كتاب : إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع
المؤلف:الإمام الشاطبي

وحرم مفعول وسكن أي صحبة راء هذا اللفظ وقبله كسر الحاء وبعده حذف الألف وهو المعبر عنه بالقصر وقراءة الباقين وحرام بفتح الحاء والراء وإثبات الألف وحرم وحرام لغتان كحل وحلال يريد قوله تعالى-وحرام على قرية أهلكناها وأما-وكذلك ننجي المؤمنين-فكتبت في المصحف بنون واحدة فقرأه ابن عامر وأبو بكر كذلك ، فهذا معنى قوله احذف أي احذف نونه الثانية كما قال في سورة يوسف وثان ننج احذف وكلا الموضعين كتب بنون واحدة ، وقوله وثقل يعني شدد الجيم وباقي القراء بنونين وتخفيف الجيم من أنجى ينجي وقراءة ابن عامر وأبي بكر من نجى ينجي كما قال قبله-ونجيناه من الغم-واختار أبو عبيد هذه القراءة وضعفها النحاة وعسر تخريج وجهها على معظم المصنفين ، قال أبو عبيد هذه القراءة أحب إلي لأنا لا نعلم المصاحف في الأمصار كلها كتبت إلا بنون واحدة ثم رأيتها في الذي يسمى للإمام مصحف عثمان بن عفان أيضا بنون واحد وقال إنما قرأها عاصم كذلك اتباعا للخط وقد كان بعضهم يحمله من عاصم على اللحن ، قال ابن مجاهد قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر نجى بنون واحد مشدد الجيم على ما لم يسم فاعله قال وروي عن أبي عمرو نجى مدغمة قال وهذا وهم لا يجوز ههنا الإدغام لأن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة والنون لا تدغم في الجيم وإنما خفيت النون لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب وهي في اللفظ ثابتة ومن قال إنها مدغمة فقد غلط قال الزجاج أما ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له لأن ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل ، قال وقد قال بعضهم المعنى نجى النجاء المؤمنين وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم لا يجوز ضرب زيدا يريد ضرب الضرب زيدا لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أن الذي ضربه ضرب فلا فائدة في إضماره وإقامته مقام الفاعل وإنما قال الزجاج ذلك لأن الفراء وأبا عبيد تحيلا في تخريج وجه هذه القراءة على هذا قال الفراء القراء يقرءونها بنونين وكتابتها بنون

واحدة وذلك لأن النون الثانية ساكنة ولا تظهر الساكنة على اللسان فلما خفيت حذفت وقد قرأها عاصم فيما أعلم بنون واحدة ونصب المؤمنين كأنه احتمل اللحن لا يعرف لها جهة إلا تلك لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر في نجى فنوى به الرفع ونصب المؤمنين فيكون كقوله ضرب الضرب زيدا ثم يكنى عن الضرب فتقول ضرب زيدا وكذلك نجى النجاء المؤمنين وقال أبو عبيد الذي عند نافيه أنه ليس بلحن وله مخرجان في العربية ، أحدهما أن يريد ننجي مشددة لقوله-ونجيناه من الغم-ثم تدغم الثانية في الجيم ، والمخرج الآخر أن يريد نجى فعل فيكون معناه نجى النجاء المؤمنين فيكون نصب المؤمنين على هذا ثم ترسل الياء فلا ينصبها ، قلت الوجه للثاني قد أبطله الزجاج على ما سبق والأول فاسد لأنه قدر الكلمة مشددة الجيم ثم جوز أن تدغم النون الثانية في الجيم ولا يتصور الإدغام في حرف مشدد ولم يكن له حاجة إلى تقدير الكلمة مشددة الجيم بل لو ادعى أن الأصل ما قرأ به الجماعة بتخفيف الجيم ثم زعم الإدغام لكان أقرب على أنه أيضا ممتنع قال النحاس هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد النون من الجيم فلا تدغم فيها فلا يجوز في-من جاء بالحسنة-مجاء بالحسنة وقال الزمخشري النون لا تدغم في الجيم ومن تمحل لصحته فجعله فعل وقال نجى النجاء المؤمنين فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره فمتعسف بارد التعسف ، قلت ومعنى قولهم أرسل الياء أي أسكنها وقال مكي فيه بعد من وجهين ، أحدهما أن الأصل أن يقوم المفعول مقام الفاعل دون المصدر ، والثاني أنه كان يجب فتح الياء من نجى لأنه فعل ماض قال وقيل إن هذه القراءة على طريق إخفاء النون في الجيم قلت وهذا تأويل أبي علي في الحجة ، قال مكي وهذا أيضا بعيد ، لأن الرواية بتشديد الجيم والإخفاء لا يكون معه تشديد قال وقيل أدغم النون في الجيم وهذا أيضا لا نظير له لا يدغم النون في الجيم في شيء من كلام العرب لبعد ما

بينهما وإنما تعلق من قرأ هذه القراءة بأن هذه اللفظة في المصاحف بنون واحدة قال فهذه القراءة إذا قرئت بشد الجيم وضم النون وإسكان الياء غير ممكنة في العربية قال أبو علي فأما قول من قال إنه يسند الفعل إلى المصدر ويضمر لأن الفعل دل عليه فذلك مما لا يجوز في ضرورة الشعر والبيت الذي أنشده ابن قتيبة ، (ولو ولدت فقيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا) ، لا يكون حجة في هذه القراءة وإنما وجهها ما ذكرنا لأن الراوي حسب الإخفاء إدغاما ، قال الشيخ واحتجوا لإسكان الياء بقراءة الحسن ، (وذروا ما بقي من الربا) ، ويقول النابغة ردت عليه أقاضيه وليده قال وقد قرأ أبو جعفر ليجزي قوما أي ليجزي الجزاء قوما قلت وكل هذا استدلال بقراءات ضعيفة شاذة وبضرورات شعر وكل ذلك مما يشهد بضعف هذه القراءة وعجبت ممن يذكرها ويترك غيرها مما هو شائع لغة نقلا وموافق خطا نحو-ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون-ذكر ابن مجاهد رواية عن أبي عمرو بياء مضمومة ورواية عن ابن عامر بتاء مفتوحة مع كسر الجيم وأجود ما وقفت عليه في توجيه هذه القراءة ما نقله أبو جعفر النحاس قال لم أسمع في هذا بأحسن من شيء سمعته من علي ابن سليمان قال الأصل ننجي فحذف إحدى النونين لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى-ولا تفرقوا-الأصل تتفرقوا قال والدليل على صحة ما قال أن عاصما يقرأ نجى بإسكان الياء ولو كان على ما تأوله من ذكرنا لكان مفتوحا وقال أبو الفتح ابن جني في كتاب الخصائص في باب امتناع العرب من الكلام بما يجوز في القياس أجاز أبو الحسن ضرب الضرب الشديد زيدا وقتل يوم أخاك قال هو جائر في القياس وإن لم يرد به الاستعمال ثم أنشد ابن جني ، (لسب بذلك الجرو الكلابا ) قال هذا من أقبح الضرورة ومثله لا يعتد به أصلا بل لا يثبت إلا محتقرا شاذا قال وأما قراءة من قرأ-وكذلك نجى المؤمنين-فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل لأنه عندنا على حذف

إحدى نوني ننجي كما حذف ما بعد حرف المضارعة في قوله تعالى-تذكرون-أي تتذكرون ويشهد لذلك أيضا سكون لام نجى ولو كان ماضيا لانفتحت اللام إلا في الضرورة وقال في كتاب المحتسب روى عن ابن كثير وأهل مكة-ونزل الملائكة تنزيلا-يعني في سورة الفرقان قال وكذلك روى خارجة عن أبي عمرو قال أبو الفتح ينبغي أن يكون محمولا على أنه أراد-وننزل الملائكة-إلا أنه حذف النون الثانية التي هي فاء فعل لالتقاء النونين استخفافا وشبهها بما حذف من أحد المثلين الزائدين في نحو قولك أنتم تفكرون وتظهرون وأنت تريد تتفكرون وتتظهرون ، قال ونحوه قراءة من قرأ وكذلك نجى المؤمنين ألا تراه يريد ننجي فحذف النون الثانية وإن كانت أصلا لما ذكرنا قلت ونقل هذه القراءة وتعليلها المذكور الزمخشري في تفسيره وذكره المهدوي في قراءة ننجي المؤمنين وهو وجه سديد غريب لا تعسف فيه ويشهد له أيضا حذف إحدى النونين من أتحاجوني وتبشروني وتأمروني وتأمروني أعبد وعجبت من شيخنا أبي الحسن رحمه الله كيف لم ينقل هذا التعليل في شرحه مع كونه في إعراب النحاس وهو كثير الأخذ منه وقراءة الجماعة ننجي بنونين الثانية ساكنة وبتخفيف الجيم من الإنجاء وقبله ونجيناه من الغم بالتشديد جمعا بين اللغتين كما جمع بينهما في كثير من القرآن نحو (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) ، (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة) ، وقول الناظم كذى صلا إشارة إلى النظر والفكرة في وجه هذه القراءة أي كن في الذكاء والبحث كذى صلا وقد سبق تفسيره ويقال بكسر الصاد وفتحها والله أعلم
(892)
وَلِلْكُتُبِ اجْمَعْ (عَـ)ـنْ (شَـ)ـذاً وَمُضَافُهَا مَعِي مَسَّنِي إِنِّي عِبَادِيَ مُجْتَلاَ

أي عن ذي شذا يريد-كطي السجل للكتاب-فالقراءة دائرة بين الجمع والإفراد قد سبق لهما نظائر فالكتب جمع كتاب والكتاب في الأصل مصدر كتب كتابا مثل بنى بناء ثم قيل للمكتوب كتاب وقد اختلف في معنى السجل فقيل هو ملك يطوى صحائف بني آدم وقيل كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم فالمعنى على هذين القولين ظاهر أي كما يطوى السجل الكتاب أو الكتب ، فالمفرد اسم جنس يغني عن الجمع فهو واحد يراد به الكثرة واللام في الكتب أو للكتاب زائدة وحسنها اتصالها بمعمول المصدر تقوية لتعديته نحو عرفت ضرب زيد لعمرو والأصل ضرب زيد عمرا فكهذا هنا كطي السجل للكتاب فإضافة طي إلى السجل من باب إضافة المصدر إلى فاعله وقيل إن السجل هو اسم الصحيفة فيكون المصدر مضافا إلى مفعوله نحو (بسؤال نعجتك إلى نعاجه) ، والمعنى كطي الصحيفة للكتابة فيها أو لأجل المكتوب فيها قال قتادة كطي الصحيفة فيها الكتب قال أبو علي كطي الصحيفة مدرجا فيه الكتب أي لدرج الكتب فيها فإن كان الجمع للمكتوب فظاهر وإن كان للمصدر فلأجل اختلاف أنواعه وقول الناظم مجتلا خبر قوله ومضافها ومع وما بعده عطف بيان لمضافها أو صفة له على تقدير الذي هو كذا وكذا وأراد هذا ذكر من معي فتحها حفص وحده-إني إله من دونه-فتحها نافع وأبو عمرو مسني الضر عبادي الصالحون سكنهما حمزة والله أعلم
سورة الحج
(893)
سُكَارى مَعاَ سَكْرى (شَـ)ـفاَ وَمُحَرِّكٌ لِيَقْطَعْ بِكَسْرِ الَّلامِ (كَـ)ـمْ (جِـ)ـيدُهُ (حَـ)ـلاَ

يريد-وترى الناس سكارى وما هم بسكارى-قرأهما حمزة والكسائي سكرى كلاهما جمع سكران وأجمعوا على (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) ، ونظير القراءتين أسارى وأسرى كما سبق في الأنفال والبقرة وجمع سكران على سكارى بضم السين السين وبالألف بعد الكاف هو القياس كعجلان وعجالى وكسلان وكسالى ، وإنما جمع على سكرى بفتح السين والقصر حملا له على فعيل بمعنى مفعول إذا كان ذا آفة وبلية فحمل سكران عليه لملاقاته إياه في المعنى كجرحى وقتلى ، ونظيره قولهم روبان وروبى وهو الذي سكر من شرب اللبن الرائب والمختلط من كثرة السير والتعب قال الشاعر ، (فأما تميم تميم بن مر فألقاهم القوم روبى نياما) ، قال سيبويه قالوا رجل سكران وقوم سكرى وذلك لأنهم جعلوه كالمرضى ، قال وقالوا رجال روبي جعلوه بمنزلة سكرى والروبى الذين قد استثقلوا نوما فشبهوه بالسكران ، قال أبو علي ويجوز أن يجمع سكران على سكرى من وجه آخر وهو أن سيبويه حكى رجل سكر وقد جمعوا هذا البناء على فعالى فقالوا هرم وهرمى وزمن وزمنى وضمن وضمنى لأنه من باب الأدواء والأمراض التي يصاب بها وأما كسر اللام في ثم ليقطع فهو الأصل لأنها لا أمر فهي مكسورة بدليل أنها إذا لم يدخل عليها أحد الحروف الثلاثة الفاء والواو وثم لا تكون إلا مكسورة وهذه الحروف إذ اتصلت بها فمنهم من سكنها تخفيفا لتوسطها باتصال حرف العطف بها واتصال الفاء والواو بها أشد من اتصال ثم لأن ثم كلمة مستقلة بخلافهما فإنهما يصيران إذا اتصلا بكلمة كأنهما بعض حروفها فلهذا يسكن مع الفاء والواو من لا يسكن مع ثم وذلك نظير ما سبق في أول البقرة في إسكان فهو وهو ثم هو والفاء أشد اتصالا من الواو لأنها متصلة لفظا وخطا والواو منفصلة خطا فلهذا اتفق القراء على إسكان اللام مع الفاء نحو "فليمدد، فلينظر" واختلفوا مع الواو وثم كما يأتي فإسكانها مع الفاء أحسن ومع ثم أبعد ومع الواو متوسط فإن قلت فلم اختلف القراء في ترك الإسكان مع

الفاء في فهو وفهي وأجمعوا على إسكان اللام مع الفاء قلت لخفة الكلمتين لقلة حروفهما بخلاف ما دخل عليه لام الأمر فإنها أكثر حروفا فناسبت التخفيف ولهذا كان الأكثر على الإسكان هنا مع الواو ومع ثم وفي وهو وفهو الأكثر على التحريك وتقدير البيت وليقطع محرك بكسر اللام وميزكم محذوف ، أي كم مرة "حلا جيده" والجيد العنق
(894)
لِيُوفُوا ابْنُ ذَكْوَانٍ لِيَطَّوَّفُوا لَهُ لِيَقْضُوا سِوى بَزِّيِّهِمْ (نَفَرٌ جَـ)ـلاَ
أراد ليوفوا نذورهم وليطوفوا لم يكسرهما سوى ابن ذكوان وأجمعوا على إسكان (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) ، في البقرة وفي النور (وليضربن بخمرهن) ، وأما ثم ليقضوا تفثهم فهو بعد ثم فكسر اللام أبو عمرو وابن عامر وقنبل وورش لأنه استثنى البزي من نفر ومدلول نفر ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ورمز مع نفر لورش بقوله "جلا" فكسر قنبل ليقضوا ولم يكسر ليقطع جمعا بين اللغتين إعلاما بجوازهما
(895)
وَمَعْ فَاطِرَ انْصِبْ لُؤْلُؤاً (نَـ)ـظْمُ (إِ)لْفَةٍ وَرَفْعَ سَوَاءَ غَيْرُ حَفْصٍ تَنَخَّلاَ

أي انصب لؤلؤا هنا مع حرف فاطر يريد (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا) ، فوجه الخفض العطف على "أساور من ذهب" ووجه النصب العطف على موضع من أساور أو على تقدير ويحلون لؤلؤا ورسم بالألف في الحج خاصة دون فاطر والقراءة نقل فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى وليس اتباع الخط بمجرده واجبا ما لم يعضده نقل فإن وافق فيها ونعمت ذلك نور على نور ، قال الشيخ وهذا الموضع أدل دليل على اتباع النقل في القراءة لأنهم لو اتبعوا الخط وكانت القراءة إنما هي مستندة إليه لقرءوا هنا بألف وفي الملائكة بالخفض ، قال أبو عبيد ولولا الكراهة لخلاف الناس لكان اتباع الخط أحب إلي فيكون هذا بالنصب والآخر بالخفض وقول الناظم نظم ألفه مصدر وقع وصفا للؤلؤ وحسن ذكر النظم مع ذكر اللؤلؤ وهو إشارة إلى الائتلاف الواقع للمؤمنين في الجنة كقوله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا) ، الآية جعلنا الله تعالى بكرمه منهم وقوله ورفع سواء مفعول قوله "تنخلا" أي غير حفص تنخل أي اختار رفع-سواء العاكف فيه-وحفص وحده نصبه فوجه رفعه أنه خبر والعاكف مبتدأ والجملة ثاني مفعولي جعلناه ونصبه على أن يكون هو المفعول الثاني فالعاكف فاعل لأنه مصدر أي مستويا فيه العاكف والبادي ويجوز أن يكون حالا من الهاء في جعلناه وللناس هو المفعول الثاني أي جعلناه لهم في حال استواء العاكف فيه والبادي فيه وعند هذا يجوز أن يكون حالا من الذكر في المستقر
(896)
وَغَيْرُ (صِحَابٍ) فِي الشَّرِيَعةِ ثُمَّ وَلْيُوَفُّوا فَحَرِّكْهُ لِشُعْبَةَ أَثْقَلاَ

أي وغير صحاب اختاروا رفع الذي في الشريعة يعني في سورة الجاثية وهو-سواء محياهم ومماتهم-لنصبه مع حفص حمزة والكسائي على الحال ومحياهم فاعله ورفع الباقون على أنه خبر مقدم والجملة بدل من الكاف في-كالذين آمنوا-فهي في موضع نصب على المفعولية وقرأ شعبة-وليوفوا نذورهم-بفتح الواو وتشديد الفاء من "وفي" والباقون من "أوفى" وهما لغتان وهذا كالخلاف في (ولتكملوا العدة) ، في البقرة فقرأ شعبة هنا كما قرأ ثم ونبه الناظم هنا على فتح ما قبل المشدد ولم ينبه على ما سبق ذكره "وأثقلا" حال من الهاء في فحركه أي ثقيلا وقوله ثم لإقامة الوزن وأجمعوا على-أوفوا بالعقود-بالألف-وإبراهيم الذي وفى- بالتشديد و(اليوم أكملت لكم دينكم) بالألف
(897)
فَتَخْطَفُهُ عَنْ نَافِعٍ مِثْلُهُ وَقُلْ معاً مُنْسَكاً بالكَسْرِ فِي السِّينِ (شُـ)ـلْشُلاَ
أي وليوفوا في تحريك الخاء بالفتح وتشديد الطاء والأصل "فتتخطفه الطير" حذفت إحدى التاءين قال الجوهري اختطفه وتخطفه بمعنى وقراءة الباقين من خطف يخطف وتعسف بعضهم في توجيه قراءة نافع وجها ذكره الشيخ في شرحه لا حاجة إليه والنسك بالفتح يقال في المصدر واسم الزمان والمكان وهو جار على القياس والكسر لغة فيه وتقدير البيت وقل مسرعا منسكا مستقر بالكسر في السين معا يعني في موضعين-وكل أمة جعلنا منسكا-ليذكر اسم الله-لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه)
(898)
وَيُدْفَعُ (حَـ)ـقٌّ بَيْنَ فَتْحَيْهِ سَاكِنٌ يُدَافِعُ وَالْمَضْمُومُ فِي أَذِنَ (ا)عْتَلاَ

يريد إن الله يدفع فقوله "ويدفع" حق جملة من مبتدأ وخبر أي قراءة "يدفع حق" ثم قيد هذه القراءة بقوله بين فتحيه ساكن يعني سكون الدال بين فتح الياء والفاء لأن القراءة الأخرى لا تعلم من ضد هذا القيد فاحتاج إلى بيانها بقوله يدافع فحذف المضاف للعلم به ولم تكن له حاجة إلى تقييد قراءة يدفع لأنه قد لفظ بالقراءتين وكان له أن يقول ، (ويدفع حق في يدافع وارد وفي إذن اضمم ناصرا أنه حلا) ، ومن بعد هذا الفتح في نا يقاتلون فيتصل رمز أذن في بيت واحد وقد مضى الكلام في سورة البقرة في مصدر هذين الفعلين-ولولا دفع الله-ودفاع لله ومثله هنا أيضا فقراءة نافع يدافع موافقة لقراءة دفاع وقراءة ابن كثير وأبي عمرو يدفع لقراتهما "ولولا دفع الله" والباقون جمعوا بينهما فقرءوا "يدافع" "ولولا دفع" إشعارا بتقاربهما في المعنى فإن المراد من يدافع يدفع فهو من باب طارقت النعل وعاقبت اللص وعافاه الله ثم تممم الكلام في أذن فقال
(899)
(نَـ)ـعَمْ (حَـ)ـفِظُوا وَالْفَتْحُ فِي تَا يُقَاتِلُونَ (عَمَّ عُـ)ـلاَهُ هُدِّمَتْ خَفَّ (إِ)ذْ (دُ)لاَ
أي ضم أذن للذين نافع وعاصم وأبو عمر وعلى ما لم يسم فاعله وفتح الباقون على تقدير "أذن الله لهم"يقاتلون بفتح التاء على بناء الفعل للمفعول أيضا وبكسرها على بنائه للفاعل والتخفيف والتشديد في هذين ظاهران وسبق معنى ولا
(900)
وَبَصْرِيًّ أَهْلَكْنَا بِتَاءٍ وَضَمِّهَا يَعُدُّونَ فِيهِ الْغَيْبُ (شَـ)ـايَعَ (دُ)خْلُلاَ
يريد فكأين من قرية أهلكناها بنون العظمة قرأه أبو عمرو بتاء مضمومة أهلكتها والغيب في (كألف سنة مما تعدون) لقوله قبله "ويستعجلونك" وهذا هو الدخلل الذي شايعه أي المداخل أي المناسب والخطاب ظاهر
(901)
وَفِي سَبَإِ حَرْفَانِ مَعْهَا مُعَاجِزِينَ (حَـ)ـقٌّ بِلاَ مَدٍّ وَفِي الْجِيمِ ثُقِّلاَ

يريد (والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم) ، (والذين يسعون في آياتنا معجزين أولئك في العذاب محضرون) ، هذان في سبأ وقوله "معها" أي مع حرف هذه السورة وهو "والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك أصحاب الجحيم" فمعنى معجزين ينسبون من تبع النبي صلى الله عليه وسلم إلى العجز وقيل مثبطين الناس عنه وقيل معناه يطلبون تعجيزنا وفي المد معنى أنهم يسابق بعضهم بعضا في التعجيز واختار أبو عبيد قراءة المد ورواها عن ابن عباس وقال معناها مشاقين وقال أبو علي معاجزين ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثواب وعقاب وقال الشيخ سعوا معجزين ومعاجزين أي بالطعن فينا وقولهم سحر وشعر وغم ذلك من البهتان
(902)
وَالأوَّلُ مَعْ لُقْماَنَ يَدْعُونَ غَلَّبُوا سِوى شُعْبَةٍ وَالْيَاءُ بَيْتِيَ جَمَّلاَ
يريد بالأول-وأن ما يدعون من دونه-ومثله في لقمان واحترز بقوله الأول من الذي بعده وهو-إن الذين تدعون من دون الله-وأراد يدعون الأول فلما قدم الصفة أتبعها الموصوف بيانا فهو من باب قول النابغة والمؤمن العائدات الطير أي قرأ يدعون في الموضعين بالغيبة أبو عمرو وصحاب والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر وفي هذه السورة ياء واحدة للإضافة و-طهر بيتي-فتحها نافع وهشام وحفص وفيها زائدتان و-الباد-أثبتها في الحالين ابن كثير وفي الوصل ورش وأبو عمرو-نكير-أثبتها في الوصل ورش وحده وقلت في ذلك ، (زوائدها ياءان والباد بعده نكير وما شيء إلى النمل أنزلا) ، أي وما شيء من الزوائد فيما بعد الحج من السور إلى سورة النمل والله أعلم
سورة المؤمنون
(903)
أَمَانَاتِهِمْ وَحِّدْ وَفِي سَالَ (دَ)ارِياً صَلاَتِهِمُ (شَـ)ـافٍ وَعَظْماً (كَـ)ـذِي (صِـ)ـلاَ

يريد-والذين هم لأماناتهم-هنا وفي سورة سأل وحدهما ابن كثير وحده-والذين هم على صلاتهم يحافظون-وحده هنا حمزة والكسائي ولا خلاف في إفراد الذي في سورة سأل ولا في الأول هنا وهو قوله-الذين هم في صلاتهم خاشعون-وعلم أن موضع الخلاف هو الثاني لذكره إياه بعد أماناتهم ، فالتوحيد يدل على الجنس والجمع لاختلاف الأنواع وقد اتفق على الجمع في-أن تؤدوا الأمانات-وعلى الأفراد في (إنا عرضنا الأمانة) ، وعلى جمع (حافظوا على الصلوات) ، وعلى الإفراد في-أقيموا الصلاة-قوله "وعظما" أي ووحد عظما يعني-فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما-وقد ذكره في البيت الآتي في قوله مع العظم وحدهما ابن عامر وأبو بكر ، كما قال الراجز في خلقكم عظم وقد شجيناه أي في حلوقكم عظام والعظام بالجمع وموضع "كذي صلا" نصب على الحال من فاعل وحد وقد سبق تفسيره
(904)
مَعَ الْعَظْمِ وَاضْمُمْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (حَقُّـ)ـهُ بِتَنْبُتُ وَالمَفْتُوحُ سِيناَءِ (ذُ)لِّلاَ
يريد-ثنيت بالدهن-اضمم التاء واكسر الباء فيصير من أنبت وهو بمعنى نبت فيتحد معنى القراءتين أي تنبت ومعها الدهن وقيل المفعول محذوف أي ينبت زيتونها وبالدهن في موضع الحال من الشجرة على الوجه الأول ، أي ملتبسة بالدهن وعلى الوجه الثاني يكون حالا إما من الشجرة أو من المفعول المحذوف وقيل الياء زائدة والمعنى تنبت الدهن كقوله-ومن يرد فيه بإلحاد بظلم-ومن قرأه من نبت فالباء للتعدية أو مع مجرورها للحال وقوله "حقه" أي هو حقه (وتنبت) متعلق باضمم أو باكسر أو بالضم وقوله والمفتوح "سيناء" أي وسيناء المفتوح فقدم الصفة ضرورة وأتى بما بعدها بيانا كالعائدات الطير ومعنى ذلك قرب وسهل أراد بفتح السين والباقون بكسرها وهو اسم أعجمي تكلمت به العرب مفتوحا ومكسورا وقالوا أيضا "سنين" والمانع له من الصرف مع العلمية العجمة وقيل "طور سينا" مركب كحضرموت على لغة الإضافة
(905)

وَضَمٌّ وَفَتْحٌ مَنْزِلاً غَيْرَ شُعْبَةٍ وَنَوَّنَ تَتْراً (حَقُّـ)ـهُ وَاكْسِرِ الْوِلاَ
التقدير غير شعبة "ذو ضم وفتح" لفظ "منزلا" فمنزلا مفعول بأحد المصدرين قبله يريد-وقل رب أنزلني منزلا-فضم الميم وفتح الزاي يجعله مصدرا أو اسم مكان من أنزل وقرأه شعبة بفتح الميم وكسر الزاي-على أنه كذلك من نزل ونظير القراءتين ما تقدم في "مدخلا"و"تترى" مصدر من المواترة فمن نونه جعل وزنه فعلا كضربا ومن لم ينون جعله فعلى كدعوى من المصادر التي لحقتها ألف التأنيث المقصورة وقد سبق ما يتعلق بإمالتها في باب الإمالة ثم قال "واكسر الولا" أي ذا الولا يعني الموالي لتترى أي الذي هو قريب منه بعده ثم بينه فقال
(906)
وَأَنَّ (ثَـ)ـوى وَالنُّونَ خَفِّفْ (كَـ)ـفَى وَتَهْجُرُونَ بِضَمٍّ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (أَ)جْمَلاَ
يريد-وإن هذه أمتكم-الكسر على الاستئناف والفتح على تقدير ولأن هذه على ما تقدم في الأنعام في قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) ، وخفف ابن عامر النون في الموضعين كما قال سبحانه (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) ، وقرأ نافع وحده-سامرا تهجرون-بضم التاء وكسر الجيم من أهجر في منطقه إذا أفحش فيه وقرأ غيره بفتح التاء وضم الجيم من هجر إذا هذى ، وقال أبو علي تهجرون آياتي مما يتلى عليكم من كتابي فلا تنقادون له وتهجرون تأتون بالهجر وهو الهذيان وما لا خير فيه من الكلام ، وفي الحديث في زيارة القبور ولا تقولوا هجرا وقال أبو عبيد القراءة الأولى أحب إلينا ليكون من الصدود والهجران كقوله (فكنتم على أعقابكم تنكصون) ، هذا يشبه الهجران ومن قرأها تهجرون أراد الإفحاش في المنطق ، وقد فسرها بعضهم على الشرك وقول الناظم "أجملا" هو حال من فاعل اكسر أو مفعول أو نعت مصدر محذوف أي كسرا جميلا
(907)
وَفِي لاَمِ لِلهِ الأَخِيرَيْنِ حَذْفُهاَ وَفِي الْهَاءِ رَفْعُ الْجَرِّ عَنْ وَلَدِ الْعَلاَ

في هذه السورة-سيقولون لله-في ثلاثة مواضع الأول لا خلاف فيه أنه لله بإثبات لام الجر وهو جواب قوله-قل لمن الأرض ومن فيها-والخلاف في الثاني والثالث وهما جواب قوله-قل من رب السموات (قل من بيده ملكوت كل شيء) فقرأهما أبو عمرو بحذف حرف الجر فارتفع الاسم الجليل على أنه خبر مبتدأ أي هو الله فهو جواب مطابق للفظ السؤال وكذلك كتب في مصاحف البصرة وقرأهما غيره كالأول بإثبات لام الجر وكذلك كتب في مصاحفهم وهو جواب من حيث المعنى لأن قولك من مالك هذه الدار ولمن هذه الدار معناهما واحد ، قال أبو عبيدة كان الكسائي يحكي عن العرب أنه يقال للرجل من رب هذه الدار فيقول لفلان بمعنى هي لفلان وقول الناظم الأخيرين هو مضاف إليه أي وفي لام هذا اللفظ ا لذي في الموضعين الأخيرين كما تقدم في قوله "وأخرتني" الإسراء وحذفها مبتدأ فهو كقولك في صدر سيد الرجلين علم والله أعلم
(908)
وَعَالِمُ خَفْضُ الرَّفْعِ (عَـ)ـنْ (نَفَرٍ) وَفَتْحُ شِقْوَتُنَا وَامْدُدْ وَحَرِّكُهُ (شُـ)ـلْشُلاَ
يريد سبحان الله عما يصفون عالم الغيب فبالخفض هو نعت لاسم الله تعالى وبالرفع على تقدير هو عالم والشقاوة على لفظ السعادة والشقوة كالردة والفطنة لغتان أي افتح الشين وحرك القاف بالفتح ومدها وقدم ذكر المد على التحريك لضرورة الوزن ولتعين القاف لذلك فليس في حرف شقوتنا ما يقبل التحريك غير القاف لأنها ساكنة والبواقي متحرك ، وقوله "عن نفر" أي منقول عن نفر وفتح شقوتنا كذلك من حيث المعنى أي عن جماعة قرءوا به والله أعلم
(909)
وَكَسْرُكَ سُخْرِيًّا بِهاَ وَبِصَادِهاَ عَلَى ضَمِّهِ (أَ)عْطَى (شِـ)ـفَاءً وَأَكْمَلاَ

يريد فاتخذتموهم سخريا وفي ص أتخذناهم سخريا من سخرت إذا ضحكت منه وقيل الكسر في سين ذلك وضمها لغتان وقيل الضم من السخرة والعبودية والكسر من الهزؤ واللعب وأجمعوا على ضم الذي في الزخرف (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) ، لأن المراد المعنى الأول لينتظم قوام العالم والهاء في قوله ، وبصادها تعود على سور القرآن للعلم بذلك كما انه إذا قال حفصهم يعلم أنه أراد حفص القراء والهاء في على ضمه للكسر وقوله بها معمول وكسرك وعلى ضمه خبر المبتدأ ويجوز أن يكون بها خبر قوله وكسرك أي اختص ذلك بهذه السورة وبسورة ص ثم استأنف فقال على ضمه أعطى سخريا شفاء وفاعل أعطى ضمير عائد على سخريا لا على كسرك ولو عاد على كسرك لكان هو خبر المبتدأ ولزم أن يكون الرمز للكسر وليس للرمز إلا للضم وأشار بقوله وأكملا إلى إكمال الضم في مواضع سخريا الثلاثة والله أعلم ، قال أبو عبيد وكذلك هي عندنا لأنهن إنما يرجعن إلى معنى واحد وهما لغتان "سخرى وسخرى" وقد رأيناهم أجمعوا على ضم التي في الزخرف فكذلك الأخريان
(910)
وَفِي أَنَّهُمْ كَسْرٌ (شَـ)ـرِيفٌ وَتُرْجَعُونَ في الضَّمِّ فَتْحٌ وَاكْسِرِ الْجيمَ وَاكْمُلاَ
يريد "أنهم هم الفائزون" الكسر على الاستئناف والفتح على تقدير لأنهم أو بأنهم أو هو مفعول جزيتهم أي جزيتهم الفوز فحمزة والكسائي قرءا بالكسر وهما قرءا (وأنكم إلينا لا ترجعون) بفتح التاء وكسر الجيم والباقون بضم التاء وفتح الجيم ووجه القراءتين ظاهر وقد سبق له نظائر ويأتي الخلاف في حرف القصص في موضعه وحمزة والكسائي قرءا ذلك الموضع أيضا كهذا على إسناد الفعل إلى الفاعل ولعله أشار بقوله واكملا إلى هذا أي كملت قراءتهما في الموضعين فلم تختلف أي وأكمل أيها المخاطب في قراءتك لهما لما كان الكمال في قراءته جعله فيه مجازا وأراد وأكملن فأبدل من النون ألفا
(911)

وَفي قَالَ كَمْ قُلْ دُونَ (شَـ)ـكٍّ وَبَعْدَهُ (شَـ)ـفَا وَبِهاَ يَاءٌ لَعَلِّيَ عُلِّلاَ
يريد (قال كم لبثتم) قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي "قل" على الأمر والذي بعد هذا قال "إن لبثتم" لم يقرأه على الأمر إلا حمزة والكسائي فجريا على الأمر في الموضعين وهو أمر لمن عينه الله سبحانه للسؤال وقرأ الباقون بالخبر في الموضعين أي قال الله ، أو الملك وقرأ ابن كثير الأولى بالأمر والثانية بالخبر فكأنه مردود على المأمور أولا أي قل ذلك المأمور قال أبو علي وزعموا أن في مصحف الكوفة قل في الوضعين ، قال أبو عبيد والقراءة عندنا على الخبر كلاهما لأن عليها مصاحف أهل الحجاز وأهل البصرة وأهل الشام ولا أعلم مصاحف مكة أيضا إلا عليها وإنما انفردت مصاحف أهل الكوفة بالأخرى قال أبو عمرو الداني وينبغي أن يكون الحرف الأول بغير ألف في مصاحف أهل مكة والثاني بالألف لأن قراءتهم كذلك ولا خبر عندنا في ذلك عن مصاحفهم إلا ما رويناه عن أبي عبيد ثم قال وبها ياء أي ياء إضافة واحدة ثم بينها بقوله لعلى أراد "لعلي أعمل صالحا" فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وقوله "عللا" أي علل قائل هذا الكلام نفسه عند الموت بذلك ، فقال علله بالشيء أي ألهاه به والله أعلم
سورة النور
(912)
وَ(حَقٌّ) وَفَرَّضْناَ ثَقِيلاً وَرَأْفَةٌ يُحَرِّكُهُ الْمَكي وَأَرْبَعُ أَوَّلاَ

يريد-وفرضناها-أي فرضنا أحكامها وفي التثقيل إشعار بكثرة ما فيها من الأحكام المختصة بها لا توجد في غيرها من السور كالزنا والقذف واللعان والاستئذان وغض الطرف والكتابة وغير ذلك فسرها أبو عمرو فصلنا ومعناها بالتخفيف أوجبنا حدودها جعلناها فرضا ، وقول الناظم "وحق" هو خبر مقدم وثقيلا حال من المنوي فيه أي وفرضنا حق ثقيلا وأما-(ولا تأخذكم بهما رأفة)-بإسكان الهمزة ففتحها ابن كثير وكلاهما لغة ولا خلاف في إسكان التي في الحديد وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة قال ابن مجاهد ، قال لي قنبل كان ابن أبي بزة قد أوهم وقرأهما جميعا بالتحريك فلما أخبرته إنما هي هذه وحدها رجع ، قلت وهذا مما جمع فيه بين اللغتين واختير الإسكان في التي في الحديد لتجانس لفظ رحمة التي بعدها ونظير هاتين القراءتين "دأبا ودآبا" والمعز وظعنكم من باب الإسكان لأجل حرف الحلق مثل شعرة وشعرة ثم قال "وأربع أو لا" أي الواقع أولا يريد فشهادة أحدهم أربع شهادات اختلف في رفعه ونصبه وخبر قوله وأربع في أول البيت الآتي وهو صحاب أي وأربع بالرفع قراءة صحاب ودلنا على الرفع إطلاقه ووجه الرفع أنه خبر "فشهادة أحدهم" ونصبه على المصدر كما تقول شهدت أربع شهادات والخبر محذوف أي فواجب شهادة أحدهم أو المحذوف المبتدأ وهو فالواجب شهادة أحدهم نحو (والذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة) والجملة خبر "والذين" ولا خلاف في نصب الثاني وهو أن تشهد أربع شهادات لأنه مصدر لا غير للتصريح بالفعل قبله وهو قوله أن تشهد
(913)
صِحَابٌ وَغَيْرُ الْحَفْصِ خَامِسَةُ الأَخِيرُ أَنْ غَضِبَ التَّخْفِيفُ وَالْكَسْرُ أُدْخِلاَ

أي وكل القراء غير حفص رفعوا والخامسة أن غضب الله وهو الأخير ولا خلاف في رفع الأول والخامسة أن لعنة الله فالرفع فيها على الابتداء وما بعده خبره أي والشهادة الخامسة هي لفظ كذا ونصب الثاني على وتشهد الخامسة ، لأن قبله "أن تشهد أربع شهادات" ثم أبدل "أن غضب الله" منه ، قال أبو علي ويجوز في القياس النصب في الخامسة الأولى رفع أربع شهادات أو نصب وقول الناظم الأخير هو نعت خامسة ولا نظر إلى التأنيث فيها لأن المراد هذا اللفظ الأخير وأسقط الألف واللام من الخامسة ضرورة وزن النظم وأدخلها في حفص كذلك أيضا فكأنه عوض ما حذف وهما زائدتان في الحفص كقول الشاعر "والزيد زيد المعارك" وقد وقع في مسند ابن أبي شيبة وغيره حدثنا حسين بن علي الجعفي عن شيخ يقال له الحفص عن أبيه عن جده قال أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الحافظ أبو القاسم حفص هو بن عمر بن سعد القرظ ولغرابة هذه العبارة بهم كثير فيها ويسبق لسان القاريء لها إلى لفظ الخفض بالخاء والضاد المعجمتين الذي هو أخو الكسر لشهرة هذه اللفظة وكثرة دورها في القصيدة ، كقوله "والأرحام" بالخفض جملا والنون بالخفض شكلا ، فإن قيل لو أنه قال صحاب وحفص نصب خامسة الأخير لحصل الغرض ولم يبق لفظ موهم ، قلت لكن تخيل عليه قراءة الباقين فإنها بالرفع وليس ضد النصب إلا الخفض فاقتحم حزونة هذه العبارة لكونها وافية بغرضه والألف في قوله أدخلا ضمير تثنية يرجع إلى التخفيف والكسر ، أي أدخلا في لفظ أن غضب فالتخفيف في أن والكسر في ضاد غضب ، أي قرأ نافع وحده ذلك فيكون أن مخففة من الثقيلة وغضب فعل ماض فاعله اسم الله فيجب رفعه فهو معنى قوله في البيت الآتي ، ويرفع بعد الجر ، أي بعد أن غضب يجعل الرفع موضع الجر في الكلمة المتصلة به وقراءة الجماعة واضحة يكون الغضب اسما مضافا إلى الله تعالى وهو اسم أن المشددة مثل (أن لعنة الله عليه) والنحويون يقولون إن ضمير الشأن مقدر ،

