كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني

فَهُوَ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ وَلَا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْعِتْقِ لِنَقْصِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوَلَاءِ .

[ فَصْلٌ ] حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا فَلْيَخْرُجْ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ ، وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ : كَجَمْعِ مَتَاعٍ وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ .

[ فَصْلٌ ] فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَالدُّخُولِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ : إذَا ( حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا ) أَيْ دَارًا مُعَيَّنَةً ( أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا ) وَهُوَ فِيهَا عِنْدَ الْحَلِفِ ( فَلْيَخْرُجْ فِي الْحَالِ ) بِبَدَنِهِ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ الْحِنْثِ وَإِنْ بَقِيَ أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فَإِنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُكَلَّفُ فِي خُرُوجِهِ عَدْوًا ، وَلَا هَرْوَلَةً ، وَلَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِهَا الْقَرِيبِ .
نَعَمْ لَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ مِنْ السَّطْحِ فَخَرَجَ مِنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِهِ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّعُودِ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ نِيَّةُ التَّحَوُّلِ لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاكِنِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخْرُجَ وَيَعُودَ ، وَيُومِئُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ ، وَيَخْرُجُ بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلًا ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُتَوَطِّنِ فِيهَا قَبْلَ حَلِفِهِ ، فَلَوْ دَخَلَهَا لِيَنْظُرَ إلَيْهَا هَلْ يَسْكُنُهَا أَوْ لَا ، فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَخَرَجَ فِي الْحَالِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةِ التَّحَوُّلِ قَطْعًا ، وَالْمُرَادُ بِالسُّكُونِ الْحُلُولُ ، لَا ضِدُّ الْحَرَكَةِ ( فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ ) وَإِنْ قَلَّ كَمَا لَوْ وَقَفَ لِيَشْرَبَ مَثَلًا .
وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ : " مَكَثَ سَاعَةً " لَمْ يُرِدْ بِهِ السَّاعَةَ الزَّمَانِيَّةَ ، بَلْ مَتَى مَكَثَ حَنِثَ ( وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ ) لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ سُكْنَاهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ ، إذْ السُّكْنَى تُطْلَقُ عَلَى الدَّوَامِ كَالِابْتِدَاءِ ، يُقَالُ : سَكَنَ شَهْرًا ، وَتُسْتَعْمَلُ مَعَ الْمَتَاعِ وَدُونَهُ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : بِلَا عُذْرٍ مَا لَوْ مَكَثَ لِعُذْرٍ كَأَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ ، أَوْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَوْ خَرَجَ ، أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْخُرُوجِ

وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَفَاتَتْ لَمْ يَحْنَثْ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ جَارٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا ا هـ .
وَلَوْ حَدَثَ عَجْزُهُ عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدَ حَلِفِهِ فَكَالْمُكْرَهِ ( وَإِنْ اشْتَغَلَ ) بَعْدَ الْحَلِفِ ( بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَجَمْعِ مَتَاعٍ ، وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ ، وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ ) بِمُكْثِهِ لِذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَدَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعِ : وَإِنْ وَقَفَ فِيهَا لِغَلْقِ أَبْوَابِهِ وَإِحْرَازِ مَالِهِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْ يَسْتَنِيبُهُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَأَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَيُرَاعَى فِي لُبْثِهِ لِثِقَلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنْ غَيْرِ إرْهَاقٍ وَلَا اسْتِعْجَالٍ ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى مَبِيتِ لَيْلَةٍ لِحِفْظِ مَتَاعٍ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى أَصَحِّ احْتِمَالَيْ ابْنِ كَجٍّ .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ لُبْسَ الثَّوْبِ ، وَقَيَّدَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِثَوْبِ الْخُرُوجِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِلُبْسِ ثِيَابٍ تَزِيدُ عَلَى حَاجَةِ التَّجَمُّلِ الَّتِي تُلْبَسُ لِلْخُرُوجِ أَنَّهُ يَحْنَثُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ ، وَلَوْ عَادَ إلَيْهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا حَالًا لِنَقْلِ مَتَاعٍ لَمْ يَحْنَثْ .
قَالَ الشَّاشِيُّ : إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ ، وَهَذَا يُوَافِقُ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ ، وَلَوْ عَادَ لِزِيَارَةِ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْكُثْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْلًا عَنْ تَعْلِيقِ الْبَغَوِيِّ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالُوا : فِيمَا لَوْ عَادَ الْمَرِيضُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ إنْ

قَعَدَ عِنْدَهُ حَنِثَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَهُ مَارًّا فِي خُرُوجِهِ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا خَرَجَ ثُمَّ عَادَ : أَيْ فَلَا يُعَدُّ سَاكِنًا ؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّكْنَى زَالَ عَنْهُ وَثَمَّ لَمْ يَخْرُجْ : أَيْ فَاسْمُ السُّكْنَى بَاقٍ عَلَيْهِ ، وَلَهُ وَجْهٌ ، وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلَوْ حَلَفَ خَارِجَهَا ثُمَّ دَخَلَ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْكُثْ ، فَإِنْ مَكَثَ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِجَمْعِ مَتَاعٍ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ حَلِفِهِ فَوْرًا ثُمَّ اجْتَازَهَا كَأَنْ دَخَلَ مِنْ بَابٍ وَخَرَجَ مِنْ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهَا بِلَا غَرَضٍ حَنِثَ .
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ أَرَادَ بِلَا أَسْكُنُهَا لَا أَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِهِ مَسْكَنًا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلِكُلِّ جَانِبٍ مَدْخَلٌ فِي الْأَصَحِّ .

( وَلَوْ ) ( حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ ) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا ( فِي هَذِهِ الدَّارِ ) أَوْ لَا يَسْكُنُ مَعِي فِيهَا ، أَوْ لَا سَكَنْتُ مَعَهُ ( فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا ) مِنْهَا ( فِي الْحَالِ ) ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِعَدَمِ الْمُسَاكَنَةِ ، فَإِنْ مَكَثَ سَاعَةً حَنِثَ إلَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِنَقْلِ مَتَاعٍ ، أَوْ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِيءُ مَا سَبَقَ مِنْ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْخُرُوجِ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ وَعَدَمِهَا وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْمَحْلُوفُ عَلَى عَدَمِ مُسَاكَنَتِهِ لِصَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ حَانُوتٍ وَنَحْوِهَا ، وَمَكَثَ الْحَالِفُ فِي الدَّارِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُرْفِ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ ) مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلِكُلِّ جَانِبٍ ) مِنْ الدَّارِ ( مَدْخَلٌ ) لَا يَحْنَثُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِاشْتِغَالِهِ بِرَفْعِ الْمُسَاكَنَةِ .
وَالثَّانِي : يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ إلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ ، وَنَسَبَاهُ إلَى الْجُمْهُورِ ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ ، وَنَقَلَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ بِفِعْلِ الْحَالِفِ أَوْ بِأَمْرِهِ ، أَوْ بِفِعْلِهِمَا أَوْ بِأَمْرِهِمَا ، فَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ غَيْرِ الْحَالِفِ إمَّا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ ، احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : " فِي هَذِهِ الدَّارِ " عَمَّا لَوْ أَطْلَقَ الْمُسَاكَنَةَ ، وَنَوَى أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ ، وَلَوْ فِي الْبَلَدِ حَنِثَ بِمُسَاكَنَتِهِ وَلَوْ فِيهِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَوْضِعًا حَنِثَ بِالْمُسَاكَنَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ ، فَإِنْ سَكَنَا فِي بَيْتَيْنِ يَجْمَعُهُمَا صَحْنٌ وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ حَنِثَ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ ، لَا إنْ كَانَ الْبَيْتَانِ مِنْ خَانٍ وَلَوْ صَغِيرًا فَلَا حِنْثَ ، وَإِنْ اتَّحَدَ فِيهِ الْمَرَافِقُ

وَتَلَاصَقَ الْبَيْتَانِ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِسُكْنَى قَوْمٍ ، وَبُيُوتُهُ تَنْفَرِدُ بِأَبْوَابٍ وَمَغَالِيقَ فَهُوَ كَالدَّرْبِ ، وَلَا إنْ كَانَا مِنْ دَارِ كَبِيرَةٍ ، وَإِنْ تَلَاصَقَا فَلَا حِنْثَ لِذَلِكَ ، بِخِلَافِهِمَا فِي صَغِيرَةٍ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْكَبِيرَةِ ، لَا فِي الْخَانِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ بَيْتٍ فِيهَا غَلَقٌ وَمَرْقًى ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَوْ سَكَنَا فِي صُفَّتَيْنِ فِي الدَّارِ ، أَوْ بَيْتٍ وَصُفَّةٍ حَنِثَ ، وَلَوْ انْفَرَدَ فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ بِحُجْرَةٍ مُنْفَرِدَةِ الْمَرَافِقِ كَالْمَرْقَى وَالْمَطْبَخِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَبَابِ الْحُجْرَةِ فِي الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَذَا لَوْ انْفَرَدَ مِنْهُمَا بِحُجْرَةٍ كَذَلِكَ فِي دَارٍ ، وَبِقَوْلِهِ : جِدَارٌ عَمَّا لَوْ أَرْخَى بَيْنَهُمَا سِتْرًا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَطْعًا .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ ، فَإِنَّهُ إذَا أَحْدَثَ حَاجِزًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَسْكَنُ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا وَهُوَ فِيهَا أَوْ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ فَلَا حِنْثَ بِهَذَا ، أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ حَنِثَ .
قُلْت : تَحْنِيثُهُ بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ ، وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ لِذُهُولٍ ، وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ وَصَلَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَلَوْ ) ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا ) أَيْ الدَّارَ ( وَهُوَ فِيهَا ، أَوْ لَا يَخْرُجُ ) مِنْهَا ( وَهُوَ خَارِجٌ ) ( فَلَا حِنْثَ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( بِهَذَا ) الْمَذْكُورِ مِنْ دُخُولٍ أَوْ خُرُوجٍ ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ الِانْفِصَالُ مِنْ خَارِجٍ إلَى دَاخِلٍ وَالْخُرُوجُ عَكْسُهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الِاسْتِدَامَةِ ، فَلِهَذَا لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَلَا خُرُوجًا .
نَعَمْ إنْ نَوَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ الِاجْتِنَابَ فَأَقَامَ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ ، أَوْ نَوَى بِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَدَمَ نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ حَنِثَ بِنَقْلِهِمَا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ هَذِهِ الْعَيْنَ وَهُوَ مَالِكُهَا فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَتَزَوَّجُ ) وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ ( أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ ) وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ ( أَوْ لَا يَلْبَسُ ) وَهُوَ لَابِسٌ ( أَوْ لَا يَرْكَبُ ) وَهُوَ رَاكِبٌ ( أَوْ لَا يَقُومُ ) وَهُوَ قَائِمٌ ( أَوْ لَا يَقْعُدُ ) وَهُوَ قَاعِدٌ ( فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ ) الْمُتَّصِفَ بِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ إلَى آخِرِهَا ( حَنِثَ ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ ( قُلْت : تَحْنِيثُهُ ) أَيْ الْمُحَرَّرِ بِمَسَائِلِ اسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ : لَبِسْتُ يَوْمًا وَرَكِبْتُ يَوْمًا ، وَهَكَذَا الْبَاقِي وَ ( بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ ) لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَجْزُومِ بِهِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ ( لِذُهُولٍ ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ ، وَهُوَ نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ ؛ إذْ لَا يُقَالُ : تَزَوَّجْتُ شَهْرًا بَلْ مِنْ شَهْرٍ ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ قَبُولُ الْعَقْدِ .
وَأَمَّا وَصْفُ الشَّخْصِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ نَاكِحًا فُلَانَةَ مُنْذُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ اسْتِمْرَارُهَا عَلَى عِصْمَةِ نِكَاحِهِ ، وَلَا يُقَالُ : تَطَهَّرْت شَهْرًا بَلْ مِنْ شَهْرٍ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِدَامَةَ ، فَإِنْ نَوَاهَا حَنِثَ

لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ بِيَمِينِهِ ، قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ ، وَلَوْ نَوَى بِاللُّبْسِ شَيْئًا مُبْتَدَأً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ( وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ ) فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَطَيَّبُ ، إذْ لَا يُقَالُ : تَطَيَّبْتُ شَهْرًا ، وَلِهَذَا لَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَاسْتَدَامَ لَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ ( وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ ، وَصَلَاةٌ ) بِأَنْ يَحْلِفَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَنَّهُ فِيهَا ، أَوْ كَانَ أَخْرَسَ وَحَلَفَ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِمَا مَرَّ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ إشْكَالٍ ، إذْ يُقَالُ ؛ صُمْتُ شَهْرًا وَصَلَّيْت لَيْلَةً ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ انْعِقَادُ النِّيَّةِ ، وَالصَّوْمَ كَذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي التَّزَوُّجِ : إنَّهُ قَبُولُ النِّكَاحِ ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ إحْرَامًا صَحِيحًا حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَلٍّ بِالتَّحَرُّمِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَكُلُّ عَقْدٍ أَوْ فِعْلٍ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لَا تَكُونُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ زَيْدًا فَاسْتَدَامَ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِالْحِنْثِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ شَرِكَةً مُبْتَدَأَةً ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ فَاسْتَدَامَ حَنِثَ قَطْعًا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَغْصِبُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ بِاسْتِدَامَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ .
فَإِنْ قِيلَ يُقَالُ : غَصَبْتُهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ ( يَغْصِبَ ) يَقْتَضِي فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا ، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : لَا أُنْشِئُ غَصْبًا ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : غَصَبَهُ شَهْرًا فَمَعْنَاهُ : غَصَبَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا كَمَا أُوِّلَ قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ } أَيْ أَمَاتَهُ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ أَوْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ

الْغَصْبِ شَهْرًا ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ غَاصِبًا بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَمَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ فِي السَّفَرِ قَاصِدًا بِحَلِفِهِ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ فَرَجَعَ فَوْرًا أَوْ وَقَفَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَحْنَثْ ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مُسَافِرٌ أَيْضًا ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَهُوَ ذُهُولٌ عَنْ الْمَنْقُولِ ، فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، وَعَلَّلَهُ لِقَوْلِهِ : لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي تَرْكِ السَّفَرِ ، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَكَلَامُهُ فِيمَا إذَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ كَمَا مَرَّ ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ .

وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ دَاخِلَ الْبَابِ ، أَوْ بَيْنَ بَابَيْنِ لَا بِدُخُولِ طَاقٍ قُدَّامَ الْبَابِ ، وَلَا بِصُعُودِ سَطْحٍ غَيْرِ مُحَوَّطٍ وَكَذَا مُحَوَّطٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا حَنِثَ ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ فَدَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الْحِيطَانِ حَنِثَ ، وَإِنْ صَارَتْ فَضَاءً أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَلَا .

( وَمَنْ ) ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا ) مُعَيَّنَةً ( حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ ) لَهَا ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ( دَاخِلَ الْبَابِ ) الَّذِي لَا ثَانِيَ بَعْدَهُ ، فَهُوَ بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ ( أَوْ ) كَانَ ( بَيْنَ بَابَيْنِ ) لِأَنَّهُ مِنْ الدَّارِ ، وَمَنْ جَاوَزَ الْبَابَ عُدَّ دَاخِلًا ، وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِدُخُولِ طَاقٍ ) لِلدَّارِ ( قُدَّامَ الْبَابِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا لَا يُقَالُ لِمَنْ دَخَلَهُ : إنَّهُ دَخَلَهَا ، وَفَسَّرَ الرَّافِعِيُّ الطَّاقَ بِالْمَعْقُودِ خَارِجَ الْبَابِ ، وَهُوَ مَا يُعْمَلُ لِبَعْضِ أَبْوَابِ الْأَكَابِرِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلطَّاقِ بَابٌ يُغْلَقُ كَالدَّارِ ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي : هُوَ مِنْ الدَّارِ مُسَقَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسَقَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَأَقَرَّهُ .
وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ ؛ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعُرْفِ لَيْسَ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَارِجًا عَنْ الْعُرْفِ ( وَلَا ) يَحْنَثُ جَزْمًا ( بِصُعُودِ سَطْحٍ ) مِنْ خَارِجِهَا ( غَيْرِ مُحَوَّطٍ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلَ الدَّارِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا ؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ يَقِي الدَّارَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ ، فَهُوَ كَحِيطَانِهَا ( وَكَذَا ) سَطْحٌ ( مُحَوَّطٌ ) مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ بِخَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، لَا يَحْنَثُ بِصُعُودِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا مَرَّ ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ لِإِحَاطَةِ حِيطَانِ الدَّارِ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ السَّطْحُ مُسَقَّفًا كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَإِلَّا حَنِثَ قَطْعًا إذَا كَانَ يَصْعَدُ إلَيْهِ مِنْ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَبْنِيَتِهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَقَّفُ بَعْضَهُ وَدَخَلَ فِي الْمَكْشُوفِ .
وَقَالَ : إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ عَدَمُ الْحِنْثِ وَيُرَدُّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ ( وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ رِجْلَهُ ) فِيهَا ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ مُعْتَكِفٌ وَلَمْ يُعَدَّ خُرُوجًا مُبْطِلًا لِلِاعْتِكَافِ ( فَإِنْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا ) وَبَاقِي بَدَنِهِ خَارِجٌ ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى دَاخِلًا ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا عَمَّا لَوْ أَدْخَلَ رِجْلًا فَقَطْ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا ، وَعَلَى الْخَارِجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ ، فَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَى الدَّاخِلَةِ فَقَطْ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ الْخَارِجَةَ لَمْ يَسْقُطْ فَهُوَ كَمَا لَوْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ ، وَمَا لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ فِيهَا ، وَهُوَ قَاعِدٌ خَارِجَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ دَاخِلًا ، وَلَوْ تَعَلَّقَ بِحَبْلٍ أَوْ جِذْعٍ فِي هَوَائِهَا وَأَحَاطَ بِهِ بُنْيَانُهَا حَنِثَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَا إحْدَاهُمَا ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ دَاخِلًا ، فَإِنْ ارْتَفَعَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ بُنْيَانِهَا لَمْ يَحْنَثْ ( وَلَوْ انْهَدَمَتْ فَدَخَلَ ، وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الْحِيطَانِ حَنِثَ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ : إنْ بَقِيَتْ أُصُولُ الْحِيطَانِ وَالرُّسُومِ حَنِثَ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَقَاءُ شَاخِصٍ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّ الْأَسَاسَ هُوَ الْبِنَاءُ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ تَحْتَ الْجِدَارِ الْبَارِزِ .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ وَالْمُصَنِّفَ لَمْ يُمْعِنَا النَّظَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ ا هـ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ وَعَدَمِهِ ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ .
فَقَالَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ : إذَا انْهَدَمَتْ فَصَارَتْ سَاحَةً لَمْ يَحْنَثْ .
أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا تُسَمَّى مَعَهُ دَارًا ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا .
تَنْبِيهٌ : كُلُّ هَذَا إذَا قَالَ : لَا أَدْخَلُ هَذِهِ الدَّارَ ، فَإِنْ قَالَ : لَا

أَدْخَلُ هَذِهِ حَنِثَ بِالْعَرْصَةِ ، وَإِنْ قَالَ دَارًا لَمْ يَحْنَثْ بِفَضَاءِ مَا كَانَ دَارًا ، وَهَذِهِ تَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ ، فَإِنَّهُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَصْلِهَا بِقَوْلِهِ دَارًا ، لَكِنَّ مُرَادَهُ هَذِهِ الدَّارُ ، وَلِهَذَا قَدَّرْتُ فِي كَلَامِهِ مُعَيَّنَةً ( وَإِنْ صَارَتْ ) تِلْكَ الدَّارُ الْمَحْلُوفُ عَلَى دُخُولِهَا ( فَضَاءً ) بِالْمَدِّ وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا السَّاحَةَ الْخَالِيَةَ مِنْ بِنَاءٍ ( أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَلَا ) يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا لِزَوَالِ مُسَمَّى الدَّارِ وَحُدُوثِ اسْمٍ آخَرَ لَهَا .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى كَلَامِهِ انْحِلَالُ الْيَمِينِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ أُعِيدَتْ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ أُعِيدَتْ بِآلَةٍ أُخْرَى ، فَإِنْ أُعِيدَتْ بِآلَتِهَا الْأُولَى فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الْحِنْثُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا مُخْتَارًا وَلَا مُكْرَهًا وَلَا نَاسِيًا حَنِثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَمَلًا بِتَعْلِيقِهِ فَلَوْ انْقَلَبَ الْحَالِفُ مِنْ نَوْمِهِ بِجَنْبِ الدَّارِ فَحَصَلَ فِيهَا أَوْ حُمِلَ إلَيْهَا ، وَلَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ لَمْ يَحْنَثْ ، إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْأُولَى وَلَا فِعْلَ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ حُمِلَ إلَيْهَا بِأَمْرِهِ حَنِثَ كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَدَخَلَهَا .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ حَنِثَ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ ، لَا بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ ، وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْكُنُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ .

( وَلَوْ ) ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ حَنِثَ بِدُخُولِ مَا ) أَيْ دَارٍ ( يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ ) سَوَاءً أَكَانَ مَالِكًا لَهَا عِنْدَ الْحَلِفِ أَمْ بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ : لَا أَدْخَلُ دَارَ الْعَبْدِ ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْكَنِهِ الْآنَ ، بَلْ بِمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ ، أَوْ دَارًا تُعْرَفُ بِهِ كَدَارِ الْعَدْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا ، وَ ( لَا ) يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا ( بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ ) وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَتِهَا وَوَقْفٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ تَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ كَانَ إقْرَارًا لَهُ بِالْمِلْكِ حَتَّى لَوْ قَالَ : أَرَدْتُ بِهِ مَا يَسْكُنُهَا لَمْ يُقْبَلْ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ بِغَيْرِهَا خِلَافًا لِلْقَاضِي فِي قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَسْكَنِ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ ) بِدَارِهِ ( مَسْكَنَهُ ) فَيَحْنَثُ بِالْمُعَارِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُعْرَفْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } الْمُرَادُ بُيُوتُ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي يَسْكُنَّهَا ( وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ ) زَيْدٌ ( وَلَا يَسْكُنُهُ ) لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي دَارِ زَيْدٍ حَقِيقَةً ، هَذَا إذَا كَانَ يَمْلِكُ الْجَمِيعَ .
فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَ الدَّارِ فَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ كَثُرَ نَصِيبُهُ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ ، الْأَصْحَابُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ ) بِدَارِهِ ( مَسْكَنَهُ ) فَلَا يَحْنَثُ بِمَا لَا يَسْكُنُهُ عَمَلًا بِقَصْدِهِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : بِمَا يَمْلِكُهُ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ دَارٌ أَوْ سُوقٌ أَوْ حَمَّامٌ مُضَافٌ إلَى رَجُلٍ كَسُوقِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ بِمِصْرَ ، وَخَانِ الْخَلِيلِيِّ ، وَسُوقِ يَحْيَى بِبَغْدَادَ ، وَخَانِ يَعْلَى بِقَزْوِينَ ، وَسُوقِ

السَّخِيِّ بِدِمَشْقَ ، وَدَارِ الْأَرْقَمِ بِمَكَّةَ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَكَذَا دَارُ الْعَقِيقِيِّ بِدِمَشْقَ ا هـ .
وَدَارُ الْعَقِيقِيِّ هِيَ الْمَدْرَسَةُ الظَّاهِرِيَّةُ .
قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ ، فَيَحْنَثُ بِدُخُولِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَنْ تُضَافُ إلَيْهِ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْإِضَافَةِ عَلَى الْمِلْكِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَبَاعَهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا فَدَخَلَ وَكَلَّمَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَقُولَ دَارِهِ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ هَذِهِ أَوْ عَبْدَهُ هَذَا فَيَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا دَامَ مِلْكُهُ .

( وَلَوْ ) ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ ) مَثَلًا ( أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتُهُ فَبَاعَهُمَا ) أَيْ الدَّارَ وَالْعَبْدَ أَوْ بَعْضَهُمَا بَيْعًا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ أَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ بَعْضِهِمَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ ( أَوْ طَلَّقَهَا ) أَيْ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ( فَدَخَلَ ) الدَّارَ ( وَكَلَّمَ ) الْعَبْدَ أَوْ الزَّوْجَةَ ( لَمْ يَحْنَثْ ) تَغْلِيبًا لِلْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ دَارِهِ وَلَمْ يُكَلِّمْ عَبْدَهُ وَلَا زَوْجَتَهُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالزَّوْجِيَّةِ بِالطَّلَاقِ ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَكَلَّمَ الزَّوْجَةَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ ، وَلَوْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ لِأَجْلِ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ حَنِثَ إنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَفَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ ، فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فَيَتَبَيَّنُ حِنْثُ الْحَالِفِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : فَأَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ بَعْضِهِمَا بَدَلَ فَبَاعَهُمَا لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ لِتَدْخُلَ الْهِبَةُ وَغَيْرُهَا ( إلَّا أَنْ يَقُولَ ) الْحَالِفُ ( دَارِهِ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ هَذِهِ أَوْ عَبْدَهُ هَذَا فَيَحْنَثُ ) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ ، اللَّهُمَّ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ ) الْحَالِفُ بِمَا ذَكَرَ ( مَا دَامَ مِلْكُهُ ) عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ مَعَ الْإِشَارَةِ إذَا دَخَلَ الدَّارَ أَوْ كَلَّمَ الْعَبْدَ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ ، وَمِثْلُ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَبْدِ مَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدًا فَكَلَّمَ مُبَعَّضًا ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حُرًّا أَوْ لَا يُكَلِّمُ حُرًّا وَلَا عَبْدًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرَةً وَلَا رُطَبَةً فَأَكَلَ مُنَصَّفَةً ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ اشْتَرَى زَيْدٌ بَعْدَ الدَّارِ دَارًا أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ

بِدُخُولِهَا إنْ أَرَادَ الدَّارَ الْأُولَى ، وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ تَكُونُ فِي مِلْكِهِ حَنِثَ بِالثَّانِيَةِ ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُهُ حَنِثَ بِهِمَا ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الْبَابِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ الْإِضَافَةَ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا يُمْلَكُ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمَالِكِ أَوْ بِمَا لَا يَمْلِكُ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ ، حَنِثَ بِالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ وَبِالْمُتَجَدِّدِ اعْتِبَارًا بِالْمَالِكِ ، وَإِنْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ وَلَدَ فُلَانٍ حَنِثَ بِالْمَوْجُودِ دُونَ الْمُتَجَدِّدِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْزِلُ عَلَى مَا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قُدْرَةٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَمَسُّ شَعْرَ فُلَانٍ فَحَلَقَهُ فَنَبَتَ شَعْرٌ آخَرُ فَمَسَّهُ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَصْلُ الشَّعْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ هُوَ غَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ : يَصِحُّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِلْكُهُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ دَامَ ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا وَالْخَبَرُ أَوْ الِاسْمُ مَحْذُوفٌ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا مِنْ ذَا الْبَابِ فَنُزِعَ وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالثَّانِي ، وَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ ) ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا ) أَيْ الدَّارَ ( مِنْ ذَا الْبَابِ فَنُزِعَ ) مِنْ مَحِلِّهِ ( وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا ) أَيْ الدَّارِ ( لَمْ يَحْنَثْ بِالثَّانِي ) أَيْ بِالدُّخُولِ مِنْ الْمَنْفَذِ الثَّانِي ( وَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا حَمْلًا لِلْيَمِينِ عَلَى الْمَنْفَذِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدُّخُولِ دُونَ الْمَنْصُوصِ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ .
وَالثَّانِي عَكْسُهُ حَمْلًا عَلَى الْمَنْصُوبِ .
وَالثَّالِثُ : لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمْلًا عَلَى الْمَنْفَذِ وَالْمَنْصُوبِ مَعًا .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يَسُدَّ الْأَوَّلَ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ بِمَا إذَا سَدَّ الْأَوَّلَ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمِلَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : مِنْ ذَا الْبَابِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ عَمَّا لَوْ قَالَ : لَا أَدْخُلُهَا مِنْ بَابِهَا ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْبَابِ الثَّانِي فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ بَابِهَا .

أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا حَنِثَ بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَلَا يَحْنَثُ بِمَسْجِدٍ وَحَمَّامٍ وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ .

فَرْعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ عَلَى سَرْجِ هَذِهِ الدَّابَّةِ فَرَكِبَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى حَنِثَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ ) أَوْ لَا يَسْكُنُ ( بَيْتًا ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ ( حَنِثَ ) بِالدُّخُولِ أَوْ السُّكْنَى ( بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ ) أَوْ قَصَبٍ مُحْكَمٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( أَوْ خَيْمَةٍ ) وَنَحْوِهَا ؛ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ حَضَرِيًّا أَمْ بَدَوِيًّا ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ .
تَنْبِيهٌ : : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخَيْمَةَ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا اُتُّخِذَتْ مَسْكَنًا ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ .
قَالَ : فَأَمَّا مَا يَتَّخِذُهَا الْمُسَافِرُ وَالْمُجْتَازُ لِدَفْعِ الْأَذَى فَلَا تُسَمَّى بَيْتًا ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِنْ نَوَى نَوْعًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَيْهَا ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا تَلَفَّظَ بِالْبَيْتِ بِالْعَرَبِيَّةِ ، فَلَوْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَأَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَارَ خَانَةٍ لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ ؛ لِأَنَّ الْعَجَمَ لَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَبْنِيِّ ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ( وَلَا يَحْنَثُ ) عَلَى الْمَذْهَبِ ( بِمَسْجِدٍ ) وَكَعْبَةٍ ( وَ ) بَيْتٍ ( حَمَّامٍ ) وَرَحًى ( وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ ) لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْتًا عُرْفًا ، فَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِتَسْمِيَةِ الْمَسْجِدِ بَيْتًا ، فِي قَوْله تَعَالَى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } وَلَا بِتَسْمِيَةِ الْكَعْبَةِ بَيْتًا ، فِي قَوْله تَعَالَى : { وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ } كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا بِسَاطًا ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عِنْدَ سِرَاجٍ فَجَلَسَ عِنْدَ الشَّمْسِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ

تَعَالَى سَمَّاهَا سِرَاجًا .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْغَارَ ، وَمَحِلُّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : فِي غَارٍ لَمْ يُتَّخَذْ لِلسُّكْنَى .
فَأَمَّا مَا اُتُّخِذَ مِنْ ذَلِكَ مَسْكَنًا ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْمُرَادُ بِالْكَنِيسَةِ مَوْضِعُ تَعَبُّدِهِمْ .
أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَيْتًا فِي الْكَنِيسَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَطْعًا ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ سَاحَةِ الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ وَنَحْوِهِمَا .
وَكَذَا الْإِيوَانُ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَحْنَثُ بِدُخُولِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمَا .

أَوْ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ حَنِثَ ، وَفِي قَوْلٍ إنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، فَلَوْ جَهِلَ حُضُورَهُ فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي .
قُلْت : وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ ) عَالِمًا بِذَلِكَ ذَاكِرًا لِلْحَلِفِ مُخْتَارًا ( حَنِثَ ) مُطْلَقًا فِي الْأَظْهَرِ لِوُجُودِ صُورَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ ( وَفِي قَوْلٍ إنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ لَمْ يَحْنَثْ ) كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَامِ الْآتِيَةِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْتَنِعُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : دَخَلْتُ عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا ، وَيَصِحُّ سَلَّمْتُ عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا ، وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ دَارًا ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً يَفْتَرِقُ الْمُتَبَايِعَانِ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ ( فَلَوْ جَهِلَ حُضُورَهُ ) أَيْ زَيْدٍ فِي الْبَيْتِ ( فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي ) وَالْجَاهِلِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الطَّلَاقِ ، وَالْأَصَحُّ فِيهِمَا عَدَمُ الْحِنْثِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا أَطْلَقَ ، فَإِنْ قَالَ : لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ عَامِدًا وَلَا نَاسِيًا حَنِثَ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ نَاسِيًا قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ( قُلْت : وَلَوْ ) .
( حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ ) وَعَلِمَ بِهِ ( وَاسْتَثْنَاهُ ) لَفْظًا أَوْ نِيَّةً ( لَمْ يَحْنَثْ ) فِي الْأُولَى جَزْمًا ، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا عَلَيْهِ ( وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي الْأَظْهَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ الْعَامَّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ مَا لَمْ يُخَصَّصْ ، وَالثَّانِي : لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْجَمِيعِ وَلِلْبَعْضِ ، فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ ، فَإِنْ قَصَدَهُ حَنِثَ قَطْعًا أَوْ جَهِلَهُ فِيهِمْ لَمْ يَحْنَثْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَزَيْدٌ مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ بِهِ كَذَا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : إنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ

إنَّمَا هُوَ السَّلَامُ الْخَاصُّ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْأُنْسُ وَزَوَالُ الْهِجْرَانِ ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّلَامِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ .
قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَخَذَهُ مِنْ الشَّامِلِ وَهُوَ بَحْثٌ لَهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ ا هـ .
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا قَصَدَهُ بِالسَّلَامِ وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ التَّحَلُّلَ أَوْ أَطْلَقَ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ خَارِجٌ عَنْ الْعُرْفِ .
ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَمْ لَا كَمَا فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْمُفْهِمَةِ ا هـ .
وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ سَلَامَهُ ، فَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَبَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ سَلَامَ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ .

[ فَصْلٌ ] حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا ، لَا طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً ، وَالْبَيْضُ يُحْمَلُ عَلَى مُزَايِلٍ بَائِضَهُ فِي الْحَيَاةِ كَدَجَاجٍ وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ لَا سَمَكٍ وَجَرَادٍ .

[ فَصْلٌ ] فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ مَعَ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بَعْضَ الْمَأْكُولَاتِ ، إذَا ( حَلَفَ ) شَخْصٌ ( لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ ) أَوْ الرَّأْسَ أَوْ لَا يَشْتَرِيهَا ( وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا ) وَهِيَ رُءُوسُ الْغَنَمِ قَطْعًا ، وَكَذَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ ، وَإِنْ اُخْتُصَّ بَعْضُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ ( لَا ) بِرُءُوسِ ( طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ ) وَخَيْلٍ ( إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً ) لِكَثْرَتِهَا وَاعْتِيَادِ أَهْلِهَا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَرُءُوسِ الْأَنْعَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَمْ لَا ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً ، بَلْ تُبَاعُ فِي غَيْرِهِ مُفْرَدَةً حَنِثَ عَلَى الْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ لِشُمُولِ الِاسْمِ ، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْعُرْفُ فِي مَوْضِعٍ ثَبَتَ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ كَخُبْزِ الْأَرُزِّ .
قَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَقِيلَ : لَا يَحْنَثُ ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ ، وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَأَصْلِهِ ، وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ .
قَالَ : وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا انْتَشَرَ الْعُرْفُ بِحَيْثُ بَلَغَ الْحَالِفَ وَغَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ ا هـ .
أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا مِنْهَا ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ ، وَإِنْ نَوَى مُسَمَّى الرَّأْسِ حَنِثَ بِكُلِّ رَأْسٍ وَإِنْ لَمْ تُبَعْ وَحْدَهَا ، وَإِنْ قَالَ : لَا آكُلُ رُءُوسَ الشَّوَى حَنِثَ بِرُءُوسِ الْغَنَمِ فَقَطْ ، دُونَ رُءُوسِ غَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : حَنِثَ بِرُءُوسٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ جَمْعٍ مِنْ الرُّءُوسِ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ ، وَقَالَ : لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ ،

أَوْ صَرِيحَهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ ، حَتَّى لَوْ أَكَلَ رَأْسًا أَوْ بَعْضَهُ حَنِثَ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ : لَا أَدْرِي مَاذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْأَيْمَانِ ، إنْ اتَّبَعَ اللَّفْظَ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ رَأْسٍ ، وَإِنْ اتَّبَعَ الْعُرْفَ ، فَأَصْحَابُ الْقُرَى لَا يَعُدُّونَ الْخِيَامَ بُيُوتًا ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ .
وَأَجَابَ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ تَارَةً ، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِهَا وَشُمُولِهَا وَهُوَ الْأَصْلُ ، وَتَارَةً يَتْبَعُ الْعُرْفَ إذَا اشْتَهَرَ وَاطَّرَدَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ نَحْوَهُ فَقَالَ : قَاعِدَةُ الْأَيْمَانِ الْبِنَاءُ عَلَى الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَضْطَرِبْ ، فَإِذَا اضْطَرَبَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللُّغَةِ ا هـ .
وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى صَيْدٍ لَشَمِلَ رَأْسَ سَمَكٍ وَطَيْرٍ ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَيْدٌ ، وَيَجُوزُ فِي طَيْرٍ وَمَا بَعْدَهُ الرَّفْعُ أَيْضًا ، وَيُقَالُ لِبَيَّاعِ الرُّءُوسِ رَآَّسٌ ، وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ رَوَّاسٌ ( وَالْبَيْضُ ) جَمْعُ بَيْضَةٍ ( يُحْمَلُ ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا ( عَلَى ) بَيْضٍ ( مُزَايِلٍ ) أَيْ مُفَارِقٍ ( بَائِضَهُ فِي الْحَيَاةِ كَدَجَاجٍ ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ : أَيْ بَيْضِهِ وَبَيْضِ إوَزٍّ وَبَطٍّ ( وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ ) وَعَصَافِيرَ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ تَمْثِيلِهِ التَّخْصِيصَ بِبَيْضِ الْمَأْكُولِ ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَافِي ، فَقَالَ : وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ حِلُّ أَكْلِهِ بِلَا خِلَافٍ ، إذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : عَلَى مُزَايِلٍ بَائِضَهُ أَيْ مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا الْمُزَايَلَةُ الْحَقِيقِيَّةُ ، فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الدَّجَاجَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا بَيْضٌ مُتَصَلِّبٌ

حَنِثَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .
ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ إذَا ظَهَرَ فِيهِ بِخِلَافٍ مَا إذَا أَكَلَهُ فِي شَيْءٍ لَا تَظْهَرُ صُورَتُهُ فِيهِ كَالنَّاطِفِ ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَيَاضِ الْبَيْضِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ .
قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ ، وَبِهِ أَجَابَ الْمَسْعُودِيُّ لَمَّا تَوَقَّفَ الْقَفَّالُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ .
ثُمَّ لَقِيَ رَجُلًا فَحَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ ، فَإِذَا هُوَ بَيْضٌ ، فَقَالَ : يُتَّخَذُ مِنْهُ النَّاطِفُ وَيُؤْكَلُ وَيَكُونُ قَدْ أَكَلَ مِمَّا فِي كُمِّهِ وَلَمْ يَأْكُلْ الْبَيْضَ ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ ( لَا ) بَيْضِ ( سَمَكٍ ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَطَارِخِ ( وَ ) لَا بَيْضِ ( جَرَادٍ ) فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ ، عَلَى أَكْلِ الْبَيْضِ بِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَقِّ الْبَطْنِ ، وَلَوْ بِيعَ بَيْضُ السَّمَكِ مُنْفَرِدًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ ، وَهُوَ الْبَطَارِخُ ، وَلَا يَحْنَثُ بِخُصْيَةِ شَاةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَكَمَا سَبَقَ فِي الرُّءُوسِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي ، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَصَارِينِ السَّمَكِ الْمَمْلُوحِ مَعَ بَيْضِهِ ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَوِيَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ .

وَاللَّحْمُ عَلَى نَعَمٍ وَخَيْلٍ وَوَحْشٍ وَطَيْرٍ لَا سَمَكٍ وَشَحْمِ بَطْنٍ ، وَكَذَا كَرِشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ فِي الْأَصَحّ ، وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ وَشَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ ، وَأَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ ، وَأَنَّ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ لَيْسَا شَحْمًا وَلَا لَحْمًا ، وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا ، وَالدَّسَمُ يَتَنَاوَلُهُمَا ، وَشَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ ، وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا .

( وَ ) يُحْمَلُ ( اللَّحْمُ ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ ( عَلَى ) لَحْمِ ( نَعَمٍ ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ ( وَ ) لَحْمِ ( خَيْلٍ ) وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةُ كَأَصْلِهَا ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ ( وَ ) لَحْمُ ( وَحْشٍ وَطَيْرٍ ) مَأْكُولَيْنِ لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْ مُذَكَّاهَا ، سَوَاءٌ أَكَلَهُ نِيئًا أَمْ لَا ، وَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ كَالْمَيْتَةِ وَالْحِمَارِ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الِامْتِنَاعَ عَمَّا لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ ، وَلِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمَأْكُولِ شَرْعًا ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يَظْهَرُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَالِفِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ حِلَّ ذَلِكَ فَيَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا ، وَ ( لَا ) عَلَى لَحْمِ ( سَمَكٍ ) وَجَرَادٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا ، وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا أَكَلْتُ لَحْمًا بَلْ سَمَكًا ، كَمَا لَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِسَاطًا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ لَحْمَ السَّمَكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَجْرِيَ عَادَةُ نَاحِيَتِهِ بِبَيْعِ لَحْمِهِ مُفْرَدًا أَمْ لَا ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ .
هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ ( وَ ) لَا ( شَحْمِ بَطْنٍ ) وَشَحْمِ عَيْنٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا اللَّحْمَ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ ( وَكَذَا كَرِشٍ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا ، وَهُوَ لِلْحَيَوَانِ كَالْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ ( وَكَبِدٍ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا ( وَطِحَالٍ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ ( وَقَلْبٍ ) وَرِئَةٍ وَمِعًى ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا لَيْسَتْ لَحْمًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَذَا الثَّدْيُ وَالْخُصْيَةُ فِي الْأَقْرَبِ ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ

اللَّحْمِ .
قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ : وَلَا يَحْنَثُ بِقَانِصَةِ الدَّجَاجَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا قَطْعًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الِاسْمِ .
فَائِدَةٌ : رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " الْعَقْلُ فِي الْقَلْبِ وَالرَّحْمَةُ فِي الْكَبِدِ وَالرَّأْفَةُ فِي الطِّحَالِ " ( وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ ) أَيْ اللَّحْمِ ( لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا ، وَالثَّانِي : لَا ، لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا إلَّا مُضَافًا ، فَيُقَالُ : لَحْمُ رَأْسٍ ، وَلَحْمُ لِسَانٍ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَحْمِ الْخَدِّ وَالْأَكَارِعِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأُذُنُ كَذَلِكَ ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا ، لِأَنَّهُ جِنْسٌ غَيْرُ اللَّحْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرِّبَا ( وَ ) يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ أَيْضًا ( شَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ ) وَهُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ لَحْمٌ أَحْمَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ ، وَلِهَذَا يَحْمَرُّ عِنْدَ الْهُزَالِ ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ نَظَرًا إلَى اسْمِ الشَّحْمِ .
قَالَ تَعَالَى : ( حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ) أَيْ مَا عَلِقَ بِهَا مِنْهُ فَسَمَّاهُ شَحْمًا ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا ( لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَحْمٌ ، وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُهُ لِمَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ شَحْمٌ .
أَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَيَحْنَثُ بِهِ جَزْمًا ( وَ ) الْأَصَحُّ ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ ( أَنَّ الْأَلْيَةَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ( وَالسَّنَامَ ) بِفَتْحِ السِّينِ ( لَيْسَا ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( شَحْمًا وَلَا لَحْمًا ) لِأَنَّهُمَا يُخَالِفَانِ كُلًّا مِنْهُمَا فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ .
فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ أَوْ الشَّحْمَ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا ( وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا ، وَ ) السَّنَامُ ( لَا يَتَنَاوَلُهَا ) لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ ،

وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَعَلَى هَذَا فَنَقْرَأُ الْأَلْيَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ ( وَالدَّسَمُ ) وَهُوَ الْوَدَكُ ( يَتَنَاوَلُهُمَا ) أَيْ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ ( وَ ) يَتَنَاوَلُ ( شَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الدُّهْنَ بِكَوْنِهِ يُؤْكَلُ عَادَةً لِيَخْرُجَ مَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً كَدُهْنِ خُرُوجٍ أَوْ شَرْعًا كَدُهْنِ مَيْتَةٍ وَهُوَ حَسَنٌ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ شَحْمَ الظَّهْرِ فِي الدَّسَمِ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُ لَحْمٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الدَّسَمِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ سَمِينًا صَارَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الدَّسَمِ ، وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ الدَّسَمُ عَلَى كُلِّ لَحْمٍ ، وَخَرَجَ بِالدُّهْنِ أُصُولُهُ كَالسِّمْسِمِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اللَّبَنَ فِي الدَّسَمِ مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { شَرِبَ لَبَنًا .
ثُمَّ تَمَضْمَضَ ، وَقَالَ : إنَّ لَهُ دَسَمًا } .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : إنَّهُ دَسَمٌ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ أَكَلَ مِنْهُ الدَّسَمَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ وَلَا يَحْنَثُ بِدُهْنِ السِّمْسِمِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دُهْنًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ، وَفِي مَعْنَاهُ دُهْنُ جَوْزٍ وَلَوْزٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا ) فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ لِدُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْبَقَرِ ، وَلِهَذَا جَعَلُوهُمَا فِي بَابِ الرِّبَا جِنْسًا وَاحِدًا ، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَقَرُ الْوَحْشِ فِي الْأَصَحِّ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حِمَارًا فَرَكِبَ حِمَارًا وَحْشِيًّا لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ لِلرُّكُوبِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ بِخِلَافِ الْأَكْلِ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ هُنَا تَنَاوُلُ الْغَنَمِ لِلْمَعْزِ لِمَا مَرَّ .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً لَمْ يَحْنَثْ بِمُذَكَّاةٍ وَلَا بِسَمَكٍ وَجَرَادٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَمًا فَأَكَلَ كَبِدًا أَوْ طِحَالًا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَأَكَلَ شِيرَازًا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَبَنٌ يَغْلِي فَيَسْخَنُ جِدًّا وَيَصِيرُ فِيهِ حُمُوضَةٌ ، أَوْ دُوغًا وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَبَنٌ ثَخِينٌ نُزِعَ زَبَدُهُ وَذَهَبَتْ مَائِيَّتُهُ ، أَوْ مَاشَتًا وَهُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ، وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ : لَبَنُ ضَأْنٍ مَخْلُوطٍ بِلَبَنِ مَعْزٍ حَنِثَ لِصِدْقِ اسْمِ اللَّبَنِ عَلَى ذَلِكَ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نَعَمٍ أَوْ مِنْ صَيْدٍ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ خَيْلٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ لُوزًا ، وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبِالزَّايِ شَيْءٌ بَيْنَ الْجُبْنِ وَاللَّبَنِ الْجَامِدِ نَحْوُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ فِي بِلَادِ مِصْرَ قَرِيشَةً ، أَوْ مَصْلًا ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا أَقِطًا أَوْ غَيْرَهُ جَعَلُوا اللَّبَنَ فِي وِعَاءٍ مِنْ صُوفٍ أَوْ خُوصٍ أَوْ كِرْبَاسٍ وَنَحْوِهِ فَيَنِزُّ مَاؤُهُ فَهُوَ الْمَصْلُ ، أَوْ جُبْنًا ، وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي بَابِ السَّلَمِ أَوْ كَشْكًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ ، أَوْ أَقِطًا أَوْ سَمْنًا ، إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ اللَّبَنِ ، وَأَمَّا الزَّبَدُ فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ لَبَنٌ فَلَهُ حُكْمُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا الْقِشْطَةُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا ، وَالسَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالدُّهْنُ مُتَغَايِرَةٌ ، فَالْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ بِالْبَاقِي لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ لَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللِّبَا ، وَهُوَ أَوَّلُ اللَّبَنِ وَيَحْدُثُ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا يُحْلَبُ قَبْلَهَا .

وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ لَا آكُلُ هَذِهِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخَبْزِهَا ، وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا ، وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ تَمْرًا وَلَا بُسْرًا ، وَلَا عِنَبٌ زَبِيبًا وَكَذَا الْعَكُوسُ .

( وَلَوْ ) ( قَالَ ) فِي حَلِفِهِ ( مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ ) مَثَلًا ( لَا آكُلُ هَذِهِ ) ( حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخَبْزِهَا ) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ .
هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَشْبَاهِهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَمِيعِ ، وَقَالُوا : لَوْ قَالَ : لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ لَمْ يَحْنَثْ بِبَعْضِهِ ، فَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ وَهُوَ يُفْهِمُ الْحِنْثَ فِيمَا إذَا بَقِيَ مَا لَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا طُحِنَتْ يَبْقَى فِي ثُقُوبِ الرَّحَى مِنْهَا بَقِيَّةُ دَقِيقٍ وَيَطِيرُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِذَا عُجِنَ يَبْقَى فِي الْمِعْجَنِ غَالِبًا مِنْهَا بَقِيَّةٌ ، وَإِذَا أَكَلَ الْخُبْزَ يَبْقَى مِنْهُ فُتَاتٌ صَغِيرٌ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي الْحِنْثِ بِأَكْلِ خُبْزِهَا عِنْدَ مَنْ يَنْظُرُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَيَطْرَحُ الْعُرْفَ .
وَقَدْ حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ .
قَالَ : وَكُنْتُ أَجْلِسُ كَثِيرًا فِي مَجْلِسِ الشَّاشِيِّ يَعْنِي صَاحِبَ الْحِلْيَةِ ، فَيَأْتِي إلَيْهِ الرَّجُلُ يَقُولُ : حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أَلْبِسَ هَذَا الثَّوْبَ ، وَقَدْ احْتَجْتُ إلَى لُبْسِهِ ، فَيَقُولُ : سَلْ مِنْهُ خَيْطًا فَيَسُلُّ مِنْهُ خَيْطًا مِقْدَارَ الشِّبْرِ أَوْ الْأُصْبُعِ .
ثُمَّ يَقُولُ : الْبَسْ لَا شَيْءَ عَلَيْكَ ا هـ .
وَعَلَى هَذَا إذَا تَحَقَّقَ ذَهَابُ مَا ذَكَرَ لَا يَحْنَثُ ( وَلَوْ ) صَرَّحَ فِي حَلِفِهِ بِالْإِشَارَةِ مَعَ اسْمٍ كَأَنْ ( قَالَ : لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً ) مَعَ بَقَاءِ حَيَاتِهَا ( وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَزُلْ .
فَإِنْ هُرِسَتْ فِي طَبْخِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا ) بِضَمِّ الْخَاءِ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ أَخَّرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ كَأَنْ قَالَ : لَا آكُلُ الْحِنْطَةَ هَذِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ ( وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ ) بِضَمِّ الرَّاءِ حَلَفَ عَلَى أَكْلِهِ ( تَمْرًا وَلَا بُسْرًا ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَلَا بَلَحًا ( وَلَا ) يُتَنَاوَلُ ( عِنَبٌ زَبِيبًا ، وَكَذَا الْعَكُوسُ ) لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ التَّمْرِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا ، وَكَذَا الْبَاقِي لِاخْتِلَافِهِمَا اسْمًا وَصِفَةً .

تَنْبِيهٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا فَأَكَلَ مُنَصِّفًا ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ حَنِثَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ غَيْرَ الرُّطَبِ مِنْهُ فَقَطْ ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ الرُّطَبَ مِنْهُ فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : ثَمَرُ النَّخْلِ أَوَّلُهُ طَلْعٌ وَكَافُورٌ ، ثُمَّ خَلَالٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ ، ثُمَّ بَلَحٌ ، ثُمَّ بُسْرٌ ، ثُمَّ رُطَبٌ ، ثُمَّ تَمْرٌ ، فَإِذَا بَلَغَ الْإِرْطَابُ نِصْفَ الْبُسْرَةِ قِيلَ مُنَصِّفَةٌ ، فَإِنْ بَدَا مِنْ ذَنَبِهَا وَلَمْ يَبْلُغْ النِّصْفَ قِيلَ مُذَنِّبَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ ، وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ بُسْرَةٌ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَضَمِّهَا ، وَالْجَمْعُ بُسْرٌ بِضَمِّ السِّينِ وَبُسُرَاتٌ ، وَأَبْسَرَ النَّخْلُ صَارَ ثَمَرُهُ بُسْرًا ، وَهَلْ يَتَنَاوَلُ الْبُسْرُ الْمُشَدَّخَ وَهُوَ مَا لَمْ يَتَرَطَّبْ بِنَفْسِهِ ، بَلْ عُولِجَ حَتَّى تَرَطَّبَ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي مِصْرَ بِالْمَعْمُولِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي رُطَبٍ فَأَحْضَرَ إلَيْهِ مُشَدَّخًا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرُّطَبِ .

وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ فَأَكَلَهُ ، أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ ) ( قَالَ ) الْحَالِفُ ( لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ ) أَيْ صَارَ تَمْرًا ( فَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ ) وَأَطْلَقَ ( فَكَلَّمَهُ شَيْخًا ) ( فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ ) لِزَوَالِ الِاسْمِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ ، وَالثَّانِي : يَحْنَثُ لِبَقَاءِ الصُّورَةِ ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الصِّفَةُ كَمَا لَوْ قَالَ : لَا آكُلُ هَذَا اللَّحْمَ فَجَعَلَهُ شِوَاءً وَأَكَلَهُ .
أَمَّا إذَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَكْلِ هَذِهِ الثَّمَرَةِ وَكَلَامِ هَذَا الشَّخْصِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ، وَإِنْ تَبَدَّلَتْ الصِّفَةُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي نَظَائِرِ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ : لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا ، أَوْ الْعِنَبِ فَصَارَ زَبِيبًا ، أَوْ الْعَصِيرِ فَصَارَ خَمْرًا ، أَوْ هَذِهِ الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا ، أَوْ لَا آكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ السَّخْلَةِ أَوْ الْخَرُوفِ فَصَارَ كَبْشًا فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ فَعَتَقَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : شَيْخًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ بَالِغًا يَحْنَثُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَالِغِ لَدَلَّ عَلَى الشَّيْخِ مِنْ بَابِ أَوْلَى ، وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى سَخْلَةٍ لَا آكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ .

وَالْخُبْزُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَأَرُزٍّ وَبَاقِلَّا وَذُرَةً وَحِمَّصٍ ، فَلَوْ ثَرَدَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ حَنِثَ ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَلَا ، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ .

( وَالْخُبْزُ ) فِي حَلِفِهِ عَلَى أَكْلِهِ ( يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا ( وَأَرُزٍّ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ ( وَبَاقِلَّا ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَعَ الْقَصْرِ اسْمٌ لِلْفُولِ ( وَذُرَةً ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ بِخَطِّهِ وَهِيَ الدُّهْنُ ، وَتَكُونُ سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءَ ( وَحِمَّصٍ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُهَا ، وَسَائِرُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ كَالْعَدَسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا مَعْهُودًا بِبَلَدِهِ ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُبْزٌ وَاللَّفْظُ بَاقٍ عَلَى مَدْلُولِهِ مِنْ الْعُمُومِ ، وَعَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصًا لِوُجُودِ الِاسْمِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ ثَوْبٍ وَإِنْ لَمْ يَعْهَدْهُ بِبَلَدِهِ ، وَخُبْزُ الْمَلَّةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الرَّمَادُ الْحَارُّ كَغَيْرِهِ ( فَلَوْ ثَرَدَهُ ) بِالْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفًا ( فَأَكَلَهُ حَنِثَ ) وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَهُ بِلَا مَضْغٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هُنَا ، وَفِي الطَّلَاقِ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَلْعِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَعُدَّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا .
وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فِي الطَّلَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ ، وَالْبَلْعُ فِيهَا لَا يُسَمَّى أَكْلًا ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ ، وَالْبَلْعُ فِيهَا يُسَمَّى أَكْلًا ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ ، وَلَوْ جَعَلَهُ فِي مَرَقَةٍ حَسْوًا ؛ أَيْ مَائِعًا يُشْرَبُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، أَوْ فَتِيتَا وَهُوَ الْخُبْزُ يُفَتُّ فِي الْمَاءِ بِحَيْثُ يَبْقَى فِيهِ كَالْحَسْوِ فَشَرِبَ الْحَسْوَ أَوْ الْفَتِيتَ ، وَيُقَالُ فِيهِ الْفَتُوتَ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا لَمْ يَحْنَثْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى خُبْزًا .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ دَقَّ الْخُبْزَ الْيَابِسَ ثُمَّ أَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ كَالدَّقِيقِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَوْزَيْنَقِ فِي

الْأَصَحِّ ، وَهُوَ الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْجَوْزِ ، وَمِثْلُهُ اللَّوْزَيْنَقِ ، وَهُوَ الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِاللُّوزِ .
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ : وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَقْلِيٌّ ، وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الضَّابِطَ فِي الْخُبْزِ كُلُّ مَا خُبِزَ لَا مَا قُلِيَ .
قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : فَأَمَّا الْبُقْسُمَاطُ وَالْبَسِيسُ وَالرُّقَاقُ وَبَيْضٌ لِذَلِكَ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : أَمَّا الْبُقْسُمَاطُ فَسَمَّاهُ الْجَوْهَرِيُّ خُبْزًا ، وَالرُّقَاقُ فِي مَعْنَاهُ .
نَعَمْ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُسَمُّونَ ذَلِكَ خُبْزًا .
وَأَمَّا الْبَسِيسُ فَهُوَ أَنْ يُلَتَّ السَّوِيقُ أَوْ الدَّقِيقُ أَوْ الْأَقِطُ الْمَطْحُونُ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُؤْكَلُ ، مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ : لَا تَخْبِزْ خُبْزًا وَبَسًّا بَسًّا وَإِذَا عَلِمْت مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا وَاسْتِدْلَالًا قَطَعْتُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَسِيسِ ا هـ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يَظْهَرُ الْحِنْثُ بِالرُّقَاقِ وَالْبُقْسُمَاطِ ، وَكَذَا بِبَسِيسٍ أَوْ خُبْزٍ ، لَا إنْ قُلِيَ بِشَيْرَجٍ .
قَالَ : وَالْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِمَا يُخْبَزُ مَا يَتَعَاطَاهُ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْجِنُونَ دَقِيقًا وَيَخْبِزُونَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَمِرَ ثُمَّ يَبُسُّونَهُ بِغِرْبَالٍ وَنَحْوِهِ وَيُضِيفُونَ إلَيْهِ سَمْنًا ، وَقَدْ يُزَادُ عَسَلًا أَوْ سُكَّرًا ا هـ .
وَقَوْلُهُ : إلَّا إنْ قُلِيَ فِيهِ إشَارَةً إلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ ، وَعَلَيْهِ يَحْنَثُ بِالْكُنَافَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِالزَّلَابِيَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ رَجَّحَ الْأُشْمُونِيُّ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ أَنَّ الْبُقْسُمَاطَ وَنَحْوَهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ ، لَا مَا يُخْبَزُ وَيُقْلَى .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : يَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي الْجَمِيعِ إنْ اعْتَمَدْنَا اللُّغَةَ ، وَعَدَمُهُ إنْ اعْتَمَدْنَا الْعُرْفَ ( وَ ) الْأَفْعَالُ الْمُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ كَالْأَعْيَانِ لَا يَتَنَاوَلُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَالشُّرْبُ لَيْسَ أَكْلًا وَلَا عَكْسَهُ ، فَعَلَى

هَذَا ( لَوْ ) ( حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ ، أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ ) مَبْلُولَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ أَكْلًا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ اسْمِ الْأَكْلِ الْمَضْغُ ، بَلْ يَكْفِي الْبَلْعُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : فَلَوْ ثَرَدَهُ ( وَإِنْ جَعَلَهُ ) أَيْ السَّوِيقَ ( فِي مَاءٍ ) أَوْ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى انْمَاعَ ( فَشَرِبَهُ فَلَا ) لِعَدَمِ الْأَكْلِ .
فَإِنْ كَانَ خَائِرًا بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْيَدِ حَنِثَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُهُ ) أَيْ السَّوِيقَ ( فَبِالْعَكْسِ ) فَيَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ .
فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا وَلَا يَشْرَبُهُ فَذَاقَهُ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ شَيْئًا فَمَضَغَهُ وَلَفَظَهُ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ مَعْرِفَةُ الطَّعْمِ وَقَدْ حَصَلَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَذُوقُ فَأَوْجَرَ فِي حَلْقِهِ وَبَلَغَ جَوْفَهُ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَذُقْ ، أَوْ لَا يُطْعَمُ حَنِثَ بِالْإِيجَارِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَأَجْعَلَنَّهُ لِي طَعَامًا وَقَدْ جَعَلَهُ لِي طَعَامًا ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْعِنَبَ أَوْ الرُّمَّانَ فَامْتَصَّهُ وَلَمْ يَزْدَرِدْ شَيْئًا مِنْ تُفْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَصَبُ كَذَلِكَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ .

أَوْ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ وَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ حَنِثَ ، أَوْ شَرِبَهُ فَلَا ، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ .
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ ) كَالزَّيْتِ ( وَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ ) ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يُؤْكَلُ ( أَوْ شَرِبَهُ فَلَا ) يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ ) فَيَحْنَثُ بِالثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُولَى لِعَدَمِهِ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ السُّكَّرَ فَوَضَعَهُ بِفِيهِ وَذَابَ وَابْتَلَعَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اتَّخَذَ مِنْهُ إلَّا إنْ نَوَى ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي التَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِهِمَا .

أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا حَنِثَ ، وَإِنْ شَرِبَ ذِئْبًا فَلَا ، وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً .
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا ) بِمُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَذَابَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو .
فَإِنْ قِيلَ : بَلْ يُشْبِهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَلَا يَحْنَثُ كَمَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ هَهُنَا آكِلٌ لَهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِآكِلٍ مَا اشْتَرَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( وَإِنْ شَرِبَ ) هـ ذَائِبًا ( فَلَا ) يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ ( وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ ) وَهِيَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ : دَقِيقٌ يُلَتُّ بِسَمْنٍ وَيُطْبَخُ .
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : سُمِّيَتْ بِذَاكَ ؛ لِأَنَّهَا تُعْصَدُ بِآلَةٍ أَيْ تُلْوَى ( حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً ) بِحَيْثُ يَرَى جُرْمَهُ بِأَنْ بَقِيَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ لِمَا مَرَّ .
فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ فَشَرِبَهُ صَرْفًا حَنِثَ وَإِنْ مَزَجَهُ بِغَيْرِهِ حَنِثَ إنْ غَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ ، وَلَمْ يَحْنَثْ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا فَيَنْبَغِي كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، أَنَّهُ يَحْنَثُ ، وَلَوْ جَعَلَ الْخَلَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي سِكْبَاجٍ فَظَهَرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ حَنِثَ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَلَا .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَجَعَلَ مَاءَهُ فِي غَيْرِهِ وَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِالشُّرْبِ مِنْ الْكُوزِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ مَثَلًا ، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ فِي كُوزٍ حَنِثَ فِي الْأَوَّلِ وَبَرَّ فِي الثَّانِي وَإِنْ قَلَّ مَا شَرِبَهُ ، أَوْ حَلَفَ لَا أَشْرَبُ أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ ، أَوْ الْإِدَاوَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ شُرْبًا فِي زَمَانٍ وَإِنْ طَالَ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَبَرَّ فِي الْحَالِ فِي الثَّانِي بِشُرْبِ بَعْضِهِ ، بَلْ بِشُرْبِ الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مَاءَ النِّيلِ ، أَوْ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ ، أَوْ الْغَدِيرِ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ .
وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ عَكْسُ ذَلِكَ : سَبْقُ قَلَمٍ ا هـ .
وَلَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ غَدًا حَنِثَ فِي الْغَدِ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الصُّعُودِ فِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ غَدًا حَنِثَ فِي الْحَالِ ، وَلَأَشْرَبَنَّ مَا فِي هَذَا الْكُوزِ وَكَانَ فَارِغًا وَهُوَ عَالِمٌ بِفَرَاغِهِ ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ زَيْدًا وَهُوَ عَالِمٌ بِمَوْتِهِ حَنِثَ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَانْصَبَّ مِنْهُ قَبْلَ إمْكَانِ شُرْبِهِ فَكَالْمُكْرَهِ ، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَ مِنْهُ بَرَّ إنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّهُ مِنْ الْكُوزِ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَهُ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ مِنْ الْكُوزِ فِيهَا ، وَلَمْ يَشْرَبْهُ جَمِيعَهُ فِي الثَّانِيَةِ .
وَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوْ نَحْوَهُ ، أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا ، أَوْ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي ذَلِكَ

غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ ، وَفَارَقَ مَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَمْسِ وَهُوَ صَادِقٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ الْحِنْثُ بِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا ، أَوْ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ حَنِثَ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لَا بِالْمِلْحِ ، أَوْ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ حُمِلَ عَلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حَنِثَ بِكُلِّ مَاءٍ حَتَّى مَاءِ الْبَحْرِ وَشُرْبِ مَاءِ الثَّلْجِ وَالْجُمْدِ لَا أَكْلِهِمَا ، فَشُرْبُهُمَا غَيْرُ أَكْلِهِمَا ، وَأَكْلُهُمَا غَيْرُ شُرْبِهِمَا وَالثَّلْجُ غَيْرُ الْجُمْدِ .

وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ وَأُتْرُجٌّ وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ .
قُلْتُ : وَلَيْمُونٌ وَنَبْقٌ وَكَذَا بِطِّيخٌ وَلُبُّ فُسْتُقٍ وَ بُنْدُقٍ وَغَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ ، لَا قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ وَبَاذِنْجَانٌ وَجَزَرٌ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الثِّمَارِ يَابِسٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَوْ أَطْلَقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ لَمْ يَدْخُلْ هِنْدِيٌّ .

( وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا ( رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ ) وَتُفَّاحٌ وَسَفَرْجَلٌ وَكُمَّثْرَى وَمِشْمِشٌ وَخَوْخٌ ( وَأُتْرُجٌّ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ ، وَيُقَالُ فِيهِ أُتْرُنْجٌ بِالنُّونِ وَتُرُجٌّ ( وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ ) كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ يَابِسٍ وَمُفَلَّقٍ وَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ مَا يُتَفَكَّهُ بِهَا أَيْ مَا يُتَنَعَّمُ بِأَكْلِهَا أَوْ لَا يَكُونُ قُوتًا كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفِي شُمُولِ الْفَاكِهَةِ لِلزَّيْتُونِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الشُّمُولِ ، وَشَرَطَ الزُّبَيْدِيُّ فِي الْفَاكِهَةِ النُّضْجَ .
قَالَ : فَلَوْ تَنَاوَلَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ وَنُضْجِهِ وَطِيبِهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي حَانِثًا ، وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رَأَيْته ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْغِذَاءِ وَلَا الطَّعَامِ ، بَلْ هُوَ كَوَرَقِ الشَّجَرِ لَا يَدْخُلُ فِي التَّفَكُّهِ ا هـ .
وَجَزَمَ بِهَذَا شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ دُخُولِ الْبَلَحِ وَالْحُصْرُمِ فِي ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْبَلَحِ فِي غَيْرِ الَّذِي احْمَرَّ وَاصْفَرَّ وَحَلَا وَصَارَ بُسْرًا ، أَوْ تَرَطَّبَ بَعْضُهُ وَلَمْ يَصِرْ رُطَبًا .
فَأَمَّا مَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تَوَقُّفَ أَنَّهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ وَالرُّمَّانَ لِأَجْلِ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَحْنَثُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } وَمَيَّزَ الْعِنَبَ عَنْ الْفَاكِهَةِ فِي سُورَةِ عَبَسَ ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ .
قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ : وَهُوَ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَقَوْلِهِ : { وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } فَمَنْ قَالَ : لَيْسَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ

فَهُوَ كَافِرٌ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ : لَا تَعَلُّقَ فِيهَا لِمَنْ أَخْرَجَ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ مِنْ الْفَاكِهَةِ ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ تَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، فَلَمَّا عَطَفَ عَلَيْهَا أَشْعَرَ بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي قَوْلِهِ فَاكِهَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا خُرُوجُهُمَا مِنْ جِنْسِ الْفَاكِهَةِ كُلِّهَا وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ، فَإِنَّهَا فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ ، وَهِيَ تَعُمُّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي الْأُصُولِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ( قُلْتُ ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( وَلَيْمُونٌ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِثْبَاتِ النُّونِ فِي آخِرِهِ ، الْوَاحِدَةُ لَيْمُونَةٌ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَغَلِطَ مَنْ نَفَى النُّونَ مُنْكِرًا عَلَى الْمُصَنِّفِ إثْبَاتَهَا .
وَقَالَ الْمَعْرُوفُ : لَيْمُو بِحَذْفِ النُّونِ ، وَمِثْلُهُ النَّارِنْجُ وَمَحِلُّهُ فِي الطَّرِيِّينَ كَمَا قَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ فَالْمُمَلَّحُ مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ ، وَالْيَابِسُ مِنْهُمَا أَوْلَى بِذَلِكَ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ الطَّرِيَّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ عُرْفًا ، وَإِنَّمَا يُصْلَحُ بِهِ بَعْضُ الْأَطْعِمَةِ كَالْخَلِّ ( وَ ) يَدْخُلُ أَيْضًا فِي فَاكِهَةٍ ( نَبْقٌ ) طَرِيَّةٌ وَيَابِسَةٌ ، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِكَسْرِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي خَطِّهِ : ثَمَرُ حَمْلِ السِّدْرِ ( وَكَذَا بِطِّيخٌ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا ( وَلُبُّ فُسْتُقٍ ) وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا بِخَطِّهِ اسْمُ جِنْسٍ ، وَالْوَاحِدَةُ فُسْتُقَةٌ ( وَ ) لُبُّ ( بُنْدُقٍ ) بِمُوَحَّدَةٍ وَدَالٍ مَضْمُومَتَيْنِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْفَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَغَيْرُهُمَا ) مِنْ اللُّبُوبِ كَلُبِّ لَوْزٍ وَجَوْزٍ ( فِي الْأَصَحِّ ) أَمَّا الْبِطِّيخُ فَلِأَنَّ لَهُ نُضْجًا وَإِدْرَاكًا كَالْفَوَاكِهِ

.
وَأَمَّا اللُّبُوبُ فَإِنَّهَا تُعَدُّ مِنْ يَابِسِ الْفَوَاكِهِ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ فَاكِهَةً ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( لَا قِثَّاءٌ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَبِمُثَلَّثَةٍ مَعَ الْمَدِّ ( وَ ) لَا ( خِيَارٌ ، وَ ) لَا ( بَاذِنْجَانٌ ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ( وَ ) لَا ( جَزَرٌ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِخَطِّهِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ لَا الْفَوَاكِهِ فَأَشْبَهَتْ الْبَقْلَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِثَّاءَ غَيْرُ الْخِيَارِ ، وَهُوَ الشَّائِعُ عُرْفًا وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ الْقِثَّاءَ مَعَ الْخِيَارِ جِنْسَانِ ، لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْقِثَّاءَ الْخِيَارُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ .
قَالَ الْفَزَارِيّ : وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَكُونُ مِنْ الْفَاكِهَةِ مَعَ أَنَّ لُبَّ الْفُسْتُقِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِجَعْلِ الْخِيَارِ فِي أَطْبَاقِ الْفَاكِهَةِ دُونَ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ ( وَلَا يَدْخُلُ فِي ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ ( الثِّمَارِ ) بِمُثَلَّثَةٍ ( يَابِسٌ ) مِنْهَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بِخِلَافِ الْفَاكِهَةِ وَيَدْخُلُ فِيهَا يَابِسُهَا ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الثَّمَرَ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَصَوَّبَ ، الْبُلْقِينِيُّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْيَابِسِ أَيْضًا .
وَقَالَ أَهْلُ الْعُرْفِ : يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا ثَمَرًا بَعْدَ الْيُبْسِ ( وَلَوْ أَطْلَقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَاحِدًا مِنْهَا ( لَمْ يَدْخُلْ ) فِي حَلِفِهِ ( هِنْدِيٌّ ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِلْمُخَالَفَةِ فِي الصُّورَةِ وَالطَّعْمِ ، وَكَذَا لَا يَتَنَاوَلُ الْخِيَارُ خِيَارَ الشِّنْبَرِ ، وَالْبِطِّيخُ الْهِنْدِيُّ هُوَ الْأَخْضَرُ ، وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْبِطِّيخِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَخْضَرِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَيَنْبَغِي الْحِنْثُ بِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا .

وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى .

( وَالطَّعَامُ ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ ( يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى ) لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ } .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّعَامَ لَا يَتَنَاوَلُ الدَّوَاءَ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ دَاخِلًا فِي اسْمِ الطَّعَامِ فِي بَابِ الرِّبَا ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ هُنَاكَ ، وَالْحَلْوَى كُلُّ مَا اُتُّخِذَ مِنْ نَحْوِ عَسَلٍ وَسُكَّرٍ مِنْ كُلِّ حُلْوٍ ، وَلَيْسَ جِنْسُهُ حَامِضًا كَدِبْسٍ وَقَنْدٍ وَفَانِيدٍ ، لَا عِنَبَ وَإِجَّاصٍ وَرُمَّانَ ، أَمَّا السُّكَّرُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهُمَا فَلَيْسَ بِحَلْوَى بِدَلِيلِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ } فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَلْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْقُودَةً فَلَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَلْوَى بِغَيْرِ الْمَعْمُولِ بِخِلَافِ الْحُلْوِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَفِي اللَّوْزَيْنَجِ وَالْجَوْزَيْنَجِ وَجْهَانِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْحِنْثُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَهُمَا حَلْوَى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمِثْلُهُ مَا يُقَالُ لَهُ الْمُكَفَّنُ وَالْخُشْكَنَانُ وَالْقَطَائِفُ ، وَإِذَا قُصِرَتْ الْحَلْوَى كُتِبَتْ بِالْيَاءِ وَإِلَّا فَبِالْأَلِفِ .
فَائِدَةٌ : رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { قَلْبُ الْمُؤْمِنِ حُلْوٌ يُحِبُّ الْحَلْوَى } وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي كَوْنِ الطَّعَامِ يَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرَ .
وَقَالَ عُرْفُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ : أَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْمَطْبُوخُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ ، وَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْفَوَاكِهِ عُدَّ مِنْ الْحَمْقَى وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا يُنْظَرُ

فِيهَا إلَى اللُّغَةِ إنْ لَمْ يُعَضِّدْهَا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ .
قَالَ : وَنُقِلَ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ إطْلَاقُ الطَّعَامِ عَلَى الْبُرِّ ، فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ هَذَا حُمِلَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَيْهِ ا هـ .

وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ ، أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ .

وَهَلْ يَدْخُلُ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَاللَّحْمُ فِي الْقُوتِ لِمَنْ يَعْتَادُ كُلًّا مِنْهَا أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَدَمُ دُخُولِهَا إذَا لَمْ يُعْتَدْ اقْتِيَاتُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اُعْتِيدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْحَالِفُ يَقْتَاتُهَا ، وَمِنْ الْأُدْمِ الْفُجْلُ ، وَالثِّمَارُ ، وَالْبَصَلُ ، وَالْمِلْحُ ، وَالْخَلُّ ، وَالشَّيْرَجُ ، وَالتَّمْرُ ( وَلَوْ ) تَعَارَضَ الْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ الْمُشْتَهِرَةُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ ، وَحِينَئِذٍ لَوْ ( قَالَ ) الْحَالِفُ ( لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا ) فَيَحْنَثُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عُرْفًا ، وَكَذَا شَحْمُهَا وَكَبِدُهَا وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارَ عَلَى اللَّحْمِ ( دُونَ وَلَدٍ ) لَهَا ( وَلَبَنٍ ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا حَمْلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَارَفَةِ ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مَسْمُوطًا حَنِثَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا ، فَإِنْ كَانَ الْمَجَازُ مُشْتَهِرًا قُدِّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) لَا آكُلُ ( مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ ) مِنْهَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِهِ ( دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ ) مِنْهَا حَمْلًا عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ وَالْأَوْرَاقَ لَا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ ، وَالْجُمَّارُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ كَالتَّمْرِ قَالَ : وَإِنْ أُكِلَ الْوَرَقُ فِي بَلْدَةٍ أَكْلًا مُتَعَارَفًا كَوَرَقِ بَعْضِ شَجَرِ الْهِنْدِ ، فَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ بِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَأَنَّهُ مِثْلُ الْحَلْوَى وَأَحْسَنُ فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا ا هـ .
فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ يَكُونُ كَالْجُمَّارِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَإِنَّمَا قَالُوا فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَجَازُ رَاجِحًا ، وَالْحَقِيقَةُ تُتَعَاهَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ : كَمَا لَوْ قَالَ :

لَأَشْرَبَنَّ مِنْ هَذَا النَّهْرِ ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْكَرْعِ بِفِيهِ ، وَإِذَا غَرَفَ بِإِنَاءٍ وَشَرِبَ فَهُوَ مَجَازٌ ، لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ الْكُوزِ لَا مِنْ النَّهْرِ .
لَكِنَّهُ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ الْمُتَبَادَرُ ، وَالْحَقِيقَةُ قَدْ تُرَادُ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّعَاءِ وَغَيْرُهُمْ يَكْرَعُ بِفِيهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْأُخْرَى ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ .
فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ : فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدِهِ أَمْ فِي إنَاءٍ فَشَرِبَ أَوْ كَرَعَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَرْعِ .

[ فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ ]
[ فَصْلٌ ] فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ : لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ - بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا - الرَّيْحَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ حَنِثَ بِشَمِّ الصَّيْمَرَانِ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْمِيمِ : الرَّيْحَانُ الْفَارِسِيِّ لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَإِنْ شَمَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ مَشْمُومٌ لَا رَيْحَانٌ ، وَمِثْلُهُ الْبَنَفْسَجُ وَالنَّرْجِسُ وَالزَّعْفَرَانُ ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْمَشْمُومِ حَنِثَ بِذَلِكَ دُونَ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ ؛ لِأَنَّهَا طِيبٌ لَا مَشْمُومٌ ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُهْنِهِمَا .

حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً لَمْ يَحْنَثْ ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّهَا فَاخْتَلَطَتْ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ .
( وَلَوْ ) ( حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ ) الْمُعَيَّنَةَ ( فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً ) .
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ : أَوْ أَكَلَ الْغُرَابُ مَثَلًا مِنْهُ وَاحِدَةً ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَتْرُوكَةُ هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ ، وَالْوَرَعُ أَنْ يُكَفِّرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَكَلَهَا أَوْ أَكَلَ الْكُلَّ حَنِثَ .
قَالَ الْقَفَّالُ : وَيَحْنَثُ بِآخِرِ تَمْرَةٍ يَأْكُلُهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ فَالْعِدَّةُ مِنْ حِينَئِذٍ لَا مِنْ وَقْتِ اشْتِغَالِهِ بِالْأَكْلِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ إلَّا بَعْضَ تَمْرَةٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَلَوْ ذَكَرَهَا لَعُلِمَ مِنْهَا حُكْمُ تَرْكِ جَمِيعِ التَّمْرَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيَأْكُلَنَّهَا ) أَيْ التَّمْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ ( فَاخْتَلَطَتْ ) بِتَمْرِ كُلِّهِ ( لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَتْرُوكَةُ هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا .
أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَلِطْ بِهِ كُلِّهِ كَأَنْ وَقَعَتْ فِي جَانِبٍ مِنْ الصُّبْرَةِ فَأَكَلَ ذَلِكَ الْجَانِبَ .
بَرَّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ التَّمْرَةُ مُتَمَيِّزَةً عَنْ أَكْثَرِ التَّمْرِ وَهُنَاكَ قَلِيلٌ يُشْبِهُهَا بَرَّ بِأَكْلِ جَمِيعِ مَا يُشْبِهُهَا وَالضَّابِطُ حُصُولُ الْيَقِينِ بِأَكْلِهَا .

أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا .
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ ) ( فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا ) لِتَعَلُّقِ يَمِينِهِ بِالْجَمِيعِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : لَا آكُلُهَا فَتَرَكَ مِنْهَا حَبَّةً لَمْ يَحْنَثْ .

أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا ، فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا حَنِثَ ، أَوْ لَا أَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا ،
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ ) وَأَطْلَقَ ( لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا ) لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَلْبَسَ مِنْهُمَا شَيْئًا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَلَوْ أَتَى بِوَاوِ الْعَطْفِ بَدَلًا عَنْ التَّثْنِيَةِ كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهَذَا الثَّوْبَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ( فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا ) أَيْ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ ( أَوْ مُرَتَّبًا ) بِأَنْ لَبِسَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ قَلَعَهُ ثُمَّ لَبِسَ الْآخَرَ ( حَنِثَ ) لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ مَعًا لِلِاتِّحَادِ فِي الزَّمَانِ وِفَاقًا لِثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ خِلَافُهُ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ ( أَوْ ) قَالَ فِي حَلِفِهِ : أَنَّهُ ( لَا أَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا ) لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ ، حَتَّى لَوْ حَنِثَ فِي أَحَدِهِمَا بَقِيَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ حَتَّى إذَا وُجِدَ كَفَّرَ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ إدْخَالَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَتَكْرِيرَ " لَا " بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَيُخَالِفُ مَا لَوْ حَذَفَ لَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ جَعْلِهِمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَالشَّيْئَيْنِ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ الْحِنْثِ ، فَإِذَا أَدْخَلَ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ فَائِدَةٍ وَلَيْسَ إلَّا إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ ، وَلِذَا قَالَ النُّحَاةُ : إنَّ النَّفْيَ بِلَا لِنَفْيِ كُلِّ وَاحِدٍ ، وَدُونَهَا لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا فَلَبِسَ دِرْعًا ، وَهِيَ مِنْ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْجَوْهَرِيُّ فِيهَا التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ هَذَا فِي دِرْعِ الرَّجُلِ .
وَأَمَّا دِرْعُ الْمَرْأَةِ فَمُذَكَّرٌ بِاتِّفَاقٍ ، أَوْ جَوْشَنًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، أَوْ خُفًّا ، أَوْ نَعْلًا ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ ، أَوْ خَاتَمًا ، أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ نَحْوَهَا مِنْ سَائِرِ مَا يَلْبَسُ حَنِثَ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِذَلِكَ ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدِّرْعِ وَالْجَوْشَنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ سَابِغٌ كُلُّهُ .
وَالثَّانِي إلَى نِصْفِ الْفَخِذِ وَإِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ بِقَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَجُبَّةٍ وَقُبَاءَ وَنَحْوِهَا ، مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ سَوَاءٌ لَبِسَهُ بِالْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ أَمْ لَا بِأَنْ ارْتَدَى ، أَوْ اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ ، أَوْ تَعَمَّمَ بِالسَّرَاوِيلِ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالثَّوْبِ ، لَا بِالْجُلُودِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْحَلْيِ لِعَدَمِ اسْمِ الثَّوْبِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةٍ يَعْتَادُونَ لُبْسَ الْجُلُودِ ثِيَابًا فَيُشَبَّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِوَضْعِ الثَّوْبِ عَلَى رَأْسِهِ ، وَلَا بِافْتِرَاشِهِ تَحْتَهُ ، وَلَا بِتَدَثُّرِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى لُبْسًا وَإِنَّمَا حُرِّمَ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِعْمَالٍ فَكَانَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ .
وَإِنْ حَلَفَ عَلَى رِدَاءٍ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّدَاءَ فِي يَمِينِهِ ، بَلْ قَالَ : لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَّعَهُ قَمِيصًا وَلَبِسَهُ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى لُبْسِهِ ثَوْبًا فَحُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا مُنْكَرًا أَوْ مُعَرَّفًا كَهَذَا الْقَمِيصِ فَارْتَدَى أَوْ اتَّزَرَ بِهِ حَنِثَ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالْقَمِيصِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْحَلِفِ عَلَى لُبْسِ الثَّوْبِ ، لَا إنْ ارْتَدَى أَوْ اتَّزَرَ بِهِ بَعْدَ

فَتْقِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْقَمِيصِ ، فَلَوْ أَعَادَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى فَكَالدَّارِ الْمُعَادَةِ بِنَقْضِهَا وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا ، وَلَوْ قَالَ : لَا أَلْبِسُ هَذَا الثَّوْبَ وَكَانَ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً فَجَعَلَهُ نَوْعًا آخَرَ كَسَرَاوِيلَ حَنِثَ بِلُبْسِهِ ؛ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِعَيْنِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ ، أَوْ لَا أَلْبِسُ هَذَا الْقَمِيصَ ، أَوْ الثَّوْبَ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ ، أَوْ اتَّزَرَ ، أَوْ تَعَمَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ صِدْقِ الِاسْمِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : لَا أَلْبِسُهُ وَهُوَ قَمِيصٌ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمًا أَوْ مِخْنَقَةَ لُؤْلُؤٍ ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْخُنَاقِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ ، وَالْمُخَنَّقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مَوْضِعُ الْمِخْنَقَةِ مِنْ الْعُنُقِ ، أَوْ تَحَلَّى بِالْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ وَلَوْ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً ، وَسِوَارًا ، وَخَلْخَالًا ، وَدُمْلُجًا ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حَنِثَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى حُلِيًّا ، وَلَا يَحْنَثُ بِسَيْفٍ مُحَلًّى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُلِيًّا ، وَيَحْنَثُ بِالْخَرَزِ وَالسَّبَجِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ ، وَهُوَ الْخَرَزُ الْأَسْوَدُ ، وَبِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَادُونَ التَّحَلِّيَ بِهَا كَأَهْلِ السُّودَانِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ مِنْ أَصَابِعِهِ حَنِثَتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ، وَقِيلَ : يَحْنَثُ مُطْلَقًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الرَّاجِحُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ اللُّبْسِ وَصِدْقِ الِاسْمِ .
قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُبْسِهِ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا أَوْ الْوُسْطَى أَوْ السُّفْلَى .

أَوْ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ فِي الْغَدِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ حَنِثَ ، وَقَبْلَهُ قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ حَنِثَ ، وَإِنْ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَكَمُكْرَهٍ .

( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ ) أَيْ الْغَدِ ( فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ ( وَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ ) أَوْ بَعْضُهُ ( فِي الْغَدِ ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ حَنِثَ ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ ( وَ ) إنْ تَلِفَ ( قَبْلَهُ ) أَيْ التَّمَكُّنِ فَفِي حِنْثِهِ ( قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ ) أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الْبِرِّ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ .
تَنْبِيهٌ : حَيْثُ قَالُوا قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ أَرَادُوا بِهِ مَا إذَا حَلَفَ بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ .
أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَطْعًا ، وَشَمِلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قَبْلَهُ صُورَتَيْنِ : الْأُولَى مَا إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْغَدِ .
وَالثَّانِيَةُ : مَا إذَا تَلِفَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ ، وَالْأُولَى لَا يَحْنَثُ فِيهَا قَطْعًا .
وَالثَّانِيَةُ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ .
فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهَا ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِقَتْلِهِ نَفْسَهُ ، فَإِنْ قَتَلَ نَفْسَهُ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَفِي صُورَةِ التَّلَفِ إذَا لَمْ يُنْسَبْ إلَى تَقْصِيرٍ فِي تَلِفَهُ ، فَلَوْ أَتْلَفَتْهُ هِرَّةٌ أَوْ صَغِيرٌ مَثَلًا مَعَ إمْكَانِ دَفْعِهِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ حَنِثَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( وَإِنْ أَتْلَفَهُ ) أَوْ بَعْضَهُ ( بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ ) عَالِمًا عَامِدًا مُخْتَارًا ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْتِيَ الْغَدَاءُ كَمَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ ، وَعَلَى هَذَا هَلْ حِنْثُهُ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الْأَكْلِ مِنْ الْغَدِ أَوْ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامُ ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَاف فِيمَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ

يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَلَى قَضِيَّةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دُونَ الْأَصَحِّ ( وَإِنْ تَلِفَ ) الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ ( أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ ) قَبْلَ الْغَدِ ( فَكَمُكْرَهٍ ) لِمَا مَرَّ ، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ عَدَمُ الْحِنْثِ .

أَوْ لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ فَلْيَقْضِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ الشَّهْرِ فَإِنْ قَدِمَ أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ ، قَدْرُ إمْكَانِهِ حَنِثَ ، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَفْرُغْ لِكَثْرَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ .

( أَوْ ) قَالَ مُخَاطِبًا لِشَخْصٍ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ : وَاَللَّهِ ( لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ ) أَوْ مَعَهُ ، أَوْ مَعَ الِاسْتِهْلَالِ ، أَوْ عِنْدَهُ ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ ، أَوْ مَعَ رَأْسِهِ ، أَوْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ( فَلْيَقْضِ ) الْحَقُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ الشَّهْرِ ) الَّذِي قَبْلَهُ لِوُقُوعِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ ، وَيُعْرَفُ إمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ الْعَدَدِ ، لَكِنْ لَفْظَةُ عِنْدَ أَوْ مَعَ تَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يُقْدَرُ عَلَيْهِ ، فَإِمَّا أَنْ يَتَسَامَحَ فِيهِ وَيَقْنَعَ بِالْمُمْكِنِ أَوْ يُقَالَ : الْتَزَمَ مُحَالًا فَيَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَهَذَا لَا ذَاهِبَ إلَيْهِ ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي ( فَإِنْ قَدِمَ ) قَضَاءُ الْحَقِّ عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ( أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ قَدْرُ إمْكَانِهِ ) أَيْ قَضَاءِ الْحَقِّ ( حَنِثَ ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ ، وَكَذَا لَوْ مَضَى زَمَنُ الشُّرُوعِ وَلَمْ يَشْرَعْ مَعَ الْإِمْكَانِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ زَمَنِ الْقَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُدَّ الْمَالَ وَيَتَرَصَّدَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَقْضِيَهُ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ : لَأَقْضِيَنَّ غَدًا وَنَوَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ الْغَدِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ ، فَيَجِيءُ مِثْلُهُ هُنَا ، فَيُسْتَثْنَى هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : فَإِنْ قَدِمَ ، وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ : أَرَدْت بِقَوْلِي : عِنْدَ إلَيَّ فَفِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ : مُخْتَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْهُمَا الْقَبُولُ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ ) أَوْ الْوَزْنِ ، أَوْ الْعَدِّ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، أَوْ فِي مُقَدِّمَةِ الْقَضَاءِ كَحَمْلِ الْكَيْلِ أَوْ الْمِيزَانِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ

أَوْلَى لِفَهْمِ الشُّرُوعِ فِي غَيْرِهَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى ( وَلَمْ يَفْرُغْ ) مِنْ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ الْمَوْزُونِ أَوْ الْمَكِيلِ مَعَ تَوَاصُلِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ ( لِكَثْرَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ مِيقَاتِهِ ، فَإِنْ حَصَلَتْ فَتَرَاتٌ لَا يُعَدُّ الْكَيْلُ أَوْ نَحْوُهُ فِيهَا مُتَوَاصِلًا حَنِثَ حَيْثُ لَا عُذْرَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حُمِلَ الْحَقُّ إلَيْهِ حِينَ الْغُرُوبِ وَمَنْزِلُهُ بَعِيدٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ حَتَّى تَمْضِيَ اللَّيْلَةُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْهِلَالِ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ عَنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَبَانَ كَوْنُهَا مِنْ الشَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ كَالْمُكْرَهِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَلَوْ رَأَى الْهِلَالَ بِالنَّهَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ ، فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى الْغُرُوبِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ .

أَوْ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا فَلَا حِنْثَ .
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ ) اللَّهَ تَعَالَى أَوْ حَمِدَهُ أَوْ هَلَّلَهُ أَوْ كَبَّرَهُ ، وَكَذَا لَوْ دَعَا .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِخِطَابِ الْآدَمِيِّ ( أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا ) فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ ( فَلَا حِنْثَ ) بِذَلِكَ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامًا يَحْنَثُ بِسَمَاعِهِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَلَوْ قَرَأَ مِنْ التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ الْيَوْمَ أَوْ الْإِنْجِيلِ لَمْ يَحْنَثْ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ الَّذِي قَرَأَهُ مُبَدَّلٌ أَوْ لَا ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمَا يَعْلَمُهُ مُبَدَّلًا كَأَنْ قَرَأَ جَمِيعَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ النَّفْسِ ، وَلَوْ تَكَلَّمَ مَعَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا أَوْ صَلَّى وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ .
قَالَ فِي الْكَافِي : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْحِنْثُ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً ، وَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يَعُدُّونَهُ مُخَاطَبَةً لِلنَّاسِ .

أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ ، وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا فِي الْجَدِيدِ .

فَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا ( أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ) وَسَمِعَ كَلَامَهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ قَالَا : وَلَوْ كَانَ سَلَامُ الصَّلَاةِ ( حَنِثَ ) أَمَّا عَدَمُ السَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَدْ مَرَّ ، وَأَمَّا عَدَمُ كَلَامِهِ فَلِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ بِالسَّلَامِ ، فَلَوْ قَصَدَ التَّحَلُّلَ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْبَابِ ، وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ كَلَّمَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ السَّلَامِ مُوَاجَهَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ ، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ، وَبَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ عَدَمَ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ هُنَاكَ تُصَدِّقُهُ .
وَاعْتَبَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ الْمُوَاجَهَةَ أَيْضًا ، فَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ تَعْرِيضٌ لَهُ وَلَمْ يُوَاجِهْهُ كَيَا حَائِطُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ كَذَا لَمْ يَحْنَثْ ، وَالْمُرَادُ .
بِالْكَلَامِ الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِلَّا حَنِثَ ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ نَائِمٌ بِكَلَامٍ يُوقِظُ مِثْلَهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا ، وَأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ ، يَسْمَعُ كَلَامَهُ حَنِثَ ، وَإِلَّا فَلَا ، سَمِعَ كَلَامَهُ أَمْ لَا ( وَإِنْ ) ( كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا ) بِعَيْنٍ أَوْ رَأْسٍ ( فَلَا ) حِنْثَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ( فِي الْجَدِيدِ ) حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ النَّفْيِ عَنْ ذَلِكَ .
فَيُقَالُ مَا

كَلَّمَهُ وَلَكِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ ، وَفِي التَّنْزِيلِ : { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا } { فَأَشَارَتْ إلَيْهِ } وَفِي الْقَدِيمِ نَعَمْ ، حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا } فَاسْتَثْنَى الْوَحْيَ وَالرِّسَالَةَ مِنْ التَّكَلُّمِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ ، وقَوْله تَعَالَى : { أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا } فَاسْتَثْنَى الرَّمْزَ مِنْ الْكَلَامِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْجَدِيدِ ، وَحَمَلَ مَا نُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ عَلَى مَا إذَا نَوَى فِي يَمِينِهِ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمُرَاسَلَةَ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عِنْدَ النِّيَّةِ يَحْنَثُ قَطْعًا وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَجَازَ تَجُوزُ إرَادَتُهُ بِالنِّيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ إشَارَةِ النَّاطِقِ وَالْأَخْرَسِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقَامَ النُّطْقِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَتُعُقِّبَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْأَخْرَسَ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَهُ بِالْإِشَارَةِ حَنِثَ ، وَبِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَاطِقٍ فَخَرَسَ ، وَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ طَلُقَتْ ، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَرَسَ مَوْجُودٌ فِيهِ قَبْلَ الْحَلِفِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْكَلَامَ مَدْلُولُهُ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤَدَّى بِاللَّفْظِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ أَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَرَامٌ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ، فَإِذَا كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ ارْتَفَعَ الْهِجْرَانُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ أَوْ كَانَتْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ بِهِمَا

وَتَضَمَّنَتْ فِي الْحَالَيْنِ الْأُلْفَةَ بَيْنَهُمَا لَا إنْ كَانَ فِيهِمَا إيذَاءٌ وَإِيحَاشٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْإِثْمُ ، وَلَا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحُضُورِ وَلَمْ تَكُنْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ بِذَلِكَ .

وَلَوْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا مَقْصُودَهُ وَقَصَدَ قِرَاءَةً لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِلَّا حَنِثَ .
( وَلَوْ ) ( قَرَأَ ) الْحَالِفُ ( آيَةً أَفْهَمَهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ ( بِهَا مَقْصُودَهُ ) نَحْوَ : ( اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمَنِينَ ) عِنْدَ طَرْقِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ الْبَابَ ( وَقَصَدَ قِرَاءَةً ) فَقَطْ أَوْ مَعَ إفْهَامِهِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قَصَدَ إفْهَامَهُ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ ، وَاعْتَمَدَ عَدَمَ الْحِنْثِ ، وَمِثْلُ هَذَا مَا لَوْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ أَوْ سَبَّحَ لِسَهْوِهِ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ حَنِثَ بِمَا قَرَأَ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ ، أَوْ لَيَتْرُكَنَّ الصَّوْمَ أَوْ الْحَجَّ أَوْ الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ حَنِثَ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ فِي كُلٍّ مِنْهَا ، وَإِنْ فَسَدَ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا وَحَاجًّا وَمُعْتَكِفًا وَمُصَلِّيًا بِالشُّرُوعِ لَا بِالشُّرُوعِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَيَحْنَثُ بِهِ ، وَصُورَةُ انْعِقَادِ الْحَجِّ فَاسِدًا أَنْ يُفْسِدَ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ، وَتَصْوِيرُهُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِ مُجَامِعًا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ ، إذْ الْأَصَحُّ عَدَمُ انْعِقَادِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ أَوْ لَا أُصَلِّي صَلَاةً حَنِثَ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا وَلَوْ مِنْ صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَمِمَّنْ يُومِئُ إلَّا إنْ أَرَادَ صَلَاةً مُجْزِئَةً ، فَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَطَوَافٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ : وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ جِنَازَةٍ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَبَادِرَةٍ عُرْفًا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي أَنَّهُ يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً أَوْ لَا يُصَلِّيَ خَلْفَ زَيْدٍ فَحَضَرَ الْجُمُعَةَ فَوَجَدَهُ إمَامًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صَلَاةِ جُمُعَةٍ غَيْرِ هَذِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَى الصَّلَاةِ بِالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ .
وَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَأَدْرَكَ رَمَضَانَ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَيَحْنَثُ أَوْ لَا يَؤُمُّ زَيْدًا فَصَلَّى زَيْدٌ خَلْفَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، فَإِنْ شَعَرَ بِهِ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ

إكْمَالُهَا ، وَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا ؟ فِيهِ مَا مَرَّ .

أَوْ لَا مَالَ لَهُ حَنِثَ بِكُلِّ نَوْعٍ ، وَإِنْ قَلَّ حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ ، وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ، وَمَا وَصَّى بِهِ ، وَدَيْنٍ حَالٍّ ، وَكَذَا مُؤَجَّلٌ فِي الْأَصَحِّ ، لَا مُكَاتَبٌ فِي الْأَصَحِّ .

( أَوْ ) ( لَا مَالَ لَهُ ) وَأَطْلَقَ ( حَنِثَ بِكُلِّ نَوْعٍ وَإِنْ قَلَّ ) وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ ( حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ ) لِصِدْقِ اسْمِ الْمَالِ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ قَوْلِهِ بِكُلِّ نَوْعٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ تَقْسِيمِ الْمَالِ إلَى أَعْيَانٍ وَمَنَافِع ، لَكِنْ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : لَوْ كَانَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةً بِوَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْأَعْيَانُ ا هـ .
وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَإِنْ قَلَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَمَوَّلِ وَغَيْرِهِ .
لَكِنْ قَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالْمُتَمَوَّلِ وَاسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَقَوْلُهُ : " وَثَوْبٍ " مَجْرُورٌ بِحَتَّى عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ قَبْلَهُ ، وَشَرْطُ جَمْعٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ ، فِي عَطْفِهَا عَلَى الْمَجْرُورِ إعَادَةَ عَامِلِ الْجَرِّ ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ حَتَّى بِثَوْبٍ ( وَ ) حَتَّى ( مُدَبَّرٍ ) لَهُ ( وَ ) رَقِيقٍ لَهُ ( مُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ) أَمَّا مُدَبَّرُ مُوَرِّثِهِ الَّذِي تَأَخَّرَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَدُخُولِ دَارٍ أَوْ الَّذِي أَوْصَى مُوَرِّثُهُ بِإِعْتَاقِهِ .
فَلَا يَحْنَثُ بِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ ( وَ ) حَتَّى ( مَا وَصَّى بِهِ ) الْحَالِفُ مِنْ رَقِيقٍ وَغَيْرِهِ ( وَدَيْنٍ حَالٍّ ) وَلَوْ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ، وَكَذَا عَلَى جَاحِدٍ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ ( وَكَذَا ) دَيْنٌ ( مُؤَجَّلٌ ) يَحْنَثُ بِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْحِنْثِ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ ، دَيْنُهُ عَلَى مَدِينٍ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً ، وَدَيْنُهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ أَوْ ضَالٌّ أَوْ مَغْصُوبٌ أَوْ مَسْرُوقٌ وَانْقَطَعَ

خَبَرُهُ هَلْ يَحْنَثُ بِهِ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَالثَّانِي : لَا يَحْنَثُ ، لِأَنَّ بَقَاءَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَيَحْنَثُ بِمُسْتَوْلَدَتِهِ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا وَأَرْشَ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا ( لَا مُكَاتَبٍ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا ذُكِرَ فَهُوَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَالثَّانِي : يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ .
أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَيَحْنَثُ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَلَا بِاسْتِحْقَاقِ قِصَاصٍ ، فَلَوْ كَانَ قَدْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ بِمَالٍ حَنِثَ ، فَإِنْ نَوَى نَوْعًا مِنْ الْمَالِ اخْتَصَّ بِهِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا مِلْكَ لَهُ حَنِثَ بِمَغْصُوبٍ مِنْهُ وَآبِقٍ وَمَرْهُونٍ لَا بِزَوْجَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ وَلَا بِزَيْتٍ نَجَسٍ أَوْ نَحْوِهِ ، لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَنْهُ بِالتَّنَجُّسِ كَمَوْتِ الشَّاةِ أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا عَبْدَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمُكَاتَبِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً تَنْزِيلًا لِلْكِتَابَةِ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ .

أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ فَالْبِرُّ بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا ، وَلَا يُشْتَرَطُ إيلَامٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ ضَرْبًا شَدِيدًا ، وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ ، وَعَضٌّ ، وَخَنْقٌ ، وَنَتْفُ شَعَرٍ ضَرْبًا ، قِيلَ وَلَا لَطْمٌ وَوَكْزٌ ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ أَوْ خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةً وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً أَوْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ، بَرَّ إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ ، أَوْ تَرَاكَمَ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ أَلَمُ الْكُلِّ قُلْت : وَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَةِ الْجَمِيعِ بَرَّ عَلَى النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَبِرَّ بِهَذَا .

( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيَضْرِبَنَّهُ ) ( فَالْبِرُّ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِخَطِّهِ فِي يَمِينِهِ يَتَعَلَّقُ ( بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا ) فَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ وَرَفْعُهَا ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( إيلَامٌ ) لِصِدْقِ الِاسْمِ بِدُونِهِ ، إذْ يُقَالُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يُؤْلِمْهُ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الزَّجْرُ ( إلَّا أَنْ يَقُولَ ) أَوْ يَنْوِيَ ( ضَرْبًا شَدِيدًا ) أَوْ نَحْوِهِ كَمُبَرِّحٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيلَامُ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَكْفِي الْإِيلَامُ وَحْدَهُ كَوَضْعِ حَجَرٍ ثَقِيلٍ عَلَيْهِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَلَا حَدَّ يَقِفُ عِنْدَهُ فِي تَحْصِيلِ الْبِرِّ ، وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَا يُسَمَّى شَدِيدًا ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ لَا مَحَالَةَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَضْرُوبِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ ( وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَى ضَرْبِهِ ( وَ ) لَا ( عَضٌّ ، وَ ) لَا ( خَنِقٌ ) بِكَسْرِ النُّونِ بِخَطِّهِ مَصْدَرُ خَنَقَهُ : عَصْرُ عُنُقِهِ ( وَنَتْفُ شَعَرٍ ) بِفَتْحِ عَيْنِهِ ( ضَرْبًا ) فَلَا يَبِرُّ الْحَالِفُ عَلَى ضَرْبِ زَيْدٍ مَثَلًا بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا عُرْفًا ، وَيَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ ( قِيلَ : وَلَا لَطْمٌ ) وَهُوَ ضَرْبُ الْوَجْهِ بِبَاطِنِ الرَّاحَةِ ( وَ ) لَا ( وَكْزٌ ) وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ مُطَبَّقَةً .
قَالَ تَعَالَى : { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } أَيْ لَا يُسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمَا ضَرْبًا ، وَالْأَصَحُّ يُسَمَّى ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّفْسُ وَاللَّكْمُ أَوْ الصَّفْعُ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ : ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَبِرِجْلِهِ ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْمَاءُ الضَّرْبِ .
تَنْبِيهٌ : يَبِرُّ الْحَالِفُ بِضَرْبِ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَحَلٌّ لِلضَّرْبِ ، لَا بِضَرْبِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُ ( أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ ، أَوْ ) مِائَةَ ( خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةً ) مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ السِّيَاطِ أَوْ الْخَشَبِ ( وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً )

وَاحِدَةً بَرَّ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، وَلَا تَكْفِي السِّيَاطُ عَنْ الْخَشَبِ وَعَكْسِهِ ( أَوْ ) ضَرَبَهُ ( بِعِثْكَالٍ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ : أَيْ عُرْجُونٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْعِثْكَالِ ( مِائَةُ شِمْرَاخٍ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ ( بَرَّ ) الْحَالِفُ ( إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ ) مِنْ الشَّمَارِيخِ بِأَنْ عَايَنَ إصَابَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ بِأَنْ بَسَطَهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَالْحَصِيرِ ( أَوْ تَرَاكَمَ بَعْضٌ ) مِنْهَا ( عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ ) أَيْ الْمَضْرُوبَ بِهَا ( أَلَمُ الْكُلِّ ) أَيْ ثِقَلُهُ فَإِنَّهُ يَبِرُّ أَيْضًا ، وَإِنْ حَالَ ثَوْبٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَمْنَعُ تَأَثُّرَ الْبَشَرَةِ بِالضَّرْبِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } فَإِنَّ الضِّغْثَ هُوَ الشَّمَارِيخُ الْقَائِمَةُ عَلَى السَّاقِ ، وَيُسَمَّى الْعِثْكَالَ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ شَرْعُ مِنْ قَبْلِنَا ، فَقَدْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا تَقْرِيرُهُ فِي قِصَّةِ الزَّانِي الضَّعِيفِ كَمَا قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الزِّنَا ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ ، هَلْ هُوَ شَرْعٌ لَنَا أَوْ لَا ؟ وَقَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ وَغَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ يَبِرُّ فِي قَوْلِهِ : مِائَةَ سَوْطٍ بِالْعُثْكَالِ ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَبِرُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سِيَاطًا ، وَإِنَّمَا يَبِرُّ بِسِيَاطِ مَجْمُوعَةٍ بِشَرْطِ عِلْمِهِ إصَابَتَهَا بَدَنُهُ عَلَى مَا مَرَّ ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَيْضًا إنْ تَرَاكَمَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ الشَّدِّ كَيْفَ كَانَ يَحْصُلُ بِهِ أَلَمُ الثِّقَلِ ؟ وَلَكِنْ صَوَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنْ تَكُونَ مَشْدُودَةَ الْأَسْفَلِ مَحْلُولَةَ الْأَعْلَى وَاسْتُحْسِنَ ( قُلْت : وَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَةِ الْجَمِيعِ بَرَّ عَلَى النَّصِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ الْإِصَابَةُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ ، وَلَكِنَّ الْوَرَعَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ تَخَلُّفِ

بَعْضِهَا ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَلَمْ يَدْخُلْ وَمَاتَ زَيْدٌ وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ عَلَى النَّصِّ بِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي الِانْكِبَاسِ ، وَالْمَشِيئَةِ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهَا ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا ، وَخَرَجَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ .
تَنْبِيهٌ : الشَّكُّ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ ، فَإِنْ تَرَجَّحَ عَدَمُ إصَابَةِ الْكُلِّ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمَ الْبِرِّ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَبِرَّ بِهَذَا ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْمِائَةِ الْمَشْدُودَةِ وَمِنْ الْعِثْكَالِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَدَدَ لِلضَّرَبَاتِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : مِائَةُ ضَرْبَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى ضَرْبَةً وَاحِدَةً ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَالِي فِي ذَلِكَ أَوْ لَا ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ ، وَابْنِ الصَّلَاحِ الثَّانِي ، وَهُوَ أَوْجَهُ .

أَوْ لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ فَهَرَبَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ لَمْ يَحْنَثْ ، قُلْت : الصَّحِيحُ لَا يَحْنَثُ إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ فَارَقَهُ أَوْ وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ وَكَانَا مَاشِيَيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ احْتَالَ عَلَى غَرِيمٍ ثُمَّ فَارَقَهُ أَوْ أَفْلَسَ فَفَارَقَهُ لِيُوسِرَ حَنِثَ ، وَإِنْ اسْتَوْفَى وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ نَاقِصًا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، لَكِنَّهُ أَرْدَأُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِلَّا حَنِثَ عَالِمٌ ، وَفِي غَيْرِهِ الْقَوْلَانِ .

