كتاب :لباب الآداب
المؤلف : أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول من القسم الثاني في السلطانيات وما يقع في فنونها
غُرَرُ التَّحاميد
الحمدُ للَه الذي لا يُستفتَحُ بأفضلِ من اسمه كلام ، ولا يُستنجحُ بأحسن
من صنعه مَرام ، الحمد للَّه الذي افتتح كلامَهُ الكريم ، وفرقانه العظيم
، الحمد للَه الذي هو شعار أهل الجنة كما قال وآخر دعواهم : أن الحمد
للَّه رب العالمين ، الحمد للَّه المستحق الحمد حتى لا انقطاع ، وموجب
الشكر بأقصى ما يُستطاع ، الحمد للَهِ مانحِ الأعلاق ، وفاتحِ الأغلاقِ ،
الحمد لله مُعز الحق وناصره ، ومُذل الباطل وقاهره ، الحمد للَه معز
الدّين وَمُدِيلهِ ، ومُذل الباطل ومسيلهِ ، الحمد للَه في الحُجَج
البوالغ ، والنعم السوابغ ، والنقم الدوامغ ، الحمد لله المبين أيده ،
المتين كيدهُ ، جاعل المعاقبة لحربه ، والعاقبة لحزبه ، الحمدُ للَه الذي
لا يدرَكُ بالأبصار ، ولا تحثُه الأقدار ، ولا تحويه الأقطار ، الحمدُ
للَه الذي أقل نعمه يستغرق أكثر الشكر ، الحمد للَه حمداً يبلغ الحق
ويقضيه ويمتري المزيد ويقتضيه .
ذِكرُ اللَّه تعالى وجميل صنعه وحسن عاداته
عَلام الغيوب ، ومن بيده أزِمَة القلوبِ ، الخبير بما تُجن الضمائر وتكنُّ
السرائر ، سميع لراجيه ، قريبٌ ممن يُناجيهِ ، إن الله تعالى يقضي ما
يُريد ، وَإن رَغم أنفُ الشيطان المَريد ، للَه مَع كل لمحة صُنع حَفيٌ ،
ولُطفٌ خَفي ، صنعُ الله لدينا لطيف ، وفضله بنا مُطيف ، لا يزال الله
يجزينا على أحسن عادَتِه ، ويقسم لنا أفضل سَعادَته ، نِعَمُ
الصلاة على محمد صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلّم
وصلى الله على محمد خير من افتتحَتْ بذكر الدعوات ، واستنجحت به الطلبات ، صلى اللّه على مِفتاح الرحمة ، ومصباح الظلمة ، وكاشف الغُمة عن الأُمّة ، صلى الله على بشير الرحمة والثواب ، ونذير الشَطوة محمدٍ الذي أدى الرسالة مُخلصاً ، وبلَغ الرسالةَ مُلَخصاً ، صلى الله على محمدٍ أتم برَيتهِ خيراً فضلاً ، وأطيبهم فرعاً وأصلاً ، صلى الله على خيرِ مولودٍ دعا إلى خيرِ معبود ، صلى الله على محمدٍ خيرِ نَبيّ ومبعوثٍ ، وأفضل وارِثٍ وموروث .
ذكْرُ الآلِ عليهم الصلاةُ والسلامُ
وَعلى آلهِ الذين عظمهم توقيراً وطهرهم تطهيراً ، وعلى آلهِ الذين هم أعلامُ الإسلام ، وأيمان الإيمان ، وعلى آلهِ الطيبين الأخيار ، الطاهرين الأبرار ، وعلى آله الذين أذهب عنهم الأرجاسَ وطهّرهم من الأدْناس ، وجعل مودَتهم أجراً له على الناس ، وعلى آله الذين هم زِينة الحياةِ وسفينة النّجاةِ ، وشجرةِ الرَضوان ، وعشيرة الإيمان .
ذِكْرُ القرآن
القراَن هو النُور المبين ، والحق المستبين ، حبل الله الممدود وعهده المعهود ، وظِلهُ العَميم ، وصِراطه المستقيم ، وحجته الكبرى ، ومَحَجته الوسطى ، هو الضياءُ الساطعُ ، والبرهان القاطع ، هو الواضح سبيله ، الرّاشد دليلهُ ، الذي من استضاء بمصابيحه أبصر ونجا ، ومن أعرض عنها زَلَ وهوى ، فضائل القراَن لا تستقصى في ألفِ قران ، حجةُ الله وعهدهُ ، ووعيدُهُ ووعده ، يتبيّنُ تبيانه من استغلقت دونه المعضلات ، ويستضيء بمصابيحه من غم عليه في المشكلات . ذكرُ الخليفة
قد خَصَه اللّه بشرفِ الولادة ، وجازَ له إرثَ النبوة ، وبؤَأهُ محل الخلافة ، واسترعاهُ أمر الأمةِ ، لا ديناً آلا به ومعه ، ولا ديناً إلاّ لمن تولاّه واتبعه ، كافل الأمة وراعيها ، وسائس الملَة وَحاميها ، سليل النبوّة ، وعقيد الخِلافة وسيد الأنامِ ، والمستنزل بوَجههِ دَرّ الغَمام ، إن اللَهَ شفع النبوةَ بالخلافة ، إكمالاً للرحمة والرأفة ، وقَرَن الرسالةَ بالإمامة ، نظراً للخاصة والعامة .
ذِكْرُ السُّلطان
السلطانُ ظِل اللهِ في أرضه ، المؤتمنُ على حقه ، واليدُ المبسوطةُ في خلقه ، السلطان يرحم ما وسعت الناس النعمة ، ويعاقب إذا أصلحتهم النقمةُ ، عالماً أن اللّه قَرَنَ وعدَه بوعيده ، وثوابَه بعقابه ، السلطان زِمام على المِلَة ، ونظامٌ للجملة ، وجلاء للغُمة ، وعماد للذين ، وقارعة على المفسدين . تَهيبَ السلطان فرض أكيد ، وحتم على من ألقى السمع وهو شهيد ، من عَصى السلطان فقد أطاع الشيطانَ ، السلطان يدافع عن سَوادِ الأمة ، وبياض الدعوة . من شايع السلطان حَمَدَ يومَه وغدَه ، ورجا من العيش أرغده ، ومن نابذه كان في الأشقين مكتوباً ، وللفم واليدين مكبوباً .
محاسنُ أوصافِ الملوك وممادِحُهم
قد أحيا سِيَرَ العدل ، وأماتَ سِيَر الجَور ، فحِمى الدين منيعٌ ، وجنابُ الملك مَريع ، قد أنام الأنام في ظل عدلِهِ ، ووسعهم بإحسانه وفضله ، في يده خاتم عَدْل ، وفي حكمه صارم فضلٍ ، نفوس الرعية في ظلال السكونِ وادعَة ، وفي رِياضِ الأمن راتعَة ، دَولتُه على العَذلِ مُؤَسسة ، ومن الجورِ مُقدسَة ، قد صرَّف الناسَ بين خشونة إيعادهِ ، ولينِ مَعادِهِ ، وأراهم بَريقَ حُسامِهِ ، مشفوعاً ببوارقِ إنعامهِ . مولانا مستقل في ذُروة عِزه ، مستقِل بأعباء مُلكه ، يَتصرفُ في السياسة بين رِفق من غير ضَعف ، وخشونة من غير عُنفِ ، هو العَدل متبسماً ، والجُود متحسماً ، والبحر متكلماً ، والليث متكرماً . التوفيق نتاج آرائه ، والنَّصر حليف راياته ، والإصابة سهم خطراته ، والأقدار خدم عزماتهِ ، الدنيا في ظله كالعروس يَتَردد ماء النعمة على نحرها ، ويتراءى ابتسام الغِبطة من ثغرها ، قد ألقت الدنيا إليه أزِمَتَها ، وملكته الأرض أَعنتها ، وَطأَ الله لهُ مِهادَ المُلكِ ، وأعطاه مفاتيحَ الأرض ، أعلى اللّه كلمته وحكمته ويده ، وجنده ، وجمع أسباب لسعادةِ عنده ، قد ملكه الله أقطار بلادهِ ، ونواصي عباده ، سعادتُهُ تَدَعُ الدروب صحاصِح ، والبُحور ضَحاضِح ، ومغالق الدنيا على يده مفاتح ، وأيام دولته مناجح ، قد ساق الله إليه عِظام المناتِح ، وكتب له صحائفَ النَّصْر بأقلامِ الصفائح ، السعاداتُ إلى حضرته تتوالى تَوالي الأقطار ، وتعمُ رحمتُه كافةَ النواحي والأقطار ، توفَّر على الأطراف فَحَرَسها ، وعمد لآثارِ السوء فطمَسها ، لم يدعْ للباطل عَلماً إلاِّ وضعه ، ولا رُكناً للظلم إلا ضَعْضعَه ، قد حقَنَ الدِّماء ، وساسَ الدَهْماء ، وهَذب الأعمال ، وثمَر الأموالَ ، قد أدركَ الثارَ ، وحسم الشر المُثار ، وأحسن الآثار .
ذِكْرُ الحَضْرةِ
حضرة مَولانا موقِع الوفود ، ومطلع الجُودِ ، حضرتُه مَلْقى الرّحالِ ، ومُلْتقى الرجالِ ، وقِبلة الآمالِ ، مَثابة المجدِ ، وكعبة المُلكِ ، جَناب وسيعٌ ، ومزارٌ مَريعٌ ، محط رَحلِ الكَرَم ، وغاية مبلغ الهِمَم ، جنابٌ رَحبٌ ، ومَوردٌ عَذبٌ ، كعبةُ الآمالِ ومحط الرَحال ، وقِبلة الزجال ، هي عَرصة العَدل ، وساحَةُ الفضل ، مفرع الشكر ، وَمَصْرَعُ الفَقْر ، هي كعبةُ المحتاج ، إن لم تكن كعبةَ الحُجاج ، ومشعر الكرم ، إن لم تكن مشعر الحَرم ، ومُنى الضيف إنْ لم تكن مِن الخَيف وقِبلة الصِّلاتِ ، إن لم تكن قِبلة الصَّلاة . حسْنَ آثارِ الوزراء وأولياء الدولة
فلانٌ قدْ سافر رأيهُ وهو دانٍ لم يَنزَح ، وسار تدبيره وهو مُقيمٌ لم يبرحْ ، النجاحُ مقصورٌ على تدبيرهِ ، والصَوابُ مَقرونٌ بإمضائهِ وتقديره ، هو بين نُصْحٍ يؤثره ، وجميلٍ يؤثره ، هو مُدبرَ الأمرِ ومقدره ، ومُوْرِدُ الرأي ومُصدِرهُ ، ليس قلمُه إلا أوضحَ من السيف عُذراً وأحسن في الذبِّ عن البيضةِ أثراً قلمُه ناسجُ وَشْي المملكة ، وناظم عِقد الدولةِ ، قد سهَلَ المتَعذر ، وذلل المتَوعِّر ، وأنال البعيد ، وألان الشديد .
ذِكْرُ البَطَر وكُفْران النِّعمة
فلانٌ قَد أثرَى وَبَغى فاستغنى فطغى ، أرضتْهُ الموهبة فتسخطها ، وشملتهُ النِّعمة فغمطها ، انكشف منه حُسْنُ الاصطناع ، عن قبيح الامتناع ، وكثرة البرِّ عن قليل الشُّكر ، لبس ثَوبَ الخِذلان ، وجاهَرَ بالكُفر والعصيان ، وقابلَ النّعمة بالكُفران .
ذكْرُ العُصاة والمخالفين
قد ركبوا أضاليل الهوىَ ، وأباطيل المُنى ، ورَعَوا مراتِعَ الظنون ، ولم يروا مطالِعَ المَنون ، ما زال يوهِمُ وفاقاً ويَضْمِرُ نفاقاً ، وينشر صِدق طاعة ولاء وينشر خوافي ارتقاءٍ ، يظهر المعاضَدة ويُبْطن المعاندةَ ، ويُبدي موالاةً ، حشوها المماراة والمداهَنَةُ ، ويُظْهرُ مُشايعةَ سِرُها المداجاة والمداجنَة ، فلان يلقى أولياءنا بوجهه ، وأعداءنا بقلبه ، ويكثر لهؤلاء عن بغض سره ولهؤلاء عن حبه ، استزل الشيطان قدمه ، وعَرَض للسفكِ دمَه ، وأطال على فعله ندمه ، نزغ له شيطانُه ، وامتَدَت في البغي أشطانُه ، وجَد الشيطانُ بينهم منزغاً ، ولصائبِ سهمه فيهم منزعاً ، فلان قد عصى ، وشق العصا ، وخلع رِبقَة الطاعةِ ، وفارق ظل الجماعةِ ، فلان قد جُنَ ، وقَلَب المِجن ، قد مَدَ يداً قصيرةً ليتناول غايةً بعيدةً ، فضَ خاتمَ العافية بالغَدرِ ، وبدَدَ شملَ الخير بقلَةِ الشُكر ، شربَ كأسَ الجَهالةِ ، واستوطأ مركب الضلالةِ ، ران على قلبهِ الغي ، وملك قيادة البغي ، عادَ زَنْدُ شرّه قادِحاً ، وفتى صَرّه قارحاً ، راغ عن المذهب القويم ، وزاغ عن السِّراط المستقيم .
التعرضُ للهلاك واستجلابُ سوء العاقبة
ذكرتُ حَديثَ الباحِثِ عن مُدْيَتهِ ، الآكلِ لديته ، المتبرم بعمره ، المنتهي إلى آخر أمرِه ، قد تعرض لاجتلاب البليةِ ، وتحككَ باجتناب المنيةِ ، ما هو إلاّ الفراسة دَنَت من التيار ، والفَراش حامَتْ حولَ النارِ ، والنملة قربَ اجتياحُها ، فنبت جَناحُها ، فعل فعلَ الباحثِ عن مُديته المتعجل إلى انقطاع مُدته ، قد طار في رأسِه ، ما أظنه يُطيره عن جسده ، ويقطعه بجهلهِ في يَوْمه وَغدِهِ ، أعَماهُ غَليان دمِهِ عن موقع قدمه ، وأعْشاه اشتياق الحَتفِ إلى قَبضِهِ عن شمس أرضِهِ ، أولئكَ الأغمارُ الذين تناهَت بهم الأعمارُ .
الظلم والظلَمة وسوءُ آثارِهم
ظُلمٌ صريحٌ ، وجَورٌ فَسيحٌ ، واعتداءٌ قبيح ، فلان قد ملكته الهزةُ للظلم ، وأخذته الغِرةُ بالإثم ، وإذا رأيت ثم رأيت أملاكاً مغصوبةَ منهوبةً ، ورَعايا مأكولَةً مشروبةً ، رَعية فلانٍ مدفوعونَ إلى فقدِ الرياشِ ، وضِيق المعاشِ قد أداهُم الغلا إلى البلا ، والبلا إلى الجَلا ، والإضاقَة إلى الفاقةِ ، وصارَتِ الخَصاصةُ فوضى بين العامة والخاصة ، أمراؤهم عَجَزة قَعَدة ، وكُتابهم خَوَنة مَرَقَة ، فالأستار بينهم مهتوكَة ، والدماء مَسفوكَة ، والأموالُ مُجتاحة ، والديارُ مُستباحة ، فلان وُلدَ على أرضِ العِصيان ، ونشأ في حِجر الطغيان ، وغُذِيَ بلبانِ العدوان ، جعلوا يغيرونَ ويبيرون ، ويثيرون من الفتن ما ينثرون ، لا عن الدماء كَفُوا ، ولا عن الفروج عَفُّوا . ؟ التعدَي وثقلَ الوطآة
أنحى عليهِ إنحاءَ النوائب ، وَعَنَفَ بهِ عَنَف الحوادث ، غمزَ قناتَهُ ، وصَدَع صفاتِه ، أحل النقمةَ بساحَته ، وأجرى الجيشَ باستباحتهِ ، كان عزيزاً فأذله ، ومَصوناً فأذاله ، وفي عِداد من يُرمَق ويُغبَط فأحال عن ذلك حاله ، وثَبَ عليه وَثْبَة السّرْحان في ثَلَةِ الضأنِ ، وَثَب عليه وَثْبةَ أسَدية ، وأنحى عليه إنحاءةً أمَدية . ؟
الهَرَجُ والفِتنة
رَفَعت الفتنَةُ أحيادها ، وجمعت للشر أجنادها ، وأعلَت قواعدها ، وأطالت سواعِدها ، نيرانُ الفتنةِ تشتعلُ اشتعالاً وراياتُ الهرج تخفق يميناً وشمالاَ ، أضحت تلك البلاد وهي نارٌ تتلظى ، وناس يأكلُ بعضُهم بعضاً ، في كل دارٍ صرخَة ، وفي كل دَرب نعرة ، وفي كل زاوية ظالم لا يُنصِف ، ومظلوم لا يُنصف ، فالنهارُ ليلٌ بالدُخانِ ، والليلُ نهار بالنيران ، ولم يبقَ من رسومِ الإسلام ، غير شهادَةِ الإيمانِ وإقامة الأذانِ ، فالمهلكة شاغرة ، وأفواه الفتن فاغرة ، كشفتِ الفِتنةُ قِناعَها ، وخلعت عِذارَها ، فتحولتِ الرؤوسُ أذناباً ، والغنمُ ذياباً ، نواح معالمُ الدينِ فيها مُضاعة ، ودواعي الشيطان بها مُطاعة .
الإبراقُ والإرعاد
الأهبَة لاستئصاله مأخوذة ، والسُيوفُ لقتاله مشحوذة ، سيبلغ في عقابهِ ، ما يتأدبُ بهِ كُل جامعٍ في جَنابهِ ، وناظر إلى إمكانهِ ، وطامحٍ إلى ما ليس من شأنه ، سيُراق على الظلال دمهُ ، وتتطايرُ على الجِذع رِمَمُهُ ، أتدرون وَيحَكُم في أيٌ حَتفٍ تورطتُم ، وأي شرِّ تأبطْتُم ، أما علمتم أن العزيمة من مَولانا تترك أمثالكم مثلاً وتجعلكم لأهلِ الشقاقِ والعِنادِ مثلاً سيعلم المخذولُ كيف يُرمى بحَجرهِ ، ويُخنَق بوترِه ، وتشبع الوحوش منه ومن نَفَره . أحشادُ العدوِّ
حَشرَ وحَشَدَ ، واستَمدَّ واستنجَد واستعد ، كاشَفَ وبادى ، وحَشر فنادى ، حَشَدَ وحَشَرَ ، وضمَّ ونَشَرَ ، وجمع أطرافَه ، ولفّ ألفافه ، قد استنفدوا قوامهم في تكثير العَدد ، وتوفير العُدَد ، وتقديم المراصِد وتوكيد المكائدِ ، نفضت تلك البلادُ أحرارَها وعبيدَها ، وأخرجت عُدَتها وعديدَها ، نهض بمن جَمَعَ من فراش النارِ ، وأوباش الأمصار .
استهانةُ الأعداء والاستحقار بهم
سَحابةُ صَيفٍ عن قليل تقشع ، وعروقُ باطلٍ لا تمهل أن تَقطَعَ ، لا يهولنكَ كثرتُهم فإنهم أزوادُ السباع ، وأكال الضباع ، ومشارع السيوف ، ومراتع الحُتوفِ ، ما هي إلا صيحةً واحدةَ ، وزَجرةً راصِدَه ، حتى تراهم كأن لم يَغنوا في ديارهم ، ولم تسمع أخبارهم ، ما هم إلا فرائس الحِمام ، وأهداف السّهام ، الحَتْف لهم بمرصادٍ والهلك لهم على مِيعادٍ .
فيمن يسعى بقدَمِهِ إلى مراقِ دمِه
فُلانٌ يمشي إلى حتفهِ بأخمصَيْه ، ويبحثُ عن مُديتهِ بيديه ، قد طار بجناحه إلى موضع اجتياحِه ، تحقره إلى مَصْرعهِ الأضاليلُ ، وتعجلهُ إلى مهلكه الأباطيل ، استخفهم الحين المتاحُ ، واستحثهم القَدرُ المحتاجُ ، ساروا وآجالُهم تفسحُ لهم في مطامعهم ، ومناياهم تحث مطاياهم إلى مصارعهم ، قد نقلهم الله بأقدامهم إلى مصارع حمامهِم ، قادَهم الله بخزائم أنوفهم إلى مصارع حُتوفهم .
انخذالُ الأعداء واستيلاءُ الرُعبِ عليهم
تمثل لهُمُ الوَجَلُ فمَلَكهم الأجلُ ، واستطارَ بهم الوَهَل ، فلن يطول بهم المُهل ، قد سار صباحُهم ، وقَرُبَ اجتياحُهم ، وتطايَرت فَرَقاً أرْواحُهُم ، أشعرت نفوسهم التلاقي فبلغت التراقي ، رأوا الأنوار ظُلَماً ، والأشخاصَ بهُماً ، والآكامَ رِجالاً ، والخيالَ خيلاً عجالاً ، أحسّ قربَ الموتِ ، وضيقَ العيشِ ، وضَعْف الجأشِ ، واضطراب الجيش ، لم يرعْه إلا نذيرُ الجيوشِ قد جاشت فطار جأشهُ ، وتخاذلت أوْباشُه ، تقدمهم الأدْبارُ وهم يتأخرون ، كأنما يُساقون إلى الموتِ وهم ينظرون .
مسيرُ الملك في جنودِه والتفاؤل له
سارَ مَوْلانا والسماءُ تحدُ الأَرضَ بسَيرهِ ، والنجوم تودُّ لو جَرت معِ سنابكِ خَيلهِ ، أقبل مسعودَ الكواكبِ ، منصورَ المواكبِ ، تُخرجُ معه الأرضُ أثقالها ، وتسيرُ جبالَها ، نهض مَوْلانا والسُعودُ تواكبه ، والمناجِحُ تصاحبهُ ، ومعونَةُ الله تقدمُه ، وصوائبُ العَزَماتِ تخدمهُ ، جَلل مَولانا هذا الخطب عظم حركته ، وعشاه كبر مسيره عن دار مَمْلَكَته ، قد كادَتِ السماءُ تَميدُ إعظاماً لنُهوضِهِ ، والأرضُ تسير مَعَ خُيولهِ ، سارَ مولانا بأسعَدِ الطوالعِ والفواتِح ، وأحمد الميامن والمناجِح ، سار مولانا فخِلتَ الأرض مائجة ، والبحارَ هائجة ، والنجوم مُنكدرة ، والسماء مُنفطرة ، أقبلَ والإقبالُ صاحبهُ ، والنصر مُصاحبُه ، والظفَرُ يقدُمُهُ أعلامهُ والسعْدُ يخدم أيامَهُ ، استقبل بمولانا مع المسير شايماً ببروق العز ، مقدماً كتائبَ الرُعب ، مُستصحِباً مفاتحَ النَّصر .
وصفُ الجيش بالكثرة والشَّولَة
خَيْلٌ كقِطع الليل ، ورجال خُلقوا لقَطْعِ الآَجال ، وجيوش تجيش لها الأرض ، ويشتجر منها الطُول والعَرْض ، جيش كالليل بكثرةِ الخَيل ، وكالنهار بوضوحِ الآثارِ ، عساكرٌ تتابع أفواجُها ، ويتدافع أمواجُها ، جيوشٌ تقوى اللهِ زادُها ، ونصرُ اللَهِ عَتادُها ، عَسكرٌ وافرُ المَددِ ، كثيفُ العَدَد ، كثيرُ العُدَد ، ما هُم إلا بحارٌ ، ماؤها من حديد ، وجبال من بأسٍ شَديد .
وصفُ الأبطالِ وأبناء الحروب
كُل شُجاع قد تعود الإقدام ، حيث تزلُ الأقدام ، وبَطل يرى الإحْجام عاراً لا تمحوهُ الأيام ، سَيفُهُ أمُ الآجال ، ورُمحهُ يُتْم الأَطفال ، ما لسَيفِهِ غير الرقاب قراب ، وقد مَلأَ الأرضَ دماءً ، والسماء هباء حجل الخيلَ بدماء أعدائهِ ، وجعل هاماتِهم قلانسَ رماحِه ، رُمحهُ الطويل يقصِّر آجالَ الرجال ، هم كالأسود إقداماً ، والنيران اضطراماً ، هم أُسود الحربِ في غابة الحديد ، حملاتهم أَتيُ السيلِ ، ومجيئُهم مجيءُ الليلِ ، أبناء الغايات ، وليوثُ الغابات ، الحروب دأبهُم ، والجدُ آدابهُم ، والنصر طُعمهم ، والعَدو غُنمهم ، قلوبُ أسودٍ في صدور رجالٍ ، ورياح زعازعٍ في ثياب جبال ، هم على الأعداء بلاءٌ واقع ، وسُمُ ناقعٌ .
تعبئةُ الجيوشِ وحُسن ترتيبها
رتب مولانا المقاوم عموماً وخصوصاً ، وعَبى المقانب بنياناً مَرْصوصاً ، أمر بتَسوِيَةِ الصفوف التي لا خلل بها ، وانتضى السيوفَ التي لا خَلل لها ، عَبى جيوشَه المتصورة ميامَن تضمنت اليُمن ، ومياسر شافَهَتِ اليُسر ، ووقف في القلب يَسَعُ الزمان ، ويرجح الجبال ، رَتّبَ فلاناً في ميمنتهِ التي يقاربُها اليمن والنجاح ، وفلاناً في مَيسَرته التي يقارنها اليُسر والفلاح ، وصار هو وغِلمانهُ قلباً قالباً لما قابله ناكساً لما واجهه .
اشتدادُ الحَربِ وحَمْيُ وطيسها
سارَتِ الجموع إلى الجموع ، وبَرَقتِ الأبصارُ بلمعانِ الدُروع ، وحمي وطيسُ المِراس ، ودَنتِ التَراسُ من التَراس ، دارت كؤوسُ الموت دِهاقاً ، وعاد لقاء القرْنِ للقرنِ عِناقاً ، بلغتِ القلوبُ الحناجرَ ، وشافهتِ السيوفُ المناحِرَ ، هاجتِ الهيجاءُ ، وعَز النّجاءُ ، وصار التلاقي اعتلاقاً ، والتراقي أعناقاً ، صمتتِ الألسنةُ ، ونطقتِ الأسنَة ، وأقدمتِ الرّماحُ على الخُطَط الصعابِ ، وخطبتِ السيوفُ على منابرِ الرِّقابِ ، دارت رحى الحرب ، والتهبتْ جمرة الطعنِ والضرب ، ضاقَ المجالُ ، وتحكمتِ الاَجالُ ، ولم يُرَ إلا رؤوسٌ تُبذّرُ ، ودماءٌ تُهدَرُ .
تلاقي الجيش وكشف الحرب ساقها
اصطفتَ الخيل والرَّحلُ ، وامتلأ الحَزْنُ والسَّهل ، وبَرقتِ الأبصارُ بشعاعِ السيوفِ ، وسَفرَتْ رُسْلُ الحتوفِ بين الصفوفِ ، تراءى الجمعان ، وأفضى قربُ العيان إلى قربِ العَنان والتهبت جمرةُ الضراب والطعان ، كشفتِ الحربُ عن ساقِها ، ومَدت المنيّةُ رواقَها ، وألقت أرواقها ، دنت العنان من العنان ، وأفضى الخَبَرُ إلى العَيانِ .
أعمالُ الأسلحة
رَشْقٌ يشبه فيه ترادُف النبل باتصال الوَبْل ، تَجوزُ نبالُهم الدرَقَ إلى الحَدَقِ ، وتَنفُذ إلى الحلوق من خلالِ الحَلَق ، تمكنت الصوارِمُ من الهامِ مَشْقاً ، وتسابقتِ الرماحُ إلى الأكبادِ رَشقاً ، طعناً تمكثُ الرماحُ من الدماء فتعثرت في النُحور ، وتكسَرَتْ في الصدورِ ، اشتَجرت سُمْرُ الرِّماح ، وتصافحَتْ بيضُ الصِّفاح ، جعلتِ السِّهام تعتمد العيون ، والسيوف تحصدُ الرؤوسَ ، والرِّماح تنظمُ القلوبَ والصدورَ .
شِدَّة النَكايَة في الأعداء
زَحَموا الأَعداء من جوانبهم ، وتمكنوا من فَض صفوفِهم ومواكبهم ، وَطئوهم بسنابك الخيول ، وتركوهم كجُفاء السُيول ، وثبوا عليهم وثوبَ الأُسُوْد ، وتركوهم كالزرعِ المحصود ، نكوا فيهم نكاية القضاء والقَدر ، وأثروا فيهم تأثير النار في يابسِ الشجر ، شربوهم شُربَ الهِيم ، وحطموهم حَطمَ الهشيم ، وتركوهم كالرميم ، تجرّدوا لهم وحطموهُم وهزموهم ، أوقعوا بهم وَقعة عظيمةً ، ووطئوهم وطأةً أليمة ، لما التهبت جمرةُ الحَرب ، طحنوهم طَحْنَ الحَب .
هُبوبُ رياحِ النَّصْر
إذا ضاقَ المجالُ ، وتحكَّمت أَيْدي الرَّجال ، أَهبَّ الله لمولانا ريحَ النصر ، وحكم لحزبه بالعلو والقَهر ، ولما بَلَغَ كتابَ المهل آخره ، أجرى اللّه للولاءِ المنصور طائره ، ما انتصف النهار إلاّ وقد انتصفَ اللَّهُ للحقِّ من الباطل ، وكفنا بالأيدِ القاهرِ والنَصر الشامِل ، أنجز اللّه لمولانا وعدَه ، وأظهر جندَه ، وحفظ عادته عنده ، ولما بلغ كتابُ النصر أَجَلَه ، واستوفى ميقاتَ الظهرِ مَهَله ، مكَن اللّه لأشياعِ مولانا فاتبعوا أدبار المارقين ، وأوردهم دار الفاسقين ، وأنجز ميعاده ، وأتم إسعاده .
انجلاءُ المعركةِ عن القَتلى والأسرى والهزمى
انجلتِ المعركة ، وقد أحاطَتْ بالشقي يدُ الهَلَكَة ، واقتسامُ شِيَعِ الطُّغيان سريع ، وقتل ذريع ، وأسْر مُوبِق ، ونَصْر موثق ، انكشفت المعركة عن تفريقِ أعداءِ الله بين قتيل استأثر بهِ الحِمام ، وأتى عليه الاصطلام ، وجريح قَدْ عايَنَ طرقَ المَنيةِ ، دون بلوغ الأمنية ، ومنهزم لا يستبقيه الهَرَبُ ، إلا بمقدار ما يَنالهُ الطلَب ، تَقَسَّم الأعداءُ بين قتيل مُوَسَدٍ ، وأسير مُصَفَدِ ، وهارِبٍ مُطَرّدٍ ، ومُسْتأمَن مُقيّدٍ ، تقسَّموا بين قتيل مُرمَّلٍ ، وجريحٍ مُجدّلٍ ، وأسير مُكبَّل ، لم يُرَ فيهم إلا أسيرٌ وكسير ، وقتيلٌ عَفير ، وجريح وقريح ، ومُرْمل ومُرمّل ، هم بين أسرى أوثقتهم القُيود ، وقتلى زَهت عنهم اللحود ، وجَرحى قد صافَحتْها المنايا الشُود ، جريح مُرهَقٌ ، وأسير موثَقٌ ، قتيل مُطْرَح ، وشريدٌ مُطوَّح .
طيرانُ المنهزمين بأجنحةٍ وسوءُ حالهم
استطاره الرُعْب فلم يلبث إلا فواقاً ، ولم ينتظر رِقاقاً ، بل طار بأجنحةٍ وَجِلَة ، وطاحَ ببقيةِ أجله ، ملكه الرُّعْبُ ، فجاز في مَسْراهُ ولم يَعرف يُمناهُ من يُسراه ، طاروا بأجنحةِ الرُّعبِ وَجِلَة ، وطاحَ بقية أجَلهِ ، مَلَكهُ الرعب لأنه ينشأ آباؤهم على أبنائهم ، ولا يفق سراعهم لبطائهم ، نكصوا على الأعقابِ ، وطاروا نحواً في العقاب ، وأجفلوا إجفال النَعام ، وأقشعوا إقشاع الغَمام ، " تشتتوا أَيدي سَبا " وتفرقوا جنوباً وَصبَا ، لا يجدون في الخضراءَ مَصْعداً ، ولا على الغبراءِ مَقعداً ، لم تقلهم الأرض إلا راجفة ، ولا طلعَتْ عليهم الشمسُ إلا كاسفةً .
ركوبُ الأولياءِ أكتافَ المنهزمين
ركبَ الأولياءُ أكتافَ الأعداء ، يشلُّونهم شَلَّ النعم ، ويقدُّونَهم قَدَّ الأَدَم ، ويذبحونهم كهدايا الحَرَم ، ركب الأولياء أكتافهم ، وعيون المنايا ترصدُهم ، وأيدي الحُتوفِ تحصدهم ، أمر فلانٌ بأن يُبعَد في آثارِهم فيهينهم ، ويجد في طلبهم فلا يرفههم ، لتعجلهم صَدمته من التواصل إلى الاستراثة ، والتمكن من الاستحاشة ، هاموا على وجوههم والطلب من ورائهم على احتشادٍ ، وما أعدَّ اللّه لأمثالِهم بمرصادٍ .
ذِكْرُ الغنائم
غَنِموا أموالَهم التي لم يؤدوا منها حقاً معلوماً ، ولم يُغنوا بها سائلاً محروماً ، وما غنموا ذلك الحُطام ، المجموع من الحرام المثمر من الآثام ، المقتطَع من فيء الإسلام ، قد صارت أموالُ الأعداء غنائمَ للأولياءَ لا تُحصى كثرةً ، وعادت على الفاسقين مظالم وحَسْرَةً .
جَلالةُ شأنِ الفتحِ وعظمُ موقعِهِ وحُسنُ إنشادِه
كتابي والدنيا مُشرقةٌ بالفتح الذي تفتَحَت له عيونُ الزمان ، وأشرق بأنوارِه الخافقانِ ، كتابي والزمانُ ضاحكُ الثغرِ مُتظاهِرُ البِشْرِ ، والخلائِق بين فرائض الحَمْدِ ، ولوازم الشُكرِ ، للفتح الذي تفتحت له أبوابُ الشَّرفِ والمجدِ ، وتفتَّقت أنوارُ المُلك والعَدْلِ ، كتبتُ والأرضُ رَيّاً ضاحكةً ، والدنيا خضراء ناضرة ، والبلدان ملأى تهاني وبِشارات ، والأولياءُ شورى بين أفراح ومَسَرات ، للفتح الذي نَطَقتْ بهِ ألسنةُ الشكر ، وارتاحت له أنديةُ الفَضل ، كتابهُ يخبر الفتح الذي أرى الضياء في مَطالِع الملَة ، والصفاء في مشارع الأمَة ، واستغرق حظوظَ الشّرفِ والمجد ، واستوعب شروط الشُكر والحمد ، وقد جَل هذا الفتح عن تَطلُب نُعوتِه بتصرُف الأحوالِ ، وتفخيم شؤونه بضرب الأمثال ، للفَتح الذي أصبحَ الإسلام بهِ مُتَسِعَ النطاقِ والعَدلِ ، ممدود الرّواق ، والسُلطانُ ساطعُ الإشراقِ ، محروساً من عدوهِ المراق ، ونزغة الشقاق ، للفتح المبسُوطِ بينَ المشرقين شعاعُه ، الممدود على الخافقين شِراعه ، أهنَي مولانا عن فتح الأرضِ وكريمة المُلك ويتيمةِ الدهر ، وواسطة العِقد ، للفتح الذي تجاوز الآمال والهِمم ، وكشف الغُموم والغمم ، وأحَلَّ بأعداء الله النقم .
حُسنُ حالِ البلدة المفتوحَةِ والتخفيف عن رعيتِها
طهَرَها مولانا من شوائب الفَساد ، وأطلع فيها كواكب السَّدادِ ، أرخى من خناق الرَّعِيّة ، واستنقذَها من أنياب العَسْف والأَذية ، ابتسمت تلك البلادُ المفتوحَة عن ثغور الأمَنة ، وطالت فيها أنواع النَّصَفة ، وجمع الله أهلَها على مسالمةٍ كَشفتِ المحن وأَزالتِ الإحَن ، أَطْلَعَ فيها كَوكبَ العَدْلِ وكان خافياً ، وأوضح لهم منهج الأمن وكان عافياً ، استبدَلَتِ الرَّعية بشِدة الوَجَل ، قوة الأمل ، وبانبساط الأنواع ، والأيدي التي عليها انقباض الأطماع ، والعوادي عنها .
الأَدْعية السُّلطانية عند الفتوح وغيرها
أدامَ اللّه أيامَ مولانا مُصرَفاً أزمَّة الأرضِ ، مالكاً أعِنَّة البَسْط والقبض ، والله يديم له الفتوح يميناً ويَساراً ، ويزيد لأعدائه ذُلاً وخساراً ، عَرّفه اللَهُ بركةَ ما أفاءَهُ عليه وهنأه النعمةَ فيهِ ، ويسَرَ له الفتوحَ شرقاً وغرباً ، ومكَنَه من أعدائه سِلماً وحَرْباً ، أبقاهُ الله نافذ المكائد والعزائم ، ماضي الآراء والصوارم ، عَليّ اليدِ والرَّاية ، شامل الملك والولاية ، لا زال النصر يَقْدمُه والدهر يخدُمُه ، والفتوح تصافحه ، والمناجح تغاديه وتراوحه لا زالت الأرضُ تحت تصريفِه وتَدبيره ، والناسُ بين تقديمِه وتأخيره ، أَدام اللّه له النجم صاعداً ، والزمان مساعداً ، أبقاه اللَّهُ للدنيا والدين ، وأخذ رايةَ المجدِ باليمين ، لا زال واطئاً بسنابكِ خيلهِ قِممَ منابذيه ، معمداً سُيوفَهُ في رِقابِ مخالفيه ، لا زال أولياؤه صنائعَ دولته ، وأعداؤه حصائد صولَتهِ ، موصول السلطانِ بالدَّوام ، مكنوف الراية بالنَصر والانتقام .
استقرارُ الدارِ بالسُّلطان
أقبل مولانا إلى دار قراره ، فأقبلتِ الدنيا المولية ، وانجلتِ الظُّلمة المستولية ، كان حلولُه بمركز عِزِّه ، ومقر مُلكِهِ حُلول الدِّيمة الهطلاء عَقيبَ السنةِ الشَهباء ، والنور المنتشر بَعْدَ الظلام المعتكِر ، عاد إلى سرير مُلكه ، ومقر عِزه ، على الطائر الأسعَدِ ، والجَدِّ الأصْعَدِ ، فانحسرتِ الغُمَّة بلألاء جبينه ، ودرَّت النَّعم من سَحَاب يمينه ، أتتِ البشائرُ بعودِ مولانا إلى دارِ سلطانِهِ ، المعمورة بنظارة أيامه ، عاد مولانا إلى السرير مستقراً على غاربِهِ ، حامياً لجوانبه ، قد دانت له الطوائْفُ ، وأمِنَ به الخائفُ . الباب الثاني في الإخوانيات وما يتصِل بها
ذِكْرُ المودَّة
مَوَدّةٌ طالت بها المُدة فاستحكم غَرسُها ، وتمهَّد أُسُّها ، مَوَدَّةٌ تلوحُ عليها غُرَرُ الخلوص ، وتبدو فيها آثار الخصوص ، قد وقعت على مَودَتِه أجزاء نفسي ، وفَرَشتُ لمحبتهِ جوانب صدري ، وأمسكتُ على مُوالاتِه بيدي إنابة مُتحقِّق ، وبعروة ودِّه متعلق بيننا مَودَّة تتصل مدًّتها ، ولا تنقطع مادتُها ، قد اتخذنا المودَة بيننا ديناً وخَليقةً ، ورأيناها بين الناس مجازاً فأعدناها حقيقة ، وُدٌّ انتهى الصفاء إليهِ ، وقد بلغ أقصاهُ ، وعَهْدٌ خَيَّمَ الوفاءُ عليه فألقى عصاه .
حُسْنُ المُخالَطة
لا أحولُ عن عهدِك ، وإنْ حالتِ النجومُ من ممارِّها ، ولا أزول عن وُدَك ، وإنْ زالتِ الجبالُ عن مَقارَها ، بيننا عِصَمٌ لا تُنقَض ، وذِمَمٌ لا ترفض ، لي قلبٌ قريحٌ ، حَشْوُه وُدُّ صَحيحٌ ، وكبدٌ دامية ، كلُّها محبَّةٌ نامِيَة ، مودَتك شعارُ ضميري ، ومخالصتُك أغلبُ الأحوالِ على قلبي ، بيننا محبة لا تتميزُ معها الأرواح ، إذا ميزتِ الأشباح ، ومُخالصَةٌ لا تتباين بها النفوسُ والمُهَج ، وإن تباينتِ الأشخاصُ والصُّوَر ، نحن في المساعدة نحيا بروح واحدةٍ ، حال هي القربى أو أخَصّ ، وامتزاجٌ هو النفوس أو أمَس ، هو الأخُ بل وُدُه أًرسَخُ ، والعم بل اشتراكه أعمُّ . التودّدُ والإفصاح عن صِدقِ المحبَّة
أنا أَودكَ بأجزاء قلبي ، وأُحبك من سواءَ نفسي ، لا مرحباً بعيشٍ أنفردُ به عنك ، ويوم لا أكتحل فيه بك ، لا أزال يا سيدي أحِنُ إليك ، وأحنو عليك ، يا ليت قلبي يتراءى لك فتقرأ فيه سطورَ وُدَي لك ، وتقف منها على امتزاجي بك . يعزّ عليّ أن ينوبَ في خدمتك قلمي دون قدمي ، وخطي دون خَطوي ، ويَسْعَد برؤيتك رَسولي قبلَ وصولي ، ويَرِد مشرع الأنس بكَتابي قبل رِكابي ، قد مِلتُ إليك فما أعتدل ، ونزلتُ عليك فما أرتحل ، ووقفتُ عليك فما أنتقل ، أنسى الأنام وأذكرك وأطوي العالم وأنشرك ، مَسكنُك الشَغافُ ، وحبةُ القلب وخِلْب الكبد ، وسواد العين ، أنا أَعُدّ نفسي بعضَ أخوانِكَ في العدد ، وأفوقهم في التودّدِ ، أنا واللّه أجتني قربك ، وأجتوي بعُدَك ، والله ما تُظل الخضراء ولا تقِل الغبراء ، عبداً هو أشد مني لك مُحالفة ، وأقل مخالفة ، عهدي لك من أكرمِ العهودِ ، ووفائي لك وفاء العِرق للعودِ .
