كتاب : عيون الأخبار
المؤلف : ابن قتيبة الدينوري

وقال بعضهم: إن أحب إخواني إليّ، من كثرت أياديه عليّ.
شعر لرجل في أخٍ له وقال رجل في أخٍ له:
وكنت إذا الشدائد أرهقتني ... يقوم لها وأقعد لا أقوم
وقال آخر:
أخٌ طالما سرّني ذكره ... فأصبحت أشجى لدى ذكره
وقد كنت أغدو إلى قصره ... فأصبحت أغدو إلى قبره
وكنت أراني غنيّاً به ... عن الناس لو مدّ في عمره
إذا جئته طالباً حاجةً ... فأمري يجوز على أمره
أعرابي يصف رجلاً وصف أعرابي رجلاً قال: كان واللّه يتحسّى مرار الإخوان ويسقيهم عذبه.
وقال أعرابي:
أخٌ لك ما تراه الدّهر إلا ... على العلاّت بسّاماً جوادا
سألناه الجزيل فما تلكّا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا
فأحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا
مراراً لا أعود إليه إلاّ ... تبسّم ضاحكاً وثنى الوسادا
المودّة بالتّشاكل
لعبد اللّه بن عباس بلغني عن ابن عيينة أته قال: قال ابن عباس: القرابة تقطع والمعروف يكفر، ولم ير كتقارب القلوب.
بين العرجيّ ورجل قال رجل للعرجيّ: جئتك أخطب إليك مودّتك. فقال: لا حاجة بك إلى الخطبة، قد جاءتك زناً فهو ألذّ وأحلى.
شعر للكميت بن معروف، وللطائي وقال الكميت بن معروف:
ما أنا بالنّكس الدّنئ ولا الذي ... إذا صدّ عنه ذو المودّة يقرب
ولكنه إن دام دمت وإن يكن ... له مذهبٌ عني فلي عنه مذهب
ألا إنّ خير الودّ ودّ تطوّعت ... به النفس لا ودّ أتى وهو متعبٌ
وقال الطائي:
ذو الودّ وذو القربى بمنزلةٍ ... وإخواتي أسوةٌ عندي وإخواني
عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرّقوا في الأرض جيراني
أرواحنا في مكانٍ واحدٍ وغدت ... أبداننا بشآمٍ أو خراسان
شعر عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لعمر بن عبد العزيز وقال عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لعمر بن عبد العزيز:
ابن لي فكن مثلي أو ابتغ صاحباً ... كمثلك إني مبتغٍ صاحباً مثلي
عزيزٌ إخائي، لا ينال مودّتي ... من القوم إلا مسلمٌ كاملٌ العقل
وما يلبث الإخوان أن يتفرّقوا ... إذا لم يؤلّف روح شكل إلى شكل
وقال الطائي:
ولن تنظم العقد الكعاب لزينةٍ ... كما ينظم الشمل الشتيت الشمائل
كتاب كاتب لصديق له كتب بعض الكتّاب إلى صديق له: إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمودٍ على الانقياد لك بغير زمامٍ، لأن النفس يتبع بعضها بعضاً.
أبو الدرداء لسلمان قال: حدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا يزيد بن خلف عن يعقوب بن كعب عن بقيّة عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي عبيدٍ قال: كتب أبو الدّرداء إلى سلمان: إن تكن الدار من الدار بعيدةً فإنّ الرّوح من الرّوح قريبٌ، وطير السماء على إلفه من الأرض يقع.
شعر لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية:
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه
وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه
وللشكل على الشكل ... مقاييسٌ وأشباه
وفي العين غنيً للعي ... ن أن تنطق أفواه
للمساحقي وقال المساحقي:
يزهّدني في ودّك ابن مساحق ... مودّتك الأرذال دون ذوي الفضل
وأنّ شرار الناس سادوا خيارهم ... زمانك، إنّ الرّذل للزّمن الرّذل
باب المحبةللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المحبة قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد عن حبيب بن عبيد عن المقدام بن معد يكرب، وكان أدرك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " إذا أحبّ أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبّه " لمجاهد

وحدّثني محمد بن داود عن أبي الرّبيع عن حمّاد بن زيد عن ليث عن مجاهد قال: ثلاثٌ يصفين لك ودّ أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه. وثلاثٌ من العيّ: أن تعيب على الناس ما تأتي، وأن ترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك.
وكان يقال: لا يكن حبّك كلفاً ولا بغضك تلفاً. أي لا تسرف في حبك وبغضك.
للحسن في الإعتدال في الحب ونحوه قول الحسن: أحبّوا هوناً فإنّ أقواماً في حبّ قوم فهلكوا.
وكان يقال: من وجد دون أخيه ستراً فلا يهتكه.
شعر لعمر بن أبي ربيعة وقال عمر بن أبي ربيعة:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً فارغاً فتمكّنا
بين عمر بن الخطاب وطليحة الأسدي قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لطليحة الأسديّ: قتلت عكّاشة بن محصنٍ! لا يحبّك قلبي! قال: فمعاشرةً جميلةً يا أمير المؤمنين، فإنّ الناس يتعاشرون على البغضاء.
كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: الشوق إليك وإلى عهد أيامك - التي حسنت بك كأنها أعيادٌ، وفصرت بك حتى كأنها ساعات - يفوت الصفات؛ ومما جدّد الشوق وكثّر دواعيه تصاقب الدار، وقرب الجوار؛ تمم اللّه لنا النعمة المتجدّدة فيك بالنظر إلى الغرّة المباركة التي لا وحشة معها ولا أنس بعدها.
للحسن قال الحسن: المؤمن لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحبّ.
في بعض الكتب في شفاعة المحبة وقرأت في بعض الكتب: إنه ليبلغ من حس شفاعة المحبة أنّ الحبيب يسيء فيظنّ به الغلط ويذنب فيحتجّ له بالدّالّة، وذنبه لا يحتمل التأويل ولا مخرج له في جواز العقول. وفيه: كلّ ذنبٍ إذا شئت أن تنساه نسيته وإن شئت أن تذكره ذكرته، فليس بمخوفٍ. وليس الصغير من الذنب ما صغّره الحبّ، وإنما الصغير ما صغّره العدل. وليس الذنب إلا ما " لا " يصلح معه القلب ولا يزال حاضراً الدهر، وإلا ما كان من نتاج الؤم ومن نصيب المعاندة، فأما ما كان من غير ذلك فإنّ الغفران يتغمّده والحرمة تشفع فيه.
من كتاب رجل إلى صديق له، وشعر معقل لمخارق وكتب رجل إلى صديق له في فصل من كتاب: لساني رطب بذكرك، ومكانك من قلبي معمورٌ بمحبّتك. ونحوه قول معقل أخي أبي دلف لمخارقٍ :
لعمري لئن قرّت بقربك أعينٌ ... لقد سخنت بالبين منك عيونٌ
فسر وأقم وقفٌ عليك مّودتي ... مكانك من قلبي عليك مصونٌ
بين شبيب بن شيبة ورجل ذكر أنه يحبه وقال رجل لشبيب بن شيبة: واللّه أحبّك، قال: وما يمنعك من ذلك وما أنت لي بجارٍ ولا أخٍ ولا قرابة! يريد أن الحسد موكّلٌ بالأدنى فالأدنى.
مثله بين شهر بن حوشب ورجل قال رجل لشهر بن حوشبٍ: إني لأحبّك. قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب اللّه ووزيرك على دين اللّه ومؤونتي على غيرك! شعر لبشار، ولغيره قال بشارٌ:
هل تعلمين وراء الحبّ مزلةً ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني
وقال غيره:
أحبّك حبّين لي واحدٌ ... وحبّ لأنك أهلٌ لذاكا
فأمّا الذي أنت أهلٌ له ... فحسنٌ فضلت به من سواكا
وأما الذي في ضمير الحشا ... فلست أرى الحسن حتى أراكا
وليسلي المنّ في واحدٍ ... ولكن لك المنّ في ذا وذاكا
وقال المسيّب بن علسٍ:
وعين السّخط تبصر كلّ عيبٍ ... وعين أخي الرّضا عن ذاك تعمي
لعبد اللّه بن معاوية ونحوه لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:
فلست براءٍ ذي الودّ كلّه ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
وعين الرّضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ ... ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا
بين بعض الخلفاء ورجل وقال بعض الخلفاء لرجل: إني لأبغضك. قال: يا أمير المؤمنين، إنما يجزع من فقد الحبّ المرأة، ولكن عدلٌ وإنصافٌ.
لشريح وقال شريحٌ:
خذي العفو منّي تستديمي موّدتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحبّ في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب
لأعرابي في التشاكل وقال أعرابيّ: إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع، ولا يظهر الودّ السليم إلا من القلب المستقيم.

وقال آخر: من جمع لك مع المودّة الصادقة رأياً حازماً، فاجمع له مع المحبة الخلصة طاعةً لازمةً.
للخليل بن أحمد قال اليزيديّ: رأيت الخليل بن أحمد فوجدته قاعداً على طنفسةٍ، فأوسع لي فكرهت التضييق عليه؛ فقال: إنه لا يضيق سمّ الخياط على متحابّين ولا تسع الدنيا متباغضين.
مدح أبو زبيد للوليد بن عقبة وقال أبو زبيد للوليد بن عقبة:
من يخنك الصفاء أو يتبدّل ... أو يزل مثلما تزول الظلال
فاعلمن أنني أخوك أخو العه ... د حياتي حتى تزول الجبال
ليس بخلٌ عليك منّي بمالٍ ... أبداً ما استقلّ سيفاً حمالٌ
فلك النصر باللسان وبالكفّ ... إذا كان لليدين مصال
كلّ شيءٍ يحتال فيه الرجال ... غير أن ليس للمنايا احتيال
شعر للمنخل اليشكري وقال للمنخّل اليشكري:
وأحبّها وتحبّني ... ويحبّ ناقتها بعيري
لأعرابي يذكر رجلاً وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: واللّه لكأنّ القلوب والألسن ريضت له، فما تعقد إلا على ودّه، ولا تنطق إلا بحمده.
لعبد اللّه بن الزبير قال عبد اللّه بن الزّبير ذات يوم: وللّه لوودت أنّ لي بكلّ عشرةٍ من أهل العراق رجلاً من أهل الشأم صرف الدينار بالدرهم. فقال أبو حاضرٍ: مثلنا ومثلك كما قال الأعشي:
علّقتها عرضاً وعلّقت رجلاً ... غيري وعلّق أخرى غيرها الرجل
أحبّك أهل العراق وأحببت أهل الشّأم وأحبّ أهل الشأم عبد الملك بن مروان.
بين عمر وأبي مريم السّلولي وقال عمر لأبي مريم السّلولي: واللّه لا أحبّك حتى تحبّ الأرض الدّم. قال: فتمنعني لذلك حقّاً؟ قال: لا.قال: فلا ضير.
أيضاً بين عمر ورجل همّ بطلاق امرأته وقال عمر أيضاً لرجل همّ بطلاق امرأته: لم تطلقها؟ قال: لا أحبّها. قال: أوكل البيوت بنيت على الحب وأين الرعاية والتذّمم شعر لأعرابي في الحب قال أعرابي:
أحبّك حبّاً لو بليت ببعضه ... أصابك من وجدٍ عليّ جنون
لطيفٌ مع الأحشاء أما نهاره ... فسبتٌ وأما ليله فأنين
كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: اللّه يعلم أنني أحبّك لنفسك فوق محبّتي إياك لنفسي، ولو أني خيرت بين أمرين: أحدهما لي وعليك والآخر لك وعليّ، لآثرت المروءة وحسن الأحدوثة بإيثار حظّك على حظّي؛ وإني أحبّ وأبغض لك، وأوالي وأعادي فيك.
لبعضهم وقال بعضهم: هوّن فقد يفرط الحبّ فيقتل ويفرط الغمّ فيقتل ويفرط السّرور فيقتل؛ وينفتح القلب للسرور، ويضيق وينضمّ للحزن والحبّ.
أقوال في العشق وقالوا: العشق اسم لما فضل عن المحبة وقال بعضهم: العشق مرض قلبٍ ضعف.
وقال بعض الشعراء:
فتمّ على معشوقةٍ لا يزيدها ... إليه بلاء السّوء إلا تحبّبا
ما يجب للصديق على صديقهللنبي صلى اللّه عليه وسلم فيما يجب للمسلم على أخيه المسلم حدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن ابن اسحاق عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " للمسلم على المسلم خصالٌ ستٌ: يسّلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشتمّه إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويحضر جنازته إذا مات، ويحبّ له ما يحبّ لنفسه " قال: حدثني شبابة قال: حدثنا القاسم بن الحاكم عن إسماعيل بن عيّاشٍ عن هشامٍ بن عروةٍ عن أبيه عن عائشةٍ رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، إن كان مظلوماً فخذ له بحقه، وإن كان ظالماً فخذ له من نفسه " لمعاذ بن جبل وحدثني القومسيّ قال: حدثنا أبو بكر الطبريّ عن عبد اللّه بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن بكير قال: قال معاذ بن جبل: إذا آخيت أخاً فلا تماره ولا تشاره ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق عدوّاً فيخبرك بما ليس فيه فيفرّق بينكما.
شعر للنمر بن تولب وقال النّمر بن تولبٍ في هذا المعنى:
جزى اللّه عنّا حمزة بنة نوفلٍ ... جزاء مغلٍ بالأمانة كاذب
بما سألت عنّي الوشاة ليكذبوا ... عليّ وقد واليتها في النوائب
لابن سيرين

قال: وحدثني محمد بن داود " قال " : حدثني سعيد بن منصور عن جرير عن عبد الحميد عن عنبسة قال: قال ابن سيرين: لا تكرم أخاك بما يكره، ولا تحملنّ كتاباً إلى أمير حتى تعلم ما فيه.
وكان يقال: يستحسن الصّبر عن كلّ أحدٍ إلا عن الصديق.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
إذا ضيّفت أمراً ضاق جدّا ... وإن هوّنت ما قد عزّ هانا
فلا تهلك بشيء فات يأساً ... فكم أمراً تصعّب ثم لانا
سأصبر عن رفيقي إن جفاني ... على كلّ الأذى إلا الهوانا
لابن المقفع وقال ابن المقفع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامةّ بشرك وتحيّتك، ولعدوّك عدلك، وضنّ بدينك وعرضك عن كلّ أحدٍ.
لخالد بن عبد اللّه بن أبي بكرة لما ولي قضاء البصرة قال أبو اليقطان: ولي خالد بن عبد اللّه بن أبي بكرة قضاء البصرة فجعل يحابي؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: وما خير رجلٍ لا يقطع لأخيه قطعةً من دينه.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا: وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عجوزٍ، فقال: " إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان " .
لابراهيم النخعي فال إبراهيم النّخعيّ: إنّ المعرفة لتنفع عند الأسد الهصور والكلب العقور فكيف عند الكريم الحسيب وقال الخليل بن أحمد:
وفّيت كلّ صديقٍ ودّني ثمناً ... إلا المؤمّل دولاتي وأيامي
ولعمربن أبي ربيعة في مساعدة الصديق وقال عمر بن أبي ربيعة في مساعدة الصديق:
وخلّ كنت عين النّصح منه ... إذا نظرت ومستمعاً سميعاً
أطاف بغيةٍ فنهيت عنها ... وقلت له أرى أمراً شنيعاً
أردت رشاده جهدي فلمّا ... أبى وعصى أتيناها جميعاً
لبعض الكوفيين وقال بعض الكوفيين:
فإن يشرب أبو فرّوخ أشرب ... وإن كانت معتّقة عقاراً
وإن يأكل أبو فرّوخ آكل ... وإن كانت خنانيصاً صغاراً
قول أعرابي لأخٍ له وقال رجل من الأعراب لأخٍ له: أما واللّه ربّ يومٍ كتنّور الطّاهي رقّاصٍ بشرارة، قد رميت بنفسي في أجيج لهيبه فأحتمل منه ما أكره لما تحبّ شعر لابن الأعرابي، ولكثير وغيرهما وأنشد ابن الأعرابي:
أغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق
وقال كثّير:
ومن لا يغمّض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبّع جاهداً كلّ عثرةٍ ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
وقال آخر:
إذا ما صديقي رابني سوء فعله ... ولم يك عمّا ساءني بمفيق
صبرت على أشياء منه تريبني ... مخافة أن أبقى بغير صديق
ومن المشهور في هذا قول النابغة:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمّه ... على شعثٍ أيّ الرجال المهذّب
وكان يقال: من لك بأخيك كلّه وأنشدني الرّياشي:
إقبل أخاك ببعضه ... قد يقبل المعروف نزرا
وأقبل أخاك فإنه ... إنساء عصراً سرّ عصرا
ونحوه قول الآخر:
أخٌ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلوّن ألواناً عليّ خطوبها
إذا عبت منه خلّةً فهجرته ... دعتني إليه خلّةٌ لا أعيبها
شعر لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:
اصبر إذا عضّك الزمان،ومن ... أصبر عند الزمان من رجله
ولا تهن للصّديق تكرمه ... نفسك حتى تعدّ من خوله
يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله
ولست مستبقياً أخاً لك لا ... تصفح عما يكون من زلله
ليس الفتى بالذي يحول عن ال ... عهد ويؤتي الصديق من قبله
لخالد بن صفوان في أحب إخوانه إليه وقيل لخالد بن صفوان: أيّ إخوانك أحبّ إليك؟ قال: الذي يغفر زللي، ويقبل عللي ويسدّ خللي.
لبشار وقال بشار:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
شعر الخريمي لأبي دلف وقال الخريمي لأبي دلف:
تملك إن كنت ذا إربةٍ ... من العالمين لشيخ وصيف

الإنصاف في المودّة
كان يقال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له.
شعر لجرير، وغيره، في معنى هذا العنوان وقال جرير:
وإنّي لأستحي أخي أن ترى له ... عليّ من الحق الذي لا يرى ليا
وله أيضاً:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل
ويركب حدّ السبف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك، فأنظر أيّ كف تبدّل
وقال آخر:
يا ضمر أخبرني ولست بمخبري ... وأخوك نافعك الذي لا يكذب
هل في القضيّة أن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب
وإذا الشدائد بالشدائد مرّةً ... أشجينكم فأنا المحبّ الأقرب
عجباً لتلك قضيّة وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب
ولما لكم طيب البلاد ورعيها ... ولي الثّماد ورعيهن المجدب
وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
هذا لعمركم ااصّغار بعينه ... لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب
وقال ابن عيينة: سئل علي كرم اللّه وجهه عن قول اللّه تعالى: " إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان " فقال: العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضّل.
وقال الشاعر:
صبغت أميّة في الدماء رماحنا ... وطوت أميّة دوننا دنياها
ويقال: من سنّ سنّةً فليرض أن يحكم عليه بها، ومن سأل مسألة فليرض بأن يعطى بقدر بذله.
وقال أبوالعتاهية:
إذا ما لم يكن لك حسن فهمٍ ... أسأت إجابة وأسأت سمعا
ولست الدّهر متّسعاً بفضلٍ ... إذا ما ضقت بالإنصاف ذرعا
وقال حمّاد عجرد:
ليت شعري أيّ حكم ... قد أراكم تحكمونا
أن تكونوا غير معط ... ين وأنتم تأخذونا
وقال آخر:
إذا كنت تأتي المرء تعرف حقّه ... ويجهل منك الحقّ فالترك أجمل
وفي العيس منجاةٌ وفي الهجر راحةٌ ... وفي الأرض عمّن لا يؤاتيك مرحل
وقال بشار:
إن كنت حاولت هواناً فما ... هنت وما في الهون من مقام
في الناس أبدال ولي مرحلٌ ... عن منزلٍ ناءٍ ومرعىً وخام
لا نائلٌ منك ولا موعدٌ ... ولا رسولٌ فعليك السلام
وقال آخر:
له حقٌّ وليس عليه حقٌّ ... ومهما قال فالحسن الجميل
وقد كان الرسول يرى حقوقاً ... عليه لغيره وهو الرسول
لأكثم بن صيفي وشعر لدعبل وقال أكثم بن صيفيّ: أحقّ من يشركك في النّعم شركاؤك في الكارة. أخذه دعبلٌ فقال:
وإنّ أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن آساك في الحزن
إنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
لابن الأعرابي وأنشد ابن الأعرابيّ:
فإن آثرت بالودّ أهل بلادها ... على نازحٍ من أهلها لا ألومها
فلا يستوي من لا ترى غير لمّةٍ ... ومن هو ثاوٍ عندها لا يرميها
قول رجل لبعض السلطان وقال رجلٍ لبعض السلطان: أحقّ الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه، وأولاهم بالإنصاف من بسطت القدرة بين يديه؛ فاستدم ما أوتيت من النعم بتأدية ما عليك من الحق.
شعر المستهل بن الكميت لبني العباس قال المستهلّ بن الكميت لبني العباس:
إذا نحن خفنا في زمان عدوّكم ... وخفناكم إنّ البلاء لراكد
مداراة الناس وحسن الخلق والجواربين رجل ووهب بن منّبه في معنى هذا العنوان قال: حدّثنا الحسين بن الحسن " قال " : حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن وهيب قال: جاء رجل إلى وهب بن منّبه فقال: إنّ الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدّثت نفسي ألاّ أخالطهم. فقال له وهبٌ: لا تفعل، فإنه لا بدّ للناس منك ولا بدّ لك منهم؛ لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصمّ سميعاً، وأعمى بصيراً، وسكوتاً نطوقاً.
العبد اللّه بن عمرو بن العاص

قال: وحدّثنا حسين بن الحسن قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن موسى بن عليّ بن رباح قال: سمعت أبي يحدّث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أربع خلالٍ إن أعطيتهنّ فلا يضرّك ما عدل به من الدّنيا: حسن خليقةٍ، وعفاف طعمةٍ، وصدق حديثٍ، وحفظ أمانةٍ.
لعبد اللّه بن مسعود قال: وبلغني عن وكيع عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد اللّه بن باباه قال: قال عبد اللّه بن مسعود: خلطوا الناس وزايلوهم.
نصيحة صعصعة بن صوحان لابن أخيه عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن ميمون قال: قال صعصعة بن صوحان لابن أخيه: إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا تكلمنّه.
للمسيح عليه السلام قال المسيح صلّى اللّه عليه: " كن وسطاً وامش جانباً " لأبي الدرداء وروي أبو معاوية عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهريّة قال: قال أبو الدّرداء: إنّا لنكشر في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعنهم.
بين عمر رضي اللّه عنه ولبيدة العجلي ودخل لبيدة العجليّ على عمر رضي اللّه عنه، فقال له عمر: أقتلت زيداً؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد قتلت رجلاً يسمّى زيداً، فإن يكن أخاك فهو الذي أكرمه اللّه بيدي ولم يهنّي به ثم لم ير من عمر بعد ذلك مكروهاً.
بين محمد بن أبي الفضل الهاشمي وأبيه قال محمد بن أبي الفضل الهاشميّ: قلت لأبي: لم تجلس إلى فلانٍ وقد عرفت عداوته؟ فقال: أخبي ناراً وأقدح عن ودّ.
شعر للمهاجر بن عبد اللّه الكلابي وقال المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ:
وإنّي لأقصي المرء من غير بغضةٍ ... وأدني أخا البغضاء منّي على عمد
ليحدث ودّاً بعد بغضاء أو أرى ... له مصرعاً يردي به اللّه من يردي
بين عقال بن شبة ولأبيه وقال عقال بن شبّة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغلٍ فحيّاه أبي وألطفه؛ فلمّا مضى قلت: أبعد ما قال لنا ما قال! قال: يا بنيّ، أفأوسّع جرحي! لابن الحنفية قال ابن الحنفيّة: قد يدفع باحتمال مكروهٍ ما هو أعظم منه.
للحسن في حسن السؤال، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة.
لابن الشهاب مدح ابن شهابٍ شاعرٌ فأعطاه، وقال: من ابتغى الخير اتّقى الشرّ.
في الأثر وفي الحديث المرفوع: " أوّل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن " وقال: إنّ حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الإعمار.
وقال: من حسّن اللّه خلقه وخلقه كان من أهل الجنة.
لبعض الشعراء قال الشاعر:
فتىً إذا نبّهته لم يغضب ... أبيض بسّامٌ وإن لم يعجب
موكّل النفس بحفظ الغيّب ... أقصى رفيقته له كالأجنب
من كتاب العجم وقرأت في كتب العجم: حسن الخلق خير قرينٍ، والأدب خير ميراثٍ، والتوفيق خير قائدٍ.
لعائشة رضي اللّه عنها في الأنصار وقالت عائشة رضي اللّه عنها: ما تبالي المرأة إذا نزلت بين بيتين من الأنصار صالحين ألاّ تنزل من أبويها.
لجعفر بن محمد في حسن الجوار وصدقة السر وقال جعفر بن محمد: حسن الجوار عمارة للدار، وصدقة السرّ مثراةٌ للمال لعبد اللّه بن عمرو بن العاص وقال عبد اللّه بن عمرو بن العاص: ثلاثةٌ من قريش أحسنها أخلاقاً وأصبحها وجوهاً وأشدّها حياءً، إن حدّثوك لم يكذبوك، وإن حدّثتهم بحقً أو باطل لم يكذّبوك: أبو بكر الصدّيق، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وعثمان بن عفان رضي اللّه عنهم.
شعر ليزيد بن الطثرية وقال يزيد بن الطثرية:
وأبيض مثل السيف خادم رفقةٍ ... أشمّ ترى سرباله قد تقدّدا
كريم على علاّته لو تسّبه ... لفدّاك رسلاً لا تراه مربدّاً
يجيب بلبيه إذا ما دعوته ... ويحسب ما يدعي له الدهر أرشدا
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من تزوّد خمساً بلّغته وآنسته: كفّ الأذى، وحسن الخلق ومجانبة الرّيب والنبّل في العمل، وحسن الأدب شعر للمرّار ولغيره، في مداراة القرابة وقال المرّار في مداراة القرابة:
ألا أنّما المولى كعظمٍ جبرته ... فلا يخرق المولى ولا جابر العظم
وقال آخر في مداراة الناس:
وأنزلني طول النّوى دار غربةٍ ... إذا شئت لاقيت آمراًر لا أشاكله

فحامقته حتى يقال سجيّةً ... ولو كان ذا عقلٍ لكنت أعاقله
وقال بشارٌ:
خليليّ إنّ العسر سوف يفيق ... وإنّ يساراً في غدٍ لخليق
وما أنا إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق الزمان أموق
التلاقي والزيارةللنبي صلى اللّه عليه وسلم حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا الفضل بن دكينٍ عن طلحة بن عمر عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " زر غباً تزدد حباً " لجعفر بن سليمان في حبيب بن سويد وقال الأصمعيّ: دخل حبيب بن سويد على جعفر بن سليمان بالمدينة؛ فقال جعفر: حبيب بن سويد وادّ الصّديق، حسن الثناء، يكره الزيادة المملّة، والقعدة المنسية.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثّقة: الزيادة في الرّحل، والمؤاكلة، ومعرفة الأهل والحشم.
شعر للطائي وقال الطائي
وحظّك لقيةٌ في كل عامٍ ... موافقةً على ظهر الطريق
للنبي صلى اللّه عليه وسلم فيمن عاد مريضاً أو زار أخاً قال: أخبرنا اسحاق بن إبراهيم الصّواف عن موسى بن يعقوب السّدوسيّ عن أبي السّنان عن عثمان بن أبي سودة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من عاد مريضاً أو زار أخاً ناداه منادٍ من السماء: أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلاً " من كتاب رجل إلى صديق له كتب رجل إلى صديق له: مثلنا، أعزّك اللّه، في قرب تجاورنا وبعد تزاورنا ما قال الأول:
ما أقرب الدار والجوار وما ... أبعد مع قربنا تلاقينا
وكلّ غفلةً منك محتملةٌ، وكل جفوةٍ مغفورةٌ، للشّغف بك، والثّقة بحسن نيّتك، وسآخذ بقول أبي قيس:
ويكرمها جارتها فيزرنها ... وتعتلّ عت إتيانهنّ فتعذر
شعر لأعرابية وقالت أعرابية:
فلا تحمدوني في الزيادة إنّني ... أزوركم إذ لم أجد متعلّلاً
كتاب رجل إلى صديق له يستزيره وكتب رجل إلى صديق له يستزيره: طال العهد بالإجتماع حتى كدنا نتناكر عند التلاقي، وقد جعلك اللّه للسّرور نظاماً، وللأنس تماماً، وجعل المشاهد موحشةً إذ خلت منك.
شعر لسهل بن هارون وقال سهل بن هارون:
وما العيش إلا أن تطول بنائل ... وإلا لقاء المرء ذي الخلق العالي
لبشار وقال بشار:
تسقط الطير حيث تلتقط الح ... بّ وتغشي منازل الكرماء
بين صديقين قال رجل لصديق له: قد تصدّيت للقائك غير مرّة فلم يقض ذلك، فقال له الآخر: كلّ برّ تأتيه فأنت تأتي عليه.
شعر لابن الأعرابي، ولغيره قال ابن الأعرابي:
وأرمي إلى الأرض التي من ورائكم ... لترجعني يوماً عليك الرواجع
وقال آخر:
رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا ... على سفرٍ يسري به وهو لا يدري
تثاقلت ألا عن يدٍ أستفيدها ... وزورة ذي ودٍّ أشدّ به أزري
وقال آخر:
أزور محمداً وإذا التقينا ... تكلمت الضمائر في الصدور
فأرجع لم ألمه ولم يلمني ... وقد رضي الضمير عن الضمير
لسفيان بن عيينة كان سفيان بن عيينة يقول: لا تعفّروا الأقدام إلا أقدارها؛ وأنشد:
نضع الزيارة حيث لا يزري بنا ... شرف الملوك ولا تخيب الزّوّر
وكان يقال: امش ميلاً وعد مريضاً، وامش ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثة أميال وزر أخاً في اللّه.
لبعض المحدثين:
إذا شئت أن تقلى فزر متتابعاً ... وإن شئت أن تزداد حبّاً فزر غبّا
وقال آخر:
أقلل زيارتك الصّدي ... ق يراك كالثوب استجدّه
إنّ الصديق يملّه ... ألاّ يزال يراك عنده
قول رجل لصديق عنده قال رجل لصديق له: ما أخلو وإن كان اللقاء قليلاً من سؤالٍ أو مطلعةٍ لك، فقلبي يقوم مقام العيان.
وقال آخر لصديق له: قد جمعتنا وإياك أحوالٌ لا يزري بها بعد اللقاء ولا يخلّ بها تنازح الديار. وقال آخر: لولا ما في بديه اللقاء من الحيرة والتعرّض به قبل معرفة العين للجفوة، لم أتوقّف على مطلعةٍ حتى أصير إليك.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
وما لي وجهٌ في اللئام ولا يدٌ ... ولكنّ وجهي في الكرام عريض

أصحّ إذا لاقيتهم وكأنّني ... إذا أنا لاقيت اللئام مريض
لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:
أبلغ أخاً ما تولى اللّه صحبتنا ... أنّي وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وأن طرفي موصول برؤيته ... وإن تباعد عن مثواي مثواه
اللّه يعلم أني لست أذكره ... وكيف أذكره إذ لست أنساه
المعاتبة والتجنّي
لأبي الدرداء في معاتبة الأخ قال: حدّثنا محمد بن داود عن المضاء عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر قال: قال أبو الدّرداء: معاتبة الأخ خيرٌ من فقده، ومن لك بأخيك كلّه!.
وكان يقال: التجنّي وافد الصّرم.
بعض ما جاء في الإنجيل وقرأت في الإنجيل: إن ظلمت أخوك فأذهب فعاتبه فيما بينك وبينه، فأن أطاعك فقد ربحت أخاك وإن هو لم يطعك فأستتبع رجلاً أو رجلين يشهدان ذلك الكلام، فإن لم يستمع فأنه أمره إلى أهل البيعة، فإن لم يستمع من أهل البيعة فليكن عندك كصاحب المكس.
شعر لابن أبي فنن وقال ابن أبي فنن:
إذا كنت تغضب من غير ذنبٍ ... وتعتب من غير جرمٍ عليّا
طلبت رضاك فإن عزّني ... عددتك ميتاً وإن كنت حيّا
قنعت وإن كنت ذا حاجةٍ ... فأصبحت من أكثر الناس شيّا
فلا تعجبنّ بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديّا
ولأبي نهشل يعاتب صديقه وقال أبو نهشل يعاتب صديقاً له:
عدلت عن الرّحاب إلى المضيق ... وزرت البيت من غير الطريق
وتظلم عند طاعتك الموالي ... وليس الظلم من فعل الصديق
تجود بفضل عدلك للأقاصي ... وتمنعه من الخلّ الشفيق
أمّا والراقصات بذات عرق ... وربّ البيت والركن الوثيق
لقد أطلقت لي تهماً أراها ... ستحملني على مضض العقوق
ولآخر وقال آخر:
فدع العتاب فربّ ش ... رّ هاج أوّله العتاب
للجعدي وقال الجعدي:
وكان الخليل إذا رابني ... فعاتبته ثم لم يعتب
هواي له وهوى قلبه ... سواي وما ذاك بالأصوب
فإني جريء على صرمه ... إذا ما القرينة لم تصحب
لرجل يعاتب صديقه قال رجلٌ لصديق له يعلتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا أستبطئك إلاّ لك، ولا أستزيدك إلا بك، فأنا منتظرٌ واحدة من اثنتين: عتبي تكون منك،أو عقبي الغنى عنك.
وقال آخر: قد حميت جانب الأمل فيك وقطعت الرجاء لك، وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك، فإن نزعت من الآن فصفحٌ لا تثريب فيه، وإن تماديت فهجرٌ لا وصل بعده.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ولا خير في قربي لغيرك نفعها ... ولا في صديق لا تزال تعاتبه
يخونك ذو القربى مراراً وربّما ... وفي لك عند الجهد من لا تناسبه
لأوس بن حجر وقال آخر وهو أوس بن حجر:
وقد أعتب ابن العمّ إن كان ظالماً ... وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا
كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجل إلى صديق له: الحال بيننا تحتمل الدّالّة، وتوجب الأنس والثّقة، وتبسط اللسان بالاستزادة. وكتب رجل آخر إلى صديق له: قد جعلك اللّه ممن يحتمل الدّالّة الكبيرة لذي الحرمة اليسيرة، ورفعك عن أن تبلغ استزادة المستزيد بعنف الحميّة.
من أقوال العرب لمن عوتب فلم يعتب والعرب تقول لمن عوتب فلم يعتب: " لك العتبى بأن لا رضيت " مثله شعر لبشر بن أبي خازم ونحوه قول بشر بن أبي خازم:
غضبت تميمٌ أن تقتل عامرٌ ... يوم النّسار فأعتبوا بالصّيلم
قول أوس بن حارثة لابنه وقال أوس بن حارثة لابنه: العتاب قبل العقاب وهذا نحو قول الآخر: ليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك بين إياس بن معاوية وشيخ أعرابي

وقال إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلّما كان ببعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا وتعاتبا وإلى جانبهما شيخٌ من الحيّ، فقال لهما الشيخ: أنعما عيشاً، إن المعاتبة تبعث التجنّي، والتجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة. فقلت للشيخ: من أنت؟ قال: أنا ابن تجربة الدهر ومن بلا تلّونه فقلت له: ما أفادك الدّهر؟ قال: العلم به. قلت: فماذا رأيت أحمد؟ قال: أن يبقى المرء أحدوثةً حسنة بعده. قال: فلم أبرح ذلك الماء حتى هلك الشيخ وصلّيت عليه.
وقال رجل لصديق له: أنا أبقي على مودّتك من عارض يغيرّه وعتابٍ يقدح فيه، وأؤمّل نائياً من رأيك يغني عن اقتضائك.
من كتاب العتابي وقرأت في كتاب العتابي: تأّنينا إفاقتك من سكر غفلتك، وترقّبنا انتباهك من وسن رقدتك، وصبرنا على تجرّع الغيظ فيك حتى بان لنا اليأس من خيرك، وكشف لنا الصبر عن وجه الغلظ فيك، فها نحن قد عرفناك حقّ معرفتك في تعدّيك لطويل حقّ من غلظ في اختيارك.
وقال الشاعر:
فأيّهما يا ليل إن تفعلي بنا ... فآخر مهجورٍ وأول معتب
كتاب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب: يجب على المرؤوس إذا تجاوز به الرئيس حقّ مرتبته بعلمه، وكان تفضيله إنما وقع له بخفته على القلب ومحلّه من الأدب، أن يقابل ذلك بمثله إن كان محامياً على محلّه، وإلا فلن يؤمن عليه. معنى بيت شريح:
فإني رأيت الحبّ في الصّدر والأذى ... إذا اجتمعنا لم يلبث الحبّ يذهب
باب الوداعللنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان قال: حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا مسلم حدثنا سلم بن قتيبة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول إذا ودع رجلاً: " أستودعك اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك وآخر عمرك " قال: وحدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن أبي كعب الأزدي عن موسى بن ميسرة عن أنس بن مالك: أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني أريد سفراً غداً. فقال: " في حفظ اللّه وكنفه زوّدك اللّه التقوى وغفر ذنبك ووجهّك للخير حيث كنت " للحسن يودع رجلاً المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت الحسن ودّع رجلاً وعيناه تهملان وهو يقول:
وما الدّهر إلا هكذا فاصطبر له ... رزيئة مالٍ أو فراق حبيب
شعر لرجل ودّع صديقاً قال: وودّع رجلٌ صديقاً له وهو يقول:
وداعك مثل وداع الربيع ... وفقدك مثل افتقاد الندّيم
عليك السلام فكم من وفاءٍ ... نفارقه منك أو من كرم
وقال الطائي:
بيّن البين فقدها، قلّما تع ... رف فقداً للشمس حتى تغيبا
وقال جرير:
يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذّل
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
أو كنت أرهب وشك بينٍ عاجلٍ ... لقنعت أو لسألت ما لم يسأل
بين الواثق وبكر المازني وبلغني عن بكر المازنيّ أنه قال: دخلت على الواثق حين أمر بحملي، فقال لي: ما أسمك؟ فقلت: بكّر. قال: من خلّفت ورائك؟ قلت: بنيّة. قال: ما قلت عند وداعك؟ قلت: قالت:
إذا غبت عنّا وخلّفتنا ... فإنا سواءٌ ومن قد يتم
أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم
أبانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منّا الرّحم
قال: فما قلت لها أنت؟ قال: قلت ما قال جرير:
ثقي باللّه ليس له شريكٌ ... ومن عند الخليفة بالنّجاح
شعر لعبد لبني عقيل بعدما باعوه كان ابني عقيلٍ عبدٌ رضيعٌ بلبان بعضهم فباعوه، فقال حين شخص به مواليه شعراً:
أشوقاً ولمّا يمض بي غير ليلةٍ ... فكيف إذا سار المطيّ بنا شهراً
لمسلم بن الوليد، وغيره، في الوداع وقال مسلم بن الوليد:
وإنّي وإسماعيل عند وداعه ... لكالغمد يوم الرّوع زايله النّصل
فإن أغش قوماً بعدهم وأزورهم ... فكالوحش يدنيها من الأنس المحل

