كتاب : الفروق
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي
747 - 747 - وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ فَلَا حُكْمَ لِلْقَبُولِ وَالرَّدِّ فِي حَيَاتِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى إلَيْهِ كَانَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ فِي حَالَ حَيَاتِهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ إيجَابُ الْحَقِّ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُرَاعَى ثُلُثُ مَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَلَوْ جَعَلْنَا الْإِيجَابَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالتَّمْلِيكَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَكَانَ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِخَطَرٍ ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِذَا كَانَ الْإِيجَابُ عِنْدَ الْمَوْتِ رُوعِيَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِإِذْنِهِ ، وَإِذْنُهُ وُجِدَ بِالْعَقْدِ وَلَوْ جَعَلْنَا الْإِيجَابَ بِالْعَقْدِ وَالتَّسْلِيطَ عَلَى التَّصَرُّفِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَكَانَ تَعْلِيقًا بِتَسْلِيطٍ عَلَى التَّصَرُّفِ بِخَطَرٍ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ وَكِيلِي .
فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِنْ كَانَ الْإِيجَابُ عِنْدَ الْعَقْدِ كَانَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ .
748 - 748 - إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَهَبَ شَيْئًا مِنْهُ فِي مَرَضِهِ .
فَقَبِلَ ثُمَّ رَدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْد الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَقَدْ مَلَكَهَا وَلَهُ حَقُّ مِلْكٍ فِيهَا ، وَإِذَا رَدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ أَعَادَهَا إلَى حَقِّ مِلْكِ الْمَيِّتِ ، فَهُوَ بِالرَّدِّ يُعِيدُهَا إلَى مِلْكِ الَّذِي اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْهُ ، فَجَازَ كَمَا لَوْ قَبِلَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَرَدَّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَلَكَهَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا ، وَحَقِيقَةُ الْمِلْكِ كَانَ ثَابِتًا لِلْوَاهِبِ فِيهِ ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَرُدُّهُ إلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةُ مِلْكٍ ، فَلَمْ يُعِدْهُ إلَى الْمِلْكِ الَّذِي اسْتَوْجَبَهُ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ حَالَةً يَصِحُّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ فِيهَا ، وَإِذَا كَانَ وَقْتًا لِلْقَبُولِ كَانَ وَقْتًا لِلرَّدِّ ، كَحَالَةِ الْحَيَاةِ وَالصِّحَّةِ فِي الْهِبَةِ مِنْ الصَّحِيحِ .
وَأَمَّا إذَا وَهَبَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَرَدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهَذِهِ حَالَةٌ لَا تَصِحُّ لِقَبُولِ هِبَةٍ وُجِدَتْ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلْقَبُولِ لَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلرَّدِّ ، فَصَارَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً ، فَإِنْ أَتَى بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا .
749 - 749 - إذَا أَوْصَى بِجَارِيَتِهِ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِهِ لِإِنْسَانٍ فَوَهَبَ لَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْجَارِيَةُ وَثُلُثُ الْأَلْفِ لِلْمُوصَى لَهُ .
وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى جَارِيَةٍ فَوَهَبَ لَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالْأَلْفُ لِلْبَائِعِ وَلِلزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا أُلْحِقَ بِالْعَقْدِ اقْتَضَى أَنْ يُمْلَكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْلِكُ الْأَصْلَ ، وَالْمَبِيعُ قَدْ مُلِكَ بِالضَّمَانِ فَلَوْ أَلْحَقْنَا الْكَسْبَ بِالْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَمْلِكَهُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَلَكَ الْأَصْلَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَلَا يُلْحِقُهُ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّا لَوْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْعَقْدِ يُمْلَكُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمْلَكُ الْأَصْلُ ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْأَصْلِ مِنْ الثُّلُثِ فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَقْدِ عَلَى الْأَصْلِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْكَسْبَ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ ، فَلَمْ يَجُزْ إلْحَاقُهُ بِهِ ، لِأَنَّ لِلزِّيَادَةِ حُكْمَ الْأَصْلِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُ الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ ، فَجَازَ إلْحَاقُهُ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ الْكَسْبَ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، لِأَنَّ الْكَسْبَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي بَابِ الْبَيْعِ لَا يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ، وَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ كَالْمَوْجُودِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ كَالْمَوْجُودِ فِي إلْحَاقِهِ بِالْعَقْدِ .
750 - 750 - إذَا أَوْصَى بِأَحَدِ عَبْدَيْهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ مَاتَ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ ، فَأَيُّ عَبْدٍ عَيَّنُوهُ لَهُ كَانَ لَهُ .
وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدٌ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفْسَ الْإِعْتَاقِ يُوجِبُ الْحَقَّ ، إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْعَيْنِ ، فَإِذَا مَاتَ سَقَطَتْ ذِمَّتُهُ ، فَانْتَقَلَ إلَى الْعَيْنِ فَعَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، فَلَوْ خَيَّرْنَا الْوَرَثَةَ فِي التَّعْيِينِ لَخَيَّرْنَاهُمْ فِي تَعْيِينِ الْعِتْقِ الْمُوَقَّفِ فِي نِصْفِ حُرٍّ وَنِصْفِ عَبْدٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابُ الْحَقِّ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ ، وَلِلْمَيِّتِ حَقٌّ فِيهِ ، فَلَوْ خَيَّرْنَا لَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَ تَمْلِيكِهِ فِي التَّمْيِيزِ وَهَذَا جَائِزٌ .
751 - 751 - وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ عَيَّنَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمَا عَتَقَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ .
وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُوصَى لَهُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ ، ثُمَّ عَيَّنَ الْوَرَثَةُ لَهُ ذَلِكَ الْعَبْدَ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فَلِلْوَرَثَةِ خِيَارٌ فِي صَرْفِ مِلْكِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ أَعْتَقَ عَبْدًا ، وَلِلْغَيْرِ فِيهِ خِيَارٌ فِي صَرْفِ عِتْقِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ ، فَلَمْ يُعْتَقْ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُمَا فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ خِيَارٌ فِي صَرْفِ الْعِتْقِ عَنْهُمَا ، فَصَارَ مُعْتِقًا مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ ، فَنَفَذَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَوَقَفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَعْتَقْتُكُمَا .
752 - 752 - إذَا قَالَ : أَوْصَيْت لِابْنَيْ فُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي ، فَإِذَا لَيْسَ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ فَلَهُ نِصْفُ الْمَالِ .
وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لِابْنَيْ فُلَانٍ عَمْرٍو وَخَالِدٍ بِثُلُثِ مَالِي .
فَإِذَا لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ غَيْرَ عَمْرٍو كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ " لِابْنَيْ فُلَانٍ " لَفْظُ اشْتِرَاكٍ وَالِاشْتِرَاكُ قَدْ صَحَّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لِفُلَانٍ ابْنٌ آخَرُ فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الثُّلُثَ ، وَإِذَا صَحَّ الِاشْتِرَاكُ كَانَ لِلْمَوْجُودِ نِصْفُهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ .
وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَلِلْبَاقِي نِصْفُ الثُّلُثِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ " عَمْرٍو وَخَالِدٍ " ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ لَفْظَ اشْتِرَاكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لِفُلَانٍ ابْنٌ آخَرُ فَسُمِّيَ خَالِدًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ، فَقَدْ أَوْجَبَ الْجَمِيعَ لِعَمْرٍو وَأَشْرَكَ فِيهِ مَنْ لَا يَصِحُّ إشْرَاكُهُ فَلَمْ يُزَاحِمْهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، فَبَقِيَ الْجَمِيعُ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ ، فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ كَذَلِكَ هَذَا .
753 - 753 - إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَتِهِ عَلَى أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا لِوَرَثَتِهِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي ، ثُمَّ وَضَعَتْ الْجَارِيَةُ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَالْوَلَدُ لِلْوَرَثَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ وَاسْتَثْنَى الْخِدْمَةَ لِوَرَثَتِهِ لَا يَجُوزُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَنَعَ دُخُولَ الْجَنِينِ فِيهِ ، وَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا وَالْوَلَدُ عَيْنٌ ، وَتَوْرِيثُ الْأَعْيَانِ جَائِزٌ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الِاسْتِثْنَاءَ لَمَلَّكْنَا الْوَرَثَةَ عَيْنًا ، وَهَذَا جَائِزٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخِدْمَةُ ، لِأَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَنَعَ دُخُولَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعَقْدِ ، وَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا ، وَالْخِدْمَةُ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ فِي الْعَقْدِ وَتَوْرِيثُ مَا لَيْسَ بِعَيْنٍ فِي الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يُوَرَّثْ عِنْدَ الْخِدْمَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
754 - 754 - وَلَوْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ وَلَبَنِهَا يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ ، وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ فِي ثَانِي الْحَالِ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ وَعَبْدِهِ يَجُوزُ ، وَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَحْدُثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَقِفُ بِعَقْدِهِ مَنَافِعَ عَقَارِهِ عَلَى اسْتِغْلَالِ غَيْرِهِ وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَقَارَهُ عَلَى غَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ ، لِأَنَّهُ يَقِفُ بِعَقْدِهِ مَنَافِعَ حَيَوَانِهِ مِنْ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ عَلَى حَالِ اسْتِغْلَالِ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَيْنَ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ وَقَفَ مَا لَا يَتَأَبَّدُ ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَبْقَى بِخِلَافِ الْعَقَارِ .
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ غَلَّةِ الْعَبْدِ وَخِدْمَتِهِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ : أَنَّ الْخِدْمَةَ جُعِلَتْ فِي الْحُكْمِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ثَمَنًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا ، وَالْمَوْجُودُ بِالْمَوْجُودِ جَائِزٌ ، كَذَلِكَ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللَّبَنُ وَالصُّوفُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُمَا بِحَالٍ ، فَصَارَ مَعْدُومًا ، وَتَمَلِّي وَتَمِيلك الْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ .
755 - 755 - وَلَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَمَا يَحْدُثُ فِيهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ ، مَا لَمْ يَقُلْ : أَبَدًا .