التَّفْدِيَةُ
فداك من عاداك ، أفديك بالأعزين الأهلِ والولد ، وبالأنصرين الساعدِ والعَضُد ، بل بالعُمدتَين القلب والكبد ، بل بالنفس كلها ، والمُهجةِ بأسرِها ، لا زلت مفدًّى بأنفس العبيد ، ممداً بأمداد التأييد .
ذِكْرُ العَهدِ والعُمدةِ والعدَّة
هو لي كالنَّابِ والظُّفر ، والجُنَّةِ من نوائب الدَّهرِ ، هو مَن عليه أعتمدُ ، إليه أستنِدُ ، وبه أعتضِدُ ، هو من استضيء في ظُلَم الخُطوب برأيه ، وأستجنُ من سهامِ النوائب بولائهِ ، هو الكهفُ والوَزرُ ، والسَّمع والبصر ، والشمس والقمرُ ، واليد اليمنى ، والعروة الوثقى ، هو العين الناظرة ، واليد الناصرَة ، هو الركن الوثيق هو الشقيق الشفيق ، هو العين البصيرة ، والجارحة النفيسة .
المناسَبَةُ بالعلمِ والأدبِ والمذاهبِ
كلمةُ الأدبِ جمعتنا ، ولحمةُ العلِمِ نظمتنا ، قد اشتركنا في العقيدة ، واستهمنا بالسريرة ، الأَدب نسَبٌ واشِجٌ والعلم نسَبٌ ممازج ، الأدب أقربُ الأنساب ، والعلم أوكدُ الأسبابِ ، الشُّكول أقاربُ ، وإن تباعدَتْ بهم المناسبُ ، فرحة الأديب بالأديب كفَرحة المحبِّ بالحبيب والعليل بالطبيب .
تقاربُ الضمائرِ والاستشهاد بالقلوب
النيات تتقابل ، والقلوبُ تتعارَفُ ، والضمائر تتناصف ، كفانا ما نرجع إليه من تصافح القلوبِ بالذكرى ، وانطواء الضمائرِ على الحُسنى إنّ على القلوبِ من القلوب شواهد لا تُعرفُ ، وأدلة لا تكْذبُ ، لي من علمك وضميرك شاهدان لا تجرح عدالتهما ، ولا تُخشى جهالتهما لَسْتَ تخبرني من ودكَ إلا بما سبق إليه علمي ، وشهد عليه قلبي ، الضمائر الصحاحُ أبلغُ من الألسنةِ الفِصاح ، القلوبُ متكافئة ، والنيات كافية .
وَصْفُ الشوقِ والحنين
الشوق إليك سَهير ذكري ، ونَديم فكري ، شوقي إليك زادي في سَفري ، وعتادي في حَضَري ، شوقي إليك لا يُعدى عليه صبرٌ ، ولا يَستقل به صدرٌ ، شوقٌ يكادُ يكون لِزاماً ، وحنين يُعدُّ غَراماً ، الشوق إليك أمامي وورائي ، وحشو ثوبي وردائي ، شوقٌ لا يفيق سقيمه ، ولا يرحل مقيمهُ ، شوق مقيم لا يَريمُ ، وحنين لا ينام ولا ينيم ، شوقٌ جَرَح جوارحي ، وجَنَح جوانحي ، شوقٌ براني بَري الخِلال ، ومحقني مَحقَ الهلال شَوقٌ يفض الفؤادَ ، ويقضُ المِهاد ، نارُ الشوق حَشو ضُلوعي ، وماءُ الصبابةِ ملء جُفوني ، شوقي إليك شوق الرَّوْض إلى الغيثِ ، والملهوف إلى الغَوثِ ، عندي شوقٌ لو قسم على أهل الأرض لما كان فيهم إلا متيمٌ ، ولم يُر فيهم إلا مُغرمٌ ، شوقٌ يهتك الحياء ، ويمري من العين الماء .
سوءُ أثرِ الفراق والاشتياق
حالي بَعْدَكَ حالُ غُصنٍ ذوى بعد ارتوائه ، ونجمٍ هوى عند اعتلائهِ ، ما حالُ ذاوي نَبْتٍ أمسك مَطَرُهُ ، وساري ليلٍ غاب قمرُه ، قد تركني فراقُك ، قتيل اشتياقِك ، وغادرني بَعدَك أقاسي بُعدكَ قد تحملتُ مع يسير الفرقةِ عظيم الحرقَةِ ، ومَعَ قليل البعد ، كثرة الوجدِ ، فارقتني ففرقت جميعَ صبري ، واسْتصحَبْتَ فريقاً من قلبي ما فارقتك بعيداً ، حتى استصحَبْتَ من نفسي فريقاً ، ولا سرت مِيلاً حتى سرت بقلبي جميعاً ، فارقتَني ففرقتَ بين جنبي والمهادِ ، وجمعتَ بين عيني والسُّهادِ ، لولا حصانةُ الأجلِ ، لخرجت روحي على عَجَل .
ذِكْرُ الوَداع
ودّعَتني فأودعتني شوقاً يجور حكمُه ، وقلقاً ينفذُ سَهْمُهُ ، قد وَدَعت بوادعِكَ العافية ، والعيشة الراضية ، ودعتُ بوداعِك الدّعة ، وفارقت بفراقِكَ الرَّوْحَ والسّعَة ، وَدعتُ يوم وداعِكَ دُنيايَ التي كنتُ أستمتع بها ، وحياتي التي كنت أنتفع بعوائد النِّعَم فيها .
ذِكْرُ أيامِ اللقاء ووصفها
يا أسفا على عقلاتِ العَيش إذ ظهائرنا أسحار ، وليالينا أنهار ، وشهورنا أيام ، وسنوننا قصار ، والدَّهر غافل وَباع الفراق قاصرٌ ، ورَبع التلاقي عامرٌ ، ورَوْض الأنس ناضرٌ ، حين الزمان غلامٌ ، والحلم حرامٌ ، كانت تلك الأيام من غُرر العُمْر ، وغُرر الدهر ، تذكرتُ أيامنا فتذكرتُ سحراً ونسيماً ، وعَيشاً سليماً ، ورَوْحاً وريحاناً وَنعيماً ، وخيراً عميماً ، وابتهاجاَ مقيماً ، أيامٌ حَسُنَتْ فكأنها أعراسٌ ، وَقَصُرت فكأنها أنفاسٌ . الدعاءُ بتيسير اللقاء
أعادَنا اللّه للالتقاء فما أرقَّ نسيمَه ، وَألذَّ نَعِيمَهُ ، أسأل اللّه أن ينتقم من أيام الوداع ، برَدِّ أيام الاستمتاع بالاجتماع ، أعانَ الله على تعجيل الأَوْبة ، وتخفيف أيام الغَيبة ، جمعَ اللَّهُ شمل سُروري بِكَ ، وعَمُرَ عمري بالنظر إليك ، واللّه يطيل مدتك ، ويَحرسُ مودَّتك ، جعل اللّه باقي عيشي مَعَكَ ، وأهَلَني للنظر إلى لألاءِ غُرّتِكَ .
الجوابُ عن وَصفِ الشَّوق
شكوتُ الشَّوْقَ فكأنما عًبّرت عن قَلبي ، وقرأتُ وَصفَه من صحيفةِ صَدري ، ذكرتُ الشوقَ فهيجت ما يهيجهُ تغريدُ الأطيارِ بالأسحار ، والوقوف بَعْدَ الأحباب على الديارِ ، أما شكوى الشوق فقد شكوت إلى شاكٍ ، وتوجَّعت إلى مُتَوجِّع باكٍ ، أما وَصفُك الشوق فهو عبارة عن أحشائي لو نطقتْ ، وتعبير رُؤياي لو صَدَقتْ .
إهداءُ السلامِ
أهدي السلام غضاً طَريّاً ، وَوَرداً جنياً ، أحمِل سلامي عليه أنفاسَ الشمالِ ، وطالما تردَّدَت بين مُحِبِّ ومحبوبٍ ، واستودعتهُ نسيمَ الصَّبا ، فنِعم السفير بين شائقِ ومشوق ، وسلام كأنفاسِ الأحباب بل كأيام الشبابِ ، فلان مخصوص بالمحاسن ، أخُصه من السلام ، بأوفرِ الأقسامِ ، فَأجزل السّهام ، واستديم اللّه مُدته بقاءَ الليالي والأيام ، أخصه من السلام بما يضاهي محاسنه كثرةً ، وأشكو قلقاً لفراقه وحَسْرةً ، سلامي عليه كأيامي عنده نضرة ، وأياديه عندي كثرة .
حُسنُ الخَطّ
خط يجري مجرى السِّحر ، ويرتفع حُسنُهُ عن النعت ، رأيت من خطِّهِ يواقيتَ في نظام ، وصفحاتِ نورِ عليها سُطور ظلام ، خط أحسنَ من عطفةِ الأصداغ ، وبلاغَة كالأمَل آذَنَ بالبلاع ، خَط كالرَّوْضِ الممطور ، والوَشي المنشور ، والدُّرِّ المنثور ، خط كأنّهُ خُطوط العَوالي في خدود الغواني ، خط أمْلحُ من بنفسج الخط وأحسن من الدرِّ في السِّمط ، خط كالتبر المسبوك ، والوشْي المحبوكُّ ، خط أملح من صَولجان المِسكِ في ميدان الوَرْد ، فلان يَغرس في أرض القراطيس ، وينشر عليها أجنحة الطواويس . خَطهُ خُطةُ الحُسن ، والروض غب المُزن ، خطه حديقة الأحداق ، خط كالرِّياض والحَدَق المراض ، والإقبال بعد الإعراض .
وَصْفُ النَّثْر
ألفاظ كغمزاتِ الأَلحاظِ ، ومعانِ كأنها فَكُّ عانٍ ، ألفاظ قد اسْتعارت حلاوةَ العِتابِ ، بين الأحبابِ ، واستَرقَتْ تشاكي العُشاق بعد الفراق ، ألفاظاً كالتّباشير مَسْموِعةً ، وأزاهير الرياض مجموعةً ، ومعانٍ كأنفاسٍ تَعبق بالراح والريحان ، ألفاظ كما نوَّرَتِ الأشجارُ ، ومعانٍ كما تنفَّسَتِ الأسحارُ ، كلامٌ يسر المحزون ، ويسهل المحُزون ، ويعطل الدُرَ المكنون والمخزون ، كلام كما تنفَّسَ السحرُ عن نسيمه ، وتبَسَّم الدُر عن نظيمه ، ألفاظٌ تأنق الخاطِرُ في تذهيبها ، ومعانٍ عُني الطَّبْع بتهذيبها ، كلام كالبشرى بالوَلدِ الكريم ، قرع بها سمعَ الشيخِ الموسِرِ العقيم ، كلامٌ حَسَنُ الدِّيباجَة صافي الزُجاجةِ ، قرأتُ لفظاً جَلياً ، حوى مَعْنى خفياً سديداً ، وكلاماً قريباً رمى غَرضاً بعيداً ، كلامٌ يجمعُ أوصافَ المُدام ، بماء الغمام ، ألفاظُهُ أنوارٌ ، ومعانيه ثمار ، كلامٌ يُشبع الغَرثان ، ويَروي الظمآن .
وَصفُ البُلغاءِ
فلانٌ يعبث بالكلام ، ويقودُه بألين زِمام ، فلان يَجرُّ مفاصِل الكلام ، ويسبق فيها إلى دَرْك المرام ، كأنه أوحي بالتوفيق إلى صَدره ، وحُبسَ الصَّوابُ بين طبعِه وفكره ، يوجزُ فلا يُخِل ، ويُطنِبُ فلا يُمل ، كأنما جُمع الكلامُ حولَه حتى انتقى منه وانتخب ، وتناول منهُ ما طلَبَ ، وترك بعد ذلك أذناباً لا رؤوساً ، وأجساداً لا نفوساً ، له كلامٌ يشتد مرةً حتى تقول الصخر الأملس ، ويلين تارةً حتى تقول الماء وأسلسُ ، ألفاظُهُ دُرَرٌ ، وأضدادها دُرَرٌ ، كأن الكلام قد سَهُلَتْ له حُزونه ، ولانت متونُه ، وطاعت عيونه ، ودانت له أبكارُه وعُونُهُ .
وَصْفُ النَّظْم والنثر معاً
نثرٌ كنثر الوردِ ، ونظمٌ كنظم العِقدِ ، نثرٌ كالسِّحر أو أدق ، ونظمَ كالماء أو أرق ، ورسالة كالروضة الأنيقةِ ، وقصيدةٍ كالمخدَّرة الرَّشيقةِ ، رسالة كالروضةِ تقطر ظرفاً ، وقصيدة تمزج بالراح لطفاً ، نثر كالحديقةِ تفتحت أحداقُ وَردها ، ونظمٌ كالخَريدةِ ، تَوَرَّدت أشجارُ خَدِّها نثراً أنسى حلاوةَ الأولادِ بحلاوتهِ ، وطلاوةُ الربيع بطلاوته ، وشعرٌ من حُلَة الشَباب مسروق ، ومن طِيبه الوِصالُ مخلوق .
وَصْفُ الشِّعرِ
قصيدة ، في فنَها فريدة ، عروس كسوتُها القوافي ، وحِليتها المعاني ، شِعرٌ رَوَيْتُهُ لما رأيتُهُ ، وحفظتُه لما لحظتُه ، شعرٌ مع قُربِ لفظهِ بعيد المرام ، مستمرُ النِّظام ، شعر يختلط بأجزاء النفس لنفاسته ، ويكادُ يُفتن كاتبُه من سَلاسَته ، شِعرٌ هو عين البديع ، يجمع حُسْن التَّصريع ، ولطف التَّرصيع ، كل بيت شعر ، خيرٌ من بيت تِبر .
وَصْفُ الشعراء
لِلّه دَرّهُ ، ما أحلى شعره ، وأنقى درَّهُ ، وأصفى قَطرهُ ، وأعجب أمرَهُ ، قد أخذ برقاب القوافي ، وملك رِقَّ المعاني ، فضلُه برهانُ حَق ، وشعرهُ لسان صِدقٍ فلان يُغْرِبُ فيما يجلب ، ويبدع فيما يبضع ، شاعر شعارُهُ أشعارُهُ ، ودأبه آدابهُ ، هو يبتدىء فيبتَدعُ طبعُهُ يُملي عليه بما لا تمَل آذانُ الاستماع إليه ، لبيد عنده بيدٌ ، وعَبيد له من جُملة العبيد ، الفرزدق عنده أقل من فرزْدَقةِ خمير ، وجَريرٌ يُقاد إليه بجرير .
وَصْفُ الكُتبِ الغريبة البليغة وحُسن مواقعها
كتابٌ كتب لي أماناً من الدَّهر ، وهنأني في أيام العُمْر ، كتاب يسحر العقول ، ويملك القلوب ، ويشرح الصدور ، ويثقل الظهور ، كتابٌ الظفرُ به نعيمٌ ، والنَّظَر فيه فتح عظيم ، كتابٌ أهدى الهدوء إلى قلبي ، والمسرَّةَ إلى نفسي ، كتابٌ ارتحتُ لعيانهِ ، واهتززتُ لعُنوانِهِ ، كتابٌ من الكتب الميامين التي تأتي من قِبَل اليمين ، كتابٌ هو أنفسُ طالعٍ ، وأكرم مُتطلِّع ، وأحسنُ واقع ، وأجلُّ مُتوقع ، كتاب أبليتهُ طياً ونشراً ، وقبلتهُ ألفاً وَيَدَ حامله عشراً ، كتابٌ كتب لي أماناً من الزمانِ ، ووقَعَ مَوْقع الماء من العَطشانِ ، كتابٌ هو سَمَرٌ بلا سَهَرٍ ، وصَفوٌ بلا كَدَرٍ ، وَصَل كتابك فتمتعتُ منه بالعيشِ الأبيضِ ، واستلمتُهُ استلامَ الحَجَر الأسودِ ، وَصَل كتابك فتناولتهُ كما يُتناول الكتابُ المرقوم ، وفضضتُهُ كما يُفض الرّحِيقُ المختوم ، وصلَ كتابك فتمتعتُ منه بالعيش منه بالسرور ، وحصلتُ منه على اللذةِ والحُبورِ ، وصل كتابك بريدَ المُخ ، وبشيرَ النعم ، وتحفةَ السَّمع ، ومتعةَ البصر ، فوردتُ منه مُطرباً بلا كَدَرٍ ، وسمعت سَمَراً بلا سَهَرٍ .
ألفاظ العيادَةِ
مرِضَ فلحقتْني رَوْعَةٌ ، وملكتْني لَوْعَةٌ ، وَجَدتُ في نفسي ألماً مِمّا مَسَّهُ ، وتَخَوِّنَ أُنسَهُ ، بلغني من شِكايَته ما أوحش جنابَ الأنس ، وأراني الظلمة في مَطلع الشمس ، بلغني ما عرض له من المرض ، وألمَّ به من الأَلَم فلعبَتْ بيَ الظنون ، واختل نظام السرور ، قلبي ينقلب على جمر الغضا ، وحلَّ السيفُ إلى أن أعرف انكشافَ العارض وزواله ، وأتحقق انحسارَه وانتقاله ، أنهى إليَ خبر العارض ، حسم الله مادَتَهُ ، وقصر مُدّته ، ما أراني الأفقَ مظلماً وطريقَ العيشِ مُبهماً ، لبستُ نكايةَ السَّفل في قلبي بأقلْ من السُّقْمِ في جسدك ، ولا استيلاء القلقِ على نفسي بأيسر من اعتراض المرض لبدنك ما كنت أعلمُ أن عافيتي مقرونة بعافيتِكَ ، حتى تحققت ذلك من مشاركتي إياك في علتِكَ ، علتُكَ لو أمكنني نقلها لما أدى ثقلها ، فتحمل السقم عمَن هو أحبُّ إلى نفسي من العافية ، معدودٌ في النعمة الوافية ، أنا والله مُنزعج لشكاتك ، مبتهج لمعافاتك ، بلغني شكاتُك فارتعتُ شديداً ، ثم عرفت خفتها فارتحت كثيراً .
أدعيَةُ العيادَةِ
أغناك الله عن الطِّبِّ والأْطباءِ ، بالسلامةِ والشِّفاءَ ، كفاكَ اللَهُ وشفاكَ بألطافه الخاصة والعامة ، جعل اللَهُ علَّتك هذه تمحيصاً لا تنغيصاً ، وتذكيراً لا تنكيراً ، وأدباً لا غضباً ، شفاك الله وكفاك وعافاك ، ولا أذاك ، أوصل الله إليك من برد الشفاء ما يكفيك حرّ الأدواءَ .
ذِكْرُ الإقبال وَحَمد اللّه عليه والدعاء عنده
قد قارب الإقبال والإبلال ، وشارَفَ النهوض والاستقلال ، المرض قد انحسرَ المرض قد انحسَمَ ، الحمد للَّه الذي حرس جسمك وعافاهُ ، ومحى عنه أثر السقم وعَفاه ، الحمد للَه الذي أعفاك من معاناة الألم ، وعافاك للفضل والكرم ، لا زالتِ العافية شعارَكَ ، والسلامةُ دِثارَكَ ، ما واصلَ الله ليلَك بنهارِك .
الجواب عن العيادَةِ
كتابك أدّى رَوْحَ السلامةِ في أعضائي ، وأوصل برَدَ العافية إلى حشايَ ، تركني كتابُك ، والظليم ينتسب إلى صحتي بعد أمراضٍ انكشفت ، وأسقام اختلفت ، قد استبق كتابك والعافيةُ إلى جسمي ، حتى كأنهما فرسا رِهانٍ تباريا ، ورسيلا مضمارٍ تَجارَيا ، أبدلني كتابي من حُزون الشكايَةِ سهول المعافاةِ ، ومن شدّة التألم ، رَخاءَ التَنعُّمِ ، لا أريد الصحة إلا لخدمتك ، وشكر نعمتك ، ولا أنزعج من السقم ، إلا لما أعجز عنه من فرائض طاعتك .
ألفاظُ المعاتباتِ
قد رُميتُ بسِهام أغراضكَ ، ونصبني جفاؤُك أقرب أغراضك ، صرتُ عندك ممن محى النسيانُ صورته من صدرك ، واسمه من صحيفة حفظك ، نسيتني وما كان حقي أن أنسى ، وطويتني في صُحف إبراهيم وموسى ، قلبي واللّه طافح من سوءِ عشرتك ، وقلة إنصافِك وكثرة نَبوتِك ، أظنُّ الدهر قد فطن لصفائِك فكدَّره ، واهتدى لإخائك فأفسده ، طويتني طيَّ الرّداءِ ، وألقيتني إلقاء الحذاءَ ، قد هجرتني هجرةً مُرّةً ، وقطعتني قطيعةً فظيعةً ، أنت تتذكر إخوانَك مع أهلّة الأعوامِ ، وتظهر لأصدقائِك ظهورَ الإمامِ في كل عام ، أنزلت عليك في الصََّدّ آية أم رُفعَتْ لك في النّبو رايةٌ . فلان على قدرِ علوّ سِنّه انخفاض قدرِهِ ، وبحسب عبالة جسمه نحافة عهده ، قد تركني بدار اتضاع ، ومدرجةِ ضياعٍ ، لا غَرو إن بعتَ مَودَّتي بوكسٍ ، فقد بيع بعضُ أنبياءِ الله بثمن بَخْسٍ ، صَدعني صدود المحمودٍ عن الخمر ، وأعرض إعراض الغواني عن بياض الشَعر ، أراني كلما بَعدتُ صحبة ، رَجعتُ رُتبةً ، وكلما طالت خدمه ، قصرت حَشَمه ، حَزُ شوقي إليك لا يصبرُ إلا على برد جفائك ورِقّةِ قلبي لا تقاوم غِلظة إعراضك ، قد بعتَني بَيع الخَلَق ، وتركتني أسير القَلَق .
العِتاب على قطع الكتاب
لا يكاد خيالك يغبُّني نوماً ، فما لكتابك لا يسرُّني يوماً ، أنت سخيٌّ بمالِكَ على من يطالبك ، بخيل بكتابك على من يكاتبُك ، تتوسع في ألوفٍ ، وتتضايق في حروفٍ ، قد كاتبته فما أجابني ، وخطبت إليه مودَّتي فما زوّجني ، أظنكَ لو كتبت بأجنحة الملائكةِ المقرّبين ، مستمدّاً من أحداقِ الحُور العِين ، جوازاً على الصِّراط المستقيم إلى جنات النعيمِ ، لما جاز أنْ تبخلَ بكتابك هذا البخلَ وتمنع هذا المنع .
تحريشُ القولِ عند العتابِ
كأنَّ الزمان يَسْتملي أنواع الجفوة من طبعك ، ويستسقي أصنافَ القسوة من بحرِكَ ، إنْ لم يكن لنا مطمع في دَرَكِ دَرِّكَ فاعفنا من شَرَكِ شَرَّكَ ، في الأرض مجال إنْ ضاقتْ ظلالُكَ ، وفي الناسِ واصِلٌ ، إن رَثتْ حبالُك ، وأنا أؤول من ودّك إلى شرّ ماَلٍ ، وأحصل من عَهدِكَ على تخيل آلٍ ، لا أدري أشكوك إلى الدهر أم أشكوه إليك ، فإنكما في قطيعة الصديق رَضيعا لبان ، وفَرَسا رِهَان ، وشريكا عِنان .
وَصْفُ العِتاب عند الجوابِ عنهُ
عِتابٌ سماؤه تمور ، ومراجلُهُ تفور ، عِتابٌ يَهدُّ الفوارع ، وتقريعٌ يحكي القوارعَ ، قد قرع سَمعي من عذله ما جاوز خَفْق البُنودِ ، ووصل إلى قلبي من توبيخه ما أَنْسَى زئير الأسودِ ، وصل كتابك بعتَب كالعَضبِ ومَلام كالحُسام ، وكلام كالسِّهامِ ، في غَلس الظلام ، وصلَ كتابك الذي كلُهُ عَتَب ، وليس ذنبٌ ، وعَذْلُ وليس عدلٌ ، وتقريعٌ وليس تضجيع ، وتظلُّم وليس تألُّم ، وشِكايةٌ وليس نِكاية .
الاعتذارُ والاستصفاحُ
الكريم إذا قَدَرَ غَفر ، وإذا أوثق أطْلَق ، وإذا أَسَرَ أعتق ، الأصاغر يهفون ، والأكابر يَعفون ، الحُرُّ كريم الظفر إذا نال أقال ، واللئيم لئيم القَدْرِ إذا طال استطال ، قد هابك من استَتَرَ ، ولم يذنب إليك من اعتذَرَ ، تكلّفُ الاعتذار بلا زَلَّةٍ ، كتكلُفِ الدَّواء بلا عِلَّةٍ ، لا يضيقنّ عنّي سعة خلقك ، ولا تكدّرنّ عنّي صفو ودِّك ، مولاي يوجبُ الصَفْح عن الزَلةِ ، كما يلتزم البَذْل عن الخُلَّةِ ، مولاي يوليني صفحة صَفحِهِ ، ويوليني العفو عَن عَفْوِهِ ، ما لي ذنبٌ يضيقُ عنه عفوك ، لا جُرْم يتجافى عنه تجاوزك وصفحك ، زللت وقد يَزلُّ العالم الذي لا أساويه ، وعثرتُ وقد يعثر الجوادُ الذي لا أجاريه ، عندي اعتذارات بالغةٌ ، توفي على اعتذارات النابغة . الباب الثالث في التهادي والتهاني وما يقاربهما من المعاني
ألفاظُ التهنئة بالمولودِ
مرحباً بالفارس المحققِ للظنونِ ، المقرِّ للعيون ، المقبل بالطالعِ الميمون السعيد والخيرِ العتيد ، أنجَب الأبناء لأكرمِ الآباء ، قد طَلَع في أفق الحرية أسعد نجمٍ ، ونَجَم في حدائق المروءةِ أزكى نَبْت ، يا بشرايَ بطلوع الفارسِ الميمونِ جَدُّه ، المضمونِ سَعْده الحمدُ للَّه على طلوع هذا الهلالِ الني نراه إن شاء الله بَدْراً ، قد علا الأقران قدراً ، مرحباً بالمولود الني بشّرَتْ قوابلهُ بالإقبال وعُلُوِّ الجَد ، واقترن وُفودُهُ بوُفودِ الفضل والطائر السَّعْد ، بشَرَتْ قوابلهُ بالنورِ الساطع في أفق النَجَابة والبدْر الطالع في فَلكِ السَّعادَة .
ما يختص بهناء الملوك
أنا أحمد اللّه على المِنحة التي قرَّت بها عينُ المجد ، وانشرح لها صدر الملك أتتني بشُرى البشائر ، والنُّعمى المحروسة عن النظائر في سُلالةِ العز وسليله ، وابن منبر الملك وسريره ، الأمير القادم ، بعز المكارم ، قد طلع في أفق الملك الفارس المأمول لشدِّ الظهور ، وسد الثغور ، أما الأمير المولود ، فالتاج بجبينهِ يبهى ، والركابُ بقدمه يزهى ، الحمد للَّه الذي شدَّ الله به أزْر الدولة ، ونظم قلادةَ المملكة بالقدر السعد وشبل الأسد الورد ، قد طلع في أفق الملكِ كوكبٌ تباشرت به أفلاكُهُ .
الأدعية للمولودِ والولادِ في هذه التهنئة
عرَّف الله مَوْلايَ بركَةَ المولودِ المسعود ، وعضد الفضل بالزيادة في عدده ، وأقر عين السيادَةِ والمجد في ولده ، عرفه الله من سعادة مقدمه ، ما يجمع أعداءَهُ تحت قدمه ، متعك الله بالولد ، وجعله من أقوى العدد ، ووصله بأخوة متوافري العدد ، شافي الأزرِ والعضد ، هناكَ اللّه مولده ، وقَرَن باليُمن مَوْردَهُ ، والله يُمتّع به ويرزق الخير منه ، ويحقق فيه ، عَرَّفكَ الله من بركَته ما يبشر بالعزَ الزائدِ ، والنجم الصاعِدِ ، والجد المُساعِد ، عمرك اللّه حتى ترى زيادة الله منه كما رأيتها بهِ ، هَناك اللّه ما منح ، وجعله من أيمن ما تَجدد وسَنَح .
أدعية التهنئة بالملاك
بارك اللّه لمولاي في الأمر الذي عقده ، وأحمد أباه وأسعده ، وجعله موصولاً بنماء العدد ، وزكاء الوَلَدِ ، واتصال الحَبْل ، وتكثير النسل ، خارَ الله لك في الوصلة الكريمة ، وقرنها بالمنحة الجسيمة ، لا زالت النعمة بك محفوفةً ، والمسارُّ إليك مزفوفةً ، عظم الله لك بركة هذا الأمر ويُمنهِ ، ما يتابع موادّ طَوْله ومنهِ ، وجعله أحمد عقدٍ ، وأدلّهُ على نجح وسعدٍ ، جعل الله هذه الوصلة وكيدة العقدة ، طويلة المدة ، سابغة البركةِ والفضل ، طيبة الذرية والنسل ، عرفك الله تعجيل الخيرات ، وتوالي البركاتِ ، ولا أخلاك في هذه الوُصلة من التهاني بنجباءِ الأولادِ ، وَكَبَتَ بكثرةِ عددِك جميعُ الحسادِ ، وهنّأك الله هذه الوُصلة لتتصل بكثرة العدد ، ووفور الوَلَدِ ، وانبساط اليدِ وعلوّ الجد .
ألفاظُ التهاني بالولاياتِ والأعمال
عَرفتُ خبَرَ البلد الذي أحسن الله إلى أهلِهِ ، وعَطَفَ عليهم بفضلِهِ إذْ أُضيفَ إلى ما يلاحِظهُ ، مولاي بعين كفايته ، وينفي خلله بفضل رجاحَتِه ، فلزمتني فروض شكرٍ ، أسأل الله المعونةَ على أدائها ، والتوفيق لتحمل أعبائها ، سيدنا يوفي على أعلى الرُّتب يهنأ ببلوغها ، ويزيد على المنازل التي يدعى له بحلولها ، فهنيئاً يجملها بولايته ، ويحليها بكفايته ، سيدي أرفع قدراً ، وأنبَه ذِكراً ، من أن نهنئه بولايةٍ وإن جل أمرها ، وعظم قدرها ، لأن الواجب تهنئة الأعمال بفائض عدله ، والرعايا بمحمود فعله ، عرف سيدي من سعادة عمله ، أفضل ما ترقاه بأمله ، ولقاه من مناجح أمره ، أبلغ ما انتحاه بفكره ، وخار لمولاي فيما تولاهُ وتطوقه ، وبلغه في كل حالِ أمله وحققه ، عرف الله مولاي من يمن ما باشره تدبير الخير والخيَرة ، والبركات الحاضرة والمنتظرة . هنأ اللّه مولاي الموهبة التي حَلَّت منه محلَّ الاستيجاب لا الإيجاب ، والاستحقاق لا الاتفاق .
التهنئة بالخِلَع والأحْبية ووصفها
أهنأ الله سيدي بمزيد الرفعة ، وجديدِ الخِلعة ، التي تخلع قلوبَ المنازعين ، واللواء الذي يَلوي أيدي المنابذين ، بلغني خبر ما تطوَّعتْ به سماء المجد وجادتْ به أنواءُ المُلكِ ، فنظمن من الخِلَعِ أسناها ، ومن السيوف أمضاها ، ومن الأفراس أجراها ، ومن المراكب أبهاها ، مرحباً بالخِلعة التي لو أفيضت على الشمس ، ما طلعت كبراً على الإنس ، بلغني خبر ما أكرم به من الخلعة التي يخلع بها قلب من خلع ربقة الطاعةِ ، والحسام الذي يُحسَم به شرّ من نَدَّ عن الجماعة ، والحُملان الذي يجوز الجوزاء براكبه ، واللواء الذي يستولي النصرُ على مواكبهِ .
التهنئة بإقبالِ شهر رمضان
ساقَ الله إليك سعادة إهلالِه ، وعرّفك بركة كمالِه ، أسهم اللّه لك في فضله ، ووفَقك لفرضه ونفله ، جعل الله ما أظلك من هذا الشهر مقروناً بأفضل القبول ، مؤذناً بدرَكِ البُغيةِ والمسؤول ، مشعراً عن نجح المأمول . لا أخلاك اللَهُ في هذا الشهر المبارك من بِر مرفوع ، ودُعاءً مسموع ، قابل الله بالقبول صيامك ، وبعظيم المثوبة قيامك ، عرّفك الله من بركة هذا الشهر ما يُرْبي على عدد الصائمين ، ووفقك لتحصيل أجر المتهجدين والمجتهدين ، أعاد اللهُ لمولاي أمثالَه ، وتقبل فيه أعماله وأصلح له في الدين والدنيا أعماله ، وبلَّغه منهما آماله .
التهنئة بالعيدين
عاودتك السُّعود ، ما عاد عيد ، واخضرَّ عودٌ ، تقبَّلَ الله منكَ الفَرْض والسُّنة ، واستقبل بكَ الخير والنعمة ، عاد السرور إليك في هذا العيد ، وجعله مبشراً بالجد السعيد ، والخير العتيد ، والعمر المزيد ، جعلك الله من كل ما دعي ويدعى بهِ في الأعياد ، آخذاً بأكمل الحظوظ ، وأوفر الأعداد ، أفطَر وأكبادُ الحُشاد تنفطر والدنيا بعينك تنظر ، وبالسعود تبشر ، كيف نهنئك بالعيد وأيامك كلها أعياد ، ولياليك أعراس ، وساعاتك تواريخ ، وأوقاتُك مواقيت ، يا أكرمَ من أمسى وأضحى ، سعدت بهذا الأضحى ، عرَّفك الله من السَّعادات ما يُرْبي على عَدَدِ من حَجَ واعتَمَر ، وسعى ونَحَر ، جعل الله أعاديك كأضاحيك .
التهنئةُ بالنّيروزِ وفصلِ الربيع
هذا اليوم في الأيام ، كسيدنا في الأنام ، هذا اليوم غُرَّة في وجه الدَّهرِ وتاجٌ على مفرقِ العَصْرِ ، أسعدَ الله سيدنا بالنيروز الطالع عليه ببركاته ، وأيمن طائره في جميع أيامه متصرفاته ، أقبل النيروز إلى سيدنا ناشراً حلله التي استعارها من شيمته ، ومبدياً حليته ، التي أخذها من سجيَّتِه ، أسعدَ الله بهذا الربيع ، المتشبه بخلقه الجاري في طرْقه ، ثم أسعده اللّه بالفصل الجديد ، والنيروز الحميد ، سعادة متصلة المادة ، حافظة لجميل العادة ، من هنأ سيدنا بيوم جديدٍ ، وعيدٍ سعيدٍ ، فإني أهنَىء الفصولَ والأعوام ، الشهور والأيام ببقائه ، وأسألُ الله أن يؤنس الدنيا بدوام نعمائه .
التهنئة بالمَهْرَجان
عَرَّف اللّه سيدنا بركة المهرجانِ ، وأسعده في كل أَوانٍ وزمان ، عَرَّفهُ اللَهُ بركةَ المهرجان الذي هو من أعياد المروءة ، ومواقيت الفتوَّة ، المهرجان من غُرر الدهور ، ومواسِم السُّرور ، فعظَّم الله بركتهُ ، ولقاه يُمنه وسعادته ، وجعل أيامه كلها محفوفة بالمواهِبِ ، مكنوفةً بالعطايا والرغائب .
إقامة رسم الهديةِ في النَّوروز والمهرجان
لليوم رسم إن أخل الأولياء عُدَّ هفوةً ، وإن مُنع به الرؤساء حُسب جفوةً ، قد سلكتُ مع مولاي في إقامة رسمِ هذا اليوم سُلوك العبيدِ مع الساداتِ ، والأتباع مع الأرباب ، لمثل هذا اليوم سُنَة على مثلي فيها أن يهدي ويلاطف ، وعلى مثل سيدنا ولا مثيل له أن يقبل ويشرِّف ، قد خدمت سيدنا في هذا اليوم الجديد ، والأوان السعيد ، بقليل يوفرهُ خلوص شكري ، ويسير يكثره واضح عُذري ، قد نقل من إحدى ذراعيك إلى الأخرى ، ما هو تحفة الملاطفِ لا هدية المحتفل ، والنفس لك ، والمال منكَ ، حضرة سيدنا تجل عَنْ أن يُهدى إليها غير الكُتُب التي لا يترفع عنها كبيرٌ ، ولا يمتنعُ منها خطيرٌ .
ذِكْرُ وُصولِ الهديّةِ
وحَمَدتُ ما بعثته متجاوزاً حَدَّ الألطافِ ، إلى طرف من أطراف الإشْراف . خيرُ الهدايا ما لم يتعب الباذل ، ولم يهَجّن القابل ، ما من هداياكَ إلا عقيلة كريمة ودرّة يتيمة ، أما الهديّة فقد وصلت ، والمِنَّة فقد حصلت ، لا زِلْتَ مُهدي مسرَّة ومُسْدِي مَبرّةٍ . الباب الرابع في التعازي والمراثي وما يشاكلهما
وصفُ الخبر المزعج والهائل
خَبرٌ عَزّ على الأذن مَسْمَعُهُ ، وأثر في القَلْبِ مَوْقعهُ ، خَبر يهز الرواسي ، ويصَدَع الحجر القاسي ، خَبرٌ تسقط منه الحُبالى ، وتصحو له السكارى ، خبرٌ ما تتلقى شفتاي بذكره ، ولا يثبتُ بالي بخطره ، خبرٌ كادَتْ له القلوب تطيرُ ، والعقول تطيشُ ، والنفوس تطيح ، خَبَرٌ أسخن العين ، وأخرج الصَّدْرَ ، وأحلَّ الجزع ، وحَرّم الصَّبرَ ، خَبرٌ يُشيبُ الوليد ، ويُذيب الحديد .
النكاية عند موتِ الرؤساء والأعزَّة
انقضت أيامهُ استأثر الله بهِ ، خانه عُمرهُ ، أَجاب داعي رَبِّهِ ، نفذ قضاءُ اللّه تعالى فيه ، قبضه اللّه إليه ، أسعده اللّه بجوارِهِ ، فارَقَ دُنياهُ ، انتقل إلى جوار رَبِّهِ ، كُتبت له سعادة المختص ، وانتهى به الأمرُ إلى الأجلِ المنتظر ، ترامَتْ به عِلّته إلى انقضاء نحبه ولقاء ربّه ، انتقل إلى دارِ القرارِ ، ومثوى الأبرارِ .
نَعي الأَجِلاّءِ
أَتى الناعي بانهدادِ الطَود المنيع ، وزوالِ الجبلِ الراسي الرفيع ، نَعي من لا أسَمِّيه إكباراً ، ولا أكنيه إعظاماً ، فحقيق هو بأن يخرس نُعاة فقدهِ ، وتحرم رسوم التعازي من بعدِهِ ، أتى الناعي فهُدمت المعالي ، ونُدِبَتِ المساعي ، وقامت بواكي المجدِ ، وكَسَفَت شمس الكرم المحضِ ، قد نُعي من غَرَبَ بموته ، نجم الفَضْل ، وكَسُدَتْ سوق المجدِ ، ووَقفَ فلك الكرم ، وانثلم حَدُّ السيفِ والقلم ، نعيَ فلانٌ ، فسكرَ وجهُ الدهرِ ، وقُبضتْ مُهجة الفخر ، ونطقت نوادبُ المجدِ ، وأقيمت مآتِمُ الفضل .
ذِكْرُ البُكاءِ
كتبتُ والأحشاءُ محترقةٌ ، والأجفانُ بمائها غَرِقة ، كتبتُ والدمْعُ واكف ، والحُزن عاكفٌ ، كتبتُ عن عَيْن تدمع ، وقلبٍ يخشع ، ونفسٍ تَهلَعُ ، قد مَدَّ الهم إلى جسمي يدَ السَّقم ، وجَرَّ الدمع على خلّي ذيول الدّمِ ، مُصابٌ أذاب الدموع الجامدة ، وألهبَ الهموم الخامدة ، بلْ ما يستقر بي مُضْطَجَع ، ولا يجفُّ لي مَدْمَعٌ .
عِظَمُ المُصيبة وثقل وطأتها
مُصيبةٌ أضعفت العزائم القوية ، وأبكت العيون البكية ، مُصيبَة سكبت الأجفان كراها ، والأْبدان قُواها ، مُصيبةٌ أَلمَّتْ فَأَلَمَتْ ، وثلمَتْ فكَلَمت ، المُصابُ عظيم ، والخَطْب جسيم ، والكبد حَرّى ، والعين عَبْرى ، والنفس حَيْرى ، الهم واردٌ ، والأنسُ شاردٌ ، والناس مأتمهم عليه واحدٌ .
التَّأبينُ والنُّدْبَةُ
ما أعظَمهُ مَفقوداً ، وأكرمهُ ملحوداً ، إني لأنوح عليه بنَوْحِ المناقب ، وأرثيه مَعَ النجوم الثواقب ، وأبكيه مع البكاء المعالي والمحاسنِ قَدْ رزئنا من فلانٍ عالماً في شخصٍ ، وأُمَّة في نَفْسٍ ، مضى والمعالي تبكيه ، والمحاسن تُعزى فيه ، ما أقبح العيش من بعده ، وما أنكد العمر مع بُعده ، عجبت للجبالِ كيف لم تنهدّ لفقده ، والأيام كيف لم تسود من بعدِه .
وصْفُ الدَّهر
هو الدهرُ فلا تعجب من طوارقه ، ولا تنكر هجوم بوائقه ، الدهر يُفجعُ بالذخائر ، ويستأثر بالأخائر ، هو الدهر لا تتهنى فيهِ المواهبُ حتى تكدِّرها الشوائب ، وتخللها المصائب ، ولا تصفو فيه المشارب ، من عرف الزمان ، لم يستشعر منه الأمان ، هي الأيام ترتجع العَرِية ، وتتلقى بالأمنية المنيَّة .
ذِكْرُ الدنيا
قد جعل اللّه الدنيا دارَ قلعة ، ومحلَّ نقلةٍ ، فمن راحِلٍ ليومِهِ ، ومن مدعوٍّ لغدهِ ، وكل مستوفٍ لأجله ، وجارٍ إلى أمدِهِ ، ما الدنيا إلا دار نُقلة ، وما المقام فيها إلا لرحلةٍ ، على شرطِ الفَناء ، خلق اللَهُ الدنيا وقال : " والآخرةُ خيرٌ وأبقى " شرط الدنيا صلة المنائح بالحوائج ، وجمع الرغائبِ إلى النوائب ، فموهوبها مسلوبٌ ، وإن أرخى إلى مَهَل ، وممنوحها محروبٌ ، وإن أُخِّر إلى أجَل . نحن في الدنيا على أوفازٍ ومجاز ، وحذار وانتظار الدنيا عارية مرتجعة ، وسحائب منقشعة ، قد تنكرتِ الدنيا حتى صار الموتُ أخفَّ خطوبِها ، وأصغر ذنوبها ، فلينظر المرءُ يَمنةً ، هل يرى إلاّ مِحنةً ، ثم ليعطف يَسرةً ، هل يرى إلاّ حَسرةً .
