كتاب : حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء
المؤلف : سيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي


وإن لبس ثوبا مصبوغا به وكان إذا عرق فيه ينفض عليه وجبت عليه الفدية
والحناء ليس بطيب
وقال ابو حنيفة هو طيب تجب به الفدية
إذا طيب بعض عضو وجبت عليه الفدية وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة تجب عليه صدقة وإن غطى بعض عضو وجب عليه صدقة وإن غطى ربع رأسه وجب عليه فدية كاملة وإن غطى دون الربع وجبت عليه صدقة والصدقة عنده صاع يدفعه إلى مسكين من أي طعام كان إلا البر فإنه يجزىء فيه نصف صاع وعنه في التمر روايتان
إحداهما صاع
والثانية نصف صاع
وعن أبي يوسف روايتان
إحداهما كقول أبي حنيفة
والثانية أن الاعتبار أن يلبس أكثر اليوم أو أكثر الليلة أو يطيب أكثر العضو أو يغطي من ربع الرأس أكثره فإن لبس نصف يوم أو نصف ليلة أو طيب نصف عضو أو غطى نصف ربع رأسه وجبت عليه صدقة
ويقال إن أبا حنيفة كان يذهب قديما إلى هذا ثم رجع عنه
وقال محمد بن الحسن في وجوب كمال الفدية كقول أبي حنيفة
وإن لبس أقل من يوم أو أقل من ليلة فعليه بقدر ذلك من الفدية وكذلك إذا طيب بعض عضو أو غطى أقل من ربع الرأس لزمه من الفدية بحسابه ويحرم عليه استعمال الأدهان المطيبة كدهن الورد والزنبق والبان المنشوش وهو المغلي بالمسك وتجب به الفدية
وأما غير المطيب كالشيرج الزيت وألبان غير المنشوش فإنه يجوز استعماله في غير الرأس واللحية
وقال ابو حنيفة جميع ذلك طيب يحرم استعماله في جميع البدن
وقال الحسن بن صالح يجوز استعمال الشيرج في رأسه ولحيته أيضا وقال مالك لا يدهن به أعضاءه الظاهرة كاليدين والرجلين والوجه ويدهن أعضاءه الباطنة
وحكى الشيخ ابو حامد في كراهة الجلوس عند العطارين وموضع فيه بخور وجهين

فصل
ويحرم عليه ان يتزوج أو يزوج غيره بالولاية الخاصة ولايوكل في النكاح فإن فعل لم ينعقد النكاح وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة والثوري النكاح صحيح جائز
وهل يجوز للإمام والحاكم التزويج بولاية الحكم فيه وجهان
وحكي في الحاوي أن الإمام إذا كان محرما لم يجز أن يزوج وهل يجوز لخلفائه من القضاة المحلين فيه وجهان والأول أصح
ويجوز أن يشهد في النكاح
وقال أبو سعيد الإصطخري لا يجوز
وتجوز الرجعة في حال الإحرام
وقال احمد لا تجوز الرجعة وإذا رجع لم يصح وحكى ذلك عن بعض أصحابنا
وإذا تزوجها في حال الإحرام فرق بينهما في المكان
وحكي عن مالك وأحمد أنهما قالا بفسخ النكاح مع فساده بطلقة احتياطا لتحل للأزواج
وذكر القاضي أبو الطيب في التعليق أن ابن القطان حكى عن منصورابن اسماعيل الفقيه أنه ذكر في كتاب المستعمل أن المحرم إذا وكل وكيلا ليزوجه إذا تحلل من إحرامه صح ذلك
ولو وكل رجلا ليزوجه إذا طلق فلان امرأته لم يصح التوكيل
قال ابن القطان لا فرق بينهما عندي إما أن يصح في الجميع أو لا يصح
قال الشيخ الإمام أيده الله وعندي أن تصحيح الوكالة ممن لا يملك التصرف بعيد
وحكى القاضي أبو الطيب رحمه الله أن ابن المرزبان حكى عن أبي الحسين ابن القطان أن المحرم إذا أذن لعبده في النكاح لم يصح إذنه ولا يصح نكاحه فقيل له فالمحرمة إذا كان لها عبد فأذنت له في النكاح فقال لا يجوز
قال ابن المرزبان وفيها نظر
قال الشيخ الإمام أيده الله وعندي أنه يجب أن يصح في الجميع لأن العبد يعقد لنفسه والمحرم ليس بعاقد ولا نائب عن العاقد فلا تعلق له بالنكاح
فصل
إذا خلص المحرم صيدا من فم سبع فداواه فمات في يده لم يضمنه
قال الشافعي رحمه ولو قيل يضمن لأنه تلف في يده كان مذهبا
ويجب عليه الجزاء بقتل الصيد عمدا وخطأ والقيمة للآدمي إن كان مملوكا
وقال المزني لا يجب عليه الجزاء بقتل الصيد المملوك وهو قول مالك وأحمد
وقال داود يجب الجزاء بقتله خطأ ولا يجب بقتله عمدا
ويحرم عليه أن يعين على قتله فإن أعان على قتله بدلالة أو إشارة إليه وقتله المدلول لم يجب عليه الجزاء وبه قال مالك
وقال عطاء يجب الجزاء على الدال والمدلول نصفين
وقال ابو حنيفة والثوري يجب على كل واحد منهما جزاء كامل حتى قال أبو حنيفة لو دل جماعة من المجرمين محرما أو حلالا على قتل صيد فقتله وجب على كل واحد منهم جزاء كامل ويحرم على المحرم أكل ما صيد له وأكل ما أعان على قتله بدلالة أو إشارة إليه فإن أكل منه فهل يجب عليه الجزاء فيه قولان
أحدهما لا يحرم عليه أكل ما دل عليه قتله دلالة ظاهرة ولا ما صيد به فإن ضمن صيدا بالقتل ثم أكله لم يجب عليه بأكله جزاء آخر وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة يجب عليه بأكله جزاء آخر
فإن ذبح صيدا حرم عليه اكله وهل يحرم على غيره فيه قولان
قال في الجديد يحرم
وقال في القديم لا يحرم
فإن مات من يرثه وله صيد فهل يرثه فيه وجهان
فإن أحرم وفي ملكه صيد فهل يزول ملكه عنه فيه قولان
أصحهما أنه يزول ملكه عنه ويجب عليه إرساله فإن لم يرسله حتى تحلل ففيه وجهان
أحدهما يعود إلى ملكه وإن قلنا لا يزول ملكه عنه فله أن يبيعه وليس له أن يذبحه فإن اشترى رجل من رجل صيدا فوجد المشتري به عيبا والبائع محرم
فإن قلنا إنه يملك الصيد بالإرث رده عليه
وإن قلنا لا يرثه فيحتمل أن يقال يجوز رده ويحتمل أن يقال يؤخذ منه بالثمن ويوقف الصيد إلى أن يتحلل فيأخذه وإن كان الصيد غير مأكول ولا متولد من مأكول لم يحرم قتله بالإحرام
وقال أبو حنيفة يحرم قتل كل وحشي بالإحرام ويجب الجزاء بقتله إلا الذئب
وقال مالك السباع المبتدئة بالضرر من الوحش والطير كالذئب والفهد والغراب والحدأة لا جزاء فيه فخالفنا فيما لا يؤكل مما لا يؤذي من الصيود وما يحرم عليه من الصيد يحرم عليه بيضه وإذا كسره ضمنه بقيمته
وقال المزني لا جزاء عليه فيه
وقال مالك يجب في بيض النعامة عشر قيمتها وروي عنه عشر قيمة بدنه فإن كسر بيض الصيد حرم عليه أكله لا يختلف المذهب فيه وهل يحرم على غيره
من أصحابنا من قال هو كالصيد إذا ذبحه المحرم وكذا قال هذا القائل إذا قتل المحرم جرادة حرم عليه أكلها وهل يحرم على غيره فيه قولان
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله هذا عندي فيه نظر لأن البيض لا روح فيه
والجراد يحل ميتا فإن افترش التجراد في طريقه فقتله ففيه قولان
أحدهما لا شيء عليه
والثاني تجب عليه الكفارة
وإن باض الصيد على فراشه فنقله فلم يحضنه فقد حكى الشافعيرحمه الله عن عطاء أنه لا يضمنه قال ويحتمل أن يضمن فحصل فيه قولان كالجراد
وإن لبس أو تطيب أو دهن رأسه ولحيته ناسيا لإحرامه أو جاهلا بالتحريم لم تجب عليه الكفارة وبه قال عطاء والثوري
وقال مالك وابو حنيفة يجب عليه الكفارة واختاره المزني
فإن لبس المحرم المخيط في وقتنا هذا أو استعمل الطيب وادعى الجهل بتحريمه ففي وجوب الفدية وجهان
أحدهما تلزمه الفدية لأن التحريم قد ظهر واستقر في الشرع
والثاني يقبل قوله

قال الشيخ الإمام أيده الله وعندي أن تخريج الوجهين في ذلك فيه نظر لأنه إن كان الوجهان في قبول دعواه فلا وجه له لأن الدعوى تعتبر فيما للإمام فيه مطالبة والكفارة ها هنا بينه وبين الله تعالى فلا معنى لذكر قبول الدعوى وإن كان الوجهان في وجوب الكفارة معجهله بالتحريم فلا معنى له لأنه يلزم أن يبنى عليه الجاهل بتحريم الكلام في الصلاة
فإن لبس قميصا ناسيا فذكر فإنه ينزعه من قبل رأسه
وحكي عن بعض التابعين أنه قال يشق ثوبه شقا
فإن مس طيبا ظنه يابسا فبان رطبا لزمته الفدية في اصح القولين
فإن حلق الشعر أو قلم الظفر ناسيا أو جاهلا بالتحريم فالمنصوص أنه تجب عليه الفدية وفيه قول مخرج أنه لا تجب عليه الفدية
وإن قتل صيدا ناسيا أو جاهلا بالتحريم وجب عليه الفدية وإن جنى وهو محرم فقتل صيدا ففيه قولان
أحدهما يجب عليه الجزاء ومن أصحابنا من خرج هذين القولين في قتل الصيد ناسيا وليس بشيء
وإن جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم فلا كفارة عليه في أحد القولين ولا يفسد حجه وفي القول الثاني يفسد حجه وتجب عليه الكفارة
وإن حلق رأس محرم وهو نائم أو مكره وجبت الفدية وعلى من تجب فيه قولان
أصحهما على الحالق وبه قال مالك وللمحلوق مطالبته بإخراجها
والثاني يجب على المحلوق فعلى هذا يأخذها من مال الحالق ويخرجها فإن أخرجها المحلوق رجع على الحالق بأقل الأمرين من الشاة أو ثلاثة آصع هذه طريقة ابي العباس بن سريج وأبي إسحاق
وقال أبو علي بن ابي هريرة تجب الفدية على الحالق ابتداء قولا واحدا والقولان فيه إذا غاب الحالق أو أعسر فهل يلزم المحلوق إخراج الفدية ثم يرجع على الحالق فيه قولان
وقال ابو حنيفة تجب الفدية على المحلوق واختلف أصحابه في الرجوع على الحالق
فقال أكثرهم لا يرجع
وقال أبو حازم يرجع
وذكر الشيخ ابو حامد أن القولين مبنيان على أن شعر المحرم على رأسه بمنزلة العارية أو بمنزلة الوديعة وفيه قولان
وقيل وجهان
أصحهما قال القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه كالوديعة فإن قلنا يجب على الحالق
قال أصحابنا فلا شيء على المحلوق ولكنه يملك مطالبته بإخراجها
قال الشيخ ابو نصر وليس تحت هذا معنى
فإن كفر المحلوق بالصوم لم يرجع عليه شيء
ومن أصحابنا من قال يرجع بثلاثة أمداد
ذكر في الحاوي أنا إذا قلنا يجب على الحالق كفر بالإطعام والهدي وهل يكفر بالصيام فيه وجهان
أصحهما أنه يكفر به
والثاني لا يصوم مخرج من القول الذي يقول إنه إذا أعسر تحملها المحلوق وأما المحلوق إذا أوجبنا الفدية عليه فمخير بين الإطعام والهدي ولا يجزئه الصيام لأنه يتحمله عن غيره وهذا بالضد مما ذكرناه بناء على طريقة أبي علي بن ابي هريرة وذكر ايضا أن المحلوق إذا كفر بالصوم لم يرجع بشيء على الحالق في قول أكثر أصحابنا
ومن أصحابنا من قال يرجع وبماذا يرجع
قال أبو علي الطبري في الإفصاح يرجع عليه بثلاثة أمداد من طعام
وحكى أبو الحسن بن القطان أنه يرجع عليه بأقل من الأمرين من الدم أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان
فإن حلق حلال رأس محرم بإذنه وجبت الفدية على المحرم دون الحلال
وقال ابو حنيفة تجب على المحرم فدية وعلى الحلال صدقة
ويجوز للمحرم حلق شعر الحلال ولا شيء عليه وبه قال مالك وأحمد وكذا تقليم ظفره
وقال ابو حنيفة لا يجوز له فعل ذلك فإن فعله فعليه صدقة
ويجوز للمحرم أن يغتسل بالسدر والخطمي
وقال أبو حنيفة لا يجوز له ذلك فإن فعل لزمته الفدية فإن كان على بدنه وسخ جاز له إزالته
وقال مالك إذا أزاله لزمته صدقة
وقال الشافعي رحمه الله يكره للمحرم أن يكتحل بالإثمد
ونقل المزني رحمه الله أنه لا بأس به
وسئل سعيد بن المسيب أيكتحل المحرم فقال لا يكتحل فإنه زينة
ويجوز للمحرم أن يفتصد ويحتجم إذا لم يقطع من شعره شيئا
وحكى الأبهري عن مالك أنه إذا فعل شيئا من ذلك وجبت عليه صدقة
ويجوز للمحرم أن يتقلد السيف ويشد على وسطه المنطقة
وحكي عن الحسن البصري أنه كرهه
وحكى القاضي ابو الطيب رحمه الله عن مالك أنه لا يجوز له شد المنطقة وأصحابه حكوا جوازه
باب ما يجب بمحظورات الإحرام من كفارة وغيرها
