الكتاب : معاني القرآن الكريم
المؤلف : ابو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس

بمحمد وأما النصارى فلم يؤمنوا بالقيامة لأنهم قالوا ليس في الجنة أكل ولا شرب فضل سعيهم وبطل عملهم وهم يحسبون أنهم على هدى أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه
وأما الخوارج فهم الذين قال الله فيهم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل
146 - ثم قال جل وعز فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا
روى أبو هريرة عن النبي صلع قال يؤتى يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضه اقرءوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا

147 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا سئل أبو أمامة عن الفردوس فقال هي سرة الجنة وقال كعب هي التي فيها الأعناب
قال أبو اسحاق الفردوس البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين وكذلك هو عند أهل اللغة ولم نسمعه إلا في بيت حسان ... وإن ثواب الله كل موحد ... جنان من الفردوس فيها يخلد

قرىء على جعفر بن محمد الفريابي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم قال إن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين ما بين السماء والأرض والفردوس أعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس
148 - وقوله جل وعز خالدين فيها لا يبغون عنها حولا
روى ابن نجيح عن مجاهد قال متحولا
وقال غيره هو من الحيلة أي لا يحتالون في غيرها
149 - وقوله جل ذكره قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي

قال مجاهد يعني العلم
150 - ثم قال تعالى ولو جئنا بمثله مددا قيل مددا يمعنى مدادا
وقيل هو من قولهم نحن مدد له وقرأ ابن عباس ولو جئنا بمثله مدادا
151 - وقوله جل وعز فمن كان يرجو لقاء ربه قيل يرجو بمعنى يخاف كما قال الشاعر ... إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفها في بيت نوب عوامل

وقال سعيد بن جبير لقاء ربه أي ثواب ربه قال أبو جعفر وعلى هذا يكون يرجو على بابه وإذا رجا ثواب ربه خاف عقابه
152 - وقوله جل وعز ولا يشرك بعبادة ربه احدا قال مجاهد يعني الرياء وقال سعيد بن جبير أي لا يرائي
وقال كثير بن زياد سألت الحسن عن قوله فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا فيمن نزلت فقال نزلت في المؤمن قلت أيكون مشركا فقال يشرك في العمل إذا عمل عملا أراد الله له والناس وذلك الذي يرد عليه إنتهت سورة الكهف

تفسير سورة مريم مكية وآياتها 98 آية
306
- 307
بسم الله الرحمن الرحيم سورة مريم وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل اسمه كهيعص
حدثنا أبو بكر بن نافع قال نا سلمة بن شبيب قال نا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن عيينة عن عطاء بن السايب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى كهيعص قال كاف من كاف وهاء من هاد وياء من حكيم و عين من عليم وصاد من صادق
قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن قتادة في قوله كهيعص قال اسم من أسماء القرآن
قال أبو جعفر وقد استقصينا ما في هذا في سورة البقرة
2 - وقوله جل وعز إذ نادى ربه نداء خفيا

قال يونس بن عبيد كان الحسن يرى ان يدعو الإمام في القنوت ويؤمن من خلفه من غير رفع الصوت وتلا يونس إذ نادى ربه نداء خفيا
3 - وقوله جل وعز قال رب إني وهن العظم مني قال أبو زيد يقال وهن يهن ووهن يوهن وقال غيره أي ضعف
4 - ثم قال تعالى واشتعل الرأس شيبا يقال لمن كثر الشيب في رأسه اشتعل رأسه شيبا
5 - ثم قال جل وعز ولم أكن بدعائك رب شقيا أي لم أكن أخيب إذا دعوتك
6 - ثم قال جل وعز وإني خفت الموالي من ورائي

روى هشام عن اسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال الكلالة
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال العصبة وقال أبو عبيدة يعني بني العم قال و من ورائي أي من قدامي
وقول مجاهد أولى يقال للعصبة موال أي من يليه في النسب كما أن الأقرباء من يقرب إليه في النسب وبنو العم داخلون في هذا كما قال الشاعر ... مهلا بني عمنا مهلا موالينا ...
وقوله أيضا من ورائي من قدامي مخالف لقول أهل

التفسير لأن المعنى عندهم من بعد موتي
وقال سعيد بن العاص أمل علي عثمان بن عفان رحمة الله عليه وإني خفت الموالي من ورائي يعني بتشديد الفاء وكسر التاء وإسكان الياء قال ومعناه قلت
7 - ثم قال جل وعز وكانت امرأتي عاقرا أي لا تلد كأن بها عقرا يمنعها من الولاد
8 - ثم قال جل وعز وقد بلغت من الكبر عتيا قال مجاهد أي نحول العظم
ويروي أن عبد الله بن مسعود قرأ عسيا

يقال عتا يعتو وعسى يعسو إذا بلغ النهاية في الشدة والكبر قال قتادة كان ابن بضع وسبعين سنة
9 - وقوله جل وعز يرثني ويرث من آل يعقوب
روى هشيم عن اسماعيل عن أبي خالد عن أبي صالح قال يكون نبيا كما كانوا أنبياء
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانت وراثته علما وكان زكريا من آل يعقوب
وروى عن داود بن أبي هند عن الحسن يرثني اي يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة
وأبو إسحاق يذهب الى القول الأول ويبعد أن يكون نبي

يشفق أن يورث ماله للحديث المأثور
10 - وقوله جل وعز يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى أي قلنا يا زكريا
11 - ثم قال جل وعز لم نجعل له من قبل سميا روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لم يسم أحد قبل يحيى بيحيي غيره وروى سفيان عن أبيه عن حسان بن أبي الأشرس لم نجعل له من قبل سميا قال عدلا
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال مثلا

قال أبو جعفر ويقوي هذا أن أهل التفسير منهم ابن جريج قالوا في قول الله هل تعلم له سميا أي مثلا أي شريكا
12 - وقوله جل وعز قال رب أني يكون لي غلام قال أبو اسحاق أراد أن يعلم من أي جهة يولد له وامرأته عاقر وقد كبر قال أبو جعفر وقد ذكرنا العاقر والعتي قبل هذا
13 - ثم قال جل وعز قال كذلك قال ربك هو علي هين أي الأمر كما قيل لك
ثم قال تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا أي شيئا موجودا
14 - ثم قال جل وعز قال رب اجعل لي آية أي علامة تدل على وقوع ما بشرت به

قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليالي سويا قال عكرمة وقتادة والضحاك أي من غير خرس
15 - وقوله جل وعز فخرج على قومه من المحراب قال أهل التفسير كان موضعا مرتفعا وكذلك هو عند اهل اللغة كأنه على حربة لارتفاعه ومنه قيل محراب للموضع الذي يصلي فيه كأنه أرفع المجلس
16 - ثم قال جل وعز فأوحى إليهم قال قتادة أي فأومأ إليهم وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال كتب لهم فذلك الوحي
17 - ثم قال تعالى أن سبحوا بكرة وعشيا روى معمر عن قتادة قال صلوا وذلك معروف في اللغة

ومنه يقال للصلاة سبحة
18 - ثم قال جل وعز يا يحيى خذ الكتاب بقوة في الكلام حذف لعلم المخاطب المعنى فوهبنا له يحيى فقلنا يا يحيى خذ الكتاب بقوه قال مجاهد أي بجد وقال غيره أي بجد وعون من الله
19 - ثم قال تعالى وآتيناه الحكم صبيا قال عبد الرزاق أخبرنا معمر قال بلغنا أن الصبيان قالوا ليحيى وهو صبي تعال حتى نلعب فقال ما للعب خلقنا فقال جل ثناؤه وآتيناه الحكم صبيا

قال أبو جعفر هذا معنى كلامه قال عكرمة الحكم اللب قال قتادة كان ابن سنتين أو ثلاث
20 - ثم قال تعالى وحنانا من لدنا روى شعبة عن سماك عن عكرمة قال الحنان الرحمة وكذلك هو عند أهل اللغة وأصله من حنين الناقة على ولدها قال طرفة ... أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض

21 - ثم قال جل وعز وزكاة وكان تقيا روى على بن الحكم عن الضحاك قال الزكاة العقل الزاكي الصالح وقال قتادة الزكاة الصدقة
22 - وقوله جل وعز وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
روى قتادة عن الحسن قال لما لقى يحيى عيسى عليهما السلام قال له يحيى أنت خير مني قال عيسى بل أنت خير مني سلم الله عليك وسلمت على نفسي
23 - وقوله جل وعز واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا أي تنحت وتباعدت

ونبذت الشيء رميت به وقيل إنها قصدت مطلع الشمس لتغتسل من الحيض وقيل لتخلو بالعبادة
24 - وقوله جل وعز فأرسلنا إليها روحنا
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال جبريل صلى الله عليه و سلم قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأن غيره قال هو عيسى يدل على ذلك قوله تعالى فتمثل لها بشرا سويا وعيسى بشر

25 - وقوله جل وعز قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال أبو اسحاق أي فإن كنت تقيا فستتعظ بتعوذي بالله جل وعز منك وقال غيره إن بمعنى ما والأول أولى
26 - ثم قال جل وعز قال إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا ويقرأ لأهب لك فمعنى لأهب بالهمز محمول على المعنى أي قال أرسلته لأهب لك ويحتمل ليهب بلا همز أي يكون بمعنى المهموز ثم خففت الهمزة وقيل المعنى أرسلني الله ليهب لك

27 - وقوله جل وعز قال أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر أي لم يمسسني على جهة تزوج ولم أك بغيا أي لم يقربني على غير حد تزوج
28 - وقوله جل وعز قال كذلك قال ربك هو علي هين أي الأمر كما قيل لك قال الكسائي هو من جاء وجئت به وأجأته وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد لأنه إذا ألجأها الى الذهاب الى جذع النخلة فقد جاء بها اليه قال زهير ... وجار سار معتمدا أليكم ... أجاءته المخافة والرجاء ... 4
والمخاص الحمل

قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان قال مجاهد كان حمل النخلة عجوة وقال غيره كان جذعا بلا رأس وكان ذلك في الشتاء فأنبت الله له رأسا وخلق فيه رطبا وقال ابن عباس حملت ووضعت في ساعة واحدة وقال غيره أقامت ثمانية أشهر وتلك آية لأنه لا يولد مولود لثمانية اشهر فيعيش قال أبو اسحاق قوله تعالى فأجآءها المخاض الى جذع النخلة يدل على طول المكث والله أعلم
29 - وقوله جل وعز فحملته فانتبذت به مكانا قصيا قال مجاهد أي قاصيا

قال الكسائي يقال قصا يقصو أي بعد وأقصاه الله وأقصى الشيء أبعده
30 - وقوله جل وعز فأجآءها المخاض الى جذع النخلة قال ابن عباس ومجاهد أي فألجأها المخاض قال الكسائي هو من جاء وجئت به وأجأته وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد لأنه إذا ألجأها الى الذهاب الى جذع النخلة فقد جاء بها اليه قال زهير ... وجار سار معتمدا اليكم ... أجاءته المخافة والرجاء ...
والمخاض الحمل

قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان قال مجاهد كان حمل النخلة عجوة وقال غيره كان جذعا ووضعت في ساعة واحدة وقال غيره أقامت ثمانية أشهر وتلك آية لأنه لا يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش قال أبو اسحاق قوله تعالى فأجآءها المخاض الى جذع النخلة يدل على طول المكث والله أعلم
31 - ثم قال تعالى قالت يا ليتني مت قبل هذا أي لو خيرت بين الموت وهذا لاخترت الموت
32 - ثم قال جل وعز وكنت نسيا منسيا قال عكرمة أي حيضة ملقاة

والنسي عند أهل اللغة على ضربين أحدهما ما طال مكثه فنسى والآخر الشيء الحقير الذي لا يعبأ به وقرأ محمد بن كعب وكنت نسئا وقرأ نوف وكنت نسا وهو من نسأ الله في أجله أي أخره قال حماد بن سلمة قال لي عاصم كيف تقرأ فاجأها قلت أقرؤها فأجاءها فقا إنما هو فاجأ من المفاجأة
33 - وقوله جل وعز فناداها من تحتها

كذا روى عن أبي بن كعب والبراء بن عازب وإبراهيم النخعي أنهم قرءوا من بالفتح وتأولوه على أنه عيسى عليه السلام وقرأ ابن عباس وعمرو بن ميمون والضحاك فناداها من تحتها وفسروه أنه جبريل صلى الله عليه و سلم قال الضحاك كان جبريل أسفل منها فناداها من ذلك الموضع أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وروى سفيان عن أبي اسحاق عن البراء قال السري الجدول والنهر الصغير وكذلك هو في كلام العرب قال لبيد ... فتوسطا عرض السرى وصدعا ... مسجورة متجاوزا قلامها

34 - وقوله جل وعز فقولي إني نذرت للرحمن صوما روى سلمان التيمي عن أنس قال صمتا وذلك معروف في اللغة يقال لكل ممسك عن كلام أو طعام صائم كما قال الشاعر ... خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما ...
صيام ممسكة عن الحركة ساكنة
35 - وقوله جل وعز قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا قال مجاهد أي عظيما وقال سعيد بن مسعدة أي مختلقا مفتعلا يقال فريت وأفريت بمعنى واحد

قال قطرب زعم أبو خيرة العدوى أن الفري الجديد من الأسقية قال قطرب فكأن معنى فري بديع وجديد لم يسبق إليه قال وكان معنى افترى على الله جاء بأمر بديع جديد لم يكن
وقال أبو عبيدة فري عجيب
36 - وقوله جل وعز يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء روى معمر عن قتادة قال كان هارون صالحا من قومهما فقالوا يا شبيهه هارون قال أبو جعفر ويقوي هذا الحديث المرفوع كانوا يتسمون

بأسماء أنبيائهم والصالحين منهم
37 - ثم قال جل وعز وما كانت أمك بغيا أي فاجرة والبغاء الزنا
38 - وقوله جل وعز فاشارت إليه والمعنى فأشارت الى عيسى أن كلموه ودل على هذا قوله تعالى قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قيل كان ها هنا زائدة لأن الناس كلهم لا يخلون من أن يكونوا هكذا وقيل كان بمعنى وقع وخلق

وقيل فيه معنى الشرط أي من كان صبيا فكيف نكلمه
39 - وقوله جل وعز قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت روى سفيان عن سماك عن عكرمة في قوله تعالى آتاني الكتاب قال قضى أن يؤتينه وقيل معنى وأوصاني بالصلاة والزكاة أي أوصاني بالصلاة والطهارة
40 - وقوله تعالى ذلك عيسى بن مريم أي ذلك الذي قال هذا عيسى بن مريم عبد الله
41 - ثم قال جل وعز قول الحق الذي فيه يمترون

حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون قال اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر أخرج كل قوم عالمهم فامتروا في عيسى حين رفع فقال أحدهم هو الله هبط الى الأرض أحيا من أحيا وأمات من أمات ثم صعد الى السماء وهم اليعقوبية قال فقال الثلاثة كذبت
ثم قال اثنان منهم للثالث قل فيه قال هو ابن الله وهم النسطورية قال فقال الاثنان كذبت ثم قال الاثنان للآخر قل فيه قال هو ثالث ثلاثة الله إله وهو إله وأمه إله وهم الإسرئيلية ملوك النصارى
قال الرابع كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون فكانت لكل رجل منهم اتباع على ما قال فاقتتلوا فظهروا على المسلمين فذلك قول الله جل وغز ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس

قال قتادة وهم الذين قال الله فاختلف الأحزاب من بينهم أختلفوا فيه فصاروا أحزابا
42 - وقوله جل وعز فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم روى مبارك عن الحسن قال يوم القيامة
43 - وقوله جل وعز أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا
روى سعيد عن قتادة قال ذلك والله يوم القيامة سمعوا حين لا ينفعهم السمع وأبصروا حين لا ينفعهم البصر
قال أبو جعفر والمعنى عند أهل اللغة ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة لأنهم عاينوا ما لا يحتاجون معه الى فكر ولا روية
44 - وقوله تبارك وتعالى وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون

روى سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار جييء بالموت في صورة كبش أملح فينادي يا أهل الجنة فيشرئبون ينظرون ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون ينظرون فيقال أتعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وليس منهم إلا من يعرفه فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود لا موت فيه ويا أهل النار خلود لا موت فيه فذلك قول الله جل وعز وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر
وروى أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي

سعيد الخدري عن النبي صلع في قوله وهم في غفله وهم لا يؤمنون قال في الدنيا وحدثنا أسامة بن أحمد قال حدثنا هارون بن سعيد الأيلي قال حدثني أنيس بن عياض قال أخبرني محمد بن عمرو وعن أبي سلمة عن أي هريرة أن رسول الله صلع قال يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف عل الصراط ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين رجاء أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم يا ربنا هذا الموت فيؤمر به فيذبح على الصراط ثم يقال يا أهل الجنة خلودا فيما تجدون لا موت فيه أبدا
45 - وقوله جل وعز واذكر في الكتاب ابراهيم والمعنى واذكر في الكتاب الذي أنزل عليك وهو القرآن قصة إبراهيم وخبره

46 - ثم قال جل وعز إنه كان صديقا نبيا صديق مأخوذ من الصدق وفيه معنى المبالغة والتكثير يقال لمن صدق بالله وأنبيائه وفرائضه وعمل بها صديق ومنه قيل لأبي بكر صديق
47 - وقوله جل وعز يا أبت لا تعبد الشيطان والمعنى لا تطعه فيما يامرك به من الكفر والعصيان فتكون بمنزلة من عبده
وروى علي بن الحكم عن الضحاك لئن لم تنته لأرجمنك بالقول قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال رجمه ورماه إذا شتمه ومنه قوله تعالى والذين يرمون المحصنات
48 - ثم قال جل وعز واهجرني مليا

قال سعيد بن جبير ومجاهد أي حينا وقال الحسن أي زمانا طويلا وقال عكرمه أي دهرا وقال الضحاك أي سالما لا تصيبك مني معرة قال أبو جعفر القول عند أهل اللغة أنه بمعنى زمانا ودهرا قال الكسائي يقال هجرته مليا وملوة وملوة وملاوة وملاوة
قال أبو جعفر ومنه تمل حبيبك أي عش معه دهرا ومنه أمليت له ومنه قيل لليل والنهار الملوان كما قال الشاعر أمل عليها بالبلى الملوان

49 - ثم قال جل وعز سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا الحفي اللطيف البار يقال حفي به وتحفى إذا بره أي كان يجيبني إذا دعوته
50 - وقوله جل وعز ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا أي أبقينا عليهم ثناء حسنا قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يجعل اللسان موضع القول لأن القول به يكون كما قال الشاعر ... إني أتاني لسان لا أسر بها ... من علو لا عجب منها ولا سخر

51 - وقوله جل وعز واذكر في الكتاب موسى أنه كان مخلصا أي أخلصناه فجعلناه مختارا خالصا من الدنس ومعنى مخلصا بكسر اللام وحد الله عز و جل بطاعته وأخلص نفسه من الدنس
52 - وقوله جل وعز وقربناه نجيا
حدثنا الحسن بن عمر الكوفي قال حدثنا هناد قال حدثنا وكيع وقبيصة عن سفيان عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله وقربناه نجيا قال أدنى حتى سمع صريف القلم
53 - وقوله جل وعز واذكر في الكتاب ادريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا قيل إنه سأل ملك الموت أن يريه النار فأراه إياها ثم

سأله أن يدخله الجنة فأدخله إياها ثم قال له اخرج فقال كيف أخرج وقد قال الله وما هم منها بمخرجين قال أبو جعفر فيجوز أن يكون الله أعلم هذا إدريس ثم نزل القرآن به وقيل معناه في المنزلة والرتية وأصح من هذين القولين لعلو إسنادة وصحته ما رواه سعيد عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك بن صعصعة ان النبي صلى لما أسرى به قال رأيت إدريس في السماء الرابعة
وروى سفيان عن هارون عن ابي سعيد الخدري ورفعناه مكانا عليا قال السماء الرابعة
وروى الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن إساف قال كنا عند كعب الأحبار إذ أقبل عبد الله بن عباس فقال هذا

ابن عم نبيكم فوسعنا له فقال يا كعب ما معنى ورفعناه مكانا عليا فقال كعب إن إدريس صلى الله عليه و سلم كان له صديق من الملائكة وأوحى الله اليه إني أرفع لك كل يوم مثل عمل أهل الأرض فقال إدريس للملك كلم لي ملك الموت حتى يؤخر قبض روحي فحمله الملك تحت طرف جناحه فلما بلغ السماء الرابعة لقى ملك الموت فكلمه فقال اين هو فقال ها هو ذا فقال من العجب إني أمرت أن أقبض روحه في السماء الرابعة فقبضها هناك
54 - وقوله جل وعز فخلف من بعدهم خلف قال أبو عبيدة حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال ذلك عند قيام الساعة وذهاب صالحي هذه الأمة أمة محمد ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زنا

قال أبو جعفر الخلف بتسكين اللام لا يستعمل إلا للرديء كما قال لبيد ... ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب ...
فإذا قلت خلف بتحريك اللام فهو للجيد كم يقال جعل الله فيك خلفا من أبيك
56 - ثم قال جل وعز أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات قال القاسم بن مخيمرة أضاعوها أخروها عن وقتها ولو تركوها لكفروا وقيل أضاعوها تركوها البتة

وهذا أشبه لقوله بعد إلا من تاب وآمن وهذا يدل على أنهم كفروا
57 - ثم قال جل وعز فسوف يلقون غيا
روى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال هو واد في جهنم
قال أبو جعفر والتقدير عند أهل اللغة فسوف يلقون جزاء الغي كما قال جل ذكره ومن يفعل ذلك يلق أثاما ويجوز أن يكون الوادي يسمى غيا لأن الغاوين يصيرون إليه

58 - وقوله جل وعز جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب
جنات إقامة يقال عدن بالمكان إذا قام به ومنه قيل معدن لمقام أهله به شتاء وصيفا لا ينتجعون منه
59 - وقوله جل وعز إنه كان وعده مأتيا
مأتي مفعول من الإتيان وكل ما وصل إليك فقد وصلت إليه كما تقول وصل إلي من فلان خير ووصلت منه إلى خير
فالضعيف في العربية يقول مفعول بمعنى فاعل
60 - وقوله جل وعز لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما
اللغو الباطل وما يؤثم فيه وما لا معنى له
والسلام كل ما يسلم منه وهو اسم جامع للخير أي لا يسمعون إلا كل ما يحبون

61 - ثم قال جل وعز لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا
روى الضحاك عن ابن عباس قال في مقادير الليل والنهار
قال أبو جعفر ومعنى هذا أن الجنة ليست فيها غداة ولا عشية ولكن المعنى في مقادير هذه الأوقات
وقال قتادة كانت العرب إذا وجد الرجل منهم ما يأكل بالغداة والعشي عجب به فأعلمهم الله أن ذلك في الجنة
62 - وقوله جل وعز وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك

وروى عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لجبريل عليه السلام لم لا تزورنا أكثر مما تزورنا فأنز الله وما نتنزل إلا بأمر ربك إلى آخر الآية وكان هذا الجواب له
وروى أبو حصين عن سعيد بن جبير في قوله ما بين أيدينا قال من أمر الآخرة وما خلفنا من أمر الدنيا وما بين ذلك ما بين الدنيا والآخرة أي البرزخ
63 - وقوله عز و جل وما كان ربك نسيا
قيل معناه لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي
وقيل هو عالم بما كان وبما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع حافظ له لم ينس منه شيئا
64 - وقوله جل وعز هل تعلم له سميا

روى اسرائيل عن سماك عن عكرمة ابن عباس قال هل تعلم أحدا سمي الرحمن سواه
قال أبو جعفر وهذا أجل إسناد علمته روي في هذا الحرف وهو قول صحيح لا يقال الرحمن إلا لله وقد يقال لغير الله رحيم
وقد بينا لم لا يقال الرحمن إلا لله في سورة الحمد
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد هل تعلم له سميا قال مثلا
وروى حجاج عن ابن يجريج هل تعلم له سميا قال لا شريك له لا مثل
وقيل هل تعلم أحدا تقول له الله إلا هو
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
وإنما المعنى هل تعلم أحدا يقال له هذا على استحقاق إلا

الله لأنه الذي وسعت رحمته كل شيء وهو القادر والرازق
وقيل المعنى إن اسمه المذكور في هذا الآية لا يسمى به غيره وهو رب السموات والأرض وما بينهما
65 - وقوله جل وعز ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أو لا يذكر الإنسان
أي لا يتفكر وينظر ويذكره بعلم ويتبينه
66 - وقوله جل وعز فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا
قال مجاهد وقتادة أي على ركبهم

والمعنى أنهم لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام
67 - وقوله جل وعز ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا
روى سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص قال يبدأ بالأكابر جرما
ومعنى هذا القول نبدأ بتعذيب أكبرهم جرما ثم الذي يليه ثم الذي يليه
قال مجاهد من كل شيعة من كل أمة عتيا أي كفرا
68 - وقوله جل وعز وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا
في هذه الآية خمسة أقوال أ قيل ورودها دخولها لأن بعده ونذر الظالمين فيها
وإنما يقال نذر لما حصل فينجي الله الذين اتقوا ويصيرون إلى رحمته فيعرفون مقدار ما خلصوا منه لأنهم قد دخلوا النار وخلصوا منها وهذا قول ابن عباس وإسناده جيد

روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال تمارى ابن عباس ونافع الأزرق فقال نافع ليس الورود الدخول وقال ابن عباس هو الدخول أرأيت قول الله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله تعالى جهنم أنتم لها واردون
أوردوا أم لا وقوله تعالى وبئس الورد المورود فأما أنا وأنت فسنردها وأرجو أن يخرجني الله منها ولا يخرجك منها لتكذيبك فقال له نافع ربناانك من تدخل النار فقد أخزيته
وروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم
يعني الورود

ب وقيل يردها المؤمنون وهي جامدة
وروى سفيان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا يارب ألم توعدنا أنا نرد النار فيقول قد وردتموها وهي جامدة ج وقيل يعني القيامة د وقيل وإن منكم إلا واردها يراد به المشركون واستدل صاحب هذا القول بأن عمر بن الوليد روى عن عكرمة أنه قرأ وإن منكم إلا واردها ه والقول الخامس أن ورودها بلاغها والممر بها
وروى معمر عن قتادة وإن منكم إلا واردها قال الممر بها
وروى الحسن بن مسلم عن عبيد الله بن عمير وإن منكم إلا واردها
قال حضورها

فهذه خمسة أقوال والله أعلم بما أراد إلا أنه معروف في كلام العرب أن يقال وردت كذا أي بلغته ولم أدخله قال زهير ... فلما وردن الماء زرقا جمامة ... وضعن عصي الحاضر المتخيم ...
وقرأ أبي بن كعب ثم ننجي الذين اتقوا أي في ذلك الموضع
قال أبو جعفر وأبين ما في هذه الأقوال قول من قال وإن منكم إلا واردها إنها القيامة وقوله تعالى فوربك لنحشرنهم يدل على ذكر القيامة فكنى عنها بهذا
وكذلك ذكر جهنم يدل على القيامة لأنها فيها والله جل وعز يقول لا خوف عليهم ولا هم يحزنزن فيبعد أن يكون مع

هذا دخول النار
وقرأ ابن عباس ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا
69 - وقوله جل وعز وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا
روى أبو ظبيان عن ابن عباس في قوله أي الفريقين خير مقاما قال منزلا وأحسن نديا قال مجلسا
قال الكسائي الندي والنادي المجلس

قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال ندوت القوم أندوهم أي جمعتهم ومنه قيل دار الندوة لأنهم كانوا يجتمعون فيها إذا حزبهم الأمر ومنه قوله تعالى وتأتون في ناديكم المنكر
70 - وقوله جل وعز وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا
روى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الأثاث المتاع والرئى المنظر
قال أبو جعفر والأثاث في اللغة المتاع وقال الأحمر واحدته أثاثة
وقال الفراء لا واحد له
وكذلك الرئى المنظر من رأيت أي ما ترى في صورة

الإنسان ولباسه ويقرأ وريا بلا همزة وهو جيد على تخفيف الهمز
وهو حسن ها هنا لتتفق رؤوس الآيات
ويجوز أن يكون من الري والنعمة
وقال الأخفش يجوز أن يكون من ري المطر والزي بالزاي الهيئة والحسن يقال زيت المرأة أي زينتها وهيأتها
71 - وقوله جل وعز قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا
يقال ما معنى الأمر ها هنا
قال أبو جعفر الجواب أن هذا أبلغ فلو قلت إن تجئني فلأكرمك كان أبلغ من قولك إن تجئني فأكرمك وإنما صار أبلغ لأن فيه معنى الإلزام

72 - ثم قال جل وعز حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة
العذاب ها هنا أن ينصر الله المسلمين عليهم فيعذبوهم بالقتل والسبي
والساعة القيامة أي وأما تقوم القيامة فيصيرون إلى النار فسيعلمون من هو شر مكانا إذا صاروا إلى النار وأضعف جندا إذا نصر الله المسلمين عليهم
73 - ثم قال جل وعز ويزيد الله الذين اهتدوا هدى
قيل نزيدهم هدى بالناسخ والمنسوخ
وقيل نزيدهم هدى مجازاة
وقد ذكرنا معنى الباقيات الصالحات في سورة الكهف

74 - وقوله جل وعز أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا
قال أبو جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو الأزهر قال حدثنا روح ابن عبادة قال شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب قال كنت قينا في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل حتى اجتمعت لي عليه دراهم فجئت أتقاضاه فقال لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه و سلم فقلت لا أكفر بمحمد حتى تموت وتبعث قال وإني لمبعوث قلت نعم قال فإنه سيكون لي ثم مال وولد فأقضيك فأنزل الله عز و جل أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا إلى آخر القصة
قال أبو جعفر وهذا معنى الحديث

75 - وفي قوله تعالى أم أتخذ عند الرحمن عهدا
أقوال
قال سفيان عملا صالحا
وقيل العهد ها هنا توحيد الله والإيمان به
وقيل العهد ها هنا الوعد بما قال
وقال الأسود بن زيد قال عبد الله يقول الله عز و جل يوم القيامة من كان له عندي عهد فليقم فقالوا يا أبا عبد الرحمن فعلمنا قال قولوا اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك عهدا في هذه الحياة الدنيا إنك إن تكلني إلى عملي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعله لي عندك عهدا تؤديه إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد

قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة والعهد في اللغة يكون الأمان ومنه أهل العهد ومنه قول الله تعالى قال لا ينال عهدي الظالمين
قال أبو عبيد كأنه قال لا أؤمنهم من عذاب يوم القيامة
وكذلك قول قتادة قال في الآخرة فأما في الدنيا فقد أكلوا وشربوا وعاشوا وأبصروا
فإذا قيل للتوحيد عهد فلأنه يؤمن به وكذلك الوعد
76 - وقوله جل وعز ونرثه ما يقول ويأتينا فردا
قال قتادة أي نرثه ما عنده أي قوله لأوتين مالا وولدا
قال وفي قراءة ابن مسعود ونرثه ما عنده
وقيل نبقي عليه الاثم فكأنه موروث
قال أبو جعفر قيل هذا مفسر في حديث خباب قيل

والمعنى والله أعلم نسلبه ماله وولده يوم القيامة ألا ترى أن بعده ويأتينا فردا
قال أبو جعفر وأصح ما قيل في هذا أن معنى ونرثه ما يقول نحفظ عليه ما يقول حتى نوفيه عقوبته عليه
ومن هذا حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم العلماء ورثة الأنبياء
ومنه وأورثكم أرضهم وديارهم
77 - وقوله جل وعز واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا
أي أعوانا
78 - ثم قال سبحانه كلا سيكفرون بعبادتهم

كلا عند أهل العربية تنقسم قسمين
أحدهما أن يكون ردعا وتنبيها وردا لكلام وهي ها هنا كذلك أي ارتدعوا عن هذا وتنبهوا على وجه الضلالة فيه
فإذا كانت كذا فالوقوف عليها التمام
وتكون ردعا وتنبيها ولا تكون ردا لكلام نحو قوله تعالى كلا إن الإنسان ليطغى
79 - وقوله جل وعز ويكونون عليهم ضدا
أي أعوانا
قال مجاهد أي تكون أوثانهم عليهم في النار تخاصمهم وتكذبهم

80 - وقوله جل وعز ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا
في معناه قولان
أحدهما لم تعصمهم من الشياطين
والقول الآخر قيضنا لهم الشياطين مجازاة على كفرهم قال الله جل وعز ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا
ومعنى أرسلنا في اللغة هاهنا سلطنا
ثم قال سبحانه تؤزهم أزا
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال تغريهم إغراء
قال ابن جريج الشياطين تؤز الكافرين إلى الشر امضوا

امضوا حتى توقعهم في النار
قال قتادة تؤزهم أي تزعجهم إلى المعاصي
قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة المعاني وأصله من أززت الشيء أوزة أزا وأزيزا أي حركته ومنه الحديث إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل أي من البكاء
81 - وقوله جل وعز فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا
روى هشيم عن أبي يزيد عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله تعالى إنما نعد لهم عدا قال كل شيء حتى

الأنفاس
82 - وقوله جل اسمه يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا
قال أهل التفسير أي ركبانا
قال النعمان بن سعد قرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا فقال أما والله لا يحشرون على أقدامهم ولكنهم يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها عليه أرحلة الذهب وأزمتها الزبرجد ثم تنطلق بهم إلى الجنة حتى يقرعوا بابها
83 - وقوله جل وعز ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا
قال أهل التفسير أي عطاشا
قال أهل اللغة هو مصدر وردت فالتقدير عندهم ذوي ورد
وقد حكوا أنه يقال للواردين الماء ورد فلما كانوا يردون على

النار كما يرد العطاش على الماء قيل لهم ورد فعلى هذا يوافق اللغة
84 - ثم قال جل وعز لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا
إن جعلت من بدلا من الواو كان المعنى لا يملك الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه يشفع
وإن جعلته استثناء ليس من الأول كان المعنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه يشفع فيه
85 - وقوله جل وعز وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا
قال مجاهد أي عظيما

وذلك معروف في اللغة يقال جاء شيئا إدا وجاء بشيء إد
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي إدا بفتح الهمزة
والكسر أعرف
قال أبو عبيد ومنه الحديث أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله لما هم بقتل علي رضوان الله عليه ذاكر فلانا قال أبو عبيد وقد سماه فقال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا أتقتل علي بن أبي طالب
86 - وقوله جل وعز تكاد السماوات يتفطرن منه
قال مجاهد الإنفطار الانشقاق
قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال فطر ناب البعير إذا انشق اللحم وخرج
87 - وقوله جل وعز وتخر الجبال هدا
أي سقوطا

88 - وقوله جل وعز أن دعوا للرحمن ولدا
أي لأن دعوا للرحمن ولدا ومن أن دعوا
89 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا
روى مجاهد عن ابن عباس قال محبة
قال مجاهد يحبهم الله ويحببهم إلى خلقه
90 - ثم قال جل وعز فإنما يسرناه بلسانك

أي سهلناه وأنزلناه بلغتك
91 - وقوله جل وعز وتنذر به قوما لدا
روى سفيان عن اسماعيل عن أبي صالح قال عوجا عن الحق
وقال مجاهد الألد الظالم الذي لا يستقيم
وقال الحسن اللد الصم
وقال أبو عبيدة هو الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل وأنشد ... إن تحت الأحجار حدا ولينا ... وخصيما ألد ذا مغلاق ...
ويروى معلاق بالعين

قال أبو جعفر أحسن هذه الأقوال الأول واللديدان صفحتا العنق فكأنه تمثيل
92 - وقوله جل وعز وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد
يقال هل أحسست صاحبك أي هل أبصرته
93 - ثم قال جل وعز أوتسمع لهم ركزا
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال صوتا
قال أبو جعفر الركز في اللغة الصوت الخفي الذي لا يكاد يتبين
وصلى الله على خير خلقه محمد نبيه وعلى آله وسلم
تمت سورة مريم ولله الحمد والمنة

تفسير سورة الحج
مدنية وآياتها 78 آية

بسم الله الرحمن الرحيم عونك يا رب
سورة الحج وهي مدنية
قال أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد سألت ابن عباس فقال سورة الحج نزلت بمكة سوى ثلاث آيات منها فإنهن نزلن بالمدينة في ستة نفر من قريش ثلاثة منهم مؤمنون وثلاثة كافرون
فأما المؤمنون فهم حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم
دعاهم للبراز عتبة وشيبه ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فأنزل الله جل وعز ثلاث آيات مدنيات وهن قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى تمام الآيات الثلاث من ذلك

1 - قوله جل وعز يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم
روى سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال هذا قبل يوم القيامة
2 - ثم قال جل وعز يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت أي تسلو عنه وتتركه وتحير لصعوبة ما هي فيه
وبين الله جل وعز ذلك على لسان نبيه صلى الله عيه وسلم في أي موطن يكون هذا يوم القيامة
حدثنااحمد بن عبد الخالق قال حدثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي قال حدثني أبي قال حدثنا عصام بن طليق عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن

عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه و سلم في حجري فقطرت دموعي على خده فاستيقظ صلى الله عليه و سلم فقلت ذكرت القيامة وهولها فهل تذكرون أهاليكم يا رسول الله فقال يا عائشة ثلاثة لا يذكر فيها أحد إلا نفسه
أ عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل
ب وعند الصحف حتى يعلم ما في صحيفته
ج وعند الصراط حتى يجاوزه
3 - وقوله جل وعز وترى الناس سكارى وما هم بسكارى
أي وترى الناس سكارى من العذاب والخوف وما هم بسكارى من الشراب
وقرأ أبو هريرة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وترى

الناس أي تظنهم لشدة ماهم فيه
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وأبان عن أنس بن مالك قال نزلت يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله ولكن عذاب الله شديد
قال نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم وهو في ميسرله فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال أتدرون أي يوم هذا هذا يوم يقول الله عز و جل لادم يا ادم قم فابعث بعث أهل النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة
فكبر ذلك على المسلمين فقال النبي صلى الله عليه و سلم سددوا وقاربوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة وإن معكم لخليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من كثرة الجن والإنس

4 - قال ابن جريج في قوله تعالى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم
هو النضر بن الحارث
وقال غيره يجادل يخاصم في الله بزعمه أن الله تعالى جل وعز غير قادر على إحياء من قد بلي وعاد ترابا بغير علم
5 - وقوله جل وعز ويتبع كل شيطان مريد ايه 3
أي ويتبع قوله ذلك وجداله كل شيطان مريد
كتب عليه قال قتادة أي على الشيطان
المريد الممتد في الشر المتجاوز فيه ومنه قوله تعالى قال إنه صرح ممرد من قوارير

قيل مطول
وقيل مملس
6 - وقوله عز و جل كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ايه 4
قال مجاهد وقتادة أنه من تولى الشيطان أي تبعه
قال أبو جعفر والمعنى قضي على الشيطان أنه يضل من أتبعه
7 - وقوله عز و جل يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ايه 5
أي ان كنتم في شك من أنكم تبعثون فتدبروا في أول خلقكم وابتدائكم فإنكم لا تجدون فرقا بين الإبتداء والإعادة
8 - ثم قال عز و جل فإنا خلقناكم من تراب ايه 5
يعني ادم صلى الله عليه و سلم ثم من نطفة ثم من علقة

قال الخليل العلق الدم قبل أن ييبس الواحدة علقة وهكذا تصير النطفة
قال أبو عبيدالعلق من الدم ما اشتدت حمرته
9 - ثم من مضغة
وهي لحمة صغيرة بقدر ما يمضغ مخلقة وغير مخلقة
روى معمر عن قتادة قال تامة وغير تامة
قال الشعبي النطفة والعلقة والمضغة فإذا نكست في الخلق الرابع كانت مخلقة وإذا قذفتها قبل ذلك فهي غير مخلقة
قال أبو العالية غير مخلقة السقط
قال أبو جعفر مخلقة مصورة ويبين ذلك هذا الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو مروي من طرق شتى
فمن طرقه ما رواه سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب

قال سمعت ابن مسعود يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول وهو الصادق المصدوق يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة أربعين يوما ثم يكون مضغة أربعين يوما ثم يبعث الله جل وعز إليه ملكا فيقول اكتب عمله وأجله ورزقه واكتبه شقيا أو سعيدا
قال عبد الله والذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل السعادة فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع ثم يدركه الشقاء فيعمل بعمل أهل النار أو الشقاء فيدخل النار
وروى عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك جده قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله عز و جل قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب أنطفة أي رب أعلقة أي رب أمضغة فإذا أراد الله جل وعز أن يقضي خلقها قال يقول الملك أذكر أم أنثى

أشقي أم سعيد فما الأجل فما الرزق فيكتب ذلك في بطن أمه
قال علقمة إذا وقعت النطفة في الرحم قال الملك مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجت الرحم دما وإن قال مخلقة قال أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فيقول اكتبها من اللوح المحفوظ فيجد صفتها فيستنسخه فلا يزال العبد يعمل عليه حتى يموت
10 - وقوله جل وعز لنبين لكم ايه 5
أي ذكرنا أحوال الخلق لنبين لكم
ويجوز أن يكون المعنى خلقنا هذا الخلق لنبين لكم
11 - ثم قال جل وعز ونقر في الأرحام ما نشاء ايه 5
أي ونحن نقر في الأرحام ما نشاء
ثم قال ومنكم من يتوفى ايه 5

وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ ومنكم من يتوفى
ومعناه يستوفي أجله
12 - وقوله عز و جل لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ايه 5
قال الفراء لكيلا يعقل من بعد ما عقل شيئا
13 - وقوله عز و جل وترى الأرض هامدة ايه 5
روى سعيد عن قتادة قال أي غبراء متهشمة
قال أبو جعفر يقال همدت النار إذا طفئت وذهب لهبها وأرض هامدة أي جافة عليها تراب
14 - ثم قال جل وعز فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ايه 6

أي تحركت و ربت أي زادت
وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس وربأت أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة وهو الذي يحفظ القوم على شيء مشرف فهو رابيء وربئة على المبالغة
15 - ثم قال عز و جل وأنبتت من كل زوج بهيج ايه 5
أي من كل صنف من النبات
وروى سعيد عن قتادة قال بهيج حسن
قال أبو جعفر يقال بهج فهو بهج إذا حسن وأبهجني أعجبني لحسنه
16 - ثم قال جل وعز ذلك بأن الله هو الحق ايه 6
أي الأمر ذلك والأمر ما وصف لكم وبين

ثم قال جل وعز و أنه يحيي الموتى أي كما أحيا الأرض بقدرته
17 - وقوله جل وعز ثاني عطفه ايه 9
وقال مجاهد أي رقبته
وقال قتادة أي عنقه
قال أبو العباس العطف ما انثنى من العنق ويقال للأردية العطف لأنها تقع على ذلك الموقع
وقال غيره يوصف بهذا المتكبر المعرض تجبرا
18 - قوله جل وعز ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ايه 10

والمعنى يقال له هذا العذاب بما قدمت يداك وبأن الله ليس بظلام للعبيد
19 - ثم قال جل وعز ومن الناس من يعبد الله على حرف ايه 11
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال على شك
قال أبو جعفر وحقيقته في اللغة على حرف طريقة الدين أي ليس داخلا فيه بكليته
وبين هذا بقوله جل وعز فإن أصابه خير اطمأن به
قال استقر وإن أصابته فتنة قال عذاب أو مصيبة انقلب على وجهه قال ارتد كافرا
20 - ثم قال جل وعز خسر الدنيا والاخرة ايه 11
وقرأ مجاهد وحميد خاسر الدنيا والاخرة

21 - وقوله جل وعز يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ايه 12
ثم قال بعد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى
فيقال كيف يكون له ضر وقد قال ما لا يضره
فالجواب أن المعنى يدعو لمن ضر عبادته
فإن قيل كيف قال أقرب من نفعه ولا نفع له
فالجواب أن العرب تقول لما لا يكون البتة هذا بعيد مثل قوله تعالى ذلك رجع بعيد
وفي الاية أجوبة من أجل اللام
فأكثر النحويين يذهب إلى أنها في غير موضعها وأن المعنى يدعو من لضرة أقرب من نفعه
وقال أبو العباس في الكلام حذف أي يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها

وقيل يدعو ههنا بمعنى يقول كما قال عنترة ... يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم ...
وقال أبو إسحق يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال وفيه هاء محذوفة ويكون خبر من لبئس المولى ولبئس العشير
قال الفراء يجوز أن يكون يدعو خبر من ويكون لبئس المولى ولبئس العشير مكررة على ما قبلها
ولأبي إسحق قول اخر وزعم أن النحويين أجازوه قال يكون ذلك بمعنى الذي أي الذي هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره كما قال تعالى وما تلك بيمينك يا موسى

وأنشد ... عدس مالعباد عليك إمارة ... أمنت وهذا تحملين طليق ...
وحكى الفراء أنه يجوز في هذا شيء لم يتقدم به أثر وهو يدعو لمن ضره بكسر اللام بمعنى يدعو إلى من ضره كما قال سبحانه الحمد لله الذي هدانا لهذا أي إلى هذا
قال أبو جعفر والاية مشكلة لدخول اللام وإن الحذاق من النحويين يمنعون أن ينوى بها تقديم أو تأخير لأنها لا تصرف وأن يكون يدعو بمعنى يقول حسن والخبر محذوف أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه له
22 - ثم قال جل وعز لبئس المولى ايه 13
أي الولي كما قال الشاعر ... فعدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها

ولبئس العشير أي الصاحب والخليل
قال مجاهد يعني الوثن
23 - وقوله جل وعز من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والاخرة ايه 15
قال أبو جعفر هذه الاية مشكلة وفيها قولان
أ روى سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال من كان يظن أن لن ينصره الله يعني محمدا صلى الله عليه و سلم فليمدد بسبب أي بحبل إلى السماء أي سقف بيته ثم ليقطع أي ليختنق
قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل التفسير منهم الضحاك
ومعناه من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا عليه السلام

ويظهر دينه على الدين كله فليجهد جهده فلينظر هل ينفعه ذلك شيئا
ب والقول الاخر أن طلحة بن عمرو قال سمعت عطاء يقول في قوله تعالى من كان يظن أن لن ينصره الله أن لن يرزقه الله فليمدد بسبب إلى السماء أي إلى سماء بيته فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق
وروى ابن أبي نجيج عن مجاهد من كان يظن أن لن ينصره الله قال أي أن لن يرزقه الله
قال أبو جعفر وهذا القول أيضا معروف في اللغة وهو قول أبي عبيدة
وحكى أهل اللغة أنه يقال أرض منصورة أي ممطورة
وروى عن ابن عباس من كان يظن أن لن ينصر الله

محمدا أي يرزقه في الدنيا
وقال غيره الأولى أن تكون الهاء تعود على النبي صلى الله عليه و سلم لأن الله جل وعز ذكر قوما يعبدونه على حرف ثم أتبع ذلك هذه الاية في قوم يظنون أن الله لا يوسع على محمد وأمته ولا يرزقهم في الاخرة من سني عطاياه فليمدد بحبل إلى سماء فوقه إما سقف بيته أو غيره إذا اغتاط لاستعجال ذلك
24 - قال أبو جعفر وقد ذكرنا القول في قوله عز و جل إن الذين امنوا والذين هادوا في سورة البقرة
25 - وقوله تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض ايه 17
قيل السجود ههنا الطاعة والانقياد
ومعنى قوله تعالى وكثير حق عليه العذاب وكثير أبى
26 - ثم قال جل وعز ومن يهن الله فما له من مكرم ايه 18

قال الفراء وقد يقرأ فما له من مكرم أي إكرام
27 - ثم قال جل وعز هذان خصمان اختصموا في ربهم ايه 19
قد ذكرنا فيمن نزلت هذه القصة في أول هذه السورة
28 - ثم قال جل وعز فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ايه 19
قيل هذا لأحد الخصمين وهي الفرقة الكافرة
29 - ثم قال جل وعز يصهر به ما في بطونهم ايه 20
قال مجاهد أي يذاب
قال أبو جعفر وحكى أهل اللغة صهرت الشحم أي أذبته والصهارة ما أذيب من الألية

30 - وقوله جل وعز إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ايه 25
خبر إن محذوف
والمعنى إن الذين كفروا هلكوا كما قال إن محلا وإن مرتحلا
31 - ثم قال جل وعز والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ايه 25
وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ سواء بالنصب العاكف فيه والباديء بالخفض
والمعنى الذي جعلناه للناس العاكف والبادي

قال مجاهد العاكف النازل والبادي الجائي
وقال الحسن وعطاء العاكف من كان من أهل مكة والبادي من كان من غير أهلها
قال مجاهد أي هما في تعظمهما وحرمتهما سواء
وقال عطاء أي ليس أحد أحق به من أحد
وتأول عمر بن عبد العزيز الاية على أنه لا يكرى بيوت مكة
وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان ينهي أن تغلق دور مكة في زمن الحج وأن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوه فارغا

وظاهر القران يدل على أن المراد المسجد كما قال جل وعز وهم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام لأنهم كانوا يمنعون منه ويدعون أنهم أربابه إنما ذكر المسجد ولم يذكر دور الناس ومنازلهم
وقيل هما في إقامة المناسك سواء
وقيل ليس لأحدهما فضل على صاحبه
32 - ثم قال جل وعز ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ايه 25
روى مرة عن عبد الله بن مسعود قال لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ولو هم بقتل رجل بمكة وهو ب عدن أبين لعذبه الله جل وعز ثم قرأ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم

نذقه من عذاب أليم
وروى هشيم عن الحجاج عن عطاء ومن يرد فيه بإلحاد قال من عبد غير الله جل وعز
وقال مجاهد من عمل بسيئة
وقال حبيب بن أبي ثابت هم المحتكرو الطعام بمكة
وأبين ما قيل فيه أن معنى بإلحاد بظلم لكل معصية لأن الاية عامة
قال أبو جعفر أصل الإلحاد في اللغة الميل عن القصد ومنه سمي اللحد ولو كان مستويا لقيل ضريح ومنه قوله سبحانه وذروا الذين يلحدون في أسمائه يقال لحد وألحد بمعنى واحد هذا قول أهل اللغة إلا الأحمر فإنه حكى أنه يقال ألحد إذا جادل ولحد إذا عدل ومال

قال سعيد بن مسعدة الباء زائدة والمعنى ومن يرد فيه إلحاد بظلم
وهذا عند أبي العباس خطأ لأنه لا يزاد شيء لغير معنى
والقول عنده أن يريد ما يدل على الإرادة فالمعنى ومن إرادته بأن يلحد بظلم كما قال الشاعر ... أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل ...
وحكى الفراء عن بعض القراء ومن يرد فيه بإلحاد من الورود
وهذا بعيد لأنه إنما يقال وردته ولا يكاد يقال وردت فيه
33 - وقوله جل وعز وإذ بوأنا لأبراهيم مكان البيت ايه 26

يقال لم جيء ههنا باللام وقد قال في موضع اخر ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوأ صدق
فالفرق بينهما أن أهل التفسير قالوا المعنى جعلنا لإبراهيم مكان البيت مبوأ أي منزلا
قال أبو جعفر ويبين لك معناه حديث حدثناه أبو عبيد القاضي عن الزعفراني قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب قال سمعت كعب الأحبار يقول كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين سنة ومنه دحيت الأرض
قال سعيد حدثنا علي بن أبي طالب أن إبراهيم نبي الله صلى الله عليه و سلم أقبل من أرمينية ومعه السكينة تدله على البيت حتى تبوأ البيت تبوأ كما تتبوأ العنكبوت بيتا فكان يحمل الحجر من الحجارة الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلا قال فقلت لسعيد يا أبا محمد إن الله جل وعز يقول وإذ يرفع إبراهيم

القواعد من البيت وإسماعيل قال إنما كان هذا بعد ذلك
34 - ثم قال جل وعز وطهر بيتي للطائفين والقائمين ايه 26
روى هشيم عن عبد الملك قال القائمون المصلون قال قتادة والركع السجود أهل الصلاة
35 - ثم قال عز و جل وأذن في الناس بالحج ايه 28
وقرأ الحسن واذن في الناس بالحج مخففة ممدودة
يقال اذنته بالصلاة وبكذا أي أعلمته وأذنت على التكثير
وقرأ ابن أبي إسحق بالحج بكسر الحاء في جميع القران
قال مجاهد فقال إبراهيم صلى الله عليه و سلم يا رب كيف أقول قال قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم وفوقرت في قلب كل مؤمن فأجابوا

ب لبيك اللهم لبيك أي فأجاب من يحج
36 - ثم قال جل وعز يأتوك رجالا ايه 28
قال ابن عباس أي رجالة
وقرأ مجاهد يأتوك رجالا
وروى عن عكرمة يأتوك رجالا
قال أبو جعفر يقال في جمع راجل خمسة أوجه راجل ورجال مثل راكب وركاب وهذا الذي روي عن عكرمة وراجل ورجال مثل قائم وقيام
ويقال راجل ورجله ورجل ورجاله فهذه خمسة والذي روي عن مجاهد غير معروف والأشبه به أن يكون غير منون مثل كسالى وسكارى ولو نون لكان على فعال وفعال في الجميع قليل

37 - ثم قال جل وعز وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق
وقرأ أصحاب عبد الله يأتون من كل فج عميق
قال عطاء ومجاهد والضحاك من كل طريق بعيد
قال أبو جعفر العمق في اللغة البعد ومنه بئر عميقة أي بعيدة القعر ومنه وقاتم الأعماق خاوي المخترق
38 - ثم قال جل وعز ليشهدوا منافع لهم
روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال الأسواق
وروى سفيان عن جابر عن أبي جعفر ليشهدوا منافع لهم قال المغفرة
وقال عطاء ما يرضى الله من أمر الدنيا والآخرة

قال أبو جعفر قول جابر في هذا أحسن أي وأذن في الناس بالحج ليأتوا لعمل الحج الذي دعوا له وهو سبب للمغفرة وليس يأتون من كل فج عميق ولا وأذن فيهم ليتجروا هذا بعيد جدا
39 - ثم قال جل وعز ويذكروا اسم الله في أيام معلومات
في الأيام المعلومات اختلاف ولا نعلم في المعدودات اختلافا
روى ابن ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده إذبح في أيها شئت وأفضلها وأولها
وهذا المعروف من قول ابن عمر وهو قول أهل المدينة
وروى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال

الأيام المعلومات العشر يوم النحر منها
والأيام المعدودات أيام التشريق إلى آخر النفر
وقال بهذا القول عطاء ومجاهد وإبراهيم والضحاك وهو قول أهل الكوفة
40 - وقوله جل وعز فكلو منها وأطعموا البائس الفقير
قال عطاء ومجاهد إن شئت فكل وإن شئت فلا تأكل
قال أبو جعفر وهذا عند أهل اللغة على الإباحة كما قال سبحانه وإذا حللتم فاصطادوا
فإن قيل الإباحة لا تكون إلا بعد حظر فكيف يكون ههنا إباحة ولبس في الكلام حظر
فالجواب أنهم كانوا في الجاهلية يحظرون أكل لحوم الضحايا

فأعلمهم الله جل وعز أن ذلك مباح لهم
قال مجاهد البائس الذي إذا إذا سألك مد يده
قال أبو جعفر البائس في اللغة الذي به البؤس وهو شدة الفقر
41 - وقوله جل وعز ثم ليقضوا تفثهم
حدثنا أحمد بن محمد بن منصور الحاسب قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال التفث الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الإظفار
وكذلك هو عند جميع اهل التفسير أي الخروج من الإحرام إلى الحل لا يعرفه أهل اللغة إلا من التفسير
42 - وقوله جل وعز وليوفوا نذورهم
قال مجاهد الحج والهدي وكل ما يلزم الإنسان من أمر الحج

قال أبو جعفر الذي قاله مجاهد معروف يقال لكل ما وجب على الإنسان نذر
فالمعنى وليوفوا ما وجب عليهم من أمر الحج
43 - ثم قال سبحانه وليطوفوا بالبيت العتيق
قال مجاهد والضحاك هو الطواف الواجب يوم النحر
وروى روح بن عبادة عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إنما سمي البيت العتيق لأن الله جل وعز أعتقه من الجبابرة فلم يغلب عليه جبار قط
ورواه أبو داود الطيالسي عن صالح عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة غير مرفوع
وقال الحسن سمي العتيق لقدمه

وحجته قوله تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة
44 - وقوله جل وعز ذلك من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه
قال مجاهد الحج والعمرة
وقال عطاء المعاصي
قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شيء واحد إلا أن حرمات الله جل وعز ما فرضه وأمر به ونهى عنه فلا ينبغي أن يتجاوز كأنه الذي يحرم تركه
45 - وقوله جل وعز وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم
قيل الصيد للمحرم

وروى معمر عن قتادة قال الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه
وقال غيره هو ما يتلى في سورة المائدة من قوله جل وعز حرمت عليكم الميتة الدم ولحم الخنزير إلى قوله وما أكل السبع إلا ما ذكيتم
قال أبو جعفر وقول قتادة جامع لهذا لأن هذه المحرمات أصناف الميتة
46 - ثم قال تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان
الرجس النتن
ومن ههنا لبيان الجنس أي الذي هو وثن
47 - ثم قال جل وعز واجتنبوا قول الزور
قال عبد الله بن مسعود عدل الله عز و جل شهادة الزور بالشرك ثم تلا هذه الآية
وقال مجاهد الزور الكذب
وقيل الشرك

والمعاني متقاربة وكل كذب زور وأعظم ذلك الشرك
والذي يوجب حقيقة المعنى لا تحرموا ما كان أهل الأوثان يحرمونه من قولهم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ومن تحريم السائبة وما أشبه ذلك من الزور كما قال تعالى افتراء على الله
48 - ثم قال جل وعز حنفاء لله غير مشركين به قال مجاهد أي متبعين ثم قال جل وعز ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير
أي هو في البعد من الحق كذي

يقال خطفه يخطفه واختطفه يختطفه إذا أخذه بسرعة
50 - ثم قال جل وعز أو تهوي به الريح في مكان سحيق
قال مجاهد أي بعيد
51 - وقوله جل وعز ذلك من يعظم شعائر الله
قال مجاهد عن ابن عباس هو تسمين البدن وتعظيمها وتحسينها
وقال غيره شعائر الله رمي الجمار وما أشبه ذلك من مناسك الحج
قال أبو جعفر وهذا لا يمتنع وهو مذهب مالك بن أنس أن المنفعة بعرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر وفي المشعر الحرام إلى أن تطلع الشمس وفي رمي الجمار إلى انقضاء أيام منى وهذه كلها شعائر والمنفعة فيها الى وقت معلوم ثم محلها كلها إلى البيت العتيق فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر بالبيت العتيق فقد حل

وواحد الشعائر شعيرة لأنها أشعرت أي جعلت فيها علامة تدل على أنها هدي
ثم قال تعالى فإنها من تقوى القلوب أي فإن الفعلة
52 - وقوله جل وعز لكم فيها منافع إلى أجل مسمى
قال أبو جعفر في هذا قولان غير قول مالك
أحدهما أن عروة قال في البدن المقلدة يركبها ويشرب من ألبانها
والثاني قال مجاهد هي البدن من قبل أن تقلد ينتفع بركوبها وأوبارها وألبانها وإذا صارت هديا لم يكن له أن يركبها إلا من ضرورة
قال أبو جعفر وقول مجاهد عند قوم أولى لأن الأجل

المسمى عنده أن تجعل هديا وتقلد والأجل المسمى ليس موجودا في قول عروة
وقد احتج من قال بقول عروة بقول النبي صلى الله عليه و سلم اركبها ويلك
واحتج عليه بأنه لم يقل له وهل يحرم ركوب البدن
ولعل ذلك من ضرورة ويبين هذا حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا
53 - وقوله جل وعز ولكل أمة جعلنا منسكا
روى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال مذبحا
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول عيدا
قال أبو اسحق المنسك موضع الذبح والمنسك المصدر

54 - ثم قال تعالى وبشر المحبتين
روى سفيان عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال المخبتون المطمئنون بأمر الله جل وعز
وقال عمرو بن أوس المخبتون الذين لا يظلمون واذاظلموا لم ينتصروا
قال أبو جعفر وأصل هذا من الخبت وهو ما اطمأن من الأرض
55 - وقوله جل وعز والبدن جعلناها لكم من شعائر الله

وقرأ ابن أبي إسحق والبدن والمعنى واحد
قال مجاهد قيل لها بدن للبدانة
قال أبو جعفر البدانة السمن يقال بدن إذا سمن وبدن إذا أسن فقيل لها بدن لأنه تسمن
56 - وقوله جل وعز لكم فيا خير

قال إبراهيم يركب إذا احتاج ويشرب من اللبن
وقيل خير في الآخرة وذا أولى لأنه لو كان للدنيا كان ألا يجعلها بدنة خيرا له
57 - وقوله جل وعز فاذكروا اسم الله عليها صواف
وقرأ عبد الله بن مسعود صوافن

وقرأ الحسن وزيد بن أسلم والأعرج صوافي
روى نافع عن ابن عمر فاذكروا اسم الله عليها صواف قال قياما مصفوفة
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس فاذكروا اسم الله عليها قال بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك
قال وصوافن قائمة على ثلاث
قال قتادة معقولة اليد اليمنى
قال الحسن وزيد بن أسلم صوافي أي خالصة لله من الشرك
قال أبو جعفر صواف جمع صافة وصافة مصفوفة ومصطفة بمعنى واحد
وصوافن جمع صافنة يقال للقائم صافن ويستعمل لما قام على ثلاث

وصوافي جمع صاف وهو الخالص أي لا تذكروا عليها غير اسم الله جل وعز حتى تكون التسمية خالصة الله جل وعز
58 - ثم قال جل وعز فإذا وجبت جنوبها
قال مجاهد أي خرت الى الأرض
59 - ثم قال جل وعز فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر
قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا وهو الصحيح في اللغة أن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن قالوا
القانع الذي يسأل
والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل
وقال مالك بن أنس أحسن ما سمعت أن القانع هو الفقير وأن المعتر هو الزائر

وقال أبو جعفر يقال قنع الرجل يقنع قنوعا فهو قانع إذا سأل وأنشد أهل اللغة ... لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقرة أعف من القنوع ...
وروي عن أبي رجاء أنه قرأ وأطعموا القنع
ومعنى هذا مخالف للأول يقال قنع الرجل إذا رضي فهو قنع
وروى عن الحسن أنه قرأ والمعتري معناه كمعنى المعتر يقال اعتره واعتراه وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه
60 - وقوله جل وعز لن ينال الله لحومها ولا دماؤها

يروى عن ابن عباس أنهم كانوا في الجاهلية ينضحون بدماء البدن ما حول البيت فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله جل وعز هذه الآية
قال إبراهيم في قوله ولكن يناله التقوى منكم قال التقوى ما أريد به وجه الله عز و جل
61 - وقوله جل وعز إن الله يدافع عن الذين آمنوا
وعدهم جل وعز النصر ثم أخبرهم أنه لا يحب من ذكر غير اسمه على الذبيحة فقال إن الله لا يحب كل خوان كفور
وخوان فعال من الخيانة

62 - ثم قال جل وعز أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا
في الكلام حذف
والمعنى أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا
وروى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه قرأ أذن بفتح الهمزة يقاتلون بكسر التاء وقال هي أول آية نزلت في القتال لما أخرج النبي صلى الله عليه و سلم من مكة
63 - وقوله جل وعز الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو النبي صلى الله عليه و سلم ومن خرج معه من مكة

ثم قال جل وعز إلا أن يقولوا ربنا الله
هذا عند سيبويه استثناء ليس من الأول
وقال غيره المعنى إلا بأن يقولوا ربنا الله على البدل
65 - ثم قال جل وعز ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا
حدثنا سعيد بن موسى ب قرقيسياء قال حدثنا مخلد بن مالك عن محمد بن سلمة عن خصيف قال
أما الصوامع فصوامع الرهبان
وأما البيع فكنائس النصارى

وأما الصلوات فكنائس اليهود
وأما المساجد فمساجد المسلمين
قال أبو جعفر والمعنى على هذا لولا أن الله جل وعز يدفع بعض الناس ببعض لهدم في وقت كل نبي المصليات التي يصلي فيها
وقيل يذكر فيها اسم الله كثيرا راجع إلى المساجد خاصة هذا قول قتادة
فأما قوله وصلوات والصلوات لا تهدم ففيه ثلاثة أقوال
قال الحسن هدمها تركها
قال الأخفش هو على إضمار أي وتركت صلوات

وقال أبو حاتم هو إن شاء الله بمعنى موضع صلوت
وروي عن عاصم الجحدري أنه قرأ وصلوب بالباء المعجمة من تحت
وروي عنه أنه قرأ وصلوت بضم الصاد والتاء معجمة بنقطتين وقال هي للنصارى
وروي عن الضحاك أنه قرأ وصلوث بالثأء معجمة ولا أدري أفتح الصاد أم ضمها
إلا أن الحسن قال وصلوات هم كنائس اليهود وهي بالعبرانية صلوثا
66 - وقوله جل وعز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة آية 41
قال الحسن هم أمة محمد صلى الله عليه و سلم

وقال ابن أبي نجيح هم الولاة
قال أبو جعفر الذين بدل من من والمعنى ولينصرن الله الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة
67 - وقوله جل وعز فكأين قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها آية 45
قال أهل التفسير المعنى فكم وهي عند النحويين أي دخلت عليها كاف التشبيه فصار التقدير كالعدد الكثير والمعنى معنى كم
68 - وقوله جل وعز فهي خاوية على عروشها آية 45
وروي معمر عن قتادة قال خالية ليس فيها أحد
قال أبو جعفر يقال خوت الدار تخوي خواء إذا خلت وخوى الرجل يخوي خوى إذا جاع والعروش السقوف
69 - ثم قال جل وعز وبئر معطلة

قال الضحاك أي لا أهل لها
وقصر مشيد قال عكرمة أي مجصص
قال ابن أبي نجيح أي بالقصة وهي الجص
وروي علي بن الحكم عن الضحاك وقصر مشيد قال طويل
والقول الأول أولى لأنه يقال شاده يشيده إذا بناه بالشيد وهو الجص كما قال عدي بن زيد ... شاده مرمرا وجلله كلسا ... فللطين في ذاره وكور

فأما إذا طوله ورفعه فإنما يقال فيه شيده وأشاده ومنه أشاد فلان بذكر فلان
70 - وقوله جل وعز فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وفي قراءة عبدالله فإنه لا تعمى والمعنى واحد
قال أبو جعفر التذكير على الخبر والتأنيث على القصة
قال قتادة البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة والبصر النافع في القلب
71 - ثم قال جل وعز ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون

روي إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كألف سنة مما تعدون
وروى شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من أيام الآخرة كألف سنة مما تعدون
قال ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم القيامة
قال أبو جعفر والقول الثاني حسن جدا لأنه عليه يتصل بالكلام الأول لأنهم استعجلوا بالعذاب فقال ولن يخلف الله وعده أي في عذابهم وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدون في الدنيا

فصار المعنى إن الله لن يخلف وعده في عذابهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أشد
قال أبو جعفر وفي معناه قول آخر بين وهو أنهم استعجلوا بالعذاب فأعلمهم الله جل وعز أنه لا يفوته شيء وإن يوما عنده وألف سنة واحد إذ كان ذلك غير فائته
72 - وقوله جل وعز والذين سعوا في آياتنا معاجزين آية 51
قال عبد الله بن الزبير إنما هي معجزين أي مثبطين عن الإيمان
قال ابن عباس مععاجزين أي مشاقين
قال الفراء معاندين
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى معاجزين قال كذبوا بآيات الله عزوجل وظنوا أنهم يعجزون الله ولن يعجزوه

قال أبو جعفر وهذا قول بين
والمعنى عليه والذين سعوا في آياتنا ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم لا يقرون ببعث ولا بجنة ولا نار أولئك أصحاب الجحيم
73 - وقوله جل عز وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته آية 52
قال بن أبي نجيح تمنى أي قال
وقال أهل اللغة تمنى أي تلا والمعنى واحد
74 - ثم قال جل وعز فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته آية 52
روى الليث عن يونس عن الزهري قال أخبرني أبو بكر ابن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ بمكة والنجم إذا هوى فلما بلغ إلىى قوله تعالى أمرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى سها فقال فإن شفاعتهم ترتجى فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه

فقال إن ذلك من الشيطان فأنزل الله جل وعز وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إلى آخر الآية
قال قتادة قرأ النبي صلى الله عليه و سلم فاغفى ونعس فقال أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فإنها ترتجى وإنها الغرانيق العلى فوقرت في قلوب المشركين فسجدوا معه أجمعون وأنزل الله

جل وعز وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته إلى آخر الآية
75 - وقوله جل وعز ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض آية 53
فتنة أي اختبار وامتحانا والله جل وعز يمتحن بما يشاء
76 - وقوله جل وعز وإن الظالمين لفي شقاق بعيد الشقاق أشد العداوة
77 - ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يتوبون ولا يزالون في شك فقال جل وعز ولا يزال الذين كفروا في مرية منه أي في شك حتى تاتيهم الساعة بغتة أي فجأة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم آية 55
قيل هو يوم القيامة
وأهل التفسير على أنه يوم بدر قال ذلك سعيد بن جبير وقتادة
وقال قتادة وبلغني عن أبي بن كعب أنه قال أربع آيات نزلت في يوم بدر
عذاب يوم عقيم يوم بدر

واللزام القتال في يوم بدر
و يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر
ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر يوم بدر
قال أبو جعفر أصل العقم في اللغة الامتناع ومنه قولهم امرأة عقيم رجل عقيم إذا منعا الولد
وريح عقيم لا يأتي بسحاب فيه مطر أي فيه العذاب
ويوم عقيم لا خير فيه لقوم
فيوم القيامة ويوم بدر قد عقم فيهما الخير والفرح عن الكفار

78 - وقوله جل وعز ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به آية 60 والأول ليس بعقوبة فسمي الأول باسم الثاني لأنهما من جنس واحد على الازدواج كما يسمى الثاني باسم الأول
79 - وقوله جل وعز ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة آية 63
قال سيبويه سألت الخليل عن قوله تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة فقال هذا واجب وهو تنبيه
والمعنى انتبه أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا
وقال الفراء هو خبر

ويقرأ فتصبح الأرض مخضرة أي ذات خضر كما يقول مبقلة ومسبعة أي ذات بقل وسباع
80 - وقوله جل وعز ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه آية 65
والمعنى كراهية أن تقع
81 - وقوله جل وعز فلا ينازعنك في الأمر آية 67
أي فلا يجادلنك ود على هذا وان جادلوك ويقال قد نازعوه فكيف قال فلا ينازعنك فالجواب أي المعنى فلا تنازعهم
ولا يجوز هذا إلا فيما لا يكون إلا من اثنين نحو المنازعة

والمخاصمة وما أشبهها ولو قلت لا يضربنك تريد لا تضربهم لم يجز
ويقرأ فلا ينزعنك في الأمر قرأ به أبو مجلز أي فلا يغلبنك
وحكى أهل اللغة نازعني فنزعته
82 - وقوله جل وعز يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا آية 72
قال محمد بن كعب أي يقعون بهم
وقال الضحاك أي يأخذونهم أخذا باليد
وحكى أهل اللغة سطا به يسطو إذا بطش به كان ذلك بضرب أو بشتم
83 - وقوله جل وعز ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له آية 73

قال الأخفش إن قيل فأين المثل
فالجواب أنه ليس ثم مثل والمعنى إن الله جل وعز قال ضربوا لي مثلا على قولهم
وقال القتبي ياأيها الناس مثلكم مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذبابا وسلبها الذباب شيئا فلم تستطع أن تستنقذه منه
فذهب إلى أن في الكلام ما دل على المثل من قوله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له إلى آخر الآية
ومذهب الأخفش أن الكفار ضربوا لله جل وعز مثلا أي جعلوا لله مثلا بعبادتهم غيره كما يعبد هو جل وعز كما قال أين شركائي

والذباب عند أهل اللغة واحد وجمعه أذبة وذبان
84 - وقوله جل وعز ضعف الطالب والمطلوب آية 73 الطالب الآلهة والمطلوب الذباب
85 - ثم قال جل وعز ما قدروا الله حق قدره آية 74 أي ما عظموه حق عظمته
ولما خبر بضعف ما يعبدون أخبر بقوته فقال جل وعز إن الله قوي عزيز
86 - وقوله جل وعز يا أيها الناس اركعوا واسجدوا آية 77
فلا يكون ركوع إلا بسجود ثم قال تعالى واعبدوا ربكم أي أخلصوا عبادتكم لله وحده

87 - ثم قال جل وعز وافعلوا الخير آية 77 أي كل ما أمر الله به
ثم قال جل وعز لعلكم تفلحون أي لتكونوا على رجاء من الفلاح
88 - ثم قال جل وعز وجاهدوا في الله حق جهاده آية 78
قيل هذا منسوخ وهو مثل قوله اتقوا الله حق تقاته نسخه فاتقوا الله ما استطعتم
89 - ثم قال جل وعز هو اجتباكم أي اختاركم ثم قال وما جعل عليكم في الدين من حرج آية 78
قال أبو هريرة الاصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم
روى يونس عن الزهري قال سأل عبد الملك بن مروان علي

ابن عبد الله ابن عباس عن قوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج فقال هو الضيق جعل لكفارات الأيمان مخرجا سمعت ابن عباس يقول ذلك
قال أبو جعفر أصل الحرج في اللغة أشد الضيق وقد قيل إن المعنى أنه جعل للمسافر الإفطار وقصر الصلاة ولمن لم يقدر أن يصلي قائما الصلاة قاعدا وإن لم يقدر أوما فلم يضيق جل وعز
وروى معمر عن قتادة قال أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم يعطها إلا نبي
أ كان يقال للنبي اذهب فلا حرج عليك وقيل لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج
ب والنبي صلى الله عليه و سلم شهيد على أمته وقيل لهذه الأمة وتكونوا شهداء على الناس

ج ويقال للنبي سل تعطه وقيل لهذه الأمة وقال ربكم ادعوني استجب لكم
وقال كعب الأحبار نحو هذا
وقال عكرمة أحل النساء مثنى وثلاث ورباع
وروى عن ابن عباس جعل التوبة مقبولة
90 - وقوله جل وعز ملة أبيكم إبراهيم آية 78
أي وسع عليكم كما وسع عليه صلى الله عليه و سلم وقيل افعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم
91 - ثم قال تعالى هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا آية 78
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول الله جل وعز سماكم

قال مجاهد من قبل أي في الكتب والذكر
قال أبو جعفر وفي هذا يعني القرآن
92 - ثم قال جل وعز ليكون الرسول شهيدا عليكم آية 78
قال سفيان أي بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس بأن الرسل قد بلغتهم
93 - وقوله جل وعز فنعم المولى أي الولي ونعم النصير أي الناصر كما يقول قدير وقادر ورحيم وراحم
انتهت سورة الحج

تفسير سورة المؤمنون مكية
وآياتها 118 آية

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المؤمنون وهي مكية
1 - من ذلك قول الله جل وعز قد أفلح المؤمنون آية 1 أي قد نالوا الفلاح وهو دوام البقاء في الجنة
2 - ثم قال جل وعز الذين هم في صلاتهم خاشعون آية 2
قال إبراهيم وقتادة الخشوع في القلب قال إبراهيم وهو السكون
وقال قتادة وهو الخوف وغض البصر في الصلاة
قال مجاهد هو السكون
والخشوع عند بعض أهل اللغة في القلب والبصر كأنه تفريغ القلب للصلاة والتواضع باللسان والفعل

قال أبو جعفر وقول مجاهد وإبراهيم في هذا حسن وإذا سكن الإنسان تذلل ولم يطمح ببصره ولم يحرك يديه فأما وضع البصر موضع السجود فتحديد شديد
وقد روى عن علي عليه السلام الخشوع ان لا يلتفت في الصلاة
وحقيقته المنكسر قلبه إجلالا لله ورهبة منه ليؤدي ما يجب عليه
3 - ثم قال جل وعز والذين هم عن اللغو معرضون آية 3
قال الحسن عن المعاصي
قال أبو جعفر واللغو عند أهل اللغة ما يجب أن يلغى

أي يطرح ويترك من اللعب والهزل والمعاصي
أي شغلهم الجد عن هذا
4 - ثم قال جل وعز والذين هم للزكاة فاعلون آية 4 أي مؤدون
ومدح الله جل وعز من أخرج من ماله الزكاة وإن لم يخرج منها غيرها
5 - ثم قال جل وعز والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم او ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين آية 5 6
قال الفراء أي إلا من اللاتي أحل الله جل وعز لهم الأربع لا تجاوزه
أو ما ملكت أيمانهم في موضع خفض معطوفه على