( أَوْ ) قَالَ لِغَرِيمِهِ : وَاَللَّهِ ( لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ ) حَقِّي مِنْك ( فَهَرَبَ ) مِنْهُ غَرِيمُهُ ( وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ ) لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِعُذْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ ( قُلْت : الصَّحِيحُ ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( لَا يَحْنَثُ إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ ) وَلَمْ يَتَّبِعْهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ مَا يَقْطَعُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ بِالْمَقَامِ مُفَارِقٌ ( وَإِنْ فَارَقَهُ ) الْحَالِفُ مُخْتَارًا ذَاكِرًا لِلْيَمِينِ ( أَوْ ) لَمْ يُفَارِقْهُ بَلْ ( وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ ) غَرِيمُهُ ( وَكَانَا مَاشِيَيْنِ ) وَهَذِهِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ ( أَوْ أَبْرَأَهُ ) الْحَالِفُ مِنْ الْحَقِّ ( أَوْ احْتَالَ ) بِهِ ( عَلَى غَرِيمٍ ) لِلْغَرِيمِ أَوْ أَحَالَ هُوَ بِهِ عَلَى غَرِيمِهِ ( ثُمَّ فَارَقَهُ ، أَوْ أَفْلَسَ ) أَيْ ظَهَرَ أَنْ غَرِيمَهُ مُفْلِسٌ ( فَفَارَقَهُ لِيُوسِرَ ) وَفِي الْمُحَرَّرِ إلَى أَنْ يُوسِرَ ( حَنِثَ ) فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ لِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ وَلِتَفْوِيتِهِ فِي الثَّالِثَةِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ ، وَفِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ الْحَوَالَةَ وَإِنْ قُلْنَا : هِيَ اسْتِيفَاءٌ فَلَيْسَتْ اسْتِيفَاءً حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا هِيَ كَالِاسْتِيفَاءِ فِي الْحُكْمِ .
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّهِ ، فَحِينَئِذٍ يَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى مَا قَصَدَهُ وَلَا يَحْنَثُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ فَصَلَّى ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً ، فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِمُفَارَقَتِهَا ، فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ ، وَالْأَصَحُّ لَا حِنْثَ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : وَكَانَا مَاشِيَيْنِ عَمَّا إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ وَابْتَدَأَ الْغَرِيمُ بِالْمَشْيِ فَلَا يَحْنَثُ

؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ الْمَشْيُ ، وَهُوَ فِعْلُ الْغَرِيمِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ اسْتَوْفَى مِنْ وَكِيلِ غَرِيمِهِ أَوْ مِنْ مُتَبَرِّعٍ بِهِ وَفَارَقَهُ حَنِثَ إنْ كَانَ قَالَ مِنْك ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ ، فَإِنْ قَالَ : لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي أَوْ حَتَّى تُوفِيَنِي حَقِّي فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ الْحَالِفُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فِرَاقَهُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ الْغَرِيمِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْمُفَارَقَةِ ، فَإِنْ نَسِيَ الْغَرِيمُ الْحَلِفَ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْمُفَارَقَةِ فَفَارَقَ فَلَا حِنْثَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَلَوْ فَرَّ الْحَالِفُ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهِ ، فَإِنْ قَالَ : لَا نَفْتَرِقُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي حَنِثَ بِمُفَارَقَةِ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ عَالِمًا مُخْتَارًا ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَا افْتَرَقْنَا حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك لِصِدْقِ الِافْتِرَاقِ بِذَلِكَ ، فَإِنْ فَارَقَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ ( وَإِنْ ) ( اسْتَوْفَى ) الْحَالِفُ حَقَّهُ مِنْ غَرِيمِهِ ( وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ ) أَيْ مَا اسْتَوْفَاهُ ( نَاقِصًا ) نَظَرْت ( إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، لَكِنَّهُ أَرْدَأُ ) مِنْهُ ( لَمْ يَحْنَثْ ) بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ قَلِيلًا يَتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ أَوْ كَثِيرًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِالْأَوَّلِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ جِنْسَ حَقِّهِ بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ خَالِصَةً فَخَرَجَ مَا أَخَذَ مَغْشُوشًا أَوْ نُحَاسًا ( حَنِثَ عَالِمٌ ) بِحَالِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ لِلْمُفَارَقَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ ( وَفِي غَيْرِهِ ) أَيْ الْعَالِمِ ، وَهُوَ الْجَاهِلُ بِالْحَالِ ( الْقَوْلَانِ ) فِي حِنْثِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي ، أَظْهَرُهُمَا لَا حِنْثَ ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَوْلَيْنِ لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ ،

فَقَوْلُ ابْنِ شُهْبَةَ : وَلَا عَهْدَ مُقَدَّمٌ يُحِيلُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ ، وَإِنْ حَلَفَ الْغَرِيمُ ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُوفِيَك حَقَّك فَسَلَّمَهُ لَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَحْنَثْ أَوَّلًا ، اسْتَوْفَيْت حَقَّك مِنِّي فَأَخَذَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَحْنَثْ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ عَالِمًا مُخْتَارًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا .

أَوْ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَرَأَى وَتَمَكَّنَ فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ ، وَيُحْمَلُ عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ ، فَإِنْ عُزِلَ فَالْبِرُّ بِالرَّفْعِ إلَى الثَّانِي ، أَوْ إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ ، أَوْ إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ فَرَآهُ ثُمَّ عُزِلَ فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ إنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَتَرَكَهُ وَإِلَّا فَكَمُكْرَهٍ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بَرَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ

( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي ) أَوْ لَا أَرَى لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً إلَّا رَفَعَهَا إلَيْهِ ( فَرَأَى ) الْحَالِفُ ذَلِكَ ( وَتَمَكَّنَ ) مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ ( فَلَمْ يَرْفَعْ ) ذَلِكَ ( حَتَّى مَاتَ ) الْحَالِفُ ( حَنِثَ ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّفْعِ ، بَلْ لَهُ الْمُهْلَةُ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ الْقَاضِي ، فَمَتَى رَفَعَهُ إلَيْهِ بَرَّ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّفْعِ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا بِذَلِكَ فَيُخْبِرَهُ ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ إخْبَارُهُ ، وَالْإِخْبَارُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ رَأَى الْمُنْكَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِهِ ؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَهَلْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا رَأَى الْقَاضِيَ يَتَعَاطَى الْمُنْكَرَ أَوْ يُقَالُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ لَا يَتَنَاوَلُ الْقَاضِي ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ، وَيَظْهَرُ الثَّانِي ( وَيُحْمَلُ عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى التَّعْرِيفِ بِأَلْ ( فَإِنْ عُزِلَ ) قَاضِي الْبَلَدِ وَتَوَلَّى غَيْرُهُ ( فَالْبِرُّ ) يَحْصُلُ ( بِالرَّفْعِ إلَى ) الْقَاضِي ( الثَّانِي ) وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَوْجُودِ حَالَةَ الْحَلِفِ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلْجِنْسِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي رَفْعِ الْمُنْكَرِ إلَى الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَبَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ مُوجِبِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ قَاضِيَانِ ، كَفَى الرَّفْعُ إلَى أَحَدِهِمَا ، وَإِنْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاحِيَةٍ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اخْتَصَّ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ قَاضِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا فَاعِلُ الْمُنْكَرِ ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ إذَا دَعَاهُ ، إذْ رَفَعَ الْمُنْكَرَ إلَى الْقَاضِي مَنُوطٌ بِإِخْبَارِهِ بِهِ كَمَا مَرَّ لَا بِوُجُوبِ

إجَابَةِ فَاعِلِهِ ( أَوْ ) حَلَفَ لَا رَأَى مُنْكَرًا ( إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ ) ( بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ ) فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ لِصِدْقِ الِاسْمِ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَاضِيًا حَالَ الْيَمِينِ أَمْ وُلِّيَ بَعْدَهُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ ( أَوْ ) إلَّا رَفَعَهُ ( إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ ) هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ اسْمِ عَلَمٍ لِمَنْ يَعْقِلُ ، وَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ ( فَرَآهُ ) أَيْ الْمُنْكَرَ ( ثُمَّ ) لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى ( عُزِلَ ) الْقَاضِي ( فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ إنْ ) رَأَى الْمُنْكَرَ وَ ( أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ ) إلَيْهِ ( فَتَرَكَهُ ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، إنَّهُ إذَا عُزِلَ لَمْ يَبِرَّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ ، وَهُوَ مَعْزُولٌ وَلَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ كَانَ تَمَكَّنَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا وُلِّيَ ثَانِيًا وَالْيَمِينُ عَلَى التَّرَاخِي ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُوَلَّى بَانَ الْحِنْثُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ هُنَا بِدَوَامِ كَوْنِهِ قَاضِيًا وَالدَّيْمُومَةُ تَنْقَطِعُ بِالْعَزْلِ ، وَغَفَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْ ذَلِكَ .
فَأَجَابَ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَزْلٍ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُ إلَيْهِ ( فَكَمُكْرَهٍ ) وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْحِنْثِ .
تَنْبِيهُ : جُعِلَا مِنْ صُوَرِ عَدَمِ الْإِمْكَانِ الْمَرَضُ وَالْحَبْسُ وَمَا إذَا جَاءَ إلَى بَابِ الْقَاضِي فَحُجِبَ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَنْ يَحْنَثَ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَإِنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ) مَا دَامَ قَاضِيًا ( بَرَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ ) قَطْعًا إنْ نَوَى عَيْنَهُ وَذَكَرَ الْقَضَاءَ لِلتَّعْرِيفِ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ أَطْلَقَ نَظَرَ إلَى التَّعْيِينِ وَوَجْهِ مُقَابَلَةِ النَّظَرِ إلَى الصِّفَةِ .

[ فَصْلٌ ] حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ ، وَلَا يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ ، أَوْ لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ ، أَوْ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِهِ هُوَ لِغَيْرِهِ .

[ فَصْلٌ ] فِي الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا : إذَا ( حَلَفَ ) شَخْصٌ أَنَّهُ ( لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي ) مَثَلًا وَأَطْلَقَ ( فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ ) حَنِثَ قَطْعًا لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ ( أَوْ غَيْرِهِ ) بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ ( حَنِثَ ) عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَشْمَلُهُ .
تَنْبِيهٌ : مُطْلَقُ الْحَلِفِ عَلَى الْعُقُودِ يَنْزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا ، فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَمْ يُخَالِفْ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ مَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ فَاسِدًا ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا الْمَهْرَ ، كَمَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَكَذَا الْعِبَادَاتُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا إلَّا الْحَجُّ الْفَاسِدُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَا لَا يَقْبَلُهُ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ ، وَلَا الْمُسْتَوْلَدَةَ ثُمَّ أَتَى بِصُورَةِ الْبَيْعِ ، فَإِنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْعَقْدِ مُضَافًا إلَى مَا ذَكَرَهُ حَنِثَ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا ( وَلَا يَحْنَثُ ) الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ مِثْلًا إذَا أَطْلَقَ ( بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ ) الْبَيْعَ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّاهُ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ عَادَةً أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ لَا يَحْنَثُ ) وَإِنْ فَعَلَهُ الْوَكِيلُ بِحَضْرَتِهِ وَأَمَرَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : مَتَى أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا : سَلِّمْ إلَيْهِ فَسَلَّمَ طَلُقَتْ ، وَكَانَ تَمْكِينُهَا مِنْ الْمَالِ إعْطَاءً ، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْيَمِينَ يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ فَاقْتُصِرَ عَلَى فِعْلِهِ .
وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَقَوْلُهَا لِوَكِيلِهَا سَلِّمْ إلَيْهِ بِمَثَابَةِ خُذْهُ فَلَاحَظُوا الْمَعْنَى ، وَلَوْ

حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ ، ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ فَعَلَهَا ، فَوَجَدَ ذَلِكَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ صِفَةٍ ، وَهُوَ الْمُوَقِّعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَوَّضَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْتِقُ عَبْدًا فَكَاتَبَهُ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَأَقَرَّاهُ ، وَإِنْ صَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْحِنْثَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ إعْتَاقٌ كَمَا أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنَزَّلَةٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ مَجَّانًا ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ ) الْحَالِفُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ، وَهُوَ ( أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ ) فَيَحْنَثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ فِيمَا ذَكَرَ فِي مَسَائِلِ الْفَصْلِ كُلِّهَا عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ وَكَانَ وَكَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ مَالِهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْوِكَالَةِ السَّابِقَةِ ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَمْ يُوَكِّلْ ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَكَانَ أَذِنَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِهِ هُوَ ) أَيْ الْحَالِفِ النِّكَاحَ ( لِغَيْرِهِ ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ ، وَلِهَذَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ عَدَمَ الْحِنْثِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ إذَا أُطْلِقَ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْكِحَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ حَنِثَ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ، وَإِنْ نَوَى مَنْعَ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ اتَّبَعَ .

فُرُوع : لَوْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَعَقَدَ عَلَيْهَا وَلِيُّهَا نَظَرْت إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَأَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ لِمَنْ يُزَوِّجُهُ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يُرَاجِعُ مُطَلَّقَتَهُ فَوَكَّلَ فِي رَجْعَتِهَا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا الرَّجْعَةُ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَمْ اسْتِدَامَةٌ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ ، ثُمَّ جُنَّ فَعَقَدَ لَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ إذْنِهِ فِيهِ ، ذَكَرْته بَحْثًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .

وَلَوْ حَلَفَ الْأَمِيرُ لَا يَضْرِبُ زَيْدًا ، فَأَمَرَ الْجَلَّادُ بِضَرْبِهِ فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، أَوْ حَلَفَ لَا يَبْنِي بَيْتَهُ ، فَأَمَرَ الْبَنَّاءَ بِبِنَائِهِ فَبَنَاهُ فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ ، فَأَمَرَ حَلَّاقًا فَحَلَقَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِعَدَمِ فِعْلِهِ ، وَقِيلَ : يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحَيْهِ ، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ .

أَوْ لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ فَبَاعَهُ بِإِذْنِهِ حَنِثَ ، وَإِلَّا فَلَا .
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ ) مَثَلًا ( فَبَاعَهُ ) بَيْعًا صَحِيحًا بِأَنْ بَاعَهُ ( بِإِذْنِهِ ) أَوْ لِظَفَرٍ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ لِحَجْرٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ إذْنِ الْوَلِيِّ لِحَجْرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ ( حَنِثَ ) لِصِدْقِ اسْمِ الْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَشَمِلَ مَا ذَكَرْته ( وَإِلَّا ) بِأَنْ بَاعَهُ بَيْعًا غَيْرَ صَحِيحٍ ( فَلَا ) حِنْثَ لِفَسَادِ الْبَيْعِ ، وَهُوَ فِي الْحَلِفِ مُنَزَّلٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَذِكْرُ الْبَيْعِ مِثَالٌ ، وَإِلَّا فَسَائِرُ الْعُقُودِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الصَّحِيحَ ، وَكَذَا الْعِبَادَاتُ إلَّا الْحَجَّ الْفَاسِدَ ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا مَرَّ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَقَعُ النَّظَرُ فِي إلْحَاقِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا بِالْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُمَا كَالصَّحِيحَيْنِ فِي حُصُولِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إلْحَاقِهِمَا بِهِ ، وَلَوْ بَاعَهُ بِإِذْنِ وَكِيلِ زَيْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَالُ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِجَهْلِهِ .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ إلَى زَيْدٍ مَالًا فَوَكَّلَ الْحَالِفُ رَجُلًا فِي الْبَيْعِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ زَيْدًا فِي بَيْعِ ذَلِكَ فَبَاعَهُ حَنِثَ الْحَالِفُ ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ زَيْدٌ أَنَّهُ مَالُ الْحَالِفِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ زَيْدٍ ، وَقَدْ فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ ، وَالْجَهْلُ أَوْ النِّسْيَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَاشِرِ لِلْفِعْلِ لَا فِي غَيْرِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ .
أَمَّا إذَا قَصَدَ الْمَنْعَ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ .

وَلَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ ، ثُمَّ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِيهِ أَجْنَبِيًّا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ شِئْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ أَوْ شَاءَتْ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ صِفَةٍ ، وَهُوَ الْمُطَلِّقُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا ، فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَحْنَثُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ الْوَجْهُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : لَا حِنْثَ ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ .

أَوْ لَا يَهَبُ لَهُ فَأَوْجَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَذَا إنْ قَبِلَ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَحْنَثُ بِعُمْرَى وَرُقْبَى ، وَصَدَقَةٍ لَا إعَارَةٍ ، وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ فِي الْأَصَحِّ .

( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَهَبُ لَهُ ) أَيْ لِزَيْدٍ مَثَلًا ( فَأَوْجَبَ لَهُ ) الْهِبَةَ ( فَلَمْ يَقْبَلْ ) ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَتِمَّ ، وَيَجْرِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ( وَكَذَا إنْ قَبِلَ ) الْهِبَةَ ( وَلَمْ يَقْبِضْ ) لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْهِبَةِ نَقْلُ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَلِفِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْهِبَةِ عَدَمُ التَّبَرُّعِ عَلَى الْغَيْرِ ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقَبْضِ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ : وَلَا يَحْنَثُ بِالْهِبَةِ لِعَبْدِ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ مَعَ الْعَبْدِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا بِمُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهَا بِلَا خِلَافٍ ، لَكِنْ مَتَى يَحْنَثُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي : أَحَدُهُمَا : حَالَةُ الْقَبْضِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْهِبَةَ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ، وَالثَّانِي : مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْقَبْضَ دَالٌّ عَلَى الْمِلْكِ حَالَةَ الْهِبَةِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ( وَيَحْنَثُ ) مَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ ( بِعُمْرَى وَرُقْبَى ) وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُمَا فِي الْهِبَةِ ( وَصَدَقَةٍ ) تَطَوُّعًا وَهَدِيَّةٍ مَقْبُوضَةٍ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ خَاصَّةٌ مِنْ الْهِبَةِ .
أَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَ ( لَا ) يَحْنَثُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ ( إعَارَةٍ ) وَضِيَافَةٍ ، إذْ لَا مِلْكَ فِيهِمَا ( وَوَصِيَّةٍ ) لِأَنَّهَا تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتِ لَا يَحْنَثُ ( وَوَقْفٍ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَتَصَدَّقُ ) حَنِثَ بِالصَّدَقَةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا عَلَى فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِشُمُولِ الِاسْمِ ، وَيَحْنَثُ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ ، وَ ( لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهَا

أَعَمُّ مِنْ الصَّدَقَةِ .
وَالثَّانِي : يَحْنَثُ كَعَكْسِهِ ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَخَصُّ ، فَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ هِبَةٍ صَدَقَةً .
نَعَمْ إنْ نَوَاهَا بِهِ حَنِثَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَلَا يَحْنَثُ بِالْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ ، وَيَحْنَثُ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِهِ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الشَّكْلَ غَيْرُ مُنْتَجٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْوَسَطِ ، إذْ مَحْمُولُ الصُّغْرَى صَدَقَةٌ لَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَمَوْضُوعُ الْكُبْرَى صَدَقَةٌ تَقْتَضِيه كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا .

فُرُوعٌ : لَوْ حَلَفَ لَا يَبِرُّهُ حَنِثَ بِجَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ كَإِبْرَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِعْتَاقِهِ وَهِبَتِهِ وَإِعَارَتِهِ .
لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُعَدُّ بِرًّا عُرْفًا ، لَا بِإِعْطَائِهِ الزَّكَاةَ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنًا أَوْ لَا يُشَارِكُ فَقَارَضَ .
قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ : حَنِثَ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الشَّرِكَةِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ بَعْدَ حُصُولِ الرِّبْحِ دُونَ مَا قَبْلَهُ ، أَوْ لَا يَتَوَضَّأُ فَتَيَمَّمَ لَمْ يَحْنَثْ ، أَوْ لَا يَضْمَنُ لِفُلَانٍ مَالًا فَكَفَلَ بَدَنَ مَدْيُونِهِ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، أَوْ لَا يَذْبَحُ الْجَنِينَ فَذَبَحَ شَاةً فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهَا ذَكَاتُهُ ، أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ يُرَاعَى فِيهَا الْعَادَةُ ، وَفِي الْعَادَةِ لَا يُقَالُ : إنَّ ذَلِكَ ذَبْحٌ لِشَاتَيْنِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَقْرَبُ ، أَوْ لَا يَقْرَأُ فِي مُصْحَفٍ فَفَتَحَهُ وَقَرَأَ فِيهِ حَنِثَ ، أَوْ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ زِيَادَةً حَادِثَةً فِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ ، أَوْ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ وَهُوَ مَبْرِيٌّ فَكُسِرَ ثُمَّ بُرِيَ فَكَتَبَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْبُوبَةُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْأُولَى لَمْ تَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةُ حَالَ الْحَلِفِ ، وَالْقَلَمُ فِي الثَّانِيَةِ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ دُونَ الْقَصَبَةِ ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى قَبْلَ الْبَرْيِ قَلَمًا مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ قَلَمًا ، أَوْ لَا آكُلُ الْيَوْمَ إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فَاسْتَدَامَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ قَطَعَ الْأَكْلَ قَطْعًا بَيِّنًا ثُمَّ عَادَ حَنِثَ ، وَإِنْ قَطَعَ لِشُرْبٍ أَوْ انْتِقَالٍ مِنْ لَوْنٍ إلَى آخَرَ ، أَوْ انْتِظَارِ مَا يُحْمَلُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ لَمْ يَحْنَثْ .

أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ سَلَمًا ، وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَاهُ بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ .

( أَوْ ) ( لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ ) زَيْدٌ ( مَعَ غَيْرِهِ ) شَرِكَةً مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يَخْتَصَّ زَيْدٌ بِشِرَائِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ : اشْتَرَاهُ فُلَانٌ بَلْ بَعْضُهُ ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ لِزَيْدٍ وَكِيلُهُ أَوْ مَلَكَهُ بِقِسْمَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا أَوْ بِصُلْحٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِرَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا ( وَكَذَا لَوْ قَالَ ) لَا آكُلُ ( مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ ) لَمْ يَحْنَثْ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا مَرَّ ، وَالثَّانِي : يَحْنَثُ بِهِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ الِامْتِنَاعُ عَمَّا ثَبَتَ لِزَيْدٍ مِنْهُ شِرَاءٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ ( وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ ) زَيْدٌ ( سَلَمًا ) أَوْ إشْرَاكًا أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ مُرَابَحَةً ، لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ مِنْ الشِّرَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي السَّلَمِ مُنَاقِضٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي بَابِهِ مِنْ عَدَمِ انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ أَنْ يَصِحَّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بَلْ بِلَفْظِ السَّلَمِ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ التَّوْلِيَةَ وَالْإِشْرَاكَ بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ وَلَا يَصِحَّانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ، وَسَبَبُهُ أَنَّ هَذِهِ بُيُوعٌ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ فِيهِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا يَصِحُّ إيرَادُهُ بِالْعَامِّ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الزَّائِدِ عَلَى الْعَامِّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لِغَيْرِهِ ، أَوْ اشْتَرَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ ، أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ حَنِثَ ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا مَلَكَهُ زَيْدٌ بِإِرْثٍ ، أَوْ هِبَةٍ ، أَوْ وَصِيَّةٍ ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِرَدٍّ بِعَيْبٍ ، أَوْ إقَالَةٍ ، أَوْ خُلِّصَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا ، وَكَذَا الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ مَوْضُوعٌ لِلرِّضَا بِتَرْكِ بَعْضِ الْحَقِّ ، وَلَا بِمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ ( وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَاهُ ) زَيْدٌ ( بِمُشْتَرَى

غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ ) بِأَكْلِهِ مِنْ الْمُخْتَلَطِ ( حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ ) بِأَنْ يَأْكُلَ قَدْرًا صَالِحًا كَالْكَفِّ وَالْكَفَّيْنِ ، لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّ فِيهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ ، بِخِلَافِ عَشْرِ حَبَّاتٍ وَعِشْرِينَ حَبَّةً .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّ اخْتِلَاطَهُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ كَذَلِكَ ، وَسَوَاءٌ أَمَلَكَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِالشِّرَاءِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ : حَتَّى يَتَيَقَّنَ مِثْلُهُ الظَّنَّ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَهُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ أَوْ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِيَةِ .
وَأَمَّا الْأُولَى فَفِي تَحْنِيثِهِ بِالْبَعْضِ تَوَقُّفٌ لِإِعْطَاءِ اللَّفْظِ الْجَمِيعَ ، لَا سِيَّمَا إذَا قَصَدَهُ الْجَمِيعُ ، لَا سِيَّمَا إذَا قَصَدَهُ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَلَوْ قَالَ : أَرَدْت طَعَامًا يَشْتَرِيه شَائِعًا أَوْ خَالِصًا حَنِثَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ .

أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِدَارٍ أَخَذَهَا بِشُفْعَةٍ .
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ ) أَيْ الْحَالِفُ ( بِدَارٍ أَخَذَهَا ) زَيْدٌ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا ( بِشُفْعَةٍ ) لِفَقْدِ الِاسْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي الْوَضْعِ وَالْعُرْفِ ، إذْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ حُكْمِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ ، وَيَتَصَوَّرُ أَخْذُ الْكُلِّ بِالشُّفْعَةِ فِي صُورَتَيْنِ : الْأُولَى : فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ ، وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا دَارَ جَارِهِ وَيَحْكُمُ لَهُ بِهَا حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ وَقُلْنَا : يَحِلُّ لَهُ بَاطِنًا كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ .
الثَّانِيَةُ : أَنْ يَمْلِكَ شَخْصٌ نِصْفَ دَارٍ وَيَبِيعَ شَرِيكُهُ النِّصْفَ الْآخَرَ فَيَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ ، فَتَصِيرَ الدَّارُ جَمِيعُهَا لَهُ ، ثُمَّ يَبِيعُ الْآخَرُ النِّصْفَ الَّذِي لَمْ يَمْلِكْهُ بِالشُّفْعَةِ شَائِعًا ، ثُمَّ يَبِيعُهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ وَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ ، لَكِنْ فِي عَقْدَيْنِ .
.

خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ : لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فُلَانٌ إلَّا بِإِذْنِهِ ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ ، فَخَرَجَ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ حَنِثَ ، أَوْ بِإِذْنٍ فَلَا ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ إذْنَهُ لِحُصُولِ الْإِذْنِ ، وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَالَتَيْ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ وَادَّعَى الْإِذْنَ لَهَا وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا ، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِخُرْجَةِ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ لِهَذَا الْيَمِينِ جِهَةُ بِرٍّ ، وَهِيَ الْخُرُوجُ بِإِذْنٍ ، وَجِهَةُ حِنْثٍ ، وَهِيَ الْخُرُوجُ بِلَا إذْنٍ ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ جَمِيعًا ، وَإِذَا كَانَ لَهَا جِهَتَانِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْيَوْمَ الدَّارَ وَلَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فِي الْيَوْمِ بَرَّ ، وَإِنْ تَرَكَ أَكْلَ الرَّغِيفِ ، وَإِنْ أَكَلَهُ بَرَّ وَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ خَرَجْتِ لَابِسَةً حَرِيرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ لَهُ لَا تَنْحَلُّ حَتَّى يَحْنَثَ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا لَابِسَةً لَهُ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى جِهَتَيْنِ ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخُرُوجٍ مُقَيَّدٍ ، فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِلَفْظِ كُلَّمَا أَوْ كُلَّ وَقْتٍ لَمْ تَنْحَلَّ بِخَرْجَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ : أَذِنْت لَك فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْت ، وَلَوْ قَالَ : لَا أَخْرُجَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَك فَاسْتَأْذَنَهُ فَلَمْ يَأْذَنْ فَخَرَجَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا يُعْنَى لِعَيْنِهِ ، بَلْ لِلْإِذْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ .
نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ لَمْ يَحْنَثْ .

أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَبَاعَهُ ثَوْبًا وَأَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ حَابَاهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ بِلُبْسِهِ ، وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ حَنِثَ بِلُبْسِهِ إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهُ قَبْلَ لُبْسِهِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَلْبَسُ الْغَيْرُ فَلَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ عَدَّدَ عَلَيْهِ النِّعَمَ غَيْرُهُ فَحَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ فَشَرِبَ لَهُ مَاءً بِلَا عَطَشٍ ، أَوْ أَكَلَ لَهُ طَعَامًا ، أَوْ لَبِسَ لَهُ ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ ، أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا سَدَاهُ مِنْ غَزْلِهَا وَلُحْمَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ قَالَ : لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ بِهِ ، لَا بِثَوْبٍ خِيطَ بِخَيْطٍ مِنْ غَزْلِهَا ؛ لِأَنَّ الْخَيْطَ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ ، وَإِنْ قَالَ : لَا أَلْبَسُ مِمَّا غَزَلَتْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا غَزَلَتْهُ بَعْدَ الْيَمِينِ ، أَوْ لَا أَلْبَسُ مِمَّا تَغْزِلُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا غَزَلَتْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ ، أَوْ قَالَ : لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ بِمَا غَزَلَتْهُ وَبِمَا تَغْزِلُهُ لِصَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُمَا .

أَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ إلَخْ .
هَذَا مَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الصَّوَابُ ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ أَفْضَلَهَا أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا سَهَا عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَقَدْ يَسْتَأْنِسُ لَهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ ، وَلَعَلَّهُ أَوَّلُ مَنْ اسْتَعْمَلَهَا .
وَقَالَ الْبَارِزِيُّ : عِنْدِي أَنَّ الْبِرَّ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ صَلَوَاتِك عَدَدَ مَعْلُومَاتِك ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَحْوَطُ لِلْحَالِفِ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَا قِيلَ أَنَّهُ أَفْضَلُ أَنْ تُقْرَنَ الصَّلَاةُ بِالسَّلَامِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مَكْرُوهًا ، وَلَا يُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ .

أَوْ حَلَفَ لَا يَزُورُ فُلَانًا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا لَمْ يَحْنَثْ بِتَشْيِيعِ جِنَازَتِهِ ، أَوْ لَا يُدْخِلُ بَيْتَهُ صُوفًا فَأَدْخُلَ شَاةً عَلَيْهَا صُوفٌ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّوفُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا ، أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ بَيْضًا فَأَدْخَلَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ وَلَوْ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ .

أَوْ حَلَفَ لَا يُظِلُّهُ سَقْفٌ .
حَنِثَ بِاسْتِظْلَالِهِ بِالْأَزَجِّ .

أَوْ حَلَفَ لَا يُفْطِرُ حَنِثَ بِأَكْلٍ وَجِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُفْطِرُ ، لَا بِرِدَّةِ وَحَيْضٍ وَدُخُولِ لَيْلٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُفْطِرُ عَادَةً كَجُنُونٍ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا .

أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ فِي نِكَاحِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ .

أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ سِرًّا فَتَزَوَّجَ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَهِدَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَحْنَثْ .

أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَكِبَ ظَهْرَ إنْسَانٍ وَاجْتَازَ بِهِ النَّهْرَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ .

أَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذَا الْبَيْتَ ، أَوْ لَا يَصْطَادُ مَا دَامَ زَيْدٌ وَالِيًا أَوْ فُلَانٌ قَاضِيًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَعُزِلَ فُلَانٌ ثُمَّ وُلِّيَ لَمْ يَحْنَثْ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ ، صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ ، .

أَوْ حَلَفَ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِأَنْ قَالَ .
إنْ لَمْ أَقْضِهِ مِنْك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ، وَقَالَ صَاحِبُهُ : إنْ أَعْطَيْته الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ جَبْرًا فَلَا يَحْنَثَانِ ، وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ ، وَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، وَقَدْرُهُمَا أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ نِصْفِ الشِّبَعِ ، وَوَقْتُ السُّحُورِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْغَدْوَةُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الِاسْتِوَاءِ ، وَالضَّحْوَةُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ حِينِ زَوَالِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إلَى الِاسْتِوَاءِ ، وَالصَّبَاحُ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى .

أَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ ، أَوْ أَعْظَمَهُ ، أَوْ أَجَلَّهُ فَلْيَقُلْ : لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك ، زَادَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ : فَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى ، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي : أَوَّلُ الذِّكْرِ سُبْحَانَك ، أَوْ حَلَفَ لَيَحْمِدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ ، أَوْ بِأَجَلِّ التَّحَامِيدِ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ ، يُقَالُ : إنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَقَالَ : قَدْ عَلَّمَك اللَّهُ مَجَامِعَ الْحَمْدِ ، وَفَسَّرَ فِي الرَّوْضَةِ يُوَافِي نِعَمَهُ بِقَوْلِهِ : أَيْ يُلَاقِيهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ بِقَوْلِهِ : أَيْ يُسَاوِي مَزِيدَ نِعَمِهِ : أَيْ يَقُومُ بِشُكْرِ مَا زَادَ مِنْهَا .
قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي : وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ يَفِي بِهَا وَيَقُومُ بِحَقِّهَا ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى هَذَا .
.

كِتَابُ النَّذْرِ وَهُوَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا .
لُغَةً : الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ .
وَشَرْعًا : الْوَعْدُ بِخَيْرٍ خَاصَّةً ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ .
وَقَالَ غَيْرُهُمَا : الْتِزَامُ قُرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْأَيْمَانِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ كَفَّارَةٌ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } وقَوْله تَعَالَى { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } وَخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ } .
تَنْبِيهٌ : اخْتَلَفُوا هَلْ النَّذْرُ مَكْرُوهٌ أَوْ قُرْبَةٌ ؟ نُقِلَ الْأَوَّلُ عَنْ النَّصِّ ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ : إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ } وَنُقِلَ الثَّانِي عَنْ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيِّ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ : النَّذْرُ تَقَرُّبٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ : النَّذْرُ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلُهُ : سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَيُعَضِّدُهُ النَّصُّ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } أَيْ يُجَازِي عَلَيْهِ ، وَالْقِيَاسُ : وَهُوَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْقُرْبَةِ ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى

النَّفْلِ سَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ عَنْ حِكَايَةِ الْإِمَامِ ، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا الْتَزَمَهُ ، أَوْ أَنَّ لِلنَّذْرِ تَأْثِيرًا كَمَا يَلُوحُ بِهِ الْخَبَرُ ، أَوْ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِشَيْءٍ .
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : الْمَكْرُوهُ الْتِزَامُ الْقُرْبَةِ ، إذْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ .

كِتَابُ النَّذْرِ وَهُوَ ضَرْبَانِ نَذْرُ لَجَاجٍ : كَإِنْ كَلَّمْتُهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ ، وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَفِي قَوْلٍ مَا الْتَزَمَ ، وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا شَاءَ .
قُلْت : الثَّالِثُ أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالدُّخُولِ ، وَنَذْرُ تَبَرُّرٍ بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً إنْ حَدَثَتْ نِعْمَةٌ أَوْ ذَهَبَتْ نِقْمَةٌ كَإِنْ شُفِيَ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ ، وَلَا وَاجِبٍ ، وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ ، أَوْ تَرْكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لَكِنْ إنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ .

وَأَرْكَانُ النَّذْرِ ثَلَاثَةٌ : نَاذِرٌ ، وَصِيغَةٌ ، وَمَنْذُورٌ .
وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ .
أَمَّا النَّاذِرُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ ، وَالْإِسْلَامُ ، وَالِاخْتِيَارُ ، وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَنْذُرُهُ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلِالْتِزَامِ إلَّا السَّكْرَانَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ أَوْ الْتِزَامُهَا ، وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَعِتْقُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةٌ وَلَا مُكْرَهٌ لِخَبَرِ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَلَا مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَنَذْرِ السَّفِيهِ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ الْعَيْنِيَّةَ كَعِتْقِ هَذَا الْعَبْدِ .
وَيَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فِي الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِمَا فِي الذِّمَّةِ ، فَيَصِحُّ نَذْرُهُمَا الْمَالِيُّ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُؤَدِّيَانِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا ، وَيَصِحُّ نَذْرُ الرَّقِيقِ الْمَالِيَّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَمَا لَا يَصِحَّ ضَمَانُهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي النَّذْرِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي قُرْبَةٍ بِخِلَافِ الضَّمَانِ ، وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُ نَذْرِهِ الْحَجَّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيُشْبِهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ كَذَلِكَ ، وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَتَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا انْعِقَادُهُ بِكِنَايَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ أَوْلَى

بِالِانْعِقَادِ بِهَا مَعَ الْبَيْعِ ( وَهُوَ ) أَيْ النَّذْرُ ( ضَرْبَانِ ) أَحَدُهُمَا : ( نَذْرُ لَجَاجٍ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ ، وَهُوَ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَةِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُقُوعِهِ حَالَ الْغَضَبِ ، وَيُقَالُ لَهُ يَمِينُ اللَّجَاجِ ، وَالْغَضَبِ وَيَمِينُ الْغَلَقِ ، وَنَذْرُ الْغَلَقِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَقْصِدَ النَّاذِرُ مَنْعَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثُّ عَلَيْهِ أَوْ يُحَقِّقُ خَبَرًا أَوْ غَضَبًا بِالْتِزَامِ قُرْبَةٍ ( كَإِنْ كَلَّمْتُهُ ) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا ، أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْهُ ، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْته ( فَلِلَّهِ عَلَيَّ ) أَوْ فَعَلَيَّ ( عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ ) أَوْ نَحْوُهُ كَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَصَلَاةٍ ( وَفِيهِ ) عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ اللَّجَاجُ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَجِبُ عَلَى النَّاذِرِ فِي ذَلِكَ ( مَا الْتَزَمَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى } وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ عِبَادَةً عِنْدَ مُقَابَلَةِ شَرْطٍ فَتَلْزَمُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ ( وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا ) أَيْ الْأَمْرَيْنِ ( شَاءَ ) أَيْ النَّاذِرُ فَيَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَرْت ، حَتَّى لَوْ اخْتَارَ مُعَيَّنًا مِنْهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ ( قُلْت ) هَذَا ( الثَّالِثُ ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ( أَظْهَرُ ، وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ ) بَلْ لَمْ يُورِدْ أَبُو الطَّيِّبِ مِنْهُمْ غَيْرَهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ ، وَالْيَمِينُ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ

بَيْنَ مُوجِبَيْهِمَا وَلَا إلَى تَعْطِيلِهِمَا فَوَجَبَ التَّخْيِيرُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ أَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ مِنْ صُوَرِ اللَّجَاجِ ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، لَكِنْ هُنَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْبِهُ الْيَمِينَ لَا النَّذْرَ ، لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ قُرْبَةٍ ، وَمَثَّلَ بِالْعِتْقِ وَالصَّوْمِ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ ، وَالْعِتْقُ لَا يُحْلَفُ بِهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ وَالِالْتِزَامِ كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقٌ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ ، فَلَوْ قَالَ : الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا ، فَلَوْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَفَعَلَهُ عَتَقَ الْعَبْدُ قَطْعًا ، أَوْ قَالَ : وَالْعِتْقِ أَوْ وَالطَّلَاقِ بِالْجَرِّ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ ، وَتَعْبِيرُهُ بِأَوْ لَيْسَ بِقَيْدٍ ، بَلْ لَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ ، فَقَالَ : إنْ كَلَّمْته فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ وَعِتْقٌ وَحَجٌّ وَأَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ فَوَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، أَوْ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَهُ لَزِمَهُ الْكُلُّ ( وَلَوْ قَالَ : ) ( إنْ دَخَلْت ) الدَّارَ ( فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، أَوْ ) كَفَّارَةُ ( نَذْرٍ ) ( لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالدُّخُولِ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَهِيَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ .
أَمَّا الْأُولَى فَبِالِاتِّفَاقِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَمَّا إذَا قَالَ : فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ النَّذْرِ وَلَا الْحَلِفِ ،

وَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِمَّا يَلْتَزِمُ فِي الذِّمَّةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : أَوْ نَذْرٍ مَعْطُوفٌ عَلَى يَمِينٍ كَمَا قَدَّرْت كَفَّارَةً فِي كَلَامِهِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى كَفَّارَةٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : فَعَلَيَّ نَذْرٌ صَحَّ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ ، وَنَصُّ الْبُوَيْطِيِّ : يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ كَأَنْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ ، أَوْ قَالَ : ابْتِدَاءً فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ لَزِمَهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ وَالتَّعْيِينِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( وَ ) الضَّرْبُ الثَّانِي ( نَذْرُ تَبَرُّرٍ ) وَهُوَ تَفَعُّلٌ ، مِنْ الْبِرِّ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاذِرَ طَلَبَ بِهِ الْبِرَّ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ نَوْعَانِ كَمَا فِي الْمَتْنِ .
أَحَدُهُمَا : نَذْرُ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِشَيْءٍ ( بِأَنْ يَلْتَزِمَ ) النَّاذِرُ ( قُرْبَةً إنْ حَدَثَتْ ) لَهُ ( نِعْمَةٌ أَوْ ذَهَبَتْ ) عَنْهُ ( نِقْمَةٌ كَإِنْ شُفِيَ مَرِيضِي ) أَوْ ذَهَبَ عَنِّي كَذَا ( فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا ) مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ ( فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ } وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ أَقْوَامًا عَاهَدُوا وَلَمْ يُوفُوا ، فَقَالَ : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ } الْآيَةَ ، وَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ النِّعْمَةَ .
وَخَصَّصَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا يَحْصُلُ عَلَى نُذُورٍ ، فَلَا يَصِحُّ فِي النِّعَمِ الْمُعْتَادَةِ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ لَهَا .
قَالَ الْإِمَامُ : وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ الْحُسَيْنَ طَرَدَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ وَهُوَ أَفْقَهُ ا هـ .
وَخَرَجَ بِالْحُدُوثِ اسْتِمْرَارُ النِّعْمَةِ وَهُوَ قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ كَمَا

قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمَنْذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَالِيًّا كَمَا قَالَاهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ ، وَإِنْ كَانَا صَحَّحَا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ .
فَرْعٌ : لَوْ نَذَرَ شَيْئًا إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ فَشُفِيَ .
ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَذَرَ صَدَقَةً أَوْ عِتْقًا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا ؟ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْيَقِينِ ، وَهُنَا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إنَّمَا وَجَبَ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَاشْتَبَهَ فَيَجْتَهِدُ كَالْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ ) النَّاذِرُ ( بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ ) أَيْ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ ( عَلَيَّ صَوْمٌ ) أَوْ حَجٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ( لَزِمَهُ ) مَا الْتَزَمَهُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَالثَّانِي لَا ، لِعَدَمِ الْعِوَضِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ .
نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ التَّبَرُّكَ أَوْ وَقَعَ حُدُوثُ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ : إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا ، فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى وَشَيْخُنَا فِي الثَّانِيَةِ .
فَائِدَةٌ : الصِّيغَةُ إنْ احْتَمَلَتْ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَنَذْرَ التَّبَرُّعِ رَجَعَ فِيهَا إلَى قَصْدِ النَّاذِرِ ، فَالْمَرْغُوبُ فِيهِ تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ لَجَاجٌ ، وَضَبَطُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحٌ ، وَالِالْتِزَامُ فِي كُلٍّ

مِنْهَا تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ ، وَتَارَةً بِالنَّفْيِ بِالْإِثْبَاتِ فِي الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ : إنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يُحْتَمَلُ التَّبَرُّرُ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ فَعَلَيَّ كَذَا ، وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ : صَلِّ فَيَقُولَ : لَا أُصَلِّي .
وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا ، وَالنَّفْيُ فِي الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ : وَقَدْ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَعَلَيَّ كَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لَجَاجًا فَإِنَّهُ لَا يَبِرُّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ ، وَالْإِثْبَاتِ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ : إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يُتَصَوَّرُ لَجَاجًا فَقَطْ ، وَالنَّفْيُ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ : إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّرَ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْ الشُّرْبِ فَعَلَيَّ كَذَا ، وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الشُّرْبِ ، فَيَقُولَ : إنْ لَمْ أَشْرَبْ فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَعَلَيَّ كَذَا ، وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ : إنْ أَكَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ : إنْ يَسَّرَ اللَّهُ لِي فَعَلَيَّ كَذَا ، وَاللَّجَاجُ فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ : وَقَدْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا ، وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِأَكْلِهِ : إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَبَيَّنَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ ) كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِحَدِيثِ { لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } ، فَلَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ .
وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ خَبَرِ { لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ ، وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِهَا بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ

الْيَمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ .
تَنْبِيهٌ : أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ ، وَذُكِرَ فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ ، فَإِنْ تَمَّ الْكَلَامَانِ كَانَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ مُنْعَقِدًا ، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ صَحَّ النَّذْرُ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ ، وَصَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْجُرْجَانِيِّ فِي إيضَاحِهِ ، وَلَكِنْ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ، وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ الْأَقْرَبُ ، وَيَتَأَيَّدُ بِالنَّذْرِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ ( وَلَا ) يَصِحُّ نَذْرُ ( وَاجِبٍ ) عَلَى الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ : كَالصُّبْحِ أَوْ صَوْمِ أَوَّلِ رَمَضَانَ ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِهِ .
أَمَّا وَاجِبُ الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ فَيُصْبِحُ كَمَا إذَا نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ ، فَإِذَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ عَنْ حَدَثٍ خَرَجَ بِهِ عَنْ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَأَمَّا وَاجِبُ الْكِفَايَةِ فَالْأَصَحُّ لُزُومُهُ بِالنَّذْرِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، سَوَاءٌ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى بَذْلِ مَالٍ وَمُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ كَالْجِهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى أَمْ لَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ كَلَامُهُمْ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ الَّذِي هُوَ الْأَحَدُ الْمُبْهَمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَاجِبٌ عَيْنًا .
وَلَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مُعَيَّنَةً

مِنْ خِصَالِهِ هَلْ يَنْعَقِدُ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا أَعْلَاهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكُلِّيَّةِ ، رَجَّحَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ ، وَالزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ ، وَقَالَ : إنَّهُ الْقِيَاسُ ، وَالْقَاضِي الثَّالِثَ وَهُوَ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَصَّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَلَا يُغَيَّرُ ( وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ ) كَأَكْلٍ وَنَوْمٍ ( أَوْ تَرْكَهُ ) كَأَنْ لَا يَأْكُلَ الْحَلْوَى ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) الْفِعْلُ وَلَا التَّرْكُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى } وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إذْ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقَالُوا : هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ .
قَالَ : مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ } وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ { الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ : إنِّي نَذَرْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِك بِالدُّفِّ ، فَقَالَ لَهَا : أَوْفِ بِنَذْرِك } ، بِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ السُّرُورُ لِلْمُسْلِمِينَ بِقُدُومِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَغَاظَ الْكُفَّارَ ، وَأَرْغَمَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ مِنْ الْقُرَبِ ، وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ ضَرْبُهُ فِي النِّكَاحِ لِيَخْرُجَ عَنْ مَعْنَى السِّفَاحِ ؛ وَفُسِّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْمُبَاحُ بِمَا لَمْ يُرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ ، وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ : وَاسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا كَنَوْمٍ وَأَكْلٍ ، وَسَوَاءٌ أَقُصِدَ بِالنَّوْمِ النَّشَاطُ عَلَى التَّهَجُّدِ ، وَبِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ أَمْ لَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالثَّوَابَ عَلَى الْقَصْدِ لَا الْفِعْلِ ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ مَرَّ فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ

بِالنَّذْرِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كَانَ مَنْدُوبًا ، وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ ، لِأَنَّ الْهِبَةَ وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً فَكَانَتْ مُبَاحَةً كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا انْعِقَادُ النَّذْرِ ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ؟ .
ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ نَذْرِ الْمُبَاحِ بِقَوْلِهِ ( لَكِنْ إنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ ) فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : يُوَافِقُ الْأَوَّلُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك أَوْ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَكَلَامُ الْمَتْنِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ ، وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّذْرِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ كَصَوْمِ الدَّهْرِ غَيْرِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ هَلْ يَنْعَقِدُ أَوْ لَا ؟ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي يُفْهِمُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا ، لِأَنَّ النَّذْرَ تَقَرُّبٌ ، وَالْمَكْرُوهَ لَا يُتَقَرَّبُ

بِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَنْعَقِدُ ، فَالْمَكْرُوهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، أَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ بِهِ فَوْتَ حَقٍّ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَيَنْعَقِدُ ، فَإِذَا نَذَرَ صَوْمًا بَعْدَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ ؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ رَمَضَانُ أَدَاءً وَقَضَاءً وَالْعِيدَانِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَكَفَّارَةٌ تَقَدَّمَتْ نَذْرَهُ ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ صَامَ عَنْهَا وَفَدَى عَنْ النَّذْرِ ، وَيَقْضِي فَائِتَ رَمَضَانَ ، ثُمَّ إنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِلَا عُذْرٍ فَدَى عَنْ صَوْمِ النَّذْرِ قَضَاءَ مَا يُفْطِرُهُ مِنْ الدَّهْرِ ، فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ سَفَرَ نُزْهَةٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ ، وَلَوْ أَرَادَ وَلِيُّهُ الصَّوْمَ عَنْهُ حَيًّا لَمْ يَصِحَّ ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِرًّا أَمْ لَا ، عَجَزَ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَلَوْ مَنَعَ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ الْمَنْذُورِ بِحَقٍّ سَقَطَ الصَّوْمُ عَنْهَا وَلَا فِدْيَةَ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الصَّوْمُ عَنْهَا وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ إنْ لَمْ تَصُمْ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ فَلَمْ تَصُمْ تَعَدِّيًا فَدَتْ .

فُرُوعٌ : لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ ، وَإِنْ صَحَّ فِعْلُ الْمَنْذُورِ فِيهِمَا ، وَلَا نَذْرُ التَّيَمُّمِ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ وَإِنْ نَذَرَ الْوُضُوءَ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى التَّجْدِيدِ الْمَشْرُوعِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا ، وَإِنْ نَذَرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ ، وَيَكْفِيه فِي خُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ وُضُوءُ الْحَدَثِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ .

وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ انْعَقَدَ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَإِلَّا فَلَا .

أَوْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي الْفَرْضِ فِي الْمَرَضِ إنْ تَضَرَّرَ بِذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَإِلَّا انْعَقَدَ ، أَوْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّفْلِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرَرِ انْعَقَدَ .
.

وَلَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فِي الْمَرَضِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ .

وَإِنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَقَدَرَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَإِلَّا فَلَا .

وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ نَذَرَ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ كَالصَّدَقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ الِالْتِزَامُ لَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ بِهَذَا الدِّينَارِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَضَافَ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدَ فُلَانٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ ، وَإِنْ قَالَ : إنْ مَلَكْت عَبْدًا ، أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدًا ، أَوْ إنْ مَلَكْتُهُ ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ الْتَزَمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ ، وَفِي الْأَخِيرَةِ مَالُكَ لِلْعَبْدِ ، وَقَدْ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ الشِّفَاءِ وَالدُّخُولِ ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا يَعْتَبِرُ فِيهِ عَلَيَّ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ مَلَكْتُ عَبْدًا أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي ، وَمَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ ، بَلْ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِشَرْطٍ ، وَلَيْسَ هُوَ مَالِكًا .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : فَلَغَا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ مَلَكْت أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي ، وَمَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَوْ فَهُوَ حُرٌّ انْعَقَدَ نَذْرُهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ بِشِقَّيْهَا .

وَلَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لِلنَّاسِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ بِهِمْ فِي زَمَنِ الْجَدْبِ ، وَأَنْ يَؤُمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَيَخْطُبَ بِهِمْ ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ غَيْرُ الْإِمَامِ لَزِمَهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَلَوْ مُنْفَرِدًا ، فَإِنْ نَذَرَ الِاسْتِسْقَاءَ بِالنَّاسِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ .
كَذَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ ، وَعِبَارَةُ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ النَّصِّ لَوْ نَذَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مَعَ النَّاسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ ، فَقَوْلُهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ : أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِسْقَائِهِ بِالنَّاسِ ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُطْبَةِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْقِيَامُ فِيهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ .

وَلَوْ نَذَرَ
( وَلَوْ ) ( نَذَرَ ) كِسْوَةَ يَتِيمٍ لَمْ يَجُزْ كِسْوَةُ يَتِيمٍ ذِمِّيٍّ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْيَتِيمِ فِي الشَّرْعِ لِلْمُسْلِمِ .

صَوْمَ أَيَّامٍ نُدِبَ تَعْجِيلُهَا ، فَإِنْ قَيَّدَ بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ وَجَبَ ، وَإِلَّا جَازَ .
أَوْ نَذَرَ ( صَوْمَ أَيَّامٍ ) مَعْدُودَةٍ مُعَيَّنَةٍ ( نُدِبَ تَعْجِيلُهَا ) مُسَارَعَةً إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ نُدِبَ ذَلِكَ ، مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَوْمُ كَفَّارَةٍ سَبَقَتْ النَّذْرَ ، وَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : يُنْدَبُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ وَتُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ وَجَبَ تَعْجِيلُهَا ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ ، فَلَوْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَالْمُجَاهِدِ وَالْمُسَافِرِ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِالصَّوْمِ فَالْأَوْلَى التَّأْخِيرُ لِزَوَالِ ، الْمَانِعِ ، لَا سِيَّمَا إنْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّذْرِ ، وَلَوْ خَشِيَ النَّاذِرُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الصَّوْمَ عَجَزَ عَنْهُ مُطْلَقًا إمَّا لِزِيَادَةِ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ لِهَرَمٍ لَزِمَهُ التَّعْجِيلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، فَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً تَعَيَّنَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْدُودَةً كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَيَّامٍ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ ، وَلَوْ قَيَّدَهَا بِكَثِيرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ ( فَإِنْ قَيَّدَ ) نَذْرَ صَوْمِ الْأَيَّامِ ( بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ ) ( وَجَبَ ) ذَلِكَ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ .
أَمَّا الْمُوَلَّاةُ فَقَطْعًا ، وَأَمَّا التَّفْرِيقُ فَعَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِي صِيَامِ التَّمَتُّعِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِتَفْرِيقٍ وَلَا مُوَالَاةٍ ( جَازَ ) أَيْ التَّفْرِيقُ وَالْمُوَالَاةُ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ ، لَكِنَّ الْمُوَالَاةَ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ .

أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ صَامَهَا وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْهُ وَلَا قَضَاءَ ، وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ .
قُلْت : الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُ وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ ، فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ .

( أَوْ ) نَذَرَ صَوْمَ ( سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ ) كَسَنَةِ كَذَا أَوْ سَنَةٍ مِنْ الْغَدِ ، أَوْ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا ( صَامَهَا ) عَنْ نَذْرِهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ ( وَأَفْطَرَ ) مِنْهَا ( الْعِيدَ ) أَيْ يَوْمَيْهِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى ( وَالتَّشْرِيقَ ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وُجُوبًا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ ( وَصَامَ ) شَهْرَ ( رَمَضَانَ ) مِنْهَا ( عَنْهُ ) أَيْ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ ( وَلَا قَضَاءَ ) عَلَيْهِ لِلنَّذْرِ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ ، فَإِذَا أَطْلَقَ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَدْخُلَ فِي نَذْرِهِ ( وَإِنْ ) ( أَفْطَرَتْ ) أَيْ امْرَأَةٌ فِي سَنَةٍ نَذَرَتْ صِيَامَهَا ( بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ ) ( وَجَبَ الْقَضَاءُ ) لِأَيَّامِهَا ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّ الزَّمَانَ قَابِلٌ لِلصَّوْمِ ، وَإِنَّمَا أَفْطَرَتْ لِمَعْنًى فِيهَا فَتَقْضِي كَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْمُرْشِدُ فَتَبِعَهُمْ الْمُحَرَّرُ ( قُلْت ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ ) قَضَاءُ زَمَنِ أَيَّامِهَا ( وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ أَيَّامَهُمَا لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ فَلَا تَدْخُلُ بِالنَّذْرِ كَالْعِيدِ ، وَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ ، وَنَازَعَ فِي نَقْلِ الثَّانِي عَنْ الْجُمْهُورِ .
تَنْبِيهٌ : الْإِغْمَاءُ فِي ذَلِكَ كَالْحَيْضِ ( وَإِنْ ) ( أَفْطَرَ ) النَّاذِرُ مِنْ السَّنَةِ ( يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ ) أَثِمَ ، وَ ( وَجَبَ قَضَاؤُهُ ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ ( وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ ) لِأَنَّ التَّتَابُعَ إنَّمَا كَانَ لِلْوَقْتِ كَمَا فِي رَمَضَانَ ، لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ ، بَلْ لَوْ أَفْطَرَ جَمِيعَ السَّنَةِ لَمْ يَجِبْ الْوَلَاءُ فِي قَضَائِهَا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أَفْطَرَ بِعُذْرِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَحْضِ اخْتِيَارِهِ ، وَأَمَّا

أَيَّامُ الْمَرَضِ الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ، لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي النَّذْرِ لِاسْتِثْنَائِهَا شَرْعًا ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ ، وَقَالُوا كَمَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِ الْأَثَانِينَ ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَفَرَّقَ ابْنُ كَجٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِهِ أَيْ فَهُوَ كَعُذْرِ السَّفَرِ بِخِلَافِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ .
هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي السَّنَةِ التَّتَابُعُ ( فَإِنْ شَرَطَ ) فِيهَا ( التَّتَابُعَ ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُهَا مُتَتَابِعًا ( وَجَبَ ) اسْتِئْنَافُهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ مَعَ التَّعْيِينِ لَغْوٌ .

أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ ، وَلَا يَقْطَعُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَيَقْضِيهَا تِبَاعًا مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ ، وَلَا يَقْطَعُهُ حَيْضٌ ، وَفِي قَضَائِهِ الْقَوْلَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يَجِبْ .

( أَوْ ) نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ هِلَالِيَّةٍ ( غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ ) فِيهَا ( التَّتَابُعَ ) ( وَجَبَ ) وَفَاءٌ بِمَا الْتَزَمَهُ ( وَلَا يَقْطَعُهُ ) أَيْ التَّتَابُعَ فِيهَا ( صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ ) لِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ شَرْعًا ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَنْ فَرْضِهِ عَمَّا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ عَنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَيَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُع قَطْعًا ( وَيَقْضِيهَا ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَوْمَ سَنَةٍ وَلَمْ يَصُمْهَا ( تِبَاعًا ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ وَلَا ( مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ ) عَمَلًا بِشَرْطِ التَّتَابُعِ ، وَقِيلَ لَا يَقْضِي كَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ لَا يُبَدَّلُ بِغَيْرِهِ ، وَالْمُطْلَقَ إذَا عُيِّنَ قَدْ يُبَدَّلُ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ ، فَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ الَّتِي تَقْبَلُ الصَّوْمَ مِنْ سَنَةٍ مُتَتَابِعَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَطْعًا ، وَإِنْ نَوَى عَدَدًا يَبْلُغُ سَنَةً كَأَنْ قَالَ : ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَطْعًا ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَإِذَا أَطْلَقَ النَّاذِرُ السَّنَةَ حُمِلَتْ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا السَّنَةُ شَرْعًا ( وَلَا يَقْطَعُهُ ) أَيْ التَّتَابُعَ فِي السَّنَةِ لَوْ كَانَ النَّاذِرُ لَهَا امْرَأَةً ( حَيْضٌ ) وَنِفَاسٌ أَيْ زَمَنُهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ( وَ ) لَكِنْ ( فِي قَضَائِهِ ) وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ ( الْقَوْلَانِ ) السَّابِقَانِ فِي قَضَاءِ زَمَنِ الْحَيْضِ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَجِبُ كَمَا مَرَّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَالْأَشْبَهُ لُزُومُهُ كَمَا فِي رَمَضَانَ ، بَلْ أَوْلَى وَفَرَضَهُ فِي الْحَيْضِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ ، وَإِنْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ ، أَوْ مَرَضٍ ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ كَفِطْرِهِ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ ( وَإِنْ لَمْ

يَشْرِطْهُ ) أَيْ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ السَّنَةِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ ( لَمْ يَجِبْ ) أَيْ التَّتَابُعُ فِيهَا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ فَيَصُومُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا .

أَوْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَانَ ، وَكَذَا الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ فِي الْأَظْهَرِ ، فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا لِكَفَّارَةٍ صَامَهُمَا ، وَيَقْضِي أَثَانِيهِمَا ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي إنْ سَبَقَتْ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ .
قُلْت : ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَتَقْضِي زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فِي الْأَظْهَرِ .

( أَوْ ) نَذَرَ صَوْمَ ( يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا ) ( لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَانَ ) الْوَاقِعَةُ فِيهِ غَالِبًا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ جَزْمًا ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَشْمَلُهَا لِسَبْقِ وُجُوبِهَا .
وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ فِيهِ خَمْسَةُ أَثَانِينَ فَفِي قَضَاءِ الْخَامِسِ الْقَوْلَانِ فِي الْعِيدِ كَمَا قَالَ ( وَكَذَا الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ ) إنْ اتَّفَقَ شَيْءٌ مِنْهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يَقْضِي أَبَدًا ( فِي الْأَظْهَرِ ) قِيَاسًا عَلَى أَثَانِي رَمَضَانَ .
وَالثَّانِي : يَقْضِيهَا ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الِاثْنَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ لَازِمٍ .
تَنْبِيهٌ : أَثَانِي بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ جَمْعُ اثْنَيْنِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَيْضًا ، لَكِنْ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ ، فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَجْمَعَهُ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْوَاحِدِ قُلْت أَثَانِينَ ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَثَانِينَ ، بَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ ، وَعَنْ النَّحَّاسِ أَنَّ أَثَانِيَ بِحَذْفِ النُّونِ أَكْثَرُ مِنْ أَثَانِينَ بِإِثْبَاتِهَا .
قَالَ الشَّارِحُ : وَكَانَ وَجْهُ حَذْفِ النُّونِ التَّبَعِيَّةَ لِحَذْفِهَا مِنْ الْمُفْرَدِ ، وَوَجْهُ إثْبَاتِهَا أَنَّهَا مَحَلُّ الْإِعْرَابِ بِخِلَافِهَا فِي الْمُفْرَدِ ، وَظَاهِرٌ عَلَى الْحَذْفِ بَقَاءُ سُكُونِ الْيَاءِ كَمَا نَقَلَ عَنْ ضَبْطِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ( فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ : أَيْ وَلَاءً ( لِكَفَّارَةٍ ) أَوْ لِنَذْرٍ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ وَقْتًا ( صَامَهُمَا وَيَقْضِي أَثَانِيَهِمَا ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ ( وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي إنْ سَبَقَتْ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ ) أَيْ نَذْرَ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ ( قُلْت : ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ ، وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْكَفَّارَةُ لَوْ تَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته ( وَتَقْضِي ) الْمَرْأَةُ فِي نَذْرِهَا صَوْمَ الْأَثَانِي (

زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ ) وَاقِعٌ فِي الْأَثَانِي ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ وُقُوعُهُ فِيهِ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ نَذْرِهَا .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ كَمَا فِي الْعِيدِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَرْجِيحُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ اسْتِدْرَاكِهِ هُنَا عَنْ الْمُحَرَّرِ اكْتِفَاءً بِاسْتِدْرَاكِهِ عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ حَيْثُ قَالَ : قُلْت الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ وَلَوْ كَانَ لَهَا عَادَةً غَالِبَةً ، فَعَدَمُ الْقَضَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي عَادَتِهَا أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي لَا يَقَعُ فِي عَادَتِهَا فِي مُفْتَتَحِ الْأَمْرِ ، وَتَقْضِي مَا فَاتَ بِالْمَرَضِ .

أَوْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ .
( أَوْ ) نَذَرَ ( يَوْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصُمْ ) عَنْهُ ( قَبْلَهُ ) فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرٌ عَنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَفَعَلَهُ صَحَّ وَكَانَ قَضَاءً .

أَوْ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَسِيَهُ صَامَ آخِرَهُ وَهُوَ الْجُمُعَةُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَقَعَ قَضَاءً .

( أَوْ ) نَذَرَ ( يَوْمًا ) عَيَّنَهُ ( مِنْ أُسْبُوعٍ ) أَيْ جُمُعَةٍ ( ثُمَّ نَسِيَهُ ) ( صَامَ آخِرَهُ ) أَيْ الْأُسْبُوعِ ( وَهُوَ الْجُمُعَةُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ ) أَيْ الْيَوْمُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْجُمُعَةَ ( وَقَعَ ) صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( قَضَاءً ) عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَقَدْ وَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى اللَّيْلِ } وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِهِ وَفِي مَجْمُوعِهِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ : سُمِّيَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ، لِأَنَّهُ ثَانِي الْأَيَّامِ ، وَالْخَمِيسِ ، لِأَنَّهُ خَامِسُ الْأُسْبُوعِ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ فَيَكُونُ آخِرُهُ السَّبْتَ ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَكِنَّهُ حَدِيثٌ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحُفَّاظِ وَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبٍ ، وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْهُ ، وَلَكِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ فَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالتَّوَارِيخِ مِنْ أَنَّ بَدْءَ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ لَا فِي السَّبْتِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ : { خَلَقَ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ } وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ

بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ : وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ حَتَّى يَصُومَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأُسْبُوعِ لِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ : لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ لِأَجْلِ الْإِبْهَامِ ، وَلَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ يُصَلِّيهَا فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ .
تَنْبِيهٌ : يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا يَنْعَقِدُ ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ صِحَّةِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ .
وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ نَذْرَ الْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ فَلَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّهُ كَانَ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ وَصَامَ أَحَدَهُمَا وَنَسِيَ الْآخَرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا كَرَاهَةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ أُسْبُوعٍ وَنَسِيَهُ ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ رُبَّمَا يَتَعَيَّنُ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ إلَّا قَلِيلُ الْفَهْمِ أَوْ مُعَانِدٌ .

وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ فَنَذَرَ إتْمَامَهُ لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ يَوْمٌ .

( وَمَنْ ) ( شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ ) أَوْ فِي صَلَاتِهِ ، أَوْ طَوَافِهِ ، أَوْ اعْتِكَافِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ ( فَنَذَرَ إتْمَامَهُ ) ( لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ ) لِأَنَّ النَّفَلَ عِبَادَةٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ .
وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَكَّنَهُ مِنْ إبْطَالِهِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي الِانْعِقَادِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي اللُّزُومِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ اللُّزُومِ فِي الصَّوْمِ إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ، فَإِنْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ ، فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِهِ الْوَفَاءُ بِهِ قَوْلَانِ ، قَالَ الْإِمَامُ : وَاَلَّذِي أَرَاهُ اللُّزُومَ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ، وَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَنَا صَوْمٌ وَاجِبٌ يَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّهَارِ إلَّا هَذَا .
وَقَالَ فِي الْبَيَانِ : الْمَشْهُورُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الصَّحِيحُ .
قَالَ : وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ تُفْهِمُهُ لِقَوْلِهِ : مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا عَنْ تَطَوُّعٍ ( وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ ) نَذْرُهُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ ( وَقِيلَ ) يَنْعَقِدُ وَ ( يَلْزَمُهُ يَوْمٌ ) ؛ لِأَنَّ صَوْمَ بَعْضِ الْيَوْمِ لَيْسَ مَعْهُودًا شَرْعًا فَلَزِمَهُ يَوْمٌ كَامِلٌ .
تَنْبِيهٌ : يَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ نَذَرَ بَعْضَ رَكْعَةٍ ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ نُسُكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ بِبَعْضِ نُسُكٍ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نُسُكًا كَالطَّلَاقِ ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ طَوَافٍ فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ ، هَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ؟ وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى ، وَإِنْ نَذَرَ سَجْدَةً لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً بِلَا سَبَبٍ ، بِخِلَافِ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ ، وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ فِي عَامِهِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ لِضِيقِ الْوَقْتِ

كَأَنْ كَانَ عَلَى مِائَةِ فَرْسَخٍ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا الْتَزَمَهُ .

أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ ، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ نَهَارًا وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ يَوْمٌ آخَرُ عَنْ هَذَا ، أَوْ وَهُوَ صَائِمٌ نَفْلًا فَكَذَلِكَ ، وَقِيلَ يَجِبُ تَتْمِيمُهُ وَيَكْفِيه ، وَلَوْ قَالَ : إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ فَقَدِمَا فِي الْأَرْبِعَاءِ وَجَبَ صَوْمُ الْخَمِيسِ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ وَيَقْضِي الْآخَرَ .

( أَوْ ) نَذَرَ أَنْ يَصُومَ ( يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ ) ( فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ ) لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ .
وَالثَّانِي : لَا ، لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ قُدُومَهُ غَدًا فَيَنْوِي صَوْمَهُ لَيْلًا ( فَإِنْ قَدِمَ ) زَيْدٌ ( لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيدٍ ) أَوْ تَشْرِيقٍ ( أَوْ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِالْيَوْمِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقُدُومُ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الصَّوْمَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَرَادَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ فَقَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا اُسْتُحِبَّ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَصُومَ صَبِيحَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ؛ لِأَجْلِ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، أَوْ يَوْمًا آخَرَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ( أَوْ ) قَدِمَ زَيْدٌ ( نَهَارًا وَهُوَ ) أَيْ النَّاذِرُ ( مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ ) فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ ( يَوْمٌ آخَرَ ) قَضَاءً ( عَنْ هَذَا ) الْمَنْذُورِ وَهُوَ صَوْمُ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ وَفَاتِهِ ، وَيُسَنُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمًا مُسْتَحَقَّ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي التَّهْذِيبِ : وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ صَامَهُ عَنْ نَذْرٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ يَنْعَقِدُ أَيْ مَعَ الْإِثْمِ وَيَقْضِي نَذْرَ هَذَا الْيَوْمِ .
تَنْبِيهٌ : دَخَلَ فِي قَوْلِهِ مُفْطِرٌ إفْطَارُهُ بِتَنَاوُلِهِ مُفْطِرًا ، أَوْ بِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ .
نَعَمْ إنْ أَفْطَرَ لِجُنُونٍ طَرَأَ عَلَيْهِ فَلَا قَضَاءَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ هَلْ يَتَبَيَّنُ وُجُوبُ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْقُدُومِ وَأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ وَلَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ إلَّا بِيَوْمٍ كَامِلٍ ؟ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ .
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي صُوَرٍ : مِنْهَا مَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ

فَقَدِمَ نَهَارًا ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَإِنْ اقْتَضَى مَا ذُكِرَ لُزُومُ يَوْمٍ وَتَبَيَّنَ وُقُوعُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقُدُومِهِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ ، فَإِنْ سَبَقَ فِيهِ بَيْعُ الْعَبْدِ فِي الْأَوَّلِ وَمَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْأَوَّلِ لِتَبَيُّنِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ ، وَلَا إرْثَ فِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بَائِنًا ، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ بَعْدَ الْيَوْمِ صَحَّ مَا ذُكِرَ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا مَا لَوْ صَامَهُ عَنْ الْقُدُومِ بِأَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا بِخَبَرِ ثِقَةٍ مَثَلًا فَبَيَّتَ الصَّوْمَ ، وَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ لِبِنَائِهِ عَلَى أَصْلٍ مَظْنُونٍ ( أَوْ ) قَدِمَ زَيْدٌ ( وَهُوَ ) أَيْ النَّاذِرُ ( صَائِمٌ نَفْلًا ) وَقُدُومُ زَيْدٍ قَبْلَ الزَّوَالِ ( فَكَذَلِكَ ) يَجِبُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ عَنْ نَذْرِهِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ ، وَالنَّفَلُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَرْضِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي لُزُومِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ( وَقِيلَ ) لَا ، بَلْ ( يَجِبُ تَتْمِيمُهُ ) بِقَصْدِ كَوْنِهِ عَنْ النَّذْرِ ( وَيَكْفِيه ) عَنْ نَذْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لُزُومَ الصَّوْمِ مِنْ وَقْتِ قُدُومِهِ ، وَيَكُونُ أَوَّلُهُ تَطَوُّعًا وَآخِرُهُ فَرْضًا : كَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ ( وَلَوْ قَالَ : ) ( إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ قُدُومِهِ ( فَقَدِمَا ) أَيْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو ( فِي الْأَرْبِعَاءِ وَجَبَ صَوْمُ الْخَمِيسِ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ ) لِسَبْقِهِ ( وَيَقْضِي الْآخَرَ ) لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي وَقْتِهِ ، فَلَوْ صَامَ الْخَمِيسَ عَنْ النَّذْرِ الثَّانِي أَثِمَ وَصَحَّ فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ النَّذْرِ عَنْ غَيْرِهِ وَيَقْضِي يَوْمًا آخَرَ مِنْ

النَّذْرِ الْآخَرِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسَ قُدُومِهِ صَحَّ نَذْرُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَجْمُوعِ ، هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ شُهْبَةَ ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ ، ثُمَّ قَالَ : مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ قَالَ يَصِحُّ نَذْرُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ سَهْوًا ا هـ .
وَلَعَلَّ نُسَخَهُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ مَثَلًا كَمَا مَرَّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : كَلَامُ الْأَئِمَّةِ نَاطِقٌ بِأَنَّ هَذَا النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالْقُدُومِ نَذْرُ شُكْرٍ عَلَى نِعْمَةِ الْقُدُومِ ، فَلَوْ كَانَ قُدُومُهُ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ لِلنَّاذِرِ كَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ يَهْوَاهَا أَوْ أَمْرَدَ يَعْشَقُهُ أَوْ نَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ الْمُلْتَزَمِ بِهِ بِالْمُعَلَّقِ ، وَاَلَّذِي يَشِطُّ كَوْنُهُ قُرْبَةَ الْمُلْتَزَمِ لَا الْمُعَلَّقِ بِهِ وَالْمُلْتَزَمُ هُنَا الصَّوْمُ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ قُرْبَةً أَمْ لَا .

[ فَصْلٌ ] نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إتْيَانَهُ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إتْيَانِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ، فَإِنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ ، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمَشْيِ ، فَإِنْ كَانَ قَالَ أَحُجُّ مَاشِيًا فَمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ ، وَإِنْ قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ فَرَكِبَ لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الْأَظْهَرِ ، أَوْ بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ دَمٌ .

[ فَصْلٌ ] فِي نَذْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي .
إذَا ( نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ ) تَعَالَى وَقَصَدَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، وَهُوَ الْكَعْبَةُ أَوْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْحَرَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ( أَوْ ) لَمْ يَنْذِرْ الْمَشْيَ لِبَيْتِ اللَّهِ بَلْ نَذَرَ ( إتْيَانَهُ ) فَقَطْ ( فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إتْيَانِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ قَصْدَهُ بِنُسُكٍ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَجِبُ ذَلِكَ حَمْلًا لِلنَّذْرِ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ ، وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى وَاجِبِهِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا نَوَاهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَجَّ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّ بَيْتَ اللَّهِ تَعَالَى يَصْدُقُ بِبَيْتِهِ الْحَرَامِ وَبِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ ، وَعَرَفَاتٌ مِنْ الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ ، وَلَوْ نَذَرَ إتْيَانَ مَكَان مِنْ الْحَرَمِ كَالصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ أَوْ مِنًى أَوْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ دَارِ أَبِي جَهْلٍ أَوْ الْخَيْزُرَانِ لَزِمَهُ إتْيَانُ الْحَرَمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تُتِمُّ فِي إتْيَانِهِ بِنُسُكِهِ ، وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ عَنْ الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ ، وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوِهَا فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ ، وَلَوْ قَالَ فِي نَذْرِهِ : بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ لَزِمَهُ أَيْضًا ، وَيَلْغُو النَّفْيُ ، وَإِنْ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمَ الصِّحَّةِ مُعَلِّلًا لَهَا بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيه ، وَلَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ الْإِتْيَانَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَيَلْغُو نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لَا يَجِبُ قَصْدُهُ بِالنُّسُكِ فَلَمْ يَجِبْ إتْيَانُهُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ ، وَيُفَارِقُ لُزُومَ الِاعْتِكَافِ فِيهِمَا بِالنَّذْرِ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ

عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضِيلَةٌ فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزِمَةِ فَالْإِتْيَانُ بِخِلَافِهِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْإِتْيَانِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنَّهُ وَافَقَ فِي الْمَشْيِ وَخَالَفَ فِي الْإِتْيَانِ ، وَقَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْقُرْبَةِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } فَجَعَلَ الرُّكُوبَ صِفَةً لَهُ كَالْمَشْيِ ( فَإِنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ ) إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ الذَّهَابَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْمَشْيَ ، بَلْ لَهُ الرُّكُوبُ قَطْعًا ( وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ ) إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ( أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا ) وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ ( فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمَشْيِ ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ جَعْلَهُ وَصْفًا لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا .
أَمَّا الْعَاجِزُ فَلَا يَلْزَمُهُ مَشْيٌ ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُ الْقَادِرَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فِي جِنْسِهِ مَشْيٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ .
تَنْبِيهٌ : أَصْلُ الْخِلَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ أَوْ الْمَشْيَ ؟ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَفْضَلِيَّةُ الرُّكُوبِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ رَاكِبًا ، وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ مُؤْنَةٍ وَإِنْفَاقٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالثَّانِي : أَفْضَلِيَّةُ الْمَشْيِ ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ .
وَأُجِيبَ عَنْ حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا بِأَنَّهُ لَوْ مَشَى فِي حَجِّهِ لَمَشَى جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مَعَهُ إلَّا بِجَهْدٍ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ ، وَالثَّالِثُ : هُمَا

سَوَاءٌ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ ، إذَا عَرَفْت هَذَا فَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ الْمَشْيِ وَاضِحٌ عَلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى الرُّكُوبِ .
أَمَّا عَلَى مَا رَجَّحَهُ هُوَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الرُّكُوبِ فَلَا يَجِبُ الْمَشْيُ ، وَهُوَ مَا اقْتَضَى كَلَامَ الرَّوْضَةِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ النَّذْرِ تَرْجِيحُهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا يَلْزَمُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا إذَا شُرِطَتْ كَمَنْ شَرَطَ الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ إذَا قُلْنَا : الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ ا هـ .
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي أَوَائِلِ النَّذْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَهُوَ نَاصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ الْمَشْرُوطُ إلَّا إذَا جَعَلْنَا الْمَشْيَ أَفْضَلَ مِنْ الرُّكُوبِ ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ هُنَا مِنْ الرَّوْضَةِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ لِلرَّافِعِيِّ عَلَى لُزُومِ الْمَشْيِ : الصَّوَابُ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ لُزُومَ الْمَشْيِ بِالنَّذْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ مَقْصُودًا مَعَ كَوْنِهِ مَفْضُولًا ، وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهُ مَقْصُودًا فَلَا يَمْنَعُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَصَلَّى قَائِمًا ؟ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : قِيلَ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : الرُّكُوبُ وَالْمَشْيُ نَوْعَانِ لِلْعِبَادَةِ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفِضَّةِ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالتَّصَدُّقِ بِالذَّهَبِ ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ا هـ .
وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْ الْمُصَنِّفِ ( فَإِنْ كَانَ ) ( قَالَ ) فِي نَذْرِهِ ( أَحُجُّ مَاشِيًا ) أَوْ أَمْشِي حَاجًّا وَأَطْلَقَ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( فَمَنْ ) أَيْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ ( حَيْثُ يُحْرِمُ ) مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ

الْتَزَمَ الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ ، وَابْتِدَاءُ الْحَجِّ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ ، فَإِنْ صَرَّحَ بِالْمَشْيِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَزِمَهُ ( وَإِنْ ) ( قَالَ ) فِي نَذْرِهِ ( أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى ) الْحَرَامِ أَوْ إلَى الْحَرَمِ مَاشِيًا ( فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ) يَمْشِي ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ مَاشِيًا ؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولُ لَفْظِهِ .
وَالثَّانِي يَمْشِي مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْحَرَامُ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ بَيْتِ اللَّهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَمَا مَرَّ ( وَإِذَا ) ( أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ ) عَلَى النَّاذِرِ ( فَرَكِبَ لِعُذْرٍ ) وَهُوَ أَنْ يَنَالَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا قَالُوهُ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( أَجْزَأَهُ ) نُسُكُهُ رَاكِبًا عَنْ نَذْرِهِ مَاشِيًا قَطْعًا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ } ( وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الْأَظْهَرِ ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ .
وَالثَّانِي لَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَصَلَّى قَاعِدًا لِلْعَجْزِ ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْبَرُ بِالْمَالِ بِخِلَافِ الْحَجِّ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ عَمَّا إذَا لَمْ نُوجِبْهُ ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ ( أَوْ ) رَكِبَ ( بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ ) الْحَجُّ رَاكِبًا ( عَلَى الْمَشْهُورِ ) مَعَ عِصْيَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا هَيْئَةً الْتَزَمَهَا وَتَرْكُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاحْتِسَابِ فَصَارَ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ .
وَالثَّانِي : لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا الْتَزَمَ ، وَقَوْلُهُ ( وَعَلَيْهِ دَمٌ ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ عَادَ

إلَيْهِمَا لِأَنَّا إذَا أَوْجَبْنَاهُ مَعَ الْعُذْرِ فَبِدُونِهِ أَوْلَى .
وَالثَّانِي لَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ ، وَالدَّمُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ فَحَتَّى يَفْرُغَ مِنْ نُسُكِهِ أَوْ يُفْسِدَهُ وَفَرَاغُهُ مِنْ حَجِّهِ بِفَرَاغِهِ مِنْ التَّحَلُّلَيْنِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ حَتَّى يَرْمِيَ أَوْ يَبِيتَ ؛ لِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ الْحَجِّ خُرُوجَ السَّلَامِ الثَّانِي مِنْ الصَّلَاةِ ، وَمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ تَوَقُّفِهِ عَلَى الرَّمْيِ ضَعِيفٌ ، بَلْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ خَطَأٌ .
قَالَا : وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي خِلَالِ أَعْمَالِ النُّسُكِ لِغَرَضِ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَهُ الرُّكُوبُ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ، وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مَاشِيًا ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي أَعْمَالِ تُحَلِّلُ الْفَوَاتِ ، وَلَا فِي النُّسُكِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ عَنْ أَنْ يُجْزِئَهُ عَنْ نَذْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَى رِجْلَيَّ الْحَجُّ مَاشِيًا لَزِمَهُ إلَّا إنْ أَرَادَ إلْزَامَ رِجْلَيْهِ خَاصَّةً ، وَإِنْ أَلْزَمَ رَقَبَتَهُ أَوْ نَفْسَهُ ذَلِكَ لَزِمَهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ الذَّاتِ وَإِنْ قَصَدَ الْتِزَامَهُمَا ، وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ حَافِيًا لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَفَاءُ ، بَلْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْحَفَاءُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ ، وَهُوَ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ أَيْ إذَا أُمِنَ مِنْ تَلْوِيثِ نَجَاسَةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ مَشَقَّةٌ ، وَيُنْدَبُ الْحَفَاءُ أَيْضًا فِي الطَّوَافِ .

وَمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ مَعْضُوبًا اسْتَنَابَ .
( وَمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ ) إنْ كَانَ قَادِرًا ( فَإِنْ كَانَ مَعْضُوبًا ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ ( اسْتَنَابَ ) غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْحَجِّ : إذَا كَانَ الْمَعْضُوبُ بِمَكَّةَ أَوْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا لَمْ تَجُزْ الِاسْتِنَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ لَا تَكْثُرُ عَلَيْهِ ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ نَذَرَ الْمَعْضُوبُ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ .
قَالَ : بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ الصَّحِيحُ الْحَجَّ بِمَالِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْضُوبَ أَيِسَ مِنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ ، وَالصَّحِيحُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الْحَجِّ بِمَالِهِ .
قَالَ : فَإِنْ بَرِئَ الْمَعْضُوبُ لَزِمَهُ الْحَجُّ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ .

وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ الْإِمْكَانِ ، فَإِنْ تَمَكَّنَ فَأَخَّرَ فَمَاتَ حُجَّ مِنْ مَالِهِ .
( وَيُنْدَبُ ) لِلنَّاذِرِ ( تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ ) سِنِي ( الْإِمْكَانِ ) مُبَادَرَةً إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، فَإِنْ خَشِيَ الْعَضْبَ لَوْ أَخَّرَ لَزِمَتْهُ الْمُبَادَرَةُ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ( فَإِنْ تَمَكَّنَ ) مِنْ التَّعْجِيلِ ( فَأَخَّرَ فَمَاتَ حُجَّ مِنْ مَالِهِ ) لِقَصِيرِهِ .
أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ

وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ عَامَهُ وَأَمْكَنَهُ لَزِمَهُ ، فَإِنْ مَنَعَهُ مَرَضٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ ، أَوْ عَدُوٌّ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ .

( وَإِنْ ) ( نَذَرَ الْحَجَّ عَامَهُ وَأَمْكَنَهُ ) فِعْلُهُ فِيهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ يُمْكِنُهُ مِنْهَا الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ ( لَزِمَهُ ) فِيهِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي تَعْيِينِ الزَّمَانِ فِي الْعِبَادَاتِ ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالصَّوْمِ وَلَا تَأْخِيرُهَا عَنْهُ ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : عَامَهُ عَمَّا إذَا لَمْ يُقَيِّدُهُ بِعَامِهِ فَيَلْزَمُهُ فِي أَيِّ عَامٍ شَاءَ ، وَبِقَوْلِهِ وَأَمْكَنَهُ عَمَّا إذَا نَذَرَ حَجَّ السَّنَةِ وَلَا زَمَانَ يَسَعُ الْإِتْيَانَ بِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَعَذُّرِ اللُّزُومِ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِلنَّذْرِ حَجٌّ آخَرُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ فَتَلْزَمُهُ صَلَاةٌ أُخْرَى ، وَيُقَدِّمُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى حَجَّةِ النَّذْرِ ، وَمَحَلُّ انْعِقَادِ نَذْرِهِ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ الْفَرْضِ .
فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ أَوْ صَوْمَ رَمَضَانَ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَذَلِكَ إذْ لَا يَنْعَقِدُ نُسُكٌ مُحْتَمَلٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ( فَإِنْ مَنَعَهُ مَرَضٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ ) كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَأَفْطَرَ فِيهَا بِعُذْرِ الْمَرَضِ ، فَإِنَّهُ يَقْضِي ، وَالنِّسْيَانُ وَخَطَأُ الطَّرِيقِ وَالضَّلَالُ فِيهِ كَالْمَرَضِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْقَضَاءِ إذَا مَنَعَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ أَوْ لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً وَكَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَتَأَتَّى لِلْآحَادِ سُلُوكُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ حَجٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ كَمَا لَا تَسْتَقِرُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ .
هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ : إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ ا هـ .
وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْمَرَضِ غَلَبَةٌ عَلَى الْعَقْلِ ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ عِنْدَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ عَقْلُهُ فِي وَقْتٍ لَوْ خَرَجَ فِيهِ أَدْرَكَ الْحَجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَمَا لَا تَسْتَقِرُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِالنِّسْبَةِ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ ( أَوْ ) مَنَعَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ( عَدُوٌّ ) أَوْ سُلْطَانٌ وَحْدَهُ أَوْ رَبُّ دَيْنٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ حَتَّى مَضَى إمْكَانُ الْحَجِّ تِلْكَ السَّنَةِ ( فَلَا ) قَضَاءَ عَلَيْهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِمَكَانِ الْعُذْرِ ، وَيُفَارِقُ الْمَرَضَ لِاخْتِصَاصِهِ بِجَوَازِ التَّحَلُّلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْمَرَضِ .
وَالثَّانِي وَهُوَ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَجِبُ ؛ لِأَنَّ بَابَ النَّذْرِ أَوْسَعُ مِنْ وَاجِبِ الشَّرْعِ ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ حَجَّاتٍ كَثِيرَةٍ لَزِمَتْهُ ، وَلَا يَجِبُ بِالشَّرْعِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً .
أَمَّا إذَا صَدَّهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ صَدًّا عَامًّا بَعْدَمَا أَحْرَمَ .
قَالَ الْإِمَامُ : أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِلصَّدِّ فَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَنْصُوصِ .
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّدَّ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ ، إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ ، فَإِنَّ هَذَا الْمَحَلَّ تَتَوَقَّفُ فِيهِ الطَّلَبَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ، فَإِنَّهُ سَاقَ الْكَلَامَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَامٍّ وَلَا خَاصٍّ فَتَنَبَّهْ لَهُ .

تَنْبِيهٌ : لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ عَشْرَ حَجَّاتٍ مَثَلًا وَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ ، وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ حَجَّةٍ فِيهَا قُضِيَتْ مِنْ مَالِهِ وَحْدَهَا ، وَالْمَعْضُوبُ يَسْتَنِيبُ فِي الْعَشْرِ ، فَقَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ فِيهَا فِي سَنَةٍ فَيَقْضِي الْعَشْرَ مِنْ مَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ .

أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ فَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ عَدُوٌّ وَجَبَ الْقَضَاءُ .
( أَوْ ) نَذَرَ ( صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ ) مُعَيَّنٍ لَمْ يُنْهِ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ فِيهِ ( فَمَنَعَهُ ) مِنْ ذَلِكَ ( مَرَضٌ أَوْ عَدُوٌّ ) ( وَجَبَ الْقَضَاءُ ) لِتَعَيُّنِ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْحَجِّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ فِيهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ ، وَقَدْ تَجِبُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مَعَ الْعَجْزِ فَلَزِمَا بِالنَّذْرِ ، وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِطَاعَةِ فَكَذَا حُكْمُ النَّذْرِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا سَبِيلَ فِيهِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ النِّيَّةِ فَإِنَّهَا بِالْقَلْبِ ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ وَالصَّلَاةُ يُمْكِنُ فِعْلُهَا مَعَ الْإِكْرَاهِ بِإِمْرَارِ أَفْعَالِهَا عَلَى قَلْبِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَيَقْضِي ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ نَادِرٌ كَمَا فِي الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ ؟ .
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِالْأَسِيرِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَأْكُلُ خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُمْ : إنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى كَبَقِيَّةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ .
أَمَّا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ الصَّوْمَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ صَحَّ فِعْلُ الْمَنْذُورِ فِيهِمَا .

أَوْ هَدْيًا لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَى مَكَّةَ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا .

( أَوْ ) نَذَرَ ( هَدْيًا ) أَيْ أَنْ يَهْدِيَ شَيْئًا سَمَّاهُ مِنْ نَعَمٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاةً أَوَثَوْبًا إلَى مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ ( لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَى مَكَّةَ ) أَوْ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ ( وَ ) لَزِمَهُ ( التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا ) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَرِيبًا كَانَ أَوْ مُسْتَوْطِنًا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهِ وَيَنْزِلُ بِعَيْنِهِ مَنْزِلَةَ الْأُضْحِيَّةِ وَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَالظِّبَاءِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيًّا ، فَإِنْ ذَبَحَهُ لَمْ يَجُزْ ، إذْ لَا قُرْبَةَ فِي ذَبْحِهِ لِعَدَمِ إجْزَائِهِ أُضْحِيَّةً ، وَغَرِمَ الْأَرْشَ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالذَّبْحِ وَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْهَدْيِ قَدْ يُوهِمُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَلَوْ قَالَ : شَيْئًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَانَ أَوْلَى ، وَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْحَرَمِ بَدَلًا عَنْ مَكَّةَ لِيَسْتَغْنِيَ عَمَّا زِدْته فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ حَمْلَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَّةَ ، بَلْ يَعُمُّ سَائِرَ الْحَرَمِ ، وَقَوْلُهُ : حَمْلُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ فِيمَا سَهُلَ نَقْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ .
أَمَّا مَا تَعَذَّرَ نَقْلُهُ مِمَّا أَهْدَاهُ كَالدَّارِ أَوْ تَعَسَّرَ كَحَجَرِ الرَّحَى فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلُ ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِهِ ، وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ لَا فَقَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا ؟ .
وَجْهَانِ : فِي الْكِفَايَةِ يَنْبَغِي الْأَوَّلَ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ رَاغِبٌ بِالزِّيَادَةِ ، وَقَوْلُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِمَّا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ هِبَتُهُ وَلَا هَدِيَّتُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ دُهْنٍ

نَجِسٍ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ : مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِصِحَّةِ التَّصَدُّقَ بِهِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا جِلْدَ الْمَيِّتَةِ قَبْلَ الدَّبَّاغِ ، لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْأَرْجَحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُهْدَى لِآدَمِيٍّ ا هـ .
وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِهِ مَا لَوْ عَسُرَ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيْثُ وَجَبَ التَّعْمِيمُ بِهِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُفَرَّقُ ثَمَنَهُ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَرَمِ وَمَحَلُّ النَّذْرِ سَوَاءٌ تَخَيَّرَ بَيْنَ حَمْلِهِ وَبَيْعِهِ بِالْحَرَمِ وَبَيْنَ حَمْلِ ثَمَنِهِ ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ تَعَيُّنٍ ، وَمَا لَوْ نَوَى النَّاذِرُ اخْتِصَاصَ الْكَعْبَةِ بِالْمَنْذُورِ ، فَإِنْ كَانَ شَمْعًا أَشْعَلَهُ فِيهَا ، أَوْ دُهْنًا أَوْقَدَهُ فِي مَصَابِيحِهَا ، أَوْ طِيبًا طَيَّبَهَا بِهِ ، أَوْ مَتَاعًا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا بَاعَهُ وَصَرَفَ ثَمَنَهُ فِي مَصَالِحِهَا .
أَمَّا إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ أَنْ أُضَحِّيَ ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ حَمْلًا عَلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ ، فَإِنْ عَيَّنَ عَنْ نَذْرِهِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً تَعَيَّنَتْ بِشُرُوطِ الْأُضْحِيَّةِ ، فَلَا يُجْزِئُ فَصِيلٌ وَلَا عِجْلٌ وَلَا سَخْلَةٌ .
وَإِنْ تَعَيَّبَ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ أَوْ الْمُعَيَّنُ عَنْ نَذْرِهِ تَحْتَ السِّكِّينِ عِنْدَ الذَّبْحِ لَمْ يَجُزْ كَالْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ مَا لَمْ يُذْبَحْ ، وَقِيلَ يُجْزِئُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ ، وَبِالْوُصُولِ إلَيْهِ حَصَلَ الْإِهْدَاءُ ، وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ نَقْلِ الْهَدْيِ إلَى الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ قَالَ تَعَالَى : { حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ لِنَقْلِ الْبَاقِي كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلَزِمَهُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ

فِيهِ عَلَى مَسَاكِينِهِ ، وَفِي الْإِبَانَةِ أَنَّهُ إنْ قَالَ أُهْدِي هَذَا فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ : جَعَلْته هَدْيًا فَلَا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَجْلِ مُؤْنَةِ النَّقْلِ ، وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ لِلْقَفَّالِ وَاسْتَحْسَنَهُ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : لَكِنَّ مُقْتَضَى جَعْلِهِ هَدْيًا أَنْ يُوصِلَهُ كُلَّهُ الْحَرَمَ فَلْيَلْتَزِمْ مُؤْنَتَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أُهْدِي ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا عَلَفُ الْحَيَوَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً مَثَلًا وَنَوَى ذَاتَ عَيْبٍ أَوْ سَخْلَةً أَجْزَأَهُ هَذَا الْمَنْوِيُّ لِأَنَّهُ الْمُلْتَزَمُ ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيًّا ، فَإِنْ أَخْرَجَ بَدَلَهُ تَامًّا فَهُوَ أَفْضَلُ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ إهْدَاءُ مَا ذُكِرَ إلَى أَغْنِيَاءِ الْحَرَمِ ، نَعَمْ لَوْ نَذَرَ نَحْرَهُ لَهُمْ خَاصَّةً ، وَاقْتَرَنَ بِهِ نَوْعٌ مِنْ الْقُرْبَةِ كَأَنْ تَتَأَسَّى بِهِ الْأَغْنِيَاءُ لَزِمَهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ ، وَيُسَنُّ لِمَنْ أَهْدَى شَيْئًا مِنْ الْبُدْنِ أَوْ الْبَقَرِ أَنْ يُشْعِرَهَا أَيْ يَجْرَحَهَا بِشَيْءٍ لَهُ حَدٌّ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْيُمْنَى وَأَنْ يُقَلِّدَهَا بِعُرَى الْقُرَبِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْخُيُوطِ الْمَفْتُولَةِ وَالْجُلُودِ ، وَيُقَلِّدَ الْغَنَمَ وَلَا يُشْعِرَهَا ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الْإِعْلَامُ بِأَنَّهُ هَدْيٌ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ ، فَإِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْمَحِلِّ نَحَرَهُ وُجُوبًا فِي الْمَنْذُورِ ، وَنَدْبًا فِي غَيْرِهِ وَغَمَسَ الْمُقَلَّدَ بِهِ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِرُفْقَتِهِ الْأَكْلُ مِنْ الْمَنْذُورِ ، وَالْمُرَادُ بِرُفْقَتِهِ جَمِيعُ الْقَافِلَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ حَتَّى مَاتَ مَعَ تَمَكُّنِهِ ضَمِنَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ حِينَئِذٍ وَمِنْ مِثْلِهِ

، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ وَقَيَّدَهَا بِالْإِبِلِ أَوْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ تَعَيَّنَتْ الْبَدَنَةُ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَيْضًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَهِيَ فِي الْإِبِلِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا ، فَإِنْ عُدِمَتْ وَقَدْ أَطْلَقَ نَذْرَهُ فَبَقَرَةٌ ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَسَبْعُ شِيَاهٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالسَّبْعِ شِيَاهٍ ، وَإِنْ عُدِمَتْ وَقَدْ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِهَا لَفْظًا أَوْ نِيَّةً وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا بَقَرَةً ، وَيُفَارِقُ ذَلِكَ عَدَمَ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ ، بَلْ اللَّفْظُ عِنْد الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ وَمَعْهُودِهِ لَا تَقْوِيمَ فِيهِ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ قِيمَتِهَا شَيْءٌ اشْتَرَى بِهِ بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَشَاةٌ أَوْ شِقْصًا مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا تَصَدَّقَ بِالْفَاضِلِ دَرَاهِمَ ، فَإِنْ عُدِمَتْ الْبَقَرَةُ اشْتَرَى سَبْعَ شِيَاهٍ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ ، وَلَوْ وَجَدَ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ ثَلَاثَ شِيَاهٍ أَتَمَّ السَّبْعَةَ مِنْ مَالِهِ ، وَلَوْ نَذَرَ شَاةً فَذَبَحَ بَدَلَهَا بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ ، وَمَحِلُّهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ : إذَا نَذْرَهَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيه الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ ، وَفِي كَوْنِ كُلِّهَا فَرْضًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ، عَلَى اضْطِرَابٍ فِيهِ .

أَوْ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ .
( أَوْ ) نَذَرَ ( التَّصَدُّقَ ) بِشَيْءٍ ( عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ ) مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا ( لَزِمَهُ ) ذَلِكَ وَفَاءً بِالْتِزَامِهِ وَصَرْفِهِ لِمَسَاكِينِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَالزَّكَاةِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَهْلِ الْبَلَدِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِالْمَسَاكِينِ ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ جَوَازِ وَضْعِ الْمَنْذُورِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَقَدْ يُفْهِمُ أَيْضًا أَنَّ غَيْرَ الْحَرَمِ لَا يُنْذَرُ فِيهِ إلَّا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَوْ نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ بِهِ تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا مَعَ التَّفْرِقَةِ فِيهِ لِتَضَمُّنِهَا التَّفْرِقَةَ فِيهِ ، وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ وَالتَّفْرِقَةَ أَوْ نَوَاهَا بِبَلَدٍ غَيْرِ الْحَرَمِ تَعَيَّنَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَسِيلَةٌ إلَى التَّفْرِقَةِ الْمَقْصُودَةِ ، فَلَمَّا جَعَلَ مَكَانَهُ مَكَانَهَا اقْتَضَى تَعَيُّنَهُ تَبَعًا .

وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي الْحَرَمِ وَالتَّفْرِقَةَ فِي غَيْرِهِ تَعَيَّنَ الْمَكَانَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قُرْبَةٌ ، وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ بِسِكِّينٍ وَلَوْ مَغْصُوبًا وَنَذَرَ التَّفْرِقَةَ فِيهَا فِي الْحَرَمِ تَعَيَّنَ مَكَانُ التَّفْرِقَةِ فَقَطْ إذْ لَا قُرْبَةَ فِي الذَّبْحِ خَارِجَ الْحَرَمِ وَلَا فِي الذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مُعَيَّنٍ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ ، وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِالْحَرَمِ فَقَطْ لَزِمَهُ النَّحْرُ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الذَّبْحِ فِي النَّذْرِ مُضَافًا إلَى الْحَرَمِ يُشْعِرُ بِالْقُرْبَةِ ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ عِبَادَةٌ مَعْهُودَةٌ وَلَزِمَهُ التَّفْرِقَةُ فِيهِ حَمْلًا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ .

وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِأَفْضَلَ بَلَدٍ تَعَيَّنَتْ مَكَّةَ لِلذَّبْحِ ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْبِلَادِ .

وَلَوْ نَذَرَ لِمُعَيَّنٍ بِدَرَاهِمَ مَثَلًا كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ النَّاذِرِ بِهَا إنْ لَمْ يُعْطِهِ كَالْمَحْصُورِينَ مِنْ الْفُقَرَاءِ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالزَّكَاةِ الَّتِي وَجَبَتْ ، فَإِنْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ بَرِئَ النَّاذِرُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى قَبُولِ غَيْرِهِ ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّ النَّذْرِ ، وَأَيْضًا الزَّكَاةُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَأُجْبِرُوا عَلَى قَبُولِهَا خَوْفَ تَعْطِيلِهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ .

أَوْ صَوْمًا فِي بَلَدٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ ، وَكَذَا صَلَاةً إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَفِي قَوْلٍ : " وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى " .
قُلْت : الْأَظْهَرُ تَعْيِينُهُمَا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( أَوْ ) نَذَرَ ( صَوْمًا فِي بَلَدٍ ) مَثَلًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ ، وَ ( لَمْ يَتَعَيَّنْ ) أَيْ الصَّوْمُ فِيهِ فَلَهُ الصَّوْمُ فِي غَيْرِهِ ، سَوَاءٌ الْحَرَمُ وَغَيْرُهُ كَمَا أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ جُبْرَانٍ وَاجِبِ الْإِحْرَامِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ ، وَقِيلَ : إنْ عَيَّنَ الْحَرَمَ تَعَيَّنَ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ رَجَّحَ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَبِ تَتَضَاعَفُ فِيهِ ، فَالْحَسَنَةُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَالتَّضْعِيفُ قُرْبَةٌ ( وَكَذَا ) ( صَلَاةً ) نَذَرَهَا فِي بَلَدٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا وَيُصَلِّي فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ صَلَاةَ الْفَرَائِضِ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي مَسْجِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَهَا مَسْجِدٌ ، وَإِنْ عَيَّنَهُ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي مَسْجِدٍ بِنَاءً عَلَى صِفَاتِهَا تَفَرَّدَ بِالِالْتِزَامِ بِخِلَافِ النَّفْلِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَدَاءَ الْفَرِيضَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ ( إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ) إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ لِعِظَمِ فَضْلِهِ وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ وَصَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمِيعُ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الطَّوَافِ فَقَطْ ، جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ حَرَمَ مَكَّةَ كَمَسْجِدِهَا فِي الْمُضَاعَفَةِ ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ فَصَلَّى فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ زِيَادَةَ فَضِيلَةِ ( وَفِي قَوْلٍ : وَ ) إلَّا ( مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى ) فَيَتَعَيَّنَانِ لِلصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فِيهِمَا ( قُلْت : الْأَظْهَرُ ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( تَعْيِينُهُمَا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِاشْتِرَاكِ الثَّلَاثَةِ فِي عِظَمِ

الْفَضِيلَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ } وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ مَمْنُوعٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ ، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِهِمَا وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَوْ صَلَّى مَا نَذَرَهُ بِالْمَسْجِدَيْنِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى ، وَلَا عَكْسَ عَلَى النَّصِّ وَسَكَتَ عَنْ نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ لِتَقَدُّمِهِ فِي بَابِهِ .

تَنْبِيهٌ : لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْهَا ، فَلَوْ نَذَرَ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَا تَجْزِيهِ أَلْفُ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ ، وَإِنْ عَدَلَتْ بِهَا كَمَا أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ فَقَرَأَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } لَا تَجْزِيهِ ، وَإِنْ عَدَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، وَلَا يَلْحَقُ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدُ قُبَاءَ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ صَلَاةً فِيهِ كَعُمْرَةٍ .

أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا فَيَوْمٌ ، أَوْ أَيَّامًا فَثَلَاثَةٌ .
ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي فُرُوعٍ يُظْهِرُ بِهَا أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ وَاجِبُ الشَّرْعِ أَوْ جَائِزُهُ ؟ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَى ، وَرَجَّحَ الْعِرَاقِيُّونَ الثَّانِيَ ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ تَرْجِيحُ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ، بَلْ يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ ، وَبَدَأَ مِنْ تِلْكَ الْفُرُوعِ بِنَذْرِ الصَّوْمِ .
فَقَالَ ( أَوْ ) نَذَرَ ( صَوْمًا مُطْلَقًا ) مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَدٍ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ ( فَيَوْمٌ ) يُحْمَلُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ ، وَالصَّوْمُ لَا يَكُونُ أَقَلُّ مِنْهُ وَالْمُتَيَقِّنُ يَوْمٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهِ إذَا حَمَلْنَا النَّذْرَ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ ، فَإِنَّ أَقَلَّ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءُ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
أُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ وُجُوبِ يَوْمٍ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَعِنْدَ إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ ، وَبُلُوغِ الصَّبِيِّ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ نَذَرَ صَوْمًا كَثِيرًا أَوْ طَوِيلًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ حِينًا أَوْ دَهْرًا ( أَوْ ) نَذَرَ ( أَيَّامًا ) أَيْ صَوْمَهَا ( فَثَلَاثَةٌ ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ ، أَوْ شُهُورًا فَقِيَاسُهُ ثَلَاثَةٌ ، وَقِيلَ : أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا لِكَوْنِهِ جَمْعَ كَثْرَةٍ ، وَلَوْ عَرَّفَ الْأَشْهُرَ احْتَمَلَ ذَلِكَ ، وَاحْتَمَلَ إرَادَةَ السَّنَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَيَجِبُ التَّبْيِيتُ فِي صَوْمِ النَّذْرِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ وَاجِبِ الشَّرْعِ ، وَلَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ صَحَّ إنْ كَانَ صَوْمُهُ أَفْضَلَ مِنْ فِطْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَا .

أَوْ صَدَقَةً فِيمَا كَانَ .
( أَوْ ) نَذَرَ ( صَدَقَةً فِيمَا ) أَيْ تَصَدَّقَ بِأَيِّ شَيْءٍ ( كَانَ ) مِمَّا يُتَمَوَّلُ كَدَانِقٍ وَدُونَهُ لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا يَتَقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ كَمَا أَنَّهُ أَقَلُّ وَاجِبٍ فِي زَكَاةِ الْمَالِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلَطَاءَ قَدْ يَشْتَرِكُونَ فِي نِصَابٍ فَيَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمْ شَيْءٌ قَلِيلٌ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِمَالٍ عَظِيمٍ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي تَعْلِيقِهِ : لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ ، وَأَيُّ قَدْرٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَجْزَأَهُ ، قَالَ : وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ يُوجِبُ فِيهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ : لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَ الْفُقَرَاءَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الصَّدَقَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْء ، كَمَا لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحِبَّ الْفُقَرَاءَ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الصَّدَقَةُ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدِرْهَمٍ خُبْزًا لِلتَّصَدُّقِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِخُبْزٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ ، وَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا هِيَ التَّصَدُّقُ لَا الشِّرَاءُ .

فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً : مَالِي صَدَقَةٌ ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَغْوٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ ، فَإِنْ عَلَّقَ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ بِدُخُولٍ مَثَلًا كَقَوْلِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ فَنَذْرُ لَجَاجٍ .
فَإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ بِهِ مَرْغُوبًا فِيهِ كَقَوْلِهِ : إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ دُخُولَ الدَّارِ ، أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَرَادَ ذَلِكَ فَمَالِي صَدَقَةٌ فَيَجِبُ التَّصَدُّقَ عَيْنًا ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ تَبَرُّرٍ ، وَلَوْ قَالَ بَدَلُ صَدَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ عَلَى الْغُزَاةِ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَلْفٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالنِّيَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَسَاكِينَ وَلَا دَرَاهِمَ وَلَا تَصَدُّقًا وَلَا غَيْرَهَا وَلَوْ نَوَى التَّصَدُّقَ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَكَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْعَقِدَ نَذْرُهُ وَيُعَيِّنَ أَلْفًا مِمَّا يُرِيدُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ نَذْرِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَشُفِيَ وَالْمَرِيضُ فَقِيرٌ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ إعْطَاؤُهُ مَا لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا كَالزَّكَاةِ ، وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ الْغَنِيِّ جَازَ ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِتَصْرِيحِهِ بِمَا يُنَافِيه .

أَوْ صَلَاةً فَرَكْعَتَانِ ، وَفِي قَوْلٍ رَكْعَةٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا .
( أَوْ ) نَذَرَ ( صَلَاةً فَرَكْعَتَانِ ) تَكْفِي عَنْ نَذْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ ( وَفِي قَوْلٍ ) : تَكْفِيه ( رَكْعَةٌ ) وَاحِدَةٌ حَمْلًا عَلَى جَائِزِهِ ، وَلَا تَكْفِيه عَلَى الْقَوْلَيْنِ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى صَلَاةً ، وَلَا صَلَاةَ جِنَازَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَيْنًا ، وَإِنْ حَصَلَ تَعْيِينٌ فَعَارَضَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا النَّذْرُ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ ) الْمَبْنِيِّ عَلَى السُّلُوكِ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ ( يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا ) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ ( مَعَ الْقُدْرَةِ ) عَلَيْهِ ( وَعَلَى الثَّانِي ) الْمَبْنِيُّ عَلَى السُّلُوكِ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ ( لَا ) يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أُطْلِقَ ، فَإِنْ قَالَ : أُصَلِّي قَاعِدًا فَلَهُ الْقُعُودُ قَطْعًا ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِرَكْعَةٍ فَتُجْزِئُهُ قَطْعًا ، لَكِنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنْهُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51