ولا للرفع منه وهو ظاهر المذهب والمشهور وعنه يرفع ونص على أنه يرفع في كل خفض ورفع وذكره القاضي وغيره.
وإن قرأ سجدة فهل يرفع يديه حين انحطاطه للسجود فيه؟ روايتان,
ثم يكبر ويخر ساجدا ويضع ركبتيه ثم يديه ويجب السجود على يديه وركبتيه وأطراف أصابع رجليه وجبهته وفي الأنف روايتان ولا يجب مباشرة المصلى بشيء منها وعنه يجب بالجبهة.
ويسن أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويجعل يديه حذو منكبيه أو أذنيه ويفرق بين ركبتيه ويقول "سبحان ربي الأعلى" ثلاثا وهو أدنى الكمال.
ثم يرفع مكبرا فيجلس على رجله اليسرى مفترشا وينصب اليمين ويقول "رب أغفر لي" ثلاثا ثم يسجد الثانية كالأولى.
__________
ذكرهما القاضي وغيره أنصهما أنه يرفع وقدمه جماعة والثانية لا يرفع اختاره القاضي في موضع وذكر غير واحد أنه قياس المذهب.
وإذا فرغ من القنوت فهل يرفع يديه للسجود فيه وجهان وذكر غير واحد أن المنصوص الرفع وقطع به القاضي وغيره قال أبو داود رأيت أحمد إذا فرغ من القنوت وأراد أن يسجد رفع يديه كما يرفعهما عند الركوع.
وقال حبيش بن سندي إن أبا عبد الله لما أراد أن يسجد في قنوت الوتر رفع يديه قال القاضي وظاهر هذا أنه يرفع لأن القنوت ذكر طويل يفصل حال القيام مقصود فهو كالقراءة وقد ثبت أن التكبير عقيب القراءة يرفع له كذلك هذا فهذا هو مذهب الإمام أحمد وإن كان عدم الرفع في هذا الموضع قويا أو أقوى في الدليل.
وهذه المسألة يعاني بها فيقال أين لنا موضع يرفع يديه للسجود فيه؟.
قوله : "ويجعل يديه حذو منكبيه أو أذنيه"
وظاهر هذا: أنه يخير وقال في رفعهما إذا أراد الدخول في الصلاة إلى منكبيه وعنه: إلى أذنيه وعنه هما سواء يعني فيخير.
ثم يرفع مكبرا فيقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه إلا أن يشق عليه فيعتمد بالأرض وعنه يجلس للاستراحة على قدميه وإليتيه ثم ينهض كما وصفنا.
ثم يفتتح الثانية بالقراءة ولا يتعوذ وعنه يتعوذ ويتمها كالأولى.
__________
وظاهر هذا أنه قطع بالتخيير في حالة السجود وأن المختار في حالة الدخول في الصلاة غيره وهذا فيه نظر.
وقد قال الشيخ مجد الدين في شرح الهداية إن قولنا إنه يضع يديه حذو منكبيه وهو قول الشافعي إنه مبنى على رفعهما حذوهما وإن قلنا إن السنة رفعهما إلى الأذنين موضعهما في السجود حيالهما قال أبو حنيفة وهذا صحيح فعلى هذا مراده ويجعل يديه حذو منكبيه أو أذنيه يعني على ما تقدم من الخلاف ليس مراده التخيير ومن قال هنا يجعل يديه حذو منكبيه واقتصر على ذلك فرع على المختار في رفعهما في الدخول في الصلاة إن كان ذكر الخلاف فيه وإلا فيكون قد قطع في الموضعين برفعهما حذو منكبيه وهذه العبارة أوضح ولا إبهام فيها.
قوله : "ولا يتعوذ" هذا أجود من إطلاق الروايتين في المسألة لأنه هو الراجح مذهبا ودليلا.
قال القاضي نقل الجماعة بكر بن محمد ومهنا وأبو طالب وأحمد بن الحسن بن حسان وصالح لا يكرر انتهى كلامه وذلك كما لو كان في غير صلاة فسكت بنية القراءة فإن القراءة لا تحتاج إلى استعاذة اكتفاء بالاستعاذة السابقة جعلا للقراءتين كالواحدة كذا في مسألتنا بل أولى لشدة ارتباط بعض الصلاة ببعض قال القاضي ولأن القراءة في الركعة الثانية مبنية على القراءة في الركعة الأولى بدليل أنه يجمعهما فعل واحد وهي الصلاة
ثم يجلس مفترشا ويجعل يديه على فخذيه فيبسط أصابع اليسرى مضمومة ويقبض الخنصر والبنصر من اليمنى ويحلق الإبهام مع الوسطى ويتشهد فيقول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويشير بالسباحة في تشهده مرارا.
ثم ينهض إن كانت صلاته مغربا أو رباعية فيصلى الثالثة والرابعة كالثانية لكنه يسر القراءة ولا يجاوز الفاتحة.
__________
الواحدة والصلاة الواحدة حكمها في حكم الفعل الواحد بدليل أنه يقتصر فيها على تحريمة واحدة وبدليل أنه إذا أدرك من الوقت ركعة كان بمنزلة إدراك جميعها وبدليل أن بإدراك ركعة تدرك فضيلة الجماعة كما لو واصل قراءة السور وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت
وإطلاق كلامه في المحرر غير مراد فإنه لو ترك الاستعاذة في الأولى أتى بها في الثانية صرح به جماعة قال ابن الجوزي رواية واحدة والاستفتاح بخلاف ذلك نص عليه الإمام لأنه يراد لافتتاح الصلاة والاستعاذة للقراءة وقيل: يستفتح إن وجب وقيل: إن سن.
ويعايى بهذه المسألة فيقال أين لنا موضع المذهب أنه يأتي بالاستعاذة في الركعة الثانية من غير خلاف صريح في ذلك؟
وقوله في المحرر: "وعنه يتعوذ" نقلها جعفر بن محمد.
قوله : "ويبسط أصابع يده" يعني اليسرى كذا ذكره أكثر الأصحاب واحتج له المصنف بأنه أكثر رواية عنه عليه الصلاة والسلام فيعلم أنه الغالب.
ثم يجلس متوركا فيفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجها عن يمينه ويجعل إليتيه على الأرض ثم يتشهد بالتشهد الأول ثم يقول: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ثم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يسرته كذلك ولا تجب التسليمة الثانية في النفل وفي الفرض روايتان وهل قول ورحمة الله واجب؟ على وجهين.
ومن نوى بسلامه على الحفظة والإمام والمأموين صحت صلاته وإن لم
__________
فيكون أولى وقطع في الكافي بأنه يفعل ذلك أو يلفها على ركبته وهذا متوجه لصحة الرواية بذلك ودعوى ما ذكر من الترجيح فيه نظر.
قوله في المحرر "ومن نوى بسلامه على الحفظة والإمام والمأمومين صحت صلاته وإن لم ينو الخروج نص عليه وقيل: لا تصح وقيل: إن نوى الخروج صحت وإلا فلا تصح".
يعني: أن من نوى بسلامة على الحفظة والإمام والمأموم صحت صلاته سواء نوى الخروج من الصلاة أو لم ينوه ودليله واضح وقيل: لا تصح صلاة من نوى بسلامه على الحفظة والإمام والمأموم سواء نوى الخروج من الصلاة أو لم ينوه لأنه قصد خطاب مخلوق فأشبه تشميت العاطس أو قول الحمد لله يقصد بها القراءة وتشميت العاطس وقيل: إن نوى مع نية سلامه على الحفظة والإمام والمأموم نية الخروج صحت صلاته لأنه لم يتمحض خطاب آدمي وإلا لم تصح لتمحضه خطاب آدمي ولهذا لو قال لمن
ينو الخروج نص عليه وقيل: لا تصح وقيل: إن نوى الخروج صحت وإلا فلا تصح.
ويجهر الإمام بأول تسليمة ويسر بالثانية نص عليه وقال ابن حامد عكسه وإن كانت صلاته ركعتين جلس عقيبهما مفترشا وأتى بما ذكرنا في التشهد الثاني.
والمرأة كالرجل في ذلك كله لكن لا تتجافى في ركوع ولا سجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها عن يمينها فهذه صفة كمال الصلاة.
__________
دق عليه الباب "ادخلوها بسلام آمنين" يقصد بنيته القراءة لم تبطل في الأصح ولو لم يقصد بطلت كذا قيل وفيه نظر والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد محل وفاق وهو خطاب مخلوق وقد ظهر من هذا أنه إذا نوى الخروج فقط أن صلاته تصح وقال ابن تميم وعنه لا يترك السلام على الإمام في الصلاة وقال في الرعاية وقيل: إن ترك السلام على الإمام بطلت صلاته وقد قال سمرة رضي الله عنه " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض " وبتقدير صحته فهو من بعد حظر الكلام وقرن به ما ليس بواجب وقد عرف مما تقدم أنه لا يمكن الخروج من الخلاف في هذه المسألة ومن اعتبر نية الخروج وهو قول ابن حامد وصححه ابن الجوزي ولم يذكر ابن هبيرة عن أحمد غيره وحكاه بعضهم رواية عن الإمام أحمد وظاهر قوله: أن نية الخروج ركن لأنه قاس التحليل على التحريم في اعتبار النية ومراده نية الصلاة لأنه لا يعتبر لتكبيرة الإحرام نية مفردة وقد عرف من هذا ضعف قياسه لأن التحليل والتحريم سواء في أنه لا يعتبر لكل واحد منهما نية مفردة ونية الصلاة تشملهما فهما كسائر أجزائها وقال الآمدي إذا قلنا بوجوبها فتركها عمدا بطلت صلاته فإن كان سهوا صحت وسجد للسهو.
والفرض من ذلك القيام والتحريمة وقراءة الفاتحة وعنه أنها سنة وأن الفرض قراءة آية والركوع والاعتدال عنه والسجدتان والجلسة بينهما والطمأنينة في هذه الأفعال والتشهد الأخير وجلسته والصلاة على رسول الله
__________
قوله : "والفرض من ذلك القيام"
لو قام على أحد رجليه لم يجزئه ولو استند إلى شيء بحيث لو أزيل ما استند إليه سقط لم يجزئه قطع به ابن الجوزي وغيره ودليله ظاهر وكلامه صادق عليها.
قوله : "وقراءة الفاتحة".
هذا المذهب قال القاضي نص على هذا في رواية الجماعة وبه قال مالك والشافعي فعلى هذا إن تركها من ركعة ناسيا بطلت الركعة وعلى هذا إن نسيها في الأولى والثانية قرأها في الثالثة والرابعة مرتين وسجد للسهو صرح به بعضهم ولعل مراد ابن عقيل بإشارة أحمد إلى ما رواه عبد الله عن أبيه "إذا ترك القراءة في الأوليين قرأ في الأخريين وسجد للسهو بعد السلام وإن ترك القراءة في الثلاث ثم ذكر في الرابعة فسدت صلاته واستأنفها وإن نسي القراءة في أول ركعة من المغرب قرأ فيما بقي وإن نسي في ركعتين من المغرب فسدت صلاته وكذلك الفجر إن ترك القراءة في آخر ركعة".
قال القاضي: ظاهر هذا: أن فرض القراءة في ركعتين من الصلاة وأنه يجب القراءة في جميع صلاة الفجر وفي الركعتين من المغرب وركعتين من الظهر والعصر والعشاء.
قال الخلال: ما فسره عبد الله فهو على معنى فعل عمر في الرواية التي لم تصح عنده وقد بينها وتركها وذهب إلى قول من روى عن عمر القراءة يعني الخلال قول أحمد في رواية صالح وذكر له حديث عمر: "أنه لم يقرأ في الركعة الأولى من المغرب فقرأ في الثانية الحمد وسورة ثم أعادها" - لا أذهب
صلى الله عليه وسلم وعنه أنها سنة وعنه تجب مع الذكر وتسقط بالسهو والسلام الترتيب لذلك.
فهذه ثلاثا عشر ركنا لا تسقط في عمد ولا سهو وما سواها فمسنون.
__________
إليه وأذهب إلى حديث عمر "صلى فلم يقرأ فأعاد الصلاة".
قال القاضي ومذهب أبي حنيفة نحوها حكاه عبد الله والأول هو الذي عليه العمل في المذهب نص عليه في رواية إسماعيل بن سعيد وحرب وصالح.
وقد عرف من هذا أنه لا يكتفي بقراءة المأموم مع ترك الإمام القراءة وقد قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن البهلول لا أقرأ فيما جهر الإمام لقول الله تعالى {وإذا وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [ الأعراف: ] وما خافت قرأت فيه لأني لست آمن على الإمام النسيان.
قال القاضي وظاهر هذا التعليل من أحمد يقتضي أن الإمام إذا سها عن القراءة ووجد من المأموم القراءة أن صلاة المأموم صحيحة والمنصوص عنه خلاف هذا وأن صلاة المأموم لا تصح انتهى كلامه.
وقوله : "وعنه أيضا سنة وأن الفرض قراءة آية" ذكرها غير واحد قال حرب قلت لأبي عبد الله رجل قرأ بآية من القرآن ولم يقرأ بفاتحة الكتاب قال الصلاة جائزة قلت قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " قال على طريق الفضل لا على طريق الإيجاب.
قال القاضي وهذا صريح في أن الصلاة تصح بغير الفاتحة وأنها لا تتعين بها وبه قال أبو حنيفة واعتبر القاضي المسألة بالقراءة في الخطبة وقراءة الجنب وفيها خلاف وذكر ابن هيبرة رواية عن أحمد أنها تصح بغير الفاتحة مما تيسر وهو قول أبي حنيفة وظاهر هذا الاكتفاء ببعض آية وقال غير واحد:
ما خلا ثمانية: التكبير لغير الإحرام والتسميع والتحميد وتسبيحتي الركوع والسجود مرة مرة وقول رب اغفر لي مرة والتشهد الأول وجلسته فهذه
__________
إن لم نقل تتعين الفاتحة اعتبرنا أن يقرأ سبع آيات وهل يعتبر أن يكون في عدد حروفها على وجهين وعن الإمام أحمد لا يجب في ركعتين من الأوليين ويسبح في الأخريين لأن القراءة لو وجبت في بقية الركعات لسن الجهر بها.
وحكى ابن هبيرة الاتفاق على أن القراءة فرض في ركعتين من الرباعية والثلاثية وركعتي الفجر وعند أبي حنيفة لا تجب القراءة في غير ذلك وذكر الشريف وأبو الخطاب هذا رواية عن أحمد وظاهر هذا أنه لا يعتبر أن يكون الأوليين.
فصل
يؤخذ من كلامه وكلام غيره أن الإعادة على المأموم لجهله قراءة إمامه وقال في الرعاية وإن جهل ما قرأ به إمامه لم يضر وقيل: تبطل صلاته وهو بعيد وقيل: يتمها وحده انتهى كلامه.
وقال القاضي في الجامع الكبير فرع في رواية أحمد بن أصرم في رجل صلى خلف إمام فقيل له ما قرأ فقال لا أدري عليه إعادة الصلاة.
قال أبو إسحاق في تعليقه بيانها عندي والله أعلم إذا لم يدر هل قرأ فاتحة الكتاب أو غيرها لا يجهر فيما يجهر فيه بالقراءة وليس يمنعه مانع من السماع لأن قراءة الإمام له قراءة انتهى كلامه.
واختار الشيخ تقي الدين أن هذا النص معلل بأن المأموم يجب عليه الإنصات لقراءة إمامه ولم يفعل فقد ترك واجبا وأما علمه بقراءة الإمام الفاتحة فلا يعتبر لأنه لا يجب على المأموم تحصيل العلم بأن الإمام قد أتى بما يعتبر للصلاة بل
واجبات يبطل الصلاة تركها عمدا وتسقط بالسهو وعنه أنها سنن.
ولا يدعو في تشهده إلا بما في الأخبار وما يرجع لأمر دينه.
__________
يكفي الظاهر حملا للأمور على الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد عملا بحديث عائشة رضي الله عنها في شكهم في التسمية على الذبيحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سموا الله أنتم وكلوا " ولما في ذلك من الحرج والمشقة.
قوله : "فهذه واجبات تبطل الصلاة بتركها عمدا".
لو أدرك الإمام في الركوع فكبر تكبيرة الإحرام خاصة صحت صلاته ولم يضر تركه لتكبيرة الركوع قطع به في المحرر وقطع به الكافي وغيره وقدمه غير واحد قال المصنف في شرح الهداية المنصوص عن الإمام أحمد في مواضع أنها لا تبطل وهو قول أبي حنيفة ومالك الشافعي وحكى المصنف عن بعض الأصحاب عدم الصحة إذا تركها عمدا بناء على أصلنا وحكاه غيره رواية عن الإمام أحمد وصححها ابن عقيل وابن الجوزي وابن حمدان وهو ظاهر كلامه في "المستوعب والتلخيص" وغيرهما.
قال ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وزيد بن ثابت قالا إذا أدرك الرجل القوم ركوعا فإنه تجزئه تكبيرة واحدة رواه الإمام أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم عن عبد الأعلى وقال أذهب إلى حديث ابن عمر وزيد بن ثابت انتهى كلامه.
وقد روى غير واحد فعلهما واحتج به الإمام أحمد في غير موضع وقال ابن منصور قلت للإمام أحمد قال سفيان تجزئه تكبيرة إذا نوى بها افتتاح الصلاة قال الإمام أحمد إي والله إذا نوى ابن عمر وزيد بن ثابت قالا ذلك ولأنه يخاف من اشتغاله بتكبيرة الركوع في محلها وهو الخفض فوات الركعة.
ومن تكلم في صلاته عمدا أو سهوا بطلت وعنه لا تبطل إلا بالعمد وعنه تبطل بهما إلا لمصلحتها وعنه تبطل بهما إلا صلاة إمام تكلم لمصلحتها وعنه تبطل بهما إلا لمصلحتها سهوا وهو أصح عندي.
ومن قهقه أو نفخ فأبان حرفين فقد تكلم وكذلك إن تأوه أو أن أو بكى إلا من خوف الله فلا بأس وفي النحنحة روايتان.
__________
فكان عذرا في سقوطها ولأن التكبيرة شرعت للفصل في محال مختلفة فلما تعاقب ههنا المحلان من غير فصل حصل المقصود بأعلاهما كما لو طاف للزيارة عند خروجه فإنه يجزئه عنه وعن طواف الوداع ولو قام الإمام عن التشهد الأول فذكر بعد شروعه في القراءة أو قبلها وقلنا لا يرجع والمأموم جالس قام وتبعه في صحيح المذهب.
قوله : "ومن تكلم في صلاته عمدا أو سهوا بطلت وعنه لا تبطل إلا بالعمد".
ظاهر هذا أنه إذا تكلم جاهلا بطلت وإن قلنا لا تبطل صلاة المتكلم ساهيا وليس كذلك فإن الجاهل هنا إما كالناسي أو لا تبطل صلاته وإن بطلت صلاة الساهي كما اختاره القاضي والشيخ مجد الدين وكذا حكم كل كلام من تكلم بإيماء أو غلبة سعال أو عطاس ونحوه فبان حرفان أو سبق على لسانه كلمة لا من القرآن أو نحو ذلك وهذا بخلاف كلام المكره على الكلام في الصلاة فإن الأصحاب اختلفوا فيه فمنهم من قال حكمه حكم كلام الناسي وهو الذي ذكره في التلخيص وغيره وهو ظاهر كلام ابن الجوزي وغيره وقال القاضي لا تبطل بخلاف الناسي لأن أقواله ملغاة وصحح الشيخ موفق الدين الإبطال به وهو الذي ذكره أبو علي بن الشهاب العكبري في عيون المسائل كما لو أكره على زيادة فعل والنسيان يكثر فهذه ثلاث طرق اختار في المحرر أحدها.
واللحن لا يبطل الصلاة إذا لم يحل المعنى فإن أحاله كان عمده كالكلام.
__________
قوله في المحرر: "واللحن لا يبطل الصلاة إذا لم يحل المعنى فإن أحاله كان عمده كالكلام وسهوه كالسهو عن كلمة وجهله كجهلها والعجز عن إصلاحه كالعجز عنها".
اللحن الذي لا يحيل المعنى تصح معه الصلاة عندنا قال إسحاق بن إبراهيم إنه سمع أحمد يقول إذا كان الإمام يلحن لحنا كثيرا لا يعجبني أن يصلى خلفه إلا أن يكون قليلا فإن الناس لا يسلمون من اللحن يصلي خلفه إذا كان لحنة أو لحنتين واستدل على ذلك بأنه أتى بأصل الحرف على وجه يؤدي معنى الكلمة وقد يكون من الإعراب بدليل سقوطه في الوقت ثم هل يجوز تعمد الإتيان بهذا اللحن ظاهر قول أصحابنا هذا أنه لا يحرم تعمده بل يكره لأنه إما أن يكون أتى بقراءة مأمور بها وإن كان صحت صلاته مع نقص فيها لقوله: عليه الصلاة والسلام: " من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف منه حسنة ".
وفي كلام الشيخ وغيره من الأصحاب أنه يلزمه الإتيان بقراءة الفاتحة غير ملحون فيها لحنا يحيل المعنى وظاهر هذا أنه لا يلزمه الإتيان بقراءة خالية من لحن لا يحيل المعنى وصرح ابن عقيل في صفة الصلاة من الفصول على قولنا تتعين الفاتحة أنه إذا لحن مع القدرة على أن لا يلحن إن كان لحنا يحيل المعنى لم تجزئه قراءته ووجب إعادتها وإن لم تحل المعنى لم تبطل القراءة وقال في الفنون سئل حنبل عن القراءة بتلحين فقال مكروه إن لم أبلغ به التحريم وذكر معنى مليحا فقال إن للقرآن كتابة وتلاوة ثم إن هذا التلحين والترجيع لو سطر كان خارجا عن كون هذا المكتوب مصحفا لأن الترجيع يعطي في الهجاء حروفا تخرج عن خط المصاحف,
وسهوه كالسهو عن كلمة وجهله كجهلها والعجر عن إصلاحه كالعجز عنها.
__________
وما أفضى إلى ذلك كان أكثر من اللحن الخارج عن العربية انتهى كلامه.
ومراده اللحن الذي لا يحيل المعنى لأن المحيل المعنى يحرم بلا خلاف فعلى هذا القراءة بتلحين لا يحيل المعنى مكروهة وأحدهما أشد كراهة قال ابن الجوزي في المذهب إذا لحن لحنا يحيل المعنى وكان قادرا على الصواب بطلت وظاهر هذا أنه لو لم يحل المعنى مع قدرته على الصواب لم تبطل واختار الشيخ زين الدين بن منجي أنه يحرم تعمد الإتيان بلحن لا يحيل المعنى فإن فعل لم تصح صلاته لاستهزائه وتعديه وهو قول حسن وذكر ابن عقيل في الإمامة من الفصول أنه إن كان اللحن في غير الفاتحة لم يؤثر في صحة إمامته وإذا كان عجزا أو سهوا وتبطل إذا كان عمدا لأنه يكون مستهزئا بالقرآن وإن كان يلحن في الفاتحة فإن كان لحنا يحيل المعنى لم تصح صلاة من لا يلحن بمن يلحن ويصح الائتمام به إذا كان مساويا له ولم يزد على ذلك وعند الشافعية يحرم فعل ذلك فإن فعل صحت صلاته على الصحيح عندهم.
واللحن الذي يحيل المعنى عمده كالكلام أي إن المتكلم بكلمته إن كان عامدا بطلت صلاته وإن كان ناسيا جاهلا فهو على الخلاف المشهور فيمن تكلم في صلاته بكلمة من غيرها ساهيا أو جاهلا لأنه بإحالة المعنى صار كغيره من الكلام فيكون له حكمة والعجز عن إصلاحه كالعجز عن تلك الكلمة ولم يفرق في المحرر بين الفاتحة وغيرها والمعروف في المذهب أن له قراءة ما عجز عن إصلاحه في فرض القراءة وعند أبي إسحاق ابن شاقلا ليس له ذلك لأنه ليس قرآنا وإن قدر على إصلاحه والوقت متسع لم تصح صلاته وأما ما زاد على فرض القراءة فتبطل صلاته إن تعمده ويكفر إن اعتقد إباحته وإن كان لجهل أو نسيان أو آفة أو عجمة :لم
والعمل المستكثر عادة لغير ضرورة يبطل عمده وسهوه ويسير الأكل والشرب يبطل الفرض عمده دون سهوه وفي النفل روايتان.
__________
تبطل في اختيار ابن حامد والقاضي وأبي الخطاب وأكثر الأصحاب وهو مذهب الشافعي وللحنفية قولان وعلى هذا تكون إحالة المعنى في غير الفاتحة مانعا من صحة إمامته إذا لم يتعمده وقطع به في الشرح والقول بالبطلان قول أبي إسحاق بن شاقلا ككلام الناس إذا أتى سهوا أو جهلا واستدل في شرح الهداية على عدم البطلان قال لأن قصارى لحنه أن يجعل ما قرأه كالعدم وذلك لا يضر لأن مازاد على المجزئ سنة انتهى كلامه وتقدير هذا الموجود معدوما ممنوع وهي دعوى مجردة.
وهذه المسألة تشبه مسألة ما إذا سبق لسانه بتغيير نظم القرآن بما هو منه على وجه يحيل معناه مثل أن يقرأ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون إن المتقين في ضلال وسعر ألا إن حزب الله هم الخاسرون ونحو ذلك وهل تبطل فيه روايتان إحداهما: تبطل لأنه لم يبق قرآنا لتغيير نظمه ومعناه والثانية لا تبطل ولا يسجد لسهوه لأنه قصد المشروع في الصلاة فلم تبطل بتغيير نظمه سهوا كالأركان ولأنه قصد إتمام الأول بما يليق به وبناء الثاني على ما يليق به فقدمها بترك ما بينهما فأشبه ما إذا كنى فيها عن آية أو عن خبر مبتدأ ولذلك لم يسجد للسهو لأن البلوى به تعم لا سيما في التراويح والأوراد بخلاف كلام الآدميين وعلى هذا لا يبقى قرآنا في الاحتساب والاعتداد به لا في الإبطال به وهذا قول الحنفية مع قولهم إن الناسي تبطل صلاته.
وقطع الشيخ مجد الدين بأنه لا يسجد للسهو وفيه نظر لأن عمده مبطل فوجب السجود لسهوه كغيره وقد قال بعضهم هو كالناسي والناسي على
ومن مر بينه وبين سترته أو بقربه إن لم يكن له سترة كلب أسود بهيم قطع صلاته وفي المرأة والحمار روايتان.
وسترة الإمام سترة لمن خلفه.
__________
قولنا: تصح صلاته ويسجد للسهو.
وقوله على الرواية الأولى "تبطل صلاته" ينبغي أن يكون على قولنا تبطل صلاة كل متكلم فأما على قولنا إن المعذور لا تبطل صلاته فهذا أيضا لا تبطل صلاته ويسجد للسهو لأن غاية المأتي به أن يكون كلاما غير سائغ على سبيل العذر.
قوله في الكلب الأسود البهيم: "إنه يقطع صلاته"
الأسود البهيم هو الذي لا لون فيه سوى السواد قطع به جماعة وقطع غير واحد بأنه إذا كان بين عينيه نكتتان مخالفتان لونه فلا يخرج بهما عن كونه بهيما وذكر المصنف في شرح الهداية أنه إذا كان بين عينيه بياض أن حكمه حكم البهيم في إحدى الروايتين قال وهو الصحيح والثانية لا وإن كان البياض منه في غير هذا الموضع فليس ببهيم رواية واحدة.
قوله : "وفي المرأة والحمار روايتان"
قال في الرعاية وقيل: أهلي وظاهر كلام الأصحاب أن الصغيرة التي لا يصدق أنها امرأة لا تبطل الصلاة بمرورها وهو ظاهر الأخبار وعلى هذا يحمل مرور زينب بنت أم سلمة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقدير صحته وبتقدير صغرها وهو الظاهر وإلا امتنعت من المرور لا سيما مع إشارته والأصل الصغر ولأن الأصل أن لا تبطل الصلاة بمرور شئ خولف فيما نص الشارع عليه يبقى ما عداه على عموم الدليل واستدلال غير واحد من الأصحاب بخبر زينب لرواية عدم بطلان الصلاة بمرور المرأة يدل على اشتراكهما
ــــــ
في هذا الحكم كما اشتركا في تنقيص الصلاة ولا يجيبوا عنه فصارت المسألة على وجهين وقد يقال هذه تشبه خلوة الصغيرة بالماء هل تلحق بخلوة المرأة على وجهين.
واسم الحمار إذا أطلق إنما ينصرف إلى المعهود المألوف في الاستعمال وهو الأهلي هذا هو الظاهر ومن صرح به من الأصحاب فالظاهر أنه صرح بمراد غيره فليست المسألة على قولين كما يوهم كلامه في "الرعاية".
باب ما يكره للمصلي وما لا يكره
باب ما يكره للمصلى ومالا يكرهيكره له أن يلتفت أو يرفع بصره أو يغمض عينيه أو يفرقع أصابعه أو يشبكها أو يتخصر أو يتروح أو يلمس لحيته أو يغطى وجهه أو يعقص شعره أو يلف كمه أو يفترش ذراعيه ساجدا أو يقعى بأن يجلس على عقبيه أو بينهما ناصبا قدميه أو يصلى حاقنا أو تائقا إلى طعام بحضرته أو يلبس
__________
قوله : "ويكره أن يتخصر أو يتروح".
التخصر: وضع يده على خاصرته ومراده بالتروح التروح على وجهه بشيء فإن كان لحاجة كغم شديد لم يكره فأما المراوحة بين رجليه في الفرض والنفل حال قيامه فقطع جماعة بأنه يستحب زاد بعضهم إذا طال قيامه ولا يستحب الإكثار منه فأما التطوع فإنه يطول وذكر في الكافي وغيره أنه يكره كثرة التمايل لأن فيه تشبها باليهود.
قوله : "ويكره: أن يصلي حاقنا أو تائقا إلى طعام بحضرته".
تبع جماعة على هذه العبارة وعبارة جماعة منهم أبو الخطاب وتبعه الشيخ وجيه الدين في الخلاصة ويكره أن يدخل في الصلاة وهو يدافع الأخبثين أو حين تنازعه نفسه إلى طعام وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء وصح عنه أيضا إذا أقيمت الصلاة ووجد
الصماء بأن يضطبع بثوب ليس عليه غيره إلا أن تبدو منه عورته فتبطل صلاته وعنه يكره وإن كان تحته غيره.
وله رد من مر أمامه وعد الآي والتسبيح وقتل الحية والمقرب والقملة ولبس الثوب ولف العمامة ورد السلام إشارة إلا أن يكثر ذلك متواليا فتبطل.
__________
أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء وهذا تقييد يقضي على إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " ولم أجد أحدا صرح بكراهة صلاة من طرأ له ذلك في أثنائها ولعل من أطلق العبارة رأى أن استدامة الصلاة ليست صلاة لكن قد احتجوا أو بعضهم على أن الطائف يقطع طوافه لإقامة الصلاة بقوله: صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" والطواف صلاة فيدخل في عموم النهي قال الإمام أحمد في رواية ابن مشيش وسئل عن الرجل يتطوع في المسجد فتقام الصلاة هل يدخل مع الإمام فقال يتم ثم يدخل مع الإمام فقيل له حديث أبي هريرة إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فقال إنما ذلك أن لا يبتدئ بصلاة إذا أقيمت الصلاة انتهى كلامه.
فجعلوا استدامة الصلاة صلاة وينبني على هذا ما لو حلف وعقد اليمين وهو مصل أن لا يصلي ونسي أنه في صلاة وقلنا لا تبطل صلاته في إحدى الروايتين فاستدام أو حلف لا يصلي فابتدأ الصلاة ناسيا وقلنا لا يحنث ثم ذكر فيها واستدام وقد قطع ابن عقيل بأنه إذا حلف لاصلى ولا صام فاستدام لم يحنث ولأصحابنا وجهان في مسألة الصوم ولعل ما أخذهما أن الصوم هل يقع على الاستدامه ولعل مسألة الصلاة كذلك لهذا سوى ابن عقيل بينهما.
قوله : "وله رد من مر أمامه" يعني بينه وبين سترته وبالقرب منه إذا لم تكن سترة والقرب ثلاثة أذرع وما زاد عليها بعيد نص عليه
وله القراءة في المصحف والفتح على إمامه.
وإذا ناب الرجل شيء في صلاته سبح والمرأة تصفق ببطن كفها على ظهر الأخرى وله إذا تلا آية رحمة أو عذاب أن يسأل ويتعوذ وعنه يكره في الفرض.
__________
قال المصنف في شرح الهداية وهو الأقوى عندي لأن ذلك منتهى المسنون في وضع السترة وعنه ماله المشي إليه لحاجة كقتل حية أو فتح باب وحكاه بعضهم وجها لأنه صلى عليه وسلم أمر أن يدفع المار أمامه مطلقا فخرج منه بالإجماع من كان على بعد تبطل صلاته بمشيه إليه فيبقى ما عداه على الظاهر وقيل: مقيد بالعرف فإن كان المكان ضيقا أو يتعين طريقا أو يمشي الناس فيه ونحو ذلك لم يرده قطع به بعضهم وقطع به المصنف في شرح الهداية فيما إذا لم يجد المار مساغا غيره قال ويكون المصلي مسيئا إن كان تعمد الصلاة في مجازات الناس وجعله قياسا على ما ذكره من نص أحمد في المسألة بعدها.
وقال ابن الجوزي في المذهب يكره أن يصلي في موضع يكثر الاجتياز فيه فإن فعل لم يجز لأحد أن يمر بين يديه وإطلاق كلامه في المحرر يقتضي هذا وفيه نظر وإطلاقه أيضا يقتضي أنه لا فرق بين المسجد الحرام وغيره وقدمه غير واحد للعموم وعنه لا كراهة ولا منع في المسجد الحرام وقطع به
باب سجود التلاوة
باب سجود التلاوة
وهو سنة للتالي ولمستمعيه الجائز اقتداؤهم به فإن لم يسجد لم يسجدوا ولا يسن للسامع.وهو أربع عشرة سجدة في الحج منها اثنتان وفي المفصل ثلاث وسجدة "ص" سجدة شكر وعنه هي من عزائم السجود.
باب سجود السهو
باب سجود السهو
ويجب سجود السهو لكل ما تصح الصلاة مع سهوه دون عمده كترك الواجبات والسلام من نقص وزيادة ركن فعلي كسجدة وقيام ونحوه فأما ترك السنن وزيادة ذكر في غير محله سوى السلام فلا سجود لعمده وهل يستحب لسهوه؟ على روايتين.__________
قوله : "ويجب سجود السهو لكل ما تصح به الصلاة مع سهوه دون عمده".
سجود السهو نفسه تصح الصلاة مع سهوه على المذهب دون عمده
ومن قام إلى ركعة زائدة قطعها متى ذكر وبنى على فعله قبلها فإن كان إماما فسبح به اثنان فليرجع إذا لم يتيقن صوابه فإن لم يرجع فسدت صلاته ولم تبطل صلاتهم إن فارقوه وعنه تبطل.
فإن سهوا معه فأتوا بالخامسة لم يعتد بها المسبوق.
ومن نسي التشهد الأول حتى قرأ في الثالثة لزمه المضي وإن لم ينتصب لزمه العود وإن انتصب ولم يقرأ فله العود والمضي أولى ويسجد للسهو بكل حال.
__________
الذي قبله بالسلام على المذهب والذي بعده أيضا على قول ولا يجب لسهوه سجودا آخر وكذا أيضا لا يسجد لسهوه في سجود السهو نص عليه الإمام أحمد وهو مذهب الأئمة الثلاثة ولم أجد فيه خلافا في المذهب لأنه مظنة التسلسل ولأنه جابر غيره ونفسه كما تجزي الشاة عن أربعين هي أحدها وكذا الحكم إذا سها بعد سجدتي السهو قبل سلامهما في السجود بعد السلام لأنه في الجائز فأما السجود قبل السلام فلا يسجد له أيضا في أقوى الوجهين لأن سجود السهو لو لم يجبر كل نقص قبل السلام لأجزأ عنه كما قال أبو حنيفة ولأن السهو بذلك في غاية الندرة فلم يفرد بحكم ولأنه لو سجد له لسجد للسهو بعد الجابر وتسلسل.
ووجه الوجه الثاني أنه نقص لم يقارنه ولم يسبقه جابر فأشبه المسبوق إذا سجد مع إمامه ثم سجد فيما يقضي وذكر في الرعاية أنه إذا سها بعدها قبل السلام هل يسجد له على وجهين ولم يفرق وكذا الوجهين فيمن سجد لسهوه ثم ذكر أنه لم يسه وذكر غير واحد أن الكسائي كان يتقوى بالعربية على كل علم فسأله أبو يوسف عند ذلك بحضرة الرشيد عن هذه المسألة هل يسجد للسهو في سجود السهو فقال لا يسجد لأن المصغر لا يصغر
ومن نسي تسبيح ركوعه حتى انتصب منه لم يعد وإن عاد جاز ذكره القاضي وقياس بقية الواجبات مثله
ومن نسي ركنا من ركعة حتى قرأ في الأخرى لفت المنسي ركنها فقط.
وإن ذكر قبل القراءة لزمه أن يعود فيأتي بالمنسي وما بعده فإن لم يذكر حتى سلم فهو كترك ركعة فيبنى ما لم يطل الفصل إلا أنه يسجد له قبل السلام نقله عنه حرب وقال أبو الخطاب تبطل صلاته.
__________
قوله : "فيمن نسي ركنا من ركعة فإن لم يعلم حتى سلم فهو كترك ركعة فيبني مالم يطل الفصل إلا أنه يسجد قبل السلام نقله عنه حرب".
كذا قطع به هنا وفي شرح الهداية ولم يحتج له بشيء.
ولفظ الإمام أحمد قال حرب سمعته يقول السهو على خمسة أوجه السهو في التحري على حديث ابن مسعود ويسجد بعد السلام والتشهد وفي حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد سجدهما قبل السلام ولا يتشهد.
وفي حديث ابن بحينة سجدها قبل السلام ولا يتشهد وفي حديث أبي هريرة وعمران بن حصين في التسليم من ثنتين أو ثلاث سجد بعد التسليم ويتشهد فيهما وقال كل سهو يدخل عليه سوى هذا فإنه يأتي به قبل السلام لأنه أصح في المعنى فإنه ترك سجدة أو فاتحة الكتاب انتهى كلامه.
وقد ثبت أن سجود السهو قبل السلام عموما واقتصرنا على مورد النص فيمن سلم من ثنتين أو ثلاث وظاهر كلام أكثر الأصحاب أنه يسجد في كل نقص قبل السلام وحكاه في الرعاية قولا إلحاقا لمحل النزاع بمحل الوفاق كالعلة الجامعة وهي النقض فسوينا بينهما في عدم البطلان في المنصوص من الروايتين لعلة النقض فإن اقتصر على مورد النص هنا فليقتصر عليه في عدم البطلان ويقال فيبطلان صلاة من سلم عن ترك ركن وقال الإمام أحمد
ومن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر في تشهده تمم الرابعة بسجدة وكانت أولاه وعنه يبتدئ الصلاة.
ومن ذكر ترك ركن وجهله أو محله عمل بأسوأ التقديرين.
ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل وعنه بغالب ظنه فإن استويا عنده فبالأقل وعنه يأخذ المنفرد بالأقل والإمام بغالب ظنه ومن شك في ترك ما يسجد لتركه سجد وقيل: لا يسجد ولا يسجد المؤتم لسهوه ويسجد لسهو إمامه إن سجد فإن نسي إمامه أن يسجد لم يسجد وعنه يسجد.
__________
في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خمس ركعات فسجد بعد التسليم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سجدها بعد التسليم قال حرب فذهب أبو عبد الله إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرهما إلا بعد ما تكلم انتهى كلامه.
وظاهر هذا أنه اعترض على حديث ابن مسعود أنه عليه الصلاة والسلام إنما سجد بعد التسليم لأنه لم يذكره وإلا لسجد قبل السلام فعلى هذا كل سجود السهو قبل السلام إلا إذا سلم عن نقص وهكذا قال القاضي في موضع قال وظاهر كلامه أن ما عدا السلام عن نقص يسجد له قبل السلام وفي المسألة روايات مشهورة.
قوله : " ولا يسجد المؤتم لسهوه " كذا ذكر الأصحاب وظاهره مطلقا وزاد في الرعاية ولو أتى بما تركه بعد سلام إمامه وقال الشيخ مجد الدين في شرح الهداية فإن كان الإمام يصلي بمأموم واحد لا غير فشك المأموم فلم أجد فيها نصا عن أصحابنا وقياس المذهب لا يقلد إمامه لأن قول الواحد لا يكفي في مثل ذلك بدليل ما لو كان الإمام هو الشاك فسبح به المأموم الواحد فإذا ثبت أنه لا يقلد إمامه فإنه يبني على اليقين كالمنفرد لكن لا يفارقه قبل سلامه
ويجوز السجود للسهو قبل السلام وبعده والأفضل قبله إلا إذا سلم من نقص ركعة تامة فأكثر أو شك وقلنا يتحرى فإن الأفضل بعده وعنه كله قبل السلام وعنه إن كان من نقص أو شك فقبله ومن زيادة فبعده وإن اجتمع سهو سجوده قبل السلام وسهو سجوده بعده لم يتداخلا وقيل: يتداخلان وهل يغلب ما قبل السلام أو أسبقهما على وجهين.
ومن نسي السجود قضاه وإن تكلم ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد وعنه يسجد وإن خرج وبعد.
ومن سجد بعد السلام تشهد وسلم ومن ترك سجود السهو الواجب عمدا بطلت صلاته إلا ما محله بعد السلام وقيل: لا تبطل بحال.
__________
لأنه لم يتقين خطأه فلا يترك متابعته بالشك فإذا سلم أتى بالركعة المشكوك فيها وسجد للسهو لأنه أدى آخر ركعة من صلاته على الشك منفردا وسجد لسهو إمامه إن سجد فإن نسي إمامه أن يسجد لم يسجد وعنه يسجد قال ابن الجوزي هذا إذا لم يسه المأموم فإن سهوا معا ولم يسجد الإمام سجد المأموم رواية واحدة لئلا تخلو الصلاة عن جابر في حقه مع نقصها منه حسيا وأطلق صاحب المحرر العبارة ومراده غير المسبوق فأما المسبوق إذا سها إمامه فيما أدركه المسبوق معه كذا قيده ابن عقيل ولا عمل عليه فيلزمه السجود بعد فعل ما فاته رواية واحدة وذكره غير واحد إجماعا لأنه لم يوجد جابر من إمامه وسجوده لا يخل بمتابعة إمامه وفي معناه إذا انفرد لعذر فإنه يسجد وإن لم يسجد إمامه معه قطع به غير واحد منهم صاحب الرعاية وإن سجد إمام المسبوق فهل يلحقه حكم سهو إمامه فيسجد معه كما هو المذهب أو لا يلحقه فيسجد إذا قضى فيه روايتان فعلى المذهب هل يعيد السجود إذا قضى فيه روايتان أصحهما لا يعيد وإن أدرك المأموم الإمام بعد سجود السهو وقبل
باب صلاة التطوع
باب صلاة التطوع
لا يجوز التطوع المطلق في خمسة أوقات إذا طلع الفجر حتى تطلع الشمس وإذا طلعت حتى ترتفع قيد رمح وإذا قامت حتى تزول وبعد صلاة العصر مالم تغرب الشمس ومع غروبها حتى يتم.فأما ماله سبب كقضاء السنن الفائتة وتحية المسجد وسجدة التلاوة ونحوها فيجوز في هذه الأوقات وعنه لا يجوز إلا في ركعتي الطواف والمعادة مع إمام الحي إذا أقيمت وهو في المسجد بعد الفجر والعصر خاصة.
وله فعل الفرض الفائت والنذر في كل وقت.
ويكره التنفل بأربع بالليل دون النهار والسلام من ركعتين أفضل فيهما وكثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام وعنه هما سواء.
ويجوز التطوع جالسا.
__________
السلام لم يسجد قطع ابن الجوزي بهذه المسألة وقال في التلخيص إذا تمت صلاة المأموم قبل الإمام وكان الإمام سها فهل يسجد المأموم يتخرج على روايتين قال وأصلهما هل سجود المأموم تبعا أو لسهو الإمام فيه روايتان.
قوله : "ويجوز التطوع جالسا".
وظاهره أنه لا يجوز مضطجعا قال المصنف في شرح الهداية وهو ظاهر قول أصحاب أبي حنيفة لعموم الأدلة على افتراض الركوع والسجود والاعتدال عنهما والثاني الجواز وهو قول الحسن البصري وهو مذهب حسن لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " ومن صلى نائما فله مثل نصف أجر القاعد " ولا يصح حمله على المريض وغيره ممن له عذر لأن أجره مثل أجر الصحيح المصلي قائما انتهى كلامه
والخبر المذكور رواه البخاري والخمسة وقال غير واحد في صحة التطوع
والسنة: أن يتربع ويثني رجليه إذا ركع وسجد وكذلك صلاة المريض.
ويصح التنقل بركعة وعنه لا يصح.
__________
مضطجعا وجهان فإن قلنا بالجواز فهل له الإيماء فيه وجهان وقال إسحق ابن إبراهيم في مسائله وسئل يعني الإمام أحمد عن رجل يصلي محتبيا أو متكئا تطوعا قال لا بأس به وقال الترمذي ومعنى هذا الحديث يعني الحديث المذكور وهو حديث عمران عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن أشعث بن عبد الملك عن الحسن قال إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا.
وقال الخطابي لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا فإن صحت هذه اللفظة فإن التطوع مضطجعا للقادر على القعود جائز كما يجوز للمسافر أن يتطوع على راحلته.
وقال الشيخ محيي الدين النووي والأصح عندنا جواز النفل مضطجعا للقادر على القيام والقعود للحديث الصحيح ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد .
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية التطوع مضطجعا لغير عذر لم يجوزه إلا طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد وهو قول شاذ لا أعرف له أصلا في السلف ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه صلى مضطجعا بلا عذر ولو كان هذا مشروعا لفعلوه كما كانوا يتطوعون قعودا والحديث الذي ذكروه بين فيه أن المضطجع له نصف أجر القاعد وهذا حق وذلك لا يمنع أن يكون معذورا فإن المعذور ليس له بالعمل إلا على ما عمله فله به نصف الأجر وأما ما يكتبه الله تعالى له من غير عمل ليثيبه إياه فذلك شيء آخر كما قال صلى الله عليه وسلم كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم فلو لم يصل النافلة التي كان يصليها لكتبت له ولا يقال إنه صلى.
قوله : "والسنة أن يتربع نص عليه الإمام أحمد وقطع به جماعات.
والسنن الراتبة قبل الفجر ركعتان وقبل الظهر ثنتان وبعدها ثنتان وفي الأربع قبل العصر وجهان وثنتان بعد المغرب وثنتان بعد العشاء والوتر وقال أبو بكر هو واجب وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة بست تسليمات وإن أوتر بخمس أو سبع لم يسلم إلا في آخرهن نص عليه وكذلك الوتر بتسع إلا أنه يجلس عقيب الثامنة ولا يسلم وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بالكافرون وفي الثالثة بالإخلاص ويقنت فيها بعد الركوع ويجوز قبله ويرفع يديه فيقول "اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعي ونحفد
__________
وقال في رواية إسحق بن إبراهيم وسئل عن الصلاة جالسا قال متربعا أحب إلي وما خف عليه فعله قال ورأيت أيضا إذا أراد أن يصلي قاعدا يجلس ينصب اليمنى ويفترش اليسرى ويكبر كما هو قاعد أو يسجد كما هو وذكر في الوسيلة رواية عن الإمام أحمد أنه يتربع إلا أن يكثر ركوعه وسجوده فلا يتربع فهذه أربع روايات.
قوله : "ويرفع يديه" هذا هو المعروف وقال ابن عقيل وقال شيخنا نختار رفع اليدين عند تكبيرة الانحطاط عن هذا الدعاء وعلل بأنه حكم يطول فهو كالقراءة انتهى كلامه.
فعلى الأولى يرفعهما إلى صدره لأن ابن مسعود فعله ذكره في الكافي والرعاية وقال في التلخيص في باب صفة الصلاة هل يرفعهما كرفع الركوع أو ليمسح بهما وجهه على روايتين.
نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق1 اللهم أهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
ويسن مسح وجهه بيديه وعنه لا يسن والمأموم يؤمن فإن لم يسمع قنوت الإمام دعا هو نص عليه وعنه أنه يدعو.
__________
قوله : "اللهم أهدني فيمن هديت الخ"
ظاهره أن كل مصل يقول هكذا وليس كذلك لأن الإمام إذا قنت أتى بنون الجمع فيقول اللهم أهدنا الخ لئلا يخص نفسه دونهم ومجموع هذا الدعاء ذكر الأصحاب أنه يقوله: كما ذكر المصنف وقال ابن عقيل في الفصول والمستحب عندنا ما رواه الحسن بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم أهدني الحديث " مشهور قال فإن ضم إليه ما روى عن عمر رضي الله عنه اللهم إنا نستعينك الخ فلا بأس.
قوله : "والمأموم يؤمن وعنه يدعو زاد بعضهم في حكاية هذه الرواية يجهر به وعنه يتابعه في الثناء ويؤمن على الدعاء وعنه يخير في الدعاء بين الموافقة والتأمين ومن الأصحاب من حكى رواية التخيير مطلقا.
وظاهر كلام صاحب المحرر أن الخلاف سواء جهر الإمام أم لا وكذا ظاهر كلام غيره وقطع بعض الأصحاب أن الخلاف إن كان يسمع دعاء الإمام وأنه إن لم يسمع دعاء نص عليه الإمام أحمد.
__________
1- الجد بكسر الجيم: الحق لا اللعب وملحق بكسر الحاء أي لاحق وإن فتحها جاز.
ولا قنوت في المكتوبة إلا لأمر ينزل بالمسلمين فإن لإمام الوقت وأمير الجيش أن يقنتا في كل مكتوبة وعنه يختص ذلك بالفجر والمغرب وعنه بالفجر وهل يشرع ذلك لسائر الناس على روايتين.
ومن ائتم بمن يقنت في الفجر تابعه فأمن أو دعا.
وسنة التراويح عشرون ركعة ويكره التنفل بينها.
__________
ثم الخلاف قيل هو في الأفضلية وقيل: بل في الكراهة.
قوله : "ومن ائتم بمن يقنت في الفجر تابعه فأمن أو دعا"
مراده: أن حكمه حكم المأموم في الوتر على الخلاف السابق وعن الإمام أحمد لا يتابعه وهو قول أبي حنيفة قال القاضي أبو الحسين وهي الصحيحة عندي لقول ابن عمر "أرأيتكم قيامكم بعد فراغ الإمام من القراءة هذا القنوت إنه والله لبدعة ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شهرا ثم تركه" رواه أبو حفص العكبري بإسناده.
قوله : "وسنة التراويح عشرون ركعة".
مراده والله أعلم أن هذا هو الأفضل لا أن غيره من الأعداد مكروه وعلى هذا كلام الإمام أحمد فانه قال لا بأس بالزيادة على عشرين ركعة.
وكذا ذكر الشيخ تقي الدين أنه لا يكره شيء من ذلك وأنه قد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره قال والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين فإن كان فيهم احتمال لطول القيام والقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها هو الأفضل وإن كانوا لا يحتملون فالقيام بعشرين هو الأفضل وقد روى الإمام أحمد ما يدل على التخيير في الأعداد المروية وقد يدل لما اختاره الشيخ تقي الدين فإنه قال روى في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء وقال عبد الله رأيت أبي يصلي في رمضان مالا أحصي.
ويسن لها وللوتر بعدها الجماعة ولا ينتفل بعدها في جماعة فإنه التعقيب إلا أن تؤخر حتى ينتصف الليل.
وأقل سنة الضحى ركعتان وأكثرها ثمان والسنة فعلها غبا وقال أبو الخطاب المداومة أفضل.
__________
قوله : "ويسن لها وللوتر بعدها الجماعة".
وظاهره استحباب الجماعة خاصة وكذا كلام أكثر الأصحاب إلا أن كلام جماعة منهم في أدلة المسألة يدل على استحباب المسجد أيضا وقطع به في المستوعب فقال ومن السنة المأثورة فعلها جماعة في المساجد وقال الشيخ تقي الدين تنازع العلماء في قيام رمضان هل فعله في المسجد جماعة أفضل أم فعله في البيت أفضل على قولين مشهورين هما قولان للشافعي وأحمد ثم بحث المسألة.
باب صلاة الجماعة
باب صلاة الجماعة
وتجب الجماعة على الرجال للمكتوبة وتصح بدونها وفعلها في المسجد__________
قوله : "وتجب الجماعة على الرجال للمكتوبة".
ظاهره القطع بوجوبها على العبد وفيه نظر بل يقال لا تجب عليه وإن وجبت عليه الجمعة لتكررها بخلافها أو يكون فيها روايتان كالجمعة كما حكاه طائفة كابن الجوزي وقال الشيخ مجد الدين في شرح الهداية ولا على العبد إذا لم نوجب عليه الجمعة وأولى من قبل أنها تتكرر في اليوم والليلة.
وظاهر قوله : "للمكتوبة وجوبها للفائتة وإن لم تجب للمنظورة وهو أيضا ظاهر كلام جماعة وليس ببعيد ولم أجده صريحا في كلام الأصحاب بل ذكر غير واحد في وجوبها لهما وجهين ولعل هذا أوجه على المذهب كما سوينا بينهما في فعلها وقت نهي في أصح الروايتين وقد قطع به في المحرر لوجوبهما جميعا والرواية الأخرى الفرق وهي مذهب أبي حنيفة لتأكد الواجب بأصل الشرع وقطع غير واحد منهم الشيخ مجد الدين بعدم وجوبها لهما.
فرض كفاية وعنه فرض عين وتسن للنساء وعنه لا تسن ولا يكره أن يحضر العجائز جمع الرجال.
__________
فعلى هذا ظاهر كلامه وجوبها حضرا وسفرا وقد صرح به غيره وظاهر كلامه وجوبها في حالة شدة الخوف ويؤيده أن المصنف احتج في هذه الصورة بعمومات النصوص في صلاة الجماعة.
وقال في المستوعب في باب جمل من الفرائض وصلاة الخوف واجبة أمر الله بها وهو فعل يستدركون به فضل الجماعة.
قوله : "وفعلها في المسجد فرض كفاية وعنه فرض عين".
لم أجد أحدا من الأصحاب قال بفرض الكفاية قبل الشيخ مجد الدين وكلامه في شرح الهداية يدل على أنه هو لم يجد أحدا منهم قال به وزاد غير واحد على أنها فرض عين على القريب منه وقطع به في الرعاية ودليل هذا واضح وذكر الشيخ مجد الدين أنه إذا صلى في بيته صحت في ظاهر المذهب قال ويتخرج أن لا تصح بناء على أن الجماعة شرط لأنه ارتكب النهي قال والأولى اختيار الأصحاب يعني أن له فعلها في بيته في أصح الروايتين وهي عندي بعيدة جدا إن حملت على ظاهرها.
ثم شرع يستدل لاختياره أنها فرض كفاية بأنها من أكبر شعائر الدين وقول ابن مسعود "لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم"
وينبغي أن يعرف أن اشتراط الجماعة رواية عن الإمام أحمد حكاه ابن الزاغوني قال بناء على أن الواجب هو الفرض وتغليبها على الجمعة.
وحاصل هذا أن ابن الزاغوني خرج رواية بالاشتراط من مسألة الفرض والواجب وهذا فيه نظر لأنه كيف يخرج من قاعدة عامة شيء بخلاف نص
وأفضل مسجد للجماعة العتيق ثم الأبعد ثم الأكثر جمعا وعنه الأقرب أفضل من الأبعد ومن اختل جمع المفضول بتخلفه عنه فجمعه فيه
__________
الإمام ولهذا لم أجد أحدا ساعد على هذا التخريج ووافق عليه وقد قال الشريف أبو جعفر وغيره من الأصحاب لا نص عن صاحبنا في كونها شرطا.
وقال ابن عقيل وعندي أنه إذا تعمد تركها مع القدرة لم تصح بناء على أصلنا المعمول عليه في الصلاة في الثوب الغصب وهو نهي لا يختص الصلاة فكيف ههنا وهو نهي يختص الصلاة وترك مأمور يختص الصلاة
وقال أيضا في الفصول وهل تبطل الصلاة بتركها اختلف أصحابنا على وجهين أصحهما عندي تبطل لأنه واجب فبطلت الصلاة بتركه عمدا كسائر واجبات الصلاة ثم ذكر معنى كلامه المتقدم وقد قال صالح في مسائله قال أبي الصلاة جماعة أخشى أن تكون فريضة ولو ذهب الناس يجلسون عنها لتعطلت المساجد روي عن علي وابن مسعود وابن عباس "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له".
واختار الشيخ تقي الدين الاشتراط واحتج الأصحاب بتفضيل الشارع عليه أفضل الصلاة والسلام صلاة الجماعة على صلاة المنفرد ولا يصح حمل ذلك على المعذور لأنه يكتب له أجر ما كان يفعله لولا العذر كما دلت عليه نصوص صحيحة ولأنها لا يشترط لها بقاء الوقت فكذا الجماعة كالفائتة بعكس الجمعة ووجوب الجماعة لها لا يوجب أن لا تصح عند عدمها كواجبات الحج وكترك وقتها عمدا فإنها تصح بعده وإن كانت قضاء.
وأجاب الشيخ تقي الدين عن قولهم لا يصح حمله على المعذور بأن المعذور ينقسم على قسمين معذور من عادته في حال صحته الصلاة جماعة ومعذور عكسه فالأول هو الذي لا ينقص أجره عن حال صحته وهو مراد الشارع.
أفضل وجمع أهل الثغر في مكان واحد أفضل.
__________
ولهذا قال: إلا كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا وهذا من التفضيل والخير لأنه لما كمل الخدمة في حال الصحة ناسب أن يكمل له الأجر في حال العجز.
وهذا بخلاف القسم الثاني من المعذور وهو الذي أراده الشارع بالتفضيل.
وأما قياسها على الفائتة فإن لم نقل بوجوب الجماعة لها فلا إشكال كالنافلة وإن قلنا به فلا أظن المخالف يسلمها ولهذا لم أجد أحدا قاس عليها إلا من قطع بعدم وجوب الجماعة لها أو رجحه وهذا القائس أوهم بالفائتة وإلا لو قاس على النافلة كان أوضح للحق ولهذا لما احتج ابن عقيل على عدم الاشتراط قال لأنها صلاة لم يشترط لها الوقت فلم يشترط لها العدد كالنوافل وعكسه الجمعة ولما كان دليل الاشتراط عند ابن عقيل قائما وفساد هذا القياس واضحا استغنى عن إفساده وأما اعتبار واجبات الصلاة فيها بواجبات الحج ففساده أوضح لأنه لا صحة للصلاة مع ترك الواجب فيها عمدا من غير نزاع لنا غير محل النزاع وعكسه واجبات الحج لقيام الدليل على جبرانها وأما إيقاعها بعد وقتها عمدا فلم يخل بترك واجب فيها إنما أوقع العبادة بعد فعل محرم خارج عنها فهو كغيره من المحرمات بخلاف مسألتنا على أنه لو ترك الجماعة مع القدرة ثم عجز عن إيقاعها جماعة صحت منه منفردا وإن كان قد فعل محرما.
وقد اعترف الشيخ مجد الدين في شرح الهداية بأن هذه الأقيسة للقول بعدمه ليست مانعة من عمل الدليل المقتضي للقائل به أن يعمل عمله لضعفها قال وكونها شرطا أقيس وعدمه أشبه بدلالة الأحاديث الصحيحة وقد تقدم ذلك قال وهو منصوص الإمام أحمد وهذا صحيح والله أعلم.
وقد يجاب عما تقدم من جواب الشيخ تقي الدين بأن فيما ذكره قصر اللفظ العام على صورة قليلة نادرة في حال زمن المتكلم لأن المعذور المنفرد الذي
ومن أم في مسجد قبل إمامه لم يحز إلا أن يأذن له أو يتأخر عن وقته وتشق مراسلته لبعده أو يعلم له عذرا أو يخشى فوات الوقت ومن أم بعده لم
__________
ليس من عادته في حال صحته إيقاع الصلاة جماعة قليل ونادر في ذلك الزمان بلا إشكال ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض وإن كان المريض ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف فهذا هو المعهود المعروف بينهم في ذلك الزمان بل كلام ابن مسعود يدل على أنه لم يكن يتخلف عنها صحيح لكن معذور أو منافق وهذا إن كان واقعا في ذلك الزمان فلا ريب في قلته وندرته ولا يخفى بعد قصر العام على الأمور النادرة والوقائع البعيدة وقد صرح الشيخ تقي الدين وغيره بعدم جوازه وقد كتبت كلامه في شهادة الشروطي وغيره ولا يمتنع مساواة هذا المعذور بعادم العذر في أن صلاتهما مفضولة للصلاة جماعة بقدر معين واختلف في سقوط الإثم بالعذر
قوله : "ومن أم في مسجد قبل إمامه لم يجز".
كذا عبر جماعة وبعضهم أطلق النهي فعلى الأولى لو صلى ينبغي أن لا تصح وقال في الرعاية فإن اتسع الوقت وصلى بلا إذنه ولا عذر له في تأخيره صحت مع الكراهة ويحتمل البطلان بالنهي وعبارته كعبارة من أطلق النهي فقال ولا يؤم فإن كان أراد بالنهي الكراهة أو التحريم فينبغي أن يفرع عليه وأما هذه العبارة ففيها نظر على كل حال فلا بطلان مع الكراهة وكان في المسألة وجهان حرج عليهما الصحة وعدمها.