أزواجهم وما مصدر أي ينكحون ما شاءوا من الأماء حفظوا فروجهم إلا من هذين
6 - ثم قال جل وعز فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون آية 7
أي فمن طلب سوى أربع نسوة وما ملكت يمينه فأولئك هم العادون أي الجائرون إلى ما لا يحل الذين قد تعدوا
7 - ثم قال جل وعز والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون آية 8
أي حافظون
يقال رعيت الشيء اي قمت بصلاحه ومنه فلان يرعى ما بينه وبين فلان
8 - ثم قال تعالى والذين هم على صلواتهم يحافظون آية 9

قال مسروق اي يصلونها لوقتها
وليس من جهة الترك لأن الترك كفر
9 - ثم قال جل وعز أولئك هم الوارثون آية 10
يقال إنما الوارث من ورث ما كان لغيره فكيف يقال لمن دخل الجنة وارث
ففي هذا أجوبة
يستغنى عن ذكرها بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم
روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى أولئك هم الوارثون قال ليس من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن هو أدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون

10 - ثم قال جل وعز الذين يرثون الفردوس هو فيها خالدون آية 11
في حديث سعيد عن قتادة عن أنس مرفوعا والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها
ثم قال هم فيها خالدون فأنث على معنى الجنة
11 - ثم قال جل وعز ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين آية 12
قال قتادة استل آدم صلى الله عليه و سلم من طين وقال غيره إنما قيل لآدم سلالة لأنه سل من كل تربة
ويقال للولد سلالة أبيه
وهو فعالة من انسل وفعالة تاتي للقليل من الشيء

نحو القلامة والنخالة
وقد قيل إن السلالة إنما هي نطفة آدم صلى الله عليه و سلم كذا قال مجاهد
وهو أصح ما قيل فيه ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم وآدم هو الطين لأنه خلق منه
12 - ويد لعلى ذلك قوله عز و جل ثم جعلناه نطفة في قرار مكين آية 13
ولم يصر في قرار مكين إلا بعد خلقه في صلب الفحل
وقوله تعالى ثم جعلنا نطفة في قرار مكين يراد ولده ثم خلقنا النطفة علقة وهي واحدة العلق وهو الدم قبل أن ييبس
فخلقنا العلقة مضغة المضغة القطعة الصغيرة من اللحم مقدار ما يمضغ كما يقال غرفة لمقدار ما يغرف وحسوة لمقدار ما يحسى

13 - ثم قال جل وعز فخلقنا المضغة عظاما آية 14
ويقرأ عظما وهو واحد يدل على جمع لأنه قد علم أن للإنسان عظاما
فكسونا العظام لحما ويجوز العظم على ذلك
14 - وقوله جل وعز ثم أنشأناه خلقا آخر آية 14
روى عطاء عن ابن عباس والربيع بن أنس عن أبي العالية وسعيد عن قتادة عن الحسن وعلي بن الحكم عن الضحاك في قوله ثم أنشأناه خلقا آخر قالوا نفخ فيه الروح
وروى هشيم عن منصور عن الحسن ثم أنشاناه

خلقا آخر قال ذكرا وأنثى
وروي عن الضحاك قال الأسنان وخروج الشعر
قال أبو جعفر واولى ما قيل فيه أنه نفخ الروح فيه لأنه يتحول عن تلك المعاني إلى أن يصير إنسانا
والهاء في أنشأناه تعود على الإنسان أو على ذكر العظام والمضغة والنطفة أي أنشأنا ذلك وقوله ثم إنكم بعد ذلك لميتون
ونقول في هذا المعنى لمائتون
15 - وقوله جل وعز ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق آية 17
قال أبو عبيدة أي سبع سموات

وحكى غيره أنه يقال طارقت الشيء أي جعلت بعضه فوق بعض فقيل للسموات طرائق لأن بعضها فوق بعض
16 - وقوله جل وعز وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض آية 18
معنى فأسكناه في الأرض جعلناه فيها ثابتا
كما روي أربعة أنهار من الجنة في الدنيا الفرات ودجلة وسيحان وجيحان
قرىء على أبي يعقوب إسحق بن إبراهيم بن يونس عن جامع بن سوادة قال حدثنا سعيد بن سابق قال حدثنا مسلمة بن علي عن مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم أنزل الله جل وعز من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما

نهرا الفرات والنيل وهو نهر مصر أنزلهما الله جل وعز من غير واحدة من عيون الجنة في أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل صلى الله عليه و سلم فاستودعها الجبال واجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس من أصناف معايشهم وذلك قوله جل وعز وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جل وعز جبريل عليه السلام فرفع من الأرض القرآن والعلم وهذه الأنهار الخمسة فيرفع ذلك إلى السماء وذلك قوله تعالى وإنا على ذهاب به لقادرون فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض إلى السماء فقد أهلها خير الدين والدنيا والآخرة
17 - وقوله جل وعز وشجرة تخرج من طور سيناء آية 20
المعنى وأنشأنا شجرة
قال أبو عبيدة الطور الجبل وسيناء اسم
وقال الضحاك سيناء الحسن

قال أبو جعفر والمعروف أن سينا اسم الموضع
18 - ثم قال جل وعز تنبت بالدهن آية 20
ويقرأ تنبت بالدهن
وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أن الباء زائدة وهذا مذهب أبي عبيدة كما قال الشاعر
... هن الحرائر لا ربات أحمرة ... سوء المحاجر لا يقرأن بالسور

وقيل الباء متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل فقيل نبت وأنبت بمعنى كما قال الشاعر
... رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل ...
وهذا القول مذهب الفراء وأبي إسحاق ومعنى تنبت بالدهن و تنبت بالدهن عندهما واحد
والمعنى تنبت ومعها الدهن كما تقول جاء فلان بالسيف أي ومعه السيف
19 - ثم قال جل وعز وصبغ للآكلين آية 20
وصبغ وصباغ بمعنى واحد
قال قتادة يعني الزيتون

20 - وقوله جل وعز إن هو إلا رجل به جنة آية 25 جنة أي جنون
فتربصوا به حتى حين قال الفراء ليس يراد بالحين وقت بعينه انما هو كما تقول دعه إلى يوم ما
21 - وقوله جل وعز وقل رب أنزلني منزلا مباركا آية 29
منزل وإنزال واحد والمنزل موضع النزول والمنزل بمعنى النزول كما تقول جلس مجلسا والمجلس الموضع الذي يجلس فيه
22 - وقوله جل وعز وأترفناهم في الحياة الدنيا آية 33

معناه وسعنا عليهم حتى صاروا يؤتون بالترفه وهي مثل التحفة
23 - وقوله جل وعز أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون آية 35
قال سيبويه وهما جاء مبدلا من هذا الباب قوله تعالى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون
يذهب إلى أن أن الثانية مبدلة من الأولى وأن المعنى عنده أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم
قال سيبويه وكذلك أريد بها وجئ ب أن الأولى لتدل على وقت الإخراج
والفراء والجرمي وابو العباس يذهبون إلى أن الثانية مكررة للتوكيد لما طال الكلام كان تكريرها حسنا

والأخفش يذهب إلى أن الثانية في موضع رفع بفعل مضمر دل عليه إذا والمعنى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما يحدث إخراجكم كما تقول اليوم القتال والمعنى عنده اليوم يحدث القتال ويقع القتال
قال الفراء وفي قراءة ابن مسعود أيعدكم إذا متم وكنتم تراباوعظاما إنكم مخرجون
قال أبو إسحاق ويجوز أيعدكم إنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون لأن معنى أيعدكم أيقول لكم
24 - وقوله جل وعز هيهات هيهات لما توعدون آية 36
قال قتادة أي للبعث
قال أبو جعفر العرب تقول هيهات هيهات لما قلت وهيهات ما قلت

فمن قال هيهات لما قلت فتقديره البعد لما قلت ومن قال هيهات ما قلت فتقديره البعيد ما قلت
وفي هيهات لغات ليس هذا موضع ذكرها
25 - ثم قال جل وعز إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا آية 37
يقال كيف قالوا نموت ونحيا وهم لا يقرون بالبعث
ففي هذا أجوبة
أ منها في الآية تقديم وتاخير والمعنى ما هي إلا حياتنا الدنيا نحيا فيها ونموت كما قال تعالى واسجدي واركعي

ب ومنها أن المعنى نموت ويحيا أولادنا
ج وجواب ثالث وهو ان يكون المعنى نكون مواتا أي نطفا ثم نحيا في الدنيا
26 - وقوله جل وعز قال عما قليل ليصبحن نادمين آية 40
والمعنى عن قليل وما زائدة للتوكيد
27 - وقوله جل وعز فجعلناهم غثاء آية 41
والمعنى فأهلكناهم وفرقناهم
والغثاء ما علا الماء من ورق الشجر والقمش لأنه يتفرق ولا ينتفع به
28 - وقوله جل وعز ثم أرسلنا رسلنا تترى آية 44
قال أبو عبيدة أي بعضها في إثر بعض
قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل اللغة إلا الأصمعي فإنه قال تترى من واترت عليه الكتب أي بينها مهلة

وتترى الأصل فيه من الوتر وهو الفرد فمن قال تترى بالتنوين فالأصل عنده وترا ثم أبدل من الواو تاء كما يقال تالله بمعنى والله
ومن قرأ تترى بلا تنوين فالمعنى عنده كهذا إلا أنه جعلها ألف تأنيث
ويقال تتر كما يقال وتر
والمعنى أرسلناهم فردا فردا إلا أنه قد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ثم أرسلنا رسلنا تترى قال يقول يتبع بعضها بعضا
29 - وقوله جل وعز وجعلناهم أحاديث آية 44

قال أبو عبيدة أي مثلنا بهم ولا يقال في الخير جعلته حديثا
30 - وقوله جل وعز وجعلنا ابن مريم وأمه آية آية 50
قال قتادة ولدته من غير أب
قال أبو جعفر ولم يقل آيتين لأن الآية فيهما واحدة
ويجوز أن يكون مثل قوله تعالى والله ورسوله أحق أن يرضوه
31 - وقوله تعالى وأويناهما إلى ربوة آية 50

روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله جل وعز وآويناهما إلى ربوة قال نبئت أنها دمشق
قال أبو جعفر وكذا المعروف من قراءة ابن عباس إلى ربوة ويقال ربوة بفتح الراء ويقال رباوة بفتح الراء والألف وقرأ بها الأشهب العقيلي ويقال رباوة بالألف وضم الراء ويقال رباوة بكسر الراء ومعناه المرتفع من كل شيء
ومعنى الربوة ما ارتفع من الأرض يقال ربا إذا ارتفع وزاد ومنه الربا في البيع
وقد اختلف في معنى هذا الحرف
فقال ابن عباس ما ذكرناه
وكذلك روى يحيي بن سعيد عن سعيد بن بن المسيب

وآويناهما إلى ربوة قال دمشق
وروى معمر عن قتادة قال بيت المقدس
وقال كعب الأحبار بيت المقدس أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا
وقال وهب بن منبه مصر
وروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير وآويناهما إلى ربوة قال النشز من الأرض
وقال الضحاك ما ارتفع من الأرض
وقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الربوة ههنا الرملة
فاما ابن زيد فقال إلى ربوة من ربى مصر قال وليس الربى إلا بمصر والماء حين يرسل تكون الربى عليها القرى ولولا

الربى غرقت تلك القرى
قال أبو جعفر والصواب أن يقال إنها مكان مرتفع ذو استواء وماء ظاهر
32 - ثم قال تعالى ذات قرار ومعين آية 50
قال قتادة ذات ماء وثمار
وروى سالم عن سعيد بن جبير ذات قرار مستوية معين ماء ظاهر
وروى علي بن الحكم عن الضحاك ومعين قال الماء الجاري

قال أبو جعفر معنى ذات قرار في اللغة يستقر فيها والذي قال سعيد بن جبير حسن
ومعين فيه ثلاث تقديرات
إحداهن أن يكون مفعولا
قال أبو إسحاق هو الماء الجاري في العيون
فالميم على هذا زائدة كزيادتها في مبيع
وكذلك الميم زائدة في قول من قال إنه الماء الذي يرى بالعين
2 - وقيل إنه فعيل بمعنى مفعول
قال علي بن سليمان يقال معن الماء إذا جرى وكثر فهو معين وممعون قال وأنشدني محمد بن يزيد بيتا لم يحفظ منه إلا قوله وماء ممعون ...
قال ويقول معين ومعن كما يقال رغيف ورغف

3 - والقول الثالث حدثناه محمد بن الوليد عن أحمد بن يحيي عن ابن الأعرابي قال معن الماء يمعن معونا جرى وسهل وأمعن أيضا وأمعنته أنا ومياه معنان
33 - وقوله جل وعز يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا آية 51
قال أبو إسحق هذا مخاطبة للنبي صلى الله عليه و سلم ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا أي كلوا من الحلال
34 - وقوله جل وعز وأن هذه أمتكم أمة واحدة آية 52
المعنى ولأن أي ولأن دينكم دين واحد وهو الإسلام فاتقون

35 - ثم خبر أن قوما فرقوا أديانهم فقال جل وعز فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا آية 53
قال قتادة أي كتبا
قال الفراء أي صاروا يهود ونصارى
وقرأ الأعمش فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا وهو جمع زبرة أي قطعا وفرقا
36 - ثم قال جل وعز كل حزب بما لديهم فرحون آية 53 أي معجبون
37 - ثم قال تعالى فذرهم في غمرتهم حتى حين آية 54

قال قتادة في غمرتهم أي في جهالتهم
حتى حين قال مجاهد حتى الموت
38 - ثم قال تعالى أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات آية 55 56
الخبر محذوف والمعنى نسارع لهم به وهذا قول أبي إسحق
ولهشام الضرير فيه قول وهو أن ما هي الخيرات فصار المعنى نسارع لهم فيه بغير حذف أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين مجازاة لهم وخير
وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة يسارع لهم في

الخيرات بالياء وكسر الراء 3 وهذا يجوز أن يكون على غير حذف أي يسارع لهم الأمداد
ويجوز أن يكون فيه حذف ويكون المعنى يسارع الله لهم به في الخيرات
39 - وقوله جل وعز إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون إلى قوله جل وعز والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة آية 57 60
قال عبد الرحمن بن سعيد الهمذاني عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قوله تعالى والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهو الرجل يزني أو يسرق أو يشرب الخمر فقال لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصلي

ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يتقبل منه
وروى ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله جل وعز والذين يؤتون ما آتوا قال يعطون ما أعطوا
قال أبو جعفر هكذا روي هذا وهكذا معنى يؤتون يعطون ولكن المعروف من قراءة ابن عباس والذين يأتون ما أتوا وهي القراءة المروية عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن عائشة
ومعناها يعملون ما عملوا كما روي في الحديث
40 - وقوله جل وعز أنهم إلى ربهم راجعون آية 60

قال الفراء المعنى من أنهم
وقال أبو حاتم المعنى لأنهم إلى ربهم راجعون
41 - ثم قال تعالى أولئك يسارعون في الخيرات آية 61
قال أبو جعفر سارع وأسرع بمعنىواحد
42 - ثم قال جل وعز وهم لها سابقون آية 61
فيه ثلاثة أقوال
1 - المعنى وهم إليها سابقون كما قال بأن ربك أوحى لها أي أوحى إليها وأنشد سيبويه
تجانف عن جو اليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا ...
2 - وقيل معنى وهم لها من أجلها أي من أجل

اكتسابها كما تقول أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك
3 - وقيل لما قال وهم لها سابقون دل على السبق كأنه قال سبقهم لها
43 - وقوله جل وعز بل قلوبهم في غمرة من هذا آية 63
أي في غفلة وغطاء متحيرة
ويقال غمره الماء إذا غطاه ونهر غمر يغطي من دخله ورجل غمر تغمره آراء الناس
وقيل غمرة لأنها تغطي الوجه ومنه دخل في غمار الناس في قول من قاله معناه فيما يغطيه من الجمع
وقوله من هذا فيه قولان

1 - أحدهما أن مجاهد قال بل قلوبهم في عماية من القرآن فعلى قول مجاهد هذا إشارة إلى القرآن
وقال قتادة وصف أهل البر فقال والذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين والذين
ثم وصف أهل الكفر فقال بل قلوبهم في غمرة من هذا فالمعنى على قول قتادة من هذا البر
44 - ثم قال تعالى ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون آية 63
فيه قولان
أحدهما أن الحسن قال ولهم أعمال ردية لم يعملوها وسيعملونها

قال مجاهد أي لهم خطايا لا بد أن يعملوها
ب وقال قتادة رجع إلى أهل البر فقال ولهم أعمال من دون ذلك قال أي سوى ما عدد
45 - وقوله جل وعز حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون آية 64
قال قتادة اي يجزعون
وحكى أهل اللغة جأر يجأر إذا رفع صوته
قال مجاهد والضحاك العذاب الذي أخذوا به السيف
قال مجاهد يوم بدر

46 - وقوله جل وعز قد كانت آياتي تتلى عليكم آية 66
قال الضحاك قبل أن تعذبوا بالقتل
47 - ثم قال تعالى فكنتم على أعقابكم تنكصون آية 66
قال مجاهد تستأخرون
48 - ثم قال تعالى مستكبرين به آية 67
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والحسن وأبومالك مستكبرين بالحرم
قال أبو مالك لأمنهم والناس يتخطفون حولهم
قال أبو جعفر وقيل مستكبرين بالقرآن أي يحضرهم عند قراءته استكبار
والقول الأول أولى
والمعنى إنهم يفتخرون بالحرم فيقولون نحن أهل حرم الله عز و جل

49 - ثم قال تعالى سامرا تهجرون آية 67
قال أبو العباس يقال للجماعة يجتمعون للحديث سامر وسمار فسامر كما تقول باقر لجماعة البقر وجامل لجماعة الجمال
أي يجتمعون للسمر وأكثر ما يستعمل سامر للذين يسمرون ليلا
قال أبو العباس وأصل هذا من قولهم لا أكلمه السمر والقمر أي الليل والنهار
وقال الثوري يقال لظل القمر السمر
قال أبو إسحق ومنه السمرة في اللون ويقال له الفخت ومنه فاخته

قال أبو جعفر وفي قوله تهجرون قولان
1 - قال الحسن تهجرون نبي وكتابي
2 - وقال غيره تهجرون تهذون يقال هجر المريض يهجر هجر إذا هذى
وقرأ ابن عباس تهجرون بضم التاء وكسر الجيم
وقال يسمورن برسول الله صلى الله عليه و سلم ويقولون الهجر
وقال عكرمة تهجرون تشركون
وقال الحسن تسبون النبي صلى الله عليه و سلم
وقال مجاهد تقولون القول السيئ في القرآن

قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة يقال أهجر يهجر إذا نطق بالفحش وقال الخني والإسم منه الهجر ومعناه أنه تجاوز ومنه قيل الهاجرة إنما هو تجاوز الشمس من المشرق إلى المغرب
وقرأ أبو رجاء سمارا وهو جمع سامر كما قال الشاعر
... فقالت سباك الله إنك فاضحي ... ألست ترى السمار والناس أحوالي ...
50 - ثم قال جل وعز أفلم يدبروا القول آية 68 أي القرآن

51 - وقوله جل وعز ولو اتبع الحق أهواءهم آية 71
روى سفيان عن إسماعيل عن أبي صالح ولو اتبع الحق قال الله عز و جل
وقيل المعنى بل جاءهم بالقرآن ولو اتبع القرآن أهواءهم أي لو نزل بما يحبون لفسدت السموات والأرض ومن فيهن
52 - ثم قال الله تعالى بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون آية 71
روى معمر عن قتادة بذكرهم قال بالقرآن
قال أبو جعفر والمعنى على قوله بل آتيناهم بما لهم فيه ذكر ما يوجب الجنة لو اتبعوه

وقيل الذكر ههنا الشرف
53 - وقوله جل وعز أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير آية 72
قال الحسن خرجا أي أجزأ
قال أبو حاتم الخراج الجعل والخراج العطاء إن شاء الله أو نحو ذلك
54 - وقوله جل وعز وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون آية 74
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول عن الصراط لناكبون عن الحق لعادولون
قال أبو جعفر والصراط في اللغة الطريق المستقيم

ويقال نكب عن الحق إذا عدل عنه
والمعنى إنهم عن القصد لعادلون
55 - وقوله جل وعز ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون آية 76
ولقد أخذناهم بالعذاب أي بالخوف ونقص الأموال والأنفس
فما استكانوا لربهم أي فما خضعوا
56 - وقوله جل وعز حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد آية 77
قيل يعني الجوع وقيل السيف
إذا هم فيه مبلسون أي متحيرون يائسون من الخير
57 - قوله تعالى وله اختلاف الليل والنهار آية 80

قال الفراء معنى وله اختلاف الليل والنهار هو خالقها كما تقول لك الأجر والصلة
58 - وقوله جل وعز قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله آية 84
هذه الآية لا اختلاف فيها واللتان بعدها يقرؤهما أبو عمرو سيقولون الله
وأكثر القراء يقرءون سيقولون لله
فمن قرأ سيقولون لله جاء بالجواب على اللفظ
ومن قرأ سيقولون لله جاء به على المعنى كما يقال لمن هذه الدار فيقول لزيد على اللفظ وصاحبها زيد على المعنى

ومن صاحب هذه الدار فيقول زيد على اللفظ ولزيد فيجزئك عن ذلك
ويجوز في الأولى سيقلون الله في العربية
59 - وقوله جل وعز وهو يجير ولا يجار عليه آية 88 أي وهو يجير من عذابه ومن خلقه ولا يجير عليه أحد من خلقه
60 - وقوله جل وعز قل فأنى تسحرون آية 89 معنى فأنى تسحرون فأنى تصرفون عن الحق
61 - وقوله جل وعز ما أتخذ الله من ولد وما كان معه من أله إذا لذهب كل إله بما خلق آية 91
في الكلام حذف أي لو كانت معه آلهة لانفرد كل إله

ولعلا بعضهم على بعض اي لغالب بعضهم بعضا
62 - وقوله جل وعز قل ربي إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين آية 93 94 النداء معترض والمعنى إما تريني ما يوعدون فلا تجعلني في القوم الظالمين
63 - وقوله جل وعز ادفع بالتي هي أحسن السيئة آية 96
قال مجاهد وعطاء وقتادة يعني السلام إذا لقيته فسلم عليه

وقوله جل وعز وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين آية 97
أصل الهمز النخس والدفع وقيل فلان همزة كأنه ينخس من عابه فهمز الشيطان مسه ووسوسته
65 - وقوله جل وعز حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون آية 99
يعني المذكورين الذين لا يؤمنون بالبعث
قال رب ارجعون ولم يقل ارجعن فخاطب على ما يخبر الله جل وعز به عن نفسه كما قال إنا نحن نحي الموتى وفيه معنى التوكيد والتكرير
66 - وقوله جل وعز كلا إنها كلمة هو قائلها آية 100

كلا ردع وزجر وتنبيه
67 - ثم قال جل وعز ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون آية 100
قال أبو عبيدة أي من أمامهم
قال مجاهد البرزخ حجاب بين الموت والرجوع إلى الدنيا
قال الضحاك هو ما بين الدنيا والآخرة
قال أبو جعفر والعرب تسمي كل حاجز بين شيئين برزخا كما قاله سبحانه بينهما برزخ لا يبغيان

68 - وقوله جل وعز فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون
قال أبو عبيدة هو جمع صورة
قال أبو جعفر يذهب إلى ان المعنى فإذا نفخ في صور الناس الأرواح وهذا غلط عند أهل التفسير واللغة
روى أبو الزعراء عن عبد الله بن مسعود فإذا نفخ في الصور قال في القرن
روى عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر قال المسلمون يا رسول الله فما نقول قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل عليه توكلنا
لا يعرف أهل اللغة في جمع صورة إلا صورا ولو كان جمع صورة لكان ثم نفخ فيها إلا على بعد من الكلام

قال أبو جعفر وهذه الاية مشكلة لأنه قال جل وعز فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون وقال في موضع آخر واقبل بعضهم على بعض يتساءلون
والجواب عن هذا وهو معنى قول عبد الله بن عباس وان خالف بعض لفظه والمعنى واحد أنه إذا نفخ في الصور أول نفخة تقطعت الأرحام وصعق من في السموات ومن في الأرض وشغل بعض الناس عن بعض بأنفسهم فعند ذلك لا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون
قال أبو جعفر ومعنى يومئذ 6 في قوله فلا انساب بينهم يومئذ كما تقول أنا اليوم كذا أي في هذا الوقت لا تريد وقتا بعينه
69 - وقوله جل وعز تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون آية 104

روى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال الكالح الذي قد بدت أسنانه وتقلصت شفته كالرأس المشيط بالنار
70 - وقوله جل وعز قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا آية 106
قال مجاهد أي التي كتبت علينا
71 - وقوله جل وعز قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون آية 108
يقال خسأته إذا باعدته بانتهار
72 - وقوله جل وعز فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري آية 110
قال الحسن وقتادة وأبو عمرو بن العلاء وهذا معنى ما قالو السخري بالضم ما كان من جهة السخرة والسخري

73 - بالكسر ما كان من الهزؤ
وقوله جل وعز إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون آية 111 أي لأنهم ويجوز أن يكون المعنى إني جزيتهم الفوز
74 - وقوله جل وعز قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين آية 113
قال مجاهد فاسأل العادين الملائكة

وقال قتادة أي الحساب
75 - وقوله جل وعز ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به آية 117
قال مجاهد أي لا بينة له به
انتهت سورة المؤمنون

تفسير سورة النور مدنية وآياتها 64 آية

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة النور وهي مدينة
1 - من ذلك قوله جل وعز سورة أنزلناها وفرضناها آية 2 أي هذه سورة
وقرأ الأعرج ومجاهد وقتادة وأبو عمرو وفرضناها
قال قتادة أي بيناها
وقال أبو عمرو أي فصلناها
ومعنى فرضناها فرضنا الحدود التي فيها أي أوجبناها بأن جعلناها فرضا

2 - وقوله جل وعز الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
قال أبو جعفر ليس بين أهل التفسير اختلاف أن هذا ناسخ لقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى آخر الآية ولقوله واللذان يأتيانها منكم فآذوهما
فكان من زنى من النساء حبست حتى تموت ومن زنى من الرجال أوذي
قال مجاهد بالسب ثم نسخ ذلك بقوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
واختلفوا في المعنى
فقال أكثر أهل التفسير هذا عام يراد به خاص
والمعنى الزانية والزاني من الأبكار فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة

وقال بعضهم هو عام على كل من زنى من بكر ومحصن واحتج بحديث عبادة وبحديث علي رضي الله عنه أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله عز و جل ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
3 - وقوله جل وعز ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله
قال مجاهد وعطاء والضحاك أي في تعطيل الحدود

والمعنى على قولهم لا ترحموهما فتتركوا حدهما إذا زنيا
4 - وقوله جل وعز وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين
روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الطائفة الرجل فما فوقه
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الطائفة الرجل فما زاد
وكذا قال الحسن والشعبي
وروى ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال الطائفة الرجلان فصاعدا
وقال مالك الطائفة أربعة

قال أبو إسحاق لا يجوز أن تكون الطائفة واحدا لأن معناها معنى الجماعة والجماعة لا تكون لأقل من اثنين لأن معنى طائفة قطعة يقال أكلت طائفة من الشاة أي قطعة منها
وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز و جل وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا أنهما كانا رجلين
قال أبو جعفر إلا أن الأشبه بمعنى الآية والله أعلم أن تكون الطائفة لأكثر من واحد في هذا الموضع لأنه إنما يراد به الشهرة وهذا بالجماعة أشبه
5 - وقوله جل وعز الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين قال مجاهد والزهري وقتادة كان في الجاهلية نساء معلوم منهن الزنى فأراد ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت فنزلت الآية

الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة وهذا القول الأول
وقال الحسن الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله
قال حبيب المعلم فقال رجل لعمرو بن شعيب إن الحسن يقول كذا فقال ما عجبك من هذا حدثني سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله
وقال إبراهيم النخعي نحوه
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال النكاح ههنا الجماع
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية من أهل القبلة أو مشركة والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان من أهل القبلة أو مشرك

قال أبو جعفر فهذه ثلاثة أقوال
وفي الآية قول رابع كأنه أولاها
حدثنا إسحاق بن إبراهيم المعروف بالقطان قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث قال حدثنا يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب أنه قال يزعمون أن تلك الآية الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك نسخت بالآيات التي بعدها وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم فدخلت الزانية في أيامى المسلمين
وإنما قلنا كأن هذا أولى لأن حديث القاسم عن عبد الله مضطرب الإسناد وحديث سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله قبل نزول الآية الناسخة

والقول الثالث أن يكون النكاح هو الجماع زعم أبو إسحاق أنه بعيد وأنه لا يعرف في القرآن النكاح بمعنى الجماع وقوله تعالى وحرم ذلك على المؤمنين فدل على أنه التزويج لأنه لا يقال في الزنى هو محرم على المؤمن خاصة
وقول من قال إنهن نساء معلومات يدل على أن ذلك كان في شيء بعينه ثم زال فقد صار قول سعيد أولاها
وأيضا فإن سعيدا قال يزعمون فدل على أنه أخه عن غيره وإنما يأخذه عن الصحابة
6 - ثم قال جل وعز وحرم ذلك على المؤمنين

قال ابن عباس يعني الزنى
7 - وقوله جل وعز والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك
قال أبو جعفر في هذه الآية ثلاثة أحكام على القاذف منها جلده
وترك قبول شهادته
وتفسيقه
وفيها ثلاثة أقوال
أحدها قاله الحسن وشريح وإبراهيم أن الاستثناء من قوله وأولئك هم الفاسقون وقالوا لا تقبل شهادته وإن تاب وهذا قول الكوفيين

والقول الثاني أن يكون الاستثناء من قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أي إلا من تاب فإنه تقبل شهادته
وهذا قول مسروق وعطاء ومجاهد وطاووس
ويروى عن عمر ابن الخطاب أنه قال لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك وهذا قول أهل المدينة
والقول الثالث يروى عن الشعبي أنه قال الاستثناء من الأحكام الثلاثة
فإذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء وقد قال الله عز و جل وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى

قال أبو جعفر يجوز أن يكون الاستثناء من قوله وأولئك هم الفاسقون كما ذكرنا في القول الأول ويكون الذين في موضع نصب إلا أنه يجب أن يزول عنه اسم الفسوق فيجب قبول شهادته ويكون عدلا
ويجوز أن يكون الاستثناء من قوله ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ويكون الذين في موضع خفض بمعنى إلا الذين تابوا ويكون قبول شهادته أوكد وهو أيضا متعارف عن عمر فهو أولى أيضا لهذا
ويجوز أن يكون كما روي عن الشعبي إلا أن الفقهاء على خلافه
وفي الكلام حذف المعنى والذين يرمون المحصنات بالزنى ثم حذف لأن قبله ذكر الزانية والزاني
والفائدة في قوله جل وعز ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أن أبدا مقدار مدة حياة الرجل ومقدار انقضاء قصته
فإذا قلت الكافر لا تقبل له شهادة أبدا فمعناه ما دام كافرا

وإذا قلت القاذف لا تقبل له شهادة أبدا فمعناه ما دام قاذفا وهذا من جهة اللغة وكلام العرب يؤكد قبول شهادته وألا يكون أسوأ حالا من القاتل
8 - وقوله جل وعز والذين يرمون أزواجهم
في هذا قولان
أحدهما أن المعنى والذين يقولون لأزواجهم يا زواني أو يقول لها رأيتك تزنين وهذا قول أهل الكوفة
والقول الآخر أنه يقول لها رأيتك تزنين لا غير وهذا قول أهل المدينة
قال أبو جعفر والقول الأول أولى لأن الرمي في قوله والذين يرمون المحصنات هو أن يقول لها يا زانية أو رأيتك تزنين فيجب أن يكون هذا مثله

9 - ثم قال جل وعز ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم
روى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كان رجل معنا جالسا ليلة جمعة فقال إن أحدنا وجد مع امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه وإن تكلم حددتموه وإن سكت سكت عل غيظ اللهم احكم فأنزلت والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم إلى آخر الآية
وقال سهل بن سعد جاء عويمر إلى النبي صلى الله عليه و سلم في وسط الناس فسأله وذكر الحديث وقال في آخره فطلقها ثلاثا
وقال عبد الله بن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهما
10 - وقوله جل وعز والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين

وتقرأ والخامسة بمعنى ويشهد الشهادة الخامسة
والمعنى أنه لعنة الله عليه وأنشد سيبويه ... في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل ...
11 - وقوله جل وعز ويدرأ عنها العذاب
معنى يدرأ يدفع
وفي معنى العذاب ههنا قولان
أحدهما أنه الحبس
والآخر أنه الحد

12 - وقوله جل وعز ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم
في الكلام حذف
والمعنى ولولا فضل الله عليكم ورحمته لنال الكاذب منكم عذاب عظيم
13 - وقوله جل وعز إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم
قال الضحاك هم الذين قالوا لعائشة ما قالوا
قال أبو جعفر يقال للكذب إفك وأصله من قولهم أفكه يأفكه إذا صرفه عن الشيء فقيل للكذب إفك لأنه مصروف عن الصدق ومقلوب عنه ومنه المؤتفكات
والذين جاءوا بالإفك فيما روي عبد الله بي أبي

ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت
ثم قال تعالى لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
فالمخاطبة لعائشة وأهلها وصفوان
أي تؤجرون فيه ونزل فيهم القرآن
14 - وقوله جل وعز والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم
روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت هو عبد الله بن أبي

وقرأ حميد بن قيس ويعقوب والذي تولى كبره بضم الكاف
قال يعقوب كما تقول الذي تولى عظمه قال الفراء هو وجه جيد في النحو
قال أبو جعفر وخالفه في ذلك الرؤساء من النحويين قيل لأبي عمرو بن العلاء أتقرأ والذي تولى كبره فقال لا إنما الكبر في النسب
قال أبو جعفر يريد أنه يقال الكبر من ولد فلان لفلان
15 - وقوله جل وعز لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا

أي هلا ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا
أي بأهل دينهم ومن يقوم مقامهم
ومعنى قوله أفضتم فيه خضتم فيه
16 - وقوله جل وعز إذ تلقونه بألسنتكم
قال مجاهد أي يرويه بعضكم عن بعض
وقرأت عائشة وابن يعمر إذ تلقونه بألسنتكم بكسر اللام وضم القاف يقال ولق يلق إذا أسرع في الكذب وغيره
17 - وقوله جل وعز يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا
قال مجاهد أي ينهاكم

18 - وقوله جل وعز إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا
روى سعيد عن قتادة قال أن يظهر الزنى
19 - وقوله جل وعز ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة
قل أبو جعفر فيه قولان
أحدهما رواه علي بن أبي طلحة عن أبن عباس قال لا يقسموا ألا ينفعوا أحدا
والآخر أن المعنى لا يقصروا من قولهم ما ألوت أن أفعل
قال هشام ومنه قول الشاعر ... ألا رب خصم فيك ألوى رددته ... نصيح على تعذاله غير مؤتلي

قال أبو جعفر القول الأول أولى لأن الزهري روى عن سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت كان أبو بكر ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته وفقره فقال والله لا أنفق عليه بعدما قال في عائشة ما قال فأنزل الله عز و جل ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى
قال أبو جعفر والتقدير في العربية ولا يحلف أولو الفضل كراهة أن يؤتوا وعلى قول الكوفيين لأن لا يؤتوا
ومن قال معناه ولا يقصر فالتقدير عنده ولا يقصر أولو الفضل عن أن يؤتوا
فإن قيل أولو لجماعة وفي الحديث أن المراد أبو بكر
فالجواب أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال قال أبو بكر

وغيره من المسلمين لا نبر أحدا ممن ذكر عائشة فأنزل الله عز و جل ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى آخر الآية
20 - وقوله جل وعز إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم
روى سفيان عن خصيف قال سألت سعيد بن جبير من قذف محصنة لعن في الدنيا والآخرة فقال هذا خاص بعائشة
وروى سلمة بن نبيط عن الضحاك قال هذا في أزواج النبي صلى الله عليه و سلم خاصة
قال أبو جعفر وقول ابن عباس والضحاك أولى من القول الأول لأن قوله المحصنات يدل على جمع

وقيل خص بهذا أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فقيل لمن قذفهن ملعون في الدنيا والآخرة ومن قذف غيرهن قيل له فاسق ولم يقل له هذا
وقوله جل وعز يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق
الدين ههنا الحساب والجزاء كما قال تعالى ذلك الدين القيم و ملك يوم الدين
22 - وقوله جل وعز الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيببون للطيبات
قال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد أي الكلمات الخبيثات

للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والخبيثات من الناس
والطيبات من الكلام للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من القول والطيبات من الناس
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية
والمعنى الكلمات الخبيثات لا يقولهن إلا الخبيثون والخبيثات من الناس والكلمات الطيبات لا يقولهن إلا الطيبون والطيبات من الناس
ودل على صحة هذا القول أولئك مبرءون مما

يقولون أي عائشة وصفوان مبرءون مما يقول الخبيثون والخبيثات
وجمع وإن كانا اثنين كما قال تعالى فإن كان له إخوة هذا قول الفراء في الجمع
وفي قوله تعالى الخبيثات للخبيثين قولان آخران
أ قيل المعنى الخبيثات من الكلام إنما تلصق بالخبيثين والخبيثات من الناس لا بالطيبين والطيبات
ب وقيل المعنى الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال
23 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها قال عبد الله بن عباس إنما هو حتى تستأذنوا

قال مجاهد هو التنحنح والتنخم
قال أبو جعفر الاستئناس في اللغة الاستعلام يقال استأنست فلم أر أحدا كما قال النابغة ... كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد ...
أي على ثور قد فزع فهو يستعلم ذلك ومنه قول الشاعر ... آنست نبأة وأفزعها القنا ... ص عصرا وقد دنا الإمساء ...
ومنه قوله جل وعز فإن آنستم منهم رشدا أي علمتم
ويبين لك هذا الحديث المرفوع

روى أبو بردة عن أبي موسى الأشعري قال جئت الى عمر بن الخطاب أستأذن عليه فقلت السلام عليكم أندخل ثلاث مرات فلم يؤذن لي فقال فهلا أقمت فقلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ليستأذن المرء المسلم على أخيه ثلاث مرات فإن أذن وإلا رجع فقال لتأتيني على هذا بمن يشهد لك أو لتنالنك مني عقوبة فجئت إلى أبي بن كعب فجاء فشهد لي
قال أبو جعفر فهذا يبين لك أن معنى حتى تستأنسوا حتى تستعلموا أيؤذن لكم أم لا
24 - وقوله جل وعز فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم

المعنى حتى يأذن لكم أصحابها بالدخول لأنه لا ينبغي له أن يدخل إلى منزل غيره وإن علم أنه ليس فيه حتى يأذن له صاحبه
25 - وقوله جل وعز ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم
قال مجاهد كانت بيوت في طرق المدينة يجعل الناس فيها أمتعاتهم فأحل لهم أن يدخلوها بغير إذن
وروى سالم المكي عن محمد بن الحنفية قال هي بيوت الخانات والسوق
وقال الضحاك هي الخانات
وقال جابر بن زيد ليس يعني بالمتاع الجهاز وإنما هو البيت ينظر إليه أو الخربة يدخلها لقضاء حاجة وكل متاع الدنيا منفعة
وقال عطاء فيها متاع لكم للخلاء والبول

وهذه الأقوال متقاربة وأبينها قول مجاهد لأنه تعالى حظر عليهم بدءا أن يدخلوا غير بيوتهم ثم أذن لهم إذا كان لهم في بيوت غيرهم متاع على جهة اكتراء أو نظيره أن يدخلوا
والذي قاله غير مجاهد جائز في اللغة لأن يقال لكل منفعة متاع ومنه فمتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره
وقوله جل وعز قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم آية 30
قال قتادة أي عما لا يحل لهم
من ههنا لبيان الجنس
قال جرير بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك

فأمره صلى الله عليه و سلم يصرف بصره لأنه إذا لم يصرف بصره كان تاركا ما أمره الله جل وعز به وكان ناظرا نظرة ثانية اختيارا كما قال أبو سلمة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يا علي إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة
27 - وقوله جل وعز ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها آية 31
روى أبو اسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال القرط والدملج والسوار
28 - ثم قال جل وعز إلا ما ظهر منها
في هذا اختلاف
روى أبو الأحوص عن عبد الله قال الثياب

وهذا مبدأ أبي عبيد
وروى نافع عن ابن عمر قال الوجه والكفان
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الوجه والكف
وبعضهم يقول عن ابن عباس الكحل والخضاب وكذلك قال مجاهد وعطاء
ومعنى الكحل والخضاب ومعنى الوجه والكف سواء
وروت أم شبيب عن عائشة قالت القلب والفتخة والفتخة الخاتم وجمعها فتخ وفتخات
قال أبو جعفر وهذا قريب من قول ابن عمر وابن عباس وهو أشبه بمعنى الآية من الثيباب لأنه من جنس الزينة الأولى
وأكثر الفقهاء عليه ألا ترى أن المرأة يجب عليها أن تستر في

الصلاة كل موضع منها يراه المرء وانه لا يظهر منها إلا وجهها وكفاها
والقلب السوار قال ذلك يحيى بن سليمان الجعفي
29 - وقوله جل وعز أو نسائهن آية 31
يعني النساء المسلمات
ولا يجوز أن يبدين ذلك للمشركات لقوله سبحانه أو نسائهن
30 - ثم قال جل وعز أو ما ملكت أيمانهن
فيه أقوال
الأول أن لهن أن يبدين ذلك لعبيدهن وأن يروا شعورهن
وهذا القول معروف من قول عائشة وأم سلمة

جعلتا العبد بمنزلة المحرم في هذا لأنه لا يحل أن يتزوج بسيدته ما دام مملوكا لها كما لا يحل ذلك لذوي المحارم ويقوي هذا قوله سبحانه ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم
والقول الثاني أنه ليس لعبيدهن أن يروا منهن إلا ما يرى الأجنبي
كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال ولا ينظر عبدها إلى شعرها ولا نحرها وأما الخلخال فلا ينظر إليه إلا الزوج
وهو مذهب عبد الله بن مسعود ومجاهد وعطاء والشعبي
وروى أبو مالك عن ابن عباس خلاف هذا قال ينظر العبد إلى شعر مولاته ويكون التقدير على القول الثاني أو ما

ملكت أيمانهن غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإربة ثم حذف كما قال الشاعر ... نحن بما عندنا وأنت بم ... عندك راض والرأي مختلف ...
على أن يزيد بن القعقاع وعاصما قرءا غير أولي الإربة بنصب غير فعلى هذا يجوز أن يكون الاستثناء منهما جميعا
والقول الثالث أن يكون أو ما ملكت أيمانهن للإماء خاصة قال ذلك سعيد بن المسيب وقيل الصغار خاصة
قال أبو جعفر هذا بعيد في اللغة لأن ما عامة
31 - وقوله جل وعز أو التابعين غير أولي الإربة
قال عطاء هو الذي يتبعك وهمه بطنه
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو المغفل وقيل الطفل
وقال الشعبي هو الذي لا أرب له في النساء
وقال عكرمة هو العنين

وهذه الأقوال متقاربة وهو الذي لا حاجة له في النساء نحو الشيخ الهرم والخنثى والمعتوه والطفل والعنين
والإربة والأرب الحاجة ومنه حديث وأيكم أملك لأربه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن رواه لإربه فقد أخطأ لأنه يقال قطعته إربا إربا أي عضوا عضوا
32 - وقوله جل وعز أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء
الطفل ههنا بمعنى الأطفال يدل على هذا قوله الذين لم يظهروا على عورات النساء أي لم يطيقوا ذلك كما تقول ظهر فلان على فلان أي غلبه وقوى عليه

33 - ثم قال جل وعز ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن
قال أبو الجوزاء كن يضربن بأرجلهن لتبدو خلاخيلهن
وقال أبو مالك كن يجعلن في أرجلهن خرزا ويحركنها حتى يسمع الصوت
قال غيره فنهين عن ذلك لأنه يحرك من الشهوة
34 - وقوله جل وعز وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم آية 32
قال الضحاك هن اللواتي لا أزواج لهن يقال رجل أيم وامرأة أيم وقد آمت تئيم

وقرأ الحسن والصالحين من عبيدكم يقال عبد وعباد وعبيد
35 - وقوله تعالى إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله آية 32
وكذا قوله وإن يتفرقا يعن الله كلا من سعته أي بالنكاح لأنه لم يجعل كل زوج مقصورا على زوج أبدا
والفقر الحاجة إلى الشيء المذكور بعقبه ومثله إنما الصدقات للفقراء أي للفقراء إلى الصدقات وقد يكون الرجل فقيرا إلى الشيء وليس بمسكين
36 - وقوله جل وعز والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا
قيل هذا على الحض والندب لا على الحتم والوجوب ولولا الإذن لما علمنا أن ذلك يجوز

وكتاب ومكاتبة بمعنى واحد كما يقال قتال ومقاتلة
37 - ثم قال جل وعز إن علمتم فيهم خيرا
قال أبو جعفر في هذا اختلاف
قال الحسن أي دينا وأمانة
وقال ابراهيم النخعي أي صدقا ووفاء
وقال عبيدة إن أقاموا الصلاة
وقال سعيد بن جبير إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير
قال أبو جعفر وأجمعها قول سعيد بن جبير لأنه إذا أراد بذلك الخير استعمل الوفاء كما يستعمل أهل الدين والوفاء والصدق والأمانة ومن يقيم الصلاة ويرى لها حقا
وفي الآية قول آخر
قال مجاهد وعطاء الخير ههنا المال

وهذا بعيد جدا لأنه كان يجب على هذا أن يقول إن علمتم لهم خيرا
وأيضا فإن العبد مال لمولاه فكيف يقال إن علمتم لهم مالا
وقال أشهب سئل مالك عن قوله جل وعز إن علمتم فيهم خيرا فقال إنه ليقال الخير القوة والأداء
قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي قوة على الاحتراف والاكتساب ووفاء بما أوجب نفسه وصدق لهجة فأما المال وإن كان من الخير فليس هو في العبد وإنما يكون عنده أو له
38 - ثم قال جل وعز وآتوهم من مال الله الذي آتاكم آية 33
قال أبو جعفر في هذا ثلاثة أقوال
أحدهما أن يكون على الحض والندب
كما روى ابن بريدة عن أبيه قال حثهم على هذا
ويروى هذا عن عمر وعثمان والزبير وعن ابراهيم النخعي

ويكون المعنى وأعطوهم ما يستعينون به على قضاء الكتابة بدفع إليهم أو بإسقاط عنهم
والقول الثاني أن يسقط المكاتب عن مكاتبه شيئا محدودا
روي عن علي بن أبي طلب قال الربع وكذا قال مجاهد
وعن ابن مسعود قال الثلث
والقول الثالث قال سعيد بن جبير قال يضع عنه شيئا من كتابته ولم يحدوه
قال أبو جعفر قيل أولاها القول الأول لجلالة من قال به وأيضا فإن قوله تعالى وآتوهم من مال الله الذي آتاكم معطوف على قوله فكاتبوهم فيجب في العربية أن يكون مثله على الحض والندب

وأيضا فإن قول علي عليه السلام الربع وقول عبد الله الثلث لا يوجب أن يكون ذلك حتما واجبا ويحتمل أن يكون على الندب
39 - وقوله جل وعز ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء
قال مجاهد نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول أمر أمته أن تزني فجاءته ببرد فأمرها أن تعود إلى الزنى فأبت فأنزل الله عز و جل ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء
وروى أبو سفيان عن جابر وعكرمة عن ابن عباس قال نزلت في عبد الله بن أبي أكره أمته على الزنى فأنزل الله جل وعز ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء

ويسأل عن قوله جل وعز إن أردن تحصنا
فالجواب أن المعنى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء البتة
وقوله جل وعز إن أردن تحصنا متعلق بقوله سبحانه وانكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصنا
ومعنى قوله لتبتغوا عرض الحياة الدنيا لتبتغوا أجورهن مما يكسبن
40 - وقوله تعالى ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم آية 33

قال مجاهد فإن الله للمكرهات من بعد إكراههن غفور رحيم
41 - ثم قال جل وعز ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات آية 34
قال قتادة يعني القرآن فيه بيان الحلال من الحرام
ويقرأ مبينات بكسر الياء أي بينات هاديات
42 - وقوله جل وعز الله نور السموات والأرض آية 35
هو تمثيل أي بنوره يهتدي أهل السموات والأرض
والتقدير الله ذو نور السموات والأرض
والهدي يمثل بالنور
43 - ثم قال جل وعز مثل نوره كمشكاة فيها مصباح آية 35
روى علي بن طلحة عن ابن عباس الله نور

السموات والأرض قال هادي أهل أهل السموات والأرض كما هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه نار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء كذا قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى ونورا على نور
كما قال ابراهيم صلى الله عليه وعلى آله قبل أن تجيئه المعرفة حين رأى الكوكب هذا ربي من غير أن يخبره أحد أن له ربا فلما أخبره الله جل وعز أنه ربه ازداد هدى على هداه
قال ابن عباس هذا للمؤمن
وقال سعيد بن جبير أي مثل نور المؤمن

وروى أبو العالية عن أبي بن كعب أنه قرأ مثل نور المؤمن
وقال زيد بن أسلم مثل نوره يعني القرآن
قال أبو جعفر ويجوز أن يكون المعنى مثل نوره للمؤمن ويكون معنى قول ابن عباس للمؤمن
ويجوز أن يكون معناه مثل نور المؤمن كمشكاة
قال ابن عباس وابن عمر المشكاة هي الكوة
وروى أبي بن كعب في قوله تعالى لا شرقية ولا غربية أي تصيبها الشمس وقت الشروق فهي شرقية غربية

وقال عكرمة لا تخلو من الشمس وقت الشروق والغروب وذلك أصفى لدهنها
ثم قال تعالى يكاد زيتها يضيء أي لصفائه ولو لم تمسسه نار تم الكلام
44 - ثم قال جل وعز نور على نور
قال الضحاك أي الإيمان والعمل
وقال غيره نور السراج على نور الزيت والقنديل
وقال أبي بن كعب مثله كمثل شجرة التفت بها الشجر لا تصيبها الشمس عل حال فهي خضراء ناعمة فكذا المؤمن نور على نور كلامه نور وعلمه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة
وقال السدي نور النار ونور الزيت لا يغير واحدا تغير صاحبه وكذا نور القرآن ونور الإيمان

45 - وقوله جل وعز في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه
والمعنى كمشكاة في بيوت
وقيل المعنى المصباح في بيوت
وقيل المعنى يسبح له رجال في بيوت
قال الحسن في بيوت أي مساجد أذن الله أن ترفع أي تعظم وتصان
وقال عكرمة هي البيوت كلها
وقال مجاهد أن ترفع أي تبنى
46 - وقوله جل وعز يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

قال عطاء أي لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن حضور الصلاة في جماعة
وقال سالم جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال فيهم نزلت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
47 - وقوله جل وعز يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار
أي تعرف القلوب الأمر عيانا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر ويزداد المؤمنون يقينا ويكشف عن الأبصار غطاؤها

فتنظر ومثله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد
48 - ثم مثل جل وعز عمل الكافر بعد المؤمن فقال
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة
قال الفراء قيعة جمع قاع كما يقال جيرة وجار
وقال أبو عبيدة قيعة وقاع واحد
والقاع والقيعة عند أهل اللغة ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبت

49 - ثم قال جل وعز يحسبه الظمآن ماء
أي العطشان والسراب ما ارتفع نصف النهار فإذا رؤي من بعد ظن أنه ماء
50 - ثم قال جل وعز حتى إذا جاءه لم يجده شيئا
أي حتى إذا جاء إلى الموضع الذي فيه السراب لم يجده شيئا مما قدره ووجد أرضا لا ماء فيها
وفي الكلام حذف فكذلك مثل الكافر يتوهم أن عمله ينفعه حتى إذا جاءه أي مات لم يجد عمله شيئا لأن الله جل وعز قد محقه وأبطله بكفره ووجد الله عنده أي عند عمله فوفاه حسابه أي جزاءه
فمثل جل وعز عمل الكافر بما يوجد ثم مثله بما يرى فقال

51 - قال جل وعز أوكظلمات في بحر لجي
وهو منسوب إلى اللج وهو وسط البحر
قال أبي بن كعب الكافر كلامه ظلمة وعمله ظلمة ومصيره إلى ظلمة
52 - وقوله جل وعز إذا أخرج يده لم يكد يراها 6
قال أبو عبيدة أي لم يرها و لم يكد يراها 6 أي لا يراها إلا على بعد
قال أبو أبو جعفر وأصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها وإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة
53 - وقوله جل وعز ألم تر أن الله يسبح له من في السموات

والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه
حدثنا الفريابي قال أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله كل قد علم صلاته وتسبيحه الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه
54 - وقوله جل وعز ألم تر أن الله يزجي سحابا
أي يسوقه ثم يؤلف بينه أي يجمع القطع المتفرقة حتى تتألف ثم يجعله ركاما أي بعضه فوق بعض فترى الودق يخرج من خلاله
الودق المطر يقال ودقت سرته تدق ودقا ودقة وكل خارج وادق كما قال ... فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها

وخلال جمع خلل يقال جبل وجبال
55 - ثم قال جل وعز وينزل من السماء من جبال فيها من برد
قيل المعنى من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد أي هذا خاتم حديد في يدي
كما يقال جبال من طين وجبال طين
وقيل إن المعنى من مقدار جبال ثم حذف كما تقول عند فلان جبال مال
والأخفش يذهب إلى أن من فيهما زائدة أي جبالا فيها برد
قال وقال بعضهم الجبال من برد فيها في السماء وتجعل الإنزال منها

56 - وقوله جل وعز يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار
أي ضوء برقه وروى ربيعة بن أبيض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال البرق مخاريق الملائكة
وقال عبد الله بن عمرو هو ما يكون من جبال البرد
حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرف أنه قرأ يكاد سنا برقه
قال أحمد بن يحيى وهو جمع برقة
قال أبو جعفر البرقة المقدار من البرق والبرقة المرة الواحدة مثل غرفة وغرفة

57 - وقوله جل وعز والله خلق كل دابة من ماء
يقال لكل شيء من الحيوان مميزا كان أو غير مميز دابة
58 - ثم قال جل وعز فمنهم من يمشي على بطنه
ولم يقل فمنها ولا فمنهن لأنه غلب ما يميز فلما وقعت الكناية على ما يكون لما يميز جاء ب من ولم يأت ب ما ألا ترى أنه قد خلط في أول الكلام ما يميز مع ما لا يميز
59 - وقوله جل وعز وإن يكن لهم الحق يأتو اإليه مذعنين

قال عطاء أي مسرعين وهم قريش يقال أذعن إذا جاء مسرعا طائعا غير مكره
60 - وقوله جل وعز أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله
والمعنى أم يخافون أن يحيف عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقوله أم يخافون أن يحيف الله عليهم افتتاح كلام ألا ترى أن قبله وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ولم يقل ليحكما بينهم
وهذا كما يقال قد أعتقك الله وأعتقتك وما شاء الله ثم شئت
61 - وقوله جل وعز إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم

خبر فيه معنى الأمر والتحضيض
أي إنما ينبغي أن يكونوا كذا
قرئ على بكر بن سهل عن عمرو بن هشام وهو البيروتي عن ابن أبي كريمة في قول الله جل عز ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
قال ومن يطع الله فيوحده ورسوله فيصدقه ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما بقى من عمره فأولئك هم الفائزون
قال أبو جعفر والفوز في اللغة النجاة

62 - وقوله جل وعز وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا
قل لا تقسموا تم الكلام ثم قال طاعة معروفة أي طاعة معروفة أمثل وهذا للمنافقين
أي لا تحلفوا على الكذب فالطاعة أمثل
ويجوز أن يكون المعنى لتكن منكم طاعة
63 - وقوله جل وعز فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم
والمعنى فإن تتولوا ثم حذف ويدل على أن بعده وعليكم ما حملتم ولم يقل وعليهم
والمعنى فإنما على النبي صلى الله عليه و سلم التبليغ وعليكم القبول وليس عليه أن تقبلوا

64 - وقوله جل وعز وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض
جاء باللام لأن معنى وعد وقال واحد
والمعنى ليجعلنهم يخلفون من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم وهو الإسلام
65 - وقوله جل وعز لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض
أي هم في قبضة الله عز و جل
66 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم
في هذه الآية أقوال

1 - روى ابن جريح عن مجاهد قال هم العبيد المملوكون
2 - وروى إسرائيل عن ليث عن نافع عن ابن عمر ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الإناث
3 - وروى سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال هي للنساء خاصة
أي إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت والنساء يستأذن في هذه الأوقات الخاصة
ولا يجوز في اللغة أن يقال للنساء الذين ولو كان للنساء خاصة لقيل اللاتي أو اللائي أو ما أشبه ذلك إلا أن يجتمع مذكر ومؤنث فيقال الذين لهم جميعا
وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين من أهل العراق سألاه عن قوله عز و جل ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم فقال إن الله جل وعز ستير يحب السترة ولم يكن للمسلمين يومئذ ستور ولا حجال فكان ولد

الرجل وخادمه ويتيمه ربما دخل عليه وهو مع أهله فأمر الله جل وعز بالاستئذان فلما بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور والحجال رأوا أن ذلك يغنيهم عن الاستئذان وفي بعض الروايات فترك الناس العمل بالآية
قال الشعبي ليست بمنسوخة
وأولى ما في هذا وأصحه إسنادا ما رواه عبد الملك عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول ثلاث آيات ترك الناس العمل بها
أ قوله ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم
ب وقوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم
ويقول فلان أنا أكرم من فلان وإنما أكرمهما أتقاهما

قال عطاء ونسيت الثالثة
قال أبو جعفر فهذا من ابن عباس على جهة الإنكار وهو مفسر لما رواه عكرمة في رواية من قال فترك الناس العمل بها
وقد روى ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قال إني لآمر جاريتي هذه وأومأ إلى جارية بيضاء قصيرة أن تستأذن علي
67 - ثم بين المرات فقال سبحانه من قبل صلاة الفجر لأنه الوقت الذي يلبس الناس فيه ثيابهم يخرجون من فرشهم وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة لأنه وقت القائلة

ومن بعد صلاة العشاء قال الزهري وهي التي يسميها الناس العتمة
قال فيستأذنون في هذه الأوقات خاصة فأما غيرهم فيستأذنوا كل وقت
68 - ثم قال تعالى ثلاث عورت لكم
أي أوقات الاستئذان ثلاث عورات
والنصب بمعنى يستأذنون وقت ثلاث عورات لكم
ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي في الدخول بغير إذن
طوافون عليكم أي يخدمونكم
بعضكم على بعض أي يطوف بعضكم على بعض
69 - وقوله جل وعز وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا

قال الزهري أي يستأذن الرجل على أمه وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية
70 - ثم قال تعالى كما استأذن الذيم من قبلهم
يعني البالغين
71 - وقوله جل وعز والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا
قال أبو جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى اللواتي قعدن عن الولد
وقال غيره يراد بهذا العجوز الكبيرة التي قعدت عن التصرف لأنها قد تقعد عن الولد وفيها بقية
قال ربيعة هي التي إذا رأيتها استقذرتها

72 - ثم قال تعالى فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن
روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال يعني الرداء
قال أبو جعفر والمعروف من قراءة عبد الله أن يضعن من ثيابهن
73 - وقوله جل وعز وأن يستعففن خير لهن
قال مجاهد أي يلبسن الجلباب خير لهن
74 - وقوله جل وعز ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا زيد بن أجزم قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان

المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله جل وعز ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم إلى آخر الآية
قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي
يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما وضع فيه
والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن
قال معمر سألت الزهري عن قوله تعالى ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ما بال هؤلاء ذكروا ههنا فقال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمنى وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك

ويتوقون ويقولون إنما أطلقوا لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله الآية ليس على الأعمى حرج
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا بين أي ليس عليهم في الأكل شيء
والقول الآخر قول ابن عباس حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله جميعا أو أشتاتا وذلك لما أنزل الله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل فقال المسلمون إن الله عز و جل قد نهى أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله جل وعز بعد ذلك ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج إلى قوله

أو ما ملكت مفاتحه وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته
قال أبو جعفر والذي رخص الله جل وعز أن يؤكل من ذلك الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال جل وعز ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا
قال أبو جعفر فبين ابن عباس في هذا الحديث ما الذي رخص لهم فيه من الطعام
وفي غير هذه الرواية عنه أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعه وكان الأعرج يتحرج لاتساعه في الموضع والمريض لرائحته وما يلحقه فأباح الله جل وعز لهم الأكل مع غيرهم
وهذا معنى رواية صالح عنه
75 - فأما قوله تعالى ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم
فقيل معناه من بيوت عيالكم

وقيل معناه من بيوت أولادكم لأن أولادهم من كسبهم فنسبت بيوتهم إليهم
واستدل صاحب هذا القول بأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد
ومعنى إخوانكم وإخوتكم واحد
وفي غير رواية معاوية عن ابن عباس أو ما ملكتم مفاتحه يعني العبيد
وقيل يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا للغزاة
وقرأ سعيد بن جبير أو ما ملكتم مفاتحه بضم الميم وتشديد اللام
وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى وبالأعرج وبالمريض إلى بيت أبيه أو غيره من الأقرباء فيتحرج من ذلك ويقول هو بيت غيره فنزلت هذه الآية رخصة

وقيل ليس على الأعمى حرج أي في الغزو وكذا الأعرج المريض
ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم
أي من بيوت أنفسكم لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك لأنه قد يكون في بيت الرجل ما ليس له
وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره وإن أذن له فأبيح ذلك لهذا إذا أذن له أحد من هؤلاء
وذكر فيهم الخص والعام لأن قوله أو بيوت إخوانكم عام

76 - وقوله جل وعز فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم
روى عمر بن دينار عن ابن عباس فإذا دخلتم بيوتا قال المساجد
فسلموا على أنفسكم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وقال أبو مالك إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من المسلمين فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وقال ماهان إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا من ربنا
وقال الحسن فسلموا على أنفسكم ليسلم بعضكم على بعض

كما قال تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم
قال الضحاك فسلموا على أهليكم وغيرهم
قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول صحيح في اللغة والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه لأن دينهما واحد وعلى كل واحد منهما نصح صاحبه وقال الشاعر ... قد جعلت نفسي في الأديم ...
يعني الماء لأن الماء به العيش فجعله نفسه فكذلك المسلم يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه
والأولى أن يكون لجميع البيوت لأن اللفظ عام والمعنى فليحيي بعضكم بعضا تحية من عند الله مباركه طيبه
ثم خبر أن السلام طيب مبارك فقال تحية من عند الله مباركة طيبة
77 - وقوله جل وعز إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا

كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه
قال سعيد بن جبير إذا حزبهم أمر من حرب أو غيرها استأذنوه قبل أن يذهبوا
وقال مجاهد هذا في الغزو ويوم الجمعة
وقال قتادة والضحاك وإذا كانوا معه على أمر جامع أي على أمر طاعة
قال أبو جعفر قول سعيد بن جبير أولاها أي إذا احتاج الإمام إلى جمع المسلمين لأمر يحتاج إلى اجتماعهم فيه فالإمام مخير في الإذن لمن رأى الإذن له
فأما إذا انتقض وضوءه يوم الجمعة فلا وجه لمقامه في المسجد ولا معنى لاستئذانه الإمام في ذلك لأنه لا يجوز له منعه
78 - وقوله تعالى فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم
قال قتادة وقد قال سبحانه عفا الله عنك لم أذنت

لهم فنسخت هذه يعني التي في سورة النور التي في سورة براءة
79 - وقوله جل وعز لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا
قال مجاهد قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم
وقال قتادة أمروا أن يفخموه ويشرفوه
ويروى عن ابن عباس كان يقول دعوة الرسول عليكم واجبة فاحذروها وهذا قول حسن لكون الكلام متصلا لأن الذي قبله

والذي بعده نهي عن مخالفته أي لا تتعرضوا لما يسخطه فيدعو عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس
80 - وقوله جل وعز قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا
قال مجاهد أي خلافا
وقيل حيادا كما تقول لذت من فلان أي حدت عنه
وقيل لواذا في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
وقول مجاهد يدل عليه فليحذر الذين يخالفون عن أمره
و لواذ مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره لياذ

وزعم أبو عبيدة أن قوله فليحذر الذين يخالفون عن امره
معناه يخالفون أمره
قال أبو جعفر وهذا القول خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي لا يزادان وعن في موضعها غير زائدة
والمعنى يخالفون بعد ما أمر كما قال الشاعر ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل ...
وحقيقة عن ههنا إن شئت خلافهم أن تأمر فخلافهم عن أمره وهذا مذهب الخليل وسيبويه كذا قالا في قوله جل وعز ففسق عن أمر ربه
انتهت سورة النور

تفسير سورة الفرقان مكية
وآياتها 77 آية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفرقان وهي مكية
حدثني يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا يونس بن حبيب قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول سألت مجاهدا تلخيص الآي المدني من المكي فقال مجاهد سألت ابن عباس وذكر الحديث وقال فيه نزلت سورة الفرقان بمكة فهي مكية
من ذلك قوله جل وعز تبارك الذي نزل الفرقان على عبده آية 1
وقرأ عبد الله بن الزبير على عباده

تبارك تفاعل من البركة وهي حلول الخير
ومنه فلان مبارك أي الخير يحل بحلوله مشتق من البرك والبركة وهما المصدر
و الفرقان القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر
و النذير المخوف عذاب الله تبارك وتعالى وكل مخوف نذير ومنذر
وقوله جل وعز وخلق كل شيء فقدره تقديرا آية 2
أي قدره لكل شيء ما يصلحه ويقوم به
3
- وقوله جل وعز ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا آية 3
يقال أنشر الله الموتى فنشروا

4 - ثم قال تعالى وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه آية 4
قال مجاهد وقتادة إفك أي كذب
ثم قال تعالى وأعانه عليه قوم آخرون
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال اليهود
5 - ثم قال جل وعز فقد جاءوا ظلما وزورا آية 4
قال مجاهد أي كذبا
قال أبو جعفر والتقدير فقد جاءوا بظلم وزور
6 - ثم قال جل وعز وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا آية 5
قال مجاهد أي أحاديث الأولين
قال قتادة وأصيلا أي عشيا
7 - وقوله جل وعز وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق آية 7

أي أي شيء له آكلا وماشيا
ثم طلبوا أن يكون معه ملك شريكا فقالوا لولا أنزل إليه ملك وقد قال عز و جل ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون
أي لو أنزلنا ملكا لم يكونوا يفهمون عنه حتى يكون رجلا وإذا كان رجلا لم يؤمنوا أيضا إلا بتأويل
8 - وقوله جل وعز تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار آية 10
روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة قال قيل للنبي صلى الله عليه و سلم إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتحها ولم يعط ذلك من قبلك ولا يعطاه أحد بعدك وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا

وإن شئت جمعنا ذلك لك في الآخرة فقال يجمع لي ذلك في الآخرة
فأنزل الله عز و جل تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا آية 10
9 - وقوله جل وعز إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا آية 12
قيل في معنى هذا قولان
أحدهما سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظا وزفيرا
واستشهد صاحب هذا القول بقوله عز و جل لهم فيها زفير وشهيق
والقول الآخر أن المعنى سمعوا لها تغيظا عليهم كما قال تعالى تكاد تميز من الغيظ

والقول الثاني أولى لأنه قال سمعوا لها ولم يقل سمعوا فيها ولا منها
والتقدير سمعوا لها صوت تغيظ
10 - وقوله جل وعز دعوا هنالك ثبورا آية 13
قال مجاهد والضحاك أي هلاكا
قال أبو جعفر يقال ما ثبرك عن كذا أي ما صرفك عنه
فالمثبور هو المصروف عن الخير
والمعنى يقولون واثبوراه
وروى علي بن زيد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أول من يكسى حلة من جهنم إبليس فيضعها على

جبينه ويسحبها يقول واثبوراه وتتبعه ذريته يقولون واثبوراه فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا
11 - ثم قال جل وعز قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون آية 15
وليس في ذلك خير فإنما هو على عملكم وعلى ما تفعلون
ثم قال جل وعز كان على ربك وعدا مسئولا آية 16
قال محمد بن كعب أي يسأله وهو قول الملائكة صلى الله عليه ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم

وقيل إن ذلك يراد به قولهم لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها
وقوله جل وعز ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله آية 17
قال مجاهد المسيح وعزيرا والملائكة
وقوله جل وعز حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا آية 18
قال مجاهد أي هالكين
قال أبو جعفر يقال لما هلك أو فسد أو كسد بائر ومنه بارت السوق وبارت الأيم و بور يقع للواحد والجماعة على قول أكثر النحويين
وقال بعضهم الواحد بائر والجمع بور كما يقال عائد وعوذ وهائد وهود
ثم قال جل وعز فقد كذبوكم بما تقولون آية 19
أي بقولكم إنهم آلهة

وحكى الفراء أنه يقرأ فقد كذبوكم بما يقولون
قال أبو جعفر والمعنى على هذا فقد كذبوكم بقولهم ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء
ثم قال تعالى فما يستطيعون صرفا ولا نصرا آية 19
قال يونس الصرف الحيلة من قولهم فلان يتصرف في الأشياء أي فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ولا ينصروها
وقوله جل وعز ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا آية 19
قال الحسن الشرك
وقوله جل وعز وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا آية 20

قال قتادة فتنة أي بلاء
قال أبو جعفر الفتنة في اللغة الاختبار
والمعنى جعلنا الشريف للوضيع والوضيع للشريف فتنة
يروى أن الشريف كان يريد أن يسلم فيمنعه من ذلك أن من هو دونه قد أسلم قبله فيقول أعير بسبقه إياي
وإن بعض الزمنى والفقراء كان يقول لم لم أكن غنيا وصحيحا فأسلم
ثم قال جل وعز أتصبرون أي إن صبرتم فقد عرفتم أجر الصابرين
ثم خبر أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يقترحون من الآيات ما لم يعطه أحد فقال جل وعز وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى

ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا آية 21
والعتو التجاوز فيما لا ينبغي
ثم قال جل وعز يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا آية 22
روى عطية عن أبي سعيد الخدري حجرا محجورا قال حراما محرما
قال الضحاك أي تقول لهم الملائكة حراما عليكم محرما أن تكون لكم البشرى اليوم يعني الكفار
قال أبو جعفر والمعنى حراما عليكم البشرى ومن هذا حجر القاضي إنما هو منعه ومن هذا حجر الإنسان

وقوله جل وعز وقدمنا إلى ما عملوا من عمل آية 23
قال مجاهد وقدمنا أي عمدنا
قال أبو جعفر وأصل هذا أن القادم إلى الموضع يعمد له ويقصد إليه
ثم قال جل وعز فجعلناه هباء منثورا آية 23
روى أبو إسحق عن الحارث عن علي قال الهباء المنثور شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة
قال أبو جعفر وهباء جمع هباءة فيقال لما يكون من شعاع الشمس
وهو شبيه بالغبار هباء منثور ويقال لما يطير من تحت سنابك الخيل هباء منبث

وأصله من أهبأ التراب إهباء إذا أثاره كما قيل منينا كأنه أهباء
وقوله جل وعز أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا آية 24
قال أبو جعفر القول في هذا كالقول في قوله تعالى أذلك خير أم جنة الخلد
والفراء يذهب إلى أنه ليس في هذا سؤال البتة
ثم قال جل وعز وأحسن مقيلا آية 24
قال قتادة أي مأوى ومنزلا
قال أبو جعفر المقيل في اللغة هو المقام وقت القيلولة خاصة فقيل إن أهل الجنة ينصرفون إلى نسائهم مقدار وقت

نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ذلك الوقت
ثم قال جل وعز ونزل الملائكة تنزيلا آية 25
قال قتادة تنزل ملائكة كل سماء سماء فيقول الخلائق لهم أفيكم ربنا جل وعز وذكر الحديث
ثم قال جل وعز الملك يومئذ الحق للرحمن آية 26
لأن ملك الدنيا زائل

وقوله جل وعز ويوم يعض الظالم على يديه آية 27
قال سعيد بن المسيب كان عقبة بن أبي معيط خدنا لأمية بن خلف فبلغ أمية أن عقبة عزم على أن يسلم فأتاه فقال له وجهي من وجهك حرام إن لم تكفر بمحمد صلى الله عليه و سلم ففعل الشقي فأنزل الله جل وعز ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا
وقال أبو رجاء فلان هو الشيطان واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده وكان الشيطان للإنسان خذولا
والقول الأول هو الذي عليه أهل التفسير
روى عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس أن هذا نزل في عقبة و أمية

وفي رواية مقسم فأما عقبة فكان في الأسارى يوم بدر فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتله فقال أأقتل دونهم فقال نعم بكفرك وعتوك فقال من للصبية فقال النار فقام علي بن أبي طالب فقتله
وأما أمية بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه و سلم بيده وكان قال والله لأقتلن محمدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال أنا أقتله إن شاء الله
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أمية لعقبة أصبأت فقال عقبة إنما صنعت طعاما فأبي محمد أن يأكل منه حتى أشهد له بالرسالة
والذي قال أبو رجاء ليس بناقض لهذا لأن هذا كان

بإغواء الشيطان وتزيينه فيجوز أن يكون نسب إليه على هذا
وقوله جل وعز وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا آية 30
قال مجاهد وإبراهيم أي قالوا فيه غير الحق
قال إبراهيم ألم تر إلى المريض كيف يهجر أي يهذي
وقيل مهجورا أي متروكا
وقوله جل وعز وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين آية 31
قال أبو جعفر يجوز أن يكون عدوا بمعنى أعداء ويجوز أن يكون لواحد

وفي بعض الروايات عن ابن عباس أنه يراد به أبو جهل
وقوله جل وعز وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك آية 32
قيل هذا التمام
والمعنى أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك كذلك التثبيت كما قال جل وعز ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا
لأنه إذا أنزله متفرقا كان فيه جواب ما يسألون في وقته فكان في ذلك تثبيت فقيل التمام قوله كذلك
وقيل التمام عند قوله جملة واحدة

والمعنى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كالتوراة والإنجيل ومعنى هذا لم أنزل متفرقا فقال جل وعز كذلك لنثبت به فؤادك أي أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك
ثم قال جل وعز ورتلناه ترتيلا آية 32
روى مغيرة عن إبراهيم قال أنزل متفرقا
وقال الحسن كلما سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن شيء نزل جوابه حتى كمل نزوله في نحو من عشرين سنة
ثم قال جل وعز ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا آية 33
قال الضحاك أي تفصيلا
قال أبو جعفر في الكلام حذف
والمعنى وأحسن تفسيرا من مثلهم ومثل هذا يحذف كثيرا
ثم قال جل وعز الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا آية 34
في الحديث الشريف يحشر الناس على ثلاث طبقات

ركبانا ومشاة وعلى وجوههم قال أنس قيل يا رسول الله كيف يحشرون على وجوههم فقال إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم
وقوله جل وعز وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا آية 35
روى سعيد عن قتادة قال أي عونا وعضدا
وقوله تعالى وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم آية 37
قيل هذا يوجب أن قوم نوح قد كذبوا غير نوح صلى الله عليه و سلم
فقيل من كذب نبيا فقد كذب جميع الأنبياء لأن الأنبياء كلهم يؤمنون بالله جل وعز وبجميع كتبه
وقيل هذا كما يقال فلان يركب الدواب وإن لم يركب إلا واحدة أي يركب هذا الجنس

وقوله جل وعز وعادا وثمود وأصحاب الرس آية 38
قال قتادة كانوا أصحاب فلج باليمامة وآبار
قال مجاهد أصحاب الرس كانوا على بئر لهم وكان اسمها الرس فنسبوا إليها
قال أبو جعفر الرس عند أهل اللغة كل بئر غير مطوية ومنه قول الشاعر ... تنابلة يحفرون الرساسا ...
يعني آبار المعادن
ويروى أنهم قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيها

إلا أن قتادة قال إن أصحاب الأيكة وأصحاب الرس أمتان أرسل إليهم جميعا شعيب صلى الله عليه و سلم فعذبتا بعذابين
ثم قال جل وعز وقرونا بين ذلك كثيرا آية 38
قال قتادة بلغنا أن القرن سبعون سنة
ومعنى تبرنا أهلكنا ودمرنا
وقوله جل وعز ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء آية 40
قال قتادة يعني مدينة قوم لوط
وقوله جل وعز بل كانوا لا يرجون نشورا آية 40
قال قتادة أي حسابا وبعثا
قيل يرجون ههنا بمعنى يخافون
وقال من ينكر الأضداد يرجون على بابه أي لا يرجون ثواب الآخرة فيتقوا المعاصي