إذا حلق المحرم رأسه فكفارته ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين ثلاثة آصع أو صيام ثلاثة أيام وهي على التخيير
وقال أبو حنيفة إذا حلق من غير عذر وجب عليه الدم من غير تخيير
فإن حلق ثلاث شعرات لزمه دم
وقال أبو حنيفة إن حلق ربع رأسه لزمه دم
وقال أبو يوسف إن حلق نصف رأسه لزمه دم وإن حلق ما دونه لزمه صدقة
وقال مالك إن حلق من رأسه ما يحصل به إماطة الأذى عنه وجب عليه دم وإن حلق ما لا يحصل به ذلك لم يجب عليه
وعن أحمد روايتان
إحداهما ثلاث شعرات
والثانية الربع
فإن حلق شعر رأسه وشعر بدنه وجب عليه فدية واحدة وكذا إن قلم اظفار يديه ورجليه
وقال أبو القاسم الأنماطي تجب فديتان
وإن حلق شعره ففيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يجب ثلث دم
والثاني درهم
والثالث مد وفي الشعرتين مدان
وحكي عن مجاهد أنه قال لا ضمان فيما دون ثلاث شعرات وكذا روى ابن المنذر عن عطاء في إحدى الروايتين
فإن حلق شعرات متفرقة ولم يكفر عن الأول فيه طريقان
أحدهما أنه على قولين
أحدهما يجب في الجميع دم
والثاني لكل شعرة حكم نفسها إذا انفردت فيجب في كل شعرة مد واصل ذلك القولان فيه
إذا لبس قميصا أول النهار وسراويل في وسطه وتعمم في آخره قوله القديم إنه يتداخل
وقال في الجديد لا يتداخل
الطريقة الثانية أنه لا يتداخل قولا واحدا ويجب لكل واحد فدية واصل القولين فيهما طريقة الترفه كالطيب واللباس والمباشرة
إذا وجدت منه فعال متفرقة من جنس واحد في مجلس واحد أو مجالس من غير تكفير ففي تداخل الكفارة قولان
وذكر القاضي أبو الطيب أن من أصحابنا من قال إنه إذا اختلفت أسباب اللبس كأنه لبس المخيط لأجل البرد وغطى رأسه لأجل الحر أنه يكون بمنزلة اختلاف الأجناس في عدم التداخل قولا واحدا وليس بشيء فإن حلق تسع شعرات في ثلاثة أوقات وقلنا يتداخل لزمه دم وإن قلنا لا يتداخل لزمه ثلاثة دماء وعلى هذا حكم الأظفار
وقال ابو حنيفة إذا قلم أظفار يد واحدة أو رجل واحدة وجب عليه دم وإن قلم أربعة أظفار من يد أو رجل فما دون وجب عليه صدقة
ذكر الشيخ أبو حامد أنه إذا حلق نصف رأسه بالغداة ونصفه بالعشي وجب عليه كفارتان قولا واحدا بخلاف الطيب واللباس في اعتبار التفريق والتتابع
وحكى القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه بمنزلة الطيب واللباس في التفصيل والاختلاف
وقال ابو حنيفة وأبو يوسف إذا كانت هذه المحظورات سوى قتل الصيد في مجلس واحد وجبت كفارة واحدة كفر عن الأول أو لم يكفر وإن كانت في مجالس وجب كل واحد كفارة إلا أن يكون تكراره لمعنى واحد بأن يكون لرفض الإحرام أو لمرض
وحكي عن مالك نحو قول أبي حنيفة في الصيد ونحو قولنا فيما سواه
إذا قطع شعره في أيام في كل يوم قطع جزءا فيها ثلاثة أوجه
أحدها أنه يجب بقطع كل جزء منها فدية
والثاني أنه يجب بقطع الجزء الأول فدية ولا يجب بقطع الباقي فيها شيء
والثالث أنه يجب بقطع الجزء الأول فدية وفيما زاد صدقه حكى هذه الوجوه القاضي أبو الطيب وذكر أن الأول أظهر
وحكى في الحاوي في ذلك وجهين
أحدهما أنه يجب في قطع الجزء من الشعرة بالقسط من الواجب في الشعرة وذكر أنه الأصح
والثاني أنه يجب به فدية كاملة
فإن وطىء في الحج أو العمرة قبل التحلل فسد نسكه ويجب عليه المضي في فاسده والقضاء ويجب القضاء على الفور في أظهر الوجهين وهو ظاهر النص ويلزمه القضاء من حيث أحرم في الأداء
فإن كان قد أحرم من دون الميقات لزمه القضاء من الميقات وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة إذا كان قد أحرم من وراء الميقات جاز له الإحرام في القضاء من الميقات ويجب عليه بدنه
وقال أبو حنيفة إن كان وطئه قبل الوقوف فسد حجه ووجب عليه شاة وإن كان بعد الوقوف لم يفسد حجه ووجب عليه بدنة
وظاهر مذهب مالك الذي حكاه أصحابه كقولنا وعنه رواية شاذة أنه يفسد إحرامه بالوطىء بعد الرمي وعقد الإحرام لا يرتفع بالوطىء في الحالين
وقال داود يرتفع عند الإحرام بالوطىء بكل حال
وإن وطىء بعد رمي جمرة العقبة وقبل التحلل الثاني لم يفسد حجه ويجب عليه بدنة في أحد القولين
وقال مالك لا يفسد ما مضى غير أنه يفسد ما بقي ولكنه يمضي فيه فإذا فرغ منه أتى بأفعال عمره ويكون بدلا عما أفسده
وفي نفقة القضاء وجهان
أحدهما في مال الزوج
والثاني في مالها وفي ثمن الماء الذي تغتسل به وجهان
أحدهما على الزوج
والثاني في مالها وهل يجب عليهما أن يتفرقا في موضع الوطىء فيه وجهان
أظهرهما أنه يستحب
والثاني يجب وهو قول أحمد
وقال مالك يفترقان من حيث يحرمان
وقال أبو حنيفة لا يلزمهما الافتراق
ويجب عليه بدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فسبع من الغنم فإن لم يجده قوم البدنة دراهم والدراهم طعاما وصام عن كل مد يوما
وقال أبو إسحاق فيه قول آخر إنه مخير بين هذه الأشياء الثلاثة
وقال أحمد إنها على التخيير بين الأشياء الخمسة في إحدى الروايتين
فإن عدم الأشياء الثلاثة عدل إلى الإطعام والصيام بقيمة أحدالثلاثة على سبيل التعديل إذا قلنا إنه مخير بينهما ايما شاء وإن قلنا إنها مرتبة فبقيمة البدنة
وقال ابو العباس بل بقيمة سبع من الغنم يعدل ما ينتقل إليه ويعتبر قيمتها في الغالب لا بحالة الرخص ولا بحالة الغلاء
فإن تصدق بطعام على مساكين الحرم ففيما يعطي كل فقير وجهان
أحدهما مد
والثاني أنه غير مقدر
وفي جواز تقديم كفارة اللبس والطيب على وجوبها وجهان وفي كفارة الوطىء فيما دون الفرج وجهان
أحدهما أنها تجري مجرى فدية الأذى
والثاني تجرى مجرى جزاء الصيد وهل تجب كفارة أو كفارتان عليهما على ما ذكرناه في الصوم
وإن وطىء ثم وطىء ولم يكفر عن الأول فهل يجب بالوطىء الثاني كفارة ثانية فيه قولان
أحدهما أنه تجب به كفارة ثانية وفي الكفارة قولان
أحدهما أنه بدنة
والثاني أنها شاة
وقال أبو حنيفة فيه شاة كفر عن الأول أو لم يكفر إلا أن يتكرر ذلك في مجلس واحد أو على وجه الرفض للإحرام بأن ينوي أنه يرفض الإحرام
وقال مالك لا يجب بالوطىء الثاني شيء
وقال أحمد إن كفر عن الأول وجب في الثاني بدنة
فإن لف على ذكره خرقة وأولجه في فرج فسد حجه في أحد الوجهين ووجب عليه الكفارة
والثاني لا يجب
وقيل إن كانت خفيفة فسد
فإن قبل بشهوة وأنزل وجبت الفدية فإن وطئها بعد ذلك فهل تسقط الفدية فيه وجهان ذكره في الحاوي
وإن كان المحرم صبيا فوطىء عامدا وقلنا عمده خطأ كان كالناسي
وإن قلنا عمده عمد فسد حجه ووجبت الكفارة به
وإن وطىء العبد في إحرامه عمدا فسد ووجب عليه القضاء
ومن أصحابنا من قال لا يلزمه القضاء وهل يصح منه القضاء في حال الرق على ما ذكرناه من القولين في الصبي فإن قلنا يصح منه فهل للسيد منعه منه يبني على أن القضاء على الفور أم لا
فإن أعتق قبل التحلل في الفاسد وبعد الوقوف مضى في فاسده ثم يحج حجة الإسلام في السنة الثانية ثم يحج عن القضاء في السنة الثالثة وإن أعتق قبل الوقوف مضى في فاسده ثم يقضي ويجزئه قضاؤه عن حجة الإسلام
فإن وطىء المرأة في المحل المكروه فسد حجه وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد وفي وطىء البهيمة طريقان
أحدهما أن يفسد
والثاني أنه يبني على الحد
وقال ابو حنيفة لا يفسد حجه بجميع ذلك
فإن قبل بشهوة أو وطىء فيما دون الفرج فأنزل لم يفسد حجه ووجب عليه فدية الأذى
وقال مالك يفسد حجه إذا أنزل ويجب عليه قضاؤه وبدنة وإن لم ينزل لم يفسد فإن قبل المحرم زوجته وقد قدم من السفر ولم يقصد به الشهوة ولا التحية فهو كالتقبيل للتحية في أحد الوجهين ولا فدية عليه
والثاني أنه بمنزلة التقبيل بشهوة
فإن وطىء المعتمر قبل تحلله فسدت عمرته وعليه القضاء وبدنة
وقال ابو حنيفة إذا وطىء قبل ان يطوف أربعة أشواط فسدت عمرته ووجب عليه شاة
وقال أحمد يجب بالوطىء القضاء وشاة إذا وجد في الإحرام
وقال ابو حنيفة إذا وطىء بعد أربعة أشواط لم تفسد عمرته وعليه شاة
فصل
إذا قتل صيدا له مثل من النعم وجب عليه مثله من النعم وهي الإبل والبقر والغنم وبه قال مالك
وقال ابو حنيفة لا يلزمه ذلك وإنما يلزمه قيمة الصيد وله أن يصرف قيمته في جزاء من النعم ويجوز أن يشتري الهدي من الحرم وينحره فيه
وقال مالك لا بد أن يسوق الهدي من الحل إلى الحرم
فإن اشترك جماعة في قتل صيد وجب عليهم جزاء واحد
وقال ابو حنيفة يجب على كل منهم جزاء كامل
ويضمن الكبير بالكبير والصغير بالصغير
وقال مالك يضمن صغار أولاد الصيد بكبار النعم
والحمام وما يجري مجراه يضمن بشاة
وقال مالك إن كانت حمامة مكية ضمنها بشاة وإن كانت مجلوبة من الحل إلى الحرم ضمن قيمتها
وما هو أصغر من الحمام يضمنه بقيمته
وقال داود لا جزاء فيه
وما هو أكبر من الحمام كالقطا والبط واليعقوب والأوز ففيه قولان
أحدهما أن الواجب فيها شاة
والثاني أنها تضمن بالقيمة
وما حكمت الصحابة فيه بالمثل لا يحتاج فيه إلى اجتهاد وما لم تحكم فيه فلا بد فيه من حكمين وهل يجوز أن يكون القائل أحدهما فيه وجهان
أحدهما وهو المذهب أنه يجوز
وقال مالك لا بد من حكمين في الجميع
وإن جنى عن صيد فأزال امتناعه وقتله غيره ففيه طريقان
قال ابو العباس عليه ضمان ما نقص وعلى القاتل جزاؤه مجروحا إن كان محرما ولا شيء عليه إن كان حلالا
وقال غيره فيه قولان
أحدهما عليه ضمان ما نقص
والقول الثاني أنه يجب عليه جزاؤه كاملا
فإن كسر الصيد ثم أخذه وأطعمه وسقاه حتى عاد ممتنعا ففيه وجهان كما لو نتف ريش طائر فعاد ونبت ففي سقوط ضمانه وجهان بناء عليه إذا قلع سن من ثغر فعاد ونبت وإن لم يعد ممتنعا فهو على القولين
أحدهما يلزمه ضمان ما نقص
والثاني يلزمه جزاء كامل
ويضمن الجرادة بالجزاء
وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال لا جزاء فيها
فإن نتف ريش طائر مضمون بالجزاء فإنه يضمن ما نقص منه وما الذي يضمنه قال في موضع يضمن ما بين قيمته منتوفا وقيمته عافيا فإن كان الصيد مضمونا بالقيمة ضمن ما بين القيمتين وإن كان مضمونا بالمثل فهل يعتبر ما نقص بقسطه من المثل أو من قيمة المثل فيه وجهان بناء عليه إذا جرح صيدا فنقص من قيمته العشر على ما يأتي ذكره
إذا قتل صيدا ثم قتل صيدا آخر وجب عليه جزاءان
وقال داود لا شيء عليه في قتل الثاني
وإن جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه العشر من ثمن شاة
قال المزني عليه عشر شاة أولى بأصله واختلف أصحابنا في ذلك
فمنهم من قال ما قاله المزني صحيح والشافعي رحمه الله أراد إذا لم يجد عشر شاة فيجب عليه عشر قيمة شاة
ومنهم من قال لا يجب عليه إلا عشر ثمن شاة سواء وجد عشر شاة أو لم يجد
وقال داود لا ضمان عليه في نقصان الصيد بالجرح
ويعتبر المثل بالصيد إن أراد إخراجه وإن أراد إخراج الطعام قوم المثل دراهم واشترى بها طعاما وتصدق به
وقال مالك يقوم الصيد نفسه ويشتري بقيمته طعاما
ويجب على القارن ما يجب على المفرد من الكفارة فيما يرتكبه
وقال أبو حنيفة تجب كفارتان وفي قتل الصيد الواحد جزاءان
وإن أفسد إحرامه وجب عليه القضاء قارنا والكفارة ودم القرآنويلزمه دم في القضاء فإن قضاه مفردا جاز ولا يسقط عنه دم القرآن وبه قال أحمد إلا أنه قال لا يجب عليه دم إذا قضى مفردا