أي أنه لعنة الله وأن غضب الله ولو أن قراءة نافع بفتح ضاد غضب ، كقراءة الجماعة فكانت على وزن لعنة الله ، فيكون قد خفف أن فيها فقط لكانت أوجه عندهم لأنهم يستقبحون أن يلي الفعل أن المخففة حتى يفصل بينهما بأحد الحروف الأربعة بحرف النفي إن كان الكلام نفيا نحو-أن لا يرجع إليهم قولا-وإن كان إيجابا فبحرف قد في الماضي وبالسين أو سوف في المضارع نحو-علم أن سيكون-وكان القياس عندهم أن يقال أن قد غضب الله ، قال أبو علي فإن قيل فقد جاء (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (نودي أن بورك) فليس يجري مجرى ما ونحوها مما ليس بفعل وقوله بورك على الدعاء قلت فكذا هنا يحمل غضب الله على الدعاء فلا يحتاج إلى حرف قد
(914)
وَيَرْفَعُ بَعْدَ الْجَرِّ يَشْهَدُ (شَـ)ـائِعٌ وَغَيْرُ أُولِي بِالنَّصْبِ (صَـ)ـاحِبُهُ (كَـ)ـلاَ
قد سبق شرح قوله ويرفع بعد الجر فالجر منصوب لأنه مفعول يرفع وليس مضافا إلى بعد لأن بعد مبني على الضم بحذف ما أضيف إليه ، أي بعد قوله "أن غضب" وأما يوم تشهد عليهم ألسنتهم فيقرأ يشهد بالتذكير حمزة والكسائي ، والباقون بالتأنيث ، لأن تأنيث الألسنة غير حقيقي فجاز فيه الوجهان ، قال أبو علي كلاهما حسن ، وقد مر نحوه وأما غير (أولى الإربة) فنصبه على الحال أو على الاستثناء وخفضه على أنه صفة للتابعين أي الذين لا إربة لهم في النساء والإربة الحاجة ومعنى صاحبه كلا أي حفظ ذلك ونقله أو حرسه
(915)
وَدُرِّيٌّ اكْسِرْ ضَمَّهُ (حُـ)ـجَّةً (رِ)ضى وَفِي مَدِّهِ وَالْهَمْزِ (صُحْبَتُـ)ـهُ (حَـ)ـلاَ

أي ضم الدال وحجة حال من فاعل اكسر أو مفعوله ، أي اقرأه ذا حجة مرضية ، وأخبر عن صحبته بلفظ حلا كما سبق في صحبة كلا والهمز مجرور عطفا على وفي مده ولو رفع لكان له وجه حسن ، أي وجلا درى في مده والهمز مصاحب له ولا يمنع كون صحبته رمزا من تقدير هذا المعنى كما لم يمنع في قوله كما حقه ضماه ، أي حق أن يضم صاد الصدفين وداله على ما سبق شرحه فحصل من مجموع ما في البيت أن أبا عمرو والكسائي قرءا درى على وزن شريب وسكيت بكسر الدال والمد والهمز وحمزة وأبا بكر بضم الدال والمد والهمز على وزن مريق ، قال الجرمي زعم أبو الخطاب أنهم يقولون مريق للعصفر وقرأ الباقون وهم حفص وابن عامر والحرميان بضم الدال وتشديد الياء فلا مد ولا همز ، وهذه أجود القراءات عندهم جعلوها نسبة إلى الدر في الصفا والإضاءة وإنما نسب الكوكب مع عظم ضوئه لي الدر باعتبار أن فضل ضوء ذلك الكوكب على غيره من الكواكب كفضل الدر على غيره من الحب ، قال أبو عبيد القراءة التي نختارها دري وهو في التفسير المنسوب إلى الدر في إضاءته وحسنه وفي الحديث المرفوع "إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما تراءون الكوكب الدري في أفق السماء" هكذا نقلته العلماء إلينا بهذا اللفظ ، قال أبو علي ويجوز أن يكون فعيلا من الدرء فخفف الهمز فانقلبت ياء كما تنقلب من النسي والنبي إذا خففت ياء ، قلت يعني أنها تكون مخففة من القراءة الأخرى المنسوبة إلى حمزة وأبي بكر ، قال أبو علي هو فعيل من الدرء الذي هو الدفع ، قال ومما يمكن أن يكون من هذا البناء قولهم العلية ألا تراه من علا ، فهو فعيل وقال الزجاج النحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه لأنه ليس في الكلام شيء على فعيل ، قال أبو علي هذا غلط ، قال سيبويه ويكون على فعيل وهو قليل في الكلام المرتق ، حدثنا أبو الخطاب عن العرب ، وقالوا "كوكب دري" وهو صفة هكذا قرأنه على أبي بكر بالهمز في درئ ، قال أبو عبيد كان بعض أهل العربية يراه

لحنا لا يجوز والأصل فيها عندنا فعول ، مثل شيوخ ، ثم تستثقل الضمات المجتمعة فيه لو قال دروء فترد بعض تلك الضمات إلى الكسرة فيقال درى ، قال وقد وجدنا العرب نفعل هذا في فقول وهو أخف من الأول وذلك كقولهم "عتوا وعتيا" وكلتا اللغتين في التنزيل ، وأما قراءة أبي عمرو والكسائي بكسر الدال والهمزة ، فقال الزجاج الكسر جيد بالهمز يكون على وزن فعيل ويكون من النجوم الدراري التي تدرأ ، أي تنحط وتسير متدافعة ، يقال درأ الكوكب يدرأ إذا تدافع منقضا فتضاعف ضوءه يقال تدارأ الرجلان إذا تدافعا ، قال الفراء الدري من الكواكب الناصعة وهو من درأ الكوكب إذا انحط كأنه رجم به الشيطان ، قالوا والعرب تسمى الكواكب العظام التي لا تعرف أسماؤها الدراري ، قال ومن العرب من يقول كوكب دري ينسبه إلى الدر فيكسر أوله ولا يهمز كما يقال "سخرى وسخرى" "وبحر لجي ولجي" قال النحاس ومن قرأ دري بالفتح وتشديد الياء أبدل من الضمة فتحة لأن النسب باب تغيير ، قلت وهي قراءة شاذة حكيت عن قتادة وغيره ، قال وضعف أبو عبيد قراءة أبي عمرو والكسائي لأنه تأولها من درأت أي وقعت أي كوكب يجري من الأفق وإذا كان التأويل على ما تأوله لم يكن في الكلام فائدة ، ولا كان لهذا الكوكب مزية على أكثر الكواكب ، قال وروي عن محمد بن يزيد أن المعنى كوكب يندفع بالنور كما يقال اندرأ الحريق ، أي اندفع وحكى سعيد بن مسعدة درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوؤه وعلا-قيل هو من قولهم درأ علينا فلان إذا طلع مفاجأة وكذلك طلوع الكوكب حكاه الجوهري ، وقال قال أبو عمرو بن العلاء سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرف وكان من أفصح الناس ما تسمون الكوكب الضخم فقال الدري وحكى أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس قال أخبرني أبو عثمان عن الأصمعي عن أبي عمرو قال قد خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيا يقول إلا كأنه كوكب دري بكسر الدال ، قال الأصمعي فقلت أفيهمزون ، قال إذا كسروا فبحسبك قال

أمحذوة من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت ، وهذا فعيل منه قال أبو علي يعني أنهم إذا كسروا أوله دل الكسر على إرادتهم الهمز وتخفيفهم قال صاحب المحكم درأه دفعه ودرأ عليهم خرج فجأة وادرأ الحريق انتشر وكوكب دري مندفع في مضيه من المشرق إلى ذلك والجمع درائي على وزن دراعيع ، قلت وكونه من درأ إذا دفع أحسن لأنه يدفع الظلام بنوره والله أعلم
(916)
يُسَبِّحُ فَتْحُ الْبَا (كَـ)ـذَا (صِـ)ـفْ وَيوقَدُ الْمُؤَنَّثُ (صِـ)ـفْ (شَـ)ـرْعاً وَ(حَقٌّ) تَفَعَّلاَ
يعني "يسبح له فيها" بفتح الباء على مالم يسم فاعله وكسرها على تسمية الفاعل وهو رجال وعلى قراءة الفتح يكون رجال فاعل فعل مضمر ، أي يسبحه رجال أو مبتدأ خبره مقدم عليه وهو في بيوت وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي توقد بالتأنيث أي توقد الزجاجة أو المشكاة كما تقول أوقدت البيت وقرأ نافع وابن عامر وحفص يوقد بالتذكير أي يوقد المصباح وقرأ ابن كثير وأبو عمرو توقد بفتح التاء والواو وتشديد القاف وفتح الدال على أنه فعل ماض ، أي توقد المصباح وهو معنى قوله "وحق تفعلا" أي قرءا على وزن تفعل مثل تكرم وتبصر والألف للإطلاق لا ضمير تثنية وأعرابه أن يقال حق خبر مقدم وتفعل مبتدأ مؤخر أراد ، والقراءة على وزن تفعل حق وحكى ابن مجاهد رواية عن عاصم وأهل الكوفة توقد على وزن قراءة أبي عمرو إلا أن الدال مرفوعة فيكون مضارع قراءة أبي عمرو والأصل تتوقد فحذفت التاء الثانية نحو "لا تكلم نفس" وحكى أبو عبيد هذه القراءة عن ابن محيصن والضمير فيها للزجاجة كما سبق في القراءة الأولى فهذه أربع قراءات الأولى والأخيرة راجعة إلى الزجاجة والثانية والثالثة إلى المصباح قال أبو علي توقد على أن فاعل توقد المصباح هو الين لأن المصباح هو الذي يتوقد قال (سموت إليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشبه لقفال) ، أي ويوقد مثله يعني بالتذكير والله أعلم
(917)

وَمَا نَوَّنَ البَزِّي سَحاَبٌ وَرَفْعُهُمْ لَدى ظُلُمَاتٍ جَرَّ (دَ)ارٍ وَأَوْصَلاَ
يريد (سحاب ظلمات بعضها فوق بعض) فقرأه البزي على إضافة سحاب إلى ظلمات أي سحاب ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض وهي ما تقدم تفصيله في قوله (أو كظلمات في بحر لجىء) قال أبو علي أضاف السحاب إلى الظلمات لاستقلال السحاب وارتفاعه في وقت هذه الظلمات كما تقول سحاب رحمة وسحاب مطر إذا ارتفع في الوقت الذي يكون فيه المطر ، ومن نون سحاب ورفع ظلمات وهي قراءة غير ابن كثير كان ظلمات خبر مبتدأ محذوف أي تلك ظلمات مجتمعة وقرأ قنبل بالتنوين وجر ظلمات على أنها وردت تكريرا وبدلا من ظلمات الأولى وقوله ورفعهم لدى ظلمات أي ورفع القراء في ظلمات جره من دري ذلك فقوله جر فعل ماض ودار فاعله وأوصل عطف على جر أي قرأ ذلك وأوصله إلينا ويجوز في قوله ورفعهم بالنصب لأنه مفعول جر والرفع على الابتداء نحو (وكل وعد الله) والنصب أقوى عند أهل العربية والله أعلم
(918)
كَمَا اسْتُخْلِفَ اضْمُمْهُ مَعَ الْكَسْرِ (صَـ)ـادِقاً وَفِي يُبْدِلَنَّ الْخِفُّ (صَـ)ـاحِبُهُ (دَ)لاَ
أي اضمم التاء مع أنك تكسر اللام فيصير فعل ما لم يسم فاعله وقراءة الباقين على إسناد الفعل للفاعل وهو الله تعالى فهو موافق لقراءة ليستخلفنهم والخلاف في وليبدلنهم بالتخفيف والتشديد سبق في الكهف أنهما لغتان وسبق معنى دلا
(919)
وَثَانِيَ ثَلاَثَ ارْفَعْ سِوى (صُحْبَةٍ) وَقَفْ وَلاَ وَقِفَ قَبْلَ النَّصْبِ إِنْ قُلْتَ أُبْدِلاَ

يعني (ثلاث عورات لكم) فهذا الثاني والأول لا خلاف في نصبه وهو ثلاث مرات لأنه ظرف فرفع الثاني على معنى هذه الأوقات أوقات ثلاث عورات فيجوز لك أن تقف على ما قبلها وهو صلاة العشاء ثم تبتدي ثلاث عورات وأما قراءة النصب فتحتمل وجهين أحدهما أن يكون بدلا من ثلاث مرات فلا وقف على هذا التقدير لأن الكلام لم يتم وليس برأس آية فيغتفر ذلك لأجله نحو (اهدنا الصراط المستقيم) ، (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ، (لنسفعا بالناصية) ، فهذا قوله ولا وقف قبل النصب إن قلت أبدلا ، أي إن قلت هو بدل من الأول وإن قدرت ثلاث عورات منصوبا بفعل مضمر جاز الوقف مثل قراءة الرفع والتقدير (ثلاث عورات لكم) أي احفظوها وراعوها والله أعلم
سورة الفرقان
(920)
وَيَأْكُل مِنْهَا النونُ (شَـ)ـاعَ وَجَزْمُنَا وَيَجْعَلْ بِرَفْعٍ (دَ)لَّ (صَـ)ـافِيهِ (كُـ)ـمَّلاَ
يريد-أو تكون له جنة يأكل منها-الياء في يأكل والنون ظاهران وأما (ونجعل لك قصورا) فرفعه على الاستئناف وجزمه على العطف على موضع جواب الشرط الذي هو جعل لك على لغة من يجزم جواب الشرط إذا كان فعل الشرط ماضيا وهو اللغة الفصيحة ويجوز أن تكون هذه القراءة بالرفع وإنما أدغم اللام من يجعل في لام لك كما يفعل أبو عمرو في غير هذا الموضع فيتحد تقدير القراءتين وكملا جمع كامل وهو مفعول دل أي دل حسن هذا اللفظ وصفاؤه رجالا كاملين عقلا ومعرفة فقرءوا به وإن كانت القراءة الأخرى كذلك والله أعلم
(921)
وَنَحْشُرُ يَا (دَ)ارٍ (عَـ)ـلاَ فَيَقُولُ نُونُ شَامٍ وَخَاطِبْ تَسْتَطِيعُونَ (عُـ)ـمَّلاَ

يريد-ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله-الياء فيه والنون أيضا ظاهران وأراد ذو يا قاريء دار أي عارف وعملا صفة دار أو صفة يا والخلاف أيضا في فيقول بالياء والنون ظاهر فابن عامر قرأ بالنون فيهما وابن كثير وحفص بالياء فيهما والباقون بالنون في نحشرهم والياء في فيقول لقوله بعد-ءأنتم أضللتم عبادي-وكل ذلك من تلوين الخطاب كما في أول سورة الإسراء والياء في يستطيعون للآلهة والخطاب لعبادها وتستطيعون في البيت مفعول خاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه ومثله في النمل وتخفون خاطب وتقدم في الأنعام وخاطب شام ، ويجوز أن يكون في كل هذه المواضع على حذف حرف الجر ، أي خاطب بهذا اللفظ وعملا جمع عامل وهو حال من فاعل خاطب وهو وإن كان لفظه أمر المفرد فالمراد به الجمع كأنه قال وخاطب أيها الرهط والقوم أو الفريق القراءة وقال الشيخ يستطيعون بدل من قوله وخاطب أو عطف بيان وعملا مفعول خاطب ، قلت لا يبين لي وجه ما ذكر في تستطيعون وأما جعل عملا مفعول خاطب فيجوز على أن يكون يستطيعون مفعولا بعامل مقدر أي قارئا يستطيعون وأراد بالعمل المخاطبين يستطيعون لأنهم كما قال الله تعالى (عاملة ناصبة) ، وإن كان مراد الشيخ بما ذكره أن المأمور بالخطاب هو لفظ تستطيعون جعله مخاطبا لهم لما كان الخطاب فيه كقولك قم زيد ، فهذا على حذف النداء أي قم يا زيد فكذا التقدير وخاطب يا يستطيعون أي يا هذا اللفظ ولا يبعد في التجوز تمثيل ذلك كما تخاطب الديار والآثار ويطرد هذا الوجه في نحو وخاطب تعصرون وما أشبهه
(922)
وَنُزِّلَ زِدْهُ النُّونَ وَارْفَعْ وَخِفَّ وَالْمَلاَئِكَةُ المَرْفُوعُ يُنْصَبُ دُخْلُلاَ

لفظ بقراءة ابن كثير وبين ما فعل فيها فقال زده النون أي زده النون الساكنة لأن النون المضمومة موجودة في قراءة الباقين وارفع يعني اللام لأنه صار فعلا مضارعا فوجب رفعه وخف يعني تخفيف الزاي لأن قراءة الباقين بتشديدها على أنه فعل ماض لما لم يسم فاعله وهو مطابق للمصدر الذي ختمت به الآية وهو تنزيلا ومصدر قراءة ابن كثير إنزالا إلا أن كل واحد منهما يوضع موضع الآخر أنشد أبو علي ، (وقد تطويت انطواء الخصب ) ، وقال حيث كان تطويت وانطويت يتقاربان حمل مصدر ذا على مصدر ذا ولا حاجة إلى أن يقال الناظم لم ينبه على إسكان النون ذهابا إلى أن المزيدة هي الأولى بل تجعل المزيدة هي الثانية وتخلص من الاعتراض ومن الجواب بأن خف ينبيء عن ذلك وبأن الزاي إذا خففت لم يكن بد من إسكان النون فهب أن الأمر كذلك فمن أين تعلم قراءة الباقين أنها بالضم وهو لم يلفظ بها ، فإن قلت في التحقيق الزائدة هي الأولى لأنها حرف المضارعة والثانية هي أول الفعل الماضي ، قلت صحيح إلا أن الناظم لا يعتبر في تعريفه إلا صورة اللفظ ألا تراه كيف قال في يوسف وثان ننج احذف فأورد الحذف على الثانية ليصير الفعل ماضيا وإنما المحذوف حرف المضارعة فكذا هنا ونصب ابن كثير الملائكة لأنه مفعول وننزل ورفعه الباقون لأنه مفعول ونزل ودخللا حال لأن قبله (لولا أنزل علينا الملائكة) فهو مداخله ومرافقه في اللفظ والمعنى
(923)
تَشَقَّقُ خِفُّ الشِّينِ مَعْ قَافَ (غَـ)ـالِبٌ وَيَأْمُرُ (شَـ)ـافٍ وَاجْمَعُوا سُرُجاً وِلاَ

يريد (ويوم تشقق السماء بالغمام) وفي سورة ق ، (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا) ، الأصل فيها تتشقق فمن خفف حذف إحدى التاءين ومن شدد أدغم الثانية في الشين قال أبو علي قال أبو الحسن الخفيفة أكثر في الكلام لأنهم أرادوا الخفة فكان الحذف أخف عليهم من الإدغام فهذا معنى قوله غالب أي تخفيف الشين فيه مع حرف قاف أكثر من تشديدها في اللغة ثم قال ويأمر شاف أراد-أنسجد لما تأمرنا-أي بالغيب لإطلاقه والباقون بالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والياء إخبار عنه قال ذلك بعضهم لبعض وخاطبه بعضهم به وقيل-لما تأمرنا-المسمى بالرحمن وإن كنا لا نعرفه ثم قال وأجمعوا سرجا يعني (وجعل فيها سراجا) يقرؤه حمزة والكسائي بالجمع على إرادة الشمس والنجوم العظام وقال الزجاج أراد الشمس والقمر والكواكب العظام معهما ، قلت فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك (وقمرا منيرا) من باب قوله وملائكته-وجبريل وميكال-والإفراد للشمس كما جاء في سورة النبأ (وجعلنا سراجا وهاجا) وفي سورة نوح (وجعل الشمس سراجا) ، وقيل المراد بالسرج النجوم دون الشمس وهي المصابيح المذكورة في الآية الأخرى فكأنه سبحانه أشار إلى ما يظهر في السماء ليلا وهو القمر والنجوم والقراءة بالإفراد تحتمل ذلك على إرادة الجنس كما في نظائره أو أراد به الشمس فيكون مجموع القراءتين الصحيحتين قد أفاد مجموع النجوم والقمرين وولا بالكسر وهو مفعول له أو حال أي لأجل المتابعة أو ذوي متابعة
(924)
وَلَمْ يَقْتِرُوا اضْمُمْ (عَمَّ) وَالْكَسْرَ ضُمَّ (ثِـ)ـقْ يُضَاعَفْ وَيَخْلُدْ رَفْعُ جَزْمٍ (كَـ)ـذِي (صِـ)ـلاَ

أي اضمم أوله وضم أيضا كسره وهو في الثاني ، وإنما قال في الثاني ضم الكسر ولم يقل في الأول ضم الفتح لأن الكسر ليس ضدا للضم والفتح ضده فالذين ضموا الثاني فتحوا الأول والذين ضموا الأول كسروا الثاني والباقون فتحوا الأول وكسروا الثاني وهم ابن كثير وأبو عمرو ، قرءا من قتر يقتر مثل ضرب والكوفيون من قتر يقتر مثل يقتل ونافع وابن عامر من أقتر يقتر مثل أكرم يكرم وكل ذلك لغات في تضييق النفقة وقيل أقتر خلاف أيسر يدل عليه على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقال في معنى التضييق وكان الإنسان قتورا فهذا من قتر وفي مضارعه لغتان الكسر والضم مثل يعكفون ويعرشون ، وقال أبو حاتم لا وجه للإقتار ههنا ، إلا أن يذهب به إلى أن المسرف يفتقر سريعا ، قال أبو جعفر النحاس تعجب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه لأن أهل المدينة عنده لا يقع في قراءتهم الشاذ وتأول لهم أن المسرف يفتقر سريعا ، قال وهذا تأويل بعيد ولكن التأويل لهم أن أبا عمرو الجرمي حكى عن الأصمعي أنه يقال للإنسان إذا ضيق قتر يقتر ويقتر وقتر يقتر وأقتر يقتر ، قال فعلى هذا تتضح القراءة وإن كان فتح الياء أصح وأقرب متأولا وأشهر وأعرف ، ومن أحسن ما قيل في معناه قول أبي عبد الرحمن الجبلي من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار ومن أنفق في طاعة الله فهو القوام وأما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فالرفع فيهما على الاستئناف والجزم على البدل من يلق أثاما لأنهما في معنى واحد ، وقوله رفع جزم ، أي ذو رفع جزم فيهما ، وقوله كذى صلا في موضع الحال ، أي مشتهرا اشتهار ذي الصلاء ، أي موقد النار لقصد جمع الأصناف أو يكون التقدير كن كذى صلا أي تقرأ العلم لأضيافك وهم المستفيدون المستحقون لذاك
(925)
وَوَحَّدَ ذُرِّيَّاتِنَا (حِـ)ـفْظُ (صُحْبَةٍ) وَيَلْقَوْنَ فَاضْمُمْهُ وَحَرِّكْ مُثَقِّلاَ

يريد ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا إفراد الذرية وجمعها ظاهران ، وقد سبق مثلهما في الأعراف ، وأما-ويلقون فيها تحية-فاضمم ياءه وافتح لامه وثقل قافه لغير صحبة من قوله-ولقاهم نضرة وسرورا-وهو موافق لقوله-يجزون الغرفة-وقرأه صحبة من لقى يلقي نحو-تحيتهم يوم يلقونه سلام-وقال في ضدهم-فسوف يلقون غيا-وهما ظاهران أيضا والله أعلم
(926)
سِوى (صُحْبَةٍ) وَالْيَاءُ قَوْمِي وَلَيْتَنِي وَكَمْ لَوْ وَلَيْتٍ تُورِثُ الْقَلْبَ أَنْصُلاَ

سوى صحبة خبر قوله-ويلقون-أي هو قراءة سوى صحبة فحذف المضاف واعترض بين المبتدإ وخبره بقوله فاضممه وحرك مثقلا وحقه أن يتأخر وفيها من ياءات الإضافة ياءان-إن قومي اتخذوا-فتحها نافع وأبو عمرو والبزي-يا ليتني اتخذت-فتحها أبو عمرو وحده ثم أن لفظ ليتني أذكر الناظم رحمه الله قصة الظالم الذي يعض على يديه يوم القيامة ويقول-يا ليتني اتخذت مع الرسول-يا ويلتي لم أتخذ-فيندم ويتأسف ويتمنى في وقت لا ينفعه ذلك فتمم الناظم البيت بما بينه العقلاء على الاستعداد خوفا من وقوع مثل ذلك وأنصلا جمع نصل أي تورث القلب ألما كألم وقوع النصول في القلب فيقول المتندم المتأسف لو أني فعلت كذا ولو أني ما فعلت وهذه كلمة قد نهى الشرع عنها ، ففي صحيح مسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أصابك شيء فلا تقل لولا أني فعلت ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ، وأضاف الناظم كم إلى حرفي لو وليت والمراد المرات المقولة بهذين اللفظين حكى لو بلفظها وأعرب ليت فخفضها ونونها لأنه أجراهما ههنا مجرى الأسماء في الإخبار عنها ، وقد استعمل الفصحاء ذلك فتارة حكوا وتارة أعربوا ، قال أبو زيد الطائي ، (ليت شعري وأين مني ليت إن ليتا وإن لوا عناء) ، وقال أبو تمام ، (قولي نعم ونعم إن قلت واجبة قالت عسى وعسى جسرا إلى نعم) ، وأدخل بعضهم الألف واللام فقال ، (والمرء مرتهن بسوف وليتني وهلاكه في السوف ثم الليت) ، وأفرد تورث وهو خبر عن اثنين اختصارا واستغناء بالخبر عن أحدهما نحو ولا ينفقونها في سبيل الله-وأنث لفظ تورث باعتبار الكلمة ويجوز تذكيره باعتبار اللفظ والحرف
سورة الشعراء
(927)
وَفِي حَاذِرُونَ الْمدُّ (مَـ)ـا(ثُـ)ـلَّ فَارِهِينَ (ذَ)اعَ وَخَلْقُ اضْمُمْ وَحَرِّكْ بِهِ الْـ(عُـ)ـلاَ

يريد-وإنا لجميع حاذرون-قيل الحذر والحاذر سواء وقيل الحذر من طبع على الحذر وقيل المتيقظ والحاذر الذي يحذر ما حدث أو المستعد كأنه أخذ حذره ومعنى قوله مائل أي ما زال من قولهم ثللت الحائط إذا هدمته ويقال للقوم إذا اذهب عزهم قد ثل عرشهم ثم قال فارهين ذاع أي قرأه بالمد من قرأ حاذرون وزاد معهم هشام يريد-وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين-وقيل أيضا فارهين وفرهين سواء وقيل فارهين حاذقين وفرهين أشرين أو كيسين أو فرحين ، ثم قال وخلق اضمم يريد-إن هذا إلا خلق الأولين-اضمم خاءه وحرك به ، أي حرك اللام بالضم وإنما احتاج إلى قوله به لأن مطلق التحريك هو الفتح فيصير خلق أي إن هذا إلا عادة الأولين يشيرون إلى الحياة والموت أو إلى دينهم أو إلى ما جاء به ، كما قالوا عنه-أساطير الأولين-وخلق بفتح الخاء وسكون اللام بمعنى كذب الأولين أو يكون إشارة إلى خلقهم ، أي ما نحن إلا كالأولين في الحياة والموت ثم رمز لمن ضم الخاء واللام ، فقال العلا كما في ند في البيت الآتي فالعلا مبتدأ وما بعده الخبر ، أي ذو العلا كالذي في مكان ند أو كالذي في كرم أو أراد أنه خبر مبتدأ محذوف ذاك هو العلا والله أعلم
(928)
(كَـ)ـمَا (فِـ)ـي (نَـ)ـدٍ وَالأيْكَةِ اللاَّمُ سَاكِنٌ مَعَ الْهَمْزِ وَاخْفِضْهُ وَفِي صَادَ (غَـ)ـيْطَلاَ

يريد-أصحاب الأيكة-هنا وفي صاد قرأهما الحرميان وابن عامر-ليكة-بفتح اللام من غير همز وفتح التاء ، وأجمعوا على الذي في الحجر والذي في قاف أنها الأيكة بإسكان اللام وبعده همزة وبخفض التاء وإنما خص ما في الشعراء وص بتلك القراءة ، لأن صورته في الرسم كذلك واختارها أبو عبيد وضعفها علماء العربية ، قال أبو عبيد لا أحب مفارقة الخط في شيء من القرآن إلا ما تخرج من كلام العرب وهما ليس بخارج من كلامها مع صحة المعنى في هذه الحروف وذاك أنا وجدنا في بعض التفسير الفرق بين الأيكة وليكة فقيل ليكة هي اسم القرية التي كانوا فيها والأيكة البلاد كلها فصار الفرق فيما بينهما شبيها بفرق ما بين بكة ومكة ورأيتهن مع هذا في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان مفترقات فوجدت التي في الحجر والتي في ق الأيكة ووجدت التي في الشعراء والتي في صاد ليكة ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار كلها بعد فلا نعلمها إذا اختلفت فيها وقرأها أهل المدينة على هذا اللفظ الذي قصصنا يعني بغير ألف ولام ولا إجراء هذه عبارته وليست سديدة فإن اللام موجودة في ليكة وصوابه بغير ألف وهمزة قال فأي حجة تلتمس أكثر من هذا فبهذه نقرأ على ما وجدناه مخطوطا بين اللوحين ، قال أبو العباس المبرد في كتاب الخط كتبوا في بعض المواضع-كذب أصحاب ليكة المرسلين-بغير ألف لأن الألف تذهب في الوصل ولذلك غلط القاريء بالفتح فتوهم أن-ليكة-اسم شيء وأن اللام أصل ، فقرأ أصحاب ليكة المرسلين قال الفراء نرى والله أعلم أنها كتبت في هذين الموضعين على ترك الهمزة فسقطت الألف لتحريك اللام ، قال مكي تعقب ابن قتيبة على أبي عبيد فاختار الأيكة بالألف والهمزة والخفض وقال إنما كتبت بغير ألف على تخفيف الهمزة ، قال وقد أجمع الناس على ذلك يعني في الحجر وق ، فوجب أن يلحق ما في الشعراء وص بما أجمع عليه فما أجمعوا عليه شاهد لما اختلفوا فيه قال الزجاج القراءة بجر ليكة وأنت تريد الأيكة أجود من أن تجعلها

ليكة وتفتحها لأنها لا تنصرف ، لأن-ليكة-لا تعرف وإنما هو أيكة للواحد وأيك للجمع مثل أجمة وأجم والأيكة الشجر الملتف فأجود القراءات فيها الكسر وإسقاط الهمز لموافقة المصحف ولا أعلمه إلا قد قريء به قال النحاس أجمع القراء على خفض التي في الحجر والتي في سورة ق فيجب أن يرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه إذا كان المعنى واحدا ، فأما ما حكاه أبو عبيد من أن-ليكة-اسم القرية التي كانوا فيها وأن الأيكة اسم البلد كله فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله ولو عرف من قاله لكان فيه نظر ، لأن أهل العلم جميعا من أهل التفسير والعلم بكلام العرب على خلافه لا نعلم بين اللغة اختلافا أن الأيكة الشجر الملتف فما احتجاج بعض من احتج لقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح أنه في السواد-ليكة-فلا حجة له فيه ، والقول فيه أن أصله الأيكة ثم خففت الهمزة فألقيت حركتها على اللام فسقطت فاستغنت عن ألف الوصل ، لأن اللام قد تحركت فلا يجوز على هذا إلا الخفض كما تقول مررت بالأحمر على تحقيق الهمزة ثم تخففها فتقول بلحمر فإن شئت كتبته في الخط على ما كتبته أولا وأن شئت كتبته بالحذف ولم يجز إلا الخفض فكذلك لا يجوز في الأيكة إلا الخفض قال سيبويه واعلم أن كل ما لا ينصرف إذا أدخلته الألف واللام أو أضفته انصرف ، قال ولا نعلم أحدا خالف سيبويه في هذا ، وقال أبو علي قول من قال ليكة ففتح التاء مشكل لأنه فتح مع لحاق اللام الكلمة وهذا في الامتناع كقول من قال مررت بلحمر فيفتح الآخر مع لحاق لام المعرفة الكلمة ، وقال إنما كتبت-ليكة-على تخفيف الهمز والفتح لا يصح في العربية لأنه فتح حرف الإعراب في موضع الجر مع لام المعرفة فهو على قياس من قال مررت بلحمر قال ويبعد أن يفتح نافع ذلك مع ما قاله ورش ، قلت يعني أن ورشا مذهبه عنه نقل الحركة ، وقد فعل ذلك في الحجر وق مع الخفض فكذا في الشعراء وص ، وقال الزمخشري قريء أصحاب الأيكة بالهمز وتخفيفها وبالجر

على الإضافة وهو الوجه ومن قرأ بالنصب وزعم أن-ليكة-بوزن ليلة اسم بلد فوهم قاد إليه خط المصحف وإنما كتبت على حكم لفظ اللافظ كما تكتب أصحاب النحو لأن ولولى على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف وقد كتب في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة على أن ليكة اسم لا يعرف وروى أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف وكان شجرهم الدوم قلت يعني فهذا اللفظ مطابق لحالهم وأما لفظ ليكة على أن تكون اللام فاء الكلمة وهي مركبة من لام وياء وكاف فهذا شيء غير موجود في لسان العرب بل هذا التركيب مما أهملته فلم يتلفظ به فهو مشبه بالحاء والدال المعجمتين مع الجيم فإنه مما نص عليه أهل اللغة أنه أهمل فلم تنطق به العرب ولكن لا وجه لهذه القراءة غير ذلك ، قال الزجاج أهل المدينة يفتحون على ما جاء في التفسير أن اسم المدينة التي كان فيها شعيب ليكة قال ابن القشيري قال أبو علي لو صح هذا فلم أجمع القراء على الهمز في قوله-(وإن كان أصحاب الأيكة)-في سورة الحجر والأيكة التي ذكرت هاهنا هي التي ذكرت هناك وقد قال ابن عباس الأيكة الغيضة ولم يعبرها بالمدينة والبلد قال وهذا الاعتراض مردود إذا ثبتت هذه القراءة ولا يبعد أن تسمى بقعة ليكة ثم يعبر عن ذلك البقعة بالغيضة والأيكة لكثرة أشجارها وقال الخليل الأيكة غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر وقيل الأيك شجر الدوم وهو المقل وهو أكثر شجر مدين وقيل بعث شعيب إلى مدين والأيكة وهما قريتان ، قال صاحب الصحاح من قرأ أصحاب الأيكة فهي الغيضة ومن قرأ-ليكة-فهي اسم القرية ويقال هما مثل بكة ومكة ، قلت إنما قال ذلك تقليدا لما ذكره أبو عبيد وإلا فلم يذكر في حرف الكاف فصلا للام ولا ذكره غيره فيما علمت وقول الناظم غيطلا منصوب على الحال من مفعول أخفضه أي مفسرا بذلك لأن الغيطل جمع غيطلة وهي الشجر الكبير وجعله الشيخ حالا من الفاعل فقال اخفضه مفسرا أو متأولا ذلك بالغيطل ، أي أنك في القراءة الأخرى

إنما تتأوله بالبقعة فقد صار للأيكة حالان حال هو فيها بقعة وحال هو فيها غيطلة فافعل ذلك به غيطلا
(929)
وَفِي نَزَّلَ التَّخْفِيفُ وَالرُّوحُ وَالأَمِينُ رَفْعُهُماَ (عُـ)ـلْوٌّ (سَمَا) وَتَبَجَّلاَ
يريد نزل به الروح الأمين فمع التخفيف رفع الروح لأنه فاعل والأمين صفته ومع التشديد نصبهما على المفعولية ويناسب التشديد ما قبله من قوله وإنه لتنزيل رب العالمين وعلو بضم العين وكسرها نقيض السفل بضم السين وكسرها
(930)
وَأَنَثْ يَكُنْ لِلْيَحْصَبِي وَارْفَع آيَةً وَفَا فَتَوَكَّلْ وَاوُ (ظَـ)ـمْئاَنِهِ (حَـ)ـلاَ
يريد أو لم يكن لهم آية قرأ الجماعة بتذكير يكن ونصب آية على أنها خبر كان واسمها أن يعلمه علماء بني إسرائيل أي أو لم يكن علم العلماء آية لهم على صدقك وعلى قراءة ابن عامر قال الزمخشري جعلت آية اسما وأن يعلمه خبرا ، قال وليست كالأولى لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا ، وقد خرج لها وجه آخر ليتخلص من ذلك فقيل في يكن ضمير القصة وآية أن بعلمه جملة واقعة موقع الخبر ، قال ويجوز على هذا أن يكون لهم آية هي جملة لشان وأن يعلمه بدل عن آية ويجوز مع نصب الآية تأنيث يكن كقوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا قلت ولكن لم يقرأ به ، وأما فتوكل على العزيز الرحيم فرسم بالفاء في المدني والشامي وبالواو في غيرهما قال أبو علي الوجهان حسنان قال الشيخ الواو عطف جملة على جملة والفاء على أنه كالجزاء لما قبله وقال الزمخشري له محملان في العطف أن يعطف على فقل أو فلا تدع قلت لا حاجة إلى جعلها عاطفة بل لها حكم قوله فلا تدع فإن عصوك فهي في الجميع تفيد استئناف أمر غير ما تقدم والهاء في قول الناظم ظمآنه تعود إلى الفاء لأن الفاء لما جعلت الواو مكانها هنا ظمئ المكان إليها فقال الواو أيضا خلت هنا والله أعلم
(931)
وَيَا خَمْسِ أَجْرِي مَعْ عِبَادِي وَلِي مَعِي مَعاً مَعْ أَبِي إِنِّي مَعاً رَبِّيَ انْجَلا

أضاف لفظ يا إلى خمس وقصره ضرورة كما قصر لفظ فا في البيت السابق في قوله وفافتوكل يريد إن أجرى إلا في خمسة مواضع في قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام فتحهن نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص وأراد بعبادي إنكم متبعون فتحها نافع وحده معي ربي سيهدين فتحها حفص وحده ومن معي من المؤمنين فتحها حفص وورش عدولى إلا اغفر لأبي إنه فتحهما نافع وأبو عمرو "إني أخاف" موضعان في قصة موسى وهود عليهما السلام ربي أعلم في قصة شعيب عليه السلام فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو فتلك ثلاث عشرة ياء إضافة
سورة النمل
(932)
شِهَابٍ بِنُونٍ (ثِـ)ـقْ وَقُلْ يَأْتِيَنَّنِي (دَ)نَا مَكُثَ افْتَحْ ضَمَّةَ الْكَافِ (نَـ)ـوْفَلاَ
أراد بشهاب قبس وقوله بنون أي بزيادة تنوين للكوفيين فيكون قبس صفة لشهاب أي مقبوس يقال قبست نارا وقيل هو بدل ومن أضاف فهو من باب ثوب خز لأن القبس الشعلة من النار وكذلك الشهاب لكن الشهاب يطلق أيضا على الكوكب ، وعلى كل أبيض ذي نور فأضيف للبيان وحكى أبو علي عن أبي الحسن أن الإضافة أكثر وأجود في القراءة كما تقول دار آجر وسوار ذهب قال ولو قلت سوار ذهب ودار آجر لكان عربيا إلا أن الأكثر في كلام العرب الإضافة ، ثم قال وقل يأتينني دنا أي بزيادة نون أيضا فاستغنى بقيد شهاب عن تقييده كما استغنى في التخفيف والتثقيل بقيد المسألة الأولى عن الثانية نحو سكرت فاسعرت عن أولى ملاد وفي اللفظ ما ينبيء عن ذلك فهو فيهما من باب الإثبات والحذف-أراد أو ليأتيني بسلطان مبين-زاده ابن كثير نونا وهو نون الوقاية وقبلها نون التأكيد الشديدة وقراءة الجماعة إما على إسقاط نون الوقاية أو على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ثم أدغمت في نون الوقاية وأما مكث ففتح الكاف منه وضمها لغتان ويقوى الفتح أنكم ماكثون ماكثين فيه أبدا ونوفلا حال من فاعل افتح وقد تقدم
(933)

مَعاً سَبَأَ افْتَحْ دُونَ نُونٍ (حِـ)ـمًى (هُـ)ـدًى وَسَكِّنْهُ وَانْوِ الْوَقْفَ (زُ)هْراً وَمَنْدَلاَ
يريد-وجئتك من سبأ-(لقد كان لسبإ) ، فهذا معنى قوله "معا" أي هنا وفي سورة سبأ افتح الهمز من لفظ سبأ دون نون أي من غير تنوين لأنه لا ينصرف وحمى هدى حال وقراءة الباقين بالصرف كسروا الهمزة ونونوا وهما لغتان في لفظ سبأ وثمود الصرف وتركه نص سيبويه وغيره عليهما بناء على أنه يقصد بهما الحي أو القبيلة وحسن لفظ الصرف هنا ليناسب الكلمة التي بعده وهي قوله "بنبإ" فهو أولى من صرف سلاسلا وقواريرا للتناسب على ما يأتي في موضعه وروى قنبل إسكان الهمزة وقرأ به ابن مجاهد عليه وقال هو وهم وبين الناظم علته بقوله وانو الوقف أي تكون واصلا بنية الوقف وهذا باب لو فتح لذهب الإعراب من كلام العرب واستوى الوقف والوصل ولكن يقع مثل هذا نادرا في ضرورة الشعر قال مكي الإسكان في الوصل بعيد غير مختار ولا قوي وقوله زهرا ومندلا حالان من فاعل سكنه أو مفعوله أي ذا زهر ومندل أي ذا طيب بمعنى طيبا أي خذه بقبول غير متكره له
(934)
أَلاَ يَسْجُدُوا رَاوٍ وَقِفْ مُبْتَلىً أَلاَ وَياَ وَاسْجُدُوا وَأبْدَأْهُ بِالضَّمِّ مُوصِلاَ