وقوله جل وعز أرأيت من اتخذ إلهه هواه آية 43
قال الحسن لا يهوى شيئا إلا اتبعه
وقال غيره كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى حجرا أحسن منه أخذه وترك الأول
قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول جامع أي يتبع هواه ويؤثره فقد صار له بمنزلة الإله
ثم قال جل وعز أفأنت تكون عليه وكيلا آية 43
قيل حافظا
وقيل كفيلا
ثم قال تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا آية 44

لأن الأنعام تسبح وتجتنب مضارها
وقوله جل وعز ألم تر إلى ربك كيف مد الظل آية 45
ترى ههنا في موضع تعلم
ويجوز أن يكون من رؤية العين
قال الحسن وأبو مالك وإبراهيم التيمي وقتادة والضحاك في قوله تعالى ألم تر إلى ربك كيف مد الظل هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس
ثم قال تعالى ولو شاء لجعله ساكنا آية 45

قال الحسن أي لو شاء لتركه ظلا كما هو
وقال الضحاك أي لو شاء لجعل النهار كله ظلا
وقال قتادة ساكنا أي دائما
ثم جعلنا الشمس عليه دليلا أي تتلوه وتتبعه
ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا روى سفيان عن عبد العزيز بن رفيع عن مجاهد يسيرا أي خفيا
وقال الضحاك سريعا
وقال أبو مالك وإبراهيم التيمي قبضا يسيرا هو ما تقبضه الشمس من الظل
قال أبو جعفر قول مجاهد أولى في العربية وأشبه بالمعنى لما نذكره
وصف الله جل وعز لطفه وقدرته فقال ألم تر إلى ربك كيف مد الظل أي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع

الشمس كما قال أهل التفسير وبينته لك في قوله جل وعز في وصفه الجنة وظل ممدود
ثم قال سبحانه ولو شاء لجعله ساكنا آية 45
أي دائما كما في الجنة ثم جعلنا الشمس عليه دليلا أي تدل عليه وعلى معناه لأن الشيء يدل على ضده فيدل النور على الظلمة والحر على البرد
وقيل دالة على الله عز و جل
ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا أي إذا غابت الشمس قبض الظل فبضا خفيا كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة وليس يزول دفعة واحدة فهذا قول مجاهد
وقول أبي مالك وإبراهيم التيمي أن المعنى ثم قبضنا الظل بمجيء الشمس
ويذهبان إلى أن معنى يسيرا سهلا علينا

وقول مجاهد أولى لأن ثم يدل على أن الثاني بعد الأول وقوله أيضا أجمع للمعنى
وقوله جل وعز وهو الذي جعل لكم الليل لباسا آية 47
أي سترا والنوم سباتا أي راحة وجعل النهار نشورا أي ينتشر فيه
وقوله جل وعز وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته آية 48
أكثر القراء يقرءون ما كان في معنى الرحمة على الرياح وما كان في معنى العذاب على الريح
ويحتج بعضهم بحديث ضعيف يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا هبت الريح قال اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا

قال أبو جعفر وقيل إنما وقع هذا هكذا لأن ما يأتي بالرحمة ثلاث رياح وهي الصبا والشمال والجنوب
والرابعة الدبور ولا تكاد تأتي بمطر
فقيل لما أتى بالرحمة رياح هذا ولا أصل للحديث
ومعنى نشرا إحياء أي تأتي بالسحاب الذي فيه المطر الذي به حياة الخلق و نشرا جمع نشور
وروى عن عاصم بشرا جمع بشيرة
وروي عنه بشرا بحذف الضمة لثقلها أو يكون جمع بشرة كما يقال بسرة وبسر

وعن محمد اليماني بشرى أي بشارة
بين يدي رحمته أي المطر
وقوله جل وعز وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا آية 49
قال محمد بن يزيد أناسي جمع إنسي مثل كرسي وكراسي
وقال غيره أناسي جمع إنسان والأصل أناسين مثل سراحين ثم أبدل من النون ياء
ثم قال سبحانه ولقد صرفناه بينهم ليذكروا آية 50
يعني المطر أي نسقي أرضا ونترك أرضا
ليذكروا أي ليفكروا في نعم الله جل وعز ويحمدوه

فأبى أكثر الناس إلا كفورا وهو أن يقولوا مطرنا بنوء كذا أي بسقوط كوكب كذا كما يقول المنجمون فجعلهم كفارا بذلك
وقوله جل وعز وجاهدهم به جهادا كبيرا آية 52
أي بالقرآن
وقوله جل وعز وهو الذي مرج البحرين آية 53
أي خلطهما وخلاهما فهما مختلطان في مرآة العين وبينهما حاجز من قدرة الله عز و جل
وفي الحديث مرجت أماناتهم أي اختطلت

ويقال مرج السلطان الناس أي خلاهم وأمرجت الدابة ومرجتها أي خليتها لترعى
ثم قال تعالى هذا عذب فرات آية 53
أي شديد العذوبة
وهذا ملح أجاج آية 53
روى معمر عن قتادة قال الأجاج المر
قال أبو جعفر والمعروف عند أهل اللغة أن الأجاج الشديد الملوحة ويقال ماء ملح ولا يقال مالح
وروي عن طلحة أنه قرأ وهذا ملح أجاج بفتح الميم وكسر اللام
ثم قال جل وعز وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا آية 53

برزخا أي حاجزا
وحجرا محجورا أي مانعا
ثم قال تعالى وهو الذي خلق من الماء بشرا آية 54
يعني بالماء النطفة والله عز و جل أعلم
وقوله جل وعز فجعله نسبا وصهرا آية 54
قيل هو الماء الذي خلق منه أصول الحيوان
وقيل النسب البنون ينتسوب إليه وخلق له بنات من جهتهن الأصهار
وقال أبو إسحاق النسب الذي ليس بصهر من قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف
والصهر من يحل له التزوج
وروى عميرة مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنه وهو قول الضحاك قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع

ثم قرأ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى قوله وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف
وقيل من الصهر خمس وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إلى وحلائل أبنائكم وهذا لفظ الضحاك
وقد اختلف في الفرق بين الختن والصهر
فقال الأصمعي الأختان كل شيء من قبل المرأة مثل أبي المرأة وأخيها وعمها
والأصهار يجمع هذا كله يقال صاهر فلان إلى بني فلان وأصهر إليهم
وقال ابن الأعرابي الأختان أبو المرأة وأخوها وعمها والصهر زوج ابنة الرجل وأخوه وأبوه وعمه

وقال محمد بن الحسن في رواية أبي سليمان الجوزجاني أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته وكل ذي محرم منه
اصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته
قال أبو جعفر الأولى في هذا أن يكون القول في الأصهار ما قال الأصمعي وأن يكون من قبلهما جميعا لأنه يقال صهرت الشيء أي خلطته فكل واحد منهما قد خلط صاحبه
والأولى في الأختان ما قاله محمد بن الحسن لجهتين
أحدهما الحديث المرفوع روى محمد بن إسحق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك فهذا يدل على أن زوج البنت ختن

والجهة الأخرى أنه يقال ختنه إذا قطعه فالزوج قد انقطع عن أهله وقطع المرأة عن أهلها فهو أولى بهذا الأسم
وقوله جل وعز وكان الكافر على ربه ظهيرا آية 55
قال مجاهد أي معينا
وقال الحسن أي عونا للشيطان على الله عز و جل على المعاصي
ثم قال جل وعز وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا آية 56
قال قتادة أي مبشرا بالجنة ونذيرا من النار
ثم قال جل وعز قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا آية 57
قال قتادة بطاعة الله عز و جل

وقوله تعالى الرحمن فاسأل به خبيرا آية 59
قال أبو إسحق أي اسأل عنه وقد حكى هذا جماعة من أهل اللغة أن الباء بمعنى عن كما قال جل وعز سأل سائل بعذاب واقع وقال الشاعر ... هلا سألت الخيل يا ابنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي ...
قال علي بن سليمان أهل النظر ينكرون أن تكون الباء بمعنى عن لأن في هذا فساد المعاني قال ولكن هذا مثل قول العرب لو لقيت فلانا للقيك به الأسد أي للقيك بلقائك إياه الأسد
والمعنى فاسأل بسؤالك على ما تقدم

وقوله جل وعز تبارك الذي جعل في السماء بروجا آية 61
قال قتادة أي نجوما
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال البروج النجوم العظام
وروى إسماعيل عن يحيى بن رافع قال البروج قصور في السماء
قال أبو جعفر يقال لكل ما ظهر وتبين برج ومنه قيل تبرجت المرأة وقد برج برجا إذا ظهر
ثم قال جل وعز وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا آية 61
سراجا يعني الشمس
ويقرأ سرجا

وقيل من قرأ هذه القراءة فالمعنى عنده وجعل في البروج سرجا
فإن قيل فقد أعاد ذكر القمر وقد قال سرجا والقمر داخل فيها
فالجواب أنه أعيد ذكر القمر لفضله عليها كما قال جل وعز فيهما فاكهة ونخل ورمان
وقوله جل وعز وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة آية 62
قال مجاهد أي يخلف هذا هذا ويخلف هذا هذا
وقال الحسن من نسي شيئا من التذكر والشكر بالنهار كانت له في الليل عتبى ومن نسيه بالليل كانت له في النهار عتبى

وقيل خلفة أي مختلفين كما قال جل وعز واختلاف الليل والنهار
قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال قول مجاهد
والمعنى كل واحد منهما يخلف صاحبه مشتق من الخلف ومنه خلف فلان فلانا بخير أو شر ومنه قول زهير ... بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم ...
وقوله جل وعز وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا آية 63
وكل واحد عبده فنسبهم إليه لاصطفائه إياهم كما يقال بيت الله وناقة الله
وقوله جل وعز الذين يمشون على الأرض هونا آية 63

قال مجاهد أي بالوقار والسكينة
وقال الحسن علماء حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا
ثم قال تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما آية 63
قال مجاهد أي سدادا
قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل سلاما تريد تسلما منك كما قلت براءة منك قال وزعم أن هذه الآية فيما زعم مكية
ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قوله تسلما ولا خير بيننا وبينكم ولا شر
وقوله جل وعز والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما آية 64

يقال بات إذا أدركه الليل نام أو لم ينم كما قال الشاعر ... فبتنا قياما عند رأس جوادنا ... يزاولنا عن نفسه ونزاوله ...
وقوله جل وعز إن عذابها كان غراما آية 65
قال أبو عبيدة أي هلاكا وأنشد ... ويوم النسار ويوم الجفار ... كانا عذابا وكانا غراما ...
وقال الفراء كان غراما أي ملحا ملازما ومنه فلان غريمي أي يلح في الطلب
والغرام عند أكثر أهل اللغة أشد العذاب
قال الأعشى

إن يعاقب يكن غراما ... وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي ...
قال محمد بن كعب طالبهم الله بثمن النعم فلما لم يأتوا به غرمهم ثمنها وأدخلهم النار
وقوله جل وعز والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا آية 67
قال سفيان لم يسرفوا لم ينفقوا في غير حق
ولم يقتروا لم يمسكوا عن حق
وأحسن ما قيل ما حدثنا أبو علي الحسن بن غليب قال حدثني عمران بن أبي عمران قال حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي قال حدثني عمرو بن لبيد عن أبي عبدالرحمن الحبلي في قوله جل وعز والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما قال
من أنفق في غير طاعة الله عز و جل فهو الإسراف
ومن أمسك عن طاعة الله عز و جل فهو الإقتار

ومن أنفق في طاعة الله عز و جل فهو القوام
وكان بين ذلك قواما أي عدلا
قال أحمد بن يحيى يقال هذا قوام الأمر وملاكه
وقال بعض أهل اللغة هذا غلط وإنما يقال هذا قوام الأمر واحتج بقوله تعالى وكان بين ذلك قواما
قال أبو جعفر والصواب ما قال أحمد بن يحيى والمعنيان مختلفان فالقوام بالفتح الاستقامة والعدل كما قال لبيد ... واحب المجامل بالجزيل وصرمه ... باق إذا ضلعت وزاغ قوامها

والقوام بالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر
وقوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر آية 68
قال أبو وائل قال عبد الله بن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الذنب أعظم فقال أن تشرك بالله جل وعلا وهو خلقك
قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك وتزني بحليلة جارك ثم قرأ عبد الله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية
وقوله جل وعز ومن يفعل ذلك يلق أثاما آية 68
قال مجاهد هو واد في جهنم
وقال أبو عمرو الشيباني يقال لقي أثام ذلك أي جزاء ذلك

وقال القتبي الأثام جزاء العقوبة وأنشد ... والعقوق له أثام ...
قال أبو جعفر وأصح ما قيل في هذا وهو قول الخليل وسيبويه أن المعنى يلق جزاء الأثام كما قال سبحانه واسأل القرية
وبين جزاء الأثام فقال يضاعف له العذاب يوم القيامة كما بين الشاعر في قوله ... متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا ...
قال الضحاك لما أنزل الله جل وعز والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى آخر الآية قال المشركون قد زعم أنه

لا توبة لنا فأنزل الله جل وعز إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا أي تاب من الشرك ودخل في الإسلام
ونزل هذا بمكة وأنزل الله قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا الآية ثم أنزل بالمدينة بعد ثماني سنين ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وهي مبهمة لا مخرج منها
وقوله جل وعز فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات آية 70
روى عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال يقرأ المؤمن في أول كتابه السيئات ويرى الحسنات دون ذلك فينظر وجهه وينظر

أعلاه فإذا هو حسنات كله فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات
قال مجاهد والضحاك أي يبدلهم من الشرك الإيمان
وقال الحسن قوم يقولون التبديل في الآخرة يوم القيامة وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدلهم الله إيمانا من الشرك وإخلاصا من الشك وإحصانا من الفجور
قال أبو إسحق ليس يجعل مكان السيئة حسنة ولكن يجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة

وقوله جل وعز ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاب آية 71
أي توبة مؤكدة أي إذا عمل صالحا بعد التوبة قيل تاب متابا أي متابا مرضيا مقبولا
وقوله جل وعز والذين لا يشهدون الزور آية 72
قال محمد بن الحنفية يعني الغناء
وقال الضحاك يعني الشرك
وأصل الزور في اللغة الكذب والشرك أشد الكذب
وقوله وإذا مروا باللغو مروا كراما آية 72
قال الضحاك باللغو أي بالشرك
وروي عنه أيضا إذا ذكروا النكاح كنوا عنه
وقال الحسن اللغو المعاصي كلها

وأصل اللغو في اللغة ما ينبغي أن يلغى أي يطرح أي تركوه وأكرموا أنفسهم عنه
وقوله جل وعز والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا آية 73
أي لم يتغافلوا عنها ويتركوها حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر
ثم قال جل وعز والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين آية 74
قال الضحاك أي مطيعين لك
ثم قال واجعلنا للمتقين إماما آية 74
قال الضحاك أي اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير
وقال الحسن أي اجعلنا نقتدي بالمتقين الذين قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا

وقوله جل وعز قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم آية 77
ورى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أي ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه
وهذا أحسن ما قيل في الآية كما قال جل وعز ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم
وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل وقول الشاعر ... كأن بصدره وبجانبيه ... عبيرا بات يعبأه عروس ...
أي يجعل بعضه على بعض
أي أي وزن لكم عند ربكم لولا أنه أراد أن يدعوكم إلى طاعته

وقال القتبي المعنى ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاؤكم غيره أي لولا شرككم
ثم قال سبحانه فقد كذبتم فسوف يكون لزاما آية 77
بوى مسروق عن عبدالله قال يعني يوم بدر
وكذلك قال مجاهد والضحاك
قال أبو إسحاق أي فسوف يكون التكذيب لازما يلزمكم ولا تعطون التوبة
وقال القتبي أي فسوف يكون العذاب لزاما
وقال أبو عبيدة لزاما أي فيصلا

وقال مسلم بن عمار سمعت ابن عباس يقرؤها فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما
وقال أبو زيد سمعت قعنبا يقرأ فسوف يكون لزاما بفتح اللام
قال أبو جعفر وهذا مصدر لزم والأول مصدر لوزم
حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم يقول لولا إيمانكم
وأخبر الله جل وعز الكفار أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم مؤمنين ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين فسوف يكون لزاما قال يقول موتا
انتهت سورة الفرقان

تفسير سورة الشعراء مكية
وآياتها 227 آية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشعراء وهي مكية
من ذلك قوله جل وعز طسم آية 1 روى معمر عن قتادة قال طسم اسم
وقوله جل وعز تلك آيات الكتاب المبين آية 2
لأن القرآن مذكور في التوراة والإنجيل
فالمعنى هذه تلك آيات الكتاب
وقيل تلك بمعنى هذه
وقوله جل وعز لعلك باخع نفسك آية 3

قال مجاهد وقتادة أي قاتل
وقال الضحاك أي قاتل نفسك عليهم حرصا
قال أبو عبيدة باخع أي مهلك
قال أبو جعفر وأصل هذا من بخعه أي أذله
والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان
وقوله جل وعز إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية آية 4
أي لو شئنا لاضطررناهم إلى الطاعة بأن نهلك كل من عصى
ثم قال جل وعز فظلت أعناقهم لها خاضعين آية 4
في هذا أقوال
قال مجاهد أعناقهم كبراؤهم

وقال أبو زيد والأخفش أعناقهم جماعاتهم يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة
وقال عيسى بن عمر خاضعين و خاضعة ههنا واحد
والكسائي يذهب إلى أن المعنى خاضعيها
قال أبو جعفر قول مجاهد أعناقهم كبراؤهم معروف في اللغة يقال جاءني عنق من الناس أي رؤساؤهم وكذل يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة ولهذا يقال على فلان عتق رقبة ولا يقال عتق عنق لما يقع فيه من الاشتراك
وقول عيسى بن عمر أحسن هذه الأقوال وهو اختيار أبي العباس

والمعنى على قوله فظلوا لها خاضعين فأخبر عن المضاف إليه وجاء بالمضاف مقحما توكيدا كما قال الشاعر ... رأت مر السنين أخذن مني ... كما أخذ السرار من الهلال ...
وكما قال الشاعر ... وتشرق بالقول الذي قد أذعته ... كما شرقت صدر القناة من الدم ...
قال أبو العباس ومثله سقطت بعض أصابعه
قال ومثله ... يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يلقينكم في سوءة عمر ...
...
فجاء بتيم الأول مقحما توكيدا

وأما قول الكسائي فخطأ عند البصريين والفراء ومثل هذا الحذف لا يقع في شيء من الكلام
وقوله جل وعز أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم آية 7
قال مجاهد من نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام
وروي عن الشعبي أنه قال الناس من نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فهو لئيم
والمعنى على قول مجاهد من كل جنس نافع حسن
ثم قال جل وعز إن في ذلك لآية آية 8
أي لدلالة على الله جل وعز وأنه ليس كمثله شيء
ثم قال وما كان أكثرهم مؤمنين أي قد علم الله أنهم لا يؤمنون كما قال سبحانه لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد

وقوله جل وعز وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين آية 11
أي واتل عليهم هذا
وبعده واتل عليهم نبأ إبراهيم
وقوله جل وعز قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني آية 12
قرأ الأعرج وطلحة وعيسى ويضيق صدري ولا ينطلق لساني
والقراءة الأولى أحسن لأن انطلاق اللسان ليس مما يدخل في الخوف لأنه قد كان
ثم قال تعالى فأرسل إلى هارون آية 13
في الكلام حذف
والمعنى فأرسل إلى هارون ليعينني ويؤازرني كما تقول فأرسل إلي إن إني لأعينك

ثم قال جل وعز ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون آية 14
قال مجاهد وقتادة يعني قتل النفس فأخاف أن يقتلون أي بقتلي رجلا منهم
ثم قال جل وعز قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون آية 15
كلا ردع وزجر أي انزجر عن هذا الخوف وثق بالله
ثم قال جل وعز فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون آية 15
يحتمل أن يكون معكم لموسى وهارون عليهما السلام لأن الاثنين جمع كما قال تعالى فإن كان له إخوة
ويحتمل أن يكون لموسى وهارون والآيات
ويحتمل أن يكون لموسى وهارون ومن أرسل إليهم

قال أبو جعفر الأول أولاها ليكون المعنى إنا معكم ناصرين ومقوين
ثم قال جل وعز فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين آية 16
قال أبو عبيدة رسول بمعنى رسالة وأنشد ... لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ... بسر ولا أرسلتهم رسول ...
والتقدير على قوله إنا ذوا رسالة
والأخفش يذهب إلى أنه واحد يدل على اثنين وجمع
ثم قال جل وعز أن أرسل معنا بني إسرائيل آية 17
المعنى أرسلنا لأن ترسل معنا بني إسرائيل

ثم قال جل وعز قال ألم نربك فينا وليدا آية 18
أي مولودا فامتن عليه بتربيته إياه صغيرا إلى أن كبر
ثم قال تعالى ولبثت فينا من عمرك سنين آية 18
ومن عمرك وعمرك
وقوله جل وعز وفعلت فعلتك التي فعلت آية 19
قال مجاهد يعني قتل النفس
وقرأ الشعبي وفعلت فعلتك بكسر الفاء والفتح للأول لأنها للمرة الواحدة
والكسر بمعنى الهيئة والحال أي فعلتك التي تعرف كما قال ... كأن مشيتها من دار جارتها ... مر السحابة لا ريث ولا عجل ...
ويقال كان ذلك أيام الردة والردة

قال أبو جعفر قال علي بن سليمان واختار ذلك لأن الارتداد لم يكن مرة واحدة والفتح أجود
ثم قال جل وعز وأنت من الكافرين آية 19
في معناه أقوال
أ منها أن المعنى من الكافرين لنعمتي كما قال ... والكفر مخبثة لنفس المنعم ...
ب والضحاك يذهب إلى أن المعنى وأنت من الكافرين لقتلك القبطي
قال فنفى عن نفسه الكفر وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل
ج وقال الفراء المعنى وأنت من الكافرين الساعة
د قال السدي أي وأنت من الكافرين لأنك كنت تتبعنا على الدين الذي تعيبه الساعة فقد كنت من الكافرين على قولك

قال أبو جعفر ومن أحسن ما قال في معناه ما قاله ابن زيد قال من الكافرين لنعمتنا أي لنعمة تربيتي لك
ثم قال وعز وعز قال فعلتها إذا وأنا من الضالين آية 20
أي من الجاهلين
وقال أبو عبيدة من الضالين أي من الناسين كما قال سبحانه أن تضل إحداهما
وقوله جل وعز فوهب لي ربي حكما آية 21
قال السدي يعني النبوة
وقوله جل وعز وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل آية 22

في هذه الآية أقوال
قيل ألف الاستفهام محذوفة والمعنى أو تلك نعمة كما قال ... تروح من الحي أم تبتكر ... وماذا يضرك لو تنتظر ...
وهذا لا يجوز لأن الاستفهام إذا حذفت منه الألف زال المعنى إلا أن يكون في الكلام أم أو ما أشبهها
وقيل المعنى وتلك نعمة تمنها علي أن عبدتني وأنا من بني إسرائيل
لأنه يروى أنه كان رباه على أن يستعبده
وقيل وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني

وهذا أحسن الأقوال لأن اللفظ يدل عليه أي إنما صارت هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيدا ولو لم تتخذهم عبيدا لم تكن نعمة ف أن بدل من نعمة
ويجوز أن يكون المعنى لأن عبدت بني إسرائيل
وقوله جل وعز قال فرعون وما رب العالمين آية 23
فأجابه موسى صلى الله عليه و سلم بأن أخبره بصفات الله جل وعز التي يعجز عنها المخلوقون قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين آية 24
فلم يرد فرعون هذه الحجة بأكثر من أن قال قال لمن حوله ألا تستمعون أي ألا تستمعون إلى قوله
فأجابه موسى لأنه المراد وزاده في البيان
قال ربكم ورب آبائكم الأولين فلم يحتج فرعون عليه بأكثر من أن نسبه إلى الجنون قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون آية 27
أي لمغلوب على عقله لأنه يقول قولا لا يعرفه لأنه كان

عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربا لهم في ذلك الوقت هو فرعون وأن الذي يعرفونهم أربابا لآبائهم الأولين ملوك أخر كانوا قبل فرعون
فزاده موسى في البيان فقال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون آية 28
فتهدده فرعون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين آية 29
فاحتج موسى عليه وعليهم بما يشاهدونه قال أو لو جئتك بشيء مبين آية 30
أي ببرهان قاطع واضح يدل على صدقي
وقوله جل وعز فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين آية 32

يقال الثعبان الكبير من الحيات وقد قال في موضع آخر تهتز كأنها جان
والجان الصغير من الحيات
ففي هذا دليل على أن الآية كانت عظيمة لأنه وصف عظمها وأنها تهتز اهتزاز الصغير لخفتها ولا يمنعها عظمها من ذلك فهذا أعظم في الآية
ثم قال جل وعز ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين آية 33
أي ونزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين بياضا نوريا من غير برص
فرد فرعون الآية العظيمة بنسبه إياه إلى السحر قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم آية 34
ثم تواضع لهم فقال يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين آية 37

روى مجاهد عن ابن عباس قال يعني الشرط
ويروى أن السحرة كانوا اثني عشر ألفا
وأن موسى بعث والسحر كثير وأعطي الآيات العظام
كما بعث النبي صلى الله عليه و سلم والبلاغة أكثر ما كانت فأعطي القرآن ودعوا إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك
قال قتادة إنه لكبيركم يعني موسى صلى الله عليه و سلم
وقوله جل وعز لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف آية 49
يروى أنه أول من قطع وصلب
قالوا لا ضير فيما يلحقنا من عذاب الدنيا مع أملنا للمغفرة

يقال ضرر وضر وضير وضور بمعنى واحد وأنشد أبو عبيده ... فإنك لا يضورك بعد حول ... أظبي كان أمك أم حمار ...
أن كنا أول المؤمنين أي لأن كنا
قال الفراء أي أول مؤمني أهل زماننا
قال أبو إسحاق هذا كلام من لم يعرف الرواية لأنه يروى أنه معه ستمائة ألف وسبعون ألفا
وإنما المعنى أول من آمن عند ظهور هذه الآية
ثم قال جل وعز وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي آية 52

يقال سرى وأسرى إذا سار بالليل
قال مجاهد خرج موسى صلى الله عليه و سلم ليلا
قال عمرو بن ميمون قالوا لفرعون إن موسى قد خرج ببني إسرائيل فقال لا تكلموهم حتى يصيح الديك فلم يصيح ديك تلك الليلة فلما أصبح أحضر شاة فذبحت وقال لا يتم سلخها حتى يحضر خمس مائة ألف فارس من القبط فحضروا
وروى يونس بن أبي إسحق عن أبي بردة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل بأعرابي فأكرمه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم تعهدنا فأتنا فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له ما حاجتك فقال ناقة أرتحلها وأعنز يحتلبها أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعجز هذا أن يكون مثل عجوز بني إسرائيل قالوا وما عجوز بني إسرائيل قال إن موسى صلى الله عليه و سلم لما أراد الخروج ببني إسرائيل ضل عن الطريق فقال ما هذا فقال له علماء بني إسرائيل إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا ألا نخرج إلا بعظامه فقال أين قبره فقالوا ما يعرفه إلا عجوز بني إسرائيل فسألوها فقالت حتى تعطيني حكمي قال وما

حكمك قالت أن أكون معك في الجنة فكره ذلك فأوحى الله جل وعز إليه أن أعطها ففعل فأتت بهم إلى بحيرة فقالت أنضبوا هذا الماء فأنضبوه واستخرجوا عظام يوسف صلى الله عليه و سلم فتبينت له الطريق كضوء النهار
ثم قال جل وعز إنكم متبعون آية 52
روى عكرمة عن ابن عباس قال اتبعه فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث وكان موسى صلى الله عليه في ستمائة ألف من بني إسرائيل فقال فرعون إن هؤلاء لشرذمة قليلون
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله إن هؤلاء لشرذمة قليلون قال ستمائة ألف وسبعون ألفا

وروى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود وإنا لجميع حاذرون قال مؤدون
قال أبو جعفر المؤدون الذين معهم أداة وهي السلاح والسلاح أداة الحرب
وأبو عبيدة يذهب إلى أن حاذرين و حذرين و حذرين بضم الذال بمعنى واحد
قال أبو جعفر وحقيقة هذا أن الحاذر هو المستعد والحذر المتيقظ كأن ذلك فيه خلقة ولهذا قال أكثر النحويين لا يتعدى حذر

وروى حميد الأعرج عن أبي عمار أنه قرأ وإنا لجميع حادرون الدال غير معجمة يقال جمل حادر إذا كان غليظا ممتليا ومنه قول الشاعر ... وعين لها حدرة بدرة ... شقت مآقيهما من أخر ...
ثم قال جل وعز فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم آية 57 58
حدثنا محمد بن سلمة الأسواني قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني ابن لهيعة عن واهب بن عبدالله المعافري عن عبدالله بن عمرو أنه نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب وذلله له فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده فمدته الأنهار بمائها وفجر الله له من الأرض عيونا فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره

وقال في وقوله الله جل وعز فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم
قال كانت الجنات بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعا من أسوان إلى رشيد وكان له سبعة خلج خليج الاسكندرية وخليج دمياط وخليج سردوس وخليج منف وخليج الفيوم وخليج المنهى متصلة لا ينقطع منها شيء من شيء وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخرها ما يبلغه الماء فكانت جميع أرض مصر كلها تروى من ست عشرة ذراعا بما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها
قال ومقام كريم المنابر كان بها ألف منبر
قال أبو جعفر المقام في اللغة الموضع من قولك قام يقوم وكذلك المقامات واحدها مقامة كما قال الشاعر

وفيهم مقامات حسان وجوهها ... وأندية ينتابها القول والفعل ...
والمقام أيضا المصدر والمقام بالضم الموضع من أقام يقيم والمصدر أيضا من أقام يقيم إلا أن ابن لهيعة قال سمعت أن المقام الكريم الفيوم
وقوله جل وعز فأتبعوهم مشرقين آية 60
أكثر أهل التفسير على أن المعنى وقت الشروق
وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى ناحية الشرق
والأول أولى يقال أشرقنا أي دخلنا في الشروق كما يقال أصبحنا أي دخلنا في الصباح وإنما يقال في ذلك شرقنا وغربنا
وقوله جل وعز فلما تراءى الجمعان آية 61
أي رأى بعضهم بعضا

قال أصحاب موسى إنا لمدركون آية 61
وقرىء لمدركون والمعنى واحد
أي سيدركنا هذا الجمع الكثير ولا طاقة لنا به
وقوله جل وعز قال كلا إن معي ربي سيهدين آية 62
كلا أي ارتدعوا وانزجروا عن هذا القول
إن معي ربي سيهدين
وقوله جل وعز فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم آية 63
قال الضحاك كالطود العظيم أي كالجبل كما قال الأسود بن يعفر ... نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد ...
جمع طود أي جبل

وقوله جل وعز وأزلفنا ثم الآخرين آية 64
قال الحسن أزلفنا أهلكنا
وقال أبو عبيدة أزلفنا جمعنا ومنه ليلة المزدلفة
وقال قتادة أزلفنا قربناهم من البحر فأغرقناهم
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة لأنه إنما جمعهم للهلاك وقول قتادة أصحها ومنه وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت ومنه ... مر الليالي زلفا فزلفا ...
وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ وأزلقنا بالقاف
وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ إبراهيم آية 69
أي خبر إبراهيم

وقوله جل وعز قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين آية 71
أي مقيمين على عبادتها
قال هل يسمعونكم إذ تدعون
قال أبو عبيدة أي هل يسمعون لكم
قال أبو حاتم أي هل يسمعون أصواتكم
وقرأ قتادة هل يسمعونكم بضم الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم وكلامهم
وقوله جل وعز فإنهم عدو لي إلا رب العالمين آية 77
يجوز أن يكون استثناء ليس من الأول
ويجوز أن يكون المعنى كل ما تعبدونه عدو لي يوم القيامة إلا الله جل وعز

ومن أصح ما قيل فيه أن المعنى فإنهم عدو لي لو عبدتهم يوم القيامة
وقوله جل وعز الذي خلقني فهو يهدين آية 78
وقرأ بن أبي أسحق فهو يهديني بإثبات الياء فيها كلها وقرأ والذي أطمع أن يغفر لي خطاياي يوم الدين
وقال ليست خطيئة واحدة
قال أبو جعفر والتوحيد جيد على أن تكون خطيئة بمعنى خطايا كما قرئ وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة
قال مجاهد في قوله والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي
قال هو قوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله إني سقيم

وقوله حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذ سارة قال هي أختي
قال مجاهد في قوله جل وعز واجعل لي لسان صدق في الآخرين آية 84
قال الثناء الحسن
وروي عن ابن عباس قال اجتماع الأمم عليه
وقوله جل وعز إلا من أتى الله بقلب سليم آية 89
قال قتادة أي سليم من الشرك
وقال عروة لم يلعن شيئا قط

ثم قال تعالى وأزلفت الجنة للمتقين آية 90
أي قربت بمعنى قرب دخولهم إياها
وقوله جل وعز فكبكبوا فيها هم والغاوون آية 94
كبكبوا أي قلبوا على رءوسهم
وقيل طرح بعضهم على بعض هذا قول أبي عبيدة
والأصل كببوا فأبدل من الباء كاف استثقالا للتضعيف
وقيل معنى فكبكبوا فجمعوا مشتق من كوكب الشيء أي معظمه والجماعة من الخيل كوكب وكبكبه
قال قتادة والغاوون الشياطين
وقال السدي فكبكبوا أي مشركو العرب و الغاوون الآلهة و جنود إبليس من كان من ذريته

قال أبو جعفر ومعنى إذ نسويكم برب العالمين نعبدكم كما نعبده
وقوله جل وعز فما لنا من شافعين ولا صديق حميم آية 101
حميم أي خاص ومنه حامة الرجل وأصل هذا من الحميم وهو الماء الحار ومنه الحمام والحمى
فحامة الرجل الذين يحرقهم ما أحرقه كما يقال هم حزانتهم أي يحزنهم ما يحزنه
وقرأ يعقوب وغيره قالوا أنؤمن لك وأتباعك الأرذلون آية 111
وهي قراءة حسنة وهذه الواو أكثر ما يتبعها الأسماء والأفعال بعد و أتباع جمع تبع وتبع يكون للواحد والجميع قال الشاعر

له تبع قد يعلم الناس أنه ... على من تدانى صيف وربيع ...
وقيل إنما أرادوا أن أتباعك الحجامون والحاكة والصناعات ليست بضارة في الدين
وروى عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وسعيد عن قتادة واتبعك الأرذلون قال الحاكة
وقوله تعالى فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون آية 119
المشحون المملوء
وقوله جل وعز أتبنون بكل ريع آية تعبثون آية 128

قال قتادة والضحاك الريع الطريق
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد بكل ريع بكل فج
قال أبو جعفر والفج الطريق في الجبل
وقال جماعة من أهل اللغة الريع ما ارتفع من الأرض جمع ريعة وكم ريع أرضك أي كم ارتفاعها
ومعروف في اللغة أن يقال لما ارتفع من الأرض ريع وللطريق ريع والله أعلم بما أراد
وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد أتبنون بكل ريع آية تعبثون آية 128
قال بروج الحمامات
ثم قال جل وعز وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون آية 129

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد مصانع قال قصورا وحصونا
وقال سفيان هي مصانع الماء
قال أبو إسحاق واحدها مصنع ومصنعة
قال أبو جعفر والذي قاله مجاهد من أن المصانع القصور والحصون معروف في اللغة
قال أبو عبيدة يقال لكل بناء مصنع ومصنعة
وروى عبدالله بن كثير عن مجاهد وتتخذون مصانع قال بالآجر والطين
وفي بعض القراءات كأنكم تخلدون والمعنيان

متقاربان لأن معنى لعلكم تخلدون أنكم على رجاء من الخلود
وقوله جل وعز وإذا بطشتم بطشتم جبارين آية 130
قال مجاهد بالسيف والسوط
وقوله جل وعز إن هذا إلا خلق الأولين آية 137
قال قتادة خلق الأولين بالضم يعيشون كما عاشوا أي نحيا ونموت كما حيوا وماتوا
قال عبدالله بن مسعود خلق الأولين أي اختلاقهم

قال أبو جعفر خلق الشيء واختلقه بمعنى
وقوله جل وعز وزروع ونخل طلعها هضيم آية 148
قال الضحاك أي يركب بعضه بعضا
قال أبو جعفر وقيل هضيم أي هاضم مرىء لطيف أول ما طلع
وقال مجاهد حين يطلع يقبض عليه فيهضمه
قال أبو جعفر أصل الهضم انضمام الشيء ومنه هضيم الكشح ريا المخلخل
ومنه فلان أهضم الكشح أي ضامره فيقال للطلع هضيم قبل أن يتفتح
وروى إسحاق عن بريد ونخل طلعها هضيم

قال منه ما قد أرطب ومنه مذنب
ثم قال جل وعز وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين آية 149
قال أبو صالح أي حاذقين بنحتها
وقال منصور بن المعتمر فارهين أي حاذقين
وقال الحسن فرهين أي آمنين
وقال عبدالله بن شداد فارهين بألف أي متجبرين
وقال قتادة فرهين أي معجبين
وقال مجاهد فرهين أي أشرين بطرين

قال أبو جعفر وهذا أعرفها في اللغة وهو قول أبي عمرو وأبي عبيدة فكأن الهاء مبدلة من حاء لأنهما من حروف الحلق
وأبو عبيدة يذهب إلى أن فارهين و فرهين بمعنى واحد
وقوله جل وعز قالوا إنما أنت من المسحرين آية 153
أي من المسحورين قاله مجاهد
وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى إنما أنت بشر لك سحر والسحر الرئة
وقيل من المسحرين أي من المعللين بالطعام والشراب كما قال الشاعر ... أرانا موضعين لحتم غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب ...
وقوله جل وعز لها شرب ولكم شرب يوم معلوم آية 155

والشرب الحظ من الماء
وقوله جل وعز وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم آية 166
قال إبراهيم بن المهاجر قال لي مجاهد كيف يقرأ عبدالله بن مسعود وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم قلت وتذرون ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم قال الفرج كما قال تعالى فأتوهن من حيث أمركم الله
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم
قال القبل الفرج إلى أدبار النساء والرجال
ثم قال جل وعز بل أنتم قوم عادون آية 166