ذِكْرُ الموتِ
إنّ اللّه تعالى سَوّى بين المريَّة ، في ورد حوضِ المنيّةِ ، معلومٌ أن الموت كُلٌّ شاربٌ بكأسهِ ، ومُكْتَسٍ من لبسه ، وإنما تقدُّم أيام وتأخر أعوام ، الموتُ خَطْبٌ عظيم ، عظم حتى هان ، وخَشُنَ مسُه حتى لان ، قد علمتَ أن الله للعدَمِ أوْجدنا ، وللفناءِ خلقنا ، المرء يظن أنه مؤخر إلى تمام ، ومنسيٌ لأيام وأعوام ، والمنونُ تطلبه حثاً وحَضًّا ، حتى تدركه خَبَباً ورَكْضاً .
في الرِّضا بقضاءِ اللّه والتسليم لحكمه
ما الْحِيلة وَقَدْ حَل القضاء ، وفرض العزاء ، ونَزَل البلاءُ الجسيم ، وكتب الرضى والتسليم ، لا تسخط لقدرِ الله وهو عدل ، ولا تكره لقضائه وهو فصلٌ ، فإنا للَه وإنّا إليه راجعون ، تسليماً لما أمضاهُ ، ورضىً بما قضاهُ ، قضاء اللّه ماضي ، وهو أعدلُ قاضي فإنا للَّهِ وإنا إليه راجعون ، رضىً بقضائهِ الذي لا يراجَعُ في إمضائه ، وقدرهِ الذي لا يُغالب في إجرائهِ .
في حَمل قضاءِ اللّه على الأصلح لعباده
مولاي يعلم أن الله عزّ وجلّ يحيي ما كانت الحياةُ أنفع ، ويميتُ إذا كان الممات أصلح ، إنَ الله يُبقي العباد ما دام البقاءُ أعمر لمكانِهم ، ويتوفَّاهم ما كانت الوفاة أصلح لأديانهم ، إنا للّه وإنا إليه راجعون علماً بأنَّ مقادير اللّه تجري ، ولا جري إلاّ على موجباتِ الحكمةِ ، وتدبيره لا يخلو من باطن المصلحة أو ظاهر النَعمة ، معلومٌ أن اللّه تعالى يُبقي ما كان البقاءُ أنجح ، ويميت إذا كان الممات أصلح ، ولذلك قَبض الأنبياء والمرسَلين وأنزل على المصطفى : " إنّك ميِّت وإنهم ميتون " .
الأمرُ بالصبرِ والنَّهيُ عن الجَزَعِ
عليك عزيمة الصَّبر فإنها في الدين حَتْمٌ ، وفي الرأي حَزْمٌ ، وليس للحي انتفاعٌ ، ولا للميت ارتجاعٌ ، أنت أحق من احتسب فاكتسبَ أجراً جزيلاً ، وصبر صبراً جميلاً ، أنت تعلم أنَّ شوائبَ الدهر لا تُدفع إلاّ بعزائم الصبر ، اجعل بين هذهِ اللوعة الغالبةِ . والدمعةِ الساكبة حاجباً من فضلك ، وحاجزاً من عقلكَ ، ودافعاً من دينك ، ومانعاً من يقينِكَ ، إنّ المحنَ إذا لم تُعالج بالصبر ، كانت كالمنح إذا لم تعاجل بالشكر ، المرءُ لا بد سالٍ ، ولو بعد أحوالِ وأحوالٍ ، فما عليك أن تعجِّل ما تغتنمه البَرَرة ، وتقدِّم ما تؤخر الفَجَرة .
التسليةُ ببقاءِ الباقي عن الماضي
نَعِم الله في فلانٍ عظيمةٌ ، وقد جبر الكسر ، وأوجب الصَبر وأقيم الظهر ولزم الشكر ، فالحمد للَه الذي أولى كما ابتلى ، وأعطى بإزاء ما اقتضى لئن كانت المصيبة في فلان عظيمة لقد سيّدها الله من سيدي بأصلح خَلَف لأفضل سَلَف ، وأنجبِ فرع لأكرم أصلٍ ، في بقاء مولاي ما يجبرُ كل كسيرٍ ، ويهوِّن أمر كل عسيرٍ ، فيا لها من حادثة كاذبةِ ، وفجيعة قطيعة ، لولا أن الله سدَّ ببقائك ثلمَها ، وداوى بالدّفاع عند كلّمها ، في بقائك ما سدَّ ثلم الرّزيَّةِ ، وأغنى عن إطالة التعزية ، ما مات من خَلَفك ، ولا غاب عن أهله من استخلفَك بقاؤك يهوِّن كثيراً مما يلم فيؤلم ، ويعم فيثلم ، الحمد للَّه الذي لما ارتجع أكرم العواري ، بلّغ أفضل الأماني ، ولما امتحن بأعظم الأهوال ، تطوَّل بأفضلِ الآمال .
إظهارُ المشاركة
قد شاركتُ مولاي في هذه المُصيبة مشاركةَ من لا يتميّزُ عينهُ في مِحَنِهِ ولا مِنَحِهِ ، وسروره وَحزنهِ ، كتابي وأنا لا أعلمُ أعزيك أم نفسي فليس المصاب عندك بأعظم منه عندي ، لأن فلاناً وإن كان أخاك ميلاداً ، فقد كان أخي إخلاصاً ووداداً ، أنا أُقاسمُكَ مصارفَ الأحوالِ ومجاريها ، وعوائد الأيام وعواديها ، فآخذ مما يشرح صدركَ بخط المبتهج ، وممّا يشغل قلبك بنصيبِ المنزَعج .
عِظاتُ التَّعْزيَةِ
لا مصيبةَ مع الإيمانِ ، ولا مُعَزي كالقراَنِ ، وكفى بكتابِ الله مُعزياً وبعمومِ الموتِ مسلياً ، إنّ الذي يُخفف ثقلَ النوائْبِ ، ويحدث السُّلوَّ عند المصائب ، تذكُر حُكمِ الله في سيد المرسلين ، وخاتم النبيين محمدٍ المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين ، حمداً لإله ، تفضَل فيَهب ، ويستردّ فيأجُر ويُبقي الثوابَ ، ويفني الحزنَ ، وكلُّ مصيبةٍ ، وإنْ عظُمت فصغيرة في جنبِ ثوابِ الله عليها ، ونعم الله قبلها وبعدها ، الخلود في الدنيا لا يؤمل ، والفناء لا يؤمن ، ولا تَسَخط على حكم الله ، ولا وحشة مع خلافته ، والأُنس بطاعته .
الدُّعاءُ للمتَوَفى
رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل الجَنَةَ مأواهُ ، غفر اللّه له ذنبَه ، وخفّفَ عليه حسابه ، وجعل رحمته حسبه ، تَغَمدهُ الله بغفرانِهِ ومَهَدَ له في أعلى جنانِهِ ، والله يفسح له في مثواه ، ويجعل آخرته خيراً في أولاه ، أكرم اللّه مرجعه ، وبرَّدَ مضجعه ، ورحمه اللّه رحمة الأبرارِ ، وحط عنه ثقل الأوزارِ ، نوَّرَ اللّه برهانه وألبسه رضوانه وغفرانه ، مَهَدَ اللّه له في الجَنة المأوى ، وأوجب له درجاتِ القربة والزُلفى .
الدُعاءُ للمُعزّى
رَبطَ اللّه على قلبِك بالتماسُك ، الذي يؤمن من التهالك في القلق والتمالك ، الذي يرقع عوادي الحرق ، وفَّقك اللَهُ لما يُحصَل الأجْرَ ولا يُحبطُه ، ويوفِّر الثوابَ ولا يُسقطه ، جَبَر اللَّهُ مصابك ، وعظم ثوابك . أطالَ اللَّهُ مدّتك ، وجعل الشكر في النعمى مائدتك ، والصبر على عُدَّتك ، حَرَس اللّه مُهجتَك ، وحَرَّم على الحوادثِ أعزّتك ، وجعل ما عرضَ خاتمة الرزايا قبلك ، وبلِّغكَ في دينك ، ودُنياك أمَلَك ، لا نقص الله لك عَدَداً ، ولا أثكلَكَ وَلداً ، ولا أشمتَ بكَ أحَداً ، وقاكَ الله في أعِزَّتك ونفسِكَ ، وجَعَل مَسَرَةَ غدك ، ماحيةً لِمساآت أمسكَ ، لا أصبت إلا بِمَن الخيرة لك في البقاء بعده وله في التقدم قبلك . الباب الخامس في المَمادحِ والأثنيةِ وما يجري مجراها
المدح بشرف الأصل وكرم النَّسب
فلانٌ من سِرِّ العنصر الكريم ، ومعدن الشريف العميم ، أصلٌ راسخٌ ، وفرع شامِخ ، ومجد باذخٌ ، وحَسَبٌ شادِخ ، قد ركب الله دَوحته في قرارة المجد ، وغرس نبعتهُ في مجل الفضل ، فلان كريم الطَرَفين ، شريف الجانبين ، المجد لسان أوصافه ، والشرفُ نسب أسلافهِ ، فلان كريمُ الأسلافِ والأطراف ، من سروات الأشرافِ ، يستوفي شرف الأرومة ، بكرم الأبوُّةِ والأمومَةِ ، والخؤولة والعمومة ، فلان مسترضِعُ ثَدي المجد ، مفترِشُ حجر الفضل ، مفطوم عن البخل .
المدحُ بشرفِ الأصل والنفسِ وفضل الاكتسابِ والأنساب
فلانٌ يجمع إلى عز النّصابِ مزيَّةَ فضل الآداب ، لا غرو أن يجري الجوادُ على عرقهِ ، وتلوح مخائل الليث في شِبلهِ ، هلالُ ذلك البَدرِ الزاهِر ، وشبل ذلك الليث الخادر ، قد جمع شَرَفَ الأخلاق إلى شرف الأعراقِ ، وكرم الآداب إلى كرم الأنساب ، له في المجد أولٌ وآخرٌ ، وفي الفضائل قديم وحديث ، وفي الكرم تليدٌ وطريف لا غرو أن يغمر فضلَه وهو نجل الصِّيد الأكارم ، أو يغزُر علمه ، وهو فيض البحور الخضارم . ذكرَ المجدِ والشرَفِ
مَجْدٌ يلحظ الجَوزاءَ من عالٍ ، ويطول النجوم كُلَّ مَطالٍ ، نَسَبُ المجد به عريق ، وروض الشَّرف به أنيق ، مَجْدٌ يشير إليهِ النجم الثاقب ، ويشرف بحفظ طرفيه المناقب ، فَلَكُ المجدِ عليه يَدور ، ويد العُلى إليهِ تُشيرُ ، مُتوَقّلٌ في جبال المجد مُتَرقٍّ في دَرجاتِ الفضل ، فلانٌ شهاب المجد ، ومنار الحمد ، مَحلُىُ سامقٌ ، ومجدهُ باسق ، وشرفُه مَجْدٌ طارق .
الجُودُ وَالكَرَمُ
فلانٌ رفيقُ الجودِ وخليلُه ، وزميلُ الكرم ونزيلُهُ ، وغُرَّة الدهر وتحجيلهُ ، ما هو إلاّ بحرٌ لا يظمأُ واردهُ ، ولا يمنع بارده ، غوثه موقوفٌ على اللهيفِ ، وعونه مبذولٌ للضعيفِ ، كأنه ضامنُ أرزاقِ العبادِ ، وكأنّه وَصَّى آدم على الأولادِ ، فلانٌ يوجب الصِّلات ، كوجوب الصلاةِ بابُهُ غير مُرْتَجٍ ، عن كل مرتجي ، ينابيع الجُودِ تتفجَّرُ من أنامِلِه ، وربيعُ السَّماحِ يضحك عن فواضِلهِ ، هو واحدٌ في الكرم ، وغُرّة في وجه العالم ، وتاريخ حسن الشِّيَم ، هو الكرم أُنشىء نفساً ، والفضل تمثل شخصاً ، لو أن البحر مددهُ ، والسحاب يَدهُ ، والجبال ذهبُهُ ، لقصَّرَتْ عما يهبه ، إن طلبت كريماً في وجوده متّ قبل وجوده ، أو ماجداً في أخلاقه ، فنيت ولم تلاقه ، صدرهُ بَحْر ، ووجهه بَدْرٌ ، ووعده نزْرٌ ، قد امتزج الكرم بطبعه ، وجرى منه مجرى دمِهِ .
العِلْمُ والأدَبُ
هو للعلم مجمع ، وللدين مَفْزَعٌ ، هو في العلماءِ عَلَمٌ ، وفي الكمالِ عالمٌ ، العلم حشو ثيابهِ ، والعقل ملء إهابهِ ، فلان مِلحُ الأرض ، ودرع المِلَّة ، ولسان الشريعة ، وحصن الأمّة ، هو عالَم في ثوب عالِم ، هو شخص الأدب ماثلاً ، ولسانُ العلم قائلاً ، هو قرارةُ الأدبِ والعلم ، ومجمع الدِّراية والفَهم ، شجرةُ فضلٍ ، عودُها أدبٌ ، وأغصانُها عِلم ، وثمرتُها عقلٌ ، وعروقها شرف ، تسقيها سماءُ الحرثة ، وتغذيها أرضُ المروءة . الجمالُ وحُسنُ الصُورَةِ
هو قمري التصوير ، شَمسيُ التأثير ، ذو صورة قمريّةٍ بشريّةٍ ، ما أحوجَه إلى عيب يصرف عنه عين كماله ، عن جمالهِ ، خلقة سويّة صحيحة ، وصورةٌ مقبولة صبيحة ، طلعةٌ يطلعِ منها النيران ، ويسجد لها القمران ، للعيون في محاسن وجهه مَرتعٌ ، وللأرواحِ بهِ مُسْتمتع .
البشْرُ والبَشاشَةُ
طلعةٌ عليها للبشاشة ديباجةٌ خسروانية ، وفيها للطَّلاقة روضةٌ ربيعيّة ، يجول فيها ماءُ الكرم ، ويقرأ منها صحيفة حسن الشِّيَم ، وَجْهٌ يكاد يقطر منه ماء البشْرِ ، وتبشِّر ملاحظته بالأمان من الدهر ، وَجْهٌ كَأنَ بشرته قِشر البشر ، شِمتُ من وجهه بارقة المجدِ ، ورأيت في بِشره تباشيرَ النُجْح .
حُسْنُ الخُلُق
لهُ خُلُقٌ لو مُزِج به البَحْر لنفى مُلوحتَهُ ، وصفا كدورتهُ ، خلقٌ كالرحيق مِزاجه التَسنيم ، خُلُق كنسيمِ الأسحارِ ، على صفحات الأنوارِ ، أخلاق أحسن من الدّر والعقيان ، في نحور الحِسان ، وأذكى من حركاتِ الريح بين الريحان ، شمائل كالشمول ، هبَّتْ عليها الشمال ، وقرن بها الماءُ الزلال ، أخلاق جَمَعَتِ المروءةُ أطرافها وحَرَستِ الحرية أكنافَها ، سقى الله أخلاقَه أشباهها من سيل القطْرِ ورَياها من طيب البِشر .
الظّرفُ واللباقَةُ وحُسْن العِشرة
ما هوَ إلا غِذاءُ الحياة ونسيم العيش ، وقوَة النفس ، ومادّة الأنس ، فلان حُلوُ المذاقِ ، عذب السماعِ ، طيب المُساغ ، أعلا الناس في جَدِّ وأحلاهم في هَزْلٍ ، يتصرف في القلوب كتصرُّفِ السَّحابِ مع الجنوب ، ذو جدِّ كعلوِّ الجدِّ ، وهزلٍ كحديقة الوردِ ، عاشرته فطابت عشرتهُ ولانت قشرته ، وواصلتهُ فاستحسنتُ وِصالَه ، وأحمدت خصالهُ فلان شمّامَةُ الظرفاءِ ، وريحانَة الندماء ، فلان يخرج من القشرة في العِشرة ، عشرته ألطف من نسيم الشمالِ ، على أديم الماء الزُلال .
طِيب الخَبَرِ
أخباره ذكيّة ، وآثاره ركيَّة ، أخبارهُ تأتينا كما وشّي بالمسكِ ريّاهُ ، ونمَّ على الصُّبح مُحَيَّاهُ ، قد حَسُنَ خَبَرهُ ، وسافر أثره ، أخباره متضوّعة كالمسكِ الأذفَر ، ومشرقة كالفجر الأنوَر ، إن لم أره فقد سمعت خبره ، ورأيت أثره ، أخباره راحةٌ ، وآثاره بهجةٌ .
إصابَةُ الرَّأيِ
لَهُ الرأيُ الثاقِبُ الذي تخفى مكائدُه ، وتظهر عوائدُه ، والتدبير النافذ تنجح مبادئه ، وتبهج تواليه ، رأيه فلكٌ يحيط بجوامع الصواب ، ويدور بكواكب السّداد ، يهتِكُ أغطيَةَ الستور ، عن مبهمات الأمور ، له تحصيلٌ ، ورأيٌ أصيلٌ ، عجباً لرأيهِ الذي يستنبط دفائن القلوب ، ويستخرج ودائع الغيوب ، له رأيٌ مُضيءٌ إذا أظلمتِ الخطوبُ ، وعزمٌ قويٌ إذا ضَعُفَتِ القلوبُ .
الحِنكًةُ والتَّجْرِبَةُ
قد وضعت كثرة التجارب ، في يده مِرآَةَ العواقب ، قد نَجذَتْهُ مصارفُ الدهور ، وحنكتهُ معارفُ الأمورِ ، فلانٌ قد صحب الأيام ، وتولَّى النقضَ والإبرام ، قد أدبه الليل والنهار ، ودارت على رأسِه الأدوار " قد حَلَبَ الدهرُ أشطرَه " ، وعَرَفَ حلوهُ ومُرّهُ ، ومارسَ نفعَه وضَرَّه .
التقى والزُّهد
فلانٌ عَذْبُ المَشربِ ، عَفّ المطلب ، نقيّ الساحَة من المآثم ، برَيّ الذمَّة من الجرائم ، يمشي في أقصد الطريق والطرق ، ويأخُذُ بأرشدِ الخلق ، يرجع إلى نفسٍ أمارَةٍ بالخير ، بعيدة من الشّر ، مَدْلولةٍ على سبيل البِرّ ، قد أتاهُ اللّه قوة بصيرةٍ ، وحُسن سريرةٍ ، أعرض عن الدنيا ، وقد أعرضت له بزينتها ، وصَدَّ عنها ، وقد قصدت له في تحليتها ، فلانٌ نقيُّ الجَيبِ ، سليم الغَيْبِ ، عديم العَيبِ .
الكمالُ والانفرادُ عن النُّظَراء
فلانٌ مولودٌ في طالِع الكمال ، عُذْرٌ للزمان المذنب ، قد أصبح عين الكامل ، وزين المحافل ، هو الجمالُ بجُملته ، والكمال بكليته ، والعالم في برُدته ، فلانٌ فرد دهرهِ ، وشمسُ عَصرِهِ ، وغرّة مِصرِه ، ما هو إلا فذّ فَرْدٌ ، وأسدٌ وَرْدٌ .
التفضيل والتَّرْجيحُ
فلانٌ يزيد عليهم زيادةَ الشمس على البدر ، والبحر على القَطْرِ ، هو صدرهم وبدرهم ، ومن عليه يدور أمرهم ، كأنهم فلكٌ هو قطبُه ، وجسدٌ هو قلبهُ ، ومملوكٌ هو رَبّهٌ ، هو مَشهورٌ بسيادتهم ، وواسطة قلادَتِهِمْ . هو بيت القصيدة ، وأوّل الجريدة ، وعَيْنُ الكتيبة ، وواسطة القِلادة وإنسان الحَدَقة ، ودرّةَ التاج ، ونقش الفصِّ . الباب السادس في المقابح والمساوئ وما يدانيها
ذكْرُ لُؤم الأصلِ والنَّفْس
فلان عُصارةَ لُؤْمٍ ، في قرَارة خُبْثٍ ، أَلأَمُ مُهْجَةٍ ، في أخسِّ جُثةٍ ، خَبيثُ الطعَمَةِ ، حديث النِّعمة ، هو كالكَمأةِ ، لا أصلٌ ثابِتٌ ، ولا فرعٌ نابِتٌ ، فلانٌ خبيثُ المركب ، لئيم المَنْسَب ، يكادُ من لؤمهِ يُعْدي من يتسمّى باسمه ، أو يجلس إلى جَنْبِهِ ، قَدْ أُرضع بلبان اللؤم وربي في حِجر الشر ، وفُطم عن ثدي الخير ، ونشأ في عَرْصَة الخُبْث ، لا أمس ليومهِ ، ولا قديم لقومه ، فلانٌ قصير الشبر ، صغير القِدر ، قاصر القَدرِ ، ضيّق الصَّدرِ .
البُخْلُ وما يجري مَجراه
سائلهُ مَحْرومٌ ، وماله مكتوم ، لا يحين إنفاقهُ ، ولا يُحل خناقهُ ، خُبزُهُ كأوى ، يُسْمع بهِ ولا يُرى ، غَناؤهُ فقْرٌ ، ومَطبخه قَفْرٌ ، يملأُ بطنهُ والجارُ جائع ، ويحفظ ماله والعِرْضُ ضائعٌ ، قَدْ جعل ميزانه وكيلهُ ، وأسنانه أكيلهُ ، ورغيفهُ أليفهُ ، ويمينه أمينه ، وخاتمهُ خادمه ، وصندوقه صديقه ، وكيسهُ أنيسه .
القُبحُ والدّمامَةُ
وَجْهٌ كَهَوْلِ المُطلع ، وزوال النعمة ، وقضاء السوءِ ، وموت الفجاءة ، ما هو إلاّ قَذى العين ، وشجى الصدر ، وأذى القلب ، وَحُمى الروحِ ، كأنّ النَّحْسَ يطلع من جبهته ، والخَلّ يقطر من وَجْنَته ، وَجْهٌ مُسترق الحسن ، مُتنقِّبٌ بالقبحِ ، وجْهُه يَشُقُّ على العين ، وكلامُة لا يسوغ في الأُذن ، وَجْهُهُ لحضور الغريم ، وحصول الرقيب ، وكتاب العزلِ ، وفراق الحبيب ، خُلْفَةُ الشيطانِ ، وغَفل الصبيان .
الثِّقل والبُغْضُ والبَرْدُ
فلانٌ ثقيل الطلعة ، بغيض التفصيل والجُملةِ ، بارد السُّكون والحركة لا أدري كيف لم تحمل الأمانة أرض حملتهُ ، وكيف اجتاحت إلى الجبال بعدما أقلتهُ ، فلان يحكي ثِقَلَ الحَديث المُعاد ، ويمشي على العيون والأكباد ، كأنَ وجهه أيامُ المصائب ، وليالي النوائب ، وكأنّ قُربهُ فَقْد الحبائب ، وسوء العواقب ، وكأنما وَصَلُةُ عدمُ الحياةِ وموتُ الفجاءةِ ، وكأنّما هجره قوّةُ المِنَة ، وريح الجَنّة ، يا عَجبي من جسمٍ كالخيالِ ، وروح كالجبال ، كأنّه ثقل الدّين ، على وجه العين ، هو بين الجفن والعين قذاة ، وبين النعل والأخمص حصاةٌ ، أثقل من خراجٍ بلا غلّةٍ ، ودواءً من غير عِلّةٍ ، أبرَدُ من الزمهريرِ ، بالعبوس القَمْطَرير .
الجَهْلُ والسُّخْفُ والخُرق
هناك جَهلٌ كثيفٌ ، وعقلٌ سخيفٌ ، قالب جهل مسبوق ، بثوب جاهل لا يُميِّز ، وأهوج لا يتحرَّز ، أخرقُ مختلف ، وأهوج متعجرفٌ لا يستر من العقل بسَجْفٍ ، ولا يشتمل إلاّ على سُخْفٍ ، أتى ما دَلَّ على خُرْقه ورَكاكة خُلقِه ، قد ضل يتعثر في فضول جهلِهِ ، ويَتَساقَطُ في ذيول خرقهِ .
القلَّةُ والذِّلَّةُ
ريحُ صَيفٍ ، وطارقُ ضَيفٍ ، فوته غنيمه ، والظفَرُ بهِ هزيمة ، يقل عن الذكر ، ويزلّ عن الفكر ، " أقلّ من تِبنة في لبنة " و " أَذَلُ من قُلامة في قمامة " ، هوَ ولا شيء .
خُبْثُ الطَوِيّة ومخالفةُ الباطن للظاهر
قلب فلانٍ نَغْل ، وصدره دَغلٌ ، طوية مَعْلولَة ، وعقيدة مغلولة ، وعقيدة مدْخولة ، صفوه رَنَقٌ ، وبِرُّه لَمَقٌ ، وودُّه مُزَأبقٌ ، خبيث النّية ، واكدُ الطويَّة ، موجود عند الرخاء ، مفقود عند البلاءَ ، يَبثُّ حَبائل الزور ، وينصب أشراك الغرور ، يدَّعي ضروب الباطل ، ويتحلّى بما هو عاطِلٌ ، يُبدي وجه المطابق الموافق ، ويخفي نظرَ المسارق المنافق ، ضمير قلبه خبيث ، ويمينه حنث ، وعهده نكث ، أظهر وَرعه ، ليخفي طمعه ، وقَصَّرَ سبالَه ليطيل يده ، يبرز في ظاهِر السَّمْت ، وباطن أصحاب السَّبْت . ؟
الكَذِب وخُبْثُ اللسان
فلانٌ منغمسٌ في عَيْبِهِ ، يكذبُ لذَيلهِ على جيبهِ ، يقول بهتاً ، وزوراً بحتاٌ ، قد مُلىءَ قلبه رَيْناً وقوله مَيْناً ، الفاختة عنه أبو ذَرّ ، لسانهُ مقراضُ الأعراض ، يأكل خبزه بلحومِ الناسِ ، عرضٌ دنيء ، وفم بذيءٌ .
خبثُ الفعل والاستهدافُ للعَيب
هو مقصورُ الهِمَّة على ما يُسْتهجَن ذكره ، فكيف فعلهُ ، قَدْ عَدَلَ عن الجميل جملةً ، وأخلَّ بسواء السبيلِ دُفعة ، لزمه عارٌ لا يحمي رسمه ، ولزمهُ شنانٌ لا يزول وَسْمُه ، فلان لسهام العائبين مُسْتَهدَفٌ ، ولعصا الفاسقين متلقَّفٌ ، فلان يخبىء العصا في الدّهليز الأقصى ، قد تقلّدَ عاراً لا يغسلُه الاعتذارُ ، ولا يمحوه الليل والنهارُ ، قد أصبح نقل كل لسانٍ وضحكة كل إنسانِ ، وحملت أمهاته سفاتج إلى البلدان ، صار بذلة الألسن ، ومثلة الأعين ، عرض عِرضه لسهام العائبين ، وألسنة القاذفين ، عِرضه منديل الأيدي ، وعِلك الألسنة .
التِّيهُ والكِبْرُ
قد أسكرته خَمْرَةُ الكِبْرِ ، واستهوته غُرّة التِّيهِ ، يتكبَّرُ على مستصغرين ، ويتعاظم على مستحقرين ، كأنّ كسرى حاملُ غاشيته ، وقارونَ وكيلُ نفقته ، وبلقيسَ إحدى داياته ، وكأنّ يوسفَ عليه السلام لا ينظر إلاّ بمقلَتِه ، ولقمان لم ينطق إلا بحكمته ، كأنّ الشمس تطلعُ من جبينه ، والغَمام يندى من يمينه ، كأنّهُ امتطى السِّماكين ، وانتعل الفرقدين ، ومَلَك الخافقين ، واستعبَد الثَّقَلين ، وتناول النيِّرين بيدين .
الحَسَدُ
فلانٌ جَسدٌ كُلُهُ حَسَدٌ ، وعِقْدٌ كله حِقد ، الحاسِدُ يعمى عن محاسن الصبح ، بعينٍ تدرك دقائق القُبح ، الحَسود لا يَسود ، الحَسَد آفة الجسد ، فلانٌ معجون من طينة الحَسدِ والمنافسة ، مضروبٌ في قالبِ الضيق والمناقشة .
دناءةُ النَّفْسِ مع شَرَف الأبوّة
فلانٌ من الطاووس رجلُهُ ، ومن الورد شوكُه ، ومن الماء زَبَدُهُ ، ومن الأسد نكهتهُ ، ومن السَّحابِ ظُلمته ، ومن النار دُخانها ، ومن الخَمر خمارُها ، ومن الدارِ مُستراحُها . الجُبْنُ
فلانٌ تمثالُ الجُبن ، وصورةُ الخَوف ، ومقرُّ الرُّعب ، ومن لو سمّيَتْ له الحرب لخاف لفظها قبل معناها ، وذكرها قبل فحواها ، هو من تخوَّفه أضغاث أحلامٍ فكيف مسموعُ الكلام وإذا ذكرتِ السيوفُ لمَسَ رأسَه هل ذهب ، وإذا ذكرتِ الرماحُ لمس جنبه هل نُقِب .
خُلْفُ الوعْدِ وكثرة المَطْلِ
خُلفُ الوَعد ، خُلُق الوَغْد ، فلانٌ يُرسل برقَهُ ، ولا يُسيل وَدْقَهُ ، ويقدّم رعده ولا يمطر بعده ، وعده برقٌ خُلَّبٌ ، ورَوَغان ثَعلب ، غيمُ وعدِه جُهامٌ ، وسيفٌ بذله كَهامٌ ، وعدُه مُقرمَطٌ ، وتسويفه مفَرَّط قد حرمه نضرة الوعد ، وجَرّهُ على شوك المَطْلِ ، لا وعد نجيحٌ ، ولا يأسٌ مريحٌ .
ذَمُّ الخَطّ
خَطّ مضطربُ الحرفِ ، مُضاعَف الضَعْفِ ، خطٌّ مُمَجْمَجٌ ، ولفظٌ مُلَجْلجٌ خط سقيم ، وخاطر عقيم ، كأن قلمه لا يستجيب برَيهُ ، والمدادُ لا يساعِدُ جريهُ خط يقذي العين ، ويشجي الصدر ، خط منحطٌّ ، كأنه أرْجلُ البط على الشط ، وأنامل السرطانِ على الحيطانِ ، خط مجنون ، لا يُدْرى أألِف هو أم نون ، وسطورٌ فيها شطور .
ذَمُ الكلامِ
كلام تنبو عن قبوله الطِّباع ، وتتجافى عن استماعِه الأسماع ، ألفاظٌ تنبو عنها الآذان فتمجُّها ، وتنكرها الطباعُ فترجُّها ، كلامٌ لا يرفع السَّمْعُ له حِجاباً ، ولا يفتح القلبُ لوفوده باباً ، كلامٌ يُصدي الريَّان ، ويصدىءُ الأفهام ، كلام تُعمَل فيه حتّى تبدَّل ، وتكلِّفَ حتى تعسَّف ، طبع جاسٍ ولَفْظٌ فاشٍ ، كلام كأنّهُ ثَمرٌ قُطِفَ قبل أوانِهِ ، وشرابٌ بزُلَ قبل إبّانِهِ ، كلامٌ بمثلهِ يتسلّى الأخرَسُ عن كلمِهِ ، ويفرحُ الأصم بِصَمَمِهِ ، بمثل ذلك الكلام رزق الصَّمْتَ المحبة ، وأعطى الإنصات الفضيلة ، لفظٌ رَثٌّ ، ومعنىً غَثّ ، كلام لا طائل فيهِ ، ولا طلاوة عليهِ .
ذَمُّ الكاتِب
قد صدىء فَهْمُهُ ، وتبلَّدَ طَبْعهُ ، وتكدَّرَ خاطِرُهُ ، الخرس أَحْسنُ من كلامه ، والعيّ أبلغ من بيانِهِ ، خاطره ينبو ، وقلمه يكبو ، فلانٌ كليلُ شَفرة الكلامِ ، سريعُ وقع الأقلام ، قصير رِشاءِ اللسان ، قريب غَوْر البيان ، يسهو ويغلط ، ويخطىء ويسقط ، هو في الأدب دَعى النَسَب ، وهو في الكتابة ضَيِّق المضطرب ، سَيّىءُ المنقَلَب ، فلان قاصِرُ سعيِ البلاغةِ ، قصيرُ باعِ الكِتابة .
ذَم الشِّعر والشاعر
أبيات لَيستْ من محكم الشَعْرِ وحكمه ، ولا من أحرار الكلام وغرره ، شِعْر ضعيف الصِّيغة ، رديء الصَّنعةِ ، قد جمع فيه بين إقواءٍ وأخطاءٍ وإبطاءٍ ، لو شعر بالنقص ما شَعَرَ ، ما قطع شِعْرُهُ شَعَرَه ، ولا سقى قطره ، هو من بين الشعراء ، منبوذٌ بالعراءِ ، شاعِرٌ باردُ العبارةِ ، ثقيلُ الاستعارة ، بَغِيضُ الإشارةِ ، شعرُه لم يلبس حُلّة الحلاوة ، ولم يُطل بالطلاوة . الباب السابعُ في الإستماحاتِ والشفاعات وما يشاكلها
التشبيبُ بمدحِ المسؤول
سَيدي أوّلُ المحاسنِ واَخرها ، ومورد المكارم وَمَصدرُها ، فعافيه مُسْتغنٍ عن الوسائل أن يمهِّدها ، غير محتاج إلى الذرائع أن يؤكَدَها ، لفواضل مولايَ موادٌّ لا تتقطع ، وسحائب لا تتقشّع . فاللّه يحرس أيامه ولا يُعدم منتجعيه إنعامه ، من خدم الأمير يوماً من عُمره بل ساعةً من دهره ، فقد اعتصم بالعروة الوثقى ، وأصبح من النوائب في حِمَى الأمير ، مَلْجأ العُفاةِ الذي إليه يفزعون ، وفناه ينتجعونَ ، فهم فيه بين جاهٍ لا يبخل ببَذْلِهِ ، ومالٍ يسمح بفضله ، مولاي عَلَمٌ في المكارم يقف عليه الطالع وتشير إليه الأَصابعُ ، معهود النيل مألوف الفضل ، عذب الورد ، قريب الشرب فالاَمال كيف تصرفت انتهت إليه ، ووقفت عليها فيتلقاها بتحقيقٍ ، ويقابلها بتصديق مولاي قبلة كرم يصلّي إليها أبناءُ الرغائب ، وكعبة يحجها ذَوو المطالب ، الجميل من مولاي مُعتادٌ ، وتفضّله مبدأ ومَعاد ، جوارُ مولاي حرم ، وقِرى أضيافهِ كَرَمٌ ، من طلب الرّيَّ من الفرات لم يخش الظمأ في وِرْدِهِ ، ومن قصد الكريم برَجائه ، لم يحاذر الخيبة في قَصْدِهِ ، الوارد على البحارِ لا يخشى عطشاً ، والوافد على الكرام لا يعدم منتعشاً ، الحاجة إليه فقد عرضَت لبعضي إلى كُلي قد مَهّدَ الله حالي ومحلّي عند مولاي . الانبساطُ والاسترسال
قد لاح عليَّ من مِيْسَم مودتِكَ ، ما ينقبض معه العذر في ترك مباسَطتك ، فضلك قد أنشطني من عِقَالِ الحشمةِ ، وبسَطَني من انقباض الوحْشهِ ، مولاي يعلم أني لا أنبسط الانبساطَ الذي ربما صافحَ الإفراط ، ولا أسترسل الاسترسال الذي يقارب الإهمال ، انبساطي إليك انبساط الواثق منك بأحسن الجواب المتوقع بأسرع الإيجاب .
التَّلطُّف للاستماحَةِ والتماس الحاجة
قد صار سؤالي وإيجابكَ لقاحاً ، نتجا سماحةً ونجاحاً ، أنا السَّحبُ على شيمتك ، وأتقلب على مِهاد كرمك ، وأنت ممن تشفع به الإخوان إلى الزمان ، من عرضت له أمداد البحار ، استغنى عن ثماد الأنهار ، لا أستمد النهر ، وأنا جار البحر ، ولا أحتاج إلى ضَوء النجمِ ، وأنا أسري في ضوءِ البدر ، من عَظُمَتِ النِّعمة لديه ، كثرت الرغبةُ إليه ، فاستجلب بالإنعام منك إنعام اللّه عليك ، إن رأيت أن تغرس لي من عنايتك غَرْساً ألوذُ بظله ، وأستمتع بثمرته ، مولاي لا يرى منِّي إكثار المسرفِ ، ولا إملال المُلحِف ، ما أعُدّ خزانة مولاي إلا معدنٌ ذُخر لي ، من كان كله لك ، كان كله عليك ، قد وَرَدْتُ بحرَك الغائض ، وفارقت احتشامي القابض ، إن رأيت أن تجعل لمن كُلّهُ لك جزءاً من زمانك ، ونصيباً من أوان نشاطِكَ .
الأدعيةُ للمسؤول
أبقاه الله لمجدٍ يتسم غاربه ، وكرم يملك مشارقه ومغاربه ، أبقاه اللّه شمساً للمحاسن لا يمحقها الكسوف ، ولا يرخي دونها السُّجوف ، لا زال يُحمّلُ أولياءَهُ من طَوْله ما يثقل الظهور ، ويُخلِق الدهور ، لا زال مُمَتّعاً بشرفِ سجاياه وشيمه ، مستمدًّا من أغراس نِعمه ، لا زال ظِلُّهُ مألوفاً ، ومعروفُه معروفاً ، واللَّهُ يديم أيامَه لإحسانٍ إلى قاصيته ، وإنعام يقود بناصيته ، جعل البركة غذاء مدته ، وفقأ نواظِرَ الأيامِ من عرصَته . الشّكوى والاستغاثة
هذه لُمْعَةٌ من الشكوى ، تنبىء عما أكابده من البلوى ، ومن كان وراءه مثل عناية سَيّدنا فيدُ الظلم تقصِّر عنه ، وصرف الدهر لا يتجاسَر عليه ، قد التوى عليَّ أمري وثقل بما دفعت إليه ظهري ، وحرمة سيدنا تضمن لي عند إقامة الأَود ، وإزالة الخلل ما تُلمُ بي ملمة ، إلا كان لمولاي بإزائها ، يد تغل غربها وتكفُّ خَطْبَها ، وتأسو كَلْمَها ، وتجبر ثلْمها ، تضاعف هذه المِحن ، تقتضي مضاعفة تُطَوّقنيه من المِنن ، لم يبق وقتٌ للانتظار ، ولا موضع للاصطبار ، ما أمسَّ الحاجة إلى عُجالة من معونتهِ ، وطليعةٍ من مغوثته ، إن مدّ الدهر إلى استضامَتي كفّاً باطنة باطشةً ، بسطَ مولاي لقبضها يداً ناعشةً ، أنا أتوقع من دَهْري العُتبى ، وأُؤمل بجميل نظر الأمرِ لي حُسن العُقبى .
استبذالُ الجَاه
مولاي يبذل لي جاهَه ، الذي هو فوق ماله ، وَيَصونُ ماءَ وجهي ، الذي هو فوق دَمي ، أنا أستمطر سَحاب جاهكَ ، وأستدرُّ حلوبة كَرَمِكَ ، إنما هو لقطة من لقطاتك بل لحظةٌ من لحطاتِك ، ينتظم بها مُرادي ، معها أن ينادي ، إن جدّدتَ لي من جاهي ما أخلق ، حققتَ من أملي ما أخْفَق ، بجاه مولاي أتمكن من إظهارِ ما نويت والاستظهار على ما ناويت ، أنا من مولاي بين إنعام ضافٍ ، وجاهٍ مُضافٍ ، إن أعارني مولاي شعبةً من جاهه ، وشَغَل بي ساعةً من أيامه ، أعادَ إليّ ما نَضَب من ماء وجهي ورونقِ حاجتي لا يتجاوز فضل الجاه وزكاتَهُ .
طلبُ حاجَة يَسيرَةٍ
الصغير إذا احتيج إليه كبيرٌ ، كما أن الكبير إذا استُغني عنه صغيرٌ ، الصديق لا يصغر عن صغير صديقه ، ولا يصغر عن كبيره ، أنا أثق منك بالإسعاف ، وإن قرنت المسألةَ بالإلحاف ، فكيف لحاجةٍ وطأتها خفيفة عليك ، ومنَّتُها ثقيلةٌ لك . الحث على الإتمام والإنعام وإعادة الإحسان
أولُ الإحسانِ مُرْتَهَن بآخره ، وماضيه مَوْقوفٌ على غابره ، لا يكاد الحمد يحصلُ بالفواتح إلاّ عند إحماد الخواتم ، مولاي يسقي ما غرس ، ويشيد ما أسَّسَ ، ويتبع الفرسُ لجامَهُ ، والبعير زمامَه ، فَيَستَتم إنعامه ، وهو أعلى همّةً وعيناً ، من أن لا يرى الصنيعة دَيناً قريباً ، ومولاي ينبت ما أنجم ، ويسدي ما ألحم ، مولاي يلبس المروءة تمامها ، ويتبع الناقةَ زمامَها ، في ضمان مولاي الطلّ من إحسانه أن يصير وابلاً والهلال من إنعامه أن يكون بدراً كاملاً ، ما الإنعام إلا بالتمام .
الهَز واستنجازُ الوعدِ والتلويح بالاستبطاء
أنا أَهُزّ مولاي هَز الحسام ، وأستسقيه سُقيا الغمام ، أنا أهزّهُ للجودِ كما يُهزُّ السيفُ وإن كان جوهرُه خالصاً ، وحدُّه ناقصاً ، أنا أهرُّ عطفَ كرمك ، وأستمطر سحابَ شيمكَ ، وعد الكريم ، ألزمُ من دين الغريم ، من وعَدَ وَعْداً ، فقد عهِد عهداً ، ومن أعطى من لسانه وثيقة ، لزم شرائطها على الحقيقة ، قضاءُ الدَّيْنِ غُنمٌ ، ومَطْلُ الغني ظلمٌ ، خيرُ البرِّ ما صَفا وضفا ، وشره ما تأخرَ وتكدَّر ، ربما كان التقاضي في التغاضي ، كنت سألت مولاي حاجة فأجاب ، ووعد الإيجاب ، وقد حان ميقاتهٌ ، وحضر سعادُه ، إنما سألته ، يوم أملته ، واستمحتهُ حين مدحته ، واقتضيته وقت أتيته ، وانتجعت سحابَه ، لما أتيت بابه . أنا ومولاي على ميعادٍ ، ونحرُه لي بمرصادٍ ، غيره من حَرَّرَ سنن المطاولة ، وجرى على سنين المماطلة .
