كتاب : إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع
المؤلف:الإمام الشاطبي

فيهما يعني فيهما يعني (ولكن البر من آمن-ولكن البر من اتقى) ، والكلام فيهما كما تقدم في (ولكن الشياطين كفروا) ، وهو على حذف مضاف أي بر من آمن-وموص-من أوصى وموص من وصى وقد تقدم أنهما لغتان كأنزل ونزل ، ومعنى الشلشل الخفيف وهو حال من فاعل صح العائد على ثقله أي صح تشديده في حال كونه خفيفا وإنما خف بسبب كثرة نظائره في القرآن المجمع عليها نحو (ووصينا الإنسان-ذلكم وصاكم به-في مواضع-وما وصينا به إبراهيم) ، وأجمعوا أيضا على التخفيف في (يوصيكم الله-و-يوصي بها-و-يوصين-و-توصون) ، في سورة النساء
(500)
وَفِدْيَةُ نَوِّنْ وَارْفَعِ الْخَفْضَ بَعْدُ فِي طَعَامٍ (لَـ)ـدى (غُـ)صْنِ (دَ)نَا وَتَذَلَّلاَ
قراءة نافع وابن ذكوان على إضافة فدية إلى طعام من باب خاتم حديد وقراءة الجماعة على أن طعام بدل من فدية أو عطف بيان ولقرب هذه القراءة من الأفهام جعلها كالغصن الداني المتذلل الذي لا يعجز الضعيف عن نيل ثمره أراد قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) ، ثم ذكر الخلاف في جمع مساكين وإفراده وكل من أضاف فدية إلى طعام جمع مساكين ومن لونه أفرد إلا هشاما والله أعلم
(501)
مَسَاكِينَ مَجْمُوعاً وَلَيْسَ مُنَوَّناً وَيُفْتَحُ مِنْهُ النُّونُ (عَمَّ) وَأَبْجَلاَ
مجموعا حال أي عم في حال كونه مجموعا لأن الذين يطيقونه جماعة على كل واحد إطعام مسكين فعلى الجماعة إطعام مساكين وقراءة الباقين بالإفراد على أن المراد وعلى كل واحد إطعام مسكين كقوله تعالى في موضع آخر (فاجلدوهم ثمانين جلدة) ، أي كل واحد منهم فإذا أفرد مسكين كان مكسور النون منونا لأنه مضاف إليه وإذا جمع فتحت النون من غير تنوين لأنه غير منصرف كقناديل ودنانير وحركة النون حركة إعراب على القراءتين والفتح فيها لا ينصرف علامة الجر فلم يمكن التعبير بالنصب لأن الكلمة مجرورة فكان التعبير عنها بالنصب ممتنعا ويقال أبجله الشيء أي كفاه والله أعلم
(502)

وَنَقْلُ قُرَانٍ وَالْقُرَانِ (دَ)وَاؤُنَا وَفِي تُكْمِلُوا قُلْ شُعْبَةُ الْمِيمَ ثَقَّلاَ
أراد نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها كما يفعل حمزة في الوقف قرأها ابن كثير كذلك في الوصل والوقف وعطف قوله والقران بالجر على قران أي نقل هذين اللفظين أراد أن ينص على المنكر والمعرف باللام ومن جملة ما فيه الخلاف -قرآنه- في موضعين في سورة القيامة وقد نص عليه صاحب التيسير وغيره وليس هو واحدا من اللفظين المذكورين في البيت إلا أن يكون قصد ما دخله لام التعريف وما خلا منها ولو أنه قال ونقل قرآن كيف كان أو كيف جاء دواؤنا لكان أعم وأبين وما أحلى هذا اللفظ حيث كان موجها أي ذو وجهين حصل منه بيان القراءة بنقل حركة الهمزة لابن كثير وظاهره أن نقل القرآن وهو قراءته وتلاوته وتعليمه دواء لمن استعمله مخلص من أمراض المعاصي قال النبي صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه ثم قراءة ابن كثير هذه تحتمل أن تكون من باب نقل حركة الهمزة كما ذكر وتحتمل أن تكون من قرنت بلا همز أي جمعت ومنه القران في الحج وصح عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال قرأت على إسماعيل بن قسطنطين وكان يقول القران اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل قال وكان يقول وإذا قرأت القرآن يهمز قرأت ولا يهمز القران ، قلت والقرآن بالهمز مصدر من قرأت كالشكران والغفران والذي في سورة القيامة المراد به المصدر والخلاف فيه أيضا وذلك دليل على أن من لم يهمز نقل حركة الهمز والتسمية بالمصادر كثيرة والله أعلم وكمل وأكمل لغتان فالخلاف في-ولتكملوا العدة-كالخلاف في-ينزل-وفي فأمتعه-ونحو ذلك والميم مفعول ثقل وبقي عليه فتح الكاف لم ينبه عليه وكان له أن يقول لشعبة حرك تكملوا الميم ثقلا أو وفي تكملوا حرك لشعبة أثقلا كما قال في سورة الحج ثم-وليوفوا-فحركه لشعبة أثقلا
(503)

وَكَسْرُ بُيُوتٍ وَالْبُيُوتَ يُضَمُّ (عَـ)ـنْ (حِـ)ـمى (جِـ)ـلَّةٍ وَجْهاً عَلَى الأَصْلِ أَقْبَلاَ
الكلام في عطفه والبيوت كما تقدم في قوله والقران ليجمع بين ما خلا من لام التعريف وبين ما هي فيه والخالي منها تارة يكون معرفة بالإضافة نحو-بيوتكم-و-بيوتهن-و-بيوت النبي-وتارة يكون نكرة منصوبة أو غير منصوبة نحو (فإذا دخلتم بيوتا-في بيوت أذن الله أن ترفع) ، فإذا صح لنا دخول المضاف تحت قوله بيوت صح لنا دخول قرآنه المضاف تحت قوله قران وههنا كان يحسن ذكر الخلاف في الغيوب والعيون وشيوخا وجيوب لأن الباب واحد وقد جمع ذلك ابن مجاهد وغيره هنا وجمعها الناظم في سورة المائدة والأصل ضم أوائل الجميع لأن فعلا يجمع على فعول كفلوس وفروج وقلوب ومن كسر فلأجل الياء وقال الزجاج أكثر النحويين لا يعرفون الكسر وهو عند البصريين رديء جدا لأنه ليس في الكلام فعول بكسر الفاء ذكر ذلك في سورة النور وقال أو على مما يدل على جواز ذلك أنك تقول في تحقير عين وبيت عيينة بييت فكسر الفاء هاهنا لتقريبه من الياء ككسر الفاء من فعول وذلك مما قد حكاه سيبويه قال فكما كسرة الفاء من عيينة ونحوه وإن لم يكن من أبنية التحقير على هذا الوزن لتقريب الحركة مما بعدها كذلك كسروا الفاء من جيوب ونحوها وقوله وكسر بيوت يعني كسر الباء ويضم جر الكسر في اللفظين وجلة جمع جليل كصبية جمع صبي ووجها تمييز لهم أي هم أجلاء الوجوه ويجوز أن تكون حالا من فاعل يضم ويجوز أن يكون مفعولا لحمى أي حموا قراءتهم بالضم عن طعن من طعن في الكسر لكون الضم جاء على الأصل ويجوز أن يكون وجها منصوبا بفعل مضمر أي خذ وجها وقوله على الأصل أقبلا صفة للوجه على الوجوه كلها غير وجه التمييز
(504)
وَلاَ تَقْتُلُوهُمْ بَعْدَهُ يَقْتُلُوكُمُو فَإِنْ قَتَلُوكُمْ قَصْرُهاَ (شَـ)ـاعَ وَانْجَلاَ

أي قصر هذه الألفاظ الثلاثة وهي ، (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم) ، فقراءة المد من قاتل وقراءة القصر من قتل ولا خلاف في قوله-فاقتلوهم-كذلك (أنه من قتل) ، أي لا تبدءوهم بقتل ولا قتال حتى يبدءوكم به ومعنى (فإن قتلوكم فاقتلوهم) ، أي فإن قتلوا منكم أحدا فاقتلوا منهم أي فإن قتلوا بعضكم على حذف مضاف للعلم به كما سيأتي في قراءة (وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا) ، أي فما وهن من لم يقتل منهم والله أعلم
(505)
وَبِالرَّفْعِ نَوِّنْهُ فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ وَلاَ (حَـ)ـقًّا وَزَانَ مُجَمَّلاَ

فلا رفث وما بعده مبتدأ وبالرفع نونه خبره وأضمر قبل الذكر لأن الخبر في نية التأخير فهو كقولك في داره زيد والمعنى نونه بالرفع أي ملتبسا به فيقرأ للباقين بغير تنوين ملتبسا بصورة النصب وهو الفتح وقيل يجوز أن تكون الهاء في نونه ضميرا مبهما قدمه بشرط التفسير وجعل (فلا رفث ولا فسوق) ، تفسيرا له وأتى بقوله ولا بعد قوله فسوق إقامة لوزن البيت وإلا فقوله ولا جدال لا خلاف في فتحه ولا شك أن لا يبني معها اسمها على الفتح إذا كان نكرة ويجوز رفعه إذا كرر وتجوز المغايرة بين ما تكرر من ذلك ففي نحو لا حول ولا قوة إلا خمسة أوجه فعلى هذا جاءت القراءتان وإنما غاير أبو عمرو وابن كثير فرفعا الأولين على أن المراد النهي عنهما وإن أتيا بلفظ الخبر أي فلا يكونن رفث وهو الجماع ولا فسوق وهو السباب أو المعاصي وأما ولا جدال فهو إخبار محض أي قد ارتفع المراء في زمن الحج وفي مواقفه بعد ما كان الاختلاف فيه بين العرب من النسئ ووقوف بعضهم بعرفة وبعضهم بمزدلفة وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فاشترط عدم الرفث والفسوق ولم يذكر الجدال فدل على أن سياقه في الآية لمعنى آخر غير ما سبق له الرفث والفسوق وهو ما ذكرناه وقراءة الجماعة تحتمل هذا التفريق أيضا ويحتمل أن يكون الجميع منهيا عنه والمراد به مخاصمة الرفقاء والخدم والمكاريين ويحتمل هذا المعنى قراءة أبي عمرو أيضا وتكون على لغة من غاير في الإعراب فقال لا حول ولا قوة والرفع في الآية أقوى منه في الحوقلة لتكرر المرفوع قبل المفتوح وقوله حقا مصدر مؤكد لقوله نونه بالرفع وزان مجملا معطوف على الفعل الذي نصب حقا أي حق ذلك حقا وزان القارئ الذي حمل هذه القراءة لحسن المعنى الذي ذكرناه في التفريق بين الثلاثة والله اعلم
(506)

وَفَتْحُك سِينَ السِّلْمِ (أَ)صْلُ (رِ)ضًى (دَ)نَا وَحَتَّى يَقُولَ الرَّفْعُ فِي الَّلامِ (أُ)وِّلاَ
يعني قوله تعالى (ادخلوا في السلم كافة) ، فتح السين وكسرها لغتان وقد قرئ بهما الذي في الأنفال والقتال على ما سيأتي في الأنفال وقيل الكسر بمعنى الإسلام والفتح بمعنى الاستسلام والمصالحة ولهذا كسر أكثر القراء هنا وفتحوا في الأنفال والقتال لظهور معنى الإسلام في البقرة فظهور معنى المصالحة في غيرها فنافع وابن كثير والكسائي فتحوا الثلاثة وأبو بكر كسر الثلاثة وأبو عمرو وابن عامر وحفص كسروا في البقرة وحدها وحمزة فتح في الأنفال وحدها وأما الرفع في (حتى يقول الرسول) ، فعلى تأويل أن الفعل بمعنى المضي أي حتى قال الرسول أو هي حكاية حال ماضية والفعل إذا كان كذلك ووقع بعد حتى رفع ووجه النصب أن يكون الفعل مستقبلا وإذا كان كذلك نصبته على تقدير إلى أن يقول أو كي يقول على ما عرف في علم النحو والله أعلم
(507)
وَفي التَّاء فَاضْمُمْ وَافْتَحِ الْجِيمَ تَرْجِعُ الأُمُورُ (سَمَـ)ـا نَصَّا وَحَيْثُ تَنَزَّلاَ
ترجع الأمور مبتدأ وما قبله خبره أي وترجع الأمور اضمم تاءه وافتح جيمه فيصير الفعل مبنيا للمفعول لأن الله رجعهن والقراءة الأخرى على تسمية الفاعل كقوله تعالى (كل إلينا راجعون) ، ورجع ثلاثي سواء كان لازما أو متعديا وسما نصا خبر آخر لترجع الأمور ونصا منصوب على التمييز أي سما نصه بهذا وحيث تنزلا عطف على ظرف محذوف أي هنا وحيث تنزل ترجع الأمور أي حيث جاء في سور القرآن والله أعلم
(508)
وَإِثْمٌ كَبِيرٌ (شَـ)ـاعَ بِالثَّا مُثَلَّثًا وَغَيْرُهُمَا بِالَبَاءِ نُقْطَةٌ اسْفَلاَ

القراءتان بمعنى واحد لأن ما كبر فقد كثر وأجمعوا على (أكبر من نفعهما) ، وقيد الثانية بقوله مثلثا والباء بقوله نقطة اسفلا احترازا من التصحيف والتقدير هي ذات نقطة أسفلها على حذف المبتدأ أو التقدير لها نقطة أسفل على حذف الخبر ولو أنه قال نقطة بالنصب لكان حالا من الباء أي ذا نقطة ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، وقوله وغيرهما بالباء أي يقرأ بالباء والله أعلم
(509)
قُلِ الْعَفْوَ لِلْبَصْرِيِّ رَفْعٌ وَبَعْدَهٌ لأَعْنَتْكُمْ بِالْخُلْفِ أَحْمَدُ سَهَّلاَ
قل العفو مبتدأ ورفع خبره أي ذو رفع والعفو الفضل هنا وهو ما يسهل إخراجه وتقدير وجه الرفع الذي ينفقونه العفو والنصب على تقدير انفقوا العفو وأحمد هو البزي سهل همزة (لأعنتكم) ، بين بين في وجه وليس من أصله تسهيل الهمزة الواحدة في كلمة ففعل ما فعله حمزة في الوقف في وجه لأنها همزة مفتوحة بعد مفتوح فقياس تسهيلها جعلها بين بين كسأل ففي قراءته جمع بين اللغتين وهو نظير إبدال حفص همزة (هزؤا-و-كفؤا) ، واوا في الوصل والوقف كما سبق والله أعلم
(510)
وَيَطْهُرْنَ فِي الطَّاءِ السُّكُونُ وَهَاؤُهُ يُضَمُّ وَخَفَّا (إِ)ذْ (سَمَا) كَيْفَ (عُـ)وِّلاَ

وخفا يعني الطاء والهاء والباقون وهم حمزة والكسائي وأبو بكر فتحوهما وشددوهما لأن السكون مهما جاء مطلقا فضده الفتح والضم ضده الفتح ومعنى كلمات الرمز أن هذه القراءة كيف ما عول في تأويلها فهي سامية رفيعة محتملة للأمرين وهما انقطاع الدم والغسل والقراءة الأخرى ظاهرة في إرادة الاغتسال وأصلها يتطهرن فأدغمت التاء في الطاء أي حتى يغتسلن فتعين حمل القراة الأخرى على هذا المعنى أيضا وفي الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين وفي رواية فإذا أنت قد طهرت أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح فيكون من قوله حتى يطهرن بهذا المعنى أو تنزل القراءتان منزلة اجتماعهما فكأنه قيل حتى يطهرن ويتطهرن أي حتى يجتمع الأمران وهما انقطاع الدم والاغتسال فأحدهما لا يكفي بدليل ما لو اغتسلت قبل انقطاع الدم فإن ذلك لا يبيح الوطئ فكذا إذا انقطع الدم ولم تغتسل والله أعلم
(511)
وَضَمُّ يَخَافاَ (فَـ)ـازَ وَالْكُلُّ أَدْغَمُوا تُضَارَرْ وَضَمَّ الرَّاءَ (حَقٌّ) وَذُو جَلاَ

قرأ حمزة على ما لم يسم فاعله كيقال فقوله تعالى (أن لا يقيما حدود الله) ، يكون بدلا من ضمير التثنية في-يخافا-وهو بدل الاشتمال كقولك خفيف زيد شره فالخائف غير الزوجين من الولاة والأقارب ونحو ذلك وعلى قراءة الجماعة هما الخائفان وأن لا يقيما مفعول به والخطاب في قوله تعالى (ولا يحل لكم) ، يجوز أن يكون للأزواج وأن يكون للولاء وقوله سبحانه (لا تضار والدة) ، أصله لا تضارر بكسر الراء الأولى أو بفتحها مبنيا للفاعل أو للمفعول على اختلاف في تفسيره والكل صحيح المعنى في الآية أدغمت الراء الأولى في الثانية فمن رفع جعله خبرا بمعنى النهي ومن فتح فهو نهى انجزمت الراء له ففتحت لالتقاء الساكنين كقولك لاتعض زيدا لأن المدغم ساكن ومثله في المائدة (من يرتد منكم)-وقرئ-من يرتدد) ، على الأصل ولم يقرأ هنا تضارر فقوله وضم الراء يعني الراء المشددة الثانية من الراءين المدغمة والمدغم فيها وإنما قال الناظم وضم الراء ولم يقل ورفع الراء لأن القراءة الأخرى بالفتح لأنها حركة بناء فلا بد من الإخلال بإحدى العبارتين وقوله وذو جلا أي ذو جلاء بالمد أي انكشاف وظهور ويروى بفتح الجيم وكسرها وذو جلا ليس برمز وكذا قوله في آخر آل عمران وذو ملا لأن الواو فاصلة ولا تجعل الواو في ذلك كالواو في وحكم صحاب على ما تقدم في شرح الخطبة
(512)
وَقَصْرُ أَتَيْتُمْ مِنْ رِباً وَأَتَيْتمُو هُنَا (دَ)ارَ وَجْهاً لَيْسَ إِلاً مُبَجَّلاَ

(آتيتم من ربا) ، في سورة الروم وهنا (إذا سلمتم ما آتيتم) ، فالقصر بمعنى فعلتم والمد بمعنى أعطيتم وفي دار ضمير يعود على وقصر أتيتم ووجها تمييز أو حال أو مفعول فعل مضمر كما تقدم في قوله وجها على الأصل أقبلا واسم ليس ضمير يعود إلى الوجه والمبجل الموقر يثني على قراءة القصر خلافا لمن عابها وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله إنما قال ليس إلا مبجلا لأن قصره من باب المجئ لا من باب الإعطاء وإنما يتضح بتبجيله مع تفسير سلمتم بالإخلاص من المنة والخصام من قوله سبحانه (مسلمة لا شيه فيها) ، أي سالمة والله أعلم
(513)
مَعاً قَدْرُ حَرِّكْ (مِـ)ـنْ (صَحَابٍ) وَحَيْثُ جَا يُضَمُّ تَمَسُّوهُنَّ وَامْدُدْهُ (شُـ)ـلْشُلاَ
قدر مفعول حرك ومعا حال مقدمة أي حرك قدر وقدر معا أي أنهما اثنان وهما قوله تعالى (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) ، ويعني بالتحريك فتح الدال لأنه مطلق وقراءة الباقين بإسكانها وهما لغتان وقوله من صحاب يتعلق بمحذوف ذلك المحذوف حال من فاعل حرك أو مفعوله أي آخذا له أو مأخوذا من صحاب أي منقولا عن جماعة ثقات معروفة صحبة بعضهم لبعض وتمسوهن فاعل جاء أي حيث جاء لفظ (تمسوهن) ، وهو في موضعين هنا وثالث في الأحزاب يضم حمزة والكسائي تاءه ويمدان الميم فيصير-تماسوهن-من فاعلت بمعنى فعلت أو هو على بابه والمراد به الجماع على القراءتين لم يختلف في ذلك وإن اختلف في معنى لامستم ولمستم في سورة النساء والمائدة على ما يأتي والشلشل الخفيف وهو رمز ولهذا لم يوهم أنه تقييد للقراءة وإن كان فيها تشديد في السين لأنه لا يقيد إلا بالألفاظ الواضحة لا بالألفاظ المشكلة المعنى والله أعلم
(514)
وَصِيَّةً ارْفَعْ (صَـ)ـفْوَ (حِرْمِيِّهِ رِ)ضىً وَيَبْصُطُ عَنْهُمْ غَيْرَ قُنْبُلِ اعْتَلاَ

وصية مفعول ارفع والهاء في حرميه تعود إلى لفظ وصية أو إلى الرفع الدال عليه ارفع وصفو مبتدأ ورضى خبره أراد-وصية لأزواجهم-رفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف أي أمرهم وصية أو على حذف مضاف قبلها أي أهل وصية أو ذوو وصية أو قبل المبتدأ أي وحكم الذين يتوفون وصية أو هي مبتدأ خبرها محذوف قبلها أي عليهم وصية والنصب على المفعول المطلق وهو المصدر أي يوصون وصية وقرأ هؤلاء إلا قنبلا (والله يقبض ويبسط) ، بالصاد والباقون بالسين على ما ذكره في البيت الآتي والكلام في وجه القراءتين نحو ما تقدم في الصراط وقوله ويبصط مبتدأ واعتلا خبره أي اعتلا عن المذكورين غير قنبل وحسن قوله اعتلا أن الصاد من حروف الاستعلاء بخلاف السين ومن خالف جمع بين اللغتين والله أعلم
(515)
وَبِالسِّينِ بَاقِيِهِمْ وَفي الْخَلْقِ بَصْطَةً وَقُلْ فِيهِماَ الوَجْهَانِ قَوْلاَ مُوَصَّلاَ
(في الخلق بصطة) ، مبتدأ محذوف الخبر أي يقرؤه المذكورون بالصاد أيضا أي و (بصطة) ، في الأعراف كذلك ولا خلاف في (بسطة) ، في البقرة أنه بالسين وهو (وزاده بسطة في العلم والجسم) ، إلا ما رواه مكي وغيره من أنه قد جاء عن نافع والكسائي في بعض الطرق بالصاد وروى عن خلاد وابن ذكوان في-يبصط-و-بصطة- الوجهان الصاد والسين ومعنى موصلا منقولا إلينا وذكر في التيسير الخلاف عن خلاد فيهما قال وروى النقاش عن الأخفش هنا بالسين وفي الأعراف بالصاد وقال في غير التيسير ورأيت ابن داود قد رواهما عن أبي سهل عن ابن السفر عن الأخفش بالسين وقرأتهما على أبي الفتح وأبي الحسن جميعا بالصاد ولم يذكر مكي عن خلاد غير السين وعن ابن ذكون غير الصاد قال وروي عن حفص السين والصاد فيهما وبالوجهين قرأت لحفص
(516)
يُضَاعِفَهُ ارْفَعْ فِي الْحَدِيدِ وَههُنَا (سَماَ شُـ)ـكْرُهُ وَالْعَيْنُ في الْكُلِّ ثُقِّلاَ
(517)

(كَـ)ماَ (دَ)ارَ وَاقْصُرْ مَعْ مُضَعَّفَةٍ وَقُلْ عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ حَيْثُ أَتى (ا)نْجَلاَ
يريد (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه) ، هنا وفي سورة الحديد وجه الرفع الاستئناف أي فهو يضاعفه أو يكون معطوفا على يقرض ووجه النصب أنه جواب الاستفهام فنصب بأن مضمرة بعد الفاء وابن عامر وابن كثير شددا للعين في جميع هذا اللفظ كيفما دار وذلك معنى قوله والعين في الكلِّ ثقلا كما دار نحو (يضعف لهم-يضعف لها-يضعفه لكم) ، وكذا مضعفة في آل عمران في قوله (أضعافا مضاعفة) ، وهما لغتان ضاعف وضعف واحد وعنى بقوله واقصر حذف الألف والباقون بالمد وتخفيف العين (وعسيتم) ، هنا وفي سورة القتال قراءة نافع بالكسر قال أبو بكر الإدفوي هو لغة أهل الحجاز يكسرونها مع المضمر خاصة والفتح هو الأصل وقال أبو علي وغيره هما لغتان ، قلت وباقي الأفعال الموازنة لعسى لا يختلف حاله مع المضمر نحو-أتى-و-أتيتم-و-رمى-و-رميتم-وأثنى الناظم رحمه الله على رفع-فيضاعفه-بقوله سما شكره أي شكر العلماء له فهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول
(518)
دِفَاعُ بِهاَ وَالْحَجِّ فَتْحٌ وَسَاكِنٌ وَقَصْرٌ (خُـ)ـصُوصًا غَرْفَةً ضَمَّ (ذُ)و وِلاِ
أراد (ولولا دفع الله الناس) ، هنا وفي سورة الحج والفتح في الدال والسكون في الفاء والقصر حذف الألف وهو مصدر دفع ودفاع كذلك مثل كتبت كتابا أو مصدر دافع بمعنى دفع نحو-قاتلهم الله-أي قتلهم الله ، قال أبو ذؤيب فجمع بين اللغتين ، (ولقد حرصت بأن أدافع عنهم وإذا المنية أقبلت لا تدفع) ، وأراد ذو فتح وقصر ولهذا توسط بينهما قوله وساكن فكأنه قال مفتوح ساكن مقصور وخصوصا مصدر ويأتي الخلاف في (إن الله يدافع) ، في سورة الحج (غرفة) ، بالفتح المصدر وبالضم المغروف وذو ولاء بالمد أي ذو نصرة للضم أي ضمه من هذه صفته والله أعلم
(519)

وَلاَ بَيْعَ نَوَّنْهُ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةَ وَارْفَعْهُنَّ (ذَ)ا (أُ)سْوَةٍ تَلاَ
أي متأسيا بمن سبق والكلام فيهن كما سبق في (فلا رفث ولا فسوق) ، غير أن الرفع هنا في الثلاث وثم في اثنتين والذين رفعوا هنا فتحو ثم وبالعكس والنفي هنا خبر محض وثم نفى بمعنى النهي والله أعلم
(520)
وَلاَ لَغْوَ لاَ تَأْثِيمَ لاَ بَيْعَ مَعْ وَلاَ خِلاَلَ بِإِبْرَاهِيمَ وَالطُّورِ وُصِّلاَ
أي وكذلك الخلاف في (لا لغو فيها ولا تأثيم) ، في سورة الطور و(لا بيع فيه ولا خلال) ، في سورة إبراهيم عليه السلام
(521)
وَمَدُّ أَناَ في الْوَصْلَ مَعْ ضَمِّ هَمْزَةٍ وَفَتْحٍ (أَ)تَى وَالْخُلْفُ في الْكَسْرِ (بُـ)ـجِّلاَ
يريد (أنا أحي-أنا أقل منك مالا-إن أنا إلا نذير) ، كلهم يثبت بالألف في الوقف وأثبتها في الوصل نافع وحده وحذفها في الوصل هو الفصيح وقال الإدفوي وإثباتها لغة بعض بني قيس وربيعة قال الأعشى ، (فكيف أنا وانتحالي القوافيا ) ، وقال الآخر ، (أنا سيف العشيرة فاعرفوني ) ، وخص نافع بالإثبات ما بعده همزة مضمومة أو مفتوحة وفيما بعده همزة مكسورة خلاف عن قالون والمشهور عنه الحذف وهو ثلاثة مواضع في الأعراف والشعراء والأحقاف ولا خلاف في قصر نحو (أنا خير منه) والله أعلم
(522)
وَنُنْشِزُهَا (ذَ)اكٍ وَبِالرَّاءِ غَيْرُهُمْ وَصِلْ يَتَسَنَّهْ دُونَ هَاءٍ (شَـ)ـمَرْدَلاَ

ننشزها بالزاي من النشز وهو الرفع يعني تركيب العظام بعضها على بعض وذاك معناه واضح بين من ذكت النار أي اشتعلت أو من ذكا الطيب إذا فاح-و-ننشرها-بالراء نحييها من أنشر الله الموتى أي أحياهم فهو موافق لقوله تعالى (قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها) ، ويقال راء بالهمز كسائر الحروف من نحو ياء وحاء وطاء وفاء وهاء وأخواتها التي على صورتها خطا وأما التي على صورة الزاي فآخر اسمها ياء في اللغة الفصيحة وهي الزاي ، فإن قلت من أين يعلم من نظم هذا البيت أن القراءة الأولى بالزاي المنقوطة قلت من جهة أنه بين قراءة الباقين بالراء المهملة وقد لفظ بالأولى ولا يمكن أن يصحف الراء إلا بالزاي إذ ليس لنا حرف على صورتها في الخط غيرها ، فإن قلت فلقائل أن يقول لعله ابتدأ الكلمة بالمهملة ثم قال وبالزاي غيرهم يعني المنقوطة ، قلت قد تقدم جواب هذا وهو أنه اعتمد في ذلك على ما هو الأفصح في لغة الزاي ولهذا استغنى الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتاب الإكمال في ضبط الأسماء بلفظ الزاي والراء ولا يقيد بنقط ولا إهمال للمغايرة بينهما في الخط وغيره من المصنفين وغيره من المصنفين يقيد ذلك زيادة في البيان ، قوله وصل-يتسنه-أي إذا وصلتها بما بعدها فاحذف الهاء لحمزة والكسائي دون غيرهما وأما في الوقف فثباته للجميع ، لثبوتها في رسم المصحف ووجه حذفها في الوصل أنها هاء السكت وهذا حكمها ووجه إثباتها في الوصل أنه وصل بنية الوقف إن قلنا إنها للسكت أو يقال هي من أصل الكلمة وسكنت للجزم ومعنى لم يتسنه ، لم تغيره السنهات وأصل سنة سنهة فمنهم من يصغرها على ذلك فيقول سنيهة ويقولون سانهت وفي الجمع سنهات ومنهم من يقول سانيت وسنية وسنوات فلا يأتي بالهاء فقراءة الحذف من هذه اللغة وقراءة الإثبات من اللغة الأولى والشمردل الخفيف وهو حال من يتسنه لأنه خف بحذف الهاء والشمردل أيضا الكريم فيكون حالا من الضمير المرفوع في صل والله أعلم
(523)

وَبِالْوَصْلِ قَالَ اعْلَمْ مَعَ الْجَزْمِ (شَـ)ـافِع فَصُرْهُنَّ ضَمُّ الصَّادِ بِالْكَسْرِ (فُـ)ـصِّلاَ
قال اعلم مبتدأ وشافع خبره أي هو ذو شفع بالوصل مع الجزم أي جمع بين همزة الوصل مع إسكان آخره على أنه فعل أمر أو يكون معنى شافع من الشفع بمعنى الزيادة لأنه زاد على ما تقدم من أفعال الأمر نحو (فانظر إلى طعامك)-(وانظر إلى حمارك)-(وانظر إلى العظام) ، أي اعلم بما عاينت قدرة الله على ما لم تعاين والآمر له هو الله تعالى ويجوز أن يكون هو آمرا نفسه كما قال سحيم ، (عميرة ودع إن تجهزت غاديا ) ، فيكون موافقا لقراءة الجماعة بالإخبار عن نفسه فهو بهمزة القطع والرفع ، فإن قلت من أين يلزم إذا كانت همزة قطع أن تكون مفتوحة لا مضمومة ، قلت لأنه فعل أمر من ثلاثي فهمزة قطعه بالفتح سواء وقف على قال أو وصلها بها ومن قرأ بالأمر ووقف على قال ابتدأ بهمزة مكسورة وكان ينبغي أن يبين ذلك كما بين الضم في لفظ (اشدد) ، في سورة طه فقال وضم في ابتدا غيره ولو بينه لأخذ ضده وهو الفتح لقراءة الباقين وعنى بالوصل الإتيان بهمزة الوصل وجعل آخرا علم مجزوما ليؤخذ ضد الجزم عنده وهو الرفع للقراءة الأخرى ولو لفظ موضع الجزم بالسكون للزم أن تكون القراءة الأخرى بالفتح وقد نظمت بدل هذا البيت ضاما إليه البيت الذي فيه خلف ربوة في بيتين يتضمنان إيضاح القراءتين في قال اعلم ويتأخر بيت وجزءا بعدهما ولا يضر ذلك فإن ربوة مقدمة في التلاوة على أكلها فقلت ، (وصل همز قال اعلم مع الجزم وابتدا بكسر شفا واكسر فصرهن فيصلا) ، (وضم لباق وافتحوا ضم ربوة على الراهنا والمؤمنين ندكلا) ، وصرهن بالضم والكسر لغتان ومعناه الإمالة والتقطيع يقال صاره يصيره ويصوره في المعنيين وقيل الكسر للقطع والضم للإمالة وقوله فصلا ، أي بين معنى الضم بقراءة الكسر لأن الكسر متمحض للتقطيع عند بعضهم والضم يحتمل التقطيع والإمالة والله أعلم
(524)

وَجُزْءاً وَجُزْءٌ ضَمَّ الإِسْكَانَ (صِـ)ـفْ وَحَيْثُماَ أُكْلُهَا (ذِ)كْراً وَفي الْغَيْرِ (ذُ)و (حُـ)ـلاَ
أي وجزء المنصوب وغير المنصوب وإنما قدم ذكر المنصوب لأنه هو الذي في سورة البقرة في قوله تعالى (ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ) ، فكان هو الأصل وأتبعه ما ليس بمنصوب نحو (جزء مقسوم) ، وإنما حافظ على لفظ المنصوب هنا دون صراط وقران وبيوت كما تقدم لأنه اكتفى في تلك بضبطها بدخول لام التعريف فيها وخلوها منها واجتزأ هنا بتعداد اللفظين المختلفين خطا لما لم تأت لام التعريف في واحدة منهما فهو مثل-شيء-و-شيئا-وقد تقدم البحث فيه في باب نقل الحركة ، وقوله صف أي اذكره أي صف ضم الإسكان فيهما وقد سبق أن مثل هذا فيه لغتان الضم والإسكان وقوله حيثما أكلها أي وحيثما أكلها موجود فصف ضم إسكانه أيضا لمدلول الذال من ذكرى نحو (فآتت أكلها ضعفين)-(أكلها دائم وظلها)و( ذكرى) ، مصدر من معنى صف لأن الواصف ذاكر أو يكون في موضع الحال أي صف ذاكرا أو مذكرا أو لأجل الذكرى أو هذه ذكرى ، وقوله وفي الغير يعني في غير أكلها مما هو من لفظه إلا أنه لم يصف إلى ضمير المؤنث نحو (أكل خمط)-(مختلفا أكله)-(ونفضِّل بعضها على بعض في الأكل) ، زاد معهم أبو عمرو على الضم لخفة هذا وثقل ما فيه ضمير المؤنث وذو حلا خبر مبتدإ محذوف يتعلق به في الغير أي والضم في غير ذلك ذو حلا أي صاحب زينة وحلية والله أعلم
(525)
وَفي رُبْوَةٍ فِي الْمُؤْمِنِينِ وَههُناَ عَلَى فَتْحِ ضَمِّ الراءِ (نَـ)ـبِّهْثُ (كُـ)ـفِّلاَ
يريد قوله (كمثل جنة بربوة)-(وآويناهما إلى ربوة) ، والفتح والضم في الراء لغتان ويقال أيضا بكسر الراء وكفلا جمع كافل وهو الضامن والذي يعول غيره وكنى به عن طالب العلم وخدمه
(526)
وَفي الْوَصْلِ لِلْبَزِّيِّ شَدِّدْ تَيَمَّمُوا وَتَاءَ تَوَفَّى فِي النِّسَا عَنْهُ مُجْمِلاَ

مجملا حال من الضمير في شدد أو من الهاء في عنه وهو من أجمل إذا أتى بالجميل وقوله في الوصل لأن قراءة البزي هذه لا تمكن في الوقف لأنه يشدد التاء في أوائل هذه الكلم الآتي ذكرها والحرف المشدد معدود حرفين أولهما ساكن والابتداء بساكن غير مقدور عليه فخص التشديد بحالة الوصل لتتصل التاء بما قبلها وهذا التشديد إنما هو إدغام تاء في مثلها لأن هذه المواضع التي وقع التشديد في أوائلها هي أفعال مضارعة أولها تاء المضارعة ثم التاء التي من نفس الكلمة فأدغم البزي الأولى في الثانية وغيره حذف إحدى التاءين تخفيفا ثم هذه التاءات على ثلاثة أقسام منها ما قبله متحرك كالذي في النساء (إن الذين توفاهم الملائكة) ، ومنها ما قبله حرف مد مثل (ولا تيمموا الخبيث) ، فالتشديد في هذين القسمين سائغ إذ لم يجتمع ساكنان على غير حدهما فإن (ولا تيمموا-مثل-دابة) ، فتمد الألف لذلك والقسم الثالث ما قبله ساكن صحيح نحو (هل تربصون) ، فهذا في إدغامه جمع بين الساكنين على غير حدهما وسيأتي الكلام عليه ومن المصنفين من يذكر هذه التاءات في باب الإدغام وهذا التشديد وارد في أحد وثلاثين موضعا بلا خلاف عن البزي وله موضعان مختلف عنه فيهما سيذكرهما بعد الفراغ من المتفق عليه له وقد قال مكي في التبصرة وقد روى عن البزي أنه شدد هذا وما كان مثله في جميع القرآن قال والمعول عليه هذه المواضع بعينها وقد ذكر الناظم منها في هذا البيت موضعين ثم أخذ في ذكر الباقي فقال
(527)
وَفي آلِ عِمْرَانٍ لَهُ لاَ تَفَرَّقُوا وَالأَنْعَامُ فِيهاَ فَتَفَرَّقَ مُثِّلاَ

يريد (ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم)-(فتفرق بكم عن سبيله) ، ولفظ به على صفة قراءة البزي له بالتشديد ولم يلفظ بغيره على ذلك إلا قوله (لتعارفوا) ، وهو ممكن قراءته على رواية البزي وعلى غيرها وفاعل مثلا ضمير عائد على البزي يعني مثله أي أحضره لك وأظهره ولا تفرقوا مثل ولا تيمموا والتاء في فتفرق بعد متحرك فكل هذا تشديده مستقيم
(528)
وَعِنْدَ الْعُقُودِ التَّاءُ في لاَ تَعَاَوَنُوا وَيَرْوِى ثَلاَثاَ فِي تَلَقَّفُ مُثَّلاَ
مثلا جمع ماثل من قولهم مثل بين يديه إذا قام وهو نعت ثلاثا أي روى التشديد في ثلاث متشخصات من لفظ تلقف وذلك في الأعراف وطه والشعراء وكلها بعد متحرك ولا تعاونوا مثل ولا تيمموا
(529)
تَنَزَّلُ عَنْهُ أَرْبَعٌ وَتَنَاصَرُونَ نَارًا تَلَظَّى إِذْ تَلَقَّوْنَ ثقِّلاَ
في الحجر (ما ننزل الملائكة) ، وفي الشعراء موضعان (على من تنزل الشياطين تنزل) ، وفي القدر من (ألف شهر تنزل) ، وفي الصافات (ما لكم لا تناصرون) ، فالذي في الحجر (وما لكم لا تناصرون) ، مثل ولا تيمموا والثاني من تنزل في الشعراء بعد متحرك فتشديد هذه الثلاثة جيد وأما الأول في الشعراء والذي في القدر (نارا تلظى)و(إذ تلقونه) ، فممتنع ذلك فيها لأنها بعد ساكن قال مكي وقوع الإدغام في هذا قبيح صعب ولا يجيزه جميع النحويين إذ لا يجوز المد في الساكن الذي قبل المشدد ، قال وقد قال بعض القراء فيه إنه إخفاء وليس بإدغام وهذا أسهل قليلا من الإدغام لأن الإخفاء لا تشديد فيه
(530)
تَكَلَّمُ مَعْ حَرْفَيْ تَوَلَّوْا بِهُودِهاَ وَفي نُورِهَا وَالاِمْتِحاَنِ وَبَعْدَلاَ