يقال عدا إذا تجاوز في الظلم
وقوله جل وعز قال إني لعملكم من القالين آية 168
أي المبغضين الكارهين وقد قلاه يقليه قلى وقلاء كما قال ... عليك السلام لا مللك قريبة ... ومالك عندي إن نأيت قلاء ...
وقوله جل وعز إلا عجوزا في الغابرين آية 171
قال أبو عبيدة والفراء أي الباقين
قال أبو جعفر يقال للذاهب غابر وللباقي غابر كما قال ... لا تكسع الشول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج

وكما قال ... فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر ...
أي وما بقي
والأغبار بقيات الألبان والشول الإبل التي قد شالت بأذنابها
وقوله جل وعز كذب أصحاب الأيكة المرسلين آية 176
الأيكة عند أهل اللغة الشجر الملتف والجمع أيك
ويروى أنهم كانوا أصحاب شجر ملتف
وقد قيل إن الأيكة اسم موضع ولا يصح ذلك ولا يعرف

وقوله جل وعز إذ قال لهم شعيب ألا تتقون آية 177
قرئ على أحمد بن شعيب عن عبد الحميد بن محمد قال حدثنا مخلد قال حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة نوح وصالح وهود وشعيب وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلى الله عليهم
وزعم الشرقي بن قطامي أن شعيبا هو ابن عيفا بن نويب بن مدين بن إبراهيم
وزعم ابن سمعان أن شعيبا بن جزي بن يشجر بن لاوي بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم صلى الله عليهم
وقوله جل وعز وزنوا بالقسطاس المستقيم آية 182
قال عبدالله بن عباس ومجاهد القسطاس العدل

ثم قال جل وعز ولا تبخسوا الناس أشياءهم آية 183
أي ولا تظلموا ومنه قول العرب تحسبها حمقاء وهي باخس
وقوله جل وعز واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين آية 184
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد الجبلة الخليقة
قال أبو جعفر يقال جبل فلان على كذا أي خلق
وقوله جبلة و جبلة و جبلة
وقوله جل وعز فأسقط علينا كسفا من السماء آية 187
روى علي بن الحكم عن الضحاك فأسقط علينا كسفا قال جانبا

قال أبو جعفر ويقرأ كسفا وهو جمع كسفة وهي القطعة
ثم قال جل وعز فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة آية 189
قال عبدالله بن عباس أصابهم حر شديد فدخلوا البيوت فأخذ بأنفاسهم فخرجوا إلى البرية لا يسترهم شيء فأرسل الله إليهم سحابة فهربوا إليها ليستظلوا بها ونادى بعضهم بعضا فلما اجتمعوا تحتها أهلكهم الله جل وعز
وقال مجاهد فلما اجتمعوا تحتها صيح بهم فهلكوا
وقوله جل وعز نزل به الروح الأمين آية 193
يعني جبريل صلى الله عليه
على قلبك أي يتلوه فيعيه قلبك

وقوله جل وعز وإنه لفي زبر الأولين آية 196
أي إن إنزاله وذكره
ثم قال جل وعز أ ولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل آية 197
وفي قراءة عبد الله أو ليس لكم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل
قال مجاهد هو عبدالله بن سلام
وقال غيره هو عبدالله وغيره ممن أسلم
ثم قال جل وعز ولو نزلناه على بعض الأعجمين آية 198

الأعجم الذي لا يفصح وإن كان عربيا
والعجمي الذي أصله من العجم وإن كان فصيحا
وقد ذكرنا قوله كذلك سلكناه في قلوب المجرمين في سورة الحج
وقوله جل وعز إنهم عن السمع لمعزولون آية 212
أي عن استماع الوحي لممنوعون بالرجم
وروى عروة عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده كما يقولون فقال تلك الكلمة يخطفها أحدهم فيكذب معها مائة كذبة وذكر الحديث
ثم قال جل وعز وأنذر عشيرتك الأقربين آية 214

قال عبدالله بن عباس لما نزلت صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم الصفا فصاح يا صباحاه فاجتمعوا إليه من بين رجل يجيء وبين رجل يبعث برسول فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن رجلا جاء من هذا الفج ليغير عليكم أصدقتموني قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
فقال أبو لهب ألهذا دعوتنا تبا لك فأنزل الله جل وعز تبت يدا أبي لهب وتب
وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية قال يا صفية عمة رسول الله يا فاطمة ابنة محمد يا بني عبدالمطلب إني لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم

وقوله جل وعز الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين آية 218 219
قال مجاهد وقتادة في الساجدين في المصلين
قال مجاهد وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه
قال عكرمة أي قائما وراكعا وساجدا
وروي عن ابن عباس أنه قال تقلبه في الظهور حتى أخرجه نبيا
وقوله جل وعز تنزل على كل أفاك أثيم آية 222
قال مجاهد على كل أفاك على كل كذاب
وقوله جل وعز والشعراء يتبعهم الغاوون آية 224
قال ابن عباس الرواة

وقال الضحاك هما اثنان تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدهما من الأنصار وكان مع كل واحد منهما جماعة وهم الغواة أي السفهاء
وقال عكرمة هم الذين يتبعون الشاعر
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد يتبعهم الغاوون قال الشياطين
وروى خصيف عن مجاهد قال هم الذين يتبعونهم ويروون شعرهم
ثم قال جل وعز ألم تر أنهم في كل واد يهيمون آية 225
قال مجاهد أي في كل فن يفتنون قال أبو جعفر والتقدير في اللغة في كل واد من القول يهيمون قال أبو عبيدة الهائم المخالف للقصد في كل شيء

وقوله جل وعز إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات آية 227
قال عبدالله بن عباس يعني عبدالله بن رواحة وحسانا
وفي غير هذا الحديث لما نزلت هذه الآية قال عبدالله قد علم الله جل وعز أنا نقول الشعر وأنزل هذا فأنزل الله عز و جل إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا أي ناضلوا عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن المؤمنين من هجاهم

ثم قال جل وعز وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون آية 227
روي في الحديث أنه يراد به من بين يدي الله جل وعز إلى النار
انتهت سورة الشعراء

تفسير سورة النمل مكية
وآياتها 93 آية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النمل وهي مكية
من ذلك قوله جل وعز طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين آية 1
تلك أي هذه آيات القرآن الذي كنتم توعدون به
وكتاب مبين أي وآيات كتاب مبين
وقوله جل وعز إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم آية 4
قال أبو إسحق أي جعلنا جزاءهم على الكفر هذا
وقيل أي زينا لهم الطاعة والإيمان لأنهما من أعمال الخلق

ثم قال جل وعز فهم يعمهون آية 4
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فهم يترددون في الضلالة
ثم قال جل وعز وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم آية 6
أي يلقى عليك فتتلقاه
وقوله جل وعز إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا آية 7
قال أبو عبيدة أي أبصرت
قال أبو جعفر ومنه قيل إنس لأنهم مرئيون
ثم قال جل وعز سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس آية 7

قال أبو عبيدة الشهاب النار
قال أبو إسحق يقال لكل ذي نور شهاب
قال أحمد بن يحيى أصل الشهاب عود في أحد طرفيه جمرة والآخر لا نار فيه والجذوة كذلك إلا أنها أغلظ من الشهاب وسميت جذوة لأنها أصل الشجرة كما هي
قال أبو جعفر يقال قبست النار أقبسها قبسا والاسم القبس
ثم قال جل وعز لعلكم تصطلون آية 7
روى عكرمة عن ابن عباس قال كانوا شاتين وكانوا قد أخطأوا الطريق
ثم قال جل وعز فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها آية 8

أي فلما جاءها موسى نودي أن بورك من في النار ومن حولها
روى عطاء بن السائب عن سعبد بن جبير عن ابن عباس قال النار نور الله جل وعز نادى موسى صلى الله عليه و سلم وهو في النور ومن حولها الملائكة
وروى موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب النار نور الله جل وعز ومن حولها موسى والملائكة صلى الله عليه و سلم
وقيل من في النار الملائكة الموكلون بها
ومن حولها الملائكة أيضا
والمعنى يقولون سبحان الله رب العالمين

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد ولم يعقب ولم يرجع
وقوله جل وعز إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم آية 10
في معناه أقوال
أ منها أن في الكلام حذفا والمعنى إني لا يخاف لدي المرسلون إنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف
ب وقيل المعنى لا يخاف لدي المرسلون لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم ثم تاب فليس يخاف
ج وقيل إلا بمعنى الواو وذا ليس بجيد في العربية
وقوله جل وعز وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء آية 12
المعنى وأخرجها تخرج بيضاء
وروى مقسم عن ابن عباس من غير سوء من غير برص

ثم قال جل وعز في تسع آيات آية 12
المعنى من تسع آيات و في بمعنى من لقربها منها كما تقول خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان أي منها وقال الأصمعي في قول امرئ القيس ... وهل ينعمن من كان آخر عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال ...
في بمعنى من ويجوز أن تكون بمعنى مع
والمعنى وألق عصاك وأدخل يدك في جيبك آيتان من تسع آيات
والتسع الآيات فيما روي كون العصا حية وكون يده بيضاء من غير سوء والجدب الذي أصابهم في بواديهم ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم
ثم قال جل وعز إلى فرعون وقومه آية 12

تخرج بيضاء إلى فرعون وقومه
وقيل المعنى إلى فرعون وقومه مبعوث ومرسل وهذا قول الفراء
وقوله جل وعز فلما جاءتهم آياتنا مبصرة آية 13
أي واضحة
و مبصرة أي مبينة
وقوله جل وعز وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا آية 14
أي تكبرا أن ؤمنوا بموسى صلى الله عليه و سلم وقد جاءهم بالبراهين والآيات
وقوله جل وعز وورث سليمان داود آية 16
سبيل الولد أن يرث أباه فالفائدة في هذا أنه من وراثة العلم والقيام بأمر الناس ومن هذا العلماء ورثة الأنبياء

ويروى أنه كان لداود عليه السلام تسعة عشر ولدا فورثه سليمان في النبوة والملك دونهم وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير
ثم قال جل وعز وأوتينا من كل شيء آية 16
أي من كل شيء يؤتاه الأنبياء والناس
وهذا على التكثير كما يقال ما بقيت أحدا حتى كلمته في أمرك
وقوله جل وعز فهم يوزعون آية 17
روى معمر عن قتادة قال يرد أولهم على آخرهم
قال أبو جعفر أصل وزعته كففته ومنه لا بد للناس من وزعة ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن

روى عطاء الخراساني عن ابن عباس فهم يوزعون قال على كل صنف منهم وزعة يرد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير كما يصنع الملوك
فهذا قول بين ومنه وزع فلان فلانا عن الظلم إذا كفه عنه كما قال النابغة ... على حين عاتبت المشيب على الصبا ... وقلت ألما يصح والشيب وازع ...
ثم قال جل وعز حتى إذا أتوا على واد النمل آية 18
يروى أنه واد كان بالشام نمله على قدر الذباب
وقرأ سليمان التيمي يا أيها النمل ادخلوا مساكنكن لا يحطمنكن سليمان بجنوده

وقوله جل وعز فتبسم ضاحكا من قولها آية 19
ويقرأ فتبسم ضحكا من قولها ويقال كذلك ضحك الأنبياء
وقوله جل وعز وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك آية 19
قال أهل التفسير أوزعني أي ألهمني وهو مأخوذ من الأول أي كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك أي كفني عما يباعد منك
وقوله جل وعز وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد آية 20
قال أبو مجلز قال ابن عباس لعبدالله بن سلام أريد أن أسألك عن ثلاث مسائل قال أتسألني وأنت تقرأ القرآن
قال نعم ثلاث مرات
قال لم تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير

قال احتاج إلى الماء ولم يعرف عمقه أو قال مسافته وكان الهدهد يعرف ذلك دون الطير فتفقده
وفي غير هذا عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له كيف هذا والصبي يصيده فقال له ابن عباس إذا وقع القضاء عمي البصر
وقال عطاء حدثنا مجاهد عن ابن عباس قال كان سليمان يجلس وتجعل السرر بين يديه ويأمر الإنس فيجلسون عليها ثم يأمر الجن فيجلسون من ورائهم ثم يأمر الشياطين فيجلسون من ورائهم ثم يظلهم الطير وتقلهم الريح مسيرة شهر

ورواحها شهر فتفقد الهدهد من الطير فقال لأعذبنه عذابا شديدا آية 21
وكان تعذيبه إياه نتفه وإلقاءه إياه في الأرض لا يمتنع من نملة ولا هامة
قال عبدالله بن شداد كان تعذيبه إياه أن ينتفه ويلقيه في الشمس
ثم قال جل وعز أو ليأتيني بسلطان مبين آية 21
أي بحجة بينة
وقوله جل وعز فمكث غير بعيد آية 22
أي غير وقت بعيد
والتقدير فمكث سليمان غير طويل من حين سأل عن الهدهد حتى جاء الهدهد فقال أي فقال الهدهد حين سأله سليمان عن تخلفه أحطت بما لم تحط به
في الكلام حذف والمعنى ثم جاء فسأله سليمان عن غيبته فقال أحطت بما لم تحط به

ومعنى أحطت بالشيء علمته من جميع جهاته
وقوله جل وعز وجئتك من سبأ بنبأ يقين آية 22
قيل سبأ اسم رجل
وقيل هي مدينة قرب اليمن
وقوله جل وعز إني وجدت امرأة تملكهم آية 23
قال قتادة هي امرأة يقال لها بلقيس ابنة شراحيل وكان أحد أبويها من الجن ومؤخر قدمها كحافر الحمار
ثم قال جل وعز وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم آية 23
أي من كل شيء يؤتاه مثلها
ولها عرش عظيم أي سرير كبير عظيم الخطر

وقوله جل وعز ألا يسجدوا لله آية 25
هي أن دخلت عليها لا
والمعنى لئلا يسجدوا لله
ويجوز أن يكون أن بدلا من أعمالهم
وقرأ ابن عباس وعبدالرحمن السلمي والحسن وأبو جعفر وحميد الأعرج ألا يا اسجدوا لله
والمعنى على هذه القراءة ألا يا هؤلاء اسجدوا لله كما قال الشاعر ... يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار ...
فالمعنى يا هؤلاء لعنة الله

وعلى هذه القراءة هي سجدة وعلى القراءة الأولى ليست بسجدة لأن المعنى وزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا لله
والكلام على القراءة الأولى متسق وعلى القراءة الثانية قد اعترض في الكلام شيء ليس منه
ثم قال جل وعز الذي يخرج الخبء في السموات والأرض آية 25
روى ابن نجيح عن مجاهد قال الخبء ما غاب
وروى معمر عن قتادة قال الخبء السر
وقيل الخبء في السموات المطر وفي الأرض النبات والأول أولى أي ما غاب في السموات والأرض ويدل عليه قوله ويعلم ما يخفون وما يعلنون

وفي قراءة عبدالله يخرج الخبء من السموات والأرض
وقوله جل وعز إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون آية 28
قيل المعنى فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم
وقيل إنما أدبه بأدب الملوك أي فألقه إليهم ولا تقف منتظرا ولكن تول ثم ارجع
وقوله جل وعز قالت يا أيها الملأ آية 29
في الكلام حذف والمعنى فذهب فألقاه إليهم فسمعها تقول يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم
قيل قالت كريم لكرم صاحبه وشرفه
وقيل لأنه كان مختوما

وقيل قالت كريم من أجل ما فيه وكان فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله سليمان إلى بلقيس ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين وكانت كتب الأنبياء مختصرة واحتذى الناس عليه من عبد الله
قال عاصم عن الشعبي قال كتب النبي صلى الله عليه و سلم أربعة كتب كان يكتب باسمك اللهم فلما نزلت بسم الله مجريها ومرساها كتب بسم الله فلما نزلت قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم كتب بسم الله الرحمن الرحيم
قال عاصم قلت للشعبي أنا رأيت كتاب النبي صلى الله عليه و سلم فيه بسم الله الرحمن الرحيم فقال ذاك الكتاب الثالث

وقوله جل وعز ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين آية 31
أي أن لا تتكبروا
ويجوز أن يكون المعنى بأن لا تعلوا علي أي كتب بترك العلو
ويجوز على مذهب الخليل وسيبويه أن تكون أن بمعنى أي مفسرة كما قال وانطلق الملأ منهم أن امشوا
ويجوز أن يكون المعنى إني ألقي إلي أن لا تعلوا علي
وقوله جل وعز قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها آية 34
أي إذا دخلوها عنوة
ويقال لكل مدينة يجتمع الناس فيها قرية من قريت الشيء أي جمعته
وقوله جل وعز وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون آية 34

يجوز أن يكون وكذلك يفعلون من قول الله جل وعز ويجوز أن يكون من قولها
وقوله جل وعز وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون آية 35
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال وجهت بغلمان عليهم لبس الجواري وبجوار عليهن لبس الغلمان
وروى يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير قال أرسلت بمائتي وصيف ووصيفة وقالت إن كان نبيا فسيلعم الذكور من الإناث فأمرهم فتوضؤوا فمن توضأ منهم فبدأ بمرفقه قبل كفه قال هو من الإناث ومن بدأ بكفه قبل مرفقه قال هو من الذكور
قال أبو جعفر وقيل وجهت إليه بلبنة من ذهب في خرقة حرير فأمر سليمان صلى الله عليه و سلم بلبن من ذهب فألقي تحت الدواب حتى وطأته

وهذا أشبه لقوله أتمدونني بمال ويجوز أن يكون وجهت بهما جميعنا ومعنى قوله تعالى لا قبل لهم بها أي لا يطيقونها ولايثبتون لها
وقوله عز و جل قال يا أيها الملأ أيكم يأتني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين آية 39 قيل إنما قال سليمان هذا لانهم إذا أسلموا لم يحل لهم أن يأخذ لهم شيئا
وقيل إنما أراد أن يظهر بذلك آية معجزة
وقوله جل وعز قال عفريات من الجن أنا آتيك به قبل أن تكون من مقامك آية 39 وقرأ أبو رجاء قال عفرية بتحريك الياء قال قتادة هو الداهية

قال أبو جعفر يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عفر وعفرية وعفريت وعفارية وقيل عفريت أي رئيس
قال وهب إن العفريت اسمه كوذن
وقوله أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك أي من مجلسك الذي تقضي فيه بين الناس
قال أبو جعفر يقال مقام ومقامة للموضع الذي يقام فيه
وقوله جل وعز قال الذي عنده علم من الكتاب آية
في معنى هذا أقوال
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان يعرف اسم الله جل وعز الذي إذا دعي به أجاب وهو يا ذا الجلال والإكرام

وقال غيره اسمه آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل فهذا قول
وقيل إن الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان نفسه لما قال له الجني أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وادعى شيئا يبعد أن يكون مثله قال له سليمان أنا آتيك به في وقت أقرب من هذا بقدرة الله جل وعز على أن نهلكه وتعيده موضعنا هذا من قبل أن تطرف
وقال إبراهيم النخعي هو جبريل صلى الله عليه و سلم

وفي قوله جل وعز قبل أن يرتد إليك طرفك آية 40 فيه قولان أيضا
روى إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير قال فرفع طرفه ثم رده فإذا بالعرش
وقال مجاهد من قبل مد الطرف
ثم قال مجاهد كما بيننا وبين الحيرة وهو يومئذ بالكوفة في كندة
واستدل من قال إن قائل هذا سليمان بقوله قال هذا من فضل ربي إلى آخر الآية

قال عبد الله بن شداد فظهر العرش من نفق تحت الأرض
وقوله جل وعز قال نكروا لها عرشها تنظر أتهتدي آية 41
أي غيروه
قيل جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه
وقال قتادة نكروا لها عرشها غيروه بزيادة أو نقصان
ننظر أتهتدي قال مجاهد أي أتعرفه
وقوله جل وعز قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو آية
قال قتادة شبهته به لأنها خلفته خلفها وخرجت

ثم قال جل وعز وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين آية 42
قال مجاهد يقوله سليمان عليه السلام
وقوله جل وعز وصدها ما كانت تعبد من دون الله آية 43
قال مجاهد أي كفرها
قال أبو جعفر والمعنى على هذا وصدها اعتيادها ما كانت عليه من الكفر وبين ذلك بقوله إنها كانت من قوم كافرين
وقال يعلى بن مسلم قرأت على سعيد بن جبير إنها كانت من قوم كافرين فقال أنها بالفتح وقال إنما وصفها وليس يستأنف
وفي معناه قول آخر وهو أن يكون المعنى وصدها عما كانت تعبد من دون الله ثم حذف عن كما تحذف حروف الخفض مع ما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف

وقوله جل وعز قيل لها ادخلي الصرح آية 44
قال مجاهد هو بركة ماء ألبسها سليمان زجاجا
وقال قتادة كان من قوارير خلفه ماء
فلما رأته حسبته لجة أي ماء
وقيل الصرح القصر عن أبي عبيدة كما قال تحسب أعلامهن الصروح
وقيل الصرح الصحن كما نقل هذه صرحة الدار وقاعتها بمعنى
وحكى أبو عبيد في الغريب المصنف أن الصرح كل بناء عال مرتفع وأن الممرد الطويل

قال أبو جعفر أصل هذا أنه يقال لكل ما عمل عملا واحدا صرح من قولهم لبن صريح إذا لم يشبه ماء ومن قولهم صرح بالأمر ومنه عربي صريح
وقال الفراء الصرح الممرد هو الأملس أخذ من قول العرب شجرة مرداء إذا سقط ورقها عنها
قال الفراء وتمرد الرجل إذا أبطأ خروج لحيته بعد إدراكه
وقال غيره ومنه رملة مرداء إذا كانت لا تنبت ورجل أمرد
وقيل الممرد المطول ومنه قيل لبعض الحصون مارد وقوله جل وعز فإذا هم فريقان يختصمون آية 45
قال مجاهد أي مؤمن وكافر قال والخصومة قولهم قالوا أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه فهذه الخصومة

وقيل تقول كل فرقة نحن على الحق وقوله جل وعز قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة آية 46
قال مجاهد أي بالعذاب قبل الرحمة
قال أبو جعفر وفي الكلام حذف والمعنى والله أعلم فاستعجلت الفرقة الكافرة بالعذاب فقال لهم صالح لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله أي هلا تستغفرون الله وقوله جل وعز قالوا اطيرنا بك وبمن معك آية 47
قال مجاهد اطيرنا أي تشاءمنا وقوله جل وعز قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون آية 47
قال الضحاك أي الأمر الذي أصابكم عند الله
أي الأمر لله أصابكم به بما قدمت أيديكم

وقيل ما تطيرتم به عقوبته عند الله تلحقكم
وقيل طائركم ما يطير لكم بل أنتم قوم تفتنون أي تختبرون وقوله جل وعز وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون آية 48
قال جعفر بن سليمان تلا مالك بن دينار هذه الآية فقال كم في كل حي وقبيلة ممن يفسد
وقال عطاء بن أبي رباح بلغني أنهم كانوا يقرضون الدراهم وقوله جل وعز قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله آية 49

قال قتادة تحالفوا على أن يفتكوا بصالح ليلا فمروا يتعانقون أي يسرعون فأرسل الله عليهم صخرة فأهلكتهم
قال مجاهد تقاسموا على أن يأتوا صالحا ليلا فأهلكوا وهلك قومهم أجمعون وقوله جل وعز ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون
أي واذكر لوطا أو وأرسلنا لوطا
ثم قال أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أي وأنتم تبصرون أي تعلمون أنها فاحشة فذلك أعظم لذنبكم
وقيل يرى بعضكم ذلك من بعض ولا يكتمه منه

قال مجاهد في قوله تعالى إنهم أناس يتطهرون أي عن أدبار الرجال والنساء على الاستهزاء بهم
وقال قتادة عابوهم والله بغير عيب فإنهم يتطهرون من أعمال السوء وقوله جل وعز قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آية 59
وروى الحكم بن ظهير عن السدي ووكيع وأبو عاصم عن سفيان وسلام على عباده الذين اصطفى قالا أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه و سلم وقال جل وعز آلله خير أم ما يشركون آية 59
وليس فيما يشركون خير فالمعنى أثواب الله خير أم ثواب ما يشركون

وجواب آخر أجود من هذا يكون المعنى آلخير في هذا أم في هذا الذي يشركون به في العبادة كما قال ... أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء ...
وحكى سيبويه السعادة أحب إليك أم الشقاء
وهو يعلم أن السعادة أحب إليه
والمعنى أم ما تشركون بالله خير أم الذي يهديكم في ظلمات البر والبحر إذا ضللتم الطريق وقوله جل وعز بل هم قوم يعدلون آية 60
أي يعدلون عن القصد والحق
ويجوز أن يكون المعنى يعدلون بالله جل وعز

وقوله جل وعز فأنبتنا به حدائق ذات بهجة آية 60
روى معمر عن قتادة قال النخل الحسان
قال أبو جعفر وهو من قولهم حدق به أي أحيط به كما قال ... وقد حدقت ... بي المنية واستبطأت أنصاري ...
وقوله جل وعز بل ادارك علمهم في الآخرة آية 60
ويقال بل ادرك أي كمل لأنهم عاينوا الحقائق
وروى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قرأ بلى

أدارك بفتح الهمزة على الاستفهام وبتشديد الدال علمهم في الآخرة وقال أي لم يدرك
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي غاب
والمعروف من قراءته بلى ادارك أي تتابع يقولون تكون ولا تكون وإلى كذا تكون
قال أبو جعفر في آدارك هذه ألف التوقيف أي أدارك علمهم في الدنيا حقيقة الآخرة أي لم يدرك وربما جاء مثل هذا بغير ألف استفهام
وقرأ ابن محيصن بل أدارك علمهم وأنكر هذا أبو عمرو قال لأن بل لا يقع بعدها إلا ايجاب
قال أبو جعفر وهو جائز على أن يكون المعنى بل لم يدرك علمهم وبل يقال لهم هذا

وقوله جل وعز قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعلجون
قال مجاهد أي أعجلكم
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ردف لكم أي اقترب لكم
قال أبو جعفر وهو من ردفه إذا اتبعه وجاء في أثره وتكون اللام أدخلت لأن المعنى اقترب لكم ودنا لكم أو تكون متعلقة بمصدر وقوله جل وعز وإذا وقع القول عليهم آية 82
أي وجب
قال الفراء أي وقع السخط عليهم وقوله جل وعز أخرجنا لهم دابة من اأرض تكلمهم آية 82
وقرأ ابن عباس تكلمهم

وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير تكلمهم وقرأ أبي تنبئهم
قال إبراهيم تخرج الدابة من مكة
وروى أبو الطفيل عن حذيفة بن اليمان قال تخرج الدابة ثلاث خرجات خرجة بالبوادي ثم تنكمي وخرجة بالقرى يتقاتل فيها الأمراء حتى تكثر الدماء وخرجة من أفضل المساجد وأشرفها وأعظمها حتى ظننا أنه يسمى المسجد الحرام ولم يسمه فيتهارب الناس وتبقى جميعة من المسلمين فتخرج فتجلو وجوههم ثم لا ينجو منها هارب ولا يلحقها طالب وإنها لتأتي الرجل وهو يصلي فتقول له أتمتنع بالصلاة فتخطه وتخطم وجه الكافر وتجلو وجه المؤمن

وقوله جل وعز ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون آية 85
روى عطية عن ابن عمر قال ذلك إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر وقوله جل وعز ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله آية 87
حدثنا أحمد بم محمد البراثي قال حدثنا علي بن الجعد عن مقاتل بن حيان
في قوله تعالى إلا من شاء الله قال جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت
وحدثنا الحسين بن عمر الكوفي قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا وكيع عن شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن حجر الهجري عن سعيد بن جبير في قوله إلا من شاء الله قال هم الشهداء هم ثنية الله جل وعز متقلدوا السيوف حول العرش

ثم قال جل وعز وكل أتوه داخرين آية 87
قال قتادة أي صاغرين ثم قال جل وعز وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب
لأنها قد بست وجمعت وقوله جل وعز من جاء بالحسنة فله خير منها آية 89
قال عبد الله بن مسعود لا إله إلا الله
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من جاء بالحسنة قال لا إله إلا الله فله خير منها وصل إليه

الخير ومن جاء بالسيئة وهي الشرك فكبت وجوههم في النار
وقال الحسن ومجاهد وقيس بن سعد من جاء بالحسنة ب لا إله إلا الله ومن جاء بالسيئة الشرك
قال أبو جعفر ولا نعلم أحدا من أهل التفسير قال غير هذا وقوله جل وعز وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها آية 93
أي في أنفسكم وغيرها
تمت بعونه تعالى سورة النمل

تفسير سورة القصص مكيه
وآياتها 88 آية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القصص وهي مكية
من ذلك قوله جلوعز طسم آية 1
قال قتادة طسم اسم من أسماء القرآن ثم قال جل وعز تلك آيات الكتاب المبين آية 2
أي المبين بركته وخيره والمبين الحق من الباطل والحلال من الحرام وقصص الأنبياء صلوات الله عليهم ونبوة محمد صلى الله عليه و سلم
ويقال أبان الشيء وبان وأبان اتضح ثم قال جل وعز نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق آية 3
النبأ الخبر

وقوله جل وعز إن فرعون علا في الأرض آية 4
قال السدي أي تجبر ثم قال جل وعز وجعل أهلها شيعا آية 4
قال مجاهد أي فرقهم
قال السدي أي فرقهم في الأعمال القذرة
وقال قتادة شيعا أي ذبح بعضهم واستحيا بعضهم وقتل بعضهم
والشيع عند أهل اللغة جمع شيعة والشيعة الفرقة التي بعضها مساعد لبعض ومؤازر وقوله جل وعز ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض آية 5
يعني بني إسرائيل صلى الله عليه ونجعلهم أئمة أي

ولاة ونجعلهم الوارثين أي الوارثين فرعون وملأه وقوله جل وعز ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون آية 5
قال قتادة كان حاز لفرعون والحازي المنجم قال له إنه يولد في هذه السنة مولود يذهب بملكك فأمر فرعون بقتل الولدان في تلك السنة قال فذلك قول الله جل وعز ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وقوله جل وعز وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم آية 7
روى معمر عن قتادة قال قذف في نفسها
وقيل هي رؤيا رأتها

وقال غيره بل كان ضمانا من الله عز و جل
قال أبو جعفر والوحي في اللغة إعلام في خفاء فلذلك جاز أن يقال للإلهام وحي كما قال تعالى وأوحى ربك إلى النحل وقال وإذ أوحيت إلى الحواريين
والقول الثالث يدل على صحته قوله تعالى إنا رادوه إليك وقوله جل وعز ولتعلم أن وعد الله حق واليم البحر وقوله جل وعز فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا
لما كان التقاطهم إياه يئول إلى هذا قيل التقطوه له كما يقال لمن كسب ماله فأوبقه إنما كسبه ليهلكه وهذا مذهب الخليل

وسيبويه ومن يرضى قوله من النحويين وهو كثير في كلام العرب وقوله جل وعز وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك آية 9
هذا تمام الكلام والدليل على ذلك أنه في قراءة عبد الله بن مسعود وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرة عين لي ولك
ومعنى قرة عين قرت عينه من القر وهو البرد أي لم تسخن بالبكاء
وقيل قرت من قر في المكان أي لم تبك وقوله جل وعز وأصبح فؤاد أم موسى فارغا آية 10
قال أبو جعفر فيه أربعة أقوال

أ منها ما حدثنا أحمد بن محمد البراثي قال حدثنا عمرو بن الهيثم عن يونس بن أبي اسحق عن أبيه عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال فرغ من كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى صلى الله عليه و سلم
ب قال أبو جعفر وكذا قال ابن عباس وأبو عبيدة وأبو عمران الجوني والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك
ج وقال الكسائي فارغا أي ناسيا ذاهلا كما يقال لمن لم تقض حاجته فرغ وللميت قد فرغ
وأنكر الكسائي أن يكون المعنى فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى وليس المعنى عليه
وقال الأخفش سعيد وأصبح فؤاد أم موسى

فارغا من الوحي إن كادت لتبدي به أي بالوحي
د وقال أبو عبيدة وأصبح فؤاد أم موسى فارغا أي من الحزن لما علمت أنه لم يغرق
قال أبو جعفر أصح هذه الأقوال الأول والذين قالوه أعلم بكتاب الله جل وعز وإذا كان فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي وقولهم قد فرغ الميت من هذا أي فرغ مما يجب عليه أن بعلمه
وقول أبي عبيدة فارغا من الغم غلط قبيح لأن بعده إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كادت تقول واإبناه
قال أبو جعفر ومعنى ربطنا شددنا وقوينا
قال قتادة لولا أن ربطنا على قلبها أي ربطنا على قلبها بالإيمان وقوله جل وعز وقالت لأخته قصيه آية 11
قال مجاهد أي اتبعي أثره
وقال ابن عباس أي قصي أثره واطلبيه ثم قال جل وعز فبصرت به عن جنب
قال مجاهد أي عن بعد ومنه الأجنبي قال الشاعر ... فلا تحرمني نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب ...
والمعنى تبصرته من بعيد لئلا يفطنوا بها

وقال أبو عمرو وقال بعض المفسرين فبصرت به عن جنب أي عن شوق قال وهي لغة الجذام يقولون جنبت إلى لقائك أي اشتقت
ثم قال وهم لا يشعرون أي لا يشعرون أنها أخته ثم قال جل وعز وحرمنا عليه المراضع من قبل آية 12
أي من قبل رده إلى أمه
قال قتادة لم يكن يقبل ثديا فقالت أخته هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون
قال السدي فاسترابوا بها لما قالت لهم وهم له ناصحون فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فدلتهم

على أمه فدفعوه إليها لترضعه لهم في حسبانهم
فذلك قوله جل وعز فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق لقوله عز و جل إنا رادوه إليك وقوله جل وعز ولما بلغ أشده واستوى آية 14
قال مجاهد عن ابن عباس وقتادة لما بلغ أشده أي ثلاثا وثلاثين سنة واستوى بلغ أربعين سنة
قال أبو جعفر سيبويه يذهب إلى أن واحد الأشد شدة
وقال الكسائي وبعض البصريين الواحد شد
وقال أبو عبيدة لا واحد لها

وقوله جل وعز آتيناه حكما وعلما آية 14
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز آتيناه حكما قال فقها وعقلا
وعلما يعني النبوة وقوله جل وعز ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها آية 15
قال سعيد بن جبير وقتادة وقت الظهيرة والناس نيام وقوله جل وعز فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه
قال أبو مالك أحدهما من بني إسرائيل والآخر قبطي
قال أبو جعفر فإن قيل كيف قيل هذا لغائب

فالجواب أن المعنى يقول الناظر إذا نظر إليهما هذا من شيعته وهذا من عدوه وقوله جل وعز فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه
فاستغاثه الذي من شيعته يعني الإسرائيلي على الذي من عدوه يعني القبطي
فوكزه موسى يعني القبطي
قال مجاهد ضربه بجمع كفه
وكذلك هو في اللغة يقال وكزه إذا ضربه بجمع كفه في صدره
وفي قراءة عبد الله فنكزه موسى والمعنى واحد وكذلك لكمه ولكزه ولهزه

وروى معمر عن قتادة قال وكزه بالعصا فقضى عليه أي قتله قال هذا من عمل الشيطان فدل هذا أن قتله كان خطأ وأنه لم يؤمر بقتل ولا قتال وقوله جل وعز قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين
أي معينا للمجرمين
قال ابن عباس لم يستثن فابتلي
أي فابتلي بأن الإسرائيلي كان سبب الإخبار عنه بما صنع
وقال الكسائي فلن أكون ظهيرا للمجرمين
فيه معنى الدعاء
وفي قراءة عبد الله فلا تجعلني ظهيرا للمجرمين

وقوله جل وعز فأصبح في المدينة خائفا يترقب آية 18
قال قتادة أي يترقب الطلب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي يستغيث به من رجل آخر قال موسى إنك لغوي مبين من أجل أنه كان سبب القتل وقوله جل وعز فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما
في معناه قولان أ
فمذهب سعيد بن جبير وأبي مالك أن المعنى فلما أراد موسى أن يبطش بالقبطي توهم الإسرائيلي أن موسى صلى الله عليه و سلم يريده على أن يبطش به لأنه أغلظ له في القول فقال الإسرائيلي يا موسى أتريد أن تقتلني فسمع القبطي الكلام فذهب فأفشى على موسى

ب وقيل المعنى فلما أراد الإسرائيلي أن يبطش موسى بالذي هو عدو لهما
ويروى عن ابن نجيح فلما أن أراد الإسرائيلي أن يبطش بالقبطي نهاه موسى عليه السلام ففرق الإسرائيلي منه فقال أتريد أن تقتلني الآية فسعى به القبطي وقوله جل وعز وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى آية 20
روى معمر عن قتادة قال هو مؤمن آل فرعون
قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك
قال أبو عبيدة يأتمرون أي يتشاورون وأنشد

أحار بن عمرو كأني خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر ...
قال أبو جعفر وهذا القول غلط ولو كان كما قال لكان يتآمرون فيك أي يتشاورون فيك أي يستأمر بعضهم بعضا
ومعنى يأتمرون يهمون من قوله جل وعز وائتمروا بينكم بمعروف وكذلك معنى ... ويعدو على المرء ما يأتمر ...
كما يقال من وسع حفرة وقع فيها وقوله جل وعز ولما توجه تلقاء مدين آية 22
قال أبو عبيدة أي نحو مدين

وقوله جل وعز قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل
قال مجاهد أي طريق مدين
قال أبو مالك فوجه فرعون في طلبه وقال لهم لطلبوه في بنيات الطرق فإن موسى لا يعرف الطريق فجاء ملك راكب فرسا ومعه عنزة فقال لموسى اتبعني فاتبعه فهداه إلى الطريق وقوله جل وعز ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون
أي جماعة
ووجد من دونهم امرأتين تذودان
وفي قراءة عبد الله ودونهم امرأتان حابستان فسألهما عن حبسهما فقالتا لا نقوى على السقي مع الناس حتى يصدروا

ومعنى تذودان فيما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس تحبسان
وروى سفيان بن أبي الهيثم عن سعيد بن جبير تذودان قال حابستان
وروى هشيم عن حصين عن أبي مالك ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال تحبسان غنمهما حتى يفرغ الناس فتخلو لهم البئر
قال أبو جعفر وهذا قول بين يقال ذاد يذود إذا حبس
وذدت الشيء حبسته ثم يحذف المفعول إما إيهاما على المخاطب وإما استغناء بعلمه

ومذهب قتادة أنهما كانتا تذودان الناس عن غنمهما
والأول أولى لأن بعده قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء
ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس لم تخبرا عن سبب تأخر سقيهما إلى أن يصدر الرعاء
قال ما خطبكما أي ما حالكما وما أمركما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء
ومن قرأ بضم الياء يصدر حذف المفعول أي حتى يصدروا غنمهم
وأبونا شيخ كبير والفائدة في هذا أنه لا يقدر على السقي لكبره فلذلك خرجنا ونحن نساء