الانتظارُ والتّرقب
انتظارٌ شديدٌ ، وطرفي حديد ، أنا أكتحل السُّهاد لتطلعِهِ ، وأفترش القَتاد مع توقُّعه ، أنا أنتظر انتظار المعسر للميسر ، والصائم للمفطر ، والساهر لطلوع الفجر ، والمجدِب لوقوع القَطْرِ ، أنا أتوقعه توقع الظمآن للماء الزلال ، والصَوَّام لهلال شوال ، الأعين إليه ممدودة ، والساعات عليه معدودة . التثبيتُ للشفاعَةِ
الشفاعاتُ زكواتُ المروات ، شفيع الثقة ، أوجه من شفيع الحُرمَة ، والتوسُّلُ بحسن الظنّ أوكَدُ أسبابِ الخدمة ، شفيع الثقة ، وجيه الشفاعة ، وسلطان الإخلاص ، مفترض الطاعة ، بزَند الشفيع تُورَى نارُ النجاح ، ومن كف المفيض ينتظر فور القداح ، حضرة مولاي للكرم مَعطفٌ ، وللمجد مَألفٌ ومعرَفٌ ، وللفضائل مُناخٌ ومجمعٌ وللفواضل مَصْيفٌ ومَربع ، الكريم لا يَردُّ ولا يُرَد ، والعَظيمُ يُسأَلُ في العظيم ، العلم رَحِم والأدبُ نَسَبٌ ، ولولا الوسائل لبطلت الشَّفاعات ، المرءُ في منافعِ نفسه كَرَمٌ معلومٌ ، فأما عن مصالح إخوانه فلومٌ .
وَصْفُ المشفوع لَهُ
فلانٌ يَحلّ مني محل الشفيق الأثير ، وعلق المظنة الخطير ، فلانٌ يَمتٌّ إليّ بوَكيدِ حرمة ، وقديم خدمةٍ ، شاب عليها ، ولم يُشبها بسواها ، له محل السوادين من قلبي وعيني ، فلان يختص بي اختصاصَ العُضوِ بالجُثة ، والبعض بالجُملة ، قد جمعتنا من الوُدّ حلقة ، ونظمتنا في السَّفَر رِفقة ، فلانٌ تامّ في آلته ، ناقصٌ في حالته ، جديدُ ثوبِ الجمال ، خَلَقُ ثوبِ الحال ، خالٍ من الأدب ، عاطل من النَشَب .
فضائلُة وَوَسائلهُ
حقُّه حق مثله ، وعليّ قدْر فضله ، فلانٌ شديد الاحتشام ، إلاّ إذا اتفق له بعض الكرام ، فلانٌ ممن يزيد حُسن أثره ، على طيب خبره ، وأقوى شُفعائِه ، بسوءِ الحال ، وشِدَة الاختلال . سائرُ ألفاظِ الشّفاعة والوصاة
من تزوَّد كتابي إلى مولاي فقد قَدّم العتاد ، وحصل الراحلة والزاد ، فلانٌ قد وَرَدَ منك حراً ، وقد عقد مني جسراً ، وما عَثُرَ وَعْدٌ أنت منجزُه ، ولا بعد من أنت مشهرهُ ، قد ضمنتُ لِفلان على كرمك حاجة مقضيّة ، ووثقت بأنك لا تكذب لساني ، ولا تخفر ضماني ، ولا تخيب رجائي ، الأجرُ في أمرِ فلانٍ مضمونٌ ، والشكرُ بهِ مقرون ، قد حال من بلدٍ شاسعٍ ، بأملٍ واسع . الباب الثامن في الأزمنةِ والأمكنة وأحوالِ الإنسان من لدُن صغره ونمائه إلى كبره وانتهائه
وصفُ الربيعِ وحُسن نظره ولطف موقعه
أقبل الربيع بأحسنِ حالِهِ ، والحسنُ والطيبُ في إقبالهِ ، أقبل الربيع يَتَبسَّمُ ، ويكادُ من الحسن يتكلم ، تنفس الربيعُ عن أنفاس الأحباب ، وأعاد للأرضِ أثواب الشباب ، تنفس فنفَّس عن المكروب ، وأهدى الروحَ والراحة للكفور ، جاء الربيع يجرُّ أذيالَ العرائس ، وينثرُ أجنحة الطواوس ، تبلَّجَ عن وجهٍ بَهجٍ ، وجَو غَنجِ ، وروضٍ أرج ، وطير مزدوجٍ ، أقبل برائحة الجنان وروح الجَنان ، وأسفر عن ظلّ سَجْسَج ، وماء سلْسَل ، وروض مُدبَّجٍ ، مَرحَباً بالفضل الجامعِ لأنواع الفَضْل ، زائر من القلوب قريب ، وكُلهُ حُسنٌ وطيبٌ ، زائر لباسه حَريرٌ ، وأنفاسه عبير ، سحاب ماطرٌ ، وتُرابٌ عاطر ، زائر وجهه وسيم ، وفضله جَسيمٌ ، وريحُه نسيم ، الأرض زُمرُّدة ، والأشجار وشْيٌ ، والماءُ سيوفٌ ، والطير قيانٌ .
ذِكْرُ النَّسيم
هبَّ النسيمُ من الكَرى ، فهَبَّ عليَّ الورى ، وعَطَر الثرى نسيم الروحِ ، قد سَفَر الربيع عن خُلقِ الكريم ، ونطقَ بلسانِ النسيم ، وأفاضَ ماءَ النعيم ، ركضت خيولُ النسيم في ميادين الرياضِ قد حلَت يدُ المطر أزرارَ الأنوار ، وأذاعَ لسانُ النسيمِ أسرارَ الأزهار . ذكْرُ الرّياضِ
رَوْضَةٌ رقت حواشيها ، وتأنقَ واشيها ، روضةٌ كالعقود المنظَّمة على البُرُود المنَمنمة ، روضة قد نَشَرتْ طرائفَ مطارفها ، ولطائف زخارفها ، فطوي لها الدِّيباج الخسرواني ، ونفي معها الوشي الإسكندراني ، أخرجت الأرضُ أسرارَها ، وأظهرت يدُ العبث آثارَها ، وأطلعت الرياضُ أزهارها ، روضةٌ قد تحلَت بحليتها ، وأخذت زخرفها ، وتوشَحَت بنورها ، الرياض كالعرائس في حليها وزخارفها ، والقيان في وشْيها ومطارِفها باسطة زرابيها ، وأنماطها ناشرة حبرها ورياطها ، كأنما احتفلت لوفدٍ ، أو هي من حبيب على وَعْدٍ .
وَصْفُ البساتين
بُستان رَق نوره النضِيد ، وراق ورقه النضير ، بُستانٌ عصيُّه خُضر ، ونوره نصر ، وربعه خصب ، وماؤه حصر ، بستانٌ كأنّهُ أنموذج الجَنّة لا يحل الأديب أن لا يحل به ، أرضه النَّفْل والريحان ، وسماؤه النخل والرُّمّان ، بستانٌ أنهاره مَفروزة بالأزهار ، وأشجاره موقرة بالثمارِ ، أشجارٌ كالعَذارى يسرِّحنَ الضفائر ، وينشرنَ الغدائرَ ، أشجارٌ كأن الحُورَ أعارتْها قدودَها ، وكستْها بُرودَها وحلتها عقودَها .
الورد والنَّرجسُ والشقائق
زَمَنُ الورْدِ مرقوقٌ موموقٌ ، كأنّهُ من الجَنَة مَسْروقٌ ، قد وردَ كتابُ الوَرْدِ بإقباله إلى أهل الودّ ، إذا وردَ الوَرْدُ ، صَدَر الوَرْدُ ، مَرحباً بأشرف الزَّهرِ ، في أطراف الدَّهرِ ، عين النرجس عَيْنٌ ، وورقه وَرقٌ ، نزهة الطَرَف ، وطَرَف الظرف ، وغذاء الرُّوحِ ، ومادة الرَّوْحِ ، شقائقّ كتِيجان العقيقِ على الزنوج ، تجارحتْ فسالت دماؤها وصنعت فنقي دماؤها ، كأنها أصداغُ المسكِ على الخُدودِ المُورَّدة . غناءُ الطير
الأرضُ زُمُرُّدة ، والأشجارُ وشْي ، والماءُ سيوف ، والطير قِيان ، قد غرّدَتْ خطباء الأطيار ، على منابر الأنوارِ والأزهار ، إذا صدح الحمام ، صدع قلبُ المُستَهام ، انظر إلى طرب الأشجار ، لغناء الأطيار بالأسحار ، ليس للبلابل ، كخمر بابل ، على غناء البلابل .
وَصْفُ أيامِ الربيعِ
يَوْمٌ سماؤه فاختيةٌ ، وأرضه طاووسيةٌ ، يومٌ جلابيبُ غيومِه صفاقٌ ، وأرديةُ نسيمِه رقاق ، يَوْمٌ مُعَصْفرُ السماء ، ممسَّكُ الهواءِ ، مُعَنْبَرُ الرياضِ ، مصندَل الماء ، يومٌ سماؤه كالخزِّ الأدكن ، وأرضُه كالدّيباجٍ الأخضر ، يومٌ تبسمَ عنه الربيع ، وتبرج فيه الروض المريع ، كأنَ سماءه مَأْتمٌ وأرضه عرس .
مُقدِّمة المَطَرِ
لَبست السماءُ جلبابَها ، سَحبَ السحابُ أذيالَهُ ، احتججتِ الشمس في سُرادقِ الغيم ، ولبس الجوُ مطَرفه الأدكن ، ناجتِ الريحُ بأسرارِ الندى ، ضربت خيمة الغمام ، ورشّ خَيش النسيمِ بالنَدى ، ابتل قميصُ النّسيم .
وَصْفُ الرَّعْد والبرق
قام خطيبُ الرعدِ ، ونبضَ عِرق البَرْق ، سحابةٌ رعدُها يصم الأذن ، وبَرْقُها يخطُف العَيْن ، الرعد ذو صَخَبٍ ، والبَرْق ذو لهبٍ ، ابتسم البَرق عن قهقهة الرعد ، زأرَتْ أُسود الرَّعد ، ولمَعَتْ سُيوفُ البرق ، كأنَ البرقَ قلبٌ مَشوق ، بين التهابٍ وخُفُوقٍ .
ذِكْرُ السَّحاب والمَطرِ
انحلّ عَقْدُ السماءِ ، وَوَهَى عِقْدُ الأنواءِ ، انحل سلكُ القَطْرِ ، عن درَّ البَحْرِ استعار السحابُ جُفونَ العُشَاقِ ، ولفَّ الأجواد . انقطع شريان عرق الغمام ، سحابٌ حَكى المحب في انسكابِ دموعِهِ ، والتهابِ النار بين ضُلوعه ، مَطرٌ كأفواه القِرَب ، وَوَحْلٌ إلى الركب ، سحابُه يضحك من بكائها الرَّوْضُ ، وتخضرُّ من سَوادِها الأرضُ .
وَصفُ الماءِ وما يتصل به
ماءٌ كالزجاج الأزرقِ ، غديرٌ كعينِ الشمس ، مواردُ كالمباردِ ، ماءٌ كلسانِ الشَّمعة ، أصفى من الدَّمعة ، ماءٌ إذا مَسّتهُ مدُّ النسيم ، حكى سلاسلَ الفضَّة ، كأن الغدير لبنات الماء ، رداءٌ مُصَنْدلٌ مُطيَّرٌ ، بِركةٌ كأنها مرآةُ السماء ، بركة مفروزة بالخضرة كأنها مرآةٌ مَجْلوّة على ديباجةٍ خضراء ، ماءٌ أرقُّ من دموعي فيك وأعذب من أخلاقك ، وأبرد من فعل الزمان حيث رماني بجفائك .
ذكْرُ الصَّيفِ ووصفُ الحر
قَوِيَ سلطان الحرَ ، وبسط بساطَ الجمر ، حَرُّ الصيف كحدِّ السيف ، حَزٌ يلفح حُرَّ الوَجْهِ ، حرٌّ يشبهُ قلبَ الصَّبِّ ، ويُذيبُ دماغ الضّّبِّ ، هاجرة تحكي نارَ الهَجْرِ ، وتذيبُ قلبَ الصََّخر ، أيامٌ كأيام الفراقِ امتداداً ، وحَرٌّ كحرِّ الشوقِ اشتداداً ، حرّ لا يَطيب مَعه عيش ، ولا ينفع فيه ثلج ولا خَيش .
ذكْرُ الخَريف
انحسر قناعُ الصيف ، خَبَتْ جَمْرَةُ الهواجرِ ، جاشت جيوشُ الخريف ، وردت رايات المصيف ، قد أخذ البردُ يجمّشنا بلواحظه ويقرصنا بأنامِلِه ، أخذت عواصفه تهبٌّ ، وأقبلت عقاربه تدبُّ قد حَلّتِ الشمس الميزان ، وعُدِّل الزمان بالميزان .
ذِكْرُ الشتاءِ وَوَصْفُ أيّامِ الثلج والبرد
ألقى الشتاء كلاكِلَه ، وأحلَّ بنا أثقالَهُ ، مَدَ الشتاء رُواقه ، وحلَ البرد نطاقَه ، عادَتْ هاماتُ الجبالِ شيباً ، ولبست من الثلجِ مُلاءً قشيباً . قد صار البَردُ حجاباً ، والثلج حِجاناً ، بَرْدٌ يزوي الوجوه ، ويُعمِّشَ العيون ، ويُسيل الأنوفَ ، ويغير الألوان ، ويقشف الأبدان ، نحن من هذا الشتاءِ الكَلِبِ بين لَثِق وَزلِقٍ ودَمِقٍ .
وَصْفُ الأيام الشتويّةِ
يومٌ كأنَّ الأرض شابتِ لهوله ، يومٌ عبوسٌ قمطريرٌ ، يكشف عن أنياب الزمْهرير ، ويفترش بالقوارير ، يومٌ أخذت الأرض زِمامه ، وكساه الصِّر ثيابه ، يومٌ كأن الدنيا فيه كافورة ، والأرض قارورة ، والسماء بلّورة ، يومٌ يثقل فيه الخفيف إذا هَجمَ ويخف الثقيل إذا مجر ، يوم أرضُه كالقوارير اللامعةِ وهواؤهُ كالزنابير اللاسعة .
إقبالُ الليلِ وانتشارُ الظلمةِ وطلوعُ الكواكب
أقبلتْ عساكرُ الليل ، خفقتْ راياتُ الظلام ، أرخى الليل سدولَه ، وسحبَ الظلامُ ذيولَهُ ، أقبلتْ وفودُ النجومِ ، تفتَّحت أزاهيرُ الكواكب ، نوّرَتْ حدائقُ الجَوِّ ، أذكى الفَلَكُ مصابيحَه ، طَغَت النجومُ في بحر الدُّجى . وَصْفُ اللّيالي المُظلمة ليلةٌ كغُراب الشباب ، وحدق الحسان ، وذوائب العذارى ، ولباس بني عباس ، ليلةٌ كأنها من الغَبَش ، في موكبٍ من الحَبَش ، ليلةٌ حالِكٌ إهابُها ، وكأن الفجر يهابُها .
الليلةُ الطَّلْقة الطّيِّبة المشكورة
ليلةٌ سحرٌ كلُّها ، ليلة هواها صحيح ، ونسيمُها عليل ، ليلةٌ كأنها نهار ، ليلةٌ من حسناتِ الدهر ، ليلةٌ فضيَّةُ الأديم ، مِسكيَّةُ النسيم ، ليلة باكورةُ العمر ، وبِكر الدَّهر ، ليلة وَقَدَ الدهرُ عنها ، وطلعَتْ سُعودُها ، وغاب عُذالُها .
في ضِدِّها وذِكْرُ طولِ الليل
لَيلَةٌ من غُصَص الصَّدْر ، ونِقم الدّهرِ ، ليلةُ غُموم وغيوم ، ليلة كما شاءَ الحسود ، وساء الودود ، ليلةٌ قصَّ جناحُها ، وضل صياحُها ، ليلةُ كأنَّ أول الحشر اَخرها ، ليلٌ كأنَ نجومَه نجوم الشيب ، ليل كلَيلِ الأعمى .
انتصافُ الليل
قد تنصفنا عُمُرَ الليل ، واستغرقنا شبابه ، مضى من الليل صَدْرُهُ ، وانقضى شطرُه ، اكتهل الظلامُ ، شابَ رأسُ الليل ، كأديم النسيمِ بالسحر .
تناهِي الليل وتَصرّمُهُ
انكشفَ غطاءُ الليل ، انهتَكَ سترُ الدّجى ، رفع سَجْفُ الظلام ، رقَّ ثوبُ الدُّجى ، قُوضَت خِيامُ الظلامِ ، خلعَ الأفق ثوبَ الدُّجى ، انتقب الليلُ بالصُّبح ، أعرضَ الظلام ، وتولى ، وتدلى عُنقودُ الثريا ، طرَّز الصبحُ قميصَ الليل ، باحَ الصبَاحُ بأسرارِ الرياحين .
إقبالُ الصُّبح وانتشارُ النُّور
لاحت تباشيرُ الصُّبح ، افتر الصُّبح عن نواجذه ، ضَرب الصٌّبح بعموده وتبسم عن نوره ، بَشَر الدّيك بالصُّبح ، سلَّ سيوفَ الصبح من غمْدِ الظلامِ ، أطار بازي الصبح غُرابَ الليل ، نَعَر الصبحُ في قنا الظلامِ ، عزلتْ نوافج المِسك شمامات الكافور ، وانهزمَ جُندُ الظلامِ من عَسكر النور .
طلوعُ الشمسِ وانتشارُ الضوء
دَرَّ قَرنُ الشَّمْسِ ، ارتفع الحجابُ عن حاجبِ الشمسِ ، لمعتِ الشمسُ في أجنحةِ الطير ، كشفتِ الشمسُ قناعَها ، ونشرت شعاعَها ، ارتفع سُرادقُها ، وأضاءت مشارقُها ، انتشر جناحُ الضَّوءِ في أفق الجَوِّ ، ذهبَتِ الشمسُ أطارف الجُدران .
مُتوعُ النَّهارِ
أيفع النهارُ وارتفع ، ترجَّلَتِ الشمسُ ، استوى شبابُ النهارِ ، فُرشتِ الأرض بالذهبِ . انتصافُ النَّهارِ بلغتِ الشمسُ كَبدَ السماءِ ، انتعل كُل شيء ظلَّه ، قامَ قائمُ الهاجرة ، رمتِ الشمسُ بجمراتِ الظهيرة .
اصفرارُ الشمسِ وغروبُها
اصفرَّتْ غلالةُ الشمس ، نثرَت تِبراً على الأصيل وشَدّ رحلها ، بقَلَ وَجْه النهار وَطرَّ شاربهُ ، استروحت الشَمسِ بالنّقاب ، وتوارتْ بالحجابِ .
وَصْفُ البلاد
بلدةٌ كأنها صورةُ الجنَةِ منقوشَةٌ على الأرض ، بلدة ترابُها عَنْبر ، وحَصاها عقيق ، وهواؤها نسيم ، وماؤها رَحيق ، بلدةٌ معشوقَةُ السُّكنى ، رحيبةُ المثوى ، كوكبُها يقظان ، وجَوّها عُرْيانٌ ، نسيمُها مُعَطّرٌ ، وترابُها مِسْكٌ أذفَرُ ، ويومُها غَداة ، وليلُها سَحَرٌ ، بَلْدةٌ واسعةُ الرُّقعة ، طيبة البُقعة ، كأن محاسنَ الدنيا فيها مَفروشة ، وصورةُ الجنَّةِ فيها منقوشةٌ .
في ضِدِّ ذلك
بلدٌ متضايقُ الحدودِ والأفنيةِ ، متراكِبُ المنازلِ والأبنيةِ ، بلدة حَرُّها مؤذي ، وماؤها موبٍ ، بلدة وَسِخَةُ السماءِ ، وَهدة الهواءِ ، جوُّها غبارٌ ، وأرضها خَبارٌ ، وماؤها طين ، وترابُها سِرجِين ، أرضها نَزوز ، وتشرينُها تموز ، فكم في شمسِها من محترق ، وفي ظلِّها من غرِق ، بلدةٌ حيطانُها أجصاص ، وبيوتُها أقفاص .
وَصْفُ الحصونِ والقلاع
حِصْنٌ كأنِّهُ على مَرْقبِ النجم ، ومجير منِ القدر الحَتْم ، حِصنٌ يَحْسُرُ دونه الناظِرُ ، ويقْصُرُ عَنْه العقابُ الكاسِرُ ، حِصنٌ تمنطق بالجوزاءِ ، وناجَت بُروجُه بروجَ السماء ، قلعةٌ قد خلقت في الجوِّ كأنها سَحابةٌ ، وكأنَّ الغمامةَ لها عمامة ، وكأنها تناجي السماءَ بأسرارها ، قد جاوزتِ الجوزاءَ سَمتاً ، وأعزلت السِّماك الأعزل سُمْكاً .
في القصور
قصرٌ كأنَ شرفاتِه بين النَّسْر والعَيُّوق ، قصرٌ اكتستْ له الشِّعرى العَبور ، أثوابَ الغيور ، قصرٌ طال مبناهُ ، وطابَ مَغْناهُ ، كأنّهُ في الحَصانةِ جبلٌ مَنيعٌ ، وفي الحسنِ ربيعٌ مَريع ، قصر أقرَّت له القصور بالقصور عنه .
في الدّورِ السَّريَّةِ
دارٌ قوراءُ ، توسع العين قرةً ، والنفس مَسرَّةً ، كأنّ بانيها ، استلَف الجنّة فعجلَتْ له ، دار تخجل منها الدور ، وتتقاصر لها القصور ، الجسوم منها في حَضَرٍ ، والعيون على سفرٍ ، دار هي دائرة الميامن ، ودارة المحاسن ، دار دارَ بالسعد نجمُها ، وفاز في الحُسنِ سَهمُها ، دارٌ هي مَرْتَعُ النواظر ، ومتنفسُ الخواطر ، بَهْوٌ بَهيِّ ، ورواقٌ رائقٌ .
وَصفُ صِبيةٍ صِغارٍ
صبيةٌ كفراخ العُشوش ، وأولادِ الخفافيش ، صِبيةٌ يَسَعُهُم قفير ، وأولاد جُلُّهم صِبيان ، كبارُهم أصاغِرُ ، كاتبُهم أفراخ زَغَبٍ صبيان ، طفلٌ قريبُ العَهْدِ بالمَهد .
ذِكْرُ الغُلامِ الأَمْرَدِ ووصفُ محاسنِه
زادَ جمالُهُ ، وأقمر هلالُهُ ، يترقرقُ ماءُ الحُسن في وجهِه ، غُلامٌ تأخذهُ العين ، ويقبلُه القَلب ، وترتاح له الرُّوحُ ، تكادُ العيونُ تأكُلُة ، والقلوبُ تشربه ، لبس ديباجةَ المَلاحة ، جرى ماءُ الشَباب في عُودِه ، فتمايل كالغُصن ، واستوفى أقسامَ الحُسْنِ ، شادِنٌ ، منتقبٌ بالبدر ، مكتحلٌ بالسِّحر ما هو إلا نُزهة الأبصار ، وبدعةُ الأمصارِ ، كأنَّ قدّهُ سكرانٌ من خمر طرفِهِ ، وبغداد مسروقةٌ من حسنه وظرفه ، أعجمَتْ يَدُ الجمالِ نُونَ صُدْغِهِ بخالٍ ، السحر في ألفاظِه ، والشَّهدُ من ألفاظِهِ .
الصُّدْغُ والشارِبُ والعِذار
زرافين صُدغهِ معاليقُ القلوبِ ، كأن صُدغَه قرطٌ من المِسكِ على عارضِ البدر ، أصداغُهُ قد أخذتْ شكلَ العقاربِ ، وظلمت ظلمَ الأقاربِ ، كأنَّ شاربَه زئبَرُ الخَزِّ الأخضرِ ، وعذارُهُ طِراز المسكِ الأذفر ، على الوردِ الأحمر ، إذا تكلّم تكشَّفَ حجابُ الزمُرّدِ والعقيق ، عن سمطِ الدُّرِّ الأنيق ، قد هَمَّ أو نَمَّ الشَعَرُ على شاربِهِ ، وَرْدُ خَدِّهِ أَحمرُ ، قد كان شاربُه أخضر ، قد كادَتْ يَدُ الحُسن تعلقُه ، كادَ العِذارُ ينقشُ فَصَّ وجهِه ، ويحرقُ فِضّةَ خَدَّهِ .
خُروج اللِّحيَةِ
نَسَخَ الشعر آية حُسنهِ ، ومحا محاسِنَ وَجْهِهٍ ، كسفَ الشعَرُ هلالَه ، وأكسف بالَه ، وأحال حالَه ، ومَسَخَ جماله ، استحالَ نورُ خدّه دُجَى ، وزُمُرُّدُ خطِّهِ سَجا ، وَقَد ذَبل وَرْدُ خدّهِ ، وتشوك زعفرانُ خَطَهِ ، فارقنا فلانٌ خشفاً ، ووافانا جلفاً فارقنا هلالاً وغزالاً ، وعاوَدَنا نكالاً وَوَبالاً .
وَصْفُ محاسنِ الجواري
هي روضةُ الحُسْنِ ، وصورةُ الشمس ، وبَحْرُ الأرضِ ، كأنّها فلقةُ قَمَرٍ ، على بُرجِ فِضةٍ ، قد أثمرَ خَدُّها التفَّاح ، وصدرُها الزُمّان ، لَها عُنق كإبريق اللجين ، وسرّةٌ كمدهن العاجِ ، هي من وجهِها في نهارٍ شامس ، ومن شعرِها في ليلِ دامس ، مطلعُ الشمس من وجهِها ، ومنبتُ الدُرِّ في ثغرِها ، وملقط الوَردِ من خدِّها ، ومنبع السِّحر من طرفِها ، ومبادي الليل في شعرِها ، ومَغرس الغُصنِ في قدِّها ، سُريّةٌ سَرّيةٌ ، الحسنُ في خَلقها ، والطيبُ في خُلقِها .
وَخَطُ الشيْبِ وانتشاره
شَعَر الشيبُ بشَعرهِ ، عرضَ البياضُ بعارضهِ ، نَوَّرَ غُصن شبابهِ ، ضحِك المشيبُ برأسه ، لمعتْ نجومُ الشيب ليلَ شبابهِ ، مَدّ الشيب طراراً على وجهه ، طَرَّر الشيبُ بُردَ شبابهِ ، ألَمَّ وفدُ الشيب بفَودَيْه ، لاحَ أقحوانُ الشيب في بنفسَج شبابهِ ، دَرَّتْ يَدُ الزمانِ كافوراً على مسكِهِ ، وأقمرَ ليلُ شبابهِ ، ألجَمَه الشيبُ بلجامِهِ ، وقادَه بزِمامِهِ ، بينما هو راقدٌ في ليلِ شبابِهِ ، إذ أيقظَ صبح المشَيب .
الاكتهالُ والاحتفال والارعواءُ عن مجاهل الشباب
قضى باكورةَ الشباب ، وأنفقَ عمرَه بغير حساب ، أخلق بُردةَ الصِّبا ونهتهُ النُهى عن الهوى ، التفت إلى الأَربعين ، وشارفَ طلاع الخمسين ، انتهى شبابهُ ، وشابَ أترابُهُ ، استبدل بالأدهم الأبلق ، وبالغُداف العَقْعَق ، فل الدَّهر شَبا شبابهِ ، ومحا محاسنَ رؤياه ، قرع ناجذَ الحِلم ، ارتاضَ بلجام الدَّهر ، عصى شياطين الشباب ، وأطاع ملائكة الشيب .
استحكامُ الشَّيبِ وبلوغُ الشيخوخة
عرفَ الستين فأنكر نفسَه ، صار في مَعرك المنايا ، تضاعفتْ عقودُ عمرِه ، وأخذتِ الأيام من جسمِهِ ، فُلانٌ أحدٌ ذوو الأسنانِ العالية ، والصُّحبةِ للأيام الخالية .
الهَرَمُ ومشارفَةُ الفناء
شيخ قد تراخى مَداهُ ، وذهب أطيباهُ ، همّ هَرِمٌ ، قد أخذَ الزمانُ من عقلِه كما أخذَ من عمرهِ ، حتى قوّسه الكِبَرُ ، ثقلتْ عليه الحَرَكة ، وأخذته السَنُّ العالية ، اختلفت إليه رسل المَنيةِ ، ما هو إلا شمسُ العصرِ على القَصْرِ ، أركانه قد وَهَتْ ، ومُدّته قد تناهتَ ، هل بعد الغاية منزلَةٌ ، أم بعدَ المشيب غَيرَ الموت مَرْحلةٌ ، ليس بعد الخرف إلا التَّلَف ، قد أخلَق عمرُه ، وانطوى عَيشُهُ ، وبلَغَ ساحلَ الحياةِ ، ووقفَ على ثنية الوداع ، وأشرفَ على دارِ المقام ، وشَدَّ رحلَه للرحيل ، وللَحاق باللطيف الخبير . الباب التاسع في الطّعام والشّراب وما ينضاف إليهما من الفواكه والثمار
عنبٌ كأنَّه مخازنُ البلّور ، وظروفُ النُّور ، وأوعيةِ السرور ، أمهات الرحيق ، في مخازنِ العقيقِ ، وطْبٌ كأنّه شهدة بالعقيق مقنعاً ، وبالعقيان مُقَمّعَةَ ، رُمّانة كأنها صُرَّة ياقوت سفرجلٌ له زَبيرُ الخَزّ الأخضر ، على الديباجِ الأصفر ، تفاحٌ يجمع وَصْفَ العاشقِ الوَجل والمعشرق الخَجِل ، نسيم العنبر ، وطعْمُ السّكّر ، رسول المحب ، وتشبيه الحبيَب ، تينٌ كأنه سُفرة مضمومةٌ على شَهْدٍ أو سُكر .
وَصْفُ القُدورِ
قد قامتْ خُطباء القُدور ، فاحت القدور بأطيبِ من المسكِ الأذفر ، وريح العنبر ، قدورٌ أبكارٌ ، بحواتيم النار ، قدرٌ طاب غَرْفُها ، وطابَ عَرْفُها ، دَهماء تهدرُ كالفنِيق ، وتفوح كالمِسك الفَتيق .
وَصْفُ الموائدِ
مائدة مثل عَروس مائلةٍ ، لطيفَة محفوفةٌ ، بكل طريقة ، مائدةٌ كالعروش مجلوّة ، ومن الطيبات مَملّوءة ، مائدةٌ قَدْ زخرفت رياضُها ومُلئت حياضُها ، مائدةٌ كأن قد عملها صُناع صنعاء . ذكْرُ الألوانِ والولائم
رُغْفانٌ كالبحورِ المنقَّطة بالنجوم ، أحسنُ ما يكون الخِوان إذا حضَرتْ سوارب الرُغفانِ ، جَدي كأنما نُدف على جنبه القَزّ ، حَمَلٌ ذهبيُّ الدِّثار ، فضِّي الشِّعار ، أطيب ما يكون الحمل ، إذا حَلَّت الشمس الحَمَل ، زيرباجَة هي للمائدة ديباجَةٌ ، زيرباجة تشفي السَّقام ، ولونُها لونُ السقيم ، وسكباجةٌ تفتق الشهوة ، وطُباهجَة يتفكه بها ، وخبيصٌ يختم بخَيْرٍ ، مَضيرة تُثني على الحضارَة ، وتترجرجُ في الغَضارة ، وتؤذِن بالسلامة ، وتشهدُ لمعاوية بالإمامة ، طباهَجة من شروط الملوك ، كأعراف الديوك ، هريسة نفيسةٌ كأنها خيوط قز مشتبكةٌ ، كأنها قمرٌ بالشمس ملتحفٌ ، كأن المرقَ عليها عُصارة المسك على السبيكة الفضةِ ، أرزة مَلْتُوتَة ، في الطبرزد مدفونَة ، دجاجة مشويَّة ، لها من الفضة جسم ، ومن الذهب قشر ، دجاجة دينارية ثمناً ولوناً ، لا فراش للبذيذ ، كالحَمَل الحنيذ .
ذِكْرُ أنواع الحلوى
فالوذَج معمول بلُباب البرّ ، ولُعَاب النحل ، فالوذَج كأنّما اللوز فيه كواكب ، درٌ في سماءِ عقيق ، قطايفٌ لطايفٌ ، عصيدة تجمع جنى النحل والنخل ، خبيصٌ كأنه نعمة مجموعةَ ، ولذةٌ معجونة ، يؤدي طعم العافية ، ويختم بحسن العاقبة ، لوزينج كيليّ العُمر ، يَوْميّ النشْو ، رقيق القشر ، كثير الحَشْوِ ، لوليّ الدهر ، كوكيّ اللَّون .
وَصْفُ مَجالس الأنسٍ وآلات اللهو
مجلسٌ راحُهُ ياقوت ، ونورُهُ دُرّ ، ونَارَنْجُهُ ذهب ، ونرجسُه دينارُ ، ودِرهَم يحملها زَبَرجَد ، عندنا أُترج كأنه من خلقكَ خُلِقَ ، ومن شمائلك سُرقَ ، ونارَنج كَكُراتٍ من سفرة ذُهّبَتْ ، أو ثدي عذارى حُلِّقَتْ ، مَجْلِسٌ أخذت فيه الأوتاد تتجاوب ، والأقدام تتناوب ، أعلامُ الأنس خافقة ، وألسنُ الملاهي ناطقة ، مجلسٌ قد فرُش بساطُهُ ، وبُسِطَت أنماطهُ ، ومُدَّ سِماطهُ ، بين آس مخضود ، وَورد مَنضود ، ودَنٍّ مفصود ، وناي وعود ، في مجلس تحفنا بدور ، والكّاسات بيننا تدور ، قد نشأت غمامة اليد ، على بساط الوَرْدِ ، مَجلسٌ قد تفتَّحتْ فيه عيونُ النّرْجس ، وفاحت مجامرُ الأُترج ، وفتقت فارات النارَنج ، ونطقتْ ألسنُ العيدان ، وقامت خُطباء الأطيارِ ، وهبت رياح الأقداح ، وامتدّت سماءُ النَد ، وطلعت كواكبُ النّدمان ، قد امتطينا مراكبَ الفَرَح ، وقدحنا نارَ السرورِ بالقدح .
ما يتصل به من الألفاظِ في الاستزادة
نحن في مجلسٍ قد أبتْ راحُه أن تصفو إلا أن تتناولها يُمناك ، وأقسم غناؤه ، لا يطيبُ إلا أنْ تَعيه أذناك ، فأما خدودُ نارَنْجه فقد احمرَّت خَجَلاً من إبطانك ، وعيونُ نرجسه ، فقد حدقت تأميلاً للقياك ، فبحياتي ألا تعجلت ، وما تمهلت نحن لغَيْبَتِك ، كعقدٍ غُيِّبت واسطتهُ ، وشبابٍ أخذت جذته ، إذ غابَتْ شمسُ السماء عنّا ، فلا بدَّ أن تدنو شمس الأرضٍ منّا ، أنت ممّن ينتظَم به شمل الطَرَب ، وبلقياه يبلغ كل إرب ثب إلينا وَثْبَة الغزالِ ، واطلع علينا طلوعَ الهلالِ في غرة شوال ، جشم إلينا قدمَك ، واخلع علينا كَرَمك .
وصفُ الشرابِ
مُدامة تُوردُ رِيحَ الورد ، وتحكي نارَ إبراهيم في اللونِ والبردِ ، أرحيق أم حريق ، أم شقيق ، أم عقيق ، كأسٌ كأنَ الديوكَ قد صبَّت أحداقَها فيها شرابٌ أصفى من مودَّتي لك ، وأحسن من نعمةِ الله عندي فيك ، وأطيب من إسعافِ الزمانِ بلقائك ، كأسٌ كأنها نورٌ ، ضميره نارٌ ، راحٌ كالنور والنار أصفىَ من البلور ، ومن دَمع المهجور أرقّ من نسيم الصَّبا ، وأطيب من عهد الصِّبا ، أرق من دَمْع محبٍّ ، وشكوى صَبٍّ ، الكأسُ بلّورة ، والخمر ياقوتة ، الراحُ ترياقُ سمّ الهمّ . ساقٍ كأن الراح من خدِّه مَعْصور ، وملاحة الصورة عليه مقصورٌ ، دبت الكؤوس فيهم ، دبيب النار في الفحم ، والبُرء في السقم ، أشربَت الراح عُقولهم ، وملكت قلوبهم ، تَمشَت الصَّهباء في عظامهم ، وتمرقت إلى هامِهم ، وماست في أعطافِهم ، ومالَت بأطرافهم ، بلغوا حَدّاً يوجب الحَدَّ .
الغناء والمُغنّي
غناء كالغِنى بعد الفقر ، وهو عُذرٌ ، للسكر غناءٌ يبسط أسرّة الوجه ، ويرفع حجاب الأذن ، ويأخذ بمجامع القلب ، ويمتزج بأجزاءِ النفس ، غناءٌ يحرّك النفوس ، ويرقص الرؤوس ، ويُحرِّضُ الكؤوس ، قد سمعنا غناءً ، يُعيد الأموات أحياءً ، فلانٌ طبيب القلوب والأسماع ، ومُحْيي موات الخواطر والطباع ، القلوب من غنائه ، على خطر فكيف الجبوب ، وكأنه خلق من كلّ نفس فهو يغني كُلاَّ بما يشتهيهِ ، تهيئة السكر على صوته ، شهادة لغنائه في القلب ، موضع القطر في الجَدْبِ .
في استهداءِ الشراب
قد تألّف لي شمل إخوانٍ ، كاد يفترق بعوز المشروب فاعتمدنا فضلك المعهود ، وردنا بحرك المورود ، قد انتظمت مع نفرٍ من إخواني ، في سمط الثريا ، فإن لم تحافظ علينا النّظام ، بإهداء المدام ، صُرنا كبنات نَعْشٍ والسَّلام ، فرأيك في إرواء غُلتنا بما ينفعها ، والتطوّل على جماعتنا بما يجمعُها . الباب العاشر في فنونٍ مختلفةٍ ، وشوارد وفوا
رد السرور والاهتزاز كِدتُ أهيم فَرحاً ، وأطير بجناح السُّرور مَرَحاً ، ملكتني المَسرَّة حتى استفزتني ، واشتملت عليَّ حتى هَزّتني ، حالي حال من حُكم في مُناه ، وأُعطي كتابه بيمناه ، المَسرّة اَتيةٌ ، والبَهجة مُؤاتيةٌ ، والغِبطةُ مُستوليَةٌ ، والوَحْشَة متولَية ، أنا في ثوب المسرَّة رافل ، ونجمُ الوحشة عنّي آفلٌ .
في ضد ذلك
في نفسه بلابل تَدورُ ، ومرِاجل تفورُ ، مضجعٌ ولا يَجفُّ له مَدْمَعٌ بالهُ كاسِفٌ ، وقلبه واجفٌ ، لا أقول غمَّه ، ولكن أعماهُ وأصمّه ، نهاره للفِكَر ، وليله للسَّهَرِ ، يرى ضياء الدنيا ظلاماً ، ويتصَوّر نورَ الشمسِ قَتاماً ، مغضوضَ الجفونِ على قذى ، منطوي الجوانحِ على أذى .
ذِكْرُ الأمن
قد أبدله اللَّهُ بحرِّ الخوف بَرْدَ الأمن ، لا يلتفت وراءهُ مخافةً ، ولا يخشى أمامه آفةً ، قد آمن سربهُ ، وعذب شربُهُ ، وزال استيحاشُهُ ، قد سكن رَوْعُهُ ، وأمن رُوعُهُ . في ضِدّ ذلك
إذا نام هالَه طيفٌ ، وإذا انتبَهَ راعه سَيفٌ ، طار قلبُه بجناحِ الوجَل ، وتصوَّر له شخصُ الأَجَل ، لا سماءٌ تُظلُهُ ، ولا أرض تُقِلُهُ ، لا يجد في الخضراءِ مَصعداً ، ولا في الغبراءِ مَقعداً ، لا يجد في الأرضِ نفقاً ، ولا في السماء مُرْتَقًى ، كادت نفسُه تطيح ، وروحُه تسري بها الريح .
الأسْر والحبسُ
فلان في جوامع الأسْر مُوثَق ، وبمضائق الجيش مُرهَق ، هو في قعر حَبْسٍ يحجب عنه ضياء الشمس ، هو أسير حَبْس ، قد غُلق رِتاجهُ وسَمير قَيدٍ قد صَعُب علاجُهُ ، أحاطت به رِبقة الأسرِ ، وملكته ذِلة القهر .
ذِكْرُ الإطلاقِ
الحمد للَهِ حَمدَ الإخلاصِ ، على صدق الخلاص ، قد أفضى فلان من ذِلّةِ رِقٍّ إلى عِزّة عِتق ، ومن تَصلية الجحيم ، إلى جَنة النعيم ، خرج من العقال ، خروجَ السيفِ من الصِّقال ، خرج من إساره ، خروجَ البدر من سرارهِ ، الحمد للَه الذي فكَّ أسراً ، وجعل من بَعْد عُسرٍ يُسراً .
وَصفُ الغِنى والثروة
فلانٌ قد فاز برغائبِ النعم ، وغرائبِ القَسَم ، خاض بحرَ الغنى ، وركض في ميدانِ المنى ، وردت له إخلاص الدنيا ، وهطلته سحائبُ الغنى ، اتّسعت مواردُ مالِه ، وتقرَّعَت شُعب حالهِ ، رأت عيناهُ ، ما لم تبلغهُ مناهُ ، واتّسعَتْ نعمته ، بحيث لم تنله همّته ، عنده من العين ما تقر به العين . في ضِدِّ ذلك
قد زالت عنه الآلاءِ ، وانثالَتْ عليه اللأواء ، قد أحلّت له الضرورة ، ما حرَّم الله عليه ، يده صِفر ، ومنزلُه قفرٌ ، قد حصل على إضاقةٍ ، وَتكشف عن فاقة ، ليس معه عقد على نقدٍ ، لو بلغ الرزق فاه ، لوَلَّى قَفَاه .
ذِكْرُ الشُكر
الشُّكر ترجمان النيّةِ ، ولسانُ الطويَّة ، وشاهدُ الإخلاص ، وعنوانُ الاختصاص ، الشكر نسيم النعمِ ، وسبب الزيادة ، والطريق إلى السعادة ، الشكر قيد النعمة ، ومفتاح المزيد ، وثمر الجنة ، من شَكَر قليلاً ، استحق جزيلاً ، شكر المولى ، هو الأَوْلَى ، اشكرْ لمن أنعمَ عليك ، وأنعِم على من شَكرك .