وقال آخر عند توديعه:
عجبت لتطويح النّوى من نحبّه ... وتدنو بمن لا يستلذّ له قرب
وقال آخر:
مالت تودّعني والقلب يغلبها ... كما يميل نسيم الريح بالغصن
ثم استمرت وقالت وهي باكيةٌ ... يا ليت معرفتي إيّاك لم تكن
قول رجل لآخر ودّعه وقال آخر لرجل ودّعه: بقي علينا أن نكفّ من غرب الشّؤون، ونستعين على فرقة الوحشة بالكتب، فإنها ألسنٌ ناطقة، وعيونٌ رامقة.
شعر للبحتري وقال البحتري:
اللّه جارك في انطلاقك ... تلقاء شامك أو عراقك
لا تعذلنّي في مسي ... ري يوم سرت ولم ألاقك
إنّي خشيت موافقاً ... للبين تفسح غرب ماقك
وعلمت ما يلقلا المودّ ... ع عند ضمّك واعتناقك
فتركت ذاك تعمّداً ... وخرجت أهرب من فراقك
الهداياللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المصافحة والهدية قال: حدّثنا يزيد بن عمرو قال:حدّثنا عمير بن عمران قال: حدّثنا الحارث بن عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " تصافحوا فإنّ المصافحة تذهب غلّ الصدور، وتهادوا فإنّ الهديّة تذهب بالسّخيمة " .
وحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضّل عن يونس عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لو أهديت لي ذراعٌ لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت " .
وفي حديث آخر: " تهادوا تحابّوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت وتسلّ سخيمة القلب " .
لابن عمر في الهدايا قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال: سمعت نافعاً يحدّث قال: كان ابن عمر يقول: الهدايا من أمراء الفتنة.
بين عمرو بن عبيد اللّه والحارث بن عبد اللّه وروى الزّبير بن بكّار عن عمه قال: كان الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة يجلس وعمرو بن عبيد اللّه بن صفوان، ما يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى الحارث في كلّ يوم بقربةٍ من ألبان إبله، فاختلف ما بينهما فأتى عمروٌ أهله " فقال " : لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا لا نأمن أن يردّه علينا. وانقلب الحارث إلى أهله فقال: هل أتاكم اللبن؟ قالوا: لا. فلما راح الحارث بعمرو قال: يا هذا لا تجمعنّ علينا الهجر وحبس اللبن فقال: أمّا إذ قلت هذا فلا يحملها إليك غيري. فحملها من ردم بني جمح إلى أجياد.
للنضر بن الحارث وقد بعث بهدية إلى صديق له وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن عبّادان بنعلين مخصوفتين وكتب إليه: بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنىً، ولكنّي أحببت أن تعلم أنك مني على ذكرٍ.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
إنّ الهديّة حلوةٌ ... كالسّحر تجتلب القلوبا
تدني البغيض من الهوى ... حتى تصيّره قريبا
وتعيد مضطغن العدا ... وة بعد نفرته حبيبا
بين صديقين أهدى أحدهما للآخر عبداً أسود أهدى رجلّ إلى صديق له عبداً أسود، فكتب إليه: أما بعد، فلو علمت عدداً أقلّ من واحد أو لوناً شرّاً من الأسود لبعثت به إليّ.
وهذا نظير قول الآخر وقد سئل كم لك من الولد؟ قال: خبيثٌ قليل. قيل: وكيف؟ فقال: لا أقلّ من واحد ولا أخبث من بنت.
جواب أمير لرجل أهدى له هدية أهدى رجلٌ إلى بعض الأمراء هديةً، فكتب إليه الأمير: قد قبلتها بالموقع ورددتها بالأبقاء.
لابن عباس في الهدية وكان ابن عباس يقول: من أهديت إليه هديّة وعنده قوم فهم شركاؤه فيها؛ فأهدى إليه صديقٌ ثياباً من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها، فقال له رجل: ألم تخبرنا أنّ من أهديت له هديّة وعنده قومٌ فهم شركاؤه فيها! فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم، فأما في ثياب مصر فلا.
لخلف الأحمر وقال خلفٌ الأحمر:
أتاني أخٌ من غيبةٍ كان غابها ... وكنت إذا ماغاب أنشده ركبا
فجاء بمعروفٍ كثيرٍ فدسّه ... كما دسّ راعي السّوء في حضنه الوطبا
فقلت له هل جئتني بهديّةٍ ... فقال بنفسي قلت أتحف بها الكلبا
هي النفس لا أرثي لها " من " بليّةٍ ... ولا أتمنى أن رأيت لها قربا

أهدي رجل إلى صديق له وكتب إليه: الأنس سهّل سبيل الملاطفة، فأهديت هديّة من لا يحتشم، إلى من لا يغتنم.
بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وحدّثنا أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو سلمة عن حبابة بنت عجلان عن أمّها أم حفص عن صفيّة بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعيّة قالت: قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم: ما جزاء الغنيّ من الفقير؟ قال: " النصيحة والدعاء " . قلت: يكره ردّ اللّطف؟ قال: " ما أقبحه، لو أهديت إليّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت، تهادوا فإنه يضعف الحبّ ويذهب بغوائل القلوب " .
ليزيد بن عمر بن هبيرة وقد أهديت إليه هدايا وحدّثني محمد بن سلاّم الجمحيّ قال: حدّثني خلاّد بن يزيد الباهليّ قال: أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا وهو أمير العراق فضفّت بين يديه؛ فقال خلف بن خليفة وكان حاضراً:
كأنّ شماميس في بيعةٍ ... تسبّح في بعض عيداتها
وقد حضرت رسل المهرجا ... ن وصفّوا كريم هديّاتها
علوت برأسي فوق الرؤوس ... فأشخصته فوق هاماتها
لأكسب صاحبتي صحفةً ... تغيظ بها بعض جارتها
فأمر له بجامٍ من ذهب، ثم أقبل يفرّق بين جلسائه تلك الهدايا، وينشد:
لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلةٌ ... فليس ينقصها التبذير والسّرف
فإن تولّت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف
بين رجل من أصحاب السلطان وبعض العمال كتب رجلٌ من أصحاب السلطان إلى بعض العمال يستهديه مهارةً من ناحية عمله. فكتب إليه العامل: أمّا المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة الأعراض، ويسترونها ستر الحرم، ويسومون بها مهور العقائل؛ وأنا مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان الصديق، إن شاء اللّه.
لبعضهم في الهدية وقال بعضهم: الهديّة إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلّما لطفت ودّقت كان أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلّما عظمت وجلّت كان أوقع لها وأنجع.
لأبي السمط وكتب أبو السمط:
بدولة جعفرٍ حسن الزمان ... لنا بك كلّ يوم مهرجان
ليوم المهرجان بك اختيالٌ ... وإشراقٌ ونورٌ يستبان
جعلت هديّتي لك فيه وشياً ... وخير الوشي ما نسج اللسان
بين قتادة وحسام بن مصك أهدى حسام بن مصكّ إلى قتادة نعلاً رقيقة، فجعل قتادة يزنها بيده، وقال: إنك تعرف سخف عقل الرجل في سخف هديّته.
وقال الشاعر:
سقى حجّاجنا نوء الثريّا ... على ما كان من بخلٍ ومطل
هم جمعوا النعال وأحرزوها ... وسدّوا دونها باباً بقفل
فإن أهديت فاكهةً وجدياً ... وعشر دجاج بعثوا بنعل
ومسواكين طولهما ذراعٌ ... وعشرٍ من رديء المقل حسل
فإن أهديت ذاك ليحملوني ... على نعلٍ فدقّ اللّه رجلي
أناس تائهون لهم رواءٌ ... تغيم سماؤهم من غير وبل
إذا انتسبوا ففرعٌ من قريش ... ولكنّ الفعال فعال عكل
لرجل أهدى هدية لصديقه كتب رجل إلى صديقه له: لولا أنّ البضاعة قصّرت بي عن بلوغ الهمة لأتبعت المسابقين إلى برّك. وكرهت أن تطوي صحيفة البرّ، وليس لي فيها ذكر، فبعثت إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختوم بطيبه ورائحته: جراب ملح، وجراب أشنان.
شعر للطائي وقد أهدى للحسن بن وهب قلماً أهدي للطائيّ إلى الحسن بن وهب قلماً وكتب إليه:
قد بعثنا إليك أكرمك الل ... ه بشيء فكن له ذا قبول
لا تقسه إلى ندى كفّك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجزيل
واغتفر قلّة الهديّة منّي ... إنّ جهد المقلّ غير قليل
مثله من أبي العتاهية إلى الفضل بن الربيع وقد أرسل إليه نعلاً وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعلٍ وكتب معها:
نعلٌ بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدمٌ إلى المجد
لو كان يمكن أن أشرّكها ... جلدي جعلت شراكها خدّي
لبعض الشعراء، وللمهدي وقال بعض الشعراء في نحو ذلك:
أو ما رأيت الورد أتحفنا به ... إتحاف من خطر الصديق بباله

لو كان يهدي لامريءٍ ما لا يرى ... يهدي لعظم فراقه وزياله
لرددت تحفته عليه وإن علت ... عن ذاك واستهديت بعض خصاله
وقال المهديّ:
تفّاحةٌ من عند تفّاحةٍ ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد
واللّه ما أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرّقاد
كتاب بعض العمال إلى صديق له قال: وكتب بعض العمال إلى صديق له: إني تصفّحت أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا إلى الّادة في مثل هذا اليوم والتأسّي بهم في الإهداء، وإن قصّرت الحال عن قدرك، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملكٌ لك لا حظّ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك، فكنت إن أهديت شيئاً منه كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك؛ وفزعت إلى مودّتي فوجدتهما خالصين لك قديمين غير مستحدثين، ورأيت إن أنا جعلتهما هدّيتي لم أجدّد لهذا اليوم برّاً ولا لطفاً. ولم أقس منزلةً من شكري بمنزلةٍ من نعمتك إلا كان الشكر مقصّراً عن الحق، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة؛ ولم أسلك سبيلاً ألتمس بها برّاً أعتدّ به أو لطفاً أتوصّل إليه، إلا وجدت رضاك قد سبقني إليه، فجعلت الأعتراف بالتقصير عن حقّك هديّهً إليك؛ وقد قلت في ذلك:
إن أهد نفسي فهي من ملكه ... أو أهد مالي فهو من ماله
معاوية بن أبي سفيان وقريش لما قدم معاوية المدينة منصرفاً من مكة بعث إلى الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزّبير وعبد اللّه بن صفوان بن أميّة بهدايا من كسىً وطيبٍ وصلاتٍ من المال ثم قال لرسله: ليحفظ كلّ رجلٍ منكم ما يرى ويسمع من الردّ. فلما خرج الرسل من عنده، قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم. قالوا: أخبرنا يا أمير المؤمنين قال: أمّا الحسن فلعله ينيل نساءه شيئاً من الطّيب وينهب ما بقي من حضره ولا ينتظر غائباً. وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن وأما عبد اللّه بن جعفر فبقول: يا بديح! اقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي وأما عبد اللّه بن عمر فيبدأ بفقراء عديّ بن كعب، فإن بقي شىء ادّخره لنفسه ومان به عياله. وأما عبد اللّه بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبّح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته: خذوا من الرسول معاوية ما بعث به، وصله اللّه وجزاه خيراً؛ لا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أحدٍ ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا، لعلّي أن أعود بها على ابن هند يوماً ما. وأما عبد اللّه بن صفوان فيقول: قليلٌ من كثير وما كل رجلٍ من قريش وصل إليه هكذا، ردّوا عليه؛ فإن ردّ قبلناها فرجع رسله من عندهم بنحو مما قال معاوية فقال معاوية: أنا ابن هند! أعلم بقريش من قريش.
بين يونس بن عبيد وابن سيرين قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين فدعوت الجارية فسمعته يقول: قولوا له: إني نائم يريد: سأنام؛ فقلت: معي خبيص؛ فقال: مكانك حتى أخرج إليك.
بين رجل وأبي الدرداء قال رجل لأبي الدّرداء: إن فلاناً يقرئك السلام؛ فقال: هديةٌ حسنة ومحمل خفيف.
لرجل بعث بهدية إلى جارية وبعث رجل إلى جارية ييقال لها " راح " براحٍ وكتب إليها:
قل لمن يملك الملو ... ك وإن كان قد ملك
قد شربناك فأشربي ... وبعثنا إليك بك
شعر لعبيد بن الأخطل إلى رجل أهدى له شاة مهزولة أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاةً مهزولة فكتب إليه عبيد:
وهبت لنا يا أخا منقرٍ ... وعجل وأكرمها أوّلا
عجوزاً أضرّ بها دهرها ... وأنزلها الذّلّ دار البلى
سلوحاً حسبت بأن الرّعاء ... سقوها الغريقون والحنظلا
وأجدب من ثور زرّاعةٍ ... أصاب على جوعه سنبلا
وأزهد من جيفةٍ لم تدع ... لها الشمس من مفصلٍ مفصلا
فأهوت يميني إلى جنبها ... فخلت حراقيفها جندلا
وأهوت يساري لعرقوبها ... فخلت عراقيبها مغزلا
فقلت أبيع فلا مشرباً ... تؤدي إليّ ولا مأكلا
أم أجعل من جلدها حنبلاً ... فأقذر بحنبلها حنبلا

إذا هي مرّت على مجلس ... من العجب كبّر أو هلّلا
رأو آية خلفها سائقٍ ... يحثّ وإن هرولت هرولا
فكنت أمرت بها ضخمةً ... بشحم ولحمٍ قد اسستكملا
ولكنّ روحاً عدا طوره ... وما كنت أحسب أن يفعلا
فعضّ الذي خانني حاجتي ... بإست آمه بظرها الأغرلا
فلولا مكانك خضّبتها ... وعلّقت في جيدها جلجلا
فجاءت لكيما حالها ... فتعلم أني بها مبتلي
سألتك لحماً لصبياننا ... فقد زدتني فيهم عيّلا
فخذها وأنت بها محسنٌ ... وما زلت بي محسناً مجملا
لدعبل وقد أهدي له بأضحيّة وبعث رجل إلى دعبل بأضحيّة، فكتب إليه:
بعثت إليّ بأضحيّةٍ ... وكنت حريّاً بأن تفعلا
ولكنها خرجت غثةً ... كأنك أرعيتها حرملا
فإن قبل اللّه قربانها ... فسبحان ربّك ما أعدلا
لرجل سئل عن ثمن النعال بمكة قيل لرجل قدم من مكة: كيف أثمان النّعال بمكة؟ قال: أثمان الجداء بالعراق.
شعر لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:
جزى اللّه من أهدى التّرنج تحيةً ... ومنّ بما يهوى عليه وعجّلا
أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه ... وأشبه في الحسن الغزال المكحّلا
ولو أنه أهدى إليّ وصاله ... لكان إلى قلبي ألذّ وأوصلا
شعر لرجل إلى صديق له شرب دواء وكتب رجل إلى صديق له شرب دواءً:
تأنق في الهديّة كلّ قومٍ ... إليك غداة شربك للدواء
فلمّا أن هممت به مدلاّ ... لموضع حرمتي بك والإخاء
رأيت كثير ما أهدي قليلاً ... لعبدك فاقتصرت على الدّعاء
وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودّة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلّطة، وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالبرّ والملاطفة
العيادةللنبي صلى اللّه عليه وسلم قال: حدثنا يزيد بن عمرو قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا شريك عن أبي نصير عن أنس بن مالك، قال: عاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً من الأنصار من رمدٍ كان بعينه.
ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: " ثلاثة لا يعادون صاحب الدّمل والرمد والضرس " عيادة أبو الدرداء لجارٍ له نصراني وحدثني القاسم بن الحست عن ابن الأصفهاني عن إسماعيل بن عيّاش عن أرطأة بن المنذر: أن أبا الدرداء عاد جاراً له نصرانياً.
للشعبي في عيادة الحمقى " النوكي " قال الشعبي: عيادة النّوكي أشدّ على المريض من وجعه.
بين بكر بن عبد اللّه وقوم عادوه فأطالوا عنده شيبان عن أبي هديّة عن أبي هلال قال: قال بكر بن عبد اللّه لقوم عادوه فأطالوا عنده: المريض يعاد، والصحيح يزار.
مثله لعليل أطال عنده عوّاده عاد قومٌ عليلاً فأطالوا عنده، فقال لهم: إن كان لكم في الدار حقُ فخذوه وانصرفوا.
بين رقبة ورجل عاده فنعى رجالاً عاد رجل رقبة، فنعى رجالاً اعتلّوا مثل علّته، فقال له رقبة: إذا دخلت على مريضٍ فلاتنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا.
لأعرابي يعود أعرابياً عاد أعرابيّ أعرايباً فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق واللّه عليّ الأمر العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض؛ فلما حملتني رجلان، وليستا تحملان؛ أتيتك بجرزة شيح ما مسّها عرنين قطّ، فأشممها واذكر نجداً، فهو الشفاء بإذن اللّه.
شعر لكثير قال كثير:
ألا تلك عزّة قد أقبلت ... تقلّب للبين طرفاً غضيضا
تقول مرضت وما عدتنا ... فقلت لها لا أطيق النهوضا
كلانا مريضان في بلدةٍ ... وكيف يعود مريضٌ مريضا
وقال آخر:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
لبشار وقال بشار:
لو كانت الفدية مقبولةً ... لقلت بي لا بك حمّاكا
شعر إلى عليل وكتب آخر إلى عليل:
نبئت أنّك معتلٌّ فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كلّ محذور

يا ليت علّته بي غير أنّ له ... أجر العليل وأنّي غير مأجور
وكتب آخر إلى عليل:
أقول بحقٍّ واجبٍ لك لازمٍ ... وإخلاص شكرٍ لا يغيّره الدهر
بي السوء والمكروه لا بك كلّما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر
وقال آخر في مثله:
فأن تك حمّى الغبّ شفّك وردها ... فعقباك منها أن يطول لك العمر
وقيناك! لو نعطى المنى فيك والهوى ... لكان بي الشكوى وكان لك الأجر
في الأثر وفي الحديث المرفوع " حصّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا البلايا بالدعاء " وفي حديث آخر أنه صلى اللّه عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: " من أصبح منكم صائماً؟ " . قال عمر: أنا. قال: " فمن شيّع جنازةً؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن عاد مريضاً؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن فيكم تصدّق بصدقة؟ " قال عمر: أنا. فقال صلى اللّه عليه وسلم: " وجبت وجبت وجبت " .
وفي حديث آخر: أنه صلى اللّه عليه وسلم قال: " إتمام عيادتكم المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على رأسه أو يده ويسأله كيف هو، وتمام تحياتكم المصافحة " .
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
إن كنت في ترك العيادة تاركاً ... حظّي فإني في الدعاء لجاهد
فلربما ترك العيادة مشفقٌ ... وأتي على غلٍ الضمير الحاسد
للعتبي عن أبيه أبو حاتم قال: حدّثنا العتبيّ عن أبيه قال: كان يقال: إذا اشتكى الرجل ثم عوفي ولم يحدث خيراً ولم يكفّ عن سوء، لقيت الملائكة بعضها بعضاً وقالت: إن فلاناً داويناه فلم ينفعه الدواء.
لمعاوية وقد أصيب بلقوة وقال أبو حاتم: حدّثنا القحذميّ قال: أطلع معاوية في بئر بالأبواء فأصابته لقوة، فاعتمّ بعمامةٍ سوداء وسدلها على الشقّ الذي أصيب فيه، ثم أذن للناس فقال: أيها الناس؛ إنّ ابن آدم بعرض بلاء: إما معاتبٌ ليعتب، وإما معاقب بذنب، أو مبتلّي ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإني لأرجو أن أكون منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطّاؤون قبلي، وما آمن أن أكون منهم؛ وإن مرض منّي فما أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما كان لي على ربّي أكثر مما أعطاني. وإني وإن كنت عاتباً على خاصّ منكم فإني حدب على جماعتكم، أحبّ صلاحكم. وقد أصبت ترون، فرحم اللّه امرأً دعا لي بعافية! فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء.
بين أبي عمرو بن العلاء ورجل من أصحابه أراد مساهرته مرض أبو عمرو بن العلاء مرضةً، فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم؛ فقال: ما يبطىء بك؟ قال: أريد أن أساهرك. قال: أنت معافىً وأنا مبتليً، فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني أنام، فاسأل اللّه أن يسوق إلى أهل العاقية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر والأجر.
لأعرابي اشتكى فجعل الناس يعودونه وأكثروا عليه حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: اشتكى رجل من الأعراب، فجعل الناس يدخلون عليه فيقولون: كيف أصبحت وكيف كنت؟ فلما أكثروا عليه قال: كما قلت لصاحبك.
مثله لرجل من أهل المدينة كتب قصته في رقعة قال: وقع رجل من أهل المدينة فوثئت رجلاه، فجعل الناس يدخلون عليه ويسألونه، فلما أكثروا عليه وأضجر كتب قصّته في رقعةٍ، فكان إذا دخل عليه " عائد " وسأله دفع إليه الرقعة.
لرجل محدود من أهل السواد الهيثم بن عديّ قال: كان رجل من أهل السّواد محدوداً لا يقصد في شيء إلا انصرف عنه، فغاب مرّةً فأطال، فلما قدم أتاه الناس فجعلوا يسألونه عن حاله وما كان فيه، وكان فيه برمٌ، فأخذ رقعةً فكتب فيها:
وما زلت أقطع عرض الفلاة ... من المشرقين إلى المغربين
وأطوي الفيافي أرضاً فأرضاً ... وأستمطر الجدي والفرقدين
وأطوي وأنشر ثوب الهموم ... إلى أن رجعت بخفّي حنين
فقيراً وقيراً أخا عسرةٍ ... بعيداً من الخير صفر اليدين
كئيب الصّديق بهيج العدوّ ... طويل الشّقا زاني الوالدين
وطرحها في مجلسه، فكلّ من سأله عن حاله دفع إليه الرقعة لنبطي وقع في موضع عال وقوم يسألونه كيف وقع

قال: حدّثنا عبد الرحمن عن عمه أن نبطيّاً وقع من موضع عالٍ، فدخلوا يسألونه: كيف وقعت؟ فلما أكثروا عليه أخذ جرّةً وألقاها من يده وقال: هكذا وقعت.
لرجل أحدب وقع في بئر فصار آدراً أبو الخطاب قال: كان عندنا رجلٌ أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر، فدخلوا يسألونه ويهنئونه بذهاب حدبته، فجعل يقول: الذي جاء شرّ من الذي ذهب.
شعر ليحيى بن نوفل الحميري في سقوط ابن شبرمة القاضي عن دابته المدائنيّ قال: سقط ابن شبرمة القاضي عن دابّته فوثئت رجله، فدخل يحيى بن نوفل الحميريّ عليه فقال:
أقول غداة أتاني الخبير ... فدسّ أحاديثه الهينمة
لك الويل من مخبرٍ ما تقول؟ ... أبن لي وعدّ عن الجمجمة
فقال خرجت وقاضي القضا ... ة مثقلةٌ رجله مؤلمة
فقلت وضاقت عليّ البلاد ... وخفت المجلّلة المعظمة
فغزوان حرّ وأمّ الوليد ... إن اللّه عافى أبا شبرمة
جزاءً لمعروفه عندنا، ... وما عتق عبدٍ له أو أمه؟
قال: وفي المجلس جار ليحيى بن نوفل يعرف منزله، فلما خرج تبعه وقال: يا أبا معمر، من غزوان وأم الوليد؟ فضحك وقال: أو ما تعرفهما؟ هما سنّوران في البيت.
لأبي الدقيش وقد سئل عن حاله في مرضه قال: حدّثنا الرّياشي عن أبي زيد قال: دخلنا على أبي الدّقيش وهو شاكٍ، فقلنا له: كيف تجدك؟ قال: أجدني أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا أجد، ولقد أصبحت في شرّ زمانٍ وشرّ أناسٍ: من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد.
مثله لعمرو بن العاص، وغيره قيل: لعمرو بن العاص وقد مرض مرةً: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوي أكثر من رزئي، فما بقاء الشيخ على هذا!.
سئل عليلٌ عن حاله فقال: أنا مبلٌّ غير مستقلّ، ومتماثلٌ غير متحامل.
وقيل لآخر: كيف تجدك؟ قال: أجدني لم أرض حياتي لموتي.
وقيل لرجل من المعجم: ما حالك؟ قال: ما حال من يريد سفراً طويلاً بلا زادٍ! وينزل منزلاً موحشاً بلا أنيس! ويقدم على جبّار قد قدّم العذر بلا حجّة!.
قيل لعكرمة: كيف حالك؟ قال: بشرٍّ، أصبحت أجرب مبسوراً.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قيل لشيخ من العبّاد: كيف أنت، وكيف أحوالك؟ فقال: ما كلّها كما أشتهي.
قيل لآخر: ما تشتكي؟ قال: تمام العدّة وانقضاء المدّة.
لأبي الدرداء في مرضه وبلغني عن معاوية بن قرّة قال: مرض أبو الدّرداء، فعاده صديقٌ له فقال: أيّ شيء تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال: فأيّ شيء تشتهي؟ قال: الجنة. قال: فندعوا لك بالطيب؟ قال: هو أمرضني.
سئل رجلٌ عن حاله فقال:
كنا إذا نحن أردنا لم نجد ... حتى إذا نحن وجدنا لم نرد
بين معاوية ومصقلة بن هبيرة أرجف الناس بعلّة معاوية وضعفه، فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ معاوية بيده ثم قال: يا مصقل:
أبقي الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم
قد رامني الأقوام قب ... لك فامتنعت من المظالم
فقال مصقلة: أمّا قول أمير المؤمنين: " أبقي الحوادث من خليلك " ، فقد أبقى اللّه منك جبلاً راسياً وكلأً مرعيّاً لصديقك وسمّاً ناقعاً لعدوّك. وأما قولك: " قد رامني الأقوام قبلك " ، فمن ذا يرومك أو يظلمك! فقد كان الناس مشركين فكان أبو سفيان سيّدهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرهم. فأعطاه معاوية فخرج؛ فسئل عنه فقال: واللّه لغمزني غمزةً كاد يكسر منها يدي وأنتم تزعمونه مريضاً.
بين كثيّر عزّة وعبد الملك بن مروان وقال المدائنيّ: دخل كثيّر عزّة على عبد الملك بن مروان، فقال: يا أمير المؤمنين، لولا أنّ سرورك لا يتمّ بأن تسلم وأسقم لدعوت اللّه أن يصرف ما بك إليّ، ولكن أسأل اللّه لك أيها الأمير العافية ولي في كنفك النعمة. فضحك وأمر له بمال؛ فقال:
ونعود سيّدنا وسيّد غيرنا ... ليت التّشكّي كان بالعواد
لو كان يقبل فديةٌ لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي
لآخر وقال آخر:
لا تشكون دهراً صححت به ... إنّ لبغني في صحة الجسم
هبك الخليفة، كنت منتفعاً ... بلذاذة الدنيا مع السّقم؟
بين المسور وابن عباس

إعتلّ المسور فجاءه ابن عباس يعوده نصف النهار؛ فقال المسور: يا أبا عباس هلاّ ساعةً غير هذه! قال ابن عباس: إنّ أحبّ الساعات إليّ أن أؤدّي فيها الحقّ أشقّها عليّ.
كتاب رجل إلى صديق له يعتذر لتخلّفه عن عيادته وكتب رجل إلى صديق له: كيف أنت؟ بنفسي أنت! وكيف كنت؟ لازلت! وكيف قوتك ونشاطك؟ لا عدمته ما ولا عدمنا هما منك، وأعادك اللّه إلى أحسن ما عوّدك! لولا عوائق يوجب العذر بها تفضّلك لم أدع تعرّف خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب وأنقع للغليل وأشدّ تسكيناً للاعج الشوق.
تهنئة بالعافية واعتذار عن عدم العيادة وقرأت فصلاً في كتاب: لئن تخلّفت عن عيادتك بالعذر الواضح من العلّة لما أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصاً عن خبرك في ممساك ومصبحك وتنقل الحال بك تبعث من تقسم جوارحه وصبك، وزاد في ألمها ألمك، ومن تتّصل بك أحواله في السراء والضراء. ولما بلغتني إفاقتك كتبت مهنئاً بالعافية مخبراً بالعذر، معفيّاً من الجواب إلا بخبر السلامة إرسالاً.
شعر لعبد بني الحسحاس وقال عبد بني الحسحاس:
تجمّعن من شتّى ثلاث وأربعٌ ... وواحدةٌ حتى بلغن ثمانيا
سليمى وسلمى والرّباب وزينبٌ ... وهندٌ ودعدٌ والمنى وقطاميا
وأقبلن من بعض الخيام يعدنني ... ألا إنّ بعض العائدات دوائيا
شعر لعبد اللّه بن مصعب الزبيري " عائد الكلب " وقال عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ:
ما لي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
فسمّي " عائد الكلب " ، وولده الآن يسمّون " بني عائد الكلب "
التعازي وما يتمثّل به فيها
لابن جريح يعزّي عبد الوهاب الثقفي حدّثني محمد بن داود عن غسّان بن الفضل قال: قال عبد الوهاب الثّقفيّ: أتاني ابن جريح بمكة يعزّيني عن بعض أهلي، فقال: إنه من لم يسل أهله إيماناً واحتساباً سلا كما تسلو البهائم.
إبراهيم بن يحيى الأسلمي يعزّي المهدي في ابنته كتب إبراهيم بن يحيى الأسلميّ إلى المهديّ يعزّيه عن ابنته: أما بعد، فإن أحقّ من عرف حقّ اللّه فيما أخذ منه من عظّم حقّ اللّه عليه فيما أبقى له. وأعلم أنّ الماضي قبلك هو الباقي بعدك وأنّ أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم عليهم من النعمة فيما يعافونة منه مثله لسهل بن هارون ونحوه قول سهل بن هارون: التهنئة على آجل الثواب، أولى من التّعزية على عاجل المصيبة.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
كم من يدٍ لا يستقلّ بشكرها ... للّه في ظلّ المكاره كامنه
يزيد بن معمر السلمي لمعاوية وقد سقطت مقاديم فمه وسقطت مقاديم فم معاوية فشقّ ذلك عليه، فقال له يزيد بن معمر السّلميّ: واللّه يا أمير المؤمنين، ما بلغ أحدٌ سنّك إلا أبغض بعضاً، ففوك أهون علينا من سمعك وبصرك.
لصالح المرّي يعزّي رجلاً وقال صالح المرّيّ لرجل يعزّيه: إن لم تكن مصيبتك أحدثت في نفسك موعظةً فمصيبتك بنفسك أعظم.
ونحوه شرٌّ من المرزئة سوء الخلف عنها.
ومثله قول الشاعر:
إن يكن ما به أصبت جليلاً ... فلفقد العزاء فيه أجلّ
لشبيب بن شيبة يعزي المهدي عن ابنته عزّى شبيب بن شيبة المهديّ عن بانوقة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند اللّه خير لها مما عندك، وثواب اللّه خيرٌ لك منها.
لرجل يعزي عبد اللّه بن طاهر عن ابنته عزّى رجلٌ عبد اللّه بن طاهر عن ابنته فقال: أيها الأمير، مم تجزع؟ الموت أكرم نزّال على الحرم شعر لجرير وقال جرير:
وأهون مفقودٍ إذا الموت ناله ... على المرء من أصحابه من تقنّعا
وقال آخر:
ولم أر نعمة شملت كريماً ... كنعمة عورةٍ سترت بقبر
وعزّى رجل رجلاً فقال: لا أراك اللّه بعد هذه المصيبة ما ينسيكها.
شعر لرجل يعزي عمر بن عبد العزيز وقال رجل لعمر بن عبد العزيز:
تعزّ أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذي الصغير ويولد
هل ابنك إلاّ من سلالة آدمٍ ... لكلّ على حوض المنيةّ مورد
لأبي بكر رضي اللّه عنه يعزي عمر عزّى أبو بكر عمر رضي اللّه عنهما عن طفل أصيب به، فقال: عوّضك اللّه منه ما عوّضه منك.
شعر لمحمود الورّاق وقال محمودٌ الورّاق:

يمثّل ذا اللبّ في نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا
فإن نزلت بغتةً لم ترعه ... لما كان في نفسه مثلاً
رأى الهمّ يفضي إلى آخر ... فصيّر آخره أولا
وذو الجهل يأمن أيامه ... وينسى مصارع من قد خلا
فإن بدهته صروف الزمان ... ببعض مصائبه أعولا
ولو قدّم الحزم في أمره ... لعلمه الصبر عند البلا
موسى بن المهدي يعزي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له عزّى موسى بن المهديّ سليمان بن أبي جعفر عن ابن له، فقال: أيسرّك وهو بليّة وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة! مثله لرجل يعزي موسى بن المهدي عن ابن له وعزّى رجل موسى بن المهديّ عن ابن له فقال: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات رد عمر بن عبد العزيز على بعض عماله عزّاه عن ابنه سهيلاً توفّي سهيل بن عبد العزيز بن مروان فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عمّاله وأطنب في كتابه؛ فكتب إليه عمر:
حسبي حياة اللّه من كل ميتٍ ... وحسبي بقاء اللّه من كل هالك
إذا ما لقيت اللّه عنّي راضياً ... فإنّ شفاء النفس فيما هنالك
لابن السماك يعزّي الرشيد كتب ابن السماك إلى الرشيد يعزيه بابن له: أما بعد فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلّقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عليه كتب ابن السّماك إلى الرشيد يعزّيه بابن له: أما بعد، فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه، فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك.
كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عيه كتب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف: المصائب حاّلة لا بدّ منها، فمنها ما يكون رحمةً من اللّه ولطفاً بعبده، وآية ذلك أن يوفقّه للصبر ويلهمه الرضا ويبسط أمله فيما عنده من الثواب الآجل والخلف العاجل. ومنها ما يكون سخطاً وانتقاماً، أوّله حزن وأوسطه قنوط وآخره ندامة، وهي المصيبة حقّاً الجامعة لخسران الدنيا والآخرة. ولم تزل عادة اللّه عندك الإخلاف والإتلاف. وإن يك ما نالك الآن أعظم مما أتى عليك في مواضي الأيام، فالأجر المأمول على قدر ذلك.
وكتب أبو دلف إليه: إن تكن المصيبة جلّت، فإن فيما أكرمني اللّه به من جميل رأي الأمير. وما وضح للناس من فضل عنايته وابتدائه إيّاي بكتبه، ما عجّل العوض من المفقود.
وفي كتاب آخر: لئن كانت المصيبة جلّت، إن فيما أبقى اللّه ببقاء الأمير عوضاً وافياً وخلفاً كافياً. وحقيقٌ بمن عظمت النعمة عليه فيما أبقى اللّه أن يحسن عزاؤه عما أخذ منه. وأحق ما صبر علبه ما لا يستطاع دفعه.
لبعض الكتاب في تعزية وقرأت في كتاب لبعض الكتّاب في تعزيةٍ: أسأل اللّه أن يسد بك ما ثملت الأيام من مكانه، ويعمّر ما أخلت من مشاهده وأوطانه حتى لا يعفو الداثر، وأن يستقبل لكم أيامكم بأحسن ما أمضاها لمن منكم، فيجعلكم الخلف الذي لا وحشة معه ولا وحشة عليه، ويتولاكم ويتولانا فيكم بما هو أهله ووليّه.
في التّعازي وقرأت في كتاب تعزيةٍ: لا لوم على دمعةٍ لا تملك أن تسفحها، ولا على ألمٍ في القلب لا يدفع أن يظهر فيك، ولا عذر في سواهما مما أحبط أجرك وأشمت عدوك وضعّف رأيك، ولم يرجع إليك فائتاً ولا إلى شقيقك بمكانه روحاً ولا إلى من خلّف حفظاً. واعلم أن فرق ما بين ذي العقل وذي الجهل في مصيبتهما تعجّل العاقل من الصبر ما يتأجل الجاهل.

وقرأت في كتاب تعزية: لو كانت النوائب مدفوعة عن أحدٍ بكثرة من يقيه ذلك من إخوانه ويفديه منه بالأخص من أعزّته والأنفس من ماله، سلمت من ملمّها، وكان سبقي إلى ذلك أبرز سبق، وحظّي بالتقدّم فيه أوفر حظّ.
وقرأت في كتاب: مصيبتك لي مصيبةٌ، وما نالك من ألمها لي موجع. ولو كان في الوسع أن أعلم كنه ما خامر قلبك من ألمها حملت مثله إلى نفسي، فإني أحبّ أن أكون أسوتك في كل سارّ وغامٍّ، وألاّ أتمتّع بأيام غمومك، ولا أقصّر فيها عن مقدار حالك.
وقرأت في كتاب: نسأل اللّه حسن الاستعداد لما نتوكّفه ونتوقّع حلوله، وألاّ يشغلنا بما يقلّ الانتفاع به وتعظم التّبعة فيه عمّا نحتاج إليه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خيرٍ محضراً، وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها أمداً بعيداً، وأن يجعل ما وهب لنا من الصبر والعزاء إيماناً وإيقاناً، ولا يجعله ذهولاً ونسياناً.
لأسماء بن خارجة قال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.
لأعرابية مات ابنها قيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسن عزاءك! فقالت: أن فقدي إياه أمّنني من المصيبة بعده. ونحوه قول الشاعر:
وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
ومثله:
وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر
شعرلابن العتاهية وقال أبو العتاهية:
وكما تبلى وجوهٌ في الثّرى ... فكذا يبلى عليهن الحزن
في الأثر وفي الحديث: " من يرد اللّه به خيراً يصب منه " .
ويقال: المصيبة الموجعة تدرّ ذكر اللّه في قلب المؤمن.
بين الأصمعي وأعرابية مات ابنها قال الأصمعي: مررت بأعرابيّة وبين يديها فتىً في السّياق، ثم رجعت ورأيت في يدها قدح سويق تشربه، فقلت لها: ما فعل الشابّ؟ فقلت: واريناه؛ فقلت: فما هذا السّويق؟ فقلت:
على كلّ حالٍ يأكل القوم زادهم ... على البؤس والبلوى وفي الحدثان
لأعرابي قيل لأعرابيّ: كيف حزنك اليوم على ولدك؟ فقال: ماترك حبّ الغداء والعشاء لي حزناً.
لعمر بن عبد العزيز وقال عمر بن عبد العزيز: إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت فاله عمّا أصابك.
لمحمد بن علي بن الحسين في موت بعض أهله اشتكى بعض أهل محمد بن عليّ الحسين فجزع عليه، ثم أخبر بموته فسرّي عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال: ندعوا اللّه فيما نحبّ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما أحبّ.
لعبد اللّه في موت عتبة بن مسعود لما مات عتبة بن مسعود قال عبد اللّه: إذا ما قضى اللّه فيه ما قضى فما أحبّ أنّي دعوته فأجابني.
شعر لرجل من طيّيء قال رجل من طيّي:
فلولا الأسى ما عشت في الناس ساعة ... ولكن إذا ما شئت أسعدني مثلي
وقال آخر:
إذا أنت لم تسا اصطباراً وحسبةً ... سلوت على الأيام مثل البهائم
بين محمد بن الوليد بن عتبة والوليد بن عبد الملك عزّي محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمن هو في شغل مما دخل عليه، وأعدد لنزوله عدّة تكون لك حجاباً من الجزع وستراً من النار.
فقال يا محمد، أرجو ألا تكون رأيت غفلة تنبّه عليها ولا جزعاً يستتر منه، وما توفيقي إلا باللّه.
فقال محمد: يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحدٌ عن موعظةٍ بفضلٍ لكنته، ولكنّ اللّه يقول: " وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين " .
شعر للطائي وقال الطائيّ:
ويفرح بالشيء المعار بقاؤه ... ويحزن لمّا صار وهو له ذخرٌ
عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبسٌ ... فإنّ ابنك المحمود بعد ابنك الصّبر
وقال أيضاً:
أمالك إنّ الحزن أحلام نائم ... ومهما يدم فالوجد ليس بدائم
تأمّل رويداً هل تعدّنّ سالماً ... إلى آدم أم هل تعدّ ابن سالم
وقال آخر:
اصبر لكلّ مصيبةٍ وتجلّد ... واعلم بأن الدهر غير مخلّد
أو ما ترى أنّ الحوادث جمّةٌ ... وترى المنية للعباد بمرصد
وإذا أتتك مصيبةٌ تشجي بها ... فاذكر مصابك بالنبيّ محمد
لرجل يعزّي الرشيد

عزّي رجلالرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك، وكان العزاء منك لا عنك.
ما يعزي به أهل نجران بعضهم بعضاً يعزّي أهل نجران بعضهم بعضاً بهذا الكلام: لا يحزنكم اللّه ولا يفتنكم، أثابكم اللّه ثواب المتّقين وأوجب لكم الصلاة والرحمة.
لبعض الزبيريين يعزّي رجلاً عزّى بعض الزّبيرّيين رجلاً فقال: ريصفر ربعك، ولا يوحش بيتك، ولا يضع أجرك، رحم اللّه متوفّاك، وأحسن عليك.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
أسكّان بطن الأرض لو يقبل الفدى ... فدينا وأعطينا بكم ساكن الظهر
فيا ليت من فيها عليك وليت من ... عليها ثوى فيها مقيماً إلى الحشر
وقاسمني دهري بنيّ بشطره ... فلما توفّى شطره مال في شطري
فصاروا ديوناً للمنايا ومن يكن ... عليه لها دين قضاه على عسر
كأنّهم لم يعرف الموت غيرهم ... فثكلٌ على ثكلً وقبرٌ على قبر
وقد كنت حيّ الخوف قبل وفاتهم ... فلما توفّوا مات خوفي من الدهر
فللّه ما أعطى وللّه ما جزى ... وليس لأيام الرّزيّة كالصبر
فحسبك منهم موحشاً فقد برّهم ... وحسبك منهم مسلياً طلب الأجر
لشبيب بن شيبة يعزّي يهودياً عزّى شبيب بن شيبة رجلاً من اليهود فقال: أعطاك اللّه على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل ملّتك.
للعتبي وقال العتبي:
ما عالج الحزن والحرارة في ال ... أحشاء من لم يمت له ولد
فجعت بأبنيّ ليس بينهما ... إلا ليال ليست لها عدد
وكلّ حزنٍ يبلى على قدم ال ... دّهر وحزني يجدّه الأبد
وقال أيضاً:
ألا يزجر الدهر عنا المنونا ... يبقّي البنات ويفني البنينا
وأنحى عليّ بلا رحمةٍ ... فلم يبق لي في جفوني جفونا
وكنت أبا سبعةٍ كالبدور ... أفقّي بهم أعين الحاسدينا
فمرّوا على حادثات الزمان ... كمرّ الدراهم بالناقدينا
فأفنتهم واحداً واحداً ... إلى أن أبادتهم أجمعينا
وألقين ذاك إلى ضارحٍ ... وألقين هذا إلى دافينا
وما زال ذلك دأب الزما ... ن يفني الأوائل فالأوّلينا
وحتّى بكى لي حسادهم ... فقد أقرحوا بالدموع الجفونا
وحسبك من حادثٍ بامرىء ... ترى حاسديه له راحمينا
وكانوا على ظهرها أنجماً ... فأضحوا إلى بطنها ينقلونا
فمن كان يسليه مرّ السنين ... فحزني يجدّده لي السنونا
ومما يسكّن وجدي بهم ... بأن المنون ستلقى المنونا
تعزية لأبي بكر رضي اللّه عنه كان أبو بكر رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبةٌ ولا مع الجزع فائدة؛ الموت أهون مما قبله وأشدّ مما بعده؛ اذكروا فقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تصغر مصيبتكم؛ وعظّم اللّه أجركم.
تعزية لعليّ رضي اللّه عنه وكان عليّ رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً يقول: إن تجزع فأهل ذلك الرّحم، وإن تصبر ففي اللّه عوضٌ من كل فائتٍ؛ وصلى اللّه على محمد، وعظّم اللّه أجركم.
شعر لأعرابي ولغيره وقال أعرابيّ:
أيغسا رأسي أو تطيب مشاربي ... ووجهك معفورٌ وأنت سليب
نسيبك من أمسى يناجيك طرفه ... وليس لمن وارى التراب نسيب
وإني لأستحي أخي وهو ميتٌ ... كما كنت أستحييه وهو قريبٌ
وقال أعرابيّ:
وما نحن ألا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلاً بعدهم وتقدّموا
وقال آخر:
وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر
وأجزع أن ينأى به بين ليلةٍ ... فكيف ببين صار ميعاده الحشر
وقال آخر:
وإنّا وإخواناً لنا قد تتابعوا ... لكالمغتدي والرائح المتهجّر
لسليمان الأعجمي وقال سليمان الأعجميّ:
ربّ مغروسٍ يعاش به ... عدمته كفّ مغترسه

وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه
شعر تمثّل به معاوية بن أبي سفيان وتمثّل معاوية بن أبي سفيان يوماً فقال:
إذا سار من خلف امرىٍ وأمامه ... وأوحش من جيرانه فهو سائر
وقال آخر:
وإذا قيل مات يوماً فلانٌ ... راعنا ذاك ساعةً ما نحير
نذكر الموت عند ذاك وننسا ... ه إذا غيّبته عنا القبور
وقال آخر:
نراع من الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تخفي ذاهبات
كروعة ثلّةٍ لمغار سبع ... فلما غاب ظلّت راتعات
وقال أبو نواس:
سبقونا إلى الرّحي ... ل وإنا لبالأثر
تعزية رجل إلى بعض الأمراء وكتب رجل ألى بعض الأمراء في تعزية: الأمير أذكر اللّه من أن يذكّر به، وأعلم بما قضاه على خلقه من أن يدلّ عليه، وأسلك لسبيل الراشدين في التسليم لأمره والصبر على قدره والتنجّز لوعده، من أن ينبّه من ذلك على حظّه، أو أن يحتاج معزّيه عند حادث المصيبة إلى أكثر من الدعاء في قضاء حقّه. فزاده اللّه توفيقاً إلى توفيقه، وأحضره رشده، وسدّد للصواب غرضه، وتولاّه بالحسنى في جميع أموره، إنه سميع قريب. وقد كان من حادث قضاء اللّه في المتوفّى ما أنقض وأرمض، وفجع وأوجع، علماً بما دخل على الأمير من النقص، وعلى سروره من اللوعة، وعلى أنسه من الوحشة، إلى ما خصّني منه بماسّ الرّحم وأوشج القرابة. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له الذّخر، وعصمه باليقين، وأنجز له ما وعد الصابرين؛ ورحم المتوفّى ولقّاه الأمن والرّوح، وفسح له في المضجع، وجمعه وإيّاه بعد العمر الطويل في الدار التي لا خوف عليهم فيها ولا هم يحزنون.
تعزية إلى أمير وفي كتاب: نحن نحمد اللّه أيّها الأمير إذ أخذ على ما أبقى منك، وإذ سلب على ما وهب بك؛ فأنت العوض من كل فائت، والجابر لكلّ مصيبة، والمؤنس من وحشة كلّ فقد؛ وحقّ لمن كنت له وليّاً وعضداً أن يشغله حمد اللّه على النعمة بك عن الجزع على غيرك.
كتاب من سعيد بن حميد لمحمد بن عبد اللّه يعزيه عن أمه وكتب سعيد بن حميد ألى محمد بن عبد اللّه: ليس المعزّي على سلوك السبيل التي سلكها الناس قبله والمضيّ على السنّة التي سّنها صالحو السلف له؛ وقد بلغني ما حدث من قضاء اللّه في أم الأمير، فنالني من ألم الرّزية وفاجع المصيبة ما ينال خدمة الذين يخصهم ما خصّه من النعم، ويتصرفون معه فيما تناوله اللّه به من المحن. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له المثوبة والذخر، ولا أراه في نعمةٍ عنده نقصاً، ووفّقه عند النعم للشكر الموجب للمزيد، وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوّهاب. ورحم اللّه الماضية رحمة من رضي سعيه وجازاه بأحسن عمله. ولو كانت السبيل إلى الشخوص إلى باب الأمير سهلة، لكان اللّه قد أجلّ الأمير عن أن يعزّيه مثلي بالرسول دون اللقاء، وبالكتاب دون الشّفاه، ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة، وقبول العذر عمنّ حيل بينه وبين الواجب.
مثله لابن مكرم ولابن مكرم: وممّا حرّكني للكتاب تعزيتك بمن لا ترميك الأيام بمثل الحادث فيه، ولا تعتاض مما كان اللّه جمعه لك عنده من الميل إليك والصبر على مكروه جفائك، مع ما كان اللّه أعاره من قوّة العقل وأصالة الرأي، ومدّ له من عنانه إلى قصوى الغايات، فإنا للّه وإنا إليه راجعون على ما أفاتتنا الأيام منه حين تمّ واستوى، وغالى في المروءة وتناهى، وعند اللّه يحتسب المصاب به؛ وعظّم اللّه لك فيه الأجر، ومهّل لك في العمر، وأجزل لك العوض والذّخر. فكلّ ماضٍ من أهلك فأنت سداد ملته وجابر رزيّته. وقد خلف من أنت أحقّ الناس به من عجوزٍ وليت تربيتك وحياطتك في طبقات سنّك، وولدٍ ربوا في حجرك ونبتوا بين يديك، ليس لهم بعد اللّه مرجع سواك، ولا مقيل إلا في ذراك؛ فأنشدك اللّه فيهم فإنه أخرب أحوالهم بعمارة مروءته، وقطعهم بصلة فضله، واللّه يجزيه بجميل أثره ويخلفه فيهم بما هو أهله.
تعزية من كتاب وفي فصل من كتاب: وقد جرى قضاء اللّه في هذه النازلة ما نطق عما نالك وأبقىعندك، وهو حقّ مثلها وقدر ملمّها.

وفي فصل آخر: لو كان ما يمسّك من أذى يشتري أو يفتدي، رجوت أن أكون غير باخلٍ بما تضنّ به النفوس، وأن أكون ستراً بينك وبين كل ملمٍّ ومحذورٍ. فأعظم اللّه أجرك، وأجزل ذخرك، ولا خذل صبرك ولا فتنك؛ ولا جعل للشيطان حظاً فيك ولا سبيلاً عليك.
بين الوليد وعبسيّ المدائني قال: قدم رجل من عبسٍ، ضريرٌ محطوم الوجه، على الوليد؛ فسأله عن سبب ضرّه، فقال: بتّ ليلةً في بطن وادٍ ولا أعلم على الأرض عبسيّاً يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيلٌ فأذهب ما كان لي من أهلٍ ومالٍ وولد إلا صبيّاً رضيعاً وبعيراً صعباً، فندّ البعير والصبيّ معي فوضعته واتّبعت البعير لأحبسه، فما جاوزت إلا ورأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وأتبعت البعير، فرمحني رمحةً حطم بها وجهي وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مالٍ ولا ذا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاءً منه. وكان عروة بن الزّبير أصيب بابنٍ له وأصابه الداء الخبيث في إحدى رجليه فقطعها، فكان يقول: كانوا أربعة - يعني بنيه - فأبقيت ثلاثة وأخذت واحداً، وكنّ أربعاً - يعني يديه ورجليه - فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثاً. أحمدك، لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت أبقيت لقد عافيت. وشخص إلى إلى المدينة فأتاه الناس يبكون ويتوجّعون؛ فقال: إن كنتم تعدّونني للسّباق والصّراع فقد أودى، وإن كنتم تعدّونني للّسان والجاه فقد أبقى اللّه خيراً كثيراً.
شعر لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:
من سبق السّلوة بالصبر ... فاز بفضل الحمد والأجر
يا عجباً من هلعٍ جازعٍ ... يصبح بين الذّم والوزر
مصيبة الإنسان في دينه ... أعظم من جائحة الدهر
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ليت شعري ضلةً ... أيُّ شيءٍ فتلك
والمنايا رصدٌ ... للفتى حيث سلك
كلّ شيء قاتل ... حين تلقى أجلك
ليت نفسي قدّمت ... للمنايا بدلك
أيُّ شيءٍ حسنٍ ... للفتى لم يك لك
وقال آخر:
غرّ امرؤ منته نف ... سٌ أن تدوم له السلامة
هيهات! أعيا الأولي ... ن دواء دائك يا دعامه
شعر لصفة الباهلية ترثي أختها وقالت صفيّة الباهليّة في أختها:
كنا كغصنين في جرثومةٍ سموا ... حيناً بأحسن ما تسموا له الشجر
حتى إذا قيل قد طالت فروعهما ... وطاب قنواهما واستنظر الثمر
أخنى على واحدي ريب الزمان ولا ... يبقي الزمان على شيءٍ ولا يذر
كنّا كأنجم ليلٍ وسطنا قمرٌ ... يجلو الدّجى فهوى من بيننا القمر
للطائي وغيره ومن هذا أخذ الطائي قوله:
كأنّ بني تبهان يوم وفاته ... نجوم سماءٍ خرّ من بينها البدر
وقال آخر:
لكلّ أناسٍ مقبرٌ بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد
وما إن يزال رسم دارٍ قد اخلقت ... وبيتٌ لميتٍ بالفناء جديد
هم جيرة الأحياء أمّا جوارهم ... فدانٍ وأمّا الملتقى فبعيد
وقال آخر:
لا يبعد اللّه أقواماً لنا ذهبوا ... أفناهم حدثان الدهر والأبد
نمدّهم كلّ يومٍ من بيّتنا ... ولا يؤوب إلينا منهم أحد
وقال النابغة:
حسب الخليلين أنّ الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بالي
وقال آخر:
وقد كنت أرجو أن أملاّك حقبةً ... فحال قضاء اللّه دون رجائيا
ألا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا
وقال آخر:
لعمرك ما وارى التراب فعاله ... ولكنه وارى ثياباً وأعظما
لفضالة بن شريك فضالة بن شريك:
رمى الحدثان نسوة آل حربٍ ... بفادحةٍ سمدن لها سمودا
فردّ شعورهنّ السود بيضاً ... وردّ وجوههن البيض سودا
وقال آخر:
أمّا القبور فإنّهنّ أوانسٌ ... بجوار قبرك والديار قبور
عمّت مصيبته فعمّ هلاكه ... فالناس فيه كلّهم مأجور
ردّت صنائعه عليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور

لمنصور النّمري منصور النّمريّ:
فإن يك أفنته الليالي فأوشكت ... فإنّ له ذكراً سيفني اللياليا
شعر لطفيل يذكر الموت وقال طفيلٌ يذكر الموت:
مضوا سلفاً قصد السبيل عليهم ... وصرف المنايا بالرجال تقلّب
وقال هشام أخو ذي الرّمّة:
تعزّيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاءً وجفن العين ملآن مترع
ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع
لبعض الكتّاب وفي فصل من كتاب لبعض الكتّاب: لست أحتاج مع علمك بما في الصبر عند نازل المصيبة من الفضيلة، وما في الشكر عن حادث النعمة من الحظ، إلى أكثر من الدعاء في قضاء الحقّين. ولا إلى إخبارك عمّا أنا عليه من الارتماض لضرّائك والجذل بسرائك، لمعرفتك بشركتي لك واتصال حالك بي في الأمرين.
التهانيبين الحسن ورجل يهنّئه حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا أبو قتيبة قال: حدّثنا ميمون " قال " حدّثنا أبو عبد اللّه النّاجي قال: كنت عند الحسن، فقال رجل: ليهنئك الفارس. فقال: لعله يكون بغّالا، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ أشدّه، ورزقت برّه.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال مجاهد: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعا لمتزوّج قال: " على اليمن والسعادة والطير الصالح والرزق الواسع والمودّة عند الرحمن " أبو الأسود يهنىء رجلاً تزوّج قال أبو الأسود لرجل يهنّئه بتزويج: باليمن والبركة، وشدّة الحركة، والظفر في المعركة.
نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قول: بالرفاء والبنين وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينهى أن يقال: " بالرّفاء والبنين " لعطاء بن أبي صيفي الثقفي يعزّي يزيد بن معاوية ويهنئه في مقام واحد وكان يقال: إن أوّل من هنّأ وعزّى في مقام واحد عطاء بن أبي صيفيّ الثّقفيّ. عزّى يزيد بن معاوية بأبيه وهنّأه بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام، فقال: أصبحت رزئت خليفةً وأعطيت خلافة اللّه. قضى معاوية نحبه، فغفر اللّه ذنبه؛ ووليت الرياسة، وكنت أحقّ بالسياسة؛ فاحتسب عند اللّه أعظم الرزّية واشكر اللّه على أعظم العطّية. وعظّم اللّه في أمير المؤمنين أجرك،وأحسن على الخلافة عونك.
مثله لأعرابية والمنصور العباسي وقلت أعرابيّة للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العبّاس: أعظم اللّه أجرك في أخيك؛ لامصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم خلافتك.
بين الحجاج وأيوب بن القرّيّة قال الحجّاج لأيوب بن القرّيّة: اخطب عليّ هند بنت أسماء، ولا تزد على ثلاث كلمات. فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من تعلمون، والأمير معطيكم ما تسألون أفتنكحون أم تردّون؟ قالوا: بل أنكحنا وأنعمنا. فرجع ابن القرّية إلى الحجّاج فقال: أقرّ اللّه عينك، وجمعٍ شملك، وأنبت ريعك؛ على الثبات والنبات، والغنى حتى الممات؛ جعلها اللّه ودوداً ولوداً، وجمع بينكما على البركة والخير.
لبعض الكتّاب يهنّىء رجلاً بدار انتقل إليها كتب بعض الكتّاب إلى رجل يهنئه بدار انتقل إليها: بخير منتقلٍ، وعلى أيمن طائر، ولأحسن إبّان، أنزلك اللّه عاجلاً وآجلاً خير منازل المفلحين.
تهنئة ابن الرقاع لمتزوّج وقال ابن لمتزوّج:
قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسّعد ما غابا وما طلعا
ما وارت الأستار مثلهما ... فيمن رأيناه ومن سمعا
دام السّرور له بها ولها ... وتهنّأ طول الحياة معاً
تهنئة رجل لصديق بالدخول على أهله وكتب رجل إلى صديق له يهنئه بالدخول على أهله: قد بلغني ما هيّأ اللّه لك من اجتماع الشّمل، بضمّ الأهل؛ فشركتك في النعمة، وكنت أسوتك في السرور، وشاهدتك بقلبي، ومثلت ما أنت فيه لعيني، فحللت بذلك محلّ المعاين للحال وزينتها، فهنيئاً هنأك اللّه ما قسم لك، وبالرّفاء والبنين، وعلى طول التعمير والسنين.
من بعض الكتّاب إلى عامل

وكتب آخر من الكتّاب إلى عامل: نحن من السرور، بما قد استفاض من جميل أثرك فيماتلي من أعمالك وخطمك وزمّك إيّاها بحزمك وعزمك، وانتياشك أهلها من جور من وليهم قبلك، وسرورهم بتطاول أيّامك والكون في ظلّ جناحك، في غاية من تخّصه وتعمّه نعمك، وتجول به الحال حيث جالت بك، فالحمد للّه الذي جعل العاقبة لك، ولم يردد علينا آمالنا منكوسةً فيك، كما ردّها على غيرنا في غيرك وهنيئأ هنأك اللّه نعمه خاصّها وعامّها، وأوزعك شكرها وأوجب لك بالشكر أحسن المزيدر فيها.
تهنئة كلتب لنصراني أسلم وكتب رجلٌ من الكتّاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد للّه الذي أرشد أمرك، وخصّ بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك ورجاحة رأيك؛ فما كانت الآداب التي حويتها والمعرفة التي أويتها؛ لتدوم بك على غوايةٍ وديانةٍ شائنةٍ لا تليق بلبك ولا يبرح ذوو الحجا من موجبي حقّك ينكرون إبطاءك وتركك البدار إلى الدّين القيّم الذي لا يقبل اللّه غيره ولا يثيب إلا به، فقال: " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه " ، وقال: " إنّ الدّين عند اللّه الإسلام " . والحمد للّه الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل ولايته، وشرّفه بولاء خليفته. وهنأك اللّه نعمته، وأعانك على شكره؛ فقد أصبحت لنا أخاً ندين بمودّته وموالاتهبعد التأثّم من خلطتك ومخالفة الحقّ بمشايعتك؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: " لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانواآباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " .
تهنئة بحجّ وكتب رجلٌ من الكتّاب تهنئةً بحجٍّ: الحمد للّه على تمام مهاجرك، وسلامة بدأتك ورجعتك، وإعظامه المنّة بأوبتك؛ وشكر اللّه سعيك، وبرّ حجّك، وتقبّل نسكك؛ وجعلك ممنٍ قلبه مفلحاً منجحاً، قد ربحت صفقته، ولم تبر تجارته، ولا أعدمك نيّةً تفضل عملك، وتوفيقاً يحوط دينك، وشكراً يرتبط نعمتك؛ فهنأكم اللّه النعمة، وجمعكم في دار الخلافة، وجعلكم ساسة الأمّة والمتقدّمين عند الإمام - أيّده اللّه بالطاعة والنصيحة - فإنّكم زين السلطان، وعمدة الإخوان، وأضداد أكثر أهل الزمان.
تهنئة بفطام مولود وكتب إلى رجل عن صديق له يهنّئه بفطام مولود: أنا - أعزّك اللّه - لما حمّلني اللّه من أياديك، وأودعني من إحسانك، وألزمني من شكرك، آخذ نفسي بمراعاة أمورك، وتفقّد أحوالك، وتعرّف كلّ ما يحدثه اللّه عندك، لأقابله بما يلزمني، وأقضي الحقّ فيه عنّي بميلغ الوسع ومقدار الطاقة، وإن كانا لا يبلغان واجبك، ولا يستقلاّن بثقل عارفتك. وكلّ ما نقّل اللّه الفتى " و " بلّغه من أحوال البلوغ ورقّاه فيه من درجات النموّ، فنعمةٌ من اللّه حادثةٌ تلزم الشكر، وحقّ يجب قضاؤه بالتهنئة. وكتب أليّ وكيلي المقيم ببابك يذكر ما وهبه اللّه من سلامته عند الفطام، وصلاح جسمه عند الطعام، وسلوته عن أوّل الغذاء، وسرورك ومن يليك بما وهب اللّه في هذه الحال من عافيته وحسن المدافعة عنه؛ فأكثرت للّه الحمد، وأسهبت في الدعاء والرغبة، وتصدّقت عنه بما أرجو أن يتقبّله؛ وكتبت مهنئاً بتجدّد النعمة عندكم فيه. فالحمد للّه المتطوّل علينا قبله بما هو أهله، والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته. وهنأك اللّه النعم، وصانها عندك من الغير، وحرسها بالشكر، وبلغ بالفتى أقصى مبالغ الشرف، وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان واليقين، بمنّه فضله.
تهنئة بحجّ إلى صاحبه: الحقّ للسادة عندما يجدّده اللّه لهم من نعمه في الدعاء من جلائل حقوقهم على أوليائهم. وقد خصّ اللّه حقّك بما لا يسعني معه ادّخارٍ مجهودٍ في تعظيمه وشكره. ولولا أنّ الطاعة من حدوده، لم أنتظر إذنك لي في تلقّيك راجلاً بالأوبة، إذ كان الكتاب بها دون السّعي بأبلغ نصيبٍ من التقصير. وأنا أسأل اللّه الذي أوفدك إلى بيته الحرام، وعمر بك مشاهدة العظام؛ وأوردك حرمه سالماً، وأصدرك عنه غانماً؛ ومنّ بك على أوليائك وخدمك، أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك؛ بتقّبل السّعي ونجح الطّلبة وتعريف الإجابة.
تهنئة بولاية

وكتب بعض الكتّاب تهنئةً بولاية: فإنه ليس من نعمةٍ يجدّدها اللّه عندك، والصنع الجميل تحدثه لك الأيّام، إلا كان ارتياحي له واستبشاري به واعتدادي بما يهب اللّه لك من ذلك، حسب حقّك الذي توجبه، وبرّك الذي أشكره، وإخائك الذي يعزّ ويحلّ عندي موقعه؛ فجعل اللّه ذلك فيه وله، ووصله بتقواه وطاعته. وبلغني خبر الولاية التي وليتها، فكنت شريكك في السرور وعديلك في الإرتياح، فسألت اللّه أن يعرّفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها، ويحسن معونتك على صالح نيّتك في الإحسان إلى أهل عملك والتألف لهم، واستعمال العدل فيهم ويرزقك محبتهم وطاعتهم، ويجعلهم خير رعيّة.
كتاب إلى معزول وكتب رجلٌ إلى معزول: فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول اللّه عزّ وجلّ. " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وه شرٌ لكم " وقال أيضاً: " فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً " وعندك بحمد اللّه من المعرفة بتصاريف الأمور، والإستدلال بما كان منها على ما يكون، مغنىً عن الإكثار في القول. وقد بلغني انصرافك عن العمل على الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيّتك ومحبّتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما بقيّت من الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلّفت من عدلك وحسن سيرتك في الداني منهم والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة اللّه عليك في ذلك وعلينا، نعمةً جلّ قدرها ووجب شكرها. فالحمد للّه على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به أعداك، ومكّن لك من الحال عند من ولاّك؛ فقد أصبحنا نعتدّ صرفك عن عملك منحاً مجدّداً، يجب به تهنئتك، كما يجب التوجّع لغيرك.
أيضاً تهنئة بحج وكتب رجلٌ من الكتّاب في تهنئة بحجّ: لولا أنّ عوائق أشغالٍ يوجب العذر بها تفضّلك ويبسطه احتمالك، لكنت مكان كتابي هذا مهنّئاً لك بالأوبة، ومجدّداً بك عهداً، ومحيياً نفسي بالنظر إلك. وانا أسأل اللّه أن يشكر سعيك، ويتقبّل حجّك، ويثبت في علّييّن أثرك، ولا يجعله من الوفادة إليه آخر عهدك.
تهنئة لبعض الكتاب وكتب بعض الكتّاب: لا مهنّئ أولى ما يكون مهنئاً، تعظيماً لنعمه فيما جدّد اللّه لك يا مولاي بالولاية، منّي؛ إذ كنت أرجو بها انضمام نشري، وتلافي اللّه بعنايتك المتشتّت من أمري. فهنأك اللّه تجدّد النعم، وبارك لك في الولاية، وافتتحها لك بالصّنع الجميل، وختمها لك بالسلامة، إنه سميع قريب.
باب شرار الإخوان لشيب بن شيبة في خالد بن صفوانذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال: ذاك رجلٌ ليس له صديقٌ في السرّ ولا عدوٌّ في العلانية.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
وإنّ من الخلاّن من تشحط النّوى ... به وهو داعٍ للوصال أمين
ومنهم صديق العين أمّا لقاؤه ... فحلوّ وأمّا غيبه فظنون
لعيينة بن حصن قبل إسلامه أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فلقيه ركبٌ خارجون منها؛ فقال: أخبروني عن هذا الرجل " يعني النبيّ صلى اللّه عليه وسلم " ، فقالوا: الناس فيه ثلاثة رجال: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشاً وأفناء العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام إذا لقى أصحابه ويظهر لقريش أنه معهم إذا لقيهم؛ فقال: ما يسمّى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون. قال: فأشهدوا أنّي منهم، فما فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء.
دعاء لرجل وكان يدعو فيقول: اللّهم اكفني بوائق الثّقات، واحفظني من الصّديق. وكتب رجلٌ على باب داره: جزى اللّه من لا يعرفنا ولا نعرفه خيراً، فأمّا أصدقاؤنا فلا جزوا ذلك، فأنّا لم نؤت قطّ إلا منهم.
شعر إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك الزيات وكتب إبراهيم بن العبّاس إلى محمد بن عبد الملك الزيّات:
وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حرباً عوانا
وقد كنت أشكو إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذمّ الزمانا
وكنت أعدّك للنائبات ... فهأنا أطلب منك الأمانا
شعر لمحمد بن مهدي وقال محمد بن مهديّ:
كان صديقي وكان خالصتي ... أيّام نجري مجاري السّلق
حتى إذا راح والملوك معاً ... عدّ اطّراحي من صالح الخلق
خلّيت ثوب الفراق في يده ... وقلت هذا الوداع فانطلق

لبسته لبسة الجديد على ال ... قرّ وفارقت فرقة الخلق
وقال آخر:
ذا رأيت أمراً في حال عسرته ... مواصلاً لك ما في ودّه خلل
فلا تمنّ له أن يستفيد غنىً ... فإنه بانتقال الحال ينتقل
كتاب رجل لصديق له أعرض عنه وكتب رجلٌ إلى صديق أعرض عنه: لولا أنّي أشفقت من أشتات ظني " في " إجابتك إلى ما يعلم اللّه براءتي منه فيك ولك لمعجبك ولكفيتك مؤونتي، ثقةً بأنّ ازديادك من معرفة الناس ستردّك إلّي؛ فإن رجعت قبلت وتمسّكت واغتبطت وإن أصررت لم أتبع مولّيا، ولم آس على مدبر ولم أسامح نفسي على تعلّقها بك، ولم أساعدها على نزاعها إليك. فكم من زمان تركتك فيه وسومك ثم أبى قلبي ذلك، فكررت وعطفت أسىً على أيّامي معك وما تؤكّد بيني وبينك. وما من كرةٍ لي إليك إلا وهي داعيةٍ إلى ما أكرهه من استخفافك ونفورك ولو فهمت ما استحققت به عليك ما أشكوه الخفّ محمل ما يكون منك عليّ ولا جست في عتباك ورضاك وفي جواب كتاب: وقد وزعني ما ضربته لي من الأمثال في كتابك عن استبطائك على أني لا أستزيد إلا من أحتاج إلى صلاحه وأرغب في يقيّته؛ وقد قيل:
يأبين إلا جفوةً وظلما ... من كثرة الوصل تجنّى الجرما
وفي كل ما أجبتني ظلمت في معارضتي عن مسخي جوابك بإيحاشي وفي اعتدادك عليّ بما أنت جانيه وعليك الحجة فيه، وما أنكر الخلاف بين الأب وابنه والأخ وشقيقه إذا وقعت المعاملة، ولذلك سبب لا أعرفه بيني وبينك قطّ، فإني لم أخالفك ولم أشاححك ولم أنازعك ولم أعارض نعمك بلا ولا أمرك بنهي.
شعر للحسن بن وهب وقال الحسن بن وهب:
سأكرم نفسي عنك حسب إهانتي ... لها فيك إذ قرّت وكفّ نزاعها
هي النّفس ما كلفتها قطّ خطةً ... من الأمر إلا قلّ منه امتناعها
صدقت لعمري أنت أكبر ههّمها ... فأجهدها إذ قلّ منك انتفاعها
هب أنّي أعمى فاتت الشمس طرفه ... وغيّب عنه نورها وشعاعها
ولعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:
رأيت فضيلاً كان شيئاً ملفّقاً ... فكشّفه التحميص حتى بدا ليا
فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاً ليا
فلا زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا
فلست براءٍ عيب ذي الودّ كلهّ ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
فعين الرضا عن كلِّ عيب كليلةٌ ... ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا
كلانا غنيٌّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا
أيضاً من عبد اللّه بن معاوية إلى بعض إخوانه وكتب ايضاً إلى بعض إخوانه: أما بعد، فقد عاقني الشكّ فيك عن عزيمة الرأي في أمرك؛ ابتدأني بلطف عن غيره خبرة، ثم أعقبتني جفاءً من غير ذنب؛ فأطعمني أوّلك في إخائك، وآيسني آخرك من وفائك؛ فلا أنا في غير الرجاء مجمعٌ لك اطّراحاً، ولا أنا في غدٍ وانتظاره منك على ثقة؛ فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف.
كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: نحن نستكثرك باعتزالك، ونستديم صلتك بجفائك، ونرى الزيادة في الغمّ أدوم لجميل رأيك.
شعر لكثير، ولغيره ومثله قول كثير:
وإن شحطت يوماً بكيت وإن دنت ... تدلّلت واستكثرتها باعتزالها
ونحوه قول الكميت:
وقد يخذل المولى دعائي ويجتدي ... أذاتي وإن يعدل به الضيم أغضب
فأونس من بعض الصديق ملالة الدّنوّ فأستبقيهم بالتجنّب
وقال آخر:
إنك ما أعلم ذو ملةٍ ... يذهلك الأدنى عن الأقدم
وقال عبد الحمن بن حسان:
لا خير في الودّ ممن لا تزال له ... مستشعراً أبداً من خيفةٍ وجلا
إذا تغيّب لم تبرح تسيء به ... ظناً وتسأل عمّا قال أو فعلا
ولمرّة بن محكان وقال مرّة بن محكان:
ترى بيننا خلقاً ظاهراً ... وصدراً عدواً ووجهاً طليقا
ونحوه قول المرّار:

كذبٌ تخرّصه عليّ لقومه ... سلم اللسان محارب الإسرار
نصيحة أعرابية لابنها وحدثني أبو حمزة الأنصاريّ قال: حدثنا العتّبي قال: قالت أعرابية لابنها: يا بنيّ، إياك وصحبة من مودّته بشره فإنه بمنزلة الريح.
أصناف الإخوان وكان يقال: الإخوان ثلاثة: أخٌ يخلص لك ودّه، ويبلغ في محبتك جهده. وأخٌ ذو نيّة يقتصر بك على حسن نيّته، دون رفده ومعونته. وأخٌ يلهوق لك لسانه، ويتشاغل عنك بشانه، ويوسعك من كذبه وأيمانه.
شعر للمثقّب العبدي، ولأوس بن حجر وقال المثقب العبدي:
فإما أن تكون أخي بصدقٍ ... فأعرف منك غثّي من ثميني
وإلا فاجتنبني واتخذني ... عدوّاً أتقيك وتتّقيني
وقال أوس بن حجر:
وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يسوءك إن ولّى ويرضيك مقبلاً
ولكن أخوك النائي ما دمت آمناً ... وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا
وقال آخر:
لعمرك ما ودّ اللسان بنافعٍ ... إذا لم يكن أصل المودّة في القلب
لأبي حارثة المدني وقال أبو حارثة المدنيّ: ليس لمملولٍ صديقٌ، ولا لحسودٍ غنىً، والنظر في العواقب تلقيح العقول.
شعر للعباس بن الأحنف، ولآخرين قال العباس بن الأحنف:
أشكو الذين أذاقوني مودّتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
واستنهضوني فلمّا قمت منتهضاً ... بثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا
ونحوه قول المجنون:
وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقولٍ يحلّ العصم سهل الأباطح
تجافيت عنّي حين لا لي حيلةً ... وخلّفت ما خلّفت بين الجوانح
وقال آخر:
ولا خير في ودّ إذا لم يكن له ... على طول مرّ الحادثات بقاء
وأنشد ابن الأعرابي:
لحا اللّه من لا ينفع الودّ عنده ... ومن حبله إن مدّ غير متين
ومن هو إن يحدث له الغير نظرةً ... يقطع بها أسباب كلّ قرين
ويقال: صاحب السوء جذوةٌ من النار.
لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقال عليّ عليه السلام: " لا تؤاخ الفاجر فإنه يزيّن لك فعله ويحبّ لو أنك مثله ويزيّن لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك ومخرجه من عندك شين وعار. ولا الأحمق فإنه يجتهد بنفسه لك ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فيضّرك، فسكوته خيرٌ من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته. ولا الكذّاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنه ليحدّث بالصدق فما يصدّق " شعر رآه أبو قبيل في بلاد الروم قال أبو قبيل: أسرت ببلاد الروم فأصبت على ركن من أركانها:
ولا تصحب أخا الجهل ... وإيّاك وإيّاه
فكم من جاهل أردى ... حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه
وللشيء على الشيء ... مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه
شعر لعدي بن يزيد وقال عديّ بن يزيد:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإنّ القرين بالمقارن نقتدي
وللرياشي وأنشد الرياشي:
إن كنت لا تصحب إلا فتىً ... مثلك لم تؤت بأمثالكا
إنّ لك الفضل على صحبتي ... والمسك قد يستصحب الرّامكا
هبني أمراً جئت أريد الهدى ... فجد على ضعفي بإسلامكا
ليحيى بن خالد وكتب يحيى بن خالد: أحبّ أن تكون على يقين أنّي بك ضنين، أريدك ما أردتني، وأريدك أن تنوب عنّي ما كان ذلك بي وبك جميلاً يحسن عند إخواننا، وإن وقعت القادير بخلاف ذلك لم أعد ما يجب. والذي هاجني على الكتاب أنّ أبا نوح معروف بن راشد سألني أن أبوح له بما عندي، واللّه يعلم أنّي ما تبدلت وما حلت عن عهد، فجمعنا اللّه وإياك على طاعته ومحبّة خليفته.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: ثق بذي العقل والكرم واطمئن إليه؛ وواصل العاقل ؤغير ذي الكرم، واحترس من سيّء أخلاقه وانتفع بعقله؛ وواصل الكريم غير ذي العقل وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك؛ وأهرب من الئيم الأحمق.
شعر لحماد عجرد وقال حمّاد عجرد:
كم من أخٍ لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر

متصنّع لك في مودّته ... يلقاك بالتّرحيب والبشر
يطري الوفاء وذا الوفاء ويل ... حي الغدر مجتهداً وذا الغدر
فإذا عدا، والدهر ذو غير، ... دهرٌ عليك عدا مع الدهر
فارفض بإجمالٍ أخوة من ... يقلي المقلّ ويعشق المثري
وعليك من حالاه واحدةٌ ... في العسر إمّا كنت واليسر
لا تخلطنّهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصّفر!
لسويد بن الصامت وقال سويد بن الصامت:
ألا ربّ من تدعو صديقاً ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري
مقالته كالشّحم ما كان شاهداً ... وبالغيب مأثورٌ على ثغرة النّحر
تبين لك العينان ما هو كاتمٌ ... من الضّغن والشّحناء بالنّظر الشّزر
فرشني بخيرٍ طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يرش ولا يبري
وقال آخر:
وصاحبٍ كان لي وكنت له ... أشفق من والدٍ على ولد
كنّا كساقٍ تسعى بها قدمٌ ... أو كذراعٍ نيطت إلى عضد
حتى إذا دانت الحوادث من ... خطوي وحلّ الزمان من عقدي
احولّ عنّي وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي
وكان لي مؤنساً وكنت له ... ليست بنا وحشة إلى أحد
حتى إذا استرفدت يدي يده ... كنت كمسترفدٍ يد الأسد
لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:
إخوان هذا الزمان كلّهم ... إخوان غدرٍ عليه قد جبلوا
طووا ثياب الوفاء بينهم ... وصارثوب الرّياء يبتذل
أخوهم المستحقّ وصلهم ... من شربوا عنده ومن أكلوا
وليس فيما علمت بينهم ... وبين من كان معدماً عمل
بين رجل وصاحبه وقال دعبل:
أبا مسلم كنّا حليفي مودّة ... هوانا وقلبانا جميعاً معاً معا
أحوطك بالودّ الذي لا تحوطني ... وأرأب منك الشّعب أن يتصدّعا
فلا تلحينّي لم أجد فيك حيلةً ... تخرّقت حتى لم أجد فيك مرقعا
فهبك يميني استأكلت فاحتسبتها ... وجشّمت قلبي قطعها فتخشّعا
وقال يزيد بن الحكم الثّقفي:
تكاشرني كرهاً كأنك ناصحٌ ... وعينك تبدي أنّ قلبك لي دوي
لسانك ماذيّ وقلبك علقمٌ ... وشرّك مبسوطٌ وخيرك منطوي
عدوّك يخشي صولتي إن لقيته ... وأنت عدوّي ليس ذاك بمستوي
أراك إذا لم أهوا لأمراً هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوي
أراك اجتويت الخير منّي وأجتوي ... أذاك فكل يجتوي قرب مجتوي
وكم موطنٍ لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلّة النّيق منهوي
ويقال: إيّاك ومن مودّته على قدر حاجته فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودّة لأحد الحكماء في ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن وقال الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه.
شعر لجرير قال جرير:
فأنت أخي ما لم تكن لي حاجةٌ ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا
تعرّضت فاستمررت من دون حاجتي ... فحالك إني مستمرٌ لحاليا
وإنّي لمغرورٌ أعلّل بالمنى ... ليالي أرجو أنّ مالك ماليا
بأيّ نجادٍ تحمل السيف بعدما ... نزعت سناناً بعد قناتك ماضيّا
ألا لا تخافا نبوتي في ملمّةٍ ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا
لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية:
أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدّهر أخوه
فإذا احتجت إليه ... ساعةً مجّك فوه
وقال آخر:
موالينا إذا افتقروا إلينا ... وإن أثروا فليس لنا موالي
والعرب تقول فيمن شركك في النّعمة وخذلك عند الئبة: يربض لاحجرة ويرتع وسطاً.
للحجاج يتمثل بشعر قعنب ابن أم صاحب

قال المدائنيّ: لحن الحجاج يوماً، فقال الناس: لحن الأمير. فأخبره بعض من حضر، فتمثّل بشعر قعنب بن أمّ صاحب:
صمّ إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنوا
فطانةٌ فطنوعها لو تكون لهم ... مروءة أو تقىً للّه ما فطنوا
إن يسمعوا سيّئاً طاروا به فرحاً ... منّي وما سمعوا من صالح دفنوا
باب القرابات والوادللنبي صلى اللّه عليه وسلم في صلة الرحم حدّثني زيد بن أخزم قال:حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا إسحاق بن سعيد القرشي من ولد سعيد بن العاص قال: أخبرني أبي قال: كنت عند ابن عبّاس، فأتاه رجل فمتّ إليه برحم بعيدةٍ، فلان له وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرّحم إذا قطعت وإن كانت قريبةً ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدةً " .
لعبد اللّه بن دينار في النعمة والأمانة والرحم حدّثني شبابة قال: حدّثني القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن عبد اللّه بن دينار قال: إحذروا ثلاثاً، فإنهنّ معلّقات بالعرش: النعمة تقول يا ربّ كفرت، والأمانة تقول يا ربّ أكلت، والرّحم تقول يا ربّ قطعت.
لمحارب بن دثار في صلة الرحم حدّثني الزّياديّ قال: حدّثنا عيسى بن يونس قال: قال محارب بن دثار: إنما سمّوا أبراراً لأنهم برّوا الآباء والأبناء، وكما أنّ لوالدك عليك حقاً، فكذلك لولدك عليك حقّ.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أبو سفيان الغنويّ عن عبد اللّه بن يزيد عن حيوة بن شريح عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " أبرّ البرّ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه " .حدّثني القومسيّ قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثنا كثير بن زيد عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " ابن أخت القوم من أنفسهم ومولى القوم من أنفسهم وحليف القوم من انفسهم " . وحدّثني أيضاً عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عبد اللّه بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم: " الرّحم شجنةٌ من الرحمن قال لها من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته " .
لعثمان رضي اللّه عنه حدّثني الزّياديّ قال: حدّثنا حمّاد بن زيد عن حبيب عن ابن سيرين قال: قال عثمان: كان عمر يمنع أقرباءه ابتغاء وجه اللّه، وأنا أعطي قرابتي لوجه اللّه، ولن يرى مثل عمر.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا إبراهيم بن موسى قال: حدّثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " من سرّه أن يمدّ له في عمره ويوسّع له في رزقه فليصل رحمه " .
حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو نعيم قال: حدّثنا سفيان عن عبد اللّه بن عيسى عن عبيد بن أبي الجعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لا يزيد في العمر إلا البرّ ولا يردّ القدر إلاّ الدعاء وإنّ الرجل ليحرم الرزق بالذّنب يصيبه " .
حدّثني محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا سعيدٌ عن مطر عن الحكم بن عتيبة عن النّخعيّ عن ابن عمر قال: أتى رجا النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: إنّ والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره. فقال: " أو ما علمت أنك ومالك لأبيك " .
في العقوق حدّثن عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال: أخبرني بعض العرب: أن رجلاً كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشابّ عاقّاً بأبيه، وكان يقال للشابّ " منازل " فقال الشيخ:
جزت رحمٍ بيني وبين منازلٍ ... جزاءً كما يستنجز الدّين طالبه
تربّت حتى صار جعداً شمردلاً ... إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه
تظلّمني مالي كذا ولوى يدي ... لوى يده اللّه الذي لا يغالبه
وإنّي لداعٍ دعوةً لو دعوتها ... على جبل الرّيّان لانقضّ جانبه
فبلغ ذلك أميراً كان عليهم، فأرسل إلى الفتى ليأخذه، فقال له الشيخ: أخرج من خلف البيت. فسبق رسل الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقّه في آخر عمره فقال:
تظلّمني مالي خليجٌ وعقّني ... على حين كانت كالحنيّ عظامي