وقوله جل وعز فسقى لهما ثم تولى إلى الظل آية 24
روى عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال لما استقى الرعاء غطوا على البئر صخرة لا يقلها إلا عشرة رجال فجاء موسى صلى الله عليه و سلم فاقتلعها وسقى ذنوبا واحدا لم يحتج إلى غيره فسقى لهما وقوله جل وعز ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير
روى عكرمة عن ابن عباس قال ما سأل إلا الطعام
وقال مجاهد لم يكن له ما يأكل

ثم قال جل وعز فجاءته إحداهما تمشي على استحياء
المعنى فذهبتا إلى أبيهما قبل وقتهما فخبرتاه بخبر موسى وسقيه فأرسل إحداهما فجاءت تمشي على استحياء
قال عمرو بن ميمون قال تمشي ويدها على وجهها حياء ليست بسلفع خراجة ولاجة وقوله جل وعز فلما جاءه وقص عليه القصص آية 25
أي قص عليه خبره وعرفه بقتله النفس وخوفه قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين لأن مدين لم تكن في ملكة فرعون
وقوله جل وعز قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين آية 26
روى عمرو بن ميمون عن عمر قال فقال لها من أين عرفت قوته وأمانته

قالت أما قوته فإنه أقل حجرا لا يحمله إلا عشرة
وأما أمانته فإنه لما جاء معي مررت بين يديه فقال لي كوني خلفي ودليني على الطريق لئلا تصفك الريح لي وقوله جل وعز قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين آية 27
وفي الحديث أنه أنكحه الصغيرة منهما واسمها طوريا
ثم قال على أن تأجرني ثماني حجج أي تكون لي أجيرا فإن أتممت عشرا فمن عندك أي فذلك تفضل منك قال ذلك بيني وبينك أي لك ما شرطت ولي مثله أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي العدوان المجاوزة في الظلم

وقوله جل وعز فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آية 29
روى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سألت جبريل أي الأجلين قضى موسى فقال أتمهما وأكملهما
ومعنى لعلي آتيكم منها بخبر لعلي أعلم لم أوقدت
أو جذوة من النار
قال قتادة الجذوة أصل الشجرة فيها نار
قال أبو جعفر وكذلك الجذوة بضم الجيم وكسرها وفتحها والجذوة القطعة من الخشب الكبيرة فيها نار ليس فيها لهب

وقال جل وعز في البقعة المباركة من الشجرة لأنه جل وعز كلمه فيها وقوله جل وعز أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء
معنى أسلك أدخل ثم قال جل وعز واضمم إليك جناحك من الرهب آية 32
قال الفراء الجناح ههنا العصا
ولم يقل هذا أحد من أهل التفسير ولا من المتقدمين علمته وحكى أكثر أهل اللغة أن الجناح من أسفل العضد إلى آخر الإبط وربما قيل لليد جناح ولهذا قال أبو عبيدة جناحك أي يدك

قال مجاهد من الرهب من الفرق وقوله جل وعز فذانك برهانان من ربك آية 32
قال مجاهد يعني اليد والعصا
والبرهان الحجة
قال ابن عباس جناحك يدك
وقال أبو زيد العضد هو الجناح حدثني محمد بن أيوب قال أنبأنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال حدثنا محمد بن عامر عن أبيه عن بشر بن الحصين عن الزبير بن عدي عن الضحاك عن ابن عباس واضمم إليك جناحك من الرهب أي أدخل يدك فضعها على صدرك حتى يذهب عنك الرعب
قال فقال ابن عباس ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى ثم يدخل يده فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب وقوله جل وعز فأرسله معي ردءا يصدقني

الردء العون وقد أردأه وردأه أي أعانه
وقوله تعالى سنشد عضدك آية 35
أي سنعينك ونقويك وهو تمثيل لأن قوة اليد بالعضد ونجعل لكما سلطانا
قال سعيد بن جبير أي حجة
فلا يصلون إليكما بآياتنا
أي تمنعان بآياتنا
ويجوز أن يكون المعنى ونجعل لكما سلطانا بآياتنا أي بالعصا واليد وما أشبههما وقوله جل وعز فأوقد لي يا هامان على الطين آية 38
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال حتى يصير آجرا
قال قتادة بلغني أنه أول من صنع الآجر

ثم قال تعالى فاجعل لي صرحا
قيل بنيانا مرتفعا وقوله جل وعز وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا وقوله جل وعز ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر إلى موسى الأمر آية 44
قال قتادة هو جبل
وقوله وما كنت ثاويا أي مقيما وقوله جل وعز وما كنت بجانب الطور إذ نادينا آية 46

روى عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير رفع الحديث في قوله جل وعز وما كنت بجانب الطور إذ نادينا قال نودوا يا أمة محمد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني فذلك قوله وما كنت بجانب الطور إذ نادينا وقوله جل وعز ولكن رحمة من ربك آية 46
أي لم تشهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك ولكنا بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة لتنذر قوما فتعرفهم هلاك من هلك وفوز من فاز لعلهم يتذكرون وقوله جل وعز ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم آية 47
أي لولا هذا لم نحتج إلى إرسال الرسل وتواتر الاحتجاج

وقوله جل وعز فلما جاءهم الحق من عندنا آية 48
أي الحجج الظاهرة البينة التي كان يجوز أن يحتجوا بتأخرها قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى يعني من العصا وانفلاق البحر وما أشبه ذلك
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أمرت يهود قريشا أن يسألوا محمدا صلى الله عليه و سلم مثل ما أوتي موسى فقال الله جل وعز لمحمد صلى الله عليه و سلم قل لهم يقولوا لهم أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ثم قال جل وعز قالوا ساحران تظاهرا آية 48
روى سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت سعيد بن

جبير يقول قالوا ساحران تظاهرا قال موسى وهارون صلى الله عليهما
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعنون موسى وهارون عليهما السلام
وروى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس قالوا ساحران تظاهرا قال موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم
وكذا روى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس وكذلك قال الحسن
وقرأ عكرمة وعطاء الخرساني وأبو رزين قالوا سحران تظاهرا

قال عكرمة يعني كتابين
وقال أبو رزين يعني التوراة والإنجيل
وقال الفراء يعني التوراة والقرآن
واحتج بعض من يقرأ هذه القراءة بقوله قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه
والمعنى على القراءة الأولى هو أهدى من كتابيهما وقوله جل وعز ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون آية 51
أي أتبعنا بعضه بعضا
قال مجاهد يعني لقريش

وقرأ الحسن وصلنا مخففا
ومعنى إنا كنا من قبله مسلمين أنهم وجدوا صفة النبي صلى الله عليه و سلم في كتابهم من قبل أن يبعث فآمنوا به ثم آمنوا به بعد ما بعث ثم قال الله جل وعز أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا آية 54
يجوز أن يكون المعنى من قبل النبي صلى الله عليه و سلم وأن يكون من قبل القرآن
ومعنى قوله تعالى ويدرءون بالحسنة السيئة
أي يدفعون بعملهم الحسنات السيئات التي عملوها وقوله جل وعز وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه آية 55
أي ما لا يجوز وما ينبغي أن يلغى

قال مجاهد هؤلاء قوم من أهل الكتاب أسلموا فكان المشركون يؤذونهم
ومعنى سلام عليكم قد تاركناكم وليس من التحية في شيء وهذا كلام متعارف عند العرب وقوله جل وعز إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء أية 56
روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال جاء أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة إلى أبي طالب في العلة التي مات فيها وجاء النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله جل وعز فقال له أبو جهل يا أبا طالب أترغب عن دين عبد المطلب فكان آخر ما قال لهما هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا أدع الاستغفار لك

فأنزل الله جل وعز إنك لا تهدي من أحببت
ونزل فيه ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى
قال أبو جعفر يجوز أن يكون معنى من أحببت أن تهدي
ويجوز أن يكون المعنى من أحببت لقرابته
ثم قال جل وعز ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين آية 56

أي الله أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ولله الحكمة التامة وقوله جل وعز وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا آية 57
قال الضحاك هذا قول المشركين الذين بمكة
وقال غيره قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم نحن نعلم أن ما جئت به حق ولكنا نكره أن نتبعك فتقصد ونتخطف لمخالفتنا الناس
قال الله جل وعز أو لم نمكن لهم حرما آمنا آية 57
أي قد كانوا آمنين قبل الإسلام فلو أسلموا لكانوا أوكد
قال قتادة كان أهل الحرم آمنين يخرج أحدهم فإذا عرض له قال أنا من أهل الحرم فيترك وغيرهم يقتل ويسلب

قال مجاهد عن ابن عباس يجبى إليه ثمرات كل شيء آية 57
أي ثمرات الأرضين وقوله جل وعز وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها آية 58
البطر الطغيان بالنعمة
قال أبو إسحق المعنى بطرت في معيشتها
قال الفراء أبطرتها معيشتها
ثم قال جل وعز فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا
قال الفراء والمعنى أنها خربت فلم يسكن منها إلا القليل والباقي خراب

وقوله جل وعز وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا آية 59
أي في أعظمها وأم القرى مكة وقوله جل وعز أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو اقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا آية 61
يعني به المؤمن والكافر
وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه و سلم وأبي جهل وقوله تعالى ثم هو يوم القيامة من المحضرين آية 61
قال مجاهد أي أهل النار أحضروا

وقوله جل وعز ويوم يناديهم فيقول أين شركائي آية 62
أي ويوم ينادي الله الإنس أين شركائي أي على قولكم وقوله جل وعز قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا آية 63
قال قتادة حق عليهم القول يعني الشياطين
وقال غيره حق عليهم القول أي وجبت عليهم الحجة فعذبوا
ربنا هؤلاء الذين أغوينا أي دعوناهم إلى الغي
أغويناهم كما غوينا أي أضللناهم كما ضللنا

تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون فبرئ بعضهم من بعض وعاداه كما قال تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ي وقوله جل وعز فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون
أي دعوهم فلم يجيبوهم بحجة
ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون جواب لو محذوف أي لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم وقوله جل وعز فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون آية 66
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الأنباء الحجج

فهم لا يتساءلون قال بالأنساب وقوله جل وعز وربك يخلق ما يشاء ويختار آية 68
هذا التمام
أي ويختار الرسل
ما كان لهم الخيرة آية 68
أي ليس برسل من اختاروه هم وقوله جل وعز قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة آية 72
قال مجاهد سرمدا أي دائما
من إله غير الله يأتيكم بضياء أي بنهار تتعيشون فيه ويصلح ثماركم وزرعكم

وقوله جل وعز ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله آية 73
فيه قولان
أحدهما أن المعنى لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله بالنهار
والقول الآخر أن يكون المعنى لتسكنوا فيهما وقال فيه لأن الليل والنهار ضياء وظلمة كما تقول في المصادر ذهابك ومجيئك يؤذيني
فيكون المعنى جعل لكم الزمان لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله
والقول الأولى أعرف في كلام العرب يأتون بالخبرين ثم يجمعون تفسيرهما إذا كان السامع يعرف ذاك
كما روى عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أنه قال ما أحسن الحسنات في إثر السيئات وما أقبح السيئات في إثر

الحسنات وأحسن من ذا وأقبح من ذا السيئات في آثار السيئات والحسنات في آثار الحسنات
قال أبو جعفر فجاء بالتفسير مجملا وهذا فصيح كثير وقوله جل وعز ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم آية 75
قال مجاهد شهيدا أي نبيا
فقلنا هاتوا برهانكم قال أي حجتكم بما كنتم تقولون وتعملون
فعلموا أن الحق لله أي أن الله واحد وأن الحق ما جاءت به الأنبياء

وضل عنهم ما كانوا يفترون أي لم ينتفعوا بما عبدوا من دون الله بل ضرهم وقوله جل وعز إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم آية 76
قال إبراهيم النخعي كان ابن عمه وقوله جل وعز فبغى عليهم آية 76
أي تجاوز الحد في مساندة موسى صلى الله عليه و سلم والتكذيب به وقوله جل وعز وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة
روى الأعمش عن خيثمة قال كانت مفاتحه من جلود كل مفتاح منها على قدر الإصبع لخزانة يحملها ستون بغلا إذا ركب

وقال مجاهد كانت من جلود الإبل
قال أبو صالح كانت تحملها أربعون بغلا
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال كانت مفاتيح قارون يحملها أربعون رجلا
قال ابن عيينة العصبة أربعون رجلا
وقال مجاهد العصبة من العشرة إلى الخمسة عشر
قال أبو جعفر العصبة في اللغة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض
قال أبو عبيدة لتنوء بالعصبة تأويله أن العصبة لتنوء بها كما قال
... وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

الضياطرة التباع والأجراء
قال أبو جعفر يذهب أبو عبيدة إلى أن هذا من المقلوب وهذا غلط والصحيح فيه ما قال أبو زيد قال يقال نؤت بالحمل إذا نهضت به على ثقل وناءني إذا أثقلني
قال أبو العباس سئل الأصمعي عن قوله وتشقى قال نعم هي تشقى بالرجال
ثم قال جل وعز إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين آية 76
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الفرحين البطرين الذين لا يشكرون الله جل وعز فيما أعطاهم وقوله جل وعز ولا تنس نصيبك من الدنيا آية 77
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال نصيبه من الدنيا العمل

بطاعة الله جل وعز الذي يثاب عليه يوم القيامة
وروى أشعث عن الحسن قال أمسك القوت وقدم ما فضل
وروى معمر عن قتادة قال ابتغ الحلال
قال أبو جعفر قول مجاهد حسن جدا لأن نصيب الإنسان في الدنيا على الحقيقة هو الذي يؤديه إلى الجنة
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولا تنس نصيبك من الدنيا يقول لا تترك أن تعمل لله جل وعز في الدنيا
وقد قيل المعنى ولا تنس شكر نصيبك

وقوله جل وعز قال إنما أوتيته على علم عندي آية 78
يروى أن قارون كان من قراء بني إسرائيل للتوراة
والمعنى إنما أوتيته على علم فيما أرى
فأما ما روي أنه كان يعمل الكيمياء فلا يصح
وقيل المعنى على علم بالوجوه التي تكسب منها الأموال وترك الشكر
وقال ابن زيد قال أي قارون لولا رضى الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا
وهذا اولاها يدل عليه ما بعده

وقوله جل وعز ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون آية 78
قال مجاهد هو مثل قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم
زرقا سود الوجوه لا تسأل عنهم الملائكة لأنها تعرفهم
وقال قتادة ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون أي يدخلون النار بغير حساب
قال محمد بن كعب ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون أي لا يسأل الآخر لم هلك الأول فيعتبر
وقيل لا يسأل عنها سؤال استعلام

وقوله جل وعز فخرج على قومه في زينته آية 79
روى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال خرج هو وأصحابه على براذين بيض عليها سروج أرجوان وعليهم المعصفر
قال قتادة خرجوا على أربعة آلاف دابة عليها ثياب حمرة منها ألف بغل بيض عليها قطف حمر وقوله جل وعز ولا يلقاها إلا الصابرون
أي لا يلقى هذه الفعلة وهي القول ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا إلا الصابرون وقوله جل وعز فخسفنا به وبداره الأرض آية 81
قال ابن عباس خسف به إلى الأرض السفلى
فما كان له من فئة أي من فرقة وقوله جل وعز وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون

ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر آية 82
قوله ويكأن قيل هي ويك أن ويك بمعنى ويلك
قال أبو جعفر وهذا لا يصح لأن هذه اللام لا تحذف ولو كان هكذا لوجب أن يقال ويلك إنه
ولا يجوز أن يضمر إعلم وليس ههنا مخاطبة لواحد
والصحيح في هذا ما قال الخليل وسيبويه والكسائي
قال الكسائي وي ههنا صلة وفيها معنى التعجب
وقال سيبويه سألت الخليل عن قوله جل وعز ويكأنه لا يفلح الكافرون وقوله ويكأن الله فزعم أنها وي مفصولة من كأن
والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم

أو نبهوا فقيل لهم أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم
وأما المفسرون فقالوا معناها ألم تر أن الله
قال قتادة ويكأن المعنى أو لا تعلم
قال أبو جعفر وقول الخليل موافق لهذا وأنشد أهل اللغة ... وي كأن من يكن له نشب ... يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر ...
وقد كتبت في المصحف متصلة كأنهم لما كثر استعمالهم إياها جعلوها مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد 75 وقوله جل وعز تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا آلية 83
روى سفيان عن منصور عن مسلم البطين قال العلو

التكبر بغير الحق والفساد أخذ الأموال بغير الحق
قال الثوري ولا فسادا المعاصي وقوله جل وعز إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد آية 75
روى عكرمة عن ابن عباس قال إلى معاد إلى مكة
وكذلك روى يونس بن إسحاق عن مجاهد
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إلى الموت
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إلى أن يحييك يوم القيامة
وقال الزهري والحسن المعاد يوم القيامة

قال أبو جعفر وهذا معروف في اللغة يقال بيني وبينك المعاد أي يوم القيامة لأن الناس يعودون فيه أحياء
والقول الأول حسن كثير والله أعلم بما أراد
ويكون المعنى إن الذي نزل عليك القرآن وما كنت ترجو أن يلقى إليك لرادك إلى معاد أي إلى وطنك ومعادك يعني مكة ويقال رجع فلان إلى معاده أي الى بيته وقوله جل وعز كل شيء هالك إلا وجهه آية 88
قال سفيان أي إلا ما أريد به وجهه
قال محمد بن يزيد حدثني الثوري قال سألت أبا عبيدة عن قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فقال إلا جاهه كما تقول لفلان وجه في الناس أي جاه

وقيل إلا وجهه أي إلا إياه جل وعز
وتقول أكرم الله وجهه وفلان وجه القوم
وقول سفيان معروف في اللغة أي كل ما فعله العباد يهلك إلا الوجه الذي يتوجهون به إلى الله جل وعز
تمت صورة القصص

تفسير سورة العنكبوت مكية
وآياتها 69 آية

بسم الله الرحمان الرحيم
سورة العنكبوت وهي مكية
وقوله جل وعز الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون آية 2
هذا استفهام فيه معنى التقرير والتوبيخ أي أحسب الناس أن يقنع منهم بأن يقولوا آمنا فقط ولا يختبروا حتى يعرف حقيقة إيمانهم وصبرهم وصدقهم وكذبهم ويظهر ذلك منهم فيجازوا عليه وأما الغيب فقد علمه الله جل وعز منهم
ثم قال أن يقولوا آمنا أي على أن يقولوا ولأن يقولوا وبأن يقولوا آمنا
وهم لا يفتنون
قال مجاهد وقتادة أي لا يبتلون

ثم قال جل وعز ولقد فتنا الذين من قبلهم آية 3
أي ابتليناهم
وقوله جل وعز أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا آية 4
قال مجاهد أي أن يعجزونا وقوله جل وعز من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت آية 5
قال أبو إسحق المعنى من كان يرجو لقاء ثواب الله جل وعز وقوله جل وعز ووصينا الإنسان بوالديه حسنا
أي ما يحسن ثم قال جل وعز وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما

قال أبو إسحق المعنى وإن جاهداك أيها الإنسان والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وقوله جل وعز ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله آية 10
قال مجاهد فإذا أوذي في الله أي عذب خاف من عذاب الناس كما يخاف من عذاب الله جل وعز
قال الضحاك هؤلاء قوم قالوا آمنا فإذا أوذي أحدهم أشرك
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال كان قوم بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله فلما خرج المشركون إلى بدر أكرهوهم على الخروج معهم فقتل بعضهم فأنزل الله

جل وعز فيهم إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم إلى قوله فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فخرج مسلمون من مكة فلحقهم المشركون فافتتن بعضهم فأنزل الله جل وعز فيهم ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله
قال الشعبي نزلت فيهم عشر آيات من قوله تعالى الم أحسب الناس أن يتركوا قال عكرمة فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين كانوا بمكة قال رجل من بني ضمرة كان مريضا أخرجوني إلى الروح فأخرجوه فمات فأنزل الله جل وعز فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله إلى آخر

الآية وأنزل في المسلمين الذين كانوا افتتنوا ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا إلى آخر الآية وقوله جل وعز وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم آية 12
قال الضحاك هؤلاء القادة من المشركين
قال مجاهد هم مشركوا أهل مكة قالوا لمن آمن منهم نحن وأنتم لا نبعث فاتبعونا فإن كان عليكم وزر فهو علينا
قال أبو جعفر هذا كما تقول قلدني هذا إن كان فيه وزر أي ليس فيه وزر
قال الفراء وفيه معنى المجازاة وأنشد ... فقلت ادعي وادع فإن أندى ... لصوت أن ينادي داعيان

قال المعنى ادعي ولأدع أي إن دعوت دعوت وقوله جل وعز وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء آية 12
المعنى وما هم بحاملين عنهم شيئا يخفف ثقلهم ثم قال جل وعز ولحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم آية 13
قال أبو أمامة الباهلي يؤتى بالرجل يوم القيامة وهو كثير الحسنات فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسناته ثم يطالب ثم يقول الله جل وعز اقتصوا من عبدي فتقول الملائكة ما بقيت له حسنات فيقول خذوا من سيئات المظلوم فاجعلوها عليه
قال أبو أمامة ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم
وقال قتادة في قوله عز و جل وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم

قال من دعا إلى ضلالة كتب عليه وزرها ووزر من يعمل بها ولا ينقص ذلك منها شيئا
قال أبو جعفر وأهل التفسير على أن معنى الآية كما قال قتادة ومثله قوله جل وعز ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم وقوله جل وعز فأخذهم الطوفان وهم ظالمون آية 14
يقال لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان
وقوله جل وعز وتخلقون إفكا
أي وتنحتون

والمعنى على هذا إنما تعبدون من دون الله أوثانا وأنتم تصنعونها
وقال مجاهد إفكا أي كذبا
والمعنى على هذا ويختلقون الكذب
وقرأ أبو عبد الرحمن وتخلقون إفكا والمعنى واحد وقوله جل وعز وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء آية 22
قال محمد بن يزيد المعنى ولا من في السماء ومن نكرة وأنشد غيره ... فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء ...
وقال غير أبي العباس المعنى وما أنتم بمعجزين في الأرض ولو كنتم في السماء وخوطب الناس على ما يعرفون
وهذا أولى والله أعلم

وقوله جل وعز فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار آية 24
المعنى فحرقوه فأنجاه الله من النار
ويروى أنه لم تحرق إلا وثاقه وقوله جل وعز فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي آية 26
قال الضحاك إبراهيم هاجر وهو أول من هاجر
وقال قتادة هاجر من كوثى إلى الشام وقوله جل وعز وآتيناه أجره في الدنيا آية 27

روى سفيان عن حميد بن قيس قال أمر سعيد بن جبير إنسانا أن يسأل عكرمة عن قوله تعالى وآتيناه أجره في الدنيا
فقال عكرمة أهل الملل كلها تدعيه وتقول هو منا فقال سعيد بن جبير صدق
وقال قتادة هو مثل قوله تعالى وآتيناه في الدنيا حسنة
أي عافية وعملا صالحا وثناء حسنا وذاك أن أهل كل دين يتولونه
وقيل وآتيناه أجره في الدنيا إن أكثر الأنبياء من ولده

وقوله جل وعز ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين آية 28
يروى أنهم أول من نزا على الرجال ثم قال جل وعز أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل آية 29
استفهام فيه معنى التوبيخ والتقرير
وقوله جل وعز وتقطعون السبيل
قيل كانوا يتلقون الناس من الطرق للفساد
وقيل أي تقطعون سبيل الولد ثم قال جل وعز وتأتون في ناديكم المنكر

قال مجاهد النادي المجلس والمنكر فعلهم بالرجال
قال أبو جعفر المنكر في اللغة يقع على القول الفاحش وعلى الفعل
حدثنا محمد بن إدريس بن الأسود قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عبدالله بن بكر قال حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك عن أبي صالح مولى أم هانئ ابنة أبي طالب رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت قلت يا رسول الله أرأيت قول الله عز و جل وتأتون في ناديكم المنكر ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه في ناديهم قال كانوا يضحكون بأهل الطريق ويحذفونهم

قال أبو جعفر فسمى الله جل وعز هذا منكرا لأنه لا ينبغي للناس أن يتعاشروا به
وحدثنا أسامة بن أحمد قال حدثنا عبد الرحمن بن عبدالله بن عبد الحكم عن يزيد بن بكير عن القاسم بن محمد في قوله تعالى وتأتون في ناديكم المنكر قال كانوا يتفاعلون في مجالسهم يفعل بعضهم على بعض
قال أبو جعفر قالها الشيخ بالضاد والطاء

وقوله عز و جل قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها آية 32
روى أبو نصر عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال إبراهيم صلى الله عليه و سلم للملائكة إن كان فيهم مائة يكرهون هذا أتهلكونهم
قالوا لا
قال فإن كان فيهم تسعون قالوا لا
إلى أن بلغ عشرين قال إن فيها لوطا قالت الملائكة صلى الله عليهم نحن أعلم بمن فيها قال عبد الرحمن وكانوا أربعمائة ألف وقوله جل وعز ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا
قال قتادة أي ساء ظنه بقومه وضاق درعه بضيفه

قال أبو جعفر يقال ضقت به ذرعا أي لم أطقه مشتق من الذراع لأن القوة فيه وقوله جل وعز ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون
قال مجاهد آية بينة أي عبرة
وقال قتادة هي الحجارة التي أبقيت
وقال غيره يرجم بها قوم من هذه الأمة ثم قال جل وعز وإلى مدين أخاهم شعيبا آية 36
قال قتادة أرسل شعيب صلى الله عليه و سلم مرتين إلى أمتين إلى أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة

وقوله عز و جل وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم آية 38
أي وأهلكنا عادا وثمود
وقيل التقدير واذكر عادا وثمود وقوله جل وعز وكانوا مستبصرين آية 38
قال مجاهد أي في الضلالة
وقال قتادة أي معجبين بضلالتهم
وقيل وكانوا مستبصرين أي قد علموا أنهم معذبون وقد فعلوا ما فعلوا

وقوله عز و جل فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا آية 4
أي حصبا وهي الحجارة وهم قوم لوط
ومنهم من أخذته الصيحة هم ثمود وأهل مدين
ومنهم من خسفنا به الأرض قارون وأصحابه
ومنهم من أغرقنا قوم نوح وفرعون وأصحابه ثم أخبر تعالى أنه لم يظلمهم في ذلك فقال وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وقوله جل وعز مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا آية 41
قال قتادة هذا مثل ضربه الله عز و جل أي إنه لا ينفع لضعفه كما أن بيت العنكبوت لا ينفع ولا يقي

ثم قال جل وعز وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون
لو متعلقة بقوله مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت لو كانوا يعلمون أن أولياءهم لا يغنون عنهم شيئا وأن هذا مثلهم
وقوله جل وعز وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر آية 45
روى يونس عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا
وروى علي بن طلحة عن ابن عباس قال في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي

قال أبو جعفر قيل معنى هذا إن العبد مادام في الصلاة فليس في فحشاء ولا منكر ثم قال جل وعز ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
روى سفيان عن ابن مسعود وروى عن سلمان وسعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز ولذكر الله أكبر قالوا ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه
زاد ابن عباس إذا ذكرتموه بعد قوله إياكم

وقوله جل وعز ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال من قاتلك ولم يعطك الجزية فقاتله بالسيف
وروى معمر عن قتادة هي منسوخة نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ولا مجادلة أشد من السيف
قال أبو جعفر قول قتادة أولى بالصواب لأن السورة مكية

وإنما أمر بالقتال بعد الهجرة وأمر بأخذ الجزية بعد ذلك بمدة طويلة وأيضا فإنه قال وهم صاغرون وقوله جل وعز وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم روى سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار قال كان قوم من اليهود يجلسون مع المسلمين فيحدثونهم فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهم لا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم إلى آخر الآية وقوله جل وعز وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك
وكذا صفته صلى الله عليه و سلم في التوراة

ثم قال تعالى إذا لارتاب المبطلون
قال مجاهد قريش ثم قال جل وعز بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم آية 49
في معناه ثلاثة أقوال
ا قال الحسن بل القرآن آيات بينات في صدور المؤمنين
ب وقال قتادة بل النبي صلى الله عليه و سلم آية بينة كذا قرأ قتادة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب
ج وقال الضحاك كانت صفة النبي صلى الله عليه و سلم أنه لا يكتب بيمينه ولا يتلو كتابا فذلك آية بينة

وقوله جل وعز أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال أتي النبي صلى الله عليه و سلم بكتف فيها كتاب فقال كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عن نبيهم إلى نبي غيره أو إلى كتاب غير كتابهم فأنزل الله جل وعز أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم
وقوله جل وعز يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون
قال سعيد بن جبير إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا
وقال عطاء إذا رأيتم المعاصي فاهربوا

وقال مجاهد هاجروا واعتزلوا الأوثان
قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شيء واحد فقول مجاهد أنهم أمروا بالهجرة ومجانبة أصحاب الأوثان وقال العلماء كذلك إذا لم يقدر أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر خرج وكان حكمه حكم أولئك
وقيل أي إن أرض الجنة واسعة فاعبدوني حتى أعطيكموها وقوله جل وعز والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا آية 58
أي لننزلنهم
ومعنى لنثوينهم لنعطينهم منازل يثوون فيها يقال ثوى إذا أقام

وقوله جل وعز وكأين من دابة لا تحمل رزقها آية 60
قال مجاهد الطير والبهائم لا تحمل رزقها
وروى الحميدي عن سفيان لا تحمل لا تخبئ قال وليس شيء يدخر إلا الإنسان والنملة والفأرة
قال أبو جعفر دابة تقع لكل الحيوان مما يعقل ولا يعقل إلا أن معناه ههنا الخصوص أي وكم من دابة عاجزة الله يرزقها وإياكم

وقوله جل وعز وإن الدار الآخرة لهي الحيوان آية 64
قال مجاهد لا موت فيها
وقال قتادة الحيوان الحياة
قال أبو جعفر يقال حيوان وحياة وحي كما قال
... وقد ترى إذ الحياة حي ...
وقوله جل وعز فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين آية 65
أي فإذا أصابتهم شدة دعوا الله وحده وتركوا ما يعبدون من دونه
وقوله جل وعز فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون
أي يدعون معه غيره

وقوله جل وعز ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون وليتمتعوا على التهديد وكسر اللام وقوله جل وعز والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
أي لنزيدنهم هدى ثم أخبرنا جل وعز أنه ينصرهم فقال وإن الله لمع المحسنين
تمت سورة العنكبوت

تفسير سورة الروم مكية
وآياتها 60 آية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الروم وهي مكية
من ذلك قوله جل وعز آلم غلبت الروم في أدنى الأرض آية 2
قال مجاهد هي الجزيرة كانت أقرب أرض الروم إلى فارس
حدثنا محمد بن سلمة الأسواني قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا أبو إسحق الفزاري عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن

ابن عباس في قول الله جل وعز آلم غلبت الروم قال كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل الكتاب فذكر لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما إنهم سيغلبون قال فذكره أبو بكر لهم فقالوا اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا فجعل أجلا خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال الا جعلتها ما دون أراه قال دون العشر قال سعيد والبضع ما دون العشر
ثم ظهرت الروم بعد ذلك فذلك قوله جل وعز آلم غلبت الروم في أدنى الأرض إلى قوله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله
قال الشعبي وكان القمار ذلك الوقت حلالا قال وقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر كم البضع قال ما بين الثلاث إلى التسع

وقرأ عبدالله بن عمر غلبت الروم بفتح الغين واللام وقال غلبت على أدنى ريف
قال أبو جعفر المعنى على قراءة من قرأ غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون الروم من بعد غلبهم أي من بعد أن غلبوا سيغلبون
ومن قرأ سيغلبون فالمعنى عنده وفارس من بعد غلبهم أي من بعد أن غلبوا سيغلبون
وقوله جل وعز في بضع سنين آية 4
البضع عند قتادة أكثر من الثلاث ودون العشر
وعند الأخفش والفراء مادون العشر
وعند أبي عبيدة ما بين ثلاث وخمس

وحكى أبو زيد بضع وهو مشتق من قولهم بضعة إذا قطعه ومنه بضعة من لحم ومنه هويملك بضع المرأة إنما هو كناية عن عضوها
وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس في أدنى الأرض قال يقول في طرف الشام
قال أبو جعفر التقدير في أدنى الأرض من فارس
ثم قال جل وعز لله الأمر من قبل ومن بعد آية 4
قال محمد بن يزيد إذا قلت من قبل و من بعد فمعناه من قبل ما تعلم ومن بعد ما تعلم ومن قبل كل شيء ومن بعد كل شيء
قال أبو جعفر المعنى لله القضاء بالغلبة من قبل الغلبة ومن بعدها

ثم قال جل وعز ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله آية 4
أي يفرحون بنصر الله الروم لأنهم أهل كتاب على فارس وهم مجوس ويفرحون بالآية العظيمة التي لا يعلمها إلا الله جل وعز لأنه خبرهم بما سيكون
وقوله جل وعز يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون آية 7
قال عكرمة وإبراهيم أي يعلمون أمر معايشهم ومصلحة دنياهم

وقوله جل وعز أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق آية 8
أي إلا لإقامة الحق
وقوله جل وعز وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها آية 9
وأثاروا الأرض أي حرثوها وزرعوها وليس بمكة حرث ولا زرع
وقال تعالى تثير الأرض
وقوله جل وعز ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى
وقرأ الأعمش ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء برفع السوء

قال أبو جعفر السوء أشد الشر والسوءى أي الفعلي منه
وقيل السوءى ههنا النار كما أن الحسنى الجنة
ومعنى أساءوا ههنا أشركوا يدل على ذلك قوله تعالى أن كذبوا بآيات الله
قال الكسائي أي لأن كذبوا بآيات الله
وقوله جل وعز ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يكتئبون
وروى أبو يحيى عن مجاهد قال الإبلاس الفضيحة

قال أبو جعفر يقال أبلس الرجل إذا تحير وحزن وانقطعت حجته فلم يهتد لها ويئس من الخير كما قال ... قال نعم أعرفه وأبلسا ...
وقوله جل وعز فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون
قال مجاهد يحبرون أي ينعمون
قال أبو جعفر حقيقته أنهم تتبين عليهم أثر النعمة
من ذلك الحبر وعلى أسنانه حبرة
وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير في روضة يحبرون قال السماع في الجنة

وقوله جل وعز فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون آية 17
قال ابن عباس الصلوات الخمس في كتاب الله جل وعز وتلا الآية فسبحان الله حين تمسون قال المغرب والعشاء وحين تصبحون قال الفجر وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر

وقوله جل وعز يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون آية 19
في معناه أقوال
قال عبدالله بن مسعود أي يخرج النطفة من الرجل والرجل من النطفة
قال الضحاك وكذلك البيضة
وقال سلمان يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وكذلك قال الحسن
وقيل يميت الحي ويحيي الميت
ويحي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون

أي كما يحيي الأرض بالنبات
وقوله جل وعز ومن آياته أن خلقكم من تراب آية 20
المعنى أن خلق أصلكم وهو آدم عليه السلام كما قال تعالى واسأل القرية
ويجوز أن يكون الماء مخلوقا من تراب
وقوله جل وعز ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها
فيه قولان
أحدهما أن حواء خلقت من آدم
والآخر أن المعنى خلق لكم من جنسكم أزواجا لأن الإنسان

بجنسه آنس وإليه أسكن ومثله قوله جل وعز هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها في معناه القولان جميعا
أي جعل من جنسها روجها ودل هذا على الجنسين جميعا ويكون الضمير في قوله تعالى جعلا له شركاء فيما آتاهما يعود على الجنسين والضمير في قوله يشركون يعود على الجنسين لأنهما جماعة وقوله جل وعز وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون آية 21

قال مجاهد المودة الجماع والرحمة الولد
وقيل المودة والرحمة عطف قلوب بعضهم على بعض
والمعنى ومن آياته التي تدل على وحدانيته وأنه لا شريك له ولا نظير وقوله جل وعز إن في ذلك لآيات للعالمين آية 22
للعالمين أي للجن والإنس
وحكى للعالمين وهو حسن وقوله جل وعز ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا آية 24
والمعنى ويريكم البرق من آياته وعطفت جملة على جملة
ويجوز أن يكون المعنى ومن آياته آية يريكم بها البرق كما قال الشاعر

وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرىأبتغي العيش أكدح ...
والخوف للمسافر والطمع للمقيم وقوله جل وعز ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره آية 25
أي أن تدوما قائمتين وقوله جل وعز وله من في السموات والأرض كل له قانتون آية 26
وهذا أيضا من آياته وحذف لأن في الكلام دليلا عليه
والقانت القائم بالطاعة
والقيام ههنا الانقياد لله جل وعز على ما حب العباد أو كرهوا

وقوله جل وعز وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه آية 27
في معناه ثلاثة أقوال
في رواية صالح عن ابن عباس وهو أهون عليه وهو أهون على المخلوق لأنه ابتدأ خلقه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة والإعادة بأن يقول له كن فيكون فذلك أهون على المخلوق
وقال مجاهد الإعادة أهون عليه من البدأة وكل عليه هين
والمعنى على هذا وهو أهون عليه عندكم وفيما تعرفون على التمثيل وبعده وله المثل الأعلى

وقال قتادة وهو أهون عليه أي هين وهذا قول حسن ومنه الله أكبر أي كبير ومنه قول الشاعر ... لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول ...
وقول الآخر ... إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول ...
وروى معمر عن قتادة قال في قراءة عبد الله بن مسعود وهو هين عليه

ثم قال جل وعز وله المثل الأعلى في السموات والأرض آية 27
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول ليس كمثله شيء
وقيل يعني لا إله إلا الله
وحقيقته في اللغة وله الوصف الأعلى وقوله جل وعز ضرب لكم مثلا من أنفسكم آية 28
قال قتادة هذا مثل ضربه الله عز و جل للمشركين فقال هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء أي هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله فإذا لم ترضوا بهذا فكيف جعلتم لله جل وعز شريكا

قال أبو جعفر هذا قول حسن أي هل يرضى أحدكم أن يجعل مملوكه مثل نفسه أي مثل شريكه الحر الذي لا يقطع أمرا دونه كما قال تعالى ولا تلمزوا أنفسكم أي لا يعب بعضكم بعضا
وكذا قوله تعالى كخيفتكم أنفسكم وكما قال جل وعز لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وكما قال تعالى فاقتلوا أنفسكم
وقيل كما يخاف من قبلكم إنفاقها