حُسن الإفصاح عن الشكر والثناء
شكره شكر الأسير لمن أطلقه ، والمملوك لمن أعتقه ، شكره شكر البلد القَفْر ، لإلمام القطر ، أثنى عليه ثناء الروضِ المُمحل ، على الغَيثِ المسبل ، أثنى عليه ثناء العَطشان الواردِ على الزّلال البارد ، ملأ الأرض ثناءً ، والسماء دُعاء . ذِكْرُ الأيام المَشهورَةِ يَومٌ هو عيدُ العمر ، وموسم الدَّهر ، وميسم الدهر الفخر ، يَومٌ من أعياد دهري ، وأعيان عُمري ، يومٌ من الدنيا ، ضاحِكُ السِّن ، طلْق الوجه ، شريفُ الصَيت ، رخيص الدرهم والدينار ، كثيرُ الفرح والاستبشار ، يومٌ تكاثرت فيه النظارة ، حتّى حُمل فيه الصّبيّ ، ودَلَف الشيخُ ، ودَبَت العجوز وخرجتِ العروس ، وخَلَتِ الدُّور .
وَصْفُ الكَثْرَة
أكثر من المدَّ إذا سال ، والرمل إذا أهال ، يُحصى رَملُ عالج قبله ، ولا تستطيع الحَفَظة حِفظه ، يُحصي الحصى قبل أن يُخصى ، قد استغرقت القرطاسَ قبل الأنفاس ، وأفنيت الأعمار قبل الأعصار ، ولم تبلغ المِعشار ، واستنفدت الأقلام قبل الكلام ، ولم تبلغِ التمام .
وَصْفُ القلَة ووصفُ قليلٍ من كثرة
لو كان ذلك شَظيّة في قلم الكاتب ، لما غيَّرت خطه ، أو قذى في عين النائم ، لما أنبه جَفنه ، ذاك أقل من لا ولا ، ومن الجزء الذي لا يتجزى قطرة من سَحّ ، وغَيض من فَيض ، ورَذاذ من وَبْل ورَشَاش من سَجْل ، وشَررَة من نار ، وقراضة من دينار ، ذاك قطرة من نَهَر ، ووَشَل من بَحْرٍ .
وَصفُ الجدِّ والهزلِ جميعاً
جدّ كعُلوّ الجدّ ، وهَزْلٌ كحديقةِ الوردِ ، جدهُُ كحدِّ الصارم ، وَهَزلهُ كزورة الحبيب الصارم ، جدّهُ كجدِّ الحازمِ الموقورِ ، وهَزْلُه تساقط اللؤلؤِ المنثور ، جدُّهُ عنوانُ الحِكمة ، وهَزْلُهُ جلاءُ المودَّة ، جدُّهُ يروق ، وهزله يشوق .
ذِكْرُ الشيءِ المتعذر الوجود
قَدْ عَز وأعوز وأعجز ، ذاك أبعد من النجم مَرْقباً ، وأصعب من كل صَعْبٍ مَطلباً ، ذاك صعبٌ مرامُهُ ، دَحض مُقامُه ، ذاك معجز عمر النشور ، وإلى يومِ النُّشور . قد أعوز حتى كأنه الوفاءُ والكرمُ ، والغرابُ الأعصمُ ، ناطَه بالعَيوق ، ووضعه موضع بيضِ الأنوق دون ذلك شيب الغراب ، وإرواء السَراب . الاقتفاء والامتثالُ
أنا في ذلك سالك سَبِيلَه ، وقَافٍ أثرَه ودليلَه ، وبانٍ عَلَى أصول عقوده ، وجارٍ على أمثلته وحُدودِه ، وقد جعلتُ أفعالَه قِبلةً أُصلّي إليها وقاعدة أبني عليها ، في طريقه ذَهَب ، وعلى قالبه ضربَ ، وبأدبهِ تأدّبَ ، وسبيله نَهَجَ ، وعلى مِنواله نَسَجَ ، أقام له معالم يقف عندها ويقفو حدَّها .
الكَنَف الحَرِيز والحَرَم الأمين
حمّى لا يُرَاعُ ، ولا تنفُذُ فيهِ الأطماعُ ، كَنَف لا يُراعُ ساكنهُ ، وحرمٌ لا يُضاع قاطِنُهُ ، ذاك جانِبٌ عزيزٌ ، وجنابٌ حريز ، قد حصل في العِزِّ الأمنع ، والظل الأمْرع ، رَبْعُهُ كالغاب لا يُرام ، وجارُه كالنجم لا يُضام .
الاجتهادُ وبَذل الوُسْعِ والطاقة
جَهدَ كُل جَهْدِهِ ، وبذل أقصى وسعِه ، وأظهر جميع حَدّهِ ، ركب الصَّعب والذَّلول ، وتجشم الحُزون والسُّهول ، وأعلم السَّيف والرمح ، تناهى في ذلك إلى أقصى الاستطاعة وغاية الطاقة ، واستغرق نهاية طاقته ، وبلغ غاية طوقه .
الحَلف باللَّه تَعالى
بالله أرفع الأيمان ، وأعلاها في شرائط الإيمان ، والله ليس وراءَها مَذْهَبٌ ، ولا بعدَ رِضاه مَطْلَبٌ ، وحقّ القرآن ومن أنزلَه ، ومن أُنزل عليه ، لا ومن أرغَبُ إليه في طول بقائِكَ ، لا ومن أسعدني بمودَّتِك ، وقَوّمَ قناةَ أنسي بمُشاهَدتك .
سائر الأيمان
وحياةِ مولاي قسماً لا أعرّضها للحَنْثِ ، ولا أقسم بها على شكّ ، ونعمة مولاي التي أحفظُها حِفظَ الإيمان ، ولا أعرضها للأيمان ، وحق القلم ، وإنه لقَسَم ، وحقّ الوفاءِ به وإنه لكرم ، إنْ لم أفعل ذلك فرأيت الجود تبذيراً ، والبأس تعزيراً ، وتركتُ العِلم ظِهرياً ، والأدب نسياً مَنسيّاً ، وتمثّلْتُ الخيرَ عَزْماً ، ودعوتُ البُخْل حَزماً ، ولقيت الضَّيفَ عابساً ، وَردتُ عودَ الخير يابساً ، وعقَقْتُ أبا المكارم ، وأيتمت أبناءَ المحاسن ، وأيَّمتُ بناتِ المحامِدِ .
التأبيدُ
ما طلعتِ الثُّريّا وغَرَبَتْ ، وشرقتِ الشمسُ وغَرَبَت ، ما لاحَ كَوْكَبٌ ، وأقام كِبْكِبٌ ، ما حال حولٌ واخضرَّ عودٌ ، ما طلعتِ الشمسُ وتكرر الأمس ، ما أورقَ الشجرُ ، وطلع القمر ، ما ترددَ نَفَسٌ وتكرر غَلَس ، ما بقي إنسان ، ونَطَقَ لسان ، ما طلع السِّماك ، ودارتِ الأفلاك . اَخرُ القِسمِ الثاني من كتابِ لُبابِ الآدابِ بحمدِ اللَه تعالى قد تمَّ تحريرُه بعونِ اللَّهِ الملكِ الرؤوفِ الوهابِ ، والحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيِّد المُرسَلين وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . كتبه لنفسِه ، وحرّره بيده ذي العجز والتقصير ، الرامي عفوَ ربِّه القدير ، أفقر العباد ، وأحوجهم في البلاد ، الفقير إليه سبحانَه وتعالى ، عبد الرحمن محيي نجل الحاج محمد نجيب شيخ زاده ، غفر اللّه له ولوالديه ولمشايخه وأستاذيه ولجميع المسلمين أجمعين . وقد استراح القلم من تسويده في يوم الخميس في اليوم الخامس عشر من شهر رَجَب الخير سنة 1318 الألف والثلاثمائة عشر هجرية ، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام في المبدأ والختام . القسم الثالث من كتاب لباب الآداب
لإمام الهُمام أبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي النَّيسابوري عليه الرحمة والرضوان تحرّر سنة 1319 هجرية صفحة فارغة بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
القسم الثالث في عيون الأشعارِ وأحاسنها وفصوصها وفرائدها
قال مؤلف الكتاب : قد جعلتُ هذا القسمَ مشتملاً على لُبِّ اللب ، وناظر العينِ ، وسويداء القلب ، ونقشِ الفَصِّ ، ونُكتةِ العِلق ، والمختص من الأمثال السائرة ، والمعاني النادرة ، والألفَاظ الفاخرة ، في الفنون المتغايرة ، لسَحَرة الشعراء ، وأمراء الكلام الحرّ ، من لدن امرىء القيس ومن يليه من فحول الجاهليين ، ومن يتلوهم من مُفلقي المخضرَمِين ، وهلم جرّاً إلى أعيان الإسلاميين ، إلى آحاد المحدثين والمولدين ، إلى أفراد العصريين ، والذين أسعد تاريخ المجد ، وموسم الفضل ، وعصر الكلام المَحْض ، من أيام مولانا المَلِك السيّد المؤيد العالِم العادِل ، وليّ النَعَم خُوارزم شاه ، أدام اللّه تعالى أيامه وسلطانه ، وحرس عزه ومكانه ، وقديماً قيل : إن الرجل يكتب أحسنَ ما يسمعُ ، ويحفظُ أحسنَ ما يكتب ، ويحكي أحسنَ ما يحفظ . وهذه حالي فيما أورد لكل من المذكورين على اختلافِ طبقاتهم وتباين درجاتهم ، من أمير شعره ، وواسطة عقده ، وفريد قلادته ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب . أقوال الشعراء
امرؤ القيس بن حجر الكندي
هو أمير الشعراء بشهادةِ خيرِ الأنبياء محمد المصطفى صلواتُ اللّه عليه وعلى اَله الطيبين الأخيار ، وذلك أنه ذكر عنده يوماً فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " ذاك رجلٌ مذكورٌ في الدنيا مَنسيّ في الآخرة يجيءُ يوم القيامة وبيده لواءُ الشُعراء يقودُهم إلى النار " . فيروى أنّ كلاً من لبيد وحسان بن ثابت قال : ليت هذه المقالة فيّ وأنا المدهدي فيها ، فيقال : إن أمير الشعراء قوله من قصيدة : البِرُّ أنجحُ ما طلبت به . . . والبِزُ خير حقيبة الرجلِ ومن أمثاله السائرة قوله فيِ القناعة والرضى باليسير عند تعذر الكثير : إذا ما لم تكن إِبلٌ فمِعْزى . . . كأنّ قرون جِلَّتِها العصيُّ فتملأ بيتنا أقِطاً وسَمْناً . . . وَحَسْبُكَ من غِنىً شِبَعٌ وَرِيُّ ومما يضاد هذه الحالة من بُعد الهِمّة والسموّ إلى معالي الأمور قوله : فَلَوْ أن ما أَسعَى لأدْنى مَعِيشَةٍ . . . كَفاني ولم أطلبْ قَليلٌ من المالِ وَلَكِنَما أسْعَى لِمَجْدٍ مُؤثَّلٍ . . . وَقَدْ يُحرِكُ المَجْدَ المُؤثل أَمثالي ومن أمثاله السائرة : وَقاهُم جَدُّهم بِبَنِي أبيهِمْ . . . وبِالأَشْقَيْنِ ما حل العقابْ وقوله : أراهُن لا يُحْببنَ من قَل مالُهُ . . . ولا من رَأينَ الشيبَ فيهِ وَقَوَّسا ألا إن بَعدَ العُدْمِ للمَرْءِ قِنْوَةً . . . وَبَعْدَ المَشِيبِ طولَ عُمرٍ وَمَلْبَسَا وقوله : وَقَدْ طَوَّفْتُ في الآفاق حَتّى . . . رَضِيتُ من الغَنِيمَةِ بالإيابِ وقوله : إذا المَرْءُ لم يَخزُنْ عليه لِسَانَهُ . . . فَلَيسَ عَلَى شَيْءٍ سِواهُ بخَزّانِ وقوله : فإنك لَمْ يَفْخَرْ عَليكَ كعاجِزِ . . . ضَعيفٍ ولم يَغْلِبْكَ مثلُ مُغَلَّبِ وقوله : وجرحُ اللسانِ كجُرحِ اليدِ وقوله : إنّ الشفاء على الأَشْقيْنِ مصبوبُ ومن قلائده الفاخرة قوله في وصف الفرس ، ولم يسبق إليه ولم يلحق فيه : مِكَرٌ مِفرٌّز مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً . . . كجُلمودِ صَخْرٍ حَطَهُ الَسيلُ من عَلِ لَهْ أيْطَلا ظَبْيٍ وَسَاقا نَعَامَةٍ . . . وَإِرْخاءُ سِرْحانٍ وتَقْرِيبُ تَتْفُلِ وقوله في طول الليل واستعارة أوصافه من الجمل الناهض بالحمل الثقيل : وَلَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ . . . عليّ بأنواع الهُمومِ ليبتَلي فقلت له لما تمطَّى بصُلبه . . . وأردَفَ أعجازاً وناءَ بكَلكَل ألا أيّها اللّيلُ الطويلُ ألا انْجَلِي . . . بِصُبْح وما الإصْباحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلُل . . . وإن كنًتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فأجمل وَإِنْ كنت قد ساءتَكِ مني خَلِيقَة . . . فَسُلّي ثيابي من ثِيابكِ تَنْسُلِ وَمَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا َلِتَضْرِبي . . . بِسَهمَيْكِ في أَعْشَارِ فَلْبٍ مُقَتَّلِ لو قاله محدث في الزمان الرقيق لاستظرف ذلك منه ، فكيف في مثل ذلك الزمان وهو أول من شبه شيئين بشيئين في بيت واحد ، حيث قال في وصف العُقاب : كَأن قُلوبَ الطيرِ رَطْباً ويَابِساً . . . لدى وَكْرِها العُنَابُ وَالخَشَفُ البالِي زهيرُ بن أبي سُلمى
هو أحد الأربعة الذين وقع عليهم الاتفاق على أنهم أشعر العرب وهم : امرؤ القيس ، وزهير ، والنابغة ، والأعشى . فأما الاختلاف في تفضيل بعضهم على بعض فباقٍ إلى اليوم ، وكان يقال : أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب ، وزهير إذا رغب ، والنابغة إذا رهب ، والأعشى إذا شرِب . وكان زهير أجمع الناس للكثير من المعاني في القليل من الأَلفاظ ، وأحسنهم تصرفاً في المدح والحكمة ، ويقال : إن أبياته في آخر قصيدته التي أولها : أمِنْ أُمّ أَوْفَى دِمْنةٌ لمْ تكَلَّمِ . . . بِحَوْمَانَةِ الدَّرَاجِ فَالمُتَثلَمِ تشبه كلام الأنبياء وهي من أحكم حكم العرب وهي : وَمَنْ لا يُصانعْ في أمورٍ كَثِيرَةٍ . . . يُضرَّسْ بِأَنياب وَيُوطأ بِمَنْسمِ وَمَنْ يجعلِ المعروفَ من دون عِرْضِهِ . . . يَفرْهُ ومَنْ لا يَتّقي الشَتْمَ يُشتَم وَمَنْ لَم يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بسِلاحِهِيُهدَّم وَمَنْ لَمْ يَظْلِمِ الناسَ يُظْلَمِ وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ ويَبْخَلْ بِفَضْلِهِ . . . على قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ ويُذْمَمِ وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُوّاً صَديقَهُ . . . وَمَنْ لا يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لا يُكَرَّم وَمَهمَا تكُنْ عندَ امرىءٍ مِنْ خَلِيقةٍ . . . وإِنْ خالَها تَخْفَى عَلى النَاسِ تُعْلَمِ ومن أمثاله السائرة : وَهَلْ يُنْبِتُ الخَطِيَّ إلا وَشيجُهُ . . . وتُغْرَسُ إلاّ في منابِتِها النَّخْلُ وقوله : والسَّتْر دونَ الفاحِشات ولا . . . يَلْقاكَ دونَ الخَيرِ من سِتْرِ وما وقع الاتفاق على أنه أمدح بيت للجاهلية قوله : تَراهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَللاً . . . كَأنكَ تُعطيهِ الذي أنتَ سَائِلُهْ
النابغة الذبياني
واسمه زياد بن معاوية ، اتفقت الآراء على أنه أحسن الشعراء ديباجة شعر ، وأكثرهم رونق كلام ، وكأن كلامه كلام الكتاب ليس فيه تكلف ولا تعسف ، ويقال : إن أجود شعره ما اعتذر به إلى النعمان بن المنذر ، وأمير ذلك قوله : فَإِنَكَ كَالليلِ الذي هو مُدْرِكي . . . وَإِنْ خِلتُ أن المُنْتأى عَنكَ وَاسِعُ ومن أمثاله المشهورة قوله : نُبئتُ أن أبا قابوس أَوْعَدَني . . . ولا مقام على زأرٍ من الأَسَدِ ويروى أن عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه قال يوماً لجلسائه : من القائل : حلفتُ فلم أترك لنفسِكَ ريبةً . . . وليس وراءَ الله للمرءِ مَذْهَبُ لَئن كنت قد بُلّغت عنّي جنايةً . . . لمُبلّغُكَ الواشي أَغشُّ وأَكذَبُ قالوا : النابغة يا أمير المؤمنين ، قال : فهذا أشعر شعرائكم . وفي هذه القصيدة بيته السائر : فلستَ بمُستبقٍ أخاً لا تلُمُّه . . . على شَعَثٍ أيُّ الرجالِ المُهذبُ وبيته الفاخر : فإنكَ شَمْسٌ والملوكُ كواكبٌ . . . إذا طلعتْ لم يبدُ منهن كوكَبُ ومن قلائده قوله : فَإن يَكُ عامِرٌ قد قالَ جهلاً . . . فَإِن مظنَّةَ الجهلِ الشبابُ ومن عقاربه : وكنتَ أمينهُ لو لم تَخُنْهُ . . . ولكنْ لا أمانَةَ لليماني ومن أمثاله السائرة قوله : الرّفقُ يُمنٌ والأَناةُ سَعَادَةٌ . . . فاستأن في أمرٍ تُلاقِ نَجاحا واليأسُ عما فاتَ يُعقِبُ راحَةً . . . ولرُبَّ مُطعمةٍ تعودُ ذُباحا فاستبقِ وُدَّكَ للصَّديقِ ولا تكن . . . قتباً يعضّ بِغارِبٍ ملحاحَا
أَوْسُ بن حَجَر الأسدي
قال أبو عمرو بن العلاء : كان أوس فحل مضر حتى نشأ النابغة وزهير فطأطأ منه ، وكان زهير راوية أوس ، ومن إحسان أوس المشهور في قوله في المرثية التي أولها : أيتُها النفْسُ أجْمِلي جَزَعا . . . إِنّ الذي تَحْذَرينَ قَدْ وَقَعَا وليس للعرب مطلع قصيدة في المرثية أحسن من هذا البيت وبيت القصيدة قوله : الأَلمَعِيَّ الّذي يَظُنُ بك الظّنّ . . . كَأَنْ قَدْ رأى وَقَدْ سَمِعَا ومن أمثاله السائرة قوله : فإنكما يا ابنَي جَناب وجدتما . . . كمن دب يستخفي وفي الحَلق جُلجُلُ وقوله : وَلَسْتُ بخابئٍ لِغَدٍ طعاماً . . . حِذارَ غَدٍ لِكُل غَدٍ طَعامُ
بشْر بن أبي خَازِم الأسدي
من أمثاله السائرة قوله : ألمْ تَرَ أنّ طول العَهْدِ يُسْلي . . . وَيُنْسِي مِثلَما نَسِيَتْ حَذام وقوله : يكُنْ لكَ في قَوْمي يَدٌ يَشْكُرُونَها . . . وأَيْدِي النَّدَى في الصَالِحينَ فُروضُ ومنه أخذ الناس قولهم : " الأيادي فرُوض " ، وقوله عند موته من أبيات : تسائلُ عن أبيها كلَّ ركب . . . وَلَمْ تَعْلَمْ بِأَن السَّهْمَ صَابَا فَرَجِّي الخيرَ ، وانْتَظِري إِيابِي . . . إِذَا مَا القارِظ العَنزي آبا وقصة القارظين مشهورة .
الأَفْوَه الأَوْدي
أحد الحكماء في الجاهلية ومن أمثاله السائرة قوله : إنما نعمةُ قومٍ مُتعةٌ . . . وحياةُ المرءِ ثوبٌ مستعارُ ولياليه إلالٌ للقوي . . . ومُدى قد تختليها وشِفارُ فصروفُ الدهرِ في أطباقِه . . . خِلعة فيها ارتفاع وانحدارُ بينما الناسُ على عليائِها . . . إذ هَوَوْا في هُوَةٍ منها فغارُوا وقوله وفيه حكمة بالغة : البيت لا يُبتنَى إلاّ على عَمَدٍ . . . ولا عِمادَ إذا لم تُرْسَ أوتَادُ فإنْ تُجمع أوتادٌ وأعمدةٌ . . . وساكن بلغوا الأمرَ الذي كادوا لا يصلح الناسُ فَوْضَى لا سَراةَ لهم . . . ولا سراةَ إذا جُهالُهم سادوا إذا تَولى سَراةُ الناس أَمرَهم . . . نما على ذاك أمرُ القدم وازدادوا تهدي الأمورُ بأهلِ الرأي ما صلُحت . . . فإن تولت فبالأشرار تنقادُ أَمارة الغَي أن تلقَى الجميعَ لدى ال . . . إِبرام للأَمر والأذنابُ أكتادُ كيف الرَّشادُ إذا ما كنتَ في نفرٍ . . . لهم عن الرشدِ أغلالٌ وأقيادُ أعطَوْا غواتَهم جهلاً مَقَادَتَهُمْ . . . فكلهم في حِبال الغِي منقادُ وهذه من أبلغ الأبيات .
عَبيد بن الأبرص
جاهلي قديم من فحول العرب ، ومن أمثاله السائرة قوله : مَنْ يَسألِ الناسَ يَحْرِمُوه . . . وَسَائِلُ اللَهِ لا يَخِيبُ وَكُل ذِي غَيْبةٍ يؤُوبُ . . . وَغَائِبُ الموتِ لا يَؤُوبُ وقوله : الخيرُ يَبْقَى وإِن طالَ الزَّمانُ به . . . والشرُّ أخبَثُ ما أوعيتَ من زادِ وقوله : الخيرُ لا يأتي على عَجَلٍ . . . والشّرُ يسبِقُ سيلَه مطرُهْ المرقش
جاهلي ، من أمثاله السائرة : وَمَنْ يَلْقَ خيراً يَحمَدِ الناسُ أمرَه . . . وَمَنْ يَغْوَ لا يعدَم على الغَيَّ لائما أخوك الذي إن أحرجتْك مُلمَّةٌ . . . من الدهرِ لم يبرح لها الدهر واجما وليس أخوك بالذي إنْ تشعَّبت . . . عليك أمورٌ ظل يلحاك دائما
مُهلهل
واسمه ربيعة ، وهو أول من رقَّق الشعرَ فسمي مُهلهلاً . ومن أمثاله السائرة قوله ، وقد خُطبت إليه ابنته وهي في دار غربة : لو بأبَانَيْنِ جاءَ يخطُبُها . . . ضُرِّجَ ما أَنْفُ خاطِبٍ بِفَمِ وقوله : قَرَّبَا مَرْبِطَ النّعامَةِ مِنّي . . . لَقِحَتْ حَرْبُ وَائِلٍ عن حِيالِ لم أَكُنْ مِنْ جُناتِها شَهِدَ اللَّه . . . وإني بِحَرْبها اليومَ صالِ وقوله في مرثية أخيه كُليب بن وائل : نبَئتُ أَنّ النارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتْ . . . وَأسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ المجلِسُ وَتكلموا في أَمرِ كلِّ عظِيمَةٍ . . . لو كنت شاهد أمرهم لم يَنْبِسُوا الأَسْود بن يَعْفر
غرة شعره قصيدته التي أولها : نام الخَليُ وما أحسنَ رُقادي . . . والهَمُّ مُحْتَضِر لدى وِسادي وفيها أبيات سائرة يتمثل بها في فناء السادة ومساكنهم الخاوية بعدهم : ماذا أُؤَمِّلُ بَعْدَ آَلِ مُحَرِّقٍ . . . تَرَكُوا مَنازِلَهُمْ وَبَعْدَ إِيادِ أَرضُ الخَوَرْنَقِ والسَّدِيرِ وبارِقٍ . . . والقَصْرِ في الشُّرُفاتِ مِن سِنْدادِ نَزَلُوا بِأَنْقُرَةٍ يَسِيلُ عليهمُ . . . مَاء الفُراتِ يَجيءُ مِنْ أَطْوَادِ أَرض تَخَيَّرَها الطبيبُ مقيلها . . . كَعْبُ بنُ مَامَةَ وابنُ أُمِّ دُؤَادِ جَرَتِ الرِّيَاحُ عَلَى محل دِيارِهِمُ . . . فَكَأَنّهم كَانُوا على مِيعادِ ولقد غَنوا فيها بِأَنعَمِ عِيشَةٍ . . . في ظِل مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ فَإِذَا النَّعِيمُ وكلُّ ما يُلْهَى بِهِ . . . يَوْماً يَصيرُ إِلَى بلًىِ وَنَفَاد
طَرفَة بن العَبْد
من أمثاله السائرة على وجه الدهر : ستُبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً . . . ويأتيكَ بالأخبار من لم تزوِّدِ وكان النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم يتمثل بقول طرفة فيقول : " ويأتيك من لم تزوِّدِ بالأخبارِ " إنها كلمة نبي . ومن أمثاله في ذم الأخلاّء : كُلُّ خَلِيلٍ كُنْتُ خَالَلْتُهُ . . . لا تركَ اللَّهُ واضحَهْ كُلُهُمُ أَرْوَغُ مِنْ ثَعْلَبٍ . . . مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبَارِحَهْ ومن أمثاله السائرة لعمرو بن هند : اأبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا . . . حنَانَيْكَ بعضُ الشر أهونَ من بعضِ وقوله : قَدْ يَبْعَثُ الأمر الصغيرُ كبيرَه . . . حتى تظلّ له الدِّماء تَصَبَّبُ وقوله : وأعلمُ عِلماً ليسَ بالظَّن أنَّهُ . . . إِذَا ذَلَ مَولى المَرْءِ فَهْوُ ذَلِيلُ وَأَن لِسَانَ المَرْءِ مَا لَمْ يكُنْ لَهُ . . . حَصَاةٌ عَلَى عَوْراتِهِ لَدَلِيلُ
المُتَلمِّس
واسمه جرير بن عبد المسيح ، من أمثاله السائرة قوله في الاحتياط : قليلُ المالِ تُصلحُه فيبقى . . . ولا يبقى الكثيرُ على الفسادِ وحِفظُ المالِ خير من بُغاهُ . . . وجَوْلٌ في البلادِ بِغَيْرِ زادِ وقوله في الإغضاء عن ذنوب الأقرباء : ولو غيرُ أخوالِي أرادُوا نَقيصَتي . . . جعلتُ لَهُم فوقَ العَرانين مِيسَمَا وَلا كُنْتُ إلاّ مِثْلَ قَاطِعِ كَفِّهِ . . . بِكَف لَه أُخْرى فأصبحَ أَجْذَمَا وقوله في الامتناع عن الذل : ولا يقيم على ذُلَّ يُرادُ به . . . إلا الأذلان عَيْرُ الحَيِّ وَالوَتَدُ هَذَا عَلَى الخَسْفِ مَرْبُوطٌ بِرُمَّتِهِ . . . وذَا يُشَجُ فلا يَرثي لَهُ أَحَدُ الرُّمة : الحَبْل الخَلَق .
عَلقَمة بن عَبْدَة
من غُرر شعره قوله : فإنْ تَسْألوني بالنِّسَاءِ فَإِنَنِي . . . بَصِيرٌ بأدْواء النِّسَاءِ طَبِيبُ إِذَا شَابَ رَأْسُ المرْءِ أَوْ قَل مَالُهُ . . . فَلَيْسَ لَهُ فِي وُدِّهِنَّ نَصِيبُ يُرِدْنَ ثَراء المَالِ حَيْثُ عَلِمْنَهُ . . . وَشَرْخُ الشبَابِ عِنْدَهُنَ عَجِيبُ وقوله من قصيدة أخرى : وَكُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ دَامَتْ سَلامَتُهُ . . . على دَعَائِمِهِ لاَ شَكَّ مَهْدُومُ وَمَنْ تَعرَّضَ لِلْغِرْبانِ يَزْجُرُهَا . . . عَلَى سَلامةٍ لا بُدَّ مَشْؤُومُ وَمُطْعَمُ الغُنْمِ يَوْمَ الغُنم مُطْعَمُهُ . . . أَنَّى تَوَجَّهَ وَالمَحْرُومُ مَحْرُومُ وَكُل قَوم وإِن عَزوا وَإِنْ كَرُمُوا . . . عَريفُهم بأثافي الشَّر مَرْجُومُ
أبو دؤاد الإيادي
قيل للحطيئة : من أشعر الناس ؟ قال : الذي يقول : لاَ أَعُدُ الإقْتار عُدْماً ولكنْ . . . فَقْدُ مَن قد رُزِئتُهُ إِعدامُ من رجالٍ من الأقارب بادوا . . . من حذاق هم الرؤوس الكرامُ فَعَلى إِثْرِهمْ تَسَاقطُ نفسِي . . . حَسَرَاتٍ وذِكْرُهم لي سَقَامُ ومن وسائط قلائده : إذا كنتَ مرتادَ الرجالِ لنفعِهِم . . . فرِشْ واصطنعْ عند الذين بهمُ تَرْمِي لقِيط بن مَعْبَد الإياديُ
أمير شعره قصيدته التي كتبها إلى قومه يحذرهم جند كسرى ، ويحرضهم على الجد والتشمّر للممانعة والمقارعة فمنها : قوموا قياماً على أمشاطِ أرجلكم . . . ثم آفزعوا قد يَنال الأمرَ مَن فزعا هيهاتِ ما زالتِ الأموالُ مذ أبدٍ . . . لأهلِها إن أُصيبوا مرّةً تَبَعَا ومنها في اختيار الرئيس المضطلع بقيادة الجيش وتدبير الحرب ، وهو أحسن ما قيل في معناه : وقلِّدُوا أمرَكُم للَّهِ دَرُّكُمُ . . . رَحْبَ الذرَاعِ بِأَمْرِ الحَرْبِ مُضْطَلِعَا لا مُتْرِفاً إنْ رَخَاءُ العَيْشِ ساعَدَهُ . . . وَلاَ إِذَا عَضَّ مَكْروهٌ بِهِ جَزَعَا ما زالَ يَحْلُبُ دَرَّ الدهرِ أَشطُرَهُ . . . يَكونُ مُتَبِعاً طوراً ومُتَبعَا حَتى استَمَرَّ على شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ . . . مُسْتَحْكِمَ السِّنِّ لا فَخْماً ولا ضَرَعَا أي : لا شيخاً خرفاً ولا شاباً حَدثاً .
حاتم الطائي
من أمثاله السائرة قوله : إِذَا لَزِمَ الناسُ البيوتَ رَأَيْتَهُمْ . . . عماةً عَنِ الأَخْبَارِ خُرْسَ المكاسِبِ وقوله يخاطب امرأته ماوية : أماوِيّ إنّ المالَ غَادٍ وَرَائِحٌ . . . ويَبْقَى مِنَ المالِ الأحاديثُ والذكْرُ وَقَدْ عَلِمَ الأَقْوامُ لَوْ أَنَ حَاتِماً . . . أَرادَ ثَراءَ المَالِ كَانَ لَهُ وَفْرُ وقوله أيضاً : وَأَنتَ إذا أعطيتَ بَطنَكَ سُؤْلَه . . . وَفَرْجَكَ نالا مُنْتَهَى الذمِّ أجمعا وقوله أيضاً : أماوِي ما يُغني الشراءُ عن الفَتَى . . . إذا حَشْرَجتْ يوماً وضاقَ بِهَا الصَّدرُ
عَمرو بن كُلثوم
من أمثاله السائرة قوله : وَإنَّ غَداً وإِنَ اليَوْمَ رَهْنٌ . . . وَبَعْدَ غَدٍ بِما لا تَعْلَمِينَا وفي هذه القصيدة بيتان يُنسبان إليه ، ويقال : إنهما لعمرو بن عدي ، وهما : صَدَرتِ الكَأْسَ عَنّا أمَّ عَمْرٍو . . . وَكانَ الكأسُ مَجْرَاهَا اليَمينَا وَمَا شَرُّ الثلاثَةِ أُمَّ عَمْرٍو . . . بصَاحِبكِ الذي لا تُصْبِحِينَا ويروى أن عاملاً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قدم من عمله ، فأهدى إلى الحسن والحسين ولم يُهْدِ إلى ابن الحنفيّة ، فضرب على كتفه وتمثل بقول عمرو : " وما شر الثلاثة أم عمرو " ، فأهدت في الغد إلى ابن الحنفية كما أهدت إلى أخويه .
عَنْتَرة بن شَدَّاد
أُنشد بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أبياته التي يقول فيها : بكَرَتْ تُخَوَفُني المنونَ كَأَنّني . . . أَصْبَحْتُ عَنْ عَرَضِ المَنُونِ بِمَعْزِلِ فَأَجبتُها إِنَّ المَنِيَّةَ مَنْهَلٌ . . . لا بُدّ أَنْ أُسْقى بِكَأْس المَنْهَلِ فاقْنَي حَيَاءَكِ لا أَبا لَكِ واعْلَمِي . . . أنِّي امْرُؤٌ سَأَمُوتُ إِن لَمْ أُقْتَلِ ولما أنشد قوله : وَلَقَدْ أَبِيتُ على الطَوَى وَأَظلّه . . . حتى أنالَ بِهِ كريمَ المَأْكَلِ قال صلّى الله تعالى عليه وسلم : " ما وُصفَ لي أعرابيّ قط فأحببتُ أن أراه إلاّ عنترة " . ومن أمثاله السائرة قوله : نبئتُ عَمْراً غَيْرَ شَاكِرِ نِعْمَتِي . . . وَالكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ المُنْعِمِ وبيته الذي ينسب إليه : إنّ العدوَ على العدو لقائلٌ : . . . ما كان لي علم وما لم يعلم
طُفيل الغَنَوي
كان يقال له في الجاهلية : " المجزي المُحسن " لحُسن شعره ، ويروى أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال يوماً للأنصار : زادكم الله عنا يا معشر الأنصار خيراً فما مثلنا ومثلكم إلا قول طفيل الغنوي : جَزَى اللَهُ عَنَا جَعْفراً حين أَزْلَفَتْ . . . بِنَا نَعْلُنَا فِي الوَاطِئِينَ فَزَلَّتِ أبوْا أَن يَمُلُونَا وَلَوْ أَن أُمَّنَا . . . تُلاقِي الذي يَلْقَوْنَ مِنَّا لَمَلَّتِ ومن غرر شعره : إِنَ النَسَاءَ كالأشجارِ نَبَتْنَ لنا . . . منهن مُرّ وبعضُ المرِّ مَأْكُولُ إنَ النساءَ مَتَى يُنْهَيْنَ عن خُلُقٍ . . . فَإِنَهُ واجبٌ لا بُدَّ مَفْعُولُ الأضْبَط بن قُريع السَّعْدي
روى ابن الأنباري بإسناده قال : عاش الأضبط بن قريع مائة وخمسين سنة ثم مات في اَخر الزمان . وأمير شعره قوله : لكل همٍّ من الهمومِ سَعَهْ . . . والصبحُ والمسا لا بقاء مَعهْ قَدْ يَجْمَعُ المَالَ غيرُ آكِلِه . . . وَيَأْكُلُ المالَ غَيرُ مَنْ جَمَعَهْ لا تحقرَنَّ الفقيرَ علَّكَ أَنْ . . . تَرْكَعَ يَوْماً والدَّهرُ قد رَفَعَهْ وَصِلْ حِبَالَ البعيدِ إِنْ وَصَلَ ال . . . حَبْلَ وأقْصِ القَريبَ إن قَطَعَهْ واقبل من الدَّهْرِ ما آَتاكَ بِهِ . . . مَنْ قَرَّ عيناً بعيشِهِ نَفَعَهْ مَا بَال مَنْ سَرَّهُ مُصَابُكَ لا . . . يَمْلِكُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِهِ وَرَعَهْ أَذُودُ عَنْ حَوْضِهِ وَيَدْفَعُنِي . . . يا قومِ من عَاذِرِي من الخُدَعَهْ حَتّى إِذَا مَا انْجَلَتْ عَمَايَتُه . . . أَقْبَلَ يَلْحَى وَغَيُّهُ فَجَعَهْ
عَديُّ بن زَيْد العِبادي
لا يخرج من شعر شاعر من الجاهلية ، من محكم الشعر وحكمه ، وما يصلح للتمثل به مع حُسن الديباجة وصفاء الزجاجة ، ما يخرج من شعر عَديّ ، وكان يسكن الحيرة ، ويجاور الريف ، فرق شعره ، وعذب منطقُه . وكان يونس النحوي إذا أُنشِد قوله في الاعتبار بذهاب القُرون وذهاب الملوك : أَيّهَا الشامِتُ المُعَيّرُ بِالدَّهْر . . . آَاَنْتَ المُبَرَّأ الموفُورُ أَمْ لَدَيْكَ العَهْدُ الوثيقُ مِنَ الأ . . . يامِ أم أَنْتَ جاهِلٌ مغرورُ أَينَ كِسرى كِسْرَى أنوشر . . . وان أم أينَ قبلهُ سابورُ وأَخو الحَضْرِ إِذْ بَناهُ وَإذْ دِ . . . جْلَةُ تُجْبَى إِليه وَالخابُورُ شَادَهُ مَرْمَراً وَجَلَّلَهُ كِلْ . . . ساً فَلِلطَّير في ذُرَاهُ وُكُورُ وَبَنُوا الأصفَرِ الكرامُ مُلوكُ الرُّ . . . ومِ لَمْ يَبْقَ منهُم مذكورُ وَتَفَكَّرَ رَبُّ الخَوَرْنَقِ إذ أَش . . . رَفَ يوماً وللهَوى تفكيرُ سَرَّهُ مُلكُهُ وكَثْرَةُ ما يحويه . . . والبحرُ مُعْرِضاً وَالسَّدِيرُ فَارْعَوَى قَلْبُهُ فقال : وما غِب . . . طَةُ حيّ إلى المماتِ يصير ثُمَّ أَضْحَوْا كَأَنهُمْ وَرقٌ جَفَّ . . . فَأَلْوَتْ بهِ الصبا والدَّبُورُ ثُمَّ بعد الفَلاحِ والمُلْكِ والأمَّة . . . وارتْهُمُ هناك القُبُورُ يقول : لو تمنيت أن أقول شعراً ما تمنيت إلاّ هذا . ومن أمثاله السائرة : كفى واعظاً للمرءِ أيامُ دهرِه . . . تروحُ له بالواعظاتِ وتغتدي عَنِ المَرْءِ لاَ تَسأَلْ وسَل عن قرينِهِ . . . فَإنَ القَرينَ بالمقارِن يَقتَدِي وظلمُ ذوي القربى أشَدُ مَضاضةً . . . على الحُرِّ من وقعِ الحُسام المهنَّدِ وقوله في حبس النُعمان بن المُنذِر : أَبلِغ النُّعمانِ عَنِّي مأْلكاً . . . أَنهُ قد طال حبسي وانْتِظاري لو بغيرِ الماءِ حَلقِي شَرِقٌ . . . كنتُ كالغَصَّانِ بالماءِ اعتِصاري وقوله : فَهَلْ مِنْ خَالدٍ إمَّا هلَكْنَا . . . وهل بِالمَوْتِ يا للنَّاسِ عَارُ الحارث بن حِلِّزة اليشكَري
قال الصُّولي : ما يوصفُ تأهُّبُ القومِ للسفرِ وإقبالهم على جمعِ الآلاتِ للارتحالِ بأحسن من قول الحارث : أَجْمَعُوا أمْرُهُمْ عِشَاءً فَلَمَا . . . أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوضاءُ مِنْ مُنَادٍ وَمِنْ مُجيب وَمِنْ . . . تَصْهَالِ خَيْلٍ خِلالَ ذَاكَ رُغاءُ
أُميَّة بن أبي الصَّلْت
له في التوحيد والحكمة شعر كثير ، وفيه يقول المصطفى صلّى اللَه تعالى عليه وسلم : " آمن شعرُه وكَفَر قلبُه " . ويقال : إنه أول من تلطف للسؤال في قوله لعبد اللّه ابن جدعان : آَاَذْكُرُ حاجتي أمْ قد كَفاني . . . حياؤُكَ إِنَّ شيمَتَكَ الحياءُ وَعِلمُكَ بالحقوقِ وأنت قَرْمٌ . . . لَكَ الخُلُقُ المهذَّب والسَّنَاءُ كَريمٌ لا يُغَيرهُ صباحٌ . . . عن الخُلُقِ الحميد ولا مساءُ إذا أَثنى عليكَ المرءُ يوماً . . . كفاه من تعرُّضِهِ الثناءُ ومن غرر شعره قوله : عَطاكَ زين لامرىءٍ إن حَبوتَه . . . بخيرٍ وما كل العطاءِ يزينُ وليس بشَيْنٍ لامرىءٍ بذلُ وجههِ . . . إليك كما بعضُ السؤالِ يَشِيْنُ
قُسّ بن ساعدة الإيادي
في الذّاهبين الأوَلين . . . مِنَ القُرون لنا بَصَائرْ لما رأيتُ موارِداً . . . لِلمَوْتِ ليس لها مَصَادرْ ورأيتُ قَومي نَحْوَهَا . . . يَمْضِي الأصاغر والأكابرْ لا يَرْجِع الماضي إليَّ . . . ولا من الباقين غابرْ أَيْقَنْتُ أنِّي لا مَحَالةَ . . . حَيث صار القَوْمُ صائر أنشد النبي صلّى اللّه تعالى عليه وسلم هذه الأبيات ، فلما سمعها قال فيها : " إنه يُبعث أمةً على حِدة " .