يريد (لا تكلم نفس) ، في هود وفيها-تولوا-في موضعين أحدهما في أولها (فإن تولوا فإني أخاف) ، والآخر في قصة عاد وفي النور (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل) ، وفي الممتحنة (أن تولوهم) ، فقوله لا تكلم مثل-ولا تيمموا-والبواقي في إدغامها جمع بين ساكنين ثم قال وبعد لا يعني لفظ-تولوا-جاء أيضا مشددا بعد حرف لا ثم ذكر مكانه فقال
(531)
في الأَنْفَالِ أَيْضًا ثُمَّ فِيهَا تَنَازَعُوا تَبَرَّجْنَ في الأَحْزَابِ مَعْ أَنْ تَبَدَّلاَ
يعني (ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون) ، وفي القرآن غير ذلك من لفظ تولوا ولم يشدد لأنه ماض نحو ما في سورة المائدة (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله) ، والذي في آل عمران (فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) ، وكذا الذي في آخر براءة ، (فإن تولوا فقل حبسي الله) ، يحتمل الوجهين ولكن لم يذكر في التاءات المشددة وفي الأنفال أيضا (ولا تنازعوا فتفشلوا)-(ولا تبرجن) ، فهذه الثلاثة من قبيل-ولا تيمموا-وأما (ولا أن تبدل بهن) ، فمن قبيل اجتماع الساكنين فهذه تسعة مواضع ثم ذكر العاشر فقال
(532)
وَفي التَّوْبَةِ الْغَرَّاءِ هَلْ تَرَبَّصُونَ عَنْهُ وَجَمْعُ السَّاكِنَيْنِ هُنَا انْجَلَى

قال الشيخ وقوله وجمع الساكنين أراد به وجمعنا للساكنين في النظم هنا انجلا أي انكشف وذهب لأن انقضاءه في النظم وقع هاهنا وهي ثمانية مواضع فذكرها وإن تولوا-فإن تولوا في هود وفي النور (فإن تولوا)-(إذ تلقونه)-(على من تنزل)-(نارا تلظى)-(شهر تنزل)-(هل تربصون) ، وبقي عليه اثنان (أن تبدل بهن)-(أن تولوهم) ، وذكرها غيره تسعة فأسقط-أن تبدل-وإنما هي عشرة في هذا البيت واحدة وفي الذي قبله واحدة وفي كل واحدة من البيتين قبلهما أربعة وقد بينا كلا في موضعه ، قال أو يكون قوله هنا أي في هذه القراءة ، قلت على هذا المعنى يحتمل أن يكون الناظم أشار إلى عسر هذه القراءة وعدم تحقق النطق بالتشديد مع وجود الساكن الصحيح قبل التاء كما أشار إلى ذلك في آخر باب الإدغام الكبير أي انكشف أمره وبان عسره وظهر تعذره وعلى الوجه الأول يكون المعنى أن المواضع التي يلزم من تشديدها الجمع بين الساكنين قد ذكرت فيما تقدم وفرغ منها هنا وليس يفهم من ذلك أنه ذكرها مرتبة بل تفرق ذكرها في أثناء المواضع ولكلامه هذا فائدة جليلة سيأتي ذكرها بعد شرح بيتين آخرين ثم تمم ذكر التاءات ولم يبق إلا ما هو بعد متحرك أو حرف مد فقال
(533)
تَمَيَّزَ يَرْوِي ثُمَّ حَرْفَ تَخَيَّرُونَ عَنْهُ تَلَهَّى قَبْلَهُ الْهَاءَ وَصَّلاَ

يعني (تكاد تميز)-(لما تخيرون)-(فأنت عنه تلهى) ، ولا يمنع تشديد التاء من صلة الهاء في عنه بواو على أصله بل يصل ويشدد فيقع التشديد بعد حرف مد هو الواو فيبقى مثل-ولا تيمموا-فهذا معنى قوله قبله الهاء وصلا أي وصل الهاء بواو وتمم الناظم البيت بذلك زيادة في البيان خوفا من ترك الفطن لذلك كما أنه يترك الصلة في نحو-لعلمه الذين-ويستظهر بقول الناظم ولم يصلوا ها مضمر قبل ساكن وقد تقدم الفرق بينهما في سورة أم القرآن في شرح قوله ومن دون وصل ضم ها قبل ساكن وفي أول باب هاء الكناية وقد ذكر مكي-عنه تلهى-في جملة ما قبله حرف مد ولولا الصلة لعده في جملة ما قبله متحرك والله أعلم
(534)
وَفي الْحُجُراتِ التَّاءُ فِي لِتَعَارَفُوا وَبَعْدَ وَلاَ حَرْفَانِ مِنْ قَبْلِهِ جَلاَ
يريد قوله تعالى (ولا تجسسوا)-(ولا تنابزوا ) ، فهذان موضعان كل واحد منهما بعد لفظ ولا وهما من قبل قوله-وقبائل لتعارفوا- والكل في سورة الحجرات وقوله جلا ليس برمز لورش فهو موهم ذلك فإن جميع الأبيات يقيد فيها بأنها عنه أوله ويروى فيفهم عود ذلك إلى البزي وكل بيت خلا من شيء من ذلك لم يكن فيه ما يوهم رمزا لأنه مجرد تعداد المواضع فيكون القيد فيما بعدها شاملا للجميع كقوله تكلم في الأنفال البيتين فإن الجميع تقيد بقوله في البيت الآخر (هل تربصون) ، عنه فإن قلت فهذا البيت أيضا قد تقيد في البيت بعده من قوله عنه على وجهين قلت تكون الهاء في عنه عائدة على مدلول جلا فالإيهام باق بحاله بخلاف ما تقدم فإنه لم يسبقه ما يوهم الرمز به والضمير في جلا لقوله (لتعارفوا) ، أي كشف عن الحرفين اللذين قبله بدلالته عليهما فهذا آخر الكلمات المعدودة أحدا وثلاثين المشددة للبزي بلا خلاف منها سبعة بعد متحرك وأربعة عشر بعد حرف مد وعشرة بعد ساكن صحيح والذي قبله حرف مد منه واحد بعد الواو وهو-عنه تلهى- وثلاثة عشر بعد الألف ثم ذكر له موضعين آخرين اختلف عنه فيهما فقال

(535)
وَكُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الَّذِي مَعْ تَفَكَّهُونَ عَنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَافْهَمْ مُحَصِّلاَ
يعني (ولقد كنتم تمنون الموت) ، في آل عمران ، (فظلتم تفكهون) ، في الواقعة ويصل الميم قبل ذلك كما تقدم في (عنه تلهى) ، فيبقى من قبيل-ولا تيمموا ، فإن قلت لم ينص الناظم على صلة الميم قلت لا حاجة إلى ذلك فإنه معلوم من موضعه ولو لم ينص على صلة (عنه تلهى) ، لما احتيج إلى ذلك كما سبق ولهذا لم يذكر في التيسر صلة شيء من ذلك اتكالا على ما علم من مذهبه ومن المشتغلين بهذه القصيدة من يظن أنه لا صلة في الميمين لعدم نص الناظم عليها وذلك وهم منه والناظم وإن لم يصرح بالصلة فقد كنى عن ذلك بطريق لطيف لمن كان له لب وفهم مستقيم وذلك أنه لو لم تكن هنا صلة لأدى التشديد إلى جمع الساكنين على غير حدهما وقد قال الناظم فيما قبل ، وجمع الساكنين هنا انجلا ، وكان من هذه العبارة وجود الصلة في هذه الميم تصديقا لقوله إن اجتماع الساكنين قد انقضى عند قوله (قل هل تربصون) ، وما أدري ما وجه الخلاف في تشديد هاتين التاءين وليت الخلاف كان عند وجود الساكنين وإلى مثل هذه الدقائق والمعاني أشار بقوله فافهم محصلا أي في حال تحصيل واشتغال وبحث وسؤال لا في حال كلال وملال وعدم احتفال والحمد لله على كل حال
(536)
نِعِمَّا مَعاً في النُّونِ فَتْحٌ (كَـ)ـمَا (شَـ)ـفَا وَإِخْفَاءِ كَسْرِ الْعَيْنِ (صِـ)ـيغَ (بِـ)ـهِ (حُـ)ـلاَ

معا يعني هنا وفي النساء فالذي هنا-إن تبدوا الصدقات فنعما هي-والذي في سورة النساء-إن الله نعما يعظكم به-وكذلك حيث ذكر الناظم معا فإن معناه أن هذا الحرف في موضعين أحدهما أو كلاهما في هذه الصورة كما قال معا قد حرك فإن كان الحرف في أكثر من موضعين لم يقل معا بل يقول حيث أتى أو جميعا أو الكل ونحو ذلك ولو قال معا في الزائد على الاثنين لكان سائغا في اللغة وقد سبق تقريره في باب الهمز المفرد ولكنه فرق بين المعنيين بذلك وليس بحتم أن يقول معا في موضعي الخلاف بل قد يأتي بعبارة أخرى نحو قوله وفي لام لله الأخيرين حذفها (عسيتم) ، بكسر السين حيث أتى انجلا وهو في موضعين فقط كما مر ذكره فإن كان الخلاف في موضعين لكلمة واحدة وتلك الكلمة قد جاءت على أحد الوجهين في موضع ثالث بلا خلاف لم يقل فيه معا لأنه لا يفهم من ذلك موضع الخلاف من موضع الاتفاق بل ينص على موضعي الخلاف كقوله وكسرك (سخريا) ، بها وبصادها لأن الكلمة قد جاءت أيضا في الزخرف ولكنها مضمومة بلا خلاف واعلم أن (نعما) ، كلمتان كتبتا متصلتين والتقى المثلان فأدغمت الميم في الميم واتفق القراء على الإدغام موافقة لخط المصحف فإنهما كتبتا بميم واحدة وهذا موضع اتفق عليه من باب الإدغام الكبير لأن الميم من نعم متحركة مفتوحة وقد أدغمت في الميم من ما الداخلة عليها وكان الأصل نعم ما كما تقول بئس ما ولما أريد الإدغام لم يمكن مع سكون العين قبلها فكسرت فمن القراء من أشبع الكسر في الموضعين معا وهم ابن كثير وورش وحفص وكل من فتح النون ومنهم من أخفى الكسر واختلسه تنبيها على أن أصل هذه العين السكون وهم أبو عمرو وقالون وأبو بكر ، وما أحسن ما عبر عنهم الناظم بقوله صيغ به حلا وباقي القراء وهم ابن عامر وحمزة والكسائي فتحوا النون وكسروا العين وهذه هي اللغة الأصلية في هذا الفعل كحمد وعلم ثم سكن عينه تخفيفا لكثرة استعماله ونقلت كسرة العين إلى النون فصارت هذه هي أفصح

اللغات فيه كما قال تعالى في موضع لا يتصل به ما (نعم العبد) ، فلما اتصلت به ما وجب الإدغام لأجل الخط ولزم كسر العين لأجل الساكنين بقيت كسرة النون على حالها ومن فتحها عدل عن اللغة الأصلية ليأتي بالكسر الأصلي للعين ولا يحتاج إلى كسر لالتقاء الساكنين ويجوز أيضا في اللغة أن يقال في نعم المجردة عن كلمة ما نعم بكسر النون والعين ونعم بفتح النون وسكون العين نص على ذلك أبو جعفر النحاس وغيره وقد ذكر بعض المصنفين في القراءات إسكان العين مع الإدغام وذلك غير مستقيم في التحقيق ونسبه صاحب التيسير إلى من حكى لهم الإخفاء هنا فقال قالون وأبو بكر وأبو عمرو بكسر النون وإخفاء حركة العين ويجوز إسكانها وبذلك ورد النص عنهم والأول أقيس ، قلت ولم يعرج الناظم على هذه الرواية وترك ذكرها كما ترك ذكر نظيرها في (لا تعدوا في السبت) ، كما يأتي وأصاب في ذلك قال مكي في التبصرة وقد ذكر عنهم الإسكان وليس بالجائز وروى عنهم الاختلاس وهو حسن قريب من الإخفاء وقال في الكشف روى عن أهل الإخفاء الاختلاس وهو حسن وروى الإسكان للعين وليس بشيء ولا قرأت به لأن فيهما جمعا بين ساكنين ليس الأول حرف مد ولين وذلك غير جائز عند أحد من النحويين وقال أبو علي من قرأ (فنعما) ، بسكون العين لم يكن قوله مستقيما عند النحويين لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بمد ولين وقد أنشد سيبويه شعرا قد أجتمع فيه الساكنان على حد ما اجتمعا في نعما وأنكره أصحابه قال ولعل أبا عمرو أخفا ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو (بارئكم-و-يأمركم) ، فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك في السمع وخفائه وقال أبو جعفر النحاس فأما الذي حكى عن أبي عمرو ونافع من إسكان العين فمحل ، حكى عن محمد بن يزيد أنه قال أما إسكان العين والميم مشددة فلا يقدر عليه أحد أن ينطق به وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأبه أي لا ينتبه للتحريك ولا يفطن به ، وقد اختار قراءة الإسكان الإمام أبو

عبيد القاسم بن سلام وهو من عجيب اختياراته فذكر قراءة الإسكان في كتابه أولا ثم ذكر قراءة فتح النون وكسر العين ثم قال وبالقراءة الأولى قرأت لأنها فيما يروى لغة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لعمرو بن العاص نعما المال الصالح للرجل الصالح ، قال هكذا يروى عنه صلى الله عليه وسلم على هذا اللفظ قال ثم أصل الكلمة أيضا إنما هي نعم زيدت فيها ما وإنما قرأ تلك القراءة الأخرى من قرأها لكراهة أن يجمعوا بين ساكنين العين والميم فحركوا العين قال وهو مذهب حسن في العربية ولكنه على خلاف الحديث والأصل جميعا ، قال أبو إسحاق الزجاج بعد ذكره كلام أبو عبيد ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة البتة لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد ولا لين ، قلت صدق أبو إسحاق فكما قيل عمن روى قراءة الإسكان إنه سمع الإخفاء فلم يضبط كذلك القول في رواة الحديث بل أولى لكثرة ما يقع في الأحاديث من الروائق على خلاف فصيح اللغة وقد أخرج هذا الحديث الحاكم في كتابه المستدرك وقال في آخره يعني بفتح النون وكسر العين هذا حديث صحيح ، قلت والحديث بتمامه مذكور في ترجمة عمرو بن العاص في تاريخنا الشامي وغيره والباء في بالمال زائدة مثلها في (وكفى بالله شهيدا) والله أعلم
(537)
وَيَا وَنُكَفِّرْ (عَـ)ـنْ (كِـ)ـرَامٍ وَجَزْمُهُ (أَ)تَى (شَـ)ـافِيًا وَالْغَيْرُ بِالرَّفْعِ وُكِّلاَ

يعني أن حفصا وابن عامر بالياء والباقون بالنون وهي ظاهرة وأما الياء فإخبار عن الله أو عن المذكور وهو الإخفاء ولإيتاء الذي دل عليه قوله تعالى (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) ، أي هذا الفعل خير لكم وهو يكفر عنكم وجزم الراء من القراء نافع وحمزة والكسائي لأنه معطوف على موضع (فهو خير لكم) ، وموضعه جزم على جواب الشرط وسيأتي مثل ذلك في الأعراف (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم) ، قرئ بالياء والنون والجزم والرفع والأكثر ثم على الياء والرفع ووجه الرفع فيهما الاستئناف واستقل الجواب بما قبل ذلك وقوله والغير بالرفع زيادة في البيان لم تدع إلى ذكر ضرورة لأن الرفع ضد الجزم كما أن النون ضد الياء فكما لم يذكر النون كان له أن لا يذكر الرفع والله أعلم
(538)
وَيَحْسَبُ كَسْرُ السِّينِ مُسْتَقبَلاً (سَمَا) (رِ)ضَاهُ وَلَمْ يَلْزَمْ قِيَاساً مُؤَصَّلاَ

مستقبلا حال من يحسب ولولا هو لما كان الخلاف إلا في الذي في سورة البقرة فقط (يحسبهم الجاهل أغنياء) ، فقال مستقبلا ليشمل كل فعل مستقبل في القرآن سواء كان بالياء وأو بالتاء متصلا به ضمير أو غير متصل نحو (أيحسب الإنسان)-(أم تحسب أن أكثرهم)-(ولا تحسبن)-(وهم يحسبون)-(فلا تحسبنهم) ، ولو قال موضع مستقبلا كيف أتى كان أصرح لكنه خاف أن يلتحق بذلك الفعل الماضي نحو (وحسبوا ألا تكون فتنة)-(أحسب الناس أن يتركوا) مما لا خلاف في كسره وكسر السين مبتدأ ثان والعائد إلى المبتدأ الأول وهو يحسب محذوف تقديره كسر السين منه وسما رضاه خبره والكسر والفتح في ذلك لغتان مشهورتان والفتح هو الجاري على القياس لأن ماضيه مكسور السين والغالب على الأفعال التي ماضيها كذلك أن مستقبلها بالفتح كعلم يعلم وشرب يشرب ، وأما إتيان المستقبل بالكسر كالماضي فخارج عن القياس ولم يأت إلا في أفعال يسيرة منها حسب ونعم وبئس فهذا معنى قوله ولم يلزم قياسا مؤصلا أصلته العرب وعلماء العربية وفاعل يلزم ضمير يرجع على يحسب أي لو لزم القياس لكانت سينه مفتوحة واختار أبو عبيد قراءة الكسر وذكر حديثا عن لقيط بن صبرة قال كنت وافد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا نحن عنده إذ روح الراعي غنمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أولدت قال بهمة قال اذبح مكانها شاة ثم قال لا تحسبن ولم يقل لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها قال أبو عبيد بالكسر نقرؤها في القرآن كله اختيارا لما حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لغته واتباعا للفظه والله أعلم
(539)
وَقُلْ فَأْذَنُوا بِالْمَدِّ وَاكْسِرْ (فَـ)ـتىً (صَـ)ـفَا وَمَيْسَرَةَ بِالضَّمِّ في السِّينِ (أُ)صِّلاَ

فتى صفا حال من الضمير في واكسر وأراد كسر الذال وبالمد أراد به ألفا يزيدها بعد الهمزة ويلزم من ذلك تحريك الهمزة والعبارة مشكلة على من لا يعرف القراءة إذ قد يفهم أن الكسر في الهمزة فيكون المد بعدها ياء أو يريد بالمد الألف بعد الألف التي هي بدل من الهمزة الساكنة ويكون الكسر في الذال فيلبس ذلك على من لا يعرف فيحتاج إلى موقف ولو قال ومد وحرك فأذنوا اكسر فتى صفاه لظهر الأمر فقراءة حمزة وأبي بكر من الأعلام أي فأعلموا من وراءكم بحرب من الله لأن آذن بمعنى أعلم وقراءة الجماعة من أذن به أي علم به فهو أذين أي كونوا على إذن بحرب من الله ورسوله وأما ميسرة بالفتح والضم فلغتان والفتح أفصح وأشهر وأقيس وهي اختيار أبي عبيد وغيره والله أعلم
(540)
وَتَصَّدَّقُوا خِفٌّ (نَـ)ـمَا تُرْجَعُونَ قُلْ بِضَمٍّ وَفَتْحٍ عَنْ سِوى وَلَدِ الْعُلاَ
يريد (وأن تصدقوا خير لكم) ، وأصله تتصدقوا فحذف عاصم إحدى التاءين وغيره أدغم الثانية في الصاد فمن ثم جاء التشديد وأراد (واتقوا يوما ترجعون فيه) ، والخلاف فيه على ما سبق معناه في ترجع الأمور
(541)
وَفي أَنْ تَضِلَّ الْكَسْرُ (فَـ)ـازَ وَخَفَّفُوا فَتُذْكرَ (حَقًّـ)ـا وَارْفَعِ الرَّا (فَـ)ـتَعْدِلاَ
إنما قال فاز لأن وجهه ظاهر أي إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرى ولهذا رفع فتذكر لأنه جواب الشرط نحو (ومن عاد فينتقم الله منه) ، فلما لم يستقم مع الكسر إلا الرفع قال فتعدلا ومن فتح أن فعلى التعليل وعطف فتذكر على تضل وإن كان التعليل في الحقيقة إنما هو الإذكار ولكنه تقدم ذكر سببه وهو الإضلال ونظيره أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه به وعلة إعداد السلاح إنما هو دفع العدو لا مجيئه ولكن ذكر مجيء العدو توطئة له لأنه سبب الدفع والتخفيف والتشديد في فتذكر لغتان يقال اذكر وذكر كأنزل ونزل والله أعلم
(542)

تِجَارَةٌ انْصِبْ رَفْعَهُ فِي النِّسَا (ثَـ)ـوى وَحَاضِرةٌ مَعْهَا هُنَا عَاصِمٌ تَلاَ
الذي في النساء (إلا أن تكون تجارة عن تراض) وهنا (إلا أن تكون تجارة حاضرة) ، فنصب التي في النساء الكوفيون ونصب التي في البقرة عاصم مع صفتها وهي حاضرة فقوله وحاضرة معها أي وانصب حاضرة مع تجارة هنا ثم قال عاصم تلا ذلك أو التقدير عاصم تلا حاضرة معها أي نصبهما وأجاز الناظم مع ههنا أي مع الحرف الذي ههنا فوجه النصب في الموضعين جعل كان ناقصة واسمها مضمر يعني الأموال ذات تجارة ومن رفع جعلها تامة وقيل إنها أيضا هنا ناقصة والخبر تديرونها ويجوز أن يقدر في النساء دائرة بينكم والله أعلم
(543)
وَ (حَقٌّ) رِهَانٍ ضَمُّ كَسْرٍ وَفَتْحَةٍ وَقَصْرٌ وَيَغْفِرْ مَعْ يُعَذِّبْ (سَمَا) الْعُلاَ
أي حق جمع رهان أن يكون مضموم الراء والهاء وأن تحذف ألفه وهو المراد بقوله وقصر فيقال رهن يشير إلى أن رهن جمع رهان وهو قول الأكثر ورهان جمع رهن وهو قياس جمعه كفرخ وفراخ وبغل وبغال وكبش وكباش والرهن في الأصل مصدر ثم استعمل استعمال الكتاب فكما يسمى المكتوب كتابا كذلك يسمى المرهون رهنا وقيل رهن أيضا جمع رهن كسقف وسقف وأما قوله تعالى (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ، فقرءتا بالجزم عطفا على (يحاسبكم) ، وبالرفع قرأ ابن عامر وعاصم على الاستئناف أي فهو يغفر ويعذب ثم ذكر تتمة رمز الجزم فقال
(544)
(شَـ)ـذَا الْجَزْمِ وَالتَّوْحِيدُ فِي وَكِتَابِهِ (شَـ)ـرِيفٌ وَفي التَّحْرِيمِ جَمْعُ (حِـ)مىً (عَـ)لاَ

شذا فاعل سما في البيت الماضي والعلا مفعول أي طال شذا جزم يغفر مع يعذب العلا والشذا حدة الطيب وتوحيد الكتاب هنا أريد به القرآن أو جنس الكتاب وفي التحريم أريد به الإنجيل أو الجنس ولم يقرأ بالجمع في التحريم إلا أبو عمرو وحفص لأنه ليس معه ورسله بخلافه هنا وروينا في جزء المخزومي عن علي بن عاصم قال أخبرنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) ، ويقول الكتاب أكثر من الكتب قال علي بن عاصم فسألت أهل العربية فقالوا الكتاب جماع الجميع قلت كأنهم أشاروا إلى أن الكتاب مصدر فجميع الكتب كتابه المشهورة وغير المشهورة ووجه قراءة من جمع في البقرة وأفرد في التحريم أنه نظر إلى من أسند الفعل إليه في الموضعين وهو في البقرة مسند إلى المؤمنين ومؤمنو كل زمان لهم كتاب يخصهم وفي التحريم الفعل مسند إلى مريم وحدها فأشير إلى الكتاب المنزل في زمانها ووجه الجمع أن قبلها (بكلمات ربها) ، وفي البقرة قبلها (وملائكته) وبعدها (ورسله)
(545)
وَبَيْتِي وَعَهْدِي فَاذُكُرُونِي مُضَافُهَا وَرَبِّي وَبِي مِنِّي وَإِنِّي مَعاً حُلاَ

أي في هذه السورة من ياءات الإضافة المختلف في فتحها وإسكانها على ما تقرر في بابها ثماني ياءات وإنما ذكر في آخر كل سورة ما فيها من ياءات الإضافة لأنه لم ينص عليها بأعيانها في بابها وإنما ذكرها على الإجمال فبين ما في كل سورة من الياءات المختلف فيها لتنفصل من المجمع عليها ويأخذ الحكم فيما يذكره من الياءات السابق في أحكامها ولم يذكر الزوائد لأنها كلها منصوص عليها بأعيانها في بابها وصاحب التيسير لما لم ينص على الجميع بأعيانها في البابين احتاج إلى ذكر الأمرين في آخر كل سورة وبيان حكم كل ياء منها فتحا وإسكاناً حذفا وإثباتا وزاد بعض المصنفين في آخر كل سورة ذكر ما فيها من كلمات الإدغام الكبير مفروشة ، أما الياءات الثماني المنصوصة فنشرحها ونبين أحكامها استذكارا لما سبق بيانه قوله تعالى (بيتي للطائفين) ، فتحها نافع وهشام وحفص (عهدي الظالمين) ، سكنها حمزة وحفص (فاذكروني أذكركم) ، فتحها ابن كثير وحده (ربي الذي يحيي) ، سكنها حمزة وحده (بي لعلهم يرشدون) ، فتحها ورش وحده (مني إلا من اغترف) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إني أعلم ما لا تعلمون)-(إني أعلم غيب السموات) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو فهذا معنى قوله وإني معا أي تكررت مرتين وحلا أي هي حلا وفي هذه السورة من ياءات الزوائد ثلاث ياءات (أجيب دعوة الداع إذا دعان) ، أثبتها أبو عمرو وورش في الوصل وقالون على رواية (واتقون يا أولي الألباب) ، أثبتها أبو عمرو وحده في الوصل وكنت قد طلب مني نظم الزوائد في أواخر السور تبعا لياءات الإضافة ففعلت ذلك في نيف وعشرين بيتا سيأتي ذكرها مفرقة في أواخر السور التي تكون فيها وقلت في آخر سورة البقرة بيتا ابتدأته بعد ياءات الإضافة المنظومة وهو ، (فتلك ثمان والزوائد واتقون من قبلها الداعي دعاني قد انجلا) ، والله أعلم
سورة آل عمران
(546)

وَإِضْجَاعُكَ التَّوْرَاةَ (مَـ)ـا رُدَّ (حُـ)سْنُهُ وَقُلِّلَ (فِـ)ـي (جَـ)ـوْدٍ وَبِالْخُلْفِ (بَـ)ـلَّلاَ
الإضجاع من ألفاظ الإمالة وأميلت ألف التوراة لأنها بعد راء وقد وقعت رابعة فأشبهت ألف التأنيث-كتترى-و-النصارى فلهذا قال ما رد حسنه وقيل الألف منقلبة عن ياء وأصلها تورية من ورى الزند وهذا تكلف ما لم تدع إليه حاجة ولا يصح لأن إظهار الاشتقاق إنما يكون في الأسماء العربية والتوراة والإنجيل من الأسماء الأعجمية ، قوله وقلل في جود يعني أميل إمالة قليلة وهي التي يعبر عنها بقولهم بين بين وبين اللفظين وقد سبق الكلام في تحقيقها في باب الإمالة والجود المطر الغزير أي في شهرة واستحسان كالجود الذي تحيا به الأرض يشير إلى أن التقليل محبوب مشهور في اللغة وبالخلف بللا يعني قالون لأنه لم يدم على التقليل فهو دون الجود إذ كان مرة يفتح ومرة يقلل فاختلف الرواة عنه لذلك وهذا الموضع من جملة ما الحكم فيه عام ولم ينبه عليه الناظم لأن إمالة التوراة لا تختص بما في هذه السورة وكان موضع ذكرها باب الإمالة ولو ذكرها فيه لظهر إرادة العموم لأنه ليس بعض السور بأولى به من بعض كما ذكر ثم ألفاظا كثيرة وعمت كقوله وإضجاع-أنصارى-وآذانهم-طغيانهم- وإنما ذكر إمالة التوراة هنا موافقة لصاحب التيسير ولكن صاحب التيسير قال في جميع القرآن فزال الإشكال وظاهر إطلاق الناظم يقتضي الاقتصار على ما في هذه السورة على ما سبق تقريره مرارا ومن الدليل على أن من عادته بالإطلاق الاقتصار على ما في السورة التي انتظم فيها وإذا أراد العموم نص عليه بما يحتمل ذلك قوله في أول سورة المؤمنين-أماناتهم وحد-وفي سال داريا ثم قال صلاتهم شاف فأطلق وفي سأل أيضا-صلواتهم- ولا خلاف في إفراده فلما لم يكن فيها خلاف أطلق لعلمه أن لفظه لا يتناولها إلا بزيادة قيد ولما عم الخلاف في أماناتهم قيد فقال وفي سال وفي هذه السورة موضعان آخران عم الحكم فيهما ولم ينبه

عليهما وهما-هأنتم-وكأين-كما سيأتي وكان يمكن أن يقول هنا أمل جملة التوراة ما رد حسنه والله أعلم
(547)
وَفي تُغْلَبُونَ الْغَيْبُ مَعْ تُحْشَرُونَ (فِـ)ـي (رِ)ضًا وَتَرَوْنَ الْغَيْبُ (خُـ)صَّ وَخُلِّلاَ
في رضى في موضع نصب على الحال من الغيب أو في موضع رفع خبرا له أي الغيب مستقر في هذين اللفظين كائنا في وجه مرضى به أو الغيب فيهما كائن في رضى والغيب والخطاب في مثل واحد كما تقول قل لزيد يقوم وقل لزيد قم وقد تقدم مثله في البقرة (لا تعبدون إلا الله) ، بالتاء وبالياء وقد جاء في القرآن العزيز الغيب وحده في قوله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم) ، والخطاب وحده في قوله سبحانه (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون) ، وقيل ليقول لهم اليهود والإخبار عن مشركي مكة وقوله ويرون الغيب ويرون مبتدأ والغيب بدل منه بدل الاشتمال أي وغيب يرون خص ويجوز أن يكون الغيب خص مبتدأ وخبرا وهما خبر يرون والعائد محذوف أي الغيب فيه وخلل بمعنى خص وإنما جمع بينهما تأكيدا لاختلاف اللفظين كقول عنترة (أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ) ، يريد قوله (يرونهم مثليهم) ، أي خص الذين حضروا القتال فهم الذين رأوا الخطاب قيل لليهود وقيل لمن غاب عن الوقفة من المسلمين أو المشركين فلم يختص الرائي على قراءة الخطاب بالحاضرين فالمعنى على قراءة الغيب يرى المشركون المسلمين مثلي المشركين أو مثلي المسلمين أو يرون أنفسهم مثلي المسلمين أو يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين وذلك أيضا تقليل لأنهم كانوا أكثر من ثلاثة أمثالهم أو يرون أنفسهم مثلي المشركين ، وعلى قراءة الخطاب يحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين أي ترون المشركين ببدل مثلي المسلمين الحاضرين لها أو ترون المسلمين الحاضرين مثلي المشركين أو ترون المسلمين مثلي المسلمين تكثيرا لهم ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين أي ترون المسلمين مثلي المشركين ترغيبا لهم أو ترون المشركين مثلي المسلمين حقيقة ومع

هذا نصر المسلمون عليهم ويحتمل أن يكون الخطاب لليهود أي ترون المشركين مثلي المسلمين حقيقة أو ترون المسلمين مثلي المشركين آية من الله تعالى أو ترون المسلمين مثلي المسلمين وعلى الجملة فهذه الوجوه كلها ما كان منها دالا على التقليل من الطريقين فهو على وفق ما كان في سورة الأنفال من قوله تعالى (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) ، وما كان منها دالا على التكثير فوجه الجمع بين الآيتين أن التكثير وقع بعد التقليل وكان حكمة تقليل المسلمين أولا أن لا يكترث لهم الكفار ويستهينوا أمرهم فلا يكثروا الاستعداد لهم وحكمة تقليل المشركين ظاهرة وهي أن لا يهابهم المسلمون ولا يرغبوا بسبب كثرتهم فلما حصل الغرض من الجانبين والتقى الجمعان كثر الله تعالى المسلمين في أعين الكفار ليجتنبوا عنهم فينهزموا وليس بقوي عندي في معنى هذه الآية إلا أن المراد تقليل المسلمين وتكثير المشركين فهو موضع الآية التي ذكرها الله سبحانه بقوله (قد كان لكم آية في فئتين التقتا) ، ويدل عليه قوله بعد ذلك (والله يؤيد بنصره من يشاء) ، أي ليس ذلك بسبب قلة ولا كثرة فلا تغتروا بكثرتكم فإن النصر من عند الله والهاء في ترونهم للكفار سواء قرئ بالغيب أو الخطاب والهاء في مثليهم للمسلمين ، فإن قلت إن كان المراد هذا فهلا قيل يرونهم ثلاثة أمثالهم وكان أبلغ في الآية وهي نصر القليل على هذا الكثير والعدة كانت كذلك أو أكثر قلت أخبر عن الواقع وكان آية أخرى مضمومة إلى آية النصر وهي تقليل الكفار في أعين المسلمين وقللوا إلى حد وعد المسلمون النصر عليهم وهو أن الواحد من المسلمين يغلب الاثنين فلم تكن حاجة إلى التقليل أكثر من هذا وفيه فائدة وقوع ما ضمن لهم من النصر في ذلك والله أعلم
(548)
وَرِضْوَانٌ اضْمُمْ غَيْرَ ثَانِي الْعُقُودِ كَسْرَهُ (صَـ)ـحَّ إِنَّ الدِّينَ بِالْفَتْحِ رُفِّلاَ

ضم الراء وكسرها في رضوان لغتان قيل الضم لنبي تميم والكسر لأهل الحجاز وأجمع على كسر الثاني في سورة المائدة وقوله تعالى (ومن ابتع رضوانه سبل السلام) ، والأول فيه الخلاف وهو (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) ، والأولى في البيت أن يكون ورضوانا اضمم بالنصب فهو مثل زيدا اضرب وليس تصح إرادة الحكاية هنا لأن لفظ رضوان المختلف فيه جاء بالحركات الثلاث فرفعه نحو ما في هذه السورة ونصبه نحو الأول في المائدة وجره مثل نحو (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) ، فإذا لم تستقم إرادة لفظ واحد منها على الحكاية تعين أن يسلك وجه الصواب في الإعراب وهو النصب (إن الدين عند الله الإسلام) ، بالفتح رفل أي عظم يعني فتح همزة إن ووجهه جعله بدلا من قوله (أنه لا إله إلا هو) ، قال أبو علي فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو ألا ترى أن الدين هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل وهو هو في المعنى ، قال وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل ، قال وإن شئت جعلته بدلا من القسط لأن الدين الذي هو الإسلام قسط وعدل فيكون من البدل الذي الشي فيه هو هو وقيل إن الدين مفعول شهد الله وقيل إن الدين معطوف على أنه وحرف العطف محذوف والبدل أوجه هذه الأوجه ووجه الكسر الاستئناف لأن الكلام الذي قبله قد تم والله أعلم
(549)
وَفي يُقْتلُونَ الثَّانِ قَالَ يُقَاتِلُونَ حَمْزَةُ وَهْوَ الْحَبْرُ سَادَ مُقَتِّلاَ
يعني (ويقتلون الذين يأمرون بالقسط) ، واحترز بقوله اثنان عن الأول وهو (ويقتلون النبيين بغير حق) ، فلا خلاف فيه أنه من قتل وأما الثاني فقرأه حمزة من قاتل ثم أثنى على حمزة بقوله وهو الحبر أي العالم يقال بفتح الحا وكسرها والمقتل والمجرب للأمور وهو حال من فاعل ساد العائد على حمزة يشير إلى شيخوخته وخبرته بهذا العلم يقال رجل مقتل إذا كان قد حصلت له التجارب فتعلم وتحنك بها والله أعلم
(550)

وَفي بَلَدٍ مَيْتٍ مَعَ المَيْتِ خَفَّفُوا (صَـ)ـفَا (نَفَرًا) وَالمَيْتَةُ الْخِفُّ خُوِّلاَ
أي الخلف وقع في هذين اللفظين حيث أتيا ، قال في التيسير الحي من الميت والميت من الحي وإلى بلد ميت وشبهه إذا كان قد مات والتخفيف والتثقيل في مثل هذا لغتان ، قال الشاعر فجمع بين اللغتين ، (إنما الميت ميت الأحياء ) ، وقوله صفا نفرا نصب نفرا على التمييز وقد استعمل هذا اللفظ بعينه في موضعين آخرين أحدهما في أواخر هذه السورة في ومتم ومت فقال فيه صفا نفر بالرفع على الفاعلية والموضع الآخر في سورة التوبة ترجئ همزة صفا نفر بالجر على الإضافة وقصر صفا الممدود ، وقوله والميتة الخف الخف يقع في بعض النسخ منصوبا وفي بعضها مرفوعا فوجه النصب أن يكون مفعولا ثانيا لقوله خولا أي ملك هذا اللفظ الخف من قولهم خوله الله الشيء إذا ملكه إياه ووجه الرفع أنه مبتدأ ثان والعائد إلى الأول محذوف أي الخف فيه كقوله ، السمن منوان بدرهم أي التخفيف فيه خول أي حفظ من خال الراعي يخول فهو خائل إذا حفظ والتشديد للتكثير ويجوز أن يكون الخف صفة الميتة أي انفرد نافع بتثقيله وأشار بقوله خولا أي حفظ إلى أن لفظ الميتة الذي وقع فيه الخلاف معروف مشهور بين القراء وهو الذي في سورة يس (وآية لهم الأرض الميتة) ولا شك أن إطلاق الناظم الميتة يلبس على المبتدئ بقوله (الميتة والدم) ، في سورتي المائدة والنحل أما الذي في البقرة فلا يلبس لأنه تعداه ولم يذكره فدل على أنه غير مختلف فيه وقول من قال لما لم يذكر الذي في البقرة علم أنه لا خلاف فيه ولا ما كان من نوعه غير مستقيم فكم من ألفاظ متفقة وقع الخلاف في بعضها على ما نظم نحو-بسطة-في البقرة بالسين اتفاقا وفي الأعراف تقرأ بالصاد والسين ولو كان أخر ما في يس إلى سورته لكان أولى وليته ذكره في الأنعام كما فعل صاحب التيسير والله أعلم
(551)

وَمَيْتًا لَدَى الأَنْعَامِ وَالْحُجُرَاتِ (خُذْ) وَمَا لَمْ يَمُتْ لِلْكلِّ جَاءَ مُثَقَّلاَ
يريد قوله تعالى-أو من كان ميتا فأحييناه-أن يأكل لحم أخيه ميتا-انفرد نافع أيضا بتثقيلهما كالميتة في يس ثم أخذ يذكر ما أجمعوا على تثقيله فقال هو ما لم يمت أي ما لم يتحقق فيه بعد صفة الموت كقوله وما هو بميت (إنك ميت وإنهم ميتون)-(ثم إنكم بعد ذلك لميتون) ، وكذلك أجمعوا على تخفيف الميتة في غير يس وذلك في البقرة والمائدة والنحل و-إلا أن يكون ميتة-في الأنعام وفيها (إن تكن ميتة فهم فيه شركاء) وفي ق (وأحيينا به بلدة ميتا) ، ونحوه فقول صاحب التيسير في ضبط ما وقع فيه الخلاف إذا كان قد مات يرد عليه هذا الذي أجمع على تخفيفه والناظم أخذ مفهوم عبارة صاحب التيسير فقال وما لم يمت للكل جاء مثقلا ولم يتعرض لما أجمعوا على تخفيفه وتعرض له مكي فقال لم يختلفوا في تشديد ما لم يمت ولا في تخفيف ما هو نعت لما فيه هاء التأنيث نحو (بلدة ميتا) ، فقد بان أن ما أجمع عليه منه ما ثقل ومنه ما خفف وقلت بدل هذا البيت بيتا نبهت فيه على ذلك وبينت ما وقع فيه الخلاف من الميتة وهو بعد قوله والميتة الخف خولا ، (بياسين في الأنعام ميتا خذوا وفوق ق وباقي الباب خف وثقلا) ، أي هذه مواضع الخلاف قد نص عليها وما عدا ذلك مجمع عليه لكن بعضه وقع الاتفاق على تحقيقه وبعضه على تشديده والله أعلم ، ووقع في كتاب السبعة لابن مجاهد تخفيف سائر القرآن مما لم يمت زاد في نسخة كقوله وإن يكن ميتة وبلدة ميتا ونحوه
(552)
وَكَفَّلَهاَ الْكُوفِي ثَقِيلاً وَسَكَّنُوا وَضَعْتُ وَضَمُّوا سَاكِناً (صَـ)ـحَّ (كُفِّلاَ)

أي يقرؤه الكوفي ثقيلا أي كفلها الله زكريا وقرأ الجماعة على إسناد الفعل إلى زكريا وهو موافق لقوله تعالى (أيهم يكفل مريم) ، وقراءة وضعت بإسكان العين وضم التاء على إخبار أم مريم عليها السلام عن نفسها وقراءة وضعت بفتح العين وسكون التاء إخبار من الله تعالى عنها وليس الضمير في سكنوا ولا في ضموا عائد على الكوفي وإنما يعودان على مطلق القراءة ولو قال ، (وكفلها الكوفي ثقيلا وضعت ساكن العين واضمم ساكنا صح كفلا) ، لارتفع هذا الوهم وكفلا جمع كافل وهو منصوب على التمييز والله أعلم
(553)
وَقُلْ زَكَرِيَّا دُونَ هَمْزِ جَمِيعِهِ (صِحَابٌ) وَرَفْعٌ غَيْرُ شُعْبَةَ الاُوَّلاَ
أي دونه جماعات يقومون بنقله ودليله والعرب تنطق بزكريا ممدودا ومقصورا وهو اسم أعجمي ومن عادتهم كثرة التصرف في الألفاظ الأعجمية ويقال أيضا زكرى وزكر بالصرف فيهما لإلحاق الأول بالنسب فهو كصرف معافري ومدايني ولخفة الثاني بإسكان الوسط فهو كنوح ولوط وغير شعبة من الذين همزوا زكريا رفعوا الأول وهو قوله تعالى (وكفلها زكريا) ، على أنه فاعل وكفلها وشعبة نصبه على أنه مفعول به لأنه يقرؤه وكفلها بالتشديد وقوله غير شعبة مبتدأ ورفع خبره أي ذو رفع وقيل غير فاعل والأولا مفعول رفع لأنه مصدر والله أعلم
(554)
وَذَكِّرْ فَنَادَاهُ وأَضْجِعْهُ (شَـ)ـاهِداً وَمِنْ بَعْدُ أَنَّ اللهَ يُكْسَرُ (فِـ)ـي (كَـ)لاَ

إسناد الفعل إلى الجماعة يجوز تذكيره وتأنيثه فلما ذكر حمزة والكسائي فناداه الملائكة أمالا ألفه على أصلها في إمالة ذوات الياء ولهذا قال شاهدا أي شاهدا بصحته وإن الله من بعد فناداه يعني (أن الله يبشرك بيحيى) ، يكسر في كلأ أي في حراسة وحفظ والكسر على تقديره فقالت-إن الله-أو يكون أقام النداء مقام القول فكسر أن بعده ومن فتح فعلى تقدير فنادته بأن الله أي بهذا اللفظ ثم حذف الجار وحذفه من نحو هذا شائع لكن هل تبقى (إن) ، وما بعدها في موضع نصب أو جر فيه خلاف بين النحويين وهذه العبارة في قوله (إن الله) ، يكسر في النفس منها نفرة وكذا قوله في أول براءة (لا أيمان) ، عند ابن عامر والأولى فتح همزة-أيمان-هناك أو يقال ويفتح لا أيمان إلا لشامهم ويقال هنا ويكسر أن الله من بعد في كلا والله أعلم
(555)
مَعَ الْكَهْفِ وَالإِسْرَاءِ يَبْشُرُ (كَـ)ـمْ (سَمَا) (نَـ)ـعَمْ ضُمَّ حَرِّكْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ أَثْقَلاَ

أي لفظ يبشر هنا وفي سورتي الإسراء والكهف أما في آل عمران فموضعان (أن الله يبشرك بيحيى) ، (إن الله يبشرك بكلمة منه) ، وفي أول الإسراء والكهف (ويبشر المؤمنين) ، الخلاف في هذا الفعل المضارع في هذه الأربعة هل هو مضارع فعل بتخفيف العين كخرج أو مضارع فعل بتشديدها كسول وهما لغتان إلا أن المشدد مجمع عليه في القرآن في الفعل الماضي والأمر (وبشرناه بإسحاق)-(فبشرهم بعذاب) ، فهذا مما يقوي التشديد في المضارع وقال الشاعر ، (بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة ) ، وأنشد أبو علي ، (فأعنهم وأبشر بما بشروا به ) ، وحكى لغة ثالثة أبشر يبشر كأكرم يكرم فالبشر والإبشار والتبشير ثلاث لغات فيه ويقال بشر بكسر الشين وأبشر كأدبر إذا سر وفرح وأنشد الجوهري بيت أبي علي بفتح الشين في الأمر وكسرها في الماضي وأبشر بالهمز مطاوع وبشر ومنه قوله تعالى (وأبشروا بالجنة) ، وكان المعنى والله أعلم بشروا أنفسكم بها وكم في قوله كم سما خبرية أي سما سموا كثيرا وتقديره كم مرة سما ونعم جواب سؤال مقدر كأنه قيل له صف ما شأنه فقال نعم فهو مثل قوله فيما سبق نعم إذ تمشت وأراد ضم الياء وفتح الباء لأنه أطلق التحريك وكسر الشين لأنها هي المضمومة في قراءة التخفيف وأراد بالضم المضموم أي ذا الضم وأثقلا حال منه أي في حال كونه ثقيلا أي يصير مكسورا مشددا والله أعلم
(556)
(نَ)ـعَمْ (عَمَّ) فِي الشُّورَى وَفي التَّوْبَةِ اعْكِسُوا لِحَمْزَةَ مَعْ كَافٍ مَعَ الْحِجْرِ أَوَّلاَ

أي عم هذا الحكم في الشورى وهو التثقيل وهو قوله تعالى (ذلك الذي يبشر الله عباده) ، وافق أبو عمرو وابن كئير فيه من خفف ووافق ابن عامر فيه من شدد وقرأ حمزة وحده بعكس التثقيل يعني بالتخفيف في التوبة ، (يبشرهم ربهم) ، وفي مريم وهي المرادة بقوله مع كاف لأن أولها كهيعص كما تسمى سورة ص وق ون بالحرف الذي في أولها وصرفه ضرورة وقد ترك صرفه في قوله وكم صحبة يا كاف وفي كاف فتح اللام وكذا استعمل ص فقال هشام بصاد حرفه متحملا وفي ص غيطلا وفيها موضعان (يا زكريا إنا نبشرك) ، وفي آخرها ( لتبشر به المتقين) ، والأول الذي في الحجر (إنا نبشرك بغلام) ، واحترز بقوله أولا عن الثاني وهو (فبم تبشرون) ، ولا خلاف في تشديده فهذه المواضع الأربعة خففها حمزة وحده ، فقد صار الخلاف في تسعة مواضع منها في آل عمران موضعان وفي التوبة والحجر والإسراء والكهف والشورى منها واحد بالتاء وهو آخر مريم واثنان بالنون في الحجر وأول مريم والبواقي بالياء
(557)
نُعَلِّمُهُ بِالْيَاءِ (نَـ)ـصُّ (أَ)ئِمَّةٍ وَبِالْكَسْرِ أَنِّي أَخْلُقُ اعْتَادَ أَفْصَلاَ

الخلاف في (ونعلمه الكتاب) ، بالنون والياء ظاهر ونص أئمة خبره أي هو منصوص عليه للأئمة ويجوز نصبه مثل كتاب الله وصبغة الله والكسر في (أني أخلق لكم) ، على الابتداء فلا يبقى له تعلق بما قبله فلهذا قال اعتاد أفصلا أو (أني أخلق) ، مبتدأ وبالكسر خبره واعتاد بمعنى تعود والضمير فيه راجع إلى الكسر ويجوز أن يعود إلى (إني أخلق) ، فيكون بالكسر حالا منه أي هو بالكسر اعتاد الفصل وأفصلا بمعنى فاصلا وهو حال أو في موضع المصدر كقوله ولا خارجا من في ذور كلام أي اعتاد فصلا أي اعتاد الكسر أو المكسور وهو أني أن يفصل ما بعده مما قبله فيجوز على قراءة الكسر الوقف على (بآية من ربكم) ، ثم يبتدئ بقوله-أني أخلق-إما استئنافا وإما تفسيرا ، فموقعها كموقع قوله (خلقه من تراب) ، بعد قوله (كمثل آدم) ، ووجه قراءة الفتح البدل من (أني قد جئتكم) ، أو من آية في قوله (بآية من ربكم) ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هي-أني أخلق-فيكون في موضع نصب أو جر أو رفع
(558)
وَفِي طَائِراً طَيْراً بِهاَ وَعُقُودِهاَ (خُصُـ)ـوصاً وَيَاءٌ فِي نُوَفِّيهِمُ (عَـ)ـلاَ
أي قرءوا طيرا في موضع طائر هنا وفي المائدة دون غيرهما وأشار إلى ذلك بقوله خصوصا وهو مصدر والطائر مفرد والطير اسم جمع ويقع على المفرد وجمعه طيور وأطيار وجمع طائر أيضا أطيار كصاحب وأصحاب وأما (فيوفيهم أجورهم) ، فالياء فيه والنون ظاهران
(559)
وَلاَ أَلِفٌ فِي هَا هَأَنْتُمْ (زَ)كاَ (جَـ)ـناً وَسَهِّلْ (أَ)خاَ (حَـ)ـمْدٍ وَكَمْ مُبْدِلٍ (جَـ)ـلاَ

هذا من جملة المواضع التي الحكم فيها عام ولم يبينه بل أطلقه فيوهم إطلاقه أنه مختص بسورته فقط وصاحب التيسير وغيره قالوا حيث وقع واستعمل الناظم لا بمعنى ليس فارتفع ألف بعدها وقوله في ها (هأنتم) ، أي لا ألف في لفظ ها من (هأنتم) ، ويشكل على هذا التأويل أنه لفظ بـ هأنتم بغير ألف وجوابه أنه أراد في لفظ ها من ها أنتم الذي صار لفظه بعد حذف الألف منه (هأنتم) ، وحذف هذا المقدر كله للعلم به فهو قريب من قوله وفي بلد ميت مع الميت خففوا أي خففوا المثقل حتى صار على هذا اللفظ وكذا قوله قل سارعوا لا واو وقل قال موسى واحذف الواو أي احذفها من (وقال الذي) ، صار بعد الحذف قال ويجوز أن يكون أراد في ها-هاأنتم-وقصر الممدود أي الألف بعدها هاء-هاأنتم-ووجه التجوز في التعبير عن ذلك بحرف في أن الألف لما كانت عقيب الهاء تجوز لشدة القرب بأن جعلها فيها قريبا من قوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) ، وهذا الوجه أوفق للفظة أنتم-بغير ألف ولو قال و-هاأنتم-اقصر حيث جا ، زكا ، جنا لخلص الكلام من هذا التكلف في تأويله وجنا في موضع نصب على التمييز وأخا حمد حال أو منادى على حذف حرف الندا ومعنى البيت من جهة القراءة أن الألف في قراءة قنبل وورش محذوف والباقون أثبتوا الألف إلا أن نافعا وأبا عمرو سهلا الهمزة أي جعلاها بين بين فهي في قراءة أبي عمرو وقالون واقعة مسهلة بعد الألف وفي قراءة ورش مسهلة بعد الهاء إذ الألف في قراءته والهمزة المفتوحة بعد الألف كالمفتوحة بعد مفتوح قياس تسهيلهما أن تجعلا بين بين وجماعة من أهل الأداء وشيوخ الإقراء أبدلوها له ألفا وهذان الوجهان لورش هما كما سبق له في باب الهمزتين من كلمة في قوله عن الهمزة الثانية ، (وقل ألفا عن أهل مصر تبدلت لورش وفي بغداد يروي مسهلا) ، وقراءة قنبل على نحو فعلتم نحو هزمتم وهشمتم وكذا يكون وزن قراءة ورش على وجه التسهيل لأن الهمزة المسهلة بزنة المحققة فيما يرجع إلى

الوزن ووزن قراءة الباقين فاعلتم نحو قاتلتم وضاربتم إلا أن غير قالون وأبي عمرو وهم الكوفيون وابن عامر والبزي حققوا الهمزة ثم أخذ يبين هذه الكلمة ويشرحها على ما تقرر من أصولهم وفي عبارة صاحب التيسير عن قراءة نافع وأبي عمرو إشكال فإنه قال نافع وأبو عمرو-وهاءنتم-حيث وقع بالمد من غير همز وكذا قال شيخه أبو الحسن بن غلبون ، ومكي وكأنهم يعنون من غير همز محقق ، بل هو مسهل بين بين وكذلك شرحه أبو علي الفارسي رحمه الله وصرح مكي في الكشف قال وبين بين أنوى في العربية في ذلك كله لورش ثم قال الداني وورش أقل مدا وهذا هو الوجه الثاني له الذي أبدل فيه الهمزة ألفا قال المهدوي أبدلها ورش ألفا وحذف إحدى الألفين لالتقاء الساكنين وقال صاحب الروضة قرأ أهل المدينة وأبو عمرو-هأنتم-بتليين الهمزة والباقون بتحقيقها وكلهم أثبتوا ألفا قبل الهمزة إلا ابن مجاهد عن قنبل فإنه حذفها وكان نافع في غير رواية ورش أقصرهم مدا وفي كتاب أبي عبيد قرأ أهل المدينة وأبو عمرو-هأنتم-غير ممدودة ولا مهموزة في جميع القرآن وكان حمزة والكسائي يقرآنها بالمد والهمز معا قال وكذلك نقرؤها بالإشباع والتحقيق ، قلت وهذا خلاف ما نقله الجماعة من المد لأبي عمرو وقالون والله أ علم
(560)
وَفي هَائِهِ التَّنْبِيهُ (مِـ)ـنْ (ثَـ)ـابِتٍ (هُـ)ـدىً وَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ (زَ)انَ (جَـ)ـمَّلاَ

يعني الهاء من-هاأنتم-فيها معنى التنبيه في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي لأن لفظ ها من حروف التنبيه وهو يدخل على أسماء الإشارة وعلى الضمائر فيكون داخلا هنا على الضمير الذي هو أنتم كما تقول هاأنتم فعلت كذا ودل على أنها للتنبيه في قراءة هؤلاء كونهم مدوا بعد الهاء وليس من-مذهبهم المد بين الهمزتين بخلاف غيرهم وقوله من ثابت متعلق بالتنبيه وهدى تمييز مثل زكا جنا أي ثابت هداه يعني المتكلم بها أنتم وهو الله جل وعز ثم قال وإبداله أي إبدال الهاء من همزة زان وجمل فجملا معطوف على زان بإسقاط حرف العطف ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر أي الهاء في هاأنتم على قراءة قنبل وورش تكون بدلا من همزة الاستفهام والأصل أأنتم لأنهما مما مدا بعد الهاء ولو كانت للتنبيه لأتوا بألف ها والهاء تبدل من الهمز في مواضع كثيرة فيجوز أن يكون هذا منها وإنما لم يسهل قنبل الثانية لأنه قد أبدل الأولى هاء فلم تجتمع همزتان وسهل ورش اعتبارا بالأصل أو كما سهل البزي في (لأعنتكم) ، وقفا ووصلا وهو كما يفعل حمزة فيهما في الوقف على وجه وكل ذلك جمع بين اللغات
(561)
وَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَكَمْ وَجِيهٍ بِهِ الْوَجْهَيْنِ لِلْكُلِّ حَمَّلاَ

أي ويحتمل الهاء في قراءة غير من تقدم وهم أبو عمرو وقالون وهشام أن تكون بدلا من همزة لأن من مذهب هؤلاء الثلاثة المد بين الهمزتين من كلمة كما سبق في بابه والألف هنا في قراءتهم ثابتة ومن مذهب أبي عمرو وقالون التسهيل في مثل هذا وقد سهلا فكان من هذا الباب بدليل التسهيل والمد ويحتمل أن تكون ها التي للتنبيه والألف الثانية هي ألف ها وإنما سهل أبو عمرو وقالون الهمز على خلاف أصلهما جمعا بين اللغتين كما فعل البزي في-لأعنتكم-ثم ذكر أن جماعة من القراء من له وجاهة وقول مقبول حمل الهاء على الوجهين لجميع القراء السبعة فالهاء في به للهاء والباء زائدة وهذه الطريقة غير مذكورة في التيسير ولكن قد ذكرها جماعة مثل مكي والمهدوي وأبي علي الفارسي وإن كانت هذه الطريقة ظاهرة في بعض القراءات أكثر من بعض وقد تقرر الوجهان في مذهب الغير على ما ذكر وأما احتمال التنبيه في قراءة ورش وقنبل فوجهه أن يقال حذفت ألف ها تخفيفا ولالتقاء الساكنين في قول من أبدل لورش وأما احتمال البدل في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي فلا مانع منه إلا كونهم مدوا بين الهمزتين وهذا لا يضر جمعا بين اللغتين لأن الهمزة الأولى مقدرة منونة وأريد بالمد الإشارة إلى ذلك والذي استحسنه الجماعة أن تكون الهاء للتنبيه في قراءة هؤلاء قال المهدوي إذ ليس أحد من القراء يدخل بين الهمزتين المفتوحتين من كلمة ألفا مع التحقيق فيقدر له هذا التقدير ، قال مكي وهذا أولى بقراءة البزي وعلى ذلك تحمل قراءة الكوفيين وابن عامر إلا هشاما فإنه قد يدخل بين الهمزتين ألفا في غير هذا فيجوز أن يحمل هذا على أصله في غيره قلت الأولى في هذه الكلمة على جميع وجوه القراءات فيها أن تكون ها للتنبيه لأنا إن جعلنا الهاء بدلا من همزة كانت تلك الهمزة همزة استفهام و-هاأنتم-أينما جاءت في القرآن إنما هي للخبر لا للاستفهام ولا مانع من ذلك إلا تسهيل من سهل وحذف من حذف أما التسهيل فقد سبق

تشبيهه بقوله-لأعنتكم-وشبهه وأما الحذف فنقول ها مثل أما كلاهما حرف تنبيه ، وقد ثبت جواز حذف ألف أما فكذا حذف ألف ها وذاك قولهم أم والله لأفعلن وقد حمل البصريون قولهم (هلم إلينا) ، على أن أصله ها لم ثم حذفت ألفها فكذا-ها أنتم-
(562)
وَيَقْصُرُ فِي التنْبِيهِ ذُو الْقَصْرِ مَذْهَباً وَذُو الْبَدَلِ الْوَجْهاَنِ عَنْهُ مُسَهِّلا
ذكر في هذا البيت تفريع ما يقتضيه الخلاف في البيت السابق على التقديرين من أن الهاء للتنبيه أو بدل من همزة ونبه بقوله ويقصر على أن كلامه في من في قراءته ألف فخرج من ذلك قنبل وورش إذ لا ألف في قراءتهما والقصر والمد لا يكونان إلا في حرف من حروف المد فقال إذا حكمنا بأن الهاء للتنبيه صار المد في ذلك على قراءة من أثبت الألف من قبيل المنفصل مثل (وما لنا أن لا) ، وذلك أن ها كلمة وأنتم كلمة أخرى فيقصر من مذهبه القصر ويمد من مذهبه المد فخرج من هذا أن للبزي والسوسي القصر ولقالون والدوري خلاف تقدم لكن على رواية المد لهما يتجه هاهنا خلاف آخر مأخوذ من قوله وإن حرف مد قبل همز مغير البيت قد تقدم شرحه والباقون على المد فقوله وذو البدل يعني من ذكرنا أن الهاء في مذهبه بدل من الهمزة عنه وجهان في حال تسهيله فلا يكون ذلك إلا في مذهب الدوري وقالون على رواية أما السوسي فإنه من ذوي القصر مذهبا وأما ورش فلا ألف في قراءته فلا مد وعلى الوجه الآخر الذي أبدل فيه الهمزة ألفا مده بمقدار نطقه بألف نحو قال وباع لا زيادة عليه بقي من ذوي البدل هشام فله المد قولا واحدا لأنه ليس بمسهل وكل هذا تفريع على أن-ها-للتنبيه لأصحاب البدل وغيرهم أما إذا قلنا إن الهاء بدل من الهمزة فالكل مستوون في المد بمقدار ألف كما يقرءون (أأنذرتهم) ، وكما يقولون قال وباع لأنها ألف بين همزتين فليس هذا من المد المنفصل ولا المتصل وقول الناظم وذو البدل وإن كان يعني به بدل الهاء من الهمز فلم يقل ذلك ليبني الخلاف على

البدل إذ لا مناسبة في ذلك وإنما ذكره تعريفا لمن عنه الوجهان لا شرطا ، فقال من ذكرنا إن الهاء مبدلة من همزة في مذهبه إذا فرعنا على أنها أيضا في حقه للتنبيه هل يكون له مد نظر إن كان مسهلا فوجهان لأن الألف حرف مد قبل همز مغير وإن كان محققا مد بلا خلاف وهو هشام هذا قياس مذهبهم وما يقتضيه النظم والمعنى فلا تختلف القراءة بالمد والقصر إلا على قولنا إن ها للتنبيه فما فرع الناظم إلا على هذا القول وولم يفرع على قول البدل لوجهين أحدهما أن كون ها للتنبيه هو الأصح على ما اخترناه في شرح البيت السابق الثاني أنه ترك التفريع على ذلك لظهوره لأنه لا يقتضي تفاوتا في المد للجميع لأن التقدير تقدير أنهم أدخلوا ألفا بين همزتين بعضهم جرى على أصله وبعضهم خالف في ذلك أصله وإدخال ألف بين همزتين لا يختلف في النطق بها كما سبق تقريره وذكر بعض من شرح أن إدخال الألف بين الهمزتين يقتضي أن الأمر يصير من قبيل المتصل كأن الألف من نفس الكلمة فعلى هذا القول أيضا يستوون في المد ولا يجئ القصر إلا على قولنا إن حرف المد الذي قبل الهمز المغير لا يمد إلا أن هذا القول عندي غلط فإن من يقول بمد الألف بعد إدخالها بين الهمزتين يكون بقدر ألفين وأكثر والمنقول أنهم يدخلون بينهما ألفا للفصل فلا حاجة إلى زيادة المد بل يقتصر على مقدار النطق بألف على حدها في نحو قال وباع وذكر الشيخ في شرحه أن قوله وذو البدل يعني ورشا الوجهان عنه يعني المد والقصر في حال كونه مسهلا ويعني بالتسهيل مذهبيه وهما إبدال الهمز وبين بين فالمد على قول البدل والقصر على بين بين ولم يرد بمسهلا حالة بين بين فقط فإنه لا يتجه له فيها إلا القصر وقد تقدم في الأصول أن التسهيل يطلق على كل تغيير للهمز وإنما ذكر مسهلا ليفصل ورشا من قنبل لأن كليهما ذو بدل أي الهاء بدل من همزة عندهما إلا أن قنبلا لا يمد لإسقاطه الألف وورش بمد لأجل الألف المبدلة من الهمزة فمده هو الإتيان

بالألف المبدلة لا أمر زائد على ذلك هذا شرح ما ذكره في الشرح وهو معلوم مما تقدم فلم تكن حاجة إلى ذكره وقال لي الشيخ أبو عمرو رحمه الله يعني بقوله وذو البدل أبا عمرو وقالون لأنهما هما اللذان من مذهبهما إدخال ألف بين الهمزتين وجاء عنهما هنا خلاف لأجل أن الهمزة الأولى مبدلة والثانية مسهلة فلم يستصعب الجمع بينهما فلا حاجة إلى طول المد واحترز بقوله مسهلا من هشام فإنه أيضا من ذوي البدل ولا حاجة إلى ذكر قنبل وورش إذ لا ألف في قراءتهما قلت وهذا مشكل فإنه يقتضي أن الألف في قراءتهما على وجه وليس الأمر كذلك فإنهما يثبتان الألف وأهل علم القراءات عبروا عن هذه الألف لهما بأنها مدهما الذي ثبت لهما في باب الهمزتين من كلمة وقال صاحب التيسير من جعلها للتنبيه وميز بين المنفصل والمتصل في حروف المد لم يزد في تمكين الألف سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها ومن جعلها مبدلة وكان ممن يفصل بالألف زاد في التمكين سواء أيضا حقق الهمزة أو لينها وقال ابن غلبون في التذكرة اعلم أن أبا عمرو ورجال نافع يتفاضلون في المد في-هاأنتم-إذا جعلوا الهاء بدلا من همزة الاستفهام على ما بيناه في تفاضلهم في (ءأنذرتهم) ،
{qj`jVjLjLjLjLjL
~me^eYeYeYeYeYeYe
$ ( l p ? ? <?>?@?F?H?J???ô?¨??v?z?
P-R-T-Z-\-^-

ونحوه يريد أن من أدخل الألف أطول مدا مثل قالون ومن لم يدخل فلا مد أو له مد قصير كقراءة ورش ثم قال فأما إذا جعلت الهاء للتنبيه فإنهم يستوون في المد في-هاأنتم-لأنه ليس أحد منهم يدخل بين الألف وبين الهمزة الملينة التي بعد-ها-ألفا-كما فعل ذلك من فعله منهم في قوله (ءأندرتهم) ، ونحوه وكذا الباقون ممن عدا قنبلا يتفاضلون في المد هاهنا على ما بيناه من تفاضلهم في المد في حرف اللين الواقع قبل الهمزة في باب المد والقصر فيما كان من كلمة أو كلمتين على الوجهين من جعل الهاء بدلا من همزة الاستفهام أو للتنبيه قلت معنى عبارتهما أن الاختلاف في إدخال الألف إنما يأتي على قولنا إنها بدل من الهمزة أما إذا كانت للتنبيه فلم يجتمع همزتان لا لفظا ولا تقديرا فلا سبيل إلى القول بإدخال الألف فاستووا في لفظ المد من هذه الجهة لكنهم يتفاضلون فيه على ما سبق ذكره في باب المد والقصر ويعتبر الخلاف المستفاد من قوله وإن حرف مد قبل همز مغير ونظير إتيان الناظم بقوله وذو البدل تعريفا لا شرطا قول العلماء مثل ذلك في معنى الحديث الصحيح أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها قالوا ذكر استعارة المتاع وجحده إنما كان تعريفا لا سببا للقطع والسبب سرقة لم تذكر للعلم بها وكان الغرض تعريف المرأة التي قطعت يدها فعرفت بما كانت مشهورة به والله أعلم
(563)
وَضُمَّ وَحَرِّكْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ مَعْ مُشَدَّدَةٍ مِنْ بَعْدُ بِالْكَسْرِ (ذُ)لِّلاَ

يعني ضم التاء وحرك العين أي افتحها لأنه ذكر التحريك مطلقا غير مقيد مع لام مشددة مكسورة من بعد ذلك فيصير تعلمون من التعليم والقراءة الأخرى من العلم وقد لفظ بها مع كونها معلومة من أضداد ما ذكره والمفعول الأول على قراءة التشديد محذوف أي (تعلمون الناس الكتاب) ، يعني حفظه وفهمه والتعليم يستلزم علم المعلم فكان فيه دلالة على القراءة الأخرى ويؤيد تعلمون بالتخفيف قوله بعد ذلك (تدرسون) ، أي أنتم جامعون لفهم الكتاب وتلاوته وقوله ذللا أي قرب والله أعلم
(564)
وَرَفْعُ وَلاَ يَأْمُرْكُمُو (رُ)وحُهُ (سَماَ) وَبِالتَّاءِ آتَيْناَ مَعَ الضَّمِّ (خُـ)ـوِّلاَ
ينبغي أن لا يقرأ يأمركم في البيت إلا بتحريك الراء إما برفع أو بنصب على القراءتين والوزن مستقيم على ذلك على كف الجزء السباعي وإن قرئ بسكون الراء وضم الميم استقام الوزن بلا كف لكن يكون التلفظ بما لم يقرأ به في القرآن مع ضعف الإسكان في الراء على ما سبق وموضع ولا يأمركم جر بإضافة ورفع إليه ووجه نصب يأمركم العطف على ما قبله من قوله (أن يؤتيه الله-ثم يقول)-(ولا يأمركم) ، ووجه الرفع القطع مما قبله على تقدير وهو لا يأمركم أو ولا يأمركم الله وأبو عمرو على أصله في الاختلاس السابق ذكره وهو فائدة ذكره مع أهل الرفع وهو دليل على ترجيح الاختلاس على الإسكان في ظنه على ما هو الحق وقد سبق بيانه ، فقال صاحب التيسير وأبو عمرو على أصله في الاختلاس والإسكان ، قوله وبالتاء آتينا يعني (آتينا كم من كتاب وحكمة) ، اجعل مكان النون تاء مضمومة وهي تاء المتكلم موضع نون العظمة ولم ينبه على إسقاط الألف لأنه لازم من ضم التاء فإن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ووجه القراءتين ظاهر وخول معناه ملك والله أعلم
(565)
وَكَسْرُ لِماَ (فِـ)ـيهِ وَبِالْغَيْبِ تُرْجَعُونَ (عَـ)ـادَ وَفيِ تَبْغُونَ (حَـ)ـاكِيهِ (عَـ)ـوَّلاَ

أي كسر اللام من (لما آتيناكم من كتاب وحكمة) ، حمزة فالهاء في فيه عائدة على آتينا لأنه معه ومتصل به وهذا مما يقوي قوله ولا ألف في ها-هأنتم-أي بعدها وهاهنا قبلها ووجه التجوز فيها واحد وهو الاتصال المذكور أي الكسر مستقر فيما هو متصل بهذا الكلام ومتعلق به ويجوز أن تعود الهاء على الكسر ويكون خبر مبتدأ محذوف أي فيه كلام وبحث كما سنذكره أو تعود الهاء على (لما) ، أي كسره مستقر فيه غير خارج عنه واللام على قراءة حمزة لام التعليل وما مصدرية أو موصولة أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجئ رسول مصدق لما معكم أو الذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له واللام في (لتؤمنن به) ، جواب القسم الذي دل عليه أخذ الميثاق والخطاب للأنبياء والمراد أتباعهم والتقدير ميثاق أمم النبيين وعلى قراءة الجماعة اللام في (لما) ، هي الموطئة للقسم وما إما موصولة أو شرطية والفعلان بعدها ماضيان في اللفظ مستقبلان في المعنى ويظهر لك المعنى إذا قدرت موضع ما حرف إن الشرطية أي إن آتيتكم ذلك تؤمنوا ثم أخرج مخرج الأقسام والمعاهدة وأخذ الميثاق تأكيد للأمر وتقوية له ولتؤمنن جواب القسم ومثله (لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين) ، وقوله حاكيه عولا أي حاكي الغيب عول عليه والغيب في (يبغون) ، راجع إلى ما قبله من قوله (هم الفاسقون) ، والخطاب على الالتفات أو الاستئناف والغيب في-يرجعون-عاد أي عاد على يبغون لأن حفصا قرأهما بالغيب والله أعلم
(566)
وَبِالْكَسْرِ حَجُّ الْبَيْتِ (عَـ)ـنْ (شَـ)ـاهِدٍ وَغَيْبُ مَا تَفْعَلُوا لَنْ تُكْفَرُوهُ لَهُمْ تَلاَ

الكسر والفتح في الحج لغتان ولم يقرأ بالكسر إلا في هذا الموضع أي-وحج البيت- بكسر الحاء منقول عن شاهد أي عن ثقة شاهد له بالصحة وأضاف وغيب إلى جملة ما بعده من الفعلين أي غيب هذا المجموع لهم أي لمدلول عن شاهد وفي تلا ضمير يعود على وغيب أي أنه تبع ما قبله من الغيبة من قوله (من أهل الكتاب أمة)إلى قوله (وأولئك من الصالحين) ، والخطاب لهذه الأمة أو على طريق الالتفات أو التقدير وقلنا لهم ذلك والله أعلم
(567)
يَضِرْكُمْ بِكَسْرِ الضَّادِ مَعْ جَزْمِ رَائِهِ (سَماَ) وَيُضَمُّ الْغَيْرُ وَالرَّاءَ ثَقَّلاَ
يريد (لا يضركم كيدهم شيئا) ، ضار يضير وضر يضر لغتان والفعل مجزوم في القراءتين على جواب الشرط والضم في الراء على قراءة من شدد ضمة بناء إتباعا لضمة الضاد كما نقول لا يرد ويجوز في اللغة الفتح والكسر وظاهر كلامه يدل على أن ضمة الراء حركة إعراب لأنه ضد الجزم وقد قيل به على أن يكون في نية التقديم على الشرط وقيل على حذف الفاء وكلاهما ضعيف والأصح ما تقدم ولكن ضاقت على الناظم العبارة كما تقدم في تضارر في سورة البقرة وأراد بقوله ويضم الغير ضمة الضاد لأن الكسر ضده الفتح لا الضم فاحتاج إلى بيانه وأما جزم الراء فيهم من القراءة الأخرى لأن الجزم ضده الرفع والراء بالنصب لأنه مفعول ثقلا وإنما نص عليه في القراءة الأخرى ولم ينص على التخفيف في الأولى لأنه مستغن عن ذكر التخفيف في الأولى لعدم إمكان النطق بمشدد مجزوم في وسط كلمة ولا يتعذر النطق بمرفوع خفيف فذكره في موضع الحاجة إليه والله أعلم
(568)
وَفِيماَ هُناَ قُلْ مُنْزِلِينَ وَمُنْزِلُونَ لِلْيَحْصُبِي فِي الْعَنْكَبُوتِ مُثَقِّلاَ

أي وفي جملة الحروف المختلف فيها هنا هذا الحرف الذي هو (بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين) ، أو التقدير اقرأ لليحصبي-منزلين-في الحرف الذي هنا-ومنزلون-في حرف العنكبوت وهو (إنا منزلون على أهل هذه القرية) ، واليحصبي هو ابن عامر ومثقلا بكسر القاف حال من فاعل قل وقل بمعنى اقرأ لأن القراءة قول ومنه (إنه لقول رسول كريم) ، أو التقدير-منزلين-هنا-و-منزلون-في العنكبوت استقر لليحصبي مثقلا لهما وإن كان مثقلا صح بفتح القاف فالتقدير استقر ذلك له مثقلا والتخفيف والتثقيل في ذلك لغتان من أنزل ونزل
(569)
وَ(حَقُّ نَـ)ـصِيرٍ كَسْرُ وَاوِ مُسَوِّمِينَ قُلْ سَارِعُوا لاَ وَاوَ قَبْلُ (كَـ)ـماَ (ا)نْجَلَى
السومة العلامة وسوم أي أعلم فمن كسر الواو أسند الفعل إليهم وهو من الإعلام الذي يفعله الشجاع في الحرب من لباس مخصوص وغيره ومن فتح الراء فلأن الله تعالى فعل بهم ذلك وحذف الواو من (وسارعوا إلى مغفرة) ، تقدم مثله في (وقالوا اتخذ الله ولدا) ، والواو منه ساقطة في مصاحف المدينة والشام دون غيرها واحترز بقوله قبل عن الواو التي بعد العين وانجلا أي انكشف والله أعلم
(570)
وَقَرْحٌ بِضَم الْقَافِ وَالْقَرْحُ (صُحْبَةٌ) وَمَعْ مَدِّ كَائِنْ كَسْرُ هَمْزَتِهِ (دَ)لاَ
أي قرأه صحبة والضم والفتح لغتان وجاء ذلك في ثلاثة مواضع في هذه السورة اثنان بلفظ التنكير (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) ، والثالث بلفظ التعريف (من بعد ما أصابهم القرح) ، ولفظ كائن جاء في مواضع هنا وفي الحج والطلاق والخلاف في جميعها ولم يبين النظم أنه حيث أتى وفاعل دلا ضمير كسر همزته ومعنى دلا في اللغة أخرج دلوه ملآى واستعاره هنا لحصول الغرض وتمام الأمر بالمد مع الكسر وأراد بالمد زيادة ألف بعد الكاف والباقون بلا ألف مع فتح الهمزة ثم ذكر باقي قيود القراءة فقال
(571)

وَلاَ يَاءَ مَكْسُوراً وَقَاتَلَ بَعْدَهُ يُمَدُّ وَفَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (ذُ)و وِلاَ
الياء المكسورة زيادة في قراءة غير ابن كثير وهي مشددة ولم يتسع له مجال البيت لذكر ذلك ولو قال في البيت السابق وكل كائن كسر همزته دلا ثم قال ومد ولا ياء لكان وافيا بالغرض ولا حاجة إلى قوله مكسورا حينئذ لأنه لفظ بقراءة الجماعة أي ولا يثبت ابن كثير الياء التي في هذا اللفظ و-كأين-وكئن-لغتان وفيها غير ذلك من اللغات وهي كلمة أي دخل عليها كاف التشبيه كما دخل على ذا في كذا ثم كثر استعمالهما كالكلمة الواحدة بمعنى كم الخبرية فتصرفوا فيها على وجوه وكتب تنوينها نونا ، قوله وقاتل بعده أي بعد كأين قوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه)-(قتل معه) ، القراءتان ظاهرتان إلا أن معنى قوله-قتل معه ربيون كثير فما وهنوا-أي فما وهن من لم يقتل منهم والضم في القاف والكسر في التاء إذا فتحا مع المد صارت الكلمة قاتل فقوله ذو ولا أي فتح الضم والكسر ذو متابعة للمد مصاحبة له والله أعلم
(572)
وَحُرِّكَ عَيْنُ الرُّعْبِ ضَمَّا كَمَا (رَ)سَا وَرُعْباً وَيَغْشى أَنَّثُوا (شَـ)ـائِعاً تَلاَ
يريد الرعب المعرف باللام ورعبا المنكر المنصوب حيث أتى ذلك فالضم فيه والإسكان لغتان وقيل الضم الأصل فأسكن تخفيفا وهو في أربعة مواضع قيل والأصل الإسكان إتباعا ورسا أي ثبت واستقر والتأنيث في-تغشى-للأمنة والتذكير للنعاس وهما واحد لأنه أبدل النعاس من الأمنة وشائعا تلا حالان من مفعول أنثوا أي أنثوا شائعا تابعا ما قبله وهو الأمنة أو يكون شائعا حالا من الضمير في تلا العائد على يغشى
(573)
وَقُلْ كُلَّهُ لِلهِ بِالرَّفْعِ (حَـ)ـامِداً بِمَا يَعْمَلُونَ الْغَيْبُ (شَـ)ـايَعَ (دُ)خْلُلاَ

كله مبتدأ والله الخبر والجملة خبر (إن الأمر) ، وقد أجمعوا على قراءة (إنا كل فيها) ، وهو على هذا الإعراب وكله بالنصب تأكيدا للأمر والغيب في (بما يعملون بصير) ، شايع دخللا له وهو (حسرة في قلوبهم) ، ووجه الخطاب قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا) ، وبعده (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم) ، والدخلل الدخيل وقد تقدم
(574)
وَمِتُّمْ وَمِتْناَ مُتَّ فِي ضَمِّ كَسْرِهاَ (صَـ)ـفَا (نَفَرٌ) وِرْداً وَحَفْصٌ هُناَ اجْتَلاَ

أي حيث جاءت هذه الكلمات وفهم ذلك من حيث أنه عددها وفيها ما ليس في هذه السورة فقام ذلك مقام قوله حيث أتى ونحوه وضم الميم وكسرها في جميع ذلك لغتان يقال مات يموت فعلى هذا جاء الضم كقولك من قام يقوم قمت ويقال مات يمات كخاف يخاف فعلى هذا جاء الكسر كخفت فيكون الضم من فعل يفعل كقتل يقتل والثاني من فعل يفعل كعلم يعلم ووردا نصب على التمييز أي صفا وردهم ووافقهم حفص على ضم ما في آل عمران وكسر ما في غيرها جمعا بين اللغتين والذي في آل عمران موضعان (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم)و(لئن متم أو قتلتم لإلى) ، وهذا معنى قوله وحفص هنا اجتلا أي اجتلا الضم وهو من قولهم اجتليت العروس وهذه عبارة مشكلة فإنه لا يفهم منها سوى أن حفصا خصص هذه السورة بقراءة وسائر المواضع بخلافها فيحتمل أن يكون الذي له في آل عمران ضما وأن يكون كسرا لأنه استأنف جملة ابتدأها لحفص ولم يخبر عنه إلا بقوله اجتلا فاحتمل الأمرين فإن قلت اجعل حفصا عطفا على الرمز السابق قلت كان جمعا بين الرمز والمصرح به في مسئلة واحدة وذلك غير واقع في هذا النظم وأيضا فقد فصل بالواو في قوله وردا ثم لو سلمنا أن هذا اللفظ يفيد الضم كان مشكلا من جهة أخرى وهي أنه يوهم أن حفصا منفردا بالضم هنا إذ لم يعد معه الرمز الماضي كقوله رمى صحبة ولو قال صفا نفر معهم هنا حفص اجتلا حصل الغرض وبان وزال الإبهام ولم يضر عدم الواو الفاصلة لعدم الريبة في اتصال ذلك والله أعلم
(575)
وَبِالْغَيْبِ عَنْهُ تَجْمَعُونَ وَضُمَّ فِي يَغُلَّ وَفَتْحُ الضَّمِّ (إِ)ذْ (شَـ)ـاعَ (كُـ)ـفِّلاَ