أي فأنتم لا تجعلون مماليككم مثلكم وأنتم كلكم أرقاء لله جل وعز فكيف تجعلون لله جل وعز شريكا وليس كمثله شيء وقوله جل وعز فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها آية 30
الفطرة ابتداء الخلق ومنه فاطر السموات ومنه فطر ناب البعير ومنه فطرت البئر أي ابتدأت حفرها
أي ابتدأ خلقهم على أنهم يعلمون أن لهم خالقا ومدبرا
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه

قال الأوزاعي وحماد بن سلمة هذا مثل قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم
والمعنى على هذا كل مولود يولد على العهد الذي أخذ عليه
وفي الحديث أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم العهد فكل مولود يولد على ذلك العهد وإن نسب عبادته إلى غير الله جل وعز أو ووصفه بغير صفته حتى يكون أبواه يعلمانه اليهودية والنصرانية
وقيل على الخلقة التي تعرفونها لا تميز شيئا

وقال عبد الله بن المبارك هذا لمن يكون مسلما
يذهب إلى أنه مخصوص
وقال محمد بن الحسن هذا من قبل أن تنزل الفرائض ويؤمر بالجهاد
قال أبو جعفر وأولاها القول الأول وهو قول أهل السنة وهو موافق للغة
ولا يجوز أن يكون منسوخا لأنه خبر ولا يكون خاصا وإنما أشكل معنى الحديث لأنهم تأولوا الفطرة على الإسلام وإنما هي ابتداء الخلق وقوله جل وعز منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين
منيبين إليه أي راجعين إليه بالطاعة
والمعنى فأقيموا وجوهكم منيبين إليه

ومعنى كل حزب بما لديهم فرحون
كل يقول إني على الهدى ثم قال جل وعز وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه آية 33
أي لم يلتجئوا إلا إليه وتركوا ما كانوا يعبدون من دونه ثم قال جل وعز ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون
فخرج من الإخبار إلى المخاطبة وهذا على التهديد والوعيد كما قال جل وعز وقل الحق من ربكم فمن شاء فيؤمن ومن شاء فليكفر

ثم قال جل وعز أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون آية 35
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كل سلطان في القرآن فهو عذر وحجة
قال أبو جعفر المعنى أم أنزلنا عليهم كتابا فيه عذر أو حجة أو برهان يدلهم على الشرك ثم قال جل وعز وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها
أي نعمة فرحوا بها
وإن تصبهم سيئة أي وإن تصبهم مصيبة وقوله جل وعز فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل آية 38

قال قتادة إذا لم تعط ذا قرابتك وتمشي إليه برجليك فقد قطعته وقوله جل وعز وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربوا عند الله
قال مجاهد وابن عباس هو الرجل يهدي إلى الرجل الهدية فيطلب ما هو أفضل منها فليس له أجر ولا عليه إثم
قال عكرمة الربا ربوان فربا حلال وربا حرام فأما الحلال فأن يعطي الرجل الآخر شيئا ليعطيه أكثر منه فلا يربوا عند الله والحرام في النسيئة

وقال ابراهيم كان هذا في الجاهلية يعطي الرجل ذا قرابته المال ليكثر عنده فلا يربو عند الله ثم قال جل وعز وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون آية 39
قال ابن عباس من زكاة أي من صدقة
ثم قال فأولئك هم المضعفون أي الذين يجدون أضعاف ذلك أي ذوو الإضعاف كما تقول رجل مقو أي ذو قوة وقوله جل وعز ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس آية 41
قال مجاهد في البر قتل ابن آدم أخاه والبحر أخذ السفينة غصبا

وقال عكرمة وقتادة البر البوادي والبحر القرى
قال قتادة والفساد الشرك
قال أبو جعفر والتقدير على هذا وفي مواضع البحر أي التي على البحر
وأحسن ما قيل في هذه الآية والله أعلم قول ابن عباس حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ظهر الفساد في البر والبحر
يقول نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا
والمعنى على هذا ظهر الجدب في البر والبحر بذنوب الناس

وقوله جل وعز فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون آية 43
أي اجعل قصدك إلى الدين القيم من قبل أن يأتي يوم القيامة فلا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل
ومعنى يصدعون يتفرقون فريقا في الجنة وفريقا في السعير وقوله جل وعز ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون آية 44
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فلأنفسهم يمهدون في القبر

قال أبو جعفر معنى يمهدون في اللغة يوطئون لأنفسهم بعمل الخير من المهاد وهو الفراش وقوله جل وعز ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله
ويجعله كسفا جمع كسفة وهي القطعة
فترى الودق قال مجاهد أي القطر يخرج يخرج من خلاله أي من بين السحاب وقوله جل وعز وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين آية 49
في تكرير قبل ههنا ثلاثة أقوال
أ قال الأخفش سعيد هذا على التوكيد وأكثر النحويين على هذا القول

ب وقال قطرب أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر
ج والقول الثالث عندي أحسنها وهو أن يكون المعنى من قبل السحاب أي من قبل رؤية السحاب ليائسين وقد تقدم ذكر السحاب وقوله جل وعز فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها آية 50
رحمة الله أي المطر الذي هو من رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها

وقرأ محمد اليماني كيف تحيى الأرض بعد موتها
والمعنى على قراءته كيف تحيي الرحمة الأرض أو الآثار
و يحيي بالياء أي يحيي الله أو المطر أو الأثر فيمن قرأ هكذا وقوله جل وعز ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون
قال النحويون فرأوه مصفرا أي فرأوا النبات مصفرا وحقيقته فرأوا الأثر مصفرا لظلوا من بعده يكفرون أي ليظلن هذا قول الخليل
قال أبو جعفر وهذا يقع في حروف المجازاة

ثم قال جل وعز فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين آية 52
أي إنهم بمنزلة الموتى والصم لأنهم لا يقبلون لمعاندتهم وقوله جل وعز إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون آية 54
أي ما تسمع إلا من كان قابلا غير معاند وقوله جل وعز الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة
خلقكم من ضعف أي من المني
أي خلقكم في حال ضعف
ثم جعل من بعد ضعف قوة أي الشباب

وقوله جل وعز ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة
أي يحلفون ما لبثوا في القبور إلا ساعة واحدة ثم قال تعالى كذلك كانوا يؤفكون آية 55
أي كذلك كانوا يكذبون في الدنيا
يقال إفك الرجل إذا صرف عن الصدق والخير وأرض مأفوكة ممنوعة من المطر وقوله جل وعز وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث آية 56
قيل المعنى في خبر كتاب الله أنكم لبثتم في قبوركم إلى يوم القيامة
وقيل في الكلام تقديم وتأخير

والمعنى وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث وقوله جل وعز فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون آية 60
ولا يستخفنك أي لا يستفزنك الذين لا يوقنون أي الشاكون
انتهت سورة الروم

تفسير سورة لقمان مكية
آياتها 43 آية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لقمان وهي مكية
قال عبد الله بن عباس هي مكية إلا ثلاث آيات منها فإنهن نزلن بالمدينة وهن قوله جل وعز
ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام إلى تمام الآيات الثلاث من ذلك قوله عز و جل ومن الناس من يشتري لهو الحديث آية 6
روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال سئل عبد الله بن مسعود عن قوله جل وعز ومن الناس من يشتري لهو الحديث
فقال الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات

وبغير هذا الإسناد عنه والغناء ينبت في القلب النفاق
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الرجل يشتري الجارية المغنية تغنيه ليلا أو نهارا
وروي عن ابن عمر هو الغناء
وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول
وروى علي بن الحكم عن الضحاك ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال الشرك

وروى جويبر عنه قال الغناء مهلكة للمال مسخطة للرب مقساة للقلب
وسئل القاسم بن محمد عنه فقال الغناء باطل والباطل في النار
قال أبو جعفر وأبين ما قيل في الآية ما رواه عبد الكريم عن مجاهد قال الغناء وكل لعب لهو
قال أبو جعفر فالمعنى ما يلهيه من الغناء وغيره مما يلهي
وقد قال معمر بلغني أن هذه الآية نزلت في رجل من بني عدي يعنى النضر بن الحارث كان يشتري الكتب التي فيها أخبار فارس والروم ويقول محمد يحدثكم عن عاد وثمود وأنا

أحدثكم عن فارس والروم ويستهزئ بالقرآن إذا سمعه وقوله جل وعز ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا آية 6
أي ليضل غيره وإذا أضل غيره فقد ضل
و ليضل هو أي يئول أمره إلى هذا كما قال ربنا ليضلوا عن سبيلك وقوله جل وعز كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا آية 7
قال مجاهد وقرا أي ثقلا وقوله جل وعز خلق السموات بغير عمد ترونها

يجوز أن تكون ترونها بمعنى ترونها بغير عمد
ويجوز أن تكون نعتا على قول من قال هي بعمد ولكن لا يرونها
قال أبو جعفر والقولان يرجعان إلى معنى واحد لأن من قال إنها بعمد إنما يريد بالعمد قدرة الله جل وعز التي يمسك بها السموات والأرض ثم قال جل وعز وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم آية 10
أي جبالا ثابتة وقد رسا أي ثبت
أن تميد بكم أي كراهة أن تميد بكم
يقال ماد يميد إذا اشتدت حركته

وقوله جل وعز هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه آية 11
هذا خلق الله يعني ما ذكر من خلق السموات وغيرها
فأروني ماذا خلق الذين من دونه أي مما تعبدونه ثم أعلم أنهم في ضلال فقال سبحانه بل الظالمون في ضلال مبين ثم قال جل وعز ولقد آتينا لقمان الحكمة آية 12
روى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال كان لقمان من سودان مصر

وقال غيره كان في وقت داود النبي صلى الله عليه و سلم
قال وهب بن منبه قرأت من حكمته أرجح من عشرة آلاف باب
قال مجاهد الحكمة التي أوتيها العقل والفقه والصواب في الكلام من غير نبوة
قال زيد بن أسلم الحكمة العقل في دين الله عز و جل ويقال إن ابنه اسمه ثاران وقوله جل وعز يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم
قال الأصمعي الظلم وضع الشيء في غير موضعه

قال أبو جعفر الشرك نسب نعمة الله جل وعز إلى غيره لأن الله جل وعز الرزاق والمحيي والمميت وقال هو ظالم لنفسه ثم قال جل وعز ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن آية 14
وقرأ عيسى وهنا على وهن
قال الضحاك الوهن الضعف
وكذلك هو في اللغة يقال وهن يهن ووهن يوهن ووهن يهن مثل ورم يرم إذا ضعف يعني ضعف الحمل وضعف الطلق وضعف النفاس

ثم قال جل وعز وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك آية 14
وفصاله في عامين أي فطامه في عامين
أن اشكر لي ولوالديك على التقديم والتأخير والمعنى ووصينا الإنسان أن اشكر لي ولوالديك ثم قال جل وعز وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما آية 15
يروى أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص

ثم قال جل وز وصاحبهما في الدنيا معروفا آية 15
أي مصاحبا معروفا يقال صاحبته مصاحبة ومصاحبا و معروفا أي ما يحسن ثم رجع إلى الإخبار عن لقمان فقال يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله
وهذا على التمثيل كما قال سبحانه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
قال سفيان بلغني أنه الصخرة التي عليها الأرضون
وروى أن ابن لقمان سأله عن حبة وقعت في مقل البحر أي في مغاصه فأجابه بهذا

قال أبو مالك يأت بها الله أي يعلمها الله ثم قال جل وعز إن الله لطيف خبير آية 16
قال أبو العالية أي لطيف باستخراجها خبير بمكانها وقوله جل وعز ولا تصعر خدك للناس آية 18
وقرأ الجحدري ولا تصعر ويقرأ ولا تصاعر
قال الحسن وقتادة والضحاك في قوله تعالى ولا تصعر الإعراض عن الناس
قال قتادة لا تتكبر فتعرض
وقال إبراهيم هو التشدق

قال أبو الجوزاء يقول بوجهه هكذا ازدراء بالناس
قال أبو جعفر أصل هذا من الصعر وهو داء يأخذ الإبل تلوي منها أعناقها فقيل هذا للمتكبر لأنه يلوي عنقه تكبرا
و تصعر على التكثير و تصعر تلزم نفسك بهذا لأنه يفعله ولا داء به
و تصاعر أي تعارض بوجهك ثم قال جل وعز ولا تمش في الأرض مرحا آية 18
أي متبخترا متكبرا وقوله جل وعز واقصد في مشيك واغضض من صوتك آية 19
واقصد في مشيك أي يكون متوسطا
روى حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب واقصد في مشيك قال من السرعة

ثم قل واغضض من صوتك آية 19
أي انقص منه وقد غض بصره ومنه فلان يغض من الناس ثم قال تعالى إن أنكر الأصوات لصوت الحمير آية 19
أي أقبحها ومنه أتانا بوجه منكر ثم قال جل وعز ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض آية 20
ما في السموات يعني الشمس والقمر والنجوم
وما في الأرض من البحار والدواب وغيرها ثم قال جل وعز وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة آية 20
وقرأ ابن عباس وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة على التوحيد
وقال هو ومجاهد هي الإسلام

ويجوز أن تكون نعمة بمعنى نعم كما قال سبحانه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقوله جل وعز ومن سلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى آية 22
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس فقد استمسك بالعروة الوثقى قال لا إله إلا الله
وقوله جل وعز ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله آية 27
في رواية أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال قالت اليهود للنبي صلى الله عليه و سلم بلغنا أنك تقول وما أوتيتم من

العلم إلا قليلا فهذا لنا أو لغيرنا فقال صلى الله عليه و سلم للجميع فقالوا أما علمت أن الله أعطى موسى التوراة وخلفها فينا ومعنا فقال النبي صلى الله عليه و سلم التوراة وما فيها من الأنباء في علم الله جل وعز قليل فأنزل الله ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إلى تمام ثلاث آيات
قال أبو جعفر فقد تبين أن الكلمات ههنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء لأنه علم قبل أن يخلق الخلق ما هو خالق في السموات والأرض من شيء وعلم ما فيه من مثاقيل الذر وعلم الأجناس كلها وما فيها من شعرة وعضو وما في الشجرة من ورقة وما فيها من ضروب الخلق وما يتصرف فيه من ضروب الطعم واللون فلو سمى كل دابة وحدها وسمى أجزائها على ما يعلم من قليلها وكثيرها وما تحولت عليه في الأحوال وما زاد فيها في كل زمان وبين كل شجرة وحدها وما تفرعت عليه وقدر ما ييبس من ذلك في كل زمان ثم

كتب البيان عن كل واحد منها على ما أحاط الله عز و جل منها ثم كان البحر مدادا لذلك البيان الذي بين الله عز و جل تلك الأشياء يمده من بعده سبعة أبحر لكان البيان عن تلك الأشياء أكثر وقوله جل وعز ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير
قال مجاهد إنما يقول كن فيكون القليل والكثير وقوله جل وعز فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد آية 28
قال مجاهد فمنهم مقتصد في القول وهو كافر
وقيل مقتصد أي مقتصد في فعله
خبر أن منهم من لا يشرك وقوله جل وعز وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور آية 32
قال مجاهد وقتادة الختار الغدور

قال أبو جعفر الختر في كلام العرب أقبح الغدر وقوله جل وعز فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور آية 33
قال مجاهد والضحاك الغرور الشيطان وقوله جل وعز إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث
روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال مفاتح الغيب خمسة وقد ذكرنا هذا بإسناده في سورة الأنعام في قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب الآية
انتهت سورة لقمان

تفسير سورة السجدة مكية
وآياتها 30 آية

بسم الله الرحمان الرحيم
سورة السجدة وهي مكية
قال عبدالله بن عباس إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة وفي رجلين من قريش وهن أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا إلى آخر الآيات الثلاث من ذلك قوله جل وعز آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين
المعنى هذا تنزيل الكتاب
وقيل المعنى آلم من تنزيل الكتاب

ويجوز أن يكون المعنى تنزيل الكتاب لا شك فيه
وقد بينا معنى آلم و لا ريب فيه في سورة البقرة وقوله جل وعز أم يقولون افتراه آية 3
أي بل أيقولون افتراه وقوله جل وعز يدبر الأمر من السماء إلى الأرض
أي يقضي القضاء في السماء ثم ينزله إلى الأرض وقوله جل وعز ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون آية 5
قال أبو جعفر هذه الآية مشكلة وقد قال في موضع آخر في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
ولأهل التفسير فيها أقوال
أ من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن

صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في يوم كان مقداره ألف سنة قال هذا في الدنيا وقوله جل وعز في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال فهذا يوم القيامة جعله الله عز و جل على الكفار مقدار خمسين ألف سنة
ب وحدثنا عبدالله بن أحمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو داود سليمان بن داود
قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن وهب بن منبه في يوم كان مقداره ألف سنة قال ما بين أسفل الأرض إلى العرش
ج قال ابن أبي نجيح عن مجاهد وفي ذلك قال الدنيا من أولها

إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى منها ولا كم بقي
قال أبو جعفر وقيل يوم القيامة أيام فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة
قال أبو جعفر يوم في اللغة بمعنى وقت فالمعنى على هذا تعرج الملائكة والروح إليه في وقت مقداره ألف سنة وفي وقت آخر أكثر من ذاك وعروجا أكثر من ذاك مقداره خمسون ألف سنة وقوله جل وعز الذي أحسن كل شيء خلقه آية 7
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أتقنه

قال وهو مثل قوله تعالى أعطى كل شيء خلقه
أي لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان
وقيل أي لم يعجزه
وأحسن ما قيل في هذا ما رواه خصيف عن عكرمة عن ابن عباس في قوله جل وعز أحسن كل شيء خلقه قال أحسن في خلقه جعل الكلب في خلقه حسنا
قال أبو جعفر ومعنى هذا أحسن في فعله كما تقول أحسن فلان في قطع اللص وقوله جل وعز ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين آية 8
السلالة للقليل مما ينسل والمهين الضعيف

وقوله جل وعز وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد
وروى عن الحسن أنه قرأ صللنا بفتح اللام وروى بعضهم بكسر اللام
قال مجاهد ضللنا أي أهلكنا
قال أبو جعفر معنى ضللنا صرنا ترابا وعظاما فلم نتبين وهو يرجع إلى قول مجاهد
ومعنى صللنا بفتح اللام أنتنا وتغيرنا وتغيرت صورنا يقال صل اللحم وأصل إذا أنتن وتغير
ويجوز أن يكون من الصلة وهي الأرض اليابسة ولا يعرف صللنا بكسر اللام

وقوله جل وعز ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعما صالحا آية 12 في الكلام حذف والمعنى ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم لرأيت ما تعتبر به اعتباره شديدا
والمعنى يقولون ربنا ثم حذف القول أيضا وقوله جل وعز ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها آية 13
أي لو شئنا لأريناهم آية تضطرهم إلى الإيمان كما قال تعالى إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ثم قال جل وعز ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين
قال قتادة أي بذنوبهم

وقوله جل وعز تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا
روى قتادة عن أنس قال يتيقظون بين العشاء والعتمة فيصلون
وقال عطاء لا ينامون قبل العشاء حتى يصلوها
وقال الحسن ومجاهد يصلون في جوف الليل

وكذلك قال مالك والأوزاعي
وهذا القول أشبهها لجهتين
إحداهما أن أبا وائل روى عن معاذ بن جبل قال قال لي النبي صلى الله عليه و سلم ألا أدلك على أعمال الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى يعملون
والجهة الأخرى أنه جل وعز قال فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين
حدثنا محمد بن أحمد يعرف بالجريجي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن السلمي قال حدثنا عمرو بن عبدالوهاب قال حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن

النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ من قرات أعين فهذه بصلاة الليل أشبه لأنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفي
روى أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قال ربكم أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وقوله جل وعز أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا
روى أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في رجلين من قريش إلى تمام الآيات الثلاث

وقال ابن أبي ليلى نزلت في علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ورجل من قريش
وقيل نزلت في علي عليه السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط
فشهد الله جل وعز لعلي بن أبي طالب بالإيمان وأنه في الجنة
فقال جل وعز أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى
وجاء على الجمع لأن الاثنين جماعة ويكون لجميع المؤمنين وإن كان سبب النزول مخصوصا لإبهام من

وقوله جل وعز ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون آية 21
روى أبو الضحى عن مسروق عن عبدالله بن مسعود ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال يوم بدر لعلهم يرجون لعلى من تقى منهم يتوب
وروى إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبدالله ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال سنون أصابت قوما قبلكم
وروى عكرمة عن ابن عباس ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال الحدود

وقال علقمة والحسن وأبو العالية والضحاك قالوا المصيبات في الدنيا
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال القتل والجوع لقريش في لدنيا
دون العذاب الأكبر يوم القيامة في الآخرة وروى أبو يحيى عن مجاهد قال العذاب الأدنى عذاب القبر وعذاب الدنيا
وروى الأعمش عن مجاهد قال المصيبات
وهذه الأقوال ليست بمتناقضة وهي ترجع إلى أن معنى الأدنى ما كان قبل يوم القيامة

وقوله جل وعز ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه
قيل الهاء للكتاب واسم موسى صلى الله عليه و سلم مضمر
والمعنى الهاء لموسى وحذف الكتاب لأنه تقدم ذكره وهذا أولى
والمعنى فلا تكن في شك من تلقي موسى الكتاب بالقبول ومخاطبة النبي صلى الله عليه و سلم مخاطبة لجميع الناس
ويجوز أن يكون المعنى قل لهذا الشاك
ويجوز أن يكون المعنى فلا تكن في شك من تلقي هذا الخبر بالقبول
قال قتادة معنى ذلك فلا تكن في شك من أنك لقيته أو تلقاه ليلة أسري به

واختار هذا القول بعض أهل العلم لأن ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة الحديث
فالتقدير على هذا فلا تكن في مرية من لقائه أنه قد رأى موسى ليلة أسري به
وتأول وجعلناه بمعنى وجعلنا موسى هدى أي رشادا لبني إسرائيل يرشدون باتباعه ويصيبون الحق بالاقتداء به
وقد روى سعيد عن قتادة وجعلناه هدى لبني إسرائيل قال جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل

وقوله جل وعز أو لم نهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون
أي أولم نبين لهم
وقوله جل وعز أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز
قال مجاهد هي الأرض التي لا تنبت
قال الضحاك هي الأرض التي لا نبات بها
قال أبو جعفر الجرز في اللغة الأرض اليابسة المحتاجة إلى الماء التي ليس فيها نبات كأنها أكلت ما فيها ومنه قيل رجل جروز إذا كان أكولا

وقوله جل وعز ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين آية 28
قال مجاهد هو يوم القيامة
وقال قتادة الفتح القضاء
وقال الفراء والقتبي فتح مكة
قال أبو جعفر والقول الأول أولى لقوله تعالى قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم
وسمى فتحا لأن الله جل وعز يفتح فيه على المؤمنين

أو لأن القضاء فيه كما قال تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق أي اقض ثم قال جل وعز فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون
ثم نسخ هذا بالأمر بالقتال
انتهت سورة السجدة

تفسير سورة الأحزاب مدنية
وآيا تها 73 آية

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب مدنية
قال ابن عباس وهي مدنية من ذلك قوله جل وعز يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين
معناه اثبت على تقوى الله كما قال سبحانه يا أيها الذين آمنوا آمنوا ثم قال جل وعز إن الله كان عليما حكيما أية 29 آية 4
أي عليما بما يكون قبل أن يكون حكيما فيما يخلقه قبل أن يخلقه

وقوله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه آية 4
قال أبو جعفر في معنى هذا ونزوله ثلاث أقوال
فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قال قتادة كان رجل لا يسمع شيئا إلا وعاه فقال الناس ما يعي هذا إلا أن له قلبين فكان يسمى ذا القلبين فقال الله عز و جل ما جعل الله لرجل من قلبين
قال معمر وقال الحسن كان رجل يقول إن نفسا تأمرني بكذا ونفسا تأمرني بكذا فقال الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه
وروى أبو هلال عن عبد الله بن بريدة قال كان في الجاهلية رجل يقال له ذو قلبين فأنزل الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قال رجل من بني فهر إن في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه و سلم وكذب
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو أن

الآية نزلت في رجل بعينه ويقال إن الرجل عبدالله بن خطل
والقول الثاني قول ضعيف لا يصح في اللغة وهو من منقطعات الزهري رواه معمر عنه في قوله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه قال بلغنا أن ذلك في شأن زيد بن حارثة ضرب له مثلا يقول ليس ابن رجل آخر ابنك
والقول الثالث أصحها وأعلاها إسنادا وهو جيد الإسناد قرئ على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه قال قلنا لابن عباس أرأيت قول الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في

جوفه ما عني بذلك قال كان نبي الله يوما يصلي فخطر خطرة فقال النافقون الذين يصلون معه ألا ترون أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه
قال أبو جعفر وهذا أولى الأقوال في الآية لما قلنا
والمعنى ما جعل الله لرجل قلبا يحب به وقلبا يبغض به وقلبا يؤمن به وقلبا يكفر به
ثم قرن بهذا ما كان المشركون يطلقون به مما لا يكون فقال وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم

وهو لفظ مشتق من الظهر
وقرأ الحسن تظاهرون وأنكر هذه القراءة أبو عمرو بن العلاء وقال إنما يكون هذا من المعاونة
قال أبو جعفر وليس يمتنع شيء من هذا لاتفاق اللفظين ويدل على صحته الظهار ثم قال جل وعز وما جعل أدعياءكم أبناءكم
أي ما جعل من تبنيتموه واتخذتموه ولدا بمنزلة الولد في الميراث
قال مجاهد نزل هذا في زيد بن حارثة

ثم قال جل وعز ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل آية 4
أي هو شيء تقولونه على التشبيه وليس بحقيقة
والله يقول الحق أي لا يجعل غير الولد ولدا
وهو يهدي السبيل أي سبيل الحق ثم قال جل وعز ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله آية 5
روى سالم عن ابن عمر قال ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لآبائهم
ثم قال جل وعز هو أقسط عند الله أي أعدل وقوله جل وعز فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم

أي فقولوا يا أخي في الدين
ومواليكم أي بنو عمكم أو أولياؤكم في الدين ثم قال جل وعز وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم
في معناه ثلاثة أقوال
قال مجاهد فيما أخطأتم به قبل النهي في هذا وفي غيره
ولكن ما تعمدت قلوبكم بعد النهي في هذا وفي غيره
وقيل فيما أخطأتم به أن يقول له يا بني في المخاطبة على غير تبن

وقال قتادة هو أن تنسب الرجل إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه
وهذا أولاها وأبينها وقوله جل وعز النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
روى جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما رجل مات وترك دينا فإلي وإن ترك مالا فلورثته
وحقيقة معنى الآية والله جل وعز أعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم إذا أمر بشيء أو نهى عنه ثم خالفته النفس كان أمر النبي صلى الله عليه و سلم ونهيه أولى بالاتباع من الناس

ثم قال جل وعز وأزواجه أمهاتهم آية 6
أي هن في الحرمة بمنزلة الأمهات في الإجلال ولا يتزوجن بعده صلى الله عليه و سلم
وروي أنه إنما فعل هذا لأنهن أزواجه في الجنة ثم قال جل وعز وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا
قال مجاهد أي إلا أن توصوا لمن حالفتموه من المهاجرين والأنصار وكان رسول الله آخى بين المهاجرين وهذا قول بين لأنه بعيد أن يقال للمشرك ولي
وقال ابن الحنفية والحسن وعطاء في قوله تعالى

إلا أن تمعلوا إلى أوليائكم معروفا أن يوصي لذي قرابته من المشركين
قال الحسن هو وليك في النسب وليس بوليك في الدين ثم قال جل وعز كان ذلك في الكتاب مسطورا
قال قتادة أي مكتوبا عند الله جل وعز لا يرث كافر مسلما
قال أبو جعفر يجوز أن يكون المعنى حل ذلك في الكتاب أي في القرآن
ويجوز أن يكون ذلك قوله وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وقوله جل وعز وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم

قال مجاهد هذا في ظهر آدم صلى الله عليه و سلم
وقال قتادة أخذنا ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضا وقوله جل وعز ليسأل الصادقين عن صدقهم
أي ليسأل الصادقين من الرسل توبيخا لمن كذبهم كما قال جل وعز أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله
وقيل ليسأل الصادقين عن صدقهم هل كان لله جل وعز
وقيل ليثابوا عليه وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود آية 9
قال مجاهد جاءهم أبو سفيان وعيينة بن بدر وبنو قريظة وهم الأحزاب

ثم قال جل وعز فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها
روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هي الصبا كفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ثم قال جل وعز وجنودا لم تروها آية 10
قال مجاهد الملائكة ولم تقاتل يومئذ يوم الأحزاب وقوله جل وعز إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم
قال محمد بن إسحق الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة

والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان ثم قال جل وعز وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر آية 10
روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال بلغ فزعها
وقال قتادة شخصت عن مواضعها فلولا أن الحلوق ضاقت عنها لخرجت
وقيل كادت تبلغ قال أبو جعفر وأحسن هذه الأقوال القول الأول أي بلغ وجيفها من شدة الفزع الحلوق فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب وقوله جل وعز هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا أية 11

قال مجاهد أي محصوا
ثم قال وزلزلوا زلزالا شديدا أي أزعجوا وحركوا ثم قال جل وعز وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا آية 12
قال قتادة قال قوم من المنافقين وعدنا محمد أن نفتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يقدر أن يجاوز رحله ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

ثم قال جل وعز وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا
وقرأ أبو عبد الرحمن والأعرج لا مقام لكم بضم الميم
قال أبو جعفر المقام بالفتح الموضع الذي يقام فيه والمصدر من قام يقوم
والمقام بالضم بمعنى الإقامة والموضع من أقام هو وأقامه غيره ثم قال جل وعز ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة
قال ابن اسحق هو أوس بن قيظي الذي قال إن بيوتنا عورة عن ملأ من قومه
وقرأ يحيى بن يعمر وأبو رجاء عورة بكسر الواو

يقال أعور المنزل إذا ضاع أو لم يكن له ما يستره أو سقط جداره
فالمعنى إن بيوتنا ضائعة متهتكة ليس لها من يحفظها فأعلم الله جل وعز أنها ليست كذلك وأن العدو لا يصل إليها لأن الله جل وعز يحفظها
قال مجاهد أي نخاف أن تسرق
ويقال للمرأة عورة فيجوز أن يكون المعنى إن بيوتنا ذات عورة فأكذبهم الله جل وعز
قال قتادة قال قوم من المنافقين إن بيوتنا عورة وإنا نخاف على أهلينا فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم إليها فلم يوجد فيها أحد
ويجوز أن يكون عورة مسكنا من عورة

ثم قال جل وعز إن يريدون إلا فرارا آية 13
أي عن نصرة النبي ثم قال جل وعز ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سألوا الفتنة لأتوها آية 14
قال الحسن من أقطارها أي من نواحيها
قال غيره نواحي البيوت
ثم سئلوا الفتنة لأتوها أي لقصدوها وجاءوها
قال الحسن الفتنة ههنا الشرك
وقرئ لآتوها

قال الحسن أي لأعطوها من أنفسهم
قال غيره كما روي في الذين عذبوا أنهم أعطوا ما سئلوا في النبي صلى الله عليه و سلم إلا بلالا ثم قال جل وعز وما تلبثوا بها إلا يسيرا
قال القتبي أي بالمدينة وقوله جل وعز وإذا لا تمتعون إلا قليلا
قال مجاهد والربيع بن خيثم في قوله وإذا لا تمتعون إلا قليلا ما بينهم وبين الأجل وقوله جل وعز قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا آية 18

قال قتادة هم قوم من المنافقين قالوا ما أصحاب محمد عندنا إلا أكلة رأس ولن يطيقوا أبا سفيان وأصحابه فهلم إلينا ثم قال جل وعز ولا يأتون البأس إلا قليلا
أي إلا تعذيرا ثم قال جل وعز أشحة عليكم فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد
أي أشحة عليكم بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم
فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أي بالغوا في الاحتجاج عليكم

وقال قتادة سلقوكم بطلب الغنيمة
وهذا قول حسن لأن بعده أشحة على الخير
وعن ابن عباس استقبلوكم بالأذى
وقال يزيد بن رومان سلقوكم بما تحبون نفاقا منهم
يقال خطيب مسلاق وسلاق أي بليغ ثم قال جل وعز أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا آية 19
أي أشحة على الغنيمة
أولئك لم يؤمنوا وإن كانوا قد أظهروا الإيمان فإن اعتقادهم غير ذلك وقوله جل وعز يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب آية 20

أي يحسبون الأحزاب لم يذهبوا لجبنهم
وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب المعنى إنهم لفزعهم ورعبهم إذا جاء من يقاتلهم ودوا أنهم بادون في الأعراب
وقرأ طلحة بن مصرف يودوا لو أنهم بذا في الأعراب بدا
والمعنى واحد وهو جمع باد كما يقال غزا وغزى ثم خبر تعالى بما يقول المؤمنون فقال ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله
وقيل الذي وعدهم في قوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة

ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء كذا قال قتادة
وقال يزيد بن رومان الأحزاب قريش وغطفان وقوله جل وعز من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
يقال صدقت العهد أي وفيته ثم قال جل وعز فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا آية 23
روى سعيد بن مسروق عن مجاهد قال نحبه عهده
وروى خصيف عن عكرمة عن ابن عباس فمنهم من قضى نحبه
قال مات على ما عاهد عليه ومنهم من ينتظر ذلك

قال أبو جعفر حكى أهل اللغة أن النحب العهد والنفس والخطر العظيم
وأشهرها أن النحب العهد كما قال مجاهد
ويصححه أنه يروى أن قوما جعلوا على أنفسهم إن لاقوا العدو أن يصدقوا القتال حتى تقبلوا أو يفتح الله جل وعز عليهم
فالمعنى فمنهم من قضى أجله وسمي الأجل عهدا لأنه على العهد كان أو قضى عهده

ثم قال تعالى وما بدلوا تبديلا
أي وما بدلوا دينهم تبديلا ثم قال جل وعز ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا
قال مجاهد أبا سفيان وأصحابه ثم قال جل وعز وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم
أي أعاونهم من أهل الكتاب
قال مجاهد بني قريظة من صياصهم من قصورهم
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة من صياصيهم من حصونهم
قال أبو جعفر والقصور قد يتحصن بها وأصل الصيصية

في اللغة ما يمتنع به ومنه قيل لقرون البقر صياصي ومنه قوله ... كوقع الصياصي في النسيج الممدد ...
يقال جذ الله صيصته أي أصله وقوله جل وعز وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها آية 27
قال الحسن فارس والروم
وقال قتادة مكة
وقال ابن اسحق خيبر
وقال أبو جعفر وهذه كلها قد أورثها الله جل وعز المسلمين
إلا أن الأشبه بالمعنى أن تكون خيبر والله أعلم

روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة في قوله تعالى وأرضا لم تطئوها قال ما يفتح على المسلمين إلى يوم القيامة 39 - وقوله جل وعز يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا آية 2 ث 8
روى يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ومعمر عن عروة عن عائشة قالت لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قال وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه ثم تلا يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فقلت أو في هذا استأمر أبوي فإني أختار الله جل وعز ورسوله والدار الأخرة

قال يونس في حديثه وفعل أزواجه كما فعلت فلم يكن ذلك طلاقا لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرهن فاخترنه وقوله جل وعز يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين
فرق أبو عمرو بين يضعف و يضاعف قال يضاعف للمرار الكثيرة ويضعف مرتين وقرأ يضعف لهذا
وقال أبو عبيدة يضاعف لها العذاب يجعل ثلاثة أعذبة

قال أبو جعفر التفريق الذي جاء به أبو عمرو لا يعرفه أحد من أهل اللغة علمته والمعنى في يضاعف و يضعف واحد أي يجعل ضعفين أي مثلين كما تقول إن دفعت إلي درهما دفعت إليك ضعفيه أي مثليه يعني درهمين ويدل على هذا نؤتها أجرها مرتين فلا يكون العذاب أكثر من الأجر
وقال في موضع آخر ربنا آتهم ضعفين من العذاب أي مثلين
وروى معمر عن قتادة يضاعف لها العذاب ضعفين
قال عذاب الدنيا وعذاب الآخرة

وقوله جل وعز ومن يقنت منكن لله ورسوله
ومعناه من يطع
قال قتادة كل قنوت في القرآن طاعة
وقال وأعتدنا لها رزقا كريما الجنة وقوله جل وعز فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض آية 32
يقال خضع في قوله إذا لان ولم يبين
ويبينه قوله تعالى ي وقلن قولا معروفا أي بينا ظاهرا
قال قتادة والسدي فيطمع الذي في قلبه مرض أي شك ونفاق
قال عكرمة هو شهوة الزنى

وقوله جل وعز وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى
هو من وقر يقر وقارا في المكان إذا ثبت فيه وفيه قول آخر
قال محمد بن يزيد هو من قررت في المكان أقر والأصل واقررن جاء على لغة من قال في مسست مست حذفت الراء الأولى وألقيت حركتها على القاف فصار وقرن
قال ومن قرأ وقرن فقد لحن
قال أبو جعفر يجوز أن يكون وقرن من قررت به عينا أقر فيكون المعنى واقررن به عينا في بيوتكن

ثم قال جل وعز ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى آية 33
روى علي بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال الجاهلية الأولى ما بين إدريس ونوح صلى الله عليهما
وروى عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال ستكون جاهلية أخرى
وروى هشيم عن زكريا عن الشعبي قال الجاهلية الأولى ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما

قال مجاهد كان النساء يتمشين بين الرجال فذلك التبرج
وقال ابن أبي نجيح هو التبختر
قال أبو جعفر التبرج في اللغة هو إظهار الزينة وما تستدعى به الشهوة وكان هذا ظاهرا بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وكان ثم بغايا يقصدن وقوله جل وعز إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
قال عطية حدثني أبو سعيد الخدري قال حدثتني أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيت وكنت جالسة على الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت قال إنك إلى خير وأنت من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وكان في البيت النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم

وقوله جل وعز واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة
قال قتادة أي القرآن والسنة
وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت
قلت يا رسول الله أرى الله جل وعز يذكر الرجال ولا يذكر النساء فنزلت إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات وقوله جل وعز والحافظين فروجهم والحافظات آية 35

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5