كتاب : الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل
المؤلف : عبد الله بن قدامة المقدسي أبو محمد
باب الرجوع في الوصية
يجوز الرجوع في الوصية لأنها عطية لم تزل الملك فجاز الرجوع فيها كهبة ما يعتبر قبضه قبل قبضه ويجوز الرجوع فيها بالقول والتصرف لأنه فسخ عقد قبل تمامه فجاز بالقول والتصرف كفسخ البيع في الخيار فإن قال : رجعت فيها أو : فسختها فهو رجوع لأنه صريح فيه وإن قال : هو حرام عليه كان رجوعا لأنه لا يكون حراما وهو وصية وإن قال : لوارثي فهو رجوع لأن ذلك ينافي كونه وصيةفصل :
وإن قال : هو تركتي لم يكن رجوعا لأن الموصى به من تركته وإن أوصى به لآخر لم يكن رجوعا لاحتمال أن يكون ناسيا أو قاصدا للتشريك بينهما وإن قال : ما وصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا لأنه صرح برده إلى الآخر
فصل :
وإن باعه أو وهبه أو وصى ببيعه أو هبته أو عتقه أو كاتبه صار رجوعا لأنه صرفه عن الموصى له وإن دبره كان رجوعا لأنه أقوى من الوصية لكون عتقه ينجز بالموت وإن عرضه للبيع أو رهنه كان رجوعا لأنه عرضه لزوال ملكه وفي الكتابة والتدبير والرهن وجه آخر أنه ليس برجوع لأنه لم يخرجه عن ملكه
فصل :
وإن أوصى بثلث ماله ثم باع ماله لم يكن رجوعا لأن الوصية بثلث ماله عند الموت لا بثلث الموجود وإن زوجه أو أجره أو علمه صناعة لم يكن رجوعا لأنه لا ينافي الوصية به وإن وطئ الجارية لم يكن رجوعا لأنه استيفاء منفعة أشبه الاستخدام وإن غسل الثوب ولبسه أو جصص الدار أو سكنها لم يكن رجوعا لأنه لا يزيل الاسم ولا يدل على الرجوع وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا لأنه عقد فلم يبطل بالجحود كسائر العقود ويحتمل أن يكون رجوعا لأنه يدل على إرادة الرجوع
فصل :
وإن وصى بطعام معين فخلطه بغيره كان رجوعا لأنه جعله على صفة لا يمكن تسليمه وقال أبو الخطاب : ليس برجوع وإن وصى بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا لأنه كان مشاعا ولم يزل فهو باق على صفته
فصل :
وإن وصى بحنطة فزرعها وطحنها أو بدقيق فخبزه أو بخبز فثرده أو جعله فتيتا أو بشاة فذبحها أو بثوب فقطعه قميصا أو بخشب ثم نجره بابا أو بقطن فغزله أو بغزل فنسجه كان رجوعا لأنه أزال اسمه وهيأه للانتفاع به وقال أبو الخطاب : ليس برجوع لأنه لا يمنع التسليم أشبه غسل الثوب وإن أوصى له بقطن ثم حشا به فراشا أو مسامير ثم سمر بها بابا أو بحجر وبناه حائط كان رجوعا لأنه شغله بملكه على وجه الاستدامة وإن أوصى له بعنب فجعله زبيبا ففيه وجهان :
أحدهما : يكون رجوعا لأنه أزال اسمه
والثاني : ليس برجوع لأنه أبقى له وأحفظ على الموصى له وإن وصى بدار ثم هدمها كان رجوعا في أحد الوجهين وفي الآخر : لا يكون رجوعا بناء على ما إذا طحن الحنطة وإن انهدمت بنفسها فكذلك إذا زال رسمها وإن لم يزل اسمها فالوصية ثابتة فيما بقي وفيما انفصل وجهان
فصل :
وإن وصى بأرض ثم زرعها لم يكن رجوعا لأنه لا يراد للبقاء وقد يحصد قبل الموت فإن غرسها أو بناها ففيه وجهان :
أحدهما : يكون رجوعا لأنه جعلها لمنفعة مؤبدة
والثاني : لا يكون رجوعا لأنه استيفاء منفعة أشبه الزراعة وإن أوصى له بسكنى داره سنة ثم أجرها فمات قبل انقضاء الإجارة ففيه وجهان :
أحدهما : يسكن سنة بعد انقضار الإجارة لأنه موصى له بسنة
والثاني : تبطل الوصية بقدر ما بقي من مدة الإجارة وتبقى في الباقي
باب الأوصياء
لا تصح الوصي إلا إلى عاقل فأما المجنون والطفل فلا تصح الوصية إليهما لأنهما ليسا من أهل التصرف في مالهما فلا يجوز توليتهما على غيرهما ولا تصح الوصية إلى فاسق لأنه غير مأمونوعنه : تصح ويضم إليه أمين ينحفظ به المال قال القاضي : هذه الرواية محمولة على من طرأ فسقه بعد الوصية لأنه يثبت في الاستدامة ما لا يثبت في الابتداء واختار القاضي : أنه إذا طرأ الفسق أظال الولاية لأن هذه أمانة والفاسق ليس من أهلها وقال الخرقي : إذا كان خائنا ضم إليه أمين لأنه أمكن الجمع بين حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الوصي بإبقائه في الوصية ولا تصح وصية مسلم إلى كافر لأنه ليس من أهل الولاية على مسلم وفي وصية الكافر إلى الكافر وجهان :
أحدهما : يجوز لأنه يجوز أن يكون وليا له فجاز أن يكون وصيا له كالمسلم
والثاني : لا يجوز لأنه أسوأ حالا من الفاسق وتصح وصيته إلى المسلم لأن المسلم مقبول الشهادة عليه وعلى غيره
فصل :
وتصح وصية الرجل إلى المرأة لأن عمر أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة فأشبهت الرجل وإلى الأعمى لأنه من أهل الشهادة والتصرفات فأشبه البصير وإلى الضعيف لذلك إلا أنه يضم إليه أمين يعينه وتصح وصية الرجل إلى أم ولده نص عليه لأنها حرة عند نفوذ الوصية وقال ابن حامد تصح الوصية إلى العبد سواء كان له أو لغيره لأنه يصح توكيله فأشبه الحر والمكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن لأنهم عبيد وفي الوصية إلى الصبي العاقل وجهان :
أحدهما : تصح لأنه يصح توكيله فأشبه الرجل
والثاني : لا يصح لأنه ليس من أهل الشهادة فلا يكون وليا كالفاسق
فصل :
وتعتبر هذه الشروط حال العقد في أحد الوجهين لأنها شروط لعقد فاعتبرت حال وجوده كسائر العقود
والثاني : تعتبر حال الموت لأنه حال ثبوت الوصية ولزومها فاعتبرت الشروط فيها كالوصية له ولأن شروط الشهادة تعتبر عند أدائها لا عند تحملها فكذلك ها هنا ولو كانت الشروط موجودة عند الوصية ثم عدمت عند الموت بطلت الوصية إليه لأنه يخرج بذلك كونه من أهل الولاية
فصل :
ويجوز أن يوصي إلى نفسين لما روي أن ابن مسعود كتب في وصيته : إن مرجع وصيتي إلى الله ثم إلى الزبير وابنه عبد الله ولأنها استنابة في التصرف فجازت إلى اثنين كالوكالة ويجوز أن يجعل التصرف إليهما جميعا وإلى كل واحد منهما منفردا لأنه تصرف مستفاد بالإذن فجاز ذلك فيه كالتوكيل فإن جعل إلى كل واحد منهما فلكل واحد أن ينفرد بالتصرف والحفظ فإن ضعف أو فسق أو مات فالآخر على تصرفه ولا يقام غير الميت مقامه لأن الموصي رضي بنظر هذا الباقي وإن جعل التصرف إليهما جميعا أو أطلق الوصية إليهما لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف لأنه لم يرض بنظره وحده وإن فسق أحدهما أو جن أو مات أقام الحاكم مكانه أمينا لأن الموصي له لم يرض بنظر أحدهما وحده وليس للحاكم أن يفوض الجميع إلى الباقي لذلك وإن ماتا معا فهل للحاكم تفويض ذلك إلى واحد ؟ فيها وجهان :
أحدهما : يجوز لأن حكم وصيتهما سقط بموتهما فكان الأمر إلى الحاكم كمن لم يكن له وصي
والثاني : لا يجوز لأن الموصي لم يرض بنظر واحد وإن اختلف الوصيان في حفظ المال جعل في مكان واحد تحت نظريهما لأن الموصي لم يرض بأحدهما فلم يجز له الانفراد به كالتصرف و إن أوصى إلى رجل وبعده إلى آخر فهما وصيان إلا أن يقول : قد خرجت الأول أو ما يدل على ذلك لما ذكرنا في الوصية له
فصل :
ويجوز أن يوصي إلى رجل فإن مات إلى آخر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال في حبيش مؤتة : [ أميركم زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة ] رواه أحمد و النسائي
والوصية في معنى التأمير ولو قال : أنت وصيي فإذا كبر ابني فهو وصيي صح لأنه إذن في التصرف فجاز مؤقتا كالتوكيل ومن أوصي إليه في مدة لم يكن وصيا في غيرها لذلك فإذا أوصى إلى رجل وجعل له أن يوصي إلى من شاء جاز وله أن يوصي إلى من شاء من أهل الوصية لأنه رضي باجتهاده وولاية من ولاه وإن نهاه عن الإيصاء لم يكمن له أن يوصي كما لو نهى الوكيل عن التوكيل وإن أطلق ففيه روايتان :
إحداهما : له أن يوصي لأنه قائم مقام الأب فملك ذلك كالأب
والثانية : ليس له ذلك أختاره أبو بكر وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه يتصرف بالتولية فلم يكن له التفويض من غير إذن فيه كالتوكيل
فصل :
وللوصي التوكيل فيما لم تجر العادة أن يتولاه بنفسه وهل له التوكيل فيما يتولاه بنفسه ؟ على روايتين
فصل :
ولا يتم إلا بالقبول لأنه وصية فلا يتم إلا بالقبول كالوصية له ويجوز قبولها وردها في حياة الموصي لأنه إذن في التصرف فجاز قبوله عقيب الإذن كالوكالة ويجوز تأخير قبولها إلى ما بعد الموت لأنه نوع وصية فصح قبولها بعد الموت كالوصية له
فصل :
وللموصي عزل الوصي متى شاء وللوصي عزل نفسه متى شاء في حياة الموصي وبعد موته لأنه إذن في التصرف فملك كل واحد منهما فسخه كالوكالة وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى : ليس للوصي عزل نفسه بعد موت الموصي لأنه غره بقبول وصيته فعزل نفسه إضرار به والضرر مدفوع شرعا
فصل :
وإذا بلغ الصبي واختلف هو والوصي في النفقة فالقول قول الوصي لأنه أمين ويتعذر عليه إقامة البينة عليها فإذا قال : أنفقت عليك كل سنة مائة فقال الصبي : بل خمسين فالقول قول المنفق إذا كان ما ادعاه قدر النفقة بالمعروف وإن كان أكثر ضمن الزيادة لتفريطه بها وإن قال : أنفقت عليك منذ سنتين فقال الصبي : ما مات أبي إلا من سنة فالقول قول الصبي لأنه لم يثبت كون الوصي أمينا في السنة المختلف فيها والأصل عدم ذلك وإن اختلفا في دفع المال إليه بعد بلوغه فالقول قول الوصي لأنه أمين في ذلك فقبل قوله فيه كالنفقة وكالمودع
فصل :
إذا ملك المريض من يعتق عليه فحكى الحبرمي عن أحمد أنه يعتق ويرث لأنه إن ملكهم بغير عوض فلم يضع في عتقهم شيء من ماله فلم يحتسب وصية لهم كما لو ورثهم وإن ملكهم بعوض فلم يصل إليهم وإنما أتلفه المريض على ورثته فهو كما لو بنى به مسجدا وقال القاضي فيما ملكه بعوض : إن خرج من الثثلث عتق وورث وإلا عتق منه بقدر الثلث وما ملكه بغير عوض عتق بكل حال
كتاب الفرائض
وهو علم المواريث وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بتعلمها وحث عليه على الخصوص فروى أبو هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي ] رواه ابن ماجة فإذا مات المرء بدئ بكفنه وتجهيزه مقدم على سواه كما يقدم المفلس بنفقته على غرمائه ثم يقضى دينه لقول الله تعالى : { من بعد وصية يوصي بها أو دين } قال علي : إن النبي صلى الله عليه و سلم قضى أن الدين قبل الوصية رواه الترمذي و ابن ماجة ولأن الدين تستغرقه حاجته فقدم كمؤنة تجهيزه ثم تنفذ وصيته للآية ولأن الثلث بقي على حكم ملكه ليصرف في حاجته فقدم على الميراث الدين ثم ما بقي قسم على الورثة للآيات الثلاث في سورة النساءفصل :
وأسباب التوارث ثلاثة : رحم ونكاح وولاء لأن الشرع ورد بالتوارث بها فأما المؤاخاة في الدين والمولاة في النصرة وإسلام الرجل على يد الآخر فلا يورث بها لأن هذا كان في بدء الإسلام ثم نسخ لقوله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله }
فصل :
والمجتمع على توريثهم من الذكور عشرة : الابن وابنه إن نزل والأب وأبوه وإن علا والأخ من كل جهة وابن الأخ إلا من الأم والعم وابنه كذلك والزوج ومولى النعمة ومن النساء سبع : الأم والجدة والبنت وبنت الابن والأخت والزوجة ومولاة النعمة والمختلف في توريثهم أحد عشر صنفا : ولد البنات وولد الأخوات وبنات الإخوة وبنو الإخوة من الأم والعمات والعم من الأم والأخوال والخالات وأبو الأم وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد فهؤلاء ومن أدلى بهم يسمون ذوي الأرحام ويرثون عند عدم المجمع على توريثهم على ما سنذكره إن شاء الله في بابه
فصل :
وينقسم الوارث إلى ذوي فرض وعصبة وذوي رحم فالرجال من المجمع عليهم كلهم عصبة إلا الزوج والأخ من الأم والأب والجد من الابن والنساء المنفردات عن إخوتهن ذوات فرض إلا مولاة النعمة والأخوات من البنات والفرض جزء مقدر والعصبة يرث المال كله إذا انفرد فإن كان معه ذو فرض بدئ به والباقي للعصبة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر ] متفق عليه
وإن استغرقت الفروض المال سقط فلو خلفت المرأة زوجا وأما وإخوة لأم وإخوة لأبوين أو لأب كان للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة للأم الثلث وسقط الباقون لأن الله فرض هذه الفروض لأهلها فوجب دفعها إليهم وجعل للعصبة الباقي ولم يبق شيء وهذه المسألة تسمى : المشركة إذا كان الأخوة لأبوين لأن عمر شرك بين ولد الأم وولد الأبوين في الثلث وتسمى : الحمارية لأن بعض الصحابة قال : هب أباهم كان حمارا فما زادهم ذلك إلا قربا ويقال : إن بعض ولد الأبوين قال : ذلك لعمر وقد أسقطهم فشرك بينهم ومذهب علي رضي الله عنه على ما قلناه
باب ذوي الفروض
وهم عشرة : الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنت وبنت الابن والأخت من كل جهة والأخ من الأم فأما الزوج فله النصف إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن والربع إذا كان معه أحدهما وللزوجة والزوجات الربع مع عدم الولد وولد الابن والثمن مع أحدهما لقوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم } وولد الابن ولد بدليل قوله تعالى : { يا بني آدم } و { يا بني إسرائيل } والأربع من النساء كالواحدة لعموم اللفظ فيهنفصل :
فأما الأم فلها ثلاثة فروض : الثلث إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن أو اثنان من الإخوة والأخوات لقوله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } وقسنا الأخوين على الإخوة لأن كل فرض تعين بعدد كان الاثنان فيه بمنزلة الجماعة كفرض البنات والأخوات
الفرض الثالث : لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين في زوج وأبوين وامرأة وأبوين لأن عمر قضى بهذه القضية فاتبعه عثمان وابن مسعود و زيد وتسمى هاتان المسألتان : العمريتان لقضاء عمر فيهما ولأن الفريضة جمعت الأبوين مع ذي فرض واحد فكان للأم ثلث الباقي كما لو كان معها بنت
فصل :
وللأم حال رابع وهو : إذا لاعنها زوجها ونفى ولدها وتم اللعان بينهما انتفى عنه وانقطع تعصيبه منه ولم يرثه هو ولا أحد من عصباته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم والباقي لعصبته وفيه روايتان :
إحداهما : أن عصبته عصبة أمه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر ] وأولى الرجال به أقارب أمه وعن علي أنه لما رجم المرأة دعا أولياءها فقال : هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم حكاه أحمد
والرواية الثانية : أن أمه عصبته وإن لم تكن فعصبتها عصبته لما روى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه ] قال الترمذي : هذا حديث حسن ولأنها قامت مقام أبيه في انتسابه إليها فقامت مقامه في حيازة ميراثه فعلى هذه الرواية لو مات ابن ابن الملاعنة وخلف أمه وجدته الملاعنة لكان لأمه الثلث والباقي لجدته ويعايا بها فيقال : جدة ورثت مع أم أكثر منها وإن خلف ابن الملاعنة أمه وأخاه وخاله فلأمه الثلث ولأخيه السدس وباقيه له لأنه عصبة أمه في إحدى الروايتين والأخرى : الباقي للأم وإن لم يكن أخ فالباقي للخال على إحدى الروايتين
فصل :
وللأب ثلاثة أحوال
حال : يرث فيها بالفرض المجرد وهي مع الابن أو ابنه يرث السدس لقوله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }
وحال : يرث فيها بالتعصيب المجرد وهي مع عدم الولد لقوله تعالى : { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } أضاف الميراث إليهما ثم خص الأم منه بالثلث دل على أن باقيه للأب
والحال الثالث : يجتمع له الأمران السدس بالفرض للآية والباقي بالتعصيب لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر ] وهي مع إناث الولد
فصل :
وللجد أحوال الأب الثلاثة وإن اجتمع مع الأم أحد الزوجين فللأم الثلث كاملا وله حال رابع وهي مع الإخوة من الأبوين أو من الأب فإنه لم يسقطهم لأنهم يدلون بالأب فلم يسقطهم كأم الأب ولكنه يقاسمهم كأخ ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث فإن نقصته منه بأن زاد الإخوة على اثنين أو الأخوات على أربعة فله الثلث والباقي لهم فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه وجعل للجد الأحظ من ثلاثة أشياء المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي لأن الفرض كالمستحق فصار الباقي كجميع المال أو سدس جميع المال لأن ولد الصلب لا يمنعونه السدس فولد الأب أولى ولا يفرض للأخوات مع الجد لأننا جعلناه كالأخ فيعصب الأخت كالأخ ولا تعول مسائله إلا في مسألة واحدة تسمى : الأكدرية لتكديرها أصول زيد حيث أعال مسائل الجد وفرض للأخت معه وهي زوج وأم وأخت وجد فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس ثم يفرض للأخت النصف لأنه لم يبق لها شيء ولا مسقط لها ها هنا ثم يجمع سدس الجد ونصف الأخت فيقسم بينهما على ثلاثة لئلا تفضل الأخت الجد فتضرب الثلاثة في مسألة وعولها وهي تسعة صارت من سبعة وعشرين للأم ستة وللزوج تسعة وللجد ثمانية وللأخت أربعة ولو كانت أم وأخت وجد فللأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة أسهم وتسمى : الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها ولو كان مكان الأخت أخ كان المال بينهم أثلاثا
فصل في المعادة :
ولد الأب إذا انفردوا يقومون مقام ولد الأبوين في مقاسمة الجد فإن اجتمعوا فإن ولد الأبوين يعادون الجد بولد الأب لأن من حجب بولد الأبوين وولد الأب إذا انفردوا حجب بهما إذا اجتمعا كالأم وما حصل لولد الأب أخذه منهم ولد الأبوين لأنهم أولى بالإرث منهم ولا شيء لولد الأب إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فيردون عليها قدر فرضها والباقي لهم ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرض إلا أن يكون الفرض السدس فإن اجتمع أخوان في الجهتين وجد اقتسموا أثلاثا ثم اخذ الأخ للأبوين ما حصل لأخيه فإن كان مكان الأخوين أختان اقتسموا أرباعا ثم أخذت الأخت للأبوين ما حصل لأختها لتستكمل النصف فإن كان مع التي من قبل الأب أخوها اقتسموا أسداسا ثم أخذت منهما تمام فرضها يبقى لهما السدس على ثلاثة وتصح في ثمانية عشر فإن كان معهم أم فلها السدس وتفعل فيما بقي كما فعلت في أصل المال فتصح في مائة وثمانية وإن شئت فرضت للجد ثلث الباقي بعد السدس ولا ثلث له فتضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر للأم ثلاثة وللجد خمسة وللأخت النصف تسعة يبقى سهم بين الأخ وأخته على ثلاثة تضربها في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين وتسمى : مختصرة زيد لاختصارها من مائة وثمانين إلى أربعة وخمسين ولو كانت : أم وجد وأخت لأبوين وأخوان وأخت الأب لصحت في تسعين وتسمى : تسعينية زيد لصحتها من تسعين على مذهبه
فصل :
وللجدة السدس ـ وإن كثرن لم يزدن على السدس شيئا ـ فرضا لما روى قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها فقال : ما لك من كتاب الله شيء وما أعلم لك من سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا ولكن ارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاها السدس فقال : هل معك غيرك ؟ فشهد له محمد بن مسلمة فأمضاه لها أبو بكر فلما كان عمر جاءت الجدة الأخرى فقال عمر : ما لك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضى به إلا في غيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعتما فهو لكما وأيكما خلت به فهو لها قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
ولا يرث من الجدات أكثر من ثلاث : أم الأم وأم الأب وأم الجد ومن كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن فلهن السدس إذا تحاذين في الدرجة لما روى سعيد بإسناده عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه و سلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم قال إبراهيم : كانوا يورثون من الجدات ثلاثا وهذا يدل على أنه لا يرث أكثر من ثلاث وأجمع أهل العلم على أن أم أبي الأم لا ترث وكذلك كل جدة أدلت بأب بين أمين لأنها تدلي بغير وارث قال الشعبي : إنما طرحت أم أبي الأم لأن أبا الأم لا يرث ولا ترث جدة تدلي بأب أعلى من الجد لأنها خرجة عن الثلاث اللاتي ورثهن النبي صلى الله عليه و سلم ويحتمل كلام الخرقي توريثها لأنها تدلي بوارث وإن كان بعض الجدات أقرب من بعض فالميراث لأقربهن لأن الجدات أمهات يرثن ميراث الأم وكذلك سقطن بها فإذا اقترب بعضهن أسقطت البعدى كما لو كانت القربى من جهة الأم
وعنه : أن القربى من جهة الأم تسقط البعدى من جهة الأب والقربى من جهة الأب لا تسقط البعدى من جهة الأم لأنها تدلي بمن لا يسقطها وهو الأب فأولى أن لا تكون هي مسقطة لها وترث الجدة وابنها حي سواء كان أبا أو جدا لما روى سعيد بن منصور بإسناده عن ابن مسعود : أن أول جدة أطعمت السدس أم أب مع ابنها ورواه الترمذي ولفظه قال : أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه و سلم السدس الجدة مع ابنها وابنها حي
وعنه : لا ترث لأنها تدلي به فلا ترث معه كالجد والجدات المتحاذيات : أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب السدس بينهن أثلاثا فإن أدلت جدة بقرابتين وأخرى بقرابة واحدة فلذات القرابتين ثلثا السدس في قياس قول أحمد وللأخرى ثلثه لأنها شخص ذو قرابتين تورث كل واحدة منهما منفردة فإذا اجتمعا ولم يرجح بهما ورث بهما كابن العم إذا كان أخا لأم أو زوجا
فصل :
فأما البنات فلهن الثلثان وإن كثرن وللواحدة إذا انفردت النصف لقوله تعالى : { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف } وحكم البنتين حكم ما زاد عليهما لما روى جابر بن عبد الله قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما ولم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال قال : [ يقضي الله في ذلك ] فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عمهما فقال : [ أعط ابنتي سعيد الثلثين وأعط أمهما الثمن فما بقي فهو لك ] رواه أبو داود
فصل :
وبنات الابن كبنات الصلب سواء إن لم يكن للميت ولد من صلبه للواحدة النصف وللثنتين فصاعدا الثلثان لأنهن بنات لأن كل موضع سمى الله فيه الولد دخل فيه ولد الابن وإن كان من ولد الصلب بنت واحدة فلها النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر السدس تكملة الثلثين لأن الله تعالى لم يفرض للبنات إلا الثلثين وهؤلاء بنات وقد سبقت بنت الصلب فأخذت النصف لأنها أعلى درجة منهن فكان الباقي لهن السدس ولهذا يسميه الفقهاء تكملة الثلثين وقد روى الهزيل قال : سئل أبو موسى عن بنت وبنت ابن وأخت فقال : للبنت النصف وللأخت النصف وائت ابن مسعود فسئل ابن مسعود ـ وأخبر بقول أبي موسى ـ فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين أقضي فيها ما قضى رسول الله : للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال : لا تسألوني ما دام هذا الخبر فيكم رواه أحمد و البخاري
فصل :
وللأخت للأبوين النصف وللبنتين فصاعدا الثلثان لقوله تعالى : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك }
وحكم الأخوات من الأب إذا انفردن حكم الأخوات من الأبوين سواء لدخولهن في لفظ الآية
وإن اجتمع الأخوات من الجهتين فحكم ولد الأب مع ولد الأبوين حكم بنات الابن مع بنات الصلب سواء لأنهن في معناهن
وإن اجتمع الأخوات مع البنات صار الأخوات عصبة لهن ما فضل وليس لهن معهن فريضة مسماة لقوله تعالى : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } فشرط في فرضها عدم الولد فاقتضى ألا يفرض لها مع وجوده ولما ذكرنا من حديث الهزيل
فصل :
فاما ولد الأم فلواحدهم السدس ذكرا كان أو أنثى وللاثنين السدسان فإن كثروا فهم شركاء في الثلث لقوله تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } يعني ولد الأم بإجماع أهل العلم وفي قراءة عبد الله وسعد : وله أخ أو أخت من أم
باب من يسقط من ذوي الفروض
تسقط بنات الابن بالابن ويسقطن باستكمال البنات الثلثين إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وابن ابن الابن يعصب من في درجته ومن أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه إذا لم يكن لهن فرض ولا يعصب من أنزل منه وإذا كان أربع بنات ابن بعضهن أنزل من بعض سقطت الثلاثة والرابعة لاستكمال من فرقهما الثلثين فإن كان مع الرابعة أخوها أو ابن عمها فللأولى النصف وللثانية السدس والباقي للثالثة والرابعة وأختها وأخيها بينهم على أربعة وتصح في اثني عشر وتسقط الجدات من كل جهة بالأم لأنهن يرثن من جهتها لكونهن أمهات فيسقطن بها كما يسقط الجد بالأبفصل :
ويسقط ولد الأبوين بثلاثة : بالابن وابن الابن والأب لأن الله تعالى شرط في توريثهم عدم الولد بقوله سبحانه : { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } فلم يجعل لهما مسمى مع الولد وإنما أخذت الفاضل عن البنات والابن لا يفضل عنه شيء فسقطن به وكذلك ابنه لأنه ابن ويسقطون بالأب لأنهم يدلون به وكل من أدلى بشخص سقط به وإلا ولد الأم والجدة من جهة الأب ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة لذلك وبالأخ مع الأبوين لما روي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( قضى بالدين قبل الوصية ) وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه أخرجه الترمذي
وتسقط الأخوات من الأب باستكمال الأخوات للأبوين الثلثين إلا أن يكون معهن أخ لهن فيعصبهن في الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين كبنات الابن مع البنات
فصل :
ويسقط ولد الأم بأربعة : الولد ذكرا كان أو أنثى وولد الابن والأب والجد لأن الله تعالى : شرط في توريثهم كون الموروث كلالة بقوله تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } والكلالة : من لا ولد له ولا والد من قول بعض أهل العلم وفي قول بعضهم : هو اسم لمن عدا الولد والوالد من الوارث فيدل على أنهم لا يرثون من ولد ولا والد
فصل :
ومن لم يرث لمعنى فيه وهو الرقيق والقاتل والمخالف في الدين لم يحجب غيره لأنه ليس بوارث فلم يحجب كالأجنبي
باب أصول سهام الفرائض
المفروض المذكور في كتاب الله تعالى : النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس وهي تخرج من سبعة أصول : أربعة لا تعول وثلاثة تعول لأن كل فرض انفرد فأصله من مخرجه وإن اجتمع معه فرض من جنسه فأصلهما من مخرج أقلهما لأنه مخرج الكبير داخل في مخرج الصغير وإن اجتمع معه فرض من غير جنسه ضربت مخرج أحدهما من مخرج الآخر إن لم يتوافقا فمما ارتفع فهو أصل لهما أو وفق أحدهما في جميع الآخر إن توافقا فلذلك صارت الأصول سبعة النصف وحده من اثنين والثلث أو الثلثان من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية وهذه الأربعة التي لا تعول لأن العول فرع ازدحام الفروض ولا يوجد ذلك هنا وإن اجتمع مع الفرض من غير جنسه كالنصف يجتمع مع أحد الثلاثة السدس أو الثلث والثلثان فأصلهما من ستة لأنك إذا ضربت مخرج النصف في مخرج الثلث صار ستة ويدخل العول هذا الأصل لازدحام الفروض فيه وإن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فأصلها من اثني عشر لأنك إذا ضربت مخرج الربع من مخرج الثلث أو وفق مخرج السدس كانت اثنتي عشرة وإن اجتمع من الثمن سدس أو ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين لما ذكرنا وتعول هذه الأصول الثلاثة ومعنى العول : نقص الفروض لازدحامها وضيق المال عنها وقسمته بينهم على قدر فروضهم وطريق العمل فيها أن تأخذ لكل ذي فرض فرضه من أصل مسألته ثم تجمع السهام كلها فتقسم المال عليها فيدخل النقص على كل ذي فرض بقدر فرضه كما تضع مع الوصايا الزائدة في الثلث وفي قسمة مال المفلس على ديونه وهذا قول عامة الصحابة ألا ابن عباس رضي الله عنهمافصل :
وأصل الستة يتصور عوله إلى عشرة ولا تعول إلى أكثر منها ومثال العول زوج وأخت لأبوين وأخت لأب أصلهما ستة للزوج النصف ثلاثة وللأخت للأبوين ثلاثة وللأخت للأب السدس سهم عالت على سبعة فإن كان مكان الأخت للأب أم فلها الثلث وعالت إلى ثمانية وتسمى : مسألة المباهلة لأنها أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر فجمع الصحابة للمشورة فيها فقال العباس : أرى أن يقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر واتبعه الناس في ذلك حتى خالفهم ابن عباس فقال : من شاء باهلته إن المسائل لا تعول إن الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا هذان نصفان : ذهبا بالمال فأين موضع الثلث ؟ زوج وأم وثلاث أخوات متفرقات عالت إلى تسعة وتسمى : مسألة الغراء فإن كانت الأخوات ستا عالت إلى عشرة وسميت : أم الفروخ لكثرة عولها لأنها عالت بثلثيها فشبهوا أصلها بالأم والعول بالفروخ
فصل :
وأصل اثني عشر تعول علىالأفراد إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر لا تعول إلى أكثر من ذلك فتقول : في زوج وأم وابنتين أصلها اثنا عشر وتعول إلى ثلاثة عشر فإن كان معهم الأب عالت إلى خمسة عشر ثلاث زوجات وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان لأب عالت على سبعة عشر ولكل واحدة سهم وتسمى : أم الأرامل وأصل أربعة وعشرين تعول إلى سبعة وعشرين ولا تعول إلى أكثر منها وتسمى النحيلة لقلة عولها سميت : المنبرية لأن عليا سئل عنها على المنبر فقال : صار ثمنها تسعا ومضى في خطبته يعني : أن كان للزوجة الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين فصار لها ثلاثة من سبعة وعشرين وهي تسع
باب تصحيح المسائل
إذا لم تنقسم سهام فريق من الورثة عليهم قسمة صحيحة ضربت عددهم في أصل المسألة وعولها إن عالت فما بلغ فمنه تصح إلا أن يوافق عددهم سهامهم بجزء من الأجزاء فيجزئك ضرب وفق عددهم في أصل المسألة وعولها فإذا أردت القسمة فكل من له شيء من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة وهو جزء السهم فما بلغ فهو له إن كان واحدا وإن كانوا جماعة قسمته عليهم وإن كان الكسر على فريقين أو أكثر متماثلة كثلاثة وثلاثة أجزأك ضرب أحدهما في المسألة وإن كانت متناسبة وهو : أن ينتسب القليل إلى الكثير بجزء من أجزائه كثلاثة أو أربعة مثل ثلاثة وتسعة أجزأك ضرب أكثرها في المسألة وإن كانت متباينة كثلاثة وأربعة وخمسة ضربت بعضها في بعض فما بلغ ضربته في المسألة وإن كانت متوافقة بجزء من الأجزاء كنصف وثلث وافقت بين عددين منهما وضربت وفق أحدهما في الآخر وافقت بينه وبين الثلث وضربت وفق أحدهما في الآخر فما بلغ فهو جزء السهم يضرب في المسألة وطريق القسمة على ما ذكرنا متقدما
باب الرد
وإذا لم تستغرق الفروض المال وفضلت من فضلة ولم يكن عصبة فالفاضل من ذوي الفروض مردود عليهم على قدر سهامهم لقوله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من ترك مالا فلورثته ] رواه أحمد و أبو داود إلا على الزوج والزوجة لأنهما ليسا من أولي الأرحام فلم يدخلوا في قوله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } وهذا يروى عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهموعن أحمد : أنه لا يرد مع ولد الأم مع الأم ولا على الجدة مع ذي سهم لأنه قول ابن مسعود والأول المذهب لعموم الأدلة ولأنه قول عمر وعلي وابن عباس
وطريق العمل في الرد أن تأخذ سهام أهل الرد من أصل مسألتهم وكلها تخرج من ستة إذ ليس في الفروض ما يخرج عن الستة إلا الربع والثمن وليسا لغير الزوجين وليسا من أهل الرد فيجعل عدد سهامهم أصل مسألتهم فيقسم المال عليها وينحصر ذلك في أربعة أصول فإذا كان معك سدسان كجدة وأخ لأم فأصلهما من اثنين وإن كان ثلث وسدس كأم وأخ من أم فأصلها من ثلاثة وإن كان نصف وسدس كابنة وابنة ابن فأصلهما من أربعة وإن كان نصف وثلث كأم وأخت أو ثلثان وسدس كأختين وأم أو نصف وسدسان كثلاث أخوات متفرقات فهي في خمسة ولا تزيد أبدا على هذا لأنها لو زادت سهما لكمل المال فإن انكسر سهم فريق عليهم ضربت عددهم في عدد سهامهم لأنه أصل مسألتهم فتقول في ثلاث جدات وأخت : هي من أربعة للجدات سهم على ثلاثة تضربها في أربعة تكن اثني عشر ومنها تصح
فصل :
فإن اجتمع من أهل الرد أحد الزوجين أعطيته فرضه من أصل مسألته ثم ضربت مسألته في مسألة أهل الرد فما بلغ انتقلت إليه المسألة ثم تصحح بعد ذلك فتقول في زوجة وبنت وبنت ابن وجدة : للزوجة الثمن من ثمانية ومسألة أهل الرد في خمسة تضربها في ثمانية تكن أربعين للزوجة الثمن خمسة يبقى خمسة وثلاثون بين أهل الرد على خمسة فإن انكسر على بعضهم ضربته في أربعين فما بلغ فمنه تصح
باب ميراث العصبة من القرابة
وهم كل ذكر بينه وبين الميت أنثى وهم الأب والابن ومن أدلى بهما من الذكور فأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط به من بعد لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر ] وأحقهم الابن وابنه وإن نزل لأن الله تعالى بدأ بهم بقوله : { يوصيكم الله في أولادكم } والعرب تبدأ بالأهم فالأهم ثم الأب لأن سائر العصبات يدلون به ثم الجد أبو الأب وإن علا لأنه أب ثم بنو الأب وهم الإخوة ثم بنوهم وإن نزلوا ثم بنو الجد وهم الأعمام ثم بنوهم وإن نزلوا ثم بنو جد الأب وهم أعمام الأب ثم بنوهم وإن نزلوا وعلى هذا لا يرث بنو أب أعلى من بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم وأولى ولد كل أب أقربهم إليه فإن استوت درجتهم فأولاهم من كان لأب وأم لحديث علي وليس من فريضة يرث فيها العصبة عول ولا رد لأن العصبة يأخذ المال كله إذا انفرد ولقوله تعالى في الأخ : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } أضاف الميراث جميعه إليه وإن كان معه ذو فرض أخذ الباقي لقول النبي صلى الله عليه و سلم لأخي سعد بن الربيع : [ أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك ] وقوله عليه السلام : [ فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر ] وإن استغرقت الفروض المال سقط لأنه حقه في الباقي ولا باقي هنافصل :
وأربعة من الذكور يعصبون أخوتهم فيمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم الابن وابنه والأخ من الأبوين أو من الأب لقوله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } وقوله : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } ومن عدا هؤلاء من العصبة ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث كبني الإخوة والأعمام وبنيهم لأن أخواتهم من ألوي الأرحام
فصل :
وإن اجتمع في شخص واحد سببان يقتضيان الإرث كزوج هو ابن عم أو ابن عم هو أخ من أم ورث بهما جميعا فإن كان ابنا عم أحدهما أخ لأم فللأخ للأم السدس والباقي بينهما نصفان وإن كانوا ثلاثة كبني عم أحدهم زوج والآخر أخ لأم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهم أثلاثا لأن قرابة الأم يرث بها منفردة فلم يرجع بها كالزوجية
باب المناسخات
إذا لم تنقسم تركة الميت الأول حتى مات بعض وراثه فصحح مسألة الأول ثم صحح مسألة الثاني وأقسم سهام الثاني من المسألة الأولى على مسألته فإن انقسمت صحت المسألتان مما صحت منه الأولى وإن لم تنقسم وافقت بين مسألتها وبين مسألته وأخذت وفق مسألته فضربته في المسألة الأولى فإن لم يتوافقا ضربت مسألته كلها بالمسألة الأولى فما بلغ فمنه تصح المسألتان فإذا أردت القسمة فكل من له شيء من المسألة الأولى مضروب في الثانية أو في وفقها وكل من له شيء من الثانية مضروب في السهام التي مات عنها الثاني أو في وفقها فإن مات ثالث صححت مسألته وقسمت عليها سهامه من المسألتين فإن انقسم صحت وإلا ضربت مسألته أو وفقها فيما صحت منه الأوليان وتعمل على ما ذكرنافصل :
فإن خلف الميت تركة معلومة فانسب سهام كل وارث من المسألة وأعطه مثل تلك النسبة من التركة فإن عز عليك ذلك فاقسم التركة على المسألة فما خرج بالقسم فاضربه في سهام كل وارث فما كان فهو نصيبه فإذا خلفت المرأة زوجا وأما وأختا وأربعين دينارا فللأم ربع المسألة فلها ربع التركة عشرة وللزوج ربع وثمن فله خمسة عشر وللأخت مثل ذلك وإن قسمت الأربعين على المسألة فلكل سهم خمسة فإذا ضربت سهام كل وارث في خمسة خرج مثل ما ذكرنا
باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم
وإن مات متوارثان فلم يعلم أيهما مات قبل صاحبه ورث كل واحد منهما من صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من اليمت معه لأن ذلك يروى عن عمر وعلي وإياس بن عبد المزني فتقول في أخوين غرقا وخلف كل واحد منهما زوجته ومولاه يقدر أن الأكبر مات أولا فلزوجته الربع والباقي لأخيه الأصغر ثم مات الأصغر عن ثلاثة أسهم فلزوجته الربع وباقيه لمولاه فتضرب أربعة في أربعة تكن ستة عشر لزوجة الأكبر أربعة ولزوجة الأصغر ثلاثة يبقى تسعة لمولى الأصغر ثم قدر أن الأصغر مات أولا فلزوجته الربع وباقيه لأخيه الأكبر ثم تعمل فيها عملك في الأولى فترث زوجة كل واحد منهما ربع مال زوجها وثمنا ونصف ثمن من مال أخيه ويرث مولى كل واحد منهما نصف مال أخي عتيقه ونصف ثمنه ولا يرث من مال عتيقه شيئا وقد روي عن أحمد : فيما إذا ماتت امرأة وابنها وخلفت زوجا وأخا فقال زوجها : ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها : مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها أن يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ويكون ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين وذكرها الخرقي في مختصره وهذا يدل على أنه لا يرث أحدهما صاحبه بل يقسم ميراث كل واحد منهما على الأحياء من ورثته دون من مات معه لأن ذلك يروى عن أبي بكر الصديق وزيد ومعاذ وابن عباس والحسن بن علي رضوان الله عليهم ولأنه لا يعلم أن أحدهما حي حين مات صاحبه فلم يرثه كالحمل إذا سقط ميتا ولو علم خروج روحيهما معا لم يرث أحدهما صاحبه لأنه من شرط توريثه كونه حيا حين موت الآخر
باب ميراث ذوي الأرحام
وقد ذكرناهم ويرثون إذا لم يكن عصبة ولا ذو فرض من أهل الرد لقوله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } وقد روي عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ الخال وارث من لا وارث له ] قال الترمذي : هذا حديث حسنوروى أبو عبيد بإسناده أن ثابت ابن الدحداح مات ولم يخلف له إلا ابنة أخ له فقضى النبي صلى الله عليه و سلم بميراثه لابنة أخيه وقسنا سائرهم على هذين
فصل :
وطريق توريثهم بالتنزيل أن تنزل كل واحد منهم منزلة من يدلي به من الوارث فتجعل بنت البنت بمنزلة البنت وبنت بنت الابن بمنزلتها وبنات الإخوة بمنزلة آبائهن وبنو الأخوات وبناتهن بمنزلة أمهاتهن والخال والخالة وأبو الأم بمنزلة الأم والعمات والعم من الأم بمنزلة الأب وعن أحمد رواية أخرى أنه : تنزل العمة منزلة العم لأنه روي عن علي رضي الله عنه والأول أولى لما روى الإمام أحمد بإسناده عن الزهري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم ] ولأن الأب أقوى جهاتها فنزلت منزلته كما أن بنت الأخ تدلي بأبيها لا بأخيها وبنت العم تدلي بأبيها لا بأخيها وإذا انفرد ذو رحم ورث المال كله وإن اجتمع منهم جماعة فأدلوا بشخص واحد وكانوا في درجة واحدة فالمال بينهم على حسب مواريثهم منه فإن أسقط بعضهم بعضا كأبي الأم والأخوال أسقطت الأخوال بأبي الأم لأن الأب يسقط الأخوة وإن كان بعضهم أقرب من بعض سقط البعيد منهم كما يسقط بعيد العصبات بقريبهم وإن لم يسقط بعضهم بعضا قسمت المال بينهم على حسب مواريثهم منه فتقول في ثلاث عمات متفرقات : المال بينهن على خمسة لأنهن أخوات الأب فكان ميراثهن كميراث ثلاث أخوات للميت متفرقات وإن كان ثلاث خالات متفرقات فكذلك لأنهن أخوات لأم فإن اجتمع ثلاث خالات متفرقات وثلاث عمات متفرقات فكذلك لأنهن أخوات لأم فإن اجتمع ثلاث خالات متفرقات وثلاث عمات متفرقات نزلت العمات أبا والخالات أما فجعلت الثلث للخالات على خمسة والباقي للعمات على خمسة فتجتزئ بإحدى الخمسين وتضربها في ثلاثة تكن خمسة عشر للخالة التي من قبل الأبوين ثلاثة أسهم وللخالة من الأب سهم وللخالة من الأم سهم وللعمة من الأبوين ستة وللعمة من الأب سهمان وللعمة من الأم سهمان وإن كان ثلاثة أخوال متفرقين فللخال من الأم السدس الباقي للخال من الأبوين كثلاثة إخوة متفرقين وإن كان أبوهم واحدا وأمهم واحدة فللذكر والأنثى سواء لأنهم يرثون بالرحم المجرد فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم
وعنه : أنهم يقتسمون للذكر مثل حظ الأنثيين لأنهم فرع على ذوي الفروض والعصابات فثبت فيهم حكمهم وقال الخرقي : يفضل الخال على الخالة دون سائر ذوي الأرحام وإن أدلى جماعة بجماعة فقسم المال بين المدلى بهم على ما توجبه الفريضة فما صار لكل وارث فهو لمن أدلى به فإن سبق بعضهم إلى الوارث فهو أحق بالمال ويسقط به البعيد إن كانا من جهة واحدة نزلت البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لم يسقط فتقول في بنت بنت بنت وبنت أخ لأم : المال لبنت بنت البنت والجهات أربعة : لأبوة والبنوة والأخوة والأمومة وإن اجتمعت بنت أخ وعمة فالمال للعمة لأنها بمنزلة أب وهو يسقط الأخ ومن نزلها عما أسقطها ببنت الأخ لأن الأخ يسقط العم وإن اجتمع بنت أخت وابن وبنت أخت أخرى فللواحدة حق أمها النصف وللأخرى وأخيها حق أمهما النصف وإن أدلى ذو رحم بقرابتين ورث بهما فتقول في بنت ابن أخ لأم هي بنت بنت أخت لأب وبنت بنت أخت الأبوين للأولى الخمسان بقرابتيها وللثانية ثلاثة أخماس لأنهما بمنزلة ثلاث أخوات متفرقات ولا يعول في مسائل الأرحام إلا واحدة وشبهها وهي : خال وبنات ست أخوات متفرقات
فصل :
ولا يرث ذو رحم مع ذي فرض ولا عصبة إلا مع الزوج لأن الرد أولى والزوج لا يرد عليه فإن اجتمع معهم زوج أعطيته فرضه غير محجوب ولا معاول وقسمت الباقي بينهم كما لو انفردوا فقول في زوج وبنت بنت وبنت أخت : للزوج النصف والباقي بينهما نصفان امرأة وابنتا بنتين وابنتا أختين للزوجة الربع ولبنتي البنتين ثلثا الباقي والباقي لبنتي الأختين
باب ميراث الخنثى
وهو الذي له ذكر وفرج امرأة فيعتبر بماله لأنه قد جاء في الأثر : يورث الخنثى من حيث يبول ولأنها أعم علاماته لأنها توجد في الصغير والكبير وقد أجرى الله العادة أن الذكر يبول من ذكره والأنثى من فرجها فاعتبر ذلك فإن بال من حيث يبول الرجل فهو ذكر وإن بال من حيث تبول المرأة فله حكم المرأة فإن بال منهما اعتبر بأسبقهما فإن خرجا في حال واحدة اعتبر كلاهما لأن الأكثر أقوى في الدلالة فإن استويا فهو مشكل فإن مات له من يرثه أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يبلغ فينكشف الأمر بأن يظهر فيه علامات الرجال من خروج المني من ذكره ونبات اللحية أو علامات النساء من تفلك الثدي والحيض والحمل فإن يئس من ذلك فله نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى فإن اجتمع ابن وبنت وولد وخنثى فللذكر أربعة أسهم وللخنثى ثلاثة وللبنت سهمان لأنه يحصل بهذا العمل له نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى فإن كان مكان الابن أخ أو غيره من العصبات فله السدس والباقي بين الخنثى والبنت على خمسة وقال أصحابنا : يعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى ثم يضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو وفق إحداهما في الأخرى إن اتفقتا أو يجتزئ بإحداهما إن تماثلتا أو بأكبرهما إن تناسبتا وتضرب ذلك في اثنين فما بلغ فمنه تصح ثم كل من له شيء من إحداهما مضروب في الأخرى أو في وفقها أو تجمع مال منهما إن تماثلتا فتعطيه إياه ففي هذه المسألة إن قدرناه ذكرا فهي من خمسة وإن قدرناه أنثى فهي في أربعة تضرب أربعة في خمسة تكن عشرين ثم في الحالين تكن أربعين فللابن اثنان من خمسة واثنان من أربعة ثمانية عشر وللبنت تسعة وللخنثى سهم في خمسة وسهمان في أربعة ثلاثة عشر لأن للابن الخمسين بيقين وذلك ستة عشر وللبنت الخمس بيقين ثمانية و للخنثى الربع بيقين عشرة فذلك أربعة وثلاثون يبقى ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها ليتم له سهم ذكر ويدعي الابن ثلثيها ليتم له النصف والبنت تدعي ثلثها ليتم لها الربع فقسمناها بينهم على حسب دعاويهم للخنثى نصفها ثلاثة وللابن سهمان وللبنت سهم فإن كانا خنثيين نزلتهم على عدد أحوالهم فتجعل لهما أربعة أحوال في أحد الوجهين وفي الآخرين تنزلهم حالين مرة ذكورا ومرة إناثا والأول أصح لأنه يعطي كلا بحسب ما فيه من الاحتمال وعلى الطريق الثاني : يفضي إلى حرمان من يحتمل الاستحقاق ألا ترى أنه لو اجتمع بنت وولد خنثى وولد ابن خنثى وأخ فنزلتهم حالين لم تعط ولد الابن شيئا ومن المحتمل أن يكون ذكرا وحده فيكون له الباقي بعد البنتين فعلى هذا تنزل الثلاثة ثمانية أحوال وللأربعة ستة عشر وللخمية اثنان وثلاثون حالا
باب ميراث الحمل
إذا مات عن حمل يرثه فطالب بقية الورثة بالقسمة وقف نصيب ابنين ذكرين إن كان ميراث الذكور أكثر وابنتين إن كان أكثر لأن ما زاد على اثنين نادر جدا فلم يلتفت إليه كاحتمال الحمل في الآيسة ويدفع إلى كل وارث اليقين فإذا وضعت الحمل دفع إليه نصيبه ورد الفضل على من يستحقه وإن وضعته ميتا لم يرث لأننا لا نعلم أنه كان حيا حين موت موروثه وإن وضعته واستهل ورث وورث لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا استهل المولولد ورث ] رواه أبو داود وظاهر كلام أحمد : أنه لا يرث حتى يستهل وهو الصوت ببكاء أوعطاس أو نحوه لتقييده في الحديث بالمستهل ويحتمل أن يلحق بذلك كل من علمت حياته بارتضاع أو نحوه لأنه ولد حيا فأشبه المستهل فأما الحركة والاختلاج فلا تدل على الحياة فإن اللحم يختلج سيما إذا خرج من ضيق إلى سعة وإن خرج بعضه فاستهل ثم انفصل باقيه ميتا لم يرث لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا وهو حي وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حكم بأنه المستهلولا يرث حمل إلا أن يعلم بأنه كان موجودا حال الموت بأن تلده لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو لأقل من أربع سنين إن كانت بائنا
باب ما يمنع الميراث
ويمنع الميراث ثلاثة أشياء : اختلاف الدين فلا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما بحال لما روى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر ] متفق عليهوالمرتد لا يرث أحدا لأنه ليس بمسلم فيرث المسلمين ولا يثبت له حكم الدين الذي انتقل إليه فيرث أهله ولا يرثه أحد لذلك وماله فيء
وعنه : يرثه ورثته من المسلمين
وعنه : يرثه أقاربه من أهل دينه الذي اختاره
وعنه : في الميراث بالولاء روايتان :
إحداهما : يرث الرجل عتيقه وإن اختلف ديناهما لأن الولاء شعبة من الرق واختلاف الدين لا يمنع الرجل أخذ مال رقيقه إذا مات
والثانية : لا يرثه مع اختلاف الدين لعموم الخبر ولأنه نوع توارث فمنعه اختلاف الدين كغيره ولأنه مانع من الإرث فمنع الإرث بالولاء كالقتل
فصل :
ومن أسلم على ميراث قبل أن يقسم قسم له لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أسلم على شيء فهو له ] أخرجه سعيد
وعنه : لا يقسم له لأن المانع من الإرث وجد حين وجد السبب وهو الموت فمنع من الإرث كالرق ومن كان رقيقا حين موت موروثه فعتق بعده لم يرث لأن العتق ليس من فعله ولا هو قربة للمعتق بخلاف إسلامه ولو ملك ابن عمه فدبره فعتق بموته لم يرثه لأنه رقيق حين الموت وإن قال : أنت حر في آخر حياتي عتق وورث لأنه حر حين الموت ويحتمل أن لا يرث لأن عتقه وصية له فيفضي إلى الوصية للوارث
فصل :
ويرث الكفارة بعضهم بعضا وإن اختلفت أديانهم في إحدى الروايتين لأن مفهوم قوله عليه السلام : [ لا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما ] أن الكفار يتوارثون
والثانية : لا يرث أهل ملة أخرى لما روى عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يتوارث أهل ملتين شتى ] رواه أبو داود ولأن الموالاة منقطعة بينهم فأشبه اختلافهم بالكفر والإسلام قال القاضي : والكفر ثلاث ملل اليهودية ملة والنصرانية ملة ودين من عداهم ملة لاجتماعهم في عدم الكتاب قال : وقياس المذهب عندي أنه لا يرث حربي ذميا ولا ذمي حربيا لأنه موالاة بينهما واحتمل أن يتوارثا لأنهما من أهل ملة واحدة
فصل :
وإذا أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ورثوا لجميع قراباتهم إذا أمكن ذلك لأنها قرابات ترث بكل واحدة منفردة ولم ترجح بها فورث بهما إذا اجتمعا كابن عم هو زوج وأخ لأم فلو تزوج مجوسي بنته فأولدها بنتا ثم مات وخلف أخا فلابنتيه الثلثان والباقي لأخيه فإن ماتت بعده الكبرى فما لها لابنتها نصفه بكونه بنتا وباقيه بكونها أختا من أب وإن ماتت الصغرى قبل الكبرى فللكبرى الثلث بكونها أما والنصف بكونها أختا وباقيه لعمها فإن كان أولدها بنتين ثم مات ثم ماتت إحدى الصغيرتين فلأختها لأبويها النصف ولأمها السدس بكونها أما والسدس بكونها أختا لأب وحجبت نفسها بنفسها والباقي لعمها ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم ولا ما يقرون عليه إذا أسلموا لذلك لم يورث بنت المجوسي الذي تزوجها منه شيئا
فصل :
والثاني من الموانع الرق فلا يرث العبد قريبه ولا يورث لأنه لا ملك له فيورث وإن ملك فملكه ضعيف يرجع إلى سيده ببيعه لقوله عليه السلام : [ من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ] فكذلك بموته ولا يرث لأنه لو ورث شيئا لكان لسيده فيكون التوريث لسيده دونه
فصل :
ومن بعضه حر يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية لما روى عبد الله بن الإمام أحمد : بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في العبد يعتق بعضه : [ يرث ويورث على قدر ما عتق منه ] ولأن هذا قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما فينظر ماله مع الحرية الكاملة فيعطيه منه بقدر ما فيه من الحرية الكاملة ويحجب به بقدر ذلك فتقول في بنت نصفها حر وأم حرة وعم : للبنت الربع لأنه نصف ما تستحقه بالحرية الكاملة وللأم الربع لأن حرية البنت تحجبها عن السدس فنصف حريتها يحجبها عن نصفه والباقي للعم فإن كان نصف الأم حرا فلها الثمن لأنه نصف ما تسحتقه بالحرية الكاملة والباقي للعم وإن شئت عملتها بالأحوال كمسائل الخناثى فتقول : لو كانتا حرتين فالمسألة من ستة ولو كانت الأم وحدها حرة كانت من ثلاثة وإن كانت البنت وحدها حرة كانت من اثنين وإن كانتا رقيقتين فهي من سهم فتجزئ بالستة لأن سائر المسائل داخلة فيها وتضربها في أربعة تكن أربعة وعشرين للبنت النصف في حالين وذلك ستة وهو الربع وللأم الثلث في حال والسدس في حال وذلك ثلاثة وهو الثمن والباقي للعم
فصل :
الثالث من الموانع : قتل الموروث بغير حق يمنع القاتل ميراثه عمدا كان القتل أو خطأ لما روي عن عمر : أنه أعطى دية ابن قتادة المذحجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيف فقتله وقال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ ليس لقاتل ميراث ] رواه مالك في الموطأ ولأن توريث القاتل ربما أفضى إلى قتل الموروث استعجالا لميراثه وكل قتل يضمن بقتل أو دية أو كفارة يمنع الميراث لذلك وما لا يضمن كالقصاص والقتل في الحد لا يمنع لأنه فعل مباح فلم يمنع الميراث كغير القتل ولأن المنع في العدوان كان حسما لمادة العدوان ونفيا لقتل المحرم فلو منع هنا لكان مانعا من استيفاء الواجب أو الحق المباح استيفاؤه
وعنه : لا يرث العادل الباغي إذا قتله وهذا يدل على أن كل قتل يمنع الميراث لعموم الخبر والأول أظهر في المذهب
باب ذكر الطلاق الذي لا يمنع الميراث
إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا لم ينقطع الميراث بينهما ما دامت في العدة سواء كان صحيحا أو مريضا لأن الرجعية زوجة وإن أبانها في صحته انقطع التوارث بينهما لزوال الزوجية التي هي سبب التوارث وكذلك إن كان في مرض غير مرض الموت لأن حكمه حكم الصحة وإن أبانها في مرض موته باختبارها بأن سألته الطلاق أو علق طلاقها على فعل لها منه بد ففعلته انقطع التوارث لزوال الزوجية بأمر لا يتهم فيه وكذلك إن علق طلاقها في صحته على شرط وجد في مرضه لم ترثه كذلكوعن أحمد : أنها ترثه في هذه المسائل الثلاث لأنه طلاق في مرض موته ولو طلقها في مرضه وهي أمة أو كافرة فأسلمت أو عتقت لم ترث لأنه لا يهتم في طلاقها وإن أبانها في مرض موته على غير ذلك لم يرثها وورثته ما دامت في العدة لما روي أن عثمان ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان طلقها من مرض موته فبتها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا ولأنه قصد قصدا فاسدا في الميراث فعورض بنقيض قصده كالقاتل وهل ترثه بعد انقضاء العدة ؟ فيه روايتان :
إحداهما : ترثه لأن عثمان ورث امرأة من عبد الرحمن بعد انقضاء العدة ولأنه فار من ميراثها فورثته كالمعتدة
والثانية : لا ترثه لأن آثار النكاح زالت بالكلية فلم ترثه كما لو تزوجت ولأن ذلك يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة بأن يتزوج أربعا بعد انقضاء عدة المطلقة وذلك غير جائز وإن تزوجت لم ترثه لأنها فعلت باختيارها فعلا ينافي زوجية الأول فلم ترثه كما لو تسببت في فسخ النكاح وهكذا لو ارتدت في عدتها أو فعلت ما ينافي نكاح الأول لم ترثه وإن ارتدت ثم أسلمت في عدتها ففيه وجهان :
أحدهما : ترثه لأنها مطلقة في المرض أشبه ما لو لم ترتد
والثاني : لا ترثه لأنها فعلت ما ينافي النكاح أشبه ما لو تزوجت
فصل :
وإن طلق امرأة قبل الدخول فهل ترثه ؟ فيه روايتان كالتي انقضت عدتها ولو قال لزوجته في صحته إذا مرضت : فأنت طالق فحكم طلاقه حكم طلاق المريض وإن أقر في مرضه بطلاقها في صحته فحكمه حكم طلاقها في مرضه وإن علق طلاقها على فعل لا بد لها منه كالصلاة ففعلته فهو كالطلاق ابتداء وإن قال لزوجته الذمية أو الأمة وهو مريض : إذا عتقت أو أسلمت فأنت طالق فعتقت الأمة وأسلمت الذمية فهو كطلاقه لحرة مسلمة وإن قال السيد لأمته : أنت حرة غدا فطلق الزوج اليوم أو غدا عالما بعتق السيد ورثته لأنه متهم وإن لم يعلم لم ترثه لعدم التهمة
فصل :
ولو تسبب الزوجة في فسخ نكاحها في مرضها برضاع أو غيره بانت وورثها زوجها ولم ترثه لما ذكرنا في طلاق المرض ولو استكره رجل امرأة أبيه في مرض أبيه على فعل ينفسخ نكاحها به بانت ولم يسقط ميراثها لذلك وإن كان للمريض زوجة أخرى سقط ميراثها لأنه غير متهم في قصد توفير نصيبها عليه لرجوعه إلى الزوجة الأخرى دونه
فصل :
وإن تزوج نساء بعضهن عقدهن فاسد لم تعلم بعينها أو طلق بعض نسائه لا بعينها أو علمها وأنسيها أقرع بينهن فمن خرجت قرعتها بفساد العقد أو الطلاق فلا ميراث لها لأنه اشتبه المستحق بغيره فوجب المصير إلى القرعة كما لو أعتق في مرضه عبيدا لم يخرج من ثلثه إلا أحدهم
باب الإقرار بمشارك في الميراث
إذا أقر جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث ثبت نسبه وورث لأن الورثة يقومون مقام الميت في ماله وحقوقه وهذا من حقوقه وإن أقروا لمن يسقطهم كإخوة أقروا بابن ثبت نسبه وأسقطهم لأن الجميع ورثة لولا لولا الإقرار فأشبه ما لو أقروا بمشاركهم وإن أقر بعضهم لم يثبت النسب ودفع المقر إلى المقر له فضل ما في يده عن ميراثه فإذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ فله ثلث ما في يده فإن أقر بأخت فلها الخمس وإن شئت ضربت مسألة الإقرار أو وفقها في مسألة الإنكار ودفعت إلى المنكر سهمه من مسألة الإنكار مضروبا في مسألة الإقرار أو وفقها وإلى المقر سهمه من مسألة الإقرار مضروبا في مسألة الإنكار أو وفقها فما فضل فهو للمقر به وإن لم يكن في يد المقر فضل فلا شيء للمقر به لأنه يقر على غيره فإن خلف ابنين فأقر أحدهما بأخوين فصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسب من اتفقا عليه فصاروا كثلاثة أقر أحدهم بأخ رابع فضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار تكن اثني عشر للمقر سهم من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار ثلاثة وللمنكر سهم في مسألة الإقرار أربعة ثم إن أقر المتفق عليه بالمختلف فيه فله مثل سهم المقر وإن أنكر فله مثل أربعة ثم إن أقر المتفق عليه بالمختلف فيه فله مثل سهم المقر وإن أنكر فله مثل سهم المنكر والفضل للمختلف فيه وقال أبوالخطاب : إن أقر المتفق عليه بالمختلف فيه وأنكر المختلف فيه المتفق عليه فإن المتفق عليه يأخذ من المقرين ربع ما في أيديهما ويأخذ المختلف فيه من المقر به ثلث ما في يده وتصح من ثمانية للمقر بهما سهمان وللمتفق عليه سهمان وللمقر بأخذهما ثلاثة وللمختلف فيه سهم وإن كان الوارث ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل ثبت نسبهما سواء تصادقا أو تجاحدا لأن نسبهم ثبت في حال واحدة بقول الوارث الثابت النسب قبلهم ويحتمل أن لا يثبت نسبهما إذا تجاحدا لأنه لم يحصل الإقرار من جميع الورثة وإن أقر بواحد بعد الآخر ثبت نسب الأول وأعطاه نصف ما في يده ثم إن صدق الثاني بالثالث ثبت نسبه ودفعا إليه ثلث ما في أيديهما وإن أنكره الثاني لم يثبت نسبه ودفع إليه المقر ثلث ما في يدهفصل :
وإن أقر من أعيلت له المسألة بمن يسقط العول كزوج وأم وأخت فأقرت الأخت بأخ لها فضرب وفق مسألة الإقرار في مسألة الإنكار تكن اثنين وسبعين للأم ربعها ثمانية عشر وللزوج ربعها وثمنها سبعة وعشرون وللأخت سهمان في مسألة الإقرار في نصف مسألة الإنكار وهي ثمانية يبقى تسع عشر يدعي المقر له منهما ستة عشر فإن مضى الزوج على الإنكار أخذ الأخ ستة عشر وبقيت ثلاثة يقران بها للزوج وهو ينكرها ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : يدفع إلى بيت المال لأنه مال لا يدعيه أحد فهو كالمال الضائع
والثاني : يقر في يد الأخت
والثالث : يترك حتى يصطلحا عليهما لأنها لا تعدوهما فقال جهلنا مستحقها منهما وإن أقر الزوج بالأخ فهو يدعي تمام النصف تسعة والأخ يدعي ستة عشر فالجميع خمس وعشرون والمقر به من السهام تسعة عشر لا تنقسم إلى خمسة وعشرين فاضرب خمسة وعشرين من أصل المسألة ثم كل من له شيء من أصل المسألة مضروب في خمسة وعشرين ومن له شيء من خمسة وعشرين مضروب في تسعة عشر وعلى هذا تعمل ما ورد عليك من هذا
باب ميراث المفقود
إذا غاب الإنسان وخفي خبره وغالب سفره السلامة كالتاجر والسائح انتظر به تمام تسعين سنة من يوم ولد في أشهر الروايتين وفي الأخرى : ينتظر به أبدا أو يرجع إلى اجتهاد الحاكم في تقدير المدة وإن كان غالب سفره الهلاك كالذي يفقد بين أهله أو يفقد في طريق الحج فإنه ينتظر في تمام أربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل وتعتد زوجته عدة الوفاة وتحل للأزواج قال أحمد : إذا أمرت زوجته أن تتزوج قسمت ميراثه وقد روي عن التوقف وقال : قد هبت الجواب فيها وكأني أحب السلامة والأول المذهب فإن مات للمفقود من يرثه في مدة غيبته دفع إلى كل وارث اليقين ووقف نصيب المفقود فإن بان حيا دفع إليه وإن بان ميتا حين موت مورثه رد على من يستحقه وكذلك إن كانت المدة قد مضت وإن لم تكن مضت ولم يتبين أمره فحكم نصيبه في الميراث حكم حكم سائر ماله يقسم على ورثته إذا مضت المدة لأنه محكوم بحياته ويجوز أن يصطلحوا على الفاضل من نصيب المفقود في الموقف لأنه حقهم ولا يجوز أن يصطلحوا على نصيب المفقود والله أعلم
باب الولاء
ومن أعتق مملوكا ثبت عليه الولاء لما روت عائشة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إنما الولاء لمن أعتق ] متفق عليه فإن عتق عليه بتدبير أو كتابة أو استيلاد أو قرابة أو بيعه عبده نفسه أو أعتقه عنه غيره بإذنه فله عليه الولاء لأنه عتق عليه فأشبه ما لو باشر عتقه وسواء أدى المكاتب إلى السيد أو إلى ورثته لأن عتقه بكتابته وهي من سيده فأما إن أعتق عبده عن ميت أو حي بغير أمره فالولاء للمعتق للخبر ولأنه أعتقه بغير إذن الآخر فكان ولاؤه للمعتق كما لو لم ينو ولو قال : أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل فالولاء للمعتق عنه لأنه نائب عنه في العتق فهو كالوكيل ولو قال : أعتقه والثمن علي ففعل فالولاء للمعتق لأنه لم يعتقه من غيره فأشبه ما لو لم يجعل له جعلا وإن قال : اعتقه عني ولم يذكر عوضا ففيه روايتان :أحداهما : ولاؤه للمععتق للخبر
والثانية : للمعتق عليه لأنه أعتقه عنه بأمره فأشبه ما لو كان بعوض
فصل :
ومن أعتق عبده سائبة أو قال : أعتقتك ولا ولاء لي عليك أو أعتقه من زكاته أو كفارته أو نذره ففيه روايتان :
إحداهما : له عليه الولاء لعموم الخبر
والثانية : لا ولاء عليه لأنه جعل ولاءه من السائبة فصح كرقه وفي سائر الصور العتق بمال لا يستحقه فلم يكن له ولاء كالوكيل فعلى هذه الرواية ما رجع من ولائهم يرد في مثلهم ويكون حكم ولائهم كحكم ولاء الأولين
فصل :
وإن أعتق مسلم كافرا أو كافر مسلما ثبت له الولاء للخبر وهل يرث به ؟ فيه روايتان ذكرناهما فإن قلنا : لا يرث وكان للمعتق عصبة على دين المعتق ورثه لأنه يرثه لو كان المعتق ميتا وكذلك إذا كان ممنوعا من ميراثه وإن أسلم الكافر منهما ورث المولى كما لو أسلم القريب الكافر وورثه قريبه المسلم
فصل :
ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته لما روى ابن عمر قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الولاء وعن هبته ) متفق عليه ولأن الولاء كالنسب بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الولاء لحمة كلحمة النسب ]
باب الميراث بالولاء
إذا مات المعتق ولم يخلف وارثا من نسبه ورثه مولاه وإن خلف ذا فرض فللمولى ما فضل عنه لما روى عبد الله بن شداد قال : أعتقت ابنة حمزة مولى لها فمات وترك ابنته وابنة حمزة فأعطى النبي صلى الله عليه و سلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف رواه النسائي و ابن ماجةولا يرث المولى مع عصبة من النسب لأنه فرع على النسب فلا يرث مع وجوده وإن مات العبد بعد موت مولاه ورثه أرب عصبة مولاه دون ذوي الفروض لأن الولاء كالنسب والنسب إلى العصبات ولأنه كنسب المولى من أخ أو عم فيرثه ابن المولى دون ابنته كما يرث عمه ويقدم الأقرب فالأقرب من العصبات لما روى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ المولى أخ في الدين وولي النعمة يرثه أولى الناس بالمعتق ] ولأن عصبات الميت يرث منهم الأقرب فالأقرب فكذلك عصبات المولى ولا يرث الناس من الولاء إلا ما أعتق أو أعتق من اعتقن وعن أبي عبد الله رواية أخرى في بنت المعتق خاصة : أنها ترث لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه ورث بنت حمزة من الذي أعتقه حمزة والصحيح أنها لا ترث وأنها هي المعتقة للمولى كما روى عبد الله بن شداد فيما تقدم ولا يرث منه ذو فرض إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن وابنه لأنهما عصبة فيقسم بينهما كما يقسم مال المعتق بينهما فإن اجتمع الجد والأخ أو الإخوة قسم بينهما كما يقسم ميراث المعتق ولا يعتد بالأخوات لأنهن لا يرثن منفردات ويقدم الأخ للأبوين علىالأخ للأب ويعاد الأخ للأبوين الجد بالأخ للأب لأنه يرث منفردا ثم الأقرب فالأقرب فإذا انقرض عصبات المولى من النسب فلمولاه إن كان ذا مولى ثم لأقرب عصباته ولو اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما فعتق عليهما ثم اشترى عبدا فأعتقه ثم مات أبوهما أو أخوهما ثم مات عتيقه فميراثه للرجل دون أخته لأنه يرثه بنسبه من معتقه ولا ترث النساء من الولاء بالنسبة شيئا
فصل :
وإذا مات رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات المولى فالميراث لابن المولى لأن الولاء للكبر ومعناه أنه يرث به أقرب الناس إلى سيده يوم موت العبد وذلك لأن الولاء لحمة كالحمة النسب لا يورث وإنما يورث به مع بقائه للمولى فوجب أن يكون للكبر لأنه أقرب ولو مات المعتق وخلف ابنين ومولى ومات أحدهما وخلف ابنا ومات الآخر وخلف تسعة ثم مات المولى كان الولاء بينهم على عددهم لكل واحد منهم عشرة لما ذكرنا
فصل :
وإذا تزوج عبد معتقة قوم فأولدها فولاء الولد المولى أمه لأن الحرية حصلت له بإعتاق الأم والإنعام عليها فإن أعتق سيد العبد عبده أنجز ولاء الولد عن مولى الأم إلى مولى العبد لما روي عن الزبير أنه رأى بخيبر فتية لعسا فأعجبه ظرفهم وجمالهم فسأل عنهم فقيل له : موالي لرافع بن خديج وأبوهم مملوك لآل الحرقة فاشترى الزبير أباهم فأعتقه وقال لأولاده : انتسبوا لي فإن ولاءكم لي فقال رافع بن خديج : الولاء لي لأنهم عتقوا بعتقي أمهم فاحتكموا إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير فأجمعت الصحابة عليه ولأن الولاء فرع النسب والنسب معتبر بالأب وإنما ثبت لمولى الأم لعدم الولاء من جهة الأب فإذا ثبت الولاء على الأب عاد الولاء إلى موضعه كولد الملاعنة إذا اعترف به الزوج وإن أعتق الجد لم ينجز الولاء
وعنه : ينجز والأول المذهب لأن الأصل بقاء الولاء لمن ثبت له وإنما خولف هذا الأصل في الأب لإجماع الصحابة عليه فيبقى فيمن عداه على الأصل
فصل :
وإن تزوج عبد أمة فأولدها فأعتقها سيدها وولدها ثبت له الولاء عليهم فإن عتق الأب بعد ذلك لم ينجز الولاء لأن الولاء ثبت على الولد بالمباشرة فكان المنعم عليه بالمباشرة أولى من المنعم عليه أبيه وإذا تزوج حر الأصل بمولاة أو تزوج عبد أو مولى بحرة الأصل فلا ولاء على ولدهم بحال وإن تزوج مولى بمولاة فولاء ولدهما لسيد الأب لأن الاستدامة أقوى من الابتداء ثم ابتداء الحرية في الأب يسقط استدامة الولاء لمولى الأم فلأن يمنع ابتداء الولاء له أولى
فصل :
إذا تزوج عبد معتقة قوم فأولدها ولدا فاشترى الولد أباه ثبت له ولاؤه وولاء أولاده ويبقى ولاء المعتق لمولى أبيه لأنه لا يمكن أن يجر ولاء نفسه لاستحالة ثبوت ولاء الإنسان على نفسه كما يستحيل أن يكون أبا نفسه وإن لم يشتر أباه لكن اشترى عبدا فأعتقه ثم اشترى هذا العبد أبا سيده فأعتقه فإنه ينجر إليه ولاء سيده ويصير كل واحد منهما مولى صاحبه من فوق ومن أسفل ويصير هذا كحربي أعتق عبدا فأسلم وأسر سيده ثم أعتقه
فصل :
ولو تزوج عبد معتقة فأولدها بنتين فاشتريا أباهما عتق عليهما ولهما عليه الولاء وتجر كل واحدة منهما إلى نفسها نصف ولاء أختها لإعتاقها نصف الأب ويبقى نصف ولاء كل واحد منهما لمولى أمها فإن مات الأب فماله لهما ثلثاه بالبنوة وباقيه بالولاء فإن ماتت إحداهما بعده فلأختها نصف مالها بالنسب ونصف الباقي بكونها مولاة نصفها ويبقى الربع لمولى أمها وإن ماتت إحداهما قبل الأب فمالها لأبيها بالنسب فإن مات الأب بعدها فللباقية نصف ميراث أبيها بالنسب ونصف الباقي بالولاء يبقى الربع لموالي الميتة وهم أختها وموالي أمها لأخيها نصفه وهو الثمن صار لها سبعة أثمان المال ولموالي أم الميتة الثمن فإذا ماتت هذه بعدهما فنصف مالها لموالي أمها بالولاء ونصفه لموالي أختها الميتة وهم أختها وموالي أمها فيكون الربع لموالي أمها والربع الباقي يرجع إلى هذه الميتة فهذا الجزء دائر لأنه خرج من هذه وعاد إليها فقال القاضي : يجعل في بيت المال لأنه لا مستحق له وإن مات الأب معد موتهما فلموالي أمهما ثلاثة أرباع ماله وربع دائر يرجع إلى بيت المال وذكر أبو عبد الله الرقي : أن قياس قول أحمد : أن هذا السهم يرد إلى موالي الأم فعلى هذا يكون جميع الميراث لموالي الأم
كتاب العتق
وهو : قربة مندوب إليها بدليل ما روي أبو هريرة قال : رسول الله [ من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار ] رواه مسلم حتى إنه يتعلق اليد باليد والرجل بالرجل والفرج بالفرج والأفضل عتق من له قوة وكسب يسغني به فأما من لا كسب له فحكي عن أحمد أنه لا يستحب عتقه لأنه يتضرر بفوات نفقة الواجبة له وربما صار كلا على الناسفصل :
ويحصل العتق بثلاثة القول والملك والاستيلاد ولا يحصل بالنية المجردة لأنه إزالة ملك فلم يحصل بمجرد النية كالطلاق وألفاظه تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح : لفظ العتق والحرية وما تصرف منهما لأنه يثبت لهما عرف الشرع والاستعمال فكانا صريحين كلفظ الطلاق في الطلاق فإن أراد بهما غير العتق كرجل يقول لغلامه : هو حر يريد أنه عفيف كريم الأخلاق أو يغالبه فيقول : ما أنت إلا حر يريد أنك تمتنع من طاعتي امتناع الحر فقد قال أحمد في رواية حنبل : أرجو أن لا يعتق وأنا أهاب المسألة فظاهر هذا أنه لا يعتق لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فانصرف إليه كما لو نوى العتق بكنايته
والكانية : نحو قوله : قد خليتك واذهب حيث شئت والحق بأهلك وحبلك على غاربك ونحوه فلا يعتق بذلك حتى ينويه لأنه يحتمل غير العتق فأشبه كناية الطلاق فيه وفي قوله : لاسبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك وأنت سائبة وفككت رقبتك ولا رق لي عليه وأنت لله وأنت مولاي وملكتك نفسك فيه روايتان :
إحداهما : هو صريح في العتق لأنها تتضمن العتق وقد جاء في كتاب الله تعالى : { فك رقبة } يعني : العتق فكانت صريحة كقوله : أعتقتك
والثانية : هو كناية لأنها تحتمل غير العتق وقال القاضي : قوله : لا رق لي عليك ولا ملك لي عليك وأنت لله صريح نص عليه أحمد في : أنت لله لأن معناه : أنت حر لله واللفظان الأولان صريحان في نفي الملك والعتق من ضرورته وفي قوله لأمته : أنت طالق أو أنت حرام علي روايتان :
إحداهما : هو كناية تعتق به إذا نوى به العتق لأن الرق أحد الملكين في الآدمي فيزول بلفظ الطلاق كملك النكاح والحرية يحصل بها تحريمها عليه فجاز أن يكون كناية فيه
والثانية : ليس بكناية لأنه ملك لا يستدرك بالرجعة فلم يزل بالطلاق كملك المال والتحريم صريح في الظهار فلم يكن كناية في العتق كقوله : أنت علي كظهر أمي
فصل :
ولا يصح العتق إلا من جائز التصرف ولا يصح من صبي ولا مجنون ولا سفيه لأنه تبرع في الحياة فأشبه الهبة ولا يصح عتق الموقوف لأنه فيه إبطالا لحق البطن الثاني منه وليس له ذلك
فصل :
فإن كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه وهو موسر عتق كله ووجب عليه قيمة نصيب شريكه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من أعتق شركا له في عبد فإن كان له ما يبلغ مثن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق ] متفق عليه وفي لفظ [ وكان ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق ] وفي لفظ [ فقد عتق كله ]
ويعتق كله حال إعتاق الشريك للخبر ولأنه سراية قول فنفذ في الحال : كطلاق بعض الزوجة فإن أعتقه الشريك عقيب عتق الأول وقبل أخذ القيمة لم يثبت له في عتق لأنه صار حرا بعتق الأول ولو لم يؤد القيمة حتى أفلس كانت دينا في ذمته وعتقه ماض ووقت التقويم وقت العتق لأنه وقت الإتلاف فأشبه الجناية فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المعتق لأنه غارم وإن اختلفا في صناعة تزيد بها قيمته أو عيب تنقص به قيمته فالقول قول من ينفيه لأن الأصل عدمه وسواء كان المعتق مسلما أو كافرا لأنه تقويم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات ويحتمل أن لا يسري كتق الكافر في المسلم لأنه لا يجوز أن يتملكه وإن كان نصيب الشريك وقفا لم يعتق لأن الوقف لا يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى وإن كان المعتق معسرا عتق نصيبه منه خاصة وباقيه على الرق للخبر ولأن سراية العتق ضرر بالشريك لتلف ماله بغير رضاه من غير عوض يجبره
وعنه : يستسعي العبد في قيمة باقيه ويعتق كله لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله : صلى الله عليه و سلم [ من أعتق شقصا له في مملوكه فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه ] رواه أبو داود
والأول : أصح لأن خبر ابن عمر أصح ولأن الإحالة على السعاية إحالة على وهم وفيه ضرر بالعبد بإجباره على الكسب من غير اختياره فإن كان معه قيمة البعض عتق منه بقدره لأن ما وجب بالاستهلاك إذا عجز عن البعض وجب بقدر ما قدر عليه كقيمة المتلف
فصل :
فإن أعتق المعسر بعض عبده عتق كله لأنه موسر بما يسري إليه فأشبه ما لو أعتق بعض عبد وهو موسر بقيمة باقيه فإن أعتق بعضه في مرض موته عتق منه ما يحتمله الثلث وإن زاد على قدر ما أعتق لأن عتق بعضه كعتق جميعه وإن احتمل الثلث جميعه عتق كله
فصل :
إذا ملك بعض عبد فأعتقه في مرض موته أو دبره فعتق بموته وكان ثلث ماله يفي بقيمة حصة شريكه أعطي وكان كله حرا في إحدى الروايتين لأن ثلثه له فكان موسرا به والأخرى : لا يعتق منه إلا ما ملك لأن حق الورثة تعلق بماله إلا ما استثناه من الثلث بتصرفه فيه ذكرهما الخرقي و أبو الخطاب قال الخرقي : وكذلك الحكم إذا دبر بعضه وهو مالك لكله لأن ملكه يزول عما سوى المعتق وقال القاضي : إن أعتقه في مرض موته وهو موسر عتق جميعه لأنه أعتقه وهو موسر بثمن جميعه فدخل في الخبر وإن دبره لم يعتق إلا ما ملك لأن ملكه زال بالموت إلا ما استثناه بوصيته وصحح الرواية الأولى في العتق في المرض والثانية في التدبير
فصل :
وإذا كان العبد لثلاثه لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه وللثالث سدسه فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس معا وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه بالسوية لأن التقويم المستحق بالسراية يسقط على عدد الرؤوس كما لو اشترك اثنان في جراحة رجل جرحه أحدهما جرحا والآخر عشرة ويكون ولاؤه بينهما أثلاثا لصاحبه النصف ثلثاه ولصاحب السدس ثلثه ويحتمل أن يقوم عليهما على قدر ملكيهما لأنه يستحق بالملك فكان على قدره كالشفعة فيكون ولاؤء بينهما أرباعا
فصل :
وإذا كان العبد لثلاثة فأعتقوه معا أو وكل نفسان الثالث فأعتق حقهما مع حقه أو أعتقه كل واحد منهم وهو معسر عتق على كل واحد حقه منهم وولاؤه بينهم أثلاثا وإن أعتقه الأول وهو معسر وأعتقه الثاني وهو موسر عتق عليه نصيبه ونصيب شريكه وكان ثلث ولائه للمعتق الأول وثلثاه للمعتق الثاني وإن قال اثنان منهم للثالث : إذا أعتقت نصيبك فنصيبنا حر فأعتق نصيبه وهو معسر عتق كله عليه وقوم عليه نصيب شريكيه وولاؤه له دونهما ويحتمل أن يعتق نصيبهما عليهما لأن إعتاق نصيبهما يتعقب إعتاق نصيبه ولا تسبقه السراية وإن كان معسرا عتق عليه نصيبه خاصة وعتق نصيب صاحبيه بالشرط وولاؤه بينهم أثلاثا سواء اتفقا في القول أو سبق به أحدهما لأن الوقوع بوجود الشرط وقد استويا فيه وإن قالا له : إذا أعتقت نصيبك فنصيبنا حر مع نصيبك فأعتق نصيبه عتق نصيب كل واحد على مالكه لأن عتقه وقع في حالة واحدة
فصل :
فأما العتق بالملك فإن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه بمجرد ملكه لما روى سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من ملك ذا رحم محرم فهو حر ] رواه أبو داود ولأنه ذو رحم محرم فعتق عليه إذا ملكه الولد
وعنه : لا يعتق عليه إلا عمودا النسب بناء على أن نفقة غيرهم لا تجب وإن ملك بعض من يعتق عليه بسبب غير الميراث فهو كإعتاقه له في تقويم باقيه عليه مع اليسار وبقائه على الرق مع الإعسار لأنه عتق بسبب من جهته فأشبه إعتاقه بالقول وإن ملكه بالإرث لم يعتق منه إلا ما ملك موسرا كان أو معسرا لأنه لا اختيار له في إعتاقه ولا سبب من جهته ونقل عنه المروذي : ما يدل على أنه يعتق نصيب الشريك إذا كان موسرا لأنه ملك بعضه أشبه البيع وإذا ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه على ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه لأنه لا تجب عليه نفقته ويحتمل ويحتمل أن يعتق عليه لأنه ولد يحرم نكاحه فعتق كولد الرشيدة
فصل :
وإن وهب لصبي من يعتق عليه أو وصي له به وكان بحيث لا يجب على الصبي نفقته لكون الصبي معسرا أو الموهوب صحيحا كبيرا إذا كسب وجب على الولي قبول الهبة والوصية لأن فيه فيه نفعا للصبي وجمالا بحرية قريبه من غير ضرر وإن كان بحيث تلزمه نفقته لم يكن له قبوله لأن فيه ضررا بإلزامه نفقته وإن وهب له جزء ممن يعتق عليه وكان ممن لا تجب نفقته ففيه وجهان مبنيان على أنه : هل يقوم على الصبي باقيه ؟ فيه وجهان :
أحدهما : لا يقوم عليه باقيه لأنه يدخل في ملكه بغير سبب من جهته أشبه الإرث فعلى هذا يلزم وليه قبوله لما فيه من النفع الخالي على الضرر
والثاني : يقوم عليه لأن قبول وليه يقوم مقام قبوله كما لو قبل وكيل البالغ فعلى هذا لا يملك قبوله فإن قبل في موضع لا يملك القبول لم يصح ولا يملك الولي شراء من يعتق على الصبي لأنه إذا لم يملك قبول الهبة التي لا عوض فيها فالبيع أولى
فصل :
وإذا أعتق في مرضة عبيدا لا مال له غيرهم أو دبرهم أو أوصى بعتقهم أو دبر أحدهم وأوصى بعتق الباقين لم يعتق منهم إلا الثلث إلا أن يجيز الورثة فيقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم حرية عتق ورق الباقون لما روى عمران بن حصين : أن رجلا من الأنصار أعتق سته مملوكين في مرضه لا مال له غيرهم فجزأهم رسول الله ثلاث أجزاء فاعتق اثنين وأرق أربعة أخرجه مسلم
وإن كان عليه دين يستغرقهم لم يعتق منهم شيء لأن عتقهم وصية وقد [ قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن الدين قبل الوصية ] وإن كان يستغرق بعضهم عتق من باقيه ثلثه فيقرع بينهم لإخراج الدين ثم يقرع بينهم لإخراج الحرية فإن كان الدين يستغرق نصفهم جزأناهم جزأين وأقرعنا بينهم بسهم دين وسهم تركة فمن خرج له سهم الدين بيع فيه ثم يقرع بين الباقين بسهم حرية وسهمي رق كما ذكرنا
فصل :
ولو أعتقهم وثلثه يحتملهم فأعتقناهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بعناهم فيه لما ذكرنا فإن قال الورثة : نحن نقضي الدين ونجيز العتق احتمل أن لهم ذلك لأن المانع إنما هو الدين فإذا قضي زال المانع فثبت العتق واحتمل أنه ليس لهم ذلك لأن الغرماء تتعلق حقوقهم بالتركة فلم يملك الورثة إبطالهم بالقول لكن إذا قضوا الدين فلهم استئناف العتق وإن أعتقنا بعضهم بالقرعة ثم ظهر عليه دين يستغرق بعضهم احتمل أن يبطل العتق في الجميع كما لو اقتسم الشركاء ثم ظهر لهم شريك ثالث واحتمل أن يبطل بقدر الدين لأن بطلانه لأجل الدين فيقدر بقدره ولو أعتقهم فأعتقنا منهم واحدا يعجز ثلثه عن أكثر منه ثم ظهر لهم مال يخرجون من ثلثه تبينا أن الباقين كانوا أحرارا من حين أعتقهم فيكون كسبهم لهم لأنهم يخرجون من الثلث
فصل :
فإن مات بعضهم أقرعنا بينهم فإن خرجت لميت حسبناه من التركة وقومناه حين العتق لأنه خرج بذلك من التركة وإن خرجت لحي نظرنا في الميت فإن مات في حياة المعتق أو بعدها قبل قبض الوارث لم يحسب من التركة لأنه لم يصل إلى الوارث فيكون لتركة الحيين فيكمل ثلثهما ممن وقعت عليه القرعة وتعتبر قيمته حين إعتاقه لا حين إتلافه وحكى أبو الخطاب عن أبي بكر : أن الميت يحسب من التركة ويعتق من تقع عليه القرعة إن خرج من الثلث لأننا حسبناه من التركة إذا وقعت القرعة له فكذلك إذا وقعت لغيره فإن مات بعد قبض الوارث حسب من التركة لأنه وصل إليه
فصل
قال أحمد : بأي شيء خرجت القرعة وقع الحكم به سواء كانت رقاعا أو خواتيم وذلك لأن الشرع ورد بالقرعة ولم يرد بكيفيتها فوجب ردها إلى ما يقع عليه الاسم مما تعارفه الناس والأحوط أن تقطع رقاع متساوية يكتب في كل رقعة اسم ذي السهم ثم يجعل في بنادق طين أو شمع متساوية ثم يغطى بثوب ويقال لرجل : أدخل يدك فأخرج بندقة فيفضها ويعلم ما فيها فإن كان القصد عتق الثلث جزأ العبيد ثلاثة أجزاء فإن أمكن تجزئتهم بالعدد والقيمة كستة أعبد قيمتهم متساوية جعلنا كل اثنين جزءا كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم فيهم وإن كانت قيمتهم مختلفة إلا أننا إذا ضممنا قليل القيمة إلى كثيرها صار أثلاثا فعلنا ذلك وإن أمكن تعديلهم بالقيمة دون العدد كستة قيمة أحدهم الثلث وقيمة اثنين الثلث وقيمة ثلاثة الثلث وجزأناهم بالقيمة وإن لم يمكن تعديلهم بقيمة ولا عدد كثمانية أعبد قيمتهم مختلفة أو متساوية احتمل أن لا نجزئهم بل نخرج قرعة الحرية لواحد واحد حتى يستوفى الثلث واحتمل أن نقارب بينهم ونجزئهم ثلاثة أجزاء فنجعل ثلاثة جزءا وثلاثة جزءا واثنين جزءا فإن خرجت القرعة على زائد على الثلث أقرعنا بين ما وقعت لهم القرعة فكملنا الحرية في بعضهم وتممنا الثلث من الباقين وإن وقعت على ما دون الثلث عتقوا وأعدنا القرعة لتكميل الثلث من الباقين وإن أعتق عبدين قيمة أحدهما مثلا قيمة الآخر أقرعنا بينها بسهم حرية وسهم رق فإن وقع سهم الحرية للأدنى عتق وإن وقع للأكثر عتق نصفه فإن كانت قيمة أحدهما مائتين واللآخر ثلاثمائة جمعنا قيمتهما ثم أقرعنا بينهما فمن خرج له سهم الحرية ضربنا قيمته في ثلاثة ونسبنا قيمتها إلى المرتفع بالضرب فما خرج من النسبة عتق من العبد قدره فإذا وقعت على الذي قيمته مائتان ضربناه في ثلاثة صار ستمائة ونسبنا قيمتهما إلى ذلك نجدها خمسة أسداسه فيعتق منه خمسة أسداسه وإن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه لذلك وهكذا نصنع في أمثال ذلك
فصل
إذا أعتق الأمة وهي حامل عتق جنينها لأنه يتبعها في البيع والهبة ففي العتق أولى فإن استثنى جنينها لم يعتق لما روي عن ابن عمر : أنه أعتق أمة واستثنى ما في بطنها ولأنها ذات حمل فصح استثناء حملها كما لو باع نخلة لم تؤبر واشترط ثمرتها وقال القاضي : يخرج على الروايتين فيما إذا استثنى ذلك في البيع والمنصوص عن أحمد ما ذكرناه وإن أعتق جنينها وحده لم تعتق هي لأنها ليست تابعة له فلا تعتق بعتقه كما لو أعتقه بعد الولادة
فصل
وإذا كان العبد بين شريكين فادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق نصيبه لم يخل من أحوال ثلاثة :
أحدهما : أن يكونا موسرين فيصير العبد حرا لاعتراف كل واحد منهما بحريته بإعتاق شريكه ويبقى كل واحد منهما يدعي على شريكه قيمة حقه منه فإن لم يكن بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وبرىء وإن نكل أحدهما قضي عليه وإن نكلا جميعا تساقطا حقاهما ولا ولاء على العبد لأنه لا يدعيه أحد فإن اعترف به أحدهما بعد ذلك ثبت له سواء كانا عدلين أو فاسقين
الحال الثاني : أن يكونا معسرين فلا يقبل قول كل واحد منهما على صاحبه لأنه لا اعتراف فيه بالحرية لعدم السراية في إعتاق المعسر فإن كانا فاسقين فلا عبرة بقولهما وإن كانا عدلين فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير حرا أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه حرا فإن كان أحدهما عدلا والآخر فاسقا فله أن يحلف مع العدل هذا إذا قلنا : إن الحرية تثبت بشاهد ويمين ولا ولاء لواحد منهما أيضا لأنه لا يدعيه
الحال الثالث : أن يكون أحدهما موسرا والآخر معسرا فيعتق نصيب المعسر وحده لاعترافه بحريته لأنه يعترف بعتق الموسر الذي يسري إلى نصيبه ويبقى نصيب الموسر رقيقا لأنه إنما اعترف بإعتاق شريكه الذي لا يسري فلا يؤثر فإن كان المعسر عدلا فللعبد أن يحلف مع شهادته ويصير حرا إذا قلنا : إن الحرية تثبت بشهادة ويمين
فصل
وإن ادعى أحد الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وهما موسران أو المدعى عليه موسر وحده عتق نصيب المدعي وحده لاعترافه بحريته وبقي نصيب المدعى عليه رقيقا وإن كانا معسرين أو المدعى عليه معسرا لم يعتق منه شيىء فإن اشترى المدعي نصيب صاحبه عتق ولم يسر إلى نصيبه لأن عتقه باعترافه بحريته لا بإعتاقه
فصل
إذا ادعى العبد أن سيده أعتقه وأقام شاهدا حلف مع شاهده وصار حرا في إحدى الروايتين والأخرى : لا يثبت ذلك بشاهد ويمين لأنه ليس بمال ولا المقصود منه المال فأشبه الطلاق
فصل
إذا مات رجل وخلف ابنين وعبدين متساويي القيمة فاعترف كل واحد منهما بعتق أحد العبدين عتق من كل واحد ثلثه ولكل واحد من الابنين سدس العبد الذي اعترف بعتقه ونصف الآخر لأنه يزعم أن ثلثي العبد الذي اعترف بعتقه حر ويبقى ثلثه لكل واحد منهما سدسه وإن قال أحدهما : أبي أعتق هذا وقال الآخر : أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما أقرعنا بينهما فإن وقعت القرعة على الآخر عتق من كل واحد ثلثه كالتي قبلها لأن القرعة قائمة مقام تعيينه وإن وقعت على الذي اعترف أخوه بعتقه عتق ثلثاه إلا أن يجيزا عتقه كاملا وصار كالمتفق على عتقه
باب تعليق العتق بالصفة
ويجوز تعليق العتق بصفة نحو قوله : إن دخلت الدار فأنت حر أو : إن أعطيتني ألفا فأنت حر لأنه عتق بصفة فجاز كالتدبير ولا يعتق قبل وجود الصفة بكمالها لأنه حق علق على شرط فلا يثبت قبله كالجعل في الجعالة وإن قال ذلك في مرض موته اعتبر من الثلث لأنه لو اعتقه اعتبر من الثلث فإذا عقده كان أولى فإن قال في الصحة : فهو من رأس المال سواء وجدت الصفة في الصحة أو المرض لأنه غير متهم بالإضرار بالورثة في تلك الحال وقال أبو بكر : إن وجدت الصفة في المرض فهو من الثلث لأن حق الورثة قد تعلق بالثلثين فلم ينفذ إعتاقه فيهما كما لو نجز العتق وإن مات السيد قبل وجود الصفة بطلت لأن ملكه يزول بموته فيبطل تصرفه بزواله وإن قال : إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر ففيه روايتان :إحداهما : لا تنعقد هذه الصفة لأنه علق عتقه على صفة توجد بعد زوال ملكه فلم تصح كما لو قال : إن دخلت الدار بعد بيعي إياك فأنت حر
والثانية : تنعقد لأنه إعتاق بعد الموت فصح كما لو قال : أنت حر موتي
فصل
وإن علق عتق أمته على صفة وهي حامل تبعها ولدها في ذلك لأنه كعضو من أعضائها فإن وضعته قبل وجود الصفة ثم وجدت عتق الولد لأنه تابع في الصفة فأشبه ما لو كلن في البطن وإن علق عتقها وهي حائل ثم وجدت الصفة وهي حامل عتقت هي وحملها لأن العتق وجد فيها وهي حامل فتبعها ولدها كالعتق المطلق وإن حملت ثم ولدت ووجدت الصفة لم يعتق الولد لأن الصفة لم تتعلق به وفيه وجه آخر : يتبعها قياسا على ولد المدبرة وإن بطلت الصفة ببيع أو موت لم يعتق الولد لأنه إنما يتبعها في العتق لا في الصفة فإذا لم توجد فيها لم توجد فيه بخلاف ولد المدبرة فإن يتبعها في التدبير فإذا بطل فيها بقي فيه
فصل
وإذا علق العتق بصفة لم يملك إبطالها بالقول لأنه كالنذر ويملك ما يزيل الملك فيه من البيع وغيره فإذا باعه ثم اشتراه فالصفة بحالها لأن التعليق والصفة وجدا في ملكه فعتق كما لو لم يزل الملك فإن وجدت الصفة بعد زوال الملك ثم اشتراه فهل تعود الصفة ؟ فيه روايتان :
إحداهما : لا تعود لأنها انحلت بوجودها في ملك المشتري فلم تعد كما لو انحلت بوجودها في ملكه
والثانية : تعود لأنه لم توجد الصفة التي يعتق بها فأشبه ما لو عاد إلى ملكه قبل وجود الصفة ولأن الملك مقدر بالصفة فكأنه قال : إذا دخلت الدار وأنت في ملكي فأنت حر ولم يوجد ذلك
فصل
وإن علق العتق على صفة قبل الملك فقال لعبد أجنبي : إذا دخلت الدار فأنت حر ثم ملكه ودخل الدار لم يعتق لأنه لا يملك تنجيز العتق فلا يملك تعليقه ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا عتق قبل ملك ] رواه أبو داود الطيالسي وإن قال : إن ملكتك فأنت حر أو ملكت فلانا فهو حر ففيه روايتان :
إحداهما : لا يعتق لذلك
والثانية : يعتق إذا ملكه لأنه أضاف العتق إلى حال يملك عتقه فيه فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه وإن قال الحر : كل مملوك أملكه فهو حر ففيه روايتان لما ذكرنا وإن قال : ذلك العبد ثم عتق وملك فهل يعتق عليه ؟ على وجهين :
أحدهما : يعتق عليه كالحر
والثاني : لا يعتق عليه لأن العبد لا يملك فلا يصح منه التعليق ولو قال الحر : آخر مملوك أشتريه فهو حر وقلنا بصحة التعليق فمتى مات تبينا حصول الحرية لآخر مملوك اشتراه من حين الشراء فيكون اكتسابه له فإن أشكل الآخر منهم أقرع بينهم لإخراج الحر وكذلك لو قال لأمته : أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ابنين أقرع بينهما إذا أشكل أولهما خروجا
باب التدبير
ومعناه : تعليق الحرية بالموت : وصريحه : أنت حر أو عتيق بعد موتي أو أنت مدبر أو قد دبرتك لأن هذا اللفظ موضوع له فكان صريحا فيه كلفظ العتق في الإعتاق وهو مستحب لأنه يقصد به العتق ويعتبر من الثلث لأنه تبرع بالمال بعد الموت فهو كالوصية ونقل عنه حنبل : أنه من رأس المال وليس عليه عمل وذكر أبو بكر : أنه كان قولا قديما وربما رجع عنهفصل
ويجوز مطلقا ومقيدا فالمطلق كما ذكرنا والمقيد نحو أن يقول : إن مت من مرضي هذا أو في هذا البلد فأنت حر لأنه تعليق على صفة فجاز مطاقا ومقيدا والمقيد : كتعليقه على دخول الدار وإن قال : إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي جاز لأنه تعليق على صفة فجاز تعليقه على صفة أخرى كما ذكرنا فإن دخل الدار في حياة السيد فهو مدبر وإن لم يدخل حتى مات بطلت الصفة بالموت لأنه يزول به الملك ولم يوجد التدبير لعدم شرطه
فصل
ويجوز تدبير المعلق عتقه على صفة وتعليق عتق المدبر على صفة لأن التدبير تعليق على صفة فلا يمنع التعليق على صفة أخرى كغيره من الصفات فإن وجدت إحداهما عتق وبطلت الأخرى لزوال الرق قبل وجودها ويجوز تدبير المكاتب كما يجوز تعليق عتقه على صفة وتجوز كتابة المدبر كما يجوز أن يبيعه نفسه فإذا كاتبه ودبره فأدى كتابته قبل موت سيده عتق وبطل التدبير فإن مات السيد قبل الأداء عتق بالتدبير إن حمل الثلث ما بقي من كتابته وبطلت الكتابة وإن لم يحمله الثلث عتق منه قدر الثلث وسقط من مال الكتابة بقدر ما عتق وهو على الكتابة فيما بقي وما يده من الكسب له في الحالين لأنه كان مملوكا له ولم يوجد ما يخرجه في يده فبقي له كما لو أبرأه من مال الكتابة ويحتمل أن تكون كتابة المدبر رجوعا في تدبيره إن قلنا : إنه يملك إبطاله بالرجوع فيه ولا يصح تدبير أم الولد لأنها تستحق العتق بموت سيدها بسسب مؤكد فلا يفيد التدبير ولو استولد المدبرة بطل تدبيرها لذلك
فصل
ويجوز بيع المدبرة لما روى جابر بن عبد الله : أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر منه ولم يكن له مال غيره فاحتاج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ من يشتريه مني ؟ ] فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه وقال : [ أنت أحوج منه ] رواه البخاري و مسلم و النسائي ولأنه إما وصية وإما تعليق على صفة وأيهما كان لم يمنع البيع وعن أحمد : أنه لا يباع إلا في الدين أو حاجة صاحبه لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما باعه لحاجة صاحبه
وعنه : لا يجوز بيع المدبرة خاصة لأن بيعها إباحة فرجها والحكم في هبته ووقفه كالحكم في بيعه واكتسابه ومنافعه وأرش الجناية عليه لسيده لأنه كالقن وإن جنى فسيده بالخيار بين فدائه أو تسليمه للبيع كالقن فإن مات السيد قبل ذلك عتق وأرش جنايته في تركته لأنه عتق من جهته فتعلق الأرش بماله كالمنجر وإن كانت الجناية لا تستغرق قيمته فبيع بعضه فيها فباقيه باق على التدبير لأن المانع اختص ببعضه فوجب أن يختص المنع به
فصل
فإذا زال ملكه عن المدبر ببيع أو غيره ثم عاد إليه رجع التدبير بحاله لأنه علق العتق بصفة فلم تبطل بالبيع كالتعليق بدخول الدار وفيه وجه آخر : أنه يبطل بالبيع لأنه وصية فبطل بالبيع كالوصية له بمال
فصل
ولو دبره ثم قال : قد رجعت في تدبيري أو أبطلته لم يبطل لأنه تعليق بصفة فأشبه تعليقه بدخول الدار
وعنه : يبطل لأنه تصرف معلق بالموت يعتبر من الثلث فأشبه الوصية وإن قال للمدبر : إن أديت إلى ورثتي ألفا فأنت حر فهو رجوع لأنه وقفه على أداء ألف وذلك مناف للتدبير فأشبه قوله : رجعت في تدبيري والصبي كالبائع في هذا لأنه مثله في التدبير فكان مثله في الرجوع فيه
فصل
وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه لم يسر إلى نصيب شريكه لأنه تعليق للعتق بصفة أو وصية وكلاهما لا يسري ويحتمل أن يضمن ويصير كله مدبرا له لأنه سبب يوجب العتق بالموت فسرى كالاستيلاد فإن أعتق الآخر نصيبه سرى العتق إلى جميعه وقوم عليه نصيب شريكه لحديث ابن عمر ويحتمل أنت لا يسري العتق فيه إذا قلنا : إنه يجوز بيعه
فصل
وما ولدت المدبرة بعد تربيرها فولدهل بمنزلتها لأنها تستحق الحرية بالموت فيتبعها ولدها كأم الولد ولا يتبعها ولدها الموجود قبل التدبير لأنه لا يتبع في حقيقة العتق ففي تعليقه أولى وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى : أنه يتبعها في التدبير وإن دبر عبده ثم أذن له في التسري فولد له ولد لم يكن مدبرا لأن أمه غير مدبرة
وعنه : أنه يصير مدبرا لأنه ولده من أمته فيتبعه كولد الحر وإذا صار الولد مدبرا لتدبير أمه فبطل تدبيرها لبيعها والرجوع في تدبيرها لم يبطل في ولدها لأنه استحق الحرية فلم يبطل حقه لمعنى وجد في غيره كما لو باشره بالتدبير
فصل
ويصبح تدبير الصبي المميز والسفيه لما ذكرنا في صحة وصيتهما ويصح تدبير الكافر لأنه يصح إعتاقه فإن أسلم مدبره أمر بإزاة ملكه عنه لأن الكافر يمكن من استدامة الملك على مسلم مع إمكان بيعه وفيه وجه آخر : أنه لا يباع لأنه استحق الحرية بالموت فأشبه أم الولد إذا أسلمت ولكن تزال يده عنه وينفق عليه من كسبه
فإن لم يكن ذا كسب فنفقته على سيده كأم الولد إذا أسلمت وإن دبر المرتد عبده كان تدبيره موقوفا كسائر تصرفاته فإن أسلم تبينا صحة تدبيره وإن مات على الردة تبينا بطلانه
وعنه : أن ملكه يزول بنفس الردة فيكون تدبيره باطلا وهذا قول أبي بكر وإن ارتد بعد التدبير وقتل بردته أو مات بطل التدبير لأن ملكه زال في حياته وإن رجع صح تدبيره لأنا تبينا بقاء ملكه أو رجوعه إليه بإسلامه بعد زواله
فصل
فإذا ادعى العد أن سيده دبره فأنكر فالقول قول السيد مع يمينه لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ ولكن اليمين على المدعي ] رواه مسلم و البخاري بمعناه فإن أقام العبد بينة ثبت تدبيره وهل يكفي شاهد ويمين أو رجل وامرأتان أم لا يكفي إلا رجلان ؟ على روايتين كما ذكرنا في العتق ويتخرج أن لا تسمع دعوى العبد بناء على أن السيد له الرجوع في التدبير وهل يكون إنكار التدبير رجوعا عنه ؟ على وجهين بناء على الوصية
فصل
وإن قتل المدبر سيده بطل تدبيره لأنه استحقاق علق بالموت من غير فعل فأبطله القتل كالإرث والوصية
باب الكتابة
وهو مندوب إليه في حق من يعلم فيه خيرا لقول الله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } يعني : كسبا وأمانة في قول أهل التفسيروعنه : رواية أخرى أنها واجبة إذا دعا العبد الذي فيه خير سيده إليها لظاهر الآية ولأن عمرا أجبر أنسا على كتابة سيرين والأول ظاهر المذهب لأنه إعتاق بعوض فلم يجب كالاستسعاء والآية محمولة على الندب وقول عمر يخالفه فعل أنس فأما من لا كسب له ففيه روايتان :
إحداهما : تكره كتابته لأنه يصير كلا على الناس
والثانية : لا تكره لعموم الأخبار في فضل الإعتاق وإذا دعا هذا سيده إلى الكتابة لم يجبر رواية واحدة وإن دعا السيد عبده إلى الكتابة لم يجبر عليها لأنه إعتاق على مال لم يجبر عليه كغير الكتابة
فصل
ولا تنعقد إلا بالقول وتنعقد بقوله : كاتبتك على كذا لأنه لفظها الموضوع لها فانعقدت به كلفظ النكاح فيه ويحتمل أن يشترط أن يقول : إذا أديت إلي فأنت حر لأنه إعتاق معلق على شرط فاعتبر ذكره والأول أولى
فصل
ولا تصح إلا من جائز التصرف مسلما كان أو كافرا لأنها تصرف في المال فأشبهت البيع فأما المميز من الصبيان فيصح أن يكاتب عبده بإذن وليه ولا يصح بغير إذنه كما في بيعه ويحتمل أن لا تصح بحال لأنه إعتاق وإن كاتب السيد عبده المميز صح لأن إيجاب سيده له إذن منه في قبولها وإن كاتب عبده المجنون أو الطفل فهو عقد باطل وجوده كعدمه إلى أن القاضي قال : يعتقد بالأداء لأن الكتابة تعليق الحرية بالأداء فإن بطلت الكتابة كان عتقهما بحكم الصفة المحضة وقال أبو بكر : لايعتق لأن الكتابة ليست بصفة ولا يعتبر ذكر الصفة فيها بحال
فصل :
ولا تصح إلا علىعوض لأنها عقد معاوضة فأشبه البيع ومن شرطه أن يكون مؤجلا لأن جعله حالا يفضي إلى العجز عن أدائه وفسخ العقد بذلك فيفوت المقصود وأن يكون منجما نجمين فصاعدا في قول أبي بكر وظاهر كلام الخرقي لأن عليا قال : الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني وقال ابن أبي موسى : يجوز جعل المال كله في نجم واحد لأن عقد شرط في التأجيل فجاز على نجم واحد كالسلم ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم عنده ويحصل ذلك في النجم الواحد والأحوط نجمان فصاعدا ويجب أن تكون النجوم معلومة ويعلم في كل نجم قدر المؤدى وأن يكون العوض معلوما بالصفة لأنه عوض في الذمة فوجب فيه العلم بذلك كالسلم ولا تصح إلا على عوض يصح السلم فيه لما ذكرنا وذكر القاضي : أنه يحتمل أن يصح على عوض مطلق بناء على قوله في النكاح والخلع والصحيح ما قدمنا
فصل :
وتجوز الكتابة على المنافع لأنها تثبت في الذمة بالعقد فجازت الكتابة عليها كالمال وتجوز على مال أو خدمة لأن كل واحد منهما يصح أن يكون عوضا منفردا فصح في الآخر كالمالين فإن كاتبه على خدمة شهر أو شهرين متواليين فهو كالنجم الواحد لأنها مدة واحدة فإن قال على أن تخدمني شهرا ثم تخدمني عقيبه شهرا آخر صح لأنهما نجمان وإن قال : على خدمة شهر ودينار بعده بيوم صح لأنهما نجمان فإن جعل الدينار مع انقضاء الشهر أو في أثنائه صح لأن الخدمة بمنزلة العوض الحال فصار كالأجلين ويحتمل أن لا يصح لأنهما في مدة واحدة فكانا نجما واحدا وإن جعل الدينار حالا عقيب العقد لم يصح لأنه عوض حال معجوز عنه بخلاف الخدمة فإنها وإن كانت في منزلة الحال فهو قادر عليها
فصل :
والكتابة عقد لازم لا يملك العبد فسخها بحال
وعنه : أنه يملكه ولا يملك السيد فسخها قبل عجز المكاتب لأنه أسقط حقه منه بالعوض فلم يملك ذلك قبل العجز عنه كالبيع وللعبد الامتناع من الأداء لأنه جعل شرطا في عتقه فلم يلزمه كدخول الدار ولا تبطل بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه ولا جنون العبد لأنه عقد لازم فأشبه البيع وينتقل بموت السيد إلى ورثته لأنه مملوك لمورثهم فانتقل إليهم كالقن فإذا أدى إليهم عتق وولاؤه لمكاتبه لأن السبب وجد منه ولا يجوز شرط الخيار في الكتابة لأن الخيار شرع لدفع الغبن عن المال والسيد دخل على بصيرة : أن الحظ لعبده فلا معنى للخيار وإن اتفقا على الفسخ جاز لأنه عقد يلحقه الفسخ بالعجز عن المال فجاز فسخه بالتراضي كالبيع
فصل :
ويجوز بيع المكاتب لأن بريرة قال لعائشة : يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني على كتابتي فقال النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة : [ اشتريها ] متفق عليه ولأنه سبب يجوز فسخه فلم يمنع البيع كالتدبير
وعنه : لا يجوز بيعه لأن سبب العتق ثبت له في كل وجه لا يستقل السيد برفعه فمنع البيع كالاستيلاد والأول أظهر فإن باعه لم تبطل الكتابة لأنها عقد لازم فلم تبطل ببيعه كالنكاح ويكون في يد مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته فإذا أدى عتق وولاؤه له وإن عجز فله الفسخ ويعود رقيقا له لأن البائع نقل ماله من الحق فيه إلى المشتري فصار بمنزلته وإن لم يعلم المشتري أنه مكاتب فله الخيار بين فسخ البيع وأخذ ما بينه سليما ومكاتبا لأنه عيب فأشبه سائر العيوب والحكم في هبته والوصية به كالحكم في بيعه لأنه نقل للملك فيه ولا يجوز وقفه لأنه معرض لزوال الرق فيه والوقف يجب أن يكون مستقرا
فصل :
وإن اشترى المكاتب مكاتبا آخر صح سواء اشتراه من سيده أو من أجنبي لأن المشتري أهل للشراء والمبيع محل له فصح كما لو اشترى عبدا فإن عاد المبيع فاشترى سيده لم يصح لأنه لا يصح أن يملك مالكه والله أعلم
باب ما يملكه المكاتب وما لا يملكه
يملك المكاتب اكتساب المال بالبيع والإيجار والأخذ بالشفعة وأخذ الصدقة والهبة وكسب المباحات والسفر لأنه من أسباب الكسب وهو مع المولى كالأجنبي في ضمان المال وبذلك المنافع وأرش الجنايات وجريان الربا بينهما لأنه صار بما بذله من العوض كالحر وقال ابن أبي موسى : لا ربا بينهما لأنه ملك لسيده قال أصحابنا : ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته لأن مال الكتابة ليس بمستقر ولذلك لا يصح ضمانه فليس بدين صحيح فكأن السيد أخذ بعضا وأسقط بعضافصل :
ويملك التصرف في المال بما يعود لمصلحته ومصلحة ماله فيجوز أن ينفق على نفسه لأن هذا من أهم مصالحه وعلى رقيقه وحيواناته وله أن يفدي نفسه ورقيقه في الجناية لأن فيه مصلحته وله أن يختن غلامه ويؤدبه لأنه صلاح للمال وله أن يقتص من الجناية عليه وعلى رقيقه و يأخذ الأرش لأن فيه مصلحته وذكره القاضي وقال أبو بكر و أبو الخطاب : لا قصاص له في جناية بعض رقيقه على بعض لأن فيه إتلاف المال على سيده
فصل :
وليس له إقامة الحد على رقيقه لأن طريقه الولاية والمكاتب ليس من أهل الولاية وليس له أن يتصدق ولا يتبرع ولا يعتق الرقيق ولا يحج بماله ولا يهب ولا يحابي ولا يبرئ من الدين ولا يكفر بالمال ولا ينفق على أقاربه ولا يقرض ولا يسرف في النفقة على نفسه لأن حق السيد متعلق بإكسابه فإنه ربما عجز فصار إلى سيده وإن كانت أمة مزوجة لم يملك بذل العوض في خلعها ولا تعجيل قضاء دين مؤجل لأنه تبرع يمنع التصرف في المال من غير حاجة إليه وإن كان مكاتبا بين نفسين لم يكن له تقديم حق أحدهما لأن ما يقدمه يتعلق به حق الآخر ولا يملك فداء جناية أو جناية رقيقه بأكثر من قيمته لأن الفداء كالابتياع ولا يملك التزويج ولا التسري لأنه تلزمه النفقة والمهر في التزويج ولا يأمن حبل الأمة فتتلف بالولادة وما فعل من هذا كله بإذن سيده جاز لأن المنع لأجله فجاز بإذنه كتصرف الراهن بإذن المرتهن وإن وهب المولى أو أقرضه أو حاباه أو فدى جنايته عليه بأكثر من أرشها جاز لاتفاقهما عليه
فصل :
وليس له التصرف إلا على وجه الحظ والاحتياط لأن حق المولى متعلق باكتسابه فلا يبيع نسأ وإن أخذ به رهنا أو ضمينا ويحتمل الجواز لما ذكرنا في المضارب وإن باع ما يساوي مائة بمائة نقدا وعشرين نسيئة جاز لأنه لا ضرر فيه وليس له أن يضارب بماله لأنه يخاطر به ولا يرهنه لأنه يخرج ماله بغير عوض وفيه وجه آخر : أنه يجوز له رهنه والمضاربة به لأنه قد يرى الحظ فيه بدليل أن لولي اليتيم فعله في مال اليتيم فجاز كإجارته
فصل :
وإذا استولدت أمته صارت أم ولد له لأنها علقت له في ملكه وليس له بيعها نص عليه وتكون هي وولدها منه موقوفين إن عتق بالكتابة عتق الولد وأمه أم ولد وإن رق رقا وذكر القاضي في موضع آخر : أن الأمة لا تصير أم الولد لأنها علقت بمملوك وله بيعها وليس له مكاتبة رقيقه لأنه إعتاق واختار القاضي : أنه له ذلك لأنه معاوضة فملكه كالبيع وقال أبو بكر : إعتاقه وكتابته موقوفان وإن أدى وهما في ملكه نفذا وإلا بطلا كالقول في ذوي أرحامه والول أصح لأن العتق تبرع فلم يصح كالهبة ومن لا يصح إعتاقه لا تصح كتابته كالمأذون وليس له تزويج الرقيق وحكي عن القاضي : أن له تزويج الأمة دون العبد لأنه معاوضة وقال أبو الخطاب : له تزويجهما إذا رأى المصلحة فيه لأنه تصرف في الرقيق بما فيه المصلحة فجاز كختان العبد والأول أصح لأن في التزويج ضررا في المال ونقصا في القيمة وليس هو من جهات المكاسب قال القاضي : وله أن يشتري ذوي رحمه لأنه لا ضرر على السيد فيهم فإنه إن عجز فهم عبيد وإن عتق لم يضر السيد عتقهم وقال أبو الخطاب : ليس له شراؤهم لأنه يبذل ماله فيما لا يجوز التصرف فيه ويلزمه نفقته لكن يصح أن يملكهم بالهبة والوصية أو بالشراء بإذن السيد وعلى كلا القولين إذا ملكهم لم يعتقوا بمجرد ملكه لهم لأنه لا يملك إعتاقه بالقول فلا يحصل العتق بالملك القائم مقامه ولا يملك بيعهم ولا إخراجهم عن ملكه لأن من يعتق عليه ينزل منزلة جزئه فلم يجز بيعه كبعضه فإن أدى عتق وكمل ملكه فيهم فعتقوا حينئذ وولاؤهم له دون سيده وإن رق رقوا ونفقتهم على المكاتب لأنهم عبيده وإن أعتقهم السيد لم يصح لأنهم ليسوا عبيدا له وإن اشترى المكاتب زوجته أو المكاتبة زوجها صح لأنه يملك التصرف فيه وإذا ملك أحدهما صاحبه انفسخ النكاح لأنه لا يجتمع ملك اليمين وملك النكاح ولو زوج ابنته من مكاتبه فمات السيد قبل عتقه انفسخ النكاح لأنها لما ملكته أو جزأ من أجزائه انفسخ النكاح كما لو اشترته
فصل :
وإن حبس المكاتب أجنبي عن التصرف فعليه أجرة مثله لأنه فوت منافعه فلزمه عوضها كالعبد وإن حبسه سيده ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : تلزمه أجرة مثله لما ذكرنا
والثاني : لا يحتسب عليه بمدة الحبس لأنه يلزمه تمكينه من التصرف مدة الكتابة فإذا منعه لم يحتسب بها عليه
والثالث : يلزمه أرفق الأمرين به لأنه وجد سببهما فكان للمكاتب أنفعهما وإن قهره أهل الحرب فحبسوه لم يلزم السيد إنظاره لأن الحبس من غير جهته
فصل :
وليس للسيد وطء مكاتبته من غير شرط لأنه زال ملكه عن استخدامها وأرش الجناية عليها فلا يحل وطؤها كالمعتقة وإن شرطه في عقد الكتابة صح الشرط لأنه شرط منفعتها مع بقاء ملكه عليها فصح كما لو شرط خدمتها مدة فإن وطئها مع الشرط فلا مهر عليه لأنه يملكه فأشبه وطء أم ولده وإن وطئها من غير شرط أدب لأنه وطئ وطأ محرما ولا حد عليه لأنها مملوكته ولها عليه مهر مثلها سواء أكرهها أو طاوعته لأنه عوض منفعتها فوجب لها كما لو استخدمها وإن علقت منه فالولد حر لأنه ولده من أمته ولا يلزمه قيمته لذلك وتصير أم ولد له لأنه أحبلها بجزء من ملكه والكتابة بحالها فإن أدت عتقت وإن عجزت عتقت بموته لأنها من أمهات الأولاد وما في يدها لورثة سيدها وإن مات السيد قبل عجزها عتقت لأنه اجتمع بها سببان يقتضيان العتق فأيهما سبق عتقت به وما في يدها لها ذكره القاضي لأن العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها ولأن الملك كان ثابتا لها والعتق لا يقتضي زواله عنها فأشبه ما لو عتقت بالإبراء من مال الكتابة وقال الخرقي و أبو الخطاب : ما في يدها لورثة سيدها لأنها عتقت بحكم الاستيلاد فأشبه غير المكاتبة ولو أعتقها سيدها أو عتقت بالتدبير احتمل أن يكون كذلك واحتمل أن يكون ما في يدها لها بكل حال لأن إعتاقها برضى من المعتق رضى منه بإعطائها مالها بخلاف العتق بالاستيلاد
فصل :
وولد المكاتبة من غير سيدها بعد كتابتها بمنزلتها لأنها استحقت الحرية بسبب قوي فتبعها ولدها كأم الولد وسواء حملت به بعد الكتابة أو كانت حاملا به عند كتابتها ونفقته عليها لأنه تبعها في حكمها وكسبه لها لذلك وإن قتل فقيمته لها لأنه بمنزله جزئها وبذل جزئها لها فإن أعتقه السيد نفذ عتقه نص عليه لأنه عبد له فصح عتقه كأمه فإن كان ولدها جارية لم يملك السيد وطأها لأنه لا يملك وطء أمها وحكمها حكم أمها وإن وطئها فلا حد عليه للشبهة وعليه مهرها حكمه حكم كسبها وإن علقت منه صارت أم ولد له بشبهة الملك ولا يلزمه قيمتها لأن القيمة تجب لمن يملكها والأم لا تملك رقبتها إنما هي موقوفة عليها ويحتمل أن تلزمه قيمتها لأمها كما لو قتلها والحكم في وطء جارية المكاتبة كالحكم في وطء بنتها إلا أنه يلزمه قيمتها إذا أحبلها لمولاتها لأنها مملوكتها ووطء جارية المكاتب كوطء جارية المكاتبة سواء
فصل :
إذا كانت الأمة بين شريكين فكاتباها ثم وطئها أحدهما أدب ولا حد عليه لشبهة الملك وعليه المهر لها لما قدمناه فإن أولدها فولده حر وتصير أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه لأنه فوت رقها عليه فإن كان موسرا أداه وإن كان معسرا ففي ذمته هذا ظاهر كلام الخرقي لأن الإحبال أقوى من الإعتاق بدليل نفوذه من المجنون وتصير أم ولد للواطئ ومكاتبة له كما لو اشترى نصفها من شريكه وقال القاضي : إن كان الواطئ معسرا لم يسر إحباله إلى نصيب الشريك لأنه إعتاق فلم يسر مع الإعسار كالقول ويصير نصفها أم ولد فإن عجزت استقر الرق في نصفها وثبت حكم الاستيلاد لنصفها وإن كان الواطئ موسرا فنصفها أم ولد ونصفها موقوف إن أدت عتقت وإن عجزت فسخت الكتابة وقومت حينئذ على الواطئ وصار جميعها أم ولد له وأما الولد فهو حر ونسبه لاحق بالواطئ وهل تجب نصف قيمته ؟ فيه روايتان :
إحداهما : تجب لأنه كان من سبيله أن يكون عبدا فقد أتلف رقه بفعله فكان عليه نصف قيمته
والثانية : لا تجب قيمته لأنه انتقل نصيب شريكه إليه حين علقت به ولا قيمة له في تلك الحال فلم يضمنه وقال القاضي : والرواية الأولى أصح على المذهب ويكون الواجب لأمه إن كانت في الكتابة لأنه بدل ولدها وقال أبو بكر : إن وضعته بعد التقويم فلا شيء على الواطئ لأنها وضعته في ملكه وإن كان قبله غرم نصف قيمته
فصل :
فإن وطئها الثاني بعد وطء الأول وكانت باقية على الكتابة فعليه المهر لها وإن كانت قد عجزت وقومت على الأول فالمهر له وإن لم تقوم على الأول فمهرها بينهما فإن أولدها الثاني بعد الحكم بأنها أم ولد الأول لم تصر أو ولد للثاني وحكم ولدها حكمها كما لو ولدت من أجنبي وإن كان قبل الحكم بأنها أم ولد للأول صار نصفها أم ولد للثاني ونصفها أم ولد للأول
فصل :
ويجب على السيدة إيتاء المكاتب من المال قدر ربع الكتابة لقول الله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } وروى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في هذه الآية : [ يحط به الربع ] أخرجه أبو بكر وهذا نص وروي موقوفا على علي
ويخير السيد بين وضعه عنه وبين دفعه إليه لأن الله تعالى نص على الدفع إليه فنبه به على الوضع لكونه أنفع من الدفع لتحقق النفع به في الكتابة فإن اختار الدفع جاز به العقد للآية ووقت الوجوب بعد العتق لقوله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فإذا آتى ما عليه عتق وقال علي : الكتنابة على نجمين والإيتاء من الثاني ويجب الإيتاء من جنس مال الكتابة للآية فإن اتفقا على غير ذلك جاز لأن الحق لهما فجاز باتفاقهما وإن مات السيد بعد العتق وقبل الإيتاء فذلك دين في تركته يحاص به غرماؤه لأنه حق لآدمي فلم يسقط بالموت كسائر حقوقه
باب الأداء والعجز
لا يعتق المكاتب حتى يبرأ من مال الكاتبة بالأداء أو الإبراء لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم ] رواه أبو داود وقال أصحابنا : إذا أدى ثلاث أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأنه حق له فلا تتوقف حريته على أدائه كأرش جناية سيده عليه وإن أبرأه سيده عتق لأنه لم يبق عليه شيءفصل :
وإن عجلت الكاتبة قبل محلها وفي قبضها ضرر لم يلزمه قبضه قبل محله كالسلم وإن لم يكن في قبضه ضرر لزمه قبضه وعتق العبد لأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا رضي بإسقاط حقه يجب أن يسقط كسائر الحقوق
وعنه : لا يلزمه قبضه لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرض بزواله فلم يزل كما لو علق عتقه بمضي ذلك المدة
وعنه : أنه يعتق إذا ملك ما يؤدي لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا كان إحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح فعلى هذا إن امتنع من الأداء أجبره الحاكم عليه
فصل
وإذا حل نجم فعجز عن أدائه فللسيد الفسخ لأنه تعذBه العوض في عقد معاوضة ووجد عين ماله فكان له الرجوع كما لو باع سلعة فأفلس المشتري قبل تقديمها
وعنه : لا يعجز حتى يحل نجمان لأن ما بينهما محل الأداء الأول فلا يتحقق عجزه حتى يحل الثاني
وعنه : لا يعجز حتى يقول : قد عجزت وللسيد الفسخ بغير حاكم لأنه مجمع عليه أشبه الرد بالعيب وإن امتنع العبد من الأداء مع إمكانه فظاهر كلام الخرقي : أن للسيد الفسخ وهو قول جماعة من أصحابنا لأن التعذر حاصل بالامتناع كحصوله بالعجز وقال أبو بكر : ليس له الفسخ لأنه أمكن الاستيفاء بإجباره على ذلك وتعذر البعض كتعذر الجميع
فصل :
وإن كان معه متاع يريد بيعه فاستنظره لبيعه لزمه إنظاره لأنه أمكن الاستيفاء من غير ضرر ولا يلزمه إنظاره أكثر من ثلاث لأنها قريبة وإن كان له مال غائب يرجو قدومه فيما دون مسافة القصر فكذلك وإن كان أبعد لم يلزمه إنظاره لأن فيه ضررا وإن كان له دين حال على مليء أو في يد مودع فهو كالغائب القريب وإن كان على معسر أو مؤجلا فهو كالبعيد وإن حل النجم والمكاتب غائب بغير إذن سيده فله الفسخ وإن كان بإذنه لم يفسخ ويرفع الأمر إلى الحاكم ليكتب كتابا إلى حاكم ذلك البلد ليأمر بالأداء أو يثبت عجزه عنده فيفسخ حينئذ وإن حل والمكاتب مجنون معه مال فسلمه إلى المولى عتق لأنه قبض ما يستحقه فبرئت به ذمة الغريم فإن لم يكن معه شيء فلسيده الفسخ وإن فسخ ثم ظهر له قال نقض الحكم بالفسخ لأننا حكمنا بالعجز في الظاهر وقد بان خلافه فنقض كما لو حكم الحاكم ثم وجد النص بخلافه وإن كان قد أنفق عليه بعد الفسخ رجع بما أنفق لأنه لم يتبرع به بل أنفق على أنه عبده وإن أفاق بعد الفسخ فأقام بينة أنه كان قد أدى نقض الحكم بالفسخ ولم يرجع السيد بالنفقة لأنه تبرع بإنفاقه عليه مع علمه بحريته
فصل :
وإن أحضر المكاتب المال فقال السيد : هذا حرام وأنكر المكاتب ولا بينة فالقول قول المكاتب مع يمينه لأنه في يده فالظاهر أنه له فإذا حلف خير المولى بين أخذه أو إبرائه من مال الكاتبة فإن لم يفعل قبضه الحاكم لأنه حق تدخله النيابة فإذا امتنع منه قام الحاكم مقامه وكذلك إن عجلت الكاتبة قبل محلها ـ وقلنا : يلزمه أخذه ـ فامتنع قام الحاكم مقامه وروي أن رجلا أتى عمر فقال : يا أمير المؤمينين إني كاتب على كذا و كذا وإني أيسرت بالمال فأتيته بالمال فزعم أنه لا يأخذه إلا نجوما فقال عمر : يا برفأ خذ هذا المال فاجعله في بيت المال وأد إليه نجوما في كل عام وقد عتق هذا رواه الأثرم
فصل :
فإذا أدى المكاتب ظاهرا فبان مستحقا تبينا أنه لم يعتق لأن العتق بالأداء وما أدى وإن علم بعد الموت فتركه لمولاه أو ورثته لأنه مات على الرق وإن ظهر به عيب فللسيد الرد والمطالبة بالأرش فإن رضي به معيبا استقر العتق وإن طلب الأرش فأدى إليه استقر العتق وإن لم يؤد إليه بطل العتق لأن ذمته لم تتم براءتها من المال وإن رد المعيب بطل العتق إلا أن يعطيه بدله وقال أبو الخطاب : لا يرتفع العتق وله قيمة المعيب أو أرشه إن أمسكه وإن كاتب على خدمة شهر فمرض فيه لم يقع العتق لعدم العوض
فصل :
وإن باع ما في ذمة المكاتب لم يصح لأنه بيع دين لا سيما وهو غير مستقر فإن قبضه المشتري لم يعتق المكاتب لأنه لم يقبضه السيد ولا وكيله وإنما قبضه المشتري لنفسه وهو لا يستحقه وفيه وجه آخر : أنه يعتق لأن السيد أذن للمشتري في قبضه فكان قبضه كقبض وكيله
فصل :
إذا جنى المكتاتب بدئ بجنايته قبل كتابته لأن جنايته تقدم على حق المالك إذا كان قنا فعلى حقه إذا كان مكاتبا أولى فإن أداهما عتق وإن عجز عن أدائهما فلكل واحد منهما تعجيزه فإن عجزه ولي الجناية بيع فيها إن استغرقته وإلا بيع منه بقدر جناية وباقيه على الكاتبة متى أدى كتابة باقية عتق وهل يسري عتقه ويقوم على سيده إن كان موسرا ؟ على وجهين وإن عجزه السيد عاد قنا وخير بين فدائه أو تسليمه كعبده القن فإن أعتقه السيد فعليه فداؤه أيضا لأنه أتلف محل الحق وإن كان عليه دين من معامله بدئ بقضائه مما في يده لأنه يتعلق بما في يده ويختص به والسيد والمجني عليه يرجعان إلى رقبته فإن فضل شيء قدم ولي الجناية وإن لم يكن له مال لم يملك الغريم تعجيزه لأن حقه في الذمة فلا فائدة في تعجيزه بل تركه على الكاتبة أنفع له لأنه ربما اكتسب بما يعطيه فكان أولى
باب الكتابة الفاسدة
إذا كاتبه على عوض محرم أو مجهول فالعقد فاسد وإن شرطا شرطا فسدا مثل أن يشرط أن يوالي من شاء من ميراثه فالعقد صحيح لأن عائشة رضي الله عنها قالت : كان في بريرة ثلاث قضيات أراد اهلها أن يبيعوها ويشترطوا الولاء فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال [ اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ] متفق عليه فحكم بفساد الشرط مع أمره بالشراء ويتخرج فساد العقد بناء على فساد البيع به وإن شرط عليه أن لا يسافر ولا يطلب الصدقة فالعقد صحيح وفي الشرط روايتان :إحداهما : هو صحيح لأن فيه غرضا صحيحا للسيد وهو صيانته عن أكل الصدقة وصيانة عبده عن التغرير بالسفر
والثانية : هو باطل لأنه ينافي مقتضى العقد وهو تمكينه من الكسب وأخذ ما فرض الله له من الصدقات
فصل :
ومتى فسد العقد فللسيد الفسخ لأنه عقد فاسد لا حرمة له وسواء كان فيه صفة كقوله : إن أديت إلي فأنت حر أو لم تكن لأن المقصود المعاوضة فصارت الصفة مثبتة عليها بخلاف الصفة المجردة وله فسخ العقد بنفسه لأنه مجمع عليه وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر عليه لسفه لأنه عقد غير لازم فأشبه الوكالة وقال أبو بكر لا تنفسخ بذلك ولا تبطل بجنون العبد لأنه لازم من جهته فأشبه العتق المعلق بالصفة وإن أدى ما كوتب عليه عتق لأن الكاتبة جمعت معاوضة وصفة فإذا بطلت المعاوضة بقيت الصفة فعتق بها وإن أدى إلى غير كاتبه أو أبرأه السيد مما عليه لم يعتق لأن الصفة لم توجد وقال أبو بكر : يعتق بالأداء إلى الوارث لأنه قام مقام المورث وإذا عتق فله ما فضل في يده من الكسب ويتبع الجارية ولدها لأنها أجريت مجرى الصحيحة في العتق فتجري مجراها فيما ذكرنا وفيه وجه آخر : لا يتبعها ولدها ولا فضلة كسبها لأن عتقها بالصفة دون الكاتبة ولا يرجع السيد على العبد بشيء لأنها إما عتق بصفة وإما مجراه مجرى الكاتبة الصحيحة وكلاهما لا يثبت فيه التراجع
باب جامع الكتابة
تصح كتابة بعض العبد لأنه عقد معاوضة على نصيب المكاتب فصح كبيعه وإذا كاتبه وكان باقيه حرا فأدى كملت له الحرية وإن كان باقيه قنا لم تسر الكاتبة إليه لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع ويصير شريكا لمالك باقيه في نفسه فإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لمالك باقيه عتق وسرى العتق إلى سائره إن كان جميعه للمكاتب وإن كان لغيره والمكاتب موسر عتق جميعه وإن كان معسرا لم يعتق إلا ما كاتبه كالإعتاق المنجر وإذا أذن له شريك المكاتب في الأداء من جميع كسبه عتق بأدائه كما لو أدى إليها وإن كان باقيه مكاتبا أو كاتب السيدان معا جاز سواء اتفق العوضان أو اختلفا لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع ولا يملك أن يؤدي إلى أحدهما أكثر مما يؤدي إلى صاحبه لأنهما سواء في كسبه إلا أن يأذن أحدهما في تعجيل حق الآخر فيجوز وذكر أبو بكر وجها آخر : أنه لا يجوز تخصيص أحدهما بالأداء وإن أذن الآخر فيه لأن حقه في ذمته لا فيما في يده فلم ينفع إذنه فيه والأول أصح لأن المنع لحقه فجاز بإذنه فإن أدى إليهما في حال واحدة عتق عليهما وولاؤه لهما وإن أدى أحدهما قبل الآخر بإذنه أو لكونه نصيب المؤدى إليه من العوض أقل عتق نصيبه وسرى إلى نصيب الآخر إن كان موسرا في قول الخرقي لأنه أعتق شركا له في عبد وهو موسر فعتق عليه كله لحديث ابن عمر وقال أبو بكر : لا يسري في الحال لأن في سرايته إبطال نصيب صاحبة من الولاء الذي انعقد سببه وهكذا الخلاف فيما إذا عتق أحدهما نصيبه بالمباشرة وفيها إذا كان نصفه قنا فأعتقه صاحب القنفصل :
ويجوز أن يكاتب جماعة من عبيده صفقة واحدة بعوض واحد لأن العوض بجملته معلوم فصح كما لو باع عبدين بثمن واحد ويصير كل واحد منهم مكاتبا بحصته من العوض يقسم بينهم على قدر قيمتهم حين العقد لأنه عوض فيسقط على المعوض بالقيمة كما لو اشترى شقصا وسيفا قال أبو بكر : ويتوجه لأبي عبد الله قول آخر : إن العوض بينهم على عددهم لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة فكان بينهم على السواء كما لو أقر لهم بشيء والأول أصح وتعتبر قيمتهم حال العقد لأنه حال زوال سلطانه عنهم وأيهم أدى عتق لأنه أدى ما عليه فعتق كما لو انفرد وقال أبن ابي موسى : لا يعتق حتى تؤدى جميع الكاتبة وإن مات بعضهم سقط من مال الكتابة بقدر حصته والأول أصح
فصل
وإذا كاتب السيد عبده فماله لسيده لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ] ولأنه عقد يزيل ملك السيد عن إكسابه فأشبه البيع
باب اختلاف السيد ومكاتبه
إذا اختلفا في أصل العقد فالقول قول السيد مع يمينه لأن الأصل عدمه وإن اختلفا في قدر مال الكاتبة أو أجله ففيه ثلاث روايات :إحداهن : القول قول السيد لأنهما اختلفا في الكاتبة فأشبه ما لو اختلفا في عقدها
والثانية : القول قول المكاتب لأن الأصل عدم الزيادة المختلف فيها
والثالثة : يتحالفان لأنهما اختلفا في قدر العوض فيتحالفان كما لو اختلفا في ثمن المبيع : فإذا تحالفا قبل العتق فسخنا العقد إلا أن يرضى أحدهما بما قال صاحبه وإن كان التحالف بعد العتق رجع السيد على العبد بقيمته ورجع العبد بما أداه على سيده
فصل :
وإن وضع السيد عن العبد بعض نجومه أو أبرأه منه واختلفا في أي النجوم هو فالقول قول السيد لأنهما اختلفا في فعله وإن وضع عنه دراهم والكتابة على دنانير لم يصح لأنه وضع عنه غير ما عليه فإن قال العبد إنما أردت دنانير بقيمة الدراهم فأنكره السيد لأن الظاهر معه وهو أعلم بما عنى وإن أدى كتابه فقال السيد : أنت حر ثم بان مستحقا لم يعتق لأن الظاهر أنه قصد إلى الخبر بناء على ظنه وقد بان خلافه فإن قال العبد : أردت عتقي فأنكر السيد فالقول قوله لأنه أعلم بقصده وإن ادعى العبد وفاء الكاتبة فأنكره السيد فالقول قول السيد لأن الأصل عدم الوفاء وإن قال السيد : استوفيت فادعى المكاتب أنه وفاه الجميع وقال السيد : إنما وفيتني البعض فالقول قول السيد لأن الاستيفاء لا يقتضي الجميع
فصل :
فإن كان للمكاتبة ولد فقالت : ولدته في الكتابة فقال السيد : بل قبلها فالقول قول السيد : لأنه إختلاف في وقت الكتابة والأصل عدمها قبل الولادة وإن زوج السيد مكاتبه أمته فولدت منه : واشترى زوجته فقال السيد : ولدته قبل الشراء وقال المكاتب : بل بعده احتمل أن تكون كالتي قبلها واحتمل أن يكون القول قول العبد لأن هذا اختلاف في الملك والظاهر مع العبد لأنه في يده بخلاف التي قبلها لأنهما لم يختلفا في المللك إنما اختلفا في وقت العقد
فصل :
فإذا أدى أحد المكاتبين إلى السيد أو أبرأه فادعى كل واحد من المكاتبين أنه المؤدي أو المبرأ فالقول قول السيد في التعيين لأنه لو أنكرهما كان القول قوله فإذا أنكر أحدهما قبل قوله وعليه اليمن له فإن نكل قضي عليه وعتقا جميعا فإن قال : لا أعلم أيكما المؤدي فعليه اليمين أنه لا يعلم فيقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وعتق وبقي الآخر على الكاتبة وكذلك إن مات السيد قبل التعيين قرع بينهما لأنهما تساويا في احتمال الحرية فأشبه ما لو أعتق أحدهما وأنسيه
فصل :
إذا كاتب عبيدا كتابة واحدة فأدوا عتقوا فقال من كثرت قيمته : أدينا على قدر قيمنا وقال الآخر : بل أدينا على السواء فبقيت لنا على الأكثر بقية فمن جعل العوض بينهم على عدد رؤوسهم قال : القول قول من ادعى التسوية ومن جعل على كل واحد قدر حصته فعنده فيه وجهان :
أحدهما : القول قول من يدعي التسوية لأن أيديهم على المال فيتساوون فيه
والثاني : القول قول الآخر لأن الظاهر أن الإنسان لا يؤدي إلا ما عليه
فصل :
وإذا كاتب رجلان عبدا بينهما فادعى أنه أدى إليهما فصدقه أحدهما وأنكر الآخر عتق نصيب المقر وحلف الآخر وبقيت حصته على الكتابة وله مطالبة المقر بنصف ما قبض لحصول حقه في يده ومطالبة المكاتب بالباقي وله مطالبة المكاتب بالجميع لأنه لم يدفع إليه حقه ولا إلى وكيله فإذا قبض عتق المكاتب ومن أيهما أخذ لم يرجع به المقبوض منه على الآخر لأنه يقر ببراءة صاحبه ويدعي أن المنكر ظلمه فلا يرجع بما ظلمه به على غيره فإن عجز المكاتب عجزه ورق نصفه ولم يسر عتق الآخر لأنه لا يعترف بعتقه ولا العبد أيضا ولا يعترف المنكر بعتق شيء منه وإن شهد المصدق له فقال الخرقي : تقبل شهادته له في العتق لأنه لا نفع له فيه ولا تقبل شهادته فيما يرجع إلى براءته من مشاركة صاحبه وقياس المذهب أنه لا تقبل شهادته في العتق أيضا لأن من شهد بشهادة يجر إلى نفسه نفعا بطلت شهادته في الكل وإن ادعى المكاتب ودفع جميع المال إلى أحدهما ليأخذ نصيبه منه ويدفع باقيه إلى شريكه وقال المدعى عليه : بل دفعت إلى كل واحد منا حقه فهي كالتي قبلها إلا أن المنكر يأخذ حصته بلا يمين لأنه لا يدعي واحد منهما دفع المال إليه وإن قال المدعى عليه : قبضت المال ودفعت إلى شريكي حصته فأنكر شريكه فعليه اليمين ها هنا لأنه يدعي التسليم إليه فإذا حلف فله مطالبة من شاء منهما بجميع حقه فإن أخذ من المكاتب رجع على المقر لأنه قبض منه سواء صدقه المكاتب في الدفع إلى شريكه أو كذبه لتفريطه في ترك الإشهاد فإن حصل للمنكر ماله من أحدهما عتق وإن عجز المكاتب فللمنكر استرقاق نصفه والرجوع على المقر بنصف ما قبض لأنه استحق نصف كسبه ويقوم على المقر لأنه رقه كان بسبب منه وهو التفريط
فصل
وإذا خلف رجل ابنين وعبدا فادعى العبد أن سيده كاتبه فأنكراه فالقول قولهما مع أيمانهما لأن الأصل عدم الكتابة ويحلفان على نفي العلم لأنها يمين على فعل الغير وإن صدقه أحدهما أو نكل عن اليمين وحلف الآخر ثبتت الكتابة لنصفه ومتى أدى إلى المقر عتق نصيبه ولم يسر إلى نصيب شريكه لأنه لم يباشر العتق ولم يتسبب إليه إنما هو مقر بما فعل أبوه وولاء نصفه الذي عتق للمقر لأته لا يدعيه غيره وإن شهد المقر على المنكر فشهادته مقبولة إن كان عدلا لأن لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع ضررا والله أعلم
باب حكم أمهات الأولاد
إذا أصاب الرجل أمته فولدت منه ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان صارت له أم ولد تعتق بموته من رأس المال لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه ] رواه أحمد و ابن ماجة ولأنه إتلاف حصل بالاستمتاع فحسب من رأس المال كإتلاف ما يأكله فأما إن علقت منه في غير ملكه لم تعتق عليه سواء ملكها حاملا أو بعد الوضع لأنها علقت بمملوك فإذا كان الولد مملوكا فأمه أولىوعنه : إن ملكها حاملا فولدت عنده صارت له أم ولد لعموم الخبر وقال القاضي : إن لم يطأها بعد ملكه لها لم تصر أم ولد وكذلك إن وطئها في ابتداء حملها أو توسطه بعد ملكه لها صارت أم ولد لأن الماء يزيد في سمعه وبصره وقد قال عمر : أبعدما اختلطت دماؤكم ودماؤهن ولحومكم ولحومهن بعتموهن ؟ ! فعلل بالاختلاط وقد وجد وإن ولدت منه في غير ملكه بنكاح أو زنا ثم ملكها لم تصر أم ولد لأن ولدها مملوك لسيد الأمة ونقل ابن أبي موسى : أنها تصير أم ولد لما ذكرناه والأول المذهب
فصل
فإن أسقطت ولدا ميتا فهو كالحي في ذلك لأنه ولد وإن أسقطت جزءا منه كيد ورجل فهي أم ولد لأنه من ولد وإن ألقت نطفة أو علقة لم تصر أم ولد لأنه ليس بولد وإن وضعت ما يتحقق فيه تخطيط من رأس أو يد أو رجل أو عين فهو ولد وإن ألقت مضغة فشهدت ثقة من القوابل أنه تخطط أو تصور ثبت أنه ولد وإن لم يتخطط ويتصور فشهدت أنه بدو خلق آدمي ففيه روايتان :
إحداهما : لا تصير أم ولد لأنه ليس بولد أشبه النطفة والأخرى هي أم ولد لأنه بدو خلق بشر أشبه المتخطط
فصل
ويملك الرجل استخدام أم ولده وإجارتها ووطأها وتزويجها وحكمها حكم الإماء في صلاتها وغيرها لأنها باقية على ملكه إنما تعتق بعد الموت بدليل حديث ابن عباس
فصل
ولا يملك بيعها ولا هبتها ولا التصرف في رقبتها لما روى سعيد بن منصور بإسناده عن عبيدة قال : خطب علي الناس فقال : شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة : فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده وروي عنه أنه قال : بعث إلي علي وإلى شريح أن اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف وروى صالح عن أحمد أنه قال : أكره بيعهن وقد باع علي بن أبي طالب قال أبو الخطاب : فظاهر هذا أنه يصح البيع مع الكراهة والمذهب الأول
فصل
وإن ولدت من غير سيدها فله حكمها يعتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت قبله لأن الاستيلاد كالعتق المنجر ولا يبطل الحكم فيه بموتها لأنه استقر في حياتها فلم يسقط بموتها كولد المدبرة
فصل
وإن أسلمت أم ولد الذمي لم تعتق ونقل عنه منها : أنها تعتق لأنه لا يجوز إقرار ملك كافر على مسلمة ولا سبيل إلى إزالته بغير العتق
وعنه : أنها تستسعى في قيمتها ثم تعتق والمذهب الأول قال أبو بكر : الذي تقتضيه أصول أبي عبد الله أنها لا تعتق لأنه سبب يقتضي العتق بعد الموت فلم يتجزأ بالإسلام كالتدبير ولكن تزال يده عنها ويحال بينه وبينها لأن المسلمة لا تحل لكافر وتسلم إلى ارمأة ثقة ونفقتها في كسبها وما قضل منه فهو لسيدها وإن لم يف بنفقتها فعلى سيدها تمامها في إحدى الروايتين وهو قول الخرقي لأنها مملوكته
والثانية : لا يلزمه ذلك لأنه منع الانتفاع بها فإن أسلم حلت له وإن مات عتقت
فصل
وإن جنت لزم سيدها فداؤها لأنه منع من بيعها بالإحبال ولم تبلغ حالا تتعلق بذمتها فأشبه ما لو امتنع من تسليم عبده القن ويفديها بأقل الأمرين من فيمتها أو أرش جنايتها لأنه لا يمكن بيعها
وعنه : يفديها بأرش جنايتها بالغة ما بلغت حكاها أبو بكر لأنه ممنوع من تسليمها فإن عادت فجنت فداها كما وصفت لأن الموجب لفدائها وجد في الثانية كوجوده في الأول فوجب استواؤهما في الفداء لاستوائهما في مقتضيه
فصل
وإن جنت أم ولد على سيدها فيما دون النفس فهو كجناية القن سواء وإن قتلته عتقت لأنه زال ملكه بموته ولا يمكن نقل الملك فإن كانت جنايتها عمدا فللأولياء القصاص منها وإن كانت غير موجبة له فسقط بالعفو فعليها قيمة نفسها لأنها جناية أم ولد فلم يجب أكثر من قيمتها كالجناية على الأجنبي وإن ورث ولدها شيئا من القصاص الواجب عليها سقط كله لأنه لا يتبعض وصار الأمر إلى القيمة
كتاب النكاح
النكاح مشروع أمر الله به ورسوله فقال تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وقال سبحانه : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء ]وقال عليه السلام : [ إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ] وقال سعد بن أبي وقاص : لقد رد النبي صلى الله عليه و سلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله له لاختصينا متفق عليهما والتبتل : ترك النكاح
وقد روي عن أحمد : أن النكاح واجب اختاره أبو بكر لظاهر هذه النصوص فظاهر المذهب أنه لا يجب إلا على من يخاف بتركه مواقعة المحظور فيلزمه النكاح لأنه يجب عليه اجتناب المحظور وطريقه النكاح ولا يجب على غيره لقوله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ولو وجب لم يعلقه على الاستطابة والاشتغال به أفضل من التخلي للعبادة لظاهر الأخبار فإن أقل أحوالها الندب إلى النكاح و الكراهة لتركه إلا أن يكون ممن لا شهوة له كالعنين والشيخ الكبير ففيه وجهان :
أحدهما : النكاح له أفضل لدخوله في عموم الأخبار
والثاني : تركه أفضل لأنهلا يحصل منه مصلحة النكاح ويمنع زوجته من التحصن بغيره ويلزمه نفسه واجبات وحقوق لعله يعجز عنها
فصل :
ولا يصح إلا في جائز التصرف لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع ولا يصح نكاح العبد بغير إذن مولاه لما روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر ] رواه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن ولأنه ينقص قيمته ويوجب المهر والنفقة وفيه ضرر على سيده فلم يجز بغير إذنه كبيعه وعنه : أنه يصح ويقف على إجازة مولاه بناء على تصرفات الفضولي ويجوز نكاحه بإذن مولاه لدلالة الحديث ولأن المنع لحقه فزال بإذنه
فصل :
ومن أراد نكاح امرأة فله النظر إليها لما روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
[ إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ] رواه أبو داود
وينظر إلى الوجه لأنه مجمع المحاسن وموضع النظر وليس بعورة وفي النظر إلى ما يظهر عادة من الكفين والقدمين ونحوهما روايتان :
إحداهما : يباح لأنه يظهر عادة أشبه الوجه
والثانية لا يباح لأنه عورة أشبه ما لا يظهر ولا يجوز النظر إلى ما لا يظهر عادة لأنه عورة ولا حاجة إلى نظره ويجوز النظر إليها بإذنها وبغير إذنها لأن النبي صلى الله عليه و سلم أطلق النظر فلا يجوز تقييده وفي حديث جابر قال : فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها
وليس له الخلوة بها لأن الخبر إنما ورد بالنظر فبقيت الخلوة على أصل التحريم ويجوز لمن أراد شراء جارية النظر منها إلى ما عدا عورتها للحاجة إلى معرفتها ويجوز للرجل النظر إلى وجه من يعاملها لحاجته إلى معرفتها للمطالبة بحقوق العقد ويجوز ذلك عند الشهادة للحاجة إلى معرفتها للتحمل والأداء ويجوز للطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى مداواته من بدنها حتى الفرج لأنه موضع ضرورة فأشبه الحاجة إلى الختان
فصل :
وله أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبا كالرأس والرقبة والكفين والقدمين لقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } وقال تعالى : { لا جناح عليهن في آبائهن } وذات المحرم : من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كأم الزوجة وابنتها فأما أم المزني بها والموطوءة بشبهة وبنتها فلا يباح النظر إليها لأنها حرمت بسبب غير مباح فلا تلحق بذوات الأنساب وأما عبد المرأة فليس بمحرم لها لأنها لا تحرم عليه على التأبيد لكن يباح له النظر إلى ما يظهر منها غالبا لقوله تعالى : { وما ملكت أيمانكم } روت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه ] رواه الترمذي وقال : حديث صحيح وفيه دلالة على أنها لا تحتجب منه قبل ذلك ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لحاجتها لخدمته فأشبه ذا المحرم
فصل :
ومن لا تمييز له من الأطفال لا يجب التستر منه في شيء لقوله تعالى : { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }
وفي المميز روايتان :
إحداهما : هو كالبالغ لهذه الآية والثانية : هو كذي المحرم لقوله تعالى : { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم } إلى قوله تعالى : { ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض } ثم قال : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } ففرق بينه وبين البالغ وحكم الطفلة التي لا تصلح للنكاح مع الرجال حكم الطفل من النساء والتي صلحت للنكاح كالمميز من الأطفال لما روى أبو بكر بإسناده : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم في ثياب رقاق فأعرض عنها وقال : [ يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ] وأشار إلى وجهه وكفيه
فصل :
والعجوز التي لا تشتهى مثلها يباح النظر منها إلى ما يظهر غالبا لقوله تعالى : { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة } قال ابن عباس استثناهن الله تعالى من قوله : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } ولأن ما حرم من النظر لأجله معدوم في حقها فأشبهت ذوات المحارم وفي معناها : الشوهاء التي لا تشتهى ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو مرض أو تخنيث فحكمه حكم ذي المحرم في النظر لقوله تعالى : { أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال } أي الذي لا إرب له في النساء كذلك فسره مجاهد و قتادة ونحوه عن ابن عباس رضي الله عنه قالت عائشة رضي الله عنها : دخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل النبي صلى الله عليه و سلم وهو ينعت امرأة قال : ( إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان ) فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا ؟ ! لا يدخلن عليكم هذا ] رواه أبو داود فأجاز دخوله عليهن حين عده من غير أولي الإربة فلما علم ذلك منه حجبه
فصل :
ويباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه وكذلك السيد مع أمته المباحة له لأنه أبيح له الاستمتاع به فأبيح له النظر إليه كالوجه وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منا وما نذر ؟ قال : [ احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ]
ويكره النظر إلى الفرج فإن زوج أمته حرم النظر منها إلى ما بين السرة والركبة لما روى ابن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة فإن عورة ] رواه أبو داود
فصل :
فأما الرجل مع الرجل فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة لأن تخصيص العورة بالنهي دليل على إباحة النظر إلى غيرها
ويكره النظر إلى الغلام الجميل لأنه لا يأمن الفتنة بالنظر إليه والمرأة من المرأة كالرجل من الرجل والمسلمة من الكافرة كالمسلمتين كما أن المسلم من الكافر كالمسلمين وعنه : إن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ولا تدخل معها الحمام لقوله تعالى : { أو نسائهن } فتخصيصهن بالذكر يدل على اختصاصهن بذلك
فصل :
وفي نظر المرأة إلى الرجل روايتان :
إحداهما : يحرم عليها من ذلك ما يحرم عليه لما روت أم سلمة قالت : كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه و سلم أنا و حفصة فاستأذن بن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ احتجبن منه ] فقلت : يا رسول لله ضرير لا يبصر فقال : [ أفعمياوان أنتما ألا تبصرانه ] أخرجه أبو داود و النسائي : حديث صحيح
والثانية : يجوز لها النظر منه إلى ما ليس بعورة لما روت فاطمة بنت قيس : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها : [ اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك ] وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد متفق عليهما وهذا أصح وحديث أم سلمة يحتمل أنه خاص لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم فإن قدر عمومه فهذه الأحاديث أصح منه فتقديمها أولى وكل من أبيح له النظر إلى من لا يحل له الاستمتاع به لم يجز له ذلك لشهوة وتلذذ لأنه داعية إلى الفتنة
فصل : تابع باب شرائط النكاح
الشرط الثالث من شروط النكاح : تعيين الزوجين لأن المقصود بالنكاح أعيانهما فوجب تعيينهما فإن كانت حاضرة فقال : زوجتك هذه صح لأن الإشارة تكفي في التعيين فإن زاد على ذلك فقال : ابنتي أو فاطمة كان تأكيدا وإن سماها بغير اسمها صح لأن الاسم لا حكم له مع الإشارة فأشبه ما لو قال : زوجتك هذه الطويلة وهي قصيرة وإن كانت غائبة فقال : زوجتك ابنتي وليس له غيرها صح لحصول التعيين بتفردها بهذه الصفة المذكورة وإن سماها باسمها أو وصفها بصفتها كان تأكيدا وإن سماها بغير اسمها صح أيضا لأن الاسم لا حكم له مع التعيين فلا يؤثر الغلط فيه وإن كان له ابنتان فقال : زوجتك ابنتي لم يصح حتى يسميها أو يصفها بما تتميز به لأن التعيين لا يحصل بدونه فإن قال : ابنتي فاطمة أو ابنتي الكبرى صح لأنها تعينت به وإن نويا ذلك من غير لفظ لم يصح لأن الشهادة في النكاح شرط ولا يقع إلا على اللفظ ولا تعيين فيه وإن خطب الرجل امرأة فزوج غيرها لم ينعقد النكاح لأنه ينوي القبول لغير ما وقع فيه الإيجاب فلم يصح كما لو قال : قد زوجتك ابنتي فاطمة فقال : قبلت تزويج عائشة فإن كان له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال : قبلت تزويج عائشة فقبله الزوج ينويان الصغرى لم يصح لأنهما لم يتلفظا بما تقع الشهادة عليه ولم يذكر المنوية بما تتميز به وإن نوى أحدهما الكبرى والآخر الصغرى لم يصح لأنه قبل النكاح في غير من وقع عليه الإيجاب وإن قال : زوجتك حمل امرأتي لم يصح لأنه لم يثبت لها حكم البنات قبل الولادة ولا يتحقق كونها بنتا وإن قال : إن ولدت زوجتي بنتا زوجتكها كان وعدا لا عقدا لأن النكاح لا يتعلق على الشروطفصل :
الشرط الرابع من شروط النكاح : التراضي من الزوجين أو من يقوم مقامهما لأن العقد لهما فاعتبر تراضيهما به كالبيع فإن كان الزوج بالغا عاقلا لم يجز بغير رضاه وإن كان عبدا لم يملك السيد إجباره عليه لأنه خالص حقه وهو من أهل مباشرته فلم يجبر عليه كالطلاق وإن كان العبد صغيرا فلسيده تزويجه لأنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير فعبده أولى قال أبو الخطاب : ويحتمل أن لا يملكه أيضا قياسا على الكبير ويملك الأب تزويج ابنه الصغير الذي لم يبلغ لما روي عن ابن عمر : أنه زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا رواه الأثرم ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية فملك تزويجه كابنته الصغيرة وسواء كان عاقلة أو معتوها لأنه إذا ملك تزويج العاقل فالمعتوه أولى ويملك الأب أيضا تزويج ابنه البالغ المعتوه في ظاهر كلام أحمد و الخرقي لأنه غير مكلف فأشبه الصغير وقال القاضي : لا يجوز تزويجه إلا إذا ظهر منه إمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه فقال أبو بكر : لا يجوز تزويجه بحال لأنه رجل فلم يجز تزويجه بغير إذنه كالعاقل والأول أولى لأنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته إلى قضاء شهوته وحفظه عن الزنى فالبالغ أولى ولا يجوز تزويجه إلا إذا رأى وليه المصلحة في تزويجه لاحتياجه إلى الحفظ والإيواء أو قضاء الشهوة ونحو ذلك فأما من له إفاقة في بعض أحيانه فلا يجوز إجباره على النكاح لأنه يمكن استئذانه ووصي الأب كالأب في تزويج الصغير والمعتوه لأنه نائب عنه فأشبه الوكيل ولا يملك غير الأب ووصيه تزويج صغير ولا معتوه لأنه إذا لم يملك تزويج الأنثى مع قصورها فالذكر أولى وقال ابن حامد : للحاكم تزويج المعتوه الذي يشتهي النساء لأنه يلي ماله فملك تزويجه كالوصي وقال القاضي : له تزويج الصغير الذي يشتهي كذلك ولا يجوز إذا رأى المصلحة في ذلك لأنه ناظر له في مصالحه وهذا منها فأشبه عقده على ماله
فصل :
فأما المرأة فإن السيد يملك تزويج أمته بكرا كانت أو ثيبا بغير رضاها لأنه عقد على منافعها فملكه كإجارتها وأما الحرة فإن الأب يملك تزويج ابنته الصغيرة البكر بغير خلاف لأن أبا بكر الصديق زوج عائشة للنبي صلى الله عليه و سلم وهي ابنة ست متفق عليه ولم يستأذنها وروى الأثرم : أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست ولا يملك تزويج ابنته الثيب الكبيرة إلا بإذنها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الأيم أحق بنفسها من وليها ] وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس للولي من الثيب أمر ] رواهما أبو داود وفي البكر البالغة روايتان :
إحداهما : له إجبارها لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن من نفسها وإذنها صماتها ] وإثباته الحق للأيم على الخصوص يدل على نفيه عن البكر
والثانية : لا يجوز تزويجها إلا بإذنها لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تأذن قالوا : يا رسول الله فكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ] متفق عليه وأما الثيب الصغيرة ففيها وجهان :
أحدهما : لا يجوز تزويجها لعموم الأحاديث فيها
والأخرى : يجوز تزويجها لأنها ولد صغير فملك الأب تزويجها كالغلام والثيب : هي الموطوءة في فرجها حلالا كان أو حراما لأنه لو أوصى للثيب بوصية دخل فيها من ذكرناه ولا تدخل في وصيته الأبكار ووصي الأب إذا نص له على التزويج كالأب لأنه قائم مقامه
فصل :
فأما غيرهما فلا يملك تزويج كبيرة إلا بإذنها جدا كان أو غيره لعموم الأحاديث ولأنه قاصر عن الأب فلم يملك الإجبار كالعم وفي الصغيرة ثلاث روايات :
إحداهن : له تزويجها لما روى أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها ] والصغيرة لا إذن لها
والثانية : لهم تزويجها ولها الخيار إذا بلغت لقوله تعالى : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } دلت بمفهومها على أنه له تزوجها إذا أقسط لها وقد فسرته عائشة بذلك
والثالثة : لهم تزويجها إذا بلغت تسعا بإذنها ولا يجوز قبل ذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا زواج عليها ] رواه أبو داود وجمعنا بين الأدلة والأخبار وقيدنا ذلك بابنة تسع لأن عائشة قالت : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم لأنها تصلح بذلك للنكاح وتحتاج إليه فأشبهت البالغة وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات أو الكلام في حق الأب وغيره لما تقدم من الحديث وهو صريح في الحكم وروى عدي الكندي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ البكر تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها ] رواه الأثرم و ابن ماجة ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم لشمول اللفظ لهما جميعا
فصل :
الشرط الخامس من شروط النكاح : الإيجاب والقبول ولا يصح الإيجاب إلا بلفظ النكاح أو التزويج فيقول : زوجتك ابنتي أو أنكحتكها لأن ما سواهما لا يأتي على معنى النكاح فلا ينعقد به كلفظ الإحلال ولأن الشهادة شرط في النكاح وهي واقعة على اللفظ و غير هذا اللفظ ليس بموضوع للنكاح وإنما يصرف إليه بالنية ولا شهادة عليها فيخلوا النكاح عن الشهادة
وأما القبول فيقول : قبلت هذا النكاح وإن اقتصر على قبلت صح لأن القبول يرجع إلى ما أوجبه الولي كما في البيع وإن قيل للولي : أزوجت ؟ قال : نعم قيل للمتزوج : أقبلت ؟ قال : نعم انعقد النكاح لأن نعم جواب للسؤال والسؤال مضمر معاد فيه ولهذا لو قيل له : أسرقت ؟ قال : نعم كان مقرا بالسرقة حتى يلزمه القطع الذي يندرئ بالشبهات فهاهنا أولى ولا يصح الإيجاب والقبول بغير العربية لمن يحسنها لأنه عدول عن لفظ الإنكاح والتزويج مع إمكانهما فلم يصح لما ذكرنا ويصح بمعناهما الخاص بكل لسان لمن يحسنهما لأنه يشتمل على معنى اللفظ العربي فأشبه ما لو أتى به وليس عليه تعليمهما بالعربية لأن النكاح غير واجب فلا يلزم تعلم أركانه كالبيع ولأن المقصود المعنى دون اللفظ المعجوز وهو حاصل بخلاف القراءة وقال أبو الخطاب : يلزمه التعلم لأن ما كانت العربية شرطا فيه عند الإمكان لزمه تعلمه كالتكبير وإذا فهمت إشارة الأخرس صح النكاح بها لأنه معنى لا يستفاد إلا من جهته فصح بإشارته كبيعه وإن تقدم القبول على الإيجاب لم يصح لأن القبول إنما هو بالإيجاب فيشترط تأخره عنه وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه لأن حكم المجلس حكم حالة العقد بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه فإن تفرقا قبله أو تشاغلا بغيره قبل القبول بطل الإيجاب لأنهما أعرضا عنه بتفرقهما أو تشاغلهما فبطل كما لو طال التراخي ونقل أبو طالب عن أحمد في رجل مشى إليه قوم فقالوا : زوج فلانا على ألف فقال : قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقبل هل يكون هذا نكاحا ؟ قال : نعم فجعل أبو بكر هذا رواية ثانية وقال القاضي : هذا محمول على أنه وكل من قبل العقد في المجلس وإن أخرج عن أحدهما عن أهلية العقد بجنون أو إغماء أو موت قبل القبول بطل لأنه لن ينعقد فبطل بهذه المعاني كإيجاب البيع ومتى عقد النكاح هازلا أو تلجئة صح لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : : [ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : الطلاق والنكاح والرجعة ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن
فصل :
وفي الكفاءة روايتان :
إحداهما : هي شرط لصحة النكاح فإذا فاتت لم يصح وإن رضوا به لما روى الدارقطني بإسناده عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا ينكح النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء ] وقال عمر : لأمنعن فروج ذوي الأحساب إلا من الأكفاء ولأنه تصرف يتضرر به من لم يرض به فلم يصح كما لو زوجها وليها بغير رضاها
والثانية : ليست شرطا لأن النبي صلى الله عليه و سلم زوج زيدا مولاه ابنة عمته زينب بنت جحش وزوج أسامة فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية رواه مسلم وقال عائشة : إن أبا حذيفة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة أخرجه البخاري لكن إن لم ترض المرأة ولم يرض بعض الأولياء ففيه روايتان :
إحداهما : العقد باطل لأن الكفاءة حقهم تصرف فيه بغير رضاهم فلم يصح كتصرف الفضولي
والثانية : يصح ولمن لم يرض الفسخ فلو زوج الأب بغي الكفء فرضيت البنت كان للأخوة الفسخ لأنه ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاءة فملك الفسخ كالمتساويين
فصل :
والكفء ذو الدين والمنصب فلا يكون الفاسق كفءا لعفيفة لأنه مردود الشهادة والرواية غير مأمون على النفس والمال ولا يكون المولى والعجمي كفءا لعربية لما ذكرنا من قول عمر وقال سلمان لجرير : إنكم معشر العرب لا نتقدم في صلاتكم ولا ننكح نساءكم إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه و سلم وجعله فيكم والعرب بعضهم لبعض أكفاء والعجم بعضهم لبعض أكفاء لأن المقداد بن الأسود الكندي تزوج ضباعة ابنة الزبير ابن عمة رسول الله وزوج أبو بكر أخته للأشعث بن قيس الكندي وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب
وعنه أن غير قريش لا يكافئهم وغير بني هاشم لا يكافئهم لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ أن الله اصطفى كنانة من والد إسماعيل و اصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ] واختلفت الرواية في ثلاثة أمور : أحدها : الحرية فروي أنها ليست شرطا في الكفاءة [ لأن النبي ( ص ) قال لبريرة حين عتقت تحت عبد فاختارت فرقته : لو راجعتيه قالت : أتأمرني يا رسول الله ؟ قال : لا إنما أنا شفيع ] ومراجعتها له ابتداء نكاح عبد لحرة روي أنها شرط وهي أصح لأن النبي صلى الله عليه و سلم خير بريرة حين عتقت تحت عبد فإذا ثبت لها الخيار فإذا ثبت لها الخيار بالحرية الطارئة فبالسابقة أولى ولأن فيه نقصا في المنصب والاستمتاع والإنفاق ويلحق به العار فأشبه عدم المنصب
والثاني : اليسار ففيه روايتان :
إحداهما : هو من شرط الكفاءة لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ الحسب المال ] وقال [ إن أحساب الناس بينهم هذا المال ] رواه النسائي بمعناه ولأن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها لإخلاله بنفقتها ونفقة ولدها
والثانية : ليس منها لأن الفقر شرف في الدين وقد قال النبي ( ص ) : [ اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ] رواه الترمذي وليس هو أمرا لازما فأشبه العافية من المرض واليسار المعتبر : ما يقدر به على الإنفاق عليها حسب ما يجب لها
والثالث : الصناعة وفيها روايتان :
إحداهما : أن أصحاب الصنائع الدنيئة لا يكافؤون من هو أعلى منهم فالحائك والحجام والكساح والزبال وقيم الحمام لا يكون كفءا لمن هو أعلى منه لأنه نقص في عرف الناس وتتعير المرأة به فأشبه نقص النسب
والثانية : ليس هذا شرطا لأنه ليس بنقص في الدين ولا هو بلازم فأشبه المرض وقد أنشدوا :
( وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم )
فصل :
ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف لما روى محمد بن حاطب قال : قال رسول الله ( ص ) : [ فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح ] رواه النسائي فإن أسروا وتواصوا بكتمانه كره ذلك وصح النكاح وقال أبو بكر : لا يصح للحديث ولنا قول النبي ( ص ) : [ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ] مفهومه صحته بهما والحديث محمول على الندب جمعا بين الخبرين ولأن إعلان النكاح والضرب عليه بالدف إنما يكون بعد العقد وصحته ولو كان شرطا لاعتبر حال العقد كسائر شروطه وقال أحمد : لا بأس بالغزل في العرس لقول النبي ( ص ) للأنصار :
( أتيناكم أتيناكم ... فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحمـ ر ما حلت نواديكم
ولولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاراكم )
فصل :
ويستحب عقده يوم الجمعة لأن جماعة من السلف كانوا يحبون ذلك والمساية أولي لما روى أبو حفص بإسناده عن النبي ( ص ) أنه قال : [ مسوا بالإملاك فإنه أعظم للبركة ]
ويستحب تقديم الخطبة بين يدي النكاح لقول النبي ( ص ) : [ كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ب ( الحمد لله ) فهو أقطع ] ويستحب أن يخطب بخطبة ابن مسعود التي قال : علمنا رسول الله ( ص ) التشهد في الحاجة [ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ] ويقرأ ثلاث آيات : { اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } { اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } رواه الترمذي وقال : حديث حسن وهذا ليس بواجب لأن النبي ( ص ) قال لخاطب الواهبة : [ زوجتكما بما معك من القرآن ] ولم يذكر خطبة
فصل :
ويستحب أن يقال للمتزوج ما روى أبو هريرة : أن رسول الله ( ص ) كان إذا رفأ الإنسان - إذا تزوج - قال : [ بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير ] رواه أبو داود وإذا زفت إليه قال ما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ( ص ) قال : [ إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ] رواه أبو داود
وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد أنه تزوج فحضره عبد الله بن مسعود وأبو ذر و حذيفة وغيرهم من أصحاب رسول الله ( ص ) فقالوا له : إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ برأس أهلك فقل : اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك
فصل :
ويستحب لمن أراد التزوج أن يختار ذات الدين لقول النبي ( ص ) : [ تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ] متفق عليه ويختار الجميلة لأنه أسكن لنفسه وأغض لبصره وأدوم لمودته ولذلك شرع النظر قبل النكاح وروى سعيد بإسناده أن رسول الله ( ص ) قال : [ خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة جميلة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها ] ويتخير الحسيبة لنجب ولدها وقد روي عن عائشة أن النبي ( ص ) قال : [ تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم ] ويختار البكر لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : [ عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير ] رواه ابن ماجه ويختار الولود لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : [ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة ] رواه سعيد ويختار ذات العقل ويجتنب الحمقاء لأنه ربما تعدى ذلك إلى ولدها وقد قيل : اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء قال أبو الخطاب : ويختار الأجنبية لأن ولدها أنجب وقد قيل : إن الغرائب أنجب وبنات العم أصبر
باب شرائط النكاح
وهي خمسة أحدها : الولي فإن عقدته المرأة لنفسها أو لغيرها بإذن وليها أو بغير إذنه لم يصح لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا نكاح إلا بولي ] قال أحمد ويحيى : هذا حديث صحيح وقد روي عن أحمد أن للمرأة تزويج معتقها فيخرج من هذا صحة تزويجها لنفسها بإذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ] رواه أبو داود و الترمذي فمفهومه صحته بإذنه ولأن المنع لحقه فجاز بإذنه كنكاح العبد والأول المذهب لعموم الخبر الأول ولأن المرأة غير مأمونة على البضع لنقص عقلها وسرعة انخداعها فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر من المال بخلاف العبد فإن المنع لحق المولى خاصة وإنما ذكر تزويجها بغير إذن وليها لأنه الغالب إذ لو رضي لكان هو المباشر له دونهافصل :
فإن تزوج بغير إذن ولي فالنكاح فاسد لا يحل الوطء فيه وعليه فراقها وإن وطئ فلا حد عليه في ظاهر كلام أحمد لأنه وطء مختلف في حله فلم يجب به حد كوطء التي تزوجها في عدة أختها وذكر عن ابن حامد :
أنه أوجب به الحد لأنه وطء في نكاح منصوص على بطلانه أشبه ما لو تزوج ذات زوج وإن حكم بصحة هذا العقد حاكم ففيه وجهان :
أحدهما : لا يجوز نقضه لأنه حكم مختلف فيه فأشبه الشفعة للجار
والثاني : ينقض لأنه خالف النص
فصل :
فإن كانت أمة فوليها سيدها لأنه عقد على نفعها فكان إلى سيدها كإجارتها فإن كان لها سيدان لم يجز تزويجها إلا بإذنهما وإن كانت سيدتها امرأة فوليها ولي سيدتها لأنه تصرف فيها فلم يجز بغير إذنه كبيعها وعنه رواية أخرى :
أن مولاتها تأذن لرجل فيزوجها لأن سبب الولاية الملك وقد تحقق في المرأة وامتنعت المباشرة لنقص الأنوثة فكان لها التوكيل كالولي الغائب ونقل عنه : أنه قيل له : هل تزوج المرأة أمتها ؟ قال : قد قيل ذلك هي مالها وهذا يحتمل رواية ثالثة فإن كانت سيدتها غير رشيدة أو كان لغلام أو لمجنون فوليها من يلي مالهم لأنه تصرف في بعضها أشبه إجارتها
فصل :
وإن كانت حرة فأولى الناس بها أبوها لأنه أشفق عصباتها ويلي مالها عند عدم رشدها ثم الجد أبو الأب وإن علا لأنه أب وعنه : الابن يقدم على الجد لأنه أقوى تعصيبا منه وعنه : أن الأخ يقدم على الجد لأنه يدلي ببنوة الأب والبنوة أقوى وعنه : أن الجد والأخ سواء لاستوائهما في الإرث بالتعصيب والمذهب الأول لأن للجد إيلادا وتعصيبا فقدم عليهما كالأب لأنه لا يقاد بها ولا يقطع بسرقة مالها بخلافهما ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل لأنه عدل من عصباتها فيلي نكاحها كابنها وقدم على سائر العصبات لأنه أقربهم نسبا وأقواهم تعصيبا فقدم كالأب ثم الأخ ثم ابنه ثم العم ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها على ترتيبهم في الميراث لأن الولاية لدفع العار عن النسب والنسب في العصبات وقدوم الأقرب فالأقرب لأنه أقوى فقدم كتقديمه في الإرث ولأنه أشفق فقدم كالأب فإن انقرض العصبة من النسب فوليها المولى المعتق ثم عصابته الأقرب فالأقرب ثم مولى المولى ثم عصابته لأن الولاء كالنسب في التعصب فكان مثله في التزويج ويقدم ابن المولى على ابنه لأنه أقوى تعصيبا وإنما قدم الأب المناسب لزيادة شفقته وتحكم الأصل على فرعه وهذا معدوم في أبي المولى فرجع فيه إلى الأصل وإذا كان المعتق امرأة فولي مولاتها أقرب عصباتها لأنه لما لم يمكنها مباشرة نكاحها كانت كالمعدومة وعنه : أنها تولي رجلا في تزويجها لما ذكرنا في أمتها ثم السلطان لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ]
فصل :
فإن استوى اثنان في الدرجة وأحدهما من أبوين والآخر من أب كالأخوين والعمين ففيه روايتان :
إحداهما : يقدم ذو الأبوين اختاره أبو بكر لأنه حق يستفاد بالتعصيب فأشبه الميراث بالولاء
والثانية : هما سواء اختارها الخرقي لأن الولاية بقرابة الأب وهما سواء فيها فإن كانا ابني عم أحدهما أخ لأم فذكر القاضي : أنهما كذلك والصحيح أن الإخوة لا تؤثر في التقديم لاستوائهما في التعصب والإرث به بخلاف التي قبلها من كل وجه فإن استويا من كل وجه فالولاية ثابتة لكل واحد منهما أيهما زوج صح تزويجه لأن السبب متحقق في كل واحدة لكن يستحب تقديم أسنهما وأعلمهما وأتقاهما لأنه أحوط للعقد في اجتماع شروطه والنظر في الحظ فإن استويا وتشاحا أقرع بينهما لأنهما تساويا في الحق و تعذر الجمع فيقرع بينهما كالمرأتين في السفر فإن قرع أحدهما فزوج الآخر صح لأن القرعة لم تبطل ولايته فلم يبطل نكاحه وذكر أبو الخطاب فيه وجها آخر : أنه لا يصح
فصل :
فإن زوجها الوليان لرجلين دفعة واحدة فهما باطلان لأن الجمع يتعذر فبطلا كالعقد على أختين ولا حاجة إلى فسخهما لبطلانهما وإن سبق أحدهما فالصحيح السابق لما روى سمرة وعقبة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما ] رواه أبو داود ولأن الأول : خلا عن مبطل الثاني : تزوج زوجة غيره فكان باطلا كما لو علم فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فعليه مهرها لأنه وطء بشبهة وترد إلى الأول لأنها زوجته ولا يحل له وطؤها حتى تقضي عدتها من وطء الثاني فإن جهل الأول منهما ففيه روايتان :
إحداهما : يفسخ النكاحان لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون نكاحه هو الصحيح لأنه لا سبيل إلى الجمع ولا إلى معرفة الزوج فيفسخ الإزالة الزوجية ثم لها أن تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما
والثانية : يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه فإن كانت زوجته لم يضره ذلك وإن لم تكن صارت زوجته بالتجديد وكلا الطريقين لا بأس به وسواء علم السابق ثم نسي أو جهل الحال لأن المعنى في الجميع واحد وإن أقرت المرأة لأحدهما بالسبق لم يقبل إقرارها لأن الخصم غيرها فلم يقبل قولها عليه كما لو أقرت ذات زوج الآخر أنه زوجها وإن ادعى عليها العلم بالسابق لم يلزمها يمين لأنه من لا يقبل إقراره لا يستحلف في إنكاره
فصل :
ويشترط للولي ثمانية شروط
أحدها : العقل فلا يصح تزويج طفل ولا مجنون
والثاني : الحرية فلا ولاية لعبد
الثالث : الذكروية فلا ولاية لامرأة لأن هؤلاء لا يملكون تزويج أنفسهم فلا يملكون تزويج غيرهم بطريق الأولى
الرابع : البلوغ : فلا يلي الصبي بحال وعنه : أن الصبي المميز إذا بلغ عشرا صح تزويجه لأنه يصح بيعه والأول أولى لأنه مولى عليه فلا يلي كالمرأة
الخامس : اتفاق الدين فلا يلي كافر مسلمة بحال لقوله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } إلا أم الولد الذمي المسلمة ففيها وجهان :
أحدهما : يملك تزويجها لأنه لا يملكها فأشبه المسلم إذا كان سيده كافر
والثاني : لا يليه للآية ويليه الحاكم ولا يلي مسلم كافرة لقوله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } إلا السلطان فإنه يلي نكاح الذمية التي لا ولي لها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ السلطان ولي ولا ولي له ] ولأن ولايته عامة عليهم وسيد الأمة الكافرة يزوجها وإن كان مسلما لأنه عقد عليها فوليه كبيعها وولي سيد الكافرة أو سيدتها يزوجها لأنه يقوم مقامهما ويلي الكفار أهل دينهم للآية التي تلوناها وهل تعتبر عدالتهم في دينهم ؟ على وجهين بناء على الروايتين في المسلمين
السادس : العدالة فلا يلي الفاسق نكاح قريبته وإن كان أبا في إحدى الروايتين لأنها ولاية نظرية فنافاها الفسق كولاية المال والثانية : يلي لأنه قريب ناظر فكان وليا كالعدل ولأن حقيقة العدالة لا تعتبر بل يكفي كونه مستور الحال ولو اشترطت العدالة اعتبرت حقيقتها كما في الشهادة
السابع : التعصيب أو ما يقوم مقامه فلا تثبت الولاية لغيرهم كالأخ من الأم والخال وسائر من عدا العصبات لأن الولاية تثبت لحفظ النسب فيعتبر فيها المناسب ولا تثبت الولاية للرجل على المرأة التي تسلم على يديه وعنه : أنها تثبت ووجه الروايتين ما ذكرنا في كتاب الولاء
الثامن : عدم من هو أولى منه فلا تثبت الولاية للأبعد مع حضور الأقرب الذي اجتمعت الشروط فيه لما ذكرنا في تقديم ولاية الأب فإن مات الأقرب أو جن أو فسق انتقلت إلى من بعده لأن ولايته بطلت فانتقلت إلى الأبعد كما لو مات فإن عقل المجنون وعدل الفاسق عادت ولايته لزوال مزيلها مع وجود مقتضيها فإن زوجها الأبعد من غير علم بعود ولاية الأقرب لم تصح ولاية زوجها بعد زوال ولايته يحتمل أن تصح بناء على الوكيل إذا تصرف بعد العزل قبل علمه به وإن دعت المرأة وليها إلى تزويجها من كفء فعضلها فللأبعد تزويجها نص عليه وعنه : لا يزوجها إلا السلطان وهو اختيار أبو بكر لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ] ولأن التزويج حق عليه امتنع منه فقام الحاكم مقامه في إيفائه كما لو كان عليه دين فامتنع من قضائه واختار الخرقي الرواية الأولى لأنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فوليها الأبعد كما لو فسق والحديث دليل على أن السلطان لا يزوج هاهنا لقوله : [ فالسلطان ولي من لا ولي له ] وإن غاب الأقرب غيبة منقطعة ولم يوكل في تزويجها فللأبعد تزويجها لما ذكرنا والغيبة المنقطعة : ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة في منصوص أحمد واختيار أبي بكر وذكر الخرقي : أنها ما لا يصل الكتاب فيها إليه أو يصل فلا يجيب عنه لأن غير هذا يمكن مراجعته وقال القاضي : حدها : ما لا تقطعها القافلة في السنة إلا مرة لأن الكفء ينتظر عاما ولا ينتظر أكثر منه وقال أبو الخطاب : يحتمل أن يحدها بما تقصر فيه الصلاة لأن أحمد قال : إذا كان الأب بعيد السفر يزوج الأخ والسفر البعيد في الشرع : ما علق عليه رخص السفر والأولى المنصوص والرد في هذا إلى العرف وما جرت العادة بالانتظار قيه والمراجعة لصاحبه لعدم التحديد فيه من الشارع فأما القريب فيجب انتظاره ومراجعته لأنه في حكم الحاضر إلا أن تتعذر مراجعته لأسر أو حبس لا يوصل إليه ونحوهما فيكون كالبعيد لكونه في معناه ولا يشترط في الولاية البصر لأن شعيبا عليه السلام زوج ابنته وهو أعمى لموسى عليه السلام ولأن الأعمى من أهل الرواية والشهادة فكان من أهل الولاية كالبصير فأما الأخرس فإن منع فهم الإشارة أزال الولاية وإن لم يمنعها لم يزل الولاية لأن الأخرس يصح تزوجه فصح تزويجه كالناطق
فصل :
وإذا زوج الأبعد مع حضور الأقرب وسلامته من الموانع أو زوج أجنبي أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها أو تزوج العبد بغير إذن سيده فالنكاح باطل في أصح الروايتين لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فهو عاهر ] وفي لفظ : [ فنكاحه باطل ] ولأنه نكاح لم تثبت أحكامه من الطلاق والخلع والتوارث فلم ينعقد كنكاح المعتدة والثانية : هو موقوف على إجازة من له الإذن فإن أجازه جاز وإلا بطل لما ذكرناه في تصرف الفضولي في البيع ولما روى ابن ماجه : أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود وقال : هذا حديث مرسل رواه الناس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه و سلم ولم يذكروا ابن عباس فإن قلنا بهذه الرواية فإن الشهادة تعتبر حالة العقد لأنها شرط له فتعتبر معه كالقبول ويكفي في إذن المرأة النطق أو ما يدل على الرضى تقوم مقام النطق به بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم لبربرة : [ إن وطئك زوجك فلا خيار لك ] فأما إن زوجت المرأة نفسها أو زوجها طفل أو مجنون أو فاسق فهو باطل لا يقف على الإجازة لأنه تصرف صادر من غير أهله وذكر أصحابنا : تزويجها لنفسها من جملة الصور المختلفة في وقوفها والأولى أنها ليست منها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ] ولأنه تصرف لو قارنه الإذن لم يصح فلم يصح بالإذن اللاحق كتصرف المجنون
فصل :
ولكل واحد من الأولياء أن يوكل في تزويج موليته فيقوم وكيله مقام حاضرا كان الموكل أو غائبا ولا يعتبر إذن المرأة في التوكيل وخرج القاضي ذلك على روايتين في توكيل الوكيل من غير إذن الموكل وليس كذلك فإن الولي ليس بوكيل للمرأة ولا تثبت ولايته من جهتها فلم يقف جواز توكيله على إذنها كالسلطان ولأنه ولي في النكاح فملك الإذن فيه من غير إذنها كالسلطان ويجوز التوكيل في التزويج مطلقا من غير تعيين الزوج لأنه إذن في التزويج فجاز مطلقا كإذن المرأة ويجوز التوكيل في تزويج معين واختلفت الرواية هل تستفاد ولاية النكاح بالوصية ؟ على روايتين ذكرناهما في الوصايا ولا يصير وصيا في النكاح بالوصية إليه في المال لأنها إحدى الوصيتين فلم تملك بالأخرى كالأخرى
فصل :
وإذا لم يكن للمرأة ولي ولا للبلد قاض ولا سلطان فعن أحمد : ما يدل على أنه يجوز لها أن تأذن لرجل عدل يحتاط لها في الكفء والمهر ويزوجها فإنه قال في دهقان قرية : يزوج المرأة إذا لم يكن في الرستاق قاض إذا احتاط لها في الكفء والمهر ووجه ذلك أن اشتراط الولي هاهنا يمنع النكاح بالكلية فوجب أن لا يشترط
وعنه : لا يصح إلا بولي لعموم الخبر
فصل :
وإذا أراد ولي المرأة تزوجها كابن عمها أو مولاها جعل أمرها إلى من يزوجها منه بإذنها لما روي أن المغيرة بن شعبة أمر رجلا أن يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه ولأنه وليها فجاز أن يتزوجها من وكيله كالإمام فإن زوج نفسه بإذنها ففيه روايتان
إحداهما : لا يجوز لحديث المغيرة ولأنه عقد ملكه بالإذن فلم يجز أن يتولى طرفيه كالوكيل في البيع
والثانية : يجوز لما روي عن عبد الرحمن بن عوف : أنه قال لأم حكيم بنت قارظ أتجعلين أمرك إلي ؟ قالت : نعم فقال : قد تزوجتك ولأنه صدر الإيجاب من الولي والقبول من الأهل فصح كما لو زوج الرجل عبده الصغير لأمته وإن قال السيد : قد أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها أو قال : قد جعلت عتق أمتي صداقها ففيه روايتان :
إحداهما : يصح العتق والنكاح ويصير عتقها صداقها لما روى أنس : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ) متفق عليه وفي رواية أصدقها نفسها
والثانية : لا يصح حتى يبتدئ العقد عليها بإذنها لأنه لم يوجد إيجاب ولا قبول فلم يصح العقد كما لو كانت حرة فعلى هذا ينفذ العتق وعليها قيمة نفسها لأنه إنما أعتقها بعوض لم يسلم له ولم يمكن إبطال العتق فرجعنا إلى القيمة ولا يجوز لأحد أن يتولى طرفي العقد غير من ذكرنا إلا السيد يزوج عبده من أمته فإن كان وكيلا للزوج والولي أو وكيلا للزوج وليا للمرأة أو وكيلا للولي وليا للزوج ففيه وجهان : بناء على ما ذكرنا في الوكيل في البيع
فصل :
الشرط الثاني من شرائط النكاح : أن يحضره شاهدان لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ] رواه الخلال وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا بد في النكاح من أربعة : الولي والزوج والشاهدان ] رواه الدارقطني وعن أحمد : أن الشهادة ليست شرطا فيه لأن النبي صلى الله عليه و سلم أعتق صفية وتزوجها بغير شهود ولأنه عقد معاوضة فلم تشترط الشهادة فيه كالبيع
فصل :
ويشترط في الشهود سبع صفات :
أحدها : العقل لأن المجنون والطفل ليسا من أهل الشهادة
والثاني : السمع لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به
والثالث : النطق لأن الخرس لا يتمكن من أداء الشهادة
الرابع : البلوغ لأن الصبي لا شهادة له وعنه : أنه ينعقد بحضور مراهقين بناء على أنهما من أهل الشهادة والأول أصح
الخامس : الإسلام ويتخرج أن ينعقد نكاح المسلم للذمية بشهادة ذميين بناء على قبول شهادة بعضهم على بعض والأول المذهب لقوله عليه السلام : [ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ]
السادس : العدالة للخبر وعنه : ينعقد بحضور فاسقين لأنه تحمل فلم تعتبر فيه العدالة كسائر التحملات والأول أولى للخبر ولأن من لا يثبت النكاح بقوله لا ينعقد بشهادته كالصبي إلا أننا لا نعتبر العدالة باطنا ويكفي أن يكون مستور الحال وكذلك العدالة المشروطة في الولي لأن النكاح يقع بين عامة الناس في مواضع لا تعرف فيها حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق
السابع : الذكورية وعنه : ينعقد بشهادة رجل وامرأتين لأنه عقد معاوضة أشبه البيع والأول : المذهب لما روى أبو عبيد في الأموال عن الزهري أنه قال : مضت السنة أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق وهل يشترط عدم العداوة والولادة ؟ وهو أن لا يكون الشاهدان عدوين للزوجين أو لأحدهما ولا ابنين لهما أو لأحدهما على وجهين ولا تشترط الحرية ولا البصر لأنها شهادة لا توجب حدا فقبلت شهادتهما فيه كالشهادة عليه بالاستفاضة ويعتبر أن يعرف الضرير المتعاقدين ليشهد عليهما بقولهما وهل يشترط كون الشاهد من غير أهل الصنائع الرزية كالحجام ونحوه ؟ على وجهين بناء على قبول شهادتهم
باب ما يحرم من النكاح
المحرمات في النكاح عشر أشياء :أحدها : المحرمات بالنسب وهن سبع ذكرهن الله سبحانه وتعالى بقوله : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت } فالأمهات : كل امرأة انتسبت إليها بولادة وهي : الأم والجدات من جهة الأم وجهة الأب وإن علون والبنات : كل من انتسب إليك بولادة وهي ابنة الصلب وأولادها وأولاد البنين وإن نزلت درجتهن و الأخت : من الجهات الثلاث والعمات : كل من أدلت بالعمومة من أخوات الأب وأخوات الأجداد وإن علون من جهة الأب والأم والخالات : كل من أدلى بالخؤولة من أخوات الأم وأخوات الجدات وإن علون من جهة الأب والأم وبنات الأخ : كل من ينتسب ببنوة الأخ من أولاده وأولاد أولاده الذكور والإناث وإن نزلت درجتهن وكذلك بنات الأخ لأن الاسم ينطلق على البعيد والقريب لقوله تعالى : { يا بني آدم } و { يا بني إسرائيل } وقال : { ملة أبيكم إبراهيم } وقال النبي صلى الله عليه و سلم لبعض أصحابه : [ ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ]
ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح أو ملك يمين أو وطء شبهة أو حرام فتحرم عليه ابنته في الزنى لدخولها في عموم اللفظ ولأنها مخلوقة من مائة فحرمت كتحريم الزانية على ولدها وتحرم المنفية باللعان لأنها ربيبته ولاحتمال أنها ابنته
فصل :
النوع الثاني : المحرمات بالرضاع وهن مثل المحرمات بالنسب سواء لقوله تعالى : { و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } نص على هاتين وقسنا عليهما سائر المحرمات بالنسب وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ] متفق عليه
فصل :
النوع الثالث : المحرمات بالمصاهرة وهن أربع : أمهات النساء لقوله تعالى : { وأمهات نسائكم } فمتى عقد النكاح على امرأة حرم عليه جميع أمهاتها من النسب والرضاع وإن علون على ما ذكرنا وسواء دخل بالمرأة أو لم يدخل لعموم اللفظ فيهن ولما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أيما رجل نكح امرأة دخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها ] رواه ابن ماجه
الثانية : الربائب وهن بنات النساء ولا تحرم ربيبته إلا أن يدخل بأمها فإن فارق أمها قبل أن يدخل بها حلت له ابنتها لقوله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } وإن ماتت قبل دخوله بها لم تحرم ابنتها للآية وعنه : تحرم لأن الموت أقيم مقام الدخول في تكميل الصداق والعدة فكذلك هاهنا وإن خلا بها ثم طلقها ولم يطأها فعنه : تحرم ابنتها كذلك وقال القاضي : وهذا محمول على أنه حصل نظرا لشهوة أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين فأما مع عدم ذلك فلا تحرم لأن الدخول كناية عن الجماع ولم يوجد والنسب والرضاع في هذا سواء
الثالثة : حلائل الأبناء وهن زوجات أبنائه وأبناء أبنائه وبناته وإن سفلوا من نسب أو رضاع لقوله تعالى : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ويحرمن بمجرد العقد لعموم الآية فيهن
الرابعة : زوجات الأب القريب والبعيد من قبل الأب والأم من نسب أو رضاع يحرمن لقوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } وسواء دخل بهن أو لم يدخل لعموم الآية
فصل :
كل من ذكرنا من المحرمات من النسب والرضاع تحرم ابنتها وإن نزلت درجتها إلا بنات العمات والخالات فإنهن محللات لقول الله تعالى : { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } وكذلك بنات من نكحهن الآباء والأبناء فإنهن محللات فيجوز للرجل نكاح ربيبة أبيه وابنه لقوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم }
فصل :
ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين لأنه إذا حرم النكاح لكونه طريقا إلى الوطء فتحريم الوطء أولى وكل من حرمها النكاح من أمهات النساء وبناتهن وحلائل الآباء والأبناء حرمها الوطء في ملك اليمين والشبهة والزنى كذلك ولأن الوطء آكد في التحريم من العقد وكذلك تحرم به الربيبة ولأنه سبب للبعضية أشبه الوطء في النكاح ولا فرق بين الوطء في القبل والدبر لأن كل واحد منهما وطء في فرج يجب الحد بجنسه فاستويا في التحريم به وإن وطئ صغيرة لا يوطأ مثلها أو ميتة ففيه وجهان : أحدهما : ينشر الحرمة لأنه معنى ينشر الحرمة المؤبدة أشبه الرضاع
والثاني : لا ينشرها لأنه ليس بسبب للبعضية أشبه النظر وفي القبلة واللمس لشهوة والنظر إلى الفرج لشهوة روايتان :
إحداهما : يحرم لأنها مباشرة لا تباح إلا بملك فتعلق بها تحريم المصاهرة كالوطء
والثانية : لا تحرم لقوله تعالى : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } يريد بالدخول الوطء وإن تلوط بغلام فاختار أبو الخطاب : أن حكمه في تحريم المصاهرة حكم المباشرة فيما دون الفرج لكونه وطءا في غير محله وقال غيره من أصحابنا : حكمه حكم الزنى فيحرم على الواطئ أم الغلام وابنته ويحرم على الغلام أم الواطئ وابنته لأنه وطء في فرج آدمي أشبه الزنا بالمرأة وإن وطئ أم امرأته وابنتها انفسخ النكاح لأنه طرأ عليها ما يحرمها أشبه الرضاع
فصل :
النوع الرابع : تحريم الجمع وهو ضربان : جمع حرم لأجل النسب بين المرأتين وهو ثابت في أربع بين الأختين لقوله تعالى : { وأن تجمعوا بين الأختين } وسواء كانتا من أبوين أو من أحدهما أو من نسب أو رضاع لعموم الآية في الجميع
والثاني : بين الأم وبنتها لأن تحريم الجمع بين الأختين تنبيه على تحريم الجمع بين الأم وبنتها
والثالث : الجمع بين المرأة وعمتها
والرابع : الجمع بينها وبين خالتها لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ] متفق عليه ولأنهما امرأتان لو كانت إحداهما ذكرا حرمت عليه الأخرى فحرم الجمع بينهما كالأختين ولأنه يفضي إلى قطيعة الرحم المحرم لما بين الزوجات من التغاير والتنافر والقريبة والبعيدة سواء في التحريم لتناول اللفظ لهما ولأن المحرمية ثابتة بينهما مع البعد فكذلك تحريم الجمع فإن تزوج أختين في عقد واحد بطل فيهما لأن إحداهما ليست أولى بالبطلان من الأخرى فبطل فيهما كما لو باع درهما بدرهمين وإن تزوج امرأة وابنتها في عقد واحد ففيها وجهان :
أحدهما : يبطل فيهما كالأختين
والثاني : يبطل في الأم وحدها لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها والبنت لا تحرم بمجرد العقد فكانت الأم أولى بالبطلان فاختصت به وإن تزوجت امرأة ثم تزوج عليها من يحرم الجمع بينهما لم يصح نكاح الثانية وحدها لأنها اختصت بالجمع
فصل :
وإن تزوج امرأة ثم طلقها لم تحل له أختها ولا عمتها ولا خالتها حتى تنقضي عدتها رجعية كانت أو بائنة لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين ] ولأنها محبوسة على النكاح لحقه فأشبهت الرجعية ولو قال : أخبرتني بانقضاء عدتها فكذبته لم يقبل قوله في إسقاط نفقتها وسكناها ويقبل في سقوط رجعتها لأنه يقر بسقوط حقه وفي جواز نكاح أختها لأنه حق لله تعالى وهو مقلد فيه ولو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية لم يحل له نكاح أختها حتى تنقضي عدتها وإن أسلمت زوجته دونه فنكح أختها ثم أسلما في عدة الأولى اختار منهما واحدة كما لو تزوجهما معا وإن أسلما بعد عدة الأولى بانت منه والثانية زوجته
فصل :
وإن ملك أختين جاز لأن الملك لا يختص مقصوده بالاستمتاع ولذلك جاز أن يملك من لا يحل له كالمجوسية وأخته من الرضاع وله وطء إحداهما أيتهما شاء لأن الأخرى لم تصر فراشا فلم يكن جامع بينهما في الفراش فإذا وطئها حرمت أختها حتى تحرم الموطوءة بإخراج عن ملكه أو تزويج أو يعلم أنها ليست حاملا لئلا يكون جامعا بينهما في الفراش أو يكون جامعا ماءه في رحم أختين فإن عزلها عن فراشه و استبرأها لم تحل له أختها لأنه لا يؤمن عوده إليها فيكون جامعا بينهما وإن رهنها أو ظاهر منها لم تحل أختها لأنه متى شاء فك الرهن وكفر فأحلها وكذلك إن كاتبها لأنه بسبيل من حلها بما لا يقف على غيرهما فأشبه ما لو رهنها وروي عن أحمد : أنه لا يحرم الجمع بين الأختين في الوطء وإنما يكره لقوله تعالى : { إلا ما ملكت أيمانكم } والمذهب الأول لكونه إذا حرم الجمع في النكاح لكونه طريقا إلى الوطء ففي الوطء أولى وإن تزوج امرأة فملك أختها جاز ولا تحل له الأمة لأن أختها على فراشه فإن وطئها لم تحل الزوجة حتى يستبرئ الأمة ويحتمل أن تحرم حتى يخرج الأمة عن ملكه أو يزوجها لأنها قد صارت فراشا وإن وطء أمته ثم تزوج أختها فقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أن النكاح لا يصح لأن النكاح سبب يصير به فراشا فلم يجز أن يرد على فراش الأخت كالوطء قال أبو الخطاب : ظاهر كلام أحمد : أنه يصح لأن النكاح سبب يستباح به الوطء فجاز أن يرد على وطء الأخت كالشراء ولا تحل المنكوحة حتى تحرم الأمة بإخراج عن ملكه أو تزويج لما ذكرنا في التي قبلها وإن باع الموطوءة أو زوجها ثم تزوج أختها ثم عادت الموطوءة إلى ملكه لم تحل له كما لو اشتراها ابتداء ولا تحرم الزوجة لأن النكاح أقوى
وعنه : ما يدل على تحريمها أيضا حتى يخرج الأمة عن ملكه لأن هذه فراش والمنكوحة فراش فلا يحل وطء واحدة منهما كما لو كانتا أمتين ولو كانت له أمة يطأها فزوجها أو باعها ثم تسرى أختها فعادت الأولى إليه لم يبح له واحدة منهما حتى يحرم الأخرى لأن الأولى عادت إلى الفراش فاجتمعتا فيه فلم يبح له واحدة منهما قبل إخراج الأخرى عن الفراش فإن ملك أختين فوطئهما فقد أتى محرما ولا حد عليه لأنه وطئ مملوكته فأشبه وطء المظاهر منها ولا تحل له واحدة منهما حتى يحرم الأخرى كما يحرم وطء الأولى الثانية
فصل :
إذا تزوج أختين في عقدين ثم جهل السابقة منهما حرمتا جميعا لأن المحللة اشتبهت بالمحرمة فحرمتا جميعا كما لو اشتبهت بأجنبية وعليه فراق كل واحدة منهما بطلقة لتحل لغيره ويزول حبسه عنها إلا أن يريد إمساك إحداهما فيطلق الأخرى ويجدد العقد للتي يمسكها فإن طلقهما معا قبل الدخول فعليه نصف المهر لإحداهما لأن نكاحها صحيح ولا يعلم أيتهما هي فيقرع بينهما فيه لأنهما سواء فيقرع بينهما كما لو أراد السفر بإحدى زوجتيه فمن خرجت له القرعة فلها نصف صداقها وقال : أبو بكر يتوجه ألا يلزمه لهما صداق لأنه مجبر على طلاقهما فلم يلزمه صداقهما كما لو فسخ نكاحه برضاع أو غيره قال : وهذا اختياري وإن كان دخل بهما فعليه كمال الصداقين لهما إلا أن لإحداهما المسمى وفي الأخرى روايتان :
إحداهما : لها المسمى أيضا
والثانية : لها مهر المثل لأنه واجب بالإصابة لا بالعقد فإن قلنا : يجب مهر المثل أقرعنا بينهما فيه وإن أراد نكاح إحداهما طلق الأخرى وعقد النكاح للثانية إلا أنه إن كان لم يدخل بواحدة منهما فله أن يعقد النكاح في الحال وإن كان دخل بها لم يعقده حتى تنقضي عدتها لئلا يكون نكاحا لإحداهما في عدة أختها أو ناكحا لمعتدة من وطئه لها في غير ملكه
فصل :
ولا يحرم الجمع بين ابنتي العم ولا ابنتي الخال لقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولأن إحداهما لو كانت ذكرا حلت له الأخرى لكن يكره لما روى عيسى بن طلحة قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تزوج المرأة على ذي قرابتها مخافة القطيعة ) وهذا محمول على الكراهة لما ذكرناه ويجوز الجمع بين المرأة وربيبتها للآية وفعله عبد الله بن جعفر وعبد الله بن صفوان بن أمية ويجوز للرجل أن يتزوج ربيبة ابنه وربيبة أبيه وربيبة أمه للآية ولأنه لا نسب بينهما ولا سبب محرم
فصل :
الضرب الثاني : تحريم الجمع لكثرة العدد فلا يحل للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات بلا خلاف لقوله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } يعني اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة : [ أمسك أربعا وفارق سائرهن ] رواه الترمذي
وليس للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين لما روي عن الحكم بن عيينة أنه قال : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن العبد لا ينكح إلا اثنتين روى الإمام أحمد أن عمر سأل الناس عن ذلك فقال : عبد الرحمن بن عوف : لا يتزوج إلا اثنتين وهذا كان بمحضر من الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا والحكم فيمن تزوج خمسا أو نكح خامسة من عدة الرابعة ونحو ذلك من الفروع كالحكم في الجامع بين أختين على ما مضى فيه
فصل :
ويباح التسري من الإمام من غير حصر لقوله تعالى : { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } ولأن القسم بينهن غير واجب فلم ينحصرن في عدد وللعبد أن يتسرى بإذن سيده نص عليه أحمد لأن ذلك قول ابن عمر وابن عباس ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة ولأن العبد يملك في النكاح فملك التسري كالحر وإنما يملك التسري إذا ملكه سيده وأذن له في التسري قال القاضي : يجب أن يكون تسري العبد مبنيا على الروايتين من ثبوت الملك له بتمليك سيده لأن الوطء لا يباح إلا بنكاح أو ملك يمين لقوله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } والمكاتب كالقن سواء لأنه عبد ما بقي عليه درهم فأما من بعضه حر فإن ملك بجزئه الحر جارية فملكه تام وله الوطء بغير إذن السيد لقوله تعالى : { أو ما ملكت أيمانهم } ولأن ملكه عليها تام فأما تزويجه فإنه يلزمه حقوق تتعلق بجميعه فاعتبر رضى السيد به ليكون راضيا بتعلق الحق بملكه وإن تسرى العبد بإذن سيده ثم رجع لم يكن له الرجوع نص عليه لأنه يملك به البضع فلم يملك فسخه كالنكاح وقال القاضي : ويحتمل أنه أراد التزويج وله الرجوع في التسري لأنه رجوع فيما ملكه لعبده فأشبه سائر المال
فصل :
النوع الخامس : المحرمات لاختلاف الدين فلا يحل لمسلم نكاح كافرة غير كتابية لقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } وقوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ولا يحل نكاح مرتدة وإن تدينت بدين أهل الكتاب لأنها لا تقر على دينها ولا مجوسية لأنه لم يثبت لهم كتاب ولا كتابية أحد أبويها غير كتابي لأنها لم تتمحض كتابية أشبهت المجوسية ولا من يتمسك بصحف إبراهيم وزبور داود أو كتاب غير التوراة والإنجيل لقوله تعالى : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } ولأن تلك الكتب ليست بشرائع إنما هي مواعظ وأمثال ويباح نكاح حرائر الكتابيات لقوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } وهم اليهود والنصارى ومن وافقهم من أصل دينهم ودان بالتوراة والإنجيل كالسامرة وفرق النصارى وفي نصارى بني تغلب روايتان :
إحداهما : إباحة نسائهم لأنهن كتابيات فيدخلن في عموم الآية
والثانية : تحريمهن لأنه لا يعلم دخولهن في دينهم قبل تبديل كتابهم ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال كتابيا كان أو غير كتابي لقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وقوله : { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وكل من تحل حرائرهم بالنكاح حل وطء إمائهم بملك اليمين ومن حرم نكاح حرائرهم حرم وطء إمائهم بملك اليمين بالقياس على المحرمات بالرضاع
فصل :
النوع السادس : التحريم لأجل الرق وهو ضربان :
أحدهما : تحريم الإماء وهن نوعان : كتابيات فلا يحل لمسلم نكاحهن ولو كان عبدا وعنه : يجوز والأول : المذهب لقوله تعالى : { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } فشرط في إباحتهن إيمانهن ولأنهن ناقصات من وجهين أشبه المشركات
والثاني : الأمة المسلمة فللعبد نكاحها لأنها تساويه ولا تحل لحر نكاحها إلا بشرطين : عدم الطول وهو : العجز عن نكاح حرة أو شراء أمة
والثاني : خشية العنت : وهو الزنى لقوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } إلى قوله : { ذلك لمن خشي العنت منكم } فإن أمكنه نكاح حرة كتابية لم تحل له الأمة المسلمة لأنه لا يخشى العنت ولأنه أمكنه صيانة ولده عن الرق فحرم عليه إرقاقه كما لو قدر على نكاح مؤمنة وإن تزوج أمة تحل له ثم وجد الطول ففيه وجهان :
أحدهما : نكاحه باق اختاره الخرقي لأن زوال الشرط بعد العقد لا يبطله كما لو أمن العنت
والثاني : يبطل لأنه أبيح للضرورة فزال بزوالها كأكل الميتة وإن تزوج حرة على أمة فهل يبطل نكاح الأمة ؟ على روايتين كذلك فإن تزوج حرة تعفه وأمة في عقد واحد فسد نكاح الأمة لعدم شرطه وهو عدم طول الحرة وفي نكاح الحرة روايتان
أصلهما تفريق الصفقة وكذلك الحكم في كل عقد جمع فيه بين محللة ومحرمة كأجنبية وأخته من الرضاع فإن كانت الحرة لا تعفه ولم يتمكن من نكاحها حرة تعفه ففي نكاح الأمة روايتان :
إحداهما : لا يصح لأنه واجد الطول حرة
والثانية : يصح لأنه خائف العنت عادم الطول حرة تعفه فحلت له الأمة كالعاجز عن نكاح حرة فعلى هذا يصح العقد فيهما جميعا وكذلك الحكم إن كانت تحته حرة لا تعفه فيتزوج عليها أمة أو كان تحته أمة لا تعفه فيتزوج عليها ثانية ففيها روايتان
قال الخرقي : وله أن ينكح من الإماء أربعا إذا كان الشرطان فيه قائمين ووجه الروايتين ما تقدم وإن تزوج أمتين في عقد وإحداهما تعفه بطل فيهما لأن إحداهما ليست بأولى من الأخرى فبطل فيهما كما لو جمع بين أختين
فصل :
الضرب الثاني : أنه لا يحل للعبد نكاح سيدته لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض إذا ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها وسفره بسفرها وطاعته إياها ونكاحه إياها يوجب عكس ذلك فيتنافيان ولا يصح أن يتزوج الحر أمته لأن النكاح يوجب للمرأة حقوقا يمنعها ملك اليمين من القسم والمبيت فبطل فإن ملكت المرأة زوجها أو جزءا منه أو ملك الرجل زوجته أو جزءا منها انفسخ النكاح لما ذكرنا ويحرم على الأب نكاح جارية ابنه لأن له فيها شبهة يسقط الحد بوطئها فلم يحل له نكاحها كالمشركة بينه وبين غيره وللابن أن يتزوج أمة أبيه لعدم ذلك فيه وإن تزوج جارية ثم ملكها ابنه ففيه وجهان :
أحدهما : يبطل النكاح لأن ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاد فكان كملكه في إبطال النكاح
والثاني : لا يبطل لأنه يملكها بملك الابن فلم يبطل نكاحها كما لو ملكها أجنبي
فصل :
النوع السابع : منكوحة غيره والمعتدة منه والمستبرأة منه لقوله تعالى : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ولقوله : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } ولأن تزويجها يفضي إلى تزوجيها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وسواء في ذلك المعتدة من وطء مباح أو محرم أو من غير وطء لأنه لا يؤمن أن تكون حاملا فلو جوزنا تزويجها لاختلاط نسب المتزوج بنسب الواطئ الأول ولا يجوز نكاح المزني بها بالحمل إلا أن تضع فإن وطئت امرأة الرجل بشبهة أو زنا لم يفسخ نكاحه لأن النكاح سابق فكان أولى ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها لقول النبي صلى الله عليه و سلم يوم حنين : [ لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر يستقي ماء زرع غيره ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن وأبو داود وزاد يعني : إتيان الحبالى ولأنها ربما يأتي بولد من الزنا فينسب إليه قال أحمد : وإذا علم الرجل من جاريته الفجور فلا يطؤها لعلها تلحق به ولدا ليس منه
فصل :
ولا يحل التعريض بخطبة الرجعية لأنها زوجته فأشبهت ما قبل الطلاق ويجوز التعريض بخطبة المعتدة من الوفاة والطلاق الثلاث لقوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } وروت فاطمة بنت قيس : أن أبا عمر بن حفص ابن المغيرة طلقها آخر ثلاث طلقات فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تسبقيني بنفسك ] ويحرم التصريح لأن تخصيص التعريض بالإباحة دليل على تحريم التصريح ولأن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يأمن أن يحملها الحرص عليه على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها بخلاف التعريض فأما البائن بخلع فلزوجها التصريح بخطبتها والتعريض لأنه يحل له نكاحها في عدتها إذ لا يصان ماؤه عن مائه ولا يخشى اختلاط نسبه بنسب غيره وهل يحل لغير التعريض بخطبتها ؟ فيه وجهان :
أحدهما : لا يحل لأن الزوج يملك استباحتها في عدتها فأشبهت الرجعية
والثاني : يحل لأنها بائن أشبهت المطلقة ثلاثا والمرأة كالرجل فيما يحل لها من الجواب ويحرم والتصريح أن يقول : زوجيني نفسك إذا انقضت عدتك ونحوه والتعريض أن يقول : إني في مثلك لراغب ولا تسبقيني بنفسك وما أحوجني إلى مثلك ونحوه وتجيبه : ما يرغب عنك وإن قضي شيء كان ونحوه
فصل :
ومن خطب امرأة فأجيب حرم على غيره خطبتها إلا أن يأذن أو يترك لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ] متفق عليه وفي حديث : [ أو يأذن له فيخطب ] ولأن في ذلك إفسادا على أخيه وإيقاعا للعداوة بينهما فحرم كبيعه على بيعه وإن لم يسكن إليه فلغيره خطبتها لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت : أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له أنكحي أسامة ] متفق عليه فخطبها بعد خطبتها وإن لم يعلم أجابت أم لا ؟ ففيه وجهان :
أحدهما : التحريم لعموم النهي
والثاني : الإباحة لأن الأصل عدم الإجابة المحرمة والتعويل في الإجابة والرد عليها إن كانت غير مجبرة وعلى وليها إن كانت مجبرة
فصل :
النوع الثامن : الملاعنة تحرم على الملاعن وتذكر في بابه
النوع التاسع : الزانية يحرم نكاحها حتى تتوب لقوله تعالى : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } ولأنه لا يؤمن أن تلحق به ولدا من غيره فحرم نكاحها كالمعتدة ويحرم نكاحها في عدتها على الزاني وغيره لأن ولدها لا يلحق نسبه بأحد فيؤدي تزويجها إلى اشتباه النسب فأما الموطوءة بشبهة أو في نكاح فاسد فهل يحرم ؟ فظاهر كلام الخرقي تحريمها على الواطئ لقوله في الذي تزوج امرأة في عدتها : له أن ينكحها بعد انقضاء العدتين وذلك أنه وطء من غير ملك أشبه الوطء المحرم ويحتمل أن لا تحرم على الواطئ لأن نسب ولدها لاحق به فأشبهت المعتدة من النكاح
فصل :
واختلف أصحابنا في الخنثى المشكل فقال أبو بكر : لا يصح نكاحه ونص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية الميموني لأنه مشكوك في حله للرجال والنساء فلم يحل كما لو اشتبهت الأجنبية بالأخت وقال الخرقي : يرجع إلى قوله فإن قال : إني رجل حل له النساء وإن قال : أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا لأنه معنى لا يعرف إلا من جهته وليس فيه إيجاب حق على غيره فوجب أن يقبل منه كما يقبل قول المرأة في انقضاء عدتها فعلى هذا إن عاد بعد نكاح المرأة فقال : أنا امرأة انفسخ نكاحه لإقراره ببطلانه ولزمه نصف المهر إن كان قبل الدخول وجميعه إن كان بعده ولا يحل له بعد ذلك أن ينكح لأنه أقر بقوله : أنا رجل بتحريم الرجال وأقرأ بقوله : أنا امرأة بتحريم النساء وإن تزوج رجلا ثم قال : أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ نكاحه لأنه حق عليه فإذا زال النكاح فلا مهر له لأنه يقر أنه لا يستحقه وسواء دخل به أو لم يدخل ويحرم عليه النكاح بعد ذلك لما ذكرناه
فصل :
النوع العاشر : التحريم للإحرام فلا يجوز نكاح محرم ولا محرمة ولا يجوز عقد المحرم نكاح غيره ومتى عقد أحد نكاحا لمحرم أو على محرمة أو عقد المحرم نكاحا لغيره أو لنفسه فالعقد باطل لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ] رواه مسلم ولأنه عارض منع الطيب فمنع النكاح كالعدة وعنه : أنه عقد المحرم النكاح لغيره صحيح لأنه محرم لكونه من دواعي الوطء ولا يحصل ذلك بكونه وليا والأول أصح لعموم الخبر فأما إن كان شاهدا في النكاح انعقد بشهادته لأنه من أهل الشهادة فأشبه الحلال وتكره له الشهادة والخطبة للخبر في الخطبة والشهادة في معناها لأنها معونة على النكاح
باب الشروط في النكاح
وهي قسمان صحيح وفاسد فالصحيح نوعان :أحدهما : شرط ما يقتضيه العقد كتسليم المرأة إليه وتمكنه من استمتاعها فهذا لا يؤثر في العقد ووجوده كعدمه
والثاني : شرط ما تنتفع به المرأة كزيادة على مهرها معلومة أو نقد معين أو أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى أو لا يسافر بها ولا ينقلها عن دارها ولا بلدها فهذا صحيح يلزم الوفاء له لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج ] متفق عليه وروي أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال : لها شرطها فقال الرجل : إذا يطلقننا فقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط لها فيه نفع ومقصود لا ينافي مقصود النكاح فصح كالزيادة في المهر فإن لم يف به فلها فسخ النكاح : لأنه شرط لازم في عقد فثبت حق الفسخ بفواته كشرط الرهن في البيع
فصل :
القسم الثاني : فاسد وهو ثلاثة أنواع :
أحدها : ما يبطل في نفسه ويصح النكاح مثل أن يشرط عليها أنه لا مهر لها أو الرجوع عليها بمهرها أو لا نفقة لها عليه أو أن نفقته عليها أو لا يطؤها أو يعزل عنها أو يقسم لها دون قسم صاحبتها أو ألا يقسم لها إلا في النهار أو ليلة في الأسبوع ونحوه فهذه الشروط باطلة في نفسها لأنها تتضمن إسقاط حق يجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كإسقاط الشفعة قبل البيع وقد نقل عن أحمد في النهاريات والليليات : ليس هذا من نكاح أهل الإسلام وهذا يحتمل إفساد العقد فيتخرج عليه سائر الشروط الفاسدة أنها تفسده لأنها شروط فاسدة فأفسدت العقد كما لو زوجه وليته بشرط أن يزوجه الآخر وليته وهذا يحتمل أن يفسد بشرطها عليها ترك الوطء لأنه ينافي مقتضى العقد ومقصوده ولو شرط عليها ألا يطأها لم يفسد لأنه الوطء حقه عليها وهي لا تملكه
فصل :
النوع الثاني : ما يفسد النكاح من أصله وهو أربعة أمور :
أحدهما : أن يشرطا تأقيت النكاح وذلك نكاح المتعة مثل أن يقول : زوجتك ابنتي شهرا أو نحوه فالنكاح باطل نص عليه لما روى الربيع ابن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( نهى عن المتعة في حجة الوداع ) وفي لفظ رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ حرم متعة النساء ] رواه أبو داود ولأنه لم يتعلق به أحكام النكاح من الطلاق وغيره فكان باطلا كسائر الأنكحة الباطلة قال أبو بكر : فيه رواية أخرى : أنها مكروهة لأن أحمد قال في رواية ابن منصور يجتنبها أحب إلي فظاهرها الكراهة لا التحريم وغيره من أصحابنا يقول : المسألة رواية واحدة في تحريمها ولو اشترط أن يطلقها في وقت بعينه لم يصح النكاح لأنه شرط يمنع بقاء النكاح فأشبهت التأقيت ويتخرج أن يصح النكاح ويبطل الشرط لأن النكاح وقع مطلقا وشرط على نفسه شرطا لا يؤثر فيه فأشبه ما لو شرط ألا يطأها
فصل :
الأمر الثاني : أن يزوجه وليته بشرط أن يزوجه الآخر وليته فهذا نكاح الشغار ولا تختلف الرواية عن أحمد في فساده لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : نهى عن نكاح الشغار و الشغار : أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح كما لو قال : بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي فإن سميا مع ذلك صداقا فقال : زوجتك أختي على أن تزوجني أختك ومهر كل واحدة مائة فالمنصوص عن أحمد صحته لحديث ابن عمر وقال الخرقي : لا يصح لما روى الأعرج أن العباس بن عبيد الله بن العباس : أنكح عبد الرحمن بن الحكم تبنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته : وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان : يأمره أن يفرق بينهما وقال في كتابه : هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود ولأنه شرط عقد في عقد فلم يصح كما لو باعه ثوبه بشرط أن يبيعه ثوبه وإن سمي لإحداهما مهرا دون الأخرى فقال أبو بكر : النكاح فاسد فيهما وقال القاضي : يجب أن يكون في التي سمى لها مهرا روايتان
فصل :
الشرط الثالث : أن يشرط عليه إحلالها لزوج قبله ثم يطلقها فيكون النكاح حراما باطلا لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لعن الله المحلل والحلل له ] قال الترمذي : هذا حديث صحيح فإن تواطآ على ذلك قبل العقد فنواه في العقد ولم يشرطه فالنكاح باطل أيضا ونص عليه وقال : متى أراد بذلك الإحلال فهو ملعون لعموم الحديث وروى نافع : أن رجلا قال لابن عمر : امرأة تزوجتها أحلها لزوجها ولم يأمرني ولم تعلم قال : لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها وإن كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم سفاحا ولا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة وإن شرط عليه سباقا إحلالها فنوى غير ذلك صح لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه وإن قصدت المرأة التحليل ووليها دون الزوج لم يؤثر في العقد لأنه ليس إليهما إمساك ولا فراق فلم يؤثر بينهما كالأجنبي وإن زوجها عبده بنية أن يهبها إياه لينفسخ نكاحه فهو نكاح المحلل لأنه قصد به التحليل وذكر القاضي : فيما إذا خلا العقد عن شرط التحليل وجها آخر : أنه يصح وخرجه أبو الخطاب رواية لأنه روي عن أحمد : أنه كرهه فظاهر الصحة مع الكراهة لأنه مجرد النية لا يفسد العقد كما لو اشترى عبدا ينوي أن يبيعه
فصل :
النوع الثالث : فاسد وفي فساد النكاح به روايتان :
وهو أن يتزوجها بشرط الخيار أو إن رضيت أمها أو إنسان ذكره أو بشرط ألا يكره فلان أو إن جاءها بالمهر إلى كذا وإلا فلا نكاح بينهما فنقل عنه ابناه و حنبل : نكاح المتعة حرام وكل نكاح فيه وقت أو شرط فاسد لأن عقد النكاح يجب أن يكون ثابتا لازما فنافاه هذا الشرط كالخلع ونقل عنه : أن العقد صحيح والشرط بالطل لأن النكاح يصح في المجهول فلم يفسد بالشرط الفاسد كالعتق ونقل عنه فيمن شرط إن جاءها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما أن الشرط صحيح لأن لها فيه نفعا أشبه ما لو اشترط ألا يخرجها من دارها
باب الخيار في النكاح
وأسبابه أربعة :أحدها : أن يجد أحدهما بصاحبه عيبا يمنع الوطء وهو سبعة أشياء : ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء وهي : الجنون مطبقا كان أو غير مطبق والجذام والبرص واثنان في الرجل : الجب والعنة واثنان في المرأة : الرتق وهو انسداد الفرج والفتق وهو انخراق ما بين مخرج البول والمني وقيل : انخراق ما بين القبل والدبر فمن وجد بصاحبه عيبا منها فله الخيار في فسخ النكاح لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج امرأة من بني غفار فرأى بكشحها بياضا فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم : [ البسي ثيابك والحقي بأهلك ] فثبت الرد بالبرص بالخبر وقسنا عليه سائر العيوب لأنها في معناه في منه الاستمتاع وإن كان قد بقي من ذكر المجبوب ما يمكن الجماع به ويغيب منه في الفرج قدر الحشفة فلا خيار لها لأنه لا يمنع الاستمتاع وإن اختلفا في ذلك فالقول قول المرأة لأنه يضعف بالقطع والأصل عدم الوطء
فصل :
وإن وجد أحدهما الآخر خنثى أو وجت زوجها خصيا ففيه وجهان :
أحدهما : لها الخيار لأنه يثير نفرة وفيه نقص وعار فأشبه البرص
والثاني : لا خيار لها لأنه لا يمنع الاستمتاع واختلف أصحابنا في البخر وهو نتن الفم وفي الذي لا يستمسك بوله أو خلاه فقال أبو بكر : يثبت به الخيار لأنه ينفر عن الاستمتاع ويتعدى ضرره ونجاسته وقال غيره : لا خيار فيه لأنه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه ويتخرج عليه الناصور و الباسور والقروح السيالة في الفرج لأنها في معناه واختلفوا في العفل وقيل : هي رغوة في الفرج يمنع لذة الوطء فعده الخرقي : مانعا كذلك ولم يعده القاضي في الموانع لأنه لا يمنع الاستمتاع وكذلك يخرج في الرائحة الكريهة التي في الفرج تثور عند الوطء وما عدا هذه العيوب كالقرع والعمى والعرج لا يثبت به خيار لأنه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه
فصل :
ومن علم العيب وقت العقد فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة بالعيب فأشبه من اشترى ما يعلم عيبه وإن وجد بصاحبه عيبا به مثله ففيه وجهان :
أحدهما : لكل واحد منهما الخيار لوجود سببه فأشبه العبد المغرور بأمة ولأنه قد يعاف عيب غيره وإن كان به مثله
والثاني : لا خيار له لأنهما متساويان في النقص فأشبها القفيزين وإن حدث العيب بأحدهما بعد العقد ففيه وجهان :
أحدهما : لا خيار له وهو قول أبي بكر : لأنه عيب حدث بعد لزوم العقد أشبه الحادث بالمبيع
والثاني : يثبت به الخيار وهو ظاهر قول الخرقي لأنه عيب لو قارن أثبت الخيار فإذا حدث أثبته كالإعسار
فصل :
وإذا علم العيب فأخر المطالبة بالفسخ لم يبطل خياره وقال القاضي : يبطل وأصلهما ما ذكرنا في خيار الرد بالعيب في المبيع وإن قال : رضيت به معيبا أو وجد منه دلالة على الرضى كالاستمتاع أو التمكين منه بطل خياره
فصل :
وإن فسخ قبل المسيس فلا مهر لها لأنه إن كان الفسخ منها فالفرقة من جهتها فأسقطت مهرها كردتها وإن كان من الزوج فهو لمعنى من جهتها لحصوله بتدليسها فأشبه ما لو باشرتها وإن كان بعد الدخول استقر المهر ولم يسقط لاستقرار النكاح بالدخول فيه ويجب المسمى لأنه نكاح صحيح فيه مسمى صحيح فوجب المسمى فيه كما لو ارتدت وذكر القاضي : أن فيه رواية أخرى أنه يجب مهر المثل بناء على العقد الفاسد وليس هذا بفاسد إذ لو كان فاسدا لما ثبت الخيار فيه ويرجع بالمهر على من غره لما روي عن عمر أنه قال : أيما رجل تزوج امرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها غرم على وليها ولأنه غره في النكاح بما يجب به المهر فكان المهر عليه كما لو غره بحرية أمة وعنه : لا يرجع على أحد لأن ذلك يروى عن علي رضي الله عنه فإن لم يعلم الولي فالغرور من المرأة وإن طلق الزوج ثم علم بها عيبا فعليه المهر لا يرجع به على أحد لأنه رضي بالتزامه
فصل :
ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كالفسخ للإعسار فإن رده الحاكم إلى مستحقه جاز والفرقة الواقعة بينهما فسخ لا طلاق لأنه رد لعيب فكان فسخا كرد المشتري وإن اتفقا على الرجعة لم يجز إلا بنكاح جديد ويرجع على ثلاث طلقات وقال أبو بكر : فيها قول آخر : أنها تحرم على التأبيد لأنه فرقة حاكم فأشبهت فرقة اللعان ولنا أنها فرقة لعيب أشبهت فرقة المعتقة تحت عبد
فصل :
وليس لولي صغير ولا صغيرة ولا سيد أمة تزويجهم بمعيب لأن فيه ضررا بهم وعليه النظر في الحظ لهم ولا لولي كبير تزويجها بمعيب بغير رضاها لأنه فيه ضررا بها فإن طلبت التزويج بمجبوب أو عنين لم يملك منعها لأن الضرر يختص بها وإن أرادت التزويج بمعيب غيرهما فله منعها لأن عليه ضررا أو عارا ويخشى تعديه إليها وإلى ولدها ويحتمل أنه ليس منعها قياسا علة الجب والعنة فإن رضيا به جاز ويكره قال أحمد ما يعجبني أن يزوجها بعنين وإن رضيت الساعة فتكره إذا دخلت وإن حدث العيب بالرجل أو وجدته معيبا فرضيت به المرأة لم يكن لوليها إجبارها على الفسخ لأنه حقه في ابتداء العقد لا في دوامه ولهذا يملك منعها من نكاح العبد ولو عتقت تحت عبد لم يملك إجبارها على الفسخ
فصل :
وإذا اختلفا في عيب المرأة أريت النساء الثقات فرجع إلى قولهن فإن ادعت المرأة أن زوجها عنينا فأنكر فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل السلامة وإن اعترف أجله الحاكم عاما منذ رافعته لما روى سعيد بن المسيب : إن عمر أجل العنين سنة وعن علي والمغيرة مثله ولأن العجز قد يكون لعارض من حرارة أو برودة أو يبوسة أو رطوبة فإذا مضت السنة واختلف عليه الأهوية ولم يزل علم أنه خلقة ولا تثبت المدة إلا بالحكم لأنها مدة مختلف فيها بخلاف مدة الإيلاء فإذا مضت السنة منذ ضربت له المدة ولم يطأها خيرت في المقام معه أو فراقه لأن الحق لها فإن رضيته عنينا أو قالت في وقت : قد رضيته عنينا لم يكن لها خيار بعد ذلك لأنها رضيت العيب فأشبه ما لو رضيت المبيع المعيب وإن اختارت فراقه فرق الحاكم بينهما وإن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنينا وإن ادعى أنه وطئها فادعت أنها عذراء أريت النساء الثقات فإن شهدن بما قالت فالقول قولها وإلا فالقول قوله وإن اختلفا في ثيب فالقول قوله لأن الأصل السلامة وعنه : القول قولها لأن الأصل عدم الإصابة وعنه : يخلى معها في بيت ويقال : أخرج ماءك على شيء فإن عجز عن ذلك فالقول قولها وإن فعل فالقول قوله فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني وبطل قولها لأنه شبيه ببياض البيض وذاك إذا وضع على النار تجمع ويبس وهذا يذوب فيتميز بذلك أحدهما من الآخر فيختبر به لأن هذا قول عطاء وإن اعترفت أنه وطئ غيرها أو وطئها في الدبر أو في نكاح آخر لم تزل عنته لأنه قد يعن عن امرأة دون أخرى وفي نكاح دون نكاح والدبر ليس بمحل للوطء فأشبه ما دون الفرج ويقتضي قول أبي بكر أنها متى اعترفت بوطئه لغيرها أو لها في أي نكاح كان زالت عنته وهذا اختيار ابن عقيل لأن العنة جبلة وخلقة فلا تبقى مع ما ينافيها وأدنى الوطء الذي يخرج به من العنة إيلاج الحشفة في الفرج لأن الوطء الذي تتعلق به الأحكام دون غيره وهل يحلف من القول قوله ؟ يحتمل وجهين بناء على الاستحلاف في غير دعوى المال
فصل :
السبب الثاني : إذا عتقت المرأة وزوجها عبد فلها الخيار في فسخ النكاح لما روت عائشة قالت : كاتبت بريرة فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم في زوجها وكان عبدا فاختارت نفسها قال عروة : ولو كان حرا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه مالك في موطئه و أبو داود في سننه وإن عتقت وزوجها حر فلا خيار لها للخبر ولأنها كملت تحت كامل فلم يثبت لها خيار كما لو أسلمت الكتابية تحت مسلم بخلاف زوجة العبد ولها الفسخ بنفسها لأنه خيار ثبت بالنص والإجماع ولما روى الحسن عن عمر بن أمية قال : سمعت رجالا يتحدثون عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا أعتقت الأمة فيه بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقته فإن وطئها فلا خيار لها ] رواه الإمام أحمد في المسند وخيارها على التراخي للخبر ما لم يطأها فإن أمكنته من وطئها عالمة بالحال بطل خيارها للخبر ولأنه دليل على رضاها به فبطل خيارها كما لو نطقت به وإن لم تعلم بطل خيارها أيضا نص عليه أحمد للخبر وقال القاضي و أبو الخطاب لا يبطل لأن تمكينها مع جهلها لا يدل على رضاها به وإن لم تعلم بالعتق حتى وطئها ففيه وجهان كالتي قبلها فعلى هذا إن ادعت الجهل بالعتق وهي ممن يجوز خفاؤه عليها لبعدها عن المعتق فالقول قولها مع يمينها وإن كانت ممن لا يخفى عليها ذلك لقربه واشتهاره لم يقبل قولها فإن ادعت الجهل بثبوت الخيار فالقول قولها لأنه لا يعلمه إلا خواص الناس وإن أعتق العبد قبل اختيارها بطل خيارها لأن الخيار لدفع الضرر الحاصل بالرق وقد زال بعتقه فزال كرد المعيب إذا زال عيبه ولو أعتقا معا فلا خيار لها وعنه : لها الخيار والأول أولى لأنها لو عتقت تحت حر لم يثبت لها خيار لعدم الضرر فكذا هاهنا ويستحب لمن أراد عتق عبد وجاريته المتزوجين البداءة بعتق الرجل لئلا يكون للمرأة عليه خيار وقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أنه كان غلام وجارية فقالت للنبي صلى الله عليه و سلم : إني أريد أن أعتقهما فقال لها : [ فابدئي بالرجل ]
فصل :
فإن أعتقت المجنونة والصغيرة فلا خيار لهما لأنهما لا عقل لهما ولا قول معتبر ولا يملكه وليهما لأن هذا طريقه الشهوة فلا يدخل تحت الولاية كالقصاص فإذا بلغت الصغيرة وعقلت المجنونة فلها الخيار حينئذ لكونهما صارا على صفة يعتبر كلامهما والحكم في وطئهما كالحكم في وطء الجاهلة بالعتق
فصل :
إذا عتق بعض الأمة فلا خيار لها في إحدى الروايتين اختارها الخرقي لأنه لا نص فيها ولا يصح قياسها على من عتق جميعها لأنها أكمل منها
والثانية : لها الخيار اختارها أبو بكر لأنها أكمل من زوجها فأشبهت الكاملة بالعتق
فصل :
إذا فسخت قبل الدخول سقط مهرها لأن الفسخ من جهتها وعنه : يجب نصف المهر للسيد لأنه المستحق له فلا يسقط نصفه من جهة غيره وإن رضيته فالمهر للسيد لأنه استحقه بالعقد وروي وإن فسخت بعد الدخول استقر المسمى للسيد لأنه وجب له بالعقد واستقر بالدخول فأشبه ما لو ارتدت وإن طلقها قبل اختيارها وقع طلاقه ولسيدها نصف المهر وإن كان قبل الدخول وجميعه إن كان بعده وقال القاضي : طلاقه موقوف إن فسخت تبينا أنه لم يقع وإن لم تفسخ وقع ولنا أنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح فوقع كما لو لم يعتق
فصل :
وإن طلقها الزوج طلاقا بائنا ثم أعتقت فلا خيار لها لأنه لا نكاح بينهما يفسخ وإن كان رجعيا فلها الفسخ في العدة لأن نكاحها باق ويمكن فسخه فإذا فسخت انقطعت الرجعة وبنت على ما مضى من العدة كما لو طلقها بائنة وإن اختارت المقام معه بطل خيارها لأنها حالة صح منها اختيار الفسخ فصح اختيار المقام كصلب النكاح
فصل :
السبب الثالث : الغرر فلو تزوجت المرأة رجلا مطلقا أو على أنه حر فبان عبدا فلها الخيار في فسخ النكاح لأنها إذا ملكت الفسخ بالحرية الطارئة فللسابقة أولى ولها الفسخ من غير حاكم كما لو عتقت تحت عبد ومن جعل الحرية من شروط الكفاءة والكفاءة من شروط النكاح أبطله لفوات شرطه
فصل :
وإن تزوج أمة على أنها حرة أو يظنها حرة وهو ممن لا يحل نكاح الإماء فالنكاح فاسد وعليه فراقها متى علم وحكمه حكم الأنكحة الفاسدة في المهر وغيره وإن كان ممن تحل له الإماء فالنكاح صحيح لأن فوات صفة في المعقود عليه لا تفسد العقد كما لو تزوجها على أنها بيضاء فبانت سوداء وفي الموضعين متى أصابها فولدت منه فالولد حر حرا كان الزوج أو عبدا لأنه اعتقد حريتها وعليه فداء أولاده لأن عمر وعليا وابن عباس قضوا بذلك وعنه : ليس عليه فداؤهم لأن الولد ينعقد حرا فلم يضمنه لسيدها لأنه لم يملكه وعنه : يقال للزوج افتد ولدك وإلا فهم يتبعون الأم والمذهب الأول وله فسخ نكاحها إن أحب لأنه غرور بالحرية أشبه غرور المرأة فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر عليه لأن الفسخ لسبب من جهتها وإن فارقها بعد الدخول فعليه المهر ما أصاب منها ويرجع بما غرمه من المهر وفداء الأولاد في الموضعين على من غره نص عليه أحمد وذكره الخرقي لأن الصحابة الذين ذكرناهم قضوا به وعن أحمد : لا يرجع بالمهر وهو اختيار أبي بكر لأنه يروى عن علي رضي الله عنه ولأنه وجب في مقابلة نفع وصل إليه وظاهر المذهب الأول لأن العاقد ضمن له سلامة الوطء كما ضمن له سلامة الولد فوجب أن يرجع به كقيمة الولد
فصل :
ويفدي الأولاد بقيمتهم يوم الولادة لأنه يروى عن عمر رضي الله عنه ولأنه محكوم بحريتهم يوم وضعهم فاعتبر فداؤهم يومئذ وتجب القيمة لأنه ضمان وجب لفوات حرية فأشبه ضمان حصة شريكه إذا سرى العتق إليه وعنه : يفديهم بعبد مثلهم لأنه يروى عن عمر أنه قضى بفداء ولده بغرة غرة مكان كل غلام غلام ومكان كل جارية جارية ولأن الولد حر فلا يضمن بقيمته كسائر الأحرار وعنه : أنه مخير بين فدائهم بمثلهم و قيمتهم لأن الأمرين يرويان جميعا عن عمر فإن فداهم بمثلهم وجب مثلهم في القيمة اختاره أبو بكر لأن الحق ينجبر بذلك ويحتمل أن ينظر إلى صفاتها تقريبا لأن الآدمي ليس من ذوات الأمثال ولا يفدى منهم إلا من ولد حيا في وقت يعيش مثله سواء عاش أو مات بعد ذلك لأن غير ذلك لا قيمة له
فصل :
وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار لأنه وطئها يعتقد حريتها فكان ولده حرا كولد الحر وعليه فداؤهم لأنه فوت رقهم وهل يتعلق فداؤهم برقبته أو بذمته ؟ على وجهين :
أحدهما : برقبته كأرش جنايته
والثاني : بذمته كعوض الخلع من الأمة ويرجع به على من غره فإن قلنا برقبته رجع به في الحال لأنه يؤخذ من سيده في الحال وإن قلنا : يتعلق بذمته لم يلزمه أداؤه حتى يعتق ولا يرجع به حتى يغرمه لأنه لا يرجع بشيء لم يفت عليه وتتعجل حريتهم في الحال وللعبد الخيار إذا علم ويحتمل أن لا يثبت لأنه فقد صفة لم ينقص بها عن رتبته فأشبه ما لو شرط نسب امرأة فبان خلافه والأول ظاهر المذهب لأنه مغرور بحرية فملك الفسخ كالحر الذي يباح له نكاح الإماء وإن غرت الأمة بعبد فتزوجته على أنه حر فلها الخيار أيضا لأنها مغرورة بحرية من ليس بحر أشبهت المرأة الحرة والعبد المغرور ويحتمل ألا يثبت لها خيار لأنه يكافئها ولا يؤثر رقه في إرقاق ولدها فأشبه ما لو شرطته أشرف نسبا منها فتبين أنه مثلها
فصل :
فإن غرها بنسبة وكان مخلا بالكفاءة فقد مضى القول فيه وإن لم يخل بها ففيه وجهان :
أحدها : لا خيار لها لأن زيادة نسبه عليها لا يضرها فواته فأشبه ما لو شرطته جميلا أو فقيها فبان بخلافه
والثاني : لها الخيار لأنها شرطت ما يقصد فأشبه شرط الصفة المقصودة في المبيع
فصل :
وإن شرطها بكرا فبانت ثيبا أو نسيبة أو جميلة أو بيضاء فبانت بخلافه ففيه وجهان :
أحدهما : لا خيار له لأن النكاح لا يرد فيه بعيب سوى العيوب السبعة فلا يرد بمخالفة الشرط كما لو شرطت ذلك في الرجل
والثاني : له الخيار لأنها صفات مقصودة فصح شرطها كالحرية وإن شرطها مسلمة فبانت كافرة أو تزوجها في دار الإسلام يظنها مسلمة فبانت كافرة فله الخيار لأنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد فملك الخيار به إذا شرط عدمه كالرق وإن تزوجها على أنها كتابية فبانت مسلمة فلا خيار له لأنها زيادة وقال أبو بكر : له الخيار لأنه قد يكون له غرض في إسقاط العبادات عنها فيضره فواته وإن تزوجها على أنها أمة فبانت حرة فلا خيار له لأنها زيادة وكذلك لو شرطها على صفة فبانت خيرا منها لأنه نفع فلم يثبت به الخيار كما لو شرطه في المبيع
فصل :
والسبب الرابع : الإعسار بالنفقة ونحوها على ما نذكره في موضعه ومخالفته شرطها اللازم كاشتراطها دارها ونحوها على ما مضى والله أعلم
باب نكاح الكفار
أنكحتهم صحيحة إذا اعتقدوا إباحتها في شرعهم وإن خالفت أنكحة المسلمين فهي صحيحة إلا أن يتزوج محرمة عليه لأنه أسلم خلق كثير في عصر رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقرهم في أنكحتهم ولم يكشف عن كيفيتها ولا يتعرض لهم ما لم يترفعوا إلينا لأننا صالحناهم على إقرارهم على دينهم وعن أحمد في مجوسي تزوج نصرانية : أو ملك نصرانية يحول بينهما الإمام فيخرج من هذا أنه يفرق بينهم وبين ذوات المحارم لأن عمر كتب : أن فرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وإن ملك نصراني مجوسية لم يحل بينهما لأنه أعلى منها وقال أبو بكر : يمنع من وطئها أيضا كما يمنع المجوسي من النصرانية فأما إن أسلموا وترافعوا إلينا لم ينظر في كيفية عقدهم ونظرنا في الحال فإن كانت المرأة ممن يجوز عقد نكاحها في الحال أقررناهما وإن كانت ممن يحرم نكاحها في الحال كذات محرمة والمعتدة والمطلقة ثلاثا فرقنا بينهما وإن تزوجها بشرط الخيار مدة أو في عدتها ثم أسلما في المدة أو العدة فرقنا بينهما كذلك وإن أسلما بعد انقضائهما أقررناهما عليه وإن قهر حربي حربية فوطئها وطاوعته واعتقداه نكاحا أقررناهما عليه وإلا فلا وإن أسلما وبينهما نكاح متعة أو نكاح شرط فيه الخيار متى شاء لم يقرا عليه لأنهما لا يعتقدان لزومه ولا تأبيده وإن اعتقدا فساد الشرط وحده أقرا عليهفصل :
وإذا اسلم الزوجان معا فهما على نكاحهما سواء أسلما قبل الدخول أو بعده لأن ذلك إجماع ولأنه لم يوجد بينهما اختلاف دين يقتضي الفرقة وإن سبق أحدهما صاحبه وكان المسلم زوج كتابية فالنكاح بحاله لأنه يحل له ابتداء نكاحها وإن أسلمت المرأة قبله أو أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين قبل الدخول بانت منه امرأته لقوله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وتقع الفرقة بسبق أحدهما الآخر بلفظه لأنه يحصل بذلك اختلاف الدين المحرم ويحتمل أن يقف على المجلس كالقبض لأن حكم المجلس حكم حالة العقد لأنه يبعد اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام دفعة واحدة فإن كان إسلام أحدهما بعد الدخول ففيه روايتان :
إحداهما : تتعجل الفرقة لما ذكرنا
والثانية : تقف على انقضاء العدة فإن أسلم الآخر فيها فهما على نكاحهما وإن لم يسلم حتى انقضت تبينا أن الفرقة وقعت حين أسلم الأول بحيث لو كان وطئها في عدتها ولم يسلم أدب ولها عليه مهر مثلها لما روى ابن شبرمة قال : كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبله فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما ولم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فرق بين زوجين أسلما مع أن جماعة منهم أسلموا قبل أزواجهم منهم أبو سفيان وجماعة أسلم أزواجهن قبلهم منهم صفوان بن أمية وعكرمة وأبو العاص ابن الربيع والفرقة الواقعة بينهما فسخ لأنها فرقة عريت عن الطلاق فكانت فسخا كسائر الفسوخ
فصل :
وإن أسلم الحر وتحته أكثر من أربع فأسلمن معه أو كن كتابيات أمر أن يختار منهن أربعا ويخلي سائرهن سواء تزوجهن في عقد أو عقود متفرقة وسواء اختار أول من عقد عليها أو آخرهن لما روى قيس بن الحارث قال : أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت له ذلك فقال : [ اختر منهن أربعة ] رواه أبو داود فإن أبي أجبر بالحبس والتعزير لأنه حق عليه يمكنه إيفاؤه فأجبر عليه كالدين ولا يملك الحاكم الاختيار عنه لأنه حق لغير معين فإن جن خلي حتى يفيق ثم يخير لأنه عجز عن الاختيار فأشبه العاجز عن الدين بالإعسار وعليه نفقة الجميع إلى أن يختار لأنهن محبوسات عليه بحكم النكاح فإن مات قبل الاختيار لم يقم وارثه مقامه لما ذكرنا ولزم جميعهن العدة لأن كل واحدة يجوز أن تكون زوجة وعدة الحامل وضع حملها وعدة ذوات الأشهر أربعة أشهر وعشرا وعدة ذوات الأقراء أطول الأجلين من ثلاثة قروء وعدة الوفاء ليسقط الفرض بيقين والميراث لأربع منهن بالقرعة إلا أن يصطلحن عليه فيكون بينهن على ذلك
فصل :
والاختيار أن يقول : قد اخترت هؤلاء أو نكاح هؤلاء أو أمسكتهن أو نحو هذا وإن قال : اخترت فسخ نكاح هؤلاء كان اختيارا لغيرهن وإن طلق واحدة كان اختيارا لها لأن الطلاق لا يكون إلا لزوجة وإن قال : فارقت هذه ففيه وجهان :
أحدهما : يكون اختيارا لنكاحها لأن الفراق طلاق
والثاني : يكون فسخا لنكاحها واختيارا لغيرها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أمسك منهن أربعا و فارق سائرهن ] وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحا في ترك نكاحها وإن وطئ إحداهن كان اختيارا لها في قياس المذهب كما لو وطئ لجارية المعيبة في مدة الخيار وإن آلى أو ظاهر منها لم يكن اختيارا لها لأنه يصح في غير زوجة ويحتمل أنه اختيار لها لأنه لا يؤثر إلا في زوجة فإن طلق الجميع أقرع بينهن فإذا وقعت القرعة على أربع منهن فهن المختارات فيقع طلاقه بهن وينفسخ طلاق البواقي وله نكاح من شاء منهن بعد انقضاء عدة المطلقات وإن أسلم قبلهن وقال : كلما أسلمت واحدة منهن فقد اخترتها أو فقد فسخت نكاحها لم يصح لأن الاختيار والفسخ لا يصح تعليقه على شرط ولا على غير معين لأنه كالعقد ولأن الفسخ إنما يستحق فيما زاد على الأربع وقد يجوز ألا يسلم أكثر من أربع وإن قال : كلما أسلمت واحدة فهي طالق ففيه وجهان :
أحدهما : يصح لأن الطلاق يصح تعليقه على شرط وكلما أسلمت واحدة طلقت وكان اختيارا لها
والثاني : لا يصح لأنه يتضمن الاختيار الذي لا يصح تعليقه بالشرط وإن قال : اخترت فلانة أو فسخت نكاحها قبل إسلامها لم يصح لأنه ليس بوقت لاختيار ولا فسخ وإن طلقها كان موقفا إن أسلمت تبينا وقوع طلاقه وإلا طلاقه وإلا فلا وإن وطئ واحدة فأسلمت في عدتها تبينا أنه وطئ زوجته وإن لم تسلم فقد وطئ أجنبية وإن طلق الجميع فأسلمن في العدة أمر باختيار أربعة منهن فيتبين وقوع طلاقه بهن ويعتددن من حين طلاقه وبان سائرهن بغير طلاق
فصل :
وإن أسلم عبد وتحته أكثر من اثنتين فأسلمن معه لزمه اختيار اثنتين لأنهما في حقه كالأربع في حق الحر فإن عتق قبل الاختيار لم يجز له الزيادة على اثنتين لأنه ثبت له الاختيار وهو عبد وإن أسلم وعتق ثم أسلمن أو أسلمن ثم عتق ثم أسلم لزوه نكاح أربع لأنه في وقت الاختيار ممن له نكاح أربع
فصل :
ومن أسلم وتحته أختان لزمه أن يختار إحداهما لما روى الضاحك بن فيروز عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان قال : [ طلق أيهما شئت ] رواه أبو داود ولأن الجمع بينهما محرم فأشبه الزيادة على الأربع وهذا القول في المرأة وعمتها والمرأة وخالتها لأن جمعهما محرم وإن أسلم وتحته امرأة وبنتها ولم يدخل بالأم انفسخ نكاحها لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها وثبت نكاح بنتها لأنها لا تحرم قبل الدخول بأمها وإن كان قد دخل بالأم انفسخ نكاحهما وحرمتا على التأبيد
فصل :
ولو أسلم حر وتحته إماء فأسلمن معه وهو ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاح الإماء وإن كان ممن يحل له نكاح الإماء اختار منهن واحدة لأنه يملك ابتداء نكاحها فملك اختيارها كالحرة ولو أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر فله الاختيار منهن لأن وقت الاختيار حين اجتماعهن على الإسلام فاعتبر حاله حينئذ وإن أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر لم يكن له الاختيار منهن كذلك فإن أسلمت معه واحدة فله اختيارها وله انتظار الباقيات لأن له غرضا صحيحا فيه فإن اختار الأولى ثبت نكاحها وانقطعت عصمة البواقي منذ اختلف دينهن وإن اختار فسخ نكاح المسلمة لم يكن له ذلك لأن الفسخ إنما يكون في الفضل عمن يثبت نكاحها ولا فضل فإن فسخ ولم تسلم البواقي لزمه نكاحها وبطل الفسخ وإن أسلمن فله اختيار واحدة فإن اختار التي فسخ نكاحها ففيه وجهان :
أحدهما : له ذلك لأن الفسخ كان قبل وقته فوجوده كعدمه
والثاني : ليس له ذلك لأننا إنما منعنا الفسخ فيها لكونها غير فاضلة وبإسلام غيرها صارت فاضلة فصح فسخ نكاحها
فصل :
وإن أسلم وتحته حرة وأمة فأسلمتا في عدتهما ثبت نكاح الحرة وبطل نكاح الأمة لأن لا يجوز له ابتداء نكاح أمة وتحته حرة وإن لم تسلم الحرة في عدتها ثبت له نكاح الأمة وإن كان ممن له نكاح الإماء وإن أسلمتا في العدة ثم ماتت الحرة أو عتقت الأمة لم يكن له إمساك الأمة لأن نكاحها انفسخ بإسلام الحرة وإن عتقت الأمة قبل إسلامها فله إمساكها لأن الاعتبار بحالة اجتماعهم على الإسلام وهي حرة حينئذ وإن أسلمت قبله وعتقت ثم أسلم الزوج فله إمساكها كذلك ولو أسلم وتحته إماء فعتقت إحداهن ثم أسلمن كلهن لزم نكاح الحرة وانفسخ نكاح الإماء وإن أسلمت إحداهن ثم عتقت ثم أسلم البواقي فله الاختيار منهن لأن الاعتبار بحالة الاختيار وحالة الاختيار حالة اجتماعهما على الإسلام وهي أمة حينئذ
فصل :
وإذا ارتد الزوجان أو أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح لاختلاف دينهما أو كون المرأة بحال لا يحل نكاحها وإن كان بعده ففيه روايتان :
إحداهما : تتعجل الفرقة
والثانية : تقف على انقضاء العدة فإن اجتمعا على الإسلام قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يجتمعا وقعت الفرقة من حين الردة لأنه انتقال عن دين يمنع ابتداء النكاح فكان حكمه ما ذكرنا كإسلام أحد الزوجين
فصل :
وإن انتقل الكتابي إلى دين غير أهل الكتاب كالمجوسية وغيرها ففيه ثلاث روايات :
إحداهن : يجبر على الإسلام ولا يقبل منه غيره لأن ما سواه باطل اعترف ببطلانه لأنه لما كان على دينه اعترف ببطلان ما سواه ثم اعترف ببطلان دينه حين انتقل عنه فلم يبق إلا الإسلام
والثانية : لا يقبل إلا منه الإسلام أو الدين الذي كان عليه لأننا أقررناه عليه أولا فنقره عليه ثانيا
والثالثة : لا يقبل منه إلا الإسلام أو دين أهل الكتاب لأنه دين أهل كتاب فيقر عليه كغيره من أهل ذلك الدين وإن انتقل المجوسي إلى دين أهل الكتاب أو انتقل كتابي إلى دين آخر من دين أهل الكتاب ففيه ثلاث روايات :
إحداهن : لا يقبل منه إلا الإسلام لما ذكرنا
والثانية : يقر على ما انتقل إليه
والثالثة : لا يقبل منه إلا الإسلام أو دينه الذي كان عليه لما تقدم وإذا قلنا : لا يقبل منه إلا الإسلام ففيه روايتان :
إحداهما : أنه يجبر عليه بالقتل كالمرتد
والثانية : أنه إن انتقل إلى المجوسية أجبر بالقتل وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب لم يجبر بالقتل لكن يجبر بالضرب والحبس لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب فلم يقبل كالباقي على دينه وكل موضع قلنا : لا يقر فإذا انتقلت الكتابية المتزوجة للمسلم فحكمها حكم المرتدة على ما يبين في موضعه
فصل :
إذا أسلم الزوجان قبل الدخول فقالت المرأة : أسلم أحدنا فانفسخ النكاح وقال : بل أسلمنا معا ففيه وجهان :
أحدهما : القول قول الزوج لأن الأصل بقاء النكاح
والثاني : القول قولها لأن الظاهر معها فإن اجتمع إسلامهما حتى لا يسبق أحدهما الآخر بعيد وإن اتفقا على سبق أحدهما وقالت المرأة : أنت السابق فعليك نصف المهر وقال الزوج : بل أنت سبقت فلا مهر لك فالقول قول المرأة لأن الأصل بقاء المهر وعدم سقوطه وإن أسلما بعد الدخول فقال الزوج : أسلمت في عدتك فالنكاح باق وقالت : بل انقضت عدتي قبل إسلامك فالقول قول الزوج لأن الأصل بقاء النكاح وفيه وجه آخر أن القول قول المرأة لأن الأصل عدم إسلام الثاني وإن قال : أسلمت قبلك فلا نفقة لك فقالت : بل أسلمت قبلك فلي النفقة ففيه وجهان :
أحدهما : القول قولها لأن الأصل وجوب النفقة
والثاني : القول قوله لأن النفقة إنما تجب بالتمكين من الاستمتاع والأصل عدم وجوبه
فصل :
إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين ثم ارتد ولم يسلم الآخر في العدة فعدتها من حين أسلم الأول وإن أسلم الثاني في العدة فابتداء العدة من حين ارتد لأن الحكم اختلاف الدين بإسلام الأول زال بإسلام الثاني منهما ولو أسلم رجل وتحته عشر نسوة فأسلمن ثم ارتددن أو ارتد دونهن لم يكون له أن يختار منهن لأنه لا يملك العقد عليهن في الحال
فصل :
ولو أسلم عبد وتحته أمة كافرة فأعتقت أو أسلمت قبله ثم أعتقت فلها فسخ النكاح لأنها عتقت تحت عبد فإذا فسخت ثم أسلم الثاني في العدة بانت بفسخ النكاح وإن لم يسلم الثاني تبينا أنها بانت باختلاف الدين وعليها عدة حرة في الموضعين لأنها وجبت وهي حرة أو عتقت في أثناء عدة يمكن الزوج تلافي نكاحها فيها فأشبهت الرجعية وإن أخرت الفسخ حتى أسلم الثاني منهما لم يسقط حقها لأنها تركته اعتمادا على جريانها إلى البينونة فأشبهت الرجعية وإن قالت : قد رضيت بالزوج فذكر القاضي : أنه يسقط حقها لأنها رضيته في حال يمكن فسخه فصح كحالة اجتماعهما على الإسلام
كتاب الصداق
يستحب أن يعقد النكاح بصداق لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتزوج ويزوج بناته بصداق وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه و سلم جاءته امرأة فقالت : إني وهبت نفسي لك فقال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال : [ هل عندك من شيء تصدقها إياه ] ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا آخر ] فقال : لا أجد فقال : [ التمس ولو خاتما من حديد ] فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ هل معك شيء من القرآن ؟ ] قال : نعم سورة كذا وسورة كذا لسورة يسميها فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ زوجتكها بما معك من القرآن ] متفق عليه ولأنه أقطع للنزاع فيهويجوز من غير صداق لقوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } فأثبت الطلاق مع عدم الفرض ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع وهو حاصل بغير صداق
فصل :
ويجوز أن يكون الصداق قليلا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ التمس ولو خاتما من حديد ] ولأنه بدل منفعتها فكان تقديره إليها كأجرتها ويجوز أن يكون كثيرا لقوله تعالى : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } ولا تستحب الزيادة على خمسمائة درهم لأنه صداق أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وبناته بدليل ما روى أبو سلمة قال : سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : ثنتا عشر أوقية ونش فقلت : وما نش ؟ قالت : نصف أوقية رواه مسلم و أبو داود ولأنه إذا كثر أجحف ودعا إلى المقت ويستحب تخفيفه لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة ] رواه أحمد
فصل :
وكل ما جاز ثمنا في بيع أو عوضا في إجارة من دين وعين وحال مؤجل ومنفعة معلومة من حر أو عبد كرد عبدها من مكان معين وخدمتها في شيء معلوم جاز أن يكون صداقا لأن الله تعالى أخبر عن شعيب أنه قال : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } فجعل الرعي صداقا و لأنه عقد على المنفعة فجاز ما ذكرنا كالإجارة
فصل :
وما لا يجوز أن يكون ثمنا ولا أجرة لا يجوز أن يكون صداقا كالخمر وتعليم التوراة والإنجيل وتعليم الذمية القرآن والمعدوم وما لم يتم ملكه عليه كالمبيع المعتبر قبضه قبل قبضه وما لا يقدر على تسليمه كالآبق والطير في الهواء لأنه عوض في عقد فأشبه عوض البيع والإجارة ولا يصح أن يكون مجهولا كعبد وثوب هذا اختيار أبي بكر وقال القاضي : يصح في مجهول جهالة لا تزيد على مهر المثل كعبد أو فرس أو بعير أو ثوب هروي أو قفيز حنطة أو قنطار زيت لأنه لو تزوجها على مهر مثلها صح مع كثرة الجهل فهذا أولى فإن زادت جهالته على جهالة مهر المثل كثوب ودابة وحكم إنسان ورد عبدها أين كان وخدمتها فيما أرادت لم يصح وقال أبو الخطاب : إن تزوجها على عبد من عبيده صح ولها أحدهم بالقرعة نص عليه أحمد وعلى هذا يخرج إذا أصدقها قميصا من قمصانه أو عمامة من عمائمه أو دابة من دوابه لأن الجهالة تقل فيه ولا تصح على عبد مطلق لأن الجهالة تكثير ولنا أنه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كثمن البيع وتأويل أبو بكر نص أحمد على أنه عين عبدا فأشكل عليه فإن أصدقها ما لا يجوز أن يكون صداقا لم يبطل النكاح ونقل المروذي عن أحمد : إذا تزوج على مال بعينه غير طيب أنه كرهه وأعجبه استقبال النكاح وهذا يدل على أن النكاح لا يصح اختاره أبو بكر لأنه عقد معاوضة ففسد بفساد العوض كالبيع والأول أولى لأن فساده ليس بأكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد ويجب لها مهر المثل لأنها لم ترض إلا ببدله ولم يسلم البدل وتعذر رد العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري وعلى قول القاضي : إذا أصدقها مجهولا وجب لها الوسط ووسط العبيد السندي فيجب ذلك لها وإن جاءها بقيمته لزم قبوله قياسا على الإبل في الدية
فصل :
فإن أصدقها عبدا فخرج حرا أو مستحقا فله قيمته لأن العقد وقع على التسمية لأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكا وقد تعذر تسليمه فكانت لها قيمته كما لو وجدته معيبا فردته وإن أصدقها مثليا فخرج مستحقا فلها مثله لأنه أقرب إليه ولذلك يضمن به في الإتلاف وإن أصدقها عصيرا فخرج خمرا فذكر القاضي : أن لها قيمته لأن الخمر ليس من ذوات الأمثال ويحتمل أن يلزمه مثل العصير المسمى لأنه مثلي فوجب إبداله بمثله كما لو أتلف ويفارق هذا ما إذا قال : أصدقتك هذا الخمر أو هذا الحر لأنها رضيت بما لا قيمة له فأشبهت المفوضة ولم ترض هاهنا بذلك وإن قال : أصدقتك هذا الخمر أشار إلى الخل أو هذا الحر وأشار إلى عبده صح ولها المشار إليه لأنه محل يصح العقد عليه فلم يختلف حكمه باختلاف تسميته كما لو قال : أصدقتك هذا الأبيض وأشار إلى الأسود وإن تزوجها على شيء فخرج معيبا فهي مخيرة بين أخذ أرشه وبين رده وأخذ قيمته أو مثله إن كان مثليا لما ذكرنا في أول الفصل
فصل :
وإن تزوج الكافر كافرة بمحرم ثم أسلما أو تحاكما إلينا قبل الإسلام والقبض سقط المسمى ووجب مهر المثل لأنه لا يمكن إجباره على تسليم المحرم وإن كان بعد القبض برئت ذمته كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا وإن قبضت البعض برئت ذمته من المقبوض ووجب بقسط ما بقي من مهر المثل فإن كان الصداق خنزيرين أو زقي خمر أو زق خمر وخنزيرا وقبضت أحدهما ففيه وجهان :
أحدهما : يعتبر العدد لأنه لا قيمة له فكان الجميع واحدا فيقسط على عدده فيسقط نصف الصداق ويجب نصف مهر الثمل
والثاني : يعتبر بقيمته عندهم أو بالكيل إن كان مكيلا لأنه أخصر
فصل :
وإن تزوج المرأة على أن يشتري لها عبدا بعينه صح لأنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو أصدقها رد عبدها من مكان معين فإن لم يبع أو طلب به أكثر من قيمته فلها قيمته لأنه تعذر تسليم المسمى فوجبت قيمته كما لو تلف وإن تزوجها على أن يعتق أباها صح كذلك ومتى تعذر إعتاقه وجبت قيمته لما ذكرناه وفي المسألتين إذا أمكن الوفاء بما شرطه فبذل قيمته لم يلزمها قبوله لأن الحق ثبت لها في معين فلم يلزم قبول عوضه مع إمكانه كما لو قال : أ صدقتك هذا العبد وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يصلح أن يكون عوضا في البيع ولا يلزمه قبول قيمته لأنها استحقت عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها قبول قيمته كالمبيع وعند القاضي : يلزمها قبولها قياسا على الإبل في الدية
فصل :
وإن تزوجها على طلاق زوجته الأخرى لم يصح الصداق لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها أو إنائها ولتنكح فإنما رزقها على الله ] رواه البخاري و مسلم
وعنه : يصح لأن لها فيه غرضا صحيحا أشبه عتق أبيها فإن فات طلاقها بموتها فقال أبو الخطاب : قياس المذهب أن لها مهر الميتة لأن عوض طلاقها مهرها فأشبه قيمة العبد ويحتمل أن يجب مهر المثل لأن الطلاق لا قيمة له ولا مثل
فصل :
وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا فالتسمية فاسدة لأنه في معنى بيعتين في بيعة وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وعلى ألفين إن كان له زوجة فقال أحمد : تصح التسمية قال أبو بكر و القاضي : في المسألتين جميعا روايتان جعلا نصه في إحدى المسألتين رواية في الأخرى لتماثلهما
إحداهما : فساد التسمية اختاره أبو بكر لأنه لم يعين العوض ففسد كبيعتين في بيعة
والثانية : يصح لأن الألف معلومة وإنما جعلت الثانية وهي معلقة على شرط فإن وجد كانت زيادة في الصداق والزيادة فيه صحيحة
فصل :
فإن أصدقها تعليم شيء مباح كصناعة أو كتابة أو فقه أو حديث أو لغة أو شعر لها أو لغلامها صح ولأنه أحد عوضي الإجارة فجاز صدقا كالأثمان فإن أصدقها تعليم شيء لا يحسنه نظرت فإن قال : أحصل لك تعليمه صح لأنها منفعة في ذمته لا تختص به فأشبه ما لو أصدقها دينارا لا يقدر عليه وإن قال على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لأنه تعين بفعله وهو عاجز عنه وقال في المجرد يحتمل أن يصح لأنه يقع في ذمته فصح لما ذكرنا فإن تعلمتها من غيره أو تعذر عليه تعليمها فعليه أجرة تعليمها وإن أتته بغيرها ليعلمها مكانها لم يلزمه ذلك لأنهما يختلفان في سرعة التعليم وإبطائه و يحتمل أن يلزمه إذا أتته بمن يجري مجراها كمن اكترى شيئا جاز أن يوليه لمن يقوم مقامه وإن طلقها بعد الدخول قبل تعليمها ففيه وجهان :
أحدهما : يعلمها من وراء حجاب كما يسمع الحديث من الأجنبية
والثاني : عليه أجرة التعليم لأنها صارت أجنبية فلا تؤمن الفتنة عليهما في تعليمها أما الحديث فإن الحاجة داعية إلى سماعه لأنه لا بدل له وإن كان قبل الدخول ففي تعليمه النصف الوجهان فإن طلقها بعد تعليمها رجع عليها بنصف أجرة التعليم
فصل :
فإن أصدقها تعليم القرآن أو شيء منه ففيه روايتان :
إحداهما : يجوز لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ زوجتكها بما معك من القرآن ]
والثانية : لا يجوز لأن تعليم القرآن لا يقع إلا قربة لصاحبه فلم يكن صداقا كتعليم الإيمان وقد روى النجاد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوج رجلا على سورة من القرآن ثم قال : [ لا تكون لأحد بعدك مهرا ] فإن قلنا بجوازه فأصدقها تعليم بعض القرآن فمن شرطه تعيين ذلك البعض لأن التعليم والمقاصد تختلف باختلافه وذكر أبو الخطاب وابن عقيل أنه إن كان في البلد قراءات افتقر إلى تعيين أحدها لأن حروف القرآن تختلف فأشبه تعيين الآيات والصحيح أنه لا يفتقر إليه لأنه اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه فأشبه ما لو أصدقها قفيزا من صبره
فصل :
ويصح أن يكون الصداق معجلا ومؤجلا فإن أطلق ذكره كان حالا لأنه عوض في عقد معاوضة أشبه الثمن فإن شرطه مؤجلا إلى مدة معلومة فهي إلى أجله وإن لم يذكر أجله فقال أبو الخطاب : لا يصح ولها مهر المثل قياسا على الثمن في المبيع وقال القاضي : يصح وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال : إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة لأن الصداق يجوز أن يكون مجهولا فيما إذا تزوجها على مهر المثل فالتأجيل التابع له أولى فعلى هذا محل الآجل الفرقة بموت أو غيره لأن المطلق يحمل على العرف والعادة في الآجل تركه إلى الفرقة فحمل عند الإطلاق عليه
فصل :
وإذا تزوجها على صداقين سر وعلانية فقال الخرقي : يؤخذ بالعلانية لأن الزائد على صداق السر زيادة زادها في الصداق وإلحاق الزيادة بالصداق جائزة وقال القاضي : الواجب مهر العقد الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية لأنه الذي انعقد به النكاح فكان الواجب المسمى فيه كما لو انفرد
فصل :
وإلحاق الزيادة بالصداق جائز فإن زادها في صداقها شيئا بعد انبرام العقد جاز وكان الجميع صداقا لقوله تعالى : { فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }
فصل :
وإذا تزوج أربعا بصداق واحد صح لأن جملة صداقهن معلومة فصح كما لو اشترى أربعة أعبد بثمن واحد ويقسم بينهن على قدر مهورهن كما يتقسط ثمن الأعبد على قيمتهم وقال أبو بكر : يخرج فيه وجه آخر أنه يقسم بينهن على عددهن لأنه أضيف إليهن إضافة واحدة فأشبه ما لو أقر لهن وهذا القول فيما إذا خالعهن بعوض واحد أو كاتب أعبده بعوض واحد
فصل :
وتملك المرأة المسمى بالعقد إذا كان صحيحا ومهر المثل في الموضع الذي يجب فيه لأنه عقد يملك فيه المعوض بالعقد فملك العوض به كالبيع وعنه رواية أخرى تدل على أنها لا تملك إلا نصفه لأنه لو طلقها لم يجب إلا نصفه والمذهب الأول فعلى هذا نماؤه وزيادته لها وزكاته عليها ونقصانه بعد قبضها إياه عليها وإن نقص قبل القبض لمنعه إياه من قبض فهو من ضمانه وإن لم يمنعها فنقص المكيل والموزون عليه لأنه يعتبر قبضه وما عداه يخرج فيه وجهان بناء على الروايتين في المبيع قبل القبض سواء لأنه منتقل بعقد ينقل الملك فأشبه المبيع
والثاني : لها التصرف فيه لأنه منتقل بسبب لا ينفسخ بهلاكه قبل قبضه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث وقد نص أحمد على جواز هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضه وهو تصرف
فصل :
ويدفع صداق المرأة إليها إن كانت رشيدة وإلى من يلي مالها إن كانت غير رشيدة لأنه مال لها فأشبه ثمن مبيعها وفي البكر البالغة العاقلة وجهان :
أحدهما : لا يدفع إلا إليها كذلك
والثاني : يجوز دفعه إلى أبيها لأنه العادة ولأنه يملك إجبارها على النكاح فأشبهت الصغيرة
فصل :
ولها منع نفسها حتى تقبض صداقها المعجل لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع والامتناع عن بذل الصداق فلا يمكن الرجوع فيه بخلاف المبيع ولها النفقة إذا امتنعت لأنه امتناع بحق فأشبه ما لو امتنعت للإحرام بحجة الإسلام وإن سلمت نفسها ثم أرادت المنع فقد توقف أحمد عن الجواب وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحق بن شاقلا : إلى أنه ليس لها ذلك لأنها سلمت تسليما استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها المنع كما لو سلمت المبيع وذهب ابن حامد : إلى أن لها ذلك لأنه تسليم بحكم عقد النكاح فملكت المنع منه قبل قبض صداقها كالأول فأما إن أكرهها فوطئها لم يسقط حقها من الامتناع لأنه بغير رضاها وإن قبضت صداقها فوجدته معيبا فردت فلها منع نفسها حتى يبذله لأن صداقها جيد وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها ثم أرادت الامتناع ففيه وجهان بناء على ما تقدم وإن كان صداقها مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بالتأجيل رضى منها بتسليم نفسها قبله كالثمن المؤجل وإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأنه قد وجب عليها تسليم نفسها واستقر فلم يسقط بحلوله
باب ما يستق ربه الصداق وما لا يستقر وحكم التراجع
يستقر الصداق بثلاثة أمور :أحدها : الخلوة بعد العقد لما روى الإمام أحمد بإسناده عن زرارة بن أوفى قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولأنها سلمت نفسها التسليم الواجب عليها فاستقر صداقها كما لو وطئها فإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها أو الزوج صغيرا أو أعمى لا يعلم دخوله عليها لم يكمل صداقها لأنه لم يحصل التمكين وكذلك إن نشزت عليه فمنعته وطأها لم يكمل صداقها لذلك ذكره ابن حامد وإن كان بهما عذر والصيام واجب والمرض أو بأحدهما كالحيض والنفاس والرتق والجب والعنة ففيه ثلاث روايات :
إحداهن : يستقر بالصداق لعموم ما ذكرنا ولأن التسليم المستحق قد وجد والمنع من غير جهتها فلم يؤثر في المهر كما لم يؤثر في إسقاط النفقة
والثانية : لا يستقر لأنه لا يتمكن من تسليمها فلم يستقر مهرها كما لو منعت نفسها
والثالثة : إن كان المانع هو صوم رمضان لم يكمل الصداق وفي معناه ما يحرم دواعي الوطء كالإحرام وما لا يمنع دواعي الوطء كسائر الموانع لا يمنع استقرار الصداق
فصل :
والثاني : الوطء يستقر به الصداق وإن كان من غير خلوة لأنه قد وجد استيفاء المقصود فاستقر العوض كما لو اشترى طعاما فأكله وإن استمتع بغير الوطء كقبلة أو مباشرة في الفرج أو نال منها ما لا يحل لغيره كالنظر إليها عريانة فقال أحمد : يكمل الصداق به لأنه نوع استمتاع أشبه الوطء وقال القاضي : هذا على الرواية التي يثبت بها تحريم المصاهرة ولا يكمل به الصداق على الرواية الأخرى لأنه لا يحرم المصاهرة فلم يقرر الصداق كرؤية الوجه
فصل :
الثالث : موت أحد الزوجين قبل الدخول يقرر الصداق سواء مات حتف أنفه أو قتل نفسه أو قتل غيره لما روى معقل بن سنان أو رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في بروع بنت واشق وكان زوجها مات ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا فجعل لها مهر نسائهم ولا وكس ولا شطط رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي ولأنه عقد عمر فبموت أحدهما ينتهي به فيستقر به العوض كانتهاء الإجارة
ومتى استقر الصداق لم يسقط منه شيء بانفساخ النكاح ولا بغيره
فصل :
وإن افترقا قبل استقراره لم يخل من أربعة أقسام :
أحدها : أن يكون بسبب من المرأة كردتها وإسلامها وإرضاعها من ينفسخ النكاح بإرضاعه وفسخها لعيب الزوج أو إعساره فيقسط مهرها لأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط العوض كما لو أتلف المبيع قبل تسليمه وفي معناه فسخ الزوج لعيبها لما مضى في موضعه
الثاني : أن يكون بسبب من الزوج كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته واستمتاعه بأم زوجتها أو بنتها فيسقط نصف المسمى ويجب نصفه لقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج لأنه في معناه وعن أحمد : أنه إذا أسلم لا مهر عليه لأنه فعل الواجب عليه وحصلت الفرق بامتناعها من موافقته على الواجب فكان من جهتها والأول المذهب لأن فسخ النكاح لاختلاف الدين وذلك حاصل بإسلامه وإنما ينصف المهر بالخلع لأن المغلب فيه جانب الزوج بدليل أنه يصح به دونها وهو خلعه مع أجنبي فصار كالمنفرد به
الثالث : افترقا بسبب من أجنبي كرضاع أو غيره فيجب نصف المهر لأنه لا جناية منها تسقط مهرها ويرجع الزوج بما لزمه على الفاعل لأنه قرره عليه
الرابع : افترقا بسبب منهما كشرائها لزوجها ولعانهما ففيه روايتان وإن اشتراها زوجها ففيه وجهان :
أحدهما : يسقط الصداق لأنها شاركت في الفسخ فسقط مهرها كالفسخ بعيب
والثاني : يتنصف لأن للزوج فيه اختيارا أشبه الخلع
فصل :
ومتى سقط المهر أو نصف بعد تسليمه إليها فله الرجوع عليها ولا يخلو إما أن يكون تالفا أو غير تالف فإن كان تالفا رجع مثله إن كان مثليا أو بقيمته إن لم يكن مثليا أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض أو التمكين منه لأنه إن زاد بعد العقد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه فلم يرجع بما هو عليه وإن كان باقيا لم يخل من خمسة أحوال :
أحدها : أن يكون باقيا بحاله لم يتغير ولم يتعلق به حق غيرها فإن الزوج يرجع فيه ويدخل في ملكه حكما وإن لم يجز ذلك كالميراث في قياس المذهب لقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فعلق تنصيفه بالطلاق وحده فيجب أن يتنصف به ويحتمل أنه لا يملكه إلا باختياره لأن الإنسان لا يملك شيئا بغير اختياره إلا بالميراث فعلى هذا الوجه إن زاد بعد الطلاق وقبل الاختيار فهو للزوجة لأن ملكها لم يزل عنه فنماؤه لها وعلى الأول نماء نصيب الزوج له لأنه نماء ملكه فإذا قال : قد رجعت فيه أو اخترته ثبت الملك فيه على الوجهين وإن نقص في يدها بعد ثبوت ملكه عليه وكانت قد منعته منه فعليها ضمان نقصه لأن يدها عادية فتضم كالغاصبة وإن لم تمنعه ففيه وجهان أصلهما الزوج إذا تلف الصداق المعين في يده قبل مطالبتها به قال الزوج : نقص قبل الطلاق فهو من ضمانك فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل السلامة
فصل :
الحال الثاني : أن تجده ناقصا كعبد مرض أو نسي صناعته أو كبر كبرا ينقص قيمته فالزوج بالخيار بين أخذه ناقصا لأنه يرضى بدون حقه وبين تركه ومطالبتها بقيمته أو نصفها يوم وقع العقد عليه لأن النقص حدث في ملكها فكان من ضمانها
فصل :
الحال الثالث : أن تجده زائدا فلا تخلو إما أن تكون الزيادة منفصلة كالولد والثمرة واللبن والكسب ونحو ذلك فله نصف الأصل والزيادة لها لأنها زيادة متميزة حادثة من ملكها فلم تتبع الأصل في الرد كما في الرد بالعيب وأما أن تكون متصلة كالسمن والكبر والحمل في البطن والثمرة على الشجرة وتعلم صناعة أو كتابة ونحو ذلك فالمرأة مخيرة بين دفع النصف زائدا فيلزمه قبوله لأنه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز وبين دفع قيمة حقه يوم وقع العقد عليه لأن حقه في نصف الفرض والزائد ليس بمفروض فوجب أخذ البدل إلا أن يكون محجورا عليها لسفه أو فلس أو صغر فليس له إلا نصف القيمة لأن الزيادة لها وليس لها التبرع بما لا يجب عليها وإن كانت مفسلة كان غريما بالقيمة وإن بذلت له أخذ نصف الشجر دون الثمر لم يلزمه لأن عليه ضررا في بقاء الثمر عليها فلم يلزمه وإن قال الزوج : أنا أرجع في نصف الشجر وأترك الثمر عليه أو أترك الرجوع حتى تجذي ثمرتك ثم أرجع ففيه وجهان :
أحدهما : لا تجبر على قبوله لأن الحق انتقل من العين فلم يعد إليها إلا بتراضيهما
والثانية : تجبر عليه لأنه لا ضرر عليها فلزمها كما لو وجدها ناقصة فرضي بها وإن أصدقها أرضا فزرعتها فحكمها حكم الشجر إذا أثمر سواء في قول القاضي وقال غيره : يفارق الزرع الثمرة في أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله لأن الزرع ينقص الأرض ويضعفها ولأنه ملكها أودعته في الأرض بخلاف الثمرة وإن أصدقها أرضا فبنتها أو ثوبا فصبغته فحكمها حكم الأرض المزروعة فإن بذل الزوج لها نصف قيمة البناء والصبغ لتملكه فقال الخرقي : يلزمها قبوله ويصير له نصف الجميع لأن الأرض له وفيها بناء لغيره بني بحق فكان له تملكه بالقيمة كالشفيع والعمير وقال القاضي : لا يملكه لأن بيع البناء معاوضة فلا تجبر عليها كما لو بذل نصف قيمة الثمرة ليملك نصف الشجرة
فصل :
الحال الرابع : وجده زائدا من وجه ناقصا من وجه كعبد تعلم صناعة ومرض أو خشب شقته دفوفا أو حلي كسرته ثم صاغته على غير ما كان أو جارية حملت فإن الحمل نقص في الآدمية من وجه وزيادة من وجه بخلاف حمل البهيمة فإنه زيادة محضة فهو كسمنها فإذا تراضيا على أخذ نصفه جاز لأن الحق لهما وأيهما امتنع من ذلك لم يجبر عليه لأن عليه ضررا
الحال الخامس : أن يتعلق به حق غيرهما وهو ثلاثة أنواع :
أحدها : ما يزيل ملكها كبيع العين وهبتها المقبوضة وعتقها ووقفها فحكم ذلك حكم تلفها فإن عادت العين إلى ملكها ثم طلقها فله الرجوع في نصفها لعدم المانع منه وفي معنى ذلك العقد اللازم المراد لإزالة الملك كالرهن والكتابة
النوع الثاني : ما ليس بلازم كالهبة قبل القبض والوصية قبل الموت والتدبير فله الرجوع في نصفها لأنه حق غير لازم فأشبه الشركة
النوع الثالث : ما لا يزيل الملك كالنكاح والإجارة فيخير بين الرجوع في نصفها مع بقاء النكاح والإجارة وبين الرجوع بنصف القيمة لأنه نقص رضي به فأشبه نقصها بهزالها
فصل :
فإن كان الصداق عينا فوهبتها لزوجها ثم طلقها قبل الدخول ففيه روايتان :
إحداهما : يرجع عليها بنصفه لأنه دعا إليه بعقد مستأنف فلم يمنع استحقاق نصفه بالطلاق كما لو وهبته أجنبيا ثم وهبه الأجنبي للزوج
والثانية : لا يرجع عليها بشيء لأن نصف الصداق تعجل له بالهبة وإن كان دينا فأبرأته منه ثم طلقها وقلنا : لا يرجع ثم فهاهنا أولى وإن قلنا : يرجع ثم خرج هاهنا وجهان :
أحدهما : يرجع لأنه عاد إليه بغير الطلاق فأشبه العين
والثاني : لا يرجع لأن الإبراء إسقاط وليس بتمليك وإن أصدقها عينا فوهبتها له أو دينا فأبرأته منه ثم ارتدت قبل الدخول ففي رجوعه به عليها وجهان بناء على الرجوع في النصف بالطلاق وإن باع رجلا عبدا أو أبرأه من ثمنه فوجد به المشتري عيبا فرده وطالبه بثمنه أو أمسكه وأراد أرشه فهل له ذلك ؟ على وجهين بناء على الروايتين في الصداق وإن أصدقها عبدا فوهبته نصفه ثم طلقها قبل الدخول انبنى على الروايتين فإن قلنا : إذا وهبته الكل لا يرجع بشيء رجع هاهنا في نصف الباقي من العبد وإن قلنا : يرجع ثم رجع في النصف الباقي جميعه
فصل :
والزوج هو الذي بيده عقد النكاح فإذا طلق قبل الدخول فأي الزوجين عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو حائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه وكمل في الصداق جميعه وعنه : ما يدل على الذي بيده عقدة النكاح هو الأب فيصح عفوه عن نصف مهر ابنته البكر التي لم تبلغ إذا طلقت قبل الدخول لأن الذي بيده عقدة النكاح بعد الطلاق هو الولي ولأن الله خاطب الأزواج بخطاب المواجهة ثم قال تعالى : { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وهذا خطاب غائب فاعتبرنا هذه الشروط لأن الأب يلي مالها في صغرها دون غيره ولا يليه في كبرها ولا يملك تزويجها إلا إذا كانت بكرا ولم تكن ذات زوج والمذهب الأول قال أبو حفص : ما أرى القول الآخر إلا قولا قديما ولا يجوز عفو الأب ولا غيره من الأولياء لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ولي العقدة الزوج ] رواه الدارقطني ولأن الله تعالى قال : { وأن تعفوا أقرب للتقوى } وليس عفو الولي عن صداق ابنته أقرب للتقوى ولا يمنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب كقوله تعالى : { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها } ولأن صداق المرأة حق لها فلا يملك الولي العفو عنه كسائر ديونها لأن الصغير لو رجع إليه صداق زوجته أو نصفه لانفساخ النكاح برضاع أو نحوه لم يكن لوليه العفو عنه رواية واحدة فكذلك ولي الصغيرة
باب الحكم في المفوضة
وهو أن يزوج الرجل ابنته بغير صداق برضاها أو رضى أبيها سواء سكتا عن ذكره أو شرطا نفيه فالعقد صحيح لقوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لرجل : [ أترضى أن أزوجك فلانة ؟ ] قال : نعم وقال للمرأة : [ أترضين أن أزوجك فلانا ] قالت : نعم فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا فإني أشهدكم أني قد أعطيتها سهمي بخيبر فأخذت سهما فباعته بمائة ألف رواه أبو داودويجب لها مهر نسائها بالعقد لأنه لو لم يجب لما استقر بالدخول ولا ملكت المطالبة بفرضه قبله ولأن إخلاء النكاح عن المهر خالص لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولها المطالبة بفرضه قبل الدخول وبعده ويلزمه إجابتها إليه فإن ترافعا إلى الحاكم لم يفرض لها إلا مهر المثل لأنه الواجب لها وإن تراضى الزوجان على فرضه جاز فإن فرض لها مهر مثلها فليس لها غيره لأنه الواجب لها وإن فرض لها الحاكم أكثر منه جاز لأن له أن يزيدها في صداقها وإن فرض لها أقل منه فرضيته جاز لأن الحق لها فملكت تنقيصه وما فرض لها من ذلك صار كالمسمى في التنصيف بالطلاق قبل الدخول وقراره بالدخول وغيره لأنه مهر مفروض فأشبه المفروض بالعقد وإن دخل بها قبل الفرض استقر مهر المثل لأن الوطء في نكاح خال عن مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه و سلم وإن مات أحدهما قبل الإصابة والفرض وجب لها مهر نسائها في صحيح المذهب لما روى علقمة أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود : لها صداق نسائها ولا وكس ولا شطط ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بروع ابنة واشق امرأة منا مثل ما قضيت أخرجه أبو داود و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وعن أحمد : لا يكمل لها الصداق لأنها فرقة قبل فرض ومسيس فأشبهت الطلاق فعلى هذا يجب لها نصف مهر المثل
فصل :
ومهر نسائها : هو مهر نساء عصباتها المساويات لها ويعتبر الأقرب فالأقرب منهن فأقربهن الأخوات ثم بنات الإخوة ثم العمات ثم بنات الأعمام ثم من بعدهن الأقرب فالأقرب ولا يعتبر ذوات الأرحام كالأم والخالة والأخت من الأم في إحدى الروايتين لأن المهر يختلف بالنسب ونسبها مخالف لنسبهن والأخرى يعتبر لأنهن من نسائها فيدخلن في الخبر فإن لم يكن لها نساء عصبات اعتبر هؤلاء على الروايتين ويعتبر بمن يساويها في صفاتها من سنها وبلدها وعقلها وعفتها وجمالها ويسارها وبكارتها وثيوبتها لأنه عوض متلف فاعتبرت فيها الصفات فإن لم يكن مهر نسائها يختلف بهذه الأمور لم تعتبرها و إن كان يختلف فلم نجد إلا دونها زيد لها بقدر فضيلتها وإن لم يوجد إلا أعلى منها نقصت بقدر نقيصتها وجب حالا من نقد البلد كقيم المتلفات فإن كان عادة نسائها التأجيل ففيه وجهان :
أحدهما : يفرض مؤجلا لأنه مهر نسائها
والثاني : يفرض حالا لأنه قيمة متلف وإن كان عادتهم أنهم إذا زوجوا عشيرتهم خففوا وإذا زوجوا غيرهم أثقلوا أو عكس ذلك اعتبر لأنه مهر المثل فإن لم يوجد من أقاربهم أحد اعتبر شبهها من أهل بلدها فإن عدم ذلك اعتبر أقرب الناس إليها من نساء أقرب البلدان إليها
فصل :
وإن طلق المفوضة قبل الدخول والفرض فليس له إلا المتعة نص عليه أحمد في رواية جماعة وعنه : لها نصف مهر المثل لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيوجب نصفه بالطلاق قبله كالتي سمي لها والأول المذهب لقوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } ولا متعة لغيرها في ظاهر المذهب لأنه لما خص بالآية من لم يفرض لها ولم يمسها دل على أنها لم تجب لمدخول بها ولا مفروض لها ولأنه حصل في مقابله ابتذال المهر أو نصفه بخلاف مسألتنا وعنه : لكل مطلقة متاع لقوله تعالى : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } وقال سبحانه : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا } قال أبو بكر : العمل عندي على هذه الرواية لولا تواتر الروايات بخلافها فإنه لم يرو هذه إلا حنبل وخالفه سائر من روى عن أبي عبد الله فيتعين حمل هذه الرواية على الاستحباب جمعا بين دلالة الآيات المختلفات ولما ذكرنا من المعنى فأما المتوفى عنها فلا متعة لها بغير خلاف لأن الآية لم تتناولها ولا هي معنى المنصوص عليه
فصل :
والمتعة معتبرة بحال الزوج { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } وحكى القاضي عن أحمد : أنها مقدرة بنصف مهر المثل لأنها بدل عنه فتقدرت به والمذهب الأول لقوله تعالى : { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } فقدرها بحال الزوج دون حال المرأة ولأنه لو وجب قدر نصف مهر المثل كان ذلك نصف مهر المثل وفي قدرها روايتين :
إحداهما : يرجع فيها إلى اجتهاد الحاكم فيفرض لها ما يؤديه اجتهاده إليه لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره ويحتاج إلى الاجتهاد فرد إلى الحاكم كالنفقة
والثانية : أعلى المتعة خادم وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها وأوسطها ما بين ذلك لقول ابن العباس : أعلى المتعة خادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة وهذا تفسير من الصحابي فيجب الرجوع إليه
فصل :
وكل فرقة أسقطت المسمى أسقطت المتعة وما نصفت المسمى أوجبت المتعة لأنها قائمة مقام نصف المسمى فاعتبر ذلك فيها وسئل أحمد : عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها مهرا ثم وهب لها غلاما ثم طلقها قال : لها المتعة وذلك لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة كالمسمى
فصل :
فأما المفوضة المهر وهي التي تزوجها على حكمها أو حكمه أو حكم أجنبي أو بمهر فاسد أو يزوجها غير الأب بغير صداق بغير إذنها فإنه يتنصف لها مهر المثل بالطلاق في ظاهر المذهب وهو اختيار الخرقي وعن أحمد : ليس لها إلا المتعة لأنه نكاح خلا عن تسمية صحيحة فأشبه نكاح المفوضة البضع ولنا : أنها لم ترض بغير صداق ولم يرض أبوها فلم تجب المتعة كالتي سمي لها بخلاف الراضية بغير صداق
فصل :
وللأب تزويج ابنته بغير صداق مثلها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا أو ثيبا لأن عمر خطب الناس فقال : ألا لا تغالوا في صدق النساء فما أصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا من نسائه أو بناته أكثر من اثني عشرة أوقية وظاهره صحة تسمية من زوج بمثل ذلك وإن نقص عن مهر المثل وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو سيد قرشي ولأنه غير متهم في حقها فلا يمنع من تحصيل المقصود والحظ لابنته بتفويت غير المقصود وليس لغيره نقصها عن مهر نسائها إلا بإذنها لأنه متهم فإن زوج بغير صداق لم يكن تفويضا صحيحا لأنه أسقط ما ليس له التصرف فيه ويجب مهر المثل وإن فعله الأب كان تفويضا صحيحا
فصل :
وللأب أن يشترط لنفسه شيئا من صداق ابنته لأن الله تعالى أخبر أن شعيبا زوج ابنته لموسى برعاية غنمه وقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنت ومالك لأبيك ] وقال : [ إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم ] قال الترمذي : هذا حديث حسن فإن زوجها على ألف لها وألف له ثم طلقت قبل الدخول رجع الزوج بالألف التي لها لأن ما أخذه الأب محسوب على البنت من صداقها فكأنها قبضته ثم وهبته لأبيها فإن شرط غير الأب شيئا لنفسه فالكل لها ولا شيء له لأنه عوض عنها فكان لها كالمسمى لها
فصل :
وإن زوج الرجل ابنه الصغير فالمهر على الزوج لأنه المعوض له فكان العوض عليه كالكبير وكما لو اشترى له شيئا فإن كان الابن معسرا ففيه وجهان :
أحدهما : هو عليه كذلك
والثاني : على الأب لأنه لما زوجه مع علمه بإعساره ووجوب الصداق عليه كان رضى منه بالتزامه
فصل :
وإن تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر على المولى لأنه وجب بإذنه فكان عليه كالذي يجب بعقد الوكيل وإن تزوج بغير إذن سيده فالنكاح باطل فإن فارقها قبل الدخول فلا شيء عليه وإن دخل بها ففي رقبته صداقها لأنه وجب بجنايته فكان في رقبته كسائر جناياته وفي قدره روايتان :
إحداهما : مهر مثلها لأنه وطء يوجب المهر فأوجب جميعه كوطء المكرهة
والثانية : يجب عليه خمسا المهر لما روى خلاس أن غلاما لأبي موسى تزوج بمولاة تيحان التميمي بغير إذن أبي موسى فكتب في ذلك إلى عثمان رضي الله عنه فكتب إليه : أن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة رواه أحمد ولأن المهر أحد موجبي الوطء فجاز أن ينقص في العبد عن الحر كالحد وقد روى حنبل عن أحمد أنه لا صداق عليه ويحتمل هذا أن يحمل على ما إذا فرق بينهما قبل الدخول ويحتمل أنه لا يجب شيء في الحالين ولأن المرأة مطاوعة له في غير نكاح صحيح أشبه الزانية وهذا مذهب ابن عمر والمذهب الأول والسيد مخير بين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو الواجب من المهر كأرش جناياته وإذا زوج السيد عبده أمته وجب الصداق عليه ثم سقط لأن النكاح لا يخلو من مهر ولا يثبت للسيد على عبده مال فسقط وقال القاضي : لا يثبت مهر أصلا لأنه لا يمكن أن يجب للسيد على عبده مال وإن تزوج العبد بحرة أو أمة بغير إذن سيده ثم باعها العبد أو باعه لسيد الأمة بثمن في الذمة صح ويحول صداقها إلى ثمنه أو نصفه إن كان قبل الدخول وإن باعها إياه بصداقها صح لأنه يجوز أن يبيعها به عبد آخر فكذلك هذا وينفسخ النكاح إذا ملكت زوجها فإن كان قبل الدخول رجع السيد عليها بما يسقط من صداقها
باب اختلاف المزوجين في الصداق
إذا اختلفا في قدره ولا بينة على مبلغه ففيه روايتان :إحداهما : القول قول من يدعي مهر المثل منهما فإن ادعت مهر المثل أو أقل فالقول قولها وإن ادعى مهر مثلها أو أكثر فالقول قوله لأن الظاهر أن صداقها مهر مثلها ولأنه موجب العقد بدليل ما لو خلا عن الصداق فكان القول قول مدعيه كالمنكر في سائر الدعاوى فإن ادعى أقل من مهر المثل وادعت أكثر من مهر المثل ردا إلى مهر المثل وينبغي أن يحلف الزوج على نفي الزائد عن مهر المثل وتحلف هي على إثبات ما نقص منه لأن دعوى كل واحد منهما محتملة فلا تدفع بغير يمين و الرواية الثانية : القول قول الزوج بكل حال لأنه منكر فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه و سلم : [ ولكن اليمين على المدعى عليه ] فإن مات الزوجان فورثتهما بمنزلتهما إلا أن من يحلف منهما على الإثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لأنه يحلف على نفي فعل الغير وإن اختلف الزوج وأبو الصغيرة أو المجنونة قام الأب مقامهما في اليمين لأنه يحلف على فعل نفسه فأشبه الوكيل فإن لم يحلف حتى بلغت الصبية وعقلت المجنونة فاليمين عليها دونه لأنه إنما حلف لتعذر اليمين من جهتهما فإذا أمكن الحلف منهما لزمهما كالوصي إذا بلغ الطفل
فصل :
وإن أنكر الزوج تسمية الصداق وادعت تسمية مهر المثل وكان الخلاف بعد الطلاق قبل الدخول ففيه وجهان بناء على الروايتين فإن قلنا : القول قول الزوج وجبت المتعة وإن قلنا بالرواية الأخرى فلها نصف مهر المثل وإن اختلفا قبل الطلاق بعد الدخول فقد استقر لها مهر مثلها وإن كان قبله فلها المطالبة بفرض مهر المثل ولا يشرع التحالف وإن ادعت أكثر من مهر المثل حلف على نفي الزيادة
فصل :
فإن قال : أصدقتك هذا العبد قالت : بل هذه الأمة لم تملك العبد لأنها لا تدعيه ولا الأمة لأنها لا تجب بمجرد الدعوى لكن إن قلنا : القول قول الزوج فلها قيمة العبد وإن قلنا : القول قول من يدعي مهر المثل وكانت الأمة مهر المثل أو أقل حلفت ولها قيمتها وإن كانت أكثر والعبد مهر المثل أو أكثر حلف الزوج ولها قيمته وإن كانت الأمة أكثر والعبد أقل رد إلى مهر المثل على ما ذكرنا فيما تقدم
فصل :
وإن اختلفا في قبض الصداق أو إبرائه منه فالقول قولها لأن الأصل معها وإن اختلفا فيما يستقر به الصداق بالاستمتاع أو الخلوة فالقول قوله لأن الأصل معه وإن اتفقا على أنه دفع إليها مالا فقال : دفعته صداقا قالت : بل هبة فإن كان الخلاف في نيته فالقول قوله بلا يمين لأنه أعلم بما نواه وإن اختلفا في لفظه فالقول قوله مع يمينه لأنه ملكه فالقول قوله في صفة نقله
فصل :
وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فقالت : حدث بعد الطلاق فلا ضمان علي وقال : بل قبله فالقول قولها لأن الأصل براءة ذمتها
فصل :
ويجب المهر للموطوءة في نكاح فاسد لقول النبي صلى الله عليه و سلم في التي أنكحت نفسها بغير إذن وليها : [ فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها ] ويجب للموطوءة بشبهة لهذا المعنى ويجب للمكرهة على الزنا لأنه وطء سقط الحد عنها فيه شبهة والواطئ من أهل الضمان في حقها فأوجب المهر كالوطء بالشبهة ولا يجب مع المهر أرش البكارة في هذه المواضع لأنه داخل في المهر وعنه : للمكرهة الأرش مع المهر لأنه إتلاف جزء فوجب عوضه كما لو جرحها ثم وطئها وعن أحمد : لا يجب المهر للمكرهة الثيب قياسا على المطاوعة وعنه : لا يجب لمحارمه من النسب لأن تحريمهن تحريم أصل فلا يوجب وطؤهن مهرا كاللواط وعنه : من تحرم ابنتها لا مهر لها كذلك ومن تحل بنتها كالعمة والخالة يجب لها لأن تحريمها أخف ولنا : أنه أتلف منفعة بضعها بالوطء مكرهة فأشبهت الأجنبية والبكر
فصل :
ولا يجب المهر للمطاوعة على الزنا لأنها باذلة لما يوجب البدل لها فلم يجب لها شيء - كما لو أذنت في قطع يدها - فإن كانت أمة وجب المهر لسيدها لأنه المستحق له فلا يسقط ببذلها كيدها ولا يجب المهر بالوطء في الدبر ولا اللواط لأنه لا منفعة فيه متقومة في الشرع بخلاف الفرج
فصل :
ومن نكاحها باطل بالإجماع كذات الزوج والمعتدة حكمها حكم الأجنبية في وجوب الصداق إن كان الوطء بشبهة أو إكراه وسقوطه إن كانت مطاوعة عالمة بالتحريم لأنه باطل بالإجماع فكان وجوده كعدمه
باب الوليمة
وهي : الإطعام في العرس وهي مستحبة لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج : [ أولم ولو بشاة ] متفق عليه وليست واجبة لأنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة ويستحب أن يولم بشاة للخبر وإن أولم بغيرها أصاب السنة لما روى أنس قال : ما أولم الرسول صلى الله عليه و سلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة متفق عليهفصل :
وإجابة الداعي إليها واجبة لما روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ] وقال أبو هريرة : ( ومن لم يحب فقد عصا الله و رسوله ) رواهما البخاري وإن كان الداعي ذميا لم تجب إجابته لأن الإجابة للمسلم للإكرام والموالاة ولا يجب ذلك للذمي وتجوز إجابته لما روى أنس أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه و سلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه رواه أحمد في ( الزهد ) وإنما تجب إجابة المسلم إذا نص عليه فإن دعا الجفلى كقوله : أيها الناس أجيبوا و هلم إلى الطعام لم تجب الإجابة لأن كل واحد غير منصوص عليه فلا ينكسر قلب الداعي بتخلفه وإن دعا ثلاثة أيام وجبت الإجابة في اليوم الأول واستحب في الثاني ولم تستحب في الثالث لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الوليمة أول يوم حق والثاني معروف الثالث رياء و سمعة ] رواه أبو داود فإن دعا اثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لأن إجابته وجبت بدعوته فمنعت من وجوب إجابة الثاني : فإن استويا أجاب أقربهما بابا لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق ] رواه أبو داود فإن استويا أجاب أقربهما رحما فإن استويا أجاب أدينهما لأن هذا من أبوب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أقرع بينهما
فصل :
وإذا دعي الصائم لم تسقط الإجابة فإذا حضر وكان الصوم واجبا لم يفطر وإن كان تطوعا استحب له الفطر ليسر أخاه ويجبر قلبه ولا يجب لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم ] رواه مسلم و أبو داود ويستحب إعلامهم بصيامه لأنه يروى عن عثمان و ابن عمر رضي الله عنهما ولأن التهمة تزول ويتمهد عذره وإن كان مفطرا فالأفضل الأكل للخبر ولأن فيه جبر قلب الداعي ولا يجب لما روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك ] حديث صحيح
فصل :
والدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل والدخول لما روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له ] رواه أبو داود
فصل :
وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر كالخمر والزمر فأمكنه الإنكار حضر وأنكر لأنه يجمع بين واجبين وإن لم يمكنه لم يحضر لأنه يرى المنكر ويسمعه اختيارا وإن حضر فرأى المنكر أو سمعه أزاله فإن لم تمكنه إزالته انصرف لما روى سفينة : أن رجلا أضافه على فصنع له طعاما فقالت فاطمة : لو دعونا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما من ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة : الحقه فقل : ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال : [ إنه ليس لي أن أدخل بيتا مزوقا ] حديث حسن ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة فمنع منه كالقادر على إزالته وإن علم المنكر ولم يره ولم يسمعه لم ينصرف لأنه لم يره ولم يسمعه ولا ينصرف لسماع الدف لأنه مشروع ولا لرؤية نقوش وصور غير الحيوان كالشجر والأبنية لأنه نقش مباح فهو كعلم الثوب وأما صور الحيوان فإن كانت توطأ أو يتوكأ عليها كالبسط والوسائد فلا بأس بها وإن كانت على حيطان أو ستور انصرف لما روت عائشة قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فلما رآه قال : [ أتسترين الجدر بستر فيه تصاوير ] فهتكه قالت : فجعلت منه وسادتين وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك علي فإن قطع رأس الصورة أو ما لا بقي الحيوان بعده كصدر وظهر ذهبت الكراهة لأنه لا تبقى الحياة فيه فأشبه الشجر وإن أزيل منه ما تبقى الحياة بعده كيد أو رجل فالكراهة بحالها لأنها صورة حيوان وإن سترت الحيطان بستور غير مصورة لحاجة من حر أو برد جاز ولم يكره لأنه يستعمله لحاجة فأشبه لبس الثياب وإن كان لغيره حاجة ففيه وجهان :
أحدهما : هو محرم لما روي عن علي بن الحسين قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تستر الجدر رواه الخلال والنهي يقتضي التحريم ودعا ابن عمر أبا أيوب فجاء فرأى البيت مستورا بنجاد أخضر فقال : يا عبد الله ! أتسترون الجدر ؟ لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا ثم خرج
والثاني : هو مكروه لأن ابن عمر أقر عليه ولم ينكر ولأن كراهته لما فيه من السرف فلا يبلغ به التحريم كالزيادة في الملبوس ويجوز الرجوع لذلك لفعل أبي أيوب
فصل :
فأما سائر الدعوات غير الوليمة كدعوة الختان وتسمى : الأعذار والعذيرة والخرس و الخرسة عند الولادة والوكيرة : دعوة البناء والنقيعة : لقدوم الغائب والحذاق : عند حذق الصبي والمأدبة : اسم لكل دعوة لسبب كان أو لغير سبب ففعلها مستحب لما فيه من إطعام الطعام وإظهار النعمة ولا تجب الإجابة إليها لما روي عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فأبى أن يجيب وقال : إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يدعى إليه رواه الإمام أحمد وتستحب الإجابة لقوله عليه السلام : [ إذا دعي أحدكم فليجب عرسا كان أو غير عرس ] رواه أبو داود ولأن فيه جبر قلب الداعي وتطييبه
فصل :
والنثار والتقاطه مباح ولأنه نوع إباحة فأشبه تسبيل الماء والثمرة وفي كراهته روايتان :
إحداهما : يكره وهي التي ذكرها الخرقي لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن النهبة وقال : [ لا تحل النهبى ] رواه أحمد في المسند ولأن في التقاطه دناءة وقتلا وقد يأخذ من غيره أحب إلى صاحب النثار منه
والثانية : لا يكره اختارها أبو بكر لما روى عبد الله بن قرط قال : قرب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس بدنات أو ست بدنات فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : [ من شاء اقتطع ] رواه أبو داود ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا لأن السلف كانوا يتناهدون في الغزو والحج وغيرهما ومن وقع في حجره شيء من النثار فهو مباح لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة فسقطت في حجره
باب عشرة النساء
يجب على كل واحد من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف لقول الله تعالى : { عاشروهن بالمعروف } وقال سبحانه : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } و يجب على كل واحد منهما بذل ما يجب لصاحبه من الحق عليه من غير مطل ولا إظهار الكراهية للبذل ولا إتباعه بأذى ولا من وكف أذاه عن صاحبه ولأن هذا من المعاشرة بالمعروف ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ مطل الغني ظلم ]فصل :
وإذا تزوج امرأة يوطأ مثلها فطلب تسليمها إليه وجب ذلك لأنه يطلب حقه الممكن فإن سألت الإنظار أنظرت مدة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها كاليومين والثلاثة لأنه يسير جرت العادة بمثله وإن كانت لا يجامع مثلها لصغر أو مرض يرجى زواله لم يجب تسليمها لأنها لا تصلح للاستمتاع المستحق عليها وإن كان لمرض غير مرجو الزوال أو لكونها نضوة الخلق وجب تسليمها لأن المقصود من مثلها الاستمتاع بغير الجماع وذلك ممكن في الحال وكل موضع يجب تسليمها إليه إذا طلبها يلزمه تسليمها إذا عرضت عليه وما لا فلا
فصل :
ويجب تسليم الحرة ليلا ونهارا لأنه لا حق لغيره عليها وللزوج السفر بها لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسافر بنسائه ويجب تسليم الأمة في الليل دون النهار لأنها مملوكة عقد أحد منفعتيها فلم يجب التسليم في وغير وقتها كالمستأجرة للخدمة في أحد الزمانين
فصل :
وله إجبارها على غسل الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية لأن إباحة الوطء يقف عليه وله إجبار المسلمة على الغسل من الجنابة لأنه واجب عليها وفي الذمية روايتان :
إحداهما : لا يملك إجبارها عليه لأنه لا يجب عليها ولا يقف إباحة الوطء عليه
والثانية : يملك إجبارها لأن كمال الاستمتاع يقف عليه لكون النفس تعاف من لا تغتسل من جنابة وفي التنظف والاستحداد وجهان بناء على هاتين الروايتين وقال القاضي : له إجبارها على الاستحداد إذا طال الشعر واسترسل وتقليم الأظافر إذا طالت رواية واحدة وهل له منعها أكل ما يتأذى برائحته ؟ على وجهين لما ذكرنا وله منع المسلمة من كل محرم لأن الله منعها منه وليس له منع الذمية من يسير الخمر لأنها لا تعتقد تحريمه و له إجبارها على غسل فيها منه لأن نجاسته تمنع الاستمتاع به وله منعها من السكر لأنه يجعلها كالزق المنفوخ ولا يأمن من جنايتها عليه
فصل :
وله منعها من الخروج من منزله إلا لما لا بد لها منه لأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب وقد روي عن ابن عمر قال : أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته ؟ قال : [ حقه عليها ألا تخرج إلا بإذنه ] ويكره منعه إياها من عيادة أحد والديها أو شهود جنازته لأنه يؤدي إلى النفور ويغريها بالعقوق
فصل :
وله الاستمتاع في كل وقت من غير إضرار بها ولا منعها من فريضة وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع ] متفق عليه
ولا يجوز وطؤها في الحيض ولا في الدبر لقوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن } وروى خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ] وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد ] رواهما الأثرم
ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الأليتين ووطؤها في الفرج مقبلة ومدبرة وكيف شاء لقوله تعالى : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم } قال جابر : من بين يديها ومن خلفها غير ألا يأتيها إلا في المأتي متفق عليه
فصل :
وإذا أراد الجماع استحب أن يقول : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا ] متفق عليه ويستحب التستر عند المجامعة لما روى عتبة بن عبيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين ] رواه ابن ماجة ولا يجامعها بحيث يراها إنسان أو يسمع وجسهما وإذا فرغ قبلها كره له النزع حتى تفرغ لما روى أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إذا جامع الرجل أهله فليصدقها ثم إن قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها ]
فصل :
ويكره العزل وهو : أن ينزل الماء خارج الفرج لما فيه من تقليل النسل ومنع المرأة من كمال استمتاعها وليس بمحرم لما روى أبو سعيد قال : ذكر - يعني العزل - عند رسل الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ فلم يفعل أحدكم ؟ ] - ولم يقل فلا يفعل - [ فإنه ليس نفس مخلوقة إلا والله خالقها ] متفق عليه فإن كان ذلك في أمته فله ذلك بغير إذنها لأن الاستمتاع بها حق له دونها وكذلك أم الولد وإن كان في زوجة حرة لم يجز إلا بإذنها لما روى ابن عمر قال : [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ] رواه أحمد وإن كانت أمة فقال أصحابنا : لا يعزل عنها إلا بإذن سيدها لأن الولد له والأولى جوازه لأن تخصيص الحرة بالاستئذان دليل سقوطه في غيرها ولأن السيد لا حق له في الوطء فلا يجب استئذانه في كيفيته ولأن على الزوج ضررا في رق ولده بخلاف الحرة ويحتمل أن يكون الاستئذان للحرة والأمة مستحبا غبر واجب لأن حقهما في الوطء لا في الإنزال بدليل خروجه بذلك من الفيئة والعنة
فصل :
وإذا كان له زوجتان لم يجمع بينهما في مسكن واحد إلا برضاهما لأن عليهما فيه ضررا ويؤدي إلى الخصومة ولا يطأ إحداهما بحضرة الأخرى لأن فيه دناءة وسوء عشرة وإثارة للغيرة