كتاب : الفروق
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي
579 - 579 - إجَارَةَ الْمُشَاعِ لَا تَجُوزُ ، وَيَسْتَوِي فِيهَا مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ ، وَكَذَلِكَ رَهْنُ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ .
وَهِبَةُ الْمُشَاعِ لَا تَجُوزُ فِيمَا يُقْسَمُ ، وَتَجُوزُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ صِحَّةِ رَهْنِ الْمُشَاعِ اسْتِحْقَاقُ قَبْضِهِ فِي الثَّانِي بِمَعْنًى قَارَنَ الْعَقْدَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَاعِ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَقْبَلُ فَلَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَالْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِي الْمُشَاعِ إيجَابُ الْمُهَايَأَةِ وَاسْتِحْقَاقُ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَعْنًى قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَأَمَّا الْهِبَةُ فَالْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ الْهِبَةِ فِي الْمُشَاعِ إيجَابُ ضَمَانِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْوَاهِبِ ، فَيَكُونُ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ بِتَبَرُّعِهِ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ لِمَنْ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ دُونَ مَا لَا يَنْقَسِمُ ، وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ إلَى إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ بِتَبَرُّعِهِ جَازَتْ الْهِبَةُ وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا .
580 - 580 - إذَا اكْتَرَى إبِلًا بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا لِتَحْمِلَ لَهُ حُمُولَةً إلَى مَكَّةَ وَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْحُمُولَةِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ شَهْرًا يَخْدُمُهُ وَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ بِعَيْنِهَا فَالْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى الْحَمْلِ ، وَالْحَمْلُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، فَقَدْ ضَمِنَ مَضْمُونًا بِمَضْمُونٍ لَهُ قَبْلَهُ ، فَصَحَّ الضَّمَانُ ، كَمَا لَوْ ضَمِنَ عَنْهُ دَيْنًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ دُونَ الْخِدْمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدَ وَلَمْ يَسْتَخْدِمْهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ ، فَلَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَقَدْ ضَمِنَ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُودِعِ .
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ 581 - كَافِرٌ شَهِدَ عَلَى مُسْلِمٍ ، فَرَدَّهَا الْقَاضِي لِكُفْرِهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ - قُبِلَتْ .
وَلَوْ شَهِدَ فَاسِقٌ بِشَهَادَةٍ فَرَدَّهُ الْقَاضِي لِفِسْقِهِ ، ثُمَّ تَابَ ، فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَصَارَ إخْبَارًا لَا شَهَادَةً ، فَإِذَا رَدَّهَا الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ الْمَرْدُودُ شَهَادَةً فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ مِنْ بَعْدُ ، كَمَا فِي الْعَبْدِ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِرِقِّهِ ، ثُمَّ عَتَقَ فَأَقَامَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ قُبِلَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفَاسِقُ ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَاكِمًا لَوْ حَكَمَ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ لَجَازَ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ مَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ شَهَادَةً ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، فَإِذَا رَدَّ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَبُولٌ مِنْ بَعْدُ كَالْعَدْلِ إذَا شَهِدَ فِي شَيْءٍ هُوَ شَرِيكُهُ فِيهِ ، أَوْ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ ، ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ أَعَادَ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا هَذَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ ، أَنَّ هَذَا حُكْمٌ جَرَى مِنْ الْقَاضِي بِفَسْخِ عَقْدٍ ، فَلَا جَوَازَ لَهَا مِنْ بَعْدُ ، كَمَا لَوْ قَضَى بِفَسْخِ عَقْدٍ آخَرَ مِنْ الْعُقُودِ .
582 - 582 - الْكَافِرُ إذَا مَاتَ وَأَوْصَى إلَى مُسْلِمٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا ، وَأَقَامَ شُهُودًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ أَجْزَأَتْ شَهَادَتُهُمْ ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ خَصْمَهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ كَافِرٌ مُسْلِمًا بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ تَقَعُ عَلَى الْمَيِّتِ ، لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ عَقْدَهُ وَقَوْلَهُ ، وَهُوَ كَافِرٌ ، وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ .
وَفِي الْوَكِيلِ الشَّهَادَةُ تَقَعُ عَلَى الْوَكِيلِ ، لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ عَقْدَ الْوَكِيلِ وَقَوْلَهُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَصَارَتْ هَذِهِ شَهَادَةَ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا يُقْبَلُ .
583 - 583 - إذَا أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ يَوْمَ كَذَا وَأَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَقُضِيَ بِذَلِكَ ، ثُمَّ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَهَا يَوْمَ كَذَا ، لِيَوْمٍ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ .
وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا قُتِلَ يَوْمَ كَذَا فَقُضِيَ بِذَلِكَ ، ثُمَّ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي شَهِدُوا بِقَتْلِهِ ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ شُهُودِهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي إثْبَاتِ الْمَوْتِ ، لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي الْمِيرَاثَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِيرَاثَ مَعَ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ ، بِأَنْ يَرْتَدَّ وَيَلْحَقَ بِالدَّارِ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ لَهُ بِالْمِيرَاثِ حُكْمُهُ بِمَوْتِهِ لَا مَحَالَةَ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ الْأُولَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَتْلُ لِأَنَّ لِلْوَارِثِ حَقًّا فِي إثْبَاتِ الْقَتْلِ ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْقِصَاصَ أَوْ الدِّيَةَ ، وَيَسْتَحِيلُ إثْبَاتُ الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ دُونَ الْقَتْلِ ، فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِالْقِصَاصِ حُكْمُهُ بِالْقَتْلِ ، فَقَدْ صَحَّ الْحُكْمُ بِقَتْلِهِ بِبَيِّنَةِ الْوَارِثِ ، فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِحَيَاتِهِ بَعْدَهُ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى ، فَلَا تُقْبَلُ الثَّانِيَةُ .
584 - 584 - إذَا ادَّعَى شِرَاءَ دَارِ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِالشِّرَاءِ ، وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ الثَّمَنَ ، فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ .
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ ، وَقَبْضِ الثَّمَنِ ، وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِالثَّمَنِ ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَقَدْ جُهِلَ الثَّمَنُ فِي وَقْتٍ يُحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ بِهِ .
وَالثَّمَنُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا ، فَلَوْ قَضَيْنَاهُ لَقَضَيْنَا بِعَقْدِ بَيْعٍ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ لَا يَصِحُّ ، فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِالثَّمَنِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ جُهِلَ بِالثَّمَنِ فِي وَقْتٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ بِهِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ ، كَمَا لَوْ جَهِلَا الْكِيسَ الَّذِي فِيهِ الدَّرَاهِمُ .
585 - 585 - إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَدْ مَاتَ أَبُوهُ ، وَالْبَائِعُ يَجْحَدُ ، فَإِنِّي لَا أُكَلِّفُهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا .
وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ الْبَائِعِ ، سَأَلْتُهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي حُقُوقِ عَقْدِهِ ، وَتَنْتَقِلُ الْعُهْدَةُ إلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ ، وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ بِحَقِّ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِنَفْسِهِ مِنْهُ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يُكَلَّفْ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ الْبَائِعِ ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ بِحَقِّ الْمِلْكِ لَا بِحَقِّ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ ، وَإِذَا ادَّعَى الِاسْتِحْقَاقَ بِحَقِّ الْمِلْكِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةِ الْمِلْكِ ، فَكُلِّفَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ .
586 - 586 - إذَا بَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ غَابَ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنِّي أَبِيعُ الْجَارِيَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَأَنْقُدُ الْبَائِعَ الثَّمَنَ ، هَذَا كَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَقِيلَ إنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَأَسْنَدَهُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَ عَرَضًا آخَرَ لِلْمُشْتَرِي غَيْرَ هَذَا عُيِّنَ هَذَا الْعَقْدُ ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي ثَمَنِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ذَلِكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ بَطَلَ حَقُّهُ ، وَالْمُشْتَرِي بِتَعْيِينِهِ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ مَالِهِ ، فَصَارَ مُوَلِّيًا عَلَيْهِ ، فِي حِفْظِهِ وَبَيْعِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْئًا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ ، فَصَارَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي بَيْعِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِيُوَفِّيَهُ حَقَّهُ ، دَلِيلُهُ لَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُرُوض ، لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِحَقِّهِمْ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ الدَّيْنِ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَبِعْهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
587 - 587 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا فِي يَدِ فُلَانٍ ، ثُمَّ مَكَثَ حِينًا ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدٍ فِي يَدِ فُلَانٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ، لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَشْهَدُوا عَلَى غَصْبِهِ بَعْدَ إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ جَمِيعُ مَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ لِفُلَانٍ ، فَمَكَثَ أَيَّامًا ، فَحَضَرَ فُلَانٌ لِيَأْخُذَ مَا فِي يَدِهِ فَادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : كَانَ فِي يَدَيْك يَوْمَ إقْرَارِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْعَبْدُ عَبْدُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إبْرَاءٌ ، وَالْإِبْرَاءُ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ جَمِيعِ حُقُوقِهِ وَدُيُونِهِ جَازَ ، فَصَحَّتْ الْبَرَاءَةُ ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا وَلَمْ يَأْتِ بِتَارِيخٍ بَعْدَهُ لَمْ يُقْبَلْ ، حَتَّى يُتَيَقَّنَ وُجُوبُهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ فَحُمِلَ إقْرَارُهُ عَلَى الْخُصُوصِ ، فَانْصَرَفَ إلَى مَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ فِي يَدَيْهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ ، فَلَمَّا عُلِمَ كَوْنُهُ فِي يَدَيْهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ كُلِّفَ تَسْلِيمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ ، فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ كَوْنُهُ فِي يَدَيْهِ فَكُلِّفَ تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ .
588 - 588 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَمِعَا رَجُلًا يَقُولُ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا ، وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُمَا اشْهَدَا عَلَيَّ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَمِعَا رَجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَسَعْهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَقُولَا لَهُمَا : اشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِنَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْحَقِّ بِنَفْسِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْقَاضِي اجْتِهَادًا فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ رَجَعَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ جَازَ رُجُوعُهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْحَقِّ ، وَإِنَّمَا هِيَ سَبَبٌ يَجِبُ الْحَقُّ بِغَيْرِهَا ، فَلَمْ يَسْتَدْرِكَا الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلْحَقِّ لَهُمَا ، فَلَا يَسَعُهُمَا أَنْ يَشْهَدَا فَاخْتَصَّ بِذَلِكَ الْحَقِّ مَنْ خُصَّ بِهِ ، كَمَا لَوْ سَمِعَاهُ يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ لَمْ يَسَعْهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِبَيْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَنَفْسُ الْإِقْرَارِ مُوجِبٌ لِلْحَقِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَقَدْ اسْتَدْرَكَا الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلْحَقِّ ، فَوَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ ، كَمَا لَوْ رَأَيَا رَجُلًا يُتْلِفُ مَالَ إنْسَانٍ ، أَوْ يَقْتُلُ إنْسَانًا وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
589 - 589 - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَادَّعَى الْأَدَاءَ ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَّلَهُ مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ ، جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا .
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَحَلَّهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّحْلِيلَ تَفْعِيلٌ مِنْ الْحِلِّ ، وَالْحِلُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِكَاكِ ، يُقَالُ حَلَّ رَقَبَتَهُ أَيْ فَكَّهُ ، وَيُقَالُ حَلَّ الرَّهْنَ وَحَلَّ الْقَيْدَ ، أَيْ فَكَّهُ وَفِكَاكُ الذِّمَّةِ قَدْ يَكُونُ بِالْأَدَاءِ ، فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ ، فَكَأَنَّهُ ادَّعَى الْأَدَاءَ فَشَهِدَا لَهُ أَنَّهُ فَكَّ ذِمَّتَهُ بِالْأَدَاءِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِحْلَالُ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِبَاحَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَقَوْلِهِ : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ، وَالْأَدَاءُ لَا يَكُونُ إبَاحَةً لِمَا لَهُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُقَالُ إبَاحَةُ مَا لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ ، وَلَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ ، إذَا أَبَاحَهُ ، فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا .
590 - 590 - أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ شَهِدُوا عَلَى أَخِيهِمْ بِالزِّنَا وَهُوَ مُحْصَنٌ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالرَّجْمِ فَإِنَّ الشُّهُودَ يَبْدَءُونَ ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ لَا يَقْصِدُوا الْقَتْلَ .
بِخِلَافِ الْقَتْلِ لِأَجْلِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يَسَعُهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَتْلَهُ لِأَجْلِ كُفْرِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكُفْرَ قَطَعَ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا يُفْرَضُ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَتْلِ لِأَجْلِ الصِّلَةِ ، وَلَا صِلَةَ بَيْنَهُمَا ، فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَتْلَهُ .
وَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إلَى أَنْ يُقْتَلَ تُفْرَضُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ إنْ احْتَاجَ ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الْقَتْلِ لِأَجْلِ الصِّلَةِ وَالصِّلَةُ بَاقِيَةٌ فَلَا يُقْتَلُ .
591 - 591 - وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَخٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ادَّعَى وَلَدَ أَمَتِهِ هَذِهِ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِكَوْنِهِ ابْنًا لَهُ ، ثُمَّ مَاتَ فَوَرَّثَهُ الْقَاضِي مَالَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا .
وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِالنَّسَبِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْمِيرَاثِ ، ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْأَخِ مَا أُخِذَ مِنْ الْمِيرَاثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْأَبِ لَا تَكُونُ شَهَادَةً بِالْمِيرَاثِ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْوَالِدِ ، فَلَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالنَّسَبِ شَهَادَةً بِالْمِيرَاثِ ، فَلَمْ يَقَعْ الْإِتْلَافُ بِشَهَادَتِهِمْ ، فَلَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ شَهَادَةٌ بِالْمِيرَاثِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مَعْنًى مُوجِبٌ لِلْمِيرَاثِ غَيْرَ الشَّهَادَةِ ، فَقَدْ وَقَعَ التَّلَفُ بِالشَّهَادَةِ ، فَغَرِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ مَا أَتْلَفَا .
592 - 592 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ، فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِهِ ، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ لَهُ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالرُّجُوعِ وَرَدَّهُ إلَى الْوَرَثَةِ ، ثُمَّ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِأَعْيَانِهِمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِهَذَا الثُّلُثِ لِهَذَا ، الْآخَرِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلثَّانِي ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا ثُلُثًا لِلْوَرَثَةِ ، وَثُلُثًا لِلْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الثُّلُثِ وَشَهِدَا لِلثَّانِي بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ مَعًا ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا ثُلُثًا وَاحِدًا لِلْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَغْرَمَانِ لِلْوَرَثَةِ شَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَقَضَى بِذَلِكَ فَقَدْ أَتْلَفَا الثُّلُثَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَصَارَ الثُّلُثُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِهَذَا الْآخَرِ فَقَدْ أَتْلَفَا ثُلُثًا أَيْضًا عَلَى الْوَرَثَةِ ، فَإِذَا رَجَعَا غَرِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ مَا أَتْلَفَا .
وَأَمَّا إذَا شَهِدَا بِالرُّجُوعِ وَالْوَصِيَّةِ مَعًا ، لَمْ يُتْلِفَا عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا أَقْرَنَا بِالشَّهَادَةِ بِالرُّجُوعِ مَا يَمْنَعُ عَوْدَ الثُّلُثِ إلَى الْوَرَثَةِ وَهُوَ شَهَادَتُهُمَا بِالْوَصِيَّةِ لِلثَّانِي ، فَلَمْ يَقَعْ الْإِتْلَافُ عَلَى الْوَرَثَةِ ، فَلَا يَغْرَمَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ شَيْئًا .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لِهَذَا الرَّجُلِ ، فَقَضَى الْقَاضِي ، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ لِهَذَا الْآخَرِ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ لَهُ ، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَيْضًا نَحْوَهُ ، ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعَلَى كُلِّ شَاهِدَيْنِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِلرَّجُلِ الَّذِي شَهِدَا لَهُ .
وَلَوْ شَهِدَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ، كُلُّ نَفَرٍ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِجَمِيعِ ثُلُثِهِ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ رَجَعُوا ، فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَغْرَمُ نِصْفَ الثُّلُثِ ، وَلَا يَغْرَمُ الْجَمِيعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِالْعَبْدِ لِلْأَوَّلِ صَارَ الْمِلْكُ فِيهِ لَهُ ، فَشُهُودُ الثَّانِي أَتْلَفُوا عَلَيْهِ مِلْكَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لَبَقِيَ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِلْأَوَّلِ ، وَشُهُودُ الثَّالِثِ أَتْلَفُوا جَمِيعَ الْعَبْدِ عَلَى الثَّانِي ، وَلَوْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لَبَقِيَ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِلثَّانِي ، فَإِذَا رَجَعُوا غَرِمُوا جَمِيعَ مَا أَتْلَفُوا ، وَقَدْ أَتْلَفَ الشُّهُودُ الْأُوَلُ جَمِيعَ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَغَرِمُوا .
وَأَمَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ شُهُودَ الثَّانِي لَمْ يُتْلِفُوا جَمِيعَ الثُّلُثِ عَلَى الْأَوَّلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ ، وَلَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الثُّلُثِ لِلْأَوَّلِ ، وَإِذَا لَمْ يُتْلِفُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَغْرَمُوا إلَّا قَدْرَ مَا أَتْلَفُوا عَلَيْهِ .
شَاهِدَانِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وُهِبَ عَبْدَهُ هَذَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهُ ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ وُهِبَهُ مِنْ فُلَانٍ الْآخَرِ وَقَبَضَهُ ، وَقَضَى الْقَاضِي بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَرْبَاعًا ، وَلَا يَغْرَمُونَ لِلْوَاهِبِ لَهُ شَيْئًا .
وَلَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِهَذَا ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِهَذَا الْآخَرِ ، وَقَضَى الْقَاضِي بِالثُّلُثِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعُوا فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَغْرَمُ لِلْمُوصَى لَهُ نِصْفَ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَقَدْ فَسَخَ عَقْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نِصْفِ الْعَبْدِ ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقْضِيَ بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِهِ ، فَبَقِيَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ سَلِمَ لَهُ ذَلِكَ ، فَلَا يَغْرَمُ الشَّاهِدُ لَهُ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسَخْ الْعَقْدَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الثُّلُثِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ أَجَازُوا الْوَصِيَّتَيْنِ سَلِمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعَبْدِ ، فَلَمَّا رَجَعَا فَقَدْ أَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ الثُّلُثِ فَغَرِمَ لَهُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ .
595 - 595 - رَجُلٌ لَهُ عَلَى الْقَاضِي دَيْنٌ ، فَغَابَ صَاحِبُ الْمَالِ ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ، فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ قَضَى الدَّيْنَ ، أَوْ قَضَى الدَّيْنَ ثُمَّ قَضَى بِوَكَالَتِهِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ بِالْوَكَالَةِ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَكِيلِ وَصِيٌّ فَقَضَى بِالْوَصِيَّةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ قَضَى الدَّيْنَ ، جَازَ قَضَاؤُهُ ، وَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ إنْ كَانَ قَضَى الدَّيْنَ أَوَّلًا .
وَفَرَّقَ أَنَّ الْقَاضِيَ خَصْمٌ فِي سَمَاعِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ ، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ وَيَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، فَصَارَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ فِيمَا هُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ السَّمَاعُ ، فَبَقِيَ تَوْكِيلًا مِنْ غَيْرِ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ بِاخْتِيَارِهِ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ وَكِيلًا فِي مَالِ الْغَائِبِ .
وَأَمَّا فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ خَصْمٌ فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَلَمْ يَجُزْ سَمَاعُهُ فَبَقِيَ قَاضِيًا وَصِيًّا فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِاخْتِيَارِهِ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ ، فَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ عَنْهُ خَصْمًا وَصِيًّا ، فَإِذَا قَضَى الدَّيْنَ وَابْتِدَاء الْقَضَاءِ ، وَقَعَ لِنَفْسِهِ ، فَبَقِيَ بَاطِلًا ، وَإِذَا كَانَ بَعْدَ النَّصْبِ ، فَابْتِدَاءُ الْقَضَاءِ يَقَعُ لِلْمَيِّتِ ، وَثُبُوتُ حَقِّ الْبَرَاءَةِ بَاقٍ ، لِلْقَضَاءِ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الثَّانِي ، كَمَا لَوْ قَضَى لِأَخِيهِ جَازَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِهِ بِالْفَقْرِ وَغَيْرِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
596 - 596 - وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، فَقَضَى لَهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاءُ الثَّانِي إذَا لَمْ يَجْعَلْ الْخَلِيفَةُ إلَى الْأَوَّلِ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ .
وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إلَى الْأَوَّلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ مِمَّا إذَا خُصَّ اُخْتُصَّ بِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ خُصَّ بِبَلَدٍ اخْتَصَّ بِهِ ، فَكَذَلِكَ إذَا خُصَّ شَخْصٌ أَوْ نَوْعٌ اخْتَصَّ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إذَا خُصَّتْ لَا تَخْتَصُّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ صَارَ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، وَوَقَعَتْ عَامَّةً فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَوْصِ إلَى غَيْرِك .
وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِطْلَاقِ وَالْإِبْهَامِ ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْإِمَامُ : جَعَلْتُك قَاضِيًا لَمْ يَصِحَّ ، وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِالْإِبْهَامِ فَإِذَا فُسِّرَ انْعَقَدَ بِتَفْسِيرِهِ كَالْوَكَالَةِ .
وَأَمَّا الْوِصَايَةُ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِالْإِبْهَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ إلَيْك ، صَارَ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، وَيَقَعُ عَامًّا فَإِذَا خُصَّ صَارَ تَخْصِيصًا لِبَعْضِ مَا شَمِلَهُ ، عُمُومُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَلَا يُوجِبُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ، فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَكَأَنَّهُ عَمَّ لَهُ الْإِذْنَ فِي الْوِصَايَةِ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِذَا فَعَلَ جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
597 - 597 - إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَمَةٍ فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا حُرَّةٌ ، فَوَضَعَهَا الْقَاضِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ ، فَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ .
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ ، لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا طَلَبَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ لِأَجْلِ التَّسْلِيمِ ، وَقَدْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بِالْحَيْلُولَةِ ، فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ ، وَلَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَالنَّفَقَةُ تَجِبُ لِحَقِّ الْمِلْكِ لَا بِالتَّسْلِيمِ وَوُقُوعُ الْحَيْلُولَةِ لَهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَبَقِيَ الْمُوجِبُ لِلنَّفَقَةِ ، فَوَجَبَتْ كَالْمَرْهُونَةِ وَالْمُؤَاجَرَةِ .
598 - 598 - إذَا أَقَرَّ وَارِثَانِ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَفِي مِيرَاثِهِمَا وَفَاءً بِالْأَلْفِ فَلَمْ يَدْفَعَا لِلْغَرِيمِ دَيْنَهُ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ الْقَاضِي لَهُ بِالْأَلْفِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّا أَوَّلًا بِالْأَلْفِ .
وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ ، ثُمَّ جَاءَ مَعَ ثَلَاثَةٍ ، فَشَهِدَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الزَّوْجِ شَهَادَةً لَيْسَ بِتَقْرِيرٍ لِمُوجَبِ إقْرَارِهِ ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُ تُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ ، وَالْقَذْفُ الْأَوَّلُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا ، فَصَارَتْ شَهَادَتُهُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تَقْرِيرًا ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ شَهِدَ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ .
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَشَهَادَتُهُ تَقْرِيرٌ لِمُوجَبِ إقْرَارِهِ ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ إقْرَارٌ عَلَى الْمَيِّتِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَلَكِنْ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ مِنْ نَصِيبِهِمْ بِجُحُودِهِمْ فَجُعِلَ كَالْمَالِكِ ، فَصَارَتْ شَهَادَتُهُمَا تَقْرِيرًا لِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ ، فَجَازَتْ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ فِي حَالَ حَيَاتِهِ ، ثُمَّ شَهِدَ هُوَ وَآخَرُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ أَيْضًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
599 - 599 - إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِمَحْضَرِ الْقَاضِي فَخَاصَمَ الْوَكِيلُ الْمَطْلُوبَ فِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ الْوَكَالَةِ ، فَشَهِدَ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْقَاضِي ، وَأَشْهَدَ عَلَى الْوَكَالَةِ ، فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ ، ثُمَّ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ فَعَزَلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ ، فَشَهِدَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِمَّا كَانَتْ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، قَبْلَ قَضَائِهِ لِلْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى بِالْوَكَالَةِ ، فَقَدْ قَضَى بِكَوْنِهِ خَصْمًا فِي جَمِيعِ حُقُوقِهِ ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ بِشَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، صَارَ يَشْهَدُ فِيمَا صَارَ خَصْمًا فِيهِ ، فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِمَحْضَرِ الْقَاضِي ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ عَلِمَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا فِي جَمِيعِ حُقُوقِهِ ، وَعِلْمُهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً مَا لَمْ يَقْضِ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ عَزْلِهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ ، أَنَّ الْأَوَّلَ عَلِمَ بِكَوْنِهِ وَكِيلًا ، لَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ فَلَمْ يَصِرْ خَصْمًا فِي الْجَمِيعِ ، فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ .
600 - 600 - وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِ ، ثُمَّ أَدْرَكَ جَازَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِهِ .
وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِ ، ثُمَّ أَدْرَكَ فَجَاءَ الشَّاهِدَانِ وَأَدَّيَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّقَ بِقَوْلِهِ حُكْمًا [ وَيَتَعَلَّقُ ] بِقَوْلِهِ حُكْمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالدُّيُونِ فَتُقْبَلُ ؟ فَلَوْ جَوَّزْنَا التَّحَمُّلَ لَعَلَّقْنَا بِقَوْلِهِ ، وَهَذَا جَائِزٌ فَقَدْ صَحَّ التَّحَمُّلُ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ فَجَازَ .
وَأَمَّا فِي الصَّبِيِّ فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُمَا تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ لَعَلَّقْنَا بِقَوْلِ الصَّبِيِّ حُكْمًا ، وَقَوْلُهُ لَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالدُّيُونِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّحَمُّلُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ ، فَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الدَّعْوَى 601 - إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ كَانَتْ لِأَبِيهِ ، مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ ، يُقْضَى لِلْحَاضِرِ ، وَلَا يُقْضَى فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ عَمْدًا ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ .
وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَمْ يُحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ قَامَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْقَضَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ أَيْضًا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ فُسَّاقًا فَلَا يُقْضَى بِهَا ، وَإِذَا حَضَرَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِعَادَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْوَالُ وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً ، لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَضَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْضَى بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِنَصِيبِ الْغَائِبِ لِعَدَمِ الدَّعْوَى ، فَإِذَا حَضَرَ وَادَّعَى وَاقْتَرَنَ الدَّعْوَى بِالْبَيِّنَةِ وَقُضِيَ ، بِهَا ، صَارَ كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
زَيْتٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ، أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ خَطَأً أَنَّهُ عَصَرَهُ وَسَلَّاهُ فِي مِلْكِهِ ، وَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ كَذَلِكَ ، قُضِيَ بِهَا لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ .
وَلَوْ أَنَّ شَاةً فِي يَدِ رَجُلٍ ، أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا شَاتُهُ ضَحَّى بِهَا وَسَلَخَهَا فِي مِلْكِهِ ، وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّيْتَ مِمَّا لَا يَنْعَصِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَهُوَ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَصْرِ ، فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ أَوَّلُ مِلْكٍ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْآخَرُ قَبْلَهُ وَالْآخَرُ كَذَلِكَ ، فَكَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى ، كَمَا قُلْنَا فِي النِّتَاجِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْلُوخَةُ ، لِأَنَّ السَّلْخَ لَيْسَ هُوَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ ، لِأَنَّ مَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ ، وَسَلَخَهَا لَا يَمْلِكُهَا فَلَمْ تُبَيِّنْ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَالِكٍ لَهُ ، وَإِنَّمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَقَطْ ، فَكَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى ، كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الْمِلْكَ مُطْلَقًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ بِالْعَصْرِ تَجَدَّدَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ، فَقَدْ أَثْبَتَ زَائِدًا عَلَى الِاسْمِ الْأَوَّلِ ، صَارَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ النِّتَاجُ ، فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّاةُ ، لِأَنَّهُ بِالسَّلْخِ لَمْ يَتَجَدَّدْ اسْمٌ آخَرُ فَبَقِيَ الِاسْمُ الْأَوَّلُ ، فَكَأَنَّهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ، فَكَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
دَجَاجَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ، أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْبَيْضَةَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهَا هَذِهِ الدَّجَاجَةِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالدَّجَاجَةِ .
وَلَوْ أَنَّ شَاةً فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي وَلَدَتْ هَذِهِ الشَّاةَ لَهُ ، قُضِيَ لَهُ بِالْأُمِّ وَالْوَلَدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَ الْبَيْضَةِ لَهُ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْخُ لَهُ ، لِأَنَّهُ لَوْ غَصَبَ بَيْضَةً وَأَحْضَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ فَالْفَرْخُ لِلْغَاصِبِ ، لَا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةً تُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُ بِهَا ، فَلَا يُقْضَى لَهُ بِهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّتَاجُ لِأَنَّ كَوْنَ الْأُمِّ لَهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِلْكًا لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ شَاةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ تُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُ بِهَا فِي الْوَلَدِ ، فَقُضِيَ بِهَا لَهُ .
ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْضَةِ إذَا غَصَبَهَا وَأَحْضَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ حَتَّى خَرَجَ الْفَرْخُ فَالْفَرْخُ لِلْغَاصِبِ ، وَلَوْ غَصَبَ أُمَّهُ ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَالْوَلَدُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ فِي وِلَادَةِ الشَّاةِ وَالْأَمَةِ ، فَصَارَ هَذَا مِمَّا حَصَلَ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَتَبِعَ مِلْكَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْضَةُ ، لِأَنَّ لَهُ فِعْلًا فِيهِ ، وَهُوَ إحْضَانُهُ تَحْتَ الدَّجَاجَةِ ، فَقَدْ نَقَلَهُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ آخَرَ بِفِعْلِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِصَاحِبِهِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا ، وَوِزَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ النِّتَاجِ أَنْ لَوْ بَاضَتْ الدَّجَاجَةُ احْتَضَنَتْ بِنَفْسِهَا فَخَرَجَ فَرْخٌ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ .
604 - 604 - سُفْلٌ لِرَجُلٍ ، وَعُلْوُهُ لِآخَرَ انْهَدَمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى إصْلَاحِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ بِئْرًا وَقَنَاةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَانْهَدَمَ أُجْبِرَ الشَّرِيكُ عَلَى إصْلَاحِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ السُّفْلَ خَالِصُ مِلْكِهِ لَهُ ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى إصْلَاحِهِ ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ دَارٍ لَهُ لِأَجْلِ جَارٍ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبِئْرُ وَالْقَنَاةُ ، لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ، فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ ، وَفِي إصْلَاحِهِ نَفْعٌ لَهُمَا ، فَأُجْبِرَا عَلَى الْإِنْفَاقِ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، أُجْبِرَ الشَّرِيكُ عَلَى الْإِنْفَاقِ كَذَلِكَ هَاهُنَا .
605 - 605 - إذَا ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِ وَكَّلَهُ بِالْخُصُوصِ فِيهِ قَضَيْت لَهُ بِهِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُوصِ فِيهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَكَّلَهُ بِالْخُصُوصِ فِيهِ ، أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى نَقْلِ مِلْكِ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ ، فَصُدِّقَ فِيهِ وَجُعِلَ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ نَقَلَ إلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِغَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْقُلَ مِلْكِهِ إلَى نَفْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَدَّعِ انْتِقَالَهُ مِنْ جِهَتِهِ إلَيْهِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهِ إلَيْهِ ، صَارَ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ مُكَذِّبًا لَهُ شَرْعًا فِي دَعْوَى الثَّانِي ، فَلَا يُصَدَّقُ .
وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُضِيفُ مِلْكَ مُوَكِّلِهِ إلَى نَفْسِهِ ، فَيَقُولُ هَذَا لِي بِمَعْنَى أَنَّ لِي حَقَّ الْخُصُومَةِ فِيهِ ، وَحَقَّ الْقَبْضِ ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهَا لِي ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا لِمُوَكِّلِي أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ فَصُدِّقَ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِمُوَكِّلِهِ ، لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِمُوَكِّلِهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَأَقَرَّ أَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ لَهُ ، فَإِذَا قَالَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ شُهُودٌ ، فَقَوْلُ الشُّهُودِ ، لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّفْسِيرِ لِدَعْوَاهُ ، وَهُوَ لَا يُضِيفُ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ ، فَصَارَ بِدَعْوَاهُ الْأُولَى مُكَذِّبًا شُهُودَهُ فِي الثَّانِي ، فَلَا يُقْبَلُ .
606 - 606 - إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِوَلَدِ جَارِيَتِهِ أَنَّهُ مِنْهُ ، ثُمَّ أَرَادَ نَفْيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ نَسَبَ الزَّوْجَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ حُكْمًا ، لَا بِقَوْلِهِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ بِالنَّفْيِ رَاجِعًا عَنْ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ ، فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ ، لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ صَرِيحًا ، وَثَبَتَ لِلصَّبِيِّ حَقُّ النَّسَبِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُسْقِطَ مَا ثَبَتَ لِلصَّبِيِّ مِنْ الْحَقِّ بِصَرِيحِ إقْرَارِهِ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْإِنْسَانُ بِدَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ .
يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ بِإِقْرَارِهِ صَرِيحًا يُخَالِفُ ثُبُوتَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدِهِ فِي يَدِهِ لِرَجُلٍ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ حَتَّى اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ ، ثُمَّ مَلَكَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَوْ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَفَسَخَا الْبَيْعَ ، ثُمَّ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَحِقِّ ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ مَعَهُ مَعَ الْبَيْعِ اعْتِرَافًا لَهُ بِالْمِلْكِ حُكْمًا ، فَدَلَّ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ بِصَرِيحِ الْإِقْرَارِ آكَدُ ، وَيُخَالِفُ حُكْمُهُ مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، فَجَازَ أَلَّا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ الْآكَدِ ، وَيَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ الْأَضْعَفِ .
607 - 607 - إذَا بَاعَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْوَلَدَ إلَى الْبَائِعِ دُونَ الْأُمِّ وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ وَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا ، وَيَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَلَدَ يَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ مِنْ حُرِّيَّةِ الِاسْتِيلَادِ ، بِدَلِيلِ الْمَغْرُورِ فَلَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ شَاهِدًا فِي بُطْلَانِ عِتْقِ الْأُمِّ ، فَلَوْ أَبْطَلْنَا لَأَبْطَلْنَاهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّوْأَمَانِ ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ عِتْقُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِالِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ الْحَبَلَ وَاحِدٌ ، فَصَارَ ثُبُوتُ نَسَبِ إحْدَاهُمَا شَاهِدًا فِي إبْطَالِ عِتْقِ الْآخَرِ ، وَإِبْطَالُ الْعِتْقِ بِالشَّهَادَةِ جَائِزٌ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ أَبْطَلَ عِتْقَ الْمُشْتَرِي ، كَذَلِكَ هَذَا .
608 - ثُمَّ يَرُدُّ الْوَلَدَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ صُدِّقَ ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي عِتْقِ الْأُمِّ سَلَّمَ لَهُ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَبَتَ مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَالْوَلَاءُ مِنْ أَحْكَامِ ذَلِكَ الْمِلْكِ ، فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَلَّمَ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا الْوَلَاءُ وَلَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا دَخَلَ أَيْضًا فِي التَّسْلِيمِ الْمُوجَبِ بِالْعَقْدِ ، فَلِمَاذَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ ؟ قُلْنَا : إنَّهُ يُفْرَدُ الْوَلَدُ عَنْ الْأُمِّ بِالْحُكْمِ وَهُوَ
الرَّدُّ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ بِانْفِرَادِهِ ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَعَدَّدُ دَعْوَاهُ فِيهِ ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي مَلْكِهِ وَيَدِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ فَلِلْوَلَدِ حِصَّتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
609 - 609 - الْأَبُ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَأَخَذَهَا وَعَقَرَهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْأَبُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الِابْنِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا إنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ لَمْ يَتَضَمَّنْ سَلَامَةَ الْوَلَدِ لِلْأَبِ ، فَقَدْ اغْتَرَّ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ بِمَا ضَمِنَ ، كَالشَّفِيعِ إذَا بَنَى دَارًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا إنْسَانٌ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشْتَرِي ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَضْمَنُ سَلَامَةَ الْوَلَدِ لَهُ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ فَقَدْ غَرَّهُ مِنْ سَلَامَةِ الْوَلَدِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَبَنَى فِيهَا ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
610 - 610 - إذَا قَالَ : هَذِهِ الْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِي ، فِي مَرَضِهِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ ، سَوَاءٌ مَلَكَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ .
وَلَوْ مَلَكَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ فَقَالَ : هُوَ ابْنِي ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ .
وَإِنْ مَلَكَ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يَسْعَ فِي قِيمَتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَهُ لَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَابْتِدَاءَ اسْتِيلَادِهِ لَا يَخْتَلِفُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ فَاسْتَوْلَدَهَا فِي حَالِ الْمَرَضِ ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ عَلَيْهَا ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ أَيْضًا ، فَإِذَا أَقَرَّ جُعِلَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ فَاسْتَوْلَدَهَا وَلَوْ ابْتَدَأَ فَاسْتَوْلَدَهَا لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا ، لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ اسْتِيلَادِهِ ، وَإِقْرَارَهُ لَهُ بِالنَّسَبِ يَخْتَلِفُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ ابْنُهُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْوَلَدِ ، وَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ اسْتِيلَادِهِ وَإِقْرَارُهُ لَهُ بِالنَّسَبِ يَخْتَلِفُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْإِقْرَارُ كَالِابْتِدَاءِ فَجَازَ أَنْ تَجِبَ السِّعَايَةُ بِالْإِقْرَارِ ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ بِالِابْتِدَاءِ .
ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَوْ مَلَكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، ثُمَّ ادَّعَاهُ أَنَّهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَلَكَهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ أَنْ يَبْرَأَ عَنْ السِّعَايَةِ بِقَوْلِهِ : هَذَا وَلَدِي ، وَهَذَا الْحَقُّ قَدْ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَا لَهُ فِي مَرَضِهِ ، فَصَارَ حَقُّ الْوَلَدِ مُتَقَدِّمًا عَلَى حَقِّهِمْ ، فَكَانَ أَوْلَى فَلَا سِعَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَلَكَهُ فِي الْمَرَضِ ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ أَنْ يَبْرَأَ عَنْ السِّعَايَةِ بِقَوْلِهِ :
هَذَا وَلَدِي ، وَهَذَا الْحَقُّ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ انْتَقَلَ إلَى مَالِهِ ، وَتَعَلَّقَ بِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ فَصَارَ حَقُّهُمْ مُتَقَدِّمًا عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ فَكَانُوا أَوْلَى .
611 - 611 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ دَارٌ ادَّعَاهَا رَجُلٌ ، فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : مَا كَانَتْ لِي قَطُّ ، وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ آخَرَ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ ، فَهِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْآخَرِ .
وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِهَا ، ثُمَّ قَالَ : مَا كَانَتْ لِي قَطُّ ، وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ ، وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَوَّلُ : لَمْ تَكُنْ لِي هَذِهِ الدَّارُ ، وَسَكَتَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : هِيَ لِفُلَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَكَانَتْ الدَّارُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْكَلَامَ الْمَوْصُولَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيِّنَةِ لَمَّا قَالَ : لَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ ، فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيهَا ، وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ لَا يُوجِبُ الْحَقَّ ، فَكَأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَكُنْ ، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يَدَّعِي الدَّارَ لِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ، لِأَنَّهُ يَقُولُ أَجْبَرَنِي ظُلْمًا ، فَجَازَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا ، وَالْإِقْرَارُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ يُوجِبُ الْحَقَّ ، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَقَرَّ بِأَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ لَهُ ، فَاسْتَحَالَ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيِّنَةِ لَمَّا قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ رَدَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ مِنْ جِهَةٍ ، وَتَمَسَّكَ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ وَجْهٍ بِقَوْلِهِ : وَإِنَّمَا هِيَ لِفُلَانٍ ، لِأَنَّ فُلَانًا يَسْتَفِيدُ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ جِهَتِهِ الْمِلْكَ وَلَا يَكُونُ لَهُ الْمِلْكُ ، وَرَدُّ الْبَيِّنَةِ مِنْ جِهَةٍ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِالْبَيِّنَةِ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ وَشَهِدَ شُهُودٌ بِالْهِبَةِ لَمْ تُقْبَلْ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ رَدَّ إقْرَارَهُ مِنْ وَجْهٍ ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مِنْ وَجْهٍ ،
فَكَأَنَّهُ أَكْذَبَ الْمُقِرَّ مِنْ وَجْهٍ ، وَقَالَ : هُوَ كَاذِبٌ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَذَاكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ جِهَةِ ثَمَنِ الْمَتَاعِ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : إنَّمَا هِيَ غَصْبٌ ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا لَوْ وَصَلَ الْإِقْرَارَ وَفَصَلَ هُوَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَاسْتَوَى التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ ، وَلَوْ قَالَ أَوَّلًا إنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِفُلَانٍ لَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا فَصَلَ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَلَا يَسْتَوِي التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَصَارَ بِالنَّفْيِ رَادًّا إقْرَارَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحُكْمُ بَيْنَ مَا لَوْ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ ، كَانَ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ : وَلِفُلَانٍ ، كَانَ لِلْأَوَّلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، كَذَلِكَ هَذَا وَقَوْلُهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ يُوجِبُ رَدًّا لِإِقْرَارِهِ ، وَقَوْلُهُ هِيَ لِفُلَانٍ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ : هِيَ لِفُلَانٍ لَمْ يَكُنْ رَادًّا ، وَكَانَ قَابِلًا ، فَقَدْ اتَّصَلَ الْقَبُولُ بِالرَّدِّ ، فَلَمْ يَتَمَحَّضْ رَدًّا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا فَصَلَ ، لِأَنَّهُ يُجَرِّدُ النَّفْيَ عَنْ الْإِثْبَاتِ ، فَتَمَحُّضُ قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِي رَدًّا مِنْ وَجْهٍ مُتَمَسَّكًا بِهِ مِنْ وَجْهٍ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَدًّا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، فَبَطَلَ إقْرَارُهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ : لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ ، فَقَالَ : لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْمَتَاعِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ جِهَةِ غَصْبٍ لَمْ يُصَدَّقْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
612 - 612 - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْعَبْدِ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِهِ ، فَقَالَ الْوَارِثُ : هَذِهِ الشُّهُودُ شُهُودُ زُورٍ ، وَالْعَبْدُ وَصِيَّةٌ لِهَذَا الرَّجُلِ ، ثُمَّ مَلَكَ الْعَبْدَ الْوَارِثُ مِنْ جِهَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ كُلِّفَ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِهَذَا الرَّجُلِ ، وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالدَّيْنِ ، بَاعَ الْعَبْدَ فِي دَيْنِهِ وَقَضَاهُ الْغَرِيمَ ، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ عَادَ إلَى الْوَارِثِ شِرَاءً أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلَّفْ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي زَعْمِ الْوَارِثِ أَنَّ الشُّهُودَ شُهُودُ زُورٍ ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِتَسْلِيمِ الْمَالِ لَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْعَيْنِ ، فَعَادَ حَقُّهُ لِي الْعَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَى الْمُوصَى لَهُ فِي حَقِّهِ فَكُلِّفَ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْوَارِثِ أَنَّ الشُّهُودَ شُهُودُ زُورٍ وَقَضَاءُ الْقَاضِي يَنْفُذُ فِي الْفُسُوخِ وَالْبِيَاعَاتِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، لِأَنَّ لِلْقَاضِي اجْتِهَادًا فِي بَيْعِ مَالِ الْمَيِّتِ ، فَانْقَطَعَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ عَنْ الْعَيْنِ ، فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ الْعَيْنُ مِنْ بَعْدُ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ بِالْبَيِّنَةِ يُوجِبُ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمَالِ كَالْجُنُونِ وَالصِّبَا وَالْغَيْبَةِ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي بَيْعِ مَالِ هَؤُلَاءِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَثَبَتَ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي بَيْعِهِ ، وَثُبُوتُ الْوَصِيَّةِ فِي الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِإِنْسَانٍ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا وَلِلْمَيِّتِ مَالٌ غَائِبٌ دَيْنًا فَبَاعَ الْقَاضِي الْعَبْدَ فِي دَيْنِهِ ، ثُمَّ أَحْضَرَ الْمَالَ الْغَائِبَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا
يُبْطِلُ الْبَيْعَ ، فَدَلَّ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي فِي بَيْعِهِ بَاقِيَةٌ ، فَجَازَ بَيْعُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْعَيْنِ سَبِيلٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي إيجَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فَلَمْ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْ الْعَيْنِ ، فَجَازَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ .
613 - 613 - وَإِذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْعَبْدِ ، فَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي لَهُ ، وَأَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِهَذَا الرَّجُلِ الْآخَرِ وَجَحَدَ الْوَصِيَّةَ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ زَكَّى شُهُودٌ الْأَوَّلَ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالْعَبْدِ لَهُ وَأَبْطَلَ وَصِيَّةَ الْمُقَرِّ لَهُ ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ ، ثُمَّ إنَّ الْوَارِثَ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُجَدِّدَ عِتْقًا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ ، فَأَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ يُبْرِئُ الْغُرَمَاءُ الْمَيِّتَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُوصَى لَهُ عَتَقَ بِعِتْقِهِ الْأَوَّلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمُقَرِّ لَهُ مَوْقُوفَةٌ ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ لِلْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ فَقَدْ جَرَى تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ بَاعَهُ الْبَائِعُ مِنْ آخَرَ بَطَلَ الْعِتْقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ ، لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْإِبْرَاءِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَوْتِ فَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ لَمْ يَجْرِ تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَجَازَ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ ، وَلَكِنَّهُ امْتَنَعَ نَفَاذُ عِتْقِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَإِذَا أَبْرَءُوا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ عِتْقِهِ فَنَفَذَ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ اسْتَحَقَّ مَا بِهِ نُفُوذُ الْعِتْقِ ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ ، وَإِذَا قُضِيَ بِالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِ بَطَلَ عِتْقُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ ،
بَطَلَ عِتْقُ الْأَوَّلِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا بِهِ نُفُوذُ الْعِتْقِ ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُبْطِلْ الْوَصِيَّةَ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِالدَّيْنِ ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَامْتَنَعَ نَفَاذُ الْعِتْقِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَإِذَا زَالَ حَقُّ الْغَيْرِ نَفَذَ ذَلِكَ الْعِتْقُ .
614 - 614 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَلَهُ ابْنٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِأَبِيهِ ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الِابْنُ جَعَلْته خَصْمًا وَقَضَيْت بِإِثْبَاتِ الْوَلَاءِ .
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنٌ لِأَبِيهِ وَلَمْ يَدَّعِ الْمِيرَاثَ ، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ يَخْلُفُ الْأَبَ فِي الْوَلَاءِ ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّ غَيْرَهُ أَعْتَقَ ، وَانْتَقَلَ إلَيْهِ ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ إذَا ثَبَتَ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى آخَرَ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَاءُ لِلْحَيِّ دُونَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ بِالِانْتِقَالِ لَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ نِصْفُ وَلَاءِ الْمَيِّتِ إلَى أَوْلَادِهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ابْنًا وَابْنَةً وَأَعْتَقَ عَبْدًا فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ الِابْنَةِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَالِ لَثَبَتَ لَهُمَا جَمِيعًا كَالْمِيرَاثِ فَصَارَ كَأَنَّهُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الِابْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَكَانَ فِيهِ خَصْمًا فَقُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّسَبُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ أَمَةً ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ ابْنًا لِلِابْنِ لَا أَخًا لَهُ وَإِذَا لَمْ يَخْلُفْ الِابْنُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ ، وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ صَارَ يَدَّعِي اسْتِيلَادَ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ يَحْجُبُ الِابْنَ يَحْجُبُ الْأَبَ وَمَنْ شَارَكَ الِابْنَ شَارَكَ الْأَبَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ عَبْدًا وَأَخًا وَأَبًا ، فَإِنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ ، كَمَا أَنَّ الْأَخَ لَا يَرِثُ مَعَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ، فَدَلَّ أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ ، فَصَارَ الِابْنُ وَالْأَبُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ
الْوَلَاءِ ، كَذَلِكَ الِابْنُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّسَبُ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ بِالنَّسَبِ يَخْتَلِفُ بِالْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ يَحْجُبُهُ الِابْنُ لَا يَحْجُبُهُ الْأَبُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ يَحْجُبُ الْأَخَ وَلَا يَحْجُبُ الْأَبَ ، حَتَّى لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَخًا فَإِنَّ الِابْنَ يَحْجُبُ الْأَخَ عَنْ الْمِيرَاثِ وَلَا يَحْجُبُ الْأَبَ ، فَدَلَّ أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالنَّسَبِ يَخْتَلِفُ بِالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ فَلَا يَقُومُ الِابْنُ مَقَامَ الْأَبِ فِي النَّسَبِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّ الِابْنَ اسْتَوْلَدَ أُمَّ الْمُدَّعِي فَصَارَ الْفِعْلُ يَدَّعِي عَلَى الْغَيْرِ ، فَلَا يَكُونُ الِابْنُ خَصْمًا عَنْهُ .
615 - 615 - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَ عَبْدٍ لَهُ ، وَالْعَبْدُ حَيٌّ وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُنْكِرِ لِلْفَقْءِ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْعَبْدِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَ دَابَّةٍ لَهُ وَهِيَ حَيَّةٌ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ الدَّابَّةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَ عَبْدٍ لَهُ وَالْعَبْدُ غَائِبٌ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الرِّقَّ ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ كَانَ حُرًّا إلَى أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَى الرِّقِّ ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْيَدِ فِي الْمُدَّعَى لِغَيْرِهِ ، فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا وَلَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ .
وَفِي الدَّابَّةِ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهَا ، وَهِيَ تَحْتَ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يُقِرَّ لِغَيْرِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا ، فَجَازَ أَنْ تُسْمَعَ دَعْوَاهُ .
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالْقَطْعُ إقْرَارٌ بِالتَّنَازُلِ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّ عَبْدَهُ فِي يَدِهِ ، فَكُلِّفَ رَدَّهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الْيَدُ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ لِغَيْرِهِ .
616 - 616 - وَإِذَا ادَّعَى الْوَالِدُ النَّصْرَانِيُّ وَلَدَ جَارِيَةِ وَلَدِهِ ، وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ لَمْ تَجُزْ دَعْوَاهُ .
وَلَوْ ادَّعَى الْوَالِدُ الْمُسْلِمُ وَلَدَ جَارِيَةِ وَلَدِهِ النَّصْرَانِيِّ جَازَتْ دَعْوَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَالِدَ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى ابْنِهِ الْمُسْلِمِ ، فَلَوْ نَفَّذْنَا دَعْوَاهُ لَنَفَّذْنَا قَوْلَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَوْ نَفَّذْنَا دَعْوَاهُ لَنَفَّذْنَا قَوْلَهُ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُ الْمُسْلِمِ يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ عَلَى الْكَافِرِ ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ .
617 - 617 - عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ أَجَرَهُ مِنْهُ ، وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ ، غَصَبَهُ مِنْهُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لِلْمُدَّعِي بِالْعَبْدِ ، فَإِنْ حَضَرَ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ فَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ قَضَى عَلَى الْمُدَّعِي الَّذِي أَخَذَهُ لَهُ .
وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لَهُ ، وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِفُلَانٍ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِتْقِهِ ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ ، وَلَا يُرَدُّ الْعَبْدُ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِتْقِ يَقَعُ عَامًّا عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ ؛ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا فِي حَقٍّ وَاحِدٍ مَمْلُوكًا فِي حَقِّ آخَرَ ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ عَامًّا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ فِي الرِّقِّ ، كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِالْعِتْقِ عَلَى هَذَا الْمُسْتَوْدَعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْوَالُ ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ يَقَعُ خَاصًّا لَا عَامًّا ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مِلْكًا فِي حَقِّ وَاحِدٍ غَيْرَ مِلْكٍ فِي حَقِّ آخَرَ ، فَلَمْ يَقَعْ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْمُدَّعِي ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ .
وَلِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا الْبَيِّنَةَ لَفَسَخْنَا الْعِتْقَ ، وَالْعِتْقُ إذَا وَقَعَ لَا يُفْسَخُ ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَكَانَ الْقَضَاءُ وَقَعَ عَامًّا ، وَفَسْخُ الْأَمْلَاكِ وَنَقْلُهَا جَائِزٌ ، فَجَازَ أَنْ يُفْسَخَ ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ .
618 - 618 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ دَارٌ ادَّعَى ابْنُ أَخِيهِ أَنَّهَا دَارُهُ وَوَرِثَهَا عَنْ أَبِيهِ ، وَادَّعَى رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ أَنَّهَا دَارُهُ ، وَأَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْعَمِّ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يُقِمْ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ شَاهِدَيْنِ حَتَّى مَاتَ الْعَمُّ ، فَصَارَتْ فِي يَدِ ابْنِ الْأَخِ ، ثُمَّ أَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَزُكِّيَتْ الْبَيِّنَتَانِ قَضَيْت بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَلَوْ أَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الْعَمُّ ، ثُمَّ أَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْعَمِّ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِجَمِيعِ الدَّارِ لِلْأَجْنَبِيِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَمَّا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَمِّ لَزِمَهُ نَوْعُ حَجْرٍ فِي حَقِّهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْيَدِ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالدَّارِ لِغَيْرِهِ ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، فَاسْتُبْقِيَتْ يَدُ الْعَمِّ فِيهِ فِي الْحُكْمِ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ بَقِيَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ حَتَّى أَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، لِأَنَّ كِلَاهُمَا يَكُونَانِ خَارِجَيْنِ ، فَقُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا أَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ فِي حَيَاةِ الْعَمِّ ثُمَّ مَاتَ الْعَمُّ ، وَصَارَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ابْنِ الْأَخِ ، فَلَمْ تُسْبَقْ يَدُهُ فِي الْحُكْمِ ، لِأَنَّ الْحَقَّ وَجَبَ لِابْنِ الْأَخِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَانْتِقَالُهُ إلَى يَدِ ابْنِ الْأَخِ حَقُّهُ أَيْضًا ، فَصَارَ الْمَنْعُ عَنْ انْتِقَالِ الْيَدِ إلَى ابْنِ الْأَخِ حَقَّهُ ، وَحَقُّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّهُ ، فَانْتَقَلَتْ الْيَدُ إلَى ابْنِ الْأَخِ وَصَارَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْهِ ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ فِي الْمَرِيضِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ فِي مَرَضِهِ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ حَقَّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً مِنْهُ
جَازَ ، لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّهُ ، فَلَمَّا أَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ الْبَيِّنَةَ صَارَتْ بَيِّنَتُهُ بَيِّنَةَ خَارِجٍ وَبَيِّنَةُ ابْنِ الْأَخِ بَيِّنَةَ صَاحِبِ يَدٍ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَصَاحِبِ الْيَدِ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى .
وَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ .
وَالْمَوْلَى إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ يُرَاعَى قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ فِي يَدِ الْمُكَاتِبِ فِي الظَّاهِرِ ، لِأَنَّهُ وَلَدُ جَارِيَتِهِ وَالْمَوْلَى بِالدَّعْوَى صَارَ كَالْمُنْتَزِعِ الْوَلَدَ مِنْ يَدِهِ مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ عِنْدَ الدَّعْوَى ، فَكَأَنَّهُ انْتَزَعَ الْوَلَدَ مِنْ يَدِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيُرَاعَى قِيمَتُهُ وَقْتَ الِانْتِزَاعِ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَصَارَ أَمِينًا فِيهِ ، فَلَا يَغْرَمُ إلَّا بِالْمَنْعِ ، وَالْمَنْعُ إنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلَبِ ، وَالطَّلَبُ يَكُونُ بِالْخُصُومَةِ ، فَيُرَاعَى قِيمَتُهُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي وَلَدِ جَارِيَةِ الْمُكَاتِبِ قِيمَتُهُ وَقْتَ الدَّعْوَى .
كِتَابُ الْإِقْرَارِ 620 - إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِمَالٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَالْآخَرُ مَرِيضٌ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَرِيضِ ، وَيَكُونُ الدَّيْنُ دَيْنَ مَرَضٍ حَتَّى يُؤَخَّرَ عَنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ الَّذِي وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ .
وَلَوْ قَالَ الصَّحِيحُ لِرَجُلٍ : مَا كَانَ لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ ، فَمَرِضَ ، ثُمَّ وَجَبَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ دَيْنٌ ، وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ ، وَيَكُونُ الدَّيْنُ دَيْنَ الصِّحَّةِ ، فَيُقْضَى مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الدَّيْنُ وَجَبَ بِإِقْرَارِهِ لَا بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ ، لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ إلَى حَالِ الْعَقْدِ إبْطَالُهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عِنْدَ الْعَقْدِ وَاحِدًا بِالضَّمَانِ فَبَقِيَ ضَمَانًا لِلْمَجْهُولِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : ضَمِنْت لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ مَا يَلْزَمُهُ عَلَيْك ، وَإِذَا كَانَ فِي إسْنَادِهِ إبْطَالُهُ لَمْ يُسْنِدْهُ وَجَعَلْنَا الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَالْإِقْرَارُ وُجِدَ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، فَكَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ مَرَضٍ ، وَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : مَا بَايَعْت فُلَانًا أَوْ مَا دَارَ لَكَ ، لِأَنَّا لَوْ أَسْنَدْنَا الْوُجُوبَ إلَى الْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلْ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَمَانًا لِلْمَعْلُومِ فِيمَا يُمْكِنُ إسْنَادُهُ إلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ فَأَسْنَدْنَاهُ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَسْخَ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ ، فَصَارَ بِتَرْكِ الْفَسْخِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الشَّرِيكُ مُلْتَزِمًا حُكْمَ إقْرَارِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَكَانَ دَيْنَ مَرَضٍ ، فَيُؤَخَّرُ عَنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ إذَا وَكَّلَ الصَّحِيحُ وَكِيلًا بِأَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ، فَمَرِضَ الْمُوَكِّلُ وَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ كَانَ فَارًّا ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَرَ عَلَى الْعَزْلِ وَلَمْ يَعْزِلْهُ صَارَ كَأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنْ يَبِيعَ
مَالَهُ فَمَرِضَ ، ثُمَّ بَاعَهُ الْوَكِيلُ مِنْ وَارِثِ الْمَرِيضِ لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى عَزْلِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ صَارَ كَأَنَّهُ جَدَّدَ الْوَكَالَةَ فِي الْمَرَضِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ مَا دَارٌ لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ قَبُولِهَا إلَّا بِرِضَا الْمَكْفُولِ لَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ بِتَرْكِ الْفَسْخِ مُلْتَزِمًا حُكْمَهُ فَلَمْ يَصِرْ كَالْمُجَدِّدِ الْتِزَامًا ، فَلَا يَصِيرُ دَيْنَ مَرَضٍ .
621 - 621 - إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالدَّيْنِ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَالْوَارِثُ مَرِيضٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَكُونُ دَيْنَ مَرَضٍ ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ صَادِرًا عَنْ الْقَوْلِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ .
وَلَوْ قَالَ الصَّحِيحُ لِرَجُلٍ : مَا كَانَ لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ ، فَمَرِضَ الْكَفِيلُ ، ثُمَّ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ فَالدَّيْنُ دَيْنُ الصِّحَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الضَّمَانَ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَهُوَ عَقْدُ الْكَفَالَةِ ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لِمَا لَزِمَهُ ، وَذَلِكَ الْقَوْلُ وُجِدَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَكَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ فَوُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَارِثِ بِمِلْكِهِ التَّرِكَةَ لَا لِلْإِقْرَارِ إذْ الْإِقْرَارُ سَبَبٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَلَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ شَيْءٌ ، دَلَّ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمِلْكِهِ وَالْمِلْكُ حَصَلَ لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَصَارَ الدَّيْنُ دَيْنَ مَرَضٍ .
أَوْ نَقُولُ لَوْ أَسْنَدْنَا الضَّمَانَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ إلَى وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَأَبْطَلْنَاهُ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُقِرًّا عَلَى الْغَيْرِ ، وَهُوَ الْمُوَرِّثُ ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا كَانَ فِي إسْنَادِهِ إبْطَالُهُ لَمْ نُسْنِدْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْكَفَالَةِ ، لِأَنَّا لَوْ أَسْنَدْنَاهُ لَمْ يُبْطِلْهُ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ جَائِزٌ فَأَسْنَدْنَاهُ .
622 - 622 - وَإِذَا قَالَ : هَذَا الثَّوْبُ عِنْدِي عَارِيَّةٌ لِحَقِّ فُلَانٍ ، لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لَهُ بِالْمِلْكِ .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَارِيَّةٌ عِنْدِي لِحَقِّ فُلَانٍ ، كَانَ إقْرَارًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حَقًّا بِعَارِيَّةِ الثَّوْبِ ، وَالْحَقُّ الَّذِي بِعَارِيَّةِ الثَّوْبِ قَدْ يَكُونُ مِلْكًا ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مِلْكٍ ، لِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ ، وَكَذَلِكَ لِأَبِ الصَّغِيرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِلْكٌ ، وَاللَّامُ تَكُونُ لَامَ سَبَبٍ ، وَسَبَبُ الشَّيْءِ يَتَقَدَّمُهُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : هَذَا الثَّوْبُ عِنْدِي عَارِيَّةٌ لِجَارِهِ فُلَانٍ وَعَرَّفَهُ ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حَقًّا بِعَارِيَّةِ الدَّرَاهِمِ وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ تَكُونُ قَرْضًا وَيَكُونُ فِي جِهَاتٍ وَالْحَقُّ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْإِقْرَاضُ إنَّمَا يَكُونُ هُوَ الْمِلْكُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنْ يُقْرِضَا مَالَ الصَّغِيرِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عِنْدِي عَارِيَّةٌ لِمِلْكِ فُلَانٍ : فَكَانَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ ، كَذَا هَذَا .
623 - 623 - إذَا قَالَ لَهُ : عَلَيَّ مِائَةٌ لَا بَلْ مِائَتَيْنِ ، لَزِمَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ لَا بَلْ اثْنَتَانِ ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبٍ سَابِقٍ ، وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْإِيجَابِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَوْجَبْتُ لَكَ عَلَى نَفْسِي كَذَا دِرْهَمًا ، لَا يَلْزَمُهُ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ : لَا بَلْ مِائَتَانِ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي إخْبَارًا ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْإِيجَابِ ، لِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْمِائَةَ الْأُولَى ، وَاسْتَدْرَكَ مِائَةً أُخْرَى وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَزِمَاهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَقَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ظَاهِرُهُ إخْبَارٌ ، إلَّا أَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ ظَاهِرِهِ ، مَجْعُولٌ فِي الشَّرْعِ اسْمًا لِابْتِدَاءِ إيجَابِ الطَّلَاقِ ، فَصَارَ اللَّفْظُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً فِيهِ ، فَصَارَ ابْتِدَاءَ إيقَاعٍ ، فَقَدْ أَوْقَعَ وَاحِدًا وَرَجَعَ عَنْهُ ، وَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَاسْتَدْرَكَ اثْنَتَيْنِ وَاسْتِدْرَاكُهُ يَصِحُّ ، فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا .
624 - 624 - إذَا قَالَ : لَا تَشْهَدْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا .
وَلَوْ قَالَ : لَا تُخْبِرْ فُلَانًا وَلَا تَقُلْ لَهُ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ .
كَانَ إقْرَارًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تَشْهَدْ لَيْسَ بِنَهْيٍ عَنْ إقَامَةِ الشَّهَادَةِ ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لَا يَصِحُّ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَيَأْثَمُ بِهِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ كَلَامُهُ ، فَلَا يُجْعَلُ نَهْيًا فَصَارَ نَفْيًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا شَهَادَةَ عِنْدَك لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ ، كَذِبًا عَلَيَّ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا .
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : لَا تُخْبِرْ ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْإِخْبَارِ يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنْ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ } فَذَمَّهُمْ عَلَى الْإِخْبَارِ مَعَ وُجُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْبَارِ بِشَيْءٍ صَحَّ وَلَا يَأْثَمُ ، فَحُمِلَ لَفْظُهُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِخْبَارِ ، وَفِي شَرْطِهِ صِحَّةُ الْإِخْبَارِ بِعَدَمِ الْمُخْبَرِ فِي الْإِثْبَاتِ ، كَذَلِكَ فِي النَّهْيِ ، فَكَأَنَّهُ أَثْبَتَ الْخَبَرَ عَنْهُ فَقَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَلَا يُخْبِرُهُ بِأَنَّ لَهُ عَلَيَّ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ إقْرَارًا ، كَذَلِكَ النَّهْيُ .
625 - 625 - إذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَاتَ عَنْهَا ، أَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ وَالَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ عَنْهُ وَهُوَ وَارِثُهُ جَازَ إقْرَارُهُ .
وَلَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ وَمَاتَ الْمَرِيضُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَخُ وَارِثُهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ فِي الْأَخِ بِالْقَرَابَةِ ، وَالْقَرَابَةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ فَقَدْ سَبَقَ سَبَبُ الْحَجْرِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَمَنَعَ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، كَمَا لَوْ مَرِضَ وَأَقَرَّ لِوَارِثِهِ .
وَأَمَّا فِي الْوَلَاءِ وَالزَّوْجِيَّةِ فَاسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِالْعَقْدِ ، وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالنِّكَاحُ ، وَالْعَقْدُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِقْرَارِ ، فَقَدْ تَأَخَّرَ سَبَبُ الْحَجْرِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
626 - 626 - إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَابْنًا فَقَالَ الِابْنُ فِي كَلَامِ مُتَّصِلٍ : لِهَذَا عَلَى أَبِي دَيْنٌ أَلْف دِرْهَمٍ ، وَلِهَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ .
فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَوْ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ وَسَكَتَ ، ثُمَّ أَقَرَّ لِلثَّانِي فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالْأَلْفِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِالْأَوَّلِ وَلَا يَقَعُ الثَّانِي ، سَوَاءٌ قَالَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : لِهَذَا عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ إخْبَارٌ ، فَلَوْ قُلْنَا يَقِفُ عَلَى آخِرِ الْكَلَامِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ كَوْنِهِ إخْبَارًا ، وَالْكَلَامُ مِمَّا يَقِفُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ، فَقُلْنَا إنَّهُ يَقِفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى الْأَخِيرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِمَا مَعًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ - إيقَاعٌ ، فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَقَعُ وَيَقِفُ الطَّلَاقُ عَلَى الثَّانِي لَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا ، وَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا ، وَهُوَ قَدْ قَصَدَ الْإِيقَاعَ لَا التَّعْلِيقَ ، فَقُلْنَا : لَا يَقِفُ فَأَوْقَعْنَاهُ ، وَإِذَا وَقَعَ الْأَوَّلُ بَانَتْ فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ قَوْلَهُ : لِفُلَانٍ عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ، إيجَابُ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ بِإِضَافَةٍ إلَى عَيْنٍ ، وَتَعَلُّقُ الْأَلْفِ الثَّانِي أَيْضًا بِذِمَّتِهِ ، وَتَعَلُّقُ الشَّيْءِ بِذِمَّتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْآخَرِ فَثَبَتَا جَمِيعًا ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى التَّرِكَةِ ، كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَيْنِ بِدُخُولِ وَادٍ ثُمَّ دَخَلَ وَقَعَ الطَّلَاقَانِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مُخْتَلِفًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْ بِالشَّرْطِ فِيهِمَا فَقَدْ أَوْقَعَ الْأَوَّلَ لِإِضَافَتِهِ إلَى عَيْنٍ وَنَفَذَ فَصَارَ يُوقِعُ الثَّانِيَ بَعْدَ نُفُوذِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَعْمَلْ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَقَرَّ تِلْكَ الْعَيْنَ لِآخَرَ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
627 - 627 - لَوْ قَالَ : لِهَذَا عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ، لَا بَلْ لِهَذَا ، قُضِيَ بِالْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الْأَلْفُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ ، لَا بَلْ لِفُلَانٍ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلثَّانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ غَرِمَ لِلثَّانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّرِكَةَ مُبَقَّاةٌ عَلَى حُكْمِ مَالِ الْمَيِّتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ .
فَقَدْ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ بِالْأَلْفِ ، وَتَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ وَتَرْكِ التَّضْيِيعِ ، فَإِذَا أَقَرَّ لِلثَّانِي فَقَدْ ضَيَّعَ الْوَدِيعَةَ فَغَرِمَهَا ، كَمَا لَوْ دَلَّ السَّارِقُ عَلَى الْوَدِيعَةِ ، وَكَذَلِكَ الْغَصْبُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِوُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ ، فَإِذَا أَقَرَّ أَوَّلًا فَقَدْ أَوْجَبَ رَدَّ الْقِيمَةِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يُوجِبْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا ، وَلَا الْتَزَمَ ضَمَانًا ، فَلَا يَغْرَمُ .
إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْهَا لِرَجُلٍ ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَقْسِمُ لَهُ نِصْفَ الدَّارِ ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ سَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَوْ كَانَ عِدْلُ زُطِّيٍّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَوْبٍ بِعَيْنِهِ مِنْهُ لِرَجُلٍ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الثَّوْبِ لِلْمُقَرِّ لَهُ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يُقَاسِمَ شَرِيكَهُ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ سَلَّمَ الْجَمِيعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي الدَّارِ وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا إقْرَارَهُ بِنِصْفِ الْبَيْتِ لَأَدَّى إلَى إضْرَارِ شَرِيكِهِ ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَقْسِمَ الدَّارَ قِسْمَتَيْنِ قِسْمَةً مَعَ الْمُقِرِّ وَقِسْمَةً مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَرُبَّمَا يَتَعَيَّنُ نَصِيبُهُ فِي الدَّارِ فِي مَوْضِعَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ الضَّرَرِ عَلَى شَرِيكِهِ بِإِقْرَارِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ فِي نِصْفِ الْبَيْتِ ، وَلَكِنَّ الشَّرِكَةَ اتَّصَلَتْ بِحَقِّ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الثَّلَاثِ الْقِسْمَةَ قَسَمَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِدْلُ لِأَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَإِذَا أَقَرَّ بِثَوْبٍ فَقَدْ أَقَرَّ بِنِصْفِ ثَوْبٍ لَهُ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا إقْرَارَهُ فِيمَا يُصَادِفُ مِلْكَهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِشَرِيكِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَةِ الثِّيَابِ مَرَّتَيْنِ ، وَيَبْقَى ذَلِكَ الثَّوْبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقِرِّ ، وَلَا يُؤَدِّي تَنْفِيذُ إقْرَارِهِ إلَى الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ .
إذَا قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاهَا فَإِنَّهُ لِي .
لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْبِنَاءِ وَسَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا - مَعْلُومًا - فَإِنَّهُ لِي صُدِّقَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ إلَّا بِنَاهَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْبِنَاءِ أَنَّ الْبِنَاءَ تَبَعٌ لِلدَّارِ وَصِفَةٌ لَهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْبِنَاءِ بِالْعَقْدِ ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ ، فَإِذَا اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ فَقَدْ اسْتَثْنَى التَّبَعَ ، وَبَقِيَ الْمَتْبُوعُ ، فَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْإِقْرَارِ مَا يُوجِبُ دُخُولَ الْبِنَاءِ فِيهِ ، فَدَخَلَ كَمَا لَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ إلَّا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْتُ ، لِأَنَّ الْبَيْتَ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلدَّارِ وَلَا صِفَةٍ لَهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ بَعْضٌ مِنْهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ، فَصَارَ كَدِرْهَمٍ مِنْ الْعَشَرَةِ ، وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا ، كَانَ إقْرَارًا بِالتِّسْعَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْبِنَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فِي الدَّارِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْبِنَاءَ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى تَسْلِيمِ الْأَرْضِ إلَّا بِنَقْضِ الْبِنَاءِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ وَإِذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ .
وَأَمَّا الْبَيْتُ لَيْسَ بِمُسْتَهْلَكٍ فِي الدَّارِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ فَجَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ الْبِنَاءِ ، فَقَدْ بَقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَا يُوجِبُ دُخُولَ الْبِنَاءِ فِيهِ وَهُوَ اسْمُ الدَّارِ ، وَقَوْلُهُ إلَّا الْبِنَاءَ رُجُوعٌ وَرُجُوعُهُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لَا يَجُوزُ فَبَقِيَ الْإِقْرَارُ مُطْلَقًا بِالدَّارِ فَدَخَلَ
الْبِنَاءُ فِيهِ .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ صَارَ رُجُوعًا عَمَّا أَوْجَبَ ، وَرُجُوعُهُ عَمَّا أَوْجَبَ لِلْمُشْتَرِي جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبُولِ فَلَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ عُشْرَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ اللَّفْظِ مَا يُوجِبُ دُخُولَ الْجَمِيعِ فِيهِ وَهُوَ الدَّارُ ، لِأَنَّ ثُلُثَيْ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
630 - 630 - رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَأَقَرَّ بِالْجَارِيَةِ لِإِنْسَانٍ لَا يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْإِقْرَارِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ لَهُ قُضِيَ لَهُ بِهَا وَبِوَلَدِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُبْهَمِ يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الْأَصْلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبِيَاعَاتِ تَنْفَسِخُ إذَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدَيْ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأَصْلِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمْ تَزَلْ كَانَتْ لَهُ فَيَكُونُ وَلَدُهَا لَهُ .
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ الْأَصْلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبِيَاعَاتِ لَا تَصِحُّ إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرُ لِإِنْسَانٍ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ اسْتِحْقَاقًا مِنْ الْأَصْلِ صَارَ اسْتِحْقَاقًا فِي الْحَالِ فَصَارَ اسْتِحْقَاقًا بِالْإِقْرَارِ فِي الْحَالِ كَاسْتِحْقَاقِهَا فِي الْحَالِ بِالشِّرَاءِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُجْعَلَ يَدُهُ يَدَ غَصْبٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ يَدُ غَصْبٍ لَمَا جَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الشَّيْءَ مِنْ فُلَانٍ وَأَنْكَرَهُ فُلَانٌ ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ يَدَهُ لَمْ تَكُنْ يَدَ غَصْبٍ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ جِهَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ غَصْبٍ فَهَذِهِ جَارِيَتُهُ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِقْرَارِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ يَدَ غَصْبٍ ، إذْ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ يَدَهُ يَدَ غَصْبٍ لَجَازَ أَنْ يُقِرَّ لِغَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ يَدَهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ فِي
الْأَصْلِ ، فَيَكُونَ الْوَلَدُ حَادِثًا لَهُ ، ثُمَّ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ فَلَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ .
631 - 631 - وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَانَ جَائِزًا ، إذَا كَانَ الدَّيْنُ وَجَبَ فِي الصِّحَّةِ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ فِي مَرَضِهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ وَاجِبًا فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَحَقُّ الْعَقْدِ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ لَهُ بِقَوْلِهِ لَهُ اسْتَوْفَيْت ، وَالْعَقْدُ وُجِدَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، فَقَدْ سَبَقَ وُجُوبُ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ لَهُ اسْتَوْفَيْت - تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ، فَصَارَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ مُتَأَخِّرًا عَنْ حَقِّهِ ، وَالْحَقُّ السَّابِقُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ .
وَأَمَّا إذَا أَوْجَبَ الدَّيْنَ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَحَقُّ الْعَقْدِ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْت فِي أَثْنَاءِ الْمَرَضِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، فَقَدْ سَبَقَ تَعَلُّقَ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ فِي وُجُوبِ حَقِّ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْت ، وَالْحَقُّ السَّابِقُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ فَكَانَ أَوْلَى .
أَوْ نَقُولُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إنَّ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْت وَالْعَقْدُ بَاقٍ فَبَقِيَ حُكْمُهُ فَيَبْرَأُ بِقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْتُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْعَقْدِ لَمْ يُوجِبْ لَهُ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْت فَصَارَ بِالْإِقْرَارِ يُسْقِطُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ بِبَدَلٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي تَجْوِيزِ إقْرَارِهِ بِقَبْضِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِبَدَلٍ ، فَكَذَلِكَ جَازَ إقْرَارُهُ ، وَأَمَّا إذَا وَجَبَ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَلِأَنَّ وُجُوبَهُ بِتَرْكِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ، فَكَانَ فِي تَجْوِيزِ إقْرَارِهِ
بِقَبْضِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
632 - 632 - وَإِذَا وَكَّلَ الْمَرِيضُ رَجُلًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ ، فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ الْوَكِيلُ : قَبَضْتُ وَدَفَعْتُ إلَيْهِ .
لَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، فَبَاعَهُ بِالْقِيمَةِ بِشُهُودٍ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ : قَبَضْت الثَّمَنَ وَدَفَعْته إلَيْهِ .
فَهُوَ مُصَدَّقٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارًا بِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْقَبْضُ ، فَلَمْ يَبْرَأْ الْمَطْلُوبُ .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ وَاجِبٌ لَهُ بِالْعَقْدِ لَا التَّوْكِيلِ ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ فَبَقِيَ حُقُوقُهُ ، فَكَانَ لَهُ الْقَبْضُ فَصُدِّقَ فِي إقْرَارِهِ ، فَقَدْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى مَنْ جُعِلَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ : رَدَدْت الْوَدِيعَةَ .
633 - 633 - وَإِذَا وَكَّلَ الْمَرِيضُ وَكِيلًا بِبَيْعِ مَتَاعٍ لَهُ ، فَمَاتَ الْمَرِيضُ وَالْمَتَاعُ مُسْتَهْلَكٌ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : بِعْت الْمَتَاعَ وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَضَاعَ .
وَلَمْ يُعْرَفْ مَنْ اشْتَرَاهُ ، فَالْوَكِيلُ مُصَدَّقٌ .
وَلَوْ كَانَ الْمَتَاعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ، وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ مَعْرُوفٌ ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ ، وَيَكُونُ الْمَتَاعُ لِلْوَرَثَةِ ، إذْ التَّرِكَةُ أَعْيَانٌ فَتُوَرَّثُ .
وَالْفَرْقُ لَيْسَ هَا هُنَا عَيْنٌ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُمْ بِإِقْرَارِهِ ، فَصَارَ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ، وَحَقُّ الْقَبْضِ وَجَبَ لَهُ بِالْعَقْدِ وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَقَبَضَهُ فَصُدِّقَ فِي إقْرَارِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَيْنَ مُوَرَّثٌ لِلْوَارِثِ وَأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ ، وَحَقُّ التَّصَرُّفِ وَجَبَ بِالتَّوْكِيلِ وَالتَّوْكِيلُ بَطَلَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ ، فَصَارَ يُقِرُّ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا يُصَدَّقُ .
634 - 634 - إذَا أَقَرَّ الْوَصِيُّ بِقَبْضِ جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ عَلَى فُلَانٍ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ فُلَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَدْ قَبَضَهَا الْوَصِيُّ ، فَقَالَ الْوَصِيُّ : أَنَا مَا قَبَضْتُ مِنْك إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ لَهُ فِي الْأَصْلِ كَانَ هُوَ الْعَاقِدُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْغَرِيمُ : لَا بَلْ كَانَتْ أَلْفًا وَقَدْ قَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْفِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَفَسَّرَ الْجَمِيعَ بِالْمِائَةِ ، وَهُوَ فِي الْكَلَامِ لَمْ يُفَصِّلْ ، وَلَمْ يَقْطَعْ ، حَتَّى انْعَقَدَ بِتَفْسِيرِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِائَةٌ ، وَلَمْ يُصَدَّقْ هَذَا عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ بِتَسْمِيَةِ الْمِائَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ صَارَ مُبَرَّئًا عَمَّا زَادَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَكَأَنَّهُ قَبَضَ مِائَةً ، وَالْبَرَاءَةُ عَنْ الْبَاقِي لَا تَصِحُّ ، لِأَنَّ إبْرَاءَ الْوَصِيِّ عَنْ مَالِ الصَّبِيِّ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْعَاقِدُ ، فَبَقِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا كَانَ هُوَ الْعَاقِدُ أَوْ كَانَ الْمَالُ لَهُ جَازَ إبْرَاؤُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا فَافْتَرَقَا .
635 - 635 - وَلَوْ أَنَّ وَصِيًّا بَاعَ خَادِمًا لِلْوَرَثَةِ فَأَشْهَدَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ ثَمَنِهَا وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ كَانَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ ، وَلَا يَكُونُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتْبَعَهُ بِالْخَمْسِينَ الْفَاضِلَةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَهُوَ جَمِيعُ الثَّمَنِ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ مِائَةً وَخَمْسِينَ .
كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالْخَمْسِينَ الْفَاضِلَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : قَبَضْت جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ .
فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِ جَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَقَوْلُهُ : وَهُوَ كَذَا تَفْسِيرٌ لَهُ ، فَقَدْ فَسَّرَ الْمَقْبُوضَ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ كَفَى ، فَلَغَا التَّفْسِيرُ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَلَا يُتْبِعُهُ بِشَيْءٍ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : قَبَضْت مِائَةً .