وَفِي الْغَلَّةِ يَدْخُلُ فِيهَا الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الثَّمَرَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ } وَأَرَادَ بِالثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَ دُونَ الْحَادِثِ ، فَإِذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً انْصَرَفَ اللَّفْظُ إلَى حَقِيقَتِهِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِاللَّفْظِ خَرَجَ الْمَجَازُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَلَّةُ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الْغَلَّةِ يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَكَّلَ وَكِيلًا بِدَفْعِ غَلَّاتِهِ كَانَ وَكِيلًا فِي الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ فَدَخَلَا جَمِيعًا فِي الْأَمْرِ فَتَنَاوَلَهُمَا .
756 - 756 - إذَا أَوْصَى إلَى إنْسَانٍ فَلَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيَّةَ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي ، ثُمَّ بَاعَ وَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ صَارَ قَابِلًا لِلْوَصِيَّةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ بَعْدَ الْعِلْمِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيجَابَ قَدْ تَمَّ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ هُوَ وَلَا وَارِثُهُ عَلَى إبْطَالِهِ ، فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ ، إلَّا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى قَبُولِهِ فَإِذَا تَصَرَّفَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَالْقَبُولِ صَارَ رَاضِيًا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ بَاعَهُ صَارَ مُخَيَّرًا بِالْبَيْعِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَمْ يَتِمَّ مِنْ قِبَلِ الْمُوَكِّلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِمُوجِبِهِ إبْطَالَهُ وَعَزْلَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ بِفِعْلِهِ مُجْبَرًا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَمْ يَتِمَّ كَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
كِتَابُ الْمَأْذُونِ 757 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا أَدَّيْتَ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ ، وَجَعَلَهُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ .
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا : طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ .
لَمْ يُجْعَلْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ إخْبَارًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : افْعَلْ وَلَك كَذَا .
تَحْتَمِلُ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، كَقَوْلِهِ : احْمِلْ هَذَا الشَّيْءَ وَلَك دِرْهَمٌ ، أَوْ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَك دِرْهَمٌ ، فَإِذَا حَمَلَ أَوْ خَاطَ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ ، وَيُحْتَمَلُ مَعْنَى الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ : افْعَلْ ذَلِكَ وَأَنْتَ جَالِسٌ أَوْ قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَالَ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْعِتْقِ اقْتَضَى حُصُولَ الْمَالِ قَبْلَ الْعِتْقِ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ جُعِلَ شَرْطًا ، وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلَمْ يُقَدَّمْ ذِكْرُ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ الْمَالِ ، فَحُمِلَ عَلَى الْإِخْبَارِ ، وَلَمْ يُجْعَلْ أَدَاءَ الْمَالِ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ بِسَبَبٍ آخَرَ .
858 - 858 - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فَقَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ حَجَرْتُ عَلَيْهِ رَأْسَ الشَّهْرِ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَصِيرُ مَحْجُورًا .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا ثُمَّ قَالَ : عَزَلْتُك رَأْسَ الشَّهْرِ كَانَ مَعْزُولًا إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ الْعَزْلَ فَقَدْ خَصَّ الْإِذْنَ بِوَقْتٍ فَصَارَ كَتَخْصِيصِهِ بِنَوْعٍ ، فَلَوْ خَصَّ بِنَوْعٍ عَمَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ ، كَذَلِكَ إذَا خَصَّ بِوَقْتٍ عَمَّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ .
وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَقَوْلُهُ عَزَلْتُك رَأْسَ الشَّهْرِ تَوْقِيتٌ لِلتَّوْكِيلِ بِشَهْرٍ فَصَارَ تَخْصِيصُهُ بِوَقْتٍ كَتَخْصِيصِهِ بِنَوْعٍ ، وَقَدْ خَصَّ بِنَوْعٍ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا يَعْدُوهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا خَصَّ بِوَقْتٍ اخْتَصَّ بِهِ وَلَا يَعْدُوهُ .
759 - 759 - إذَا قَالَ الْقَاضِي لِعَبْدِ الْيَتِيمِ : اتَّجَرَ فِي الْبُرِّ وَلَا تَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِنِّي قَدْ حَجَرْتُ عَلَيْك أَنْ تَعْدُوَهُ إلَى غَيْرِهِ ، كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ .
وَلَوْ عَقَدَ عَقْدًا فِي غَيْرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَرُفِعَ إلَيْهِ فَأَبْطَلَهُ ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَفَذَ إبْطَالُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَيْسَ بِقَضَاءٍ ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَبْطَلْت كُلَّ عَقْدٍ يُعْقَدُ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ مَا لَمْ يَعْقِدْ فِيهِ بَعْدَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِعَقْدٍ فَيُبْطِلُهُ بَعْدَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءً كَانَ إذْنًا بِأَنْ يَعْقِدَ وَيَتَّجِرَ ، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ يَعُمُّ وَلَا يَخُصُّ ، كَمَا لَوْ وُجِدَ عَنْ الْمَالِكِ .
وَإِذَا عَقَدَ عَقْدًا وَاحِدًا فِي غَيْرِ مَا أَمَرَهُ فَأَبْطَلَهُ كَانَ إبْطَالُهُ قَضَاءً ، لِأَنَّهُ أَبْطَلَ شَيْئًا مَوْجُودًا ، وَالْقَضَاءُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ ، وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ قَضَاءً لَا إذْنًا ، وَالْقَضَاءُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ فَاخْتَصَّ وَنَفَذَ فَإِذَا رَجَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ قَضَاؤُهُ ، فَكَانَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ .
760 - 760 - صَبِيٌّ مَحْجُورٌ بَاعَ عَبْدًا فَضَمِنَ عَنْهُ إنْسَانٌ الدَّرَكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ، ثُمَّ قَبَضَ الْعَبْدَ مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالضَّمَانُ جَائِزٌ ، وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالثَّمَنِ .
وَلَوْ قَبَضَ الْعَبْدَ ثُمَّ ضَمِنَ الْمُشْتَرِيَ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ ضَمِنَ مَا يَقْبِضُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَمَا يَقْبِضُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ فِي التِّجَارَةِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فِي الشَّرْعِ بِالْإِذْنِ جَازَ أَنْ يَصِيرَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ : ادْفَعْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ، فَإِنَّ الضَّمَانَ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ضَمِنَ بَعْدَمَا قَبَضَ الْعَبْدَ مِنْ الْمُشْتَرِي ، لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا قَبَضَ وَمَا قَبَضَ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ بِالْإِذْنِ مَضْمُونًا فَقَدْ ضَمِنَ غَيْرَ مَضْمُونٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ ، كَرَجُلٍ دَفَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَضْمَنُهَا ؟ إنَّ الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ كَذَلِكَ هَذَا .
761 - 761 - لَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى قَوْمًا أَنْ يُبَايِعُوا عَبْدَهُ ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِأَمْرِ الْمَوْلَى جَازَ بَيْعُهُ مِنْهُمْ إذَا بَايَعُوهُ .
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : اشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ ، فَذَهَبَ وَاشْتَرَى وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْأَمْرِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ لِحَقِّ مَنْ يُعَاقِدُهُ لَا لِحَقِّ الْعَبْدِ ، لِأَنَّ عَقْدَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ الطَّلَبُ بِضَمَانِهِ إلَى حَالَةِ الْعِتْقِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْإِذْنِ لِحَقِّهِمْ وَعَلِمُوا جَازَ ، كَمَا لَوْ عَلِمَ الْكُلُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْوَكَالَةِ ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إذْنِ صَاحِبِهِ فِي الْبَيْعِ لِحَقِّ الْوَكِيلِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُهْدَةُ بِهِ ، وَيَثْبُتَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمُقْتَضَاهُ عَلَى الْآمِرِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْعُهْدَةُ بِالْعَاقِدِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ كَانَ عَقْدًا بِغَيْرِ إذْنٍ فَلَمْ يَجُزْ .
762 - 762 - وَإِذَا أَشْهَدَ الرَّجُلُ أَهْلَ سُوقِهِ أَنَّهُ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ بِالْحَجْرِ .
وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْمَحْجُورِ فِي التِّجَارَةِ بَيْنَ يَدَيْ أَهْلِ سُوقِهِ فَبَايَعُوهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ كَانَ مَأْذُونًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ نَوْعُ حَقٍّ لِلْعَبْدِ وَفِي الْحَجْرِ إبْطَالُ حَقِّهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ حَتَّى يَتْبَعَ مِلْكَ الْمَوْلَى ، فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ ضَمَانٌ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَبِالْحَجْرِ يَبْطُلُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ اُحْتِيجَ إلَى عِلْمِهِ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ كَالْوَكِيلِ .
وَلَيْسَ هَذَا كَالْإِذْنِ ، لِأَنَّ الْإِذْنَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُهُمْ إذَا عَاقَدُوهُ وَكَانَ مَحْجُورًا ، فَإِنَّ الضَّمَانَ يَتَأَخَّرُ إلَى حَالَةِ الْعِتْقِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِلْعَبْدِ ، فَجَازَ إذَا عَلِمُوا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ .
763 - 763 - إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمَأْذُونَةِ دُيُونٌ فَوَلَدَتْ بِيعَ وَلَدُهَا مَعَهَا فِي الدَّيْنِ .
وَلَوْ وَلَدَتْ أَوَّلًا ثُمَّ لَحِقَهَا دَيْنٌ لَا يُبَاعُ وَلَدُهَا .
وَلَوْ وُهِبَتْ لَهَا هِبَةً أَوْ اكْتَسَبَتْ كَسْبًا قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْ جَمِيعِ اكْتِسَابِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُبَاعُ فِيهِ ، فَجَازَ أَنْ يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ إذَا وَلَدَتْ أَوَّلًا ، فَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ ثَابِتًا فِي الْأُمِّ وَقْتَ الْوِلَادَةِ ، فَتَأَخَّرَ الْحَقُّ عَنْ الْوِلَادَةِ ، وَالْحَقُّ الْمُتَأَخِّرُ لَا يَنْفُذُ فِي الْوِلَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ .
أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَسْبِ وَالْوَلَدِ إذَا تَقَدَّمَا عَلَى الدَّيْنِ : أَنَّ الْعَبْدَ بِالْعَقْدِ يَلْزَمُ أَكْسَابه ضَمَانًا ، وَيُوجِبُ الْحَقَّ فِيهَا ، وَهُوَ يَمْلِكُ إيجَابَ الْحَقِّ فِيهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا جَازَ ، فَجَازَ ثُبُوتُ دَيْنِهِ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ ، لِأَنَّهُ بِإِيجَابِ الدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهَا يَلْزَمُ الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ قَبْلَ الدَّيْنِ ضَمَانًا ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَابِ الْحَقِّ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ بَيْعَهُ أَوْ رَهْنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ ، فَصَارَ كَوَلَدِ غَيْرِهَا ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَابِ الْحَقِّ فِي وَلَدِ غَيْرِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
764 - 764 - إذَا جَنَتْ أَمَةٌ جِنَايَةً ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يُدْفَعْ وَلَدُهَا مَعَهَا وَلَا تَثْبُتُ الْجِنَايَةُ فِي الْوَلَدِ .
وَالْمَأْذُونَةُ إذَا رَكِبَتْهَا الدُّيُونُ فَوَلَدَتْ بِيعَ وَلَدُهَا مَعَهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهَا ، وَإِنَّمَا تَجِبُ مَجْهُولَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَعَاقِلَتُهَا مَوْلَاهَا فَوَجَبَتْ عَلَى الْمَوْلَى ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَقُّ فِي الْأُمِّ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ ، لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ فِي رَقَبَتِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالْحَقُّ إذَا تَعَيَّنَ فِي الْأُمِّ سَرَى إلَى الْوَلَدِ كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ .
765 - 765 - الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا اشْتَرَى وَبَاعَ فَرَكِبَتْهُ الدُّيُونُ ، فَوَهَبُوهَا مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا وَهَبُوهُ مِنْهُ .
وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ وَالْكَفِيلُ بِالثَّمَنِ إذَا وُهِبَ مِنْهُ الْمَالُ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رُجُوعَ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ لَا لِحَقِّ نَفْسِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ ، وَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَقَدْ زَالَ حَقُّهُمْ زَالَ الرُّجُوعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْكَفِيلُ ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الرُّجُوعِ لَهُمَا لِحَقِّ أَنْفُسِهِمَا لَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، لِأَنَّ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِضَمَانٍ مُنْعَقِدٍ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ نَفْسُ الْكَفَالَةِ تُوجِبُ ضَمَانًا عَلَيْهِ يُثْبِتُ لَهُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ ثُبُوتُ رُجُوعِ الْوَكِيلِ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَقَدْ مَلَكَ مَا عَلَيْهِ بِالْهِبَةِ فَصَارَ كَالْمِلْكِ بِالْأَدَاءِ ، وَلَوْ أَدَّى لَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
766 - 766 - عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِرَجُلَيْنِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ الْأَلْفَ مِنْ يَدِهِ وَأَتْلَفَهُ ، فَرَفَعَ إلَى الْقَاضِي ، فَقَضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَدْفَعْ حَتَّى أَبْرَأَهُ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ مِنْ دَيْنِهِ سَلَّمَ الْأَلْفَ كُلَّهُ لِلْآخَرِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَتَيْنِ ، فَقَضَى الْقَاضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِهَا ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا تَرَكَ دَعْوَاهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْآخَرِ إلَّا النِّصْفُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَعَيَّنَ فِي نِصْفِ الدَّارِ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَثْبَتَ الْجَمِيعَ لِنَفْسِهِ وَالْعَيْنُ ضَاقَتْ عَنْ جَمِيعِهِمَا ، فَصَارَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهُ ، فَإِذَا تَرَكَ أَحَدُهُمَا الدَّعْوَى لَمْ يَسْتَحِقَّ الْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَرِيمَانِ ، لِأَنَّ حَقَّهُمَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ، وَالذِّمَّةُ تَسَعُ الْحُقُوقَ كُلَّهَا فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ فِي ذِمَّتِهِ ، وَتَعَذُّرُ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهِ لَا يُسْقِطُهُ فَبَقِيَ حَقُّهُ بِكَمَالِهِ ، فَإِذَا أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَقَدَرَ الْآخَرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ دُيُونِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى بِنِصْفِ الدَّارِ فَقَدْ فَسَخَ عَقْدَهُ فِي بَعْضِهِ ، وَلِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي فَسْخِ الْعُقُودِ وَإِجَازَتِهَا ، فَإِذَا فَسَخَ انْفَسَخَ ، فَلَا يَعُودُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي إبْطَالِ الدَّيْنِ وَلَا اجْتِهَادٌ لَهُ فِيهَا ، فَلَمْ يُبْطِلْ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ عَمَّا اسْتَوْجَبَهُ فَبَقِيَ جَمِيعُ دَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ نُقِضَ لِأَجْلِ الْمُزَاحَمَةِ ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِالْهِبَةِ فَسَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْآخَرِ ، كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ سَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْآخَرِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
767 - 767 - الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا رَكِبَتْهُ الدُّيُونُ فَبَاعَ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ مَوْلَاهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ .
وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَبَاعَ شَيْئًا مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ وَمَا فِي يَدِهِ بِقَضَاءٍ دَيْنًا وَيَمْلِكَهُ بِالْفِدَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى جَمِيعَ دَيْنِهِ مَلَكَ جَمِيعَ الرَّقَبَةِ ، وَمَا فِي يَدِهِ فَهُوَ بِالْفِدَاءِ يَنْقُلُ حَقَّهُمْ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْبَدَلِ ، فَسَلَّمَ لَهُ مَا فِي يَدِهِ بِالْفِدَاءِ لَا بِالشِّرَاءِ فَجَازَ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ .
وَأَمَّا فِي الْمَرِيضِ فَالْوَارِثُ لَا يَمْلِكُ مَالَ مُوَرِّثِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ قَضَى جَمِيعَ دَيْنِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْوَرَثَةُ بِالْفِدَاءِ صَارَ تَمْلِيكُهُ بِالشِّرَاءِ ، وَفِي الشِّرَاءِ مِنْهُ تَخْصِيصٌ لَهُ بِالْعَيْنِ ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْعَيْنِ مِمَّا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ بِهِ ، فَإِذَا فَعَلَهُ فِي الْمَرَضِ كَانَ وَصِيَّةً ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ فَلَمْ يَجُزْ .
768 - 768 - إذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دِينٌ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ جَازَ إقْرَارُهُ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ الْغُرَمَاءِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْعَيْنِ أَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَجْرَ الْمَرِيضِ آكَدُ مِنْ حَجْرِ الْمَأْذُونِ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَأْذُونَ بِمُحَابَاةٍ قَلِيلَةٍ جَازَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِالْمُحَابَاةِ الْكَثِيرَةِ أَيْضًا ، فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ إقْرَارُهُ عِنْدَ ضَعْفِ الْحَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ عِنْدَ مَوْتِهِ .
769 - 769 - وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَقَالَ لِرَجُلٍ : أَقْرَرْتُ لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنَا مَحْجُورٍ عَلَيَّ ، وَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ : كُنْت مَأْذُونًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ .
وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا بَلَغَ فَقَالَ : أَقْرَرْت لَك وَأَنَا صَبِيٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : لَا بَلْ أَقْرَرْتُ وَأَنْتَ بَالِغٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَالِ الْحَجْرِ يُوجِبُ الْمَالَ ، إلَّا أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ الْحُرِّيَّةِ فَقَدْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَادَّعَى تَأْخِيرَهُ إلَى غَايَةٍ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى دَعْوَى الْأَجَلِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، قَدْ أَجَّلْتنِي فِيهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَقْرَرْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَالِ الصِّبَا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، فَلَمْ يُقِرَّ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ لَوْ وُجِدَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ ، كَذَلِكَ إذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ .
فَصْلٌ 770 - إذَا اشْتَرَى الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا فَأَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ .
وَلَوْ أَنَّ حُرًّا اشْتَرَى لِغَيْرِهِ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَجَازَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَابِ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ بِعَقْدِهِ إذَا كَانَ مَحْجُورًا ، فَإِذَا عَقَدَ عَقْدًا لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهِ ، فَوَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَجَازَهُ جَازَ .
وَفِي الْأَجْنَبِيِّ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى إيجَابِ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ بِعَقْدِهِ ، فَلَمَّا وَجَدَ الْعَقْدُ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، فَصَارَ يُجِيزُ الْعَقْدَ بَعْدَ نُفُوذِهِ ، فَلَمْ تَعْمَلْ إجَازَتُهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، ثُمَّ أَجَازَهُ لَمْ تَعْمَلْ إجَازَتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
771 - 771 - الْمَأْذُونُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدَيْهِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ جَازَ ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي إذَا بَاعُوا مَالَ الْيَتِيمِ وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ وَشَرِيكُ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوِضُ إذَا بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ جَازَ .
فَإِنْ بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ مَوْلَاهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ إذَا بَاعَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلْمُضَارَبَةِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إذَا بَاعَ مَا فِي يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالِ الْمَرِيضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَا فِي يَدِ الْمَأْذُونِ ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ وَصَارَ الْمُضَارِبُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَرَبِّ الْمَالِ وَسَائِرِ النَّاسِ لَا تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِمْ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ مَعَ هَؤُلَاءِ عَلَى وَجْهِ نَقْلِ الْحَقِّ مِنْ مِلْكِ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فَإِنْ نَقَلَ الْجَمِيعَ لَا تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فَجَازَ ، وَقَامَ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ نَقَلَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ لَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ ، فَإِذَا بَلَغَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فَلَمْ يَجُزْ ، وَأَمَّا إذَا بَاعُوا مِنْ الْأَجَانِبِ فَلَا تَلْحَقُهُمْ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِمْ ، فَلَمْ يَكُنْ جَوَازُ تَصَرُّفِهِ بِحَقِّ النَّقْلِ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ التِّجَارَةِ ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ تَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ جَازَ .
