كتاب : تدريب الراوي في شرح تقريب النووي
المؤلف : عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

تدريب الراوي للسيوطي

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم أخبرني شيخنا شيخ الإسلام والمسلمين قاضي القضاة علم الدين صالح ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني وغير واحد إجازة منهم كلهم عن أبي إسحق إبراهيم بن أحمد التنوخي أن أبا الحسن بن العطار الدمشقي أخبره قال أخبرني شيخ الإسلام الحافظ أبو زكريا النووي قال ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أي أبدأ امتثالا لقوله صلى الله عليه و سلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع رواه الرهاوي في الأربعين من حديث أبي هريرة وتصدير النبي صلى الله عليه و سلم كتبه بها مشهور في الصحيحين وغيرهما وروى الحاكم في المستدرك وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق جعفر بن مسافر عن زيد بن المبارك الصنعاني عن بلال بن وهب الجندي عن أبيه عن طاوس عن ابن عباس أن عثمان بن عفان سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال هو اسم من أسماء الله وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من الغرب ( 1 ) قال الحاكم صحيح الإسناد وروى ابن مردويه في تفسيره من طريق عبد الكبير بن المعافى بن عمران عن أبيه عن عمر بن ذر عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الرياح وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها ورجمت الشياطين وحلف الله بعزته وجلاله أن لا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه وروى ابن جرير وابن مردويه في تفسيرهما وأبو نعيم في الحلية من طريق

الحمد لله إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أن عيسى بن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب لتعلمه فقال له المعلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال له عيسى وما بسم الله قال المعلم لا أدري فقال له عيسى الباء بهاء الله والسين سناؤه والميم مملكته والله إله الآلهة والرحمن رحيم الآخرة وهذا حديث غريب جدا قال ابن كثير وقد يكون صحيحا موقوفا ومن الإسرائيليات لا من المرفوعات ( 1 ) وروى ابن جرير من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين والرحمن الفعلان من الرحمة والرحيم الرفيق بمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يضعف عليه العذاب وبشر ضعيف والضحاك لم يسمع من ابن عباس وأسند ابن جرير عن العرزمي قال الرحمن لجميع الخلق الرحيم بالمؤمنين وأسند ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد قال الله هو الاسم الأعظم وروى البيهقي وغيره عن ابن عباس في قوله هل تعلم له سميا قال لا أحد يسمي الله وأسند ابن جرير عن الحسن البصري قال الرحمن اسم ممنوع أي لا يستطيع أحد أن يتسمى به وأسند ابن أبي حاتم عن الحسن أيضا قال الرحيم اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه تسمى به تبارك وتعالى وبهذه الآثار عرفت مناسبة جميع هذه الأسماء الثلاثة في البسملة ( الحمد لله ) روى الخطابي في غريبه والديلمي في مسند الفردوس والبيهقي

الفتاح المنان في الأدب بسند رجاله ثقات لكنه منقطع عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده وروى الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم الجدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لئن ردها الله علي لأشكرن ربي فردت فقال الحمد لله فنظروا هل يحدث صوما أو صلاة فظنوا أنه نسي فقالوا له قال ألم أقل الحمد لله وروى ابن جرير بسند ضعيف عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم إذا قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك وأسند من طريق الضحاك عن ابن عباس قال الحمد لله هو الشكر لله الاستخذاء لله والإقرار بنعمته وابتداؤه وغير ذلك وأسند ابن أبي حاتم من طريق أحسن منه عن ابن عباس قال الحمد لله كلمة الشكر فإذا قال العبد الحمد لله قال شكرني عبدي وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا الحمد لله تملأ الميزان وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمرو ورجل من بني سليم وفي صحيح ابن حبان والترمذي من حديث جابر بن عبد الله أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله وروى ابن حبان وابو داود والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع وروى أحمد والنسائي من حديث الأسود بن سريع مرفوعا إن ربك يحب الحمد ( الفتاح ) صيغة مبالغة من الفتح بمعنى القضاء قال تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ( المنان ) صيغة مبالغة من المن

ذي الطول والفضل والإحسان الذي من علينا بالإيمان وفضل ديننا على سائر الأديان ومحا بحبيبه وخليله عبده ورسوله محمد صلى الله عليه و سلم عبادة الأوثان بمعنى الكثير الإنعام وسيأتي في النوع الخامس والأربعين في أثر مسلسل عن علي أنه الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال ( ذي الطول ) كما وصف تعالى بذلك نفسه في كتابه وفسره ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم بذي السعة والغنى ( والفضل والإحسان الذي من علينا بالإيمان ) بأن هدانا إليه ووفقنا له ( وفضل ديننا ) وهو الإسلام ( على سائر الأديان ) كما وردت بذلك الأحاديث المشهورة ( ومحا بحبيبه وخليله وعبده ورسوله محمد صلى الله عليه و سلم عبادة الأوثان ) أي الأصنام التي كان عليها كفار الجاهلية في زمن الفترة بعد عيسى عليه السلام وقد ذكر المصنف هنا أربع صفات من أشرف أوصافه صلى الله عليه و سلم فالحبيب ورد في حديث الترمذي وغيره عن ابن عباس مرفوعا ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وروى أحمد وغيره من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم إني ابرأ إلى كل خليل من خلته ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا وإن صاحبكم خليل الله وقد اختلف في تفسير الخلة واشتقاقها فقيل الخليل المنقطع إلى الله بلا مرية وقيل المختص به وقيل الصفي الذي يوالي فيه ويعادي فيه وقيل المحتاج إليه وأصل المحبة الميل وهي في حق الله تعالى تمكينه لعبده من السعادة والعصمة وتهيئة أسباب القرب وإضافة الرحمة عليه وكشف الحجب عن قلبه والأكثر على أن درجة المحبة أرفع وقيل بالعكس لأنه صلى الله عليه و سلم

نفى ثبوت الخلة لغير ربه وأثبت المحبة لفاطمة وابنها وأسامة وغيرهم وقيل هما سواء والعبد من أشرف صفات المخلوق أسند القشيري في رسالته عن الدقاق قال ليس شيء أشرف من العبودية ولا اسم أتم للمؤمن منها ولذلك قال في صفته صلى الله عليه و سلم ليلة المعراج وكان أشرف أوقاته سبحان الذي أسرى بعبده فأوحى إلى عبده ولو كان اسم أجل من العبودية لسماه به وأسند عنه أيضا قال العبودية أتم من العبادة فأولا عبادة وهي للعوام ثم عبودية وهي للخواص ثم عبودة وهي لخواص الخواص وفي المسند وغيره من حديث أبي هريرة أن ملكا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن الله أرسلني إليك أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا فقال جبريل تواضع لربك يا محمد قال بل عبدا رسولا والأشهر في معنى الرسول أنه إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه فإن لم يؤمر فنبي فقط وممن جزم به الحليمي وقيل وكان معه كتاب أو نسخ لبعض شرع من قبله فإن لم يكن فنبي فقط وإن أمر بالتبليغ فالنبي أعم عليهما وقيل هما بمعنى وهو الأولى ثم الأكثر على أنه صلى الله عليه و سلم مرسل إلى الإنس والجن دون الملائكة صرح بذلك الحليمي والبيهقي في الشعب والرازي والنسفي في تفسيريهما ونقله المتأخرون منهم الحافظ أبو الفضل العراقي في نكته على ابن الصلاح والشيخ جلال الدين المحلي في شرح جمع الجوامع واختار البارزي والسبكي أنه مرسل إلى الملائكة أيضا وهو اختياري وقد ألفت فيه كتابا ( 1 ) وأما الكلام في شرح اسمه

وخصه بالمعجزة والسنن المستمرة على تعاقب الأزمان صلى الله عليه وعلى سائر النبيين وآل كل ما اختلف الملوان وما تكررت حكمه وذكره وتعاقب الجديدان محمد فقد بسطناه في شرح الأسماء النبوية ( وخصه بالمعجزة ) المستمرة أي القرآن ( والسنن المستمرة على تعاقب الأزمان ) في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تبعا يوم القيامة أي اختصصته من بينهم بالقرآن المعجز للبشر المستمر إعجازه إلى يوم القيامة بخلاف سائر المعجزات فإنها انقضت في وقتها ( صلى الله عليه ) وسلم ( وعلى سائر النبيين وآل كل ما اختلف الملوان ) أي الليل والنهار قاله في الصحاح يقال لا أفعله ما اختلف الملوان الواحد ملا بالقصر ( وما تكررت حكمه وذكره وتعاقب الجديدان ) أي الليل والنهار أيضا قال ابن دريد ... إن الجديدين إذا ما استوليا ... على جديد أدنياه للبلى ... وقيل هما الغداة والعشي وأدخل المصنف في الصلاة سائر النبيين لحديث صلوا على أنبياء الله ورسله فإنهم بعثوا كما بعثت أخرجه الخطيب وغيره وآل النبي صلى الله عليه و سلم عند الشافعي أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب لحديث مسلم في الصدقة إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وقال في حديث رواه الطبراني إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم وقد قسم صلى الله عليه و سلم الخمس على بني هاشم والمطلب تاركا أخويهم بني نوفل وعبد شمس

أما بعد فإن علم الحديث من أفضل القرب إلى رب العالمين وكيف لا يكون وهو بيان طريق خير الخلق وأكرم الأولين والآخرين وهذا كتاب اختصرته من كتاب الإرشاد الذي اختصرته من علوم الحديث للشيخ الإمام الحافظ المتقن أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن مع سؤالهم له كما رواه البخاري فآل إبراهيم إسماعيل وإسحق وأولادهما ويقاس بذلك آل الباقين وتعبير المصنف عن السنة بالحكم أخذا من تفسير الحكمة في قوله تعالى يعلمهم الكتاب والحكمة وقوله واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة بالسنة قال ذلك قتادة والحسن وغيرهما ( أما بعد ) أتى بها لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خطب قال أما بعد رواه الطبراني وذكرها في خطبه صلى الله عليه و سلم مشهور في الصحيحين وغيرهما وفي حديث إنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي موسى الأشعري ( فإن علم الحديث من أفضل القرب ) جمع قربة أي ما يتقرب به ( إلى رب العالمين وكيف لا يكون ) كذلك ( وهو بيان طريق خير الخلق وأكرم الأولين والآخرين ) والشيء يشرف بشرف متعلقه وهو أيضا وسيلة إلى كل علم شرعي أما الفقه فواضح وأما التفسير فلأن أولى ما فسر به كلام الله تعالى ما ثبت عن نبيه صلى الله عليه و سلم واصحابه وذلك يتوقف على معرفته ( وهذا كتاب ) في علوم الحديث ( اختصرته من كتاب الإرشاد الذي اختصرته من ) كتاب ( علوم الحديث للشيخ الإمام الحافظ المحقق المتقن ) تقي الدين ( أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن ) الشهر زوري ( 1 )

المعروف بابن الصلاح رضي الله عنه أبالغ فيه في الاختصار إن شاء الله تعالى من غير إخلال بالمقصود وأحرص على إيضاح العبارة وعلى الله الكريم الاعتماد وإليه التفويض والاستناد

الحديث صحيح وحسن وضعيف
ثم الدمشقي ( المعروف بابن الصلاح ) وهو لقب أبيه ( رضي الله عنه أبالغ فيه في الاختصار إن شاء الله تعالى من غير إخلال بالمقصود وأحرص على إيضاح العبارة وعلى الله الكريم الاعتماد وإليه التفويض والاستناد الحديث ) فيما قال الخطابي ( 1 ) في معالم السنن وتبعه ابن الصلاح ينقسم عند أهله على ثلاثة أقسام ( صحيح وحسن وضعيف ) لأنه إما مقبول أو مردود والمقبول إما أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها أولا والأول الصحيح والثاني الحسن والمردود لا حاجة إلى تقسيمه لأنه لا ترجيح بين أفراده واعترض بأن مراتبه أيضا متفاوتة فمنه ما يصلح للاعتبار وما لا يصلح كما سيأتي فكان ينبغي الاهتمام بتمييز الأول من غيره وأجيب بأن الصالح للاعتبار داخل في قسم المقبول لأنه من قسم الحسن لغيره وإن نظر إليه باعتبار ذاته فهو أعلى مراتب الضعيف وقد تفاوتت مراتب الصحيح أيضا ولم تنوع أنواعا وإنما لم يذكر الموضوع لأنه ليس في الحقيقة بحديث اصطلاحا بل يزعم واضعه وقيل الحديث صحيح وضعيف فقط والحسن مدرج في أنواع الصحيح قال العراقي في نكته ولم أر من

الأول الصحيح وفيه مسائل
الأولى في حده وهو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة سبق الخطابي إلى تقسيمه المذكور وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود في كلام الشافعي والبخاري وجماعة ولكن الخطابي نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه ابن الصلاح قال شيخ الإسلام ابن حجر والظاهر أن قوله عند أهل الحديث من العام الذي أريد به الخصوص أي الأكثر أو الذي استقر اتفاقهم عليه بعد الاختلاف ( تنبيه ) قال ابن كثير هذا التقسيم إن كان بالنسبة لما في نفس الأمر فليس إلا صحيح وكذب أو إلى اصطلاح المحدثين فهو ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك وجوابه أن المراد الثاني والكل راجع إلى هذه الثلاثة ( الأول الصحيح ) وهو فعيل بمعنى فاعل من الصحة وهي حقيقة في الأجسام واستعمالها هنا مجاز واستعارة تبعية ( وفيه مسائل الأولى في حده وهو ما اتصل إسناده ) عدل من قول ابن الصلاح المسند الذي يتصل إسناده لأنه أخصر وأشمل للمرفوع والموقوف ( بالعدول الضابطين ) جمع باعتبار سلسلة السند أي بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه كما عبر به ابن الصلاح وهو أوضح من عبارة المصنف إذ توهم أن يرويه جماعة ضابطون عن جماعة ضابطين وليس مرادا قيل كان الأخضر أن يقول بنقل الثقة لأنه من جمع العدالة والضبط والتعاريف تصان عن الإسهاب ( من غير شذوذ ولا علة ) فخرج بالقيد الأول المنقطع والمعضل والمعلق والمدلس

والمرسل على رأي من لا يقبله وبالثاني ما نقله مجهول عينا أو حالا أو معروف بالضعف وبالثالث ما نقله مغفل كثير الخطأ وبالرابع والخامس الشاذ والمعلل تبيهات الأول حد الخطابي الصحيح بأنه ما اتصل سنده وعدلت نقلته قال العراقي فلم يشترط ضبط الرواي ولا السلامة من الشذوذ والعلة قال ولا شك أن ضبطه لا بد منه لأن من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك قلت الذي يظهر لي أن ذلك داخل في عبارته وأن بين قولنا العدل وعدلوه فرقا لأن المغفل المستحق للترك لا يصح أن يقال في حقه عدله أصحاب الحديث وإن كان عدلا في دينه فتأمل ثم رأيت شيخ الإسلام ذكر في نكته معنى ذلك فقال إن اشتراط العدالة يستدعي صدق الراوي وعدم غفلته وعدم تساهله عند التحمل والأداء وقيل أن اشتراط نفي الشذوذ يغني عن اشتراط الضبط لأن الشاذ إذا كان هو الفرد المخالف وكان شرط الصحيح أن ينتفى كان من كثرت منه المخالفة وهو غير الضابط أولى وأجيب بأنه في مقام التبيين فأراد التنصيص ولم يكتف بالإشارة قال العراقي وأما السلامة من الشذوذ والعلة فقال ابن دقيق العيد في الاقتراح إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح قال وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري

على أصول الفقهاء قال العراقي والجواب أن من يصنف في علم الحديث إنما يذكر أحد عند أهله لاعند غيرهم من أهل علم آخر وكون الفقهاء والأصوليين لا يشترطون في الصحيح هذين الشرطين لا يفسد الحد عند من يشترطهما ولذا قال ابن الصلاح بعد الحد فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعضها كما في المرسل ( الثاني ) قيل بقي عليه أن يقول ولا إنكار ورد بأن المنكر عند المصنف وابن الصلاح هو والشاذ سيان فذكره معه تكرير وعند غيرهما أسوأ حالا من الشاذ فاشتراط نفي الشذوذ يقتضي اشتراط نفيه بطريق الأولى ( الثالث ) قيل لم يفصح بمراده من الشذوذ هنا وقد ذكر في نوعه ثلاثة أقوال أحدها مخالفة الثقة لأرجح منه والثاني تفرد الثقة مطلقا والثالث تفرد الراوي مطلقا ورد الأخيرين فالظاهر أنه أراد هنا الأول قال شيخ الإسلام وهو مشكل لأن الإسناد إذا كان متصلا ورواته كلهم عدولا ضابطين فقد انتفت عنه العلل الظاهرة ثم إذا انتفى كونه معلولا فما المانع من الحكم بصحته فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا لا يستلزم الضعف بل يكون من باب صحيح وأصح قال ولم يرو مع ذلك عن أحد من أئمة الحديث اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة وإنما الموجود من تصرفاتهم تقديم بعض ذلك على بعض في الصحة

وأمثلة ذلك موجودة في الصحيحين وغيرهما فمن ذلك أنهما أخرجا قصة جمل جابر من طرق وفيها اختلاف كثير في مقدار الثمن وفي اشتراط ركوبه وقد رحج البخاري الطرق التي فيها الاشتراط على غيرها مع تخريج الأمرين ورجح أيضا كون الثمن أوقية مع تخريجه ما يخالف ذلك ومن ذلك أن مسلما أخرج فيه حديث مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة في الاضطجاع قبل ركعتي الفجر وقد خالفه عامة أصحاب الزهري كمعمر ويونس وعمرو ابن الحارث والأوزاعي وابن أبي ذئب وشعيب وغيرهم عن الزهري فذكروا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح ورجح جمع من الحفاظ روايتهم على رواية مالك ومع ذلك فلم يتأخر أصحاب الصحيح عن إخراج حديث مالك في كتبهم وأمثلة ذلك كثيرة ثم قال فإن قيل يلزم أن يسمى الحديث صحيحا ولا يعمل به قلت لا مانع من ذلك ليس كل صحيح يعمل به بدليل المنسوخ قال وعلى تقدير التسليم إن المخالف المرجوح لا يسمى صحيحا ففي جعل انتفائه شرطا في الحكم للحديث بالصحة نظر بل إذا وجدت الشروط المذكورة أولا حكم للحديث بالصحة مالم يظهر بعد ذلك أن فيه شذوذا لأن الأصل عدم الشذوذ وكون ذلك أصلا مأخوذ من عدالة الراوي وضبطه فإذا ثبت عدالته وضبطه كان الأصل أنه حفظ ما روي حتى يتبين خلافه ( الرابع ) عبارة ابن الصلاح ولا يكون شاذا ولا معللا فاعترض بأنه لا بد أن يقول بعلة قادحة وأجيب بأن ذلك يؤخذ من تعريف المعلول حيث ذكر في موضعه

قال شيخ الإسلام لكن من غير عبارة ابن الصلاح فقال من غير شذوذ ولا علة احتاج أن يصف العلة بكونها قادحة وبكونها خفية وقد ذكر العراقي في منظومته الوصف الأول وأهمل الثاني ولا بد منه وأهمل المصنف وبدر الدين ابن جماعة الاثنين فبقي الاعتراض من وجهين قال شيخ الإسلام ولم يصب من قال لا حاجة إلى ذلك لأن لفظ العلة لا يطلق إلا على ما كان قادحا فلفظ العلة أعم من ذلك ( الخامس ) أورد على هذا التعريف ما سيأتي إن الحسن إذا روى من غير وجه ارتقى من درجة الحسن إلى منزلة الصحة وهو غير داخل في هذا الحد وكذا ما اعتضد بتلقي العلماء له بالقبول قال بعضهم يحكم للحديث بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول وإن لم يكن له إسناد صحيح قال ابن عبد البر في الاستذكار لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح حديث البحر هو الطهور ماؤه وأهل الحديث لا يصححون مثل إسناده لكن الحديث عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول وقال في التمهيد روى جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم الدينار أربعة وعشرون قيراطا قال وفي قول جماعة العلماء وإجماع الناس على معناه غنى عن الإسناد فيه وقال الاستاذ أبو إسحق الإسفرايني ( 1 ) تعرف صحة الحديث إذا اشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم

وقال نحوه ابن فورك ( 1 ) وزاد بأن مثل ذلك بحديث في الرقة ربع العشر وفي مائتي درهم خمسة دراهم وقال أبو الحسن ابن الحصار في تقريب المدارك على موطأ مالك قد يعلم الفقيه صحة الحديث إذا لم يكن في سنده كذاب بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به وأجيب عن ذلك بأن المراد بالحد الصحيح لذاته لا لغيره وما أورد من قبيل الثاني ( السادس ) أورد أيضا المتواتر فإنه صحيح قطعا ولا يشترط فيه مجموع هذه الشروط قال شيخ الإسلام ولكن يمكن أن يقال هل يوجد حديث متواتر لم تجمع فيه هذه الشروط ( السابع ) قال ابن حجر قد اعتنى ابن الصلاح والمصنف بجعل الحسن قسمين أحدهما لذاته والآخر باعتضاده فكان ينبغي أن يعتني بالصحيح أيضا وينبه على أن له قسمين كذلك وإلا فإن اقتصر على تعريف الصحيح لغيره في نوع الحسن لأنه أصله فكان ينبغي أن يقتصر على تعريف الحسن لذاته في بابه ويذكر الحسن لغيره في نوع الضعيف لأنه أصله فائدتان الأولى قال ابن حجر كلام ابن الصلاح في شرح مسلم له يدل على

أنه أخذ الحد المذكور هنا من كلام مسلم فإنه قال شرط مسلم في صحيحه أن يكون متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه غير شاذ ولا معلل وهذا هو الحد الصحيح في نفس الأمر قال شيخ الإسلام ولم يتبين لي أخذه انتفاء الشذوذ من كلام مسلم فإن كان وقف عليه من كلامه في غفير مقدمة صحيحة فذاك وإلا فالنظر السابق في السلامة من الشذوذ باق قال ثم ظهر لي مأخذ ابن الصلاح وهو أنه يرى أن الشاذ والمنكر اسمان لمسمى واحد وقد صرح مسلم بأن علامة المنكر أن يروي الراوي عن شيخ كثير الحديث والرواة شيئا ينفرد به عنهم فيكون الشاذ كذلك فيشترط انتفاؤه ( الثانية ) بقي للصحيح شروط مختلف فيها منها ما ذكره الحاكم من علوم الحديث أن يكون راويه مشهورا بالطلب وليس مراده الشهرة المخرجة عن الجهالة بل قدر زائد على ذلك قال عبد الله بن عون لا يؤخذ العلم إلا على من شهد له بالطلب وعن مالك نحوه وفي مقدمة مسلم عن أبي الزناد أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من أهله قال شيخ الإسلام والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك إلا إذا كثرت مخارج الحديث فيستغنيان عن اعتبار ذلك كما يستغني بكثرة الطرق عن اعتبار الضبط التام قال شيخ الإسلام ويمكن أن يقال اشتراط الضبط يغني عن ذلك

إذ المقصود بالشهرة بالطلب أن يكون له مزيد اعتناء بالرواية لتركن النفس إلى كونه ضبط ما روي ومنها ما ذكره السمعاني ( 1 ) في القواطع أن الصحيح لا يعرف برواية الثقات فقط وإنما يعرف بالفهم والمعرفة وكثرة السماع والمذاكرة قال شيخ الإسلام هذا يؤخذ من اشتراط انتفاء كونه معلولا لأن الاطلاع على ذلك إنما يحصل بما ذكر من الفهم والمذاكرة وغيرهما ومنها أن بعضهم اشترط علمه بمعاني الحديث حيث يروي بالمعنى وهو شرط لا بد منه لكنه داخل في الضبط كما سيأتي في معرفة من تقبل روايته ومنها أن أبا حنيفة اشترط فقه الراوي قال شيخ الإسلام والظاهر أن ذلك إنما يشترط عند المخالفة أو عند التفرد بما تعم به البلوى ومنها اشتراط البخاري ثبوت السماع لكل راو من شيخه ولم يكتف بإمكان اللقاء والمعاصرة كما سيأتي وقيل إن ذلك لم يذهب أحد إلى أنه شرط الصحيح بل للأصحية ومنها أن بعضهم اشترط العدد في الرواية كالشهادة قال العراقي حكاه الحازمي ( 1 ) في شروط الأئمة عن بعض متأخري المعتزلة وحكى أيضا عن بعض أصحاب الحديث

قال شيخ الإسلام وقد فهم بعضهم ذلك من خلال كلام الحاكم في علوم الحديث وفي المدخل كما سيأتي في شرط البخاري ومسلم وبذلك جزم ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول وغيره وأعجب من ذلك ما ذكره الميانجي ( 1 ) في كتاب مالا يسع المحدث جهله شرط الشيخين في صحيحهما أن لا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما وذلك ما رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم اثنان فصاعدا وما نقله عن كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة انتهى قال شيخ الإسلام وهو كلام من لم يمارس الصحيحين أدنى ممارسة فلو قال قائل ليس في الكتابين حديث واحد بهذه الصفة لما أبعد وقال ابن العربي في شرح الموطأ كان مذهب الشيخين أن الحديث لا يثبت حتى يرويه اثنان قال وهو مذهب باطل بل رواية الواحد عن الواحد صحيحة إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقال في شرح البخاري عند حديث الأعمال انفرد به عمر وقد جاء من طريق أبي سعيد رواه البزار بإسناد ضعيف قال وحديث عمر وإن كان طريقه واحدا وإنما بنى البخاري كتابه على حديث يرويه أكثر من واحد فهذا الحديث ليس من ذلك الفن لأن عمر قاله على المنبر بمحضر الأعيان من الصحابة فصار كالمجمع عليه فكأن عمر ذكرهم لا أخبر

قال ابن رشيد وقد ذكر ابن حبان في أول صحيحه أن ما ادعاه ابن العربي وغيره من أن شرط الشيخين ذلك مستحيل الوجود ( 1 ) قال والعجب منه كيف يدعى عليهما ذلك ثم يزعم أنه مذهب باطل فليت شعري من أعلمه بأنهما اشترطا ذلك إن كان منقولا فليبين طريقه لينظر فيها وإن كان عرفه بالاستقراء فقد وهم في ذلك فلقد كان يكفيه في ذلك أول حديث في البخاري وما اعتذر به عنه فيه تقصير لأن عمر لم ينفرد به وحده بل انفرد به علقمة عنه وانفرد به محمد بن إبراهيم عن علقمة وانفرد به يحيى بن سعيد عن محمد وعن يحيى تعددت رواته وأيضا فكون عمر قاله على المنبر لا يستلزم أن يكون ذكر السامعين بما هو عندهم بل هو محتمل للأمرين وإنما لم ينكروه لأنه عندهم ثقة فلو حدثهم بما لم يسمعوه قط لم ينكروا عليه وقد قال باشتراط رجلين عن رجلين في شرط القبول إبراهيم بن إسماعيل ابن علية ( 2 ) وهو من الفقهاء المحدثين إلا أنه مهجور بالقول عند الأئمة لميله إلى الاعتزال وقد كان الشافعي يرد عليه ويحذر منه

وقال أبو علي الجبائي من المعتزلة لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر أو عضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخر أو يكون منتشرا بين الصحابة أو عمل به بعضهم حكاه أبو الحسن البصري في المعتمد وأطلق الاستاذ أبو نصر التميمي عن أبي علي أنه لا يقبل إلا إذا رواه أربعة وللمعتزلة في رد الخبر الواحد حجج منها قصة ذي اليدين وكون النبي صلى الله عليه و سلم توقف في خبره حتى تابعه عليه غيره وقصة أبي بكر حين توقف في خبر المغيرة في ميراث الجدة حتى تابعه محمد بن مسلمة وقصة عمر حين توقف عن خبر أبي موسى في الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد وأجيب عن ذلك كله فأما قصة ذي اليدين فإنما حصل التوقف في خبره لأنه أخبره عن فعله صلى الله عليه و سلم وأمر الصلاة لا يرجع المصلى فيه إلى خبر غيره بل ولو بلغوا حد التواتر فلعله إنما تذكر عند إخبار غيره وقد بعث صلى الله عليه و سلم رسله واحدا واحدا إلى الملوك ووفد عليه الآحاد من القبائل فأرسله إلى قبائلهم وكانت الحجة قائمة بإخبارهم عنه مع عدم اشتراط التعدد وأما قصة أبي بكر فإنما توقف إرادة الزيادة في التوثق وقد قبل خبر عائشة وحدها في قدر كفن النبي صلى الله عليه و سلم وأما قصة عمر فإن أبا موسى أخبره بذلك الحديث عقب إنكاره عليه رجوعه فأراد التثبت من ذلك وقد قبل خبر ابن عوف وحده في أخذ الجزية من

المجوس وفي الرجوع عن البلد الذي فيها الطاعون وخبر الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم قلت وقد استدل البيهقي في المدخل على ثبوت الخبر بالواحد بحديث نصر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها فأداها ( 1 ) وفي لفظ سمع منا حديثا فبلغه غيره وبحديث الصحيحين بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أنزل الله عليه الليلة قرآنا وقد أمر أن تستقبلوا الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة قال الشافعي فقد تركوا قبلة كانوا عليها بخبر واحد ولم ينكر ذلك عليهم صلى الله عليه و سلم وبحديث الصحيحين عن أنس إني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ دخل رجل فقال هل بلغكم الخبر قلنا وما ذاك قال أهرق هذه القلال يا أنس قال فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل وبحديث إرساله عليا إلى الموقف بأول سورة براءة وبحديث يزيد بن شيبان كنا بعرفة فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال إني رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم هذه وبحديث الصحيحين عن سلمة بن الأكوع بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عاشوراء رجلا من أسلم ينادي في الناس إن اليوم يوم عاشوراء فمن كان أكل فلا يأكل شيئا الحديث وغير ذلك وقد ادعى ابن حبان نقيض هذه

وإذا قيل صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به وإذا قيل غير صحيح الدعوى فقال إن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي لا توجد أصلا وسيأتي تقرير ذلك في الكلام على العزيز ونقل الاستاذ أبو منصور البغدادي ( 1 ) أن بعضهم اشترط في قبول الخبر أن يرويه ثلاثة إلى منتهاه واشترط بعضهم أربعة عن أربعة وبعضهم خمسة عن خمسة وبعضهم سبعة عن سبعة ( وإذا قيل ) هذا حديث ( صحيح فهذا معناه ) أي ما اتصل سنده مع الأوصاف المذكورة فقبلناه عملا بظاهر الاسناد ( لا أنه مقطوع به ) في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة خلافا لمن قال إن خبر الواحد يوجب القطع حكاه ابن الصباغ عن قوم من أهل الحديث وعزاه الباجي ( 2 ) لأحمد وبن خويز منداد لمالك وإن نازعه فيه المازري بعدم وجود نص له فيه وحكاه ابن عبد البر عن حسين الكرابيسي ( 3 ) وابن حزم عن داود وحكى السهيلي عن بعض الشافعية ذلك بشرط أن يكون في إسناده إمام مثل مالك وأحمد وسفيان وإلا فلا يوجبه وحكى الشيخ أبو إسحق في التبصرة عن بعض المحدثين ذلك في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر وشبهه أما ما أخرجه الشيخان أو أحدهما فسيأتي الكلام فيه ( وإذا قيل ) هذا حديث ( غير صحيح )

فمعناه لم يصح إسناده والمختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقا لو قال ضعيف لكان أخصر وأسلم من دخول الحسن ( فمعناه لم يصح إسناده ) على الشرط المذكور لا أنه كذب في نفس الأمر لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ ( والمختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقا ) لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل واحد واحد من رجال الإسناد الكائنين في ترجمة واحدة ولهذا اضطرب من خاض في ذلك إذ لم يكن عندهم استقراء تام وإنما رجح كل منهم بحسب ما قوي عنده خصوصا إسناد بلده لكثرة اعتنائه به كما روى الخطيب في الجامع من طريق أحمد بن سعيد الدارمي سمعت محمود بن غيلان يقول قيل لوكيع بن الجراح هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة وسفيان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ايهم أحب إليك قال لا نعدل بأهل بلدنا أحدا قال أحمد بن سعيد فأما أنا فأقول هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أحب إلي هكذا رأيت أصحابنا يقدمون فالحكم حينئذ على إسناد معين بأنه أصح على الإطلاق مع عدم اتفاقهم ترجيح بغير مرجح قال شيخ الإسلام مع أنه يمكن للناظر المتقن ترجيح بعضها على بعض من حيث حفظ الإمام الذي رجح وإتقانه وإن لم يتهيأ ذلك على الإطلاق فلا يخلو النظر فيه من فائدة لأن مجموع ما نقل عن الأئمة من ذلك يفيد ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأصحية على ما لم يقع له حكم من أحد منهم تنبيه عبارة ابن الصلاح ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث

وقيل أصحها الزهري عن سالم عن أبيه وقيل ابن سيرين عن عبيدة عن علي وقيل الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن بأنه أصح على الإطلاق قال العلائي أما الإسناد فقد صرح جماعة بذلك وأما الحديث فلا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق لأنه لا يلزم من كون الإسناد أصح من غيره أن يكون المتن كذلك فلأجل ذلك ما خاض الأئمة إلا في الحكم على الإسناد وكأن المصنف حذفه لذلك لكن قال شيخ الإسلام سيأتي أن من لازم ما قاله بعضهم إن أصح الأسانيد ما رواه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن يكون أصح الأحاديث الحديث الذي رواه أحمد بهذا الإسناد فإنه لم يرو في مسنده به غيره فيكون أصح الأحاديث على رأي من ذهب إلى ذلك قلت قد جزم بذلك العلائي نفسه في عوالي مالك فقال في الحديث المذكور إنه أصح حديث في الدنيا ( وقيل أصحها ) مطلقا ما رواه أبو بكر محمد ابن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ( الزهري عن سالم ) بن عبد الله بن عمر ( عن أبيه ) وهذا مذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه صرح بذلك ابن الصلاح ( وقيل ) أصحها محمد ( ابن سيرين عن عبيدة ) السلماني بفتح العين ( عن علي ) بن أبي طالب وهو مذهب ابن المديني والفلاس ( 1 ) وسليمان بن حرب إلا أن سليمان قال أجودها أيوب السختياني عن ابن سيرين وابن المديني عبد الله بن عون عن ابن سيرين حكاه ابن الصلاح ( وقيل ) أصحها سليمان ( الأعمش عن إبراهيم ) بن يزيد النخعي ( عن علقمة ) بن قيس ( عن )

ابن مسعود وقيل الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي وقيل مالك عن ابن عمر فعلى هذا قيل الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عبد الله ( بن مسعود ) وهو مذهب ابن معين صرح به ابن الصلاح ( وقيل ) أصحها ( الزهري عن ) زين العابدين ( علي بن الحسين عن أبيه ) الحسين ( عن ) أبيه ( علي ) بن أبي طالب حكاه ابن الصلاح عن أبي بكر بن أبي شيبة والعراقي عن عبد الرزاق ( وقيل ) أصحها ( مالك ) بن أنس ( عن نافع ) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر ) وهذا قول البخاري وصدر العراقي به كلامه وهو أمر تميل إليه النفوس وتنجذب إليه القلوب روى الخطيب في الكفاية عن يحيى بن بكر أنه قال لأبي زرعة الرازي يا أبا زرعة ليس ذا زعزعة عن زوبعة إنما ترفع الستر فتنظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم والصحابة حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر ( فعلى هذا قيل ) عبارة ابن الصلاح وبنى الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي أن أجل الأسانيد ( الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ) واحتج بإجماع أهل الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي وبنى بعض التأخرين على ذلك أن أجلها رواية أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك لاتفاق أهل الحديث على أن أجل من أخذ عن الشافعي من أهل الحديث الإمام أحمد وتسمى هذه الترجمة سلسلة الذهب وليس في مسنده على كبره بهذه الترجمة سوى حديث واحد وهو في الواقع أربعة أحاديث جمعها وساقها مساق الحديث الواحد بل لم يقع لنا على هذه الشريطة غيرها