وقال ابو حنيفة يفسد إحرامه ويجب عليه شاة لإفساد الحج وشاة لإفساد العمرة وشاة للقرآن إلا أن يكون قد وطىء بعدما طاف في العمرة اربعة أشواط
فإن اضطر وعنده صيده وميتة وقلنا إن ذبحه للصيد يصيره ميتة أكل الميتة ولم يذبح الصيد
وقال أبو يوسف له أن يذبح الصيد ويأكل منه وإن كان عنده إذا ذبح الصيد صار ميتة لا يحل له ولا لغيره
فصل
ويحرم صيد الحرم على الحلال والحرام فإن ذبح الحلال صيدا في الحرم حرم عليه أكله وهل يحرم على غيره فيه طريقان
أحدهما أنه على قولين
والثاني يحرم قولا واحدا
فإن رمى من الحل إلى صيد في الحرم ضمنه بالجزاء وإن رمى من الحل إلى صيد في الحل وبينهما قطعة من الحرم فمر السهم في تلك القطعة فأصاب الصيد ففي وجوب الجزاء وجهان
فإن دخل كافر الحرم فقتل فيه صيدا ضمنه بالجزاء على ما ذكره بعض أصحابنا
قال الشيخ الإمام ابو إسحاق رحمه الله يحتمل عندي أن لا يضمنه
وحكم صيد الحرم في الجزاء والتخيير حكم صيد الإحرام
وقال أبو حنيفة لا يجوز له ذلك
ولا يجوز قطع شجر الحرم
ومن اصحابنا من قال ما أنبته الآدمي يجوز قطعه ويضمنه بالجزاء ففي الكبيرة بقرة وفي الصغير شاة
وقال مالك وداود لا يضمنه بالجزاء فإن قطع غصنا من شجرة ضمنه بما نقص فإن نبت مكانه فهل يسقط الضمان فيه قولان بناء على السن
ويحرم قطع حشيش الحرم ويجوز رعي الغنم فيه
وقال ابو حنيفة لا يجوز
ويحرم صيد المدينة وقطع شجرها فإن قتل فيها صيدا ففيه قولان
أحدهما يسلب القاتل وهو قوله القديم وبه قال مالك وأحمد وقال في الجديد لا جزاء عليه
فإذا وجب عليه دم لأجل الإحرام كدم التمتع والقران والطيب واللباس وجزاء الصيد ويجب ذبحه في الحرم وصرفه إلى مساكين الحرم فإن ذبحه في الحل وأدخله إلى الحرم ولم يتغير ففيه وجهان
أصحهما أنه لا يجزئه
فإن ذبح الهدي فسرق لم يجز عما في ذمته ويجب عليه الإعادة
قال ابو حنيفة يجزئه ولا إعادة عليه
وقال مالك لا يختص ما يجب من الفدية بالإحرام بمكان
فإن اضطر إلى قتل صيد في الحل فقتله جاز أن يهدي في الحل نص عليه الشافعي رحمه الله وبه قال أحمد
قال ابو حنيفة ينحر في الحرم ويجوز أن يفرق اللحم في الحل
باب صفة الحج والعمرة
إذا أراد دخول مكة فهو بالخيار إن شاء دخلها ليلا وإن شاء دخلها نهارا وقال النخعي وإسحاق دخولها نهارا أفضل
فإذا رأى البيت قال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام ويرفع يديه في هذا الدعاء وروي ذلك عن أحمد وكان مالك لا يرى ذلك
ويبتدىء بطواف القدوم وهو سنة
وقال ابو ثور هو نسك يجب بتركه دم
وقال مالك إن تركه مرهقا أي معجلا فلا شيء عليه وإن تركه مطيقا فعليه دم وبعض أصحاب مالك يعبر عنه بالوجوب لتأكده
ومن شرط الطواف الطهارة وستر العورة وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين
وقال أبو حنيفة ليسا شرطا في صحته واختلف اصحابه في وجوب الطهارة له
فقال ابو شجاع هي سنة ويجب بتركها دم في الطواف الواجب
وقال الرازي هي واجبة وإذا طاف محدثا أعاد الطواف إن كان بمكة وإن كان قد عاد إلى بلده فعليه شاة وإن طاف جنبا فعليه بدنة
وحكي عن أحمد أنه قال إن قام بمكة أعاد وإن رجع إلى أهله جبره بدم وهل يفتقر إلى النية فيه وجهان
وإذا أراد الطواف فإنه يبتدىء من الركن الذي فيه الحجر الأسود ويطوف بجميع البيت سبعا فيجعل البيت عن يساره ويطوف عن يمين نفسه والترتيب مستحق فيه وبه قال احمد ومالك
وقال أبو حنيفة يصح طوافه من غير ترتيب ويعيد ما دام بمكة فإن خرج إلى بلده لزمه دم
وحكي عن داود أنه قال إذا نكسه اجزأه ولا دم عليه فإن احرم بالعمرة وتحلل منها ووطىء بعدها ثم أحرم بالحج وتحلل منه ثم تيقن أنه كان محدثا في أحد الطوافين ولم يعلم في أيهما فعليه طواف وسعي ويجب عليه دم بيقين وهل يجب عليه مع ذلك دم ثان فيه وجهان
فإن ترك من الأشواط شيئا لم يعتد له بطوافه وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة إذا طاف أربع طوفات فإن كان بمكة لزمه إتمام الطواف الواجب وإن كان قد خرج جبره بدم
ويستحب أن يطوف راجلا فإن طاف راكبا جاز ولا شيء عليه
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد إن كان ذلك لعذر فلا شيء عليه وإن كان لغير عذر لزمه دم فإن حمل محرم محرما وطاف به ونويا وقع الطواف عن أحدهما ولمن يكون فيه قولان
أحدهما للمحمول
والثاني للحامل
وقال أبو حنيفة يقع لهما جميعا
ويستحب أن يستقبل الحجر ويضع شفتيه عليه ويحاذيه بجميع بدنه وهل يجزئه محاذاته ببعض بدنه فيه قولان
قال في القديم يجزئه
وقال في الجديد يجب أن يحاذيه بجميع بدنه فعلى هذا إذا حاذاه ببعض بدنه في الطوفة الأولى وتمم عليها لم تجزه الأولى وفيما بعدها وجهان
أصحهما أنها تجزىء
ويستلم الحجر ويقبله فإن لم يمكنه أن يقبله استلمه بيده وقبلها
وقال مالك يضعها على فيه ولا يقبلها
ذكر في الحاوي عن الشافعي رحمه الله أنه يستلم الحجر الأسود ويسجد عليه إن أمكنه لأن فيه تقبيلا وزيادة
وقال مالك السجود عليه بدعة فإن لم يقدر على التقبيل والاستلام إلا بمزاحمة لشدة الزحمة وكان لا يرجو زوال الزحمة أشار رافعا ليديه ويقبلها
وحكى عن طائفة أن المزاحمة للاستقبال والتقبيل أفضل
ويستلم الركن اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله
وقال ابو حنيفة لا يستلمه
وقال مالك يستلمه ولا يقبل يده وإنما يضعها على فيه
وروى الخرقي عن أحمد أنه يقبله
ولا يستلم الركنين الآخرين اللذين يليان الحجر وروى ذلك عن عمر وابن عمر ومعاوية رضي الله عنهم
وروي عن ابن عباس وابن الزبير وجابر رضي الله عنهم أنهم كانوا يستلمونها
ويستحب أن يرمل في الثلاثة الأولى ويمشي في الأربعة ويضطبع
وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال لا يعرف الاضطباع ولا رأيت أحدا فعله
فإن ترك الرمل والاضطباع جاز ولا شيء عليه
وحكي عن الحسن البصري والثوري وعبد الملك بن الماجشون أنه يجب عليه بترك ذلك دم فإن كان محمولا رمل به حامله
وحكى الشيخ أبو حامد أن للشافعي رحمه الله قولا آخر أن المريض لا يرمل به حامله
فإن طاف طواف القدوم وسعى عقيبه ورحل واضطبع فيهما فإذا طاف طواف الزيارة لم يرمل فيه ولم يضطبع ولا يسعى عقيبه فأما إذا كان قد طاف وسعى ولم يرمل ولم يضطبع فيهما فإذا طاف طواف الزيارة لم يسع عقيبه وهل يرمل ويضطبع في الطواف
ذكر الشيخ أبو حامد أنه يرمل ويضطبع
وذكر القاضي أبو الطيب في ذلك وجهين وذكر أن المذهب أنه لا يقتضيه
فإن طاف للقدوم ورمل واضطبع ولم يسع عقيبه فإنه يسعى عقيب طواف الزيارة ويرمل ويضطبع
وحكي عن أحمد أنه قال لا يضطبع في السعي بحال
فإن طاف الصبي استحب له الاضطباع في طوافه
وقال أبو علي بن أبي هريرة لا يستحب له ذلك
ويستحب له أن يقرأ القرآن في طوافه
وحكي عن مالك أنه قال يكره أن يقرأ القرآن في طوافه
وحكي عن مالك أنه قال يكره أن يقرأ في طوافه
فإن سلك في الحجر في طوافه لم يعتد به ولا بما بعده لأنه من البيت وبه قال مالك
وعند أبي حنيفة يجزئه ما بعد الحجر لأن الترتيب عنده ليس بشرط
ويأتي بالجزء الذي بقي من الحجر إن كان بمكة وإن كان قد خرج جبره بدم
فمن أصحابه من قال هو مبني على أن الترتيب ليس بشرط وأن معظم الطواف يقوم مقام جميعه
وقيل إنه مبني على أن الحجر ليس من البيت قطعا ويقينا
فإن أحدث في الطواف توضأ وبنى عليه فإن تطاول الفصل ففيه قولان
قال في القديم يبطل بالتفريق الكثير
وقال في الجديد لا يبطل ولا فرق بين عمده وسهوه
قال الشيخ أبو حامد ينبغي أن يكفر إذا سبقه الحدث وقلنا لا تبطل الصلاة وأن لا يبطل الطواف به وإن طال الفصل
وحكى القاضي أبو حامد في جامعه أن الشافعي رحمه الله قال فإن قطعه لغير عذر وزايل موضعه وهو المسجد استأنف
وقال القاضي أبو الطيب هذا يقتضي أنه إذا أحدث عمدا يبطل طوافه وإن لم يتطاول الفصل فيكون في حدث العامد قولان وإن لم يبطل الفصل وبنى في الحاوي التفريق في السعي على التفريق في الطواف فإن قلنا في الطواف لا يمنع البناء ففي السعي أولى وإن قلنا في الطواف يمنع ففي السعي وجهان
فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتين وهما واجبتان في أحد القولين وبه قال أبو حنيفة
والثاني أنهما سنتان وبه قال مالك وأحمد
والمستحب أن يصليهما عند المقام وفي أي موضع صلاهما من المسجد وغيره جاز
وقال الثوري لا يصح فعلهما إلا خلف المقام ذكره في الحاوي
فإن تركهما وقلنا بوجوبهما قضاهما في الحرم وغيره
وقال الثوري لا يصح قضاؤهما في غير الحرم
وقال مالك إن قضاهما في غير موضعهما فعليه دم ثم يسعى والسعي ركن في الحج والعمرة وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة هو واجب وليس بركن فينوب عنه الدم
وعن أحمد روايتان
إحداهما مثل قولنا
والثانية أنه مستحب وليس بواجب
ويستجب له أن يرقأ على الصفا حتى يرى الكعبة ويستقبلها ويكبر فإذا نزل من الصفا مشى حتى إذا كان دون الميل الأخضر المعلق بنحو من ستة أذرع سعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس فإذا بلغ المروة رقأ عليها وصنععليها ما صنع على الصفاء يحسب ممره ذلك له مرة ثم يرجع إلى الصفا فيحسب رجوعه مرة ثانية
وقال أبو بكر الصيرفي لا يحسب ممره ورجوعه إلا مرة واحدة
وحكى عن ابن جرير الطبري أنه أفتى به وتابعه الصيرفي
فإن لم يصعد على الصفا والمروة أجزأه
وحكي عن أبي حفص بن الكيول أنه قال لا يصح سعيه حتى يصعد على الصفا والمروة ليستوفي السعي بينهما
والترتيب معتبر في السعي فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة فإن بدأ بالمروة وختم بالصفا لم يعتد به
وقال أبو حنيفة يعتد به
ثم يخرج إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت بها إلى أن يصلي الصبح فإذا طلعت الشمس على ثبير سار إلى الموقف والمبيت في هذه الليلةإنما هو للاستراحة فإذا زالت الشمس في اليوم التاسع خطب خطبة خفيفة ويجلس ثم يقوم إلى الخطبة الثانية ويأخذ المؤذن في الأذان والإمام في الخطبة الثانية حتى يكون فراغ الإمام مع فراغ المؤذن
وحكي في الحاوي عن أبي حنيفة أنه يؤذن المؤذنون قبل الخطبة فتكون خطبته بعد الأذان كالجمعة ثم يقيم ويصلي الظهر ويقيم ويصلي العصر فيجمع بينهما وهل يجوز لأهل مكة الجمع بين هاتين الصلاتين
هو على القولين في السفر القصير
ومن جاء بعد صلاة الإمام يجمع
وقال أبو حنيفة لا يجمع إلا مع الإمام والجمع عنده بحكم النسك
ومكان الوقوف ما جاوز وادي عرفة إلى الجبال القابلة إلى عرفة مما يلي حوائط بني عامر وطريق الحضر وما جاوز ذلك فليس من عرفة فلا يعتد بالوقوف فيه
وحكى الشيخ أبو حامد عن مالك أنه قال إذا وقف بعرفة أجزأه ولزمه دم
وزمان الوقوف إذا زالت الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فإن أدرك الوقوف في جزء من هذا الزمان فقد أدرك الحج
وقال مالك إن لم يقف في جزء من الليل لم يجزه
والأفضل أن يجمع بين النهار والليل في الوقوف فإذا غابت الشمس دفع وكيف حصل بعرفة قائما أو جالسا أو مجتازا عالما بكونها عرفة أو جاهلا أجزأه