أي قراءة الكسائي بتخفيف ألا جعله حرف تنبيه نحو (ألا إن أولياء الله)-(ألا إنهم يثنون صدورهم) ، وتقدير البيتين ألا يسجدوا قراءة راو فيكون يسجدوا بعده كلمتين تقريرهما يا اسجدوا بحرف النداء وفعل الأمر والمنادى محذوف أي يا قوم اسجدوا وهذه لغة فصيحة مشهورة كثيرة ومنها قول الشماخ ، (ألا يا أصيحاني قبل غارة سنجال ) ، أي يا صحابي أصجاني إلا أنه لم يكتب في المصحف إلا على هذه الصورة بحذف ألا يا وحذف ألف الوصل من اسجدوا وحذف الألف من يا مطرد في رسم المصاحف نحو ينوح يقوم في يا نوح يا قوم وحذفت ألف الوصل أيضا في نحو بسم الله فلما اجتمعا في هذه الكلمة حذفا ونظيرها في الرسم-يبنؤم-في يا ابن أم حذفت الألف من يا وألف الوصل من ابن فحصل من هذا أن الرسم احتمل ما قرأه الكسائي وما قرأ به غيره واختار أبو عبيد قراءة الجماعة وقال لأنها في بعض التفاسير وزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا قال ومن قرأها بالتخفيف جعلها أمرا مستأنفا بمعنى ألا يا أيها اسجدوا وهذا وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الجزء الذي كان من أمر ملكة سبأ وقومها ثم رجع بعد إلى ذكرهم والقراءة الأولى خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع فيه قال أبو علي وهذا هو الوجه ولتجري القصة على سننها ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع لأنه يجري مجرى الاعتراض وما يساد القصة وكأنه لما قيل-وزين لهم الشيطان أعمالهم-الآية قد دل هذا الكلام على أنهم لا يسجدون لله تعالى ولا يتدينون بدين فقال ألا يا قوم أو يا مسلمون اسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض خلافا عليهم وحمدا لله مكان ما هداهم لتوحيده فلم يكونوا مثلهم في الطغيان والكفر قال الفراء قرأها أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وحميد الأعرج مخففة على معنى ألا يا هؤلاء اسجدوا فيضمر هؤلاء ويكتفي بقوله يا وسمع بعض العرب يقول ألا يا أرحمونا ألا يا تصدقوا علينا وحدثني الكسائي أن عيسى

الهمداني قال ما كنت أسمع الشيخة يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر وهي في قراءة عبد الله هلا تسجدوا بالتاء فهذه حجة لمن خفف لأن قولك ألا تقوم بمنزلة قولك قم وفي قراءة أبي ألا يسجدون لله الذي يعلم سركم وما تعلنون قال وهو وجه الكلام لأنها سجدة ومن قرأ أن لا يسجدوا فشدد فلا ينبغي لها أن تكون سجدة لأن المعنى زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا وقول الناظم وقف مبتلا ألا يا أراد أن يبين هذه الكلمات المتصلة لينفصل بعضها من بعض لفظا كما هي منفصلة تقديرا فقال إذا ابتليت بالوقف أي اختبرت وسئلت عن ذلك على وجه الامتحان أو أراد بالابتلا الاضطرار أي إذا اضطررت إلى ذلك لانقطاع نفس أو نسيان فلك أن تقف على ألا لأنه عرف مستقل لا اتصال له بما بعده بخلافها إذا شددت في قراءة الجماعة على ما يأتي ولك أن تقف على يا لأنها حرف النداء والمنادى بها محذوف فهذا موضع الاختبار لأن الياء متصلة بالفعل لفظا وخطا وأما الوقف على ألا فلا يحتاج إلى الاختبار إذ لا يخفى أنه كلمة وكذا الوقف على اسجدوا بل الوقف عليهما من باب الاضطرار لا الاختبار فلما كان قوله مبتلا يحتمل الأمرين ذكر موجبهما على كل واحد من التقديرين ونصب مبتلا على الحال وكذا ما بعده لأن التقدير قائلا ألا ويا واسجدوا ثم قال وابدأه بالضم أي ابدأ اسجدوا بضم همزة الوصل لأنه فعل أمر من المضارع المضموم الوسط كاخرج وادخل فكما تضم الهمزة إذا ابتدأت-ادخلوا مصر-كذلك تضم في-اسجدوا-إذا ابتدأت بها ، وغير الناظم من المصنفين لا يذكرون الوقف إلا على ألا يا لأنه موضع الاختبار وفي شرح الغاية لابن مهران روى عن الكسائي أنه وقف ألا يا وابتدأ اسجدوا قال فإن صح ذلك فعلى طريق إظهار الأصل لا على طريق الاختبار في الوقف كأنه قيل له فعلا أثبت النون كما في-ألا يتقون-ألا تقاتلون-ألا تجدون فأخبرهم بأصل الكلمة وقوله موصلا حال من أوصلته أي بلغته أي مبلغا علم ذلك إلى من لا يعرفه وذكر

الشيخ فيه وجهين أحدهما أن معنى موصلا ناطقا بهمزة الوصل والثاني في حال وصلك أي إنه ليس بابتداء تستمر عليه إنما أنت تبتدي للضم للاختبار ثم تصله بما قبله تاليا قلت فهي على هذا المعنى حال مقدرة إلا أن في استعمال موصلا بهذا المعنى نظرا وقد سبق التنبيه عليه في باب الهمزتين من كلمة وفي سورة البقرة لأنه بمعنى واصلا ثم
(935)
أَرَادَ أَلاَ يَا هؤُلاَءِ اسْجُدُوا وَقِفْ لَهُ قَبْلَهُ وَالْغَيْرُ أَدْرَجَ مُبْدِلاَ
أي أراد الكسائي هذا التقدير وقد سبق شرحه ، ثم قال وقف له أي للكسائي قبله أي قبل ألا يسجدوا-أي يجوز لك الوقف على-فهم لا يهتدون-إذ لا تعلق لما بعده به ثم قال والغير أدرج أي غير الكسائي أدرج يهتدون مع ألا يسجدوا ولم يقف قبله وجعله بدلا من أعمالهم أو من السبيل على زيادة لا فقوله مبدلا بفتح الدال مفعول أدرج أي أدرج لفظا مبدلا أو حال من المفعول أي أدرجه في حال كونه مبدلا مما قبله ثم ذكر وجها آخر فقال
(936)
وَقَدْ قِيلَ مَفْعُولاً وَإِنْ أَدْغَمُوا بِلاَ وَلَبْسَ بِمَقْطُوعٍ فَقِفْ يَسْجُدُوا وَلاَ

أي أدرج مفعولا وفي نصب مفعول الوجهان المقدمان إما مفعول به وإما حال أي أعرب-ألا يسجدوا-بأنه مفعول واختلفت في ذلك فقيل هو مفعول به أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا ولا زائدة وقيل هو مفعول له أي زين لهم لئلا يسجدوا أو قصدهم لئلا يسجدوا وهذا الوجه والأول الذي هو بدل من أعمالهم يكون فيه لا غير زائدة بخلاف البدل من السبيل والنصب بيهتدون فهي فيهما زائدة فلا يجوز في قراءة الجماعة الوقف على يهتدون لأجل هذا التعلق على الوجوه الأربعة بخلاف قراءة الكسائي فلا تعلق لها بما قبلها وهذا كله يقال إظهار لمعاني الكلام وتعريفا بتعلق بعضه ببعض ليتدرب فيه الطالب وإلا فالمختار عندنا جواز الوقف على رءوس الآي مطلقة ، قال وإن أدغموا بلا يعني أن ألا أصلها أن لا فأدغمت النون في اللام إدغاما واجبا لسكونها على ما عرف في باب النون الساكنة فمن ثم جاء التشديد ، ثم قال وليس بمقطوع يعني لم يفصل بين الحرفين في الرسم فلم يكتب أن لا بل لم تكتب النون صورة أصلا بل كتبت على لفظ الإدغام فلأجل ذلك احتمل الرسم قراءة الكسائي وقراءة الجماعة وهي أن الناصبة للفعل ولا بعدها للنفي أو زائدة على ما تقرر من المعاني ، ثم قال فقف يسجدوا يعني أنه ليس لك أن تقف في الابتلاء ثلاث وقفات كما ذكرنا للكسائي لأن تلك المواضع كل كلمة مستقلة بمقصودها لأن إلا أفادت الاستفتاح ويا مع المنادى المحذوف أفادت الندا ، ثم قال اسجدوا وهو أمر تام وههنا إن وقفت على ألا كنت قد وقفت على أن الناصبة دون منصوبها فلا يتم الكلام إلا بقوله يسجدوا وههنا إشكالان ، الأول أن ظاهر قوله أن لا وقف للجماعة إلا على يسجدوا فإن أراد وقف الاختيار فذاك في آخر الآية وإن أراد وقف الاضطرار جاز على ألا وهذا هو المنقول قد صرح به جماعة من المصنفين ، قال ابن الأنباري من قرأ بالتثقيل وقف على ألا وابتدأ يسجدوا وهو ظاهر كلام صاحب التيسير فإنه قال الكسائي ألا يسجدوا بتخفيف اللام ويقف ألا

يا ويبتديء اسجدوا على الأمر أي ألا يا أيها الناس اسجدوا والباقون يشددون اللام لاندغام النون فيها ويقفون على الكلمة بأسرها ، وقال شيخه أبو الحسن ابن غلبون لا ينبغي أن يتعمد الوقف والابتداء ههنا لأن الكلام مرتبط بعضه ببعض من حيث الندا وخطابه فلا يفصل بعضه من بعض ، قال ولا يجوز الوقف للباقين إلا على آخر الآية وإن انقطع نفس القاريء لهم على ألا رجع إلى أول الكلام فإن لم يفعل ابتدأ يسجدوا بالياء مفتوحة قال الأهوازي يقفون عليه ألا ويبتدئون يسجدوا كما في الكتاب ، وقال صاحب الروضة الوقف عليه قبيح فإن وقف واقف عليه مضطرا ابتدأ بيسجدوا كما يصل ، وقال ابن الفحام يبتديء بياء معجمة الأسفل في أول الفعل ، وجواب هذا الإشكال أن الناظم استغنى عن ذكر الوقف على ألا لظهور الأمر فيه فلم يكن لهم عنده إلا منع الوقوف على أن من ألا فمنع ذلك بقوله وليس بمقطوع ثم اهتم بمنع فصل الياء من يسجدوا كما فعل الكسائي فقال فقف يسجدوا وضاق عليه البيت فلم يتمكن من التنصيص على التفاصيل كلها ويجوز أن يكون الناظم ما أراد بقوله وليس بمقطوع إلا أن هذا اللفظ متصل في قراءة الجماعة الياء مع السين لأنها حرف المضارعة بخلافها في قراءة الكسائي فإنها مفصولة منها تقديرا لأنها من حرف النداء من الفعل ، الإشكال الثاني لم كان حذف النون من أن في الخط مانعا من الوقوف على هذه الكلمة للجماعة ورد النون في الوقف ، فإن قلت لأنها لم ترسم فالألف من يا لم ترسم في يسجدوا وقد وقف الكسائي عليها وجوابه أن النون من أن صارت لاما للإدغام والألف من يا حذفت ولم تتعوض لفظا آخر فعادت في الوقف ، فإن قلت فقد حفص على اللام من ، (بل ران) ، وهي اللفظ راء لإدغامها في الراء وكذا النون في (من راق) ، قلت سببه أن اللام والنون رسمتا ولو رسمت هنا لفعل مثل ذلك والله أعلم ، وقول الناظم في آخر البيت ولا هو بفتح الواو أي ذا ولاء أي نصر أي ناصرا للقراءة أن منصورا بها

لوضوحها وعدم الكلفة في تقريرها لأن ما يضاف إلى المصدر يكون تارة في المعنى فاعلا وتارة مفعولا كما أن المصدر يضاف مرة إلى فاعله وتارة إلى مفعوله
(937)
وَيُخْفُونَ خَاطِبْ يُعْلِنُونَ (عَـ)ـلَى (رِ)ضاً تَمِدُّونَنِي الإِدْغامُ (فَـ)ـازَ فَثَقَّلاَ
يريد-ويعلم ما يخفون وما يعلنون-قرأهما الكسائي بالخطاب بناء على قراءته بالأمر بالسجود على من قص عليه حكايتهم وقراءة حفص على ابتداء المخاطبة كما ابتدأها الكسائي في ألا يا اسجدوا وقراءة الباقين بالغيب فيهما ظاهرة وقوله على رضا أي كائنا على رضا من ناقليه له وإن كان علا فعلا فرضى تمييز أو حال أي علا رضاه أو على ذا رضى وأما-أتمدونن بمال-ففيه نونان فجاز الإدغام كما في أتحاجوني والإظهار الأصل وعليه الرسم قال أبو عبيد إنما هو نونان في كل المصاحف وقوله الإدغام أي ذو الإدغام فيه أي قارئه فاز فثقلا
(938)
مَعَ السُّوقِ سَاقَيهاَ وَسُوقِ اهْمِزُوا (زَ)كاَ وَوَجْهٌ بِهَمْزٍ بَعْدَهُ الْوَاوُ وُكِّلاَ

يريد-بالسوق والأعناق-و-كشفت عن ساقيها (فاستوى على سوقه) ، وسوق في الموضعين جمع ساق فوجه الهمز في الجميع إن الواحد مهموز وإن لم يكن الواحد مهموزا فوجهه إن كان على وزن فعل ضمة الواو كما قالوا-أقتت-في وقتت ثم أسكن تخفيفا وإن كان على وزن فعل فوجهه مجاورة الضمة للواو كما تقدم في عادا لولى وأما الهمز في المفرد فقيل هو لغة كهمز رأس وكأس وقيل أجرى على الجمع تابعا له وقيل من العرب من يقلب حرف المد همزة كما يقلب الهمزة حرف مد ومن ذلك همز العجاج والعالم والخاتم ومنه همز-يأجوج ومأجوج-كما سبق فاعلم أن وجه همز الجمع أقوى من همز المفرد قال أبو علي أما الهمز في ساق فلا وجه له وأما على سوقه وبالسوق فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفا شيء زعم أبو عثمان أن أبا الحسن أخبره قال أبو حية النميري بهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة وينشد ، (لحب المؤقدان إلى مؤسى ) ، قال ابن مجاهد همز ابن كثير وحده-وكشفت عن ساقيها-في رواية أبي الإخريط ولم يهمز غيره وكذلك بالسوق وسوقه وهكذا قرأت على قنبل عن النبال وحدثني مضر بن محمد عن ابن أبي بزة قال كان وهب بن واضح يهمز ذلك وأنا لا أهمز من ذلك شيئا وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا قال ولم يهمز أحد-يوم يكشف عن ساق-ولا وجه للهمز في ذلك والصواب بلا همز ثم زاد الناظم ذكر وجه ليس في التيسير يختص بالجمع وهو بواو بعد همز سؤوق على وزن فعول ويهمز الواو الأولى لانضمامها في نفسها قال ابن مجاهد وقال علي ابن نصر عن أبي عمرو سمعت ابن كثير يقرأ بالسؤوق بواو بعد الهمز قال أبو بكر رواية أبي عمرو عن ابن كثير هذه هي الصواب من قبل أن الواو انضمت فهمزت لانضمامها والأول لا وجه له لم يذكر ابن مجاهد هذا الوجه إلا في حرف ص ولم ينقله في حرف الفتح ونقله صاحب الروضة في ص على وجه آخر فقال روى بكار عن ابن مجاهد عن قنبل بالسؤق بضم الهمزة وروى نظيف عن

قنبل بهمزة ساكنة وكذا قال ابن الفحام رواه الفارسي عن ابن مجاهد من طريق ابن بكار عن قنبل بهمزة مضمومة وقال ابن رضوان في كتاب الموضح روى بكار عن ابن مجاهد ضم الهمز وإثبات واو بعدها من قوله تعالى-بالسوق-فيصير اللفظ فيها مثل بالسعوق وكذا قال صاحب "الشمس المنيرة" والشيخ أبو محمد وقالا في قوله بالسوق خاصة يعني في ص دون التي في الفتح وأظن من عبر بهمزة مضمومة ولم يذكر الواو أراد مع الواو لأن مرجع الجميع إلى نقل ابن مجاهد وابن مجاهد صرح في كتاب السبعة له في سورة ص بأنه بواو بعد الهمزة ولم يخصص الناظم بهذا الوجه حرف ص ولكن لم أر من ذكره في حرف الفتح والله أعلم ولا بعد في ذلك فإنه قد خصص ساقيها بالهمز دون (والتفت الساق بالساق)-(ويوم يكشف عن ساق) ، وأما قراءة الجماعة من غير همز فواضحة لأن وزن ساق فعل بفتح العين فجمع على فعل بإسكانها كأسد وأسد
(939)
نَقُولَنَّ فَاضْمُمْ رَابِعاً وَنُبَيِّتَنْنَهُ وَمَعاً فِي النُّونِ خَاطِبْ (شَـ)ـمَرْدَلاَ

أراد قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن فالنون عبارة عنهم والتاء خطاب بعضهم لبعض وقوله اضمم رابعا أي الحرف الرابع في الكلمتين وهو اللام والتاء وإنما وجب ضمه لأن كل واحد من الفعلين خطاب لجماعة والأصل تقولون وتبيتون بضم اللام والتاء فلما لحقت الفعل نون التأكيد حذفت الواو لالتقاء الساكنين ومثله لتؤمنن به ولتنصرنه وعلى القراءة بالنون الفعلان لا واو فيهما لأنهما نقول ونبيت فلما اتصلت بها دون التأكيد بنى أحدهما على الفتح نحو لنصدقن ولنخرجن معكم والفاء في فاضمم زائدة رابعا مفعول لاضمم إن كان تقولن مبتدأ وإن كان تقولن مفعول اضمم فرابعا تمييز لأنه تبيين لأي الحروف بضم أو بدل البعض نحو اضرب زيدا ظهرا أي اضرب ظهره ونبيتنه عطف على نقولن ومعا حال فيهما أي وخاطب فيهما معا في موضع النون أي ائت بتاء الخطاب عوضا عن نون المتكلمين وحركتهما حركة النون فهي في نقولن مفتوحة لأنه مضارع فعل ثلاثي وهو قال وفي نبيتنه مضمومة لأنه مضارع فعل رباعي وهو نبيت وشمردلا حال من فاعل خاطب أو مفعول به أي خاطب من يسرع إلى إجابتك ويخف في قضاء حاجتك وحصل في ضمن ذلك المقصود من تقييد القراءة والتعريف بها والله أعلم
(940)
وَمَعْ فَتْحِ أَنَّ النَّاسِ مَا بَعْدَ مَكْرِهِمْ لِكُوفٍ وَأَمَّا يُشْرِكُونَ (نَـ)ـدٍ (حَـ)ـلاَ

يريد-أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون-والذي بعد مكرهم-فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم-أي ومع فتح هذا الذي بعد مكرهم أي فتحهما الكوفيون أما أن الناس فعلى تقدير تكلمهم بأن الناس أي بهذا الكلام والكسر حكاية قول الدابة ويجوز أن يكون على القراءتين من كلام الله تعالى مستأنفا على الكسر وتعليلا على الفتح أي لكونهم كانوا لا يوقنون بالآيات أخرجنا لهم هذه الآية العظيمة الهائلة تخاطبهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر ونحو ذلك وأما كسر أنا دمرناهم فعلى الاستئناف والفتح على تقدير لأنا أو هو خبر كان أو بدل من عاقبة أو خبر مبتدإ أي هي أنا والخلاف في أما يشركون بالغيب والخطاب ظاهر والرمز لقراءة الغيب لأنه أطلقها كأنه قال والغيب فيه تدخلوا والله أعلم
(941)
وَشَدِّدْ وَصِلْ وَامْدُدْ بَلِ أدَّارَكَ (ا)لَّذِي (ذَ)كاَ قَبْلَهُ يَذَّكَّرُونَ (لَـ)ـهُ (حُـ)ـلاَ

أي شدد الدال وصل الهمزة أي اجعلها همزة وصل وامدد بعد الدال ثم لفظ بالقراءة التي قيدها فالقراءة الأخرى بقطع الهمزة وقد سبق أن همزة القطع في الماضي لا تكون إلا مفتوحة وبتخفيف الدال وهو هنا سكونها ولا يلزم من التخفيف السكون ولكن لظهوره تسامح بعدم ذكره وبترك المد فيبقى أدرك مثل أدغم ولو أنه لفظ بالقراءتين كان أسهل فيقول وبل أدرك اجعله بل إدارك الذي ومعنى أدرك بلغ وانتهى وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وقراءة الباقين أصلها تدارك أي تتابع فأدغمت التاء في الدال فاحتيج إلى همزة الوصل لأن الأول صار ساكنا ومثله-اثاقلتم-اطيرنا بك-وحكم همزة الوصل كسرها في الابتداء بها وحذفها في الوصل فتكسر اللام من بل لالتقاء الساكنين ولام بل ساكنة في قراءة أدرك إذ لم يلقها ساكن وفي هذه الكلمة أيضا عشر قراءات غير هاتين القراءتين ذكرها أبو القاسم الزمخشري في تفسيره ثم قال قبله يذكرون أن قبل-بل أدارك-قليلا ما يذكرون-قرأه بالغيب أبو عمرو وهشام وفهم ذلك من الإطلاق والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر والله أعلم
(942)
بِهَادِي مَعًا تَهْدِي (فَـ)ـشَا الْعُمْيِ نَاصِباً وَبِالْيَا لِكُلٍّ قِفْ وَفِي الرُّومِ (شَـ)ـمْلَلاَ

يريد-وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم-هنا وفي آخر الروم يقرؤه حمزة-تهدي-فيلزم نصب العمى لأنه مفعوله وهو مجرور في قراءة غيره لأنه مضاف إليه وتقدير البيت فشا تهدي في موضع بهادي في حال كونه ناصبا للعمى والقراءتان ظاهرتان ، وقال الشيخ صاحب الحال فشا لأنه يريد به حمزة ثم قال وبالياء لكل قف أي في حرف النمل سواء في ذلك من قرأ بهادي ومن قرأ تهدي لأنها رسمت بالياء ، ثم قال وفي الروم شمللا أي ووقف بالياء في حرف الروم حمزة والكسائي على الأصل وحذفها الباقون لأنها لم ترسم وهذا الموضع مما يشكل على المتبدى فيظن أن الوقوف بالياء في الموضعين للكل وأن قوله وفي الروم شملل أي قرأ الكسائي وحمزة في الروم بما قرأ به حمزة وحده في النمل وهو-تهدي العمي-وليس كذلك لقوله في أول البيت معا قال ابن مجاهد كتب بهادي العمي بياء في هذه السورة على الوقف وكتب الذي في الروم بغير ياء على الوصل وقال خلف كان الكسائي يقف عليهما بالياء ، وقال مكي هذا الحرف في المصاحف بالياء والذي في الروم بغير ياء ووقف عليهما حمزة والكسائي بالياء وهو مذهب شيخنا يعني أبا الطيب ابن غلبون قال وقد روي عن الكسائي أنه وقف عليهما بغير ياء ووقف الباقون ههنا بالياء وفي الروم بغير ياء اتباعا للمصحف ولا ينبغي أن يتعمد الوقف عليهما لأنه ليس بتمام ولا قطع كاف لا سيما الذي في الروم لأنه كتب بغير ياء على نية الوصل فإن وقفت بياء خالفت السواد وإنما ذكرنا مذاهب القراء في الوقف عند الضرورة فأما على الاختيار فلا وكذلك ما شابه هذا فاعلمه
(943)
وَآتُوهُ فَاقْصُرْ وَافْتَحِ الضَّمَّ (عِـ)ـلْمُهُ فَشاَ تَفْعَلُونَ الْغَيْبُ (حَقٌّ لَـ)ـهُ وَلاَ
يريد-وكل أتوه داخرين-هو بالمد جمع آت مضاف إلى الهاء كما في سورة مريم (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) ، وهو كقولك عابدوه وداعوه وأتوه بالقصر وفتح التاء فعل وفاعل ومفعول نحو رموه وقضوه والغيب والخطاب في بما يفعلون ظاهران

(944)
وَمَالِي وَأَوْزِعْنِي وَإِنِّي كِلاَهُماَ لِيَبْلُوَنِي الْيَاءَاتُ فِي قَوْلِ مَنْ بَلاَ
الياءات خبر قوله ومالي وما بعده أي هذه ياءات الإضافة التي في هذه السورة وبلا بمعنى اختبر أي قل ذلك في جواب من اختبرك وسألك عنها فالقول مصدر أضيف إلى المقول له وهو المفعول والمصدر كما يضاف إلى فاعله يضاف إلى مفعوله ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي عرفت هذا من يريد أن يختبر غيره بها وهي خمس ياءات-مالي لا أرى الهدهد-فتحها ابن كثير وعاصم والكسائي وهشام-أوزعني أن أشكر-فتحها ورش والبزي-إني آنست-فتحها الحرميان وأبو عمرو-إني ألقى ليبلوني أأشكر-فتحهما نافع وحده وفيها زائدتان-أتمدونن بمال-أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير وحمزة وقد سبق أن حمزة يدغم النون الأولى في الثانية-فما آتاني الله-أثبتها مفتوحة في الوصل ساكنة في الوقف قالون وحفص وأبو عمرو بخلاف عنهم في الوقف وفتحها في الوصل وحذفها في الوقف ورش وقلت في ذلك ، (وفيها فما آتاني الله قبله تمدونني زيدا فلا تك مغفلا)
سورة القصص
(945)
وَفِي نُرِي الْفَتْحَانِ مَعْ أَلِفٍ وَيَائِهِ وَثَلاَثٌ رَفْعُهَا بَعْدَ (شُـ)ـكِّلاَ
الفتحان في الراء والحرف الذي قبلها والألف بعد الراء والياء مكان النون وهي الحرف الذي قبل الراء فيصير اللفظ ويرى ويلزم من ذلك رفع الكلم الثلاث التي بعدها على الفاعلية وهي-فرعون وهامان وجنودهما-وفي القراءة الأخرى الثلاث منصوبة على المفعولية ويجوز في ويائه الجر عطفا على ألف ويجوز وياؤه بالرفع عطفا على الفتحان ومعنى شكل صور والقراءة بالنون المضمومة وكسر الراء وفتح الياء توجد من تلفظ الناظم بها لا من ضد ما ذكره ووجه القراءتين ظاهر
(946)
وَحُزْناً بِضَمِّ مَعْ سُكُونٍ (شَـ)ـفَا وَيَصْدُرَ اضْمُمْ وَكَسْرُ الضَّمِّ (ظَـ)ـامِيهِ (أَ)ـنْهَلاَ

قيد في حزنا ما لفظ به ليأخذ ضده للقراءة الأخرى وضد الضم والسكون معا الفتح فيهما فالحزن والحزن لغتان مثل العجم والعجم والعرب والعرب والبخل والبخل قرئ بهما ههنا في قوله-ليكون لهم عدوا وحزنا-وأجمعوا على الفتح في (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) ، وفي (وأعينهم تفيض من الدمع حزنا) ، وعلى الضم في (وابيضت عيناه من الحزن) ، (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله) ، وادعى بعضهم أن الضم يكون في المرفوع والمجرور والفتح في الذي ظهر فيه النصب وأما-حتى يصدر الرعاء-فأراد ضم يائه وكسر داله فيكون مضارع أصدر والمفعول محذوف أي يصدر الرعاء مواشيهم ويصدر بفتح الياء وضم الدال من صدر وهو فعل لازم والصدر الانصراف وأصدرت الماشية صرفتها وإنما يصدرونها بعد ريها فلهذا قال ظاميه أنهلا ويعني بالظاميء الذي ظمئت ماشيته أي عطشت أو يكون إشارة إلى حال موسى عليه السلام فإنه كان حينئذ ظمآن ذا تعب وجوع وقد سقى المواشي وهو ظمآن منهل أي ساق النهل وهو الشرب الأول
(947)
وَجِذْوَةٍ اضْمُمْ (فُـ)ـزْتَ وَالْفَتْحُ (نَـ)ـلْ وَ(صُحْبَةٌ كَـ)ـهْفُ ضَمِّ الرَّهْبِ وَاسْكِنْهُ (ذُ)بَّلاَ
جميع ما في هذا البيت من القراءات لغات والأكثر على كسر الجيم وضمها حمزة وفتحها عاصم وأخذت قراءتهم من ضد الفتح ويقال أيضا جذيه بالياء وفي الجيم الحركات الثلاث وقال أبو عبيد القطعة الغليظة من الخشب كأن في طرفها نارا ولم تكن والرهب الخوف قرأه حفص بفتح الراء وإسكان الهاء وأبو بكر وحمزة والكسائي وابن عامر بضم الراء وإسكان الهاء والباقون بفتحهما لأن الفتح ضد الضم والإسكان المطلق ويجوز ضمهما لغة ووصل الناظم همزه وأسكنه ضرورة وذلك جائز أنشد أبو علي ، (إن لم أقاتل فألبسوني برقعا يابا المغيرة رب أمر مفصل) ، قال وهذا النحو في الشعر غير ضيق وذبل جمع ذابل وهي الرماح ونصبه على الحال أي ذا ذبل يشير إلى الحجج والأدلة والله أعلم
(948)

يُصَدِّقُنِي ارْفَعْ جَزْمَهُ (فِـ)ـي (نُـ)ـصُوصِهِ وَقُلْ قَالَ مُوسَى وَاحْذِفِ الْوَاوَ (دُ)خْلُلاَ
الجزم على جواب أرسله معي والرفع على أنها جملة في موضع الحال أي أرسله مصدقا وإنما قال ارفع جزمه لأن الجزم ليس ضدا للرفع وإن كان الرفع ضدا للجزم ومثله ما سبق في الفرقان ، يضاعف ويخلد رفع جزم والواو من-وقال موسى ربي أعلم-محذوفة من المصحف المكي دون غيره فلهذا أسقطها ابن كثير وأثبتها غيره ودخللا حال من قال موسى أي هي بحذف الواو مداخل لما قبله وهو-قال رب إني قتلت منهم نفسا-ولو قال الناظم موضع دخللا دم ولا أي ذا ولا لكان أولى لأنه لم يأت بواو فاصلة بين هذه المسئلة والتي بعدها وقد افتتح البيت الآتي بالرمز في كلمتين فالكلمة الأولى وهي نما مترددة بين أن تكون تابعة لما في هذا البيت أو لما بعدها بل نما نفر بجملته يجوز أن يكون من تتمة رمز قال موسى ويكون رمز يرجعون ما بعده وهو ثق الذي هو رمز سحران فيكون للكوفيين الحرفان كنظائر لسبقت والله أعلم
(949)
(نَـ)ـمَا (نَفَرٌ) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ يَرْجِعُونَ سِحْرَانِ (ثِـ)ـقْ فِي سَاحِرَانِ فَتُقْبَلاَ
نما أي نقل فالمعنى نقل جماعة يرجعون بضم الياء وفتح الجيم على بناء الفعل للمفعول والباقون بفتح الياء وكسر الجيم على بناء الفعل للفاعل وقد سبق نظيرهما يريد وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون وقرأ الكوفيون-قالوا سحران تظاهرا-والباقون ساحران يعنون موسى وهارون وقيل ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين وسحران كذلك على حذف مضاف أي كل واحد منهما ذو سحر وقيل عنى بذلك التوراة والقرآن ونصب فتقبلا على جواب الأمر بقوله ثق والله أعلم
(950)
وَيَجْبَى خَلِيطٌ يَعْقِلُونَ (حَـ)ـفِظْتُهُ وَفِي خُسِفَ الْفَتْحَتَيْنِ حَفْصٌ تَنَخَّلاَ

الخلاف في-يجبى إليه-بالتذكير والتأنيث ظاهر لأن تأنيث الثمرات غير حقيقي ومعنى قوله خليط أي مألوف معروف ليس بغريب أي تذكير يجبى خليط لم يؤنثه سوى نافع وأما وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون فقرأه أبو عمرو وحده بالغيب وغيره بالخطاب وهما أيضا ظاهران وأما-لخسف بنا فقرأه على بناء الفعل للفاعل حفص على معنى لخسف الله بنا وقرأ غيره على بناء الفعل للمفعول بضم الخاء وكسر السين ومعنى تنخلا اختار حفص في خسف الفتحين يعني فتح الخاء والسين ولم يذكر قراءة الباقين ولا يؤخذ من الضد إلا كسر السين وأما ضم الخاء فإن الضم ضد الجزم ونظير القراءتين هنا (استحق عليهم) ، في المائدة وعبارته هناك جيدة وضم استحق افتح لحفص وكسره وكأنه أشار هنا بالفتحين إلى قراءته هناك أو إلى قوله في أول السورة وفي نرى الفتحان فإنهما فتحا ضم وكسر فكذا في خسف والله أعلم
(951)
وَعِنْدِي وَذُو الثُّنْياَ وَإِنِّي أَرْبَعٌ لَعَلِّي معاً رَبِّي ثَلاَثٌ مَعِي اعْتَلاَ

فيها اثنتا عشرة ياء إضافة عندي أو لم يعلم فتحها نافع وأبو عمرو واختلف فيها عن ابن كثير-ستجدني إن شاء الله-فتحها نافع وحده وهي التي عبر عنها بقوله وذو الثنيا أي واللفظ المصاحب للثنيا والثنيا الاسم من الاستثناء وإنما عبر عنها بذلك لأن بعدها إن شاء الله وهذا اللفظ يطلق عليه علماء الشريعة وغيرهم لفظ الاستثناء باعتبار أصل اللغة لأنها ثبت اللفظ المعلق بها عن القطع بوقوع موجبه وفي الحديث إذا حلف الرجل فقال إن شاء الله فقد استثنى وقد تقدم في باب ياءات الإضافة التعبير عنها بقوله وما بعده إن شاء وإنما لم ينص عليها بلفظها كما فعل في أخواتها لأنها لفظة لا يمكن أن تدخل في وزن الشعر أصلا لاجتماع خمس حركات فيها متوالية ثم قال وإني أربع أي أربع كلمات فتارة يؤنث هذه الألفاظ باعتبار الكلمات كقوله بعده ربي ثلاث وتارة يذكر باعتبار اللفظ كقوله وذو الثنا وذلك على حسب ما يؤاتيه نظمه أراد-إني آنست-إني أنا الله رب العالمين- إني أخاف أن يكذبون-فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو-وإني أريد أن أنكحك-فتحها نافع وحده-لعلي آتيكم لعلي أطلع فتحهما الحرميان وأبو عمرو وابن عامر-عسى ربي أن يهديني-ربي أعلم بمن-ربي أعلم من فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو-فأرسله معي ردأ-فتحها حفص وحده وقوله في آخر البيت اعتلا ، هو خبر وعندي وما بعده أي اعتلا المذكور في تبين ياآت الإضافة في هذه السورة وكان الواجب على هذا التقدير نصب أربعا وثلاثا على الحال أي اعتلا هذا وذا في حال كونهما على هذا العدد كما قال في آخر سورة هود "وياءاتها عني وإني ثمانيا" وإن جعل إني أربع مبتدأ وخبر وكذا ربي ثلاث احتاج كل واحد من هذه الألفاظ إلى خبر فيرك الكلام ويكثر الإضمار فلا حاجة إلى ذلك وفيها زائدة واحدة-يكذبون-قال سنشد أثبتها في الوصل ورش وحده وقلت في ذلك ، (وواحدة فيها تزاد يكذبون قال وما شيء إلى سبأ تلا) ، أي لم يبق شيء من الزوائد إلى سورة سبأ وتلا

بمعنى تبع ما تقدم من ياءآت الزوائد والله أعلم
سورة العنكبوت
(952)
يَرَوْا (صُحْبَةٌ) خَاطِبْ وَحَرِّكْ وَمُدَّ فِي النْنَشَاءة (حَقاًّ) وَهْوَ حَيْثُ تَنَزَّلاَ
أي تروا قراءة صحبة فحذف المضاف للعلم به ثم بين القراءة ما هي فقال خاطب أي بالخطاب ولم ولو لم يبينها لما حملت إلا على ضد الخطاب وهو الغيب لإطلاقه يريد-أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق-وجه الخطاب أن قبله-وإن تكذبوا-ووجه الغيبة-فقد كذب أمم من قبلكم-والنشأة بإسكان الشين والقصر على وزان الرأفة والرحمة والنشاءة بفتح الشين والمد على وزان الكآبة كلاهما لغة وقد حكى فتح همزة الرأفة ومدها أيضا ولغة القصر أقوى قال أبو عبيد هي اللغة السائرة والقراءة المعروفة قال أبو علي حكى أبو عبيد النشأة لم يذكر الممدود قال وهو في القياس كالرأفة والرآفة والكأبة والكآبة قال مكي وهو مصدر من غير لفظ ينشيء والتقدير ثم الله ينشئ الأموات فينشئون النشأة الآخرة وقوله وهو حيث تنزلا يعني هنا وفي سورتي النجم والواقعة وأن عليه النشأة (ولقد علمتن النشأة الأولى) ، قال صاحب التيسير ووقف حمزة على وجهين في ذلك أحدهما أن يلقى حركة الهمزة على الشين ثم يسقطها طردا للقياس والثاني أن يفتح الشين ويبدل الهمزة ألفا اتباعا للخط قال ومثله قد سمع من العرب والله أعلم
(953)
مَوَدَّةً المَرْفُوعُ (حَـ)ـقُّ (رُ)وَاتِهِ وَنَوِّنْهُ وَانْصِبْ بَيْنَكُمْ (عَمَّ صَـ)ـنْدَلاَ

رفع مودة على أنها خبر إن إن كانت ما موصولة أي إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا ذو مودة بينكم وإن كانت ما كافة فمودة خبر مبتدأ محذوف أي هي مودة بينكم أو مبتدأ والخبر في الحياة الدنيا ومن نصب مودة فلا يكون ما في إنما إلا كافة ونصبها على أنها مفعول من أجله ويكون اتخذ على هذا الوجه وعلى قراءة الرفع متعديا إلى مفعول واحد نحو (أتخذتم عند الله عهدا فلن) ، ويجوز أن يكون مودة ثاني مفعولي اتخذوا أيمانهم جنة وبينكم بالنصب ظرف منصوب بالمصدر الذي هو مودة ويجوز أن يكون صفة له أي مودة كائنة بينكم وخفض بينكم بالإضافة إلى مودة المنصوبة والمرفوعة على وجه الاتساع في الظروف نحو (شهادة بينكم) ، والمعنى على ما تعطيه قراءة النصب ولم يقرأ أحد برفع مودة ونصب بينكم ولو قرئ لجاز وإنما كل من رفع مودة خفض بينكم وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ومن نصب مودة اختلفوا فمنهم من خفض بينكم أيضا وهم حمزة وحفص ومنهم من نصبهما معا وهو نافع وابن عامر وأبو بكر ولا يستقيم النصب إلا بتنوين مودة وكل من خفض بينكم أسقط التنوين من مودة لأجل الإضافة سواء في ذلك من رفع ومن نصب وقد سبق معنى صندلا في سورة الأنعام ونصبه هنا على التمييز أو الحال على تقدير ذا صندل يشير إلى حسنه وطيبه والله أعلم
(954)
وَيَدْعُونَ (نَـ)ـجْمٌ (حَـ)ـافِظٌ وَمُوَحِّدٌ هُنَا آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ (صُحْبَةٌ دَ)لاَ

أي قراءة نجم حافظ والعالم يعبر عنه بالنجم للاهتداء به أراد-إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء-فالغيب فيه والخطاب ظاهران فالغيبة تعود إلى مثل الذين اتخذوا والخطاب لهم وأما التوحيد والجمع في وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه-فقد تقدم مثلهما مرارا وموحد خبر مقدم وآية من ربه مفعول به وصحبة مبتدا وقد سبق معنى دلا وذكر الخبر ولفظ دلا مفرد باعتبار لفظ صحبة لأنه مفرد ويجوز أن يكون موحد مبتدأ وصحبة فاعله على رأي من يقول اسم الفاعل غير معتمد والله أعلم
(955)
وَفِي وَنَقُولُ الْيَاءُ (حِصْنٌ) وَيُرْجَعُنَ (صَـ)ـفْوٌ وَحَرْفُ الرُّومِ (صَـ)ـافِيهِ (حُـ)ـلِّلاَ
يرد-ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون-الثاء والنون فيه ظاهرتان وقد سبق لهما نظائر والغيب في قوله-ثم إلينا يرجعون-لأن قبله-يوم يغشاهم العذاب-والخطاب لقوله تعالى-يا عبادي الذين آمنوا- والذي في الروم (ثم يعيده ثم إليه يرجعون) ، وقيد الناظم بقوله الياء لأن ضده النون وأطلق يرجعون لأن ضده الخطاب ولا يجوز أن يكون استغنى عن تقييد يرجعون بالياء بتقييد يقول كما قال في سورة النساء ويا سوف يؤتيهم عزيز وحمزة سنؤتيهم لأن الضد ثم في القراءتين متحد وهو النون وهنا اختلف الضد فالقراءة بالغيب لا يقيدها بالياء أبدا إنما بطلقها ويقول بالغيب وهذا من دقاق ما اشتمل عليه هذا النظم فاعرفه وما أحسن قوله صافيه حللا أي كثير الحلول فيه لأجل صفائه
(956)
وَذَاتُ ثَلاَثٍ سُكَّنَتْ بَا نُبُوِّئَنْنَ مَعْ خِفِّهِ وَالْهَمْزُ بِالْيَاءِ (شَـ)ـمْلَلاَ