فَقَدْ سَمَّى الثَّمَنَ فِي حَالٍ : يُرْجَعُ فِي بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِالِاسْتِيفَاءِ ، فَصُدِّقَ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ مِائَةٌ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالزِّيَادَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُتْبِعَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ قَوْلَهُ : اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مُبْهَمٌ ، وَهُوَ هَكَذَا مُفَسَّرٌ مَعْلُومٌ ، وَالْمُبْهَمُ يُفَسَّرُ بِالْمَعْلُومِ فَانْعَقَدَ بِتَفْسِيرِهِ ، وَصَارَ بِتَسْمِيَتِهِ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِ مِيرَاثًا عَنْ الْبَاقِي فَصَحَّ إبْرَاؤُهُ ، لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ ، وَحَقُّ الْقَبْضِ وَجَبَ لَهُ وَإِذَا قَالَ : اسْتَوْفَيْت مِائَةَ دِرْهَمٍ وَهُوَ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِ ، فَقَدْ فَسَّرَ الْمَعْلُومَ بِالْمُبْهَمِ ، وَالْمَعْلُومُ لَا يُفَسَّرُ بِالْمُبْهَمِ فَلَغَا التَّفْسِيرُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَبَقِيَ مُقِرًّا بِقَبْضِ الْمِائَةِ فَلَهُ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالزِّيَادَةِ .
636 - 636 - وَلَوْ أَنَّ وَصِيًّا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ مَا فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ مِنْ مَتَاعِهِ وَمِيرَاثِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ أَثْوَابٍ ، فَأَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ مَاتَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ ثَوْبٍ لَمْ يَلْزَمْ الْوَصِيَّ أَكْثَرُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ مَا لِلْمَيِّتِ عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ ، ثُمَّ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَهُ فِي مِيرَاثِهِ يَوْمَ مَاتَ لَا يُنْبِئُ عَنْ كَوْنِهِ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ قَبَضَ الْوَصِيُّ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ قَبَضَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْوَصِيَّ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ شَيْءٌ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ جَمِيعِ الدَّيْنِ ، لِأَنَّ كَوْنَهُ عَلَيْهِ يَوْمَ مَاتَ يُنْبِئُ عَنْ كَوْنِهِ يَوْمَ قَبَضَ ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِغَيْرِ الْوَصِيِّ أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ ، فَوَجَبَ اسْتِبْقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ ، فَلَزِمَهُ مِقْدَارُ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ .
637 - 637 - وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : تَزَوَّجْتُك أَمْسِ فَقَالَتْ : لَا ، ثُمَّ قَالَتْ : بَلَى ، فَقَالَ : لَا .
لَزِمَهُ النِّكَاحُ .
وَلَوْ قَالَ : لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : لَا ، ثُمَّ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : نَعَمْ ، فَقَالَ الْمُقِرُّ : لَا .
لَا يَلْزَمُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنِّكَاحِ إقْرَارٌ تَحْتَهُ دَعْوَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ ، وَالتَّكْذِيبُ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ ، وَلَا يُبْطِلُ الدَّعْوَى فَبَقِيَ دَعْوَاهُ فَإِذَا صَدَّقَهُ نَفَذَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَا يَسْتَوِي بِهِ دَعْوَةُ الْإِبْرَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ ، وَتَكْذِيبُهُ يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فَلَمْ يَبْقَ إقْرَارٌ ، فَلَا يُصَدَّقُ بِهِ .
638 - 638 - إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : أَنَا عَبْدُك ، ثُمَّ قَالَ : لَا ، ثُمَّ قَالَ : بَلْ أَنْتَ عَبْدِي ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَبْدَهُ ، وَلَا يَكُونُ نَفْيُهُ هَذَا شَيْئًا .
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَقَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لَكَ ، فَقَالَ : لَا ، ثُمَّ قَالَ : نَعَمْ .
فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ ، وَيَكُونُ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جُحُودَهُ لَا يُبْطِلُ الرِّقَّ ، فَإِذَا ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالرِّقُّ بَاقٍ صَحَّ دَعْوَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِمَا .
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَمَّا رَدَّ إقْرَارَهُ ارْتَدَّ وَحُكِمَ بِالْمِلْكِ لَهُ ، فَلَوْ قَبِلْنَا دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِ الْيَدِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَحِقًّا لِلْحَقِّ بِدَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ .
639 - 639 - وَإِذَا قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ ، فَوَصَلَهُ بِإِقْرَارِهِ ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ ، فَقُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ اسْتِحْسَانًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْحَالِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَاضِي ، يُقَالُ : هَذِهِ دَارُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ، وَدَارُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ .
يَعْنِي كَانَتْ دَارِهِ ، { وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبِلَالٍ : أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ } فَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ ، فَلَمَّا قَرَنَ بِهِ دَعْوَى الشِّرَاءِ فَقَدْ اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إخْبَارًا عَنْ الْمِلْكِ الْمَاضِي ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : " كَانَ لِفُلَانٍ وَاشْتَرَيْته فَصُدِّقَ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ مَوْصُولًا فَلَمْ يَقْرِنْ بِاللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمِلْكِ فِي الْمَاضِي ، فَصَارَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ ، فَإِذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ كَانَ مُدَّعِيًا الشِّرَاءَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَيُكَذِّبُهُ إقْرَارُهُ الْأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ الثَّانِي ، فَلَمْ يُصَدَّقْ .
640 - 640 - إذَا كَاتَبَ الْمَرِيضُ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ ، جَازَ ، وَعَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَلَوْ كَانَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ فِي الصِّحَّةِ ، فَأَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ فِي حَالَ الْمَرَضِ ، جَازَ ، وَعَتَقَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، وَحَقُّ الْعَقْدِ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْت ، فِي أَثْنَاءِ مَرَضِهِ ، فَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ ، فَكَانَ الْحَقُّ السَّابِقُ أَوْلَى ، كَدَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، وَثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ حَقُّ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْت فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، وَالْحُقُوقُ الْمُتَأَخِّرَةُ لَا تَمْنَعُ الْحُقُوقَ السَّابِقَةَ ، فَكَانَتْ السَّابِقَةُ أَوْلَى .
وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ، فَمَالُ الْكِتَابَةِ وَجَبَ بَدَلًا عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَوَجَبَ مَالُ الْكِتَابَةِ بِبَدَلٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا لَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، فَإِقْرَارُهُ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَجَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ .
641 - 641 - إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ عَبْدًا مِنْ آخَرَ وَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ جَازَ ، وَكَانَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ .
وَلَوْ كَاتَبَ فِي الْمَرَضِ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ بِالْبَيْعِ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ ، وَانْقَطَعَ حَقُّ الْوَرَثَةِ عَنْهُ ، فَصَارَ الثَّمَنُ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ لِلْأَجْنَبِيِّ ، فَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَائِهِ ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ .
صُدِّقَ .
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَمْ يَزَلْ مِلْكَ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، فَصَارَ هُوَ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْتُ مَالَ الْكِتَابَةِ يَقْطَعُ حَقَّ الْوَرَثَةِ عَنْ رَقَبَتِهِ ، فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ .
642 - 642 - إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، فَصَالَحَهُ مِنْ الْعَمْدِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، صُدِّقَ .
وَلَوْ غُصِبَ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ فَأَقَرَّ بِاسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ ، لَمْ يُصَدَّقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ الْيَدِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ ، وَحَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَطْرَافِهِ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْحُرِّ لَا تُسْتَحَقُّ فِي الدُّيُونِ ، فَلَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارِهِ قَاطِعًا بِهِ حَقَّ الْغُرَمَاءِ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَغْصُوبُ ، لِأَنَّهُ مَالٌ : فَوُجُوبُهُ بِبَدَلٍ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ، فَصَارَ بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ يُسْقِطُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ ، وَيَقْطَعُ حَقَّهُمْ عَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ مَالَهُ فِي مَرَضِهِ ابْتِدَاءً .
فَإِنْ قِيلَ رَقَبَةُ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، وَهُوَ مَالٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَقَطَعَ يَدَهُ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ نِصْفِ الْقِيمَةِ صُدِّقَ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ مَالًا فَوُجُوبُهُ بِالْجِنَايَةِ ، وَهِيَ إتْلَافٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ .
643 - 643 - إذَا بَاعَ الصَّحِيحُ عَبْدًا ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ مَرِضَ الْبَائِعُ ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ ، وَمَاتَ الْمَرِيضُ ، فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا ، فَرَدَّهُ بِقَضَاءٍ ، وَلَمْ يَحْبِسْ الْعَبْدَ لِيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ ، وَلَكِنَّهُ سَلَّمَهُ إلَى الْوَرَثَةِ ، فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ أَحَقُّ بِمَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ ، فَإِذَا بَقِيَ لَهُمْ شَيْءٌ بِيعَ هَذَا الْعَبْدُ فَضَرَبُوا مَعَ الْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِهِ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَبَاعَ الْمَوْلَى مِنْهُ عَبْدًا ، وَلَمْ يُمْسِكْهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ ، وَسَلَّمَهُ إلَى الْعَبْدِ ، لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وَجَبَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَوْلَى بِإِمْسَاكِهِ ، وَلَهُ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ، فَإِذَا رَدَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ ، فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ أَيْضًا وَجَبَ فِي الْعَيْنِ ، فَاسْتَوَيَا كَدَيْنِ الصِّحَّةِ .
وَأَمَّا الْمَوْلَى فَقَدْ وَجَبَ لَهُ حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُجُوبُ ضَمَانِ الدَّيْنِ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَإِذَا سَلَّمَهُ لِلْعَبْدِ فَقَدْ أَبْطَلَ اخْتِصَاصَهُ بِالْعَيْنِ فَبَطَلَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي الْعَيْنِ حَقٌّ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهَنُ لَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الرَّهْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْمُرْتَهَنِ ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ فَإِذَا رَدَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي الِاخْتِصَاصِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي الْعَيْنِ حَقٌّ ، فَسَاوَى سَائِرَ الْغُرَمَاءِ .
644 - 644 - وَإِذَا بَاعَ الصَّحِيحُ عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ مَرِضَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ فِي صِحَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ صُدِّقَ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ، فَصَارَ مُتَبَرِّعًا بِالْبَرَاءَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ فِي حَالِ مَرَضِهِ أَنَّهُ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى التَّقْدِيمِ ، وَجُعِلَ كَالْوَاهِبِ فِي الْحَالِ ، كَذَلِكَ هَذَا وَتَبَرُّعُهُ فِي الْحَالِ لَا يَصِحُّ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ ، لِأَنَّهُ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ الْإِقْرَارُ حَقُّ الْمُشْتَرِي ، لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْمُشْتَرِي بِحَقِّ الْعَقْدِ لِلْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْتُ فِي الصِّحَّةِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، فَكَانَ السَّابِقُ أَوْلَى ، كَدَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ابْتِدَائِهِ فَيُوجِبُهُ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَبْرَأهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَصِحَّ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْتَدِئَ فَيَسْتَوْفِيَ ، فَيَقْدِرَ عَلَى الْإِقْرَارِ ، فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَالَةِ التَّقْدِيمِ جُعِلَ كَالْفَاعِلِ فِي الْحَالِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى فِي حَالِ الْمَرَضِ فَصَحَّ .
645 - 645 - إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يُعْرَفُ لَهَا نَسَبٌ ، فَأَقَرَّتْ أَنَّهَا ابْنَةُ هَذَا الرَّجُلِ ، وَالرَّجُلُ أَبُو الزَّوْجِ ، فَصَدَّقَهَا الْأَبُ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، صُدِّقَتْ ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِأَجْنَبِيٍّ ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، وَلَمْ يُقِرَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ ، لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَهَا مَمْلُوكَةً لِأَجْنَبِيٍّ لَا يُنَافِي عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ النِّكَاحَ جَازَ ، وَالْعَقْدُ قَدْ صَحَّ فِي الظَّاهِرِ وَهِيَ بِإِقْرَارِهَا لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ إثْبَاتَ مَعْنًى يُفْسَخُ بِهِ عَقْدٌ قَدْ صَحَّ فِي الظَّاهِرِ فَلَمْ تُصَدَّقْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّسَبُ ، لِأَنَّ كَوْنَهَا أُخْتًا لَهُ يَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ، فَهِيَ تُبَيِّنُ بِقَوْلِهَا أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ، فَجَازَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَالِ لَوْ أَرَادَتْ إبْطَالَ عَقْدٍ قَدْ صَحَّ فِي الظَّاهِرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا ، كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ ، قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ، وَسُمِعَتْ دَعْوَاهُ ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِي ، وَإِنَّمَا غَصَبْتُهُ مِنْ فُلَانٍ ، لَمْ يُصَدَّقْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ فِي الظَّاهِرِ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ ، وَالرِّقُّ طَارِئٌ بِإِقْرَارِهَا ، فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ، كَالزَّوْجَيْنِ إذَا نُسِبَا .
وَفِي النَّسَبِ الْعَقْدُ قَدْ صَحَّ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْأُخُوَّةُ طَارِئَةٌ ، وَالنَّسَبُ الطَّارِئُ يُبْطِلُ النِّكَاحَ ، كَالْأُخُوَّةِ الطَّارِئَةِ بِالرَّضَاعِ .
646 - 646 - إذَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ فَاشْتَرَى ، فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُكَهَا بِأَلْفٍ ، وَقَالَ الْآمِرُ : اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ ، فَقَالَ الْمَأْمُورُ : إنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةٍ فَهِيَ لِي ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَلْفٍ فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي يَمِينَ الْآمِرِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةٍ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ ، أَخَذَ الْمَأْمُورُ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا قَالَ الْآمِرُ ، وَأَخَذَ الْآمِرُ الْجَارِيَةَ مِنْ الْبَائِعِ ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْعِلْمِ ، أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ مِنْ الْآمِرِ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي زَعْمِ الْآمِرِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لِلْبَائِعِ فِي حَقِّ الْإِمْسَاكِ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْإِمْسَاكِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَالْآمِرُ لَوْ أَمْسَكَ بَعْدَ مَا نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ لَأَمْسَكَ دَيْنَ الْمَأْمُورِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَفِيدَ بِهِ حَقَّ الْإِمْسَاكِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ ، وَالْبَائِعُ قَدْ أَخَذَ الثَّمَنَ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنَانِ دَرَاهِمَ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْآمِرِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِلْبَائِعِ فِي حَقِّ الْإِمْسَاكِ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْإِمْسَاكِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَالْآمِرُ لَوْ أَمْسَكَ لَأَمْسَكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةٍ ، فَقَدْ ادَّعَى ذَلِكَ الْحَقَّ وَزِيَادَةً وَادَّعَى حَقَّ الْحَبْسِ بِهِ ، فَكَانَ لَهُ حَبْسُهُ .
647 - 647 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَعَ كُلِّ دِرْهَمٍ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَرْفَ " كُلَّ " إذَا دَخَلَ عَلَى نَكِرَةٍ اقْتَضَى اسْتِيعَابِ الْجَمِيعِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } وَالطَّلَاقُ ذُو عَدَدٍ مَحْصُورٍ ، فَإِذَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ حَرْفُ " كُلٍّ " اقْتَضَى اسْتِيعَابَ الْجَمِيعِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَقَعَ الثَّلَاثُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَ لَهَا حَاصِرٌ يَحْصُرُهَا فَصَارَ إدْخَالُ حَرْفِ الْكُلِّ لَهُ لِلْإِحَاطَةِ بِأَجْزَائِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ أَجْزَاءِ جُمْلَةِ دَرَاهِمَ أُخَرَ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ ، كَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الْوَكَالَةِ 648 - إذَا قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَأَنْتَ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِهَا .
أُجْبِرَ عَلَى تَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ .
فَإِنَّهُ وَأَنْتَ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يُصَادِفُ مِلْكَ نَفْسِهِ ، لِأَنَّ الدَّيْنَ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ ، وَمَا فِي ذِمَّتِهِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ ، فَصَادَفَ إقْرَارُهُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ ، لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُقَرِّ لَهُ ، فَصَادَفَ إقْرَارُهُ مِلْكَ غَيْرِهِ ، فَلَا يَعْمَلُ إقْرَارُهُ .
وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَإِقْرَارُهُ بِالْعَيْنِ يُصَادِفُ مِلْكَ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِ ، وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ يُوجِبُ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ مِنْ الْقَبْضِ ، لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَقْبِضُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ الْقَبْضِ بِنَفْسِهِ ، وَإِقْرَارُهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يُقْبَلُ ، فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ فِي بَابِ الدَّيْنِ لَوْ صَدَّقْنَاهُ فِي إقْرَارِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ( لَمْ يُؤَدِّ إلَى ) إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ ، لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ فَجَحَدَ الْوَكَالَةَ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ الْغَرِيمِ ، وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ قَبْلَ إقْرَارِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ ، لِأَنَّا لَوْ صَدَّقْنَاهُ وَأَلْزَمْنَاهُ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ إلَيْهِ لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعُودُ فَيَجْحَدُ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ عَيْنَ مِلْكِهِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَابِضُ قَدْ أَتْلَفَ ذَلِكَ ، أَوْ غَابَ أَوْ تَلِفَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ ، ( فَإِنْ أَدَّى ) تَصْحِيحُ إقْرَارِهِ وَالْأَمْرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ لَمْ يُصَحِّحْهُ .
649 - 649 - إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضَهُ فَآجَرَهَا ، ثُمَّ فَسَخَ الْإِجَارَةَ أَوْ قَبِلَهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَقْبُوضَةً لَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ جَازَ .
وَلَوْ وَكَّلَ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضًا فَاسْتَأْجَرَهَا ، ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ ، جَازَ .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَفْسَخَ عَلَى مُوَكِّلِهِ ( قَبَضَ أَوْ لَمْ ) يَقْبِضْ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ مَقْبُوضَةً فَقَدْ تَعَيَّنَ مِلْكُ الْآجِرِ فِي الْأُجْرَةِ وَمَلَكهَا ، فَصَارَ هُوَ بِالْفَسْخِ يَبْطُلُ مِلْكُهُ ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبِضْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْأُجْرَةَ ، وَإِنَّمَا وُجِدَ سَبَبُ الْمِلْكِ ، فَصَارَ الْوَكِيلُ بِالْفَسْخِ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّمَلُّكِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُهُ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ التَّمَلُّكِ ؛ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ فَالْمَنَافِعُ بَاقِيَةٌ فِي ضَمَانِ الْمُؤَاجِرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ فَاتَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُكْرِي ، وَالْوَكِيلُ إذَا فَسَخَ فَهُوَ قَدْ امْتَنَعَ مِنْ التَّمَلُّكِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ ابْتِدَاءً وَلَمْ يَعْقِدْ .
وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَقَدْ تَعَيَّنَ مِلْكُ الْآمِرِ فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ ، فَصَارَ بِالْفَسْخِ يَبْطُلُ مِلْكُهُ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ .
650 - 650 - إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِدَرَاهِمَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ طَعَامًا فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا ، وَلَوْ اشْتَرَى لَحْمًا أَوْ فَاكِهَةً لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ حَلَفَ أَلَا يَأْكُلَ طَعَامًا فَأَكَلَ فَاكِهَةً أَوْ لَحْمًا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : اشْتَرِ لِي طَعَامًا .
لَفْظُ عُمُومٍ أُطْلِقَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ ، لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومِهِ لَأَبْطَلْنَا التَّوْكِيلَ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْعِمَةِ فِي الْعَالَمِ ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ ، فَصَارَ هَذَا لَفْظَ عُمُومٍ أُطْلِقَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ ، فَانْصَرَفَ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ ، وَأَخَصُّ الْخُصُوصِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا ، فَإِذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً فَالْعَادَةُ جَرَتْ بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُشْتَرَى بِهِ الْخُبْزُ ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَى بِهَا الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَالْعَادَةُ جَرَتْ بِأَنْ يُشْتَرَى بِهِ الْخُبْزُ ، فَالْعُرْفُ ( قَرِينَةٌ أُقْرِنَتْ ) بِهِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا فِي الْيَمِينِ فَقَدْ بَقِيَ أَكْلُ الْمُسَمَّى طَعَامًا وَتَرْكُ أَكْلِ الْجَمِيعِ مُمْكِنٌ ، فَأَمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعُمُومِهِ ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَكَلَهُ دَخَلَ فِي الِاسْمِ فَحَنِثَ .
651 - 651 - وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْآمِرُ : أَمَرْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، أَوْ بِدَنَانِيرَ ، أَوْ بِحِنْطَةٍ ، أَوْ بِشَعِيرٍ ، وَقَالَ : لَا ، بَلْ أَمَرْتَنِي بِخَمْسِينَ دِينَارًا .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ ( وَرَبُّ الْمَالِ ) فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَ فِي الْبَزِّ أَوْ الْحِنْطَةِ ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَمَرْتَنِي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ تَنْعَقِدُ عَلَى الْخُصُوصِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك بِكَذَا .
فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِي حِفْظِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَقَطْ ، وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي التَّصَرُّفِ فَإِذَا ادَّعَى زِيَادَةً ( فِي التَّصَرُّفِ ) فَهُوَ يَدَّعِي زِيَادَةً لَا يَقْتَضِيهَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي زِيَادَةً تَقْتَضِي خِلَافَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُوجَبِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْعُمُومِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : دَفَعْتُ إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ .
اقْتَضَى عُمُومَ التَّصَرُّفِ ، فَإِذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ نَوْعًا مِنْ الْمَالِ دُونَ نَوْعٍ فَقَدْ اقْتَضَى شَرْطًا زَائِدًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا يُصَدَّقُ .
652 - 652 - إذَا وَكَّلَ أَبُو الصَّبِيِّ وَكِيلًا يَبِيعُ مَالَ الصَّبِيِّ فَمَاتَ الْأَبُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ .
وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ نَصَّبَ قَاضِيًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَنْعَزِلْ الْقَاضِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْإِمَامِ وَقَعَ لِسَائِرِ النَّاسِ ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُمْ تَوَلَّوْا بِأَنْفُسِهِمْ ، فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْإِمَامِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَبُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ وَقَعَ لِلصَّبِيِّ ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ ، فَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّ الصَّبِيَّ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ فَبَقِيَ الْأَبُ هُوَ الْآمِرُ ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ أَمْرُهُ فَبَطَلَ أَمْرُ مَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ جِهَتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلَوْ مَاتَ الِابْنُ وَجَبَ أَلَّا يُبْطِلَ وَكَالَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ بَاقٍ .
قُلْنَا : وَإِنْ بَقِيَ الْآمِرُ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي انْعَقَدَ فِيهِ التَّوْكِيلُ قَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ ، فَصَارَ زَوَالُهُ بِمَوْتِهِ كَزَوَالِهِ بِبَيْعِهِ ، وَلَوْ بَاعَ الْمُوَكِّلُ مَا وَكَّلَ بِبَيْعِهِ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
653 - 653 - إذَا قَالَ : بِعْهُ وَاشْهَدْ عَلَيْهِ .
فَبَاعَهُ وَلَمْ يُشْهَدْ ، جَازَ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ وَارْتَهِنْ بِثَمَنِهِ ، فَبَاعَ وَلَمْ يَرْتَهِنْ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ ، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ ضَرَرٌ جَازَ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ بِعْ وَارْتَهِنْ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ ضَرَرًا ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ الْتِزَامِ حُكْمِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي عَبْدًا تَامًّا ، فَاشْتَرَى لَهُ نِصْفَ عَبْدٍ ، لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الرَّهْنَ صِفَةٌ لِلثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّهْنِ ، لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى وَدَفَعَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا رَغِبَ الْبَائِعُ فِي مُبَايَعَتِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ بِالثَّمَنِ رَهْنًا لَا يَرْغَبُ فِي مُبَايَعَتِهِ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ مَوْصُوفٍ ، فَإِذَا بَاعَ بِغَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَأَلْحَقَ بِهِ ضَرَرًا لَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ فَبَاعَهُ بِزُيُوفٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِشْهَادُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ لِلثَّمَنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّغَبَاتِ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْبَيْعِ بِالْإِشْهَادِ وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِثَمَنٍ مَوْصُوفٍ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ ، وَأَمَرَهُ بِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ ، فَإِذَا بَاعَ فَقَدْ فَعَلَ بَعْضَ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ فَجَازَ .
654 - 654 - إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ ، فَبَاعَهُ الْآمِرُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ الْآمِرُ ، ثُمَّ عَجَزَ ، فَرُدَّ فِي الرِّقِّ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُكَاتِبَهُ ثَانِيًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِشَيْئَيْنِ بِأَنْ يَعْقِدَ ، وَيَلْتَزِمَ حُقُوقَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّسْلِيمَ فَإِذَا بَاعَهُ الْآمِرُ فَقَدْ فَعَلَ بَعْضَ مَا أَمَرَ بِهِ وَبَقِيَ الْوَكِيلُ مَأْمُورًا بِالْتِزَامِ حُقُوقِ عَقْدٍ يَقَعُ لَهُ ، وَهُوَ لَا يَصِلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَعْقِدَ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ أَمْرٌ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ ( لَا تَتَعَلَّقُ ) بِالْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَإِذَا كَاتَبَهُ فَقَدْ فَعَلَ جَمِيعَ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَانْعَزَلَ الْوَكِيلُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : عَزَلْتُك .
655 - 655 - إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ عَبْدًا ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ الْعَبْدَ ، وَيَضْمَنَ الْوَكِيلُ نِصْفَ قِيمَتِهِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ سَقَطَ نِصْفُ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْوَكِيلِ أَوْجَبَتْ ضَمَانًا ؛ لِأَنَّا لَوْ فَسَخْنَا الْعَقْدَ لَعَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ ، فَيُصَادِفُ جِنَايَةُ الْوَكِيلِ مِلْكَ غَيْرِهِ ، فَيَجِبُ الضَّمَانُ ، فَهَذِهِ جِنَايَةٌ أَوْجَبَتْ الضَّمَانَ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَمْ نُوجِبْ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا نُوجِبُ بِجِنَايَتِهِ وَقَدْ فَاتَ الْمَبِيعُ إلَى خَلَفٍ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ بِبَقَاءِ خَلَفِهِ ، كَالْأَجْنَبِيِّ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ الْمُوَكِّلُ يَدَهُ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا تُوجِبُ ضَمَانًا ، لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْقِيمَةِ لِحَقِّ الْعَقْدِ لَأَعَدْنَاهُ إلَى مِلْكِهِ ، فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ لَا تُوجِبُ ضَمَانًا ، فَقَدْ فَاتَ الْمَبِيعُ لَا إلَى خَلَفٍ ، فَلَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ لِانْتِفَاءِ خَلَفِهِ فَبَطَلِ ، كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ .
أَوْ نَقُولُ : لَمْ يَسْتَفِدْ الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ ، فَصَارَ الْوَكِيلُ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ .
وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فَهُوَ قَدْ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ تُوجِبُ تَفْوِيتَ التَّسْلِيمِ ، وَتَفْوِيتُ التَّسْلِيمِ يُوجِبُ عَوْدَهُ إلَى مِلْكِهِ ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِهِ لَا تُوجِبُ ضَمَانًا ، فَمِنْ حَيْثُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا يُوجِبُهُ فَسَقَطَ أَصْلًا ، وَفَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ ، فَبَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ مَاتَ .
656 - 656 - الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ .
وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ زَالَتْ الْيَدُ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا التَّصَرُّفَ فَزَالَ ذَلِكَ التَّسْلِيطُ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ .
وَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ بَعْدُ فَقَدْ بَقِيَتْ الْيَدُ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا التَّصَرُّفَ ، فَبَقِيَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ وَإِنْ زَالَ التَّسْلِيطُ ، كَالْمَوْلَى إذَا حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ ، جَازَ إقْرَارُهُ ، وَلَوْ انْتَزَعَ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ يَدَ الْمُوَكِّلِ لَمْ تُعِدْهُ لِلْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَهُوَ بِالرَّدِّ يُزِيلُ يَدًا لَمْ تُعِدْهُ لِلْبَائِعِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ ، لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ يُزِيلُ يَدًا قَدْ أَفَادَهُ الْبَائِعُ فِي عَقْدِ تَعَلُّقِ حُقُوقِهِ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ .
657 - 657 - وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ حِنْطَةً مِنْ الْعَرَاءِ فَاشْتَرَاهَا وَاسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ اسْتَحَقَّ الْآجِرُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مِنْ قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْمِصْرِ وَاسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَنْقُلَهَا إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَجْرُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي الْحِنْطَةَ مِنْ الْمِصْرِ ، وَيَنْقُلُهُ إلَى بَيْتِهِ فَصَارَ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ وَتَعْيِينُهُ بِالْعُرْفِ كَتَعْيِينِهِ بِالنُّطْقِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ خَارِجَ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِأَنَّهُ يَشْتَرِي الْحِنْطَةَ مِنْ الْقُرَى ، وَيَنْقُلُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تُنْقَلُ وَرُبَّمَا يَتْرُكُ هُنَاكَ ، فَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِذْنَ فِي النَّقْلِ ، فَصَارَ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكَرِيِّ .
658 - 658 - إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ فَاشْتَرَاهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ ثَانِيًا ، فَإِنْ أَخَذَهُ فَتَلِفَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ ثَانِيًا .
وَلَوْ دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً إلَى إنْسَانٍ ، فَاشْتَرَى شَيْئًا ، فَتَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَى الْبَائِعِ ، فَلِلْمُضَارِبِ الرُّجُوعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، فَإِنْ رَجَعَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْقِدَهُ لِلْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَرَابِعًا وَخَامِسًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ كَانَ مَضْمُونًا لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِضَمَانٍ مُنْعَقِدٍ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَصْلُحُ التَّوْكِيلُ بِهِ ، كَمُسْلِمٍ وَكَّلَ مُسْلِمًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا لَا يَجُوزُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَأَمَرَهُ بِشِرَائِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، فَدَلَّ أَنَّ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِضَمَانٍ مُنْعَقِدٍ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ ، فَوَقَعَ الْعَقْدُ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ فَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا قَبَضَ فَقَدْ قَبَضَ مَضْمُونًا لَهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَرْجِعُ ثَانِيًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُضَارِبُ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالَ الْمُضَارِبِ ( لَمْ تَكُنْ ) مُضَارَبَةً ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ مَرَّةً فَتَلِفَ ثُمَّ قَبَضَ ثَانِيًا فَتَلِفَ كَانَ الْجَمِيعُ رَأْسَ الْمَالِ ، فَصَارَ الْمَقْبُوضُ أَمَانَةً ، فَإِذَا تَلِفَ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ ، ( وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ ) كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ثَانِيًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
659 - 659 - إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِكُلِّ قَلِيلٍ لَهُ وَكَثِيرٍ لَهُ فِي مَالِهِ كَانَ وَكِيلًا فِي حِفْظِهِ ، وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ لَهُ فِي التَّقَاضِي وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِدَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا بِقَبْضِ الدَّيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْحِفْظِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاَللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } يَعْنِي حَفِيظٌ ، يُوجِبُ { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } أَيْ بِحَفِيظٍ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك بِحِفْظِ كُلِّ مَالِي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : وَكَّلْتُك بِدَيْنِي ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّوْكِيلِ يَقْتَضِي الْحِفْظَ فَقَطْ إلَّا أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ حِفْظُهُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَصَارَ جَوَازُ الْقَبْضِ مُسْتَفَادًا بِالْأَمْرِ بِالْحِفْظِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : اقْبِضْ وَاحْفَظْ ، فَإِذَا قَبَضَهُ كَانَ بِإِذْنِهِ .
660 - 660 - وَإِذَا وَكَّلَ الْوَصِيُّ وَكِيلًا بِدَفْعِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ جَازَ .
وَالْوَكِيلُ بِالدَّفْعِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِالدَّفْعِ لَا يَجُوزُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالْوِلَايَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ سُقُوطِ أَمْرِ الْآمِرِ وَيَجُوزُ ، فَصَارَ كَالْأَبِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ بَعْدَ ( مَوْتِ الْآمِرِ ) وَقَدْ خَصَّهُ الْآمِرُ بِالْأَمْرِ ، فَاخْتَصَّ بِهِ ، وَلَمْ يَعْدُهُ ، كَمَا لَوْ خَصَّهُ بِالْحِفْظِ ، بِأَنْ أَوْدَعَهُ شَيْئًا اخْتَصَّ بِهِ وَلَمْ يَعْدُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
661 - 661 - إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ ، وَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي إنْ يُوَكِّلَ ثَالِثًا .
وَلَوْ دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً إلَى رَجُلٍ ، وَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ .
جَازَ لَهُ أَنْ يُضَارِبَ غَيْرَهُ ، وَلَوْ قَالَ الثَّانِي لِلثَّالِثِ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، فَلِلثَّانِي أَنْ يُضَارِبَ الثَّالِثَ وَكَذَلِكَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُكَ ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْحِفْظَ فَقَطْ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ أَيْضًا ، وَإِذَا كَانَ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ فِي قَوْلِهِ مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ زِيَادَةً مُلْحَقَةً بِالْعَقْدِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ وَهُوَ الْخُصُوصُ فَلَمْ ( يَتَعَدَّ إلَى ) غَيْرِهِ .
وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَمُطْلَقُهَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : دَفَعْتُ إلَيْك مُضَارَبَةً .
فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً وَأَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَتَصَرَّفَ ، وَقَوْلُهُ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، زِيَادَةٌ أُلْحِقَتْ بِالْعَقْدِ ، فَكَانَ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ حُكْمُ أَصْلِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْمَهْرِ وَغَيْرِهِ ، وَأَصْلُ الْمُضَارَبَةِ لَا يُحْفَظُ وَيَتَعَدَّاهُ ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُضَارِبَ فَكَذَلِكَ مَا أُلْحِقَ بِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ أَصْلِهِ ، فَلِلثَّانِي أَنْ يُضَارِبَ .
662 - 662 - وَإِذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَرْهَنَ لَهُ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فَرَهَنَهُ عِنْدَ ابْنِهِ الْكَبِيرِ ، أَوْ عِنْدَ تَاجِرٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ .
وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ ، أَوْ عَبْدِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْأَبِ فِي رَهْنٍ عِنْدَ ابْنِهِ وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَأْذُونِ فَهُوَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ رَهَنَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ .
وَأَمَّا فِي الْمَبِيعِ فَلَهُ حَقٌّ فِي مَالِ ابْنِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ إلَى مَالِهِ فِي النَّفَقَةِ أُوجِبَ لَهُ ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ صَحَّ ، فَإِذَا بَاعَ مِنْ ابْنِهِ فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَوْجَبَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا رَهَنَ عِنْدَ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يُعَاقِدُ نَفْسَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ .
663 - 663 - إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ ، فَقَالَ الْغَرِيمُ : قَدْ أَدَّيْت الدَّيْنَ إلَى الْوَكِيلِ ، وَقَالَ الْوَكِيلُ : قَدْ كُنْتُ قَبَضْتُ الْمَالَ وَدَفَعْتُ إلَى الْمُوَكِّلِ ، لَا يُصَدَّقُ الْغَرِيمُ وَلَا الْوَكِيلُ .
وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ وَدِيعَةً ، وَوَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهَا ، وَمَاتَ الْمُوَكِّلُ ، فَقَالَ الْمُودَعُ : قَدْ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَكِيلِ ، وَقَالَ الْوَكِيلُ : قَدْ كُنْتُ قَبَضْتُ وَرَدَدْتُهَا إلَى الْمُوَكِّلِ .
فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ فِي إقْرَارِهِ ، كَالْوَكِيلِ إذَا قَالَ بَعْدَ الْعَزْلِ : قَدْ كُنْتُ بِعْتُ لَمْ يُصَدَّقْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي بَابِ الْوَدِيعَةِ أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْقَبْضِ ، إلَّا أَنَّ الْمُودَعَ أَمِينٌ فِيهِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ جُعِلَ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ نُغَرِّمْهُ فَيُجْعَلُ الشَّيْءُ كَالتَّالِفِ فِي يَدِهِ ، وَلَوْ أُتْلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَذَلِكَ هَذَا .
664 - 664 - إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ عَبْدًا وَوَكَّلَ بِقَبْضِهِ ، فَقُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً ، كَانَ لِلْمُسْتَوْدِعِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ .
وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْمُودَعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْمُودَعِ فِي الْحِفْظِ ثَبَتَ فِي الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ إنْسَانًا لَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ كَانَ خَصْمًا فِي ارْتِجَاعِهِ ، وَلَوْ سَرَقَهُ سَارِقٌ كَانَ لِلْمُودَعِ حَقُّ الْقَطْعِ ، إذَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ سَرَى إلَى الْبَدَلِ ، كَالرَّهْنِ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحِفْظِ فِي الْعَيْنِ وَلَا يَصِلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِقَبْضِ الْقِيمَةِ ، فَكَانَ لَهُ قَبْضُهَا وَحِفْظُهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَلِأَنَّهُ بِالتَّوْكِيلِ لَمْ يَجِبْ لَهُ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبِضَ عَبْدًا مِنْ زَيْدٍ فَغُصِبَ مِنْ يَدِ زَيْدٍ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي قَبْضِهِ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْقَبْضِ جِنَايَةٌ فَلَمْ يَثْبُتْ وَحَقُّهُ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَسْرِي إلَى الْبَدَلِ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَقُتِلَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ قِيمَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
665 - 665 - إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ أَمَةٍ فَوَلَدَتْ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ .
وَلَوْ قُتِلَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْقَبْضِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحِفْظِ فِي الْعَيْنِ ، فَاسْتَنَدَ ثُبُوتُ هَذَا الْحَقِّ إلَى الْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَلَوْ قَبَضَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ فَسَرَى حَقُّ حِفْظِهِ إلَى النَّمَاءِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فِي الْعَيْنِ حَتَّى يَسْتَنِدَ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَجِبْ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ ، فَلَا يَسْرِي إلَى النَّمَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَأَخَذَ الْوَكِيلُ الْأُمَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْأَرْشِ سَبِيلٌ ، وَلَا يُقَالُ أَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِي الْعَيْنِ بِالْقَبْضِ فَاسْتَنَدَ كَمَا يُقَالُ فِي الْوَلَدِ .
قُلْنَا : الْأَرْشُ بَدَلُ الْيَدِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فِي الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا الْعَيْنَ بِكَمَالِهِ ، فَلَمْ يَسْرِ هَذَا الْقَبْضُ إلَى النَّمَاءِ الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ الْجُزْءِ الْمَقْطُوعِ ، وَصَارَ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْبُضِ الْعَيْنَ أَصْلًا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَبْضِ الْأَمَةِ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا مُتَّصِلٌ بِهَا فَصَارَ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّهُ يَقْبِضُ الْأُمَّ كُلَّهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ بِجُزْءٍ مِنْهَا وَهُوَ قَدْ خَصَّ الْقَبْضَ بِهَا فَلَا يَعْدُوهَا ، فَصَارَ كَمَالٍ لَهُ آخَرَ ، وَلَا يَأْخُذُ مَالًا آخَرَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
666 - 666 - وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَكِيلًا فِي شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِهِ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ وَكِيلًا .
وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدُ أَوْ اشْتَرَى فَوَكَّلَ وَكِيلًا فِي حُقُوقِ عَقْدِهِ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حُقُوقَ الْقَبْضِ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ لَا بِالْإِذْنِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَبِالْحَجْرِ لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْعَقْدُ فَلَمْ يُبْطِلْ حُقُوقَهُ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْتَدِئَ فَيَقْبِضَ وَيَتَوَلَّى حُقُوقَ عَقْدِهِ بِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ .
وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِهِ فَجَوَازُ تَصَرُّفِهِ بِالْأَمْرِ ، وَالْأَمْرُ ارْتَفَعَ بِالْحَجْرِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَبْتَدِئَ فَيَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ وَكِيلُهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ ، جَازَ ، وَكَانَتْ امْرَأَتَهُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ ، وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ خَالَفَهُ الْوَكِيلُ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَوَّجَهُ يَقُولُ : زَوَّجْتُك مِنْ فُلَانٍ ، وَلَوْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ ( لَقَالَ تَزَوَّجْتُ ) فُلَانَةَ ، وَإِذَا خَالَفَهُ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ لَقَالَ : اشْتَرَيْتُ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ لَقَالَ أَيْضًا : اشْتَرَيْتُ ، فَقَدْ وَافَقَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَهُوَ قَدْ الْتَزَمَ بِعَقْدِ التَّوْكِيلِ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ لَهُ ، فَإِذَا عَقَدَ كَذَلِكَ وَقَعَ لَهُ ، وَلَوْ قُلْنَا لَا يَقَعُ لَهُ لَصَارَ عَازِلًا نَفْسَهُ ، وَعَزْلُهُ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ ، فَلَمْ يَنْعَزِلْ .
668 - 668 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عَبْدٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَوَكَّلَ الْغَرِيمُ الْمَوْلَى أَنْ يُبْرِئَ عَبْدَهُ ، جَازَ ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ الَّذِي لَهُ عَلَى الْعَبْدِ ، لَا يَجُوزُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِيفَاءِ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْغَرِيمِ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ اسْتَوْفَيْتُ ، وَيَلْحَقُ الْمَوْلَى التُّهْمَةُ فِي إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْوَكَالَةَ يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ التُّهْمَةِ ، فَلَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْإِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ الْحَقِّ ، وَلَا يَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِيهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا التَّوْكِيلَ لَبَرِيءَ بِقَوْلِهِ : أَبْرَأْتُكَ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَلْحَقَهُ التُّهْمَةُ فِيهِ ، فَوُجِدَ مُقْتَضَى التَّوْكِيلِ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَبْرِئْ نَفْسَكَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ ، جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
669 - 669 - إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا جَارِيَةً ، فَاشْتَرَى وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ فَوَجَدَهَا الْبَائِعُ زُيُوفًا فَرَدَّهَا عَلَى الْوَكِيلِ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا تَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ .
وَلَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَرَدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانٌ وَهَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْآمِرِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الزُّيُوفَ أَوْ الْبَهْرَجَةَ تَدْخُلُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِهِ لَجَازَ ، فَالْمُشْتَرِي قَدْ قَضَى بِهَا مَضْمُونًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ قَدْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَجَعَلَهَا أَمَانَةً عِنْدَهُ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ ، فَإِذَا قَضَى فَقَدْ ارْتَفَعَ عَقْدُ الْأَمَانَةِ وَقَدْ قَضَى مَضْمُونًا ، فَإِذَا رَدَّ عَادَ إلَى الضَّمَانِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدِ أَمَانَةٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّتُّوقَةُ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَلَمْ يَصِرْ الْمَنْقُودُ قَبْضًا ، وَهُوَ قَدْ جُعِلَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ ، فَلَمْ يَقَعْ الْقَضَاءُ بِالْأَدَاءِ فَإِذَا رَدَّ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ ، فَبَقِيَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، فَإِذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ .
670 - 670 - وَلَوْ أَنَّ مُدَبَّرًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَشْتَرِيه لِلْعَبْدِ عَتَقَ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُشْتَرِي سَبِيلٌ .
وَلَوْ أَمَرَهُ الْعَبْدُ الْقِنُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَاهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَشْتَرِيه لِلْعَبْدِ ، فَالْعَبْدُ حُرٌّ ، وَالْأَلْفُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالدُّخُولِ مَعَهُ فِي الشِّرَاءِ مُلْتَزِمٌ حُكْمَ عَقْدِهِ ، وَشِرَاءُ الْمُدَبَّرِ لَا يُوجِبُ ضَمَانَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي .
وَفِي الْعَبْدِ بِالدُّخُولِ مَعَهُ فِي الشِّرَاءِ الْتَزَمَ حُكْمَ عَقْدِهِ ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْعَبْدِ يُوجِبُ ضَمَانَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَزِمَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ لَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْبَدَلِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِضَمَانِ الْبَدَلِ وُجُوبُ حَقِّ الْقَبْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي لَا يُوجِبُ لِلْعَاقِدِ حَقَّ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانَ الْبَدَلِ ، كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ فَثَبَتَ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ يُوجِبُ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ وَالْمُدَبَّرُ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ نَفْسَهُ مِنْ الْمَوْلَى ، فَلَزِمَ الْوَكِيلَ إلْزَامًا بِقَبْضِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّ الْوَكِيلَ قَبَضَهُ ، وَلَوْ قَبَضَ الْمُدَبَّرَ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ، وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَيْضًا ، فَلَزِمَ الْوَكِيلَ الرِّضَا بِقَبْضِهِ ، فَكَأَنَّ الْوَكِيلَ قَبَضَ ، وَلَوْ قَبَضَ الْوَكِيلُ مِنْ الْمَوْلَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ كَانَ الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَكَانَ قَبْضُهُ مَضْمُونًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
671 - 671 - إذَا قَالَ : أَنْتَ وَكِيلُ فُلَانٍ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ .
وَدَفَعَ الدَّيْنَ إلَيْهِ ، فَتَلِفَ عِنْدَهُ الْوَكِيلُ وَجَحَدَ الْوَكَالَةَ ، فَلَيْسَ لِلدَّافِعِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلَ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا الشَّيْءُ لَك فَبِعْهُ مِنِّي .
فَبَاعَهُ مِنْهُ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي ، رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِغَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ قَبَضَ ثَمَنَ مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَقَبْضُ ثَمَنِ مِلْكِ الْغَيْرِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَلْزَمُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْوَكَالَةِ لَمَّا جَحَدَ لَمْ يُثْبِتْ الْوَكَالَةَ ، فَصَارَ قَابِضًا مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَكَالَةٍ ، فَصَارَ مُؤْتَمَنًا ، وَقَبْضُهُ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ يُوجِبُ أَلَا يَكُونَ مَضْمُونًا كَمَا لَوْ دُفِعَ إلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لِيُوَصِّلَهُ إلَى الْغَرِيمِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ، وَكَوْنُ الْمِلْكِ لَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الثَّمَنِ عِنْدَ فَوْتِ التَّسْلِيمِ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَجَعَ الثَّمَنُ ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ .
وَفِي الْوَكَالَةِ إقْرَارُ الْمِلْكِ لِلْغَرِيمِ ، فَإِذَا كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقَضَاءُ ، فَبَقِيَ مُؤْتَمِنًا إيَّاهُ ، وَكَوْنُهُ أَمَانَةً يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ .
672 - 672 - إذَا قَالَ رَجُلٌ لِلرَّجُلِ : اشْتَرِ لِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ جَارِيَةً ، فَقَالَ الْمَأْمُورُ : نَعَمْ ، وَالدَّرَاهِمُ سَتُّوقَةٌ أَوْ بَهْرَجَةٌ أَوْ رَصَاصٌ أَوْ زُيُوفٌ لَا يَعْرِفُ الْمَأْمُورُ ، وَالْآمِرُ يَعْرِفُ ، فَالْوَكَالَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الْجِيَادُ ، وَكَذَلِكَ إنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ ، فَإِذَا عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ انْعَقَدَ بِالْمَعْنَى .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِدَرَاهِمَ إلَى بَائِعٍ وَقَالَ : بِعْنِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ كَذَا وَكَذَا .
فَبَاعَهُ مَا قَالَ فَإِذَا الدَّرَاهِمُ زُيُوفٌ أَوْ بَهْرَجَةٌ وَعَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ بِالْمَعْنَى ، وَإِذَا كَانَتْ سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصَةً فَعَلَى الْمُشْتَرِي بَدَلُهُ جَيِّدَ نَقْدِ الْبَلَدِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزُّيُوفِ عِلْمُ كُلِّ وَاحِدٍ بِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَتِهِ لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ ، إمَّا لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ أَوْ لِإِلْحَاقِ ضَرَرٍ ، وَفِي الْوَكَالَةِ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ لِكَوْنِ الدَّرَاهِمِ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً ، فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ إزَالَةَ جَمِيعِ جِهَاتِ الضَّرَرِ وَالْجَهَالَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهُ فَعِنْدَهُ أَنَّ صَاحِبَهُ غَارٌّ لَهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ وَاحِدٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ فَإِذَا لَمْ تَزُلْ جَمِيعُ جِهَاتِ الضَّرَرِ فَاعْتُبِرَ التَّسْمِيَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَائِعِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَةِ الدَّرَاهِمِ لِزَوَالِ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُهُ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَدْ زَالَ الضَّرَرُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، وَإِذَا زَالَ جَمِيعُ جِهَاتِ الضَّرَرِ انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِالْمَعْنَى دُونَ الْمُسَمَّى ، وَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِهِ ، وَفِي السَّتُّوقَةِ لَمْ يَقَعْ الْقَضَاءُ بِهَا فَبَقِيَ الْمُسَمَّى وَاجِبًا .
673 - 673 - إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : آجِرْهُ دَارِي هَذِهِ بِعَبْدٍ ، فَأَجَّرَهَا بِعَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ قَالَ : تَزَوَّجْ لِي فُلَانَةَ عَلَى عَبْدٍ ، أَوْ اخْلَعْ امْرَأَتِي عَلَى عَبْدٍ .
فَخَلَعَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ وَالْعَقْدَ عَلَى الْمَالِ مِنْ وَجْهٍ ، وَتُشْبِهُ الْعَقْدَ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ مِنْ وَجْهٍ ، أَمَّا شَبَهُهَا بِالْمَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَنَافِعَ تَصِيرُ مَالًا بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا ، وَتُشْبِهُ الْعَقْدَ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَارًا فَسَكَنَهَا لَا يُوجِبُ الْأَجْرَ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِدَارٍ لَمْ يَجِبْ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يَجُوزُ عَلَى حَيَوَانٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ؛ لَأَلْحَقْنَاهُ لِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَأَبْطَلْنَا شَبَهَهُ بِالْمَالِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَيُوجَبُ مِنْ الشَّبَهَيْنِ .
أَوْ نَقُولُ : لَمَّا أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الْأَصْلَيْنِ غَلَّبْنَا جِهَةَ الْمَالِيَّةِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّحْوِيلَ وَالنَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ ، فَصَارَ كَالْمَالِ وَالْحَيَوَانِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَالسَّلَمِ .
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَالْبُضْعُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَا يُشْبِهُ الْعَقْدَ عَلَى الْأَمْوَالِ بِوَجْهٍ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يُؤَدِّ إلَى إبْطَالِ شَبَهِهِ بِالْمَالِ ، فَجَوَّزْنَا عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا لَا تُضْمَنْ بِالْغَصْبِ ، لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ ، وَالْحَيَوَانُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، بِخِلَافِ الْبُضْعِ وَالدَّمِ الْعَمْدِ ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ .
كِتَابُ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ 674 - إذَا كَفَلَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمْ شَاءَ بِنَفْسِ الْأَوَّلِ ، وَأَيُّهُمْ دَفَعَ بِنَفْسِهِ إلَيْهِ بَرِيءَ هُوَ وَصَاحِبَاهُ .
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ ، وَكَفَلَ بِهِ آخَرُ فَدَفَعَهُ أَحَدُهُمْ إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ صَاحِبُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ الْتَزَمُوا تَسْلِيمًا وَاحِدًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَجِبَ تَسْلِيمُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ كَالْآذِنِ لِصَاحِبِهِ فِي تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، فَإِذَا وَفَّاهُ أَحَدُهُمْ بَرِئُوا جَمِيعًا مَا لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى التَّسْلِيمِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ضَمِنَ غَيْرَ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَنْفَصِلَ الْخُصُومَةُ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ ضَمِنَ غَيْرَ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ فَلَا يَبْرَأُ بِتَسْلِيمِ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ كَمَا لَوْ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ دَيْنًا عَلَى حِدَةٍ .
675 - 675 - وَإِذَا كَفَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا مِنْهُ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى ثُمَّ رَجَعَا عَلَى الثَّالِثِ بِثُلُثِ مَا أَدَّى ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى .
وَلَوْ اشْتَرَيَا مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ ، وَضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ الثَّمَنَ عَنْ صَاحِبِهِ ، أَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ، فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ ، .
إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ الْجِهَةُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ الْكَفَالَةُ ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَصْلًا وَبَعْضُهَا كَفَالَةً ، فَإِذَا كَانَتْ الْجِهَةُ وَاحِدَةً اسْتَوَيَا فِيهِ ، فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ صَاحِبِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِمَا ، وَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ الْجِهَةُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ مَضْمُونٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِالْكَفَالَةِ ، إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ لَكَانَ بَعْضُهُ أَصْلًا وَبَعْضُهُ كَفَالَةً ، وَالْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ ، فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَصَاحِبِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَاكَ جِهَتَانِ بَعْضُهُ بِالْأَصْلِ وَبَعْضُهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْ صَاحِبِهِ ، فَإِذَا أَدَّى شَيْئًا وَقَعَ عَنْ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الْفَرْعِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ ، إذْ لَوْ جَعَلْنَا بَعْضَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لِيَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ لَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّي ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ، فَجَعَلْنَاهُ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفْسِهِ ، فَإِذَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَقَعَ عَنْ شَرِيكِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ حَيْثُ يَجْعَلُ أَدَاءَ بَعْضِ الْمَالِ عَنْ
صَاحِبِهِ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ أَدَاءَهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِالْكَفَالَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ حَيْثُ لَهُ أَدَاءُ الْبَعْضِ عَنْهُ وَأَدَاءُ الْجَمِيعِ فَإِذَا أَدَّى بَعْضًا رَجَعَ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ وَالدَّيْنُ ، لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيمَا دُونَ النِّصْفِ لَكَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ عَنْهُ ، فَيَقُولُ : إنْ جَعَلْتَهُ عَنْ كَفَالَتِهِ عَنِّي جَعَلْتُهُ عَنْ كَفَالَتِي عَنْك حَتَّى أَرْجِعَ عَلَيْكَ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْهُ فَوَقَعَ الْأَدَاءُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَجْعَلَ صَاحِبَهُ أَدَّاهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا النِّصْفُ فَوَقَعَ عَنْ صَاحِبِهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ .
676 - 676 - الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ .
وَالْوَكَالَةُ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُوَكِّلِ لَا يَجُوزُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَكَالَةِ إيجَابَ حَقٍّ لِنَفْسِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَهُوَ تَنْفِيذُ إقْرَارِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ أَوْ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ، وَإِيجَابُ الْحَقِّ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَا الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ حَقٍّ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَحَمُّلُ حَقٍّ مَضْمُونٍ عَنْهُ وَتَحَمُّلُ الْحَقِّ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ .
677 - 677 - إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ الْمُدَبَّرُ ، فَكَفَلَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى عَنْ الْمَوْلَى بِمَالٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، فَاخْتَارَ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ وَيَتْبَعُونَهُ بِدَيْنِهِمْ بَعْدَ الْمُعْتَقِ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أُمُّ وَلَدٍ فَعَتَقَتْ ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَفَالَةِ يَسْتَسْعِيهَا مَعَ غُرَمَائِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْبِضُ رَقَبَتَهُ وَصِيَّةً ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْبِضُ رَقَبَتَهُ وَصِيَّةً ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَجَبَتْ السِّعَايَةُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَصَارَ بَقَاءُ تِلْكَ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ كَبَقَاءِ الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ ، وَإِذَا بَقِيَ الرِّقُّ صَارَ هَذَا دَيْنًا وَجَبَ عَلَى الرَّقِيقِ ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ .
وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبِضُ رَقَبَتُهَا وَصِيَّةً ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ ، فَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَى عِتْقِهَا ، إذْ لَا يَجِبُ اسْتِبْقَاءُ الرِّقِّ فِيهَا فَعَتَقَتْ ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَيْهَا بِالْكَفَالَةِ ، وَعَلَيْهَا دَيْنُ نَفْسِهَا ، وَصَارَتْ كَحُرَّةٍ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهَا دُيُونٌ ، فَاشْتَرَكُوا جَمِيعًا فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ .
678 - 678 - إذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ وَلَمْ يُؤَدِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالدَّيْنِ ، حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .
وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ طَلَبَ الْمَكْفُولِ لَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَوَجَّهَنَا عَلَيْهِ طَلَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِمَالٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْبَائِعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ سَاقِطٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا لَهُ الرُّجُوعَ لَمْ يُؤَدِّ إلَى أَنْ يَتَوَجَّهَ طَلَبَانِ بِمَالٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَجَازَ .
679 - 679 - وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا خَلِيطًا لَهُ أَنْ يَنْقُدَ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْهُ فَنَقَدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ غَلَّةً أَوْ بَهْرَجَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِمِثْلِ مَا أَعْطَى .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمَأْمُورِ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ رَجَعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِحَقِّهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْخَلِيطِ وُجُوبَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّي ، لَا بِمَا يَمْلِكُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِمَّتِهِ ضَمَانٌ قَبْلَ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْقُدَ أَلْفًا فَنَقَدَ مِائَةً وَأَبْرَأهُ مِنْ الْبَاقِي أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَدَلَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يُؤَدِّي لَا بِمَا يَمْلِكُ ، وَقَدْ أَدَّى الزُّيُوفَ وَالْغَلَّةَ فَرَجَعَ بِمَا أَدَّى ، كَمَا لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْهُ فِي الْوَزْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يَمْلِكُ ، لَا بِمَا يُؤَدِّي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ يَمْلِكُ عَلَيْهِ بَدَلَهُ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ تِسْعمِائَةٍ وَقَبَضَ مِائَةً رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ وَهُوَ الْأَلْفُ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يَمْلِكُ وَقَدْ مَلَكَ الْأَلْفَ بِمَا ضَمِنَ ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ ، كَمَا لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْ الْوَزْنِ .
680 - 680 - إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ مِنْ الْمَالِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ فَهُوَ بَرِيءٌ .
وَلَوْ أَبْرَأَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ كَانَ الْمَالُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ وَهَبَ الْمَالَ مِنْ الْكَفِيلِ أَوْ الْأَصِيلِ فَأَبَيَا الْقَبُولَ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِلتَّمْلِيكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَادَفَ عَيْنًا لَا يُفِيدُ التَّمْلِيكَ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَبْرَأْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ ، لَمْ يَمْلِكْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ ، وَفِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الْحَقِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ، وَفِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ فِي الْأَصْلِ بِفَسْخِ الْكَفَالَةِ إسْقَاطٌ دُونَ التَّمْلِيكِ ، فَإِذَا قَالَ لِلْكَفِيلِ : أَبْرَأْتُك ، حُمِلَ عَلَى فَسْخِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى تَمَحَّضَ إسْقَاطًا وَلَهُ فَسْخُ الْكَفَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : فَسَخْتُ الْكَفَالَةَ مِنْ الْأَصْلِ ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى فَسْخِ الْكَفَالَةِ صَارَ صَرِيحَ إسْقَاطِ الْحَقِّ ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّهُ لَوْ أَخَذَ عَنْ الْكَفِيلِ فَرَدَّ الْأَصِيلَ بَقِيَ حَالًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إسْقَاطًا مِنْ الْأَصْلِ فَارْتَدَّ بِالرَّدِّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَصِيلُ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ قَوْلُهُ : أَبْرَأْتُك عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ الَّذِي وُجُوبُهُ وَإِسْقَاطُهُ مِنْ الْأَصْلِ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ ، وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ إسْقَاطًا مِنْ الْأَصْلِ جَعَلْنَاهُ إسْقَاطًا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ، وَالتَّمْلِيكُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَالْبَيْعِ .
وَأَمَّا الْهِبَةُ فَهِيَ لَفْظُ تَمْلِيكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَادَفَ عَيْنًا تُفِيدُ الْمِلْكَ ، وَالتَّمْلِيكُ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ .
إذَا وَهَبَ الطَّالِبُ الْمَالَ لِلْكَفِيلِ فَقَبِلَهُ رَجَعَ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ ، وَكَذَلِكَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ أَبْرَأَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَادَفَ عَيْنًا لِمِلْكٍ أَفَادَ الْمِلْكَ ، فَقَدْ مَلَّكَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْهِبَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ ، وَلَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ لَرَجَعَ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَادَفَ عَيْنًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ ، فَصَارَ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ ، وَإِسْقَاطًا لَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
682 - 682 - إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا .
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ كَفَلَ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّهُ كَفَلَ لَهُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَجَلَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ صِفَةً لِلثَّمَنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : بِعْتُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : قَبِلْتُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ ، فَقَدْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِعَقْدٍ غَيْرِ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ مُلْحَقٌ بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الْعَقْدِ ، وَاخْتَلَفَا فِي شَرْطِهِ يُلْحَقُ بِهِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ الشَّرْطُ وَبَقِيَ الْعَقْدُ .
683 - 683 - وَإِذَا كَفَلَ الْمَرِيضُ بِمَالٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفَلَ فِي الصِّحَّةِ لَزِمَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ .
وَلَوْ أَقَرَّ بِالْهِبَةِ أَوْ الْعِتْقِ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَأَضَافَهُ إلَى حَالِ الصِّحَّةِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ ؛ لِأَنَّهُ يُقْرِضُ الشَّيْءَ مِنْ ذِمَّتِهِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي ، فَصَارَ كَإِقْرَاضِ الْعَيْنِ ، وَفِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يُؤَدِّي ، فَقَدْ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الْأَصْلِ : شَبَهًا بِالْمُعَاوَضَةِ مِنْ وَجْهٍ ، وَشَبَهَ التَّبَرُّعِ مِنْ وَجْهٍ ، فَلِشَبَهِهَا بِالتَّبَرُّعِ قُلْنَا : إذَا كَفَلَ فِي حَالِ الْمَرَضِ كَانَ مُحْتَسَبًا مِنْ الثُّلُثِ ، وَلِشَبَهِهَا بِالْمُعَاوَضَةِ قُلْنَا : إذَا قَالَ : كَفَلْتُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ صُدِّقَ وَلَزِمَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فَيَكُونُ فِيهِ تَوْفِيرُ حَظِّهِ مِنْ الشَّبَهَيْنِ .
وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالْهِبَةُ فَتَمَحَّضَ تَبَرُّعًا ، فَإِذَا وَهَبَ فِي الْحَالِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ فَقَدْ فَعَلَ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى التَّقْدِيمِ ، فَجُعِلَ كَالْمُوجَبِ فِي الْحَالِ ، فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ .
684 - 684 - لَا يُحْبَسُ الْوَالِدَانِ فِي دُيُونِ الْوَلَدِ .
وَيُحْبَسَانِ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي تَوْجِيهِ الْحَبْسِ عَلَيْهِ إيجَابُ عُقُوبَةٍ عَلَى الْأَبِ ، لِأَجْلِ مَالِ ابْنِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مَالَهُ لَا يُقْطَعُ ، وَكَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ لَا يُقْتَلُ .
وَأَمَّا فِي النَّفَقَةِ فَلَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ لَأَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالصَّبِيِّ إلَى أَنْ يَمُوتَ جُوعًا ، فَفِي حَبْسِهِ تَوْجِيهُ عُقُوبَةٍ عَلَى بَدَنِهِ ، لِأَجْلِ رُوحِ الصَّبِيِّ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُؤَدَّبُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
كِتَابُ الصُّلْحِ 685 - إذَا تَهَايَآ فِي غَلَّةِ الدَّارَيْنِ فَفَضَلَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةُ غَلَّةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ صَاحِبُهُ فِيهَا .
وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ إذَا فَضَلَتْ الْغَلَّةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةً عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ شَرِيكُهُ شَارَكَهُ صَاحِبُهُ فِيهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الدَّارِ الْوَاحِدِ يَقَعُ تَمْيِيزًا وَقِسْمَةً وَاسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ فَلَا يَكُونُ مُنَاقَلَةً ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا لَا يُرْجَعُ عَلَى شَرِيكِهِ فِي نَصِيبِهِ بِشَيْءٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَوْجَبَ بِعَقْدِهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ هُوَ مِنْ بَدَلِ الْمَنَافِعِ مِثْلَ مَا يَسْتَوْفِي صَاحِبُهُ ، فَوَجَبَ الْمُضِيُّ عَلَى عَقْدِهِ ، فَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي غَلَّةِ الدَّارَيْنِ ، لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ عَلَى غَلَّةِ الدَّارَيْنِ تَقَعُ مُنَاقَلَةً وَلَا تَقَعُ اسْتِيفَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَهَايَآ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا رُجِعَ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِحَقِّهِ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ نَقَلَ حَقَّهُ أَعْطَى إلَى مَا أَخَذَهُ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِيهِ ، فَسَوَاءٌ أَخَذَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ تَهَايَآ فِي الْخِدْمَةِ عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَاشْتَرَطَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَعَامَ جَارِيَتِهِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا .
وَإِنْ اشْتَرَطَا الْكِسْوَةَ لَمْ يَجُزْ ، إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ شَيْئًا مَعْلُومًا أَوْ كَانَتْ كِسْوَةً مِثْلَهَا مَعْرُوفَةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّعَامَ الْمَشْرُوطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا لَا يَبْقَى وَلَا يَسْلَمُ إلَى صَاحِبِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَصَارَ إبَاحَةً ، وَالْإِبَاحَةُ تَقْبَلُ مِنْ الْجَهَالَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ عَقْدُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : كُلْ مِنْ مَالِي مَا شِئْتَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ أَنَّ رُفْقَةً خَلَطُوا الدَّرَاهِمَ لِيَشْتَرُوا الْمَأْكُولَ جَازَ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدٌ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْكُلُ الْآخَرُ فَجَازَ اشْتِرَاطُ
الطَّعَامِ .
وَفِي الْكِسْوَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُهَايَأَةِ فَصَارَ مُشْتَرِطًا تَمْلِيكًا ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ ، فَإِذَا بُيِّنَ صَارَ مَعْلُومًا فَجَازَ ، فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَجَبَ أَلَّا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ ثَوْبٌ مَوْصُوفٌ بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ لَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ ، الْجَوَابُ مَا بَيَّنَّا .
687 - 687 - إذَا صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ يُوجِبُ الْمَالَ مِنْ وَجْهٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَ الْأَوْلِيَاءِ إذَا صَالَحَ وَعَفَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الْآخَرِينَ إلَى الْمَالِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا وَعَفَا عَنْ بَعْضِ الدَّمِ انْتَقَلَ الْبَاقِي مَالًا ، وَالْقَاتِلُ إذَا صَالَحَ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَنْ الدَّمِ عَلَى مَالٍ لَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَصَارَ يَتَمَلَّكُ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ بِمَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجُعْلُ فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا عَلَى مَالٍ اُعْتُبِرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، كَالْهِبَةِ ، فَقَدْ شُرِطَ الْجَنِينُ بَدَلًا عَنْ غَيْرِ مَالٍ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ .
أَوْ نَقُولُ الدَّمُ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ الْعِوَضُ فِيهِ حُكْمًا ، وَيَنْتَقِلَ إلَى الْمَالِ ، فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، حَتَّى لَا يَجُوزَ عَلَى الْجَنِينِ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ .
وَأَمَّا الْخُلْعُ فَالْبُضْعُ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الْمِلْكِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ مَالًا بِنَفْسِهِ ، وَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ حُكْمًا ، وَبِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ .
أَوْ نَقُولُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْحَمْلِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ بِدَلَالَةِ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ .
وَالنِّكَاحُ وَالصُّلْحُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشُّرُوطِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مِنْهَا مُتَعَلِّقًا اسْتِحْقَاقُهُ بِالْوِلَادَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخُلْعُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَالْأَخْطَارِ ، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِيهِ مِمَّا يَقِفُ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى
شَرْطٍ وَهُوَ الْوِلَادَةُ فَجَوَّزْنَاهُ .
688 - 688 - إذَا صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ وَهُوَ يَعْرِفُهُ كَانَ عَفْوًا وَلَا دِيَةَ لَهُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَ الدَّمُ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الدَّمِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَادَ إلَى مَا بِإِزَائِهِ وَبِإِزَائِهِ الدَّمُ ، وَالدَّمُ إذَا سَقَطَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ ، كَمَا لَوْ عَفَا ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِ الْعَفْوِ لَمْ يَعُدْ الْقِصَاصُ .
وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ إنَّمَا رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الدَّمِ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلَّمَ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ، فَإِذَا لَمْ تُسَلَّمْ عَادَ إلَى مَا بِإِزَائِهِ ، لِأَنَّ الْمَالَ إذَا سَقَطَ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ عَادَ الدَّيْنُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا قَتَلَتْ أَمَةٌ رَجُلًا خَطَأً وَلَهُ وَلِيَّانِ فَوَلَدَتْ فَصَالَحَ الْمَوْلَى أَحَدَ الْوَلِيَّيْنِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْأَمَةِ بِحَقِّهِ مِنْ الدَّمِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلنِّصْفِ الْبَاقِي ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِصَّةُ الْآخَرِ عَلَى الْمَوْلَى .
وَلَوْ صَالَحَ عَلَى نِصْفِ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُخْتَارًا لِإِمْسَاكِ نِصْفِ الْأَمَةِ .
[ وَالْفَرْقُ ] لِأَنَّ حَقَّ الْمُصَالَحِ سَقَطَ بِالِابْنِ عَنْ نِصْفِهِ ، وَحَقَّ الْآخَرِ ثَبَتَ فِي نِصْفِ الْأَمَةِ فَهُوَ مُخْتَارٌ إمْسَاكَ نِصْفِهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : اخْتَرْتُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ إمْسَاكُ شَيْءٍ مِنْ الْأَمَةِ ، إذْ حَقُّ الْآخَرِ ثَابِتٌ فِي نِصْفِ الْبَاقِي ، وَهُوَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ كَانَ لَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا ، فَلَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ .
690 - 690 - إذَا صُولِحَ مَنْ دَعْوَاهُ عَلَى عِدْلٍ زُطِّيٍّ لَمْ يَرَهُ ، ثُمَّ صَالَحَ الْقَابِضَ الْآخَرَ فَرَدَّهُ عَلَى الثَّانِي بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ .
وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْعَيْبِ إذَا كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِلثَّانِي الْحَقَّ مِنْ الْحِمْلِ الَّذِي وَجَبَ حَقُّهُ فِيهِ ، وَإِيجَابُ حَقِّ الْغَيْرِ فِيهِ آكَدُ فِي الْبَيْعِ مِنْ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَلَوْ رَدَّهُ فَرَضِيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ خِيَارُ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَبْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي أُوجِبَ حَقُّ الثَّانِي فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَفِي بَدَلِهِ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يُوجَبْ الْحَقُّ فِيهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَبْ الْحَقُّ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي وَجَبَ حَقُّهُ فِيهِ لَمْ يَصِرْ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ مِنْ الرَّدِّ فَبَقِيَ حَقُّهُ ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا آخَرَ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ لَمَّا صَالَحَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهُ تَمَّتْ الصَّفْقَةُ الْأُولَى فِيهِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ مُصَالَحَةِ الثَّانِي وَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَتَمَّتْ الصَّفْقَةُ لَمَا جَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ غَيْرُهُ ، وَتَمَامُ الصَّفْقَةِ يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، كَمَا لَوْ رَآهُ وَقَبَضَهُ ، أَوْ نَقُولُ بِالصُّلْحِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِ الْعَيْبِ ، كَمَا لَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ .
691 - 691 - إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَهَا ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ بَاعَهُ بِهَا عَبْدًا فَهُوَ جَائِزٌ ، وَهَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ قَالَ : صَالَحْتُك مِنْهَا عَلَى عَبْدٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا بِإِزَائِهِ بَدَلًا مَضْمُونًا فَصَارَ قَوْلُهُ : بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمَا تَدَّعِيه ، إقْرَارًا بِأَنَّ مَا يَدَّعِيه مَضْمُونٌ ، فَكَانَ إقْرَارًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَفْظُ الصُّلْحِ ، لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِإِزَائِهِ وَهُوَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ بَدَلٌ مَضْمُونٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَإِذَا لَمْ يَقْتَضِ بَدَلًا مَضْمُونًا لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُ فِي الصُّلْحِ إقْرَارًا بِأَنَّ مَا بِإِزَائِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
692 - 692 - إذَا صَالَحَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى عَبْدٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ وَقَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً .
وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جَازَ ، فَلَمْ يَعْلَمْ كَمْ لَاقَى الْعَبْدُ مِنْ الدَّيْنِ وَكَمْ حَطَّ ، فَلَا يَصِلُ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلَا حِرْزٍ فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَبْنَاهُ عَلَى الْحَطِّ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاعْتِيَاضِ فَأَمْكَنَهُ الْإِخْبَارُ عَنْ رَأْسِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلَا حِرْزٍ ، فَجَازَ أَنْ يَعْقِدَ مُرَابَحَةً .
693 - 693 - إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ ( وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ) لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَاهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَبَضَاهَا لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ كَانَتْ الْأَلْفُ وَالْمِائَةُ دِينَارٍ لِوَاحِدٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ بَدَلًا عَنْ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ دِينَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِسُقُوطِ حَقِّهِ إلَّا بِسَلَامَةِ بَعْضِ الْأَلْفِ لَهُ فَكَانَ فِيهِ قِسْمَةُ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ فَكَانَ رِبًا ؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الْأَلْفَ أَقَلَّ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَقْسِمُ الْأَلْفَ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، بَلْ يَجْعَلُ الْأَلْفَ مُسْتَبْقَاةً ، وَالْمِائَةُ يَبْرَأُ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ هَكَذَا لِيَصْلُحَ الْعَقْدُ فَجَعَلْنَاهُ كَذَلِكَ .
694 - 694 - إذَا طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا فَصَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى أَنْ قَبِلَ الْمَبِيعَ مِنْهُ مَعَ الْعَيْبِ وَثَوْبًا مَعَهَا وَيَرُدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مِنْ الْبَائِعِ .
وَلَوْ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ فَقَدْ أَلْحَقَ الْعَبْدَ بِعَقْدٍ قَائِمٍ فَالْتَحَقَ بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا مَوْجُودَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ بَقِيَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا صَالَحَ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ وَثَوْبًا مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ وَثَوْبًا مَعَهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ ، فَلَمْ يَصِرْ مُلْحَقًا بِعَقْدٍ قَائِمٍ فَالْتَحَقَ بِهِ فَصَارَ إنَّمَا جَعَلَ الثَّوْبَ بَدَلًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْمَبِيعِ ، فَلَمَّا اسْتَحَقَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ مَوْجُودٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّ .
695 - 695 - إذَا ادَّعَى فِي دَارِ دَعْوَى ، فَصَالَحَهُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً ، فَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ أَنْ يَخْرُجَ بِالْعَبْدِ مِنْ الْمِصْرِ إلَى أَهْلِهِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْمِصْرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي مُقَابَلَةِ الْخِدْمَةِ بَدَلٌ مُسْتَقِرٌّ وَهُوَ رَدُّ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا لِلْمُسْتَأْجِرِ السَّفَرَ بِهِ لَجَازَ أَنْ يَلْزَمَ الْمُؤَجِّرَ أَضْعَافُ قِيمَةِ مَا أَخَذَ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى رَدِّهِ ، فَيُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ السَّفَرُ بِهِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ ، فَلَا يُؤَدِّي جَوَازُ السَّفَرِ بِهِ إلَى إلْزَامِ غُرْمٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُصَالَحُ بِخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ الْخِدْمَةِ مَالٌ مُسْتَقِرٌّ ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَمْ تُؤَدِّ إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ فَجَازَ كَمَا قُلْنَا فِي الرَّهْنِ ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ : مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِي كَانَ مُتَأَهِّبًا لِلسَّفَرِ وَيُخَاصِمُ ، فَصَالَحَ عَلَى الْخِدْمَةِ ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ رَضِيَ بِإِخْرَاجِهِ ، فَكَأَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ ، فَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ .
696 - 696 - إذَا صَالَحَ مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ .
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالِ جَازَ الصُّلْحُ وَوَجَبَ الْمَالُ .
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى مَالِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ بَعْدَ الصُّلْحِ مَعَ الشَّفِيعِ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ فَلَمْ يَسْتَفِدْ بِالصُّلْحِ حَقًّا لَمْ يَكُنْ ، وَالصُّلْحُ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّمُ ، لِأَنَّ مِلْكَ الْقَاتِلِ فِي الدَّمِ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ لِلْمَوْلَى ، فَإِذَا صَالَحَ زَالَتْ الْإِبَاحَةُ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ ، فَلِذَلِكَ جَازَ الصُّلْحُ ، وَإِذَا صَحَّ الصُّلْحُ وَالدَّمُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْمَالِ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ الْعِوَضَ .
وَفِي الشُّفْعَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ مَالًا ، وَلَا يُسْقِطُ حَقًّا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ مَالٍ عَلَيْهِ .
وَفِي الْكَفَالَةِ لَا يَنْتَقِلُ مَالًا وَلَا يُسْقِطُ حَقًّا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ كَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ .
كِتَابُ الْإِكْرَاهِ 697 - إذَا أُكْرِهَ فَقِيلَ لَهُ لِأَقْتُلَنك أَوْ لَتَشْرَبَنَّ هَذَا الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ كَانَ آثِمًا .
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى قُتِلَ لَا يَكُونُ آثِمًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَظْرَ فِي الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْحَظْرُ يَرْتَفِعُ بِالْإِكْرَاهِ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } فَصَارَ مُبَاحًا ، فَقَدْ امْتَنَعَ عَنْ أَكْلٍ مُبَاحٍ حَتَّى قُتِلَ فَأَثِمَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالُ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِحَقِّ الْمَالِكِ ، وَحَقُّهُ يَبْقَى مَعَ الْإِكْرَاهِ فَيَبْقَى الْحَظْرُ ، فَصَارَ يَمْتَنِعُ عَنْ الْمَحْظُورِ حَتَّى قُتِلَ ، فَكَأَنَّ مَأْمُورًا ، كَمَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الزِّنَى أَوْ قَتْلِ إنْسَانٍ .
698 - 698 - وَلَوْ أَكْرَهُوهُ عَلَى هِبَةِ جَارِيَةٍ لِرَجُلٍ وَدَفْعِهَا إلَيْهِ فَوَهَبَ وَدَفَعَ وَأَعْتَقَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ جَازَ عِتْقُهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا عِتْقٌ صَادِرٌ عَنْ إكْرَاهٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْلَا الْإِكْرَاهُ وَإِلَّا لَمَا قَدِرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ فَنَفَذَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَادِرٌ عَنْ الْإِكْرَاهِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْهِبَةِ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَمْلِكَهُ ، وَالْمِلْكُ تَسْلِيطٌ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ ، فَكَأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُكْرَهًا فَلَمْ يَجُزْ ، وَفِي الْعِتْقِ جُعِلَ كَأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الْعِتْقِ مُكْرَهًا فَأَعْتَقَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
699 - 699 - لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا لَهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ جَازَ الْبَيْعُ بِالْكُلِّ .
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَازَ إقْرَارُهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَجُزْ بِالْأَلْفِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ هُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ ، فَصَارَ رَاضِيًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ ، فَجَازَ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَإِذَا جَازَ فِي جُزْءٍ جَازَ فِي الْجَمِيعِ ، إذْ لَوْ جَوَّزْنَا فِي بَعْضِهِ لَفَرَّقْنَا الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَجَازَ الْعَقْدَ فِي نِصْفِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ ، فَجَازَ إقْرَارُهُ بِهَا ، وَجَوَازُ إقْرَارِهِ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يَمْنَعُ بُطْلَانَهُ فِي الْبَاقِي ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةٍ فَرَدَّ إقْرَارَهُ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَادَّعَى الْأَلْفَ لَزِمَهُ الْأَلْفُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
700 - 700 - لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ جَازَ إقْرَارُهُ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي بَابِ الْبِيَاعَاتِ جُعِلَتْ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ ، وَالْبَيْعُ يَقْتَضِي ثَمَنًا فَصَارَ كَأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بِجِنْسِ الدَّرَاهِمِ إكْرَاهًا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِجِنْسِ الدَّنَانِيرِ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا فَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ ، سَوَاءٌ بَاعَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا جُعِلَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي كَوْنِهِمَا ثَمَنًا ، وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِثَمَنٍ ، فَلَمْ يُجْعَلَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَقَدْ عَدَلَ عَمَّا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ ، فَصَارَ مُخْتَارًا فِي الدَّنَانِيرِ فَلَزِمَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ ، فَقَالَ : قَبِلْتُ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ ، وَلَا يُجْعَلُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ ، وَشَهِدَ آخَرُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا ، كَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً عَلَى قِيمَتِهَا بِدَرَاهِمَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : اشْتَرَيْتُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ، وَلَوْ كَانَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ ، وَالْجَوَابُ مَا بَيَّنَّاهُ .