وقوله : "أو يخشى فوات الوقت".
يعني الوقت الشرعي الذي يحرم التأخير عنه.
يكره إلا في مسجدي مكة والمدينة1 فهل يكره فيهما على روايتين.
ومن صلى ثم حضر جماعة سن له أن يعيد معهم إلا المغرب وعنه يعاد وتشفع برابعة.
ويجب أن ينوي الإمام والمؤتم حالهما وإذا انتقل المأموم منفردا لغير عذر أو المنفرد مأموما لم يجز وعنه يجوز وإن صار المنفرد إماما جاز في النفل خاصة نص عليه وقيل: هي كالتي قبلها.
ومن أدرك الإمام راكعا كبر للإحرام وسقطت تكبيرة الركوع نص عليه فإن نواهما بتكبيرته لم تنعقد صلاته.
وما يدركه المسبوق آخر صلاته وما يقضيه أولها يستفتح فيه ويتعوذ
__________
قوله : "ومن أدرك الإمام راكعا كبر للإحرام وسقطت تكبيرة الركوع نص عليه".
قال القاضي نص عليه في رواية الجماعة لأن حال الركوع يضيق عن الجمع بين تكبيرتين في الغالب فإن وجد أماما يطيل الركوع لم يجب اعتباره وحمل الأمر على الغالب وأنه متى تشاغل بتكبيرتين رفع الإمام فسقطت الثانية كما قال من أوجب القراءة خلف الإمام في الجهر والإخفات أنها تسقط إذا أدركه راكعا لأن تلك حالة تضيق عن القراءة فلو وجد إماما يطيل الركوع حتى تمكنه القراءة لم يجب اعتباره وسقطت وكذلك من قال يقرأ في سكتاته قال لما كانت السكتات لا تتسع للقراءة لم يوجبها فيها كذلك هنا انتهى كلامه.
__________
1- بالهامش قال الشيخ موفق الدين: وبيت المقدس.ا هـ
والنصوص الصحيحة إنما ميزت المساجد الثلاثة في مضاعفة الثواب لا في تعدد الجماعة.
ويقرأ السورة وإذا لم يدرك من الرباعية أو المغرب إلا ركعة تشهد عقيب قضاء ركعة في الأصح عنه وعنه عقيب ركعتين.
وإذا بطلت صلاة المأمومين جميعا أتمها الإمام منفردا وإن بطلت صلاة
__________
وظاهر كلام من أوجب القراءة أنه يقرأ مالم يخش رفع الإمام وقد تقدم في قوله: "فهذه واجبات أنه إذا ترك تكبيرة الركوع عمدا وجها وبعضهم حكاه رواية أن صلاته لا تصح وهذا بخلاف ما لو خاف إن تشاغل بها فاته الركوع فإنها تسقط للعذر وقد تقدم هذا في قراءة الفاتحة.
قوله : "وإذا بطلت صلاة المأمومين جميعا أتمها الإمام منفردا".
وكذا قطع به المصنف في شرح الهداية وجعله أصلا للقول بأن من نوى الإمامة فلم يأته مأموم أو انصرف عنه المأموم الحاضر من غير إحرام فإنه يتمها منفردا وسيأتي في توجيه رواية البطلان في المسألة بعدها إشارة إلى وجه التفرقة بين المسألتين.
قال أبو الخطاب قد بينا أن صلاة الإمام غير متعلقة بصلاة المأموم ولا تابعة لها وصلاة المأموم تابعة لها صحة وفسادا واستدل المصنف في شرح الهداية لهذه المسألة وأن صلاته لا تبطل خلافا لأبي حنيفة ومالك كقولهما في المأموم بأنه صار منفردا لعذر فأشبه المسبوق المتخلف إذا أكمل من خلفه صلاتهم يعني فإنهم يفارقونه ويسلمون منفردين لم يزد على ذلك.
وهذا فيه نظر ودعوى أنه صار منفردا ممنوعة بل بطلت صلاته ببطلان صلاة مأمومه وصيرورته منفردا
فرع
بقاء صحة صلاته وهي محل النزاع واستخلاف المسبوق فيه منع وإن
الإمام لعذر أو غيره بطلت صلاتهم.
__________
سلم فسلامهم منفردين إذا أتموا صلاتهم ممنوع وإن سلم فهي مفارقة المأموم إمامه لعذر فنظيره أن ينوي الإمام مفارقة مأمومه لعذر كما لو حدث خوف في أثناء الصلاة ونحن نقول به وكذا لو انفرد المأموم لعذر فإن الإمام يتمها منفردا وذكر بعضهم تخريجا ببطلان صلاة الإمام ببطلان صلاة المأموم لأن كلاهما شرط في انعقاد الجماعة فإذا بطلت صلاة أحدهما بطلت صلاة الآخر أو أتمها منفردا تسوية بينهما وهذا هو الذي قطع به في المغني قال قياس المذهب أن حكمه حكم الإمام معه على ما فصلناه لأن ارتباط صلاة الإمام بالمأموم كارتباط صلاة المأموم بالإمام فما فسد ثم فسد ههنا وما صح ثم صح ههنا.
وقال المصنف في توجيه رواية عدم بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ولأن الجماعة تفتقر إلى إمام ومأموم ثم لو بطلت صلاة كل المأمومين لم تبطل صلاة الإمام كذلك بالعكس.
وهذا اعتراف بالمساواة وهي مانعة من التفرقة بين المسألتين في الحكم وقد جعل ابن عبد القوي بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام وهذا الجعل والاعتراف الذي قبله غير خاف حكمه.
قوله : "وإن بطلت صلاة الإمام لعذر أو غيره بطلت صلاتهم.
قال المصنف في شرح الهداية حكاهما جماعة من الأصحاب ووجه البطلان وهو مذهب أبي حنيفة ما يروى عن أبي هريرة مرفوعا إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه قال المصنف إسناد هذا الحديث لم أقف عليه رواه القاضي أبو يعلى ولأن حدث الإمام معنى يمنع انعقاد صلاة المأموم إذا تقدمها فأبطلها إذا طرأ عليها كحدث المأموم وهذا لأن صلاة المأموم مندرجة في ضمن صلاة الإمام وتابعة لها حتى نقصت بنقصانها بدليل حالة السهو
ــــــ
فكذلك تبطل ببطلانها تركنا هذا القياس إذا كان الإمام محدثا فلم يعلمانه حتى فرغا للأثر على أن فيه رواية بالبطلان أيضا اختارها أبو الخطاب في الانتصار وهكذا نقول على المذهب فيمن سبقه الحدث فلم يعلم به ولا المأموم حتى فرغا لا يعيد المأموم وأولى لأن الطارئ لم يمنع الانعقاد بخلاف المقارن.
ووجه عدم البطلان وهو مذهب الشافعي عدم استخلاف معاوية لما طعن وصلى كل إنسان لنفسه رواه الإمام أحمد في مسائل صالح عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري واستخلاف عمر لعبد الرحمن بن عوف لما طعن رواه البخاري وقال القاضي إن بطلت صلاته بترك فرض كالقراءة بطلت صلاتهم رواية واحدة وإن كان بفعل منهي عنه كالكلام والحدث والعمل الكثير فعلى روايتين وهكذا ذكر الشيخ فخر الدين في التلخيص وذكر الشيخ موفق الدين أنه إذا اختل من الإمام غير الحدث من الشروط كستر العورة واستقبال القبلة لم يعف عنه في حق المأموم لأن ذلك لا يخفى غالبا بخلاف الحدث والنجاسة وكذا إن فسدت صلاته بترك ركن فسدت صلاتهم وإن فسدت لفعل يبطل فإن كان عمدا فسدت صلاة الجميع وإن كان عن غير عمد لم تفسد صلاة المأموم نص عليه في الضحك من الإمام.
وعن الإمام أحمد فيمن سبقه الحدث روايتان إحداهما: أن صلاة المأمومين تفسد لترك الشرط فيه وقد ثبت الحكم في الشرط بأن عمر ترك القراءة في المغرب ثم قال لا صلاة إلا بقراءة ثم أعاد وأعاد الناس قال والصحيح الأولى واحتج باستخلاف عمر لعبد الرحمن والشرط آكد لأنه لا يعفى عنه بالنسيان بخلاف المبطل انتهى كلامه.
وقال الشيخ مجد الدين بعد حكاية كلام القاضي السابق الأول أصح لأنهما سواء في حق الإمام فكذلك في حق المأموم وعند مالك إن تعمد
وعنه لا تبطل ويتمونها جماعة أو فرادى
__________
المفسد فسدت صلاتهم وإن كان لعذر لم تفسد صلاتهم كما قلنا فيما إذا صلى بهم محدثا.
وذكر أبو بكر عبد العزيز في مسألة سبق الحدث للإمام أن صلاة المأموم تبطل رواية واحدة.
وذكر المصنف في شرح الهداية أن هذا اختيارا أكثر الأصحاب.
قوله : "وعنه لا تبطل ويتمونها جماعة".
وإن استخلف كل طائفة رجلا وأوقعوها جماعات جاز
وهذا ينبغي أن يكون في غير الجمعة وأما في الجمعة فلا يجوز.
قوله : "أو فرادى" هذا في غير الجمعة أما في الجمعة فإن قلنا بجواز الاستخلاف فلم يفعل وأتموا فرادى لم تجزئهم جمعتهم.
قال في شرح الهداية قولا واحدا لأن ما اشترط لأول ركعة من صلاة الجمعة واعتبر للثانية كسائر الشروط وإن قلنا بمنع الاستخلاف فأتموا فرادى فقيل لا تجزئهم جمعة لأن الجماعة شرط ولم يوجد في جميعها فأشبه اختلال العدد وعلى هذا هل يتمونها ظهرا أو يستأنفونها ينبغي أن تكون كمسألة اختلال العدد لأن المسألة معتبرة وقد صرح بعض الأصحاب بأنهم يتمونها ظهرا.
وقيل تجزئهم جمعة إذا كانوا قد صلوا معه ركعة كالمسبوق.
وقيل تجزئهم جمعة بكل حال لأنهم لما منعوا الاستخلاف دل على بقاء حكم الجماعة
قال الشيخ مجد الدين والأول أشبه بمذهبنا والمسبوق أدرك ركعة من جمعة تمت شرائطها وصحت فجاز البناء عليها ومسألتنا بخلافه.
وفي قضاء المسبوقين ما فاتهم جماعة وجهان.
ومن أئتم في فرض بمنتفل أو مفترض بغيره لم يصح وعنه يصح والمذهب الصحة.
__________
قوله : "وفي قضاء المسبوقين ما فاتهم جماعة وجهان ".
حكى بعضهم روايتين وصرح في المغني بأن هذه المسألة تخرج على مسألة الاستخلاف وعلى هذا يكون كلامه في المقنع عقيب هذه المسألة وإن كان لغير عذر لم يصح أي في هذه المسألة ومسألة الاستخلاف لأن المسألتين في المعنى واحدة وذكره المصنف في شرح الهداية وذكر بعضهم في الاستخلاف لغير عذر روايتين وحكى الشيخ مجد الدين أن الصحة في المسبوقين ظاهر رواية مهنى عن أحمد وعدمها منصوص الإمام أحمد في رواية صالح وهذه المسألة في غير الجمعة أما في الجمعة فلا يجوز قطع به المصنف تابعا فيه من تقدمه من الأصحاب لأن الجمعة إذا أقيمت مرة في مسجد لم يجز أن تقام فيه مرة أخرى لأنه لا يجوز أن تصلى الجمعة الواحدة جماعة بعد جماعة وسائر الصلوات بخلافه.
قوله : "في المحرر ومن ائتم في فرض بمتنفل أو مفترض بغيره لم يصح وعنه يصح".
قوله : "أو مفترض بغيره" ظاهره أي فرض كان ولو اختلفا في الأفعال وذكره في الرعاية وصرح به في شرح الهداية فذكر مفرعا على الجواز فمتى اختلف عدد ركعات الصلاتين وصلاة المأموم أكثرهما كالظهر والمغرب خلف مصلي الفجر وكالعشاء خلف مصلي التراويح فإنه يصح نص عليه ويتم إذا سلم إمامه كالمسبوق وكالمقيم خلف القاصر وإن كانت صلاة المأموم أقلهما كالفجر خلف مصلي الظهر أو المغرب صح أيضا على منصوص أحمد والشافعي ومن أصحابهما من منع الصحة هنا بخلاف عكسه لتعذر دوام
وإن ائتم مقيم بمسافر جاز ويتم إذا سلم إمامه.
ومن ركع أو سجد قبل إمامه سهوا ثم ذكر فلم يعد إلى متابعته حتى أدركه أو تعمد سبقه ابتداء لم تبطل صلاته عند القاضي وقيل: تبطل وإن سبقه بركن عمدا ولم يدركه فيه. فسدت صلاته نص عليه وإن كان سهوا أو جهلا لغت تلك الركعة فقط كالسبق بركنين سهوا وعنه يعتد بها.
وخرج منها الأصحاب صحة الصلاة مع العمد.
ومن زحم أو سها أو نام حتى فاته مع الإمام ركن غير الركوع أتى به ثم لحقه وإن فاته ركنان فأكثر أو الركوع وحده تابعه ولغت ركعته وقامت
__________
المتابعة كما منعنا من الاقتداء بمن يصلي الكسوف قال وهذا ليس بشيء لأننا قد التزمنا مثله في استخلاف المسبوق وفيمن صلى ركعة منفردا ثم صار مأموما فعلى هذا يفارق إمامه في الفجر إذا نهض الإمام إلى الثالثة وفي المغرب إذا نهض إلى الرابعة ثم يتم ويسلم لأنها مفارقة لعذر وإن شاء انتظره حتى يسلم معه كاستخلاف المسبوق وحل كلام الرجل بعضه ببعض أولى.
وقال في الرعاية ثم إذا تم فرضه قبل فراغ إمامه هل ينتظره أو يسلم قبله أو يخير فيه أوجه لكن ينبغي أن يعرف أن جماعة من الأصحاب مقتضى كلامهم أن الخلاف إنما هو عندهم فيما إذا اتفقت الأفعال خاصة وأن الأئتمام مع اختلاف الأفعال مانع من الصحة قولا واحدا بل صريح كلامهم.
والشيخ موفق الدين يختار أيضا أن الخلاف فيما إذا اختلفت وكانت صلاة المأموم أكثرها عددا كالعشاء خلف التراويح وصاحب المحرر عنده الخلاف في ذلك وفيما إذا كانت صلاة المأموم أقلهما عددا ومن أصحابنا من منع المغرب خلف العشاء لإفضائه إلى جلوس في غير محله وإن أجاز الفجر خلفها.
التي تليها مقامها وعنه إن خاف فوت الركعة الأخرى فكذلك وإن لم يخف أتى بما ترك وتبعه وصحت ركعته ومتى أمكن المزحوم أن يسجد على ظهر إنسان أو رجله لزمه ذلك وأجزأه وإذا ركع الإمام فأحس بداخل استحب انتظاره قدرا لا يشق إلا مع كثرة الجمع وقيل: لا يستحب.
__________
قوله : "وإذا ركع الإمام فأحس براكع استحب انتظاره".
ظاهره اختصاص الحكم بالراكع وكذا هو ظاهر كلام جماعة وصرح جماعة بأن حال القيام كالركوع في هذا وصرح المصنف في شرح الهداية بأن التشهد كالركوع على الخلاف وأولى لئلا يفوته أصل فضيلة الجماعة وقال في التلخيص ومهما أحس بداخل استحب انتظاره على أحد الوجهين وقال في الرعاية بعد ذكر مسألة الركوع في حال تشهده وقيل: وغيره وجهان.
باب الإمامة
باب الإمامة
لا تصح إمامة الصبي في الفرض وفي النفل روايتان ويتخرج أن تصح فيهما ولا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى إلا بالنساء ولا تصح إمامة كافر،__________
قوله : "لا تصح إمامة الصبي في الفرض وفي النفل روايتان ويتخرج أن تصح فيهما".
هذا التخريج إنما هو في الفرض أما النفل فلا تخريج فيه لكن فيه روايتان منصوصتان ولو ذكر التخريج قبل مسألة النفل كان هو الصواب.
والتخريج ذكر جماعة أنه من مسألة المفترض خلف المتنفل وذكره ابن عقيل في ابن عشر قال بناء على وجوب الصلاة عليه وذكر الشيخ موفق الدين في روضته في الصبي المميز أنه يكلف يعني عن الإمام أحمد.
ولا أخرس وإن ائتم بفاسق من يعلم فسقه فعلى روايتين ومن أم قوما
__________
وهذه العبارة إن حملت على ظاهرها ففيها نظر ولم أجد ما يعضدها وجماعة من الأصحاب يأبون هذا التخريج وهو قول القاضي لأنه نقص يمنع قبول شهادته وخبره فهو غير مؤتمن شرعا فأشبه الفاسق ولأن به نقصا يمنع قبول الشهادة والولاية فأشبه المرأة وعكس ذلك مسألة الأصل.
وأطلق المحرر في الخلاف في صحة إمامته وقطع غير واحد بصحة إمامته بمثله منهم الشيخ في الكافي.
قوله : "وإن ائتم بفاسق من يعلم فسقه فعلى روايتين".
قوله : "من يعلم فسقه" يعني إن جهل فسقه صحت وهو مرجوح في المذهب بل المذهب المنصوص الإعادة علم أو لم يعلم وأومأ الإمام أحمد في مواضع إلى أنه يعيدها خلف المتظاهر فقط قال المصنف في شرح الهداية وهذا أحسن واختار الشيخ موفق الدين بأن الجمعة تصلى خلف الفاسق وهل يعيدها ظهرا على روايتين قال وتوجيههما بما وجهنا به غيرهما صحة وبطلانا وذكر الشيخ شمس الدين في شرحه أنها تعاد في ظاهر المذهب وعن أحمد لا تعاد قال في الرعاية وهي أشهر وهذا هو الصحيح لأن الدليل على فعلها خلفه وإن كان صحيحا اقتضى صحتها لمن تأمله وألحق الشيخ بالجمعة العيد وهو متوجه.
وذكر في الكافي الروايتين في إمامة الفاسق ثم قال ويحتمل أن تصح الجمعة والعيد دون غيرهما وأطلق هنا الروايتين كقول بعضهم وقطع في شرح الهداية بأن يحملها في الفرض ليرد بذلك الحجة على من أمره عليه الصلاة والسلام بإعادة الصلاة خلف أئمة الجور بناء منه أنهم كانوا يؤخرونها حتى يخرج الوقت بالكلية وتبع الشيخ موفق الدين وغيره على هذا.
محدثا أعادوا إلا أن ينسى حدثه حتى يفرغ فيعيد وحده.
ومن علم أن إمامه أخل بما هو شرط أو ركن في مذهبه دون مذهب إمامه لم يصح ائتمامه به وعنه يصح.
وتكره إمامة الأقلف وتصح وفي إمامة أقطع اليد أو الرجل بالصحيح وجهان ومن عجز عن ركن أو شرط لم تصح إمامته بقادر عليه إلا المتيمم بالمتوضئ ء والجالس بالقائم إذا كان إمام الحي وجلس لمرض يرجى برؤه ويأتمون به جلوسا فإن قاموا جاز وقيل: لا يجوز وإن ابتدأ بهم قائما ثم اعتل فجلس ائتموا خلفه قياما.
وأولى أهل الإمامة بها أقرؤهم إذا عرف ما يعتبر للصلاة ثم أفقههم ثم
__________
وقد قال صالح في مسائله وسألته عن الصلاة يوم الجمعة إذا أخرها يصليها لوقتها ويصليها مع الإمام وهذا فيه نظر ولا يعرف عن الأمراء في ذلك الزمان وهو ما ذكره غير واحد في شرح الحديث وعلى هذا لا حجة فيه وقطع في شرح الهداية بأن الجمعة محله هنا.
قوله : "وأولى أهل الإمامة بها أقرؤهم إذا عرف ما يعتبر للصلاة".
هذا يعطي أنه إذا تقدم غير المستحق يجوز مع ترك الأولى وهذا معنى كلام ابن عقيل وغيره فإنه قال تصح الإمامة لكن يكون تاركا للفضيلة وقد تقدم كلامه في رواية صالح هو أولى بالصلاة وكلامه مطلق في إذن المستحق وغيرها وكلام المصنف في شرح الهداية يقتضي أن تقديم غير المستحق من غير إذن المستحق له يكره لأنه قال في صورة الإذن له جاز ولم يكره نص عليه.
وهذا يقتضى أنه يكره من غير إذن وكلامه في المغني يحتمل بين كراهة الأولى وكراهة التنزيه وأنه قال وهذا تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب لا نعلم فيه خلافا فلو قدم المفضول كان ذلك جائزا لأن
ــــــ
الأمر بهذا أمر أدب واستحباب وكلام الإمام أحمد في رواية مهنى يدل على أنه تقديم إيجاب وأن الناس لو أرادوا تقديم غير المستحق لم يجز لهم فصار في المسألة ثلاثة أقوال فأما مع إذن المستحق فيجوز من غير كراهة نص عليه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لقوله في الخبر " إلا بإذنه ".
قال المصنف في شرح الهداية بعد أن قطع بهذا واحتج بهذا الخبر قال ويعضده عموم ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم رواه أبو داود انتهى كلامه.
وقال بعض أصحابنا يكره وهو قول إسحاق وقال الإمام أحمد في رسالته في الصلاة رواية مهنى وقد جاء في الحديث إذا أم القوم رجل وخلفه من هو أفضل منه لم يزالوا في سفال إلى أن قال فالإمام بالناس المقدم بين أيديهم في الصلاة على الفضل ليس للناس أن يقدموا بين أيديهم إلا أعلمهم بالله وأخوفهم له ذلك واجب عليهم ولازم لهم فتزكوا صلاتهم وإن تركوا ذلك لم يزالوا في سفا وإدبار وانتقاص في دينهم وبعد من الله ومن رضوانه وجنته هذا آخر كلامه.
قوله : "إذا عرف ما يعتبر للصلاة".
أي من فرض ومسنون وليس المراد بهذا معرفة أحكام سجود السهو ونحوه هذا معنى كلامه في شرح الهداية فإنه قال ولأننا إنما نقدم القارئ إذا كان عارفا بما تحتاج إليه الصلاة من الفروض والواجبات فحينئذ قد تساويا فيما تفتقر إليه الصلاة لكن امتاز بجودة القراءة وكثرتها والقراءة مما يؤتى بها في الصلاة لا محالة فرضا وسنة وامتاز الفقيه بما تنطوي عليه من السهو وهو متوهم الوجود والأصل عدمه.
ــــــ
قال الأصحاب في بحث هذه المسألة ولأن فضيلة القراءة والإكثار منها متحقق وما ينوبه في الصلاة من الحوادث غير متحقق بل الأصل عدمه مع أنا قد اعتبرنا العلم بأحكامه.
وقال ابن عقيل وإنما يكون القارئ أحق من الفقيه إذا كان يحفظ ما يحتاج إليه في الصلاة فأما إن كان لا يحسن ذلك قدمنا الفقيه لحفظ الأركان والواجبات وسجود السهو وجبرانات الصلاة انتهى كلامه.
وكلامه في المحرر يحتمله ولعل الجمع بين كلاميه أحسن وفي اعتبار هذا القيد وجهان وهو أن يكون الأقرأ جاهلا بما يحتاج إليه في الصلاة فإن كان لا يميز مفروضها من مسنونها ففي تقديمه على الفقيه وجهان أحدهما يقدم قال في شرح الهداية وهو ظاهر كلام أحمد المنصوص ولأن القراءة ركن الصلاة بخلاف الفقه وكان الممتاز بما جنسه ركن للصلاة أولى والثاني الفقيه أولى وإن لم يحسن غير الفاتحة اختاره ابن عقيل لأنه امتاز بما لا يستغنى عنه في الصلاة والجاهل قد يترك فرضا ظنا منه أنه سنة قال وهذا الوجه أحسن.
ووجدت في كتاب ابن تميم أن هذا الوجه هو المنصوص.
قال أحمد في رواية صالح ينبغي للذي يقرأ القرآن أن يتعلم من السنة ما يقيم به صلاته فهو حينئذ أولى بالصلاة.
وقد عرف مما تقدم أنه مع علمه أفعالها هل يعتبر العلم بما يطرأ من السهو ونحوه ويؤيد ما تقدم أن القاضي قال في الجامع فإن كان المؤذن فاسقا فهل يعتد بأذانه ظاهر كلام أحمد أنه لا يعتد به قال في رواية أبي داود في المؤذن يسكر ينحى وقال في رواية جعفر بن محمد في الرجل يؤذن وهو سكران لعزل المؤذن أهون من الإمام وقال في رواية ابن بنت معاوية بن عمرو في المؤذن يصعد المنارة وهو سكران لا ولا كرامة ليس مثله من أذن قال
أقدمهم هجرة ثم أسنهم ثم أشرفهم على ظاهر كلامه.
وقال الخرقي الأولى بعد الأفقه الأسن ثم الأشرف ثم الأقدم هجرة قال ابن حامد الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن.
ولا يقدم على إمام المسجد وصاحب البيت إلا ذو سلطان وقيل: يقدمان عليه ويقدم الحر على العبد والحضري على البدوي والمقيم على المسافر.
__________
القاضي وظاهر هذا أنه ليس من أهله لأنه أمر بصرفه وعلل بأنه ليس بعدل قال ويجب أن يقال فيه ما في إمامة الفاسق وفي صحتها روايتان كذلك الأذان.
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية في تعليق المحرر وفي إذان الفاسق روايتان أي في الإجزاء فأما ترتيب الفاسق مؤذنا فلا ينبغي أن يجوز قولا واحدا كما قيل في نفوذ حكم الفاسق إذا حكم بالحق وجهان وإن لم تجز توليته قولا واحدا.
وقد تضمنت هذه المسألة صحة إمامة الجاهل وعلى هذا تصح ولايته وإن كان غيره أرجح لا سيما إن رجحناه على القارئ.
وقطع القاضي في الأحكام السلطانية أن من شرائط صحة ولاية إمامة الصلاة العدالة والعلم بأحكام الصلاة.
ورأيت في كلام الشيخ تقي الدين ما يدل على أن ولاية الفاسق مبنية على صحة إمامته وقال لم يتنازعوا فإنه لا ينبغي توليته لكن لعل القاضي فرع على مشهور المذهب وهو عدم صحة إمامة الفاسق وكذا ينبغي أن يكون حكم ولاية الصبي ونحوه.
قوله : "ثم أقدمهم هجرة" معنى قدم الهجرة السبق إلينا بنفسه من دار الحرب فقط هذا معنى كلام جماعة منهم صاحب الفصول والمغني فلا يرجح بسبق إمامه إلى الاسلام على ظاهر كلام الأصحاب ولم أجد فيه
والبصير على الأعمى وقال القاضي هما سواء ويكره أن يؤم الرجل أجنبيات لا رجل معهن أو قوما أكثرهم يكرهونه.
__________
خلافا وقطع المصنف في شرح الهداية وغيره بتقديم من سبق آباؤه مهاجرين إلينا وعند الآمدي يقدم بسبق آبائه فقط لانقطاع الهجرة بعد الفتح فهذه ثلاثة أقوال في المسألة.
وقال الشيخ تقي الدين بعد ذكره قول النبي صلى الله عليه وسلم " والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " قال فمن سبق إلى هجر السيئات بالتوبة منها فهو أقدم هجرة فيقدم في الإمامة.
ومعنى الأشرف أن يكون قرشيا ذكره المصنف في شرح الهداية وغيره وذكره في المغني أن الشرف يكون بعلو النسب وبكونه أفضلهم في نفسه وأعلاهم قدرا واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " قدموا قريشا ولا تقدموها ".
قوله : "ويكره أن يؤم قوما أكثرهم له كارهون".
أطلق العبارة ومراده كراهة تكون لخلل بدينه أو فضله.
قال المصنف في شرح الهداية وعموم كلام غيره يقتضيه أو لشحناء بينهم في أمر دنيوي ونحو ذلك فأما إن كرهوه لأجل سنته أو دينه فلا كراهة في حقه.
قال المصنف وإن كان ميلهم إلى مبتدع أو فاجر فالأولى أن يصبر ولا يلتفت إلى كراهتهم جهده.
قال صالح لأبيه ما تقول في رجل يؤم قوما ويرفع يديه في الصلاة ويجهر بآمين ويفصل الوتر والمأمومون لا يرضون بذلك ومنهم من يرضى حتى إن أحدهم يترك الوتر حال التفصيل ويخرج من المسجد فترى أن يرجع إلى قول المأمومين أم يثبت على ما يأمره أهل الفقه فقال بل يثبت على
ــــــ
صلاته ولا يلتفت إليهم وأطلق اعتبار قول الأكثر وكذا غيره ومنهم من قال ديانة.
قال القاضي والمستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه فإن استووا فالأولى أن لا يؤمهم.
وذكر الشيخ شمس الدين في الشرح قال ابن عقيل فإن استووا استحب له إزالة الخلاف بترك الإمامة وذكر ابن الجوزي في المذهب فيما إذا استويا وجهين.
واحتج الأصحاب حيث قالوا يكره بما يدل على التحريم ولهذا قال بعض الأصحاب تفسد صلاته إذا تعمد وللشافعية أيضا وجهان في التحريم ونص الشافعي على تحريمه فقال لا يحل لرجل أن يصلي بجماعة وهم له كارهون.
نقله الماوردي في كتاب الحاوي وفي الأم ما يقتضيه وكأن الأخبار لضعفها لا تنهض للتحريم وإن كانت تقتضيه فيستدل بها على الكراهة كما يستدل بخبر ضعيف ظاهره يقتضي وجوب أمر على ندبية ذلك الأمر ولا يقال لعل هناك صارفا عن مقتضى الدليل ولم يذكر لأنه خلاف الظاهر وأكثرهم يخص الكراهة بالإمام كعبارته في المحرر.
ومن كرهت إمامته كره الائتمام به قال ابن عقيل تكره له الإمامة ويكره الائتمام به.
باب موقف الإمام والمأموم
باب موقف الإمام والمأموم
لا تصح الصلاة قدام الإمام بحال ولا عن يسرته إذا لم يكن عن يمينه__________
قوله : "لا تصح الصلاة قدام الإمام بحال".
الاعتبار بالقدمين في الوقوف بالأرض فإن شخص المأموم قد يكون أطول فيتقدم رأسه وإن تأخر قدمه فإن كان قدم أحدهما أكبر من الآخر فالاعتبار
أحد ولا يصح أن يقف الرجل صفا وحده إلا في صلاة الجنازة على قول ابن عقيل وهو المذهب والمرأة مثله إلا إذا ائتمت برجل ولم تجد امرأة تقف
__________
بمؤخر القدم وهي العقب وإن تقدم رأس القدم على رأس القدم كما لو كان القدم كذا ذكره الشيخ وجيه الدين بن المنجى في شرع الهداية وأطلق في المحرر عدم صحة الصلاة قدام الإمام ومراده غير حول الكعبة فإنه إذا استدار الصف حول الكعبة والإمام منها على ذراعين والمقابلون له على ذراع صحت صلاتهم نص عليه الإمام أحمد.