تخيّرته وازددته ليزيدني ... وما بعض ما يزداد غير عرام
شعر يحيى بن سعيد لابنه وقال يحيى بن سعيد مولى تيم كوفيّ لابنه:
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً ... تعلّ بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلةٌ نالتك بالشكو لم أبت ... لشكواك ألاّ ساهراً أتململ
كأنّي أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني وعيني تهمل
فلمّا بلغت الوقت في العدّة التي ... إليها جرى ما أبتغته وآمل
جعلت جزائي منك جبهاً وغلظةً ... كأنك أنت المنعم المتفضّل
فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي ... كما يفعل الجار المجاور تفعل
للقاسم بن محمد قال القاسم بن محمد: قد جعل اللّه في الصديق البارّ عوضاً من الرّحم المدبرة.
لعمر بن الخطاب إلى أبي موسى: مر ذوي القرابات أنّ يتزاوروا ولا يتجاوروا.
مثله لأكثم بن صيفي وقال أكثم بن صيفيّ: تباعدوا في الدّيار تقاربوا في المودّة.
لأعرابي في ابن عمه قيل لأعرابيّ: ما تقول في ابن عمك؟ قال: عدوّك وعدوّ عدوّك.
شعر لقيس بن زهير وقال قيس بن زهير:
شفيت النفس من حمل بن بدرٍ ... وسيفي من حذيفة قد شفاني
قتلت بإخوتي سادات قومي ... وقد كانوا لنا حلي الزمان
فإن أك قد بردت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلاّ بناني
لعلي بن أبي طالب عند قتلى معركة الجمل قال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه، حين تصفّح القتلى يوم الجمل: شفيت نفسي وجدعت أنفي. وفي مثل قول القائل:
قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
ولئن عفوت لأعفون جللاً ... ولئن قرعت لأوهنن عظمي
بين رجل من العرب قتل ابن أخيه، ووالد القتيل قتل رجلٌ من العرب ابن أخيه فدفع إلى أخيه ليقيده، فلمّا أهوى بالسيف أرعدت يداه فألقى السيف من يده وعفا عنه وقال:
أقول للنفس تأساءً وتعزيةً ... إحدى يديّ أصابتني ولم ترد
كلاهما خلفٌ من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
لبعض الشعراء وقال بعضهم:
بكره سراتنا يا آل عمرو ... نفاديكم بمرهفة النّضال
فنبكي حين نذكركم عليكم ... ونقتلكم كأنّا لا نبالي
وقال عديّ بن زيد:
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً ... على المرء من وقع الحسام المهنّد
وقال غيره:
سآخذ منكم آل حزنٍ لحوشبٍ ... وإن كان مولاي وكنتم بني أبي
إذا كنت لا أرمي وترمي عشيرتي ... تصب جائحات النّبل كشحي ومنكبي
للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال: حدّثنا أبو الخطاب قال: حدّثنا الوليد بن سلم عن محمد بن السائب البكريّ عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " حقٌّ كبير الإخوة على صغيرهم كحقّ الوالد على ولده " .
للعرب في العطف مع القرابة والعرب تقول في العطف على القرابة وإن لم يكن وادّاً: " أنفك منك وإن ذنّ " . ومثله: " عيصك منك وإن كان أشباً " .
شعر للنمر بن تولب وقال النّمر بن تولب:
إذا كنت من سعدٍ وأمّك فيهم ... غريباً فلا يغررك خالك من سعد
فإن ابن أخت القوم مصغىً إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله بأبٍ جلد
شعر أمية بن أبي عائذ لإياس بن سهم وقال أميّة بن أبي عائذ لإياس بن سهم:
أبلغ إياساً أنّ عرض ابن أختكم ... رداؤك فاصطن حسنه أو تبذّل
فإن تك ذا طولٍ فإنّي ابن أختكم ... وكلّ ابن أخت من مدى الخال معتلي
فكن أسداً أو ثعلباً أو شبيهه ... فمهما تكن أنسب إليك وأشكل
وما ثعلبٌ إلا ابن أخت ثعالبٍ ... وإن ابن أخت اللّيث رئبال أشبل
شعر بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمله وكتب بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمّه بهذه الأبيات:
جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأمسى يزيد لي قد ازورّ جانبه
وكلّهم قد نال شبعاً لبطنه ... وشبع الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبه

فيا عمّ مهلاً واتّخذني لنوبةٍ ... تنوب، فإن الدّهر جمّ عجائبه
أنا السيف إلا أن للسيف نبوةً ... ومثلي لا تنبو عليك مضاربه
لرجل من الأشراف يعيب أخاه عند بعض الملوك دخل رجل من أشراف العرب على بعض الملوك، فسأله عن أخيه، فأوقع به يعيبه ويشتمه، وفي المجلس رجل يشنؤه فشرع معه في القول؛ فقال له: مهلاً! إنّي لآكل لحمي ولا أدعه لآكل.
ويقال: القرابة محتاجة إلى المودّة، والمودّة أقرب الأنساب. والبيت المشهور في هذا:
فإذا القرابة لا تقرّب قاطعاً ... وإذا المودّة أقرب الأنساب
لبزر جمهر في الأخ الصديق وقيل لبزر جمهر: أخك أحبّ إليك أم صديقك؟ فقال: إنما أحبّ أخي إذا كان صديقاً.
شعر لخداش بن زهير، ولآخرين وقال خداش بن زهير:
رأيت ابن عمي بادياً لي ضغنه ... وواغره في الصدر ليس بذاهب
وأنشدنا الرّياشي:
حياة أبي السّيار خيرٌ لقومه ... لمن كان قد ساس الأمور وجرّبا
ونعتب أحياناً عليه ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس أعتبا
وقال الشاعر:
ولم أر عزّاً لامرىءٍ كعشيره ... ولم أر ذلاًّ مثل نأي عن الأهل
ولم أر مثل لفقر أوضع للفتى ... ولم أر مثل المال أرفع للرّذل
ولم أر من عدمٍ أضرّ على الفتى ... إذا عاش وسط الناس من عدم العقل
للمهلهل وقد زوّج ابنته في اليمن كان مهلهلٌ صار إلى القبيلة من اليمن يقال لهم جنبٌ، فخطبوا إليه فزوّجهم وهو كارهٌ لاغترابه عن قومه، ومهروا ابنته أدماً؛ فقال:
أنكحها فقدها الأراقم في ... جنبٍ وكان الحباء من أدم
لو بأبانين جاء يخطبها ... رمّل ما أنف خاطبٍ بدم
شعر للأعشى وقال الأعشى:
ومن يغترب عن قومه لا يزال يرى ... مصارع مظلومٍ مجرّاً ومسحبا
وتدفن منه الصالحات وإن يسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكا
وربّ بقيع لو هتفت بجوّه ... أتاني كريمٌ ينغض الرأس مغضبا
لرجل من غطفان وقال رجل من غطفان:
إذا أنت لم تستبق ودّ صحابةٍ ... على دخنٍ أكثرت بثّ المعاتب
وإنّي لأستبقي أمرأ السّوء عدّةً ... لعدوة عرّيضٍ من الناس عائب
أخاف كلاب الأبعدين ونبحها ... إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب
بين عبيد اللّه بن أبي بكرة ورجل قال رجل لعبيد اللّه بن أبي بكرة: ما تقول في موت الوالد؟ قال: ملك حادث. قال: فموت زوج؟ قال: عرس جديد. قال: فموت الأخ؟ قال: قصّ الجناح. قال: فموت الولد؟ قال: صدعٌ في الفؤاد لا يجبر.
وكان يقال: العقوق ثكل من لم يثكل.
لعثمان يشكو علياً إلى العباس رضي اللّه عنهم شكا عثمان عليّاً إلى العباس رضي اللّه عنهم؛ فقال: أنا منه كأبي العاقّ، إن عاش عقّه وإن مات فجعه.
بين رجل وأبيه وقال رجل لأبيه: يا أبت، إن عظيم حقّك عليّ لا يذهب صغير حقّي عليك، والذي تمتّ به إليّ أمتّ بمثله إليك، ولست أزعم أنّا على سواء.
بين زيد علي بن لحسين وابنه يحيى وقال زيد بن علي بن الحسين لابنه يحيى: إن اللّه لم يضرك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فلم يوصني بك.
بين لأحنف ومعاوية لما غضب على ابنه يزيد غضب معاوية على يزيد ابنه فهجره؛ فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً فيملّوا حياتك ويتمنّوا موتك.
لأعرابي عقّه ابنه قيل لأعرابيّ: كيف ابنك؟ - وكان عاقّاً - فقال: عذابّ رعف به الدهر، فليتني قد أودعته القبر، فإنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدةٌ لا يجب فيها الشكر.
لبعضهم في أحب أولاده إليه قيل لبعضهم: أيّ ولدك أحبّ إليك؟ قال: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يقدم.
بين عمر بن الخطاب ورجل ناول عمر بن الخطاب رجلاً شيئاً؛ فقال له: خدمك بنوك. فقال عمر: بل أغنانا اللّه عنهم.
للحسن وقد ولد له غلام

وولد للحسن غلام، فقال له بعض جلسائه: بارك اللّه لك في هبته، وزادك من أحسن نعمته. فقال الحسن: الحمد للّه على كلّ حسنة، ونسأل اللّه الزيادة في كل نعمة، ولا مرحباً بمن إن كنت عائلاً أنصبي، وإن كنت غنياً أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعياً، ولا بكدّي له في الحياة كدّاً، حتى أشفق له من الفاقة بعد وفاتي، وأنا في حالٍ لا يصل إليّ من غمّه حزن ولا من فرحة سرور.
شعر لابن الأعرابي عاتبه أبوه على شرب النبيذ قال الأصمعي: عاتب أعرابي ابنه في شرب النبيذ، فلم يعتب وقال:
أمن شربةٍ من ماء كرم شربتها ... غضبت عليّ! الآن طاب لي الخمر
سأشرب فاغضب لا رضيت، كلاهما ... إليّ لذيذٌ: أن أعقك والسكر
شعر الطرماح لابنه صمصامة وقال الطرماح لابنه صمصامة:
أصمصام إن تشفع لأمك تلقها ... لها شافع في الصدر لم يتبرح
هل الحبّ إلاّ أنّها لو تعرضت ... لذبحك يا صمصام قلت لها أذبحي
أحاذر يا صمصام إن متّ أن يلي ... تراثي وإيّاك امرؤ غير مصلح
إذا صكّ وسط القوم رأسك صكّةً ... يقول له الناهي ملكت فاسجح
لابن الأعرابي، وغيره وأنشد ابن الأعرابي:
أحبّ بنيتي ووددت أني ... دفنت بنيتي في قعر لحد
وما بي أن تهون عليّ لكن ... مخافة أن تذوق البؤس بعدي
ونحوه قول آخر:
لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب في الليالي حندس الظّلم
وزادني رغبةً في العيش معرفتي ... ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرّحم
أحاذر الفقر يوماً أن يلمّ بها ... فيهتك السّتر من لحمٍ على وضم
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً ... والموت أكرم نزّالٍ على الحرم
وقال أعرابيّ في ابنته:
يا شقّة النفس إن النفس والهةٌ ... حرّى عليك ودمع العين منسجم
قد كنت أخشى عليها أن تقدّمني ... إلى الحمام فيبدي وجهها العدم
فالآن نمت فلا همّ يؤرقني ... تهدا العيون إذا ما أودت الحرم
وقال أعشى سليم:
نفسي فداؤك من وافدٍ ... إذا ما البيوت لبسن الجليدا
كفيت الذي كنت أرجى له ... فصرت أباً لي وصرت الوليدا
لأعشى همدان في خالد بن عتاب بن ورقاء
وقال أعشى همدان في خالد " بن عتّاب " بن ورقاء:
فإن يك عتابٌ مضى لسبيله ... فما مات من يبقى له مثل خالد
في الأثر وفي الحديث المرفوع: " ريح الولد من ريح الجنة " .
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأحد ابني بنته: إنّكم لتجبّنون وإنكم لمن ريحان اللّه " .
لأعرابية وقالت أعرابية:
يا حبّذا ريح الولد ... ريح الخزامى بالبلد
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: هذا يدلّك على تفضيلهم الخزامى.
وكان يقال: إبنك ريحانك سبعاً، وخادمك سبعاً، ثم عدوٌّ أو صديق.
بين أعرابي يبحث عن ابنه وقوم مرّ أعرابيٌّ ينشد ابناً له بقوم، فقالوا: صفه. فقال: دنينيرٌ. قالوا: لم نره. فلم يلبث القوم أن جاء على عنقه بجعلٍ؛ فقالوا: ما وجدت ابنك يا أعرابيّ؟ قال: نعم هو هذا. قالوا: لو سألت عن هذا لأخبرناك، ما زال منذ اليوم بين أيدينا.
لشاعر في امرأة قال الشاعر في امرأة:
نعم ضجيج الفتى إذا برد ال ... ليل سحيراً وقرقف الصّرد
زيّنها اللّه في العيون كما ... زيّن في عين والدً ولد
في الأثر وفي الحديث: " من كان له صبيٌّ فليستصب له " للزبير يرقّص وقال الزبير وهو يرقّص ابناً له:
أبيض من آل أبي عتيق ... مباركٌ من ولد الصّديق
ألذّه كما ألذّ ريقي لأعرابي يذكر أولاده وقال أعرابيّ:
لولا بنيّاتٌ كزغب القطا ... حططن من بعضٍ إلى بعض
لكان لي مضطربٌ واسعٌ ... في الأرض ذات الطّول والعرض
وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبّت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض
أنزلني الدهر على حكمه ... من مرقبٍ عالٍ إلى خفض

وابتزّني الدهر ثياب الغنى ... فليس لي مالٌ سوى عرضي
لبعض النسّابة في سعد العشيرة قال بعض النّسّابين: إنما قيل: سعد العشيرة، لأنه كان يركب في عشرة من ولده، فكأنهم عشيرة.
لضرار بن عمرو الضبي وقال ضرار بن عمرو الضّبيّ، وقد رئي له ثلاثة عشر ذكراً قد بلغوا: من سرّه بنوه ساءته نفسه.
شعر لبشر بن أبي خازم قال بشر بن أبي خازم:
إذا ما علوا قالوا أبونا وأمّنا ... وليس لهم عالين أمّ ولا أب
وقال آخر:
أنا ابن عمّك إن نابتك نائبةٌ ... وليس منك إذا ما كعبك اعتدلا
للرياشي، وغيره وأنشدنا الرّياشي:
الرّحم بلّها بخير البلاّن ... فإنّ فيها للدّيار العمران
وآمر المال وبنت الصّغران ... وإنما اشتقّت من اسم الرحمن
وقال المعلوط:
ومن يلق ما ألقى وإن كان سيّدا ... ويخش الذي أخشى يس سير هارب
مخافة سلطانٍ عليّ أظنّه ... ورهطي، وما عاداك مثل الأقارب
بين عثمان بن عفان وابنته اوزوجها دخل عثمان بن عفّان على ابنته وهي عند عبد اللّه بن خالد بن أسيد، فقال: يا بنيّة: ما لي أراك مهزولةً؟ لعلّ بعلك يغيرك؟ فقالت: لا، ما يغيرني. فقال لزوجها: لعلّك تغيرها! قال: فأفعل، فلغلامٌ يزيد اللّه في بني أميّة أحبّ إليّ منها.
شعر للنعمان بن بشير في القريب قال النعمان بن بشير:
وإني لأعطي المال من ليس سائلاً ... وأدرك للمولى المعاند بالظلم
وإني متى ما يلقني صارماً له ... فما بيننا عند الشدائد من صرم
فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما المولى شريكك في العدم
إذا متّ ذو القربى إليك برحمه ... وغشّك واستغنى فليس بذي رحم
ولكنّ ذا القربى الذي يستخفّه ... أذاك ومن يرمي العدوّ الذي ترمي
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
لقد زاد الحياة إليّ حبّا ... بناتي أنّهن من الضّعاف
مخافة أن يرين البؤس بعدي ... وأن يشربن رنقاً بعد صافي
وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبوا العين عن كرمٍ عجاف
لعلي بن الحسين وقد سئل عن عدم مؤاكلته أمّه قيل لعلّي بن الحسين: أنت من أبرّ الناس ولا نراك تؤاكل أمّك. قال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها.
لعمر بن ذر في برّ ابنه به قيل لعمر ذرّ: كيف كان برّ ابنك بك؟ قال: ما مشيت نهاراً قط إلا مشى خلفي، ولا ليلاً إلا مشى أمامي، ولا رقي سطحاً وأنا تحته.
بين عمر ورجل كبير يذكر ابنه حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن عطاء بن السائب عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند عمر فأتاه رجل فأنشده:
تركت أباك مرعشةً يداه ... وأمّك ما تسيغ لها شرابا
إذا غنّت حمامة بطن وجٍّ ... على بيضاتها ذكرت كلابا
فقال عمر: ممّ ذاك؟ قال: هاجر إلى الشأم وترك أبوين له كبيرين. فبكى عمر وكتب إلى يزيد بن أبي سفيان في أن يرحّله، فقدم عليه، فقال: برّ أبويك وكن معهما حتى يموتا. قال أبو اليقظان: مربّعة كلاب بالبصرة إليه تنسب والعوامّ تقول مربّعة الكلاب.
شعر لأبي علي الضرير قال أبو علي الضرير:
أتيتك جذلان مستبشراً ... لبشراك لما أتاني الخبر
أتاني البشير بأن قد رزقت ... غلاماً فأبهجني ما ذكر
وأنّك، والرشد فيما فعل ... ت، أسميته باسم خير البشر
وطهّرته يوم أسبوعه ... ومن قبل في الذّكر ما قد طهر
فعمّرك اللّه حتى ترا ... ه قد قارب الخطو منه الكبر
وحتى ترى حوله من بنيه ... وإخوته وبنيهم زمر
وحتى يروم الأمور الجسام ... ويرجى لنفع ويخشى لضرّ
وأوزعك اللّه شكر العطاء ... فإن المزيد لعبدٍ شكر
وصلّى على السّلف الصالحي ... ن منكم وبارك فيمن غبر
وهذا قد وقع في باب التهانىء أيضاً.
للمأمون في برّ الفضل بن يحيى بأبيه

قال المأمون: لم أر أحداً أبرّ من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من برّه به أن يحيى كان لا يتؤضّأ إلا بماء مسخّن وهما في السجن، فمنعهما السجّان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقم كان يسخّن فيه الماء، فملأه ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائماً وهو في يده حتى أصبح.
لأعرابي يرّقص ابنه رقّص أعرابيٌّ ابنه وقال:
أحبّه حبّ الشّحيح ماله ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله
إذا يريد بذله بدا له بين عمرو بن العاص ومعاوية في البنات دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه تفّاحة القلب. فقال: انبذها عنك. قال: ولم؟ قال: لأنهن يلدن الأعداء ويقرّبن البعداء، وورثن الضغائن. فقال: لا تقل ذاك يا عمرو، فو اللّه ما مرّض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، وإنك لواجدٌ خالاً قد نفعه بنو أخته فقال له عمرو: ما أعلمك إلا حّببتهنّ إليّ
الاعتذاركان يقال: الأعتراف يهدم الأقتراف كتاب اعتذار لبعض الكتّاب كتب بعض الكتّاب إلى بعض العمال: لو قابلت حقّك عليّ بمتقدّم ومؤكّد الحرمة إلى ما جدّده اللّه لك بالسلطان والولاية، لم أرض في قضائه بالكتاب دون تجشّم الرّحلة ومعاناة السفر إليك، لا سيما مع قرب الدار منك؛ غير أن الشغل بما ألفيت عليه أموري من الأنتشار وعلائق الخراج وغير ذلك مما لا خيار معه؛ أحلّني في الظاهر محلّ المقصّرين؛ وإن وهب اللّه فرجةً من الشغل وسهّل سبيلاً إليك، لم أتخلّف عمّا لي فيه الحظّ من مجاورتك والتنسّم بريحك والتيمّن بالنظر إليك، غادياً ورائحاً عليك، إن شاء اللّه تعالى كتاب ابن الجهم وهو في الحبس إلى نجاح كتب ابن الهجم إلى نجاح من الحبس:
إن تعف عن عبدك المسىء ففي ... فضلك مأوىً للصّفح والمنن
أتيت ما استحقّ من خطا ... فعدّ لما تستحق من حسن
للحسن بن وهب يعتذر وكتب الحسن بن وهب:
ما أحسن العفو من القادر ... لا سيّما عن غير ذي ناصر
إن كان لي ذنبٌ ولا ذنب لي ... فما له غيرك من غافر
أعوذ بالودّ الذي بيننا ... أن يفسد الأول بالآخر
اعتذار جعفر بن يحيى لرجل استبطأه العطاء كتب رجلٌ إلى جعفر بن يحيى يستبطئه، فوقّع في ظهر كتابه: أحتجّ عليك بغالب القضاء، وأعتذر إليك بصادق النيّة لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
وتعذر نفسك إمّا أسات ... وغيرك بالعذر لا تعذر
وتبصر في العين منه القذى ... وفي عينك الجذع لا تبصر
وقال بعض الشعراء:
ياذا المميّز للأخاء ولل ... إخوان في التفضيل والقدر
لا يقبضنك عن معاشرتي ... بالأنس أن قصّرت في برّي
إني إذا ضاق امرؤ بجداً ... عنّي استعنت عليه بالعذر
في الأثر وفي الحديث المرفوع: " من لم يقبل من معتذرٍ صادقاً كان أو كاذباً لم يرد عليّ الحوض " وفيه: " أقيلوا ذوي الهنات عثراتهم " بين أبي عبيد اللّه الكاتب ورجل اعتذر إليه إعتذر رجل إلى أبي عبيد اللّه الكاتب فقال: ما رأيت عذراً أشبه باستئناف ذنبٍ من عذرك.
ما قيل في أعجل الذنوب وكان يقال: أعجل الذنوب عقوبةً العذر، واليمين الفاجرة، وردّ التائب وهو يسأل العفو خائباً.
وقال مطّرف: المعاذر مكاذب إبراهيم النخعي يرد على رجل اعتذر إليه اعتذر رجل إلى إبراهيم فقال له: قد عذرتك غير معتذرٍ، إن المعاذير يشوبها الكذب.
ويقال. ما اعتذر مذنبٌ إلا ازداد ذنباً وقال الشاعر:
لا ترج رجعة مذنب ... خلط احتجاجاً باعتذار
اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة، فقبل منه وقال: لا يدعونّك أمر تخلصت منه إلى أمر لعلك لا تتخلص منه.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
فلا تعذراني في الإساءة إنه ... شرار الرجال من يسيء فيعتذر
وقال ابن الطّثريّة:
هبيني امرأً إما بريئاً ظلمته ... وإما مسيئاً تاب بعد وأعتبا
وكنت كذي داءٍ تبغّي لدائه ... طبيباً فلما لم يجده تطبّبا
اعتذار لبعض الكتّاب

كتب بعض الكتّاب معتذراً: توهّمت، أعزك اللّه، نفرتك عند نظرتك إلى عنوان كتابي هذا بإسمي، لما تضمنتّه من السّخيمة عليّ، فأخليته منه؛ وانتظرت باستعطافك من طويّتك في عاقبة امتداد العهد، وأمنت اضطغانك لنفي الدّين الحقد، واختصرت من الإحتجاج المنتسب إلى الإصرار، والإعتذار المتعاود بين النّظراء، والإقرار المثّبت للأقدام، الإستسلام لك. على أنك إن حرمتني رضاك اتّسعت بعفوك، وإن أعدمنيهما توغّر صدرك لم تضق من الرّقة عليّ من مصيبة الحرمان؛ وإن قسوت رجعت بك عواطف من أياديك عندي نازعةٌ بك إلى استتمامها لديّ. ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من خوّلوا بالإحسان. ولا نعمة على مجرم إليه أجزل من الظفر، ولا عقوبة لمجرم أبلغ من الندم؛ وقد ظفرت وندمت. كتبت وإنا على ما تحبّ بشراً إن تغمدت زّلتي، وكما تحب ضراً إن تركت إقالتي، وبخيرٍ في كلتا الحالتين ما بقيت.
وكتبت في كتاب اعتذار واستعطاف: كم عسى أن يكون انتظاري لعطفك! وكم عسى أن يكون تماديك في عتبك؛ لولا أني مضطرٌ إلى وصلك وأنت مطبوع على هجري. لقد استحييت واستحييت من ذلّي وعزّك، وخفضي جناحي ونأيٍ بجانبك.
وفي كتاب آخر: قد أودعني اللّه من نعمك ما بسطني في القول مدلاًّ به عليك، ووكّد من حرمتي بك ما شفع لي في الذنوب إليك، وأعلقني من أسبابك مالا أخاف معه نبوات الزمان عليّ فيك، وأمّنتني بحلمك وأناتك بادرة غضبك؛ فأقدمت ثقةً بإقالتك إن عثرت، وبتقويمك إن زغت، وبأخذك بالفضل إن زللت.
من كتاب اعتذار وفي كتاب اعتذار: أنا عليلٌ منذ فارقتك، فإن تجمع عليّ العلّة وعتبك أفدح. على أن ألم الشوق قد بلغ بك في عقوبتي؛ وحضرني هذا البيت على ارتجالٍ فوصلت به قولي:
لك الحق إن تعتب عليّ لأنني ... جفوت وإمّا تغتفر فلك الفضل
أنهيت عذري لأنتهي إلى تفضّلك بقبوله وإن أبلك يمح إفراطي في البرّ بك تفريطي فيه وإلى ذلك ما أسالك تعريفي خيرك لأراح إليه، وأستزيد اللّه في أسره لك.
وفي فصل آخر: أنا المقرّ بقصوري عن حقكّ واستحقاقي جفاءك، وبفضلك من عذلك أعوذ، فو اللّه لئن تأخرّ كتابي عنك، ما أستزيد نفسي في شكر مودّتك، ولطيف عنايتك.كيف يسلاك أو ينساك أخٌ مغرمٌ بك يراك زينة مشهدة ومغيبة!
وكيف أنساك لا أيديك واحدةٌ ... عندي ولا بالذي أوليت من نعم
وفي آخر الكتاب:
إذا اعتذر الصديق إليك يوماً ... من التقصير عذر أخٍ مقرّ
فصنه عن عتابك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كلّ حرّ
شعر للخليل بن أحمد في الإعتذار وقال الخليل بن أحمد:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهلٌ فعذرتكا
لبزر جمهر وقد سئل عن عدم معاتبة الجهلة قيل لبزر جمهر: ما بالكم لا تعاتبون الجهلة؟ قال: لأنا لا نريد من العميان أن يبصروا.
شعر لابن الدمينة وقال ابن الدّمينة:
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل ... به ضعفةٌ حتى يقال مريب
لرجل يعتذر إلى صديقه وكتب رجل إلى صديق له يعتذر: أنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يلتمس رضاك إلاّ من جهته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلاّ بالإعتراف بالزّلة.
وقرأت في كتاب: لست أدري بأيّ شيء استجزت تصديق ظنك حتى أنفذت عليّ به حكم قطيعتك، فواللّه ما صدق عليّ ولا كاد، ولا استجزت ما توهّمته فيمن لا يلزمني حقّه.
وأعيذك باللّه من بدارٍ إلى حكم يوجب الإعتذار، فإن الأناة سبيل أهل التّقى والنّهى؛ والظنّ والإسراع إلى ذوي الإخاء ينتجان الجفاء، ويميلان عن الوفاء إلى اللّقاء.
لإسماعيل بن عبد اللّه يعتذر في آخر يوم من شعبان قال إسماعيل بن عبد اللّه وهو يعتذر إلى رجل في آخر يوم من شعبان: واللّه فإني في غبّر يومٍ عظيم، وتلقاء ليلة تفتّر عن أيامٍ عظامٍ، ما كان ما بلغك.
كتاب اعتذار

وقرأت في كتاب معتذرٍ: إنك تحسن مجاورتك للنعمة، واستدامتك لها، واجتلابك ما بعد منها بشكر ما قرب، واستعمالك الصفح لما في عاقبته من جميل عادة اللّه عندك؛ ستقبل العذر على معرفةٍ منك بشناعة الذنب، وتقيل العثرة وإن لم تكن على يقينٍ من صدق النيّة، وتدفع السيئة بالتي هي أحسن.
بين جعفر البرمكي ورجل اعتذر إليه اعتذر رجلٌ إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك اللّه بالعذر منّا عن الإعتذار، وأعنانا بالمودّة لك عن سوء الظن بك.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
إذا ما امرؤٌ من ذنبه جاء تائباً ... إليك فلم تغفر له فلك الذنب
بين الحسن وورد بن عاصم المبرسم وقد هجاه ثم اعتذر له كان الحسن بن زيد بن الحسن والياً للمنصور على المدينة، فهجاه ورد بن عاصم المبرسم فقال:
له حقٌّ وليس عليه حقٌّ ... ومهما قال فالحسن الجميل
وقدكان الرسول يرى حقوقاً ... عليه لأهلها وهو الرسول
فطلبه الحسن فهرب منه، ثم لم يشعر إلا وهو ماثلٌ بين يديه يقول:
سيأتي عذري الحسن بن زيدٍ ... وتشهد لي بصفّين القبور
قبورٌ لو بأحمد أو عليًّ ... يلوذ مجيرها حفظ المجير
هما أبواك من وضعا تضعه ... وأنت برفع ما رفعا جدير
فاستخف الحسن كرمه، فقام إليه فبسط له رداءه وأجلسه عليه.
في كتاب لمعتذر وفي كتاب لمعتذرٍ: علوّ الرّتبة واتّساع القدرة وانبساط اليد بالسّطوة، ربما أنست ذا الحنق المحفظ من الأحرار فضيلة العفو وعائدة الصّفح وما في إقالة المذنب واستبقائه من حسن السماع وجميل الأحدوثة، فبعثته على شفاء غيظه، وحرّكته على تبريد غلّته، وأسرعت به إلى مجانبة طباعه وركوب ما ليس من عادته. وهمّتك تجلّ عن دناءة الحقد، وترتفع عن لؤم الظّفر. فصل في الإعتذار وفي فصل: نبت بي عنك غرّة الحداثة فردّتني إليك الحنكة، وباعدتني عنك الثقة بالأيام فأدنتني إليك الضرورة، ثقةً بإسراعك إليّ وإن كنت أبطأت منك، وقبولك العذر وإن كنت ذنوبي قد سدت عليك مسالك الصّفح؛ فأيّ موقفٍ هو أدنى من هذا الموقف لولا أن المخاطبة فيه لك! وأيّ خطّةٍ هي أودى بصاحبها من خطّةٍ أنا راكبها لولا أنها في رضاك!.
بين الحجاج وعمرو بن عتبة أوقع الحجاج يوماً بخالد بن يزيد يعيبه وينتقصه وعنده عمرو بن عتبة: فقال عمرو: إن خالداً أدرك من قبله وأتعب من بعده بقديمٍ غلب عليه وحديث لم يسبق إليه. فقال الحجّاج معتذراً: يا بن عتبة، إنا لنسترضيكم بأن نغضب عليكم، ونستعطفكم بأن ننال منكم، وقد غلبتم على الحلم، فوثقنا لكم به، وعلمنا أنكم تحبون أن تحلموا، فتعرّضنا للذي تحبون.
بين أبي مسلم وقائدٍ له تطاول عليه وقع بين أبي مسلم وبين قائد له كلام، فأربى عليه القائد إلى أن قال له: يا لقيط! فأطرق أبو مسلم، فلما سكتت عنه فورة الغضب ندم وعلم أنه قد أخطأ واعتذر وقال: أيها الأمير، واللّه ما انبسطت حتى بسطتني ولا نطقت حتى أنطقتني فاغفر لي. قال: قد فعلت. فقال: إني أحبّ أن أستوثق لنفسي. فال أبو مسلم: سبحان اللّه! كنت تسيء وأحسن، فلما أحسنت أسيء!.
شعر للطائي:
وكم ناكثٍ للعهد قد نكثت به ... أمانيه واستخذي بحقّك باطله
فحاط له الإقرار بالذنب روحه ... وجثمانه إذ لم تحطه قبائله
وقال آخر:
حتى متى لا تزال معتذراً ... من زلّة منك ما تجانبها
لا تتّقي عيبها عليك ولا ... ينهاك عن مثلها عواقبها
لتركك الذنب لا تقارفه ... أيسر من توبةٍ تقاربها
أعرابي يخاطب ابن عم له قال أعرابيّ لابن عمٍّ له: سأتخطّى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على يقينٍ ومن الآخر على شكّ؛ ليتمّ المعروف منّي إليك، ولتقوم الحجّة مني عليك.
عتب الإخوان والتباغض والعداوةللنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني الزّيّادي قال: حدّثنا عبد الوارث عن يزيد بن القاسم عن معاذة أنها سمعت هشام بن عامر يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول " لا يحلّ لمسلم أن يصارم مسلماً فوق ثلاثٍ، وأيّهما فعل فإنهما ناكثان عن الحقّ ما داما على صرمهما وإن ماتا لا يدخلان الجنة " .

لبعض الشعراء في توارث العداوة، ومثله لأبي بكر رضي اللّه عنه قال بعض الشعراء:
سنّ الضغائن آباءٌ لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
هذا مثل قول أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه: العداوة تتوارث.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب الهند: إذا كانت الموجدة عن علّة كان الرضا مرجوّاً، وإذا كانت غير علة كان الرضا معدوماً. ومن العجب أن يطلب الرجل رضا أخيه فلا يرضى، وأعجب من ذلك أن يسخطه عليه طلبه رضاه.
قال بعض لمحدثين:
فلا تله عن كسب ودّ العدوّ ... ولا تجعلنّ صديقاً عدوّاً
ولا تغتر بهدوّ امرىءٍ ... إذا هيج فارق ذلك الهدوّا
وقال آخر:
إحذر مودّة ماذقٍ ... شاب المرارة بالحلاوة
يحصي العيوب عليك أيام الصداقة والعداوة
شعر لأبي الأسود الدؤلي وقال أبو الأسود الدّؤليّ:
إذا المرء ذو القربى الضّغن أجحفت ... به سنةٌ حلّت مصيبته حقدي
شعر محمد بن أبان اللاحقي يخاطب أخاه إسماعيل وقال محمد بن أبان اللاّحقي لأخيه إسماعيل:
تلوم على القطيعة من أتاها ... وأنت سننتها في الناس قبلي
وقال آخر:
وروّعت حتى ما أراع من النّوى ... وإن بان جيران عليّ كرام
فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي ... وعيني على هجر الصديق تنام
ولأحمد بن يوسف قال أحمد بن يوسف الكاتب:
ما على ذا كنّا افترقنا بسندا ... ولا بيننا عقدنا الإخاء
نطعن الناس بالمثقّفة السّم ... ر على غدرهم وننسى الوفاء
لأفلاطون قيل لأفلاطون: بماذا ينتقم الإنسان عدوّه؟ قال: بأن يزداد فضلاً في نفسه.
وكان يقال: إحذر معاداة الذليل، فربما شرق بالذّباب العزيز.
كتاب رجل إلى صديق له تجنّي عليه كتب رجل من الكتاب إلى صديقٍ تجنّى عليه:
عتبت عليّ ولا ذنب لي ... بما الذنب فيه ولا شكّ لك
وحاذرت لومي فبادرتني ... إلى اللوم من قبل أن أبدرك
فكنّا كما قيل فيما مضى ... خذ اللّصّ من قبل أن يأخذك
وقال آخر:
رأيتك لما نلت مالاً، ومسّنا ... زمانٌ ترى في حدّ أنيابه شغبا
جعلت لنا ذنباً لتمنع نائلاً ... فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا
وقال آخر:
تريدين أن أرضى وأنت بخيلةٌ ... ومن ذا الذي يرضي الأخلاّء بالبخل
وجدّك لا يرضى إذا كان عاتباً ... خليلك إلا بالمودّة والبذل
متى تجمعني منّاً كثيراً ونائلاً ... قليلاً يقطّع ذاك باقية الوصل
من رجل لصديق له كتب رجل إلى صديق له:
لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ ... لقد سرّني أنّي خطرت ببالك
وقال آخر:
إذا رأيت ازوراراً من أخي ثقةٍ ... ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني
فإن صددت بوجهي كي أكافئه ... فالعين غضبي وقلبي غير غضبان
لإبراهيم بن العباس، وآخرون وقال إبراهيم بن العباس:
وقد غضبت فما غضبي ... حتى انصرفت بقلبٍ ساخطٍ راضي
وقال زهير:
وما يك في عدوّ أو صديقٍ ... تخبّرك العيون عن القلوب
وقال دريد:
وما تخفى الضغينة حيث كانت ... ولا النظر الصحيح من السقيم
وقال ابن أبي خازم:
خذ من الدهر ما كفى ... ومن العيش ما صفا
لا تلحّن بالبكا ... ء على منزلٍ عفا
خلّ عنك العتاب إن ... خان ذو الودّ أو هفا
عين من لا يحبّ وص ... لك تي لك الجفا
لأعرابي يذكر أعداءً وقال أعرابيّ يذكر أعداءً:
يزمّلون جنين الضّغن بينهم ... والضغنّ أشوة أو في وجهه كلف
إن كاتمونا القلى نمّت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف
لأبن أبي أمية وقال ابن أبي أمية:
كم فرحةٍ كانت وكم ترحةٍ ... تخرّصتها لي فيك الظنون
إذا قلوبٌ أظهرت غير ما ... تضمره أنبتك عنها العيون
وقال آخر:

أما تبصر في عين ... يّ عنوان الذي أبدي
وقال آخر:
ومولىً كأنّ الشمس بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممنّ أعاتبه
يقول: لا أقدر " أن " أنظر إليه، فكأن الشمس بيني وبينه.
ومثله:
إذا أبصرتني أعرضت عنّي ... كأنّ الشمس من قبلي تدور
شعر للنمر بن تولب في الإعراض وقال النّمر بن تولب في الإعراض:
فصدّت كأن الشمس تحت قناعها ... بدا حاجبٌ منها وضنّت بحاجب
مثله لأبي نواس أخذه أبو نواس، فقال:
يا قمراً للنّصف من شهره ... أبدى ضياءً لثمانٍ بقين
يريد أنه أعرض بوجهه فبدا له نصفه.
شعر في الضغينة وقال آخر في الضغينة:
وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغنٌ ... كما طرّ أوبار الجراب على النّشر
وقال آخر في نحوه:
وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا
وقال الأخطل:
إنّ الضغينة تلقاها وإن قدمت ... كالعرّ يكمن حيناً ثم ينتشر
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا
من كتاب الهند وقرأت في كتابٍ للهند: ليس بين عداوة الجوهريّة صلحٌ إلا ريثما ينتكث، كالماء إن أطيل إسخانه فإنه لا يمتنع من إطفاء النار إذا صبّ عليها.
بين سعد بن أبي وقّاص وعمّار بن ياسر قال سعد بن أبي وقّاص لعمّار بن ياسر: إن كنا لنعدّك من أكابر أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظمء الحمار فعلت وفعلت. قال: أيّما أحبّ إليك: مودّة على دخلٍ أو مصارمةٌ جميلة؟ قال: مصارمةٌ جميلة. قال: للّه عليّ ألاّ أكلمت أبداً.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء في صديقٍ له تغيّر:
احول عنّي وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي
وقال المثقّب العبديّ:
ولا تعدي مواعد كاذباتٍ ... تمرّ بها رياح الصيف دوني
فإني لو تعاندني شمالي ... عنادك ما وصلت بها يميني
إذاً لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني
وقال الكميت:
ولكنّ صبراً عن أخٍ عنك صابرٍ ... عزاءً إذا ما النفس حنّ طروبها
رأيت عذاب الماء إن حيل دونها ... كفاك لما لا بدّ منه شروبها
وإن لم يكن إلا الأسنة مركبٌ ... فلا رأي للمجهود إلا ركوبها
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: العدوّ إذا أحدث صداقة لعلةٍ ألجأته إليها فمع ذهاب العلة رجوع العداوة، كالماء يسخن فإذا رفع عاد بارداً.
لمحمد بن يزداد الكاتب قال محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوّك فقبّلها قال الشاعر:
لقد زادني حبّاً لنفسي أنني ... بغيضٌ إلى كل امرىءٍ غير طائل
إذا ما رآني قطّع الطرف دونه ... ودوني فعل العارف المتجاهل
ملأت عليه الأرض حتى كأنها ... من الضّيق في عينيه كفّة حابل
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: إعتزل عدوّك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي اللّه.
بين أزدي وتميمي الهيثم عن ابن عيّاش قال: أخبرني رجل من الأزد قال: كنا مع أسد بن عبد اللّه بخراسان، فبينا نحن نسير معه مقد مدّ نهرٌ فجاء بأمرٍ عظيم لا يوصف، وإذا رجل يضربه الموج وهو ينادي: الغريق الغريق! فوقف أسد وقال: هل من سابح؟ فقلت: نعم. فقال: ويحك! إلحق الرجل! فوثبت عن فرسي وألقيت عنّي ثيابي ثم رميت بنفسي في الماء، فما زلت أسبح حتى إذا كنت قريباً منه قلت: ممن الرجل؟ قال: من بني تميم. قلت: إمض راشداً. فواللّه ما تأخرت عنه ذراعاً حتى غرق؛ فقال ابن عياش: فقلت له: ويحك! أما اتقيت اللّه! غرّقت رجلاً مسلماً! فقال: واللّه لو كنت معي لبنةٌ لضربت بها رأسه.
طاف رجل من الأزد بالبيت وجعل يدعو لأبيه؛ فقيل له: ألا تدعو لأمك؟ فقال: إنها تميميةٌ.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: جانب الموتور وكن أحذر ما تكون له ألطف ما يكون بك، فإنّ السلامة بين الأعداء توحّش بعضهم من بعض، ومن الأنس والثقة حضور آجالهم.
لبزر جمهر وقد أراد الملك أن يقتله ويتزوج ابنته

