كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

تفسير الثعالبي الموسوم بجواهر الحسان

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
يقول العبد الفقير إلى الله المعترف بذنبه الراجي رحمة ربه عبد الرحمن ابن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين وبسائر المؤمنين
الحمد لله رب العالمين وصلوات ربنا وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه السادة المكرمين والحمد لله الذي من علينا بالإيمان وشرفنا بتلاوة القرآن فأشرقت علينا بحمد الله أنواره وبدت لذوي المعارف عند التلاوة أسراره وفاضت على العارفين عند التدبر والتأمل بحاره فسبحان من أنزل على عبده الكتاب وجعله لأهل الفهم المتمسكين به من أعظم الأسباب كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب
أما بعد أيها الأخ أشرق الله قلبي وقلبك بأنوار اليقين وجعلني وإياك من أوليائه المتقين الذين شرفهم بنزل

قدسه وأوحشهم من الخليقة بأنسه وخصهم من معرفته ومشاهدة عجائب ملكوته وآثار قدرته بما ملأ قلوبهم حبره ووله عقولهم في عظمته حيره فجعلوا همهم به واحدا ولم يروا في الدارين غيره فهم بمشاهدة كماله وجلاله يتنعمون وبين آثار قدرته وعجائب عظمته يترددون وبالانقطاع إليه والتوكل عليه يتعززون لهجين بصادق قوله قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فإني جمعت لنفسي ولك في هذا المختصر ما ارجو أن يقر الله به عيني وعينك في الدارين فقد ضمنته بحمد الله المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية وزدته فوائد جمة من غيره من كتب الأئمة وثقات أعلام هذه الأمة حسبما رأيته أو رويته عن الاثبات وذلك قريب من مائة تأليف وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين ومعدود في المحققين وكل من نقلت عنه من المفسرين شيئا فمن تأليفه نقلت وعلى لفظ صاحبه عولت ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع في الزلل وإنما هي عبارات وألفاظ لمن أعزوها إليه وما انفردت بنقله عن الطبري فمن اختصار الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد اللخمي النحوي لتفسير الطبري نقلت لأنه اعتنى بتهذيبه وقد أطنب أبو بكر بن الخطيب في حسن الثناء على الطبري ومدح تفسيره وأثنى عليه غاية نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياهم برحمته وكل ما في آخره انتهى فليس هو من كلام ابن عطية بل ذلك مما انفردت بنقله عن غيره ومن أشكل عليه لفظ في هذا المختصر فليراجع الأمهات المنقول منها فليصلحه منها ولا يصلحه برأيه وبديهة عقله فيقع في الزلل من حيث لا يشعر وجعلت علامة

التاء لنفسي بدلا من قلت ومن شاء كتبها قلت وأما العين فلابن عطية وما نقلته من الأعراب عن غير ابن عطية فمن الصفاقسي مختصر أبي حيان غالبا وجعلت الصاد علامة عليه وربما نقلت عن غيره معزوا لمن عنه نقلت وكل ما نقلته عن ابي حيان فإنما نقلي له بواسطة الصفاقسي غالبا قال الصقاقسي وجعلت علامة ما زدته على أبي حيان م وما يتفق لي إن أمكن فعلامته قلت وبالجملة فحيث أطلق فالكلام لأبي حيان وما نقلته من الأحاديث الصحاح والحسان عن غير البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي في باب الأذكار والدعوات فأكثره من النووي وسلاح المؤمن وفي الترغيب والترهيب وأحوال الآخرة فمعظمه من التذكرة للقرطبي والعاقبة لعبد الحق وربما زدت زيادات كثيرة من مصابيح البغوي وغيره كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى كل ذلك معزو لمحاله وبالجملة فكتابي هذا محشو بنفائس الحكم وجواهر السنن الصحيحة والحسان المأثورة عن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وقد قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التقصي وأولى الأمور بمن نصح نفسه والهم رشده معرفة السنن التي هي البيان لمجمل القرآن بها يوصل إلى مراد الله تعالى من عباده فيما تعبدهم به من شرائع دينه الذي به الابتلاء وعليه الجزاء في دار الخلود والبقاء التي لها يسعى الالباء العقلاء والعلماء الحكماء فمن من الله عليه بحفظ السنن والقرآن فقد جعل بيده لواء الإيمان فإن فقه وفهم واستعمل ما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما ونال فضلا جسيما انتهى والله اسأل أن يجعل هذا السعي خالصا لوجهه وعملا صالحا يقربنا إلى مرضاته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

وسميته بالجواهر الحسان في تفسير القرآن
سأل الله أن ينفع به كل من حصله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وها أنا إن شاء الله أشرع في المقصود والتقط من كلام ابن عطية رحمه الله ما ستقف عليه من النبذ الحسنة المختارة ما تقر به العين وإذا نقلت شيئا من غيره عزوته لصاحبه كما تقدم قال ع رحمه الله بعد كلام في اثناء خطبته ولما أردت أن أختار لنفسي وانظر في علم أعد أنواره لظلم رمسى سبرت العلوم بالتنويع والتقسيم وعلمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدت أمتنها حبالا وأرسخها جبالا وأجملها آثارا واسطعها أنوارا علم كتاب الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي استقل بالسنة والفرض ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض وأيقنت أنه أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى وتخليصا للنيات ونهيا عن الباطل وحضا على الصالحات إذ ليس من علوم الدنيا فيختل حامله من منازلها صيدا ويمشي في التلطف لها رويدا ورجوت أن الله تعالى يحرم على النار فكرا عمرته أكثر عمره معانيه ونفسا ميزت براعة رصفه ومبانيه ثم قال قال الله تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا قال المفسرون ايى علم معانيه والعمل بها وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم قيدوا العلم بالكتب ففزعت إلى تعليق ما يتنخل لي في المناظرة من علم التفسير قال ولنقدم بين يدي القول في التفسير أشياء قد قدم أكثرها المفسرون وأشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم مجتمعة لذهنه

باب في فضل القرآن
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم قيل فما النجاة منها يا رسول الله قال كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الاهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن وقال صلى الله عليه و سلم ان الذي يتعاهد القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة وقال صلى الله عليه و سلم اتلوا هذا القرآن فان الله ياجركم بالحرف منه عشر حسنات أما أنى لا أقول ألم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف وقال صلى الله عليه و سلم ما من شفيع افضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك وقال صلى الله عليه ولم افضل عبادة امتي القرآن وحدث انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن قال الشيخ يحيى بن شرف النووي اعلم ان قراءة القرآن اكد الاذكار وافضلها فينبغي المداومة عليها فلا يخلو عنها يوما وليلة ويحصل له اصل القراءة بقراءة الآيات القليلة والمطلوب القراءة بالتدبر والخشوع والخضوع وقد روينا في كتاب ابن السني عن انس عن النبي صلى الله عليه

وسلم انه قال من قرأ خمسين آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الاجر وفي رواية من قرأ أربعين آية بدل خمسين وفي رواية عشرين آية وفي رواية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا انتهى من الحلية وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال اشراف امتي حملة القرآن وروى انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال القرآن شافع مشفع وما حل مصدق ومن شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار واحق من شفع له القرآن اهله وحملته واولى من محل به من عدل عنه وضيعه وقال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه و سلم الم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم فلعله قرأ سورة البقرة فسئل ثابت ابن قيس فقال نعم قرأت سورة البقرة وفي هذا المعنى حديث صحيح عن اسيد ابن حضير في تنزل الملائكة في الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة قلت وفي رواية سورة الكهف وهذا الحديث خرجه البخاري ومسلم والترمذي والنساءي انتهى وقال عقبة بن عامر عهد الينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فقال عليكم بالقرآن وقال عبد الله بن عمرو بن العاص ان من اشراط الساعة ان يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الاشرار ويوضع الاخيار وان تقرأ المثناة على رءوس الناس لا تغير قيل وماالمثناة قال ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما اخذتموه عن من تامنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه ابناءكم

فانكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل وقال رجل لعبد الله ابن مسعود اوصني فقال إذا سمعت الله تعالى يقول يا ايها الذين ءامنوا فارعها سمعك فإنه خير يأمر به او شر ينهى عنه وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن احسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى وقال صلى الله عليه و سلم اقرءوا القرآن قبل ان يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون اجره ولا يتأجلونه وروي أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون فقال أبو بكر هكذا كنا ثم قست القلوب وروي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة ان عذاب ربك لواقع ما له من دافع فأن أنة عيد منها عشرين يوما قال القرطبي في التذكرة وما تقرب المتقربون إلى الله تعالى بشيء مثل القرآن قال صلى الله عليه و سلم يقول الرب تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطى السائلين رواه الترمذى انتهى قلت ولفظ الترمذى عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الرب عز و جل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وعن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وعماد الامر التدبر والتفهم فقلة القراءة مع التفهم افضل من كثرتها من غير تفهم وهذا الذي عليه المحققون وهو الذي يدل عليه القرآن وصحيح الآثار ولولا الاطالة لاتينا من ذلك بما يثلج له الصدر وقد ذكر بعض شراح الرسالة في الذي يقرأ القرآن من غير تأمل ولا تفهم هل له أجر أم لا قولان وهذا

الخلاف والله اعلم في غير المتعلم والقول بعدم الاجر على ضعفه هو ظاهر ما حكاه عياض في المدارك عن الشلبي في قصته مع الامام المقرىء وبالجملة فالتدبر والتفهم هو الذي يحصل معه الانابة والخشوع وكل خير ونقل الباجى في سنن الصالحين عن محمد بن كعب القرظي قال لان اقرأ في ليلى حتى أصبح بإذا زلزلت وبالقارعة لا أزيد عليها واتردد فيها واتفكر احب إلى من أن اهذ القرآن ليلى هذا أو قال انثره نثرا ونحوه عن مجاهد وغيره وعن ابن عباس قال ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه انتهى قال ابن ابي جمرة والمرغب فيه التدبر في القراءة وان قلت وهو خير من كثرة القراءة بلا تدبر وفائدة التدبر هو أن تعرف معنى ما تتلوه من الآي انتهى وقال الحسن بن أبي الحسن انكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وان من كان قبلكم رأوه رسائل اليهم من ربهم فكانوا يتدبرونه بالليل وينفذونه بالنهار وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول انزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا ان احدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد اسقط العمل به قال ع قال الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر وقال تعال انا سنلقي عليكم قولا ثقيلا أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم وقيل ليوسف بن اسباط بأي شيء تدعوا إذا ختمت القرآن فقال استغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته ثم تركت ما فيه من الاعمال خشيت المقت فاعدل إلى الاستغفار والتسبيح وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته اردت الرجوع من اوله فقال لي اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعال في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه قال الغزالي في كتاب

التفكر واما طريق الفكر الذي تطلب به العلوم التي تثمر اجتلاب احوال محمودة أو التنزه عن صفات مذمومة فلا يوجد فيه انفع من تلاوة القراءن بالفكر فانه جامع لجميع المقامات والاحوال وفيه شفاء للعالمين وفيه ما يورث الخوف والرجاء والصبر والشكر والمحبة والشوق وسائر الاحوال المحمودة وفيه ما يزجر عن سائر الصفات المذمومة فينبغي ان يقرأه العبد ويردد الآية التي هو محتاج إلى التفكر فيها مرة بعد أخرى ولو ليلة كاملة فقراءة آية بتفكر وفهم خير من ختمة من غير تدبر وفهم فان تحت كل كلمة منه اسرارا لا تنحصر ولا يوقف عليها الا بدقيق الفكر عن صفاء القلب بعد صدق المعاملة وكذلك حكم مطالعة اخبار رسول الله صلى الله عليه و سلم فقدة اوتي عليه السلام جوامع الكلم فكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة لو تأمله العالم حق تأمله لم ينقطع فيه نظره طول عمره وشرح ءاحاد الآيات والاخبار يطول وانظر قوله صلى الله عليه و سلم ان روح القدس نفث في روعى احبب من احببت فانك مفارقه وعش ما شئت فانك ميت واعمل ما شئت فانك مجزي به فان هذه الكلمات جامعة لحكم الاولين والآخرين وهي كافية للمتأملين ولو وقفوا على معانيها وغلبت على قلوبهم غلبة يقين لاستغرقتهم ولجالت بينهم وبين التلفت إلى الدنيا بالكلية انتهى من الاحياء باب في فضل تفسير القرآن واعرابه
قال النبي صلى الله عليه و سلم اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فان الله تعالى يحب ان يعرب قال أبو العالية في تفسير قوله عز و جل ومن يوت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا قال الحكمة الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة القرآن والفقه

فيه وقال غيره الحكمة تفسير القرآن وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له ان الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل اليه حتى علم تفسيرها وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وانت انت فقال انه كان يعرف تفسير قوله تعالى ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وقال اياس ابن معاوية مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعلم التفسير كرجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب وقال ابن عباس الذي يقرأ ولا يفسر كالاعرابي الذي يهذ الشعر وقال مجاهد احب الخلق إلى الله اعلمهم بما انزل الله وقال الحسن والله ما انزل الله آية الا احب ان يعلم فيمن انزلت وما يعنى بها وقال النبي صلى الله عليه و سلم لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرءان وجوها كثيرة
فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرءة عليه ومراتب المفسرين
روي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفسر من كتاب الله تعالى الا ءايا بعدد علمهن اياه جبريل عليه السلام قال ع ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل اليه الا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به عباده كوقت قيام الساعة ونحوها ومنها ما يستقرأ من الفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض وروي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من

تكلم في القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن هذا القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه وكان جلة من السلف كسعيد ابن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم ابقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عن جميعهم ت وخرج أبو عيسى الترمذي في جامعه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وخرج أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار قال ابو عيسى هذا حديث حسن وخرج عن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ قال أبو عيسى هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل انفسهم وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ما في القرآن آية الا وقد سمعت فيها بشيء وحدثنا ابن

أبى عمر حدثنا سفيان بن عيينه عن الاعمش قال قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت انتهى ما نقلته من الترمذي ثم قال ع فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتلوه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما والمحفوظ عنه في ذلك اكثر من المحفوظ عن علي بن ابي طالب وقال ابن عباس ما اخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحض على الأخذ عنه وكان عبد الله ابن مسعود يقول نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وحسبك بهذه الدعوة ويتلوه عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص وكل ما اخذ عن الصحابة فحسن متقدم ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة وقد قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وان كان لم يلق ابن عباس وانما اخذ عن ابن جبير وأما السدى رحمه الله تعالى فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبى صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ثم حمل تفسير كتاب الله عز و جل عدول كل خلف والف الناس فيه كعبد الزراق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم ثم أن محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع علىالناس اشتات التفسير وقرب البعيد وشفى في الاسناد ومن المبرزين في المتأخرين أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس رحمهما الله فكثيرا ما

استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رحمه الله وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف وكلهم مجتهد ماجور رحمهم الله ونضر وجوههم
فصل
واختلف الناس في معنى قوله صلى الله عليه و سلم انزل القرآن على سبعة احرف فاقرءوا ما تيسر منه ثم قال ع بعد كلام والذي مال إليه كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره أن معنى الحديث أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل ثم اختلفوا في تعيينهم وانا الخص الغرض جهدي بحول الله فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وشب وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسد وضبة والفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافها في العبارة قال ثابت بن قاسم لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة والفافها ومنها لقيس لكان قداتي على قبائل مضر فى مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن وهذا نحو ما ذكرناه وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهو جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أن أبا عبيد القاسم بن سلام وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها قال ع وذلك عندي إنما هو فيما استعملته

عرب الحجاز من لغة اليمن كالعرم والفتاح فأما ما انفردوا به كالزخيخ والقلوب فليس في كتاب الله منه شيء وأما ما وإلى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقي الجزيرة فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنبط ونصارى الحيرة وغير ذلك وأما الذي يلي الشام وهو شمالي الجزيرة وهي بلاد ءال جفنة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم وكثير من بني اسرائل وأما غربي الجزيرة فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم وأكثرها غير معمور فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم ويقوى هذا المنزع أنه لما أتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب وتجرد أهل المصرين البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها لم يأخذوا إلا من هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها وتجنبوا اليمن والعراق والشام فلم يكتب عنهم حرف واحد وكذلك تجنبوا حواضر الحجاز مكة والمدينة والطائف لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها فأفسدوا اللغة وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلى الله عليه و سلم سليمة لقلة المخالطة فمعنى قول النبي صلى الله عليه و سلم أنزل القرآن على سبعة أحرف أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة الا ترى أن فطر معناها عند غير قريش ابتداء خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها قال ابن عباس ففهمت حينئذ موقع قوله سبحانه فاطر السماوات والأرض وقال أيضا ما كنت أدري معنى قوله تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا حتى سمعت بنت ذي جدن تقول لزوجها تعال افاتحك أي أحاكمك وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله

عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى أو يأخذهم على تخوف فوقف به فتى فقال ان أبي يتخوفني حقي فقال عمر الله اكبر أو يأخذهم على تخوف أي على تنقص لهم وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في الصلاة والنحل باسقات ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير هذا من الأمثلة فأباح الله تعالى لنبيه عليه السلام هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف ولم تقع الإباحة في قوله فاقرءوا ما تيسر منه بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي صلى الله عليه و سلم ليوسع بها على أمته فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف
فصل في ذكر الألفاظ التي في القرآن مما للغات العجم بها تعلق
اختلف الناس في هذه المسألة فقال أبو عبيدة وغيره أن في كتاب الله تعالى من كل لغة وذهب الطبري وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها توارد اللغتين فتكلمت العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل قوله

تعالى إن ناشئة الليل قال ابن عباس نشأ بلغة الحبشة قام من الليل ومنه قوله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة وكذلك قال ابن عباس في القسورة أنه الأسد بلغة الحبشة إلى غير هذا من الأمثلة قال ع والذي أقوله أن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن بلسان عربي مبين وليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تفهمها الا من لسان ءاخر فاما هذه الالفاظ وما جرى مجراها فانه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وسفر إلى الشام وأرض الحبشة فعلقت العرب بهذا كله الفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح مما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عباس معنى فاطر إلى غير ذلك فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه وما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة فذلك بعيد بل إحداهما أصل والأخرى فرع في الأكثر لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا باب تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية
هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر فالقرآن مصدر من قولك قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرءانا وقراءة وقال قتادة القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا وبهذا فسر قتادة قوله تعالى إن علينا جمعه وقرآنه أي تأليفه

والقول الأول أن القرآن مصدر من قرأ إذا تلا ومنه قول حسان بن ثابت يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه ... ضحوا باشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرءانا ...
أي وقراءة وأما الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر ... واكتبها باسيار ...
أي اجمعها وأما الفرقان فهو أيضا مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقانا وفرقانا وأما الذكر فسمي بذلك لأنه ذكر به الناس ءاخرتهم وإلاههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم وقيل سمي بذلك لأن فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وفيل سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه و سلم وقومه وسائر العلماء به وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم يهمزون فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من اسأر إذا ابقى ومنه سؤر الشراب وأما من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه لأن كل بناء فإنما بني قطعة بعد قطعة فكل قطعة منها سورة فكان سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك سورة ومنه قول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر ... ألم تر ان الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب ...
فكأن الرتبة انبنت حتى كملت وأما الآية فهي العلامة في كلام العرب ولما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآيتنا أي بجماعتنا وقيل لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها

وما بعدها سميت آية ت وقوله صلى الله عليه و سلم في الصحيح آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب الحديث وآية الإيمان حب الأنصار وآية ما بيننا وبين المنافقين شهود العشاء يقوى القول الأول والله أعلم وهذا هو الراحج في مختصر الطبري قال والآية العلامة وذلك أطهر في العربية والقرآن واصح القول أن آيات القرآن علامات للإيمان وطاعة الله تعالى ودلالات على وحدانيته وإرسال رسله وعلى البعث والنشور وأمور الآخرة وغير ذلك مما تضمنته علوم القرآن انتهى باب في الاستعاذة
قال الله عز و جل فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم معناه إذا أردت أن تقرأ فأوقع الماضي موقع المستقبل لثبوته وأجمع العلماء على أن قول القارىء اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ليس بآية من كتاب الله واجمعوا على استحسان ذلك والتزامه عند كل قراءة في غير صلاة واختلفوا في التعوذ في الصلاة فابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في كل ركعة ويمتثلون أمر الله سبحانه بالاستعاذة على العموم في كل قراءة وابو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ومالك رحمه الله لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه تعوذ في صلاة وأما لفظ الاستعاذة فالذي عليه جمهور الناس وهو لفظ كتاب الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأما المقرءون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله وفي الجهة الأخرى كقول بعضهم أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد ونحو هذا مما هذا مما لا أقول فيه نعمت البدعة ولا أقول أنه لا يجوز

ومعنى الاستعاذة الاستجارة والتحيز إلى الشيء على وجه الامتناع به من المكروه وأما الشيطان فاختلف في اشتقاقه فقال المحذاق هو فيعال من شطن إذا بعد لأنه بعد عن الخير والرحمة وأما الرجيم فهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح ومعناه أنه رجم باللغة والمقت وعدم الرحمة باب في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم
روي أن رجلا قال بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم تعس الشيطان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقل ذلك فإنه يتعاظم عنده ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يصغر حتى يصير اقل من الذباب والبسملة تسعة عشر حرفا قال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم عليها تسعة عشر إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم لكل حرف ملك وهم يقولون في كل أفعالهم بسم الله الرحمن الرحيم فمن هنالك هي قوتهم وباسم الله استضلعوا قال ع وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم ت ولا يخفي عليك لين ما بلغ هؤلاء ولقد أغنى الله تعالى بصحيح الأحاديث وحسنها عن موضوعات الوراقين فجزى الله نقاد الأمة عنا خيرا وما جاء من الأثر عن جابر وأبي هريرة مما يقتضي بظاهره أن البسملة آية من الفاتحة يرده صحيح الأحاديث كحديث أنس وأبي بن كعب وحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ونحوها ولم يحفظ قط عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن الخلفاء بعده أنهم يبسملون في الصلاة ع ولباء في بسم الله متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداءى مستقر أو ثابت بسم الله وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم الله واسم اصله سمو بكسر السين أو سمو بضمها وهو عند

البصريين مشتق من السمو ت وهو العلو والارتفاع قال ص والاسم هو الدال بالوضع على موجود في العيان أن كان محسوسا وفي الأذهان إن كان معقولا من غير تعرض ببنيته للزمان ومدلوله هو المسمى والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على المعنى فهي أمور ثلاثة متباينة فإذا أسندت حكما إلى لفظ اسم فتارة يكون حقيقة نحو زيد اسم ابنك وتارة يكون مجازا وهو حيث يطلق الاسم ويراد به المسمى كقوله تعالى تبارك اسم ربك وسبح اسم ربك وتأول السهيلي سبح اسم ربك على إقحام الاسم أي سبح ربك وإنما ذكر الاسم حتى لا يخلو التسبيح من اللفظ باللسان لأن الذكر بالقلب متعلقه المسمى والذكر باللسان متعلقه اللفظ وتأول قوله تعالى ما تعبدون من دونه إلا أسماء بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على الحقيقة فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها انتهى وقال الكوفيون أصل اسم وسم من السمة وهي العلامة لأن الاسم علامة لمن وضع له والمكتوبة التي لفظها الله ابهر أسمائه تعالى وأكثرها استعمالا وهو المتقدم لسائرها في الأغلب وإنما تجيء الأخر أوصافا وحذفت الألف الأخيرة من الله ليلا يشكل بخط اللات وقيل طرحت تخفيفا والرحمن صفة مبالغة من الرحمة معناها أنه انتهى إلى غاية الرحمن وهي صفة تختص بالله تعالى ولا تطلق على البشر وهي ابلغ من فعيل وفعيل ابلغ من فاعل لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك والرحمن النهاية في الرحمة
تفسير فاتحة الكتاب بحول الله تعالى وقوته
قال ابن عباس وغيره أنها مكية ويؤيد هذا أن في سورة الحجر ولقد آتيناك سبعا من المثاني والحجر مكية بإجماع وفي حديث أبي بن كعب أنها السبع المثاني

ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة وما حفظ انه كانت قط في الإسلام صلاة بغير الحمد لله رب العالمين وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدينة وأما أسماؤها فلا خلاف أنه يقال لها فاتحة الكتاب واختلف هل يقال لها أم الكتاب فكره ذلك الحسن بن أبي الحسن وأجازه ابن عباس وغيره وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة واختلف هل يقال لها أم القرآن فكره ذلك ابن سيرين وجوزه جمهور العلماء وسميت المثاني لأنها تثنى في كل ركعة وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث أبي بن كعب أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها وروي أنها تعدل ثلثي القرآن وهذا العدل إما أن يكون في المعاني وإما أن يكون تفضيلا من الله تعالى لا يعلل وكذلك يجيء عدل قل هو الله أحد وعدل إذا زلزلت وغيره ت ونحو حديث أبي حديث أبي سعيد بن المعلى إذ قال له صلى الله عليه و سلم ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن الحمد الله رب العالمين هي سبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه انتهى من سلاح المؤمن تأليف الشيخ المحدث أبي الفتح تقي الدين محمد بن علي بن همام رحمه الله الحمد معناه الثناء الكامل والألف واللام فيه لاستغراق الجنس من المحامد وهو أعم من الشكر لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود قال ص وهل الحمد بمعنى الشكر أو الحمد أعم أو الشكر ثناء على الله بأفعاله والحمد ثناء عليه بأوصافه ثلاثة أقوال انتهى قال الطبري الحمد لله ثناء اثنى به على نفسه تعالى وفي ضمنه أمر عبادة أن يثنوا به عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله وعلى هذا يجيء قولوا إياك واهدنا قال وهذا

من حذف العرب ما يدل ظاهر الكلام عليه وهو كثير والرب في اللغة المعبود والسيد المالك والقائم بالأمور المصلح لما يفسد منها فالرب على الإطلاق هو رب الأرباب على كل جهة وهو الله تعالى والعالمون جمع عالم وهو كل موجود سوى الله تعالى يقال لجملته عالم ولأجزائه من الإنس والجن وغير ذلك عالم عالم وبحسب ذلك يجمع على العالمين ومن حيث عالم الزمان متبدل في زمان آخر حسن جمعها ولفظة العالم جمع لا واحد له من لفظه وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده كذا قال الزجاج قال أبو حيان الألف واللام في العالمين للاستغراق وهو جمع سلامة مفرده عالم اسم جمع وقياسه ألا يجمع وشذ جمعه أيضا جمع سلامة لأنه ليس بعلم ولا صفة م وذهب ابن مالك في شرح التسهيل إلى أن عالمين اسم جمع لمن يعقل وليس جمع عالم لأن العالم عام وعالمين خاص قلت وفيه نظر انتهى وقد تقدم القول في الرحمن الرحيم ملك يوم الدين الدين في كلام العرب على أنحاء وهو هنا الجزاء يوم الدين أي يوم الجزاء على الأعمال والحساب بها قاله ابن عباس وغيره مدينين محاسبين وحكى أهل اللغة دنته بفعله دينا بفتح الدال ودينا بكسرها جزيته ومنه قول الشاعر ... واعلم يقينا أن ملكك زائل ... واعلم بأن كما تدين تدان ...
إياك نعبد نطق المؤمن به إقرار بالربوبية وتذلل وتحقيق لعبادة الله وقدم إياك على الفعل اهتماما وشأن العرب تقديم الأهم واختلف النحويون في إياك فقال الخليل إيا اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف وحكي عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب وقال المبرد إيا اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف وحكى ابن كيسان عن بعض الكوفيين أن

إياك بكماله اسم مضمر ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره وحكي عن بعضهم أنه قال الكاف والهاء والياء هو الاسم المضمر لكنها لا تقوم بأنفسها ولا تكون إلا متصلات فإذا تقدمت الأفعال جعل إيا عمادا لها فيقال إياك وإياه وإياي فإذا تأخرت اتصلت بالأفعال واستغني عن إيا و نعبد معناه نقيم الشرع والأوامر مع تذلل واستكانة والطريق المذللل يقال له معبد وكذلك البعير و نستعين معناه نطلب العون منك في جميع أمورنا وهذا كله تبر من الأصنام وقوله تعالى اهدنا رغبة لأنها من المربوب إلى الرب وهكذا صيغ الأمر كلها فإذا كانت من الأعلى فهي أمر والهداية في اللغة الإرشاد لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد وكلها إذا تأملت راجعة إلى الإرشاد فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ومنه قوله تعالى أولئك على هدى من ربهم و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم و إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فمن يرد الله أن يهديه الآية قال أبو المعالي فهذه الآيات لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان في القلب وهو محض الإرشاد وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء كقوله تعالى ولكل قوم هاد أي داع وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم وقد جاء الهدى بمعنى الإلهام من ذلك قوله تعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال المفسرون الهم الحيوانات كلها إلى منافعها وقد جاء الهدى بمعنى البيان من ذلك قوله تعالى وأما ثمود فهديناهم قال المفسرون معناه بينا لهم قال أبو المعالي معناه دعوناهم وقوله تعالى إن علينا للهدى أي علينا أن نبين في هذا كله معنى الإرشاد قال أبو المعالي وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها كقوله تعالى في صفة المجاهدين فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ومنه قوله

تعالى فاهدوهم إلى صراط الجحيم معناه فاسلكوهم إليها قال ع وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا وهي ضد الضلال وهي الواقعة في قوله تعالى إهدنا الصراط المستقيم على صحيح التأويلات وذلك بين من لفظ الصراط والصراط في اللغة الطريق الواضح ومن ذلك قول جرير ... أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم ...
واختلف المفسرون في المعنى الذي استعير له الصراط في هذا الموضع فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصراط المستقيم هنا القرآن وقال جابر هو الإسلام يعني الحنيفية وقال محمد بن الحنفية هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره وقال أبو العالية هو رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحباه أبو بكر وعمر أي الصراط المستقيم طريق محمد صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وهذا قوي في المعنى إلا أن تسمية أشخاصهم طريقا فيه تجوز ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة هي أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في معتقداته وفي التزامه لأحكام شرعه وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام وهو حال رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحبيه وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال فمعنى قوله اهدنا فيما هو حاصل عندهم التثبيت والدوام وفيما ليس بحاصل إما من جهة الجهل به أو التقصير في المحافظة عليه طلب الإرشاد إليه فكل داع به إنما يريد الصراط بكماله في أقواله وأفعاله ومعتقداته واختلف في المشار إليهم بأنه سبحانه أنعم عليهم وقول ابن عباس وجمهور من المفسرين أنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وانتزعوا ذلك من قوله تعالى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم الآية إلى قوله

رفيقا وقوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين اعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة وإنما تنكرت غير ومثل مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما وذلك إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء سوى المخاطب فهو غيره وكذلك إن قلت رأيت مثلك فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة و المغضوب عليهم اليهود و الضالون النصارى قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد وروى ذلك عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه و سلم وذلك بين من كتاب الله لأن ذكر غضب الله على اليهود متكرر فيه كقوله وباءوا بغضب من الله قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله الآية وغضب الله تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محنا وعقوبات وذلة ونحو ذلك مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعدا مؤكدا مبالغا فيه والنصارى كان محققوهم على شرعة بل ورود شرع محمد صلى الله عليه سلم فلما ورد ضلوا وأما غير متحققيهم فضلالتهم متقررة منذ تفرقت أقوالهم في عيسى عليه السلام وقد قال الله تعالى فيهم ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل وأجمع الناس على أن عدد آي سورة الحمد سبع آيات العالمين آية الرحيم آية الدين آية نستعين آية المستقيم آية أنعمت عليهم آية ولا الضالين آية وقد ذكرنا عند تفسر بسم الله الرحمن الرحيم أن ما ورد من خلاف في ذلك ضعيف
القول في آمين
روى أبو هريرة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة في السماء تقول آمين فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ت وخرج مسلم وأبو داود والنسائي من طريق أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله

عليه وسلم قال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله الحديث انتهى ومعنى آمين عند أكثر أهل العلم اللهم استجب أو أجب يا رب ومقتضى الآثار أن كل داع ينبغي له في آخر دعاءه أن يقول آمين وكذلك كل قارىء للحمد في غير صلاة وأما في الصلاة فيقولها المأموم والفذ وفي الإمام في الجهر اختلاف واختلف في معنى قوله صلى الله عليه و سلم فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة فقيل في الإجابة وقيل في خلوص النية وقيل في الوقت والذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية والإقبال على الرغبة إلى الله بقلب سليم والإجابة تتبع حينئذ لأن من هذه حاله فهو على الصراط المستقيم وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول قال الله عز و جل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي وإذا قال ملك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولبعدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل انتهى وعند مالك فهؤلاء لعبدي واسند أبو بكر بن الخطيب عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه و سلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة انتهى من تاريخ بغداد ولم يذكر في سنده مطعنا وقال ابن العربي في أحكامه والصحيح عندي وجوب قراءتها على المأموم فيما اسر فيه وتحريمها فيما جهر فيه إذا سمع الإمام لما عليه من وجوب الإنصات والاستماع فإن بعد عن الإمام فهو بمنزلة صلاة السر انتهى نجز تفسير سورة الحمد والحمد

لله بجميع بمحامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
تفسير سورة البقرة بحول الله ومعونته
هذه السورة مدنية نزلت في مدد شتى وفيها آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ويقال لسورة البقرة فسطاط القرآن وذلك لعظمها وبهائها وما تضمنت من الأحكام والمواعظ وفيها خمسمائة حكم وخمسة عشرة مثلا وروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين من الواح موسى وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة من تحت العرش ت وها أنا إن شاء الله أذكر أصل الحدث بكماله لما اشتمل عليه من الفوائد العظيمة خرج الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اعملوا بالقرآن أحلوا حلاله وحرموا حرامه واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي كي ما يخبرونكم وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم وليسعكم القرآن وما فيه من البيان فإنه شافع مشفع وما حل مصدق وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش ما حل بالمهملة أي ساع وقيل خصم انتهى من السلاح وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال تجيء

البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غيايتان بينهما شرق أو غمامتان سوداوان أو كأنهما ظلة من طير صواف تجادلان عن صاحبهما ت أصل الحديث في صحيح مسلم عن أبي امامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان كأنهما غمامان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما اقرؤوا سورة البقرة فإن اخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة فقوله صلى الله عليه و سلم غمامتان يعني سحابتين بيضاوين والغيايتان بالغين المعجمة أبو عبيد الغياية كل شيء أطل الإنسان فوق رأسه وهو مثل السحابة وفرقان بكسر الفاء أي جماعتان انتهى من السلاح وروى أبو هريرة عنه صلىالله عليه وسلم أنه قال لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة فيها آية هي سيدة آي القرآن هي آية الكرسي وفي البخاري أنه صلى الله عليه و سلم قال من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ت وعن ابن عباس قال بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه و سلم سمع نقيضا من فوقه فقال له هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم وقال ابشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته رواه مسلم والنسائي والنقيض بالنون والقاف هو الصوت انتهى من السلاح وعدد آي سورة البقرة مائتان وخمس وثمانون آية وقيل وست وثمانون آية وقيل وسبع وثمانون قوله تعالى الم اختلف في الحروف التي في أوائل السور على قولين فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة

من المحدثين هي سر الله في القرآن وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا يجب أن يتكلم فيها ولكن يؤمن بها وتمر كما جاءت وقال الجمهور من العلماء بل يجب أن يتكلم فيها وتلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها واختلفوا في ذلك على اثني عشر قولا فقال علي وابن عباس رضي الله عنهما الحروف المقطعة في القرآن هي اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها وقال ابن عباس أيضا هي أسماء الله أقسم بها وقال أيضا هي حروف تدل على أنا الله أعلم أنا الله أرى وقال قوم هي حساب أبى جاد لتدل على مدة ملة محمد صلى الله عليه ولم كما ورد في حديث حيي بن اخطب وهو قول أبي العالية وغيره ت وإليه مال السهيلي في الروض الأنف فانظره قوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الاسم من ذلك الذال والألف واللام لبعد المشار إليه والكاف للخطاب واختلف في ذلك هنا فقيل هو بمعنى هذا وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن وذلك أنه قد يشار بذلك إلى حاضر تعلق به بعض غيبة وقيل هو على بابه إشارة إلى غائب واختلفوا في ذلك الغائب فقيل ما قد كان نزل من القرآن وقيل غير ذلك انظره ولا ريب فيه معناه لا شك فيه وهدى معناه إرشاد وبيان وقوله للمتقين اللفظ مأخوذ من وقى والمعنى الذين يتقون الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب معاصيه كان ذلك وقاية بينهم وبين عذابه قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقانهم ينفقون يؤمنون معناه يصدقون وقوله بالغيب قالت طائفة معناه يصدقون إذا غابوا وخلوا لا كالمنافقين الذين يؤمنون إذا حضروا ويكفرون إذا غابوا وقال آخرون معناه يصدقون بما غاب عنهم مما أخبرت به الشرائع وقوله يقيمون الصلاة معناه يظهرونها ويثبتونها كما يقال أقيمت السوق ت وقال

أبو عبد الله النحوي في اختصاره لتفسير الطبري إقامة الصلاة إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها انتهى قال ص يقيمون الصلاة من التقويم ومنه أقمت العود أو الإدامة ومنه قامت السوق أو التشمير والنهوض ومنه قام بالأمر انتهى وقوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون الرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما وينفقون معناه هنا يؤتون ما الزمهم الشرع من زكاة وما ندبهم إليه من غير ذلك قوله تعالى والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون اختلف المتأولون من المراد بهذه الآية والتي قبلها فقال قوم الآتيان جميعا في جميع المؤمنين وقال آخرون هما في مؤمني أهل الكتاب وقال آخرون الآية الأولى في مؤمني العرب والثانية في مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وفيه نزلت وقوله بما انزل إليك يعني القرآن وما انزل من قبلك يعني الكتب السالفة و يوقنون معناه يعلمون علما متمكنا في نفوسهم واليقين أعلى درجات العلم وقوله تعالى أولئك على هدى من ربهم إشارة إلى المذكورين والهدى هنا الإرشاد والفلاح الظفر بالبغية وإدراك الأمل قوله تعالى إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم إلى عظيم اختلف فيمن نزلت هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها فقال قوم هي فيمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن وقال ابن عباس نزلت في حيي بن اخطب وأبي ياسر بن اخطب وكعب بن الاسرف ونظرائهم والقول الأول هو المعتمد عليه وقوله سواء عليهم معناه معتدل عندهم والإنذار إعلام بتخويف هذا حده وقوله تعالى ختم مأخوذ من الختم وهو الطبع والخاتم الطابع قال في مختصر الطبري والصحيح أن هذا الطبع حقيقة لا أنه مجاز