ولا خارج المسند أخبرني شيخنا الإمام تقي الدين الشمني رحمه الله بقراءتي عليه أنا عبد الله بن أحمد الحنبلي أنا أبو الحسن العرضي أخبرتنا زينب بنت مكىح ( 1 ) وأخبرني عاليا مسند الدنيا على الإطلاق أبو عبد الله محمد بن مقبل الحلبي مكاتبة منها عن الصلاح بن أبي عمر المقدسي وهو آخر من روى عنه أنا أبو الحسن بن البخاري وهو آخر من حدث عنه قالا أنا أبو علي الرصافي أنا هبة الله بن محمد أنبأنا أبو علي التميمي أنا أبو بكر القطيعي أنبأنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي أنبأنا محمد بن إدريس الشافعي انبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يبع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا أخرجه البخاري مفرقا من حديث مالك وأخرجها مسلم من حديث مالك إلا النهي عن حبل الحبلة فأخرجه من وجه آخر تنبيهات الأول اعترض مغلطاي على التميمي في ذكره الشافعي برواية أبي حنيفة عن مالك إن نظرنا إلى الجلالة وبابن وهب والقعنبي ( 2 ) إن نظرنا إلى الإتقان قال البلقيني في محاسن الاصطلاح فأما أبو حنيفة فهو وإن

روى عن مالك كما ذكره الدارقطني ( 1 ) لكن لم تشتهر روايته عنه كاشتهار رواية الشافعي وأما القعنبي وابن وهب فأين تقع رتبتهما من رتبة الشافعي وقال العراقي فيما رأيته بخطه رواية أبي حنيفة عن مالك فيما ذكره الدارقطني في غرائبه وفي المدبج ليست من روايته عن ابن عمر والمسألة مفروضة في ذلك قال نعم ذكر الخطيب حديثا كذلك في الرواية عن مالك وقال شيخ الإسلام أما اعتراضه بأبي حنيفة فلا يحسن لأن أبا حنيفة لم تثبت روايته عن مالك وإنما أوردها الدارقطني ثم الخطيب لروايتين وقعتالهما عنه بإسنادين فيهما مقال وأيضا فإن رواية أبي حنيفة عن مالك إنما هي فيما ذكره في المذاكرة ولم يقصد الرواية عنه كالشافعي الذي لازمه مدة طويلة وقرأ عليه الموطأ بنفسه وأما اعتراضه بابن وهب والقعنبي فقد قال الإمام أحمد إنه سمع الموطأ من الشافعي بعد سماعه له من ابن مهدي الراوي عن مالك بكثرة قال لأني رأيته فيه ثبتا فعلل إعادته لسماعه وتخصيصها بالشافعي بأمر يرجع إلى التثبت ولا شك أن الشافعي أعلم بالحديث منهما قال نعم أطلق ابن المديني أن القعنبي أثبت الناس في الموطأ والظاهر أن ذلك بالنسبة إلى الموجودين عند إطلاق تلك المقالة فإن القعنبي عاش بعد الشافعي مدة ويؤيد ذلك معارضة هذه المقالة بمثلها فقد قال ابن معين مثل ذلك في عبد الله بن يوسف التنيسي ( 2 )

قال ويحتمل أن يكون وجه التقديم من جهة من سمع كثيرا من الموطأ من لفظ مالك بناء على أن السماع من لفظ الشيخ أتقن من القراءة عليه وأما ابن وهب فقد قال غير واحد كأنه غير جيد التحمل فيحتاج إلى صحة النقل عن أهل الحديث أنه كان أتقن الرواة عن مالك نعم كان كثير اللزوم له قال والعجب من ترديد المعترض من الأجلية والأتقنية وأبو منصور إنما عبر بأجل ولا يشك أحد أن الشافعي أجل من هؤلاء لما اجتمع له من الصفات العلية الموجبة لتقديمه وأيضا فزيادة إتقانه لا يشك فيها من له علم بأخبار الناس فقد كان أكابر المحدثين يأتونه فيذاكرونه بأحاديث أشكلت عليهم فيبين لهم ما أشكل ويوقفهم على علل غامضة فيقومون وهم يتعجبون وهذا لا ينازع فيه إلا جاهل أو متغافل قال لكن إيراد كلام أبي منصور في هذا الفصل فيه نظر لأن المراد بترجيح ترجمة مالك عن نافع عن ابن عمر على غيرها إن كان المراد به ما وقع في الموطأ فرواته فيه سواء من حيث الاشتراك في رواية تلك الأحاديث ويتم ما عبر به أبو منصور من أن الشافعي أجلهم وإن كان المراد به أعم من ذلك فلا شك أن عند كثير من أصحاب مالك من حديثه خارج الموطأ ما ليس عند الشافعي فالمقام على هذا مقام تأمل وقد نوزع في أحمد بمثل ما نوزع في الشافعي من زيادة الممارسة والملازمة لغيره كالربيع مثلا ويجاب بمثل ما تقدم الثاني ذكر المصنف تبعا لابن الصلاح في هذه المسألة خمسة أقوال وبقي أقوال أخر فقال حجاج بن الشاعر أصح الأسانيد شعبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب يعني عن شيوخه هذه عبارة شيخ الإسلام في نكته وعبارة

الحاكم قال حجاج اجتمع أحمد بن حنبل وابن معين وابن المديني في جماعة فتذاكروا أجود الأسانيد فقال رجل منهم أجود الأسانيد شعبة عن قتادة عن سعيد عن عامر أخي أم سلمة عن أم سلمة ثم نقل عن ابن معين وأحمد ما سبق عنهما وقال ابن معين عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ليس إسناد أثبت من هذا أسنده الخطيب في الكفاية قال شيخ الإسلام ابن حجر فعلى هذا لابن معين قولان وقال سليمان بن داود الشاذ كوني ( 1 ) أصح الأسانيد يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن خلف بن هشام البزاز قال سألت أحمد بن حنبل أي الأسانيد أثبت قال أيوب عن نافع عن ابن عمر فإن كان من رواية حماد بن زيد عن أيوب فيالك قال ابن حجر فلأحمد قولان وروى الحاكم في مستدركه عن إسحاق بن راهويه قال إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر وهذا مشعر بجلالة إسناد أيوب عن نافع عنده وروى الخطيب في الكفاية عن وكيع قال لا أعلم في الحديث شيئا أحسن إسنادا من هذا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة عن أبي موسى الأشعري وقال ابن المبارك والعجلي ارجح الأسانيد وأحسنها سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود وكذلك رجحها النسائي وقال النسائي أقوى الأسانيد التي تروى فذكر منها الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر ورجح أبو حاتم الرازي ترجمة يحيى بن سعيد الفطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وكذا رجح أحمد رواية عبيد الله

عن نافع على رواية مالك عن نافع ورجح ابن معين ترجمة يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة الثالث قال الحاكم ينبغي تخصيص القول في أصح الأسانيد بصحابي أو بلد مخصوص بأن يقال أصح إسناد فلان أو الفلانيين كذا ولا يعمم قال فأصح أسانيد الصديق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه وأصح أسانيد عمر الزهري عن سالم عن أبيه عن جده وقال ابن حزم أصح طريق يروى في الدنيا عن عمر الزهري عن السائب ابن يزيد عنه قال الحاكم وأصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي إذا كان الراوي عن جعفر ثقة هذه عبارة الحاكم ووافقه من نقلها وفيها نظر فإن الضمير في جده إن عاد إلى جعفر فجده على لم يسمع من علي بن أبي طالب أو إلى محمد فهو لم يسمع من الحسين وحكى الترمذي في الدعوات عن سليمان بن داود أنه قال في رواية الأعرج عن عبيد الله ابن أبي رافع عن علي هذا الإسناد مثل الزهري عن سالم عن أبيه ثم قال الحاكم وأصح أسانيد أبي هريرة الزهري عن سعيد بن المسيب عنه وروى قبل عن البخاري أبو الزناد عن الأعرج عنه وحكى غيره عن ابن المديني من أصح الأسانيد حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال وأصح أسانيد ابن عمر مالك عن نافع عنه وأصح أسانيد عائشة عبيد الله بن عمر عن القاسم عنها قال ابن معين هذه ترجمة شبكة الذهب ( 1 ) قال ومن أصح الأسانيد أيضا الزهري عن عروة بن الزبير عنها وقد تقدم عن

الدارمي قول آخر وأصح أسانيد ابن مسعود سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عنه وأصح أسانيد أنس مالك عن الزهري عنه قال شيخ الإسلام وهذا مما ينازع فيه فإن قتادة وثابتا البناني ( 1 ) أعرف بحديث أنس عن الزهري ولهما من الرواة جماعة فأثبت أصحاب ثابت حماد بن زيد وقيل حماد بن سلمة وأثبت أصحاب قتادة شعبة وقيل هشام الدستوائي ( 2 ) وقال البزار رواية علي بن الحسين بن علي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص أصح إسناد يروى عن سعد وقال أحمد بن صالح المصري أثبت أسانيد أهل المدينة إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان عن أبي هريرة قال الحاكم وأصح أسانيد المكيين سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر وأصح أسانيد اليمانين معمر عن همام عن أبي هريرة وأثبت أسانيد المصريين الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر وأثبت أسانيد الخراسانيين الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وأثبت أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحا

قال شيخ الإسلام ابن حجر ورجح بعض أئمتهم رواية سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني ( 1 ) عن أبي ذر وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ليس بالكوفة أصح من هذا الإسناد يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن الحارث بن سويد عن علي وكان جماعة لا يقدمون على حديث الحجاز شيئا حتى قال مالك إذا خرج الحديث عن الحجاز انقطع نخاعه وقال الشافعي إذا لم يوجد للحديث من الحجاز أصل ذهب نخاعه حكاه الأنصاري في كتاب ذم الكلام وعنه أيضا كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز فلا تقبله وإن كان صحيحا ما أريد إلا نصيحتك وقال مسعر قلت لحبيب بن أبي ثابت أيما أعلم بالسنة أهل الحجاز أم أهل العراق فقال بل أهل الحجاز وقال الزهري إذا سمعت بالحديث العراقي فأورد به ثم أورد به وقال طاوس إذا حدثك العراقي مائة حديث فاطرح تسعة وتسعين وقال هشام بن عروة إذا حدثك العراقي بألف حديث فألق تسعمائة وتسعين وكن من الباقي في شك وقال الزهري إن في حديث أهل الكوفة دغلا كثيرا وقال ابن المبارك حديث أهل المدينة أصح وإسنادهم أقرب وقال الخطيب أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة فإن التدليس عنهم قليل والكذب ووضع الحديث عندهم عزيز ولأهل اليمن

روايات جيدة وطرق صحيحة إلا أنها قليلة ومرجعها إلى أهل الحجاز أيضا ولأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم مع إكثارهم والكوفيون مثلهم في الكثرة غير أن رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة مع العلل وحديث الشاميين أكثره مراسيل ومقاطيع وما اتصل منه مما أسنده الثقات فإنه صالح والغالب عليه ما يتعلق بالمواعظ وقال ابن تيمية اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة ثم أهل البصرة ثم أهل الشام ( 1 ) الرابع قال أبو بكر البرديجي ( 2 ) أجمع أهل النقل على صحة أحاديث الزهري عن سالم عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة من رواية مالك وابن عيينة ومعمر ويونس وعقيل ما لم يختلفوا فإذا اختلفوا توقف فيه قال شيخ الإسلام وقضية ذلك أن يجري هذا الشرط في جميع ما تقدم فيقال إنما يوصف بالأصحية حيث لا يكون ثمت مانع من اضطراب أو شذوذ

فوائد الأولى تقدم عن أحمد أنه سمع الموطأ من الشافعي وفيه من روايته عن نافع عن ابن عمر العدد الكثير ولم يتصل لنا منه إلا ما تقدم قال شيخ الإسلام في أماليه لعله لم يحدث به أو حدث به وانقطع الثانية جمع الحافظ أبو الفضل العراقي في الأحاديث التي وقعت في المسند لأحمد والموطأ بالتراجم الخمسة التي حكاها المصنف وهي المطلقة وبالتراجم التي حكاها المصنف وهي المطلقة وبالتراجم التي حكاها الحاكم وهي المقيدة ورتبها على أبواب الفقه وسماها تقريب الأسانيد قال شيخ الإسلام وقد أخلى كثيرا من الأبواب لكونه لم يجد فيها تلك الشريطة وفاته أيضا جملة من الأحاديث على شرطه لكونه تقيد بالكتابين للغرض الذي أراده من كون الأحاديث المذكورة تصير متصلة الأسانيد مع الاختصار البالغ قال ولو قدر أن يتفرغ عارف لجمع الأحاديث الواردة بجميع التراجم المذكورة من غير تقييد بكتاب ويضم إليها التراجم المزيدة عليه لجاء كتابا حافلا حاويا لأصح الصحيح الثالثة مما يناسب هذه المسألة اصح الأحاديث المقيدة كقولهم أصح شيء في الباب كذا وهذا يوجد في الجامع الترمذي كثيرا وفي تاريخ البخاري وغيرهما وقال المصنف في الأذكار لا يلزم من هذه العبارة صحة الحديث فإنهم

الثانية أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح البخاري
يقولون هذا أصح ما جاء في الباب وإن كان ضعيفا ومرادهم أرجحه أو أقله ضعفا ذكر ذلك عقب قول الدارقطني أصح شيء في فضائل السور فضل قل هو الله أحد وأصح شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح ومن ذلك أصح مسلسل وسيأتي في نوع المسلسل الرابعة ذكر الحاكم هنا والبلقيني في محاسن الاصطلاح أو هي الأسانيد مقابلة لأصح الأسانيد وذكره في نوع الضعيف أليق وسيأتي إن شاء الله تعالى ( الثانية ) من مسائل الصحيح ( أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح ) الإمام محمد بن إسماعيل ( البخاري ) والسبب في ذلك ما رواه عنه إبراهيم بن معقل النسفي قال كنا عند إسحاق بن راهويه فقال لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة النبي صلى الله عليه و سلم قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح وعنه أيضا قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه فسألت بعض المعبرين فقال لي أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح قال وألفته في بضع عشرة سنة وقد كانت الكتب قبله مجموعة ممزوجا فيها الصحيح بغيره وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدونة ولا مرتبة لسيلان أذهانهم وسعة حفظهم ولأنهم كانوا نهوا أولا عن كتابتها كما ثبت في صحيح مسلم خشية اختلاطها بالقرآن ولأن أكثرهم كان لا يحسن الكتابة فلما انتشر العلماء في

الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض دونت ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وغيرهم فأول من جمع ذلك ابن جريج بمكة وابن إسحاق أو مالك بالمدينة والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة وسفيان الثوري بالكوفة والأوزاعي بالشام وهشيم بواسط ومعمر باليمن وجرير بن عبد الحميد بالري وابن المبارك بخراسان قال العراقي وابن حجر وكان هؤلاء في عصر واحد فلا ندري أيهم أسبق وقد صنف ابن أبي ذئب ( 1 ) بالمدينة موطأ أكبر من موطأ مالك حتى قيل لمالك ما الفائدة في تصنيفك قال ما كان لله بقى قال شيخ الإسلام وهذا بالنسبة إلى الجمع للأبواب أما جمع الحديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي فإنه روى عنه أنه قال هذا باب من الطلاق جسيم وساق فيه أحاديث ثم تلا المذكورين كثير من أهل عصرهم إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم خاصة وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي المصري مسندا ثم اقتفى الأئمة آثارهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم

قلت وهؤلاء المذكورون في أول من جمع كلهم في أثناء الثانية واما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره ففي صحيح البخاري في أبواب العلم وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان بلفظ كتب عمر ابن عبد العزيز إلى الآفاق انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فاجمعوه قال في فتح الباري يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي ثم أفاد أن أول من دونه بأمر عمر بن عبد العزيز ابن شهاب الزهري تنبيه قول المصنف المجرد زيادة على ابن الصلاح احترز بها عما اعترض عليه به من أن مالكا أول من صنف الصحيح وتلاه أحمد بن حنبل وتلاه الدارمي قال العراقي والجواب أن مالكا لم يفرد الصحيح بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف كما ذكره ابن عبد البر ( 1 ) فلم يفرد الصحيح إذن وقال مغلطاي لا يحسن هذا جوابا لوجود مثل ذلك في كتاب البخاري وقال شيخ الإسلام كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلده على ما اقتضاه

ثم مسلم وهما أصح الكتب بعد القرآن والبخاري أصحهما وأكثرهما فوائد وقيل مسلم أصح والصواب الأول نظره من الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما لا على الشرط الذي تقدم التعريف به قال والفرق بين ما فيه من المنقطع وبين ما في البخاري أن الذي في الموطأ هو كذلك مسموع لمالك غالبا وهو حجة عنده والذي في البخاري قد حذف إسناده عمدا لقصد التخفيف إن كان ذكره في موضع آخر موصولا أو لقصد التنويع إن كان على غير شرطه ليخرجه عن موضوع كتابه وإنما يذكر ما يذكر من ذلك تنبيها واستشهادا واستئناسا وتفسيرا لبعض آيات وغير ذلك مما سيأتي عند الكلام على التعليق فظهر بهذا أن الذي في البخاري لا يخرجه عن كونه جرد فيه الصحيح بخلاف الموطأ وأما ما يتعلق بمسند أحمد والدارمي فسيأتي الكلام فيه في نوع الحسن عند ذكر المسانيد ( ثم ) تلا البخاري في تصنيف الصحيح ( مسلم ) من الحجاج تلميذه قال العراقي وقد اعترض هذا بقول أبي الفضل أحمد بن سلمة كنت مع مسلم بن الحجاج في تأليف هذا الكتاب سنة خمس ومائتين وهذا تصحيف إنما هو بزيادة الياء والنون لأن في سنة خمس كان عمر مسلم سنة بل لم يكن البخاري صنف إذ ذاك فإن مولده سنة أربع وتسعين ومائة ( وهما أصح الكتب بعد القرآن العزيز ) قال ابن الصلاح وأما ما رويناه عن الشافعي من أنه قال ما أعلم في الأرض كتابا أكثر صوابا من كتاب مالك وفي لفظ عنه ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك فذلك قبل وجود الكتابين ( والبخاري أصحهما ) أي المتصل فيه دون التعليق والتراجم ( وأكثرهما فوائد ) لما فيه من الاستنباطات الفقهية والنكت الحكمية وغير ذلك ( وقيل مسلم أصح والصواب الأول ) وعليه الجمهور

لأنه أشد اتصالا وأتقن رجالا وبيان ذلك من وجوه أحدها أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلا المتكلم فيهم بالضعف منهم ثمانون رجلا والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون المتكلم فيهم بالضعف منهم مائة وستون ( 1 ) ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه إن لم يكن ذلك الكلام قادحا ثانيها إن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من تخريج أحاديثهم وليس لواحد منهم نسخة كثيرة أخرجها كلها أو أكثرها إلا ترجمة عكرمة عن ابن عباس بخلاف مسلم فإنه أخرج أكثر تلك النسخ كأبي الزبير عن جابر وسهيل عن أبيه والعلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه وحماد بن سلمة عن ثابت وغير ذلك ثالثها إن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيهم أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم وعرف جيدها من غيره بخلاف مسلم فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه ممن تقدم عن عصره من التابعين فمن بعدهم ولا شك أن المحدث أعرف بحديث شيوخه ممن تقدم عنهم رابعها إن البخاري يخرج عن الطبقة الأولى البالغة في الحفظ والاتقان ويخرج عن طبقة تليها في التثبت وطول الملازمة اتصالا وتعليقا ومسلم يخرج عن هذه الطبقة أصولا كما قرره الحازمي خامسها إن مسلما يرى أن للمعنعن

حكم الاتصال إذا تعاصرا وإن لم يثبت اللقي والبخاري لا يرى ذلك حتى يثبت كما سيأتي وربما أخرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب أصلا إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه أخرج له قبل ذلك معنعنا سادسها إن الأحاديث التي انتقدت عليهما نحو مائتي حديث وعشرة أحاديث كما سيأتي أيضا اختص البخاري منها بأقل من ثمانين ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر وقال المصنف في شرح البخاري من أخص ما يرجح به كتاب البخاري اتفاق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم وأصدق بمعرفة الحديث ودقائقه وقد انتخب علمه ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب وقال شيخ الإسلام اتفق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم في العلوم وأعرف بصناعة الحديث وأن مسلما تلميذه وخريجه ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره حتى قال الدارقطني لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء تنبيه عبارة ابن الصلاح وروينا عن أبي علي النيسابوري شيخ الحاكم أنه قال ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري فهذا لا بأس به ولا يلزم منه إن كتاب مسلم أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح وإن كان المراد أن كتاب مسلم أصح فهو مردود على من يقوله قال شيخ الإسلام ابن حجر قول أبي علي ليس فيه ما يقتضي تصريحه بأن كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري خلاف ما يقتضيه إطلاق الشيخ محيي

الدين في مختصره وفي مقدمة شرح البخاري له وإنما يقتضي نفي الأصحية عن غير كتاب مسلم عليه أما إثباتها له فلا لأن إطلاقه يحتمل أنه يريد المساواة كما في حديث ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر ( 1 ) فهذا لا يقتضي أنه أصدق من جميع الصحابة ولا الصديق بل نفى أن يكون فيهم أصدق منه فيكون فيهم من يساويه ( 2 ) ومما يدل على أن عرفهم في ذلك الزمان ماش على قانون اللغة أن أحمد بن حنبل قال ما بالبصرة أعلم أو قال أثبت من بشر بن المفضل أما مثله فعسى قال ومع احتمال كلامه ذلك فهو منفرد سواء قصد الأول أو الثاني قال وقد رأيت في كلام الحافظ أبي سعيد العلائي ما يشعر بأن أبا علي لم يقف على صحيح البخاري قال وهذا عندي بعيد فقد صح عن بلديه وشيخه أبي بكر بن خزيمة أنه قال ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل وصح عن بلديه ورفيقه أبي عبد الله بن الأخرم أنه قال قلما يفوت البخاري ومسلما من الصحيح قال والذي يظهر لي من كلام أبي على أنه قدم صحيح مسلم لمعنى آخر غير ما يرجع إلى ما نحن بصدده من الشرائط المطلوبة في الصحة بل لأن مسلما صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق بخلاف البخاري فربما كتب الحديث من حفظه ولم يميز ألفاظ

واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان رواية ولهذا ربما يعرض له الشك وقد صح عنه أنه قال رب حديث سمعته بالبصرة فكتبته بالشام ولم يتصد مسلم لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام وتقطيع الأحاديث ولم يخرج الموقوفات قال وأما ما نقله عن بعض شيوخ المغاربة فلا يحفظ عن أحد منهم تقييد الأفضلية بالأصحية بل أطلق بعضهم الأفضلية فحكى القاضي عياض عن أبي مروان الطبني ( 1 ) بضم المهملة وسكون الموحدة ثم نون قال كان بعض شيوخي يفضل صحيح مسلم على صحيح البخاري قال وأظنه عنى ابن حزم فقد حكى القاسم التجيبي في فهرسته عنه ذلك قال لأنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد وقال مسلمة بن قاسم القرطبي من أقران الدارقطني لم يصنع أحد مثل صحيح مسلم وهذا في حسن الوضع وجودة الترتيب لا في الصحة ولهذا أشار المصنف حيث قال من زيادته على ابن الصلاح ( واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان واحد بأسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فسهل تناوله بخلاف البخاري فإنه قطعها في الأبواب بسبب استنباطه الأحكام منها وأورد كثيرا منها في مظنته قال شيخ الإسلام ولهذا نرى كثيرا ممن صنف في الأحكام من المغاربة يعتمد على كتاب مسلم في السياق المتون دون البخاري لتقطيعه لها قال وإذا امتاز مسلم بهذا فللبخاري في مقابلته من الفضل ما ضمنه في أبوابه

من التراجم التي حيرت الأفكار وما ذكره الإمام أبو محمد بن أبي جمرة عن بعض السادة قال ما قرئ صحيح البخاري في شدة إلا فرجت ولا ركب به في مركب فغرق فوائد الأولى قال ابن الملقن رأيت بعض المتأخرين قال إن الكتابين سواء فهذا قول ثالث وحكاه الطوفي في شرح الأربعين ومال إليه القرطبي الثانية قدم المصنف هذه المسألة وأخر مسألة إمكان التصحيح في هذه الأعصار عكس ما صنع ابن الصلاح لمناسبة حسنة وذلك أنه لما كان الكلام في الصحيح ناسب أن يذكر الأصح فبدأ بأصح الأسانيد ثم انتقل إلى أخص منه وهو أصح الكتب الثالثة ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الأول ما ر واه الحفاظ المتقنون والثاني ما رواه المستورون والمتوسطون في الحفظ والإتقان والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه فاختلف العلماء في مراده بذلك فقال الحاكم والبيهقي إن المدينة احترمت مسلما قبل إخراج الثاني وأنه ذكر القسم الأول قال القاضي عياض وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم وتابعوه عليه قال وليس الأمر كذلك بل ذكر حديث الطبقة الأولى وأتى بحديث الثان

على طريق المتابعة والاستشهاد أو حيث لم يجد في الباب من حديث الأول شيئا وأتى بأحاديث طبقة ثالثة وهم أفوام تكلم فيهم أقوام وزكاهم آخرون ممن ضعف أو اتهم ببدعة وطرح الرابعة كما نص عليه قال والحاكم تأول أن مراده أن يفرد لكل طبقة كتابا ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة وليس ذلك مراده قال وكذلك علل الحديث التي ذكر أنه يأتي بها قد وفى بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والزيادة والنقص وتصاحيف المصحفين قال ولا يعترض على هذا بما قاله ابن سفيان صاحب مسلم إن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات أحدها هذا الذي قرأه على الناس والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحق وأمثالهما والثالث يدخل فيه من الضعفاء فإن ذلك لا يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكره مسلم في صدر كتابه قال المصنف وما قاله عياض ظاهر جدا الرابعة قال ابن الصلاح قد عيب على مسلم روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الذين ليسوا من شرط الصحيح وجوابه من وجوه أحدها أن ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده والثاني أن ذلك واقع في المتابعات والشواهد لا في الأصول فيذكر الحديث أولا بإسناد نظيف ويجعله أصلا ثم يتبعه بإسناد أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد والمبالغة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه الثالث أن يكون ضعف الضعيف الذي اعتد به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط كأحمد بن عبد الرحمن ابن أخي عبد الله بن وهب اختلط بعد الخمسين ومائتين

ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه بعد خروج مسلم من مصر الرابع أن يعلو بالضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفة أهل الشأن ذلك فقد روينا أن أبا زرعة أنكر عليه روايته عن أسباط بن نصر وقطن وأحمد بن عيسى المصري فقال إنما أدخلت من حديثهم ما رواه الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منه بنزول فأقتصر على ذلك ولامه أيضا على التخريج عن سويد فقال من أين كنت آتي بنسخة حفص عن ميسرة بعلو ( ولم يستوعبا الصحيح ) في كتابيهما ( ولا التزماه ) أي استيعابه فقد قال البخاري ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح مخافة الطول وقال مسلم ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ما أجمعوا عليه يريد ما وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم قاله ابن الصلاح ورجح المصنف في شرح مسلم أن المراد ما لم تختلف الثقات فيه في نفس الحديث متنا وإسنادا ما لم يختلف في توثيق رواته قال ودليل ذلك أنه سئل عن حديث أبي هريرة فإذا قرأ فأنصتوا هل هو صحيح فقال عندي هو صحيح فقيل لم لم تضعه هنا فأجاب بذلك قال ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في متنها أو إسنادها وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر وقال البلقيني أراد مسلم إجماع أربعة أحمد ابن حنبل وابن معين وعثمان بن أبي شيبة وسعيد بن منصور الخراساني قال المصنف في شرح مسلم وقد الزمهما الدارقطني وغيره إخراج أحاديث على شرطهما لم يخرجاها وليس بلازم لهما لعدم التزامهما ذلك قال وكذلك قال البيهقي

قيل ولم يفتهما إلا القليل وأنكر هذا والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن ابي داود والترمذي والنسائي وقد اتفقا على أحاديث من صحيفة همام ( 1 ) وانفرد كل واحد منهما بأحاديث منها مع أن الإسناد واحد قال المصنف لكن إذا كان الحديث الذي تركاه أو أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه فالظاهر أنهما ما اطلعا فيه على علة ويحتمل أنهما نسياه أو تركاه خشية الإطالة أو رأيا أن غيره يسد مسده ( قيل ) أي قال الحافظ أبو عبد الله بن الأخرم ( ولم يفتهما إلا القليل وأنكر هذا ) القول البخاري فيما نقله الحازمي والإسماعيلي وما تركت من الصحاح أكثر قال ابن الصلاح والمستدرك للحاكم كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير قال المصنف زيادة عليه ( والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي ) قال العراقي في هذا الكلام نظر لقول البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح قال ولعل البخاري أراد بالأحاديث المكررة الأسانيد والموقوفات فربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين زاد ابن جماعة في المنهل الروي أو أراد المبالغة في الكثرة قال

والأول أولى قيل ويؤيد أن هذا هو المراد أن الأحاديث الصحاح التي بين أظهرنا بل وغير الصحاح لو تتبعت من المسانيد والجوامع والسنن والأجزاء وغيرها لما بلغت مائة ألف بلا تكرار بل ولا خمسين ألفا ويبعد كل البعد أن يكون رجل واحد حفظ ما فات الأمة جميعه فإنه إنما حفظه من أصول مشايخه وهي موجودة وقال ابن الجوزي حصر الأحاديث يبعد إمكانه غير أن جماعة بالغوا في تتبعها وحصرها قال الإمام أحمد صح سبعمائة ألف وكسر قال جمعت في المسند أحاديث انتخبتها من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا قال شيخ الإسلام ولقد كان استيعاب الأحاديث سهلا لو أراد الله تعالى ذلك بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه ثم يذكر من بعده ما اطلع عليه مما فاته من حديث مستقل أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها فيكون كالدليل عليه وكذا من بعده فلا يمضي كثير من الزمان إلا وقد استوعبت وصارت كالمصنف الواحد ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن قلت قد صنع المتأخرون ما يقرب من ذلك فجمع بعض المحدثين عمن كان في عصر شيخ الإسلام زوائد سنن ابن ماجه على الأصول الخمسة وجمع الحافط أبو الحسن الهيثمي زوائد مسند أحمد على الكتب الستة المذكورة في مجلدين وزوائد مسند البزار في مجلد ضخم وزوائد معجم الطبراني الكبير في ثلاثة وزوائد المعجمين الأوسط والصغير في مجلدين وزوائد أبي يعلى في مجلد ثم جمع

هذه الزوائد كلها محذوف الأسانيد ( 1 ) وتكلم على الأحاديث ويوجد فيها صحيح كثير وجمع زوائد الحلية لأبي نعيم في مجلد ضخم وزوائد فوائد تمام وغير ذلك وجمع شيخ الإسلام زوائد مسانيد إسحاق وابن أبي عمر ومسدد وابن أبي شيبة والحميدي وعبد بن حميد واحمد بن منيع والطيالسي في مجلدين ( 2 ) وزوائد مسند الفردوس في مجلد وجمع صاحبنا الشيخ زين الدين قاسم الحنفي ( 3 ) زوائد سنن الدارقطني في مجلد وجمعت زوائد شعب الإيمان للبيهقي في مجلد وكتب الحديث الموجودة سواها كثيرة جدا وفيها الزوائد بكثرة فبلوغها العدد السابق لا يبعد والله أعلم تنبيهات أحدها ذكر الحاكم في المدخل أن الصحيح عشرة أقسام وسيأتي نقلها عنه وذكر منها في القسم الأول الذي هو الدرجة الأولى واختيار الشيخين أن يرويه الصحابي المشهور بالرواية وله راويان ثقتان إلى آخر كلامه الآتي عنه ثم قال والأحاديث المروية بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث انتهى وحينئذ يعرف من هذا الجواب عن قول ابن الأخرم فكأنه أراد لم يفتهما من أصح الصحيح الذي هو الدرجة الأولى وبهذا الشرط إلا القليل والأمر كذلك

وجملة ما في البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالمكررة وبحذف المكررة أربعة آلاف الثاني لم يدخل المصنف سنن ابن ماجة في الأصول وقد اشتهر في عصر المصنف وبعده جعل الأصول ستة بإدخاله فيها قيل وأول من ضمه إليها ابن طاهر المقدسي فتابعه أصحاب الأطراف والرجال والناس وقال المزي كل ما انفرد به عن الخمسة فهو ضعيف قال الحسيني يعني من الأحاديث وتعقبه شيخ الإسلام بأنه انفرد بأحاديث كثيرة وهي صحيحة قال فالأولى حمله على الرجال ( 1 ) الثالث سنن النسائي الذي هو أحد الكتب الستة أو الخمسة هي الصغرى دون الكبرى صرح بذلك التاج ابن السكبي قال وهي التي يخرجون عليها الأطراف والرجال وإن كان شيخه المزي ضم إليها الكبرى صرح ابن الملقن بأنها الكبرى وفيه نظر ورأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي أن النسائي لما صنف الكبرى أهداها لأمير الرملة فقال له كل ما فيها صحيح فقال لا فقال ميز لي الصحيح من غيره فصنف له الصغرى ( 2 ) ( وجملة ما في ) صحيح ( البخاري ) قال المصنف في شرحه من الأحاديث المسندة ( سبعة آلاف ) حديث ( ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالمكررة وبحذف المكررة أربعة آلآف )

قال العراقي هذا مسلم في رواية الفربري ( 1 ) وأما رواية حماد بن شاكر فهي دون رواية الفربري بمائتي حديث ورواية إبراهيم بن معقل ( 2 ) دونهما بثلاثمائة قال شيخ الإسلام وهذا قالوه تقليدا للحموي ( 3 ) فإنه كتب البخاري عنه وعد كل باب منه ثم جمع الجملة وقلده كل من جاء بعده نظرا إلى أنه راوي الكتاب وله به العناية التامة قال ولقد عددتها وحررتها فبلغت بالمكررة سوى المعلقات والمتابعات ستة آلاف وثلثمائة وسبعة وتسعين حديثا وبدون المكررة ألفين وخمسمائة وثلاثة عشر حديثا ( 4 ) وفيه من التعاليق ألف وثلثمائة وأحد وأربعون وأكثرها مخرج في أصول متونه والذي لم يخرجه مائة وستون وفيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات ثلثمائة وأربعة وثمانون هكذا وقع في شرح البخاري ونقل عه ما يخالف هذا يسيرا قال وهذا خارج عن الموقوفات والمقاطيع

ومسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف ثم أن الزيادة في الصحيح فائدتان الأولى ساق المصنف هذا الكلام مساق فائدة زائدة قال شيخ الإسلام وليس ذلك مراد ابن الصلاح بل هو تتمة قدحه في كلام ابن الأخرم أي أن البخاري قال أحفظ مائة ألف حديث صحيح وليس في كتابه إلا هذا القدر وهو بالنسبة إلى المائة ألف ( 1 ) يسير الثانية وافق مسلم البخاري على تخريج ما فيه إلا ثمانمائة وعشرين حديثا ( و ) جملة ما في صحيح ( مسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف ) هذا مزيد على ابن الصلاح قال العراقي وهو يزيد على البخاري بالمكرر لكثرة طرقه قال وقد رأيت عن أبي الفضل أحمد بن سلمة ( 2 ) أنه اثنا عشر ألف حديث وقال الميانجي ثمانية آلاف والله أعلم قال ابن حجر وعندي في هذا نظر ( ثم إن الزيادة في الصحيح ) عليهما

تعرف من السنن المعتمدة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم والبيهقي وغيرها منصوصا على صحته ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح واعتنى الحاكم بضبط الزائد عليهما وهو متساهل ( تعرف من ) كتب ( السنن المعتمدة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم والبيهقي وغيرها منصوصا على صحته ) فيها ( ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح ) كابن خزيمة وأصحاب المستخرجات قال العراقي وكذا لو نص على صحته أحد منهم ونقل عنه ذلك بإسناد صحيح كما في سؤالات أحمد بن حنبل وسؤالات ابن معين وغيرهما قال وإنما أهمله ابن الصلاح بناء على اختياره أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار فلا يكفي وجود التصحيح بإسناد صحيح كما لا يكفي وجود أصل الحديث بإسناد صحيح ( واعتنى ) الحافظ أبو عبد الله ( الحاكم ) في المستدرك ( بضبط الزائد عليهما ) مما هو شرطهما أو شرط أحدهما أو صحيح وإن لم يوجد شرط أحدهما معبرا عن الأول بقوله هذا حديث صحيح على شرط الشيخين أو على شرط البخاري أو مسلم وعن الثاني بقوله هذا حديث صحيح الإسناد وربما أورد فيه ما هو في الصحيحين وربما أورد فيه ما لم يصح عنده منبها على ذلك ( وهو متساهل ) في التصحيح

قال المصنف في شرح المهذب اتفق الحفاظ على أن تلميذه البيهقي ( 1 ) أشد تحريا منه وقد لخص الذهبي مستدركه وتعقب كثيرا منه بالضعف والنكارة وجمع جزءا فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة فذكر نحو مائة حديث وقال أبو سعيد الماليني ( 2 ) طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فلم أر فيه حديثا على شرطهما قال الذهبي وهذا إسراف وغلو من الماليني وإلا ففيه جملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض الشيء أوله علة وما بقي وهو نحو الربع فهو منا كير أو واهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات قال شيخ الإسلام وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سود الكتاب لينقحه فأعجلته المنية قال وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ثم قال وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة فمن أكبر أصحابه وأكثر الناس له ملازمة البيهقي وهو إذا ساق عنه في غير المملى شيئا لا يذكره إلا بالإجازة قال

فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه والتساهل في القدر المملى قليل جدا بالنسبة إلى ما بعده ( 1 ) ( فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه ) قال البدر بن جماعة والصواب أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة أو الضعف ووافقه العراقي وقال إن حكمه عليه بالحسن فقط تحكم قال إلا أن ابن الصلاح قال ذلك بناء على رأيه أنه قد انقطع التصحيح في هذه الأعصار فليس لأحد أن يصححه فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه والعجب من المصنف كيف وافقه هنا مع مخالفته له في المسألة المبني عليها كما سيأتي وقوله فما صححه احتراز مما خرجه في الكتاب ولم يصرح بتصحيحه

ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان فلا يعتمد عليه ( 1 ) ( ويقاربه ) أي صحيح الحاكم ( في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان ) قيل إن هذا يفهم ترجيح كتاب الحاكم عليه والواقع خلاف ذلك قال العراقي وليس كذلك وإنما المراد أنه يقاربه في التساهل فالحاكم أشد تساهلا منه قال الحازمي ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم قيل وما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح فإن غايته أنه يسمي الحسن صحيحا فإن كانت نسبته إلى التساهل باعتبار وجدان الحسن في كتابه فهي مشاحة في الاصطلاح وإن كانت باعتبار خفة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ما كان راويه ثقة غير مدلس سمع من شيخه وسمع منه الآخذ عنه ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأته بحديث منكر فهو عنده ثقة وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذه حاله ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف حاله ولا عتراض عليه فإنه لا مشاحة في ذلك وهذا دون شرط الحاكم حيث شرط أن يخرج عن رواة أخرج لمثلهم الشيخان في الصحيح فالحاصل أن ابن حبان وفى بالتزام شروطه ولم يوف الحاكم

-

فوائد الأولى صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على
المسانيد ولهذا سماه التقاسيم والأنواع وسببه أنه كان عارفا بالكلام والنحو والفلسفة ولهذا تكلم فيه ونسب إلى الزندقة وكادوا يحكمون بقتله ثم نفي من سجستان إلى سمرقند والكشف من كتابه عسر جدا وقد رتبه بعض المتأخرين ( 1 ) على الأبواب وعمل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافا وجرد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زوائده على الصحيحين في مجلد الثانية صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه حتى أنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد فيقول إن صح الخبر أو إن ثبت كذا ونحو ذلك ومما صنف في الصحيح أيضا غير المستخرجات الآتي ذكرها السنن الصحاح لسعيد بن السكن الثالثة صرح الخطيب وغيره بأن الموطأ مقدم على كل كتاب من الجوامع والمسانيد فعلى هذا هو بعد صحيحح الحاكم وهو روايات كثيرة وأكبرها رواية القعنبي وقال العلائي روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص ومن أكبرها وأكثرها

زيادات رواية أبي مصعب قال ابن حزم في موطأ أبي مصعب هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث وأما ابن جزم فإنه قال أولى الكتب الصحيحان ثم صحيح ابن السكن والمنتفي لابن الجارود والمنتفي لقاسم بن أصبغ ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود وكتاب النسائي ومصنف قاسم بن أصبغ ومصنف الطحاوي ومسانيد أحمد والبزار وابني أبي شيبة أبي بكر وعثمان وابن راهويه والطيالسي ( 1 ) والحسن بن سفيان والمسندي وابن سنجر ويعقوب بن شيبة وعلي بن المديني وابن أبي غرزة وما جرى مجراها التي أفردت لكلام رسول الله صلى الله عليه و سلم صرفا ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره ثم ما كان فيه الصحيح فهو أجل مثل مصنف عبد الرزاق ومصنف أبن أبي شيبة ومصنف بقي بن مخلد ( 2 ) وكتاب محمد بن نصر المرزوي وكتاب ابن المنذر ثم مصنف حماد بن سلمة ومصنف سعيد بن منصور ومصنف وكيع ومصنف الفريابي ( 3 ) وموطأ مالك وموطأ ابن أبي ذئب وموطأ ابن وهب ومسائل ابن حنبل وفقه أبي عبيد وفقه أبي ثور وما كان من هذا النمط مشهورا كحديث شعبة وسفيان والليث والأوزاعي والحميدي وابن مهدي ومسدد وما جرى مجراها فهذه طبقة موطأ مالك بعضها أجمع للصحيح منه وبعضها

الثالثة الكتب المخرجة على الصحيحين
مثله وبعضها دونه ولقد أحصيت ما في حديث شعبة من الصحيح فوجدته ثمانمائة حديث ونيفا مسندة ومرسلا يزيد على المائتين وأحصيت ما في موطأ مالك وما في حديث سفيان بن عيينة فوجدت في كل واحد منهما من المسند خمسمائة ونيفا مسندا وثلاثمائة مرسلا ونيفا وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها وفيها أحاديث ضعيفة وهاها جمهور العلماء انتهى ملخصا من كتابه مراتب الديانة ( 1 ) ( الثالثة ) من مسائل الصحيح ( الكتب المخرجة على الصحيحين ) كالمستخرج للإسماعيلي وللبرقاني ولأبي أحمد الغطريفي ولأبي عبد الله بن أبي ذهل ولأبي بكر بن مردويه على البخاري ولأبي عوانه الاسفراييني ولأبي جعفر بن حمدان ولأبي بكر محمد رجاء النيسابوري ولأبي بكر الجوزقي ولأبي حامد الشاركي ولأبي الوليد حسان بن محمد القرشي ولأبي عمران موسى بن العباس الجويني ولأبي النصر الطوسي ولأبي سعيد بن أبي عثمان الحيري على مسلم ولأبي نعيم الأصبهاني وأبي عبد الله بن الأخرم وأبي ذر الهروي وأبي محمد الخلال وأبي علي الماسرجي وأبي مسعود سليمان بن ابراهيم الأصبهاني وأبي بكر اليزدي على كل منهما ولأبي بكر بن عبدان الشيرازي عليهما في مؤلف واحد ( 2 )

لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى وكذا ما رواه البيهقي والبغوي وشبههما قائلين رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه تفاوت في المعنى فمرادهم أنهما رويا أصله فلا يجوز أن تنقل منها وموضوع المستخرج كما قال العراقي أن يأتي المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه قال شيخ الإسلام وشرطه أن لا يصل إلى شيخ حتى يفقد سندا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة قال ولذلك يقول أبو عوانة في مستخرجه على مسلم بعد أن يسوق طرق مسلم كلها من هنا لمخرجه ثم يسوق أسانيد يجتمع فيها مع مسلم فيمن فوق ذلك وربما قال من هنا لم يخرجاه قال ولا يظن أنه يعني البخاري ومسلما فإني استقريت صنيعه في ذلك فوجدته إنما يعني مسلما وأبا الفضل أحمد بن سلمة فإنه كان قرين مسلم وصنف مثل مسلم وربما أسقط المستخرج أحاديث لم يجد لها بها سندا يرتضيه وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب ثم إن المستخرجات المذكورة ( لم يلتزم فيها موافقتها ) أي الصحيحين ( في الألفاظ ) لأنهم إنما يروون بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم ( فحصل فيها تفاوت ) قليل ( في اللفظ و ) في ( المعنى ) أقل ( وكذا ما رواه البيهقي ) في السنن والمعرفة وغيرهما ( والبغوي ) في شرح السنة ( وشبههما قائلين رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه ) أيضا ( تفاوت في المعنى ) وفي الألفاظ ( فمرادهم ) بقولهم ذلك ( أنهما رويا أصله ) أي أصل الحديث دون اللفظ الذي أوردوه وحينئذ ( فلا يجوز ) لك ( أن تنقل منهما ) أي من الكتب

حديثا وتقول هو كذا فيها إلا أن تقابله بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما المذكورة من المستخرجات وما ذكر ( حديثا وتقول ) فيه ( هو كذا فيهما ) أي الصحيحين ( إلا أن تقابله بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما ) من غير زيادة ولا تغيير فلك أن تنقل منها وتعزو ذلك للصحيح ولو بلفظ وكذا الجمع بين الصحيحين لعبد الحق أما الجمع لأبي عبد الله الحميدي الأندلسي ففيه زيادة ألفاظ وتتمات على الصحيحين بلا تمييز قال ابن الصلاح وذلك موجودا فيه كثيرا فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيح وهو مخطئ لكونه زيادة ليست فيه قال العراقي وهذا مما أنكر على الحميدي لأنه جمع بين كتابين فمن أين تأتي الزيادة قال واقتضى كلام ابن الصلاح أن الزيادات التي تقع في كتاب الحميدي لها حكم صحيح وليس كذلك لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ولا ذكر أنه يزيد ألفاظا واشترط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك قلت هذا الذي نقله عن ابن الصلاح وقع له في الفائدة الرابعة فإنه قال ويكفي وجوده في كتاب من اشترط الصحيح وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح وكثير من هذا موجود في الجمع للحميدي انتهى وهذا الكلام قابل للتأويل فتأول ثم رأيت عن شيخ الإسلام قال قد أشار الحميدي إجمالا وتفصيلا إلى ما يبطل ما اعترض به عليه أما إجمالا فقال في خطبة الجمع وربما زدت زيادات

وللكتب المخرجة عليهما فائدتان علو الإسناد من تتمات وشرح لبعض الفاظ الحديث ونحو ذلك وقفت عليها في كتب من اعتنى بالصحيح كالإسماعيلي والبرقاني وأما تفصيلا فعلى قسمين جلي وخفي أما الجلي فيسوق الحديث ثم يقول في أثنائه إلى هنا انتهت رواية البخاري ومن هنا زاده البرقاني وأما الخفي فإنه يسوق الحديث كاملا أصلا وزيادة ثم يقول أما من أوله إلى موضع كذا فرواه فلان وما عداه زاده فلان أو يقول لفظة كذا زادها فلان ونحو ذلك وإلى هذا أشار ابن الصلاح بقوله فربما نقل من لا يميز وحينئذ فلزيادته حكم الصحة لنقله لها عمن اعتنى بالصحيح مهمة ما تقدم عن البيهقي ونحوه من عزو الحديث إلى الصحيح والمراد أصله لاشك أن الأحسن خلافه والاعتناء بالبيان حذرا من إيقاع من لا يعرف الاصطلاح في اللبس ولابن دقيق العيد في ذلك تفصيل حسن وهو أنك إذا كنت في مقام الرواية فلك العزو ولو خالف لأنه عرف أن أجل قصد المحدث السند والعثور على أصل الحديث دون ما إذا كنت في مقام الاحتجاج فمن روى في المعاجم والمشيخات ونحوها فلا حرج عليه في الإطلاق بخلاف من أورد ذلك في الكتب المبوبة لاسيما إن كان الصالح للترجمة قطعة زائدة على ما في الصحيح ( وللكتب المخرجة عليهما فائدتان ) إحداهما ( علو الإسناد ) لأن مصنف المستخرج لو روى حديثا مثلا من طريق البخاري لوقع أنزل من الطريق الذي

وزيادة الصحيح فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما رواه به في المستخرج مثاله أن أبا نعيم لو روى حديثا عن عبد الرزق من طريق البخاري أو مسلم لم يصل إليه إلا بأربعة وإذا رواه عن الطبراني عن الدبري بفتح الموحدة عنه وصل باثنين وكذا لو روى حديثا في مسند الطيالسي من طريق مسلم كان بينه وبينه أربعة شيخان بينه وبين مسلم ومسلم وشيخه وإذا رواه عن ابن فارس عن يونس بن حبيب عنه وصل باثنين ( و ) الأخرى ( زيادة الصحيح فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما ) قال شيخ الإسلام هذا مسلم في الرجل الذي التقى فيه إسناد المستخرج وإسناد مصنف الأصل وفيمن بعده وأما من بين المستخرج وبين الرجل فيحتاج إلى نقد لأن المستخرج لم يلتزم الصحة في ذلك وإنما جل قصده العلو فإن حصل وقع على غرضه فإن كان مع ذلك صحيحا أو فيه زيادة حسن حصلت اتفاقا وإلا فليس ذلك همته قال قد وقع ابن الصلاح هنا فيما فر منه في عدم التصحيح في هذا الزمان لأنه أطلق تصحيح هذه الزيادات ثم عللها بتعليل أخص من دعواه وهو كونها بذلك الإسناد وذلك إنما هو من ملتقى الإسناد إلى منتهاه تنبيه لم يذكر المصنف تبعا لابن الصلاح للمستخرج سوى هاتين الفائدتين وبقي له فوائد أخر منها القوة بكثرة الطرق للترجيح عند المعارضة ذكره ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم وذلك بأن يضم المستخرج شخصا آخر فأكثر مع ال

حدث مصنف الصحيح عنه وربما ساق له طرقا أخرى إلى الصحابي بعد فراغه من استخراجه كما يصنع أبو عوانة ومنها أن يكون مصنف الصحيح روى عمن اختلط ولم يبين هل سماع ذلك الحديث في هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده فيبينه المستخرج إما تصريحا أو بأن يرويه عنه من طريق من لم يسمع منه إلا قبل الاختلاط ومنها أن يروى في الصحيح عن مدلس بالعنعنة فيرويه المستخرج بالتصريح بالسماع فهاتان فائدتان جليلتان وإن كنا لا نتوقف في صحة ما روى في الصحيح من ذلك غير مبين ونقول لو لم يطلع مصنفه على أنه روى عنه قبل الاختلاط وأن المدلس سمع لم يخرجه فقد سأل السبكي المزي هل وجد لكل ما رواه بالعنعنة طرق مصرح فيها بالتحديث فقال كثير من ذلك لم يوجد وما يسعنا إلا تحسين الظن ومنها أن يروى عن مبهم كحدثنا فلان أو رجل أو فلان وغيره أو غير واحد فيعينه المستخرج ومنها أن يروى عن مهمل كمحمد من غير ذكر ما يميزه عن غيره من المحمدين ويكون في مشايخ من رواه كذلك من يشاركه في الاسم فيميزه المستخرج قال شيخ الاسلام وكل علة أعل بها حديث في أحد الصحيحين جاءت رواية المستخرج سالمة منها فهي من فوائده وذلك كثير جدا فوائد لا يختص المستخرج بالصحيحين فقد استخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن

الرابعة ما روياه بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته
وأما ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر فما كان منه بصيغة الجزم كقال وفعل وأمر وروى فهو حكم بصحته عن المضاف إليه على سنن أبي داود وأبو علي الطوسي على الترمذي وأبو نعيم على التوحيد لابن خزيمة وأملى الحافظ أبو الفضل العراقي على المستدرك مستخرجا لم يكمل ( الرابعة ) من مسائل الصحيح ( ما روياه ) أي الشيخان ( بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته وأما ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر ) وهو المعلق وهو في البخاري كثير جدا كما تقدم عدده وفي مسلم في موضع واحد في التميم حيث قال وروى الليث بن سعد فذكر حديث أبي الجهم بن الحرث بن الصمة أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم من نحو بئر جمل الحديث وفيه ايضا موضعان في الحدود والبيوع رواهما بالتعليق عن الليث بعد روايتهما بالاتصال وفيه بعد ذلك أربعة عشر موضعا كل حديث منها رواه متصلا ثم عقبه بقوله ورواه فلان وأكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضع آخر من كتابه وإنما أورده معلقا اختصارا ومجانبة للتكرار والذي لم يوصله في موضع آخر مائة وستون حديثا وصلها شيخ الإسلام في تأليف لطيف سماه التوفيق وله في جميع التعليق والمتابعات والموقوفات كتاب جليل بالأسانيد سماه تغليق التعليق واختصره بلا أسانيد في آخر سماه التشويق إلى وصل المهم من التعليق ( فما كان منه بصيغة الجزم كقال وفعل وأمر وروى وذكر فلان فهو حكم بصحته عن المضاف إليه ) لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صح

عنده عنه لكن لا يحكم بصحة الحديث مطلقا بل يتوقف على النظر فيمن أبرز من رجاله وذلك أقسام أحدها ما يلتحق بشرطه والسبب في عدم إيصاله إما الاستغناء بغيره عنه مع إفادة الإشارة إليه وعدم إهماله بإيراده معلقا اختصارا وإما كونه لم يسمعه من شيخه أو سمعه مذاكرة أو شك في سماعه فما رأى أنه يسوقه مساق الأصول ومن أمثلة ذلك قوله في الوكالة قال عثمان بن الهيثم حدثنا عون حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال وكلني رسول الله صلى الله عليه و سلم بزكاة رمضان الحديث وأورده في فضائل القرآن وذكر إبليس ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان فالظاهر عدم سماعه له منه قال شيخ الإسلام وقد استعمل هذه الصيغة فيما لم يسمعه من مشايخه في عدة أحاديث فيوردها منهم بصيغة قال فلان ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبينهم كما قال في التاريخ قال إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف فذكر حديثا ثم يقول حدثوني بهذا عن إبراهيم قال ولكن ليس ذلك مطردا في كل ما أورده بهذه الصيغة لكن مع هذا الاحتمال لا يحمل حمل ما أورده بهذه الصيغة على أنه سمعه من شيوخه وبهذا القول يندفع اعتراض العراقي على ابن الصلاح في تمثيله بقوله قال عفان وقال القعنبي كونهما من شيوخه وأن الرواية عنهم ولو بصيغة لا تصرح بالسماع محمولة على الاتصال كما سيأتي في فروع عقب المعضل ثم قولنا

في هذا التقسيم ما يلتحق بشرطه ولم يقل أنه على شرطه ولأنه وإن صح فليس من نمط الصحيح المسند فيه نبه عليه ابن كثير القسم الثاني ما لا يلتحق بشرطه ولكنه صحيح على شرط غيره كقوله في الطهارة وقالت عائشة كان النبي صلى الله عليه و سلم يذكر الله على كل أحيانه أخرجه مسلم في صحيحه الثالث ما هو حسن صالح للحجة كقوله فيه وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده الله أحق أن يستحيى منه وهو حديث حسن مشهور أخرجه أصحاب السنن الرابع ما هو ضعيف لا من جهة قدح في رجاله بل من جهة انقطاع يسير في إسناده قال الإسماعيلي قد يصنع البخاري ذلك إما لأنه سمعه من ذلك الشيخ بواسطة من يثق به عنه وهو معروف مشهور عن ذلك الشيخ أو لأنه سمعه ممن ليس من شرط الكتاب فنبه على ذلك الحديث بتسمية من حدث به لا على التحديث به عنه كقوله في الزكاة وقال طاوس قال معاذ بن جبل لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب الحديث فإسناده إلى طاوس صحيح إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ وأما ما اعترض به بعض المتأخرين من نقص هذا الحكم بكونه جزم في معلق وليس بصحيح وذلك قوله في التوحيد وقال الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم لا تفاضلوا بين الأنبياء الحديث فإن أبا مسعود الدمشقي جزم بأن هذا ليس بصحيح لأن عبد الله بن الفضل إنما رواه عن الإعرج عن أبي هريرة

وما ليس فيه جزم كيروي ويذكر ويحكى ويقال وروى وذكر وحكى عن فلان كذا فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه لا عن أبي سلمة وقوى ذلك بأنه أخرجه في موضع آخر كذلك فهو اعتراض مردود لا ينقض القاعدة ولا مانع من أن يكون لعبد الله بن الفضل شيخان وكذلك أورده عن أبي سلمة الطيالسي في مسنده فبطل ما ادعاه ( وما ليس فيه جزم كيروى ويذكر ويحكى ويقال وروى وحكى عن فلان كذا ) قال ابن الصلاح أو في الباب عن النبي صلى الله عليه و سلم ( فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه ) قال ابن الصلاح لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا فأشار بقوله أيضا إلى أنه ربما يورد ذلك فيما هو صحيح إما لكونه رواه بالمعنى كقوله في الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم في الرقي بفاتحة الكتاب فإنه أسنده في موضع آخر بلفظ أن نفرا من الصحابة مروا بحي فيه لديغ فذكر الحديث في رقيتهم للرجل بفاتحة الكتاب وفيه إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله أو ليس على شرطه كقوله في الصلاة ويذكر عن عبد الله بن السائب قال قرأ النبي صلى الله عليه و سلم المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع وهو صحيح أخرجه مسلم إلا أن البخاري لم يخرج لبعض رواته أو لكونه ضم إليه ما لم يصح فأتى بصيغة تستعمل فيهما كقوله في الطلاق ويذكر عن علي بن أبي طالب وابن المسيب وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا

وليس بواه لإدخاله في الكتاب الموسوم بالصحيح وقد يورده أيضا في الحسن كقوله في البيوع ويذكر عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل هذا الحديث رواه الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة وهو صدوق عن منقذ مولى عثمان وقد وثق عن عثمان وتابعه سعيد بن المسيب ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند إلا أن إسناده ابن لهيعة ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان وفيه انقطاع والحديث حسن لما عضده من ذلك ومن أمثلة ما أورده من ذلك وهو ضعيف قوله في الوصايا ويذكر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قضى بالدين قبل الوصية وقد رواه الترمذي موصولا من طريق الحارث عن علي والحارث ضعيف وقوله في الصلاة ويذكر عن أبي هريرة رفعه لا يتطوع الإمام في مكانه وقال عقبة ولم يصح وهذه عادته في ضعيف لا عاضد له من موافقة إجماع أو نحوه على أنه فيه قليل جدا والحديث أخرجه أبو داود من طريق الليث بن أبي سليم عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة وليث ضعيف وإبراهيم لا يعرف وقد اختلف عليه فيه ( و ) ما أورده البخاري في الصحيح مما عبر عنه بصيغة التمريض وقلنا لا يحكم بصحته ( ليس بواه ) أي ساقط جدا ( لإدخاله ) إياه ( في الكتاب الموسوم بالصحيح ) وعبارة ابن الصلاح ومع ذلك فإيراده له في اثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه

الخامسة الصحيح أقسام
أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخاري قلت ولهذا رددت على ابن الجوزي حيث أورد في الموضوعات حديث ابن عباس مرفوعا إذا أتى أحدكم بهدية فجلساؤه شركاؤه فيها أورده من طريقين عنه ومن طريق عن عائشة ولم يصب فإن البخاري أورده في الصحيح فقال ويذكر عن ابن عباس وله شاهد آخر من حديث الحسن بن علي رويناه في فوائد أبي بكر الشافعي وقد بينت ذلك في مختصر الموضوعات ثم في كتابي القول الحسن في الذب عن السنن فائدة قال ابن الصلاح إذا تقرر حكم التعاليق المذكورة فقول البخاري ما أدخلت في كتابي إلا ما صح وقول الحافظ أبي نصر السجزي أجمع الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع البخاري صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم لا شك فيه لم يحنث محمول على مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب المسندة دون التراجم ونحوها ( 1 ) وسيأتي في المسألة مزيد كلام قريبا ويأتي تحرير الكلام في حقيقة التعليق حيث ذكره المصنف عقب المعضل إن شاء الله تعالى ( الخامسة الصحيح أقسام ) متفاوتة بحسب تمكنه من شروط الصحة وعدمه ( أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخاري ) ووجه تأخره

ثم مسلم ثم على شرطهما ثم على شرط البخاري ثم مسلم ثم صحيح عند غيرهما عما اتفقا عليه اختلاف العلماء أيهما أرجح ( ثم ) ما انفرد به ( مسلم ثم ) صحيح ( على شرطهما ) ولم يخرجه واحد منهما ووجه تأخره عما أخرجه أحدهما تلقى الأمة بالقبول له ( ثم ) صحيح ( على شرط البخاري ثم ) صحيح على شرط ( مسلم ثم صحيح عند غيرهما ) مستوفى فيه الشروط السابقة تنبيهات الأول أورد على هذا أقسام أحدها المتواتر وأجيب بأنه لا يعتبر فيه عدالة والكلام في الصحيح بالتعريف السابق الثاني المشهور قال شيخ الإسلام وهو وارد قطعا قال وأنا متوقف في رتبته هل هي قبل المتفق عليه أم بعده الثالث ما أخرجه الستة وأجيب بأن من لم يشترط الصحيح في كتابه لا يزيد تخريجه للحديث قوة قال الزركشي ويمنع بأن الفقهاء قد يرجحون بما لا مدخل له في ذلك الشيء كتقديم ابن العم الشفيق على ابن العم للأب وإن كان ابن العم للأم لا يرث قال العراقي نعم ما اتفق السته على توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه وإن اتفق عليه الشيخان الرابع ما فقد شرطا كالاتصال عند من يعده صحيحا الخامس ما فقد تمام الضبط ونحوه مما ينزل إلى رتبة الحسن عند من يسميه

صحيحا قال شيخ الإسلام وعلى ذلك يقال ما أخرجه الستة إلا واحدا منهم وكذا ما أخرجه الأئمة الذين التزموا الصحة ونحو هذا إلى أن تنتشر الأقسام فتكثر حتى يعسر حصرها التنبيه الثاني قد علم مما تقرر أن أصح من صنف في الصحيح ابن خزيمة ثم ابن حبان ثم الحاكم فينبغي أن يقال أصحها بعد مسلم ما اتفق عليه الثلاثة ثم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ثم ابن حبان والحاكم ثم ابن خزيمة فقط ثم ابن حبان فقط ثم الحاكم فقط إن لم يكن الحديث على شرط أحد الشيخين ولم أر من تعرض لذلك فليتأمل [ التنبيه ] الثالث قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا كأن يتفقا على إخراج حديث غريب ويخرج مسلم أو غيره حديثا مشهورا أو مما وصفت ترجمته بكونها أصح الأسانيد ولا يقدح ذلك فيما تقدم لأن ذلك باعتبار الإجمال قال الزركشي ومن هنا يعلم أن ترجيح كتاب البخاري على مسلم إنما المراد به ترجيح الجملة لا كل فرد من أحاديثه على كل فرد من أحاديث الآخر [ التنبيه ] الرابع فائدة التقسيم المذكور تظهر عند التعارض والترجيح [ التنبيه ] الخامس في تحقيق شرط البخاري ومسلم قال ابن الطاهر شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة رجاله إلى الصحابي المشهور

قال العراقي وليس ما قاله بجيد لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لهم الشيخان أو أحدهما وأجيب بأنهما أخرجا من أجمع على ثقته إلى حين تصنيفهما ولا يقدح في ذلك تضعيف النسائي بعد وجود الكتابين وقال شيخ الإسلام تضعيف النسائي إن كان باجتهاده أو نقله عن معاصر فالجواب ذلك وإن نقله عن متقدم فلا قال ويمكن أن يجاب بأن ما قاله ابن طاهر هو الأصل الذي بينا عليه أمرهما وقد يخرجان عنه لمرجح يقوم مقامه وقال الحاكم في علوم الحديث وصف الحديث الصحيح أن يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلى الله علي وسلم وله راويان ثقتان ثم يرويه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور بالرواية وله رواة ثقات وقال في المدخل الدرجة الأولى من الصحيح اختبار البخاري ومسلم وهو أن يروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم صحابي زائل عنه اسم الجهالة بأن يروى عنه تابعيان عدلان ثم يروي عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظ متقن وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظا مشهورا بالعدالة في روايته ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة فعمم في علوم الحديث شرط الصحيح من حيث هو وخصص ذلك في المدخل بشرط الشيخين وقد نقض عليه الحازمي ما ادعى أنه شرط الشيخين بما في الصحيح من الغرائب التي تفرد بها بعض الرواة وأجيب بأنه إنما أراد أن كل راو في الكتابين يشترط أن يكون له راويان لا أنه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك الحديث بعينه

قال أبو علي الغساني ونقله عياض عنه ليس المراد أن يكون كل خبر روياه يجتمع فيه راويان عن صحابيه ثم عن تابعيه فمن بعده فإن ذلك يعز وجوده وإنما المراد أن هذا الصحابي وهذا التابعي قد روى عنه رجلان خرج بهما عن حد الجهالة قال شيخ الإسلام وكأن الحازمي فهم ذلك من قول الحاكم كالشهادة على الشهادة لأن الشهادة يشترط فيها التعدد وأجيب باحتمال أن يريد بالتشبيه بعض الوجوه لا كلها كالاتصال واللقاء وغيرهما وقال أبو عبد الله المواق ما حمل الغساني عليه كلام الحاكم وتبعه عليه عياض وغيره ليس بالبين ولا أعلم أحدا روى عنهما أنهما صرحا بذلك ولا وجود له في كتابيهما ولا خارجا عنهما فإن كان قائل ذلك عرفه من مذهبهما بالتصفح لتصرفهما في كتابيهما فلم يصب لأن الأمرين معا في كتابيها وإن كان أخذه من كون ذلك أكثريا في كتابيهما فلا دليل فيه على كونهما اشترطاه ولعل وجود ذلك أكثريا إنما هو لأن من روى عنه أكثر من واحد أكثر ممن لم يرو عنه إلا واحد من الرواة مطلقا لا بالنسبة إلى ما خرج له منهم في الصحيحين وليس من الإنصاف التزامهما هذا الشرط من غير أن يثبت عنهما ذلك مع وجود إخلالهما به لأنهما إذا صح عنهما اشتراط ذلك كان في إخلالهما به درك عليهما قال شيخ الإسلام وهذا كلام مقبول وبحث قوى وقال في مقدمة شرح البخاري ما ذكره الحاكم وإن كان منتقضا في حق

بعض الصحابة الذين أخرج لهم إلا أنه معتبر في حق من بعدهم فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له إلا راو واحد فقط وقال الحازمي ما حاصله شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين لمن أخذوا عنه ملازمة طويلة وأنه قد يخرج أحيانا عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه فلم يلزموه إلا ملازمة يسيرة وشرط مسلم أن يخرج حديث من لم يسلم من غوائل الحرج إذا كان طويل الملازمة لمن أخذ عنه كحماد بن سلمة في ثابت الباني وأيوب وقال المصنف إن المراد بقولهم على شرطهما ان يكون رجال إسناده في كتابيهما لأنه ليس لهما شرط كتابيهما ولا في غيرهما قال العراقي وهذا الكلام قد أخذه ابن الصلاح حيث قال في المستدرك أودعه ما رآه على شرط الشيخين وقد أخرجا عن روايته في كتابيهما قال وعلى هذا عمل ابن دقيق العيد فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديث على شرط البخاري مثلا ثم يعترض عليه بأن فيه فلانا ولم يخرج له البخاري وكذا فعل الذهبي في مختصر المستدرك قال وليس ذلك منهم بجيد فإن الحاكم صرح في خطبة المستدرك بخلاف ما فهموه عنه فقال وأنا أستعين الله تعالى على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما فقوله بمثلها أي بمثل رواتها لا بهم أنفسهم ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث وإنما تكون مثلها إذا كانت بنفس رواتها وفيه نظر

قال وتحقيق المثليه أن يكون بعض من لم يخرج عنه في الصحيح مثل من خرج عنه فيه أو أعلى منه عند الشيخين وتعرف المثلية عندهما إما بنصبهما على أن فلانا مثل فلان أو أرفع منه وقلما يوجد ذلك وإما بالألفاظ الدالة على مراتب التعديل كأن يقولا في بعض من احتجا به ثقة أو ثبت أو صدوق أو لا بأس به أو غير ذلك من ألفاظ التعديل ثم يوجد عنهما أنهما قالا ذلك أو أعلى منه في بعض من لا يحتجان به في كتابيهما فيستدل بذلك عل أنه عندهما في رتبة من احتجا به لأن مراتب الرواة معيار معرفتها ألفاظ الجرح والتعديل قال ولكن هنا أمر فيه غموض لا بد من الإشارة إليه وذلك أنهم لا يكتفون في التصحيح بمجرد حال الراوي في العدالة والاتصال من غير نظر إلى غيره بل ينظرون في حاله مع من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلتها أو كونه في بلده ممارسا لحديثه أو غريبا من بلد من أخذ عنه وهذه أمور تظهر بتصفح كلامهم وعملهم في ذلك ا ه كلامه وقال شيخ الإسلام ما اعترض به شيخنا على ابن دقيق العيد والذهبي ليس بجيد لأن الحاكم استعمل لفظة مثل في أعم من الحقيقة والمجاز في الأسانيد والمتون دل على ذلك صنعه فإنه تارة يقول على شرطهما وتارة على شرط البخاري وتارة صحيح الإسناد ولا يعزوه لأحدهما وأيضا فلو قصد بكلمة مثل معناها الحقيقي حتى يكون المراد احتج بغيرها ممن فيهم من الصفات مثل ما في الرواة الذين خرجا عنهم لم يقل قط على شرط البخاري فإن شرط مسلم دونه فما كان على شرطه فهو على شرطهما لأ

حوى شرط مسلم وزاد قال ووراء ذلك كله أن يروي إسناد ملفق من رجالهما كسماك عن عكرمة عن ابن عباس فسماك على شرط مسلم فقط وعكرمة انفرد به البخاري والحق أن هذا ليس على شرط واحد منهما وأدق من هذا أن يرويا عن أناس ثقات ضعفوا في أناس مخصوصين من غير حديث الذين ضعفوا فيهم فيجيء عنهم حديث من طريق من ضعفوا فيه برجال كلهم في الكتابين أو أحدهما فنسبته أنه على شرط من خرج له غلط كأن يقال في هشيم عن الزهري كل من هشيم والزهري أخرجا له فهو على شرطهما فيقال بل ليس على شرط واحد منهما لأنهما إنما أخرجا لهشيم من غير حديث الزهري فإنه ضعف فيه لأنه كان دخل إليه فأخذ منه عشرين حديثا فلقيه صاحب له وهو راجع فسأله روايته وكان ثم ريح شديدة فذهبت بالأوراق من الرجل فصار هشيم يحدث بما علق منها بذهنه ولم يكن أتقن حفظها فوهم في أشياء منها ضعف في الزهري بسببها وكذا همام ضعيف في ابن جريج مع ان كلا منهما أخرجا له لكن لم يخرجا له عن ابن جريج شيئا فعلى من يغزو إلى شرطهما أو شرط واحد منهما ان يسوق ذلك السند بنسق رواية من نسب إلى شرطه ولو في موضع من كتابه وكذا قال ابن الصلاح في شرح مسلم من حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في صحيحه بأنه من شرط الصحيح فقد غفل وأخطأ بل ذلك متوقف على النظر في كيفية رواية مسلم عنه وعلى أي وجه اعتمد عليه

تتمة ألف الحازمي كتابا في شروط الأئمة ذكر فيه شرط الشيخين وغيرهما فقال مذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه وفيمن روى عنهم وهم ثقات أيضا وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزمه إخراجه وعن بعضهم مدخول لا يصح إخراجه إلا في الشواهد والمتابعات وهذا باب فيه غموض وطريقه معرفة طباق الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم ولنوضح ذلك بمثال وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلا على خمس طبقات ولكل طبقة منها مزية على التي تليها وتفاوت ممن كان في الطبقة الأولى فهي الغاية في الصحة وهو غاية قصد البخاري كمالك وابن عيينة ويونس وعقيل الأيليين ( 1 ) وجماعة والثانية شاركت الأولى في العدالة أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري بحيث كان منهم من يلازمه في السفر ويلازمه في الحضر كالليث بن سعد والأوزاعي والنعمان بن راشد والثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأولى كجعفر بن برقان وسفيان بن حسين السلمي وزمعة بن صالح المكى وهم شرط مسلم

وإذا قالوا صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين وذكر الشيخ أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه والثالثة جماعة لزموا الزهري مثل أهل الطبقة الأولى غير أنهم لم يسلموا من غوائل الجرح فهم بين الرد والقبول كمعاوية بن يحيى الصدفي وإسحق بن يحيى الكلبي والمثنى بن الصباح وهم شرط أبي داود والنسائي والرابعة قوم شاركوا الثالثة في الجرح والتعديل وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث الزهري لأنهم لم يلازموه كثيرا وهم شرط الترمذي والخامسة نفر من الضعفاء والمجهولين لا يجوز لمن يخرج الحديث على الأبواب أن يخرج حديثهم إلا على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود فمن دونه فأما عند الشيخين فلا ( وإذا قالوا صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين ) لا اتفاق الأمة قال ابن الصلاح لكن يلزم من اتفاقهما اتفاق الأمة عليه لتلقيهم له بالقبول ( وذكر الشيخ ) يعني ابن الصلاح ( أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه ) قال خلافا لمن نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ قال وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويما ثم بان لي أن الذي اخترناه أولا هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها وقد قال إمام الحرمين لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في

وخالفه المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه و سلم لما ألزمته الطلاق لإجماع علماء المسلمين على صحته قال وإن قال قائل إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتها للشك في الحنث فإنه لو حلف بذلك في حديث ليس هذه صفته لم يحنث وإن كان رواته فساقا فالجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فعدم الحنث محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا حتى تستحب الرجعة قال المصنف ( وخالفه المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر ) قال في شرح مسلم لأن ذلك شأن الآحاد ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما وتلقى الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه بخلاف غيرهما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على القطع بأنه كلام النبي صلى الله عليه و سلم قال وقد اشتد إنكار ابن برهان على من قال بما قاله الشيخ وبالغ في تغليطه وكذا عاب ابن عبد السلام على ابن الصلاح هذا القول وقال إن بعض المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته قال وهو مذهب رديء وقال البلقيني ما قاله النووي وابن عبد السلام ومن تبعهما ممنوع فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح عن جماعة من الشافعية كأبي إسحق وأبي حامد الأسفراييني والقاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحق

الشيرازي وعن السرخسي من الحنفية والقاضي عبد الوهاب من المالكية وأبي يعلى وأبي الخطاب وابن الزاغواني من الحنابلة وابن فورك وأكثر أهل الكلام من الأشعرية وأهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة بل بالغ ابن الطاهر المقدسي في صفة التصوف فألحق به ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه وقال شيخ الإسلام ما ذكره النووي في شرح مسلم من جهة الأكثرين أما المحققون فلا فقد وافق ابن الصلاح أيضا محققون وقال في شرح النخبة الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك قال وهو أنواع منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر فإنه احتف به قرائن منها جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر إلا أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه حيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته قال وماقيل من أنهم إنما اتفقوا على جواب العمل به لا على صحته ممنوع لأنهم اتفقوا على وجوب العمل بكل ما صح ولو لم يخرجاه فلم يبق للصحيحين في هذا مزية والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما يرجع إلى نفس الصحة قال ويحتمل أن يقال المزية المذكورة كون أحاديثهم أصح الصحيح قال ومنها المشهور إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل وممن صرح بإفادته العلم الاستاذ

أبو منصور البغدادي قال ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ حيث لا يكون غريبا كحديث يرويه أحمد مثلا ويشاركه فيه غيره عن الشافعي ويشاركه فيه غيره عن مالك فإنه يفيد العلم عند سماعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته قال وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل العلم فيها إلا للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال الرواة والعلل وكون غيره لا يحصل له العلم لقصوره عن الأوصاف المذكورة لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور وقال ابن كثير وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه قلت وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه نعم يبقى الكلام في التوفيق بينه وبين ما ذكره أولا من المراد بقولهم هذا حديث صحيح أنه وجدت فيه شروط الصحة لا أنه مقطوع به في نفس الأمر فإنه مخالف لما هنا فلينظر في الجمع بينهما فإنه عسر ولم أر من ينبه له تنبيه استثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته فيهما ما تكلم فيه من أحاديثهما فقال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره قال شيخ الإسلام وعدة ذلك مائتان وعشرون حديثا اشتركا في إثنين وثلاثين واختص البخاري بثمانين إلا اثنين ومسلم بمائة فقال المصنف في شرح البخاري ما ضعف من أحاديثهما مبني على علل ليست بقادحة وقال شيخ الإسلام فكأنه مال بهذا إلى أنه ليس فيهما ضعيف وكلامه في شرح مسلم يقتضي تقرير قول من ضعف فكان هذا بالنسبة إلى مقامهما وأنه يدفع عن البخاري ويقرر على مسلم قال العراقي وقد أفردت كتابا

لما تكلم فيه في الصحيحين أو أحدهما مع الجواب عنه قال شيخ الإسلام ولم يبيض هذا الكتاب وعدمت مسودته وقد سرد شيخ الإسلام ما في البخاري من الأحاديث المتكلم فيها في مقدمة شرحه وأجاب عنها حديثا حديثا ورأيت فيما يتعلق بمسلم تأليفا مخصوصا فيما ضعف من أحاديثه بسبب ضعف رواته وقد ألف الشيخ ولي الدين العراقي كتابا في الرد عليه وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مسلم أحاديث مخالفة لشرط الصحيح بعضها أبهم راويه وبعضها فيه إرسال وانقطاع وبعضها فيه وجادة وهي في حكم الانقطاع وبعضها بالمكاتبة وقد ألف الرشيد ( 1 ) العطار كتابا في الرد عليه والجواب عنها حديثا حديثا وقد وقفت عليه وسيأتي نقل ما فيه ملخصا مفرقا في المواضع اللائقة به إن شاء الله تعالى ونعجل هنا بجواب شامل لا يختص بحديث دون حديث قال شيخ الإسلام في مقدمة شرح البخاري الجواب من حيث الإجمال عما انتقد عليهما أنه لا ريب في تقدم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والعلل فإنهم لا يختلفون أن ابن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك ومع ذلك فكان ابن المديني إذا بلغه عن البخاري شيء يقول ما رأى مثل نفسه وكان محمد ابن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري وقد استفاد ذلك منه الشيخان جميعا

وقال مسلم عرضت كتابي على أبي زرعة الرازي فما أشار أن له علة تركته فإذا عرف ذلك وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له علة غير مؤثرة عندهما فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما لا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما ستة أقسام الأول ما يختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة وعلله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه منه وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع والمنقطع ضعيف والضعيف لا يعل الصحيح ومن أمثلة ذلك ما أخرجاه من طريق الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين قال الدارقطني في انتقاده قد خالف منصور فقال ن مجاهد عن ابن عباس وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس قال وحديث الأعمش أصح قال شيخ الإسلام وهذا في التحقيق ليس بعلة فإن مجاهدا لم يوصف بالتدليس وقد صح سماعه من ابن عباس ومنصور عندهم أتقن من الأعمش والأعمش أيضا من الحفاظ فالحديث كيفما دار دار على ثقة والإسناد كيفما دار كان متصلا وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالمزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع

فيما صححه المصنف فينظر إن كان الراوي صحابيا أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكا بينا أو صرح بالسماع إن كان مدلسا من طريق أخرى فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك وإن لم يوجد وكان الانقطاع ظاهرا فمحصل الجواب أنه إنما أخرج مثل ذلك حيث له سائغ وعاضد وحفته قرينة في الجملة تقويه ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع مثاله ما رواه البخاري من حديث أبي مروان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة ان النبي صلى الله عليه و سلم قال لها إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون الحديث قال الدارقطني هذا منقطع وقد وصله حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة ووصله مالك في الموطأ عن أبي الأسود عن عروة كذلك قال شيخ الإسلام حديث مالك عند البخاري مقرون بحديث أبي مروان وقد وقع في رواية الأصيلي ( 1 ) عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة موصولا وعليها اعتمد المزي في الأطراف ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب قال أبو علي الجياني ( 2 ) وهو صحيح وكذا أخرجه الإسماعيلي بإسقاطها

من حديث عبدة بن سليمان ومحاضر وحسان بن إبراهيم كلهم عن هشام وهو المحفوظ من حديثه وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب ثم ساق معها رواية هشام التي أسقطت منها حاكيا للخلاف فيه على عروة كعادته مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بالمستبعد قال وربما علل بعض النقاد أحاديث ادعى فيها الانقطاع لكونها مروية بالمكاتبة والإجازة وهذا لا يلزم منه الانقطاع عند من يسوغ ذلك بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحته عنده القسم الثاني ما تختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الأسناد والجواب عنه أنه إن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدد أو متفاوتين فيخرج الطريقة الراجحة ويعرض عن المرجوحة أو يشير إليها فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف الثالث ما تفرد فيه بعض الرواة بزيادة لم يذكرها أكثر منه أو أضبط وهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع وإلا فهي كالحديث المستقل إلا إن وضح بالدليل القوي أنها مدرجة من كلام بعض رواته فهو مؤثر وسيأتي مثاله في المدرج الرابع ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف وليس في الصحيح من هذا القبيل غير حديثين تبين أن كلا منهما قد توبع

أحدهما حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى الحديث بطوله قال الدارقطني إسماعيل ضعيف قال شيخ الإسلام ولم ينفرد به بل تابعه معن بن عيسى عن مالك ثم إن إسماعيل ضعفه النسائي وغيره وقال أحمد وابن في رواية لا بأس به وقال أبو حاتم محله الصدق وإن كان مغفلا وقد صح أنه أخرج للبخاري أصوله وأذن له أن ينتقي منها وهو مشمر بأن ما أخرجه البخاري عنه من صحيح حديثه لأنه كتب من أصوله وأخرج له مسلم أقل مما أخرج له البخاري ثانيهما حديث أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال كان للنبي صلى الله عليه و سلم فرس يقال له اللحيف ( 1 ) قال الدارقطني أبي ضعيف قال شيخ الإسلام تابعه عليه أخوه عبد المهيمن القسم الخامس ما حكم فيه على بعض الرواة بالوهم فمنه مالا يؤثر قدحا ومنه ما يؤ

السادس ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لإمكان الجمع أو الترجيح انتهى فائدة تتعلق بالمتفق عليه قال الحاكم الحديث الصحيح ينقسم عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها فالأول من المتفق عليها اختيار البخاري ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح وهو الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور إلى آخر كلامه السابق وقد تقدم ما فيه الثاني مثل الأول إلا أنه ليس لراويه الصحابي إلا راو واحد مثاله حديث عروة بن مضرس لا راوي له غير الشعبي وذكر أمثلة أخرى ولم يخرجا هذا النوع في الصحيح قال شيخ الإسلام بل فيهما جملة من الأحاديث عن جماعة من الصحابة ليس لهم إلا راو واحد وقد تعرض المصنف لذلك في نوع الوحدان وسيأتي فيه مزيد كلام الثالث مثل الأول إلا أن راويه من التابعين ليس له إلا راو واحد مثل محمد بن جبير وعبد الرحمن بن فروخ وليس في الصحيح من هذه الروايات شيء وكلها صحيحة قال شيخ الإسلام في نكته بل فيهما القليل من ذلك كعبد الله بن وديعة وعمر بن محمد بن جبير بن مطعم وربيعة بن عطاء

الرابع الأحاديث الأفراد الغرائب التي ينفرد بها ثقة من الثقات كحديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة في النهي عن الصوم إذا انتصف شعبان تركه مسلم لتفرد العلاء به وقد أخرج بهذه النسخة أحاديث كثيرة قال شيخ الإسلام بل فيهما كثير منه لعله يزيد على مائتي حديث وقد أفردها الحافظ ضياء الدين المقدسي وهي المعروفة بغرائب الصحيح الخامس أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ن لم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم إلا عنهم كعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده وإياس بن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده أجدادهم صحابة وأحفادهم ثقات فهذه أيضا يحتج بها مخرجة في كتب الأئمة دون الصحيحين قال شيخ الإسلام ليس المانع من إخراج هذا القسم في الصحيحين كون الرواية وقعت عن الأب عن الجد بل لكون الراوي أو أبيه ليس على شرطهما وإلا ففيهما أو في أحدهما من ذلك رواية علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده ورواية محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده ورواية أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده ورواية إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أبيه عن جده ورواية الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن جدهما ورواية حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده وغير ذلك قال وأما الأقسام المختلف فيها فهي المرسل وأحاديث المدلسين إذا لم

يذكروا سماعهم وما أسنده ثقة وأرسله ثقات وروايات الثقات غير الحفاظ العارفين وروايات المبتدعة إذا كانوا صادقين قال شيخ الإسلام أما الأول والثاني فكما قال وأما الثالث فقد اعترض عليه العلائي بأن في الصحيحين عدة أحاديث اختلف في وصلها وإرسالها قال شيخ الإسلام ولا يرد عليه لأن كلامه فيما هو أعم من الصحيحين وأما الرابع فقال العلائي هو متفق على قبوله والاحتجاج به إذا وجدت فيه شرائط القبول وليس من المختلف فيه البتة ولا يبلغ الحفاظ العارفون نصف رواة الصحيحين وليس كونه حافظا شرطا وإلا لما احتج بغالب الرواة قال شيخ الإسلام إنما فرض الخلاف فيه بين أكثر أهل الحديث وبين أبي حنيفة ومالك قال وأما الخامس فكما ذكر من الاختلاف فيه لكن في الصحيحين أحاديث عن جماعة من المبتدعة عرف صدقهم واشتهرت معرفتهم بالحديث فلم يطرحوا للبدعة قال وقد بقي عليه من الأقسام المختلف فيها رواية مجهول العدالة وكذا قال المصنف في شرح مسلم وقال أبو علي الحسين بن محمد الجياني فيما حكاه المصنف الناقلون سبع طبقات ثلاثة مقبولة وثلاث مردودة والسابعة مختلف فيها فالأولى من المقبولة أئمة الحديث وحفاظهم يقبل تفردهم وهم الحجة على من خالفهم والثانية دونهم في الحفظ والضبط لحقهم بعض وهم والثالثة قوم ثبت صدقهم ومعرفتهم لكن جنحوا إلى مذاهب الأهواء من غير أن يكونوا غلاة ولا دعاة فهذه الطبقات احتمل أهل الحديث الرواية عنهم وعليهم يدور نقل

السادسة من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم ينص
على صحته حافظ معتمد
قال الشيخ لا يحكم بصحته لضعف أهلية أهل هذه الأزمان والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته الحديث والأولى من المردودة من وسم بالكذب ووضع الحديث والثانية من غلب عليه الوهم والغلط والثالثة قوم غلوا في البدعة ودعوا إليها فحرفوا الروايات ليحتجوا بها وأما السابع المختلف فيه فقوم مجهولون انفردوا بروايات فقبلهم قوم وردهم آخرون قال العلائي وهذه الأقسام التي ذكرها ظاهرة لكنها في الرواة انتهى ( السادسة ) من مسائل الصحيح ( من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد ) في شيء من المصنفات المشهورة ( قال الشيخ ) ابن الصلاح ( لا يحكم بصحته لضعف أهلية هذه الأزمان ) قال لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والإتقان قال في المنهل الروي مع غلبة الظن أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة لشدة فحصهم واجتهادهم قال المصنف 0 والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته ) قال العراقي وهو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان ( 1 ) صاحب كتاب الوهم والإ

فيه حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل أخرجه البزار ( 1 ) وحديث أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة أخرجه قاسم بن أصبغ ( 2 ) ومنهم الحافظ ضياء الدين محمد بن الواحد المقدسي ( 3 ) جمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها وصحح الحافظ زكي الدين المنذري ( 4 ) حديث بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك ويونس عن

الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة في غفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر ثم صحح الطبقة التي تلي هذه فصحح الحافظ شرف الدين الدمياطي ( 1 ) حديث جابر ماء زمزم لما شرب له ثم صحح طبقة بعد هذه فصحح الشيخ تقي الدين السبكي ( 2 ) حديث ابن عمر في الزيارة قال ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذلك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذلك منهم وكذا كان المتقدمون ربما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه وقال شيخ الإسلام قد اعترض على ابن الصلاح كل ما اختصر كلامه وكلهم دفع في صدر كلامه من غير إقامة دليل ولا بيان تعليل ومنهم من احتج بمخالفة أهل عصره ومن بعده له في ذلك كابن القطان والضياء المقدسي والزكي المنذري ومن بعدهم كابن المواق ( 3 ) والدمياطي

والمزي ( 1 ) ونحوهم وليس بوارد لأنه لا حجة على ابن الصلاح بعمل غيره وإنما يحتج عليه بإبطال دليل أو معارضته بما هو أقوى منه ومنهم من قال لا سلف له في ذلك ولعله بناه على جواز خلو العصر من المجتهد وهذا إذا انضم إلى ما قبله من أنه لا سلف له فيما ادعاه وعمل أهل عصره ومن بعدهم على خلاف ما قال انتهض دليلا للرد عليه قال ثم إن في عبارته مناقشات منها قوله فإنا لا نتجاسر ظاهره أن الأولى ترك التعرض له لما فيه من التعب والمشقة وإن لم ينهض إلى درجة التعذر فلا يحسن قوله بعد تعذر ومنها أنه ذكر مع الضبط الحفظ والإتقان وليست متغايرة ومنها أنه قابل بعدم الحفظ وجود الكتاب فأفهم أنه يعيب من حدث من كتابه ويصوب من حدث عن ظهر قلبه والمعروف من أئمة الحديث خلاف ذلك وحينئذ فإذا كان الراوي عدلا لكن لا يحفظ ما سمعه عن ظهر قلب واعتمد ما في كتابه فحدث منه فقد فعل اللازم له فحديثه على هذه الصورة صحيح قال وفي الجملة ما استدل به ابن الصلاح من كون الأسانيد ما منها إلا

وفيه من لم يبلغ درجة الضبط المشترطة في الصحيح إن أراد أن جميع الإسناد كذلك فهو ممنوع لأن من جملته من يكون من رجال الصحيح وقل أن يخلو إسناد عن ذلك وإن أراد بعض الإسناد كذلك فمسلم لكن لا ينهض دليلا على التعذر إلا في جزء ينفرد بروايته من وصف بذلك أما الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه كالمسانيد والسنن ما لا يحتاج في صحة نسبتها إلى مؤلفها إلى اعتبار إسناد معين فإن المصنف منهم إذا روى حديثا ووجدت الشرائط فيه مجموعة ولم يطلع المحدث المتقن المطلع فيه على علة لم يمتنع الحكم بصحته ولو لم ينص عليها أحد من المتقدمين قال ثم ما اقتضاه كلامه من قبول التصحيح من المتقدمين ورده من المتأخرين قد يستلزم رد ما هو صحيح وقبول ما ليس بصحيح فكم من حديث حكم بصحته إمام متقدم اطلع المتأخر فيه على علة قادحة تمنع من الحكم بصحته ولا سيما إن كان ذلك المتقدم ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن كابن خزيمة وابن حبان قال والعجب منه كيف يدعي تعميم الخلل في جمع الأسانيد المتأخرة ثم يقبل تصحيح المتقدم وذلك التصحيح إنما يتصل للمتأخر بالإسناد الذي يدعي فيه الخلل فإن كان ذلك الخلل مانعا من الحكم بصحة الإسناد فهو مانع من الحكم بقبول ذلك التصحيح وإن كان لا يؤثر في الإسناد في مثل ذلك لشهرة الكتاب كما يرشد إليه كلامه فكذلك لا يؤثر في الإسناد المعين الذي يتصل به رواية ذلك الكتاب إلى مؤلفه وينحصر النظر في مثل أسانيد ذلك المصنف منه فصاعدا لكن قد يقوى ما ذهب إليه ابن الصلاح بوجه آخر وهو ضعف نظر المتأخرين بالنسبة إلى المتقدمين وقيل إن الحامل لابن الصلاح على ذلك أن المستدرك للحاكم

كتاب كبير جدا يصفو له منه صحيح كثير وهو مع حرصه على جمع الصحيح غزير الحفظ كثير الاطلاع واسع الرواية فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرائط الصحة لم يخرجه وهذا قد يقبل لكنه لا ينهض دليلا على التعذر قلت والأحوط في مثل ذلك أن يعبر عنه بصحيح الإسناد ولا يطلق التصحيح لاحتمال علة للحديث خفيت عليه وقد رأيت من يعبر خشية من ذلك بقوله صحيح إن شاء الله وكثيرا ما يكون الحديث ضعيفا أو واهيا والإسناد صحيح مركب عليه فقد روى ابن عساكر في تاريخه من طريق علي بن فارس ثنا مكي بن بندار ثنا الحسن بن عبد الواحد القزويني ثنا هشام بن عمار ثنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا خلق الله الورد الأحمر من عرق جبريل ليلة المعراج وخلق الورد الأبيض من عرقي وخلق الورد الأصفر من عرق البراق قال ابن عساكر هذا حديث موضوع وضعه من لا علم له وركبه على هذا الإسناد الصحيح تنبيه لم يتعرض المصنف ومن بعده كابن جماعة ( 1 ) وغيره ممن اختصر ابن الصلاح

ومن أراد العمل بحديث من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة والعراقي في الألفية والبلقيني وأصحاب النكت إلا للتصحيح فقط وسكتوا عن التحسين وقد ظهر لي أن يقال فيه إن من جوز التصحيح فالتحسين أولى ومن منع فيحتمل أن يجوزه وقد حسن المزي حديث طلب العلم فريضة مع تصريح الحفاظ بتضعيفه وحسن جماعة كثيرون أحاديث صرح الحفاظ بتضعيفها ثم تأملت كلام ابن الصلاح فرأيته سوى بينه وبين التصحيح حيث قال فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في كتبهم إلى آخره وقد منع فيما سيأتي ووافقه عليه المصنف وغيره أن يجزم بتضعيف الحديث اعتمادا على ضعف إسناده لاحتمال أن يكون له إسناد صحيح غيره فالحاصل أن ابن الصلاح سد باب التصحيح والتحسين والتضعيف على أهل هذه الأزمان لضعف أهليتهم وإن لم يوافق على الأول ولا شك أن الحكم بالوضع أولى بالمنع قطعا إلا حيث لا يخفى كالأحاديث الطوال الركيكة التي وضعها القصاص أو ما فيه مخالفة للعقل أو الإجماع وأما الحكم للحديث بالتواتر أو الشهرة فلا يمتنع إذا وجدت الطرق المعتبرة في ذلك وينبغي التوقف عن الحكم بالفردية والغرابة وعن العزة أكثر ( ومن أراد العمل ) أو الاحتجاج ( بحديث من كتاب ) من الكتب المعتمدة قال ابن الصلاح حيث ساغ له ذلك ( فطريقة أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة )

فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه قال ابن الصلاح ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول وفهم جماعة من هذا الكلام الاشتراط وليس فيه ما يصرح بذلك ولا يقتضيه مع تصريح ابن الصلاح باستحباب ذلك في قسم الحسن حيث قال في الترمذي فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول فأشار بينبغي إلى الاستحباب ولذلك قال المصنف زيادة عليه ( فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه ) ولم يورد ذلك مورد الاعتراض كما صنع في مسألة التصحيح قبله وفي مسألة القطع بما في الصحيحين وصرح أيضا في شرح مسلم بأن كلام ابن الصلاح محمول على الاستظهار والاستحباب دون الوجوب وكذا في المنهل الروي خاتمة زاد العراقي في ألفيته هنا لأجل قول ابن الصلاح حيث ساغ له ذلك أن الحافظ أبا بكر محمد بن خير بن عمر الأموي بفتح الهمزة الإشبيلي ( 1 ) خال أبي القاسم السهيلي ( 2 ) قال في برنامجه اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لحديث من كذب على ولم يتعقبه العراقي وقد تعقبه الزركشي ( 1 ) في جزء له فقال فيما قرأته بخطه نقل الإجماع عجيب وإنما حكى ذلك عن بعض المحدثين ثم هو معارض بنقل ابن برهان إجماع الفقهاء على الجواز فقال في الأوسط ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صح عنده النسخة جاز العمل بها وإن لم يسمع وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها وذلك شامل لكتب الحديث والفقه وقال الكيا الطبري ( 2 ) في تعليقه من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به وقال قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه لأنه لم يسمعه وهذا غلط وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين وقال هم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ( 1 ) في جواب سؤال كتبه إليه أبو محمد ابن عبد الحميد وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها قد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد والإسناد إليها لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها وبعد التدليس ومن اعتقد أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم ولو لا جواز الاعتماد على ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بها وقد رجع الشارع إلى قول الأطباء في صور وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلا عن قوم كفار ولكن لما بعد التدليس فيها اعتمد عليها كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وهم كفار لبعد التدليس قال وكتب الحديث أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها فمن قال إن شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه فقد خرق الإجماع وغاية المخرج أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه ويتكلم على علته وغريبه وفقهه قال وليس الناقل للإجماع مشهورا بالعلم مثل اشتهار هؤلاء الأئمة قال بل نص الشافعي في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه فليت شعري أي إجماع بعد ذلك قال واستدلاله على المنع بالحديث المذكور أعجب وأعجب

النوع الثاني الحسن
قال الخطابي هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله إذ ليس في الحديث اشتراط ذلك وإنما فيه تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله وهذا لا يتوقف على روايته بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصحيح أو كونه نص على صحته إمام وعلى ذلك عمل الناس ( النوع الثاني الحسن ) للناس فيه عبارات ( قال ) أبو سليمان ( الخطابي ( 1 ) هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله ) فأخرج بمعرفة المخرج المنقطع وحديث المدلس قبل بيانه قال ابن دقيق العيد وهذا الحد صادق على الصحيح أيضا فيدخل في حد الحسن وكذا قال ابن الصلاح وصاحب المنهل الروي وأجاب التبريزي بأنه سيأتي أن الصحيح أخص منه ودخول الخاص في حد العام ضرورى والتقييد بما يخرجه عنه مخل للحد قال العراقي وهو متجه قال وقد اعترض ابن رشد ما نقل عن الخطابي بأنه رآه بخط الحافظ أبي علي الجياني واستقر حاله بالسين المهملة وبالقاف

وعليه مدار أكثر الحديث ويقبله أكثر العلماء واستعمله عامة الفقهاء وبالحاء المهملة دون راء في أوله قال وذلك مردود فإن الخطابي قال ذلك في خطبة معالم السنن وهو في النسخ الصحيحة كما نقل عنه وليس لقوله واستقر حاله كبير معنى وقال ابن جماعة يرد على هذا الحد ضعيف عرف مخرجه واشتهر رجاله بالضعف ثم قال الخطابي في تتمة كلامه ( وعليه مدار أكثر الحديث ) لأن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح ( ويقبله أكثر العلماء ) وإن كان بعض أهل الحديث شدد فرد بكل علة قادحة كانت أم لا كما روي عن ابن أبي حاتم أنه قال سألت أبي عن حديث فقال إسناده حسن فقلت يحتج به فقال لا ( واستعمله ) أي عمل به ( عامة الفقهاء ) وهذا الكلام فهمه العراقي زائدا على الحد فأخر ذكره وفصله عنه وقال البلقيني بل هو من جملد الحد ليخرج الصحيح الذي دخل فيه ما قبله بل والضعيف أيضا تنبيه حكى ابن الصلاح بعد كلام الخطابي أن الترمذي حد الحسن بأن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا ويروي من غير وجه نحو ذلك وأن بعض المتأخرين قال هو الذي فيه ضعف قريب محتمل ويعمل به

وقال كل هذا منهم لا يشفي الغليل ( 1 ) وليس في كلام الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح وكذا قال الحافظ أبو عبد الله بن المواق لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ورواته غير متهمين بل ثقات قال ابن سيد الناس ( 2 ) بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح قال العراقي إنه حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد كحديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خرج من الخلاءقال غفرانك فإنه قال فيه حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا نعرف في الباب إلا حديث عائشة قال وأجاب ابن سيد الناس عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه عن غير وجه ما كان راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته قال وأكثر ما في الباب أن الترمذي عرف بنوع منه لا بكل أنواعه وقال شيخ الإسلام قد ميز الترمذي الحسن عن الصحيح بشيئين

أحدهما أن يكون راويه قاصرا عن درجة راوي الصحيح بل وراوي الحسن لذاته وهو أن يكون غير متهم بالكذب فيدخل فيه المستور والمجهول ونحو ذلك وراوي الصحيح لا بد وأن يكون ثقة وراوي الحسن لذاته لا بد وأن يكون موصوفا بالضبط ولا يكفي كونه غير متهم قال ولم يعدل الترمذي عن قوله ثقات وهي كلمة واحدة إلى ما قاله إلا لإرادة قصور رواته عن وصف الثقة كما هي عادة البلغاء الثاني مجيئه من غير وجه على أن عبارة الترمذي فيما ذكره في العلل التي في آخر جامعه وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده إلى آخر كلامه قال ابن سيد الناس فلو قال قائل إن هذا إنما اصطلح عليه في كتابه ولم يقله اصطلاحا عاما لكان له ذلك وقول ابن كثير هذا الذي روى عن الترمذي في أي كتاب قاله وأين إسناده عنه مردود بوجوده في آجر جامعه كما أشرنا إليه وقال بعض المتأخرين قول الترمذي مرادف لقول الخطابي فإن قوله ويروي نحوه من غير وجه كقوله ما عرف مخرجه وقول الخطابي اشتهر رجاله يعني به السلامة من وصمة الكذب كقول الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب وزاد الترمذي ولا يكون شاذا ولا حاجة إليه لأن الشاذ ينافي عرفان المخرج فكأن المصنف أسقطه لذلك لكن قال العراقي تفسير قول الخطابي ما عرف مخرجه بما تقدم من الاحتراز

عن المنقطع وخبر المدلس أحسن لأن الساقط منه بعض الإسناد لا يعرف فيه مخرج الحديث إذ لا يدري من سقط بخلاف الشاذ الذي أبرز كل رجاله فعرف مخرج الحديث من أين وقال البلقيني اشتهار الرجال أخص من قول ولا يكون في الإسناد متهم لشموله المستور وما حكاه ابن الصلاح عن بعض المتأخرين أراد به ابن الجوزي فإنه ذكر ذلك في العلل المتناهية وفي الموضوعات قال ابن دقيق العيد وليس ما ذكره مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره قال البدر بن جماعة وأيضا فيه دور لأنه عرفه بصلاحيته للعمل به وذلك يتوقف على معرفة كونه حسنا قلت ليس قوله ويعمل به من تمام الحد بل زائد عليه لإفادة أنه يجب العمل به كالصحيح ويدل على ذلك أنه فصله من الحد حيث قال ما فيه ضعف قريب محتمل فهو الحديث الحسن ويصلح البناء عليه والعمل به وقال الطيبي ما ذكره ابن الجوزي ( 1 ) مبني على أن معرفة الحسن موقوفة على معرفة الصحيح والضعيف لأن الحسن وسط بينهما فقوله قريب أي قريب مخرجه إلى الصحيح محتمل لكون رجاله مستورين

قال الشيخ هو قسمان أحدهما ما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته وليس مغفلا كثير الخطأ ولا ظهر منه سبب مفسق ويكون متن الحديث معروفا برواية مثله أو نحوه من وجه آخر الثاني أن يكون راويه مشهورا بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة الصحيح لقصوره في الحفظ والإتقان وهو مرتفع عن حال من يعد تفرده منكرا ( قال الشيخ ) ابن الصلاح بعد حكايته الحدود الثلاثة وقوله ما تقدم قد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن 0 هو قسمان أحدهما ما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته وليس مغفلا كثير الخطأ ) فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث ( ولا ظهر منه سبب ) آخر ( مفسق ويكون متن الحديث ) مع ذلك ( معروفا برواية مثله أو نحوه من وجه آخر ) أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر نحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا منكرا قال وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل القسم ( الثاني أن يكون راويه مشهورا بالصدق والأمانة لكن ( لم يبلغ درجة الصحيح لقصوره ) عن رواته ( في الحفظ والإتقان وهو ) مع ذلك ( مرتفع عن حال من يعد تفرده ) أي ما ينفرد به من حديثه ( منكرا ) قال ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا أو منكرا سلامته من أن يكون معللا قال وعلى هذا القسم يتنزل كلام الخطابي قال فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك

قال وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل منهما على ما رأى أنه يشكل معرضا عما رأى أنه لا يشكل أو أنه غفل عن البعض وذهل كلام ابن الصلاح قال ابن دقيق العيد وعليه مؤاخذات ومناقشات وقال ابن جماعة يرد على الأول من القسمين الضعيف والمنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور وروى مثله أو نحوه من وجه آخر وعلى الثاني المرسل الذي اشتهر راويه بما ذكر فإنه كذلك وليس بحسن في الاصطلاح قال ولو قيل الحسن كل حديث خال عن العلل في سنده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان لكان أجمع لما حددوه وأخصر وقال الطيبي لو قيل الحسن مسند من قرب من درجة الثقة أو مرسل ثقة وروى كلاهما من غير وجه وسلم من شذوذ وعلة لكان أجمع الحدود وأضبطها وأبعد عن التعقيد وحد شيخ الإسلام في النخبة الصحيح لذاته بما نقله عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ ثم قال فإن خف بالضبط فهو الحسن لذاته فشرك بينه وبين الصحيح في الشروط إلا تمام الضبط ثم ذكر الحسن لغيره بالاعتضاد وقال شيخنا الإمام تقي الدين الشمني ( 1 ) الحسن خبر متصل قل ضبط راويه

ثم الحسن كالصحيح في الاحتياج به وإن كان دونه في القوة ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصحيح العدل وارتفع عن حال من يعد تفرده منكرا وليس بشاذ ولا معلل قال البلقيني الحسن لما توسط بين الصحيح والضعيف عند الناظر كان شيئا ينقدح في نفس الحافظ وقد تقصر عبارته عنه كما قيل في الاستحسان فلذلك صعب تعريفه وسبقه إلى ذلك ابن كثير تنبيه الحسن أيضا على مراتب كالصحيح قال الذهبي فأعلى مراتبه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن وإسحق عن التيمي وأمثال ذلك مما قيل إنه صحيح وهو من أدنى مراتب الصحيح ثم بعد ذلك ما اختلف في تحسينه وتضعيفه كحديث الحارث بن عبد الله وعاصم بن ضمرة وحجاج بن أرطأة ونحوهم ( ثم الحسن كالصحيح في الاحتجاج به وإن كان دونه في القوة ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصحيح ) كالحاكم وابن حبان وابن خزيمة مع قولهم بأنه دون الصحيح المبين أولا ولا بدع في الاحتجاج بحديث له طريقان لو انفرد كل منهما لم يكن حجة كما في المرسل إذا ورد من وجه آخر مسند أو وافقه مرسل آخر بشرطه كما سيجيء قاله ابن الصلاح وقال في الاقتراح ما قيل من أن الحسن يحتج به فيه إشكال لأن ثم أوصافا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت فإن كان هذا المسمى بالحسن مما وجدت فيه على أقل الدرجات

وقولهم حديث حسن الإسناد أو صحيحة دون قولهم حديث صحيح أو حسن لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد فالظاهر صحة المتن وحسنه وأما قول الترمذي وغيره حديث حسن صحيح فمعناه روى بإسنادين أحدهما يقتضي الصحة والآخر الحسن التي يجب معها القبول فهو صحيح وإن لم توجد لم يجز الاحتجاج به وإن سمي حسنا اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر اصطلاحي بأن يقال إن هذه الصفات لها مراتب ودرجات فأعلاها وأوسطها يسمى صحيحا وأدناها يسمى حسنا وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة ( وقولهم ) أي الحفاظ هذا ( حديث حسن الإسناد أو صحيحه دون قولهم حديث صحيح أو حسن لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد ) لثقة رجاله ( دون المتن لشذوذ أو علة ) وكثيرا ما يستعمل ذلك الحاكم في مستدركه ( فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد ) ولم يذكر له علة ولا قادحا ( فالظاهر صحة المتن وحسنه ) لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر قال شيخ الإسلام والذي لا شك فيه أن الإمام منهم لا يعدل عن قوله صحيح إلى قوله صحيح الإسناد إلا لأمر ما ( وأما قول الترمذي وغيره ) كعلي بن المديني ويعقوب بن شيبة هذا ( حديث حسن صحيح ) وهو مما استشكل لأن الحسن قاصر عن الصحيح فكيف يجتمع إثبات القصور ونفيه في الحديث ( فمعناه ) أنه ( روى بإسنادين أحدهما يقتضي الصحة والآخر يقتضي الحسن ) فصح أن يقال فيه ذلك أي حسن باعتبار إسناد صحيح باعتبار آخر

قال أبو دقيق العيد يرد على ذلك الأحاديث التي قيل فيها ذلك مع أنه ليس لها إلا مخرج واحد كحديث خرجه الترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا وقال فيه حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ وأجاب بعض المتأخرين بأن الترمذي إنما يقول ذلك مريدا تفرد أحد الرواة عن الآخر لا الفرد المطلق قال ويوضح ذلك ما ذكره في الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة يرفعه من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال فيه حسن صحيح غريب من هذا الوجه فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا قال العراقي وهذا الجواب لا يمشي في المواضع التي يقول فيها لا نعرفه إلا من هذا الوجه كالحديث السابق وقد أجاب ابن الصلاح بجواب ثان هو أن المراد بالحسن اللغوي دون الاصطلاحي كما وقع لابن عبد البر حيث روى في كتاب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة الحديث بطوله وقال هذا حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوي فأراد بالحسن حسن اللفظ لأنه من رواية موسى البلقاوي ( 1 ) وهو كذاب نسب إلى الوضع عن عبد الرحيم العمي ( 2 ) وهو متروك

وروينا عن أمية بن خالد قال قلت لشعبة تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي ( 1 ) وتدع عبد الملك بن أبي سليمان وقد كان حسن الحديث فقال من حسنها فررت يعني أنها منكرة وقال النخعي كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن ما عنده قال السمعاني عني بالأحسن الغريب قال ابن دقيق العيد ويلزم على هذا الجواب أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم قال شيخ الإسلام ويلزم عليه أيضا أن كل حديث يوصف بصفة فالحسن تابعه فإن كل الأحاديث حسنة اللفظ بليغة ولما رأينا الذي وقع له هذا كثير الفرق فتارة يقول حسن فقط وتارة صحيح فقط وتارة حسن صحيح وتارة صحيح غريب وتارة حسن غريب عرفنا أنه لا محالة جار مع الاصطلاح مع أنه قال في آخر الجامع وما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا فقد صرح بأنه أراد حسن الإسناد فانتفى أن يريد حسن اللفظ وأجاب ابن دقيق العيد بجواب ثالث وهو أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة إلا حيث انفرد الحسن أما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة لأن وجود الدرجة العليا وهي الحفظ والإتقان لا ينافي وجود الدنيا كالصدق فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة

الدنيا صحيح باعتبار العليا ويلزم على هذا أن كل صحيح حسن وقد سبقه إلى نحو ذلك ابن المواق قال شيخ الإسلام وشبه ذلك قولهم في الراوي صدوق فقط وصدوق ضابط فإن الأول قاصر عن درجة رجال الصحيح والثاني منهم فكما أن الجمع بينهما لا يضر ولا يشكل فكذلك الجمع بين الصحة والحسن ولابن كثير جواب رابع هو أن الجمع بين الصحة والحسن درجة متوسطة بين الصحيح والحسن قال فما تقول فيه حسن صحيح أعلى رتبة من الحسن ودون الصحيح قال العراقي وهذا تحكم لا دليل عليه وهو بعيد ولشيخ الإسلام جواب خامس وهو التوسط بين كلام ابن الصلاح وابن دقيق العيد فيخص جواب ابن الصلاح بماله إسنادان فصاعدا وجواب ابن دقيق العيد بالفرد قال وجواب سادس وهو الذي أرتضيه ولا غبار عليه وهو الذي مشى عليه في النخبة وشرحها أن الحديث إن تعدد إسناده فالوصف راجع إليه باعتبار الإسنادين أو الأسانيد قال وعلى هذا فما قيل فيه ذلك فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا لأن كثرة الطرق تقوي وإلا فبحسب اختلاف النقاد في راويه فيرى المجتهد منهم بعضهم يقول فيه صدوق وبعضهم يقول ثقة ولا يترجح عنده قول واحد منهما أو يترجح ولكنه يريد أن يشير إلى كلام الناس فيه فيقول ذلك وكأنه قال حسن عند قوم صحيح عند قوم قال وغاية ما فيه انه حذف منه حرف التردد لأن حقه أن يقول حسن أو صحيح قال وعلى هذا ما قيل فيه ذلك دون ما قيل فيه صحيح لأن الجزم أقوى من التردد

وأما تقسيم البغوي أحاديث المصابيح إلى حسان وصحاح مريدا بالصحاح ما في الصحيحين وبالحسان ما في السنن فليس بصواب لأن في السنن الصحيح والحسن والضعيف والمنكر وهذا الجواب مركب من جواب ابن الصلاح وابن كثير ( وأما تقسيم البغوي أحاديث المصابيح إلى حسان وصحاح مزيدا بالصحاح ما في الصحيحين وبالحسان ما في السنن فليس بصواب لأن في السنن الصحيح والضعيف والمنكر ) كما سيأتي بيانه ومن أطلق عليها الصحاح كقول السلفي ( 1 ) في الكتب الخمسة اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب وكإطلاق الحاكم على الترمذي الجامع الصحيح وإطلاق الخطيب عليه وعلى النسائي اسم الصحيح فقد تساهل قال التاج التبريزي ولا أزال أتعجب من الشيخين يعني ابن الصلاح والنووي في اعتراضهما على البغوي مع أن المقرر انه لا مشاحة في الاصطلاح وكذا مشى عليه علماء العجم آخرهم شيخنا العلامة الكافيجي في مختصره قال العراقي أجيب عن البغوي بأنه يبين عقب كل حديث الصحيح والحسن والغريب قال وليس كذلك فإنه لا يبين الصحيح من الحسن فيما أورده من السنن بل يسكت ويبين الغريب والضعيف غالبا فالإيراد باق في مزجه صحيح ما في السنن بما فيها من الحسن وقال شيخ الإسلام اراد ابن الصلاح أن يعرف أن البغوي اصطلح لنفسه

فروع أحدها كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن وهو الذي شهره أن يسمى السنن الأربعة الحسان ليغتني بذلك عن أن يقول عقب كل حديث أخرجه أصحاب السنن فإن اصطلاح حادث ليس جاريا على المصطلح العرفي فروع ( أحدها ) في مظنة ( 1 ) الحسن كما ذكر في الصحيح مظانه وذكر في كل نوع مظانه من الكتب المصنفة فيه إلا يسيرا نبه عليه ( كتاب ) أبي عيسى ( الترمذي أصل في معرفة الحسن وهو الذي شهره ) واكثر من ذكره قال ابن الصلاح وإن وجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد والبخاري وغيرهما قال العراقي وكذا مشايخ الطبقة التي قبل ذلك كالشافعي قال في اختلاف الحديث عند ذكر حديث ابن عمر لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا الحديث حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد وقال فيه أيضا وسمعت من يروي بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي صلى الله عليه و سلم أنه ركع دون الصف الحديث وكذا يعقوب بن شيبة ( 2 ) في مسنده وأبو علي الطوسي ( 3 )

وتختلف النسخ منه في قوله حسن صحيح ونحوه فينبغي أن تعتني بمقابلة أصلك بأصول معتمدة وتعتمد ما اتفقت عليه ومن مظانه سنن أبي داود فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ولم يصححه غيره من المعتمدين ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود أكثر من ذلك إلا أنهما ألفا بعد الترمذي ( وتختلف النسخ منه ) أي من كتاب الترمذي ( في قوله حسن أو صحيح ونحوه فينبغي أن تعتني بمقابلة أصلك بأصول معتمدة وتعتمد ما اتفقت عليه ومن مظانه ) أيضا ( سنن أبي داود فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح ) قال وبعضها أصح من بعض ( فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ) ولم يكن في أحد الصحيحين ( ولم يصححه غيره من المعتمدين ) الذين يميزون بين الصحيح والحسن ( ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود ) لأن الصالح للاحتجاج لا يخرج عنهما ولا يرتقي إلى الصحة إلا بنص فالأحوط الاقتصار على الحسن وأحوط منه التعبير عنه بصالح وبهذا التقرير يندفع اعتراض ابن رشيد بأن ما سكت عليه قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن كذلك عند غيره وزاد ابن الصلاح أنه قد لا يكون حسنا عند غيره ولا مندرجا في حد الحسن إذ حكى ابن منده أنه سمع محمد بن سعد البارودي يقول كان من مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه قال ابن منده وكذلك أبو داود يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأى الرجال

وهذا أيضا رأي الإمام أحمد ن فإنه قال إن ضعيف الحديث أحب إليه من رأى الرجال لأنه لا يعدل إلى القياس إلا بعد عدم النص وسيأتي في هذا البحث مزيد كلام حيث ذكر المصنف العمل بالضعيف فعلى ما نقل عن أبي داود يحتمل أن يريد بقوله صالح الصالح للاعتبار دون الاحتجاج فيشمل الضعيف أيضا لكن ذكر ابن كثير أنه روى عنه وما سكت عنه فهو حسن فإن صح ذلك فلا إشكال تنبيه اعترض ابن سيد الناس ما ذكر في شأن سنن أبي داود فقال لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله في ذلك شبيه بعمل مسلم الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره أنه اجتنب الضعيف الواهي وأتى بالقسمين الأول والثاني وحديث من مثل به من الرواة من القسمين الأول والثاني موجود في كتابه دون القسم الثالث قال فهلا ألزم مسلم من ذلك ما ألزم به أبو داود فمعنى كلامهما واحد قال وقول أبي داود وما يشبهه يعني في الصحة ويقاربه يعني فيها ايضا هو نحو قول مسلم ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب ويزيد بن زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان ولا فرق بين الطريقين غير أن مسلما شرط الصحيح فيخرج من حديث الطبقة الثالثة وأبا داود لم يشترطه فذكر ما يشتد وهنه عنده والتزم البيان عنه

قال وفي قول أبي داود إن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر المشترك بينهما في الصحة وإن تفاوتت لما يقتضيه صيغة أفعل في الأكثر وأجاب العراقي بأن مسلما التزم الصحيح بل المجمع عليه في كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه بأنه حسن عنده لما عرف من قصور الحسن عن الصحيح وأبو داود قال إن ما سكت عنه فهو صالح والصالح يشمل الصحيح والحسن فلا يرتقي إلى الأول إلا بيقين وثم اجوبة أخرى منها أن العملين إنما تشابها في أن كلا أتى بثلاثة اقسام لكنها في سنن أبي داود راجعة إلى متون الحديث وفي مسلم إلى رجاله وليس بين ضعف الرجل وصحة حديثه منافاة ومنها أن أبا داود قال ما كان فيه وهن شديد بينته ففهم أن ثم شيئا فيه وهن غير شديد لم يلتزم بيانه ومنها أن مسلما إنما يروي عن الطبقة الثالثة في المتابعات لينجبر القصور الذي في رواية من هو من الطبقة الثانية ثم أن يقل من حديثهم جدا وأبو داود بخلاف ذلك فوائد الأولى من مظان الحسن أيضا سنن الدارقطني ( 1 ) فإنه نص على كثير منه قاله ابن الصلاح

الثانية عدة أحاديث كتاب أبي داود أربعة آلاف وثمانمائة حديث وهو روايات أتمها رواية أبي بكر بن داسة ( 1 ) والمتصلة الآن بالسماع رواية أبي علي اللؤلؤي ( 2 ) الثالثة قال أبو جعفر بن الزبير أولى ما أرشد إليه ما اتفق المسلمون على اعتماده وذلك الكتب الخمسة والموطأ الذي تقدمها وضعا ولم يتأخر عنها رتبة وقد اختلفت مقاصدهم فيها وللصحيحين فيها شفوف وللبخاري لمن أراد التفقه مقاصد جليلة ولأبي داود في حصر أحاديث الإحكام واستيعابها ما ليس لغيره وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه غيره وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلها ( 3 )

وأما مسند أحمد بن حنبل وأبي داود الطيالسي وغيرهما من المسانيد فلا تلتحق بالاصول الخمسة وما أشبهها في الاحتجاج بها وقال الذهبي انحطت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي لإخراجه حديث المصلوب والكلبي ( 1 ) وأمثالهما ( وأما مسند الإمام أحمد بن حنبل وأبي داود الطيالسي وغيرهما من المسانيد ) قال ابن الصلاح كمسند عبيد الله بن موسى وإسحاق بن راهويه والدارمي وعبد بن حميد وأبي يعلى الموصلي والحسن بن سفيان وأبي بكر البزار فهؤلاء عادتهم أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير مقيدين بأن يكون محتجا به أولا ( فلا تلتحق بالأصول الخمسة وما أشبهها ) قال ابن جماعة من الكتب المبوبة كسنن ابن ماجة ( 2 ) ( في الاحتجاج بها

والركون إلى ما فيها ) والركون الى ما فيها لأن المصنف على الأبواب إنما يورد أصح ما فيه ليصلح للاحتجاج تنبيهات الأول اعترض على التمثيل بمسند أحمد بأنه شرط في مسنده الصحيح قال العراقي ولا نسلم ذلك والذي رواه عنه أبو موسى المديني أنه سئل عن حديث فقال انظروه فإن كان في المسند وإلا فليس بحجة فهذا ليس بصريح في أن كل ما فيه حجة بل ما ليس فيه ليس بحجة قال على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيحين وليست فيه ومنها حديث عائشة في قصة أم زرع قال وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء ولعبد الله ابنه فيه زيادات فيها الضعيف والموضوع وقد ألف شيخ الإسلام كتابا في رد ذلك سماه القول المسدد في الذب عن المسند قال في خطبته فقد ذكرت في هذه الأوراق ما حضرني من الكلام على الأحاديث التي زعم بعض أهل الحديث أنها موضوعة وهي في مسند أحمد ذبا عن هذا التصنيف العظيم الذي تلقته الأمة بالقبول والتكريم وجعله إمامهم حجة يرجع إليه ويعول عند الاختلاف عليه ثم سرد الأحاديث التي جمعها العراقي وهي تسعة وأضاف إليها خمسة عشر حديثا أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي فيه وأجاب عنها حديثا حديثا قلت وقد فاته أحاديث أخر أوردها ابن الجوزي وهي فيه وجمعتها في جزء سميته الذيل الممهد مع الذب عنها وعدتها أربعة عشر حديثا

وقال شيخ الإسلام في كتابه تعجيل المنفعة في رجال الأربعة ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة منها حديث عبد الرحمن ابن عوف أنه يدخل الجنة زحفا ( 1 ) قال والاعتذار عنه أنه مما أمر احمد بالضرب عليه فترك سهوا أو ضرب وكتب من تحت الضرب وقال في كتابه تجريد زوائد مسند البزار إذا كان الحديث في مسند أحمد لم نعزه إلى غيره من المسانيد وقال الهيثمي في زوائد المسند مسند أحمد أصح صحيحا من غيره وقال ابن كثير لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته وقد فاته أحاديث كثيرة جدا بل قيل إنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريبا من مائتين وقال الحسيني في كتابه التذكرة في رجال العشرة عدة أحاديث المسند أربعون ألفا بالمكرر الثاني قيل وإسحاق يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي فيما ذكره أبو زرعة الرازي عنه قال العراقي ولا يلزم من ذلك أن يكون جميع ما فيه صحيحا بل هو أمثلة بالنسبة لما تركه وفيه الضعيف الثالث قيل ومسند الدارمي ( 2 ) ليس بمسند بل هو مرتب على الأبواب

وقد سماه بعضهم بالصحيح قال شيخ الإسلام ولم أر لمغلطاي ( 1 ) سلفا في تسمية الدارمي صحيحا إلا قوله أنه رآه بخط المنذري وكذا قال العلائي وقال شيخ الإسلام ليس دون السنن في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أمثل من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير وقال العراقي اشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخاري كتابه بالمسند لكون أحاديثه مسندة قال إلا أن فيه المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع كثيرا على أنهم ذكروا في ترجمة الدارمي أن له الجامع والمسند والتفسير وغير ذلك فلعل الموجود الآن هو الجامع والمسند فقد الرابع قيل ومسند البزار يبين فيه الصحيح من غيره قال العراقي ولم يفعل ذلك إلا قليلا إلا أنه يتكلم في تفرد بعض رواة الحديث ومتابعة غيره عليه فائدة قال العراقي يقال إن أول مسند صنف مسند الطيالسي ( 2 ) قيل والذي

الثاني إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة الحافظ الضابط مشهورا بالصدق والستر فروى حديثه من غير وجه قوي وارتفع من الحسن إلى الصحيح حمل قائل هذا القول عليه تقدم عصر ابي داود على أعصار من صنف المسانيد وظن أنه هو صنفه وليس كذلك فإنما هو من جمع بعض الحفاظ الخرسانيين جمع فيه ما رواه يونس بن حبيب خاصة عنه وشذ عنه كثير منه ويشبه هذا مسند الشافعي فإنه ليس تصنيفه وإنما لقطه بعض ( 1 ) الحفاظ النيسابوريين من مسموع الأصم من الأم وسمعه عليه فإنه كان سمع الأم أو غالبها على الربيع عن الشافعي وعمر وكان آخر من روى عنه وحصل له صمم فكان في السماع عليه مشقة ( الثاني إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة الحافظ الضابط ) مع كونه ( مشهورا بالصدق والستر ) وقد علم أن من هذا حاله فحديثه حسن ( فروى حديثه من غير وجه ) ولو وجها واحدا كما يشير إليه تعليل ابن الصلاح ( قوى ) بالمتابعة وزال ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء الحفظ وانجبر بها ذلك النقص اليسير ( وارتفع ) حديثه ( من ) درجة ( الحسن إلى ) درجة ( الصحيح ) قال ابن الصلاح مثاله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن

الثالث إذا روى الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة فحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكن لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم إلى ذلك كونه روى من آخر حكمنا بصحته والمتابعة في هذا الحديث ليست لمحمد عن أبي سلمة بل لأبي سلمة عن أبي هريرة فقد رواه عنه أيضا الأعرج وسعيد المقبري وأبوه وغيرهم ومثل غير ابن الصلاح بحديث البخاري عن أبي بن العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده في ذكر خيل النبي صلى الله عليه و سلم فإن أبيا هذا ضعفه لسوء حفظه أحمد وابن معين والنسائي وحديثه حسن لكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن فارتقى إلى درجة الصحة ( الثالث إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها ) أنه ( حسن بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر ) وعرفنا بذلك أنه قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه ( وصار ) الحديث ( حسنا ) بذلك كما رواه الترمذي وحسنه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول لله صلى الله عليه و سلم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجاز

وكذا إذا كان ضعفها لإرسال زال بمجيئه من وجه آخر وأما الضعف لفسق الراوي فلا يؤثر فيه موافقة غيره قال الترمذي وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وأبي حدرد فعاصم ضعيف لسوء حفظه وقد حسن له الترمذي هذا الحديث لمجيئه من غير وجه ( وكذا إذا كان ضعفها لإرسال ) أو تدليس أو جهالة رجال كما زاده شيخ الإسلام ( زال بمجيئه من وجه آخر ) وكان دون الحسن لذاته مثال الأول يأتي في نوع المرسل ومثال الثاني ما رواه الترمذي وحسنه من طريق هشيم عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب مرفوعا إن حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة وليمس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب فهشيم موصوف بالتدليس لكن لما تابعه عند الترمذي أبو يحيى التيمي وكان للمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وغيره حسن ( وأما الضعيف لفسق الراوي ) أو كذبه ( فلا يؤثر فيه موافقة غيره ) له إذا كان الآخر مثله لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر نعم يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكرا أو لا أصل له صرح به شيخ الإسلام قال بل ربما كثرت الطرق حتى أوصلته إلى درجة المستور السيء الحفظ بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن خاتمة من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول الجيد والقوي والصالح

والمعروف والمحفوظ والمجود والثابت فأما الجيد فقال شيخ الإسلام في الكلام على أصح الأسانيد لما حكى ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل أن أصحها الزهري عن سالم عن أبيه عبارة أحمد أجود الأسانيد كذا أخرجه الحاكم قال هذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصحيح ولذا قال البلقيني بعد أن نقل ذلك من ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة وفي جامع الترمذي في الطب هذا حديث جيد حسن وكذا قال غيره لا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصحيح فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح وكذا القوي وأما الصالح فقد تقدم في شأن سنن ابي داود أنه شامل للصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار وأما المعروف فهو مقابل المنكر والمحفوظ مقابل الشاذ سيأتي تقرير ذلك في نوعيهما والمجود والثابت يشملان أيضا الصحيح قلت ومن ألفاظهم أيضا المشبه وهو يطلق على الحسن وما يقاربه فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح قال أبو حاتم أخرج عمرو بن حصين الكلابي أول شيء أحاديث مشبهة حسانا ثم أخرج بعد أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا

النوع الثالث الضعيف
وهو ما لم يجمع صفة الصحيح أو الحسن ( النوع الثالث الضعيف وهو ما لم يجمع صفة الصحيح أو الحسن ) جمعهما تبعا لابن الصلاح وإن قيل إن الاقتصار على الثاني أولى لأن ما لم يجمع صفة الحسن فهو عن صفات الصحيح أبعد ولذلك لم يذكره ابن دقيق العيد قال ابن الصلاح وقد قسمه ابن حبان إلى خمسين إلا قسما قال شيخ الإسلام ولم نقف عليها ثم قسمه ابن الصلاح إلى أقسام كثيرة باعتبار فقد صفة من صفات القبول الستة وهي الاتصال والعدالة والضبط والمتابعة في المستور وعدم الشذوذ وعدم العلة ز وباعتبار فقد صفة مع صفة أخرى تليها أولا أو مع أكثر من صفة إلى أن تفقد الستة فبلغت فيما ذكره العراقي في شرح الألفية اثنين وأربعين قسما ووصله غيره إلى ثلاثة وستين وجمع في ذلك شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي كراسة ونوع ما فقد الاتصال إلى ما سقط منه الصحابي أو واحد غيره او اثنان وما فقد العدالة إلى ما في سنده ضعيف أو مجهول وقسمها بهذا الاعتبار إلى مائة وتسعة وعشرين قسما باعتبار العقل وإلى واحد وثمانين باعتبار إمكان الوجود وإن لم يتحقق وقوعها وقد كنت أردت بسطها في هذا الشرح ثم رأيت شيخ الإسلام قال إن ذلك تعب ليس وراءه أرب فإنه لا يخلو إما أن يكون لأجل معرفة مراتب الضعيف وما كان منها أضعف أولا فإن كان الأول فلا يخلو من أن يكون لأجل أن يعرف أن ما فقد من الشرط أكثر أضعف أولا فإن كان الأول فليس كذلك لأن لنا ما يفقد شرطا واحدا أو يكون أضعف لا يفقد الشروط الخمسة الباقية وهو ما فقد الصدق وإن كان الثاني فما هو وإن كان لأمر غير معرفة الأضعف

ويتفاوت ضعفه كصحة الصحيح فإن كان لتخصيص كل قسم باسم فليس كذلك فإنهم لم يسموا منها إلا القليل كالمعضل والمرسل ونحوهما أو لمعرفة كم يبلغ قسما بالبسط فهذه ثمرة مرة أو لغير ذلك فما هو انتهى فلذلك عدلت عن تسويد الأوراق بتسطيره ( ويتفاوت ضعفه ) بحسب شدة ضعف رواته وخفته وقوله ( كصحة الصحيح ) إشارة إلى أن منه أوهى كما أن في الصحيح أصح قال الحاكم فأوهى أسانيد الصديق صدقه الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عنه وأوهى أسانيد اهل البيت عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث الأعور عن علي رضي الله تعالى عنه وأوهى أسانيد العمريين محمد بن عبد الله بن القاسم بن عمر بن حفص بن عاصم عن أبيه عن جده فإن الثلاثة لا يحتج بهم وأوهى أسانيد ابي هريرة السري بن إسماعيل عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه عنه وأوهى أسانيد عائشة نسخة عند البصريين عن الحارث بن شبل عن أم النعمان عنها وأوهى اسانيد ابن مسعود شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عنه وأوهى أسانيد أنس داود بن المحبر عن قحذم عن أبيه عن أبان بن أبي عياش عنه وأوهى أسانيد المكيين عبد الله بن ميمون القداح عن شهاب بن خراش عن إبراهيم بن يزيد الخوري عن عكرمة عن ابن عباس

ومنه ما له لقب خاص كالموضوع والشاذ وغيرهما وأوهى أسانيد اليمانيين حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال البلقيني فيهما لعله أراد إلا عكرمة فإن البخاري يحتج به قلت لا شك في ذلك وأما أوهى أسانيد ابن عباس مطلقا فالسدى الصغير محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عنه قال شيخ الإسلام هذه سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب ثم قال الحاكم وأوهى أسانيد المصريين أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين عن أبيه عن جده عن قرة بن عبد الرحمن عن كل من روى عنه فإنها نسخة كبيرة وأوهى أسانيد الشاميين محمد بن قيس المصلوب عن عبيد بن زحر عن علي ابن زيد عن القاسم عن أبي أمامة وأوهى أسانيد الخراسانيين عبد الرحمن بن مليحة عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس ( ومنه ) أي الضعيف ( ما له لقب خاص كالموضوع والشاذ وغيرهما ) كالمقلوب والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل والمنكر ( 1 ) فائدة صنف ابن الجوزي كتابا في الأحاديث الواهية وأورد فيه جملا في كثير منها عليه انتقاد

النوع الرابع المسند
قال الخطيب البغدادي هو عند أهل الحديث ما اتصل سنده إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم دون غيره وقال ابن عبد البر هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم خاصة متصلا كان أو منقطعا وقال الحاكم وغيره لا يستعمل إلا في المرفوع المتصل ( النوع الرابع ) من مطلق أنواع علوم الحديث لا خصوص التقسيم السابق كما صرح به ابن الصلاح ( المسند قال الخطيب ) أبو بكر ( البغدادي ) في الكفاية ( هو عند أهل الحديث ما اتصل سنده ) من راويه ( إلى منتهاه ) فشمل المرفوع والموقوف والمقطوع وتبعه ابن الصباغ في العدة والمراد اتصال السند ظاهرا فيدخل ما فيه انقطاع خفي كعنعنة المدلس والمعاصر الذي لم يثبت لقيه لإطباق من خرج المسانيد على ذلك قال المصنف كابن الصلاح ( و ) لكن ( أكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم دون غيره وقال ابن عبد البر ) في التمهيد 0 هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم خاصة متصلا كان ) كمالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أو منقطعا ) كمالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فهذا مسند لأنه قد أسند إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس وعلى هذا القول يستوي المسند والمرفوع وقال شيخ الإسلام يلزم عليه أن يصدق على المرسل والمعضل والمنقطع إذا كان مرفوعا ولا قائل به ( وقال الحاكم وغيره لا يستعمل إلا في المرفوع المتصل ) بخلاف الموقوف والمرسل والمعضل والمدلس وحكاه ابن عبد البر عن قوم من

النوع الخامس المتصل
ويسمى الموصول وهو ما اتصل إسناده مرفوعا كان أو موقوفا على من كان
النوع السادس المرفوع
وهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم خاصة أهل الحديث وهو الأصح وليس ببعيد من كلام الخطيب وبه جزم شيخ الإسلام في النخبة فيكون أخص من المرفوع قال الحاكم من شرط المسند أن لا يكون في إسناده أخبرت عن فلان ولا حدثت عن فلان ولا بلغني عن فلان ولا أظنه مرفوعا ولا رفعه فلان ( النوع الخامس المتصل ويسمى الموصول ( أيضا ( وهو ما اتصل إسناده ) قال ابن الصلاح بسماع كل واحد من رواته ممن فوقه قال ابن جماعة أو إجازته إلى منتهاه ( مرفوعا كان ) إلى النبي صلى الله عليه و سلم ( أو موقوفا على من كان ) هذا اللفظ الأخير زاده المصنف على ابن الصلاح وتبعه ابن جماعة فقال على غيره فشمل أقوال التابعين ومن بعدهم وابن الصلاح قصره على المرفوع والموقوف ثم مثل الموقوف بمالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر وهو ظاهر في اختصاصه بالموقوف على الصحابي وأوضحه العراقي فقال وأما أقوال التابعين إذا اتصلت الأسانيد إليهم فلا يسمونها متصلة في حالة الإطلاق أما مع التقييد فجائز وواقع في كلامهم كقولهم هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري أو إلى مالك ونحو ذلك وقيل والنكتة في ذلك أنها تسمى مقاطيع فإطلاق المتصل عليها كالوصف لشيء واحد بمتضادين لغة ( النوع السادس المرفوع وهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم خاصة )

لا يقع مطلقه على غيره متصلا كان أو منقطعا وقيل هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي صلى الله عليه و سلم أو قوله

النوع السابع الموقوف
وهو المروي عن الصحابة قولا لهم أو فعلا أو نحوه متصلا كان أو منقطعا ويستعمل في غيرهم مقيدا فيقال وقفه فلان على الزهري ونحوه وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر قولا كان أو فعلا أو تقريرا ( لا يقع مطلقه على غيره متصلا كان أو منقطعا ) بسقوط الصحابي منه أو غيره ( وقيل ) أي قال الخطيب ( هو ما أخبر به عن فعل النبي صلى الله عليه و سلم أو قوله ) فأخرج بذلك المرسل قال شيخ الإسلام الظاهر أن الخطيب لم يشترط ذلك وأن كلامه خرج مخرج الغالب لأن غالب ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه و سلم إنما يضيفه الصحابي قال ابن الصلاح ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل أي حيث يقولون مثلا رفعه فلان وأرسله فلان فقد عنى بالمرفوع المتصل ( النوع السابع الموقوف هو المروي عن الصحابة قولا لهم أو فعلا أو نحوه ) أي تقريرا ( متصلا كان ) إسناده ( أو منقطعا ويستعمل في غيرهم ) كالتابعين ( مقيدا فيقال وقفه فلان على الزهري ونحوه وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر ) قال أبو القاسم الفوراني منهم الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم والأثر ما يروى عن الصحابة وفي نخبة شيخ الإسلام ويقال للموقوف والمقطوع الأثر قال المصنف زيادة

وعند المحدثين كل هذا يسمى أثرا فروع أحدها قول الصحابي كنا نقول أو نفعل كذا إن لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه و سلم فهو موقوف وإن إضافه فالصحيح أنه مرفوع على ابن الصلاح ( وعند المحدثين كل هذا يسمى أثرا ) لأنه مأخوذ من أثرت الحديث أي رويته فروع ذكرها ابن الصلاح بعد النوع الثامن وذكرها هنا أليق ( أحدها قول الصحابي كنا نقول ) كذا ( أو نفعل كذا ) أو نرى كذا ( إن لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه و سلم فهو موقوف ) كذا قال ابن الصلاح تبعا للخطيب وحكاه المصنف في شرح مسلم عن الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول وأطلق الحاكم والرازي والآمدي أنه مرفوع وقال ابن الصباغ إنه الظاهر ومثله بقول عائشة رضي الله عنها كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه وحكاه المصنف في شرح المهذب عن كثير من الفقهاء قال وهو قوي من حيث المعنى وصححه العراقي وشيخ الإسلام ومن أمثلته ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله قال كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا ( وإن أضافه فالصحيح ) الذي قطع به الجمهور من أهل الحديث والأصول ( أنه مرفوع ) قال ابن الصلاح لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم اطلع على ذلك وقررهم عليه لتوفر دواعيهم على سؤالهم عن أمور دينهم

وقال الإمام الإسماعيلي موقوف والصواب الأول وكذا قوله كنا لا نرى بأسا بكذا في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم أو وهو فينا أو بين أظهرنا أو كانوا يقولون أو يفعلون أو لا يرون بأسا بكذا في حياته صلى الله عليه و سلم فكله مرفوع ومن المرفوع قول المغيرة كان أصحاب وتقريره أحد وجود السنن المرفوعة ومن أمثلة ذلك قول جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجه الشيخان وقوله كنا نأكل لحوم الخيل على عهد النبي صلى الله عليه و سلم رواه النسائي وابن ماجه ( وقال الإمام ) أبو بكر ( الإسماعيلي ( 1 ) ) إنه ( موقوف وهو بعيد جدا ( والصواب الأول ) قال المصنف في شرح مسلم وقال آخرون إن كان ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا كان مرفوعا وإلا كان موقوفا وبهذا قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فإن كان في القصة تصريح باطلاعه صلى الله عليه و سلم فمرفوع إجماعا كقول ابن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه و سلم حي افضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا ينكره رواه الطبراني في الكبير والحديث في الصحيح بدون التصريح المذكور ( وكذا قوله ) أي الصحابي ( كنا لا نرى بأسا بكذا في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم أو وهو فينا أو ) وهو ( بين أظهرنا أو كانوا يقولون أو يفعلون أو لا يرون بأسا بكذا في حياته صلى الله عليه و سلم فكله مرفوع ) مخرج في كتب المسانيد ( ومن المرفوع قول المغيرة بن شعبة كان أصحاب

رسول الله يقرعون بابه بالأظافير رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرعون بابه بالأظافير ) قال ابن الصلاح بل هو أحرى باطلاعه صلى الله عليه و سلم عليه وقال الحاكم هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا لذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف وواقفه الخطيب وليس كذلك قال وقد كنا أخذناه عليه ثم تأولناه على أنه ليس بمسند لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى قال وكذا سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى والحديث المذكور أخرجه البخاري في الأدب من حديث أنس وعن شيخ الإسلام تعب الناس في التفتيش عليه من حديث المغيرة فلم يظفروا به قلت قد ظفرت به بلا تعب ولله الحمد فأخرجه البيهقي في المدخل قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في علوم الحديث وحدثني الزبير بن عبد الواحد حدثنا محمد ابن أحمد الدبيقي ثنا زكريا بن يحيى المنقري ثنا الأصمعي ثنا كيسان مولى هشام ابن حسان عن محمد بن حسان عن محمد بن سيرين عن المغيرة بن شعبة فذكره ثم أشار بعده إلى حديث أنس ومن المرفوع أيضا اتفاقا الأحاديث التي فيها ذكر صفة النبي صلى الله عليه و سلم ونحو ذلك أما قول التابعي ما تقدم فليس بمرفوع قطعا ثم إن لم يضفه إلى زمن الصحابة فمقطوع لا موقوف وإن أضافه فاحتمالان للعراقي وجه المنع أن تقرير الصحابي قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبي صلى الله عليه و سلم ولو قال كانوا يفعلون فقال المصنف في شرح مسلم لا يدل على فعل جميع الأمة فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع فيكون نقلا له وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف

الثاني قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو من السنة كذا أو أمر بلال أن يشفع الاذان وما أشبهه كله مرفوع على الصحيح الذي قاله الجمهور وقيل ليس بمرفوع ( الثاني قول الصحابي أمرنا بكذا ) كقول أم عطية أمرنا أن لا نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين أخرجه الشيخان ( أو نهينا عن كذا ) كقوله أيضا نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا أخرجاه أيضا ( أو من السنة كذا ) كقول علي من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة رواه أبو داود في رواية ابن داسة وابن الأعرابي ( 1 ) ( أو أمر بلال أن يشفع الأذان ) ويؤثر الإقامة أخرجاه عن أنس ( وما أشبهه كله مرفوع على الصحيح الذي قاله الجمهور ) قال ابن الصلاح لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي ومن يجب اتباع سنته وهو رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال غيره لأن مقصود الصحابي بيان الشرع لا اللغة ولا العادة والشرع يتلقى من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ولا يصح أن يريد أمر الكتاب لكون ما في الكتاب مشهورا يعرفه الناس ولا الإجماع لأن المتكلم بهذا من أهل الإجماع ويستحيل أمره نفسه ولا القياس إذ لا أمر فيه فتعين كون المراد أمر الرسول صلى الله عليه و سلم ( وقيل ليس بمرفوع ) لاحتمال أن يكون الآمر غيره كأمر القرآن أو الإجماع أو بعض الخلفاء أو الاستنباط وأن يريد سنة غيره وأجيب ببعد ذلك مع أن الأصل الأول وقد روى البخاري في صحيحه في حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في قصته مع الحجاج حين قال له إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة

قال ابن شهاب فقلت لسالم أفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال وهل يعنون بذلك إلا سنته فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي صلى الله عليه و سلم وأما قول بعضهم إن كان مرفوعا فلم لا يقولون فيه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فجوابه أنهم تركوا الجزم بذلك تورعا واحتياطا ومن هذا قول أبي قلابة عن أنس من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا أخرجاه قال ابو قلابة لو شئت لقلت إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم أي لو قلت لم أكذب لأن قوله من السنة هذا معناه لكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابي أولى وخصص بعضهم الخلاف بغير الصديق أما هو فإن قال ذلك فمرفوع بلا خلاف قلت ويؤيد الوقف في غيره ما أخرجه ابن ابي شيبة في المصنف عن حنظلة السدوسي قال سمعت انس بن مالك يقول كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين ثم يضرب به فقلت لأنس في زمان من كان هذا قال في زمان عمر ابن الخطاب فإن صرح الصحابي بالآمر كقوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا خلاف فيه إلا ما حكى عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لفظه وهذا ضعيف بل باطل لأن الصحابي عدل عارف باللسان فلا يطلق ذلك إلا بعد التحقيق قال البلقيني وحكم قوله من السنة قول ابن عباس في متعة الحج سنة ابي القاسم وقول عمرو بن العاص في عدة أم الولد لا تلبسوا علينا سنة نبينا رواه أبو داود وقول عمر في المسح أصبت السنة صححه الدارقطني في سننه قال وبعضها اقرب من بعض واقربها للرفع سنة أبي القاسم

ولا فرق بين قوله في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم أو بعده ويليها سنة نبينا ويلي ذلك أصبت السنة ( ولا فرق بين قوله ) أي الصحابي ما تقدم ( في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم أو بعده ) أما إذا قال ذلك لتابعي فجزم ابن الصباغ في العدة أنه مرسل وحكى فيه إذا قاله ابن المسيب وجهين هل يكون حجة أو لا وللغزالي فيه احتمالان بلا ترجيح هل يكون موقوفا أو مرفوعا مرسلا وكذا قوله من السنة له وجهان حكاهما المصنف في شرح مسلم وغيره وصحح وقفه وحكى الداودي يرفع عن التقديم تكملة من المرفوع أيضا ما جاء عن الصحابي ومثله لا يقال من قبل الرأي ولا مجال للاجتهاد فيه فيحمل على السماع جزم به الرازي في المحصول وغير واحد من الحديث وترجم على ذلك الحاكم في كتابه معرفة المسانيد التي لا يذكر عددها ومثله بقول ابن مسعود من أتى ساحرا أو عرافا فقد كفر بما أنزل به محمد صلى الله عليه و سلم وقد أدخل ابن عبد البر في كتابه التقصي عدة أحاديث من ذلك مع أن موضوع الكتاب للمرفوعة منها حديث سهل بن خيثمة في صلاة الخوف وقال في التمهيد هذا الحديث موقوف على سهل مثله لا يقال من قبل الرأي نقل ذلك العراقي وأشار إلى تخصيصه بصحابي يأخذ عن أهل الكتاب وصرح بذلك شيخ الإسلام في شرح النخبة جازما ومثله بالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وإخبار الأنبياء والآتية ! والفتن وأحوال يوم القيامة وعما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب

الثالث إذا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي يرفعه أو ينميه أو يبلغ به او رواية كحديث الأعرج عن أبي هريرة رواية تقاتلون صغار الأعين مخصوص قال ومن ذلك فعله ما لا مجال للاجتهاد فيه فينزل على أن ذلك عنده عن النبي صلى الله عليه و سلم كما قال الشافعي في صلاة علي في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين قال ومن ذلك حكمه على فعل من الأفعال بأنه طاعة لله أو لرسوله أو معصية كقوله من صام يوم الشك فقد عصى ابا القاسم وجزم بذلك أيضا الزركشي في مختصره نقلا عن ابن عبد البر وأما البلقيني فقال الأقرب أن هذا ليس بمرفوع لجواز إحالة الإثم على ما ظهر من القواعد وسبقه إلى ذلك ابو القاسم الجوهري نقله عنه ابن عبد البر ورده عليه الثالث إذا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي يرفعه ) أو رفع الحديث ( أو ينميه أو يبلغ به ) كقول ابن عباس الشفاء في ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية نار رفع الحديث رواه البخاري وروى مالك في الموطأ عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك وكحديث الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به الناس تبع لقريش أخرجاه ( أو رواية كحديث الأعرج عن أبي هريرة رواية تقاتلون قوما صغار الأعين ) ( 1 ) أخرجه

فكل هذا وشبهه مرفوع عند أهل العلم وإذا قيل عند الثابعي يرفعه فمرفوع مرسل وأما قول من قال تفسير الصحابي مرفوع البخاري ( فكل هذا وشبهه ) قال شيخ الإسلام كيرويه ورواه بلفظ الماضي ( مرفوع عند أهل العلم وإذا قيل عند التابعي يرفعه ) أو سائر الألفاظ المذكورة ( فمرفوع مرسل ) قال شيخ الإسلام ولم يذكروا ما حكم ذلك لو قيل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال وقد ظفرت لذلك بمثال في مسند البزار عن النبي صلى الله عليه و سلم يرويه أي عن ربه عز و جل فهو حينئذ من الأحاديث القدسية تكملة ومن ذلك الاقتصار على القول مع حذف القائل كقول ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال أسلم وغفار وشيء من مزينة الحديث قال الخطيب إلا أن ذلك اصطلاح خاص بأهل البصرة لكن روى عن ابن سيرين انه قال كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع فائدة أخرج القاضي أبو بكر المروزي في كتاب العلم قال حدثنا القواريري ثنا بشر بن منصور ثنا ابن أبي داود قال بلغني أن عمر بن عبد العزيز كان يكره أن يقول في الحديث رواية ويقول إنما الرواية الشعر وبه إلى ابن أبي داود قال كان نافع ينهاني أن أقول رواية قال فربما نسيت فقلت رواية فينظر إلي فأقول نسيت ( وأما قول من قال تفسير الصحابي مرفوع ) وهو الحاكم قال في المستدرك ليعلم طالب الحديث أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين

فذاك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحوه وغيره موقوف حديث مسند ( فذاك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية ) كقول جابر كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية رواه مسلم ( أو نحوه ) مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا مدخل للرأي فيه ( وغيره موقوف ) قلت وكذا يقال في التابعي إلا أن المرفوع من جهته مرسل فوائد الأولى ما خصص به المصنف كابن الصلاح ومن تبعهما قول الحاكم قد صرح به الحاكم في علوم الحديث فإنه قال ومن الموقوفات ما حدثناه أحمد بن كامل بسنده عن أبي هريرة في قوله تعالى لواحة للبشر قال تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لحما على عظم قال فهذا وأشباهه مسند ليس بموقوف فإن الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فإنه حديث مسند فالحاكم أطلق في المستدرك وخصص في علوم الحديث فاعتمد الناس تخصيصه وأظن أن ما حمله في المستدرك على التعميم الحرص على جمع الصحيح حتى أورد ما ليس من شرط المرفوع وإلا ففيه من الضرب الأول الجم الغفير على أني أقول ليس ما ذكره عن أبي هريرة من الموقوف لما تقدم من أن ما يتعلق بذكر الآخرة وما لا مدخل للرأي فيه من قبيل المرفوع

النوع الثامن المقطوع
وجمعه المقاطع والمقاطيع وهو الموقوف على التابعي قولا له أو فعلا واستعمله الشافعي ثم الطبراني في المنقطع الثانية ما ذكروه من أن سبب النزول مرفوع قال شيخ الإسلام يعكر على إطلاقه ما إذا أسقط الراوي السبب كما في حديث زيد بن ثابت أن الوسطى الظهر نقلته من خطه الثالثة قد اعتنيت بما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم في التفسير وعن أصحابه فجمعت في ذلك كتابا حافلا فيه أكثر من عشرة آلاف حديث الرابعة قد تقرر أن السنة قول وفعل وتقرير وقسمها شيخ الإسلام إلى صريح وحكم فمثال المرفوع قولا صريحا قول الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وحدثنا وسمعت وحكما قوله مالا يدخل الرأي فيه فالمرفوع من الفعل صريحا قوله فعل أو رأيته يفعل قال شيخنا الإمام الشمني ولا يتأتى فعل مرفوع حكما ومثله شيخ الإسلام بما تقدم عن علي في صلاة الكسوف قال شيخنا ولا يلزم من كونه عنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أن يكون عنده من فعله لجواز أن يكون عنده من قوله والتقرير صريحا قول الصحابي فعلت أو فعل بحضرته صلى الله عليه و سلم وحكما حديث المغيرة السابق ( النوع الثامن المقطوع وجمعه المقاطع والمقاطيع وهو الموقوف على التابعي قولا له أو فعلا واستعمله الشافعي ثم الطبراني في المنقطع ) الذي لم يتصل إسناده وكذا في كلام أبي بكر الحميدي والدارقطني إلا أن الشافعي استعمل ذلك قبل استقرار الاصطلاح كما قال في بعض الأحاديث حسن وهو على شرط الشيخين

النوع التاسع المرسل
اتفق علماء الطوائف على أن قول التابعي الكبير قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا أو فعله يسمى مرسلا فإن انقطع قبل التابعي واحد أو أكثر قال الحاكم وغيره من المحدثين لا يسمى مرسلا بل يختص المرسل بالتابعي عن النبي صلى الله عليه و سلم فإن سقط قبله فهو منقطع وإن كان أكثر فمعضل ومنقطع والمشهور في الفقه والأصول أن الكل فائدة جمع أبو حفص بن بدر الموصلي كتابا سماه معرفة الوقوف على الموقوف أورد فيه ما أورده أصحاب الموضوعات في مؤلفاتهم فيها وهو صحيح عن غير النبي صلى الله عليه و سلم إما عن صحابي أو تابعي فمن بعده وقال إن إيراده في الموضوعات غلط فبين الموضوع والموقوف فرق ومن مظان الموقوف والمقطوع مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وتفاسير ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وغيرهم ( النوع التاسع المرسل اتفق علماء الطوائف على أن قول التابعي الكبير ) كعبيد الله بن عدي بن الخيار وقيس بن أبي حازم وسعيد بن المسيب ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا أو فعله يسمى مرسلا فإن انقطع قبل التابعي ) هكذا عبر ابن الصلاح تبعا للحاكم والصواب قبل الصحابي ( واحد أو أكثر قال الحاكم وغيره من المحدثين لا يسمى مرسلا بل يختص المرسل بالتابعي عن النبي صلى الله عليه و سلم فإن سقط قبله ) تقدم ما فيه ( واحد فهو منقطع وإن كان ) الساقط ( أكثر ) من واحد ( فمعضل ومنقطع ) أيضا ( والمشهور في الفقه والأصول أن الكل

مرسل وبه قطع الخطيب وهذا اختلاف في الاصطلاح والعبارة وأما قول الزهري وغيره من صغار التابعين قال النبي صلى الله عليه و سلم فالمشهور عند من خصه بالتابعي أنه مرسل كالكبير وقيل ليس بمرسل بل منقطع مرسل وبه قطع الخطيب ) وقال إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال المصنف ( وهذا اختلاف في الاصطلاح والعبارة ) وفي المعنى لأن الكل لا يحتج به عند هؤلاء ولا هؤلاء والمحدثون خصوا اسم المرسل بالأول دون غيره والفقهاء والأصوليون عمموا ( وأما قول الزهري وغيره من صغار التابعين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فالمشهور عند من خصه بالتابعي أنه مرسل كالكبير وقيل ليس بمرسل بل منقطع ) لأن أكثر رواياتهم عن التابعي تنبيه يرد على تخصيص المرسل بالتابعي من سمع من النبي صلى الله عليه و سلم وهو كافر ثم أسلم بعد موته فهو تابعي اتفاقا وحديثه ليس بمرسل بل موصول لا خلاف في الاحتجاج به كالتنوخي رسول هرقل وفي رواية قيصر فقد أخرج حديثه الإمام أحمد وأبو يعلى في مسنديهما وساقاه مساق الأحاديث المسندة ومن رأي النبي صلى الله عليه و سلم غير مميز كمحمد بن أبي بكر الصديق فإنه صحابي وحكم روايته حكم المرسل لا الموصول ولا يجيء فيه ما قيل في مراسيل الصحابة لأن أكثر رواية هذا وشبهه عن التابعي بخلاف الصحابي الذي أدرك وسمع فإن احتمال روايته عن التابعي بعيد جدا

وإذا قال فلان عن رجل عن فلان فقال الحاكم منقطع ليس مرسلا وقال غيره مرسل فائدة قال العراقي قال بن القطان إن الإرساله رواية الرجل عمن لم يسمع منه قال فعلى هذا هو قول رابع في حد المرسل ( وإذا قال ) الراوي في الإسناد ( فلان عن رجل ) أو شيخ ( عن فلان فقال الحاكم ) هو ( منقطع ليس مرسلا وقال غيره ) حكاه ابن الصلاح عن بعض كتب الأصول ( مرسل ) قال العراقي وكل من القولين خلاف ما عليه الأكثرون فإنهم ذهبوا إلى أنه متصل في سند مجهول حكاه الرشيد العطار واختاره العلائي قال وما حكاه ابن الصلاح عن بعض كتب الأصول أراد به البرهان لإمام الحرمين فإنه ذكر ذلك فيه وزاد كتب النبي صلى الله عليه و سلم التي لم يسم حاملها وزاد في المحصول من سمي باسم لا يعرف قال وعلى ذلك مشى أبو داود في كتاب المراسيل فإنه يروي فيه ما أبهم فيه الرجل قال ن بل زاد البيهقي على هذا في سننه فجعل ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة لم يسم مرسلا وليس بجيد اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو قريب وقد روى البخاري عن الحميدي قال إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من الصحابة فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل قال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من الصحابة ولم يسمه فالحديث صحيح قال وفرق الصيرفي من الشافعية بين أن يرويه التابعي عن الصحابي معنعنا أو مصرحا بالسماع قال وهو حسن متجه وكلام من أطلق قبوله محمول على هذا التفصيل

ثم المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدثين والشافعي وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول وقال مالك وأبو حنيفة في طائفة صحيح فإن صح مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسندا أو مرسلا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحا ( ثم المرسل حديث ضعيف ) لا يحتج به ( عند جماهير المحدثين والشافعي ) كما حكاه عنهم مسلم في صدر صحيحه ابن عبد البر في التمهيد وحكاه الحاكم عن ابن المسيب ومالك ( وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول ) والنظر للجهل بحال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون غير صحابي وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون ضعيغا وإن اتفق أن يكون المرسل لا يروى إلا عن ثقة فالتوثيق مع الإبهام غير كاف كما سيأتي ولأنه إذا كان المجهول المسمى لا يقبل فالمجهول عينا وحالا أولى ( وقال مالك ) في المشهور عنه ( وأبو حنيفة في طائفة ) منهم أحمد في المشهور عنه ( صحيح ) قال المصنف في شرح المهذب وقيد ابن عبد البر وغيره ذلك بما إذا لم يكن مرسله ممن لا يحترز ويرسل عن غير الثقات فإن كان فلا خلاف في رده وقال غيره محل قبوله عند الحنفية ما إذا كان مرسله من أهل القرون الثلاثة الفاضلة فإن كان غيرها فلا لحديث ثم يفشوا الكذب صححه النسائي وقال ابن جرير أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين قال ابن عبد البر كأنه يعني الشافعي أول من رده وبالغ بعضهم فقواه على المسند وقال من أسند فقد أحالك ومن أرسل فقد تكفل لك ( فإن صح مخرج المرسل بمجيئه ) أو نحوه ( من وجه آخر مسندا أو مرسلا أرسله من أخذ ) العلم ( عن غير رجال ) المرسل ( الأول كان صحيحا ) هكذا نص عليه الشافعي في الرسالة مقيدا له بمرسل كبار التابعين ومن إذا سمى من أرسل عنه سمى ثقة وإذا شاركه

ويتبين بذلك صحة المرسل وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق رجحناهما عليه إذا تعذر الجمع الحفاظ المأمونون لم يخالفوه وزاد في الاعتضاد أن يوافق قول صحابي أو يفتي أكثر العلماء بمقتضاه فإن فقد شرط مما ذكر لم يقبل مرسله فإن وجدت قبل ( ويتبين بذلك صحة المرسل ) وما عضده ( وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق ) واحدة ( رجحناهما عليه ) بتعدد الطرق ( إذا تعذر الجمع ) بينهما فوائد الأولى اشتهر عن الشافعي أنه لا يحتج بالمرسل إلا مراسيل سعيد ابن المسيب قال المصنف في شرح المهذب وفي الإرشاد والإطلاق في النفي والإثبات غلط بل هو يحتج بالمرسل بالشروط المذكورة ولا يحتج بمراسيل سعيد إلا بها أيضا قال وأصل ذلك ان الشافعي قال في مختصر المزني أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان وعن ابن عباس أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر فجاء رجل بعناق فقال أعطوني بهذه العناق فقال أبو بكر لا يصلح هذا قال الشافعي وكان القاسم بن محمد وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو بكر ابن عبد الرحمن يحرمون بيع اللحم بالحيوان قال وبهذا نأخذ ولا نعلم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم خالف أبا بكر الصديق وإرسال ابن المسيب عندنا حسن فاختلف أصحابنا في معنى قوله وإرسال ابن المسيب عندنا حسن على وجهين حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع والخطيب البغدادي وغيرهما

أحدهما معناه أنه حجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل قالوا لأنها فتشت فوجدت مسندة والثاني أنها ليست بحجة عنده بل هي كغيرها قالوا وإنما رجح الشافعي بمرسله والترجيح بالمرسل جائز قال الخطيب وهو الصواب والأول ليس بشيء لأن في مراسيله ما لم يوجد مسندا بحال من وجه يصح وكذا قال البيهقي قال وزيادة ابن المسيب في هذا على غيره أنه أصح التابعين إرسالا فيما زعم الحفاظ قال المصنف فهذان إمامان حافظان فقيهان شافعيان متضلعان من الحديث والفقه والأصول والخبرة التامة بنصوص الشافعي ومعاني كلامه قال وأما قول القفال مرسل ابن المسيب حجة عندنا فهو محمول على التفصيل المتقدم قال ولا يصح تعلق من قال إنه حجة بقوله إرساله حسن لأن الشافعي لم يعتمد عليه وحده بل لما انضم إليه من قول أبي بكر ومن حضره من الصحابة وقول أئمة التابعين الأربعة الذين ذكرهم وهم أربعة من فقهاء المدينة السبعة وقد نقل ابن الصباغ وغيره هذا الحكم عن تمام السبعة وهو مذهب مالك وغيره فهذا عاضد ثان للمرسل وقال البلقيني ذكر الماوردي في الحاوي أن الشافعي اختلف قوله في مراسيل سعيد فكان في القديم يحتج بها بانفرادها لأنه لا يرسل حديثا إلا يوجد مسندا ولأنه لا يروي إلا ما سمعه من جماعة أو من أكابر الصحابة أو عضده قولهم أو رآه منتشرا عند الكافة أو وافقه فعل اهل العصر وأيضا فإن مراسيله سبرت فكانت مأخوذة عن أبي هريرة لما بينهما من الوصلة

والصهارة فصار إرساله كإسناده عنه ومذهب الشافعي في الجديد أنه كغيره ثم هذا الحديث الذي أورده الشافعي من مراسيل سعيد يصلح مثالا لأقسام المرسل المقبول فإنه عضده قول صحابي وأفتى أكثر أهل العلم بمقتضاه وله شاهد مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال الأول وشاهد آخر مسند فروى البيهقي في المدخل من طريق الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن القاسم بن أبي بزة قال قدمت المدينة فوجدت جزورا قد جزرت فجزئت أربعة أجزاء كل جزء منها بعناق فأردت أن أبتاع منها جزءا فقال لي الرجل من أهل المدينة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يباع حي بميت فسألت عن ذلك الرجل فأخبرت عنه خيرا قال البيهقي فهذا حديث أرسله سعيد بن المسيب ورواه القاسم بن أبي بزة عن رجل من أهل المدينة مرسلا والظاهر أنه غير سعيد فإنه أشهر من أن لا يعرفه القاسم بن أبي بزة المكي حتى يسأل عنه قال وقد رويناه من حديث الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا ان الحفاظ اختلفوا في سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة فمنهم من أثبته فيكون مثالا للفصل الأول يعني ما له شاهد مسند ومنهم من لم يثبته فيكون أيضا مرسلا انضم إلى مرسل سعيد انتهى الثانية صور الرازي وغيره من أهل الأصول المسند العاضد بأن لا يكون منتهض الإسناد ليكون الاحتجاج بالمجموع وإلا فالاحتجاج حينئذ بالمسند فقط وليس بمخصوص بذلك كما تقدم الإشارة إليه في كلام المصنف الثالثة زاد الأصوليون في الاعتضاد أن يوافقه قياس أو انتشار من غير

إنكار أو عمل أهل العصر به وتقدم في كلام الماوردي ذكر الصورتين الأخيرتين والظاهر أنهما داخلان في قول الشافعي وأفتى أكثر أهل العلم بمقتضاه الرابعة قال القاضي أبو بكر لا أقبل المرسل ولا في الأماكن التي قبلها الشافعي حسما للباب بل ولا مرسل الصحابي إذا احتمل سماعه من تابعي قال والشافعي لا يوجب الاحتجاج به في هذه الأماكن بل يستحبه كما قال أستحب قبوله ولا أستطيع أن أقول الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل وقال غيره فائدة ذلك أنه لو عارضه متصل قدم عليه ولو كان حجة مطلقا تعارضا لكن قال البيهقي مراد الشافعي بقوله أستحب أختار وكذا قال المصنف في شرح المهذب الخامسة إن لم يكن في الباب دليل سوى المرسل فثلاثة أقوال للشافعي ثالثها وهو الأظهر يجب الانكفاف لأجله السادس تلخص في الاحتجاج بالمرسل عشرة أقوال حجة مطلقا لا يحتج به مطلقا يحتج به إن أرسله أهل القرون الثلاثة يحتج به إن لم يرو إلا عن عدل يحتج به إن أرسله سعيد فقط يحتج به إن لم يكن في الباب سواه وهو أقوى من المسند يحتج به ندبا لا وجوبا يحتج به إن أرسله صحابي السابعة تقدم في قول ابن جرير إن التابعين أجمعوا على قبول المرسل وإن الشافعي أول من أباه وقد تنبه البيهقي لذلك فقال في المدخل باب

ما يستدل به على ضعف المراسيل بعد تغير الناس وظهور الكذب والبدع وأورد فيه ما أخرجه مسلم عن ابن سيرين قال لقد أتى على الناس زمان وما يسأل عن إسناد حديث فلما وقعت الفتنة سئل عن إسناد الحديث فينظر من كان من أهل السنة يؤخذ من حديثه ومن كان من أهل البدع ترك حديثه الثامنة قال الحاكم في علوم الحديث أكثر ما تروى المراسيل من أهل المدينة عن ابن المسيب ومن أهل مكة عن عطاء بن أبي رباح ومن أهل البصرة عن الحسن البصري ومن أهل الكوفة عن إبراهيم بن يزيد النخعي ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال ومن أهل الشام عن مكحول قال وأصحها كما قال ابن معين مراسيل ابن المسيب لأنه من أولاد الصحابة وأدرك العشرة وفقيه أهل الحجاز ومفتيهم وأول الفقهاء السبعة الذين يعتد مالك بإجماعهم كإجماع كافة الناس وقد تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره قال والدليل على عدم الاحتجاج بالمرسل غير المسموع من الكتاب قوله تعالى ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ومن السنة حديث تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم التاسعة تكلم الحاكم على مراسيل سعيد فقط دون سائر من ذكر معه ونحن نذكر ذلك فمراسيل عطاء قال ابن المديني كان عطاء يأخذ عن كل ضرب مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلاته بكثير وقال أحمد بن حنبل مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس

بها وليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح فإنهما كانا يأخذان عن كل واحد ومراسيل الحسن تقدم القول فيها عن أحمد وقال ابن المديني مرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح ما أقل ما يسقط منها وقال أبو زرعة كل شيء قال الحسن قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وجدت له أصلا ثابتا ما خلا أربعة أحاديث وقال يحيى بن سعيد القطان ما قال الحسن في حديثه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا وجدنا له أصلا إلا حديثا أو حديثين قال شيخ الإسلام ولعله أراد ما جزم به الحسن وقال غيره قال رجل للحسن يا أبا سعيد إنك تحدثنا فتقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلو كنت تسنده لنا إلى من حدثك فقال الحسن أيها الرجل ما كذبنا ولا كذبنا ولقد غزونا غزوة إلى خراسان ومعنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وقال يونس بن عبيد سألت الحسن قلت يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنك لم تدركه فقال يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ولولا منزلتك مني ما أخبرتك إني في زمان كما ترى وكان في زمن الحجاج كل شيء سمعتني أقوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو عن علي بن أبي طالب غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا وقال محمد بن سعيد كل ما أسند من حديثه أو روي عمن سمع منه فهو حسن حجة وما أرسل من الحديث فليس بحجة وقال العراقي مراسيل الحسن عندهم شبه الريح وأما مراسيل النخعي فقال ابن معين مراسيل إبراهيم أحب إلي من مراسيل الشعبي وعنه أيضا أعجب

إلى من مرسلات سالم بن عبد الله والقاسم وسعيد بن المسيب وقال أحمد لا بأس بها وقال الأعمش قلت لإبراهيم النخعي أسند لي عن ابن مسعود فقال إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت وإذا قلت قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله العاشرة في مراسيل أخر ذكرها الترمذي في جامعه وابن أبي حاتم وغيرهما مراسيل الزهري قال ابن معين ويحيى بن سعيد القطان ليس بشيء وكذا قال الشافعي فال لأنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد قال مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنه حافظ وكلما قدر أن يسمى سمى وإنما يترك من لا يستحب أن يسميه وكان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال قتادة شيئا ويقول هو بمنزلة الريح وقال يحيى بن سعيد مرسلات سعيد بن جبير أحب إلي من مرسلات عطاء قيل فمرسلات مجاهد أحب إليك أو مرسلات طاوس قال ما أقربهما وقال أيضا مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي من سفيان عن إبراهيم وكل ضعيف وقال أيضا سفيان عن إبراهيم شبه لا شيء لأنه لو كان فيه إسناد صاح وقال مرسلات أبي إسحاق الهمداني والأعمش والتيمي ويحيى ابن أبي كثير شبه لا شيء ومرسلات إسماعيل بن أبي خالد ليس بشيء ومرسلات عمرو بن دينار أحب إلي ومرسلات معاوية بن قرة أحب إلي من مرسلات زيد ابن أسلم ومرسلات ابن عيينة شبه الريح وسفيان بن سعيد ومرسلات مالك ابن أنس أحب إلي وليس في القوم أصح حديثا منه

الحادية عشرة وقع في صحيح مسلم أحاديث مرسلة ( 1 ) فانتقدت عليه وفيها ما وقع الإرسال في بعضه فإما هذا النوع فعذره فيه أنه يورده محتجا بالمسند منه لا بالمرسل ولم يقتصر عليه للخلاف تقطيع في الحديث على أن المرسل منه قد تبين اتصاله من وجه آخر كقوله في كتاب البيوع حدثني محمد بن رافع ثنا ججين ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن المزابنة الحديث قال وأخبرني سالم بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه ولا تبتاعوا الثمر بالتمر وقال سالم أخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه رخص في العربة الحديث وحديث سعيد وصله من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ومن حديث سعيد بن مينا وأبي الزبير عن جابر وأخرجه هو والبخاري من حديث عطاء عن جابر وحديث سالم وصله من حديث الزهري عن سالم عن أبيه وأخرج في الأضاحي حديث مالك عن عبد الله بن ابي بكر عن عبد الله بن أبي واقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت صدق سمعت عائشة تقول الحديث فالأول مرسل والآخر مسند وبه احتج وقد وصل الأول من حديث ابن عمر وفيه من هذا النمط نحو عشرة أحاديث والحكمة في إيراد ما أورده مرسلا بعد إيراده متصلا إفادة الاختلاف الواقع فيه ومما أورده مرسلا ولم يصله في موضع آخر حديث أبي

هذا كله في غير مرسل الصحابي أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح وقيل إنه كمرسل غيره إلا أن يبين الرواية عن صحابي

النوع العاشر المنقطع
الصحيح الذي ذهب إليه الفقهاء والخطيب وابن عبد البر وغيرهم من المحدثين أن المنقطع ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان العلاء بن الشخير كان حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ينسخ بعضه بعضا الحديث لم يرو موصولا عن الصحابة من وجه يصح الثانية عشرة صنف في المراسيل أبو داود ثم ابو حاتم ثم الحافظ أبو سعيد العلائي من المتأخرين ( هذا كله في غير مرسل الصحابي أما مرسله ) كإخباره عن شيء فعله النبي صلى الله عليه و سلم أو نحوه مما يعلم أنه لم يحضره لصغر سنه أو تأخر إسلامه ( فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح ) الذي قطع به الجمهور من اصحابنا وغيرهم وأطبق عليه المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بضعف المرسل وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة وكلهم عدول ورواياتهم عن غيرهم نادرة وإذا رووها بينوها بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات ( وقيل إنه كمرسل غيره ) لا يحتج به ( إلا أن يبين الرواية عن صحابي ) زاده المصنف على ابن الصلاح وحكاه في شرح المهذب عن أبي إسحق الإسفرايني وقال الصواب الأول ( النوع العاشر المنقطع الصحيح الذي ذهب إليه الفقهاء والخطيب وابن عبد البر وغيرهم من المحدثين أن المنقطع ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان

انقطاعه وأكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعي عن الصحابي كمالك عن ابن عمر وقيل هو ما اختل منه رجل قبل التابعي محذوفا كان أو مبهما كرجل وقيل هو ما روى عن تابعي أو من دونه قولا له أو فعلا وهذا غريب ضعيف انقطاعه ) سواء كان الساقط منه الصحابي أو غيره والمرسل واحد ( و ) لكن ( أكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعي عن الصحابي كمالك عن ابن عمر وقيل هو ما اختل ) أي سقط ( منه رجل قبل التابعي ) هكذا عبر ابن الصلاح تبعا للحاكم والصواب قبل الصحابي ( محذوفا كان ) الرجل ( أو مبهما كرجل ) هذا بناء على ما تقدم أن فلانا عن رجل يسمى منقطعا وتقدم أن الأكثرين على خلافه ثم إن هذا القول هو المشهور بشرط أن يكون الساقط واحدا فقط أو اثنين لا على التوالي كما جزم العراقي وشيخ الإسلام ( وقيل هو ما روى عن تابعي أو من دونه قولا له أو فعلا وهذا غريب ضعيف ) والمعروف أن ذلك مقطوع لا منقطع كما تقدم ثم إن الانقطاع قد يكون ظاهرا وقد يخفى فلا يدركه إلا أهل المعرفة وقد يعرف بمجيئه من وجه آخر بزيادة رجل أو أكثر فائدة ذكر الرشيد العطار أن في صحيح مسلم بضعة عشر حديثا في إسنادها انقطاع وأجيب عنها بتبين اتصالها إلا من وجه آخر عنده أو من ذلك الوجه عند غيره وهي حديث حميد الطويل عن أبي رافع عن أبي هريرة أنه لقي النبي صلى الله عليه و سلم في بعض طرق المدينة الحديث صوابه حميد عن أبي بكر المزني عن أبي رافع كما أخرجه الخمسة وأحمد وابن أبي شيبة في مسنديهما وحديث السائب بن يزيد عن عبد الله بن السعدي عن عمر في العطاء صوابه السائب عن حويطب بن عبد العزى كذا ذكره الحفاظ

قال النسائي لم يسمعه السائب من ابن السعدي إنما رواه عن حويطب عنه كما أخرجه البخاري والنسائي وحديث يعلى بن الحارث المحاربي عن غيلان عن علقمة في قصة ماعز صوابه يعلى عن أبيه عن غيلان كذا أخرجه النسائي وأبو داود وحديث عبد الكريم بن المستورد بن شداد مرفوعا تقوم الساعة والروم أكثر الناس قال الرشيد عبد الكريم لم يدرك المستورد ولا أبوه الحارث لم يدركه كما قال الدارقطني قال وإنما أورده هكذا في الشواهد إلا فقد وصله من وجه آخر عن الليث عن موسى بن علي عن المستورد وحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي عمرو بن حفص في الطلاق قال في سماع عبيد الله من أبي عمرو نظر وقد وصله من جهة أخرى عن الشعبي سلمة عن فاطمة وحديث منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الذي وقصته ناقته قال الدارقطني إنما سمعه منصور من الحكم بن عتبة عن سعيد كما أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وهو الصواب ووصله مسلم من طريق جعفر بن أبي وحشية وعمرو بن دينار عن سعيد وحديث مكحول عن شرحبيل بن السمط عن سلمان رباط يوم في سماع مكحول منه نظر فإنه معدود في الصحابة المتقدمين الوفاة والأصح ان مكحولا إنما سمع أنسا وأبا مرة وواثلة وأم الدرداء وحديث أيوب عن عائشة أن الله أرسلني مبلغا ولم يرسلني متعنتا فإن أيوب لم يدرك عائشة إلا أنه أورد ذلك زيادة في آخر حديث مسند ولم ير اختصارهما وله عادة بذلك في عدة أحاديث وهي متصلة في حديث

التخيير من رواية أبي الزبير عن جابر وحديث أبي سلام الحبشي عن حذيفة إنا كنا بشر فجاء الله بخير قال الدارقطني أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا نظرائه الذين نزلوا العراق وهو متصل في كتابه من وجه آخر عن حذيفة وحديث مطر عن زهدم عن أبي موسى في الدجاج قال الدارقطني لم يسمع مطر من زهدم إنما رواه عن القاسم بن عاصم عنه وقد وصله مسلم من طرق أخرى عن زهدم وحديث قتادة عن سنان بن سلمة عن ابن عباس في قصة البدن قال ابن معين ويحيى بن سعيد قتادة لم يسمع هذا من سنان إلا أنه أخرجه في الشواهد وقد وصله قبل ذلك من طريق أبي التياح عن موسى ابن سلمة عن ابن عباس وحديث عراك بن مالك عن عائشة جاءتني مسكينة تحمل ابنتين الحديث قال أحمد عراك عن عائشة مرسل وقال موسى بن هارون لا نعلم له سماعا منها وإنما يروي عن عروة عن عائشة وقال الرشيد لا يبعد سماعه منها وهما في عصر واحد وبلد واحد ومذهب مسلم أن هذا محمول على السماع حتى يتبين خلافه وحديث يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن عطاء قال سمعت ابنتي برة الحديث سقط بين يزيد ومحمد محمد بن إسحاق كذا رواه المصريون عن الليث وأخرجه هكذا أبو داود إلا أن مسلما وصله من طريق الوليد بن كثير عن محمد بن عمرو بن عطاء

النوع الحادي عشر المعضل
هو بفتح الضاد يقولون أعضله فهو معضل وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر ويسمى منقطعا ويسمى مرسلا عند الفقهاء وغيرهم كما تقدم وقيل إن قول الراوي ( النوع الحادي عشر المعضل هو بفتح الضاد ) وأهل الحديث ( يقولون أعضله فهو معضل ) قال ابن الصلاح وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة أي لأن معضلا بفتح العين لا يكون إلا من ثلاثي لازم عدى بالهمزة وهذا لازم معها قال وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد وفعيل بمعنى فاعل يدل على الثلاثي فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرا وأعضل متعديا كما قالوا ظلم الليل وأظلم ( 1 ) ( وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر ) بشرط التوالي أما إذا لم يتوال فهو منقطع من موضعين قال العراقي ولم أجد في كلامهم إطلاق المعضل عليه ( ويسمى ) المعضل ( منقطعا ) أيضا ( ويسمى مرسلا عند الفقهاء وغيرهم كما تقدم ) ( 2 ) في نوع المرسل ( وقيل إن قول الراوي

بلغني كقول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للملوك طعامه وكسوته يسمى معضلا عند أصحاب الحديث بلغني كقول مالك ) في الموطأ ( بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للملوك طعامه وكسوته ) بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ( يسمى معضلا عند أصحاب الحديث ) نقله ابن الصلاح عن الحافظ أبي نصر السجزي قال العراقي وقد استشكل لجواز أن يكون الساقط واحدا فقد سمع مالك من جماعة من أصحاب أبي هريرة كسعيد المقبري ونعيم المجمر ومحمد ابن المنكدر والجواب أن مالكا وصله خارج الموطأ عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة فعرفنا بذلك سقوط اثنين منه قلت بل ذكر النسائي في التمييز أن محمد بن عجلان لم يسمعه من أبيه بل رواه عن بكير عن عجلان قال ابن الصلاح وقول المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا من قبيل المعضل فائدة صنف ابن عبد البر كتابا في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل قال وجميع ما فيه من قوله بلغني ومن قوله عن الثقة عنده مما لم يسنده أحد وستون حديثا كلها مسندة من غير طريق مالك إلا أربعة لا تعرف أحدها إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن والثاني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أرى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله تعالى من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته

وإذا روى تابع التابعي عن تابعي حديثا وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل والثالث قول معاذ آخر ما اوصاني به رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد وضعت رجلي في الغرز أن قال حسن خلقك للناس والرابع إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة ( 1 ) ( وإذا روى تابع التابعي عن تابعي حديثا وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل ) نقله ابن الصلاح عن الحاكم ومثله بما روى عن الأعمش عن الشعبي قال يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه الحديث أعضله الأعمش ووصله فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس قال كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث قال ابن الصلاح وهذا جيد حسن لأن هذا الانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله صلى الله عليه و سلم فذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى قال ابن جماعة وفيه نظر أي لأن مثل ذلك لا يقال من قبيل الرأي فحكمه حكم المرسل وذلك ظاهر لا شك فيه

فروع أحدها الإسناد المعنعن وهو فلان عن فلان قيل إنه مرسل والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل ثم رأيت عن شيخ الإسلام أن لما ذكره ابن الصلاح شرطين أحدهما أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي صلى الله عليه و سلم فإن لم يكن فمرسل الثاني أن يروي مسندا من طريق ذلك الذي وقف عليه فإن لم يكن فموقوف لا معضل لاحتمال أنه قاله من طريق عنده فلم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين فائدتان الأولى قال شيخنا الإمام الشمني خص التبريزي المنقطع والمعضل بما ليس في أول الإسناد وأما ما كان في أوله فمعلق وكلام ابن الصلاح أعم الثانية من مظان المعضل والمنقطع والمرسل كتاب السنن لسعيد بن منصور ومؤلفات ابن أبي الدنيا ( فروع أحدها الإسناد المعنعن وهو ) قول الراوي ( فلان عن فلان ) بلفظ عن من غير بيان للتحديث والإخبار والسماع ( قيل إنه مرسل ) حتى يتبين اتصاله ( والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل ) قال ابن الصلاح ولذلك أودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم وادعى

بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف منهم من لم يشترط شيئا من ذلك وهو مذهب مسلم بن الحجاج وادعى الإجماع فيه أبو عمرو الداني ( 1 ) إجماع أهل النقل عليه وكان ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث عليه قال العراقي بل صرح بادعائه في مقدمة التمهيد ( بشرط أن لا يكون المعنعن ) بكسر العين ( مدلسا وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا ) أي لقاء المعنعن من روى عنه بلفظ عن فحينئذ يحكم بالاتصال إلا أن يتبين خلاف ذلك ( وفي اشتراط ثبوت اللقاء ) وعدم الاكتفاء بإمكانه ( وطول الصحبة ) وعدم الاكتفاء بثبوت اللقاء ( ومعرفته بالرواية عنه ) وعدم الاكتفاء بالصحبة ( خلاف منهم من لم يشترط شيئا من ذلك ) واكتفى بإمكان اللقاء وعبر عنه بالمعاصرة ( وهو مذهب مسلم بن الحجاج وادعى الإجماع فيه ) في خطبة صحيحه وقال إن اشتراط ثبوت اللقاء قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي أن يثبت كونهما في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها قال ابن الصلاح وفيما قاله مسلم نظر قال ولا أرى هذا الحكم يستمر بعد المتقدمين فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان أو قال فلان أي فليس له حكم الاتصال ما لم يكن له من شيخه إجازة

ومنهم من شرط اللقاء وحده وهو قول البخاري وابن المديني والمحققين ومنهم من شرط طول الصحبة ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فمراده انه رواه عنه بالإجازة ( ومنهم من شرط اللقاء وحده وهو قول البخاري وابن المديني والمحققين ) من أئمة هذا العلم قيل إلا أن البخاري لا يشترط ذلك في أصل الصحة بل التزمه في جامعه وابن المديني يشترطه فيهما ونص على ذلك الشافعي في الرسالة ( ومنهم من شرط طول الصحبة ) بينهما ولم يكتف بثبوت اللقاء وهو أبو المظفر السمعاني ( ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه ) وهو أبو عمرو الداني واشترط ابو الحسن القابسي ان يدركه إدراكا بينا حكاه ابن الصلاح قال العراقي وهذا داخل فيما تقدم من الشروط فلذلك أسقطه المصنف قال شيخ الإسلام من حكم بالانقطاع مطلقا شدد ويليه من شرط طول الصحبة ومن اكتفى بالمعاصرة سهل والوسط الذي ليس بعده إلا التعنت مذهب البخاري ومن وافقه وما أورده مسلم عليهم من لزوم رد المعنعن دائما لاحتمال عدم السماع ليس بوارد لأن المسألة مفروضة في غير المدلس ومن عنعن ما لم يسمعه فهو مدلس قال وقد وجدت في بعض الأخبار ورود عن فيما لم يكن سماعه من الشيخ وإن كان الراوي سمع منه الكثير كما رواه أبو إسحق السبيعي عن عبد الله بن خباب بن الأرت أنه خرج عليه الحرورية فقتلوه حتى جرى دمه في النهر فهذا لا يمكن أن يكون أبو إسحق سمعه من ابن خباب كما هو ظاهر العبارة لأنه هو المقتول قلت السماع إنما يكون معتبرا في القول وأما الفعل فالمعتبر فيه المشاهدة وهذا واضح ( وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم ) مثلا ( قرأت على فلان عن فلان فمراده أنه رواه عنه بالإجازة ) وذلك لا يخرجه عن الاتصال

الثاني إذا قال حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدثه بكذا أو قال قال ابن المسيب كذا أو فعل كذا أو كان ابن المسيب يفعل وشبه ذلك فقال أحمد بن حنبل وجماعة لا تلتحق أن وشبهها بعن بل يكون منقطعا حتى يتبين السماع وقال الجمهور أن كعن ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم ( الثاني إذا قال ) الراوي كمالك مثلا ( حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدثه بكذا أو قال ) الزهري ( قال ابن المسيب كذا أو فعل كذا أو ) قال ( كان ابن المسيب يفعل وشبه ذلك فقال أحمد بن حنبل وجماعة ) منهم فيما حكاه ابن عبد البر عن البرديجي ( لا تلتحق أن وشبهها بعن ) في الاتصال ( بل يكون منقطعا حتى يتبين السماع ) في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى ( وقال الجمهور ) فيما حكاه عنهم ابن عبد البر منهم مالك ( ان كعن ) في الاتصال ( 1 ) ( ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم ) من اللقاء والبراءة من التدليس قال ابن عبد البر ولا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو اللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة قال ولا معنى لاشتراط تبين السماع لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء أتى فيه بعن أو بأن أو بقال أو بسمعت فكله متصل قال العراقي ولقائل أن يفرق بأن للصحابي مزية حيث يعمل بإرساله بخلاف غيره قال ابن الصلاح ووجدت مثل ما حكى عن البرديجي للحافظ يعقوب بن أبي شيبة في مسنده فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن محمد بن الحنفية عن عمار قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام وجعله مسندا

موصولا وذكر رواية قيس بن سعد لذلك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفية أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه و سلم وهو يصلي فجعله مرسلا من حيث كونه قال إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار انتهى قال العراقي ولم يقع على مقصود يعقوب وبيان ذلك أن ما فعله يعقوب هو صواب من العمل وهو الذي عليه عمل الناس وهو لم يجعله مرسلا من حيث لفظ أن بل من حيث إنه لم يسند حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال إن عمارا قال مررت لما جعله مرسلا فلما أتى بلفظ أن عمارا مر كان محمد هو الحاكي لقصة لم يدركها لأنه لم يدرك مرور عمار بالنبي صلى الله عليه و سلم فكان نقله لذلك مرسلا قال والقاعدة أن الراوي إذا روى حديثا في قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين بعض الصحابة والراوي لذلك صحابي أدرك تلك الواقعة فهي محكوم لها بالاتصال وإن لم يعلم أنه شاهدها وإن لم يدرك تلك الواقعة فهو مرسل صحابي وإن كان الراوي تابعيا فهو منقطع وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها فمتصل وكذا إن لم يدرك وقوعها ولكن اسندها له وإلا فمنقطعه قال وقد حكى اتفاق أهل التمييز من أهل الحديث على ذلك ابن المواق قال وما حكاه ابن الصلاح قيل عن أحمد بن حنبل من أن عن وان ليسا سواء منزل ايضا على هذه القاعدة فإن الخطيب رواه في الكفاية بسنده إلى أبي داود قال سمعت أحمد قيل له إن رجلا قال قال عروة إن عائشة قالت يا رسول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال كيف هذا سواء ليس هذا بسواء فإنما فرق أحمد بين اللفظين لأن عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة ولا أدرك القصة فكانت مرسلة وأما اللفظ الثاني فأسند ذلك إليها بالعنعنة فكانت متصلة انتهى

الثالث التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدارقطني صورته أن يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر وكأنه مأخوذ من تعليق الجدار لقطع الاتصال واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قال ابن عباس أو عطاء أو غيره كذا وهذا التعليق له حكم الصحيح كما تقدم في نوع الصحيح تنبيه كثر استعمال أن أيضا في هذه الأعصار في الإجازة وهذا وما تقدم في عن في المشارقة أما المغاربة فيستعملونها في السماع والإجازة معا وهذان الفرعان حقهما أن يفردا بنوع يسمى المعنعن كما صنع ابن جماعة وغيره ( الثالث التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره ) من المغاربة ( في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدارقطني صورته أن يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر ) على التوالي بصيغة الجزم ويعزى الحديث إلى من فوق المحذوف من رواته وبينه وبين المعضل عموم وخصوص من وجه فيجامعه في حذف اثنين فصاعدا ويفارقه في حذف واحد وفي اختصاصه بأول السند ( وكأنه من تعليق الجدار لقطع الاتصال ) فيهما ( واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قال ابن عباس أو عطاء أو غيره كذا ) وإن لم يذكره اصحاب الأطراف لأن موضوع كتبهم بيان ما في الأسانيد من اختلاف أو غيره ( وهذا التعليق له حكم الصحيح ) إذا وقع في كتاب التزمت صحته ( كما تقدم في ) المسألة الرابعة من ( نوع الصحيح

ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروي عن فلان كذا أو يقال عنه ويذكر ويحكى وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم كقال وفعل وأمر ونهى وذكر وحكى ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروي عن فلان كذا أو يقال عنه ويذكر ويحكى وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم كقال وفعل وأمر ونهى وذكر وحكى ) كذا قال ابن الصلاح قال العراقي وقد استعمله غير واحد من المتأخرين في غير المجزوم به منهم الحافظ أبو الحجاج المزي حيث أورد في الأطراف ما في البخاري من ذلك معلما عليه علامة التعليق بل المصنف نفسه أورد في الرياض حديث عائشة أمرنا أن ننزل الناس منازلهم وقال ذكره مسلم في صحيحه تعليقا فقال وذكر عن عائشة ( ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده ) لأن له اسما يخصه من الانقطاع والإرسال والإعضال أما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بصيغة قال فلان وزاد فلان ونحو ذلك فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومن فوقهم بل حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس كذا جزم به ابن الصلاح قال وبلغني عن بعض المتأخرين من المغاربة انه جعله قسما من التعليق ثانيا واضاف إليه قول البخاري وقال لي فلان وزادنا فلان فوسم كل ذلك بالتعليق قال العراقي وما جزم به ابن الصلاح ههنا هو الصواب وقد خالف ذلك في نوع الصحيح فجعل من أمثلة التعليق قول البخاري قال عفان كذا

الرابع إذا روى بعض الثقات الضابطين الحديث مرسلا وبعضهم متصلا أو بعضهم موقوفا وبعضهم مرفوعا أو وصله هو أو رفعه في وقت أو أرسله ووقفه في وقت فالصحيح أن وقال القعنبي كذا وهما من شيوخ البخاري والذي عليه عمل غير واحد من المتأخرين كابن دقيق العيد والمزي أن لذلك حكم العنعنة قال ابن الصلاح هنا وقد قال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري وهو أعرف بالبخاري كل ما قال البخاري قال لي فلان أو قال لنا فهو عرض ومناولة وقال غيره المعتمد في ذلك ما حققه الخطيب من أن قال ليست كعن فإن الاصطلاح فيها مختلف فبعضهم يستعملها في السماع دائما كحجاج بن موسى المصيصي الأعور وبعضهم بالعكس لا يستعملها إلا فيما لم يستعمله دائما وبعضهم تارة كذا وتارة كذا كالبخاري فلا يحكم عليها بحكم مطرد ومثل قال ذكر استعملها أبو قرة في سننه في السماع لم يذكر سواها فيما سمعه من شيوخه في جميع الكتاب تنبيه فرق ابن الصلاح والمصنف أحكام المعلق فذكرا بعضه هنا وهو حقيقته وبعضه في نوع الصحيح وهو حكمه وأحسن من صنيعهما صنيع العراقي حيث جمعهما في مكان واحد في نوع الصحيح وأحسن من ذلك صنيع ابن حماعة حيث أفرده بنوع مستقل هنا ( الرابع إذا روى بعض الثقات الضابطين الحديث مرسلا وبعضهم متصلا أو بعضهم موقوفا وبعضهم مرفوعا أو وصله هو أو رفعه في وقت أو أرسله ووقفه في وقت ) آخر ( فالصحيح ) عند أهل الحديث والفقه والأصول ( أن

الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة ومنهم من قال الحكم لمن أرسله الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله ) في الحفظ والإتقان ( أو أكثر ) منه ( لأن ذلك ) أي الرفع والوصل ( زيادة ثقة وهي مقبولة ) على ما سيأتي وقد سئل البخاري عن حديث لا نكاح إلا بولي وهو حديث اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي فرواه شعبة والثوري عنه عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا ورواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق عن أبي بردة عن موسى متصلا فحكم البخاري لمن وصله وقال الزيادة من الثقة مقبولة هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان في الحفظ والإتقان وقيل لم يحكم البخاري بذلك لمجرد الزيادة بل لأن لحذاق المحدثين نظرا آخر وهو الرجوع في ذلك إلى القرائن دون الحكم بحكم مطرد وإنما حكم البخاري لهذا الحديث بالوصل لأن الذي وصله عن أبي إسحاق سبعة منهم إسرائيل حفيده وهو أثبت الناس في حديثه لكثرة ممارسته له ولأن شعبة وسفيان سمعاه في مجلس واحد بدليل رواية الطيالسي في مسنده قال حدثنا شعبة قال سمعت سفيان الثوري يقول لأبي إسحاق أحدثك أبو بردة عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث فرجعا كأنهما واحد فإن شعبة إنما رواه بالسماع على أبي إسحاق بقراءة سفيان وحكم الترمذي في جامعه بأن رواية الذين وصلوه أصح قال لأن سماعهم منه في أوقات مختلفة وشعبة وسفيان سمعاه في مجلس واحد وأيضا فسفيان لم يقل له ولم يحدثك به أبو بردة إلا مرسلا وكان سفيان قال له أسمعت الحديث منه فقصده إنما هو السؤال عن سماعه له لا كيفية روايته له ( ومنهم من قال الحكم لمن أرسله

أو وقفه قال الخطيب وهو قول أكثر المحدثين وعند بعضهم الحكم للأكثر وبعضهم للأحفظ وعلى هذا لو أرسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة راويه وقيل يقدح فيه وصله ما أرسله الحفاظ

النوع الثاني عشر التدليس
وهو قسمان الأول تدليس الإسناد بأن يروى عمن عاصره أو وقفه قال الخطيب وهو قول أكثر المحدثين وعن بعضهم الحكم للأكثر و ) عن ( بعضهم ) الحكم ( للأحفظ وعلى هذا ) القول ( لو أرسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة راويه ) ومسنده من الحديث غير الذي أرسله ( وقيل يقدح فيه وصله ما أرسله ) أو رفعه ما وقفه ( الحفاظ ) وصحح الأصوليون في تعارض ذلك من واحد في أوقات أن الحكم لما وقع منه أكثر فإن كان الوصل أو الرفع أكثر قدم أو ضدهما فكذلك قلت بقي عليهم ما إذا استويا بأن وقع كل منهما في وقت فقط أو وقتين فقط قال الماوردي لا تعارض بين ما ورد مرفوعا مرة وموقوفا على الصحابي أخرى لأنه يكون قد رواه وأفتى به ( النوع الثاني عشر التدليس ( 1 ) وهو قسمان ) بل ثلاثة أو أكثر كما سيأتي ( الأول تدليس الإسناد بأن يروى عمن عاصره ) زاد ابن الصلاح أو لقيه

ما لم يسمعه منه موهما سماعه قائلا قال فلان أو عن فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه أو أسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث ( ما لم يسمعه منه ) بل سمعه من رجل عنه ( موهما سماعه ) حيث أورده بلفظ يوهم الاتصال ولا يقتضيه ( قائلا قال فلان أو عن فلان ونحوه ) كأن فلانا فإن لم يكن عاصره فليس الرواية عنه بذلك تدليسا على المشهور وقال قوم إنه تدليس فحدوه بأن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع قال ابن عبد البر وعلى هذا فما سلم أحد من التدليس لا مالك ولا غيره وقال الحافظ أبو بكر البزار وأبو الحسن بن القطان هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه قال والفرق بينه وبين الإرسال أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه قال العراقي والقول الأول هو المشهور وقيده شيخ الإسلام بقسم اللقاء وجعل قسم المعاصرة إرسالا خفيا ومثل قال وعن وأن ما لو أسقط أداة الرواية وسمى الشيخ فقط فيقول فلان قال علي بن خشرم كنا عند ابن عيينة فقال الزهري فقيل له حدثكم الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال لا ولا ممن سمعه من الزهري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لكن سمى شيخ الإسلام هذا تدليس القطع ( وربما لم يسقط شيخه أو أسقط غيره ) أي شيخ شيخه أو أعلى منه لكونه ( ضعيفا ) وشيخه ثقة ( أو صغيرا ) وأتى فيه بلفظ محتمل عن الثقة الثاني ( تحسينا للحديث ) وهذا من زوائد المصنف على ابن الصلاح وهو قسم آخر من التدليس يسمى تدليس التسوية سماه بذلك ابن القطان وهو شر أقسامه لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له

بالصحة وفيه غرور شديد وممن اشتهر بفعل ذلك بقية بن الوليد قال ابن أبي حاتم في العلل سمعت أبي بكر وذكر الحديث الذي رواه إسحق بن راهويه عن بقية حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع عن ابن عمر حديث لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه فقال أبي هذا الحديث له أمر قل من يفهمه روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر وعبيد الله كنيته أبو وهب وهو أسدي فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد كي لا يفطن له حتى إذا ترك إسحاق لا يهتدى له قال وكان بقية من أفعل الناس لهذا وممن عرف به أيضا الوليد بن مسلم قال أبو مسهر كان يحدث بأحاديث الأوزاعي من الكذابين ثم يدلسها عنهم وقال صالح جزرة سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد قد أفسدت حديث الأوزاعي قال كيف قلت تروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري أبا الهيثم بن مرة قال أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء قلت فإذا روى هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث منا كير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي ( 1 ) قال الخطيب وكان الأعمش

وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا قال العلائي وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها قال العراقي وهو قادح فيمن تعمد فعله وقال شيخ الإسلام لا شك أنه جرح وإن وصف به الثوري والأعمش فلا اعتذار أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفا عند غيرهما قال ثم ابن القطان إنما سماه تسوية بدون لفظ التدليس فيقول سواه فلان وهذه تسوية والقدماء يسمونه تجويدا فيقولون جوده فلان أي ذكر من فيه من الأجواد وحذف غيرهم قال والتحقيق أن يقال متى قيل تدليس التسوية فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث وإن قيل تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه كما فعل مالك فإنه لم يقع في التدليس أصلا ووقع في هذا فإنه يروى عن ثور عن ابن عباس وثور لم يلقه وإنما روى عن عكرمة عنه فاسقط عكرمة لأنه غير حجة عنده وعلى هذا يفارق المنقطع بأن شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفا فهو منقطع خاص ثم زاد شيخ الإسلام تدليس العطف ( 1 ) ومثله بما فعل هشيم فيما نقل الحاكم والخطيب ان أصحابه قالوا له نريد أن تحدثنا اليوم شيئا لا يكون فيه تدليس فقال خذوا ثم أملى عليهم مجلسا يقول في كل حديث منه حدثنا

فلان وفلان ثم يسرق السند والمتن فلما فرغ قال هل دلست لكم اليوم شيئا قالوا لا قال بلى كل ما قلت فيه وفلان فإني لم أسمعه منه قال شيخ الإسلام وهذه الأقسام كلها يشملها تدليس الإسناد فاللائق ما فعله ابن الصلاح من تقسيمه قسمين فقط قلت ومن أقسامه أيضا ما ذكر محمد بن سعيد عن أبي حفص عمر بن علي المقدمي أنه كان يدلس تدليسا شديدا يقول سمعت وحدثنا ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة الأعمش ( 2 ) وقال أحمد بن حنبل كان يقول حجاج سمعته ن يعني حدثنا آخر وقال جماعة كان أبو إسحاق يقول ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه فقوله عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه فقوله عبد الرحمن تدليس يوهم أنه سمعه منه وقسمه الحاكم إلى ستة أقسام الأول قوم لم يميزوا بين ما سمعوه وما لم يسمعوه الثاني قوم يدلسون فإذا وقع لهم من ينقر عنهم ويلح في سماعاتهم ذكروا له ومثله بما حكى ابن خشرم عن ابن عيينة الثالث قوم دلسوا عن مجهولين لا يدري من هم ومثله بما روى عن ابن المديني قال حدثني حسين الأشقر حدثنا شعيب بن عبد الله عن أبي عبد الله عن نوف قال بت عند علي فذكر كلاما قال ابن المديني فقلت لحسين ممن سمعت هذا فقال حدثنيه شعيب عن أبي عبد الله عن نوف فقلت لشعيب من حدثك بهذا فقال أبو عبد الله الجصاص فقلت عمن قال عن حماد

الثاني تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف أما الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء القصار فلقيت حمادا فقلت له من حدثك بهذا قال بلغني عن فرقد السبخي عن نوف فإذا هو قد دلس عن ثلاثة وأبو عبد الله مجهول وحماد لا يدري من هو وبلغه عن فرقد وفرقد لم يدرك نوفا الرابع قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه الخامس قوم رووا عن شيوخ لم يروهم فيقولون قال فلان فحمل ذلك عنهم على السماع وليس عندهم سماع قال البلقيني وهذه الخمسة كلها داخلة تحت تدليس الإسناد وذكر السادس وهو تدليس الشيوخ الآتي القسم ( الثاني تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف ) قال شيخ الإسلام ويدخل أيضا في هذا القسم التسوية بأن يصف شيخ شيخه بذلك ( أما ) القسم ( الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء ) وبالغ شعبة في ذمه فقال لأن أزني أحب إلي من أن أدلس ( 1 ) وقال التدليس أخو

ثم قال فريق منهم من عرف به صار مجروحا مردود الرواية وإن بين السماع والصحيح التفصيل فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل وما بينه فيه الكذب قال ابن الصلاح وهذا منه إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير ( ثم قال فريق منهم ) من أهل الحديث والفقهاء ( من عرف به صار مجروحا مردود الرواية ) مطلقا ( وأن بين السماع ) وقال الجمهور من يقبل المرسل يقبل مطلقا حكاه الخطيب ونقل المصنف في شرح المهذب الاتفاق على رد ما عنعنه تبعا للبيهقي وابن عبد البر محمول على اتفاق من لا يحتج بالمرسل لكن حكى ابن عبد البر عن أئمة الحديث أنهم قالوا يقبل تدليس ابن عيينة لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائها ورجحه ابن حبان قال وهذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ولا يكاد يوجد له خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقه مثل ثقته ثم مثل ذلك بمراسيل كبار التابعين فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي وسبقه إلى ذلك أبو بكر البزار وأبو الفتح الأزدي وعبارة البزار من كان يدلس عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولا وفي الدلائل لأبي بكر الصيرفي من ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني أو سمعت فعلى هذا هو قول ثالث مفصل غير التفصيل الآتي قال المصنف كابن الصلاح وعزى للاكثرين منهم الشافعي وابن المديني وابن معين وآخرون ( والصحيح التفصيل فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل ) لا يقبل ( وما بين فيه

كسمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير كقتادة والسفيانين وغيرهم وهذا الحكم جار فيمن دلس مرة وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بعن محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى وأما الثاني فكراهته أخف وسببها توعير طريق معرفته وتختلف الحال في كراهته بحسب غرضه لكون المغير اسمه ضعيفا كسمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فمقبول يحتج به وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير كقتادة والسفيانين وغيرهم ) كعبد الرزاق والوليد بن مسلم لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإيهام ( وهذا الحكم جار ) كما نص عليه الشافعي ( فيمن دلس مرة ) واحدة ( وما كان في الصحيحين وشبههما ) من الكتب الصحيحة ( عن المدلسين بعن فمحمول على ثبوت السماع ) له ( من جهة أخرى ) وإنما اختار صاحب الصحيح طريق العنعنة على طريق التصريح بالسماع لكونها على شرطه دون تلك وفصل بعضهم تفصيلا آخر فقال إن كان الحامل له على التدليس تغطية الضعيف فجرح لأن ذلك حرام وغش وإلا فلا ( وأما ) القسم ( الثاني فكراهته أخف ) من الأول ( وسببها توعير طريق معرفته ) على السامع كقول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء حدثنا عبد الله بن ابي عبد الله يريد ابا بكر بن ابي داود السجستاني وفيه تضييع للمروي عنه والمروي أيضا لأنه قد لا يفطن له فيحكم عليه بالجهالة ( وتختلف الحال في كراهته بحسب غرضه ) فإن كان ( لكون المغير اسمه ضعيفا ) فيدلسه حتى لا يظهر روايته عن الضعفاء فهو شر هذا القسم والأصح أنه ليس بجرح وجزم ابن الصباغ في العدة بأن من فعل ذلك لكون شيخه غير ثقة عند الناس

أو صغيرا أو متأخر الوفاة أو سمع منه كثيرا فامتنع من تكراره على صورة ويسمح الخطيب وغيره بهذا فغيره ليقبلوا خبره يجب أن لا يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو وقال الآمدي إن فعله لضعفه فجرح أو لضعف نسبه أو لاختلافهم في قبول روايته فلا وقال ابن السمعاني إن كان بحيث لو سئل عنه لم يبينه فجرح وإلا فلا ومنع بعضهم إطلاق اسم التدليس على هذا روى البيهقي في المدخل عن محمد بن رافع قال قلت لأبي عامر كان الثوري يدلس قال لا قلت أليس إذا دخل كورة يعلم أن أهلها لا يكتبون حديث رجل قال حدثني رجل وإذا عرف الرجل بالاسم كناه وإذا عرف بالكنية سماه قال هذا تزيين ليس بتدليس ( أو ) لكونه ( صغيرا ) في السن ( أو متأخر الوفاة ) حتى شاركه من هو دونه فالأمر فيه سهل ( أو سمع منه كثيرا فامتنع من تكراره على صورة ) واحدة إبهاما لكثرة الشيوخ أو تفننا في العبارة فسهل أيضا ( و ) قد ( يسمح الخطيب وغيره ) من الرواة المصنفين ( بهذا ) تنبيه من أقسام التدليس ما هو عكس هذا وهو إعطاء شخص اسم آخر مشهور تشبيها ذكره ابن السبكي في جمع الجوامع قال كقولنا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ يعني الذهبي تشبيها بالبيهقي حيث يقول ذلك يعني به الحاكم وكذا إبهام اللقى والرحلة كحدثنا من وراء النهر يوهم أنه جيحون ويريد نهر عيسى ببغداد أو الجيزة بمصر وليس ذلك بجرح قطعا لأن ذلك من المعاريض لا من الكذب قاله الآمدي في الأحكام وابن دقيق العيد في الافتراح

النوع الثالث عشر الشاذ
هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره قال الخليلي والذي عليه حفاظ الحديث فائدة قال الحاكم أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي وخراسان والجبال وأصبهان وبلاد فارس وخوزستان وما وراء النهر لا نعلم أحدا من أئمتهم دلسوا قال وأكثر المحدثين تدليسا أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة قال وأما أهل بغداد فلم يذكر عن أحد من أهلها التدليس إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الواسطي فهو أول من أحدث التدليس بها ومن دلس من أهلها إنما تبعه في ذلك وقد افرد الخطيب كتابا في أسماء المدلسين ثم ابن عساكر فائدة استدل على أن التدليس غير حرام بما أخرجه ابن عدي عن البراء قال لم يكن فينا فارس يوم بدر إلا المقداد قال ابن عساكر قوله فينا يعني المسلمين لأن البراء لم يشهد بدرا ( النوع الثالث عشر الشاذ وهو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ) الثقة ( ما لا يروي غيره ) هو من تتمه كلام الشافعي 0 قال ) الحافظ أبو يعلى ( الخليلي والذي عليه حفاظ الحديث

أن الشاذ ما ليس له إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان عن غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به وقال الحاكم هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان ) منه ( عن غير ثقة فمتروك ) لا يقبل ( وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به ) فجعل الشاذ مطلق التفرد لا مع اعتبار المخالفة ( وقال الحاكم هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع ) لذلك الثقة قال ويغاير المعلل بأن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك فجعل الشاذ تفرد الثقة فهو أخص من قول الخليلي قال شيخ الإسلام وبقي من كلام الحاكم وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على هذا قال وهذا القيد لا بد منه قال وإنما يغاير المعلل من هذه الجهة قال وهذا على هذا أدق من المعلل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة قلت ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في المستدرك من طريق عبيد بن غنام النخعي عن علي بن حكيم عن شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس قال في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى وقال صحيح الإسناد ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم له حتى رأيت البيهقي قال إسناده صحيح ولكنه شاذ بمرة ( 1 )

وما ذكراه مشكل بإفراد العدل الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح فالصحيح التفصيل فإن كان بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط قال المصنف كابن الصلاح ( وما ذكراه ) أي الخليلي والحاكم ( مشكل ) فإنه ينتقض ( بأفراد العدل الضابط ) الحافظ ( كحديث إنما الأعمال بالنيات ) فإنه حديث فرد تفرد به عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم علقمة عنه ثم محمد ابن إبراهيم عن علقمة ثم عنه عن يحيى بن سعيد ( و ) كحديث ( النهي عن بيع الولاء ) وهبته تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر ( وغير ذلك ) من الأحاديث الافراد ( مما ) أخرج ( في الصحيح ) كحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري فكل هذه مخرجة في الصحيح مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة وقد قال مسلم للزهري نحو تسعين حرفا يرويه ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد قال ابن الصلاح فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي قالاه وحينئذ ( فالصحيح التفصيل فإن كان ) الثقة ( بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط ) عبارة ابن الصلاح لما

كان شاذا مردودا وإن لم يخالف الراوي فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وعبارة شيخ الإسلام لمن هو أرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات ( كان ) ما انفرد به ( شاذا مردودا ) قال شيخ الإسلام ومقاب يقال له المحفوظ قال مثاله ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفى على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه الحديث وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره وخالفهم حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة ولم يذكر ابن عباس قال أبو حاتم المحفوظ حديث ابن عيينة قال شيخ الإسلام فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه قال وعرف من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه قال وهذا هو المعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح ومن أمثلته في المتن ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن ابي صالح عن أبي هريرة مرفوعا إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه قال البيهقي خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا فإن الناس إنما رووه من فعل النبي صلى الله عليه و سلم لا من قوله وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ ( وإن لم يخالف الراوي ) بتفرده غيره وإنما روى أمرا لم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد ( فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا

وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا والحاصل أن الشاذ المردود هو الفرد المخالف الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده وإن لم يوثق بضبطه و ) لكن ( لم يبعد عن درجة الضابط كان ) ما انفرد به ( حسنا وإن بعد ) من ذلك ( كان شاذا منكرا مردودا والحاصل إن الشاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده ) وهو بهذا التفسير يجامع المنكر وسيأتي ما فيه تنبيه ما تقدم من الاعتراض على الخليلي والحاكم بإفراد الصحيح أورد عليه أمران أحدهما أنهما إنما ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الضابط الحافظ لما بينهما من الفرق وأجيب بأنهما أطلقا الثقة فشمل الحافظ وغيره والثاني أن حديث النية لم ينفرد به عمر بل رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم أبو سعيد الخدري كما ذكره الدارقطني وغيره بل ذكر أبو القاسم بن منده أنه رواه سبعة عشر أخر من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعتبة بن عبد السلمى وهلال بن سويد وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعتبة بن عامر وأبو ذر الغفاري وعتبة بن الندر وعتبة بن مسلم وزاد غيره أبا الدرداء وسهل بن سعد والنواس بن سمعان وأبا موسى الأشعري وصهيب بن سنان وأبا أمامة الباهلي وزيد بن ثابت

ورافع بن خديج وصفوان بن أمية وغزية بن الحرث أو الحرث بن غزية وعائشة وأم سلمة وأم حبيبة وصفية بنت حيي وذكر ابن منده انه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة غير محمد وعن محمد غير يحيى وأن حديث النهي عن بيع الولاء رواه غير ابن دينار فأخرجه الترمذي في العلل المفرد حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وأخرجه ابن عدي في الكامل حدثنا عصمة البخاري حدثنا إبراهيم بن فهد ثنا مسلم عن محمد بن دينار عن يونس يعني ابن عبيد عن نافع عن ابن عمر وأجيب بأن حديث الأعمال لم يصح له طريق غير حديث عمر ولم يرد بلفظ حديث عمر إلا من حديث أبي سعيد وعلي وأنس وأبي هريرة فأما حديث أبي سعيد فقد صرحوا بتغليط ابن أبي راود الذي رواه عن مالك وممن وهمه فيه الدارقطني وغيره وحديث علي في أربعين علوية بإسناد من أهل البيت فيه من لا يعرف وحديث أنس ورواه ابن عساكر في أول أماليه من رواية يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أنس وقال غريب جدا والمحفوظ حديث عمر وحديث أبي هريرة رواه الرشيد العطار في جزء له بسند ضعيف وسائر أحاديث الصحابة المذكورين إنما هي في مطلق النية كحديث يبعثون على نياتهم وحديث ليس له من غزاته إلا ما نوى ونحو ذلك وهكذا يفعل الترمذي في الجامع حيث يقول وفي الباب عن فلان وفلان فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب قال العراقي وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن

النوع الرابع عشر معرفة المنكر
قال الحافظ البرديجي هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه وكذا أطلقه كثيرون من سمي من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه وليس كذلك بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب ولم يصح من طريق غير عمر إلا الطريق المتقدمة قال البزار في مسنده لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا من حديث عمر ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ولا عن علقمة إلا من حديث محمد ولا عن محمد إلا من حديث يحيى وأما حديث النهي فقال الترمذي في الجامع والعلل أخطأ فيه يحيى بن سليم وعبد الله بن دينار تفرد بهذا الحديث عن ابن عمر وقال ابن عدي عقب ما أورده لم أسمعه إلا من عصمة عن إبراهيم بن فهد وإبراهيم مظلم الأمر له مناكير نعم حديث المغفر لم ينفرد به مالك بل تابعه عن الزهري ابن أخي الزهري رواها البزار في مسنده وأبو أويس بن أبي عامر رواها ابن عدي في الكامل وابن سعد في الطبقات ومعمر رواها ابن عدي والأوزاعي نبه عليها المزي في الأطراف وعن ابن العربي أن له ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وقال شيخ الإسلام قد جمعت طرقه فوصلت إلى سبعة عشر ( النوع الرابع عشر معرفة المنكر قال الحافظ ) أبو بكر ( البرديجي ) بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الدال المهملة بعدها تحتية وجيم نسبة إلى برديج قرب بردعة بإهمال الدال بأذربيجان ويقال له البرذعي أيضا ( هو ) الحديث ( الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه وكذا أطلقه كثيرون ) من أهل

والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ الحديث قال ابن الصلاح ( والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ ) قال وعند هذا القول المنكر قسمان على ما ذكرنا في الشاذ فإنه بمعناه مثال الأول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري عن علي ابن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين وذكر مسلم في التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قاله بفتحها وأن مالكا وهم في ذلك قال العراقي وفي هذا التمثيل نظر لأن الحديث ليس بمنكر ولم يطلق عليه أحد اسم النكارة فيما رأيت وغايته أن يكون السند منكرا أو شاذا لمخالفة الثقات لمالك في ذلك ولا يلزم من شذوذ السند ونكارته وجود ذلك الوصف في المتن وقد ذكر ابن الصلاح في نوع المعلل أن العلة الواقعة في السند قد تقدح في المتن وقد لا تقدح كما سيأتي قال فالمثال الصحيح لهذا القسم ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه قال أبو داود بعد تخريجه هذا حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه قال والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام وقال النسائي بعد تخريجه هذا حديث غير محفوظ فهمام بن يحيى ثقة احتج به أهل الصحيح ولكنه خالف الناس فروى عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند وإنما روى الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه أبو داود فلهذا حكم عليه بالنكارة ومثال الثاني وهو الفرد الذي ليس في رواته من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده ما رواه النسائي

وابن ماجه من رواية أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان الحديث قال النسائي هذا حديث منكر تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج له مسلم في المتابعات غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده بل قد أطلق عليه الأئمة القول بالتضعيف فقال ابن معين ضعيف وقال ابن حبان لا يحتج به وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وأورد له ابن عدي أربعة أحاديث مناكير تنبيهات الأول قد علم مما تقدم بل من تصريح كلام ابن الصلاح أن الشاذ والمنكر بمعنى وقال شيخ الإسلام إن الشاذ والمنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف قال وقد غفل من سوى بينهما ثم مثل المنكر بما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب بضم الحاء المهملة وتشديد التحتية بين موحدتين أولاهما مفتوحة ابن حبيب بفتح المهملة بوزن كريم أخى حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من اقام الصلاة وآتى الزكاة وحج وصام وقرى الضيف دخل الجنة قال أبو حاتم هو منكر لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا وهو المعروف فحينئذ فالحديث لا مخالفة فيه وراويه متهم بالكذب بأن لا يروي إلا من جهته وهو مخالف للقواعد المعلومة أو عرف به في غير الحديث النبوي

النوع الخامس عشر معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
هذه أمور يتعرفون بها حال الحديث أو كثير الغلط أو الفسق أو الغفلة يسمى المتروك وهو نوع مستقل ذكره شيخ الإسلام كحديث صدقة الدقيقي عن فرقد عن مرة عن أبي بكر وحديث عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث عن علي الثاني عبارة شيخ الإسلام في النخبة فإن خولف الراوي بأرجح يقال له المحفوظ ومقابله يقال له الشاذ وإن وقعت المخالفة مع الضعف فالراجح يقال له المعروف ومقابله يقال له المنكر وقد علمت من ذلك تفسير المحفوظ والمعروف وهما من الأنواع التي أهملها ابن الصلاح والمصنف وحقهما أن يذكرا كما ذكر المتصل مع ما يقابله من المرسل والمنقطع والمعضل الثالث وقع في عبارتهم أنكر ما رواه فلان كذا وإن لم يكن ذلك الحديث ضعيفا وقال ابن عدي أنكر ما روى بريد بن عبد الله بن أبي بردة إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها قال وهذا طريق حسن رواته ثقات وقد أدخله قوم في صحاحهم انتهى والحديث في صحيح مسلم ( 1 ) وقال الذهبي أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديث حديث حفظ القرآن وهو عند الترمذي وحسنه وصححه الحاكم على شرط الشيخين ( النوع الخامس عشر معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد هذه أمور ) يتداولها أهل الحديث ( يتعرفون بها حال الحديث ) ينظرون هل تفرد به راويه أولا وهل هو معروف أولا فالاعتبار أن يأتي إلى حديث لبعض

فمثال الاعتبار أن يروي حماد مثلا حديثا لا يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم فينظر هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين فإن لم يوجد فغير ابن سيرين عن ابي هريرة وإلا فصحابي غير الرواة فيعتبره بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث ( 1 ) ليعرف هل شاركه في ذلك الحديث رواه غيره فرواه عن شيخه أولا فإن لم يكن فينظر هل تابع أحد شيخ شيخه فرواه عمن روى عنه وهكذا إلى آخر الإسناد وذلك المتابعة فإن لم يكن فينظر هل أتى بمعناه حديث آخر وهو الشاهد فإن لم يكن فالحديث فرد فليس الاعتبار قسيما للمتابع والشاهد بل هو هيئة التوصل إليهما ( فمثال الاعتبار أن يروي حماد ) بن سلمة ( مثلا حديثا لا يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم فينظر هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين فإن لم يوجد ) ثقة غيره ( فغير ابن سيرين عن أبي هريرة وإلا ) أي وإن لم يوجد ثقة عن أبي هريرة غيره ( فصحابي غير

أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم فأي ذلك وجد علم أن له أصلا يرجع إليه وإلا فلا والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد وهي المتابعة التامة أو عن ابن سيرين غير أيوب أو عن ابي هريرة غير ابن سيرين أو عن النبي صلى الله عليه و سلم صحابي آخر فكل هذا يسمى متابعة وتقصر عن الأولى بحسب بعدها منعا وتسمى المتابعة شاهدا والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه ولا يسمى هذا متابعة أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم فأي ذلك وجد علم ) به ( أن له أصلا يرجع إليه وإلا ) أي وإن لم يوجد شيء من ذلك ( فلا ) اصل له كالحديث الذي رواه الترمذي عن طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة أراه رفعه أحبب حبيبك هونا ما الحديث قال الترمذي غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه أي من وجه يثبت وإلا فقد رواه الحسن بن دينار عن ابن سيرين والحسن متروك الحديث لا يصلح للمتابعات ( والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد وهي المتابعة التامة أو ) لم يروه عنه غيره ورواه ( عن ابن سيرين غير أيوب أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين أو عن النبي صلى الله عليه و سلم صحابي آخر ) غير أبي هريرة ( فكل هذا يسمى متابعة وتقصر عن ) المتابعة ( الأولى بحسب بعدها منها ) أي بقدره ( وتسمى المتابعة شاهدا ) أيضا ( والشاهد أن يروي حديث آخر بمعناه ولا يسمى هذا متابعة ) فقد حصل اختصاص المتابعة بما كان باللفظ سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم لا والشاهد أعم وقيل هو مخصوص بما كان بالمعنى كذلك وقال شيخ الإسلام قد يسمى الشاهد متابعة أيضا والأمر سهل مثال ما اجتمع فيه المتابعة التامة والقاصرة والشاهد ما رواه الشافعي في الأم عن مالك

وإذا قالوا في مثله تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين او أيوب أو حماد كان مشعرا بانتفاء المتابعات وإذا انتفت مع عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فهذا الحديث بهذا اللفظ ظن قوم أن الشافعي تفرد به عن مالك فعدوه في غرائبه لأن أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد بلفظ فإن غم عليكم فاقدروا له لكن وجدنا للشافعي متابعا وهو عبد الله ابن مسلمة القعنبي ( 1 ) كذلك أخرجه البخاري عنه عن مالك وهذه متابعة تامة ووجدنا له متابعة قاصرة في صحيح ابن خزيمة من رواية عاصم بن محمد عن أبيه محمد بن زيد عن جده عبد الله بن عمر فأكملوا ثلاثين وفي صحيح مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ فاقدروا ثلاثين ووجدنا له شاهدا رواه النسائي من رواية محمد بن حنين ( 2 ) عن ابن عباس عن نبي الله صلى الله عليه و سلم فذكر مثل حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر بلفظ سواء ورواه البخاري من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ فإن أغمى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وذلك شاد بالمعنى ( وإذا قالوا في مثله ) أي الحديث ( تفرد به أبو هريرة ) عن النبي صلى الله عليه و سلم ( أو ابن سيرين ) عن أبي هريرة ( أو أيوب ) عن ابن سيرين ( أو حماد ( عن أيوب ( كان مشعرا بانتفاء ) وجوه ( المتابعات ) فيه ( وإذا انتفت ) المتابعات ( مع

الشواهد فحكمه ما سبق في الشاذ ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ولا يصلح لذلك كل ضعيف

النوع السادس عشر معرفة زيادات الثقات وحكمها
وهو فن لطيف تستحسن العناية به ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبولها مطلقا وقيل لا تقبل مطلقا وقيل تقبل إن زادها غير من رواه ناقصا ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصا الشواهد فحكمه ما سبق في الشاذ ) من التفصيل ( ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ولا يصلح لذلك كل ضعيف ) كما سيأتي في ألفاظ الجرح والتعديل ( النوع السادس عشر معرفة زيادات الثقات وحكمها وهو فن لطيف تستحسن العناية به ) وقد اشتهر بمعرفة ذلك جماعة كأبي بكر عبد الله بن محمد ابن زياد النيسابوري وأبي الوليد حسان بن محمد القرشي وغيرهما ( ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبولها مطلقا ) سواء وقعت ممن رواه أولا ناقصا أم من غيره سواء تعلق بها حكم شرعي ام لا وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا وسواء أوجبت نقض أحكام ثبتت بخير ليست هي فيه أم لا وقد ادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا القول ( وقيل لا تقبل مطلقا ) لا ممن رواه ناقصا ولا من غيره ( وقيل تقبل إن زادها غير من رواه ناقصا ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصا ) وقال ابن الصباغ فيه إن ذكر أنه سمع كل واحد من الخبرين في مجلسين قبلت الزيادة وكانا خبرين يعمل بهما وإن عزى ذلك إلى مجلس واحد وقال

وقسمه الشيخ أقساما أحدها زيادة تخالف الثقات فترد كما سبق الثاني ما لا مخالفة فيه كتفرد كنت أنسيت هذه الزيادة قبل منه وإلا وجب التوقف فيها وقال في المحصول فيه العبرة لما روى منه أكثر فإن استوى قبلت منه وقيل إن كانت الزيادة مغيرة للإعراب كان الخبران متعارضين وإلا قبلت حكاه ابن الصباغ عن المتكلمين والصفي الهندي عن الأكثرين كأن يروى في أربعين شاة ثم في أربعين نصف شاة وقيل تقبل إن غيرت الإعراب مطلقا وقيل لا تقبل إلا إن أفادت حكما وقيل تقبل في اللفظ دون المعنى حكاهما الخطيب وقال ابن الصباغ إن زادها واحد وكان من وراه ناقصا جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت وعبارة غيره لا يغفل مثلهم عن مثلها عادة وقال ابن السمعاني مثله وزاد أن يكون مما تتوفر الدواعي على نقله وقال الصيرفي والخطيب يشترط في قبولها كون من رواها حافظا وقال شيخ الإسلام اشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح والحسن أن لا يكون شاذا ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كابن مهدي ويحيى القطان وأحمد وابن معين وابن المديني والبخاري وابي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة المنافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى وقد تنبه لذلك ابن الصلاح وتبعه لمصنف حيث قال ( وقسمه الشيخ أقساما أحدها زيادة تخالف الثقات ) فيما رووه ( فترد كما سبق ) في نوع الشاذ ( الثاني ما لا مخالفة فيه ) لما رواه الغير أصلا ( كتفرد

ثقة بحملة حديث فيقبل قال الخطيب باتفاق العلماء الثالث زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته كحديث جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا انفرد أبو مالك الاشجعي فقال وتربتها طهورا فهذا يشبه الأول ويشبه الثاني كذا قال الشيخ والصحيح قبول هذا الأخير ومثله الشيخ أيضا بزيادة مالك في حديث الفطرة من المسلمين ولا يصح التمثيل به فقد وافق مالكا عمر بن نافع والضحاك بن عثمان ثقة بجملة حديث ) لا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا ( فيقبل قال الخطيب باتفاق العلماء ) اسنده إليه ليبرأ من عهدته ( الثالث زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته ) وهذه مرتبة بين تلك المرتبتين 0 كحديث ) حذيفة 0 جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا انفرد أبو مالك ) سعد بن طارق ( الاشجعي فقال و ) جعلت ( تربتها ) لنا ( طهورا ) وسائر الرواة لم يذكروا ذلك 0 فهذا يشبه الأول ) المردود من حيث إن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد المردود بالزيادة مخصوص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم ( ويشبه الثاني ) المقبول من حيث إنه لا منافاة بينهما ( كذا قال الشيخ ) ابن الصلاح قال المصنف ( والصحيح قبول هذا الأخير ) قال ( ومثله الشيخ أيضا بزيادة مالك في حديث الفطرة من المسلمين ) ونقل عن الترمذي أن مالكا تفرد بها وأن عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما رووا الحديث عن نافع عن ابن عمر بدون ذلك قال المصنف ( ولا يصح التمثيل به فقد وافق مالكا ) عليها جماعة من الثقات منهم ( عمر بن نافع ) وروايته عند البخاري في صحيحه ( والضحاك بن عثمان ) وروايته عن مسلم في صحيحه

النوع السابع عشر معرفة الافراد
تقدم مقصوده قال العراقي وكثير بن فرقد وروايته في مستدرك الحاكم وسنن الدارقطني ويونس بن يزيد في بيان المشكل للطحاوي والمعلى بن إسماعيل في صحيح ابن عبد الله بن عمر العمري في سنن الدارقطني قيل وزيادة التربة في الحديث السابق يحتمل أن يراد بها الأرض من حيث هي أرض لا التراب فلا يبقى فيه زيادة ولا مخالفة لمن أطلق واجيب بأن في بعض طرقه التصريح بالتراب ثم إن عدها زيادة بالنسبة إلى حديث حذيفة وإلا فقد وردت في حديث علي رواه أحمد والبيهقي بسند حسن فائدة من امثلة هذا الباب حديث الشيخين عن ابن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أي العمل أفضل قال الصلاة لوقتها وزاد الحسن بن مكدم وبندار في روايتهما في أول وقتها صححها الحاكم وابن حبان وحديث الشيخين عن أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة زاد سماك بن عطية إلا الإقامة وصححها الحاكم وابن حبان وحديث علي إن السه وكاء العين زاد إبراهيم بن موسى فمن نام فليتوضأ 0 النوع السابع عشر معرفة الأفراد تقدم مقصوده ) في الأنواع التي قبله قال ابن الصلاح لكن أفردته بترجمة كما أفرده الحاكم ولما بقي منه

فالفرد قسمان أحدهما فرد عن جميع الرواة وتقدم والثاني بالنسبة إلى جهة كقولهم تفرد به أهل مكة والشام أو فلان عن فلان أو أهل البصرة عن أهل الكوفة وشبهه ولا يقتضي هذا ضعفه إلا أن يراد بتفرد المدنيين انفراد واحد منهم فيكون كالقسم الأول ( فالفرد قسمان احدهما فرد ) مطلق تفرد به واحد ( عن جميع الرواة و ) قد ( تقدم حكمه والثاني ) فرد نسبي ( بالنسبة إلى جهة ) خاصة ( كقولهم تفرد به أهل مكة والشام ) أو البصرة أو الكوفة أو خراسان ( أو ) تفرد به ( فلان عن فلان ) وإن كان مرويا من وجوه عن غيره ( أو أهل البصرة عن أهل الكوفة ) او الخراسانيون عن المكيين ( وشبهه ولا يقتضي هذا ضعفه ) من حيث كونه فردا ( إلا أن يراد بتفرد المدنيين ) مثلا ( انفراد واحد منهم ) تجوزا أو يقال لم يروه ثقة إلا فلان ( فيكون ) حكمه ( كالقسم الأول ) لأن رواية غير الثقة كلا رواية فينظر في المنفرد به هل بلغ رتبة من يحتج بتفرده أو لا وفي غير الثقة هل بلغ رتبة من يعتبر بحديثه أو لا مثال ما انفرد به أهل بلد ما رواه أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي عن همام عن قتادة عن أبي نضرة ( 1 ) عن أبي سعيد قال أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر قال الحاكم تفرد بذكر الأمر فيه أهل البصرة من أول الإسناد إلى آخره

ولم يشركهم في هذا اللفظ سواهم وما رواه مسلم من حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم ومسح رأسه بماء غير فضل يديه قال الحاكم هذا سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ولم يشاركهم فيها أحد وما رواه أيضا من حديث الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت صلى النبي صلى الله عليه و سلم على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد قال الحاكم تفرد به أهل المدينة وما رواه أحمد من حديث إسماعيل بن عبد الملك المكي عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من عندها فقالت يا رسول الله خرجت من عندي وأنت طيب النفس ثم رجعت إلي حزينا فقال إني دخلت الكعبة ووددت أني لم أكن دخلتها أو أكون أتعبت أمتي قال الحاكم تفرد به أهل مكة ومثل ما تفرد به فلان عن فلان ما رواه أصحاب السنن الأربعة من طريق سفيان بن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم أو لم على صفية بسويق وتمر قال ابن الطاهر تفرد به وائل عن أبيه ولم يروه عنه غير سفيان وقد رواه محمد بن الصلت التوزي عن ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري ورواه جماعة عن سفيان عن الزهري بلا واسطة مثال ما تفرد به أهل بلد عن أهل بلد والمراد تفرد واحد منهم حديث النسائي كلوا البلح بالتمر قال الحاكم هو من أفراد البصريين عن المدنيين تفرد به أبو زكير عن هشام ومثال ما تفرد به ثقة حديث مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ

النوع الثامن عشر المعلل
ويسمونه المعلول وهو لحن وهذا النوع من أجلها يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة تفرد به ضمرة بن سعيد عن عبيد بن عبد الله عن أبي واقد الليثي ولم يروه أحد من الثقات غير ضمرة ورواه من غيرهم ابن لهيعة وهو ضعيف عند الجمهور عن خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة فائدة صنف الدارقطني في هذا النوع كتابا حافلا وفي معاجم الطبراني أمثلة كثيرة لذلك ( النوع الثامن عشر المعلل ويسمونه المعلول ) كذا وقع في عبارة البخاري والترمذي والحاكم والدارقطني وغيرهم ( وهو لحن ) لأن اسم المفعول من أعل الرباعي لا يأتي على مفعول بل والأجود فيه معل بلام واحدة لأنه مفعول أعل قياسا وأما المعلل فمفعول علل وهو لغة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله وليس هذا الفعل بمستعمل في كلامهم ( وهذا النوع من أجلها ) أي أجل أنواع علوم الحديث واشرفها وأدقها وإنما ( يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب ) ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل كابن المديني وأحمد والبخاري ويعقوب بن شيبة وابي حاتم وأبي زرعة والدارقطني قال الحاكم وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل والحجة في التعليل عندنا بالحفظ والفهم والمعرفة لا غير

والعلة عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه ويتطرق إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهرا وتدرك بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنبه العارف على وهم بإرسال او وقف أو دخول حديث في حديث أو غير ذلك بحيث يغلب على ظنه فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف وقال ابن مهدي لأن اعرف علة حديث أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليس عندي ( والعلة عبارة عن سبب غامض خفي قادح ) في الحديث ( مع أن الظاهر السلامة منه ) قال ابن الصلاح فالحديث المعلل ما اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع ظهور السلامة ( ويتطرق إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهرا وتدرك ) العلة ( بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن ) تنضم إلى ذلك ( تنبه العارف ) بهذا الشأن ( على وهم ) ( 1 ) وقع ( بإرسال ) في الموصول ( أو وقف ) في المرفوع ( او دخول حديث في حديث أو غير ذلك بحيث يغلب على ظنه فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف ) فيه وربما تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي ( 2 ) في نقد الدينار والدرهم قال ابن مهدي في معرفة علم الحديث إلهام لو قلت للعالم بعلل الحديث من

والطريق إلى معرفته جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته وضبطهم وإتقانهم وكثر التعليل بالإرسال بأن يكون راويه أقوى ممن وصل وتقع العلة في الإسناد وهو الأكثر وقد تقع في المتن وما وقع في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن اين قلت هذا لم يكن له حجة وكم من شخص لا يهتدي لذلك وقيل له أيضا إنك تقول للشيء هذا صحيح وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك فقال أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك فقال هذا جيد وهذا بهرج ( 1 ) أكنت تسأل عمن ذلك أو تسلم له الأمر قال بل اسلم له الأمر قال فهذا كذلك بطول المجالسة والمناظرة والخبرة وسئل أبو زرعة ما الحجة في تعليلكم الحديث فقال الحجة أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته ثم تقصد ابن وارة فتسأله عنه فيذكر علته ثم تقصد ابا حاتم فيعلله ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث فإن وجدت بيننا خلافا فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم ففعل الرجل ذلك فاتفقت كلمتهم فقال أشهد أن هذا العلم إلهام ( والطريق إلى معرفته جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته و ) في ضبطهم وإتقانهم ) قال ابن المديني الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه ( وكثر التعليل بالإرسال ) للموصول ( بأن يكون راويه أقوى ممن وصل وتقع العلة في الإسناد وهو الأكثر وقد تقع في المتن وماقع ) منها ( في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن )

كالإرسال والوقف وقد يقدح في الإسناد خاصة ويكون المتن صحيحا كحديث يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار حديث البيعان بالخيار غلط يعلى إنما هو عبد الله بن دينار ايضا ( كالإرسال والوقف وقد يقدح في الإسناد خاصة ويكون المتن معروفا صحيحا كحديث يعلى بن عبيد ) الطنافسي ( 1 ) أحد رجال الصحيح ( عن ) سفيان ( الثوري عن عمرو بن دينار ) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم ( حديث البيعان بالخيار غلط يعلى ) عن سفيان في قوله عمرو بن دينار ( إنما هو عبد الله بن دينار ) هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان كأبي نعيم الفضل بن دكين ومحمد بن يوسف الفريابي ومخلد بن يزيد وغيرهم ومثال العلة في المتن ما انفرد به مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك انه حدثه قال صليت خلف النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها ثم رواه من رواية الوليد عن الأوزاعي أخبرني إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يذكر ذلك وروى مالك في الموطأ عن حميد عن أنس قال صليت وراء ابي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وزاد فيه الوليد بن مسلم عن مالك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم

هذا الحديث معلول أعله الحفاظ بوجوه جمعتها وحررتها في المجلس الرابع والعشرين من الأمالي بما لم أسبق إليه وانا الخصها هنا فأما رواية حميد فأعلها الشافعي بمخالفة الحفاظ مالكا فقال في سنن حرملة فيما نقله عن البيهقي فإن قال قائل قد روى مالك فذكره قيل له خالفه سفيان بن عيينة والفزاري والثقفي وعدد لقيتهم سبعة أو ثمانية متفقين مخالفين له والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد ثم رجح روايتهم بما رواه عن سفيان عن ايوب عن قتادة عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين قال الشافعي يعني يبدؤن بأم القرآن قبل ما يقرأ وبعدها ولا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم قال الدارقطني وهذا هو المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس قال البيهقي وكذا رواه عن قتادة أكثر أصحابه كأيوب وشعبة والدستوائي وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة وأبي عوانة وغيرهم قال ابن عبد البر فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة وليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط البسملة وهذا هو اللفظ المتفق عليه في الصحيحين وهو رواية الأكثرين ورواه كذلك أيضا عن أنس ثابت البناني وإسحق بن عبد الله بن ابي طلحة وما أوله عليه ورواه الشافعي مصرح به في رواية الدارقطني بسند صحيح فكانوا يستفتحون بأم القرآن قال ابن عبد البر ويقولون إن أكثر رواية حميد عن أنس إنما سمعها من قتادة وثابت عن أنس ويؤيد ذلك أن ابن عدي صرح بذكر قتادة بينهما في هذا الحديث فتبين انقطاعها ورجوع الطريقين إلى واحدة وأما رواية الأوزاعي فاعلها بعضهم بأن الراوي عنه وهو الوليد يدلس تدليس التسوية وإن كان قد صرح بسماعه من شيخه وإن ثبت أنه لم يسقط بين الأوزاعي وقتادة أحد فقتادة ولد أكمه فلا بد أن

يكون أملى على من كتب إلى الأوزاعي ولم يسم هذا الكاتب فيحتمل أن يكون مجروحا أو غير ضابط فلا تقوم به الحجة مع ما في أصل الرواية بالكتابة من الخلاف وأن بعضهم يرى انقطاعها وقال ابن عبد البر اختلف في ألفاظ هذا الحديث اختلافا كثيرا متدافعا مضطربا منهم من يقول صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم وابي بكر وعمر ومنهم من يذكر عثمان ومنهم من يقتصر على أبي بكر وعثمان ومنهم من لا يذكر فكانوا لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ومنهم من قال فكانوا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم قال وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد ومما يدل على أن أنسا لم يرد نفي البسملة وأن الذي زاد ذلك في آخر الحديث روى بالمعنى فأخطأ ما صح عنه أن أبا سلمة سأله أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك سألتني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك اخرجه أحمد وابن خزيمة بسند على شرط الشيخين وما قيل من أن من حفظ عنه حجة على من سأله في حال نسيانه فقد أجاب أبو شامة بأنهما مسألتان فسؤال أبي سلمة عن البسملة وتركها وسؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سورة وقد ورد من طريق آخر عنه كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسر ببسم الله الرحمن الرحيم أخرجه الطبراني من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه

وقد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناه ككذب عن الحسن عنه وابن خزيمة من طريق سويد بن عبد العزيز عن عمران القصير عن الحسن عنه وورد من طريق آخر عن المعتمر عن أبيه عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم رواه الدارقطني والخطيب وأخرجه الحاكم من جهة أخرى عن المعتمر وقد ورد ثبوت قراءتها في الصلاة عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث أبي هريرة من طرق عند الحاكم وابن خزيمة والنسائي والدارقطني والبيهقي والخطيب وابن عباس عند الترمذي والحاكم والبيهقي وعثمان وعلي وعمار بن ياسر وجابر بن عبد الله والنعمان بن بشير وابن عمر والحكم بن عمير وعائشة وأحاديثهم عند الدارقطني وسمرة بن جندب وأبي وحديثهما عند البيهقي وبريدة ومجالد بن ثور وبسر أو بشر بن معاوية وحسين بن عرفطة وأحاديثهم عند الخطيب وأم سلمة عند الحاكم وجماعة من المهاجرين والأنصار عند الشافعي فقد بلغ ذلك مبلغ التواتر وقد بينا طرق هذه الأحاديث كلها في كتاب الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة وتبين بما ذكرناه أن لحديث مسلم السابق تسع علل المخالفة من الحفاظ والأكثرين والانقطاع وتدليس التسوية من الوليد والكتابة وجهالة الكاتب والاضطراب في لفظه والإدراج وثبوت ما يخالفه عن صحابيه ومخالفته لما رواه عدد التواتر قال الحافظ أبو الفضل العراقي وقول ابن الجوزي إن الأئمة اتفقوا على صحته فيه نظر فهذا الشافعي والدارقطني والبيهقي وابن عبد البر لا يقولون بصحته افلا يقدح كلام هؤلاء في الاتفاق الذي نقله ( وقد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناه ) من الأسباب القادحة ( ككذب

الراوي وغفلته وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث وسمى الترمذي النسخ على وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال من الصحيح صحيح معلل كما قيل منه صحيح شاذ الراوي وغفلته وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث ) وذلك موجود في كتب العلل وسمى الترمذي النسخ علة ) قال العراقي فإن اراد به علة في العمل بالحديث فصحيح أو في صحته فلا لأن في الصحيح احاديث كثيرة منسوخة ( وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح ) في صحة الحديث كإرساله ما وصله الثقة الضابط حتى قال من الصحيح صحيح معلل كما قيل منه صحيح شاذ ) وقائل ذلك أبو يعلى الخليلي في الإرشاد ومثل الصحيح المعلل بحديث مالك للمملوك طعامه السابق في نوع المعضل فإنه اورده في الموطأ معضلا ورواه عنه إبراهيم بن طهمان والنعمان بن عبد السلام موصولا قال فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحا يعتمد عليه قيل وذلك عكس المعلل فإنه ما ظاهره السلامة فاطلع فيه بعد الفحص على قادح وهذا كان ظاهره الإعلال بالإعضال فلما فتش تبين وصله فائدة قال البلقيني أجل كتاب صنف في المعلل كتاب ابن المديني وابن أبي حاتم والخلال وأجمعها كتاب الدارقطني قلت وقد صنف شيخ الإسلام فيه الزهر المطول في الخبر المعلول وقد قسم الحاكم في علوم الحديث أجناس المعلل إلى عشرة ونحن نلخصها هنا بأمثلتها أحدها أن يكون السند ظاهره

الصحة وفيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه كحديث موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك واتوب إليك غفر له ما كان في مجلسه ذلك فروى أن مسلما جاء إلى البخاري وسأله عنه فقال هذا حديث مليح إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسمعيل ثنا وهيب ثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله ( 1 ) وهذا أولى لأنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل الثاني أن يكون الحديث مرسلا من وجه رواه الثقات الحفاظ ويسند من وجه ظاهره الصحة كحديث قبيصة بن عقبة عن سفيان عن خالد الحذاء وعاصم عن أبي قلابة عن أنس مرفوعا أرحم أمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر الحديث قال فلو صح إسناده لأخرج في الصحيح إنما روى خالد الحذاء عن أبي قلابة مرسلا الثالث ان يكون الحديث محفوظا عن صحابي ويروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته كرواية المدنيين عن الكوفيين كحديث موسى بن عقبة عن أبي إسحق عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة قال هذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا ظن أنه من شرط الصحيح والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا ( 2 ) و إنما الحديث محفوظ

عن رواية أبي بردة عن الأغر المزني الرابع أن يكون محفوظا عن صحابي فيروي عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته بل ولا يكون معروفا من جهته كحديث زهير بن محمد عن عثمان بن سليمان عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب بالطور قال أخرج العسكري وغيره هذا الحديث في الوحدان وهو معلول أبو عثمان لم يسمع من النبي صلى الله عليه و سلم ولا رآه وعثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه وإنما هو عثمان بن أبي سليمان الخامس أن يكون روى بالعنعنة وسقط منه رجل دل عليه طريق أخرى محفوظة كحديث يونس عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن رجل من الأنصار أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات ليلة فرمى بنجم فاستنار الحديث قال وعلته أن يونس مع جلالته قصر به وإنما هو عن ابن عباس حدثني رجال هكذا رواه ابن عيينة وشعيب وصالح والأوزاعي وغيرهم عن الزهري السادس أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد كحديث علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال قلت يا رسول الله مالك أفصحنا الحديث قال وعلته ما أسند عن علي بن خشرم حدثنا علي بن الحسين بن واقد بلغني أن عمر فذكره السابع الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله كحديث الزهري عن سفيان الثوري عن حجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن

أقسام الكتاب
1 2 3 4