المثقب العَبدي
واسمه عائذ بن محصن ، ولقّب المثقّب لقوله ، في قصيدة أولها : أَفاطِمَ قبلَ بيْنِكِ مَتّعيني . . . وَمَنْعُكِ ما سَأَلت كأنْ تبيني ومنها : وثقبن الوصاوصَ للعيون وأمير شعره قوله في هذه القصيدة : فلا تَعِدي مواعِدَ كاذباتٍ . . . تَمُرُّ بها رياح الصَّيفِ دوني فلو أني تُعاندُني شِمَالي . . . لما أتبعتها أبداً يميني إذاً لَقَطعْتُها وَلَقُلْت بيني . . . كذلك أَجْتوي مَنْ يجتويني فإمَّا أن تكون أخي بحَقِّ . . . فأعرفَ منكَ غَثِّي من سَميني وإلاّ فاطَرحْني وَاتَّخِذني . . . عدُوّاَ أتقِيكَ وتتَّقيني فما أدْري إذا يَمَمْتُ أَرضاً . . . أُريدُ الخيرَ أيُّهما يَليني آَاَلْخَيْرُ الذي أنا أبْتَغيه . . . أمَ الشرُّ الذي هو يبتغيني ومن أمثاله أيضاً قوله : لا تَقولَن إذا ما لم تُرِدْ . . . أَنْ تُتِم الوَعْدَ في شَيءٍ نَعَمْ حَسَنِّ قَبل نَعَمْ قولك لا . . . وقبيح القولِ لا بَعْدَ نَعَمْ إِن لاَ بَعْدَ نَعَمْ فَاحِشَةٌ . . . فَبِلاَ فَآبْدَأْ إِذَا خِفْتَ النَّدَمْ وَآعْلَمَ أنَّ الذَّمَ نَقْصٌ لِلفَتَى . . . وَمتى لا تَتَّقي الذَّمَّ تُذَمْ أَكْرِم الجَارَ وَارع حَقهُ . . . إِنَ عِرفَانَ الفَتَى الحقَّ الكَرمْ لا تَرَانِي راتِعاً في مَجْلِس . . . في لُحومِ النَّاسِ كالسَّبْعِ الضَّرِمْ إِنَّ شَرَّ النَاسِ مَنْ يكْشِرُ لِي . . . حينَ يَلْقَانِي وإِنْ غِبْتُ شَتَمْ وكَلاَمٍ سَيىءٍ قَدْ وُقِرَتْ . . . عنه أذناي وما بي صَمَمْ فَتَعَزَّيْتُ خَشاة أنْ يَرَى . . . جاهِلٌ آَني كما كانَ زَعَمْ ولبَعْضُ الصَّفْحِ وَالإعْرَاضِ عَنْ . . . ذِي الخَنى أَبْقَى وإِن كان ظَلَمْ
الممزَّق العَبْدي
واسمه شأس بن نَهار بن أسود بن جريك بن حيي بن غشاش وكان ابن أخت المثقب ، وإنما لقب بالممزّق لبيت قاله لبعض الملوك وكان أسيراً عنده : أحقاً أبيتَ اللعن أن ابن فرتنا . . . على غير إجرام بِرِيقي مُشْرِقي فَإِن كنتُ مأكولاً فكُنْ خيرَ آكِلٍ . . . وإلا ّفأدركني وَلَمَّا أُمَزَّقِ وكتب عثمان رضي الله تعالى عنه - وهو محاصر - إلى عليّ رضي الله تعالى عنه بهذا البيت الأخير . قال أحمد بن عبيد : إنما هو ممزِّق بكسر الزاي ولقب ببيته هذا : فَمَنْ مُبْلغُ النُّعْمانِ أَن ابْن أُخْتِهِعَلَى العَيْنِ يعتادُ الصَّفَا وَيُمَزِّقُ أَي : يُغنّي . والتمزيق : الغناء ، وعين محلم : موضع بالبحرين . يزيد بن خذاق الشني
روى له أبو عبيدة قوله : هَلْ لِلْفَتَى من بَنَاتِ الدَّهْرِ من وَاقِ . . . أَمْ هَلْ لَهُ من حِمامِ الموتِ من رَاقِ ومنها قوله الذي سار مثلاً : هَوِّنْ عَلَيْكَ ولاَ تُولَعْ بِإِشْفَاقِ . . . فَإِنَما مالُنا لِلْوَارِثِ الباقي ومن غرر شعره : لن يجمعوا أَوْدي ومعرفتي . . . أوْ يُجمعُ السيفانِ في غِمدِ ورواه أبو عبيدة : أَوَ يُجمع ، على الاستفهام .
عبدُ قَيْسِ بنُ خُفَافٍ
من غرر البراجم من غرر مواعظه لابنه ووصاياه : فاللَه فَاتقِهِ وَأَوْفِ بنَذْره . . . وإِذَا حَلَفْت مُمارِياً فَتَحَلَّلِ وَالضيْفَ فأكْرمْه فَإن مَبيتَه . . . حَقٌّ وَلا تَكُ لُعْنَةً لِلنُّزَّلِ وَأعْلمْ بأَن الضيفَ مُخْبرُ أًهْلِهِ . . . بمَبيتِ لَيْلَتِهِ وَإنْ لَمْ يُسْأَلِ وَصِلِ الَمُواصِلِ ما صَفَا لَكَ وُدُهُ . . . واحَذَرْ حِبَالَ الخائِنِ المُبتذلِ وَأتْرُكْ مَحَل السَّوءِ لاَ تَحْلُل به . . . وإِذَا نَبَا بِكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلِ دَارُ الهَوَانِ لِمَنْ رآهَا دَارَه . . . أفرَاحِلٌ عَنْهَا كَمَن لَمْ يَرْحَلِ وإِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرِ شَر فَاتئدْ . . . وَإِذَا هَمَمْتَ بأَمْرِ خيْرٍ فاعجلِ وَإِذَا آَتتْكَ مِنَ العَدُوِّ قَوارِصٌ . . . فَآقْرُصْ هُناَكَ وَلا تَقُلْ لَمْ أَفْعَلِ
الشَّنفرى
أمير شعره قصيدته التي أولها : ألا أمُ عَمْرِو أجْمَعَتْ فَاسْتَقَلَتِ . . . وَمَا وَدعَتْ جِيرانَهَا إِذْ تَوَلَّتِ وبيت القصيدة قوله في وصف امرأة : فَدَقَّتْ وَجَلَّتْ واسبَكَرَّتْ وأظلمت . . . فَلَوْ جُن إِنْسَان منَ الحُسْنِ جُنَّتِ أي دقّت خاصرتها ، وجلت عجيزتها ، وامتدّ قوامها ، واسودّ شعرها ، فلو كان إنسان يُجَنُّ من فرْط الحُسن لجُنّت هذه .
عُروة بن الوَرْد
أمير شعره وغرّة كلامه في الخطاب بالنفيس لطلب المال قوله : فَمنْ يكُ مثلي ذا عيالٍ ومقتراً . . . من المالِ يطرح نفسه كل مطرحِ ليبلغ عُذراً أو ينالَ رغيبةً . . . ومُبلغُ نفسٍ عذرَها مثلُ منجحِ وقوله أيضاً : إذا آذاكَ مالُك فامتهنْه . . . لجادِيه وإنْ قَرَعَ المِراح أي : إذا أعانك مالك فابذله لمن سألك إياه ، وإن بقيت صفراً منه .
أُفنون التّغلِبي
كان بعضُ الكهّان أنذره بهلاكه من لَدغة تصيبه ، وكان يتحرز منها بجهده ولا ينام إلا على ظهر راحلته ، فبينما هو ذات ليلةٍ على ناقة له وهي ترعى إذ التوت حية على مشرفها فاضطربت فرمت بها إليه فلدغته فقال بوقته : لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الفَتَى كيفَ يَتقيِ . . . إذا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللَّهُ واقِيا ثم خَرَّ ميتاً لساعته . قيس بن الخطِيْمُ
أمير شعره قصيدته التي أولها : أَتعْرِفُ رَسماً كَاطّرادِ المذاهِبِ . . . لعَمْرَةَ وَحْشاً غَيرَ مَوْقِفِ راكِبِ وبيت القصيدة قوله في وصف امرأة : تَرَاءَت لنا كَالشَمْسِ بين غَمامةٍ . . . بَدا حاجِبٌ مِنْها وبانَتْ بِحاجِبِ وَلمَّا رأيْتُ الحَرْبَ قد جدَّ جدُّها . . . لَبِسْتُ مَعَ البُرْدَيْنِ ثَوْبَ المُحَارِبِ يقول : قد جمعت بين ثوب الصُّلح وثوب المحارب لأكون على بصيرة من أمري في الحالين وفيها : إِذَا قَصُرَتْ أَسْيافنا كانَ وَصْلُها . . . خُطانا إلَى أَعْدائِنا بالتقاربِ وفيها : لَوْ أنكَ تُلْقي حَنْظَلاً فوق بَيْضِنا . . . تَدَحْرَجَ عن ذِي سامِهِ المتقارِبِ
أُحَيحَة بن الجلاح
غرة شعره التي يتمثل بها قوله : إسْتَغْنِ أَوْ مُتْ وَلاَ يَغرُرْكَ ذُو نَسَبٍ . . . من ابن عَم ولا عَم ولاَ خَالِ إنِّي مقيم على الزَوْراءَ أعمرُهَا . . . إِنَّ الحَبِيبَ إِلَى الإخوانِ ذو المالِ وقوله : وَمَا يَدْرِي الفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ . . . وَمَا يَدْرِي الغَنيُّ مَتَى يَعِيلُ عامر بن الطّفيل
يقع قوله في هذا في كل اختيار لاشتمال اِلحسن والجودة على لفظه ومعناه : إِنِّي وَإِنْ كُنتُ ابنَ سَيِّدِ عَامِرٍ . . . وَفَارِسَهَا المشهور في كُلِّ مَوْكِبِ فَمَا سَوَّدَتْني عَامِرٌ عَنْ وراثَةٍ . . . أَبَى اللَّهُ أَنْ أَسْمُو بأُمٍّ ولا أَبِ وَلَكِنَّنِي أَحْمِي حِمَاهَا وَأتَّقي . . . أَذَاهَا وأرْمِي مَنْ رَمَاهَا بِمَنْكبي
أبو الطمحان القَينيّ
واسمه الشرقي بن حَنظلة ، قال دِعبل : إن أمْدَح بيت قالته العرب في الجاهلية قول أبي الطمحان : وإنَّ بني أوس لأم أُرومةٌ . . . عَلَتْ فوقَ صَعْبٍ لا تُرام مَراقِبُهْ أَضاءَتْ لهم أحسابُهم وَوجهُهم . . . دُجَى الليل حتَى نَظّمَ الجَزْعَ ثاقِبُه وكان أبو بكر الخوارزمي يقول : ربما أردت البكاء في بعض مواطنه فيمتنع عليّ ، فما هو إلاّ أن أنشد أبيات أبي الطمحان القيني ، فيما بيني وبين نفسي حتى ينحل عقد الدمع وهي : أَلاَ عَلِّلاني قبلَ صدحِ النوائح . . . وقبلَ ارتقاءِ النَّفْسِ فوقَ الجَوانحِ وَقَبلَ غَدٍ يَا لَهفَ نفسي على غدٍ . . . إذا راح أصحابي ولستُ برائح إذا راحَ أصحابي تفيضُ دموعهم . . . وغودرتُ في لحدٍ عليَّ صفائحي يقولونَ هل أصلحتُم لأخيكم . . . وما اللحدُ في الأرض الفضاء بصالحِ قال صاحب خط الأصل المنقول منه : إذا استجلبت ماء العين أيضاً في وقته فأبى ، أنشدت قول بعض المحدثين فيما بيني وبين نفسي فما هو إلاّ أن أَمِرَّه ببالي ، وقد جاءت العبرات : ولتطلعن الشمسُ بعد فراقِنا . . . بيضاء لم تأسفْ على فقداننا كم من غداة يُستطاب نسيمُها . . . ويد البِلى تقضي على أبدانِنا
الأعشى
واسمه : ميمون بن قيس ، وكان يقال : صناجة العرب ، لكثرة ما تفنن في شعره ، وهو أحد الأربعة الذين وقع الاتفاق على أنهم أشعر العرب ، وقد تقدّم ذكرهم ، وهو على ساقة الجاهليين ومقدمة المخضرمين ، وكان قد أدرك المبعث ومدح المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلّم ، إلا أنه لم يُرزَق الإسلام ، فمن أمثاله السائرة قوله في الخمر : وَكَأْسٍ شَرِبْتُ على لَذةٍ . . . وَأخْرَى تَداوَيْتُ مِنْهَا بِهَا لِكَيْ يَعْلَمَ النَاسُ أنّي امْرُؤٌ . . . آَتيْتُ المروءةَ مِنْ بابِها وله البيت الذي وقع الاتفاق عليه أنه أهجى بيت للجاهلية وهو قوله لعَلقَمة بن عُلاثة : تَبيتون في المَشْتى مِلاءَ بُطُونكُم . . . وجاراتكُم غَرثى يَبِتْنَ خَمائِصا ويروى أنّ علقمة لما سمع هذا البيت بكى وقال : اللهم أخزه واجزه عني إن كان كاذباً . ومن غرر شعر الأعشى وأبيات قصائده وواسطة قلائده قوله : وإن القَريبَ مَنْ يُقَرِّبُ نَفْسَهُلَعَمْرُ أَبِيكَ الخَيْرَ لاَ مَنْ تَنَسَّبَا وَمَن يَغْتَرِبْ عَنْ قَوْمِهِ لاَ يَزل يَرَى . . . مَصارعَ مَظلومٍ مَجَرّاً وَمَسْحَبَا وَتُدفن منه الصالحاتُ وَإِنْ يُسِىءْ . . . يَكُنْ مَا أَسَاءَ النارَ في رَأْسِ كَبْكَبَا ومن أمثاله السائرة قوله : أَلسْتَ مُنْتهِياً مِنْ تَحْتِ أثَلَتِنَا . . . ولَسْتَ ضائِرَهَا ما أَطتِ الإِبِلُ كَناطِحِ صَخْرة يوماً ليقلعَها . . . فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ وقوله : عَوَّدْتَ كِنْدَةَ عَادَةً فاصْبِرْ لَهَا . . . اغْفِرْ لِجَاهِلِهَا وَرُدّ سِجَالَها أوْ كُنْ لَهَا جَملاً ذَلُولاً ظَهْرُهُ . . . واحْمِلْ فأنت معوّد تِحْمَالَها ومن أمثاله السائرة قوله : إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ منِ التقىوَلاَقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لاَ تكون كَمِثْلِهِ . . . فترصَّد لِلأَمْرِ الذي كان أَرْصَدَا
لَبيدُ بن رَبيعة العامري
مخضرم عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام مثلها ، وكان عَذبَ المنطق رقيق حواشي الكلام ، وفي الخبر : أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد : أَلاَ كُل شيء ما خَلا اللَهَ بَاطِلُ . . . وكلُّ نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زائِلُ سوى جَنَّةِ الفردوسِ إنَ نعيمَها . . . يدومُ فإن الموتَ لا بد نازلُ وسُئل لبيد عن أشعر الناس فقال : الملك ، يعني امرأ القيس ، قيل : ثم من ؟ . قال : الغلام القتيل ، يعني طرفة ، قيل : ثم من ؟ . قال : صاحب العُكّاز ، يعني الشيخ أبا عقيل وهو نفسه . وسمعَ الفرزدقُ رجلاً ينشد قول لبيد : وجلا السيولَ عن الطلولِ كأنها . . . زُبُرٌ تجُدُّ مُتُونَها أقلامُها فسجد فقيل : ما هذا يا أبا فراس ؟ فقال : أنتم تعرفون سجدة القرآن وأنا أعرف سجدة الشعر . وروي أنه لما أنشد قصيدته هذه في الجاهلية وبلغ قوله : يعلو طريقةَ متنِها متواترٌ . . . في ليلةٍ كَفَرَ النجومَ غمامُها سجد له شعراء زمانه . وقيل لبشار بن برد : أخبرنا عن أجود بيت قالته العرب ، فقال : إن تفضيل بيت واحد على الشعرِ كلّه لشديد ، ولكنْ أحسن كلَّ الإحسان لبيد في قوله : أكذِبِ النفسَ إذا حدَّثتَها . . . إنّ صدقَ النفسِ يُزري بالأملْ وإذا رُمتَ رحيلاً فارتحلْ . . . واعصِ ما يأمُرُ توصيمُ الكَسَلْ ومن أمثاله السائرة قوله في قصيدة : وما المالُ والأهلونَ إلاّ وديعةٌ . . . ولا بدَّ يوماً أن تُردَّ الودائِعُ وما المرءُ إلا كالشهابِ وضوئِه . . . يجود رَماداً بعدَ إذ هو ساطعُ ومنها : أليس ورائي إن تراختْ مَنيتي . . . لزومُ العصا تُحنى عليها الأصابعُ أُخبِّر أخبارَ القرونِ التي مَضَتْ . . . أَدِبُّ كأني كلما قُمتُ راكعُ لعمرُك ما يدري المسافرُ هل له . . . نجاحٌ ولا يدري متى هو راجعُ ومنها : أتجزعُ مما أحدثَ الدهرُ للفتى . . . وأيُ كريمٍ لم تُصبْه القوارعُ ومن أمثاله السائرة قوله : ذَهَب الذين يُعاش في أكنافهم . . . وبقيتُ في خلفٍ كجلدِ الأجربِ وقوله : فقوما وقولا بالذي قد علمتما . . . ولا تخمِشا خدّاً ولا تحلقا الشَّعَرْ إلى الحولِ ثم اسمُ السلامِ عليكما . . . ومن يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذرْ وحكي أنه لم يقل في الإسلام غير بيت واحد وهو : الحمدُ للَه إذْ لم يأتني أَجَلي . . . حتى اكتسيتُ من الإسلام سِرْبالا وحكى ابن دريد أن لبيداً عاش مائة وخمساً وأربعين سنه : خمساً وخمسين في الإسلام وتسعين في الجاهلية ، وقد كان معاوية هَمّ بأن يُنقص عطاءه ، فأرسل إليه : إنما أنا هامة اليوم أو غد فأعرني اسمها فلعلي أن لا أقبضها ، فمات قبل أن يقبضها . وكانت ابنتاه تأتيان فجلس أبي جعفر فتؤنبانه ، فلا تألوان ، فبقيا على ذلك حولاً كاملاً ثم كفتا .
كَعْبُ بن زُهير بن أبي سُلمى
مُخضرَم وكان له عند النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم ذَنْب ، وحين أوعده عليه السلام قدم عليه وأنشده قصيدته التي يقول فيها : نبئْتُ أَن رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي . . . والوَعْدُ عندَ رَسولِ اللَهِ مَأْمُولُ إِنَ الرَّسولَ لنورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ . . . وصارم مِنْ سُيوفِ اللَهِ مَسْلُولُ قوله ، ويقال إنه لأبيه : إِذَا أَنتَ لَمْ تُعرض عن الجَهْلِ والغنى . . . أَصَبْتَ لئيماً أو أصابَك جاهلُ
العَلاء بن الحَضْرمي
وفد العلاء على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلّم فقال له : " أتقرأ شيئاً من القرآن ؟ " ، فقرأ سورة عبس ، ثم زاد فيها من عنده : " وهو الذي أخرج من الحبلى نسمةً تَسعى من بين شَرَاسِيف وحَشَا " . فقال له رسول الله صلى اللّه تعالى عليه وسلم : " كُفّ فإنَ الصورة كافية " . ثم قال : " أتقول شيئاً من الشعر ؟ " . فأنشده : وحي ذَوي الأضغان تَسْبِ قلوبَهم . . . تَحَبُّبُكَ الأذى فقد يدبغ النَّعَلْ فَإِنْ دَحَسُوا بالكُرْه فاعفُ تكرُّماً . . . وإن أخنَسُوا عنكَ الحديثَ فلا تَسَلْ فَإنَ الذي يُؤْذيكَ منه استماعه . . . وإنَ الذي قالوا وراءك لم يقلْ فقال النبي صلّى الله تعالى عليِه وسلم : " إنَ من البيانِ لسحراً وإن من الشعر لحِكماً " .
النَّمِر بن تَولب العُكلي
عُمِّر في الجاهلية وأدرك الإسلام وقد خرف ، وكان شاعراً فصيحاً ، شجاعاً جواداً كريماً ، وكان هجِّيراه في خرفه : أصبحوا الضَّيف أغبقوا الضيف كعاداته التي كان عليها ، وكانت امرأة في زمانه خرِفت أيضاً فكان دأبها أن تقول : خضِّبوني كحلوني زوَجوني رجَلوني ، وبلغ عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه ذلك عنهما فقال : " لما لهج به أخو عكل أكرم مما لهجت به خرفة بني فلان " . ومن أمثاله قوله : يريد الفَتَى طولَ السلامةِ جاهداً . . . وكيفَ يَرى طول السلامة يفعلُ وقوله : خَاطِرْ بنَفْسِكَ كَيْ تَنالَ رَغِيبَةَ . . . إِنّ القُعودَ مَعَ العِيَالِ قَبِيحُ إِن المخاَطرَ مالكٌ أو هالكٌ . . . والجدُّ يُحدي مرةً فيريح وقوله : ومَتَى تُصبْك خَصاصة فارجُ الغنى . . . وإلى الذي يَهبُ الرغائبَ فآرغبِ لا تغضبَنَ على امرىءٍ في مالِهِ . . . وعلى كرائِمِ أصل مالِكِ فَاغضَبِ
حسانُ بن ثابت
شاعر النبي صلّى اللّه تعالى عليه وسلم والمناضل عنه ، وله قال : " اهج مشركي قريش ومعك روحُ القدس واللَهِ إنَ كلامَك لأشدُّ عليهم من وقعِ السهام في غَلَس الظلامِ . ومن غُرر شِعره قصيدته التي يقول فيها : إِذَا مَا الأشْرِباتُ ذُكِرْنَ يوماً . . . فهُن لِطيّبَ الرَّاحِ الفِداءَ وَنَشْرَبُهَا فتتركُنَا مُلُوكاً . . . وَأُسْداً ما يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ ولما أنشدها رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وانتهى إلى قوله : هَجَوْتَ مُحمداً فَأَجَبْتُ عَنْهُ . . . وَعِنْدَ اللَهِ فِي ذاكَ الجَزَاءُ قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " جزاؤك على اللّه الجنة " ، فلما انتهى إلى قوله : فَإنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي . . . لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقَاءُ قال عليه السلام : " وقَاكَ الله هَوْلَ المطلع " . فلما انتهى إلى قوله : أَتهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِنَدٍّ . . . فَشَرُكُما لِخَيْرِكُمَا الوِقَاءُ قال من حضر : " هذا واللَهِ أنصفُ بيت قالته العرب " . وكان في الجاهلية مداحاً لبني جَفْنة ملوك غسان . ويقال : إن من غرر شعره قوله فيهم : أَوْلادُ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبِيهِم . . . قَبْرِ ابْنِ مَارِيَةَ الكَرِيم المُفْضِلِ بِيضُ الوُجُوهِ نَقِيَّةٌ أَحْسَابُهُمَ . . . شُمُّ الأُنُوفِ مِنَ الطَرَازِ الأَوَّلِ يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تَهِرُّ كِلاَبُهُم . . . لاَ يَسْألونَ عَنِ السَّوَادِ المُقْبِلِ ومن أمثاله السائرة قوله : رُبَّ حِلم أضاعَه عدمُ المالِ . . . وجَهلٍ غطى عليه الثراءُ ومنها : مَا أُبالِي آَنبَّ بِالحَزْنِ تَيْسٌ . . . أَمْ لَحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ وواسطة القلادة قولهُ : وَإنَ امْرَءاً يُمْسِي وَيُصْبِحُ سَالِماً . . . مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا جَنَى لَسَعِيدُ فأجازه ابنه عبد الرحمن يقول : وإِنَ امْرءاً نَالَ الغِنَى ثُم لَمْ يَنَلْ . . . صَدِيقاً وَلاَ ذا حَاجَةٍ لزَهِيدُ ثم أجازهما أبو الحَسَن الحَسَني : وإِن امْرءاً عَادىَ أناساً عَلَى الغِنَى . . . وَلَمْ يَسْأَلِ اللَهَ الغِنَى لَحَسُودُ ثم أجازهما سعيد بن عبد الرحمن يقول : وإن امرءاً قد عاشَ سبعين حجةً . . . ولم يُرضِ فيها ربَّه لطريدُ
النابغةُ الجَعْدي
وهو قيس بن عبد اللّه من المخضرمين المعَمَرين ، وأميرُ شعره قصيدته التي يقول فيها للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم : أَتيتُ رَسولُ اللَهِ إِذْ جَاءَ بالهدى . . . وَيَتْلو كتاباً كَالمجرّةِ نَيِّرا بلغْنا السماءَ مجدُنا وسَنَاؤنا . . . وإنا لنَرجو فوقَ ذلك مظهرا وَلا َخَيْرَ في حِلْمٍ إِذا لم تكن لَهُ . . . بَوادِرُ تَحْمِي صفْوهُ أنْ تكدَّرا فقال رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه وسلم : " إلى أين يا أبا ليلى " . فقال : إلى الجنة . فقال عليه السلام : " إن شاء الله " . ويروى أنه عليه السلام لما أنشده البيتين فقال : " لا فَضَّ اللَهُ فاك " . فعُمَّر وهو أحسن الناس ثَغراً على كبره ، ولم يُفضّ له سِن . ومن غرر شعره قوله في مرثية صديق له : فَتًى كان فيه ما يَسرُّ صديقَهُ . . . على أَنَّ فيهِ ما يسوءُ الأَعادِيا فَتًى كَملَتْ أَخلاقُهُ غيرَ أَنّه . . . جوادٌ فما يُبقي من المالِ باقِيا
الحُطَيئة
واسمه جَرول بن مالك كان راوية لزهير فنجم مقبولَ الكلام ، شَرودَ القافية ، خبيثَ اللسان حتى كأن لسانَه مقراضُ الأعراضِ ، حتى إنه هجا أباه وأمه وزوجه ونفسه فمن قوله لأبيه : لَحَاكَ اللَهُ ثُمَّ لَحَاكَ حَقّاً . . . أَباً ولَحَاكَ من عَمٍّ وخَالِ فَنِعْمَ الشَيْخُ أَنْتَ لدى المَخازي . . . وَبِئْسَ الشَّيْخُ أَنْتَ لَدَى العِيالِ جَمَعْتَ اللؤمَ لا حَياكَ رَبي . . . بأنواعِ السفَاهَةِ والضَّلالِ وقوله لأمه : فهاهُنا اقعدي مِنّا بَعيداً . . . أَرَاحَ اللَّهُ مِنْكِ العَالَمِينا أَغِرْبالاً إِذَا اسْتُودِعْتِ سِرّاً . . . وَكَانوناً لَدَى المُتَحَدِّثِينا ومن قوله لامرأته : أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُم آتِي . . . إِلَى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ ومن قوله لنفسه : أَبَتْ شَفَتَايَ اليَوْمَ إِلاّ تكَلُماً . . . بِشعرٍ فَمَا أدْرِي لِمَنْ آَنا قَائِلُهْ أَرى ليَ وَجْهاً شَوَّهَ اللَّهُ خَلْقَهُ . . . فَقُبّحَ من وَجْهٍ وَقُبّحَ حَامِلُهْ وصبَّ اللَهُ به سَوْطَ عذابٍ على الزبرقان بن بَحر فإنه أمضه بهجائه إياه وأبكاه ، وأقلقه وأحرقه ، وسير فيه قصيدته السائرة الطيارة التي يقول فيها : وَقَد مَرَيْتكُمُ لَوْ أن دِرَّتكُمْ . . . يَوماً يَجِيءُ بِهَا مَسْحِي وَإِبْسَاسِي أزْمَعْتُ يَأساً مريعاً من نَوالِكُم . . . وَلَنْ تَرى طَارِداً للحُرّ كالياسِ مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لاَ يَعْدَم جَوَازِيَهلاَ يَذْهَبُ العُرْفُ بين اللَّهِ وَالنَّاس دعَ المَكَارِمَ لاَ تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها . . . وَأقْعُدْ فأنت لعمري طاعمٌ كاسِي ومن غرره في المدح قوله : أَقِلِّوا عَليكم لا أبا لأبيكُمُ . . . مِنَ اللَّوْمِ أَوْسدُّوا المكانَ الذي سَدُّوا أُولَئك قَوْمٌ إن بَنوا أَحْسَنُوا البُنى وَإنْ عَاهدُوا أَوْفَوْا وَإنْ عَقَدُوا شَدُّوا
أبو ذؤيب الهُذلي
كان يقال : هذيل أشعر القبائل وأبو ذؤيب أشعرها وأمير شعره قصيدته في المرثية التي أولها : أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تتوَجَّعُ . . . وَالدَّهْرُ ليسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ وَتَجَلُدِي لِلشامِتِينَ أُرِيهِمُ . . . آَني لِرَيْبِ الدَّهْرِ لاَ أتضَعْضعُ وبيت القصيدة وكان الأصمعي يقول : هو أبرع بيتٍ ، قالته العرب : وَالنَّفْسُ راغِبَةٌ إِذا رَغَبْتَها . . . وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيلٍ تَقْنَعُ ومن غرر هذه القصيدة قوله : وإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا . . . ألفَيْتَ كل تَمِيمَةٍ لاَ تَنْفَعُ
أبو خراش الهُذَلي
كان له أخ يسمى عُروة فمات أو قتل ، فقال أبو خراش يحمد الله على تخلص ابنه من الأسر وهو أحسن ما قيل في التسلي : حَمِدْتُ إلهي بعدَ عروةَ إذْ نجا . . . خِراشٌ وبعض الشّرِّ أَهونُ من بعضِ عَلى أنها تَعفُو الكلام وإِنمَا . . . يوكّل بالأدنى وإنْ جَلَّ مَا يَمضي
المتنخِّل الهُذَلي
أمير شعره قوله : أبو مالِكٍ قاصِرٌ فَقْرَهُ . . . عَلَى نَفْسِه وَمشِيعٌ غِناهُ إِذا سُدْتَهُ سُدْتَ مطواعةً . . . ومهما وَكَلْتَ إليه كفَاهُ
أبو صَخر الهُذلي
يقال : إن أغزل شعر العرب قولُه : أَمَا وَالذِي أبكى وأضحكَ والذي . . . أماتَ وأحيا والذي أمرُه الأمرُ لقد تركتَنِي أحسدُ الوحشَ أن أرى . . . أليفين منها لا يروعهما الذُّعرُ فيا حُبَّها زِدني جوًى كل ليلةٍ . . . وَيَا سَلوةَ الأيّامِ موعدُكِ الحَشْرُ عجبتُ لسعي الدهر بَيني وبينَها . . . فلما انقضى ما بينَنا سَكَنَ الدهرُ
تَميم بن مُقبِل
مخضرَم معدود في الفحول ، ومن غرر شعره ما أنشد له دعبل : فَأخلفْ وأَتلِفْ إنما المالُ عَارَةٌ . . . وَكُلْهُ مَعَ الدهرِ الذي هو آكلُهْ وأيسرُ مفقودٍ وأهونُ هالكٍ . . . على الحي من لا يبلغُ الحيَّ نائلُهْ وقوله : خليليَّ لا تستعجلا وانظرا غدا . . . عسى أن يكون الرفقُ في الأمرِ أرشدا عبْدة بن الطَّبيب
من مفلقي المخضرَمين وأمير شعره لاميتُه التي أولها : هَلْ حَبْلُ خَوْلَةَ بَعْدَ الهَجْرِ موصولُ . . . أم أنتَ عنها بعيدُ الدارِ مشغولُ والمرءُ ساعٍ لأمرٍ ليسَ يدركُهُ . . . والعيشُ شُحٌ وإشفاقٌ وتَأْمِيلُ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعجب من جودة هذا البيت وحسن تقسيمه ، ومن أمثاله السائرة قوله في مرثية قيس بن عاصم : وما كان قيسٌ هلك هلكَ واحدٍ . . . ولكِنهُ بُنيانُ قومٍ تَهدَّما
حميد بن ثور
من فحول المخضرمين وأمير شعره قوله : أَرى بَصَرِي قد رَابَني بعدَ صِحَّةٍ . . . وَحَسْبُك دَاءً أَن تَصِحَّ وَتَسْقَمَا ولن يَلْبَثَ العَصْرانِ يوماً ولَيْلَةً . . . إِذَا طَلَبَا أَنْ يُدرِكَا ما تَيمَّما ومَا هاجَ هَذَا الشَوقَ إلا حَمَامَةٌ . . . دَعَتْ سَاقَ حُرٍّ تَرْحَةً وَتَرَنَّمَا ومنها في وصف القُمرية : عَجِبْتُ لَهَا أنَّى يكونُ غِنَاؤُها . . . فَصِيحاً ولَم تَفْغَرْ لمنطقها فَمَا ومن نكت شعره قوله في وصف الذئب : يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَقي ال . . . أَعادِي بأُخرى فَهْوَ يقْظَانُ هَاجِعُ متمم بن نويرة
غرّة شعره قصيدته التي يرثي بها أخاه مالكاً وغرتها قوله : وَقالوا : أتبكي كُلَّ قَبرٍ رأيتَه . . . لَقَبرٍ ثَوَى بينَ اللَّوَى والدَّكَادِكِ فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَ الأَسى يَبعَثُ الأسى . . . ذَرُوني فهذا كُلُهُ قبرُ مَالِكِ وقوله في قصيدته التي يرثي بها مالكاً أيضاً : وكنا كندْمانِي جَذِيمَةَ حِقْبَةً . . . من الدَّهْرِ حتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصدَّعَا فَلمّا تَفَرَّقْنا كَأَنَي وَمَالِكاً . . . لِطولِ اجتماع لَمْ نَبِتْ لَيلَةً مَعَا
دريد بن الصِّمة
أمير قوله وشعره قوله : أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللَّوَى . . . وَهَلْ يستبان الرُّشْد إلا ضُحى الغَدِ وَهَلْ أَنا إلا من غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ . . . غَوَيْتُ وَإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ وقال يونس النحوي هذا أحْزم بيت قالته العرب قوله : مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلاَ سَمِعْتُ بِهِ . . . كَاليَوْمِ هَانِي أَيْنُقٍ صُهْبِ مُبْتَذِلاً تَبْدُو مَحَاسِنُهُ . . . يَضَعُ الهِنَاءَ مَواضِعَ النُّقْبِ
سُويد بن أبي كاهِل
غُرّة كلامه وشعره قوله : رُبَّ مَنْ أنْضَجْتُ غَيظاً قَلْبَهُ . . . قد تَمَنَى لِي مَوْتاً لَمْ يُطعْ وَيُحَيينِي إِذَا لاَقيْتُه . . . وَإذا يَخْلُو لهُ لَحْمِي رَتَعْ
النَّجاشي الحارثي
شاعر علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأمير شعره قوله : إِنّي امرؤٌ قلَّما أثني عَلى أَحَدٍ . . . حتى أَرَى بعضَ ما يأتي وَمَا يَذرُ لا تمدحنَ امرَءاً حتى تجرّبَه . . . وَلا تَذُمَنَّ مَن لم يَبْلُهُ الخَبَرُ وهذا من أحسن الإحسان .
الشمَّاخ بن ضِرار
من فحول المخضرمين من أمثاله السائرة قوله : لَمَالُ المرءِ يُصلِحُه فَيُغْنِي . . . مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ وغرّة شعره قوله في عرابة الأوسي : رَأَيت عَرَابَة الأوْسِيَّ يَسْمُو . . . إِلَى الخيراتِ مُنْقَطِع القَرِينِ إِذَا مَا رَايهٌ رفِعَتْ لمَجْدٍ . . . تَلَقَّاهَا عَرَابةُ بِاليمينِ
عمرو بن مَعْدي كَرِب
من أمثاله السائرة قوله : إذا لم تستطعْ أمراً فَدَعْهُ . . . وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ وقوله : لَيسَ الجَمالُ بمئزرٍ . . . فاعلمْ وإِنْ رُديتَ بُرْدا إِنّ الجمالَ مآثر . . . وَمَناقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْدا وقوله : ظَللْتُ كأنّي للرماحِ دريئةٌ . . . أُقاتِلُ عن أبناءِ جَرْمٍ وَفَرَّتِ فَلو أنّ قومي أنطقتْني رماحُهم . . . نَطقْتُ ولكنَ الرماحَ أَجَرَّتِ
عمرو بن الأهْتَم
أمير شعره وغرة كلامه قوله : لَعَمْرُكِ ما ضاقت بلادٌ بأهْلها . . . ولكنَ أخلاقَ الرَّجالِ تَضِيقُ
سُحَيْم عبد بني الحَسْحَاس
أحسن شعره قصيدته التي أولها : عُمَيْرَةَ وَدع إِنْ تَجَهَزتَ غاديا . . . كفى الشيبُ والإسلامُ للمرء ناهِيا وقوله : أشعار عبد بني الحسحاس قُمنَ لَهُ . . . يوم الفِخارِ مَقام الأصلِ والوَرِقِ إِن كنتُ عبداً فنفسي حرَّةٌ كرماً . . . أو أسودَ الخَلْق إني أسود الخَلْقِِ أبو مِحجن الثقفي
ليس له أحسن وأفخر من قوله : لا تسألي الناسَ عن مالي وكثرته . . . وسائلي الناسَ عن بأسي وعن خُلُقِي بل أَطْعَن الطعْنة النَّجلاءَ عن عرضٍ . . . وَأَكْتُم السِّرَ فيه ضربةُ العُنقِ
الخَنْساء ابنة عمرو بن الشَريد
من أمثالها السائرة قولها : ومن ظنّ أن سيُلاقي الحروبَ . . . بِأَنْ لا يُصابَ فقَدْ ظَنَّ عَجْزَا وغرّة كلامها قولها : وَإن صَخراً لَحامينا وسيّدنا . . . وَإنَّ صَخْراً إِذا نَشْتو لَنَحَّارُ وَإِن صَخْراً لَتَأْتَمُ الهُداةُ به . . . كَأَنهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
كعبُ بن سَعد
يترجح ميزان عقله في قوله : وَما أنا لِلشَيءِ الذي ليس نافعي . . . وَيَغْضَبُ منة صاحبي بقؤولِ ولست بمبدي للرجالِ سريرتي . . . ولا أنا عن أسرارِهم بسَؤولِ
مَعْن بن أَوْس
من الإسلاميين وأمير شعره : وَفِي النَّاسِ إِنْ رَثت حبالُك واصِل . . . وفي الأَرْضِ عن دار القِلَى متَحوّلُ إِذا انصَرَفَتْ نَفْسِي عن الشيء لَم تكنْ . . . إليهِ بِوَجْهٍ آَخِر الدَّهرُ تُقبلُ ومن أمثاله السائرة قوله : أعَلِّمه الرماية كل يومٍ . . . فَلَمّا اشتدَّ ساعدُه رَماني أعلِّمه الرِّوايةَ كل يومٍ . . . فَلَمَّا قالَ قَافِيَةً هَجَانِي وهذا من الحسن على ما لا خفاء به .
كَعْب بن جُعَيْل
من الإسلاميين المفلقين شاعر معاوية ومن غرر شعره قوله : نَدِمْت على شَتْمِ العَشيرَة بعدمَا . . . مضى واستتب للرُّواةِ مذاهِبُهْ فَأَصْبَحتُ لا أَسْطِيعُ رَدَاً لما مضى . . . كما لا يَرُدُ الدَّرَّ في الضَّرْعِ حالِبُه
زياد بن زَيد العُذري
أمير شعره قوله : وَلَسْتُ بِمِفْراح إِذا الدَّهرُ سَرَّني . . . ولا جازع من صَرْفهِ المُتقَلَبِ وَلا أتمنى الشرّ والشَرُّ تارِكِي . . . ولكن متَى أُحْمَلْ على الشَرِّ أَرْكَب وقوله : هل الدهرُ والأيامُ إلا كما ترى . . . ِرَزيّةُ مال أو فراق حبيب
ِ أبو الأَسْود الدُّؤلي
يُعد في التابعين والشيعة والفصحاء وأصحاب النحو وفي البخلاء وفي المنائح . ومن غرر شعره قوله في عبد الله بن زياد وقد كساه جُبّة خزّ : كَسَاني ولم أَسْتكْسِهِ فَحَمِدْتُه . . . أخٌ لي يعطيني الجزيل وناصرُ وإِنَ أَحَقَّ النَّاسِ إن كنتَ مادِحاً . . . بمدحكَ منْ أَعْطاكَ والوجهُ وافر ومن أمثاله السائرة قوله : لا تُهِنّي بعدَ إذ أَكْرَمْتَني . . . فشديد حالةٌ منْتَزَعَهْ لا يَكُنْ بَرْقُكَ بَرْقاً خُلَّباً . . . إِنَ خيرَ البَرْقِ ما الغيث مَعَهْ
زُفر بن الحارث
غرّة شعره قوله في انهزامه يوم مرج راهِط : أَيَذْهَب يومٌ واحدٌ أَسَأْتهُ . . . بصالحِ أَيامي وحُسْنِ بلائيا ولم يُرَ مِني زَلّةٌ قبلَ هذهِ . . . فِراري وتَركي صاحبي من ورائيا وَقَدْ يَنْبُتُ المرعى على دِمَنِ الثرى . . . وَتَبْقَى حَزازاتُ النفوس كما هيا
عُبَيْدِ اللَّه بن قَيس الرُّقَيَّات
أمير شعره قوله في مُصعب بن الزبير : إنَّما مُصْعَبٌ شِهابٌ مِن اللَّهِ . . . تَجلَّتْ عَنْ وَجْه الظلْمَاءُ يَتَقي اللَّهَ في الأمورِ وَقَدْ أَفْ . . . لَحَ مَنْ كَانَ هَمَّهُ الاتّقَاءُ مُلْكُهُ مُلْكُ رَأْفَةٍ لَيْسَ فِيهِ . . . جَبَرُوتٌ منه ولا كِبْرِيَاءُ المتوَكل الليثي
غرة شعره الذي يتمثل به قوله : إِبدأ بنفسِك فانهها عن غيها . . . فإذا انتهتْ عنه فأنتَ حكيمُ فهناك تعذر إن وعظتَ ويقتدَى . . . بالقولِ منك وينفع التعليم لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثلَه . . . عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ وقوله أيضاً : لَسْنا وإنْ أحسابُنا كَرُمَتْ . . . يوماً على الأحسابِ نتَكِّلُ نَبْني كما كانت أوائِلُنا . . . تَبْنِي وَنَفْعَلُ مثلما فَعلوا
يَزيد بن مُفرِّغ الحِمْيَري
ومن غُرر شعره قوله : لهفي على الأمرِ الذي . . . كانت عواقبُه نَدَامَهْ العَبْدُ يقرَعُ بالعصا . . . وَالحُرُ تكْفيهِ المَلاَمَهْ يريد : يقرع بالعصا : أي يضرب بها .