قال المصنف في شرح الهداية ولا أعلم فيه خلافا وحكاه الشيخ وجيه الدين إجماعا لأن القدم إنما يعتبر حكمه إذا اتحدت جهة الإمام والمأموم.
فأما إذا تعددت فلا ألا ترى أن الصفين المقابلين بين جهة الإمام ومقابلته تصح صلاتهم وإن كانا في الجهة التي بين يدي الإمام حيث لم يستقبلوها بوجوههم ولعل السبب في تسويغ ذلك كثرة الخلق في الموقف فلو كلفوا القيام في جهة واحدة لشق ذلك وتعذر وظاهر هذا أنه لا فرق لمن يكونوا عند المسجد أو خارجه وذكر الشيخ وجيه الدين أن هذا إذا كانوا عند المسجد وإن كانوا خارج المسجد فبين الإمام وبين الكعبة مسافة في تلك الجهة والذين في بقية الجهات بينهم وبين الكعبة دون تلك المسافة ففيه وجهان.
وظاهر ما قدم في الرعاية أنه لا يضر قرب المأموم إلى الجدار أكثر من الإمام من اتحاد الجهة وفيه نظر فأما إذا تقابل الإمام والمأموم داخل الكعبة في صلاة تصح فيها ففيه وجهان أحدهما تصح قطع به الشيخ وجيه الدين وهو قول الحنفية والشافعية والثاني لا تصح لأنه مع كونه قدام إمامه مستدبر لبعض جهة الإمام فأشبه ما لو كان قفا المأموم في وجه الإمام وهذا بخلاف ما إذا وصلوا حول الكعبة فإنه لم يستدبر شيئا من جهة إمامه.
معها فإن وقفت مع رجل فهو فذ عند ابن حامد وهو المذهب وقال القاضي: ليس بفذ وإن وقفت مع رجل لم تبطل صلاة من يليها عندهما وقال أبو بكر:
__________
ومراد صاحب المحرر أيضا غير الصلاة جماعة في شدة الخوف فإنها تنعقد مع إمكان المتابعة نص عليه وهو قول الأصحاب وقطع به المصنف في شرح الهداية لعمومات النصوص في صلاة الجماعة ويعفى عن التقدم للعذر كما يعفى عن الاستدبار والمشي في صلاة الخوف غير الشديد وإن كان يمكنهم أن يصلوا جماعتين أو فرادى بدون ذلك محافظة على تكثير الأجر بإيقاع جماعة واحدة والوهن الحاصل في قلوب العدو بذلك.
وقال ابن حامد لا تنعقد الصلاة جماعة في شدة الخوف وحكاه في المغني احتمالا ورجحه فلهذا قال الشيخ مجد الدين على عدم صحة الصلاة قدام الإمام لقول سمرة بن جندب " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا جماعة أن يتقدم أحدنا " حسنه الترمذي فأمره بتقدم الإمام ينهى عن تقدمهم عليه ومصافتهم له ترك ظاهره في المصافة لنصوص يبقى الباقي على الظاهر ولأن وقوفه عن يساره أو خلف الصف فذا أحسن حالا وأقرب إلى معنى الاقتداء والمتابعة من وقوفه قدامه ثم صلاته تبطل هناك على أصلنا فهنا أولى ولأن الأصل إن كان إنسان يصلي بنفسه ويستقل بتأدية فرضه ولا يحمل غيره عنه شيئا فحث الشرع بالجماعة أوجب فعلها على ما جاءت به النصوص ولم يرد في شيء منها الوقوف بين يدي الإمام ثم ذكر قياسا ضعيفا وفي المسألة أدلة ضعيفة وقيل: تصح الصلاة قدام الإمام ضرورة في عيد أو جمعة وجنازة فقط وقيل: مطلقا.
وقال الشيخ تقي الدين في مذهب أحمد وغيره قول أن صلاة المأموم تصح قدام الإمام مع العذر دون غيره قال وهذا أعدل الأقوال وأرجحها وهو قول طائفة من العلماء وذلك لأن ترك المتقدم على الإمام غايته: أن يكون
تبطل ومن لم يقف معه إلا كافر أو محدث يعلم حدثه فهو فذ وإن وقف معه صبي فقيل هو فذ وقيل: ليس بفذ والمنصوص أنه فذ في الفرض
__________
واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة والواجبات كلها تسقط بالعذر وإن كانت واجبة في أصل الصلاة والواجب في الجماعة أولى بالسقوط انتهى كلامه.
وقد يقال انعقاد الصلاة جماعة في شدة الخوف مع العفو عن التقدم للعذر يقوي هذا القول وقد تقدم ما يدل على الفرق بينهما.
وإذا بطلت صلاة المأموم قدام الإمام فهل تبطل صلاة الإمام فيه وجهان ذكره ابن تميم وغيره والأولى أن يقال إن نوى الإمامة بمن يصلي قدامه مع علمه لم تنعقد صلاته كما لو نوت المرأة الإمامة بالرجال لأنه يشترط أن ينوي الإمامة بمن يصح اقتداؤه به وإن نوى الإمامة ظنا واعتقادا أنهم يصلون خلفه فصلوا قدامه انعقدت صلاته عملا بظاهر الحال كما لو نوى الإمامة من عادته حضور جماعة عنده ثم هل تبطل صلاته ذكر المصنف في مسألة الأصل إذا لم يأته أحد وأحرم إمام بحاضرين فانصرفوا عنه قبل أن يحرموا احتمالين وهذا مثله أحدهما تبطل لأنا تبينا أنه نوى الإمامة بغير مأموم والثاني يتمها منفردا لأن إحرامه إماما انعقد لكن تعذرت الإمامة في الدوام فأشبه ما لو أحدثوا وانصرفوا كلهم بعد دخولهم معه قال والوجه الأول أشبه بكلام أحمد لأنه قال في رجلين نوى كل واحد منهما أنه إمام صاحبه صلاتهما فاسدة وكان يجب على قياس الثاني أن تصح صلاة الذي أحرم ابتداء لأن الثاني أعرض عنه بعدما انعقدت تحريمته إماما انتهى كلامه.
والاستدلال بالمنصوص لهذه المسألة فيه نظر لأن مسألة النص لا ظاهر فيها يعمل به فنظيره ما لو نوى الإمامة وليس بحضرته أحد ولكن يحتمل الحضور وعدمه فإنها لا تصح بخلاف مسألتنا فإنه طرأ البطلان وعلى صلاة المأموم
دون النفل.
ومن خاف فوات الركعة فركع فذا ثم دخل في الصف والإمام في الركوع
__________
بتقدمه على الإمام فهو كما لو حدث البطلان بغيره على ما تقدم عند ذكر صاحب المحرر المسألة
وكلامهم يتناول صلاة الجنازة أيضا وصرح الشيخ تقي الدين فيها بروايتين واختار الجواز.
فصل
قد اشتهر أن تسوية الصفوف أمر مطلوب للشارع وعندنا وعند عامة العلماء أن ذلك مستحب وفيه إشكال فإن في الصحيحين من حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال: " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" وفيهما من حديث النعمان بن بشير أنه عليه الصلاة والسلام قال " لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " وفي لفظ أقيموا صفوفكم ثلاثا والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه إسناده صحيح رواه الإمام أحمد وأبو داود قيل في قوله " ليخالفن الله بين وجوهكم " معناه يمسخها ويحولها عن صورتها كقوله في الذي يرفع قبل الإمام: " يجعل صورته صورة حمار " وقيل: يغير صفتها وقيل: معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القلوب لأن اختلاف الظاهر سبب لاختلاف الباطن ومخالفة الصفوف مخالفة في الظاهر وهذا ظاهر في الوجوب وعلى هذا بطلان الصلاة به محل نظر.
وقد قال في شرح الأحكام الصغرى قوله: " من تمام الصلاة " قد يؤخذ منه أنه مستحب غير واجب لأنه لم يذكر أنه من أركانها ولا من واجباتها
أو الاعتدال عنه صحت صلاته وعنه إن علم بالنهي عن ذلك لم يصح وعنه
__________
وتمام الشيء زائد على وجود حقيقته التي لا يسمى إلا بها في مشهور الاصطلاح وقد يطلق بحسب الوضع على بعض مالا تتم الحقيقة إلا به انتهى كلامه
وهذا اللفظ دلالته محتملة فلا ينهض أن يؤخذ منه خلاف ما تقدم وروى البخاري عن أنس مرفعوعا أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري وأخذ عدم الوجوب من هذا متوقف على القول بدلالة الاقتران وليس مذهبا لنا ومتوقف أيضا على أن التراص لا يجب بالإجماع.
فصل
والتسوية في الصف بمحإذاة المناكب والأكعب فيه دون أطراف الأصابع ذكره المصنف وغيره لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رصوا صفوفكم وقاربوا بينها " وحاذوا بين الأعناق إسناده صحيح رواه أحمد وأبو داود والنسائي ورووا أيضا والاسناد جيد عن أنس مرفوعا أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فإن كان نقصان فليكن في الصف المؤخر .
والمشهور القول بموجبه وأن ترك الصف الأول ناقصا مكروه خلافا لابن عقيل فإنه اختار أن لا يكره تطوع الإمام في موضع المكتوبة وقاسه على ترك الصف الأول للمأمومين والأول أولى واختاره الشيخ تقي الدين.
ويدخل في إطلاق كلامهم لو علم أنه لو مشى إلى الصف الأول فاتته ركعة وإن صلى في الصف المؤخر لم تفته لكن في صورة نادرة ولا يبعد القول بالمحافظة على الركعة الأخيرة وإن كان غيرها مشى إلى الصف الأول وقد يقال يحافظ على الركعة الأولى والأخيرة وهذا كما قلنا لا يسعى إذا أتى الصلاة للخبر المشهور وقال الإمام أحمد فإن أدرك التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع ما لم يكن
إن دخل الصف قبل رفع إمامه صحت وإلا فلا تصح ومن فعل ذلك لغير
__________
أعجل بفتح...1 جاء الحديث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعجلون شتاء إذا تخوفوا فوت التكبيرة الأولى وقد ظهر مما تقدم أنه يعجل لإدراك الركعة الأخيرة لكن هل تقيد المسألتان بتعذر الجماعة فيه تردد.
فصل
فإن لم يجد فرجة في الصف ولا وجد أحدا يقوم معه فله أن ينبه من يقوم معه بنحنحة أو إشارة أو كلام من غير كراهة لا يختلف المذهب فيه وهل يجذب من يقوم معه نص أحمد على أنه يكره ذكره المصنف وغيره وذكر الشيخ وغيره أنه استقبحه أحمد وإسحاق وهو قول مالك وذكر المصنف أنه أصح ونصره الشيخ وجيه الدين بن المنجي لأنه تصرف بلا إذن ولا ولاية وفيه تأخيره عن فضيلة السبق إلى الصف الأول وذكر المصنف أن هذا اختيار ابن عقيل قال في التلخيص في جواز ذلك وجهان والذي اختاره ابن عقيل أنه لا يجوز وهذا ظاهر قول الشيخ تقي الدين فإنه قال صلى وحده خلف الصف ولم يدع الجماعة ولم يجتذب أحدا يصلي معه.
وقوله : "صلى وحده" هذا وجه في المذهب وهو قوي بناء على أن الأمر بالمصافة إنما هو مع الإمكان واعترف ابن عقيل أن قول الأصحاب الجواز واختاره في المغني لقول النبي صلى الله عليه وسلم لينوا في أيدي إخوانكم حديث حسن رواه أحمد من حديث أبي أمامة ورواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر وقاسه الشيخ على السجود على ظهر إنسان أو على قدمه
__________
1- كذا بالأصل . وبياض موضع كلمة
غرض لم تصح صلاته وقيل: تصح.
__________
عند الزحام في الجمعة والتسوية بين المسألتين صرح بها جماعة منهم ابن عقيل وصاحب التلخيص وهو قول مالك والمنقول عن أحمد السجود عند الزحام بخلاف مسألة الجذب لكن هل السجود وجوبا كما صرح به جماعة كما هو ظاهر قول عمر فليسجد على ظهر أخيه رواه أبو داود الطيالسي وسعيد بن منصور أو السجود أولى فقط كما روي عن أحمد وهذه التفرقة اختيار جماعة منهم الشيخ وجيه الدين لأنه لا ضرر في مسألة الزحام ومسألة الجذب فلا يؤثر الانتقال من الصف الأول فيفوته فضيلته وإن كان له أجر في وقوفه مع الفذ وعلى قول ابن عقيل يومي غاية الإمكان في مسألة الزحام فإن احتاج إلى وضع يديه أو ركبتيه وقلنا يجوز في الجبهة فوجهان.
فصل
فإن خرج معه وإلا تركه قال مالك لا يتبعه لقوله عليه الصلاة والسلام: " من قطع صفا قطعه الله " رواه أحمد وأبو داود والنسائي ويصلي فذا ولنا أنه لمصحة كتأخيره عن يمين الإمام إذا جاء آخر ويجبر ما يفوته بسبقه إلى تصحيح صلاة أخيه المسلم وروى أبو داود في المراسيل عن الحسن بن علي عن يزيد بن هارون عن الحجاج بن حسان عن مقاتل بن حيان رفعه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن جاء رجل فلم يجد أحدا فليختلج إليه رجلا من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج " كلهم ثقات وذكره البيهقي وغيره.
فصل
إذا وقف الصبي في الصف الأول أو قرب الإمام فهل يؤخر؟ قال الشيخ
وإذا أمت امرأة نساء قامت بينهن وسطا وكذلك إمام العراة.
__________
مجد الدين فإن وضعت جنازة المفضول بين يدي الإمام ثم جيء بالأفضل تأخر الإمام إن أمكنه ليلي الأفضل وإن لم يمكن أخرت السابقة في أحد الوجهين والثاني لا يؤخر وهو قول الشافعي إن كان السابق صبيا والمسبوق رجلا مراعاة للسبق كما لا يؤخر السابق إلى الصف الأول وإلى قرب الإمام وإن كان مفضولا قال ابن عبد القوي وقد تقدم في صفة الصلاة أن بعض الصحابة أخر صبيا من الصف الأول
قال الشيخ مجد الدين وتؤخر هنا المرأة لمجيء الرجل على المذهبين معا لمكان الذكورية وكون المرأة لا تقف في صف الرجال بخلاف الصبي انتهى كلامه.
والوجه الثاني اختيار القاضي والأول اختيار الشيخ موفق الدين وغيره وقال الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية لو حضرت جنازة امرأة ثم جنازة رجل قدم الرجل إلى الإمام وأخرت المرأة لقول عليه الصلاة والسلام: " أخروهن من حيث أخرهن الله " ولو حضرت جنازة صبي ثم حضرت جنازة رجل قدم الرجل لقوله " ليليني منكم ذوو الأحلام والنهى " وقال الشافعي لا يؤخر الصبي لأنه يجوز أن يقف في صف الرجال بخلاف المرأة.
قال الشيخ وجيه الدين فإن كانت من جنس واحد وتفاوتوا في الفضائل وتعاقبوا في الحضور فمن سبق إلى قرب الإمام فهو أحق به كما في الصف الأول فإنه لا يؤخر عنه بحضور من هو أفضل منه انتهى كلامه.
وظاهر كلام جماعة من الأصحاب أنه لا فرق بين الجنس والأجناس خلاف ما ذكره الشيخ وجيه الدين كما أن ظاهر كلامهم أنه لا فرق بين مسألة الجنائز ومسألة الصلاة خلاف ما ذكره الشيخ مجد الدين.
ومن سمع التكبير ولم ير الإمام ولا من وراءه لم يصح أن يأتم به إلا
__________
فظهر من ذلك أنه هل يؤخر المفضول بحضور الفاضل أولا يؤخر أو يفرق بين الجنس والأجناس أو يفرق بين مسألة الجنائز ومسألة الصلاة أقوال والخبر الذي أشار إليه ابن عبد القوي رواه الإمام أحمد عن قيس بن عباد قال أتيت المدينة للقاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة وخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت في الصف الأول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري فنحاني وقام في مكاني فما عقلت صلاتي فلما صلى قال يا بني لا يسؤك الله فإني لم آت الذي أتيت بجهالة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: " كونوا في الصف الأول الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك وكان الرجل أبي بن كعب ".
وهذا الخبر إن صح فهو رأي صحابي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سبق إلى ما سبق إليه مسلم فهو أحق به " وفي الصحيحين عن جابر وابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه ولكن تفسحوا أو توسعوا
قوله : "ومن سمع التكبير ولم ير الإمام ولا من وراءه لم يصح أن يأتم به إلا في المسجد وعنه لا يصح بحال وعنه تصح بكل حال".
أطلق عدم الرؤية ونقض غير واحد بالأعمى ونقض المصنف في شرح الهداية فقال لو كان الحائل ظلمة أو اقتدى ضرير بضرير صح مع سماع التكبير والرؤية ممتنعة ونقض الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية بسواري المسجد وفيه نظر.
وظاهر كلامه في المحرر أن الخلاف الذي ذكره سواء اتصلت الصفوف أم لا وأنه لا يشترط اتصال الصفوف مطلقا أما في غير المسجد فسيأتي
في المسجد وعنه لا يصح بحال وعنه يصح بكل حال.
__________
الكلام فيه في المسألة بعدها وأما في المسجد فلا يعتبر حكاه في شرح الهداية إجماعا وكذا قطع به الأصحاب.
وظاهر هذا أنه سواء كان بينهما حائل أم لا قطع في شرح الهداية أبو المعالي ابن المنجي بأنه إذا حال بينهما في المسجد نهر يمكن فيه السباحة والخوض متعذر غير متيسر ولا جسر يمكن العبور عليه أنه يجوز ولا يمنع الاقتداء لأن المسجد معد للاجتماع كما لو صلى في سطح المسجد ولا درجة هناك وأنه على روايتي الاكتفاء بسماع التكبير في المسجد يشترط الاتصال العرفي الذي يعد أن يجتمعن عرفا1 كالاتصال في الصحراء انتهى كلامه.
وقال الآمدي لا خلاف في المذهب أنه إذا كان في أقصى المسجد وليس بينه وبين الإمام ما يمنع الاستطراق والمشاهدة أنه يصح اقتداؤه به فإن لم تتصل الصفوف فظاهر هذا أن ما يمنع المشاهدة يمنع صحة الاقتداء وهو ظاهر إطلاق ما رواه أبو بكر عبد العزيز عن عمر في أن النهر مانع من صحة الاقتداء
فقد ظهر من هذا أنه لا يشترط اتصال الصفوف في المسجد وعلى قول الشيخ أبو المعالي يشترط إن كان يمنع الرؤية وأنه لا يضر حائل غير مانع من الرؤية في المسجد خلافا للآمدي وأطلق في المحرر الحائل المانع من الرؤية في المسجد وغيره وكذا ذكر غير واحد وقد نص الإمام أحمد في رواية المروزي وأبي طالب في المنبر إذا قطع الصف لا يضر
قال المصنف في شرح الهداية فمن أصحابنا من قال هذا على عدم اعتبار المشاهدة في المسجد فأما على رواية اعتبارها فيقطع قال ومنهم من قال هذا يجوز على كلتا الروايتين في الجمعة ونحوها للحاجة انتهى كلامه
__________
1- كذا في الأصل . ولعل "الذي يعد أنه اجتماع عرف" أو نحوهما
فإن ائتم به خارج المسجد وهو يراه أو يرى من خلفه جاز إلا إذا كان
__________
والرواية الخاصة بالجمعة عامة سواء كان الإمام والمأموم في المسجد أولا وعنه رواية رابعة أن ذلك يمنع منهما في الفرض دون النفل قال بعض أصحابنا فيما إذا كانا في المسجد وقيل: إن كان المانع لمصلحة المسجد صح وإلا لم يصح وقال فيما إذا كان المأموم في غير المسجد وعنه إن كان الحائل حائط المسجد لم يمنع وغيره يمنع.
قوله : "فإذا ائتم به خارج المسجد وهو يراه أو يرى من خلفه جاز".
وظاهره أنه سواء رآه في كل الصلاة أو في بعضها وهو صحيح وقد صرح به غير واحد وقال في المغني وإن كانت المشاهدة تحصل في بعض أحوال الصلاة فالظاهر صحة الصلاة لحديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وجدار المسجد قصير الحديث.
وظاهره أيضا أنه لا يشترط اتصال الصفوف وقد قطع به غير واحد منهم القاضي أبو الحسين وذكر المصنف في شرح الهداية أنه الصحيح من المذهب وأنه قول جمهور العلماء كما لو كانا في المسجد وأن ظاهر قول الخرقي أنه يشترط لظاهر أمره عليه الصلاة والسلام بالدنو من الإمام وقطع به الشيخ في الكافي وقطع به الشيخ وجيه الدين أيضا في شرح الهداية.
فعلى هذا يرجع في اتصال الصفوف إلى العرف قطع به الشيخ وجيه الدين فقال مضبوط بالعرف عندنا وقطع به أيضا في الكافي فقال لا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله وهو قول الخرقي على ما ذكره المصنف وذكر في التلخيص والرعاية أنه يرجع فيه إلى العرف أو ثلاثة أذرع وقيل: متى كان بين الصفين ما يقوم صف آخر فلا اتصال اختاره المصنف في شرح الهداية حيث اعتبر اتصال الصفوف وهو في الطريق على
بينهما نهر تجري فيه السفن أو طريق لم تتصل به الصفوف فهل يجوز على روايتين.
__________
ما سيأتي قال في المغني معنى اتصال الصفوف أن لا يكون بينهما بعد لم تجر العادة بمثله فلو اقتصر في المغني على هذا كان مثل قوله في الكافي وكان واضحا لكن زاد يمنع إمكان الاقتداء وهذه الزيادة فيها إشكال .
وفهم الشيخ شمس الدين من هذه الزيادة أنها تفسير وقيد الكلام قبلها فقال في شرحه معنى اتصال الصفوف أن لا يكون بينهما بعد لم تجر العادة به بحيث يمنع إمكان الاقتداء وتفسير اتصال الصفوف بهذا التفسير غريب وإمكان الاقتداء لا خلاف فيه.
وقال الشافعي متى بعدت بينه وبين من وراء الإمام لم تصح قدوته به وقدرها بما زاد على ثلاثمائة ذراع وجعل ما دون ذلك قريبا أخذا من مدى الغرضين في المفاضلة.
وقال الشيخ وجيه الدين وضبطه الشافعي بضابط حسن بمائتي ذراع أو ثلاثمائة ذراع.
وظاهر كلامه في المحرر أنه إن كان بينهما حائل غير مانع من الرؤية لا يضر إلا ما استثناه على ما سيأتي وقيل: إن كان بينهما شباك ونحوه لم يمنع في أصح الوجهين وقيل: بل في أصح الروايتين والقول بأنه يمنع حكاه المصنف في شرح الهداية عن بعض الشافعية لانقطاع بعد المكانين عن الآخر.
قوله : "إلا إذا كان بينهما نهر تجري فيه السفن أو طريق لم تتصل فيه الصفوف فهل يجوز على روايتين".
اتصال الصفوف في الطريق فيه الخلاف السابق إذ لا أثر للطريق فيه هذا فيما إذا كان لحاجة لعموم البلوى بذلك في الجمعة والأعياد ونحوها أو قلنا بصحة الصلاة في الطريق مطلقا فإن قلنا بعدم الصحة وهي الرواية المشهورة
ومن كان موقف إمامه أعلى منه صح ائتمامه به وكره وقال ابن حامد:
لا يصح ولا بأس باليسير من ذلك ويكره للإمام خاصة أن يتطوع موضع
__________
على ما ذكره المصنف في شرح الهداية فحكم من وراء الواقف في الطريق حكم من اقتدى بالإمام وبينهما طريق خال.
وقوله : "فهل يجوز على؟ روايتين" رواية الجواز اختارها الشيخ موفق الدين وذكر المصنف في شرح الهداية أنه القياس لكنه ترك للأثر ورواية المنع اختيار الأصحاب لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال من صلى وبينه وبين الإمام نهر أو جدار أو طريق فلم يصل مع الإمام وعن علي أنه رأى قوما في الرحبة فقال من هؤلاء فقالوا ضعفاء الناس فقال لا صلاة إلا في المسجد وعن أبي هريرة وحكاه عنه ابن المنذر لا جمعة لمن صلى في رحبة المسجد وعن أبي بكر أنه رأى قوما يصلون في رحبة المسجد فقال لا جمعة لهم روى هذه الآثار أبو بكر عبد العزيز بإسناده.
وهذه الآثار في صحتها نظر والأصل عدمها وبتقدير صحتها لا دلالة لأكثرها على محل النزاع بل في أصح1 وعن الإمام أحمد يمنع في الفرض خاصة.
وألحق الآمدي بالنهر النار والبئر وألحق صاحب المبهج الشيخ أبو الفرج بذلك السبع وقطع الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية برواية المنع كما اختاره الأصحاب قال لعدم الاتصال العرفي وهذا بناه على اختياره في اعتبار اتصال الصفوف عرفا والأصحاب من اعتبر منهم ولا يلزم اختلاله2 ومن لم يعتبره فلا إشكال عليه عنده قال وأما الطريق المختصة بعبور الرجل والساقية التي يمكن خوضها فليس بمانع ولا قاطع عرفا.
قوله : "ولا بأس باليسير من ذلك".
__________
1- كذا في الأصل: وكتب وفوقها "كذا".
2- كذا في الأصل.
المكتوبة أو يقف في المحراب إلا من حاجة ولا يكره الوقوف بين السواري إلا لصف تقطعه.
__________
كذا ذكر جماعة وأطلق في المستوعب والمذهب وغيرهما كراهة العلو اليسير قطع المصنف في شرح الهداية والشيخ موفق الدين بأنه كدرجة المنبر ونحوها وذكر القاضي أنه يكره بذراع أو أزيد وقطع به في الرعاية ولعله يقارب معنى القول الذي قبله وقطع الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية بأن قدر الارتفاع المكروه قدر قامة المأموم لأنه حينئذ يحتاج إلى رفع رأسه ليعلم انتقالات إمامه ورفع رأسه مكروه وما دون ذلك فلا يكره لعدم الحاجة إلى رفع رأسه الموجب للكراهة.
قوله : "ولا يكره الوقوف بين السواري إلا لصف تقطعه".
ولم يتعرض لمقدار ما يقطع الصف وكأنه يرجع فيه إلى العرف وشرط بعض أصحابنا أن يكون عرض السارية التي تقطع الصف ثلاثة أذرع وإلا فلا يثبت لها حكم القطع ولا حكم الخلل ذكره الشيخ وجيه الدين وهذا القول هو معنى قول من قال من الأصحاب إن من وقف عن يسار الإمام وكان بينه وبينه ما يقوم فيه ثلاثة رجال لا تصح صلاته لأن الرجل يقوم في مقاربة ذراع والتحديد بابه التوقيف ولا توقيف هنا ومتى دعت الحاجة إلى الوقوف بين السواري فلا كراهة قطع به جماعة منهم المصنف في شرح الهداية كالصلاة في طاق القبلة واستثنى في المحرر الحاجة فيه دون هذه.
والظاهر أنه غير مراد وكأنه تبع غيره على العبارة.
باب صلاة المريض
باب صلاة المريض
وإذا عجز المريض عن القيام صلى جالسا كالمتطوع فإن لم يستطع فعلى__________
قوله : "وإذا عجز المريض عن القيام صلى جالسا"
جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة فإن صلى على الأيسر أو على ظهره مستلقيا
__________
ليس الحكم مختصا بالعجز فلو قدر على القيام لكن خشي زيادة مرض أو ضعف أو تباطؤ برء ونحو ذلك صلى جالسا كما قلنا في الصيام وطهارة الماء على الصحيح قال الغمام أحمد إذا كان قيامه مما يوهنه ويضعفه صلى قاعدا وقال أيضا إذا كانت صلاته قائما توهنه وتضعفه فأحب إلى أن يصلي قاعدا وعن الإمام أحمد لا يجلس إلا إن عجز أن يقوم لدنياه.
وإطلاق كلامه في المحرر يقتضي أنه لو قدر على القيام باعتماده على شيء أنه يلزمه وصرح به جماعة وقال ابن عقيل لا يلزمه أن يكتري من يقيمه ويعتمد عليه وإطلاق كلامه أيضا يقتضي أنه إن أمكنه الصلاة قائما منفردا وفي الجماعة جالسا أنه يصلي قائما منفردا وقدمه الشيخ وجيه الدين لأنه ركن متفق عليه والجماعة مختلف في وجوبها وقيل: بل يصلي قاعدا جماعة لأن الصحيح يصلي قاعدا خلف إمام الحي المريض لأجل المتابعة والجماعة والمريض أولى وقيل: بل يخير بين الأمرين قطع به في الكافي وقدمه غير واحد لأنه يفعل في كل واحد منهما واجبا ويترك واجبا ولأن القيام إنما يجب حالة الأداء فإذا أداها في الجماعة فقد عجز عنه حالة الأداء قطع المصنف بهذا في شرح الهداية وذكره عن الشافعي وظاهر قول الحنفية واحتج بأن مصلحة الجماعة أكثر أجرا ومصلحة من القيام لأن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم وتفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين ضعفا.
وإطلاق كلامه أيضا يقتضي أنه إذا أمكنه القيام في صورة الراكع أنه لا يلزمه وليس كذلك بل يلزمه لأنه قيام مثله بخلاف ما لو كان لغير آفة به كمن في بيت قصير سقفه أو خائف من عدو يعلم به إذا انتصب ويمكنه أن يستوي جالسا فإنه يصلي جالسا على منصوص الإمام أحمد لعدم
ورجلاه إلى القبلة جاز ويومئ بالسجود أخفض من إيمائه بالركوع فإن عجز أومأ بطرفه واستحضر الأفعال بقلبه.
__________
الاستطاعة المذكورة في حديث عمران بن حصين ويفارق الذي قبله لأنه إن جلس جلس منحنيا فإذا لم يكن بد من الانحناء فقيامه أولى لأنه الأصل.
وإطلاق كلامه أيضا يقتضى أنه لو صام في رمضان صلى قاعدا وإن أفطر صلى قائما أنه يصلي قائما وقطع الشيخ وجيه الدين بأنه يصوم ويصلي قاعدا لما فيه من الجمع بينهما.
وإطلاق كلامه أيضا يقتضي أنه لو صلى قائما امتنعت عليه القراءة أو لحقه سلس البول ولو صلى قاعدا امتنع السلس أنه يصلي قائما وقطع الشيخ وجيه الدين بأنه يصلي قاعدا لسقوط القيام في النفل ولا صحة مع ترك القراءة والحدث.
والنادر وإن دخل في كلام المكلف فالظاهر عدم إرادته له وهذه الصورة أو بعضها من النوادر.
قوله : "فإن عجز أومأ بطرفه واستحضر الأفعال بقلبه".
وبهذا قال مالك والشافعي وعن أحمد تسقط وضعفها الخلال وهو قول أبي حنيفة واختاره الشيخ تقي الدين وللقول الأول أدلة ضعيفة يطول ذكرها وبيان ضعفها ولا يخفى ضعفها عند المتأمل وقد اعتبر المصنف في شرح الهداية هذه المسألة بالأسير إذا خافهم على نفسه فصار بحيث لا يمكنه التحريم خوفا منهم وجعلها أصلا لها في عدم سقوط الصلاة لعجزه عن الأفعال في الموضعين وكذلك عندنا وعند مالك والشافعي إن عجز أن يومئ بطرفه وأمكنه أن ينوي ويستحضر أفعال الصلاة بقلبه لزمه ذلك ذكره المصنف في شرح الهداية.
ومراده بأفعال الصلاة القولية والفعلية إن عجز عن القولية بلسانه وكذا قطع به الشيخ وجيه الدين قال ابن عقيل إذا كان الرجل أحدب يجدد من قلبه عند قصد الركوع إنما يقصد به الركوع لأنه لا يقدر على فعله كما يفعل المريض الذي
ولا يؤخر صلاته ما لم يغم عليه ومن أمكنه القيام دون الركوع والسجود صلى قائما وأومأ بالركوع قائما أو بالجلوس جالسا.
__________
لا يطيق الحركة يجدد لكل فعل وركن قصدا بقلبه انتهى كلامه.
وقطع بعضهم بأنه إذا عجز عن الصلاة مستلقيا أنه يومئ ء بطرفه وينوي بقلبه.
فلعل مراده أن ينوي الصلاة بقلبه ويستحضرها في ذهنه إلى آخرها كما ذكره غيره واقتصاره على هذا يوهم أنه إذا عجز عن الإيماء بطرفه تسقط الصلاة مع ثبات عقله وليس كذلك لأنه قال وينوي بقلبه ومن عجز عن بعض المطلوب أتى بالبعض الآخر.
وذكر في المستوعب أنه يومئ ء بطرفه أو بقلبه وظاهره الاكتفاء بعمل القلب ولا يجب الإيماء بالطرف وليس ببعيد ولعل مراده أو بقلبه أن عجز عن الإيماء بطرفه.
وقال في المقنع فإن عجز أومأ بطرفه ولا تسقط الصلاة وكذا في الكافي وزاد ما دام عقله ثابتا فيحتمل أنه أراد إذا عجز عن الإيماء بطرفه سقطت الصلاة ويكون قوله "ولا تسقط الصلاة ما دام عقله ثابتا" يعني على الوجه المذكور وهو قدرته على الإيماء بطرفه وهذا قول الحسن بن زياد الحنفي.
ويدل على هذا أن الظاهر أنه ينوي بقلبه مع الإيماء بطرفه ولم يذكرها وقد يدل على هذا الاحتمال الثاني وهو أنه إذا عجز عن الإيماء بطرفه نوى بقلبه كما ذكره غيره واستحضر أفعال الصلاة بقلبه.
قوله : "ولا يؤخر الصلاة ما لم يغم عليه".
يعني ويقضي على أصلنا وقال جماعة ولا تسقط الصلاة ما دام عقله ثابتا ومرادهم بالسقوط التأخير.
ويجوز لمن به رمد أن يصلى مستلقيا إذا قال ثقات الطب إنه ينفعه ومن أمكنه في أثناء صلاته القعود أو القيام انتقل إليه وبنى.
__________
قوله : "ويجوز لمن به رمد أن يصلي مستلقيا إذا قال ثقات الطب إنه ينفعه".
ليس حكم المسألة مختصا بمن به رمد بل من في معناه حكمه حكمه فإذا قيل له إن صليت مستلقيا زال مرضك أو أمكن مداواتك فله ذلك واحتج على هذا بأنه فرض للصلاة فإذا خاف الضرر منه أو رجى البرء بتركه سقط كالطهارة بالماء في حق المريض ولأنه يباح له الفطر في رمضان لأجل ذلك إذا خشى الضرر بالصوم ففي ركن الصلاة أولى ولأنه يجوز ترك الجمعة والصلاة على الراحلة لخوف تأذيه بالمطر والطين في بدنه أو ثيابه فترك القيام لدفع ضرر ينفعه البصر1 أو غيره أولى.
ويعرف من أصول هذه الأقيسة أن المسألة يخرج فيها خلاف في المذهب وفاقا لمالك والشافعي في عدم الجواز لأن أصولها أو أكثرها فيه خلاف مرجوح في المذهب فوقع الكلام فيها على الراجح المقطوع به عند غير واحد.
وذكر في الكافي المسألة في الرمد كما ذكرها هنا واحتج بما ذكره غيره من أنه روى أن أم سلمة تركت السجود لرمد بها ولأنه يخاف منه الضرر أشبه المرض كذا قال.
وقوله : "إذا قال ثقات الطب" لا يعتبر قول ثقات الطب كلهم ولم أجد تصريحا باعتبار قول ثلاثة بل هو ظاهر كلام جماعة قال الشيخ زين الدين بن منجا وليس بمراد لأن قول الاثنين كاف صرح به المصنف وغيره يعني بالمصنف الشيخ موفق الدين وقدم في الرعاية أنه يقبل قول واحد وقد قال أبو الخطاب
__________
1- كذا بالأصل . ولعله "يخشاه على البصرة".
ــــــ
في الانتصار في بحث مسألة التيمم لخوف زيادة المرض قال المعتبر بالظاهر وغلبة الظن إذا اتفق جماعة من الأطباء على أنه بترك الماء يأمن زيادة المرض والشين المقبح صار ذلك عذرا في الترك كالمتيقن انتهى كلامه.
وثقات الطب يعطي اعتبار إسلامهم وهو مصرح به ويعطى العلم به ويعطى أيضا العدالة لأن الفاسق ليس بثقة ولا مؤتمن وينبغي أن يكتفي بمستور الحال.
وقد احتج من قال بالمنع في المسألة بما ذكره ابن المنذر وغيره عن ابن عباس "أنه لما كف بصره أتاه رجل فقال لو صبرت على سبعة أيام لم تصل إلا مستلقيا رجوت أن تبرأ فأرسل إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلهم قال أرأيت إن مت في هذه السبعة ما الذي تصنع بالصلاة فترك معالجة عينيه".
وأجاب في المغني بأنه إن صح فيحتمل أن المخبر لم يخبر بخبر عن يقين وإنما قال أرجو وأنه لم يقبل خبره لكونه واحدا أو مجهول الحال بخلاف مسألتنا وهذا يدل على أنه لا يكفي قول واحد ولا مجهول الحال وظاهره سواء جهلت عدالته أو علم وأنه لا بد من جزم الطبيب بذلك.
وقال المصنف: الظاهر أنهم يئسوا من عود بصره بعد ذهابه ولم يثقوا بقول المخبر لقصوره أو للجهل بحاله أو لغير ذلك.
وقال الشيخ وجيه الدين: وأما ابن عباس فكان المخبر واحدا والبصر مكفوف فطلب عودته لم يخف زيادة مرض ولا تباطؤ برء.
باب صلاة المسافر
باب صلاة المسافر
ومن نوى سفرا مباحا مسافته ستة عشر فرسخا كل فرسخ ثلاثة أميال بالهاشمي والميل أثنا عشر ألف قدم خير بين قصر الرباعية وإتمامها.__________
قوله : "خير بين قصر الرباعية".
إذا جاوز بيوت قريته والقصر أفضل ويشترط أن ينويه عند الإحرام.
ومن سافر أو أقام في أثناء صلاته أو ذكر صلاة سفر في حضر أو صلاة حضر في سفر أو أخر المسافر صلاته عمدا حتى خرج وقتها أو ضاق عنها أو ائتم بمقيم فيما يعتد به أو بمن يشك هل هو مسافر أم لا أو فسدت صلاته خلف مقيم فأعادها لزمه أن يتم ذلك كله.
__________
لو قال إلى ركعتين كما قال بعضهم كان أولى لأنه ممنوع من صلاة الرباعية ثلاثا قال ابن عقيل وغيره وإذا صلى المسافر الرباعية ثلاثا ثم سلم متعمدا بطلت صلاته كما لو مسح على أحد خفيه ثم غسل الرجل الأخرى.
قوله : "أو أخر المسافر صلاته عمدا حتى خرج وقتها أو ضاق عنها لزمه أن يتم".
كذا ذكر هذه المسألة ولم أجد أحدا ذكرها قبله وكلامه في شرح الهداية يدل على أنه لم يجد أحدا من الأصحاب ذكرها فإنه قال هو كالناسي لذلك في مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وظاهر تقييد أصحابنا بذكر الناسي في ذلك يعني وإن نسي صلاة سفر فذكرها فيه أو في سفر آخر المسألة قال وفي مسألة تغلب الإتمام فيمن نسي صلاة في سفر فذكرها في الحضر يدلان على أن القصر لا يجوز ههنا وهو ظاهر كلام بن أبي موسى فإنه قال إذا دخل وقت صلاة على مقيم يريد السفر فارتحل قبل أدائها ثم أداها في السفر ووقتها باق فله القصر وإن لم يصلها حتى خرج وقتها أتمها لا يجزئه غير ذلك.
ووجه ذلك أن القصر رخصة يختص بصلوات السفر معونة عليها وعلى مشاقه فوجب أن تختص بمن فعلها الفعل المأذون فيه ولم يؤخرها تأخيرا محرما كما اختصت بالسفر غير المحرم وعلى هذه المسألة يحمل قول القاضي في الخصال فإن كان قاضيا لها أو لبعضها لم يجز له القصر توفيقا بينه وبين الجواز للناسي في سائر صفاته
وإن سافر في وقت صلاة أو أدرك مقيما في التشهد الأخير فعلى روايتين.
وإن نسي صلاة سفر فذكرها فيه قصر وإن ذكرها في سفر آخر فعلى وجهين.
__________
ويحتمل أن يحمل كلام القاضي في الخصال على ظاهره فلا يجوز قصر فائتة بحال كأحد قولي الشافعي فقد نقل المروزي ما يدل عليه فقال سألت أبا عبد الله عمن نسي صلاة في السفر فذكرها في الحضر قال يصلي أربعا في السفر ذكرها أو في الحضر انتهى كلامه.
وعموم كلام الأصحاب يدل على جواز القصر في هذه المسألة وصرح به بعضهم ذكره في الرعاية وجها وهو ظاهر اختياره في المغني فإنه ذكر عن بعض الأصحاب أن من شرط القصر كون الصلاة مؤداة لأنها صلاة مقصورة فاشترط لها الوقت كالجمعة وهذا فاسد لأنه اشتراط بالرأي والتحكم والجمعة اشترط لها شروط فجاز أن يشترط لها الوقت بخلاف هذه وإطلاق كلامه يقتضي أنه لا فرق بين التعمد والنسيان ولو فرق الحكم لبينه هو وغيره من الأصحاب واستدلوا عليه وأما التقييد بالناسي فإنه وقع على الغالب لأن الغالب في المسلم المصلي عدم تأخير الصلاة عن وقتها لا لأن حالة العمد تحالف حالة النسيان في ذلك ولهذا وقع التقييد بالنسيان في كتب عن الأصحاب من أهل المذاهب ولما صرحوا بحالة العمد صرحوا بأنها كحالة النسيان في هذا الحكم وإن افترقا في الإثم وعدمه وأما كلام ابن أبي موسى فإنما هو فيمن سافر بعد دخول وقت صلاة فسافر قبل فعلها فإن فعلها مع بقاء وقتها قصرها وإلا فلا وهذا هو الرواية الثالثة عن إمامنا في هذه المسألة ولم يذكرها المصنف في شرح الهداية بل حكى عن بعض الحنفية والشافعية والرواية الأخرى في هذه المسألة لا يقصرها مطلقا وهو المشهور والرواية الأخرى يقصرها مطلقا حكاها ابن عقيل وهي قول الأئمة الثلاثة ولهذا قال في المستوعب ومن سافر بعد دخول الوقت لم يجز له قصرها سواء سافر في أول وقتها أو في
ومن نوى الإقامة في بلد مدة عشرين صلاة قصر إلا أن يتزوج فيه أو يكون له فيه زوجة أو يكون بلد إقامته وإن نوى مدة إحدى وعشرين.
__________
آخره وسواء صلاها في وقتها أو بعد خروجه وعنه إن صلاها في السفر في وقتها جاز لها قصرها وإن لم يصلها حتى خرج وقتها لزمه إتمامها واختارها ابن أبي موسى فمتى لم يبق من الوقت ما يتسع لفعل جميعها أربع ركعات لم يجز له القصر قولا واحدا وهو معنى قول القاضي في الخصال لا يكون قاضيا لها ولا لبعضها وكذا إذا سافر بعد ما بقى من وقتها ما يتسع لفعل جميعها لم يجز له القصر انتهى كلامه.
وأما اعتبار هذه المسألة بالسفر المحرم فيه نظر ظاهر لأن السفر المحرم سبب للترخص ولا تباح الرخص بالأسباب المحرمة لما فيه من الإعانة على فعل المحرم وأما هنا فليس تأخيره المحرم سببا لرخصة القصر حتى يقال يلزم من القول به ثبوت الرخصة مع تحريم سببها وأكثر ما فيه أنه أتى بها على وجه محرم وهذا لا يمنع رخصة القصر التي وجد سببها كما لو أتى بها بغير أذان ولا إقامة أو منفردا مع قدرته على الجماعة أو غير ذلك من الأمور المحرمة.
قوله : "ومن نوى الإقامة في بلد".
يعني يشترط في الإقامة التي تقطع السفر إذا نواها الإمكان بأن يكون موضع لبث وقرار في العادة فعلى هذا لو نوى الإقامة بموضع لا يمكن لم يضر لأن المانع نية الإقامة في بلده ولم توجد وقال الشيخ وجيه الدين من أصحابنا في شرح الهداية فإن كان لا تتصور الإقامة فيها أصلا كالمفازة ففيه وجهان أحدهما لا يقصر لأنه نوى الإقامة وتعرض للهلاك بقطع السفر والثاني يقصر لأنه لا يمكنه الوفاء بهذه النية للتعذر فلغت وبقي حكم السفر الأول مستداما
صلاة فعلى روايتين ومن حبسه عدو أو حاجة ولم ينو إقامة قصر أبدا وللملاح والمكاري والفيج المسافرون بأهليهم دهرهم إذا لم ينووا إقامة ببلد لا يقصرون.
__________
قوله : "والفيج".
قال الشيخ وجيه الدين هو الساعي وقال ابن الأثير في نهايته الفيج هو المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد والجمع فيوج وهو فارسي معرب وقال ابن عبد القوي وهو الراعي المتنقل وقيل: البريد.
قوله : "المسافرون بأهليهم دهرهم".
وقال أبو المعالي بن منجا شرط أبو الخطاب أن يكون معهم أهليهم ولا نية لهم في المقام في مقام يقصدونه وقال القاضي ليس ذلك بشرط بل المعتبر أن لا يكون له وطن يأوي إليه ويقصده وهذا منه يوهم أن المسألة على وجهين وقد يقال ليس كذلك لأن مراد من ذكر الأهل إذا كان له أهل لأنه لا فرق بين السائحين المجردين الذين يتسمون بالفقراء العزاب الذين دأبهم السير في الأرض غير ناوين إقامة ببلد وبين الملاح ونحوه الذين معهم أهلهم وقال ابن عبد القوي أطلق القاضي الحكم ولا بد من تقييده بكونهم يستصحبون أهلهم ومصالحهم وفي كلام الإمام أحمد الإشارة إليه قال ذكر ذلك ابن عقيل في عمد الأدلة.
وقوله : "إذا لم ينووا إقامة ببلد لا يقصرون" هذا هو مذهب الإمام أحمد المنصوص عنه وهو الذي عليه أصحابه لأنه غير ظاعن عن وطنه وأهله أشبه المقيم ولأنه في حكم المقيم بدليل أن امرأته تعتد عدة الطلاق معه ولأن السفر لا يسقط الصوم وإنما يجوز تأخيره عنه وقضاؤه في غيره لمشقة أدائه فإذا كان الأداء والقضاء في ذلك سواء كان جواز التأخير عن الوقت المعين عبثا فلا يجوز
ــــــ
وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي يجوز لهؤلاء القصر والفطر للعمومات وهي إنما تتناول من له إقامة وسفر فإنه المتبادر إلى الأفهام هذا جواب بعضهم كالمصنف وجواب بعضهم المراد بها الظاعن عن منزله وهذا كأنه يسلم تناولها ويخصصها بما تقدم واختار الشيخ موفق الدين والشيخ وجيه الدين منع الملاح والجواز لغيره لأنه لا يمكنهم استصحاب الأهل ومصالح المنزل في السفر وإن أمكن ففيه زيادة مشقة فهم في هذه الحال أبلغ في استحقاق الترخص بخلاف الملاح وأما أن كان للملاح ونحوه وطن أو منزل يأوون إليه في وقت ترخصوا بلا إشكال.
باب الجمع بين الصلاتين
باب الجمع بين الصلاتين
يجوز جمع الظهر والعصر وجمع المغرب والعشاء للمسافر المستبيح القصر وللمرضع والمستحاضة ولمن به سلس البول وللمريض إذا وجد مشقة بتركه والجمع في وقت الأولى جائز وهو في وقت الثانية أفضل.ويشترط له في وقت الأولى أن ينويه عند افتتاحها ويقدمها على الثانية،
__________
قوله : "وهو في وقت الثانية أفضل".
ظاهره العموم في حق كل من جاز له الجمع ولا يخلو من نظر وفي مسألته خلاف وتفصيل ذكره.
قوله : "ويشترط له في وقت الأولى أن ينويه عند افتتاحها ويقدمها على الثانية".
لم أجد في هذه المسألة خلافا مع أن بعض الأصحاب لم يذكر هذا الشرط مع ذكره شروط الجمع وكأنه اكتفى بعموم اشتراطه في باب الأوقات يؤيد هذا أن بعضهم لم يذكره هنا مع أنه جعله أصلا في وجوب ترتيب الفوائت ولا يسقط بالنسيان وهذا مذهب الأئمة الثلاثة قال المصنف في شرح الهداية ولا نعلم فيه مخالفا لأن الثانية لم يدخل وقت وجوبها وإنما جوز فعلها تبعا للأولى
وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء فإن صلى بينهما سنة الصلاة بطل الجمع وعنه لا يبطل.
ويشترط للجمع في وقت الثانية أن ينويه قبل أن يبقى من وقت الأولى بقدرها والترتيب.
__________
فإذا لم توجد الأولى لم يكن وجود تابعها وهذا بخلاف ترتيب الفوائت حيث نسقطه بالنسيان لأن الصلاتين هناك قد وجبتا واستقرتا وليس إحداهما: تبعا للأخرى.
قوله : "وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء".
تعتبر الموالاة بينهما لأن حقيقته ضم الشيء ولا يحصل مع التفريق الكثير واليسير لا يمكن التحرز منه أو يعسر جدا فلم يمنع وحكى القاضي أنه يمنع وقد نقل أبو الخطاب في الانتصار على جواز التفريق في الموالاة في الوضوء قال كما في الجمع بين الصلاتين والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف اختاره جماعة منهم الشيخ موفق الدين لأن هذا شأن ما لم يرد الشرع بتقديره وقدره بعضهم بقدر الإقامة والوضوء.
قال المصنف في شرح الهداية مرد كثرة التفريق العرف والعادة وإنما قرب تحديده بالإقامة والوضوء لأن الإقامة هذا محلها والوضوء قد يحتاج إليه فيه وهما من مصالح الصلاة ولا تدعو الحاجة غالبا إلى غير ذلك ولا إلى تفريق أكثر منه وهذا إذا كان الوضوء خفيفا فأما من طال وضوءه بأن يكون الماء منه على بعد بحيث يطول الزمان فإنه يبطل جمعه.
قوله : "والترتيب" ظاهره أن الترتيب هنا كالترتيب إذا جمع في وقت الأولى وجعل في الكافي الترتيب بين المجموعتين أصلا لمن قال بعدم سقوط الترتيب في قضاء الفوائت وكذلك في المغني وكذلك أبو المعالي في شرح الهداية.
ولا تشترط الموالاة على الأصح وقال أبو بكر لا يشترط للجمع ولا للقصر نية ويجوز الجمع للمطر الذي يبل الثياب ليلا ولا يجوز نهارا وعنه يجوز،
__________
وهذا ظاهر كلام جماعة من الأصحاب وهذا يدل على أن المذهب أنه لا يسقط بالنسيان وفي الرعاية قال لا يسقط بالنسيان في الأصح لأن النسيان هنا لا يتحقق لأنه لا بد من نية الجمع بينهما فلا يمكن ذلك مع نسيان أحدهما ولأن اجتماع الجماعة يمنع النسيان إذ لا يكاد الجماعة ينسون الأولى.
وقال المصنف في شرح الهداية: والترتيب معتبر هنا لكن بشرط الذكر كترتيب الفوائت لأن الصلاتين قد استقرتا في الذمة واجبتين فلذلك سقط بينهما بالنسيان كالفائتتين بخلاف الجمع بينهما في وقت الأولى ووافقنا على ذلك أبو حنيفة وإسحاق ومذهب الشافعي أن الترتيب هنا لا يجب كمذهبه في الفوائت ولأصحابه وأصحابنا وجه باعتبار هذا مطلقا وفائدته أنه متى أخل به بطل حكم الجمع ووقعت الظهر قضاء عندهم وكذلك عندنا إذا كان ناسيا حتى لو كان ناسيا خرج في صحتها الخلاف في قصر الفائتة وكذا ذكر غيره هذا التفريع عن الشافعي وينشأ عليه اشتراط نية القضاء والأداء قاله ابن عبد القوي.
قال المصنف وهل يشترط الترتيب هنا بضيق وقت الثانية بأن يبقى من وقت الثانية مالا يتسع إلا لواحدة منهما قال القاضي في المجرد يسقط كسقوطه في الفائتة مع المؤداة وذكر في تعليقه أنه لا يسقط.
قال المصنف في الصحيح عندي لأنه لا يستفيد بتركه فائدة لأن وقت الثانية وقت للمجموعتين أداء لا قضاء فأيتهما بدأ بها وقعت أداء والأخرى قضاء.
وعكسه الحاضرة مع الفائتة فإنه لو رتب لصارتا قضاء ويمكن الاعتذار عنه بأنهما وإن كانتا فيه أداء إلا أن الثانية أخص بوقتها من الأولى.
قوله : "ولا تشرط الموالاة على الأصح".
فإن جمع في وقت الأولى اعتبر وجود المطر في طرفيها ومع افتتاح الثانية وإن جمع له في وقت الثانية جاز وإن كان قد انقطع.
وهل يجوز الجمع للوحل أو الريح الشديدة الباردة أو لمن يصلي حيث لا يناله المطر ولا الوحل على وجهين.
__________
وكذا صححه غيره كالفائتتين فعلى هذا إذا فرق صلاهما بأذانين وإقامتين كالفائتتين إذا فرقهما قطع به جماعة من الأصحاب وجماعة لم يفرقوا كما هو معروف في موضعه وقال أبو حنيفة وصاحباه في صلاتي مزدلفة بأذان وإقامتين لأن الأذان للوقت والإقامة للإعلام بالفعل وهو وقت واحد وفعلان وينتقض هذا عندهم بصلاتي عرفة إذا فرقهما.
ووجه اشتراط الموالاة مقصود الجمع بالتفريق الفاحش ولم يحصل إلا بعزيمة فوجب المنع منه كما يمتنع المسافر أن يصوم في رمضان عن غيره فعلى هذا إن فرق عمدا أثم وكانت الأولى قضاء وإن لم يتعمد لم يؤثر ذلك في فسادها ولا في فساد الثانية كما لو صلى الأولى في وقتها مع نية الجمع ثم تركه فإنه تصح لكن لو كانت مقصورة خرج فيها الخلاف في قصر الفائتة.
باب صلاة الخوف
باب صلاة الخوف
وهي جائزة بحضرة كل عدو حل قتاله وخيف هجومه فإن كان في قبلي المسلمين بمرآهم ولم يخش له كمين صفهم الإمام صفين فصاعدا وصلى بهم كصلاة الأمن إلا أن الصف الأول في أول ركعة لا يسجدون مع الإمام بل يقفون حرسا فإذا قام إلى الثانية سجدوا ثم لحقوه وفي ثاني ركعة يحرس.__________
باب صلاة الخوف
قوله : "إلا أن الصف الأول في أول ركعة لا يسجدون مع الإمام بل يقفون حرسا".
الساجدون معه أولا ثم يلحقونه في التشهد فيسلم بالجميع وإن كان العدو في غير جهة القبلة جعلت طائفة بإزائه وأخرى يصلي بها الإمام ركعة ثم تفارقه في الثانية فتتم لأنفسها بركعة ثم تذهب فتقف تجاه العدو ويطيل قراءته حتى تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها الثانية فإذا جلس قامت فصلت ركعة ويطيل التشهد حتى تدركه فيسلم بها ولو صلى بطائفة ركعة وانصرفت ثم بالأخرى ركعة ثم سلم هو وانصرفت هي ثم أتت الأولى فأتمت صلاتها ثم الثانية مثلها أجزأه وكان تاركا للاختيار.
فإن كانت الصلاة مغربا أو رباعية صلى بطائفة ركعتين وبالأخرى ما بقي وتفارقه الأولى إذا انتهى تشهده وينتظر الثانية جالسا.
وفيه وجه آخر أن المفارقة والانتظار في الثالثة.
ويسن حمل الخفيف من السلاح في صلاة الخوف كالسيف والسكين ويكره حمل ما يثقل كالجوشن والمغفر وأما الصلاة حال المسايفة أو الهرب من سبع أو سيل أو عدو يباح الهرب منه فراجلا وراكبا إيماء إلى القبلة وغيرها ولا يلزمه الإحكام متوجها وعنه يلزمه مع القدرة.
وإذا صلوا صلاة شدة الخوف لسواد ظنوه عدوا فلم يكن أو كان دونه ما يمنع العبور أعادوا.
ومن أمن في صلاة خوف أو خاف في صلاة أمن انتقل وبنى وإذا خشي طالب العدو فوته فصلى صلاة شدة الخوف جاز وعنه لا يجوز.
__________
كذا ذكر جماعة كالقاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم لأن حراسته في الأولى أحوط والصواب ما اختاره جماعة كالشيخ موفق الدين والمصنف في شرح الهداية وغيرهما أن الصف الأول يسجد في الأولى ويحرس في الثانية اقتداء بما صح عنه عليه الصلاة والسلام.
باب اللباس والتحلي
باب اللباس والتحلي
يحرم على الرجل في الحرب وغيره لبس الحرير وما نسج من الذهب أو موه به وافتراشه والاستناد إليه إلا لضرورة وعنه يباح الحرير في الحرب فإن نسج مع الإبريسم غيره فالحكم للأكثر فإن استويا فعلى وجهين ويمنع الصبي من لبس الحرير وعنه لا يمنع ويباح لمن به مرض أو حكة وعنه لا يباح.ولا بأس بحشو الجباب والفرش بالإبريسم.
ويباح العلم والرقاع ولبة الجيب وسجف الفراء من الحرير دون الذهب إذا لم يجاوز قدر الكف وقال أبو بكر يباح منهما.
ويباح للرجل من حلي الفضة الخاتم وقبيعة السيف وفي حيلة المنطقة روايتان وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل ولا تباح له من الذهب.
__________
باب اللباس والتحلي
قوله : "ويباح للرجل حلي من الفضة الخاتم".
ظاهره تحريم لباس الفضة والتحلي بها إلا ما استثناه وعلى هذا كلام غيره صريحا وظاهرا ولم أجد أحدا احتج لتحريم لباس الفضة على الرجال في الجملة ودليل ذلك فيه إشكال وحكى عن الشيخ تقي الدين أنه كان يستشكل هذه المسألة وربما توقف فيها وكلامه في موضع يدل على إباحة لبس الفضة للرجال إلا ما دل دليل شرعي على تحريمه.
وقال في موضع آخر لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق إلى أن قال فلما كانت ألفاظه صلوات الله وسلامه عليه تامة عامة في آنية الذهب والفضة وفي لباس الذهب والحرير استثنى من ذلك ما خصصته الأدلة الشرعية كيسير الحرير ويسير الفضة في الآنية للحاجة ونحو ذلك فأما لبس الفضة إذا لم يكن
إلا قبيعة السيف وما اضطر إليه كاتخاذه أنفا وشد الأسنان به ويحتمل أن تحرم القبيعة وقال أبو بكر يباح يسير الذهب إلا مفردا كالخاتم ونحوه.
ويباح للمرأة من الذهب والفضة ما العادة أن تتحلى به كالخلخال والسوار والتاج ونحوه وإن كبر وقال ابن حامد إذا بلغ حليها ألف مثقال حرم.
__________
فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا مقام الدليل الشرعي على تحريمه فإذا جاءت السنة بإباحة خاتم الفضة كان هذا دليلا على إباحة ذلك.
وما هو في معناه وما هو أولى منه بالإباحة وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه انتهى كلامه.
وذلك لأن النص ورد في المذهب والحرير وآنية الذهب والفضة فليقتصر على مورد النص وقد قال تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [ البقرة:29 ].
ووجه تحريم ذلك أن الفضة أحد النقدين اللذين تقوم بهما الجنايات والمتلفات وغير ذلك وفيها السرف والمباهاة والخيلاء ولا تختص معرفتها بخواص الناس فكانت محرمة على الرجال كالذهب ولأنها جنس يحرم فيها استعمال الإناء فحرم منها غيره كالذهب وهذا صحيح فإن التسوية بينهما في غيره ولأن كل جنس حرم استعمال إناء منه حرم استعماله مطلقا وإلا فلا وهذا استقراء صحيح وهو أحد الأدلة ولأنه عليه الصلاة والسلام رخص للنساء في الفضة وحضهن عليها ورغبهن فيها ولو كانت إباحتها عامة للرجال والنساء لما خصهن بالذكر ولأثبت عليه الصلاة والسلام الإباحة عامة لعموم الفائدة بل يصرح بذكر الرجال لما فيه من كشف اللبس وإيضاح الحق وذلك فيها قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور عن ربعي عن امرأته عن أخت حذيفة قالت: "خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا معشر النساء ما منكن امرأة تتحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به " رواه أبو داود عن مسدد عن
ويحرم على الرجل والمرأة لبس ما فيه صورة حيوان وقيل: لا يحرم.
ومن ألبس دابته جلدا نسجا مدبوغا جاز إلا جلد الكلب والخنزير ويكره للإنسان لبسه ولا يحرم.
__________
أبي عوانة عن منصور حديث حسن وربعي هو ابن حراش الإمام وقال أحمد أيضا حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار حدثني أسيد بن أبي أسيد عن ابن أبي موسى عن أبيه أو عن ابن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من سره أن يحلق حبيبته حلقة من نار فليحلقها حلقة من ذهب ولكن الفضة فالعبوا بها لعبا " وقوله " فالعبوا بها لعبا " يعني النساء لأن السياق فيهم فقوله: " حلوا معاشر الرجال نساءكم بالفضة " مطلقا من غير حاجة ولا يحوج من كره وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالت امرأة يا رسول الله طوق من ذهب قال طوق من نار إلى أن قال ما يمنع أحداكن أن تصنع قرطين من فضة ثم تصغرهما بالزعفران رواه أحمد لأنه عليه الصلاة والسلام "سئل عن الخاتم: من أي شيء أتخذه؟ قال من ورق ولا تتمه مثقالا " رواه جماعة منهم النسائي والترمذي وقال: حديث غريب.
وهذا يدل على أنهم كانوا ممنوعين من استعمال الورق وإلا لما توجهت الإباحة إليه وأباح اليسير لأنه نهى عن تتمته مثقالا ولأن الصحابة رضي الله عنهم نقلوا عنه عليه الصلاة والسلام استعمال يسير الفضة ليكون ذلك حجة في اختصاصه بالإباحة ولو كانت الفضة مباحة مطلقا لم يكن في نقلهم استعمال اليسير من ذلك كبير فائدة فقال أنس رضي الله عنه: "كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة" رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال:
ــــــ
حسن غريب وقال مزيدة العصري1 دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة رواه الترمذي وقال غريب وهذا كقول أنس إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة لتكون حجة إباحة اليسير في الآنية وقد ثبت في الصحاح والسنن من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من الفضة.
وفي هذا الباب مسائل حسنة وفوائد مهمة وما تيسر منها مذكور فيما علقته في الآداب الشرعية فليطلب هناك والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
1- هو مزيدة –بوزن كبير– بن العصر– بفتح المهملتين – العبدي. صحابي.
باب صلاة الجمعة
باب صلاة الجمعة
وهي فرض على الرجال الأحرار المكلفين المستوطنين ببناء متصلا أو متفرقا تفرقا يسيرا بحيث يشمله اسم واحد إذا بلغوا أربعين فأما المقيم في مصر لعلم أو شغل والمسافر سفرا لا قصر معه ومن كان خارج المصر على فرسخ أو بحيث يسمع النداء مقيما في غير بناء أو في قرية فيها دون الأربعين الموصوفين فتلزمهم الجمعة بغيرهم لا بأنفسهم ولا تنعقد بهم وهل تصح إمامتهم فيها يحتمل وجهين.ولا تجب على مسافر له القصر ولا عبد ولا امرأة ولا تنعقد بهم ولا تصح إمامتهم فيها ويجزئهم حضورها تبعا وعنه تجب على العبد.
ومن لزمته الجمعة لم يحز أن يسافر في يومها حتى يصليها وعنه يجوز قبل الزوال [وهو المذهب] وعنه يجوز قبله للجهاد خاصة.
ويجوز إقامتها في الصحراء لعدم البنيان.
وهل تجوز في موضعين للحاجة؟ على روايتين فإن قلنا لا تجوز أو لم.
__________
صلاة الجمعة.
قوله : "وهل تجوز في موضعين للحاجة على روايتين".
تكن حاجة بطلت المسبوقة بالإحرام إلا أن تختص بإذن الإمام فتصح دون الأولى وقيل: السابقة الصحيحة بكل حال فإن جهلت السابقة أعادوا ظهرا وإن أحرموا بهما معا بطلتا وصلوا جمعة وإن لم يعلم هل أحرموا بهما معا أو في وقتين فهل يصلون ظهرا أو جمعة على وجهين.
وتجب الجمعة بالزوال ويجوز فعلها في وقت صلاة العيد وقال الخرقي في الساعة السادسة.
ولا يشترط إذن الإمام الجمعة ولا عيد ولا استسقاء وعنه يشترط ويجب السعي إلى الجمعة بالنداء الثاني وعنه بالأول إلا من منزل بعيد فعليه أن يسعى في وقت يدركها به.
__________
أطلق الروايتين والمذهب عند الأصحاب الجواز وهو المنصور في كتب الخلاف ونصره أيضا المصنف.
وقوله : "في موضعين" ليس الحكم مختصا بموضعين بل تجوز إقامتها في مواضع للحاجة وصرح به المصنف في شرح الهداية وقد عرف من هذا أن المصنف لو قال وتجوز في موضعين فأكثر للحاجة وعنه لأولى وقد قال القاضي في الخلاف إن من قال لا تجوز في موضعين للحاجة احتج بأنه لا تجوز في موضعين قياسا على الثلاثة قال والجواب أن الخرقي أجاز ذلك من غير أن يختص ذلك بموضعين ولم يمتنع أن يجوز في موضعين ولا تجوز في ثلاثة مواضع كصلاة العيد وقد قيل إن القياس يقتضي أن لا تجوز إلا في موضع واحد لأنها لو جازت في موضعين لجازت في سائر المساجد كسائر الصلوات ولجازت في سائر المواطن من السفر والحضر كسائر الصلوات إلا أنا تركنا القياس في موضعين لما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه وأنه أقام العيد في موضعين وحكمه حكم الجمعة من الوجه الذي بينا انتهى كلامه.
والسنة: أن يغتسل لها عند الرواح ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين ويتطيب ويبكر إليها ماشيا ويدنو من الإمام ويشتغل بالذكر والقراءة.
__________
وما حكاه عن الخرقي هو الذي عليه كلام الأصحاب ولا فرق بين العيد والجمعة في ذلك فكيف يجعل العيد أصلا في المنع وما حكاه القاضي من إجازتها في موضعين للحاجة والمنع عن ثلاث يروى عن أبي حنيفة ومحمد ابن الحسن وظاهر كلام المصنف القطع بمنعها في موضعين لغير حاجة وهو المعروف في المذهب وعن عطاء أنه يجوز وهو قول الظاهرية وعن أحمد ما يدل عليه قال في رواية المروزي وقد سئل عن صلاة الجمعة في مسجدين فقال صل فقيل له إلى أي شيء تذهب فقال إلى قول علي رضي الله عنه في العيد إنه أمر رجلا يصلي بضعفه الناس وكذلك نقل أبو داود وعنه أنه سئل عن المسجدين اللذين جمع فيهما ببغداد هل فيه شيء متقدم فقال أكثر ما فيه أمر علي رضي الله عنه أن يصلي بالضعفة.
قال القاضي بعد أن ذكر هذين النصين فقد أجاز الإمام أحمد رحمه الله تعالى ذلك على الإطلاق وقال وهو محمول على الحاجة قال وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه قال إذا كان البلد يحتاج إلى جوامع فصلاة الجمعة في جميعها جائزة فاعتبر الحاجة قال وكذلك ذكره شيخنا يعني أبا عبد الله بن حامد.
قوله : "ويبكر إليها ماشيا" للخبر في ذلك.
وذكر المصنف في شرح الهداية في بحث هذه المسألة أن فيه انتظار فريضة بعد أخرى يعني أن هذا مستحب قال وفي ذلك ترغيب مشهور في الأخبار وقطع الشيخ موفق الدين في مسألة وإن جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان أن انتظار الصلاة قربة في جميع الأوقات وذكر ابن الجوزي في منهاج القاصدين أن من أفضل الأعمال انتظار الصلاة بعد الصلاة للخبر.
والدعاء ولا يتخطى أحدا إلا لفرجة يجلس فيها وعنه يكره ذلك أيضا.
ومن فرش شيئا في مكان فهو أحق به وقيل: لغيره رفعه والجلوس مكانه.
__________
وقطع في المستوعب وغيره أنه يستحب الجلوس بعد صلاة الجمعة إلى العصر وفيه خبر فيه ضعف رواه البيهقي وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة وهو عام في الصلوات كلها وروى ابن ماجه وإسناده ثقات عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول الله مسرعا قد حفزه النفس قد حسر عن ركبتيه فقال أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول انظروا إلى عبادي قد أدوا فريضة وهم ينتظرون أخرى وقد ذكر ابن تميم وصاحب الرعاية أنه يسن الجلوس بعد العصر إلى غروب الشمس وبعد الفجر إلى طلوعها ولا يستحب ذلك بعد بقية الصلوات نص عليه وقد ورد في هذين الوقتين خبر خاص يدل على استحباب الجلوس بعدهما ولكن لا ينفي استحباب الجلوس بعد غيرهما.
قوله : "ولا يتخطى أحدا إلا لفرجة".
يعني يكره لقوله : "وعنه يكره ذلك أيضا" وهذا هو المعروف في كلام الأصحاب مع أن دليلهم على الكراهة يقتضي التحريم وقد رأيت الشيخ وجيه الدين بن المنجا في شرح الهداية صرح بأنه لا يجوز وفي كلام الشيخ موفق الدين في مسألة التبكير إلى الجمعة أن التخطي مذموم والظاهر أن الذم إنما يتوجه على فعل يحرم وقال الشيخ تقي الدين ليس لأحد أن يتخطى الناس ليدخل في الصف إذا لم تكن بين يديه فرجة لا يوم الجمعة ولا غير يوم الجمعة بل هذا من الظلم والتعدي لحدود الله ثم استدل بالحديث في ذلك.
ويشترط للجمعة خطبتان تحتوي كل خطبة على حمد الله والصلاة على
__________
وللشافعية في تحريمه وكراهته وجهان وفي تعليق أبي حامد التصريح بتحريمه عن نص الشافعي وذكر في موضع آخر من الباب عن الشافعي أنه مكروه.
قوله : "في الخطبتين يحتوي كل منهما على حمد الله".
ظاهره أنه لا يعتبر لفظ مخصوص وقطع المصنف في شرح الهداية أنه يعتبر قول الحمد لله لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخل به في خطبة ما بحال وكذا قطع به الشيخ مجد الدين وابن تميم وابن حمدان وغيرهم ولم أجد فيه خلافا.
ثم ذكر في المحرر ما تحتوي كل واحدة عليه قال المصنف في شرح الهداية بعد ذكر اشتراط العدد يرفع صوته بقدر ما يسمعهم فإن منع السماع نوم أو ضجة أو غفلة أو وقع مطر ونحوه لم يؤثر ذلك لأن اعتبار حقيقة السماع تشق فتضبط بمظنته وإن لم يسمعوه لبعدهم منه أو لكونه خفض صوته جدا فهو كما لو خطب وحده وإن لم يسمعوا لصمم بهم ووراءه من لا يسمعه لبعد ولا صمم به فوجهان أحدهما يجزئه اعتبار المظنة كما لو كان من بقربه أعجميا أو كان الجميع صما والثاني لا يجزىءلأن السماع لم يحصل وإنما أسقطنا حقيقة السماع حيث يسقط اعتبارها وقطع بعضهم بأنهم إن كانوا صما لم تصح وإن كانوا طرشا أو عجما لا يفهمون صحت.
وقال ابن تميم وإن كان لطرش وليس من يسمع صحت وإن كان من يسمع بعيدا فوجهان.
ولم يذكر في المحرر الوقت للخطبة ولم أجد في اشتراطه خلافا وقطع به المصنف في شرح الهداية قال لأنها كبعض الصلاة وهذا قول الجماعة.
وتشترط أيضا الموالاة إلى آخر الخطبة وبين الخطبتين وبينهما وبين الصلاة
رسوله والوصية بالتقوى وقراءة آية.
__________
في الأصح وقطع به المصنف في شرح الهداية لأنهما مع الصلاة كمجموعتين ولأنهما ذكر يشترط لصحة الجمعة فأشبه أركان صلاتهما.
فعلى هذا لو طال الفصل استأنف إلا أن يقرأ سجدة فينزل لسجودها ويطول الفصل فوجهان الاستئناف لأنه من غير جنس الخطبة كالسكوت والبناء لأنه من مسنونات القراءة المشروعة في الخطبة فأشبه سائر سننها إذا طولت.
وظاهر كلامه في التلخيص والرعاية أنه لا يضر كثير بدعاء لسلطان ونحوه وينبغي أن يخرج على هذا وجه استحبابه والمرجع في طول الفصل إلى العرف.
ويشترط أيضا تقديم الخطبة على الصلاة ولم أجد فيه خلافا لفعله عليه الصلاة والسلام وهو بيان مجمل فيجب الرجوع إليه.
وظاهر كلامه أنه لا تشترط الطهارة بل قد صرح به بعد ذلك فقال فالأفضل أن يخطب طاهرا وفي اشتراط الطهارة لصحة الخطبة روايتان الاشتراط كتكبيرة الإحرام وعدمه كالأذان والأصلان فيهما إشكال لكن الأصل عدم اشتراط شيء والنقل عنه يفتقر إلى دليل ووجه ابن عقيل عدم الاشتراط بعدم اشتراط طهارة البقعة وفيه نظر وقد تبعه طائفة كأبي المعالي بن المنجا على هذا ولم يتبعه آخرون نظرا إلى التسوية بينهما وهو أولى ثم قال أبو المعالي ومتى قلنا باشتراط الطهارة اشترط طهارة الستارة والبقعة لأنهما أقيما مقام الركعتين انتهى كلامه.
وقال القاضي يشترط لهما ستر العورة ولعله على الخلاف.
وقد ذكر الخرقي والثناء عليه تعالى وتبعه بعضهم على هذه العبارة كابن عقيل وظاهره اعتبار الثناء مع اعتبار الحمد بل صريحه.
ويشترط العدد لأركان الخطبتين وللصلاة كلها وتصح خطبة الجنب نص عليه وهو عاص بقراءة الآية.
__________
وقد ذكر الشيخ وجيه الدين بن المنجا كلام الخرقي وقال فيكون الثناء قسما خامسا انتهى كلامه.
وأكثر الأصحاب لم يذكر الثناء مع الحمد وبعض من شرح الخرقي لم يتكلم على هذا ولعله حمل الثناء على الحمد.
قوله في المحرر : "وتصح خطبة الجنب نص عليه وهو عاص بقراءة الآية إلا أن يغتسل قبل قراءتها ثم يتيمم ويتخرج أن لا تصح".
ذكر هذا مع أنه ذكر أن قراءة الآية شرط في صحة الخطبة كما هو معروف أنه الراجح في المذهب وأن الجنب يحرم عليه قراءتها مع أنه قدم ما هو الراجح في المذهب من أن الصلاة في الدار المغصوبة لا تصح وتصحيح خطبة الجنب مع ذلك مشكل وفيه نظر ظاهر ولم أجد أحدا ذكره غير صاحب المحرر والإمام أحمد إنما نص على صحة خطبة الجنب نصا مطلقا لم يتعرض فيه لشيء مما تقدم فمن الأصحاب كابن عقيل من قال هذا من الإمام أحمد يعطى أحد أمرين إما أن تكون الآية ليست شرطا أو جواز قراءة الآية للجنب فأما أن تكون الآية شرطا أو لا يجوز قراءتها للجنب ثم يجمع بينهما فلا وجه لذلك والأشبه أن يخرج أنه لا يشترط الآية هذا كلامه.
وذكر ابن عقيل أيضا في عمد الأدلة أن صحة خطبة الجنب تلحق بصحة الصلاة في الدار المغصوبة قال ويحتمل أن نقول يجوز للجنب قراءة آية أخذا من تصحيحه خطبة الجنب.
وذكر الشيخ أبو المعالي وجيه الدين بن المنجي في شرح الهداية نص الإمام على إجزاء خطبة الجنب ثم قال وهذا إنما يكون إذا خطب في غير المسجد أو خطب في المسجد غير عالم بحال نفسه ثم علم بعد ذلك ثم قال:
ــــــ
والأشبه بالمذهب اشتراط الطهارة من الجنابة فإن أصحابنا قالوا تشترط قراءة آية فصاعدا وليس ذلك للجنب ولأن الخرقي اشترط للأذان الطهارة من الجنابة فالخطبة أولى وصحح في التلخيص ما صححه في المغني من اشتراط الطهارة الكبرى وقال هو أليق بالمذهب.
وذكر في المغني أيضا أن ظاهر كلام الإمام أحمد أنه لا تشترط لصحة الخطبة القراءة واحتج بنص أحمد على إجزاء خطبة الجنب وقال غير واحد من الأصحاب فإن جاز للجنب قراءة آية أو لم تجب القراءة في الخطبة خرج في خطبته وجهان قياسا على أذانه.
وقال الشيخ مجد الدين في شرح الهداية خطبة الجنب تصح نص عليه في رواية صالح فقال إذا خطب بهم جنبا ثم اغتسل وصلى بهم أرجو أن تجزئه قال ومن أصحابنا من شرط أن يكون خارج المسجد لأن لبثه فيه معصية تنافي العبادة ومنهم من قال يجزئه بناء على الصحيح في اعتبار الآية للخطبة ومنع الجنب منها والصحيح أن ذلك لا يشترط لأنه قد يكون متوضئا فيباح له اللبث وقد يغتسل في أثنائها قبل القراءة ثم يتيمم وقد ينسى جنابته ولا يكون عاصيا بلبث ولا قراءة ثم على تقدير عدم ذلك نقول تحريم اللبث لا أثر له في الفساد لأنه لا تعلق له بشيء من واجبات الصلاة فأشبه من أذن في المسجد جنبا أو صلى وفي كمه ثوب غصب وأما تحريم القراءة فإنه أيضا لا يختص هذه العبادة لكنه متعلق بفرض لها فالتحقيق فيه أن يلحق حكم الخطبة معه بالصلاة في الدار المغصوبة انتهى كلامه.
وقياس هذه المسألة على مسألة الأذان للجنب في المسجد في الحالة المحرمة فيه نظر لأن الأذان في هذه الحالة كالأذان والزكاة1 في أرض مغصوبة وفي
__________
1- كذا في الأصل ولعلها "والصلاة".
إلا أن يغتسل قبل قراءتها ثم يتيمم ويتخرج أن لا تصح.
والأفضل أن يخطب طاهرا على منبر أو موضع عال.
__________
الصحة مع التحريم قولان وذكر بعض الأصحاب روايتين فإن قلنا بعدم الصحة فلا كلام وإن قلنا بالصحة وهو الصحيح من المذهب فالفرق ما ذكره بعض الأصحاب أن البقعة ليست من شرائط ذلك فلم يؤثر تحريمها في صحته بخلاف الخاتم وحمل شيء مغصوب لأنهما لم يتعلقا بشرط العبادة المأمور بها وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى.
وقال الشيخ وجيه الدين ويعصي الجنب بدخول المسجد بلا أذان ويجزي أذانه وكذا لو كان مكشوفا عن عورته لأنه ليس من شرائط الصلاة بخلاف الخطبة فإنها من شرائط الصلاة وفيها للشافعية وجهان مع صحة الأذان عندهم.
قوله في المحرر : "إلا أن يغتسل قبل قراءتها ثم يتيمم".
عبارته تقتضي ولو طال الفصل وليس الأمر كذلك لأن الموالاة شرط هنا عنده وهو المذهب وهنا استثناء آخر في المسألة وهو استنابة من يقرأ ذكره جماعة منهم ابن عقيل وابن الجوزي لأن مقصود الخطبة حاصل مع ذلك.
فهو كخطبة الواحد أو كأذان شخص وإقامة آخر وهذا بخلاف الأذان الواحد فإنه لا يصح من اثنين لقوله عليه الصلاة والسلام " فليؤذن لكم أحدكم " ولأن مقصوده وهو الإعلام يحصل بذلك غالبا لاختلاف الأصوات وقاسه في المغني على الصلاة والأول هو معنى كلام القاضي وجماعة.
قال القاضي في الجامع الكبير ويفارق هذا الصلاة لأنه يجوز أن يستخلف فيها إذا أحدث على إحدى الروايتين فتكون صلاة واحدة بإمامين وأما الخطبة إذا أحدث فيها فهل يجوز أن يستخلف فيها؟ فحكمها حكم
ويسلم إذا استقبل الناس ويجلس وقت التأذين وبين الخطبتين ويخطب قائما ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا ويقصد تلقاءه ويقصر الخطبة،
__________
الصلاة يخرج على الروايتين وقد نص على الروايتين في موضع وهل تصح أن تكون الخطبة من رجل والصلاة من آخر على روايتين وإنما كانت الخطبة كالصلاة لأنها شرط في صحتها انتهى كلامه.
وظاهره القطع بأن الخطبة لا تصح من اثنين في غير حال الحدث كالصلاة وقد قال القاضي والأصحاب بأن الأذان والإقامة يتولاهما واحد فإنهما فصلان من الذكر من جنس واحد كصلاة واحدة فالأفضل أن يتولاهما واحد أصله الخطبتان.
قال القاضي وفيه احتراز من الأذان والخطبة الأولى كالإمامة والخطبة الثانية أنه يتولاهما اثنان لأنهما من جنسين.
وقال ابن عقيل وهل يجوز أن يتولى الخطبتين اثنان يخطب كل واحد خطبة فيه احتمالان أحدهما يجوز كالأذان والإقامة والثاني لا يجوز وقال لما بينا من الوجوه المانعة أن يتولاهما غير من يتولى الصلاة وكذا ذكر هذه المسألة الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية.
وظاهره أن الخطبة الواحدة لا تصح من اثنين قال الشيخ وجيه الدين أيضا في باب الأذان وإن قيل هل يجوز الاستخلاف في الخطبة قلنا فيه وجهان أحدهما يجوز كالصلاة والثاني لا يجوز كالأذان انتهى كلامه.
وقطع ابن عقيل في باب الأذان بالوجه الأول وقطع به الشيخ مجد الدين في شرح الهداية فلا يقال إنه لم يذكر الاستثناء لأنه لعله لم يره.
وهذه المسألة يعايى بها فيقال عبادة واحدة بدنية محضة تصح من اثنين.
ويدعو للمسلمين وإن دعا لمعين جاز ومن دخل والإمام يخطب لم يزد على ركعتين خفيفتين.
ويحرم الكلام وقت الخطبة إلا على الخاطب وله لمصلحة وعنه يكره من غير تحريم ولا بأس به قبل الخطبة وبعدها.
__________
قوله : "ومن دخل والإمام يخطب لم يزد على ركعتين خفيفتين".
لو كان في آخر الخطبة بحيث إذا اشتغل بها فاته معه تكبيرة الإحرام فقال المصنف في شرح الهداية لا نستحبها في مثل ذلك وكذا قال الشيخ في المغني إذا تشاغل بالركوع فاته أول الصلاة لم يستحب له التشاغل بالركوع.
حكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوب تحية المسجد ومذهب الشافعية لا يشترط أن ينوي التحية بل تكفيه ركعتان من فرض أو سنة راتبة أو غيرها ولو نوى بصلاته المكتوبة والتحية انعقدت صلاته وحصلتا له.
قوله : "ويحرم الكلام والإمام يخطب إلا على الخاطب وله لمصلحة وعنه يكره من غير تحريم".
يباح من الكلام ما يجوز قطع الصلاة له كتحذير ضرير أو غافل عن بئر أو حفيرة لأنه إذا لم تمنع منه الصلاة مع فسادها به فالخطبة أولى.
ويجوز للمستمع إذا عطس أن يحمد الله خفية لأنه ذكر وجد سببه ولا يختل به مقصود وله أن يؤمن على دعاء الخاطب كما يؤمن على دعاء القنوت وله أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر في الخطبة نص عليه لأنه سنة في الخطبة فأشبه التأمين بل أولى لأن الصلاة عليه آكد من التأمين على الدعاء.
وليس للأخرس الإشارة بما يمنع منه الكلام لأن الشارع جعل إشارته كنطق القادر قطع بهذا كله المصنف في شرح الهداية وغيره ولم أجد ما يخالف ذلك صريحا بل إطلاقا وظاهرا وقال إسحاق بن إبراهيم وسمعته يقول في
وإذا خطب رجل وأم غيره جاز وعنه لا يجوز وعنه يجوز للعذر لا غير.
وصلاة الجمعة ركعتان ويسن أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين ويجهر بالقراءة وعنه يقرأ في الثانية بسبح اسم ربك الأعلى.
__________
رجل يأتي والإمام في الخطبة وهو يتكلم قال لا بأس بالكلام ما لم يجلس.
وكلامه في المحرر ظاهر في تحريم ابتداء نافلة بعد الشروع في الخطبة وأنه على الروايتين في تحريم الكلام وكذا ظاهر كلام غيره.
وقطع الشيخ وجيه الدين المنجا بأنه يحرم ابتداء نافلة من حين خروج الإمام وأنه يخفف ما كان فيه لأن الكلام لا ضرر في قطفه بالحال بخلاف الصلاة ومراده على ظاهر المذهب في تحريم الكلام وتحريم إباحة الاشتغال عن استماع الخطبة بكلام لا فائدة فيه مع تحريم الاشتغال عنها بالصلاة وهذا معنى كلام الشيخ موفق الدين والمصنف في شرح الهداية فليتأمل في عدة مسائل.
وقد جعل المصنف ابتداء نافلة في حال الخطبة أصلا كمسألة تحريم الكلام.
ومراده على الشافعي من تأمل كلامه في مسائل لأن أكثر الشافعية يقولون بذلك وإن لم يجب الإنصات وقد نقل صاحب الحاوي من الشافعية الإجماع على تحريم ابتداء النافلة.
وقد عرف من مسألة إكمال النفل أن كلامه صادق عليها وأنه غير مراد.
وقد حكى الشيخ موفق الدين عن أبي حنيفة ومالك كراهة فعل تحية المسجد والإمام يخطب وقال لأن الركوع يشغله عن استماع الخطبة فكره كركوع غير الداخل ولم يجب عن ذلك وكذا ذكر الشيخ مجد الدين وبحثهما مع ابن عقيل في أن من لا يستمع الخطبة له أن يبتدىءنافلة يدل على التحريم وذكر أن التنفل ينقطع بجلوس الإمام على المنبر ومرادهما بخروجه بدليل ما استدلوا به وقد صرح به الشيخ مجد الدين ولم يتعرض الشيخ موفق الدين لتحريم ولا كراهة
ولا سنة للجمعة إلا بعدها وأقلها ركعتان وأكثرها ست.
ومن أدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها أتمها جمعة وإن زحم عن سجدتيها.
__________
صريحة إلا أنه قال بعد كلامه المذكور فلا يصلي أحد غير الداخل يصلي تحية المسجد ويتجوز فيها ولعل ظاهره التحريم لأنه ظاهر النهي في لسان الشرع وحكمه وهذا معنى عبارته في المستوعب مع أنه قطع بأنه لا يكره الكلام في هذه الحال.
وقال الشيخ مجد الدين في بحث المسألة ولأن النفل في هذه الحال قد يفضي إلى المنع من سماع الخطبة فإن قطعه مكروه أو محرم بخلاف الكلام فإن قطعه عند الأخذ في الخطبة لا محذور فيه فلذلك لم يكره قبلها وهذا الكلام يقتضي ابتداء النفل بعد خروج الإمام وقد سبق أن الشيخ وجيه الدين ذكر التحريم.
وقال المصنف في بحث مسألة تحية المسجد لأنها صلاة لها سبب فلم تمنع الخطبة منها كالفائتة وإكمال النفل المبتدأ إذا خرج الإمام وهو فيه وذكر أيضا فيها أن القياس على النفل المطلق لا يصح لأنهما أوكد منه ولهذا لو شرع في تطوع مطلق بأربع ثم جلس الإمام على المنبر وهو في أولها تعين عليه أن يقتصر على ركعتين ولو كانت الأربع الراتبة قبل الجمعة فإنه يتمها عند أبي حنيفة لأنها سنة مؤكدة عنده فكذلك هنا ولعل ظاهر هذا موافقة كلام الشيخ وجيه الدين وفيه نظر لأنه تحية من قال بكراهة التحية وغيرها ولم يحل التحريم.
وقال في المستوعب ولا يصلي بعد صعود الإمام المنبر إلا من دخل المسجد يوجز فيهما.
والذي يظهر مما تقدم أن النفل المبتدأ يحرم بعد الشروع في الخطبة وهل يحرم بعد خروج الإمام على وجهين.
حتى سلم أو عن ركوعها وسجودها فإنه يستأنف ظهرا وعنه يتمها ظهرا وعنه يتمها جمعة ومن أدركهم بعد الركوع في الثانية فقد فاتته الجمعة ويصح ظهره.
__________
وقال في المحيط للحنفية ويكره التطوع من حين يخرج الإمام للخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة قال وكذلك الكلام عند أبي حنيفة وعندهما لا بأس به قبل الخطبة وبعدها مالم يدخل الإمام في الصلاة واحتج صاحب المحيط بقوله عليه الصلاة والسلام " إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ " وهذا لا تعرف صحته فيعتمد عليه.
ورواية عدم تحريم الكلام على ظاهرها عند أكثر الأصحاب.
وقال الشيخ وجيه الدين بن المنجا وهذا محمول على الكلمة والكلمتين لأنه لا يخل بسماع الخطبة ولأنه لا يمكنه التحرز من ذلك غالبا لا سيما إذا لم يفته سماع أركانها.
وذكر أيضا ما ذكر غير واحد أنه هل يجب الإنصات لخطبة العيد إذا وجب الإنصات لخطبة الجمعة على روايتين وقال عن رواية عدم الوجوب وهذا محمول على كمال الإنصات وإلا فتركه بالكلية والتشاغل باللغو غير جائز وفاقا.
قوله : "ومن أدركهم بعد الركوع في الثانية فقد فاتته الجمعة".
فقطع به أكثر الأصحاب وهو مذهب مالك والشافعي لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى ومن أدركهم جلوسا صلى الظهر أربعا " رواه جماعة منهم ابن ماجه والدارقطني والبيهقي.
قال المصنف في شرح الهداية وقل أن تسلم طريق لهذا الحديث عن القدح إلا أن أحمد قال في رواية حنبل وعبد الله لولا الحديث الذي يروى في الجمعة لكان ينبغي أن يصلي ركعتين إذا أدركهم جلوسا وهذا يدل على
معهم بشرط أن ينويها بإحرامه وقال ابن شاقلا ينوي جمعة ثم يبني ظهرا وقيل: لا يصح ظهره معهم بحال ولا يصح أن يصلى ظهرا قبل تجميع الإمام،
__________
أنه قد صح له طريق عنده وهو كما قال المصنف لأن كلام الإمام يعطى أنه ترك قياسا وأصلا لهذا الحديث فلا بد وأن يكون الناقل له عن الأصل صالحا للحجة وقد روى الحاكم في المستدرك هذا الحديث من طرق ثلاثة وقال أسانيدها صحيحة وروى غير واحد من الأئمة هذا المعنى عن ابن مسعود وابن عمر ورواه بعضهم عن أنس ولم يعرف لهم مخالف وقد ذكر أبو بكر في التنبية أن ذلك إجماع الصحابة وقال مهنى قلت لأحمد إذا أدركت التشهد مع الإمام يوم الجمعة كم أصلي قال أربعا كذلك قال ابن مسعود وكذلك فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أحمد يصلي جمعة ركعتين وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وداود لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا أو فاقضوا ".
وأجيب بأن هذا لا يتناول إلا من أدرك شيئا يعتد به بدليل قوله: " فأتموا " ولا يقال أدرك تكبيرة الإحرام وهي معتد بها لأنا نقول لم يدركها معه وإنما يأتي بها ليدخل بها معه على أنه عام فيختص بما تقدم فإن أدرك دون الركعة إدراكا يعتد به كمثل المرجوم ونحوها فقد ذكر المصنف قبل هذه وفيها روايات إحداها يتمها جمعة كقول أبي حنيفة وأبي يوسف والثانية ظهرا كقول الشافعي والثالثة يستأنف ظهرا كقول مالك فأما باقي الصلوات الخمس فمن أدرك الإمام فيها قبل سلامه فقد أدرك الجماعة نص عليه أحمد وقطع به أكثر الأصحاب وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي.
قال المصنف في شرح الهداية وهذا إجماع من أهل العلم لا نعلم فيه خلافا لعموم الأدلة في دخوله معه على أي حال كان وعن كثير بن شنظير عن عطاء
إلا من لا حضور عليه كالمسافر والمريض والعبد وقال أبو بكر لا تصح منهم أيضا وإذا خرج وقت الجمعة وهم فيها أتموا جمعة وعلى قول الخرقي إن خرج.
__________
ابن أبي رباح عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة ومن أدرك الامام قبل أن يسلم فقد أدرك فضل الجماعة " رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل قال حدثنا حاجب بن مالك أخبرنا عباد بن الوليد أخبرنا صالح بن رزين المعلم محمد بن جابر عن أبان بن طارق عن كثير فذكره.
وكثير بن شنطير من رجال الصحيحين وتكلم فيه بعضهم واختلف قول ابن معين فيه وقال أحمد صالح الحديث وذكر ابن عدي هذا الخبر في ترجمة كثير وقال ولكثير بن شنطير من الحديث غير ما ذكرت وليس في حديثه شيء منكر وأحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة انتهى كلامه.
وهذا يدل على أن الحديث قد صح إلى كثير وأن الحديث حديثه وأنه يعرف به وأنه ليس بمنكر عند ابن عدي مع أن في الاسناد إلى كثير ضعفا ولأنه أدرك جزءا من صلاة الإمام أشبه ما لو أدرك ركعة لأنه أدرك جزءا من الصلاة فأشبه ما لو أدركه في تشهد صلاة العيد وسيأتي الكلام في الأصل.
قال الشيخ تقي الدين في شرح المقنع1 ولأنه إذ أدرك جزءا من صلاة الإمام فأحرم معه لزمه أن ينوي الصفة التي هو عليها وهو كونه مأموما فينبغي أن يدرك فضل الجماعة.
وظاهر كلام ابن أبي موسى أن الجماعة لا تدرك إلا بركعة قاله بعضهم وحكاه في الرعاية قولا وهذا اختيار الشيخ تقي الدين قال وهو مذهب مالك.
__________
1- بهامش الأصل لعله الشيخ مجد الدين أو لعل الشرح العمدة.
قبل كمال ركعة بطلت الجمعة وهل يتمون ظهرا أو يستأنفون على وجهين.
__________
وأحمد في إحدى الروايتين عنه اختارها جماعة من أصحابه قال وهو وجه في مذهب الشافعي واختاره أبو المحاسن الروياني وغيره.
وجه هذا ما رواه البخاري ومسلم من حديث مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ورواه مسلم من حديث يونس عن الزهري وزاد مع الإمام ورواه أيضا من حديث سفيان بن عيينة ومعمر والأوزاعي ومالك ويونس وعبيد الله عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وليس في حديث أحد منهم مع الإمام وفي حديث عبيد الله قال فقد أدرك الصلاة كلها .
ولمن اختار الأول أن يقول هذا الحديث يدل بالمفهوم وليس بحجة ولو كان فهذا المفهوم ليس بحجة لوجهين.
أحدهما وهو الذي قطع به في مسلم أنه خرج على الغالب فإن غالب ما يمكن معرفة إدراكه ركعة ونحوها وأما التكبيرة فلا يكاد يحس بها.
الثاني أن التقييد بركعة إنما كان لكمال ثواب الصلاة بإدراكها عملا برواية عبيد الله المذكورة إذ هو أولى من إلغائها ولا يمكن حملها على أن من أدرك من الصلاة ما يعتد به لا يجب عليه قضاء شيء.
وما ذكره المصنف في شرح الهداية في بحث مسألة ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة لأنه يفوت الثواب الكامل بفوات الخطبة فلا ينافي ذلك فإنه قد يكون ثوابا كاملا وأكمل منه.
وقد ذكر في المغني في بحث مسألة صحة الصوم بنية من النهار أنه يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه وقت النية في المنصوص وهو قول بعض الشافعية.
وإذا اجتمع عيد وجمعة سقطت الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام وعنه.
__________
وقال أبو الخطاب يحكم له بذلك من أول النهار وهو قول بعض الشافعية لأنه لو أدرك بعض الركعة أو بعض الجماعة كان مدركا لجميعها.
وقال الشيخ مجيبا عن هذا وأما إدراك الركعة والجماعة فإنما معناه أنه لا يحتاج إلى قضاء ركعة وينوي أنه مأموم وليس هذا مستحيلا أما أن يكون ما صلى الأمام قبله من الركعات محسوبا له بحيث يجزئه عن فعله فكلا ولأن مدرك الركوع مدرك لجميع أركان الركعة لأن القيام وجد حين كبر وفعل سائر الأركان مع الإمام وأما الصوم فلأن النية شرط له أو ركن فيه فلا يتصور وجوده بدون شرطه أو ركنه انتهى كلامه.
ولو سلم أن هذا المفهوم حجة فهل يخص عموم الأمر بالدخول مع الامام على أي حال كان وللعلماء فيه خلاف مشهور.
ومن جملة الأدلة حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة رواه جماعة منهم أبو داود والدارقطني وإسناده حسن وفيه يحيى بن أبي سليمان المدني روى له النسائي ولم يتكلم فيه مع أنه شرطه في الرجال وكذا أبو داود وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم يكتب حديثه ليس بالقوي وقال البخاري منكر الحديث.
ولو سلم أنه يخص العموم فلا نسلم أن المفهوم عموما وفيه لنا خلاف.
واختار الشيخ موفق الدين في بحث مسألة الماء الجاري هل ينجس بمجرد الملاقاة أنه لا عموم له وأنه تكفي المخالفة في صورة واختاره الشيخ تقي الدين.
ومفهوم قوله: " ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة " أن من لم يدرك الركعة لم يدرك الصلاة ونحن نقول به في بعض الصور.
تسقط عنه أيضا وحضورها أولى وكذلك يسقط العيد بالجمعة إذا قدمت عليه.
__________
قال المصنف في شرح الهداية فإن كبر والإمام في التسليمة الأولى أو لم يفرغ منها حتى أخذ فيها ففيه وجهان.
أحدهما يكون مدركا لأنه كبر والإمام في الصلاة لم يتمها لأن السلام عندنا منها.
والثاني وهو الأصح لا يكون مدركا له وبه قالت الحنفية لأنه لم يدرك معه ما يجوز متابعته فيه بل صادفه في نفس الخروج والتحلل ولأنه أحد طرفي الصلاة فلم ينعقد إحرام المؤتم والإمام فيه كالتحريمة.
وكذا الوجهان عندنا إذا كبر بعد التسليمة الأولى وقبل الثانية وقلنا بوجوبها فأما أن قلنا إنها سنة لم يدرك الجماعة وجها واحدا انتهى كلامه.
وإن أدركه في سجود سهو بعد السلام فهل يدخل معه وتصح صلاته فيه روايتان ولو سلم عموم المفهوم خص بما تقدم من الأثر والقياس والفرق بين الجمعة وغيرها من أوجه.
أحدها ما ذكره المصنف في شرح الهداية وهو أن الجماعة لو زالت في أول ركعة لسبب كان مدركا لفضلها ولو نقص العدد في أول ركعة من الجمعة لم يدرك الجمعة.
الثاني أن الجمعة عند أبي حنيفة وصاحبيه والشافعي ورواية لنا يشترط وقوع جميعها في الوقت فبعضها خارج الوقت لما نقلنا حكمها توقف مدركها على ركعة بخلاف غيرها فإنه يجوز وقوع بعضها في الوقت وبعضها خارجه وفاقا فكان حكمها أخف.
الثالث أن الإدراك نوعان إدراك إلزام يحصل بتكبيرة الاحرام كإحرام المسافر خلف المقيم يلزمه الإتمام وإدراك إسقاط لا يحصل
ــــــ
إلا بركعة كمن أدرك الإمام ساجدا لم تسقط عنه الركعة إلا بإدراك جميعها وإدراك الجمعة كذلك فإن الأصل إقامة الصلاة أربع ركعات والجمعة أقيمت مقامها بشرائط ففي إدراكها إسقاط لأربع بخلاف إدراك الإلزام.
الرابع أن صلاة الجمعة مدركة بالفعل وهذا يسقط بفوات الفعل فلم يصر مدركا إلا بما يعتد به من أفعالها وسائر الصلوات تدرك بالزمان فلذلك تسقط بفوات الزمان فصار مدركا لها بقليل الزمان وكثيره.
الخامس أن الجمعة آكد في نظر الشرع ولذلك اختصت بأشياء وأجمع الناس على تعيين الجماعة لها بخلاف غيرها فجاز أن تختص بخلاف غيرها.
السادس أن الجماعة فيها لا تتكرر كثيرا ففي القول بأنها لا تدرك إلا بركعة حرج.
باب صلاة العيدين
باب صلاة العيدين
وهي فرض كفاية وعنه سنة وهل من شرطها الاستيطان والعدد على روايتين.ووقتها : من ارتفاع الشمس إلى زوالها.
ويسن الإمساك قبل الأضحى وتعجيله والأكل قبل الفطر وتأخيره وفعلها في الصحراء وأن يبكر المأموم إليها ماشيا مظهرا للتكبير ويلبس أجمل.
__________
صلاة العيدين.
قوله : "وأن يبكر المأموم إليها ماشيا".
احتج له جماعة بفعله عليه الصلاة والسلام وقياسا على الجمعة وغيرها وقال ابن عقيل والمشي إلى صلاة العيد أفضل من الركوب لأن المشقة أكثر وثواب العبادة على قدر المشقة1.
__________
1- بل على قدر صدق الإخلاص والإتباع.
ثيابه إلا المعتكف فإنه يخرج في ثياب اعتكافه ويتأخر الإمام حتى تحل الصلاة ثم يصلي بهم ركعتين يكبر للإحرام ثم يستفتح ثم يكبر ستا ثم يتعوذ وعنه يستفتح بعد التكبيرات ويكبر في ثاني ركعة خمسا قبل القراءة وعنه بعدها ويرفع يديه مع كل تكبيرة ويقول بين كل تكبيرتين الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد.
__________
وظاهر كلامهم أنه إن ركب لم يكره لكن ترك المستحب ومتى كان عذر من بعد أو غيره فلا بأس قال بعضهم نص عليه.
وظاهر كلامهم أنه إن شاء ركب في الرجوع وإن شاء لم يركب وصرح به ابن عقيل فقال فإذا رجع فالمشي والركوب سواء لأن رجوعه إلى بيته ليس بعبادة.
وقال المصنف في شرح الهداية فأما العود منها فيستحب المشي فيه لكن إن ركب لم يكره نص عليه لأن السعي إلى العبادة قد انقضى وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ركب في عوده من الجنازة وما نحن فيه بمعناه انتهى كلامه.
وظاهره كراهة المشي في ذهابه فظهر أن في كراهة المشي في ذهابه وجهين وأن في استحباب المشي من عودته منه وجهين.
وأطلق هنا استحباب التبكير كما أطلقه في الجمعة وظاهره استحبابه من أول اليوم وهو ظاهر كلام غيره وذكره جماعة في التبكير إلى الجمعة منهم المصنف والشيخ موفق الدين والشيخ وجيه الدين وذكروا في التبكير إلى العيد بعد صلاة الصبح وظاهره أنه لا يستحب التبكير من طلوع الفجر وفيه نظر ولم يستدلوا له ولعل مرادهم أن صلاة العيد تفعل في الصحراء وليست محلا لاجتماع الجماعة كصلاة الفرض غالبا وإلا فلا إلجاء لذلك وكلامهم في دليل المسألتين يقتضي استحباب التبكير إلى الصلاتين من طلوع الفجر وقال ابن عقيل ويستحب للمأموم أن يدخل المصلى بعد صلاة الفجر فإن صلى فيه صلاة الفجر فلا بأس.
النبي وعلى آله وسلم تسليما وإن أتى بذكر غيره جاز لا يأتي بذلك بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين ويقرأ في أول ركعة بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بالغاشية ويجهر بالقراءة ثم يخطب خطبتين كخطبتي الجمعة وهما سنة ويفتتح الأولى بتسع تكبيرات نسقا والثانية بسبع ويذكر في خطبة الفطر حكم الفطرة وفي النحر حكم الأضحية وإذا غدا في طريق رجع في أخرى ولا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها.
__________
قوله : "ولا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها".
لا يدل كلامه على كراهة الصلاة قبلها وبعدها بل قد يقال ظاهر كلامه عدم الكراهة لمذهب جماعة من أهل العلم وهو مذهب الشافعي إلا أنه كرهه للإمام خاصة والمذهب كراهة الصلاة قبلها وبعدها في موضعها حتى تحية المسجد نص عليه وهذا معنى كلام أكثر الأصحاب وهذا الكلام يعطي أنه لا سنة قبلها ولا بعدها لكن مرادهم بكراهة التطوع بعدها إذا لم يفارق موضع صلاته لأنه لو فارقه ثم عاد إليه لم يكره التنفل نص عليه وهو واضح.
وظاهر كلامهم هذا أنه لا يكره غير التطوع في موضع صلاة العيد.
وقد قال الإمام أحمد يكره قضاء الفوائت في المصلى إن خاف أن يقتدي به بعض من يراه.
ووجه كراهة التطوع قبلها وبعدها ما هو صحيح مشهور أنه عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما وفيه نظر لأن عدم الفعل لا يدل على الكراهة وترك المستحب لمستحب أولى منه لا يدل على أن المتروك ليس بمستحب إنما غايته أن يدل على أن يفعل هذا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لكن يدل على أنه ليس لها سنة راتبة قبلها ولا بعدها كما ذكره في المحرر.
وقد اختار ابن عقيل أنه يستحب للإمام أن يتطوع في غير موضع المكتوبة,
ــــــ
وأنه لا يكره بناء منه على أنه ليس في المسألة إلا أنه عليه الصلاة والسلام كان يتطوع في غير موضعها فنهض هذا للاستحباب ولم ينهض للكراهة فقال بذلك.
وصرح القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل وجماعة بكراهة فعل صلاة العيد في الجامع لغير عذر وعدل في الكافي والمحرر عن هذا العبارة فذكر أنه يسن فعلها في الصحراء نظرا منهما إلى أنه ليس في المسألة إلا الاقتداء به عليه الصلاة والسلام وبالخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في فعلها في الصحراء وهذا ينهض للاستحباب وكراهة الأولى فقالا به فصارت المسألة على وجهين والأكثر على كراهة التنزيه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لا صلاة قبلها ولا بعدها وعن جرير قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة في العيدين قبل الإمام رواهما أبو عبد الله ابن بطة من أصحابنا ولم أقف على كلام لأحد في سندهما ويبعد صحتهما وقال النسائي في سننه أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن عن الأشعث عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم أن عليا استخلف أبا مسعود على الناس فخرج يوم عيد فقال يا أيها الناس إنه ليس من السنة أن يصلي قبل الإمام الأشعث هو ابن أبي الشعثاء من رجال الصحيحين وغيرهما وكذا الأسود وهو قديم أدرك الجاهلية وروي عن عمر ومعاذ وغيرهما وثعلبة مختلف في صحبته ولم أجد أحدا تكلم فيه وللمخالف أن يمنع ثبوت صحته ويقول لم يرو عنه غير الأسود وقد عرف أن الجهالة لا تزول به أو بواحد هذا المشهور وهذا ينبغي أن يكون في المتأخرين فأما المتقدمون فكلام المحدثين فيهم على قولين ويعرف ذلك بكلام الأئمة في حديث أبي ذر إذا وجدت الماء فأمسه بشرتك فإنه رواه عنه عمرو بن بجدان وانفرد عنه أبو قلابة في حديث عبادة خمس صلوات
ــــــ
كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فإنه رواه عنه المذحجي وانفرد ابن محيريز وغير ذلك من الأحاديث.
وبتقدير صحة هذا الخبر وأن قول الصحابي إذا قال من السنة ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الظاهر فالصحابي لم ينقل لفظا عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا إنما قال إنه من السنة فيحتمل أن يكون أخذه من كونه عليه الصلاة والسلام لم يصل قبلها ولا بعدها بل هذا هو الظاهر لأن هذا هو الشائع المشهور الصحيح أما صيغة نهي فليس بمشهور ولا تعرف صحته وإذا احتمل وتردد توقف الحكم والمتحقق أنه رأي صحابي واجتهاد وليس في هذه المسألة إجماع الصحابة رضي الله عنهم والخلاف عنهم فيها معروف في كتب الحديث وقد نقل الإمامان الشافعي وأحمد الخلاف عنهم فيها وأكثر ما يقدر أن يكون فيها قول بعضهم ولم ينقل عن غيره خلافه ولا سبيل إلى إثبات دعوى انتشاره.
وبتقدير الثبوت فهل هو حجة أو إجماع أو لا واحد منهما أو غيرذلك من الأقوال فيها المسألة المشهورة في الأصول والأصل استحباب الصلاة والكراهة تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وعلى تقدير ثبوت الكراهة فقد ذكر الشيخ أبو الفرج الشيرازي المقدسي احتمالا أن تحية المسجد تصلى وذكره بعض المتأخرين قولا وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة أنه عليه الصلاة والسلام قال إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وهذا الدليل بفعل تحية المسجد بينه وبين دليل كراهة الصلاة قبل العيد وبعدها عموم وخصوص1 لكن هذا أصح وهي صيغة نهي فرجح لو تساقطا.
__________
1- هذا إذا كانت صلاة العيد في المسجد لكنها تصلى في الصحراء التي ليس لها حكم المسجد.
ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام صلاها على صفتها كما لو أدركه في التشهد.
وعنه يصليها أربعا بلا تكبير بسلام أو بسلامين وعنه يخير بين ركعتين وأربع.
وإذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال من يومه صلاه من الغد.
__________
فالأدلة المطلقة على استحباب الصلاة مطلقا تتناول هذا الفرد الخاص لا معارض لها فيه فيعمل بها.
قوله : "ومن فاتته صلاة مع الإمام صلاها على صفتها كما لو أدركه في التشهد".
ظاهره أنه لو أدركه في التشهد لا خلاف فيه ولعل مراده عن أحمد فقد خرج القاضي وجها أنه يصلي أربعا إذا قلنا يقضيها المنفرد أربعا قياسا على الجمعة وقد صرح أحمد بالتفرقة في رواية حنبل قال في المصنف في شرح الهداية ومع تصريح الامام بالتفرقة يمنع التخريج والفرق بينهما من وجوه أحدها أن الجمعة تسقط بخروج وقتها بخلاف العيد الثاني أن مدرك التشهد في الجمعة قد انضم إلى فوات ما فاته من الخطبتين القائمتين مقام ركعتين وههنا بخلافه الثالث أن القياس أن يقضى كل صلاة على حسب ما فاتت لكن تركناه في الجمعة للنص الوارد فيها ولم يرد في العيد مثله فبقينا فيه على القياس وقد أومأ أحمد إلى هذا التعليل فقال في رواية حنبل وعبد الله لولا الحديث الذي يروى في الجمعة لكان ينبغي أن يصلى ركعتين إذا أدركهم جلوسا انتهى كلامه.
قوله : "وإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال من يومه صلاه من الغد".
وكذا الحكم إن لم يصلوا العيد حتى زالت الشمس عالمين به لعذر أو لغير عذر ولو تركوها من الغد أيضا صلوا بعده قبل الزوال وكذا لو مضى عليه أيام قطع به جماعة من الأصحاب قال ابن حمدان وفيه نظر وذكر القاضي أن
ويسن التكبير للفطر من أول ليلته إلى فراغ الإمام من الخطبتين وعنه إلى خروجه للصلاة وفي الأضحى للمحل من صلاة الفجر يوم عرفة وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر فيكبران إلى آخر أيام التشريق العصر.
__________
الخلاف إذا علموا بالعيد قبل الزوال ولم يصلوا في اليوم الثاني لم يصلوا بعد ذلك ووجه الأول أنها صلاة لم يسقط وجوبها بل تقضى بعد فواتها بيوم بالنص الصحيح فكذلك بأيام كسائر الصلوات المقضيات وفارق من فاتته مع الإمام فإنه يقضيها متى شاء بأنها نافلة ولا يشرع لها الاجتماع وقد سقط شعار اليوم بدونها وعند ابن عقيل لا يقضيها إلا من الغد كالمسألة قبلها.
قال الشيخ وجيه الدين إذا فعلت من الغد هل تكون قضاء تفتقر إلى نية القضاء أم تكون أداء فإن كان مع عدم العلم أو العذر في تركها باشتغالهم بأمر عظيم من فتنة أو جهاد ونحوه كانت أداء لأن هذا الوقت يصلح أن تكون فيه أداء عند إكمال العدة وعند تجويز الغلط في حق الشهور وإن كان مع العلم وعدم العذر كانت قضاء لفوات وقتها كسائر الصلوات انتهى كلامه وظاهر كلام غيره أنها قضاء مطلقا.
قوله : "وفي الأضحى للمحل من الفجر يوم عرفة إلى آخره".
لو أتى بعبارة صريحة في أن ابتداء تكبيرة الحلال عقب صلاة الفجر يوم عرفة وتكبير المحرم عقب صلاة الظهر ويمتد حتى يكبران عقب صلاة العصر من آخر أيام التشريق وينتهي كان أجود وكلامه يصدق على الصلوات الخمس سواء وقعت فرضا أو نفلا كالصلاة المعتادة وصلاة الصبي وهذا كما نقول تكبر المرأة إذا صلت مع رجال تبعا في المشهور وإن قلنا لا تكبر إذا صلت بنساء أو وحدها على إحدى الروايتين.
وقد يقال كلامه ينصرف إلى الصلاة المعهودة المعروفة فتخرج الصلاة
وصفته الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ويكبر عقيب المكتوبة في الجماعة وإن صلاها وحده فعلى روايتين.
ولا يكبر عقيب النافلة وفي صلاة العيد وجهان وإذا نسي التكبير قضاه وإن تكلم ما لم يحدث أو يخرج من المسجد أو يطل الفصل.
__________
المعادة وتدخل صلاة الصبي وقد قطع ابن عقيل وغيره بأن الصبي يكبر عقب صلاته لأنها في صورة الفرض ويدخلها بنية الطهر ويضرب عليها بخلاف نفل البالغ ولأنه إذا شرع له الإتيان فيها على صورة الفريضة في سننها وفرائضها كذلك يشرع التكبير بعدها على الصورة وإن لم تكن واجبة.
وإطلاق كلامه في المحرر يقتضي أن كل أحد يكبر عقب كل صلاة هذه المدة وذكر الشيخ وجيه الدين بن المنجا أن الإمام إذا كان لا يرى التكبير في تلك الصلاة والمأموم يراه أو بالعكس فوجهان أحدهما أن المأموم يتبع إمامه فعلا وتركا لأن التكبير من توابع الصلاة فأشبه ما هو جار في نفس الصلاة إلا أن يتيقن خطأ الإمام فإنه لا يتابعه كما قلنا فيما زاد على سبع تكبيرات في صلاة الجنازة والعيد وبه قال أبو حنيفة والثاني يجري على موجب اعتقاده لأن الاقتداء لا أثر له في هذا فإن الإمام إذا تحلل من صلاته فقد انقطع أثر القدوة.
قوله : "وفي صلاة العيد وجهان".
سياق كلامه في عيد الأضحى وهو صحيح لأن عيد الفطر ليس فيه تكبير مقيد وكذا قطع به المصنف في شرح الهداية.
ولنا وجهان هل في عيد الفطر تكبير مقيد وعلى القول به يخرج في التكبير عقب عيد الفطر وجهان كما نقول في عيد الأضحى وذكر في الكافي في التكبير عقب عيد الفطر روايتين وحكى جماعة كابن عقيل وصاحب التلخيص في التكبير عقب صلاة العيد روايتين وذكر ابن عقيل أن
ويسن مطلق التكبير في عشر ذي الحجة وهي الأيام المعلومات.
__________
التكبير أشبه بالمذهب قال لأنها صلاة مكتوبة أو مفروضة فسن التكبير عقيبها كصلاة الوقت وهذا يوافق ما تقدم.
فصل
اختلف قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الحديث الصحيح المشهور وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة فروى عبد الله والأثرم وغيرهما أنه قال لا يجتمع نقصانهما إن نقص رمضان ثم الحجة وإن نقص ذو الحجة ثم رمضان لا يجتمع نقصانهما في سنة واحدة وأنكر تأويل من تأوله على السنة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيها ونقل أبو داود أنه ذكر لأحمد هذا الحديث فقال لا أدري ما هذا قد رأيناهما ينقصان وظاهر هذا من أحمد التوقف عما قاله من أنه لا يجتمع نقصانهما وقال إبراهيم الحربي معناه أن ثواب العامل فيهما على عهد أبي بكر الصديق واليوم واحد قال الحربي وقد رأيتهما نقصا في عام واحد غير مرة وذكر الترمذي عن إسحاق أن معناه لا ينقص ثوابهما إن نقص العدد.
قال القاضي أبو الحسين قال الوالد السعيد والأشبه ما قاله أحمد في الرواية الأولة لأن فيه دلالة على معجزة النبوة لأنه أخبر بما يكون في الثاني وما ذهبوا إليه فإنما هو إثبات حكم.
قوله : "ويسن مطلق التكبير في عشر ذي الحجة".
وكذلك الإكثار فيه من الطاعات وإنما خص التكبير لأنه في بيان المقيد منه والمطلق وهذا العشر أفضل من غيره إلا العشر الأخير من رمضان فإن فيه ترددا.
قال الشيخ تقي الدين يقال أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام
ــــــ
العشر الأخير من رمضان وليالي ذاك أفضل من ليالي هذا وقد يقال مجموع عشر ذي الحجة أفضل من مجموع العشر الأخير من رمضان قال وهو الأظهر..
ويوم النحر من جملة عشر ذي الحجة صرح به جماعة منهم الشيخ وجيه الدين بن المنجا والمصنف في شرح الهداية وقال وهو الأفضل وكذا ذكر حفيده الشيخ تقي الدين في أقسام القرآن أن أفضل الأيام يوم النحر وقد روى الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن قرط مرفوعا أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر وهو الذي يلي يوم النحر رواه ابن حبان في صحيحه ولفظه أفضل الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر.
وذكر المصنف في شرح الهداية أن ابن عقيل علل أن ليلة الجمعة أفضل الليالي لأنها تابعة لما هو أفضل الأيام وهو يوم الجمعة وظاهر هذا أن أفضلية يوم الجمعة محل وفاق.
وعن أبي هريرة مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة رواه مسلم وغيره وعن أبي أمامة البدري قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عند الله وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى إسناده جيد وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن رواه أحمد وابن ماجه.
ويتوجه في المسألة قول ثالث أن أفضل الأيام يوم عرفة لأنه لم ير يوما أكثر عتقاء من النار من يوم عرفة.
روى ابن حبان في صحيحه وإسناده حسن عن جابر مرفوعا ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين جاءوا من كل فج عميق ,
ــــــ
يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوما أكثر عتقاء من النار من يوم عرفة وعن أوس بن أوس مرفوعا أفضل أيامكم يوم الجمعة رواه جماعة منهم أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان وظاهره أنه ليس هو أفضل الأيام لإتيانه بلفظة من.
وقد ثبت بالحديث المتقدم أنه أفضل من يوم النحر فلم يبق أفضل منه إلا أن يكون يوم عرفة وأفضل الشهور شهر رمضان على ظاهر كلام الأصحاب وغيرهم لأن أفضل الصدقة عندهم صدقة رمضان للخبر فيه ولأن الحسنات فيه تضاعف وهذا يدل على أفضليته على غيره من الشهور وينبني على ذلك فوائد من الطلاق والعتق والنذر وغير ذلك.
باب صلاة الكسوف
باب صلاة الكسوف.وهي مسنونة حضرا وسفرا بلا خطبة ولا يصلي بعد تجلي الكسوف ولا غروبه فإن كان ذلك وهو فيها أتمها فأوجز وتصح من المنفرد وفعلها جماعة في الجامع أفضل وهي ركعتان يجهر فيهما بالقراءة فيقرأ في الأولى بالحمد ثم بنحو البقرة ثم يركع فيسبح نحو مائة آية ثم يرفع فيقرأ مع الفاتحة دون قراءته.
__________
صلاة الكسوف.
قوله: "ولا يصلى بعد تجلي الكسوف ولا غروبه".
وظاهره سواء كان الغائب شمسا أو قمرا لأنه قد ذهب الانتفاع بنورهما وكما نقول لا تشرع صلاة الاستسقاء عن الجبال والبراري التي لا تسكن ولا تزرع فكذا هنا وحكى المصنف هذا في شرح الهداية في خسوف القمر احتمالا وحكاه غيره وجها والمشهور في القمر إذا غاب خاسفا ليلا صلى له وقطع به جماعة كالقاضي وأبي المعالي وهو ظاهر كلام آخرين لأن سلطان
الأولى ثم يركع دون الركوع الأول ثم يرفع فيسجد سجدتين نحو الركوعين ثم يصلي الثانية كذلك ويقصرها عن الأولى في القراءة والتسبيح ثم يتشهد ويسلم ولو أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع جاز والمختار هو الأول.
__________
القمر الليل وهو باق فهو كما لو حجب الشمس غيم فعلى هذا إن غاب خاسفا بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فهل تصلي لأن سلطان القمر باق ما بقيت الظلمة ولا ينقطع حتى تطلع الشمس أو لا يصلي لأنه ابتداء نهار فيه وجهان ذكرهما أبو المعالي بن المنجا.
قوله في صلاة الكسوف: "ثم يرفع ثم يسجد سجدتين".
ظاهر كلامه أنه لا يطيل هذا القيام وهو القيام الذي يليه السجود وهو صحيح لظاهر أكثر الأحاديث ويحمل ما يخالف هذا من الأحاديث على الجواز أو على مدة قليلة قدر ما يقول أهل الثناء والحمد إلى آخر الدعاء المشهور ونحوه ولو قال ثم يرفع فيسجد كان أولى ولم أجد في هذا خلافا في المذهب صريحا وذكره في الرعاية قولا ولم يذكر فيه ما يخالف.