وحكى ابن القطان عن أبي حفص بن الوكيل أنه إذا وقف بعرفة جاهلا بكونها عرفة لم يجزه وليس بشيء فإن وقف مغمى عليه لم يصح وقوفه فإن كان نائما صح وقوفا
وحكى ابن القطان في النائم وجها آخر أنه يجزئه وليس بشىء
وحكى في المجنون والمغمى عليه آخر أفضل وبه قال أحمد
قال في القديم الوقوف راكبا أفضل وبه قال أحمد
وقال في الأم لا مزية للركوب على غيره
فإن شهد واحد برؤية هلال ذي الحجة أو اثنان ورد الحاكم شهادتهما فإنهما يقفان يوم التاسع بحكم رؤيتهما وإن وقف الناس العاشر عندهما كما قلنا في صوم رمضان
وحكي عن محمد بن الحسن أنه قال لا يجزئه حتى يقف مع الناس اليوم العاشر
فإذا غربت الشمس دفع إلى المزدلفة فإن دفع قبل غروب الشمس وعاد قبل طلوع الفجر إلى الموقف فلا شيء عليه
وإن عاد بعد طلوع الفجر جبره بدم وهذا الدم واجب في أحد القولين وهو قول أبي حنيفة وفي الثاني مستحب
وقال أحمد إن رجع وأقام حتى غربت الشمس لم يجب عليه شيء وإن رجع ليلا وجب عليه دم ويجمع بالمزدلفة بين المغرب والعشاء في وقت العشاء يقيم لكل واحدة منهما وهل يؤذن للأولى على الأقوال في الفوائت وإن صلى كل واحدة منهما في وقتها جاز وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف
وقال أبو حنيفة ومحمد لا يجزئه ذلك
ويبيت بالمزدلفة وهو نسك وليس بركن
وحكي عن الشعبي والنخعي أنه ركن فإن لم يبت بها وجب عليه دم في أحد القولين وهو إحدى الروايتين عن احمد
وقال مالك ولا يجب على القول الثاني وهو الرواية الثانية عن أحمد
وقال أبو حنيفة إذا كان بها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس فلا شيء عليه وإن دفع قبل طلوع الفجر فعليه دم
ويقطع التلبية مع أول حصاة من رمي جمرة العقبة
وقال مالك يقطع التلبية بعد الزوال من يوم عرفة
ولا يجوز الرمي بغير الحجارة وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض
وقال داود يجوز الرمي بكل شيء حتى لو رمى بعصفور ميت لأجزأه
ويرمي يوم النحر وآخر أيام التشريق راكبا وفي اليومين الآخرين راجلا
وقال مالك يرمي في أيام منى راجلا
وإن رمى بما قد رمي به كره وأجزأه
وحكي عن احمد أنه قال لا يجزئه
وعن المزني أنه قال لا يجزئه أن يرمي بما رمى هو به
فإن رمى حصاة فوقعت على ثوب إنسان فنفضها فوقعت في المرمى لم تجزه
وقال أحمد يجزئه
وحكى الشيخ أبو حامد رحمه الله وجها آخر نحوه
وإن رمى حصاة نحو المرمى ولم يعلم هل وقعت في المرمى أم لا لم يجزه في قوله الجديد وهو أصح القولين
وإن رمى حصاة فوقعت في الجمرة ثم ازدلفت لحدتها وقوتها حتى سقطت وراء الجمرة أجزأه في أصح الوجهين
وإن رمى حصاة فوقعت على مكان أعلى من الجمرة فتدحرجت إلى المرمى لم يجزه في أحد القولين وكذا إذا وقعت دون المرمى ثم تدحرجت إلى المرمى فعلى وجهين
والمستحب أن يرمي بعد طلوع الشمس فإن رمى قبل طلوع الفجر وبعد نصف الليل أجزأه وبه قال عطاء وأحمد
وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز الرمي إلا بعد طلوع الفجر الثاني
وقال مجاهد والنخعي والثوري لا يجوز الرمي إلا بعد طلوع الشمس
ويختار أن لا يرمي عن المريض والعاجز إلا من قد رمى عن نفسه فإن رمى عن المريض أولا ثم عن نفسه أجزأه عن نفسه وأيهما يجزى عن نفسه
ذكر في الحاوي فيه وجهين وهل يجزىء عن المريض فيه وجهان
فإذا فرغ من الرمي ذبح هديا إن كان معه ثم يحلق وما يفعله في يوم النحر أربعة أشياء الرمي والنحر والحلق والطواف والمستحب أن يأتي بها على هذا الترتيب فإن قدم الحلاق على النحر جاز وإن قدمه على الرمي وقلنا إنه نسك فلا شيء عليه وإن قلنا استباحة محظور لزمه دم
وقال أبو حنيفة إن كان مفردا فلا شيء عليه وإن كان قارنا أو متمتعا وجب عليه دم
وقال مالك إذا قدمه على النحر لا شيء عليه وإن قدمه على الرمي لزمه دم
وقال أحمد هذا الترتيب واجب
فإن قدم الحلاق على الذبح أو الرمي ساهيا أو جاهلا فلا شيء عليه وإن كان عامدا ففي وجب الدم روايتان
والحلق أفضل من التقصير والأفضل أن يحلق جميع رأسه وأقله ثلاث شعرات
وقال أبو حنيفة يحلق الربع
وقال مالك يحلق الكل أو الأكثر بناء على مسح الرأس
ولا فرق في التقصير بين ما يحاذي الرأس وبين ما نزل منه وقيل لا يجزئه إلا التقصير المحاذي للرأس فإن كان قد لبد شعره لم يجزه إلا الحلق على قوله القديم وفي قوله الجديد وهو الصحيح يجزئه التقصير
وإذا أراد الحلق بدأ الحالق بشقه الأيمن
وقال أبو حنيفة يبدأ بشقه الأيسر فاعتبرنا يمين المحلوق واعتبر يمين الحالق
فإن لم يكن على رأسه شعر استحب أن يمر الموسى عليه
وقال أبو حنيفة لا يستحب ذلك
نحر الهدي في موضع التحلل يكون فإن كان معتمرا فعند المروة وإن كان حاجا فبمنى بعد رمي جمرة العقبة وحيث نحر من فجاج مكة أجزأهما
وقال مالك لا يجزىء المعتمر النحر إلا عند المروة والحاج إلا بمنى
فصل
ثم يطوف طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج وأول وقته من نصف الليل ليلة النحر وأفضله ضحى نهار يوم النحر وآخره غير مؤقت وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة أول وقته من حين طلوع الفجر الثاني من يوم النحر وآخره اليوم الثاني من أيام التشريق فإن أخره إلى اليوم الثالث وجب عليه دم وإذا رمى وطاف وحلق فقد حصل له التحللان وحل له كل شيء فإن قلنا إن الحلاق نسك حصل له التحلل الأول باثنين منالثلاثة وحصل له التحلل الثاني بالثالث وإن قلنا إن الحلاقة استباحة محظور حصل له التحلل الأول بواحد من اثنين الرمي والطواف وحصل له التحلل الثاني بالثالث منهما
وقال أبو سعيد الإصطخري إذا دخل وقت الرمي حصل له التحلل الأول وإن لم يرم وفيما يحل له بالتحلل الأول والثاني قولان
أصحهما أنه يحل له بالأول جميع المحظورات إلا الوطىء ويحل بالثاني الوطىء
والقول الثاني أنه يحل له بالأول كل شيء إلا الطيب والنكاح والاستمتاع بالنساء وقتل الصيد فإنها تحل بالثاني
وجملة ما يحرم بالإحرام تسعة الطيب اللباس وحلق الشعر وقلمالظفر وقتل الصيد واللمس بشهوة والوطىء فيما دون الفرج والوطىء في الفرج وعقد النكاح
ذكر الشيخ أبو نصر رحمه الله أن الوطىء لا يحل بالتحلل الأول قولا واحدا واللباس وحلق الشعر وقلم الظفر يحل به قولا واحدا وفي النكاح واللمس بشهوة والوطىء فيما دون الفرج وقتل الصيد قولان
واختلف أصحابنا في الطيب
فمنهم من قال هو كاللباس
ومنهم من قال هو كالنكاح
فإن نوى بطوافه الوداع دون طواف الزيارة وقع عن طواف الزيارة وكذا لو نوى طواف نفل
وقال أحمد لا يقع عن فرضه ويفتقر إلى تعيين النية
ثم يرجع إلى منى فيرمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق في كل يوم ثلاث جمرات كل جمرة سبع حصيات بعد الزوال فيرمي الجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف
ويقف ويدعو الله عز وجل بقدر سورة البقرة ثم يرمي الوسطىويقف ويدعو مثل ذلك ثم يرمي الثالثة وهي جمرة العقبة ولا يقف عندها ويجب رميها على هذا الترتيب وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة إذا رمى منكسا أعاد فإن لم يفعل فلا شيء عليه وقال يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال استحسانا
وروى الحاكم أنه يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الأول والثاني أيضا والأول أشهر
فإن نسي رمي يوم فهل يأتي به في اليوم الذي يليه فيه قولان
أحدهما يأتي به فيه فإن كان عليه رمى اليوم الأول فزالت الشمس في اليوم الثاني قبل أن يرميه فإنه يرمي وينوي عن اليوم الأول ثم يرمي وينوي عن اليوم الثاني فإن بدأ فنوى بالرمي عن اليوم الثاني ففيه وجهان
أحدهما أنه يقع عن الأول
والثاني أنه لا يقع عن واحد منهما فإن قلنا بالقول الثانيإن رمى كل يوم مؤقت بيومه فترك رمي اليوم الأول ففيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يسقط الرمي إلى الدم
والثاني أنه يقضي الرمي ويلزمه معه دم
والثالث أنه يقضي الرمي ولا شيء عليه
فإن نسي رمي يوم النحر ففيه طريقان
أحدهما أنه كرمي أيام التشريق فيرمي رمي يوم النحر في أيام التشريق وهلى قوله الآخر يكون على الأقوال الثلاثة في رمي اليوم الأول إذا تركه
والطريق الثاني أنه يسقط رمي يوم النحر قولا واحدا
فإن ترك حصاة ففيها ثلاثة أقوال
أحدها ثلث الدم
والثاني مد
والثالث درهم وإن ترك رمي يوم وجب عليه دم وإن ترك رمي الأيام الثلاثة وقلنا إنها بمنزلة اليوم الواحد وجب دم واحد في الكل وإن قلنا رمي كل يوم مؤقت بيومه وجب لرمي كل يوم دم فإن ترك معها جمرة العقبة أيضا وقلنا بأحد الطريقين أن حكمه حكم رمي أيام التشريق في جواز رميه فيها وجب عليه دم واحد للكلوإن قلنا رمي يوم النحر منفرد بنفسه ورمي أيام التشريق شيء واحد وجب به دم وبها دم
وإن قلنا كل يوم من أيام التشريق له حكم نفسه وجب عليه أربعة دماء فيكون فيها ثلاثة أقوال في الجملة دم ودمان وأربعة دماء
فإن ترك المبيت ليلة بمنى أو ليلتين كان على الأقوال في الحصاة والحصاتين فإن كان له عذر من غير السقاية والرعي بأن يكون له بمكة مال يخاف ضياعه إن بات بمنى أو به مرض فشق عليه المبيت معه فهل يجوز له ترك المبيت كالرعاء وأهل السقاية فيه وجهان
أصحهما أنه يجوز
نزول المحصب ليلة الرابع عشر مستحب وليس بنسك فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال هو نسك وحكي ذلك عن أبي حنيفة
ويستحب أن يخطب الإمام يوم النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة لا يستحب الخطبة في هذا اليوم
وله أن ينفر قبل غروب الشمس ولا يرمي اليوم الثالث فإن أقام حتى غربت الشمس وجب عليه أن يبيت حتى يرمي من الغد
وقال أبو حنيفة له أن ينفر ما لم يطلع الفجر وحكي عن الحسن البصري
وقال داود إذا دخل عليه وقت العصر لم ينفر
فإن رحل من منى فغربت الشمس وهو راحل قبل انفصاله منها لم يلزمه الإقامة وإن كان مشغولا بالتأهب فغربت الشمس ففيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه المقام
فإن حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة لم تنفر حتى تطهر وتطوف ولا يلزم الجمال حبس الجمال عليها بل ينفر مع الناس وتركب غيرها مكانها
وقال مالك يلزمه حبس الجمال عليها أكثر الحيض وزيادة ثلاثة أيام ذكر ذلك في الحاوي
إذا فرغ من أفعال الحج وأراد الإقامة بمكة فلا وداع عليه وبه قال أبو يوسف
وقال أبو حنيفة إذا نوى الإقامة بعدها حل له النفر الأول لم يسقطعنه طواف الوداع
أركان الحج أربعة الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الزيارة والسعي بين الصفا والمروة
وواجباته الإحرام من الميقات والرمي وفي الوقوف بعرفة إلى أن تغرب الشمس والمبيت بالمزدلفة وبمنى ليالي الرمي وطواف الوداع قولان وما سوى ذلك سنة
وحكي عن عبد الملك بن الماجشون أن رمي جمرة العقبة ركن
فالأركان لا يتحلل من الحج دون الإتيان بها والواجبات إذا تركها لزمه دم جبران والسنن لا يلزمه بتركها شيء
والأيام المعلومات عشر ذي الحجة والمعدودات أيام التشريق وبه قال أحمد
وروي عنه أنه حكي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال هي أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق واستحسنه