أي با قوله تعالى-لنبوئنهم من الجنة غرفا-فقصر لفظ با ضرورة وهو مبتدأ وذات ثلاث خبره مقدم عليه أي صارت ذات ثلاث نقط وإذا نقطت صورة الباء بثلاث صارت ثاء وقوله سكنت صفة لذات ثلاث كما تقول هند امرأة حسنة أي هذه الباء ثاء ساكنة والهاء في خفة تعود على لفظ نبوئن أراد تخفيف الواو وهو مشكل فإن في لفظ نبوئن حرفين مشددين الواو والنون وليس في تشديد النون خلاف والواو في قوله والهمز واو الحال أي صار ثاء ساكنة مع خفة الواو في حال كون الهمزة أسرع بالياء أي أتى بالياء في مكانه أي أبدل الهمز ياء فصارت القراءة لنثوينهم من الثواء وهو الإقامة قال الزجاج يقال ثوى الرجل إذا أقام وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه قال الفراء ، (وكل حسن بوأته وأثويته منزلا) ، سواء معناه أتزلته قال الزمخشري ثوى غير متعد فإذا تعدى بزيادة همزة النقل لم يتجاوز مفعولا واحدا نحو ذهب وأذهبته والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف إما إجراؤه مجرى لننزلهم ونبوئنهم أو حذف الجار واتصال الفعل أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم ، قلت فهذا جواب ما روي عن اليزيدي أنه قال لو كان لنثوينهم لكان في غرف واختار أبو عبيد القراءة الأخرى لإجماعهم على التي في النحل (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) ، قال لا نعلم الناس يختلفون فيه فهذا مثله وإن كان ذاك في الدنيا وهذا في الآخرة فالمعنى فيهما واحد قال ورأيت هذا الحرف الذي هو في العنكبوت في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بالياء معجمة ، قلت وهذا بعد ما نقطت المصاحف وكثر هذا اللفظ في القرآن نحو (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) ، (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) ، وقال (يتبوأ منها حيث يشاء) ، وقال (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) ، وقال (أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا) ، وقيل لفظ الثواء لائق بأهل الآخرة هي دار القرار وروى عن الربيع بن خيثم أنه قرأها كذلك وقال الثواء في الآخرة والتبوة في الدنيا وقد قال الله تعالى

في حق الكفرة (أليس في جهنم مثوى للكافرين) ، وهو في آخر هذه السورة فناسب أن يقال للمؤمنين نحو ذلك في الجنة وقال سبحانه وتعالى ، (وما كنت ثاويا في أهل مدين) ، أي مقيما عندهم مستمرا بين أظهرهم والله أعلم
(957)
وَإِسْكَانُ وَلْ فَاكْسِرْ (كَـ)ـمَا (حَـ)ـجَّ (جَـ)ـا (نَـ)ـدىً وَرَبِّي عِبَادِي أَرْضِيَ أَلْبَابِهَا انْجَلاَ
يعني كسر لام وليتمتعوا وقد تقدم في الحج أن لام الأمر يجوز كسرها وإسكانها وهي معطوفة على-ليكفروا-وهي أيضا لام الأمر بدليل إسكان ما عطف عليها وهو أمر تهديد نحو-اعملوا ما شئتم-وقيل الأولى لام كي والثانية لام الأمر ونظير ذلك قوله تعالى في النحل (ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا) ، قال أبو عبيد إنما يجوز هذا لو كانت فليتمتعوا بالفاء لأن الفاء قد يستأنف بها الخبر وإنما معنى الواو والعطف فكيف يترك العطف ويرجع إلى الأمر والفاء في قوله فاكسر زائدة وفيها ثلاث ياآت إضافة مهاجر إلى ربي إنه-فتحها نافع وأبو عمرو-يا عبادي الذين آمنوا-أسكنها حمزة والكسائي وأبو عمرو-إن أرضي واسعة-فتحها ابن عامر وحده
من سورة الروم إلى سورة سبأ
(958)
وَعَاقِبَةُ الثَّانِي (سَمَا) وَبِنُونِهِ نُذِيقُ (زَ)كَا لِلْعَالَمِينَ اكْسِرُوا (عُـ)ـلاَ

يريد-ثم كان عاقبة الذين أساءوا-هذا هو الثاني المختلف في رفعه ونصبه ، والأول لا خلاف في رفعه وهو كيف كان عاقبة الذين من قبلهم-فوصف عاقبة وهو مؤنث بالثاني على تأويل وهذا اللفظ الثاني وإنما لم ينونه لأنه حكى لفظه في القرآن وهو غير منون لأنه مضاف إلى الذين واعتذر الشيخ عن كونه لم ينونه بأنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين أو أراد-وعاقبة-الموضع الثاني ولا حاجة إلى هذا الاعتذار فالكلمة نفي القرآن لا تنوين فيها وقد قال بعد هذا يذيق ذكا بالنصب فأي عذر لنصبه لولا أنه حكى لفظه في القرآن وهو لنذيقهم بعض الذي عملوا وهو ملبس بقوله تعالى-وليذيقكم من رحمته-ولم يقيد القراءة في عاقبة وكان ذلك إشارة إلى رفعها لمدلول سما والباقون بنصبها فهي إن رفعت اسم كان وإن نصبت خبرها والسوأى بعد ذلك هو الخبر أو الاسم وهو كناية عن العذاب وهو تأنيث الأسوأ وإن كذبوا على تقدير لأن كذبوا ويجوز أن يكون السوأى مصدر كالرجعى والبشرى أي أساءوا الإساءة الشنيعة وهي الكفر أو نعتا لموصوف محذوف أي أساء والخلال السوأى والخبر أو الاسم قوله-أن كذبوا-ومعنى الذين أساءوا أي أشركوا والتقدير-ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله تعالى أي لم يظفر في كفره وشركه بشيء إلا بالتكذيب بآيات الله ويجوز أن يكون السوأى هو الخبر أو الاسم لا على المعنى المتقدم بل على تقدير الفعلة السوأى ثم بينها بقوله-أن كذبوا-فيكون-أن كذبوا عطف بيان أو بدلا ويجوز على هذا التقدير على قراءة الرفع أن لا يكون للسوأى خبرا بل معنى أساءوا السوأى أي فعلوا الخطيئة السوأى وخبر كان محذوف إرادة الإبهام ليذهب الوهم إلى كل مكروه كل هذه الأوجه منقولة وهي حسنة وقيل يجوز أن تكون إن في قوله-أن كذبوا-مفسرة بمعنى أي كذبوا ، وهذا فيه نظر فإن من شرط أن المفسرة أن يأتي بعدها فعل في معنى القول ثم قال ، وبنونه نذيق أي ونذيق زكا وهي نون العظمة وقراءة الباقين بالياء أي ليذيقهم الله

وكسر حفص اللام من قوله-إن في ذلك لآيات للعالمين-جعله جمع عالم واحد العلماء وكما قال تعالى في آية أخرى (وما يعقلها إلا العالمون) ، وفي موضع آخر (إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون) ، وفتح الباقون اللام جعلوها جمع عالم أي لكافة الناس وعلا حال أي ذو علا
(959)
لِيَرْبُوا خِطَابٌ ضُمَّ وَالْوَاوُ سَاكِنٌ (أَ)تَى وَاجْمَعُوا آثَارِ(كُمْ) (شَـ)ـرَفاً (عَـ)ـلاَ
أي ذو خطاب مضموم يعني تاء مضمومة ، وقال الشيخ يجوز أن يكون ضم أمرا ، قلت خطاب على هذا التقدير يكون حالا أي ضم لتربوا ذا خطاب فكان الواجب نصبه أي-وما أتيتم من ربا لتربوا-أنتم سكنت الواو لأنها واو الضمير في تربون وحذفت النون للنصب وهذه-قراءة نافع وحده وقراءة الباقين على الغيب بياء مفتوحة وواو منصوبة لأنه فعل مضارع خال من ضمير بارز مرفوع فظهر النصب في آخره والتقدير ليربوا ذلك الربا ، وأما-فانظر إلى آثار رحمة الله-فالإفراد فيه والجمع سبق لهما نظائر مثل-رسالته ورسالاته وكلمة وكلمات وذرية وذريات-الإفراد يراد به الجنس ووجه الجمع ظاهر ومعنى كم شرفا علا كم علا شرفا والمميز محذوف أي كم مرة وقع ذلك والله أعلم
(960)
وَيَنْفَعُ كُوفِيٌّ وَفِي الطُّولِ (حِصْنُهُ) وَرَحْمَةً ارْفَعْ (فَـ)ـائِزاً وَمُحَصِّلاَ
يريد-فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم-وفي غافر (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) ، تذكير الفعل في ذلك وتأنيثه ظاهران من قبل أن لفظ معذرة مؤنث ولكنه تأنيث غير حقيقي ونافع أنث هنا وذكر في سورة الطور جمعا بين اللغتين وأما-ورحمة-في أول لقمان فهي معطوفة على هدى وهدى في موضع نصب على الحال أو المدح أو في موضع رفع على تقدير هو هدى ورحمة أو خبر بعد خبر أي تلك هدى ورحمة أو يكون هدى منصوبا ورحمة مرفوعا أي وهو رحمة والله أعلم
(961)
وَيَتَّخِذَ المَرْفُوعُ غَيْرُ (صِحَابِهِـ)ـمْ تُصَعِّرْ بِمدٍّ خَفَّ (إِ)ذْ (شَـ)ـرْعُهُ (حَـ)ـلاَ

يريد-ويتخذها هزوا-النصب عطف على ليضل والرفع على يشتري أو على الاستئناف والهاء في يتخذها لآيات الكتاب أو للسبيل وتقدير البيت قراءة غير صحابهم على حذف مضاف وصاعر خده وصعره واحد كضاعف وضعف ومعناهما الإعراض عن الناس تكبرا والصعر الميل في الخد خاصة وقوله خف ليس صفة للمد ولكنه خبر بعد خبر لأن الخف في العين أي تصاعر ممدود خفيف
(962)
وَفِي نِعْمَةٍ حَرِّكْ وَذُكِّرَ هَاؤُهَا وَضُمَّ وَلاَ تَنْوِينَ (عَـ)ـنْ (حُـ)سْنٍ (ا)عْتَلاَ
يريد-وأسبغ عليكم نعمه-حرك أي افتح العين وذكر هاؤها أي جعلت هاء الضمير التي للمذكر المفرد في مثل (أكرمه ونعمه) ، وليست هاء تأنيث ثم قال وضم أي وضم ذلك الهاء ولا تنوين لتأخذ بضد ذلك للقراءة الأخرى وهي التي لفظ بها فحاصل الخلاف أن هذا الحرف يقرأ بالإفراد والجمع كنظائر له سلفت وقوله-ظاهرة وباطنة-صفة لنعمة في قراءة الإفراد وحال في قراءة الجمع وقد قال تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ، لم يختلف في افراده
(963)
سِوَى ابْنِ الْعَلاَ وَالْبَحْرُ أُخْفِى سُكُونُهُ (فَـ)ـشاَ خَلْقَهُ التَّحْرِيكُ (حِصْنٌ) تَطَوَّلاَ

والبحر مبتدأ خبره سوى ابن العلا على تقدير قراءة غير أبي عمرو فأبو عمرو وحده نصبه عطفا على اسم أن أي ولو أن البحر يمده والرفع على وجهين منقولين ذكرهما الزجاج والزمخشري وغيرهما ، أحدهما أنه مبتدأ ويمده الخبر والجملة في موضع الحال ، والثاني أن يكون عطفا على موضع إن واسمها وخبرها لأن الجميع في موضع رفع لأنه فاعل فعل مضمر أي ولو وقع ذلك والبحر ممدودا بسبعة أبحر فيمده على هذا الوجه حال من البحر وهذا العطف جائز بلا خلاف وإنما الممتنع العطف محل على اسم أن المفتوحة فقط دون محل المجموع منها ومن اسمها وخبرها وإنما يجوز العطف بالرفع على محل الاسم فقط مع إن المكسورة والفرق أن اسم المفتوحة بعض كلمة في التقدير بخلاف اسم المكسورة فمهما وقعت المفتوحة في موضع رفع جاز العطف بالرفع على محل المجموع منها ومن اسمها وخبرها كما أن العطف على محل المكسورة إنما كان من أجل ذلك وعليه يحمل قوله تعالى (إن الله برئ من المشركين ورسوله) ، لأن أن وما بعدها مبتدأ ورسوله عطف عليه-وأذان من الله-خبر مقدم عليه وقد سبق تقرير هذا الفصل في سورة المائدة ولذلك قال أبو عبيد الرفع هنا حجة لمن قرأ التي في المائدة العين بالعين رفعا فكذلك كان يلزم أهل هذه القراءة أن يرفعوا تلك وأما فلا تعلم نفس ما أخفي بفتح الياء فعلى أنه فعل ماض وبسكونها هو فعل مضارع مسند إلى المتكلم سبحانه وأما-أحسن كل شيء خلقه-بفتح اللام فعل أن يكون جملة واقعة صفة لشيء قبله فيكون في موضع خبر ويجوز أن يكون صفة لقوله- كل شيء-فتكون في موضع نصب وإذا سكنت اللام بقي لفظه مصدرا ونصبه على البدل من كل شيء أو هو منصوب على أنه مصدر دل عليه ما تقدم من قوله- أحسن كل شيء-فكأنه قال خلق كل شيء فهو من باب اقتران المصدر بغير فعله اللفظي ولكن بما هو في معناه والهاء في خلقه على هذا تعود إلى الله تعالى
(964)

لَما صَبَرُوا فَاكْسِرْ وَخَفِّفْ (شَـ)ـذاً وَقُلْ بِماَ يَعْمَلُونَ اثْناَنِ عَنْ وَلَدِ الْعَلاَ
أي اكسر اللام وخفف الميم فالمعنى لصبرهم كما قال في الأعراف (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا) ، أي بصبرهم والقراءة الأخرى لما بفتح اللام وتشديد الميم أي حين صبروا وقوله شذا أي ذا شذاء وقرأ أبو عمرو (بما يعملون خبيرا) ، في أول الأحزاب وبعده (بما تعملون بصيرا إذ جاءوكم) ، بالغيب فيهما والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر فهذا معنى قوله بما يعملون اثنان وفي سورة الفتح أيضا اثنان (بما تعملون خبيرا بل ظننتم) (بما تعملون بصيرا هم الذين كفروا) ، والخلاف في الثاني كما يأتي في موضعه والأول بتاء الخطاب أجماعا والله أعلم
(965)
وَبِالْهَمْزِ كُلُّ الَّلاءِ وَالْياَءِ بَعْدَهُ (ذَ)كَا وَبِياَءٍ سَاكِنٍ (حَـ)ـجَّ (هُـ)ـمَّلاَ

أي حيث جاء هنا-وما جعل أزواجكم اللاء وفي المجادلة (إلا اللاء ولدنهم) ، وفي الطلاق (واللاء يئسن)-(واللاء لم يحضن) ، قرأ الجميع الكوفيون وابن عامر بهمزة بعدها ياء ساكنة اللاءى على وزن القاضي والداعي فهذا هو أصل الكلمة أي كل اللاء بالهمز والياء بعده ويجوز والياء بالرفع على الابتداء ثم ذكر أن أبا عمرو والبزي قرأ بياء ساكنة من غير همز فكأنهما حذفا الهمز وبقيت الياء الساكنة إلا أنهم لا يوجهون هذه القراءة بهذا إنما يقولون حذفت الياء لتطرفها كما تحذف من القاضي ونحوه ثم أبدل من الهمزة ياء ساكنة وهذه القراءة على هذا الوجه ضعيفة لأن فيها جمعا بين ساكنين فالكلام فيها كما سبق في-محياي-في قراءة من سكن ياء وشبهه جوز ذلك ما في الألف من المد ولكن شرط جواز مثل هذا عند أئمة اللغة المعتبرين أن يكون الساكن الثاني مدغما ولا يرد على هذا ص ن ق لأن أسماء حروف التهجي موضوعة على الوقف والوقف يحتمل اجتماع الساكنين فإن وقف على-محياي-أو اللائي-فهو مثله وإنما الكلام في الوصل وأما إجازة بعضهم اضربان واضربنان بإسكان النون والتقت حلقتا البطنان بإثبات الألف فشاذ ضعيف عندهم والله أعلم ، وقوله حج هملا أي غلبهم في الحجة وقد تقدم شرح هملا في باب ياءات الإضافة في قوله إلا مواضع هملا وهو جمع هامل والهامل البعير المتروك بلا راع أي غلب في الحجة قوما غير محتفل بهم يشير إلى تقوية الإسكان وأنه له ضعف
(966)
وَكَالْيَاءِ مَكْسُوراً لِوَرْشٍ وَعَنْهُمَا وَقِفْ مُسْكِناً وَالْهَمْزُ (زَ)اكِيهِ (بُـ)ـجِّلاَ

أي وسهل ورش الهمزة بين بين وهو المراد بقوله كالياء مكسورا لأنها صارت بين الهمزة والياء المكسورة وهذا قياس تخفيفها لأنها همزة مكسورة بعد ألف وهذه القراء مروية عنهما أي عن أبي عمرو والبزي وهو وجه قوى لا كلام فيه ذكره جماعة من الأئمة المصنفين كصاحب الروضة قال قرأ أبو عمرو وورش والبزي وذكر غيرهم بتليين الهمزة من غير ياء بعدها وهو ظاهر كلام ابن مجاهد فإنه قال قرأ ابن كثير ونافع-اللاء-ليس بعد الهمزة ياء وقرأ أبو عمرو شبيها بذلك غير أنه لا يهمز وكذا قال أبو عبيد قرأ نافع وأبو عمرو-اللاء-مخفوضة غير مهموزة ولا ممدودة ونص مكي على الإسكان ولم يذكر صاحب التيسير غيره لهما وقال في غيره قرأت على فارس ابن أحمد بكسر الياء كسرة مختلسة من غير سكون وبذلك كان يأخذ أبو الحسين بن المنادي وغيره وهو قياس تسهيل الهمز قال الشيخ وقد قيل إن الفراء عبروا عن التليين لهؤلاء بالإسكان ، قالوا وإظهار أبي عمرو في-اللاء يئسن-مما يدل على أنه تليين وليس بإسكان ، قلت قد سبق في باب الإدغام الكبير تقرير هذا وذكر أبو علي الأهوازي الوجهين عنهما ، قوله وقف مسكنا أي مسكنا للياء لهؤلاء لأن الوقف يحتمل اجتماع الساكنين ، قال في التيسير وإذا وقف يعني ورشا صيرها ياء ساكنة قال وحمزة إذا وقف جعل الهمزة بين بين على أصله ومن همز منهم ومن لم يهمز أشبع التمكين للألف في الحالين إلا ورشا فإن المد والقصر جائزان في مذهبه لما ذكرناه في باب الهمزتين ، قلت هو ما نظمه الشاطبي رحمه الله بقوله ، (وإن حرف مد قبل همز مغير...."البيت" ، ثم ذكر أن قنبلا وقالون قرأ بالهمز من غير ياء بعده فإذا وقفا أسكنا الهمز وفي قراءة أبي عمرو والبزي من المد والقصر مثل ما في قراءة ورش والله أعلم
(967)
وَتَظَّاهَرُونَ اضْمُمْهُ وَاكْسِرْ لِعاَصِمٍ وَفِي الْهَاءِ خَفِّفْ وَامْدُدِ الظَّاءَ (ذُ)بَّلاَ

أي اضمم التاء واكسر الهاء لعاصم وهو داخل أيضا في رمز من خفف الهاء ومد الظاء وخففها كما في البيت الآتي فقراءة عاصم تظاهرون مضارع ظاهر مثل قاتل وقرأ ابن عامر تظاهرون على اللفظ الذي في بيت الناظم وهو مضارع تظاهر مثل تقاتل والأصل تتظاهرون فأدغم التاء في الظاء وقرأ حمزة والكسائي مثله إلا أنهما خففا الظاء لأنهما حذفا الياء التي أدغمها ابن عامر وقرأ الباقون-تظهرون-بتشديد الظاء والهاء من تظهر مثل تكلم وأدغموا التاء في الظاء
(968)
وَخَفَّفَهُ (ثَـ)ـبْتٌ وَفِي قَدْ سَمِعْ كَمَا هُنَا وَهُناَكَ الظَّاءُ خُفِّفَ (نَـ)ـوْفَلاَ
أي خفف الظاء قاريء ثبت وهم الكوفيون وفي قد سمع الله موضعان حكمهما ما ذكر هنا إلا أن الظاء تم لم يخففه إلا عاصم وحده لأنه يقرأ يظاهرون من ظاهر ولم يخفف الظاء حمزة والكسائي لأنه لم يجتمع تاآن فتحذف الثانية منهما لأن موضعي سورة قد سمع فعلهما للغيبة لا للخطاب الذين يظهرون منكم والذي يظاهرون من نسائهم ولكن أدغما التاء في الظاء كما يقرأ ابن عامر والنوفل السيد المعطاء ونصبه على الحال أي ذا نوفل أي قاريء سيد
(969)
وَ(حَقُّ صِحَابٍ) قَصْرُ وَصْلِ الظَّنُونِ وَالرَسُولَ السَّبِيَلا وَهْوَ فِي الْوقَفْ (فِـ)ـي (حُـ)ـلاَ

أي قصروا هذه الكلمات الثلاث في الوصل وهي-وتظنون بالله الظنونا-يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا-وبعده-فأضرنا السبيلا-رسمت هذه الثلاثة بالألف هنا ولم ترسم في قوله-وهو يهدي السبيل -وإثبات الألف في تلك المواضع لتشاكل الفواصل وهو مطلوب مراعا في أكثر القرآن وقد يندر في بعض الصور مالا يشاكل ومنه (أن لن يحور) ، في سورة الاشتقاق فإنه بغير ألف بعد الراء-(وكل يوم هو في شأن) بالهمز وكذا-(بالخاطئة) في الحاقة وخاطئة في اقرأ كلتاهما مهموز ، وأنا أختار ترك الهمز في هذه الثلاثة على قراءة حمزة في الوقف لتشاكل الفواصل ثم قال وهو في الوقف أي والقصر في الوقف لحمزة وأبي عمرو فهما يقصران وقفا ووصلا على الأصل ومد نافع وابن عامر وشعبة في الحالين تبعا لخط المصحف وابن كثير والكسائي وحفص جمعوا بين الخط والأصل في الحالين فمدوا في الوقف لأنه يحتمل ذلك كما في القوافي كقوله ، (وولى اللامة الرجلا ) ، وقصروا في الوصل ونحوا بذلك منحى هاء السكت وهذه القراءة هي المختارة ، قال أبو عبيد والذي أحب فيه هذه الحروف أن يتعمد الوقف عليهن تعمدا وذلك لأن في إسقاط الألفات منهن مفارقة الخط وقد رأيتهن في الذي يقال لـ الإمام مصحف عثمان مثبتات كلهن ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار فلا نعلها اختلفت فكيف يمكن التقدم على حذفها وأكره أيضا أن أثبتهن مع إدماج القراءة لأنه خروج من العربية لم نجد هذا عندهم جائزا في اضطرار ولا غيره فإذا صرت إلى الوقف عليها فأثبت الألفات كنت متبعا للكتاب ويكون مع هنا فيها موافقة لبعض مذاهب العرب وذلك أنهم يثبتون مثل هذه الألفات في قوافي أشعارهم ومصاريعها لأنها مواضع قطع وسكت فأما في حشو لأبيات فمعدوم غير موجود على حال من الحالات وقال الزجاج الذي عليه حذاق النحويين والمتبعون السنة من حذاقهم أن يقرءوا-الظنونا-ويقفوا على الألف ولا يصلوا وإنما فعلوا ذلك لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يثبتون في آخرها في الوقف

ما يحذف مثله في الوصل فهؤلاء لا يتبعون المصحف ويكرهون أن يصلوا فيثبتوا الألف لأن الآخر لم يقفوا عليه فيجروه مجرى الفواصل ومثل هذا في كلام العرب في القوافي نحو قوله ، (أقلى لوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابن) ، فأثبت الألف لأنها في موضع فاصلة وهي القافثة وأنشد أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز ، (إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا) ، ومن ذلك قول الأعشى ، (استأثر الله بالوفاء وبالعدل وولى الملامة الرجلا) ، وقال أبو علي وجه من أثبت في الوصل أنها في المصحف كذلك وهي رأس آية ورءس الآى تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع كما كانت القوافي مقاطع فكما شبه-أكرمن وأهانن-بالقوافي في حذف الياء منهن نحو ، (من حذر الموت أن يأتين وإذا ما انتسبت له أتكون) ، كذلك يشبه هذا في إثبات الألف بالقوافي وأما في الوصل فلا ينون ويحمل على لغة من لا ينون ذلك إذا وصل في الشعر لأن من لا ينون أكثر قال أبو الحسن وهي لغة أهل الحجاز فأما من طرح الألف في الوصل فإنهم ذهبوا إلى أن ذلك في القوافي وليس رءوس الآي بقواف فيحذف في الوصل كما يحذف غيرها فما يثبت في الوقف نحو التشديد الذي يلحق الحرف الموقوف عليه قال وهذا إذا أثبت في الخط فينبغي أن لا تحذف هاء الوقف من-حسابيه-وكتابيه-وأن يجري مجرى الموقوف عليه فهو وجه ، وإذا ثبت ذلك في القوافي في الوصل فشأنه في الفواصل حسن ، قال غيره وأما من قرأ بغير ألف فهو الأصل المشتهر في كلامهم تقول رأيت الرجل بإسكان اللام ومن العرب من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام الموزون فيقول ، (أقلى اللوم عاذل والعتاب ) ، (واسئل بمصقله البكري ما فعل ) ، فإذا كانوا يجرون القوافي مجرى الكلام غير الموزون فلأن يتركوا الكلام غير الموزون على حالته ولم يشبهوه بالموزون أولى والله أعلم
(970)

مَقَامَ لِحَفْصٍ ضُمَّ وَالثانِ (عَمَّ) فِي الدْ دُخَانِ وَآتَوْهَا عَلَى الْمَدِّ (ذُ)و (حُـ)ـلاَ
-يريد-لا مقام لكم فارجعو-والثاني في الدخان (إن المتقين في مقام أمين) ، والأول فيها لا خلاف في فتحه وهو (وزروع ومقام كريم) ، كما أجمعوا على فتح مقام إبراهيم وقد سبق في مريم الكلام على القراءتين وإن المفتوح موضع القيام والمضموم بمعنى الإقامة وأراد ضم الميم الأولى ولا جائز أن تحمل على الميم الثانية لوجهين ، أحدهما أن ذلك في الميم الثانية لو كان لعبر عنه بالرفع لا بالضم لأنها حركة إعراب ، والثاني لو أريد ذلك لذكر معه التنوين لأنه من باب وبالرفع نونه-فلا رفث-ولا بيع-نونه-ولا خلة-ولا شفاعة-وارفعهن ، وأما لآتوها-بالمد فإنه بمعنى أعطوها أي أجابوا إلى ما سئلوه وأتوها بالقصر بمني فعلوها وجاءوها يقال اثبت الخبر إذا فعلته والمعنى ثم سئلوا فعل الفتنة لفعلوها واختار أبو عبيد قراءة المد وقال قد جاءت الآثار في الذين كانوا يفتنون بالتعذيب في الله أنهم أعطوا ما سألهم المشركون غير بلال وليس في شيء من الحديث أنهم جاءوا ما سألهم المشركون ففي هذا اعتبار للمد في قوله-لآتوها-بمعنى أعطوها ، قال أبو علي ومما يحسن المد قوله-سئلوا-والإعطاء مع السؤال حسن والمعنى لو قيل لهم كونوا على المسلمين مع المشركين لفعلوا ذلك وحلا في آخر البيت مصدر مفتوح الحاء وليس بفعل ماض ، حكى الشيخ في شرحه عن الناظم رحمهما الله يقال ذو حلا أي ذو حسن من حلى في عينه وصده يحلى قال ويقال أيضا حلى بالشيء أي ظفر به يحلى وقد قال ابن ولاد إن حلا لا يعرف يعني أن المصدر المعروف من هذين الفعلين إنما هو حلاوة ، قال الشيخ ويجوز أن يكون ذو بمعنى الذي أي على المد الذي حلا كقول الطائي (وبئري ذو حفرت وذو طويت ) ، قلت وكأنه أشار بقوله حلا إلى ما ذكره أبو عبيد وأبو علي
(971)

وَفِي الْكُلِّ ضَمُّ الْكَسْرِ فِي أُسْوَةٍ (نَـ)ـدىً وَقَصْرُ (كِـ)ـفاً (حَـ)ـقٍّ يُضَاعَفْ مُثَقَّلاَ
الضم والكسر في أسوة لغتان ومثله قدوة وعدوة بضم القاف والعين وكسرهما وقوله في الكل يعني هنا وفي الممتحنة موضعان ويجوز ضم الكسر على الأمر وضم الكسر على الابتدا ويضاعف مبتدأ وقصر كفاحق خبره ومثقلا حال منه أي يضعف لها العذاب بالقصر مع تشديد العين وقد تقدم في سورة البقرة أن ضاعف وضعف لغتان فابن كثير وابن عامر قرأ من لغة ضعف هناك وهنا وأبو عمرو شدد هنا دون ثم والباقون قروا من لغة ضاعف في الموضعين والله أعلم ، قال أبو عبيد كان أبو عمرو يقرأ هذه وحدها يضعف مشددة بغير ألف لقوله- ضعفين-وقال ما كان أضعافا كثيرة فإنه يضاعف وما كان ضعفين فإنه يضعف ، قال أبو عبيد لا نعلم بين ما فرق أبو عمرو فرقا فرقا
(972)
وَبِالْيَا وَفَتْحِ الْعَيْنِ رَفْعُ الْعَذَابِ (حِصْنُ) حُسْنٍ وَتَعْمَلْ نُؤْتِ بِالْيَاءِ (شَـ)ـمْلَلاَ

الواو في وبالياء فاصلة لأن هذه مسئلة غير المتقدمة وإن كان الجميع متعلقا بكلام واحد فالذي تقدم بيان الخلاف في القصر والتشديد وهذا بيان قراءة من يقرأ بالياء وفتح العين ورفع العذاب وضدها وهي القراءة بالنون وكسر العين ونصب العذاب ، فكأنه قال ويضاعف بالياء وفتح العين على ما لم يسم فاعله ورفع العذاب لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، فأسقط حرف العطف من "ورفع العذاب" ضرورة للعلم به وقوله حصن حسن أي رمز ذلك وهو خبر المبتدأ المقدر ، وهو يضاعف وما عطف عليه وهو رفع العذاب أي المجموع حصن حسن فاجتمع أبو عمرو مع حصن في الياء وفتح العين وخالفهم في المد فقرءوا-يضاعف-وقرأ هو وحده يضعف وكلا الفعلين لما لم يسم فاعله فاتفق معهم على رفع العذاب فبقي ابن كثير وابن عامر على النون وكسر العين على بناء الفعل للفاعل فلزم نصب العذاب لأنه مفعوله والنون للعظمة هما من أهل القصر والتشديد فقرأا-نضعف لها العذاب-والقراءات ههنا ثلاث ، ووجوهها ظاهرة إنما كان مشكلا استخراجها من هذا النظم وقد سهله الله تعالى فاتضح ولله الحمد ، قوله ويعمل يؤت أراد-ويعمل صالحا نؤتها-قرأهما حمزة والكسائي بالياء أما الياء في يعمل- فعطف على يقنت-وأجمعوا في يقنت على لفظ التذكير ردا على لفظ من فكذا ما عطف عليه وهو-يعمل-وقرأ الباقون بالتاء على التأنيث ردا على معنى من لأنها عبارة عن النساء ولهذا رجعت الضمائر بلفظ التأنيث في نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها-وأما الياء في يؤتها فلله تعالى وقرأ الباقون بالنون للعظمة فقول الناظم بالياء تقييد لقوله يؤت ليكون النون للباقين لأنها أخت الياء في اصطلاحه ولا تكون تقييد ليعمل أيضا وإن كان صحيحا من حيث المعنى واللفظ فإنها بالياء أيضا ولكن امتنع ذلك خوفا من اختلال القراءة الأخرى فإنها ليست بالنون فلا يكون هذا إلى من باب التذكير والتأنيث فيكون قوله ويعطل مطلقا من غير تقييد ليدل إطلاقه له على أنه أراد به التذكير

فيأخذ للباقين ضده وهو التأنيث وشمللا خبر عن يعمل ويؤت على حذف حرف العطف
(973)
وَقَرْنَ افْتَحْ (ا)ذْ نَصُّوا يَكُونَ (لَـ)ـهُ (ثَـ)ـوى يَحِلُّ سِوَى الْبَصْرِي وَخَاتِمَ وُكَّلاَ
يريد افتح القاف من-وقرن في بيوتكن-والباقون بكسرها وكلاهما فعل أمر لجماعة النساء فالمفتوح من قررت بالمكان أقر بكسر الراء في الماضي وفتحها في المضارع في قول من أجاز ذلك ونظيره عض من عضضت وقيل من قار يقار إذا اجتمع فيكون مثل خفن الله أي اجتمعن في بيوتكن والمكسور من قررت بالمكان أقر بفتح الراء في الماضي وكسرها في المضارع وهي اللغة المعروفة في قررت بالمكان فيكون مثل جدن في الأمر من جددت فيه أو من وقر يقر فيكون مثل عدن من وعد فإن أخذنا ذلك من قررت بفتح فاء وكسرها فتكون عين الفعل حذفت لأنه ألقيت حركتها على الفاء فحذفت لالتقاء الساكنين هي ولام الفعل وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بتحريك الفاء والأصل أقررن بفتح الراء الأولى وكسرها وإن قلنا إن قرن بالكسر من وقر يقر فالمحذوف فاء الفعل وهي الواو وإن قلنا إن قرن بالفتح من قار يقار فالمحذوف عين الفعل وهي واو أيضا وهذا الوجه حكاه الزمخشري عن أبي الفتح الهمداني ، وقال أبو علي الوجه في-وقرن-بالكسر لأنه يجوز من وجهين لا إشكال في جوازه منهما وهما من القرار والوقار وفتح القاف على ما ذكرت من الخلاف زعم أبو عثمان أن قررت في المكان لا يجوز وقد حكى ذلك بعض البغداديين فيجوز الفتح في القاف على هذه اللغة إذا ثبتت وقال أبو عبيد والقراءة التي نختارها بكسر القاف فيكون مأخوذا من الوقار فأما الفتح فإن أشياخنا من أهل العربية كانوا ينكرونه ويقولون إن كان من الوقار فهو بالكسر على قراءتنا وإن كان من القرار فينبغي أن يكون من أقررنا أو أقررنا قال وقد وجدناها تخرج في العربية من وجه فيه بعد وهو شبيه بقوله (فظلتم تفكهون) ، وأصلها من المضاعف ظللت قال مكي وقيل إن هذه القراءة مشتقة من قررت

به عينا أقر قال وليس المعنى على هذا لم يؤمرن أن تقر أعينهن في بيوتهن إنما أمرن بالقرار أو بالوقار في بيوتهن قال والاختيار كسر القاف لأن عليه المعنى الصحيح ، وأما-أن يكون لهم الخيرة-ولا يحل لك النساء-فالتذكير فيهما والتأنيث ظاهران وأبو عبيد يختار التذكير في هذا ونحوه والثرى بالقصر التراب الندي وبالمد المال الكثير فيجوز أن يكون قصره ضرورة وقد تقدم أن الناظم يستعير هذه الأشياء ونحوها كناية عن وضوح القراءة وكثرة الحجج لها وردا لكلام من تكلم فيها وأما وخاتم النبيين-فوجه الفتح فيه أن الذي يختم به يقال بفتح التاء وكسرها فكأنه صلى الله عليه وسلم جعل كخاتم لما ختم به الأنبياء قال أبو عبيد وبالكسر نقرأ لأن التأويل أنه صلى الله عليه وسلم ختمهم فهو خاتمهم وكذلك رويت الآثار عنه في صفة نفسه أنه قال أنا خاتم النبيين لم نسمع واحدا من فقهائنا يروي هذا الحرف في حديثه إلا بكسر التاء قال الزجاج من كسر فمعناه ختم النبيين ومن فتح فمعناه آخر النبيين لا نبي بعده والواو في قول الناظم وقرن وخاتم ليست فاصلة بل هي من نفس الكلمة في القرآن كالياء في يكون ويحل وأما الواو في-وكلا-فليست فاصلة أيضا ولا معنى لها هنا فلو أتى بكلمة أولها نون رمزا لقراء الفتح لكان أولى فيقول نولا أو نحو ذلك ويستغنى عن الرمز بعد قوله في البيت الآتي ويأتي بالواو الفاصلة ثم يقول وخاتم نزلا بفتح وقل ساداتنا اجمع إلى آخره ، فإن قلت لو قال كذلك لكان قد رمز قبل تقييد القراءة وهو قد قال ومن بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله قلت الذي التزمه أن لا يتقدم الرمز على الحرف المختلف فيه أما تقدمه على التقييد فلا كقوله سما العلا شذا الجزم
(974)
بِفَتْحٍ (نَـ)ـمَا سَادَاتِنَا اجْمَعْ بِكَسْرَةٍ (كَـ)ـفَى وَكَثِيراً نُقْطَةٌ تَحْتُ (نُـ)ـفِّلاَ

يريد-إنا أطعنا سادتنا-هو جمع سيد وسادات جمع هذا الجمع وكسر تائه علامة النصب لأنه جمع سلامة وفتح تاء سادة علامة نصبه لأنه جمع تكسير ومثله كتبة وفجرة وأما-والعنهم لعنا كبيرا-فقراءة عاصم وحده بالباء الموحدة والقراءتان وجههما كما سبق في البقرة في-إثم كبير-قال أبو علي الكير مثل العظم والكثرة أشبه بالمعنى لأنهم يلعنون مرة بعد مرة وقوله نفل معناه أعطى نقطة من تحته والتنفيل الإعطاء فقوله نقطة بالنصب ثاني مفعول نفلا وجعل النقطة نفلا لأنها دون الثلاث التي للثاء فتلك بمنزلة النفل في قسم الغنيمة لأنها دون سهم الغانم والله أعلم
سورة سبأ وفاطر
(975)
وَعَالِمٍ قُلْ عَلاَّمِ (شَـ)ـاعَ وَرَفْعُ خَفْضِهِ (عَمَّ) مِنْ رِجْزٍ أِلِيمٍ مَعاً وِلاَ
أي قرأه علام وعالم وعلام كلاهما من الصفات كضارب وضراب وفي التشديد مبالغة وفي القرآن عالم الغيب-في مواضع مجمع عليها-(وعلام الغيوب) في المائدة وفي آخر هذه السورة ولم يجئ علام الغيب إلا في قراءة حمزة والكسائي ههنا والخفض في عالم وعلام على اتباع وربي أو لله في قوله-الحمد لله-ورفع عالم على المدح أي هو عالم الغيب أو مبتدأ وخبره-لا يعزب عنه-ومن رجز أليم-موضعان هنا وفي الجاثية والرجز أشد العذاب وسيئه وقيل إنه كالرجس بمعنى القذر فهذا فائدة جعل العذاب فيه باعتبار صفته والواو في قوله ولا ليست فاصلة كالواو في وكلا التي سبق ذكرها وأما أقل ما اتفق له في هذه القصيدة من أمثال هذا نحو وخاتم وكلا وإلياسين بالكسر وصلا فإن الواوات في أوائل هذه الكلم توهم الفصل لأنها كلمات لم تسبق تقييدا بخلاف الواو في قوله ، (وبالضم واقصر واكسر التاء فاتلوا ) ، فهذه الكلمات كلها تقييد فلم تضر الواوات في أوائلها ومعنى ولا بكسر الواو متابعة وهو مفعول من أجله من الكلام الذي يأتي بعده أي رفع متابعة ومن رجز أليم مبتدأ وخبره أول البيت الآتي وهو
(976)