وظاهر كلامه أيضا أنه لا يطيل الجلوس بين السجدتين لأنه لم يذكر الإطالة فيها كما ذكره في غيرها وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب كظاهر أكثر الأحاديث.
ولنا في هذه المسألة وجهان أحدهما يطيل وهو قول الآمدي وقطع به في التلخيص وزاد كالركوع وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام إطالة الجلسة بين السجدتين في حديث إن صح فهو محمود على الجواز.
وظاهر كلامه في قوله : "ثم يصلي الثانية كذلك ويقصرها عن الأولى في القراءة والتسبيح" أنه إن شاء جعل القيام الأول منها كالقيام الثاني من الركعة الأولى أو أطول أو أقصر وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية وغيرها.
وإذا اجتمع كسوف وجمعة قدم الكسوف إن أمن فوتها.
وإن اجتمع خسوف ووتر قريب الفجر قدم الخسوف وقيل: الوتر وإذا.
__________
وذكر القاضي وابن عقيل والمصنف في شرح الهداية وغيرهم أن تكون أقصر وأن القراءة في كل قيام أقصر من التي قبلها وكذا التسبيح وذكر أبو الخطاب وغيره أنه يقرأ في القيام الأول من الركعة الأولى بالبقرة أو نحوها وفي القيام الثاني منها بآل عمران أو نحوها وفي الثالث من الركعة الثانية1 بالنساء أو نحوها وفي الرابع منها بالمائدة أو نحوها وذكر القاضي إن قرأ هكذا فحسن قال وليس هذا التقدير عن الإمام أحمد لكنه أومأ إلى تطويل الأولى على الثانية والثانية على الثالثة والثالثة على الرابعة فهذه ثلاثة أقوال ودعوى ظهور شيء من الأحاديث لهذا القول أو الذي قبله فيه نظر يبقى القول الأول بالتخيير.
وظاهر كلامه أن صلاة الكسوف تصلى في أي وقت حدث فيه الكسوف وأن ذلك لا يتقيد بوقت وأنه لا يلتفت إلى قول المنجمين في ذلك وهو صحيح قال المصنف في شرح الهداية لا يلتفت إلى قول المنجمين أن الكسوف لا يقع في يوم العيد وأنه لا يكون إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين من الشهر ذكره القاضي وغيره.
وقد قدمنا عن الشافعي اختلاف قوله في تقديم العيد على الكسوف إذ قد ثبت بالنقل المخرج في الصحيحين وغيرهما "أن الشمس انكسفت يوم توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم" وقد اتفق أهل السير أنه توفي في اليوم العاشر من الشهر كذا حكاه القاضي وقال نقل الواقدي أنه مات يوم العاشر من ربيع الأول وكذلك نقل الزبير بن بكار انتهى كلامه.
وقال ابن عقيل فإن انكسفت الشمس قبل النصف من الشهر: صلينا
__________
1- كذا في الأصل. ولعل الصواب "وفي الثالث".
كان الكسوف في وقت نهي ومنعنا من صلاته فيه سبح ودعا مكانها ولا تصلى صلاة الكسوف لغيره إلا للزلزلة وللزلزلة الدائمة.
__________
صلاة الكسوف ولانعول على قول المنجمين أن ذلك يختص بالنصف الأخير من الشهر ولا نقول ذلك عارض وليس بخسوف فإن الفقهاء فرعوا وقالوا إذا اتفق عيد وكسوف وبنوا ذلك على ما روي أن الشمس كسفت عقب موت ابراهيم في اليوم العشر من الشهر ولا يختلف النقل في ذلك وأنه مات يوم العاشر من ربيع نقله الواقدي والزبيري.
وقال الشيخ وجيه الدين بن المنجا في شرح الهداية فإن قيل: ما فرضتموه من اجتماع الصلوات لا يتصور لأن العيد في أول شوال أو عشر ذي الحجة والخسوف في مطرد العادة في الرابع عشر عند إبدار القمر وكسوف الشمس عند الاجتماع بالقمر في التاسع والعشرين أو الثامن والعشرين.
قلنا قد أجاب العلماء عن هذا من وجوه.
أحدها أن الغرض بيان معنى الأحكام وتصويرها كما قالوا مائة جدة فقد يقدر الفقيه أمرا لا يتوقع وقوع مثله لتشحيذ الخاطر وتنبيه القريحة والتدرب في مجال الأقيسة والمعاني.
الثاني أن النقل صح في كسوف الشمس يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم في العاشر من شهر ربيع الأول وقيل في العاشر من شهر رمضان فهذا رواه علقمة عن ابن مسعود وذكره الزبير في كتاب الأنساب في الكسوف وأن الشمس كسفت في العاشر من شهر ربيع الأول وقيل في الثالث عشر ورواه الواقدي أيضا وقيل كسفت الشمس في يوم عاشوراء يوم مات الحسين وإنما نقل العلماء ذلك ورووه لأنهم رأوا شيئا يدعى على خلاف المعتاد.
ــــــ
الوجه الثالث أن العادات تنتقض إذا قربت الساعة فتطلع الشمس من مغربها وكذلك كسوفها وخسوفها انتهى كلامه.
قال الشيخ أبو شامة المقدسي الشافعي في مذيله في سنة أربع وخمسين وستمائة قال فيها في ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة خسف القمر أول الليل وكان شديد الحمرة ثم انجلى وكسفت الشمس في غده احمرت وقت طلوعها وقريب غروبها وبقيت كذلك أياما مغبرة اللون ضعيفة النور والله تعالى على كل شئ قدير.
واتضح بذلك ما صوره الشافعي رضي الله عنه من اجتماع الكسوف والعيد واستبعده أهل النجامة انتهى كلامه.
وما يحكى عن المنجمين في هذا هو اختيار الشيخ تقي الدين وبحثه في غير موضع من كلامه.
باب صلاة الاستسقاء
باب صلاة الاستسقاء.وإذا أجدبت الأرض واحتبس القطر وعظ الإمام الناس ووعدهم يوما لخروجهم ثم يخرج فيه إلى مصلى العيد متنظفا غير متطيب متواضعا.
__________
صلاة الاستسقاء.
قوله وإذا أجدبت الأرض واحتبس القطر.
ظاهره أنها لا تسن لخوف الجدب ودليله ظاهر وقيل تسن.
وقوله وعظ الإمام الناس إلى آخره.
اطلاق كلامه يدل على أنها لا تخص بأهل الجدب وقطع به جماعة كابن عقيل وابن تميم.
وقال في الرعاية وإن استسقى مخصب لمجدب جاز وقيل يستحب ولعل الظاهر استحبابه بالدعاء لا بالصلاة.
متذللا متضرعا ومعه الشيوخ والعجائز وأهل الصلاح.
__________
قال المصنف في شرح الهداية ولا يختص بأهل الجدب بل يستحب أن يستسقى لهم أهل الخصب أيضا فإن دعاء المؤمن أقرب إجابة ويعرف من كلامه إن نذر الإمام أو آحاد الناس الاستسقاء لزمه لأنه قربة وطاعة ذكره جماعة ولا يلزم عن الناذر ولا يتعين زمان ولا مكان فإن عين صلاة أن خطبة لزمه وإن عين بغير صلاة ولا خطبة لم يلزمه وإن أطلق فوجهان.
ويعرف من كلام صاحب المحرر أيضا أنه لو نذر في زمان الخصب أن يصلي للاستسقاء لم ينعقد نذره.
وقال الشيخ وجيه الدين فيه وجهان أحدهما لا ينعقد والثاني ينعقد لأنه قربة في الجملة فيصلي ويسأل الله دوام النعمة والخصب عليهم وشمول بقية الخلق بهذه النعمة انتهى كلامه.
والأول أولى.
وظاهر كلامه أنه لا يستحب الاستسقاء لغور ماء عين أو نهر لقوله احتبس القطر ولو قال واحتبس الماء دخلت المسألة تحت كلامه.
وذكر في شرح الهداية وجهين في الاستحباب وذكر في التلخيص وغيره روايتين واختار ابن عقيل الاستحباب وقال إن الأصحاب اختاروا عدمه.
وذكر في الرعاية أن الاستحباب أقيس وقطع به في المستوعب وقيد جماعة المسألة بلحوق الضرر بذلك وهو صحيح.
وقال في الشرح قال القاضي وابن عقيل إذا نقصت مياه العيون أو غارت وتضرر الناس استحب الاستسقاء كما يستحب لانقطاع المطر وقال أصحابنا لا يستحب لأنه لم ينقل انتهى كلامه.
قوله : "ومعه الشيوخ والعجائز وأهل الصلاح".
يحتمل أن يكون مراده أنه يستحب خروج هؤلاء خاصة وعلى هذا يكون
ــــــ
قوله وعظ الإمام الناس ووعدهم يوما لخروجهم. يعني من يستحب خروجه منهم ويكون الوعد المعطوف خاصا والوعد المعطوف عليه عاما وهذا ظاهر كلامه في شرح الهداية فإنه قال أما المستحب فخروج الشيوخ ومن كان من أهل الصلاح لأن دعاءهم أرجى للإجابة ويحتمل أن يكون مراده أن يكون خروج هؤلاء أشد استحبابا وهذا أقوى لكن يرد عليه الشباب من النساء فإنه لم يستثنهن وخروجهن غير مستحب لم أجد فيه خلافا صريحا وفي استحباب خروج العجائز ومن لاهيئة لها وجهان الاستحباب مذهب أبي حنيفة والشافعي كالشيوخ وعدمه ذكر القاضي أنه ظاهر كلام الإمام أحمد وهو قول مالك لأن المرأة في الجملة عورة وكذا حكى بعضهم عن ابن عقيل أنه ذكر هذا ظاهر كلام أحمد.
والذي رأيت في فصول ابن عقيل ولا يجوز إخراج العجائز على ظاهر كلام أحمد وعلى قول ابن حامد يستحب ذلك على ما قدمنا في صلاة العيد.
ووجه المنع أن النص ورد في المساجد فأما في الصحراء فلا ووجه الجواز أن الفتنة امتنعت في حقهن والدعاء منهن مرجو إجابته انتهى كلامه.
وكأنه يقول في توجيه المنع إن الأصل عدم خروج المرأة لأنها إذا خرجت استشرفها الشيطان وخيف منها الافتتان والنص الوارد في المساجد يختص بها هذا وجهه إن كان محفوظا وفيه نظر لا يخفى.
واعتباره المسألة على قول ابن حامد بصلاة العيد يدل على أن حكمها حكمها وخروج النساء في صلاة العيد فيه أقوال الإباحة والاستحباب اختاره ابن حامد والمصنف في شرح الهداية وقال في رواية اسحق بن ابراهيم وقيل له هل على النساء صلاة العيد قال ماسمعنا فيه شيئا وأرى أن يفعلنه يصلين وقال مرة أخرى ما سمعنا أن على المرأة صلاة العيدين وإن صلت فحسن وهو
ويجوز خروج الصبيان وقال ابن حامد يستحب.
__________
أحب إلي والكراهة فأنه روى عن الإمام أحمد أنه قال لا يعجبني خروج النساء في وقتنا هذا لأنه فتنة قاله في رواية صالح في خروجهن إلى العيد واختار القاضي أنه لا يستحب لأنهن فتنة ويخرج من هذا قول رابع بالتحريم بناء على اختلاف الأصحاب في قول الامام لا يعجبني هل هو للتحريم أو للكراهة على وجهين.
وفي المسألة قول آخر روي عن الإمام أحمد يكره للشابة ولا بأس به للعجوز وقال المصنف في شرح الهداية وأما شواب النساء وذوات الهيئات فلا يسن حضورهن بل يكره عند الجميع بخلاف العيد لورود الأثر به هناك وليس هذا مثله لأنه لايخشى بحضورهن مفسدة هكذا في مجمع البحرين1 العكس مقصود الحضور وهو إجابة الدعاء ومقصود العيد لا يختل بذلك ولأنه بحضور العيد يعرفن كثيرا من شعائر الدين وأحكامه بما يسمعنه في الخطبة وهنا جل المقصود الدعاء وهو ممكن منهن في بيوتهن انتهى كلامه ولا يخلو من مناقشة ونظر.
قوله ويجوز خروج الصبيان وقال ابن حامد يستحب.
ظاهره سواء كانوا مميزين أم لا وهو ظاهر كلام غيره وقد احتج الشيخ وجيه الدين بن المنجا بالاستحباب بما روى من قوله عليه الصلاة والسلام: " لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا ".
__________
1- بهامش الأصل: الذي في مجمع البحرين لابن عبد القوي – والظاهر أنه كلام للشيخ مجد الدين في شرح الهدية – ويكره حضور شواب النساء وذوات الهيئات عند الجميع بخلاف العيد لورود الأثر فيه فربما عكس حضورهن مقصود الاستسقاء من إجابة الدعوى بخلاف العيد.
وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا وأفردوا عن المسلمين ويصلى بهم.
__________
ولم يزد على ذلك وهذا يؤيد عدم الفرق.
وقال المصنف في شرح الهداية إنما يخرج منهم المميزون قال وإن قلنا لا استحباب فلعدم التكليف كما في الطفل والمجنون وإن قلنا يستحب وهو أصح فلأنهم من أهل العبادة ويمتازون عن البلغ برفع الآثام عنهم وكونهم أقرب لأن يرحموا ويجابوا ولعل هذا أقوى فإن من ليس أهلا للعبادة لا فرق بينه في هذا وبين البهيمة ولا يستحب إخراجها عندنا لكن يجوز قطع به جماعة وحكى غير واحد وجها بكراهته.
قوله وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا وأفردوا عن المسلمين.
ظاهر هذا أنه يكره إخراجهم وإن كنا لا نمنعهم إن خرجوا وكذا ذكر غير واحد أنه يكره إخراجهم وهو قول مالك والشافعي لبعد إجابتهم لأنهم أعداء لله وإن أغيث المسلمون فربما قالوا هذا حصل بدعائنا.
وذكر المصنف في شرح الهداية أن ظاهر كلام أبي بكر أنه لا بأس بإخراجهم وأما كونهم لا يمنعون إذا خرجوا فلأنهم يطلبون أرزاقهم والله قد تكفل برزق المسلم والكافر.
وقوله وأفردوا عن المسلمين يعني إذا خرجوا يوم خروج المسلمين يفردون عنهم لئلا يحصل عذاب فيعم الجميع ولهذا أفردوا عن مقابر المسلمين والأولى أن لا يفردوا بيوم على ظاهر ماقطع به في المغني وغيره واختاره المصنف لعدم نقله في الأعصار السابقة ولما فيه من استقلالهم به وربما نزل غيث فيكون أعظم لفتنتهم وربما اغتر بهم غيرهم وقال ابن أبي موسى الأولى إفرادهم بيوم وقطع به جماعة منهم صاحب المستوعب والتلخيص لئلا يظنون أن ما حصل من الغيث بدعائهم.
ركعتين كصلاة العيد وعنه يصلي بلا تكبير ثم يخطب خطبة واحدة مفتتحة بتسع تكبيرات وقيل: بالحمد ويكثر فيها الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو ويدعون ويكثرون الاستغفار وعنه أنه يخطب قبل الصلاة وعنه يخير وعنه لا يخطب وإنما يدعو ويستقبل القبلة في أثناء دعائه فيدعو سرا ويحول رداءه فيجعل اليمين يسارا واليسار يمينا ويفعل الناس كذلك لا ينزعوه إلا مع ثيابهم ويسن أن يقف المستسقي في أول المطر ويخرج رجله وثيابه لينالها ويغتسل منه ويتوضأ فإن لم يسقوا عادوا ثانيا وثالثا وإن سقوا قبل الخروج صلوا شكرا وسألوا الله المزيد.
__________
قوله " :وإن سقوا قبل الخروج صلوا شكرا".
يعني فيما إذا عزموا على الخروج وتأهبوا له وإلا فلو سقوا قبل العزم على الخروج والتأهل له لم يصلوا على ظاهر كلام المصنف في شرح الهداية والأصحاب وذلك لأنهم قد شرعوا في أمر الاستسقاء فهو كما لو خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا فإنهم يصلون وقد علل بعضهم بأن الصلاة شرعت لإزالة العارض من الجدب وذلك لا يحصل بمجرد النزول ومقتضى هذا أنهم يصلون مطلقا فعلى هذا هل يخرجون فيه وجهان والقول باستحباب الخروج قول القاضي وابن عقيل وقطع به جماعة منهم صاحب المستوعب والتلخيص وقيل لا يخرجون ولا يصلون اختاره الشيخ موفق الدين وغيره لأن الصلاة تراد لإنزال المطر وقد وجد ولأنه لم يرد فيه أثر وفيه كلفة.
قال المصنف ويفارق ما لو خرجوا فسقوا قبل الصلاة لأنه ليس في التكميل كبير مشقة بل قد شرعوا وأتوا بأكثر المقصود من الاجتماع والدعاء ولذلك كان تكميله بالصلاة أولى انتهى كلامه.
وظاهر كلام الآمدي أنهم يخرجون فيدعون ولا يصلون وهو قول بعض الشافعية.
كتاب الجنائز
مدخل
كتاب الجنائز
يوجه المحتضر على جنبه الأيمن أو مستلقيا على ظهره ويبل حلقه بماء أو شراب ويلقن قول لا إله إلا الله مرة ولا يزاد على ثلاث فإن تكلم.__________
كتاب الجنائز.
قوله يوجه المحتضر إلى آخره.
هذا المذهب وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم وخالف فيه سعيد بن المسيب وروى ابن القاسم عن مالك كراهته وقال الخرقي إذا تيقن الموت وجه إلى القبلة قال في المغني ويحتمل أنه أراد حضور الموت ويحتمل أنه أراد تيقن وجود الموت لأن سائر ما ذكر إنما يفعل بعد الموت وهو تغميض العين وغيره وكلام ابن عقيل وغيره مثل كلام الخرقي.
وهذا التوجيه قبل الدفن مستحب صرح به جماعة من الأصحاب ولم أجد خلافه صريحا وهو المحكي عن مذاهب الأئمة الثلاثة.
وقوله على جنبه الأيمن أو مستلقيا على ظهره يعني يجوز هذا ويجوز هذا فيكون تعرض لجواز الأمرين ولم يتعرض للأفضلية ويحتمل أن يكون مراده التخيير وأنه الأولى ومنصوص الإمام أن توجيهه على جنبه الأيمن أفضل وذكر المصنف في شرح الهداية أنه المشهور عنه وأنه قول الأئمة الثلاثة قال وهو أصح وهذا اختيار ابن عقيل وغيره وعن الإمام أحمد مستلقيا على ظهره أفضل وهو الذي فعله عند موته واختاره أكثر الأصحاب وحكاه الشيخ وجيه الدين عن اختيار الأصحاب وعنه التسوية بينهما ولم أجد أحدا اختارها.
قوله ويبل حلقه إلى قوله: "وسورع في تجهيزه كل ذلك مستحب
بشيء بعدها أعيدت ويقرأ عنده يس فإذا مات غمضت عيناه وشد لحياه ولينت مفاصله ونزعت عنه ثيابه وسجي بثوب وجعلت على بطنه حديدة وسورع في تجهيزه ويتيقن موته إن شك فيه بانخساف صدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه وارتخاء رجليه.
وغسله فرض كفاية وأولى الناس به وصيه ثم أبوه وإن علا ثم.
__________
قوله : "وصيه إلى آخره".
أطلق ولا بد من إسلامه في المشهور بناء على اعتبار النية لأنها عبادة مفترضة وليس الكافر من أهلها كالتيمم.
وذكر المصنف في شرح الهداية أنه يحتمل عنده أن المسلم إذا حضر وأمر الكافر بمباشرته وفعله في الحال لن يصح كالحي إذا نوى رفع الحدث وأمر كافرا بغسل أعضائه وكالأضحية إذا باشر ذبحها ذمي على المشهور اعتمادا على نية المسلم.
وظاهر كلامه أنه يجوز أن يكون مميزا وهو أصح القولين لصحة طهارته وكأذانه وظاهر كلامه أنه يجوز أن يكون فاسقا.
قال المصنف في شرح الهداية والأفضل أن يكون ثقة أمينا عارفا بأحكام الغسل وكذا قال غيره وقال في المستوعب لا يغسل الميت إلا عالم بالغسل ويستحب أن يكون من أهل الدين والفضل.
وقال الشيخ وجيه الدين يجب أن يكون مأمونا موثوقا بدينه ومعرفته للغسل ونظافته.
فصار في اعتبار عدالته ومعرفته بأحكام الغسل ثلاثة أوجه الثالث يعتبر علمه بأحكام الغسل فقط وقطع في الرعاية بأنه لا بد أن يكون غير فاسق وهذا فيه نظر بخلاف شرطية عدالته في الصلاة على أصلنا.
ابنه وإن سفل ثم أقرب عصبته ثم ذوو أرحامه ثم الأجانب ولا يغسل المرأة محرمها وأولى الناس بغسلها من أوصت إليها به ثم أمها ثم جدتها ثم بنتها ثم أختها ثم عمتها أو خالتها ثم القربى فالقربى ثم الأجنبيات ويجوز أن يغسل الرجل زوجته وأم ولده وأن يغسلاه.
__________
وظاهر كلامه أنه يجوز أن يكون جنبا أو حائضا أو نفساء أو حدثا ونص عليه الإمام أحمد مع أن الأفضل تركه وعنه يكره وكراهته التغميض منهم لكراهية السلف لذلك.
قال المصنف ولعل ذلك لأجل حضور ملائكة القبض والملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب ولم يثبت حضورها وقت الغسل وقطع غير واحد بأن الحر البعيد أولى من العبد القريب لأن العبد لا ولاية له في المال والنكاح وقطع المصنف وغيره بأن سيد الرقيق أولى بغسله ودفنه والصلاة عليه لأن علقة الملك أقوى من علقة النسب.
قوله ويجوز أن يغسل الرجل زوجته وأم ولده وأن يغسلاه.
ظاهره جواز نظر كل واحد منهما إلى جميع بدن الآخر حتى الفرجين وذكره الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية والشافعية وقال ابن تميم ولكل واحد منهم النظر إلى الآخر بعد الموت ما عدا الفرج قاله أصحابنا وسئل الإمام عن ذلك فقال اختلف في نظر الرجل إلى امرأته انتهى كلامه أي وقطع بهذا في الرعاية أن أي الزوجين مات فللآخر نظر غير فرجيه إن جاز أن يغسله.
وقطع الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية أن القاتل لا حق له في غسل المقتول عمدا أو خطأ ولا في الصلاة والدفن لأنه بالغ في قطيعة الرحم فلا يراعى حقه بعد الموت كما في الميراث فأما القاتل قصاصا بحق ففيه وجهان بناء على الميراث انتهى كلامه وظاهر كلام الأصحاب خلافه.
وعنه لا يجوز له غسل زوجته وللرجل والمرأة غسل من لم يبلغ سبع سنين من ذكر أو أنثى ولا يغسل المسلم قريبه الكافر وله دفنه إن لم يجد من يدفنه وعنه له غسله حكاه أبو حفص واختاره ويوجه الميت على مغتسله منحدرا نحو رجليه ويجعل تحت ستر أو سقف والأفضل بجريدة وستر عورته وعنه الأفضل غسله في قميص رقيق واسع الكمين ولا يحضره إلا الغاسل ومن يعينه ويرفع رأسه قريبا من الجلوس فيعصر بطنه برفق ويلف على يده خرقة فينجيه ولا يحل له مس عورته ولا نظرها ويسن أن لا يمس بقية بدنه إلا بخرقة ثم ينوي غسله ويسمي ويمسح بالماء باطن شفتيه ومنخريه ثم يتمم وضوءه كوضوء الصلاة ثم يغسل برغوة السدر.
__________
قوله وله دفنه إن لم يجد من يدفنه.
ظاهره أنه لا يجب دفنه في هذه الحال وعلى هذا لا تجب مواراته مطلقا وقطع به الشيخ وجيه الدين وهو ظاهر كلام غير واحد وقطع المصنف في شرح الهداية بأنه يجب ذميا كان أو حربيا أو مرتدا وقال هذا ظاهر كلام أصحابنا اقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام في حق كفار أهل بدر حيث واراهم في القليب ولأن في تركه سببا للمثلة به وهي ممنوع منها في حقه بدليل عمومات النهي عنها وفي هذا نظر لأن فعله هذا لا يدل على الوجوب واحتمال وقوع المحذور لا ينهض سببا لتحريم شيء ولا وجوبه به.
قوله ويمسح بالماء باطن شفتيه ومنخريه.
الأولى أن يكون بخرقة نص عليه وهي خرقة سائر البدن وهي غير خرقة الاستنجاء ذكره المصنف وغيره ويستحب قبل ذلك غسل كفي الميت كالحي نص عليه ومسح باطن شفتيه ومنخريه مستحب عند الإمام وأكثر الأصحاب وأوجبه أبو خطاب في الانتصار في بحث مسألة المضمضة والاستنشاق,
رأسه ولحيته ولا يسرح شعره وقال ابن حامد يسرح تسريحا خفيفا ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ويقلبه على جنبيه يفعل ذلك كله ثلاثا إلا الوضوء فإنه يحصل بأول مرة ويمر في كل مرة يده على بطنه.
__________
وعند أبي حنيفة لا يستحب ذلك وحكى في المغني عن الشافعي أنه يمضمضه وينشقه كما يفعل بالحي وحكى المصنف سقوط المضمضة والاستنشاق بالإجماع.
قوله : "يفعل ذلك كله ثلاثا إلا الوضوء فإنه يحصل بأول مرة".
كذا ذكر هو وغيره أنه يكتفي بوضوئه أول مرة ونص عليه الإمام أحمد لأنه وضوء شرعي حصل فيه التكرار الشرعي في المرة الواحدة فلا وجه لإعادته من غير خارج وظاهر كلامه أنه لا يحصل غسله بأول مرة ومراده الغسل المستحب لأنه يستحب غسله ثلاثا مع إجزاء مرة كغسل الجنابة وحكى هذا عن مذاهب الأئمة الثلاثة وقد نص الإمام أحمد على كراهة غسله مرة واحدة قال لا يعجبني وللأصحاب في قوله: لا يعجبني كذا هل هو للتحريم أو للكراهة وفي الصحيحين عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن " وقد قال الشيخ وجيه الدين في ذكر ابن أبي موسى أنه إذا شرع في غسله التعبدي وإفاضة الماء لأنه يعود لإنجائه ثلاثا ولوضوئه والذي حكاه القاضي عن أحمد الوضوء في المرة الأولى ولا يعيده ثانيا انتهى كلامه وهو معنى ما ذكره في المستوعب.
وقوله يفعل ذلك ثلاثا يعني لا يزيد عليها من غير حاجة وعلى هذا الأصحاب قال الشيخ وجيه الدين الثلاث أدنى الكمال والمتوسط خمس والأعلى سبع وهو حد اغلظ النجاسات من الولوغ والزيادة حينئذ سرف.
فإن لم ينق بالثلاث زاد حتى ينقى ويقطع على وتر ويجعل في كل غسلة سدرا مسحوقا وفي الأخيرة كافورا ولا بأس بالماء الحار والأشنان والخلال إن احتاجه ويقلم أظفاره ويجز شاربه ويزيل شعر عانته وإبطه ويجعل معه وكذلك العضو الساقط ولا يحلق رأسه ولا يختن بحال ثم ينشف بثوب والغرض من ذلك غسله بالماء وفي النيه والتسمية وجهان فإن غسل ثم خرج منه شئ غسل المحل ووضئ عند أبي الخطاب والمنصوص عنه أنه يعاد غسله وإن.
__________
قوله فإن لم ينق بالثلاث زاد حتى ينقى ويقطع على وتر.
ظاهره ولو زاد على سبع لما تقدم من حديث أم عطية وقطع به المصنف في شرح الهداية قال وإنما لم يذكر أصحابنا ذلك لأن الغالب أنه لا يحتاج إليه ولذلك لم يسم النبي صلى الله عليه وسلم فوقها عددا بعينه وقول الإمام أحمد ولا يزاد على سبع محمول على ذلك أو على ما غسل غسلا منقيا إلى سبع ثم خرجت منه نجاسة انتهى كلامه وقال في المغني بعد أن ذكر كلام أحمد هذا وإن لم ينق بسبع فالأولى غسله حتى ينقى ولا يقطع إلا على وتر قال ولم يذكر أصحابنا أنه يزيد على سبع وقدم ابن تميم ما هو ظاهر كلامه في المحرر ثم قال وحكى عن أحمد لا يزاد على سبع وقال في المستوعب فإن لم ينق بالثلاث زاد إلى سبع ولا يزيد عليها ولا يقطع إلا على وتر وقال ابن الجوزي في المذهب فإن لم ينق بالثلاث زاد إلى سبع والأفضل أن لا يقطع إلا على وتر ولا يجب إلا مرة واحدة انتهى كلامه وهو معنى كلام كثير من الأصحاب أو أكثرهم وقد قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من العلماء قال يجوز سبع غسلات في غسل الميت ذكره في التمهيد.
قوله " :والمنصوص عنه أنه يعاد غسله".
تكرر ذلك إلا إن تجاوز سبعا فيوضأ فإن لم يستمسك المحل حشي بالقطن أو الطين الحر وإن خرج منه يسير وهو في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل.
__________
يعني يجب وظاهره أنه يكتفي بذلك وهو ظاهر كلام غيره وذكر ابن الجوزي أنه يغسل موضع النجاسة ويوضأ في1 إعادة غسله إلى سبع مرات وجهان.
فعلى هذا الاختلاف في غسل موضع النجاسة والوضوء لكن الخلاف في الاكتفاء به دون الغسل ولعل هذا ظاهر كلامه في المحرر لقوله إلا أن يجاوز سبعا فيوضأ وعنه لا يجب الوضوء بعد السبع لأن فيه مشقة وخوفا على الميت ولا يؤمن من عود مثله ولذلك غسل2 الغسل والأول أشهر قال المصنف لأنه حدث يوجبه تنحية السبيل فأوجب الوضوء انتهى كلامه وقال ابن عقيل لا يختلف المذهب أنه إذا غسل الميت فخرج منه شيء قبل تكفينه أنه يعاد عليه الغسل ولم يجده بسبع وحده بها في موضع آخر وإبطال غسل الميت وإعادة غسله بخروج النجاسة مسألة معاياة فيقال حدث أصغر يوجب غسلا ويبطل غسلا.
قوله حشى بالقطن أو الطين الحر.
يعني لا بأس بذلك وظاهر كلام جماعة وصرح به طائفة وهو إحدى الروايتين واختاره الخرقي وغيره وهو المشهور وعنه يكره حشوه حكاه ابن أبي موسى ويجب التلجم بذلك في ظاهر كلام جماعة وصرح به طائفة كابن عقيل قالوا لأنه يراد للصلاة فوجب أن يحتاط له بسد محل الحدث كما قلنا في طهارة المستحاضة فإنها تتلجم وتحتاط لذلك.
__________
1- كذا بالأصل ...
2- كذا بالأصل ...