وقال مالك المعلومات ثلاثة يوم النحر ويومان بعده
وقال أبو حنيفة هي ثلاثة يوم عرفة ويوم النحر واليوم الأول من أيام التشريق
باب الفوات والإحصار
من أحرم بالحج فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج وعليه أن يتحلل بعمل عمرة وهو الطواف والسعي والحلق ويسقط المبيت والرمي وعليه هدي وبه قال أبو حنيفة إلا في الهدي فإنه لم يوجب عليه
وقال أبو يوسف ينقلب إحرامه عمرة ويتحلل بها
وقال المزني رحمه الله لا يسقط المبيت والرمي كما لا يسقط الطواف والسعي وروي ذلك عن عمر وإليه ذهب مالك
وحكي في الحاوي عن مالك في إحدى رواياته أنه يبقى على إحرامه حتى يقف بعرفة من العام القابل فيتم حجه
وفي وقت وجوب الهدي وجهان
أحدهما أنه يجب في سنة القضاء
والثاني أنه يجب في سنة الفوات
وحكى أبو حامد في التعليق في وقت إخراجه قولين
وهل يجب القضاء على الفور على ما ذكرناه في الإفساد فإن كان قارنا ففاته الحج لزمه قضاؤه وفي العمرة قولان
أحدهما لا قضاء عليه فيها ويجزئه عن عمرة الإسلام
والثاني يجب عليه قضاؤها كما يجب قضاء الحج
فإن أحصره عدو عن الوقوف أو الطواف والسعي وكان له طريق آخر يمكنه الوصول فيه لزمه قصده بعد أم قرب ولم يجز له التحلل فإن سلكه ففاته الحج تحلل بعمل عمرة وفي وجوب القضاء قولان
أحدهما لا يجب ويروى عن مالك وعطاء
والثاني يجب
وقال أبو حنيفة عليه أن يقضي حجه وعمرة
وإن لم يكن له طريق آخر فإنه يجوز له التحلل ويلزمه شاة
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه لا يتحلل إلا أن يكون العدو كافرا
وقال مالك يتحلل ولا شيء عليه
وقال أبو حنيفة إن كان قد أحصر عن الوقوف والبيت جميعا جاز له التحلل وإن أحصر عن الوقوف دون البيت أو عن البيت بعد الوقوف فإنه لا يجوز له التحلل
وإن كان محرما بالعمرة فأحصر جاز له التحلل منها
وقال مالك لا يجوز له التحلل منها
فإن أحصر عن البيت وأمكنه الوصول إلى الحرم لزمه أن ينحر في الحرم في أصح الوجهين
وقال أبو حنيفة لا يجوز له النحر إلا في الحرم فيواطىء رجلا يحمل الهدي ويؤقت له وقتا لينحر فيه فيتحلل في ذلك الوقت
وإن لم يجد الهدي فهل له بدل فيه قولان
أحدهما أنه لا بدل له فعلى هذا هل يقيم على الإحرام إلى أن يجد الهدي أو يتحلل في الحال فيه قولان
أحدهما يتحلل في الحال
والثاني أنه يقيم على الإحرام والقول الثاني له بدل وفي البدل ثلاثة أقوال
أحدها أن بد له الإطعام
والثاني الصيام
والثالث أنه مخير بينهما
فإن قلنا بدله الإطعام ففيه وجهان
أحدهما إطعام بالتعديل
والثاني إطعام فدية الأذى لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع
وإن قلنا بدله الصيام ففيه ثلاثة أوجه
أحدها صيام التمتع
والثاني صيام التعديل
والثالث صيام فدية الأذى
وإن قلنا إنه مخير خير بين صيام فدية الأذى وبين إطعامها فيطعم ويتحلل
وإن لم يجد الإطعام فهل يتحلل أو لا يتحلل متى يجد الطعامعلى القولين في الهدي وإن قلنا يصوم فهل يتحلل قبيل الصوم فيه وجهان
فإن تحلل وكان في حج تقدم وجوبه بقي الوجوب في ذمته وإن كان في حج تطوع أو في سنة الإمكان لم يلزمه القضاء
وقال أبو حنيفة يلزمه القضاء في كل حال
وإن كان الحصر خاصا بأن حبسه غريمه ففي وجوب القضاء قولان
أحدهما لا يلزمه
والثاني يلزمه
فأما إذا أحصره مرض فإنه لا يجوز له التحلل وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يجوز له التحلل
فإن أحرم العبد بغير إذن مولاه صح إحرامه وله أن يحلله
وقال أهل الظاهر لا ينعقد إحرامه
فإن ملكه المولى مالا وقلنا يملكه تحلل بالهدي وإن لم يكن له هدي فهو كالحر المسعد يتحلل بالصوم وهل يتحلل قبل الهدي أو الصوم على القولين
ومن أصحابنا من قال يجوز للعبد أن يتحلل قبل الصوم والهدي قولا واحدا
وإن أحرم بإذن مولاه لم يجز له أن يحلله فإن باعه وهو محرم ولم يعلم المشتري بحاله فله الخيار فإن رضي به لم يكن له أن يحلله
وقال أبو حنيفة له ذلك بناء على أصله
فأما الأمة فإنها كالعبد إلا أن يكون لها زوج فيعتبر إذن الزوج مع المولى
وحكى ابن سماعة عن محمد أنه لا يعتبر إذن المولى دون الزوج
وأما المكاتب إذا أحرم بغير إذن سيده ففيه طريقان
أحدهما أنه على القولين في سفر التجارة
والثاني أنه له أن يمنعه قولا واحدا
فأما المرأة إذا أحرمت بغير إذن زوجها فإن كان تطوعا كان له أن يحللها وإن كان فرضا ففيه قولان
أحدهما أن له أن يحللها وله أن يمنعها من ابتدائه وبه قال مالك وأبو حنيفة
والقول الثاني أنه ليس له أن يحللها
وذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله في التعليق في حج التطوع وإذا أحرمت بغير إذنه من أصحابنا من قال له أن يحللها قولا واحدا ومنهم من قال فيه قولان كحجة الإسلام والأول أصح
وللأبوين منع الولد من حج التطوع فإن أحرم به بغير إذنهما فهل لهما أو لأحدهما تحليله فيه قولان كالزوجة الحرة
فإن أعتق العبد وهو محرم أو بلغ الصبي وهو محرم فإن كان قبل الوقوف أو في حال الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام وإن كان بعد فوات وقت الوقوف لم يجزه وإن كان بعد الوقوف وقبل فوات وقته ولم يرجع إلى الموقف لم يجزه عن حجة الإسلام على الصحيح من المذهب
وقال أبو العباس بن سريج يجزئه
وقال مالك لا ينقلب حجهما فرضا بحال
فإن أفسد العبد الحج قبل الوقوف لزمه إتمامه ولزمه القضاء كالحر
وحكى بعض أصحابنا أنه لا قضاء عليه تخريجا من الصبي يفسد الحج قبل البلوغ
فهل للسيد أن يمنعه من القضاء فيه وجهان
فإن أحرم بالحج وشرط أن يتحلل منه لعرض صحيح بأن يقول إذا مرضت تحللت ففيه طريقان
أحدهما أنه على قولين
أحدهما ان الشرط لا يثبت
والثاني يثبت
والطريق الثاني أن الشرط صحيح قولا واحدا لحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنهما
فإن شرط إنه إذا مرض صار حلالا فمرض صار حلالا في أحد الوجهين
ومن أصحابنا من قال لا يتحلل إلا بالهدي بكل حال فإن تحلل بحكم الشرط فهل يجب عليه به دم فيه وجهان
أحدهما يجب عليه دم كما لو تحلل بالإحصار بالعدو
والثاني وهو منصوص الشافعي رحمه الله أنه لا دم عليه
فإن أحرم ثم ارتد بطل إحرامه في إحدى الوجهين وهو قول أبي حنيفة
والثاني لا يبطل فيعود إلى الإسلام ويبني عليه
باب الهدي
يستحب لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا أن يهدي إليها من بهيمة الأنعام وينحره بها ويفرقة فيها ويستحسنه ويستسمنه فإن كان من الإبل أو البقر استحب أن يشعره في صفحة سنامها الأيمن ويقلده نعلين وبه قال مالك وأبو يوسف إلا أنهما قالا يشعرها في الجانب الأيسر
وقال أبو حنيفة الإشعار محرم
ويقلد الغنم
وقال مالك لا يستحب تقليد الغنم ولا يصير محرما بتقليدها
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يصير محرما بتقليدها
فإن كان الهدي تطوعا فهو باق على ملكه وتصرفه إلى أن ينحره
وحكي عن بعض أصحاب مالك أنه قال يصير بالإشعار والتقليد واجبا حتى أنه لو كان قد أحرم بالعمرة وساق هديا تطوعا ثم أحرم بالحج لم يجز أن يصرفه إلى قرانه وإن كان الهدي منذورا زال ملكه عنه وصار للمساكين فلا يجوز له بيعه ولا إبداله بغيره
وقال أبو حنيفة يجوز له بيعه وإبداله بغيره
ويجوز له أن يشرب من لبنه ما يفضل عن ولده
وقال أبو حنيفة لا يجوز أن يشرب من لبنه شيئا بل يرش على الضرع الماء حتى ينقطع اللبن إذا لم يكن هناك ولد
وحكم الأضحية المنذورة حكم الهدي في ذلك وما وجب من الدماء جبرانا لا يجوز أن يأكل منه
وقال أبو حنيفة يجوز أن يأكل من دم التمتع والقران لأنه عنده نسك
وقال مالك يجوز أن يأكل من جميع الدماء الواجبة إلا جزاء الصيد وفدية الأذى
وإن عطب الهدي نحره وغمس نعله في دمه وضرب به صفحته ولا يجوز أن يأكل منه وهل يجوز لفقراء الرفقة الأكل منه فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يجوز ومن يمر به بعد ذلك هل يجوز له الأكل منه بالعلامة من غير سماع الإباحة من المهدي على قولين
أحدهما أنه يباح له بالعلامة
والثاني لا يباح
فإن أخر ذبحه حتى مات أو أتلفه ضمنه بأكثر من الأمرين من قيمته أو هدي مثله
وقال أبو حنيفة يضمنه بقيمته لا غير
فإن كانت قيمته أكثر من هدي مثله اشترى هديا وينظر في الزيادة
فإن أمكنه ان يشري بها هديا آخر لزمه ذلك فإن لم يمكنه أن يشتري بها هديا آخر ففيها ثلاثة أوجه
أحدها أنه يشتري بها جزءا من حيوان يشارك فيه غيره ويذبحه
والثاني أن يشتري بها اللحم
والثالث أن يتصدق بالفضل
ذكر في الحاوي إنا إذا قلنا يشتري به جزءا من حيوان كان حكمه حكم الهدايا والضحايا وإن قلنا إنه يشتري بها لحما أو يفرق الزيادة فهل يسلك به مسلك الهدايا فيه وجهان
أحدهما أنه يسلك به مسلك الهدايا
والثاني أنه يختص به الفقراء فلا يجوز أن يأكل منه شيئا
وإن أتلفه أجنبي من غير تفريط من جهة المهدي وجبت عليه القيمة فإن زادت القيمة على هدي مثله كان في الزيادة ما ذكرناه من الوجوه وإن لم تبلغ قيمته هديا مثله فهو على الأوجه المتقدمة
وحكى في الحاوي في المهدي وجهين
أحدهما ما ذكرناه
والثاني أنه يلزمه هدي
وإن ذبحه أجنبي بغير إذنه وقع الموقع ويلزمه أرش ما نقص من قيمته
وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه
وقال مالك لا يجزى عنه يلزمه هدي بدله او أضحية إن كانت أضحية وله على الأجنبي الأرش وتكون شاة لحم
وحكم الأرش عندنا ما ذكرناه في الزيادة
وحكي في الحاوي في هذا الأرش ثلاثة أوجه
أحدها أن يكون للمهدي
والثاني أنه للمساكين خاصة
والثالث أنه يسلك به مسلك الضحايا
فإن ذبح رجلان كل واحد منهما أضحية الآخر وفرق لحمها لم يجزه وضمن كل واحد منهما قيمة أضحية صاحبه له وفي القيمة وجهان
أحدهما وهو قول الجمهور أنه يضمن قيمتها قبل الذبح
والثاني وهو قول أبي علي بن أبي هريرة انه يضمن أكثر الأمرين من قيمتها حية او قيمة لحمها بعد الذبح لتعديه بالتفرقة وهو الأظهر
ويكره ذبحها ليلا
وقال مالك لا يجزىء ذبحها ليلا حكاه في الحاوي
فإن ضل الهدي المعين فهل يجب عليه مثله فيه قولان
احدهما يجب
والثاني لا يجب
فإن عين هديا عما في ذمته تعين وزال ملكه عنه وحكمه حكم المعين ابتداء وهل يتبعه الولد الحادث فيه وجهان
أصحهما أنه يتبعه
فإن حدث به عيب يمنع الإجزاء أو عطب فنحره عاد الواجب إلى ذمته وهل يعود ما نحره إلى ملكه فيه وجهان
أحدهما يعود إلى ملكه فيجوز له اكله ثم ينظر فإن كان الذي عينه أعلى مما في ذمته ففيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه مثل ما عينه
والثاني أنه يهدي مثل الذي في ذمته
باب الأضحية
الأضحية سنة مؤكدة وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة هي واجبة على المقيمين من أهل الأمصار ويعتبر في وجوبها النصاب وهو قول مالك والثوري ولم يعتبر مالك الإقامة
ووقت الأضحية إذا طلعت الشمس من يوم النحر ومضى قدر صلاة العيبد والخطبتين صلى الإمام أو لم يصل
فمن أصحابنا من قال يعتبر قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبتيه وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة قاف واقتربت الساعة وقد نص الشافعي رحمه الله على ذلك