الفَرَزْدَق
واسمه هَمًام بن غَالب ، هو وجرير الصَّدران المتقدمان والفحلان المقرنان ، وكان يونس النحوي يقول : ما شهدت مشهداً ذكر فيه الفرزدق وجرير فاجتمع آهل ذلك المجلس على أحدهما ، وإذا وقع الشك في فضل أحدهما على الآخر ، لم يقع في كونهما أشعر الإسلاميين ، وما منهما إلا مفلق كثير القلائد فمن ذلك قوله : تَصَرَّمَ عَنْ حُبِّي بكْر بن وَائِلٍ . . . وما خلت عن حبهم يَتَصَرَّمُ قَوارِصُ تَأْتِيني وتَحتَقرُونَها . . . وَقَدْ يَمْلأُ القَطْرُ الإناء فَيَفعُمُ ومن أحسن تشبيهه الذي لم يقع لأحد قط مثله قوله : وَالشَّيْبُ ينْهَضُ في الشبابِ كَأنه . . . لَيْلٌ يَصِيحُ بِجَانِبَيْهِ نَهَارُ وقوله : ضَرَبَتْ عَلَيْكَ العَنكَبُوتُ بِنَسْجِهَا . . . وَقَضَى عَلَيْكَ بها الكتابُ المُنْزَلُ وقوله : وأنا وسعدٌ كالفصيلِ وأُمِّهِ . . . إذا وطئته لم يضره اعتمادُها وقوله : يمضي أخوكَ فلا تَلقى له خلفاً . . . والمالُ بعد ذهابِ المالِ يُكتسبُ وقوله : ليس الشفيعُ الذي يأتيكَ مؤتزراً . . . مثل الشفيعِ الذي يأتيكَ عريانا
جرير
ويقال : إن أغزل شعر قوله : إِنَ العُيُونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ . . . قَتَلْنَنَا ثم لَمْ يُحيِينَ قَتْلاَنَا يَصْرَعْنَ ذا اللُبّ حتى لا حراك بهِ . . . وَهُن أَضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ إِنْسانا وأفخر شعره قوله : ألستُمْ خَيْرَ مَن ركِبَ المَطَايا . . . وَأَنْدَى العَالَمِينَ بُطونَ رَاحِ سَأَشْكُرُ أَنْ رَدَدْتَ عَليَّ رِيشي . . . وَأَنْبَتَ القَوادِمَ من جَنَاحي وأمدح شعره قوله : إِذَا غضِبَتْ عَلَيْكَ بنُو تَمِيمٍ . . . حَسِبْتَ الناسَ كُلُهُمُ غِضَابَا وأهجى شعره قوله : فَغضَ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ . . . فَلا كَعْباً بَلَغْتَ وَلا كِلابَا
أبو عُبادة الوليد
ابن عبيد البحتري سمعت أبا بكر الخوارزمي الطبري يقول : غرر البحتري ووسائط قلائده ، وأبيات قصائده أكثر من أن تحصى عندي وأفصح أبياته قوله : تَبَلَجَ عَنْ بَعْضِ الرِّضَى وَانْطَوَى عَلَىبقِيَّةِ عَتْب شَارَفتْ أًنْ تَصَرَّمَا وكان عبيد الله بن عبد الله يقول أفصح بيت له قوله : وَتَماسَكْتُ حين زَعْزَعِني الدَّهْرُ . . . الْتِماساً مني لِتَعْسِي وَنكْسِي وقال : الصاحب إسماعيل بن عباد يقول : أمدح شعر البحتري قوله : دَنَوْتَ تَواضُعاً وعلوتَ مَجداً . . . فَشَأنَاكَ انْحِدارٌ وَارْتِفَاعُ كَذاكَ الشمْسُ تَبعد إنْ تَسامَى . . . وَيَدْنُو الضَّوْءُ مِنْهَا والشُعَاعُ وكان القاضي الحسن بن عبد العزيز يقول : أطرب شعر للبحتري قوله : يذكرُنيكَ والذكرَى عَناء . . . مُشَابَهٌ فيك طَيّبةُ الشُّكولِ نَسِيمُ الرَّوْضِ في رِيحٍ شَمال . . . وَصَوْبُ المُزْنِ في رَاحِ شَمُولِ وكان أبو القاسم الآمدي يقول : سبحان خالق من قال : أَخْجَلْتنِي بنَدَى يَدَيْك فَسوَّدتْ . . . مَا بَيْنَنَا تلْكَ اليَدُ البَيْضَاءُ وَقطَعْتَنِي بالبرِّ حتى إنّني . . . مُتَخَوِّفٌ أن لا يَكون لِقاءُ وكان أبو يحيى الحارثي يقول : تعلمت الكتابة من شعر البحتري فإن كتابه معقود بالقوافي . ثم ينشد : مَا ضَيعَ اللَه في بَدْوٍ ولاَ حَضرٍ . . . رَعِيَّةً أَنْتَ بِالإحْسَانِ رَاعِيهَا وَأُمَّةَ كَانَ قَبيح القَوْلِ يسخطهَا . . . دَهْراً فَأَصْبَحَ حُسْنُ العَدْلِ يُرْضِيهَا ومما يليق بهذا قوله : أمَّا أَيادِيكَ عِنْدِي فَهْيَ وَاحِدَةٌ . . . مَا إِنْ تَزَالُ يَدٌ مِنْهَا تَسُوقُ يَدَا لِم لا أَمُدُّ يَدِي حَتّى آَنالَ بِهَا . . . مَدَى النُّجُومِ إِذا مَا كُنْت لِي عَضُدَا ومن أمثاله : وَاعْلَمْ بأنَّ الغَيْثَ لَيسَْ بِنَافِعِ . . . لِلنَّاسِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي إِبّانِهِ وقوله : وإذَا مَا الشَرِيفُ لمْ يَتوَاضَعْ . . . لِلأَخِلاّءِ فَهوَ عين الوَضِيعِ وقوله : شَرِّقْ وغَرِّبْ تجد من صاحبٍ عِوضاً . . . فَالأرْضُ مِنْ ترْبةٍ والنّاسُ من رَجُلِ ورُبّما حُرِمَ الغازون غُنْمَهُم . . . في غزوهم وأصابوا الغُنْمَ في القَفَلِ
عليُّ بن الجَهْم
من غرر أمثاله السائرة : هِيَ النَفْسُ ما حَمَّلْتَها تتحمَّلُ . . . وَلِلدَّهْرِ أيامٌ تَجُورُ وَتَعْدِلُ وَعَاقِبَةُ الصَّبْرِ الجَمِيلِ جَمِيلَةٌ . . . وَأحْسَنُ أَخْلاَقِ الرِّجَالِ التَّفَضُّلُ وَلاَ عَارٌ أَنْ زَالَتْ عَنِ الحُرِّ نعمةٌ . . . وَلَكِن عَاراً أَنْ يَزُولَ التَّجَمُّلُ وقال في الحبس : قالوا حُبسْتَ فقلتُ لَيْسَ بضائري . . . حَبْسي وَأَيُّ مُهَنَّدٍ لاَ يغمَدُ أو مَا رَأًيْتِ اللَّيْثَ يَألَفُ غِيلَهُ . . . كِبْراً وَأَوْبَاشُ السِّباع تَرَدَّدُ وقوله : إِنّ دونَ السؤالِ والاعْتِذَارِ . . . خُطَةً صَعْبَةً عَلَى الأَحْرَارِ فارضَ للسائلِ الخضوعَ ولل . . . مذنبِ ذَنْباً غَضاضةَ الاعتذارِ واستعذْ منهما فبئسَ المقامان . . . لأهلِ العقُول والأَبْصارِ
أحمد بن قير
من أمثاله السائرة : سُرّ من عاش مالَه فإذا . . . حاسَبَه اللَهُ سَرَّه الإعدامُ وقوله : ذري الدهر يُخلقني كلّما . . . لبستُ من الدَّهر ثوباً جديدا وقوله : ليتَ شِعري كيف أغْفَلني . . . مَلِكٌ ما خابَ آمِلُهُ رُبَّ أمرٍ سَرَّ اَخرُهُ . . . بعدما ساءَتْ أوائلُه
أحمد بن أبي طاهر
من غُرر شعره قوله : حَسْبُ الفتى أن يكونَ ذَا حَسَبٍ . . . من نفسِه ليس حُسنَه حَسَبُهْ ليس الذي يَبتدي به نَسَبٌ . . . مثل الذي ينتهي به نَسَبُهْ ومن أبيات قصائده وأحاسن شعره قوله : ودِين الفتى بين التماسُكِ والنُهى . . . وديناً للفتى بين الهوى والتغزُّل
أشجع بن عمرو السُّلَميّ
غُرة شِعرِه وأمير كلامِه قصيدته الرشيدية وأحسن ما فيها قوله : وَعَلَى عَدُوكَ يَا ابْنَ عَم مُحمَّد . . . رَصَدَانِ ضوءُ الصُّبْح والإظْلاَمُ فَإِذَا تنبَّهَ رُعْتَهُ وإذا هَوَى . . . عَلَتْ عَلَيْه سيوفَكَ الأَحْلاَمُ ومن قلائده الفاخرة السائرة قوله لجعفر : يَرُومُ المُلوكُ يدي جَعْفَر . . . وَلاَ يَصْنَعُونَ كما يَصْنَعُ وَكَيْف يناولونَ غاياتِهِ . . . وَهُمْ يَجْمَعُونَ ولا يَجمَع وَلَيْس بِأَوْسَعِهم في الغنى . . . وَلكنَّ معروفَهُ أَوْسَع فما خَلْفَهُ لامرىءٍ مَطْمَعٌ . . . وَلا لامْرِىءٍ دونَهُ مَقْنَعُ وَلاَ يَرْفَعُ الناسَ من حطَّهُ . . . ولا يضعُ النَاسَ من يَرْفَعُ بَديهَتهُ مِثْلُ تَدبيرِه . . . متَى جِئْتَهُ فهو مُسْتَجْمِعُ ومن مدائحه الرائعة النادرة قوله في الفضل بن الربيع : انتجعِ الفضلَ أو تخل من الدُّنْ . . . يا فهاتان مُنتهى الهِممِ ومن أمثاله قوله : سبقَ القضاءُ بكل ما هو كائنٌ . . . فليجهد المتقلَبُ المحتالُ وقوله : رأيٌ سَرَى وعُيُونُ الناس هاجعةٌ . . . ما أخّرَ الحَزْمَ رأيٌ قدَّم الحَذَرا وقوله : لا بدَّ للمشتاقِ من ذكرِ الوطن . . . واليأس والسلوة من بعدِ الحزن
مُسلم بن الوليد
صريع الغواني . ذكر ابن المعتز أنه لقب بذلك لقوله هذا البيت وهو : هَلِ العَيْشُ إِلاَّ أَنْ تروحَ مع الصبا . . . وتَغْدُو صَرِيعَ الكأس والأَعْيُن النُّجْلِ ومن فرائد قوله في وصف الدنيا : حَسْبي بِما أَدّتِ الأَيّامُ تَجربة . . . يسعَى عليّ بِكَأسَيها الجَديدان دَلَّتْ عَلَى عَيْبِها الدُنْيا وَصَدَقهَا . . . ما اسْتَرْجَعَ الدَّهْرُ مِما كان أَعْطاني وقوله في المرثية : أرادوا ليخفوا قبره عن عدوِّه . . . فطيبُ ترابِ القبرِ نَمَّ على القبرِ وأبهى شعر للمحدثين مع سلامته من الفحش والتصريح بالسقط قوله : أَما الهجاءُ فَدَق عرضُكَ دونَه . . . وَالمدحُ عنك كما علمتَ جَليلُ فاذهب فأَنت طليقٌ عرضُك إِنَّه . . . عرض وعَزَزْتَ بِهِ وأنت ذَلِيلُ ويقال بل قوله : قبحتْ مناظرُهم فحينَ بلوتَهم . . . حَسُنَتْ مناظرهم لقبْح المَخْبَرِ عوف بن محلِّم
أمير شعره في الغزل قوله : وصغيرةٍ علقتُها . . . كانت من الفتن الكبار كالبدرِ إلا أنها . . . تبقى على ضوء النهار ومن غرر كلامه قوله : أعفُّ وأستغني وإني لمستترٌ . . . فتستر عفاني على مفاقريَ لساني وقلبي شاعران كلاهما . . . ولكنَّ وجهي مُفحَمٌ غيرُ شاعرِ ولو كان وجهي شاعراً كسب الغنى . . . ولكن وجهي مثل وجه ابنِ طاهرِ
أبو الشِّيص
هو ابن عم دِعبل الخُزاعي من عيون أمثاله : لا تُنكري صَدَي ولا إعراضي . . . ليس المُقل عن الزمانِ براضِ ثِنتان لا تصبو النساءُ إليهما . . . حُلى المشيبِ وحُلة الإنفاضِ ومن نادر قوله الذي لم يسبق إليه قوله : كَريمٌ يَغضُّ الطَرْفَ فَضْل حيائه . . . ويدنو وأطرافُ الرماحِ دَوانِ وَكالسَّيفِ إنْ لاَيَنْتَه لانَ مَتْنُه . . . وحدّاهُ إنْ خاشَنْتَه خَشنانِ وقوله في مرثية الرشيد : غَرُبَتْ في المشْرق الشمسُ . . . فقلْ لِلْعَيْن تَدْمَعْ ما رأينا قطَّ شَمساً . . . غَرُبَتْ من حيث تَطْلَعْ وقال في مرثيته وتهنئة ابنه : جَرَت جواري السَّعْدِ والنَحْس . . . فَنَحنُ في وَحْشَةٍ وفي أُنسِ العَين تَبْكي والسِّنّ ضاحكةٌ . . . فَنَحْنُ في مأتم وَفي عُرْسِ يُضْحكنا القائِمُ الأمينُ ويبك . . . ينا الرشيدُ الملحودُ بالأَمْس بدرانِ بدرُ الضحى ببغداد في الخُلْ . . . دِ وبدرُ بطوسَ في الرَّمْسِ
الباهِلي
من شعره المشهور قوله : رأى اللَهُ عبدَ اللَّهِ خيرَ عِباده . . . في ملكه واللَهُ أخبرُ بالعبد ومن غُرر شِعره في المديح قوله : ولو لم يكنْ في كَفهِ غير نفسه . . . لجادَ بها فَليتَقِ اللَّهَ سائِلُهْ وما بقيت في العالمين فَضلةٌ . . . من المجدِ إلا مجدُه وفضائلُهْ وقوله في أبي دلف : فكفُك قوسٌ والنَّدى وَتَرَاها . . . وسهمُكَ فيه اليُسرُ فارمِ به عُسري
بكر بن النَّطَاح
من أحاسن محاسنه قوله في وصف امرأة : بيضاءُ تسحبُ من قيام فَرْعَهَا . . . وتغيب فيه وهو حبل أَسحمُ فكأنها فيه نهارٌ مشرق . . . وكأنهُ ليل عليها مظلمُ ومن أمثاله السائرة : مَلأتُ يَدي من الدّنيا مِراراً . . . فما طَمِعَ العَوَاذِلُ في اقْتِصَادي وما وَجَبَت عليَّ زَكاة مالٍ . . . وَهَلْ تَجِبُ الزّكاةُ عَلى جَوَادِ وقوله أيضاً : ليس الفتى بجمالِه وثيابِه . . . إن الجوادَ بماله يُدعى الفتى وقوله : فاصبرْ لعادتنا التي عوَّدتنا . . . أوْ لا فأرشدنا إلى من نذهبُ وقوله : بعثتُ إليكَ نصائحي ومودَّتي . . . قبلَ اللقاءِ بشاهدِ الأرواحِ وعلى القلوبِ من القلوبِ دلائل . . . بالودِّ قبلَ تباينِ الأشباحِ
أبو يعقوب الخُزيمي
من غُرر شعرِه الذي لم يُسبق إليه : يُلام أبو الفضلِ في جُودِهِ . . . وَهَلْ يملِكُ البحرُ أَنْ لا يفيضا ومن أمثاله البارعة الرائعة قوله : إذَا مَا مَاتَ بعضكَ فابكِ بعضاً . . . فبعضُ الشيءِ مِنْ بعضٍ قَريبُ ومن أبياته النادرة وأمثاله السائرة قوله : وأعددته ذخراً لكل مُلِمَةٍ . . . وسهمُ الرزايا بالذخائرِ مولَعُ قال السُّدي : أنشدت العتبي قول الخزيمي : ألم ترني ابني على الليثِ بيتَه . . . وأحثو عليه الترابَ لا أتخشَعُ ولو شئتُ أن أبكي دماً لبكيتُه . . . عليهِ ولكن ساحةَ الصبرِ أَوسَعُ فقال : إن العاقل إذا سمع هذا الكلام لا يتعرض لقول الشعر حتى يكون كلامه هكذا ، وفي القصيدة ما لا شيء أحسن منه هو : أردُّ حواشي بُرْدِه فوقَ سِنِّه . . . أخالُ بها بَدراً من الضوء يسْطَعُ كأني أدلي في الحفيرةِ باسلاً . . . عقيراً ينوء للقيامِ ويصرع تخال بقايا الروحِ فيه لقربه . . . بعهدِ الحياةِ وهو ميت مقنَّعُ
والبةُ بن الحُباب
أمير شعره من الأمثال السائرة : إنْ كان يُجزى بالخيرِ فاعلهُ . . . شرّاً ويجزي المسمَّى بالحسن فويلُ تالي القرآنِ في ظُلمةِ اللَّي . . . لِ وطُوبى لعابدِ الوثنِ
العبَّاس بن الأَحْنَف
من غرر شعره في الغزل الجارية مَجرى المَثل قولُه : نَزُورُكُم لا نكَافِيكُمْ بجَفْوَتكُم . . . إِنَّ المُحِبَّ إِذَا لَمْ يُسْتَزَرْ زَارَا يُقربُ الشوقُ داراً وهي نازحةٌ . . . مَن عالَجَ الشَّوْقَ لم يستبعدِ الدّارا وقوله : أرَى الطَرِيقَ قريباً حِينَ أسْلُكُهُ . . . إِلَى الحَبيب بَعيداً حينَ أَنْصَرِفُ وقوله : أُحرمُ منكُم بما أقولُ وَقَدْ . . . نَالَ بهِ العاشقونَ من عَشِقُوا صِرْتُ كَأني ذُبَالَةٌ نُصِبَتْ . . . تُضيءِ للنّاسِ وَهيَ تَحْتَرِقُ وقوله : كيفَ احترازِي مِنْ عَدُوّي إذا . . . كَانَ عَدُوّي بينَ أَضلاعِي
محمد بن أميّه الكاتب
أميرُ شِعره وغرة مِلحه قوله : ربَّ وَعْدٍ منكَ لا أنساهُ لي . . . أوجبَ الشكر وَإن لَمْ تَفعَلِ أَقطعُ الدَّهرَ بظنِّ حسنٍ . . . وأجلِّي غمرة لا تنجلي كلّما أَفَلْتُ يوماً صالحاً . . . عرضَ المقدورُ لي في أَمَلي وَأَرَى الأَيّامَ لا تُدني الذي . . . أرتجي منكَ وتدني أَجلي
الحَكَم بن قَنْبَر
من أمثاله السائرة قوله : وَمَنْ دَعَا الناسَ إلى ذَمِّهِ . . . ذَمُوهُ بالحَق وبالباطلِ مَقَالةُ الذمِّ إلى أهلها . . . أَسْرَعُ من مُنحَدِرٍ سائلِ ومن غرر قوله : مُسْتَقْبَلٌ بالذي يهوى وإن كثرتْ . . . منه الذنوبُ ومعذورٌ بما صَنَعا في وجهه شافع يمحو إساءته . . . من القلوبِ وجيهٌ حيثُما شَفَعا
أبو حَفْص الشِّطرنجي
من غُرره البديعة ومما لم يُسبَق إليه : أشبهَكِ المِسْكُ وأشبهتِهِ . . . قائمةً في قوله قاعدَه لا شكَّ إذ لونكما واحدٌ . . . أنكما من طينةٍ واحدَه وقوله وهو أحسن من ذلك : صابِرِ الحبِّ لا يصدَّنَّكَ عنه . . . مِن حبيبٍ تَجَهُمٌ وعبوسُ عَرِّضنْ للذي تُحِبُّ بِحبِّ . . . ثم دَعْهُ يَروضُهُ إبليسُ
ربيعة الرَّقِّي
من أمثاله السائرة قوله : لَشتانَ ما بين اليزيدينِ في النَّدى . . . يزيد سُلَيم والأغرِّ ابن حاتم فَهَمُّ الفَتَى الأزدي إتلافُ مالِه . . . وهمُّ الفتى القيسيّ جمعُ الدراهمِ
أبو عُيينة محمّد بن أبي عُيينة بن المهلّب
من غُرره المستظرفة قوله : جسْمي مَعي غَير أن الروح عنْدكمُ . . . فالروحُ في غُربةٍ والجِسمُ في وطنِ فَليعجبِ الناسُ منّي أن لي بَدَناً . . . لا روحَ فيهِ ولي روحٌ بلا بَدَنِ وقوله : أرى عهدَها كالوردِ ليسَ بدائمِ . . . ولا خيرَ فيمن لا يدومُ له عهدُ وعهدي لها كالآسِ حُسناً وبهجةً . . . لهُ نظرة تبقى إذا ما انقضى الوردُ ومن أمثاله السائرة قوله : خالدٌ لولا أبوه . . . كان والكلبَ سواءَ لو كما يَنقص يَزْدَا . . . دُ إذاً نالَ السماءَ وقوله : أبوكَ لنا غيثٌ نعيش بسَيْبِه . . . وأنت جرادٌ لست تُبقي ولا تَذَرْ له أثرٌ في كل عامٍ يسرُّنا . . . وأنتَ تعفي دائماً ذلك الأَثرْ ومن ملحه قوله : ولأُشِليَنَّ على نِعاجِك ذِيبي
أخوه عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة
من قلائده الفاخرة قوله : هو الصَّبرُ والتسليمُ لله والرضى . . . إِذا نَزَلَتْ بي خُطَّةٌ لا أشاؤُها إذا نحن أُبْنا سالمين بأنفُسٍ . . . كِرامٍ رَجَتْ أَمراً فخاب رَجاؤُها فأنفُسُنا خيرُ الغنيمة إنها . . . تَؤوبُ وفيها ماؤُها وحَياؤُها وقوله أيضاً : كل المصائبِ قد تمرُّ على الفتى . . . فتهونُ غير شماتةِ الأعداءِ وقوله في الهجاء : ما كنت إلا كلَحم مَيْت . . . دعا إلى أكله اضطرارُ
الجلاح
واسمه عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي ، من غُررهِ الفاخرة وأمثاله السائرة قوله : إذا المرءُ لَمْ يَدْنَسْ من اللؤم عِرضُه . . . فكل رداءٍ يَرتديه جميلُ وإنْ هو لم يحملْ على النَّفْسِ ضَيمَها . . . فليس إلى حُسْنِ الثَّناءِ سبيلُ ويقال : إنها للسموأل بن عادياء وهو الحق ، ومن مُلحه : وما زرتكمْ عَمداً ولكنَ ذا الهوى . . . إلى حيثُ يهوى القلبُ تهوي بهِ الرِّجلُ وقوله : إذا كنت مُلحياً مُسيئاً ومُحسِناً . . . فغِشيان ما تهوى من الأمرِ أكيَسُ
صالح بن عبد القدوس
كل شعره حكم وأمثال فمن غرره السائرة قوله : لا يَبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ . . . ما يَبْلغَ الجاهلُ من نَفْسِه وَالشيخُ لا يَترُك أخلاقَهُ . . . حَتَى يُوارَى في ثَرَى رَمْسِهِ إِذا ارْعَوى عاد إلى جهلِهِ . . . كذي الضنَى عاد إلى نكْسِهِ وقوله : وإِنّ عَناءً أن تُفَهِّمَ جاهلاً . . . وَيَحْسَب جهلاً أنه منك أَفْهَمُ مَتَى يَبْلُغ البُنيانُ يوماً تَمامَه . . . إذا كنتَ تبنيه وغيرُكَ يَهْدِمُ
الخليل بن أحمد
من أمثاله قوله : لو كنتَ تعلم ما أقول عذرتَني . . . أو كنتُ أعلم ما تقولَ عَذلتكا لكن جَهِلتَ مقالتي فعذلتَني . . . وعلمتُ أنّك جاهلٌ فعذرتكا وقوله فيمن اسمه سليمان : وزلّةٍ يُكثر الشيطانُ إن ذُكرت . . . منها التعجُّبَ جاءتْ من سُليمانا لا تعجبنٌ لِخَيرٍ زَلّ عن يدِه . . . فالكوكَب النحسُ يَسقي الأرضَ أَحيانا وقوله : إعمل بعلمي وإن قَصَّرتُ في عملِ . . . يَنفَعْكَ علمي ولا يَضْرُرْكَ تقصيري وقوله : إِنَّ الذي شَقَ فَمي ضامِنٌ . . . للرِّزْق حتى يَتَوَفاني
الأخْطَل
أمير شعره قوله في قصيدة في بني أمية : شُمْسُ العَداوةِ حتى تُسْتَقادَ لَهُمْ . . . وَأَعْظَمُ النّاس أحلاماً إذا قَدَرُوا وفيها : إن العداوةَ تَلقاهَا وإن قَدُمَتْ . . . كَالعز يَكْمُنُ حِيناً ثم يَنْتَشِرُ وفيها : ضَجوا منَ الحرب إذْ عَضَّتْ غوارِبَهُم . . . وَقَيسُ عَيلان من أخلاقِها الضَّجَرُ وأقسَمَ المجْدُ حقاً لا يُحالفُهُم . . . حتى يُحالفَ بَطْنَ الرَّاحَةِ الشَعَرُ حتى أقرّوا وَهُم منّي على مَضَضٍ . . . والقَوْلُ يَنْفُذُ ما لا تَنْفُذُ الإبَرُ وأهجى شعره قوله : قَوْمٌ إِذا استنبَحَ الأضيافُ كَلبَهُمُ . . . قالوا لأمّهِم : بُولي على النارِ وإنْ هُمُ أكلوا أخفوا كلامَهم . . . واستوثقوا من رَتاجِ البابِ بالدارِ وأشرفُ شِعْره : وهل ظُنونُ امرىءٍ إلا كأسهمٍ . . . والنبلُ إنْ هي تخطي تارة تصبْ وقوله : وَالناسُ هَمُهُمُ الحياةُ ولا أرى . . . طولَ الحياةِ يزيدُ غيرَ خَبَالِ وإذا افتَقَرتَ إلى الذخائرِ لم تَجِدْ . . . ذُخراً يكونُ كصالح الأَعمالِ
القطامِي
من أبياته الفاخرة السائرة قوله من قصيدة : فَهُنَ يَنْبِذْنَ من قولي يُصِبْنَ به . . . مَواقعَ الماءِ من ذي الغُلّةِ الصّادي فَإنْ قَدرْتُ على يومٍ جزيتُ بِهِ . . . وَاللَهُ يَجْعَلُ أقواماً بمرصادِ ومن أمثاله قوله : وَخيرُ الأَمرِ ما استَقبَلْتَ منه . . . وليسَ بأن تتبعَهُ اتَباعا وَمَعصِيَةُ الشّفيقِ عليك مِما . . . يزيدُكَ مَرَّةً منه استماعا إذا هم يَغمِزونَ من اسْتركُوا . . . ويجْتَنِبونَ مَنْ صَدَق المِصاعا ومن قلائده قوله : قد يُدرِكُ المُتَأَني بعض حاجتِهِ . . . وقد يكونُ من المُسْتَعْجلِ الزَّلَلُ وربما فاتَ بعضَ القومِ أَمْرُهُم . . . من التأنَيّ وكان الحَزْمُ لَو عجلوا وَالناسُ من يلقَ خيْراً قائلون له . . . ما يشتهي وَلأم المُخْطِئ الهَبلُ ومن أمثاله : أخوكَ الذي لا تملكُ الحُسنَ نفسُه . . . وترفَضُ عند المُحْفِظاتِ الكنائِفُ وقوله : وإذا يصيبكَ والحوادثُ جَمَّةٌ . . . حَدَثٌ زَوَاكَ إلى أخيك الأوثقِ
الطِّرِمَّاح بن حَكيم
من غرر شعره قوله : لقد زادني حباً لنفسي أنني . . . بغيضٌ إلى كلِّ امرىءٍ غير طائلِ وإني شقي باللئامِ ولا يرى . . . شُقياهم إلا كريمُ الشمائلِ ومن أمثاله السائرة قوله : تميم بطرقِ اللؤمِ أهدى من القَطا . . . وسلكتْ سبلَ المكارمِ ضلّتْ ومن أحسن ما قيل في الإشفاق على من يخلفه الماضي على ابنته : أحاذرُ يا صَمصَامُ بعدي أنْ يلي . . . تراثي وإيّاكِ امرؤ غيرُ مصلحْ إذا صك وسطَ القوم رأسكِ ضِلَّةً . . . يقول له الناهي ملكتْ فأسجِحْ
الكُميت بن زَيد
من غرر قصائده قوله : فيا مُوقِداً ناراً لغيرِكَ ضَوؤُها . . . ويا حاطِباً في حَبْلِ غيرِك تحطِبُ ومن أمثاله قوله : إذا لم تكُنْ إلا الأَسنَةُ مركبٌ . . . فلا رأي للمضطرِّ إلا ركوبُها
ذو الرُمَة
واسمه غَيلان بن عقبة من قلائده : تلكَ الفتاةُ التي عُلِّقتُها غَرَضاً . . . إنَ الحليم وذا الإسلامِ يُخْتَلَبُ صفراءُ في نَعَجٍ كَحْلاءُ في دَعَجٍ . . . كأنها فضَّةٌ قد مَسَّها ذَهَبُ قال ابن عباس : ما نزلت بي مصيبةٌ أمضتني وأرمَضَتْني إلا تذكرت قول ذي الرمة : خليليَّ عوجا من صدورِ الرواحلِ . . . على رَبعِ مَيّ فابكيا في المنازلِ لعل انحدارَ الدَّمعِ يُعقِبُ راحةً . . . من الوجدِ أو يشفي نجيَّ البلابلِ فخلوتُ فبكيت فسلوت .
أخوه مَسْعود
من غرر شعره قوله في مرثية أخيه ذي الرمة : تَسَلّيْتُ عن أوفى بِغَيْلانَ بَعْدَه . . . عَزاءً وجَفْنُ العين بالدمع مُترَعُ ولم يُنْسِني أوفى المصائب بعده . . . ولكنَ بكاءَ القرحِ بالقرح أَوْجَعُ
الراعي
واسمه : عبيد بن حصين بن نمير ، قيل له الراعي لجودة نَعته الإبل ، وكان من أشرف قومه ولم يرعَ بعيراً ولا غنماً قط ، ومن مُلحه قوله في وصفِ حبشي : ولقد ترى الحبَشيَّ بين بيوتِنا . . . جَذلاً إذا ما نال يوماً مَأْكَلا دَسِمَ الثيابِ كأنَّ فروةَ رأسِه . . . بُذِرتْ فأنبتَ جانبيها فلُفُلا وقوله لعَدي بن الرَّقاع : لو كنتَ مِن أحدٍ يُهجَى هجوتكُم . . . يا ابنَ الرَّقاعِ ولكنْ لستَ من أحدِ
المُساور بن هند العبسي
كان يهجو بني أسد وهو القائل فيهم : ما سَرّني أنّ أُمّي من بني أسَدٍ . . . وأنَّ رَبِّي يُنْجيني من النّارِ وأنَّهم زوَّجوني من بناتِهِمُ . . . وأنَّ لي كل يومِ ألفَ دينارِ وقوله : شَقيَتْ بنو أسدٍ بشِعر مساوِرٍ . . . إنَّ الشقيَّ بكلِّ حبلٍ يُخنقُ ؟
الصَّلتان العَبدي
أمير شعره قوله : أشَابَ الصَّغيرَ وأفْنَى الكَبِي . . . رَ مرورُ الغَداة وكَرُّ العَشِي إذا ليلةٌ هَرَّمَتْ نَحبَها . . . أتى بعد ذلك يومٌ فَتي نروحُ ونغدو لحاجاتِنا . . . وحاجاتُ من عاشَ لا تنقَضي يموتُ مع المرءِ حاجاتُهُ . . . وتَبْقَى له حاجَةٌ ما بقِي وقوله في الفرزدق وجرير : فَإنْ يَكُ بَحْرُ الحنْظَلِيْينِ واحداً . . . فما تَسْتَوي حيتانُه والضَّفادع وما يستوي صَدْرُ القَناةِ وزُجُّها . . . وما تستوي في الراحتين الأصابعُ
عَدي بن الرّقاع
من غرر شعره قوله : تُزْجي أَغَنَّ كأن إبْرَةَ رَوْقِهِ . . . قَلَم أصاب من الدِّواة مِدَادَها وعلمتُ حتى لستُ أسألُ واحداً . . . من حرف واحدةٍ لكي أزدادَها صَلى الإلهُ على امرىءٍ ودَّعتُه . . . وأتمَّ نعمتَه عليه وزَادَها ومن أوصافه السائرة قوله : وكأنَّها بينَ النساءِ أَعارَها . . . عينيه أحورُ من جَآَذرِ جاسمِ وَسْنانُ أقصَدَهُ النُعاسُ فرنَقتْ . . . في عينِه سِنَةٌ وليسَ بنائمِ ومن غرره الفاخرة السائرة قوله : وإذا نظرتُ إلى أمِيري زادني . . . ظنّاً به نَظَري إلى الأُمَراءِ والقومُ أشباهٌ وبينَ حُلُومِهم . . . بوْنٌ كذاك تفاضُلُ الأشياءِ بل ما رأيتُ جبالَ أرضٍ تستوي . . . فما غَشِيْتُ ولا نجومَ سَماءِ والبرقُ منه وابلٌ متتابعٌ . . . جَوْدٌ وآخرُ لا يجودُ بماءِ والمجدُ يورِثُه امرؤٌ أبناءَه . . . ويموتُ آخرُ وهو في الأحْياءِ
الأَحْوص بن مُحمد الأنصاري
من قلائده قوله : يا بيتَ عاتكةَ التي أتَعزلُ . . . حَذَرَ العِدا وبه الفؤادُ موكَّلُ إني لأمنحُكَ الصُدودَ وإنني . . . قَسَماً إليكَ مع الصُّدودِ لأَمّيَلُ وقوله : ما تَعْتَريني في الخُطُوبِ مُلمَّةٌ . . . إلاّ تُشرِّفُني وترفَعُ شاني إني إذا خَفي الرِّجالُ رأيتَني . . . كالشمس لاِ تَخفى بكلَ مَكانِ
كثيِّر صاحب عَزَّة
قيل له : ما أنسب بيت قلته ؟ قال : أريدُ لأنسى ذِكرَها فكأنما . . . تمثل لي ليلى بكلِّ سبيلِ وغُرَّة قوله : وإني وتَهْيامي بعزَّةَ بعدَما . . . تخليتُ مما بيننا وتخلَّتِ لكالمرتجي ظِلَّ الغَمامةِ كُلَّما . . . تَبوَّأ منها للمَقِيْلِ اضمحَلَّتِ فقلتُ لها يا عزَّ كُل مُصيبةٍ . . . إذا ذُلِّلتْ يوماً لها النَفسُ ذَلَّتِ هَنيئاً مَريئاَ غيرَ داءِ مخامرٍ . . . لعَزَّة مِن أعراضِنا ما استحلَّتِ ومن أمثاله السائرة قوله : قَضى كُل ذِي دَيْنٍ فوفى غَرِيمَهُ . . . وعزَّةُ ممْطولٌ مُعَنًّى غَريمُها وقوله : ومَنْ لا يُغمَضْ عينَه عن صَديقِه . . . وعن بعضِ ما فيه يَمت وهو عاتِبُ ومن يَتَّبعْ جاهداً كُلَّ عَثرةٍ . . . يجدْها ولا يسلَمْ له الدهرَ صاحِبُ
جَميل بن مَعْمَر العُذري
صاحب بُثينة ، أغزل بيت قاله : خليليَّ هل أَبْصَرْتُما أو سمعْتُما . . . قَتِيْلاً بكى من حُبِّ قاتِلِه قبلي ومن غُرر شعره قوله : ولربَّ عارضةٍ علينا وصلَها . . . بالجدَ تخلِطُه بقولِ الهازلِ فأجبتها في الحُبِّ بَعْد تبشُرٍ . . . حُبِّي بثينةَ عن وصالِك شاغلي لو كان في قلبي كقَدرِ قُلامةٍ . . . حُبِّا وصلتُكِ أو أَتَتْكِ رسائلي وقوله : لعمرُ ابنةِ العُذري بَثْنة إنني . . . عن الشيءِ ولَى مدبراً لَصَبُورُ وإني عن الماءِ الذي يَجمعُ القَذى . . . إذا كان طَرْقاً اَجِناً لصَدُورُ وأبلغ ما قيل في الرضى باليسير قوله : أُقلِّبُ طَرْفي في السماءِ لعله . . . يوافِقُ طرفي طَرْفَكم حين ينظرُ عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة
من غُرر شعره الجاري مجرىَ الأمثال السائرة قوله : ليتَ هنداً أنجزتنا ما تعدْ . . . وشَفَتْ أنفُسَنا مِمَّا تجِدْ واستبدَّت مَرةً واحدةً . . . إنما العاجزُ من لا يستجدّ وقوله : قالت : تَرَقَبْ عيونَ الحيّ إنّ لها . . . عيناً عليكَ إذا ما نمتَ لم تنمِ
نُصَيْب
يقال : إن أمير شعره قوله : فعاجُوا فأثنَوا بالذي أنتَ أهلُه . . . ولو سكتوا أثْنَتْ عليكَ الحقائبُ
عبد اللَّه
بكلٍّ تداوينا فلم يشفَّ ما بنا . . . على أنَّ قُربَ الدارِ خيرٌ من البعدِ
عبد اللَّه بن معاوية
من أمثاله السائرة قوله : وأنتَ أخي ما لم تكُنْ لي حاجةٌ . . . فإنْ عرضَتْ أيقنْتُ أن لا أخا ليا وعينُ الرضى عن كُلِّ عيبٍ كليلة . . . إلا أنَ عينَ السَّخطِ تُبدي المَساويا وقوله : أرى نفسي تتوقُ إلى أمورٍ . . . يُقصِّرُ دونَ مبلغِهِن مَالي فلا نفسي تطاوعني ببخلٍ . . . ولا مالي يبلَغني فَعالي وقوله : ولا تهُن للصديقِ تكرِمه . . . نفسُك حتى تُعَدَّ من خَوَلِهْ يحملُ أثقالَه عليك كما . . . يحملُ أثقالَه على جَمَلِهْ
إبراهيم بن هرْمة
وهو على ساقة الشعراء المروانيين ومقدمة العباسيين ، ومن غُرر شعره قوله : وإني وتَرْكي نَدى الأكرمين . . . وقَدْحي بكفَّيَّ زَنْداً شِحاحا كتاركةٍ بيضَها بالعَراءِ . . . وملبسةٍ بيضَ أُخرى جَناحا وقوله : يُحِبُّ المدحَ أبو خالدٍ . . . ويجزعُ من صِلةِ المادحِ كبِكْرٍ تَشْتهي لذيذَ النكاحِ . . . وتفْرَق من صَوْلةِ الناكحِ وقوله : قد يدركُ الشَرَفَ الفتى ورداؤُه . . . خَلَقٌ وثَوْبُ قميصِه مَرقوعُ
بَشَار بن بُرْد
صدر المحدَثين وبحرهم ، ومن أعاجيب الدنيا أنه وُلد أَكْمَه وقال في مثل قوله : كأنَّ مَثارَ النقْعِ فوقَ رؤوسهم . . . وأسيافُنا ليلٌ تَهاوَى كواكبُهْ وقوله في الذَّكَر : وتراه بعد ثَلاثَ عشْرَةَ قائماً . . . مثلَ المؤذِّنِ شَك يومَ سَحابِ ومن أمثاله السائرة الفاخرة قوله : إذا كنتَ في كل الأمورِ مُعاتباً . . . صديقَك لم تلقَ الذي لا تعاتبُهْ فعِشْ واحداً أوْ صِل أخاكَ فإنه . . . مقارفُ ذنبٍ تارةً ومجانِبهُ إذا أنتَ لم تشربْ مِراراً على القَذى . . . ظَمِئْتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشارِبُهْ قال أبو الفتح الهَمداني النحوي : ما سبق بشار بقوله في وصف الإبريق : ولما صرَّحَ الحبُّ . . . وصل الكوبُ للكاسِ له قَهقَهةٌ فيه . . . على حبسِه أنفاسي وقوله : وبيني وبينَك ريحانةٌ . . . من الحبِّ خضراءُ لا تحصدُ وأتلعُ كالظبي خرطومه . . . حكاه لنا العُنُق الأقوَدُ إذا ما أكبَ على كأسِه . . . أرن كما صَدَح الصِّفرِدُ وقوله : تأتي المقيمَ وما سعى حاجاتُه . . . عددَ الحَصَى ويخيبُ سَعْيُ الناصبِ وإذا جفوتَ قطعتُ عنكَ منافعي . . . والدَرُّ يقطعُه جفاءُ الحَالِبِ وقوله : الحُر يُلحى والعصا للعبد . . . وليس للمُلحِفِ مِثلُ الرّدِّ وصاحبٍ كالدُّمَل المُمِد . . . حَملتُه في رقعية من جلدِ قال هارون بن علي بن يحيى المنجّم : أشعر بيت في الغزل من قول المحدثين قول بشار : أنا واللَهِ أشتهي شعرَ عينيكِ . . . وأخشى مصارعَ العُشَّاقِ ومن قلائده في الشيب : الشيبُ كُرهٌ وكُرهٌ أنْ يفارقَني . . . أعجِبْ بشيءٍ على البغضاءِ مورودُ يمضي الشَبابُ وقد يأتي له خَلَفٌ . . . والشيبُ يذهبُ مفقودٌ بمفقود
ِ أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم
قيل له : أي شيء قلته أحكم عندك وأعجب إليك . قال : قولي : علمتَ يا مجاشعُ بنَ مَسْعَدَهْ . . . أنَّ الشبابَ والفراغَ والجِدَهْ مَفْسَدةٌ للمَرْءِ أيُّ مَفْسَدَهْ قال إسحاق الموصلي : أنشدني هارون بن مخلعة الرازي لأبي العتاهية : ما إن يطيبُ لذي الرعاية لل . . . أيَّام لا لَعبٌ ولا لَهْوُ إن كان يطرفُ مسرَّتَه . . . فيموت من أجزائه جِذوُ وسئل عن أحكم شعره عنده وأعجبه إليه ، فقال : قولي وأشار إليّ بهذه الأبيات ، فقلت : ما أحسنها فقال : أهكَذا تقول إنهما روحانيان يطيران ما بين السماءِ والأرض ، وقال الجاحظ في قول أبي العتاهية : إن الشبابَ جنةُ التَّصَابي . . . روائحُ الجنَّةِ في الشَّبابِ معنى كمعنى الطرب الذي لا تقدر على معرفته القلوب ، وتعجز عن وصفه الألسن إلا بعد التطويل وإدامة التفكر ، وخير المعاني ما كان القلب أسرع إلى قوله من اللسان إلى وصفه ، ومن أمثاله السائرة قوله لسلم الخاسر : تعالى اللّه يا سَلْم بن عمرو . . . أذلَّ الحرصُ أعناقَ الرجالِ هَبِ الدنيا تُساق إليك عَفْواً . . . أليس مصيرُ ذاك إلى زَوَالِ فما ترجو بشيءٍ ليس يبقى . . . وشِيكاً ما تُغيِّره الليالي وقوله : أنت ما استغنيتَ عن . . . صاحبِكَ الدهرَ أخوه فإن احتجتَ إليه . . . ساعةً مَجَّك فوه إنما يَعرفُ ذا الفضلِ . . . من الناس ذووهُ وقوله : وما الموتُ إلا رحلة غيرَ أنها . . . من المنزلِ الفاني إلى المنزلِ الباقي
أبو نُوَاس الحَسَن
كان المأمون يقول : لو أن الدنيا وصفت نفسها لم تصفها بأحسن من قول أبي نواس : وما الناسُ إلا هالكٌ وابنُ هالكٍ . . . وذو نَسَبٍ في الهالكين عريقِِ إذا امتَحَنَ الدنيا لبيبٌ تكشَّفَتْ . . . له عن عدوٍّ في ثيابِ صديقِ قال أبو زيد عمر بن شَبَّه : قال سُفيان بن عيينة لرجل من أهل البصرة : أحسن واللّه وأبدع أبو نواس في قوله : يا قمراً أبصرتُ في مأتمٍ . . . يندُبُ شَجْواً بين أتراب تبكي فتلقي الدمع من خاتم . . . وتلطُم الوردَ بعُنَّابِ فإذا أعجب به سفيان في زهده وورعه فما الظن بغيره ؟ وقال علي بن يحيى المنجم : أجمع أهل العلم بالشعر على أن أجود بيت للمحدثين في المدح قول أبي نواس : لقد نزلتَ أبا العباس منزلة . . . ما إن يرى خلفها الأبصارُ مُطَّرَحا وَكلتَ بالدهرِ عيناً غيرَ غافلةٍ . . . بجودِ كفِّك تأسو كلما جُرِحا ومن قلائده السائرة قوله فيه : أنتَ على ما فيك من قدرة . . . فلستَ مثلَ الفضلِ بالواجدِ وليس للَه بمستَنكَرٍ . . . أن يجمعَ العالمَ في واحدِ وقوله : إذا نحن أثنينا عليك بصالِحٍ . . . فأنتَ كما نُثني وفوقَ الذي نُثْني وإنْ جَرَتِ الألفاظُ يوماً بمدحةٍ . . . لغيرِكَ إنساناً فأنت الذي نَعني وسئل أبو نواس عن أجود شعره عنده قال قولي : وذاتِ خذ مورَّدْ . . . فُوهِيّهِ المتجرَّدْ تأملُ العينُ منها . . . محاسنُها ليس تَنفَدْ فبعضُها يتناهى . . . وبعضُها يتولَّدْ والحسنُ من كل شيءٍ . . . منها مُعادٌ مُردَّدْ وكلما عُدْتَ فيها . . . تكون في العَودِ أحْمَدْ ومن أمثاله قوله : لا أذودُ الطيرَ عن شَجَرٍ . . . قد بلوتُ المرّ من ثمرِهْ وقوله : صاحب جدَّا ما فرحتُ به . . . رُبَّ جدِّ جَرَّه لعبُ وقوله : كفى حزناً أن الجوادَ مقتَرٌ . . . عليه ولا معروفَ عند بخيلِ وقوله : أربعة مُذهِبة . . . لكلِّ همٍّ وحزن تحيا بها روحٌ وعي . . . نٌ وفؤادٌ وبدَنْ الماءُ والقهوةُ . . . والبستان والوجهُ الحَسَنْ
سَلْم بن عمرو الخاسِر
أحسن ما قيل في الانزعاج لغضب الملوك والتلطُف والاستجلاب : لقد أتتني عن المهديّ معتبةٌ . . . تظل من خوفِها الأحشاءُ تضطربُ كيف الفِرارُ ولم أبلغ رضا ملكٍ . . . تبدو المنايا بكفَّيه وتحتجبُ إني أعوذُ بخيرِ الناسِ كلِّهم . . . وأنت ذاك بما تأتي وتجتنبُ وأنت كالدهر مبثوثاً حبائلُه . . . والدهر لا مخبأ منه ولا هَرَبُ ولو ملكتُ عِنانَ الريحِ أصرفُه . . . في كل ناحيةٍ ما فاتكَ الطلبُ ومن أمثاله السائرة قوله : من راقبَ الناسَ ماتَ غمّاً . . . وفازَ باللذةِ الجَسورُ لولا مُنى العاشقين ماتوا . . . غَمّاً وبعضُ المنى غُرورُ وقوله : لا تسألِ المرءَ عن خلائِقِهِ . . . في وجهِه شاهدٌ من الخَبَرِ ولما أُنشد الرشيد قصيدته التي يقول فيها : ملكٌ كأنّ الشمسَ فوقَ جبينِه . . . متهللُ الإمساءِ والإصباحِ فإذا نزلتَ ببابه ورُواقِهِ . . . فانزل بسعدِ وارتحل بنجاحِ قال : هكذا فليمدح الملوك ، وأمر له بمائة ألف دينار .