أراد الملك قتل بزر جمهر وأن يتزوّج ابنته بعد قتله؛ فقال: لو كان ملككم حازماً ما جعل بينه وبين شعاره موتورة.
لأبي حازم قال أبو حازم: لا تناصبنّ رجلاً حتى تنظر إللى سريرته؛ فإن تكن له سريرةٌ حسنةٌ فإن اللّه لم يكن يخذله بعداوتك إياه، وإن كانت سريرته رديئةً فقد كفاك مساويه، لو أردت أن تعمل بأكثر من معاصي اللّه لم تقدر.
قال رجل: إني لأغتنم في عدوّي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه.
شعر للأفوه الأودي وقال الأفوه الأودي:
بلوت الناس قرناً بعد قرنٍ ... فلم أر غير خلاّبٍ وقالي
وذقت مرارة الأشياء جمعاً ... فما طعمٌ أمرّ من السؤال
ولم أر في الخطوب أشدّ هولاً ... وأصعب من معاداة الرجال
وقال آخر:
بلاءٌ ليس يشبهه بلاءٌ ... عداوة غير ذي حسبٍ ودين
يبيحك منه عرضاً لم يصنه ... ويرتع منك في عرضٍ مصون
شماتة الأعداءلعمرو بن عتبة وقد بلغه شماتة قوم به بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب؛ فقال: واللّه لئت عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة علينا بما أبقى اللّه لنا: شبّاناً يشّبون الحروب، وسادةً يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت.
لأيوب النبي في شماتة الأعداء قيل لأيوب النبيّ عليه السلام: أيّ شىء كان أشدّ عليك في بلائك؟ قال: شماتة الأعداء ليزيد بن عبد الملك يعاتب هشاماً إشتكى يزيد بن عبد الملك شكاةً شديدةً وبلغه أنّ هشاماً سرّ بذلك، فكتب إلى هشام يعاتبه، وكتب في آخر الكتاب:
تمنّى رجالٌ أن أموت، وإن أمت ... فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحد
وقد عملوا، لو ينفع العلم عندهم ... متى متّ ما الداعي عليّ بمخلد
منيّته تجري لوقتٍ وحتفه ... يصادفه يوماً على غير موعد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيّأ لأخرى مثلها فكأن قد
للفرزدق وقال الفرزدق:
إذا ما الدّهر جرّ على أناسٍ ... حوادثه أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا
لأعرابي ذهبت إبله أغير على رجلٍ من الأعراب فذهب بإبله فقال:
لا والذي أنا عبدٌ في عبادته ... لولا شماته أعداءٍ ذوي إحن
ما سرّني أن إبلي في مباركها ... وأنّ شيئاً قضاه اللّه لم يكن
لعدي بن زيد العبادي وقال عدّي بن زيد العباديّ:
أرواحٌ مودعٌ أم بكور ... لك فانظر لأيّ حالٍ تصير
وابيضاض السواد من نذر المو ... ت فهل بعده لإنس نذير
أيّها الشامت المعيّر بالدّه ... ر أأنت المبرّأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأيام أم أنت جاهلٌ مغرور
من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام مجير
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وإن أم أين قبله سابور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجل ... ة تجبى إليه والخابور
شاده مرمراً وجلّله كل ... ساً فللطيّر في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور
وتبيّن ربّ الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللهدى تفكير
سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضاً والسّدير
فارعوى قلبه فقال وما غب ... طة حيٍّ إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك والنّع ... مة وارتهم هناك القبور
ثم أضحوا كأنهم ورقٌ جفّ ... فألوت به الصّبا والدّبور
شماتة نساء كندة بموت النبي صلى اللّه عليه وسلم وشعر لرجل منهم قال ابن الكلبي: لما قبض النبي صلى اللّه عليه وسلم سمع بموته نساء من كندة وحضرموت فخضبن أيديهنّ وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:
أبلغ أبا بكرٍ إذا ما جئته ... أنّ البغايا رمن أيّ مرام
أظهرن من موت النبي شماتة ... وخضبن أيديهنّ بالعلاّم

فأقطع، هديت، أكفّهنّ بصارمٍ ... كالبرق أومض من متون غمام
فكتب أبو بكر إلى المهاجر عامله، فأخذهنّ وقطعّ أيديهنّ.
في ذكر عدو وقرأت في كتاب ذكر فيه عدوّ: فإنه يتربّص بك الدوائر، ويتمنّى لك الغوائل، ولا يؤمّل صلاحاً إلا في فسادك، ولا رفعةٍ إلا في سقوط حالك والسلام.
وجد بالأصل في آخر هذا الكتاب ما نصّه: آخر كتاب الإخوان، وهو كتاب السابع من عيون الأخبار، تأليف أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ رحمة اللّه عليه. وكتبه الفقير إلى اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين خمسمائة. وصلى اللّه على سيدنا محمد النبيّ وآله الطاهرين.
وفي هذه الصفحة عينها وجد ما يأتي - وهو من زيادة الناسخ - : قيل قدم المهدي أمير المؤمنين، وقيل الرشيد، فتلقّاه الناس، وتلقّاه أبو دلامة في جملة الناس، فأنشده:
إني نذرت لئن رأيتك سالماً ... بقرى العراق وأنت ذو وفر
لتصلّين على النبيّ محمد ... ولتملأن دراهماً حجري
فقال له أمير المؤمنين: أما الأولى فنعم. اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، وأما الأخرى فلست أفعل، فقال أبو دلامة: يا أمير المؤمنين ما نذرت إلا الثنين، فضحك وأمر حتى ملأوا حجره دراهم.
شاعر:
ولقد تنسمت الرياح لحاجتي ... فإذا لها من راحتيك نسيم
ولربّما استيأست ثم أقول لا ... إن الذي ضمن النجاح كريم
كتاب الحوائج

استنجاح الحوائج
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في كتمان الحوائج حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الخصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل بن عبد اللّه بن بريدة عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه: " إستعينوا على الحوائج بالكتمن فإنّ كلّ ذي نعمةٍ محسودٌ " .
لخالد بن صفوان في طلب الحاجة ومفتاح نجاحها قال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهلٍ فتكونوا للمنع خلقاء.
لشبيب بن شيبة في نجح السؤال مع العقل قال شبيب بن شيبة: إنّي لأعرف أمراً لا يتلاقى به اثنان إلاّ وجب النّجح بينهما. فقال له خالد بن صفوان: ما هو؟ قال: " العقل، فإنّ " العاقل لا يسأل ما لا يجوز ولا يردّ عما يمكن. فقال له خالد: نعيت إليّ نفسي؟ إنّا أهل بيتٍ لا يموت منا أحدّ حتى يرى خلفه.
وصية بني ربيعة لأولادهم أبو اليقظان قال: كان بنو ربيعة - وهم من بني عسل بن عمرو بن يربوع - يوصون أولادهم فيقولون: إستعينوا على الناس في حوائجكم بالتثقيل عليهم، فذاك أنجح لكم قال الشاعر:
هيبة الإخوان مقطعةٌ ... لأخي الحاجات عن طلبه
فإذا ما هبت ذا أملٍ ... مات ما أمّلت من سببه
لأبي نواس، وغيره، في طلب الحاجات وقال أبو نواس:
وما طالب الحاجات ممّن يرومها ... من الناس إلا المصبحون على رجل
تأنّ مواعيد الكرام فربّما ... أصبت من الإلحاح سمحاً على بخل
والبيت المشهور في هذا:
إنّ الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كلّ ما ارتتجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبةٌ ... إذا استعنت بصبرٍ أن ترى فرجا
وقال آخر:
إنّي رأيت، وللأيّام تجربةٌ ... للصبر عاقبةً محمودة الأثر
وقلّ من جدّ في أمر يطالبه ... واستصحب الصبر إلاّ فاز بالظّفر
من أمثال العرب في الصبر في طلب الحاجة والعرب تقول: " ربّ عجلة تهب ريثاً " . يريدون أن الرجل قد يخرق ويعجل في حاجته فتتأخّر أو تبطل بذلك.
وتقولك " الرّشف أنقع " . يريدون أن الشراب الذي يترّشف رويداً رويداً أقطع للعطش وإن طال على صاحبه.
شعر لعامر بن خالد بن جعفر يخاطب يزيد بن الصقّ وقال عامر بن خالد بن جعفر ليزيد بن الصّق:
إنك إن كلّفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرّك منّي من خلق
دعاء في استنجاح الحوائج

وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما: اللّهم إنّي بك أستفتح، وبك أستنجح، وبمحمّد نبيك إليك أتوجّه، اللّهم ذلّل لي صعوبته، وسهّل لي خزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عنّي من الشرّ أكثر مما أخاف.
شعر للقطامي في التأني بطلب الحاجة وقال القطاميّ:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
بين إبراهيم بن السندي ورجل من أهل الكوفة عرف بالمرؤة عمرو بن بحرٍ عن إبراهيم بن السّنديّ قال: قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجلٍ من وجوهها، كان لا يجفّ لبده ولا يستريح قلمه ولا تسكن حركته في طلب حوائج الرجال، وإدخال المرافق على الضغفاء وكان رجلاً مفوّهاً: خبّرني عن الشيء الذي هوّن عليك النّصب وقوّاك على التعب ما هو؟ قال: قد واللّه سمعت تغريد الطير بالأسحار، في أفنان الأشجار؛ وسمعت خفق أوتار العيدان، وترجيع أصوات القيان الحسان؛ ما طربت من صوتٍ قطّ طربي من ثناء حسنٍ بلسانٍ حسنٍ على رجلٍ قد أحسن، ومن شكر حرّ لمنعمٍ حرّ، ومن شفاعة محتسب لطالب شاكر. قال إبراهيم: فقلت: للّه أبوك لقد حشيت كرماً فزادك اللّه كرماً، فبأيّ شيء سهلت عليك المعاودة والطلب؟ قال: لأني لا أبلغ المجهود ولا أسأل ما لا يجوز، وليس صدق العذر أكره إليّ من إنجاز الوعد، ولست لإكداء السائل أكره منّي للإجحاف بالمسؤول، ولا أرى الراغب أوجب عليّ حقّاً للذي قدّم من حسن ظنه من المرغوب إليه الذي احتمل من كلّه. قال إبراهيم: ما سمعت كلاماً قطّ أشدّ موافقة لموضعه ولا أليق بمكانه من هذا الكلام. شعر لمصعب في طلب الحوائج وقال مصعبٌ:
في القوم معتصمٌ بقوّة أمره ... ومقصّر أودى به التقصير
لا ترض منزلة الذليل ولا تقم ... في دار معجزةٍ وأنت خبير
وإذا هممت فأمض همّك إنما ... طلب الحوائج كلّه تغرير
وكان يقال: إذا أحببت أن تطاع، فلا تسأل ما لا يستطاع.
ويقال: الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء.
الاستنجاح بالرّشوة والهديّة
لسفيان الثوري في الاستنجاح بالهدية حدّثني زيد بن أخزم عن عبد اللّه بن داود قال: سمعت سفيان الثوريّ يقول: إذا أردت أن تتزّوج فأهد للأمّ.
والعرب تقول: " من صانع لم يحتشم من طلب الحاجة " .
لميمون بن ميمون قال ميمون بن ميمون: إذا كانت حاجتك إلى كاتبٍ فليكن رسولك الطمع.
لعلي بن أبي طالب في الهدية لنيل الحاجة وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: نعم الشيء الهديّة أمام الحاجة.
لرؤبة،ولغيره، في الرشوة وقال رؤبة:
لما رأيت الشّفعاء بلّدوا ... وسألوا أميرهم فأنكدوا
نامستهم برشوةٍ فأقردوا ... وسهّل اللّه بها ما شدّدوا
وقال آخر:
وكنت إذا خاصمت خصماً كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم
فلما تنازعنا الخصومة غلّبت ... عليّ وقالوا قم فإنك ظالم
للعرب في البذل لطلب الحاجة والعرب تقول في مثل هذا المعنى: " من يخطب الحسناء يعط مهراً " يريدون من طلب حاجةً مهمّةً بذل فيها وقال بعض المحدثين:
ما من صديقٍ وإن تمت صداقته ... يوماً بأنجح في الحاجات من طبق
إذا تلّثم بالمنديل منطلقاً ... لم يخش نبوة بوّابٍ ولا غلق
لا تكذبنّ فإنّ الناس مذ خلقوا ... لرغبةٍ يكرمون الناس أو فرق
وقال آخر:
ما أرسل الأقوام في حاجةٍ ... أمضى ولا أنجح من درهم
يأتيك عفواً بالذي تشهتي ... نعم رسول الرجل المسلم
الاستنجاح بلطيف الكلامبين أبي بكر الهجريّ والمنصور حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قالك دخل أبو بكر الهجريّ على المنصور فقال: يا أمير المؤمنين نغض فمي وأنتم أهل بيت بركة، فلو أذنت لي فقبلت رأسك لعل اللّه يشدّد لي منهم؟ فقال أبو جعفر: اختر منها ومن الجائزة. فقال: يا أمير المؤمنين، أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألاّ تبقى في فمي حاكّة.
لخلف في رقية الخبز قال أبو حاتم: وحدّثنا الأصمعيّ عن خلف قال: كنت أرى أنّه ليس في لدنيا رقية إلا رقية الحيّات، فإذا رقية الخبز أسهل. يعني ما تكلّفه الناس من الكلام لطلب الحيلة.

بين الفضل بن سهل ورجل يسأله قال رجلٌ للفضل بن سهل يسأله: الأجل آفة الأمل، والمعروف ذخيرة الأبد، والبرّ غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة أخي القدرة؛ فأمر وهباً كاتبه أن يكتب الكلمات.
من رقعة رفعت إلى الفضل بن سهل ورفع إليه رقعةً فيها: يا حافظ من يضيّع نفسه عنده، ويا ذاكر من ينسى نصيبه منه، ليس كتابي إذا كتبت استبطاء، ولا إمساكي إذا أمسكت استغناءً؛ لكنّ كتابي إذا كتبت تذكرةٌ لك، وإمساكي إذا أمسكت ثقةً بك.
وقال رجل لآخر: ما قصّرت بي همّةٌ صيّرتني إليك، ولا أخّرني ارتيادٌ دلّني عليك، ولا قعد بي رجاءٌ حداني إلى بابك. وبحسب معتصمٍ بك ظفرٌ بفائدةٍ وغنيمةٍ، ولجءٌ إلى موئل ٍوسندٍ.
للهذيل بن زفر يستعين بيزيد بن المهلّب دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلّب في حملاتٍ لزمته، فقال له: قد عظم شأنك عن أن يستعان بك أو يستعان عليك، ولست تصنع شيءاً من المعروف إلاّ وأنت أكثر منه وليس العجب أن تفعل، وإنما العجب من ألاّ تفعل.
شعر للحمدويّ في الحسين بن أيوب قال الحمدونيّ في الحسين بن أيوب والي البصرة:
قل لابن أيّوب قد أصبحت مأمولا ... لا زال بابك مغشيّاً ومأهولا
إن كنت في عطلةٍ فالعذر متّصلٌ ... وصل إذا كنت بالسلطان موصولا
شرّ الأخلاّء من وليّ قفاه إذا ... كان المولّي وأعطى البشر معزولا
من لم يسمّن جواداً كان يركبه ... في الخصب قام به في الجدب مهزولا
افرغ لحاجتنا ما دمت مشغولاً ... لو قد فرغت لقد ألفيت مبذولا
وقال آخر:
ولا تعتذر بالشّغل عنّا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتّصل الشّغل
بين رجل وبعض الولاة وأتى رجلٌ إلى صديقٍ له: قد عرضت قبلك حاجةٌ، فإن نجحت بك فألفاني منها حظّي والباقي حظّك، وإن تعتذر فالخير مظنون بك والعذر مقدّم لك.
وفي فصلٍ آخر: قد عذرك الشّغل في إغفال الحاجة وعذرني في إنكارك.
وفي فصل آخر: قد كان يجب ألاّ أشكو حالي مع علمك بها، ولا أقتضيك عمارتها بأكثر من قدرتك عليها؛ فلربّما نيل الغنى على يدي من هو دونك بأدنى من حرمتي. وما استصغر ما كان منك إلا عنك، ولا أستقلّه إلا لك.
وقال آخر: إن رأيت أن تصفّد يداً بصنيعةٍ باقٍ ذكرها جميلٍ في الدهر أثرها، تغتنم غرّة الزمان فيها وتبادر فوت الإمكان بها، فافعل.
بين زياد وأعرابي يسأله العطاء قدم على زيادٍ نفرٌ من الأعراب فقام خطيبهم فقال: أصلح الله الأمير؟ نحن، وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك وأنضينا ركائبنا نحوك التماساً لفضل عطائك، عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع؛ وإنما أيها الأمير خازنٌ ونحن رائدون، فإن أذن لك فأعطيت حمدنا الله وشكرناك، وإن لم يؤذن لك فمنعت حمدنا الله وعذرناك. ثم جلس؛ فقال زياد لجلسائه: تالله ما رأيت كلاماً أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منه. ثم أمر لهم بما يصلحهم.
بين العتابي والمأمون دخل العتابي على المأمون، فقال له المأمون: خبّرت بوفاتك فغمتني، ثم جاءتني وفادتك فسرتني. فقال العتابي: لو قسمت هذه الكلمات على أهل الأرض لوسعتهم؛ وذلك أنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك. قال: سلني. قال: يداك بالعطية أطلق من لساني.
بين نصيب وعمر بن عبد العزيز قال نصيب لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت سني ورقّ عظمي، وبليت ببنّياتٍ نفضت عليهن من لوني فكسدن عليّ. فرقّ له عمر ووصله.
مسألة رجل لأسد بن عبد الله واعتلال أسد عليه سأل رجل أسد بن عبد الله فاعتل عليه؛ فقال: إني سألت الأمير من غير حاجةٍ. قال: وما حملك على ذلك؟ قال: رأيتك تحبّ من لك عنده حسن بلاء، فأحببت أن أتعلق منك بحبل مودة.
مسألة بعض الحكماء لبعض ملوك العجم لزم بعض الحكماء باب بعض ملوك العجم دهراً فلم يصل إليه، فتلطف للحاجب في إيصال رقعةٍ ففعل. وكان فيها أربعة أسطرٍ: السطر الأول " الأمل والضرورة أقدماني عليك " .
والسطر الثاني " والعدم لا يكون معه صبرٌ على المطالبة " .
والسطر الثالث " الانصراف بلا فائدةٍ شماتةٌ للأعداء " .
والسطر الرابع " فإما نعم مثمرةٌ، وإما لا مريحةٌ " . فلما قرأها وقع في كل سطرٍ: زه؛ فأُعطي ستة عشر ألف مثقال فضة.
مسألة محمد بن واسع لقتيبة بن مسلم

دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم، فقال له: أتيتك في حاجةٍ رفعتها إلى الله قبلك، فإن تقضها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها حمدنا الله وعذرناك. فأمر له بحاجته.
وقال له أيضاً في حاجةٍ أخرى: إني أتيتك في حاجة، فإن شئت قضيتها وكنا جميعاً كريمين، وإن شئت منعتها وكنا جميعاً لئيمين.
بين خالد بن عبد الله ورجل جاء يسأله أتى رجل خالد بن عبد الله في حاجةٍ، فقال له، أتكلّم بجرأة اليأس أم بهيبة الأمل؟ قال: بل بهيبة الأمل. فسأله حاجته فقضاها.
لأبي سماك يسأل رجلاً وقال أبو سمّاكٍ لرجل: لم أصن وجهي عن الطلب إليك، فصن وجهك عن ردّي، وضعني من كرمك بحيث وضعت نفسي من رجائك.
بين المنصور ورجل تلطف للسؤال قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكفّ وجهي ويعجز عن برّ الصديق. فقال: لقد تلطّفت للسؤال. ووصله.
وقال لمنصور لرجلٍ أحمد منه أمراً: سل حاجتك. فقال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين. قال: سل، فليس يمكنك ذلك في كل وقتٍ. فقال: ولم يا أمير المؤمنينن ؟؟؟فوالله لا أستقصر عمرك ولا أرهب بخلك ولا أغنم مالك وإن سؤالك لزينٌ، وإن عطاءك لشرف، وما على أحدٍ بذل وجهه إليك نقصٌ ولا شينٌ. فأمر حتى ملىء فوه درّاً.
بين أبي العباس وأبي دلامة قال أبو العباس لأبي دلامة: سل حاجتك. قال: كلبٌ؛ قال: لك كلب. قال: ودابة أتصيد عليها؛ قال: ودابة. قال: وغلام يركب الدابة ويصيد؛ قال: وغلام. قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه؛ قال: وجارية. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء عيال ولابدّ من دارٍ؛ قال: ودار. قال: لابدّ من ضيعةٍ لهؤلاء؛ قال: قد أقطعتك مائة جريبٍ عامرةٍ ومائة جريب غامرة. قال: وأي شيءٍ الغامرة؟ قال: ليس فيها نباتٌ. قال: فأنا أقطعك ألفاً وخمسمائة جريبٍ من فيا في أسدٍ؛ قال: قد جعلتها " كلها لك " عامرةً. قال: أقبل يدك؛ قال: أما هذه فدعها. قال: ما منعت عيالي شيئاً أهون عليهم فقداً منها.
بين عبد الملك بن مروان ورجل قال عبد الملك لرجل: ما لي أراك واجماً لا تنطق؟ قال: أشكو إليك ثقل الشرف؛ قال: أعينوه على حمله.
بين زياد ورجل تلطف في السؤال منه رأى زياد على مائدته رجلاً قبيح الوجه كثير الأكل، فقال له: كم عيالك؟ قال: تسع بنات. قال: أبن هنّ منك؟ قال: أنا أجمل منهم وهنّ آكل مني. قال: ما أحسن ما تلطفت في السؤال. وفرض له وأعطاه.
مسألة عجوز لقيس بن سعد وقفت عجوز على قيس بن سعد فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان. قال: ما أحسن هذه الكناية؟ إملأوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً.
لبعض القصاص وقال بعض القصاص في قصصه: اللهم أقلّ صبياننا وأكثر جرذاننا.
كان سليمان بن عبد الملك يأخذ الولي بالولي والجار بالجار؛ فدخل عليه رجلٌ وعلى رأسه وصيفةٌ روقةٌ فنظر إليها؛ فقال سليمان: أأعجبتك؟ قال: بارك الله لأمير المؤمنين فيها ! قال: هات سبعة أمثالٍ في الاست وخذها؛ فقال: " صر عليه الغزو استه " . قال: واحد. قال: " است البائن أعلم " ؛ قال: اثنان. قال: " است لم تعود المجمر تحترق " ؛ قال: ثلاثة. قال: " الحرّ يعطي والعبد يبجع باسته " ؛ قال: أربعة. قال: " استي أخبثي " ! قال: خمسة. قال: " عاد سلاها في استها " ؛ قال: " لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت " ؛ قال: ليس هذا من ذاك؛ قال: أخذت الجار بالجار كما يفعل أمير المؤمنين! قال: خذها.
بين يزيد بن المهلب وسليمان قال يزيد بن المهلّب لسليمان في حمالةٍ كلمة فيها: يا أمير المؤمنين، والله لحمدها خيرٌ منها، ولذكرها أحسن من جمعها، ويدي مبسوطةٌ بيدك فابسطها لسؤالها.
بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن عتبة وقد سأله أن لا يقطع عطاءه

قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان أشياء كان يجريها عليهم، لتباعدٍ كان بينه وبين خالد بن يزيد بن معاوية؛ فدخل عليه عمرو بن عتبة فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقّك متعبٌ وتقصيه فادحٌ، ولنا مع حقك علينا حقٌ عليك، لقرابتنا منك وإكرام سلفنا لك؛ فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليك، وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك، وزدنا بقدر ما زادك الله؛ فقال: أفعل، وإنما يستحق عطيتي من استعطاها، فأما من ظن يستغني بنفسه فسنكله إليها. يعرّض بخالد؛ فبلغ ذلك خالداً، فقال: أما عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ، أو بالحرمان يتهددني! يد الله فوق يده مانعةٌ، وعطاؤه دونه مبذول.
مسألة رجل للحجاج برقعة سلمها ليزيد بن أبي مسلم أتى رجل يزيد بن أبي مسلم برقعةٍ يسأله أن يرفعها إلى الحجاج؛ فنظر فيها يزيد فقال: ليست هذه من الحوائج التي ترفع إلى الأمير. فقال له الرجل: فإني أسألك أن ترفعها، فلعلها توافق قدراً فيقضيها وهو كاره. فأدخلها وأخبره بمقالة الرجل؛ فنظر الحجاج في الرقعة، وقال ليزيد: قل للرجل: إنها وافقت قدراً وقد قضيناها ونحن كارهون.
لبعض الشعراء يخاطب بشر بن مروان دخل بعض الشعراء على بشر بن مروان فأنشده:
أغفيت عند الصبح نوم مسهدٍ ... في ساعة ما كنت قبل أنامها
فرأيت أنك رعتني بوليدةٍ ... مغنوجةٍ حسن عليّ قيامها
وببذرةٍ حملت إليّ وبغلةٍ ... دهماء مشرفةٍ يصل لجامها
فدعوت ربي أن يثيبك جنةً ... عوضاً يصيبك بردها وسلامها
فقال له بشر: في كل شيء أصبت إلا في البغلة فإني لا أملك إلا شهباء. فقال: إني الله ما رأيت إلا شهباء.
مسألة رجل لمعاوية قال رجل لمعاوية: أقطعني البحرين. قال: إني لا أصل إلى ذلك. قال: فاستعملني على البصرة. قال: ما أريد عزل عاملها. قال: تأمر لي بألفين. قال: ذاك لك. فقيل له: ويحك أرضيت بعد الأوليين بهذا قال: اسكتوا لولا الأوليان ما أعطيت هذه.
مسألة أعرابي لبعض الكتاب جاء أعرابي إلى بعض الكتاب فسأله، فأمر الكاتب غلامه بيمينه أن يعطيه عشرة دراهم وقميصاً من قمصه؛ فقال الأعرابي:
حوّل العقد بالشمال أبا الأص ... بغ واضمم إلى القميص قميصا
إن عقد اليمين يقصر عني ... وأرى في قميصكم تقليصا
يقول: حوّل عقد اليمين وهو عشرة إلى عقد الشمال وهو مائة: مسألة أعرابي: سألني أعرابي فقال في مسألته: لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق ولقد مشيت حتى انتعلت الدم وحتى سقط من رجلي بخص لحمٍ وحتى أن وجهي حذاءٌ لقدامي، فهل من أخٍ يرحمنا؟ وسأل آخر قوماً فقال: رحم الله امرأً لم تمجج أذناه كلامي، وقدم لنفسه معاذاً من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مصعبة، والحياء زاجر يمنع من كلامكم، والعدم عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين فرحم الله امرأً أمر بمير، ودعا بخير. فقال له رجل من القوم: ممن الرجل؟ فقال: اللهم غفراً ممن لا تضرك جهالته، ولا تنفعك معرفته؛ ذلّ الاكتساب، يمنع من عز الانتساب.
بين أعرابي ورجل حرمه العطاء سأل أعرابي رجلاً فحرمه؛ فقال: غلام تحرمني فوالله ببييييسسش ما زلت قبلةً لأملي لا تلفتني عنك المطامع، فإن قلت: قد أحسنت بدءاً، فما ينكر لمثلك أن يحسن عوداً.
بين ابن أبي عتيق وأشعب قال ابن أبي عتيق: دخلت على أشعب وعنده متاع حسن وأثاثٌ، فقلت له: ويح أما تستحي أن تسأل وعندك ما أرى فقال: يا فديتك معي والله من لطيف السؤال ما لا تطيب نفسي بتركه.
شعر للصلتان العبدي قال الصّلتان العبديّ:
نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجةٌ ما بقي
إذا ليلةٌ هرّمت يومها ... أتى بعد ذلك يومٌ فتي
وقال آخر:
وحاجةٍ دون أخرى قد سنحت بها ... جعلتها للتي أخفيت عنوانا
لدعبل الخزاعي في طلب حاجة له كتب دعبلٌ إلى بعض الأمراء:
جئتك مستشفعاً بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب
فاقض ذمامي فإنّني رجلٌ ... غير ملحٍّ عليك في الطلب
من يعتمد في لحاجة ويستسعى فيهاللنبي صلى الّه عليه وسلم فيمن يعتمد في الحاجة

روى هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مصعب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه " .
وفي حديث آخر: " إعتمد لحوائجك الصّباح الوجوه، فإنّ حسن الوجوه الصورة أوّل نعمةٍ تتلقّاك من الرجل " .
شعر لامرأة من ولد حسّان بن ثابت قالت امرأةٌ من ولد حسّان بن ثابت:
سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل ... فتىً ذاق طعم العيش منذ قريب
ومن المشهور قول بعض المحدثين:
حسن ظنّ إليك أكرمك اللّ ... ه دعاني فلا عدمت الصّلاحا
ودعاني إليك قول رسول ... اللّه إذ قال مفصحاً إفصاحا
إن أردتم حوائجاً عند قومٍ ... فتنقّوا لها الوجوه الصّباحا
وقال آخر:
إنا سألنا قومنا فخيارهم ... من كان أفضلهم أبوه الأوّل
أعطى الذي أعطى أبوه قبله ... وتبخّلت أبناء من يتبخّل
لخالد بن صفوان في طلب الحاجة إلى غير أهلها وقال خالد بن صفوان: فوت الحاجة خيرٌ من طلبها إلى غير أهلها، وأشدّ رمن المصيبة سوء الخلف منها.
لمسلم بن قتيبة فيمن لا تطلب الحاجة إليه حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال مسلم بن قتيبة: لا تطلبنّ حاجتك إلى كذّابٍ فإنه يقرّبها وهي بعيدٌ ويبعّدها وهي قريب، ولا إلى أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك، ولا إلى رجل عند من تسأله الحاجة مأكلةٌ، فإنه لا يؤثرك على نفسه.
شعر لأبي عون في عدم مساءلة الأعراب أنشدنا الرّياشيّ لأبي عونٍ:
ولست بسائل الأعراب شيءً ... حمدت اللّه إذ لم يأكلوني
لميمون بن ميمون في النهي عن طلب الحاجة من لئيم وقال ميمون بن ميمون: لا تطلبنّ إلى لئيم حاجةً، فإن طلبت فأجّله حتى يروض نفسه.
لعطاء هارون بن معروفٍ عن ضمرة عن عثمان بن عطاء، قال: عطاء الحوائج عند الشباب أسهل منها عند الشيوخ ثم قرأ قول يوسف: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم " وقول يعقوب " سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الّرحيم " .
شعر لبشار وقال بشارٌ:
إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبّه لها عمراً ثم نم
فتىً لا يبيت على دمنةٍ ... ولا يشرب الماء إلا بدم
يلذّ العطاء وسفك الدماء ... فيغدو على نعم أو نقم
لأبي عبّاد الكاتب وقال أبو عبّاد الكاتب: لا تنزل مهمّ حوائجك بالجيّد اللسان، ولا المتسرّع إلى الضّمان، فإنّ العجز مقصورٌ على المتسرّع؛ ومن وعد ما يعجز عنه فقد ظلم نفسه وأساء إلى غيره؛ ومن وثق بجودة لسانه ظنّ أنّ في فصل بيانه ما ينوب عن عذره وأن وعده يقوم مقام إنجازه.
وقال أيضاً: عليك بذي الحصر البكيّ، وبذي الخيم الرضيّ، فإن مثقالاً من شدّة الحياء والعيّ، أنفع في الحاجة من قنطارٍ من لسانٍ سليطٍ وعقلٍ ذكيّ؛ وعليك بالشّهم النّدب الذي إن عجز أيأسك، وإن قدر أطعمك.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
لا تطلبنّ إلى لئيم حاجة ... واقعد فإنك قائماً كالقاعد
يا خادع البخلاء عن أمولهم ... هيهات !تضرب في حديدٍ بارد
وقال آخر:
إذا الشافع استصقى لك الجهد كلّه ... وإن لم تنل نجحاً فقد وجب الشّكر
وقال آخر:
وإذا امرؤٌ أسدى إليك صنيعةً ... من جاهه فكأنّها من ماله
أعرابي يذكر رجلاً بعلو الهمّة ذكر أعرابيّ رجلاً، فقال: كان واللّه إذا نزلت به الحوائج قام إليها ثم قام بها، ولم تقعد به علاّت النفوس.
قال الشاعر:
ماإن مدحتك إلا قلت تخدعني ... ولا استعنتك إلا قلت مشغول
في شهامة شبيب بن شيبة ابن عائشة قال: كان شبيب بن شيبة رجلاً شريفاً يفزع إليه أهل البصرة في حوائجهم فكان إذا أراد الركوب تناول من الطعام شيءاً ثم ركب؛ فقيل له: إنك تكابر الغذاء فقال: أجل أطفىء بهفورة جوعي، وأقطع به خلوف فمي، وأبلغ في قضاء حوائجي، فخذ من الطعام ما يذهب عنك النّهم؛ ويداوي من الخوى.
قال بعض المحدثين:
لعمرك ما أخلفت وجهاً بذلته ... إليك ولا عرّضته للمعاير
فتىً وفرت أيدي المحامد عرضه ... وخلّت لديه ماله غير وافر
وقال آخر:

أتيتك لا أدلي بقربي ولا يدٍ ... إليك سوى أنّي بجودك واثق
فإن تولني عرفاً أكن لك شاكراً ... وإن قلت لي عذراً أقل أنت صادق
وقال رجلٌ لآخر في كلامه: أيدينا ممدودةٌ إليك بالرغبة، وأعناقنا خاضعةٌ لك بالذّلّة، وأبصارنا شاخصةٌ إليك بالشكر؛ فافعل في أمورنا حسب أملنا فيك، والسلام.
الإجابة إلى الحاجة والردّ عنها
للعباس بن محمد وعلي بن عبد اللّه بن العباس في معنى هذا العنوان قال رجل للعّباس بن محمد: إنّي أتيتك في حاجةٍ صغيرةٍ؛ قال: اطلب لها رجلاً صغيراً. وهذا خلاف قول عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس لرجل قال له: إني أتيتك في حاجةٍ صغيرةٍ فقال له عليّ بن عبد اللّه: هاتها، إنّ الرجل لا يصغر عن كبير أخيه ولا يكبر عن صغيره.
بين الأحنف ورجل قال رجل للأحنف: أتيتك في حاجةٍ لا تنكيك ولا ترزؤك. قال: إذاً لا تقضى! أمثلي يؤتى في حاجةٍ لا تنكي ولا تزر! بين رجل ورقبة جاءه مع قوم يسألونه حاجة جاء قومٌ يكلمونه في حاجةٍ لهم ومعهم رقبو، فقال لرقبة: تضمنونها؟ فقال له رقبة: جئناك نطلب منك فضل التوسّع فأدخلت علينا همّ الضمّان بين عمر وبن عبيد وحقص بن سالم أتى عمرو بن عبيد حفص بن سالم، فلم يسأله أحدٌ من حشمه شيئاً إلا قال: لا فقال عمرو: أقلّ من قول: " لا " فإنّ " لا " ليست في الجنّة.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سئل ما يجد أعطى، وإذا سئل ما لا يجد قال: " يصنع اللّه " .
شعر لعمر بن أبي ربيعة قال عمر بن أبي ربيعة:
إنّ لي حاجةً إليك فقالت ... بين أذني وعاتقي ما تريد
أي قد تضمّنته لك فهو في عنقي في إجابة حاجة رجل سأل رجلٌ قوماً؛ فقال له رجل منهم: اللّهم هذا سائلنا ونحن سؤالك، وأنت بالمغفرة أجود منّا بالعطاء، ثم أعطاه.
وفي ردّ الإجابة سأل رجلٌ رجلاً حاجةً؛ فقال: اذهب بسلام. قال السائل: أنصفنا من ردّنا في حوائجنا إلى اللّه عزّ وجلّ.
بين ثمامة ورجل قال رجل لثمامة: إنّ لي إليك حاجةً؛ قال ثمامة: ولي إليك حاجةٌ؛ قال: ما هي؟ قال: لا ؟أذكرها حتى تتضمّن قضاءها؛ قال: قد فعلت؛ قال: حاجتي ألا تسألني هذه الحاجة؛ قال: رجعت عما أعطيتك؛ قال ثمامة: لكنّي لا أردّ ما أخذت.
بين الأصمعي ورجل اشترى منه ثمرة نخلة قال الحافظ: تمشّي قومٌ إلى الأصمعيّ مع رجل اشترى منه ثمرة نخله، فناله فيها خسرانٌ وسألوه حسن النظر له؛ فقال الأصمعيّ: أسمعتم بالقسمة الضّيزى! هي ما تريدون شيخكم عليه، إشترى منّي على أن يكون الخسران عليّ والربح له! إذهبوا فاشتروا لي طعام السّو على هذا الوجه والشرط. ثم قال: ها هنا واحدةٌ هي لكم دوني، ولا بدّ من الإحتمال لكم إذ لم تحتملوا لي، هذا ما مشيتم معه إلا وأنتم توجبون حقّه وتحبّون رفده، ولو كنت أوجب له مثل الذي توجبون لقد كنت أغنيته عنكم، ولكن لا أعرفه ولا يضرّنني بحقّ؛ فهلمّ فلنتوزع هذا الخسران بيننا بالسواء. فقاموا ولم يعودوا، وأيس التاجر فخرج له من حقّه.
يزيد بن عمير الأسيدي ينصح بنيه بردّ السؤال قال يزيد بن عمير الأسيدي لبنيه: يا بنيّ، تعلمّوا الردّ فإنه أشدّ من الإعطاء، ولأن يعلم بنو تميم أن عند أحدكم مائة ألف درهم أعظم له في أعينهم من أن يقسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: بخيلٌ وهو غنيٌ، خيرٌ له من أن يقال: سخيٌ وهو فقير.
شعر لإسحاق بن إبراهيم وقال إسحاق بن إبراهيم:
النصر يقرئك السلام وإنما ... أهدي السلام تعرضّاً للمطمع
فاقطع لبانته بيأسٍ عاجلٍ ... وأرح فؤادك من تقاضي الأضلع
ثمامة يعرّض بمحمد بن الجهم ذكر ثمامة محمد بن الجهم فقال: لم يطمع أحداً قطّ في ماله إلا ليشغله بالطمع فيه عن غيره، ولا شفع لصديقٍ ولا تكلّم في حاجة متحرّمٍ به، إلا ليلقن المسؤول حجّة منع، وليفتح على السائل باب حرمانٍ.
شعر سهل بن هارون إلى موسى بن عمران كتب سهل بن هارون إلى موسى بن عمران:
إنّ الضمير إذا سألتك حاجةً ... لأبي الهذيل خلاف ما أبدي
فأمنعه روح اليأس ثم امدد له ... حبل الرجاء لمخلف الوعد
وألن له كنفاً ليحسن ظنّه ... في غير منفعةٍ ولا رفد

حتى إذا طالت شقاوة جدّه ... وعناؤه فأجبهه بالردّ
لحبّى المدينية في الجرح الذي لا يندمل والذل والشرف قيل لحبى المدينيّة: ما الجرح الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة الكريم إلى اللئيم ثم يردّه. قيل لها: فما الذل؟ قالت: وقّوف الشريف بباب الدنيء ثم لا يؤذن له. قيل: فما الشرف؟ قالت: اعتقاد المنن في رقاب الرجال.
لمعن بن زائدة قال معن بن زائدة: ما سألني قطّ أحدٌ فرددته إلا رأيت الغنى في قفاه.
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه روى عليّ بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: أعلمتم أن الطمع فقرٌ، وأن اليأس غنىً، وأن المرء إذا يئس استغنى عنه.
وقال آخر في كلامٍ له: كلّ ممنوعٍ مستغنىً عنه بغيره، وكلّ مانع ما عنده ففي الأرض غنىً عنه.
وقد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه.
وقال بشار: " والدر يترك من غلائه " لشريح في سؤال الحاجة ومنعها قال شريح: من سأل حاجةً فقد عرض نفسه على الرّق، فإن قضاها المسؤول استبعده بها، وإن ردّه عنها رجع حرّاً وهما ذليلان: هذا بذّل البخل، وهذا بذّل الردّ.
وقال بعضهم: من سألك لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن ردّه.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يردّ ذا حاجةٍ إلا بها أو بميسور من القول.
لأسماء بن خارجة في تمنعه عن رد ذي حاجة وقال أسماء بن خارجة: ما أحبّ أن أردّ أحداً عن حاجةٍ؛ فإنه لا يخلو من أن يكون كريماً فأصونه، أو لئيماً فأصون منه نفسي.
شعر لأعرابي وقال أعرابيّ سأل حاجة فردّ عنها: وقال أعرابيّ سأل حاجة فردّ عنها:
ما يمنع الناس شيئاً كنت أطلبه ... إلا أرى اللّه يكفي فقد ما منعوا
بين الحسن بن علي ورجل جاء يسأله حاجة، ومثله مع أخيه الحسين وعبد اللّه بن عمر أتى رجلٌ الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما يسأله؛ فقال الحسن: إن المسألة لا تصلح إلا في غرمٍ فادحٍ أو فقر مدقع أو حمالة مفظعةٍ؛ فقال الرجل: ما جئت إلا في إحداهنّ. فأمر له بمائة دينار.
ثم أتى الرجل الحسين بن علي رضي اللّه عنهما فسأله، فقال له مثل مقالة أخيه، فردّ عليه كما ردّ على الحسن، فقال: كم أعطاك؟ قال: مائة دينار، فنقصه ديناراً. كره أن يساوي أخاه.
ثم أتى الرجل عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما فسأله فأعطاه سبعة دنانير ولم يسأله عن شيء فقال الرجل له: إني أتيت الحسن والحسين، واقتصّ كلامهما عليه وفعلهما به؛ فقال عبد اللّه ويحك! وأنّى تجعلني مثلهما! إنهما غرّاً العلم غرّا المال.
بين شيخ من بني عقيل وعمر بن هبيرة حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: جاء شيخٌ من بني عقيلٍ إلى عمر بن هبيرة، فمتّ بقرابةٍ وسأله فلم يعطه شيئاً؛ فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيليّ الذي سألك منذ أيام؛ فقال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام؛ فقال: معذرةً إلى اللّه! إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربيّ؛ فقال: ذاك الأم لك، وأهون بك عليّ، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد ولا تعلم به! يا حرسيّ اسفع بيده.
بين عبد اللّه بن الزبير وأعرابي أتى عبد اللّه بن الزبير أعرابيٌ يسأله، فشكا إليه نقب ناقته واستحمله؛ فقال له ابن الزبير: ارقعها بسبتٍ واخصفها بلهب وافعل....؛فقال الأعرابيّ: إني أتيتك مستوصلاً ولم آتك مستوصفاً، فلا حملت ناقةٌ حملتني إليك! فقال: إن وصاحبها.
من أمثال العرب فيمن رجع خائباً والعرب تقول لمن جاء خائباً ولم يظفر بحاجته: " جاء على غبيراء الظهر " وتقول هي والعوامّ: " جاء بخفّي حنين " ؛ و " جاء على حاجبه صوفةٌ " .
شعر أبو عطاء السندي في عمر بن هبيرة وقال أبو عطاء السّندي في عمر بن هبيرة:
ثلاثٌ حكتهنّ لقرم قيسٍ ... طلبت بها الأخوة والثناء
رجعن على حواجبهن صوفٌ ... فعند اللّه أحتسب الجزاء
الأصل في قول العرب " جاء بخفي حنين "

والأصل في قولهم: " جاء بخفي حنين " أن إسكافاً من أهل الحيرة ساومه أعرابيٌ بخفّين، فاختلفا حتى أغضبه، فازداد غيظ الأعرابيّ؛ فلما ارتحل أخذ حنينٌ أحد خفّيه فألقاه على طريقه ثم ألقى الآخر في موضع آخر؛ فلما مرّ الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخفّ حنين! ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى؛ فلما انتهى إلى الأخر ندم على تركه الأوّل، وأناخ راحلت فأخذه ورجع إلى الأوّل، وقد كمن له فعمد إلى راحلته وما عليها فذهب به؛ وأقبل الأعرابيّ ليس معه غير الخفّين؛ فقال له قومه: ما الذي أتيت به؟ قال: بخّفي حنين.
قالوا: فإن جاء وقد قضيت حاجته قيل: " جاء ثانياً من عنانه " فإن جاء ولمّا تقض حاجته وقد أصيب ببعض ما معه، قالوا: " ذهب يبتغي قرناً فلم يرجع بأذنين " . يقول بشار:
فكنت كالعير غدا يبتغي ... قرناً فلم يرجع بأذنين
لأعرابي وقد سأل قوماً سأل أعرابيّ قوماً، فقيل له: بورك فيك! فقال: وكلكم اللّه إلى دعوةٍ لا تحضرها نيّة.
بين الوليد وأعرابي أرسل الوليد خيلاً في حلبةٍ، فأرسل أعرابيٌ فرساً له فسبقت الخيل؛ فقال له الوليد: احملني عليهما؛ فقال: إن لها حرمةً، ولكني أحملك على مهر لها سبق الخيل عام أوّل وهو ريضّ.
من أقوال العرب وتقول العرب فيمن يشغله شأنه عن الحاجة يسألها: " شغل الحلي أهله أن يعار " بنصب الحلي، ويعار: من العارية. فأمّا قولهم: " أحقّ الخيل بالركض المعار " فأنّ المعار: المنتوق الذّنب وهو المهلوب؛ يريدون أنه أخفّ من الذيّال الذنب، يقال: أعرت الفرس إذا نتفته.
وتقول العرب لمن سئل وهو لا يقدر فردّ: " بيتي يبخل لا أنا " ؛ يريدون أنه ليس عنده ما يعطي.
ووعد رجلٌ رجلاً فلم يقدر على الوفاء بما وعده؛ فقال له: كذبتني. قال: لا، ولكن كذبك مالي.
وتقول العرب فيمن اعتذر بالمنع بالعدم وعنده ما سئل: " أبى الحقين العذرة " . قال أبو زيد: وأصله أن رجلاً ضاف قوماً فاستسقاهم لبناً، وعندهم لبنٌ قد حقنوه في وطبٍ، فاعتذروا أنه لا لبن عندهم؛ فقال: " أبى الحقين العذرة " . ويقال: " العذرة طرف البخل " .
شعر للطائي يذكر المطل وقال الطائي يذكر المطل:
وكان المطل في بدءٍ وعودٍ ... دخاناً للصنيعة وهي نار
نسيب البخل مذ كانا وإن لم ... يكن نسبٌ فبينهما جوار
لذلك قيل بعض المنع أدنى ... إلى جودٍ وبعض الجود عار
لإسماعيل القراطيسي في الفضل بن الربيع قال إسماعيل القراطيسيّ في الفضل بن الربيع:
لئن أخطأت في مدح ... ك ما أخطأت في منعي
لقد أحللت حاجاتي ... بوادٍ غير ذي زرع
بين المنذر بن الزبير وحكيم بن حزام غزا المنذر بن الزبير " في " البحر ومعه ثلاثون رجلاً من بني أسد بن عبد العزّى؛ فقال له حكيم بن حزام: يا بن أخي، إني قد جعلت طائفةً من مالي للّه عزّ وجلّ، وإني قد صنعت أمراً ودعوتكم له، فأقسمت عليك لا يردّه عليّ أحدٌ منكم. فقال المنذر: لاها اللّه إذاً، بل نأخذ ما تعطي، فإن نحتج إليه نستعن به ولا نكره أن يأجرك اللّه، وإن نستعن عنه نعطه من يأجرنا اللّه فيه كما أجرك.
شعر لأعرابي وقد سأل رجلاً فأعطاه درهمين سأل أعرابيٌّ رجلاً يقال له: الغمر فأعطاه درهمين، فردّهما وقال:
جعلت لغمرٍ درهميه ولم يكن ... ليغني عني فاقتي درهما غمر
وقلت لغمر خذهما فاصطرفهما ... سريعين في نقض المروءة والأجر
أتمنع سؤّال العشيرة بعد ما ... تسمّيت غمراً واكتنيت أبا بحر
شعر لأبي العتاهية في الفضل بن الربيع وقد سأله حاجة فلم يقضها له اختلف أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع في حاجةٍ له زماناً فلم يقضها له، فكتب:
أكلّ طول الزمان أنت إذا ... جئتك في حاجةٍ تقول غدا!
لا جعل اللّه لي إليك ولا ... عندك ما عشت حاجةٍ أبدا!
وقال آخر:
إن كنت لم تنو فيما قلت لي صلةً ... فما انتفاعك من حبسي وترديدي
فالمنع أجمله ما كان أعجله ... والمطل من غير عسرٍ آفة الجود
وقال آخر:
بسطت لساني ثم أوثقت نصفه ... فنصف لساني في امتداحك مطلق

فإن أنت لم تنجز عداتي تركتني ... وباقي لسان الشكر باليأس موثق
وقال آخر:
يا جواد اللسان من غير فعلٍ ... ليت جود اللسان في راحتيكا
المواعيد وتنجّزها
لجبار بن سلمى في عامر بن الطفيل ذكر جبّار بن سلمى عامر بن الطّفيل فقال: كان واللّه وعد الخير وفى، وإذا أوعد بالشرّ أخلف وعفا.
شعر لأبي عمرو بن العلاء وأنشد أبو عمرو بن العلاء في نثل هذا المعنى:
ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتي ... ويأمن منّي صولة المتهدّد
وإنّي إن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي
وكان يقال: وعد الكريم نقدٌ، ووعد اللئيم تسويف.
شعر عبد الصمد بن الفضل لخالد بن ديسم وقال عبد الصّمد بن الفضل الرّقاشيّ " أبو الفضل والعباس الرّقاشيّين البغداديّين " لخالد بن ديسم عامل الرّيّ:
أخالد إنّ الرّيّ قد أجحفت بنا ... وضاق علينا رحبها ومعاشها
وقد أطمعتنا منك يوماً سحابةٌ ... أضاء لنا برقٌ وكفّ رشاشها
فلا غيمها يصحو فيؤيس طامعٌ ... ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها
شعر لأبي الحجاج وقال رجل في الحجّاج:
كأنّ فؤادي بين أظفار طائر ... من الخوف في جوّ السماء محلّق
حذار امرىء قد كنت أعلم أنه ... متى ما يعد من نفسه الشرّ يصدق
لعمرو بن الحارث في الخلف بالوعد قال عمرو بن الحارث: كنت متى شئت أجد من يعد وينجز، فقد أعياني من يعد ولا ينجز.
قال: وكانوا يفعلون ولا يقولون، فقد صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون.
شعر لبشار، ولغيره، في ذلك المعنى قال بشار:
وعدتني ثم لم توفي بموعدتي ... فكنت كالمزن لم يمطر وقد رعدا
هذا مثل قول العرب لمن يعد ولا يفي: " برقٌ خلّب " وقال آخر:
قد بلوناك بحمد اللّه إن أغنى البلاء
فإذا جلّ مواعي ... دك والجحد سواء
وقال آخر:
لها كلّ عامٍ موعدٌ غير ناجزٍ ... ووقت إذا ما رأس حولٍ تجرّما
فإن أوعدت شرّاً أتى دون وقته ... وإن وعدت خيراً أراث وأعتما
لعبد اللّه بن عمر وقد زوّج ابنته لرجل من قريش وعد عبد اللّه بن عمر رجلاً من قريش أن يزوّجه ابنته! فلما كان عند موته أرسل إليه فزوّجه إياها، وقال: كرهت أن ألقى اللّه عزّ وجلّ بثلث اتّفاق شعر للطائي وقال الطائي:
تقول قول الذي ليس الوفاء له ... خلقاً وتنجز إنجاز الذي حلفا
وأثنى اللّه تبارك وتعالى على نبيّه إسماعيل صلى اللّه عليه وسلم فقال: " إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً " شعر لبشار، ولغيره، في المدح وقال بشار يمدح:
إذا قال تمّ على قوله ... ومات العناء بلا أو نعم
وبعض الرجال بموعده ... قريبٌ وبالفعل تحت الرّجم
كجاري السّراب ترى لمعه ... ولست بواجده عندكم
وقال العبّاس بن الأحنف:
ما ضرّ من قطع الرجاء ببخله ... لو كان علّلني بوعدٍ كاذب
وقال آخر:
عسى منك خيرٌ من نعم ألف مرّةٍ ... من آخر غال الصّدق منه غوائله
وقال نصيب:
يقول فيحسن القول ابن ليلى ... ويفعل فوق أحسن ما يقول
وقال زيادٌ الأعجم:
للّه درّك من فتىً ... لو كنت تفعل ما تقول
لا خير في كذب الجوا ... د وحبّذا صدق البخيل
من أمثال العرب في الخلف بالوعد والعرب تضرب المثل في الخلف بعرقوب. قال ابن الكلبيّ عن أبيه: كان عرقوب رجلاً من العماليق؛ فأتاه أخٌ له فسأله شيئاً؛ فقال له عرقوب: إذا أطلع نخلي. فلما أطلع أتاه، قال: إذا أبلح. فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أزهى. فلما أزهى أتاه، قال: إذا أرطب أتاه، قال: إذا صار تمراً جدّه من الليل ولم يعط أخاه شيئاً.
شعر لكعب بن زهير، ولغيره، في هذا المعنى قال كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلاً ... وما مواعيدها إلاّ الأباطيل
وقال الأشجعيّ:
وعدت وكان الخلف منك سجيّةً ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب

هكذا قرأته على البصريين في كتاب سيبويه بالتاء وفتح الراء.
وقال الشاعر:
متى ما أقل يوماً لطالب حاجةٍ ... نعم، أقضها قدما وذلك من شكلي
وإن قلت لا، بيّنتها من مكانها ... ولم أوذه منها بجرٍّ ولا مطل
وللبخلة الأولى أقلّ ملامةً ... من الجود بداءاً ثم يتبع بالبخل
لأبي نواس في امرأة وقال أبو نواس لامرأة:
أنضيت أحرف لا مما لهجت بها ... فحوّلي رحلها عنها إلى نعم
أو حوّليها إلى " لا " فهي تعدلها ... إن كنت حاولت في ذا قلّة الكلم
قستم علينا فعارضنا قياسكم ... يا من تناهى إليه غاية الكرم
وفي هذا معنىً لطيفٌ.
من رجل إلى صديق له كتب رجلٌ إلى صديق له: قد أفردتك برجائي بعد اللّه، وتعجّلت راحة اليأس ممن يجود بالوعد ويضنّ بالإنجاز، ويحسد أن يفضل، ويزهد أن يفضل، ويعيب الكذب ولا يصدق وقال آخر:
وذي ثقةٍ تبدّل حين أثرى ... ومن شيمي مراقبة الثّقات
فقلت له عتبت عليّ إثماً ... فراراً من مؤونات العدات
فعد لمودّتي وعليّ نذرٌ ... سألتك حاجةً حتى الممات
شعر في أصحاب النبيذ وقال آخر في أصحاب النبيذ:
مواعيدهم ربحٌ لمن يعدونه ... بها قطعوا برد الشتاء وقاظوا
وقال مسلم:
لسانك أحلى من جنى النحل موعداً ... وكفّك بالمعروف أضيق من قفل
تمنّي الذي يأتيك حتّى إذا انتهى ... إلى أجلٍ ناولته طرف الحبل
شعر خلف بن خليفة لأبان بن الوليد وقد وعده وأبطأ عليه وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد أن يهب له جاريةً، فوعده وأبطأ عليه؛ فكتب إليه:
أرى حاجتي عند الأمير كأنّما ... تهمّ زماناً عنده بمقام
وأحصر من إذكاره إن لقيته ... وصدق الحياء ملجمٌ بلجام
أراها إذا كان النهار نسيئةً ... وبالليل تقضي عند كلّ منام
فيا ربّ أخرجها فإنك مخرجٌ ... من الميت حيّاً مفصحاً بكلام
فتعلم ما شكري إذا ما قضيتها ... وكيف صلاتي عندها وصيامي
وإن حاجتي من بعد هذا تأخّرت ... خشيت لما بي أن أزور غلامي
والعرب تقول: " أنجز حرٌّ ما وعد " شعر أمية بن أبي الصلت لعبد اللّه بن جدعان وقال أميّة بن أبي الصّلت لعبد اللّه بن جدعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
للطائي وقال الطائي:
وإذا المجد كان عوني على المر ... ء تقاضيته بترك التّقاضي
كلمات في استنجاز المواعيد وقال الزّهريّ: حقيقٌ على من أورق بوعدٍ، أن يثمر بفعل.
وقال المغيرة: من أخرّ حاجة رجلٍ فقد تضمنّ قضاءها.
وقال الشاعر:
كفاك مدكراً وجهي بأمري ... وحسبي أن أراك وأن تراني
وكيف أحثّ من يعني بشأني ... ويعرف حاجتي ويرى مكاني
وقال الشاعر:
يا صاح قل في حاجتي ... أذكرتها فيما ذكرتا
إنّ السّراح من النجا ... ح إذا شقيت بما طلبتا
وقال آخر:
في تصديك للمطالب إذكا ... رٌ بوعدٍ جرى به المقدار
كتاب لصديق وكتب بعض الكتاب إلى صديقٍ له: إن من العجب إذكار معنيٍّ، وحث متيقظٍ واستبطاء ذاكرٍ؛ إلا أن ذا الحاجة لا يدع أن يقول في حاجته، حلّ بذلك منها أو عقل. وكتابي تذكرةٌ والسلام.
شعر للطرماح وقال الطرماح:
ألحسن منزلتي تؤخر حاجتي ... أم ليس عندك لي بخيرٍ مطمع
شعر حمزة بن بيض لمخلد بن يزيد بن المهلب وقال حمزة بن بيضٍ لمخلد بن يزيد بن المهلّب:
أتيناك في حاجةٍ فاقضها ... وقا مرحباً يجب المرحب
ولا تكلّنا إلى معشرٍ ... متى يعدوا عدةً يكذبوا
وقال بعض المحدثين:
حوائج الناس كلّها قضيت ... وحاجتي لا أراك تقضيها
أناقة اللّه حاجتي عقرت ... أم نبت الحرف في نواحيها
شعر جرير لعمر بن عبد العزيز

وقال جريرٌ لعمر بن عبد العزيز:
أأذكر الضّرّ والبلوى التبي نزلت ... أم تكتفي بالذي بلّغت من خبري
وقال آخر:
أرواح لتسليم عليك وأغتدي ... وحسبك بالتّسليم منّي تقاضيا
كفى بطلاب المرء ما لا يناله ... عناءً وباليأس المصرّح ناهيا
وقال آخر:
ما أنت بالسّبب الضّعيف وإنما ... نحج الأمور بقوّة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لكثرة الأوصاب
كتاب إلى سلطان كتب بعض الكتّاب إلى بعض السلطان: أنا أنزّهك عن التجمّل لي بوعدٍ يطول به المدى ويعتزله الوفاء، وأحبّ أن يتقرر عندك أن أملي فيك أبعد من أن أختلس الأمور منك اختلاس من يرى في عاجلك عوضاً من آجلك، وفي الراهن من يومك بدلاً من المأمول في غدك، وألا تكون منزلتي في نفسك منزلة من يصرف الطرف عنه وتستكره النفس عليه ويتكلّف ما فوق العفو له، وأن يختار بين العذر والشكر؛ فاللّه يعلم أنّ أثر الحظّين عندي أحقّهما عليك، وأصوبهما لحالي عندك.
وفي كتاب: ذو الحرمة ملومٌ على فرط الدّالة، كما أنّ المتحرّم به مذمومٌ على التناسي والإزالة. ومن مذهبي الوقوف بنفسي دون الغاية التي يقدّمني إليها حقّي، لأمرين: أحدّهما ألاّ أرضى بدون الحقّ أزيد في الحقّ. والثاني أن أرى النفيس من الحظّ زهيداً إذا أتىمن جهة الإ رهاق ولي ذمام الموّدة الصادقة التي كلّ حرمةٍ تبعٌ لها، وحق الشكر الذي جعله اللّه وفاءً بالنعم وإن جلّ قدرها؛ وأنت مراعي المعالي وحافظ بقيّة الكرم؛ فأيّ سبيل للعذر، بل أي موضع للإكداء بين حرمتي ورعايتك، وذمامي وكرمك! قال أحمد بن يوسف: أوّل المعروف مستخفٌ، وآخره مستثقل؛ يكاد أوّله يكون للهوى دون الرأي، وآخره للرأي دون الهوى. ولذلك قيل: ربٌ الصنيعة أشدّ من ابتدائها.
شعر أبو العطاء السندي في يزيد بن عمر بن هبيرة قال أبو عطاء السّندي في يزيد بن عمر " بن هبيرة " :
ثلاثٌ حكتهن لقوم قيسٍ ... رجعن إليّ صفراً خائبات
أقام على الفرات يزيد شهراً ... فقال الناس أيّهما الفرات
فيا عجباً لبحرٍ فاض يسقي ... جميع الناس لم يبلل لهاتي
حال المسؤول عند السؤالشعر في معنى هذا العنوان قال الشاعر:
سألناه الجزيل فما تلكّا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا
مراراً ما أعود إليه إلاّ ... تبسّم ضاحكاً وثنى الوسادا
وقال آخر:
قومٌ إذا نزل الغريب بدارهم ... تركوه ربّ صواهلٍ وقيان
وإذا دعوتهم ليوم كريهةٍ ... سدّوا شعاع الشمس بالفرسان
لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتلمّس العلاّت بالعيدان
بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان
وقال آخر:
يجعل المعروف والبرّ ذخراً ... ويعدّ الحمد خير التّجارة
وإذا ما جئته تجتديه ... خلته بشّرته ببشاره
فترى في الطّرف منه حياءً ... وترى الوجه منه استناره
وقال آخر:
إذا غدا المهديّ في جنده ... أوراح في آل الرسول الغضاب
بدا لك المعروف في وجهه ... كالضوء يجري في ثنايا الكعاب
للعتبي، ولزهير وأنشدني العتبيّ:
له في ذرى المعروف نعمى كأنها ... مواقع ماء المزن في البلد القفر
إذا ما أتاه السائلون توقدت ... عليه مصابيح الطلاقة والبشر
والمشهور في هذا قول زهير:
تراه إذا ما جئته متهلّلاً ... كأنّك تعطيه الذي أنت سائله
لأعرابي وقد سأل رجلاً فردّه وسأل رجل من الأعراب رجلاً " فلم يعطه " شيئاً؛ فقال:
كدحت بأظفاري وأعملت معولي ... فصادفت جلموداً من الصّخر أملسا
تشاغل لما جئت في وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى
وأجمعت أن أنعاه حين رأيته ... يفوق فواق " الموت " ثم تنفّسا
فقلت له لا بأس، لست بعائذٍ ... فأفرخ تعلوه الكآبة مبلسا
لمسلم، وغيره وقال مسلم:

أطرق لما أتيت ممتدحاً ... فلم يقل " لا " فضلاً على " نعم "
فخفت إن مات أن أقاد به ... فقمت أبغي النّجاء من أمم
لو أنّ كنز البلاد في يده ... لم يدع الإعتلال بالعدم
وقال الحارث الكندي:
فلما أن أتيناه وقلنا ... بحاجتنا تلوّن لون ورس
وأض بكفّه يحتكّ ضرساً ... يرينا أنه وجعٌ بضرس
فقلت لصاحبي أبه كزاز ... وقلت أسرّه أتراه يمسي
وقمنا هاربين معاً جميعاً ... نحاذر أن نزنّ بقتل نفس
لأعرابي دخل على المساور الضبي فردّه خائباً قال الأصمعي: دخل أعرابّي على المساور الضّبي وهو بندار الرّي، فسأله فلم يعطه شيئاً، فأنشأ يقول:
أتيت المساور في حاجةٍ ... فما زال يسعل حتى ضرط
وحكّ قفاه بكر سوعه ... ومسّح عثنونه وامتخط
فأمسكت عن حاجتي خيفةً ... لأخرى تقطّع شرج السفط
فأقسم لو عدت في حاجتي ... للطّخ بالسلح وشي النمّط
وقال غلطنا حساب الخراج ... فقلت من الضّراط جاء الغلط
قال: فكان العامل كّلما ركب صاح به الصّبيان: " من الضرط جاء الغلط " فهرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان.
لنهار بن توسعة في قتيبة بن مسلم وقال نهار بن توسعة في قتيبة بن مسلم:
كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها ... وكلّ باب من الخيرات مفتوح
فبدّلت بعده قرداً نظيف به ... كأنما وجهه بالخلّ منضوح
لجرير في يزيد وقال جرير:
يزيد يغضّ الطّرف دوني كأنّما ... زوى بين عينيه عليّ المحاجم
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وقال آخر:
لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهدّ من الخبر
لمحمد بن واسع حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي عن الأبحّ عن البتيّ قال: قال محمد بن واسع: إنك لتعرف فجور الفاجر في وجهه.
شعر لأبي العتاهية قال أبو العتاهية:
ما لي أرى الناس قد أبرقوا ... بلؤم الفعال وقد أرعدوا
إذا جئت أفضلهم للسلا ... م ردّ وأحشاؤه ترعد
كأنك من خشية للسؤا ... ل في عينه الحيّة الأسود
لبعضهم في زياد وقال آخر:
إذا ما الرزّق أحجهم عن كريمٍ ... فألجأه الزمان إلى زياد
تلقّاه بوجهٍ مكفهر ... كأن عليه أرزاق العباد
وقال أخر:
ولي خليلٌ ما مسّني عدمٌ ... مذ نظرت عينه إلى عدمي
بشّرني بالغنى تهللّه ... وقبل هذا تهللّ الخدم
ومحنة الزائرين بينةٌ ... تعرف قبل اللقاء في الحشم
العادة من المعروف تقطعكان يقال: انتزع العادة ذنبّ محسوبّ لأبي الأسود الدؤلي
وقال أبو الأسود " الدؤلي " :
ليت شعري عن أميري ما الذي ... غاله في الودّ حتى ودعه
لا تهنّي بعد إذ أكرمتني ... وشديد عادةٌ منتزعه
أذكر البلوى التي أبليتني ... وكلاماً قلته في المجمعة
لا يكن برقك برقاً خلّباً ... إنّ خير البرق ما الغيث معه
للأعشى والمشهور في هذا قول الأعشي:
عوّدت كندة عادةً فاصبر لها ... واغفر لجاهلها وروّ سجالها
لأعرابي في القطع بعد العطاء سأل أعرابّي قوماً، فرقّ له رجلٌ منهم فضمّه إليه وأجرى له رزقاً أياماً ثم قطع عنه؛ فقال الأعرابي:
تسرّى فلمّا حاسب المرء نفسه ... رأى أنه لا يستقيم له السّرو
مثله لأبي زياد الكلابي وقدم أبو زياد الكلابي مع أعراب سنة القحمة، فأجرى عليهم رجلٌ رغيفاً لكل رجلٍ ثم قطعه؛ فقال أبو زياد:
إن يقطع العباس عنا رغيفة ... فما يأتني من نعمة اللّه أكثر
والحكماء تقول: " العادة طبيعةٌ ثانيةٌ " في الأثر وفي الحديث: " الخير عادةٌ والشرّ لجاجةٌ " لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء لرجل من الأشراف:

ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد ... أحداً سواك إلى المكارم ينسب
فاصبر لعادتك التي عودتنا ... أولاً فأرشدنا إلى من نذهب
من أقوال العرب وتقول العرب فيمن اصطنع معروفاً ثم أفسده بالمنّ أو قطعه حين كاد يتمّ: " شوى أخوك حتى إذا أنضج رمدّ " لأبي كعب القاص قال أبو كعب القاصّ: كان رجل يجري عليّ رغيفاً في كلّ يوم، وكان يقول إذا أتاه الرغيف: لعنك اللّه ولعن من بعث بك، ولعنني إن تركتك حتى أصيب خيراً منك.
والعرب تقول في مثل هذا: " خذ من الرّضفة ما علها " وقال الشاعر:
وخذ القليل من اللئيم وذمّه ... إنّ اللئيم بما أتى معذور
ومعذور: موسوم في موضع العذار، وليس هو من العذر
الشكر والثناءللنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني شيخ لنا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن أساف قال: قال " النبي " صلى اللّه عليه وسلم: " إذا صلى أحدكم فليدن عليه من ستر بيته فإنّ اللّه عزوجلّ يقسم الثناء كما يقسم الرزق " وحدّثني أيضاً عن وكيع عن سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد اللّه بن الصّامت قال: قال أبو ذرّ: قلت للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: الرجل يعمل العمل ويحبّه الناس؟ قال: " تلك عاجل بشرى المؤمن " وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: " إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند اللّه فانظروا ماذا يتبعه من الثناء " مضاعفة الثناء كما تضاعف الحسنات حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات؛ يكون الرجل سخيّاً فيزيد اللّه في سخائه، ويكون شجاعاً فيزيد اللّه في شجاعته.
بين عمر بن الخطاب ورجل وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن العمريّ قال: قال رجلٌ لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: إنّ فلاناً رجل صدقٍ. قال: سافرت معه؟ قال: لا قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال: لا. قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد؟؟! لبعض الحكماء في الشعر قال بعض الحكماء: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر وقال آخر: حقّ النّعمة أن تحسن لباسها، وتنسبها إلى وليّها، وتذكر ما تناسى عندك منها.
شعر لبعض الحارثيين وقال بعض الحارثّيين:
عثمان يعلم أنّ الحمد ذو ثمن ... لكنّه يشتهي حمداً بمجّان
والناس أكيس من أن يحمدوا أحداً ... حتى يروا قبله آثار إحسان
لحماد عجرد، ثم لابن حطان وقال حمّاد عجرد:
قد ينقضي كلّ ما أوليت من حسنٍ ... إذا أتى دون ما أوليت يومان
تنأى بودّك ما استغنت عن أحدٍ ... وطمعت فأنت الواصل الدّاني
الشّهد أنت إذا ما حاجةٌ عرضت ... وحنظلٌ كلّما استغنيت خطبان
وقال عمران بن حطّان:
وقد عرضت لي حاجةٌ وأظنني ... بأنّي إذا أنزلتها بك منجح
فإن أك في أخذ العطيّة مربحاً ... فإنك في بذل العطيّة أربح
لأنّ لك العقبى من الأجر خالصاً ... وشكري في الدنيا، فحظّك أرجح
لمعاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً:
إذا أنا أعطيت القليل شكوتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر
وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم ... وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر
وأمنحكم مالي وتكفر نعمتي ... وتشتم عرضي في مجالسها فهر
إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسى ... وضاقت قلوبٌ منهم حشوها الغمر
فكيف أداوي داءكم ودواؤكم ... يزيدكم غيّاً؟؟ فقد عظم الأمر
سأحرمكم حتى يذلّ صعابكم ... وأبلغ شيءٍ في صلاحكم الفقر
لطريح الثقفي، وللخريمي وقال طريح الثّقفيّ:
سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي ... فقصّرت مغلوباً وإني لشاكر
للخريمي ومثله قول الخريميّ:
لأنك تعطيني الجزيل بداهةً ... وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر
ومثله قوله أيضاً:
زاد معروفك عندي عظماً ... أنه عندك محقور صغير

تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهورٌ كبير
قول رجل لسلطان قال رجل لبعض السلطان: المواجهة بالشكر ضربٌ من الملق، منسوب من عرف بها إلى التخلق وأنت تمنعني من ذلك وترفع الحال بيننا عنه، ولذلك تركت لقاءك به. غير أني من الاعتراف بمعروفك ونشر ما تطوي منه والإشادة بذكره عند إخوانك والانتساب إلى التقصير مع الإطناب في وصفه، على ما أرجو أن أكون قد بلغت به حال المحتمل للصنيعة، الناهض بحقّ النعمة.
شعر لابن عنقاء الفزاري قال ابن عنقاء الفزاريّ:
رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسرّ كما جهر
دعاني فآساني ولو صدّ لم ألم ... على حين لا بدو يرجّى ولا حضر
فقلت له خيراً وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أسديت من ذمّ أو شكر
شعر في الشكر وقال آخر:
سأشكر عمراً إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلّت
فتىً غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلّت
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: أربعةٌ ليست لأعمالهم ثمرة: مسار الأصمّ، والباذر في السبخة، والمسرج في الشمس، وواضع المعروف عند من لاشكر له.
لبعض الشعراء في الشكر وقال بعض الشعراء المحدثين، وقيل: إنه للبحتري، فبعثت إليه أسأله عنه فأعلمني أنه ليس له:
فلو كان للشكر شخصٌ يبين ... إذا ما تأمله الناظر
لبينته لك حتى تراه ... فتعلم أنّي امرؤ شاكر
ولكنه ساكنٌ في الضمير ... يسحرّكه الكلم السائر
وقال آخر:
فلو كان يستغني عن الشكر سيدٌ ... لعزة ملكٍ أو علوّ مكان
لما أمر الله الجليل بشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلان
وقال آخر:
فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد
وقال رجل من غنيٍّ:
فإذا بلغتم أهلكم فتحدثوا ... ومن الثناء مهالك وخلود
لعائشة رضي الله عنها تتمثل بشعر في شكر النعمة وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر:
يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
شعر الحارث بن شداد في علي بن الربيع الحارثي وقال الحارث بن شداد في عليّ بن الربيع الحارثي:
الناس تحتك أقدام وأنت لهم ... رأسٌ وكيف يسوى الرأس والقدم
فحسبنا من ثناء المادحين إذا ... أثنوا عليك بأن يثنوا بما علموا
وقال آخر:
بأي الخصلتين عليك أثني ... فإني عند منصرفي مسول
أبالحسنى وليس لها ضياءٌ ... عليّ فمن يصدّق ما أقول
أم الأخرى ولست لها بأهلٍ ... وأنت البحر من ذهبٍ يسيل
لبشار وقال بشار:
أثني عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس
قد قلت إن أبا حفصٍ لأكرم من ... يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي
من بعض الكتاب إلى وزير وكتب بعض الكتاب إلى وزير: لست تشبه حالنا في الحرمة، ولا نشبه حالك في الجاه والقدر، ولا ظاهر ما نحن عليه الباطن. وليس بعد حرمتي حرمةٌ، ولا فوق سببي سبب، ولا بعد حالك حالٌ يرتجى، ولا بعد منزلتك منزلةٌ تتمنى، ولا تنتظر شيئاً ولا أنتظره؛ ولا أتوقع حقاً أزيده في حقوقي، ولا تتوقع فائدة تزيدها في ذات يدك. وكم تحتال بالألفاظ، وتموه بالمعاني، والناس يحتجون بالعمل ويقضون بالعيان.
لبعض الشعراء في قلة الشكر وقال بعض الشعراء:
وزهدني في كل خيرٍ صنعته ... إلى الناس ما جريت من قلة الشكر
شعر لأبي الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم وقال أبو الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم:
إذا فاخرتنا من معدٍّ عصابةٌ ... فحزناً عليها بابن عتبة عاصم
يجرّ رياط الحمد في دار قومه ... ويختال في عرضٍ من الذم سالم
من رجل لبعض السلطان

وقال رجل لبعض السلطان: مثلك أوجب حقاً لا يجب عليه، وسمح بحق يجب له، وقيل واضح العذر، واسكثر قليل الشكر. لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك.
وكتب آخر: ما أنتهي إلى غايةٍ من شكرك، إلا وجدت وراءها غايةً من معورفك يحسرني بلوغها. وما عجز الناس عنه فالله من ورائه. فلا زالت أيامك ممدودةً بين أمل لك تبلغه، وأمل فيك تحقّقه، حتى تتملّى من الأعمار أطولها، وتنال من الهبات أفضلها.
ونحو هذا قول آخر: كان لي فيك أملان: أحدهما لك، والآخر بك، فأمّا الأمل لك فقد بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحقّقه الله ويوشكه.
وفي كتاب آخر: أيام القدرة وإن طالت قصيرةٌ، والمتعة بها وإن كثرت قليلةٌ، والمعروف وإن أسدي إلى من يكفره مشكورٌ بلسان غيره.
لبعض الكتّاب وفي كتاب بعض الكتّاب: وما ذكرت - أعزك الله - من ذلك قديماً ولا جدّدت منه حديثاً، إلا وأصغر أملي فيك فوقه إن كان استحقاقي دونه. فإن أقض واجب حقّ الله عليّ في كشر نعمك فبتوفيقه وعونه، وإن أقصّر عن كنهه فعن غير تقصيرٍ في بلوغ الجهد فيه.
وفي هذا الكتاب: أما ما بذل الأمير من ماله، فذلك ما قد سبق الرجاء بل اليقين إليه، معرفةً مني بطوله وكرمه، وليس ينكر أياديه ولا بدع صنائعه. وما يرشدني أملي بعد الله إلا إليه، ولا أفزع لحادثةٍ إلى غيره، ولا أتضاءل لنائبة معه. ولو عجزت عن النهضة لما حاولت الاستقلال والانتعاش إلا به. ومال الأمير الكثير المذخور عند انقطاع الحيل، ولا معنّفٌ طالبه، ولا مخوّفٌ على الرد عنه واهبه، ولا عائق منعٍ دونه، ولا تنغيص من ورائه؛ ولا كنز أولى بالصون وأن يجعل وقفاً على النوائب والعواقب من كنز من هذه حاله.
بين بني تميم وسلامة بن جندل قالت بنو تميم لسلامة بن جندل: مجّدنا بشعرك؛ فقال: افعلوا حتى أثني.
شعر لعمرو بن معد يكرب ونحوه قول عمرو بن معد يكرب:
فلو أن قومي أنطقطتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرّت
بين قرشي وأشعب قال رجل من قريش لأشعب: والله ما شكرت معروفي عندك. فقال: إن معروفك كان من غير محتسبٍ، فوقع عند غير شاكر.
شعر لأبي نواس، وآخرين وقال أبو نواس:
أنت امرؤ أوليتني نعماً ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا
فإليك بعد اليوم تقدمةً ... والتك بالتصريح منكشفا
لا تحدثنّ إليّ عارفةً ... حتى أقوم بشكر ما سلفا
وقال أبو نخيلة:
شكرتك إنّ الشكر حبلٌ من التقى ... وما كلّ من أقرضته نعمةً يقضي
فأحييت من ذكري وما كان ميّتاً ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
آخر:
لأشكرنّك معروفاً هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدرٌ ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
بين رجل وسعيد بن جبير وقال رجل لسعيد بن جبير: المجوسيّ يوليني خيراً فأشكره، ويسلّم عليّ فأردّ عليه. فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مثله.
شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابي:
أهلكتني بفلانٍ ثقتي ... وظنون بفلانٍ حسنه
ليس يستوجب شكراً رجلٌ ... نلت خيراً منه من بعد سنه
لبعضهم وقال بعضهم: لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه؛ فإن الصابر هو لشاكر، والجازع هو الكافر.
لأوس بن حجر وقال أوس بن حجر:
سأجزيك أو يجزيك عني مثوّبٌ ... وقصدك أن يثنى عليك وتحمدي
من أمثال العرب في الشكور والعرب تقول: فلانٌ " أشكر من البروق " وهو نبت ضعيف ينبت بالسحاب إذا نشأ وبأدنى مطر.
وقال الشاعر:
لئن طبت نفساً عن ثنائي فإنني ... لأطيب نفساً عن نداك على عسري
فلست إلى جدواك أعظم حاجةً ... على شدّة الإعسار منك إلى شكري
وقال آخر:
حسب امرئٍ إن فاتني غرضُ ... من برّه أن فاته شكري
إني إذا ضاق امرؤ بجداً ... عني اتسعت عليه بالعذر
شعر الطائي إلى إسحاق بن إبراهيم وقال الطائي لإسحاق بن إبراهيم:
ومحجّب حاولته فوجدته ... نجماً عن الركب العفاة شسوعا

أعدمته لما عدمت نواله ... شكري فرحنا معدمين جميعا
وقال:
فإن يك أربى عفو شكري على ندى ... أناسٍ فقد أربى نداه على جهدي
وقال:
وكيف يجور عن قصدٍ لساني ... وقلبي رائحٌ برضاك غادي
ومما كانت العلماء قالت ... لسان المرء من خدم الفؤاد
وقال:
أبا سعيدٍ وما وصفي بمتّهمٍ ... على الثناء وما شكري بمخترم
لئن جحدتك وما أوليت من نعمٍ ... إني لفي الشكر أحظى منك في النعم
أنسى ابتسامك والألوان كاسفةً ... تبسّم الصبح في داجٍ من الظلم
رددت رونق وجهي في صحيفته ... ردّ الصقال بهاء الصارم الخذم
وما أبالي، وخير القول أصدقه، ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي
وقال:
فلا تكدر حياضك لي فإني ... أمتّ إليك آمالاً طوالا
وفر جاهي عليّ فإن جاهي ... إذا ما غبّ يومٌ كان مالا
وقال:
يا منّةً لك لولا ما أخفّفها ... به من الشكر لم تحمل ولم تطق
بالله أدفع عني ثقل فادحها ... فإنني خائفٌ منه على عنقي
شعر لبشار في عمر بن العلاء وقال بشار في عمر بن العلاء:
دعاني إلى عمرٍ جوده ... وقول العشيرة بحرٌ خضم
ولولا الذي زعموا لم أكن ... لأمدح ريحانةً قبل شمّ
مراتب الشكر ويقال: الشكر ثلاث منازل: لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإفضال عليه.
شعر لإبراهيم بن المهدي يشكر المأمون قال إبراهيم بن المهدي يشكر المأمون:
رددت مالي ولم تمنن عليّ به ... وقبل ردّك مالي قد حقنت دمي
فأبت منك وقد جللتني نعماً ... هي الحياتان من موتٍ ومن عدم
فلة بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدمي
ما كان ذاك سوى عاريّةٍ رجعت ... إليك لو لم تعرها كنت لم تلم
وقام علمك بي فاحتج عندك لي ... مقام شاهد عدلٍ غير متّهم
للخثعمي وقال آخر، وبلغني أنه الخثعمي:
فاذهبا بي إن لم يكن لكما عق ... رٌ إلى جنب قبره فاعقراني
وانضحا من دمي عليه فقد كا ... ن دمي من نداه لو تعلمان
بين سليمان بن عبد الملك ورجل وفد عليه شاكراً وفد رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته؛ فقال له: ما أقدمك؟ قال: ما أقدمني عليك رغبةٌ ولا رهبةٌ. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدل أمير المؤمنين علينا وحسن سيرته فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.
الفرزدق يمدح عمرو بن عتبة وقال الفرزدق في عمرو بن عتبة:
لولا ابن عتبة عمروٌ والرجاء له ... ما كانت البصرة الحمقاء وطنا
أعطاني المال حتى قلت يودعني ... أو قلت أودع لي مالاً رآه لنا
فجوده متعبٌ شكري ومنّته ... وكلما زدت شكراً زادني مننا
يرمي بهمته أقصى مسافتها ... ولا يريد على معروفه ثمنا
لأعرابي في كرم أحدهم هذا مثل قول الأعرابيّ: ما زال فلانٌ يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله. وما ضاع مالٌ أورث المحامد.
خمسة أشياء ضائعة ويقال: خمسة أشياء ضائعةٌ: سراجٌ يوقد في شمسٍ، ومطرٌ جودٌ في سبخةٍ، وحسناء تزفّ إلى عنّينٍ، وطعامٌ استجيد وقدّم إلى سكران، ومعروفٌ صنيع إلى من لا شكر له.
قول في الشكر وكان يقال: الشكر زيادةٌ ف النّعم وأمانٌ من الغير.
لأسماء بن خارجة وقال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التّعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.
لروح بن حاتم وقد أرسل إلى كاتب له بدراهم بعث روح بن حاتم إلى كاتب له بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه: قد بعثت بها إليها، ولا أقلّلها تكبّراً، ولا أكثّرها تمنّناً، ولا أستثيبك عليها ثناء، ولا أقطع عنك بها رجاء.
من كتاب الهندفي ستة أشياء لا ثبات لها وفي كتاب للهند: لا ثناء مع كبر.

وفيه: ستّة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسّلطان الجائر، والثناء الكاذب.
من أمثال العرب والعرب تقولك: " لا تهرف قبل أن تعرف " أي تطنبنّ في لثّناء قبل الاختيار.
شعر لأبي نواس وهو في الحبس إلى الفضل بن الربيع وكتب أبو نواس من الحبس إلى الفضل بن الربيع:
ما من يدٍ في الناس واحدةٍ ... كيدٍ أبو العباس مولاها
نام الثّقات على مضاجعهم ... وسرى إلى نفسي فأحياها
قد كنت خفتك ثم آمنني ... من أن أخافك خوفك اللّه
فعفوت عنّي عفو مقتدرٍ ... وجبت له نقمٌ فألغاها
والبيت المشهور في هذا قول النّجاشيّ:
لا تحمدنّ امرأً حتى تجرّبه ... ولا تذمّنّ من لم يبله الخبر
شعر في اختبار الرجال وقال آخر في الاختبار:
إنّ الرجال إذا اختبرت طباعهم ... ألفيتهم شتّى على الأخبار
لا تعجلنّ إلى شريعة موردٍ ... حتى تبيّن خطّة الإصدار
لأبي العالية وقال الرّياشيّ: أنشدني أبو العالية:
إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ... ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما
ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه ... وشقّ لي اللّه المسامع والفما
لابن التوءم في الجواد قال ابن التّوءم: كلّ من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكرٌ. وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجّة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيءٍ من المنافع على جهةٍ من الجهات، وهو اللّه وحده لا شريك له. فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما التعبّد؛ وقد أمر اللّه تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين، وتعظيم من هو أسنُّ منّا وإن كنّا أفضل منه. والآخر: لن النفس ما لا تحصّل الأمور وتميّز المعاني، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصدها إليها. إلا ترى أن عطيّة الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون للّه أو لغير اللّه؛ فإن كانت للّه فثوابه على اللّه؛ وكيف يجب في حجّة العقل شكره وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما جعلني سلماً إلى حاجته وسبباً إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إيايّ طلباً للمكافأة؛ فإنما ذلك تجارةٌ؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي، وسبيل هذا معروفٌ؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرّقة ولما يجد في فؤاده من العصر والألم، فإنما داوى بتلك العطيّة من دائه ورفّه من خناقه.
وكان محمد بن الجهم يقول: نحو هذا قول الشاعر:
لعمرك ما الناس أثنوا عليك ... ولا عظّموك ولا عظموا
ولا شايعوك على ما بلغ ... ت من الصالحات ولا قدّموا
ولو وجدوا لهم مطعناً ... إلى أن يعيبوك ما جمجموا
ولكن صبرت لما ألزموك ... وجدت بما لم يكن يلزم
وكان قراك إذا ما لقوك ... لساناً بما سرّهم ينعم
وخفض الجناح ووشك النجاح ... وتصغير ما عظّم المنعم
فأنت بفضلك ألجأتهم ... إلى أن يجلّوا وأن ينعموا
شعر لخلف بن خليفة الأقطع وقال خلف بن خليفة الأقطع:
وفي اليأس من أن تسأل الناس راحةٌ ... تميت بها عسراً وتحيي بها يسراً
وليس يدٌ أوليتها بغنيمة ... إذا كنت تبغي أن يعدّ لها شكرا
غنى النفس يكفي النفس ما سدّ فاقةً ... فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا
شعر لعبد الرحمن بن حسان قال ابن عائشة: بلغني أنّ عبد الرحمن بن حسّان سأل بعض الولاة حاجةً فلم يقضها له، فسألها آخر فقضاها له؛ فقال:
ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم أجرها واصطناعها
أبى لك كسب الحمد رأيٌ مقصرٌ ... ونفسٌ أضاق اللّه بالخير باعها

إذا هي حثّته على الخير مرّةً ... عصاها وإن همّت بشرٍّ أطاعها
بين ابن عيينة ورجل سأله عن الثناء على اللّه تعالى وقال ابن عائشة: قال رجلٌ يوماً لابن عيينة: ما شيء تحدثونه يا أبا محمد؟ قال: ماهو؟ قال: يقولون إن اللّه تعالى يقول: أيّما عبدٍ كانت له إليّ حاجةٌ فشغله الثناء عليّ عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيّته. فقال له: يا بن أخي، وما تنكر من هذا! أما سمعت قول أميّة بن أبي الصّلت في عبد اللّه بن جدعان:
أثنى عليه المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
فكيف بأكرم الأكرمين! وكان يقال: في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنةٌ: إن هو أعطاه حمد غير الذي أعطاه وإن هو منعه ذم غير الذي منعه.
شعر لدكين الراجز حدّثنا الرّياشيّ قال: أنشدنا كيسان لدكين الراجز:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداءٍ يرتديه جميل
إذا المرء لم يصرع عن اللؤم نفسه ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
أول منازل الحمد وكان يقال: أول منازل الحمد السلامة من الذم.
شعر لعروة بن أذنية قال عروة بن أذينة اللّيثي:
لا تتركن إن صنيعةٌ سلفت ... منك وإن كنت لا تصغّرها
إلى امرىء أن يقول إن ذكرت ... عندك في الجدّ لست أذكرها
فإنّ إحياءها إماتتها ... وإنّ منّا بها يكدّرها
وإن تولّى امرؤٌ بشكر يدٍ ... فاللّه يجزي بها ويشكرها
إحياء المعروف ويقال: أحيوا المعروف بإماتته.
لأبي همرو بن مسعدة في خير مواضع المعروف أبو سفيان الحميريّ قال: كان مسعدة الكاتب أبو عمرو بن مسعدة مولىً لخالد القسريّ، وكان في ديوان الرسائل بواسط، وكان موجزاً في كتبه، فكتب إلى صديق له: أما بعد، فإنه لن يعدمك من معروفك عندنا أمران: أجرٌ من اللّه وشكرٌ منّا. وخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر. والسلام.
كتاب بعض الكتاب لأحد العمال وكتب بعض الكتّاب إلى بعض العمّال: وما أتأملّ في وقت من الأوقات ولا يومٍ من الأيام آثار أياديك لديّ، ومواقع معروفك عندي، إى نبّهني التأمل على ما يحسر الشكر ويثقل الظهر، لأنك أنعشت من عثرة، وأنهضت من سقطه، وتلافيت نعمةً كانت على شفا زوالٍ ودروس، وتلقّيت ما ألقيت عليك من الكلّ بوجهٍ طليق وباع رحيب. والسلام.
الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروفللنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان حدثني محمد بم عبيد قال: حدّثنا داود بن المحبّر عن محمد بن الحسن الهمداني عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من ترك معونة أخيه المسلم والسّعي معه في حاجته قضيت أو لم تقض كلف أن يسعى في حاجة من لا يؤجر في حاجته. ومن ترك الحجّ لحاجةٍ عرضت له لم تقض حاجته حتى يرى رؤوس المحلّقين " وله صلى اللّه عليه وسلم في الشفاعة إليه حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا ابن عيينة عن يزيد بن عبد اللّه بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " اشفعوا إليّ ويقضي اللّه على لسان نبيّكم ما شاء " .
بلغني عن جعفر بن أبي جعفر المازنّي عن ابن أبي السّريّ عن إبراهيم بن أدهم عن منصور بن المعتمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إن أحببت أن يحبك اللّه فأزهد في الدنيا وإن أحببت أن يحبك الناس فلا يقع في يدك من حطامها شيء إلا نبذته إليهم " لابن عيينة عن ابن المنكدر في أفضل الأعمال حدّثني محمد بن داود عن محمد بن جابر قال: قال ابن عيينة: ليس أقول لكم إلاّ ما سمعت: قيل لابن المنكدر: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أيّ الدنيا أحبّ إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان.
لزرير العطاردي في قضاء أبي رجاء العطاردي حاجات الناس

حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا زرير العطارديّ قال: صلّى بنا أبو رجاء العطارديّ العتمة ثم أوى إلى فراشه، فأتته امرأة فقالت: أبا رجاءٍ، إنّ لطارق الليل حقّاً، وإنّ بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا كتبهم وشيئاً من متاعهم. فانتعل أبو رجاء وأخذ الكتب وأدّاها وصلّى بنا الفجر، وهو مسيرة ليلةٍ للإبل، والناس يقولون: إنها أربعة فراسخ.
للحسن في قضاء الحاجة حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن سعيد قال: حدّثنا ابن المبارك عن حميدٍ عن الحسن قال: لأن أقضي حاجةً لأخٍ أحبّ إليّ من أن أعتكف سنةً.
دعاء لعمرو بن معاوية العقيلي قال المأمون لمحمد بن عبّاد المهلّبيّ: أنت متلافٌ. فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالله، يقول اللّه تعالى: " وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين " لابن عباس، وللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المعروف وكان ابن عبّاس يقول: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأً. هذا نحو قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: " المعروف يقي مصارع السّوء " لابن عباس أيضاً في المعروف وكان ابن عبّاس يقول أيضاً: ما رأيت رجلاً أوليته معروفاً إلاّ أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلاً أوليته سوءاً إلاّ أظلم ما بيني وبينه.
لجعفر بن محمد في قضاء الحاجة قال جعفر بن محمد: إن الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع.
شعر في قضاء الحاجة وقال الشاعر:
وبادر بسلطان إذا كنت قادراً ... زوال اقتدارٍ أو غنىً عنك يعقب
وقال آخر في مثله:
بدا حين أثرى بإخوانه ... ففكّك عنهم شباة العدم
وذكّره الحزم غبّ الأمور ... فبادر قيل انتقال النّعم
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من صنع المعروف لعاجل الجزاء، فهو كملقي الحبّ ليصيد به الطير لا لينفعه.
لابن عباس رضي اللّه عنهما قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجلٌ وسّع لي في المجلس، ورجل قال غبّرت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ؛ فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله جلّ وعزّ. قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمرٌ فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته.
أقوال في المعروف وقال سلم بن قتيبة: ربّ المعروف أشدّ من ابتدائه.
ويقال: الابتداء بالمعروف نافلة، وربّه فريضة.
قيل لبزرجمهر: هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ شيئاً؟ قال: نعم، من أحببت له الخير وبذلت له الودّ، فقد أصاب نصيباً من معروفك.
لجعفر بن محمد قال جعفر بن محمد: ما توسل إليّ أحدٌ بوسيلةٍ هي أقرب به إلى ما يحب من يدٍ سلفت مني إليه، أتبعتها أختها لأحسن ربها وحفظها؛ لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.
لخالد بن عبد الله القسري في رجل كان يبغض قام رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسري؛ فقال خالد: إني لأبغض هذا الرجل وما له إليّ ذنب. فقال رجل من القوم: أوله أيها الأمير معروفاً. ففعل، فما لبث أن خفّ على قلبه وصار أحد جلسائه.
لابن عباس في إتمام المعروف قال ابن عباس: لا يتمّ المعروف إلا بثلاثٍ: تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا عجّله هنّأه، وإذا صغّره عظمه، وإذا ستره تمّمه.
مثله شعر للخريمي وقال الخريمي في نحو هذا:
زاد معروفك عندي عظماً ... أنه عندك محقورٌ صغير
تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهورٌ كبير
شعر للطائي وقال الطائي:
جودٌ مشيت به الضراء تواضعاً ... وعظمت عن ذكراه وهو عظيم
أخفيته فخفيته وطويته ... فنشرته والشخص منه عميم
وكان يقال: ستر رجلٌ ما أولى، ونشر رجلٌ ما أولي.
وقالوا: المنّة تهدم الصنيعة.
قال الشاعر:
أفسدت بالمنّ ما أسديت من حسنٍ ... ليس الكريم إذا أسدى بمنان
بين ابن شبرمة ورجل قال رجل لابن شبرمة: فعلت بفلانٍ كذا وفعلت به كذا. فقال: لا خير في المعروف إذا أحصي.
في الآثر وفي بعض الحديث: " كلّ معروفٍ صدقةٌ وما لأنفق الرجل على أهله ونفسه وولده صدقةٌ وما وقى المرء به عرضه فهو صدقة وكلّ نفقةٍ أنفقها فعلى اللّه خلفها مثلها إلا في معصيةٍ أو بنيانٍ " .

وفي الحديث المرفوع: " فضل جاهك تعود به على أخيك صدقةٌ منك عليه، ولسانك تعبّر به عن أخيك صدقةٌ منك عليه، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقةٌ منك على أهله " .
وكان يقال: بذل الجاه زكاة الشرف.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوحٍ أو لشرب غبوق
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرّ عدوٍّ أو لنفع صديق
لابن عباس قال ابن عباس: لا يزهّدنّك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه إليه.
شعر لحماد عجرد في الجود وقال حمّاد عجرد:
إنّ الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيّاً وهو مجهود
إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعةٍ لم يظهر الجود
وللبخيل على أمواله عللٌ ... رزق العيون عليها أوجهٌ سود
أورق بخيرٍ ترجّى للنوال فما ... ترجى الثّمار إذا لم يورق العود
بثّ النوال ولا تمنعك قلّته ... فكلّ ما سدّ فقراً فهو محمود
والعرب تقول: " من حقر حرم " .
لسلم بن قتيبة حدّثني عبد الرحمن عن عمه قال: قال سلم بن قتيبة: أحدهم يحقر الشيء فيأتي ما هو شرّ منه. يعني المنع.
وقال الشاعر:
وما أبالي إذا ضيفٌ تضيّفني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي
جهد المقلّ إذا أعطاك مصطبراً ... ومكثرٌ من غنىً سيّان في الجود
في الأثر وفي الحديث المرفوع " أفضل الصّدقة جهد المقلّ " .
للبريق الهذلي وقال البريق الهذليّ:
أبو مالكس قاصرٌ فقره ... على نفسه ومشيعٌ غناه
لخالد بن عبد اللّه في إتيان المعروف، وشعر للحطيئة وكان خالد بن عبد اللّه يقول على المنبر: أيها الناس عليكم بالمعروف، فإنّ فاعل المعروف لا يعدم جوازيه، وما ضعف الناس عن أدائه قوي اللّه على جوازيه. والبيت المشهور في هذا قول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين اللّه والناس
ويقال: إنه في بعض كتب اللّه عزّ وجل.
لوهب بن منبه في الإفضال على الإخوان قال وهب بن منبّه: إن أحسن الناس عيشاً من حسن عيش الناس في عيشه، وإنّ من أللّذّة الإفضال على الإخوان.
في الأثر وفي الحديث المرفوع " إنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت وما سوى ذلك فهو ملك الوارث " .
شعر لبشار في إنفاق المال وقال بشار:
أنفق المال ولا تشق به ... خير ديناريك دينارٌ نفق
لبزر جمهر في الإنفاق وشعر في الجود قال بزر جمهر: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنها لا تبقة.
أخذه بعض المحدثين فقال:
فانفق إذا أنفقت إن كنت موسراً ... وأنفق على ما خيّلت حين تعسر
فلا الجود يفني المال والجدّ مقبلٌ ... ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر
من كتاب كليلة ودمنة وفي " كتاب كليلة " لا يعدّ عائشاً من لا يشارك في غناه.
مرّ الحسن برجلٍ يقلّب درهماً؛ فقال له: أتحبّ درهمك هذا؟ قال: نعم، قال: أما إنه ليس لك حتى يخرج من يدك.
بين الربيع بن خيثم وأخ له قال الربيع بن خيثم لأخٍ له: كن وصيّ نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
سأحبس مالي علي حاجتي ... وأوثر نفسي على الوارث
أعاذل عاجل ما أشتهي ... أحبّ من المبطىء الرّائث
لعبيد اللّه بن عكراش قال عبيد بن عكراشً: زمنٌ خؤون، ووارثٌ شفون؛ فلا تأمن الخؤون وكن وارث الشّفون.
لأبي ذرّ وقال أبو ذرّ: لك في مالك شريكان إذا جاءا أخذا ولم يؤامراك: الحدثان والقدر، كلاهما يمرّ على الغثّ والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يديك وأنت لم تقدّم لنفسك؛ فإن استطعت ألاّ تكون أخسّ الثلاثة نصيباً فافعل.
لسعيد بن العاص في الحث على الإنفاق وقال سعيد بن العاص في خطبة له: من رزقه اللّه رزقاً حسناً فليكن أسعد الناس به فإنه إنما يترك لأحد رجلين. إمّا مصلحٍ فلا يقلّ عليه شيءٌ، وإمّا مفسدٍ فلا يبقى له شيء. فقال معاوية: جمع أبو عثمان طرفي الكلام.

شعر لحطائط بن يعفر في الجود وقال حطائط بن يعفر:
ذريني أكن للمال ربّا ولا يكن ... لي المال ربّا تحمدي غبّه غدا
أريني جواداً مات هزلاً لعلّني ... أرى ما ترين أو بخيلاً مخلّدا
وقلت ولم أعي الجواب تبيّني ... أكان الهزال حتف زيدٍ وأربد
لأعرابي قال أعرابّي: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو ذمّا؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.
وقال بعض المحدثين:
أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك
للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول للّه صلى اللّه عليه وسلم: " تنزل المعونة على قدر المؤونة " .
بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال أعرابيّ: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو ذمّاً؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً أعطي حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.
وقال بعض المحدثين:
أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك
للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " تنزل المعونة على قدر المؤونة " .
بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص: ما بقي من الدنيا تلذّه؟قال: العريض الطويل. قال: وما هو؟ قال: الجديث الحسن أو ألقى أخاً قد نكبه الدهر فأجبره. قال: نحن أحقّ بهما منك. قال: إن أحقّ بهما منك من سبقك إليهما.
لأعرابي في التزود بالمعروف وقال أعرابي:
وما هذه الأيام إلا معارةٌ ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد
فإنك لا تدري بأيّة بلدةٍ ... تموت ولا ما يحدث اللّه في غد
يقولون لا تبعد، ومن يك بعده ... ذراعين من قرب الأحبّة يبعد
وقال آخر:
إن كنت لا تبذل أو تسأل ... أفسدت ما تعطي بما تفعل
قال بعضهم: مضى لنا سلفٌ أهل تواصلٍ، اعتقدوا منناً، واتخذوا أيادي ذخيرةً لمن بعدهم: كانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضاً، وإظهار البر حقاً واجباً، في حال الزمان بنشءٍ اتخذوا مننهم صناعةً، وبرّهم مرابحةً، وأياديهم تجارةً واصطناع المعروف مقارضة كنقد السوق خذ مني وهات.
بين عمرو بن عتبة وولده قال العتبي: وقع ميراثٌ بين ناس من آل أبي سفيان وبني مروان، فتشاحوا فيه، فلما انصرفوا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال لهم: إن لقريش درجاً تزلق عنها أقدام الرجال، وأفعالاً تخشع لها رقاب الأموال، وألسناً تكلّ معها الشفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المنسوبة؛ ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو اختلف ما نزينت إلا بهم. ثم إن أناساً منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق باللؤم وخرق في الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها؛ إن خالفوا مكروهاً تعجّلوا له الفقر، وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أؤلئك أنضاء فكر الفقر وعجزة حملة الشكر.
لبعض الحجازيين قال بعض الحجازيين:
فلو كنت تطلب شأو الكرام ... فعلت كفعل أبي البختري
تتبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقلّ عن المكثر
القناعة والاستعفافللنبي ( في النهي عن سؤال الناس حدّثني شيخٌ لنا عن وكيع عن ابن ذئبٍ عن محمد بن قيس عن عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان قال: قال رسول الله (: " من يتقبل لي بواحدةٍ وأتقبل له بالجنة؟ " . فقال ثوبان: أنا يا رسول الله. قال: " لا تسأل الناس شيئاً " . فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحداً أن يناوله إياه.
لعمر بن الخطاب في القناعة والاقتصاد وحدّثني أيضاً عن عبد الرحمن المحاربي عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبدٍ إلا وبينه وبين رزقه حجابٌ، فإن اقتصد أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه.
للنبي (: " إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع " .

وقال عليه السلام: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " .
شعر لابن حازم قال ابن حازم:
للناس مالٌ ولي مالان ما لهما ... إذا تحارس أهل المال أحراس
مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه ... ومالي اليأس مما يملك الناس
أخذ هذا من قول أبي حازم المدنيّ، وقال له بعض الملوك: مامالك؟ قال: الرضا عن اللّه، والغنى عن الناس.
لبشار بن بشر في الإستعفاف وقال بشار بن بشر:
وإني لعفٌ عن فكاهة جارتي ... وإنيّ لمشنوء إليّ اغتيابها
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زءوراً ولم تأنس إليّ كلابها
ولم أك طلاباً أحاديث سرّها ... ولا عالماً من أيّ حوكٍ ثيابها
وإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها
إذا سدّ بابٌ عنك من دون حاجةٍ ... فذرها لأخرى ليّنٍ لك بابها
لابن أبي حاوم وقال ابن أبي حازم:
أوجع من وخزة السّنان ... لذي الحجا وخزة اللّسان
فاسترزق اللّه واستعنه ... فإنه خير مستعان
وإن نبا منزلٌ بحرٍ ... فمن مكانٍ إلى مكان
لا يثبت الحرّ في مكانٍ ... ينسب فيه إلى هوان
الحرّ حرٌّ وإن تعدّت ... عليه يوماً يد الزمان
لعامر بن عبد قيس العنبري في أربع آيات من كتاب اللّه تعالى حدّثني محمد بن داود عن جابر بن عثمان الحنفيّ عن يوسف بن عطيّة قال: حدّثني المعلّى بن زياد القردوسي: أن عامر بن عبد قيس العنبري كان يقول: أربع آياتٍ من كتاب اللّه إذا قرأتهنّ مساءً لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهنّ صباحاً لم أبال على ما أصبح: " ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده " . " وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده " . " وما من دابةٍ في الأرض إلاّ على اللّه رزقها " . " سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسراً " لإبراهيم بن أدهم في القناعة حدّثني عبد الرحمن عن بشر بن مصلح قال: قال إبراهيم بن أدهم: لا تجعل بينك وبين اللّه منعماً عليك، وعدّ النعم منه عليك مغرما.
في أبرع بيت قالته العرب حدّثني الرّياشيّ عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيبٍ الهذليّ:
والنّفس راغبةٌ إذا رغبّتها ... وإذا تردّ إلى قليلٍ تقنع
للحجاج بن الأسود قال أبو حاتم عن الأصمعيّ، قال: حدّثنا أبو عمرو الصّفّار عن الحجاج بن الأسود قال: احتاجت عجوزٌ من العجز القدم، قال: فجزعت إلى المسألة ، ولو صبرت لكان خيراً لها ولقد بلغني أن الأنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصّبر منتبذٌ ناحيةً يقول: لو صرت إليّ لكفيتك.
وكان يقال: أنت أخو العزّ ما التحفت القناعة، ويقال: اليأس حرّ والرّجاء عبدٌ.
وقال بعض المفسّرين في قول اللّه عزوجلّ: " فلنحيينهّ حياةً طيبةً " قال: بالقناعة وصية سعد بن أبي وقاص لابنه وقال سعد بن أبي وقّاص لابنه عمر: يا بنّي إذا طلبت الغنى فأطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعةٌ فليس يغنيك مالٌ.
شعر لعروة بن أذينة ولأبي العتاهية في القناعة بالرزق وقال عروة بن أذينة:
لقد علمت وما الإسراف في طمع ... أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنّيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنّيني
وقال أبو العتاهية:
إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ... فكلّ ما في الأرض لا يغنيكا
في القناعة وقال بعضهم: الغنى والفقر يجولان في طلب القناعة فإذا وجداها قطناها حجّت أعرابيةٌ على ناقةٍ لها، فقيل لها: أين زادك؟ قالت: ما معي إلا ما في ضرعها. وقال الشاعر:
يا روح من حسمت قناعته ... سبب المطامع من غدٍ وغد
من لم يكن للّه متّهماً ... لم يمس محتاجاً إلى أحد
لأردشير في القناعة والتعلّم وقال أردشير: خير الشّيم القناعة، ونماء العقل بالتعلّم شعر للنمر بن تولب، ولآخرين وقال النّمر بن تولب:
ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الذي يهب الرغائب فارغب

لا تغضبنّ على امرىء في ماله ... وعلى كرائم صلب مالك فاغضب
وقال أبو الأسود:
ولا تطمعن في مال جارٍ لقربه ... فكلّ قريبٍ لا ينال بعيد
وقال كعب بن زهير:
قد يعوز الحازم المحمود نيتّه ... بعد الثّراء ويثري العاجز الحمق
فلا تخافي علينا الفقر وانتظري ... فضل الذي بالغنى من فضله نثق
وشكا رجلٌ إلى قوم ضيقاً فقال له بعضهم: شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك بين هشام بن عبد الملك وسالم بن عبد اللّه وقال هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد اللّه ودخلا الكعبة: سلني حاجتك. قال: أكره أن أسأل في بيت اللّه غير اللّه.
لسالم بن عبد اللّه وقد رأى رجلاً يسأل في الموقف ورأى رجلاً يسأل في الموقف فقال: أفي مثل هذا الموضع تسأل غير اللّه عزوجل! شعر لابن المعذّل في التعفف عن سؤال البشر وقال ابن المعذّل:
تكلفني إذلال نفسي لعزّها ... وهان عليها أن أهان لتكرما
تقول سل المعروف يحيى بن أكثم ... فقلت سليه ربّ يحيى بن أكثما
لابن عباس في سؤال الناس وقال ابن عباس: المساكين لا يعودون مريضاً ولا يشهدون جنازةً وإذا سأل الناس اللّه سألوا الناس.
وكان الحسن يطرد السؤّال يوم الجمعة، ولا يرى لهم جمعة.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
حبٌ الرياسة داءٌ لا دواء له ... وقلّ ما تجد الراضين بالقسم
شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الملوك وقال محمودٌ الورّاق:
شاد الملوك قصورهم وتحصّنوا ... عن كلّ طالب حاجةً أو راغب
غالوا بأبواب الحديد لعزّها ... وتنوقوا في قبح وجه الحاجب
وإذا تلّطف للدّخول إليهم ... راجٍ تلقّوه بوعدٍ كاذب
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... ياذا الضّراعة طالباً من طالب
وجد على ميلٍ في طريق مكة:
ألا يا طالب الدّنيا ... دع الدنيا لشانيكا
إلى كم تطلب الدنيا ... وظلّ الميل يكفيكا
بين مطرّف بن عبد اللّه وابن أخيه قال مطرّف بن عبد اللّه لابن أخيه: إذا كانت لك إليّ حاجة فاكتب بها رقعةً فإني أضنّ بوجهك عن ذلّ السؤال.
لأبي الأسود وقال أبو الأسود:
وإن أحق الناس إن كنت مادحاً ... بمدحك من أعطاك والوجه وافر
شعر كان معاوية يتمثل به وكان معاوية يتمثّل بهذين البيتين:
وفتىً خلا من ماله ... ومن المروءة غير خالي
أعطاك قبل سؤاله ... فكفاك مكروه السؤال
وقال آخر:
أبا مالكٍ لا تسأل الناس والتمس ... بكفّيك سيب اللّه فاللّه أوسع
فلو تسأل الناس التراب لأوشكو ... إذا قلت هاتوا أن يميلوا فيمنعوا
والمشهور في هذا قول عبيد:
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل اللّه لا يخيب
بين سليمان وأبي حازم قال سليمان لأبي حازمٍ: سل حوائجك. فقال: قد رفعتها إلى من لا تخذل الحوائج دونه.
قال بعض المفسّرين في قول اللّه عزّ وجلّ: " وهو خير الرازقين " : أي المخلوق يرزق فإذا سخط قطع رزقه، واللّه عزّ وجل يسخط ولا يقطع.
شعر في كراهة الطلب إلا من اللّه عز وجل وقال الشاعر:
لا تضرعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإنّ ذلك وهنٌ منك بالدّين
واسترزق اللّه رزقاً من خزائنه ... فإنما هو بين الكاف والنون
شعر للخليل بن أحمد في الإستعفاف وقال الخليل بن أحمد:
أبلغ سليمان أنّي عنه في سعةٍ ... وفي غنىً غير أني لست ذا مال
شحاً بنفسي، إني لا أرى أحداً ... يموت هزلاً ولا يبقى على حال
فالرزق عن قدرٍ لا الضعف يمنعه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
للمعلوط، وغيره وقال المعلوط:
متى ما ير الناس الغنيّ وجاره ... فقيرٌ يقولوا عاجزٌ وجليد
وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن حظوظٌ قسّمت وجدود
وقال آخر:
يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه
وقال أبو الأسود:

ليتك آذنتني بواحدةٍ ... تجعلها منك سائر الأبد
تحلف ألاّ تبرّني أبداً ... فإنّ فيها برداً على كبدي
إن كان رزقي إليك فارم به ... في ناظري حيّةٍ على رصد
لعمر بن الخطاب في تفضيل العمل على مسألة الناس وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: حرفةٌ يقال فيها خيرٌ من مسألة الناس.
لسعيد بن العاص وقال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحي من العيّ فيهما: عند مخاطبتي جاهلاً، وعن مسألتي حاجةً لنفسي.
لشريح وقد جاءه رجل يستقرض منه حدّثن محمد بن عبيد عن أبي عبد اللّه عن محمد بن عبد اللّه بن واصل قال: جاء رجلٌ إلى شريح يستقرض دراهم؛ فقال له شريحٌ: حاجتك عندنا فأت منزلك فإنّها ستأتيك، إنّي لأكره أن يلحقك ذّلها.
وصية أبي عاصم لبنيه حدّثني الرّيلشيّ عن الأصمعيّ عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنه أوصى بنيه عند موته فقال: إيّاكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل.
شعر في القناعة والتعففّ وقال بعض المحدثين:
عوّدت نفسي الضّيق حتى ألفته ... وأخرجني حسن العزاء إلى الصّبر
ووسّع قلبي للأذى الأنس بالأذى ... وقد كنت أحياناً يضيق به صدري
وصيّرني يأسي من الناس راجياً ... لسرعة لطف اللّه من حيث لا أدري
وقال آخر:
حسبي بعلمي لو نفع ... ما الذّلّ إلا في الطّمع
من راقب اللّه نزع ... عن قبح ما كان صنع
ما طار شيء فارتفع ... إلا كما طار وقع
الحرص والإلحاحمن كتاب لبزر جمهر في الحرص والقدر لما قتل بزر جمهر وجد في منطقته كتاباً: إذا كان القدر حقّاً فالحرص باطلٌ وإذا كان الغدر في الناس طباعاً فالثّقة بكلّ أحدٍ عجزّ وإذا كان الموت لكل أحدٍ راصداً فالطمأنينة إلى الدنيا حمقٌ.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
من عفّ خفّ على الصّديق لقاؤه ... وأخو الحوائج وجهه مملول
من كتاب الهند في الإلحاح وفي كتاب للهند: لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج، فإنّ العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته ونحّته.
شعر لعدّي بن زيد وقال عديّ بن زيد:
قد يدرك المبطىء من حظّه ... والرزق قد يسبق جهد الحريص
لابن المقفع في الحرص والجبن وقال ابن المقفع: الحرص محرمةٌ، والجبن مقتلةٌ، فانظر فيما رأيت وسمعت أمن قتل في الحرب مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً، وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم أحقّ أن تسخو نفسك له بالعطّية أم من يطلب ذلك بالشّره والحرص.
وقال الشاعر:
كم من حريص على شىء ليدركه ... وعلّ إدراكه يدني إلى عطبة
وقال آخر:
وربّ ملحّ على بغيةٍ ... وفيها منيّته لو شعر
قول العرب في الرجل الملحّ والعرب تقول في الرجل الملحّ في الحوائج الذي لا تنقضي له حاجةٌ إلا سأل أخرى:
لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً
وأصل المثل في الحرباء، إذا اشتد عليه حرّ الشمس لجأ إلى شجرة ثم توقىّ في أغصانها فلا يرسل غصناً حتىّ يقبض على آخر.
وقال الشاعر:
أنّى أتيح له حرباء تنضبةٍ ... لا يرسل السّاق إلاّ ممسكاً ساقاً
من كتاب كليلة ودمنة في الحرص والشره وفي كتاب كليلة: لا فقر ولا بلاء كالحرص والشّره، ولا غنى كالرّضا والقناعة، ولا عقل كالتّدبير، ولا روع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق.
لابن المقفع في الحرص والحسد قال ابن المقفع: الحرص والحسد بكرا الذنوب وأصل المهالك؛ أمّا الحسد فأهلك إبليس، وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة.
أيضاً من كتاب كليلة ودمنة في خمسة حرصاء وفي كتاب كليلة: خمسة حرصاء، المال أحبّ إليهم من أنفسهم: المقاتل بالأجرة، وحفّار القنيّ والأسراب، والتّاجر يركب البحر، والحاوي يلسع يده الحيّة، والمخاطر على شرب السمّ.
بين مالك بن دينار ورجل محبوس كان حريصاً بخيلاً دخل مالك بن دينار على رجل محبوسٍ قد أخذ بمال عليه وقيّد، فقال له: يا أبا يحيى، أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود! فرفع مالك رأسه فرأى سلّةً، فقال: لمن هذه؟ قال: لي. قال: فأمر بها أن تنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه، فإذا دجاجٌ وأخبصةٌ، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك.
لأشعب

كان أشعب يقول: أنا أطمع وأمّي تيقن فقلّ ما يفوتنا.
شعر للنابغة وقال النابغة:
واليأس عما فات يعقب راحةً ... ولربّ مطعمةٍ تعود ذباحا
لأبي علي الضرير وقال أبو علي الضرير:
فإنّي قد بلوتكم جميعاً ... فما منكم على شكري حريص
وأرخصت الثناء فعفتموه ... وربّتما غلا الشيء الرّخيص
فعفت نوالكم ورغبت عنه ... وشرّ الزاد ما عاف الخصيص
لأعرابي يهجو الحريص وقل أعرابيّ:
أيّها الدّائب الحريص المعنّى ... لك رزقٌ وسوف تستوفيه
قبّح اللّه نائلاً ترتجيه ... من يدي من تريد أن تقتضيه
إنما الجود والسماح لمن يع ... طيك عفواً وماء وجهك فيه
لا ينال الحريص شيئاً فيكفي ... ه وإن كان فوق ما يكفيه
فسل اللّه وحده ودع النا ... س وأسخطهم بما يرضيه
لا ترى معطياً لما منع ال ... لّه ولا مانعاً لما يعطيه
" وجد بالأصل بآخر هذا الجزء ما يأتي " : آخر كتاب الحوائج، وهو الكتاب الثامن من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمة اللّه عليه. وكتبه الفقير إلى رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة. والحمد للّه ربّ العالمين، وصلاته وسلامه على سيّدنا محمد النبيّ وآله أجمعين. ويتلوه الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام، واللّه الموفّق للصّواب.
" وفيه كذلك - وهو من زيادات النسّاخ - " : شعر في الاستعفاف وفي الاستعفاف:
عليك باليأس من الناس ... إنّ غنى نفسك في الياس
كم صاحب قد كان لي وامقاً ... إذ كان في حالة إفلاس
أقول لو قد نال هذا الغنىصيّرنيمنه على الرّاس
حتى إذا ما صار فيما اشتهى ... وعدّه النّاس من النّاس
قطّع بالصدّ حبال الصّفا ... منّي ولمّا يرض بالقاسي
آخر وقد أحسن:
إنّ للمعروف أهلاً ... وقليلٌ فاعلوه
أهنأ المعروف مالم ... تبتذل فيه الوجوه
أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدّهر أخوه
فإذا احتجت إليه ... ساعةً مجّك فوه
إنما يعرف الفض ... ل من الناس ذووه
لو رأى الناس نبيّاً ... سائلاً ما وصلوه
من أبي العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان يسأله وكتب أبو العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان رقعة يقول فيها: أنا - أعزّك اللّه - وولدي وعيالي زرعٌ من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسّني منك جفاءٌ بعد برٍّ وإغفالٌ بعد تعهّد، فشمت عدوٌّ، وتكلّم حاسد، ولعبت بي ظنونٌ؛ وانتزاع العادة شديدٌ. ثم كتب في آخرها:
لا تهنّي بعد إكرامك لي ... فشديدٌ عادةٌ منتزعه
آخر:
مالي معاشٌ سوى ضدّ المعاش فلا ... أغدو إلى عملٍ إلاّ بلا أمل
وليس لي شغلٌ يجدي عليّ إذا ... فكّرت فيه وما أنفكّ من شغل
كلّ امرىء رائحٌ غادٍ إلى عمل ... وما أروح ولا أغدو إلى عمل
ولست في الناس موجوداً كبعضهم ... وإنما أنا بعض الناس في المثل
وآخر:
المرء بعد الموت أحدوثةٌ ... يفنى وتبقى منه آثاره
يطويه من أيّامه ما طوى ... لكنّه تنشر أسراره
وأحسن الحالات حال امرىءٍ ... تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده ... إذا خلت من شخصه داره
شعر لحبيب الطائي وقال حبيب الطائي:
وما ابن آدم إلاّ ذكر صالحةٍ ... أو ذكر سيّئةٍ يسري بها الكلم
أما سمعت بدهرٍ باد أمّته ... جاءت بأخبارها من بعدها أمم
شعر في البخل في البخل:
طرقت أناساً على غرّةٍ ... فذقت من العيش جهد البلاء
فأمّا القديد وأشباهه ... فذاك مفاتيحه في السماء
وأما السّويق ففي عيبةٍ ... يشمّ ويدعي له بالبقاء

ومن حاول الخبز قالوا له ... أتذكر شيئاً خبي للدّواء
كتاب الطعام

صنوف الأطعمة
بين عمر بن الخطاب والأحنف قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ رحمة اللّه عليه: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه للأحنف: أيّ الطعام أحبّ إليك؟ قال: الزّبد والكمأة. فقال عمر: ما هما بأحبّ الأطعمة إليه، ولكنه يحبّ الخصب للمسلمين.
الأحنف والتمر والزبد قال الأصمعيّ: قال رجلٌ في مجلس الأحنف: ليس شيءٌ أبغض إليّ من التمر والزّبد. فقال الأحنف: ربّ ملومٍ لا ذنب له.
الحجاج والزبد والتمر عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال الحجّاج لجلسائه: ليكتب كلّ رجلٍ في رقعةٍ أحبّ الطعام إليه ويجعلها تحت مصلاّي. فإذا في الرّقاع كلّها الزّبد والتمر.
لمدني في الكبادات عن الأصمعيّ قال: قال مدنيّ: الكبادات أربع: العصيدة والهريسة والحيسة والسّميذة.
بين مالك بن حقبة وحسان بن الفريعة في الحيس عن الأصمعيّ عن حزم قال: قال مالك بن حقبة لحسّان بن الفريعة: ما تزوّدت إلينا؟ قال: الحيس. قال: ثلاثة أسقية في وعاء.
لبعض الأعراب يشتهي طعاماً قال الأصمعيّ: قال بعض لأعراب: أشتهي ثريدةً دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمّص، ذات جفافين من اللحم، لها جناحان من العراق، أضرب فيها ضرب وليّ السّوء في مال اليتيم.
لابن الأعرابي في اللحم وقال ابن الأعرابيّ: يقال: أطيب اللحم عوّذه. أي أطيبه ما ولي العظم، كأنه عاذ به.
بين الفرزدق ويحيى بن الحصين بن المنذر عن أبي عبيدة قال: مرّ الفرزدق بيحيى بن الحصين بن المنذر الرّقاشيّ، " ف " قال له: هل لك يا أبا فراسٍ في جديٍ سمين ونبيذ زبيبٍ جيّد؟ فقال الفرزدق: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة! يعني جريراً.
بين الأحوص وجرير وقال الأحوص لجرير: ما تحبّ أن يعدّ لك: قال: شواءٌ وطلاءٌ وغناءٌ؛ قال: قد أعدّت لك.
بين المدني اشتهى الكشك وصديق له وقال مدنيّ لصديق له: واللّه أشتهي كشكيّةً، ومدّ بها صوته فخرجت منه ريح؛ فقال له: ما أسرع ما لفحتك يابن عمّ.
لشيخ مدني وعن الأصمعيّ قال: قال شيخ من أهل لمدينة: أتيت فلاناً فأتاني بمرقةٍ كان فيها مسقّى، فلم أر فيها إلا كبداً طافيةً، فغمست يدي فوجدت مضغة، فمددتها فامتدّت حتى كأني أزمر في ناي.
بين كسرى وأعرابي أدخل أعرابيّ على كسرى ليتعجّب من جفائه وجهله؛ فقال له: أيّ شيء أطيب لحماً؟ قال: الجمل. قال: فأيّ شيء أبعد صوتاً؟ قال: الجمل قال: فأيّ شيء أنهض بالحمل الثقيل؟ قال: الجمل. قال كسرى: كيف يكون لحم الجمل أطيب من البطّ والدّجاج والفراخ والدّرّاج والجداء؟ قال: يطبخ لحم الجمل بماءٍ وملح، ويطبخ ما ذكرت بماءٍ وملح حتى يعرف ما بين الطعمين. قال: كيف يكون الجمل أبعد صوتاً ونحن نسمع الصوت من الكركيّ من كذا وكذا ميلاً؟ قال الأعرابيّ: ضع لكركيّ في مكان الجمل في مكان الكركيّ حتى تعرف أيّهما أبعد صوتاً. قال كسرى: كيف تزعم أنّ الجمل أحمل للحمل الثقيل ولفيل يحمل كذا وكذا رطلاً؟ ليبرك الفيل ويبرك الجمل وليحمل على الفيل حمل الجمل، فإن نهض به أحمل للأثقال.: لجعفر بن سليمان عن جعفر بن سليمان قال: شيئان لا يزهدهما كثرة النفقة طيباً: الطّيب والقدر، ولكن تطيّبهما إصابة القدر.
أبو عبد الرحمن الثوري والرؤوس وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر الجاحظ من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثوريّ يعجب بالرؤوس ويصفها، ويسميّ الرأس عرساً لما تجمّع فيه من الألوان الطيّبة، وكان يسميّه مرّةً الجامع ومرّةً الكامل، ويقول: الرأس شىء واحد وهو ذو ألوانٍ عجيبةٍ وطعومٍ مختلفةٍ؛ وكلّ قدرٍ وكلّ شواءٍ فإنما هو شىء واحد، والرأس فيه الدماغ وطعمه مفرد، والعنيان وطعمهما مفرد، " وفيه الشحمة التي بين أصل الأذن ومؤخر العين وطعمها على حدة " على أن هذه الشّحمة " خاصةً " أطيب من المخّ وأنعم من الزّبد وأدسم من السّلاء، ثم يعدّ أسقاطه كلها.

ويقول: الرأس سيدّ البدن وفيه الدّماغ وهو معدن العقل ومنه يتفرّق العصب الذي فيه الحسّ، وبه قوام البدن، وإنما القلب باب العقل؛ كما أنّ النفس هي المدركة والعين هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة وإنما الأنف والأذن بابان ولولا أنّ العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه؛ وفي الرأس الحواسّ الخمس.
وكان ينشد:
همو ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثمّ سائري
وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر لمكان زيادة الدماغ ولا يشتريه إلايوم السبت لأن الرؤوس يوم السبت أكسد للفضلات التي تبقى في منازل التّجار عن يوم الجمعة وكان إذا فرغ من غدائه يوم الرأس، عمد إلى القحف وإلى اللّحيين فوضعه قرب بيوت النمل والذّر فإذا اجتمعن عليه أخذه ونفضه في طستٍ فيه ماء ولا يزال يعيد ذلك على تلك المواضع حتى يقلع النمل والذّر من داره، فإذا فرغ من ذلك ألقاه مع الحطب فاستوقده في التّنور.
في الأرز الأبيض بالسمن الأصمعيّ قال: قال أبو صوّارة أو ابن دقّة: الأرز الأبيض بالسّمن المسّلي بالسكر الطّبرزذ، ليس من طعام أهل الدنيا.
أطول الليالي قال:وقال أبو صوّارة أو ابن دقّة: أطول الليالي ثلاث: ليلة العقرب، وليلة الهريسة، وليلة جدّة إلى مكة.
لأبي كامل بن الزبد الأصمعيّ عن جعفر بن سليمان قال: قال أبو كامل مولى عليّ رضي اللّه عنه: أطعموني حفنة زبدٍ ثم اختموا سراويلي ثلاثاً.
بين الثوري ورجل وقال رجل للثّوريّ: في حديث: " إن اللّه يبغض البيت اللّحم " فقال: ليس هو الذي يؤكل فيه اللحم، وإنما هو الذي يؤكل فيه لحوم الناس.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في التمر عن أبي الصّدّيق الناجي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: " خير تمراتكم البرني يذهب بالداء ولا داء فيه " لعمر في العصيدة وعن ابن عمر عن عمر أنه قال: يا غلام أنضج العصيدة تذهب حرارة الزيت.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في التمر أيضاً وعن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " بيتٌ ليس فيه تمر جياعٌ أهله " أيضاً في التمر شيخٌ من أهل البادية قال: أضافنا فلان فأتانا بحنطة كأنها مناقير الغربان، وتمرٍ كأنه أعناق الوزّ يوحل فيه الضّرس.
الأصمعيّ قال: قال أعرابيّ: تمرنا جرد فطسٌ يغيب فيه الضّرس، كأن نواه ألسن الطير،تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبيك.
الأصمعيّ عن أبيه قال: أسر رجلٌ رجلين في الجاهلية فخيّرها بم يعشّيهما، فاختار أحدهما اللحم واختار الآخر التمر، فعشيّا وألقيا في الفناء وذلك في شتاءٍ شديدٍ، فأصبح صاحب اللحم خامداً، وأصبح صاحب التمر تزرّ عيناه.
وقال غير الأصمعيّ: قيل لأعرابيّ: ما رأيك في أكل الجريّ قال: تمرة نرسيانةٌ غرّاء الطّرف صفراء السائر عليها مثلها زبداً أحبّ إليّ منها. ثم أدركه الورع فقال: وما أحرّمهما.
وقال بعض الأعراب:
ألا ليت لي خبزاً تسربل رائباً ... وخيلاً من البرنيّ فرسانها الزّبد
قال: ورأى أعرابيٌّ دقيقاً وتمراً فاشترى التمر؛ قيل له: كيف وسعر الدقيق والتمر واحد! قال: إنّ في التمر أدمه وزيادة حلاوةٍ.
عن زياد النّميريّ قال: قالت عائشة: من أكل التمر وتراً لم يضرّه.
الأصمعيّ قال: حدّثني شيخٌ عالمٌ قال: أطيب التمر صيحانيّة مصلّبة.
الأصمعيّ قال: حدّثني رجلٌ من آل حزمٍ قال: كان يقال: من خلا على التمر فالعجوة، ومن أكله على ثقلٍ فالصّيحانيّ.
لأعرابي في تفضيل الرطب على العسل الأصمعيّ قال: قال أعرابيّ يفضّل الرّطب على العسل: أتجعل عسلةً في أخثاء البقر كعسلةٍ في جوّ السماء لها محارس من جريدٍ وذوائب من زمردٍ! في أطيب انواع التمر وقال الأصمعيّ: قيل لابن القدّاح: أيّ التمر أطيب؟ فدعا بأنواع التمر، فلمّا أكلوا قال: انظروا أيّ النوى أكثر؟ قالوا: نوى الصيحانّي. قال: هو أطيب.
للعرب في البخيل الأكول وقال الأصمعيّ: العرب تقول للبخيل الأكول: " أبرماً قروناً " أي لا يخرج مع أصحابه شيئاً ويأكل تمرتين تمرتين.
شعر للنابغة يصف تمراً وقال النابغة يصف تمراً:
صغار النوى مكنوزةٌ ليس قشرها ... إذا طار قشر التمر عنها بطائر
الحسن والفالوذج

سمع الحسن رجلاً يعيب الفالوذج فقال: فتات البرّ بلعاب النحل بخالص السّمن! ما عاب هذا مسلمٌ.
الحسن وفرقد السبخي وقال لفرقدٍ السّبخيّ: يا أبا يعقوب، بلغني أنك لا تأكل الفالوذج. فقال: يا أبا سعيد، أخاف ألاّ أؤدّي شكره. فقال: يا لكع! وهل تؤدّي شكر الماء البارد " في الصّيف والحارّ في الشتاء! أما سمعت قول اللّه تعالى: " يأيّها الّذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " تحكيم شيخ في الطعام الرومي والفارسي الأصمعيّ قال: اختصم روميّ وفارسيّ في الطعام، فحكّما بينهما شيخاً قد أكل طعام الخلفاء، فقال: أمّا الروميّ فذهب بالحشو والأحشاء، وأما الفارسيّ فذهب بالبارد والحلواء.
جشع مزرّد أخي الشماخ ونهمه وعن الأصمعيّ قال: كنا عند الرشيد فقدّمت إليه فالوذجةٌ، فقال: يا أصمعيّ حدّثنا بحديث مزرّدٍ. فقلت: إن مزرّداً أخا الشمّاخ كان غلاماً جشعاً وكانت أمّه تؤثر عيالها بالطعام عليه وكان ذلك يحفظه، فخرجت أمّه ذات يوم تزور بعض أهلها، فدخل مزرّدٌ الخيمة وعمد إلى صاعي دقيقٍ وصاعٍ من تمر وصاعٍ من سمن ثم جعل يأكله وهو يقول:
ولمّا غدت أمي تمير بناتها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع
لبكت بصاعي حنطةٍ صاع عجوةٍ ... إلى صاع سمنٍ فوقه يتريّع
ودبّلت أمثال الأثافي كأنها ... رؤؤس نقادٍ قطّعت يوم تجمع
وقلت لبطني أبشر اليوم إنه ... حمى أمّنا مما تحوز وترفع
فإن كنت مصفوراً فهذه دواؤه ... وإن كنت غرثاناً فذا يوم تشبع
فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، ثم قال: كلوا باسم اللّه، هذا يوم تشبع " يا أصمعيّ " .
الحجاج يطلب عسلاً قال: وكتب الحجاج إلى عامله بفارس: إبعث إليّ عسلاً من عسل خلاّر، من النحّل الأبكار، من الدّستفشار الذي لم تمسّه النار.
مثله لبعض الخلفاء وقال الأصمعيّ: كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أن أرسل إليّ بعسلٍ أخضر في سقاء، أبيض في الإناء، من عسل الندّغ والسّحاء، من حداب بني شبابة.
والعرب تصف العسل بالبرودة.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وشعر للأعشى وفي حديث ابن عباس أنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل عن أفضل الشراب قال: " الحلواء البارد " يعني العسل.
وقال الأعشى:
كما شيب بماءٍ با ... رد من عسل النحل
في العسل ومنافعه ويقال: أجود العسل الذهبيّ الذي إذا قطرت منه قطرةٌ على وجه " الأرض " استدار كما يستدير الزئبق ولم ينقش ولم يختلط بالأرض والتراب.
والروم تقول: أجوده ما يلطخ على فتيلةٍ ثم تشعل فيه النار فيعلق.
وسئل ديقراطيس العالم عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن جسمه زاد اللّه بذلك في عمره.
والعسل إن جعل فيه اللحم الطريّ بقي كهيئته حتى ينتن.
ويقال: من كان به داء قديمٌ فليأخذ درهماً حلالاً وليشتر بع عسلاً ثم يشربه بماءٍ سواءٍ فإنه يبرأ بإذن اللّه تعالى.
وكان الحسن يعجبه إذا استمشى الرجل أن يشرب اللبن والعسل.
ويزعم أصحاب الطبائع أن العسل إذا ديف بالماء وخلط معه زيتٌ أو دهن سمسمٍ نافعٌ لمن شرب السّموم والأدوية القاتلة يتقيأ به.
في إكرام الخبز ميمون بن مهران عن ابن عباس قال - ولا أعلمه إلاّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال: " أكرموا الخبز فإنّ اللّه سخرّ له السموات والأرض " لإمرأة من بكر بن وائل في السويق الأصمعيّ قال: كانت امرأةٌ من بكر بن وائل تنزل الطّفاوة وكانت قد أدركت بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكان العبّاد يغشونها في منزلها؛ فعاب عائبٌ عندها السّويق، فقالت: لا تفعل! إنه طعام المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكّر، وبلغة المريض، ويشدّ فؤاد الحزين، ويردّ من نفسٍ الضّعيف؛ وهو جيدٌ في التّسمين ونقاوة البلغم، ومسمونه يصفّي الدم، إن شئت كان ثريداً، وإن شئت كان خبيصاً، وإن شئت كان خبزاً.
لغسّان بن عبد الحميد في السويق أيضاً وكان غسّان بن عبد الحميد كاتب سليمان بن عليّ يقول لجاريته: خوّضي لنا سويقاً فأخثريه، فإنّ الرجل لا يستحي أن يزداد ماءً فيرقّقه، ويستحي أن يزداد سويقاً فيخثره به.
شعر لعبد اللّه بن معاوية في الطبرزد

مرّ عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بعبد الحميد بن عليّ وهو في مزرعته وقد عطش، فاستسقاه فخاض له سويق لوزٍ فسقاه إياه؛ فقال عبد اللّه:
شربت طبرزداً بغريض مزنٍ ... ولكنّ الملاح بكم عذاب
وما " هو " بالطّبرزد طاب لكن ... بمسّك إنه طاب الشراب
وأنت إذا وطئت تراب أرضٍ ... يطيب إذا مشيت به التراب
لأن نداك ينفي المحل عنها ... وتحييها أياديك الرّطاب
للحسن في السويق والنساء وقال الحسن: لا تسقوا نساءكم السّويق، فإن كنتم لا بدّ فاعلين فاحفظوهنّ.
للرقاشي وقال الرّقاشيّ: السّمنة للنّساء غلمةٌ وهي للرجال غفلةٌ للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " ثلاثةٌ لا تردّ: اللّبن والسّواك والدّهن " أبو يزيد وشرب اللبن الحار الرّياشيّ قال: سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رجلاً كأنّ أسنانه الذّهب لشربه اللّبن حاراً.
لذي الرّمة الأصمعيّ عن ذي الرّمة أنه قال: إذا قلت للرّجل: أيّ اللّبن أطيب؟ فإن قال: قارصٌ فقل: عبد من أنت؟ وإن قال: الحليب. فقل: ابن من أنت؟.
بين قريشي وامرأة من البادية مرّ رجل من قريشٍ بامرأة من العرب في باديةٍ، فقال، هل من لبنٍ يباع؟ فقالت: إنك لئيمٌ أو قريب عهد بقوم لئامٍ.
وكان يقال: اللبن أحد اللّحمين.
لبعض المدنيين وقال بعض المدنيّين: من تصبّح بسبع موزاتٍ وبقدحٍ من لبن إبلٍ أوارك تجشّأ بخور الكعبة.
بين معاوية وامرأة وقف معاوية على امرأةٍ فقال: هل من قرىً؟ فقالت: نعم. قال: وما هو؟ قالت: خبزٌ خمير ولبنٌ فطير وماءٌ نمير.
والعرب تقول: " إنّ الرّثيئة تفتأ الغضب " . والرّثيئة: اللبن الحامض يحلب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن.
شعر لبعض الأعراب في اللبن قال بعض الأعراب:
وإذا خشيت على الفؤاد لجاجةً ... فاضرب عليه بجرعةٍ من رائب
في طبخ اللبن باللحم وعن مطر الورّاق: أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى اللّه تعالى الضعف، أوحى اللّه إليه: أن أطبخ اللبن باللحم، فإنّ القوّة فيهما.
أعرابي يصف خصب البادية وصف أعرابيّ البادية فقل: كنت أشرب رثيئةً تجرّها الشّفتان جرّاً، وقارصاً إذا تجشّأت جدع أنفي، ورأيت الكمأة تدوسها الإبل بمناسمها، وخلاصةً يشمّها الكلب فيعطس.
في ترويب اللبن وتقول الأطبّاء: إنّ اللبن إذ سخّن بالنار وسيط بعودٍمن عيدان شجر التّين راب من ساعته.
وقالوا: وإن أراد صاحبه ألاّ يروب وإن كان فيه روبة جعل فيه شيئاً من الحبق، وهو الفوذنج النهريّ،فإنه يبقى كهيئته.
أخبار من أخبار العرب في مآكلهم ومشاربهمللمعلّى الربعي المعلّى الرّبعيّ قال: مكثت ثلاثاً لا أذوق طعاماًوأشرب فيهنّ شراباً، فدعوت اللّه تعالى، وإذا دعا العبد اللّه بقلبٍ صادقٍ كانت معه من اللّه عينٌ بصيرةٌ، فدفعت إلى ذئبين في جفرٍ، فرميتهما فقتلتهما، ثم أتيت جفراً فيه ماء فاستقيت، ثم أتيتهما وإذا هما علىمهيديتيهما، وإذا لهما نحفةٌ - يعني شبه الزّفير - فاشتويت واحتذيت واذّهنت.
بين ابن قرفة وصياد أعرابي قال ابن قرفة " شيخ من سليم " : أضافني رجل من الأعراب فجاءني بقدرٍ جماعٍ ضخمةٍ ليس فيها شيء من طعام إلا قطع لحم، فإذا بضعة تنماتّ في فمي، وبضعة كأنّها بضع ساقٍ، وبضعة كأنها شحمٌ زخمٌ؛ فقلت: ما هذا؟ فقال: إني رجل صيّاد، جمعت بين ذئبٍ وظبيٍ وضبع.
بين مدني وأعرابي قال مدنيّ لأعرابيّ: ما تأكلون وما تدعون؟ قال: نأكل ما دبّ ودرج إلا أمّ حبينٍ. فقال المدنيّ: ليهنيء أمّ حبينٍ العافية.
لرجل من بني هلال على مائدة الفضل بن يحيى قعد على مائدة الفضل بن يحيى رجلٌ من بني هلال بن عامر، فذكروا الضّبّ ومن يأكله، فأفرط الفضل في ذمّه وتابعه القوم، فغاط الهلاليّ ما سمع منهم، ولم يكن على المائدة عربيّ غيره، ثم لم يلبث أن أتي الفضل بصحفةٍ فيها فراخ الزّنانير، فلم يشك الأعرابيّ أنها ذبّان البيوت، فقال حين خرج:
وعلجٍ يعاف الضبّ لؤماً وبطنةً ... وبعض إدام العلج هام ذباب
ولو أنّ ملكاً ناك أمّه ... لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب
شعر لأبي الهندي، ثم لبعض الأعراب وقال أبو الهندي " رجل من العرب " :

أكلت الضّباب فما عفتها ... وإنّي لأشهي قديد الغنم
ولحم الخروف حنيذاً وقد ... أتيت به فاتراً في الشّبم
فأمّا البهطّ وحيتانكم ... فما زلت منها كثير السّقم
وقد نلت منها كما نلتم ... فلم أر فيها كضبّ هرم
ولا في البيوض كبيض الدّجاج ... وبيض الدجاج شفاء القرم
ومكن الضّباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم
وقال بعض الأعراب:
وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضّبّ يعدو بالواد
ونزل رجل من العرب برجل من الأعراب فقدم إليه جراداً؛ فقال:
لحى اللّه بيتاً ضمّني بعد هجعةٍ ... إليه دجوجيّ من الليل مظلمٌ
فأبصرت شيخاً قاعداً بفنائه ... هو العنز إلا أنه يتكلم
أتانا ببرقان الدّبى في إنائه ... ولم يك برقان الدّبى لي مطعم
فقلت له غيّب إناءك واعتزل ... فهل ذاق هذا، لا أبا لك، مسلم
لبعض لعباسين وقال بعض العباسيين:
ليت شعري متى تخبّ بي ال ... قة نحو العذيب فالصّنّين
محقباص زكرةً وخبز رقاقٍ ... وجبيناً وقطعةً من نون
وقال بعض الأعراب:
أقول له يوماً وقد راح صحبتي ... ترى أبتغي من صيده وأخاتله
فلما التقت كفّي على فضل ذيله ... وشالت شمالي زايل الضّبّ باطله
فأصبح محنوذاً نضيجاً وأصبحت ... تمشّي على القيزان حولاً حلائله
شديد اصفرار الكشيتين كأنما ... تطلّى بورسٍ بطنه وشواكله
فذلك أشهى عندنا من نتاجكم ... لحى اللّه شاريه وقبّح آكله
للفرزدق يعيّر بني أسد بأكل الكلاب وبنو أسدٍ تعيّر بأكل الكلاب؛ قال الفرزدق:
إذا أسديّ جاع يوماً ببلدةٍ ... وكان سميناً كلبه فهو آكله
لآخر يعير بني أسد بأكل لحوم الناس وتعيّر أيضاً بأكل لحوم الناس، كما قال الشاعر:
إذا ما ضفت ليلاً فقعسيّاً ... فلا تأكل له ابداً طعاما
فإنّ اللحم إنسانٌ فدعه ... وخير الزاد ما منع الحرام
لرجل في قوم يأكلون الحيات قال رجل: كنت بالبادية فرأيت ناساً حول نارٍ، فسألت عنهم فقالوا: صادوا حيّات فهم يشتوونها ويأكلونها.فأتيتهم فرأيت رجلاً منهم قد أخرج حيّةً من الجمر ليأكلها فامتنعت عليه، فجعل يمدّها كما يمدّ عصيب لم ينضج، فما صرفت بصري عنه حتّى لبج به فمات، فسألت عن شأنه فقيل لي: عجل عليها قبل أن تنضج وتعمل في سمّها النار.
بين أعرابي وأولاده يصفون لحماً قال رجل من الأعراب لولده: إشتروا لي لحماً.فاشتروه فطبخه حتى تهرّي، وأكل منه حتى انتهت نفسه، وشرعت إليه عيون ولده فقال: ما أنا بمطعمه أحداً منكم إلا من أحسن وصف أكله؛ فقال الأكبر منهم: آكله يا آبت حتى لا أدع للذةٍ فيه مقيلا. قالك لست بصاحبه. فال الآخر: آكله حتى لا يدري ألعامه هو أم لعامٍ أوّل. قال: لست بصاحبه. فقال الأصغر: أدقّه يا أبت دقّاً وأجعل إدامه المخّ. قال: أنت صاحبه، هو لك.
شعر لأعرابي سقط بعيره فذبحه وأكله بينا أعرابيّ يسير وهو يوضع بعيره إذ سقط بعيره فنحره وأكله، فأنشأ يقول:
إن السّعيد من يموت جمله ... يشبع لحماً ويقلّ عمله
شعر لسلولي سكر فذبح بعيره ومرّ رجلٌ من سلول بفتيانٍ يشربون فشرب معهم؛ فلما أخذ منه الشراب قام إلى بعيره فنحره، وقال:
علّلاني إنما الدّنيا علل ... ودعاني من ملامٍ وعذل
وأنشلا ما أغبرّ من قدريكما ... واسقياني أبعد اللّه الجمل
آداب الأكل والطعاممن حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: " الأكل في السّوق دناءةٌ " وعن عبد الرحمن بن عراكٍ قال: بلغني أنه من غسل يده قبل الطعام كان في سعة من الرّزق حتى يموت.
للحسن في الوضوء قبل الطعام وبعده عن الحسن أنه قال: الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللّمم سمرة بن جندب

وعنه قال: قيل لسمرة بن جندبٍ: إنّ أباك أكل طعاماً كاد يقتله. قال: لو مات ما صلّيت عليه.
لأبي الدرداء وعن شرحبيل بن مسلم قال: قال أبو الدّرداء: بئس العون على الدّين قلبٌ نخيب، وبطنٌ رغيب، ونعظٌ شديدٌ.
بين الجارود وعمر أكل الجارود مع عمر طعاماً ثم قال: يا جارية هات الدّستورد. فقال عمر: امسح باستك أوذر.
نصيحة فرقد السبخي لأصحابه قال جعفر: كنا نأتي فرقداً السّبخيّ ونحن شببةٌ فيعلمنا: إن من ورائكم زماناً شديداً، فشدّوا الأزر على أنصاف البطون، وصغّروا اللّقم، وشدّدوا المضغ، ومصوا الماء مصّاً. وإذا أكل أحدكم فلا يحلّنّ إزاره فتتّسع أمعاؤه. وإذا جلس أحدكم ليأكل فليقعد على أليتيه، وليلزق بطنه بفخديه، وإذا فرغ فلا يقعد وليجئ وليذهب؛ واحتموا فإن من ورائكم زماناً شديداً.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " ساقي القوم آخرهم شرباً " طعام عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر وعن الجارود بن أبي سبرة قال: قال لي بلال بن أبي بردة: أتحضر طعام هذا الشيخ؟ - يعني عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر - ؛ فقلت: أيّهاً واللّه؛ فقال: حدثني عنه. فقلت: نأتيه وكان سكّيتاً، إن حدثنا أحسن الحديث، وإن حدّثناه أحسن الإستماع، فإذا حضر الغداء جاء خبّازه فمثل بين يديه؛ فيقول: ما عندك؟ فيقول: بطّةٌ بكذا، ودجاجةٌ بكذا وكذا. قال: وما يريد بذاك؟ قلت: كي يحبس كلّ إنسانٍ نفسه إلى ما يشتهي، فإذا وضع الخوان خوّى تخوية الظليم فما له إلا موضع متّكئه فيجدّ ويهزل، حتى إذا رآهم قد فتروا وكلّوا أكل معهم الجائع المقرور حتى ينشّطهم بأكله.
ما يستحب أن يجتمع للطعام وكان يقال: إذا اجتمع للطعام أربعٌ كمل: أن يكون حلالاً، وأن تكثر عليه الأيدي، وإن يفتح باسم اللّه، ويختتم بحمد اللّه.
وكان يقال: سمّوا إذا أكلتم ودنّوا وسمتّوا أبرويز لصحابي طعامه وشرابه قال أبرويز لصحابي طعامه وشرابه: إنّي سلّطتكما على المعيشة، وأشركتكما في الحياة، وجعلتكما أمينين على نفسي، وولّيتكما من طعامي وشرابي ما التوسعة فيه مروءةٌ والتضييق فيه دناءة؛ فاجعلاه في فضله على ما سواه كفضلي على من سواي، وفي كثرته ككثرة من معي على من مع غيري. ولا يشهدنّ طعامي الذي آكل عينٌ تراه ولا نفسٌ تحسّه ولا يدٌ تداوله خلا نفساً واحدةً؛ وإنما أفردته بذلك لتستحكم الحجّة فيه على من أضاع، وتنقطع الشبهة فيه عمن غفل ولأجعل صاحب ذاك رهناً بدم نفسه إن هو قصّر في صنعه أو أوقع بغائلةٍ.
إبراهيم بن صالح وحب الرمان الأصمعيّ قال: حدذثني إبراهيم بن صالح: أنه كانم له جامٌ من حبّ رمّانٍ مدقوقٍ يسفّ منه بين كل لونين ملعقةً حتى يعرف اختلاف الألوان.
أبو عبد الرحمن الثوري وولده وفيما أجاز لنا عمرو بن بحرٍ من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثّوريّ يقعد ابنه معه على خوانه يوم الرأس، ثم يقول: إياك ونهم الصبيان وأخلاق النوائح، و " دع عنك " خبط الملاّحين والفعلة، ونهش الأعراب والمهنة، وكل من بين يديك؛ فإنّ حظّك الذي وقع وصار إليك. واعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريفٌ أو لقمةٌ كريمةٌ أو بضعة شهيّةٌ، فإنما ذلك للشيخ المعظّم والصبيّ المدلّل، ولست واحداً منهما. وأنت قد تأتي الدعوات، وتجيب الولائم، وتدخل منازل الإخوان، وعهدك باللحم قريبٌ، وإخوانك أشدّ قوماً إليك منك، وإنما هو رأس واحدٌ، فلا عليك أن تتجافى عن بعضٍ وتصيب بعضاً. وأنا بعد أكره لك الموالاة بين اللحم؛ فإن اللّه يبغض أهل البيت اللّحمين.
وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
ورأى رجلاً يأكل لحماً، فقال: لحمٌ يأكل لحماً، أفٌ لهذا عملاً؟؟؟؟؟؟؟ وكان عمر يقول: إيّاكم وهذه المجازر، فإنّ لها ضراوةً كضراوة الخمر.
يا بنيّ عودّ نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوى، ولا تنهش نهش السّباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النّعاج، ولا تلقم لقم الجمال؛ فإن اللّه تعالى جعلك إنساناً وفضّلك، فلا تجعل نفسك بهيمةً ولا سبعاً. واحذر سرعة الكظّة وسرف البطنة.
قال بعض الحكماء: إذا كنت بطيناً فعدّ نفسك من الزّمني. وقال الأعشى:
.....................والبط ... نة ممّا تسفّه الأحلاما

واعلم أنّ الشّبع داعية البشم، وأن البشم داعية السّقم، وأنّ السقم داعية الموت، فمن مات بهذه الميتة فقد مات ميتةً لئيمةً، وهو مع هذا قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره.
يا بنيّ، واللّه ما أدّى حقّ الركوع والسجود ذو كظمة، ولا خشع للّه ذو بطنة، والصوم مصحّة، والوجبات عيش الصالحين.
أي بنيّ، لأمرٍ مّا طالت أعمار الهند، وصحّت أبدان الأعراب. فللّه در الحارث بن كلدة حيث يزعم أنّ الدواء هو الأزم، وأنّ الداء إدخال الطعام إثر الطعام.
أي بنيّ، لم صفت أذهان الأعراب، وصحّت أبدان الرّهبان، مع طول الإقامة في الصوامع حتى لم تعرف النقّرس ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلّة الرّزء وخفّة الزاد. وكيف لا ترغب في تدبيرٍ يجمع لك صحّة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح المعي، وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة؟! أي بنيّ، لم صار الضبّ أطول شيء ذماءً إلا أنه يتبلّغ بالنسيم؛ ولم قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم إنّ الصوم وجاء إلاّ ليجعله حجازاً دون الشهوات. إفهم تأديب اللّه، فإنه لم يقصد به إلاّ إلى مثلك.
أي بنيّ، قد بلغت تسعين عاماً ما نغص لي سنّ، ولا انتشر لي عصبٌ، ولا عرفت ذنين أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول؛ ما لذلك علّةٌ إلاّ التخفيف من الزاد. فإن كنت تحبّ الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تريد الموت فلا يبعد اللّه إلاّ من ظلم نفسه.
أبو نهشل وابنته، ثم ابنه وقال أبو نهشل: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز كفّاً كأنها طلعة، في ذراع كأنه جمّارة، فلا تقع عينها على أكلة نفسية إلا خصّتني بها، فزوّجتها وصرت أجلس معي على المائدة ابناً لي فيبرز كفّاً كأنه كرنافة في ذراع كأنه كربة، فواللّه ما تسبق عيني إلى لقمة طيّبة إلاّ سبقت يده إليها.
وقال بعضهم: غلبت بطنتي فطنتي.سس عمرو بن العاص لمعاوية يوم التحكيم قال عمرو بن العاص لمعاوية يوم تحكّم الحكمان: أكثروا الطعام، فواللّه ما بطن قومٌ قطّ إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطيناً.
وكان يقال: أقلل طعاماً تحمد مناماً.
الأصمعيّ قال: كان يقال: ليس لشعبة خير من جوعة تحفزها.
بين عبد الملك ورجل دعا عبد الملك بن مروان إلى الغداء رجلاً فقال: ما فيّ فضل. فقال عبد الملك: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يبقى فيه فضل! فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكن أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير المؤمنين.
وقال لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة.
للحسن وقال الحسن: إنّ ابن آدم أسير الجوع، صريع الشبع.
عبد الملك وأبا الزعيرة وسأل عبد الملك أبا الزعيرة فقال: هل اتّخمت قطّ؟ قال لا؛ قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دقّقنا، ولا نكظّ المعدة ولا نخليها.
للأحنف وقال الأحنف: جنبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون وصّافاً لبطنه وفرجه، وإنّ من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.
للأصمعي الأصمعيّ قال: بلغني أنّ أقواماً لبسوا المطارف العتاق، والعمائم الرّقاق؛ وأوسعوا دورهم،وضيّقوا قبورهم؛ وأسمنوا دوابّهم، وهزّلوا دينهم؛ طعام أحدهما غصب، وخادمه سخرة، يتّكىء على شماله، ويأكل من غير ماله؛ حتى إذا أدركته الكظّة قال: يا جارية هاتي حاطوماً؛ ويلك! وهل تحطم إلا دينك! أين مساكينك! أين يتاماك! أين ما أمرك اللّه به! أين أين!.
لبعض الحكماء في صلاح الأمور قال بعض الحكماء: مدار صلاح الأمور في أربع: الطعام لا يؤكل ألاّ على شهوة، والمرأة لا تنظر إلا إلى زوجها، والملك لا يصلحه إلا الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلا العدل.
من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من أكل من سقط المائدة عاش في سعةٍ وعوفي في ولده وولد ولده من لحمق " .
وقيل لأعرابي: أتحسن أن تأكل الرأس؟ قال نعم، أبخص عينيه، وأسحى، خدّيه، وأفكّ لحييه،، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج منّي إليه. وكانوا يكرهون أكل الدماغ؛ ولذلك يقول قائلهم: أنّا من قبيلة تبقي المخّ في الجماجم.
دعبل لابنه دعبل قال: يا بنيّ لا تأكل ألية الشاة لأنها طبق الاست وقبريبٌ من الجواعر.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

إذا لم أرى إلاّ لآكل أكلةً ... فلا رفعت يمنى يديّ طعامي
فما أكلةٌ إن نلتها بغنيمةٍ ... ولا جوعةٌ إن جعتها بغرام
للأصمعي عبد الملك بن عمير عن عمه عن الأصمعيّ قال: لا تخرج يا بنيّ من منزلك حتى تأخذ حلمك. يعني حتى تتغذىّ.
وقال هلال بن جشم:
وإنّ قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءآت الأمور اجتنابها
وصية رجل لولده وقرأت في الآيين: أن رجلاً من خدم دار المملكة أوصى ابنه فقال: إذا أكلت فضمّ شفتيك، ولا تتلفّتنّ يميناً وشمالاً. ولا تّتخذنّ خلالك قصبا. ولا تلقمنّ بسكّين أبداً، وإذا كان في يدك سكّين وأوردت التقاماً فضعها على مائدتك ثم التقم. ولا تجلس فوق من هو أسنّ منك وأرفع منزلة. ولا تتخلّل بعود آس. ولا تسمح بثياب بدنك. ولا ترق ماء وأنت قائم ولا تحفر أرضاً بأظفارك. ولا تجلس على حائط أو باب أو تكتب عليهما فتلعن، ولا تسترح على أسكفّة فتجهّل، ولا تستنج بمدر فيورثك البواسير، ولا تمتخط حيث يسمع امتخاطك، ولا تبصق في الأماكن المنظّفة.
بين معاوية ورجل يؤاكله وأجلس معاوية على مائدته رجلاً يؤاكله، فأبصر في لقمته شعرة، فقال: خذ الشعرة من لقمتك. فقال له الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر الشعرة في لقمتي! واللّه لا أكلت معك أبداً! ثم خرج الاعرابيّ وهو يقول:
وللموت خيرٌ من زيارة باخلٍ ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
دعاء لسعيد بن جبير وكان سعيد بن جبير إذا فرغ من طعامه قالك اللهمّ أشبعت وأوريت فهنّئنا، وأكثرت وأطبن فزدنا.
الجوع والصومقيل لبعض الحكماء: أيّ الطعام أطيب؟ قال: الجوع أعلم.
وكان يقال: نعم الإدام الجوع، ما ألقيت إليه قبله.
نصيحة لقمان لابنه قال لقمان لابنه يا بنيّ، كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش. يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام.
شعر لأعرابي إشتاق أعرابيّ بالبصرة إلى البادية فقال:
أقول بالمصر لمّا ساءني شبعي ... ألا سبيل إلى أرضٍ بها جوع
ألا سبيل إلى أرضٍ بها عرسٌ ... جوعٌ يصدّع منه الرأس برقوع
وقال آخر:
وعادة الجوع فاعلم عصمةٌ وغنىً ... وقد يزيدك جوعاً عادة الشّبع
بين العتبي وبدوي العتبيّ قال: قلت لرجلٍ من أهل البادية: يا أخي، إني لأعجب من " أن " فقهاءكم أظرف من فقهائنا، وعوامّكم أظرف من عوامّنا، ومجانينكم أظرف من مجانينا، قال: وما تدري لم ذاك؟ قلت لا قال: " من " الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لخلوّ جوفه!.
لبعض حكماء الروم وقيل لبعض حكماء الرّوم: أيّ وقت الطعام فيه أطيب وأفضل؟ قال: أمّا لمن قدر فإذا جاع، وأمّا لمن لم يقدر فإذا وجد.
لأعرابي في هلال شهر رمضان ونظر أعرابيّ إلى قومٍ يلتمسون هلال شهر رمضان، فقال: أما اللّه لئن أثرتموه لتمسكنّ منه بذنابي عيشٍ أغبر.
وقيل لآخر: ألا تصوم البيض من شعبان! فقال: بين يديها ثلاثون كأنها القباطيّ.
لمدنيّ في السحور وقيل لمدنيّ: بم تتسحّر الليلة؟ فقال: باليأس من فطور القابلة.
الرّياشيّ قال: قيل لأعرابيّ: إشرب. فقال: إني لا أشرب على ثميلة. وقال:
إذا لم يكن قبل النبيذ ثريدة ... مبقّلةٌ صفراء شحمٌ جميعها
فإنّ النبيذ الصّرف إن كان وحده ... على غير شيءٍ أوجع الكبد جوعها
لأعرابي في شهر رمضان قدم أعرابيّ على ابن عمٍّ له بالحضر، فأدركه شهر رمضان؛ فقيل له: أبا عمرٍ ولقد أتاك شهر رمضان. قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام. قال: أبا لليل أم النهار؟ قالوا: لا بل بالنهار. قال: أفيرضون بدلاً من الشهر؟ قالوا لا قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس. فصام أياماً فلم يصبر، فارتحل عنهم وجعل يقول:
يقول بنو عمّي وقد زرت مصرهم ... تهّيأ أبا عمرٍ ولشهر صيام
فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي ... سلامٌ عليكم فاذهبوا بسلام
فبادرت أرضاً ليس فيها مسيطرٌ ... عليّ ولا منّاع أكل طعام
وأدرك أعرابيّاً شهر رمضان فلم يصم؛ فعذلته امرأته في الصوم، فزجرها وأنشأ يقول:
أتأمرني بالصّوم لا درّ درّها ... وفي القبر صومٌ يا أميم طويل

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6