ومن أصحابنا من قال يعتبر قدر ركعتين خفيفتين أقل ما تكون صلاة عامة وخطبتين خفيفتين
ومن أصحابنا من قال وقت الأضحية كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بفعل الصلاة والخطبتين وبعده يدخل وقتها بقدر الصلاة والخطبتين
وقال عطاء يدخل وقتها إذا طلعت الشمس
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد من شرط صحة الأضحية أن يصلي الإمام ويخطب إلا أن أبا حنيفة قال يجوز لأهل السواد ان يضحوا إذا طلع الفجر الثاني وآخر وقتها آخر أيام التشريق
وقال أبو حنيفة ومالك وقت الأضحية يوم النحر ويومان بعده
قال سعيد بن جبير يجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصة ولأهل السواد فيه وفي أيام التشريق
وقال ابن سيرين لا يجوز التضحية إلا في يوم النحر خاصة
وحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي وقتها من يوم النحر إلى آخر ذي الحجة فإن كانت الأضحية واجبة لم يسقط بفوات أيام التشريق ويذبحها وتكون قضاء
وقال أبو حنيفة يسقط الذبح ويدفعها إلى الفقراء فإن ذبحها وفرق لحمها ضمن ما نقصت بالذبح
وحكي في الحاوي قال بعض الفقهاء ينتظر بها إلى مثل وقتها من العام المقبل كما ينتظر بفوات الحج قضاؤه في مثل وقته
فإذا ذبحها كان حكمها حكم ما في وقتها
وقال أبو علي بن أبي هريرة إنها تكون للمساكين خاصة لا يأكل منها شيئا
ومن دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي فالمستحب أن لا يحلق شعره ولا يقلم أظفاره وقد روي في الخبر أن لا يمس شعره ولا بشره شيئا
فمن أصحابنا من قال أراد بالشعر شعر الرأس وبالبشرة شعر البدن فعلى هذا لا يدخل منه قلم الظفر ولا يكره
وقيل المراد بالشعر جميع الشعر وبالبشرة الأظفار
ومن أصحابنا من قال لا تثبت الكراهة في ذلك إلا بعد تعيين الأضحية من ماشيته أو سواها والمذهب الأول
وقال أبو حنيفة لا يكره ذلك بحال
وقال أحمد يحرم ذلك
ولا يجزىء في الأضحية إلا الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ولا يجزىء إلا الثني من الإبل والبقر والمعز ويجزىء الجذع من الضأن
والثني من الإبل ما له خمس سنين ودخل في السادسة ومن البقر والغنم ما له سنتان ودخل في الثالثة
وحكي عن الزهري أنه قال لا يجزىء الجذع من الضأن أيضا
وقال الأوزاعي يجزىء الجذع من جميع الأجناس
والبدنة أفضل من البقرة والبقرة أفضل من شاة والشاة أفضل من مشاركة ستة في بدنة أو بقرة والضأن أفضل من المعز وبه قال أبو حنيفة وأحمد
وقال مالك الجذع من الضأن أفضل من الثني من البقر ثم الثني من الإبل
ولا يجزىء ما فيه عيب ينقص اللحم كالعمياء والجرباء والعرجاء التي تعجز عن المشي في المرعى
وحكي في الحاوي عن بعض أهل الظاهر أنه قال تجزىء العمياء
ذكر في الحاوي في المريضة مرضا يسيرا أن الشافعي رحمه الله أشار في القديم أنها لا تجزىء
وقال في الجديد تجزىء
وذكر في الحاوي أيضا أن العجز إن كان لمرض لم يجز وإن كان لغير مرض أجزأ وليس بشيء
ويكره الجلحاء وهي التي لم يخلق لها قرن والعصماء وهي التي انكسر غلاف قرنها والعضباء وهي التي انكسر قرنها والشرقاء وهي التي تثقب من الكي إذنها والخرقاء التي شق بالطول إذنها ويجزىء جميعها وبه قال أبو حنيفة
وقال مالك إن كانت العضباء يخرج من قرنها الدم لم يجز
وقال النخعي وأحمد لا تجوز التضحية بالعضباء
وتكره التضحية بمقطوعة الإذن وتجزىء
وقال أحمد لا يجوز التضحية بها
والمستحب أن يذبح أضحيته بنفسه فإن استناب يهوديا او نصرانيا في ذبحها كره وأجزأه
وقال مالك لا تكون أضحية
فإن اشترى شاة بنية الأضحية لم تصر أضحية
وقال أبو حنيفة تصير أضحية
ويستحب أن يسمي الله عز وجل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
وقال مالك وأبو حنيفة تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الذبح
وقال أحمد ليس بمشروع وحكاه في الحاوي عن أبي علي بن أبي هريرة من أصحابنا أنه لا يستحب ولا يكره
ويستحب ان يقول اللهم منك وإليك تقبل مني
وقال أبو حنيفة يكره ذلك
وحكي في الحاوي وجها آخر أنه لا يستحب ولا يكره
وإذا ذبح الأضحية وكانت تطوعا استحب له أن يأكل منها
وحكي عن بعض الناس أنه قال الأكل منها واجب وحكاه في الحاوي عن أبي حفص بن الوكيل وليس بشيء
وقال أبو الطيب بن سلمة الأكل واجب والصدقة واجبة
وفي قدر الأفضل في الأكل قولان
أحدهما أن الأفضل أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف
وقال في الجديد يأكل الثلث ويهدي الثلث ويتصدق بالثلث
وأما الجواز
فقد قال أبو العباس بن سريج وابن القاص يجوز أن يأكل الجميع
ومن أصحابنا من قال يجب أن يبقي منه قدر ما يقع عليه اسم الصدقةفإن أكل الجميع لم يضمن على قول أبي العباس شيئا ويضمن على قول سائر أصحابنا وكم قدر ما يضمن فيه وجهان
أصحهما أنه يضمن أقل ما يجزىء
والثاني أنه يضمن القدر المستحب بناء على القولين فيه إذا فرق سهم الفقراء على اثنين كم يضمن للثالث
وحكي في الحاوي وجها آخر عن أبي إسحاق المروزي وأبي علي ابن أبي هريرة أنه يضمن جميعها بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها فحصل في قدر ما يضمنه أربعة أوجه
احدها الجميع
والثاني النصف
والثالث الربع
والرابع أقل ما يجزىء
فإن كان ما ذبحه وجب عليه عن نذر مجازاة لم يجز أن يأكل منه فإن أكل منه شيئا ضمنه وفيما يضمنه به الأوجه الثلاثة التي تقدم ذكرها في الهديفإن كان قد التزمه بنذر مطلق ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئا
والثاني أنه يجوز أن يأكل منه
والثالث أنه إن كان أضحية جاز له الأكل منه وإن كان هديا لم يجز قال أقضى القضاة الماوردي والأصح عندي أنه ينظر إلى المنذور فإن كان مستعينا لم يضمن في الذمة كقوله لله علي أن أضحي بهذه البدنة جاز له أن يأكل منها وأن كان مضمونا في الذمة كقول لله علي أن أضحي بدنة فلا يجوز أن يأكل منها وليس لما ذكره معنى يعول عليه
فإن أخر الأضحية فتلفت في يد المستأجر لم يضمنها المستأجر وضمنها المؤجر ويضمن المستأجر الأجرة وفي قدر ما يضمنه وجهان
أظهرهما أنه يضمن أجرة المثل
والثاني وهو قول أبي علي بن ابي هريرة أنه يضمن أكثر الأمرين من الأجرة المسماة أو أجرة المثل ثم قال ماذا يصنع بهذه الأجرة فيه وجهان
أحدهما أنه يسلك بها مسلك الأضحية
والثاني أنها تصرف إلى الفقراء والمساكين
ولا يجوز بيع شيء من الهدي والأضحية نذرا كان أو تطوعا وحكي في جواز تفرد المضحي بجلد الأضحية وجهان
أحدهما يجوز
والثاني لا يجوز حتى يشارك فيه الفقراء
وقال الأوزاعي يجوز بيع جلودها بآلة البيت التي تعار كالفأس والقدر والمنخل والميزان
وقال عطاء لا بأس بيع أهب الأضاحي وقال ابو حنيفة إذا ذبحها جاز له بيع ما شاء منها والتصدق بثمنه فإن باع جلدها بآلة البيت جاز له الانتفاع به
ويجوز أن يشترك السبعة في بدنة وفي بقرة سواء كانوا متقربين أو بعضهم يريد اللحم أهل بيت واحد كانوا أو متفرقين
وقال مالك إن كان متطوعا جاز إذا كانوا أهل بيت واحد
وقال ابو حنيفة إذا كانوا متقربين جاز
وقال إسحاق بن راهويه البدنة عن عشرة والبقرة عن عشرة
وحكم الهدايا والضحايا سواء إلا في المحل فإن الهدايا تحمل إلى الحرم والضحايا تكون في كل بلد وهل يتعين البلد ذكر فيه وجهان بناء على القولين في نقل الصدقة فإن ضلت الأضحية في أيام النحر وقد مضى بعضها وبقي بعضها فهل يكون مفرطا فيه وجهان
أحدهما أنه لا يكون مفرطا
والثاني أنه مفرط
فإن ولدت الأضحية تبعها ولدها فيذبحهما جميعا فإن تصدق بأحدهما وأكل الآخر فهل يجوز فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا يجوز حتى يتصدق من كل واحد منهما ويأكل
والثاني أنه يجوز ذلك
والثالث أنه إن تصدق بالأم وأكل الولد جاز وإن تصدق بالولد وأكل الأم لم يجز
فإن التزم أضحية معينة سليمة من العيوب فحدث بها عيب لم يمنع اجزاءها
وقال أبو حنيفة يمنع
فإن أوجب أضحية معيبة فزال عيبها فهل تجزئه فيه قولان
قال في الجديد لا تجزىء
وقال في القديم تجزىء
ويجوز الادخار من لحوم الأضاحي واختلف أصحابنا في قوله صلى الله عليه وسلم إنما نهيتكم من أجل الدافة يعني عن الإدخار
فمنهم من قال هو نهي تحريم على العموم في المدينة التي دفت البادية إليها وفي غيرها يحرم ادخار لحم الأضاحي بعد ثلاث في جميع البلاد
وعليه جميع المسلمين وكانت الدافة سببا للتحريم ثم وردت الإباحة بعده نسخا للتحريم فعلى هذا إذا قدم إلى بلد لم يحرم فيه ادخار الأضاحي
والوجه الثاني أنه نهي تحريم خاص لمعنى حادث اختص بالمدينة ومن فيها دون غيرهم لنزول الدافة فيهم ثم ارتفع التحريم بارتفاع علته فعلى هذا اختلف أصحابنا إذا حدث مثل ذلك في زماننا فدف ناس إلى بلد هل يحرم على أهله ادخاره فيه وجهان
أحدهما أنه يحرم عليهم كما حرم على أهل المدينة
والثاني لا يحرم
فأما العبد إذا ضحى بإذن مولاه عن نفسه وقلنا إنه يملك صح ذلك وليس للسيد أن يرفع فيها بعد الذبح فأما قبل الذبح فإن كان قبل إيجاب الأضحية وتعيينها صح رجوعه فيها وإن كان بعد إيجابها وتعيينها لم يجز
قال الشيخ الإمام أيده الله وعندي أنه لا فرق بينما قبل الذبح وبين ما بعده فيما ذكره من الرجوع وعدمه ويجوز أن يختلف الإيجاب والتعيين وعدم الإيجاب
وأما المكاتب إذا أذن له المولى في التضحية ففيه قولان
قال الإمام أيده الله إن ذلك يبنى على أن تبرعات المكاتب بإذن المولى هل تصح أم لا
فصل في العقيقة
العقيقة سنة وهو ما يذبح عن المولود
وقال أبو حنيفة ليست بسنة
وقال الحسن البصري وداود هي واجبة
ووقت الذبح اليوم السابع وفي أول وقت جوازه وجهان
أحدهما من يوم الولادة
والثاني بعد يوم الولادة
ويستحب أن يذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة
وقال مالك شاة عن الغلام أيضا
وفي كسر عظمها وجهان
أحدهما وهو قول البغداديين
والثاني لا يكره وهو قول البصريين
ولا يمس رأس المولود بدم العقيقة
وقال قتادة تؤخذ صوفة من صوفها فيستقبل بها أوداجها ثم تجعل على يافوخ الصبي حتى يسيل ثم يغسل
باب النذر
يصح النذر من كل مسلم بالغ عاقل ولا يصح نذر الكافر وقيل يصح ولا يصح النذر إلا بالقول فيقول لله علي كذا أو علي كذا
وقال في القديم إذا اشترى بدنة وقلدها ونوى أنها هدي أو أضحية صارت هديا وأضحية
وخرج ابو العباس وجها آخر أنه يصير هديا وأضحية بمجرد النية
فإن قال إن اشتريت شاة فلله علي أن أجعلها أضحية فاشتراها لزمه أن يجعلها أضحية وهو نذر مضمون في الذمة غير متعلق بعين فلزم
وإن قال إن اشتريت هذه الشاة فلله علي أن أجعلها أضحية ففيه وجهان
أحدهما أنه يغلب حكم التعيين فلا يلزمه
والثاني أنه يلزمه والفرق بين المسألتين في الوجهين لا يتحقق
ونذر المعاصي لا يصح ولا يلزم به قربة كنذر صوم يوم والعيد وأيام التشريق وأيام الحيض وغير ذلك
وحكى الربيع أن المرأة إذا نذرت صوم ايام حيضها لزمها كفارة يمين
وقال أبو حنيفة ينعقد نذره بصوم العيد وأيام التشريق غير أنه لا يجوز أن يصوم المنذور فيها فإن صامه صح
فإن نذر الصلاة في أوقات النهي فقد حكي فيه ثلاثة أوجه