عَلَى رَفْعِ خَفْضِ الْمِيمِ (دَ)لَّ (عَـ)ـلِيمُهُ وَنَخْسِفْ نَشَأْ نُسْقِطْ بِهاَ الْيَاَءُ (شُـ)ـمْلَلاَ
خفض الميم من-أليم-على أنه صفة لرجز ورفعها على أنه نعت لعذاب أي لهم عذاب أليم من رجز والياء والنون في قوله تعالى-إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط-ظاهران معنى شمللا أي حكم على الياء بالشمول لهذه الثلاثة
(977)
وَفِي الرِّيحُ رَفْعٌ (صَـ)ـحَّ مِنْسَأَتَهْ سُكُونُ هَمْزَتِهِ (مَـ)ـاضٍ وَأَبْدِلْهُ (إِ)ذْ (حَـ)ـلاَ
يريد-ولسليمان الريح-رفع الريح على الابتداء ولسليمان خبره كما يقول لزيد المال والنصب على إضمار وسخرنا لسليمان الريح عطفا على معنى-وألنا له الحديد-لأن ذلك تسخير لداود عليه السلام والمنسأة العصا العظيمة التي تكون مع الراعي على وزن محبرة وأصلها الهمز لأنها من نسأت البعير زجرته وسقته وطردته فهي اسم آلة من ذلك كالمقدحة والمجرفة فقرأتها الجماعة كذلك على الأصل وأبدل الهمزة ألفا نافع وأبو عمرو والهمز المتحرك لا يبدل حرف مد إلا سماعا وهذا مسموع قال الشاعر ، (إذا دليت على المنساة من كبر ) ، وأسكن ابن ذكوان الهمز تخفيفا وهو عند النحاة ضعيف فإنه يلزم منه أن يوجد ساكن غير الألف قبل هاء التأنيث وهذا لا يوجد وقال بعضهم يمكن أن تكون القراءة بها بين بين وهو القياس في تخفيف هذه الهمزة لكن الراوي لم يضبط وقال صاحب التيسير ابن ذكوان بهمزة ساكنة ومثله قد يجيء في الشعر لإقامة الوزن وأنشد الأخفش الدمشقي زاد الشيخ لبعض الأعراب ، (صريع خمر قام من وكاته كقومة الشيخ إلى منسأته) ، فقوله ماض إشارة إلى جوازه أي قد مضى حكمه والهاء في أبدله للهمز أي أبدل ذلك الهمز الساكن إذ خلا إبداله والله أعلم
(978)
مَسَاكِنِهِمْ سَكِّنْهُ وَاقْصُرْ عَلَى (شَـ)ـذاً وَفِي الْكَافِ فَافْتَحْ (عَـ)ـالِمًا (فَـ)ـتُبَجَّلاَ

يريد-لقد كان لسبأ في مساكنهم-هذه قراءة الجماعة بالجمع وأفرده حمزة والكسائي وحفص فقرءوا-مسكنهم-إلا أن الكسائي كسر الكاف وفتحها حمزة وحفص وكلاهما لغة والفتح أقيس والجمع يجوز أن يكون لكل واحد منهما والله أعلم
(979)
نُجَازِي بِيَاءٍ وَافْتَحِ الزَّايَ وَالْكَفُورَ رَفْعٌ (سَمَاكَـ)ـمْ (صَـ)ـابَ أُكْلٍ أَضِفْ (حُـ)ـلاَ
يجازي إلا الكفور على بناء الفعل للمفعول ونجازي بالنون ليكون الفعل مسندا للفاعل والكفور منصوب لأنه مفعول وهو موافق لما قبله-ذلك جزيناهم بما كفروا-وصاب أي نزل يعني قد نزل نظائر في القرآن فيها الفعل مبني لما لم يسم فاعله نحو-هل يجوزن إلا-وقوله سما هو خبر يجازي والكفور رفع جملة حالية وكم صاب جملة أخرى خبرية عنه أي كم مرة ورد وسيأتي في فاطر (كذلك نجزي كل كفور) ، ثم قال أكل أضف حلا أي ذا حلا يريد-ذواتي أكل خمط-أضاف أبو عمرو أكل إلى خمط فانحذف التنوين من أكل والباقون لم يضيفوا فبقي منونا وأما الخلاف في إسكان الكاف وضمها فقد سبق في سورة البقرة واختار أبو عمرو التنوين قال لأن الأكل ههنا هو الخمط في التفسير فالتنوين أولى به من الإضافة مع أن أهل هذه القراءة أكثر ، قلت الأكل المأكول وهو الجنا كما قال (تؤتي أكلها كل حين) ، وثمر كل شيء يطلق عليه اسم شجرته وعلى الشجرة اسم ثمرها فكما تقول عندي ثمرتان وعنب ورمان برفع الجميع وتنوينه فكذا تقول هذا أكل خمط وأثل وسدر والإضافة على تقدير ثمرة هذا النوع من الشجر وإنما ذكر سبحانه الأكل تصريحا بأن هذا صار مأكولهم بعد ما كانوا مخولين في ما شاءوا من ثمار الجنتين المقدم ذكرهما-كلوا من رزق ربكم واشكروا له-قال أبو عبيد الخمط كل شجرة مرة ذات شوك وقال الزجاج كل نبت أخذ طعما من مرارة فلم يمكن أكله خمط وقيل في كتاب الخليل الخمط شجرة الأراك وقال الجوهري هو ضرب من الأراك له حمل يؤكل والأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه قال الزمخشري وجه من نون أن أصله

ذواتى أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتى أكل شفيع ، قلت هو نحو قولهم مررت بقاع عرفج كله أو على تقدير ذي خمط كما قيل ذلك في قوله تعالى (ويسقى من ماء صديد) ، أي ذي صديد وأجاز جماعة أن يكون بدلا ومنعه أبو علي فاختار أن يكون عطف بيان ورجح قراءة الإضافة فقال ما ذهب إليه أبو عمرو في قراءته بالإضافة حسن فإن الأكل إذا كان الجناء فإن جناء كل شجرة منه قال وخير الإضافة ليس في حسن الإضافة وذلك لأن الخمط إنما هو اسم شجرة وليس بوصف وإذا لم يكن وصفا ولم يجري على ما قبله كما يجري الوصف على الموصوف والبدل ليس بالسهل أيضا لأنه ليس هو هو ولا بعضه لأن الجناء من الشجرة وليس الشجرة من الجناء قال فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان كأنه بين أن الجناء لهذا الشجر ومنه وكان الذي حسن ذلك أنهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة قال الشاعر في صفته ، (القفار ليست بخطمه) ، قال أبو الحسن الأحسن في كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل دار آجر وثوب خز قال وأكل خمط قراءة كثيرة وليست بالجيدة في العربية وقال الفراء الخمط في التفسير هو الأراك وهو البربر قال النحاس قال محمد بن يزيد الخمط كل ما تغير إلى ما لا تشتهي واللبن خمط إذا حمض والأولى عنده في القراءة-ذواتى أكل خمط-بالتنوين على أنه نعت لأكل أو بدل منه لأن الأكل هو الخمط بعينه عنده فأما الإضافة فباب جوازها أن يكون تقديرها ذواتى أكل حموضة وأكل مرارة والله أعلم
(980)
وَ(حَقُّ) لِوَا بَاعِدْ بِقَصْرٍ مُشَدَّدَا وَصَدَّقَ لِلْكُوفِيِّ جَاءَ مُثَقَّلاَ

باعد مبتدأ وخبره حق لوا ويقصر مشددا حالان من باعد عاملهما حق لأنه مصدر وقصر لفظ اللواء ضرورة وكنى بذلك عن شهرة القراءة وكلتاهما واضحة باعد وبعد مثل ضاعف وضعف يريد قوله سبحانه-باعد بين أسفارنا-وصدق عليهم إبليس ظنه-بالتخفيف والتشديد قيل هما سواء-وظنه-مفعول به يقال وعد مصدوق ومكذوب قال الله تعالى (ذلك وعد غير مكذوب) ، ومن أبيات الحماسة ، (فوارس صدقوا فيهم ظنوني ) ، أي كان منهم ما ظننت فيهم وكذا إبليس ظن أنه يقويهم إلا قليلا فوقع ذلك وقيل التقدير في قراءة التخفيف في ظنه فحذف الجار متعدي الفعل فنصب وقبل التقدير ظن ظنه نحو فعلته جهدك وقيل في التشديد حق عليهم ظنه أو وجده صادقا وروى ظنه بالرفع على تخفيف صدق فيكون ظنه بدلا من إبليس وقيل أيضا بجواز نصب إبليس ورفع ظنه فكما صدق إبليس ظنه فكذا صدق ظنه وظنه هو قوله لأغوينهم أجمعين قال ذلك ظنا
(981)
وَفُزِّعَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (كَـ)ـامِلٌ وَمَنْ أَذِنَ اضْمُمْ (حُـ)ـلْوَ (شَـ)ـرْعٍ تَسَلْسَلاَ
الخلف في هذين الفعلين في إسناد الفعل إلى الفاعل وهو الله عز وجل أو لما لم يسم فاعله وكلاهما ظاهر فإن أسند فزع إلى الفاعل فالفاعل هو الله تعالى أو ما هناك من الحال قال ابن جني إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه كثير منه ما حكاه سيبويه من قولهم ، (إذا كان غدا فائتني ) ، وكذلك قول الشاعر ، (فإن كان لا يرضيك حتى تردني إلى قطري لا أخالك راضيا) ، أي إن كان لا يرضيك ما جرى أو ما الحال عليه ، قلت وقريء شاذا فزع بتخفيف الزاي مع البناء للمفعول وقريء أيضا بالراء المهملة والعين المعجمة مع البناء للفاعل أو المفعول والراء مشددة ومخففة فهذه ست قراءات مع البناء للمفعول واثنان مع البناء للفاعل ومفعول ما لم يسم فاعله قوله-عن قلوبهم-نحو سير عن البلد ، قال ابن جني المعنى في جميع ذلك إذا كشف عن قلوبهم وقوله حلو شرع حال من مفعول اضمم
(982)

وَفِي الْغُرْفَةِ التَّوْحِيدُ (فَـ)ـازَ وَيُهْمَزْ التْتَنَاوُشُ (حُـ)ـلْوًا (صُحْبَةً) وَتَوَصُّلاَ
يريد-وهم في الغرفات آمنون-ووجه الجمع ظاهر كما جاء في موضع آخر (لهم غرف من فوقها غرف مبنية)-(لنبوئنهم من الجنة غرفا) ، ووجه الإفراد قوله-أولئك يجزون الغرفة بما صبروا-فهو اسم جنس يراد به الجمع والكثرة والتناوش التناول بغير همز ووجه الهمز ضم الواو مثل أقتت وأدؤر وأجوه وقيل هو من ناشت إذا تأخرت وأبطأت وإذا وقف حمزة جعل الهمزة بين بين على أصله وذكر صاحب التيسير له وجها آخر هنا أنه يقف بضم الواو على تعليل الهمز بأن سببه ضمة الواو فقال فعلى هذا يقف بضم الواو ويرد ذلك إلى أصله ولم يتعرض الناظم رحمه الله لهذا الوجه في نظمه هنا واعتذر عن ذلك فيما وجدته في حاشية النسخة المقروة عليه فقال تركه لضعف هذا التأويل قال ثم لو صح كيف يرد الوقف الشيء إلى أصله وهو عارض وأين له نظير حتى يبني عليه ويلزمه ذلك في عطاء وجزاء ، قلت وهذا الوجه صحيح لحمزة ولكن مأخذه اتباع الرسم كما سبق في بابه واستغنى الناظم بذلك عن ذكره هنا والله أعلم ، وقوله حلوا حال من التناؤش وصحبه وتوصلا تمييزان من الحال أي حلوا صحبته وتوصله
(983)
وَأَجْرِى عِبَادِي رَبِّيَ الْيَا مُضَافُهاَ وَقُلْ رَفْعُ غَيْرُ اللهِ بِالْخَفْضِ (شُـ)ـكِّلاَ

يريد الياء في هذه الكلمات الثلاث هي مضافها أي الذي يجري عليه أحكام ياءات الإضافة بالفتح والإسكان فقوله-إن أجري إلا على الله وهو على كل-فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص-عبادي الشكور-فتحها كلهم غير حمزة-ربي إنه سميع قريب-فتحها نافع وأبو عمرو وفي سبأ زائدتان كالجواري أثبتها أبو عمرو وورش في الوصل وابن كثير في الحالين-فكذبوا رسلي فكيف كان نكير-أثبتها في الوصل ورش وحده وأما (هل من خالق غير الله) ، في سورة فاطر فالخفض صفة الخالق على اللفظ والرفع صفة على المعنى لأن التقدير هل خالق غير الله ومعنى شكل صدر والله أعلم
(984)
وَنَجْزِي بِياَءٍ ضُمَّ مَعْ فَتْحِ زَايِهِ وَكُلَّ بِهِ ارْفَعْ وَهْوَ عَنْ وَلَدِ الْعَلاَ
يريد-كذلك نجزي كل كفور-قرأه أبو عمرو بضم الياء على بناء الفعل للمفعول وقرأه الباقون بفتح النون على بنائه للفاعل والهاء في به تعود على يجزي لأن كل مرفوع به لأنه مفعوله الذي أقيم مقام فاعله ونصبه الباقون على المفعولية
(985)
وَفِي السَّيِّئِ المَخْفُوضِ هَمْزاً سُكُونُهُ (فَـ)ـشاَ بَيِّناتٍ قَصْرُ (حَقٍّ فَـ)ـتًى (عَـ)ـلاَ

همزا منصوب على التمييز أي المخفوض همزه يريد ومكر السيئ-احترازا من المرفوع بعده وهو -ولا يحيق المكر السيئ-فإنه لا خلاف في تحريك همزه وأما ذلك المخفوض فروى عن حمزة سكون همزه تخفيفا لأجل كثرة الحركات وقد سبق ما في هذا في قراءة-بارئكم-ويأمركم ونحوه وقيل إنه وصل بنية الوقف وعندي أنه أسكنه وقفا فظن الراوي أنه يفعل ذلك وصلا وسبب كونه أسكن هذه الهمزة وقفا أن من مذهبه تخفيف الهمز في الوقف على الطريقة المذكورة في بابه وقياسها أن تبدل هذه الهمزة ياء لأنها تسكن للوقف وقبلها مكسور فيجب قلبها ياء إذا خففت فكأنه استثقل اجتماع ثلاث ياءات الوسطى مكسورة فترك الهمز ساكنا على حاله فهو أخف من إبداله فهو نظير ما فعله أبو عمرو في-تؤوى-وتؤوبه حين لم يبدل همزه استثقالا للإبدال وهو معنى قول الناظم فيما سبق أخف بهمزة وقال الزمخشري لعله اختلس فظن سكونا أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ ولا يحيق قال أبو جعفر النحاس قال الأعمش وحمزة-ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ-فحذف الإعراب من الأول وأثبته في الثاني قال أبو إسحق وهو لحن قال أبو جعفر ، وإنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز في كلام ولا شعر لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها دخلت للفرق بين المعاني وقد عظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا وقال إنما كان يقف عليه فغلط من أدى عنه قال والدليل على هذا أنه تمام الكلام وأن الثاني لما لم يكن الكلام أعربه والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين قال واحتج بعض النحويين لحمزة في هذا بأن سيبويه أنشد ، (إذا اعوججن قلت صاحب قوم فاليوم أشرب غير مستحقب) ، قال وهذا لا حجة فيه لأن سيبويه لم يجزه وإنما حكاه على الشذوذ وضرورة الشعر وقد خولف فيه وقيل إنما هو صاح قوم وفاليوم فاشرب ، قال الزجاج-ومكر السيئ-موقوفا وهذا عند النحويين من الحذاق بالنحو وإنما يجوز في الشعر في الاضطرار

وأنشدوا ، قلت (صاحب قوم اليوم اشرب غير ) ، قال وهذان البيتان قد أنشدهما جميع النحويين المذكورين وزعموا كلهم أن هذا من الاضطرار في الشعر ولا يجوز مثله في كتاب الله تعالى أنشدناهما أبو العباس محمد بن يزيد رحمه الله تعالى ، (إذا اعوجحن قلت صالح قوم وهذا جيد بالغ وأنشدنا) ، (فاليوم فاشرب غير مستحقب ) ، فأما ما يروى عن أبي عمرو بن العلا-إلى بارئكم-فإنما هو أن يختلس الكسر اختلاسا ولا يجزم بارئكم قال وهذا إنما رواه عن أبي عمرو من لا يضبط النحو كضبط سيبويه والخليل ورواه سيبويه باختلاس الكسر كأنه يقلل صوته عند الكسر وأكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان لأجل توالي الكسرات والاضطرار وللوصل بنية الوقف ثم قال وإذا ساغ ما ذكرنا في هذه القراءة من التأويل لم يسغ لقائل أن يقول إنه لحن ألا تر أن العرب قد استعملوا ما في قياس ذلك ، ثم قال وهذه القراءة وإن كان لها مخلص من الطعن فالوجه قراءة الحرف على ما عليه الجمهور في الدرج وقال ابن القشيري ما ثبت بالاستفاضة والتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأه فلا بد من جوازه ولا يجوز أن يقال إنه لحن ولعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه وإن كان هو فصيحا ، قلت وعلى الجملة فإسكان-السيئ أهون من إسكان بارئكم لإمكان حمل ذلك على الوقف كما سبق ولا يمكن تقدير ذلك في بارئكم ويأمركم والله أعلم ، وقال مكي لو نوى الوقف لخفف الهمزة على أصله وهذا قد سبق الاعتذار عنه ، وقوله بينات قصر حق فتى بإضافة حق إلى فتى علا يريد قوله تعالى-فهم على بينة منه-فالإفراد فيه والجمع قد سبق لهما نظائر وليس في سورة فاطر ياء إضافة وفيها زائدة واحدة-فكيف كان نكيري-أثبتها في الوصل ورش وحده ، وقلت في ذلك مع الياءين اللتين ذكرناهما في سورة سبأ ، (وزاد نكيري والجواري لذي سبأ وفي فاطر أيضا نكيري تقبلا)
سورة يس
(986)

وَتَنْزِيلُ نَصْبُ الرَّفْعِ (كَـ)ـهْفُ (صِـ)ـحاَبِهِ وَخَفِّفْ فَعَزَّزْناَ لِشُعْبَةَ مُجْملاَ
النصب على المصدر أي نزل الله ذلك تنزيلا يعني الرسالة إليه التي دل عليها قوله تعالى-إنك لمن المرسلين-أو يكون تفسيرا للصراط المستقيم وجعله الزمخشري منصوبا بإضمار أعني وهو نصب على المدح ووجه الرفع أنه خبر مبتدأ محذوف الخبر قدر أبو على الأمرين فقال من رفع فعلى هو-تنزيل العزيز الرحيم-أو تنزيل العزيز الرحيم-هذا وقال الفراء القراءة بالنصب يريد-إنك لمن المرسلين-تنزيلا حقا ومن رفع جعله خبر إنك لتنزيل العزيز أو على الاستئناف أي ذلك تنزيل وقال أبو عبيد هي مثل صنع الله وصبغة الله والرافعون يريدون هنا-تنزيل العزيز الرحيم- ومن خفف فعززنا فمعناه غلبنا وهو مطاوع عازني فعززته أي غالبني فغلبته ومعناه بالتشديد قوينا قال أبو عبيد وهذا أشبه بالمعنى وقول الناظم محملا أي معينا على الحمل يقال أحملته أي أعنته على الحمل فمعناه مكثرا حملة هذه القراءة والله أعلم
(987)
وَمَا عَمِلَتْهُ يَحْذِفُ الْهاَءَ (صُحْبَةٌ) وَوَالْقَمَرَ ارْفَعْهُ (سَماَ) وَلَقَدْ حَلاَ

اختلفت المصاحف في إثبات الهاء وحذفها وهي ضمير راجع إلى ما إن كانت بمعنى الذي وقد أجمع في القرآن على إثبات الهاء في (كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان) ، وعلى حذفها في مواضع (أهذا الذي بعث الله رسولا)(وسلام على عباده الذين اصطفى)(إلا من رحم) ، ويجوز على حذف الهاء أن تكون ما مصدرية أي ومن عمل أيديهم ويجوز على إثبات الهاء أن تكون ما نافية أي وما عملت أيديهم ذلك ورفع والقمر ونصبه من باب زيد ضربته وفيه اللغتان وحسن للنصب ما قبله من الجملة الفعلية من قوله-أحييناها وأخرجنا منها حبا-وجعلنا-ونسلخ منه النهار-فهو مثل-والسماء بنيناها بأبد (والأرض فرشناها)-(والأرض بعد ذلك دحاها) ، أجمعوا على نصب كل ذلك وحسن الرفع أن المعنى وآية لهم القمر كما قال تعالى قبله-وآية لهم الأرض-وآية لهم الليل-فكذا التقدير وآية لهم الشمس وآية لهم القمر فيكون مبتدءا وخبره ما بعده أو ما قبله على اختلاف في ذلك لاحتمال المعنى كلا منه ونستقصي إن شاء الله توجيه ذلك في شرح نظم المفصل في النحو وإلى هذا أشار الناظم بقوله ولقد حلا وكذا قال الفراء الرفع أحب إلي من النصب لأنه قال-وآية لهم الليل-ثم جعل الشمس والقمر متبعين الليل فهما في مذهبه آيات مثله
(988)
وَخَا يَخْصِمُونَ افْتَحْ (سَمَا لُـ)ـذْ وَأَخْفِ (حُـ)ـلْوَ بَرٍّ وَسَكِّنْهُ وَخَفِّفْ (فَـ)ـتُكْمِلاَ

قرأ حمزة ما لفظ به الناظم سكن الخاء وخفف الضاد فهي من خصم يخصم إذا غلب في الخصومة أي يخصم بعضهم بعضا وقيل يجوز أن يكون الأصل يختصمون كما هو أصل قراءة غيره فحذف هو التاء وغيره أدغمها في الصاد فلهذا شددت الصاد ثم لما أدغمت التاء في الصاد اجتمع ساكنان التاء المدغمة والخاء فمنهم من كسر الخاء لالتقاء الساكنين وهم عاصم والكسائي وابن ذكوان ومنهم من فتح الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها مثل هذا الاختلاف ما سبق في سورة يونس في قوله تعالى (أمن لا يهدي) ، فعاصم طرد مذهبه في كسر ما قبل التاء المدغمة وزعم الفراء أن الكسر أكثر وأجود وخالفه غيره وحكى ابن مجاهد وغيره عن أبي بكر كسر التاء في-يخصمون-تبعا للخاء كما كسر ياء يهدي وأبو عمرو وقالون أخفيا فتحة الخاء كما أخفيا فتحة الياء في يهدي ووجه الدلالة على أنه أصل هذا الحرف السكون وقال صاحب التيسير النص عن قالون الإسكان فيهما وكذا ذكر ابن مجاهد وغيره وضعف ذلك الحذاق لما فيه من الجمع بين الساكنين قال الزجاج هي ردية وكان بعض من روى قراءة أهل المدينة يذهب إلى أن هذا لم يضبط عن أهل المدينة كما لم يضبط عن أبي عمرو (إلى بارئكم) ، وإنما زعم أن هذا يختلس فيه الحركة اختلاسا وهي فتحة الخاء والقول كما قال والقراءة الجيدة بفتح الخاء وكسرها جيد أيضا وقال النحاس إسكان الخاء لا يجوز لأنه جمع بين الساكنين وليس الأول حرف مد ولين وإنما يجوز في هذا إخفاء الحركة فلم يضبط الراوي كما لم يضبط عن أبي عمرو (فتوبوا إلى بارئكم) ، إلا من رواية من يضبط اللغة كما روى سيبويه عنه أنه كان يختلس الحركة وقال بعض المتأخرين ليس هذا بمنكر لأن الساكن الثاني مدغم في حرف آخر والحرفان اللذان أدغم أحدهما في الآخر يرتفع اللسان عنهما ارتفاعة واحدة فيصيران كحرف واحد متحرك فكأنه لم يلتق ههنا ساكنان ، قلت هذا خلاف ما يشهد به الخبر لفظا ووزنا في الشعر بل الحرف المشدد حرفان حقيقة ولا يمكن

الجمع بين الأول منهما وساكن قبله غير حرف مد وأما قول أبي علي من زعم أن ذلك ليس في طاقة اللسان يعلم فساده بغير استدلال فمقابل بمثله وقوله حلوبر منصوب على الحال من فاعل أخف أو مفعوله أي أخف الفتحة في حال حلاوتها وبر يجوز بفتح الباء وكسرها وكلاهما له حلاوة شبه بها حلاوة الإخفاء ولكونه بين المنزلتين دال على كل واحد من الأمرين الحركة والسكون
(989)
وَسَاكِنَ شُغْلٍ ضُمَّ (ذِ)كْراً وَكَسْرُ فِي ظِلاَلٍ بِضَمٍّ وَاقْصُرِ اللاَّمَ (شُـ)ـلْشُلاَ
أي ضم الغين ذا ذكر وضمها وإسكانها لغتان وإذا ضم الكسر من قوله ، في ظلال وهو كسر الظاء وقصر اللام أي لم تشبع فتحها فتصير ألفا وصارت الكلمة في ظلل جمع ظلة كحلة وحلل وظلال جمع ظل كقدح وقداح أو يكون أيضا جمع ظلة كبرمة وبرام وأجمعوا على أن (يأتيهم الله في ظلل) ، بالضم والقصر وعلى-يتفيؤا ظلاله-بالكسر والمد وشلشلا حال من فاعل اقصر أي خفيفا
(990)
وَقُلْ جُبُلاً مَعْ كَسْرِ ضَمَّيْهِ ثِقْلُهُ (أَ)خُو (نُـ)ـصْرَةٍ وَاضْمُمْ وَسَكِّنْ (كَـ)ـذِي (حَـ)ـلاَ
أي مع كسر الجيم والباء ثقل اللام أي ثقلها يقال ثقل وثقل بسكون القاف وفتحها وتقدير النظم ثقله مع كسر ضميه أخو نصرة فهذه قراءة نافع وعاصم جمع جبلة وقرأ ابن عامر وأبو عمرو بضم الجيم وسكون الباء وهو تخفيف قراءة الباقين بضمهما قال الجوهري جميع ذلك لغات وهو الجماعة من الناس وقيل جبلا جمع جبيل كرغف ورغيف والجبل الخلق وحلا في آخر البيت بفتح الحاء ومعناه الظفر وهو منصوب وقد سبق في سورة الأحزاب مثله فمعنى كذى حلا أي كذى ظفر وهو في موضع الحال من فاعل وسكن
(991)
وَتَنْكُسْهُ فَاضْمُمْهُ وَحَرِّكْ لِعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَاكْسِرْ عَنْهُمَا الضَّمَّ أَثْقَلاَ

أي ضم نونه الأولى وافتح الثانية واكسر الكاف وشددها فيصير-ننكسه-من نكسه مثله كسله وهو مبالغة في نكسه بالتخفيف وقيل المخفف أكثر استعمالا وفي المشدد موافقة-نعمره-في اللفظ وأرادوا كسر ذا الضم وهو الكاف وأثقلا حال منه بمعنى ثقيلا
(992)
لِيُنْذِرَ (دُ)مْ (غُـ)ـصْناً وَالأَحْقَافُ هُمْ بِهَا بِخُلْفٍ (هَـ)ـدى مَالِي وَإِنِّي مَعاً حُلاَ
أي مشبها غصنا في حملك للعلم المشفع به كما يحمل الغصن الثمر يريد-لينذر من كان حيا-الغيب للقرآن والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الأحقاف (لينذر الذين ظلموا) ، وقوله هم بها أي قرءوا فيها بما قرءوا به هنا وهو الغيب الذي دل عليه إطلاقه للحرف وعدم تقييده واختلف عن البزي في الأحقاف فقط ثم ذكر ياءات لإضافة في يس وهي ثلاث-ومالي لا أعبد-سكنها حمزة وحده-إني إذا لفي ضلال-فتحها نافع وأبو عمرو و-إني آمنت بربكم فاسمعون-فتحها الحرميان وأبو عمرو وفيها زائدة واحدة-ولا ينقذون-أثبتها في الوصل ورش وحده وقلت في ذلك ، (ويس زد فيها ولا ينقذون مع لتردين فيما فوق صاد تنزلا)
سورة الصافات
(993)
وَصَفًّا وَزَجْراً ذِكْراً ادْغَمَ حَمْزَةٌ وَذَرْواً بِلاَ رَوْمٍ بِها التَّا فَثَقَّلاَ

أي وذكرا فحذف حرف العطف وذروا عطف عليها أيضا فصل بينهما بقوله أدغم حمزة وقوله بلا روم أي إدغاما محضا بخلاف ما سبق ذكره في مذهب أبي عمرو في الإدغام في شرح قوله واشمم ورم في غير باء وميمها وقوله بها أي في أوائل هذه الكلمات الأربع التاء مفعول أدغم أي أدغم حمزة التاء الموجودة قبل كل واحد من هذه الألفاظ في هذه الألفاظ في أوائلها فثقل أي فشدد لأن الإدغام بوجب ذلك أراد إدغام والصافات صفا-فالزجرات زجرا فالتاليات ذكرا- هذه الثلاثة هنا والرابعة (والذاريات ذروا) ، فإن قلت ما للناظم لم يذكر أبا عمرو مع حمزة في إدغام هذه المواضع وهو مشاركه في هذا المذهب وتقدم ذكر باب الإدغام لأبي عمرو وغير مانع له من ذلك كما ذكره معه في قوله إدغام بيت في حلا وقد تقدم في سورة النساء ، قلت مذهب أبي عمرو في الإدغام غير مذهب حمزة وذلك أن المنقول عن أبي عمرو أنه كان يفعل ذلك عند الإدراج والتخفيف وترك الهمز الساكن فإذا همز أو حقق لم يدغم من الحروف المتحركة شيئا إلا (بيت طائفة) ، فلما كان يدغم-بيت طائفة-مطلقا أشبه ذلك مذهب حمزة فذكره معه فيها ولما كان أمره في-والصافات صفا-على خلاف ذلك لم يذكره معه ولهذا قال ابن مجاهد قرأ أبو عمرو وإذا أدغم وحمزة على كل حال-والصافات صفا-فقيد ذكر أبي عمرو بقوله إذا أدغم وقال في حمزة على كل حال وترك الإدغام هو المختار في ذلك قال الفراء كان ابن مسعود يدغم التاء من-والصافات فالزاجرات فالتاليات والتبيان أجود لأن القراءة ثبتت على التمكين والتفصيل والبيان وقال أبو عبيد وكان الأعمش يدغمهن والقراءة التي نختارها هي الأولى بالتحقيق والبيان على ما ذكرنا من مذهبنا في جميع القرآن إلا ما كان يخالف الخط ويخرج من لغات العرب وقال النحاس وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها يعني الإدغام والله أعلم
(994)

وَخَلاَّدُهُمْ بِالْخُلْفِ فَالْمُلْقِياَتِ فَالْمُغِيرَاتِ فِي ذِكْراً وَصُبْحاً فَحَصِّلاَ
أي وأدغم خلاد بخلاف عنه-فالملقيات-في سورة-والمرسلات- في ذال ذكر وتاء-فالمغيرات-في سورة والعاديات-في صاد-صبحا-وزاد أبو عمرو في مذهب الإدغام على ذلك إدغام-والعاديات ضبحا وإدغام-والسابحات سبحا فالسابقات سبقا-في سورة والنازعات وابن مجاهد وغيره من أكابر المصنفين لم يذكروا لحمزة إدغاما إلا في الكلمات الأربع المتقدمة ولم يذكر أبو عبيد سوى الثلاث التي في الصافات وأما هذا المذكور عن خلاد في إدغام هذين الموضعين فقريب وعنى به قول صاحب التيسير واقرأني أبو الفتح في رواية خلاد- فالملقيات ذكرا فالمغيرات صبحا-بالإدغام أيضا من غير إشارة وذكر في غير التيسير أن حمزة لم يدغم إلا الأربعة الأول ، قال الشيخ وكذا ذكر ابن غلبون وغيره ولم يذكر أبو الفتح في كتابه إلا المواضع الأربعة عن حمزة والفاء في فحصلا ليست برمز لأنه قصد صرح أولا بالقاريء وهو خلاد ، فإن قلت يحتمل أنه أراد الخلف عن خلاد في المواضع المتقدمة كما قال في آخر يس بخلف هدى ويكون إدغام هذين الموضعين لحمزة ، قلت يمنع من ذلك أن الواو في وخلادهم فاصلة ، فإن قلت قد جاء أشياء على هذه الصورة والخلف لما مضى نحو وقالون ذو خلف ووجهان فيه لابن ذكوان ههنا وخلف فيهما مع مضمر مصيب ، قلت قوله فيه وفيهما بيان لموضع الخلاف والواو بعد ذلك فاصلة أيضا في المواضع الثلاثة المذكورة
(995)
بِزِينَةِ نَوِّنْ (فِـ)ـى (نَـ)ـدٍ وَالْكَوَاكِبِ انْصِبُلُوا (صَـ)ـفْوَةً يَسَّمَّعُونَ (شَـ)ـذ اً (عَـ)ـلاَ

أي كائنا في مكان ند وفي بعض النسخ في ندا بزيادة ألف أي كائنا في ندا وهو الكرم وأشار بذلك إلى وجوه هذه القراءة وصفوة حال من الكواكب أو من المخاطبين وهو جمع صفي مثل صبي وصبية شذا حال من فاعل علا أو هو مفعول به أي علاه نحو علا زيدنا يوم النقا زيدكم ، وهو تمييز مقدم على عامله على رأى من جوز ذلك أي على شذاه أي طيبه والقراءات في-بزينة الكواكب ثلاث قرأ حمزة وحفص بتنوين زينة وخفض الكواكب وأبو بكر بتنوين زينة ونصب الكواكب والباقون بإضافة زينة إلى الكواكب والزينة مصدر كالنسبة واسم لما يتزين به كما قوله سبحانه (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) ، ويحتمل الأمرين قراءة الإضافة فإن فسر بالمصدر كان مضافا إلى فاعله أو مفعوله أي بأن زانتها الكواكب أو بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها هي في أنفسها وإن فسر الزينة بالاسم فالإضافة للبيان نحو خاتم حديد لأن الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها فما يزان به أو يراد بما زينت به الكواكب أي بحليتها وهو ضوءها وأشكالها المختلفة كالثريا والجوزاء وبنات نعش وأما قراءة التنوين وجر الكواكب فالكواكب عطف بيان أو بدل والزينة فيها اسم لما يتزين به ونكر للتعظيم أي بزينة لها شأن عظيم ثم بينها بما هو مشاهد معلوم حسنه وزينه فقال الكواكب وقيل يجوز على هذه القراءة أن تكون الزينة مصدرا وتجعل الكواكب بزينة مبالغة أو على تقدير زينة الكواكب فحذف المضاف وأما القراءة بنصب الكواكب مع التنوين فالزينة فيها مصدر والكواكب مفعول به وجوز الزجاج وغيره أن يكون بدلا من موضع بزينة وقيل هو منصوب بإضمار أعني بعد التنكير المشعر بالتعظيم فعلى هذين القولين يجوز أن تكون الزينة اسما لا مصدرا ويجوز أن تكون مصدرا على المبالغة إن قلنا الكواكب بدلا من الموضع وعلى تقدير أعني زينة الكواكب إن قلنا هو منصوب بإضمار أعني وجوز الشيخ أبو عمرو أن تكون الكواكب بدلا من السماء بدل

الاشتمال قال كأنه قيل إنا زينا الكواكب في السماء الدنيا بزينة فيكون الزينة مصدرا قال الزجاج بزينة الكواكب يعني بتنوين زينة ورفع الكواكب قال ولا أعلم أحدا قرأ بها فلا تقرأن إلا بها إلا أن تثبت رواية صحيحة لأن القراءة سنة والرفع في الكواكب على معنى إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب أو بأن زينت الكواكب ، قال النحاس هو على ما حكى النحويون عجبت من قراءة في الحمام القرآن بمعنى إن قريء وأما-لا يسمعون إلى الملأ الأعلى-فنشرحها في البيت الآتي وهو
(996)
بِثِقْلَيْهِ وَاضْمُمْ تَا عَجِبْتَ (شَـ)ـذاً وَسَاكِنٌ مَعاً لوْ آبَاؤُنَا (كَـ)ـيْفَ (بَـ)ـلَّلاَ

أي على بثقليه أراد تشديد السين والميم على ما لفظ به وأصله يتسمعون فأدغمت التاء في السين وقراءة الباقين-لا يسمعون-من سمع إليه إذا أصغى مع الإدراك ولم ينبه على إسكان السين لظهوره وإلا فلا يلزم من ضد النقل الإسكان بل يكفي ترك النقل وذلك يكون تارة مع حركة كما في الميم وتارة مع سكون واختار أبو عبيد قراءة التشديد لأجل تعدية الفعل بإلى وإنما عدى بها على قراءة التخفيف لتضمين الفعل معنى الإصغاء قوله واضمم تاء عجبت شذا أي ذا شذا فهو حال من الفاعل أو المفعول وإضافة العجب إلى الله تعالى وكذا سائر ما أضيف إليه مما لا يصح إنصافه بأعيانه المراد منه لوازمه وثمراته فالمعنى هنا أن حال هؤلاء انتهت في القبح إلى حد يتعجب منه تعجب الإفكار والذم وذكر أبو عبيد أنها قراءة ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن مقفل وإبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش رضي الله عنهم ويشهد لها-وإن تعجب فعجب-فأخبر الله جل جلاله أنه عجب والحديث المرفوع لقد عجب الله البارحة من فلان ، قلت وفي حديث آخر يعجب ربكم من إلكم وقنوطكم ، واختار أبو عبيد قراءة الرفع وقال الفراء الرفع أحب إلينا لأنها قراءة علي وعبد الله وابن عباس رضي الله عنهم قال والعجب وإن أسند إلى الله تعالى فليس معناه منه كمعناه من العباد كما أنه قال (سخر الله منهم) ( الله يستهزئ بهم) ، وعجبت بالفتح خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل التقدير في الضم قل يا محمد بل عجبت وأما-أوآباؤنا الأولون-هنا وفي الواقعة وإلى ذلك الإشارة بقوله معا فإسكان الواو وفتحها كما مضى في (أوأمن) ، في سورة الأعراف وتقدير النظم أوآباؤنا ساكن معا فالواو للعطف نحو (أوعجبتم أن جاءكم) ، قال الشيخ ومعنى كيف بللا أي على تبليله وقلته أي لم يقرأ به سوى ابن عامر وقالون
(997)
وَفِي يُنْزَفُونَ الزَّايَ فَاكْسِرْ (شَـ)ـذاً وَقُلْ في الأُخْرى (ثَـ)ـوى وَاضْمُمْ يَزِفُّونَ (فَـ)ـاكْمُلاَ

هو بكسر الزاي من أنزف إذا سكر وذهب عقله كما قال لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم أو من أنزف إذا نفد شرابه وبفتح الزاي بني الفعل لما لم يسم فاعله وليس هو الفعل المذكور فإنه لازم ولكن يقال نزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر وعنى بالأخرى التي في الواقعة ثم قال واضمم يزفون يعني ضم الياء لحمزة وافتحها لغيره ولا خلاف في كسر الزاي والخلاف الذي مضى في ينزفون في الزاي فتحا وكسرا ولا خلاف في ضم الياء أراد-فأقبلوا إليه يزفون-ومعناه بفتح الياء يسرعون من زف الظليم والبعير يزف زفيفا ويزفون بالضم يصيرون إلى الزفيف أو من أزف غيره إذا حمله على الزفيف والألف في قوله فأكملا كالألف السابقة في فحصلا كلاهما بدل من نون التأكيد الخفيفة وقد سبق مثله مرارا
(998)
وَمَاذَا تُرِى بِالضَّمِّ وَالْكَسْر (شَـ)ـائِعٌ وَإِلْيَاسَ حَذْفُ الْهَمْزِ بِالْخُلْفِ (مُـ)ـثِّلاَ
أي قرأ حمزة والكسائي بضم التاء وكسر الراء من غير لفظ إمالة على وزن رمى ودعى لفظا ومعناه ماذا تظهر من الإذعان والانقياد لأمر الله تعالى وقراءة الباقين بفتح التاء والراء وهو من الرأي اختبروا رأيه في ذلك فوجد كما يحب صلى الله عليه وسلم وأمال الراء أبو عمرو على أصله وورش بين اللفظين وإلياس سرياني تكلمت به العرب على وجوه كما فعلوا في جبريل وميكال فقالوا إلياسين كجبرائيل وإلياس كإسحاق ووصلوا همزته كأنه في الأصل ياس دخلته آلة التعريف وموضع هذا الخلاف-وإن إلياس-وصل همزته ابن ذكوان وقطعها غيره
(999)
وَغَيْرُ (صِحَابٍ) رَفْعُهُ اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ وَإِلْياسِينَ بِالْكَسْرِ وُصِّلاَ
الهاء في رفعه لغير صحاب أي مرفوعه أي الذي رفعه غير صحاب هو قوله- الله ربكم ورب-جعلوه مبتدأ وخبرا ولو قال برفع-الله ربكم-لحصل الغرض وكان أبين لفظا ونصب الثلاث صحاب جعلوا ذلك بدلا من-أحسن الخالقين-أو عطف بيان وأما-سلام على إلياسين-فكسر همزتها وقصرها وأسكن كسر لامها من ذكره في قوله