عنه يعني عن حفص والغيب والخطاب في قوله (خير مما يجمعون) ، كما تقدم في (بما يعملون بصير-وأما)-(وما كان لنبي أن يغل) ، فقواه إذ شاع كفلا على البناء للمفعول ومعنى كفل أي حمل يعني أن هذه القراءة حملها السلف الخلف لما كانت شائعة ومعناها يوجد عالا أو ينسب إلى الغلول أو يغل منه أي يخان بأن يؤخذ من الغنيمة قبل أن يقسمها والغلول الأخذ في خفية ومن قرأ يغل على البناء للفاعل فهو ظاهر أي أنه لا يفعل ذلك واختار ذلك أبو عبيد وأبو علي وقالا أكثر ما يجيء الفعل بعد ما كان لكذا أن يفعل منسوبا إلى الفاعل نحو (وما كان لنفس أن تموت) ، (ما كان لنا أن نشرك)-(وما كان الله ليظلمهم) ، فإن قلت كل واحدة من القراءتين مشتملة على ضم وفتح فكيف تميز إحداهما من الأخرى قلت كأنه استغنى بالترتيب عن تقييد ذلك فضم أولا ثم فتح الضم فيكون الضم في الياء وفتح الضم في الغين والواو وإن كانت لا تقتضي الترتيب على المذهب المختار إلا أن المذكور بها جائز أن يكون مرتبا في نفس الأمر ولا بد أن يريد بذلك إحدى القراءتين ودلنا على هذه القراءة ظاهر لفظه إذ لو أراد الأخرى لقال وفتح أن يغل وضم الفتح حقك نولا أو دام ندحلا أو نل دائما حلا ونحو ذلك
(576)
بِمَا قُتِلُوا التَّشْدِيدُ (لَـ)ـبَّى وَبَعْدَهُ وَفي الْحَجِّ لِلشَّامِي وَالآخِرُ (كَـ)ـمَّلاَ

أي التشديد بهذا اللفظ وهو قوله تعالى (لو أطاعونا)-(ما قتلوا) ، والذي بعده (ولا تحسبن الذين قتلوا)-والآخر-(وقاتلوا وقتلوا) ، يقرأ جميع ذلك بالتشديد والتخفيف وفي التشديد معنى التكثير فأما قوله قبل ذلك (ما ماتوا وما قتلوا)-(ليجعل الله ذلك حسرة) ، فمخفف بلا خلاف ويعلم ذلك من كونه تعداه ولم يذكره واشتغل بذكر متم ويغل ويجمعون ويمتاز هنا أيضا من الأول المختلف فيه بكون هذا في أوله واو وذلك لا واو في أوله فقوله -بما قتلوا- لا يتناول ظاهره إلا ما ليس في أوله واو فالتشديد في -ما قتلوا-لهشام وحده وهو المشار إليه بقوله لبى أي لبى بالتشديد من دعاه -والذين قتلوا-مع الذي في الحج وهو(ثم قتلوا أو ماتوا) ، شددهما ابن عامر (وقاتلوا وقتلوا) ، شدده ابن عامر وابن كثير وهو المرموز في هذا البيت الآتي
(577)
(دَ)رَاكِ وَقَدْ قَالاَ فِي الأنْعَامِ قَتَّلُوا وَبِالْخُلْفِ غَيْباً يَحْسَبَنَّ (لَـ)ـهُ وَلاَ

معنى دراك أدرك كما تقدم في بدار والذي في الأنعام (قد خسر الذين قتلوا أولادهم) ، شدده أيضا ابن عامر وابن كثير وأما الغيب في (ولا يحسبن الذين قتلوا في سبيل) ، فعن هشام فيه خلاف ومعنى الغيب فيه ولا يحسبن الرسول أو حاسب واحد أو يكون -الذين قتلوا-فاعلا والمفعول الأول محذوف أي أنفسهم أمواتا قال الزمخشري وجاز حذف المفعول الأول لأنه في الأصل مبتدأ فحذف كما حذف المبتدأ في قوله-بل أحياء-أي بل هم أحياء لدلالة الكلام عليهما وقوله غيبا نصب على الحال من يحسبن والعامل فيها ما يتعلق به بالخلف أي لا يحسبن استقرار بالخلف غيبا أي ذا غيب له ولا أي نصر والله أعلم ، فإن قلت جاء يحسبن في هذه السورة في مواضع فمن أين علم أنه للذي بعده-الذين قتلوا- ، قلت لأنه أطلق ذلك فأخذ الأول من تلك المواضع ولأنه قد ذكر بعده -أن ويحزن-فتعين هذا لأن باقي المواضع ليس بعده أن ويحزن والله أعلم ، وأكثر المصنفين في القراءات السبع لا يذكرون في هذا الموضع خلافا حتى أن ابن مجاهد قال لم يختلفوا في قوله -ولا تحسبن الذين قتلوا-أنها بالتاء وذكرها أبو علي الأهوازي في كتاب الإقناع في القراءات الشواذ ونسبها إلى ابن محيصن وحده والله أعلم
(578)
وَأَنَّ اكْسِرُوا (رُِ)فْقاً وَيَحْزُنُ غَيْرَ اْلأَنْبِيَاءِ بِضَمٍّ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (أَ)حْفَلاَ

يعني قوله تعالى (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) ، الكسر على الاستئناف والفتح على العطف على (بنعمة من الله وفضل) ، فيكون من جملة ما بشر به الشهداء وهو أن الله سبحانه يفعل بغيرهم من المؤمنين مثل ما فعل بهم من حسن الخاتمة وقال أبو علي المعنى يستبشرون بتوفر ذلك عليهم ووصوله إليهم لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم فلم يبخسوه ولم ينقصوه وحزن وأحزن لغتان وقيل حزنه بمعنى جعل فيه حزنا مثل كحله ودهنه أي جعل فيه كحلا ودهنا ومثل حزنه في هذا المعنى فتنه قال سيبويه وقال بعض العرب أفتنت الرجل وأحزنته أراد جعلته حزينا وفاتنا واستثنى نافع من ذلك ما في الأنبياء وهو (لا يحزنهم الفزع الأكبر) ، فقرأه كالجماعة بفتح الياء وضم الزاي فقوله غير الأنبياء أي غير حرف الأنبياء ورفقا مصدر في موضع الحال أي ذوي رفق بمعنى رافقين وأحفلا حال من فاعل أكسر أي حافلا بهذه القراءة
(579)
وَخَاطَبَ حَرْفَا يَحْسَبَنَّ (فَـ)ـخُذْ وَقُلْ بِمَا يَعْمَلُونَ الْغَيْبُ (حَقٌّ) وَذُو مِلاَ

حرفا يحسبن فاعل خاطب جعلهما مخاطبين لما كان الخطاب فيهما وقد استعمل هذا التجوز كثيرا في هذه القصيدة نحو وخاطب فيها تجمعون له ملا وأراد بالحرفين (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير)-(ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا) ، فأما الأول فعلى قراءة الجماعة بالغيب يكون-إنما نملي لهم خير لأنفسهم-سد مسد مفعولي حسب نحو (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون) ، وفي الثاني يكون المفعول الأول محذوفا أي البخل خبرا لهم وقراءة حمزة بالخطاب مشكلة وقد صرح جماعة من أهل العربية بعدم جوازها قال أبو جعفر النحاس زعم أبو حاتم أنه لحن لا يجوز قال وتابعه على ذلك جماعة وقال الزجاج من قرأ-ولا يحسبن-بالتاء لم يجز عند البصريين إلا كسر إن المعنى لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا لهم خير لهم ودخلت أن مؤكدة فإذا فتحت صار المعنى ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا خيرا لهم قال أبو إسحاق وهو عندي يجوز في هذا الموضع على البدل من الذين المعنى ولا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم وقد قرأ بها خلق كثير ومثل هذه القراءة من الشعر قول الشاعر (فما كان قيس هلكه هلك واحد ) ، جعل هلكه بدلا من قيس المعنى فما كان هلك قيس هلك واحد قال أبو علي في الإصلاح لا يصح البدل إلا بنصب خير من حيث كان المفعول الثاني لحسبت فكما انتصب هلك واحد في البيت لما أبدل الأول من قيس بأنه خبر كان كذلك ينتصب خير إذا أبدل الإملاء من-الذين كفروا-بأنه مفعول ثان لتحسبن قال وسألت أحمد بن موسى يعني ابن مجاهد عنها فزعم أن أحدا لم يقرأ بها يعني بنصب خير وقال في الحجة-الذين كفروا-في موضع نصب بأنه المفعول الأول والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى فلا يجوز إذا فتح أن في قوله (أنما نملي لهم) ، لأن إملاءهم لا يكون إياهم ، قال فإن قلت فلم لا يجوز الفتح في أن وتجعله بدلا من-الذين كفروا-كقوله (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) ، وكما كان أن

من قوله سبحانه (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) ، قيل لا يجوز ذلك وإلا لزمك أن تنصب خيرا على تقدير لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث كان المفعول الثاني لتحسبن وقيل إنه لم ينصبه أحد فإذا لم ينصب علم أن البدل فيه لا يصح وإذ لم يصح البدل لم يجز إلا كسر إن على أن يكون إن وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبن ، وقال الزمخشري الذين كفروا في من قرأ بالتاء نصب-وإنما نملي لهم خيرا لأنفسهم-بدل منه أي ولا تحسبن أنما نملى للكافرين خير لهم وأن مع خبره ينوب عن المفعولين وما مصدرية ، فإن قلت كيف صح مجئ البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد ، قلت صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع بكونك على متاعك ، قال ويجوز أن يقدر مضاف محذوف على-ولا تحسبن الذين كفروا-أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم أو ولا تحسبن حال الذين كفروا إن الإملاء خير لأنفسهم ، وقال النحاس زعم الكسائي والفراء أنها جائزة على التكرير أي ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن أنما نملي لهم يعني مثل (لا تحسبن الذين يفرحون) ، (فلا تحسبنهم) كما سيأتي ، قال النحاس وقراءة يحيى بن وثاب بكسر إن حسنة كما تقول حسبت عمرا أخوه خارج ، وقال مكي إنما وما بعدها بدل من الذين فسد مسد المفعولين كما في قراءة من قرأ بالياء وقال المهدوي قال قوم قدم الذين كفروا توكيدا ثم جاء لهم من قوله-إنما نملي لهم-ردا عليهم والتقدير ولا تحسبن أن إملاءنا للذين كفروا خير لهم وقال أبو الحسن الحوفي إن وما عملت فيه في موضع نصب على البدل من الذين كفروا والذين المفعول الأول والثاني محذوف ، وقال أبو القاسم الكرماني في تفسيره المسمى باللباب يجوز أن تكون التاء للتأنيث كقوله (كذبت قوم نوح) ، ولا تحسبن القوم الذين والذين وصف للقوم كقوله (وأورثنا القوم

الذين كانوا) ، قلت فيتحد معنى القراءتين على هذا لأن الذين كفروا فاعل فيهما وكذا يتحد معنى القراءتين على قول من يقول إن الذين كفروا مفعول على قراءة الياء أيضا والفاعل الرسول أو أحد كما تقدم في (ولا تحسبن الذين قتلوا) ، وقيل إنما نملي بدل من الذين كفروا بدل الاشتمال أي إملاءنا خير بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو خير لأنفسهم والجملة هي المفعول الثاني ، قلت ومثل هذه القراءة بيت الحماسة ، (منا الأناة وبعض القوم تحسبنا أنا بطاء وفي إبطائنا سرع) ، كذا جاءت الرواية بفتح أنا بعد ذكر المفعول الأول فعلى هذا يجوز أن تقول حسبت وزيد أنه قائم أي حسبته ذا قيام فوجه الفتح أنها وقعت مفعوله وهي وما عملت فيه في موضع مفرد وهو المفعول الثاني لحسبت والله أعلم ، وأما-ولا تحسبن الذين يبخلون-على قراءة الخطاب فتقديرها على حذف مضاف أي بخل الذين يبخلون والغيب في-بما يعملون خبير-رد على-سيطوقون ما بخلوا به-والخطاب رد على (وإن تؤمنوا وتتقوا) ، والملأ بالمد مصدر لملا وبالقصر الجماعة الأشراف وكلاهما مستقيم المعنى هنا والله أعلم
(580)
يَمِيزَ مَعَ الأنْفَالِ فَاكْسِرْ سُكُونَهُ وَشَدِّدْهُ بَعْدَ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ (شُـ)ـلْشُلاَ
يريد (حتى يميز الخبيث) ، وفي الأنفال (ليميز الله الخبيث) ، أي يميز هنا مع حرف الأنفال اكسر الياء الساكنة وشددها بعد الفتح في الميم والضم في الياء وماز يميز وميز يميز لغتان وشلشلا حال من فاعل شدده أو من مفعوله ومعناه خفيفا لأنه قبل التشديد خفيف ويستحب للقارئ تخفيف اللفظ بالحروف المشددة وأن لا يتقعر فيها ويزعج السامع ويتكلف في نفسه مالا يحتاج إليه والله أعلم
(581)
سَنَكْتُبُ يَاءٌ ضُمَّ مَعْ فَتْحِ ضَمِّهِ وَقَتْلَ ارْفَعُوا مَعْ يَا نَقُولُ (فَـ)ـيَكْمُلاَ

أي ياء ضمت مع فتح ضم التاء فيصير الفعل مبنيا للمفعول وقد كان الفاعل ورفع قتل ونصبه عطفا على محل ما قالوا وهو رفع إن كان سنكتب مبنيا للمفعول ونصب إن كان للفاعل وياء يقول الله تعالى والنون نون العظمة ، وقوله مع يا يقول أي مع قراءة يا يقول ونصب فيكملا بالفاء في جواب ارفعوا لأنه أمر والله أعلم أي قرأ ذلك كله حمزة
(582)
وَبِالزُّبُرِ الشَّامِي كَذَا رَسْمُهُمْ وَبِالْكِتَابِ هِشَامٌ وَاكْشِفِ الرَّسْمَ مُجْمِلاَ
يعني قرأ ابن عامر (جاءوا بالبينات وبالزبر) ، بزيادة الباء في (وبالزبر) وكذلك رسم في مصاحف أهل الشام وانفرد هشام بزيادة الباء في-وبالكتاب-فقرأ الآية التي في آل عمران كالتي في فاطر بإجماع ، وقد روى أبو عمرو الداني من طرق أنه في مصحف الشام كذلك ، قال في المقنع هو في الموضعين بالباء ، وقال رأيت هارون بن موسى الأخفش يقول في كتابه إن الباء زيدت في الإمام يعني الذي وجه به إلى الشام في-وبالزبر-وحدها ، قلت وكذلك رأيته أنا في مصحف عندنا بدمشق هو الآن بجامعها بمشهد على ابن الحسين يغلب على الظن أنه المصحف الذي وجهه عثمان رضي الله عنه إلى الشام ورأيته كذلك في غيره من مصاحف الشام العتيقة ، قال الشيخ في شرح العقيلة والذي قاله الأخفش هو الصحيح إن شاء الله لأني رأيته كذلك في مصحف لأهل الشام عتيق يعني المصحف المقدم ذكره فإلى هذا الاختلاف أشار بقوله واكشف الرسم مجملا أي آتيا بالجميل من القول والفعل والله أعلم
(583)
(صَـ)ـفَا (حَقُّ) غَيْبٍ يَكْتُمُونَ يُبَيِّنُنْنَ لاَ تَحْسَبَنَّ الْغَيْبُ (كَـ)ـيْفَ (سَمَا) اعْتَلاَ

أي يكتمون ويبينن صفا حق غيب فيهما يريد قوله تعالى (ليبيننه للناس ولا يكتمونه) ، الغيب فيهما والخطاب على ما تقدم في-لا يعبدون إلا الله-ويقوى الخطاب الاتفاق عليه في الآية المتقدمة (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم-وأما)-(لا تحسبن الذين يفرحون) ، فقرئ بالغيب والخطاب وسيأتي توجيههما
(584)
وَ(حَـ)ـقَّا بِضَمِّ الْبَا فَلاَ يَحْسِبُنَّهُمْ وَغَيْبٍ وَفِيهِ الْعَطْفُ أَوْ جَاءَ مُبْدَلاَ

نصب حقا على المصدر أي حق ذلك حقا وهو أن-فلا يحسبنهم-بضم الباء والغيب وفي بعض النسخ وحق بالرفع فيكون خبر المبتدأ الذي هو-فلا يحسبنهم-أي أنه بالضم والغيب حق ووجه ضم الباء أن الأصل فلا يحسبون فالواو ضمير-الذين يفرحون-لأن ابن كثير وأبا عمرو قرءا بالغيب فيهما فانحذفت النون للنهي وانحذفت الواو لسكون نون التأكيد فبقيت ضمة الباء على حالها دالة على الواو المحذوفة ويكون يحسبن على قراءتهما قد حذف مفعولاه لدلالة ظهور المفعولين في (فلا يحسبنهم بمفازة من العذاب) ، أي لا يحسبن الفارحون أنفسهم فائزين وقرأ نافع وابن عامر بالغيبة في الأول والخطاب في الثاني مع فتح الباء لأجل النون المؤكدة ولولاها لكانت الباء ساكنة والقول في مفعولي الأول كما تقدم وقرأ الباقون وهم عاصم وحمزة والكسائي بالخطاب فيهما ووجه ذلك أن يقال الذين يفرحون هو المفعول الأول والثاني محذوف لأنه في الأصل خبر المبتدأ فحذف كما يحذف خبر المبتدأ عند قيام الدلالة عليه ، وقوله-فلا يحسبنهم بمفازة قد استوفى مفعوليه وهما في المعنى مفعولا الأول فاستغنى عنهما في الأول بذكرهما في الثاني على قراءة الغيبة في الأول وعلى قراءة الخطاب استغنى عن أحدهما دون الآخر تقوية في الدلالة ، وقال الزمخشري أحد المفعولين-الذين يفرحون-والثاني-بمفازة-وقوله-فلا يحسبنهم-تأكيد تقديره لا تحسبنهم فلا تحسبنهم فائزين وقوله وفيه العطف أي في تحسبنهم فائدة العطف على الأول فلهذا كرر أو جاء مبدلا منه فذكر وجهين لمجيء فعل النهي عن الحسبان في هذه الآية مكررا وما ذكرناه من تأويل هذه القراءات الثلاث لا يخرج عن الوجهين اللذين ذكرهما لأن الجملة الثانية إن وافقت الأولى في الغيبة والخطاب صح أن تكون بدلا منها على أن تكون الفاء في-فلا-زائدة كقوله ، وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ، ووجه البدل أن الكلام إذا طال الفصل بينه وبين ما يتعلق به جاز إعادته ليتصل بالمتعلق به كقوله تعالى (فلما

جاءهم كتاب من عند الله) ، فلما طال الفصل قبل الجواب أعاد الفصل بالفاء فقال تعالى (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) ، وتجوز الإعادة بلا فاء قال سبحانه في موضع آخر (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) ، سمى نحو هذا بدلا باعتبار أنه عوض منه وإلا فهو بالتأكيد أشبه على اصطلاح النحويين وبهذا عبر عنه الزمخشري كما سبق ذكره وأما على قراءة من غاير بين الفعلين غيبة وخطابا فالثانية عطف على الأولى لا بدل كقولك ما قام زيد فلا تظننه قائما وذكر الشيخ أبو علي في الحجة وجه البدل ونص على زيادة الفاء في-فلا-ومنع من وجه العطف وقال ليس هذا موضع العطف لأن الكلام لم يتم ألا ترى أن المفعول الثاني لم يذكر بعد وفيما قاله نظر والله أعلم
(585)
هُناَ قَاتَلُوا أَخِّرْ (شِـ)ـفَاءً وَبَعْدُ فِي بَرَاءةَ أَخِّرْ يَقْتُلُونَ (شَـ)ـمَرْدَلاَ
يعني قوله تعالى (وقاتلوا وقتلوا) وفي براءة (فيقتلون ويقتلون) ، قدم الجماعة في الموضعين الفعل المبني للفاعل على الفعل المبني للمفعول وعكس ذلك حمزة والكسائي في الموضعين فأخرا المبني للفاعل وقدما المبني للمفعول ووجهه من جهة المعنى أنهم-قاتلوا وقتلوا-بعد ما وقع القتل فيهم وقتل بعضهم لا أن القتل أتى على جميعهم وهو كالمعنى السابق في قوله-قتل معه ربيون كثير فما وهنوا-وقوله شفاء مصدر في موضع الحال أي أخره ذا شفاء والشين فيه وفي شمردلا رمز ولو اختصر على الأخير لحصل الغرض ولكن كرر زيادة في البيان لأنه محتاج إلى كلمة يتزن بها البيت في موضع شفاء فلو أتى بكلمة ليس أولها شين لكانت رمزا لمن دل عليه أول حروفها فعدل إلى كلمة أولها رمز القارئ خوفا من اللبس والشمردل الخفيف والله أعلم
(586)
وَيَا آتُها وَجْهِي وَإِنِّي كِلاَهُمَا وَمِنِّي وَاجْعَلْ لِي وَأَنْصَاريَ الْمِلاَ

يعني-وجهي لله-فتحها نافع وابن عامر وحفص وإني موضعان أحدهما (وإني أعيذها) ، فتحها نافع وحده والآخر (إني أخلق لكم من الطين) ، فتحها نافع وابن كثير وأبو عمرو غير أن (أني) ، مفتوحة في قراءة غير نافع فلفظ بها في البيت على قراءة نافع (فتقبل مني إنك) ، فتحها نافع وأبو عمرو و(واجعل لي آية) ، فتحها أيضا أبو عمرو ونافع (من أنصاري إلى الله) ، فتحها نافع وحده والملا بكسر الميم والمد جمع ملئ وهو الثقة وهو صفة لأنصاري أو صفة لقوله وياءاتها أي وياءاتها الملاهي كذا وكذا فهذه ست ياءات إضافة مختلف في إسكانها وفتحها وفي هذه السورة من ياءات الزوائد المختلف في إثباتها وحذفها ياءان (ومن اتبعني) ، أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو (وخافون إن كنتم مؤمنين) ، أثبتها أبو عمرو وحده في الوصل وقلت في ذلك ، (مضافاتها ست وجاء زيادة وخافون إن كنتم من اتبعن ولا) ، أي وجاء وخافون ومن اتبعن زيادة أي ذوي زيادة فيهما الياء الزائدة على الرسم والولا المتابعة أي ولى هذا هذا ولاء بكسر الواو والله أعلم
سورة النساء
(587)
وَكُوفِيُّهُمْ تَسَّاءَلُونَ مُخَفَّفًا وَحَمْزَةُ وَالأَرْحَامَ بِالْخَفْضِ جَمَّلاَ

نصف هذا البيت هو نصف هذه القصيدة أي الكوفيون قرءوا تساءلون بالتخفيف والأصل تتساءلون فمن خفف حذف التاء الثانية ومن شدد أدغمها في السين وله نظائر مثل-تذكرون-تزكى-تصدى وأما قراءة والأرحام بالنصب فعطف على موضع الجار والمجرور أو على اسم الله تعالى أي واتقوا الأرحام أي اتقوا حق الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وفي الحديث أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها من اسمي من قطعها قطعته فهذا وجه الأمر بالتقوى فيها مع لله تعالى وقرأها حمزة والأرحام بالجر وعبر الناظم عنه بالخفض واستحسنه الشيخ هنا وقال فيه تورية مليحة لأن الخفض في الجواري الختان وهو لهن جمال والخفض الذي هو الإعراب جمال الأرحام لما فيه من تعظيم شأنها قلت يعني بسبب عطفها على اسم الله تعالى أو بسبب القسم بها وبهذين الوجهين عللت هذه القراءة وفي كل تعليل منهما كلام أما العطف فالمعروف إعادة حرف الجر في مثل ذلك كقوله-وإنه لذكر لك ولقومك-فخسفنا به وبداره الأرض-ونحو ذلك ، وقال الزجاج القراءة الجيدة نصب الأرحام المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها فأما الخفض فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحلفوا بآبائكم فكيف يكون تتساءلون بالله والأرحام على هذا قال ورأيت إسماعيل بن إسحاق ينكر هذا ويذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم وأن ذلك خاص لله تعالى على ما أتت به الرواية فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الخفض إلا بإظهار الخافض قال بعضهم لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين في الاسم فقبح أن يعطف اسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه ، وقال المازني كما لا تقول مررت بزيد وبك لا تقول مررت بك وزيد قلت هاتان العلتان منقوضتان بالضمير المنصوب وقد جاز العطف عليه فالمجرور كذلك وأما إنكار هذه القراءة من جهة المعنى لأجل أنها سؤال بالرحم وهو حلف

وقد نهى عن الحلف بغير الله تعالى فجوابه أن هذا حكاية ما كانوا عليه فحضهم على صلة الرحم ونهاهم عن قطعها ونبههم على أنها بلغ من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون بها ثم لم يقرهم الشرع على ذلك بل نهاهم عنه وحرمتها باقية وصلتها مطلوبة وقطعها محرم وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية عند حثه على الصدقة يوم قدم عليه وفد مضر وهو إشارة إلى هذا سواء كان قرأها نصبا أو خفضا فكلاهما محتمل وخفي هذا على أبي جعفر النحاس فأورد هذا الحديث ترجيحا لقراءة النصب ولا دليل له في ذلك فقراءة النصب على تقدير واتقوا الأرحام التي تتساءلون بها فحذف استغناء بما قبله عنه وفي قراءة الخفض حذف واتقوا الأرحام ونبه بأنهم يتساءلون بها على ذلك وحسن حذف الياء هنا أن موضعها معلوم فأنه كثر على ألسنتهم قولهم سألتك بالله والرحم وبالرحم فعومل تلك المعاملة مع الضمير فهو أقرب من قول رؤبة خير لمن قال له كيف أصبحت أي بخير لما كان ذلك معلوما قال الزمخشري في كتاب الأحاجي في قولهم لا أبا لك اللام مقدرة منوية وإن حذفت من اللفظ الذي شجعهم على حذفها شهرة مكانها وأنه صار معلوما لاستفاضة استعمالها فيه وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال ومنه حذف لا في (تالله تفتؤ تذكر يوسف) ، وحذف الجار في قوله روبة خير إذا أصبح وحمل قراءة حمزة-تساءلون به والأرحام- عليه سديد لأن هذا الكلام قد شهر بتكرير الجار فقامت الشهرة مقام الذكر ، وقال في الكشاف وينصره قراءة ابن مسعود (تساءلون به والأرحام) ، قال الفراء حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم قال والأرحام خفض الأرحام قال هو كقولهم أسألك بالله والرحم قال وفيه قبح لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض قد كنى عنه قال وقال الشاعر في جوازه ، (فعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينهما واللعب غوط نفانف) ، قال وإنما يجوز هذا في الشعر لضيقه ، قال الزجاج وقد جاء ذلك في

الشعر أنشد سيبويه ، (فاذهب فما بك والأيام من عجب ) ، وقال العباس بن مرداس ، (اكر على الكتيبة لا أبالي أحتفي كان فيها أم سواها) ، وأنشده الحق في إعرابه لحسان بن ثابت فانظر بنا والحق كيف نوافقه والأبيات المتقدمة وزاد ، (إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم فقد خاب من يصلى بها وسعيرها) ، ثم أخذ في الاستدلال على صحة ذلك وقوته من حيث النظر وأصاب رحمه الله فإن الاستعمال قد وجد وكل ما يذكر من أسباب المنع فموجود في الضمير المنصوب مثله وقد أجازوا العطف عليه فالمجرور كذلك قياسا صحيحا وقول أبي علي في الحجة هو ضعيف في القياس قليل في الاستعمال ممنوع ولقائل أن يقول العطف على الضمير المنصوب كذلك فقال الشيخ في شرحه حكى قطرب ما فيها غيره وفرسه وقال في شرح المفصل وقد أجاز جماعة من النحويين الكوفيين أن يعطف على الضمير المجرور بغير إعادة الخافض واستدلوا بقراءة حمزة وهي قراءة مجاهد والنخعي وقتادة وابن رزين ويحيى بن واب وطلحة والأعمش وأبي صالح وغيرهم وإذا شاع هذا فلا بعد في أن يقال مثل ذلك في قوله تعالى-وكفر به والمسجد الحرام-أي وبحرمة المسجد الحرام ولا حاجة أن يعطف على سبيل الله كما قاله أبو علي وغيره ولا على الشهر الحرام كما قاله الفراء لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وإن كان لكل وجه صحيح والله أعلم والوجه الثاني في تعليل قراءة الخفض في الأرحام أنها على القسم وجوابه إن الله كان عليكم رقيبا أقسم سبحانه بذلك كما أقسم بما شاء من مخلوقاته من نحو والتين والزيتون والعصر والضحى والليل إما بها أنفسها أو على إضمار خالقها عز وجل وهو كإقسامه بالصافات وما بعدها على أن إلهكم لواحد وهذا الوجه وإن كان لا مطعن عليه من جهة العربية فهو بعيد لأن قراءة النصب وقراءة ابن مسعود بالياء مصرحتان بالوصاة بالأرحام على ما قررناه وأما رد بعض أئمة العربية ذلك فقد سبق جوابه وحكى أبو نصر ابن القشيري رحمه الله في تفسيره كلام أبي

إسحاق الزجاج الذي حكيناه ثم قال ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة وإذا ثبت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن رد ذلك فقد رد على النبي صلى الله عليه وسلم واستقبح ما قرأ به وهذا مقام محذور لا تقلد فيه أئمة اللغة والنحو ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح منه فإنا لا ندعي أن كل القراءات على أرفع الدرجات في الفصاحة قلت وهذا كلام حسن صحيح والله أعلم
(588)
وَقَصْرُ قِيَامًا (عَمَّ) يَصْلَوْنَ ضُمَّ (كَـ)ـمْ (صَـ)ـفَا نَافِعٌ بِالرَّفْعِ وَاحِدَةٌ جَلاَ
القيم والقيام واحد يوصف به الذي يقوم بالمصالح ومعناه الثبات والدوام وهما مصدران وصف بهما الأموال هنا والكعبة في المائدة ووصف الدين في الأنعام بالقيم والقيم أي هو مستقيم قال حسان بن ثابت ، (فنشهد أنك عبد الإله أرسلت نورا بدين قيم) ، فابن عامر قرأ الثلاثة قيما على وزن عب ونافع هنا فقط-وسيصلون سعيرا-بضم الياء وفتحها ظاهر وواحدة التي رفعها نافع وحده وهو-وإن كانت واحدة-جعل كان تامة ومن نصب طابق به قوله-فإن كن نساء فإن كانتا اثنتين-أي إن كان الوارث واحدة وإنما أنث الفعل وألحق علامتي الجمع والتثنية في كن وكانتا ليطابق الاسم الخبر لفظا ولم يأت الناظم في هذا البيت بواو فاصلة وذلك في موضعين إذ لا ريبة في اتصال المسائل الثلاث وجلا في آخر البيت ليس برمز إذ قد تقدم مرارا بيان أنه لم يرمز قط مع التصريح بالاسم ولم يصرح بالاسم مع الرمز ولولا أن ذلك اصطلاحه لكان نافع محتملا أن يكون من جملة قراء سيصلون بالضم ورفع واحدة لورش وحده والله أعلم
(589)
وَيُوصى بِفَتْحِ الصَّادِ (صَـ)ـحَّ (كَـ)ـمَا (دَنَا) وَوَافَقَ حَفْصٌ فِي الأَخِيرِ مُجَمَّلاَ

الكسر والفتح في هذا ظاهر أن والأخير هو الذي بعده-غير مضار وصية من الله-ومجملا حال من حفص أي مجملا ذلك على أئمته وناقلا لفتحه ذلك عنهم وفي قراءته جمع بين اللغتين وحق هذا البيت أن يكون بعد البيتين اللذين بعده لأن فلأمه في السورة قبل قوله يوصي بها والله أعلم
(590)
وَفِي أُمًّ مَعْ فِي أُمِّهَا فَلأُمِّهِ لَدَى الْوَصْلِ ضَمُّ الهَمْزِ بِالْكَسْرِ (شَـ)ـمْلَلاَ
أراد (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي) أول الزخرف (في أمها رسولا) ، في القصص-فلأمه-في موضعين هنا ضم الهمزة في هذه المواضع أسرع بالكسر والأصل الضم ووجه كسر الهمزة وجود الكسرة قبلها أو الياء وهي من جنس الكسر فكسروا الهمزة استثقالا للخروج من كسر وشبهه إلى ضم وهذا كما فعلوا في كسر هاء الضمير نحو بهم وفيهم والهمز مجترأ عليه حذفا وإبدالا وتسهيلا فغير بعيد من القياس تغيير حركته وقد غيروا حركة حروف عدة كما مضى في بيوت وما سيأتي في جيوب وعيون وشيوخ وغيوب قال أبو جعفر النحاس رحمه الله في كسر-فلأمه-هذه لغة حكاها سيبويه قال هي لغة كثير من هوازن وهذيل وقوله لدى الوصل يريد به وصل حرف الجر بهمزة أم فلو فصلت بأن وقفت على حرف الجر ضمت الهمزة بلا خلاف لأنه لم يبق قبلها ما يقتضي كسرها فصارت كما لو كان قبلها غير الكسر والياء نحو-ما هن أمهاتهن-وأمه آية-وكذا إذا فصل بين الكسر والهمزة فاصل غير الياء نحو-إلى أم موسى فرددناه إلى أمه-لا خلاف في ضم كل ذلك فقول الناظم وفي أم قيده بذكر في احترازا من مثل ذلك وقوله وفي أم وما بعده مبتدأ وضم الهمزة بدل اشتمال من المبتدأ وشمللا خبر المبتدأ ومعناه أسرع
(591)
وَفي أُمَّهَاتِ النَّحْلِ وَالنُّورِ وَالزُّمَرْ مَعَ النَّجْمِ (شَـ)ـافٍ وَاكْسِرِ الْمِيمَ (فَـ)ـيْصَلاَ

في هنا حرف جر وليس كقوله وفي أم فإن في ثم من لفظ القرآن فلهذا أعربنا ذلك مبتدإ وهذا خبره مقدم والمبتدأ قوله شاف أي وفي هذه الكلمة التي هي أمهات من هذه السور الأربع كسر شاف أو يكون تقدير الكلام وأسرع ضم الهمز بالكسر في هذه المواضع وشاف خبر مبتدإ محذوف أي هو شاف وأسكن الراء من الرمز ضرورة نحو ، (فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل) ، وهذه المواضع الأربعة-والله أخرجكم من بطون أمهاتكم-أو بيوت أمهاتكم-يخلقكم في بطون أمهاتكم-(وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) ، فالجميع قبله كسر فلهذا كسرت الهمزة اتباعا وكسر حمزة دون الكسائي الميم بعد الهمزة تبعا لها في هذه المواضع الأربعة وفيصلا حال من الضمير في اكسر أي فاصلا بين قراءتهما فحمزة كسر الهمزة والميم معا والكسائي كسر الهمزة وحدها وكل ذلك في الوصل فإن وقفت على حرف الجر وابتدأت الكلمات ضمت الهمزة وفتحت الميم كقراءة الجماعة والله أعلم
(592)
وَنُدْخِلْهُ نُونٌ مَعْ طَلاَقٍ وَفَوْقُ مَعْ نُكَفِّرْ نُعَذِّبْ مَعْهُ في الْفَتْحِ (إِ)ذْ (كَـ)ـلاَ
أي ذو نون هاهنا في موضعين-ندخله جنات-وندخله نارا-مع الذي في آخر الطلاق وندخله جنات والذي فوق الطلاق يعني سورة التغابن فيها ندخله مع نكفر يعني قوله تعالى-نكفر عنه سيئاته وندخله-ثم قال نعذب معه أي مع ندخله في الفتح أي اجتمعا في سورة الفتح في قوله-ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول نعذبه عذابا أليما-فذلك سبعة مواضع قرأهن بالنون نافع وابن عامر والباقون بالياء ووجه القراءتين ظاهر وضاق عليه البيت عن بيان أن في هذه السورة موضعين كما قال في البقرة معا قدر حرك ومثله قوله في الأعراف والخف أبلغكم حلا ولم يقل معا وهو في قصتي نوح وهود وكلا أي كلاه أي حفظه قارئه فرواه لنا ، والله أعلم
(593)

وَهذَانِ هاتَيْنِ الَّلذَانِ الَّلذَيْنِ قُلْ يُشَدَّدُ لِلْمَكِّي فَذَانِكَ (دُ)مْ (حَـ)ـلاَ
التشديد في هذه الكلمات في نوناتها ولم يبينه لظهوره أو لأن كلامه في النون في قوله ندخله نون فكأنه قال تشدد نون هذه الكلمات لابن كثير والتشديد والتخفيف في ذلك كله لغتان وأراد (هذان خصمان)-(إن هذان لساحران)-(إحدى ابنتي هاتين)-(واللذان يأتيانها منكم)-(أرنا اللذين أضلانا)-(فذانك برهانان من ربك) ، التشديد عوض من الألف المحذوفة من هاذان وهاتين وفذانك ومن الياء المحذوفة في اللذان واللذين حذفتا لسكون ألف التثنية بعدهما شدد الجميع ابن كثير ووافقه أبو عمرو على تشديد-فذانك-وقراءة الباقين بالتخفيف على قياس نونات التثنية مطلقا وقوله دم حلا أي ذا حلا وأراد-فذانك-بالتشديد لأن الكلام فيه ولقائل أن يقول إنما لفظ به مخففا فيدخل في قوله وباللفظ استغنى عن القيد وجوابه أنه لم يمكنه اللفظ به مشددا لامتناع اجتماع الساكنين في الشعر فلم يبق اللفظ جاليا للمقصود
(594)
وَضُمَّ هُنَا كَرْهًا وَعِنْدَ بَرَاءةٍ (شِـ)ـهَابٌ وَفي الأَحْقَافِ (ثُـ)ـبِّتَ (مَـ)ـعْقِلاَ
الضم والفتح في هذا لغتان كالضعف والضعف وفي الأحقاف موضعان وقوله عند براءة أي فيها كما تقول عندي كذا أي في ملكي يريد فيما حوته براءة من الآيات وكما تجوز عما هو عندي بقي في قوله ولا ألف في ها-هانتم- على ما سبق تجوز هنا بعكس ذلك وكان له أن يقول وما في براءة أو وكرها هنا وفي براءة ضمه شهاب ومعقلا تميز أو حال والضمير في ثبت للحرف المختلف فيه أو لشهاب أي ثبت معتلا أو مشبها معقلا المعقل الملجأ يقال فلان معقل لقومه وأصله الحصن
(595)
وَفي الْكُلِّ فَافْتَحْ يَا مُبَيِّنَةٍ (دَ)نَا (صَـ)ـحِيحًا وَكَسْرُ الْجَمْعِ (كَـ)ـمْ (شَـ)ـرَفًا (عَـ)ـلاَ

أي كم علا شرفا والمميز محذوف أي كم مرة علا شرفا والجمع يعني به مبينات جمع مبينة فوجه الفتح فيهما ظاهر أي بينها من يدعيها-وآيات مبينات-بينها الله سبحانه وبالكسر يجوز أن يكون لازما أي هي بينة في نفسها ظاهرة وبينات جمعها يقال بينت الشيء تبين مثل تبين ويجوز أن يكون متعديا أي مبينة صدق مدعيها فهو لازم ومتعد وصحيحا حال من فاعل دنا وكسر الجمع أي كسريا المجموع من ذلك والله أعلم
(596)
وَفي مُحْصَنَاتٍ فاكْسِرِ الصَّادَ (رَ)اوِيًا وَفي المُحْصَنَاتِ اكْسِرْ لَهُ غَيْرَ أَوَّلاَ
يعني اكسر المنكر والمعرف إلا الأول وهو (والمحصنات من النساء) ، في رأس الجزء لأنه بمعنى المزوجات فالكسر على معنى أنهن أحصن فروجهن إما بالأزواج أو بالحفظ والفتح على أن الله تعالى أحصنهن أو يكون بمعنى الكسر قال الشيخ في شرحه يقال أحصن فهو محصن والفتح إذا أفلس فهو ملفح وأشهب فهو مشهب نذرت بالفتح هذه الثلاثة وأولا مخفوض بغير ولكنه غير منصرف والتقدير غير حرف أول والله أعلم
(597)
وَضَمٌّ وَكَسْرٌ فِي أَحَلَّ صِحَابُهُ وُجُوهٌ وَفِي أَحْصَنَّ (عَـ)ـنْ (نَفَرِ) الْعُلاَ

يعني (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ، ومعنى صحابه وجوه أي رواته رؤساء من قولهم هم وجوه القوم أي أشرافهم وكبارهم وعاد الضمير مفردا صحابه وإن كان الذي عاد إليه مثنى وهما الضم والكسر لأنهما في معنى المفرد وهو اللفظ والحرف أو صحاب هذا الفعل وجوه وهذه القراءة على مطابقته (حرمت عليكم) ، ووجه الفتح إسناد الفعل إلى الله تعالى لقوله قبله (كتاب الله عليكم) ، قوله وفي أحصن أي والضم والكسر في الموضعين الفتح في الحرفين أما كونه ضد الكسر فمطرد ومنعكس وأما كونه ضد الضم فمطرد غير منعكس على ما سبق بيانه في شرح الخطبة ولم يقرأ أحد بالضم والكسر في الكلمتين معا إلا حفص وقرأ أبو بكر بالفتح فيهما معا وأما باقي القراء فمن ضم وكسر في-أحل-فتح في-أحصن-ومن فتح في-أحل-ضم وكسر في-أحصن-فالفتح في-أحصن-كالكسر في-محصنات أسند الفعل إليهن والضم والكسر في-أحصن-كفتح صاد-محصنات-والله أعلم
(598)
مَعَ الْحَجِّ ضَمُّوا مَدْخَلاً (خَـ)ـصَّهُ وَسَلْ فَسَلْ حَرَّكُوا بِالنَّقْلِ (رَ)اشِدُهُ (دَ)لاَ

أي خص بالخلف مدخلا هنا وفي الحج (وندخلكم مدخلا كريما)-(ليدخلنهم مدخلا يرضونه) ، دون الذي في-سبحان-(مدخل صدق) ، فإنه بالضم اتفاقا وخصه فعل أمر وفتح الصاد لغة صحيحة خلافا لمن لم يجز فيه إلا الضم عند اتصال ضمير الغائب به اتباعا ويجوز أن يكون خصه فعل ما لم يسم فاعله ، على حذف حرف الجر اتساعا أي خص به ومدخلا بالضم إما مصدر أو اسم مكان من أدخل وبالفتح أيضا كذلك من دخل فيكون على قراءة الفتح قد قرن بالفعل غير مصدره واسم مكانه أو يقدر له فعله على معنى فيدخلون مدخلا وأما فعل الأمر من سأل فإن لم يكن قبله واو ولا فاء فقد أجمع القراء على حذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى السين نحو (سل بني إسرائيل) ، وإن كان قبله واو أو فاء وكان أمرا لغير المخاطب فأجمعوا على همزة نحو (وليسئلوا ما أنفقوا) ، وإن كان أمرا للمخاطب فالقراء أيضا أجمعوا على الهمز لا ابن كثير والكسائي وعلته أن أمر المخاطب كثير الاستعمال فخففوه والمستعمل بغير واو ولا فاء أكثر فناسب التخفيف والهمز الأصل والراشد السالك طريق الرشد ودلا أي وافق في حصول مقصوده فإن معناه لغة أخرج دلوه ملآء وذلك مقصود من أدلى دلوه فاستعاره الناظم لهذا المعنى وما يناسبه والله أعلم وأحكم
(599)
وَفي عَاقَدَتْ َقْصٌر (ثَـ)ـوَى وَمَعَ الْحَدِيدِ فَتْحُ سُكُونِ الْبُخْلِ وَالضَّمِّ (شَـ)ـمْلَلاَ
في المفاعلة عاقدت ظاهرة ومعنى عقدت أي عقدت أيمانكم عهودهم والأيمان هنا جمع يمين التي هي اليد وهنا وفي سورة الحديد (ويأمرون الناس بالبخل) ، فتح السكون في الخاء وفتح الضم في الباء شملل أي أسرع أي قراءة حمزة والكسائي بفتح الحرفين والباقون بالضم والإسكان وهما لغتان كالحزن والحزن والعرب والعرب والله أعلم
(600)
وَفي حَسَنَهْ (حِرْمِيُّ) رَفْعٍ وَضَمُّهُمْ تَسَوَّى (نَـ)ـماَ (حَقًّا) وَ(عَمَّ) مُثَقَّلاَ

يعني (وإن تك حسنة) ، الرفع على أن كان تامة والنصب على أنها ناقصة والاسم ضمير عائد على الذرة أو على المثقال وأنث ضميره لأنه مضاف إلى مؤنث كقوله ، (كما نهلت صدر القناة من الدم ) ، وأسكن الناظم الهاء من-حسنة-ضرورة كما سبق في هذه السورة وفي أمهات النحل والنور والزمر وفي الأصول وفي البقرة فقل (يعذب) ، وقوله سبحانه (لو تسوى بهم الأرض) ، بضم التاء على البناء للمفعول والتثقيل أراد به التشديد مع فتح التاء أصله لو تتسوى فأدغم التاء في السين وحمزة والكسائي على حذفها مع فتح التاء مثل ما مضى في تسألون أول السورة ونما أي ارتفع وحقا تمييز أو حال ومثقلا حال وفاعل نما ضمير الضم وفاعل عم ضمير تسوى والله أعلم
(601)
وَلاَمَسْتُمُ اقْصُرْ تَحْتَهاَ وَبِهاَ (شَـ)ـفاَ وَرَفْعُ قَلِيلٌ مِنْهُمُ النَّصْبَ (كُـ)ـلِّلاَ

يعني قوله (ولامستم النساء) ، هنا وفي المائدة إذا قصر صار لمستم فيجوز أن يكون لامس بمعنى لمس ويجوز أن يكون على بابه واختلف الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء في أن المراد به الجماع أو اللمس باليد مع اتفاقهم على أن المراد باللمس الجماع في قوله تعالى (ما لم تمسوهن) ، حيث وقع سواء قرئ بالمد أو بالقصر والذين مدوا لامس قصروا تمسوهن وبالعكس مع أن معنى اللفظين واحد من حيث أصل اللغة وقد حققنا الكلام في هذا ولله الحمد في المسائل الفقهية في الكتاب المذهب سهل الله إتمامه وأما (ما فعلوه إلا قليل منهم) ، فالرفع فيه هو الوجه الأقوى عند النحويين على البدل من فاعل فعلوه كأنه قال ما فعله إلا قليل منهم ولو كان بهذه العبارة لم يكن إلا بالرفع ومعنى اللفظين واحد والنصب جائز على أصل باب الاستثناء كما في الإيجاب لو قلت فعلوه إلا قليلا لم يجز إلا النصب وقد أجمعوا على رفع (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) ، واختلفوا في (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) ، وفيه بحث حسن سيأتي إن شاء الله تعالى قوله ورفع قليل أي مرفوعه وهو اللام الأخيرة كلل النصب أي بالنصب أي جعل له كالإكليل وهو التاج أو يكون من قولهم روضة مكللة أي محفوفة بالنور فيكون قوله رفع على ظاهره ليس بمعنى مرفوع يعني أن النصب في مثل هذا تابع للرفع كالنور التابع للروضة لأن أصل هذا الباب عند النحويين البدل كما ذكرنا فكأن النصب طارئ على ما هو وجه الكلام وأصله
(602)
وَأَنِّثْ يَكُنْ (عَـ)ـنْ (دَ)ارِمٍ (تظْلَمُونَ غَيْبُ شُهْدٍ (دَ)نَا إِدْغَامُ بَيَّتَ (فِـ)ـي (حُـ)ـلاَ

يعني (كأن لم يكن بينكم وبينه مودة) ، التأنيث لأجل لفظ مودة والتذكير لأجل الفصل الواقع بين الفعل والفاعل مع أن المودة بمعنى الود والدارم الذي يقارب الخطا في مشيه أي القراءة منقولة عن شيخ هذه صفته ودارم أيضا اسم قبيلة من تميم وليس ابن كثير منهم خلافا لما وقع في شرح الشيخ رحمه الله وقد بينا الوهم في ذلك في الشرح الكبير في ترجمة ابن كثير وأما (ولا يظلمون فتيلا)-(أينما تكونوا) ، فقرئ بالغيب ردا على ما قبله من قوله (ألم تر إلى الذين قيل لهم) ، إلى آخر الآية والخطاب على الالتفات وإن كان المراد قل لهم فالغيب والخطاب من باب قولك قل لزيد لا يضرب ولا تضرب بالياء والتاء ومنه ما سبق ، (قل للذين كفروا سيغلبون) و (لا يعبدون إلا الله) ، ولا خلاف في الأول أنه بالغيبة وهو (لا يظلمون فتيلا)-(انظر كيف يفترون) وأما (بيت طائفة) ، فأبو عمرو على أصله في إدغامه ووافقه حمزة فيه كما وافقه في مواضع أخر تأتي في أول سورة والصافات ولولا حمزة لما احتاج إلى ذكر هذا الحرف لأبي عمرو هنا بل كان ذلك معلوما من إدغام الحرفين المتقاربين فلما احتاج إلى ذكره لأجل حمزة رمز لأبي عمرو معه خشية أن يظن أنه لحمزة وحده ولهذا نظائر سابقة ولاحقة وكان يلزمه مثل ذلك في أول والصافات فلم يفعله وقد قيل إن إدغام (بيت طائفة) ، ليس من باب الإدغام الكبير بل من الصغير والتاء ساكنة للتأنيث مثل (وقالت طائفة) ، وقد ذكرنا وجه هذا القول على بعده في الشرح الكبير في باب الإدغام وفي هذا البيت ثلاث مسائل وصلها بغير واو فاصلة بينها إذ لا ريبة في ذلك والله أعلم
(603)
وَإِشْمَامُ صَادٍ سَاكِنٍ قَبْلَ دَالِهِ كَأَصْدَقُ زَايًا (شَـ)ـاعَ وَارْتَاحَ أَشْمُلاَ

، يعني نحو (تصدية) و (يصدفون) و (يصدر) و (تصديق) و (فاصدع بما تؤمر) و (على الله قصد السبيل) و (من أصدق) ، وجه هذا الإشمام ما تقدم في-الصراط-لأن الدال مجهورة وقراءة الباقين بالصاد الخالصة وقوله زايا بالنصب هو ثاني مفعولي وإشمام والأول أضيف إليه وهو صاد لأنك تقول أشم الصاد زايا والمصدر يتعدى تعدية فعله وأشملا تمييز والارتياح النشاط وأشملا جمع شمال بكسر الشين وهو الخلق واليد يشير إلى حسنه في العربية والله أعلم
(604)
وَفِيهَا وَتَحْتَ الْفَتْحِ قُلْ فَتَثَبَّتُوا مِنَ الثَّبْتِ وَالْغَيْرُ الْبَيَانِ تَبَدَّلاَ

، يعني (إذا ضربتم في سبيل الله فتبيَّنوا)-(فمن الله عليكم فتبينوا) ، وفي الحجرات (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ، قرأها حمزة والكسائي من الثبات في الأمر والثبت هو خلاف الإقدام والمراد التأني وخلاف العجلة ومنه قوله تعالى (وأشد تثبيتا) ، أي وأشد وفقا لهم عما وعظوا بأن لا يقدموا عليه وقرأها الباقون من بيان الأمر وهو ثمر التثبت فيه فيستعمل في موضعه قال الأعشى (كما راشد تجدن أمرا تبين ثم ارعوى أو قدم ) ، قدم أي أقدم قال أبو علي فاستعمل التبيين في الموضع الذي يقف فيه ناظرا في الشيء حتى يقدم عليه أو يرتدع عنه وقال في موضع الزجر النهي والتوقف ، (لزيد مناة توعد يا ابن تيم تبين أين تاه بك الوعيد) ، وقال الفراء هما متقاربان في المعنى يقول ذلك للرجل لا تعجل بإقامة الحد حتى يتبين ويتثبت وقول الناظم من الثبت أي اشتقاقه من كلمة الثبت يقال رجل ثبت أي ثابت القلب واستعمله العلماء الحائزون أحوال الرواة ونقلة الأحاديث في الحافظ الذاكر لما حدث به الضابط له الذي لا تدخله شبهة في ذلك ولا تشكك فيه فيقولون هو ثقة ثبت وهو من ذلك وعسر على الناظم أن يقول من التثبت أو التثبيت وكان هو وجه الكلام كما قال غيره فعدل إلى كلمة فيها الحروف الأصول التي مرجع جميع ما اشتق من ذلك إليها وقال الشيخ أشار إلى أن معنى القراءة طلب الثبت وهو تفعلوا بمعنى استفعلوا من طلب ثبات الأمر والقراءة الأخرى أمر بطلب بيان الأمر ثم قال الناظم والغير تبدل من الثبت البيان أي جعله مشتقا من البيان لا من الثبت ولم يذكر للقراءة من الثبت رمزا اعتمادا على الرمز السابق في إشمام-أصدق-وبابه لأنه أول رمز يليه ، فإن قلت فلقائل أن يقول ينبغي أن يؤخذ لها ما يرمز به في المسئلة التي بعدها كما أنه جمع بين مسئلتين لرمز واحد فيما مضى في البقرة وهما (قالوا اتخذ الله ولدا)و(كن فيكون) ، وجمع بين ثلاث مسائل لرمز واحد في آل عمران في البيت الذي أوله سنكتب ،

قلت اهتمامه ببيان قراءة الغير في هذا البيت قطع ذلك الاحتمال لأنه يعلم أنه ما شرع في بيان قراءة الغير إلا وقد تم بيانه للقراءة الأخرى قيدا ورمزا فتعين اعتبار الرمز السابق إذ ليس غيره فكأنه قال اشما وقرءا فتثبتوا من الثبت وكان النظم يحتمل زيادة بيان فيقال في الثبت السابق كأصدق زايا شاع والتثبت شمللا إليها وتحت الفتح في-فتثبتوا-وغيرهما لفظ الثبات تبدلا أي أسرع الثبت إلى هذه السورة وإلى الحجرات في لفظ-فتثبتوا-وغير حمزة والكسائي يبدل عن ذلك لفظ البيان والله أعلم
(605)
وَ (عَمَّ فَـ)ـتًى قَصْرُ السَّلاَمَ مُؤَخَّراً وَغَيْرُ أُولِى بِالرَّفْعِ (فِـ)ـى (حَقِّ نَـ)ـهْشَلاَ

فتى مفعول عم أي عم قصر السلام قارئا ذا فتوة أو سخيا بعلمه أو قويا في العلم لأن الفتى يكنى به عن الشاب والشاب مظنة القوة فهو كما سبق شرحه في قوله وكم من فتى كالمهدوي وقال الشيخ فتى حال من قصر السلام ومؤخرا حال من السلام يريد قوله سبحانه وتعالى (لمن ألقى إليكم السلم) ، احترازا من اللتين قبله ولا خلاف في قصرهما-وألقوا إليكم السلم-وبعده-(ويلقوا إليكم السلم) ، وكذا لا خلاف في قصر التي في النحل (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) ، فلعله أشار بالعموم إلى هذا إذ سخا القصر في الجميع يقال ألقى السلام والسلم إذا استسلم وانقاد وقيل السلام هنا التسليم (غير أولي الضرر) ، بالرفع صفة للقاعدين كقوله-غير المغضوب-لأن القاعدين كانوا نوعين أولي الضرر وأصحاء فمعناه غير أولي الضرر منهم فحصل الحصر بين القسمين أو يكون بدلا من القاعدين لأنه استثناء من المنفي فيجوز فيه البدل والنصب وقراءة النصب على الحال من القاعدين أو على الاستثناء وقرئ شاذا بالجر على أنه صفة المؤمنين ونهشل اسم قبيلة فلهذا لم يصرفه وأشار باشتقاقه إلى أولي الضرر لأنه من قولهم نهشل الرجل إذا أسن واضطرب أو بكون قوله نهشلا فعلا ماضيا على حذف الموصوف أي في حق الذي نهشل أي جاء غير أولى بالرفع في حق هؤلاء المعذورين لأنه وصف القاعدون بذلك ليخرج منهم أولي الضرر والله أعلم
(606)
وَنُؤْتِيهِ بِالْيَا (فِـ)ـى (حِـ)ـمَاهُ وَضَمُّ يَدْ خُلُونَ وَفَتحُ الضَّمِّ (حَقٌّ صِـ)ـرًى حَلاَ
، يريد (فسوف نؤتيه أجرا) ، القراءة بالنون والياء ظاهرة والهاء في حماه عائدة على يؤتيه كقولك زيد بماله في داره ويدخلون الجنة بضم الياء وفتح الخاء على بناء الفعل للمفعول وبفتح الياء وضم الخاء على بنائه للفاعل وكلاهما ظاهر المعنى والصري بكسر الصاد وفتحها الماء المجتمع المستنقع يشير إلى عذوبة القراءة وكل عذب
(607)

وَفي مَرْيَمٍ وَالطَّوْلِ الأَوَّلِ عَنْهُمُ وَفِي الثَّانِ (دُ)مْ (صَـ)ـفْوًا وَفِي فَاطِرٍ (حَـ)ـلاَ
وقع في نسخ القصيدة الأول بالرفع والأولى أن يكون مجرورا على أنه بدل من الطول أو وفي مريم وحرف الطول الأول ويدل عليه قوله بعد ذلك وفي الثان أي في الأول عنهم وفي الثان عن دم صفوا وقوله عنهم أي عن المذكورين بضم الياء وفتح الخاء والذي في مريم (فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا) ، والأول في الطول (يدخلون الجنة يرزقون فيها) ، والثاني فيها (سيدخلون جهنم داخرين) ، دم صفوا أي ذا صفوا أو دام صفوك نحو طب نفسا وقر عينا فهو حال على الأول تمييز على الثاني وحلا في آخر هذا البيت ليس بمعنى حلا في آخر البيت الذي قبله وإن اتفقا لفظا بل هو من حلا فلان امرأته أي جعلها ذات حلى كأن حرف فاطر وهو قوله تعالى (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها) ، لما صحبه ذكر الحلية كأنه قد حلا وقال الشيخ كأن هذا الحرف على قراءة أبي عمرو قد جعل المعنى ذا حلية لحسن القراءة ومشاكلتها للمعنى أو من حلوت فلانا إذا أعطيته حلوانا والله أعلم
(608)
وَيَصَّالَحَا فَاضْمُمْ وَسَكِّنْ مُخَفِّفًا مَعَ الْقَصْرِ وَاكْسِرْ لاَمُهُ (ثَـ)ـابِتًا تَلاَ
يعني قرأ الكوفيون (أن يصلحا بينهما صلحا) ، من أصلح يصلح وقرأ الباقون بهذا اللفظ المنظوم وأصله يتصالحا فأدغمت التاء في الصاد وثابتا حال من اللام أو من الهاء في لامه أو من فاعل اكسر أي في حال ثباتك فيما تفعل فإنك على ثقة من أمرك وبصيرة من قراءتك أو يكون نعت مصدر محذوف أي كسرا ثابتا تلا ما قبله من الحركات المذكورة أو هو مفعول تلا أي تبع هذا المذكور أمرا ثابتا وهو كل ما تقدم ذكره من الحروف وقال الشيخ التلاء بالمد الذمة وهو منصوب على التمييز
(609)
وَتَلْوُوا بِحَذْفِ الْوَاوِ الأُولى وَلاَمُهُ فَضُمَّ سُكُونًا (لَـ)ـسْتَ (فِـ)ـيهِ مُجْهَّلاَ

يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته ومطلته وقد جعلت القراءة الأخرى التي بحذف الواو بمعناها على تقدير أن الواو المضمومة همزت ثم ألقيت حركتها على اللام وحذفت ذكر ذلك الفراء والزجاج والنحاس وأبو علي غير أن أبا علي قدم قبله وجها آخر اختاره وهو أن جعله من الولاية وقال ولاية الشيء إقبال عليه وخلاف الإعراض عنه وتابعه الزمخشري على هذا ولم يذكر غيره قال وإن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها وقول الناظم ولامه فضم الفاء زائدة ولامه مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده أي حرك لامه أو ضم لامه ثم فسره بقوله فضم سكونا ولا بد من ضمير يرجع إلى اللام كقولك زيدا اضرب رأسه ولا تقول رأسا فقوله سكونا أي سكونا فيه أو سكونه وقوله لست فيه مجهلا جملة في موضع الصفة لقوله سكونا أو هي مستأنفة ولو كان قدم لفظ فيه على لست لكان جيدا ورجع الضمير في فيه إلى اللام فيقول فضم سكونا فيه لست مجهلا ويكون فيه رمزا بحاله كقوله في آل عمران وكسر لما فيه وإن كان موهما في الموضعين أنه تقييد للقراءة ، فإن قلت سكونا مصدر في موضع الحال من اللام أي ضم لامه في حال كونها ساكنة فلا حاجة إلى ضمير يرجع إلى اللام ولا إلى تقديم فيه على لست ، قلت ضم اللام في حال السكون محال والحال تقييد للفعل بخلاف الصفة فإذا قيل اضرب زيدا راكبا تعين ضربه في حال ركوبه وإذا قيل اضرب زيدا الراكب كان الراكب صفة مبينة لا غير فله ضربه وإن ترك الركوب فعلى هذا يجوز أن يقال ضم اللام الساكنة ولا يجوز ضم اللام ساكنة فاعرف ذلك
(610)
وَنُزِّلَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (حِصْنُـ)ـهُ وَأُنْزِلَ عَنْهُمْ عَاصِمٌ بَعْدُ نُزِّلاَ

يريد قوله تعالى (والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) ، فتحهما حصن وانفرد عاصم بفتح (وقد نزل عليكم في الكتاب) ، والقراءة في المواضع الثلاثة دائرة بين بناء الفعل للفاعل أو للمفعول وهما ظاهرتان والهاء في حصنه تعود على نزل وهو خبر فتح الضم والكسر وهما خبر نزل ثم قال وأنزل كذلك عنهم والله أعلم
(611)
وَيَا سَوْفَ تُؤْتِيِهِمْ (عَـ)ـزيزٌ وَحَمْزَةٌ سَيُوتِيهِمُ فِي الدَّرْكِ كُوفٍ تَحَمَّلاَ
يريد (سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله)-(أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما) ، الياء والنون فيهما ظاهرتان وقد سبق لهما نظائر والدرك من قوله تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) ، تحمله الكوفيون بإسكان رائه والباقون بفتحها وهما لغتان كالقدر والقدر والشمع والشمع وتحريك الراء اختيار أبي عبيد والله أعلم
(612)
بِالإِسْكَانِ تَعْدُوا سَكِّنُوهُ وَخَفِّفُوا (خُـ)ـصُوصاً وَأَخْفَى الْعَيْنَ قَالُونُ مُسْهِلاَ

قوله بالإسكان متعلق بآخر البيت السابق ثم ابتدأ تعدوا أي قرأه غير نافع بإسكان العين وتخفيف الدال من عدا يعدو كما قال سبحانه في موضع آخر (إذ يعدون في السبت) ، وقرأ نافع بفتح العين وتشديد الدال وكان الأصل يعتدوا كقوله (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم) ، ثم أدغمت التاء في الدال وألقيت حركة التاء على العين وأخفى قالون حركة العين إيذانا بأن أصلها السكون والكلام فيه كما سبق في إخفاء كسر العين في نعما وقوله مسهلا أي راكبا للطريق الأسهل وكأنه أشار بذلك إلى طريق آخر وعر روى عنه لم ير الناظم ذكره لامتناع سلوكه قال صاحب التيسير والنص عنه بالإسكان ، قلت وكذا ذكر ابن مجاهد عن نافع قال أبو علي وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما ولم يكن الأول حرف لين نحو-دابة-وثمود-الشرب-وقيل لهم-ويقولون إن المد يصير عوضا من الحركة ثم قال وإذا جاز نحو أصيم ومديق ودويبة مع نقصان المد الذي فيه لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين في نحو تعدوا-لأن ما بين حرف اللين وغيره يسير ، قلت ذلك القدر اليسير هو الفارق لأنه هو القائم مقام الحركة وما ليس فيه ذلك اليسير فلا حركة فيه ولا ما يقوم مقامها فلا ينبغي أن يتكلف جوازه وصحته مع عسره على اللسان أو استحالته وقد سبق في-نعما هي-تحقيق ذلك أيضا وإنكار أبي علي وغيره من أئمة العربية جواز إسكان العين وعجبت منه كيف سهل أمره هنا ، قال ابن النحاس لا يجوز إسكان العين والذي يقرأ بهذا إنما يروم الخطأ ، قال الحوفي وهذا شيء لا يجوز ولعل القارئ بذلك أراد الإخفاء فتوهم عليه الإسكان والله أعلم
(613)
وَفي الانْبِياَ ضَمُّ الزَّبُورِ وَههُناَ زَبُوراً وَفي الإِسْراَ لِحَمْزَةَ أُسْجِلاَ

أسجلا أي أبيح لحمزة القراءة به والمسجل المطلق المباح الذي لا يمتنع عن أحد وأسجل الكلام إذا أرسله من غير تقييد وفتح الزاي من الزبور وضمها لغتان في اسم الكتاب المنزل على داود عليه السلام وإن كانت اللفظة عربية وهما مصدران سمى بهما الزبور وهو المكتوب يقال زبر إذا كتب ويقال زبرت الكتاب إذا أحكمت كتابته ، وقال مكي زبرت الكتاب أي جمعته فهو مثل تسمية المكتوب كتابا ومثل الزبور بالفتح القبول وبالضم الشكور وقيل المفتوح يصلح للمفرد والجمع كالعدو وذكر أبو علي في المضموم وجهين أحدهما أنه جمع زبرا وقع على الزبور اسم الزبر كقولهم ضرب الأمير ونسج اليمن ثم جمع الزبر على زبور كما جمع الكتاب على كتب والآخر أن يكون جمع زبور على تقدير حذف الحرف الزائد وهو الواو ولا ضرورة إلى هذا التكلف ووقع في شرح الشيخ أنه جمع زبر وهو الكتاب كقدر وقدور ، وقال مكي هو جمع زبر كدهر ودهور ، قلت الإفراد وجهه ظاهر لان المتيقن كتاب واحد أنزل على داود اسمه الزبور كالتوراة والإنجيل والقرآن أما وجه الجمع إن كان مرادا فله معنيان أحدهما أن الجمع توجه إلى أنواع ما فيه فكل نوع منها زبر والآخر أن يكون نزل على داود صحف متعددة كما جاء (صحف إبراهيم وموسى) ، وليس في سورة النساء شيء من ياءات الإضافة ولا ياءات زوائد المختلف فيها والله أعلم
سورة المائدة
(614)
وَسَكِّنْ مَعًا شَنَآنُ (صَـ)ـحَّا (كِـ)ـلاَهُمَا وَفي كَسْرِ أَنَ صَدُّوكمْ (حَا)مِدٌ دَلاَ

أي وسكن كلمتي-شنآن-معا يعني (ولا يجرمنكم شنآن قوم) ، في موضعين في هذه السورة وضد الإسكان المطلق الفتح فقوله صحا كلاهما رمز قراءة الإسكان وأشار بهذا اللفظ إلى صحة الإسكان والفتح أي صحت القراءة بهما في هذه الكلمة ومعناها شدة البغض وهما لغتان ومن الإسكان قول الأحوص ، (وإن لام فيه ذو الشنان وفندا ) ، لأنه خفف الهمز بإلقاء حركته على الساكن قبله وحذفه على ما تقرر في باب وقف حمزة-وأن تعتدوا-مفعول ثان لقوله-ولا يجرمنكم-أي لا يلبسنكم الشنآن العدوان وأن صدوكم بالفتح تعليل أي لأنهم صدوكم وكان الصد قد وقع سنة ست ونزلت هذه الآية سنة ثمان فاتضح معنى التعليل وقراءة الكسر على معنى إن حصل صد ويصح أن يقال مثل ذلك وإن كان الصد قد وقع كقوله تعالى (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم) ، أي إن يكونوا قد صدوكم وقال أبو علي معناه إن وقع مثل هذا الفعل وعلى ذلك قول الفرزدق ( أتغضب أن أذنا قتيبة حزنا ) ، ودلا معناه ساق سوقا رقيقا ودلا أي أخرج دلوه ملآء وقد سبق وجه التجوز به في مثل هذه المواضع وهو أنه أنجح وحصل مراده ولم يحقق مسعاه ونحو ذلك والله أعلم
(615)
مَعَ الْقَصْرِ شَدِّدْ يَاءَ قَاسِيَةً (شَـ)ـقَا وَأَرْجُلِكُمْ بِالنَّصْبِ (عَمَّ رِ)ضاً (عَـ)ـلاَ

يريد (وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون) ، فإذا قصر بحذف الألف وشددت الياء صار قسية على وزن فعيلة فالقراءتان بمعنى عالمة وعليمة وقيل قسية ردية مغشوشة من قولهم درهم قسى قال الزمخشري وهو من القسوة لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة قال أبو علي والقسوة خلاف اللين والرقة وقد وصف الله تعالى قلوب المؤمنين باللين فقال (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) ، ويشهد لقراءة المد (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) وأما (وأرجلكم إلى الكعبين) ، فقرئت بنصب اللام وجرها أما النصب فوجهه العطف على وجوهكم وأيديكم لأن الجميع ثابت غسله من جهة السنة وإنما فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله-وامسحوا برءوسكم-للتنبيه على الترتيب المشروع سواء قيل بوجوبه أو استحبابه وأما الجر فوجهه ظاهر وهو العطف على برءوسكم والمراد به المسح على الخفين وعلى ذلك حمل الشافعي رحمه الله القراءتين فقال أراد بالنصب قوما وبالجر آخرين ، فإن قلت التحديد يمنع من ذلك فإن قوله-إلى الكعبين-كقوله-إلى المرافق ، قلت التحديد لا دلالة فيه لي غسل ولا مسح وإنما يذكر عند الحاجة إليه فلما كانت اليد والرجل لم يذكر التحديد فيهما لاقتصر على ما يجب قطعه في السرقة أو لوجب استيعابها غسلا ومسحا إلى الإبط والفخذ أعتنى بالتحديد فيهما ولما لم يحتج إلى التحديد لم يذكره لا مع الغسل ولا المسح كما في الوجه والرأس ، فإن قلت استيعاب المحدود بالمسح على الخف غير واجب بالإجماع ، قلت فائدة التحديد أن الاقتصار على مسح ما جاوز ذلك غير مجز فليس المطلوب إلا المسح فيما دون الكعبين إلى أطراف الأصابع فهذا أرجح ما وجدت من الأقوال في تفسير هذه الآية وإعرابها ورضى في موضع نصب على التمييز أو الحال أشار إلى أن قراءة النصب ظاهرة الموافقة لما ثبت في السنة وقراءة الجر خفية الموافقة وهي ما ذكرناه والله أعلم
(616)

وَفي رُسُلُنَا مَعْ رُسْلُكُم ثُمَّ رُسْلهُمْ وَفي سُبْلَنَا فِي الضَّمِّ الإِسْكَانُ (حُـ)ـصِّلاَ
يريد (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات) ، وضم إلى ذلك ما يناسبه حيث جاء فالإسكان لأبي عمرو في سين هذه الكلمات وفي باء-سبلنا-للتخفيف والباقون بضمها على الأصل وهما لغتان وأجمعوا على ضم المضاف إلى ضمير المفرد نحو-رسله- وعلى ضم ما لا ضمير معه نحو-الرسل-و-سبل السلام
(617)
وَفِي كَلِمَاتِ السُّحْتِ (عَمَّ نُـ)ـهىً (فَـ)ـتًى وَكَيْفَ أَتى أُذُنٌ بِهِ نَافِعٌ تَلاَ
، السحت ما لا يحل وإنما قال كلمات السحت لأنه تكرر في مواضع من هذه السورة وفي عم ضمير يعود إلى الإسكان والنهى جمع نهية وهي الغاية والنهاية والهاء في به للإسكان أيضا أي كيفما أتى لفظ أذن-منكرا أو معرفا مفردا أو مثنى نحو (ويقولون هو أذن)-(والأذن بالأذن)-(في أذنيه وقرا) ، الضم والإسكان لغتان والله أعلم
(618)
وَرُحْمًا سِوَى الشَّامِي وَنُذْرًا (صِحَابُـ)ـهُمْ (حَـ)ـمَوْهُ وَنُكْرًا (شَـ)ـرْعُ (حَـ)ـق (لَـ)ـهُ (عُـ)ـلاَ
ألحق بالألفاظ السابقة ما يشاكلها مما وقع فيه الخلاف المذكور في غير هذه السورة أراد (وأقرب رحما) في الكهف (عذرا أو نذرا) في المرسلات (لقد جئت شيئا نكرا) ، في الكهف ولا خلاف في إسكان عذرا
(619)
وَنُكْرٍ (دَ)نَا وَالْعَيْنُ فَارْفَعْ وَعَطْفَهَا (رِ)ضًى وَالْجُرُوحُ ارْفَعْ (رِ)ضى (نَفَرٍ) مَلاَ

يريد (إلى شيء نكر) ، في سورة القمر سكنها ابن كثير وحده قوله والعين فارفع يريد (والعين بالعين) ، قوله وعطفها أي ومعطوفها يعني ما عطف عليها وهو الأنف والأذن والسن وللرفع ثلاثة أوجه ، أحدها الرفع على استئناف جملة وعطفها على الجملة السابقة كقولك فعلت كذا وزيد فعل كذا وعمرو وبكر قال أبو علي الواو عاطفة جملة على جملة وليست للاشتراك في العامل كما كان كذلك في قول من نصب ولكنها عطفت جملة على جملة كما يعطف المفرد على المفرد ، قال والوجه الثاني أنه حمل الكلام على المعنى لأنه إذا قال (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) ، فمعنى الحديث قلنا لهم النفس بالنفس فحملت العين بالعين على هذا ، قلت لأن أن ههنا لو حذفت لاستقام معنى الكلام بحذفها استقامته بثبوتها وتكون النفس مرفوعة فصارت أن هنا كإن المكسورة في أن حذفها لا يخل بالجملة فجاز العطف على محل اسمها كما يجوز على محل اسم المكسورة وقد حمل على ذلك (إن الله بريء من المشركين ورسوله) ، قال الشيخ أبو عمرو ورسوله بالرفع معطوف على اسم أن وإن كانت مفتوحة لأنها في حكم المكسورة وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون ثم وجه ذلك وقرره بما سنذكره إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو وقال الزمخشري والعين بالرفع لعطف على محل (أن النفس) ، لأن المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا وإما لأن معنى الجملة التي هي النفس بالنفس مما يقع عليه الكتب كما تقع عليه القراءة قال الزجاج رفعه على وجهين العطف على موضع النفس بالنفس وعلى الاستئناف قال وفيها وجه آخر أن يكون عطفا على الضمير في-بالنفس-المعنى أن النفس مأخوذة هي بالنفس والعين معطوفة على هي ، قلت ورفع الجروح على الابتداء وقصاص خبره وعلى قراءة نصب الجروح يكون قصاص خبر أن ولا يستقيم في رفع الجروح ، الوجه الثالث وهو أنه عطف على الضمير الذي في خبر النفس وإن جاز فيما قبلها وسببه استقامة المعنى في قولك

مأخوذة هي بالنفس والعين مأخوذة بالعين ولا يستقيم والجروح مأخوذة قصاص هذا معنى قول بعضهم لما خلا وله الجروح وقصاص عن الباقي الخبر خالف الأسماء التي قبلها فخولف بينها في الإعراب وقال بعضهم إنما رفع الجروح ولم ينصب تبعا لما قبله فرقا بين الجملة والمفسر وقيل خولف ذلك الإعراب لاختلاف الجراحات وتفاوتها فإذن الخلاف بذلك الاختلاف قال أبو علي فأما-والجروح قصاص-فمن رفعه يقطعه عما قبله فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قول من رفع والعين بالعين قال ويجوز أن يستأنف-والجروح قصاص-ليس على أنه مما كتب عليهم في التوراة ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة في ذلك قال ويقوى أنه من المكتوب عليهم في التوراة نصب من نصبه ، قلت وفي هذا البيت رضى مرتين فالأول حال من الضمير في ارفع والثاني حال من مفعول ارفع والملا الأشراف أي أنه مرضى لهم والله أعلم
(620)
وَحَمْزَةُ وَلْيَحْكُمْ بِكَسْرٍ وَنَصْبِهِ يُحَرِّكُهُ يَبْغُونَ خَاطَبَ (كُـ)ـمَّلاَ
أي وحمزة يحرك-وليحكم-بكسر ونصبه فالهاء في نصبه لحمزة أو للفظ وليحكم والهاء في يحركه لقوله وليحكم فالكسر في اللام والنصب في الميم وإنما زاد قوله يحركه لتأخذ ضد التحريك للقراءة الأخرى وهو الإسكان في الحرفين ولو لم يذكر لكان ضد الكسر الفتح وضد النصب الخفض أراد قوله تعالى (وليحكم أهل الإنجيل بما) ، قرأه حمزة على التعليل أي لأجل الحكم بما فيه-آتيناه الإنجيل-وقرأه الباقون على الأمر وقوله (أفحكم الجاهلية يبغون) ، الخطاب فيه لأهل الكتاب والغيبة إخبار عنهم وجعل يبغون كأنه خطاب الكمل مجازا لما كان الخطاب فيه وعنى بالكمل أهل الكتاب أي إنهم أهل علم وفهم فحسن توبيخهم ولومهم لصدهم عن حكم الله تعالى وهم يعلمونه والله أعلم
(621)
وَقَبْلَ يَقُولُ الْوَاوُ (غـ)ـصْنٌ وَرَافِعٌ سِوَى ابْنِ الْعَلاَ مَنْ يَرْتَدِدْ (عَمَّ) مُرْسَلاَ

يعني (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء) ، يثبت الواو في مصاحف أهل العراق دون غيرهم وجعل الواو غصنا لأنها تصل ما بعدها بما قبلها لأنها عاطفة كغصن امتد من شجرة إلى أخرى ووجه حذف الواو أنه على تقدير سائل سأل ماذا يقول المؤمنون حينئذ ورفع يقول ظاهر على الاستئناف ونصبه أبو عمرو وحده عطفا على (فيصبحوا) ، لأن فيصبحوا منصوب بالفاء في جواب الترجى بعسى وهذا وجه جيد أفاد به الشيخ أبو عمرو رحمه الله ولم أر أحدا ذكره وذكروا وجوها كلها بعيدة متعسفة قيل هو عطف على (أن يأتي بالفتح) ، ولا يستقيم على ظاهره إذ يبقى التقدير فعسى الله أن يقول الذين آمنوا فتحيل أبو علي لصحته وجهين تبعه فيهما الناس أحدهما أنه عطف على معناه لأن معنى عسى الله أن يأتي وعسى أن يأتي الله واحد فالتقدير عسى أن يأتي الله وأن يقول الذين آمنوا والثاني أن يكون قوله-أن يأتي-بدلا من اسم الله تعالى فيكون المعنى كما سبق وقيل التقدير ويقول الذين آمنوا به أي بالله وأما الزمخشري فلم يقدر شيئا من ذلك بل أطلق القول بأنه عطف على-أن يأتي-وذكر ابن النحاس وجها آخر وهو أن يكون عطفا على بالفتح لأن معناه بأن يفتح فأضمر أن قبل يقول ليكون عطف مصدر على مصدر كقوله (للبس عباءة وتقر عيني ) وأظن أن الذي حملهم على ارتكاب هذه الأوجه البعيدة وتركهم الوجه الواضح الذي ذكرته أولا اعتقادهم أن فيصبحوا ليس نصبا على جواب الترجي لأن الترجي من الله تعالى إيجاب وتحقيق فلم يكن معنى الترجي حاصلا فيكون-فيصبحوا-عطفا على-أن يأتي بالفتح-ولا يستقيم عطف-ويقول-على ظاهر قوله-أن يأتي-فتأولوا هذه التأويلات ونحن نقول وإن كان الأمر كذلك فلا يمتنع النصب اعتبارا بلفظ الترجي وهذا متعين في تعليل قراءة عاصم (فتنفعه الذكرى) ، بالنصب في سورة عبس فهو في جواب (لعله يزكى) ، فكذا ههنا والله أعلم ، وقول الناظم ورافع سوى ابن العلا رافع خبر مقدم والمبتدأ قوله سوى ابن العلا أي غير ابن العلا

رافع ليقول وفي هذه العبارة نظر فإن أكثر النحويين يقولون إن سوى التي بمعنى غير لازمة للنصب على الظرفية فلا يجوز أن يليها عامل يقتضي غير ذلك إلا أن المختار خلاف ما ذكروه ففي أبيات الحماسة (ولم يبق سوى العدوان ) ، فإذا جاز وقوع سوى فاعلة جاز وقوعها مبتدأة وأما (من يرتد منكم عن دينه) ، فرسم بدالين في مصاحف المدينة والشام وبدال واحدة في المصاحف الباقية فكل من القراء وافق مصحفه وهما لغتان الإدغام لتميم والإظهار لأهل الحجاز وقد جاء التنزيل بالأمرين (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى)-(ومن يشاق الله) ، والمرسل المطلق يعني أنه أطلق من عقال الإدغام والضمير في عم لقوله من يرتد ثم بين قراءة الباقين فقال
(622)
وَحُرِّكَ بِالإِدْغَامِ دَالُهُ وَبِالْخَفْضِ وَالْكُفَّاَر (رَ)اوِيهِ (حَـ)ـصَّلاَ
يعني الدال الثانية حركت بالفتح مصاحبة لإدغام الأولى فيها فالباء في بالإدغام باء المصاحبة مثل دخل عليه بثياب السفر وليست باء الاستعانة بالآلة نحو كتبت بالقلم فإن الإدغام لا يصلح آلة للتحريك فإن قلت من أين علم أن مراده بالتحريك الفتح قلت لأنه ذكره غير مقيد وذلك هو الفتح في اصطلاحه كما سبق في شرح الخطبة وإنما فتحت الدال الثانية لسكون الأولى قبلها بسبب الإدغام ويجوز كسرها لغة لا قراءة (والكفار أولياء) ، بخفض الراء عطفا على قوله (من الذين أوتوا الكتاب) ، وبالنصب عطفا على (الذين اتخذوا دينكم) ، والواو في-والكفار-من التلاوة وهي مبتدأ والتقدير والكفار بالخفض راويه حصله والله أعلم
(623)
وَبَا عَبَدَا اضْمُمْ واَخْفِضِ التَّا بَعْدُ (فُـ)ـزْ رِسَالَتَهُ اجْمَعْ وَاكْسِرِ التَّا (كَـ)ـمَا (ا)عْتَلاَ

يريد (وعبد الطاغوت) ، اضمم باء عبد واخفض التاء من الطاغوت فيكون عبدا اسما مضافا إلى الطاغوت ويكون معطوفا على القردة وهو المبالغ في العبودية المنتهى فيها كما يقال فطن وحذر للبليغ في الفطنة قال طرفة بن لبنى (إن أمكم أمة وإن أباكم عبد ) ، وعبد في قراءة الجماعة فعل والطاغوت مفعول والجملة عطف على صلة من وأما (فما بلغت رسالاته) ، بالجمع فظاهر لأنه أريد جمع ما أرسل به من التوحيد والأحكام وما يشتمل عليه ذلك أنواع كثيرة والإفراد يدل على ذلك أيضا لأن رسالته صلى الله عليه وسلم تضمنت تلك الأشياء كلها واستعمل الناظم لفظ الكسر في العبارة عن حركة التاء في الجمع واستعمل لفظ الفتح في العبارة عن حركة المفرد في قوله في سورة الأنعام-رسالات-فردوا-فتحوا- دون علة والحركتان في الموضعين حركتا إعراب على القراءتين في كل حرف منها ووجهه أن كل كلمة منهما في القراءتين منصوبة غاية ما في الأمر أن علامة النصب في إحداهما فتحة وفي الأخرى كسرة فلفظ في الموضعين بعلامة النصب في إحدى القراءتين لتأخذ ضدها في القراءة الأخرى ولو قال انصبوا لتحير السامع إذ القراءة الأخرى في الموضعين منصوبة ومثل ذلك قوله في الأعراف ويقصر ذريات مع فتح تائه والله أعلم
(624)
(صَـ)ـفَا وَتَكُونُ الرَّفْعُ (حَـ)ـجَّ (شُـ)ـهُودُهُ وَعَقَّدْتُمُ التَّخْفِيفُ (مِـ)ـنْ (صُحْبَةٍ) وَلاَ

صفا من جملة رمز من قرأ رسالاته بالجمع وهم بن عامر ونافع وأبو بكر وأما (وحسبوا أن لا تكون فتنة) ، فنصبه ورفعه لوقوع حرف أن قبله من بعد فعل الحسبان وما كان كذلك جاز فيه الوجهان فالنصب بناء على أن أن هي الناصبة للأفعال المضارعة والرفع بناء على أن أن هي المخففة من الثقيلة وأما إذا جاءت أن بعد فعل علم فالرفع لا غير نحو (علم أن سيكون منكم مرضى أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) ، وفي غير ذلك النصب لا غير نحو (أريد أن تبوء بإثمي)-(إني أريد أن أنكحك) ، ولم يختلف في نصب (إن ظنا أن يقيما حدود الله)-(تظن أن يفعل بها فاقرة)وأما(عقدتم الأيمان) ، فالتخفيف فيه والتثقيل سيان وفي التشديد معنى التكثير والتكرير وقوله عقدتم مبتدأ والتخفيف بدل منه بدل اشتمال أو مبتدأ ثان أي التخفيف فيه وخبره ولا أي متابعة من صحبة النقل ويجوز أن يكون التقدير ظهر من صحبة متابعة فيكون ولا حالا ومن صحبة خبر المبتدأ ويجوز أن يكون من صحبة متعلقا بالتخفيف والخبر ولا ويجوز أن يكون التخفيف خبر وعقدتم أي هو ذو التخفيف من صحبة وولا على هذا حال والله أعلم
(625)
وَفي الْعَيْنِ فَامْدُدْ (مُـ)ـقْسِطاً فَجَزَاءُ نَو ْوِتُوا مِثْلُ مَا فِي خَفْضِهِ الرَّفْعُ (ثُـ)ـمَّلاَ

يعني في عين عقدتم أي اتبع فتحها فيتولد منها ألف عبر عنها بالمد وجعل المد في العين تجوزا وهو على المعنى الذي ذكرناه في قوله ولا ألف في هاء هأنتم يعني أن ابن ذكوان زاد ألفا بعد العين وهو ممن خفف القاف فتصير قراءته-عاقدتم-وهو بمعنى عقدتم أو يكون من اثنين على أصل فاعلتم فههنا ثلاث قراءات والذي سبق في سورة النساء فيه قراءتان المد والتخفيف والثالثة هنا التشديد والمقسط العادل وثملا حال من الضمير في نونوا وهو جمع ثامل وهو المصلح والمقيم أيضا يقال ثمل يثمل بضم الميم وكسرها في المضارع ثملا فهو ثامل وقوله مثل ما في خفضه الرفع جملة معترضة بين الحال وصاحبها وانتظامها كانتظام قولك زيد في داره عمرو أي قرءوا (فجزاء مثل ما قتل) ، بتنوين جزاء ورفع مثل فمثل في هذه القراءة صفة جزاء وكذا من النعم أي فعليه جزاء مماثل ما قتل وذلك الجزاء من النعم والقراءة الأخرى بإضافة جزاء إلى مثل وقد أشكلت على قوم حتى قالوا الجزاء إنما هو للصيد لا لمثله من النعم ووجهها أنها إضافة تخفيف لأن مثل مفعول جزاء أصله فجزاء مثل ما آي فعليه أن يجزي المقتول مثله من النعم فمن النعم على قراءة الإضافة يجوز أن يكون متعلقا بالجزاء ويجوز أن يكون صفة له كما أنه متعين للصفة على قراءة التنوين وسببه أنك إذا نونت جزاء فقد وصفته بمثل ومتى وصف المصدر أو أكد أو عطف عليه امتنع تعلق شيء به نص أبو علي على ذلك كله وعلى قراءة الإضافة لم يوصف فجاز تعلق من النعم به وجرى هنا بمنزلة قضى فكما تقول قضيت زيدا حقه كذا تقول جزيت الصيد مثله فظهر أن تقدير الآية فعليه أن يجزى المقتول مثله من النعم ثم حذف المفعول الأول لما في قوة الكلام من الدلالة عليه ثم أضيف الجزاء إلى المثل تخفيفا كما تقول أعجبني عزمك على إكرام زيد غدا وقال أبو علي هو من قولهم أنا أكرم مثلك يريدون أنا أكرمك فكذا إذ قال فجزاء مثل ما قتل فالمراد جزاء ما قتل فالإضافة كغير الإضافة قال

ولو قدرت الجزاء تقدير المصدر فأضفته إلى المثل كما تضيف المصدر إلى المفعول به لكان في قوله من جر مثلا على الاتساع الذي وصفنا أي يكون مثل زائد والله أعلم
(626)
وَكَفَّارَةُ نَوِّنْ طَعاَمِ بَرَفْعِ خَفْضِهِ دُمْ (غِـ)ـنىً وَاقْصِرْ قِيَامًا (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ
يريد (أو كفارة طعام مساكين) ، الكلام في القراءتين هنا بالتنوين والإضافة كما سبق في البقرة (فدية طعام) ، ولكن مساكين في هذه السورة لا خلاف في جمعه وقوله دم غنا أي غنيا أو دام غناك بالعلم والقناعة إن القنوع الغناء لا كثرة المال القناعة كنز لا ينفد وتقدم الكلام في سورة النساء في-قياما-وقيما-والملا بضم الميم جمع ملأة وهي الملحفة كنى بها عن حجج القراء لأنها تسترها من طعن طاعن كما تستر الملا والله أعلم
(627)
وَضَمَّ اسْتُحِقَّ افتح لَحِفْصٍ وَكَسْرُهُ وَفي الأَوْلَياَنِ الأَوَّلِينَ (فَـ)ـطِبْ (صِـ)ـلاَ

يعني افتح الياء المضمومة والحاء المكسورة وكان يمكنه أن يقول وتاء استحق افتح لحفص حاءه ولكن المعنى كان يختل في التاء دون الحاء فإن ضد الفتح الكسر والتاء في قراءة غير حفص مضمومة فاحتاج أن يقول وضم استحق ثم قال وكسره فهو أولى من أن يقول وحاءه لوجهين أحدهما المقابلة بين حركتي الضم والكسر والثاني زيادة البيان لقراءة الغير وإذا ابتدئت هذه الكلمة كسرت همزتها في قراءة حفص وضمت في قراءة غيره وأرادوا قرأ-الأولين-في موضع-الأوليان-أو-الأولين-استقر مكان-الأوليان-وأراد بالصلا الذكاء لأنهم يقولون هو يتوقد ذكاء أو أراد نار الضيافة كقوله ، (متى نأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا) ، وهو إشارة إلى حصول العلم منه فموضع صلا نصب على التمييز أو الحال مثل دم غنا ودم يدا والأوليان على قراءة حفص رحمه الله فاعل استحق كأنهما استحقا على أصحابهما أن يقيموهما للشهادة والأوليان تثنية الأولى وهو في غير قراءة حفص مفعول ما لم يسم فاعله على حذف مضاف أي استحق عليهم إقامة الأولين منهم للشهادة وقيل بدل من آخران أو من الضمير في يقومان أو على تقديرهما الأوليان وقيل هو مبتدأ خبره آخران المقدم عليه أي فالأولياء آخران وقيل هو صفة لآخران وإن كان لفظه نكرة لأنه قد اختص بالصفة في قوله يقومان ومرفوع استحق على هذه الأقوال غير القول الأول محذوف أي استحق عليهم الإثم فاستغنى عنه بقوله عليهم كما تقول جنى عليهم وقيل معناه استحق خصومهم الحق عليهم والأولين في قراءة حمزة وأبي بكر صفة الذين استحق لأنهم أول المذكورين في القصة وهم أولياء الميت أو لأنهم هم الذين دفعوا الحكومة أولا واعلم أن الآية من أشكل آي القرآن تفسيرا وإعرابا وفقها قال أبو محمد مكي في كتاب الكشف هذه الآية في قراءتها وإعرابها وتفسيرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آية في القرآن وأشكلها قال ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر قال وقد

ذكرناها مشروحة في كتاب منفرد قلت وسأجتهد إن شاء الله تعالى في بيانها وكشف غامضها وتفصيل أحكامها في الكتاب المذهب في علم المذهب أو في كتاب إيضاح مشكلات الآيات
(628)
وَضَمَّ الْغُيُوبِ يَكْسِرَانِ عُيُوناً الْعُيُونِ شُيُوخاً (دَ)انَهُ (صُحْبَهٌ مِـ)ـلاَ
يعني أن حمزة وأبا بكر كسرا الغين من الغيوب لما تقدم من التعليل في بيوت ثم أردفه ما اختلف القراء في كسره من هذا القبيل وهو عيون المنكر والمعرف نحو (في جنات وعيون)-(وفجرنا فيها من العيون) ، وشيوخا في غافر كسر هذه الثلاثة ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر وابن ذكوان ومعنى دانه أي دان به أي تدين بقراءته أي دان له أي أطاعه وملاء بكسر الميم والمد جمع ملآن وهو صفة لصحبه يعني أنهم ملئوا علما ثم ذكر موضعا آخر فقال
(629)
جُيُوبِ (مُـ)ـنِيرٍ (دُ)ونَ (شَـ)ـكٍّ وَسَاحِرٌ بِسِحْرٌ بِهاَ مَعْ هُودَ وَالصَّفِّ (شَـ)ـمْلَلاَ
أراد (على جيوبهن) ، في النور كسره الجماعة المتقدمون غير أبي بكر وقرأ حمزة والكسائي ساحر في موضع سحر هنا وفي أول هود (إن هذا إلا سحر) وفي الصف (قالوا هذا سحر) ، كذلك على تقدير ذو سحر وعبر عنه بالمصدر مبالغة أو تكون الإشارة إلى ما جاء به وشملل أي أسرع ساحر بسحر في هذه السورة أي جاء به أشار إلى رجوع معنى سحر إلى معنى ساحر على ما ذكرناه والله أعلم
(630)
وَخَاطَبَ هَلْ يَسْتَطِيعُ (رُ)وَاتُهُ وَرَبُّكَ رَفْعُ الْبَاءِ بِالنَّصْبَ (رُ)تِّلاَ

أي قرءوا بالخطاب للكسائي ومعنى قرأته ظاهر أي هل تطلب طاعة ربك في إنزال المائدة يريدون استجابة الله سبحانه دعاءه وقراءة الجماعة على معنى هل يطلب ربك الطاعة من نزول المائدة ويجوز أن يكون عبر عن الفعل بالاستطاعة لأنها شرطه والمعنى هل ينزل ربك علينا مائدة من السماء إن دعوته بها ومثله (فظن أن لن نقدر عليه) ، أي ظن أن لن نؤاخذه فعبر بشرط المؤاخذة هو القدرة على المشروط وهو المؤاخذة ومثله في حديث الذي أوصى بنيه بتحريقه وتذرية رماده في البحر قوله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد أي لئن حكم بتعذيبي ليكونن عذابا عظيما ويقول الرجل للرجل بصورة المستفهم تقدر تفعل كذا وهو يعلم قدرته عليه وإنما معناه افعله فإنك قادر على فعله وهذا معنى حسن يعم جميع هذه المواضع المشكلة والله أعلم ، ومثل ذلك في الإشكال ما رواه الهيثم ابن جمار وهو ضعيف عن ثابت عن أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي ادع ربك الذي تعبد فيعافيني فقال اللهم اشف عمي فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال فقال يا ابن أخي إن ربك الذي تعبد ليطيعك قال وأنت يا عماه لو أطعته أو قال لئن أطعته أو قال لئن أطعت الله ليطيعنك أي ليجيبنك إلى مقصوده والله أعلم
(631)
وَيَوْمَ بِرَفْعٍ (خُـ)ـذْ وَإِنِّي ثَلاَثُهاَ وَلِي وَيَدِي أُمِّي مُضَافَاتُهاَ الْعُلاَ

يريد (هذا يوم ينفع الصادقين) ، فارفع على أن يوم خبر هذا أي هذا اليوم يوم ينفع الصادقين وهو يوم القيامة والنصب على الظرف أي قال الله تعالى ما تقدم ذكره في هذا اليوم أو قال الله هذا الذي قصصته عليكم ينفع ذلك اليوم وقال الفراء يوم خبر المبتدا على معنى قراءة الرفع وإنما بنى على الفتح لإضافته إلى غير اسم يعني إلى غير اسم متمكن ومنع البصريون بناء ما يضاف إلى المضارع وخصوا ذلك بالمضاف إلى الماضي نحو على حين عاتبت لأن المضارع معرب والماضي مبني فسرى البناء إلى ما أضيف إليه ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة وهي ست منها ثلاث في لفظ إني فهذا معنى قوله وإني ثلاثها فالضمير في ثلاثها يعود إلى إني الأول-إني أخاف-فتحها الحرميان وأبو عمرو والأخريان (إني أريد أن تبوء)-(فإني أعذبه عذابا) ، فتحهما نافع وحده والثلاث الأخر (ما يكون لي أن أقول) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو (يدي إليك) ، فتحها نافع وأبو عمرو وحفص (وأمي إلهين) ، فتحها هؤلاء وابن عامر وفيها زائدة واحدة (واخشون ولا تشتروا) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده وقلت في ذلك ، (فياءاتها ست وفيها زيادة وعبر عنها قوله اخشون مع ولا)
سورة الأنعام
(632)
وَ(صُحْبَةُ) يُصْرَفْ فَتْحُ ضَمٍّ وَرَاؤُهُ بِكَسْرٍ وَذَكِّرْ لَمْ يَكُنْ شَاعَ وَانْجَلاَ

أي الذي صحب يصرف فتح يائه وكسر رائه كما تقول صحبة زيد عمرو وبكر وإنما قال فتح ضم ولم يقل فتح ياء لما ذكرناه في فتح ضم استحق يريد قوله تعالى (من يصرف عنه يومئذ) ، قراءة صحبة على معنى من يصرف الله عنه العذاب وقراءة الباقين على بتاء الفعل للمفعول وأما (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) ، فقراءة حمزة والكسائي يكن بالياء وهذا معنى التذكير الذي أشار إليه بقوله وذكر فإن الباقين قرءوا بالتاء على التأنيث فاسم يكن على قراءتهما قوله أن قالوا وفتنتهم الخبر وأما قراءة الباقين فمن نصب فتنتهم فهذا وجهها ومن رفع فتنتهم جعلها الاسم والخبر أن قالوا والله أعلم
(633)
وَفِتْنَتُهُمْ بالرَّفْعِ (عَـ)ـنْ (دِ)ين (كَـ)ـامِلٍ وَبَا رَبِّناَ بِالنَّصْبِ (شَـ)ـرَّفَ وُصَّلاَ
من رفع الفتنة مع تأنيث يكن فقراءته ظاهرة ومن نصبها ففي قراءته إشكال فإن الاسم إن قالوا وهو مذكر فما وجه التأنيث وهي قراءة أبي عمرو ونافع وأبي بكر فقال أبو علي ءانث أن قالوا لما كان الفتنة في المعنى وفي التنزيل (فله عشر أمثالها) ، وقال لبيد ، (فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذ هي غردت إقدامها) ، فأنث الإقدام لما كان العادة في المعنى قال وقد جاء في الكلام ما جاءت حاجتك فأنث ضمير ما حيث كان الحاجة في المعنى ونصب الحاجة مثل ذلك قولهم من كانت أمك فأنث ضمير من حيث كان الأم ومثله (ومن يقنت منكن لله) ، قال الزجاج ويجوز أن يكون تأويل أن قالوا إلا مقالتهم أي فيؤنث الفعل على هذا التقدير لأن المقالة مؤنثة والنصب في (والله ربنا) ، على النداء أو بإضمار أعني والخفض على النعت والثناء وقوله وصلا جمع واصل وهو مفعول شرف والفاعل ضمير يعود على الباء أي شرف هذا النداء الواصلين إلى الله لا هؤلاء الكفرة
(634)
نُكَذِّبُ نَصْبُ الرَّفْعِ (فَـ)ـازَ (عَـ)ـلِيمُهُ وَفِي وَنَكُونَ انْصِبْهُ (فِـ)ـي (كَـ)ـسْبِهِ (عُـ)ـلاَ

أي انصب الرفع وكان يمكنه أن يقول وفي ونكون النصب ولكن كان يلزم من تلك العبارة أن يكون ضده الخفض ولما قال انصبه علم أن القراءة الأخرى الرفع والرفع في الفعلين على العطف على (نرد) ، أي ياليتنا نرد ونوفق للإيمان والتصديق أو يكون على القطع أي ونحن لا نكذب ونكون من المؤمنين أي قد عاينا وشاهدنا مالا نكذب معه أبدا ومنه قولهم دعني ولا أعود ويجوز أين كونا في موضع الحال أي ياليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين والنصب فيهما على جواب التمني بالواو وابن عامر نصب-ونكون-على الجواب ورفع ولا نكذب على ما سبق من الوجوه الثلاثة ويشكل على قراءة النصب وعلى قراءة الرفع أن جعلنا لجميع متمنى أو قلنا الواو للحال قوله سبحانه بعد ذلك (وإنهم لكاذبون) ، والمتمنى لا يوصف بصدق ولا كذب فيحمل ذلك على أنه استئناف إخبار عنهم بصفة ذم من جملة صفاتهم كما لو قال-وإنهم لظالمون
(635)
وَلَلدَّارُ حَذْفُ اللاَّمِ الاُخْرَى ابْنُ عَامِرٍ وَالآخِرَةُ المَرْفُوعُ بِالْخِفْضِ وُكِّلاَ
يعني حذف ابن عامر لام التعريف وأبقى لام الابتداء وأضاف الدار إلى الآخرة على تقدير ولدار الساعة الآخرة أو لدار الحياة الآخرة وكتبت في مصاحف الشام بلام واحدة وقراءة الجماعة بالتعريف وجعل الآخرة صفة للدار
(636)
وَ(عَمَّ عُـ)ـلاً لاَ يَعْقِلُونَ وَتَحْتَهاَ خِطاَباً وَقُلْ فَي يُوسُفِ (عَمَّ نَـ)ـيْطَلاَ

علا تمييز أو حال أي عم علاه أو عاليا وفاعل عم لا يعقلون وخطابا أيضا حال أي مخاطبا وذا خطاب ويجوز أن يكون خطابا تمييز على قولنا إن علا حال ونيطلا أيضا تمييز أي نصيبا وقال الشيخ هو مفعول من أجله أي عطاء لأنه يستعمل في العطاء وأصله للدلو ثم استعير للنصب كما قال تعالى (ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) ، والغيبة والخطاب في ذلك ظاهران ولفظه في السور الثلاث (أفلا تعقلون) ، وبعده في الأنعام (قد نعلم إنه ليحزنك) ، وفي الأعراف وهي المراد بقوله وتحتها أي تحت هذه السورة بعده (والذين يمسكون بالكتاب) ، وبعده في يوسف (حتى إذا استيأس الرسل) ، الخطاب في الثلاث لعم علا وتابعهم أبو بكر في يوسف والذي في يس لابن ذكوان ونافع وذلك قوله
(637)
وَيَاسِينَ (مِـ)ـنْ (أَ)صْلٍ وَلاَ يُكْذِبُونَكَ الْخَفِيفُ (أَ)تى (رُ)حْباً وَطَابَ تأَوُّلاَ
يعني الذي بعده (وما علمناه الشعر) ، وبقي موضع آخر في القصص ذكره في سورته (وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون) ، الخطاب فيه لغير أبي عمرو وأما (فإنهم لا يكذبونك) ، فالتخفيف فيه والتشديد من باب واحد أكذب وكذب مثل أنزل ونزل وتأولا تمييز ورحبا حال من الضمير في أني العائد على يكذبونك أو مفعول به أي صادف مكانا رحبا من صدور قرائه لقبولهم له وتوجيههم لمعانيها إذ يحتمل أن يكون من أكذبته أي وجدته كاذبا وأكذبته أيضا إذا نسبته إلى الكذب كقول الكميت (فطائفة قد أكقرتني بحبكم ) أي نسبتني إلى الكفر
(638)
أَرَيْتَ فِي الاِسْتِفْهَامِ لاَ عَيْنَ (رَ)اجِعٌ وَعَنْ نَافِعٍ سَهِّلْ وَكَمْ مُبْدِلٍ جَلاَ

يعني إذا جاء لفظ رأيت أو رأيتم بعد همزة الاستفهام فالكسائي وحده يسقط عين الكلمة وهي الهمزة لأنها عين الفعل تخفيفا لاجتماعها مع همزة الاستفهام وهي لغة للعرب مشهورة كقوله ، (أرأيت امرءا كنت لم أبله أتاني فقال اتخذني خليلا) ، وقد أجمع على إسقاطها في المضارع نحو-يرى-مع الاستفهام وغيره فلم ترجع في الماضي في هذا الموضع وهو الاستفهام فقوله راجع صفة لعين أي باعتبار الموضع ويحوز نصبه على هذا نحو لا رجل ظريفا فيها ولا رجل ظريف فيها كلاهما لغة وخبر لا محذوف ، أي راجع فيه ولو جعلت راجع خبر لا لم يبق عائد إلى المبتدأ الذي هو رأيت فهذا كقولك زيد لا غلام ظريف له أو في الدار ويجوز أن يكون راجع خبر المبتدأ ولا عين على تقدير لا عين فيه جملة حالية ، أي رأيت محذوف العين راجع في المعنى إلى الثابت العين لأنهما لغتان بمعنى واحد وهذا الوجه أولى ليكون قد رمز بعد كمال التقييد وعلى الوجه الأول يلزم أن يكون راجع من جملة التقييد وهو رمز وليس ذلك من عادته ولأن هذا الباب لو فتح للزم أن تكون كلمات التقييد رمزا وإلا فجعل البعض رمزا دون بعض فيه إلباس وقد سبق التنبيه على أن لفظ فيه في قوله وكسر لما فيه ملبس وأنه لو قال فضم سكونا فيه لكان فيه محتملا للتقييد وهو رمز وأما قوله وفي ونكون انصبه فلو لم يكن ظاهرا كل الظهور أن لفظ النصب لا يأتي إلا بيانا للقراءة وتقييدا لها وإلا لأوهم أنه رمز نافع ولم تكن له حاجة بذلك البيان فإن الكلمة التي قبلها مثلها في القراءة فكانت الثانية داخلة في قيدها وهذه عادته كقوله فيما يأتي إذا فتحت شدد لشام وههنا فتحنا ولم يحتج أن يعيد لفظ شدد وكذا وإن بفتح عم نصر أو بعدكم نما وكذا وينذر صندلا ولم يحتج أن يقول بالغيب وقال بعضهم تقدير البيت اذكر رأيت كائنا في الاستفهام ثم قال وعن نافع سهل أي جعل الهمزة التي أسقطها الكسائي بين بين على قياس تخفيف الهمز وأبدلها جماعة من مشايخ مشيخة المصريين

لورش ألفا وهذا على ما تقدم له من الخلاف في-أنذرتهم-وأنتم-والله أعلم
(639)
إِذَا فُتِحَتْ شَدِّدْ لِشَامٍ وَههُنَا فَتَحْناَ وَفِي الأَعْرَافِ وَاقْتَرَبَتْ كَلاَ
يعني (إذا فتحت يأجوج ومأجوج)-(فتحنا عليهم أبواب كل شيء)-(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم)-(ففتحنا أبواب السماء) والتخفيف والتشديد في كل ذلك لغتان ومن عادته أن يجمع النظائر مقدما لما في سورته مهما أمكن وهنا لم يمكنه فقدم الذي في الأنبياء ثم رجع إلى ما في سورة الأنعام وغيرها ومعنى كلا حفظ وهو مهموز كما قال تعالى (قل من يكلوكم بالليل والنهار) ، ولكن وقف عليه فأبدل من الهمزة ألفا لسكونها والله أعلم
(640)
وَبِالْغُدْوَةِ الشَّامِيُّ بِالضَّمِّ ههُناَ وَعَنْ أَلِفٍ وَاوٌ وَفِي الْكَهْفِ وَصَّلاَ

أي يقرأ بن عامر بالغدوة والعشي بضم الغين وسكون الدال وبالواو موضع الألف فتصير بالغدوة ولم ينبه على كون الدال ساكنة استغناء باللفظ به وكان له أن يستغني أيضا باللفظ عن ذكر الضم والواو وإنما ذكرهما لتعرف القراءة الأخرى فيه بالضم على الفتح ونص على الألف بدلا عن الواو وبقي فتح الدال استغنى عن التنبيه عليه لأن الألف لا يكون قبلها إلا مفتوح أو تركه لأنه قد لفظ بالدال في قراءة ابن عامر ساكنة فكأنه قال بسكون الدال ولو قال ذلك لكان ضدا لكون المطلق الحركة المطلقة وهي الفتح ومعنى قوله عن ألف واو أي وثبت له بدلا عن واو ثم قال وفي الكهف وصلا أي اتبع الذي في الكهف الذي في الأنعام فقرأ ذلك كما قرأ هذا أو وفي الكهف وصل هذه القراءة إلينا ورسمت الغدوة بالواو في جميع المصاحف كالصلوة والزكوة والحيوة قال الفراء في سورة الكهف من كتاب المعاني قرأ أبو عبد الرحمن السلمي بالغدوة والعشي ولا أعلم أحدا قرأ بها غيره والعرب لا تدخل الألف واللام في الغدة لأنها معرفة بغير ألف ولام سمعت أبا الجراح يقول ما رأيت كغدوة قط يعني بردا أصابه ، يريد كغداة يومه ألا نرى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تدخلها الألف واللام إنما يقولون أتيتك غداة لخميس ولا يقولون غدوة الخميس فهذا دليل على أنها معرفة وقال أبو عبيد كان عبد الله بن عامر وأهل الشام أو كثير منهم يقرءونها بالغدوة على واو كذلك يروي عن أبي عبد الرحمن السلمي وأما القراءة فعلى غير هذا قرءوا جميعا بالغداة قال وكذلك هي عندنا وإنما نرى ابن عامر والسلمي قرءا تلك القراءة اتباعا للخط قال والذي نقول به ليس في إثباتهم الواو في الكتاب دليل على القراءة بها لأنهم قد كتبوا الصلوة والزكوة بالواو ولفظهما على تركها وكذلك الغداة على هذا وجدنا ألفاظ العرب قال ابن النحاس قرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن عامر ومالك بن دينار بالغدوة قال وباب غدوة أن يكون معرفة إلا أنه يجوز تنكيرها

كما تنكر الأسماء الأعلام فإذا نكرت دخلتها الألف واللام للتعريف وعشى وعشية نكرتان لا غير قال أبو علي وجه دخول لام المعرفة عليها أنه قد يجوز وإن كان معرفة أن ينكر كما حكاه زيد من أنهم يقولون لقيته فينة والفينة بعد الفينة ففينته مثل الغدوة في التعريف بدلالة امتناع الانصراف وقد دخلت عليه لام التعريف وذلك أن يقدر من أمه كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك وقول من قال بالغداة أبين قال سيبويه زعم الخليل أنه يجوز أن يقول أتيتك اليوم غدوة و بكرة فجعلهما بمنزلة ضحوة قال أبو العباس المهدوي حكى سيبويه والخليل أن بعضهم ينكره فيقول رأيته غدوة بالتنوين وبذلك قرأ ابن عامر نكرة فأدخل عليها الألف واللام والله أعلم
(641)
وَأَنَّ بِفَتْحٍ (عَمَّ نَـ)ـصْراً وَبَعْدُ(كَـ)ـمْ (نَـ)ـماَ يَسْتَبِينَ (صُحْبَةٌ) ذَكَّرُوا وِلاَ

نصراً تمييز أو حال كما تقدم في وعم علا ونما أي ورد من قولهم نما الحديث قال من حديث نمى إلي عجيب أي كم مرة نمى أي نقل أراد أنه (من عمل منكم سوءا بجهالة) ، والذي بعده (فإنه غفور رحيم) ، قرأهما ابن عامر وعاصم بالفتح ونافع فتح الأول وكسر الثاني والباقون بكسرهما فكسرهما معا ظاهر أما الأول فوقع مستأنفا على وجه التفسير والثانية واقعة بعد فاء الجزاء فكانت مكسورة كقوله سبحانه (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم) ، أجمعوا على كسرها وهذا وجه كسر نافع لها وأما فتح الأول فعلى البدل من الرحمة أو على تقدير لأنه وفتحت الثانية وإن كانت بعد فاء الجزاء على حذف مبتدأ أي فأمره-أنه غفور رحيم-أو على تقدير حذف الخبر فالغفران حاصل له وقد أجمع على الفتح في (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له)-(كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله) ، ومنهم من جعل الثانية تكريرا للأولى لأجل طول الكلام على حد قوله (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) ، ودخلت الفاء في (فأنه غفور رحيم) ، على حد دخولها في (فلا تحسبنهم بمفازة) ، على قول من جعله توكيدا لقوله (ولا تحسبن الذين يفرحون) ، إلا أن هذا ليس مثل (أيعدكم أنكم إذا متم) ، لأن هذه لا شرط فيها وتلك فيها شرط فيبقى بغير جواب فقيل الجواب محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره غفور له ومنهم من جعل الثانية معطوفة على الأولى بالفاء وكل هذا تكلف والوجه ما قدمناه وأجاز الزجاج كسر الأولى مع فتح الثانية وإن لم يقرأ به وأما (ولتستبين سبيل) ، فذكره صحبة متابعة للرواية أي قرءوه بالياء لأن لفظ السبيل مذكر في قوله تعالى (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا)-(وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا) ، ومن قرأه بالتاء أنثوه كما جاء (قل هذه سبيلي)-(ويبغونها عوجا) ، وكل هذا على قراءة من رفع سبيل على أنه فاعل تستبين وهم كل القراء غير نافع على ما سيأتي في أول البيت الآتي وأما قراءة

نافع بنصب سبيل فعلى أنها مفعول تستبين والتاء للخطاب لا للتأنيث أي ولتستبين-أنت-سبيل المجرمين-أي تتبينها وتعرفها فقول الناظم صحته ذكروا يريد أن غيرهم أنثوا ونافع لم يؤنث وإنما جاء بتاء المخاطبة ولكن العبارة ضاقت عليه فلم يمكنه التنبيه عليه واغتفر أمره لأن قراءته كقراءة الجماعة لفظا بالتاء إلا أنهما يفترقان في المعنى وذلك لا يقدح في التعريف بصورة القراءة وقوله ولا أي متابعة وهو في موضع نصب على الحال أو هو مفعول من أجله والله أعلم
(642)
سَبِيلَ بِرَفْعٍ (خُـ)ـذْ وَيَقْضِ بِضَمِّ سَاكِنٍ مَعَ ضَمِّ الْكَسْرِ شَدِّدْ وَأَهْمِلاَ
مضى الكلام في رفع سبيل ونصبه وأما يقضي الحق فقرئ بضم الساكن وهو القاف وبضم الكسر في الصاد مع تشديد الصاد وإهمالها وهو أن تجعلها غير منقوطة فتعود صادا فتصير الكلمة يقص من القصص من قوله تعالى (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) ، وبمعنى الإتباع من قوله سبحانه (فارتدا على آثارهما قصصا) ، أي يتبع الحق فيما يفعل والقراءة الأخرى من القضاء والحق نعت مصدر محذوف أي يقضي القضاء الحق أو مفعول به على إسقاط الخافض أي يقضي بالحق كما قال (والله يقضي بالحق) ، وهو مفعول صريح على أن يقضي بمعنى يصنع الحق وتفعله والياء منه محذوفة في الرسم باتفاق فلهذا احتمل القراءتين ثم رمز لمن قرأ يقص من القصص في أول البيت الآتي فقال
(643)
(نَـ)ـعَمْ (دُ)ونَ (إِ)لْبَاس وَذكَّرَ مُضْجِعاً تَوَفَّاهُ وَاسْتَهْوَاهُ حَمْزَةُ مُنْسِلاَ

ما أحسن ما عبر عن القراءتين في يقص وكأنه جعل حسن ذلك حالة نظمه فقال بعده نعم دون إلباس قدر كأن سائلا سأل فقال هل استوعبت قيود هاتين القراءتين فقال نعم من غير إلباس بل هو أمر واضح ظاهر ووقع لي أنه كان غنيا عن تكلف هذه العبارة وذلك بأن يلفظ بالقراءتين معا فهو أسهل مما أتى فلو قال ، (سبيل برفع خذ ويقض يقص صاد حرمي نصر إذ بلا ياء انزلا) ، لحصل الغرض واجتمع في بيت واحد بيان اللفظين في القراءة ورمزها وعرف بأن رسمها بلا ياء ولكن فيما عبر به الناظم رحمه الله صناعة حسنة وأسلوب غريب وأما (توفته رسلنا)-(كالذي استهوته الشياطين) ، فقرأهما حمزة توفاه واستهواه والخلاف فيهما كالذي سبق في (فنادته الملائكة) ، في آل عمران أي ذكر حمزة لفظ هذا الفعل وأضجع ألفه أي أمالها على أصله ولو لم يذكر الإمالة لكان ذلك معلوما من أصله كما أنه في البيت الآتي لما ذكر الكوفيين قرءوا-أنجانا-في موضع-أنجيتنا-لم يتعرض للإمالة وكان ذلك مفهوما من بابها فحمزة والكسائي يميلان الألف وعاصم لا يميل على أصله وضد تذكير الفعل تأنيثه وذلك بإلحاق تاء ساكنة آخره فيلزم حذف الألف من آخر الفعل لسكونها وقوله منسلا ليس برمز لأنه صرح باسم القارئ ولم يأت بعده بواو فاصلة لظهور الأمر يقال انسلت القوم إذا تقدمتهم وهو حال من حمزة والله أعلم
(644)
مَعاً خُفيَةً فِي ضَمِّهِ كَسْرُ شُعْبَةٍ وَأَنْجَيْتَ لِلْكًوِفِيِّ أَنْجى تَحَوَّلاَ

الضم والكسر في خفية لغتان وقوله معا يعني هنا وفي الأعراف (تدعونه تضرعا وخفية)-(ادعوا ربكم تضرعا وخفية) ، أي مظهرين للضراعة والاستكانة ومضمرين ذلك في أنفسكم أي ادعوا ربكم وارغبوا إليه ظاهرا وباطنا وأما التي في آخر الأعراف (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) ، فذلك من الخوف بتقديم الياء على الفاء ووزنه فعلة كجلسة وركبة فأبدلت الواو ياء لأجل الكسرة قبلها وأما قوله (لئن أنجيتنا من هذه) ، فعلى الخطاب وقراءة الكوفيين على الغيبة أي أنجانا الله وهما ظاهران أي وأنجيت تحول للكوفي أنجا وهم في ذلك على أصولهم في الإمالة فيميلها حمزة والكسائي ولم يبين ذلك كما بين في-توفاه-واستهواه-وفناداه الملائكة لضيق العبارة عليه والله أعلم
(645)
قُلِ اللهُ يُنْجِيكُمْ يُثَقِّلُ مَعْهُمُ هِشَامٌ وَشَامٍ يُنْسِيَنَّكَ ثَقَّلاَ
أي هشام مع الكوفيين على تشديد ينجيكم وابن عامر وحده على تشديد (ينسينك الشيطان) ، والتخفيف والتشديد فيهما لغتان أنجى ونجى وأنسى ونسى كأنزل ونزل وأكمل وكمل وأمتع ومتع
(646)
وَحَرْفَيْ رَأَى كُلاًّ أَمِلْ (مُـ)ـزْنَ صُحْبَةٍ وَفِي هَمْزِهِ (حُـ)ـسْنٌ وَفِي الرَّاءِ (يُـ)ـجْتَلاَ

كلا بمعنى جميعا فهو حال من رأى أي حيث أتى رأى فأمال حرفيه أي أمل حرفي رأى جميعا وليس كلا تأكيدا لحرفي لأن تأكيد المثنى إنما يكون بلفظ كلا ولو أراد ذلك لأتى بلفظ معا واتزن النظم به ولا هو تأكيد لرأي وإلا لكان مخفوضا كما قال المخلصين الكل فلا يتجه أن يكون كلا هنا إلا بمنزلة جميعا في نحو قوله عليهم إليهم حمزة ولديهم جميعا فيكون منصوبا على الحال من رأى ورأى هنا معرفة أي وحرفي هذا اللفظ فجاز نصب الحال عنه وإن كان مضافا إليه لأنه من باب رأيت وجه القوم جميعا ومزن صحبة منصوب على الحال أيضا أو على المدح وكنى بالمزن وهو السحاب عن العلم وعنى بالحرفين الراء والهمزة وعلى التحقيق الهمزة غير ممالة وإنما الإمالة في الألف التي بعدها وإنما من ضرورة ذلك إضجاع فتحة الهمزة والعرب تستحسن إمالة الراء لا سيما إذا كان بعدها ألف ممالة ثم قال وفي همزة حسن أي واقتصر على إمالة همز رأى أبو عمرو وفي إمالة الراء خلاف عن السوسي ومزن صحبة أمالوهما معا والله أعلم
(647)
بِخُلْفٍ وَخُلْفٌ فِيهِماَ مَعَ مُضْمِرٍ (مُـ)ـصِيبٌ وَعَنْ عُثْمَانَ في الْكُلِّ قَلِّلاَ
أي وعن ابن ذكوان الخلف في إمالة الهمزة والراء معا إذا اتصلت الكلمة بالمضمر نحو (ولقد رآه نزلة أخرى)-(رآها تهتز)-(فرآه في سواء الجحيم) ، وجه الخلاف بعد الألف عن الطرف باتصال الضمير بها وعثمان هو ورش أمال الحرفين حيث جاءت كلمة رأى بين بين نحو (رأى كوكبا)-(رأى نارا) ، وقوله بخلفٍ في أول البيت يعني عن السوسي المرموز في البيت السابق ثم ابتدأ وخلف فيهما فقوله فيهما خبر المبتدإ إن كان مصيب صفته وإلا فهو صفته إن كان مصيب الخبر وفي قللا ضمير تثنية يرجع إلى حرفي رأى والكل هنا هو كلا في البيت السابق
(648)
وَقَبلَ السُّكُونِ الرَّا أَمِلْ (فِـ)ـي (صَـ)ـفاَ يَدٍ بِخُلْفٍ وَقُلْ فِي الْهَمْزِ خُلْفٌ (يَـ)ـقِي (صِـ)ـلاَ

يعني إذا وقع رأى قبل ساكن نحو (رأى القمر)-(رأى الشمس)-(ورأى المجرمون النار)-(وإذا رأى الذين) ، فقد تعذرت إمالة الألف لسقوطها لأجل الساكن وإضجاع الهمز إنما كان لأجل إمالة الألف فأمال هؤلاء الراء تقدير أن الألف كلها موجودة ممالة بخلف عن السوسي وحده وأما إمالة الهمزة ففيها الخلاف عن السوسي وعن أبي بكر لأنه إذا قدم ذكر الخلف وأطلقه كان لجميع من يأتي بعده وإن قدم ذكر القراء اختص الخلف المطلق بالأخير منهم وإن قيد الخلف ظهر أمره وخلف السوسي أنه يميل الراء والهمزة معا ولا يميلهما معا ومثله الخلف المذكور لهشام في باب الزوائد في إثبات ياء-كيدوني-في الإعراف وصلا ووقفا أو لا يثبتها وصلا ووقفا ووجه إمالة الهمزة اعتبار الأصل أيضا فإن التقاء الساكنين عارض ولينبه على أنه لو وقف على الكلمة لأمال وقوله في صفايد أي في صفا نعمة وقوله يقي صلا يعني العلم لأن معرفة الخلف تستلزمه أي يقي صلاء النار إن شاء الله تعالى وصلاء النار حرها صح بالكسر والمد والفتح والقصر
(649)
وَقِفْ فِيهِ كَالأُولَى وَنَحْوُ رَأَتْ رَأَوْا رَأَيْتُ بِفَتْحِ الْكُلِّ وَقْفاً وَمَوْصِلاَ

فيه بمعنى عليه أي إذا وقفت على هذا الذي لقيه ساكن فالحكم فيه كالحكم في الكلمة الأولى وهي (رأى كوكبا) ، ونحوه فتميل الحرفين لحمزة والكسائي وأبي بكر وابن ذكوان وتميل لأبي عمرو فتحة الهمزة وحدها وأما السوسي فلا يختلف حكمه فإن الخلف له في إمالة الراء في الكلمتين وورش أمال الحرفين بين بين فهذه تفاصيل مذاهبهم في نحو-رأى كوكبا-تطرد في نحو (رأى القمر) ، إذا وقفت على-رأى-لأن الساكن قد زال فرجعت الألف فأما إذا كان بعد الهمز ساكن لا ينفصل من الكلمة نحو (فلما رأته حسبته لجة)-(رأتهم من مكان بعيد)و(إذا رأوك)-(فلما رأوه عارضا)و(إذا رأوهم قالوا)-(فلما رأينه أكبرنه)-(وإذا رأيت الذين يخوضون)-(إذا رأيتهم حسبتهم) ، فكل القراء يفتحون الراء والهمزة لأن الألف التي بعد الهمزة هنا معدومة لا ترجع أبدا وكسر فتحة الهمزة إنما كان لأجل إمالة الألف وكذلك الذين أمالوا الراء إنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يميلونها لإمالة الألف أو مع كونها في حكم الموجودة في نحو-أي القمر-فأما في موضع سقطت فيه الألف وليست في حكم الموجودة فإنهم فتحوا على الأصل في الوقف والوصل وقوله بفتح الكل أي مقروء بفتح القراء كلهم واقفين وواصلين
(650)
وَخَفِّفَ نُوناً قَبْلَ فِي اللهِ (مَـ)ـنْ (لَـ)ـهُ بِخُلْفٍ (أَ)تى وَالْحَذْفُ لَمْ يَكُ أَوَّلاَ

يعني نون (أتحاجوني في الله) ، ولم يمكنه النطق بالكلمة في نظمه لما فيها من اجتماع الساكنين وذلك لا يقع متزنا ومثله ما يأتي في سورة النحل ومن قبل فيهم يكسر النون نافع ويشبه ذلك تعبيره عن-ستجدني-بقوله وما بعده إن شاء لأن في ستجدني خمس متحركات متواليات وذلك ممتنع في الشعر والأصل أتحاجونني بنونين الأولى علامة رفع الفعل والثانية نون الوقاية فللعرب في مثل ذلك ثلاث لغات إبقاء النونين على حالهما كما قال تعالى في سورة سبأ (وإذ تأمروننا أن نكفر بالله) ، وإدغام الأولى في الثانية على أصل قاعدة الإدغام فيلزم من ذلك النطق بنون مشددة واللغة الثالثة حذف إحدى النونين فبقي نون واحدة مخففة كرهة للتضعيف وقد قرئ بهذه اللغات الثلاث في سورة الزمر (أفغير الله تأمروني أعبد) ، كما يأتي قرئ ( أتعدانني) ، في الأحقاف بالإظهار والإدغام دون الحذف ولم يقرأ هنا بالإدغام والحذف وقيل إن الحذف لغة غطفان وقوله من له أتى أي خفف النون القارئ الذي أتى التخفيف له أي الذي وصل إليه نقله وورد إليه خبره وعرفه قراءة ولغة خلافا لمن أنكر الحذف وقوله بخلف يعني عن هشام وحده لإطلاقه فرجع إلى من يليه وهو المرموز في له دون من وقوله والحذف لم يك أولا يعني أن المحذوفة من النونين هي الثانية دون الأولى لأن الاستثقال بها وقع ولأن الأولى تقوم مقامها في وقاية الفعل وهي دالة على رفع الفعل ففي حذفها إخلال ولأن الأولى قد تكون ضمير الفاعل وذلك نون جماعة المؤنث نحو أكرمتني وقد جاء الحذف في فليتى وتخوفني والأصل فليتني فلا ينبغي أن يقال الفاعل حذف وبقي نون الوقاية وأيضا فقد حذفت نون الوقاية حيث لم يجتمع مع غيرها في نحو قدى وليتى ولعلى ففهم أنها هي المجترأ على حذفها في جميع المواضع ولا ضرورة تلجئ إلى الكشف عن مثل هذا والبحث عنه ولكنه من فوائد علم العربية وقد تعرض له أبو علي في الحجة ويأتي مثل هذا في سورة الحجر
(651)

وَفي دَرَجَاتَ النُّونِ مَعْ يُوسُفٍ (ثَـ)ـوَى وَوَالَّليْسَعَ الْحَرْفاَنِ حَرِّكْ مُثَقِّلاَ
يعني (نرفع درجات من نشاء) ، هنا مع حرف يوسف وعنى بالنون التنوين في درجات وثوى أي أقام التنوين فيها وتقديرها نرفع درجات من نشاء فيكون درجات منصوبا على التمييز أو الحال أي ذوى درجات أو على إسقاط الخافض أي في درجات ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى ، (ورفع بعضهم درجات وآتينا)-(ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم)-(ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ) ، القراءة الأخرى على إضافة درجات إلى أصحابها فتكون هي المرفوعة ومنه قوله تعالى (رفيع الدرجات) ، وفي الحديث اللهم ارفع درجته في عليين ومن رفعت درجته فقد رفع ، قوله ووالليسع لفظ القرآن-واليسع-فأدخل واو العطف الفاصلة على ذلك لتحصل حكاية لفظ القرآن وهي في موضعين هنا وفي سورة ص وإليهما أشار بقوله الحرفان لأن الحرف اصطلاح القراء عبارة عن الكلمة المختلف في قراءتها وفي إعراب الحرفان نظر وذلك أنه جاء بلفظ الرفع فلزم أن يكون ووالليسع قبله مبتدأ والحرفان بدل منه بدل الاشتمال كأنه قال حرفاه أي موضعاه ويجوز أن يكون مبتدءا ثانيا أي الحرفان من هذا اللفظ ولو قال الحرفين بالنصب لكان أجود إعرابا وأقل إضمارا فإن قولك زيدا اضرب بنصب زيد أولى من رفعه بدرجات وقوله والليسع حرك مثل زيدا اضرب سواء وأراد بالتحريك فتح اللام لأنه ليس في كلمة اليسع ساكن سواها ومثقلا حال من فاعل حرك أي مشددا اللام ثم تمم الكلام فقال
(652)
وَسَكِّنْ (شِـ)ـفَاءَ وَاقْتَدِهْ حَذْفُ هَائِهِ (شِـ)ـفَاءً وَبِالتَّحْرِيكِ بِالْكَسْرِ (كُـ)ـفِّلاَ

يعني سكن الياء وضاق عليه النظم عن بيان محل التسكين فإنه محتمل أن يكون في الياء والسين وشفاء حال أي ذا شفاء فقرأ حمزة والكسائي على أن اسمه ليسع على وزن لحمر فدخلت عليه آلة التعريف وعلى قراءة الجماعة يكون اسمه كأنه يسع على وزن يضع ثم دخله الألف واللام كقوله رأيت الوليد ابن اليزيد وكل هذا من تصرفاتهم في الأسماء الأعجمية واختار أبو عبيد قراءة التخفيف وقال كذلك وجدنا اسم هذا النبي في الأنباء والأحاديث وقال الفراء في قراءة التشديد هي أشبه بأسماء العجم وقوله تعالى (فبهداهم اقتده) ، الهاء في اقتده هاء السكت فحذفها في الوصل شفاء كما تقدم في-يتسنه-ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف واتبع الرسم وأجمعوا على إثبات هاء السكت في الوصل في-كتابيه-وحسابيه-في موضعين في الحاقة واختلفوا في-ماليه-و-سلطانيه-و-ماهيه-في سورة القارعة على ما يأتي وابن عامر حرك هاء-اقتده-بالكسر قال ابن مجاهد يشم الهاء الكسر من غير بلوغ ياء قال وهذا غلط لأن هذه الهاء هاء وقف لا تعرف في حال من الأحوال أي لا تحرك وإنما تدخل ليتبين بها حركة ما قبلها وقال أبو علي ليس بغلط ووجهها أن تجعل الهاء كناية عن المصدر لا التي تلحق الوقف وحسن إضماره لذكر الفعل الدال عليه وعلى هذا قول الشاعر ، (هذا سراقة للقرآن يدرسه ) ، فالهاء كناية عن المصدر ودل يدرس على الدارس ولا يجوز أن يكون ضمير القرآن لأن الفعل قد تعدى إليه اللام فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره كما أنك إذا قلت زيدا ضربته لم تنصب زيدا بضربت لتعديه إلى الضمير قلت فالهاء على هذا ضمير الاقتداء الذي دل عليه اقتد وقيل ضمير الهدى وقيل إن هاء السكت تشبه بهاء الضمير فتحرك كما تشبه هاء الضمير بهاء السكت فتسكن وقوله كفلا أي جعل له كافل وهو الذي ينصره ويذب عنه ثم قال
(653)
وَمُدَّ بِخُلْفٍ (مَـ)ـاجَ وَالْكُلُّ وَاقِفٌ بِإِسْكَانِهِ يَذْكُو عَبِيرًا وَمَنْدَلاَ

أي مد كسرة الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه والمد فرع تحريكها فجرى فيها على القياس إذ هاء الضمير بعد المتحرك موصولة في قراءة-يؤده-و-فألفه-ونحوهما وهشام من مذهبه القصر في ذلك فقصرها هنا وقوله ماج أي اضطرب وهو صفة لخلف وهو من زيادات هذه القصيدة فلم يذكر صاحب التيسير فيه عن ابن ذكوان غير المد وذكر النقاش عن هشام حذف الهاء كقراءة حمزة والكسائي وذكر عن ابن ذكوان مثل قراءة نافع وغيره بالإسكان ويجوز في قراءة الإسكان أن تكون الهاء ضميرا على ما ذكر في قراءة ابن عامر وأسكنت كما أسكنت في-فألقه-ويتقه-ونحوهما فإذا وقفت على-اقتده-فكلهم أثبتوا الهاء ساكنة لأنها إن كانت هاء السكت فظاهر وإن كانت ضميرا فالوقف يسكنها فهذا معنى قوله والكل واقف بإسكانه أي بإسكان الهاء ويذكو معناه يفوح من ذكت النار أي اشتعلت والعبير أخلاط تجمع بالزعفران عن الأصمعي وقال أبو عبيدة هو الزعفران وحده والمندل العود يقال له المندل والمندلي ذكره المبرد وأنشد ، (إذا أخمدت يلقى عليها المندل الرطب ) ، وقال صاحب الصحاح رحمه الله المندلي عطر ينسب إلى المندل وهي بلاد الهند وانتصب عبيرا ومندلا على التمييز ويجوز أن يكونا حالين أي مشبها ذلك والضمير في يذكو للهاء ، أو الإسكان وموضع الجملة من يذكو نصب على الحال لأن إثبات الهاء في الوقف ساكنة لا كلام فيه والله أعلم
(654)
وَتُبْدُونَهَا تُخْفُونَ مَعْ تَجْعَلُونَهُ عَلَى غَيْبِهِ (حَـ)ـقًّا وَيُنْذِرَ (صَـ)ـنْدَلاَ

يعني (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا) ، وجه الغيب فيه الرد على قوله (إذ قالوا ما أنزل الله على بشر) ، والخطاب لقوله (قل إى) ، قل لهم ذلك وقوله وعلمتم على قراءة للغيب التفات والغيب في (ولينذر أم القرى) ، يرجع إلى الكتاب فيكون فعل الإنذار مسندا إلى الكتاب والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وصندلا تمييز أو حال على ما سبق في عبيرا ومندلا عطف جميع ما في هذا البيت على ما في البيت السابق أي وهذا المذكور في هذا البيت يذكو صندلا كما ذكا ذاك عبيرا ومندلا وقوله على غيبة أي على ما فيه من الغيبة فهو في موضع الحال كقولك هو على حداثته يقول الشعر أي ويذكو يبدونها وما بعده على غيبه حقا مصدر مؤكد والصندل شجر طيب الرائحة والله أعلم
(655)
وَبَيْنَكُمُ ارْفَعْ (فِـ)ـي (صَـ)ـفَا (نَفَرٍ) وَجَاعِلُ اقْصُرْ وَفَتْحُ الْكَسْرِ وَالرَّفْعِ (ثُـ)ـمِّلاَ

أي كائنا في صفا نفر فقصر الممدود أو أراد في صلابة الصفا المقصورة لقوة الحجة فيه قال أبو عبيد وكذلك نقرؤها بالرفع لأنا قد وجدنا العرب تجعل بين اسما من غير ما ويدل على ذلك قوله (فلما بلغا مجمع بينهما) ، فجعل بين اسما من غير ما وكذلك قوله (هذا فراق بيني وبينك) ، وقد سمعناه في غير موضع من أشعارها وكان أبو عمرو يقول معنى-تقطع بينكم-تقطع وصلكم فصارت ههنا اسما من غير أن يكون معها ما قال وقرأها الكسائي نصبا وكان يعتبرها بحرف عبد الله لقد تقطع ما بينكم ، قال الزجاج الرفع أجود ومعناه لقد تقطع وصلكم والنصب جائز المعنى لقد تقطع ما كان من الشرك بينكم قال أبو علي لما استعمل بين مع الشيئين المتلابسين في نحو بيني وبينك شركة وبيني وبينه رحم وصداقة صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة وعلى خلاف الفرقة فلهذا جاء لقد تقطع وصلكم ، قلت وقيل المعنى تفرق جمعكم وتشتت وقيل اتسع في الظرف فأسند الفعل إليه مجازا كما أضيف إليه في قوله تعالى (شهادة بينكم) و (مجمع بينهما) ، و(هذا فراق بيني وبينك) ، وقال عنترة (كأنها أقص الأكام عشية بقريب بين المنشمين مصلم) ، وقول أبي عمرو لقد تقطع وصلكم يعني أن البين يطلق بمعنى الوصل فلا يكون الظرف متسعا فيه هذا وجه آخر وقراءة النصب على أنه ظرف على أصله والفاعل مضمر دل عليه سياق الكلام أي لقد تقطع الاتصال بينكم وقيل لقد تقطع الذي بينكم فحلف الموصول وقيل تقطع الأمر بينكم وقيل بينكم صفة موصوف محذوف أي لقد تقطع وصل بينكم كقولهم ما منهما مات أي أحد مات وقيل الفاعل (ما كنتم تزعمون) ، أي لقد تقطع وصل ما زعمتم كقولك قام وقعد زيد فأحد الفعلين رافع للفاعل الموجود والآخر فاعله مضمر لدلالة الموجود عليه وأما قوله تعالى (وجاعل الليل سكنا) ، فهذه القراءة موافقة لقوله تعالى (فالق الإصباح) ، كلاهما اسم فاعل أضيف إلى مفعوله وقرأه الكوفيون-وجعل الليل-جعلوه فعلا ماضيا ومفعولا به

لأن فالق بمعنى فلق فعطفوا-وجعل-عليه أراد فتح الكسر في العين وفتح الرفع في اللام ومعنى ثمل أصلح والله أعلم
(656)
وَعَنْهُمْ بِنَصْبِ اللَّيْلِ وَاكْسِرْ بِمُسْتَقَرْرٌ الْقَافَ (حَـ)ـقًّا خَرَّقُوا ثِقْلُهُ (ا)نْجَلاَ
أي عن الكوفيين لأنه صار مفعولا وفي قراءة الباقين هو مضاف إليه فكان مجرورا وقوله سبحانه بعد ذلك-والشمس والقمر-بالنصب يقوي قراءة الكوفيين أي وجعل ذلك حسبانا وقوله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) ، هما بفتح القاف والدال موضع الاستقرار والاستيداع فالتقدير فلكم مستقر وهو حيث يستقر الولد في الرحم ولكم مستودع وهو حيث أودع المنى في صلب الرجل وإذا كسرت القاف كان اسم فاعل أي فمنكم مستقر في الرحم أي قد صار إليها واستقر فيها ومنكم من هو مستودع في صلب أبيه فعلى هذه القراءة يكون مستودع اسم مفعول لأن فعله متعد ولم يتجه في مستقر بفتح القاف أن يكون اسم مفعول لأن فعله لازم فلهذا عدل إلى جعله اسم مكان وعطف مستودع عليه لفظا ومعنى لإمكان ذلك فيهما والتخفيف والتشديد في-وخرقوا له بنين-لغتان والتخفيف أكثر وفي التشديد معنى التكثير ولهذا قال انجلا أي ظهر وجهه وانكشف معناه وهو التكثير لأن المشركين قالوا الملائكة بنات الله وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وكل طائفة من هؤلاء عالم لا يحصى ومعنى وخرقوا أي افتروا ذلك يقال خرق واختلق واخترق إذا افترى والباء في بنصب زائدة أو التقدير وثمل الفتح أيضا بنصب الليل عنهم
(657)
وَضَمَّانِ مَعْ يَاسِينَ فِي ثَمَرٍ (شَـ)ـفَا وَدَارَسْتَ (حَقٌّ) مَدُّهُ وَلَقَدْ حَلاَ

أي هنا ويس يريد (انظروا إلى ثمره إذا أثمر)-(ليأكلوا من ثمره وما عملته) ، فالضمان في الثاء والميم فيكون جمع ثمرة كخشب في جمع خشبة أو جمع ثمار ككتب في جمع كتاب أو جمع ثمر كأسد في جمع أسد وقيل هو اسم مفرد لما يجنى كطنب وعنق وأما ثمر بفتح الثاء والميم فجمع ثمرة كبقر وشجر وخرز واختلفوا أيضا في الذي في الكهف كما يأتي إلا أن حمزة والكسائي جريا فيه على ضم الحرفين كما ضما هنا وفي يس وعاصم وحده جرى على الفتحتين في الجميع ونافع وابن كثير وابن عامر ضموا في الكهف وحدها وزاد أبو عمرو إسكان الميم فيها وكل ذلك لغات وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (وليقولوا دارست) ، على وزن فاعلت أي دارست غيرك هذا الذي جئتنا به والباقون بلا ألف-درست-أي قرأت وهو في الرسم بغير ألف كما في (جاعل الليل) ، إلا أن ا لألفات كثير حذف في أوساط الكلم من الرسم ثم ذكر قراءة أخرى فقال
(658)
وَحَرِّكْ وَسَكنْ (كَـ)ـافِيًا وَاكْسِرِ انَّهَا (حِـ)ـمى (صَـ)ـوْبِهِ بِالْخُلْفِ (دَ)رَّ وَأَوْبَلاَ

أي حرك السين أي افتحها وسكن التاء فقل درست على وزن خرجت فالتاء على هذه القراءة هي تاء التأنيث الساكنة اللاحقة لأواخر الأفعال الماضية والتاء في القراءتين السابقتين تاء الخطاب المفتوحة ومعنى هذه القراءة أي امحيت هذه الآيات وعفت ومضت عليها دهور فكانت من أساطير الأولين فأحييتها أنت وجئتنا بها وكافيا حال ثم قال واكسر أنها أراد (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) ، فألقى حركة الهمزة في أنها على الراء الساكنة من اكسر فيجوز كسر الراء وفتحها على بناء حركة الهمزة المنقولة وفيها قراءتان الكسر لأبي عمرو وابن كثير ولأبي بكر بخلاف عنه وهي ظاهرة لأنها استئناف إخبار عنهم أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية ومعنى-وما يشعركم-وما يدريكم إيمانهم إذا جاءت فحذف المفعول وابتدأ بالإخبار بنفي وقوعه والقراءة الأخرى بالفتح يوهم ظاهرها أنه عذر للكفرة فقيل إن أنها بمعنى لعلها وهي في قراءة أبي-لعلها- ذكر ذلك أبو عبيد وغيره ولعل تأتي كثيرا في مثل هذا الموضع نحو (وما يدريك لعل الساعة قريب)-(وما يدريك لعله يزكى) ، وقيل إنها وما بعده مفعول يشعركم على أن لا زائدة نحو (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) ، وهو قول الكسائي والفراء وقيل هو عذر للمؤمنين أنهم لا يعلمون ما سبق به القضاء على الكفار من أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية على ما قاله تعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) ، وقيل التقدير لأنها إذا جاءت أي منعنا من الإتيان بالآية أنهم لا يؤمنون إذا جاءت قال الزجاج زعم سيبويه عن الخليل أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وهي قراءة أهل المدينة قال وهذا الوجه أقوى وأجود في العربية والذي ذكر أن لا لغو غالط لأن ما كان لغوا لا يكون بمنزلة لغو ومن قرأ بالكسر فالإجماع على أن لا غير لغو فليس يجوز أن يكون معنى لفظه مرة لنفي ومرة لإيجاب وقد أجمعوا على أن معنى أن ههنا إذا فتحت معنى لعل قلت وقد تكلم أبو علي

في الاصطلاح على هذا واقتصر لمن قال أن لا لغو واختار أن يكون التقدير لأنها أي فلا نؤتيهموها لإصرارهم على كفرهم عند ورودها فتكون هذه الآية كقوله تعالى (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) ، أي بالآيات المقترحة وقول الناظم حمى صوبه أضاف حمى إلى الصوب وهو نزول المطر والهاء في صوبه للكسر المفهوم من قوله واكسر ودر أي تتابع صبه وسيلانه وأوبل أي صار ذا وبل وقد مضى الكلام فيه في قوله جودا وموبلا في الإدغام الصغير وأشار إلى ظهور حجة قراءة الكسر والله أعلم
(659)
وَخَاطَبَ فِيهَا يُؤْمِنُونَ (كَـ)ـمَا (فَـ)ـشَا وَصُحْبَةُ (كُفْؤٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَصَّلاَ
فيها أي في هذه الآية وفاعل خاطب تؤمنون جعله مخاطبا لما كان فيه خطاب وقد تقدم نظيره فمن قرأ بالخطاب كان-وما يشعركم-خطابا للكفار ومن قرأ بالغيبة فالخطاب للمؤمنين ويجوز أن يكون للكفار على قراءة الكسر وعلى تقدير لعل والخطاب في الشريعة وصله صحبة كفؤ يعني في قوله تعالى (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) ، الخطاب المرسل إليهم والغيبة ظاهرة والله أعلم
(660)
وَكَسْرٌ وَفَتْحٌ ضُمَّ فِي قِبَلاً (حَـ)ـمى ظَهِيرًا وَلِلْكُوفِيِّ فِي الْكَهْفِ وُصِّلاَ

ضم إما فعل ما لم يسم فاعله أو أمر فإن كان لم يسم فاعله فهو صفة لفتح وحذف مثله بعد قوله وكسر تخفيفا وأراد كسر ضم وفتح ضم أي القاف والباء من قبلا مضمومتان فهو كقوله تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) ، وهذه الصفة المقدرة هي التي سوغت جواز الابتداء بقوله وكسر وفي قبلا خبره وإن كان ضم فعل أمر كان عدولا عن الوجه الأقوى في الإعراب مع إمكانه إلى الوجه الأضعف حين رفع وكسر وفتح وكان الوجه نصبهما لأنهما مفعول ضم والظاهر أنه قصد هذا الوجه وغفل عن ضعف الرفع في مثل هذا فقد تكرر منه هذا النظم في قوله المتقدم والليسع الحرفان حرك وفاعل حمى ضمير الضم المفهوم من قوله ضم وظهيرا حال منه أو مفعول به أي حمى من كان له ظهيرا أي سعينا يحتج له وينصره وإذا كان حلا فمعناه أن قراءة الضم ظهرت على الأخرى بكثرة وجوهها والخلاف في قوله تعالى (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، وفي الكهف (أو يأتيهم العذاب قبلا) ، يقرآن بضم القاف والباء وبكسر القاف وفتح الباء قيل القراءتان بمعنى واحد أي عيانا وقيل المضموم هنا جمع قبيل وهو الكفيل أي كفلاء بما وعدناهم والقبيل أيضا الجماعة أي جماعات تشهد بصدقك قال الفراء في سورة الأنعام قبلا جمع قبيل وهو الكفيل قال وإنما اخترت ههنا أن يكون القبيل في معنى الكفالة لقولهم (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) ، يضمون ذلك قال وقد يكون قبلا من قبل وجوههم كما تقول أتيتك قبلا ولم أك دبرا وقد يكون القبيل جمعا للقبيلة كأنك قلت أو تأتي بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة وقال في الكهف-قبلا-عيانا وقد يكون قبلا بهذا المعنى وقد يكون قبلا كأنه طوائف من العذاب مثل قبيل وقبل قال أبو علي قال أبو زيد يقال لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبليا وقبيلا كله واحد وهو المواجهة ثم أتبع ذلك بكلام طويل مفيد رحمه الله
(661)

وَقُلْ كَلِماَتٌ دُونَ مَا أَلِفٍ (ثَـ)ـوَى وَفي يُونُسٍ وَالطَّوْلِ (حَـ)ـامِيهِ (ظَـ)ـلَّلاَ
يعني قرأ هؤلاء كلمة بالإفراد وهو يؤدي معنى الجمع كما تقدم في-رسالاته-في المائدة ويأتي له نظائر وأراد (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا)-(إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون)-(وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار) ، أفرد الكوفيون الثلاثة ووافقهم ابن كثير وأبو عمرو في يونس والطول وما في قوله دون ما ألف زائدة
(662)
وَشَدَّدَ حَفْصٌ مُنْزَلٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحُرِّمَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (إ)ذْ (عَـ)ـلاَ
أراد (أنه منزل من ربك بالحق) ، التخفيف والتشديد لغتان من أنزل ونزل وحرم بفتح الحاء والراء على إسناد الفعل إلى الله وبضم الحاء وكسر الراء على بناء الفعل للمفعول وكذا توجيه الخلاف في-فصل لكم-الذي قبله وهو قوله
(663)
وَفُصِّلَ (إِ)ذْ (ثَـ)ـنَّى يَضِلُّونَ ضَمَّ مَعْ يَضِلُّوا الذِي فِي يُونُسٍ (ثَـ)ـاِبتًا وَلاَ

فقراءة نافع وحفص بإسناد الفعلين إلى الفاعل وقراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر بإسنادهما إلى المفعول وقراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بإسناد فصل إلى الفاعل وإسناد حرم إلى المفعول ولم يأت عكس هذا ومعنى إذ ثنى أي أعاد الضمير في فصل إلى اسم الله تعالى قبله فهو مثن بذكره ويقال ضل في نفسه وأضل غيره وأراد (وإن كثيرا ليضلون)-(ربنا ليضلوا عن سبيلك) ، في يونس ولا خلاف في فتح التي في صاد (إن الذين يضلون عن سبيل الله) ، وسيأتي الخلاف في التي في إبراهيم وغيرها وقوله ثابتا حال من مفعول ضم وولا تمييز أي نصرا أو يكون حالا على تقدير ذا ولا وساق الناظم رحمه الله هذه الأبيات الثلاثة على خلاف ترتيب التلاوة ولكن على ما تهيأ له نظمه وكان يمكنه أن يقول ، (وشدد حفص منزل وابن عامر وفي كلمات القصر للكوف رتلا) ، (وفي يونس والطول ظلل حاميا وفصل فتح الضم والكسر ثق ألا) ، (وحرم إذ علا يضلون ضم مع يضلوا الذي في يونس ثابتا ولا)
(664)
رِسَالاَتُ فَرْدًا وَافْتَحُوا دُونَ عِلَّةٍ وَضَيْقًا مَعَ الْفُرْقَانِ حَرِّكُ مُثْقِلاَ
يريد قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ، وجه الإفراد والجمع فيه كما سبق في (فما بلغت رسالته) ، في سورة المائدة وتكلمنا ثم على فتح التاء وخفضها وقوله وضيقا مع الفرقان أراد-يجعل صدره ضيقا حرجا-(إذا ألقوا منها مكانا ضيقا) ، شدد الياء وكسرها كل القراء سوى ابن كثير والقراءتان كما سبق في الميْت والميِّت ثم تمم الكلام فقال
(665)
بِكَسْرٍ سِوَى المَكِّي وَرَا حَرَجاً هُنَا عَلَى كَسْرِهَا (إ)لْف (صَـ)ـفَا وَتَوَسَّلاَ

بين التحريك أنه بالكسر ولو لم يبين لكان فتحا لإطلاقه وقوله سوى المكي مستثنى من محذوف أي لكل سوى المكي والرواية بكسر التنوين وإلا لجاز أن يكون بكسر مضافا إلى سوى المكي وقوله ورا حرجا أراد وراء حرجا بالمد وإنما قصره ضرورة يريد (ضيقا حرجا) ، كسر راءه نافع وأبو بكر وفتحها الباقون وهما بمعنى واحدا عند قوم وقيل هما كدنف ودنف يحتاج الفتح إلى تقدير مضاف أي ذا حرج لأنه مصدر والكسر اسم فاعل كحذر وحذر وقال الشيخ وإذا تضايق الشجر والتف فلم تطق الماشية تخلله لتضايقه سما حرجا وحرجة فشبه به قلب الكافر لضيقه عن الحكمة والإلف الأليف وصفا أخلص يعني على كسر هذه الراء قاريء أليف مخلص متوسل إلى الله تعالى أي متقرب إليه وقوله هنا زيادة في البيان والله أعلم
(666)
وَيَصْعَدُ خِفٌّ سَاكِنٌ (دُ)مْ وَمَدُّهُ (صَـ)ـحِيحٌ وَخِفُّ الْعَيْنِ (دَ)اوَمَ (صَـ)ـنْدَلاَ
أي ذو خف أي ذو حرف خفيف ساكن وهو الصاد في قراءة ابن كثير والباقون على تحريك الصاد بالفتح وتشديدها دم يعني على القراءة به ثم ذكر أن شعبة زاد مدا يعني بعد الصاد وأنه وابن كثير معا خففا العين فقرأ ابن كثير (كأنما يصعد) ، على وزن يذهب ويعلم وهو ظاهر لأنه مضارع صعد كعلم وقرأ شعبة يصاعد أصله يتصاعد فأدغم التاء في الصاد وقرأ الجماعة (يصعد) ، بتشديد الصاد والعين أصله يتصعد فأدغم ومفعول قوله داوم محذوف أي داوم خف الصاد في قراءة ابن كثير وداوم المد بعدها في قراءة أبي بكر وصندلا حال أي عطرا مشبها صندلا
(667)
وتَحْشُرَ مَعْ ثَانٍ بِيُونُسَ وَهُوَ فِي سَبَأَ مَعْ نَقُولُ الْيَا فِي الأَرْبَعِ (عُـ)ـمِّلاَ

يعني يحشر الذي بعد يصعد وهو (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن) ، والثاني في يونس هو الذي بعده (كأن لم يلبثوا) ، وقوله وهو يعني يحشر في سبأ مصاحب لقوله يقول يعني (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة) ، الياء في الأربع يعني في يقول مع يحشر في السور الثلاث لحفص والباقون بالنون ووجه القراءتين ظاهر ولا خلاف في الأول بيونس والأول بالأنعام أنهما بالنون وقوله ونحشر مع ما بعده مبتدأ والياء مبتدأ ثان وخبره عملا أي اعمل فيها وقوله في الأربع من باب إقامة الظاهر مقام المضمر وفيه زيادة فائدة العددية التي اندرج بسببها لفظ يقول فيما فيه الخلاف لأن العدة لا تتم إلا بيقول وعمل وأعمل واحد كأنزل ونزل وقصر لفظ الياء ونقل حركة الهمزة في الأربع وأبدل همزة سبا ألفا بعد أن أسكنها بنية الوقف على قراءة قنبل كما يأتي وكل ذلك سبق له نظائر والله أعلم
(668)
وَخَاطَبَ شَامٍ تَعْلَمُونَ وَمَنْ تَكُونُ فِيهَا وَتَحْتَ النَّمْلِ ذِكْرُهُ (شُـ)ـلْشُلاَ
يعني (وما ربك بغافل عما يعملون)-(وربك الغني) ، وجه الخطاب أن بعده (إن يشأ يذهبكم) ، وما بعده إلى آخر الآية والغيب رد على ما قبله من قوله (ولكل درجات مما عملوا) وأما (من يكون له عاقبة الدار) ، هنا وفي القصص فتذكيره وتأنيثه على ما سبق في (ولا تقبل منها شفاعة) ، لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي وشلشلا أي خفيفا
(669)
مَكَانَاتِ مَدَّ النُّونَ فِي الْكُلِّ شعْبَةٌ بِزَعْمِهِمُ الْحَرْفَانِ بِالضَّمِّ رُتِّلاَ

مكانات جمع مكانة وقد تقدم الكلام في نظير ذلك من الجمع والإفراد من-كلمات-و-رسالات-وغيرهما وقوله مد النون لأنه إذا أشبع فتحها صارت ألفا فكان المد فيها وهو كما سبق في سورة المائدة وفي العين فامدد وقوله في الكل يعني حيث جاء والزعم بفتح الزاي وضمها لغتان وقوله بزعمهم الحرفان مبتدأ نحو السمن منوان بدرهم أي الموضعان منه رتلا بالضم وليس مثل ما تقدم من قوله واليسع الحرفان فقد سبق أنه لو قال ثم الحرفين بالنصب لكان أجود وأما هنا فالرفع لا غير
(670)
وَزَيَّنَ فِي ضَمٍّ وَكَسْرٍ وَرَفْعُ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ بِالنَّصْبِ شَامِيُّهُمْ تَلاَ
(671)
وَيُخْفَضُ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي شُرَكَاؤُهُمْ وَفِي مُصْحَفِ الشَّامِينَ بِالْيَاءِ مُثِّلاَ

يعني قوله تعالى (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) ، قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين والمفعول قتل المضاف إلى أولادهم وقراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله وقتل بالرفع على أنه أقيم مقام الفاعل وأولادهم بالنصب مفعول قتل لأنه مصدر وشركائهم بالجر على إضافة قتل إليه أي قتل شركائهم أولادهم كقولك عرف ضرب زيد عمرا أضيف المصدر إلى الفاعل فانجر وبقي المفعول منصوبا لكن في قراءة ابن عامر زيادة على هذا وهو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة وسيأتي توجيه ذلك فقوله وزين مبتدأ وفي ضم وكسر في موضع الحال أي كائنا في ضم الزاي وكسر الياء ورفع قتل عطف على وزين أولادهم كذلك على حذف حرف العطف وبالنصب في موضع الحال أي منصوبا وشاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان وخبر هي خبر وزين وما بعده أي تلا على هذه الصورة أو يكون وزين وما بعده مفعولا لقوله تلا مقدما عليه أي ابن عامر تلا ذلك وكان التعبير على هذا التقدير يقتضي أن يقول وقتل بالرفع فلم يتزن له فقلب اللفظ لأمن الإلباس لأن من تلا قتل بالرفع فقد تلا الرفع وقيل ورفع قتل مبتدإ خبره محذوف أي وله رفع قتل وله أولادهم بالنصب وقوله وفي مصحف الشامين حذف منه ياء النسبة المشددة وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب التكبير في قوله وفيه عن المكين أراد أن مصحف أهل الشام الذي أرسله عثمان رضي الله عنه إليهم رسم فيه شركائهم بالياء فدل ذلك على أنه مخفوض فهو شاهد لقراءته كذلك ولكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم فهو الذي استنكر من قراءته فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله وشركائهم صفة له قال أبو عمرو الداني في مصاحف أهل الشام (أولادهم شركائهم) ، بالياء وفي سائر المصاحف شركاؤهم بالواو قال أبو البرهسم في سورة الأنعام في إمام أهل الشام وأهل الحجاز أولادهم شركائهم وفي إمام أهل العراق شركاؤهم قلت ولم ترسم كذلك إلا باعتبار

قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء ويحتمل أيضا قراءة أبي عبد الرحمن السلمي على إسناد زين إلى القتل كما فعل ابن عامر ولكنه خفض الأولاد بالإضافة ورفع شركاؤهم على إضمار فعل كأنه قيل من زينه فقال شركاؤهم فهو مثل ما يأتي في سورة النور-يسبح له فيها-بفتح الياء ثم قال رجال أي يسبحه رجال وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر وأما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر ويحتمل أن يكون نعتا للأولاد وعلى قراءة أبي عبد الرحمن السلمي السابقة وهذا أوجه من القراءة لا استبعاد فيه لفظا ولا معنى قال الزجاج وقد رويت شركائهم بالياء في بعض المصاحف ولكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم لأن نعت أولادهم شركاؤهم في أموالهم وقال ابن النحاس فيها أربع قراءات فذكر ما ذكرناه ونسب قراءة السلمي إلى الحسن أيضا ونسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام فقال وحكى غير أبي عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا زين بالضم قتل بالرفع وخفض أولادهم شركائهم بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولدهم لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث وذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم ثم قال وفي بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء فإن تكن مثبتة عن الأولين فينبغي أن يقرأ زين ويكون الشركاء هم الأولاد لأنهم منهم في النسب والميراث فإن كانوا يقرءون زين بفتح الزاي فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون أتيتها عشايا ويقولون في تثنية حمراء حمرايان فهذا وجه أن يكونوا أرادوا (زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) ، يعني بياء مضمومة لأن شركائهم فاعل زين كما هو في القراءة العامة قال وإن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد قلت يعني تقدير الكلام زين مزين فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد سواء قريء زين بالفتح أو بالضم وتفسير الشركاء على قراءة الجماعة هم خدم الأصنام أو الشياطين زينوا للكفرة أن

يقتلوا أولادهم بالوأد وبالنحر للآلهة وعلى قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين في المعنى والله أعلم
(672)
وَمَفْعُولُهُ بَيْنَ المُضَافَيْنِ فَاصِل وَلَمْ يُلْفَ غَيْرُ الظُرْفِ فِي الشِّعْرِ فَيْصَلاَ
يعني أن المفعول في قراءة ابن عامر وهو-أولادهم-الذي هو مفعول القتل وقع فاصلا بين المضاف والمضاف إليه لأن قتل مضاف إلى شركائهم وأكثر النحاة على أن الفصل بين المضافين لا يجوز إلا بالظرف في الشعر خاصة فهذا معنى قوله ولم يلف أي لم يوجد غير الظرف فيصلا بين المضاف والمضاف إليه وأما في كلام غير الشعر فلم يوجد الفصل بالظرف فكيف بغيره ذكر الناظم-رحمه الله-ما اعترض به على قراءة ابن عامر ثم مثل بالظرف فقال
(673)
كَلِلَّهِ دَرُّ الْيَوْمَ مَنْ لاَمَهَا فَلاَ تَلُمْ مِنْ سُلِيمِي النَّحْوِ إِلاَّ مُجَهِّلاَ

أراد بيتا أنشده سيبويه وغيره وهو لعمرو بن قميئة ، (لما رأت ساتيذ ما استعبرت لله در اليوم من لامها) ، يريد لله در من لامها اليوم أنشد سيبويه أيضا لأبي حية النميري ، (كما خط الكتاب بكف يوما يهودي ) ، أي بكف يهودي يوما وأنشد لدرنا بنت عتبة ، (هما أخوا في الحرب من لا أخا له ) ، أي أخوا من لا أخا له في الحرب قال وقال ذو الرمة ، (كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريخ) ، أي كأن أصوات أواخر الميس وكل هذه الأبيات فصل فيها بالظرف الصريح وبالجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه ولا يجوز ذلك في غير الشعر قال سيبويه في قوله (يا سارق الليلة أهل الدار ) بخفض الليلة على التجوز ونصب أهل على المفعولية ولا يجوز يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور ثم وقال مما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة فذكر الأبيات المتقدمة وغيرها ثم قال وهذا قبيح ويجوز في الشعر على هذا مررت بخير وأفضل من ثم قال أبو الفتح ابن جني الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر كثير لكنه من ضرورة الشاعر وقوله مليم هو اسم فاعل من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه أي من مليم أهل النحو وهو اسم جنس هكذا وقع في روايتنا بلفظ المفرد ولو كان بلفظ الجمع كان أحسن أي من مليمي النحو ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وتقع كذلك في بعض النسخ وهو الأجود وحذفها إنما جاء من الكاتب لأن الناظم أملى فخفيت الياء على الكاتب لأنها ساقطة في اللفظ أي الذين تعرضوا لإنكار قراءة ابن عامر هذه من النحاة على قسمين منهم من ضعفها ومنهم من جهل قارئها وكلهم قد أتى بما يلام عليه لأنه أنكر قراءة قد صحت عن إمام من أئمة المسلمين لكن من نفى ذلك ولم يجهل فأمره أقرب إذ لم يبلغ علة أكثر من ذلك ومن جهل فقد تعدى طوره فبين أمره ولمه وجهله بما قد خفي عنه فإن هذه القراءة قد نقلها ابن عامر عمن قرأها

عليه ولم يقرأها من تلقاء نفسه وسيأتي توجيهها ، قال أبو عبيد وكان عبد الله بن عامر وأهل الشام يقرءونها-زين-بضم الزاي ، (قتل) ، بالرفع-أولادهم-بالنصب ، (شركائهم) ، بالخفض ويتأولونه-قتل شركائهم أولادهم-فيفرقون بين الفعل وفاعله قال أبو عبيد ولا أحب هذه القراءة لما فيها من الاستكراه والقراءة عندنا هي الأولى لصحتها في العربية مع إجماع أهل الحرمين والبصرتين بالعراق عليها وقال أبو علي فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول والمفعول به مفعول المصدر وهذا قبيح قليل في الاستعمال ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى ألا ترى أنه إذا لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو (إن فيها قوما جبارين) ، تلقون للهجر حولا كميلا ، (ولا تلحني فيها فإني لحبها أخاك مصاب القلب جم بلا بله) ، ألا ترى أنه قد فصل بين أن واسمها بما يتعلق بخبرها ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف في الكلام وإنما جاء في الشعر فأن لا يجوز في المفعول به الذي لم يتسع فيه بالفصل به أجدر وقال الزمخشري وأما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا مردودا فكيف به في الكلام المنثور فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته ، قال والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف-شركائهم-مكتوبا بالياء ولو قريء بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب ، قلت فإلى هذا الكلام وشبهه أشار الناظم يلوم قائله ثم ذكر وجه هذه القراءة فقال
(674)
وَمَعْ رَسْمِهِ زَجَّ الْقَلُوصَ أَبِي مَزَادَةَ اْلأَخْفَشُ النَّحْوِيُّ أَنْشَدَ مُجْمِلاَ

أي ومع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر وهو جر-شركائهم-وأما نصب الأولاد فليس فيه إلا النقل المحض لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها كما سبق وهو الذي رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم أي مع شهادة هذا البيت الذي ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به وهو ما أنشده الأخفش ولعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوي صاحب الخليل وسيبويه ، (فزججتها بمزجة زج القلوص أبي مزادة) ، أي زج أبي مزادة القلوص فالقلوص مفعول ويروي فزججتها متمكنا ويروي فتدافعت قال الفراء في كتاب المعاني بعد إنشاده لهذا البيت وهذا مما كان يقوله نحويو أهل الحجاز ولم نجد مثله في العربية وقال في موضع آخر ونحويو أهل المدينة ينشدون هذا البيت والصواب زج القلوص بالخفض وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعري في كتاب شرح الجمل واختار قوم أن يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر كما يفصل بينهما بالظرف قال وليس ذلك ببعيد وقد حكى أن بعض القراء قرأ (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) ، على تقدير مخلف رسله وعده قال وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت ، (فزججته متعرضا زج القلوص أبي مزاح) ، قال هكذا الرواية عنه وقد روي أبي مزادة قال أبو علي الفارسي وجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال له أنه قد جاء في الشعر الفصل على حد ما قرأ قال الطرماح ، (يطفن بحوزي المراتع لم ترع بواديه من قرع لقسي الكنائن) ، قال وزعموا أن أبا الحسن أنشد زج القلوص أبي مزادة فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر قال ابن جني في بيت الطرماح لم نجد فيه بدا من الفصل لأن القوافي مجرورة قال في زج القلوص فصل بينهما بالمفعول به هذا مع قدرته على أن يقول زج القلوص أبو مزادة كقولك سرني أكل الخبز زيد قال وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول ألا تراه ارتكب هنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها لا لشيء غير

الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول قال أبو الحسن الحوفي احتج ابن الأنباري لهذه القراءة فقال قد جاء عن العرب هو غلام إن شاء الله أخيك ففرق بإن شاء الله ويروى أن عبد الله بن ذكوان قال سألني الكسائي عن هذا الحرف وما بلغه من قرائتنا فرأيته كأنه أعجبه ونزع بهذا البيت ، (تنفى يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهم تنقاد الصياريف) ، فنصب الدراهم ورواه غيره بخفض الدراهم ورفع تنقاد على الصحة قلت وإنما أعجب الكسائي لأنه وافق عنده ما بلغه من جوازه لغة ومثله ما أنشده غيره (فداسهم دوس الحصاد الدائس ) ، أي دوس الدائس الحصاد وفي شعر أبي الطيب (سقاها الحجى سقي الرياض السحائب ) ، أي سقى السحائب الرياض قال أبو الحسن ابن خروف يجوز الفصل بين المصدر والمضاف إليه بالمفعول لكونه في غير محله فهو في نية التأخير ولا يجوز بالفاعل لكونه في محله وعليه قراءة ابن عامر ، قلت وقد أنشد الشيخ أبو العلاء المعري في شرحه بيتا فيه الفصل بالفاعل وبالجار والمجرور معا وهو ، (تمر على ما تستمر وقد شفت غلائل عبد القيس منها صدورها) ، أي شفت عبد القيس غلائل صدورها منها ، وجاء الفصل أيضا بالمنادى المضاف أنشد ابن جني في كتاب الخصائص ، (كأن برذون أبا عصام زيد حمار دق باللجام) ، قال أي كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام ، قلت ووجدت في شعر أسند إلى الفرس معاوية يخاطب به عمرو بن العاص رحمهما الله تعالى ، (نجوت وقد بل المرادى سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب) ، أي من ابن أبي طالب شيخ الأباطح ففصل بين مضاف ومضاف إليه وهو صفة لذلك المضاف والمضاف إليه وابن أبي طالب هو علي رضي الله عنه ولا يعد فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى وذلك أنه قد عهد تقدم المفعول على الفاعل المرفوع لفظا فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا فإن المصدر لو كان منونا لجاز تقدم المفعول على فاعله نحو أعجبني ضرب عمرا زيد فكذا في

الإضافة وقد ثبت جواز الفصل بين حرف الجر ومجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المضاف والمضاف إليه في نحو قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم)-(فبما رحمة من الله) ، فإن قالوا ما زائدة فكأنها ساقطة في اللفظ لسقوطها في المعنى ، قلت والمفعول المقدم هو في غير موضعه معنى فكأنه مؤخر لفظا ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام المنثور مثله لأنه ناف ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفي بإجماع ولو نقل لي هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله فما باله لا يكتفي بناقلي القراءة عن التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ثم الذي حكاه ابن الأنباري فيه الفصل في غير الشعر بجملة مستقلة مركبة من فعل وفاعل مع حرف شرط مما يقوي ما ذكرناه أنهم التزموا أن الفصل بالجار والمجرور لم يأت إلا في الشعر وقد روت الرواة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الفصل بهما وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم فهل أنتم تاركوا لي صاحبي و تاركوا لي أمرائي ، أي تاركوا صاحبي لي وتاركوا أمرائي لي فلم يبق لهم تعلق بأنه لم يأت في الكلام المنثور فصل بالمفعول ولا بالظرف ونحوه والله أعلم ، قال أبو القاسم الكرماني في لباب التفاسير قراءة ابن عامر وإن ضعفت في العربية للإحالة بين المضاف والمضاف إليه فقويت في الرواية عالية وفي كتاب الخصائص لابن جني بأن ما يرد عن العربي مخالفا للجمهور إذا اتفق شيء من ذلك نظر في حال العربي وفيما جاء به فإن كان فصيحا وكان ما أورده مما يقبله القياس فإن الأولى أن يحسن الظن به وقد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن أبي الحجاج عن أبي خليفة الفضل ابن الحباب قال قال ابن عون عن ابن سيرين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس

والروم ولهيت عن الشعر وروايته فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب في الأمصار راجعوا رواية الشعر فلم يثوبوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب وألفوا ذلك وقد هلك من هلك من العرب بالموت والقتل فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثيره قال وحدثنا أبو بكر عن أبي خليفة قال قال يونس بن حبيب قال أبو عمرو بن العلاء ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير قال أبو الفتح إذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ما وجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده ، قلت وقد بينا وجه القياس في هذه القراءة وقد حان نقلها من طريق صحيح وبالله التوفيق ، وقول الناظم رحمه الله أبي مزادة الأخفش بفتح الهاء من مزادة أراد أن يأتي بلفظ الشاعر فأبقى الهاء ساكنة فلقيها سكون اللام في الأخفش فلزم تحريكها ففتحها على حد قوله سبحانه (الم الله) ، في أول آل عمران ولو أبدل الهاء تاء على الأصل وفتحها لكان له وجه لأنه واصل وشاعرها أبدلها هاء للوقف ولكن كان يفوت لفظ الحكاية وكان بعض الشيوخ يجيزوا قراءته بالتاء ولم نسمعه من الشيخ أبي الحسن رحمه الله إلا بالهاء واتفق أني رأيت الشيخ الشاطبي رحمه الله في المنام وسألته عنه أهو بالتاء أو بالهاء فقال بالهاء والله أعلم
(675)
وَإِنْ يَكُنَ أنِّثْ (كُـ)ـفْؤَ صِدْقٍ وَمَيْتَةٌ (دَ)ـنَا (كَـ)ـافِيًا وَافْتَحْ حِصَادِ (كَـ)ـذِي (حُـ)ـلاَ

فتح نون يكن بإلقاء حركة همزة أنث إليها ثم حذف الهمزة وكسر الدال من حصاد على حكاية لفظ القرآن وكفؤ صدق منصوب على الحال وكذا كافيا وكذى حلا في موضع الحال أي كائنا كصاحب حلا وهو جمع حلية أراد (وإن تك ميتة فهم فيه شركاء) ، فرفع ميتة على أن كان تامة أي وإن يوجد في بطنها ميتة وتأنيث ميتة غير حقيقي فلهذا ذكر ابن كثير ومن نصب ميتة وأنث تكن قدر وإن تكن الأجنة ميتة وهي قراءة أبي بكر وقراءة الباقين على وإن يكن ما في بطونها ميتة وقول الناظم رحمه الله وميتة يعني بالرفع وإطلاقه دال على ذلك والحصاد بفتح الحاء وكسرها لغتان فالفتح قراءة ابن عامر وأبي عمرو وعاصم ورمزه في البيت الآتي وهو
(676)
(نَـ)ـمَا وَسُكُونُ المَعْزِ (حِصْنٌ) وَأَنَّثُوا يَكُونُ (كَـ)ـمَا (فِـ)ـي (دِ)ينِهِمْ مَيْتَةٌ (كَـ)ـلاَ
أشار بقوله نما إلى عاصم ومعناه اشتهر وانتشر من نما المال وغيره ينمي إذا زاد والمعز بإسكان العين وفتحها لغتان اسم جمع لماعز كتجر وخدم ومن أنث يكون ورفع ميتة جعل كان تامة ومن نصب ميتة وأنث يكون فعلى ما تقدم في مثلها في (ثم لم تكن فتنتهم) ، بنصب الفتنة وتأنيث تكن أنث الفعل لتأنيث الخبر أو على تقدير إلا أن تكون الأنعام أو الجنة أو النفس ميتة ومن نصب ميتة وذكر يكون قدر إلا أن يكون الموجود ميتة وكلا معناه حرس لأن الرفع مع التأنيث قراءة واضحة بخلاف التأنيث مع النصب وموضع قوله إن يكون ميتة نصب على البدل من محرما كما تقول لا أحد كريما إلا زيدا أو عمرا فقوله (أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا) ، كلها معطوفات على موضع أن يكون ميتة سواء قرئت صفة بالنصب أو بالرفع كأنه قال لا أجد محرما إلا ميتة أو دما أو لحم خنزير أو فسقا ويجوز على قراءة ميتة بالنصب أن تكون المنصوبات بعدها عطفا عليها والله أعلم
(677)

وَتَذَّكَّرُونَ الْكُلُّ خَفَّ (عَـ)ـلَى (شَـ)ـذَا وَأَنَّ اكْسِرُوا (شَـ)ـرْعًا وَبِالْخِفِّ (كُـ)ـمِّلاَ) الكل
الكل يعني حيث جاء والتخفيف في الذال لا في الكاف الأصل تتذكرون فمن خفف حذف التاء الثانية ومن شدد أدغمها في الذال والشذا بقية القوة والشدة أي خف على قوة من الحجج (وأن هذا صراطي مستقيما) ، كسرة على لاستئناف والفتح على حذف حرف الجر أي ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه قال أبو علي من فتح أن فقياس قول سيبويه أنه حملها على فاتبعوه لأنه قال في قوله (لإيلاف قريش)-(وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)-(وأن المساجد لله) ، إن المعنى لهذا فليعبدوا رب ولأن هذه أمتكم ولأن المساجد لله (فلا تدعوا مع الله أحدا) ، فكذلك قوله ولـ (أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) ، قال ومن خفف يعني وفتح فإن المخففة في قوله تتعلق بما تتعلق به المشددة وموضع هذا رفع بالابتداء وخبره صراطي وفي أن ضمير القصة والحديث والفاء في قوله فاتبعوه مثل الفاء في قولك بزيد فامرر وعلى قراءة الكسر عاطفة جملة على جملة وعلى القول الأول زائدة وقال الفراء تفتح إن بوقوع اتل عليها وإن شئت جعلتها خفضا يريد (ذلكم وصاكم به)-(وبأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) ، وقول الناظم وبالخف كملا أي كملت وجوه القراءة فيها لأنها ثلاثة وقد ذكرها والله أعلم
(678)
وَيَأْتِيَهُمْ (شَـ)ـافٍ مَعَ النَّحْلِ فَارَقُوا مَعَ الرُّومِ مَدَّاهُ خَفِيفًا وَعَدَّلاَ
يعني (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) ، هنا وفي النحل قرأهما بالياء حمزة والكسائي على التذكير والباقون بالتاء ووجههما ظاهر لأن تأنيث الجماعة غير حقيقي وقرأ حمزة والكسائي أيضا (فارقوا دينهم) ، وفي الروم على وزن قاتلوا والباقون-فرقوا-بتشديد الراء من التفريق والأول من المفارقة وهما متقاربان لأن من فرق دينه فآمن ببعض وكفر ببعض فقد فارق الدين المأمور به والله أعلم
(679)

وَكَسْرٌ وَفَتْحٌ خَفَّ فِي قِيَماً ذَكَا وَيَا آتُهَا وَجْهِي مَمَاتِيَ مُقْبِلاَ
خف صفة وفتح أي افتح من غير تشديد فالقراءة الأخرى بالكسر والتشديد في الياء مع فتح القاف وقد تقدم الكلام في (قيما) ، في سورة النساء ثم ذكر من ياءات الإضافة ياءين أحدهما (وجهي) ، للذي فتحها نافع وابن عامر وحفص والثانية ومماتي فتحها نافع وحده وقول الناظم مقبلا حال من محذوف تقديره خذه مقبلا عليه وهو اعتراض بين عدد الياءات ويجوز أن يكون التقدير أتى ذلك مقبلا وظاهر الكلام فيه معنى حسن فإن الوجه معناه القصد فكأنه قال وجهي مماتي في حال كون الممات مقبلا إلى الإنفكاك لي منه والله أعلم
(680)
وَرَبِّي صِرَاطِي ثُمَّ إِنِّي ثَلاَثَةٌ وَمَحْيَايَ وَالإِسْكَانُ صَحَّ تَحَمُّلاَ

أراد (ربي إلى صراط) ، فتحها نافع وأبو عمرو و(صراطي مستقيما) ، فتحها ابن عامر وحده إني في ثلاثة مواضع (إني أمرت) ، فتحها نافع وحده (إني أخاف إن عصيت)-(إني أراك وقومك) ، فتحهما الحرميان وأبو عمرو و-محياي-أسكنها قالون وورش بخلاف عنه فهي ثمان ياءات ثم أكد صحة الإسكان في-محياي-من جهة النقل بقوله والإسكان صح تحملا لأن النحاة طعنوا فيه كما سبق ذكره ونصب تحملا على التمييز وإنما قال ذلك لأجل ما قاله أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز قال أوجه الروايتين وأولاهما بالصحة رواية من روى الإسكان إذ هو الذي رواه ورش عن نافع دون غيره وإنما الفتح اختيار من ورش وقد كان له اختيار يأخذ به يخالف فيه ما رواه عن نافع وربما لم يبينه للقاريء متحملة عنه على أنه يرويه عن نافع وقال أبو الأزهر وداود بن أبي طيبة أمرني عثمان بن سعيد أن أنصبها مثل مثواي وزعم أنه أقيس في النحو وقال يونس بن عبد الأعلى قال لي عثمان بن سعيد وأحب إلي أن ينصب-محياي-ويوقف-مماتي- ، قلت ونعم ما اختاره ورش من فتح ياء-محياي-وقد أتى في باب ياءات الإضافة تقرير ذلك وفيها زائدة واحدة (وقد هدان) -(ولا أخاف) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده وانتظمت لي موضع قوله والإسكان صح تحملا فقلت زيدت-قد هداني-لمن تلا
سورة الأعراف
(681)
وَتَذَّكَّرُونَ الْغَيْبَ زِدْ قَبْلَ تَائِهِ (كَـ)ـرِيماً وَخِفُّ الذَّالِ (كَـ)ـمْ (شَـ)ـرَفاً (عَـ)ـلاَ
أي زاد ابن عامر ياء فقرأ ( قليلا ما يتذكرون) ، وخفف الذال والباقون لم يزيدوا هذه الياء الدالة على الغيب وهم في تخفيف الذال وتشديدها مختلفون على ما سبق في الأنعام وإنما احتاج إلى إعادة الكلام في تخفيف الذال هنا لأجل زيادة ابن عامر على تخفيفها وقد سبق الكلام في تعليل مثل هذه القراءات وفي معنى قوله كم شرفا علا في سورة النساء والله أعلم
(682)

مَعَ الزُّخْرُفِ اعْكِسْ تُخْرَجُونَ بِفَتْحَةٍ وَضَمٍّ وَأُولَى الرُّومِ (شَـ)ـافِيهِ (مُـ)ـثِّلاَ
أراد (ومنها تخرجون يا بني آدم) ، وفي الزخرف (بلدة ميتا كذلك تخرجون) ، والأولى من الروم (وكذلك تخرجون ومن آياته) ، احترز من الثانية وهي (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) ، فإنهم أجمعوا على أن الفعل فيه مسندا إلى الفاعل فاختلفوا في المواضع الثلاثة المذكورة فقرأها حمزة والكسائي وابن ذكوان كذلك مسماة للفاعل وقرأها غيرهم على بناء الفعل للمفعول ووجه القراءتين ظاهر لأنهم أخرجوا فخرجوا فقوله بفتحة يعني في التاء وضم يعني في الراء ولو قال بفتحة فضم فعطف بالفاء كان أجود من الواو هنا لأن قراءة الباقين أيضا بضم وفتحة والواو لا تقتضي ترتيبا وإذا قيل ذلك بالفاء بان أن الضم بعد الفتحة فيفهم أنها على إسناد الفعل إلى الفاعل وفائدة قوله اعكس أن يجعل مكان فتحة التاء ضمة ومكان الضم فتحا ولولا قوله اعكس لجعلت مكان الفتحة كسرة لأنها ضدها
(683)
بِخُلْفٍ (مَـ)ـضى فِي الرُّومِ لاَ يَخْرُجُونَ (فِـ)ـي (رِ)ضا وَلِباَس الرَّفْعُ (فِـ)ـي (حَقِّ نَـ)ـهْشَلاَ

أي عن ابن ذكوان خلاف في أولى الروم المذكورة وقوله مضى رمزه ولو لم يرمز لكان معلوما لأن ذكره للخلف مهما أطلقه بعد رمزين أو أكثر رجع إلى آخر رمز هذه عادته ولكنه اضطر هنا إلى كلمة يتزن البيت بها فلو أتى بغير ما في أوله ميم لأوهم رمزا لغير ابن ذكوان فكان رمز الميم أولى ولأن فيه زيادة بيان ويجوز أن يقال هذا الموضع لا نظير له فإن المواضع التي يطلق فيها الخلف بعد رمز متعدد يكون الخلف فيها راجعا إلى الحرف المرموز له وهنا رجع الخلف إلى بعض المذكور وهو موضع واحد من ثلاثة فلو قال بخلف الذي في الروم لظن أن الخلف فيه للجميع وأن الموضعين الآخرين لا خلف فيهما فأزال الوهم بالرمز والله أعلم ، ثم قال-لا يخرجون-يعني الذي في الجاثية (فاليوم لا يخرجون منها) ، انفرد حمزة والكسائي عن ابن ذكوان بقراءته بفتح الياء وضم الراء وهو مشتبه بالذي في الحشر (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم) ، فليس في فتح يائه خلاف وقوله في رضى أي كائن في رضى من قبول العلماء له وفي ظاهر العبارة أيضا معنى حسن وهو أن الكفار لا يخرجون مرضيا عنهم بل يخرجون من عذاب إلى عذاب أعاذنا الله برحمته والقراءتان في جميع ذلك مثل-يرجعون-و-يرجعون-وأما (ولباس التقوى) ، بالنصب فعطف على ما قبله قال أبو علي ومن رفع قطع اللباس في الأول واستأنف به فجعله مبتدأ وقوله ذلك صفة أو بدل أو عطف بيان ومن قال إن ذلك لغو يعني فصلا لم يكن على قوله دلالة لأنه يجوز أن يكون على حد ما ذكرنا وخير خبر اللباس والمعنى لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله تعالى مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمل به وأضيف اللباس إلى التقوى كما أضيف إلى الجوع والخوف في قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) ، وقال غير أبي علي ولباس بالرفع خبر مبتدأ أي وهو لباس التقوى فيكون وهو ضمير اللباس المواري للسوأة سماه لباس التقوى لستره العورة لأن كشفها محرم ينافي التقوى وإليه

الإشارة بقوله-ذلك خير-أي خير في نفس الأمر أي خير من الريش المتجمل به والذي يظهر من قراءة النصب أنه استعار التقوى لباسا كما استعار للجوع والخوف مجازا ثم أشار إليه بقوله-ذلك خير-أي مما تقدم أو المجوع خير في نفسه أو خير من عدمه كما قال سبحانه في موضع آخر (ذلك خير لكم وأطهر) ، وإذا دلتنا قراءة النصب على أن لباس التقوى غير اللباس المواري للسوأة فالأولى جعل قراءة الرفع كذلك فيكون مبتدأ وذلك إشارة إليه للعلم به والحث عليه من الشارع في عدة مواضع وما أحسن قول الشاعر ، ( إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وإن كان كاسيا) ، وإعراب قول الشاطبي ولباس الرفع كما سبق في قوله والميتة الخف خولا في آل عمران وقد سبق تفسير قوله في حق نهشلا في سورة النساء أي يتسلى بذلك المنقول من الضعفاء العاجزين عن لباس الزينة في الدنيا والله أعلم
(684)
وَخَالِصَةٌ (أَ)صْلٌ وَلاَ يَعْلَمُونَ قُلْ لِشُعْبَةَ فِي الثَّانِي وَيُفْتَحُ (شَـ)ـمْلَلاَ

هذا البيت جامع لثلاث مسائل استعمل فيها الرفع والغيب والتذكير وهي الأمور التي يستغنى بها لفظا عن القيد ، المسألة الأولى (خالصة يوم القيامة) ، القراءة فيها دائرة بين الرفع والنصب فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلا على أنه أراد الرفع لمن رمز له وهو نافع وحده فالباقون بالنصب فوجه الرفع أن يكون-خالصة-خبر المبتدأ الذي-هو هي وقوله-للذين آمنوا-متعلق بالخبر وفي الحياة معمول آمنوا أي هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدنيا ويجوز أن يكون للذين آمنوا خبر المبتدأ وخالصة خبر بعد خبر وفي الحياة الدنيا معمول الأول أي استقرت في الدنيا للمؤمنين وهي خالصة يوم القيامة وخالصة بالنصب على الحال أي هي للمؤمنين في الدنيا على وجه الخلوص يوم القيامة بخلاف الكافرين فإنهم وإن نالوها في الدنيا فما لهم في الآخرة منها شيء وذكر أبو علي وجوها كثيرة فيما يتعلق به قوله في الدنيا قال الشيخ ومعنى قوله أصل أنها خلقت للذين آمنوا بطريق الأصالة في الدنيا والآخرة وإنما شاركهم غيرهم في الدنيا بطريق التبعية ، المسئلة الثانية (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) ، القراءة فيها دائرة بين الغيب والخطاب فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلا على أنه أراد الغيب لشعبة وحده والباقون بالخطاب ووجه القراءتين ظاهر سبق لهما نظائر وقوله في الثاني احترز به من قوله تعالى (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) ، فإنه بالخطاب من غير خلاف فإن قلت هلا قال في الثالث فإن قبل هذين الموضعين ثالثا وهو (إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) ، وهو أيضا بالخطاب بلا خلاف قلت أراد الثاني بعد كلمة خالصة التي ذكر الخلاف فيها ولم يحتج إلى الاحتراز عما تقدم خالصة فإن ذلك يعلم أنه لا خلاف فيه لأنه تعداه ولو كان فيه خلاف لذكره قبل خالصة هذا غالب نظمه وإن كان في بعض المواضع يقدم حرفا على حرف على ما يواتيه النظم ولكن الأصل ما ذكرناه ونظير ما فعله هنا ما

يأتي في سورة يونس من قوله وذاك هو الثاني يعني لفظ ننجي بعد نجعل وهو ثالث إن ضممت إليه آخر قبل نجعل على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى والدليل على أنه يراعي ترتيب الحروف ولا يحتاج إلى أن يحترز عن السابق قوله في سورة المؤمنين صلاتهم شاف أراد التي بعد أماناتهم ولم يحترز عن قوله (الذين هم في صلاتهم خاشعون) ، لأنها سبقت ذكر أماناتهم وهذه مواضع حسنة لطيفة يحتاج من يروم فهم هذا النظم أن ينظر فيها واو أنه قال وخالصة أصل وشعبة يعلمون بعد ولكن لا لما احتاج إلى ذكر ثان ولا ثالث ، المسئلة الثالثة (لا يفتح لهم أبواب السماء) ، اختلف فيها في موضعين أحدهما المذكور في هذا البيت وهو التذكير والتأنيث وكان إطلاق الناظم في قوله ويفتح شمللا دليلا على أنه أراد التذكير لحمزة والكسائي ووجه القراءتين ظاهر لأن تأنيث الأبواب ليس بحقيقي وقد وقع الفصل بين الفعل وبينها ثم ذكر الموضع الثاني فقال
(685)
وَخَفِّفْ (شَـ)ـفَا (حُـ)ـكْماً وَماَ الْوَاوَ دَعْ (كَفى) وَحَيْثُ نَعَمْ بِالْكَسْرِ فِي الْعَيْنِ (رُ)تِّلاَ

أي وافق أبو عمرو وحمزة والكسائي على تخفيف-يفتح لهم-ولم يوافقهما في التذكير فصار فيها ثلاث قراءات التذكير مع التخفيف والتأنيث مع التخفيف وقراءة الباقين التأنيث مع التشديد فالتخفيف من فتح والتشديد من فتح وقد تقدم نظيرهما وقوله وما الواو دع الواو بالنصب مفعول دع أي اترك الواو أسقطها من قوله تعالى (وما كنا لنهتدي) ، قرأها ابن عامر كذلك لأن الواو لم ترسم في مصحف الشام وهو نظير قراءته في سورة البقرة (قالوا اتخذ الله) ، والباقون بالواو فيهما على ما رسم في مصاحفهم ووجه إثبات الواو فائدة العطف وسقوطها الاستئناف أو الاستغناء عنها وإليه الإشارة بقوله كفى قال أبو علي كأن الجملة ملتبسة بما قبلها فأغنى القياس به عن حرف العطف قال ومثل ذلك قوله تعالى (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) ، فاستغنى عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى ونعم بفتح العين وكسرها لغتان وهو حرف مستعمل تارة عدة وتارة تصديقا وقوله وحيث نعم أي وحيث هذا اللفظ موجود في القرآن ففيه هذا الخلاف والله أعلم
(686)
وَأَنْ لَعْنَةُ التَّخْفِيفِ وَالرَّفْعُ (نَـ)ـصُّهُ (سَماَ ) مَا خَلاَ الْبَزِّي وَفِي النُّورِ (أُ)وصِلاَ
يريد (أن لعنة الله على الظالمين) ، وتخفيفه في نون أن والرفع في آخر-لعنة-لأنه إذا خففت أن بطل عملها وارتفع ما بعدها بالابتدا والخبر وأضمر بعد أن ضمير الشأن وقرأ نافع وحده بمثل هذا في سورة النور في قوله سبحانه (أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) ، وكذلك يقرأ أيضا (أن غضب الله) ، على ما سيأتي في مكانه وقراءة الباقين ظاهرة في المواضع الثلاثة بتشديد أن ونصب ما بعدها على أنه اسمها وأسكن ياء البزي وخففها ضرورة والله أعلم
(687)
وَيُغْشِي بِهاَ وَالرَّعْد ثَقَّلَ (صُحْبَةٌ) وَوَالشَّمْسُ مَعْ عَطْفِ الثَّلاَثَةِ كَمَّلاَ

يريد (يغشى الليل النهار) ، بهذه السورة وبالرعد التخفيف فيها والتشديد لغتان ويقال أغشى وغشي مثل انزل ونزل وأما (والشمس والقمر والنجوم مسخرات) ، فقرئت الأربعة بالرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء والخبر مسخرات وأما النصب فعلى تقدير وخلق الشمس والقمر والنجوم مسخرات فيكون نصب مسخرات على الحال أو يكون على إضمار جعل فيكون مسخرات مفعولا به فقوله-والشمس-أدخلا واو العطف الفاصلة على واو التلاوة وأطلق لفظ الشمس ولم يقيد حركتها ليعلم أنها رفع ثم قال مع عطف الثلاثة يعني بالثلاثة-والقمر والنجوم مسخرات-وهذه الثلاثة منها اثنان معطوفان وثالث وهو-مسخرات-ليس معطوفا لكنه في حيز ما عطف فأعطاه حكمه فلهذا قال مع عطف الثلاثة أي مع الثلاثة المتصفة بالعطف فهو من باب سحق عمامة أي عمامة موصوفة بأنها سحق أي ذات سحق بمعنى بالية فكذا هذه الثلاثة موصوفة بأنها ذات عطف أي معطوفة وقوله كمل الرفع في الأربعة والفاعل هو القاريء أو هذا اللفظ لأن التكميل فيه كما سبق في خاطب
(688)
وَفِي النَّحْلِ مَعْهُ فِي الأَخِيرَيْنِ حَفْصُهُمْ وَنُشْراً سُكُونُ الضَّمِّ فِي الْكُلِّ (ذَ)لِّلاَ

معه أي مع ابن عامر في رفع الأخيرين حفص أي وافقه على رفع-النجوم مسخرات- في سورة النحل ولم يوافقه على رفع-والشمس والقمر-في النحل ولا على رفع الأربعة هنا في عبارة الناظم نظر وذلك أنها لا تخلو من تقديرين وكلاهما مشكل أحدهما أن يكون تقدير الكلام حفص وابن عامر على الرفع في الأخيرين في النحل فهذا صحيح ولكن لا يبقى في نظمه دلالة على أن ابن عامر يرفع الأولين في النحل لأن لفظه في البيت الأول لم يأت فيها مما يدل على الموضعين ولفظه في هذا البيت لم يتناول لا الأخيرين والتقدير الثاني أن يكون في النحل متعلقا بالبيت الأول كأنه قال برفع هذه الأربعة هنا وفي النحل ثم ابتدأ وقال معه في الأخيرين حفص وهذا وإن كان محصلا لعموم رفع الأربعة في الموضعين لابن عامر فلا يبقى في اللفظ دلالة على أن حفصا لم يوافقه لا على رفع الأخيرين في النحل فقط بل يبقى ظاهر الكلام أن حفصا موفقة على رفع الأخيرين في الموضعين فلو قال وفي النحل حفص معه ثم في الأخيرين نشرا إلى آخر البيت لاتضح المعنى بقوله ثم لدلالته على تخصيص موافقة حفص مما في النحل فقط والذي في النحل هو (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات) ، فرفع الأربعة ظاهر على ما سبق ورفع الأخيرين على الابتداء والخبر والشمس والقمر نصبهما على ما توجه به نصب الأربعة وذلك بفعل مضمر وهو وخلق الشمس أو وفعل الشمس وما بعدهما فيكون مسخرات حالا أو مفعولا به كما مضى أو يقدر هذا الفعل قبل والنجوم ويكون الشمس والقمر معطوفين على الليل والنهار وإنما لم نقل ذلك في والنجوم مسخرات لأن الفعل الناصب هو وسخر فيصير المعنى وسخر النجوم مسخرات وهذا غير مستقيم ويجوز أن يكون المعنى ونتعلم هذه الأشياء في حال كونها مسخرات لما خلقن له أو يكون مسخرات بمعنى تسخيرات فيكون مصدرا أي سخرها أنواعا من التسخير كقوله سرحه مسرحا ووقع في تفسير الواحدي خلل في نقل قراءة حفص في النحل فقال وقرأ حفص

مسخرات بالرفع وحدها وجعلها خبر مبتدإ محذوف كأنه قال هي مسخرات وأما نشرا من قوله تعالى (وهو الذي يرسل الرياح نشرا) ، وحيث شاء فأسكن شينا مدلول ذللا ومعنى ذلك سهل وقرب وقوله وسكون الضم مبتدأ ثان وقامت الألف واللام في الكلمة مقام الضمير العائد على المبتدإ الأول أي في كله أي في جميع مواضعه ثم قال
(689)
وَفي النُّونِ فَتْحُ الضمِّ (شَـ)ـافٍ وَعَاصِمٌ رَوى نُونَهُ بِالْبَاءِ نُقْطَةٌ اسْفَلاَ
قرأ حمزة والكسائي بفتح النون وسكون الشين على أنها مصدر في موضع الحال أو مؤكدا أي ذات نشر أو نشرها أي نحييها فنشرت نشرا أي حييت من أنشر الله الموتى فنشرها وأقام قوله يرسل الريح مقام ينشرها قال أبو زيد أنشر الله الريح إنشارا إذا بعثها وقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو نشرا بضم النون والشين جمع نشور أو نشر وهي الريح الحية وقراءة ابن عامر على تخفيف هذه القراءة بضم النون وإسكان الشين وقراءة عاصم-بشرا بباء مضمومة وإسكان الشين جمع بشير من قوله تعالى (يرسل الرياح مبشرات) ، أي تبشر بالمطر والرحمة وقد مضى إعراب لفظ لقطة أسفلا في سورة البقرة أي لها لقطة أسفلها قيدها بذلك خوفا من التصحيف والله أعلم
(690)
وَرَا مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ خَفْضُ رَفْعِهِ بِكُلٍّ (رَ)سَا وَالْخِفُّ أُبْلِغُكُمْ (حَـ)ـلاَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7