أحدها وهو اختيار الشيخ الإمام ابي إسحاق أنه لا يصح نذره
والثاني أنه يصح نذره ويجوز أن يصليها في هذا الوقت
والثالث أنه ينعقد نذره على القضاء في غيره دون الوفاء فيه
وإن نذر ذبح ولده لم ينعقد نذره ولم يلزم به شيء وبه قال أبو يوسف
وقال أبو حنيفة ومحمد يلزمه ذبح شاة وكذا إذا نذر ذبح نفسه
وإن نذر ذبح والده أو عبده لم يلزمه شيء
وعن أحمد روايتان
إحداهما أنه يلزمه ذبح كبش
والثانية أنه يلزمه كفارة يمين وحكي ذلك عن سعيد بن المسيب
فإن قال لله علي صوم أو صلاة لزمه ذلك في أظهر الوجهين وهو قول أبي العباس بن سريج وابي سعيد الإصطخري وأبي علي بن أبي هريرة
والثاني لا يلزمه وهو قول أبي إسحاق المروزي وابي بكر الصيرفي
وإن نذر قربة في لجاج بأن قال إن كلمت فلانا فلله علي صوم أو صلاة أو صدقة بماله خير بين كفارة يمين أو بين الوفاء بما التزمه
ومن أصحابنا من قال إن كانت القربة حجا أو عمرة لزمه الوفاء به
وقال ابو حنيفة يلزمه الوفاء به بكل حال إن لم يكن له مال فإن كان صدقة بمال لزمه أن يتصدق بالمال الزكاتي
وقال مالك يلزمه أن يتصدق بثلث ماله وبه قال الزهري
وقال النخعي وعثمان البتي يتصدق بجميع ماله الزكاتي وغير الزكاتي
وقال ربيعة يلزمه أن يتصدق من ماله بقدر الزكاة
وقال جابر بن زيد بن الشعثاء إن كان ماله كثيرا لزمه أن يتصدق بعشره وإن كان وسطا تصدق بسبعه وإن كان قليلا تصدق بخمسه والكثير الفان والوسط الف والقليل خمس مائة
وحكي عن الحكم وحماد أنهما قالا لا يلزمه شيء
فإن نذر أن يتصدق بماله لزمه أن يتصدق بجميعه
وقال ابو حنيفة يتصدق بالمال الزكاتي
وإن نذر أن يعتق رقبة أجزأه ما يقع عليه اسم الرقبة على ظاهر المذهب
وقيل لا يجزئه إلا ما يجزىء في الكفارة وأصله القولان فيه إذا نذر هديا
قال في القديم يهدي ما شاء ما يقع عليه الاسم
وقال في الجديد لا يجزئه إلا ما يجزىء في الأضحية وهو قول أبي حنيفة وأحمد
فإن نذر أن يهدي بدنة أو بقرة أو شاة أجزأه على القول الأول ما يقع عليه الاسم
وعلى القول الثاني لا يجزئه إلا ما يجزىء في الأضحية
فإن نذر أن يهدي شاة فأهدى بدنة أجزأه وهل يكون جميعها واجبا فيه وجهان
أحدهما أن جميعها واجب
والثاني أن سبعها واجب
فإن نذر بدنة وهو واجد لها تعينت عليه في احد الوجهين فإن لم يجد بدنة فبقرة فإن لم يجد انتقل إلى سبع من الغنم
ومن اصحابنا من قال ثبتت البدنة في ذمته إلى أن يقدر عليها
والوجه الثاني أنه يتخير بينها وبين البقرة وبين السبع من الغنم
فإن نذر بدنة من الإبل تعينت عليه فلا تجزئه البقرة والغنم وجها واحدا كذا ذكره الشيخ أبو نصر رحمه الله
فإن عدمت الإبل فالمنصوص عليه أنه يجزئه البقرة بالقيمة فإن كانت قيمتها كقيمة البدنة من الإبل أجزأت وإن كانت أقل أخرج الفضل ولم يعتبر القيمة إذا أطلق
ومن اصحابنا من قال تجب البدنة في ذمته كذا حكى الشيخ أبو نصر رحمه الله ولم يحك في البدنة المطلقة ذلك
وذكر بعض أصحابنا أنه إذا نذر بدنة من الإبل فلا بدل لها في أحد الوجهين
وفي الثاني لها بدل
وفي حكم انتقاله إليه وهو البقرة وجهان
أحدهما ينتقل من غير اعتبار قيمة فإن لم يجد بقرة انتقل إلى سبع من الغنم فإن لم يجد لم ينتقل إلى صيام ولا إطعام
والوجه الثاني أنه يعدل إلى البقرة بأكثر الأمرين منها أو قيمة البدنة وكذا في انتقاله من البقرة إلى الغنم وفي القيمة التي تعتبر في الانتقال إلى الغنم ثلاثة أوجه
أحدها أنه يعتبر أكثر الأمرين من قيمة البدنة أو سبع من الغنم
والثاني أنه يعتبر اكثر الأمرين من قيمة البقرة أو سبع من الغنم
والثالث أنه يعتبر أكثر الثلاثة من قيمة البدنة أو البقرة أو سبع من الغنم
فإن نذر أن يهدي إلى الحرم لزمه ذلك وفيه إذا أطلق وجهان
أظهرهما أنه يلزمه أن يهدي إلى الحرم
والثاني أنه لا يتعين الحرم فيهدي حيث شاء فعلى هذا إذا نذر أن يهدي لرتاج الكعبة أو عمارة مسجد صرفه فيما نذره وإن لم يعين ما يصرفه فيه بل نذر أن يهدي ففيه وجهان
أحدهما أنه يصرفه فيما شاء من القرب
والثاني أنه يصرفه إلى الفقراء والمساكين في البلد الذي نذر ان يهدي إليه
ومن أصحابنا من حكى أنه إذا قال لله علي أن أجعل هذا المتاع هديا لزمه نقله إلى الحرم وإن قال لله علي أن أهدي هذا المتاع ولم يجعلههديا فقد تقابل فيه عرف اللفظ وهو الهدية بنية الهبة وعرف الشرع فإن لم يكن له نية ففيه وجهان
أحدهما أنه يحمل على عرف الشرع
والثاني أنه يحمل على عرف اللفظ
فإن نذر هديا للكعبة صرف في مصالحها فإن نذر هديا لأهل الحرم صرف إلى المساكين وهل يصرف منه إلى ذوي القربي فيه وجهان
وإن نذر النحر في الحرم لزمه النحر فيه وهل يلزمه تفرقة اللحم فيه فيه وجهان
أصحهما أنه يلزمه النحر والتفرقة في الحرم
والثاني أن له التفرقة في غير الحرم
وإن نذر النحر في الحرم والتفرق على أهل الحل لزمه التفرقة على مساكين الحل وهل يلزمه النحر في الحرم فيه قولان حكاهما أبو علي ابن أبي هريرة
وإن نذر النحر في بلد غير الحرم ففيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه النحر وتفرقة اللحم
والثاني أنه لا يصح نذره
وذكر في الحاوي أنه إذا نذر النحر بالبصرة وتفرقة اللحم بها لزمه تفرقة اللحم بالبصرة وهل يلزمه النحر بها فيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه النحر بها كما لو نذر النحر في الحرم
والثاني لا يلزمه النحر بها
وإن نذر النحر بالبصرة وأطلق ففيه ثلاثة اوجه
أحدها أنه يلزمه النحر بالبصرة والتفرقة بها
والثاني يلزمه النحر في البصرة والتفرقة حيث شاء
والثالث أنه ينحر حيث شاء ويفرق في البصرة
وإن نذر النحر مطلقا ففيه قولان بناء على نقل الزكاة من بلد المال إلى غيره وفي هذا البناء في هذه الصور نظر وإن نذر الصلاة لزمه أن يصلي ركعتين في اظهر القولين وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد ويلزمه في القول الثاني ركعة
وإن نذر صلاة في المسجد الحرام تعين عليه فعلها فيه وإن نذر صلاة في المسجد الأقصى ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لزمه ذلك في اصح القولين
وقال ابو حنيفة لا يتعين الصلاة بالنذر في مسجد بحال
فإن نذر صوم سنة بعينها لزمه صومها متتابعا فإن كان الناذر امرأة فحاضت فهل تقضي أيام حيضها فيه قولان
أحدهما أنه يلزمها قضاؤها
والثاني أنه لا يلزمها
وإن أفطر في هذه السنة لمرض فهل يقضي ذلك فيه وجهان وإن أفطر لسفر لزمه قضاؤه وجها واحدا فإن كان قد شرط التتابع في صوم هذه السنة فأفطر من غير عذر لزمه الاستئناف وإن أفطر لمرض فهل يلزمه الاستئناف فيه قولان وإن أفطر لسفر وقلنا ينقطع التتابع بالمرض ففي السفر أولى وإن قلنا لا ينقطع بالمرض ففي السفر وجهان
وإن نذر صوم سنة مطلقة وشرط فيها التتابع كان الحكم فيها على ما ذكرناه وإن نذر صوم كل اثنين لم يلزمه قضاء أثانين رمضان وفيما يوافق أيام العيد قولان
أصحهما أنه لا يقضيها
فإن لزمه صوم شهرين متتابعين ثم نذر صوم كل اثنين فإنه يصوم الشهرين ويقضي الأثانين التي تقع فيهما كما لو سبق نذر الأثانين
وقيل لا يلزمه قضاء الأثانين في هذا النذر
فإن نذر صوم يوم بعينه وأفطر لعذر قضاه
وقال مالك إذا افطر لمرض لم يلزمه قضاؤه
فإن نذر صيام عشرة أيام مطلقة وشرط أن يصومها فصامها متتابعة ففيه وجهان
أظهرها أنه يجزئه فإن قال لله علي أن أصوم عشرة ايام جاز أن يصومها متتابعا ومتفرقا
وقال داود يلزمه أن يصومها متتابعا
فإن نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان ففي صحة نذره قولان
أحدهما أنه صح نذره وهو اختيار القاضي أبي الطيب رحمه الله واختيار المزني
والثاني لا يصح وهو اختيار الشيخ أبي حامد
فإن قلنا يصح نذره وكان الناذر في يوم قدومه صائما صوم التطوع فإنه يتمه ويقضي عن نذره وهل يلزمه إتمامه فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يتحتم إتمامه
وإن كان صائما فيه صوم قضاء أو كفارة لزمه إتمامه عن فرضه وهل يلزمه قضاؤه عن ذلك الفرض فيه وجهان
أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه يلزمه قضاؤه
والثاني وهو قول ابي علي بن أبي هريرة أنه يستحب له قضاؤه ولايجب وعليه أن يقضي صوم النذر للقدوم وإن كان صائما يوم القدوم عن فرض متعين كصوم رمضان والنذر المعين أكمل صومه عن فرضه ولم يلزمه قضاؤه ويستحب له قضاؤه ويقضي عن النذر هذا كله ذكره في الحاوي
قال الشيخ الإمام أيده الله وعندي أن ذكر القضاء للصوم الذي وافق يوم القدوم لا وجه له واجبا ولا مستحبا لأنه يعتد به عما شرع فيه لا خلاف فيه وموافقة النذر له ما أوجبت خللا فيه محال وكذا إيجاب الإتمام في التطوع لا وجه له فإنه لم يخرج عن كونه تطوعا والزمان لا حرمة له في نفسه
فإن نوى صيام غد عن نذر القدوم وهو على ثقة من قدومه فيه فقدم فيه فهل يجزئه صيامه حكى فيه في الحاوي وجهين
أظهرهما أنه يجزئه
والثاني لا يجزئه وليس بشيء
وإن نذر اعتكاف اليوم الذي يقدم فيه فلان صح نذره فإن قدم نهارا لزمه اعتكاف بقية النهار وهل يلزمه قضاء ما مضى منه فيه وجهان
أحدهما لا يلزمه
والثاني يلزمه وهو اختيار المزني
وإن قدم فلان وهو محبوس أو مريض فالمنصوص أنه يلزمه القضاء
وقال القاضي ابو حامد وأبو علي الطبري لا يلزمه
وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام لزمه المشي إليه بحج أو عمرة ومن أي موضع يلزمه المشي فيه وجهان
أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه يلزمه ذلك من دويرة أهله
والثاني أنه يلزمه من الميقات وهو قول عامة أصحابنا ويلزمه أن يمشي إلى أن يتحلل التحلل الثاني في الحج فإن فاته لزمه أن يقضيه ماشيا وهل يلزمه المشي في فائتة فيه قولان
فإن حج راكبا لعجزه عن المشي فهل يلزمه دم فيه قولان
ومن أصحابنا من حكى في وجوب المشي والركوب إلى بيت الله الحرام إذا نذرهما ثلاثة أوجه
أحدهما أنه لا يتعين واحد منهما بالنذر ونسبه إلى أحمد
والثاني أنه يلزمه الأمران بالنذر
والثالث أنه يلزمه المشي بالنذر ولا يلزمه الركوب به
فإن قلنا بوجوبهما فترك أحدهما إلى الآخر فهل يلزمه الجبران فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا يجب بواحد منهما جبران
والثاني أنه يجبر كل واحد منهما بدم إذا تركه إلى الآخر
والثالث أنه يجب بترك المشي إلى الركوب دم ولا يجب عليه بتركه الركوب إلى المشي وذكر في الفدية وجهين
أحدهما فدية ترك الإحرام من الميقات
والثاني فدية الحلق
فإن نذر الحج ماشيا في العام المقبل فإنه يلزمه الحج فيه وهل يجوز له تقديمه عليه فيه وجهان فإن أحرم به ففاته ففي وجوب قضائه قولان
أحدهما أنه يقضيه كغير المصلين فإن أخر الإحرام عن عامه ففي وجوب قضائه قولان أيضا
وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام لا حاجا ولا معتمرا ففيه وجهان
أحدهما أنه لا ينعقد نذره
والثاني أنه ينعقد ويلزمه المشي بحج أو عمرة
ذكر في الحاوي أنا إذا قلنا يصح نذره ففي الشرط وجهان
أحدهما أنه باطل