(1000)
مَعَ الْقَصْرِ مَعْ إِسْكَانِ كَسْرٍ (دَ)نَا (غِـ)ـنىً وَإِنّي وَذُو الثُّنْيَا وَأَنِّي اجْمِلاَ
عنى بالقصر حذف المد بين الهمزة المفتوحة واللام المكسورة فقرأ مدلول قوله دنا غنا على ما لفظ به في البيت السابق وغنا في موضع نصب على التمييز أو الحال أي دنا غناه أو ذا غناء لأن هذه القراءة استغنت بوضوحها عن تأويل القراءة الأخرى لأن هذا لغة في اسم إلياس على ما سبق وقرأه نافع وابن عامر- آل ياسين-كما جاء-آل عمران-وكتبت كذا مفصولة في المصحف كأن اسمه يس على وزن ميكال فيكون اسمه جاء في القرآن بأربع لغات وكذا سبق في قراءة اسم جبريل وهي إلياس بقطع الهمزة ووصلها وياسين وإلياسين وتكون القراءتان قد تضمنتا التسليم عليه وعلى آله وقيل أريد بآله نفسه وقيل سلم عليهم من أجله تنبيها على استحقاقهم لذلك لعدم شهرتهم بخلاف آل باقي الأنبياء المسلم عليهم في هذه السورة وقيل المراد بالقراءتين آله وإلياسين جمع فهو من باب قول الراجز ، (قدني من نصر الخبيس قدني ) ، ورد هذا بأنه لو أريد لكان الوجه تعريفه فيقال الإلياسين كقوله الخبييين وقريء على إلياسين بوصل الهمزة فهذا يمكن فيه ذلك لأن فيه آلة التعريف وقيل ياسين اسم أبي إلياس أضيف الآل إليه فدخل إلياس فيهم ثم ذكر ياءات الإضافة في هذه السورة وهي ثلاث-إني أرى من المنام أني أذبحك-فتحهما الحرميان وأبو عمرو-ستجدني إن شاء الله-فتحهما نافع وحده وهي المراد بقوله وذو الثنيا وقد سبق معنى ذلك في آخر سورة القصص وفيها زائدة واحدة-لتردين-أثبتها ورش وحده في الوصل وقد سبق نظمها مع زائدة-(ولا ينقذون)-في آخر سورة يس والألف في قوله أجملا للإطلاق لا للتثنية لأن المذكور ثلاث ياءات نبهت على المذكور على وجه الإجمال دون التفصيل كما قال في باب ياءات الإضافة أحكيه مجملا ويجوز أن تكون الألف للتثنية ويكون الضمير لأني وإني فهما المجملان بين ألفاظ السورة أما-ستجدني فلا فإنها بقوله

وذو الثنيا متميزة فكأنها مذكورة بعينها
سورة ص
(1001)
وَضَمُّ فَوَاقٍ (شَـ)ـاعَ خَالِصَةٍ أَضِفْ لَهُ (ا)لرَّحْبُ وَحِّدْ عَبْدَناَ قَبْلُ (دُ)خْلُلاَ
فواق بضم الفاء وفتحها لغتان وقيل الفتح بمعنى الإفاقة والضم ما بين شخب الحلبتين أي مالها من رجوع أو ما يمهلهم ولا مقدار فواق-وخالصة ذكرى الدار-بالإضافة أي بما خلص من ذكراها أي لا يخلطون ذكر الآخرة بالدنيا وتقدير قراءة التنوين يخلصه خالصة ثم بينها فقال هي-ذكرى الدار-وقوله وحد عبدنا قبل أي الذي قبل خالصة احترازا من توحيد غيره فإنه مجمع عليه وعبادنا بالجمع ظاهر ، لأن بعده إبراهيم وإسحق ويعقوب ووجه الإفراد تمييز إبراهيم عليه السلام على ولده بتشريفه بوصفه بالعبودية كما ميز بالخلة وعطف عليه ما بعده ولهذا قال دخللا أي هو خاص دخللا لإبراهيم ودخيل الرجل ودخلله الذي يداخله في أموره ويختص به ويجوز أن يكون المراد به أنه مداخل لما قبله في الإفراد وهو قوله تعالى-(واذكر عبدنا أيوب نعم العبد)-وقبل ذلك-(واذكر عبدنا داود)-فصرح لهؤلاء بوصف العبودية لفظا وهي مراده للكل تقديرا لأنهم جميعهم من الطبقة العليا المصطفين من الخلق ، فإن قلت مفهوم قوله أضف أن قراءة الباقين بترك الإضافة وترك الإضافة تارة يكون لأجل التنوين وتارة لأجل الألف واللام فمن أين تعين التنوين لقراءة الباقين ، قلت من وجهين أحدهما أنه لفظ بها منونة في نظمه فكأنه قال أضف هذا اللفظ فضده لا تضف هذا اللفظ والثاني أن الألف واللام زيادة على رسم الكلمة فلا يذهب وهم إليها
(1002)
وَفي يُوعَدُونَ (د)مُ (حُـ)ـلاً وَبِقَافَ (دُ)مْ وَثَقَّلْ غَسَّاقاً مَعاً (شَـ)ـائِدٌ (عُـ)ـلاَ

يريد-هذا ما توعدون ليوم الحساب-وجه الغيب أن قبله-وعندهم-والخطاب للمؤمنين وفي ق (هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ) ، لم يقرأه بالغيب إلا ابن كثير وحده لأن قبله (وأزلفت الجنة للمتقين) ، وقوله دم حلا أي ذا حلا أو دامت حلاك نحو طب نفسا فهو حال أو تمييز والجملة دعا له بذلك والغساق بتخفيف السين وتشديدها واحد وهو ما يسيل من صديد أهل النار أعاذنا الله بكرمه منها وقوله شائد علا فاعل ثقل أي قاريء هذه صفته شاد العلا فيما حصل من العلم والمعرفة وقوله معا يعني هنا-هذا فليذوقوه حميم وغساق-وفي سورة النبأ (إلا حميما وغساقا)
(1003)
وَآخَرُ لِلْبَصْرِي بَضَمٍّ وَقَصْرِهِ وَوَصْلُ اتَّخَذْناَهُمْ (حَـ)ـلاً (شَـ)ـرْعُهُ وِلاَ
يريد-وآخر من شكله-أي وعذاب آخر وقرأه أبو عمرو وأخر بضم الهمزة ولا مد بعدها فصار على وزن كبر جمع أخرى أي وعقوبات أخر وقوله بعد ذلك أزواج خبر وأخر على القراءتين وجاز أن يكون لفظ المبتدإ واحدا والخبر جمعا لأن العذاب يشتمل على ضروب كما تقول عذاب فلان أنواع شتى وقريء-اتخذناهم سخريا-بوصل الهمزة ، فتذهب في الدرج وتكسر إذا ابتديء بها وقرئت بالقطع فتفتح مطلقا ، فإن قلت من أين علم أن همزة القطع هنا مفتوحة ، قلت من جهة أنها همزة في أول فعل ماض فلا تكون إذا كانت للقطع إلا مفتوحة لأنها همزة استفهام هنا وتقع في غير الاستفهام في نحو أكرم لا تخرج همزة الفعل الماضي المقطوعة عن ذلك و-اتخذناهم-بالوصل جملة صفة واقعة لرجالا بعد صفة وبالقطع على أنه استفهام إنكار على أنفسهم وأم بعد الاستفهام متصلة وبعد الحبر منقطعة وولا بالكسر حال أي ذا ولاء أي متابعة أو يكون مفعولا من أجله أي حلا شرعه من أجل ما لزمه من المتابعة ويجوز أن يكون تمييزا أي حلت متابعة شرعه
(1004)
وَفَالْحَقُّ (فِـ)ـى (نَـ)ـصْرٍ وَخُذْ يَاءَ لِي مَعاً وَإِنِّي وَبَعْدِي مَسَّنِي لَعْنَتِى إلى

أي فالحق أنا أو فالحق مني والنصب على الأخرى أي فالتزموا الحق أو على حذف حرفي القسم نحو والله لأفعلن ولا خلاف في نصب والحق أقول وفيها ست ياءات إضافة ولي نعجة-ما كان لي من-ثم فتحهما حفص وحيث إني أحببت وفتحها وكان أبو عمر وجدتان وأبو عمر لأحد من بعدي إناءة فتحها نافع وأبو عمرو مسنى الضر سكنها حمزة وحده-لعنتي إلى يوم الدين-وفتحها نافع وحده
سورة الزمر
(1005)
أَمَنْ خَفَّ (حِرْمِيٌّ فَـ)ـشَا مَدَّ سَالِماً مَعَ الْكَسْرِ (حَقٌّ) عَبْدَهُ اجْمَعْ (شَـ)ـمَرْدَلاَ

يريد-أمن هو قانت-من خفف جعل الهمزة للنداء أو الاستفهام والخبر محذوف أي كغيره كقوله تعالى -(أفمن شرح الله صدره للإسلام)-فهي أم دخلت على من فأدغمت الميم في مثلها والمعادل لأن محذوف تقديره الكافر المتخذ من دون الله أندادا خير أم من هو قانت ومثلها-اتخذناهم سخريا أم زاغت-على قراءة الوصل معناه مفقودون هم أم زاغت الأبصار عنهم ونحوه-مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين-أي أحاضر هو أم غائب ويجوز أن تكون أم منقطعة في جميع ذلك وتقدير موضعها بل وهمزة الاستفهام فيتحد تقدير المحذوف في القراءتين هنا وهو الخبر وعلى التقدير الأول يكون المحذوف هو المبتدأ ونظيره قوله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم-كمن هو خالد في النار-أي أهؤلاء كمن هو خالد في النار ومن الاتفاق العجيب أنه لو جمع بين اللفظين في السورتين لانتظم مضى ما قدر في كل واحد منهما وهو-أمن هو قانت-كمن هو خالد وقول الناظم أمن مبتدأ خبره-حرمى فشا وخف في موضع الحال من أمن أي أمن لفظ حرمي فشا خفيفا ثم استأنف جملة أخرى فعلية أو اسمية فقوله مد إما فعل ماض فاعله حق وإما مبتدأ خبره حق أراد و-رجلا سلما لرجل-فقوله سلما مصدر سلم ذا سلامة يقال سلم سلما وسلما وسلامة ومن قرأ بالمد وكسر اللام فظاهر و-أليس الله بكاف عبده-الإفراد للجنس ووجه الجمع ظاهر وشمردلا أي خفيفا وهو حال من الفاعل أو المفعول
(1006)
وَقُلْ كَاشِفاَتٌ مُمْسِكَاتٌ مُنَوِّناً وَرَحْمَتِهِ مَعْ ضُرِّهِ النَّصْبُ (حُمِّلاَ)
يريد-كاشفات ضره-و-ممسكات رحمته-قراءة أبي عمرو على الأصل بالتنوين ونصب ضره ورحمته لأنهما مفعولا كاشفات ممسكات وقراءة الباقين على الإضافة فهما مثل زيد ضارب عمرا وضارب عمرو وفي قوله حملا ضمير تثنية وهو الألف يرجع إلى رحمته وضره والنصب مفعول ثان لحملا أي حملا النصب ومنونا حال من فاعل قال
(1007)

وَضُمَّ قَضى وَاكْسِرْ وَحَرِّكْ وَبَعْدَ رَفْعُ (شَـ)ـافٍ مَفَازَاتٍ اجْمَعُوا (شَـ)ـاعَ (صَـ)ـنْدَلاَ
أي ضم القاف واكسر الضاد وافتح الياء وارفع ما بعد ذلك وهو الموت لأنه مفعول قضى المبنى لما لم يسم فاعله وقراءة الباقين على بناء الفعل للفاعل والموت مفعول به منصوب وقوله رفع شاف أي رفع قارئ شاف وأما بمفازاتهم فالجمع والإفراد فيه ظاهران مثل مكاناتكم ومكانتكم وصندلا حال أو تمييز أي ذا صندل أو شاع صندله أي طيبه
(1008)
وَزِدْ تَأْمُرونِي النُّونَ (كَـ)ـهْفًا وَ (عَمَّ) خِفْفُهُ فُتِّحَتْ خَفِّفْ وَفِي النَّبإ الْعُلاَ
يريد أفغير الله تأمروني قرأه بنونين ابن عامر على الأصل وهما نون رفع الفعل ونون الوقاية وحذف نون الوقاية نافع وحده وأدغم الباقون نون الرفع في نون الوقاية ولما أظهر ابن عامر النون زال الإدغام فزال التشديد في قراءته فلهذا ذكره مع نافع في تخفيف النون ولو لم يقل ذلك لزيدت نون مع بقاء الأخرى على تشديدها وأما-فتحت أبوابها-في الموضعين فخفف الكوفيون تاءه وشددها غيرهم وكذا في سورة النبأ (وفتحت السماء) ، وقد سبق في الأنعام والأعراف نظير ذلك والعلا نعت لسورة النبأ وليس برمز لأنه قد صرح بصاحب هذه القراءة في البيت الآتي وهو
(1009)
لِكُوفٍ وَخُذْ يَا تَأْمُرُونِي أَرَادَنِي وَإِنِّي مَعاً مَعْ يَا عِبَادِي فَحَصِّلاَ

محصلا حال من فاعل خذ ياء هذه الكلمات محصلا لها فهي التي اختلف في إسكانها وفتحها أراد-تأمروني أعبد-فتحها الحرميان-أرادني الله بضر-أسكنها حمزة وحده ولا خلاف في إسكان-أو أرادني برحمة- وقوله وإني معا أراد-إني أمرت-فتحها نافع وحده-إني أخاف إن عصيت-فتحها الحرميان وأبو عمرو-يا عبادي الذين أسرفوا-أسكنها أبو عمرو وحمزة والكسائي وفيها زائدة واحدة-فبشر عبادي الذين يستمعون القول-أثبتها السوسي وقفا ووصلا وفتحها في الوصل هذا على رأي صاحب القصيدة وأما صاحب التيسير فعدها في ياءات الإضافة فلهذا قال الناظم مع يا عبادي فزاد حرف الندا وهو يا ليميز بينهما وقلت في ذلك ، (فبشر عبادي زائد في نظومنا مضاف لذي التيسير والكل قد جلا) أي ولكل قول من ذلك وجه صحيح
سورة المؤمن
(1010)
وَيَدْعُونَ خَاطِبْ (إِ) ذْ (لَـ)ـوى هَاءُ مِنْهُمْ بِكَافٍ (كَـ)ـفَى زِدِ الْهَمْزَ (ثُـ)ـمَّلاَ

أراد-والذين تدعون من دونه-الخلاف فيه في الغيب والخطاب ظاهر وقوله إذ لوى أي أعرض لأنه عدل إلى الخطاب فأعرض عن إجراء الكلام على الغائبين في قوله-ما للظالمين من حميم ولا شفيع-وأما-أشد منهم قوة-فكتب في مصاحف الشام موضع منهم بالهاء منكم بالكاف فكل قرأ بما في مصحفه والكلام فيه كما في يدعون لأنه خطاب وغيب وأما-إني أخاف أن يبدل دينكم وأن-فقراءة الجماعة بواو العطف وزاد الكوفيون قبل الواو همزة وأسكنوا الواو فصارت أو أن بحرف أو وهو للعطف أيضا إلا أنه للترديد بين أمرين والواو للجمع بينهما وكذلك هي في مضاعف الكوفة بزيادة همزة وكل واحد من الأمرين مخوف عنده فوجه الجمع ظاهر ووجه الترديد أن كل واحد منهما كان في التحذير فكيف إذا اجتمعا وقوله ثملا هو جمع ثامل وهو المصلح والمقيم وقد سبق شرحه في المائدة ونصبه هنا على أنه ثاني مفعولي زد كما تقول زد الدراهم قوما صالحين ويجوز أن يكون حالا من الهمزة على تقدير ذا ثمل أي جماعة مصلحين للمعنى مقيمين على القراءة به ويجوز أن يكون حالا من فاعل زد لأنه لم يرد به واحدا وإنما هو خطاب لكل قاريء فهو كما تقدم في الفرقان وخاطب يستطيعون عملا والله أعلم
(1011)
وَسَكِّنْ لَهُمْ وَاضْمُمْ بِيَظْهَرَ وَاكْسِرَنْ وَرَفْعَ الْفَسَادَ انْصِبُ (إِ)لَى (عَـ)ـاقِلٍ (حَـ)ـلاَ
أي سكن الواو للكوفيين كما تقدم ثم تكلم في خلاف كلمة يظهر فقال ضم تاء واكسر هاءه فيصير يظهر من أظهر فهو فعل متعد فلزم نصب الفساد لأنه مفعوله وفاعله ضمير يرجع إلى موسى عليه السلام وقراءة الباقين بفتح الياء والهاء ورفع الفساد على أنه فاعل يظهر فقوله واضمم بيظهر أي بهذا اللفظ والنون في واكسرن للتأكيد وإلى عاقل متعلق بحال محذوف أي وانصب رفع الفساد مضيفا ما ذكرت إلى قاريء عاقل حلا
(1012)
فَأَطَّلِعَ ارْفَعْ غَيْرَ حَفْصٍ وَقَلْبِ نَوْوِنُوا (مِـ)ـنْ (حَـ)ـمِيدٍ ادْخِلُوا (نَفَرٌ صِـ)ـلاَ

فاطلع بالرفع عطف على أبلغ وبالنصب لأنه في جواب الترجي ونظيره ما يأتي في سورة عبس وأما-على كل قلب متكبر-فمن نون قلب فمتكبر صفة له لأنه محل الكبر ومن أضاف كان متكبر صفة للجملة والتقدير على قلب لمتكبر وقدر أبو علي على كل قلب كل متكبر فحذفت كل الثانية وقدر الزمخشري على قراءة التنوين على كل ذي قلب ولا حاجة إلى شيء من ذلك فالمعنى في القراءتين أوضح من أن تحتاج إلى حذف وإنما قدر أبو علي كل الثانية لتقيد العموم في أصحاب القلوب لأنه ظن أن ظاهر الآية لا تفيد إلا الطبع على جملة القلب وجوابه أن عموم كل المضاف إلى القلب للقلوب وأصحابها لأنه شامل لقلوب المتكبرين فاسترسل العموم على الكلمتين لأن المضاف إلى المضاف إلى كل كالمضاف إليها نفسها والدليل عليه أن ما من قلب لمتكبر إلا وهو داخل في هذا اللفظ وذلك هو المقصود فلا فرق بين أن تقول كل قلب متكبر أو قلب كل متكبر وروى أن ابن مسعود قرأها كذلك فهو شاهد لقراءة الإضافة قال أبو عبيد معنى على قلب متكبر وعلى قلب كل متكبر يرجعان إلى معنى واحد وقال الفراء المعنى في تقدم القلب وتأخره واحد سمعت بعض العرب يقول يرجل شعره يوم كل جمعة يريد كل جمعة والمعنى واحد وقوله غير حفص يحتمل أمرين أحدهما أن يكون على حذف حرف النداء أي يا غير حفص كأنه نادى القارئين لذلك والثاني أن يكون حالا أي غير قاريء لحفص أي إذا قرأت لغيره فارفع وقوله من حميد أي هو تنزيل من حميد يعني الله تعالى كما قال-تنزيل من حكيم حميد- ويجوز أن يقدر آخذين للتنوين من قاريء حميد أي محمود الطريقة في الثقة والعلم ثم قال ادخلوا أي ادخلوا آل فرعون نفر صلا أي ذو صلا يريد الذكاء على ما سبق تفسيره في سورة الأنعام وغيرها وهو خبرا ادخلوا ثم ذكر ما يفعل فيه هؤلاء فقال
(1013)
عَلَى الْوَصْلِ وَاضْمُمْ كَسْرَهُ يَتَذَكَّرُونَ (كَهْفٌ سَماَ) وَاحْفَظْ مُضاَفَاتِهاَ الْعُلاَ

أي على وصل همزته وضم خاءه المكسورة فيكون فعل أمر من دخل وقرأ الباقون بقطع الهمزة وفتحها على ما سبق في نظائره وبكسر الخاء فيكون فعل أمر من دخل فعلى الأول هو أمر لهم أي ادخلوا يا آل فرعون وعلى الثاني هو أمر للملائكة وآل فرعون مفعول به والغيب والخطاب في-قليلا ما يتذكرون-ظاهران ثم ذكر الياءات
(1014)
ذَرُونِي وَادْعُونِي وَإِنِّي ثَلاثَةٌ لَعَلِيِّ وَفِي مَالِي وَأَمْرِيَ مَعْ إِلى
يريد- ذروني أقتل موسى-ادعوني أستجب-فتحهما ابن كثير وحده-إني أخاف-ثلاثة مواضع واحد من قول فرعون-إني أخاف أن يبدل دينكم-واثنان من قول مؤمن آل فرعون-إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب-إني أخاف عليكم يوم التناد-فتحهن الحرميان وأبو عمرو-لعلي أبلغ الأسباب-فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر-مالي أدعوكم إلى النجاة-كذلك إلا ابن ذكوان وأفوض أمري إلى الله فتحها نافع وأبو عمرو وهذا معنى قوله مع إلي وموضع هذه الكلمات رفع أي هي ذروني وكذا وكذا أو نصب على البدل من مضافاتها في البيت السابق وقوله وإني ثلاثة ينبغي أن يكون ثلاثة منصوبا على الحال وهو كما سبق تقريره في سورة القصص وأنث العدد هناك وذكره هنا باعتبار الكلمات والألفاظ وقوله لعلي على حذف حرف العطف وفي مالي أي وياء الإضافة في مالي أيضا وهو عطف على المعنى لأن ما تقدم فيه كذلك ياءات الإضافة فهو قريب من قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) ، إلى أن قال وفي الرقاب أي وتدفع أيضا في فك الرقاب وفي الإنفاق في سبيل الله تعالى وموضع قوله مع إلى نصب على الحال أي مصاحبا للفظ إلى والله أعلم ، وفيها ثلاث زوائد "يوم التلاق-يوم التناد" أثبتهما نافع في الوصل وابن كثير في الحالين "اتبعوني أهدكم" أثبتها في الوصل أبو عمرو وقالون وفي الحالين ابن كثير وقلت في ذلك ، (يا اتبعوني أهدكم والتلاق والتناد ثلاث في الزوائد تجتلا)
سورة فصلت
(1015)

وَإِسْكَانُ نَحْسَاتٍ بِهِ كَسْرُهُ (ذَ)كاَ وَقَوْلُ مُمِيلِ السِّينِ لِلَّيْثِ أُخْمِلاَ
النحس بالإسكان مصدر نحس نحسا نقيض سعد سعدا واسم الفاعل نحس بكسر الحاء والقراءة بالكسرة ظاهرة لأنها نعت لأيام وأما القراءة بالإسكان فإما مخففه منه أو صفة على فعل نحو صعب وسهل أو وصف بالمصدر نحو عدل وقوله سبحانه-في يوم نحس-لا دلالة فيه على قراءة الإسكان لأنه مضاف إلى المصدر قال أبو علي قال المفسرون في نحسات قولين أحدهما الشديدات البرد والآخر أنها المشؤومات عليهم فتقدير قوله في يوم نحس مستمر في يوم شؤم قال صاحب التيسير وروى للفارسي عن أبي طاهر عن أصحابه عن أبي الحارث إمالة فتحة السين قال ولم أقرأ بذلك وأحسبه وهما فهذا معنى قول الناظم أخمل أي ترك قول من نقل ذلك عن الليث وهو أبو الحارث راوي الكسائي وإنما أضاف الإمالة إلى السين وهي للألف في التحقيق أميلت للكسرة بعدها لما تقدم من أنه يلزم من إمالة كل ألف إمالة الآخر إذ يلزم في إمالة الفتحة إمالة فتحة الحرف الذي قبلها وإذا كان كذلك فيجوز الاقتصار على ذكر أحدهما لدلالته على الألف وقد ذكرنا في شرح قوله وراء تراء فاز وفي إمالة رأى في سورة الأنعام
(1016)
وَنَحْشُرُ يَاءٌ ضُمَّ مَعْ فَتْحِ ضَمِّهِ وَأَعْدَاءُ (خُـ)ـذْ وَالْجَمْعُ (عَمَّ عَـ)ـقَنْقَلاَ

أي ذوياء وأعداء بالرفع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وهو يحشر بضم الياء وفتح الشين وأما نافع وحده فقرأ بفتح النون وضم الشين أي نحشر نحن أعداء الله بالنصب لأنه مفعول به وأما-وما تخرج من ثمرات من أكمامها-فقريء بالإفراد وبالجمع ووجههما ظاهر ، قال الجوهري العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل وقال غيره في قول امريء القيس ، (بنا بطن غبت ذي حقاف ) ويروي بطن حقف ذي قفاف عقنقل ، أي رمل منعقد داخل بعضه في بعض وقال ابن سيدة العقنقل من الأودية ما عظم واتسع ونصبه الناظم على الحال أي عم الجميع مشبها عقنقلا في الكثرة والاجتماع والعظمة والسعة بخلاف الأفراد ثم ذكر الكلمة المختلف في جمعها فقال
(1017)
لَدى ثَمَرَاتٍ ثُمَّ يَاشُرَكَائِىَ الْمُضَافُ وَيَا رَبِّي بِهِ الْخُلْفُ (بُـ)ـجِّلاَ
أي المضاف في هذه السورة من الياءات يا شركائي ويا ربي فقصر لفظ يا في الموضعين ضرورة أراد-أين شركائي-قالوا فتحها ابن كثير وحده-ولئن رجعت إلى ربي-فتحها نافع وأبو عمرو ثم قال به أي بياربي الخلف عن قالون في فتحه وهذا لم يذكر في ياءات الإضافة لأن صاحب التيسير ذكر هنا وقال في غير التيسير بالوجهين أقرأنبها فارس بن أحمد
سورة الشورى والزخرف والدخان
(1018)
وَيُوحى بِفَتْحِ الْحَاءِ (دَ)انَ وَيَفْعَلُونَ غَيْرُ (صِحَابٍ) يَعْلَمَ ارْفَعْ (كَـ)ـماَ (ا)عْتَلاَ

يريد كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله-ومن فتح الحاء بني الفعل لما لم يسم فاعله ورفع اسم الله تعالى على الابتداء أو بفعل مضمر كما تقدم في (يسبح له)-(رجال) ، في سورة النور ومعنى دان انقاد وأطاع وقيل يقال دان الرجل إذا عز ويفعلون بالغيب لأن قبله-يقبل التوبة عن عباده-وبالخطاب ظاهر وتقدير النظم وغيب يفعلون قراءة غير صحاب فحذف المضاف من المبتدأ والخبر للعلم بهما ، وأما يعلم المختلف في رفع ميمه ونصبه فهو-ويعلم الذين يجادلون- ولا خلاف في رفع ويعلم ما تفعلون-لأنه عطف على-يقبل التوبة ويعفو-ويعلم-وأما المختلف فيه فرفعه على الاستئناف والذي بعده فاعل أو مفعول فهذه قراءة ظاهرة فلهذا قال فيها كما اعتلا وقراءة النصب مشكلة أجود ما تحمل عليه ما قاله أبو عبيد قال وكذلك نقرؤها بالنصب على الصرف كالتي في آل عمران (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) ، قلت معنى الصرف أن المعنى كان على جهة فصرف إلى غيرها فتغير الإعراب لأجل الصرف وتقديره أن يقال كان العطف يقتضي جزم-ويعلم-في الآيتين لو قصد مجرد العطف وقد قريء به فيهما شاذا لكن قصد معنى آخر فتعين له النصب وهو معنى الاجتماع أي يعلم المجاهدين والصابرين معا أي يقع الأمران مقترنا أحدهما بالآخر ومجرد العطف لا يتعين له هذا المعنى بل يحتمله ويحتمل الافتراق في الوجود كقولك جاء زيد وعمرو يحتمل أنهما جاءا معا ويحتمل تقدم كل منهما على الآخر وإذا ذكر بلفظ المفعول معه كان وقوع الفعل منهما معا في حالة واحدة فكذا النصب في قوله ويعلم أفاد الاجتماع فلهذا أجمع على النصب في آية آل عمران قال الزمخشري فيها-ويعلم الصابرين-نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، قلت والعبارة عن هذا بالصرف هو تعبير الكوفيين ومثله لا يسعني شيء ويضيق عنك أي لا يجتمع الأمران ولو رفعت الواو للعطف تغير المعنى فهذا الجمع معنى مقصود وضع النصب دليلا

عليه فكذا النصب في-ويعلم الذين يجادلون في آياتنا-أي يقع إهلاكهم والعلم معا مقترنين ، واعتراض النحاس على أبي عبيد في تسويته بين الآيتين وقال-ويعلم الصابرين-جواب لما فيه النفي فالأولى به النصب وهذا وهم ليس هو بجواب للنفي بل المعنى على ما ذكرناه ولو كان جوابا لما ساغت قراءة الحسن بالجزم ، وقال الزجاج النصب على إضمار أن لأن قبلها جزاء تقول ما تصنع أصنع مثله وأكرمك على معنى وأن أكرمك وإن شئت وأكرمك بالرفع على معنى وأنا أكرمك ويجوز وأكرمك جزما ، قلت النصب في هذا المثال على ما قررناه من معنى الجمعية أي أصنعه مكرما لك فالنصب يفيد هذا المعنى نصا والرفع يحتمله على أن تكون الواو للحال ويحتمل الاستئناف ، وقال الزمخشري ما قاله الزجاج فيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه قال واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله ، وألحق بالحجاز فأستريحا ، فهذا يجوز وليس بحد للكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا لأنه ليس بواجب أن يفعل إلا أن يكون من الأول فعل فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه قال ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة ، قلت النصب بالواو في هذا المعنى ليس بضعيف بل هو قوى بدليل الإجماع على نصب ما في آل عمران وأما بالفاء فضعيف لأن الفاء لا تفيد ما تفيده الواو من معنى الجمعية فلهذا كانت قراءة من قرأ في آخر البقرة يحاسبكم به الله فيغفر-بالنصب شاذة وقد أنشد الأعشى في بيتين نصب ما عطف بالواو لهذا المعنى ، (ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى وتدفن منه الصالحات) ، مع أنه لا ضرورة إلى النصب فالرفع كان ممكنا له فما عدل إلى النصب إلا لإرادة هذا المعنى وهذا النصب بالواو لهذا المعنى كما يقع في العطف على جواب الشرط

يقع أيضا في العطف على فعل الشرط نحو إن تأتني وتعطيني أكرمك قال أبو علي فينصب تعطيني وتقديره إن يكن إتيان منك وإعطاء أكرمك ، قلت مراده أن يجتمعا مقترنين ولو أراد مجرد وقوع الأمرين معرضا عن صفة الجمعية لكان الجزم يفيد هذا المعنى فقد اتضحت ولله الحمد قراءة النصب على هذا المعنى من العطف-إن يشإ يسكن الريح-فتقف السفن أو إن يشأ يعصف الريح فيغرقها وينج قوما بطريق العفو عنهم ويحذر آخرين بعلمهم ما لهم من محيد ، فإن قلت كيف يوقف العفو على الشرط وهذا الكلام خارج مخرج الامتنان ولهذا قيده بقوله عن كثير ولو كان معلقا على المشيئة لأطلق العفو عن الكل نحو-ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ، قلت إنما علقه على الشرط ليتبين أنه إنما يفعل ذلك بمشيئته وإرادته لا بالاستحقاق عليه وأما ويعلم فإن جعلنا الذين بعده فاعلا سهل دخوله في حيز الشرط وإن جعلناه مفعولا فالمعنى يعلمه واقعا نحو إلا لنعلم من يتبع الرسول-أي نبقيهم على الكفر ولا يسهل لهم الإيمان-حتى يؤتوا- ولهذا للإشكال قال ابن القشيري رحمهما الله في تفسيره ويعف معطوف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى قال وقريء ويعفو بالرفع ، قلت فيكون مستأنفا ويعلم عطف عليه إن كان مرفوعا ونظيره في هذه السور-فإن يشأ الله يختم على قلبك ثم استأنف فقال-ويمحو الله الباطل ويحق-الحق-وبعضهم جعل يمح مجزوما عطفا على يختم واستدل بأنه كتب في المصحف بغير واو فيكون الاستئناف بقوله ويحق كقوله في براءة-ويتوب الله على من يشاء-ويجوز أن تكون قراءة القراء ويعف بغير واو لمعنى الأخبار المستأنف وحذف الواو ليس للجزم بل للتخفيف كما تحذف الألف والياء لذلك فالجميع حرف علة والواو أثقلها فالحذف لها أقيس وأولى قال الفراء كل ياء أو واو تسكنان وما قبل الياء مكسور وما قبل الواو مضموم فإن العرب تحذفها وتجتريء بالضمة من الواو وبالكسرة من الياء قال أبو علي حذفت الألف كما حذفت الياء وإن كان

حذفهم لها أقل منه في الياء لاستحقاقهم لها وذلك في نحو قولهم أصاب الناس جهد ولوتر ما أهل مكة عليه وقولهم حاش لله ورهط ابن المعلى فحذفها في الوقف للقافية كما حذفت الياء وقد حذفوا من لم يك ولا أدر قلت وفي القرآن-يوم يأتي وما كنا نبغي-وإذا كان الأمر كذلك فحذف الواو من يعفو أولى لأنها أثقل وليشاكل ما قبله من المجزوم فهو كما قالوا في صرف-سلاسلا وقواريرا-كما يأتي وكما رووا رجعن مأزورات غير مأجورات ولما لم يمكن صورة الجزم في ميم ويعلم حركت بالحركات الثلاث وذكر الزمخشري لقراءة النصب وجها آخر فقال هو عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن منه قوله تعالى-ولنجعله آية للناس-وقوله-وخلق الله السموات والأرض بالحق- ولتجزى كل نفسي بما كسبت-قلت ومثله-وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون ولتنذر أم القرى ولكن كل هذه المواضع ذكر فيها حرف التعليل بعد الواو ولم يذكر في ويعلم الذين ، وقال ابن القشيري في تفسيره في بعض المصاحف وليعلم باللام فهذا يقوي قراءة النصب ويؤيد الوجه الذي ذهب إليه الزمخشري
(1019)
بِمَا كَسَبَتْ لاَ فَاءَ (عَمَّ) كَبِيرَ في كَبَائِرَ فِيها ثُمَّ فِي النَّجْمِ (شَـ)ـمْلَلاَ
سقطت الفاء من فيها في المصحف المدني والشامي وثبتت في مصاحف العراق ووجه دخولها تضمين ما في قوله وما أصابكم من مصيبة معنى الشرط وهي بمعنى الذي وإذا تضمن الذي معنى الشرط جاز دخول الفاء في حيزه وجاز حذفها وأما كبائر الإثم بالجمع فظاهر وقراءة الإفراد تقدم لها نظائر فهو في اللفظ إفراد يراد به الجمع لأنه للجنس واختار أبو عبيد الجمع فإن الآثار التي تواترت كلها بذكر الكبائر لم نسمع لشيء منها بالتوحيد ومعنى شملل أسرع
(1020)
وَيُرْسِلَ فَارْفَعْ مَعْ فَيُوحِي مُسَكِّناً (أَ)تَانَا وَأَنْ كُنْتُمْ بِكَسْرٍ (شَـ)ـذَا الْعُلاَ

أي فارفع الفعلين ألا أن فيوحي لما كان لا تظهر فيه علامة الرفع ألحق ذلك قوله مسكنا وهو حال من فاعل ارفع أي ارفعه مسكنا له فهو مثل قوله ناصبا كلماته بكسر لما كان المعلوم من النصب أن علامته الفتح بين هناك أن علامته الكسر ورفع يرسل على تقدير أو هو يرسل والنصب بإضمار أن فيكون عطفا على وحيا عطف مصدر على مثله من جهة المعنى وقوله فيوحي عطف على يرسل رفعا ونصبا وانتهى الخلاف في حروف عسق-وليس فيها من ياآت الإضافة شيء وإنما فيها زائدة واحدة وهي-ومن آياته الجوار-أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير ثم تمم البيت بذكر حرف من سورة الزخرف وهو (أن كنتم قوما مسرفين) ، تقرأ أن بالفتح والكسر فالفتح ظاهر على التعليل أي لأن كنتم والكسر على لفظ الشرط قال الزمخشري هو من الشرط الذي يصدر عن المستدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته كما يقول الأجير إن كنت عملت فوفني حقي وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه استجهالا له قال الفراء تقول أسبك أن حرمتني تريد إذ حرمتني وتكسر إذا أردت إن تحرمني ومثله (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم) ، بكسر أن وبفتح ومثله (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا)و(أن لم يؤمنوا) ، والعرب تنشد قول الفرزدق (أتجزع أن أذنا قبيبة جزنا ) ، وأنشدوني (أنجزع أن بان الخليط المودع ) ، وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح وقول الناظم وإن كنتم مبتدأ وشذا العلا خبره وبكسر في موضع الحال من المبتدأ وإن كان منونا وإن كان مضافا إلى مثله فهو الخبر
(1021)
وَيَنْشَأُ فِي ضّمٍّ وَثِقْلٍ (صِحاَبُهْ) عِبَادُ بِرَفْعِ الدَّالِ فِي عِنْدَ (غَـ)ـلْغَلاَ

أي ضم الياء وشدد الشين ويلزم من ذلك فتح النون ومعنى ينشأ بالفتح والتخفيف يربي وينشأ يربي كلاهما ظاهر ولفظ بالقراءتين في-عباد الرحمن-وعند الرحمن-ونص على حركة الدال لأن اللفظ لا ينبى عنها أي عباد مرفوع الدال يقرأ في موضع عند والتعبير عن الملائكة بأنهم عباد الرحمن ظاهر وأما عبارة عند فأشار إلى شرف منزلتهم وقد جاء في القرآن التعبير عنهم بكل واحد من اللفظين-بل عباد مكرمون إن الذين عند ربك لا يستكبرون-ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته-وغلغل من قولهم تغلغل الماء في النبات إذا تخلله وقد غلغلته أنا والمعنى أن عباد تخلل معناه معنى عند فكان له كالماء للشجر لا بد للشجر منه فكذا صفة العبودية لا بد منها لكل مخلوق وإن اتصف بإطلاق ما يشعر برفع المنزلة كلفظ عند وما أشبهها
(1022)
وَسَكِّنْ وَزِدْ هَمْزاً كَوَاوٍ أَؤُشْهِدوا (أَ)مِيناً وَفِيهِ الْمَدُّ بِالْخُلْفِ (بَـ)ـلَّلاَ
أشهدوا مفعول وسكن يعني سكن الشين المفتوحة من قوله تعالى-أشهدوا خلقهم-وزد بعد همزة الاستفهام همزة مسهلة كالواو أي همزة مضمومة مسهلة بين بين كما يقرأ-أؤنبئكم-فيكون أصله أشهدوا أي حضروا ثم دخلت عليه همزة الاستفهام التي بمعنى الإنكار فهو من معنى قوله تعالى-(ما أشهدتهم خلق السموات والأرض)-الآية وعن قالون خلاف في المد بين هاتين الهمزتين وهو يمد بلا خلاف بين الهمزتين من كلمة مطلقا ومعنى بلل قلل وقراءة الباقين من شهدوا بمعنى حضروا ثم دخلت على الفعل همزة الإنكار وفي معنى هذه الآية قوله سبحانه في سورة والصافات منكرا عليهم ، (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون)
(1023)
وَقُلْ قَالَ (عَـ)ـنْ (كُـ)ـفْؤٍ وَسَقْفاً بِضَمِّهِ وَتَحْرِيكِهِ بِالضَّمِّ (ذَ)كَّرَ (أَ)نْبَلاَ

يعني-قل أو لو جئتكم-قرأه حفص وابن عامر-قال-على الخبر أي قال النذير وقراءة الباقين على حكاية ما أمر به النذير أي قلنا له إذ ذاك قل لهم هذا كلام وتقدير البيت وقل يقرأ ثم قال وسقفا بضمه أي بضم السين وتحريك القاف جمعا قال أبو علي سقف جمع سقف كرهن ورهن قال وسقف واحد يدل على الجمع ألا ترى أنه قد علم بقوله-لبيوتهم-أن لكل بيت سقفا قال أبو عبيد ولم تجد مثال فعل بجمع على فعل غير حرفين سقف وسقف ورهن ورهن ، قلت وأجمعوا على إفراد التي في النحل (فخر عليهم السقف من فوقهم) ، (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) ، وقوله ذكر أنبلا أي نبيلا أي ذكر هذا اللفظ في حال نبله أو ذكر شخصا نبيلا أي أفهمه أنه أحد الحرفين المجموعين على هذا الوزن
(1024)
وَ(حُـ)ـكْمُ (صِحَـ)ـابٍ قَصْرُ هَمْزَةِ جَاءَنَا وَأَسْوِرَةً سَكِّنْ وَبِالْقَصْرِ عُدِّلاَ
الحاء من وحكم رمز أبي عمرو وقد سبق استشكاله والتنبيه عليه في مواضع يريد-حتى إذا جاءنا قال-فقراءة القصر على أن الجائي واحد وهو الذي عشى عن ذكر الرحمن عز وجل وقراءة المد على أن الجائي اثنان هو وقرينه وهو القائل لقرينه-يا ليت بيني وبينك-الآية وأسورة جمع سوار كأخمرة في جمع خمار وأساورة جمع الجمع وأجمع أساور وهو لغة في السور وهو موافق لقوله- يحلون فيها من أساور-فهو بالهاء وبغير الهاء واحد والله أعلم
(1025)
وَفِي سَلَفاً ضَمًّا (شَـ)ـرِيفٍ وَصَادُهُ يَصُدُّونَ كَسْرُ الضَّمِّ (فِـ)ـى (حَـ)ـقِّ (نَـ)ـهْشَلاَ

أي ضما قاريء شريف يريد ضم السنن واللام قالوا هو جمع سليف كرغف في جمع رغيف وبفتح السين واللام جمع سالف كخدم في جمع خادم وكلاهما بمعنى واحد وقال أبو علي سلف جمع سلف مثل أسد وأسد ووثن ووثن وسلف اسم من أسماء الجمع كخدم وطلب وحرس وكذلك المثل يراد به الجمع فمن ثم عطف على سلف في قوله-فجعلناهم سلفا مثلا-واختار أبو عبيد قراءة الفتح وقال هي التي لا تكاد العامة تعرف غيرها لأن الآثار التي نقلتها الفقهاء إلينا إنما بقفا فيها كلها السلف كذلك ذكرهم معاد ويبدأ ولم يسمع فى شيء منها السلف وقوله وصاد يصدون قال الشيخ الهاء في وصاده إضمار على شربطة التفسير قلت يكون قوله يصدون بدلا من الضمير كما تقول ضرب زيدا ومررت به زيد ويجوز أن يكون على التقديم وللتأخير أي ويصدون صاده كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى-ومن وراء إسحاق يعقوب-على قراءة من رفع يعقوب أن التقدير ويعقوب من وراء إسحاق وقوله كسر إما مبتدأ ثان أو بدل اشتمال والعائد على يصدون محذوف أي كسر الضم منه أو كسر ضمه على قيام الألف واللام مقام الضمير نحو-مفتحة لهم الأبواب أي أبوابها وقد سبق معنى في حق نهشلا في سورة النساء وكسر الصاد وضمها في يصدون هنا لغتان مثل الخلاف في كاف يعكفون وراء يعرشون وهو من الصديد الذي هو الجلبة والصياح والضجيج وقيل الضم من الصدود الذي هو الإعراض قال أبو علي لو كانت من هذا لكان إذا قومك عنه يصدون ولم يكن منه وجوابه أن المعنى من أجل هذا المثل صدوا عن الحق وأعرضوا عنه وقرأت بخط ابن مجاهد في معاني القرآن يصدون منه وعنه سواء وقال الفراء العرب تقول يصد ويصد مثل يشد ويشد وينم وينم لغتان
(1026)
ءَآلِهةٌ كُوفٍ يُحَقِّقُ ثَانِياً وَقُلْ أَلِفاً لِلْكُلِّ ثَالِثاً ابْدِلاَ

يريد آلهتنا خير أم هو-فيها ثلاث همزات ثنتان مفتوحتان والثالثة ساكنة فأجمع على إبدالها ألفا لسكونها وفتح ما قبلها واختلف في الثانية فحققها الكوفيون على أصلهم في باب الهمزتين من كلمة وسهلها الباقون بين بين على أصولهم في قراءة-آمنتم-وحفص يسقط الأولى من-آمنتم-وأثبتها هنا والكلام في التحقيق والتسهيل والإبدال وعدم المد بين الهمزتين كما سبق في مسئلة-ءآمنتم-في الأصول وقوله ءآلهة مبتدأ وكوف خبره أي قراءة كوف ثم بينها بقوله يحقق ثانيا أي ثاني حروفه وإنما قال ذلك لأنه يمكن اتزان البيت بقراءة آلهة على لفظ التسهيل وهذا مما استدل به على أن الهمزة المسهلة برنة المحققة ويجوز أن يكون كوف مبتدأ ثانيا وما بعده خبره والجملة خبر الأول وقوله ألفا ثاني مفعولي أبدل والمفعول الأول هو مرفوع أبدل العائد على ءآلهة وثالثا نصب على التمييز من ذلك الضمير على قول من أجاز تقديم التمييز على عاملة أي أبدل هذا اللفظ ثالثا أي ثالث حروفه أبدل ألفا فيكون تقدير هذا النظم أبدل ثالثا ألفا كما لو قلت ريد كسى رأسا قلنسوة ولو قال ثالثه أبدلا لكان أظهر ووصل همزة القطع جائز للضرورة وفي عبارة الناظم نقل حركة همزة أبدل إلى التنوين فانضم وانحذف الهمزة كما يقرأ ورش-غرووا-أولئك مأواهم-وقد سبق شرح مثل هذا البيت في باب الهمزتين من كلمة
(1027)
وَفِي تَشْتَهِيهِ تَشْتَهِي (حَقُّ صُحْبَةٍ) وَفِي تُرْجَعُونَ الْغَيْبُ (شَـ)ـايَعَ (دُ)خْلُلاَ
اختلف المصاحف الأئمة في هذه الكلمة فكتبت الهاء في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها ووجه القراءتين ظاهر لأن الجملة صلة ما وحذف العائد من الصلة إلى الموصول جائز والغيب في قوله-وعنده علم الساعة وإليه ترجعون-شايع دخللا قبله وهو-فذرهم يخوضوا-والخطاب على الالتفات واختار أبو عبيد الغيب
(1028)

وَفِي قِيلَهُ اكْسِرْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ بَعْدُ (فِـ)ـي (نَـ)ـصِيرٍ وَخَاطِبْ تَعْلَمُونَ (كَـ)ـمَا (ا)نْجَلاَ
هكذا وقع في الرواية في جميع النسخ وفي-قيله-اكسر اللام وهو سهو والصواب على ما مهده في خطبته أن تكون اخفض لأنها حركة إعراب ثم قال واكسر الضم يعني في الهاء وهذا على بابه لأنه حركة بناء وإنما قال في الثانية اكسر الضم وقال في الأولى اكسر ولم يقل اكسر الفتح لأن الفتح ضد الكسر فكفى الإطلاق والضم ليس ضدا للكسر فاحتاج إلى بيان القراءة الأخرى وقوله بعد أي بعد ذلك الكسر وقوله في نصير في موضع الحال أي كائنا في رهط نصير أي في جملة قوم ينتصرون لتوجيه القراءتين فوجه الجر العطف على لفظ الساعة في قوله-وعنده علم الساعة-و-قيله-أي وعلم قيله وقيل الواو في وقيله للقسم وجوابه-إن هؤلاء-وأما النصب فعطف على موضع الساعة فإنه في موضع نصب أي يعلم الساعة ويعلم قيله وقيل عطف على-سرهم ونجواهم-وقيل هو نصب على المصدر أي وقال قيله أي شكا شكواه والقيل والقول واحد ومنه قول كعب بن زهير ، (يسعى الوشاة جنابتها وقيلهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول) ، ذكر الوجهين الأخيرين الأخفش والفراء وذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو علي وسبقه إليها الزجاج واختار العطف على موضع الساعة وصدق لأن الجر عطف على لفظها فيتحد معنى القراءتين وذكر النحاس وجهين آخرين أن يكون عطفا على مفعول محذوف أي ورسلنا يكتبون ذلك وقيله أو وهم يعلمون الحق وقيله واختار أبو عبيد قراءة النصب قال لكثرة من قرأ بها ولصحة معناها إنما هي في التفسير-أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم-ونسمع-قيله يا رب-وقال النحاس القراءة البينة بالنصب من جهتين إحداهما أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما وإن تباعد ذلك لانفصال العامل والمعمول فيه مع المنصوب وذلك في المخفوض إذا فرقت بينهما قبيح والجهة الأخرى أن أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب قال والهاء في قيله تعود

إلى النبي محمد أو إلى عيسى بن مريم عليهما السلام ، قلت وإذا كان المعنى يصح على عطف وقيله المنصوب على مفعول-وهم يعلمون-المحذوف أي إلا من شهد بالحق وهم يعلمونه ويعلمون قيله فيجوز أن يقال إن القراءتين عطف على بالحق النصب على الموضع والجر على اللفظ والذي شهد بالحق ذكر في التفسير أنهم الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام وقال الزمخشري بعد حكايته للوجوه الثلاثة المتقدمة والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر اللفظ وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه ، قلت أما على قراءة الجر فواضح جوازه وقد تقدم ذكرنا له وأما على قراءة النصب فغلط لأن حرف القسم موجود وهو الواو فلا نصب مع وجودها والله أعلم ، ثم قال وخاطب-تعلمون-يعني الذي هو آخر السورة ووجه الخطاب فيه والغيب ظاهر وقد سبقت نظائرهما والله أعلم
(1029)
بِتَحْتِي عِبَادِي الْيَا وَيَغْلِي (دَ)ناَ (عُـ)ـلاً وَرَبُّ السَّموَاتِ اخْفِضُوا الرَّفْعَ (ثُـ)ـمَّلاَ

أي هاتين الكلمتين في سورة الزخرف الياء يعني ياء الإضافة المختلف في فتحها وإسكانها الأولى-من تحتي أفلا تبصرون-فتحها نافع والبري وأبو عمرو والثانية-يا عبادي لا خوف عليكم-فتحها في الوصل أبو بكر وسكنها في الحالين نافع وأبو عمرو وابن عامر وحذفها الباقون في الحلين وفيها زائدة واحدة واتبعون هذا صراط أثبتها في الوصل أبو عمره وحده ثم ذكر الخلاف في آخر سورة الدخان فقال ويغلي يعني كالمهل تغلي في البطون قرأه بالتذكير ابن كثير وحفص أي يغلي الطعام والباقون بالتأنيث أي تغلي الشجرة وعلا حال أو تمييز أي دنا ذا علاء أو دنا علاه والخفض في-رب السموات-في أول السورة على البدل من قوله-رحمة من ربك-والرفع على الابتداء وخبره-لا إله إلا هو-أو يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات وثملا حال من فاعل اخفضوا أي مصلحين وقد تقدم
(1030)
وَضَمَّ اعْتِلُوهُ اكْسِرْ (غِـ)ـنىً إِنَّكَ افْتَحُوا (رَ)بِيعاً وَقُلْ إِنِّي وَلِي الْيَاءُ حُمِّلاَ
أي ذا غنى والضم والكسر في تا-فاعتلوه-لغتان وهو القود بعنف والفتح في-ذق إنك-أي لأنك أنت والكسر ظاهر وهما على وجه التهكم والاستهزاء وربيعا حال أي ذوي ربيع أو ذا ربيع على أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول والربيع النهر الصغير فحسن من جهة اللفظ قوله افتحوا ربيعا والألف في آخر حملا ضمير يرجع إلى إني ولي والياء بالنصب مفعول ثان لجملا أي أتت ياء الإضافة المختلف فيها فيهما أراد-إني آتيكم بسلطان-فتحها الحرميان وأبو عمرو-وإن لم تؤمنوا لي-فتحها ورش وحده وفيها زائدتان-أن ترجمون-وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون-أثبتهما في الوصل ورش وحده وقلت فيهما مع-الجوار-في الشورى-واتبعوني-في الزخرف ، (وواتبعوني والجوار وترجمون فاعتزلون زائدات لدى العلا)
سورة الجاثية و الأحقاف
(1031)
مَعاً رَفْعُ آيَاتٍ عَلَى كَسْرِهِ (شَـ)ـفاَ وَإِنَّ وَفِي أَضْمِرْ بِتَوْكِيدٍ أَوَّلاَ

يعني-آيات لقوم يوقنون-آيات لقوم يعقلون-قرءا بالرفع والنصب وعلامة النصب الكسر ولا خلاف في الأول وهو-إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين-أنه منصوب بالكسر لأنه اسم إن وأما-آيات لقوم يوقنون-فرفعها ونصبها أيضا ظاهران كقولك إن في الدار زيد وفي السوق عمرو وعمرا فهذا جائز باتفاق فالنصب على تقدير وإن في السوق عمرا فحرف إن مقدر قبل في والرفع عطف على موضع اسم إن أو على استئناف جملة ابتدائية أو يكون عمرو فاعل في السوق على رأى من يجوز ذلك فكذا قوله تعالى-وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات-وذلك لظهور حرف في من قوله-وفي خلقكم-وأما قوله تعالى-(واختلاف الليل والنهار)-فلم يأت فيه حرف إن ولا حرف في فهنا اختلف النحاة فقيل إن الواو نائبة عنهما وإن اختلف عملهما لفظا ومعنى وهذا هو الذي يسمى عندهم العطف على عاملين أي على عمل عاملين أو معمولي عاملين نحو إن في الدار زيدا والحجرة عمرا أي وإن في الحجرة عمرا أي وإن في اختلاف الليل والنهار آيات وعلى قراءة الرفع تكون الواو نائبة عن حرف في أي وفي اختلاف الليل والنهار آيات عطفا على قوله-وفي خلقكم آيات-فمنهم من يقول هو على هذه القراءة أيضا عطف على عاملين وهما حرف في والابتداء المقتضي للرفع ومنهم من لا يطلق هذه العبارة في هذه القراءة لأن الابتداء ليس بعامل لفظي وقد استدل أبو الحسن الأخفش بهذه الآية على جواز العطف على عاملين وصوبه أبو العباس في استدلاله بهذه دون غيرها وقال أبو بكر بن السراج العطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموع من العرب ثم حمل ما في هذه الآية على التكرار للتأكيد قال أبو الحسن الرماني هو كقولك إن في الدار زيدا والبيت زيدا فهذا جائز بالإجماع لأنه بمنزلة إن زيدا في الدار والبيت فهما قال فتدبر هذا الوجه الذي ذكره ابن السراج فإنه حسن جدا لا يجوز حمل كتاب الله تعالى إلا عليه وقد يثبت القراءة بالكسر ولا عيب في القرآن على وجه وللعطف على عاملين عند من

أجازه عيب ومن لم يجزه فقد تناهى في العيب فلا يجوز حمل هذه الآية إلا على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره ، قلت ولا ضرر فيما ذهب إليه من ذهب من العطف على عاملين وسنتكلم إن شاء الله تعالى عليه في شرح النظم من النحو ونبين وجهه من القياس وقد استدل على ذلك بأبيات تكلف المانعون له تأويلها قال الزجاج ومثله في الشعر ، (أكل امريء تحسبين امرءا ونار توقد بالليل نارا) ، أهل قال عطف على ما عملت فيه كل وما عملت فيه تحسبين وأنشد أبو علي الفرزدق ، (وباشر راعيها العلا بلسانه وجنبيه حر النار ما يتحرف) ، قال فهذا عطف على الفعل والهاء وأنشد أيضا ، (أوصيت من سره قلبا حرا بالكلب خيرا والحماة شرا) واختار أبو عبيد قراءة الكسر اعتبارا بقراءة أبي بن كعب لآيات في المواضع كلها قال لأنها دالة على أن الكلام نسق على الحرف الأول ، وقول الناظم وإن وفي أضمر قال الشيخ قال رحمه الله لم أرد بقولي اضمر الاضمار الذي هو كالمعطوف به وإنما أردت أن حرف العطف ناب في قوله-وفي خلقكم-عن أن وفي قوله واختلاف عن أن وفي وإذا كانت الآيات توكيدا خرج عن العطف على عاملين الذي يأباه أكثر البصريين وخرج عن إضمار حرف الجر الذي هو قليل في الكلام ، قلت فهذا معنى قوله بعد ذلك بتوكيد أولا وكأنه جمع بين القولين فإن من يرى العطف على عاملين أضمر أن وفي بخلاف من أكد وقال الزمخشري هو من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت هما أن وفي أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في-واختلاف-والنصب في-آيات-إذا رفعت فالعاملان الابتداء وفي وهو على مذهب الأخفش سديد لا مقال فيه وقد أباه سيبويه فهو على مذهبه على إضمار في والذي حسنه تقدم ذكره في الآيتين قبلها أو ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفا على ما قبله أو على التكرير ورفعها بإضمار هي ، قلت التكرير هو التوكيد الذي ذكره ابن السراج وإضمار في هو قول أبي علي في الحجة وقد

بسطه وتكلف بيانه وحاصله أنه أعمل حرف الجر مضمرا وذلك قليل في كلامهم مستضعف وليس القول بالعطف على عاملين بأضعف من هذا وأما النصب على الاختصاص والرفع بإضمار هي فوجه آخر زاده من تصرفه وتقدير الكلام على العطف على عاملين-إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين-وإن في خلقكم آيات وإن في اختلاف الليل والنهار آيات وعلى قول التأكيد إن في السموات والأرض وفي خلقكم واختلاف الليل لآيات آيات آيات وتفرقت كما تفرق بين الفواصل-فبأي آلاء ربكما تكذبان-ويل يومئذ للمكذبين-ءإله مع الله-إن في ذلك لآيات-في سورة الروم أي إن في كل واحد من هذه المذكورات آيات وتارة تقصد الجملة كما في آل عمران-إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات-وفي البقرة زاد على ذلك-والفلك التي تجري في البحر-إلى قوله-لآيات لقوم يعقلون-والتقدير في قراءة الرفع على قول التأكيد وفي خلقكم وما يبث من دابة واختلاف الليل إلى آخره آيات آيات
(1032)
لِنَجْزِي يَا نَصٍّ (سَمَا) وَغِشَاوَةً بِهِ الْفَتْحُ وَاْلإِسْكَانُ وَالْقَصْرُ (شُـ)ـمِّلاَ
أي ذو ياء نص سما أي منصوص على الباء نصا رفيعا لأن الضمير في الفعل يرجع إلى اسم الله تعالى قبله من قوله-أيام الله-وقراءة الباقين بنون العظمة وغشوة وغشاوة واحد وهو ما يغطي العين عن الأبصار وفيها لغات أخر ولم يختلفوا في التي في البقرة أنها غشاوة وقول الناظم غشاوة مبتدأ وحكى لفظ القرآن فأتى به منصوبا وشملا به خبر أي شمل بهذا اللفظ الفتح في الغين والإسكان في الشين والقصر وهو حذف الألف وفي شرح الشيخ في شمل ضمير يرجع إلى غشاوة ولو أراد ذلك لم يحتج إلى قوله به والله أعلم
(1033)
وَوَالسَّاعَةَ ارْفَعْ غَيْرَ حَمْزَةَ حُسْناً الْمُحَسِّنُ إِحْسَاناً لِكُوفٍ تَحَوَّلاَ

إعراب غير حمزة كما سبق في قوله فأطلع ادفع غير حفص يريد-والساعة لا ريب فيها-نصبها عطف على لفظ-إن وعد الله حق-ورفعها عطف على موضع اسم إن أو على الابتداء قال أبو الحسن الأخفش الرفع أجود في المعنى وأكثر في كلام العرب إذا جاء بعد خبر إن اسم معطوف أو صفة أن يرفع قال أبو علي يقوى ما ذهب إليه أبو الحسن قوله-إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين-لم تقرأ العاقبة فيما علمت إلا مرفوعة ، قلت والأولى في تقدير قراءة الرفع العطف على موضع اسم إن ليتحد معنى القراءتين ويكون قوله لا ريب فيها جملة مستقلة فهي على وزان الآية التي في سورة الحج-وإن الساعة آتية لا ريب فيها-والمعنى وإذا قيل إن وعد الله حق وإن الساعة حق وذلك على وفق ما في الصحيحين من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام يتهجد أنت الحق ووعدك حق والساعة حق ، وأما-ووصينا الإنسان بوالديه حسنا-فهذه قراءة الجماعة كالتي في العنكبوت سواء وقراءة الكوفيين هنا-إحسانا-اعتبارا بالتي في سورة البقرة والأنعام وسبحان وذكر أبو عبيد أنها في المصاحف مختلفة أيضا فكل قرأ بما في مصحفه ومعنى إحسانا أي تحسن إليهما إحسانا ومعنى حسنا أي وصية ذات حسن أي تفعل بهما فعلا ذا حسن ولم يقرأ هنا بفتح الحاء والسين كما قرأ في البقرة-وقولوا للناس حسنا-إلا في قراءة شاذة ووجهها ظاهر أي يفعل بهما فعلا حسنا وقول الناظم تحولا هو خبر حسنا أي تحولا حسنا إحسانا في قراءة الكوفيين وقوله المحسن كلمة حشو لا تعلق لها بالقراء لا رمزا ولا تقييدا وهي صفة حسنا أي المحسن شرعا وعقلا وإنه ليوهم أنه رمز لنافع وتكون قراءة غيره وغير الكوفيين حسنا بفتح الحاء والسين كما قرأ به في البقرة وترك قيدها لظهورها فليس بأبعد من قوله في سورة طه-وأنجيتكم-واعدتكم-ولو أنه قال حسنا الذي بعد إحسانا لم يوهم شيئا من ذلك لأنه كالتقييد للحرف
(1034)

وَغَيْرُ (صِحَابٍ) أَحْسَنَ ارْفَعْ وَقَبْلَهُ وَبَعْدُ بِياَء ضُمَّ فِعْلاَنِ وُصِّلاَ
أي وقراءة غير صحاب أحسن ثم بينها بقوله ارفع أي بالرفع وقال الشيخ التقدير أحسن ارفع لهم قال ويجوز نصب غير على إسقاط الخافض وتقديرا حسن ارفع لغير صحاب ، فإن قلت لو أراد ذلك لقال لغير صحاب ، قلت إنما عدل إلى الواو لأنها تفصل بين المسألتين يريد-أحسن ما عملوا-وقبل أحسن وبعده فعلان وصلا بياء ضمت هذا تقدير النظم ومعناه أن الجماعة قرءوا يتقبل ويتجاوز على بناء الفعلين لما لم يسم فاعله فأولهما ياء مضمومة وأحسن مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وقراءة صحاب بنون العظمة المفتوحة على بناء الفعلين للفاعل وأحسن منصوب لأنه مفعول يتقبل الذي قبله ومفعول يتجاوز قوله عن سيئاتهم
(1035)
وَقَلْ عَنْ هِشاَمٍ أَدْغَمُوا تَعِدَانِنِي نُوَفيَهُمْ بِالْيَا (لَـ)ـهُ (حَقُّ نَـ)ـهْشَلاَ
القراءة بنونين مكسورتين هو الأصل لأن الأولى علامة رفع الفعل بعد ضمير التثنية مثل تضربان والثانية نون الوقاية وهشام أدغم الأولى في الثانية كما أدغم في-أتحاجوني-لوجود المثلين ورويت أيضا عن ابن ذكوان مع أنهما قرءا في الزمر تأمرونني بنونين فأظهرا ما أدغم غيرهما وكثير من المصنفين لم يذكروا هذا الإدغام في-أتعدانني-ولم يقرأ أحد بحذف إحدى النونين كما في-تأمرونني-و-تحاجوني-وحكى الأهوازي رواية أخرى بفتح النون الأولى وهي غلط فلهذا يقال في ضبط قراءة الجماعة بنونين مكسورتين وأما-ليوفيهم أعمالهم-فقراءته بالياء والنون ظاهرة وقد سبق معنى نهشلا
(1036)
وَقُلْ لاَ تَرَى بِالْغَيْبِ وَاضْمُمْ وَبَعْدَهُ مَسَاكِنَهُمْ بِالرَّفْعِ (فَـ)ـاشِيهِ (نُـ)ـوِّلاَ

قوله بالغيب أي بسورة الغيب وإنما هو من باب التذكير لأجل الاستثناء المفرغ نحو ما يقوم إلا هند ولا يجوز في هذا التأنيث إلا في شذوذ وضرورة وإنما ذكر لفظ الغيب دون التذكير لأن القراءة الأخرى بالخطاب لا بالتأنيث ولهذا فتحت التاء أي لا نرى أيها المخاطب لا مساكنهم بالنصب لأنه مفعول ترى المبني للفاعل ومن قرأ يرى بضم الياء رفع مساكنهم لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ثم ذكر ياءات الإضافة فقال
(1037)
وَيَاءُ وَلكِنِّي وَيَا تَعِدَانِنِي وَإِنِّي وَأَوْزِعْنِي بِهاَ خُلْفُ مَنْ بَلاَ
أي بهذه الأربعة خلاف القراء في الفتح والإسكان أراد-ولكني أراكم-فتحها نافع وأبو عمرو والبزي-أتعدانني إن أخرج-فتحها الحرميان-إني أخاف عليكم-فتحها الحرميان وأبو عمرو-أوزعني أن أشكر-فتحها ورش والبزي
ومن سورة محمد ( إلى سورة الرحمن (
(1038)
وَبِالضَّمِّ وَاقْصُرْ وَاكْسِرِ التَّاءَ قَاتَلُوا (عَـ)ـلَى (حُـ)ـجَّةٍ وَالْقَصْرُ فِي آسِنٍ (دَ)لاَ
يريد-والذين قاتلوا في سبيل الله-قرأها حفص وأبو عمرو-قتلوا-وكلاهما ظاهر فصفة المجموع أنهم قاتلوا وقتلوا أي قتل منهم والماء الآسن هو المتغير فمن قصر فهو من أسن بكسر السين يأسن يفتحها فهو أسن كحذر ومن مد فهو من أسن بفتح السين يأسن بكسر السين وضمها فهو آسن على وزن فاعل كضارب وقاتل وكل ذلك لغات وقد سبق معنى دلا
(1039)
وَفِي آنِفاً خُلْفٌ (هَـ)ـدى وَبِضَمِّهِمْ وَكَسْرٍ وَتَحْرِيكٍ وَأُمْلِيَ (حُـ)ـصِّلاَ

أي والقصر في آنفاذ وخلف عن البري يريد قوله تعالى-ماذا قال آنفا-أي الساعة قال أبو علي يجوز أن يكون توهمه مثل حاذر وحذر وفاكه وفكه والوجه المد وأما-وأملي لهم-على بناء الفعل للفاعل فالضمير فيه لله تعالى كما قال تعالى-إنما نملي لهم ليزدادوا إثما-وقيل يجوز أن يعود على ما قبله مجازا أي الشيطان سول لهم وأملي وقراءة أبي عمرو على بناء الفعل لما لم يسم فاعله وهو يحتمل الأمرين فضم الهمز وكسر اللام وحرك الياء بالفتح فقوله وبضمهم وما بعده متعلق بقوله حصلا وأملي مبتدءا وحصلا خبره أي حصل بالضم والكسر والتحريك والله أعلم
(1040)
وَأَسْرَارَهُمْ فَاكْسِرْ (صِحَاباً) وَنَبْلُوَنْنَكُمْ نَعْلَمُ الْيَا (صِـ)ـفْ وَنَبْلُوَ وَاقْبَلاَ
صحابا حال من فاعل اكسرا ومفعوله أي ذا صحاب ويجوز أن يكون على تقدير اكسروا صحابا فهو أمر لمفرد لفظا وهو لجماعة تقديرا وهذا كما سبق في قوله ، (زد الهمز ثملا وخاطب يستطيعون عملا ) ، وأسرار بفتح الهمزة جمع سر وبالكسر مصدر أسر وأما الياء والنون في هذه الكلمات الثلاث هي-وليبلونكم حتى يعلم-ويبلو-فالنون للعظمة والياء لأن قبله-والله يعلم أعمالكم-وأراد الناظم ويبلونكم ويعلم ويبلو الياء صف فيها فقدم وأخر للضرورة أو يكون أراد ويبلو كذلك أي بالياء وأراد وأقبلن فأبدل من نون التأكيد ألفا أي صف وأقبل وفرغ الكلام في سورة القتال
(1041)
وَفِي يُؤْمِنُوا (حَقٌّ) وَبَعْدُ ثَلاثَةٌ وَفي ياَءٍ يُؤْتيِهِ (غَـ)ـدِيرَ تَسَلْسَلاَ
يريد-لتؤمنوا بالله ورسوله-وبعدها ثلاثة ألفاظ أيضا وهي-وتعزروه وتوقروه وتسبحوه-قرأ الأربعة بالغيب حق أي ليؤمن المرسل إليهم ويفعلوا كيت وكيت وقرأ الباقون بالخطاب وهو ظاهر وأما-فسنؤتيه أجرا عظيما-فالياء فيه والنون كما سبق في-ولنبلونكم-وقوله غدير تسلسلا عبارة حسنة حلوة وأشار إلى كثرة أمثال ذلك وقد تقدم والله أعلم
(1042)

وَبِالضَّمِّ ضُراًّ (شَـ)ـاعَ وَالْكَسْرُ عَنْهُماَ بِلاَمِ كلاَمَ اللهِ وَالْقَصْرُ وُكِّلاَ
يريد-إن أراد بكم ضرا-قال أبو علي الضر بالفتح خلاف النفع وفي التنزيل-(ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا)-والضر بالضم سوء الحال وفي التنزيل-فكشفنا ما به من ضر-والأبين في هذا الفتح عندي ويجوز أن يكونا لغتين في معنى كالفقر والفقر والضعف والضعف وقوله عنهما أي عن حمزة والكسائي المدلول عليهما بالشين شاع وكلام إذا كسرت لامه وقصر أي حذفت ألفه صار كلم وهو بمعنى كلام كقوله-يحرفون الكلم عن من مواضعه-والأكثر في المضاف إلى الله استعمال الكلام نحو- برسالاتي وبكلامي-حتى يسمع كلام الله-وقوله والقصر عطف على والكسر وقوله وكلا خبر عنهما فالألف فيه ضمير التثنية أي وكل الكسر والقصر بلام كلام فكسرت ولم تمد الفتحة فيها فقصرت كما قال وفي يتناجون اقصر النون مكانات مد النون
(1043)
بِمَا يَعْمَلُونَ (حَـ)ـجَّ حَرَّكَ شَطْأَهُ (دُ)عَا (مَـ)ـاجِدٍ فَآزَرَهُ (مُـ)ـلاَ
يريد-بما يعملون بصيرا- ، هم الذين كفروا-قرأه أبو عمرو وحده بالغيب والباقون بالخطاب ولا خلاف في الذي-بما تعملون خبير-بل ظننتم أنه بتاء الخطاب والخلاف في الحرفين في الأحزاب وشطأه بسكون الطاء وفتحها لغتان وهو فراخ الزرع وآزره وأزره بالمد والقصر أي قواه وأعانه وقيل المد بمعنى ساواه أي ساواه الشطء والزرع وعلى الأول يجوز أن تكون الهاء في فآزره للشطأ أو للزرع لأن كل واحد منهما مقو للآخر ، وملا جمع ملاء وهو الملحفة وقد سبق ذكرها في مواضع وهي هنا حسنة المعنى على تقدير ذا ملأ لأن تقويت طافات للزرع والتفافها يشبه الاشتمال بالملا والله أعلم ، وانتهى إلى هنا ذكر الخلاف في سورة الفتح ثم ذكر ما في الحجرات وما بعدها فقال
(1044)
وَفِي يَعْمَلُونَ (دُ)مْ يَقُولُ بِياَءِ (إ)ذْ (صَـ)ـفَا وَاكْسِرُوا أَدْبَارَ (إ)ذ (فَـ)ـازَ (دُ)خْلُلاَ

يريد آخر الحجرات-والله بصير بما تعملون-قرأه ابن كثير وحده بالغيب والباقون بالخطاب وكلاهما ظاهر وأما-يوم يقول لجهنم-فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر وأما- أدبار السجود-فهو بالكسر مصدر أدبر وبالفتح جمع دبر أي وقت أدبار السجود وإنما قال في الكسر فاز دخلل لموافقته الذي في آخر الطور فهو مجمع على كسره
(1045)
وَبِالْيَا يُنَادِى قِفْ (دَ)لِيلاَ بِخُلْفِهِ وَقُلْ مِثْلُ مَا بِالرَّفْعِ (شَـ)ـمَّمَ (صَـ)نْدَلاَ

يريد-واستمع يوم ينادي المناد-ياء ينادي محذوفة في الرسم لأنها محذوفة في الوصل لالتقاء الساكنين فإذا وقف عليها فكلهم يحذفها اتباعا للوصل والرسم وابن كثير أثبتها في أحد الوجهين عنه على الأصل وليست هذه معدودة من الياءات الزوائد وإن كانت محذوفة في الرسم لأن تلك شرطها أن يكون مختلفا في إثباتها وصلا ووقفا وهذه وإن اختلف في إثباتها وقفا فلم يختلف في حذفها وصلا وإنما عد من الزوائد-فما أتاني الله-فبشر عباد الذين-لأن من فتحهما أثبتهما وصلا وهي ياء إضافة قابلة للفتح وهذه ياء ينادي لام الفعل فهي ساكنة في حال الرفع ولكن في قاف ثلاثة زوائد المناد بعد ينادي أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير-فحق وعيد-من يخاف وعيد-أثبتهما في الوصل ورش وحده وأما-(مثل ما أنكم تنطقون)-في سورة والذاريات فشمم صندلا أي شمم قارئه وسامعه طيبا لظهور الوجه فيه لأنه صفة لحق أي إنه لحق مثل نطقكم وما زائدة ووجه الفتح أنه في موضع رفع ولكنه فتح فتحة بناء لإضافته إلى غير متمكن كقوله ، (وتداعا منخراه بدم مثل ما أثمر حماض الخيل) ، هكذا أنشده أبو عثمان وأبو عمرو بالفتح وهو نعت مجرور ومنه قوله ، (لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت ) ، بفتح غير فهو فاعل يمنع وقيل هو نعت مصدر محذوف أي لحق حقا مثل ما وقيل حال من الضمير في لحق لأنه مصدر وصف به وأجاز الجرمي أن بكون حالا من لحق نفسه وإن كان بكسرة وأجاز هذا رجل مقبلا أي لحق كأنها مثل نطقكم وقال أبو عبيد وقال بعض العرب يجعل مثل نصبا أبدا ، فيقولون هذا رجل مثلك وقال الفراء العرب تنصبها إذا رفع بها الاسم يعني المبتدأ فيقولون مثل من عبد الله ويقولون عبد الله مثلك وأنت مثله لأن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا لقيت الكاف قلت وهذه لغة غريبة وفيها نظر
(1046)
وَفي الصَّعْقَةِ اقْصُرْ مُسْكِنَ الْعَيْنِ (رَ)اوِياَ وَقَوْمَ بِخَفْضِ الْمِيمِ (شَـ)ـرَّفَ (حُـ)ـمَّلاَ

هذا تقييد لما لفظ به فالقصر حذف الألف من الصاعقة وفي قوله مسكن العين نظر وصوابه مسكن الكسر فإن الإسكان المطلق ضده الفتح على ما تقرر في الخطبة وغيرها فما وقع ذلك إلا سهوا عما التزمه باصطلاحه فإن قيل الصعقة لا كسر فيها فكيف يقول مسكن الكسر قلت وكذلك لا بد فيها فكيف قال اقصر إنما ذلك باعتبار القراءة الأخرى أي أسكن في موضع الكسر ولم يتعرض الشيخ لهذا في شرحه أولا ثم في آخر عمره زاد في شرحه نكتا في مواضع هذا منها فقال قوله مسكن العين أراد به عين الفعل كما قال لا عين راجع وهذا زيادة إغراب في البيت وغير مخلص من الإشكال والصاعقة اسم النازلة والصعقة مصدر صعقتهم فقوله فأخذتهم الصعقة كما قال-فأخذتهم الصيحة-قال أبو علي قيل إن الصعقة مثل الزجرة وهو الصوت الذي يكون عن الصاعقة قوله وقوم يريد وقوم نوح بالخفض عطف على وفي موسى-وقوله-وفي موسى-عطف على-وتركنا فيها آية-أي وفي موسى وفي عاد وفي ثمود وقوم نوح آيات والنصب على وأهلكنا قوم نوح أو واذكر قوم نوح وانقضى النظم لما في الذاريات ثم شرع في حروف والطور فقال
(1047)
وَبَصْرٍ وَأَتْبَعاَ بِوَاتَّبَعَتْ وَمَا أَلَتْنَا اكْسِرُوا (دِ)نْياً وَإِنَّ افْتَحُوا (ا)لْجَلاَ

أي قرأ أبو عمرو-والذين آمنوا واتبعناهم-موضع قراءة غيره-واتبعتهم-وكلاهما واضح وقد مضى ذكر الخلاف في ذرياتهم الذي بعد اتبعناهم والذي بعد-ألحقنا بهم- في سورة الأعراف وأما-وما ألتناهم-فكسر اللام ابن كثير وحده وفتحها غيره وهما لغتان وفيها لغات أخر ذكرها الشيخ في شرحه والكل بمعنى النقصان وقوله دنيا من قولهم هو ابن عمي دنيا ودنيا وإذا كسرت الدال نونت وإذا ضممتها لم تنون أي قريبا يشير إلى أنه قريب من الحرف المذكور قبله وهو-واتبعناهم-وقال الشيخ يعني إن ألتنا بالكسر قريب من ألتنا بالفتح كابني العم ثم قال وأن افتحوا الجلا بفتح الجيم وقصر الممدود أي ذا الجلا يعني الجلى ورضى في أول البيت الآتي متصل به معنى ورمزا فهو في موضع نصب على التمييز أي الجلى رضاه ويجمعهم أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رضى وموضع الخلاف هو قوله-إنه هو البر الرحيم-وهو مشكل فإن قبله موضعين لا خلاف في كسرهما وهما-إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين-إنا كنا من قبل ندعوه إنه-ولا يليق الفتح لا بقوله-إنه هو البر-على تقدير لأنه أو ندعوه بأنه أي نصفه بهاتين الصفتين فالذي فتحه نافع والكسائي وكسره الباقون على الابتداء فلهذا قال الجلا رضاه أي الواضح أمره بجواز ذلك فيه وكأنه قيده بذلك والله أعلم
(1048)
رِضاً يَصْعَقُونَ اضُمُمْهُ (كَـ)ـمْ (نَـ)ـصَّ وَالْمُسَيْطِرُونَ (لِـ)ـساَنٌ (عَـ)ـابَ بِالْخُلْفِ (زُ)مَّلاَ

أي اضمم ياءه فيبقى فعلا لم يسم فاعله من أصعقهم فيكون مثل يكرمون وقيل يقال صعقهم فيكون مثل يضربون ومن فتح الياء فهو مضارع صعق اللازم لقوله تعالى-فصعق من في السموات-وكلتا الآيتين إشارة إلى صعقة تقع يوم القيامة شهد ذلك ما في صحيح البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإن الناس يوم القيامة يصعقون وقد بينا ذلك في مسألة مفردة مذكورة في الكراسة الجامعة وقوله كم نص أي كم قاريء نص عليه أو كم مرة وقع من قارئه وناقله وقوله لسان أي لغة والزمل الضعيف أي قرأه بالسين هشام وقنبل وحفص بخلاف عنه ثم بين قراءة غيرهم فقال
(1049)
وَصَاد كَزَايٍ (قَـ)ـامَ بِالْخُلْفِ (ضَـ)ـبْعُهُ وَكَذَّبَ يَرْوِيهِ هِشَامٌ مُثَقَّلاَ

أي قرأه الباقون بالصاد وأشم الصاد زايا خلف وخلاد بخلاف عنه والكلام في هذا كما سبق في الصراط تعليلا وشرحا لعبارة الناظم فإنه استغنى باللفظ عن القيد وفيه نظر نبهنا عليه هنا والضبع العضد أي أشد وأقوى وانتهى ذكر ما في الطور من الحروف ثم انتقل إلى سورة والنجم فقال وكذب يعني-ما كذب الفؤاد ما رأى-شدده هشام أي لم يكذب ما رآه بعينه قال أبو علي كذب يتعدى إلى مفعول بدله قوله ، (كذبتك عينك أم رأيت بواسط ) ، ومعنى كذبتك أي أرتك ما لا حقيقة له فمعنى-ما كذب الفؤاد ما رأى-أي لم يكذب فؤاد ما أدركه بصره أي كانت رؤية صحيحة غير كاذبة وإدراكا على الحقيقة قال ويشبه أن يكون الذي شدد أكد هذا المعنى-أفتمارونه على ما يرى-أي أترومون إزالته عن حقيقة ما أدركه وعلمه قال الزمخشري ، ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبراءيل عليه السلام أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق وقريء ما كذب أي صدقه ولم يشك أنه جبريل بصورته وقال أبو عبيد وبالتخفيف نقرأ وهي في التفسير ما كذب في رؤيته يقول إن رؤيته قد صدقت ، قلت قد سبق في قوله تعالى-(ولقد صدق عليهم إبليس ظنه)-أي في ظنه فكذا هنا ما كذب فيما رأى أي في رؤيته أي صدق فيها
(1050)
تُمَارُونَهُ تَمْرُونَهُ وَافْتَحُوا (شَـ)ـذاً مَناَءةَ لِلْمَكِّي زِدِ الْهَمْزَ وَأَحْفِلاَ

هذا مثل قوله سكارى معا سكرى أي قراءة حمزة والكسائي اللفظ الثاني وهو تمرونه وسكرى وقوله وافتحوا زيادة بيان هنا أي افتحوا التاء وكان له أن لا يذكره كما لم يذكر فتحه السين في سكرى وشذا حال من الفاتحين أو من المفتوح أي ذوى شذا أو ذا شذا ومعنى-أفتمارونه-أفتجادلونه وبخهم سبحانه في مجادلتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره لهم صلى الله عليه وسلم من الإسراء به وتمرونه بمعنى تجحدونه قال الزمخشري أفتمارونه من المراء وهو الملاحاة والمجادلة واشتقاقه من مري الناقة كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه وقريء أفتمرونه أي أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ولما فيه من معنى الغلبة عدي بعلى كما يقول غلبته على كذا وقيل أفتمرونه أفتجحدونه وأنشدوا ، (لئن هجرت أخا صدق ومكرمة لقد مريت أخا ما كان يمريكا) ، وقال يقال مريته حقه أي جحدته وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين وقال النحاس قال قال محمد بن زيد يقال مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه وعلى بمعنى عن قال بنو كعب ابن ربيعة يقولون رضي الله عليك أي عنك ومناة على وزن نجاة ومناءة بزيادة همزة بعد الألف على وزن مجاعة لغتان قال جرير (أزيد مناة توعدنا ابن تيم ) ، وأنشد الكسائي (ألا هل أتى التيم ابن عبد مناءة ) ، وقوله واحفلا أرادوا حفلن فأبدل من نون التوكيد الخفيفة ألفا للوقف أي احتفل بهذه القراءة فاحتج لها لأن من الناس من أنكر المد قال أبو علي قال أبو عبيد اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة ولعل مناءة بالمد لغة لم أسمع بها عن أحد من رواة اللغة وقد سمع زيد مناة عبد مناة ولم أسمع بالمد ، قال الزمخشري في اشتقاق اللفظين على القراءتين كأنها سميت مناءة لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها أي كانت تراق ومناة مفعلة من النوء كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها ، قلت ومن الأول تسمية منى لكثرة ما يراق فيها من دماء الأضاحي والنسك في