منصور النَّمري
غرة شعره وأمير كلامه وأحسن ما قيل في التأسُّفِ على الشباب قوله من قصيدة في الرشيد أولها : ما تَنْقَضِي حسرةٌ مني ولا جَزَعُ . . . إذا ذكرتُ شباباً ليس يُرتَجعُ ما كنت أوفي شبابي كُنْهِ غرَّته . . . حتى انقضى فإذا الدنيا له تَبَعُ أبكي شباباً سُلبناه وكان وما . . . توفي بقيمتهِ الدنيا وما تَسَعُ يحكى أن الرشيد لما سمع هذين البيتين بكى بكاءً شديداً وقال : لا خير في دنيا لا يحظى فيها بردَّ الشباب ، وبيت هذه القصيدة في المدح : إن المكارمَ والمعروفَ أوديةٌ . . . أحَلَّك الله منها حيثُ تجتمعُ فيحكى أن الرشيد أعطاه مائة ألف درهم على هذا البيت . ومن أمثاله قوله : جعلَ القرآنَ دليلَه وإمامَه . . . لما تخيره القرآنُ إماما ومن أمثاله : أرى شَيْبَ الرجالِ من الغواني . . . بموقِع شيبهنّ من الرجال وقوله : أقللْ عتابَ من استَربتَ بودِّه . . . ليست تُنال مَودَّةٌ بقتالِ وقوله : إنّ المنيَّةَ والفراقَ لواحدٌ . . . أو توأمان تراضعا بلبانِ ومن ملحه الآخذة بمجامع القلوب قوله : ومُجامعٍ لك بالحمى . . . وبه الخَليط نَزولُ أيامُهنَّ قصيرة . . . وسرورُهنَّ طويلُ وسعودُهُنَّ طوالع . . . ونحوسُهُن أُفولُ والمالكيةُ والشَبابُ . . . وقَيْنَةٌ وشَمُولُ
محمد بن بِشْر البَصري
هو ذو غُرر وأمثال فمنها : لولا أُميمةُ لم أجزع من العَدَم . . . ولم أجب في الليالي حِنْدِس الظُّلَم تَهوى بقائي وأهوَى موتها شَفقاً . . . والموتُ أَكْرَمُ نَزّالٍ على الحُرَمِ ومن غرر أمثاله : لا تَيأسَنَّ وإنْ طالتْ مُطالبة . . . إن استربت بصبر أن ترى فَرجا أخلق بني الصَّبر أن يحظَى بحاجته . . . ومُدْمِنِ القَرْع للأبواب أن يَلِجا هَيِّىءْ لرِجْلِكَ قبلَ الوَطءِ مَوضعَها . . . فمَنْ عَلا زَلَقاً عن غِرَّةٍ زَلَجا
العتابي واسمه كلثوم بن عمرو
أحسن وأبلغ ما قيل في التوقي من الترقي ، إلى المعالي وجلائل الأمور ، وطلب السلامة قوله : تَلومُ على تَركِ الغِنى باهليّةٌ . . . طوى الدهرُ عنها كلَّ طِرفٍ وتالدِ رأت حَولها النِّسوانَ يَرفُلْنَ في الحلى . . . مقلدةً أعناقُها بالقلائدِ أَسرَّكِ أني نلت ما نال جعفرٌ . . . من الملكِ أو ما نال يَحيى بنُ خالدِ وأن أمير المؤمِنين أغَصَّني . . . مُغَصَّهما بالمرهِفاتِ البواردِ ذَريني تَجئْني منيتي مطمئِنةً . . . ولم أتجشِّم هلوكَ تلك المواردِ فإنَّ عَلياتِ الأمورِ مَشوبةٌ . . . بِمستودَعَاتٍ في بُطونِ الأساوِدِ ومن أمثاله السائرة قوله : قُلْت لِلْفَرْقَدَيْنِ والليلُ مُلْقٍ . . . سُودَ أَكْنَافِهِ عَلى الآفاقِ إبْقَيَا ما استطعتما سَوْفَ يُرْمَى . . . بين شَخْصَيْكُمَا بِسَهْمِ فراق ومن غرره قوله في الرشيد : فُتَ المدائح إلا أنَّ ألسننا . . . مستنطَقَاتٌ بما تخفي الضمائرُ أشجَع بن عمرو السُّلَمي
أمير كلامه في الرشيد : وعلى عدوِّك يا ابن عَم محمدٍ . . . رَصَدان ضوءُ الصُّبح والإظلامُ فإذا تنّبه رُعْتَه وإذا بدا . . . سَلَّت عليه سيوفَكَ الأحلامُ وكان جعفر بن يحيى يقول : ما مُدحت بأحب إليَّ من عينية أشجع ، يعني قصيدته التي يقول فيها : يريدُ الملوكُ مَدى جَعفَر . . . ولا يَصنعون كما يَصنعُ وكيفَ ينالون غاياتِه . . . وهم يَجمعون ولا يَجمعُ وليسَ بأوسعِهم في الغِنى . . . ولكن مَعْروفه أوسع فما خَلْفَه لامرىءٍ مطلبٌ . . . ولا لامرىء دونَه مَطمعُ بَدِيهَتُهُ مثلُ تدبيرِه . . . إذا أجبتَه فهو مُستجمِعُ ومن غرره قوله في الفضل بن يحيى : انتجعِ الفضلَ أو تخلّ من . . . الدنيا فهاتان مُنتهى الهِممِ
أحمد بن الحجَّاج
كان المطلِب بن عبد الله بن مالك الخزاعي متوفراً عليه مذ قال فيه : ما زرتُ مطّلباً إلا لمطّلَبٍ . . . زيارة بلغتني أوكدَ السببِ أفردتُه برجائي أن تشاركه . . . في الوسائل أو ألقاه بالكُتُبِ فلما مات المطلِب قال فيه : زمني بمطّلبٍ سُقيت زمانا . . . ما كنتَ إلا روضةً وجنانا ما جاء بعدَك كان جودُك فوفَه . . . لم أرض بعدَك كائناً من كانا أصلحتني بالجودِ بل أفسدتني . . . فتركتني أتسخط الإحسانا حرمتَني رزقاً قليلاً فماذا . . . زاد في رزقكَ حِرْمَانا
محمد بن مُناذِر
من عيون أشعار المحدثين في المدح قوله : إذا نزلوا بطحاءَ مَكةَ أشرقَتْ . . . بيحيى وبالفضلِ بن يحيى وجعفرِ فما خُلِقَتْ إلا لجودٍ أكفُّهُم . . . وأقدامُهم إلا لأعوادِ مِنبرِ ومن أمثاله السائرة قوله : يا عَجباً من خالدٍ كيف لا . . . يخطىءُ فينا مرّةً بالصَّوابِ وقوله : رضينا بحكمِ اللّه فينا . . . لنا أدبٌ وللثقفيَّ مالُ
محمد بن عبد اللّه العُتبي
من أمثاله السائرة قوله : ولمّا رأيتُك لا فاسقاً . . . قَويّاً ولا أنت بالزّاهِدِ وقوله : وليس صديقُك بالمتَّقي . . . وليس عدوُّكَ بالحاسد أقمتك في السُّوقِ سوقِ الرقيقِ . . . وناديتُ هل فيكَ مِن زائِدِ فما جاءني رجلٌ واحدٌ . . . يَزيد على درهمٍ واحِدِ فَبعْتُكَ منه بلا شاهدٍ . . . مخافَةَ رَدِّك بالّشاهِدِ وأَبْتُ حميداً إلى منزلي . . . وَحَل البَلاءُ على النّاقِدِ
محمد بن كُناسة
غُرة كلامِه وزُبدة شعره قوله : فيّ انقباضٌ وحشمةٌ فإذا لا . . . قَيْتُ أهلَ الوفاءِ والكرم أرسلتُ نفسي على سَجِيَّتِها . . . وقلتُ وما قلتُ غيرَ محتشِمِ
المؤمِّل بن أميل
أمير شعره ودرة تاجه قوله : إذا مرضنا أتيناكم نعودكم . . . وتذنبون فنأتيكم فنعتذرُ لا تحسبوني غنياً عن مودّتكم . . . إني إليكم وإن أثريتُ مفتقرُ الناسُ شَتّى إذا ما أنت ذُقتَهم . . . لا يستوون كما لا يستوي الشَجَرُ هذا له ثمرٌ حلوٌ مذاقتُه . . . وذا يمرُّ فلا يحلو له ثمرُ وقوله : فلا تلمِ المحبَّ على هواهُ . . . فكلُّ متيمٍ كلِفٌ عميدْ يظنُ حبيبَه حَسَناً جميلاً . . . ولو كان الحبيبُ من القُرودْ
أبو محمد التيمي
من غرر شعره وأمثاله السائرة قوله : إذا كانت السبعون داءَك لم يكن . . . لدائك إلا أنْ تموتَ طبيبُ إذا ما مضى القَرنُ الذي أنت فيهم . . . وخُلِّفتَ في قومٍ فأنت غريبُ وإنَ امرءاً قد سارَ سبعين حِجَّةً . . . إلى مَنْهَل من وِرْدِهِ لَقَريبُ
الضَّحَّاك بن هَمَّام الرّقاشيّ
أنشد دعبل : وأنت امرؤ منا خُلقْتَ لغيرِنا . . . حياتُك لا تُجدي وموتك فاجع وأنت على ما كان منك ابنُ حُرّةٍ . . . أبيٌّ لِما يَرضى به الخَصْم ماتع وكتب الأمير نوح بالبيت الأول متمثلاً إلى أبي علي الصيغاني .
عبد اللّه بن عبيد اللّه المعروف بابن عائشة القرشيّ
: لا ترُعْني بفراقٍ بعدَ ذا . . . أنا راضٍ بدنوٍّ وبصدّ أنتَ كل الناسِ عندي فإذا . . . غبتَ عن عيني لم ألقَ أحدْ
المخيم الراسبي
كان منقطعاً إلى محمد بن يزيد بن زياد فكسب معه ألف ألف درهم فلما مات محمد اتصل بمحمد بن يحيى بن خالد فأساء صحبته فقال : شَتَانَ بين محمدٍ ومحمدٍ . . . حيٌّ أماتَ وميِّتٌ أحياني فصحبتُ حَيّا في عطايا ميتٍ . . . وبقيتُ مشتملاً على الخسران
ابن حكيم
من ملح أمثاله : إذا كنت تدعوني لأدعوك من غدٍ . . . وكيسُك فيّاضٌ وكيسي جازر فهجرُك خيرٌ من وصالِك إنني . . . لكلِّ امرىء يرجو المكافاة هاجرُ ولم يسمع بأحسن منها في بابها .
محمود بن حسن الورَّاق
من أمثاله السائرة قوله : تعصي الإلهَ وأنتَ تُظهرُ حبَّه . . . هذا محالٌ في القياس بديعُ لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعتَه . . . إن المحبَّ لمن أحبًّ مُطيعُ وقوله : فلو كان يستغني عن الشُّكْرِ ماجدٌ . . . لعزّةِ نفس أو علوِّ مكانِ لما أمرَ اللَّهُ العبادَ بشكرِهِ . . . فقال : اشكروا لي أيها الثَّقَلانِ وقوله : إذا كانَ شُكري نعمةَ اللَّهِ نعمةً . . . عليَّ له في مثلِها يجبُ الشكرَ فكيفَ بلوغُ الشّكرِ إلا بفضلِه . . . وإنْ طَالتِ الأيامُ واتَّصَلَ العمرُ ومن قلائده : أتاني عنكَ ما ليس . . . على مكروهِه صَبْرُ فأغضيتَ على عمرٍو . . . وقد يعصى الفتى الحرُ وأدَبتُكَ بالهجرِ . . . فما أدَّبَكَ الهَجرُ ولا ردَّك عما كا . . . ن منك الصفْحُ والبرُّ فلما اضطرني المك . . . روهُ واشتدَّ بيَ الأمرُ تَناولتُك من شري . . . بما ليس له قدرُ فحركتُ جناحَ الذ . . . لِّ لا مَسَّك الضرّ إذا لم يصلحِ الخيرُ . . . امرءاً أصلَحَه الشرُّ ومن أحسن ما يُتمثل به قوله : إنْ كنتَ لم تغنَ بما في يديك . . . صار غِنى الناسِ وَبالاً عليك ورُحْتَ للنعمة مُستصغِراً . . . متَّهِما للَّهِ فيما لَدَيك فاستغْنِ باللَّهِ يعدْ كلَّ من . . . أصبحتَ ترجوه فقيراً إليك
مُحمد بن خازم الباهلي
من غرر شعره في التأسُف على الشباب : لا حينَ صبر فخلِّ الدَّمعَ ينهمر . . . فَقْدُ الشبابِ بيومِ المرءِ متَصِلُ لا تكذبَنْ فما الدْنيا بأجمَعِها . . . من الشبابِ بيومٍ واحدٍ بَدَلُ ومن أمثاله السائرة قوله : وقائلِ كيفَ تهاجرتُما . . . فقلتُ قولاً فيه إنصافُ لم يكُ من شكلي فصارمْتُه . . . والناسُ أشكالٌ وآلافُ ؟
عبد الصَّمد بن المعذَّل
من أحسن ما يتمثل به قوله : تكلِّفُني إذلال نَفسي لعِزها . . . وهان عليها أنْ أُهانَ لتكرَما تقول سلِ المعروفَ يحيى بنَ أكثمٍ . . . فقلتُ سليه ربَّ يحيى بن أكثَم وقوله : أعاذلتي أقصري . . . أبعْ جدّتي بالثمنْ أرى الناسَ أحدوثةً . . . فكوني حديثاً حَسَنْ كأنْ لم يزلْ ما أتى . . . وما قد مضى لم يكن إذا وطنٌ رابَني . . . فكل بلادٍ وطنْ علي بن جَبْلَة
من غرر شعره قوله : إنما الدُّنيا أبو دُلَفٍ . . . بينَ باديه ومحتَضَرِه فإذا ولَّى أبو دُلَفٍ . . . ولَّتِ الدنيا على أثَرِهْ ومن أمثاله السائرة قوله : وأرى الليالي ما طوَتْ من شرفي . . . ردَّتْهُ في عِظتي وفي إفهامي وعلمتُ أن المرءَ من سَنَنِ الرَّدى . . . حيث الرَّمِيةُ من سِهام الرَّامي
محمد بن أبي زُرْعَة الدِّمَشْقي
من غرر شعره قوله في الهزِّ والإذكار . لا ملومَ مُستقصرٌ في البِر . . . ولكنْ مستعطِفٌ مُستزادُ قد يهزُّ الحُسامَ وهو حُسامٌ . . . ويحثُّ الجوادَ وهو جوادُ وقوله : لا يؤنسنْكَ أن تراني ضاحكاً . . . كم ضحكةٍ فيها عبوسٌ كامنُ
الحمدوني
واسمه إبراهيم ، ومن غرر شعره قوله في الطيلسان : يا ابن حربٍ كسوتَني طَيلساناً . . . ملَّ من صحبةِ الزمانِ وصدّا طالَ ترداده إلى الرَّفو حتى . . . لو بَعثناه وحدَه لتهَدَّى وقوله في حِرفة الأدب ، وهو من الأمثال السائرة : ما ازددتُ من أبي حَرفاً أُسرُّ به . . . إلا تزايدْتُ حرفاً تحتَه شُومُ إن المقدَّم في الدنيا بصنعتِه . . . أنَى توجَّه منها فهو محْرومُ ومن أمثاله السائرة قوله : إذا ما اتقيتُ على قُرحةٍ . . . وكل بلاءٍ بها مولَعُ
محمد بن وهيب الحِميري
غرة شعره وأمير كلامه قوله : وإني لأرجو اللَهَ حتى كأنني . . . أرى بجميلِ الظنِّ ما اللَّهُ صانعُ ومن أمثاله السائرة قولُه في وصفِ الدنيا : وقد ذمت الدنيا إليّ صُرُوفَها . . . وخاطَبَني إعجامُها وهو معربُ ولكنني منها خُلِقْتُ لغيرِها . . . وما كنتُ منه فهو شيءٌ محبَّبُ
إسحاق الموصلي
من غرر قوله : طَرِبتَ إلى الأُصَيْبِيَةِ الصِّغَارِ . . . وهاجَ لي الهوى قربَ المزارِ وكل مسافرٍ يزداد شوقاً . . . إذا دَنَتٍ الديارُ من الدِّيارِ وقوله : إنَّ ما قل مِنكَ يكثرُ عندي . . . وكثيرٌ من الحبيبِ القليلُ دعبل بن علي الخُزاعي
أحسنُ بيتٍ له قوله : لا تَعجَبي يا سلم من رجلٍ . . . ضحِكَ المشيبُ برأسِه فبكى ومن غرر شعره قوله : سأقضي ببيتٍ يحمَدُ الناسُ أمرَهُ . . . ويكثرُ من أهلِ الروايةِ حامِلُة يموتُ رَديءُ الشَعرِ من قبلِ أهلِهِ . . . وجيدُه يبقى وإنْ ماتَ قائلُهْ وقوله : ألم تَراني مذ ثمانون حِجَّةً . . . أروحُ وأغدو دائمَ الحَسَراتِ أرى فيأَهم في غيرهم مُتقسَّماً . . . وأيديهم من فيئِهم صَفِراتِ بناتُ زيادٍ في الخُرود مَصُونَةٌ . . . وبنتُ رسولِ اللَّهِ في الفَلَواتِ وآَلُ رسولِ اللَه نُحْفٌ جُسُومُهم . . . وإلىُ زيادٍ غُلَّظُ القَصَراتِ ومن أعجبِ أمثالِهِ : ما أعجبَ الدهرَ في تصرُّفِه . . . والدَّهرُ لا تَنْقَضي عجائِبُهُ فكم رأينا في الدهرِ من أسَدٍ . . . بالَتْ على رأسِهِ ثعالبُهُ وقوله أيضاً : ليس لبسُ الطيالسِ . . . من لباس الفوارسْ لا ولا حَومةُ الوغى . . . كصدورِ المَجالس وظهورُ الجياد غيرُ . . . ظهورِ الطنافِس ليس من مارسَ الحروبَ . . . كمن لم يمارسْ ؟
أبو العَمَيْثَل
من أمثاله قوله : سأتركُ هذا البابَ ما دامَ إذنُه . . . على ما أرى حتى يلينَ قليلا
أحمد بن يوسف
أحسن ما قيل في الإهداء إلى الكبار قوله : على العبدِ حقٌ فهو لا بدَّ فاعِلُهْ . . . وإن عظُمَ المولى وجلّتْ رسائلُهْ ألم ترَنَا نُهدي إلى اللَهِ مالهُ . . . وإنْ كان عنه ذا غِنًى فهو قابلُة
الحَسَن بن وَهَب
أحسن ما قيل في منع المطر من خدمة الرؤساء قوله : يوجبُ العُذْرَ في تراخي اللقاءِ . . . ما تَوالَى من هذهِ الأنواءِ لسَتُّ أدري ماذا أذمُّ وأشكو . . . من سماء تعوقني عن سماءِ غيرَ أني أدعو على تلك بالصحوِ . . . وأدعو لهذهِ بالبقاءِ
سعيد بن حميد
من غرر شعره قوله : أذكر أبا جعفرٍ حقّاً أمُتُّ به . . . أني وإياكَ مشغوفان بالأدبِ وأننا قد رَضِعنا الكأسَ دِرَّتَها . . . والكأسُ دِرَّتُها خَطّ من النَّسَب وقوله : فأصبحتُ كالدنيا تُذَمُ صُروفُها . . . ونُوسِعُها سبّاً ونحنُ عًبيدُها
إبراهيم بن المهدي
من قلائده قولُه للمأمون معتذراً : ما إن عصيتُك والغواةُ تُمدني . . . أسبابُها إلا بنيَّةِ طائعِ فعفوتَ عمَّن لم يكن عن مثلِه . . . عفوٌ ولم يشفعْ إليكَ بشافعِ ورحمتَ أطفالاً كأفراخِ القَطا . . . وحنينَ والِهةٍ كقوسِ النازعِ وهذا البيت من التشبيهات النادرة وذلك أنه شبَّه والدته الوالهة في انحنائها ورنينِها بقوسِ النازع . وقوله في صَلْب بابَك الخُرَّميّ : كأنكَ شِلْوُ كَبشٍ والفضاءُ لهُ . . . تَنُّورُ شاويةٍ والجِذعُ سَفُّودُ ومن نوادره في الإنكار على من يصف حبيبه : ولستُ بواصف أبداً حبيباً . . . أُعرّضُه لأهواءِ الرِّجالِ وما بالي أُشوّق عينَ غيري . . . إليه ودونهُ سترُ الحِجالِ كأني آمَنُ الشركاءَ فيه . . . وآمنُ فيه أحداثَ الليالي
يزيد بن محمد المهلَّبي
من غُرر قوله : وإلفٍ لنا كنّا زَماناً نصاحبُهْ . . . تأمر فاعتاصَت علينا مطالبُهْ إذا ما فُقدنا عنه لم يجرِ ذكرُنا . . . وإن نحن حيناً صدَّنا عنه حاجبه ومن ذا الذي تُرضى سَجاياه كلُّها . . . كفى المرءَ نُبلاً أن تُعَدّ معائبُهْ وقوله : أنّى لرجالٍ إذا الهَمُّ بَرَكْ . . . رَحب الجنانِ عند ضيقِ المعتَرَكْ عُسْري على نَفسي ويُسري مشتركْ . . . لا تُهلِك النفسَ على شيء هَلَكْ فليس في الهمِّ لِما فاتَ دَرَكْ . . . لا تُنكِرَنْ ضَراعتي لا أمَّ لك رُبَّ زمانٍ ذُلُه أرفَقُ لك . . . لا عارَ إنْ ضامَكَ دهرٌ أو ملك ؟
عبد السلام بن رَغْبان
المعروف بديك الجن ، من قلائده الفاخرة قوله من قصيدة : أبا عثمان معتبةَ وضَنّاً . . . وشافي النُّصح يُعدَلُ بالأشافي إذا شَجَرُ المودَّةِ لم تَجِدْهُ . . . سماءُ البِرِّ أسرعَ في الجَفَافِ
ابنُ الرومي
واسمه علي بن العباس بن جُريج من وسائط قلائده قولُه : لِما تؤذنُ الدنيا به من صروفها . . . يكونُ بكاءُ الطفلِ ساعةَ يولَدُ وإلا فما يُبكيه منها وإنها . . . لا يفسَحُ مما كان فيه وأرغَدُ إذا أبصرَ الدنيا استهل كأنه . . . بما سوفَ يلقى من أَذاها يُهدَّدُ وقوله : إن للَّهِ غيرَ مَرعاك مرعىً . . . نرتعيه وغيرَ مائكَ ماء إنَّ للَهِ بالبريّةِ لُطفاً . . . سَبَقَ الأمهاتِ والآباء وقوله : يا أخي أين رَبعُ ذاكَ الإخاءِ . . . أينَ ما كانَ بيننا من صفاءِ أنتَ عيني وليس من حق عيني . . . غَضُّ أجفانِها على الأقذاءِ وقوله : عدوُّكَ من صديقكَ مُستفادٌ . . . فلا تَستكثِرَنَّ من الصِّحابِ فإن الداءَ أكثرَ ما تراه . . . يحولُ من الطَّعامِ أو الشَّرابِ وقوله : أيها المنصِفُ إلاّ رجلاً . . . واحداً أصبحتَ ممّن ظَلَمَهْ كيف تَرضى الفقير عِرساً لامرىءٍ . . . هو لا يرضى لكُ الدُّنيا أَمَهْ وقوله : ألا إن بالأبصارِ عن عِبرةٍ عمًى . . . ألا إن بالأسماع عن عِظةٍ صمَمْ يجدُّ لنا هذا الزمانُ شقاوةً . . . ويرتعُ في أكلائِه مَرتعَ الغنمْ
عبد اللّه بن المعتَز
من غُرر أوصافه في الخمر والمزاج قوله : فأمطرَ الكأسَ ماءً من أبارقِه . . . فأنبتَ الدُّرَّ في أرضٍ من الذَّهبِ وسبَّحَ القومُ لما أنْ رأَوا عَجَباً . . . نُوراً من الماءِ في نارٍ من العِنَبِ وقوله : وخَمَّارةٍ من بناتِ اليهودِ . . . ترى الزِّقَّ في بيتها شائلا وزنَّا لها ذَهَباً جامِداً . . . فكالَتْ لنا ذَهَباً سائلا وقوله في الغزل : ظَبيٌ يتيهُ بحُسنِ صُورتِهِ . . . عَبثَ الدلال بلَحْظِ مقلَتِه وكأنَّ عَقْربَ صُدغِهِ احترقتْ . . . لمّا دَنَت من نارِ وجنتِه وقوله : لي مولى لا أُسمِّيهِ . . . كلُّ شيءٍ حَسَنٌ فيهِ تصفُ الأغصانُ قامتَهُ . . . تثني كتثنِّيهِ ويكادُ البدرُ يشبهه . . . وتكادُ الشمسُ تحكيهِ كيف لا يخضَرُّ عارضُه . . . ومياهُ الحُسْنِ تسقيهِ وقوله في الربيع : اسقني الراحَ في غداةِ النهارِ . . . وانفِ عني بالخندَريس العقار ما ترى نِعمةَ السماءِ على الأرضِ . . . وشكْرَ الرياضِ للأمطارِ وغناءَ الطيورِ كلَّ صباحِ . . . وانفتاق الأنوارِ بالأشجارِ وكأن الربيع يجلي عروساً . . . وكأنا من قَطْرِه في نِثارِ ومن أمثاله : وكم نعمةٍ للَهِ في طَي نقمةٍ . . . تُرخى ومكروهٍ حَلا بعدَ إمرارِ وما كلُّ ما تَهوى النفوسُ بنافعٍ . . . وما كلُّ ما تخشى النفوسُ بضرّارِ وقوله : إن مفتاحَ الذي تطلبه . . . بيدِ الرزّاقِ فاصبر واتكِلْ فرع . . . . . . .
عبد اللّه بن عبد الله بن طاهر
من غرر شعره وطرفه قوله : سقتْني بليلٍ شبيهٍ بشعرِها . . . شبيهةَ خدَّيْها بغيرِ رقيب فما زلتُ في ليلين شَعرٍ ومن دُجى . . . وشمسين من راحٍ ووجهِ حبيبِ وقوله : عيدّ بنا إنّ هذا اليوم تعييدي . . . واشربْ على الأخوين الناي والعودِ راحاً تسوغُ فتجري من لطافَتِها . . . في باطنِ الجسمِ جَرْيَ الماء في العُودِ وقوله في الحكمة : ألم تر أنّ الدهرَ يهدمُ ما بنى . . . ويأخذُ ما أعطى ويفسدُ ما أسدى فمن سَرَّه أن لا يرى ما يسوؤه . . . فلا يتخذْ شيئاً يخافُ له فَقدا وقوله في الإخوانيات : يقولون آفات وشتى مصائب . . . فقلت اسمعوا قولاً عليه عيارُ إذا سلمتْ للمرءِ في الناسِ نفسُه . . . وإخوانه فالحادثاتُ جُبارُ وقوله في قوة الوسيلة : إني أمُت إلى الذي وُدِّي له . . . بجميعِ ما عقدَ الحقوقَ وأكَّدا إني لأشكرُ أمسَه ووليُّه . . . في يومِه ومؤمِّلٌ منه غدا
أبو عثمان الناجم
أحسن شعره في وصفه السَّماع قوله : شَدْوٌ ألذُ من ابتدا . . . ء العين في إغفائِها أحلى وأشهى من مُنى . . . نَفْسي وصِدْقِ رجائِها وقوله في عاتب قَينة لأبي يحيى بن طرحان : أحيا أبا يحيى الإلهُ فإنه . . . بسماعنا من عاتب يُحيينا طفقتْ تغنِّينا فخِلنا أنها . . . لسرورِنا بغنائِها تُغنينا وقوله فيها : تأتي أغاني عاتبٍ . . . أبداً بأفراحِ النفوسِ تشدو فترقصُ بالرؤوسِ . . . لها ونزمرُ بالكؤوسِ
أبو حامد أحمد بن محمد
من غرر شعره قوله : فإذا جَفاني باخلٌ . . . لم أستخِرْ ما عِشْتُ قَطعَهْ وتركتُه مثلَ القبورِ . . . أزورُها في كلِّ جُمعَهْ وقوله : لي صديق يحب قولي وشَدْوي . . . وله عند ذاكَ وجهٌ صَفيقْ كلما قلتُ ، قال : أحسنتَ زِدني . . . وبأحسنت لا يَباعَ الدَّقيق وقوله : وعِصابةٍ عزموا الصَّبوحَ بسَحْرةٍ . . . بعثوا إليَّ مع الصّباحِ خُصوصا قالوا : اقترحْ لوناً نُجيدُ طبيخَه . . . قلت : اطبخوا لي جُبّةً وقَميصا
أبو الفتح كُشَاجِم
من وسائط قلائده في الشَيب : تفكَرتُ في شَيْبِ الفتى وشبابِه . . . فأيقنتُ أن الحق للشيبِ واجبُ يصاحبني شَرْخُ الشبابِ فينقضي . . . وشيبي إلى حينِ المماتِ مُصاحبُ وله في خادم اسمه كافور : أكافورُ قُبّحتَ من خادمٍ . . . ولاقتكَ مُسرعة جائِحَهْ حَكَيْتَ سميَّكَ في بُردِه . . . وأخطأَكَ اللونُ والرائِحَهْ وقوله في المدح : يا كاملَ الآدابِ منفردَ العُلى . . . والمكرُماتِ ويا كثيرَ الحاسدِ شخصَ الأنامُ إلى جمالِكَ فاستعذْ . . . من شَر أُعينِهم بعيبٍ واحدِ وقوله في كاتب : وإذا نمنَمتْ بنانَكَ خَطّاً . . . مُعرِباً عن بلاغةٍ وسَدادِ عجِبَ الناسُ من بياضِ معانِ . . . تُجتَنى من سوادِ ذاكَ المِداد وسمعت أبا بكر الخوارزمي يقول : أنا أحفظ في هجاءِ المغنين ألفَ بيت ليس فيها أملح وأبدع من قول كُشاجم : ومغنّ باردِ النَّغم . . . ةِ مُختلَ اليدين ما رآهُ أحدٌ في . . . دارِ قومٍ مرتين
أبو نَصر الخُبزأُرْزي
أمير شعره قوله : خليليَّ هل أبصرْتُما أو سمعتُما . . . بأكرمَ من مَولى تمشَى إلى عبدِ أتى زائراً من غيرِ وعْدٍ وقال لي : . . . أصونُك عن تعليقِ قلبِك بالوعْدِ
أبو بكر الصنوبري
أحسن شعره في الربيع قوله : إن كان في الصيفِ رَيْحان وفاكههٌ . . . فالأرضُ مستوقَدٌ والجوُّ تنُّورُ وإنْ يكن في الخريفِ النخلُ مختَرفاً . . . فالأرض عَريانة والجوُّ مقرورُ وإنْ يكن في الشتاءِ الثلجُ متصِلاً . . . فالأرضُ محصورةٌ والجوُّ مأسورُ ما الدهرُ إلا الربيعُ المستنيرُ إذا . . . جاءَ الربِيعُ أتاكَ النَّوْرُ والنُّورُ فالأرضُ ياقوتةٌ والجوُّ لؤلؤةٌ . . . والنَبْتُ فيروزَجٌ والماءُ بَلُورُ تباركَ الله ما أحلى الربيعَ فلا . . . يغرر فقايسه بالصَّيفِ مغرورُ من شمَّ طِيب جَنيّاتِ الربيعِ يقلْ . . . لا المسكُ مسكٌ ولا الكافورُ كافورُ
أبو فراس الحمداني
من غرة شعره قوله لصديق له : لم أؤاخذْك بالجفاءِ لأنّي . . . واثقٌ منك بالودادِ الصَّحيحِ فجميلُ العدوَّ غيرُ جَميلٍ . . . وقبيحُ الصديقٍ غير قبيحِ وقوله : المرءُ نصبُ مصائبٍ ما تنقضي . . . حتى يوارَى جسمُه في رمْسِهِ فمؤجَلٌ يلقى الردى في أهلِه . . . ومعجَّلٌ يلقى الرَّدَى في نفسه وكتب من الأسر إلى صديق له : ارثِ لصبِّ بكَ قد زِدْتَهُ . . . على برايا أسرهِ أسْرا فهو أسيرُ الجسمِ في بَلدةٍ . . . وهو أسير الروحِ في أُخرى ومن أمثاله السائرة قوله : إذا كانَ غيرُ الله للمرءِ عُدَّة . . . أتَتْه الرَّزايا من وجوه الفوائدِ فقد جَرّتِ الحَنفاءُ حَتْفَ حُذيفَةٍ . . . وكان يراها عُدَّةً للشدائدِ
أبو الطيب المتنبي
صدر العصرين ، ومن ليس كوسائط قلائده ، وأبيات قصائده ، شعر لمن قبله ولا بعده ، فمنها قوله لسيف الدولة : كل يومٍ لك ارتحالٌ جَديدٌ . . . ومسيرٌ للمجدِ فيه مُقامُ وإذا كانت النفوسُ كباراً . . . تَعبتْ في مرادِها الأجسامُ وقوله : رأيتُك في الذيِن أرى ملوكاً . . . كأنّك مستقيم في مُحالِ فإن تَفُقِ الأنامَ وأنتَ مِنهم . . . فإن المسكَ بعضُ دمِ الغزالِ وقوله في عيادته : يُجمِّشُكَ الزمانُ هوىً وحبّاً . . . وقد يُوْذى منَ المِقَةِ الحبيبُ وكيف تُعِلُكَ الدنيا بشيءٍ . . . وأنت لِعِلةِ الدنيا طبيبُ وقوله في غيره : قد شرَّف اللَّهُ أرضاً أنتَ ساكنها . . . وشرَّفَ الناسَ إذ سوّاك إنسانا وقوله : نَهَبْتَ من الأعمارِ ما لو حويتَهُ . . . لهُنيتِ الدُّنيا بأنكَ خالدُ وقوله : فإن يكُ سيارُ بن مُكرَمٍ انقضى . . . فإنَّك ماءُ الورْدِ إن ذَهَبَ الوردُ ومن نكَدِ الدنيا على الحُرِّ أن يرى . . . عَدواً له ما من صداقتِه بُدُّ وقوله : أتى الزمانَ بنوه في شَبِيبَتهِ . . . فسرَّهم وأتيناهُ على الهرَمِ وقوله : ذِكرُ الفتى عُمره الثاني وحاجتهُ . . . ما فاتَه وفُضُولُ العيشِ أشْغالُ إنا لفي زَمَ ني ترْكُ القبيحِ بِهِ . . . من أكثرِ الناسِ إحسانٌ وإجمالُ وقوله : ذُكرَ الأنامُ لنا فكان قصيدةً . . . كنتَ البديعَ الفردَ من أبياتها وقوله : إنما تنجحُ المقالةُ في المرءِ . . . إذا صادَفَتْ هوَى في الفؤادِ أبو الفَرَج البَبَغَّا
أوَليسَ من إحدى العجائب أنني . . . فارقتُه وحييتُ بعد فراقِهِ يا مَن يحاكي البدرَ عند تمامِه . . . ارحمْ فتًى يحكيهِ عنه محاقِهِ وقوله في غلام غازٍ : يا غازياً أتتِ الأحزانُ غازيةً . . . إلى فؤاديَ والأحشاءِ حين غزا إن بارزتْكَ كُماةُ الرومِ فارمِهم . . . بسَهمِ عينيكَ تقتُل من برزا
أبو العشائر الحمداني
أمير شعره قوله : للعبدِ مسألةٌ لديك جوابُها . . . إن كنتَ تذكُرُه فهذا وقتُه ما بالُ ريقكَ ليس مِلحاً طعمهُ . . . ويَزِيدُ في ظَمئِي إذا ما ذُقتُه
أبو الفَرَج الوأواءِ الدمشقي
أمير شعره في الغزل : وأمطرَتْ لؤلؤاً من نرجسٍ وسَقَتْ . . . ورْداً وعضَّت على العُنَّابِ بالبَرَدِ وقوله في المدح : مَنْ قاسَ جدواكَ بالغَمامِ . . . فما أنصفَ بالحُكمِ بين شكلين أنتَ إذا جُدتَ ضاحكاً أبداً . . . وهو إذا جادَ باكيَ العين أبو عمارة النحوي
أحسن وأبلغ ما قيل في وصف ثقيل قوله : ثقيلٌ براهُ اللَّهُ أثقَلَ من بَرَى . . . ففي كلِّ قلبٍ بغضَةٌ منه كامِنَهْ مشى فَدَعا من ثقلِه الحوتُ رَبَّه . . . وقال : إلهي زيدت الأرضُ ثامنَهْ
المُعز معدّ صاحب مصر
أحسن ما سمعت له قوله في العِذار : ما بانَ عُذري فيه حتى عَذرا . . . ومشى الدُّجى في خدِّه وتَبخترا همَّت تقبله عقاربُ صدغِهِ . . . فاستل ناظره عليها خنْجَرا
السَّريّ الرَّفَّاء الموصلي
غرة شعره في الغزل قوله : بنفسي مَنْ أجودُ له بنفسي . . . ويبخَلُ بالتحيَّةِ والسلامِ وحَتْفي كامِن في مقلتيهِ . . . كُمُونَ الموتِ في حدِّ الحُسامِ وقوله في وصف البرد : يوم خلعتُ به عِذاري . . . فعرِيتُ من حللِ الوقارِ وضحكتُ فيه إلى الصِّبا . . . والشَيبُ يضحك في عذاري متلوِّنٌ يبدي لنا . . . ظرفاً بأطرافِ النهارِ ومن عجائب إحسانه قوله في الحلاّق : له راحة مسًّها راحةٌ . . . تمر على الرأس مرَّ النسيمِ إذا لمعَ البرقُ في كفِّه . . . أفاضَ على الرأسِ ماءَ النعيمِ