فقد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أن العبد إذا أذنب ذنبا نكتت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تغلق قلبه فذلك البران الذي قال الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون انتهى والغشاوة الغطاء المغشي الساتر وقوله تعالى ولهم عذاب عظيم معناه لمخالفتك يا محمد وكفرهم بالله وعظيم معناه بالإضافة إلى عذاب دونه وقوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله إلى وما يشعرون هذه الآية نزلت في المنافقين وسمى الله تعالى يوم القيامة اليوم الآخر لأنه لا ليل بعده ولا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل واختلف المتأولون في قوله يخادعون الله فقال الحسن بن أبي الحسن المعنى يخادعون رسول الله فأضاف الأمر إلى الله تجوزا لتعلق رسوله به ومخادعتهم هي تحيلهم في أن يفشي رسول الله صلى الله عليه و سلم والمؤمنون إليهم أسرارهم ع تقول خادعت الرجل بمعنى أعملت التحيل عليه فخدعته بمعنى تمت عليه الحيلة ونفذ فيه المراد وقال جماعة بل يخادعون الله والمؤمنين باظهارهم من الإيمان خلاف ما ابطنوا من الكفر وإنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب وما يشعرون بذلك معناه وما يعلمون علم تفطن وتهد وهي لفظة مأخوذة من الشعار كأن الشيء المتفطن له شعار للنفس وقولهم ليت شعري معناه ليت فطنتي تدرك واختلف ما الذي نفى الله عنهم أن يشعروا له فقالت طائفة وما يشعرون أن ضرر تلك المخادعة راجع عليهم لخلودهم في النار وقال آخرون وما يشعرون أن الله يكشف لك سرهم ومخادعتهم في قولهم آمنا قوله تعالى في قلوبهم مرض أي في عقائدهم فساد وهم المنافقون وذلك إما أن يكون شكا وإما جحدا بسبب حسدهم مع علمهم بصحة ما يجحدون وقال قوم المرض غمهم

بظهوره صلى الله عليه و سلم فزادهم الله مرضا قيل هو دعاء عليهم وقيل هو خبر أن الله قد فعل بهم ذلك وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحي ويظهر من البراهين ت لما تكلم ع على تفسير قوله تعالى عليهم دائرة السوء قال كل ما كان بلفظ دعاء من جهة الله عز و جل فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء لأن الله تعالى لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته ومن هذا ويل لكل همزة ويل للمطففين وهي كلها أحكام تامة تضمنها خبره تعالى ولهم عذاب أليم أي مؤلم وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض أي بالكفر وموالاة الكفر ولقول المنافقين إنما نحن مصلحون ثلاث تأويلات أحدها جحد انهم يفسدون وهذا استمرار منهم على النفاق والثاني أن يقروا بموالاة الكفار ويدعون أنها صلاح من حيث هم قرابة توصل والثالث أنهم يصلحون بين الكفار والمؤمنين وإلا استفتاح كلام ولكن حرف استدراك ويحتمل أن يراد هنا لا يشعرون أنهم مفسدون ويحتمل أن يراد لا يشعرون أن الله يفضحهم قوله تعالى وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس الآية المعنى صدقوا بمحمد وشرعه كما صدق المهاجرون والمحققون من أهل يثرب قالوا انكون كالذين خفت عقولهم والسفه الخفة والرقة الداعية إلى الخفة يقال ثوب سفيه إذا كان رقيقا هلهل النسج وهذا القول إنماكانوا يقولونه في خفاء فأطلع الله عليه نبيه عليه السلام والمؤمنين وقرران السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هو في حيزهم وصفة لهم وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء للرين الذي على قلوبهم وقوله تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا الآية هذه كانت حال المنافقين إظهار الإيمان للمؤمنين وإظهار الكفر في خلواتهم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض عنهم ويدعهم في غمرة الإشتباه مخافة أن يتحدث الناس عنه أنه يقتل أصحابه حسبما وقع في قصة عبد الله بن

أبي بن سلول قال مالك النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الزندقة اليوم واختلف المفسرون في المراد بشياطينهم فقال ابن عباس رضي الله عنه هم رؤساء الكفر وقيل الكهان قال البخاري قال مجاهد إلى شياطينهم أي أصحابهم من المنافقين والمشركين قال ص شياطينهم جمع شيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس والدواب قاله ابن عباس وانثاه شيطانة انتهى ت ويجب على المؤمن أن يجتنب هذه الأخلاق الذميمة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه رواه أبو داود وفيه عنه صلى الله عليه و سلم من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار انتهى من سنن أبي داود الله يستهزىء بهم اختلف المفسرون في هذا الاستهزاء فقال جمهور العلماء هي تسمية العقوبة باسم الذنب والعرب تستعمل ذلك كثيرا وقال قوم أن الله سبحانه يفعل بهم أفعالا هي في تأمل البشر هزء روي أن النار تجمد كما تجمد الاهالة فيمشون عليها ويظنون أنها منجاة فتخسف بهم وما روي أن أبواب النار تفتح لهم فيذهبون إلى الخروج نحا هذا المنحى ابن عباس والحسن ت وقوله تعالى قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا يقوى هذا المنحنى وهكذا نص عليه في اختصار الطبري انتهى وقيل استهزاؤه بهم هو استدراجهم بدرور النعم الدنيوية ويمدهم أي يزيدهم في الطغيان وقال مجاهد معناه يملي لهم والطغيان الغلو وتعدى الحد كما يقال طغى الماء وطغت النار ويعمهون معناه يترددون حيرة والعمه الحيرة من جهة النظر والعامة الذي كأنه لا يبصر قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا إلى قوله يا أيها الناس قال الفخر اعلم أن المقصود من ضرب المثال أنه يؤثر في القلوب

ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه لأن الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد فيتأكد الوقوف على ماهيته ويصير الحس مطابقا للعقل وذلك هو النهاية في الإيضاح ألا ترى أن الترغيب والترهيب إذا وقع مجردا عن ضرب مثل لم يتأكد وقوعه في القلب كتأكده مع ضرب المثل ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين وفي سائر كتبه الأمثال قال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون انتهى والمثل والمثل والمثيل واحد معناه الشبيه قاله أهل اللغة واستوقد قيل معناه أوقد واختلف المتأولون في فعل المنافقين الذي يشبه فعل الذي استوقد نارا فقالت فرقة هي فيمن كان آمن ثم كفر بالنفاق فإيمانه بمنزلة النار أضاءت وكفره بعد بمنزلة انطفائها وذهاب النور وقالت فرقة منهم قتادة نطقهم بلا اله إلا الله والقرآن كإضاءة النار واعتقادهم الكفر بقلوبهم كانطفائها قال جمهور النحاة جواب لما ذهب ويعود الضمير من نورهم على الذي وعلى هذا القول يتم تمثيل المنافق بالمستوقد لأن بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق على الخلاف المتقدم وقال قوم جواب لما مضمر وهو ظفئت فالضمير في نورهم على هذا للمنافقين والإخبار بهذا هو عن حال لهم تكون في الآخرة وهو قوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب الآية وهذا القول غير قوي والأصم الذي لا يسمع والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم فإذا فهم فهو الأخرس وقيل الأبكم والأخرس واحد ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ عدم الإجابة كأعمال من هذه صفته وصم رفع على خبر الابتداء إما على تقدير تكرير أولئك أو إضمارهم وقوله تعالى فهم لا يرجعون قيل معناه لا يؤمنون بوجه وهذا إنما يصح أن لو كانت الآية في معينين وقيل معناه فهم لا يرجعون ما داموا على الحال التي وصفهم بها وهذا هو الصحيح أو كصيب أو للتخيير معناه مثلوهم بهذا أو بهذا والصيب المطر من

صاب يصوب إذا انحط من علو إلى سفل وظلمات بالجمع إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزيد جمعت وكون الدجن مظلما هول وغم للنفوس بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه فإنه سار جميل واختلف العلماء في الرعد فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه فهي الصواعق واسم هذا الملك الرعد وقيل الرعد ملك وهذا الصوت تسبيحه وقيل الرعد اسم الصوت المسموع قاله علي بن أبي طالب واكثر العلماء على أن الرعد ملك وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب واختلفوا في البرق فقال علي بن أبي طالب وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب وهذا اصح ما روي فيه وقال ابن عباس هو سوط نور بيد الملك يزجى به السحاب وروي عنه أن البرق ملك يتراءى واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق فقال جمهور المفسرين مثل الله تعالى القرآن بالصيب فما فيه من الأشكال عليهم والعمى هو الظلمات وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد وما فيه من النور والحجج الباهرة هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم وفضح نفاقهم واشتهار كفرهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق وهذا كله صحيح بين وقال ابن مسعود أن المنافقين في مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فضرب الله المثل لهم وهذا وفاق لقول الجمهور ومحيط بالكافرين معناه بعقابهم يقال أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذ حاصرا من كل جهة ومنه قوله تعالى وأحيط بثمره

ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي فهنا لم يخطف البرق الأبصار والخطف الإنتزاع بسرعة ومعنى يكاد البرق يخطف أبصارهم تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم ومن جعل البرق في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم وكلما ظرف والعامل فيه مشوا وقاموا معناه ثبتوا ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج انسوا ومشوا معه فإذا نزل من القرآن ما يعمهون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع وقوله سبحانه على كل شيء قدير لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه و قدير بمعنى قادر وفيه مبالغة وخص هنا سبحانه صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الآية يا حرف نداء وفيه تنبيه وايى هو المنادى قال مجاهد يا أيها الناس حيث وقع في القرءان مكي ويا ايها الذين ءامنوا مدني قال ع قد تقدم وأما قوله في يا أيها الذين آمنوا فصحيح اعبدوا ربكم معناه في اول السورة انها كلها مدنية وقد يجيء فى المدنى يا ايها الناس وحدوه وخصوه بالعبادة وذكر تعالى خلقه لهم إذ كانت العرب مقرة بأن الله خلقها فذكر ذلك سبحانه حجة عليهم ولعل في هذه الآية قال فيها كثير من المفسرين هي بمعنى إيجاب التقوى وليست من الله تعالى بمعنى ترج وتوفع وفي مختصر الطبري لعلكم تتقون عن مجاهد أي لعلكم تطيعون والتقوى التوقى من عذاب الله

بعبادته وهي من الوقاية وأما لعل هنا فهي بمعنى كي أو لام كي أي لتتقوا أو تتقوا وليست هنا من الله تعالى بمعنى الترجي وإنما هي بمعنى كي وقد تجيء بمعنى كي في اللغة قال الشاعر ... وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا ... نكف ووثقتم لنا كل موثق ...
انتهى قال ع وقال سيبويه ورؤساء اللسان هي على بابها والترجي والتوقع إنما هو في حيز البشر أي إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم رجوتم لأنفسكم التقوى ولعل متعلقة بقوله اعبدوا وينجه تعلقها بخلقكم أي لما ولد كل مولد على الفطرة فهو أن تأمله متأمل توقع له ورجا أن يكون متقيا وتتقون مأخوذ من الوقاية وجعل بمعنى صير في هذه الآية لتعديها إلى مفعولين وفراشا معناه تفترشونها والسماء قيل هو اسم مفرد جمعه سماوات وقيل هو جمع واحده سماوة وكل ما ارتفع عليك في الهواء فهو سماء وأنزل من السماء يريد السحاب سمي بذلك تجوزا لما كان يلي السماء وقد سموا المطر سماء للمجاورة ومنه قول الشاعر ... إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا ...
فتجوز أيضا في رعيناه وواحد الأنداد وهو المقاوم والمضاهي واختلف المتأولون من المخاطب بهذه الآية فقالت جماعة من المفسرين المخاطب جميع المشركين فقوله سبحانه على هذا وانتم تعلمون يريد العلم الخاص في أنه تعالى خلق وأنزل الماء وأخرج الرزق وقيل المراد كفار بني إسرائيل فالمعنى وأنتم تعلمون من الكتب التي عندكم أن الله لا ند له وقال ابن فورك يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين قوله تعالى وإن كنتم في ريب أي في شك فأتوا بسورة من مثله الضمير في مثله عند الجمهور عائد على القرآن وادعوا شهدائكم أي من شهدكم وحضركم من عون ونصير قاله ابن عباس إن كنتم صادقين أي فيما قلتم من انكم

تقدرون على معارضته ويؤيد هذا القول ما حكي عنهم في آية أخرى لو نشاء لقلنا مثل هذا وفي قوله جل وعلا ولن تفعلوا إثارة لهممهم وتحريك لنفوسهم ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع وهو أيضا من الغيوب التي أخبر بها القرآن وقوله تعالى فاتقوا النار أمر بالإيمان وطاعة الله قال الفخر ولما ظهر عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق النبي صلى الله عليه و سلم وإذا صح ذلك ثم لزموا العناد استوجبوا العقاب بالنار واتقاء النار يوجب ترك العناد فاقيم قوله فأتقوا النار مقام قوله واتركوا العناد ووصف النار بأنها تتقد بالناس والحجارة وذلك يدل على قوتها نجانا الله منها برحمته الواسعة وقرن الله سبحانه الناس بالحجارة لأنهم اتخذوها في الدنيا أصناما يعبدونها قال تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون فإحدى الآيتين مفسرة للأخرى وهذا كتعذيب مانعي الزكاة بنوع ما منعوا انتهى قوله تعالى وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات الآية بشر مأخوذ من البشرة لأن ما يبشر به الإنسان من خير أو شر يظهر عنه أثر في بشرة الوجه والأغلب استعمال البشارة في الخير وقد تستعمل في الشر مقيدة به كما قال تعالى فبشرهم بعذاب أليم ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير وفي قوله تعالى وعملوا الصالحات رد على من يقول أن لفظة الإيمان بمجردها تقتضي الطاعات لأنه لو كان كذلك ما أعادها و جنات جمع جنة وهي بستان الشجر والنخل وبستان الكرم يقال له الفردوس وروى النسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ان ثياب الجنة تشقق عنها ثمر الجنة وروى الترمذي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب قال أبو عيسى هذا حديث حسن انتهى من التذكرة ت وفي الباب عن ابن عباس وجرير بن عبد الله وغيرهما وسميت الجنة جنة

لأنها تجن من دخلها أي تستره ومنه المجن والجنن وجن الليل ومن تحتها معناه من تحت الأشجار التي يتضمنها ذكر الجنة ت ومن أعظم البشارات أن هذه الأمة هم ثلثا أهل الجنة وقد خرج أبو بكر بن أبي شيبة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن أمتي يوم القيامة ثلثا أهل الجنة إن أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف وأن أمتي من ذلك ثمانون صفا وخرج ابن ماجه والترمذي عن بريدة بن حصيب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم قال أبو عيسى هذا حديث حسن انتهى من التذكرة للقرطبي و الأنهار المياه في مجاريها المتطاولة الواسعة مأخوذة من أنهرت أي وسعت ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه معناه ما وسع الذبح حتى جرى الدم كالنهر ونسب الجري إلى النهر وإنما يجري الماء تجوزا كما قال سبحانه واسأل القرية وروي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد إنما تجري على سطح ارض الجنة منضبطة وقولهم هذا الذي رزقنا من قبل إشارة إلى الجنس أي هذا من الجنس الذي رزقنا منه من قبل والكلام يحتمل أن يكون تعجبا منهم وهو قول ابن عباس ويحتمل أن يكون خبرا من بعضهم لبعض قاله جماعة من المفسرين وقال الحسن ومجاهد يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها والطعم مختلف فهم يتعجبون لذلك ويخبر بعضهم بعضا وقال ابن عباس ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء وأما الذوات فمتباينة وقال بعض المتأولين المعنى أنهم يرون الثمر فيميزون أجناسه حين أشبه منظره ما كان في الدنيا فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا وقال قوم إن ثمر الجنة إذا قطف منه شيء خرج في الحين في موضعه مثله فهذا إشارة إلى الخارج في موضع المجنى

وقوله تعالى متشابها قال ابن عباس وغيره معناه يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم و أزواج جمع زوج ويقال في المرأة زوجة والأول أشهر و مطهرة أبلغ من طاهرة أي مطهرة من الحيض والبزاق وسائر أقذار الآدميات و الخلود الدوام وخرج ابن ماجه عن أسامة بن زيد قال قال النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم لأصحابه إلا مشمر للجنة فإن الجنة لاخطر لها هي ورب الكعبة نور تتلألأ وريحانة تهتز وفصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في مقام أبد في حبرة ونضرة في دار عالية سليمة بهية قالوا نحن المشمرون لها يا رسول الله قال قولوا إن شاء الله ثم ذكر الجهاد وحض عليه وانتهى من التذكرة وقوله لا خطر لها بفتح الطاء قيل معناه لا عوض لها وقوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها لما كان الجليل القدر في الشاهد لا يمنعه من الخوض في نازل القول إلا الحياء من ذلك رد الله بقوله إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما على القائلين كيف يضرب الله مثلا بالذباب ونحوه واختلف في قوله تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا هل هو من قول الكافرين أو خبر من الله تعالى ولا خلاف أن قوله تعالى وما يضل به إلا الفاسقين من قوله تعالى والفسق الخروج عن الشيء يقال فسقت الفارة إذا خرجت من جحرها والرطبة إذا خرجت من قشرها والفسق في عرف استعمال الشرع الخروج من طاعة الله عز و جل بكفر أو عصيان قوله تعالى الذين ينقضون عهد الله النقض رد ما ابرم على أوله غير مبرم والعهد في هذه الآية التقدم في الشيء والوصاة به وظاهر مما قبل وبعد أنه في جميع الكفار ع وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحل بهذه الآية والخاسر الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز والخسران النقص كان في ميزان أو غيره قوله تعالى كيف

تكفرون بالله هو تقرير وتوبيخ أي كيف تكفرون ونعمه عليكم وقدرته هذه والواو في قوله وكنتم واو الحال واختلف في قوله تعالى وكنتم أمواتا الآية فقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد المعنى كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا دارسين كما يقال للشيء الدارس ميت ثم خلقكم وأخرجكم إلى الدنيا فأحياكم ثم يميتكم الموت المعهود ثم يحييكم للبعث يوم القيامة وهذا التأويل هو أولى ما قيل لأنه هو الذي لا محيد للكفار عن الإقرار به والضمير في إليه عائد على الله تعالى أي إلى ثوابه أو عقابه و خلق معناه اخترع وأوجد بعد العدم و لكم معناه للاعتبار ويدل عليه ما قبله وما بعده من نصب العبر الإحياء والإماتة والاستواء إلى السماء وتسويتها وقوله تعالى ثم استوى إلى السماء ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الأمر في نفسه و استوى قال قوم معناه علا دون كيف ولا تحديد هذا اختيار الطبري والتقدير علا أمره وقدرته وسلطانه وقال ابن كيسان معناه قصد إلى السماء ع أي بخلقه واختراعه والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث ويبقى استواء القدرة والسلطان وسواهن قيل جعلهن سواء وقيل سوى سطوحهن بالاملاس وقال الثعالبي فسواهن أي خلقهن انتهى وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خلق قبل السماء وذلك صحيح ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء وبهذا تتفق معاني الآيات هذه والتي في سورة المؤمن وفي النازعات وقوله تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة إذ ليست بزائدة عند الجمهور وإنما هي معلقة بفعل مقدر تقديره واذكر إذ قال وإضافة رب إلى محمد صلى الله عليه و سلم ومخاطبته بالكاف تشريف منه سبحانه لنبيه وإظهار لاختصاصه به الملائكة واحدها ملك والهاء في ملائكة لتأنيث الجموع غير حقيقي وقل هي للمبالغة كعلامة ونسابه والأول أبين و جاعل

في هذه الآية بمعنى خالق وقال الحسن وقتادة جاعل بمعنى فاعل وقال ابن سابط عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الأرض هنا هي مكة لأن الأرض دحيت من تحتها ولأنها مقر من هلك قومه من الأنبياء وأن قبر نوح وهود وصالح بين المقام والركن و خليفة معناه من يخلف قال ابن عباس كانت الجن قبل بني آدم في الأرض فأفسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله إليهم قبيلا من الملائكة قتلهم والحق فلهم بجزائر البحار ورؤوس الجبال وجعل آدم وذريته خليفة وقال ابن مسعود إنما معناه خليفة مني في الحكم وقوله تعالى أتجعل فيها من يفسد فيها الآية قد علمنا قطعا أن الملائكة لا تعلم الغيب ولا تسبق بالقول وذلك عام في جميع الملائكة لأن قوله تعالى لا يسبقونه بالقول خرج على جهة المدح لهم قال القاضي ابن الطيب فهذه قرينة العموم فلا يصح مع هذين الشرطين إلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة نبأ ومقدمة قال ابن زيد وغيره إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون ويسفكون الدماء فقالوا لذلك هذه المقالة إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه أو من عصيان من يستخلفه الله في أرضه وينعم عليه بذلك وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعا الاستخلاف والعصيان وقال أحمد بن يحيى ثعلب وغيره إنما كانت الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم أتجعل فيها الآية على جهة الاستفهام المحض هل هذا الخليفة يا ربنا على طريقة من تقدم من الجن أم لا وقال آخرون كان الله تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرض خلقا يفسدون ويسفكون الدماء فلما قال لهم سبحانه بعد ذلك إني جاعل قالوا ربنا أتجعل فيها الآية على جهة الاسترشاد والاستعلام هل هذا الخليفة هو الذي كان أعلمهم به سبحانه قبل أو

غيره ونحو هذا في مختصر الطبري قال وقولهم أتجعل فيها ليس بإنكار لفعله عز و جل وحكمه بل استخبار هل يكون الأمر هكذا وقد وجهه بعضهم بأنهم استعظموا الإفساد وسفك الدماء فكأنهم سألوا عن وجه الحكمة في ذلك إذ علموا أنه عز و جل لا يفعل إلا حكمة انتهى ت والعقيدة أن الملائكة معصومون فلا يقع منهم مايوجب نقصانا من رتبتهم وشريف منزلتهم صلوات الله وسلامه على جميعهم والسفك صب الدم هذا عرفه وقولهم ونحن نسبح بحمدك قال بعض المتأولين هو على جهة الاستفهام كانهم ارادوا ونحن نسبح بحمدك الآية أم نتغير عن هذه الحال قال ع وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحض في قولهم أتجعل وقال آخرون معناه التمدح ووصف حالهم وذلك جائز لهم كما قال يوسف إني حفيظ عليم وهذا يحسن مع التعجب والاستعظام لأن يستخلف الله من يعصيه في قولهم أتجعل وعلى هذا أدبهم بقوله تعالى إني أعلم ما لا تعلمون ومعنى نسبح بحمدك ننزهك عما لا يليق بصفاتك وقال ابن عباس وابن مسعود تسبيح الملائكة صلاتهم لله سبحانه وقال قتادة تسبيحهم قولهم سبحان الله على عرفه في اللغة و بحمدك معناه نصل التسبيح بالحمد ويحتمل أن يكون قولهم بحمدك اعتراضا بين الكلامين كأنهم قالوا ونحن نسبح ونقدس وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك وخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله تعالى إن أحب الكلام إلى الله تعالى سبحان الله وبحمده وفي رواية سئل صلى الله عليه و سلم أي الكلام أفضل قال ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان

إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وهذا الحديث به ختم البخاري رحمه الله انتهى ونقدس لك قال الضحاك وغيره معناه نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك والتقديس التطهير بلا خلاف ومنه الأرض المقدسة أي المطهرة وقال آخرون ونقدس لك معناه نقدسك أي نعظمك ونطهر ذكرك مما لا يليق به قاله مجاهد وغيره وقوله تعالى إني أعلم مالا تعلمون قال ابن عباس كان إبليس لعنه الله قد أعجب بنفسه ودخله الكبر لما جعله الله خازن السماء الدنيا واعتقد أن ذلك لمزية له فلما قالت الملائكة ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك قال الله سبحانه إني أعلم مالا تعلمون يعني ما في نفس إبليس وقال قتادة لما قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها وقد علم الله أن في من يستخلف في الأرض أنبياء وفضلاء وأهل طاعة قال لهم إني أعلم مالا تعلمون يعني أفعال الفضلاء وقوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها معناه عرف وتعليم آدم هنا عند قوم الهام علمه ضرورة وقال قوم بل تعليم بقول إما بواسطة ملك أو بتكليم قبل هبوطه الأرض فلا يشارك موسى عليه السلام في خاصة ت قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة تعليمه سبحانه لآدم الأسماء كلها إنما كان بالعلم اللدني بلا واسطة انتهى من كتابه الذي شرح فيه بعض أحاديث البخاري وكل ما انقله عنه فمنه واختلف المتأولون في قوله الأسماء فقال جمهور الأمة علمه التسميات وقال قوم عرض عليه الأشخاص والاول أبين ولفظه علم تعطى ذلك ثم اختلف الجمهور في أي الأسماء علمه فقال ابن عباس وقتادة ومجاهد علمه اسم كل شيء من جميع المخلوقات دقيقها وجليلها وقال الطبري علمه أسماء ذريته والملائكة ورجحه بقوله تعالى ثم عرضهم وقال أكثر

العلماء علمه تعالى منافع كل شيء ولما يصلح وقيل غير هذا واختلف المتأولون هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص وأنبؤني معناه أخبروني والنبأ الخبر وقال قوم يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليف ما لا يطاق ويتقرر جوازه لأنه سبحانه علم انهم لا يعلمون وقال المحققون من أهل التأويل ليس هذا على جهة التكليف إنما هو على جهة التقرير والتوقيف وقوله تعالى هؤلاء ظاهره حضور أشخاص وذلك عند العرض على الملائكة وليس في هذه الآية ما يدل أن الاسم هو المسمى كما ذهب إليه مكي والمهدوي والذي يظهر أن الله تعالى علم آدم الأسماء وعرض مع ذلك عليه الأجناس اشخاصا ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلمها آدم ثم أن آدم قال لهم هذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا وهؤلاء مبني على الكسر وكنتم في موضع الجزم بالشرط والجواب عن سيبويه فيما قبله وعند المبرد محذوف تقديره إن كنتم صادقين فأنبوني وقال ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم معنى الآية إن كنتم صادقين في أن الخليفة يفسد ويسفك ت وفي النفس من هذا القول شيء والملائكة منزهون معصومون كما تقدم والصواب ما تقدم من التفسير عند قوله تعالى أتجعل فيها الآية وقال آخرون إن كنتم صادقين في أنى أن استخلفتكم سبحتم بحمدي وقدستم لي وقال قوم معناه أن كنتم صادقين جواب السؤال عالمين بالاسماء و سبحانك معناه تنزيها لك وتبرئة أن يعلم أحد من علمك إلا ما علمته والعليم معناه العالم ويزيد عليه معنى من المبالغة والتكثير في المعلومات و الحكيم معناه الحاكم وبينهما مزية المبالغة وقيل معناه المحكم وقال قوم الحيكم المانع من الفساد ومنه حكمه الفرس مانعته وقوله تعالى قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم أنبئهم معناه أخبرهم

والضمير في أنبئهم عائد على الملائكة بإجماع والضمير في أسمائهم مختلف فيه حسب الاختلاف في الاسماء التي علمها آدم قال بعض العلماء إن في قوله تعالى فلما أنبأهم نبوءة لآدم عليه السلام إذ أمره الله سبحانه أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عز و جل وقوله تعالى اعلم غيب السموات والارض معناه ما غاب عنكم لان الله تعالى لا يغيب عنه شيء الكل معلوم له واختلف في قوله تعالى ما تبدون وما كنتم تكتمون فقالت طائفة ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع واذ من قوله وإذ قلنا للملائكة معطوفه على إذ المتقدمة وقول الله تعالى وخطابه للملائكة متقرر قديم في الأزل بشرط وجودهم وفهمهم وهذا هو الباب كله في أوامر الله تعالى ونواهيه ومخاطباته ت ما ذكره رحمه الله هو عقيدة أهل السنة وها أنا انقل من كلام الأئمة إن شاء الله ما يتبين به كلامه ويزيده وضوحا قال ابن رشد قوله صلى الله عليه و سلم اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لا يفهم منه إن لله عز و جل كلمات غير تامات لأن كلماته هي قوله وكلامه هو صفة من صفات ذاته يستحيل عليها النقص وفي الحديث بيان واضح على أن كلماته عز و جل غير مخلوقة إذ لا يستعاذ بمخلوق وهذا هو قول أهل السنة والحق أن كلام الله عز و جل صفة من صفات ذاته قديم غير مخلوق لأن الكلام هو المعنى القائم في النفس والنطق به عبارة عنه قال الله عز و جل ويقولون في أنفسهم فأخبر أن القول معنى يقوم في النفس وتقول في نفسي كلام أريد أن أعلمك به فحقيقة كلام الرجل هو المفهوم من كلامه وأما الذي تسمعه منه فهو عبارة عنه وكذلك كلام الله عز و جل القديم الذي هو صفة من صفات ذاته هو المفهوم من قراءة القارىء لا نفس قراءته التي تسمعها لأن نفس قراءته التي تسمعها محدثة لم تكن حتى قرأ بها فكانت وهذا كله بين إلا لمن

أعمى الله بصيرته انتهى بلفظه من البيان وقال الغزالي بعد كلام له نحو ما تقدم لابن رشد وكما عقل قيام طلب التعلم وإرادته بذات الوالد قبل أن يخلق ولده حتى إذا خلق ولده وعقل وخلق الله سبحانه له علما بما في قلب أبيه من الطلب صار مأمورا بذلك الطلب الذي قام بذات أبيه ودام وجوده إلى وقت معرفة ولده فليعقل قيام الطلب الذي دل عليه قوله عز و جل فاخلع نعليك بذات الله تعالى ومصير موسى عليه السلام سامعا لذلك الكلام مخاطبا به بعد وجوده اذ خلقت له معرفة بذلك الطلب ومعرفة بذلك الكلام القديم انتهى بلفظه من الأحياء وقوله للملائكة عموم فيهم والسجود في كلام العرب الخضوع والتذلل وغايته وضع الوجه بالأرض والجمهور على أن سجود الملائكة لآدم إيماء وخضوع ولا تدفع الآية أن يكونوا بلغوا غاية السجود وقوله تعالى فقعوا له ساجدين لا دليل فيه لأن الجاثي على ركبتيه واقع واختلف في حال السجود لآدم فقال ابن عباس تعبدهم الله بالسجود لآدم والعبادة في ذلك لله وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس أيضا كان سجود تحية كسجود أبوي يوسف عليه السلام له لا سجود عبادة وقال الشعبي إنما كان آدم كالقبلة ومعنى لآدم إلى آدم ع وفي هذه الوجوه كلها كرامة لآدم عليه السلام وقوله تعالى إلا إبليس نصب على الاستثناء المتصل لآنه من الملائكة على قول الجمهور وهو ظاهر الآية وكان خازنا وملكا على سماء الدنيا والأرض واسمه عزازيل قاله ابن عباس وقال ابن زيد والحسن هو أبو الجن كما آدم أبو البشر ولم يك قط ملكا وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضا قال واسمه الحارث وقال شهر بن حوشب كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب معها وحكاه الطبري عن ابن مسعود والاستثناء على هذه الأقوال منقطع واحتج بعض

أصحاب هذا القول بأن الله تعالى قال في صفة الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ورجح الطبري قول من قال إن إبليس كان من الملائكة وقال ليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة والنسل فيه حين غضب عليه ما يدفع أنه كان من الملائكة وقوله تعالى كان من الجن ففسق عن أمر ربه يتخرج على أنه عمل عملهم فكان منهم في هذا أو على أن الملائكة قد تسمى جنا لاستتارها قال الله تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا وقال الأعشى في ذكر سليمان عليه السلام
وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجر أو على أن يكون نسبه إلى الجنة كما ينسب إلى البصرة بصرى قال عياض ومما يذكرونه قصة إبليس وأنه كان من الملائكة ورئيسا فيهم ومن خزان الجنة إلى ما حكوه وهذا لم يتفق عليه بل الأكثر ينفون ذلك وأنه أبو الجن انتهى من الشفا وإبليس لا ينصرف لأنه اسم أعجمي قال الزجاج ووزنه فعليل وقال ابن عباس وغيره هو مشتق من إبليس إذا أبعد عن الخير ووزنه على هذا افعيل ولم تصرفه هذه الفرقة لشذوذه وقلته ومنه قوله تعالى فإذا هم مبلسون أي يائسون من الخير مبعدون منه فيما يرون وأبى معناه امتنع من فعل ما أمر به واستكبر دخل في الكبرياء والإباية مقدمة على الاستكبار في ظهورهما عليه والاستكبار وألانفة مقدمة في معتقده وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح حسد إبليس آدم وتكبر وشح آدم في أكله من شجرة قد نهي عن قربها ت إطلاق الشح على آدم فيه ما لا يخفى عليك والواجب اعتقاد تنزيه الأنبياء عن كل ما يحط من رتبتهم وقد قال الله تعالى في حق آدم ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وقوله تعالى وكان من

الكافرين قالت فرقة معناه وصار من الكافرين ورده ابن فورك وقال جمهور المتأولين معنى وكان من الكافرين أي في علم الله تعالى وقال أبو العالية معناه من العاصين وذهب الطبري إلى أن الله تعالى أراد بقصة إبليس تقريع اشباهه من بني آدم وهم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه و سلم مع علمهم بنبوءته ومع تقدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم ت ولفظ الطبري وفي هذا تقريع لليهود إذ أبوا من الإسلام مع علمهم بنبوءة رسول الله صلى الله عليه و سلم من التوراة والكتب حسدا له ولبني إسماعيل كما امتنع إبليس من السجود حسدا لآدم وتكبرا عن الحق وقبوله فاليهود نظراء إبليس في كفرهم وكبرهم وحسدهم وتركهم الانقياد لأمر الله تعالى انتهى من مختصر الطبري لأبي عبد الله اللخمي النحوي واختلف هل كفر إبليس جهلا أو عنادا على قولين بين أهل السنة ولا خلاف أنه كان عالما بالله قبل كفره ولا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة وبعد إخراجه قال لآدم اسكن قوله تعالى وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة أسكن معناه لازم الإقامة ولفظه لفظ الأمر ومعناه الأذن واختلف في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى ت والأول هو مذهب أهل السنة والجماعة وكلا منها أي من الجنة والرغد العيش الدار الهني وحيث مبنية على الضم وقوله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة معناه لا تقرباها بأكل والهاء في هذه بدل من الياء وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرة معينة واحدة واختلف في هذه الشجرة ما هي فقال ابن عباس وابن مسعود هي الكرم وقيل هي شجرة التين وقيل السنبلة وقيل غير ذلك وقوله فتكونا من الظالمين الظالم في اللغة الذي يضع الشيء في غير موضعه والظلم في أحكام الشرع على مراتب أعلاها الشرك ثم ظلم المعاصي وهي

مراتب وأزلهما مأخوذ من الزلل وهي في الآية مجاز لأنه في الرأي والنظر وإنما حقيقة الزلل في القدم وقرأ حمزة فأزالهما مأخوذ من الزوال ولا خلاف بين العلماء أن إبليس اللعين هو متولي إغواء آدم عليه السلام واختلف في الكيفية فقال ابن عباس وابن مسعود وجمهور العلماء أغواهما مشافهة بدليل قوله تعالى وقاسمهما والمقاسمة ظاهرها المشافهة وقال طائفة أن إبليس لم يدخل الجنة بعد أن اخرج منها وإنما أغوى آدم بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه و سلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ت وإلى هذا القول نحا المازري في بعض أجوبته ومن ابتلى بشيء من وسوسة هذا اللعين فأعظم الأدوية له الثقة بالله والتعوذ به والإعراض عن هذا اللعين وعدم الالتفات إليه ما أمكن قال ابن عطاء الله في لطائف المنن كان بي وسواس في الوضوء فقال لي الشيخ أبو العباس المرسي إن كنت لا تترك هذه الوسوسة لا تعد تأتنا فشق ذلك علي وقطع الله الوسواس عني وكان الشيخ أبو العباس يلقن للوسواس سبحان الملك الخلاق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز انتهى قال عياض في الشفا وأما قصة آدم عليه السلام وقوله تعالى فاكلا منها بعد قوله ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين وقوله تعالى ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وتصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله وعصى آدم ربه فغوى أي جهل وقيل أخطأ فإن الله تعالى قد أخبر بعذره بقوله ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال ابن عباس نسي عداوة إبليس وما عهد الله إليه من ذلك بقوله إن هذا عدو لك ولزوجك الآية وقيل نسي ذلك بما أظهر لهما وقال ابن عباس إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسي وقيل لم يقصد المخالفة استحلالا لها ولكنهما اغترا بحلف

إبليس لهما إنى لكما لمن الناصحين وتوهما أن احدا لا يحلف بالله حانثا وقد روي عذر آدم مثل هذا في بعض الآثار وقال ابن جبير حلف بالله لهما حتى غرهما والمؤمن يخدع وقد قيل نسي ولم ينو المخالفة فلذلك قال تعالى ولم نجد له عزما أي قصدا للمخالفة واكثر المفسرين على أن العزم هنا الحزم والصبر وقال ابن فورك وغيره أنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوءة ودليل ذلك قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فذكر ان الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان وقيل بل اكلها وهو متأول وهو لا يعلم أنها الشجرة التي نهي عنها لانه تأول نهي الله تعالى عن شجرة مخصوصة لا على الجنس ولهذا قيل إنما كانت التوبة من ترك التحفظ لا من المخالفة وقيل تأول أن الله تعالى لم ينهه عنها نهي تحريم انتهى بلفظه فجزاه الله خيرا ولقد جعل الله في شفاه شفاء والضمير في عنها يعود على الجنة وهنا محذوف يدل عليه الظاهر تقديره فأكلا من الشجرة وقوله تعالى فأخرجهما مما كانا فيه قيل معناه من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا وقيل من رفعة المنزلة الى سفل مكانة الذنب ت وفي هذا القول ما فيه بل الصواب ما أشار إليه صاحب التنوير بأن إخراج آدم لم يكن اهانة له بل لما سبق في علمه سبحانه من إكرام آدم وجعله في الأرض خليفة هو واخيار ذريته قائمين فيها بما يجب لله من عبادته والهبوط النزول من علو الى سفل واختلف من المخاطب بالهبوط فقال السدي وغيره آدم وحواء وإبليس والحية التي ادخلت إبليس في فمها وقال الحسن آدم وحواء والوسوسة وبعضكم لبعض عدو جملة في موضع الحال ولكم في الأرض مستقر أي موضع استقرار وقيل المراد الاستقرار في القبور والمتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحديث وانس وغير ذلك واختلف في الحين هنا فقالت فرقة إلى

الموت وهذا قول من يقول المستقر هو المقام في الدنيا وقالت فرقة إلى حين إلى يوم القيامة وهذا هو قول من يقول المستقر هو في القبور والحين المدة الطويلة من الدهر أقصرها في الإيمان والالتزامات سنة قال الله تعالى تؤتى اكلها كل حين وقيل اقصرها ستة اشهر لأن من النخل ما يطعم في كل ستة اشهر وفي قوله تعالى الى حين فائدة لآدم عليه السلام ليعلم انه غير باق فيها ومنتقل الى الجنة التي وعد بالرجوع اليها وهي لغير آدم دالة على المعاد وروي أن آدم نزل على جبل من جبال سرنديب وأن حواء نزلت بجدة وان الحية نزلت باصبهان وقيل بميسان وأن إبليس نزل عند الابلة قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات المعنى فقال الكلمات فتاب الله عليه عند ذلك وقرأ ابن كثير آدم بالنصب من ربه كلمات بالرفع واختلف المتأولون في الكلمات فقال الحسن بن ابي الحسن هي قوله تعالى ربنا ظلمنا أنفسنا الآية وقالت طائفة أن آدم رأى مكتوبا على ساق العرش محمد رسول الله فتشفع به فهي الكلمات وسئل بعض سلف المسلمين عما ينبغي أن يقوله المذنب فقال يقول ما قاله ابواه ربنا ظلمنا انفسنا وما قاله موسى رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي وما قال يونس لا اله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين وتاب عليه معناه راجع به والتوبة من الله تعالى الرجوع على عبده بالرحمة والتوفيق والتوبة من العبد الرجوع عن المعصية والندم على الذنب مع تركه فيما يستأنف ت يعني مع العزم على تركه فيما يستقبل وإنما خص الله تعالى آدم بالذكر في التلقي والتوبة وحواء مشاركة له في ذلك باجماع لأنه المخاطب في أول القصة فكملت القصة بذكره وحذه وايضا فلأن المرأة حرمة ومستورة فأراد الله تعالى الستر لها ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله وعصى آدم ربه وبنية التواب

للمبالغة والتكثير وفي قوله تعالى هو التواب تأكيد فائدته أن التوبة على العبد انما هي نعمة من الله تعالى لا من العبد وحده لئلا يعجب التائب بل الواجب عليه شكر الله تعالى في توبته عليه وكرر الأمر بالهبوط لما علق بكل أمر منهما حكما غير حكم الآخر فعلق بالأول العداوة وبالثاني اتيان الهدى ت وهذه الآية تبين أن هبوط آدم كان هبوط تكرمة لما ينشأ عن ذلك من أنواع الخيرات وفنون العبادات وجميعا حال من الضمير في اهبطوا واختلف في المقصود بهذا الخطاب فقيل آدم وحواء وإبليس وذريتهم وقيل ظاهره العموم ومعناه الخصوص في آدم وحواء لان إبليس لا ياتيه هدى والاول اصح لان إبليس مخاطب بالإيمان باجماع وان في قوله فأما هي للشرط دخلت ما عليها مؤكدة ليصح دخول النون المشددة واختلف في معنى قوله هدى فقيل بيان وإرشاد والصواب أن يقال بيان ودعاء وقالت فرقة الهدى الرسل وهي إلى آدم من الملائكة والى بنيه من البشر هو فمن بعده وقوله تعالى فمن تبع هداي شرط جوابه فلا خوف عليهم قال سيبويه والتشرط الثاني وجوابه هما جواب في قوله فإما يأتينكم وقوله تعالى فلا خوف عليهم يحتمل فيما بين أيديهم من الدنيا ولا هم يحزنون على ما فاتهم منها ويحتمل لا خوف عليهم يوم القيامة ولا هم يحزنون فيه ت وهذا هو الظاهر وعليه اقتصر في اختصار الطبري ولفظه عن ابن زيد فلا خوف عليهم أي لا خوف عليهم امامهم قال وليس شيء اعظم في صدر من يموت مما بعد الموت فامنهم سبحانه منه وسلاهم عن الدنيا انتهى وقوله تعالى والذين كفروا الآية لما كانت لفظة الكفر يشترك فيها كفر النعم وكفر المعاصى ولا يجب بهذا خلود بين سبحانه أن الكفر هنا هو الشرك بقوله وكذبوا بآياتنا

والآيات هنا يحتمل أن يريد بها المتلوة ويحتمل أن يريد العلامات المنصوبة والصحبة الا قتران بالشيء في حالة ما زمنا قوله تعالى يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام وإسرا هو بالعبرانية عبد وإيل اسم الله تعالى فمعناه عبد الله والذكر في كلام العرب على انحاء وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضد النسيان والنعمة هنا أسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع قال ابن عباس وجمهور العلماء الخطاب لجميع بني إسرائيل في مدة النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى واوفوا بعهدى اوف بعهدكم أمر وجوابه وهذا العهد في قول جمهور العلماء عام في جميع أوامره سبحانه ونواهيه ووصاياه لهم فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه و سلم الذي في التوراة والرهبة يتضمن الأمر بها معنى التهديد واسند الترمذى الحكيم في نوادر الاصول له عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال قال ربكم سبحانه لا اجمع على عبدي خوفين ولا اجمع له امنين فمن خافنى في الدنيا امنته في الآخرة ومن امننى في الدنيا اخفته في الآخرة انتهى من التذكرة للقرطبي ورواه ابن المبارك في رقائقه من طريق الحسن البصري وفيه قال الله وعزتي لا اجمع على عبدى خوفين ولا اجمع له أمنين فإذا امننى في الدنيا اخفته يوم القيامة وإذا خافنى في الدنيا امنته يوم القيامة انتهى ورواه أيضا الترمذي الحكيم في كتاب ختم الأولياء قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية بقدر ما يدخل القلب من التعظيم والحرمة تنبعث الجوارح في الطاعة والخدمة انتهى وءامنوا معناه صدقوا ومصدقا نصب على الحال من الضمير في أنزلت وما أنزلت كناية عن القرآن ولما معكم يعنى التوراة وقوله ولا تكونوا أول كافر به هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمهما واحد وحذروا البدار الى الكفر به إذا على الأول كفل

من فعل المقتدى به ونصب اول على خبر كان ع وقد كان كفر قبلهم كفار قريش وانما معناه من اهل الكتاب إذ هم منظور إليهم في مثل هذا واختلف في الضمير في به فقيل يعود على محمد صلى الله عليه و سلم وقيل على القرآن وقيل على التوراة واختلف في الثمن الذي نهوا أن يشتروه بالآيات فقالت طائفة أن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك وفي كتبهم علم مجانا كما علمت مجانا أي باطلا بغير أجرة وقيل كانت للأحبار مأكلة يأكلونها على العلم وقال قوم أن الأحبار أخذوا رشى على تغيير صفة محمد صلى الله عليه و سلم في التوراة فنهوا عن ذلك وقال قوم معنى الآية ولا تشتروا بأوامرى ونواهي وآياتي ثمنا قليلا يعنى الدنيا ومدتها والعيش الذي هو نزر لا خطر له وقد تقدم نظير قوله وإياي فاتقون وبين اتقون وارهبون فرق أن الرهبة مقرون بها وعيد بالغ وقوله تعالى ولا تلبسوا الحق بالباطل أي لا تخلطوا قال أبو العالية قالت اليهود محمد نبي مبعوث لكن إلى غيرنا فإقرارهم ببعثه حق وقولهم إلى غيرنا باطل وتكتموا الحق أي أمر محمد صلى الله عليه و سلم وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من وقع فيه مع العلم به وأنه أعصى من الجهل وأنتم تعلمون جملة في موضع الحال قال ص وتكتموا مجزوم معطوف على تلبسوا والمعنى النهي عن كل من الفعلين انتهى وأقيموا الصلاة معناه اظهروا هيئتها وأديموها بشروطها والزكوة في هذه الآية هي المفروضة وهي مأخوذة من النماء وقيل من التطهير وقوله تعالى واركعوا مع الراكعين قيل إنما خص الركوع بالذكر لان بنى إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع ت وفي هذا القول نظر وقد قال تعالى في مريم اسجدي واركعي وقالت فرقة إنما قال مع لأن الأمر بالصلاة أولا لم يقتض شهود الجماعة فأمرهم بقوله مع شهود

الجماعة ت وهذا القول هو الذي عول عليه ع في قصة مريم عليها السلام والركوع الانحناء بالشخص وقوله تعالى أتامرون خرج مخرج الاستفهام ومعناه التوبيخ والبر يجمع وجوه الخير والطاعات وتنسون معناه تتركون أنفسكم قال ابن عباس كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلديهم باتباع التوراة وكانوا هم يخالفونها في جحدهم منها صفة محمد صلى الله عليه و سلم وقالت فرقة كان الأحبار إذا استرشدهم أحد من العرب في اتباع محمد صلى الله عليه و سلم دلوه على ذلك وهم لا يفعلونه ت وخرج الحافظ أبو نعيم أحمد ابن عبد الله الأصبهاني في كتاب رياضة المتعلمين قال حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا أبو النضر حدثنا محمد بن عبد الله بن على ابن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت ليلة اسري بي رجالا تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الخطباء من أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون انتهى واستعينوا بالصبر والصلاة قال مقاتل معناه على طلب الآخرة وقيل استعينوا بالصبر على الطاعات وعن الشهوات على نيل رضوان الله سبحانه وبالصلاة على نيل رضوان الله وحط الذنوب وعلى مصائب الدهر أيضا ومنه الحديث كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي له أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع وتنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ واستعينوا بالصبر والصلاة وقال مجاهد الصبر في هذه الآية الصوم ومنه قيل لرمضان شهر الصبر وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكر لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهوات ويزهد في الدنيا والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

وتخشع ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر بالآخرة وقال قوم الصبر على بابه والصلاة الدعاء وتجيء الآية على هذا القول مشبهة لقوله تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله لأن الثبات هو الصبر وذكر الله هو الدعاء وروى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن صلة بن اشيم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلى صلاة لم يذكر فيها شيأ من أمر الدنيا لم يسأل الله شيأ إلا أعطاه أياه واسند ابن المبارك عن عقبة بن عامر الجهني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى صلاة غير ساه ولالاه كفر عنه ما كان قبلها من شيء انتهى وهذان الحديثان يبينان ما جاء في صحيح البخاري عن عثمان حيث توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من توضأ نحو وضوءى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه انتهى والضمير في قوله تعالى وأنها قيل يعود على الصلاة وقيل على العبادة التي تضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة قال ص وأنها الضمير للصلاة وهو القاعدة في أن ضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل انتهى ثم ذكر أبو حيان وجوها أخر نحو ما تقدم وكبيرة معناه ثقيلة شاقة والخاشعون المتواضعون المخبتون والخشوع هيئة في النفس يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع ويظنون في هذه الآية قال الجمهور معناه يوقنون والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه وقد يقع موقع اليقين لكنه لا يقع فيما قد خرج إلى الحس لا تقول العرب في رجل مرءي أظن هذا إنسانا وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس كهذه الآية وكقوله تعالى فطنوا أنهم مواقعوها قال ص قلت وما ذكره ابن عطية هو معنى ما ذكره الزجاج في معانيه عن بعض أهل العلم أن

الظن يقع في معنى العلم الذي لم تشاهده وإن كان قد قامت في نفسك حقيقته قال وهذا مذهب إلا أن أهل اللغة لم يذكروه قال وسمعته من أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي رواه عن زيد بن أسلم انتهى والملاقاة هي للثواب أو العقاب ويصح أن تكون الملاقاة هنا بالرؤية التي عليها أهل السنة وورد بها متواتر الحديث وراجعون قيل معناه بالموت وقيل بالحشر والخروج إلى الحساب والعرض ويقوى هذا القول الآية المتقدمة قوله تعالى ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون قوله تعالى يا بني إسرائيل الآية قد تكرر هذا النداء والتذكير بالنعمة وفائدة ذلك أن الخطاب الأول يصح أن يكون للمؤمنين ويصح أن يكون للكافرين منهم وهذا المتكرر إنما هو للكافرين بدلالة ما بعده وأيضا فإن فيه تقوية التوقيف وتأكيد الحض على أيادي الله سبحانه وحسن خطابهم بقوله سبحانه فضلتكم على العالمين لأن تفضيل آبائهم وأسلافهم تفضيل لهم وفي الكلام أتساع قال قتادة وغيره المعنى على عالم زمانهم الذي كانت فيه النبوءة المتكررة لأن الله تعالى يقول لأمة محمد صلى الله عليه و سلم كنتم خير أمة أخرجت للناس واتقوا يوما أي عذاب يوم أو هول يوم ويصح أن يكون يوما نصبه على الظرف ولا تجزى معناه لا تغنى وقال السدي معناه لا تقضي ويقويه قوله شيأ وفي الكلام حذف التقدير لا تجزى فيه وفي مختصر الطبري أي واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيأ ولا تغنى غناء وأحدنا اليوم قد يقضي عن قريبه دينا وأما في الآخرة فيسر المرء أن يترتب له على قريبه حق لأن القضاء هناك من الحسنات والسيآت كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم انتهى والشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الاثنان لان الشافع والمشفوع له شفع وسبب هذه الآية أن بنى إسرائيل قالوا نحن أبناء أنبياء الله وسيشفع لنا ءاباؤنا وهذا إنما

هو في حق الكافرين للإجماع وتواتر الأحاديث بالشفاعة في المؤمنين وقوله تعالى ولا يؤخذ منها عدل قال أبو العالية العدل الفدية قال ع عدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدرا وإن لم يكن من جنسه والعدل بكسر العين هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه والضمير في قوله ولا هم عائد على الكافرين الذين اقتضتهم الآية ويحتمل أن يعود على النفسين المتقدم ذكرهما لأن اثنين جمع أو لأن النفس للجنس وهو جمع وحصرت هذه الآية المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا فإن الواقع في شدة مع ءادمي لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدى ت أو يمن عليه إلا أن الكافر ليس هو بأهل لأن يمن عليه وقوله تعالى وإذ نجيناكم من ءال فرعون أي خلصناكم وءال أضله أهل قلبت الهاء الفا ولذلك ردها التصغير إلى الأصل فقيل أهيل وءال الرجل قرابته وشيعته وأتباعه وفرعون اسم لكل من ملك من العمالقة بمصر وفرعون موسى قيل اسمه مصعب بن الريان وقال ابن إسحاق اسمه الوليد بن مصعب وروي أنه كان من أهل اصطخر ورد مصر فاتفق له فيها الملك وكان أصل كون بنى إسرائيل بمصر نزول إسرائيل بها زمن ابنه يوسف عليهما السلام ويسومونكم معناه يأخذونكم به ويلزمونكم إياه والجملة في موضع نصب على الحال أي سائمين لكم سوء العذاب وسوء العذاب أشده وأصعبه وكان فرعون على ما روي قد رأى في منامه نارا خرجت من بيت المقدس فأحرقت بيوت مصر فأولت له رؤياه أن مولودا من بني إسرائيل ينشأ فيخرب ملك فرعون على يديه وقال ابن إسحاق وابن عباس وغيرهما إن الكهنة والمنجمين قالوا لفرعون قد أظلك زمان مولود من بني إسرائيل يخرب ملكك ويذبحون بدل من يسومون وفي ذلك إشارة إلى جملة الأمر وبلاء معناه

امتحان واختبار ويكون البلاء في الخير والشر وحكى الطبري وغيره في كيفية نجاتهم أن موسى عليه السلام أوحي إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط واحل الله ذلك لبني إسرائيل ويروى انهم فعلوا ذلك دون رأي موسى عليه السلام وهو الاشبه به فسرى بهم موسى من أول الليل فأعلم بهم فرعون فقال لا يتبعهم أحد حتى تصيح الديكة فلم يصح تلك الليلة بمصر ديك حتى أصبح وأمات الله تلك الليلة كثيرا من أبناء القبط فأشتغلوا بالدفن وخرجوا في الأتباع مشرقين وذهب موسى عليه السلام إلى ناحية البحر حتى بلغه وكانت عدة بنى إسرائيل نيفا على ستمائة الف وكانت عدة فرعون الف الف ومائتي الف وحكي غير هذا مما اختصرته لقلة ثبوته فلما لحق فرعون موسى ظن بنو إسرائيل أنهم غير ناجين فقال يوشع بن نون لموسى أين أمرت فقال هكذا وأشار إلى البحر فركض يوشع فرسه حتى بلغ الغمر ثم رجع فقال لموسى أين أمرت فوالله ما كذبت ولا كذبت فأشار إلى البحر وأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر وأوحى الله إلى البحر أن انفرق لموسى إذا ضربك فبات البحر تلك الليلة يضطرب فحين أصبح ضرب موسى البحر وكناه أبا خالد فانفلق وكان ذلك في يوم عاشوراء وقوله تعالى وإذ فرقنا بكم البحر الآية فرقنا معناه جعلناه فرقا ومعنى بكم أي بسببكم والبحر هو بحر القلزم ولم يفرق البحر عرضا من ضفة إلى ضفة وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة وكان ذلك الفرق يقرب موضع النجاة ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرة بسبب جبال واوغار حائلة وقيل انفرق البحر عرضا على اثني عشر طريقا طريق لكل سبط فلما دخلوها قالت كل طائفة غرق أصحابنا وجزعوا فقال موسى عليه السلام اللهم

أعنى على أخلاقهم السيئة فأوحى الله إليه أن أدر عصاك على البحر فأدارها فصار في الماء فتوح كالطاق يرى بعضهم بعضا وجازوا وجبريل في ساقتهم على ما ذيانة يحث بني إسرائيل ويقول لآل فرعون مهلا حتى يلحق ءاخركم أولكم فلما وصل فرعون إلى البحر أراد الدخول فنفر فرسه فتعرض له جبريل بالرمكة فاتبعها الفرس ودخل ءال فرعون وميكائل يحثهم فلما لم يبق إلا ميكائل في ساقتهم على الضفة وحده انطبق البحر عليهم فغرقوا وتنظرون قيل معناه بأبصاركم لقرب بعضهم من بعض وقيل ببصائركم للاعتبار لأنهم كانوا في شغل قال الطبري وفي أخبار القرآن على لسان النبي صلى الله عليه و سلم بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في خفي علم بني إسرائيل دليل واضح عند بني إسرائيل وقائم عليهم بنبوءة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وموسى اسم أعجمي قال ابن إسحاق هو موسى بن عمران بن يصهر ابن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه و سلم وخص الليالي بالذكر في قوله تعالى وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة إذ الليلة أقدم من اليوم وقبله في الرتبة ولذلك وقع بها التاريخ قال النقاش وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم لأنه لو ذكر الأيام لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلة بأيامها قال ع حدثني أبي رضي الله عنه قال سمعت الشيخ الزاهد الإمام الواعظ أبا الفضل بن الجوهري رحمه الله يعظ الناس بهذا المعنى في الخلوة بالله سبحانه والدنو منه في الصلاة ونحوه وإن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب ويقول أين حال موسى في القرب من الله ووصال ثمانين من الدهر من قوله حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم ءاتنا غداءنا ت

وأيضا في الأثر أن موسى لم يصبه أو لم يشك ما شكاه من النصب حتى جاوز الموضع الذي وعد فيه لقاء الخضر عليهما السلام قال ع وكل المفسرين على أن الأربعين كلها ميعاد وقوله تعالى ثم اتخذتم العجل أي إلاها والضمير في بعده يعود على موسى وقيل على انطلاقه للتكليم إذ المواعدة تقتضيه وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما خرج ببني إسرائيل من مصر قال لهم أن الله تعالى سينجيكم من ءال فرعون وينفلكم عليهم ويروى أن استعارتهم للحلي كانت بغير إذن موسى عليه السلام وهو الاشبه به ويؤيده ما في سورة طه في قولهم لموسى ولكنا حملنا أو زارا فظاهره أنهم أخبروه بما لم يتقدم له به شعور ثم قال لهم موسى أنه سينزل الله علي كتابا فيه التحليل والتحريم والهدى لكم فلما جاوزا البحر طلبوا موسى بما قال لهم من أمر الكتاب فخرج لميعاد ربه وحده وقد أعلمهم بالأربعين ليلة فعدوا عشرين يوما بعشرين ليلة وقالوا هذه أربعون من الدهر وقد أخلفنا الموعد وبدأ تعنتهم وخلافهم وكان السامري رجلا من بني إسرائيل يسمى موسى بن ظفر ويقال أنه ابن خال موسى وقيل لم يكن من بني إسرائيل بل كان غريبا فيهم والأول أصح وكان قد عرف جبريل عليه السلام وقت عبورهم قالت طائفة أنكر هيئته فعرف أنه ملك وقالت طائفة كانت أم السامري ولدته عام الذبح فجعلته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل عليه السلام يغذوه بإصبع نفسه فيجد في إصبع لبنا وفي إصبع عسلا وفي إصبع سمنا فلما رءاه وقت جواز البحر عرفه فأخذ من تحت حافر فرسه قبضة تراب والقى في روعه أنه لن يلقيها على شيء ويقول له كن كذا إلا كان فلما خرج موسى لميعاده قال هارون لبني إسرائيل أن ذلك الحلي والمتاع الذي استعرتم من القبط لا يحل لكم فجيئوا به حتى تأكله النار التي كانت العادة أن تنزل على القرابين

وقيل بل أوقد لهم نارا وأمرهم بطرح جميع ذلك فيها فجعلوا يطرحون وقيل بل أمرهم أن يضعوه في حفرة دون نار حتى يجيء موسى وروي وهو الأصح الأكثر أنه القى الناس الحلي في حفرة أو نحوها وجاء السامري فطرح القبضة وقال كن عجلا وقيل أن السامري كان في أصله من قوم يعبدون البقر وكان يعجبه ذلك وقيل بل كانت بنو إسرائيل قد مرت مع موسى على قوم يعبدون البقر ت والذي في القرآن يعكفون على أصنام لهم قيل كانت على صور البقر فقالوا يا موسى أجعل لنا إلاها كمالهم ءالهة فوعاها السامري وعلم أن من تلك الجهة يفتنون ففتنت بنو إسرائيل بالعجل وظلت منهم طائفة يعبدونه فاعتزلهم هارون بمن تبعه فجاء موسى من ميعاده فغضب حسبما يأتي قصصه في مواضعه إن شاء الله تعالى ثم أوحى الله إليه أنه لن يتوب على بني إسرائيل حتى يقتلوا أنفسهم ففعلت بنو إسرائيل ذلك فروي أنهم لبسوا السلاح من عبد منهم ومن لم يعبد وألقى الله عليهم الظلام فقتل بعضهم بعضا يقتل الأب أبنه والأخ أخاه فلما أستحر فيهم القتل وبلغ سبعين الفا عفا الله عنهم وجعل من مات شهيدا وتاب على البقية فذلك قوله سبحانه ثم عفونا عنكم وقال بعض المفسرين وقف الذين عبدوا العجل صفا ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم وقالت طائفة جلس الذين عبدوا بالأفنية وخرج يوشع بن نون ينادي ملعون من حل حبوته وجعل الذين لم يعبدوه يقتلونهم وموسى صلى الله عليه و سلم في خلال ذلك يدعو لقومه ويرغب في العفو عنهم وإنما عوقب الذين لم يعبدوا بقتل أنفسهم على أحد الأقوال لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبد العجل وأنتم ظالمون ابتداء وخبر في موضع الحال والعفو تغطية الأثر وإذهاب الحال الأول من الذنب أو غيره ت ومنه الحديث فجعلت أم إسماعيل تعفي أثرها قال ع ولا يستعمل

العفو بمعنى الصفح إلا في الذنب والكتاب هنا هو التوراة بإجماع واختلف في الفرقان هنا فقال الزجاج وغيره هو التوراة أيضا كرر المعنى لاختلاف اللفظ وقال ءاخرون الكتاب التوراة والفرقان سائر الآيات التي أوتي موسى عليه السلام لأنها فرقت بين الحق والباطل واختلف هل بقي العجل من ذهب فقال ذلك الجمهور وقال الحسن بن أبي الحسن صار لحما ودما والأول أصح ت وقوله تعالى فتوبوا إلى بارئكم عن أبي العالية إلى خالقكم من برأ الله الخلق أي خلقهم فالبريئة فعيلة بمعنى مفعولة انتهى من مختصر أبي عبد الله اللخمي النحوي للطبري وقوله تعالى وإذ قلتم يا موسى يريد السبعين الذين أختارهم موسى واختلف في وقت اختيارهم فحكى أكثر المفسرين أن ذلك بعد عبادة العجل فاختارهم ليستغفروا لبني إسرائيل وحكى النقاش وغيره أنه اختارهم حين خرج من البحر وطلب بالميعاد والأول أصح وقصة السبعين أن موسى عليه السلام لما رجع من تكليم الله تعالى ووجد العجل قد عبد قالت له طائفة ممن لم يعبد العجل نحن لم نكفر ونحن أصحابك ولكن اسمعنا كلام ربك فأوحى الله إليه أن اختر منهم سبعين فلم يجد إلا ستين فأوحى إليه أن اختر من الشباب عشرة ففعل فأصبحوا شيوخا وكان قد اختار ستة من كل سبط فزادوا أثنين على السبعين فتشاحوا فيمن يتأخر فأوحى إليه أن من تأخر له أجر من مضى فتأخر يوشع بن نون وكالوث بن يوفنا وذهب موسى عليه السلام بالسبعين بعد أن أمرهم أن يتجنبوا النساء ثلاثا ويغتسلوا في اليوم الثالث واستخلف هارون على قومه ومضى حتى أتى الجبل فألقى عليهم الغمام قال النقاش غشيتهم سحابة وحيل بينهم وبين موسى بالنور فوقعوا سجودا قال السدي وغيره وسمعوا كلام الله

يأمر وينهي فلم يطيقوا سماعه واختلطت أذهانهم ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبر لهم ففعل فلما فرغوا وخرجوا بدلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله فذلك قوله تعالى وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه واضطرب إيمانهم وامتحنهم الله تعالى بذلك فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ولم يطلبوا من الرؤية محالا أما أنه عند أهل السنة ممتنع في الدنيا من طريق السمع فأخذتهم حينئذ الصاعقة فاحترقوا وماتوا موت همود يعتبر به الغير وقال قتادة ماتوا وذهبت أرواحهم ثم ردوا لاستيفاء ءاجالهم فحين حصلوا في ذلك الهمود جعل موسى يناشد ربه فيهم ويقول أي رب كيف أرجع إلى بني إسرائيل دونهم فيهلكون ولا يؤمنون بي أبدا وقد خرجوا وهم الأخيار قال ع يعني هم بحال الخير وقت الخروج وقال قوم بل ظن موسى أن السبعين إنما عوقبوا بسبب عبادة العجل فذلك قوله أتهلكنا يعني السبعين بما فعل السفهاء منا يعني عبدة العجل وقال ابن فورك يحتمل أن تكون معاقبة السبعين لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه بقولهم لموسى أرنا وليس ذلك من مقدور موسى عليه السلام قال ع ومن قال أن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ وأذهب فضيلة موسى واختصاصه بالتكليم وجهرة مصدر في موضع الحال والجهر العلانية ومنه الجهر ضد السر وجهر الرجل الأمر كشفه وفي مختصر الطبري عن ابن عباس جهرة قال علانية وعن الربيع جهرة عيانا انتهى وقوله تعالى ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون اجاب الله تعالى فيهم رغبة موسى عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمود أو الموت ليستوفوا ءاجالهم وتاب عليهم والبعث هنا الإثارة ولعلكم تشكرون أي على هذه النعمة والترجي إنما هو في حق البشر وذكر المفسرون في تظليل الغمام أن بني إسرائيل لما كان من أمرهم ما كان

من القتل وبقي منهم من بقي حصلوا في فحص التيه بين مصر والشام فأمروا بقتال الجبارين فعصوا وقالوا اذهب أنت وربك فقاتلا فدعا موسى عليهم فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس فندم موسى على دعائه عليهم فقيل له لا تأس على القوم الفاسقين وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التيه ونشأ بنوهم على خير طاعة فهم الذين خرجوا من فحص التيه وقاتلوا الجبارين وإذ كان جميعهم في التيه قالوا لموسى من لنا بالطعام قال الله فأنزل الله عليهم المن والسلوى قالوا من لنا من حر الشمس فظلل عليهم الغمام قالوا بم نستصبح بالليل فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم وذكر مكي عمود نار قالوا من لنا بالماء فأمر موسى بضرب الحجر قالوا من لنا باللباس فأعطوا أن لا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن وإن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان والمن صمغة حلوة هذا قول فرقة وقيل هو عسل وقيل شراب حلو وقيل الذي ينزل اليوم على الشجر وروي ان المن كان ينزل عليهم من طلوع الفجر الى طلوع الشمس كالثلج فيأخذ منه الرجل ما يكفيه ليومه فإن ادخر فسد عليه إلا في يوم الجمعة فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم لان يوم السبت يوم عبادة والسلوى طير بإجماع المفسرين فقيل هو السمانا وقيل طائر مثل السمانا وقيل طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجنوب ص قال ابن عطية وغلط الهذلي في إطلاقه السلوى على العسل حيث قال ... وقاسمها بالله عهدا لأنتم ... الذ من السلوى إذا ما نشورها ...
ت قد نقل صاحب المختصر أنه يطلق على العسل لغة فلا وجه

لتغليطه لأن إجماع المفسرين لا يمنع من إطلاقه لغة بمعنى آخر في غير الآية انتهى وقوله تعالى كلوا الآية معناه وقلنا كلوا فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه والطيبات هنا جمعت الحلال واللذيذ ص وقوله وما ظلمونا قدر ابن عطية قبل هذه الجملة محذوفا أي فعصوا وما ظلمونا وقدر غيره فظلموا وما ظلمونا ولا حاجة إلى ذلك لأن ما تقدم عنهم من القبائح يغنى عنه انتهى ت وقول أبي حيان لا حاجة إلى هذا التقدير إلى آخره يرد بأن المحذوفات في الكلام الفصيح هذا شانها لا بد من دليل في اللفظ يدل عليها إلا أنه يختلف ذلك في الوضوح والخفاء فأما حذف ما لا دليل عليه فإنه لا يجوز وقوله تعالى وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة يغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون وإذ استسقى موسى لقومه القرية المدينة سميت بذلك لأنها تقرت أي اجتمعت ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته والإشارة بهذه إلى بيت المقدس في قول الجمهور وقيل إلى اريحاء وهي قريب من بيت المقدس قال عمر بن صة كانت قاعدة ومسكن ملوك ولما خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها وأما الشيوخ فماتوا فيه وروي أن موسى وهارون عليهما السلام ماتا في التيه وحكى الزجاج عن بعضهم أنهما لم يكونا في التيه لأنه عذاب والأول أكثر ت لكن ظاهر قوله فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين يقوى ما حكاه الزجاج وهكذا قال الإمام الفخر انتهى وكلوا إباحة وتقدم معنى الرغد وهي أرض مباركة عظيمة الغلة فلذلك قال رغد والباب قال مجاهد هو باب في مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة وسجدا قال ابن

عباس معناه ركوعا وقيل متواضعين خضوعا والسجود يعم هذا كله وحطة فعلة من حط يحط ورفعه على خبر ابتداء كأنهم قالوا سؤالنا حطة لذنوبنا قال عكرمة وغيره أمروا أن يقولوا لا اله إلا الله لتحط بها ذنوبهم وقال ابن عباس قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم ت وقال أحمد بن نصر الداودي في تفسيره وروى أن النبي صلى الله عليه و سلم سار مع أصحابه في سفر فقال قولوا نستغفر الله ونتوب إليه فقالوا ذلك فقال والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها انتهى وحكى عن ابن مسعود وغيره انهم امروا بالسجود وان يقولوا حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم ويقولون حنطة حبة حمراء في شعرة ويروى غير هذا من الألفاظ وقوله تعالى سنزيد المحسنين عدة المعنى إذا غفرت الخطايا بدخولكم وقولكم زيد بعد ذلك لمن أحسن وكان من بنى إسرائيل من دخل كما أمر وقال لا إله إلا الله فقيل هم المراد بالمحسنين هنا وقوله تعالى فبدل الذين ظلموا الآية روي أنهم لما جاءوا الباب دخلوا من قبل ادبارهم القهقرى وفي الحديث أنهم دخلوا يزحفون على استاههم وبدلوا فقالوا حبة في شعرة وقيل قالوا حنطة حبة حمراء في شعرة وقيل شعيرة وحكى الطبري أنهم قالوا هطى شمقاثا أزبه وتفسيره ما تقدم وفي اختصار الطبري وعن مجاهد قال أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة وطؤطئ لهم الباب ليسجدوا فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم وقالوا حنطة وذكر عز و جل فعل سلفهم تنبيها أن تكذيبهم لمحمد صلى الله عليه و سلم جار على طريق سلفهم في خلافهم على أنبيائهم واستخفافهم بهم واستهزائهم بأمر ربهم انتهى والرجز العذاب قال ابن زيد وغيره فبعث الله على الذين بدلوا الطاعون فأذهب منهم سبعين آلفا وقال ابن عباس أمات الله منهم في ساعة واحدة نيفا على عشرين آلفا واستسقى

معناه طلب السقيا وعرف استفعل طلب الشيء وقد جاء في غير ذلك كقوله تعالى واستغنى الله وكان هذا الاستسقاء في فحص التيه فأمره الله تعالى بضرب الحجر آية منه وكان الحجر من جبل الطور على قدر رأس الشاة يلقى في كسر جوالق ويرحل به فإذا نزلوا وضع في وسط محلتهم وضربه موسى وذكر إنهم لم يكونوا يحملون الحجر لكنهم كانوا يجدونه في كل مرحلة في منزلته من المرحلة الأولى وهذا أعظم في الآية ولا خلاف أنه كان حجرا مربعا منفصلا تطرد من كل جهة منه ثلاث عيون إذا ضربه موسى وإذا استغنوا عن الماء ورحلوا جفت العيون وفي الكلام حذف تقديره فضربه فانفجرت والانفجار انصداع شيء عن شيء ومنه الفجر والانبجاس في الماء أقل من الانفجار وأناس اسم جمع لا واحد له من لفظه ومعناه هنا كل سبط لان الاسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب وهم ذرية الاثني عشر أولاد يعقوب عليه السلام وقوله سبحانه كلوا واشربوا من رزق الله الآية ت روينا من طريق أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها رواه مسلم والترمذي والنساءي انتهى والمشرب موضع الشرب وكان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها ولا تعثوا معناه ولا تفرطوا في الفساد ص مفسدين حال مؤكدة لان لا تعثوا معناه لا تفسدوا انتهى وقوله تعالى وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد الآية كان هذا القول منهم في التيه حين ملوا المن والسلوى وتذكروا عيشهم الأول بمصر قال ابن عباس واكثر المفسرين الفوم الحنطة وقال قتادة وعطاء الفوم جميع الحبوب التي يمكن أن تختبز وقال الضحاك الفوم الثوم وهو قراءة عبد الله بن مسعود وروى ذلك عن ابن عباس والثاء تبدل من الفاء كما قالوا

مغاثير ومغافير ت قال أحمد بن نصر الداودي وهذا القول أشبه لما ذكر معه أي من العدس والبصل انتهى وادنى قال علي بن سليمان الأخفش مأخوذ من الدنيء البين الدناءة بمعنى إلا خس إلا أنه خففت همزته وقال غيره هو مأخوذ من الدون أي الأحط فأصله أدون ومعنى الآية أتستبدلون البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل التي هي ادني بالمن والسلوى الذي هو خير وجمهور الناس يقرءون مصرا بالتنوين قال مجاهد وغيره أراد مصرا من الأمصار غير معين واستدلوا بما اقتضاه القرءان من أمرهم بدخول القرية وبما تظاهرت به الروايات أنهم سكنوا الشام بعد التيه وقالت طائفة أراد مصر فرعون بعينها واستدلوا بما في القرآن من أن الله أورث بني إسرائيل ديار آل فرعون وآثارهم قال في مختصر الطبري وعلى أن المراد مصر التي خرجوا منها فالمعنى أن الذي تطلبون كان في البلد الذي كان فيه عذابكم واستعبادكم وأسركم ثم قال والأظهر أنهم مذ خرجوا من مصر لم يرجعوا إليها والله أعلم انتهى وقوله تعالى فإن لكم ما سألتم يقتضي أنه وكلهم إلى أنفسهم وضربت عليهم الذلة والمسكنة معناه الزموها كما قالت العرب ضربة لازب وباءوا بغضب معناه مروا متحملين له قال الطبري باءوا به أي رجعوا به واحتملوه ولا بد أن يوصل باء بخير أو بشر انتهى وقوله تعالى ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق الإشارة بذلك إلى ضرب الذلة وما بعده وقوله تعالى بغير الحق تعظيم للشنعة والذنب ولم يجرم نبيء قط ما يوجب قتله وإنما التسليط عليهم بالقتل كرامة لهم وزيادة لهم في منازلهم صلى الله عليهم كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين والباء في بما باء السبب ويعتدون معناه يتجاوزون الحدود والاعتداء هو تجاوز الحد وقوله تعالى أن الذين

ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية اختلف في المراد بالذين ءامنوا في هذه الآية فقالت فرقة الذين ءامنوا هم المؤمنون حقا بنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقوله من آمن بالله يكون فيهم بمعنى من ثبت ودام وفي سائر الفرق بمعنى من دخل فيه وقال السدي هم أهل الحنيفية ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه و سلم والذين هادوا ومن عطف عليهم كذلك ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه و سلم والذين هادوا هم اليهود وسموا بذلك لقولهم هدنا إليك أي تبنا والنصارى لفظة مشتقة من النصر قال ص والصابين قرأ الأكثر بالهمز من صبأ النجم والسن إذا خرج أي خرجوا من دين مشهور إلى غيره وقرأ نافع بغير همز فيحتمل أن يكون من المهموز المسهل فيكون بمعنى الأول ويحتمل أن يكون من صبا غير مهموز أي مال ومنه ... إلى هند صبا قلبي ... وهند مثلها يصبى ...
انتهى قال ع والصابى في اللغة من خرج من دين إلى دين وأما المشار إليهم في قوله تعالى والصابين فقال السدي هم فرقة من أهل الكتاب وقال مجاهد هم قوم لا دين لهم وقال ابن جريج هم قوم تركب دينهم بين اليهودية والمجوسية وقال ابن زيد هم قوم يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب كانوا بجزيرة الموصل وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون الخمس إلى القبلة ويقرءون الزبور رءاهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حتى عرف أنهم يعبدون الملائكة وقوله تعالى ورفعنا فوقكم الطور الآية الطور اسم الجبل الذي نوجي موسى عليه السلام عليه قاله ابن عباس وقال مجاهد وغيره الطور اسم لكل جبل وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله تعالى بالألواح فيها التوراة

قال لهم خذوها والتزموها فقالوا لا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك فصعقوا ثم أحيوا فقال لهم خذوها فقالوا لا فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله وكذلك كان عسكرهم فجعل عليهم مثل الظلة واخرج الله تعالى البحر من ورائهم وأضرم نارا من بين أيديهم فأحاط بهم غضبه وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق ولا تضيعوها وإلا سقط عليكم الجبل وأغرقكم البحر وأحرقتكم النار فسجدوا توبة لله سبحانه واخذوا التوراة بالميثاق قال الطبري عن بعض العلماء لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق وكانت سجدتهم على شق لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا فلما رحمهم الله سبحانه قالوا لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها فأمروا سجودهم على شق واحد قال ع والذي لا يصح سواه أن الله تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم لا أنهم ءامنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة قال وقد اختصرت ما سرد في قصص هذه الآية وقصدت أصحه الذي تقتضيه الفاظ الآية وخلط بعض الناس صعقة هذه القصة بصعقة السبعين وبقوة قال ابن عباس معناه بجد واجتهاد وقال ابن زيد معناه بتصديق وتحقيق واذكروا ما فيه أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ولا تنسوه ولا تضيعوه وقوله تعالى ثم توليتم الآية تولى أصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا وتوليهم من بعد ذلك إما بالمعاصي فكان فضل الله بالتوبة والإمهال إليها وإما أن يكون توليهم بالكفر فلم يعاجلهم سبحانه بالهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن وقوله تعالى ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت الآية علمتم معناه عرفتم والسبت مأخوذ من السبوت الذي هو الراحة والدعة وإما من السبت وهو القطع لأن الأشياء فيه سبتت وتمت خلقتها وقصة اعتدائهم فيه أن الله

عز و جل أمر موسى عليه السلام بيوم الجمعة وعرفه فضله كما أمر به سائر الأنبياء صلوات الله عليهم فذكر موسى ذلك لبني إسرائيل عن الله سبحانه وأمرهم بالتشرع فيه فأبوا وتعدوه إلى يوم السبت فأوحى الله إلى موسى أن دعهم وما اختاروا من ذلك وامتحنهم بأن أمرهم بترك العمل فيه وحرم عليهم صيد الحيتان وشدد عليهم المحنة بأن كانت الحيتان تأتي يوم السبت حتى تخرج إلى الأفنية قاله الحسن بن أبي الحسن وقيل حتى تخرج خراطيمها من الماء وذلك إما بإلهام من الله تعالى أو بأمر لا يعلل وإما بأن الهمها معنى الأمنة التي في اليوم مع تكراره كما فهم حمام مكة الامنة وكان أمر بني إسرائيل بأيلة على البحر فإذا ذهب السبت ذهبت الحيتان فلم تظهر إلى السبت الآخر فبقوا على ذلك زمانا حتى اشتهوا الحوت فعمد رجل يوم السبت فربط حوتا بخزمة وضرب له وتدا بالساحل فلما ذهب السبت جاء فأخذه فسمع قوم بفعله فصنعوا مثل ما صنع وقيل بل حفر رجل في غير السبت حفيرا يخرج إليه البحر فإذا كان يوم السبت خرج الحوت وحصل في الحفير فإذا جزر البحر ذهب الماء من طريق الحفير وبقي الحوت فجاء بعد السبت فأخذه ففعل قوم مثل فعله وكثر ذلك حتى صادوه يوم السبت علانية وباعوه في الأسواق فكان هذا من أعظم الاعتداء وكانت من بني إسرائيل فرقة نهت عن ذلك فنجت من العقوبة وكانت منهم فرقة لم تعص ولم تنه فقيل نجت مع الناهين وقيل هلكت مع العاصين وكونوا لفظة أمر وهو أمر التكوين كقوله تعالى لكل شيء كن فيكون قال ابن الحاجب في مختصره الكبير المسمى بمنتهى الوصول صيغة افعل وما في معناها قد صح إطلاقها بإزاء خمسة عشر محملا الوجوب أقم الصلاة والندب فكاتبوهم والإرشاد وأشهدوا إذا تبايعتم والإباحة فاصطادوا والتأديب كل مما يليك

والامتنان كلوا مما رزقكم الله والإكرام ادخلوها بسلام والتهديد اعملوا ما شئتم والإنذار تمتعوا والتسخير كونوا قردة والإهانة كونوا حجارة والتسوية فاصبروا أو لا تصبروا والدعاء اغفر لنا والتمني ألا انجلى وكمال القدرة كن فيكون انتهى وزاد غيره كونها للتعجيز اعني صيغة أفعل قال ابن الحاجب وقد اتفق على أنها مجاز فيما عدا الوجوب والندب والإباحة والتهديد ثم الجمهور على أنها حقيقة في الوجوب انتهى وخاسئين معناه مبعدين أذلاء صاغرين كما قال للكلب وللمطرود اخسأ وروي في قصصهم أن الله تعالى مسخ العاصين قردة في الليل فأصبح الناجون إلى مساجدهم ومجتمعاتهم فلم يروا أحدا من الهالكين فقالوا أن للناس لشانا ففتحوا عليهم الأبواب لما كانت مغلقة بالليل فوجدوهم قردة يعرفون الرجل والمرأة وقيل أن الناجين كانوا قد قسموا بينهم وبين العاصين القرية بجدار تبريا منهم فأصبحوا ولم تفتح مدينة الهالكين فتسوروا عليهم الجدار فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم وثبت أن المسوخ لا تنسل ولا تأكل ولا تشرب ولا تعيش أكثر من ثلاثة أيام ووقع في كتاب مسلم عنه صلى الله عليه و سلم أن أمة من الأمم فقدت وأراها الفار وظاهر هذا أن المسوخ تنسل فإن كان أراد هذا فهو ظن منه صلى الله عليه و سلم في أمر لا مدخل له في التبليغ ثم أوحي إليه بعد ذلك أن المسوخ لا تنسل ونظير ما قلناه نزوله صلى الله عليه و سلم على مياه بدر وأمره باطراح تذكير النخل وقد قال صلى الله عليه و سلم إذا أخبرتكم عن الله تعالى فهو كما أخبرتكم وإذا أخبرتكم برأي في أمور الدنيا فإنما أنا بشر مثلكم والضمير في جعلناها يحتمل عوده على المسخة والعقوبة ويحتمل على الأمة التي مسخت ويحتمل على القردة ويحتمل على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها والنكال الزجر بالعقاب ولما بين يديها قال السدي

ما بين يدي المسخة ما قبلها من ذنوب القوم وما خلفها لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب وقال غيره ما بين يديها من حضرها من الناجين وما خلفها أي لمن يجيء بعدها وقال ابن عباس لما بين يديها وما خلفها من القرى وموعظة من الاتعاظ والازدجار وللمتقين معناه الذين نهوا ونجوا وقالت فرقة معناه لأمة محمد صلى الله عليه و سلم واللفظ يعم كل متق من كل أمة وقوله تعالى وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم الآية المراد تذكيرهم بنقض سلفهم للميثاق وسبب هذه القصة على ما روي أن رجلا من بني إسرائيل أسن وكان له مال فاستبطأ ابن أخيه موته وقيل أخوه وقيل ابنا عمه وقيل ورثة غير معينين فقتله ليرثه وألقاه في سبط آخر غير سبطه ليأخذ ديته ويلطخهم بدمه وقيل كانت بنو إسرائيل في قريتين متجاورتين فألقاه إلى باب إحدى القريتين وهي التي لم يقتل فيها ثم جعل يطلبه هو وسبطه حتى وجده قتيلا فتعلق بالسبط أو بسكان المدينة التي وجد القتيل عندها فأنكروا قتله فوقع بين بني إسرائيل في ذلك لحاء حتى دخلوا في السلاح فقال أهل النهي منهم أنقتتل ورسول الله معنا فذهبوا إلى موسى عليه السلام فقصوا عليه القصة وسألوه البيان فأوحى الله تعالى إليه أن يذبحوا بقرة فيضرب القتيل ببعضها فيحي ويخبر بقاتله فقال لهم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فكان جوابهم أن قالوا أتتخذنا هزوا وهذا القول منهم ظاهره فساد اعتقاد ممن قاله ولا يصح إيمان من يقول لنبي قد ظهرت معجزته وقال إن الله يأمر بكذا أتتخذنا هزوا ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى الله عليه و سلم لوجب تكفيره وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء وقول موسى عليه السلام أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين يحتمل معنيين أحدهما الاستعاذة من الجهل في أن يخبر عن الله تعالى مستهزئا والآخر من

الجهل كما جهلوا في قولهم وقوله تعالى قالوا ادع لنا ربك الآية هذا تعنيت منهم وقلة طواعية ولو امتثلوا الأمر فاستعرضوا بقرة فذبحوها لقضوا ما أمروا به ولكن شددوا فشدد الله عليهم قاله ابن عباس وغيره والفارض المسنة الهرمة والبكر من البقر التي لم تلد من الصغر ورفعت عوان على خبر ابتداء مضمر تقديره هي عوان والعوان التي قد ولدت مرة بعد مرة قال م قال الجوهري والعوان النصف في سنها من كل شيء والجمع عون انتهى ت قال الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن حسين العراقي في نظمه لغريب القرآن جمع أبي حيان ... معنى عوان نصف بين الصغر ... وبين ما قد بلغت سن الكبر ...
وكل ما نقلته عن العراقي منظوما فمن أرجوزته هذه وقوله فافعلوا ما تؤمرون تجديد للأمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت فما تكروه قال ابن زيد وجمهور الناس في قوله صفراء أنها كانت كلها صفراء وفي مختصر الطبري فاقع لونها أي صاف لونها انتهى والفقوع مختص بالصفرة كما خص أحمر بقانىء وأسود بحالك وأبيض بناصع وأخضر بناضر قال ابن عباس وغيره الصفرة تسر النفس وسألوا بعد هذا كله عن ما هي سؤال متحيرين قد أحسوا مقت المعصية وفي استثنائهم في هذا السؤال الأخير انابة ما وانقياد ودليل ندم وحرص على موافقة الأمر وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لو لا ما استثنوا ما اهتدوا إليها أبدا وقوله لا ذلول تثير الأرض أي غير مذللة بالعمل والرياضة وتثير الأرض معناه بالحراثة وهي عند قوم جملة في موضع رفع على صفة البقرة أي لا ذلول مثيرة وقال قوم تثير فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث وأنها كانت تحرث ولا تسقي ومسلمة بناء مبالغة من السلامة قال ابن عباس وغيره معناه من العيوب وقال مجاهد معناه من الشيات والألوان وقيل من العمل ولاشية فيها أي لا خلاف في لونها هي

صفراء كلها قاله ابن زيد وغيره والموشى المختلط الألوان ومنه وشي الثوب تزينه بالألوان والثور الأشيه الذي فيه بلقة يقال فرس أبلق وكبش أخرج وتيس أبرق وكلب أبقع وثور اشيه كل ذلك بمعنى البلقة وهذه الأوصاف في البقرة سببها أنهم شددوا فشدد الله عليهم ودين الله يسر والتعمق في سؤال الأنبياء مذموم وقصة وجود هذه البقرة على ما روي أن رجلا من بني إسرائيل ولد له ابن وكانت له عجلة فأرسلها في غيضة وقال اللهم إني قد استودعتك هذه العجلة لهذا الصبي ومات الرجل فلما كبر الصبي قالت له أمه إن أباك كان قد استودع الله عجلة لك فاذهب فخذها فلما رأته البقرة جاءت إليه حتى أخذ بقرنيها وكانت مستوحشة فجعل يقودها نحو أمه فلقيه بنو إسرائيل ووجدوا بقرته على الصفة التي أمروا بها فلما وجدت البقرة ساموا صاحبها فاشتط عليهم فأتوا به موسى عليه السلام وقالوا له إن هذا اشتط علينا فقال لهم أرضوه في ملكه فاشتروها منه بوزنها مرة قاله عبيد السلماني وقيل بوزنها مرتين وقيل بوزنها عشر مرات وقال مجاهد كانت لرجل يبر أمه وأخذت منه بملء جلدها دنانير والآن مبني على الفتح معناه هذا الوقت وهو عبارة عما بين الماضي والمستقبل وجئت بالحق معناه عن من جعلهم عصاة بينت لنا غاية البيان وهذه الآية تعطى أن الذبح أصل في البقر وإن نحرت اجزأ وقوله تعالى وما كادوا يفعلون عبارة عن تثبطهم في ذبحها وقلة مبادرتهم إلى أمر الله تعالى وقال محمد بن كعب القرظي كان ذلك منهم لغلاء البقر وقيل كان ذلك خوف الفضيحة في أمر القاتل وادارأتم معناه تدافعتم قتل القتيل وفيها أي في النفس وقوله تعالى اضربوه ببعضها اية من الله تعالى على يدي موسى عليه السلام أن أمرهم أن يضربوا ببعض البقرة القتيل فيحي ويخبر بقاتله فقيل

ضربوه وقيل ضربوا قبره لأن ابن عباس ذكر أن أمر القتيل وقع قبل جواز البحر وأنهم داموا في طلب البقرة أربعين سنة وقوله تعالى كذلك يحي الله الموتى الآية في هذه الآية حض على العبرة ودلالة على البعث في الآخرة وظاهرها أنها خطاب لبني إسرائيل حينئذ حكي لمحمد صلى الله عليه و سلم ليعتبر به إلى يوم القيامة وذهب الطبري إلى أنها خطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه و سلم وأنها مقطوعة من قوله اضربوه ببعضها وروي أن هذا القتيل لما حيي وأخبر بقاتله عاد ميتا كما كان وقوله تعالى ثم قست قلوبكم الآية أي صلبت وجفت وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى قال قتادة وغيره المراد قلوب بني إسرائيل جميعا في معاصيهم وما ركبوه بعد ذلك واو لا يصح أن تكون هنا للشك فقيل هي بمعنى الواو وقيل للإضراب وقيل للإبهام وقيل غير ذلك وقوله تعالى وان من الحجارة الآية معذرة للحجارة وتفضيل لها على قلوبهم قال قتادة عذر الله تعالى الحجارة ولم يعذر شقي بني آدم ت وروى البزار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أربعة من الشقاء جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا انتهى من الكوكب الدري لأبي العباس أحمد بن سعد التجيبي قال الغزالي في المنهاج واعلم أن أول الذنب قسوة وآخره والعياذ بالله شؤم وشقوة وسواد القلب يكون من الذنوب وعلامة سواد القلب أن لا تجد للذنوب مفزعا ولا للطاعات موقعا ولا للموعظة منجعا انتهى وقيل في هبوط الحجارة تفيؤ ظلالها وقيل أن الله تعال يخلق في بعض الأحجار خشية وحياة يهبط بها من علو تواضعا وقال مجاهد ما تردى حجر من رأس جبل ولا تفجر نهر من حجر ولا خرج ماء منه إلا من خشية الله عز و جل نزل بذلك القرآن وقال مثله ابن جريج وقوله تعالى افتطمعون أن يؤمنوا لكم الآية

الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم ومعنى هذا الخطاب التقرير على أمر فيه بعد إذ قد سلف لأسلاف هؤلاء اليهود أفاعيل سوء وهؤلاء على ذلك السنن وتحريف الشيء إمالته من حال إلى حال وذهب ابن عباس إلى أن تحريفهم وتبديلهم إنما هو بالتأويل ولفظ التوراة باق وذهب جماعة من العلماء إلى أنهم بدلوا ألفاظا من تلقائهم وأن ذلك ممكن في التوراة لأنهم استحفظوها وغير ممكن في القرآن لأن الله تعالى ضمن حفظه قلت وعن ابن إسحاق أن المراد بالفريق هنا طائفة من السبعين الذين سمعوا كلام الله مع موسى انتهى من مختصر الطبري وهذا يحتاج إلى سند صحيح وقوله تعالى وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا الآية المعنى وهم أيضا إذا لقوا يفعلون هذا فكيف يطمع في إيمانهم ويحتمل أن يكون هذا الكلام مستأنفا فيه كشف سرائرهم ورد في التفسير أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن فقال كعب بن الأشرف واشباهه أذهبوا وتحسسوا أخبار من آمن بمحمد وقولوا لهم آمنا واكفروا إذا رجعتم فنزلت هذه الآية وقال ابن عباس نزلت في المنافقين من اليهود وروي عنه أيضا أنها نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين نحن نؤمن أنه نبي ولكن ليس إلينا وإنما هو إليكم خاصة فلما خلوا قال بعضهم لم تقرون بنبوته وقال أبو العالية وقتادة أن بعض اليهود تكلم بما في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهم كفرة الأحبار أتحدثونهم بما فتح الله عليكم أي عرفكم من صفة محمد صلى الله عليه و سلم ويحاجوكم من الحجة وعند ربكم معناه في الآخرة وقوله تعالى أفلا تعقلون قيل هو من قول الأحبار للاتباع وقيل هو خطاب من الله تعالى للمؤمنين أي أفلا تعقلون أن بني إسرائيل لا يؤمنون وهم

بهذه الأحوال وأميون هنا عبارة عن عامة اليهود وجهلتهم أي أنهم لا يطمع في إيمانهم لما غمرهم من الضلال والأمي في اللغة الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب نسب إلى الأم إما لأنه بحال أمه من عدم الكتب لا بحال أبيه إذ النساء ليس من شغلهن الكتب قاله الطبري وإما لأنه بحال ولدته أمه فيها لم ينتقل عنها والكتاب التوراة والأماني جمع أمنية واختلف في معنى أماني فقالت طائفة هي هاهنا من تمنى الرجل إذا ترجى فمعناه أن منهم من لا يكتب ولا يقرأ وإنما يقول بظنه شيئا سمعه فيتمنى أنه من الكتاب قال آخرون هي من تمنى إذا تلا ومنه قول الشاعر ... تمنى كتاب الله أول ليلة ... وآخره لاقى حمام المقادر ...
فمعنى الآية أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى لا علم لهم بصحته وقال الطبري هي من تمنى الرجل إذا حدث بحديث مختلق كذب أي لا يعلمون الكتاب الا سماع أشياء مختلقة من أحبارهم يظنونها من الكتاب ص وان هم الا يظنون ان نافية بمعنى ما انتهى وقوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله الآية قال الخليل الويل شدة الشر وهو مصدر لا فعل له ويجمع على ويلات والأحسن فيه إذا انفصل الرفع لأنه يقتضي الوقوع ويصح النصب على معنى الدعاء أي الزمه الله ويلا وويل وويح وويس تتقارب في المعنى وقد فرق بينها قوم وروى سفيان وعطاء بن يسار أن الويل في هذه الآية واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه واد في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا وروى عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه جبل من جبال النار والذين يكتبون هم الأحبار

والرؤساء وبأيديهم قال ابن السراج هي كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم والذي بدلوه هو صفة النبي صلى الله عليه و سلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم وذكر السدي أنهم كانوا يكتبون كتبا يبدلون فيها صفة النبي صلى الله عليه و سلم ويبيعونها من الأعراب ويبثونها في اتباعهم ويقولون هي من عند الله والثمن قيل عرض الدنيا وقيل الرشى والمآكل التي كانت لهم ويكسبون معناه من المعاصي وقيل من المال الذي تضمنه ذكر الثمن وقوله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة الآية روى ابن زيد وغيره ان سببها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لليهود من أهل النار فقالوا نحن ثم تخلفونا أنتم فقال لهم كذبتم لقد علمتم أنا لا نخلفكم فنزلت هذه الآية قال أهل التفسير العهد في هذه الآية الميثاق والموعد وبلى رد بعد النفي بمنزلة نعم بعد الإيجاب وقالت طائفة السيئة هنا الشرك كقوله تعالى ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار والخطيئات كبائر الذنوب قال الحسن بن أبي الحسن والسدي كل ما توعد الله عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطة والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في الكفار ومستعار بمعنى الطول في العصاة وإن علم انقطاعه قال محمد بن عبد الله اللخمي في مختصره للطبري أجمعت الأمة على تخليد من مات كافرا وتظاهرت الروايات الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه و سلم والسلف الصالح بأن عصاة أهل التوحيد لا يخلدون في النار ونطق القرآن بأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لكن من خاف على لحمه ودمه اجتنب كل ما جاء فيه الوعيد ولم يتجاسر على المعاصي اتكالا على ما يرى لنفسه من التوحيد فقد كان السلف وخيار الأمة يخافون سلب الإيمان على أنفسهم ويخافون النفاق عليها وقد تظاهرت بذلك عنهم الأخبار انتهى

وقوله تعالى والذين ءامنوا الآية يدل هذا التقسيم على أن قوله تعالى بلى من كسب سيئة الآية في الكفار لا في العصاة ويدل على ذلك أيضا قوله وأحاطت لأن العاصي مؤمن فلم تحط به خطيئاته ويدل على ذلك أيضا أن الرد كان على كفار ادعوا ان النار لا تمسهم إلا أياما معدودة فهم المراد بالخلود والله أعلم وقوله تعالى وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل الآية أخذ الله سبحانه الميثاق عليهم على لسان موسى عليه السلام وغيره من أنبيائهم وأخذ الميثاق قول فالمعنى قلنا لهم لا تعبدون إلا الله الآية قال سيبويه لا تعبدون متلق لقسم والمعنى وإذ استحلفناهم والله لا تعبدون إلا الله وفي الإحسان تدخل أنواع بر الوالدين كلها واليتم في بني آدم فقد الأب وفي البهائهم فقد الأم وقال صلى الله عليه و سلم لا يتم بعد بلوغ والمسكين الذي لا شيء له وقيل هو الذي له بلغة والآية تتضمن الرأفة باليتامى وحيطة أموالهم والحض على الصدقة والمواساة وتفقد المساكين وقوله تعالى وقولوا للناس حسنا أمر عطف على ما تضمنه لا تعبدون إلا الله وما بعده وقرأ حمزة والكسائي حسنا بفتح الحاء والسين قال الأخفش وهما بمعنى واحد وقال الزجاج وغيره بل المعنى في القراءة الثانية وقولوا قولا حسنا بفتح الحاء والسين أو قولا ذا حسن بضم الحاء وسكون السين في الأولى قال ابن عباس معنى الكلام قولوا للناس لا إله إلا الله ومروهم بها وقال ابن جريج قولوا لهم حسنا في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه و سلم وقال سفيان الثوري معناه مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وقال أبو العالية قولوا لهم الطيب من القول وحاوروهم بأحسن ما تحبون ان تحاوروا به وهذا حض على مكارم الأخلاق وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها وتنزل النار على ما تقبل منها دون ما لم يتقبل وقوله تعالى ثم توليتم الآية خطاب لمعاصري النبي صلى

الله عليه وسلم أسند إليهم تولي أسلافهم إذ هم كلهم بتلك السبيل قال نحوه ابن عباس وغيره والمراد بالقليل المستثنى جميع مؤمنيهم قديما من أسلافهم وحديثا كابن سلام وغيره والقلة على هذا هي في عدد الأشخاص ويحتمل أن تكون القلة في الإيمان والأول أقوى ص إلا قليلا منصوب على الاستثناء وهو الأفصح لأنه استثناء من موجب وروى عن أبي عمرو إلا قليل بالرفع ووجهه ابن عطية على بدل قليل من ضمير توليتم على أن معنى توليتم النفي أي لم يف بالميثاق إلا قليل ورد بمنع النحويين البدل من الموجب لأن البدل يحل محل المبدل منه فلو قلت قام إلا زيد لم يجز لأن إلا لا تدخل في الموجب وتأويله الإيجاب بالنفي يلزم في كل موجب باعتبار نفي ضده أو نقيضه فيجوز إذن قام القوم إلا زيد على تأويل لم يجلسوا إلا زيد ولم تبن العرب على ذلك كلامها وإنما جازوا قام القوم إلا زيد بالرفع على الصفة وقد عقد سيبويه لذلك بابا في كتابه انتهى ودمائكم جمع دم وهو اسم منقوص أصله دمي ولا تخرجون أنفسكم من دياركم معناه ولا ينفى بعضكم بعضا بالفتنة والبغي وكذلك حكم كل جماعة تخاطب بهذا اللفظ في القول وقوله تعالى ثم أقررتم أي خلفا بعد سلف ان هذا الميثاق أخذ عليكم وقوله وأنتم تشهدون قيل الخطاب يراد به من سلف منهم والمعنى وأنتم شهود أي حضور أخذ الميثاق والإقرار وقيل المراد من كان في مدة محمد صلى الله عليه و سلم والمعنى وأنتم شهداء أي بينة أن الميثاق أخذ على أسلافكم فمن بعدهم منكم وقوله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم الآية هؤلاء دالة على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردا إلى الأسلاف قيل تقدير الكلام يا هؤلاء فحذف حرف النداء ولا يحسن حذفه عند سيبويه مع المبهمات وقال الأستاذ الأجل أبو الحسن ابن أحمد شيخنا هؤلاء رفع بالابتداء

وأنتم خبر وتقتلون حال بها تم المعنى وهي المقصود ص قال الشيخ أبو حيان ما نقله ابن عطية عن شيخه أبي الحسن بن البادش من جعله هؤلاء مبتدأ وأنتم خبر مقدم لا أدري ما العلة في ذلك وفي عدوله عن جعل أنتم مبتدأ وهؤلاء الخبر إلى عكسه انتهى ت قيل العلة في ذلك دخول هاء التنبيه عليه لاختصاصها بأول الكلام ويدل على ذلك قولهم ها أنا ذا قائما ولم يقولوا أنا هذا قائما قال معناه ابن هشام فقائما في المثال المتقدم نصب على الحال انتهى وهذه الآية خطاب لقريظة والنضير وبني قينقاع وذلك أن النضير وقريظة حالفت الأوس وبني قينقاع حالفت الخزرج فكانوا إذا وقعت الحرب بين بني قيلة ذهبت كل طائفة من بني إسرائيل مع أحلافها فقتل بعضهم بعضا وأخرج بعضهم بعضا من ديارهم وكانوا مع ذلك يفدى بعضهم أسرى بعض اتباعا لحكم التوراة وهم قد خالفوها بالقتال والاخراج والديار مباني الإقامة وقال الخليل محلة القوم دارهم ومعنى تظاهرون تتعاونون والعدوان تجاوز الحدود والظلم وقرأ حمزة أسرى تفدوهم وأسارى جمع أسير مأخوذ من الأسر وهو الشد ثم كثر استعماله حتى لزم وان لم يكن ثم ربط ولا شد وأسير فعيل بمعنى مفعول وتفادوهم معناه في اللغة تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنهم شيئا وقال الثعلبي يقال فدى إذا أعطى مالا وأخذ رجلا وفادى إذا أعطى رجلا وأخذ رجلا فتفدوهم معناه بالمال وتفادوهم أي مفادات الأسير بالأسير انتهى ت وفي الحديث من قول العباس رضي الله عنه فإني فاديت نفسي وعقيلا وظاهره لا فرق بينهما وقوله تعالى افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض الآية والذي آمنوا به فداء الأسارى والذي كفروا به قتل بعضهم بعضا وإخراجهم من ديارهم وهذا توبيخ لهم وبيان لقبح فعلهم والخزي الفضيحة والعقوبة فقيل خزيهم ضرب الجزية عليهم غابر

الدهر وقيل قتل قريظة واجلاء النضير وقيل الخزي الذي تتوعد به الأمة من الناس هو غلبة العدو والدنيا مأخوذة من دنا يدنو وأصل الياء فيها واو ولكن أبدلت فرقا بين الأسماء والصفات وأشد العذاب الخلود في جهنم وقوله تعالى وما الله بغافل عما يعملون قرأ نافع وابن كثير بياء على ذكر الغائب فالخطاب بالآية لأمة محمد صلى الله عليه و سلم والآية واعظة لهم بالمعنى إذ الله تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص وقرأ الباقون بتاء على الخطاب لمن تقدم ذكره في الآية قبل هذا وهو قوله أفتؤمنون ببعض الكتاب الآية وهو الأظهر ويحتمل أن يكون لأمة محمد صلى الله عليه و سلم فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ان بني إسرائيل قد مضوا وأنتم الذين تعنون بهذا يا أمة محمد يريد هذا وما يجرى مجراه وقوله تعالى اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة الآية جعل الله ترك الآخرة وأخذ الدنيا عوضا عنها مع قدرتهم على التمسك بالآخرة بمنزلة من أخذها ثم باعها بالدنيا فلا يخفف عنهم العذاب في الآخرة ولا ينصرون لا في الدنيا ولا في الآخرة ص ولقد آتينا موسى الكتاب اللام في لقد يحتمل أن تكون توكيدا ويحتمل أن تكون جواب قسم وموسى هو المفعول الأول والكتاب الثاني وعكس السهيلي ومريم معناه في السريانية الخادم وسميت به أم عيسى فصار علما عليها انتهى والكتاب التوراة وقفينا مأخوذ من القفا تقول قفيت فلانا بفلان إذا جئت به من قبل قفاه ومنه قفا يقفو إذا اتبع وكل رسول جاء بعد موسى فإنما جاء باثبات التوراة والأمر بلزومها إلى عيسى عليه السلام والبينات الحجج التي أعطاها الله عيسى وقيل هي آياته من أحياء وإبراء وخلق طير وقيل هي الإنجيل والآية تعم ذلك وايدناه معناه قويناه والأيد القوة قال ابن عباس روح القدس هو الاسم الذي كان يحي به الموتى وقال ابن

زيد هو الإنجيل كما سمى الله تعالى القرآن روحا وقال السدي والضحاك والربيع وقتادة روح القدس جبريل عليه السلام وهذا أصح الأقوال وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لحسان أهج قريشا وروح القدس معك ومرة قال له جبريل معك وكلما ظرف والعامل فيه استكبرتم وظاهر الكلام الاستفهام ومعناه التوبيخ روي أن بني إسرائيل كانوا يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي ثم تقوم سوقهم آخر النهار وروي سبعين نبينا ثم تقوم سوق بقلهم آخر النهار والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحق وهو في هذه الآية من ذلك لأنهم إنما كانوا يهوون الشهوات ومعنى قلوبنا غلف أي عليها غشاوات فهي لا تفقه قاله ابن عباس ثم بين تعالى سبب نفورهم عن الإيمان إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترامهم وهذا هو الجزاء على الذنب بذنب اعظم منه واللعن الابعاد والطرد وقليلا نعت لمصدر محذوف تقديره فإيمانا قليلا ما يؤمنون والضمير في يؤمنون لحاضري محمد صلى الله عليه و سلم منهم وما في قوله ما يؤمنون زائدة مؤكدة وقوله تعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله الآية الكتاب القرآن ومصدق لما معهم يعني التوراة ويستفتحون معناه أن بني إسرائيل كانوا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم قد علموا خروجه بما علموا عندهم من صفته وذكر وقته وظنوا أنه منهم فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم لو قد خرج النبي الذي أضل وقته لقاتلناكم معه واستنصرنا عليكم به ويستفتحون معناه يستنصرون قال أحمد بن نصر الداودي ومنه عسى الله أن يأتي بالفتح أي بالنصر انتهى وروى أبو بكر محمد بن حسين الا جرى عن ابن عباس قال كانت يهود خيبر يقاتلون غطفان فكلما التقوا هزمت اليهود فعاذ اليهود يوما بالدعاء فقالوا اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا

في آخر الزمان الا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم كفروا به فأنزل الله عز جل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا والاستفتاح الاستنصار وقع ليهود المدينة نحو هذا مع الأنصار قبيل الإسلام انتهى من تأليف حسن بن علي بن عبد الملك الرهوني المعروف بابن القطان وهو كتاب نفيس جدا ألفه في معجزات النبي صلى الله عليه و سلم وآيات نبوءته وروي أن قريظة والنضير وجميع يهود الحجاز في ذلك الوقت كانوا يستفتحون على سائر العرب وبسبب خروج النبي المنتظر كانت نقلتهم إلى الحجاز وسكناهم به فإنهم كانوا علموا صقع المبعث وما عرفوا هو محمد صلى الله عليه و سلم وشرعه ويظهر من هذه الآية العناد منهم وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة ولعنة الله إبعاده لهم وخزيهم لذلك وبيس أصله بئس سهلت الهمزة ونقلت حركتها إلى الباء وما عند سيبويه فاعلة ببيس والتقدير بيس الذي اشتروا به أنفسهم واشتروا بمعنى باعوا وما أنزل الله يعني به القرآن ويحتمل التوراة ويحتمل أن يراد الجميع من توراة وإنجيل وقرآن لأن الكفر بالبعض يستلزم الكفر بالكل ومن فضله يعني من النبوءة والرسالة ومن يشاء يعني به محمدا صلى الله عليه و سلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب ويدخل في المعنى عيسى صلى الله عليه و سلم لأنهم كفروا به بغيا والله قد تفضل عليه وباءوا معناه مضوا متحملين لما يذكر أنهم باءوا به وقال البخاري قال قتادة باءوا معناه انقلبوا انتهى وبغضب معناه من الله تعالى لكفرهم بمحمد صلى الله عليه و سلم على غضب متقدم من الله تعالى عليهم قيل لعبادتهم العجل وقيل لكفرهم بعيسى عليه السلام فالمعنى على غضب فدباء به أسلافهم حظ هؤلاء منه وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها ومهين مأخوذ من الهوان وهو الخلود

في النار لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين إنما عذابه كعذاب الذي يقام عليه الحد لا هوان فيه بل هو تطهير له وقوله تعالى وإذا قيل لهم يعني لليهود آمنوا بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و سلم وهو القرآن قالوا نؤمن بما أنزل علينا يعنون التوراة ويكفرون بما وراءه قال قتادة أي بما بعده قال الفراء أي بما سواه ويعني به القرآن ووصف تعالى القرآن بأنه الحق ومصدقا حال مؤكدة عند سيبويه وقوله تعالى قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين رد من الله تعالى عليهم وتكذيب لهم في ذلك واحتجاج عليهم وقوله تعالى ولقد جاءكم موسى بالبينات البينات التوراة والعصا وفرق البحر وسائر الآيات وخذوا ما ءاتيناكم يعني التوراة والشرع بقوة أي بعزم ونشاط وجد واشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل والمعنى جعلت قلوبهم تشربه وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم وقوله تعالى قل بيسما يأمركم به إيمانكم أمر لمحمد صلى الله عليه و سلم أن يوبخهم لأنه بيس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم نؤمن بما أنزل علينا وقوله تعالى قل إن كانت لكم الدار الآخرة الآية أمر لمحمد صلى الله عليه و سلم أن يوبخهم والمعنى إن كان لكم نعيما وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها فتمنوا الموت والدار اسم كان وخالصة خبرها ومن دون الناس يحتمل أن يراد بالناس محمد صلى الله عليه و سلم ومن تبعه ويحتمل أن يراد العموم وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله محمد صلى الله عليه و سلم لأن اليهود قالت نحن أبناء الله وأحباؤه وشبه ذلك من القول فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات ففعل

النبي صلى الله عليه و سلم ذلك فعلموا صدقه فأحجموا عن تمنيه فرقا من الله لقبح أفعالهم ومعرفتهم بكذبهم وحرصا منهم على الحياة وقيل أن الله تعالى منعهم من التمني وقصرهم على الإمساك عنه لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه و سلم ت وقال عياض ومن الوجوه البينة في إعجاز القرآن أي وردت بتعجيز قوم في قضايا واعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا على ذلك كقوله تعالى لليهود قل ان كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة الآية قال أبو إسحاق الزجاج في هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة الرسالة لأنه قال لهم فتنموا الموت واعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا فلم يتمنه واحد منهم وعن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلاغص بريقه يعني يموت مكانه قال أبو محمد الأصيلي من أعجب أمرهم أنه لا توجد منهم جماعة ولا واحد من يوم أمر الله تعالى بذلك نبيه يقدم عليه ولا يجيب إليه وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم انتهى من الشفا والمراد بقوله تمنوا أريدوه بقلوبكم واسألوه هذا قول جماعة من المفسرين وقال ابن عباس المراد به السؤال فقط وان لم يكن بالقلب ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم وأنهم لا يتمنونه أبدا وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه فحمل جميع الأشياء على ذلك وقوله تعالى والله عليم بالظالمين ظاهره الخبر ومضمنه الوعيد لأن الله سبحانه عليم بالظالمين وغيرهم فائدة تخصيصهم حصول الوعيد وقوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة الآية وحرصهم على الحياة لمعرفتهم بذنوبهم وأن لا خير لهم عند الله تعالى وقوله تعالى ومن الذين أشركوا قيل المعنى واحرص من الذين أشركوا لأن مشركي العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة الدنيا والضمير في أحدهم يعود في

هذا القول على اليهود وقيل أن الكلام تم في حياة ثم استؤنف الأخبار عن طائفة من المشركين أنهم يود أحدهم لو يعمر ألف سنة والزحزحة الإبعاد والتنحية وفي قوله تعالى والله بصير بما يعلمون وعيد وقوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل الآية أجمع أهل التفسير أن اليهود قالت جبريل عدونا واختلف في كيفية ذلك فقيل أن يهود فدك قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم نسألك عن أربعة أشياء فإن عرفتها اتبعناك فسألوه عما حرم إسرائيل على نفسه فقال لحوم الإبل وألبانها وسألوه عن الشبه في الولد فقال أي ماء علا كان له الشبه وسألوه عن نومه فقال تنام عيني ولا ينام قلبي وسألوه عن من يجيئه من الملائكة فقال جبريل فلما ذكره قالوا ذاك عدونا لأنه ملك الحرب والشدائد والجدب ولو كان الذي يجيئك ميكائل ملك الرحمة والخصب والأمطار لاتبعناك وفي جبريل لغات جبريل بكسر الجيم والراء من غير همز وبها قرأ نافع وجبريل بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز وبها قرأ ابن كثير وروي عنه أنه قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكال فلا أزال أقرأها أبدا كذلك ت يعني والله أعلم مع اعتماده على روايتها قال الثعلبي والصحيح المشهور عن ابن كثير ما تقدم من فتح الجيم لا ما حكي عنه في الرؤيا من كسرها انتهى وذكر ابن عباس وغيره أن جبروميك واسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك وايل الله وقوله تعالى فإنه نزله على قلبك الضمير في أنه عائد على الله تعالى وفي نزله عائد على جبريل أي بالقرآن وسائر الوحي وقيل الضمير في أنه عائد على جبريل وفي نزله عائد على القرآن وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف وبإذن الله معناه بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة ومصدقا حال من ضمير القرآن

في نزله وما بين يديه ما تقدمه من كتب الله تعالى وهدى أي إرشاد وقوله تعالى من كان عدوا لله الآية وعيد وذم لمعادي جبريل وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم وعطف جبريل وميكائل على الملائكة وقد كان ذكر الملائكة عمهما تشريفا لهما قيل خصا لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما فذكرا ليلا تقول اليهود أنا لم نعاد الله وجميع ملائكته وعداوة العبد لله هي معصيته وترك طاعته ومعاداة أوليائه وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه وقوله تعالى أو كلما عاهدوا عهدا الآية قال سيبويه الواو للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام والنبذ الطرح ومنه المنبوذ والعهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر النبي صلى الله عليه و سلم ولما جاءهم رسول من عند الله هو محمد صلى الله عليه و سلم ومصدق نعت لرسول وكتاب الله القرآن وقيل التوراة لأن مخالفتها نبذ لها ووراء ظهورهم مثل لأن ما يجعل ظهريا فقد زال النظر إليه جملة والعرب تقول جعل هذا الأمر وراء ظهره ودبر أذنه وكأنهم لا يعلمون تشبيه بمن لا يعلم فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على علم وقوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين الآية يعني اليهود وتتلوا قال عطاء معناه تقرأ وقال ابن عباس تتلوا تتبع وعلى ملك سليمان أي على عهد ملك سليمان وقال الطبري اتبعوا بمعنى فضلوا وعلى ملك سليمان أي على شرعه ونبوءته والذي تلته الشياطين قيل أنهم كانوا يلقون إلى الكهنة الكلمة من الحق معها المائة من الباطل حتى صار ذلك علمهم فجمعه سليمان ودفنه تحت كرسيه فلما مات أخرجته الشياطين وقالت إن ذلك كان علم سليمان وروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ذكر سليمان عليه السلام في الأنبياء قال بعض اليهود انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحرا وقوله تعالى وما كفر سليمان تبرئة من الله تعالى

لسليمان عليه السلام والسحر والعمل به كفر ويقتل الساحر عند مالك كفرا ولا يستتاب كالزنديق وقال الشافعي يسأل عن سحره فإن كان كفرا استتيب منه فإن تاب وإلا قتل وقال مالك فيمن يعقد الرجال عن النساء يعاقب ولا يقتل والناس المعلمون اتباع الشياطين من بني إسرائيل وما أنزل على الملكين ما عطف على السحر فهي مفعولة وهذا على القول بأن الله تعالى أنزل السحر على الملكين ليكفر به من اتبعه ويؤمن به من تركه أو على قول مجاهد وغيره أن الله تعالى أنزل على الملكين الشيء الذي يفرق به بين المرء وزوجه دون السحر أو على القول أن الله تعال أنزل السحر عليهما ليعلم على جهة التحذير منه والنهي عنه قال ع والتعليم على هذا القول إنما هو تعريف يسير بمباديه وقيل إنما عطف على ما في قوله ما تتلوا وقيل ما نافية رد على قوله وما كفر سليمان وذلك أن اليهود قالوا أن الله تعالى أنزل جبريل وميكائل بالسحر فنفى الله ذلك ت قال عياض والقراءة بكسر اللام من الملكين شاذة وبابل قطر من الأرض وهاروت وماروت بدل من الملكين وما يذكر في قصتهما مع الزهرة كله ضعيف وكذا قال ع ت قال عياض وأما ما ذكره أهل الأخبار ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت وما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما في خبرهما وابتلائهما فاعلم أكرمك الله أن هذه الأخبار لم يرو منها سقيم ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس هو شيئا يؤخذ بقياس والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه وأنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف وهذه الأخبار من كتب اليهود وافترائهم كما نصه الله أول الآيات انتهى أنظره وقوله تعالى وما يعلمان الآية ذكر ابن الأعرابي في الياقوتة أن يعلمان بمعنى يعلمان ويشعران كما قال كعب بن زهير

تعلم رسول الله أنك مدركي ... وأن وعيدا منك كالأخذ باليد ...
وحمل هذه الآية على أن الملكين إنما نزلا يعلمان بالسحر وينهيان عنه وقال الجمهور بل التعليم على عرفه ص وقوله تعالى من أحد من هنا زائدة مع المفعول لتأكيد استغراق الجنس لأن أحدا من ألفاظ العموم انتهى ويفرقون معناه فرقة العصمة وقيل معناه يؤخذون الرجل عن المرأة حتى لا يقدر على وطئها فهي أيضا فرقة وبإذن الله معناه بعلمه وتمكينه ويضرهم معناه في الآخرة والضمير في علموا عائد على بني إسرائيل وقال اشتراه لأنهم كانوا يعطون الأجرة على أن يعلموا والخلاق النصيب والحظ وهو هنا بمعنى الجاه والقدر واللام في قوله لمن للقسم المؤذنة بأن الكلام قسم لا شرط م ولبيس ما أبو البقاء جواب قسم محذوف والمخصوص بالذم محذوف أي السحر أو الكفر والضمير في به عائد على السحر أو الكفر انتهى وشروا معناه باعوا والضمير في يعلمون عائد على بني إسرائيل اتفاقا ولو انهم آمنوا يعني الذين اشتروا السعر وجواب لو لمثوبة والمثوبة عند الجمهور بمعنى الثواب وقوله سبحانه لو كانوا يعلمون يحتمل نفي العلم عنهم ويحتمل لو كانوا يعلمون علما ينفع وقرأ جمهور الناس راعنا من المراعاة بمعنى فاعلنا أي أرعنا نرعك وفي هذا جفاء أن يخاطب به أحد نبيه وقد حض الله تعالى على خفض الصوت عنده وتعزيره وتوقيره وقالت طائفة هي لغة للعرب فكانت اليهود تصرفها إلى الرعونة يظهرون أنهم يريدون المراعاة ويبطنون أنهم يريدون الرعونة التي هي الجهل فنهى الله المؤمنين عن هذا القول سدا للذريعة ليلا يتطرق منه اليهود إلى المحظور وأنظرنا معناه انتظرنا وأمهل علينا ويحتمل أن يكن المعنى تفقدنا من النظر والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال ولما نهى الله تعالى في هذه الآية وأمر حض بعد على السمع الذي في ضمنه الطاعة واعلم

أن لمن خالف أمره فكفر عذابا أليما وهوالمؤلم واسمعوا معطوف على قولوا لا على معمولها وقوله سبحانه ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب الآية يتناول لفظ الآية كل خير والرحمة في هذه الآية عامة لجميع أنواعها وقال قوم الرحمة القرآن وقوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها الآية النسخ في كلام العرب على وجهين أحدهما النقل كنقل كتاب من آخر وهذا لا مدخل له في هذه الآية وورد في كتاب الله تعالى في قوله انا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون الثاني الإزالة وهو الذي في هذه الآية وهو منقسم في اللغة على ضربين أحدهما يثبت الناسخ بعد المنسوخ كقولهم نسخت الشمس الظل والآخر لا يثبت كقولهم نسخت الريح الأثر وورد النسخ في الشرع حسب هذين الضربين وحد الناسخ عند حذاق أهل السنة الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه ت قال ابن الحاجب والنسخ لغة الإزالة وفي الاصطلاح رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر انتهى من مختصره الكبير والنسخ جائز على الله تعالى عقلا لأنه لا يلزم عنه محال ولا تغيير صفة من صفاته تعالى وليست الأوامر متعلقة بالإرادة فيلزم من النسخ أن الإرادة تغيرت ولا النسخ لطرو علم بل الله تعالى يعلم إلى أي وقت ينتهي أمره بالحكم الأول ويعلم نسخه له بالثاني والبدأ لا يجوز على الله تعالى لأنه لا يكون إلا لطرو علم أو لتغير إرادة وذلك محال في جهة الله تعالى وجعلت اليهود النسخ والبدأ واحدا فلم يجوزوه فضلوا والمنسوخ عند أئمتنا الحكم الثابت نفسه لا ما ذهبت إليه المعتزلة من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل والذي قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مراده وأن الحسن صفة نفسية للحسن ومراد الله تعالى حسن وقد قامت الأدلة على أن الأوامر لا ترتبط بالإرادة وعلى أن الحسن

والقبح في الأحكام إنما هو من جهة الشرع لا بصفة نفسية والتخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به لأن المخصص لم يتناوله العموم قط وقول تناوله العموم لكان نسخا والنسخ لا يجوز في الأخبار وإنما هو مختص بالأوامر والنواهي ورد بعض المعترضين الأمر خبرا بأن قال أليس معناه واجب عليكم أن تفعلوا كذا فهذا خبر والجواب أن يقال أن في ضمن المعنى إلا أن انسخه عنكم وأرفعه فكما تضمن لفظ الأمر ذلك الأخبار كذلك تضمن هذا الاستثناء وصور النسخ تختلف فقد ينسخ الأثقل إلى الأخف وبالعكس وقد ينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة وقد ينسخ الشيء لا إلى بدل وقد تنسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس والتلاوة والحكم حكمان فجائز نسخ أحدهما دون الآخر ونسخ القرآن بالقرآن وينسخ خبر الواحد بخبر الواحد وهذا كله متفق عليه وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة وذلك موجود في قوله عليه السلام لا وصية لوارث وهو ظاهر مسائل مالك ت ويعنى بالسنة الناسخة للقرآن الخبر المتواتر القطعي وقد أشار إلى أن هذا الحديث متواتر ذكره عند تفسير قوله تعالى إذا حضر أحدكم الموت واختلف القراء في قراءة قوله تعالى أو نسنها فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ننسأها بنون مفتوحة وأخرى ساكنة وسين مفتوحة وألف بعدها مهموزة وهذه بمعنى التأخير وأما قراءة نافع والجمهور ننسها من النسيان وقرأت ذلك فرقة إلا أنها همزت بعد السين فهذه بمعنى التأخير والنسيان في كلام العرب يجيء في الأغلب ضد الذكر وقد يجيء بمعنى الترك فالمعاني الثلاثة مقولة في هذه القراءات فما كان منها يترتب في لفظه النسيان الذي هو ضد الذكر فمعنى الآية به ما نسخ من آية أو نقدر نسيانك لها فانا نأتي بخير منها لكم أو مثلها في المنفعة وما كان على معنى الترك أو على معنى التأخير فيترتب فيه معان أنظرها ان شئت فاني آثرت

الاختصار ع والصحيح أن نسيان النبي صلى الله عليه و سلم لما أراد الله أن ينساه ولم يرد أن يثبته قرآنا جائز فأما النسيان الذي هو آفة في البشر فالنبي صلى الله عليه و سلم معصوم منه قبل التبليغ وبعد التبليغ ما لم يحفظه أحد من أصحابه وأما بعد أن يحفظ فجائز عليه ما يجوز على البشر لأنه صلى الله عليه و سلم قد بلغ وأدى الأمانة ومنه الحديث حين اسقط آية فلما فرغ من الصلاة قال أفي القوم أبي قال نعم يا رسول الله قال فلم لم تذكرني قال حسبت أنها رفعت فقال النبي صلى الله عليه و سلم لم ترفع ولكني نسيتها وقوله تعالى ألم تعلم معناه التقرير ومعنى الآية أن الله تعالى ينسخ ما شاء ويثبت ما شاء ويفعل في أحكامه ما شاء هو قدير على ذلك وعلى كل شيء وهذا لإنكار اليهود النسخ وقوله على كل شيء عموم معناه الخصوص إذ لا تدخل فيه الصفات القديمة بدليل العقل ولا المحالات لأنها ليست بأشياء والشيء في كلام العرب الموجود وقدير اسم فاعل على المبالغة قال القشيري وان من علم ان مولاه قدير على ما يريد قطع رجاءه عن الاغيار كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع قال أهل الإشارة معناه سهلت طريقهم إليك وقطعت رجاءهم عن سواك ثم قال ليقيموا الصلاة أي شغلتهم بخدمتك وأنت أولى بهم فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم أي إذا احتاجوا شيئا فذلل عبادك لهم وأوصل بكرمك رعايتهم إليهم فإنك على ذلك قدير وان من لزم بابه اوصل إليه محابه وكفاه أسبابه وذل له كل صعب وأورده كل سهل عذب من غير قطع شقة ولا تحمل مشقة انتهى من التجبير وقوله تعالى ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض الآية الملك السلطان ونفوذ الأمر والإرادة وجمع الضمير في لكم دال على أن المراد بخطاب النبي صلى الله عليه و سلم خطاب أمته وقوله تعالى أم

تريدون أن تسألوا رسولكم الآية قال أبو العالية أن هذه الآية نزلت حين قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه و سلم ليت ذنوبنا جرت مجرى ذنوب بني إسرائيل في تعجيل العقوبة في الدنيا فقال النبي صلى الله عليه و سلم قد أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل وتلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقال ابن عباس سببها ان رافع بن حريملة اليهودي سأل النبي صلى الله عليه و سلم تفجير عيون وغير ذلك وقيل غير هذا وما سئل موسى عليه السلام هو أن يرى الله جهرة وكنى عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر بالتبدل وضل أخطأ الطريق والسواء من كل شيء الوسط والمعظم ومنه سواء الجحيم وقال حسان بن ثاب في رثاء النبي صلى الله عليه و سلم ... يا ويح انصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد ...
والسبيل عبارة عن الشريعة التي أنزلها الله تعالى لعباده وقوله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا الآية قال ابن عباس المراد ابنا اخطب حيي وأبو ياسر أي واتباعهما واختلف في سبب هذه الآية فقيل ان حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المدراس فأراد اليهود صرفهما عن دينها فثبتا عليه ونزلت الآية وقيل أن هذه الآية تابعة في المعنى لما تقدم من نهي الله عز و جل عن متابعة أقوال اليهود في راعنا وغيره وأنهم لا يودون أن ينزل على المؤمنين خير ويودون أن يردوهم كفارا من بعد ماتبين لهم الحق وهو نبوة محمد صلى الله عليه و سلم ت وقد جاءت أحاديث صحيحة في النهي عن الحسد فمنها حديث مالك في الموطأ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث وأسند أبو عمر بن عبد البر عن الزبير قال قال رسول

الله صلى الله عليه و سلم دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء حالقتا الدين لا حالقتا الشعر انتهى من التمهيد والعفو ترك العقوبة والصفح الإعراض عن المذنب كأنه يولى صفحة العنق قال ابن عباس هذه الآية منسوخة بقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون الآية إلى قوله صاغرون وقيل بقوله اقتلوا المشركين وقال قوم ليس هذا حد المنسوخ لأن هذا في نفس الأمر كان التوقيف على مدته ت وينبغي للمؤمن أن يتأدب بآداب ذه الآية وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات قالوا نعم يا رسول الله قال تحلم على من جهل عليك وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك خرجه النسائي انتهى من الكوكب الدري لأبي العباس أحمد بن سعد التجيبي وقوله تعالى ان الله على كل شيء قدير مقتضاه في هذا الموضع وعد للمؤمنين وقوله تعالى واقيموا الصلاة الآية قال الطبري إنما أمر الله المؤمنين هنا بالصلاة والزكاة ليحط ما تقدم من ميلهم إلى قول اليهود راعنا لأن ذلك نهي عن نوعه وقوله تجدوه أي تجدوا ثوابه وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده قال جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله مالي لا أحب الموت فقال هل لك مال قال نعم يا رسول الله قال فقدم مالك بين يديك فإن المرء مع ماله إن قدمه أحب أن يلحقه وإن خلفه أحب التخلف انتهى وقوله تعالى ان الله بما تعلمون بصير خبر في اللفظ معناه الوعد والوعيد وقوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى معناه قال اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا وقال النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى فجمع قولهم ودل تفريق نوعيهم على تفريق قوليهم وهذا هو الإيجاز واللف وهودا جمع هائد ومعناه التائب الراجع وكذبهم الله

تعالى وجعل قولهم أمنية وأمر نبيه عليه السلام بدعائهم إلى إظهار البرهان وهو الدليل الذي يوقع اليقين وقولهم لن نفي حسنت بعده بلى إذ هي رد بالإيجاب في جواب النفي حرف مرتجل لذلك وأسلم معناه استسلم وخضع ودان وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف الأعضاء وفيه يظهر أثر العز والذل وهو محسن جملة في موضع الحال وقوله تعالى وقالت اليهود الآية معناه أنه ادعى كل فريق أنه أحق برحمة الله من الآخر وسبب الآية أن نصارى نجران اجتمعوا مع يهود المدينة عند النبي صلى اله عليه وسلم فتسابوا وكفر اليهود بعيسى وبملته وبالإنجيل وكفر النصارى بموسى وبالتوراة ع وفي هذا من فعلهم كفر كل طائفة بكتابها لأن الإنجيل يتضمن صدق موسى وتقرير التوراة والتوراة تتضمن التبشير بعيسى وكلاهما يتضمن صدق النبي صلى الله عليه و سلم فعنفهم الله تعالى على كذبهم وفي كتبهم خلاف ما قالوا وفي قوله تعالى وهم يتلون الكتاب تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه و سلم على ملازمة القرآن والوقوف عند حدوده والكتاب الذي يتلونه قيل هو التوراة والإنجيل فالألف واللام للجنس وقيل التوراة لأن النصارى تمتثلها وقوله تعالى كذلك قال الذين لا يعلمون يعني كفار العرب لأنهم لا كتاب لهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة الآية أي فيثيب من كان على شيء ويعاقب من كان على غير شيء ومن أظلم ممن منع مساجد الله الآية أي لا أحد أظلم من هؤلاء قال ابن عباس وغيره المراد النصارى الذين كانوا يؤذون من يصلي ببيت المقدس وقال ابن زيد المراد كفار قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المسجد الحرام وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة وقوله سبحانه اولئك ما كان لهم ان يدخلوها إلا خائفين الآية فمن جعل الآية في النصارى

روى أنه مر زمن بعد ذلك لا يدخل نصراني بيت المقدس إلا أوجع ضربا قاله قتادة والسدي ومن جعلها في قريش قال كذلك نودي بأمر النبي ص - ألا يحج مشرك وألا يطوف بالبيت عريان وأينما شرط وتولوا جزم به وثم جوابه ووجه الله معناه الذي وجهنا إليه كما تقول سافرت في وجه كذا أي في جهة كذا ويتجه في بعض المواضع من القرءان كهذه الآية أن يراد بالوجه الجهة التي فيها رضاه وعليها ثوابه كما تقول تصدقت لوجه الله ويتجه في هذه الآية خاصة أن يراد بالوجه الجهة التي وجهنا إليها في القبلة واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال ابن عمر نزلت هذه الآية في صلاة النافلة في السفر حيث توجهت بالإنسان دابته وقال النخعي الآية عامة أينما تولوا في متصرفاتكم ومساعيكم فثم وجه الله أي موضع رضاه وثوابه وجهة رحمته التي يوصل إليها بالطاعة وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة نزلت فيمن اجتهد في القبلة فأخطأ وورد في ذلك حديث رواه عامر بن ربيعة قال كنا مع النبي ص - في سفر في ليلة مظلمة فتحرى قوم القبلة وأعلموا علامات فلما أصبحوا رأوا أنهم قد أخطؤها فعرفوا رسول الله ص - بذلك فنزلت هذه الآية وقيل نزلت الآية حين صد رسول الله ص - عن البيت وواسع معناه متسع الرحمة عليم أين يضعها وقيل واسع معناه هنا أنه يوسع على عباده في الحكم دينه يسر عليم بالنيات التي هي ملاك العمل
وقوله تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه الآية اختلف على من يعود ضمير قالوا فقيل على النصارى وهو الأشبه وقيل على اليهود لأنهم قالوا عزير بن الله وقيل على كفرة العرب لأنهم قالوا الملائكة بنات الله
ت
وقال أبو عبد الله اللخمي ويحتمل أن يعني بالآية كل من تقدم ذكره من الكفرة وقد تقدم ذكر اليهود

والنصارى والذين لا يعلمون وهم المشركون وكلهم قد ادعى لله ولدا تعالى الله عن قولهم انتهى من مختصر الطبري وسبحانه مصدر معناه تنزيها له وتبرئة مما قالوا والقنوت في اللغة الطاعة والقنوت طول القيام فمعنى الآية أن المخلوقات تقنت لله أي تخشع وتطيع والكفار قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم وقيل الكافر يسجد ظله وهو كاره وبديع مصروف من مبدع والمبدع المخترع المنشئ وخص السماوات والأرض بالذكر لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جل وعلا وقضى معناه قدر وقد يجيء بمعنى امضى ويتجه في هذه الآية المعنيان والأمر واحد الأمور وليس هو هنا بمصدر أمر يأمر وتلخيص المعتقد في هذه الآية أن الله عز و جل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها قادرا مع تأخر المقدورات عالما مع تأخر وقوع المعلومات فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات إذ المحدثات تجيئ بعد أن لم تكن وكل ما يستند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل والمعنى الذي تقتضيه عبارة كن هو قديم قائم بالذات والوضوح التام في هذه المسألة يحتاج أكثر من هذا البسط
ت
وقد قدمنا ما يزيد هذا المعنى وضوحا عند قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فانظره
وقوله تعالى وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله الآية قال الربيع والسدي هم كفار العرب وقد طلب عبد الله بن أمية وغيره من النبي ص - نحو هذا وقال مجاهد هم النصارى وقال ابن عباس المراد من كان على عهد النبي ص - من اليهود لأن رافع بن حريملة قال للنبي ص - أسمعنا كلام الله وقيل الإشارة إلى جميع هذه الطوائف لأنهم كلهم قالوا هذه المقالة ولولا تحضيض بمعنى هلا والآية هنا العلامة الدالة والذين من قبلهم هم اليهود والنصارى في قول من جعل الذين لا يعلمون كفار العرب وهم

اليهود في قول من جعل الذين لا يعلمون النصارى وهم الأمم السالفة في قول من جعل الذين لا يعلمون العرب والنصارى واليهود وتشابه القلوب هنا في طلب ما لا يصح أو في الكفر
وقوله تعالى قد بينا الآيات لقوم يوقنون قرينة تقتضي أن اليقين صفة لعلمهم وقرينة أخرى أن الكلام مدح لهم
وقوله تعالى إنا أرسلناك بالحق بشيرا أي لمن آمن ونذيرا لمن كفر وقرأ نافع وحده ولا تسأل أي لا تسأل عن شدة عذابهم كما تقول فلان لا تسأل عنه تعني أنه في نهاية تشهره من خير أو شر
ت
وزاد في مختصر الطبري قال وتحتمل هذه القراءة معنى آخر وهو والله أعلم أظهر أي ولا تسأل عنهم سؤال مكترث بما أصابهم أو بما هم عليه من الكفر الذي يوردهم الجحيم نظير قوله عز و جل فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وأما ما روي عن محمد بن كعب القرطي ومن وافقه من أن النبي ص - سأل ما فعل أبواي فنزلت الآية في ذلك فهو بعيد ولا يتصل أيضا بمعنى ما قبله وانتهى وقرأ باقي السبعة ولا تسال بضم التاء واللام والجحيم إحدى طبقات النار وقوله تعالى قل إن هدى الله هو الهدى أي ما أنت عليه يا محمد من هدى الله هو الهدى الحقيقى لا ما يدعيه هؤلاء ثم قال تعالى لنبيه ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير فهذا شرط خوطب به النبي ص - وأمته معه داخلة فيه
ت والأدب أن يقال خوطب به ص - والمراد أمته لوجود عصمته ص - وكذلك الجواب في سائر ما أشبه هذا المعنى من الآي وقد نبه رحمه الله على هذا المعنى في نظيرتها كما سيأتي وكان الأولى أن ينبه على ذلك هنا أيضا وقد أجاب عياض عن الآى الواردة في القرآن مما يوهم ظاهره أشكالا فقال رحمه الله اعلم وفقنا الله

وإياك أنه عليه السلام لا يصح ولا يجوز عليه أن لا يبلغ وأن يخالف أمر ربه ولا إن يشرك ولا أن يتقول على الله ما لا يجب أو يفتري عليه أو يضل أو يختم على قلبه أو يطيع الكافرين لكن الله أمره بالمكاشفة والبيان في البلاغ للمخالفين وأن إبلاغه إن لم يكن بهذا البيان فكان ما بلغ وطيب نفسه وقوى قلبه بقوله تعالى والله يعصمك من الناس كما قال لموسى وهارون عليهما السلام لا تخافا لتشد بصائرهم في الإبلاغ وإظهار دين الله ويذهب عنهم خوف العدو المضعف لليقين وأما قوله تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل الآية وقوله إذا لأذقناك ضعف الحياة فمعناه أن هذا جزاء من فعل هذا وجزاؤك لو كنت ممن يفعله وهو ص - لا يفعله وكذلك قوله تعالى وإن تطع أكثر من في الأرض فالمراد غيره كما قال أن تطيعوا الذين كفروا الآية وقوله أن يشأ الله يختم على قلبك ولئن أشركت ليحبطن عملك وما أشبهه فالمراد غيره وأن هذا حال من أشرك والنبي ص - لا يجوز عليه هذا وقوله تعالى اتق الله ولا تطع الكافرين فليس فيه إنه أطاعهم والله ينهاه عما يشاء ويأمره بما يشاء كما قال تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآية و وما كان طردهم عليه السلام ولا كان من الظالمين انتهى من الشفا
ص
ولئن هذه اللام هي الموطئة والمؤذنة وهي مشعرة بقسم مقدر قبلها انتهى
وقوله تعالى الذين أتيناهم الكتاب يتلونه الآية قال قتادة المراد بالذين في هذا الموضع من أسلم من أمة النبي ص - والكتاب على هذا التأويل القرءان وقال ابن زيد المراد من أسلم من بني إسرائيل والكتاب على هذا التأويل التوراة وءاتيناهم معناه أعطيناهم ويتلونه معناه يتبعونه حق اتباعه بامتثال الأمر والنهي قال أحمد بن نصر الداودي وهذا قول ابن عباس قال عكرمة يقال فلان يتلو فلانا أي يتبعه ومنه والقمر إذا

تلاها أي تبعها انتهى ولله در من اتبع كلام ربه واقتفى سنة نبيه وإن قل علمه قال القضاعي في اختصاره للمدارك قال في ترجمة سحنون كان سحنون يقول مثل العلم القليل في الرجل الصالح مثل العين العذبة في الأرض العذبة يزرع عليها صاحبها ما ينتفع به ومثل العلم الكثير في الرجل الطالح مثل العين الخرارة في السبخة تهر الليل والنهار ولا ينتفع بها انتهى وقيل يتلونه يقرءونه حق قراءته وهذا أيضا يتضمن الاتباع والامتثال وحق مصدر وهو بمعنى افعل والضمير في به عائد على الكتاب وقيل يعود على محمد ص - لان متبعي التوراة يجدونه فيها فيؤمنون به والضمير في يكفر به يحتمل من العود ما ذكر في الأول
وقوله تعالى يا بني إسرائيل الآية تقدم بيان نظيرها ومعنى لا تنفعها شفاعة أنه ليست ثم وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحد فيرد وأما الشفاعة التي هي في تعجيل الحساب فليست بنافعة لهؤلاء الكفرة
ت
ولم ينبه رحمه الله على هذا في التي تقدمت أول السورة وابتلى معناه اختبر وفي مختصر الطبري ابتلى أي اختبر والاختبار من الله عز و جل لعباده على علم منه سبحانه بباطن أمرهم وظاهره وإنما يبتليهم ليظهر منهم سابق علمه فيهم وقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه في قوله عز و جل ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم فقال رضي الله عنه أن الله عز و جل لم يزل عالما بأخبارهم وخبرهم وما هم عليه وإن قوله ولنبلوكم حتى نعلم أي حتى نسوقكم إلى سابق علمي فيكم انتهى وهو كلام حسن وقد نبه
ع
على هذا المعنى فيما يأتي والعقيدة إن علمه سبحانه قديم علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به سبحانه لا إله إلا هو وإبراهيم يقال أن تفسيره بالعربية أب رحيم واختلف أهل التأويل في الكلمات فقال ابن عباس هي ثلاثون سهما

هي الإسلام كله لم يتمه أحد كاملا إلا إبراهيم عليه السلام عشرة منها في براءة التائبون العابدون الآية وعشرة في الأحزاب أن المسلمين والمسلمات الآية وعشرة في سأل سائل
ت
وقيل غير هذا وفي البخاري أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم قال الراوي فأوحى الله إليه أني جاعلك للناس إماما والإمام القدوة وإنما سميت هذه الخصال كلمات لأنها اقترنت بها أوامر هي كلمات وروي أن إبراهيم لما أتم هذه الكلمات أو أتمها الله عليه كتب الله له البراءة من النار فذلك قوله تعالى وإبراهيم الذي وفى
وقول إبراهيم عليه السلام ومن ذريتي هو على جهة الرغباء إلى الله أي ومن ذريتي يا رب فاجعل
وقوله تعالى قال لا ينال عهدي الظالمين أي قال الله والعهد فيما قال مجاهد الإمامة وقوله تعالى وإذ جعلنا البيت أي الكعبة مثابة يحتمل من ثاب إذا رجع ويحتمل أن تكون من الثواب أي يثابون هناك وآمنا للناس والطير والوحوش إذ جعل الله لها حرمة من النفوس بحيث يلقى الرجل بها قاتل أبيه فلا يهيجه وقرأ جمهور الناس واتخذوا بكسر الخاء على جهة الأمر لأمة محمد ص - وقرأ نافع وابن عامر واتخذوا بفتح الخاء على جهة الخبر عن من اتخذه من متبعي إبراهيم عليه السلام ومقام إبراهيم في قول ابن عباس وقتادة وغيرهما وخرجه البخاري هو الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه ومصلى موضع صلاة
ص
من مقام من تبعيضية على الأظهر أو بمعنى في أو زائدة على مذهب الأخفش والمقام مفعل من القيام والمراد به هنا المكان انتهى يعني المكان الذي فيه الحجر المسمى بالمقام
وقوله تعالى وعهدنا العهد على اللغة على أقسام منها الوصية بمعنى الأمر وطهرا قيل معناه ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة وقال

مجاهد هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان وللطائفين ظاهره أهل الطواف وقاله عطاء وغيره وقال ابن جبير معناه للغرباء الطارئين على مكة والعاكفين قال ابن جبير هم أهل البلد المقيمون وقال عطاء هم المجاورون بمكة وقال ابن عباس المصلون وقال غيره المعتكفون والعكوف في اللغة الملازمة
وقوله تعالى وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا أي من الجبابرة والعدو المستأصل وروي أن الله تعالى لما دعاه إبراهيم أمر جبريل فاقتلع فلسطين وقيل بقعة من الأردن فطاف بها حول البيت سبعا وأنزلها بوج فسميت الطائف بسبب الطواف
وقوله تعالى قال ومن كفر فأمتعه قليلا الآية قال أبي بن كعب وابن إسحاق وغيرهما هذا القول من الله عز و جل لإبراهيم وقال ابن عباس وغيره هذا القول من إبراهيم قال
ع
فكان إبراهيم دعا للمؤمنين وعلى الكافرين وفي مختصر الطبري وقرأ بعضهم فامتعه بالجزم والقطع على الدعاء ورءاه دعاء من إبراهيم وروي ذلك عن أبي العالية كان ابن عباس يقول ذلك قول إبراهيم سأل ربه أن من كفر به فأمتعه قليلا يقول فارزقه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار أي الجئه انتهى وعلى هذه القراءة يجيء قول ابن عباس لا على قراءة الجمهور وقليلا معناه مدة العمر لأن متاع الدنيا قليل
وقوله تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآية القواعد جمع قاعدة وهي الأساس
ص
القواعد قال الكسائي والفراء هي الجدر وقال أبو عبيدة هي الأساس انتهى واختلفوا في قصص البيت فقيل إن آدم أمر ببنائه ثم دثر ودرس حتى دل عليه إبراهيم فرفع قواعده وقيل أن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله وقيل غير هذا
ع
والذي يصح من هذا كله إن الله سبحانه أمر إبراهيم برفع قواعد البيت وجائز قدمه وجائز ان يكون ذلك ابتداء ولا يرجح شيء من ذلك الا

بسند يقطع العذر وإسماعيل عطف على إبراهيم والتقدير يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم أي السميع لدعائنا العليم بنياتنا وخصا هاتين الصفتين لتناسبهما مع حالهما وقولهما اجعلنا بمعنى صيرنا مسلمين وكذلك كانا وإنما أرادا التثبيت والدوام والإسلام في هذا الموضع الإيمان والأعمال جميعا ومن في قوله ومن ذريتنا للتبعيض لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين والأمة الجماعة وأرنا قالت طائفة من رؤية البصر وقالت طائفة من رؤية القلب وهذا لا يصح قال قتادة المناسك معالم الحج واختلف في معنى طلبهم التوبة وهم أنبياء معصومون فقالت طائفة طلبا التثبيت والدوام وقيل أرادا من بعدهما من الذرية وقيل وهو الأحسن أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت أرادا أن يسنا للناس أن تلك المواطن مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة وقال الطبري أنه ليس أحد من خلق الله إلا بينه وبين الله معان يحب أن تكون أحسن مما هي وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة واختلف في غير ذلك من الصغائر والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع وأن قول النبي ص - أني لأتوب في اليوم واستغفر الله سبعين مرة إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها لتزيد علومه واطلاعه على أمر ربه فهو يتوب من منزلة إلى أعلى والتوبة هنا لغوية وقوله ربنا وابعث فيهم رسولا منهم الآية هذا هو الذي أراد النبي ص - بقوله أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ومعنى منهم أي يعرفوه ويتحققوا فضله ويشفق عليهم ويحرص
ت
وقد تواترت أخبار نبينا محمد ص - وبعثته في الكتب السالفة وعلم بذلك الأحبار وأخبروا به وبتعيين الزمن الذي يبعث فيه وقد روى البيهقي

أحمد بن الحسين وغيره عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعة يقول سلوا أهل هذا الموسم أفيهم من هو من هذا الحرم قال قلت أنا فما تشاء قال هل ظهر أحمد بعد قلت ومن أحمد قال أحمد بن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه وهو خاتم الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وسباخ إذا كان فلا تسبقن إليه فوضع في قلبي ما قال وأسرعت اللحاق بمكة فسألت هل ظهر بعدي أمر فقالوا محمد الأمي قد تنبأ وتبعه أبو بكر بن أبي قحافة فمشيت إلى أبي بكر وأدخلني إلى رسول الله ص - فأسلمت وقد روى العذري وغيره عن ابي بكر رضي الله عنه أنه قال لقيت شيخا باليمن فقال لي أنت حرمي فقلت نعم فقال واحسبك قرشيا قلت نعم قال بقيت لي فيك واحدة اكشف لي عن بطنك قلت لا افعل أو تخبرني لم ذلك قال أجد في العلم الصحيح أن نبيا يبعث في الحرمين يقارنه على أمره فتى وكهل أما الفتى فخواض غمرات ودفاع معضلات وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه اليسرى علامة وما عليك أن تريني ما سالتك عنه فقد تكاملت فيك الصفة إلا ما خفي علي قال ابو بكر فكشفت له عن بطني فراى شامة سوداء فوق سرتي فقال أنت هو ورب الكعبة إني متقدم اليك في امر قلت ما هو قال إياك والميل عن الهدى وعليك بالتمسك بالطريقة الوسطى وخف الله فيما خولك وأعطى قال أبو بكر فلما ودعته قال أتحمل عني إلى ذلك النبي أبياتا قلت نعم فأنشأ الشيخ يقول
... ألم تراني قد سئمت معاشري ... ونفسي وقد أصبحت في الحي عاهنا ...
... حييت وفي الأيام للمرء عبرة ... ثلاث مئين بعد تسعين أمنا

وقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شيخا لا أطيق الشواحنا ...
وأنت ورب البيت تأتي محمدا ... لعامك هذا قد أقام البراهنا ...
فحي رسول الله عني فإنني ... على دينه أحيا وإن كنت قاطنا ...
قال أبو بكر فحفظت شعره وقدمت مكة وقد بعث النبي ص - فجاءني صناديد قريش وقالوا يا ابا بكر يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي قال فجئت إلى منزل النبي ص - فقرعت عليه فخرج إلي فقلت يا محمد فقدت من منازل قومك وتركت دين آبائك فقال يا ابا بكر إني رسول الله إليك وإلى الناس كلهم فآمن بالله فقلت وما دليلك قال الشيخ الراهب الذي لقيته باليمن قلت وكم من شيخ لقيت قال ليس ذلك أريد إنما أريد الشيخ الذي افادك الأبيات قلت ومن أخبرك بها قال الروح الأمين الذي كان يأتي الأنبياء قبلي قلت مد يمينك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال ابو بكر فانصرفت وما بين لبتيها أشد من رسول الله ص - فرحا بإسلامي انتهى من تأليف ابن القطان في الآيات والمعجزات ويتلوا عليهم آياتك أي آيات القرآن والكتاب القرآن قال قتادة والحكمة السنة وروى ابن وهب عن مالك أن الحكمة الفقه في الدين والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى
ت
ونقل عياض في مدركه عن مالك أن الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد وقال أيضا يقع في قلبي أن الحكمة الفقه في دين الله وأمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله وقال أيضا الحكمة التفكر في أمر الله والاتباع له والفقه في الدين والعمل به انتهى وقد أشار
ع
إلى هذا عند قوله تعالى يؤت الحكمة من يشاء
ت
والظاهر أن المراد بالحكمة هنا ما قاله قتادة فتأمله ويزكيهم معناه يطهرهم وينميهم بالخير والعزيز

الذي يغلب ويتم مراده والحكيم المصيب مواقع الفعل المحكم لها
وقوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم الآية من استفهام والمعنى ومن يزهد فيه ويربأ بنفسه عنها إلا من سفه نفسه والملة الشريعة والطريقة وسفه من السفه الذي الذي معناه الرقة والخفة واصطفى من الصفوة معناه تخير إلا صفى ومعنى هذا الاصطفاء أنه نبأه واتخذه خليلا وإنه في الآخرة لمن الصالحين قيل المعنى أنه ف عمل الآخرة لمن الصالحين فالكلام على حذف مضاف إذ قال له ربه أسلم كان هذا القول من الله تعالى حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس والإسلام هنا على أتم وجوهه والضمير في بها عائد على كلمته التي هي أسلمت لرب العالمين وقيل على الملة والأول أصوب لأنه أقرب مذكور ويعقوب قيل عطف على إبراهيم وقيل مقطوع منفرد بقوله يا بني والتقدير ويعقوب قال يا بني واصطفى هنا معناه تخير صفوة الأديان وقوله فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون إيجاز بليغ وذلك أن المقصود من أمرهم بالإسلام الدوام عليه فاتى بلفظ موجز يقتضي المقصود ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه فقد توجه من وقت الأمر دائبا لازما
وقوله تعالى أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت هذا الخطاب لليهود والنصارى الذين انتحلوا الأنبياء صلوات الله عليهم ونسبوهم إلى اليهودية والنصرانية فرد الله عليهم وكذبهم وأعلمهم أنهم كانوا على الحنيفية الإسلام وقال لهم على جهة التقرير والتوبيخ أشهدتم يعقوب بما أوصى فتدعون عن علم أم لم تشهدوا بل أنتم تفترون وأم للاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية وحكى الطبري أن ام يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره وهذا منه وشهداء جمع شاهد أي حاضر ومعنى الآية حضر يعقوب مقدمات الموت ومن بعدي أي من

بعد موتي ودخل إسماعيل في الآباء لأنه عم وقد أطلق النبي ص - على العباس اسم الأب فقال هذا بقية آباءي وقال ردوا علي أبي الحديث وقال أنا ابن الذبيحين على القول الشهير في أن إسحاق هو الذبيح
ت
وفي تشهيره نظر بل الراجح أنه إسماعيل على ما هو معلوم في موضعه وسيأتي إن شاء الله تعالى
وقوله تعالى تلك أمة قد خلت الآية يعني بالأمة الأنبياء المذكورين والمخاطب في هذه الآية اليهود والنصارى وقولهم كونوا هودا أو نصارى تهتدوا نظير قولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى والحنيف في الدين الذي مال عن الأديان المكروهة إلى الحق ويجيء الحنيف في الدين بمعنى المستقيم على جميع طاعات الله
قوله تعالى قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما اوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم الآية هذا الخطاب لأمة محمد ص - وما أنزل إلينا يعني القرءان والأسباط هم ولد يعقوب وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وريالون ويشحر ودينة بنته وأمهم ليا ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبن يامين وولد له من سريتين ذان وتفثا لا وجاد وأشر والسبط في بني إسراءيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل فسموا الأسباط لأنه كان من كل واحد منهم سبط ولا نفرق بين أحد منهم أي لا نومن ببعض ونكفر ببعض كما تفعلون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به أي فإن صدقوا تصديفا مثل تصديقكم فقد اهتدوا وإن تولوا أي أعرضوا يعني اليهود والنصارى فإنما هم في شقاق أي في مشاقة ومخالفة لك هم في شق وأنت في شق وقيل شاق معناه شق كل واحد وصل ما بينه وبين صاحبه ثم وعده تعالى أنه سيكفيه إياهم ويغلبه عليهم فكان ذلك في قتل بني قينقاع وبنى قريظة وإجلاء النضير وهذا

الوعد وانتجازه من أعلام نبوءة نبينا محمد ص - والسميع لقول كل قائل والعليم بما ينفذه في عباده وصيغة الله شريعته ودينه وسنته وفطرته قال كثير من المفسرين وذلك أن النصارى لهم ماء يصبغون فيه أولادهم فهذا ينظر إلى ذلك وقيل سمي الدين صبغة استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر الصبغ في الثوب وغيره ونصب الصبغة على الإغراء
وقوله تعالى قل أتحاجوننا في الله الآية معنى الآية قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى أتحاجوننا في الله أي أتجادلوننا في دينه والقرب منه والحظوى لديه سيحانه والرب واحد وكل مجازى بعمله ثم وبخهم بقوله ونحن له مخلصون أي ولم تخلصوا أنتم فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم وقوله تعالى أم تقولون عطف على ألف الاستفهام المتقدمة وهذه القراءة بالتاء من فوق قراءة ابن عامر وحمزة وغيرهما وقرأ نافع وغيره بالياء من أسفل وأم على هذه القراءة مقطوعة ووقفهم تعالى على موضع الانقطاع في الحجة لأنهم إن قالوا إن الأنبياء المذكورين على اليهودية والنصرانية كذبوا لأنه قد علم أن هذين الدينين حدثا بعدهم وإن قالوا لم يكونوا على اليهودية والنصرانية قيل لهم فهلموا إلى دينهم إذ تقرون بالحق
وقوله تعالى قل آنتم أعلم أم الله تقريرا على فساد دعواهم إذ لا جواب لمفطور إلا أن الله تعالى أعلم ومن أظلم ممن كتم شهادة أي لا أحد أظلم منه وإياهم أراد تعالى بكتمان الشهادة قال مجاهد وغيره فالذي كتموه هو ما كتبهم من أن الأنبياء على الحنيفية لا على ما ادعوه وقال قتادة وغيره هو ما عندهم من الأمر بتصديق النبي ص - والأول أشبه بسياق الآية ومن متعلقة بعنده ويحتمل أن تتعلق بكتم وما الله بغافل الآية فيه وعيد وإعلام أنه لا يترك أمرهم سدى والغافل الذي لا يفطن للأمور إهمالا منه مأخوذ من الأرض الغفل وهي التي لا معلم بها

وقوله تعالى تلك أمة الآية كررها عن قرب لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف ولترداد ذكرهم أيضا في معنى غير الأول
قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس الآية اختلف في تعيين هؤلاء السفهاء فقال ابن عباس هم الأحبار وذلك أنهم جاءوا إلى النبي ص - فقالوا يا محمد ما ولاك عن قبلتنا ارجع إليها ونومن بك يريدون فتنته وقيل اليهود والمنافقون وقالت فرقة هم كفار قريش وولاهم معناه صرفهم ويهدي من يشاء إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الأمة إلى قبلة إبراهيم وكذلك جعلناكم أي كما هديناكم إلى قبلة إبراهيم وشريعته جعلناكم أمة وسطا أي عدولا روي ذلك عن رسول الله ص - وتظاهرت به عبارات المفسرين والوسط الخيار والأعلى من الشيء وواسطة القلادة أنفس حجر فيها ومنه قوله تعالى قال أوسطهم وشهداء جمع شاهد والمراد بالناس هنا في قول جماعة جميع الجنس وإن أمة محمد ص - تشهد يوم القيامة للأنبياء على أممهم بالتبليغ وروي في هذا المعنى حديث صحيح عن النبي ص - وروي عنه أن أمته تشهد لكل نبي ناكره قومه
ت
وهذا الحديث خرجه البخاري وابن ماجه وابن المبارك في رقائقه وغيرهم قائلا ص - فذلك قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية وكون الرسول شهيدا قيل معناه بأعمالكم يوم القيامة وقيل عليكم بمعنى لكم أي يشهد لكم بالإيمان وقوله تعالى وما جعلنا القبلة الآية قال قتادة وغيره القبلة هنا بيت المقدس أي إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين لم يالفوا إلا مسجد مكة أو من اليهود على ما قاله الضحاك الذين قالوا للنبي ص - إن صليت إلى بيت المقدس اتبعناك فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا وقال ابن عباس القبلة في الآية

الكعبة وكنت عليها بمعنى أنت عليها كقوله تعالى كنتم خير أمة بمعنى أنتم وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة وروي في ذلك أن رسول الله ص - لما حول إلى الكعبة أكثر في ذلك اليهود والمنافقون وارتاب بعض المؤمنين حتى نزلت الآية ومعنى لنعلم أي ليعلم رسولي والمؤمنين به والقاعدة نفي استقبال العلم بعد إن لم يكن وينقلب على عقبيه عبارة عن المرتد والرجوع على العقب أسوأ حالات الراجع
وقوله تعالى وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله الآية الضمير في كانت راجع إلى القبلة إلى بيت المقدس أو إلى التحويلة إلى الكعبة حسبما تقدم من الخلاف في القبلة وكبيرة هنا معناه شاقة صعبة تكبر في الصدور ولما حولت القبلة كانت من قول اليهود يا محمد إن كانت الأولى حقا فأنت الآن على باطل وإن كانت هذه حقا فكنت في الأولى على ضلال فوجمت نفوس بعض المؤمنين وأشفقوا على من مات قبل التحويل من صلاتهم السالفة فنزلت وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتك قاله ابن عباس وغيره وسمى الصلاة إيمانا لما كانت صادرة عن الإيمان ولأن الإيمان هو القطب الذي عليه تدور الأعمال فذكره إذ هو الأصل وليلا يندرج في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس فذكر المعنى الذي هو ملاك الأمر وأيضا سميت إيمانا إذ هي من شعب الإيمان
ت
وفي العتبية من سماع ابن القاسم قال مالك قال الله تبارك وتعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم قال هي صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس قال ابن رشد وعلى هذا القول أكثر أهل التفسير وقد قيل إن المعنى في ذلك وما كان الله ليضيع إيمانكم بفرض الصلاة عليكم إلى بيت المقدس انتهى من البيان والرأفة أعلى منازل الرحمة
وقوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية المقصد تقلب البصر وأيضا

فالوجه بتقلب البصر قال قتادة وغيره كان رسول الله ص - يقلب وجهه في الدعاء إلى الله تعالى أن يحوله إلى قبلة مكة ومعنى التقلب نحو السماء أن السماء جهة قد تعود العالم منها الرحمة كالمطر والأنوار والوحي فهم يجعلون رغبتهم حيث توالت النعم قال
ص
فلنولينك يدل على تقدير حال أي قد نرى تقلب وجهك في السماء طالبا قبلة غير التي أنت مستقبلها فلنولينك انتهى وترضاها معناه تحبها وكان النبي ص - يحب الكعبة والتحول عن بيت المقدس لوجوه ثلاثة رويت أحدها لقول اليهود ما علم محمد دينه حتى اتبعنا قاله مجاهد الثاني ليصيب قبلة إبراهيم عليه السلام قاله ابن عباس الثالث ليستألف العرب لمحبتها في الكعبة قاله الربيع والسدى
ع
والميزاب هو قبلة المدينة والشام وهنالك قبلة أهل الأندلس بتأريب ولا خلاف أن الكعبة قبلة من كل افق
وقوله تعالى فول وجهك الآية أمر بالتحول ونسخ لقبلة الشام وشطر نصب على الظرف ومعناه نحو وتلقاء وحيث ما كنتم فولوا أمر للأمة ناسخ وإن الذين أوتوا الكتاب الآية المعنى أن اليهود والنصارى يعلمون أن الكعبة هي قبلة إبراهيم إمام الأمم وإن استقبالها هو الحق الواجب على الجميع اتباعا لمحمد ص - الذي يجدونه في كتبهم وتضمنت الآية الوعيد
وقوله جلت قدرته ولئن أتيت الآية اعلم الله تعالى نبيه عليه السلام حين قالت له اليهود راجع بيت المقدس ونومن بك إن ذلك مخادعة منهم وإنهم لا يتبعون له قبلة يعني جملتهم لأن البعض قد اتبع كعبد الله بن سلام وغيره وإنهم لا يؤمنون بدينه أي فلا تصغ إليهم والآية هنا العلامة
وقوله جلت عظمته وما أنت بتابع قبلتهم لفظ خبر يتضمن الأمر أي فلا تركن إلى شيء من ذلك وما بعضهم الآية قال ابن زيد وغيره المعنى

ليست اليهود متبعة قبلة النصارى ولا النصارى مبتعة قبلة اليهود فهذا إعلام باختلافهم وتدابرهم وضلالهم وقبلة النصارى مشرق الشمس وقبلة اليهود بيت المقدس
وقوله تعالى ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم الآية خطاب للنبي ص - والمراد أمته وما ورد من هذا النوع الذي يوهم من النبي ص - ظلما متوقعا فهو محمول على إرادة أمته لعصمة النبي ص - وقطعا أن ذلك لا يكون منه وإنما المراد من يمكن أن يقع ذلك منه وخوطب النبي ص - تعظيما للأمر قال الفخر ودلت هذه الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم لأن قوله من بعد ما جاءك من العلم يدل على ذلك انتهى وهو حسن
ص
ولئن أتيت لام لئن مؤذنة بقسم مقدر قبلها ولهذا كان الجواب له ما تبعوا ولو كان للشرط لدخلت الفاء وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ومن ثم جاء فعل الشرط ماضيا لأنه إذا حذف جوابه وجب فعله لفظا انتهى
وقوله تعالى الذين أتيناهام الكتاب يعرفونه الآية الضمير في يعرفونه عائد على الحق في القبلة والتحول إلى الكعبة قاله ابن عباس وغيره وقال مجاهد وغيره هو عائد على محمد ص - أي يعرفون صدقه ونبوءته
ت
بل وصفاته وإن فريقا منهم ليكتمون الحق الفريق الجماعة وخص لأن منهم من أسلم ولم يكتم والإشارة بالحق إلى ما تقدم على الخلاف في ضمير يعرفونه وهم يعلمون ظاهر في صحة الكفر عنادا وقوله تعالى من ربك أي هو الحق فلا تكونن من الممترين الخطاب للنبي ص - والمراد أمته وامترى في الشيء إذا شك فيه ومنه المراء لأن هذا يشك في قول هذا
وقوله تعالى ولكل وجهة الوجهة من المواجهة كالقبلة والمعنى ولكل صاحب ملة وجهة هو موليها نفسه قاله ابن عباس وغيره

وقرأ ابن عامر هو مولاها أي الله موليها إياهم ثم أمر تعالى عباده باستباق الخيرات والبدار إلى سبيل النجاة وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده أن النبي ص - قال من فتح له باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه انتهى ثم وعظهم سبحانه بذكر الحشر موعظة تتضمن وعيدا وتحذيرا
ص
أينما ظرف مضمن معنى الشرط في موضع خبر كان انتهى
وقوله يأت بكم الله جميعا يعني به البعث من القبور
وقوله تعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعلمون معناه حيث كنت وإني توجهت من مشارق الأرض ومغاربها وكررت هذه الآية تأكيدا من الله سبحانه لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا فأكد الأمر ليرى الناس التهمم به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه
وقوله تعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة الآية المعنى عرفتكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة لذلك لئلا يكون للناس عليكم حجة والمراد بالناس العموم في اليهود والعرب وغيرهم إلا الذين ظلموا منهم أي من المذكورين ممن تكلم في النازلة في قولهم ما ولاهم عن قبلتهم
وقوله تعالى فلا تخشوهم واخشوني الآية فيه تحقير لشأنهم وأمر بإطراح أمرهم ومراعاة أمره سبحانه قال الفخر وهذه الآية تدل على أن الواجب على المرء في كل أفعاله وتروكه أن ينصب بين عينيه خشية ربه تعالى وأن يعلم انه ليس في أيدي الخلق شيء البتة وأن لا يكون مشتغل القلب بهم ولا ملتفت الخاطر إليهم انتهى قال
ص
إلا الذين استثناء متصل قاله ابن عباس وغيره أي لئلا تكون حجة من اليهود المعاندين القائلين ما ترك قبلتنا وتوجه للكعبة إلا حبا لبلده وقيل منقطع أي لكن الذين

ظلموا منهم فإنهم يتعلقون عليكم بالشبه وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى أن لا في الآية بمعنى الواو قال ومنه
... وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان ...
أي والذين ظلموا والفرقدان ورد بأن إلا بمعنى الواو لا يقدم عليه دليل انتهى
وقوله تعالى فولوا وجهكم شطره أمر باستقبال القبلة وهو شرط في الفرض إلا في القتال حالة الالتحام وفي النوافل إلا في السفر الطويل للراكب والقدرة على اليقين في مصادفتها تمنع من الاجتهاد وعلى الاجتهاد تمنع من التقليد
وقوله سبحانه ولأتم نعمتي عليكم عطف على قوله ليلا وقيل هو في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر تقديره ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي ونحوه ولعلكم تهتدون ترج في حق البشر والكاف في قوله كما رد على قوله ولأتم أي إتماما كما وهذا أحسن الأقوال أي لأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عيه السلام كما أرسلنا فيكم رسولا منكم إجابة لدعوته في قوله ربنا وابعث فيهم رسولا منهم وقيل الكاف من كما رد على ما تهتدون أي اهتداء كما قال الفخر وهنا تأويل ثالث وهو أن الكاف متعلقة بما بعدها أيكما أرسلنا فيكم رسولا وأوليتكم هذه النعم فاذكروني أذكركم واشكروا لي الآية انتهى
ت
وهذا التأويل نقله الداودي عن الفراء انتهى وهذه الآية خطاب لأمة محمد ص - وءاياتنا يعني القرءان ويزكيكم أي يطهركم من الكفر وينميكم بالطاعة والكتاب القرءان والحكمة ما يتلقى عنه ص - من سنة وفقه ودين وما لم تكونوا تعلمون قصص من سلف وقصص ما يأتي من الغيوب
قوله تعالى فاذكروني أذكركم الآية قال سعيد بن جبير معنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب
ت
وفي تفسير أحمد بن نصر الداودي وعن ابن جبير اذكروني بطاعتي أذكركم

بمغفرتي وروي أن النبي ص - قال من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرءان ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرءان انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن أنس بن مالك قال ما من بقعة يذكر الله عليها بصلاة أو بذكر إلا افتخرت على ما حولها من البقاع واستبشرت بذكر الله إلى منتهاها من سبع أرضين وما من عبد يقوم يصلي إلا تزخرفت له الأرض قال ابن المبارك وأخبرنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال الذاكر في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين انتهى وقال الربيع والسدى المعنى اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحوه وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ص - يقول الله تبارك وتعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملإ خير منهم الحديث انتهى واشكروا لي أي نعمي وأيادي ولا تكفرون أي نعمي وأيادي
ت
وعن جابر قال قال رسول الله ص - ما أنعم الله على عبد من نعمة فقال الحمد لله إلا وقد أدى شكرها فإن قالها الثانية جدد الله لها ثوابها فإن قالها الثالثة غفر الله له ذنوبه رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح انتهى من السلاح
وقوله تعالى إن الله مع الصابرين أي بمعونته وإنجاده
وقوله تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية سببها أن الناس قالوا فيمن قتل ببدر واحد من المؤمنين مات فلان مات فلان فكره الله سبحان أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم فنزلت هذه الآية وأيضا فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم فنزلت الآية مسلية لهم تعظم منزلة الشهداء وتخبر عن حقيقة حالهم فصاروا مغبوطين لا محزونا لهم ويظهر ذلك من حديث

أم حارثة في السير
ت
وخرجه البخاري في صحيحه عن أنس قال أصيب حارثة يوم بدر إصابة غرب سهم وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي ص - فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة اصبر واحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع فقال ويحك أو هبلت أوجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى الحديث انتهى
ع
والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق وذلك أن الله تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم
ت
وللشهيد أحوال شريفة منها ما خرجه الترمذي وابن ماجه عن النبي ص - قال للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقربائه قال الترمذي هذا حديث حسن غريب زاد ابن ماجة ويحلى حلة الإيمان قال القرطبي في تذكرته هكذا وقع في نسخ الترمذي وابن ماجة ست خصال وهي في متن الحديث سبع وعلى ما في ابن ماجة ويحلى حلة الإيمان تكون ثمانيا وكذا ذكره أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد بسنده عن النبي ص - قال للشهيد عند الله ثمان خصال انتهى وخرج الترمذي والنساءي عنه ص - أنه قال الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة انتهى
ع
روي عن النبي ص - أن أراواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة وروي أنهم في قبة خضراء وروي أنهم في قناديل من ذهب إلى كثير من هذا ولا محالة أنها أحوال لطوائف أو للجميع في أوقات

متغايرة
ت
وكذا ذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب الإفصاح أن المنعمين على جهات مختلفة بحسب مقاماتهم وتفاوتهم في أعمالهم قال صاحب التذكرة وهذا قول حسن وبه يجمع بين الأخبار حتى لا تتدافع انتهى قال
ع
وجمهور العلماء على أنهم في الجنة ويؤيده قول النبي ص - لأم حارثة أنه في الفردوس الأعلى وقال مجاهد هم خارج الجنة ويعلقون من شجرها وفي مختصر الطبري قال ونهى عز و جل أن يقال لمن يقتل في سبيل الله أموات واعلم سبحانه أنهم أحياء ولكن لا شعور لنا بذلك إذ لا نشاهد باطن أمرهم وخصوا من بين سائر المؤمنين بأنهم في البرزخ يرزقون من مطاعم الجنة ما يرزق المؤمنون من اهل الجنة على انه قد ورد في الحديث إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ومعنى يعلق يأكل ومنه قولهم ما ذقت علاقا أي ماكلا فقد عم المؤمنين بأنهم يرزقون في البرزخ من رزق الجنة ولكن لا يمتنع أن يخص الشهداء من ذلك بقدر لا يناله غيرهم والله أعلم انتهى وروى النساءي أن رجلا قال يا رسول الله ما بال المؤمنين في قبورهم إلا الشهيد قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة انتهى
ت
وحديث إنما نسمة المؤمن طائر خرجه مالك رحمه الله قال الداودي وحديث مالك هذا أصح ما جاء في الأرواح والذي روي أنها تجعل في حواصل طير لا يصح في النقل انتهى قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد والأشبه قول من قال كطير أو كصور طير لموافقته لحديث الموطأ هذا وأسند أبو عمر هذه الأحاديث ولم يذكر مطعنا في إسنادها انتهى ثم أعلمهم تعالى أن الدنيا دار بلاء ومحنة ثم وعد على الصبر فقال ولنبلونكم أي نمتحنكم بشيء من الخوف أي من الأعداء في الحروب ونقص من الأموال أي بالحوائج والمصائب والأنفس

بالموت والقتل بالعاهات والمراد بشيء من هذا وشيء من هذا واكتفى بالأول إيجازا ثم وصف سبحانه الصابرين الذين بشرهم بقوله الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون فجعل سبحانه هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب لما جمعت من المعاني المباركة من توحيد الله سبحانه والإقرار له بالعبودية والبعث من القبور واليقين بأن رجوع الأمر كله إليه كما هو له قال الفخر قال أبو بكر الوراق إنا لله إقرار منا له بالملك وإنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلاك واعلم أن قوله إنا لله يدل على كونه راضيا بكل ما نزل به ووردت أخبار كثيرة في هذا الباب عن النبي ص - فمن استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه انتهى وروي أن مصباح رسول الله ص - انطفأ ذات ليلة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون فقيل أمصيبة هي يا رسول الله قال نعم كل ما أذى المؤمن فهو مصيبة قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - ليسترجع أحدكم في كل شيء حتى في شسع نعله فإنها من المصائب انتهى من الحلية
وقوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم الآية نعم من الله تعالى على الصابرين المسترجعين وصلوات الله على عبده عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة وكرر الرحمة وهي من أعظم أجزاء الصلاة لما اختلف اللفظ تأكيدا منه تعالى وشهد لهم بالاهتداء
ت
وفي صحيح البخاري وقال عمر نعم العدلان ونعم العلاوة الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إلى المهتدون قال النووي في الحلية وروينا في سنن ابن ماجه والبيهقي بإسناد حسن عن عمرو بن حزم عن النبي ص - قال ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز و جل من حلل الكرامة يوم القيامة وروينا في كتاب الترمذي

والسنن الكبير لليبهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من عزى مصابا فله مثل أجره إسناده ضعيف وروينا في كتاب الترمذي أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة قال الترمذي ليس إسناده بالقوي انتهى قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الصفا جمع صفاة وهي الصخرة العظيمة والمروة واحدة المرو وهي الحجارة الصغار التي فيها لين ومن شعائر الله معناه معالمه ومواضع عبادته وقال مجاهد ذلك راجع إلى القول أي مما أشعركم الله بفضله مأخوذ من شعرت إذا تحسست وحج معناه قصد وتكرر واعتمر زار وتكرر مأخوذ من عمرت الموضع والجناح الإثم والميل عن الحق والطاعة ومن اللفظة الجناح لأنه في شق ومنه وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ويطوف أصله يتطوف فقوله ان الصفا والمروة الآية خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما وقوله فلا جناح ليس المقصود منه إباحة الطواف لمن شاءه لأن ذلك بعد الأمر لا يستقيم وإنما المقصود رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك في الأنصار ومذهب مالك والشافعي أن السعي بينهما فرض لا يجزى تاركه إلا العودة قال ابن العربي في أحكامه والدليل على ركنيته ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ان الله كتب عليكم السعي فاسعوا صححه الدارقطني ويعضده المعنى فإنه شعار أي معلم لا يخلو عنه الحج والعمرة فكان ركنا كالطواف انتهى ومن تطوع أي زاد برا بعد الواجب في جميع الأعمال وقال بعضهم معناه من تطوع بحج أو عمرة بعد حجة الفريضة ومعنى شاكر أي يبذل الثواب والجزاء عليم بالنيات والأعمال لا يضيع معه لعامل عمل وقوله سبحانه إن الذين يكتمون

ما أنزلنا الآية المراد بالذين أحبار اليهود ورهبان النصاري الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه و سلم وتتناول الآية بعد كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه و سلم من سئل عن علم فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من النار قال ابن العربي وللآية تحقيق وهو أن العالم إذا قصد الكتمان عصى وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أن معه غيره وقد كان أبو بكر وعمر لا يحدثان بكل ما سمعا من النبي صلى الله عليه و سلم إلا عند الحاجة وكان الزبير اقلهم حديثا ثم قال ابن العربي فأما من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية وأما إن لم يسأل فلا يلزم التبليغ إلا في القرآن وحده وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضيلة التبليغ بأنه قال نضر الله أمر أسمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها انتهى من أحكام القرآن والبينات والهدى أمر محمد صلى الله عليه و سلم ثم يعم بعد كل ما يكتم من خير وفي الكتاب يراد به التوراة والانجيل ويدخل القرآن في عموم الآية واختلف في اللاعنين فقال قتادة والربيع الملائكة والمؤمنون وهذا ظاهر واضح وقيل الحشرات والبهائم وقيل جميع المخلوقات ما عدا الثقلين الجن والإنس وهذان القولان لا يقتضيهما اللفظ ولا يثبتان إلا بسند يقطع العذر ثم استثنى الله سبحانه التائبين واصلحوا أي في أعمالهم وأقوالهم وبينوا أي أمر محمد صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار الآية هذه الآية محكمة في الذين وافوا على كفرهم واختلف في معنى قوله والناس أجمعين والكفار لا يلعنون أنفسهم فقال قتادة والربيع المراد بالناس المؤمنون خاصة وقال أبو العالية معنى ذلك في الآخرة وقوله خالدين فيها أي في اللعنة وقيل في النار وعاد الضمير عليها وإن لم يجر لها ذكر لثبوتها في المعنى ولاهم ينظرون أي لا يؤخرون عن العذاب

ويحتمل أن يكون من النظر نحو قوله تعالى ولا ينظر إليهم يوم القيامة والأول أظهر لأن النظر بالعين إنما يعدى بالى إلا شاذا في الشعر وقوله تعالى والهكم اله واحد الآية إعلام بالوحدانية قال عطاء لما نزلت هذه الآية بالمدينة قال كفار قريش بمكة ما الدليل على هذا وما آيته وعلامته ونحوه عن ابن المسيب فنزل عند ذلك قوله تعالى إن في خلق السموات والأرض الآية أي في اختراعها وإنشائها والنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقضى بذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم لعدي بن حاتم إنما هو بياض النهار وسواد الليل وهذا هو مقتضى الفقه في الإيمان ونحوها وأما على ظاهر اللغة وأخذه من السعة فهو من الأسفار وقال الزجاج في كتاب الأنواء أول النهار ذرور الشمس قال وزعم النضر بن شميل أن أول النهار ابتداء طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار قال ع وقول النبي صلى الله عليه و سلم هو الحكم والفلك السفن ومفرده وجمعه بلفظ واحد وما أنزل الله من السماء من ماء يعنى به الأمطار وبث معناه فرق وبسط ودابة تجمع الحيوان كله وتصريف الرياح إرسالها عقيما وملقحة وصرا ونصرا وهلاكا وجنوبا وشمالا وغير ذلك والرياح جمع ريح وجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب إلا في يونس في قوله سبحانه وجرين بهم بريح طيبة وهذا أغلب وقوعها في الكلام وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا هبت ريح يقول اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وذلك لان ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنها جسم واحد وريح الرحمة لينة تجيء من هاهنا وهاهنا متقطعة فلذلك يقال هي رياح وهو معنى نشر وأفردت مع الفلك لأن ريح إجراء السفن إنما هي واحدة متصلة ثم وصفت بالطيب فزال الإشتراك بينها وبين ريح العذاب وهي لفظة من ذوات الواو يقال ريح وأرواح

ولا يقال أرياح وإنما يقال رياح من جهة الكسرة وطلب تناسب الياء معها وقد لحن في هذه اللفظة عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير فاستعمل الأرياح في شعره ولحن في ذلك وقال له أبو حاتم إن الأرياح لا يجوز فقال أما تسمع قولهم رياح فقال أبو حاتم هذا خلاف ذلك فقال صدقت ورجع والسحاب جمع سحابه سمي بذلك لأنه ينسحب وتسخيره بعثه من مكان إلى آخر فهذه آيات وقوله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا الآية الند النظير والمقاوم قال مجاهد وقتادة المراد بالأنداد الأوثان كحب الله أي كحبكم لله أو كحبكم حسبما قدر كل وجه منها فرقة ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان ثم أخبر أن المؤمنين أشد حبا لله لإخلاصهم وتيقنهم الحق وقوله تعالى ولو ترى الذين ظلموا أي ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله أو لعلمت أن القوة لله جميعا فجواب لو مضمر على التقديرين وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم علم ذلك ولكن خوطب والمراد أمته وقرأ حمزة وغيره بالياء أي ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله والذين اتبعوا بفتح التاء والباء هم العبدة لغير الله الضالون المقلدون لرؤسائهم أو للشياطين وتبريهم هو بأن قالوا إنا لم نضل هؤلاء بل كفروا بإرادتهم والسبب في اللغة الحبل الرابط الموصل فيقال في كل ما يتمسك به فيصل بين شيئين وقال الذي اتبعوا أي الاتباع والكرة العودة إلى حال قد كان كذلك يريهم الله أعمالهم الآية يحتمل أن يكون من رؤية البصر ويحتمل رؤية القلب أي يريهم الله أعمالهم الفاسدة التي ارتكبوها وقال ابن مسعود اعمالهم الصالحة التي تركوها والحسرة أعلى درجات الندامة والهم بما فات وهي مشتقة من

الشيء الحسير الذي انقطع وذهبت قوته وقيل من حسر إذا كشف وقوله تعالى يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا الآية الخطاب عام وما بمعنى الذي وحلالا حال من الضمير العائد على ما وطيبا نعت ويصح أن يكون حالا من الضمير في كلوا تقديره مستطيبين والطيب عند مالك الحلال فهو هنا تأكيد لاختلاف اللفظ وهو عند الشافعي المستلذ ولذلك يمنع أكل الحيوان القذر قال الفخر الحلال هو المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد انتهى وخطوات جمع خطوة والمعنى النهي عن اتباع الشيطان وسلوك سبله وطرائقه قال ابن عباس خطواته أعماله وقال غيره آثاره ع وكل ما عدا السنن والشرائع من البدع والمعاصي فهي خطوات الشيطان وعدو يقع للمفرد والمثنى والجمع إنما يأمركم بالسوء والفحشاء الآية إنما ها هنا للحصر وأمر الشيطان إما بقوله في زمن الكهنة وإما بوسوسته والسوء مصدر من ساء يسوء وهي المعاصي وما تسوء عاقبته والفحشاء قيل الزنا وقيل ما تفاحش ذكره واصل الفحش قبح المنظر ثم استعملت اللفظة فيما يستقبح والشرع هوالذي يحسن ويقبح فكل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء وما لا تعملون قال الطبري يريد ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوها وجعلوه شرعا وإذا قيل لهم يعني كفار العرب وقال ابن عباس نزلت في اليهود والألف في قوله سبحانه أو لو كان للاستفهام لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون فقروا على التزامهم هذا إذ هذه حال آبائهم وقوة ألفاظ هذه الآية تعطى إبطال التقليد وأجمعت الأمة على إبطاله في العقائد ومثل الذين كفروا الآية المراد تشبيه واعظ الكافرين وداعيهم بالراعي الذي ينعق بالغنم أو الإبل فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه ولا تفقه ما يقول هكذا فسر

ابن عباس وعكرمة والسدي وسيبويه فذكر تعالى بعض هذه الجملة وبعض هذه ودل المذكور على المحذوف وهذه نهاية الإيجاز والنعيق زجر الغنم والصياح بها وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم الآية الطيب هنا يجمع الحلال المستلذ والآية تشير بتبعيض من إلى أن الحرام رزق وحض سبحانه على الشكر والمعنى في كل حالة وفي مصابيح البغوي عن أبي داود والنسائي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الطاعم الشاكر كالصائم الصابر انتهى قال القشيري قال أهل العلم بالأصول نعم الله تعال على ضربين نعمة نفع ونعمة دفع فنعمة النفع ما أولاهم ونعمة الدفع ما زوي عنهم وليس كل أنعامه سبحانه انتظام أسباب الدنيا والتمكن منها بل الطاف الله تعالى فيما زوى عنهم من الدنيا أكثر وإن قرب العبد من الرب تعالى على حسب تباعده من الدنيا انتهى من التحبير وقال أبو عمر بن عبد البر في كتابه المسمى ببهجة المجالس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أنعم الله على عبد بنعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفره وإن الرجل ليلبس الثوب فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له قال أبو عمر مكتوب في التوراة اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت ولا مقام لها إذا كفرت انتهى وإن من قوله إن كنتم إياه تعبدون شرط والمراد بهذا الشرط التثبيت وهز النفوس كما تقول أفعل كذا إن كنت رجلا وإنما هاهنا حاصرة ولفظ الميتة عموم والمعنى مخصص لأن الحوت لم يدخل قط في هذا العموم وفي مسند البزار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الله حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه انتهى من الكوكب الدري للإمام أبي

العباس أحمد بن سعد التجيبي والدم يراد به المسفوح لأن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع ت بل فيه خلاف شاذ ذكره ابن الحاجب وغيره والمشهور أظهر لقول عائشة رضي الله عنها لو حرم غير المسفوح لتتبع الناس ما في العروق ولقد كنا نطبخ اللحم والبرمة تعلوها الصفرة انتهى وما أهل به لغير الله قال ابن عباس وغيره المراد ما ذبح للأنصاب والأوثان وأهل به معناه صيح به ومنه استهلال المولود وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة وغلب ذلك في استعمالهم حتى عبر به عن النية التي هي علة التحريم فمن اضطر غير باغ ولا عاد قال قتادة وغيره معناه غير قاصد فساد وتعد بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة ويأكلها وأصحاب هذا القول يجيزون الأكل منها في كل سفر مع الضرورة وقال مجاهد وغيره المعنى غير باغ على المسلمين وعاد عليهم فيدخل في الباغي والعادى قطاع السبل والخارج على السلطان والمسافر في قطع الرحم والغارة على المسلمين وما شاكله ولغير هؤلاء هي الرخصة قال مالك رحمه الله يأكل المضطر شبعه وفي الموطأ وهو لكثير من العلماء أنه يتزود إذا خشي الضرورة فيما بين يديه من مفازة وقفز قال ابن العربي في أحكامه وقد قال العلماء أن من اضطر إلى أكل الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل دخل النار إلا أن يغفر الله له انتهى والمعنى أنه لم يأكل حتى مات جوعا فهو عاص وكأنه قتل نفسه وقد قال تعالى ولا تقتلوا أنفسكم الآية إلى قوله ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا قال ابن العربي وإذا دامت المخصمة فلا خلاف في جواز شبع المضطر وإن كانت نادرة ففي شبعه قولان أحدهما لمالك يأكل حتى يشبع ويتضلع وقال غيره يأكل بمقدار سد الرمق وبه قال ابن حبيب وابن الماجشون انتهى وقوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب

الآية قال ابن عباس وغيره المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه و سلم والكتاب التوراة والإنجيل ع وهذه الاية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك بسبب دنيا يصيبها وفي ذكر البطن تنبيه على مذمتهم بأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له وعلى هجنتهم بطاعة بطونهم قال الربيع وغيره سمي مأكلوهم نارا لأنه يؤل بهم إلى النار وقيل يأكلون النار في جهنم حقيقة ت وينبغي لأهل العلم التنزه عن أخذ شيء من المتعلمين على تعليم العلم بل يلتمسون الأجر من الله عز و جل وقد قال تعالى لنبيه عليه السلام قل لا اسألكم عليه أجرا الآية وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن وأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله لآتين رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا سألته فأتيته فقلت يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله قال ان كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها وفي رواية فقلت ما ترى فيها يا رسول الله قال جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها انتهى وقوله تعالى ولا يكلمهم الله قيل هي عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم إذ في غير موضع من القرآن ما ظاهره أن الله تعالى يكلم الكافرين وقال الطبري وغيره المعنى لا يكلمهم بما يحبونه ولا يزكيهم أي لا يطهرهم من موجبات العذاب وقيل المعنى لا يسميهم أزكياء وقوله تعالى فما أصبرهم على النار قال جمهور المفسرين ما تعجب وهو في حيز المخاطبين أي هم أهل إن تعجبوا منهم ومما يطول مكثهم في النار وفي التنزيل قتل الإنسان ما أكفره واسمع بهم وأبصر وقال قتادة والحسن وابن جبير والربيع أظهر التعجب

من صبرهم على النار لما علموا عمل من وطن نفسه عليها وتقديره ما أجرأهم على النار إذ يعملون عملا يؤدي إليها وذهب معمر بن المثنى إلى أن ما استفهام معناه أي شيء صبرهم على النار والأول أظهر وقوله سبحانه ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق الآية المعنى ذلك الأمر بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به والإشارة إلى وجوب النار لهم والكتاب القرآن وبالحق أي بالأخبار الحق أي الصادقة والذين اختلفوا في الكتاب هم اليهود والنصارى في قول السدي وقيل هم كفار العرب لقول بعضهم هو سحر وبعضهم أساطير وبعضهم مفترى إلى غير ذلك وبعيد هنا معناه من الحق والاستقامة وقوله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآية قال ابن عباس وغيره الخطاب بهذه الآية للمؤمنين فالمعنى ليس البر الصلاة وحدها وقال قتادة والربيع الخطاب لليهود والنصارى لأنهم تكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليها فقيل لهم ليس البر ما أنتم فيه ولكن البر من آمن بالله وقوله تعالى وآتى المال علىحبه الآية هذه كلها حقوق في المال سوى الزكاة قال الفخر وروت فاطمة بنت قيس أن في المال حقا سوى الزكاة وتلا وآتى المال على حبه الآية وعنه صلى الله عليه و سلم لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره طاويا إلى جنبه انتهى قال ابن العربي في أحكامه وإذا وقع أداء الزكاة ثم نزلت بعد ذلك حاجة فإنه يجب صرف المال إليها باتفاق من العلماء وقد قال مالك يجب على كافة المسلمين فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم وكذلك إذا منع الوالي الزكاة فهل يجب على الأغنياء إغناء الفقراء الصحيح وجوب ذلك عليهم انتهى ومعنى آتى أعطى على حبه أي على حب المال ويحتمل أن يعود الضمير على اسم الله تعالى من قوله من آمن

بالله أي من تصدق محبة في الله وطاعته وص والظاهر أن الضمير في حبه عائد على المال لأن قاعدتهم أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل انتهى قال ع والمعنى المقصود أن يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى كما قال صلى الله عليه و سلم والشح في هذا الحديث هو الغريزي الذي في قوله تعالى واحضرت الأنفس الشح وليس المعنى أن يكون المتصدق متصفا بالشح الذي هو البخل وفي الرقاب أي العتق وفك الأسرى والصابرين نصب على المدح أو على إضمار فعل وهذا مهيع في تكرار النعوت والبأساء الفقر والفاقة والضراء المرض ومصائب البدن وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله في السراء والضراء رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم انتهى من السلاح وفي صحيح مسلم عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إذا أصابته سراء فشكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له انتهى وحين الباس أي وقت شدة القتال هذا قول المفسرين في الألفاظ الثلاثة تقول العرب بئس الرجل إذا افتقر وبؤس إذا شجع ثم وصف تعالى أهل هذه الأفعال البرة بالصدق في أمورهم أي هم عنده الظن بهم والرجاء فيهم كما تقول صدقني المال وصدقني الرمح ووصفهم تعالى بالتقى والمعنى هم الذين جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص الآية كتب معناه فرض واثبت وصورة فرض القصاص هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر الله وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قتل قاتل وليه وترك التعدي على غيره فإن

وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح والآية معلمه أن القصاص هو الغاية عند التشاح والقصاص مأخوذ من قص الأثر فكان القاتل سلك طريقا من القتل فقص أثره فيها روي عن ابن عباس أن هذه الآية محكمة وفيها إجمال فسرته آية المائدة وأن قوله سبحانه الحر بالحر يعم الرجال والنساء وأجمعت الأمة على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل وقوله تعالى فمن عفي له من أخيه شيء الآية فيه تأويلات أحدها أن من يراد بها القاتل وعفي تتضمن عافيا وهو ولي الدم والأخ هو المقتول وشيء هو الدم الذي يعفى عنه ويرجع إلى أخذ الدية هذا قول ابن عباس وجماعة من العلماء والعفو على هذا القول على بابه والتأويل الثاني وهو قول مالك أن من يراد بها الولي وعفى بمعنى يسر لا على بابها في العفو والأخ يراد به القاتل وشيء هي الدية والأخوة على هذا أخوة الإسلام والتأويل الثالث أن هذه الألفاظ في معنى الذين نزلت فيهم الآية وهم قوم تقاتلوا فقتل بعضهم بعضا فأمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يصلح بينهم ويقاصهم بعضهم من بعض بالديات على استواء الأحرار بالأحرار والنساء بالنساء والعبيد بالعبيد فمعنى الآية فمن فضل له من إحدى الطائفتين على الأخرى شيء من تلك الديات وتكون عفى بمعنى فضل وقوله تعالى فاتباع تقديره فالواجب والحكم اتباع وهذا سبيل الواجبات كقوله تعالى فإمساك بمعروف وأما المندوب إليه فيأتي منصوبا كقوله تعالى فضرب الرقاب وهذه الآية حض من الله تعالى على حسن الاقتضاء من الطالب وحسن القضاء من المؤدي وقوله سبحانه ذلك تخفيف إشارة إلى ما شرعه لهذه الأمة من أخذ الدية وكانت بنو إسرائيل لا دية عندهم إنما هو القصاص فقط والاعتداء المتوعد عليه في هذه الآية هوأن يأخذ الرجل دية وليه ثم يقتل القاتل بعد سقوط

الدم واختلف في العذاب الأليم الذي يلحقه فقال فريق من العلماء منهم مالك هو كمن قتل ابتداء إن شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة وقال قتادة وغيره يقتل البتة ولا عفو فيه وروي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى ولكم في القصاص حياة المعنى أن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم به أزدجر من يريد قتل أحد مخافة أن يقتص منه فحييا بذلك معا وأيضا فكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلهما وتقاتلوا وكان ذلك داعيا إلى موت العدد الكثير فلما شرع الله سبحانه القصاص قنع الكل به ووقف عنده وتركوا الاقتتال فلهم في ذلك حياة وخص أولوا الألباب بالذكر تنبيها عليهم لأنهم العارفون القابلون للأوامر والنواهي وغيرهم تبع لهم وتتقون معناه القتل فتسلمون من القصاص ثم يكون ذلك داعية لأنواع التقوى في غير ذلك فإن الله سبحانه يثيب على الطاعة بالطاعة وقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية كتب معناه فرض واثبت وفي قوله تعالى إذا حضر مجاز لأن المعنى إذا تخوف وحضرت علاماته والخير في هذه الآية المال واختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فقال ابن عباس وقتادة والحسن الآية عامة وتقرر الحكم بها برهة ونسخ منها كل من يرث بآية الفرائض وقال بعض العلماء أن الناسخ لهذه الآية هي السنة المتواترة وهو وقوله صلى الله عليه و سلم أن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وبالمعروف معناه بالقصد الذي تعرفه النفوس دون إضرار بالورثة ولا تنزير للوصية وحقا مصدر مؤكد وخص المتقون بالذكر تشريفا للرتبة ليتبادر الناس إليها وقوله تعالى فمن بدله بعد ما سمعه الآية الضمير في بدله عائد على الإيصاء وأمر الميت وكذلك في سمعه ويحتمل

أن يعود الذي في سمعه على أمر الله تعالى في هذه الآية والأول أسبق للناظر وسميع عليم صفتان لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين وتبديل المتعدين والجنف الميل ومعنى الآية على ما قال مجاهد من خشي أن يحيف الموصى ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الاذاية فذلك هو الجنف في إثم وإن لم يتعمد فهو الجنف دون إثم فالمعنى من وعظه في ذلك ورده عنه وأصلح ما بينه وبين ورثته وما بين الورثة في ذاتهم فلا أثم عليه أن الله غفور رحيم بالموصي إذا عملت فيه الموعظة ورجع عما أراد من الاذاية وقال ابن عباس غيره معنى الآية من خاف أي علم ورأى بعد موت الموصي أن الموصى حاف وجنف وتعمد أذاية بعض ورثته فأصلح مابين الورثة فلا إثم عليه وإن كان في فعله تبديل ما لأنه تبديل لمصلحة والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى قوله جلت قدرته يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام الآية كتب معناه فرض والصيام في اللغة الإمساك ومنه قوله سبحانه إني نذرت للرحمن صوما وفي الشرع إمساك عن الطعام والشراب مقترنه به قرائن من مراعاة أوقات وغير ذلك وقوله تعالى كما كتب على الذين من قبلكم أختلف في موضع التشبيه قالت فرقة التشبيه كتب عليكم كصيام قد تقدم في شرع غيركم فالذين عام في النصارى وغيرهم ولعلكم ترج في حقهم وتتقون قيل على العموم لأن الصيام كما قال صلى الله عليه و سلم جنة ووجاء وسبب تقوى لأنه يميت الشهوات وأياما معدودات قيل رمضان وقيل الثلاثة الأيام من كل شهر ويوم عاشوراء التي نسخت بشهر رمضان ص وأياما منصوب بفعل مقدر يدل عليه ما قبله أي صوموا أياما وقيل أياما نصب على الظرف انتهى وقوله سبحانه فمن كان منكم مريضا أو

على سفر التقدير فأفطر فعدة وهذا يسمونه فحوى الخطاب واختلف العلماء في حد المرض الذي يقع به الفطر فقال جمهور العلماء إذا كان به مرض يؤذيه ويؤلمه أو يخاف تماديه أو يخاف من الصوم تزيده صح له الفطر وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه يناظرون وأما لفظ مالك فهو المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به واختلف في الأفضل من الفطر أو الصوم ومذهب مالك استحباب الصوم لمن قدر عليه وتقصير الصلاة حسن لأن الذمة تبرأ في رخصة الصلاة وهي مشغولة في أمر الصيام والصواب المبادرة بالأعمال والسفر سفر الطاعة كالحج والجهاد بإجماع ويتصل بهذين سفر صلة الرحم وطلب المعاش الضروري وأما سفر التجارة والمباحات فمختلف فيه بالمنع والجواز والقول بالجواز أرجح وأما سفر العصيان فمختلف فيه بالجواز والمنع والقول بالمنع أرجح ومسافة سفر الفطر عند مالك حيث تقصر الصلاة ثمانية وأربعون ميلا وقوله تعالى فعدة أي فالحكم أو الواجب عدة وفي وجوب تتابعها قولان وأخر لا ينصرف للعدل وقوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية الآية قرأ باقي السبعة غير نافع وابن عامر فدية بالتنوين طعام مسكين بالإفراد وهي قراءة حسنة لانها بينت الحكم في اليوم واختلفوا في المراد بالآية فقال ابن عمر وجماعة كان فرض الصيام هكذا على الناس من أراد أن يصوم صام ومن أراد أن يفطر أطعم مسكينا وأفطر ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقالت فرقة الآية في الشيوخ الذين يطيقونه بتكلف شديد والآية عند مالك إنما هي فيمن يدركه رمضان ثان وعليه صوم من المتقدم فقد كان يطيق في تلك المدة الصوم فتركه والفدية عند مالك وجماعة من العلماء مد لكل مسكين وقوله تعالى فمن تطوع خيرا فهو خير له الآية قال ابن عباس وغيره المراد من أطعم مسكينين فصاعدا

وقال ابن شهاب من زاد الإطعام مع الصوم وقال مجاهد من زاد في الإطعام على المد وخيرا الأول قد نزل منزلة مال أو نفع وخير الثاني والثالث صفة تفضيل وقوله تعالى إن كنتم تعلمون يقتضي الحض على الصوم أي فاعلموا ذلك وصوموا ت وجاء في فضل الصوم أحاديث صحيحة مشهورة وحدث أبوبكر بن الخطيب بسنده عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من صام يوما تطوعا لم يطلع عليه أحد لم يرض الله له بثواب دون الجنة قال وبهذا الإسناد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم بمثله انتهى قال ابن عبد البر في كتابه المسمى ببهجة المجالس قال أبو العالية الصائم في عبادة ما لم يغتب قال الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد البلالي الشافعي في اختصاره للأحياء وذكر السبكى في شرحه ان الغيبة تمنع ثواب الصوم إجماعا قال البلالي وفيه نظر لمشقة الاحتراز نعم ان اكثر توجهت المقالة انتهى وهذا الشيخ البلالي لقيته ورويت عنه كتابه هذا وصح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم قال أبو عمر في التمهيد وذلك لأن الصوم جنة يستجن بها العبد من النار وتفتح لهم أبواب الجنة لأن أعمالهم تزكو فيه وتقبل منهم ثم أسند أبو عمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلها خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله لهم كل يوم جنته ثم يقول يوشك عبادي الصائمون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ثم يصيرون إليك وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم آخر ليلة قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا انقضى قال أبو عمر

وفي سنده أبو المقدام فيه ضعف ولكنه محتمل فيما يرويه من الفضائل وأسند أبو عمر عن الزهري قال تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره انتهى ت وخرجه الترمذي عن الزهري قال تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره انتهى قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان الشهر مشتق من الإشتهار قال ص الشهر مصدر شهر يشهر إذا ظهر وهو اسم للمدة الزمانية وقال الزجاج الشهر الهلال وقيل سمي الشهر باسم الهلال انتهى ورمضان علقه هذا الاسم من مدة كان فيها في الرمض وشدة الحر وكان اسمه قبل ذلك ناثرا واختلف في إنزال القرآن فيه فقال الضحاك أنزل في فرضه وتعظيمه والحض عليه وقيل بدىء بنزوله فيه على النبي صلى الله عليه و سلم وقال ابن عباس فيما يأثر انزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ليلة أربع وعشرين من رمضان ثم كان جبريل ينزله رسلا رسلا في الأوامر والنواهي والأسباب وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين وهدى في موضع نصب على الحال من القرآن فالمراد أن القرآن بجملته من محكم ومتشابه ونساخ ومنسوخ هدى ثم شرف بالذكر والتخصيص البينات منه يعني الحلال والحرام والمواعظ والمحكم كله فالألف واللام في الهدى للعهد والمراد الأول قال ص هدى

منصوب على الحال أي هاديا فهو مصدر وضع موضع اسم الفاعل وذو الحال القرآن والعامل انزل انتهى والفرقان المفرق بين الحق والباطل وشهد بمعنى حضر والتقدير من حضر المصر في الشهر فالشهر نصب على الظرف وقوله سبحانه يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر قال مجاهد والضحاك اليسر الفطر في السفر والعسر الصوم في السفر ع والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين وقد فسر ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم دين الله يسر قلت قال ابن الفاكهاني في شرح الأربعين للنووي فإن قلت قوله تعالى إن مع العسر يسرا الآية يدل على وقوع العسر قطعا وقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر يدل على نفي العسر قطعا لأن ما لا يريده تعالى لايكون بإجماع أهل السنة قلت العسر المنفي غير المثبت فالمنفي إنما هو العسر في الأحكام لا غير فلا تعارض انتهى وترجم البخاري في صحيحه قول النبي صلى الله عليه و سلم يسروا ولا تعسروا وكان يحب التخفيف واليسر على الناس ثم أسند هو ومسلم عن انس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا واسند البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأبي موسى ومعاذ يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا قال البخاري حدثنا أبو اليمان قال حدثنا حماد بن زيد عن الأزرق بن قيس قال كنا على شاطىء نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلى فرسه فانطلق الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها ثم جاء فقضى صلاته وفينا رجل له رأي فأقبل يقول أنظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس فأقبل فقال ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وقال ان منزلي منزاح فلو صليت وتركته لم آت أهلى إلىالليل وذكر أنه

قد صحب النبي صلى الله عليه و سلم فرأى من تيسيره انتهى وقوله تعالى ولتكملوا العدة معناه وليكمل من أفطر في سفره أو في مرضه عدة الأيام التي أفطر فيها وقوله تعالى ولتكبروا الله حض علىالتكبير في آخر رمضان قال مالك هو من حين يخرج الرجل من منزله إلى أن يخرج الإمام إلى المصلى ولفظه عند مالك وجماعة من العلماء الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا ومن العلماء من يكبر ويهلل ويسبح اثناء التكبير ومنهم من يقول الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وقيل غير هذا والجميع حسن واسع مع البداءة بالتكبير وهداكم قيل المراد لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم وتعميم الهدى جيد ولعلكم تشكرون ترج في حق البشر أي على نعم الله في الهدى ص ولعلكم تشكرون علة الترخيص والتيسير وهذا نوع من اللف لطيف المسلك انتهى وقوله جل وعلا وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان الآية قال الحسن بن ابي الحسن سببها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم اقريب ربنا فنناجبه أم بعيد فنناديه فنزلت الآية وأجيب قال قوم المعنى أجيب إن شئت وقال قوم إن الله تعالى يجيب كل الدعاء فأما أن تظهر الإجابة في الدنيا وإما أن يكفر عنه وإما أن يدخر له أجر في الآخرة وهذا بحسب حديث الموطأ وهو ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث الحديث ت وليس هذا باختلاف قول قال ابن رشد في البيان الدعاء عبادة من العبادات يؤجر فيها الأجر العظيم أجيبت دعوته فيما دعا به أو لم تجب وها أنا انقل إن شاء الله من صحيح الأحاديث في هذا المحل ما يثلج له الصدر وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد رواه الحاكم أبو عبد

الله في المستدرك على الصحيحين وابن حبان في صحيحه واللفظ له وقال الحاكم صحيح الإسناد وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقف بين يديه فيقول عبدي إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني فيقول نعم يا رب فيقول أما أنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك فيقول نعم يا رب فيقول فإني عجلتها لك في الدنيا ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا قال نعم يا رب فيقول اني أدخرت لك بها في الجنة كذا وكذا كذا وكذا ودعوتني في حاجة اقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها فيقول نعم يا رب فيقول فإني عجلتها لك في الدنيا ودعوتني في يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها فيقول نعم يا رب فيقول إني ادخرت لك في الجنة كذا وكذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن يكون أدخر له في الآخرة قال فيقول المؤمن في ذلك المقام يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه رواه الحاكم في المستدرك وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرد القدر إلا الدعاء رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيه واللفظ للحاكم وقال صحيح الاسناد قلت وقد أخرج ابن المبارك في رقائقه هذا الحديث أيضا قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن قيس عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال قال رسول الله صلى

الله عليه وسلم لا يرد القضاء إلا الدعاء وأن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه انتهى وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يغنى حذر من فدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل من السماء فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد وقوله فيعتلجان أي يتصارعان وعن سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء رواه الحاكم أيضا وقال صحيح الإسناد وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنة قال الغزالي رحمه الله في كتاب الأحياء فإن قلت فما فائدة الدعاء والقضاء لا يرد فأعلم أن القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب للرحمة كما أن الترس سبب لرد السهم ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله عز و جل وذلك منتهى العبادات فالدعاء يرد القلب إلى الله عز و جل بالتضرع والاستكانة فانظره فإني آثرت الاختصار وانظر سلاح المؤمن الذي منه نقلت هذه الأحاديث ومن جامع الترمذي عن أبي خزامة واسمه رفاعة عن أبيه قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وانظر جواب عمر لأبي عبيدة نعم نفر من قدر لله إلى قدر الله الحديث هو من هذا المعنى انتهى والله الموفق بفضله وقوله تعالى فليستجيبوا لي قال أبو رجاء الخراساني معناه فليدعوني قال ع المعنى فليطلبوا أن أجيبهم وهذا هو باب استفعل أي طلب الشيء إلا ما شذ مثل استغنى الله وقال مجاهد وغيره

المعنى فليجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان أي بالطاعة والعمل فائدة قال صحاب غاية المغنم في اسم الله الأعظم وهو إمام عارف بعلم الحديث وكتابه هذا يشهد له قال ذكر الدينوري في كتاب المجالسة عن ليث بن سليم أن رجلا وقف على قوم فقال من عنده ضيافة هذه الليلة فسكت القوم ثم عاد فقال رجل أعمى عندي فذهب به إلى منزله فعشاه ثم حدثه ساعة ثم وضع له وضوءا فقام الرجل في جوف الليل فتوضأ وصلى ما قضي له ثم جعل يدعو فانتبه الأعمى وجعل يسمع لدعائه فقال اللهم رب الأرواح الفانية والأجساد البالية أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها وبطاعة الأجساد الملتئمة في عروقها وبطاعة القبور المتشققة عن أهلها وبدعوتك الصادقة فيهم وأخذك الحق منهم وتبريز الخلائق كلهم من مخافتك ينتظرون قضاءك ويرجون رحمتك ويخافون عذابك اسألك أن تجعل النور في بصري والإخلاص في عملي وشكرك في قلبي وذكرك في لساني في الليل والنهار ما ابقيتني قال فحفظ الأعمى هذا الدعاء ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين ودعا به فأصبح قد رد الله عليه بصره انتهى من غاية المغنم في اسم الله الأعظم وإطلاق الفناء على الأرواح فيه تجوز والعقيدة أن الأرواح باقية لا تفنى وإنما عبر مفارقتها لأجسادها بالفناء هذا هو مراده وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن القلوب اوعية وبعضها أوعى من بعض فادعوا الله أيها الناس حين تدعون وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل انتهى قال ابن عطاء الله في لطائف المنن وإذا أراد الله أن يعطي عبدا شيئا وهبه الاضطرار إليه فيه فيطلبه بالاضطرار فيعطى وإذا أراد الله أن يمنع عبدا أمرا منعه الاضطرار إليه فيه ثم منعه إياه فلا يخاف عليك أن تضطر

وتطلب فلا تعطى بل يخاف عليك أن تحرم الاضطرار فتحرم الطلب أو تطلب بغير اضطرار فتحرم العطاء انتهى وقوله سبحانه وليؤمنوا بي قال أبو رجاء في أني أجيب دعاءهم وقال غيره بل ذلك دعاء إلى الإيمان بجملته وقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الآية لفظة أحل تقتضي أنه كان محرما قبل ذلك وليلة نصب على الظرف والرفث كناية عن الجماع لأن الله تعالى كريم يكنى قاله ابن عباس وغيره والرفث في غير هذا فحش من القول وقال أبو إسحق الرفث كل ما يأتيه الرجل مع المرأة من قبلة ولمس ع أو كلام في هذا المعنى وسبب هذه الآية فيما قال ابن عباس وغيره أن جماعة من المسلمين اختانوا أنفسهم واصابوا النساء بعد النوم أو بعد صلاة العشاء على الخلاف في ذلك منهم عمر بن الخطاب جاء إلى امرأته فأرادها فقالت له قد نمت فظن أنها تعتل بذلك فوقع بها ثم تحقق أنها قد كانت نامت وكان الوطء بعد نوم أحدهما ممنوعا فذهب عمر فاعتذر عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزل صدر الآية وروي أن صرمة بن قيس نام قبل الأكل فبقي كذلك دون أكل حتى غشي عليه في نهاره المقبل فنزل فيه من قوله تعالى وكلوا واشربوا واللباس أصله في الثياب ثم شبه التباس الرجل بالمرأة بذلك وتاب عليكم أي من المعصية التي وقعتم فيها قال ابن عباس وغيره باشروهن كناية عن الجماع وابتغوا ما كتب الله لكم قال ابن عباس وغيره أي ابتغوا الولد قال الفخر والمعنى لا تباشروهن لقضاء الشهوة فقط ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل قال عليه السلام تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم انتهى وقيل المعنى ابتغوا ليلة القدر وقيل ابتغوا الرخصة والتوسعة قال قتادة وهو قول حسن وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الآية

نزلت بسبب صرمة بن قيس وحتى غاية للتبين ولا يصح أن يقع التبين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدر والخيط استعارة وتشبيه لرقة البياض اولا ورقة السواد الحاف به والمراد فيما قال جميع العلماء بياض النهار وسواد الليل ومن الأولى لابتداء الغاية والثانية للتبعيض والفجر مأخوذ من تفجر الماء لأنه ينفجر شيئا بعد شيء وروي عن سهل أن سعد وغيره من الصحابة أن الآية نزلت إلا قوله من الفجر فصنع بعض الناس خيطين أبيض وأسود فنزل قوله تعالى من الفجر ع وروي أنه كان بين طرفي المدة عام من رمضان إلى رمضان تأخر البيان إلى وقت الحاجة وعدي بن حاتم جعل خيطين على وساده وأخبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال له إن وسادك لعريض واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك فقال الجمهور وبه أخذ الناس ومضت عليه الامصار والاعصار ووردت به الأحاديث الصحاح أنه الفجر المعترض في الأفق يمنة ويسرة فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك وروي عن عثمان بن عفان وحذيفة بن اليمان وابن عباس وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال وذكر عن حذيفة أنه قال تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو النهار إلا أن الشمس لم تطلع ومن أكل وهو يشك في الفجر فعليه القضاء عند مالك وقوله سبحانه ثم أتموا الصيام إلى الليل أمر يقتضي الوجوب وإلى غاية وإذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو داخل في حكمه وإذا كان من غير جنسه لم يدخل في المحدود والليل الذي يتم به الصيام مغيب قرص الشمس فمن أفطر شاكا في غروبها فالمشهور من المذهب أن عليه القضاء والكفارة وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ثلاثة لا ترد دعوتهم

الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب تعالى وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن ولفظ ابن ماجه حتى يفطر انتهى من السلاح وعنه صلى الله عليه و سلم أن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد رواه ابن السني انتهى من حلية النووي وعنه صلى الله عليه و سلم أنه قال للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحه عند لقاء ربه رواه البخاري ومسلم انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه قال أخبرنا حماد بن سلمة عن واصل مولى ابي عيينه عن لقيط ابي المغيرة عن أبي بردة أن أبا موسى الأشعري كان في سفينة في البحر مرفوع شراعها فإذا رجل يقول يا أهل السفينة قفوا سبع مرار فقلنا ألا ترى على أي حال نحن ثم قال في السابعة قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه انه من عطش نفسه لله في يوم حار من أيام الدنيا شديد الحر كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة فكان أبو موسى يبتغي اليوم الشديد الحر فيصومه انتهى قال يوسف بن يحيى التادلي في كتاب التشوف وخرج عبد الرزاق في مصنفه عن هشام بن حسان عن واصل بن لقيط عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال غزا الناس برا وبحرا فكنت ممن غزا في البحر فبينما نحن نسير في الحبر إذ سمعنا صوتا يقول يا أهل السفينة قفوا أخبركم فنظرنا يمينا وشمالا فلم نر شيئا إلا لجة البحر ثم نادى الثانية حتى نادى سبع مرات يقول كذلك قال أبو موسى فلما كانت السابعة قمت فقلت ما تخبرنا قال أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه أن من عطش لله في يوم حار أن يرويه الله يوم القيامة وذكره ابن حبيب في الواضحة بلفظ آخر انتهى قال ابن المبارك وأخبرنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني قال حدثني ضمرة بن

حبيب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لكل شيء بابا وإن باب العبادة الصيام انتهى وروى البخاري ومسلم في صحيحهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به إنما يدع شهوته وطعامه من أجلي انتهى وقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قالت فرقة المعنى ولا تجامعوهن وقال الجمهور ذلك يقع على الجماع فما دونه مما يتلذذ به من النساء وعاكفون أي ملازمون قال مالك رحمه الله وجماعة معه لا اعتكاف إلا في مساجد الجمعات وروي عن مالك أيضا أن ذلك في كل مسجد ويخرج إلى الجمعة كما يخرج إلى ضروري أشغاله قال ابن العربي في أحكامه وحرم الله سبحانه المباشرة في المسجد وكذلك تحرم خارج المسجد لأن معنى الآية ولا تباشروهن وأنتم ملتزمون للاعتكاف في المساجد معتقدون له انتهى وتلك إشارة إلى هذه الأوامر والنواهي والحدود الحواجز بين الإباحة والحظر ومنه قيل للبواب حداد لأنه يمنع ومنه الحاد لأنها تمنع من الزينة والآيات العلامات الهادية إلى الحق وقوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الآية الخطاب لأمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ويدخل في هذه الآية القمار والخدع والغصوب وجحد الحقوق وغير ذلك وقوله سبحانه وتدلوا بها إلى الحكام الآية يقال أدلى الرجل بحجة أو بأمر يرجو النجاح به تشبيها بالذي يرسل الدلو في البير يرجو بها الماء قال قوم معنى الآية تسارعون في الأموال إلى المخاصمة إذا علمتم أن الحجة تقوم لكم اما بأن لا تكون على الجاحد بينه أو يكون مال أمانة كاليتيم ونحوه مما يكون القول فيه قوله فالباء في بها باء السبب وقيل معنى الآية ترشوا بها على أكل أكثر منها فالباء الزاق مجرد

وهذا القول يترجح لأن الحكام مظنة الرشى إلا من عصم وهو الأقل وايضا فإن اللفظين متناسبتان تدلوا من إرسال الدلو والرشوة من الرشاء كأنها يمد بها لتقضى الحاجة والفريق القطعة والجزء وبالأثم أي بالظلم وأنتم تعلمون أي أنكم مبطلون وقوله تعالى يسألونك عن الأهلة قال ابن عباس وغيره نزلت على سؤال قوم من المسلمين النبي صلى الله عليه و سلم عن الهلال وما فائدة محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس ومواقيت أي لمحل الديون وانقضاء العدد والأكرية وما أشبه هذا من مصالح العباد ومواقيت للحج أيضا يعرف بها وقته وأشهره وقوله سبحانه وليس البر الآية قال البراء بن عازب والزهري وقتادة سببها أن الأنصار كانوا إذا حجوا أو اعتمروا يلتزمون تشرعا أن لايحول بينهم وبين السماء حائل فكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم على الجدرات وقيل كانوا يجعلون في ظهور بيوتهم فتوحا يدخلون منها ولا يدخلون من الأبواب وقيل غير هذا مما يشبهه وقوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الآية هي أول آية نزلت في الأمر بالقتال قال ابن زيد والربيع قوله ولا تعتدوا أي في قتال من لم يقاتلكم وهذه الموادعة منسوخة بقوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة وقال ابن عباس وغيره ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم فهي محكمة وقوله تعالى واقتلوهم حيث ثقفتموهم الآية قال ابن إسحاق وغيره نزلت هذه الآية في شأن عمرو بن الحضرمي وواقد وهي سرية عبد الله ابن جحش وثقفتموهم معناه احكمتم غلبتهم يقال رجل ثقف لقف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور واخرجوهم خطاب لجميع المؤمنين والضمير لكفار قريش والفتنة أشد من القتل أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموكم بها على الرجوع إلى الكفر أشد من القتل ويحتمل أن يكون المعنى والفتنة أي

الكفر والضلال الذي هم فيه اشد في الحرم واعظم جرما من القتل الذي عيروكم به في شأن ابن الحضرمي وقوله تعالى ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام الآية قال الجمهور كان هذا ثم نسخ وقال مجاهد الآية محكمة ولا يجوز قتال احد يعنى عند المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل قلت وظاهر قوله صلى الله عليه و سلم وإنما احلت لى ساعة من النهار ولم تحل لأحد بعدى يقوى قول مجاهد وهذا هو الراجح عند الإمام الفخر وان الآية محكمة ولا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم انتهى قال ابن العربي في احكامه وقد روى الأئمة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و سلم قال يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والارض فهو حرام بحرمة الله تعالى الى يوم القيامة وانه لم يحل القتال فيها لأحد قبلى وانما احلت لى ساعة من نهار فقد ثبت النهي عن القتال فيها قرءانا وسنة فإن لجأ إليها كافر فلا سبيل اليه واما الزانى والقاتل فلا بد من اقامة الحد عليه إلا أن يبتدىء الكافر بالقتال فيها فيقتل بنص القرءان انتهى وقرأ حمزة والكساءي ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فان قتلوكم فاقتلوهم أي فإن قتلوا منكم والانتهاء في هذه الآية هو الدخول في الاسلام وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله الفتنة هنا الشرك وما تابعه من اذى المؤمنين قاله ابن عباس وغيره والدين هنا الطاعة والشرع والانتهاء في هذا الموضع يصح مع عموم الآية في الكفار ان يكون الدخول في الاسلام ويصح ان يكون اداء الجزية وقوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص الآية قال ابن عباس وغيره نزلت في عمرة القضية وعام الحديبية سنة ست حين صدهم المشركون أي الشهر الحرام الذي غلبكم الله فيه وادخلكم الحرم عليهم سنة سبع بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه

والحرمات قصاص وقالت فرقة قوله والحرمات قصاص مما قبله وهو ابتداء امر كان في اول الاسلام ان من انتهك حرمتك نلت منه مثل ما اعتدى عليك واتقوا الله قيل معناه في ان لا تعتدوا وقيل في ان لا تزيدوا على المثل وقوله تعالى وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة الآية سبيل الله هنا الجهاد واللفظ يتناول بعد جميع سبله وفي الصحيح أن أبا أيوب الانصاري كان على القسطنطينية فحمل رجل على عسكر العدو فقال قوم ألقى هذا بيده الى التهلكة فقال أبو أيوب لا إن هذه الآية نزلت في الانصار حين ارادوا لما ظهر الإسلام ان يتركوا الجهاد ويعمروا اموالهم واما هذا فهو الذي قال الله تعالى فيه ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله وقال ابن عباس وحذيفة بن اليمان وجمهور الناس المعنى لا تلقوا بايديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة واحسنوا قيل معناه في اعمالكم بامتثال الطاعات روي ذلك عن بعض الصحابة وقيل المعنى واحسنوا في الإنفاق في سبيل الله وفي الصدقات قاله زيد بن اسلم وقال عكرمة المعنى واحسنوا الظن بالله عز و جل ت ولا شك ان لفظ الآية عام يتناول جميع ما ذكر والمخصص يفتقر الى دليل فاما حسن الظن بالله سبحانه فقد جاءت فيه احاديث صحيحة فمنها أنا عند ظن عبدي بي وفي صحيح مسلم عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قبل وفاته بثلاثة ايام يقول لا يموتن احدكم إلا وهو يحسن الظن بالله انتهى واخرج أبو بكر بن الخطيب بسنده عن أنس ان النبي صلى الله عليه و سلم قال من حسن عبادة المرء حسن ظنه انتهى قال عبد الحق في العاقبة اما حسن الظن بالله عز و جل عند الموت فواجب للحديث انتهى ويدخل في عموم الآية انواع المعروف قال أبو عمر

ابن عبد البر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل معروف صدقة قال ابو جزء الجهيمى قلت يا رسول الله أوصنى قال لا تحقرن شيأ من المعروف ان تأتيه ولو ان تفرغ من دلوك في اناء المستسقى ولو ان تلقى اخاك ووجهك منبسط اليه وقال عليه السلام اهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الآخرة وقال عليه السلام ان لله عبادا خلقهم لحوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة انتهى من كتابه المسمى ببهجة المجالس وأنس المجالس وقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله قال ابن زيد وغيره اتمامهما ان لا تفسخا وان تتمهما اذا بدأت بهما وقال ابن عباس وغيره اتمامهما ان تقضي مناسكهما كاملة بما كان فيهما من دماء وقال سفيان الثورى اتمامهما ان تخرج قاصدا لهما لا لتجارة ولا لغير ذلك ويؤيد هذا قوله لله وفروض الحج النية والإحرام والطواف المتصل بالسعي يعنى طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة عندنا خلافا لأبي حنيفة والوقوف بعرفة وزاد ابن الماجشون جمرة العقبة وقوله تعالى فان احصرتم فما استيسر من الهدي هذه الآية نزلت عام الحديبية عند جمهور اهل التاويل واجمع جمهور الناس على أن المحصر بالعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه ان كان ثم هدي ويحلق رأسه وأما المحصر بمرض فقال مالك وجمهور من العلماء لا يحله الا البيت ويقيم حتى يفيق وإن أقام سنين فإذا وصل البيت بعد فوت الحج قطع التلبية في أوائل الحرم وحل بعمرة ثم تكون عليه حجة قضاء وفيها يكون الهدي وما في موضع رفع أي فالواجب أو فعليكم ما استيسر وهو شاة عند الجمهور وقال ابن عمر وعروة جمل دون جمل وبقرة دون بقرة وقوله تعالى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله الخطاب لجميع الأمة وقيل للمحصرين خاصة ومحل الهدي حيث يحل نحره وذلك لمن لم يحصر بمنى والترتيب

أن يرمي الحاج الجمرة ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف للافاضة وقوله تعالى فمن كان منكم مريضا الآية المعنى فحلق لإزالة الأذى ففدية وهذا هو فحوى الخطاب عند أكثر الأصوليين ونزلت هذه الآية في كعب بن عجرة حين رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأسه يتناثر قملا فأمره بالحلاق ونزلت الرخصة والصيام عند مالك وجميع أصحابه ثلاثة أيام والصدقة ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وذلك مدان بمد النبي صلى الله عليه و سلم والنسك شاة بإجماع ومن أتى بأفضل منها ما يذبح أو ينحر فهو أفضل والمفتدي مخير في أي هذه الثلاثة شاء حيث شاء من مكة وغيرها قال مالك وغيره كلما أتى في القرآن أو أو فإنه على التخيير وقوله تعالى فإذا أمنتم أي من العدو المحصر قاله ابن عباس وغيره وهو أشبه باللفظ وقيل معناه إذا برأتم من مرضكم وقوله سبحانه فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية قال ابن عباس وجماعة من العلماء الآية في المحصرين وغيرهم وصورة المتمتع أن تجتمع فيه ستة شروط أن يكون معتمرا في أشهر الحج وهو من غير حاضري المسجد الحرام ويحل وينشيء الحج من عامة ذلك دون رجوع إلى وطنه أو ما ساواه بعدا هذا قول مالك وأصحابه واختلف لم سمي متمتعا فقال ابن القاسم لأنه تمتع بكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حلة في العمرة إلى وقت انشائه الحج وقال غيره سمي متمتعا لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين وذلك أن حق العمرة أن تقصد بسفر وحق الحج كذلك فلما تمتع بإسقاط أحدهما الزمه الله تعالى هديا كالقارن الذي يجمع الحج والعمرة في سفر واحد وجل الأمة على جواز العمرة في أشهر الحج للمكي ولآدم عليه وقوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة فإن فاته صيامها

قبل يوم النحر فليصمها في أيام التشريق لأنها من أيام الحج وسبعة إذا رجعتم قال مجاهد وغيره أي إذا رجعتم من منى وقال قتادة والربيع هذه رخصة من الله سبحانه والمعنى إذا رجعتم إلى أوطانكم ولما جاز أن يتوهم متوهم التخيير بين ثلاثة أيام في الحج أو سبعة إذا رجع أزيل ذلك بالجلية من قوله تعالى تلك عشرة وكاملة قال الحسن بن أبي الحسن المعنى كاملة الثواب وقيل كاملة تأكيد كما تقول كتبت بيدي وقيل لفظها الأخبار ومعناها الأمر أي أكملوها فذلك فرضها وقوله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله الآية الإشارة بذلك على قول الجمهور هي إلى الهدي أي ذلك الأشتداد والإلزام وعلى قول من يرى أن المكي لا تجوز له العمرة في أشهر الحج تكون الإشارة إلى التمتع وحكمه فكأن الكلام ذلك الترخيص لمن لم ويتأيد هذا بقوله لمن لم لأن اللام أبدا إنما تجيء مع الرخص واختلف الناس في حاضري المسجد الحرام بعد الإجماع على أهل مكة وما اتصل بها فقيل من تجب عليه الجمعة بمكة فهو حضري ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي قال ع فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة وقيل من كان بحيث لا يقصر الصلاة فهو حاضر أي مشاهد ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي قال ع فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة وقيل من كان بحيث لا يقصر الصلاة فهو حاضر أي مشاهد ومن كان أبعد من ذلك فهو غائب وقال ابن عباس ومجاهد أهل الحرم كله حاضرو المسجد الحرام ثم أمر تعالى بتقواه على العموم وحذر من شديد عقابه وقوله تعالى الحج أشهر معلومات فى الكلام حذف تقديره اشهر الحج اشهر او وقت الحج اشهر معلومات قال ابن مسعود وغيره وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله وقال ابن عباس وغيره هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة والقولان لمالك رحمه الله فمن فرض فيهن الحج أي الزمه نفسه وفرض الحج هو بالنية والدخول في الإحرام والتلبية تبع لذلك وقوله تعالى فيهن ولم يجيء

الكلام فيها فقال قوم هما سواء في الاستعمال وقال ابو عثمان المازني الجمع الكثير لما لا يعقل يأتي كالواحدة المؤنثة والقليل ليس كذلك تقول الاجذاع انكسرن والجذوع انكسرت ويؤيد ذلك قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله ثم قال منها وقوله تعالى فلا رفث ولا فسوق الآية وقرأ ابن كثير وأبو عمرو فلا رفث ولا فسوق ولا جدال بالرفع في الاثنين ونصب الجدال ولا بمعنى ليس في قراءة الرفع والرفث الجماع في قول ابن عباس ومجاهد ومالك والفسوق قال ابن عباس وغيره هي المعاصي كلها وقال ابن زيد ومالك الفسوق الذبح للأصنام ومنه قوله تعالى أو فسقا أهل لغير الله به والأول أولى قال الفخر وأكثر المحققين حملوا الفسق هنا على كل المعاصي قالوا لأن اللفظ صالح للكل ومتناول له والنهي عن الشيء يوجب الانتهاء عن جميع أنواعه فحمل اللفظ على بعض أنواع الفسوق تحكم من غير دليل انتهى قال ابن عباس وغيره الجدال هنا أن تماري مسلما وقال مالك وابن زيد الجدال هنا أن يختلف الناس أيهم صادق موقف إبراهيم عليه السلام كما كانوا يفعلون في الجاهلية قلت ومعنى الآية فلا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا كقوله صلى الله عليه و سلم والصوم جنة فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم الحديث انتهى قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق أراد نفيه مشروعا لا موجودا فإنا نجد الرفث فيه ونشاهده وخبر الله سبحانه لا يقع بخلاف مخبره انتهى قال الفخر قال القفال ويدخل في هذا النهي ما وقع من بعضهم من مجادلة النبي صلى الله عليه و سلم حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فشق عليهم ذلك وقالوا أنروح إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيا الحديث انتهى وقوله تعالى وما تفعلوا من خير يعلمه الله المعنى فيثيب عليه وفي هذا

تحضيض على فعل الخير ت وروى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه بهذا اللفظ انتهى من السلاح ونحو هذا جوابه صلى الله عليه و سلم للمهاجرين حيث قالوا ما رأينا كالأنصار وأثنوا عليهم خيرا وقوله سبحانه تزودوا فإن خير الزاد التقوى الاية قال ابن عمر وغيره نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد ويبقون عالة على الناس فأمروا بالتزود وقال بعض الناس المعنى تزودوا الرفيق الصالح وهذا تخصيص ضعيف والأولى في معنى الآية وتزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة قلت وهذا التأويل هو الذي صدر به الفخر وهو الظاهر وفي قوله فإن خير الزاد التقوى حض على التقوى وقوله تعالى ليس عليكم جناح الآية الجناح أعم من الإثم لأنه فيما يقتضي العقاب وفي ما يقتضي الزجر والعتاب وتبتغوا معناه تطلبوا أي لادرك في أن تتجروا وتطلبوا الربح وقوله تعالى فإذا أفضتم من عرفات اجمع أهل العلم على تمام حج من وقف بعرفات بعد الزوال وأفاض نهارا قبل الليل إلا مالك بن أنس فإنه قال لا بد أن يأخذ من الليل شيئا وأما من وقف بعرفة ليلا فلا خلاف بين الأمة في تمام حجه وأفاض القوم أو الجيش إذا اندفعوا جملة واختلف في تسميتها عرفة والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر اسماء البقاع وعرفة هي نعمان الأراك والمشعر الحرام جمع كله وهو ما بين جبلي المزدلفة من حد مفضي مأزمي عرفة إلى بطن محسر قاله ابن عباس وغيره فهي كلها مشعر إلا بطن محسر كما أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة بفتح الراء وضمها روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة والمزدلفة كلها مشعر إلا وارتفعوا عن بطن محسر وذكر هذا عبد الله

ابن الزبير في خطبته وذكر الله تعالى عند المشعر الحرام ندب عند أهل العلم قال مالك ومن مربه ولم ينزل فعليه دم وقوله تعالى واذكروه كما هداكم تعديد للنعمة وأمر بشكرها ص كما هداكم الكاف للتشبيه وهو في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف وما مصدرية أي كهدايته فتكون ما وما بعدها في موضع جر إذ ينسبك منها مع الفعل مصدر ويحتمل أن تكون للتعليل على مذهب الأخفش وابن برهان وجوز ابن عطية وغيره أن تكون ما كافة للكاف عن العمل والأول اولى لأن فيه إقرار الكاف على عملها الجر وقد منع صاحب المستوفى أن تكون الكاف مكفوفة بما واحتج من أثبته بقوله ... لعمرك إنني وأبو حميد ... كما النسوان والرجل الحليم ...
... أريد هجاءه وأخاف ربي ... واعلم أنه عبد لئيم ...
انتهى ثم ذكرهم سبحانه بحال ضلالهم ليظهر قدر إنعامه عليهم وإن كنتم من قبله أي من قبل الهدى وقوله سبحانه ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس المخاطب بهذه الآية قريش ومن ولدت قاله ابن عباس وغيره وذلك أنهم كانوا لا يخرجون من الحرم ويقفون بجمع ويفيضون منه مع معرفتهم أن عرفة هي موقف إبراهيم فقيل لهم أفيضوا من حيث أفاض الناس أي من عرفة وثم لسيت في هذه الآية للترتيب إنما هي لعطف جملة كلام على جملة هي منها منقطعة وقال الضحاك المخاطب بالآية جملة الأمة والمراد بالناس إبراهيم ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة وعلى هذا عول الطبري فتكون ثم على بابها وقرأ سعيد بن جبير الناسي وتأوله آدم عليه السلام وأمر عز و جل بالاستغفار لأنها مواطنة ومظان القبول ومساقط الرحمة وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب عشية عرفة فقال أيها الناس إن الله

عز و جل تطاول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسن إلا التبعات فيما بينكم أفيضوا على اسم الله فلما كان غداة جمع خطب فقال أيها الناس إن الله تطاول عليكم فعوض التبعات من عنده وقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم الآية قال مجاهد المناسك الذبائح وهي إراقة الدماء ع والمناسك عندي العبادات في معالم الحج مواضع النسك فيه والمعنى إذا فرغتم من حجكم الذي هو الوقوف بعرفة فاذكروا الله بمحامده واثنوا عليه بآلائه عندكم وكانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة تتفاخر بالآباء وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم وغير ذلك فنزلت الآية إن يلزموا أنفسهم ذكر الله تعالى أكثر من التزام ذكر آبائهم بأيام الجاهلية هذا قول جمهور المفسرين وقال ابن عباس وعطاء معنى الآية واذكروا الله كذكر الأطفال آبائهم وأمهاتهم أي فاستغيثوا به والجئوا إليه قال النووي في حليته والمراد من الذكر حضور القلب فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله ويتدبر مايذكر ويتعقل معناه فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مد الذاكر قوله لا إله إلا الله لما فيه من التدبر وأقوال السلف وأئمة الخلف في هذا مهشورة انتهى قال الشيخ العارف أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الساحلي المالقي ومنفعة الذكر أبدا إنما هي تتبع معناه بالفكر ليقتبس الذاكر من ذكره أنوار المعرفة ويحصل على اللب المراد ولا خير في ذكر مع قلب غافل ساه ولا مع تضييع شيء من رسوم الشرع وقال في موضع آخر من هذا الكتاب الذي ألفه في السلوك ولا مطمع للذاكر في درك حقائق الذكر إلا بأعمال الفكر فيما تحت ألفاظ الذكر من المعاني وليدفع خطرات نفسه عن باطنه راجعا إلى مقتضى ذكره حتى

يغلب معنى الذكر على قلبه وقد آن له أن يدخل في دائرة أهل المحاضرات انتهى وقوله تعالى فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا الآية قال أبو وائل وغيره كانت عادتهم في الجاهلية الدعاء في مصالح الدنيا فقط إذ كانوا لا يعرفون الآخرة فنهو عن ذلك الدعاء المخصوص بأمر الدنيا وجاء النهي في صيغة الخبر عنه والخلاق الحظ والنصيب قال الحسن بن أبي الحسن حسنة الدنيا العلم والعبادة ع واللفظ أعم من هذا وحسنة الآخرة الجنة بإجماع وعن أنس قال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار رواه البخاري ومسلم وغيرهما زاد مسلم وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه انتهى أولئك لهم نصيب مما كسبوا وعد على كسب الأعمال الصالحة والرب سبحانه سريع الحساب لأنه لا يحتاج إلى عقد ولا إعمال فكر قيل لعلي رضي الله عنه كيف يحاسب الله الخلائق في يوم فقال كما يرزقهم في يوم وقيل الحساب هنا المجازات وقيل معنى الآية سريع مجيء يوم الحساب يكون المقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة وقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات أمر الله سبحانه بذكره في الأيام المعدودات وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر ومن جملة الذكر التكبير في أثر الصلوات قال مالك يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق وبه قال الشافعي ومشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاثة تكبيرات ومن خواص التكبير وبركته ما رواه ابن السني بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التبكير يطفئه انتهى من حلية النووي وقوله تعالى فمن تعجل في يومين الآية قال ابن عباس وغيره

المعنى من نفر في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج عليه ومن تأخر إلى الثالث فلا إثم عليه أي كل ذلك مباح إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس فنزلت الآية رافعة للجناح قلت وأهل مكة في التعجيل كغيرهم على الأصح ثم أمر سبحانه بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف بين يديه وقوله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا الآية قال السدي نزلت في الأخنس بن شريق أظهر الإسلام ثم هرب فمر بقوم من المسلمين فأحرق لهم زرعا وقتل حمرا قال ع ما ثبت قط أن الأخنس أسلم قلت وفي ما قاله ع نظر ولا يلزم من عدم ثبوته عنده الا يثبت عند غيره وقد ذكر أحمد بن نصر الداودي في تفسيره إن هذه الآية نزلت في الأخنس ابن شريق انتهى وسيأتي للطبري نحوه وقال قتادة وجماعة نزلت هذه الآية في كل مبطن كفر أو نفاق أو كذب أو ضرار وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك فهي عامة معنى ويشهد الله أي يقول الله يعلم أني أقول حقا والألد الشديد الخصومة الذي يلوي الحجيج في كل جانب فيشبه انحرافه المشي في لديدي الوادي وعنه صلى الله عليه و سلم أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم وتولى وسعى يحتمل معنيين أحدهما أن يكونا فعل قلب فيجيء تولى بمعنى ضل وغضب وأنف في نفسه فسعى بحيلة وأدارته الدوائر على الإسلام نحا هذا المنحى في معنى الآية ابن جريج وغيره والمعنى الثاني أن يكونا فعل شخص فيجيء تولى بمعنى أدبر ونهض وسعى أي بقدميه فقطع الطريق وأفسدها نحا هذا المنحى ابن عباس وغيره وقوله تعالى ويهلك الحرث والنسل قال الطبري المراد الأخنس في إحراقه الزرع وقتله الحمر قال ع والظاهر أن الآية عبارة عن مبالغته في الإفساد ولا يحب الفساد معناه لا يحبه من أهل الصلاح أو لا يحبه دينا وإلا فلا يقع إلا ما

يحب الله وقوعه والفساد واقع وهذا على ما ذهب إليه المتكلمون من أن الحب بمعنى الإرادة قال ع والحب له على الإرادة مزية إيثار إذ الحب من الله تعالى إنما هو لما حسن من جميع جهاته وقوله تعالى وإذا قيل له اتق الله الآية هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا ويحذر المؤمن أن يوقعه الحرج في نحو هذا وقد قال بعض العلماء كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه اتق الله فيقول له عليك نفسك مثلك يوصيني قلت قال أحمد بن نصر الداودي عن ابن مسعود من أكبر الذنب أن يقال للرجل اتق الله فيقول عليك نفسك أنت تأمرني انتهى والعزة هنا المنعة وشدة النفس أي اعتز في نفسه فأوقعته تلك العزة في الإثم ويحتمل المعنى أخذته العزة مع الإثم وحسبه أي كافيه والمهاد ما مهد الرجل لنفسه كأنه الفراش وقوله تعالى ومن الناس من يشرى نفسه الآية تتناول كل مجاهد في سبيل الله أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر وقيل هذه الآية في شهداء غزوة الرجيع عاصم ابن ثابت وخبيب وأصحابهما وقال عكرمة وغيره هي في طائفة من المهاجرين وذكروا حديث صهيب ويشرى معناه يبيع ومنه وشروه بمثن بخس وحكى قوم أنه يقال شرى بمعنى اشترى ويحتاج إلى هذا من تأول الآية في صهيب لأنه اشترى نفسه بماله وقوله تعالى والله رؤوف بالعباد ترجية تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية كما أن قوله سبحانه فحسبه جهنم تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذم في الآية ثم أمر تعالى المؤمنين بالدخول في السلم وهو الإسلام والمسالمة وقال ابن عباس نزلت في أهل الكتاب والألف واللام في الشيطان للجنس وعدو يقع للواحد والاثنين والجمع وقوله تعالى فإن زللتم من بعد ما جائتكم البينات الآية أصل الزلل في القدم ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك والمعنى ضللتم والبينات

محمد صلى الله عليه و سلم وآياته ومعجزاته اذا كان الخطاب اولا لجماعة المؤمنين وإذا كان الخطاب لأهل الكتاب فالبينات ما ورد في شرائعهم من الإعلام بمحمد صلى الله عليه و سلم والتعريف به وعزيز صفة مقتضية انه قادر عليكم لا تعجزونه ولا تمتنعون منه وحكيم أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم وقوله تعالى هل ينظرون أي ينتظرون والمراد هؤلاء الذين يزلون والظلل جمع ظلة وهي ما اظل من فوق والمعنى يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم وذهب ابن جريج وغيره إلى أن هذا التوعد هو مما يقع في الدنيا وقال قوم بل هو توعد بيوم القيامة وقال قوم إلا أن يأتيهم الله وعيد بيوم القيامة واما الملائكة فالوعيد بإتيانهم عند الموت والغمام ارق السحاب واصفاه واحسنه وهو الذي ظلل به بنو اسراءيل وقال النقاش هو ضباب ابيض وقضي الأمر معناه وقع الجزاء وعذب اهل العصيان وقرأ معاذ بن جبل وقضاء الأمر والى الله ترجع الأمور هي راجعة اليه سبحانه قبل وبعد وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها الى الملوك في الدنيا وقوله سبحانه سل بني اسراءيل الآية معنى الآية توبيخهم على عنادهم بعد الآيات البينات والمراد بالآية كم جاءهم في امر محمد صلى الله عليه و سلم من ءاية معرفة به دالة عليه ونعمة الله لفظ عام لجميع أنعامه ولكن يقوى من حال النبي صلى الله عليه و سلم معهم أن المشار اليه هنا هو محمد صلى الله عليه و سلم فالمعنى ومن يبدل من بني إسراءيل صفة نعمة الله ثم جاء اللفظ منسحبا على كل مبدل نعمة لله ويدخل في اللفظ كفار قريش والتوراة ايضا نعمة على بني اسراءيل فبدلوها بالتحريف لها وجحد امر محمد صلى الله عليه و سلم فإن الله شديد العقاب خبر يتضمن الوعيد وقوله تعالى زين للذين كفروا الحياة الدنيا الآية الاشارة الى كفار قريش لأنهم كانوا يعظمون

حالهم من الدنيا ويغتبطون بها ويسخرون من اتباع النبي صلى الله عليه و سلم كبلال وصهيب وابن مسعود وغيرهم فذكر الله قبيح فعلهم ونبه على خفض منزلتهم بقوله والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ومعنى الفوقية هنا في الدرجة والقدر ويحتمل ان يريد ان نعيم المتقين في الآخرة فوق نعيم هؤلاء الآن قلت وحكى الداودي عن قتادة فوقهم يوم القيامة قال فوقهم في الجنة انتهى ومهما ذكرت الداودى في هذا المختصر فانما اريد احمد بن نصر الفقيه المالكى ومن تفسيره انا انقل انتهى فان تشوفت نفسك ايها الأخ الى هذه الفوقية ونيل هذه الدرجة العلية فارفض دنياك الدنية وازهد فيها بالكلية لتسلم من كل آفة وبلية واقتد في ذلك بخير البرية قال عياض في شفاه فانظر رحمك الله سيرة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وخلقه في المال تجده قد اوتي خزائن الارض وجبيت اليه الاخماس وهادته جماعة من الملوك فما استأثر بشيء من ذلك ولا امسك درهما منه بل صرفه مصارفه واغنى به غيره وقوى به المسلمين ومات صلى الله عليه و سلم ودرعه مرهونه في نفقة عياله واقتصر من نفقته وملبسه على ما تدعوه ضرورته اليه وزهد فيما سواه فكان عليه السلام يلبس ما وجد فيلبس في الغالب الشملة والكساء الخشن والبرد الغليظ انتهى وقوله تعالى كان الناس امة واحدة الآية قال ابن عباس الناس القرون التي كانت بين آدم ونوح وهي عشرة كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث الله تعالى نوحا فمن بعده وقال ابن عباس ايضا كان الناس امة واحدة أي كفارا يريد في مدة نوح حين بعثه الله وقال ابي بن كعب وابن زيد المراد بالناس بنو ءادم حين اخرجهم الله نسما من ظهر ءادم أي كانوا على الفطرة وقيل غير هذا وكل من قدر الناس في الآية مؤمنين قدر في الكلام

فاختلفوا وكل من قدرهم كفارا قدر كانت بعثة النبيين اليهم والأمة الجماعة على المقصد ويسمى الواحد امة اذا كان منفردا بمقصد ومبشرين معناه بالثواب على الطاعة ومنذرين بالعقاب والكتاب اسم الجنس والمعنى جميع الكتب وليحكم مسند إلى الكتاب في قول الجمهور والذين اوتوه ارباب العلم به وخصوا بالذكر تنبيها منه سبحانه على عظيم الشنعة والقبح والبينات الدلالات والحجج والبغي التعدي بالباطل وهدى معناه ارشد والمراد بالذين ءامنوا من ءامن بمحمد صلى الله عليه و سلم فقالت طائفة معنى الآية ان الامم كذب بعضهم كتاب بعض فهدى الله امة محمد صلى الله عليه و سلم للتصديق بجميعها وقالت طائفة ان الله سبحانه هدى المؤمنين للحق فيما اختلف فيه اهل الكتاب من قولهم ان إبراهيم كان يهوديا او نصرانيا قال زيد بن اسلم وكاختلافهم في يوم الجمعة فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال هذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فلليهود غد وللنصارى بعد غد وفي صيامهم وجميع ما اختلفوا فيه قال الفراء وفي الكلام قلب واختاره الطبري قال وتقديره فهدى الله الذين ءامنوا للحق مما اختلفوا فيه ودعاه الى هذا التقدير خوف ان يحتمل اللفظ انهم اختلفوا في الحق فهدى الله المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه وعساه غير الحق في نفسه نحا الى هذا الطبري في حكايته عن الفراء قال ع وادعاء القلب على كتاب الله دون ضرورة تدفع الى ذلك عجز وسوء نظر وذلك ان الكلام يتخرج على وجهه ورصفه لان قوله فهدى يقتضى انهم اصابوا الحق وتم المعنى في قوله فيه وتبين بقوله من الحق جنس ما وقع الخلاف فيه وباذبه قال الزجاج معناه بعلمه ع والاذن هو العلم والتمكين فان اقترن بذلك امر صار اقوى من الاذن بمزية وقوله تعالى أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم الآية اكثر المفسرين انها

نزلت في قصة الاحزاب حين حصروا المدينة وقالت فرقة نزلت تسلية للمهاجرين حين اصيبت اموالهم بعدهم وفيما نالهم من اذاية الكافرين لهم وخلوا معناه انقرضوا أي صاروا في خلاء من الأرض والبأساء في المال والضراء في البدن ومثل معناه شبه والزلزلة شدة التحريك تكون في الأشخاص والأحوال وقرأ نافع يقول بالرفع وقرأ الباقون بالنصب وحتى غاية مجردة تنصب الفعل بتقدير إلى أن وعلى قراءة نافع كأنها أقترن بها تسبيب فهي حرف ابتداء ترفع الفعل وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك ولا ارتياب والرسول اسم الجنس وقالت طائفة في الكلام تقديم وتأخير والتقدير حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله فيقول الرسول ألا أن نصر الله قريب فقدم الرسول في الرتبة لمكانته ثم قدم قول المؤمنين لأنه المتقدم في الزمان قال ع وهذا تحكم وحمل الكلام على وجهه غير متعذر ويحتمل أن يكون ألا إن نصر الله قريب إخبارا من الله تعالى مؤتنفا بعد تمام ذكر القول قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير الآية السائلون هم المؤمنون والمعنى يسألونك ما هي الوجوه التي ينفقون فيها وما يصح أن تكون في موضع رفع على الابتداء وذا خبرها بمعنى الذي وينفقون صلة وفيه عائد على ذا تقديره ينفقونه ويصح أن تكون ماذا اسما واحدا مركبا في موضع نصب قال قوم هذه الآية في الزكاة المفروضة وعلى هذا نسخ منها الوالدان وقال السدي نزلت قبل فرض الزكاة ثم نسختها آية الزكاة المفروضة وقال ابن جريج وغيره هي ندب والزكاة غير هذا الإنفاق وعلى هذا لا نسخ فيها وما تفعلوا جزم بالشرط والجواب في الفاء وظاهر الآية الخبر وهي تتضمن الوعد بالمجازات وكتب معناه فرض واستمر الإجماع على

إن الجهاد على أمة محمد صلى الله عليه و سلم فرض كفاية وقوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا الآية قال قوم عسى من الله واجبة والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظهرون وتغنمون وتوجرون ومن مات مات شهيدا وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم قال ص قوله وعسى أن تحبوا شيئا عسى هنا للترجي ومجيئها له كثير في كلام العرب قالوا وكل عسى في القرآن للتحقيق يعنون به الوقوع إلا قوله تعالى عسى ربه إن طلقكن انتهى وفي قوله تعالى والله يعلم الآية قوة أمر وقوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام الآية نزلت في قصة عمرو بن الحضرمي وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية عليها عبد الله بن جحش الأسدي مقدمة من بدر الأولى فلقوا عمر بن الحضرمي ومعه عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل المخزوميان والحكم بن كيسان في آخر يوم من رجب على ما قله ابن إسحاق وقالوا إن تركناهم اليوم دخلوا الحرم فأزمعوا قتالهم فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله وأسر عثمان بن عبد الله والحكم وفر نوفل فأعجزهم وأستسهل المسلمون هذا في الشهر الحرام خوف فوتهم فقالت قريش محمد قد استحل الأشهر الحرم وعيروا بذلك وتوقف النبي صلى الله عليه و سلم وقال ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم فنزلت هذه الآية وقتال بدل اشتمال عند سيبويه وقال الفراء هو مخفوض بتقدير عن وقرىء به والشهر في الآية اسم الجنس وكانت العرب قد جعل الله لها الشهر الحرام قواما تعتدل عنده فكانت لا تسفك دما ولا تغير في الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يغزو فيها إلا أن

يغزى فذلك قوله تعالى قل قتال فيه كبير وصد مبتدأ مقطوع مما قبله والخبر أكبر ومعنى الآية على قوم الجمهور أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام وكفركم بالله وإخراجكم أهل المسجد عنه كما فعلتم برسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه أكبر جرما عند الله قال الزهري ومجاهد وغيرهما قوله تعالى قل قتال فيه كبير منسوخ ص وسبيل الله دينه والمسجد قراءة الجمهور بالخفض قال المبرد وتبعه ابن عطية وغير هو معطوف على سبيل الله ورد بأنه حينئذ يكون متعلقا بصد أي وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام فيلزم الفصل بين المصدر وهو صد وبين معموله وهو المسجد باجنبي وهو وكفر به ولا يجوز وقيل معطوف على ضمير به أي وكفر به وبالمسجد ورد بأن فيه عطفا على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض ولا يجوز عند جمهور البصريين وأجازه الكوفيون ويونس وأبو الحسن والشلوبين والمختار جوازه لكثرته سماعا ومنه قراءة حمزة تساءلون به والأرحام أي وبالارحام وتأويلها على غيره بعيد يخرج الكلام عن فصاحته انتهى وقوله تعالى والفتنة أكبر من القتل المعنى عند جمهور المفسرين والفتنة التي كنتم تفتنون المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا أشد اجتراما من قتلكم في الشهر الحرام وقيل المعنى والفتنة اشد من أن لو قتلوا ذلك المفتون وقوله تعالى ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا هو ابتداء خبر من الله تعالى وتحذير منه للمؤمنين وقوله تعالى ومن يرتدد أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر عياذا بالله قالت طائفة من العلماء يستتاب المرتد ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه وفي قول له يقتل دون استتابة وحبط العمل إذا انفسد في آخره فبطل وميراث

المرتد عند مالك والشافعي في بيت مال المسلمين وقوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله الآية قال عروة بن الزبير وغيره لما عنف المسلمون عبد الله بن جحش وأصحابه شق ذلك عليهم فتلافاهم الله عز و جل بهذه الآية ثم هي باقية في كل من فعل ما ذكره الله عز و جل وهاجر الرجل إذا انتقل نقلة إقامة من موضع إلى موضع وقصد ترك الأول إيثارا للثاني وهي مفاعلة من هجر وجاهد مفاعلة من جهد إذا استخرج الجهد ويرجون معناه يطمعون ويستقربون والرجاء تنعم والرجاء أبدا معه خوف ولا بد كما أن الخوف معه رجاء ت والرجاء ما قارنه عمل وإلا فهو أمنية قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر الآية السائلون هم المؤمنون والخمر مأخوذ من خمر إذا ستر ومنه خمار المرأة والخمر ما واراك من شجر وغيره ومنه قول الشاعر ... ألا يا زيد والضحاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطريق ...
ولما كانت الخمر تستر العقل وتغطى عليه سميت بذلك وأجمعت الأمة على تحريم خمر العنب ووجوب الحد في القليل والكثير منه وجمهور الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب محرم قليله وكثيره والحد في ذلك واجب وروي أن هذه الآية أول تطرق إلى تحريم الخمر ثم بعده لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ثم إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم الآية إلى قوله فهل أنتم منتهون ثم قوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حرمت الخمر ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم في حد الخمر إلا أنه جلد أربعين خرجه مسلم وابو داوود وروي عنه صلى الله عليه و سلم أنه ضرب فيها ضربا مشاعا وحزره أبو بكر أربعين سوطا وعمل بذلك هو ثم عمر ثم تهافت الناس فيها فشدد عليهم الحد وجعله

كاخف الحدود ثمانين وبه قال مالك ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع قال ابن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز ت وعبارة الداودي وعن ابن عمر الميسر القمار كله قال ابن عباس كل ذلك قمار حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب انتهى وقوله تعالى قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس الآية قال ابن عباس والربيع الإثم فيهما بعد التحريم والمنفعة قبله وقال مجاهد المنفعة بالخمر كسب أثمانها وقيل اللذة بها إلى غير ذلك من افراحها ثم أعلم الله عز و جل أن الإثم أكبر من النفع وأعود بالضرر في الآخرة فهذا هو التقدمة للتحريم وقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال جمهور العلماء هذه نفقات التطوع والعفو مأخوذ من عفا الشيء إذا كثر فالمعنى انفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم توذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة على الناس وقوله تعالى كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون الإشارة إلى ما تقدم تبيينه من الخمر والميسر والإنفاق وأخبر تعالى أنه يبين للمؤمنين الآيات التي تقودهم إلى الفكرة في الدنيا والآخرة وذلك طريق النجاة لمن نفعته فكرته قال الداودي وعن ابن عباس لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها انتهى قال الغزالي رحمه الله تعالى العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة فإنها مصيره مستقره فيكون له في كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة فإن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد وإن نظر إلى صورة مروعة تذكر منكرا ونكيرا والزبانية وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور وإن رأى شيئا حسنا تذكر نعيم الجنة وإن سمع كلمة رد أو قبول تذكر ما ينكشف له من آخر أمره بعد الحساب

من رد أو قبول وما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل لا يصرفه عنه إلا مهمات الدنيا فإذا نسب مدة مقامه في الدنيا إلى مدة مقامه في الآخرة استحقر الدنيا إن لم يكن أغفل قلبه وأعميت بصيرته انتهى من الأحياء وقوله تعالى ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير قال ابن عباس وسعيد بن المسيب سبب الآية أن المسلمين لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم الآية ونزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما تجنبوا اليتامى وأموالهم وعزلوهم عن أنفسهم فنزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم الآية وأمر الله سبحانه نبيه أن يجيب بأن من قصد الإصلاح في مال اليتيم فهو خير فرفع تعالى المشقة وأباح الخلطة في ذلك إذا قصد الإصلاح ورفق اليتيم وقوله سبحانه والله يعلم المفسد من المصلح تحذير وقوله تعالى ولو شاء الله لأعنتكم أي لأ تعبكم في تجنب أمر اليتامى والعنت المشقة ومنه عقبة عنوت ومنه عنت العزبة وعزيز مقتضاه لا يرد أمره وحكيم أي محكم ما ينفذه وقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ونكح أصله في الجماع ويستعمل في العقد تجوزا قالت طائفة المشركات هنا من يشرك مع الله إلها آخر وقال قتادة وابن جبير الآية عامة في كل كافرة وخصصتها أية المائدة لم يتناول العموم قط الكتابيات وقال ابن عباس والحسن تناولهن العموم ثم نسخت آية المائدة بعض العموم في الكتابيات وهو مذهب مالك رحمه الله ذكره ابن جبيب وقوله تعالى ولأمة مؤمنة خير من مشركة الآية هذا إخبار من الله سبحانه أن المؤمنة المملوكة خير من المشركة وإن كانت ذات الحسب والمال ولو أعجبتكم في الحسن وغير ذلك هذا قول الطبري وغيره وقوله سبحانه ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا الآية أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغصاصة على دين

الإسلام قال بعض العلماء أن الولاية في النكاح نص في هذه الآية قلت ويعني ببعض العلماء محمد بن علي بن حسين قاله ابن العربي انتهى ولعبد مؤمن مملوك خير من مشرك حسيب ولو أعجبكم حسنه وماله حسبما تقدم قال ع وتحتمل الآية عندي أن يكون ذكر العبد والأمة عبارة عن جميع الناس حرهم ومملوكهم إذ هم كلهم عبيده سبحانه وقوله تعالى أولئك يدعون إلى النار أي بصحبتهم ومعاشرتهم والانحطاط في كثير من أهوائهم والله عز و جل ممن بالهداية ويبين الآيات ويحض على الطاعات التي هي كلها دواع إلى الجنة والإذن العلم والتمكين فإن انضاف إلى ذلك أمر فهو أقوى من الإذن لأنك إذا قلت أذنت في كذا فليس يلزمك أنك أمرت ولعلهم ترج في حق البشر ومن تذكر عمل حسب التذكر فنجا قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى قال الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدحداح وقال قتادة وغيره إنما سألوه لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مواكلة الحائض ومساكنتها فنزلت الآية وقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض يريد جماعهن بما فسر من ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم من أن تشد الحائض أزارها ثم شأنه بأعلاها قال أحمد بن نصر الداودي روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اتقوا النساء في المحيض فإن الجذام يكون من أولاد المحيض انتهى قوله تعلى ولا تقربوهن حتى يطهرن وقرأ حمزة وغيره يطهرن بتشديد الطاء والهاء وفتحهما وكل واحدة من القراءتين يحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء وأن يراد بها انقطاع الدم وزوال اذاه قال ابن العربي في أحكامه سمعت أبا بكر الشاشي يقول إذا قيل لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تلتبس بالفعل وإذا كان بضم الراء كان معناه لا

تدن منه انتهى وجمهور العلماء على أن وطاها في الدم ذنب عظيم يتاب منه ولا كفارة فيه بمال وجمهورهم على أن الطهر الذي يحل جماع الحائض هو بالماء كطهر الجنب ولا يجزيء من ذلك تيمم ولا غيره وقوله تعالى فإن تطهرن الآية الخلاف فيها كما تقدم وقال مجاهد وجماعة تطهرن أي اغتسلن بالماء بقرينة الأمر بالإتيان لأن صيغة الأمر من الله تعالى لا تقع إلا على الوجه الأكمل وفاتوهن أمر بعد الحظر يقتضي الإباحة والمعنى من حيث أمركم الله بإعتزالهن وهو الفرج أو من السرة إلىالركبة على الخلاف في ذلك وقال ابن عباس المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض وقيل المعنى من قبل حال الإباحة لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك والتوابون الرجاعون وعرفه من الشر إلى الخير والمتطهرون قال عطاء وغيره المعنى بالماء وقال مجاهد غيره المعنى من الذنوب وقوله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية مبيحة لهيآت الإتيان كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ولفظه الحرث تعطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع قال ابن العربي في أحكامه وفي سبب نزول هذه الآية روايات الأولى عن جابر قال كانت اليهود تقول من أتى امرأة في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فنزلت الآية وهذا حديث صحيح خرجه الأئمة الثانية قالت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كان في صمام واحد خرجه مسلم وغيره الثالثة ما روى الترمذي أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال له هلكت قال وما أهلكك قال حولت البارحة رحلي فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه و سلم شيئا حتى نزلت نساؤكم حرث لكم أقبل وأدبر وأتق الدبر انتهى قال ع وأنى شئتم معناه عند جمهور العلماء من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة

على جنب قال ع وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال إتيان النساء في أدبارهن حرام وورد عنه فيه انه قال ملعون من أتى امرأة في دبرها وورد عنه أنه قال من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد وهذا هو الحق المتبع ولا ينبغي لمؤمن بالله أن يعرج بهذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه والله المرشد لا رب غيره وقوله جلت قدرته وقدموا لأنفسكم قال السدي معناه قدموا الأجر في تجنب ما نهيتم عنه وامتثال ما أمرتم به وأتقوا الله تحذير وأعلموا انكم ملاقوه خبر يقتضي المبالغة في التحذير أي فهو مجازيكم على البر والإثم وبشر المؤمنين تأنيس لفاعلي البر ومتبعى سنن الهدى قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية مقصد الآية ولا تعرضوا اسم الله تعالى فتكثروا الإيمان به فإن الحنث يقع مع الإكثار وفيه قلة رعي لحق الله تعالى وقال الزجاج وغيره معنى الآية أن يكون الإنسان إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله وقال علي يمين وهو لم يحلف وقوله عرضة قال ابن العربي في أحكامه أعلم أن بناء عرض في كلام العرب يتصرف على معان مرجعها إلى المنع لأن كل شيء عرض فقد منع ويقال لما عرض في السماء من السحاب عارض لأنه يمنع من رؤيتها ومن رؤية البدرين والكواكب انتهى وإن تبروا مفعول من أجله والبر جميع وجوه البر وهو ضد الإثم وسميع أي لأقوال العباد عليم بنياتهم وهو مجاز على الجميع واليمين الحلف وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا وقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم سقط الكلام الذي لا حكم له قال ابن عباس وعائشة والشعبي وأبو صالح ومجاهد لغو اليمين قول الرجل في درج

كلامه واستعجاله في المحاورة لا والله وبلى والله دون قصد لليمين وقد أسنده البخاري عن عائشة وقال أبو هريرة والحسن ومالك وجماعة لغو اليمين ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك ع وهذا اليقين هو غلبة الظن وقال زيد بن أسلم لغو اليمين هو دعاء الرجل على نفسه وقال الضحاك هي اليمين المكفرة وحكى ابن عبد البر قولا أن اللغو إيمان المكره قال ع وطريقة النظر أن تتأمل لفظة اللغو ولفظة الكسب ويحكم موقعهما في اللغة فكسب المرء ما قصده ونواه واللغو ما لم يتعمده أو ما حقه لهجنته إن يسقط فيقوي على هذه الطريقة بعض الأقوال المتقدمة ويضعف بعضها وقد رفع الله عز و جل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة والمؤاخذة في الإيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة لان المواخذةقد وقعت فيها وتخصيص المواخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم ت والقول الأول ارجح وعليه عول اللخمي وغيره وقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال ابن عباس وغيره ما كسب القلب هي اليمين الكاذبة الغموس فهذه فيها المواخذة في الآخرة أي ولا تكفر ع وسميت الغموس لأنها غمست صاحبها في الإثم وغفور حليم صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة إذ هو باب رفق وتوسعة وقوله تعالى للذين يولون من نسائهم الآية يولون معناه يحلفون والايلاء اليمين واختلف من المراد بلزوم حكم الإيلاء فقال مالك هو الرجل يغاضب امرأته فيحلف بيمين يلحق عن الحنث فيها حكم أن لا يطأها ضررا منه أكثر من أربعة أشهر لا يقصد بذلك إصلاح ولد رضيع ونحوه وقال به عطاء وغيره وقوله

تعالى من نسائهم يدخل الحرائر والاماء إذا تزوجن والتربص التأني والتأخر وأربعة أشهر عند مالك وغيره للحر وشهران للعبد وقال الشافعي هو كالحر وفاءوا معناه رجعوا ومنه حتى تفيء إلى أمر الله قال الجمهور وإذا فاء كفر والفيء عند مالك لا يكون إلا بالوطء أو بالتكفير في حال العذر قوله تعالى والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء حكم هذه الآية قصد الإستبراء لا أنه عبارة ولذلك خرجت منه من لم يبن بها بخلاف عدة الوفاة التي هي عبادة والقرء في اللغة الوقت المعتاد تردده فالحيض يسمى على هذا قرءا وكذلك يسمى الطهر قرءا واختلف في المراد بالقروء هنا فقال عمر وجماعة كثيرة المراد بالقروء في الآية الحيض وقالت عائشة وجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم المراد الأطهار وهو قول مالك واختلف المأولون في قوله ما خلق الله في أرحامهن فقال ابن عمر ومجاهد وغيرهما هو الحيض والحبل جميعا ومعنى النهي عن الكتمان النهي عن الإضرار بالزوج في إلزامه النفقة وإذهاب حقه في الارتجاع فأمرن بالصدق نفيا وإثباتا وقال قتادة كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ففي ذلك نزلت الآية وقال ابن عباس أن المراد الحبل والعموم راجح وفي قوله تعالى ولا يحل لهن ما يقتضي أنهن مؤتمنات على ما ذكر ولو كان الاستقصاء مباحا لم يكن كتم وقوله سبحانه إن كن يؤمن بالله الآية أي حق الإيمان وهذا كما تقول أن كنت حرا فأنتصر وأنت تخاطب حرا والبعل الزوج ونص الله تعالى بهذه الآية على أن للزوج أن يرتجع امرأته المطلقة ما دامت في العدة والإشارة بذلك إلى المدة بشرط أن يريد الإصلاح دون المضارة كما تشدد على النساء في كتم ما في أرحامهن وقوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن الآية تعم جميع حقوق الزوجية وقوله تعالى وللرجال عليهن

درجة قال مجاهد هو تبنيه على فضل حظه على حظها في الميراث وما أشبهه وقال زيد بن أسلم ذلك في الطاعة عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها وقال ابن عباس تلك الدرجة إشارة إلى حض الرجل على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخلق أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه وهذا قول حسن بارع وقوله تعالى الطلاق مرتان الآية قال عروة بن الزبير وغيره نزلت هذه الآية بيانا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي وقال ابن عباس وغيره المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق وإن من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة فأما تركها غير مظلومة شيئا من حقها وأما أمسكها محسنا عشرتها ع والآية تتضمن هذين المعنيين ص الطلاق مبتدأ على حذف مضاف أي عدد الطلاق ومرتان خبره انتهى والإمساك بالمعروف هو الارتجاع بعد الثانية إلى حسن العشرة والتسريح يحتمل لفظه معنيين أحدهما تركها تتم العدة من الثانية وتكون أملك بنفسها وهذا قول السدي والضحاك والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها بذلك وهذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما وإمساك مرتفع بالابتداء والخبر أمثل أو أحسن وقوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيأ الآية خطاب للازواج نهاهم به أن يأخذوا من أزواجهم شيأ على وجه المضارة وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن لا ينفرد الرجل بالضرر وخص بالذكر ما ءاتى الأزواج نساءهم لأنه عرف الناس عند الشقاق والفساد أن يطلبوا ما خرج من أيديهم وحرم الله تعالى على الزوج في هذه الآية أن يأخذ إلا بعد الخوف إلا يقيما حدود الله وأكد التحريم بالوعيد وحدود الله في هذا الموضع هي ما يلزم الزوجين من حسن العشرة وحقوق العصمة وقوله تعالى فإن خفتم إلا يقيما

حدود الله المخاطبة للحكام والمتوسطين لهذا الأمر وإن لم يكونوا حكاما وترك إقامة حدود الله هو إستخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه قال ابن عباس ومالك وجمهور العلماء وقال الشعبي إلا يقيما حدود الله معناه إلا يطيعا الله وذلك أن المغاصبة تدعو إلى ترك الطاعة وقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به إباحة للفدية وشركها في ارتفاع الجناح لأنها لا يجوز لها ان تعطيه مالها حيث لا يجوز له أخذه وهي تقدر على المخاصمة قال ابن عباس وابن عمر ومالك وأبو حنيفة وغيرهم مباح للزوج أن يأخذ من المرأة في الفدية جميع ما تملكه وقضى بذلك عمر بن الخطاب وقال طاوس والزهري والحسن وغيرهم لا يجوز له أن يزيد على المهر الذي أعطاها وقال ابن المسيب لا أرى أن يأخذ منها كل ما لها ولكن ليدع لها شيئا وقوله تعالى تلك حدود الله الآية أي هذه الأوامر والنواهي فلا تتجاوزوها ثم توعد تعالى على تجاوز الحد بقوله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون وهو كما قال صلى الله عليه و سلم الظلم ظلمات يوم القيامة وقوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد الآية قال ابن عباس وغيره هو ابتداء الطلقة الثالثة قال ع فيجيء التسريح المتقدم ترك المرأة تتم عدتها من الثانية وأجمعت الأمة في هذه النازلة على اتباع الحديث الصحيح في امرأة رفاعة حين تزوجت عبد الرحمن بن الزبير فقال لها النبي صاى الله عليه وسلم لعلك اردت الرجوع الى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته فرأى العلماء أنه لا يحلها إلا الوطء وكلهم على أن مغيب الحشفة يحل إلا الحسن بن أبي الحسن قال لا يحلها إلا الإنزال وهو ذوق العسيلة والذي يحلها عند مالك النكاح الصحيح والوطء المباح وقوله تعالى فإن طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله الآية

المعنى فإن طلقها المتزوج الثاني فلا جناح عليهما أي المرأة والزوج الأول قاله ابن عباس ولا خلاف فيه والظن هنا على بابه من تغليب أحد الجائزين وخص الذين يعلمون بالذكر تشريفا وقوله تعالى وإذا طلقتم النساء الآية خطاب للرجال نهي الرجل أن يطول العدة مضارة لها بأن يرتجع قرب انقضائها ثم يطلق بعد ذلك قاله الضحاك وغيره ولا خلاف فيه ومعنى بلغن أجلهن قاربن لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك ومعنى أمسكوهن راجعوهن وبمعروف قيل هو الإشهاد ولا تمسكوهن أي لا تراجعوهن ضرارا وباقي الآية بين وقوله تعالى ولا تتخذوا ءايات الله هزؤا الآية المراد بآياته النازلة في الأوامر والنواهي وقال الحسن نزلت هذه الآية فيمن طلق لاعبا أو هازئا أو راجع كذلك وقالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة ثم ذكر الله عباده بإنعامه سبحانه عليهم بالقرآن والسنة والحكمة وهي السنة المبينة مراد الله سبحانه وقوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن الآية خطاب للمؤمنين الذين منهم الأزواج ومنهم الأولياء لأنهم المراد في تعضلوهن وبلوغ الأجل في هذا الموضع تناهيه لأن المعنى يقتضي ذلك وقد قال بعض الناس في هذا المعنى أن المراد بتعضلوهن الأزواج وذلك بأن يكون الارتجاع مضارة عضلا عن نكاح الغير فقوله أزواجهن على هذا يعني به الرجال إذ منهم الأزواج وعلى أن المراد بتعضلوهن الأولياء فالأزواج هم الذين كن في عصمتهم والعضل المنع وهو من معنى التضييق والتعسير كما يقال اعضلت الدجاجة إذا عسر بيضها والداء العضال العسير البرء وقيل نزلت هذه الآية في معقل بن يسار وأخته لما طلقها زوجها وتمت عدتها أراد أرتجاعها فمنعه ولي المرأة وقيل نزلت في جابر بن عبد الله وأخته وهذه الآية تقتضي ثبوت حق

الولي في إنكاح وليته وقوله بالمعروف معناه المهر والإشهاد وقوله تعالى ذلك يوعظ به من كان منكم خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم ثم رجوع إلى خطاب الجماعة والإشارة في ذلكم أزكى إلى ترك العضل وأزكى وأطهر معناه أطيب للنفس وأطهر للعرض والدين بسبب العلاقات التي تكون بين الأزواج وربما لم يعلمها الولي فيؤدي العضل إلى الفساد والمخالطة على ما لاينبغي والله تعالى يعلم من ذلك ما لا يعلم البشر قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة يرضعن أولادهن خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات وعلى الندب لبعضهن فيجب على الأم الإرضاع أن كانت تحت أبيه أو رجعية ولا مانع من علو قدر بغير أجر وكذلك أن كان الأب عديما أو لم يقبل الولد غيرها وهذه الآيات في المطلقات جعلها الله حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع فمن دعا منهما إلى إكمال الحولين فذلك له وقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة مبني على أن الحولين ليسا بفرض لا يتجاوز وانتزع مالك رحمه الله وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين لأن بإنقضاء الحولين تمت الرضاعة فلا رضاعة ت فلو كان رضاعة بعد الحولين بمدة قريبة وهو مستمر الرضاع أو بعد يومين من فصالة اعتبر إذ ما قارب الشيء فله حكمه انتهى وقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن الآية المولود له اسم جنس وصنف من الرجال والرزق في هذا لحكم الطعام الكافي وقوله بالمعروف يجمع حسن القدر في الطعام وجودة الأداء له وحسن الاقتضاء من المرأة ثم بين سبحانه أن الأنفاق على قدر غنى الزوج بقوله لا تكلف نفس إلا وسعها وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابان عن عاصم لا تضار والدة بضم الراء وهو خبر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10