الحج وقال الجوهري عبد مناة بن أد بن طابخة وزيد مناة بن تميم بن مرة يمد ويقصر قال هو ابن الحارثي ، (الأهل أتى التيم بن عبد مناءة )
(1051)
ويَهْمِزُ ضِيزَى خُشَّعاً خَاشِعاً (شَـ)ـفاَ (حَـ)ـمِيداً وَخَاطِبْ تَعْلَمُونَ (فـ)ـطِبْ (كَـ)ـلاَ
أي ويهمز المكي ياء ضيزى والهمز في ذلك وتركه لغتان يقال ضازه حقه يضازه أي إذا نقصه وجار فيه على وزن حساه يحساه ويقال ضازه يضيزه مثل باعه يبيعه فوزن ضئزى بالهمز فعلى بكسر الفاء قالوا هي مصدر وصف به كالذكرى وإذا لم تهمز فوزنها عندي كذلك وهي مصدر أيضا والتقدير قسمة ءات ضيزى وقال النحاة وزنها فعلى بضم الفاء وإن كانت في لفظ ضيزى مكسورة اعتبارا بالأصل كما يقال في وزن يبض فعل وفي وزن بيوت فعول قال أبو علي لأنهم لم يجدوا في الصفات شيئا على فعلى يعني بكسر الفاء مع ألف التأنيث قلت لا نجعلها صفة بل مصدرا كالمهموز قال أبو علي حكى التوزى الهمز في هذه ضأزه يضأزه إذا ظلمه وأنشد ، (إذا ضأزانا حقنا في غنيمة ) ، قلت وانتهى الكلام في حروف سورة النجم ثم قال الناظم خشعا خاشعا مثل سكارى معا سكرى أي قوله تعالى-(خشعا أبصارهم)-يقرأه شفا حميدا خاشعا وهما لغتان في اسم الفاعل إذا وقع فاعلا مجموعا هل يفرد في نفسه أو يجمع جمع تكسير تقول مررت بزيد قاعدا غلمانه وقعودا غلمانه سواء في ذلك الحال والصفة نحو مررت برجل قاعد غلمانه وقعود غلمانه وسنوضح ذلك في شرح الناظم إن شاء الله تعالى قال الزمخشري وفي خشعا بالجمع هو لغة تقول أكلوني البراغيث وليس كذلك فإن أكلوني لغة ضعيفة وتلك فصيحة قال أبو علي يرجح مررت برجل حسان قومه على حسن قومه قال الزمخشري ويجوز أن يكون في خشعا ضميرهم ويقع أبصارهم بدلا عنه ، قلت يعني- يخرجون من الأجداث خشعا-فهو حال وقيل يجوز أن يكون مفعول-يدع الداع-أي يدعو قوما-خشعا أبصارهم-ثم قال وخاطب يعلمون بمعنى قوله-سيعلمون غدا من-الخطاب فيه والغيب ظاهران وكلا تمييز

وهو المرعى وأبدل الهمزة ألفا لما سكنت للوقف وكنى به عن العلم المقتبس من المخاطب ويجوز أن يكون كلا مصدر كلأه أي حرسه وحفظه كلأ كضرب ضربا ثم نقل حركة الهمزة إلى اللام وحذفت الهمزة ثم يكون هذا المصدر تمييزا أو في موضع الحال ليطيب حفظك أو طب واحفظ وفي هذه السورة ثماني زوائد و-يوم يدع الداع-أثبتها في الوصل ورش وأبو عمرو وفي الحالين البزي-مهطعين إلى الداع-أثبتها في الوصل نافع و أبو عمرو وفي الحالين ابن كثير ونذر في ستة مواضع واحد في قصة نوح واثنان في قصة عاد وواحد في قصة ثمود واثنان في قصة لوط أثبت الستة في الوصل ورش وحده وتقدم ثلاث زوائد في سورة ق فقلت فيه ، (وزد نذري ستا كذا الداع فيهما بقاف المنادي مع وعيدي معا علا]
سورة الرحمن (
(1052)
وَوَالْحَبُّ ذُو الرَّيْحاَنِ رَفْعُ ثَلاَثِهاَ بِنَصْبٍ (كَـ)ـفَى وَالنُّونُ بِالْخَفْضِ (شُـ)ـكِّلاَ
ثلاثها بمنزلة كلها في صحة الإضافة وأنث العدد قصدا إلى الكلمات وأطلق الرفع والنصب في الثلاث على حسب ما يليق بكل منها فرفع الحب والريحان بالضمة فيهما ونصبهما بالفتحة فيهما ورفع ذو بالواو ونصبها بالألف ، وفي قوله في البقرة ناصبا كلماته بكسر لم يجتز بلفظ النصب حتى يبين أنه بالكسر لتيسر ذلك عليه ثم وتعسره هنا وإلا فالمعهود في عبارته بالنصب إنما هو الفتحة ورفع الثلاثة بالعطف على فاكهة أي فيها فاكهة والحب والريحان وذو صفة للحب ونصبها بفعل مضمر أي وخلق الحب ذا العصف والريحان ورسمت ذا بالألف في المصحف الشامي وخفض حمزة والكسائي النون من الريحان على تقديمه ذو العصف وذو الريحان والريحان الورق الذي يشم والعصف ورق الزرع ولا خلاف في جره لأنه مضاف إليه صريحا وقوله شكل من شكلت الكتاب إذا قيدته بالضبط بما يدل على الحركات مأخوذ من شكال الدابة لأن اللفظ قبل شكله متردد من جهات يتعين بالشكل بعضها
(1053)

وَيَخْرُجُ فَاضْمُمْ وَافْتَحِ الضَّمَّ (إِ)ذْ حَمَى وَفِى الْمُنْشَآتُ الشِّينُ بِالْكَسْرِ (فَـ)ـاحْمِلاَ
يريد-منهما اللؤلؤ-قرأه الجماعة على إسناد الفعل إلى الفاعل وقرأه نافع وأبو عمرو على أنه فعل ما لم يسم فاعله فضما الياء وفتحا الراء-المنشآت-بكسر الشين وفتحها نعت للجوار وهي السفن فقراءة الفتح ظاهرة لأنها أنشئت وأجريت وقيل المرفوعات الشرع وقيل في معنى الكسر إنها تنشيء الموج بجريها أو ترفع الشرع أو تنشيء السير على طريق المجاز نحو مات زيد ومرض فمات يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه وهو في الحقيقة لغيره والفاء في فاحملا زائدة وهي رمز والشين مفعول به أي احمل الشين بالكسر أي انقلها كذلك وأراد احملن بنون التأكيد فأبدلها ألفا كما سبق في نظائر له ثم تمم الرمز فقال
(1054)
(صَـ)ـحِيحاً بِخُلْفٍ نَفْرُغُ الْياءَ (شَـ)ـائِعٌ شُوَاظٌ بِكَسْرِ الضَّمِّ مَكِّيُّهُمْ جَلاَ
أي كسر الشين حمزة وأبو بكر بخلاف عنه وأما-سنفرغ لكم أيها الثقلان-فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر قال أبو علي وليس الفراغ هنا فراغا من شغل ولكن تأويله القصد كما قال جرير ، (الآن قد فرغت إلى تميم ) ، وقال الزمخشري المراد التوفر على النكاية أي لا يكون له شغل سواه ستنقضي شؤن الدنيا فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم والشواظ بكسر الشين وضمها لغتان وهو اللهب وقوله جلا ليس برمز لأنه قد صرح بالقاريء وهو مكيهم فلا رمز معه والله أعلم
(1055)
وَرَفْعَ نُحَاسٌ جَرَّ (حَقٌّ) وَكَسْرَ مِيمِ يَطْمِثْ فِي الأُولَى ضُمَّ (تُـ)ـهْدى وَتُقْبَلاَ

رفع مفعول جر وحق فاعله ورأيت في بعض النسخ رفع بالضم على الابتداء وجر بالرفع خبره وحق مجرور بالإضافة كلا اللفظين صواب ووجهه ظاهر ووجه رفع نحاس العطف على شواظ وجره عطف على نار أي الشواظ من نار ونحاس وفي النحاس قولان أحدهما أنه الدخان والثاني أنه الصفر المذاب وفي الشواظ أيضا قولان لأهل اللغة قال أبو عبيد هو اللهب لا دخان فيه وقال بعضهم لا يكون الشواظ إلا من النار والدخان جميعا فإن قلنا النحاس بمعنى الدخان والشواظ ما لا دخان فيه ظهرت قراءة الرفع وعلى القول الآخر تظهر قراءة الجر وإن قلنا النحاس هو الصفر المذاب ظهرت أيضا قراءة الرفع واستخرج أبو علي وجها لقراءة الجر على قولنا الشواظ ما لا دخان فيه وهو أن التقدير وشيء من نحاس فيحذف الموصوف وتقام الصفة مقامه ثم حذفت من من قوله ومن نحاس لأن ذكره قد سبق في من نار ويقال طمث البكر يطمثها ويطمثها بفتح الميم في الماضي وبكسرها وبضمها في المضارع إذا دماها بالجماع وعني بالأولى التي بعدها-كأنهن الياقوت-ضم الميم الدوري عن الكسائي وإعراب قوله نهدي وتقبلا سبق في شرح قوله في باب الإمالة أمل تدعي حميدا وتقبلا
(1056)
وَقَالَ بِهِ اللَّيْثِ فِي الثَّانِ وَحْدَهُ شُيُوخٌ وَنَصُّ اللَّيْثِ بِالضَّمِّ الاوَّلاَ
به أي بالضم والثاني هو الذي قبله-حور مقصورات-وإلا ولا نصب بالضم كقوله عن الضرب مسمعا ، قال صاحب التيسير أبو عمر عن الكسائي-لم يطمثهن-في الأول بضم الميم وأبو الحارث عنه في الثاني كذلك هذه قراءتي والذي نص عليه أبو الحارث كرواية الدوري وقال في غيره قرأت على فارس ابن أحمد في رواية أبي الحارث كرواية الدوري وقال طاهر بن غلبون إن الضم في الأول للدوري وعكس ذلك لأبي الحارث اختيار من أهل الأداء
(1057)
وَقَوْلُ الْكِسَائِي ضُمَّ أَيُّهُمَا تَشَا وَجِيهٌ وَبَعْضُ الْمُقْرِئِينَ بِهِ تَلا

قال الداني في غير التيسير على أن الكسائي خير فيهما فقال ما أبالي أيهما قرأت بالضم أو الكسر بعد أن لا أجمع بينهما قال أبو عبيد كان الكسائي يروي فيهما الضم والكسر وربما كسر إحداهما وضم الأخرى فقول الكسائي هذا وجيه أي له وجاهة لأن فيه الجمع بين اللغتين وبعض المقرئين به تلا يعني بهذا التخيير كابن أشتة وغيره ممن لم يذكر غير التخيير
(1058)
وَآخِرُهَا يَاذِي الْجَلاَلِ ابْنُ عَامِرٍ بِوَاو وَرَسْمُ الشَّامِ فِيهِ تَمَثَّلاَ
أي يا ذو الجلال آخر السورة قرأها ابن عامر بواو أي جعل مكانها واوا ولزم من ذلك ضم الذال قبلها فلهذا لم ينبه عليه وقصر لفظ يا ضرورة يعني قوله سبحانه-تبارك اسم ربك ذي الجلال-فهو بالياء نعت للرب وبالواو نعت للاسم لأن المراد بالاسم هنا لمسمى لأنه إشارة إلى الأوصاف الذاتية وهي المراد تسبيحها وتنزيهها والثناء عليها بقوله-سبح اسم ربك الأعلى-وقد استقصينا بيان ذلك وتحقيقه في آخر كتاب البسملة الأكبر وقوله تمثل أي تشخص الواو في رسم المصحف الشامي وقد أجمعوا على الأول أنه بالواو وهو-ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام-
سورة الواقعة والحديد
(1059)
وَحُورٌ وَعِينٌ خَفْضُ رَفْعِهِمَا (شَـ)ـفاَ وَعُرْباً سُكُونُ الضَّمِّ (صُـ)ـحِّحَ (فَـ)ـعْتَلَى

الخفض عطف على-فاكهة ولحم طير-من باب تقلدت بالسيف والرمح أي إنهم جامعون بين هذه الأشياء ، وفاكهة ولحم طير معطوفان إما على أكواب وإما على جنات النعيم فإن كانا على أكواب فالمعنى أنه ينعمون بحور عين كما نعموا بما قبله وإن كانا على جنات فالمعنى أنهم في مقارنة بحور عين أو معاشرة حور عين وأما وجه الرفع فعلى تقدير ولهم حور عين أو وفيها حور عين أو عطف على ولدان وجوز أبو علي أن تكون عطفا على الضمير في متقابلين ولم يؤكد لطول الفصل وجوز أيضا أن تكون على تقدير وعلى سرر موضونة حور عين وأما عربا فضم الراء وإسكانها لغتان وسبق لها نظائر مثل نذرا ونذرا وهو جمع عروب وهي المرأة المتحببة إلى زوجها
(1060)
وَخِفُّ قَدَرْناَ (دَ)ارَ وَانْضَمَّ شُرْبَ (فِـ)ـى نَدَى الصَّفْوِ وَاسْتِفْهَامُ إِنَّا (صَـ)ـفَا وِلاَ
يعني-نحن قدرنا بينكم الموت-التخفيف والتشديد في قدرنا لغتان وقد سبق ذلك في سورة الحجرات وشرب الهيم بضم الشين وفتحها مصدر شربت الإبل ، وقيل الضم الاسم كالشغل والفتح المصدر وجاء المفتوح جمع شارب كركب وصحب في غير هذا الموضع وقوله تعالى-ءإنا لمغرمون-على الخبر قرأه شعبة بزيادة همزة الاستفهام الذي بمعنى التقدير وقوله صفا ولا أي شديد متابعة أوصاف متابعته أو هو صفا ذا ولاء أي متابعة فنصبه على الحال ، وعلى الأول تمييز وصفا بمعنى شديد مقصور والذي بمعنى صاف ممدود فقصر ، ضرورة فإن كان من الصفاء الممدود فالتقدير الاستفهام ذو صفا وإن كان مقصورا فالتقدير مشبه صفا في قوته
(1061)
بِمَوْقِعِ بِالإِسْكاَنِ وَالْقَصْرِ (شَـ)ـائِعٌ وَقَدْ أَخَذَ اضْمُمْ وَاكْسِرِ الْخَاءَ (حُـ)ـوَّلاَ

يعني إسكان الواو وحذف الألف بعدها من قوله سبحانه-بمواقع النجوم-فهو من باب الإفراد والجمع وقد سبق لهما نظائر ، وتم الكلام في حروف سورة الواقعة ثم شرع في سورة الحديد قرأ أبو عمرو وحده-وقد أخذ ميثاقكم-على بناء الفعل للمفعول والباقون بفتح الهمزة والخاء على بنائه للفاعل وهو الله تعالى وحولا حال وهو العالم بتحول الأمور
(1062)
ومِيثَاقُكُمْ عَنْهُ وَكُلٌّ (كَـ)ـفَى وَأَنْظِرُوناَ بِقَطْعٍ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (فَـ)ـيْصَلاَ
عنه أي عن أبي عمرو ورفع القاف من ميثاقكم لأنه مفعول أخذ الذي لم يسم فاعله ونصبه غيره لأنه مفعول أخذ المسمى للفاعل وأما-وكل وعد الله الحسنى-فرفعه على الابتداء كبيت الكتاب كله لم أصنع وكتب كذلك في مصحف الشام وهو في الأصل مفعول وعد ولكن إذا تقدم المفعول على الفعل ضعف عمله فيه فيجوز رفعه وقراءة الجماعة بالنصب على الأصل وقد أجمعوا على نصب الذي في سورة النساء وأما-انظرونا نقتبس-بقطع الهمزة المفتوحة وكسر الظاء قراءة حمزة وحده فبمعنى أمهلونا أي ارفقوا بنا كي ندرككم وقراءة الباقين بوصل الهمزة وضم الظاء بمعنى انتظرونا أو التفتوا إلينا يقال نظرته إذا انتظرته وأنظرته إذا أخرته وأمهلته وفيصلا حال بمعنى حاكما
(1063)
وَيؤْخَذُ غَيْرُ الشَّامِ مَا نَزَلَ الْخَفِيفُ (إِ)ذْ (عَـ)ـزّ وَالصَّادَانِ مِنْ بَعْدُ (دُ)مْ (صِـ)ـلاَ

يريد-لا يؤخذ منكم فدية-قراءة الجماعة بالتذكير لأن تأنيث الفدية غير حقيقي وأنث ابن عامر على اللفظ-وما نزل من الحق-بالتخفيف والتشديد ظاهران لأن ما نزله الله فقد نزل هو ومعنى إذا عز أي هذا قليل في الكتاب العزيز نحو-وبالحق نزل-والأكثر ذكر التنزيل والإنزال مسند إلى اسم الله تعالى وقوله ما نزل مبتدأ والخفيف خبره وقوله ويؤخذ غير الشام على تقدير تذكير يؤخذ قراءة غير أهل الشام فحذفت هذه المضافات للعلم بها ثم قال والصادان من بعد أي من بعد ما نزل يريد الصادين من قوله-إن المصدقين والمصدقات-أي والصادان كذلك يريد بالتخفيف لابن كثير وأبي بكر وهما بالتخفيف بمعنى الذين صدقوا الله ورسوله والتشديد بمعنى المتصدقين فأدغمت التاء في الصاد فهو مثل المزمل والمدثر وروى عن أبي بن كعب رضي الله عنه إظهار التاء فيهما وقوله-وأقرضوا الله-عطف على الفعل المفهوم من هذا اللفظ تقديره إن الذين صدقوا أو اصدقوا وأقرضوا فمعناه على التخفيف إن الذين آمنوا وعملوا هذا النوع من الخير وهو الإقراض الحسن ومعناه على التشديد إن الذين تصدقوا وكان إقراضهم لله تعالى على الوجه الأحسن وهو من أطيب الكسب صادرا عن نية خالصة ومقصد صالح وقوله دم صلا أي ذا صلاء والصلاء عبر به عن الذكاء-وعن القرى بالعلم وقد سبق تحقيق المعنيين من هذا اللفظ
(1064)
وَآتَاكُمْ فَاقْصُرْ (حَـ)ـفِيظاً وَقُلْ هُوَ الْغَنِيُّ هُوَ احْذِفْ (عَمَّ) وَصْلاً مُوَصَّلاَ

يريد-ولا تفرحوا بما آتاكم-القصر بمعنى جاءكم والمد بمعنى أعطاكم الله واختار أبو عبيد قراءة أبي عمرو لموافقته لقوله فاتكم ولم يقل أفاتكم ووجه المد إضافة الخبر إليه دون ضده كما قال-بيده الخير-وقوله ولا تفرحوا استئناف نهي وقيل عطف على-لكيلا تأسوا-والأول أجود أما-فإن الله هو الغني-فاحذف لفظ هو في قراءة نافع وابن عامر كما هو محذوف في مصاحف المدينة والشام وأثبته غيرهما كما هو ثابت في مصاحفهم ولا خلاف في إثبات الذي في سورة الممتحنة وهو مثل هذا وهو في هذين الموضعين للفصل فحذفه غير مخل بأصل المعنى وقوله وصلا نصب على التمييز وموصلا نعته أي عم وصله الموصل إلينا أي عم نقله وخبره فذكره الأئمة في كتبهم
من سورة المجادلة إلى سورة ن
(1065)
وَفي يَتَنَاجَوْنَ اقْصُرِ النُّونَ سَاكِناً وَقَدِّمْهُ وَاضْمُمْ جِيمَهُ (فَـ)ـتُكَمِّلاَ
أراد بقصر النون حذف الألف التي بعدها في حال سكونه النون وتقديمه على التاء فإذا فصلت ذلك وضممت الجيم صار ينتجون على وزن يذهبون هذه قراءة حمزة وقراءة الباقين ما لفظ به وأصلهما يفتعلون ويتفاعلون على وزن يختصمون ويتخاصمون فحذفت لام الكلمة منهما لأنها في يتناجون ياء تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم حذفت للساكن بعدها وفعل في يتناجون ما فعل في قاضون فقيل ينتجون كما قيل قاضون ومعنى القراءتين واحد إلا أن يتناجون موافق لقوله تعالى-إذا تناجيتم فلا تتناجو-وتناجوا بالبر قال أبو علي يفتعلون ويتفاعلون يجريان مجرى واحد
(1066)
وَكَسْرُ انْشِزُوا فَاضْمُمْ مَعاً (صَـ)ـفْوَ خُلْفِهِ (عُـ)ـلاً (عَـ)ـمَّ وَامْدُدْ فِي المَجَالِسِ (نَـ)ـوْفَلاَ
يريد-وإذا قيل انشروا فانشروا-كسر الشين فيهما وضمها لغتان يقال نشز ينشز أي انهضوا وهمزة انشزوا همزة وصل إذا ابتدئ بها حركت بحركة الشين وصفو خلفه مبتدأ وخبره علا عم والتوحيد والجمع في المجالس والمجلس ظاهران والنوفل الكثير العطا
(1067)

وَفي رُسُلِي الْيَا يُخْرِبُونَ الثَّقِيلَ (حُـ)ـزْ وَمَعْ دُوَلَةً أَنِّث يَكُونُ بِخُلْفِ (لَـ)ـلا
يريد ياء الإضافة في قوله تعالى-(ورسلي إن الله قوي عزيز)-فتحها نافع وابن عامر وانتهى الكلام في سورة المجادلة ، وأما-يخربون بيوتهم-فالتخفيف فيها والتشديد لغتان من أخرب وخرب مثل أنزل ونزل وقيل الإخراب أن تترك الموضع ربا والتخريب الهدم وقيل معنى التخفيف أنهم يعطلونها ويعرضونها للخراب بخروجه منها ويخربون مفعول خرب الثقيل نعته ثم قال ومع دولة أي ومع رفع دولة أنث تكون التي قبله بخلف عن هشام يريد-كي لا يكون دولة-والذي في كتابي التيسير والتبصرة لمكي أن هشاما رفع دولة واختلف عنه في تأنيث يكون وتذكيره والذي ذكره أبو الفتح فارس أن الخلاف في الموضعين أحد الوجهين مثل قراءة الجماعة بتذكير يكون ونصب دولة وهو قول صاحب الروضة والثاني تأنيث تكون ورفع دولة وهو الذي ذكره طاهر ابن غلبون وأوه ولم يذكر المهدوي وابن شريح لهشام إلا رفع دولة ولم يتعرضا للخلاف في يكون وابن مجاهد وغيره لم يذكروا الخلاف في الكلمتين أصلا وتوجيه هذه القراءات ظاهر من رفع دولة جعل كان تامة ومن نصب قدر كيلا يكون الفيء دولة أي يتداوله الأغنياء بينهم مختصين به دون الفقراء وتأنيث دولة ليس بحقيقي فجاز تذكير يكون المسند إليها وذكر الأهوازي في بعض الروايات فتح الدال والمشهور ضمها بلا خلاف وحكى أبو عبيد فتح الدال عن أبي عبد الرحمن السلمي قال ولا نعلم أحدا فتحها قال والفرق بين الضم والفتح أن الدولة بالضم اسم الشيء الذي يتداول بعينه والدولة بالفتح الفعل وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله قوله بخلف لا أراد لائيا أي مبطئا وجاء هذا من اللأى قال الشيخ وسألته عن قوله بخلف لا فقال إن شئت قلت سمي بلا النافية لأنه قد أثبت التأنيث ونافية يثبت التذكير وإن شئت قلت بخلف لاء اسم فاعل من لاء إذا أبطأ لأن التذكير عن هشام أقل من

الرواية من التأنيث ولأنه لا فصل هنا فيحسن من جهة العربية ، قلت يقال لأي لأيا مثل رمي رميا أي أبطأ واللأى مثله فاسم الفاعل من لأي لاء مثل رام وقاض والوقف عليه كالوقف على ماء والله أعلم
(1068)
وَكَسْرَ جِدَارٍ ضُمَّ وَالْفَتْحَ وَاقْصُرُوا (ذَ)وِى (أُ)سْوَةٍ إِنِّي بَياءِ تَوَصَّلاَ
يجوز في وكسر الرفع على الابتداء وخبره ضم إن كان فعل ما لم يسم فاعله وإن كان فعل أمر فالنصب في وكسر لأنه مفعول والفتح عطف عليه رفعا ونصبا أي ضم الجيم والدال واحذف الألف فيصير جدر وهو جمع جدار وهو كما سبق في المواضع المختلف فيها في إفرادها وجمعها وذوي أسوة حال من فاعل اقصروا أي متأسين بمن سبق من القراء ثم ذكر ياء الإضافة في الحشر وهي-إني أخاف الله-فتحها الحرميان وأبو عمرو ثم ذكر حروف سورة الممتحنة فقال
(1069)
وَيُفْصَلُ فَتْحُ الضَّمِّ (نَـ)ـصٌّ وَصَادُهُ بِكَسْرٍ (ثَـ)ـوى وَالثِّقْلُ شَافِيهِ كُمِّلاَ
يعني-يوم القيامة يفصل بينكم-قرأ عاصم يفصل مضارع فصل بالتخفيف على بناء الفعل للفاعل ومثله قراءة حمزة والكسائي إلا أنه مضارع فصل بالتشديد وقرأ الباقون على بناء الفعل للمفعول وخففوا الصاد المفتوحة سوى ابن عامر فإنه شددها ولم ينبه الناظم على فتح الفاء لمن قرأ بالتشديد لأن التشديد يرشد إليه ووجه هذه القراءات ظاهر
(1070)
وَفى تُمْسِكُوا ثِقْلٌ (حَـ)ـلاَ وَمُتِمُّ لاَ تُنَوِّنْهُ وَاخْفِضْ نُورَهُ (عَـ)ـنْ (شَـ)ـذاً (دَ)لاَ
أمسك ومسك من باب أنزل ونزل ويشهد لقراءة أبي عمرو-والذين يمسكون بالكتاب-شددها الأكثر ومتم نوره-في سورة الصف من نون ونصب نوره فهو الأصل مثل زيد مكرم عمرا ومن أضاف فحذف التنوين وخفض المفعول فللتخفيف وقوله عن شذا أي شذا دلا وقد سبق معناهما
(1071)
وَلِله زِد لاَماً وَأَنْصَارَ نَوِّناً (سَماَ) وَتُنَجِّيكُمْ عَنِ الشَّامِ ثُقِّلاَ

يعني قوله تعالى-كونوا أنصار الله-زد لام الجر على اسم الله ونون أنصار فيصير أنصارا لله وقراءة الباقين على الإضافة كما أجمعوا على الإضافة في الحرف الثاني وهو-قال الحواريون نحن أنصار الله-لم يقرأ أحد منهم أنصارا لله لأنهم أخبروا عن تحقق ذلك فيهم واتصافهم بصحة الإضافة والنسبة ، فإن قلت فمن أين يعلم أن الخلاف في الأول دون الثاني ، قلت هو غير مشكل على من تدبر صورة الخط فإن الثاني لو نون لسقطت الألف من اسم الله وهي ثابتة في الرسم وأما الأول فأمكن جعل الألف صورة التنوين المنصوب فلم تخرج القراءتان عن صورة الرسم والنون في قوله نونن للتأكيد وأنجى ونجى كأمسك ومسك وقوله عن الشام أي عن قاريء الشام
(1072)
وَبَعْدِي وَأَنْصَارِي بِيَاء إِضاَفَةٍ وَخُشْبٌ سُكُونُ الضَّمِّ (زَ)ادَ (رِ)ضاً (حَـ)ـلاَ
أي في الصف لفظان كل واحد منهما ياء إضافة مختلف في إسكانها وفتحها الأول-من بعدي اسمه-فتحها الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر والثاني-من أنصاري إلى الله-فتحها نافع وحده وليس في سورة الجمعة شيء من الحروف التي لم تذكر بعد ولكن فيها أشياء مما يتعلق بما سبق كلفظ هو والإمالة وصلة ميم الجمع وهذا قد علم مما تقدم فيها وخشب بإسكان الشين وضمها لغتان كثمر وثمر أي سكون الضم فيه زاد حلاه رضى أو هو ذو حلا
(1073)
وَخَفَّ لَوَوْا (إِ)لْفاً بِمَا يَعْمَلُونَ (صِـ)ـفْ أَكُونَ بِوَاوٍ وَانْصِبُوا الْجَزْمَ (حُـ)ـفَّلاَ

يريد-لووا رءوسهم-لوى رأسه ولواه إذا عطفه وأماله أي أعرض معناهما واحد وفي التشديد زيادة تكثير قال أبو علي التخفيف يصلح للقليل والكثير والتكثير يختص بالكثرة وإلفا حال من لووا أو هو أليف للمشدد لأن معناهما واحد- يعملون في آخر السورة الغيب فيه والخطاب ظاهران وقرأ أبو عمرو-وأكون من الصالحين-عطفا على-فأصدق-لفظا وهي قراءة واضحة وقرأ غيره بإسكان النون وحذف الواو لالتقاء الساكنين ووجه ذلك أنه مجزوم عطفا على موضع فأصدق لأن الفاء لو لم تدخل لكان أصدق مجزوما لأنه جواب التحضيض الذي هو في معنى التمني والعرض والكل فيه معنى الأمر وما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة في علم العربية مقررة وإن كان فيه فاء انتصب قال أبو علي أعني السؤال عن ذكر الشرط والتقدير أخرني فإن تؤخرني أصدق فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم كأنه جزاء الشرط حمل قوله وأكن عليه مثل ذلك قراءة من قرأ-من يضلل الله فلا هادي له-ونذرهم-وأنشد ، (أيا سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وازدد) ، قال حمل ازدد على موضع الفاء وما بعدها ومثله ، (قابلوني بليتكم لعلي أصالحكم واستدرج نويا) ، قال حمل واستدرج على موضع الفاء المحذوفة وما بعدها من-لعلى-واختار أبو عبيد هذه القراءة لاتفاق المصاحف على كتابة هذا الحرف بحذف الواو قال وفي القرآن ما لا يحصى من تكون ويكون في موضع الرفع والنصب لم تحذف الواو في شيء منها إنما حذفوا في موضع الجزم خاصة قال وكان من حجة أبي عمرو فيها أن قال إنما حذفت الواو اختصار في الخط كما حذفوها في كلمن وكان أصلها أن تكون بالواو ، قلت وكذلك كان يقول في-إن هذان لساحران-إن الياء حذفت في الرسم فلهذا يحكي عنه أنه قال ما وجدت في القرآن لحنا غير-إن هذان-وأكن من الصالحين-يعني في كتابة القرآن ووجه حذفهما على قراءته أنهما من حروف المد فكما تحذف الألف كثيرا اختصارا فيكذ أختاها وقد قال الفراء العرب قد تسقط الواو

في بعض الهجاء كما أسقطوا الألف من سليمان وأشباهه قال ورأيت في مصاحف عبد الله-فقولا-فقلا بغير واو ف ق ل ا ، قلت والاعتماد في القراءتين على صحة النقل فيهما وإنما هذا اعتذار عن الخط وقوله حفلا جميع حافل وهو حال من فاعل وانصبوا أي متمكنين بكثرة العلم وسعته من توجيه القراءتين
(1074)
وَبَالِغْ لاَ تَنْوِينَ مَعْ خَفْضِ أَمْرِهِ لِحَفْصٍ وَبِالتَّخَّفِيفِ (عَـ)ـرَّفَ (رُ)فِّلاَ
أي لا تنوين فيه لأنه مضاف إلى ما بعده والكلام في-بالغ أمره-كما سبق في-متم نوره والتشديد في (عرف بعضه) ، سورة التحريم بمعنى أعلم إعلام متابعة فأعرض عن بعض أو أغضا عنه إحسانا وتكرما ولهذا قيل ما زال التثاقل من شأن الكرام ، ومعنى عرف بالتخفيف جازى وهو إشارة إلى ذلك القدر من المعاتبة أو إلى غيره ومنه (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) ، ويطلق هذا اللفظ أيضا مشعرا بالوعد والوعيد فيقال عرفت ما صنع فلان ومنه (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) ، قال الفراء عرف بالتخفيف أي غضب من ذلك وجازى عليه كما تقول للرجل يسيء إليك لأعرفن لك ذلك وهو وجه حسن وتقدير النظم وعرف رفل بالتخفيف أي عظم
(1075)
وَضُمَّ نَصُوحاً شُعْبَةٌ مِنْ تَفَوُّتٍ عَلَى الْقَصْرِ وَالتَّشْدِيدِ (شَـ)ـقَّ تَهَلُّلاَ

قال أبو الحسن والأخفش نصحته في معنى صدقته توبة نصوحا أي صادقة وقال الفتح كلام العرب وقراءة الناس ولا أعرف الضم قال أبو علي يشبه أن يكون مصدرا قال الفراء كأن الذين قرءوا نصوحا أرادوا المصدر مثل قعودا والذين قالوا نصوحا جعلوه من صفة التوبة ومعناها أن يحدث نفسه إذا تاب من ذنب أن لا يعود إليه أبدا وذكر الزمخشري في تفسيره وجوها حسنة في ذلك وقال النصوح مصدر نصح كالنصح مثل الشكور والشكر أي ذات نصوح أو انتصح نصوحا ثم شرع الناظم في سورة الملك فقال من تفوت يريد-ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت-أي تباين واختلاف فإذا حذفت الألف وشددت الواو صار تفوت وهو بمعناه تفاوت وتفوت مثل تظاهر وتظهر والقراءتان مصدرا هذين الفعلين وقوله تفاوت مبتدأ وشق تهللا خبره وقوله على القصر والتشديد شق في موضع الحال أي مقصورا مشددا أي هذا اللفظ على ما فيه من القصر والتشديد شق تهلله وهو من قولهم شق ناب البعير إذا طلع والمعنى طلع تهلله أي لاح وظهر أو يكون من شق البرق إذا سطع من خلال السحاب ومعنى تهلل تلألأ وأضاء ويجوز أن يكون تهللا حال أي ذا تهلل والله أعلم
(1076)
وَآمَنْتّمُو فِي الْهَمْزَتَيْنِ أُصُولُهُ وَفي الْوَصْلِ الأُولَى قُنْبُلٌ وَاواً ابْدَلاَ

يريد-ءأمنتم من في السماء-حكمه مذكور في باب الهمزتين من كلمة فهو مثل-ءأنذرتهم-داخل في عموم قوله وتسهيل أخرى همزتين بكلمة البيت فقد عرف حكم هذه الكلمة من هناك ومعنى أصوله أي أصول حكمه وسبق أيضا في الباب المذكور أن قنبلا أبدل الهمزة الأولى واوا لانفتاحها وانضمام ما قبلها في قوله-النشور- ، ويسهل الثانية على أصله وهذا لإبدال إنما يكون عند اتصال هذه الكلمة بالنشور فإذا وقف على النشور حقق الهمزة إذا ابتدأ كغيره فهذا معنى قوله وفي الوصل أي إبدال قنبل الهمزة الأولى واوا في حالة الوصل دون الوقف ، فإن قلت لهذا البيت فائدة غير الأذكار بما تقدم بيانه والمتقدمات كثيرة فلم خصص الناظم الأذكار بهذا دون غيره ، قلت له فائدتان غير الأذكار إحداهما لما ذكر مذهب قنبل هذا في باب الهمزتين لم يبين أنه يفعل ذلك في الوصل بل أطلق فنص على الوصل هنا ليفهم أنه لا يفعل ذلك في الوقف على ما قبل-ءأمنتم-لزوال المقتضى لقلب الهمزة واوا وهو الضمة ولم يقنع بقوله ثم موصلا فإن استعمال موصل بمعنى واصل غريب على ما نبهنا عليه هناك والفائدة الأخرى النصوصية على الكلمة فإنه لما ذكر الحكم هناك كان كلامه في-ءآمنتم-بزيادة ألف بعد الهمزتين وفتح الميم وهذه الكلمة لفظها غير ذلك فإن بعد الهمزتين فيها ميما مكسورة
(1077)
فَسُحْقاً سُكُوناً ضُمَّ مَعْ غَيْبِ يَعْلَمُونَ مَنْ (رُ)ضْ مَعِي بِالْيَا وَأَهْلَكَنِي انْجَلاَ

يعني أن الكسائي وحده ضم حاء-فسحقا لأصحاب السعير-وقرأ-فستعلمون من هو في ضلال-بالياء على الغيبة وإنما قال من إحترازا من الذي قبله-فستعلمون كيف نذير-فإنه بالخطاب بغير خلاف وقرأ غير الكسائي بإسكان حاء-فسحقا -وخطاب-فستعلمون-من وجه القراءتين في الموضعين ظاهر وسكونا في البيت بدل من فسحقا بدل اشتمال أي ضم فسحقا سكونه ويجوز أن يكون سكونا مفعول ضم وقوله فسحقا مبتدأ أو مفعول فعل مضمر فهو من باب زيدا اضرب رأسه يجوز فيه الرفع والنصب والنصب أقوى في العربية والعائد محذوف على التقديرين أي سكونا فيه أو سكونه وقوله رض فعل أمر من راض الأمر رياضة أي رض نفسك في قبول دقائق العلم واستخرج المعاني ثم ذكر ما في سورة الملك من ياءات الإضافة فقال-معي انجلا باليا وكذا-أهلكني-يريد-معي أو رحمنا-سكنها حمزة والكسائي وأبو بكر-إن أهلكني الله-سكنها حمزة وحده وفيها زائدتان نذير ونكير أثبتهما معا في الوصل ورش وحده ولم يبق من ياءات الزوائد إلا أربع في سورة الفجر وسيأتي بيانها في موضعها وقد نظمت الجميع في بيت هنا فقلت ، (نذيري نكيري الملك في الفجر أكرمني أهانني بالوادي ويسرى تكملا) ، أضاف الكلمتين إلى الملك أي حرفا هذه السورة واكتفى بذكر الملك بعد نكيري عن ذكره بعد نذيري فهو كقوله ، (بين ذراعي وجبهة الأسد ) ، وهما مبتدأ والخبر محذوف أي زائدتان ثم قال في الفجر زوائد وهي كيت وكيت ويجوز أن يكون الملك مرفوعا على أنه خبر المبتدأ على حذف المضاف أي زائدا الملك والله أعلم
من سورة ن إلى سورة القيامة
(1078)
وَضَمُّهُمْ فِي يَزْلِقُونَكَ (خَـ)ـالِدٌ وَمَنْ قَبْلَهُ فَاكْسِرْ وَحَرِّكْ (رِ)وًى (حَـ)ـلاَ

أي ضمهم في ياء-ليزلقونك بأبصارهم-خالد أي مقيم ونافع وحده فتح الياء يقال إذا أزال قدمه ويقال زلقه أيضا فزلق هو والمعنى إنهم لعدوانهم له ينظرون إليه نظرا يكاد يهلكه ، وأما-وجاء فرعون ومن قبله-بفتح القاف وسكون الياء فمعناه والطغاة الذين قبله ومعناه بكسر القاف وفتح الباء والذين معه من أشياعه وأتباعه وقوله ومن قبله مفعول فاكسروا الفاء زائدة وروى حال منه أو من الفاعل أي ذا روى حلو أي اكسر من قبله وحركه مرويا له بالحركات التي يستحقها وبالاحتجاج له بما يوافقه
(1079)
وَيَخْفَى (شِـ)ـفَاءً مَالِيَهْ مَاهِيَهْ فَصِلْ وَسُلْطَانِيَهْ مِنْ دُونِ هَاءٍ (فَـ)ـتُوصلاَ
يعني-لا تخفى منكم خافية-تذكير تخفى وتأنيثه ظاهران وحذف حمزة هاء السكت من قوله-ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانية خذوه-إذا وصل الكلام بعضه ببعض وكذلك-ماهية نار حامية-في سورة القارعة وهذا نظير ما فعل هو والكسائي في-يتسنه-واقتده أو أثبتها الباقون لثباتها في خط المصحف فهو وصل بنية الوقف وكلهم أثبتها وقفا وفي سورة الحاقة أربع أخر كتابيه مرتين-وحسابيه مرتين أثبت حمزة هاء هن كالجماعة جمعا بين الأمرين ويعقوب الحضرمي حذف الجميع وصلا وحذف الكسائي في يتسنه واقتده لخفاء هاء السكت فيهما لأنهما فعلا جزم وقد قيل ليسا للسكت وترك الحذف هنا لوضوح الأمر
(1080)
وَيَذَّكَّرُونَ يُؤْمِنُونَ (مَـ)ـقاَلُهُ بِخُلْفٍ (لَـ)ـهُ (دَ)اعٍ وَيَعْرُجُ (رُ)تِّلاَ
يعني-قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون-الغيب فيهما لمن رمز له والخطاب للباقين و-يعرج الملائكة-بالتذكير للكسائي والباقون بالتأنيث ووجه القراءتين في الحرفين ظاهر وقد سبق لهن نظائر
(1081)
وَسَالَ بِهَمْزٍ (غُـ)ـصْنُ (دَ)انٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْهَمْزِ أَوْ مِنْ وَاوٍ أوْ يَاءٍ ابْدَلاَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7