701 - 701 - إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ ، فَبَاعَ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إنَّ الْمَالِكَ أَجَازَ أَحَدَ الْبَيْعَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَاسَخَتْهُ الْبَاعَةُ ثُمَّ أَجَازَ أَحَدَ الْبُيُوعِ جَازَ الْكُلُّ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، ثُمَّ بَاعَهُ الْآخَرُ مِنْ آخَرَ ، وَالثَّالِثُ مِنْ رَابِعٍ ، وَأَجَازَ صَاحِبُهُ أَحَدَ الْعُقُودِ لَمْ يَجُزْ جَمِيعُ الْعُقُودِ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَا أَجَازَاهُ وَكَذَلِكَ الْغَاصِبُ إذَا بَاعَ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ مِنْ آخَرَ ، وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَأَجَازَ أَحَدَ الْبَيْعَيْنِ بَطَلَ الْآخَرُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُكْرَهِ عَقَدَ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ ، إلَّا أَنَّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْبَائِعُ حَقُّ الْفَسْخِ فِيهِ ، فَإِذَا أَجَازَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ ، فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْعَقْدِ فَنَفَذَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي الثَّالِثُ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَائِعُ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَاصِبُ إذَا بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا عَقَدَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ ، فَقَدْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ عُقُودًا ، فَإِجَازَةُ وَاحِدٍ لَا تُوجِبُ إجَازَةَ الْآخَرِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَجَارِيَتَهُ فَأَجَازَ بَيْعَ الْجَارِيَةِ وَلَمْ يُجِزْ بَيْعَ الْغُلَامِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَقَدَ لِنَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ بَدَلَهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ إجَازَتِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَقْدُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَإِذَا رَضِيَ بِهِ وَأَجَازَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَصَارَ
كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَجَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَاصِبُ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَقَعَتْ لِصَاحِبِ الْمَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا أَجَازَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ بَدَلُهُ فِي مِلْكِهِ ، فَأَيُّ وَاحِدٍ تَوَلَّاهُ وَأَجَازَهُ جَازَ وَبَطَلَ مَا سِوَاهُ ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى شَيْئَيْنِ لَهُ فَأَجَازَ الْعَقْدَ عَلَى أَحَدِهِمَا .
702 - 702 - وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُكْرَهِ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَنَاسَخَتْهُ الْأَيْدِي ثُمَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَخِيرَ أَعْتَقَهُ ، ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ تَجُزْ إجَازَتُهُ ، وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمْ شَاءَ .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ لَا غَيْرُ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمَالِكُ سَلَّطَ الْأَوَّلَ إلَى التَّصَرُّفِ حَتَّى بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ فَصَارَ يَتَصَرَّفُ بِتَسْلِيطِهِ وَإِذْنِهِ فَيَبِيعُهُ مِنْ الثَّالِثِ بِإِذْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيطِ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ مِنْ الثَّانِي بِإِذْنِهِ وَتَسْلِيطِهِ فَصَارَ الْآخَرُ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ 703 - فَإِذَا ضَمِنَ أَحَدُ الْبَاعَةِ لَمْ تَجُزْ الْبُيُوعُ الْمَاضِيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَجَازَتْ الْعُقُودُ الَّتِي بَعْدَهَا وَلَوْ أَجَازَ أَحَدَ الْبُيُوعِ جَازَتْ الْعُقُودُ الَّتِي قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ أَنَّ التَّضْمِينَ يَتَمَحَّضُ تَمْلِيكًا ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى إسْقَاطِ حَقٍّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ الْبَدَلَ لِمَا نَقَلَ الْمَالِكُ فِيهِ إلَيْهِ ، فَصَارَ هَذَا تَخْصِيصًا لَهُ بِالتَّمْلِيكِ ، فَاخْتَصَّ بِهِ ، وَلَمْ يَجُزْ مَا قَبْلَهُ ، كَمَا قُلْنَا فِي الْغَاصِبِ إذَا بَاعَ ثُمَّ أَجَازَ لَمْ تَجُزْ الْبُيُوعُ الْمَاضِيَةُ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ نَفَاذُهُ مِنْ جِهَةِ الَّذِي أَجَازَ لَهُ ، فَكَأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لَهُ فَنَفَذَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَأَمَّا الْإِجَازَةُ فَيَتَمَحَّضُ إسْقَاطُ الْحَقِّ ، فَإِذَا أَجَازَهُ فَقَطْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ ، وَقَدْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ عُقُودًا ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ نَفَاذِهِ لِعَدَمِ رِضَاهُ ، فَإِذَا رَضِيَ جَازَ الْجَمِيعُ .
إذَا أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ ، فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ ، وَلَوْ قَبَضَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَقَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ لِئَلَّا يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ ، أَوْ لِكَيْ لَا يُفَوِّتَ مِلْكَهُ عَلَيْهِ إلَّا بِرِضَاهُ ، فَلَمْ يَكُنْ مُسَلِّطًا لِلْمُشْتَرِي عَلَى التَّصَرُّفِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَلَوْ نَفَّذْنَاهُ لَأَزَلْنَا مِلْكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ خِيَارًا ، وَإِنَّمَا سَلَّطَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالْعِتْقِ وَإِكْرَاهُهُ عَلَى التَّسْلِيطِ عَلَى الْعِتْقِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَهُ ، كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى نَفْسِ الْإِعْتَاقِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَهُ ، فَصَحَّ التَّسْلِيطُ فَعَتَقَ .
أَوْ نَقُولُ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ عِتْقِهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ، وَخِيَارُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَاقٍ فَبَقِيَ الْمَانِعُ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نُفُوذِهِ عَدَمُ الْقَبْضِ ، فَإِذَا وُجِدَ زَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ .
705 - 705 - إذَا أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى حَصَلَ عِتْقُ عَبْدِهِ أَوْ طَلَاقُ امْرَأَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بِيَدِ رَجُلٍ ، فَطَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ ، ضَمِنَ الْمُكْرَهُ نِصْفَ الْمَهْرِ ، وَقِيمَةَ الْعَبْدِ .
وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ هَذَا أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَطَلَّقَ الْمَرْأَةَ ، ثُمَّ رَجَعُوا ، فَإِنَّهُمْ لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ تَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِهِ مِنْ الشَّهَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ يُجْعَلُ الْمُكْرَهُ كَالْمُبَاشِرِ فَيُنْقَلُ الْعَقْدُ إلَيْهِ وَلَا يُجْعَلُ فِي الشَّهَادَةِ كَذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْقَتْلِ ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الشُّهُودِ إذَا رَجَعُوا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْقَاضِي أَلَّا يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ ، فَلَمْ يَكُونُوا مُلْجَئِينَ فَلَا يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّ الْفِعْلَ يُنْقَلُ إلَيْهِ فَصَارَ مُبَاشِرًا بِنَفْسِهِ تَفْوِيتَ مِلْكِ غَيْرِهِ فَغَرِمَهُ ، وَفِي الشَّاهِدِ تَسَبَّبَ وَلَمْ يُبَاشِرْ ، فَإِذَا لَمْ يُبَاشِرْ إتْلَافَ مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَغْرَمْ .
706 - 706 - لَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى الْبَيْعِ ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ ، فَبَاعَهُ وَدَفَعَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ شَيْءٌ .
وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ لَهُ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِدَفْعِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَوَهَبَهُ وَدَفَعَهُ ، فَقَالَ لَهُ : قَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ فَخُذْهُ ، فَأَخَذَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ ، كَانَ الَّذِي أَكْرَهَهُ ضَامِنًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْبَيْعِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْبَيْعِ التَّمْلِيكُ وَالْمِلْكُ فِي الْبَيْعِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْعَقْدِ إكْرَاهًا عَلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ ، فَصَارَ مُسَلِّمًا بِاخْتِيَارِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الْمِلْكِ لَهُ وَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَبْضِ عَلَى الْعَقْدِ ، فَصَارَ إكْرَاهُهُ عَلَى الْعَقْدِ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ فَكَانَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ .
707 - 707 - لَوْ أَكْرَهَ رَجُلَيْنِ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى تَبَايَعَا وَتَقَابَضَا عَبْدًا ، ثُمَّ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى قَتَلَ الْعَبْدُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْمُكْرَهِ ، وَلَكِنَّ الْبَائِعَ يُضَمِّنُ الْمُكْرَهَ قِيمَتَهُ .
وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُمَا بِالْحَبْسِ عَلَى الْبَيْعِ ، وَأُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا فَلِلْبَائِعِ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْتُلَ الَّذِي أَكْرَهَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْحَبْسِ لَا يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ فَلَمْ يُوجِبْ هَذَا الْفِعْلُ ضَمَانًا عَلَى الْمُكْرَهِ حَتَّى يَجِبَ لَهُ حَقُّ مِلْكٍ فِيهِ ، فَلَمْ يَصِرْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ ، فَجَازَ أَنْ يَقْبِضَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرَهِ ، فَقَدْ وَجَبَ لِلْمُكْرَهِ حَقُّ مِلْكٍ فِيهِ ، فَصَارَ شُبْهَةً ، وَالشُّبْهَةُ تَدْرَأُ الْقِصَاصَ ، وَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ إذَا قَتَلَ الْمَغْصُوبَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُنَا .
كِتَابُ الْحَجْرِ 708 - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا قَالَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ : هَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي لَمْ يَأْخُذْ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ ، وَلَا يُوجِبُ نَفَقَتَهُ فِي مَالِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا ابْنِي أَوْ هَذَا أَبِي صَدَّقَهُ الْقَاضِي ، وَفَرَضَ لَهُ نَفَقَتَهُ فِي مَالِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ نَسَبَ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا لَهُمْ النَّفَقَةَ بِإِقْرَارِهِ لَأَوْجَبْنَاهَا بِقَوْلِهِ ، وَإِيجَابُ الْحَقِّ فِي مَالِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا ثَبَتَ النَّسَبُ بِقَوْلِهِمَا فَإِذَا أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ بِقَوْلِهِمَا لَمْ نُوجِبْهَا بِقَوْلِهِ ، وَلَا بِقَوْلِ الْأَبِ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ .
709 - 709 - إذَا بَلَغْتِ الْمَرْأَةُ مُفْسِدَةً فَاخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ جَازَ الْخُلْعُ ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ ، فَإِذَا صَارَتْ مُصْلِحَةً لَمْ تُؤْخَذْ بِذَلِكَ .
وَالْأَمَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ لَا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْحَالِ ، فَإِذَا أُعْتِقَتْ أُخِذَتْ بِذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمَةَ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْغَيْرِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أُعْتِقَتْ خَلَصَ الْحَقُّ لَهَا ، وَزَالَ الْمَانِعُ فَلَزِمَهَا الْمَالُ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا مَحْجُورَةٌ لِحَقِّ نَفْسِهَا ، فَلَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَصَارَتْ كَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا أَقَرَّتَا بِمَالٍ وَاخْتَلَعَتَا أَنْفُسَهُمَا مِنْ الزَّوْجِ بِمَالٍ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَبَرِيءَ الْمَجْنُونُ لَا يَلْزَمُهُمَا الْمَالُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
710 - 710 - إذَا أَمَرَ الْمُصْلِحُ مُفْسِدًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ، فَبَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ جَازَ بَيْعُهُ وَقَبْضُهُ .
وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ وَهُوَ مُصْلِحٌ ، ثُمَّ فَسَدَ ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ وَهُوَ مُصْلِحٌ فَقَدْ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ ، وَبِقَبْضٍ تَتَعَلَّقُ عُهْدَتُهُ بِهِ ، فَإِذَا قَبَضَ بَعْدَ الْحَجْرِ فَقَدْ قَبَضَ قَبْضًا لَمْ تَتَعَلَّقْ الْعُهْدَةُ بِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ قَبْضُهُ بِأَمْرِهِ ، فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ لَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ وَبِقَبْضٍ لَا يَتَعَلَّقُ عُهْدَتُهُ بِهِ ، وَقَدْ قَبَضَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، فَصَارَ قَبْضُهُ وَاقِعًا بِأَمْرِهِ فَأَجْزَأَهُ .
711 - 711 - إذَا بَاعَ الْمَحْجُورُ مَالَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ، فَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي أَجْزَأَهُ وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ ، فَإِنْ دَفَعَ لَهُ لَمْ يَبْرَأْ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنًا آخَرَ إلَى الْقَاضِي .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ وَنَهَاهُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ ، فَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُهُ ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ مَرَّةً أُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَحْجُورَ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، فَإِذَا نَهَاهُ الْقَاضِي فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ عَنْ التَّصَرُّفِ لِفَسَادِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ حُقُوقَهُ لِفَسَادِهِ ، كَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
لَيْسَ كَذَلِكَ الْمُوَكِّلُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِهِ ، فَوَجَبَ لَهُ قَبْضُهُ ، فَصَارَ الْمُوَكِّلُ بِالنَّهْيِ يَبْطُلُ حَقُّهُ ، وَلَيْسَ إلَيْهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُوَكِّلِ ، كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ ، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ وَيَصِحُّ قَبْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ 712 - إذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى مِثْلِ مَا شَرَطَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ الرِّبْحِ ، فَإِنْ كَانَا عَلِمَا جَمِيعًا مَا شَرَطَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ الرِّبْحِ فِي مُضَارَبَتِهِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ فَهَذِهِ الْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ أَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ .
وَلَوْ بَاعَ مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا بِمِثْلِ مَا بَاعَهُ فُلَانٌ ، وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِمَا بَاعَهُ وَالْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ جَازَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُسْتَوْجِبِ لِلْبَدَلِ ، لِيَدْرِيَ بِمَاذَا يُطَالِبُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا آبِقًا عَنْ صَاحِبِهِ ، وَهُوَ فِي يَدِهِ جَازَ ، لِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى قَبْضِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْمُسْتَوْجِبُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَإِذَا عَلِمَهُ فَقَدْ وَجَدَ مَعْرِفَةَ مَنْ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَتِهِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَجَازَ .
وَفِي الْمُضَارَبَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَوْجِبٌ الرِّبْحَ ، رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَالْمُضَارِبُ بِالْعَمَلِ ، فَاحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَتِهِمَا جَمِيعًا ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمَاهُ لَمْ يَجُزْ .
713 - 713 - إذَا دَفَعَ الْمَرِيضُ مَالًا مُضَارَبَةً إلَى إنْسَانٍ مُضَارَبَةً فَاسِدَةً فَعَمِلَ وَجَبَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَيُخَاصِمُ الْمُضَارِبَ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَرِيضُ شَيْئًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالثَّمَنِ وَلَا يُضَارِبُهُ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنَافِعِ ، فَصَارَ وُجُوبُهُ بِبَدَلٍ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُمْ فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ نَاقِلًا حَقَّهُمْ ، فَصَارَ مُؤْثِرًا بَعْضُ الْغُرَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ ، فَلَمْ يَجُزْ ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَنُ ، لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ نُقِلَ حَقُّهُمْ نِصْفَيْنِ إلَى عَيْنٍ ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ ، وَلَهُ حَقُّ النَّقْلِ فَانْقَطَعَ حَقُّهُمْ عَنْ الثَّمَنِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ .
714 - 714 - إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا فَجَنَى عَبْدُهُ جِنَايَةً خَطَأً لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَدْفَعَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَبْدًا ، فَجَنَى خَطَأً فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا خُصَّ بِنَوْعٍ اخْتَصَّ بِهِ ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى ذَلِكَ النَّوْعِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ لَا بِفَكِّ الْحَجْرِ ، وَقَدْ أُمِرَ بِالتِّجَارَةِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِغَيْرِهَا ، وَالدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ فِعْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَأْذُونُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِفَكِّ الْحَجْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ كَانَ إذْنًا فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ ، فَصَارَ يَتَصَرَّفُ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ ، وَهَذَا مِنْ التَّكَسُّبِ فَجَازَ كَالْحُرِّ .
715 - 715 - إذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ - مَا عَمِلَ فِي الْمَالِ - أَجْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ ، فَعَمِلَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ ، فَرَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَلَا أَجْرَ لَهُ .
وَلَوْ دَفَعَ أَرْضًا مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الْخَارِجِ ، وَأَجْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَعَمِلَ عَلَى هَذَا فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمُزَارَعَةِ شَرْطُ الْأَجْرِ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ ، وَشَرْطٌ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ أَيْضًا بَعْضُ الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ مُزَارَعَةً ، وَالْأَوَّلُ إجَارَةٌ ، فَقَدْ أَدْخَلَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَكَانَ فَاسِدًا فَاسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ .
وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّمَا اشْتَرَطَ لَهُ الْأَجْرَ بِإِزَائِهِ لِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْمُدَّةِ ، وَالرِّبْحُ مُشْتَرَطٌ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ ، وَهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ ، فَفَسَادُ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْآخَرِ ، فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً ، فَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْمُضَارَبَةَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الشَّرِكَةِ ، وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ إذَا لَحِقَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ بَطَلَ الشَّرْطُ ، وَجَازَ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا ، فَإِنَّ شَرْطَ الْوَضِيعَةِ فَاسِدٌ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ ؛ لِأَنَّهَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْإِجَارَاتِ ، وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ إذَا لَحِقَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ أَفْسَدَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
716 - 716 - إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ : اسْتَدِنْ عَلَيَّ ، كَانَ مَا اسْتَدَانَهُ وَمَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ قَالَ : اسْتَدِنْ عَلَى نَفْسِك ، كَانَ مَا اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِالدَّيْنِ لَهُ خَاصَّةً ، دُونَ رَبِّ الْمَالِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ : اسْتَدِنْ عَلَيَّ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِدَيْنٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الشِّرَاءِ عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ وَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَيَكُونُ الشِّرَاءُ وَاقِعًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : اسْتَدِنْ عَلَى نَفْسِك ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْمُضَارِبِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الشِّرَاءِ ، عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ فِي الْمَالِ حَتَّى وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ اشْتَرَى شَيْئًا فَإِنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لَهُ ، لَا لِلْمُضَارَبَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
717 - 717 - وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً .
قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ : الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعٌ ، رُبْعٌ عَلَى الْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَبَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ ، وَالْفِدَاءُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا .
وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الزِّيَادَاتِ : لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى الْمُضَارِبِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُضَارِبِ الرِّبْحُ قَبْلَ حُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَنْقُصَ قِيمَتُهُ فَيَفُوتُ الرِّبْحُ وَالنَّفَقَةُ لِإِتْلَافِ رُبْعِ الْعَيْنِ ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِإِزَاءِ النَّفَقَةِ فَبَقِيَ الْمِلْكُ لِرَبِّ الْمَالِ ، فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفِدَاءُ ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ يُقَابِلُ الْعَيْنَ ، فَلَوْ مَلَّكْنَاهُ الرُّبْعَ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ رُبْعَ الْفِدَاءِ ، لَمْ يُؤَدِّ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ رِبْحٌ قَبْلَ حُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ يُقَابِلُهُ ، وَهَا هُنَا يَمْلِكُهُ بِضَمَانٍ يُقَابِلُهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِمَعْنًى يُضَمُّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَوَجَبَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، كَالثَّمَنِ لَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا ثُمَّ تَلِفَ الْأَلْفُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَوُجُوبُهُ بِمَعْنًى لَا يُضَمُّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، كَذَلِكَ هَذَا 718 - فَإِنْ فَدَيَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ خَرَجَ الْعَبْدُ كُلُّهُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَرُبْعُهُ مِلْكُ الْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَرَبِحَ فَصَارَ أَلْفَيْنِ ، فَاشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفَيْنِ فَتَلِفَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَغْرَمُ أَلْفًا وَخَمْسمِائَةٍ ،
وَيَغْرَمُ الْمُضَارِبُ خَمْسِمِائَةٍ ، وَيَدْفَعُهَا إلَى الْبَائِعِ ، وَأَخَذَ الْعَبْدَ ، فَيَكُونُ رُبْعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً ، وَيَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِدَاءَ لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً ، وَفِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِقْدَارُ مَا يَفْدِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ ، وَلَوْ فَدَى كَانَ مُتَطَوِّعًا فَقَدْ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بِمَا لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ الْمُضَارَبَةِ ، فَانْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا لَوْ اقْتَسَمَا الْمَالَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الثَّمَنِ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَفِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مِقْدَارُ الثَّمَنِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ ، فَقَدْ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بِمَا هُوَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَرْفَعْ الْعَقْدَ ، فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ ، وَرُبْعٌ بَدَلُ مَا نَقَدَ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً ، فَسُلِّمَ لَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا .
كِتَابُ الشُّرْبِ 719 - إذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عَلَيْهِ أَرَضُونَ ، وَلَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ كَانَ أَصْلُهُ بَيْنَهُمْ ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَاخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ فَإِنَّ الشُّرْبَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ .
وَلَوْ كَانَتْ سَاحَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ عَلَيْهَا مَمَرُّهُمْ ، اخْتَلَفُوا فِيهَا فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ، دُونَ عَدَدِ دُورِهِمْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَصَرُّفَ صَاحِبِ الْأَرْضِ الْكَثِيرَةِ فِي الشُّرْبِ أَكْثَرُ مِنْ تَصَرُّفِ صَاحِبِ الْأَرْضِ الْقَلِيلَةِ ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْآخَرُ ، فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَدٌ فِي الشُّرْبِ بِأَرْضِهِ ، وَأَرَاضِي كُلِّ قَوْمٍ مُخْتَلِفَةٌ ، فَحُقِّقَتْ يَدُهُ فِي الشُّرْبِ بِقَدْرِهَا ، فَكَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّرِيقُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ الصَّغِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِطْرَاقِ نَحْوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ ، فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي التَّصَرُّفِ ، وَهُوَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَوَيَا فِي الْمُسْتَحَقِّ ، كَدَارٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِيهَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
720 - 720 - نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْسِمُوا لِكُلِّ رَجُلٍ شِرْبًا مُسَمًّى ، فَقَدِمَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ ، فَإِنْ كَانُوا أَوْفَوْهُ حَقَّهُ وَجَازُوهُ وَأَنَابُوهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُهُ .
بِخِلَافِ الدَّارِ بَيْنَ قَوْمٍ وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ ، فَمَيَّزُوا نَصِيبَ الْغَائِبِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ نَقَضْنَا الْقِسْمَةَ فِي الشُّرْبِ لَأَعَدْنَا مِثْلَهَا ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ لَهُ فِي الثَّانِي مِثْلُ مَا وَقَعَ لَهُ فِي الْأَوَّلِ ، وَهُوَ يَوْمٌ مِنْ كَذَا يَوْمٍ ، فَلَمْ يَكُنْ فَائِدَةٌ فِي الْقِسْمَةِ فَتُرِكَ .
وَأَمَّا فِي الدَّارِ فَمِنْ حَيْثُ يَفْسَخُ الْقِسْمَةَ لَمْ يُعِدْ مِثْلَهَا ، لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ قِسْمُهُ جَانِبًا آخَرَ فَجَازَ أَنْ تُعَادَ الْقِسْمَةُ .
721 - 721 - إذَا بَاعَ شِرْبًا بِأَمَةٍ وَقَبَضَهَا ، فَوَطِئَهَا رَجُلٌ بِشُبْهَةٍ ، فَأَخَذَ الْعُقْرَ أَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَأَخَذَ الْأَرْشَ ، ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا ، وَالْمَهْرُ وَالْأَرْشُ لَهُ .
وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَمَاتَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ الْعُقْرُ وَالتَّضْمِينُ يُوجِبَانِ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهَا إلَيْهِ ، وَالْأَجْزَاءُ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ لِوَاحِدٍ وَالْيَدُ لِآخَرَ فَمَلَكَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا ، فَكَانَ بَدَلُهَا لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَالْوَلَدُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْرُورَ يَسْتَحِقُّ رَقِيقًا ، وَالْوَلَدُ يَكُونُ حُرًّا فَانْتِقَالُ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ لَا يُوجِبُ فِي الْوَلَدِ الْمِلْكَ ، فَلَمْ يَمْلِكْ الْوَلَدَ ، فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَسُلِّمَ إلَيْهِ .
722 - 722 - نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عَلَيْهِ أَرَضُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْضٌ مَعْلُومَةٌ ، فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ النَّهْرِ شِرْبٌ فِيمَا مَضَى ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَ طَرِيقٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِجَنْبِ دَارِهِ دَارًا أُخْرَى فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ وَاحِدًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الشُّرْبِ يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ حَقًّا زَائِدًا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ يُقَسَّمُ الشِّرْبُ عَلَى قَدْرِ الْأَرَاضِي ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسُوقَهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى لِيَسْتَوْجِبَ بِهِ حَقًّا زَائِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّرِيقُ ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ حَقًّا زَائِدًا ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ تُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ، فَإِذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارِ وَاحِدًا فَلَمْ يَسْتَوْجِبْ بِهِ حَقًّا زَائِدًا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ مُخْتَلِفًا فَهُوَ يَسْتَوْجِبُ زَائِدًا لَا يُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ 723 - لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا .
وَكُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ لِأَجْلِ الْمَرَارَةِ وَالشِّدَّةِ ، وَلَا فِعْلَ لَهُ فِيهَا ، وَإِنَّمَا يُجْرِيهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ نَفْسُ الْبَيْعِ إعَانَةً عَلَى مَحْظُورٍ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السِّلَاحُ ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِأَجْلِ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي ، فَصَارَ بِتَمْلِيكِ السِّلَاحِ مُعِينًا لَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَحْظُورِ ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْمَحْظُورِ مَحْظُورٌ فَكُرِهَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السِّلَاحَ لَوْ كَانَ مِلْكًا لَهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ ، وَتُزَالُ يَدُهُ ، فَلَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ أَوْلَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَمْرُ ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ مَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ؛ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلًّا ، لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ خَلًّا مَا لَمْ يَصِرْ خَمْرًا ، فَإِذَا مَلَكَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَتَّخِذُ خَمْرًا .
724 - 724 - إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْجُوعِ ، وَمَعَ رَفِيقِهِ طَعَامٌ ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ قِتَالُهُ بِالسِّلَاحِ ، وَيُقَاتِلُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْبِئْرِ مَاءٌ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْبِئْرِ عَنْ الْبِئْرِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّعَامَ مِلْكٌ لَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ مِلْكِهِ وَيُقَاتِلَ ، وَلَوْ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } ، وَإِذَا كَانَ هُوَ شَهِيدًا كَانَ ذَاكَ ظَالِمًا لَهُ ، فَكُرِهَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ ، وَقَدْ اُضْطُرَّ فِي إحْيَاءِ نَفْسِهِ إلَى مَالِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ .
وَأَمَّا الْمَاءُ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ ، فَإِذَا مَنَعَهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الْمَنْعِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ ، لِأَنَّ هَذَا حَقُّهُ ، فَإِذَا مُنِعَ عَنْ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ ، كَمَا لَوْ قَاتَلَهُ عَلَى مَالٍ .
كِتَابُ الرَّهْنِ 725 - الرَّهْنُ بِضَمَانِ الدَّرْكِ لَا يَصِحُّ ، وَلَا يَتْلَفُ عَلَى الضَّمَانِ وَلَوْ رَهَنَ مِنْهُ شَيْئًا بِعَشْرَةٍ يُقْرِضُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَتَلِفَ تَلِفَ عَلَى الضَّمَانِ وَلَوْ كَفَلَ بِضَمَانِ الدَّرْكِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْحَالِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَلْحَقَهُ دَرْكٌ أَوْ لَا يَلْحَقُهُ ، فَقَدْ رَهَنَهُ بِغَيْرِ مَالٍ مَضْمُونٍ ، فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا كَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ ، وَأَمَّا مَا يُقْرِضُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَهُوَ مَضْمُونٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بِإِزَائِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَهُوَ مَقْبُوضٌ عَلَى ضَمَانِ الْعَشَرَةِ ، فَصَارَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ عَلَى السَّوْمِ .
وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ فَهُوَ ضَمَانٌ بِمَا يُسْتَحَقُّ ، وَالْكَفَالَةُ بِضَمَانٍ غَيْرِ حَاصِلٍ فِي الْحَالِ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : مَا بَايَعْتُ فُلَانًا فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
726 - 726 - لَوْ رَهَنَ دَابَّتَيْنِ فَقَتَلَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ الْمَقْتُولَةِ .
وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ انْتَقِلْ مَا فِي الْمَقْتُولِ إلَى الْقَاتِلِ ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ هَدَرٌ .
بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ } فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ ، وَلَوْ مَاتَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدَانِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ هَدَرًا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَبْدًا أَجْنَبِيًّا تَعَلَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِرَقَبَتِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا ، فَقَامَ مَقَامَ الْمَقْتُولِ ، وَانْتَقَلَ مَا فِيهِ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ أَجْنَبِيٌّ .
إذَا رَهَنَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً وَشَجَرَةً مُثْمِرَةً دَخَلَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ فِي الرَّهْنِ .
وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً وَشَجَرَةً مُثْمِرَةً لَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ وَالثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ لَمْ نُدْخِلْ الثَّمَرَةَ وَالزَّرْعَ فِي الْعَقْدِ لَأَبْطَلْنَا الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ لَهُ اتِّصَالًا بِعَيْنِ الرَّهْنِ ، وَاتِّصَالُ غَيْرِ الرَّهْنِ بِعَيْنِ الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ لِلْإِشَاعَةِ ، فَمِنْ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ نُبْطِلُهُ فَنُدْخِلُهُ .
وَفِي الْبَيْعِ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ لَمْ يُبْطِلْهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُتَّصِلٌ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ .
728 - 728 - إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَالْتَقَيَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ يُكَلَّفُ الْبَائِعُ إحْضَارَ الْمَبِيعِ أَوَّلًا ، ثُمَّ نُكَلِّفُ الْمُشْتَرِيَ إحْضَارَ الثَّمَنِ .
وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا لِرَجُلٍ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، فَالْتَقَيَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي رَهَنَهُ فِيهِ ، فَطَلَبَ دَيْنَهُ فَقَالَ : أَحْضِرْ الرَّهْنَ وَخُذْ دَيْنَك ، فَلَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُحْضِرَ الرَّهْنَ ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا نَوَى رَهْنَك .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى إحْضَارِ الْمَبِيعِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ التَّسْلِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ .
وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ رَاضِيًا بِحِفْظِهِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى إحْضَارِهَا لَأَدَّى إلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ التَّسْلِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلِأَنَّ فِي الْبَيْعِ مِلْكَ الْمَبِيعِ بِإِزَاءِ الثَّمَنِ ، فَمِلْكٌ قَابَلَ مِلْكًا ، وَتَسَلُّمٌ قَابَلَ تَسْلِيمًا ، وَإِحْضَارٌ قَابَلَ إحْضَارًا ، فَمَا لَمْ يُحْضِرْ أَحَدُهُمَا الْمَبِيعَ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى إحْضَارِ الثَّمَنِ .
729 - 729 - وَلَوْ رَهَنَ عِنْدَ إنْسَانٍ رَهْنًا وَجَعَلَهُ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيه بِالنَّقْدِ إلَّا بِوَكْسٍ فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ جَازَ ، فَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ : أَحْضِرْ الثَّمَنَ حَتَّى أُعْطِيَك دَيْنَك لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَيُقَالُ : أَدِّ الدَّيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ وَدَفَعَهُ إلَيْك .
وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ ، فَقُضِيَ بِقِيمَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَ دَيْنِهِ مِنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُحْضِرَ الْقِيمَةَ إلَى الرَّاهِنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيمَةَ تَخْلُفُ الْعَيْنَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ ، فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ، فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ ، ثُمَّ تَلِفَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ ، وَسَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ ، فَصَارَتْ الْقِيمَةُ كَالْعَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ بَاقِيًا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُفُ الْعَيْنَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ ، وَسَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِهِ ، فَبَاعَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ تَلِفَتْ الْخَمْسمِائَةِ لَمْ يَسْقُطْ جَمِيعُ الدَّيْنِ ، فَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُلَاقِيًا لِلثَّمَنِ ، فَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ .
730 - 730 - إذَا رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفٍ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَزَادَهُ الرَّاهِنُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَمَاتَتْ الْأُمُّ بَقِيَ الْوَلَدُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا ، وَالْعَبْدُ الزِّيَادَةُ بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا ثُمَّ زَادَهُ الْعَبْدُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، وَالْعَبْدَ الزَّائِدُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ صَارَ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفِكَاكِ ، لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ حِصَّةً لَوَجَبَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّاهِنُ الْوَلَدَ مَجَّانًا ، وَسَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِمَوْتِ الْأُمِّ ، فَدَلَّ أَنَّ الْأُمَّ ذَهَبَتْ بِالْحِصَّةِ ، وَبَقِيَتْ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ فَإِذَا أُلْحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْتَحَقَ بِمَا فِي الْوَلَدِ مِنْ الضَّمَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ مِنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الضَّمَانِ ، فَلَمْ يَصِرْ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ ، فَصَارَتْ الزِّيَادَةُ لَاحِقَةً بِأَصْلِ الرَّهْنِ وَهِيَ الْجَارِيَةُ ، فَصَارَ نِصْفُ الدَّيْنِ فِي الْجَارِيَةِ وَنِصْفُهُ فِي الزِّيَادَةِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ انْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا ، فَصَارَ فِي الْوَلَدِ رُبْعُ الدَّيْنِ وَفِي الْأُمِّ رُبْعُهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأُمُّ بَاقِيَةٌ فَالْتَحَقَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَقْدِ فَلَحِقَتْهَا فَانْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ نِصْفَيْنِ : نِصْفٌ فِي الزِّيَادَةِ ، وَنِصْفٌ فِيهَا ، فَلَمَّا وَلَدَتْ انْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا .
وَأَمَّا إذَا زَادَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ فَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مُلْحَقَةٍ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ فَاتَ وَهِيَ الْأُمُّ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ نِصْفُ الضَّمَانِ فِي الْوَلَدِ فَقَدْ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالضَّمَانِ ،
فَلَحِقَ مَنْ لَهُ الضَّمَانُ ، إذْ الْمُرْتَهِنُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِحِصَّةِ الْأُمِّ بِالْمَوْتِ ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْفِكَاكِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ ، وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ لَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ رَهْنًا مَعَ الْأُمِّ .
731 - 731 - إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَقَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ ، ثُمَّ زَادَهُ جَارِيَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي قَضَاهُ زُيُوفًا ، أَوْ مُسْتَحَقَّةً كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُلْحَقَةً بِالْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ ، وَلَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَالزِّيَادَةُ رَهْنٌ بِالْأَلْفِ كُلِّهِ ، فَجَعَلَ فِي الزِّيَادَاتِ الزُّيُوفَ وَالْمُسْتَحَقَّةَ فِي الرَّهْنِ سَوَاءً .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ ، ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَنَ مُسْتَحَقًّا أَوْ رَصَاصًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ فَيَحْبِسَهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ ، وَلَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فَجَعَلَ الْمُسْتَحَقَّةَ كَالسَّتُّوقَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّيُوفِ ، وَفِي الرَّهْنِ سَوَّى بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْمَقْضِيِّ شَرْطٌ فِي سَلَامَةِ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ سَلَامَةُ الْمَقْضِيِّ لَهُ ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الزِّيَادَةِ بِبَعْضِ الضَّمَانِ جَائِزٌ ، وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَحِينَ زَادَ حُكْمُهُ فَإِنَّ نِصْفَ الدَّيْنِ مَقْضِيٌّ ، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لَاحِقَةً بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ .
732 - 732 - إذَا رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاعْوَرَّتْ وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعَوَرِ فَالْوَلَدُ يَلْحَقُ بِالْجَمِيعِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الْوِلَادَةَ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْعَوَرِ .
وَلَوْ زَادَ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ الْعَوَرِ فَالزِّيَادَةُ تَلْحَقُ الْبَاقِي فَتَكُونُ الْجَارِيَةُ الْعَوْرَاءُ وَالزِّيَادَةُ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَلَوْ لَمْ تَعْوَرَّ وَلَكِنَّهُ قَضَى نِصْفَ الدَّيْنِ ثُمَّ زَادَ أَوْ وَلَدَتْ فَالزِّيَادَةُ وَالْوَلَدُ يَلْحَقَانِ الْبَاقِيَ مِنْ الدَّيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ صِحَّةَ الزِّيَادَةِ : بِالضَّمَانِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ جَمِيعُ الرَّهْنِ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ ، لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الزِّيَادَةَ بِقَبْضٍ مُبْتَدَأٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِهَا وُجُوبُ الضَّمَانِ كَالْأَصْلِ ، وَإِذَا كَانَتْ صِحَّتُهَا بِالضَّمَانِ لَحِقَتْ مَا فِيهِ الضَّمَانُ وَنِصْفُ الضَّمَانِ فَاتَ بِالْعَوَرِ فَلَحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْبَاقِيَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ لِأَنَّ وُجُوبَ حَقِّ الْإِمْسَاكِ فِي الْوَلَدِ بِالْعَقْدِ لَا بِالضَّمَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ حِينَ يَحْدُثُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا حَتَّى لَوْ تَلِفَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ بَاقٍ الْتَحَقَ بِالْجَمِيعِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ الرَّهْنِ بِالِاعْوِرَارِ أَنَّ مَا فَاتَ بِالْعَوَرِ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ ، وَمَا دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ ، وَلَا يَنْحَلُّ الْعَقْدُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا مِنْ عَقْدِ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ عَيْنِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ ، وَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ فَصَارَ مُتَمِّمًا الْعَقْدَ فِيهِ فَلَا يُوجِبُ انْحِلَالَهُ ، فَلَحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْجَمِيعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَضَاهُ بَعْضَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا قَضَاهُ انْحَلَّ الْعَقْدُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ بَعْضِ الدَّيْنِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ عَمَّا بِإِزَائِهِ ، وَلَا يُوجِبُ تَتْمِيمَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى جَمِيعَ الدَّيْنِ انْحَلَّ الرَّهْنُ فَلَا
يَلْحَقُ الْوَلَدَ مَا انْحَلَّ الْعَقْدُ عَنْهُ ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَصِحَّتُهَا بِالضَّمَانِ ، وَمَا انْحَلَّ زَالَ الضَّمَانُ عَنْهُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الْوَصَايَا 733 - إذَا قَالَ : ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ .
وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ .
وَلَوْ قَالَ : ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ .
وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " بَيْنَ " لَفْظُ اشْتِرَاكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ عَلَى الْوَاحِدِ ، فَإِذَا قَالَ : بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، فَقَدْ أَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ ، فَلَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا نِصْفُهُ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَوْلُهُ : لِفُلَانٍ فَلَيْسَ بِلَفْظِ اشْتِرَاكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ لِوَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظِ اشْتِرَاكٍ ، فَقَدْ أَوْجَبَ الْجَمِيعَ لِلْأَوَّلِ ، وَالْوَاجِبُ لِلثَّانِي مُزَاحَمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَصِحُّ وُجُودُ الْمُزَاحَمَةِ مِنْ الْمَيِّتِ ، فَلَمْ يُوجَدْ نُقْصَانًا فِي الْجَارِيَةِ لِلْأَوَّلِ فَاسْتَحَقَّ الْجَمِيعَ .
734 - 734 - إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا فَلَهُ ثُلُثٌ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ غَنَمُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، وَكَذَلِكَ الْعُرُوض كُلُّهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَرِينَةُ الْإِرْثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْإِرْثُ وَتَسْقُطُ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِرْثُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمِيرَاثَ فِي الْمَالِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ مَالًا فَقَدْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَدْ عَقَدَ عَقْدًا لَهُ مِثَالٌ فِي الشَّرْعِ ، فَانْصَرَفَ إلَى مَا لَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرْعِ ، وَمَا مِثْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ إيجَابِ الْحَقِّ فِي الْمَالِ ، وَهُوَ الْمِيرَاثُ يُرَاعَى مَالُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَرِينَةُ الْإِرْثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْإِرْثَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ ، فَإِذَا أَضَافَ إلَى نَوْعٍ خَاصٍّ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ الْحَقَّ فِي مَعْدُومٍ ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْغَنَمِ فَقَدْ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَوْجُودُ دُونَ الْحَادِثِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ اخْتَصَّ بِالدَّيْنِ الْمَوْجُودِ عَلَيْهِ دُونَ الدَّيْنِ الْحَادِثِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : بِثُلُثِ مَالِي ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِمَا يُتَمَوَّلُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَرَفْعِ غَلَّاتِهِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْإِذْنَ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ جَمِيعًا كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا أَوْصَى فَقَالَ : لِفُلَانٍ شَاةٌ مِنْ مَالِي ، وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ ، وَيُعْطَى لَهُ قِيمَةُ شَاةٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَهُ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فِي مَالِي أَوْ ثَوْبٌ مِنْ مَالِي .
وَلَوْ قَالَ : لَهُ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي أَوْ قَفِيزٌ مِنْ حِنْطَتِي ، ثُمَّ مَاتَ ، وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ وَلَا حِنْطَةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمِيرَاثَ فِي الْمَالِ ، فَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ فَقَدْ عَقَدَ عَلَى مَالِهِ عَقْدًا لَهُ مِثَالٌ فِي الشَّرْعِ فَجَازَ إيجَابُ الْقِيمَةِ فِي مَالِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : شَاةً مِنْ غَنَمِي ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْحَقَّ فِيهِ نَوْعٌ خَاصٌّ ، فَإِذَا أَوْجَبَ فَقَدْ عَقَدَ عَقْدًا لَيْسَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، فَكَانَ إيجَابَ مَجْهُولٍ فَلَمْ يَجُزْ .
وَفَرَّقَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْعَجَمِيُّ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ : شَاةٌ مِنْ مَالِي ، لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الْمَالِ فَلَغَا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِشَاةٍ ، وَلَا شَاةَ لَهُ فَيُعْطَى قِيمَةَ شَاةٍ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : شَاةٌ مِنْ غَنَمِي ؛ لِأَنَّ فِي تَخْصِيصِ أَغْنَامِهِ فَائِدَةٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَدْفَعُوا مِنْ غَنَمٍ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ فَلَمْ يُلْغَ ذِكْرُ الْغَنَمِ فَاخْتَصَّ بِمَا خُصَّ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ صَارَ ذَلِكَ وَصِيَّةً بِمَعْدُومٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ إذَا قَالَ : وَصَّيْت لِفُلَانٍ بِالْأَلْفِ الَّتِي لِي فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الصُّنْدُوقِ شَيْءٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
736 - 736 - إذَا أَوْصَى فَقَالَ : أَوْصَيْتُ بِسَالِمٍ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِسَالِمٍ لِفُلَانٍ آخَرَ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَلَوْ قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ .
كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْعَبْدِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وَصِيَّةً لَهُ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ اشْتِرَاكًا لَأَلْغَيْنَا ذِكْرَ الْوَصِيَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ اللَّفْظِ مَعَ إمْكَانِ إعْمَالِهِ ، فَجُعِلَ نَقْلًا لِمَا أَوْجَبَ لِلْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي رُجُوعًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، حَيْثُ لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ الْوَصِيَّةَ لَهُ ، إنَّمَا أَوْجَبَ لِلثَّانِي مِثْلَ مَا أَوْجَبَ لِلْأَوَّلِ ، فَكَانَ إشْرَاكًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِي لِفُلَانٍ آخَرَ ، كَانَ إشْرَاكًا .
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ ، فَقَدْ ذَكَرَ الْعَقْدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَهُ إلَى الثَّانِي فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَحِلِّ الْأَوَّلِ لَا عَقْدٌ وَلَا عَبْدٌ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : رَجَعْتُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَوْصَيْتُ بِسَالِمٍ لِفُلَانٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِذِكْرِ فُلَانٍ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِهَذَا الْعَبْدِ ، لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُبَيِّنَ الْمُوصَى لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ لَمْ يَذْكُرْ مَا أَوْجَبَ بِهِ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَصِرْ فَاسِخًا لَهُ وَلَا رَاجِعًا ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ فَاشْتَرَكَا فِيهِ .
737 - 737 - إذَا قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ قَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ ، كَانَ رُجُوعًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : فَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ .
وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ وَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَدْ حَرْفٌ يُبْدَأُ بِهِ فِي الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } وَقَالَ { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ } فَقَدْ ابْتَدَأَ نَقْلُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي فَكَانَ رُجُوعًا ، وَقَوْلُهُ فَقَدْ إبْقَاءٌ لِلصِّلَةِ ، وَوُجُودُ حَرْفِ الصِّلَةِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : قَدْ أَوْصَيْتُ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : وَقَدْ أَوْصَيْتُ .
فَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ ، وَلَا يَكُونُ الثَّانِي مَعْطُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ ، فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ لِلثَّانِي رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ ، فَصَارَ اشْتِرَاكًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِهِ لَهُمَا ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
738 - 738 - وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَهُ كَانَ رُجُوعًا .
وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ قَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ بِذَلِكَ الْعَبْدِ لِفُلَانٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ : لَمْ أُوصِ فَقَدْ نَفَى وَصِيَّتَهُ لَهُ ، وَلَهُ نَفْيُهَا فَصَارَ فَاسِخًا لَهَا ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا ثُمَّ جَحَدَ الْوَكَالَةَ صَارَ عَازِلًا ، كَذَلِكَ هَذَا فَصَارَ الرُّجُوعُ فِي ضِمْنِ نَفْيِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : رَجَعْتُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : اشْهَدُوا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكِ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَقَدْ وُجِدَ مَا كَانَ أَمْرًا بِكَذِبٍ ، فَلَمْ يَعْمَلْ ، فَاسْتَوَى وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
739 - 739 - وَإِذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ ، وَدَفَعَ إلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ ، وَأَجَازَ حِصَّةَ الْوَصِيَّةِ ، وَدَفَعَهَا فَسُرِقَتْ لَمْ يَرْجِعْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً ، وَالْمُقَاسَمَةُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ الْوَصَايَا لِلَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِآدَمِيٍّ وَقَسَّمَ وَأَخْرَج نَصِيبَهُمْ ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ، وَتَبْطُلُ قِسْمَتُهُ .
وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصَايَا إذَا كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْوَصِيُّ يَنْفَرِدُ بِتَنْفِيذِهِ ، فَيَنْفَرِدُ بِقِسْمَتِهِ ، فَصَحَّتْ الْقِسْمَةُ ، فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِمْ ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِآدَمِيٍّ لَمْ يَنْفَرِدْ الْوَصِيُّ بِتَنْفِيذِهِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِقِسْمَتِهِ ، فَلَمْ تَصِحَّ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِمْ ، فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ، وَلِأَنَّ الْوَصَايَا إذَا كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَالْحَقُّ فِيهِ لِلْمَيِّتِ ، وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فَنَفَذَتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا كَانَتْ الْوَصَايَا لِآدَمِيٍّ فَالْحَقُّ فِيهِ لِآدَمِيٍّ ، وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ ، فَلَمْ تَنْفُذْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ ، فَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ .
740 - 740 - إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ فَقُتِلَ الْعَبْدُ ، فَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا آخَرَ يَخْدُمُهُ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مِنْ إنْسَانٍ فَقُتِلَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ ، وَلَا يَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ عَبْدًا آخَرَ يَخْدُمُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ يُشْتَرَى جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا وَيَخْدُمَ فُلَانًا صَحَّ ، فَلَمْ يَبْطُلْ مَا كَانَ بِانْتِقَالِهِ إلَى الْقِيمَةِ ، وَبَقِيَ الْعَقْدُ بِبَقَاءِ خَلَفِهِ ، كَالْمَبِيعِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى عَبْدٍ يُشْتَرَى لَا يَجُوزُ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ مَا كَانَ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ لَا الْمَنْفَعَةُ ، فَسَرَى إلَى الْبَدَلِ ، وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَلَيْسَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ مُدَّةِ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ مَعْلُومًا ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِالْعَيْنِ لَمْ يَسِرْ إلَى الْبَدَلِ .
741 - 741 - إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ وَلَا لِلْوَرَثَةِ ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَلَهُمْ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ فَإِذَا اجْتَمَعَا فَلَهُمَا اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فَإِذَا اجْتَمَعَا فَلَهُمَا الِاسْتِيفَاءُ .
وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي وَلَا إذَا اجْتَمَعَا قَبْلَ إجَازَةِ الْمُشْتَرِي وَرِضَاهُ ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ ، وَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْمُضَارَبَةِ إذَا قُتِلَ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْتَصَّ ، وَلَا إذَا اجْتَمَعَا ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقُتِلَ لَيْسَ لِلْمَوْلَى وَلَا لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَقْتَضُوا وَلَا إذَا اجْتَمَعُوا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ جَوَازُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَالْمَرْهُونِ وَالْمُشْتَرَكِ عَلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُوصَى لَهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ يَنْتَهِي عَقْدُ الْوَصِيَّةِ ، فَيَصِيرُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ مُسْتَوْفِيًا جَمِيعَ حَقِّهِ ، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْقَتْلِ ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْهُونِ قَتْلُهُ يَكُونُ دُخُولًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِقَتْلِهِ يَنْتَهِي مِلْكُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَاتَ ، فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ عَلَى رِضَا الْمُوصَى لَهُ ، وَالْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ فَأَوْقَفْنَا ، فَإِذَا تَرَاضَيَا
وَاجْتَمَعَا فَقَدْ اجْتَمَعَ صَاحِبُ الْمَالِ وَصَاحِبُ الْحَقِّ فَجَازَ أَنْ يَقْتُلَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الْأُخَرِ ؛ لِأَنَّا مِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ اسْتِيفَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى رِضَا الْآخَرِ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ، وَفَوَاتُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ سَقَطَ حَقُّهُ ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ رِضَاهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ، فَمِنْ حَيْثُ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ يُبْطِلُهُ ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ إذَا قُتِلَ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ فَيَسْقُطُ رِبْحُهُ ، وَفِي عَبْدِ الْمُكَاتَبِ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُكَاتَبِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا قُتِلَ يَبْطُلُ حَقُّ غُرَمَائِهِ بِتَلَفِ الْعَيْنِ ، فَمِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى رِضَاهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَلَا نُوقِفُ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ رِضَاهُ وَعَدَمُهُ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ، كَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا ، فَصَارَ هَذَا قَتْلًا لَمْ يُوجِبْ الْقَوَدَ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ .
742 - 742 - إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَق عَنْهُ نَسَمَةً فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ عَنْ نَفْسِهِ ، جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ .
وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْوَصِيُّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا عَنْ نَفْسِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ يَتَصَرَّفُ بِحَقِّ الْمِلْكِ ، وَلِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَبِيعَ فِي الدَّيْنِ ، وَلِلْوَارِثِ حَقُّ مِلْكٍ فِي أَمْلَاكِ الْمَيِّتِ ، فَصَارَ تَصَرُّفُهُ بِحَقِّ الْمِلْكِ فَمُخَالَفَتُهُ جِهَةَ الْأَمْرِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ ، دَلِيلُهُ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ لَا بِحَقِّ الْمِلْكِ ، فَمُخَالَفَةُ جِهَةَ الْأَمْرِ يَمْنَعُ تَصَرُّفَهُ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا لِلْبِدْعَةِ لَمْ يَقَعْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
743 - 743 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِي عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، وَإِنْ أَجَازَ مَوْلَاهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَيُكْرَهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، وَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يَجُزْ تَعَلُّقُ الْعُهْدَةِ بِهِ ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ وَبَاعَ خَرَجَ هُوَ عَنْ الْعُهْدَةِ ، وَإِذَا خَرَجَ هُوَ عَنْ الْعُهْدَةِ تَعَلَّقَتْ الْعُهْدَةُ بِالْآمِرِ فَمِنْ حَيْثُ يَجُوزُ تَعَلُّقُ الْعُهْدَةِ بِهِ فَجَوَّزْنَاهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ تَعَلَّقَتْ الْعُهْدَةُ بِهِ ، وَخَرَجَ الْعَاقِدُ عَنْ الْعُهْدَةِ ، فَوَجَبَ تَعَلُّقُ الْعُهْدَةِ بِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ ، وَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْعُهْدَةِ بِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ فَلَوْ جَوَّزْنَا وِصَايَتَهُ إلَى الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، لَكَانَ إذَا بَاعَ لَمْ تَتَعَلَّقْ الْعُهْدَةُ بِهِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا لَا تَتَعَلَّقُ الْعُهْدَةُ فِيهِ بِأَحَدٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الْوِصَايَةَ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ ، لَكَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَمْنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَلَى الْآمِرِ لَا عَلَى غَيْرِهِ ، وَقُدْرَةُ الْآمِرِ عَلَى مَنْعِ الْوَكِيلِ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ حُرًّا .
744 - 744 - إذَا كَانَ الْوَارِثُ كَبِيرًا غَائِبًا ، وَالْمُوصَى لَهُ كَبِيرٌ حَاضِرٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى لَهُ وَأَعْطَاهُ مِنْ الْمَالِ حِصَّتَهُ ، وَقَبَضَ نَصِيبَ الْوَارِثِ ، ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَضْمَنَهُ .
وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ غَائِبًا فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَارِثَ وَأَعْطَاهُ حِصَّتَهُ ، وَأَمْسَكَ حِصَّةَ الْمُوصَى لَهُ وَمَيَّزَهُ ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ ، فَلِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَمْلِكُ الشَّيْءَ عَلَى طَرِيقِ الْخَلَفِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُبْتَدَأً ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ، فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَلِيِّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ قَبْضُهُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ ، فَإِذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ الْجَمِيعِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ يَدِ الْوَرَثَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَارِثُ إذَا كَانَ غَائِبًا ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ الشَّيْءَ عَلَى طَرِيقِ الْخَلَفِ عَنْ الْمَيِّتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَالْوَصِيُّ يَقُومُ بِمَالِ الْمَيِّتِ فَجَازَ قَبْضُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَقَبَضَ نَصِيبَهُ ، ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ ، لَا يَرْجِعُ فِي حِصَّةِ الْوَصِيِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
745 - 745 - الْوَصِيُّ إذَا احْتَالَ بِدَيْنٍ مِنْ غَرِيمٍ أَمْلَأَ مِنْهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ احْتَالَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ أَبْسَطُ يَدًا فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ بَاعَ مَالَهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ وَارِثِهِ لَا يَجُوزُ ، وَالْوَصِيُّ لَوْ بَاعَ مَالَ الْمَيِّتِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْ وَارِثِ نَفْسِهِ جَازَ ، فَجَازَ أَلَا يُجْعَلَ تَبَرُّعًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ مِنْ الْوَصِيِّ ، وَيُجْعَلَ تَبَرُّعًا مِنْ الْمَرِيضِ .
746 - 746 - إذَا كَانَ الْوَارِثُ ابْنَيْنِ وَالْمَالُ أَلْفَيْنِ أَوْ الْوَرَثَةُ ثَلَاثَ بَنِينَ وَالْمَالُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِالثُّلُثِ دَفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَخٌ لَهُ رَابِعٌ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ لَهُ مَا فِي يَدِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لَا يَصِحُّ بِالْوَصِيَّةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ وَبَقِيَّةُ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا الْقَدْرُ وَهُوَ الْأَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَقَرَّ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ دَفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ بِالْأَخِ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مِنْ الْوَرَثَةِ إلَّا هَذَا الِابْنَ وَهَذِهِ الْأَلْفَ فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .