كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

والمؤمنون أن ينابذوا الكفار بالقيام عنهم إذا استهزءوا وخاضوا ليتأدبوا بذلك ويدعوا الخوض والاستهزاء قلت ويدل على دخول المؤمنين مع النبي صلى الله عليه و سلم في الخطاب قوله تعالى وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم ءايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انتهى والخوض أصله في الماء ثم يستعمل بعد في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء وأما ينسينك أما شرط وتلزمها النون الثقيلة في الأغلب وقرأ ابن عامر وحده ينسينك بتشديد السين وفتح النون والمعنى واحد إلا أن التشديد أكثر مبالغة والذكرى والذكر واحد في المعنى ووصفهم بالظالمين متمكن لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه وأعرض في هذه الآية بمعنى المفارقة على حقيقة الأعراض وأكمل وجوهه ويدل على ذلك فلا تقعد وقوله سبحانه وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء روي أنه لما نزلت فلا تقعدوا معهم قال المؤمنون إذا كنا لا نقرب المشركين ولا نسمع أقوالهم فلا يمكننا طواف ولا قضاء عبادة في الحرم فنزلت لذلك وما على الذين يتقون الآية قال ع فالإباحة في هذا هي في القدر الذي يحتاج إليه من التصرف بين المشركين في عبادة ونحوها وقيل أن هذه الآية الأخيرة ليست إباحة بوجه وإنما معناها لا تقعدوا معهم ولا تقربوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم وليس نهيكم عن القعود لأن عليكم شيأ من حسابهم وإنما هو ذكرى لكم ويحتمل المعنى ولكن ذكرى لعلهم إذا جانبتموهم يتقون بالإمساك عن الاستهزاء ويحتمل المعنى ولكن ذكروهم ذكرى وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية مع الملحدين وأهل الجدل والخوض فيه وحكى الطبري عن أبي جعفر أنه قال لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله وفي الحديث عنه صلى الله عليه و سلم انا زعيم ببيت في ربض

الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه خرجه أبو داود انتهى من الكوكب الدري وقد ذكرنا هذا الحديث من غير طريق أبي دواد بلفظ أوضح من هذا وقوله سبحانه وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا هذا أمر بالمتاركة وكان ذلك بحسب قلة المسلمين يومئذ قال قتادة ثم نسخ ذلك وما جرى مجراه بالقتال وقال مجاهد الآية إنما هي للتهديد والوعيد فهي كقوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا وليس فيها نسخ لأنها متضمنة خبرا وهو التهديد وغرتهم الحياة الدنيا أي خدعتهم من الغرور وهو الأطماع بما لا يتحصل فاغتروا بنعم الله وإمهاله وطمعهم ذلك فيما لم يتحصل من رحمته وأعلم أن أعقل العقلاء مؤمن مقبل على آخرته قد جعل الموت نصب عينيه ولم يغتر بزخارف الدنيا كما اغتر بها الحمقى بل جعل همه واحدا هم المعاد وما هو صائر إليه وقد روى البزار في مسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله هم الدنيا ومن تشعبت به الهموم هموم الدنيا لم يبال الله تعالى في أي اوديتها هلك انتهى من الكوكب الدري وقوله سبحانه وذكر به أي بالقرآن وقيل الضمير في به عائد على الدين وأن تبسل في موضع المفعول له أي ليلا تبسل ومعناه تسلم قاله الحسن وعكرمة وقال قتادة تحبس وترهن وقال ابن عباس تفضح وقال ابن زيد تجزي وهذه كلها متقاربة المعنى ومنه قول الشنفري ... هنالك لا ارجو حياة تسرني ... سمير الليالي مبسلا بالجرائر ...
وباقي الآية بين وأن تعدل كل عدل أي وإن تعطي كل فدية وإن عظمت فتجعلها عدلا لها لا يقبل منها وقال أبو عبيدة وأن تعدل هو من العدل المضاد للجور ورده

الطبري بالإجماع على أن توبة الكافر مقبولة قال ع ولا يلزم هذا الرد لأن الأمر إنما هو يوم القيامة ولا تقبل فيه توبة ولا عمل قلت وأجلي من هذا أن يحمل كلام أبي عبيدة على معنى أنه لا يقبل منها عدلها لاختلال شرطه وهو الإيمان وابسلوا معناه اسلموا بما اجترحوه من الكفر والحميم الماء الحار ومنه الحمام والحمة وقوله سبحانه قل اندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا المعنى قل في احتجاجك انطيع رأيكم في أن ندعو من دون الله والدعاء يعم العبادة وغيرها لأن من جعل شيئا موضع دعائه فإياه يعبد وعليه يتوكل وما لا ينفعنا ولا يضرنا يعني الأصنام ونرد على اعقابنا تشبيه بمشي القهقري وهي المشية الدنية فاستعمل المثل بها فيمن رجع من خير إلى شر وقوله سبحانه كالذي استهوته الشياطين في الكلام حذف تقديره ردا كرد الذي واستهوته بمعنى استدعت هواه وأمالته وهدانا بمعنى أرشدنا فسياق هذا المثل كأنه قال أيصلح ان نكون بعد الهدى نعبد الأصنام فيكون ذلك منا ارتدادا على العقب فنكون كرجل على طريق واضح فاستهوته عنه الشياطين فخرج عنه إلى دعوتهم فبقي حائرا وقوله له أصحاب يريد له أصحاب على الطريق الذي خرج منه فيشبه بالأصحاب على هذا المؤمنون الذين يدعون من ارتد إلى الرجوع إلى الهدى وهذا تأويل مجاهد وابن عباس وايتنا من الإتيان بمعنى المجيء وقول من قال إن المراد بالذي في هذه الآية عبد الرحمن بن أبي بكر وبالأصحاب أبواه قول ضعيف يرده قول عائشة في الصحيح ما نزل فينا من القرآن شيء إلا براءتي قلت تريد وقصة الغار إذ يقول لصاحبه وقوله ولا يأتل اولوا الفضل منكم إذ نزلت في شأن ابي بكر وشأن مسطح قال ع حدثني أبي رضي الله عنه قال سمعت الفقيه الإمام ابا عبد الله المعروف بالنحوي المجاور بمكة يقول من نازع أحدا من الملحدين فإنما ينبغي

أن يرد عليه بالقرآن والحديث فيكون كمن يدعو إلى الهدى بقوله ايتنا ومن ينازعهم بالجدل ويحلق عليهم به فكأنه بعد من الطريق الواضح أكثر ليرد هذا الزائغ فهو يخاف عليه أن يضل قال ع وهذا انتزاع حسن جدا وباقي الآية بين وقوله سبحانه وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق أي لم يخلقها باطلا لغير معنى بل لمعان مفيدة وحقائق بينة وقوله سبحانه ويوم يقول يوم نصب على الظرف وتقدير الكلام واذكر الخلق والإعادة يوم وتحتمل الآية مع هذا أن يكون معناها واذكر الإعادة يوم يقول الله للأجساد كوني معادة وقوله تعالى يوم ينفخ في الصور الجمهور أن الصور هو القرن الذي قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم أنه ينفخ فيه للصعق ثم للبعث وباقي الآية بين وقوله تعالى وإذ قال إبراهيم لأبيه ءازر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين قال الطبري نبه الله نبينا محمد صلى الله عليه و سلم على الاقتداء بإبراهيم في محاجته قومه إذ كانوا أهل أصنام وكان قوم النبي صلى الله عليه و سلم أهل أصنام وقوله أصناما آلهة مفعولان وذكر أن آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان نجارا مسحنا ومهندسا وكان نمرود يتعلق بالهندسة والنجوم فحظي عنده آزر لذلك وكان على خطة عمل الأصنام تعمل بأمره وتدبيره ويطبع هو في الصنم بختم معلوم عنده وحينئذ يعبد ذلك الصنم فلما نشأ إبراهيم ابنه على الصفة التي تأتي بعد كان أبوه يكلفه ببيعها فكان إبراهيم ينادي عليها من يشتري ما يضره ولا ينفعه ويستخف بها ويجعلها في الماء منكوسة ويقول لها أشربي فلما اشتهر أمره بذلك وأخذ في الدعاء إلى الله عز و جل قال لأبيه هذه المقالة وأراك في هذا الموضع يشترك فيها القلب والبصر ومبين بمعنى ظاهر واضح وقوله سبحانه وكذلك نرى إبراهيم

ملكوت السموات والأرض الآية المتقدمة تقضي بهداية إبراهيم عليه السلام والإشارة هنا بذلك هي إلى تلك الهداية أي وكما هديناه إلى الدعاء إلى الله وإنكار الكفر أريناه ملكوت ونرى لفظها الأستقبال ومعناها المضي وهذه الرؤية قيل هي رؤية البصر وروي في ذلك أن الله عز و جل فرج لإبراهيم عليه السلام السماوات والأرض حتى رأى ببصره الملكوت الأعلى والملكوت الأسفل وهذا هو قول مجاهد قال تفرجت له السماوات والأرضون فرأى مكانه في الجنة وبه قال سعيد بن جبير وسلمان الفارسي وقيل هي رؤية بصر في ظاهر الملكوت وقع له معها من الاعتبار ورؤية القلب ما لم يقع لأحد من أهل زمنه الذين بعث إليهم قاله ابن عباس وغيره وقيل هي رؤية قلب رأى بها ملكوت السماوات والأرض بفكرته ونظره وملكوت بناء مبالغة وهو بمعنى الملك والعرب تقول لفلان ملكوت اليمن أي ملكه واللام في ليكون متعلقة بفعل مؤخر تقديره وليكون من الموقنين أريناه والموقن العالم بالشيء علما لا يمكن أن يطرأ له فيه شك وروي عن ابن عباس في تفسير وليكون من الموقنين قاد جلى له الأمور سرها وعلانيتها فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله له إنك لا تستطيع هذا فرده لا يرى أعمالهم وقوله سبحانه فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي الآية جن الليل ستر وغطى بظلامه ذهب ابن عباس وناس كثيرون إلى أن هذه القصة وقعت في حال صباه وقبل البلوغ والتكليف ويحتمل أن تكون وقعت له بعد بلوغه وكونه مكلفا وحكى الطبري هذا عن فرقة وقالت أنه استفهم قومه على جهة التوقيف والتوبيخ أي هذا ربي وحكي أن النمرود جبار ذلك الزمان رأى له منجموه أن مولودا يولد في سنة كذا في عمله يكون خراب الملك على يديه فجعل يتتبع الحبالى

ويوكل بهن حراسا فمن وضعت انثى تركت ومن وضعت ذكرا حمل إلى الملك فذبحه وان أم إبراهيم حملت وكانت شابة قوية فسترت حملها فلما قربت ولادتها بعثت أبا إبراهيم إلى سفر وتحيلت لمضيه إليه ثم خرجت هي إلى غار فولدت فيه إبراهيم وتركته في الغار وكانت تتفقده فوجدته يتغذى بأن يمص اصابعه فيخرج له منها عسل وسمن ونحو هذا وحكي بل كان يغذيه ملك وحكي بل كانت امه تأتيه بألبان النساء التي ذبح ابناؤهن والله أعلم أي ذلك كان فشب إبراهيم أضعاف ما يشب غيره والملك في خلال ذلك يحس بولادته ويشدد في طلبه فمكث في الغار عشرة أعوام وقيل خمس عشرة سنة وأنه نظر أول ما عقل من الغار فرأى الكواكب وجرت قصة الآية والله أعلم فإن قلنا بأنه وقعت له القصة في الغار في حال الصبوة وعدم التكليف على ما ذهب إليه بعض المفسرين ويحتمله للفظ فذلك ينقسم على وجهين إما أن يجعل قوله هذا ربي تصميما واعتقادا وهذا باطل لأن التصميم على الكفر لم يقع من الأنبياء صلوات الله عليهم وأما أن نجعله تعريضا للنظر والاستدلال كأنه قال أهذا المنير البهي ربي ان عضدت ذلك الدلائل وان قلنا ان القصة وقعت له في حال كبره وهو مكلف فلا يجوز أن يقول هذا مصمما ولا معرضا للنظر لأنها رتبة جهل أو شك وهو عليه السلام منزه معصوم من ذلك كله فلم يبق إلا أن يقولها على جهة التقرير لقومه والتوبيخ لهم وإقامة الحجة عليهم في عبادة الأصنام كأنه قال أهذا المنير ربي وهو يريد على زعمكم كما قال تعالى اين شركاءي أي على زعمكم ثم عرض إبراهيم عليهم من حركة الكوكب وأفوله أمارة الحدوث وأنه لا يصلح أن يكون ربا ثم في آخر أعظم منه وأحرى كذلك ثم في الشمس كذلك فكأنه يقول فإذا بان في هذه المنيرات الرفيعة أنها لا تصلح للربوبية فأصنامكم

التي هي خشب وحجارة أحرى أن يبين ذلك فيها ويعضد عندي هذا التأويل قوله إني بريء مما تشكرون قلت وإلى ترجيح هذا أشار عياض في الشفا قال وذهب معظم الحذاق من العلماء والمفسرين إلى أن إبراهيم إنما قال ذلك مبكتا لقومه مستدلا عليهم قال ع ومثل لهم بهذه الأمور لأنهم كانوا أصحاب علم نجوم ونظر في الأفلاك وهذا الأمر كله إنما وقع في ليلة واحدة رأى الكوكب وهو الزهرة في قول قتادة وقال السدي هو المشتري جانحا إلى الغروب فلما أفل بزغ القمر وهو أول طلوعه فسرى الليل أجمع فلما بزغت الشمس زال ضوء القمر قبلها لإتنشار الصباح وخفي نوره ودنا أيضا من مغربه فسمي ذلك افولا لقربه من الأفوال التام على تجوز في التسمية وهذا الترتيب يستقيم في الليلة الخامسة عشر من الشهر إلى ليلة عشرين وليس يترتب في ليلة واحدة في واحد أهل التفسير إلا في هذه الليالي وبذلك يصح التجوز في افول القمر وافل في كلام العرب معناه غاب وقيل معناه ذهب وهذا خلاف في العبارة فقط والبزوغ في هذه الأنوار أول الطلوع وما في كون هذا الترتيب في ليلة من التجوز في أفول القمر لأن أفوله لو قدرناه مغيبه لكان ذلك عبد بزوغ الشمس وجميع ما قلناه يعطيه الاعتبار ويهدني يرشدني وهذا اللفظ يؤيد قول من قال أن القصة في حال الصغر والقوم الضالون هنا عبدة المخلوقات كالأصنام وغيرها ولما افلت الشمس لم ببق شيء يمثل لهم به فظهرت حجته وقوي بذلك على منابذتهم والتبري من أشراكهم وقوله إني بريء مما تشركون يؤيد قول من قال ان القصة في حال الكبر والتكليف ووجهت وجهي أي اقبلت بقصدي وعبادتي وتوحيدي وإيماني للذي فطر السموات والأرض أي اخترعها وحنيفا أي مستقيما والحنف الميل فكانه مال عن كل جهة إلى القوام وقوله تعالى وحاجة قومه قال

اتحاجوني في الله أي اتراجعوني في الحجة في توحيد الله وقد هدان أي قد أرشدني إلى معرفته وتوحيده ولا أخاف ما تشركون به الضمير في به يعود علىالله والمعنى ولا أخاف الأصنام التي تشركونها بالله في الربوبية ويحتمل أن يعود على ما والتقدير ما تشركون بسببه وقوله إلا أن يشاء ربي شيئا استثناء ليس من الأول وشيئا منصوب بيشاء ولما كانت قوة الكلام انه لا يخاف ضررا استثنى مشيئة ربه تعالى في أن يريده بضر وعلما نصب علىالتمييز وهو مصدر بمعنى الفاعل كما تقول العرب تصبب زيد عرقا المعنى تصبب عرق زيد فكذلك المعنى هنا وسع علم ربي كل شيء أفلا تتذكرون توقيف وتنبيه وإظهار لموضع التقصير منهم وقوله وكيف أخاف ما اشركتم الآية إلى تعلمون هي كلها من قول إبراهيم عليه السلام لقومه وهي حجته القاطعة لهم والمعنى وكيف أخاف أصناما لا خطب لها إذ نبذتها ولا تخافون انتم الله عزوجل وقد اشركتم به في الربوبية ما لم ينزل به عليكم سلطانا والسلطان الحجة ثم استفهم على جهة التقرير فأي الفريقين مني ومنكم أحق بالأمن قال أبوحيان وكيف استفهام معناه التعجب والإنكار انتهى وقوله سبحانه الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الآية قال ابن إسحاق وابن يد وغيرهما هذا قول من الله عز و جل ابتداء حكم فصل عام لوقت محاجة إبراهيم وغيره ولكل مؤمن تقدم أو تأخر قال ع هذا هو البين الفصيح الذي يرتبط به معنى الآية ويحسن رصفها وهو خبر من الله عز و جل ويلبسوا معناه يخلطوا والظلم في هذا الموضع الشرك تظاهرت بذلك الأحاديث الصحيحة وفي قراءة مجاهد ولم يلبسوا إيمانهم بشرك وهم مهتدون أي راشدون وقوله تعالى وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه تلك إشارة إلى هذه الحجة المتقدمة وقوله سبحانه نرفع درجات

من نشاء الدرجات أصلها في الأجسام ثم تستعمل في المراتب والمنازل المعنوية وقوله سبحانه ووهبنا له إسحاق ويعقوب الآية ووهبنا عطف على آتينا وإسحاق ابنه من سارة ويعقوب هو ابن أسحاق وقوله ومن ذريته المعنى وهدينا من ذريته والضمير في ذريته قال الزجاج جائز أن يعود على إبراهيم ويعترض هذا بذكر لوط عليه السلام إذ ليس هو من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه وقيل ابن اخته ويتخرج ذلك عند من يرى الخال أبا وقيل يعود الضمير على نوح هذا هو الجيد ونصب داود يحتمل أن يكون بوهبنا ويحتمل أن يكون بهدينا وكذلك نجزي المحسنين وعد من الله عز و جل لمن أحسن في عبادته وترغيب في الإحسان وفي هذه الآية ان عيسى عليه السلام من ذرية نوح أو إبراهيم بحسب الأختلاف في عود الضمير من ذريته وهوابن ابنة وبهذا يستدل في الأحباس على أن ولد البنت من الذرية ويونس هو ابن متى وكلا فضلنا على العالمين معناه عالمي زمانهم وقوله سبحانه ومن آبائهم وذرياتهم المعنى وهدينا من آبائهم وذرياتهم وأخوانهم جماعات فمن للتبعيض والمراد من آمن منهم نبيا كان أو غير نبي واجتبيناهم أي تخيرناهم وهديناهم أي ارشدناهم الى الايمان والفور برضى الله عز و جل والذرية الابناء ويطلق علي جميع البشر ذرية لأنهم ابناء وقوله تعالى ذلك هدى الله الآية ذلك إشارة إلى النعمة في قوله واجتبيناهم وأولئك إشارة إلى من تقدم ذكره والكتاب يراد به الصحف والتوراة والإنجيل والزبور وقوله سبحانه فإن يكفر بها هؤلاء إشارة إلى كفار قريش وإلى كل كافر في ذلك العصر قاله ابن عباس وغيره وقوله فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين هم مؤمنو أهل المدينة قاله ابن عباس وغيره والآية على هذا التأويل وأن كان القصد بنزولها هذين الصنفين فهي تعم الكفرة والمؤمنين

إلى يوم القيامة وقال الحسن وغيره المراد بالقوم من تقدم ذكره من الأنبياء والمؤمنين وقال أبو رجاء المراد الملائكة قلت ويحتمل أن يكون المراد الجميع وقوله سبحانه اولائك الذين هدى الله فبهداهم اقتده الظاهر في الإشارة بأولائك إلى المذكورين قبل من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين ومعنى الأقتداء اتباع الأثر في القول والفعل والسيرة وإنما يصح اقتداؤه صلى الله عليه و سلم بجمعيهم في العقود والإيمان والتوحيد الذي ليس بينهم فيه اختلاف وأما أعمال الشرائع فمختلفة وقد قال عز و جل لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وأعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم هو وغيره مخاطب بشرع من قبله في العقود والإيمان والتوحيد لأنا نجد شرعنا بنبىء أن الكفار الذين كانوا قبل النبي صلى الله عليه و سلم كابويه وغيرهما في النار ولا يدخل الله تعالى أحدا النار إلا بترك ما كلف وذلك في قوله سبحانه وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وغير ذلك وقاعدة المتكلمين أن العقل لا يوجب ولا يكلف وإنما يوجب الشرع فالوجه في هذا أن يقال أن آدم عليه السلام فمن بعده دعا إلى توحيد الله عز و جل دعاء عاما واستمر ذلك على العالم فواجب على الآدمي أن يبحث عن الشرع الآمر بتوحيد الله تعالى وينظر في الأدلة المنصوبة على ذلك بحسب إيجاب الشرع النظر فيها ويؤمن ولا يعبد غير الله فمن فرضناه لم يجد سبيلا إلى العلم بشرع آمر بتوحيد الله وهو مع ذلك لم يكفر ولا عبد صنما بل تخلى فأولائك أهل الفترات الذين أطلق عليهم أهل العلم أنهم في الجنة وهم بمنزلة الأطفال والمجانين ومن قصر في النظر والبحث فعبد صنما أو غيره وكفر فهو تارك للواجب عليه مستوجب للعقاب بالنار فالنبي صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه ومن كان معه من الناس وقبله مخاطبون على ألسنة الأنبياء قبل التوحيد وغير مخاطبين بفروع شرائعهم إذ

هي مختلفة وإذ لم يدعهم إليها نبي قال الفخر واحتج العلماء بهذه الاية على أن محمد صلى الله عليه و سلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام وتقريره انا بينا أن خصال الكمال وصفات الشرف كانت مفرقة فيهم ثم أنه تعالى لما ذكر الكل أمر محمد صلى الله عليه و سلم أن يجمع من خصال الطاعة والعبودية والأخلاق الحميدة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم ولما أمره الله تعالى بذلك امتنع أن يقال أنه قصر في تحصيلها فثبت أنه حصلها ومتى كان الأمر كذلك ثبت أنه أجتمع فيه من خصال الخير ما كان فيهم مفرقا بأسرهم ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يقال أنه أفضلهم بكليتهم والله أعلم انتهى وقرا حمزة والكسائي فبهداهم اقتدى بحذف الهاء في الوصل واثباتها في الوقف وهذا هو القياس شبيهة بألف الوصل في انها تقطع في الأبتداء وتسقط في الوصل وقوله سبحانه قل لا اسألكم عليه أجرا أي قل لهؤلاء الكفرة المعاندين لا أسألكم على دعائي إياكم بالقرآن إلى عبادة الله تعالى أجرة إن هو إلا موعظة وذكرى ودعاء لجميع العالمين وقوله سبحانه وما قدروا الله حق قدره الآية قال ابن عباس هذه الآية نزلت في بني إسرائيل قال النقاش وهي آية مدنية وقيل المراد رجل مخصوص منهم يقال له مالك بن الضيف قاله ابن جبير وقيل فنحاص قاله السدي وقدروا هو من توفية القدر والمنزلة وتعليله بقولهم ما أنزل الله يقضي بأنهم جهلوا ولم يعرفوا الله حق معرفته إذ أحالوا عليه بعثة الرسل قال الفخر قال ابن عباس ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموا الله حق تعظيمه وقال الأخفش ما عرفوه حق معرفته وقال أبو العالية ما وصفوه حق قدرته وعظمته وهذه المعانى كلها صحيحة انتهى وروي أن مالك بن الضيف كان سمينا فجاء يخاصم النبي صلى الله عليه و سلم بزعمه فقال له رسول الله صلى الله عليه

وسلم انشدك الله الست تقرأ فيما أنزل على موسى أن الله يبغض الحبر السمين فغضب وقال والله ما أنزل الله على بشر من شيء قال الفخر وهذه الآية تدل على أن النكرة في سياق النفي تعم ولو لم تفد العموم لما كان قوله تعالى قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا إبطالا لقولهم ونقضا عليهم انتهى وقوله تعالى قل من أنزل الكتاب يعنى التوراة وقراطيس جمع قرطاس أي بطائق وأوراقا وتوبيخهم بالابداء والاخفاء هو على إخفائهم أمر محمد صلى الله عليه و سلم وجميع ما عليهم فيه حجة وقوله سبحانه وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا ءاباؤكم يحتمل وجهين احدهما أن يقصد به الإمتنان عليهم وعلى ءابائهم والوجه الثاني أن يكون المقصود ذمهم أي وعلمتم أنتم وءاباؤكم ما لم تعلموه فما انتفعتم به لاعراضكم وضلالكم ثم أمره سبحانه بالمبادرة إلى موضع الحجة أي قل الله هو الذي أنزل الكتاب على موسى ثم أمره سبحانه بترك من كفر وأعرض وهذه آية منسوخة بآية القتال أن تؤولت موادعة ويحتمل أن لا يدخلها نسخ إذا جعلت تتضمن تهديدا ووعيدا مجردا من موادعة وقوله سبحانه وهذا كتاب انزلناه مبارك هذا إشارة إلى القرآن وقوله مصدق الذي بين يديه يعنى التوراة والإنجيل لان ما تقدم فهو بين يدي ما تأخر وأم القرى مكة ثم ابتدأ تبارك وتعالى بمدح قوم وصفهم وأخبر عنهم انهم يؤمنون بالآخرة والبعث والنشور ويؤمنون بالقرآن ويصدقون بحقيقته ثم قوى عز و جل مدحهم بأنهم يحافظون على صلاتهم التي هي قاعدة العبادات وأم الطاعات وإذا أنضافت الصلاة إلى ضمير لم تكتب إلا بالالف ولا تكتب في المصحف بواو إلا إذا لم تضف إلا ضمير وقد جاءت وأثار صحيحة في ثواب من حافظ على صلاته وفي فضل المشي إليها ففي سنن أبي داود عن بريدة عن النبي

صلى الله عليه و سلم قال بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة وروي أبو داود أيضا بسنده عن سعيد بن المسيب قال حضر رجلا من الأنصار الموت فقال إني محدثكم حديثا ما أحدثكموه إلا أحتسابا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا توضأ أحدكم فاحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فليقرب أو ليبعد فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي صلى ما ادرك واتم ما بقي كان كذلك فإن اتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز و جل مثل أجر من صلاها أو حضرها لا ينقص ذلك من أجورهم انتهى وقوله سبحانه ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي الي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله هذه الفاظ عامة فكل من واقع شيئا مما يدخل تحت هذه الألفاظ فهو داخل في الظلم الذي قد عظمه الله تعالى وقال قتادة وغيره المراد بهذه الآيات مسيلمة والأسود العنسي وقال عكرمة أولها في مسيلمة والآخر في عبد الله بن أبي سرح وقيل نزلت في النضر بن الحارث وبالجملة فالآية تتناول من تعرض شيئا من معانيها إلى يوم القيامة كطليحة الأسدي والمختار بن أبي عبيد وسواهما وقوله تعالى ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت الآية جواب لو محذوف تقديره لرأيت عجبا أو هولا ونحو هذا وحذف هذا الجواب ابلغ في نفس السامع والظالمون لفظ عام في أنواع الظلم الذي هو كفر والغمرات جمع غمرة وهي المصيبة المذهلة وهي مشبهة بغمرة الماء والملائكة يريد ملائكة قبض الروح

وباسطوا أيديهم كناية عن مدها بالمكروه وهذا المكروه هو لا محالة أوائل العذاب وإماراته قال ابن عباس يضربون وجوههم وأدبارهم وقوله أخرجوا أنفسكم حكاية لما تقوله الملائكة والتقدير يقولون لهم أخرجوا أنفسكم وذلك على جهة الإهانة وإدخال الرعب عليهم ويحتمل أخرجوا أنفسكم من هذه المصائب والمحن إن كان ما زعمتموه حقا في الدنيا وفي ذلك توبيخ وتوقيف على سالف فعلهم القبيح قلت والتأويل الأول هو الصحيح وقد أسند أبو عمر في التمهيد عن ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثم ذكر سنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالت أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أخرجى حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان قال فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال من هذا فيقولون فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أدخلي حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء يعني السابعة وإذا كان الرجل السوء وحضرته الملائكة عند موته قالت أخرجى أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أخرجي ذميمة وأبشرى بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج وذكر الحديث انتهى والهون الهوان وقوله تعالى بما كنتم تقولون على الله غير الحق الآية لفظ عام لانواع الكفر ولكنه يظهر منه الأنحاء على من قرب ذكره وقوله سبحانه ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة الآية هذه حكاية عما يقال لهم بعد قبض أرواحهم وأعلم أيها الأخ أن هذه الآية الكريمة ونحوها من الآي وأن كان مساقها في الكفار فللمؤمن الموقن فيها معتبر ومزدجر وقد قيل أن

القبر بحر الندامات وقد روى أبن المبارك في رقائقه بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندامته يا رسول الله قال إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وان كان مسيئا ندم الا يكون نزع انتهى وكما خلقناكم أول مرة تشبيها بالانفراد الأول في وقت الخلقة وخولناكم معناه أعطيناكم ووراء ظهوركم إشارة إلى الدنيا لأنهم يتركون ذلك موجودا وقوله سبحانه وما نرى معكم شفعاءكم توقيف على الخطا في عبادة الأصنام واعتقادهم أنها تشفع وتقرب إلى الله زلفى قال أبو حيان وما نرى لفظه لفظ المستقبل وهو حكاية حال انتهى وقرأ نافع والكساءي بينكم بالنصب على أنه ظرف والتقدير لقد تقطع الاتصال والارتباط بينكم ونحو هذا وهذا وجه واضح وعليه فسره الناس مجاهد وغيره وقرأ باقي السبعه بينكم بالرفع وقرأ ابن مسعود وغيره لقد تقطع ما بينكم وضل معناه تلف وذهب وما كنتم تزعمون يريد دعواهم أنها تشفع وأنها تشارك الله في الألوهية تعالى الله عن قولهم وقوله سبحانه ان الله فالق الحب والنوى هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر ويتصل المعنى بما قلبله لأن المقصد أن الله فالق الحب والنوى لا هذه الأصنام قال قتادة وغيره هذه إشارة إلى فعل الله سبحانه في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة منه وقوله يخرج الحي من الميت الآية قال ابن عباس وغيره الاشارة الى اخراج الانسان الحي من النطفة الميته وإخراج النطفة المتية من الإنسان الحي وكذلك سائر الحيوان من الطير وغيره وهذا القول أرجح ما قيل هنا وقوله سبحانه ذلكم الله ابتداء وخبر متضمن التنبيه فإنى تؤفكون أي تصرفون وتصدون وفالق الأصباح أي شاقه ومظهره والفلق الصبح

وحسبانا جمع حساب أي يجريان بحساب هذا قول ابن عباس وغيره وقال مجاهد في صحيح البخاري المراد بحسبان كحسبان الرحى وهوالدولاب والعود الذي عليه دورانه وقوله سبحانه وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الآية هذه المخاطبة تعم المؤمنين والكافرين والحجة بها على الكافرين قائمة والعبرة بها للمؤمنين متمكنة وقوله سبحانه وهوالذي أنشأكم من نفس واحدة يريد آدم عليه السلام فمستقر ومستودع اختلف المتأولون في معنى هذا الأستقرار والاستيداع فقال الجمهور مستقر في الحرم ومستودع في ظهور الآباء حتى يقضي الله بخروجهم قال ابن عون مشيت إلى منزل إبراهيم النخعي وهو مريض فقالوا قد توفي فأخبرني بعضهم أن عبد الرحمن أبن الأسود سأله عن مستقر ومستودع فقال مستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقال ابن عباس المستقر الأرض والمستودع عندالرحمن وقال ابن جبير المستودع في الصلب والمستقر في الآخرة قال الفخر والمنقول عن ابن عباس في أكثر الروايات أن المستقر هو الأرحام والمستودع الأصلاب ثم قرأ ونقر في الأرحام ما نشاء ومما يدل على قوة هذا القول ان النطفة لا تبقى في صلب الأب زمانا طويلا والجنين في رحم الأم يبقى زمانا طويلا ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى انتهى قال ع والذي يقتضيه النظر أن ابن آدم هو مستودع في ظهر أبيه وليس بمستقر فيه استقرارا مطلقا لأنه ينتقل لا محالة ثم ينتقل إلى الرحم ثم ينتقل إلى الدنيا ثم ينتقل إلى القبر ثم ينتقل إلى المحشر ثم ينتقل إلى الجنة أو النار فيستقر في أحدهما استقرارا مطلقا وليس فيها مستودع لأنه لا نقلة له بعد وهو في كل رتبة متوسطة بين هذين الطرفين مستقر بالإضافة إلى

التي قبلها ومستودع بالإضافة إلى التي بعدها لأن لفظ الوديعة يقتضي فيها نقلة ولا بد وقوله تعالى وهوالذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء السماء في هذا الموضع السحاب وكل ما اظلك فهو سماء وقوله نبات كل شيء قيل معناه مما ينبت وقال الطبري المراد بكل شيء كل ما ينمو من جميع الحيوان والنبات والمعادن وغير ذلك لأن ذلك كله يتغدى وينمو بنزول الماء من السماء والضمير في منه يعود على النبات وفي الثاني يعود على الخضر وخضرا بمعنى أخضر ومنه قوله عليه السلام الدنيا خضرة حلوة بمعنى خضراء وكأن خضرا إنما يأتي ابدا لمعنى النضارة وليس للون فيه مدخل وأخضر إنما تمكنه في اللون وهو في النضارة تجوز وحبا متراكبا يعم جيمع السنابل وما شاكلها كالصنوبر والرمان وغير ذلك وقوله ومن النخل تقديره ونخرج من النخل الطلع أول ما يخرج من النخل في أكمامه وقنوان جمع قنو وهوالعذق بكسر العين وهي الكباسة والعرجون عوده الذي فيه ينتظم التمر ودانية معناه قريبة من التناول قاله ابن عباس وغيره وقرأ الجمهور وجنات بالنصب عطفا على قوله نبات وروي عن عاصم وجنات بالرفع على تقدير ولكم جنات أو نحو هذا والزيتون والرمان بالنصب إجماعا عطفا على قوله حبا ومتشابها وغير متشابه قال قتادة معناه يتشابه في الورق ويتباين في الثمر وقال الطبري جائز أن يتشابه في الثمر ويتباين في الطعم ويحتمل أن يريد يتشابه في الطعم ويتباين في المنظر وهذه الأحوال موجودة بالاعتبار في أنواع الثمرات وقوله سبحانه انظروا هونظر بصر تتركب عليه فكرة قلب والثمر في اللغة جنى الشجر وما يطلع وأن سمي الشجر ثمارا فبتجوز وقرأ جمهور الناس وينعه بفتح الياء وهومصدر ينع يينع إذا نضج وبالنضج فسره ابن عباس وقد يستعمل ينع بمعنى استقل وأخضر ناضرا

قال الفخر وقدم سبحانه الزرع لأنه غذاء والثمار فواكه وإنما قدم النخل على الفواكه لأن التمر يجري مجرى الغذاء بالنسبة إلى العرب انتهى وقوله سبحانه وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا بمعنى صيروا والجن مفعول وشركاء مفعول ثان قال ص وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا بمعنى صيروا والجمهور على نصب الجن فقال ابن عطية وغيره هو مفعول أول لجعلوا وشركاء الثاني وجوزوا فيه أن يكون بدلا من شركاء ولله في موضع المفعول الثاني وشركاء الأول ورده أبو حيان بأن البدل حينئذ لا يصح ان يحل محل المبدل منه إذ لو قلت وجعلوا لله الجن لم يصح وشرط البدل أن يكون على نية تكرار العامل على الأشهر أو معمولا للعامل في المبدل منه على قول وهذا لا يصح كما ذكرنا قلت وفيه نظرا انتهى قلت وما قاله الشيخ أبو حيان عندي ظاهر وفي نظر الصفاقسي نظر وهذه الآية مشيرة إلى العادلين بالله تعالى والقائلين أن الجن تعلم الغيب العابدين للجن وكانت طوائف من العرب تفعل ذلك وتستجير بجن الوادي في اسفارها ونحو هذا وأما الذين خرقوا البنين فاليهود في ذكر عزيز والنصارى في ذكرالمسيح وأما ذاكرو البنات فالعرب الذين قالوا الملائكة بنات الله تعالى الله عن قولهم فكان الضمير في جعلوا وخرقوا لجميع الكفار إذ فعل بعضهم هذا وبعضهم هذا وبنحو هذا فسر السدي وابن زيد وقرأ الجمهور وخلقهم بفتح اللام على معنى وهو خلقهم وفي مصحف ابن مسعود وهو خلقهم والضمير في خلقهم يحتمل العودة على الجاعلين ويحتملها على المجعولين وقرأ السبعة سوى نافع وخرقوا بتخفيف الراء بمعنى اختلقوا وافتروا وقرأ نافع وخرقوا بتشديد الراء على المبالغة وقوله بغير علم نص على قبح تقحم المجهلة وافتراء الباطل على عمى وسبحانه معناه تنزه عن وصفهم الفاسد المستحيل عليه تبارك وتعالى وبديع بمعنى مبدع وأني بمعنى كيف

واين فهي استفهام في معنى التوقيف والتقرير وهذه الآية رد على الكفار بقياس الغائب على الشاهد وقوله سبحانه وخلق كل شيء لفظ عام لكل ما يجوز أن يدخل تحته ولا يجوز أن تدخل تحته صفات الله تعالى وكلامه فليس هو عموما مخصصا على ما ذهب إليه قوم لأن العموم المخصص هو أن يتناول العموم شيئا ثم يخرجه التخصيص وهذا لم يتناول قط هذه التي ذكرناها وإنما هذا بمنزلة قول الإنسان قتلت كل فارس وافحمت كل خصم فلم يدخل القائل قط في هذا العموم الظاهر من لفظه وأما قوله وهو بكل شيء عليم فهو عموم على الإطلاق لأنه سبحانه يعلم كل شيء لا رب غيره وباقي الآية بين وقوله سبحانه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار أجمع أهل السنة على أن الله عز و جل يرى يوم القيامة يراه المؤمنون والوجه أن يبين جواز ذلك عقلا ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز واختصار تبيين ذلك ان يعتبر بعلمنا بالله عز و جل فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان ولا متحيزا ولا مقابلا ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود جاز أن نراه غير مقابل ولا مجاذي ولا مكيفا ولا محددا وكان الإمام أبوعبد الله النحوي يقول مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثم ورد الشرع بذلك كقوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وتعدية النظر بإلى إنما هو في كلام العرب لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار على ما ذهب إليه المعتزلة ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم فيما صح عنه وتواتر وكثر نقله أنكم ترون ربكم يوم القيامة كا ترون القمر ليلة البدر ونحوه من الأحاديث الصحيحة على اختلاف ألفاظها واستمحل المعتزلة الرؤية بآراء مجردةوتمسكوا بقوله تعالى لا تدركه الأبصار وانفصال اهل السنة عن تمسكهم بأن الآية مخصوصة في الدنيا ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها وأيضا فانا نفرق بين معنى الإدراك ومعنى الرؤية ونقول أنه عز

وجل تراه الأبصار ولا تدركه ودلك أن الادراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته وذلك كله محال في اوصاف الله عز و جل والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرأي بالمرئي ويبلغ غايته وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله وهو يدرك الأبصار ويحسن معناه ونحو هذا روي عن ابن عباس وقتادة وعطية العوفي انهم فرقوا بين الرؤية والإدراك واللطيف المتلطف في خلقه واختراعه والبصائر جمع بصيرة فكأنه قال قد جاءكم في القرءان والآيات طرائق أبصار الحق والبصيرة للقلب مستعارة من أبصار العين والبصيرة أيضا هي المعتقد وقوله سبحانه فمن أبصر ومن عمي عبارة مستعارة فيمن اهتدى ومن ضل وقوله وما انا عليكم بحفيظ كان في أول الأمر وقبل ظهور الإسلام ثم بعد ذلك كان صلى الله عليه و سلم حفيظا على العالم آخذا لهم بالإسلام أو السيف وقوله سبحانه وكذلك نصرف الآيات أي نرددها ونوضحها وقرأ الجمهور وليقولوا درست بكسر اللام على أنها لام كي وهي على هذا لام الصيرورة أي لما صار أمرهم إلى ذلك وقرأ نافع وغيره درست أي يا محمد درست في الكتب القديمة ما تجيئنا به وقرأ ابن كثير وغيره دارست أي دارست غيرك وناظرته وقرأ ابن عامر درست بإسناد الفعل إلى الآيات كأنهم اشاروا إلى أنها ترددت على أسماعهم حتى بليت في نفوسهم وأمحت واللام في قوله ليقولوا وفي قوله ولنبينه متعلقان بفعل متأخر تقديره صرفناها وذهب بعض الكوفيين إلى أن لا مضمرة بعد أن المقدرة في قوله وليقولوا فتقدير الكلام عندهم ولأن لا يقولوا درست كما اضمروها في قوله يبين الله لكم أن تضلوا قال ع وهذا قلق ولا يجيز البصريون إضمار لا في موضع من المواضع قلت ولكنه حسن جدا من جهة المعنى إذ لا يعلمون أنه درس أو دارس أحدا صلى الله عليه و سلم فتأمله وقوله سبحانه

اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو الآية فيها موادعة وهي منسوخة وقوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله الآية مخاطبة للمؤمنين والنبي صلى الله عليه و سلم قال ابن عباس سببها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما أن نسب الهه ونهجوه فنزلت الآية وحكمها على كل حال باق في الأمة فلا يحل لمسلم أن يتعرض إلى ما يؤدي إلى سب الإسلام أو النبي صلى الله عليه و سلم أو الله عز و جل وعبر عن الأصنام بالذين وهي لا تعقل وذلك على معتقد الكفرة فيها وفي هذه الآية ضرب من الموادعة وعدوا مصدر من الإعتداء وبغير علم بيان لمعنى الإعتداء وقوله تعالى كذلك زينا لكل أمة عملهم إشارة إلى ما زين لهؤلاء من التمسك بأصنامهم وتزيين الله عمل الأمم هو ما يخلقه سبحانه في النفوس من المحبة للخير والشر وتزيين الشيطان هو ما يقذفه في النفوس من الوسوسة وخطرات السوء وقوله ثم إلى ربهم مرجعهم الآية تتضمن وعدا جميلا للمحسنين ووعيدا ثقيلا للمسيئين وقوله سبحانه واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها اللام في قوله لئن لام توطئة للقسم وأما المتلقية للقسم فهي قوله ليؤمنن بها وآية يريد علامة وحكي أن الكفار لما نزلت ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت اعناقهم لها خاضعين أقسموا حينئذ انها ان نزلت آمنوا فنزلت هذه الآية وحكي أنهم اقترحوا أن يعود الصفا ذهبا وأقسموا على ذلك فقام النبي صلى الله عليه و سلم يدعو في ذلك فجاءه جبريل فقال له ان شئت أصبح ذهبا فإن لم يؤمنوا هلكوا عن آخرهم معاجلة كما فعل بالأمم المقترحة إن شئت اخروا حتى يتوب تائبهم فقال عليه الصلاة و السلام بل حتى يتوب تائبهم ونزلت الآية قال ابن العربي قوله جهد ايمانهم يعني غاية

ايمانهم التي بلغها علمهم وانتهت إليها قدرتهم انتهى من الأحكام ثم قال تعالى قل لهم يا محمد على جهة الرد والتخطئة إنما الآيات عند الله وليست عندي فتقترح علي ثم قال وما يشعركم قال مجاهد وابن زيد المخاطب بهذا الكفار وقال الفراء وغيره المخاطب بهذا المؤمنون وما يشعركم معناه وما يعلمكم وما يدريكم وقرأ ابن كثير وغيره أنها بكسر الألف على القطع واستيناف الأخبار قرأ تؤمنون بالتاء وهي قراءة ابن عامر وحمزة استقامت له المخاطبة أولا وآخرا للكفار ومن قرأ بالياء وهي قراءة نافع وغيره فيحتمل أن يخاطب أولا وآخرا المؤمنين ويحتمل أن يخاطب بقوله وما يشعركم الكفار ثم يستأنف الأخبار عنهم للمؤمنين وقرا نافع وغيره أنها بفتح الألف فقيل أن لا زائدة في قوله لا يؤمنون كما زيدت في قوله تعالى وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ودعا إلى التزام هذا حفظ المعنى لأنها لو لم تكن زائدة لعاد الكلام عذرا للكفار وفسد المراد بالآية وضعف الزجاج وغيره زيادة لا ومنهم من جعل أنها بمعنى لعلها وحكاه سيبويه عن الخيل وهذا التأويل لا يحتاج معه إلى تقدير زيادة لا وحكى الكسائي أنه كذلك في مصحف أبي وما أدراكم لعلها إذا جاءت ورجح أو علي أن تكون لا زائدة وبسط شواهده في ذلك وقوله سبحانه ونقلب افئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون فالمعنى على ما قالت فرقة ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في النار وفي لهبها في الآخرة لما لم يؤمنوا في الدنيا ثم استأنف على هذا ونذرهم في الدنيا في طغيانهم يعمهون وقالت فرقة إنما المراد بالتقليب التحويل عن الحق والهدى والترك في الضلالة والكفر ومعنى الآية أن هؤلاء الذين اقسموا أنهم يؤمنون إن جاءت آية نحن نقلب افئدتهم وأبصارهم أن لو جاءت فلا يؤمنون بها كما لم يؤمنوا

أول مرة بما دعوا إليه من عبادة الله تعالى فأخبر الله عز و جل على هذا التأويل بصورة فعله بهم وقالت فرقة قوله كما في هذه الآية إنما هي بمعنى المجازاة أي لما لم يؤمنوا أول مرة نجازيهم بأن نقلب افئدتهم عن الهدى ونطبع على قلوبهم فكأنه قال ونحن نقلب افئدتهم وأبصارهم جزاء لما لم يؤمنوا أول مرة بما دعوا إليه من الشرع والضمير في به يحتمل أن يعود على الله عز و جل أو على القرآن أو على النبي صلى الله عليه و سلم ونذرهم معناه نتركهم والطغيان التخبط في الشر والإفراط فيما يتناوله المرء ويعمهون معناه يترددون في حيرتهم وقوله سبحانه ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى الآية أخبر سبحانه أنه لو أتي بجميع ما اقترحوه من انزال ملائكة واحياء سلفهم حسبما اقترحه بعضهم أن يحشر قصي وغيره فيخبر بصدق محمد عليه السلام أويحشر عليهم كل شيء قبلا ما آمنوا إلا بالمشيئة واللطف الذي يخلقه ويخترعه سبحانه في نفس من يشاء لا رب غيره وقرأ نافع وغيره قبلا ومعناه مواجهة ومعاينة قاله ابن عباس وغيره ونصبه على الحال وقال المبرد معناه ناحية كما تقول لي قبل فلان دين قال ع فنصبه على هذا هو على الظرف وقرأ حمزة وغيره قبلا بضم القاف والباء واختلف في معناه فقال بعضهم هو بمعنى قبل بكسر القاف أي مواجهة كما تقول قبل ودبر وقال الزجاج والفراء هو جمع قبيل وهو الكفيل أي وحشرنا عليهم كل شيء كفلاء بصدق محمد صلى الله عليه و سلم وقال مجاهد وغيره هو جمع قبيل أي صنفا صنفا ونوعا نوعا والنصب في هذا كله على الحال ولكن أكثرهم يجهلون أي يجهلون في اعتقادهم أن الآية تقتضي إيمانهم ولا بد فيقتضي اللفظ أن الأقل لا يجهل فكان فيهم من يعتقد أن الآية لو جاءت لم يؤمن إلا من شاء الله منه ذلك قلت وقال مكي ولكن أكثرهم يجهلون أي في

مخالفتك وهم يعلمون أنك نبيء صادق فيما جئتهم به وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يداعب أبا سفيان بعد الفتح بمخصرة في يده ويطعن بها أبا سفيان فإذا أحرقته قال نح عني مخصرتك فوالله لو أسلمت إليك هذا الأمر ما اختلف عليك فيه اثنان فقال له النبي صلى الله عليه و سلم أسألك بالذي أسلمت له قتالك إياي عن أي شيء كان فقال له أبو سفيان تظن أني كنت أقاتلك تكذيبا مني لك والله ما شككت في صدقك قط وما كنت أقاتلك إلا حسدا مني لك فالحمد لله الذي نزع ذلك من قلبي فكان النبي صلى الله عليه و سلم يشتهي ذلك منه ويتبسم انتهى من الهداية وقوله سبحانه وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوا شياطين الانس والجن الآية تتضمن تسلية النبي صلى الله عليه و سلم وعرض القدوة عليه أي هذا الذي امتحنت به يا محمد من الأعداء قد امتحن به غيرك من الأنبياء ليبتلي الله أولى العزم منهم وشياطين الإنس والجن يريد المتمردين من النوعين ويوحى معناه يلقيه في اختفاء فهو كالمناجاة والسرار وزخرف القول محسنه ومزينه بالأباطيل قاله عكرمة ومجاهد والزخرفة أكثر ما تستعمل في الشر والباطل وغرورا مصدر ومعناه يغرون به المضللين والضمير في فعلوه عائد على اعتقادهم العداوة ويحتمل على الوحي الذي تمضنه يوحى وقوله سبحانه فذرهم وما يفترون لفظ يتضمن الأمر بالموادعة وهو منسوخ قال قتادة كل ذر في كتاب الله منسوخ بالقتال وقوله سبحانه ولتصغى معناه لتميل قال الفخر والضمير في قوله ولتصغى إليه افئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة يعود على زخرف القول وكذلك في قوله وليرضوه والإقتراف معناه الإكتساب وقال الزجاج وليقترفوا أي يختلقوا ويكذروا والأول أفصح انتهى والقراء على كسر اللام في الثلاثة الأفعال على أنها

لام كي معطوفة على غرورا وحكما أبلغ من حكام إذ هي صيغة للعدل من الحكام والحاكم جار على الفعل فقد يقال للجائر ومفصلا معناه مزال الأشكال والكتاب أولا هو القرآن وثانيا اسم جنس للتوراة والإنجيل والزبور والصحف وقوله تعالى فلا تكونن من الممترين تثبيت ومبالغة وطعن علىالممترين قلت وقد تقدم التنبيه على أنه صلى الله عليه و سلم معصوم وأن الخطاب له والمراد غيره ممن يمكن منه الشك وقوله سبحانه وتمت كلمات بك صدقا وعدلا الآية تمت في هذا الموضع بمعنى استمرت وصحت في الأزل صدقا وعدلا وليس بتمام من نقص ومثله ما وقع في كتب السيرة من قولهم وتم حمزة على إسلامه في الحديث مع أبي جهل والكملمات ماأنزل على عباده ولا مبدل لكلماته معناه في معانيها وقوله سبحانه وان تطع أكثر من في الأرض الآية المعنى فامض يا محمد لما أمرت به وبلغ ما أرسلت به فإنك أن تطع أكثر من في الأرض يضلوك قال ابن عباس الأرض هنا الدنيا وحكي أن سبب هذه الآية أن المشركين جادلوا النبي صلى الله عليه و سلم في أمر الذبائح وقالوا أتأكل ما تقتل وتترك ما قتل الله فنزلت الآية ثم وصفهم تعالى بأنهم إنما يقتدرون بظنونهم ويتبعون تخرصهم والخرص الحرز والظن وهذه الآية خبر في ضمنه وعيد للضالين ووعد للمهتدين وقوله سبحانه فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين الآية القصد بهذه الآية النهي عما ذبح للنصب وغيرها وعن الميتة وأنواعها ولا قصد في الآية إلى ما نسي المؤمن فيه التسمية أو تعمدها بالترك وقوله سبحانه وما لكم إلا تأكلوا الآية ما استفهام يتضمن التقرير وقد فصل لكم ما حرم عليكم أي فصل الحرام من الحلال وانتزعه بالبيان وما في قوله إلا ما اضطررتم إليه يريد بها من جميع ما حرم كالميتة وغيرها وهي في موضع نصب بالاستثناء والاستثناء منقطع

وقوله سبحانه وأن كثيرا يريد الكفرة المحادين المجادلين ثم توعدهم سبحانه بقوله إن ربك هو أعلم بالمعتدين وقوله جلت عظمته وذروا ظاهر الإثم وباطنه نهي عام والظاهر والباطن يستوفيان جميع المعاصي وقال قوم الظاهر الأعمال والباطن المعتقد وهذا أيضا حسن لأنه عام وروي ابن المبارك في رقائقه بسنده عن أبي إمامة قال سأل رجل النبي صلى الله عليه و سلم ما الاثم قال ما حك في صدرك فدعه وروى ابن المبارك أيضا بسنده أن رجلا قال يا رسول الله ما يحل لي مما يحرم علي فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد عليه ثلاث مرات في كل ذلك يسكت رسول الله ثم قال أين السائل فقال أنا ذا يا رسول الله قال ما أنكر قلبك فدعه انتهى وقد ذكرنا معناه من طرق في غير هذا الموضع فاغنى من عادته ثم توعد تعالى كسبة الاثم بالمجازاة على ما اكتسبوه من ذلك والأقتراف الإكتساب وقوله سبحانه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق الآية مقصد الآية النهي عن الميتة إذ هي جواب لقول المشركين تتركون ما قتل الله ومع ذلك فلفظها يعم ما تركت التسمية عليه من ذبائح الإسلام وبهذا العموم تعلق ابن عمر وابن سيرين والشعبي وغيرهم فقالوا ما تركت التسمية عليه لم يؤكل عمدا كان أو نسيانا وجمهور العلماء على أنه يوكل أن كان تركها نسيانا بخلاف العمد وقيل يؤكل سواء تركت عمدا أو نسيانا إلا أن يكون مستخفا وقوله تعالى وان الشياطين الآية قال عكرمة هم مردة الانس من مجوس فارس وذلك أنهم كانوا يوالون قريشا على عداوة النبي صلى الله عليه و سلم ليوحون إلى أوليائهم من قريش ليجادلوكم بقولهم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله فذلك من مخاطبتهم هو الوحي والأولياء هم قريش وقال ابن زيد وعبدالله بن كثير بل الشياطين الجن واللفظة علىوجهها واولياؤهم

كفرة قريش ووحيهم بالوسوسة وعلى ألسنة الكهان ثم نهى سبحانه عن طاعتهم بلفظ يتضمن الوعيد وعرض أصعب مثال في أن يشبه المؤمن بالمشرك قال ابن العربي قوله تعالى وان الشياطين يموحون إلى أوليائهم سمى الله تعالى ما يقع في القلوب من الالهام وحيا وهذا مما يطلقه شيوخ المتصوفة وينكره جهال المتوسمين بالعلم ولم يعلموا أن الوحي على ثمانية أقسام وان اطلاقه في جميعها جائز في دين الله انتهى من أحكام القرآن وقوله سبحانه أو من كان ميتا فأحييناه لما تقدم ذكر المؤمنين وذكر الكافرين مثل سبحانه في الطائفتين بأن شبه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما وشبه الكافرين وحيرة جهلهمم بقوم في ظلمات يترددون فيها ولا يمكنهم الخروج منها ليبين عز و جل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين ونورا أمكن ما يعنى به الإيمان قيل ويحتمل أن يراد به النور الذي يوتاه المؤمن يوم القيامة وجعلنا في هذه الآية بمعنى صيرنا فهي تتعدى إلى مفعولين الأول مجرميها والثاني أكابر وفي الكلام على هذا تقديم وتأخير تقديره وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر وقدم الأهم إذ لعلة كبرهم أجرموا ويصح أن يكون المفعول الأول أكابر ومجرميها مضاف والمفعول الثاني في قوله في كل قرية وليمكروا نصب بلام الصيروروة والأكابر جمع أكبر كما الأفاضل جمع أفضل قال الفخر وإنما جعل المجرمين أكابر لأنهم لأجل رياستهم أقدر علىالغدر والمكر وركوب الباطل من غيرهم ولأن كثرة المال والجاه يحملان الإنسان على المبالغة في حفظهما وذلك الحفظ لا يتم إلا بجميع الأخلاق الذميمة كالغدر والمكر والكذب والغيبة والنميمة والايمان الكاذبة ولو لم يكن للمال والجاه سوى أن الله تعالى حكم بأنه إنما وصف بهذه الأوصاف الذميمة من كان له مال وجاه لكفى ذلك دليلا على

خساسة المال والجاه انتهى وما ذكره في المال والجاه هوالأغلب وما يشعرون أي ما يعلمون وقوله سبحانه وإذا جاءتهم ءاية أي علامة ودليل على صحة الشرع تشططوا وقالوا لن نؤمن حتى يفلق لنا البحر ويحي لنا الموتى ونحو ذلك فرد الله تعالى عليهم بقوله الله أعلم حيث يجعل رسالاته فيمن اصطفاءه وانتخبه لا فيمن كفر وجعل يتشطط علىالله سبحانه قال الفخر قال المفسرون قال الوليد بن المغيرة لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها قال الضحاك أراد كل واحد من هؤلاء الكفرة أن يخص بالوحي والرسالة كما أخبر عنهم سبحانه بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة انتهى ثم توعد سبحانه بأن هؤلاء المجرمين الأكابر في الدنيا سيصيبهم عند الله صغار وذلة وقوله سبحانه فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام الآية من شرط ويشرح جواب الشرط والآية نص في أن الله تعالى يريد هدى المؤمن وضلال الكافر وهذا عند جميع أهل السنة بالإرادة القديمة التي هي صفة ذاته تبارك وتعالى والهدى هنا هو خلق الإيمان في القلب وشرح الصدر هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله والصدر عبارة عن القلب وفي يشرح ضمير يعود على اسم الله عز و جل يعضده اللفظ والمعنى ولا يحتمل غيره والقول بأنه عائد علىالمهدى قول يتركب عليه مذهب القدرية في خق الأعمال ويجب أن يعتقد ضعفه والحذر منه وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله كيف يشرح الصدر قال إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفس قالوا وهل لذلك علامة يا رسول الله قال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الموت والقول في قوله ومن يرد أن يضله كالقول في قوله فمن يرد الله أن يهديه وقرأ حمزة وغيره حرجا بفتح الراء وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها

يوما بفتح الراء فقرأها له بعض الصحابة بكسر الراء فقال أبغوني رجلا من كنانة وليكن راعيا وليكن من بني مدلح فلما جاء قال له يا فتى ما الحرجة عندكم قال الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية قال عمر كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير وقوله سبحانه كانما يصعد في السماء أي كأن هذا الضيق الصدر متى حاول الإيمان أو فكر فيه يجد صعوبته عليه والعياذ بالله كصعوبة الصعود في السماء قاله ابن جريج وغيره وفي السماء يريد من سفل إلى علو وتحتمل الآية أن يكون التشبيه بالصاعد في عقبة كؤد كأنه يصعد بها في الهواء ويصعد معناه يعلو ويصعد معناه يتكلف من ذلك ما يشق عليه وقوله كذلك يجعل الله الرجس أي وكما كان الهدى كله من الله والضلال بإرادته تعالى ومشيئته كذلك يجعل الله الرجس قال أهل اللغة الرجس يأتي بمعنى العذاب ويأتي بمعنى النجس وقوله تعالى وهذا صراط ربك مستقيما الآية هذا إشارة إلى القرآن والشرع الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس وفصلنا معناه بينا وأوضحنا وقوله سبحانه لقوم يذكرون أي للمؤمنين والضمير في قوله لهم دار السلام عائد عليهم والسلام يتجه أن يكون اسما من أسماء الله عز و جل ويتجه أن يكون مصدر بمعنى السلامة وقوله تعالى عند ربهم يريد في الآخرة بعد الحشر ووليهم أي ولي الأنعام عليهم وبما كانوا يعملون أي بسبب ما كانوا يقدمون من الخير ويفعلون من الطاعة والبر وقوله سبحانه ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس المعنى وأذكر يوم وفي الكلام حذف تقديره نقول يا معشر الجن وقوله قد استكثرتم معناه افرطتم ومن الانس يريد في اضلالهم واغوائهم قاله ابن عباس وغيره وقال الكفار من الانس وهم أولياء الجن الموبخين على جهة الاعتذار عن الجن ربنا استمتع بضعنا ببعض

أي انتفع وذلك كاستعاذتهم بالجن إذ كان العربي إذا نزل واديا ينادي يا رب الوادي إني استجير بك في هذه الليلة ثم يرى سلامته إنما هي بحفظ جني ذلك الوادي ونحو ذلك وبلوغ الأجل المؤجل هو الموت وقيل هو الحشر وقوله تعالى قال النار مثواكم الآية اخبار من الله تعالى عما يقول لهم يوم القيامة اثر كلامهم المتقدم ومثواكم أي موضع ثوابكم كمقامكم الذي هو موضع الإقامة قاله الزجاج والاستثناء في قوله إلا ما شاء الله قالت فرقة ما بمعنى من فالمراد إلا من شاء الله ممن آمن في الدنيا بعد ان كان من هؤلاء الكفرة وقال الطبري أن المستثنى هي المدة التي بين حشرهم إلى دخولهم النار وقال الطبري عن ابن عباس أنه كان يتأول في هذا الاستثناء أنه مبلغ حال هؤلاء في علم الله ثم أسند إليه أنه قال أن هذه الآية آية لا ينبغي لاحد أن يحكم على الله في خلقه لا ينزلهم جنة ولا نارا قال ع والإجماع على التخليد الأبدي في الكفار ولا يصح هذا عن ابن عباس رضي الله عنه قال ص إلا ما شاء الله قيل استثناء منقطع أي لكن ما شاء الله من العذاب الزائد على النار وقيل متصل واختلفوا في تقدره فقيل هو استثناء من الأشخاص وهم من آمن في الدنيا ورد بأنه يختلف زمان المستثنى والمستثنى منه فيكون منقطعا لا متصلا لأن من شرط المتصل اتخاذ زماني المخرج والمخرج منه انتهى وقيل غير هذا وقوله سبحانه وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا قال قتادة معناه نجعل بعضهم ولي بعض في الكفر والظلم وقال أيضا المعنى نجعل بعضهم يلي بعضا في دخول النار وقال ابن زيد معناه نسلط بعض الظالمين على بعض ونجعلهم أولياء النقمة منهم قال ع وقد حفظ هذا في استعمال الصحابة والتابعين كقول ابن الزبير إلا أن فم الذبان قتل لطيم الشيطان وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وقوله تعالى

يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم الآية هذا الكلام داخل في القول يوم الحشر قال الفخر قال أهل اللغة المعشر كل جماعة أمرهم واحد وتحصل بينهم معاشرة ومخالطة فالمعشر المعاشر انتهى ومنكم يعنى من الانس قاله ابن جريج وغيره وقال ابن عباس من الطائفتين ولكن رسل الجن هم رسل رسل الإنس وهم النذر ويقصون من القصص وقولهم شهدنا إقرار منهم بالكفر وقوله سبحانه وغرتهم الحياة الدنيا التفاتة فصيحة تضمنت أن كفرهم كان بأذم الوجوه لهم وهو الاغترار الذي لا يواقعه عاقل ويحتمل غرتهم أن يكون بمعنى أشبعتهم وأطغتهم بحلوائها كما يقال غر الطائر فرخه وقوله سبحان وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين الجمع بين هذه الآية وبين الآيي التي تقتضي إنكار المشركين الاشراك هو إما بأنها طوائف وإما بأنها طائفة واحدة في مواطن شتى وقوله ذلك أن لم يكن أي ذلك الأمر والقرى المدن والمراد أهل القرى وبظلم يحتمل معنيين أحدهما أنه لم يكن سبحانه ليهلكهم دون نذارة فيكون ظلما لهم والله تعالى ليس بظلام للعبيد والآخران الله عز و جل لم يهلكهم بظلم واقع منهم دون أن ينذرهم وهذا هو البين القوي وذكر الطبري رحمه الله التأويلين وقوله سبحانه ولكل درجات مما عملوا الآية اخبار من الله سبحانه أن المؤمنين في الآخرة على درجات من التفاضل بحسب أعمالهم وتفضل المولى سبحانه عليهم ولكن كل راض بما أعطي غاية الرضى والمشركون أيضا علىدركات من العذاب قلت وظاهر الآية أن الجن يثابون وينالون الدرجات والدركات وقد ترجم البخاري على ذلك فقال ذكر الجن وثوابهم وعقابهم لقوله تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم الآية إلى قوله وما ربك بغافل عما يعلمون قال الداودي قال الضحاك من الجن من يدخل الجنة ويأكل ويشرب انتهى

وقوله سبحانه وربك الغني ذو الرحمة أن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدهم ما يشاء الآية مضمنة وعيدا وتحذيرا من بطش الله عز و جل في التعجيل بذلك وأما مع المهلة ومرور الجديدين فذلك عادته سبحانه في الخلق باذهاب خلق واستخلاف آخرين وقوله سبحانه إنما توعدون ءلات هو من الوعيد بقرينة وما أنتم بمعجزين أي وما أنتم بناجين هربا فتعجزون طالبكم ثم أمر سبحانه نبيه عليه السلام أن يتوعدهم بقوله اعملوا أي فسترون عاقبة عملكم الفاسد وصيغة افعل هنا هي بمعنى الوعيد والتهديد وعلى مكانتكم معناه على حالكم وطريقتكم وعاقبة الدار أي مآل الآخرة ويحتمل مآل الدنيا بالنصر والظهور ففي الآية إعلام بغيب وقوله وجعلوا لله مما ذرأ يعني مشركي العرب الذين تقدم الرد عليهم من أول السورة وذرأ معناه خلق وأنشأ وبث وسبب نزول هذه الآية أن العرب كانت تجعل من غلاتها وزروعها وثمارها وأنعامها جزأ تسمية لله وجزأ تسمية لأصنامها وكانت عادتها التحفي والاهتبال بنصيب الأصنام أكثر منها بنصيب الله إذ كانوا يعتقدون أن الأصنام بها فقر وليس ذلك بالله سبحانه فكانوا إذا جمعوا الزرع فهبت الريح فحملت من الذي لله إلىالذي لشركائهم أقروه وإذا حملت من الذي لشركائهم إلى الذي لله ردوه وإذا لم يصيبوا في نصيب شركائهم شيئا قالوا لا بد للآلهة من نفقة فيجعلون نصيب الله تعالى في ذلك قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم انهم كانوا يفعلون هذا ونحوه من الفعل وكذلك في الأنعام كانوا إذا أصابتهم ألسنة أكلوا نصيب الله وتحاموا نصبب شركائهم وقوله سبحانه وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم الكثير هنا يراد به من كان يئد من شركي العرب والشركاء هاهنا الشياطين الآمرون بذلك المزينون له والحاملون عليه أيضا من بني آدم ومقصد

الآية الذم للوأد والانحناء على فعلته وليردوهم معناه ليهلكوهم من الردى وليلبسوا معناه ليخلطوا وقوله سبحانه ولو شاء الله ما فعلوه يقتضي أن لا شيء إلا بمشيئة الله عز و جل وفيها رد على من قال بأن المرء يخلق أفعاله وقوله فذرهم وعيد محض وقوله سبحانه وقالوا هذه أنعام وحرت حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها الآية تتضمن ما شرعوه لأنفسهم والتزموه على جهة القربة كذبا منهم على الله سبحانه وحجر معناه التحجير وهو المنع والتحريم وانعام لا يذكرون أسم الله عليها قال جماعة من المفسرين أنهم كانت لهم سنة في أنعام ما أن لا يحج عليها فكانت تركب في كل وجه إلا في الحج وقالت فرقة بل ذلك في الذبائح جعلوا لآلهتهم نصيبا منها لا يذكرون الله على ذبحها وقوله سبحانه وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكرونا ومحرم على أزواجنا الآية كان من مذاهبهم الفاسدة في بعض الأنعام أن يحرموا ما ولدت على نسائهم ويخصصونه لذكورهم فأزواجنا يراد به جماعة النساء التي هي معدة أن تكون أزواجا قاله مجاهد وقوله وإن يكن ميتة يعني أنه كان من سنتهم أن ماخرج من الأجنة ميتا من تلك الأنعام الموقوفة فهو حلال للرجال والنساء جميعا وكذلك ما مات من الأنعام الموقوفة نفسها ثم أعقب تعالى بوعيدهم على ما وصفوا أنه من القربات وقوله سبحانه قد خسر الذ1ين قتلوا أولادهم سفها بغير علم الآية تتضمن التشنيع بسوء فعلهم والتعجيب من سوء حالهم فيما ذكر قال عكرمة وكان الوأد في ربيعة وفي مضر قال ع وكان جمهور العرب لا يفعله ثم ان فاعليه كان منهم من يفعله خوف العيلة والأفتقار وكان منهم من يفعله غيره مخافة السباء وقد ضلوا اخبار عنهم بالحيرة وما كانوا يريد في هذه الفعلة ويحتمل أن يريد وما كانوا قبل ضلالهم بهذه الفعله مهتدين ولكنهم زادوا

بهذه الفعلة ضلالا وقوله سبحانه وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات الآية تنبيه على مواضع الإعتبار وأنشأ معناه خلق واخترع ومعروشات قال ابن عباس ذلك في ثمر العنب منها ما عرش وسمك ومنها ما لم يعرش ومتشابها يريد في المنظر وغير متشابه في الطعم قاله ابن جريج وغيره وقوله كلوا من ثمره نص في الإباحة وقوله سبحانه وءاتوا حقه يوم حصاده قال ابن عباس وجماعة هي في الزكاة المفروضة قال ع وهذا القول معترض بأن السورة مكية وبانه لا زكاة فيما ذكر من الرمان وما في معناه وحكى الزجاج ان هذه الآية قيل فيها أنها نزلت بالمدينة وقال مجاهد وغيره بل قوله وآتوا حقه يوم حصاده ندب إلى اعطاء حقوق من المال غير الزكاة والسنة أن يعطي الرجل من زرعه عند الحصاد وعند الذرو وعند تكديسه في البيدر فإذا صفى وكال أخرج من ذلك الزكاة وقالت طائفة هذا حكم صدقات المسلمين حتى نزلت الزكاة المفروضة فنسختها قال ع والنسخ غير مترتب في هذه الآية ولا تعارض بينها وبين آية الزكاة بل تنبنى هذه على الندب وتلك على الفرض وقوله سبحانه ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين النهي عن الاسراف أما للناس عن التمنع عن أدائها لان ذلك اسراف من الفعل وأما للولاة عن التشطط على الناس والاذاية لهم وكل قد قيل به في تأويل الآية وقوله سبحانه ومن الأنعام حمولة وفرشا محمولة عطف على جنات معروشات التقدير وأنشأنا من الانعام حمولة والحمولة ما تحمل الأثقال من الابل والبقر عند من عادته أن يحمل عليها والفرش ما لا يحمل ثقلا كالغنم وصغار البقر والابل وهذا هو المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم ولا مدخل في الآية لغير الأنعام وقوله كلوا مما رزقكم الله نص أباحة وأزالة ما سنه الكفرة من البحيرة والسائبة

وغير ذلك ثم تابع النهي عن تلك السنن الآفكة بقوله سبحانه ولا تتبعوا خطوات الشيطان وهي جمع خطوة أي لا تمشوا في طريقه قلت ولفظ البخاري خطوات من الخطو والمعنى ءاثاره انتهى وقوله سبحانه ثمانية أزواج اختلف في نصبها فقيل على البدل من ما في قوله كلوا مما رزقكم الله وقيل على الحال وقيل على البدل من قوله حمولة وفرشا وهذا أصوب الأقوال وأجراها مع معنى الآية والزوج الذكر والزوج الأنثى فكل واحد منهما زوج صاحبه وهي أربعة أنواع فتجيء ثمانية أزواج والضأن جمع ضائنة وضائن وقوله سبحانه قل آلذكرين حرم أم الأنثيين هذا تقسيم على الكفار حتى يتبين كذبهم على الله أي لا بد أن يكون حرم الذكرين فيلزمكم تحريم جميع الذكور أو الأنثيين فيلزمكم تحريم جميع الإناث أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فيلزمكم تحريم الجميع وانتم لم تلتزموا شيأ يوجبه هذا التقسيم وفي هذه السؤالات تقريع وتوبيخ ثم اتبع تقريعهم بقوله نبؤنى أي أخبرونى بعلم أي من جهة نبؤة أو كتاب من كتب الله أن كنتم صادقين وأن شرط وجوابه في نبؤنى وقوله سبحانه ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم الآية القول في هذه الآية في المعنى وترتيب التقسيم كما تقدم فكأنه قال انتم الذين تدعون أن الله حرم خصائص من هذه الأنعام لا يخلو تحريمه من أن يكون في الذكرين أو في الأنثيين أو فيما اشتملت عليه أرحام الأنثيين لكنه لم يحرم لا هذا ولا هذا ولا هذا فلم يبق إلا أنه لم يقع تحريم قال الفخر والصحيح عندي أن هذه الآية لم ترد على سبيل الاستدلال على بطلان قولهم بل هي استفهام على سبيل الانكار وحاصل الكلام أنكم لا تعترفون بنبوءة أحد من الأنبياء فكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة انتهى وقوله سبحانه أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله

بهذا أستفهام على سبيل التوبيخ وشهداء جمع شهيد وباقي الآية بين وقوله تعالى قل لا أجد في ما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميته الآية هذه الآية نزلت بمكة ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت شيء محرم غير هذه الأشياء ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالخمر وكأكل كل ذي ناب من السباع مما وردت به السنة قال ع ولفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور غاية المنع والحظر وصالحة بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهية ونحوها فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين وأجمع عليه الكل منهم ولم تضطرب فيه الفاظ الأحاديث وأمضاه الناس وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع ولحق بالخنزير والميتة وهذه صفة تحريم الخمر وما أقترنت به قرينة اضطراب الفاظ الحديث واختلف الأمة فيه مع علمهم بالاحاديث كقوله عليه السلام كل ذي ناب من السباع حرام وقد روي عنه نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكل كل ذي ناب من السباع ثم اختلفت الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو على الكراهية ونحوها وما اقترنت به قرينة التأويل كتحريمه عليه السلام لحوم الحمر الأنسية فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك لأنها لم تخمس وتأول بعضهم أن ذلك ليلا تفنى حمولة الناس وتأول بعضهم التحريم المحض وثبت في الأمة الاختلاف في لحمها فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم بحسب اجتهاده وقياسه على كراهية أو نحوها وباقي الآية بين وقوله سبحانه وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية هذا خبر من الله سبحانه يتضمن تكذيب اليهود

في قولهم أن الله لم يحرم علينا شيأ وإنما حرمنا على أنفسنا ما حرمه إسرائيل على نفسه وكل ذي ظفر يراد به الابل والنعام وإلاوز ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع وله ظفر وأخبرنا سبحانه في هذه الآية بتحريم الشحوم عليهم وهي الثروب وشحم الكلى وما كان شحما خالصا خارجا عن الاستثناء الذي في الآية واختلف في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائحهم فعن مالك كراهية شحومهم من غير تحريم وقوله تعالى إلا ما حملت ظهورهما يريد ما أختلظ باللحم في الظهر والأجنا ونحوه قال السدي وأبو صالح الأليات مما حملت ظهورهما والحوايا ما تحوى في البطن واستدار وهي المصارين والحشوة ونحوها وقال ابن عباس وغيره هي المباعر وقوله أو ما أختلط بعظم يريد في سائر الشخص وقوله سبحانه ذلك جزيناهم ببغيهم يقتضى أن هذا التحريم إنما كان عقوبة لهم على بغيهم واستعصائهم على انبيائهم وقوله سبحانه وانا لصادقون اخبار يتضمن التعريض بكذبهم في قولهم ما حرم الله علينا شيأ وقوله سبحانه فإن كذبوك أي فيما أخبرت به أن الله حرمه عليهم فقل ربكم ذو رحمة واسعة أي في امهاله إذ لم يعاجلكم بالعقوبة مع شدة جرمكم ولكن لا تغتروا بسعة رحمته فإن له بأسا لا يرد عن القوم المجرمين اما في الدنيا وأما في الأخرة وهذه الآية وما جانسها من آيات مكة مرتفع حكمها بآية القتال ثم أخبر سبحانه نبيه عليه السلام بأن المشركين سيحتجون لتصويب ما هم عليه من شركهم و تدينهم بتحريم تلك الأشياء بإمهال الله تعالى لهم وتقريره حالهم وأنه لو شاء غير ذلك لما تركهم على تلك الحال ولا حجة لهم فيما ذكروه لأنه سبحانه شاء اشراكهم واقدرهم على الأكتساب ويلزمهم على احتجاجهم أن تكون كل طريقة وكل نحلة صوابا إذ كلها لو شاء الله لم تكن وفي الكلام حذف يدل عليه تناسق الكلام كانه قال سيقول

المشركون كذا وكذا وليس في ذلك حجة لهم ولا شيء يقتضى تكذيبك ولكن كذلك كذب الذين من قبلهم بنحو هذه الشبهة من ظنهم أن ترك الله لهم دليل على رضاه بحالهم وفي قوله تعالى حتى ذاقوا بأسنا وعيد بين وقوله سبحانه قل هل عندكم من علم أي من قبل الله قل فلله الحجة البالغة يريد البالغة غاية المقصد في الأمر الذي يحتج له ثم أعلم سبحانه أنه لو شاء لهدى العالم بأسره وهلم معناها هات وهي حينئذ متعدية وقد تكون بمعنى أقبل فلا تتعدى وبعض العرب يجعلها اسم فعل كرويدك وبعضهم يجعلها فعلا ومعنى الآية قل هاتوا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعمتم تحريمه فإن شهدوا أي فإن افترى لهم أو زور شهادة أو خبرا عن نبوءة ونحو ذلك فجنب انت ذلك ولا تشهد معهم قلت وهذه الآية والتي بعدها من نوع ما تقدم من أن الخطاب له صلى الله عليه و سلم والمراد غيره ممن يمكن ذلك منه وهم بربهم يعدلون أي يجعلون له اندادا يسوونهم به تعالى الله عن قولهم وقوله سبحانه قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيأ هذا أمر من الله عز و جل لنبيه عليه السلام أن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله بشرع الإسلام المبعوث به إلى الأسود والحمر وما نصبت بقوله اتل وهي بمعنى الذي وأن في قوله أن لا تشركوا في موضع رفع التقدير الأمر أن أو ذاك أن وقال كعب الأحبار هذه الآية هي مفتتح التوراة بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا اتل ما حرم ربكم إلى آخر الآيات وقال ابن عباس هذه الآيات هي المحكمات المذكورة ي ال عمران اجتمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قط في مله وقد قيل أنها العشر الكلمات المنزلة على موسى والاملاق الفقر وعدم المال قاله ابن عباس وغيره قال القشيري خوف الفقر قرينة الكفر وحسن الثقة بالرب سبحانه نتيجة

الإيمان انتهى من التحبير وقوله سبحانه ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قال مجاهد التي هي أحسن التجارة فيه والأشد هنا الحزم والنظر في الأمور وحسن التصرف فيها وليس هذا بالأشد المقرون بالأربعين بل هذا يكون مع صغر السن في ناس كثير وقوله سبحانه واوفوا الكيل والميزان أمر بالاعتدال وقوله سبحانه لا نكلف نفسا إلا وسعها يقتضي أن هذه الاوأمر إنما هي فيما يقع تحت قدرة البشر من التحفظ والتحرز وقوله تعالى وإذا قلتم فاعدلوا يتضمن الشهادات والأحكام والتوسط بين الناس وغير ذلك أي ولو كان ميل الحق على قراباتكم وقوله سبحانه وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه الإشارة بهذا هي إلى الشرع الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقال الطبري الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدمت من قوله قل تعالوا وقال ابن مسعود ان الله سبحانه جعل طريقه صراطا مستقيما طرقه محمد صلى الله عليه و سلم وشرعه ونهايته الجنة وتتشعب منه طرق فمن سلك الجادة نجا ومن خرج إلى تلك الطرق افضت به إلى النار وقال أيضا خط لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما خطا فقال هذا سبيل الله ثم خط عن يمين ذلك وعن شماله خطوطا فقال هذه سبل على كل سببيل منها شيطان يدعو إليها ثم قرأ هذه الآية قال ع وهذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد ولعلكم ترج بحسبنا ومن حيث كانت المحرمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله جاءت العبارة لعلكم تعقلون والمحرمات الأخر شهوات وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر وركوب الجادة الكاملة يتضمن فعل الفضائل وتلك درجة التقوى وقوله سبحانه ثم ءاتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن

ثم في هذه الآية أنما مهلتها في ترتيب القول الذي أمر به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم كأنه قال ثم مما قضيناه أنا ءاتينا موسى الكتاب ويدعو إلى ذلك أن موسى عليه السلام متقدم بالزمان على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وتلاوته ما حرم الله والكتاب التوراة وتماما مصدر وقوله على الذي أحسن مختلف في معناه فقالت فرقة الذي بمعنى الذين وأحسن فعل ماض صلة الذين وكأن الكلام وآتينا موسى الكتاب تفضلا على المحسنين من أهل ملته وإتماما للنعمة عليهم وهذا تأويل مجاهد ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود تماما على الذين أحسنوا وقالت فرقة المعنى تماما على ما أحسن هو من عبادة ربه يعني موسى عليه السلام وهذا تأويل الربيع وقتادة وقالت فرقة المعنى تماما على الذي أحسن الله فيه إلى عباده من النبوءات وسائر النعم وبلقاء ربهم أي بالبعث وقوله سبحانه وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون هذا إشارة إلى القرآن ومبارك وصف بما فيه من التوسعات وأنواع الخيرات ومعناه منمى خيره مكثر والبركة الزيادة والنمو فاتبعوه دعاء إلى الدين واتقوا أمر بالتقوى العامة في جميع الأشياء بقرينة قوله لعلكم ترحمون وأن في قوله أن تقولوا في موضع نصب والعامل فيه انزلناه والتقدير وهذا كتاب أنزلناه كراهية أن تقولوا والطائفتان اليهود والنصارى بإجماع المتأولين والدراسة القراءة والتعلم بها ومعنى الآية إزالة الحجة ومن أيدي قريش وسائر العرب ولما تقرر أن البينة قد جاءتهم والحجة قد قامت عليهم حسن بعد ذلك أن يقع التقرير بقوله سبحانه فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها أي حاد عنها وزاغ وأعرض وسنجزي الذي وعيد وقوله سبحانه هل ينظرون أي ينتظرون يعني العرب المتقدم الآن ذكرهم والملائكة هنا هم ملائكة الموت الذين يصحبون عزراءيل المخصوص بقبض

الأرواح قاله مجاهد وقتادة وابن جريج وقوله تعالى أو يأتي ربك قال الطبري لموقف الحساب يوم القيامة وأسند ذلك إلى قتادة وجماعة من المتأولين وقال الزجاج أن المراد أو يأتي عذاب ربك قال ع وعلى كل تأويل فإنما هو بحذف مضاف تقديره أمر ربك أو بطش ربك أو حساب ربك وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل على الله تعالى ألا ترى أن الله عز و جل يقول فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا فهذا اتيان قد وقع وهو على المجاز وحذف المضاف قال الفخر والجواب المعتمد عليه هنا أن هذا حكاية مذهب الكفار واعتقادهم فلا يفتقر إلى تأويله وأجمعوا على أن المراد بهذه الآيات علامات القيامة انتهى قلت وما ذكره الفخر من أن هذا حكاية مذهب الكفار هي دعوى تفتقر إلى دليل وقوله سبحانه أو يأتي بعض آيات ربك قال مجاهد وغيره هي إشارة إلى طلوع الشمس من مغربها بدليل التي بعدها قال ع ويصح أن يريد سبحانه بقوله أو يأتي بعض آيات ربك جميع ما يقطع بوقوعه من أشراط الساعة ثم خصص سبحانه بعد ذلك بقوله يوم يأتي بعض آيات ربك الآية التي ترتفع التوبة معها وقد بينت الأحاديث الصحاح في البخاري ومسلم أنها طلوع الشمس من مغربها ومقصد الآية تهديد الكفار بأحوال لا يخلون منها وقوله أو كسبت في ايمانها خيرا يريد جميع أعمال البر وهذا الفصل هو للعصاة من المؤمنين كما أن قوله لم تكن آمنت من قبل هو للكافرين فالآية المشار إليها تقطع توبة الصنفين قال الداودي قوله تعالى أو كسبت في أيمانها خيرا يريد أن النفس المؤمنة التي ارتكبت الكبائر لا تقبل منها التوبة يومئذ وتكون في مشيئة الله تعالى كأن لم تتب وعن عائشة رضي الله عنها إذا خرجت أول الآيات طرحت الأقلام وحبست الحفظة وشهدت الأجساد على الأعمال انتهى وقوله سبحانه

قل انتظروا انا متظرون لفظ يتضمن الوعيد وقوله سبحانه ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء قال ابن عباس وغيره المراد بالذين اليهود والنصارى أي فرقوا دين إبراهيم ووصفهم بالشيع إذ كل طائفة منهم لها فرق واختلافات ففي الآية حض للمؤمنين على الائتلاف وترك الاختلاف وقال أبو الأحوص وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم الآية في أهل البدع والأهواء والفتن ومن جرى مجراهم من أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أي فرقوا دين الإسلام وقرأ حمزة والكسائي فارقوا ومعناه تركوا وقوله تعالى لست منهم في شيء أي لا تشفع لهم ولا لهم بك تعلق وهذا على الإطلاق في الكفار وعلى جهة المبالغة في العصاة وقوله سبحانه إنما أمرهم إلى الله الآية وعيد محض وقال السدي هذه آية لم يؤمر فيها بقتال فهي منسوخة بالقتال قال ع الآية خبر لا يدخله نسخ ولكنها تضمنت بالمعنى أمرا بموادعة فيشبه أن يقال ان النسخ وقع في ذلك المعنى الذي قد تقرر نسخه في آيات أخرى وقوله سبحانه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها الآية قال ابن مسعود وغيره الحسنة هنا لا إله إلا الله السيئة الكفر قال ع وهذه هي الغاية من الطرفين وقالت فرقة ذلك لفظ عام في جميع الحسنات والسيئات وهذا هو الظاهر وتقدير الآية من جاء بالحسنة فله ثواب عشر أمثالها وقرأ يعقوب وغيره فله عشر بالتنوين أمثالها بالرفع وقوله تعالى قل انني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم الآية في غاية الوضوح والبيان وقيما نعت للدين ومعناه مستقيما وملة بدل من الدين وقوله سبحانه قل إن صلاتي ونسكي الآية أمر من الله عز و جل لنبيه عليه السلام ان يعلن بأن مقصده في صلاته وطاعته من ذبيجة وغيرها وتصرفه مدة حياته وحاله من اخلاص وإيمان عند مماته إنما هو لله عز و جل وارادة

وجهه وطلب رضاه وفي إعلان النبي صلى الله عليه و سلم بهذه المقالة ما يلزم المؤمنين التأسي به حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قصد وجه الله عز و جل ويحتمل أن يريد بهذه المقالة أن صلاته ونسكه وحياته ومماته بيد الله عز و جل والله يصرفه في جميع ذلك كيف شاء سبحانه ويكون قوله وبذلك أمرت على هذا التأويل راجعا إلى قوله لا شريك له فقط أو راجعا إلى القول وعلى التأويل الأول يرجع إلى جميع ما ذكر من صلاة وغيرها وقالت فرقة النسك في هذه الآية الذبائح قال ع ويحسن تخصيص الذبيحة بالذكر في هذه الآية أنها نازلة قد تقدم ذكرها والجدل فيها في السورة وقالت فرقة النسك في هذه الاية جميع أعمال الطاعات من قولك نسك فلان فهو ناسك إذا تعبد وقرأ السبعة سوى نافع ومحياي بفتح الياء وقرأ نافع وحده ومحياي بسكون الياء قال أبو حيان وفيه جمع بين ساكنين وسوغ ذلك ما في الألف من المد القائم مقام الحركة انتهى وقوله وأنا أول المسلمين أي من هذه الأمة وقوله سبحانه قل أغير الله ابغي ربا وهو رب كل شيء الاية حكى النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم ارجع يا محمد إلى ديننا واعبد آلهتنا واترك ما أنت عليه ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك فنزلت هذه الآية وهي استفهام يقتضي التوبيخ لهم وابغي معناه أطلب فكأنه قال أفيحسن عندكم أن اطلب إلها غير الله الذي هو رب كل شيء وما ذكرتم من كفالتكم باطل ليس الأمر كما تظنون فلا تكسب كل نفس من الشر والإثم إلا عليها وحدها ولا تزر أي تحمل وازرة أي حاملة حمل أخرى وثقلها والوزر أصله الثقل ثم استعمل في الإثم تجوزا واستعارة ثم إلى ربكم مرجعكم تهديد ووعيد وقوله فينبئكم بما كنتم فيه

تختلفون أي في أمرى في قول بعضكم هو ساحر وبعضكم هو شاعر إلى غير ذلك قاله بعض المتأولين وهذا التأويل يحسن في هذا الموضع وأن كان اللفظ يعم جميع أنواع الاختلافات بين الأديان والملل والمذاهب وغير ذلك وخلائف جمع خليفة أي يخلف بعضكم بعضا لأن من أتى خليفة لمن مضى وهذا يتصور في جميع الأمم وسائر أصناف الناس ولكنه يحسن في أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أن يسمى أهلها بجملتهم خلائف للأمم وليس لهم من يخلفهم إذ هم آخر الأمم وعليهم تقوم الساعة وروي الحسن بن أبي الحسن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال توفون سبعين أمة انتم خيرها وأكرمها على الله عز و جل ويروى انتم آخرها وأكرمها على الله وقوله ورفع بعضكم فوق بعض درجات لفظ عام في المال والقوة والجاه وجودة النفوس والأذهان وغير ذلك وكل ذلك إنما هو ليختبر الله سبحانه الخلق فيرى المحسن من المسيء ولما أخبر الله عز و جل بهذا ففسح للناس ميدان العمل وحضهم سبحانه على الاستباق إلى الخيرات توعد ووعد تخويفا منه وترجية فقال ان ربك سريع العقاب إما بأخذاته في الدنيا وإما بعقاب الآخرة وحسن أن يوصف عقاب الآخرة بسريع لما كان متحققا مضمون الاتيان والوقوع وكل آت قريب وأنه لغفور رحيم ترجية لمن أذنب وأراد التوبة وهذا في كتاب الله كثير وهو اقتران الوعيد بالوعد لطفا من الله سبحانه بعباده اللهم أجعلنا ممن شملته رحمتك وغفرانك بجودك وإحسانك ومن كلام الشيخ الولي العارف أبي الحسن الشاذلي رحمه الله قال من أراد أن لا يضره ذنب فليقل رب أعوذ بك من عذابك يوم تبعث عبادك وأعوذ بك من عاجل العذاب ومن سوء الحساب فإنك لسريع الحساب وإنك لغفور رحيم رب إني ظلمت

نفسي ظلما كثيرا فاغفر لي وتب علي لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين انتهى نسأل الله أن ينفع به ناظره وأن يجعله لنا ذخرا ونورا يسعى بين أيدينا يوم لقائه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
انتهى هذا الجزء الأول مصححا بالمقابلة على خط مؤلفه شكر الله سعيه وقدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الاعراف مكية كلها قاله الضحاك وغيره وقال مقاتل هي مكية الا قوله سبحانه واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الى قوله من ظهورهم ذرياتهم فان هذه الآيات مدنية
قوله جلت عظمته المص كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين تقدم القول في تفسير الحروف المقطعة في اوائل السور والحرج الضيق ومنه الحرجة الشجر المتلف الذي قد تضايق والحرج هاهنا يعم الشك والخوف والهم وكل ما يضيق الصدر والضمير فى منه عائد على الكتاب أي بسبب من اسبابه
وقوله سبحانه فلا يكن في صدرك حرج منه اعتراض في اثناء الكلام ولذلك قال بعض الناس ان فيه تقديما وتاخيرا
وقوله وذكرى معناه تذكرة وارشاد
وقوله سبحانه اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم امر يعم جميع الناس ولا تتبعوا من دونه أي من دون ربكم اولياء يريد كل من عبد واتبع من دون الله وقليلا نعت لمصدر نصب بفعل مضمر وقال مكي هو منصوب بالفعل الذي بعده وما في قوله ما تذكرون مصدرية
وقوله سبحانه وكم من قرية اهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون قالت فرقة المراد وكم من اهل قرية وقالت فرقة اللفظ يتضمن هلاك القرية واهلها

وهو اعظم من العقوبة والفاء في قوله سبحانه فجاءها بأسنا لترتيب القول فقط وقيل المعنى اهلكناها بالخذلان وعدم التوفيق فجاءها بأسنا بعد ذلك وبياتا نصب على المصدر في موضع الحال وقائلون من القائلة وانما خص وقتي الدعة والسكون لان مجيء العذاب فيهما افظع واهول لما فيه من البغتة والفجأة قال ابو حيان أو للتفصيل أي جاء بعضهم بأسنا ليلا وبعضهم نهارا انتهى و
قوله عز و جل فما كان دعواهم اذ جاءهم بأسنا الا ان قالوا انا كنا ظالمين هذه الآية يتبين منها ان المراد في الآية قبلها اهل القرى والدعوى في كلام العرب تأتي لمعنيين احدهما الدعاء ومنه قوله عز و جل فما زالت تلك دعواهم والثاني الادعاء وهذه الآية تحتمل المعنيين ثم استثنى سبحانه من غير الاول كأنه قال لم يكن منهم دعاء او ادعاء إلا الاقرار والاعتراف أي هذا كان بدل الدعاء والادعاء واعترافهم وقولهم انا كنا ظالمين هو في المدة التي ما بين ظهور العذاب الى اتيانه على انفسهم وفي ذلك مهلة بحسب نوع العذاب تتسع لهذه المقالة وغيرها وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم
وقوله سبحانه فلنسئلن الذين أرسل اليهم ولنسئلن المرسلين الآية وعيد من الله عز و جل لجميع العالم أخبر سبحانه انه يسأل الامم اجمع عما بلغ اليهم عنه وعن جميع اعمالهم ويسأل النبيين عما بلغوا وهذا هو سؤال التقرير فان الله سبحانه قد احاط علما بكل ذلك قبل السؤال فأما الانبياء والمؤمنون فيعقبهم جوابهم رحمة وكرامة وأما الكفار ومن نفذ عليه الوعيد من العصاة فيعقبهم جوابهم عذابا وتوبيخا ت وروى ابو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم بسنده عن مالك انه قال بلغني ان العلماء يسألون يوم القيامة كما تسأل الانبياء يعني عن تبليغ العلم انتهى وخرج ابو نعيم الحافظ من حديث الاعمش عن النبي صلى الله عليه و سلم ما من عبد يخطو خطوة

الا يسأل عنها ما اراد بها وقد ذكرنا حديث مسلم عن ابي برزة في غير هذا الموضع وخرج الطبراني بسنده عن ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول اذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده فيوقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن عمله انتهى وروى مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني ان اول ما ينظر فيه من عمل المرء الصلاة فان قبلت منه نظر فيما بقي من عمله وان لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله وروى ابو داود والترمذي والنساءي وابن ماجه معنى هذا الحديث مرفوعا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أول ما يحاسب به الناس يوم القيامة من اعمالهم الصلاة قال يقول ربنا عز و جل للملائكة انظروا في صلاة عبدي اتمها أم نقصها فان كانت تامة كتبت له تامة وان كان انتقص منها شيء قال الله انظروا هل لعبدي من تطوع فان كان له تطوع قال اتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الاعمال على ذلك انتهى واللفظ لابي داود وقال النساءي ثم سائر الاعمال تجري على ذلك انتهى من التذكرة
وقوله سبحانه فلنقصن عليهم بعلم أي فلنسردن عليهم اعمالهم قصة قصة بعلم أي بحقيقة ويقين وما كنا غائبين
وقوله عز و جل والوزن يومئذ الحق التقدير والوزن الحق ثابت او ظاهر يومئذ أي يوم القيامة قال جمهور الامة ان الله عز و جل اراد ان يبين لعباده ان الحاسب والنظر يوم القيامة هو في غاية التحرير ونهاية العدل بامر قد عرفوه في الدنيا وعهدته افهامهم فميزان القيامة له عمود وكفتان على هيئة موازين الدنيا جمع لفظ الموازين اذ في الميزان موزونات كثيرة فكانه اراد التنبيه عليها قال الفخر والاظهر اثبات موازين في يوم القيامة لاميزان واحد لظواهر الآيات وحمل الموازين على الموزونات او على الميزان الواحد يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ وذلك انما يصار اليه عند تعذر حمل الكلام على ظاهره ولا مانع هاهنا منه فوجب اجراء اللفظ على

حقيقته فكما لم يمتنع إثبات ميزان له كفتان فكذلك لا يمتنع إثبات موازين بهذه الصفة وما الموجب لتركه والمصير إلى التأويل انتهى قال أبو حيان موازينه جمع باعتبار الموزونات وهذا على مذهب الجمهور في أن الميزان واحد وقال الحسن لكل واحد ميزان فالجمع إذن حقيقة انتهى والآيات هنا البراهين والأوامر والنواهي
وقوله سبحانه ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش الآية خطاب لجميع الناس والمعايش بكسر الياء دون همز جمع معيشة وهي لفظة تعم جميع المأكول الذي يعاش به والتحرف الذي يؤدى إليه وقليلا نصب بتشكرون
ويحتمل أن تكون ما مع الفعل بتأويل المصدر وقليلا نعت لمصدر محذوف تقديره شكرا قليلا شكركم أو شكرا قليلا تشكرون
وقوله سبحانه ولد خلقناكم ثم صورناكم الآية هذه الآية معناها التنبيه على مواضع العبرة والتعجيب من غريب الصنعة وإسداء النعمة واختلف العلماء في ترتيب هذه الآية لأن ظاهرها يقتضي أن الخلق والتصوير لبني آدم قبل القول للملائكة أن يسجدوا وقد صححت الشريعة أن الأمر لم يكن كذلك فقالت فرقة المراد بقوله سبحانه ولقد خلقناكم ثم صورناكم آدم وأن كان الخطاب لبنيه وقال مجاهد المعنى ولقد خلقناكم ثم صورناكم في صلب آدم وفي وقت استخراج ذرية آدم من ظهره امثال الذر في صورة البشر ويترتب في هذين القولين أن تكون ثم على بابها في الترتيب والمهلة وقال ابن عباس والربيع بن أنس أما خلقناكم فآدم وأما صورناكم فذريته في بطون الأمهات وقال قتادة وغيره بل ذلك كله في بطون الأمهات من خلق وتصوير وثم لترتيب الإخبار بهذه الجمل لا لترتيب الجمل في أنفسها
وقوله سبحانه فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك

قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم تقدم الكلام على قصص الآية في سورة البقرة وما في قوله ما منعك استفهام على جهة التوبيخ والتقريع و لا في قوله ألا تسجد قيل هي زائدة والمعنى ما منعك أن تسجد وكذلك قال أبو حيان أنها زائدة كهي في قوله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب قال ويدل على زيادتها سقوطها في قوله تعالى ما منعك أن تسجد في ص انتهى وجواب إبليس اللعين ليس بمطابق لما سئل عنه لكن لما جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة فكأنه قال منعني فضلي عليه إذ أنا خير منه وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هما في درجة واحدة من حيث أنهما جماد مخلوق ولما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلا على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها افضل مما خلق من الطين فأخطأ قياسه وذهب عليه أن الروح الذي نفخ في آدم ليس من الطين وقال الطبري ذهب عليه ما في النار من الطيش والخفة والاضطراب وفي الطين من الوقار والأناة والحلم والتثبت وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والمقر إلا بالقياس وهذا القول منهما ليس هو بإنكار للقياس وإنما خرج كلامهما نهيا عما كان في زمانهما من مقاييس الخوارج وغيرهم فأرادا حمل الناس على الجادة وقوله سبحانه فاهبط منها الآية يظهر منه أنه اهبط أولا وأخرج من الجنة وصار في السماء لأن الأخبار تظاهرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنة ثم أمر اخرا بالهبوط من السماء مع آدم وحواء والحية وقوله إنك من الصاغرين حكم عليه بضد معصيته التي عصى بها وهي الكبرياء فعوقب بالحمل عليه بخلاف شهوته وامله والصغار الذل

قاله السدي ومعنى أنظرني أخرني فأعطاه الله النظرة إلى النفخة الأولى قاله أكثر الناس وهو الأصح والأشهر في الشرع وقوله فبما يريد به القسم كقوله في الآية الأخرى فبعزتك وأغويتني قال الجمهور معناه أضللتني من الغي وعلى هذا المعنى قال محمد بن كعب القرظي قاتل الله القدرية لإبليس أعلم بالله منهم يريد في أنه علم أن الله يهدي ويضل وقوله لأقعدن لهم صراطك المعنى لاعتراضن لهم في طريق شرعك وعبادتك ومنهم النجاة فلا صدنهم عنه ومنه قوله عليه السلام إن الشيطان قعد لابن آدم باطراقه نهاه عن الإسلام وقال تترك دين آبائك فعصاه فاسلم فنهاه عن الهجرة فقال تدع اهلك وبلدك فعصاه فهاجر فنهاه عن الجهاد فقال تقتل وتترك ولدك فعصاه فجاهد فله الجنة الحديث وقوله سبحانه ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملأن جهنم منكم أجمعين مقصد الآية أن إبليس أخبر عن نفسه أنه يأتي اضلال بني آدم من كل جهة فعبر عن ذلك بألفاظ تقتضي الإحاطة بهم وفي اللفظ تجوز وهذا قول جماعة من المفسرين قال الفخر وقوله لأقعدن لهم صراتك المستقيم أي على صراطك اجمع النحاة على تقدير على في هذا الموضع انتهى وقوله ولا تجد أكثرهم شاكرين اخبر اللعين أن سعايته تفعل ذلك ظنا منه وتوسما في خلقة آدم حين رأى خلقته من أشياء مختلفة فعلم أنه ستكون لهم شيم تقتضي طاعته كالغل والحسد والشهوات ونحو ذلك قال ابن عباس وقتاده إلا أن إبليس لم يقل أنه يأتي بني آدم من فوقهم ولا جعل الله له سبيلا إلى أن يحول بينهم وبين رحمة الله وعفوه ومنه وما ظنه إبليس صدقه الله عز و جل ومنه قوله سبحانه ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا قريقا من المؤمنين فجعل أكثر

العالم كفرة ويبينه قوله صلى الله عليه و سلم في الصحيح يقول الله عز و جل يا آدم أخرج بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة ونحوه مما يخص أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود وشاكرين معناه مؤمنين لأن ابن آدم لا يشكر نعمة الله إلا بأن يؤمن قاله ابن عباس وغيره وقوله سبحانه أخرج منها أي من الجنة مذءوما أي معيبا مدحورا أي مقصيا مبعدا لمن تبعك بفتح اللام هي لام قسم وقال أبو حيان الظاهر إنها الموطئة للقسم ومن شرطية في موضع رفع بالابتداء وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه ويجوز أن تكون لام ابتداء ومن موصولة في موضع رفع بالابتداء والقسم المحذوف وجوابه وهو لاملأن في موضع خبرها انتهى وقال الفخر وقيل مذءوما أي محقورا فالمذءوم المحتقر قاله الليث وقال ابن الانباري المذءوم المذموم وقال الفراء اذأمته إذا عيبته انتهى وباقي الآية بين اللهم انا نعوذ بك من جهد البلاء وسوء القضاء ودرك الشقاء وشامتة الأعداء
جلا وعلا ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين إذا امر الانسان بشيء وهو متلبس به فإنما المقصد من ذلك أن يستمر على حاله ويتمادى في هيئته وقوله سبحانه لآدم اسكن وهو من هذا الباب وقد تقدم الكلام في سورة البقرة عل الشجرة وتعيينها وقوله سبحانه هذه قال م الأصل هذى والهاء بدل من الياء ولذلك كسرت الذال إذ ليس في كلامهم هاء تأنيث قبلها كسرة انتهى
عز و جل فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما الوسوسة الحديث في إخفاء همسا وأسرارا من الصوت والوسواس صوت الحلى فشبه الهمس

به وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ الأسرار وأخفاه هذا في حال الشيطان معنا الآن وأما مع آدم فممكن أن تكون وسوسة بمحاورة خفية أو بإلقاء في نفس واللام في ليبدي هي في قول الأكثرين لام الصيرورة والعاقبة ويمكن أن تكون لام كي على بابها وما ووري معناه ما ستر من قولك وأرى يواري إذا ستر والسوأة الفرج والدبر ويشبه أن يسمى بذلك لأن منظره يسوء وقالت طائفة إن هذه العباده إنما قصد بها أنها كشفت لهما معائهما وما يسوءهما ولم يقصد بها العورة وهذا القول محتمل إلا أن ذكر خصف الورق يرده إلا أن يقدر الضمير في عليهما عائد على بدنيهما فيصح
سبحانه وقال ما نهاكما الآية هذا القول المحكي عن إبليس يدخله من التأويل ما دخل الوسوسة فممكن أن يقول هذا مخاطبة وحوارا وممكن أن يقولها إلقاء في النفس ووحيا وإلا أن تقديره عند سيبويه والبصريين إلا كراهية ان وتقديره عند الكوفيين إلا أن لا على اضمار لا ويرجح قول البصريين أن إضمار الأسماء احسن من إضمار الحروف وقرأ جمهور الناس ملكين بفتح اللام وقرأ ابن عباس ملكين بكسرها ويؤيده قوله وملك لا بيلي وقال بعض الناس يؤخذ من هذه الألفاظ أن الملائكة أفضل من البشر وهي مسئلة اختلف الناس فيها وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وقاسمهما أي حلف لهما بالله وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له اليمين كالقسم
عز و جل فدلاهما بغرور قال ع يشبه عندي أن تكون هذه استعارة من الرجل يدلي آخر من هوة بحبل قد ارم أو سبب ضعيف يغتر به فإذا تدلى به وتورك عليه انقطع به وهلك فيشبه الذي يغر بالكلام حتى يصدقه فيقع في مصيبة بالذي يدلي من هوة بسبب ضعيف
سبحانه بدت قيل تمزقت عنهما ثياب الجنة وملابسهما

وتطايرت تبريا منهما ويخصفان معناه يلصقانها والمخصف الاشقى وضم الورق بعضه إلى بعض اشبه بالخرز منه بالخياطة قال البخاري يخصفان يؤلفان الورق بعضه إلى بعض انتهى وهو معنى ما تقدم وروى أبي عن النبي صلى الله عليه و سلم أن آدم عليه السلام كان يمشي في الجنة كأنه النخلة السحوق فلما أكل من الشجرة وبدت له حاله فر على وجهه فأخذت شجرة بشعر رأسه فقال لها أرسلني فقالت ما أنا بمرسلتك فناداه ربه جل وعلا أمني تفر يا آدم فقال لا يا رب ولكن استحييك فقال أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك قال بلى يا رب ولكن وعزتك ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش الأكدا
عن تلكما يريد بحسب اللفظ أنه إنما أشار إلى شجرة مخصوصة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين إشارة إلى الآية التي في طه في قوله فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من جعل النسيان على بابه وقولهما ربنا ظلمنا أنفسنا اعتراف من آدم وحواء عليهما السلام وطلب للتوبة والستر والتغمد بالرحمة فطلب آدم هذا فأجيب وطلب إبليس النظرة ولم يطلب التوبة فوكل إلى سوء رأيه قال الضحاك وغيره هذه الآية هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه
عز و جل قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو المخاطبة بقوله اهبطوا قال أبو صالح والسدي والطبري وغيرهم هي لآدم وحواء وإبليس والحية وقالت فرقة هي مخاطبة لآدم وذريته وإبليس وذريته قال ع وهذا ضعيف لعدمهم في ذلك الوقت ت وما ضعفه رحمه الله صححه في سورة البقرة فتأمله هناك وعداوة الحية معروفة روى قتادة عن النبي صلى الله عليه و سلم ما سالمناهن منذ حاربناهن
سبحانه يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم الآية خطاب لجميع الأمم وقت النبي صلى الله عليه و سلم والسبب والمراد

قريش ومن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت قال مجاهد ففيهم نزلت هذه الأربع آيات وقوله أنزلنا يحتمل التدريج أي لما أنزل المطر فكان عنه جميع ما يلبس ويحتمل أن يريد بانزلنا خلقنا كقوله وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج وأنزلنا الحديد ولباسا عام في جميع ما يلبس ويوارى يستر وقرأ الجهور وريشا وقرأ عاصم وأبو عمرو ورياشا وهما عبارتان عن سعة الرزق ورفاهة العيش وجودة الملبس والتمتع وقال البخاري قال ابن عباس وريشا المال انتهى وقرأ نافع وغيره ولباس بالنصب وقرأ حمزة وغيره بالرفع وقوله ذلك من آيات الله إشارة إلى جميع ما أنزل الله من اللباس والريش وحكى النقاش إن الإشارة إلى لباس التقوى أي هو في العبد آية أي علامة وإمارة من الله تعالى أنه قد رضي عنه ورحمه وقال ابن عباس لباس التقوى هو السمت الحسن في الوجه وقاله عثمان بن عفان على المنبر وقال ابن عباس أيضا هو العمل الصالح وقال عروة بن الزبير هو خشية الله وقيل هو لباس الصوف وكل ما فيه تواضع لله عز و جل وقال الحسن هو الورع وقال معبد الجهني هو الحياء وقال ابن عباس أيضا لباس التقوى العفة قال ع وهذه كلها مثل وهي من لباس التقوى ولعلهم ترج بحسبهم ومبلغهم من المعرفة وقوله عز و جل يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة الآية خطاب لجميع العالم والمقصود بها في ذلك الوقت من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا قيل كانت العرب تطوف عراة إلا الحمس وهم قريش ومن والاها وهذا هو الصحيح ثم نودي بمكة في سنة تسع لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان والفتنة في هذه الآية الاستهواء والغلبة على النفس وأضاف الإخراج في هذه الآية إلى إبليس تجوزا لما كان هو السبب في ذلك قال أبو حيان كما أخرج كما في موضع نصب أي فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم

انتهى
سبحانه إنه يراكم زيادة في التحذير وإعلام بأن الله عز و جل قد مكن إبليس من بني آدم في هذا القدر وبحسب ذلك يجب أن يكون التحرز بطاعة الله عز و جل وقبيل الشيطان يريد نوعه وصنفه وذريته والشيطان موجود وهو جسم قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه بسم الله الذي لا إله إلا هو انتهى وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنف أن يقولوا بسم الله رواه الترمذي وقال إسناده ليس بالقوي قال النووي قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن مضوعا وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الانكحة فإن المستحب أن يتنزه عنه ولكن لا يجب انتهى
لأبي عمر بن عبد البر في - كتاب فضل العلم ثم أخبر عز و جل أنه صير الشياطين أولياء أي صحابة ومتداخلين للكفرة الذين لا إيمان لهم
وقوله وإذا فعلوا وما بعده داخل في صفة الذين لا يؤمنون والفاحشة في هذه الآية وإن كان اللفظ عاما هي كشف العورة عند الطواف فقد روي عن الزهري أنه قال إن في ذلك نزلت هذه الآية وقاله ابن عباس ومجاهد
عز و جل قل أمر ربي بالقسط تضمن معنى اقسطوا ولذلك عطف عليه قوله واقيموا حملا على المعنى والقسط العدل واختلف في قوله سبحانه وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد فقال مجاهد

والسدي أراد إلى الكعبة والمقصد على هذا على هذا شرع القبلة والتزامها وقيل أراد الأمر بإحضار النية لله في كل صلاة والقصد نحوه كما تقول وجهت وجهي لله قاله الربيع وقيل المراد إباحة الصلاة في كل موضع من الأرض أي حيث ما كنتم فهو مسجد لكم تلزمكم عند الصلاة إقامة وجوهكم فيه لله عز و جل
سبحانه كما بدأكم تعودون قال ابن عباس وقتادة ومجاهد المعني كما اوجدكم واخترعم كذلك يعيدكم بعد الموت والوقف على هذا التأويل تعودون وفريقا نصب بهدى والثاني منصوب بفعل تقديره وعذب فريقا وقال جابر بن عبد الله وغيره وروي معناه عن النبي صلى الله عليه و سلم أن المراد الإعلام بأن من سبقت له من الله الحسنى وكتب سعيدا كان في الآخرة سعيدا ومن كتب عليه أنه من أهل الشقاء كان في الآخرة شقيا ولا يتبدل من الأمور التي أحكمها ودبرها وأنفذها شيء فالوقف في هذا التأويل في قوله تعودون غير حسن وفريقا على هذا التأويل نصب على الحال والثاني عطف على الأول ويحسبون أنهم مهتدون معناه يظنون قال الطبري وهذه الآية دليل على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها على علم منه بموضع الصواب
سبحانه يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية هذا خطاب عام لجميع العالم كما تقدم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها والزينة الثياب الساترة قاله مجاهد وغيره و عند كل مسجد أي عند موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها ت ومن المستحسن هنا ذكر شيء مما جاء في اللباس فمن احسن الأحاديث في ذلك وأصحها ما رواه مالك في الموطإ عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أن أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما سقط من اسفل ذلك ففي النار قال ذلك

ثلاث مرات لا ينظر الله عز و جل إلى من جر أزاره بطرا وحدث أبو عمر في التمهيد بسنده عن ابن عمر قال فيما قال رسول الله صلى الله عليه ولم في الأزار فهو في القميص يعني ما تحت الكعبين من القميص في النار كما قال في الأزار وقد روى أبو خيثمة زهير بن معاوية قال سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول ادركتهم وقمصهم إلى نصف الساق أو قريب من ذلك وكم أحدهم لا يجاوز يده انتهى وورى أبو داود عن أسماء بنت يزيد قالت كانت يد كم قميص رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الرسغ وأما احب اللباس فما رواه أبو داود عن أم سلمة قالت كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم القميص انتهى وجاء في المسبل وعيد شديد وعنه صلى الله عليه و سلم أن قال لرجل اسبل ازاره ان هذا كان يصلى وهو مسبل ازاره وأن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل ازاره رواه أبو داود انتهى
سبحانه وكلوا واشربوا إباحة لما التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام المواسم قاله ابن زيد وغيره ويدخل في ذلك البحيرة والسائبة ونحو ذلك نص على ذلك قتادة
سبحانه ولا تسرفوا معناه لا تفرطوا قال أهل التأويل يريد تسرفوا بأن تحرموا ما لم يحرم الله عز و جل واللفظة تقتضي النهي عن السرف مطلقا ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد واوسط الأمور فحسن وإن أفرط جعل أيضا من المسرفين وقال ابن عباس في هذه الآية أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة قال ابن العربي قوله تعالى وكلوا واشربوا ولا تسرفوا الإسراف تعدى الحد فنهاهم سبحانه عن تعدى الحلال إلى الحرام وقيل لا يزيد على قدر الحاجة وقد اختلف فيه على قولين فقيل حرام وقيل مكروه وهو الأصح فإن قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والإنسان والطعمان انتهى من أحكام القرآن
وقوله سبحانه قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده أي قل لهم على جهة التوبيخ

وزينة الله هي ما حسنته الشريعة وقررته وزينة الدنيا كل ما اقتضته الشهوة وطلب العلو في الأرض كالمال والبنين والطيبات قال الجمهور يريد المحللات وقال الشافعي وغيره هي المستلذات أي من الحلال وإنما قاد الشافعي إلى هذا تحريمه المستقذرات كالوزغ ونحوها فإنه يقول هي من الخبائث ت وقال مكي المعنى قل من حرم زينة الله أي اللباس الذي يزين الإنسان بأن يستر عورته ومن حرم الطيبات من الرزق المباحة وقيل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من السوائب والبحائر انتهى
وقوله سبحانه قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة قال ابن جبير المعنى قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها يوم القيامة وقال ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة وغيرهم المعنى هو أن يخبر صلى الله عليه و سلم أن هذه الطيبات الموجودات هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا وإن كانت أيضا لغيرهم معهم وهي يوم القيامة خالصة لهم أي لا يشركهم أحدا في استعمالها في الآخرة وقرأ نافع وحده خالصة بالرفع والباقون بالنصب
وقوله سبحانه كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون أي كما فصلنا هذه الأشياء المتقدمة الذكر نفصل الآيات أي نبين الإمارات والعلامات والهدايات لقوم لهم علم ينتفعون به
وقوله عز و جل قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن الآية لما تقدم إنكار ما حرمه الكفار بآرائهم اتبعه بذكر ما حرم الله عز و جل و الفواحش في اللغة ما فحش وشنع وأصله من القبح في النظر وهي هنا إنما هي إشارة إلى ما نص الشرع على تحريمه فكل ما حرمه الشرع فهو فاحش والإثم لفظ عام في جميع الأفعال والأقوال التي يتعلق بمرتكبها إثم هذا قول الجمهور وقال بعض الناس هي الخمر وهذا قول مردود لأن هذه السورة مكية وإنما حرمت الخمر بالمدينة بعد احد والبغي التعدي وتجاوز الحد وان تقولوا على الله مالا تعلمون من أنه حرم البحيرة

والسائبة ونحوه
وقوله سبحانه ولكل أمة اجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون المعنى ولكل أمة أجل مؤقت لمجيء العذاب إذا كفروا وخالفوا أمر ربهم فأنتم أيتها الأمة كذلك قاله الطبري وغيره وقوله ساعة لفظ عين به الجزء القليل من الزمان والمراد جميع أجزائه والمعنى لا يستأخرون ساعة ولا اقل منها ولا أكثر وقوله عز و جل يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها اولائك أصحاب النار هم فيها خالدون الخطاب في هذه الآية لجميع العالم وان هي الشرطية دخلت عليها ما مؤكدة وكان هذا الخطاب لجميع الأمم قديمها وحديثها هو متمكن لهم ومتحصل منه لحاضري نبينا محمد صلى الله عليه و سلم أن هذا حكم الله في العالم منذ أنشأه ويأتينكم مستقبل وضع موضع ماض ليفهم أن الإتيان باق رقت الخطاب لتقوى الإشارة بصحة النبؤة إلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وهذا على مراعاة وقت نزول الآية واسند الطبري إلى أبي سيار السلمي قال إن الله سبحانه خاطب آدم وذريته فقال يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم الآية قال ثم نظر سبحانه إلى الرسل فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون الحديث قال ع ولا محالة أن هذه المخاطبة في الأزل وقيل المراد بالرسل نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ذكره النقاش ويقصون أي يسردون ويوردون والآيات لفظ جامع لآيات الكتب المنزلة وللعلامات التي تقترن بالأنبياء ونفي الخوف والحزن يعم جميع أنواع مكاره النفس وانكادها
قوله سبحانه فمن فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته الآية هذه الآية وعيد واستفهام على جهة التقرير أي لا أحد أظلم منه والكتاب هو اللوح المحفوظ في قول الحسن وغيره وقيل ما تكتبه الحفظة ونصيبهم من ذلك هو

الكفر والمعاصي قاله مجاهد وغيره وقيل هو القرآن وحظهم فيه سواد الوجوه يوم القيامة وقال الربيع بن أنس وغيره المعنى بالنصيب ما سبق لهم في أم الكتاب من رزق وعمر وخير وشر في الدنيا ورجحه الطبري واحتج له بقوله تعالى بعد ذلك إذا جاءتهم رسلنا عند انقضاء ذلك فكان معنى الآية على هذا التأويل اولائك يتمتعون ويتصرفون في الدنيا بقدر ما كتب لهم حتى إذا جاءتهم رسلنا لموتهم وهذا تأويل جماعة وعلى هذا يترتب ترجيح الطبري وقالت فرقة رسلنا يريد بهم ملائكة العذاب يوم القيامة ويتوفونهم معناه عندهم يستوفونهم عددا في السوق إلى جهنم
وقوله سبحانه حكاية عن الرسل اين ما كنتم تدعون استفهام تقرير وتوبيخ وتوقيف على خزي وتدعون معناه تعبدون وتؤملون وقولهم ضلوا عنا معناه هلكوا وتلفوا وفقدوا ثم ابتدأ الخبر عن المشركين بقوله سبحانه وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين قوله سبحانه قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار هذه حكاية ما يقول الله سبحانه لهم يوم القيامة بواسطة ملائكة العذاب نسأل الله العافية وعبر عن يقول بقال لتحقق وقوع ذلك وصدق القصة وهذا كثير وخلت حكاية عن حال الدنيا أي ادخلوا في النار في جملة الأمم السابقة لكم في الدنيا الكافرة ت وكذا قدره أبو حيان في جملة أمم قال وقيل في بمعنى مع أي مع أمم وتقدم له في البقرة أن في تجيء للمصاحبة كقوله تعالى ادخلوا في أمم قد خلت انتهى وقدم ذكر الجن لأنهم اعرق في الكفر وإبليس اصل الضلال والإغواء وهذه الآية نص في أن كفرة الجن في النار والذي يقتضيه النظر أن مؤمنيهم في الجنة لأنهم عقلاء مكلفون مبعوث إليهم آمنوا وصدقوا وقد بوب البخاري رحمه الله بابا في ذكر الجن وثوابهم وعقابهم وذكر عبد الجليل أن مؤمني الجن يكونون ترابا كالبهائم وذكر في ذلك حديثا مجهولا وما أراه يصح والله أعلم

والأخوة في هذه الآية أخوة الملة قال ص في النار متعلق بخلت أو بمحدوف وهو صفة لأمم أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجن والأنس كائنة في النار ويحتمل أن يتعلق بادخلوا على أن في الأولى بمعنى مع والثانية للظرفية وإذا اختلف مدلول الحرفين جاز تعلقهما بمحل واحد انتهى وأدركوا معناه تلاحقوا اصله تداركوا ادغم فجلبت الف الوصل وقال البخاري اداركوا إجتمعوا انتهى
وقوله سبحانه قالت أخراهم لأولهم معناه قالت الأمم الأخيرة التي وجدت ضلالات متقررة وسننا كاذبة مستعملة للأولى التي شرعت ذلك وافترت على الله وسلكت سبيل الضلال ابتداء ربنا هؤلاء أضلونا أي طرقوا لنا طرق الضلال قال لكل ضعف أي عذاب مشدد على الأول والآخر ولكن لا تعلمون أي المقادير وصور التضعيف
قوله سبحانه وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل أي قد استوت حالنا وحالكم فذوقوا العذاب باجترامكم وهو من كلام الأمة المتقدمة للمتأخرة وقيل قوله فذوقوا هو من كلام الله عز و جل لجميعهم
وقوله سبحانه إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة الآية هذه الآية عامة في جميع الكفرة قديمهم وحديثهم قرأ نافع وغيره لا تفتح بتشديد التاء الثانية وقرأ أبو عمر وتفتح بالتاء أيضا وسكون الفاء وتخفيف ا لثانية وقرأ حمزة يفتح بالياء من أسفل وتخفيف التاء ومعنى الآية لا يرتفع لهم عمل ولا روح ولا دعاء فهي عامة في نفي ما يوجب للمؤمنين قاله ابن عباس وغيره ثم نفى سبحانه عنهم دخول الجنة وعلق كونه بكون محال وهو أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة حيث يدخل الخيط والجمل كما عهد والسم كما عهد وقرأ جمهور المسلمين الجمل واحد الجمال وقرأ ابن عباس وغيره الجمل بضم ا لجيم تشديد الميم وهو حبل السفينة والسم الثقب من الإبرة وغيرها وكذلك أي وعلى هذه الصفة وبمثل هذا

الحتم وغيره نجزى الكفرة وأهل الجرائم على الله لهم من جهنم مهاد أي فراش ومسكن ومضجع يتمهدونه وهي لهم غواش جمع غاشية وهي ما يغشى الإنسان أي يغطيه ويستره من جهة فوق
وقوله سبحانه لا نكلف نفس إلا وسعها اولائك أصحاب الجنة هم فيها خالدون هذه آية وعد مخبرة أن جميع المؤمنين هم أصحاب الجنة ولهم الخلد فيها ثم اعترض فيها القول بعقب الصفة التي شرطها في المؤمنين باعتراض يخفف الشرط ويرجى في رحمة الله ويعلم أن دينه يسر وهذه الآية نص في أن الشريعة لا يتقرر من تكاليفها شيء لا يطاق وقد تقدم ذلك في سورة البقرة والواسع معناه الطاقة وهو القدر الذي يتسع له البشر
وقوله سبحانه ونزعنا ما في صدورهم من هذا إخبار من الله عز و جل أنه ينقى قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد وذلك أن صاحب الغل معذب به ولا عذاب في الجنة وورد في الحديث الغل على باب الجنة كمبارك ألا بل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين والغل الحقد والاحنة الخفية في النفس وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا الإشارة بهذا يتجه أن تكون إلى الإيمان والأعمال الصالحات المؤدية إلى الجنة ويحتمل أن تكون إلى الجنة نفسها أي أرشدنا إلى طرقها وقرأ ابن عامر وحده ما كنا لنهتدي بسقوط الواو وكذلك هي في مصاحف أهل الشام ووجهها أن الكلام متصل مرتبط بما قبله ولما رأو تصديق ما جآت به الأنبياء عن الله سبحانه وعاينوا إنجاز المواعيد قالوا لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أي قيل لهم بصياح وهذا النداء من قبل الله وإن مفسرة لمعنى النداء بمعنى أي وقوله بما كنتم تعملون لا على طريق وجوب ذلك على الله تعالى لكن بقرينة رحمته وتغمده والأعمال امارة من الله سبحانه وطريق إلى قوة الرجاء ودخول الجنة إنما هو بمجرد رحمته والقسم فيها على قدر الأعمال وأورثتم مشيرة إلى الأقسام وقوله سبحانه ونادى أصحاب الجنة

أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا الآية هذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع وتوبيخ وزيادة في الكرب وهو بأن يشرفوا عليهم ويخلق الإدراك في الأسماع والأبصار وقوله سبحانه فأذن مؤذن بينهم أي اعلم معلم والظالمون هنا هم الكافرين ت حكي عن غير واحد أن طاووس دخل على هشام بن عبد الملك فقال له اتق الله وأحذر يوم الأذان فقال وما يوم الأذان فقال قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فصعق هشام فقال طاووس هذا ذل الوصف فكيف ذل المعاينة انتهى ويبغونها عوجا أي يطلبونها أو يطلبون لها والضمير في يبغونها عائد على السبيل وقوله سبحانه وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم وبينهما أي بين الجنة والنار ويحتمل بين الجمعين والحجاب هو السور الذي ذكره الله عز و جل في قوله فضرب بينهم بسور له باب قال ابن عباس وقال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار وقال ابن عباس أيضا هو تل بين الجنة والنار وذكر الزهراوي حديثا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أن احدا جبل يحبنا ونحبه وأنه يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحتبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم هم إن شاء الله من أهل الجنة والأعراف جمع عرف وهو المرتفع من الأرض ومنه عرف الفرس وعرف الديك لعلوهما وقال بعض الناس سمي الأعراف أعرافا لأن أصحابه يعرفون الناس قال ع وهذه عجمة وإنما المراد على أعراف ذلك الحجاب أي أعاليه وقوله رجال قال الجمهور انهم رجال من البشر ثم اختلفوا في تعيينهم فقال شرحبيل بن سعد هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم وذكر الطبري في ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأنه تعادل عقوقهم واستشهادهم وقال ابن عباس وغيره هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ووقع في مسند خثيمة بن سليمان في آخر

الجزء الخامس عشر عن جابر بن عبد اله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار قيل يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته قال أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون وقيل غير هذا من التأويلات قال واللازم من الآية أن على أعراف ذلك السور أو على مواضع مرتفعة عن الفريقين حيث شاء الله تعالى رجالا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار ويعرفون كلا بسيماهم أي بعلاماتهم من بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة وسوادها وقبحها في أهل النار إلى غير ذلك في حيز هؤلاء وحيز هؤلاء وقوله لم يدخلوها وهم يطمعون المراد به أهل الأعراف فقط وهو تأويل ابن مسعود والسدي وقتادة والحسن وقال والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لخير أراده بهم قال ع وهذا هو الأظهر الأليق مما قيل في هذه الآية ولا نظر لأحد مع قول النبي صلى الله عليه و سلم
وقوله سبحانه وإذا صرفت أبصارهم أي أبصار أصحاب الأعراف فهم يسلمون على أصحاب الجنة وإذا نظروا إلى النار وأهلها قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين قاله ابن عباس وجماعة من العلماء
وقوله سبحانه ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم يريد من أهل النار ما أغنى عنكم جمعكم ما استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ وما الثانية مصدرية وجمعكم لفظ يعم المال والأجناد والخول
وقوله سبحانه أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم اله برحمة ادخلوا الجنة أهل الأعراف هم القائلون إشارة إلى أهل الجنة والذين خوطبوا هم أهل النار والمعنى أهؤلاء الضعفاء في الدنيا الذين حلفتم أن الله لا يعبؤ بهم قيل لهم ادخلوا الجنة وقال النقاش اقسم أهل النار أن أصحاب

الأعراف داخلون النار معهم فنادتهم الملائكة أهولاء ثم نادت أصحاب الأعراف أدخلوا الجنة وقرأ عكرمة دخلوا الجنة على الأخبار بفعل ماض
قوله سبحانه ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء الآية لفظة النداء تتضمن أن أهل النار وقع لهم علم بأن أهل الجنة يسمعون نداءهم وجائز أن يكون ذلك وهم يرونهم بادراك يجعله الله لهم على بعد السفل من العلو وجائز أن يكون ذلك وبينهم السور والحجاب المتقدم الذكر وروي أن ذلك النداء هو عند اطلاع أهل الجنة عليهم وقوله سبحانه أو مما رزقكم الله إشارة إلى الطعام قاله السدي فيقول لهم أهل الجنة إن الله حرم طعام الجنة وشرابها على الكافرين وإجابة أهل الجنة بهذا الحكم هو عن أمر الله تعالى ومعنى قوله تعالى الذين اتخذوا دينهم لهوا أي بالإعراض والاستهزاء بمن يدعوهم إلى الإسلام وغرتهم الحياة الدنيا أي خدعتهم بزخرفها واعتقادهم أنها الغاية القصوى وقوله فاليوم ننساهم هو من أخبار الله عز و جل عما يفعل بهم والنسيان هنا بمعنى الترك أي نتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم قاله ابن عباس وجماعة وما كانوا عطف على ما من قوله كما نسوا ويحتمل أن تقدر ما الثانية زائدة ويكون قوله وكانوا عطفا على قوله نسوا وقوله سبحانه ولقد جئناهم بكتاب الضمير في جئناهم لمن نقدم ذكره والكتاب اسم جنس واللام في لقد لام قسم وقال يحيى بن سلام بل الكلام تم في يجحدون وهذا الضمير لمكذبي نبيا محمد صلى الله عليه و سلم وهو ابتداء كلام آخر والمراد بالكتاب القرآن الكريم وعلى علم معناه على بصيرة وقوله سبحانه هل ينظرون أي ينتظرون إلا تأويله أي مئاله وعاقبته يوم القيامة قاله ابن عباس وغيره وقال السدي مئالة في الدنيا وقعة بدر وغيرها ويوم القيامة أيضا ثم أخبر تعالى أن مئال حال هذا الدين يوم يأتي يقع معه ندمهم ويقولون تأسفا على ما فاتهم من

الإيمان لقد جاءت رسل ربنا بالحق فالتأويل على هذا من آل يؤل ونسوه يحتمل أن يكون بمعنى الترك وباقي الآية بين ت وهذا التقرير يرجح تأويل ابن سلام المتقدم
وقوله سبحانه إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام الآية خطاب عام يقتضي التوحيد والحجة عليه بدلائله وجاء في التفسير والأحاديث أن الله سبحانه ابتدأ الخلق يوم الأحد وكملت المخلوقات يوم الجمعة وهذا كله والساعة اليسيرة في قدرة الله سبحانه سواء قال م في ستة أيام ستة أصلها سدسة فأبدلوا من السين تاء ثم ادغموا الدال في التاء وتصغيره سديس وسديسة انتهى وقوله سبحانه ثم استوى على العرش معناه عند أبي المعالى وغيره من حذاق المتكلمين الملك والسلطان وخص العرش بالذكر تشريفا ا إذ هو أعظم المخلوقات
وقوله سبحانه ألا له الخلق والأمر إلا استفتاح كلام وأخذ المفسرون الخلق بمعنى المخلوقات أي هي كلها ملكه واختراعه وأخذوا الأمر مصدرا من آمر يأمر قال ع ويحتمل أن تؤخذ لفظة الخلق على المصدر من خلق يخلق خلقا أي له هذه الصفة إذ هو الموجد للأشياء بعد العدم ويؤخذ الأمر على أنه واحد الأمور فيكون بمنزلة قوله وإليه يرجع الأمر كله وإلى الله ترجع الأمور وكيف ما تأولت الآية فالجميع لله سبحانه وتبارك معناه عظم وتعالى وكثرت بركاته ولا يوصف بها إلا الله سبحانه و تبارك لا يتصرف في كلام العرب فلا يقال منه يتبارك و العالمين جمع عالم
وقوله عز و جل ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يجب المعتدين هذا أمر بالدعاء وتعبد به ثم قرن سبحانه بالأمر به صفات تحسن معه وقوله تضرعا معناه بخشوع وإستكانه والتضرع لفظة تقتضي الجهر لأن التضرع إنما يكون بإشارات جوارح وهيآت أعضاء تقترن بالطلب وخفية يريد في النفس خاصة وقد أثنى الله سبحانه على ذلك في قوله سبحانه إذ نادى ربه نداء خفيا ونحو

هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم خير الذكر الخفي والشريعة مقررة أن السر فيما لم يفرض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر ت ونحو هذا لابن العربي لما تكلم على هذه الآية قال الأصل في الأعمال الفرضية الجهر والأصل في الأعمال النفلية السر وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء والتظاهر بذلك في الدنيا والتفاخر على الأصحاب بالأعمال وقلوب الخلق جبلت بالميل إلى أهل الطاعة انتهى من الأحكام وقوله سبحانه إنه لا يحب المعتدين يريد في الدعاء وإن كان اللفظ عاما والاعتداء في الدعاء على وجوه منها الجهر الكثير والصياح وفي الصحيح عنه صلى الله عليه و سلم أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ومنها أن يدعو في محال ونحو هذا من التشطط وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال سيكون قوم يعتدون في الدعاء وحسب المراء أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وقال البخاري إنه لا يحب المتعدين أي في الدعاء وغيره انتهى ت قال الخطابي وليس معنى الاعتداء الإكثار فقد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الله يحب الملحين في الدعاء وقال إذا دعا أحدكم فليستكثر فإنما هو يسأل ربه انتهى وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مغفل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهر والدعاء انتهى
وقوله سبحانه ولا تفسدوا في الأرض الآية ألفاظها عامة تتضمن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر والقصد بالنهي هو العموم وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على جهة المثال
وقوله سبحانه وأدعوه خوفا وطمعا أمر بأن يكون الإنسان في حالة تقرب وتحرز وتأميل لله عز و جل حتى يكون الخوف والرجاء

كالجناحين للطير يحملانه في طريق استقامة وان انفرد أحدهما هلك الإنسان وقد قال كثير من العلماء ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة فإذا جاء الموت غلب الرجاء وقد رأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب على المرء بكثير وهذا كله طريق احتياط ومنه تمنى الحسن البصري أن يكون الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف ثم أنس سبحانه بقوله إن رحمت الله قريب من المحسنين
وقوله سبحانه وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا الآية هذه آية اعتبار واستدلال وقرأ عاصم الرياح بالجمع بشرا بالباء المضمومة والشين الساكنة وروي عنه بشرا بضم الباء والشين ومن جمع الريح في هذه الآية فهو أسعد وذلك أن الرياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة كقوله ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات واكثر ذكر الريح مفردة إنما هو بقرينة عذاب كقوله سبحانه وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم وقد تقدم إيضاح هذا في سورة البقرة ومن قرأ في هذه الآية الريح بالإفراد فإنما يريد به اسم الجنس وأيضا فتقييدها بنشرا يزيل الاشتراك والإرسال في الريح هو بمعنى الأجراء والإطلاق ونشرا أي تنشر السحاب وأما بشرا بضم الباء والشين فجمع بشير كنذير ونذر والرحمة في هذه آية المطر وبين يدي أي أمام رحمته وقدامها وأقلت معناه رفعته من الأرض واستقلت به وثقالا معناه من الماء والعرب تصف السحاب بالثقل والريح نسوق السحاب من ورائه فهو سوق حقيقة والضمير في سقناه عائد على السحاب ووصف البلد بالموت استعارة بسبب شعثه وجذوبته والضمير في قوله فأنزلنا به يحتمل أن يعود على السحاب أي منه ويحتمل أن يعود على البلد ويحتمل أن يعود على الريح

وقوله تبارك وتعالى كذلك نخرج الموتى يحتمل مقصدين أحدهما أن يراد كهذه القدرة العظيمة هي القدرة على إحياء الموتى وهذا مثال لها الثاني أن يراد أن هكذا نصنع بالأموات من نزول المطر عليهم حتى يحيوا به حسب ما وردت به الآثار فيكون الكلام خبرا لا مثالا
وقوله سبحانه والبلد الطيب يخرج نباته آية متممة للمعنى الأول في الآية قبلها معرفة بعادة الله سبحانه في إنبات الأرضين فمن أراد أن يجعلها مثالا لقلب المؤمن وقلت الكافر كما هو محكي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي فذلك مترتب لكن ألفاظ الآية لا تقتضي أن المثل قصد به ذلك والطيب هو الجيد التراب الكريم الأرض وخص بإذن ربه مدحا وتشريفا وهذا كما تقول لمن تغض منه أنت كما شاء الله فهي عبارة تعطي مبالغة في مدح أو ذم والخبيث هو السباخ ونحوها من رديء الأرض و النكد العسير القليل كذلك نصرف الآيات أي هكذا نبين الأمور و يشكرون معناه يؤمنون ويثنون بآلاء الله سبحانه
قوله عز و جل لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون قال الطبري أقسم الله تعالى أنه أرسل نوحا وكذا قال أبو حيان لقد اللام جواب قسم محذوف انتهى وغيره بالرفع بدل من قوله من اله لأنه في موضع رفع ويجوز أن يكون نعتا على الموضع لأن التقدير ما لكم إله غيره والملأ الجماعة من الإشراف قيل أنهم مأخذون من أنهم يملؤن النفس والعين ويحتمل من أنه إذا تمالؤا على أمرتم وقولهم إنا لنراك يحتمل من رؤية البصر ويحتمل من رؤية القلب وهو أظهر وفي ضلال أي في تلف وجهالة بما تسلك وقوله

لهم جواب عن هذا ليس بي ضلالة مبالغة في حسن الأدب والإعراض عن الجفاء منهم وتناول رفيق وسعة صدر حسب ما تقتضيه خلق النبؤة وقوله ولكني رسول تعرض لمن يريد النظر والبحث والتأمل في المعجزة وقوله عليه السلام وأعلم من الله ما لا تعلمون لفظ مضمنه الوعيد لا سيما وهم لم يسمعوا قط بأمة عذبت
وقوله أو عجبتكم إن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا أنهم كانوا قوما عمين الاستفهام هنا على جهة التقرير والتوبيخ وقوله على رجل منكم قيل على بمعنى مع وقيل هو على حذف مضاف تقديره على لسان رجل ويحتمل أن يكون معناه منزل على رجل منكم إذ كل ما يأتي من الله سبحانه فله حكم النزول ولعلكم ترج بحسب حال نوح ومعتقده
وقوله سبحانه فأنجيناه والذين معه في الفلك الآية وفي التفسير أن الذين كانوا مع نوح في السفينة أربعون رجلا وقيل ثمانون رجلا وثمانون امرأة وقيل عشرة وقيل ثمانية قاله قتادة وقيل سبعة والله أعلم وفي كثير من كتب الحديث الترمذي وغيره أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام وقوله عمين جمع عم ويريد عمي البصائر وأتى في حديث الشفاعة وغيره أن نوحا أول الرسل
وقوله سبحانه وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين عاد اسم الحي وهم عرب فيما يذكر وأخاهم نصب بأرسلنا وهو معطوف على نوح وهذه أيضا نذارة من هود عليه السلام وقوله افلا تتقون استعطاف إلى التقوى والإيمان وقوله أو عجبتم إن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم

واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قوله وزادكم في الخلق أي في الخلقة والبسطة الكمال في الطول والعرض وقيل زادكم على أهل عصركم وقال الطبري زادكم على قوم نوح وقاله قتادة قال ع واللفظ يقتضي أن الزيادة على جميع العالم وهوالذي يقتضيه ما يذكر عنهم وروي أن طول الرجل منهم كان مائة ذراع وطول اقصرهم ستون ونحوها والآلاء جمع الى على مثل معي وهي النعمة والمنة قال الطبري وعاد هؤلاء فيما حدث ابن إسحاق من ولد عاد بن ارم بن عوص بن سام بن نوح وكانت مساكنهم الشحر من ارض اليمن وما وإلى حضرموت إلى عمان قال السدي وكانوا بالأحقاف وهي الرمال وكانت بلادهم اخصب بلاد فردها الله صحارى وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن قبر هود عليه السلام هنالك في كثيب احمر تخالطه مدرة ذات أراك وسدر وكانوا قد فشوا في جميع الأرض وملكوا كثيرا بقوتهم وعددهم وظلموا الناس وكانوا ثلاثة عشر قبيلة وكانوا أصحاب أوثان فبعث الله إليهم هودا من أفضلهم وأوسطم نسبا فدعاهم إلى توحيد الله سبحانه وإلى ترك الظلم قال ابن إسحاق ولم يأمرهم فيما يذكر بغير ذلك فكذبوه وعتوا واستمروا على ذلك إلى أن أراد الله إنفاذ أمره أمسك عنهم المطر ثلاث سنين فشقوا بذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا دهمهم أمر بالذكر تشريفا ا إذ هو أعظم الله فيه تعظيما له مؤمنهم وكافرهم وأهل مكة يؤمئد العماليق وسيدهم رجل يسمى معاوية بن بكر فاجتمعت عاد على أن تجهز منهم وفدا إلى مكة يستسقون الله لهم فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال وعتيل بن ضد ابن عاد الأكبر ومرثد بن سعد وكان هذا مؤمنا يكتم إيمانه وجلهمة بن

الخيبري في سبعين رجلا من قومهم فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارج الحرم فأنزلهم وأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتا معاوية ولما رأى معاوية إقامتهم وقد بعثهم عاد للغوث أشفق على عاد وكان ابن أختهم أمه كلهذة ابنة الخيبري اخت جلهمة وقال هلك أخوالي وشق عليه أن يأمر اضيافه بالانصراف عنه فشكا ذلك إلى قينتيه فقالتا أصنع شعرا نغني به عسى أن ننبههم فقال ... ألا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل الله يصحبنا غماما ...
... فتسقى أرض عاد أن عادا ... قد أمسوا لا يبينون الكلاما ...
... من العطش الشديد فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما ...
... وقد كانت نساؤهم بخير ... فقد أمست نساؤهم عياما ...
... وان الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعادي سهاما ...
... وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما ...
... فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما ...
فغنت به الجرادتان فلما سمعه القوم قال بعضهم يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حل بهم فادخلوا هذا الحرم وادعوا لعل الله يغيثهم فخرجوا لذلك فقال لهم مرثد ابن سعد إنكم والله ما تسقون بدعائكم ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم سقيتم وأظهر إيمانه يومئذ فخالفه الوفد وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر احبسا عنا مردا ولا يدخل معنا الحرم فإنه قد اتبع هودا ومضوا إلى الحرم فاستسقى قيل بن عنز وقال يا الاهنا أن كان هود صادقا فاسقنا فإنا قد هلكنا فانشأ الله تعالى سحائب ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم نادى مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ما شئت فقال قيل قد اخترت السوداء

فإنها أكثرهن ماء فنودي قد اخترت رمادا رمددا
لا تبقى من عاد أحدا
لا والدا ولا ولدا إلا جعلتهم همدا وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها قالوا هذا عارض ممطرنا حتى عرفت أنها ريح امرأة منهم يقال لها مهدر فصاحت وصعقت فلما أفاقت قيل لها ما رأيت قالت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك فأعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه من ريح إلا ما يلتذ به قال ع وهذا قصص وقع في تفسير الطبري مطولا وفيه اختلاف فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز وفي خبرهم أن الريح كانت تدمغهم بالحجارة وترفع الظعينة عليها المرأة حتى تلقيها في البحر وفي خبرهم أن أقوياءهم كان أحدهم يسد بنفسه مهب الريح حتى تغلبه فتلقيه في البحر فيقوم آخر مكانه حتى هلك الجميع وقال زيد بن أسلم بلغني أن ضبعا ربت أولادها في حجاج عين رجل منهم وفي خبرهم أن الله سبحانه لما اهلكهم بعث طيرا فنقلت جيفهم حتى طرحتها في البحر فذلك قوله سبحانه فاصبحوا لا ترى إلا مساكنهم وفي بعض ما روي من شأنهم أن الريح لم تبعث قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم فذلك قوله سبحانه فاهلكوا بريح صرصر عاتية وروي أن هودا لما هلكت عاد نزل بمن آمن معه إلى مكة فكانوا بها حتى ماتوا فالله أعلم أي ذلك كان وقولهم أجئتنا لنعبد الله وحده الآية ظاهر قولهم وحده أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردون العبادة لله مع إقرارهم بالإله الخالق المبدع وهذا هو الأظهر فيهم وفي عباد الأوثان كلهم ولا يجحد ربوبية الله تعالى من الكفرة إلا من أفرطت غباوته وقولهم فاتنا بما تعدنا

تصميم على التكذيب واستعجال للعقوبة وقوله سبحانه قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا الآية أعلمهم بأن القضاء قد نفذ وحل عليهم الرجس وهو السخط والعذاب وقوله أتجادلونني في أسماء سميتموها أي في مسميات سميتموها آلة وقطعنا دابر استعارة تستعمل فيمن يستأصل بالهلاك والدابر الذي يدبر القوم ويأتي خلفهم فإذا انتهى القطع والاستيصال إلى ذلك فلم يبق أحد وقوله كذبوا بآياتنا دال على المعجزة وإن لم تتعين ت ومن معجزاته قوله فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون على ما سيأتي إن شاء الله في موضعه
وقوله سبحانه وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم قرأ الجمهور وإلى ثمود بغير صرف على ارادة القبيلة وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وإلى ثمود بالصرف على إرادة الحي والقراءتان فصيحتان مستعملتان وقد قال تعالى ألا إن ثمودا كفروا ربهم و أخاهم عطف على نوح والمعنى وأرسلنا إلى ثمود أخاهم وهي أخوة نسب وهم قوم عرب فهود وصالح عربيان وكذلك إسماعيل وشعيب كذا قال الناس في أمر إسماعيل ت النظر الذي أشار إليه لا يخفى عليك وذلك أن إسماعيل والده إبراهيم عليه السلام أعجمي وتعلم إسماعيل العربية من العرب الذين نزلوا عليه بمكة حسب ما ذكره أهل السيرة فهذا وجه النظر الذي أشار إليه وفي نظره رحمة الله نظر يمنعني من البحث معه ما أنا له قاصد من الإيجار والاختصار دون البسط والانتشار نعم خرج أبو بكر والآجري الآجري من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال وأربعة من

العرب هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر انتهى
يذكر إسماعيل فهذا الحديث قد يعضد ما قاله ع وصالح عليه السلام هو صالح بن عبيد بن عابر بن ارم بن سام بن نوح كذا ذكر مكي قال وهب بعثه الله حين راهق الحلم ولما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة فأقاموا بها حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر أي كما ارتحل هود بمن معه إلى مكة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
وقوله قد جاءتكم بينة من ربكم أي آية أو حجة أو موعظة بينة من ربكم قال بعض الناس أن صالحا جاء بالناقة من تلقاء نفسه وقال الجمهور بل كانت مقترحة وهذا أليق بما ورد في الآثار من أمرهم روي أن قومه طلبوا منه آية تضطرهم إلى الإيمان وقالوا يا صالح إن كنت صادقا فادع لنا ربك يخرج لنا من هذه الهضبة وفي بعض الروايات من هذه الصخرة لصخرة بالحجر ناقة عشراء فدعا الله فتمخضت تلك الهضبة وانشقت عن ناقة عظيمة وروي أنها كانت حاملا فولدت سقبها المشهور وروي أنه خرج معها فصيلها من الصخرة وقيل لها ناقة الله تشريفا لها وتخصيصا وهي إضافة خلق إلى خالق وجعل الله لها شربا يوما ولهم شرب يوم وكانت آية في شربها وحلبها قال المفسرون كانت خلقا عظيما تأتي إلى الماء بين جبلين فيزحمانها من العظم وقاسمت ثمود في الماء يوما بيوم فكانت الناقة ترد يومها فتستوفي ماء بيرهم شربا ويحلبونها ما شاءوا من لبن ثم تمكث يوما وترد بعد ذلك غبا فاستمر ذلك ما شاء الله حتى ملتها ثمود وقالوا ما نصنع باللبن الماء أحب إلينا منه وكان سبب الملل فيما روي أنها كانت تصيف في بطن الوادي وادي الحجر وتشتو في ظاهره فكانت مواشيهم تفر منها فتمالئوا على ملل الناقة وروي أن صالحا أوحى الله إليه أن قومك سيعقرون الناقة وينزل بهم العذاب عند ذلك فأخبرهم بذلك فقالوا عياذا

بالله أن نفعل ذلك فقال إن لم تفعلوا أنتم أوشك أن يولد فيكم من يفعله وقال لهم صفة عاقرها أحمر أشقر أزرق فولد قدار على الصفة المذكورة فكان الذي عقرها بالسيف وقيل بالسهم في ضرعها وهرب فصيلها عند ذلك حتى صعد على جبل يقال له القارة فرغا ثلاثا فقال يا صالح هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب وأمرهم قبل رغاء الفصيل أن يطلبوه عسى أن يصلوا إليه فيندفع عنهم العذاب به فراموا الصعود إليه في الجبل فارتفع الجبل في السماء حتى ما تناله الطير وحينئذ رغا الفصيل وروي أن صالحا عليه السلام قال لهم حين رغا الفصيل ستصفر وجوهكم في اليوم الأول وتحمر في الثاني وتسود في الثالث فلما ظهرت العلامات التي قال لهم أيقنوا بالهلاك واستعدوا ولطخوا ابدانهم بالمر وحفروا القبور وتحنطوا وتكفنوا في الأنطاع فأخذتهم الصيحة وخرج صالح ومن آمن معه حتى نزل رملة فلسطين وقد اكثر الناس في هذا القصص وهذا القدر كاف ومن أراد استيفاء هذا القصص فليطالع الطبري قال ع وبلاد ثمود هي بين الشام والمدينة وهي التي مر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع المسلمين في غزوة تبوك فقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم اعتجر بعمامة وأسرع السير حتى جاز الوادي صلى الله عليه و سلم ت ولفظ البخاري ثم قنع رأسه وأسرع السير الحديث
وقوله سبحانه واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض الآية بوأكم معناه مكنكم وهي مستعملة في المكان وظروفه و القصور جمع قصر وهي الديار التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة بخلاف بيوت العمود وقصرت على الناس قصرا تاما والنحت النجر والقشر في الشيء الصلب كالحجر والعود ونحوه وكانوا ينحتون الجبال لطول أعمارهم و تعثوا معناه تسفدوا قال أبو حيان ومفسدين حال مؤكدة

انتهى و الذين استكبروا هم الأشراف والعظماء الكفرة و الذين استضعفوا هم العامة والاغفال في الدنيا وهم اتباع الرسل وقولهم أتعلمون استفهام على معنى الاستهزاء والاستخفاف فأجاب المؤمنون بالتصديق والصرامة في دين الله فحملت الانفة الأشراف على مناقضة المؤمنين في مقالتهم واستمروا على كفرهم
وقوله سبحانه فعقروا الناقة يقتضي بتشريكهم أجمعين في الضمير إن عقر الناقة كان على تمالىء منهم واتفاق وكذلك روي أن قدارا لم يعقرها حتى كان يستشير وعتوا معناه خشنوا وصلبوا ولم يذعنوا للأمر والشرع وصمموا على تكذيبه واستعجلوا النقمة بقولهم ائتنا بما تعدنا فحل بهم العذاب والرجفة ما تؤثره الصيحة أو الطامة التي يرجف بها الإنسان وهو أن يتحرك ويضطرب ويرتعد ومنه فرجع بها رسول الله صلى الله عليه و سلم يرجف فؤاده وروي أن صيحة ثمود كان فيها من كل صوت مهول وكانت مفرطة شقت قلوبهم فجثموا على صدورهم والجاثم اللاطىء بالأرض على صدره فجاثمين معناه باركين قد صعق بهم وهو تشبيه بجثوم الطير وجثوم الرماد قال بعض المفسرين معناه حمما محترقين كالرماد الجاثم وذهب صاحب هذا القول إلى أن الصيحة اقترن بها صواعق محرقة وروي أن الصيحة أصابت كل من كان منهم في شرق الأرض وغربها إلا رجلا كان في الحرم فمعنه الحرم ثم هلك بعد خروجه من الحرم ففي مصنف أبي داود قيل يا رسول اله من ذلك الرجل قال أبو رغال وذكره الطبري أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم وهذا الخبر يرد ما في السير من أن أبا رغال هو دليل الفيل وقوله فتولى عنهم أي تولى عنهم وقت عقر الناقة وذلك قل نزول العذاب وكذلك روي أنه عليه السلام خرج من بين أظهرهم قبل نزول العذاب وهو الذي تقتضيه مخاطبته لهم ويحتمل أن يكون خطابه لهم وهم موتى على جهة التفجع عليهم

وذكر حالهم أو غير ذلك كما خاطب النبي صلى الله عليه و سلم أهل قليب بدر قال الطبري وقيل أنه لم تهلك أمة ونبيها معها وروي أنه أرتحل بمن معه حتى جاء مكة فأقام بها حتى مات ولفظ التولي يقتضي اليأس من خيرهم واليقين في إهلاكهم وقوله ولكن لا تحبون الناصحين عبارة عن تغليبهم الشهوات على الرأي السديد إذ كلام الناصح صعب مضاد لشهوة الذي ينصح ولذلك تقول العرب أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك
وقوله سبحانه ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين لوط عليه السلام بعثه الله سبحانه إلى أمة تسمى سدوم وروي أنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام ونصبه إما بارسلنا المتقدم في الأنبياء وأما بفعل محذوف تقديره واذكر لوطا والفاحشة إتيان الذكور في الأدبار وروي أنه لم تكن هذه المعصية في أمة قبلهم وحكم هذه الفاحشة عند مالك وغيره الرجم أحصن أم لم يحصن وحرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجلا عمل عمل قوم لوط وقرأ نافع وغيره إنكم على الخبر كأنه فسر الفاحشة والإسراف الزيادة الفاسدة ولم تكن مراجعة قومه باحتجاج منهم ولا بمدافعة عقلية وإنما كانت بكفر وخذلان و يتطهرون معناه يتنزهون عن حالنا وعادتنا قال قتادة عابوهم بغير عيب وذموهم بغير ذم واستثنى الله سبحانه امرأة لوط عليه السلام من الناجين وأخبر أنها هلكت والغابر هو الباقي هذا هو المشهور في اللغة وقد يجيء الغابر بمعنى الماضي وكذلك حكى أهل اللغة غبر بمعنى بقي وبمعنى مضى وقوله و أمطرنا عليهم مطرا الآية أي بحجارة وروي أن الله تعالى بعث

جبريل فاقتلعها بجناحه وهي ست مدن وقيل خمس وقيل أربع فرفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا صراخ الديكة ونباح الكلاب ثم عكسها ورد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم من كان في سفر أو خارجا من البقع المرفوعة وقالت امرأة لوط حين سمعت الوجبة واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها
وقوله سبحانه وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها الآية قيل في مدين أنه اسم بلد وقطر وقيل اسم قبيلة وقيل هم من ولد مدين بن إبراهيم الخليل وهذا بعيد وروي أن لوطا هو جد شعيب لأمه وقال مكي كان زوج بنت لوط وأخاهم منصوب بأرسلنا في أول القصص والبينة إشارة إلى معجزته ولا تبخسوا معناه ولا تظلموا ومنه قولهم تحسبها حمقاء وهي باخس أي ظالمة خادعة وقال في سورة هود البخس النقص ت ويحتمل والله أعلم أن البخس هو ما اعتاده الناس من ذم السلع ليتوصلوا بذلك إلى رخصها فتأمله والله أعلم بما أراد سبحانه قال أبو حيان ولا تبخسوا متعد إلى مفعولين تقول بخست زيدا حقه أي نقصته إياه انتهى و أشيائهم يريد أمتعتهم وأموالهم ولا تفسدوا لفظ عام في دقيق الفساد وجليلة وكذلك الإصلاح عام ذلكم خير لكم أي عند الله إن كنتم مؤمنين أي بشرط الإيمان والتوحيد وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان ولا تقعدوا بكل صراط الآية قال السدي هذا نهي عن العشارين والمتغلبين ونحوه من أخذ أموال الناس بالباطل و الصراط الطريق وذكل أنهم كانوا يكثرون من هذا لأنه من قبيل بخسهم ونقصهم الكيل والوزن وقال أبو هريرة رضي الله عنه هو نهي عن السلب وقطع الطرق وكان ذلك من

فعلهم وروي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم وما تقدم من الآية يؤيد هذين القولين وقال ابن عباس وغيره قوله ولا تقعدوا نهى لهم عما كانوا يفعلونه من رد الناس عن شعيب وذلك أنهم كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه وما بعد هذا من الألفاظ يشبه هذا من القول والضمير في به يحتمل أن يعود على اسم الله وأن يعود على شعيب في قوله من رأى القعود على الطرق للرد عن شعيب قال الداودي وعن مجاهد يبغونها عوجا يلتمسون لها الزيغ انتهى ثم عدد عليهم نعم الله تعالى وأنه كثرهم بعد قلة عدد وقيل أغناهم بعد فقرهمثم حذرهم ومثل لهم بمن امتحن من الأمم وقوله وان كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا الآية قوله اصبروا تهديد للطائفة الكافرة وقولهم أو لتعودن في ملتنا معناه أو لتصيرن وعاد في كلام العرب على وجهين أحدهما عاد الشيء إلى حال قد كان فيها قبل ذلك وهي على هذا الوجه لا تتعدى فإن عديت فبحرف ومنه قول الشاعر ... ألا ليت أيام الشباب جديد ... وعمرا تولى بابثين يعود ...
ومنه قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه والوجه الثاني أن تكون بمعنى صار وعاملة عملها ولا تتضمن أن الحال قد كانت متقدمة ومنه قول الشاعر ... تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد ابوالا ...
ومنه قول الآخر ... وعاد راسى كالثغامة ...
ومنه قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم على أن هذه محتملة بقوله في الآية أو لتعودن وشعيب عليه السلام لم يك قط كافرا فيقتضى أنها بمعنى صار وأما في جهة المؤمنين به بعد كفرهم فيترتب المعنى الآخر ويخرج عنه شعيب وقوله أو لو كنا كارهين توقيف منه لهم على شنعة المعصية وطلب أن يقروا بالسنتهم بإكراه المؤمنين على الإخراج ظلما

وغسما قال ص قد افترينا هو بمعنى المستقبل لأنه سد مسد جواب الشرط وهو أن عدنا أو هو جوابه على قول انتهى وقوله إلا أن يشاء الله ربنا يحتمل أن يريد إلا أن يسبق علينا في ذلك من الله سابق سوء وينفذ منه قضاء لا يرد قال ع والمؤمنون هو المجوزون لذلك وأما شعيب فقد عصمته النبوءة وهذا أظهر مما يحتمل القول ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما يفعله الكفار من القربات وقيل أن هذا الاستثناء إنما هو تسنن وتأدب وقوله وسع ربنا كل شيء علما معناه وسع علم ربنا كل شيء كما تقول تصبب زيد عرقا أي تصبب عرق زيد و وسع بمعنى أحاط وقوله افتح معناه أحكم وقوله على الله توكلنا استسلام لله سبحانه وتمسك بلطفه وذلك يؤيذ التأويل الأول في قوله إلا أن شاء الله ربنا
وقوله سبحانه وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا الآية أي قال الملأ لتباعهم ومقلديهم والرجفة الزلزلة الشديدة التي ينال الإنسان معها اهتزاز وارتعاد واضطراب فيحتمل أن فرقة من قوم شعيب هلكت بالرجفة وفرقة بالظلة ويحتمل أن الظلة والرجفة كانتا في حين واحد ت و الرجفة هي الصيحة يرجف بسببها الفؤاد وكذلك هو مصرح بها في قصة قوم شعيب في قوله سبحانه وأخذت الذين ظلموا الصيحة الآية وقوله سبحانه كان لم يغنوا فيها الضمير في قوله فيها عائد على دارهم و يغنوا معناه يقيمون بنعمة وخفض عيش وهذا اللفظ فيه قوة الإخبار عن هلاكهم ونزول النقمة بهم والتنبيه على العبره والاتعاظ بهم ونحو هذا قول الشاعر ... كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر ...
قال ع فغنيت في المكان إنما يقال في الإقامة التي هي مقترنة بتنعم وعيش مرضي وقوله يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم كلام

يقتضي حزنا وإشفاقا لما رأى هلاك قومه إذ كان أمله فيهم غير ذلك ولما وجد في نفسه ذلك طلب أن يثير في نفسه سبب التسلى عنهم فجعل يعدد معاصيهم وإعراضهم ثم قال لنفسه لما نظر وفكر فكيف أسى على قوم كافرين ونحو هذا قوله صلى الله عليه و سلم لأهل قليب بدر و أسى معناه احزن قال مكي وسار شعيب بمن معه حتى سكن مكة إلى أن ماتوا بها
وقوله سبحانه وما أرسلنا في قرية من بني إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون أخبر سبحانه أنه ما بعث نبيا في قرية وهي المدينة إلا أخذ أهلها المكذبين له بالبأساء وهي المصائب في المال وعوارض الزمن والضراء وهي المصائب في البدن كالأمراض ونحوها لعلهم يضرعون أي ينقادون إلى الإيمان وهكذا قولهم الحمى أضرعتني لك ثم بدلنا مكان السيئة وهي البأساء والضراء الحسنة وهي البأساء والضراء الحسنة وهي السراء والنعمة حتى عفوا معناه حتى كثروا يقال عفا النبات والريش إذا كثر نباته ومنه قوله صلى الله عليه و سلم احفوا الشوارب واعفوا اللحى ولما بدل الله حالهم بالخير لطفا بهم فنموا رأوا أن إصابة الضراء والسراء إنما هي بالاتفاق وليست بقصد كما يخبر به النبيء واعتقدوا أن ما أصابهم من ذلك إنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم فجعلوه مثالا أي قد أصاب هذا آبائنا فلا ينبغي لنا أن ننكره ثم أخبر سبحانه أنه أخذ هذه الطوائف اللتي هذا معتقدها وقوله بغتة أي فجأة وأخذة أسف وبطشا للشقاء السابق لهم في قديم علمه سبحانه
وقوله تعالى ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض أي من بركات المطر والنبات وتسخير الرياح والشمس والقمر في مصالح العباد وهذا بحسب ما يدركه نظر البشر ولله سبحانه خدام غير ذلك لا يحصى عددهم وما في علم الله أكثر
وقوله سبحانه افأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم

نائمون الآية تتضمن وعيدا للكافرين المعاصرين لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم لأنه لما أخبر عما فعل في الأمم الخالية قال ومن يؤمن هؤلاء أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك وهذا استفهام على جهة التوقيف والبأس العذاب و مكر الله هي إضافة مخلوق إلى خالق والمراد فعل يعاقب به مكرة الكفرة والعرب تسمي العقوبة باسم الذنب
وقوله سبحانه أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها هذه الف تقرير دخلت على واو العطف و يهدي معناه يبين فيحتمل أن يكون المبين الله سبحانه ويحتمل أن يكون المبين قوله أن لو نشاء أي علمهم بذلك وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد يهدي معناه يتبين وهذه أيضا آية وعيد أي ألم يظهر لوارثي الأرض بعد أولئك الذين تقدم ذكرهم وما حل بهم أنا نقدر لو شئنا أصبناهم بذنوبهم كما فعلنا بمن تقدم وفي العبارة وعظ بحال من سلف من المهلكين
وقوله سبحانه تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين تلك ابتداء و القرى قال قوم هو نعت والخبر نقص وعندي أن أهل القرى هي خبر الابتداء وفي ذلك معنى التعظيم لها ولمهلكها وهذا كما قيل في قوله تعالى الكتاب قال عليه السلام اولئك الملأ وكقوله ابن أبي الصلت تلك المكارم وهذا كثير ثم ابتدأ سبحانه الخبر عن جميعهم بقوله جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل هذا الكلام يحتمل وجوها من التأويل أحدها أن يريد أن الرسول جاء لكل فريق منهم فكذبوه لأول أمره ثم استبانت حجته وظهرت الآيات الدالة على صدقه مع استمرار دعوته فلجوا هم في كفرهم ولم يؤمنوا بما سبق به تكذيبهم والثاني من الوجوه أن يريد فما كان آخرهم في الزمن ليؤمن بما كذب به أولهم في الزمن بل مشى بعضهم على

سنن بعض في الكفر أشار إلى هذا التأويل النقاش والثالث أن هؤلاء لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا لم يكن منهم إيمان قاله مجاهد وقرنه بقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه والرابع أنه يحتمل فما كانوا ليؤمنوا بما سبق في علم الله سبحانه انهم مكذبون به وذكر هذا التأويل المفسرون
وقوله سبحانه وما وجدنا لأكثرهم من عهد الآية اخبر سبحانه أنه لم يجد لأكثرهم ثبوتا على العهد الذي أخذه سبحانه على ذرية آدم وقت استخراجهم من ظهره قاله أبو العالية عن أبي بن كعب ويحتمل أن يكون المعنى وما وجدنا لأكثرهم التزام عهد وقبول وصاة مما جاءتهم به الرسل عن الله ولا شكروا نعم الله عز و جل قال ص لأكثرهم يحتمل أن يعود على الناس أو على أهل القرى أو الأمم الماضية انتهى
وقوله سبحانه ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها الآيات في هذه الآية عام في التسع وغيرها والضمير في من بعدهم عائد على الأنبياء المتقدم ذكرهم وعلى أممهم
وقوله سبحانه فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فيه وعيد وتحذير للكفرة المعاصرين لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقوله سبحانه وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق قرأ نافع وحده على بإضافة على إليه وقرأ الباقون على بسكون الياء قال الفارسي معنى هذه القراءة أن على وضعت موضع الباء كأنه قال حقيق بان لا أقول على الله إلا الحق وقال قوم حقيق صفة لرسول تم عندها الكلام وعلى خبر مقدم وأن لا أقول ابتداء وإعراب أن على قراءة من سكن الياء خفض وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع وفي قراءة عبد الله حقيق أن لا أقول وهذا المخاطبة إذا تأملت غاية في التلطف ونهاية في القول اللين الي أمر به عليه السلام وقوله قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معني بني إسرائيل قال إن

كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين البينة هنا إشارة إلى جميع آياته وهي على المعجزة منها أدل وهذا من موسى عليه السلام عرض نبؤته ومن فرعون استدعاء خرق العادة الدال على الصدق وظاهر هذه الآية وغيرها أن موسى عليه السلام لم تنبن شريعته إلا على بني إسرائيل فقط ولم يدع فرعون وقومه إلا إلى إرسال بني إسرائيل وذكره لعله يتذكر أو يخشى وقوله فالقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين روي ان موسى قلق به وبمجاورته فرعون فقال لأعوانه خذوه فألقى موسى العصا فصارت ثعبانا وهمت بفرعون فهرب منها وقال السدي أنه أحدث وقال يا موسى كفه عني فكفه وقال نحوه سعيد بن جبير ويقال أن الثعبان وضع اسفل لحييه في الأرض وأعلاهما في أعلى شرفات القصر والثعبان الحية الذكر وهو أهول وأجرأ قاله الضحاك وقال قتادة صارت حية اشعر ذكرا وقال ابن عباس غرزت ذنبها في الأرض ورفعت صدرها إلى فرعون وقوله مبين معناه لا تخييل فيه بل هو بين أنه ثعبان حقيقة و نزع يده معناه من جبيبه أو كمه حسب الخلاف في ذلك
وقوله فإذا هي بيضاء للنظارين قال مجاهد كاللبن أو أشد بياضا وروي أنها كانت تظهر منيرة شفافة كالشمس تأتلق وكان موسى عليه السلام آدم أحمر إلى السواد ثم كان يرد يديه فترجع إلى لون بدنه قال فهاتان الآيتان عرضهما عليه السلام للمعارضة ودعا إلى الله بهما وخرق العادة بهما ت وظاهر الآية كما قال وليس في الآية ما يدل على أنه أراد بإلقاء العصا الانتظار والتخويف كما يعطيه ما تقدم ذكره من القصص
وقوله عز و جل قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون لا محالة أنهم خافوا أمر موسى وجالت ظنونهم كل مجال وقوله فماذا تأمرون الظاهر أنه من كلام الملأ بعضهم لبعض وقيل انه من كلام

فرعون لهم وروى كردم عن نافع تأمرون بكسر النون وكذلك في الشعراء وما استفهام وذا بمعنى الذي فهما ابتداء وخبر وفي تأمرون ضمير عائد على الذي تقديره تأمرون به ويجوز أن تجعل ماذا بمنزلة اسم واحد في موضع نصب بتأمرون ولا يضمر فيه على هذا وقوله قالوا ارجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم أشار الملأ على فرعون بأن يؤخر موسى وهارون ويدع النظر في أمرهما ويجمع السحرة وحكى النقاش أنه لم يكن يجالس فرعون ولد غية وإنما كانوا أشرافا ولذلك أشاروا بالإرجاء ولم يشيروا بالقتل وقالوا أن قتلته دخلت على الناس شبهة ولكن أغلبه بالحجة
وقوله سبحانه وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين الأجر هنا الأجرة واختلف الناس في عدد السحرة على أقوال كثيرة ليس لها سند يوقف عنده والحاصل من ذلك أنهم جمع عظيم وقوله تعالى قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس وخير السحرة موسى في أن يتقدم في الإلقاء أو يتأخر وهذا فعل المدل الواثق بنفسه والظاهر أن التقدم في التخييلات والمخاريق أنجح لأن بديهتها تمضي بالنفوس فليظهر الله أمر نبوءة موسى قوى نفسه ويقينه ووثق بالحق فأعطاهم التقدم فنشطوا وسروا حتى أظهر الله الحق وأبطل سعيهم وقوله سبحانه سحروا أعين الناس نص في أن لهم فعلا ما زائد على ما يحدثونه من التزويق واسترهبوهم بمعنى أرهبوهم أي فزعوهم ووصف الله سبحانه سحرهم بالعظيم ومعنى ذلك من كثرته وروي أنهم جلبوا ثلاثمائة وستين بعيرا موقورة بالجبال والعصي فلما ألقوها تحركت وملأت الوادي يركب بعضها بعضا فاستهول الناس ذلك واسترههم قال الزجاج قيل أنهم جعلوا فيها الزيبق فكانت لا تستقر
وقوله

سبحانه وأوحينا إلى موسى أن الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون وروي أن موسى عليه السلام لما كان يوم الجمع خرج متكئا على عصاه ويده في يد أخيه وقد صف له السحرة في عدد عظيم حسبما ذكر فلما القوا واسترهبوا أوحى الله إليه أن ألق فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فعظم حتى كان كالجبل وروي أن السحرة لما ألقوا وألقى موسى جعلوا يرقون وجعلت حبالهم تعظم وجعلت عصا موسى تعظم حتى سدت الأفق وابتلعت الكل وروي أن الثعبان استوفى تلك الحبال والعصي أكلا واعدمها الله عز و جل ومد موسى يده إلى فمه فعاد عصا كما كان فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر فخروا سجدا مؤمنين بالله ورسوله وتلقف معناه تبتلع وتزدرد وقرأ ابن جبير تلقم بالميم
وقوله سبحانه فوقع الحق الآية أي نزل ووجد وقال أبو حيان فوقع أي فظهر والحق يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز وما كانوا يعملون لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته والضمير في قوله فغلبوا عائد على جميعهم أيضا وفي قوله وانقلبوا صاغرين إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير في قوله فغلبوا عائد على جميعهم أيضا وفي قوله وانقلبوا صاغرين إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير ولا لحقهم صغار لأنهم آمنوا واستشهدوا رضي الله عنهم
وقوله سبحانه وإلقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال أأمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين لما رأى السحرة من عظيم القدرة ما تيقنوا به نبوءة موسى آمنوا بقلوبهم وانضاف إلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفزع من قدرة الله عز و جل فخروا لله سبحانه متطارحين قائلين بالسنتهم آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال ع وهارون أخو موسى اسن منه بثلاث سنين وقول فرعون به قبل أن

آذن لكم دليل على وهنه وضعف أمره لأنه إنما جعل ذنبهم عدم إذنه والضمير في به يحتمل أن يعود على اسم الله سبحانه ويحتمل أن يعود على موسى عليه السلام وعنفهم فرعون على الإيمان قل أذنه ثم الزمهم أن هذا كان عن اتفاق منهم وروي في ذلك عن ابن عباس وابن مسعود أن موسى اجتمع مع رئيس السحرة واسمه شمعون فقال له موسى أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي فقال نعم فعلم بذلك فرعون فلهذا قال إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ثم توعدهم
وقوله سبحانه قالوا انا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا الآية هذا استسلام من مؤمني السحرة واتكال على الله سبحانه وثقة بما عنده وقرأ الجمهور تنقم بكسر القاف ومعناه وما تعد علينا ذنبا تواخذنا به إلا أن آمنا قال ابن عباس وغيره فيهم اصبحوا سحرة وأمسوا شهداء قال ابن عباس لما آمنت السحرة البتع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل وقول ملا فرعون أتذر موسى وقومه الآية مقالة تتضمن إغراء فرعون وتحريضه وقولهم ويذرك وإلهتك روي أن فرعون كان في زمنه للناس إلهة من بقر وأصنام وغير ذلك وكان فرعون قد شرع ذلك وجعل نفسه الاله الأعلى فقوله على هذا أنا ربكم الأعلى إنما يريد بالنسبة إلى تلك المعبودات وقيل إن فرعون كان يعبد حجرا يعلقه في صدره كأنه ياقوتة أو نحوها وعن الحسن نحوه وقوله سنقتل أبناءهم المعنى سنستمر على ما كنا عليه من تعذيبهم وقوله وانا فوقهم يريد في المنزلة والتمكن من الدنيا و قاهرون يقتضي تحقير أمرهم أي هم أقل من أن يهتم بهم قلت وهذا من عدو الله تجلد وإلا فقد قال فيما أخبر الله سبحانه به عنه أن هؤلاء لشرذمة قليلون وأنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حذرون
وقوله سبحانه قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا الآية لما قال فرعون سنقتل أبناءهم وتوعدهم قال موسى لبني إسرائيل يثبتهم ويعدهم عن الله

تعالى استعينوا بالله والأرض هنا أرض الدنيا وهو الأظهر وقيل المراد هنا أرض الجنة وأما في الثانية فأرض الدنيا لا غير والصبر في هذه الآية يعم الانتظار الذي هو عبادة والصبر في المناجزات والبأس وقولهم أوذينا من قبل أن تأتينا يعنون به الذبح الذي كان في المدة التي كان فرعون يتخوف فيها أن يولد المولود الذي يخرب ملكه ومن بعد ما جئتنا يعنون به وعيد فرعون وسائر ما كان خلال تلك المدة من الاخافة لهم وقال ابن عباس والسدي إنما قالت بنوا إسرائيل هذه المقالة حين اتبعهم فرعون واضطرهم إلى البحر قال ع وبالجملة فهو كلام يجري مع المعهود من بني إسرائيل من اضطرابهم على أنبيائهم وقلة يقينهم واستعطاف موسى لهم بقوله عسى ربكم أن يهلك عدوكم ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض يدل على أنه يستدعي نفوسا نافرة ويقوي هذا الظن في جهة بني إسرائيل سلوكهم هذا السبيل في غير ما قصة وقوله فينظر كيف تعملون تنبيه وحض على الاستقامة ولقد استخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان وقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع
وقوله سبحانه ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين أي بالجدوب والقحوط وهذه سيرة الله في الأمم وقوله ونقص من الثمرات أي حتى روي أن النخلة من نخلهم لا تحمل إلا ثمرة واحدة وقال نحوه رجاء بن حيوة وفعل الله تعالى بهم هذا لينيبوا ويزدجروا عماهم عليه من الكفر إذ أحوال الشدة ترق معها القلوب وترغب فيما عند الله سبحانه
وقوله عز و جل فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه الآية كان القصد في اصابتهم بالقحط والنقص في الثمرات ان ينيبوا ويرجعوا فإذا هم قد ضلوا وجعلوها تشاؤما بموسى فكانوا إذا اتفق لهم اتفاق حسن في غلات ونحوها قالوا هذه لنا وبسببنا وإذا نالهم ضر قالوا هذا بسبب موسى وشؤمه قاله مجاهد وغيره وقرأ الجمهور يطيروا بالياء

وشد الطاء والياء الأخيرة وقرأ طلحة بن مصرف وغيره تطيروا بالتاء وتخفيف الطاء وقرأ طلحة بن مصرف وغيره تطيروا بالتاء وتخفيف الطاء وقرأ مجاهد تشاءموا بموسى بالتاء حظهم ونصيبهم قال ابن عباس وهو مأخوذ من زجر الطير فسمي ما عند الله من فوق وبلفظ الشؤم
وقوله سبحانه الا إنما طائرهم عند الله من القدر للإنسان طائرا لما كان الإنسان يعتقد أن كل ما يصيبه إنما هو بحسب ما يراه في الطائر فهي لفظة مستعارة ومهما أصلها عند الخليل ماما فأبدلت الألف الأولى هاء وقال سيبويه هي مه ما خلطتا وهي حرف واحد لمعنى واحد وقال غيره معناها مه أي كف وما جزاء ذكره الزجاج وهذه الآية تتضمن طغيانهم وعتوهم وقطعهم على أنفسهم بالكفر البحت
وقوله سبحانه فأرسلنا عليهم الطوفان الآية الطوفان مصدر من قولك طاف يطوف فهو عام في كل شيء يطوف إلا أن استعمال العرب له كثير في الماء والمطر الشديد قال ابن عباس وغيره الطوفان في هذه الآية هو المطر الشديد أصابهم وتوالى عليهم حتى هدم بيوتهم وضيق عليهم وقيل طم فيض النيل عليهم وروي في كيفيته قصص كثير وقالت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الطوفان المراد في هذه الآية هو الموت قلت ولو صح هذا النقل لم يبق مجملا وروي أن الله عز و جل لما والى عليهم المطر عرقت أرضهم وامتنعوا من الزراعة قالوا يا موسى أدع لنا ربك في كشف هذا الغرق ونحن نؤمن فدعا فكشفه الله عنهم فانبتت الأرض إنباتا حسنا فنكثوا وقالوا ما نود انا لم نمطر وما هذا إلا إحسان من الله الينا فبعث الله عليهم حينئذ الجراد فأكل جميع ما انبتت الأرض فروى ابن وهب عن مالك أنه أكل حتى أبوابهم وأكل الحديد والمسامير وضيق عليهم غاية التضييق وترك الله من نباتهم ما يقوم به الرمق فقالوا لموسى ادع لنا ربك في كشف الجراد ونحن نؤمن فدعا الله فكشفه

ورجعوا إلى كفرهم فبعث الله عليهم القمل وهي الدبى صغار الجراد الذي يثب ولا يطير قاله ابن عباس وغيره وقرأ الحسن القمل بفتح القاف وسكون الميم فهي على هذا القمل المعروف وروي أن موسى مشى بعصاه إلى كثيب أهيل فضربه فانتشر كله قملا في مصر ثم أنهم قالوا أدع في كشف هذا فدعا فرجعوا إلى طغيانهم وكفرهم فبعث الله عليهم الضفادع فكانت تدخل في فرشهم وبين ثيابهم وإذا هم الرجل أن يتكلم وثب ضفدع في فمه قال ابن جبير كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع وقال ابن عباس لما أرسلت الضفادع عليهم وكانت برية سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء فقالوا يا موسى ادع في كشف هذا فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم فبعث الله عليهم الدم فرجع ماؤهم الذي يستقونه ويحصل عنده دما فروي أنه كان يستقى القبطي والإسرائيلي باناء واحد فإذا خرج الماء كان الذي يلي القبطي دما والذي يلي الإسراءيلي ماء إلى نحو هذا وشبهه من العذاب بالدم المنقلب عن الماء هذا قول جماعة من المتأولين وقال زيد بن أسلم إنما سلط عليهم الرعاف فهذا معنى قوله والدم وقوله آيات مفصلات التفصيل اصله في الإجرام إزالة الاتصال فهو تفريق شيئين فإذا استعمل في المعاني فيراد به أنه فرق بينها وأزيل اشتباكها وإشكالها فيجيء من ذلك بيانها وقالت فرقة مفصلات يراد بها مفرقات في الزمن قال الفخر قال المفسرون كان العذاب يبقى عليهم من السبت إلى السبت وبين العذاب والعذاب شهر وهذا معنى قوله آيات مفصلات على هذا التأويل أي فصل بين بعضها وبعض بزمان تمتحن فيه أحوالهم وينظر ايقبلون الحجة والدليل أم يستمرون على الخلاف والتقليد انتهى
وقوله عز و جل ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى أدع لنار بك بما عهد عندك

الآية الرجز العذاب والظاهر من الآية أن المراد بالزجر هنا العذاب المتقدم الذكر من الطوفان والجراد وغيره وقال قوم الرجز هنا طاعون أنزله الله بهم والله أعلم وهذا يحتاج إلى سند وقولهم بما عهد عندك لغظ يعم جميع الوسائل بين الله وبين موسى من طاعة من موسى ونعمة من الله تبارك وتعالى ويحتمل أن يكون ذلك منهم على جهة القسم على موسى وقولهم لئن كشفت أي بدعائك لنؤمن ولنرسلن قسم وجوابه وهذا عهد من فرعون ملائه وروي أنه لما انكشف العذاب قال فرعون لموسى أذهب ببني إسرائيل حيث شئت فخالفه بعض ملائه فرجع ونكث وإذا هنا للمفاجأة والأجل يراد به غاية كل واحد منهم بما يخصه من الهلاك والموت كما تقول أخرت كذا إلى وقت وأنت لا تريد وقتا بعينه فاللفظ متضمن توعدا ما وكانوا عنها غافلين أي غافلين عما تضمنته الآيات من النجاة والهدى
وقوله تعالى وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الآية الذين كانوا يستضعفون كناية عن بني إسرائيل ومشارق الأرض ومغاربها قال الحسن وغيره هي الشام وقالت فرقة يريد الأرض كلها وهذا يتجه إما على المجاز لأنه ملكهم بلادا كثيرة وإما على الحقيقة في أنه ملك ذريتهم وهم سليمان بن داود ويترجح التأويل الأول بوصف الأرض بأنها التي بارك فيها سبحانه
وقوله سبحانه وتمت كلمة ربك الحسنى أي ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النجاة من عدوهم والظهور عليه قاله مجاهد ويعرشون قال ابن عباس ومجاهد معناه يبنون قال ع رأيت للحسن البصري رحمه الله أنه احتج بقوله سبحانه وتمت كلمة ربك إلى آخر الآية على أنه ينبغي أن لا يخرج عن ملوك السوء وإنما ينبغي أن يصبر عليهم فإن الله سبحانه يدمرهم ورأيت لغيره أنه إذا

قابل الناس البلاء بمثله وكلهم الله إليه وإذا قابلوه بالصبر وانتظار الفرج أتى الله بالفرج وروي هذا أيضا عن الحسن
وقوله سبحانه وجاوزنا ببني إسرائيل البحر بحر القلزم فأتوا على قوم قيل هم الكنعانيون وقيل هم من لخم وجذام والقوم في كلام العرب هم الرجال خاصة يعكفون العكوف الملازمة على أصنام لهم قيل كانت بقرا وقال ابن جريج كانت تماثيل بقر من حجارة وعيدان ونحوها وذلك كان أول فتنة العجل وقولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة يظهر منه استحسانهم لما رأوه من تلك الآلهة بجهلهم فارادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرب به إلى الله وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى أجعل لنا صنما نفرده بالعبادة ونكفر بربك وعلى هذا الذي قلت يقع التشابه الذي نصه النبي صلى الله عليه و سلم في قول أبي واقد الليثي أجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فأنكره النبي صلى الله عليه و سلم وقال الله أكبر قلتم والله كما قالت بنو إسرائيل أجعل لنا إلها كما لهم آلهة لتتبعن سنن من قبلكم الحديث ولم يقصد أبو واقد بمقالته فسادا وقال بعض الناس كان ذلك من بني إسرائيل كفرا ولفسظة الآله تقتضي ذلك وهذا محتمل وما ذكرته أولا أصح والله أعلم قلت وقولهم هذا ألهكم واله موسى وجواب موسى هنا يقوى الاحتمال الثاني نعم الذي يجب أن يعتقد أن مثل هذه المقالات إنما صدرت من اشرارهم وقريبي العهد بالكفر قال الشيخ الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي ثم السهيلي ذكر النقاش في قوله تعالى فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم انهم كانوا من لحم وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر وأن السامري كان أصله منهم ولذلك نزع إلى عبادة العجل انتهى والله أعلم وهذا هو معنى ما تقدم من كلام ع وقوله إن هؤلاء متبر ما هم فيه أي مهلك مدمر رديء العاقبة

والتبار الهلاك واناء متبر أي مكسور وكسارته تبر ومنه تبر الذهب لأنه كسارة وقوله ما هم فيه يعم جميع أحوالهم وباطل معناه فاسد ذاهب مضمحل وابغيكم معناه أطلب ثم عدد عليهم سبحانه في هذه الآية النعم التي بحب من أجلها أن لا يكفروا به ولا يرغبوا في عبادة غيره فقال وإذ أنجيناكم من آل فرعون الآية و يسومونكم معناه يحملونكم ويكلفونكم ومساومة البيع تنظر إلى هذا فإن كل واحد من المتساومين
يكلف صاحبه أرادته ثم فسر سوء العذاب بقوله يقتلون أبناءكم الآية وقوله سبحانه وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر الآية قال ابن عباس وغيره الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة وان العشر هي عشر ذي الحجة وروي أن الثلاثين إنما وعد بأن يصومها وأن مدة المناجاة هي العشر وحيث ورد أن المواعدة أربعون ليلة فذلك اخبار بجملة الأمر وهو في هذه الآية اخبار بتفصيله والمعنى في قوله وكلمه ربه أنه خلق له أدراكا سمع به الكلام القائم بالذات القديم الذي هو صفة ذات وكلام الله سبحانه لا يشبه كلام المخلوقين وليس في جهة من الجهات وكما هو موجود لا كالموجودات ومعلوم لا كالمعلومات كذلك كلامه لا يشبه الكلام الذي فيه علامات الحدوث وجواب لما في قوله قال والمعنى أنه لما كلمه الله عز و جل وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشوق إلى ذلك فسأل ربه الرؤية ورؤية الله عز و جل عند أهل السنة جائزة عقلا لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته قالوا لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود فموسى عليه السلام لم يسأل ربه محالا وإنما سأله جائزا
وقوله سبحانه لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل الآية ليس بجواب من سأل محالا ولن تنفي الفعل المستقبل ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه موسى أبدا ولا في

الآخرة لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر أن أهل الإيمان يرون الله يوم القيامة فموسى عليه السلام أحرى برؤيته قلت وأيضا قال تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فهو نص في الرؤية بينه صلى الله عليه و سلم ففي الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث من غير وجه مرفوعا وموقوفا انتهى قال مجاهد وغيره أن الله عز و جل قال له يا موسى لن تراني ولكن سأتجلى للجبل وهو أقوى منك وأشد فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي فستمكنك أنت رؤيتي قال ع فعلى هذا إنما جعل الله الجبل مثالا قلت وقول ع ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه موسى أبدا ولا في الآخرة قول مرجوح لم يتفطن له رحمه الله والحق الذي لا شك فيه أن لن لا تقتضي النفي المؤبد قال بدر الدين أبو عبد الله بن مالك في شرح التسهيل ولن كغيرها من حروف النفي في جواز كون استقبال المنفي بها منقطعا عند حد وغير منقطع وذكر الزمخشري في أنموذجه أن لن لتأبيد النفي وحامله على ذلك اعتقاده أن الله تعالى لا يرى وهو اعتقاد باطل لصحة ثبوت الرؤية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم واستدل على عدم اختصاصها بالتأبيد بمجيء استقبال المنفي بها مغيا إلى غاية ينتهي بانتهائها كما في قوله تعالى قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى وهو واضح انتهى ونحوه لأبن هشام ولفظه ولا تفيد لن توكيد المنفي خلافا للزمخشري في كشافه ولا تأبيده خلافا له في أنموذجه وكلاهما دعوى بلا دليل قيل ولو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في فلن

اكلم اليوم أنسيا ولكان ذكره الأبد في ولن يتمنوه أبدا تكرارا والأصل عدمه انتهى من المعنى
وقوله سبحانه فلما تجلى ربه للجبل التجلي هو الظهور من غير تشبيه ولا تكليف وقوله جعله دكا المعنى جعله أرضا دكا يقال ناقة دكاء أي لا سنام لها وخر موسى صعقا أي مغشيا عليه قاله جماعة من المفسرين قال ص وخر معناه سقط وقوله سبحانك أن تنزيها لك كذا فسره النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تبت إليك معناه من أن أسألك الرؤية في الدنيا وأنت لا تبيحها فيها قال ع ويحتمل عندي أنه لفظ قاله عليه السلام لشدة هول المطلع ولم يعن التوبة من شيء معين ولكنه لفظ لائق بذلك المقام والذي يتحرز منه أهل السنة أن تكون توبة من سؤال المحال كما زعمت المعتزلة وقوله وأنا أول المؤمنين أي من قومه قاله ابن عباس وغيره أو من أهل زمانه إن كان الكفر قد طبق الأرض أو أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا قاله أبو العالية 3وقوله سبحانه فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين فيه تأديب وتقنيع وحمل على جادة السلامة ومثال لكل أحد في حاله فإن جميع النعم من عند الله سبحانه بمقدار وكل الأمور بمرأى منه ومسمع وكتبنا له في الألواح من كل شيء أي من كل شيء ينفع في معنى الشرع وقوله وتفصيلا لكل شيء مثله وقوله بقوة أي بجد وصبر عليها قاله ابن عباس وقوله بأحسنها يحتمل معنيين أحدهما التفضيل كما إذا عرض مثلا مباحان كالعفو والقصاص فيأخذون بالأحسن منهما والمعنى الثاني يأخذون بحسن وصف الشريعة بجملتها كما تقول الله أكبر دون مقايسة
وقوله سبحانه ساوريكم دار الفاسقين الرؤية هنا رؤية عين هذا هو الأظهر إلا أن المعنى يتضمن الوعد للمؤمنين والوعيد للفاسقين ودار الفاسقين قيل هي مصر والمراد آل فرعون وقيل الشام والمراد العمالقة وقيل جهنم والمراد الكفرة

بموسى وقيل غير هذا مما يفتقر إلى صحة إسناد
وقوله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض الآية المعنى سأمنع وأصد قال سفيان ابن عيينة الآيات هنا كل كتاب منزل قال ع والمعنى عن فهمها وتصديقها وقال ابن جريج الآيات العلامات المنصوبة الدالة على الوحدانية والمعنى عن النظر فيها والتفكر والاستدلال بها واللفظ يعم الوجهين والمتكبرون في الأرض بغير الحق هم الكفار قلت ويدخل في هذا المعنى من تشبه بهم من عصاة المؤمنين والمعنى في هذه الآية سأجعل الصرف عن الآيات عقوبة للمتكبرين على تكبرهم وقوله وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتم من الله على الطائفة التي قدر عليهم أن لا يؤمنوا وقوله ذلك إشارة إلى الصرف المتقدم
وقوله سبحانه والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة الآية هذه الآية مؤكدة للتي قبلها وفيها تهديد
وقوله سبحانه واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار الخوار صوت البقر وقرأت فرقة له جؤار بالجيم أي صياح ثم بين سبحانه سوء فطرهم وقرر فساد اعتقادهم بقوله ألم يروا أنه لا يكلمهم الآية وقوله وكانوا ظالمين اخبار عن جميع أحوالهم ماضيا وحالا ومستقبلا وقد مر في البقرة قصة العجل فأغنى عن إعادته قال أبو عبيدة يقال لمن ندم على أمر وعجز عنه سقط في يده وقول بني إسرائيل لئن لم يرحمنا ربنا إنما كان بعد رجوع موسى وتغييره عليهم ورؤيتهم أنهم قد خرجوا من الدين ووقعوا في الكفر
وقوله سبحانه ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا يريد رجع من المناجات والأسف قد يكون بمعنى الغضب الشديد وأكثر ما يكون بمعنى الحزن والمعنيان مترتبان هنا وعبارة ص غضبان صفة مبالغة والغضب غليان القلب بسبب ما يؤلم وأسفا من أسف فهو أسف كفرق فهو فرق يدل على ثبوت الوصف

ولو ذهب به مذهب الزمان لقيل أسف على وزن فاعل والأسف الحزن انتهى وقوله تعالى اعجلتم معناه اسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني قبل الوقت الذي قدر به قال سعيد بن جبير عن ابن عباس كان سبب إلقائه الألواح غضبه على قومه في عبادتهم العجل وغضبه على أخيه في إهمال أمرهم قال ابن عباس لما ألقاها تكسرت فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة وهو الذي أخذ بعد ذلك قال ابن عباس كانت الألواح من زمرذ وقيل من ياقوت وقيل من زبرجد وقيل من خشب والله أعلم وقوله ابن أم استعطاف برحم الأم إذ هو الصق القرابات وقوله كادوا معناه قاربوا ولم يفعلوا وقوله ولا تجعلني مع القوم الظالمين يريد عبدة العجل
وقوله سبحانه إن الذين أتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وقد وقع ذلك النيل بهم في عهد موسى عليه السلام فالغضب والذلة هو أمرهم بقتل أنفسهم وقال بعض المفسرين الذلة الجزية ووجه هذا القول أن الغضب والذلة بقيت في عقب هؤلاء وقال ابن جريج الإشارة إلى من مات من عبدة العجل قبل التوبة بقتل الأنفس وإلى من فر فلم يكن حاضرا وقت القتل والغضب من الله عز و جل إن اخذ بمعنى الإرادة فهو صفة ذات وإن أخذ بمعنى العقوبة وإحلال النقمة فهو صفة فعل وقوله وكذلك نجزي المفترين المراد أولا أولئك الذين افتروا على الله سبحانه في عبادة العجل وتكون قوة اللفظ تعم كل مفتر إلى يوم القيامة وقد قال سفيان بن عيينة وأبو قلابة وغيرهما كل صاحب بدعة أو فرية ذليل واستدلوا بالآية
وقوله سبحانه والذين عملوا السيئات الآية تضمنت وعدا بأن الله سبحانه يغفر للتائبين وقرأ معاوية بن قرة ولما سكن عن موسى الغضب قال أبو حيان

واللام في لربهم يرهبون مقوية لوصول الفعل وهو يرهبون إلى مفعوله المتقدم وقال الكوفيون زائدة وقال الأخفش لام المفعول له أي لأجل ربهم انتهى قلت قال ابن هشام في المغنى ولام التقوية هي المزبدة لتقوية عامل ضعف إما لتأخير نحو لربهم يرهبون وإن كنتم للرؤيا تعبرون أو لكونه فرعا في العمل نحو مصدقا لما معهم فعال لما يريد وقد اجتمع التأخير والفرعية في كنا لحكمهم شاهدين انتهى
وقوله واختار موسى قومه الآية قال الفخر قال جماعة النحويين معناه واختار موسى من قومه فحذف من يقال اخترت من الرجال زيدا واخترت من الرجال زيدا انتهى قال ع معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام اختار من قومه هذه العدة ليذهب بهم إلى موضع عبادة وابتهال ودعاء فيكون منه ومنهم اعتذار إلى الله سبحانه من خطأ بني إسرائيل في عبادة العجل وقد تقدم في سورة البقرة قصصهم قالت فرقة من العلماء أن موسى عليه السلام لما أعلمه الله سبحانه بعبادة بني إسرائيل العجل وبصفته قال موسى أي رب ومن أختاره قال أنا قال موسى فأنت يا رب أضللتهم أن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء أي أن الأمور بيدك تفعل ما تريد
وقوله سبحانه واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة الآية اكتب معناه اثبت واقض والكتب مستعمل في كل ما يخلد وحسنة لفظ عام في كل ما يحسن في الدنيا من عاقبة وطاعة لله سبحانه وغير ذلك وحسنة الأخرى الجنة لا حسنة دونها ولا مرمى وراءها وهدنا بضم الهاء معناه تبنا
وقوله سبحانه قال عذابي أصيب به من أشاء يحتمل أن يريد بالعذاب الرجفة التي نزلت بالقوم ثم أخبر سبحانه عن رحمته ويحتمل وهو الأظهر أن الكلام قصد به الخبر عن عذابه وعن رحمته وتصريف ذلك في خليقته كما يشاء سبحانه ويندرج في عموم العذاب أصحاب الرجفة وقرأ الحسن بن أبي

الحسن وطاوس وعمرو بن فائد من أساء من الإساءة ولا تعلق فيه للمعتزلة وأطنب القراء في التحفظ من هذه القراءة وحملهم على ذلك شحهم على الدين
وقوله سبحانه ورحمتي وسعت كل شيء قال بعض العلماء هو عموم في الرحمة وخصوص في قوله كل شيء والمراد من قد سبق في علم الله أن يرحمهم وقوله سبحانه فسأكتبها أي أقدرها وأقضيها وقال نوف البكالي أن موسى عليه السلام قال يا رب جعلت وفادتي لأمه محمد عليه السلام وقوله ويؤتون الزكاة الظاهر أنها الزكاة المختصة بالمال وروي عن ابن عباس أن المعنى يؤتون الأعمال التي يزكون بها أنفسهم
وقوله سبحانه الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الآية هذه ألفاظ أخرجت اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله فسأكتبها للذين يتقون وخلصت هذه العدة لأمة محمد صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس وغيره قلت وهذه الآية الكريمة معلمة بشرف هذه الأمة على العموم في كل من آمن بالله تعالى وأقر برسالة النبي صلى الله عليه و سلم ثم هم يتفاوتون بعد في الشرف بحسب تفاوتهم في حقيقة الاتباعية للنبي صلى الله عليه و سلم قال الغزالي رحمة الله في الأحياء وإنما أمته صلى الله عليه و سلم من اتبعه وما أتبعه إلا من أعرض عن الدنيا وأقبل على الآخرة فإنه عليه السلام ما دعا إلا إلى الله واليوم الآخر وما صرف إلا عن الدنيا والحظوظ العاجلة فبقدر ما تعرض عن الدنيا وتقبل على الآخرة تسلك سبيله الذي سلكه صلى الله عليه و سلم وبقدر ما سلكت سبيله فقد اتبعته وبقدر ما اتبعته صرت من أمته وبقدر ما أقبلت على الدنيا عدلت عن سبيله ورغبت عن متابعته والتحقت بالذين قال الله تعالى فيهم فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى انتهى فإن أردت إتباع النبي صلى الله عليه و سلم على الحقيقة واقتفاء أثره فأبحث عن سيرته وخلقه في كتب

الحديث والتفسير قال ابن القطان في تصنيفه الذي صنفه في الآيات والمعجزات والقول الوجيز في زهده وعبادته وتواضعه وسائر حلاه ومعاليه صلى الله عليه و سلم أنه ملك من أقصى اليمن إلى صحراء عمان إلى أقصى الحجاز ثم توفي عليه السلام وعليه دين ودرعه مرهونة في طعام لأهله ولم يترك دينارا ولا درهما ولا شيد قصرا ولا غرس نخلا ولا شقق نهرا وكان يأكل على الأرض ويجلس على الأرض ويلبس العباءة ويجالس المساكين ويمشي في الأسواق ويتوسد يده ويلعق أصابعه ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويصلح خصه ويمهن لأهله ولا يأكل متكئا ويقول أنا عبد آكل كما يأكل العبد ويقتص من نفسه ولا يرى ضاحكا ملء فيه ولو دعي إلى ذراع لأجاب ولو اهدي إليه كراع لقبل لا يأكل وحده ولا يضرب عبده ولا يمنع رفده ولا ضرب قط بيده إلا في سبيل الله وقام لله حتى ورمت قدماه فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا وكان يسمع لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء إذا قال بالليل صلى الله عليه و سلم على آله وأتباعه صلاة دائمة إلى يوم القيامة انتهى وقال الفخر قوله تعالى الذين يتبعون الرسول الآية قال بعضهم الإشارة بذلك إلى من تقدم ذكره من بني إسرائيل والمعنى يتبعونه باعتقاد نبوته من حيث وجدوا صفته في التوراة وسيجدونه مكتوبا في الإنجيل وقال بعضهم بل المراد من لحق من بني إسرائيل أيام النبي صلى الله عليه و سلم فبين تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا تكتب لهم رحمة الآخرة إلا إذا أتبعوا النبي الأمي قال الفخر وهذا القول أقرب وقوله يجدونه أي يجدون صفة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ونعته ففي البخاري غيره عن عبد الله بن عمرو أن في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه و سلم يا أيها النبي أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت

عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزئى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فنقيم به قلوبا غلفا وآذانا صما واعينا عميا وفي البخاري فيفتح به عيونا عمياء وآذانا صما وقلوبا غلفا ونص كعب الأحبار نحو هذه الألفاظ إلا أنه قال قلوبا غلوفا وآذانا صموما
سبحانه يأمرهم بالمعروف الآية يحتمل أن يكون ابتداء كلام وصف به النبي صلى الله عليه و سلم ويحتمل أن يكون متعلقا بيجدونه في موضع الحال على تجوز أي يجدونه في التوراة أمرا بشرط وجوده والمعروف ما عرف بالشرع وكل معروف من جهة المرؤة فهو معروف بالشرع فقد قال صلى الله عليه و سلم بعثت لأتمم محاسن الأخلاق والمنكر مقابله والطيبات عند مالك هي المحللات والخبائث هي المحرمات وكذلك قال ابن عباس والأصر الثقل وبه فسر هنا قتادة وغيره والأصر أيضا العهد وبه فسر ابن عباس وغيره وقد جمعت هذه الآية المعنيين فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم العهد بأن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقال ابن جبير الأصر شدة العبادة وقرأ أبن عامر آسارهم بالجمع فمن وحد الأصر فإنما هو اسم جنس عنده يراد به الجمع والأغلال التي كانت عليهم عبادة مستعارة أيضا لتلك الأثقال كقطع الجلد من أثر البول وإن لادية ولا بد من قتل القاتل إلى غير ذلك هذا قول جمهور المفسرين وقال ابن زيد إنما المراد هنا بالأغلال قول الله عز و جل في اليهود غلت أيديهم فمن آمن بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم زالت عنه الدعوة وتغليلها ومعنى عزروه أي وقروه فالتعزير والنصر مشاهدة خاصة للصحابة واتباع النور يشترك فيه معهم المؤمنون إلى يوم القيامة والنور كناية عن جملة الشرع وشبه الشرع والهدى

بالنور إذ القلوب تستضيء به كما يستضيء البصر بالنور
وقوله سبحانه قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا هذا أمر من الله سبحانه لنبيه بإشهار الدعوة العامة وهذه من خصائصه صلى الله عليه و سلم من بين سائر الرسل فإنه صلى الله عليه و سلم بعث إلى الناس كافة وإلى الجن وكل نبي إنما بعث إلى فرقة دون العموم
وقوله سبحانه فآمنوا بالله ورسوله الآية حض على اتباع نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقوله الذي يؤمن بالله وكلماته أي يصدق بالله وكلماته والكلمات هنا الآيات المنزلة من عند الله كالتوراة والإنجيل وقوله واتبعوه لفظ عام يدخل تحته جميع الزامات الشريعة جعلنا الله من متبعيه على ما يلزم بمنه ورحمته قلت فإن أردت الفوز أيها الأخ فعليك باتباع النبي صلى الله عليه و سلم وتعظيم شريعته وتعظيم جميع أسبابه قال عياض ومن إعظامه صلى الله عليه وإكباره إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته ومعاهده وما لمسه عليه السلام أو عرف به حدثت أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا ... ولما رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا ...
... نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا ...
وحكي عن بعض المريدين أنه لما أشرف على مدينة الرسول عليه السلام أنشأ يقول ... رفع الحجاب للنا فلاح لناظري ... قمر تقطع دونه الأوهام ...
... وإذا المطي بنا بلغن محمدا ... فظهورهن على الرجال حرام ...
... قربنا من خير من وطئى الحصى ... فلها علينا حرمة وذمام ...
وحكي عن بعض المشايخ أنه حج ماشيا فقيل له في ذلك فقال العبد الآبق

يأتي إلى بيت مولاه راكبا لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي قال عياض وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل
وتردد فيها جبريل وميكائيل
وعرجت منها الملائكة والروح
وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح
واشتملت ربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما انتشر مدارس آيات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات ان تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدراتها
... يا دار خير المرسلين ومن به ... هدي الأنام خص بالآيات ...
... عندي لأجلك لوعة وصبابة ... وتشوق متوقد الجمرات ...
الآبيات انتهى من الشفا
وقوله سبحانه ومن قوم موسى أمة يهدون أي يرشدون أنفسهم وهذا الكلام يحتمل أن يريد به وصف المؤمنين منهم على عهد موسى وما والاه من الزمن فأخبر سبحانه أنه كان في بني إسرائيل على عتوهم وخلافهم من اهتدى واتقى وعدل ويحتمل أن يريد الجماعة التي آمنت بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم من بني إسرائيل على جهة الاستجلاب لإيمان جميعهم وقوله أسباطا بدل من اثنتي والتمييز الذي بين العدد محذوف تقديره اثنتي عشرة فرقة أو قطعة أسباطا
وقوله سبحانه وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن أضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام الآية انبجست بمعنى انفجرت وقد تقدم الكلام على هذه المعاني في البقرة
وقوله سبحانه وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب تغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون القرية هي بيت المقدس وقيل

أريحاء وبدل معناه غير اللفظ
وقوله سبحانه وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الآية قال بعض المتأولين أن اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه و سلم قالوا أن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت هذه الآية موبخة لهم فسؤالهم إنما هو على جهة التوبيخ والقرية هنا ايلة قاله ابن عباس وغيره وقيل مدين وحاضرة البحر أي البحر فيها حاضر ويحتمل أن يريد معنى الحاضرة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في مدن البحر ويعدون معناه يخالفون الشرع من عدا يعدو وشرعا أي مقلبة إليهم مصطفة كما تقول شرعت الرماح إذا مدت مصطفة وعبارة البخاري شرعا أي شوارع انتهى والعامل في قوله ويوم لا يسبتون قوله لا تأتيهم وهو ظرف مقدم ومعنى قوله كذلك الإشارة إلى أمر الحوت وفتنتهم به هذا على من وقف على تأتيهم ومن وقف على كذلك فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعا أي فما أتى منها يوم لا يسبتون فهو قليل ونبلوهم أي نمتحنهم بفسقهم وعصيانهم وقد تقدم في البقرة قصصهم
وقوله سبحانه قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا جمهور المفسرين أن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق فرقة عصت وفرقة نهت وجاهرت وتكلمت واعتزلت وفرقة اعتزلت ولم تعص ولم تنه وإن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية وطفيان العاصية وعتوها قالت للناهية لم تعظون قوما يريدون العاصية الله مهلكهم أو معذبهم فقالت الناهية موعظنتنا معذرة إلى الله أي إقامة عذر ومعنى مهلكهم أي في الدنيا أو معذبهم أي في الآخرة والضمير في قوله نسوا للمنهيين وهو ترك سمي نسيانا مبالغة وما في قوله ما ذكروا به بمعنى الذي والسؤ لفظ عام في جميع المعاصي إلا الذي يختص هنا بحسب قصص الآية هو صيد الحوت والذين ظلموا هم العاصون وقوله بعذاب بيس معناه مؤلم موجع شديد واختلف في الفرقة التي لم تعص ولم تنه فقيل نجت مع الناجين

وقيل هلكت مع العاصين وقوله بما كانوا يفسقون أي لأجل ذلك وعقوبة عليه والعتو الاستعصاء وقلة الطواعية
وقوله سبحانه قلنا لهم كونوا يحتمل أن يكون قولا بلفظ من ملك أسمعهم فكان اذهب في الأغراب والهول والاصغار ويحتمل أن يكون عبارة عن القدرة المكونة لهم قردة وخاسئين معناه مبعدين فخاسئين خبر بعد خبر فهذا اختيار أبي الفتح وضعف الصفة فروي أن الشباب منهم مسخوا قردة والرجال الكبار مسخوا خنازير
وقوله سبحانه وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب معنى هذا الآية وإذ علم الله ليبعثن وتقتضي قوة الكلام أن ذلك العلم منه سبحانه مقترن بانفاذ وامضاء كما تقول في أمر عزمت عليه علم الله لأفعلن وقال الطبري وغيره تأذن معناه اعلم وقال مجاهد تأذن معناه أمر وقالت فرقة معنى تأذن تألى والضمير في عليهم لبني إسرائيل وقوله يسومهم وقوله من يسومهم قال ابن عباس هي إشارة إلى محمد صلى الله عليه و سلم وأمته يسومون اليهود سوء العذاب قال ع والصحيح أن هذا حالهم في كل قطر ومع كل ملة ويسومهم معناه يكلفهم ويحملهم وسوء العذاب الظاهر منه أنه الجزية والإذلال وقد حتم الله عليهم هذا وحط ملكهم فليس في الأرض راية ليهودي ثم حسن في آخر الآية التنبيه على سرعة العقاب والتخويف لجميع الناس ثم رجى سبحانه بقوله لغفور رحيم لطفا منه بعباده جل وعلا وقطعناهم في الأرض معناه فرقناهم في الأرض قال الطبري عن جماعة من المفسرين ليس في الأرض بقعة إلا وفيها معشر من اليهود والظاهر في المشار إليهم بهذه الآية أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم والظاهر أنهم قبل مدة عيسى عليه السلام لأنهم لم يكن فيهم صالح بعد كفرهم بعيسى صلى الله عليه و سلم وبلوناهم معناه امتحناهم بالحسنات أي بالصحة والرخاء ونحو هذا مما هو بحسب رأي ابن آدم ونظره والسيئات مقابلات هذه لعلهم يرجعون إلى الطاعة
وقوله

سبحانه فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب الآية خلف معناه حدث خلفهم وبعدهم وخلف بإسكان اللام يستعمل في الأشهر في الذم
وقوله سبحانه يأخذون عرض هذا الأدنى إشارة إلى الرشى والمكاسب الخبيثة والعرض ما يعرض ويعن ولا يثبت والأدنى إشارة إلى عيش الدنيا وقولهم سيغفر لنا ذم لهم باغترارهم وقولهم سيغفر لنا مع علمهم بما في كتاب الله من الوعيد على المعاصي وإصرارهم وأنهم بحال إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها فهؤلاء عجزة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله فهؤلاء قطعوا بالمغفرة وهم مصرون وإنما يقول سيغفر لنا من أقلع
وندم وقوله سبحانه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الآية تشديد في لزوم قول الحق على الله في الشرع والأحكام وقوله ودرسوا ما فيه معطوف على قوله ألم يؤخذ لأنه بمعنى المضي والتقدير أليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه وبهذين الفعلين تقوم الحجة عليهم في قولهم الباطل وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وادارسوا ما فيه ثم وعظ وذكر تبارك وتعالى بقوله والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون وقرأ أبو عمرو أفلا يعقلون بالياء من اسفل وقوله سبحانه والذين يمسكون بالكتاب عطف على قوله للذين يتقون وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر يمسكون بسكون الميم وتخفيف السين وقرأ الأعمش والذين استمسكوا وقوله عز و جل وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة معناه اقتلعنا ورفعنا وقد تقدم قصص الآية في البقرة وقوله سبحانه ما فيه تدبروه واحفظوا أوامره ونواهيه فما وفوا وقوله سبحانه وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا الآية قوله من ظهورهم قال النحاة هو بدل اشتمال من قوله من بني آدم وتواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن

النبي صلى الله عليه و سلم من طرق أن الله عز و جل استخرج من ظهر آدم عليه السلام نسم بنيه ففي بعض الروايات كالذر وفي بعضها كالخردل وقال محمد بن كعب أنها الأرواح جعلت لها مثالات وروي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أخذوا من ظهر آدم كما يؤخذ بالمشط من الرأس وجعل الله لهم عقولا كنملة سليمان وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا اله غيره فاقروا بذلك والتزموه وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية فشهد بعضهم على بعض وشهد الله عليهم وملائكته قال الضحاك بن مزاحم من مات صغيرا فهو على العهد الأول ومن بلغ فقد أخذه العهد الثاني يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن وقوله شهدنا يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض فلا يحسن الوقف على قوله بلى ويحتمل أن يكون قوله شهدنا من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله بلى قال السدي المعنى قال الله وملائكته شهدنا ورواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم وقوله سبحانه أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين الآية المعنى ليلا تقولوا أو مخافة أن تقولوا والمعنى في هذه الآية أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان احداهما أن يقولوا كنا عن هذا غافلين والأخرى كنا تباعا لأسلافنا فكيف نهلك والذنب إنما هو لمن طرق لنا واضلنا فوقع شهادة بعضهم على بعض وشهادة الملائكة عليهم لتنقطع لهم هذه الحجة
وقوله سبحانه واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا قال ابن عباس هو رجل من الكنعانيين الجبارين اسمه بلعم بن باعوراء وقيل بلعام بن باعر وقيل غيره هذا وكان في جملة الجبارين الذين غزاهم موسى عليه السلام فلما قرب منهم موسى لجؤا إلى بلعام وكان صالحا مستجاب الدعوة وقيل كان عنده علم من صحف إبراهيم

ونحوها وقيل كان يعلم أسم الله الأعظم قاله ابن عباس أيضا وهذا الخلاف هو في المراد بقوله آتيناه آياتنا فقال له قومه أدع الله على موسى وعسكره فقال لهم وكيف ادعوا على نبي مرسل فما زالوا به حتى فتنوه فخرج حتى أشرف على جبل يرى منه عسكر موسى وكان قد قال لقومه لا أفعل حتى استامر ربي ففعل فنهي عن ذلك فقال لهم قد نهيت فما زالوا به حتى قال سأستامره ثانية ففعل فسكت عنه فاخبرهم فقالوا له ان الله لم يدع نهيك إلا وقد أراد ذلك فخرج فلما أشرف على العسكر جعل يدعو على موسى فتحول لسانه بالدعاء لموسى والدعاء على قومه فقالوا له ما تقول فقال إني لا أملك هذا وعلم أنه قد أخطأ فروي أنه قد خرج لسانه على صدره فقال لقومه إني قد هلكت ولكن لم يبق لكم إلا الحيلة فأخرجوا النساء إلى عسكر موسى على جهة التجر وغيره ومروهن إلا تمتنع امرأة من رجل فأنهم إذا زنوا هلكوا ففعلوا فخرج النساء فزنى بهن رجال من بني إسرائيل وجاء فنحاص بن العيزار بن هارون فانتظم برمحه امرأة ورجلا من بني إسرائيل ورفعهما على أعلى الرمح فوقع في بني إسرائيل الطاعون فمات منهم في ساعة واحدة سبعون ألفا ثم ذكر المعتمر عن أبيه أن موسى عليه السلام قتل بعد ذلك الرجل المنسلخ من آيات الله قال المهدوي روي أنه دعا على موسى أن لا يدخل مدينة الجبارين فأجيب ودعا عليه موسى أن ينسى اسم الله الأعظم فأجيب وفي هذه القصة روايات كثيرة تحتاج إلى صحة إسناد وانسلخ عبارة عن البراءة منها والإنفصال والبعد كالمنسلخ من الثياب والجلد واتبعه الشيطان أي صيره تابعا كذا قال الطبري إما لضلالة رسمها له وإما لنفسه ومن الغاوين أي من الضالين ولو شيئنا لرفعناه بها قال ابن عباس وجماعة معنى لرفعناه لشرفنا ذكره ورفعنا منزلته لدينا بهذه الآيات التي آتيناه ولكنه اخلذ إلى الأرض أي تقاعس إلى

الحضيض الأسفل الأخس من شهوات الدنيا ولذاتها وذلك أن الأرض وما أرتكن فيها هي الدنيا وكل ما عليها فإن ومن أخلد إلى الفاني فقد حرم حظ الآخرة الباقية ت قال الهروي قوله أخلد إلى الأرض معناه سكن إلى لذاتها واتبع هواه يقال أخلد إلى كذا أي ركن إليه واطمأن به انتهى قال عبد الحق الأشبيلي رحمه الله في العاقبة وأعلم رحمك الله أن لسوء الخاتمة أعاذنا الله منها أسبابا ولها طرق وأبواب أعظمها الاكباب على الدنيا والإعراض عن الآخرة وقد سمعت بقصة بلعام بن الإكباب على الدنيا والإعراض عن الآخرة وقد سمعت بقصة بلعام بن باعوراء وماكان أتاه الله تعالى من آياته واطلعه عليه من بيناته وما أراه من عجائب ملكوته أخلد إلى الأرض واتبع هواه فسلبه الله سبحانه جميع ما كان أعطاه وتركه مع من استماله وأغواه انتهى
وقوله فمثله كمثل الكلب شبه به في أنه كان ضالا قبل أن يؤتى الآيات ثم اوتيها فكان أيضا ضالا لم تنفعه فهو كالكلب في انه لا يفارق اللهت في كل حال هذا قول الجمهور وقال السدي وغيره أن هذا الرجل عوقب في الدنيا فإنه كان يلهث كما يلهت الكلب فشبه به صورة وهيئة وذكر الطبري عن ابن عباس أن معنى أن تحمل عليه ان تطرده
وقوله وقوله ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي هذا المثل يا محمد مثل هؤلاء الذين كانوا ضالين قبل أن تأتيهم بالهدى والرسالة ثم جئتهم بها فبقوا على ضلالتهم ولم ينتفعوا بذلك فمثلهم كمثل
الكلب وقوله فاقصص القصص أي أسرد عليهم ما يعلمون أنه من الغيوب التي لا يعلمها إلا أهل الكتب الماضية ولست منهم لعلهم يتفكرون في ذلك فيؤمنوا
وقوله سبحانه من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون القول فيه أن ذلك كله من عند الله الهداية منه وبخلقه واختراعه وكذلك الإضلال وفي الآية تعجيب من حال المذكورين
وقوله سبحانه ولقد ذرأنا

لجهنم كثيرا من الجن والأنس خبر من الله تعالى أنه خلق لسكنى جهنم والاحتراق فيها كثيرا وفي ضمنه وعيد للكفار وذرأ معناه خلق وأوجد مع بث ونشر
وقوله سبحانه لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل الآية لما كانت هذه الطائفة الكافرة المعرضة عن النظر في آيات الله لم بنفعهم النظر بالقلب ولا بالعين ولا ما سمعوه من الآيات والمواعظ استوجبوا الوصف بأنهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون والفقه الفهم أولئك كالأنعام في أن الأنعام لا تفقه الأشياء ولا تعقل المقاييس ثم حكم سبحانه عليهم بأنهم أضل لأن الأنعام تلك هي بنيتها وخلقتها وهؤلاء معدون للفهم والنظر ثم بين سبحانه بقوله أولئك هم الغافلون الطريق الذي به صاروا أضل من الأنعام وهو الغفلة والتقصير قال الفخر أما قوله تعالى أولئك كالأنعام بل هم أضل فتقريره أن الإنسان وسائر الحيوانات متشاركة في قوى الطبيعة الغاذية والنامية والمولدة ومتشاركة أيضا في منافع الحواس الخمس الباطنة والظاهرة وفي أحوال التخيل والتفكر والتذكر وإنما حصل الامتياز بين الإنسان وسائر الحيوانات في القوة العقلية والفكرية التي تهديه إلى معرفة الحق فلما أعرض الكفار عن أحوال العقل والفكر ومعرفة الحق كانوا كالأنعام بل هم أضل لأن الحيوانات لا قدرة لها على تحصيل هذه الفضائل وقد قال حكيم الشعراء ... الروح من عند رب العرش مبدؤه ... وتربة الأرض أصل الجسم والبدن ...
... قد ألف الملك الجبار بينهما ... ليصلحا لقبول الأمر والمحن ...
... فالروح في غربة والجسم في وطن ... فلتعرفن ذمام النازح الوطن ...
انتهى وقوله سبحانه ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها الآية السبب في

هذه الآية على ما روي أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ فيذكر الله تعالى في قراءته ومرة يذكر الرحمن ونحو ذلك فقال محمد يزعم أن الإله واحد وهم إنما يعبد آلهة كثيرة فنزلت هذه الآية ومن أسماء الله تعالى ما ورد في القرآن ومنها ما ورد في الحديث وتواتر وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه
وقوله سبحانه ذروا الذين يلحدون في أسمائه قال ابن زيد معناه اتركوهم فالآية على هذا منسوخة وقيل معناه الوعيد كقوله سبحانه ومن خلقت وحيدا وذرهم يأكلوا ويتمتعوا يقال الحد ولحد بمعنى جار ومال وأنحرف والحد أشهر ومنه لحد القبر ومعنى الإلحاد في أسماء الله عز و جل أن يسموا اللات نظير أسم الله تعالى قاله ابن عباس والعزى نظير العزيز قاله مجاهد ويسمون الله أبا ويسمون أوثانهم أربابا
وقوله سبحانه سيجزون ما كانوا يعملون وعيد محض
وقوله سبحانه وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون الآية تتضمن الأخبار عن قوم أهل إيمان واستقامة وهداية وظاهرها يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وروي في ذلك حديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال هذه الآية لكم
وقوله سبحانه والذين كذبوا بآياتنا الآية وعيد والإشارة إلى الكفار وسنستدرجهم معناه سنسوقهم شيئا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب وقوله من حيث لا يعلمون أي من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم وهذه عقوبة لهم من الله سبحانه على التكذيب لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثما
وقوله وأملى معناه أوخر ملاوة من الدهر أي مدة ومتين معناه قوي
وقوله سبحانه أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة

الآية تقرير يقارنه توبيخ للكفار والوقف على قوله أو لم يتفكروا ثم ابتدأ القول بنفي ما ذكروه فقال ما بصاحبهم من جنة أي بمحمد صلى الله عليه و سلم ويحتمل أن يكون المعنى أو لم يتفكروا أنه ما بصاحبهم من جنة ويظهر من رصف الآية أنها باعثة لهم على الفكرة في أمره صلى الله عليه و سلم وأنه ليس به جنة كما احالهم بعد هذه الآية على النظر وقال الفخر قوله تعالى أولم يتفكروا أمر بالفكر والتأمل والتدبر وفي اللفظ محذوف والتقدير أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة والجنة حالة من الجنون كالجلسة ودخول من في قوله من جنة ينفي أنواع الجنون انتهى
وقوله سبحانه أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض الآية النظر هنا بالقلب عبرة وفكرا وملكوت بناء عظمة ومبالغة
وقوله وما خلق الله من شيء لفظ يعم جميع ما ينظر فيه ويستدل به من الصنعة الدالة على الصانع ومن نفس الإنسان وحواسه ومواضع رزقه والشيء واقع على الموجودات وان عسى عطف على قوله في ملكوت والمعنى توقيفهم على ان لم يقع لهم نظر في شيء من هذا ولا في أنهم قربت اجالهم فما تواففات أوان التدارك ووجب عليهم المحذور ثم وقفهم بأي حديث أوامر يقع إيمانهم وتصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة ونحو هذا المعنى قول الشاعر ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل ...
والضمير في بعده يراد به القرآن وقيل المراد به النبي صلى الله عليه و سلم وقصه وأمره أجمع وقيل هو عائد على الأجل أي بعد الأجل إذ لا عمل بعد الموت
وقوله سبحانه من يضلل الله فلا هادي له الآية هذا شرط وجواب مضمنه اليأس منهم والمقت لهم لأن المراد أن هذا قد نزل بهم والطغيان الإفراط في الشيء وكأنه مستعمل في غير الصلاح والعمه الحيرة
وقوله سبحانه يسئلونك عن الساعة قال قتادة السائلون هم قريش وقال

ابن عباس هم أحبار اليهود ت وفي السيرة لابن هشام أن السائلين من أحبار اليهود حمل بن أبي قشير وسموأل بن زيد انتهى والساعة القيامة موت كل من كان حيا حينئذ وبعث الجميع وأيان معناه متى وهي مبنية على الفتح قال الشاعر ... أيان تقتضي حاجتي ايانا ... أما ترى لفعلها أبانا ...
ومرساها معناه مثبتها ومنتهاها مأخوذ من أرسى يرسي فمرساها رفع بالابتداء والخبر أيان وعبارة البخاري أيان مرساها متى خروجها انتهى ويجليها معناه يظهرها
وقوله سبحانه ثقلت في السموات والأرض قيل معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها وقال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع على أهل السموات والأرض لأتأتيكم إلا بغتة أي فجأة
وقوله سبحانه يسئلونك كأنك حفي عنها قال ابن عباس وغيره المعنى يسئلونك كأنك حفي أي متحف ومهتبل بهم وهذا ينحو إلى ما قالت قريش يا محمد إنا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة وقال ابن زيد وغيره معناه كأنك حفي في المسألة عنها والأشتغال بها حتى حصلت علمها وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم كأنك حفي بها
وقوله سبحانه ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال الطبري معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلمه البشر
وقوله سبحانه قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله الآية هذا أمر بأن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بأنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى الله وشاء ويسر وهذا الاستثناء منقطع وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي واستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له وهذا لفظ عام في كل شيء
وقوله وما مسني السوء

يحتمل وجهين وبكليهما قيل أحدهما أن ما معطوفة على قوله لاستكثرت أي ولما مسني السوء والثاني أن يكون الكلام مقطوعا تم في قوله لاستكثرت من الخير وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به قال مؤرج السدوسي السوء الجنون بلغة هذيل وأما على التأويل الأول فلا يريد بالسوء الجنون ويترجح الثاني بنحو قوله سبحانه ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم الآية ولقوم يؤمنون يحتمل معنيين أحدهما أن يريد لقوم يطلب منهم الإيمان وهؤلاء الناس أجمع والثاني أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام ثم يبتدئ يخبر أنه بشير للمؤمنين به ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه
وقوله جلت عظمته هو الذي خلقكم من نفس واحدة الآية قال جمهور المفسرين المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام وبقوله وجعل منها زوجها حواء وقوله منها هو ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى اضلاعه وخلقت منها حواء
وقوله ليسكن إليها أي ليأنس ويطمئن وكان هذا كله في الجنة ثم ابتدأ بحالة أخرى وهي في الدنيا بعد هبوطهما فقال فلما تغشاها أي غشيها وهي كناية عن الجماع والحمل الخفيف هو المني الذي تحمله المرأة في رحمها
وقوله فمرت به أي استمرت به وقرأ ابن عباس فاستمرت به وقرأ ابن مسعود فاستمرت بحملها وقرأ عبد الله ابن عمرو بن العاص فمارت به أي جاءت به وذهبت وتصرفت كما تقول مارت الريح مورا واثقلت دخلت في الثقل كما تقول أصبح وأمسى والضمير في قوله دعوا على هذا التأويل عائد على آدم وحواء وروي في قصص ذلك أن الشيطان أشار على حواء أن تسمي هذا المولود عبد الحارث وهو اسم إبليس وقال لها أن لم تفعلي قتلته فزعموا أنهما أطاعاه حرصا على حياة المولود فهذا هو الشرك الذي جعلا لله في التسمية فقط وقال الطبري والسدي في قوله فتعالى الله عما يشركون

كلام منفصل من خبر آدم وحواء يراد به مشركوا العرب ت وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس ولم أقف بعد على صحة ما روي في هذه القصص ولو صح لوجب تأويله نعم روى الترمذي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها سميه عبد الحارث فسمته عبد الحارث فعاش ذلك وكان ذلك من وحي وأمره قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انفرد به عمر بن إبراهيم عن قتادة وعمر شيخ بصري انتهى وهذا الحديث ليس فيه أنهما أطاعاه وعلى كل حال الواجب التوقف والتنزيه لمن اجتباه الله وحسن التأويل ما أمكن وقد قال ابن العربي في توهين هذا القول وتزييفه وهذا القول ونحوه مذكور في ضعيف الحديث في الترمذي وغيره وفي الإسرائيليات التي ليس لها ثابت ولا يعول عليها من له قلب فإن آدم وحواء وإن كانا غرهما بالله الغرور فلا يلدغ المؤمن من حجر مرتين وما كانا بعد ذلك ليقبلا له نصحا ولا يسمعا له قولا والقول الاشبه بالحق أن المراد بهذا جنس الآدميين انتهى من الأحكام قال ع وقوله صالحا قال الحسن معناه غلاما وقال ابن عباس وهو الأظهر بشرا سويا سليما وقال قوم إنما الغرض من هذه الآية تعديد النعمة في الأزواج وفي تسهيل النسل والولادة ثم ذكر سوء فعل المشركين الموجب للعقاب فقال مخاطبا لجميع الناس هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها يريد آدم وحواء أي واستمرت حالكم واحدا واحدا كذلك فهذه نعمة يختص كل واحد بجزء منها ثم جاء قوله فلما تغشاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا أي هكذا يفعلون فإذا أتاهم الله ولدا صالحا سليما كما أرادوه صرفوه عن الفطرة إلى الشرك فهذا فعل المشركين قال ابن العربي في أحكامه وهذا القول هو الاشبه

بالحق واقرب للصدق وهو ظاهر الآية وعمومها الذي يشمل جميع متناولاتها ويسلم فيها الأنبياء عن النقص الذي لا يليق بجهال البشر فكيف بساداتهم وأنبيائهم انتهى وهو كلام حسن وبالله التوفيق وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر شركا بكسر الشين وسكون الراء على المصدر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم شركاء على الجمع وهي بينة على هذا التأويل الأخير وقلقة على قول من قال أن الآية الأولى في آدم وحواء وفي مصحف أبي بن كعب فلما أتاهما صالحا أشركا فيه
وقوله أيشركون ما لا يخلق شيئا الآية ذهب بعض من قال بالقول الأول إلى أن هذه الآية في آدم وحواء على ما تقدم وفيه قلق وتعسف من التأويل في المعنى وإنما تنسق هذه الآيات ويروق نظمها ويتناصر معناها على التأويل الأخير فإنهم قالوا إن الآية في مشركي الكفار الذين يشركون الأصنام في العبادة وأياها يراد في قوله ما لا يخلق وعبر عن الأصنام بهم كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائها ويخلقون معناه ينحتون ويصنعون يعني الأصنام ويحتمل أن يكون المعنى وهؤلاء المشكرون يخلقون أي فكان حقهم أن يعبدوا خالقهم لا من لا يخلق شيئا وقرأ أبو عبد الرحمن عما تشركون بالتاء من فوق أتشكرون
وقوله سبحانه وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ن قال أن الآيات في آدم عليه السلام قال هذه مخاطبة مستأنفة للنبي صلى الله عليه و سلم وأمته في أمر الكفار المعاصرين للنبي صلى الله عليه و سلم ومن قال بالقول الآخر قال أن هذه مخاطبة للمؤمنين والكفار على قراءة من قرأ أيشركون بالياء من تحت وللكفار فقط على قراءة من قرأ بالتاء من فوق على جهة التوقيف أي هذا حال الأصنام معكم أن دعوتموهم لم يجيبوكم
وقوله سبحانه إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فأدعوهم فليستجيبوا

لكم إن كنتم صادقين الآية مخاطبة للكفار في تحقير شأن اصنامهم وقوله فأدعوهم أي فاختبروا فإن لم يستجيبوا فهم كما وصفنا
وقوله سبحانه لهم ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها الآية الغرض من هذه الآية ألهم حواس الحي وأوصافه فإذا قالوا لا حكموا بأنها جمادات من غير شك لا خير عندها قال الزهراوي المعنى أنتم أفضل منهم بهذه الجوارح النافعة فكيف تعبدونهم ثم أمر سبحانه نبيه عليه السلام أن يعجزهم بقوله قل ادعوا شركاءكم أي استنجدوهم واستنفروهم إلى إضراري وكيدي ولا تؤخروني المعنى فإن كانوا آلهة فسيظهر فعلكم ولما احالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضرره وأراهم أن الله سبحانه هو القادر على كل شيء لا تلك عقب ذلك بالإستناد إلى الله سبحانه والتوكل عليه والإعلام بأنه وليه وناصره فقا ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
وقوله والذين تعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون إنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكنا من نفوس العرب في ذلك الزمان ومستوليا على عقولها فاوعب القول في ذلك لطفا منه سبحانه بهم
وقوله وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا الآية قالت فرقة هذا خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وأمته في أمر الكفار والهاء والميم في قوله تدعوهم للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة قاله مجاهد والسدي وقال الطبري المراد بالضمير المذكور الأصنام ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة ولما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان
وقوله سبحانه خذ العفو وأمر بالعرف الآية وصية من الله سبحانه لنبيه عليه السلام تعم جميع أمته وأخذ بجميع مكارم الأخلاق قال الجمهور معنى خذ العفو أقبل من الناس

في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف فالعفو هنا الفضل والصفو قال مكي قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف الآية قال بعض أهل المعاني في هذه الآية بيان قول النبي صلى الله عليه و سلم أوتيت جوامع الكلم فهذه الآية قد جمعت معان كثيرة وفوائد عظيمة وجمعت كل خلق حسن لأن في أخذ العفو صلة القاطعين والصفح عن الظالمين وإعطاء المانعين وفي الأمر بالمعروف تقوى الله وطاعته وصلة الرحم وصون الجوارح عن المحرمات وسمي هذا ونحوه عرفا لأن كل نفس تعرفه وتركن إليه وفي الأعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وتنزيه النفس عن مخاطبة السفيه ومنازعة اللجوج وغيره ذلك من الأفعال المرضية انتهى من الهداية وقوله وأمر بالعرف معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة ومن ذلك أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عن من ظلمك الحديث فالعرف بمعنى المعروف
وقوله عز و جل وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم هذه الآية وصية من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه و سلم تعم أمته رجلا رجلا والنزغ حركة فيها فساد وقلما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركته مسرعة مفسدة ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده فالمعنى في هذه الآية فأما تلمن بك لمة من الشيطان فاستعذ بالله وعبارة البخاري ينزغنك يستخفنك انتهى ونزغ الشيطان عام في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك وفي جامع الترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ان للملك لمة وللشيطان لمة الحديث قال ع وعن هاتين اللمتين هي الخواطر من الخير والشر فالآخذ بالواجب يلقى لمة الملك بالامتثال والاستدامة ولمة الشيطان بالرفض والاستعاذة واستعاذ معناه طلب أن يعاذ وعاذ معناه

لاذ وانضوى واستجار قال الفخر قال ابن زيد لما نزل قوله تعالى واعرض عن الجاهلين قال النبي صلى الله عليه و سلم كيف يا رب والغضب فنزل قوله وأما ينزغنك من الشيطان نزغ وقوله أنه سيمع عليم يدل على أن الاستعاذة لا تفيد إلا إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة فكأنه تعالى قال اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك فإني سميع واستحضر معاني الاستعاذة بعقلك وقلبك فإني عليم بما في ضميرك وفي الحقيقة القول اللساني دون المعارف العقلية عديم الفائدة والأثر انتهى
وقوله سبحانه إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا الآية خرجت مخرج المدح للمتقين والتقوى هاهنا عامة في اتقاء الشرك والمعاصي وقرأ ابن كثير وغيره طيف قال أبو علي الطائف كالخاطر والطيف كالخطرة وقوله تذكروا إشارة إلى الاستعاذة المأمور بها وإلى ما لله عز و جل من الأوامر والنواهي في النازلة التي يقع تعرض الشيطان فيها وقرأ ابن الزبير من الشيطان تأملوا فإذا هم وفي مصحف أبي بن كعب إذا طاف من الشيطان طائف تأملوا وقوله مبصرون من البصيرة أي فإذا هم قد تبينوا الحق ومالوا إليه والضمير في إخوانهم عائد على الشياطين وفي يمدونهم عائد على الكفار وهم المراد بالإخوان هذا قول الجمهور قال ع وقرأ جميع السبعة غير نافع يمدونهم من مددت وقرأ نافع يمدونهم من أمددت قال الجمهور هما بمعنى واحد إلا أن المستعمل في المحبوب أمد والمستعمل في المكروه مد فقراءة الجماعة جارية على المنهاج المستعمل وقراءة نافع هي مقيدة بقوله في الغي ما يجوز أن تقيد البشارة فتقول بشرته بشر ومد الشياطين للكفرة أي ومن نحا نحوهم هو بالتزيين لهم والإغواء المتتابع وقوله ثم لا يقصرون من أقصر والضمير عائد على الجميع أي هؤلاء لا يقصرون عن الإغواء وهؤلاء لا يقصرون في الطاعة للشياطين
وقوله سبحانه وإذا

لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها سببها فيما روي أن الوحي كان يتأخر أحيانا فكان الكفار يقولون هلا اجتبيتها أي اخترتها فأمره الله عز و جل أي يجيب بالتسليم لله وأن الأمر في الوحي إليه ينزله متى شاء ثم أشار بقوله هذا بصائر إلى القرآن أي علامات هدى وأنوار تستضيء القلوب به
وقوله سبحانه وإذا قرئى القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ذكر الطبري وغيره أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كانوا بمكة بتكلمون في المكتوبة بحوائجهم فنزلت الآية أمرا لهم بالاستماع والإنصات في الصلاة وأما قول من قال أنها في الخطبة فضعيف لأن الآية مكية والخطبة لم تكن إلا بعد الهجرة وألفاظ الآية على الجملة تتضمن تعظيم القرآن وتوقيره وذلك واجب في كل حالة والإنصات السكوت قال الزجاج ويجوز أن يكون فاستمعوا له وأنصتوا أي اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه قال ابن العربي في أحكامه روى الترمذي وأبو داود عن عبادة بن الصامت قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبح فثقلت عليه القراءة فلما أنصرف قال إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم قلنا يا رسول الله إي والله فقال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وقد روى الناس في قراءة المأمومين خلف الإمام بفاتحة الكتاب أحاديث كثيرة وأعظمهم في ذلك اهتبالا الدارقطني وقد جمع البخاري في ذلك جزءا وكان رأيه قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية وهي إحدى روايات مالك وهو اختيار الشافعي انتهى وقد تقدم أول الكتاب ما اختاره ابن العربي وقوله سبحانه وأذكر ربك في نفسك الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه و سلم وتعم جميع أمته وهو أمر من الله تعالى بذكره وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه بمحامده والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان ويدل على ذلك من هذه الآية

قوله دون الجهر من القول وهذه مرتبة السر والمخافتة وقال الفخر المراد بقوله تعالى وأذكر ربك في نفسك كونه عارفا بمعاني الإذكار التي يقولها بلسانه مستحضرا لصفات الجلال والعظمة وذلك أن الذكر باللسان إذا كان عاريا عن الذكر بالقلب كان عديم الفائدة إلا ترى أن الفقهاء أجمعوا على أن الرجل إذا قال بعت واشتريت مع أنه لا يعرف معاني هذه الألفاظ ولا يفهم منها شيئا فإنه لا ينعقد البيع والشراء فكذلك هنا قال المتكلمون وهذه الآية تدل على إثبات كلام النفس
وقوله تعالى ولا تكن من الغافلين يدل على أن الذكر القلبي يجب أن يكون دائما وأن لا يغفل الإنسان لحظة عن استحضار جلال الله وكبريائه بقدر الطاقة البشرية وتحقيق القول في هذا أن بين الروح والبدن علاقة عجيبة لأن كل أثر يحصل في البدن يصعد منه نتائج إلى إلى الروح ألا ترى أن الإنسان إذا تخيل الشيء الحامض ضرس منه وإذا تخيل حالة مكروهة أو غضب سخن بدنه انتهى وتضرعا معناه تذللا وخضوعا البخاري وخيفة أي خوفا انتهى
وقوله بالغدو والآصال معناه دأبا وفي كل يوم وفي أطراف النهار ولا تكن من الغافلين تنبيه منه عز و جل ولما قال سبحانه ولا تكن من الغافلين جعل بعد ذلك مثالا من اجتهاد الملائكة ليبعث على الجد في طاعة الله سبحانه ت قال صاحب الكلم الفارقية غفلة ساعة عن ربك مكدرة لمرآة قلبك فكيف بغفلة جميع عمرك انتهى قال ابن عطاء الله رحمه الله لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله

بعزيز انتهى قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى ولا تكن من الغافلين أي فيما أمرت به وكلفته وهذا خطاب له عليه السلام والمراد به جميع أمته انتهى
وقوله الذين يريد به الملائكة
وقوله عند إنما يريد به المنزلة والتشريف والقرب في المكانة لا في المكان فهم بذلك عنده ثم وصف سبحانه حالهم من تواضعهم وإدمانهم العبادة والتسبيح والسجود وفي الحديث اطت السماء وحق لها ان تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد وهذا موضع سجدة
قال عبد الرحمن بن محمد عفا الله عنه كمل ما انتخبناه في تفسير السورة والحمد لله على ما به انعم وصلى الله على سيدنا محمد وأله وسلم تسليما كثيرا
بسم الله الرحمن الحريم
سورة الأنفال مدينة كلها
قال مجاهد إلا أية واحد وهي قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية ولا خلاف أن هذه السورة نزلت في شأن بدر وأمر غنائمه
قوله عز و جل يسئلونك عن الأنفال الآية النفل والنافلة في كلام العرب الزيادة على الواجب والأكثر في هذه الآية أن السؤال إنما هو عن حكم الأنفال وقالت فرقة إنما سألوه الأنفال نفسها محتجين بقراءة سعد بن أبي وقاص وغيره يسئلونك الأنفال وعن أبي إمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن

الأنفال فقال فينا أهل بدر نزلت حين اختلفنا وساءت اخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسوله صلى الله عليه و سلم وقسمه عليه السلام بين المسلمين على بواء يريد على سواء فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين قال ع ويجيء من مجموع الآثار المذكورة هنا أن نفوس أهل بدر تنافرت ووقع فيها ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأثرة لا سيما من أبلى فأنزل الله عز و جل الآية فرضي المسلمون وسلموا فأصلح ذات بينهم ورد عليهم غنائمهم قال بعض أهل التأويل عكرمة ومجاهد كان هذا الحكم من الله سبحانه لرفع الشغب ثم نسخ بقوله واعلموا إنما غنمتم من شيء الآية
وقوله سبحانه واصلحوا ذات بينكم بأنه شجر بينهم اختلاف ومالت النفوس إلى التشاح وذات في هذا الموضع يراد بها نفس الشيء وحقيقته والذي يفهم من بينكم هو معنى يعم جميع الوصل والالتحامات والمودات وذات ذلك هو المأمور باصلاحها أي نفسه وعينه وباقي الآية بين وقوله سبحانه إنما المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية إنما لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع ويصلح مع ذلك للحصر بحسب القرينة فقوله هنا إنما المؤمنون ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط أي الكاملون قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري الساحلي المالقي في كتابه الذي ألفه في السلوك واعلم أن الإنسان مطلوب بطهارة نفسه وتزكيتها وطرق التزكية وإن كثرت فطريق الذكر أسرع نفعا وأقرب مراما وعليه درج أكثر مشائخ التربية ثم قال والذكر ضد النسيان والمطلوب منه عمارة الباطن بالله تعالى في كل زمان ومع كل حال لأن الذكر بدل على المذكور لا محالة فذكره دبدنا يوجب المحبة له والمعرفة به والذكر وإن اختلفت ألفاظه ومعانيه فلكل معنى معانيه اختصاص

بنوع من التحلية والتخلية والتزكية ثم قال والذكر على قسمين ذكر العامة وذكر الخاصة أما ذكر العامة وهو ذكر الأجور فهو أن يذكر العبد مولاه بما شاء من ذكره لا يقصد غير الأجور والثواب واما ذكر الخاصة فهو ذكر الحضور وهو أن يذكر العبد مولاه باذكار معلومة على صفة مخصوصة لينال بذلك المعرفة بالله سبحانه بطهارة نفسه من كل خلق ذميم وتحليتها بكل خلق كريم انتهى ووجلت معناه فزعت ورقت وخافت وبهذه المعاني فسرتها العلماء وتليت معناه سردت وقرئت والآيات هنا القرآن المتلو ومن كلام صاحب الكلم الفارقية أن تيقظت يقظة قلبية وانتبهت انتباهة حقيقية لم تر في وقتك سعة لغير ذكر ربك واستشعار عظمته ومهابته والإقبال على طاعته ما في وقت العاقل فضلة في غير ما خلق له من عبادة خالقه والاهتمام بمصالح آخرته والاستعداد لمعاده اعرف العبيد بجلال مولاه أخلاهم عما سواه وأكثرهم لهجا بذكره وتعظيما لأمره وأحسنهم تأملا لآثار صنعته وبدائع حكمته وأشدهم شوقا إلى لقائه ومشاهدته انتهى وزيادة الإيمان على وجوه كلها خارج عن نفس التصديق منها أن المؤمن إذا كان لم يسمع حكما من أحكام الله عز و جل في القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه و سلم فسمعه فآمن به زاد إيمانا إلى سائر ما قد آمن به إذ لكل حكم تصديق خاص وهذا يترتب فيمن بلغه ما لم يكن عنده من الشرع إلى يوم القيامة وترتب زيادة الإيمان بزيادة الدلائل ولهذا قال مالك الإيمان يزيد ولا ينقص ويترتب بزيادة الأعمال البرة على قول من يرى أن لفظة الإيمان واقعة على التصديق والطاعات وهؤلاء يقولون يزيد
وينقص وقوله سبحانه وعلى ربهم يتوكلون عبارة جامعة لمصالح الدنيا والآخرة إذا اعتبرت وعمل بحسبها في أن يمتثل الإنسان ما أمر به ويبلغ في ذلك أقصى جهده دون عجز وينتظر بعدما وعد به من نصر أو رزق أو غيره وهذه أوصاف جميلة

وصف الله بها فضلاء المؤمنين فجعلها غاية للأمة يستبق إليها الأفاضل ثم أتبع ذلك وعدهم ووسمهم باقامة الصلاة ومدحهم بها حضا على ذلك
وقوله ومما رزقناهم ينفقون قال جماعة من المفسرين هي الزكاة وإنما حملهم على ذلك اقتران الكلام بإقامة الصلاة وإلا فهو لفظ عام في الزكاة ونوافل الخير وصلات المستحقين ولفظ ابن عباس في هذا المعنى محتمل
وقوله سبحانه لهم درجات ظاهره وهو قول الجمهور إن المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجاتها على قدر أعمالهم ورزق كريم يريد مآكل الجنة ومشاربها وكريم صفة تقتضي رفع المذام كقوله ثوب كريم
وقوله سبحانه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الآية اختلف في معنى هذه الآية فقال الفراء التقدير امض لأمرك في الغنائم وإن كرهوا كما أخرجك ربك قال ع وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه و سلم فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله يجادلونك كلاما مستأنفا يراد به الكفار أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان وهذا الذي ذكرت من أن يجادلونك في الكفار منصوص وقال مجاهد وغيره المعنى في الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذلك الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لاما يريدون هم وقائل هذه المقالة يقول أن المجادلين هم المؤمنون وقائل المقالة الأولى يقول أن المجادلين هم المشركون وهذان

القولان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقيل غير هذا وقوله من بيتك يريد من المدينة يثرب قاله الجمهور
وقوله سبحانه وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم الآية في هذه الآية قصص حسن محل استيعابه كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبن هشام واختصاره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بلغه وقيل أوحي إليه أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام بالعير التي فيها تجارة قريش وأموالها قال لأصحابه أن عير قريش قد عنت لكم فأخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها قال فأبعث معه من خف وثقل قوم وكرهوا الخروج وأسرع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يلوي على من تعذر ولا ينظر من غاب ظهره فسار في ثلاث مائة وثلاثة عشر أو نحو ذلك من أصحابه بين مهاجري وأنصاري وقد ظن الناس بأجمعهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يلقى حربا فلم يكثر استعدادهم وكان أبو سفيان في خلال لك يستقصي ويحذر فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنفر أهلها ففعل ضمضم فخرج أهل مكة في ألف رجل أو نحو ذلك فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خروجهم أوحى الله إليه وحيا غير متلو يعده إحدى الطائفتين فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه بذلك فسروا وودوا أن تكون لهم العير التي لا قتال معها فلما علم أبو سفيان بقرب رسول الله صلى الله عليه و سلم منه أخذ طريق الساحل وأبعد وفات ولم يبق إلا لقاء أهل مكة وأشار بعض الكفار على بعض بالانصراف وقالوا هذه عيرنا قد نجت فلننصرف فحرش أبو جهل ولج حتى كان أمر الواقعة وقال بعض المؤمنين نحن لم نخرج لقتال ولم نستعد له فجمع رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه وهو بواد يسمى دقران وقال أشيروا علي أيها الناس فقام أبو بكر فتكلم واحسن وحرض الناس على

لقاء العدو فأعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم الاستشارة فقام عمر بمثل ذلك فأعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم الاستشارة فتكلم المقداد بن الأسود الكندي فقال لا نقول لك يا رسول الله كما قالت بنو إسرائيل أذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول إنا معكما مقاتلون والله لو أردت بنا برك الغماد يعني مدينة الحبشة لقاتلنا معك من دونها فسر رسول الله صلى اله عليه وسلم بكلامه ودعا له بخير ثم قال أشيروا علي أيها الناس فكلمه سعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة ويحتمل هما معا فقال يا رسول الله كأنك إيانا تريد معشر الأنصار فقال النبي صلى الله عليه و سلم أجل فقال إنا قد آمنا بك واتبعناك وبايعناك فامض لأمر الله فوالله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك فقال النبي صلى الله عليه و سلم امضوا على بركة الله فكأني أنظر إلى مصارع القوم فالتقوا وكانت وقعة بدر ت وفي صحيح البخاري من حديث عائشة في خروج أبي بكر من مكة فلقيه ابن الدغنة عند برك الغماد الحديث وليست بمدينة الحبشة من غير شك فالله أعلم ولعلهما موضعان انتهى والشوكة عبارة عن السلاح والحدة
وقوله سبحانه ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين المعنى ويريد الله أن يظهر الإسلام ويعلي دعوة الشرع بكلماته التي سبقت في الأزل والدابر الذي يدبر القوم أي يأتي أخرهم وإذا قطع فقد أتى على أخرهم بشرط أن يبدأ الإهلاك من أولهم وهي عبارة في كل من أتى الهلاك عليه وقوله سبحانه ليحق الحق أي ليظهر الحق الذي هو دين الإسلام ويبطل الباطل أي الكفر وتستغيثون معناه تطلبون الغوث وممدكم أي مكثركم ومقويكم من امددت ومردفين معناه متبعين وقرأ سائر السبعة غير نافع مردفين بكسر الدال نافع بفتحها وروي عن ابن عباس خلف كل ملك ملك وهذا معنى التتابع يقال ردف وأردف إذا اتبع وجاء بعد الشيء

ويحتمل أن يراد مردفين للمؤمنين ويحتمل أن يراد مردفين بعضهم بعضا وأنشد الطبري شاهدا على أن أردف بمعنى جاء تابعا قول الشاعر ... إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا ...
والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الصحيح الاشهران الملائكة قاتلت يوم بدر واختلف في غره قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس أنه قالحدثني رجل من بني غفار قال أقلت أنا وابن عم لي حتى صعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون فننتهب مع من ينتهب قال فبينما نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول اقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي سعيد مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى انتهى من سيرة ابن هشام
وقوله سبحانه وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم الضمير في جعله عائد على الوعد وهذا عندي أمكن الأقوال من جهة المعنى وقيل عائد على المدد والإمداد وقيل عائد على الأرداف وقيل عائد على الألف
وقوله وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم توقيف على أن الأمر كله لله وأن تكسب المرء لا يغني إذا لم يساعده القدر وإن كان مطلوبا بالجد كما ظاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بين درعين
وقوله سبحانه إذ يغشيكم النعاس امنة منه القصد تعديد نعمه سبحانه على المؤمنين في يوم بدر والتقدير اذكروا إذ فعلنا بكم كذا وإذ فعلنا كذا والعامل في إذا اذكروا وقرأ نافع يغشيكم بضم الياء وسكون الغين وقرأ حمزة وغيره يغشيكم بفتح الغين

وشد الشين المكسورة وقرأ ابن كثير وغيره يغشاكم بفتح الياء وألف بعد الشين النعاس بالرفع ومعنى يغشيكم يغطيكم والنعاس أخف النوم وهو الذي يصيب الإنسان وهو واقف أو ماش وينص على ذلك قصص هذه الآية أنهم إنما كان بهم خفق بالرؤوس وقوله امنة مصدر من أمن يأمن أمنا وامنة وأمانا والهاء فيه لتأنيث المصدر كماه هي في المساءة والحماقة والمشقة وروي عن ابن مسعود أنه قال النعاس عند حضور القتال علامة أمن وهو من الله وهو في الصلاة من الشيطان قال ع وهذا إنما طريقة الوحي فهو لا محالة يسنده
وقوله سبحانه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وذلك أن قوما من المؤمنين لحقتهم جنابات في سفرهم وعدموا الماء قريب بدر فصلوا كذلك فوسوس الشيطان في نفوس بعضهم مع تخويفه لهم من كثرة العدو وقلتهم وأيضا فكانت بينهم وبين ماء بدر مسافة من رمل دهس تسوخ فيها الأرجل فكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكفار إلى ماء بدر فأنزل الله تلك المطرة فسالت الأودية فاغتسلوا وطهرهم الله تعالى فذهب رجز الشيطان وتدمث الطريق وتلبدت تلك الرمال فسهل الله عليهم السير وأمكنهم الإسراع حتى سبقوا إلى ماء بدر وأصاب المشركين من ذلك المطر ما صعب عليهم طريقهم فسر المؤمنين وتبينوا من فعل الله بهم ذلك قصد المعونة لهم فطابت نفوسهم واجتمعت وتشجعت فذلك الربط على قلوبهم وتثبيت أقدامهم على الرملة اللينة والضمير فيه على هذا الاحتمال عائد على الماء ويحتمل عوده على ربط القلوب ويكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب ونزول الماء كان في الزمن قبل تغشية النعاس ولم يترتب كذلك في الآية إذ القصد فيها تعديد النعم فقط
وقوله سبحانه فثبتوا الذين آمنوا ولثبيتهم يكون بقتالهم وبحضورهم وبأقوالهم المونسة ويحتمل أن يكون

التثبيت بما يلقيه الملك في القلب بلمته من توهم الظفر واحتقار الكفار وبخواطر تشجعه قال ع ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب وعلى هذا التأويل يجيء قوله سالقى في قلوب الذين كفروا الرعب مخاطبة للملائكة ويحتمل أن يكون مخاطبة للمؤمنين
وقوله سبحانه فاضربوا فوق الأعناق عكرمة هي على بابها وارد الرؤوس وهذا أنبل الأقوال قال ع ويحتمل عندي أن يريد وصف أبلغ ضربات العنق وأحكمها وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق دون عظم الرأس في المفصل كما وصف دريد بن الصمة فيجيء على هذا فوق الأعناق متمكنا والبنان قالت فرقة هي المفاصل حيث كانت من الأعضاء وقالت فرقة البنان الأصابع وهذا هو الصحيح لأنه إذا قطع البنان لم ننتفع صاحبه بشيء من أعضائه واستاسر وشاقوا معناه خالفوا ونابذوا وقطعوا وهو مأخوذ من الشق وهو القطع والفصل بين شيئين وعبر المفسرون عن قوله شاقوا أي صاروا في شق غير شقه قال ع وهذا وإن كان معناه صحيحا فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه وقوله فإن الله شديد العقاب جواب للشرط تضمن وعيدا وتهديدا
وقوله سبحانه فذوقوه للكفار أي ذلكم الضرب والقتل وما أوقع الله بهم يوم بدر فكأنه قال الأمر ذلكم فذوقوه وكذا قرره سيبويه وقال بعضهم يحتمل أن يكون ذلكم في موضع نصب كقوله زيدا فأضربه وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا الآية يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص أي يزحف بعضهم إلى بعض واصل الزحف الأندفاع على الآلية ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويدا زاحفا إذ في مشيته من التماهل والتباطىء ما في مشي الزاحف وفي هذا المعنى شواهد من كلام العرب ونهى الله سبحانه

في هذه الآية عن تولي الأدبار وهذا مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين والفرار هنالك كبيرة موبقة بظاهر القرآن والحديث وإجماع الأكثر من الأمة
وقوله ومن يولهم يومئذ دبره الآية قال جمهور الأمة الإشارة بيومئذ إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله إذا لقيتم وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه الله سبحانه ت قال ابن رشد وهذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا فإن بلغ حرم الفرار وإن زاد المشركون على الضعف للحديث لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة فإن أكثر أهل العلم خصصوا بهذا الحديث عموم الآية وعن ملك مثله انتهى وفهم ع الحديث على التعجب ذكره عند قوله ويوم حنين وما قاله ابن رشد هو الصواب والله أعلم و متحرفا لقتال يراد به الذي إن فعله ذلك أنكى للعدو ونصبه على الحال وكذلك نصب متحيزا وأما الاستثناء فهو من المولين الذي تضمنهم من والفئة هنا الجماعة الحاضرة للحرب هذا قول الجمهور
وقوله سبحانه فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى هذه الألفاظ ترد على من يزعم أن أفعال العباد خلق لهم ومذهب أهل السنة أنها خلق للرب سبحانه كسب للعبد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ يومئذ ثلاث قبضات من حصى وتراب فرمى بها في وجوه القوم فانهزموا عند آخر رمية ويروى أنه قال يوم بدر شاهت الوجوه وهذه الفعلة أيضا كانت يوم حنين بلا خلاف وليبلي المؤمنين أي ليصيبهم ببلاء حسن وظاهر وصفه بالحسن يقتضي أنه أراد الغنيمة والظفر والعزة إن الله سميع لاستغاثتكم عليم بوجوه الحكمة في جميع أفعاله لا إله إلا هو
وقوله سبحانه ذلكم إشارة إلى ما تقدم من قتل الله لهم ورميه إياهم وموضع ذلكم من الأعراب رفع قال سيبويه التقدير الأمر ذلكم وموهن معناه مضعف مبطل
وقوله

سبحانه إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الآية قال أكثر المتأولين هذه الآية مخاطبة لكفار مكة روي أن قريشا لما عزموا على الخروج إلى حماية العير تعلقوا بأستار الكعبة واستفتحوا وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر اللهم أنصر أحب الفئتين إليك وأظهر خير الدينين عندك اللهم اقطعنا للرحم فاحنه الغداة ونحو هذا فقال الله لهم إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم أي كما ترونه عليكم لا لكم وفي هذا توبيخ لهم وإن تنتهوا عن كفركم وغيكم فهو خير لكم وإن تعودوا للاستفتاح نعد بمثل وقعة بدر وباقي الآية بين
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله الآية قيل أنها نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وكراهيتهم خروج النبي صلى الله عليه و سلم وتولوا أصله تتولوا
وقوله وأنتم تسمعون يريد دعاءه لكم بالقرآن والمواعظ
وقوله كالذين قالوا يريد الكفار إما من قريش لقولهم سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا وأما الكفار على الإطلاق
وقوله سبحانه إن شر الدواب عند الله الصم البكم مقصد الآية بيان أن هذه الصنيفة العاتية من الكفار هي شر الناس عند الله سبحانه وأنها في أخس المنازل لديه وعبر بالدواب ليتأكد ذمهم وقوله الصم البكم عبارة عما في قلوبهم وعدم انشراح صدورهم وإدراك عقولهم وقوله ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم أي سماع هدى وتفهم ولو اسمعهم أي ولو فهمهم لتولوا بحكم القضاء السابق فيهم ولأعرضوا عما تبين لهم من الهدى
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول الآية استجيبوا بمعنى أجيبوا وقوله لما يحييكم قال مجاهد والجمهور المعنى للطاعة وما يتضمنه القرآن وهذا إحياء مستعار لأنه من موت الكفر والجهل والطاعة تؤدي إلى الحياة الدائمة في الآخرة
وقوله سبحانه واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه يحتمل

وجوها منها أنه لما أمرهم سبحانه بالاستجابة في الطاعة حضهم على المبادرة والاستعجال وأعلمهم أنه يحول بين المرء وقلبه بالموت والقبض أي فبادروا الطاعات ويلتئم مع هذا التأويل قوله وإنه إليه تحشرون أي فبادروا الطاعات وتزودوها ليوم الحشر ومنها أن يقصد أعلامهم أن قدرة الله وعلمه وإحاطته حائلة بين المرء وقلبه فكان هذا المعنى يحض على المراقبة والخوف لله المطلع على الضمائر حكي هذا التأويل عن قتادة ويحتمل أن يريد تخويفهم إن لم يمتثلوا الطاعات ويستجيبوا لله وللرسول أن يحل بهم ما حل بالكفار الذين أرادهم بقوله ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون لأنه حتمه عليهم بأنهم لو سمعوا لم ينتفعوا يقتضي أنه كان قد حال بينهم وبين قلوبهم ومنا أن يكون المعنى ترجية لهم بأن الله يبدل الخوف الذي في قلوبهم من كثرة العدو فيجعله جراءة وقوة وبضد ذلك للكفار أي فإن الله تعالى هو مقلب القلوب كما كان قسم النبي صلى الله عليه و سلم وقيل غير هذا قال مكي وقال الطبري هذا خبر من الله عز و جل أنه أملك بقلوب العباد منهم لها وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا من إيمان ولا كفر ولا يعي شيئا ولا يفهم شيئا إلا بإذنه ومشيئته سبحانه وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم كثيرا ما يقول في دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك انتهى
الهداية وروى مالك بن أنس والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا أبي بن كعب وهو في الصلاة فلم يجبه وأسرع في بقية صلاته فلما فرغ جاء فقال له النبي صلى الله عليه و سلم ألم يقل الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال أبي لأجرم يا رسول الله لا تدعوني أبدا إلا أجبتك الحديث بطوله واختلاف ألفاظه وفي البخاري ومسلم أن ذلك وقع مع أبي سعيد بن المعلى وروي أنه وقع نحوه مع حذيفة بن اليمان في غزوة الخندق
وقوله

عز و جل واتقوا فتنة لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة في الآية تأويلات أسبقها إلى النفس أن الله سبحانه حذر جميع المؤمنين من فتنة أن أصابت لم تخص الظلمة فقط بل تصيب الكل من ظالم وبريء وهذا تأويل الزبير بن العوام والحسن البصري وكذلك تأويل ابن عباس فإنه قال أمر الله المؤمنين في هذه الآية أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب وخاصة نعت لمصدر محذوف تقديره إصابة خاصة فهي نصب على الحال وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره لتصيبن باللام على جواب قسم والمعنى على هذا وعيد للظلمة فقط
وقوله سبحانه واذكروا إذ أنتم قليل الآية هذه الآية تتضمن تعديد نعم الله على المؤمنين وإذ ظرف لمعمول واذكروا تقديره واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل ولا يجوز أن تكون إذ ظرفا للذكر وإنما يعمل الذكر في إذ لو قدرناها مفعولة واختلف في الحال المشار إليها بهذه الآية فقالت فرقة وهي الأكثر هي حال المؤمنين بمكة في وقت بداءة الإسلام والناس الذين يخاف تخطفهم كفار مكة والمأوى المدينة والتأييد بالنصر وقعة بدر وما أنجر معها في وقتها والطيبات الغنائم وسائر ما فتح الله عليهم به وقالت فرقة الحال المشار إليها هي حالهم في غزوة بدر والناس الذين يخاف تخطفهم على هذا عسكر مكة وسائر القبائل المجاورة فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتخوف من بعضهم والمأوى على هذا والتأييد بالنصر هو الإمداد بالملائكة والتغليب على العدو والطيبات الغنيمة
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول هذا خطاب لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة وهو يجمع أنواع الخيانات كلها قليلها وكثيرها والخيانة التنقص للشيء بإختفاء وهي مستعملة في أن يفعل الإنسان خلاف ما ينبغي من حفظ أمر ما مالا كان أو سرا

أو غير والخيانة لله عز و جل هي في تنقص أوامره في سر
وقوله وتخونوا أماناتكم قال الطبري يحتمل أن يكون داخلا في النهي كأنه قال لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم ويحتمل أن يكون المعنى لا تخونوا الله والرسول فذلك خيانة لأماناتكم
وقوله فتنة يريد محنة واختبارا وامتحانا ليرى كيف العمل في جميع ذلك
وقوله وإن الله عنده أجر عظيم يريد فوز الآخرة فلا تدعوا حظكم منه للحيطة على أموالكم وأبنائكم فإن المذخور للآخرة أعظم أجرا
قوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله الآية وعد للمؤمنين بشرط التقوى والطاعة لله سبحانه ويجعل لكم فرقانا معناه فرقا بين حقكم وباطل من ينازعكم بالنصر والتأييد وعبر قتادة وبعض المفسرين عن الفرقان هاهنا بالنجاة وقال مجاهد والسدي معناه مخرجا ونحو هذا مما يعمه ما ذكرناه وقد يوجد للعرب استعمال الفرقان كما ذكر المفسرون وعلى ذلك شواهد منها قول الشاعر ... وكيف أرجى الخلد والموت طالبي ... ومالي من كاس المنية فرقان ...
ت قال ابن رشد واحسن ما قيل في هذا المعنى
قوله تعالى لكم فرقانا أي فصلا بين الحق والباطل حتى يعرقوا ذلك بقلوبهم ويهتدوا إليه انتهى من البيان
وقوله سبحانه وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية تذكير بحال مكة وضيقها مع الكفرة وجميل صنع الله تعالى في جميع ذلك والمكر المخاتلة والتداهى تقول فلان يمكر بفلان إذا كان يستدرجه وهذا المكر الذي ذكر الله تعالى في هذه الآية هو بإجماع المفسرين إشارة إلى اجتماع قريش في دار الندوة بمحضر إبليس في صورة شيخ نجدي على ما نص ابن إسحاق في سيره الحديث بطوله وهو الذي كان خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم بسببه ولا خلاف أن ذلك كان بعد موت أبي طالب ففي القصة أن أبا جهل قال الرأي أن نأخذ من

كل بطن في قريش فتى قويا جلدا فيجتمعون ثم يأخذ كل واحد منهم سيفا ويأتون محمد في مضجعه فيضربونه ضربة رجل واحد فلا تقدر بنو هاشم على قتال قريش بأسرها فيأخذون العقل ونستريح منه فقال النجدي صدق الفتى هذا الرأي لا رأي غيره فافترقوا على ذلك فأخبر الله تعالى بذلك نبيه صلى الله عليه و سلم وأذن له في الخروج إلى المدينة فخرج رسول الله صلى الله عيله وسلم من ليلته وقال لعلي بن أبي طالب التف في بردى الحضرمي واضطجع في مضجعي فإنه لا يضرك شيء ففعل فجاء فتيان قريش فجعلوا يرصدون الشخص وينتظرون قيامه فيثورون به فلما قام رأوا عليا فقالوا له أين صاحبك فقال لا أدري وفي السير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج عليهم وهم في طريقه فطمس الله أعينهم عنه وجعل على راس كل واحد منهم ترابا ومضى لوجهه فجاءهم رجل فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال إني رأيته الآن جائيا من ناحيتكم وهو لا محالة وضع التراب على رؤوسكم فمد كل واحد يده إلى رأسه فإذا عليه التراب وجاءوا إلى مضجع رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدوا عليا فركبوا وراءه حينئذ كل صعب وذلول وهو بالغار ومعنى ليثبتوك ليسجنوك قاله عطاء وغيره وقال ابن عباس وغيره ليوثقوك
وقوله سبحانه وإذا تتلى عليهم آياتنا يعني القرآن قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا وقولهم إن هذا إلا أساطير الأولين أي قصصهم المكتوبة المسطورة وأساطير جمع أسطورة ويحتمل جمع أسطار وتواترت الروايات عن ابن جريج وغيره أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث وذلك أنه كان كثير السفر إلى فارس والحيرة فكان قد سمع من قصص الرهبان وأخبار رستم واسفنديار فلما سمع القرآن ورأى فيه أخبار الأنبياء والأمم قال لو شئت لقلت مثل هذا وكان النضر من مردة قريش النائلين من النبي صلى الله عليه و سلم ونزلت فيه

آيات كثيرة من كتاب الله عز و جل وأمكن الله منه يوم بدر وقتله رسول الله صلى الله عليه و سلم صبرا بالصفراء منصرفة من بدر في موضع يقال له الأثيل وكان أسره المقداد فلما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بضرب عنقه قال المقداد أسيري يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه كان يقول في كتاب الله ما قد علمتم ثم أعاد الأمر بقتله فأعاد المقداد مقالته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم أغن المقداد من فضلك فقال المقداد هذا الذي أردت فضربت عنق النضر
وقوله عز و جل وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية روي عن مجاهد وغيره أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث المذكور وفيه نزلت هذه الآية قال ع وترتب أن يقول النضر مقالة وينسبها القرآن إلى جميعهم لأن النضر كان فيهم موسوما بالنبل والفهم مسكونا إلى قوله فكان إذا قال قولا قاله منهم كثير واتبعوه عليه حسب ما يفعله الناس أبدا بعلمائهم وفقهائهم ت وخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك قال قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتينا بعذاب أليم فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم إلى عن المسجد الحرام والمشار إليه بهذا هو القرآن وشرع محمد صلى الله عليه و سلم والذي حملهم على هذه المقالة هو الحسد فعميت بصائرهم عن الهدى وصمموا على أن هذا ليس بحق نعوذ بالله من جهد البلاء وسوء القضاء وحكى ابن فورك أن هذه المقالة خرجت منهم مخرج العناد وهذا بعيد في التأويل ولا يقول هذا على جهة العناد عاقل وقراءة الناس إنما هي بنصب الحق على أنه خبر كان ويكون هو فصلا فهو حينئذ اسم وأمطر إنما تستعمل غالبا في المكروه ومطر في الرحمة قاله أبو عبيدة
وقوله سبحانه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية قالت فرقة نزلت هذه الآية كلها بمكة وقالت

فرقة نزلت كلها بعد وقعة بدر حكاية عما مضى وقال ابن أبزي نزل قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم بمكة أثر قولهم أو أتينا بعذاب أليم ونزل قوله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون عند خروج النبي صلى الله عليه و سلم من مكة في طريقه إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون ونزل قوله وما لهم إلا يعذبهم الله إلى آخر الآية بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم وهذا التأويل بين وعليه واعتمد عياض في الشفا قال وفي الآية تأويل آخر ثم ذكر حديث الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال قال النبي صلى الله عليه و سلم انزل الله تعالى علي امانين لأمتي وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار انتهى قال ع وأجمع المتأولون على أن معنى قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم أن الله عز و جل لم يعذب قط أمة ونبيها بين أظهرها أي فما كان الله ليعذب هذه الأمة وأنت فيهم بل كرامتك لديه أعظم
وقوله عز و جل ومالهم إلا يعذبهم الله توعد بعذاب الدنيا والضمير في قوله أولياءه عائد على الله سبحانه أو على المسجد الحرام كل ذلك جيد وروي الأخير عن الحسن وقال الطبري عن الحسن بن أبي الحسن أن قوله سبحانه وما لهم إلا يعذبهم الله ناسخ لقوله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون قال ع وفيه نظر لأنه خبر لا يدخله نسخ
وقوله سبحانه وما كان صلاتهم عند البيت الامكاء وتصدية المكاء الصفير قاله ابن عباس والجمهور والتصدية عبر عنها أكثر الناس بأنها التصفيق وذهب أكثر المفسرين إلى أن المكاء والتصدية إنما أحدثهما الكفار عند مبعث النبي صلى الله عليه و سلم لتقطع عليه وعلى المؤمنين قراءتهم وصلاتهم وتخلط عليهم فلما نفى الله تعالى ولايتهم للبيت أمكن أن يعترض منهم معترض بأن يقول وكيف لا نكون أولياءه ونحن نسكنه ونصلي عنده فقطع سبحانه

هذا الاعتراض بأن قال وما كان صلاتهم عند البيت إلا المكاء والتصدية قال ع والذي مربى من أمر العرب مربى من أمر العرب في غير ما ديوان أن المكاء والتصدية كان من فعل العرب قديما قبل الإسلام على جهة التقرب به والتشرع وعلى هذا يستقيم تغييرهم وتنقصهم بأن شرعهم وصلاتهم لم تكن رهبة ولا رغبة وإنما كانت مكاء وتصدية من نوع اللعب ولكنهم كانوا يتزيدون فيهما وقت النبي صلى الله عليه و سلم ليشغلوه هو وأمته عن القراءة والصلاة
وقوله سبحانه فذوقوا العذاب الآية إشارة إلى عذابهم ببدر بالسيف قاله الحسن وغيره فيلزم أن هذه الآية الآخرة نزلت بعد بدر ولا بد قال ع والاشبه أن الكل نزل بعد بدر حكاية عما مضى
وقوله سبحانه إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله الآية لما قتل من قتل ببدر اجتمع أبناؤهم وقراباتهم فقالوا لمن خلص ماله في العير إن محمدا قد نال منا ما ترون ولكن أعينونا بهذا المال الذي كان سبب الوقعة فلعلنا ان ننال منه ثارا يريدون نفقته في غزوة أحد
وقوله سبحانه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون الحسرة التلهف على فائت وهذا من أخبار القرآن بالغيوب قبل أن تكون فكان كما أخبر ثم أخبر سبحانه عن الكافرين وأنهم يجمعون إلى جهنم والحشر الجمع
وقوله سبحانه ليميز الله الخبيث من الطيب وقرأ حمزة والكسائي ليميز الله بضم الياء وفتح الميم وشد الياء قال ابن عباس وغيره المعنى بالخبيث الكفار وبالطيب المؤمنون وقال ابن سلام والزجاج الخبيث ما أنفقه المشركون في الصد عن سبيل الله والطيب هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل الله قال ع روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله سبحانه يخرج يوم القيامة من الأموال ما كان صدقة أو قربة ثم يأمر بسائر ذلك فيلقى في النار وعلى التأويلين فقول سبحانه ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا

إنما هي عبارة عن جمع ذلك وضمه وتأليف أشتاته وتكاثفه بالإجماع ويركمه في كلام العرب يكثفه ومنه سحاب مركوم وعبارة البخاري فيركمه فيجمعه انتهى
وقوله سبحانه إن ينتهوا يعني عن الكفر يغفر لهم ما قد سلف لأن الإسلام يجب ما قبله وإن يعودوا يريد به إلى القتال ولا يصح أن يتأول وأن يعودوا إلى الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه
وقوله فقد مضت سنة الأولين عبارة تجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله حين صد في وجه نبيه بمن هلك في يوم بدر بسيف الإسلام
وقوله سبحانه وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال ابن عباس وابن عمر وغيرهما الفتنة الشرك قال ع وهذا هو الظاهر ويفسر هذه الآية قوله صلى الله عليه و سلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث وقال ابن إسحاق معناها حتى لا يفتن أحد عن دينه كماكانت قريش تفعل بمكة بمن أسلم
وقوله ويكون الدين كله لله أي لا يشرك معه صنم ولا وثن ولا يعبد غيره سبحانه ثم قال تعالى فإن انتهوا عن الكفر فإن الله بصير بعملهم مجاز عليه عنده ثوابه وجميل المقارضة عليه
وقوله سبحانه وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير معادلة لقوله فإن انتهوا المعنى وإن تولوا ولم ينتهو فاعلموا أن الله تعالى ينصركم عليهم وهذا وعد محض بالنصر والظفر والمولى هاهنا الموالى والمعين والمولى في اللغة على معان هذا هو الذي يليق بهذا الموضع منها والمولى الذي هو السيد المقترن بالعبد يعم المؤمنين والمشركين
وقوله عز و جل إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل بسعي ومنه قوله صلى الله عليه و سلم الصيام في الشتاء هي الغنيمة الباردة وقوله من شيء ظاهره العموم ومعناه الخصوص فأما الناض والمتاع والأطفال والنساء وما لا يؤكل لحمه من الحيوان ويصح تملكه فالإمام يأخذ

خمسه ويقسم الباقي في الجيش وأما الأرض فقال فيها مالك يقسمها الإمام إن رأى ذلك صوابا كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم بخيبر أو لا يقسمها بل يتركها لنوائب المسلمين إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأرض مصر وبسواد الكوفة وأما الرجال ومن شارف البلوغ من الصبيان فالإمام عند مالك وجمهور العلماء مخير فيهم على خمسة أوجه منها القتل وهو مستحسن في أهل الشجاعة والنكاية ومنها الفداء وهو مستحسن في ذي المنصب الذي ليس بشجاع ولا يخاف منه رأي ومكيدة لانتفاع المسلمين بالمال الذي يؤخذ منه ومنها المن وهو مستحسن فيمن يرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن ومنها الاسترقاق ومنها ضرب الجزية والترك في الذمة وأما الطعام والغنم ونحوها مما يكل فهو مباح في بلد العدو أكله وما فضل منه كان في المغنم ومحل استيعاب فروع هذا الفصل كتب الفقه
وقوله سبحانه وما أنزلنا على عبدنا أي من النصر والظهور الذي أنزله الله سبحانه يوم بدر ويحتمل أن تكون الإشارة إلى قرآن نزل يوم بدر أو في قصة يوم بدر ويوم الفرقان معناه يوم الفرق بين الحق والباطل بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك والجمعان يريد جمع المسلمين وجمع الكفار وهو يوم بدر ولا خلاف في ذلك
وقوله سبحانه والله على كل شيء قدير بعضد أن قوله وما أنزلنا على عبدنا يراد به النصر والظفر أي الآيات والعظائم من غلبة القليل للكثير وذلك بقدرة الله عز و جل الذي هو على كل شيء قدير
قوله سبحانه إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم العدوة شفير الوادي وحرفه الذي يتعذر المشي فيه بمنزلة رجاء البير لأنها عدت ما في الوادي من ماء ونحوه أن يتجاوز الوادي أي منعته ومنه قوله الشاعر ... عدتني عن زيارتك العوادي ... وحالت دونها حرب زبون

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالعدوة بكسر العين وقوله الدنيا والقصوى إنما هو بالإضافة إلى المدينة وبين المدينة ووادي بدر موضع الوقعة مرحلتان والدنيا من الدنو والقصوى من القصو وهو البعد والركب بإجماع من المفسرين عير أبي سفيان وقوله أسفل في موضع خفض تقديره في مكان أسفل كذا قال سيبويه وكان الركب ومدبر أمره أبو سفيان بن حرب قد نكب عن بدر حين نذر بالنبي صلى الله عليه و سلم وأخذ سيف البحر فهو اسفل بالإضافة إلى أعلى الوادي
وقوله سبحانه ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد المقصد من الآية تبيين نعمة الله سبحانه في شأن قصة بدر وتيسيره سبحانه ما يسر من ذلك والمعنى لو تواعدتم لاختلفتم في المعياد بسبب العوارض التي تعرض للناس إلا مع تيسير الله الذي تمم ذلك وهذا كما تقول لصاحبك في أمر سناه الله تعالى دون تعب كثير لو بنينا على هذا وسعينا فيه لم يتم هكذا ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي لينفذ ويظهر أمرا قد قدره في الأزل مفعولا لكم بشرط وجودكم في وقت وجودكم وهذا كله معلوم عنده عز و جل لم يتجدد له به علم وقوله عز و جل ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة قال الطبري المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم ببيان من الله واعذار بالرسالة ويحكي أيضا ويعيش من عاش عن بيان منه أيضا وأعذرا لا حجة لأحد عليه سبحانه ت قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم في قوله عز و جل ليهلك من هلك عن بينة الآية البينة ما بان به الحق انتهى وقال ابن إسحاق وغيره معنى ليهلك أي ليكفر ويحي أي ليؤمن فالحياة والهلاك على هذا التأويل مستعارتان
وقوله سبحانه إذ يريكهم الله في منامك قليلا الآية وتظاهرت الروايات أن هذه الآية نزلت في رؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى فيها عدد الكفار

قليلا فأخبر بذلك أصحابه فقويت نفوسهم وحرصوا على اللقاء قاله مجاهد وغيره والظاهر أنه رآهم صلى الله عليه و سلم في نومه قليلا قدرهم وبأسهم ويحتمل أنه رآهم قليلا عددهم فكان تأويل رؤياه انهزامهم والفشل الخور عن الأمر ولتنازعتم أي لتخالفتم في الأمر يريد في اللقاء والحرب وسلم لفظ يعم كل متخوف
وقوله سبحانه وإذ يريكموهم إذ التقيتم الآية وهذه الرؤية هي في اليقظة بإجماع وهي الرؤية التي كانت حين التقوا ووقعت العين على العين والمعنى أن الله تعالى لما أراده من انفاذ قضائه في نصرة الإسلام وإظهار دينه قلل كل طائفة في عيون الأخرى فوقع الخلل في التخمين والحزر الذي يستعمله الناس في هذا لتجسر كل طائفة على الأخرى وتتسبب أسباب الحرب والأمر المفعول المذكور في الآيتين هو القصة بأجمعها
وقوله وإلى الله ترجع الأمور تنبيه على أن الحول بأجمعه لله وإن كل أمر فله وإليه
وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا الآية هذا أمر من الله سبحانه بما فيه داعية النصر وسبب العز وهي وصية منه سبحانه بحسب التقييد الي في آية الضعف والفئة الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت ثم أمر سبحانه بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر المستعين قال قتادة افترض الله ذكره عند اشغل ما يكون عند الضراب والسيوف قال ع وهذا ذكر خفي لان رفع الصوت في موطن القتال رديء مكروه إذا كان الغاطا فأما إن كان من الجميع عند الحملة فحسن فات في عضد العدو قال قيس بن عباد كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يكرهون الصوت عند ثلاث عند قراءة القرآن وعند الجنازة وعند القتال وقال النبي صلى الله عليه و سلم أطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث وقال ابن

عباس يكره التلثم عند القتال قال النووي وسئل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح عن القدر الذي يصير به المرء من الذاكرين الله كثيرا فقال إذا واظب على الأذكار المأثور المشتة صباحا ومساء وفي الأوقات والأحوال المختلفة ليلا ونهارا وهي مبينة في كتب عمل اليوم والليلة كان من الذاكرين الله كثيرا والله سبحانه أعلم انتهى من الحلية ت وأحسن من هذا جوابه صلى الله عليه و سلم حيث قال سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات رواه مسلم والترمذي وعنده قالوا يا رسول الله وما المفردون قال المستهترون في ذكر الله يضع عنهم الذكر أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا قال صاحب سلاح المؤمن المستهترون في ذكر الله هو بفتح التاءين المثناتين يعني الذين أو لعوا به يقال استهتر فلان بكذا أي اولع به والله اعلم انتهى فقد بين صلى الله عليه و سلم هنا صفة الذاكرين الله كثيرا وقد نقلنا في غير هذا المحل بيان صفة الذاكرين الله كثيرا بنحو هذا من طريق ابن المارك وإذا كان العبد مستهترا بذكر مولاه انس به واحبه واحب لقاءه فلم يبال بلقاء العدو وإن هي إلا أحدى الحسنيين أما النصر وهو الأغلب لمن هذه صفته أو الشهادة وذلك مناه ومطلبه انتهى وتفلحون تنالون بغيتكم وتنالون آمالكم والجمهور على أن الريح هنا مستعارة قال مجاهد الريح النصر والقوة وذهب ريح أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم حين نازعوه يوم أحد وقوله سبحانه واصبروا إلى آخر الآية تتميم في الوصية وعدة مونسة وقوله سبحانه ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم الآية الإشارة إلى كفار قريش والبطر الأشر وغمط النعمة وروي أن أبا سفيان لما أحرز عيره بعث إلى قريش وقال أن الله قد سلم عيركم فارجعوا فأنى رأي الجماعة على ذلك وخالف أبو جهل وقال والله لا نفعل حتى نأتي بدرا وكانت بدر سوقا من أسواق العرب

لها يوم موسم فننحر عليها الإبل ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب ويهابنا الناس فهذا معنى قوله تعالى ورئاء الناس وقوله سبحانه وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس الضمير في لهم عائد على الكفار والشيطان إبليس نفسه والذي عليه الجمهور وتظاهرت به الروايات إن إبليس جاء كفار قريش ففي السير لأبن هشام أنه جاءهم بمكة وفي غيرها أنه جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو سيد من ساداتهم فقال لهم إني جار لكم ولن تخافوا من قومي وهم لكم أعوان على مقصدكم ولن يغلبكم أحد فروي أنه لما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام فلما رأى الملائكة نكص فقال له الحارث أتفر يا سراقة فلم يلو عليه ويروي أنه قال له ما تضمنته الآية وروي أن عمير بن وهب أو الحارث بن هشام قال له أين يا سراق فلم يلو مثل عدو الله فذهب ووقعب الهزيمة فتحدثوا أن سراقة لا فر بالناس فبلغ ذلك سراقة بن مالك فأتى مكة فقال لهم والله ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم ت قال ابن إسحاق ذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة ينكرونه حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص عدو الله على عقبيه فاوردهم ثم أسلمهم انتهى من السيرة لابن هشام
وقوله إني جار لكم أي انتم في ذمتي وحماءى وتراءت تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء
وقوله نكص على عقبيه أي رجع من حيث جاء واصل النكوص في اللغة الرجوع القهقري
وقوله أنى أرى ما لا ترون يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط إلا غالب لهم من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفر
وقوله إني أخاف الله قال

الزجاج وغيره خاف مما رأى من الأمر وهو له أنه يومه الذي انظر إليه ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب
وقوله سبحانه إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض الآية قال المفسرون إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق إنما هم من أهل عسكر الكفار ممن كان الإسلام داخل قلوبهم خرجوا مع المشركين إلى بدر منهم مكره وغير مكره فلما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم ارتابوا وقالوا مشيرين إلى المسلمين غر هؤلاء دينهم قال ع ولم يذكر أحد ممن شهد بدرا بنفاق الاما ظهر بعد ذلك من معتب ابن قشير فإنه القائل يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة لما وصلهم خروج قريش في قوة عظيمة قالوا هذه المقالة ثم أخبر الله سبحانه بأن من توكل عليه وفوض أمره إليه فإن عزته سبحانه وحكمته كفيلة بنصره وقوله سبحانه ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوهم وأدبارهم الآية هذه الآية تتضمن التعجيب مما حل بالكفار يوم بدر قاله مجاهد وغيره وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم وقوله وأدبارهم قال جل المفسرين يريد استاههم ولكن الله كريم كنى وقال ابن عباس والحسن أراد ظهورهم وما أدبر منهم وباقي الآية بين
وقوله سبحانه كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم الآية الدأب العادة في كلام العرب وهو مأخوذ من دأب على العمل إذا لازمه
وقوله سبحانه ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم الآية معنى هذه الآية إخبار من الله سبحانه إذا أنعم على قوم نعمة فإنه بلطفه ورحمته لا يبدأ بتغييرها وتنكيدها حتى يجيء ذلك منهم بأن يغيروا حالهم التي تراد أو تحسن منهم فإذا فعلوا ذلك غير الله نعمته عندهم بنقمته منهم ومثال هذه نعمة الله على قريش بنبينا محمد

صلى الله عليه و سلم فكفروا به فغير الله تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحل بهم عقوبته
وقوله تعالى كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم هذا التكرير هو لمعنى ليس للأول إذ الأول دأب في أن هلكوا لما كفروا وهذا الثاني دأب في أن لم يغير نعمتهم حتى غيروا ما بأنفسهم والإشارة بقوله والذين من قبلهم إلى قوم شعيب وصالح وهود ونوح وغيرهم
وقوله سبحانه إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون أجمع المتأولون أن الآية نزلت في بني قريظة وهي بعد تعم كل من أتصف بهذه الصفة إلى يوم القيامة وقوله في كل مرة يقتضي أن الغدر قد تكرر منهم وحديث قريظة هو أنهم عاهدوا النبي صلى الله عليه و سلم على أن لا يحاربوه ولا يعينوا عليه عدوا من غيرهم فلما اجتمعت الأحزاب على النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة غلب على ظن بني قريظة أن النبي صلى الله عليه و سلم مغلوب ومستأصل وخدع حي بن أخطب النضري كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم فغدروا ووالوا قريشا وأمدوهم بالسلاح والادراع فلما انجلت تلك الحال عن النبي صلى الله عليه و سلم أمره الله تعالى بالخروج إليهم وحربهم فاستنزلوا وضربت أعناقهم بحكم سعد واستيعاب قصتهم في السير وإنما اقتضبت منها ما يخص تفسير الآية
وقوله سبحانه فأما تثقفنهم في الحرب الآية معنى تثقفنهم تأسرهم وتحصلهم في ثقفك أو تلقاهم بحال تقدر عليهم فيها وتغلبهم ومعنى فشرد أي طرد وأبعد وخوف والشريد المبعد عن وطن ونحوه ومعنى الآية فإن أسرت هؤلاء الناقضين في حربك لهم فأفعل بهم من النقمة ما يكون تشريدا لمن يأتي خلفهم في مثل طريقتهم وعبارة البخاري فشرد فرق انتهى والضمير في لعلهم عائد على الفرقة

المشردة وقال ابن عباس المعنى نكل بهم من خلفهم وقالت فرقة معناه سمع بهم والمعنى متقارب ومعنى خلفهم أي بعدهم ويذكرون أي يتعظون
وقوله سبحانه وأما تخافن من قوم خيانة الآية قال اكثر المفسرين أن الآية في بني قريظة والذي يظهر من ألفاظ الآية أن أمر بني قريظة قد انقضى عند قوله فشرد بهم من خلفهم ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى آخر الدهر وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته وقوله فأنبذ إليهم أي الق إليهم عهدهم وقوله على سواء قيل معناه حتى يكون الأمر في بيانه والعلم به على سواء منك ومنهم فتكونون في استشعار الحرب سواء وذكر الفراء أن المعنى فأنبذ إليهم على اعتدال وسواء من الأمر أي بين لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تفجأ بحرب بل افعل بهم مثل ما فعلوا بك يعني موازنة ومقايسة وقرأ نافع وغيره ولا تحسبن بالتاء مخاطة للنبي صلى الله عليه و سلم وسبقوا معناه فأتوا بأنفسهم وانجوها أنهم لا يعجزون أي لا يفلتون ولا يعجزون طالبهم وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في بدر وغيره فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون وقرأ حمزة وغيره ولا يحسبن بالياء من تحت وبفتح السين وقوله سبحانه وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة الآية المخاطبة في هذه الآية لجميع المؤمنين وفي صحيح مسلم إلا أن القوة الرمي إلا أن القوة الرمي ولما كانت الخيل هي أصل الحرب وأوزارها والتي عقد الخير في نواصيها خصها الله تعالى بالذكر تشريفا لها ولما كانت السهام من أنجع ما يتعاطى في الحرب وانكاه في العدو وأقربه تناولا للأرواح خصها صلى الله عليه و سلم بالذكر والتنبيه عليها ت وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من تعلم الرمي وتركه فليس منا أو قد عصى وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي

عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة انفس الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله فارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا كل شيء يلهوبه الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته انتهى ورباط الخيل مصدر من ربط ولا يكثر ربطها إلا وهي كثيرة ويجوز أن يكون مصدرا من رابط وإذا ربط كل واحد من المؤمنين فرسا لأجل صاحبه فقد حصل بينهم رباط عليه السلام من ارتبط فرسا في سبيل الله فهو كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ت وقد ذكرنا بعض ما ورد في فضل الرباط في آخر آل عمران قال صاحب التذكرة وعن عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كالف ليلة صيامها وقيامها وعن أبي بن كعب قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا أراه قال من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة ويكتب له من الحسنات ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة قال القرطبي في تذكرته فدل هذا الحديث على أن رباط يوم في رمضان يحصل له هذا الثواب الدائم وإن لم يمت مرابطا خرج هذا الحديث والذي قبله ابن ماجه انتهى من التذكرة وترهبون معناه تخوفون وتفزعون والرهبة الخوف
وقوله وآخرين من دونهم فيه أقوال قيل هم المنافقون وقيل فارس وقيل غير هذا قال ع ويحسن أن يقدر قوله لا تعلمونهم بمعنى لا تعلمونهم فازعين راهبين وقال ص لا تعلمونهم بمعنى لا تعرفونهم

فيتعدى لواحد ومن عداه إلى اثنين قدره محاربين واستبعد لعدم تقدم ذكره فهو ممنوع عند بعضهم وعزيز جدا عند بعضهم انتهى
وقوله سبحانه وإن جنحوا للسلم فأجنح لها جنح الرجل إلى الأمر إذا مال إليه وعاد الضمير في لها مؤنثا إذ السلم بمعنى المسالمة والهدنة وذهب جماعة من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة والضمير في جنحوا هو للذين نبذ إليهم على سواء
وقوله سبحانه وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله الآية الضمير في قوله وإن يريدوا عائد على الكفار الذين قال فيهم وإن جنحوا أي وإن يريدوا أن يخدعوك بأن يظهروا السلم ويبطنوا الغدر والخيانة فإن حسبك الله أي كافيك ومعطيك نصره وأيدك معناه قواك وبالمؤمنين يريد الأنصار بذلك تظاهرت أقوال المفسرين
وقوله وألف بين قلوبهم الآية إشارة إلى العداوة التي كانت بين الاوس والخزرج قال ع ولو ذهب ذاهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان بين جميعهم من التحاب لساغ ذلك وقال ابن مسعود نزلت هذه الآية في المتحابين في الله وقال مجاهد إذا تراأي المتحابين في الله وتصافحا تحاتت خطاياهما فقال له عبدة بن أبي لبابة أن هذا ليسير فقال له لا تقل ذلك فإن الله تعالى يقول لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم قال عبدة فعرفت أنه افقه منى قال ع وهذا كله تمثيل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك وقد روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال المؤمن مالفة لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف قال ع والتشابه سبب الألفة فمن كان من أهل الخير ألف أشباهه وألفوه ت وفي صحيح البخاري الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف انتهى وروى مالك في الموطأ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة أين

المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد وروينا عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يا عبد الله بن مسعود أتدري أي عرى الإيمان أوثق قلت الله ورسوله أعلم قال الولاية في الله الحب والبغض فيه ورواه البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه و سلم أيضا وعن عبد الله في قوله تعالى لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما التف بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم قال نزلت في المتحابين في الله قال أبو عمر وأما قوله اليوم أظلهم في ظلي فأنه أراد والله أعلم في ظل عرشه وقد يكون الظل كناية عن الرحمة كما قال أن المتقين في ظلال وعيون يعني بذلك ما هم فيه من الرحمة والنعيم انتهى
وقوله سبحانه يا أيها النبي حسبك الله ومن أتبعك من المؤمنين قال النقاش نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر وحكي عن ابن عباس أنها نزلت في الأوس والخزرج وقيل أنها نزلت حين أسلم عمر وكمل المسلمون أربعين قاله ابن عمر وأنس فهي على هذا مكية وحسبك في كلام العرب وشرعك بمعنى كافيك ويكفيك والمحسب الكافي قالت فرقة معنى الآية يكفيك الله ويكفيك من اتبعك فمن في موضع رفع وقال الشعبي وابن زيد معنى الآية حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين فمن في موضع نصب عطفا على موضع الكاف لأن موضعها نصب على المعنى بيكفيك التي سدت حسبك مسدها قال ص ورد بأن الكاف ليس موضعها نصب لأن إضافة حب إليها أضافة صحيحة انتهى وقوله سبحانه يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال الآية حرض المؤمنين أي حثهم وحضهم وقوله سبحانه إن يكن منكم إلى آخر الآية لفظ خبر مضمنه وعد بشرط لأن قوله إن يكن منكم عشرون صابرون بمنزلة أن يقال أن بصبر منكم عشرون يغلبوا وفي ضمنه الأمر بالصبر قال الفخر وحسن هذا التكليف لما كان مسبوقا

بقوله حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين فلما وعد الله المؤمنين بالكفاية والنصر كان هذا التكليف سهلا لأن من تكفل الله بنصره فإن أهل العالم لا يقدرون على أذايته انتهى وتظاهرت الروايات عن ابن عباس وغيره من الصحابة بأن ثبوت الواحد للعشرة كان فرضا على المؤمنين ثم لما شق ذلك عليهم حط الله الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين وهذا هو نسخ الأثقل بالأخف وقوله لا يفقهون معناه لا يفهمون مراشدهم ولا مقصد قتالهم لا يريدون به إلا الغلبة الدنيوية فهم يخافون الموت إذا صبر لهم ومن يقاتل ليغلب أو يستشهد فيصير إلى الجنة أثبت قدما لا محالة وقوله والله مع الصابرين لفظ خبر في ضمنه وعد وحض على الصبر ويلحظ منه وعيد لمن لم يصبر بأنه يغلب
وقوله سبحانه ما كان لنبي أن يكون له أسرى الآية قال ع هذه آية تتضمن عندي معاتبة من الله عز و جل لأصحاب نبيه عليه السلام والمعنى ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي أسرى قبل الإثخان ولذلك استمر الخطاب لهم بتريدون والنبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر باستبقاء الرجل وقت الحرب ولا أراد صلى الله عليه و سلم قط عرض الدنيا وإنما فعله جمهور مباشري الحرب وجاء ذكر النبي صلى الله عليه و سلم في الآية مشيرا إلى دخوله عليه السلام في العتب حين لم ينه عن ذلك حين رآه من العريش وأنكره سعد بن معاذا لكنه صلى الله عليه و سلم شغله بغت الأمر وظهور النصر عن النهي ومر كثير من المفسرين على أن هذا التوبيخ إنما كان بسبب إشارة من أشار على النبي صلى الله عليه و سلم بأخذ الفدية حين استشارهم في شأن الأسرى والتأويل الأول أحسن والإثخان هو المبالغة في القتل والجراحة ثم أمر مخاطبة أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال تريدون عرض الدنيا أي مالها الذي يعز ويعرض والمراد ما أخذ من الأسرى من الأموال والله يريد

الآخرة أي عمل الآخرة وذكر الطبري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للناس إن شئتم أخذتم فداء الأسرى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم وإن شئتم قتلوا وسلمتم فقالوا نأخذ المال ويستشهد منا وذكر عبد ابن حميد بسنده أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه و سلم بتخيير الناس هكذا وعلى هذا فالأمر في هذا التخيير من عند الله فإنه إعلام بغيب وإذا خيروا رضي الله عنهم فكيف يقع التوبيخ بعد بقوله تعالى لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فهذا يدلك على صحة ما قدمناه أن العتب لهم إنما هو على استبقاء الرجال وقت الهزيمة رغبة في أخذ المال وهو الذي أقول به وذكر المفسرون أيضا في هذه الآيات تحليل المغانم ولا أقول ذلك لأن تحليل المغانم قد تقدم قبل بدر في السرية التي قتل فيها ابن الحضرمي وإنما المبتدع في بدر استبقاء الرجال لأجل المال والذي من الله به فيها الحاق فدية الكافر بالمغانم التي تقدم تحليلها قوله سبحانه كتاب من الله سبق الآية قال ابن عباس وأبو هريرة والحسن وغيرهم الكتاب هو ما كان الله قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لهذه الأمة وقال مجاهد وغيره الكتاب السابق مغفرة الله لأهل بدر وقيل الكتاب السابق هو أن لا يعذب الله أحد بذنب إلا بعد النهي عنه حكاه الطبري قال ابن العربي في أحكام القرآن وهذه الأقوال كلها صحيحة ممكنة لكن أقواها ما سبق من إحلال الغنيمة وقد كانوا غنموا أول غنيمة في الإسلام حين أرسل النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن جحش انتهى وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر بن الخطاب وفي حديث آخر وسعد بن معاذ وذلك أن رأيهما كان أن تقتل الأسرى وقوله سبحانه فكلوا مما غنمتم الآية نص على إباحة المال الذي أخذ من الأسرى وإلحاق له بالغنيمة التي كان تقدم

تحليلها وقوله سبحانه يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى أن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم روي أن الأسرى ببدر اعلموا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لهم ميلا إلى الإسلام وأنهم إن رجعوا إلى قومهم سعوا في جلبهم إلى الإسلام قال ابن عباس الأسرى في هذه الآية عباس وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم آمنا بما جئت به ونشهد أنك لرسول الله ولننصحن لك على قومنا فنزلت هذه الآية ومعنى الكلام إن كان هذا عن جد منكم وعلم الله من أنفسكم الخير والإسلام فإنه سيجبر عليكم أفضل مما أعطيتم فدية ويغفر لكم جميع ما أجترمتموه وروي أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال في وفي أصحابي نزلت هذه الآية وقال حين أعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم من مال البحرين ما قدر أن يقول هذا خير مما أخذ مني وأنا بعد أرجو أن يغفر الله لي وروي عنه أنه قال ما أود أن هذه الآية لم تنزل ولي الدنيا بأجمعها وذلك أن الله تعالى قد أتاني خيرا مما أخذ مني وأنا أرجو أن يغفر لي وقوله فقد خانوا الله من قبل أي بالكفر فأمكن منهم أي بأن جعلهم أسرى والله عليم بما يبطنونه حكيم فيما يجازيهم به
سبحانه الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا وذكر المهاجرين بعد الحديبية فقدم أولا ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام وتأمل تقديم عمر لهم في الاستشارة وهاجر معناه هجر أهله وقرابته وهجروه والذين أووا ونصروا هم الأنصار فحكم سبحانه على هاتين الطائفيتين بأن بعضهم أولياء بعض فقال كثير من المفسرين هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي وعليه فسر الطبري الآية وهذا الذي قالوه لازم

من دلالة لفظ الآية وقال ابن عباس وغيره هذه الموالاة هي في المواريث وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم آخى بين المهاجرين والأنصار فكان المهاجري إذا مات ولم يكن له بالمدينة ولي مهاجري ورثه أخوه الأنصاري وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري ولا يرثه ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه وأولوا الأرحام الآية وعلى التأولين ففي الآية حض على الهجرة قال أبو عبيدة الولاية بالكسر من وليت الأمر إليه فهي في السلطان وبالفتح هي من المولى يقال مولى بين الولاية بفتح الواو
وقوله سبحانه وإن استنصروكم يعني إن استدعى هؤلاء المؤمنين الذين لم يهاجروا نصركم فعليكم النصر الأعلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم لأن ذلك غدر ونقض للميثاق
وقوله سبحانه والذين كفروا بعضهم أولياء بعض وذلك يجمع الموارثة والمعاونة والنصرة وهذه العبارة تحريض وإقامة لنفوس المؤمنين كما تقول لمن تريد تحريضه عدوك مجتهد أي فأجتهد أنت وحكى الطبري في تفسير هذه الآية عن قتادة أنه قال أبى الله أن يقبل إيمان من آمن ولم يهاجر وذلك في صدر الإسلام وفيهم قال النبي صلى الله عليه و سلم أنا بريء من مسلم أقام بين المشركين لا تتراأى نارهما الحديث على اختلاف ألفاظه وقول قتادة إنما هو فيمن كان يقيم متربصا يقول من غلب كنت معه وكذلك ذكر في كتاب الطبري وغيره والضمير في قوله إلا تفعلوا قيل هو عائد على المؤازرة والمعاونة ويحتمل على الميثاق المذكور ويحتمل على النصر للمسلمين المستنصرين ويحتمل على الموارثة والتزامها ويجوز أن يعود مجملا على جميع ما ذكر والفتنة المحنة بالحرب وما أنجر معها من الغارات والجلاء والأسر والفساد الكبير ظهور الشرك
وقوله سبحانه والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا

تضمنت الآية تخصيص المهاجرين والأنصار وتشريفهم بهذا الوصف العظيم ت وهي مع ذلك عند التأمل يلوح منها تأويل قتادة المتقدم فتأمله والرزق الكريم هو طعام الجنة كذا ذكر الطبري وغيره قال ابن العربي في أحكامه وإذا كان الإيمان في القلب حقا ظهر ذلك في استقامة الأعمال بامتثال الأمر واجتناب المنهي عنه وإذا كان مجازا قصرت الجوارح في الأعمال إذ لم تبلغ قوته إليها انتهى والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم قوله من بعد يريد به من بعد الحديبية وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقل رتبة من الهجرة قبل ذلك وكان يقال لها الهجرة الثانية وجاهدوا معكم لفظ يقتضي أنهم تبع لاصدار
وقوله سبحانه وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله قال من تقدم ذكره هذه في المواريث وهي ناسخة للحكم المتقدم ذكره وقالت فرقة منها مالك أن الآية ليست في المواريث وهذا فرار من توريث الخال والعمة ونحو ذلك وقالت فرقة هي في المواريث إلا أنها نسخت بآية المواريث المبينة وقوله في كتاب الله معناه القرآن أي ذلك مثبت في كتاب الله وقيل في اللوح المحفوظ كمل تفسير السورة والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصبحه وسلم تسليما
تفسير سورة براءة
وهي مدنية إلا آيتين قوله سبحانه لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخرها وتسمى سورة التوبة قاله حذيفة وغيره وتسمى الفاضحة قاله ابن عباس وقال ما زال ينزل ومنهم ومنهم حتى ظن أنه لا يبقى أحد وهي من آخر ما أنزل على

النبي صلى الله عليه و سلم قال علي رضي الله عنه لأبن عباس بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبشارة وبراءة نزلت بالسيف ونبذ العهود فلذلك لم تبدأ بالأمان
قوله عز و جل براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين التقدير هذه الآيات براءة ويصح أن يرتفع براءة بالابتداء والخبر في قوله إلى الذين وبراءة معناه تخلص وتبر من العهود التي بينكم وبين الكفار البادئين بالنقض قاله ابن العربي في أحكامه تقول برأت من الشيء أبرأ براءة فأنا منه بريء إذا أنزلته عن نفسك وقطعت سبب ما بينك وبينه انتهى ومعنى السياحة في الأرض الذهاب فيها مسرحين آمنين كالسيح من الماء وهو الجاري المنبسط قال الضحاك وغيره من العلماء كان من العرب من لا عهد بينه وبين النبي صلى الله عليه و سلم جملة وكان منهم من بينه وبينهم عهد وتحسس منهم نقض وكان منهم من بينه وبينهم عهد ولم ينقضوا فقوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر هو أجل ضربه الله لمن كان بينه وبينهم عهد وتحسس منهم نقضه وأول هذا الأجل يوم الآذان وآخره انقضاء العشر الأول من ربيع الآخر وقوله سبحانه فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حكم مباين للأول حكم به في المشركين الذين لا عهد لهم البتة فجاء أجل تأمينهم خمسين يوما أولها يوم الأذان وآخرها انقضاء المحرم وقوله إلا الذين عاهدتم يريد به الذين لهم عهد ولم ينقضوا ولا تحسس منهم نقض وهم فيما روي بنو ضمرة من كنانة كان بقي من عهدهم يوم الأذان تسعة أشهر وقوله عز و جل وأعلموا أنكم غير معجزي الله أي لا تفلتون الله ولا تعجزونه هربا
وقوله واذان من الله ورسوله الآية أي إعلام ويوم الحج الأكبر قال عمر وغيره هو يوم عرفة وقال أبو هريرة وجماعة هو يوم النحر وتظاهرت الروايات أن عليا أذن بهذه الآيات يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر ثم رأى أنه لم يعم الناس بالإسماع فتتبعهم بالاذان بها

يوم النحر وفي ذلك اليوم بعث أبو بكر من يعينه في الاذان بها كأبي هريرة وغيره وتتبعوا بها أيضا أسواق العرب كذى المجاز وغيره وهذا هو سبب الخلاف فقالت طائفة يوم الحج الأكبر عرفة حيث وقع أو الاذان وقالت أخرى هو يوم النحر حيث وقع إكمال الاذان وقال سفيان ابن عيينة المراد باليوم أيام الحج كلها كما تقول يوم صفين ويوم الجمل ويتجه أن يوصف بالأكبر على جهة المدح لا بالإضافة إلى أصغر معين بل يكون المعنى الأكبر من سائر الأيام فتأمله واختصار ما تحتاج إليه هذه الآية على ما ذكر مجاهد وغيره من صورة تلك الحال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم افتتح مكة سنة ثمان فاستعمل عليها عتاب بن أسيد وقضى أمر حنين والطائف وانصرف إلى المدينة فأقام بها حتى خرج إلى تبوك ثم أنصرف من تبوك في رمضان سنة تسع فأراد الحج ثم نظر في أن المشركين يحجون في تلك السنة ويطوفون عراة فقال لا أريد أن أرى ذلك فأمر أبا بكر على الحج بالناس وأنفذه ثم أتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقته العضباء وأمره أن يؤذن في الناس بأربعين آية صدر صورة براءة وقيل ثلاثين وقيل عشرين وفي بعض الروايات عشر آيات وفي بعضها تسع آيات وأمره أن يؤذن الناس بأربعة أشياء وهي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة وفي بعض الروايات ولا يدخل الجنة كافر ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته وفي بعض الروايات ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله أربعة أشهر يسيح فيها فإذا انقضت فإن الله بريء من المشركين ورسوله قال ع وأقول أنهم كانوا ينادون بهذا كله فأربعة أشهر للذين لهم عهد وتحسس منهم نقضه والإبقاء إلى المدة لمن لم يخبر منه نقض وذكر الطبري أن العرب قالت

يومئذ نحن نبرأ من عهدك ثم لام بعضهم بعضا وقالوا ما تصنعون وقد أسلمت قريش فأسلموا كلهم ولم يسح أحد قال ع وحينئذ دخل الناس في دين الله أفواجا
وقوله سبحانه إن الله بريء من المشركين ورسوله أي ورسوله بريء منهم
وقوله فإن تبتم أي عن الكفر
وقوله سبحانه إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم هذا هو الاستثناء الذي تقدم ذكره وقرأ عكرمة وغيره ينقضوكم بالضاد المعجمة ويظاهروا معناه يعاونوا والظهير
المعين وقوله إن الله يحب المتقين تنبيه على أن الوفاء بالعهد من التقوى
وقوله سبحانه فإذا أنسلخ الأشهر الحرم الانسلاخ خروج الشيء عن الشيء المتلبس به كانسلاخ الشاة عن الجلد فشبه انصرام الأشهر بذلك
وقوله سبحانه فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية قال ابن زيد هذه الآية وقوله سبحانه فأما منا بعد وأما فداءهما محكمتان أي ليست احداهما بناسخة للأخرى قال ع هذا هو الصواب
وقوله وخذوهم معناه الأسر
وقوله كل مرصد معناه مواضع الغرة حيث يرصدون ونصب كل على الظرف أو بإسقاط الخافض التقدير في كل مرصد
وقوله فإن تابوا أي عن الكفر
وقوله سبحانه وإن أحدا من المشركين استجارك أي جلب منك عهدا وجوارا يأمن به حتى يسمع كلام الله يعني القرآن والمعنى يفهم أحكامه قال الحسن وهذه آية محكمة وذلك سنة إلى يوم القيامة
وقوله سبحانه إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام الآية قال ابن إسحاق هي قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في العهد فأمر المسلمون بإتمام العهد لمن لم يكن نقض منهم
وقوله سبحانه كيف وإن يظهروا عليكم الآية في الكلام حذف تقديره كيف يكون لهم عهد ونحوه وفي كيف هنا تأكيد للاستبعاد الذي في الأولى ولا يرقبوا

معناه لا يراعوا ولا يحفظوا وقرأ الجمهور إلا وهو الله عز و جل قاله مجاهد وأبو مجلز وهو أسمه بالسريانية وعرب ويجوز أن يراد به العهد والعرب تقول للعهد والحلف والجوار ونحو هذه المعاني إلا والذمة أيضا بمعنى الحلف والجوار ونحوه
وقوله سبحانه وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم الآية ويليق هنا ذكر شيء من حكم طعن الذمي في الدين والمشهور من مذهب مالك أنه إذا فعل شيئا من ذلك مثل تكذيب الشريعة وسب النبي صلى الله عليه و سلم قتل
وقوله سبحانه فقاتلوا ايمة الكفر أي رؤسهم وأعيانهم الذين يقودون الناس إليه وأصوب ما يقال في هذه الآية أنه لا يعني بها معين وإنما وقع الأمر بقتال ايمة الناكثين للعهود من الكفرة إلى يوم القيامة واقتضت حال كفار العرب ومحاربي النبي صلى الله عليه و سلم أن تكون الإشارة إليهم أولا ثم كل من دفع في صدر الشريعة إلى يوم القيامة فهو بمنزلتهم وقرأ الجمهور لا إيمان لهم جمع يمين أي لا إيمان لهم يوفى بها وتبر هذا المعنى يشبه الآية وقرأ ابن عامر وحده من السبعة لا إيمان لهم وهذا يحتمل وجهين أحدهما لا تصديق لهم قال أبو علي وهذا غير قوي لأنه تكرير وذلك أنه وصف ايمة الكفر بأنه لا إيمان لهم والوجه في كسر الألف أنه مصدر من أمنته أيمانا ومنه قوله تعالى وآمنهم من خوف فالمعنى أنه لا يؤمنون كما يؤمن أهل الذمة الكتابيون إذ المشركون ليس لهم إلا الإسلام أو السيف قال أبو حاتم فسر الحسن قراءته لا إسلام لهم قال ع والتكرير الذي فر أبو علي منه متجه لأنه بيان المهم الذي يوجب قتلهم
وقوله عز و جل الا تقاتلون قوما نكثوا إيمانهم وهموا بإخراج الرسول الآية الاعرض وتحضيض قال الحسن والمراد بإخراج الرسول إخراجه من المدينة وهذا مستقيم كغزوة أحد والأحزاب وقال السدي

المراد من مكة
وقوله سبحانه وهم بدءوكم أول مرة قيل يراد أفعالهم بمكة بالنبي صلى الله عليه و سلم وبالمؤمنين وقال مجاهد يراد به ما بدأت به قريش من معونة بني بكر حلفائهم على خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه و سلم فكان هذا بدأ النقض وقال الطبري يعني فعلهم يوم بدر قال الفخر قال ابن إسحاق والسدي والكلبي نزلت هذه الآية في كفار مكة نكثوا إيمانهم بعد عهد الحديبية وأعانوا بني بكر على خزاعة انتهى
وقوله سبحانه أتخشونهم استفهام على معنى التقرير والتوبيخ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين أي كاملي الإيمان
وقوله سبحانه قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم قررت الآيات قبلها أفعال الكفرة ثم حض على القتال مقترنا بذنوبهم لتنبعث الحمية مع ذلك ثم جزم الأمر بقتالهم في هذه الآية مقترنا بوعد وكيد يتضمن النصر عليهم والظفر بهم
وقوله سبحانه يعذبهم الله بأيديكم معناه بالقتل والأسر ويخزهم معناه يذلهم على ذنوبهم يقال خزي الرجل يخزى خزيا إذا ذل من حيث وقع في عار وأخزاه غيره وخزي يخزى خزاية إذا استحي وأما قوله تعالى ويشف صدور قوم مؤمنين فيحتمل أن يريد جماعة المؤمنين لأن كل ما يهد من الكفر هو شفاء من هم صدور المؤمنين ويحتمل أن يريد تخصيص قوم من المؤمنين وروي أنهم خزاعة قاله مجاهد والسدي ووجه تخصيصهم أنهم الذين نقض فيهم العهد ونالتهم الحرب وكان يومئذ في خزاعة مؤمنين كثير ويقتضي ذلك قول الخزاعي المستنصر بالنبي صلى الله عليه و سلم
ثمت اسلمنا فلم ننزع يدا
وفي آخر الرجز
وقتلونا ركعا وسجدا
وقرأ جمهور الناس ويتوب بالرفع على القطع مما قبله والمعنى أن الآية استانفت الخبر بأنه قد يتوب على بعض هؤلاء الكفرة الذين أمر بقتالهم وعبارة ص ويتوب الجمهور بالرفع على الاستيناف وليس بداخل في جواب الأمر لأن توبته سبحانه على

من يشاء ليست جزاء على قتال الكفار انتهى
وقوله عز و جل أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم الآية خطاب للمؤمنين كقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة الآية ومعنى الآية اظننتم أن تتركوا دون اختبار وامتحان والمراد بقوله ولما يعلم الله أي لم يعلم الله ذلك موجودا كما علمه ازلا بشرط الوجود وليس يحدث له علم تبارك وتعالى عن ذلك ووليجة معناه بطانة ودخيلة وهو مأخوذ من الولوج فالمعنى أمر باطنا مما ينكر وفي الآية طعن على المنافقين الذين اتخذوا الولائج قال الفخر قال أبو عبيدة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة وأصله من الولوج قال الواحدي يقال هو وليجة للواحد والجمع انتهى
وقوله سبحانه ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله إلى قوله إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله الآية لفظ هذه الآية الخبر وفي ضمنها أمر المؤمنين بعمارة المساجد وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ت زاد ابن الخطيب في روايته فإن الله تعالى يقول إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر انتهى من ترجمة محمد بن عبد الله وفي الحديث عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال أن الله ضمن لمن كانت المساجد بيته الأمن والأمان والجواز على الصراط يوم القيامة خرجه علي بن عبد العزيز البغوي في المسند المنتخب له وروى البغوي أيضا في هذا المسند عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا أوطن الرجل المساجد بالصلاة والذكر تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب لغائبهم إذا قدم عليهم انتهى من الكوكب الدري قيل ومعنى يتبشبش أي يفرح به
وقوله سبحانه ولم يخش إلا الله يريد خشية التعظيم والعبادة وهذه مرتبة العدل من الناس ولا محالة أن الإنسان يخشى غيره ويخشى المحاذير الدنياوية وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه
وقوله

سبحانه أجعلتم سقاية الحاج الآية سقاية الحاج كانت في بني هاشم وكان العباس يتولاها قال الحسن ولما نزلت هذه الآية قال العباس ما أراني إلا أترك السقاية فقال النبي صلى الله عليه و سلم أقيموا عليها فهي خير لكم وعمارة المسجد الحرام قيل هي حفظه ممن يظلم فيه أو يقول هجرا وكان ذلك إلى العباس وقيل هي السدانة وخدمة البيت خاصة وكان ذلك في بني عبد الدار وكان يتولاها عثمان بن طلحة وابن عمه شيبة وأقرها النبي صلى الله عليه و سلم لهما ثاني يوم الفتح وقال خذاها خالدة تالدة لا ينازعكموها إلا ظالم واختلف الناس في سبب نزول هذه الآية فقال مجاهد أمروا بالهجرة فقال العباس أنا أسقي الحاج وقال عثمان بن طلحة أنا حاجب الكعبة وقال محمد بن كعب أن العباس وعليا وعثمان بن طلحة تفاخروا فنزلت الآية وقيل غير هذا
وقوله سبحانه الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله الآية لما حكم سبحانه في الآية المتقدمة بأن الصنفين لا يستوون بين ذلك في هذه الآية الأخيرة واوضحه فعدد الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس وحكم على أن أهل هذه الخصال أعظم درجة عند الله من جميع الخلق ثم حكم لهم بالفوز برحمته ورضوانه والفوز بلوغ البغية أما في نيل رغيبة أو نجاة من هلكة وينظر إلى معنى هذه الآية الحديث دعوا إلى أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ولأن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم انبنى الإسلام وتمهد الشرع
وقوله سبحانه يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان هذا وعد كريم من رب رحيم وفي الحديث الصحيح إذا استقر أهل الجنة في الجنة يقول الله عز و جل لهم هل رضيتم فيقولون وكيف لا نرضى يا ربنا فيقول إني سأعطيكم أفضل من ذلك رضواني أرضي عليكم فلا أسخط عليهم أبدا الحديث

وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ظاهر هذه المخاطبة أنه لجميع المؤمنين كافة وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة وروت فرقة أنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر
وقوله سبحانه قل إن كان آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم الآية هذه الآية تقوي مذهب من رأى أن هذه الآية والتي قبلها إنما مقصودهما الحض على الهجرة وفي ضمن قوله فتربصوا وعيد بين
وقوله بأمره قال الحسن الإشارة إلى عذاب أو عقوبة من الله تعالى وقال مجاهد الإشارة إلى فتح مكة وذكر الأبناء في هذه الآية دون التي قبلها لما جلبت ذكرهم المحبة والأبناء صدر في المحبة وليسوا كذلك في أن تتبع آراؤهم كما في الآية المتقدمة واقترفتموها معناه اكتسبتموها ومساكن جمع مسكن بفتح الكاف مفعل من السكنى وما كان من هذا معتل الفاء فإنما يأتي على مفعل بكسر العين كموعد وموطن
وقوله سبحانه لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين هذه مخاطبة لجميع المؤمنين يعدد الله تعالى نعمه عليهم والمواطن المشار إليها بدر والخندق والنضير وقريظة وخيبر وغيرها وحنين واد بين مكة والطائف
وقوله إذ أعجبتكم كثرتكم روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال حين رأى جملته اثني عشر ألفا لن تغلب اليوم من قلة وروي أن رجلا من أصحابه قالها فأراد الله تعالى إظهار العجز فظهر حين فر الناس ت العجب جائز في حق غير النبي صلى اله عليه وسلم وهو معصوم منه صلى الله عليه و سلم والصواب في فهم الحديث أنه خرج مخرج الإخبار لا على وجه العجب وعلى هذا فهمه ابن رشد وغيره وأنه إذا بلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا حرم الفرار وإن زاد عدد المشركين على الضعف وعليه عول في الفتوى وقوله تعالى وضاقت عليكم الأرض بما رحبت معناه

برحبها كأنه قال على ما هي عليه في نفسها رحبة واسعة لشدة الحال وصعوبتها فما مصدرية
وقوله سبحانه ثم وليتم مدبرين أي فرارا عن النبي صلى الله عليه و سلم واختصار هذه القصة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما فتح مكة وكان في عشرة آلاف من أصحابه وانضاف إليهم ألفان من الطلقاء فصار في اثني عشر ألفا سمع بذلك كفار العرب فشق عليهم فجمعت له هوازن والفاها وعليهم ملك بن عوف النصري وثقيف وعليهم عبد ياليل بن عمرو وانضاف إليهم اخلاط من الناس حتى كانوا ثلاثين ألفا فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اجتمعوا بحنين فلما تصاف الناس حمل المشركون من محاني الوادي وانهزم المسلمون قال قتادة وكان يقال أن الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا القاء الهزيمة في المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلته البيضاء قد اكتنفه العباس عمه وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وبين يديه أيمن بن أم أيمن وثم قتل رحمه الله والنبي صلى الله عليه و سلم يقول ... أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب ...
فلما رأى نبي الله صلى الله عليه و سلم شدة الحال نزل عن بغلته إلى الأرض قالت البراء بن عازب واستنصر الله عز و جل فأخذ قبضه من تراب وحصى فرمى بها في وجوه الكفار وقال شاهت الوجوه ونادى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأنصار وأمر العباس أن ينادي أين أصحاب الشجرة أين أصحاب سورة البقرة فرجع الناس عنقا واحدا للحرب وتصافحوا بالسيوف والطعن والضرب وهناك قال عليه السلام الآن حمي الوطيس وهزم الله المشركين واعلى كلمة الإسلام إلى يوم الدين قال يعلى بن عطاء فحدننى أبناء المنهزمين عن آبائهم قالوا لم يبق منا أحد إلا دخل عينيه من ذلك التراب واستيعاب هذه القصة في

كتب السير ومدبرين نصب على الحال المؤكدة كقوله وهو الحق مصدقا والمؤكدة هي التي يدل ما قبلها عليها كدلالة التولى على الإدبار
وقوله سبحانه ثم أنزل الله سكينته الآية السكينة النصر الذي سكنت إليه ومعه النفوس والجنود الملائكة والرعب قال أبو حاجز يزيد بن عامر كان في أجوافنا مثل ضربة الحجر في الطست من الرعب وعذب الذين كفروا أي بالقتل والأسر وروى أبو داود عن سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فاطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء رجل فارس فقال يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذ أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشياههم اجتمعوا إلى حنين فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال تكل غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله الحديث انتهى فكانوا كذلك غنيمة بحمد الله كما أخبر صلى الله عليه و سلم
وقوله عز و جل يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس قال ابن عباس وغيره معنى الشرك هو الذي نجسهم كنجاسة الخمر ونص الله سبحانه في هذه الآية على المشركين وعلى المسجد الحرام فقاس مالك رحمه الله وغيره جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد وقوة قوله سبحانه فلا يقربوا يقتضي أمر المسلمين بمنعهم
وقوله بعد عامهم هذا يريد بعد عام تسع من الهجرة وهو عام حج أبو بكر بالناس
وقوله سبحانه وإن خفتم عيلة أي فقرا فسوف يغنيكم الله من فضله وكان المسلمون لما منع المشركون من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في نفوسهم الخوف من الفقر وقالوا من أين نعيش فوعدهم الله سبحانه بأن يغنيهم من فضله فكان الأمر كما

وعد الله سبحانه فأسلمت العرب فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم
وقوله سبحانه قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية هذه الآية تضمنت قتال أهل الكتاب قال مجاهد وعند نزول هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزو الروم ومشى نحو تبوك ونفى سبحانه عن أهل الكتاب الإيمان بالله واليوم الآخر حيث تركوا شرع الإسلام وأيضا فكانت اعتقاداتهم غير مستقيمة لأنهم تشعبوا وقالوا عزير بن الله والله ثالث ثلاثة وغير ذلك ولهم أيضا في البعث آراء فاسدة كشراء منازل الجنة من الرهبان إلى غير لك من الهذيان ولا يدينون دين الحق أي لا يطيعون ولا يمتثلون ومنه قول عائشة ما عقلت أبوي إلا وهما يدينان الدين والدين هنا الشريعة قال ابن القاسم وأشهب وسحنون وتؤخذ الجزية من مجوس العرب والأمم كلها وأما عبدة الأوثان والنيران وغير ذلك فجمهور العلماء على قبول الجزية منهم وهو قول مالك في المدونة وقال الشافعي وأبو ثور لا تؤخذ الجزية إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقط وأما قدرها في مذهب مالك وغيره فأربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الفضة وهذا في العنوة وأما الصلح فهو ما صالحوا عليه قليل أو كثير
وقوله عن يد يحتمل وجوها منها أن يريد عن قوة منكم عليهم وقهر واليد في كلام العرب القوة ومنها أن يريد سوق الذمي لها بيده لا أن يبعثها مع رسول ليكون في ذلك إذلال لهم ومنها أن يريد نقدها ناجزا تقول بعته يدا بيد أي لا يؤخروا بها ومنها أن يريد عن استسلام يقال القى فلان بيده إذا عجز واستسلم
وقوله سبحانه وقالت اليهود عزير بن الله الذي كثر في كتب أهل العلم أن فرقة من اليهود قالت هذه المقالة وروي أنه قالها نفر يسير منهم فنحاص وغيره قال النقاش ولم يبق الآن يهودي

يقولها بل انقرضوا قال ع فإذا قالها ولو واحد من رؤسائهم توجهت شنعة المقالة على جماعتهم وحكى الطبري وغيره أن بني إسرائيل أصابتهم فتن وجلاء وقيل مرض وأذهب الله عنهم التوراة في ذلك ونسوها وكان علماؤهم قد دفنوها أول ما أحسوا بذلك البلاء فلما طالت المدة فقدت التوراة جملة فحفظها الله عزيرا كرامة منه له فقال لبني إسرائيل أن الله قد حفظني التوراة فجعلوا يدرسونها من عنده ثم أن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي مساوية لما كان عزير يدرس فضلوا عند ذلك وقالوا إن هذا لم يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله نعوذ بالله من الضلال
وقوله بافواهم أي بمجرد الدعوى من غير حجة ولا برهان ويضاهون قراءة الجماعة ومعناه يحاكون ويماثلون والإشارة بقوله الذين كفروا من قبل إما لمشركي العرب إذ قالوا الملائكة بنات الله قاله الضحاك وإما لأمم سالفة قبلها إما للصدر الأول من كفرة اليهود والنصارى ويكون يضاهون لمعاصري النبي صلى الله عليه و سلم وإن كان الضمير في يضاهون للنصارى فقط كانت الإشارة بالذين كفروا من قبل إلى اليهود وعلى هذا فسر الطبري وحكاه غيره عن قتادة
وقوله قاتلهم الله دعاء عليهم عام لأنواع الشر وعن ابن عباس أن المعنى لعنهم الله قال الداودي وعن ابن عباس قاتلهم الله لعنهم الله وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن انتهى وأنى يؤفكون أي يصرفون عن الخير
وقوله سبحانه اتخذوا أحبارهم ورهبانهم الآية هذه الآية يفسرها ما حكاه الطبري أن عدي بن حاتم قال جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي عنقي صليب ذهب فقال يا عدي اطرح هذا الصليب من عنقك فسمعته يقرأ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله فقلت يا رسول الله وكيف ذلك ونحن لم نعبدهم فقال أليس تستحلون ما أحلوا وتحرمون ما حرموا قلت نعم قال فذلك ومعنى سبحانه تنزيها له

ونور الله في هذه الآية هداه الصادر عن القرآن والشرع
وقوله بافواههم عبارة عن قلة حيلتهم وضعفها
وقوله بالهدى يعم القرآن وجميع الشرع
وقوله ليظهره على الدين كله وقد فعل ذلك سبحانه فالضمير في ليظهره عائد على الدين وقيل على الرسول وهذا وإن كان صحيحا فالتأويل الأول ابرع منه وأليق بنظام الآية
وقوله عز و جل يا أيها الذين أمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل المراد بهذه الآية بيان نقائص المذكورين ونهي المؤمنين عن تلك النقائص مترتب ضمن ذلك واللام في ليأكلون لام التوكيد وصورة هذا الأكل هي بأنهم يأخذون من أموال اتباعهم ضرائب وفروضا باسم الكنائس والبيع وغير ذلك مما يؤهمونهم أن النفقة فيه من الشرع والتقرب إلى الله وهم خلال ذلك يحتجنون تلك الأموال كالذي ذكره سلمان في كتاب السير عن الراهب الذي استخرج كنزه
وقوله سبحانه ويصدون عن سبيل الله أي عن شريعة الإسلام والإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم
وقوله سبحانه والذين ابتداء وخبره فبشرهم والذي يظهر من ألفاظ الآية أنه لما ذكر نقص الأحبار والرهبان الآكلين للمال بالباطل ذكر بعد ذلك بقول عام نقص الكانزين المانعين حق المال وقرأ طلحة بن مصرف الذين يكنزون بغير واو وعلى هذه القراءة يجرى قول معاوية أن الآية في أهل الكتاب وخالفه أوب ذر فقال بل هي فينا ويكنزون معناه يجمعون ويحفظون في الأوعية وليس من شرط الكنز الدفن والتوعد في الكنز إنما وقع على منع الحقوق منه وعلى هذا كثير من العلماء وقال علي رضي الله عنه أربعة آلاف درهم فما دونهما نفقة وما زاد عليها فهو كنز وإن أديت زكاته وقال أبو ذر وجماعة معه ما فضل من مال الرجل على حاجة نفسه فهو كنز وهذان القولان يقتضيان أن الذم في حبس المال لا في منع

زكاته فقط ت وحدث أبو بكر بن الخطيب بسنده عن علي بن أبي طالب وابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء قدر ما يسعهم فإن منعوهم حتى يجوعوا ويعروا ويجهدوا حاسبهم الله حسابا شديدا وعذبهم عذابا نكرا انتهى
وقوله سبحانه فتكوى بها جباههم الآية قال ابن مسعود والله لا يمس دينار دينارا بل يمد الجلد حتى يكوى بكل دينار وبكل درهم قال الفخر قال أبو بكر الوراق وخصت هذه المواضع بالذكر لأن صاحب المال إذا رأى الفقير قبض جبينه وإذا جلس إلى جنبه تباعد عنه وولاه ظهره انتهى
وقوله سبحانه إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله هذه الآية والتي بعدها تتضمن ما كانت العرب عليه في جاهليتها من تحريم شهور الحل وتحليل شهور الحرمة وإذا نص ما كانت العرب تفعله تبين معنى الآيات فالذي تظاهرت به الروايات ويتخلص من مجموع ما ذكره الناس أن العرب كانت لا عيش لأكثرها إلا من الغارات وأعمال سلاحها فكانوا إذا توالت عليهم حرمة الأشهر الحرم صعب عليهم واملقوا وكان بنوفقيم من كنانة أهل دين في العرب وتمسك بشرع إبراهيم عليه السلام فانتدب منهم القلمس وهو حذيفة بن عبد فقيم فنسى الشهور للعرب ثم خلفه على ذلك بنوه وذكر الطبري وغيره أن الأمر كان في عدوان قبل بني مالك بن كنانة وكانت صورة فعلهم أن العرب كانت إذا فرغت من حجها جاء إليه من شاء منهم مجتمعين فقالوا إنسانا شهرا أي أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر فيحل لهم المحرم فيغيرون فيه ثم يلتزمون حرمة صفر ليوافقوا عدة الأشهر الحرم الأربعة قال مجاهد ويسمون ذلك الصفر المحرم ثم يسمون ربيعا الأول صفرا وربيعا الآخر ربيعا الأول وهكذا في سائر الشهور وتجيء السنة من ثلاثة عشر شهرا

أولها المحرم المحلل ثم المحرم الذي هو في الحقيقة صفر وفي هذا قال الله عز و جل إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا أي ليس ثلاثة عشر ثم كانت حجة أبي بكر في ذي القعدة حقيقة وهم يسمونه ذا الحجة ثم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة عشر في ذي الحجة حقيقة فذلك قوله عليه السلام أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان
وقوله في كتاب الله أي فيما كتبه وأثبته في اللوح المحفوظ أو غيره فهي صفة فعل مثل خلقه ورزقه وليست بمعنى قضائه وتقديره لأن تلك هي قبل خلق السماوات والأرض
وقوله سبحانه منها أربعة حرم نص على تفضيل هذه الأربعة وتشريفها قال قتادة اصطفى الله من الملائكة والبشر رسلا ومن الشهور المحرم ورمضان ومن البقع المساجد ومن الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ومن الكلام ذكره فينبغي أن يعظم ما عظم الله
وقوله سبحانه ذلك الدين القيم قالت فرقة معناه الحساب المستقيم وقال ابن عباس فيما حكى المهدوي معناه القضاء المستقيم قال ع والاصوب عندي أن يكون الدين هاهنا على اشهر وجوهه أي ذلك الشرع والطاعة
وقوله فلا تظلموا فيهن أي في الاثنى عشر شهرا أي لا تظلموا أنفسكم بالمعاصي في الزمان كله وقال قتادة المراد الأربعة الأشهر وخصصت تشريفا لها قال سعيد بن المسيب كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرم القتال في الأشهر الحرم بما أنزل الله في ذلك حتى نزلت براءة
وقوله تعالى وقاتلوا المشركين معناه فيهن فاحرى في غيرهن وقوله كافة معناه جميعا وقوله سبحانه إنما النسي يعني فعل العرب في تأخيرهم الحرمة زيادة في الكفر أي جار مع كفرهم بالله وخلافهم للحق فالكفر متكثر بهذا الفعل الذي هو باطل في نفسه ومما وجد في

أشعارهم قول جذل الطعان ... وقد علمت معد أن قومي ... كرام الناس ان لهم كراما ...
... السنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما ...
وقوله سبحانه يحلونه عاما ويحرمونه عاما معناه عاما من الأعوام وليس يريد أن تلك كانت مداولة
وقوله سبحانه لواطئوا عدة ما حرم الله معناه ليوافقوا والمواطأة الموافقة
وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض هذه الآية بلا خلاف أنها نزلت عتابا على تخلف من تخلف عن النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام غزا فيها الروم في عشرين ألف بين راكب وراجل والنفر هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان وقوله اثاقلتم أصله تثاقلتم وكذلك قرأ الأعمش وهو نحو قوله اخلد إلى الأرض
وقوله أرضيتم تقرير والمعنى أرضيتم نزر الدنيا على خطير الآخرة وحظها الأسعد قال ابن هشام فمن من قوله من الآخرة للبدل انتهى ثم أخبر سبحانه أن الدنيا بالإضافة إلى الآخرة قليل نزر فتعطى قوة الكلام التعجب من ضلال من يرضى النزر الفاني بدل الكثير الباقي ت وفي صحيح مسلم والترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بماذا ترجع قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى
وقوله سبحانه إلا تنفروا يعذبكم شرط وجواب ولفظ العذاب عام يدخل تحته أنواع عذاب الدنيا والآخرة
وقوله ويستبدل قوما غيركم توعد بأن يبدل لرسوله عليه السلام قوما لا يقعدون عند استنفاره إياهم والضمير في قوله ولا تضروه شيئا عائد على الله عز و جل ويحتمل أن يعود على النبي صلى الله عليه و سلم وهو أليق
وقوله سبحانه الا تنصروه فقد نصره الله هذا أيضا شرط وجواب ومعنى الآية أنكم

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10