وَأَمَّا الْمَأْذُونُ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْقَاضِي فَجَوَازُ تَصَرُّفِهِمْ لَيْسَ هُوَ عَلَى وَجْهِ النَّقْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمْ التُّهْمَةُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ وَإِنَّمَا لَهُمْ حَقُّ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ
الِاحْتِيَاطِ ، وَالِاحْتِيَاطُ مَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ التُّجَّارِ ، وَهَذَا أُخِذَ عَلَيْهِ عِنْدَ التِّجَارَةِ ، فَإِذَا بَاعَهُ بِهِ وَهُوَ مِمَّا يَكُونُ تَنَاوَلَهُ تَلْحَقهُ شَيْئًا وَلَمْ تَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ جَازَ ، وَإِذَا ظَهَرَ الْغَبْنُ وَهُوَ لَيْسَ يَأْخُذُ ثَمَنَهُ ، فَصَارَ تَارِكًا لِلِاحْتِيَاطِ فَلَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِفَكِّ الْحَجْرِ ، فَصَارَ كَالْحُرِّ الصَّحِيحِ .
كِتَابُ الدِّيَاتِ وَالْجِنَايَاتِ 772 - إذَا ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّتْ فَقَالَ الضَّارِبُ : اسْوَدَّتْ مِنْ مَرَضٍ جَدَّ فِيهَا بَعْدَ ضَرْبِي وَكَذَّبَهُ الْمَضْرُوبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَصَارَتْ مُنَقِّلَةً ، فَقَالَ الْمَضْرُوبُ : إنَّمَا صَارَتْ مُنَقِّلَةً مِنْ ضَرْبِك ، وَقَالَ الضَّارِبُ : إنَّمَا صَارَتْ مُنَقِّلَةً مِنْ شَيْءٍ آخَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّوَادَ إذَا وُجِدَ عَقِيبَ الضَّرْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ ، فَإِذَا قَالَ : إنَّهُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ ، فَقَدْ ادَّعَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّجَّةُ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تَصِيرُ مُنَقِّلَةً بِنَفْسِهَا ، لِأَنَّ الْمُنَقِّلَةَ أَنْ تَنْقُلَ الْعَظْمَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُنَقِّلَةً بِفِعْلٍ آخَرَ ، فَصَارَ الضَّارِبُ يَدَّعِي وَالظَّاهِرُ مَعَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَالْمَضْرُوبُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ .
773 - 773 - إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا ، وَادَّعَى الْمَوْلَى الْخَطَأَ فَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيِّ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ، وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا لَزِمَهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْعَمْدِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ فَفِي زَعْمِ الْقَاتِلِ أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ وَلَوْ صَدَّقْنَا الْوَلِيَّ فَأَوْجَبْنَا الدِّيَةَ لَنَقَلْنَا الْقِصَاصَ إلَى الْمَالِ ، بِقَوْلِ الْوَلِيِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْعَمْدِ ثُمَّ أَرَادَ الْوَلِيُّ أَخْذَ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ ، لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ لَنَقَلْنَا الْقِصَاصَ إلَى الْمَالِ بِقَوْلِ الْقَاتِلِ ، وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ فِي شُبْهَةٍ .
774 - 774 - إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي السَّفِينَةِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى سُكَّانِ السَّفِينَةِ وَرُكَّابِهَا وَكُلِّ مَنْ فِيهَا ، وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَحَلَّةِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْيَدِ ثَبَتَتْ عَلَى السَّفِينَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَغْرَمُ بِالْغَصْبِ ، وَيُمْكِنُ نَقْلُهَا وَتَحْوِيلُهَا ، فَقَدْ ثَبَتَ لَهُمْ حَقِيقَةُ الْيَدِ فِيهَا فَاخْتَصُّوا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّ الْقَتْلِ ، فَاخْتَصُّوا بِتَحَمُّلِ الْقَسَامَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَحَلَّةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا أَوْ تَحْوِيلُهَا حَتَّى قُلْنَا لَا يَغْرَمُ الْعَقَارُ ، بِالْغَصْبِ وَصَاحِبُ الْيَدِ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الدَّارِ بِإِسْكَانِهِ فِيهَا ، فَلَمْ يَخْتَصُّوا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّ الْقَتِيلِ ، فَلَمْ يَخْتَصُّوا بِتَحَمُّلِ الْقَتْلِ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ تَدْبِيرَ الْمَحَلَّةِ وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ إلَى أَرْبَابِ الْخُطَّةِ وَالسُّكَّانُ كَالْمُتَصَرَّفِينَ مِنْ جِهَتِهِمْ ، فَصَارُوا كَالْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ ، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّفِينَةُ ، لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ إلَى السُّكَّانِ وَالْمَلَّاحِينَ دُونَ الْمُلَّاكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجْرِي بِأَمْرِهِمْ وَهُمْ الْمُتَصَرِّفُونَ فِيهَا ، فَاخْتُصُّوا بِتَحَمُّلِ مَا يَجِبُ فِيهَا ، وَلِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَحَلِّ السَّفِينَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ عَلَّقْنَا الْحُكْمَ بِالْمَحَلِّ لَأَبْطَلْنَاهُ ، لِأَنَّ الْبَحْرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قَهْرِ أَحَدٍ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَحَلِّهَا حُكْمٌ ، صَارَ الْحُكْمُ لِلسَّفِينَةِ ، وَالسُّكَّانُ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِالتَّصَرُّفِ فِي السَّفِينَةِ ، فَاخْتُصُّوا بِتَحَمُّلِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَحَلَّةُ ، لِأَنَّ لِمَكَانِ الدَّارِ حُكْمًا وَهُوَ دَارُ الْإِسْلَامِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ ، وَحُكْمُهَا مُعَلَّقٌ بِأَهْلِ الْخُطَّةِ ، وَالْحُكْمُ
إذَا عُلِّقَ بِجِهَةٍ فَمَا لَمْ تَنْقَطِعْ تِلْكَ الْجِهَةُ لَا يُنْقَلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا كَالْغَصْبِ .
775 - 775 - إذَا قَطَعَ الرَّجُلُ مَفْصِلًا مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ ، وَاقْتَصَّ مِنْهُ وَبَرِئَ ، ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا بَاقِي أُصْبُعِ صَاحِبِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ .
وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ وَبَرِئَ ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا قَطَعَ ذِرَاعَ صَاحِبِهِ مِنْ تِلْكَ الْيَدِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الذِّرَاعِ ، لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِوُجُوبِ تَقْدِيرٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ، وَلَمْ يَرِدْ ، فَلَمْ تُوجَدْ الْمُسَاوَاةُ ، فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ .
وَفِي الْأُصْبُعِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرٍ ، لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَفْصِلَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ بَدَلٌ مَعْلُومٌ ، فَاسْتَوَيَا فِي أَنْفُسِهِمَا لِاسْتِوَاءِ بَدَلِهِمَا وَصِفَتِهِمَا ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا .
776 - 776 - أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْقَفَ أَحَدُهُمَا دَابَّتَهُ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَأَصَابَتْ إنْسَانًا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ دِيَتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْتَفِقَ بِالْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ نِصْفَ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْسِمْ أَيْضًا فَهُوَ بِالْإِيقَافِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَا يَغْرَمُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبِئْرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ حَفْرُ الْبِئْرِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرَكِ ، لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ يَهْدِمُ الْأَرْضَ ، فَصَارَ هَدْمُ السُّفْلِ كَهَدْمِ الْعُلْوِ ، وَهَدْمُ الْعُلْوِ جِنَايَةٌ ، كَذَلِكَ السُّفْلُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ فَغَرِمَ مَا تَلِفَ بِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْكٌ ، وَإِذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِالْحَفْرِ وَالْحَفْرُ نِصْفُهُ فِي مِلْكِهِ وَنِصْفُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَغَرِمَ نِصْفَهُ ، وَلَمْ يَغْرَمْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ .
777 - 777 - إذَا رَمَحَتْ دَابَّةٌ وَهِيَ تَمْشِي فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَصَاحِبُهَا رَاكِبٌ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاكِبِ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ بِنَفْسِهِ .
وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ : إذَا رَكِبَ مُشْرِكٌ وَسَاقَ دَابَّتَهُ وَسَيَّرَهَا فِي مُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَنَفَحَتْ الدَّابَّةُ وَصَاحِبُهَا رَاكِبُهَا فَنَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِيَدِهَا فَقَتَلَتْ مُسْلِمًا لَمْ يُغَسَّلْ وَجُعِلَ كَأَنَّ الْمُشْرِكَ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي إتْلَافِهِ ، وَكَوْنُهُ شَهِيدًا مُتَعَلِّقٌ بِوُجُوبِ سَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ يَقَعُ التَّلَفُ بِتِلْكَ الْجِهَةِ لَا بِمُبَاشَرَتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى هَذَا الْكَافِرُ بِنَارٍ فَذَهَبَتْ يَمِينًا وَشِمَالًا فَأَحْرَقَتْ مُسْلِمًا لَمْ يُغَسَّلْ ، لِكَوْنِهِ مُتَسَبِّبًا .
وَأَمَّا فِي الضَّمَانِ فَإِنَّمَا يَجِبُ لِكَوْنِهِ مُتْلِفًا ، وَلَمْ يُوجَدْ إتْلَافٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَأَحْرَقَتْ مِلْكَ جَارِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَلَمْ يُجْعَلْ مُبَاشِرًا ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ .
مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ ) 778 - إذَا أُغْمِيَ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لِلْقَوْمِ الِاسْتِخْلَافُ .
وَإِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدُ فَقَدَّمَ الْقَوْمُ رَجُلًا جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْصِرَافُ عَقِيبَهُ وَقَدْ بَقِيَ عَلَى مَكَانِهِ بَعْدَ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَلَمْ يَنْصَرِفْ وَمَكَثَ سَاعَةً فِي مَكَانِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَانْصَرَفَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ وَقَدْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ لِتَصِحَّ صَلَاةُ الْقَوْمِ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ صَارَ كَالْإِذْنِ لَهُمْ فَوَقَعَ اسْتِخْلَافُهُمْ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ جَازَ ، فَكَذَلِكَ الْقَوْمُ .
مَسْأَلَة 779 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَفَعَلَ غَيْرُهُ فَأَجَازَ الْمُوَكِّلُ جَازَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
وَلَمْ يَجُزْ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ يُجَوِّزَانِ تَدْبِيرَهُ ، وَقَدْ وُجِدَ تَدْبِيرُهُ .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى تَدْبِيرٍ ، بَلْ عُلِّقَ بِقَوْلِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ ، فَإِذَا قَالَ غَيْرُهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالطَّلَاقِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ ، فَلَمْ يَقَعْ