والثاني أن الشرط صحيح ولا يلزمه الإحرام بحج ولا عمرة فعلى هذا فيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه أن يضم إلى قصد البيت عبادة من صلاة أو صيام أو اعتكاف أو طواف ليصير القصد قربة
ذكر في الحاوي أنه إذا نذر قصد بيت الله الحرام ولم يكن لهنية حج ولا عمرة فالذي عليه الجمهور أنه يلزمه القصد بحج أو عمرة
وقال ابو علي بن أبي هريرة يبني على اختلاف قول الشافعي رحمه الله فمن أراد دخول الحرم من غير الخطأ به بغير إحرام هل يجوز أم لا
فإن قلنا لا يجوز له دخوله إلا بإحرام بحج أو عمرة انصرف نذره إليه ها هنا
وإن قلنا لا يلزمه الإحرام لدخوله ففي تعلق نذره ها هنا بالإحرام وجهان تخريجا من اختلاف قوله فيمن نذر المشي إلى المسجد الأقصى وهذا التخريج وإن كان محتملا فهو مخالف لنص الشافعي رحمه الله
وقال ابو حنيفة لا يلزمه القصد بحجة ولا عمرة إلا فيه إذا نذر المشي إلى بيت الله الحرام فأما نذر القصد والذهاب إليه فلا يلزمه به الإحرام
وإن نذر المشي إلى بقعة من الحرم لزم المشي إليها بحج أو عمرة وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد
وقال أبو حنيفة لا يلزمه مشي وإنما يلزمه إذا نذر المشي إلى بيت الله الحرام أو إلى مكة أو إلى الكعبة استحسانا
وإن نذر المشي إلى المسجد الأقصى أو إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يلزمه فيه قولان
قال في الأم لا ينعقد نذره وبه قال أبو حنيفة
والثاني ينعقد نذره وبه قال أحمد ومالك
ذكر في الحاوي أنا إذا قلنا يصح نذره فهل يلزمه مع المشي عبادة فيه وجهان
أحدهما أنه لا يلزمه غير قصدهما
والثاني أنه يلزمه أن يضيف إلى ذلك عبادة فعلى هذا فيما يلزمه من العبادة وجهان
أحدهما أنه يضيف إليه ما شاء من صوم أو صلاة
والثاني أنه يلزمه أن يصلي فيهما وهل يلزمه المشي إليه فيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه المشي
والثاني أنه يجوز له الركوب فإن قلنا يلزمه المشي فركب هل يجزئه فيه وجهان
أحدهما لا يجزئه وعليه إعادة قصده إليه ماشيا
والثاني يجزئه إذا قلنا أنه يلزمه أن يضيف إليه عبادة فيه ويصير هو المقصود بالنذر ولا يلزمه أن يجب بدم كالإحرام لاختصاص الإحرام بذلك فأما إذا نذر الصلاة فيه فإنه يلزمه في أظهر الوجهين
فإن نذر الصلاة في مسجد الخيف ولم يكن من أهل الحرم انعقد نذره وفيما ينعقد به نذره وجهان
أحدهما أنه ينعقد بما ذكره من الصلاة في الحرم إذا قيل يجوز دخول الحرم بغير إحرام وفي تعيين بعض الصلاة في مسجد الخيف وجهان
والوجه الثاني أنه يلزمه بنذره قصد الحرم بحجة أو عمرة إذا قيل لا يجوز دخوله بغير إحرام فعلى هذا في التزام ما عقد عليه نذره من الصلاة فيه وجهان
أحدهما أنه لا يلزمه الصلاة لأن الشرع نقل نذره إلى غيره
والثاني أنه يلزمه
قال الشيخ الإمام فخر الإسلام رحمه الله وعندي أنه يلزمه الصلاة بالنذر وقصد الحرم بإحرام إذا نذر الصلاة فيه لأنه إذا لزمه ذلك بنذر المشي إليه والقصد فلأن يلزمه ذلك بنذر الصلاة فيه اولى
فإن نذر المشي إلى بيت الله ولم يقل الحرام ولا نواه فالمذهب أنه يلزمه المشي إلى بيت الله الحرام وهو ظاهر ما نقله المزني وظاهر ما قاله الشافعي رحمه الله في الأم
ونقل القاضي أبو حامد في جامعه أنه لا يلزمه
فإن قال لله علي أن أمشي ولم يكن له نية شيء فلا شيء عليه
وحكي عن أحمد أنه قال إذا نذر فعلا مباحا انعقد نذره وكان بالخيار بين الوفاء به وبين الكفارة
فإن نذر الهدي لأهل الحرم وكان ممن يمكن تفرقته عليهم فرقة فيهم وإن كان الهدي متاعا لا يمكن تفرقته عليهم كاللؤلؤ والجواهر وغير ذلك كان حقهم في قيمته وهل يلزمه بيعه وتفرقة الثمن أم يجوز له دفع قيمته فيه وجهان مخرجان من القولين في العبد الجاني هل يفديه السيد بقيمته أو بثمنه
فإن قلنا يفديه بقيمته كان للناذر صرف قيمته إليهم ولا يبيعه
وإن قلنا عليه بيع العبد الجاني لأنه ربما زيد في الثمن لزم هذا الناذر بيع هذا المتاع
قال الشيخ الإمام رحمه الله وعندي أن هذا بناء بعيد لأن هذا الهدي للحرم أخرجه إلى الله تعالى فلا يجوز أن يبقي حقه فيه ولا يجوز أن يشتريه من نفسه لنفسه والعبد الجاني ما صار مستحقا للمجني عليه وإنما تعلق حقه به تعلق الارتهان ولهذا له أن يفديه بارش الجناية ولا يلزمه البيع وها هنا لا بد من البيع في أحد الوجهين ولهذا لو كان فيما يمكنه نقله وتفرقته عليهم لوجب نقله وتفرقته فقد صار مستحقا لهم غير أنه تعذر نقله إليهم وتفرقته فيهم فتعين البيع فأما أن يدفع هو القيمة فلا
باب الأطعمة
يحل من الدواب دواب الأنس كالخيل وهو قول أحمد وإسحاق وابي ثور وابي يوسف ومحمد
وقال ابو حنيفة يكره كراهة يتعلق بها مأثم ولا يقول إنها محرمة
ولا تحل البغال والحمير
وحكي عن الحسن البصري أنه قال هي حلال
وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما إباحة الحمر الأهلية
وفي السنور البري وجهان
ويحل أكل الضبع والثعلب من الوحوش وبه قال أحمد وعنه رواية أخرى في الثعلب خاصة
وقال أبو حنيفة لا يحل أكلها
وقال مالك يكره اكلها
ويحل اليربوع وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة لا يحل
ويحل القنفذ
وقال ابو حنيفة وأحمد لا يحل
والوبر مباح وهو دويبة أنبل من ابن عرس كحلاء العينين وابن عرس حلال خلافا لأبي حنيفة وأحمد
والضب حلال وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة لا يحل
وفي ابن آوى وجهان
أحدهما لا يحل
والثاني يحل
والشاة الجلالة هي التي يكون أكثر علفها العذرة اليابسة يكره أكلها ولا يحرم
وقال أحمد يحرم لحمها ولبنها وكذا الدجاجة يحرم لحمها وبيضها وتحبس وتعلف علفا طاهرا حتى تزول رائحة النجاسة فتحل عنده وتزول الكراهة عندنا
وقال بعض أهل العلم يحبس البعير والبقرة أربعين يوما والشاة سبعة ايام والدجاجة ثلاثة أيام وقيل سبعة وكذا نقول في الزروع التي تطرح فيها النجاسة وتروى بها
وذكر في الحاوي إذا كان قد تغير رائحة لحمها بالنجاسة تغيرا كثيرا ففي إباحة أكله وجهان حكاهما أبو علي بن ابي هريرة
أحدهما أنه مباح
والثاني انه حرام وعلى هذا إذا ارتضع الجدي من كلبة أو خنزيرة حتى نبت لحمه منه كانت إباحته على الوجهين
ولا يحل ما يتقوى بنابه كالأسد والنمر والذئب وبه قال أبو حنيفة وأحمد
وقال مالك يكره ذلك ولا يحرم وكذا قال في الكلب واختلف في علة التحريم في نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع
فعلل الشافعي رحمه الله بما قوي بنابه وعدا عن الحيوان
وقال ابو إسحاق من اصحابنا هو ما كان عيشه بنابه دون غيره ولا يأكل إلا ما يفترس من الحيوان
وقال ابو حنيفة هو ما فرس بنابه وإن لم يبتد بالعدوى وعاش بغير نابه
ويحرم آكل حشرات الأرض كالفار والخنافس والعناكب والوزغ والعظاء واللحكاء وهي دويبة كالسمكة تسكن الرمل صيفا صقيلة الجلد يعرض مقدمها ويدق مؤخرها إذا احست بإنسان غاصت في الرمل
وقال مالك يكره ذلك ولا يحرم
ويحرم من الطير ما له مخلب والمستخبث كالغراب الأبقع والأسود الكبير وفي الغداف وهو صغير الجسم لونه لون الرماد وجهان
أحدهما يحل وهو قول أبي حنيفة وكذا غراب الزرع ويسمى الزاغ
وما عدا المنصوص عليه فإنه يرجع فيه إلى العرب من أهل الريف والقرى فما استطابته حل أكله وما استخبثته حرم أكله
وما كان في بلاد العجم ولم يكن له شبه فيما يحل ولا فيما يحرم فيه وجهان
أحدهما أنه يحل وهو قول أبي العباس وابي علي الطبري
والثاني أنه لا يحل
فأما إذا اتفق ما استطابه قوم من العرب واستخبثه قوم فإنه يرجع فيه إلى الأشبه فإن استويا في الشبه ففيه وجهان من اختلاف أصحابنا في الأشياء قبل الشرع هل هي على الحظر ام على الإباحة
قال الشيخ الإمام فخر الإسلام رحمه الله وعندي أن هذا بناء فاسد وينبغي أن يحرم
وأما حيوان الماء فالسمك منه حلال والضفدع حرام
قال القاضي ابو الطيب رحمه الله وكذلك النسناس لأنه يشبه الآدمي
قال الشيخ أبو حامد رحمه الله والسرطان مثله وفيما سوى ذلك وجهان
أحدهما يحل والثاني أن ما أكل مثله في البر حل وما لا يحل مثله في البر لا يحل
ومن أصحابنا من قال لا يحل من حيوان الماء إلا السمك وما كان من جنسه وهو قول أبي حنيفة
فإن قلنا أنه يحل جميعه فإنه يحل إذا أخرجه إلى البر وإن بقي اليوم واليومين فإن شاء تركه حتى يموت وإن شاء استعجل قتله ومن قال يحل ما كان يحل مثله في البر اعتبر فيه الذكاة
وقال أحمد في إحدى الروايتين عنه أنه لا يحل ما عدا السمك إلا بذكاة
ومن قال يحل السمك فسواء مات بسبب أو بغير سبب فإنه يحل وبه قال مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة إذا مات بسبب حل وإن مات بغير سبب لم يحل وإن مات بسبب حر الماء أو برده فقد اختلفت الرواية عنه
ويحل الجراد ولا فرق بين أن يموت بسبب وبين أن يموت من غير سبب
وقال مالك لا يحل إلا إذا مات بسبب وهو إحدى الروايتين عن أحمد
وحكى أصحابنا عن مالك أنه يعتبر قطف رأسه فإن أخذ السمك الصغار فبلغه حيا
فقد قال ابن القاص يحل وقال الشيخ أبو حامد لا يحل لأنه تهذيب له وكذا قال لا يحل طبخه قبل موته
فأما إذا ضرب سمكة فانقطع منها قطعة وأفلت باقيها حيا هل يحل أكل هذه القطعة فيه وجهان ذكرهما أبو علي بن ابي هريرة
أظهرهما أنه يحل
وإن وجد سمكة في جوف سمكة وانفصلت الداخلة وقد تغير لحمها ففي إباحة أكلها وجهان
فأما السمك الصغار الهاربي الذي يقلى من غير أن يشق جوفه فقد قال أصحابنا لا يجوز أكله لأن رجيعه نجس
قال الشيخ أبو نصر غير أن يشق إخراجه
فصل
ومن اضطر إلى أكل الميتة أو لحم الخنزير جاز له أكله وهل يجب عليه أكله فيه وجهان
أصحهما أنه يجب وهل يجوز أن يشبع منها فيه قولان
أحدهما أنه لا يجوز وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني
والقول الثاني أنه يجوز أن يشبع وهو قول مالك وإحدى الروايتين عن أحمد
وإن اضطر إلى إطعام غيره وصاحبه غير مضطر إليه وجب عليه بذله له فإن طلب منه أكثر من ثمن مثله وامتنع من بذله له فاشتراه منه بذلك فهل يلزمه الزيادة فيه وجهان
أحدهما يلزمه
والثاني لا يلزمه
واختار أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي تفصيلا خلاف الوجهين
فقال ينظر فإن كانت الزيادة لا تشق عليه ليساره فهو في بذلها غير مكره فيلزمه وإن كانت شاقة عليه لإعساره فهو مكره في بذلها فلا تلزمه
قال الإمام أبو بكر وهذا عندي خلاف القياس ولا وجه للتفرقة بين الموسر والمعسر في الزيادة فإن الموسر لا يلزمه قبول الزيادة ويجوز له الانتقال إلى أكل الميتة ولا يلزم صاحب الطعام بذله من غير ثمن إما في ذمته إن رضي بذمته أو بمال في يده إذا كان في يده مال
وحكي عن بعض الناس أنه قال يلزمه بذله من غير ثمن وحكاه في الحاوي عن بعض اصحابنا فإن امتنع من بذله كان له مكابرته على أخذه وقتاله قدر ما يكاثره عليه قولان
فإن وجد ميتة وطعام الغير وصاحبه غائب ففيه وجهان
واحدهما أنه يأكل طعام الغير ويضمن قيمته
والثاني أنه يأكل الميتة وبه قال أحمد
وإن وجد ميتة وصيدا وهو محرم ففيه طريقان
أظهرهما أنا إذا قلنا إنه إذا ذبح الصيد صار ميتة أكل الميتة وإن قلنا لا يصير ميتة ذبح الصيد وأكله
ومن اصحابنا من قال إذا قلنا لا يصير ميتة ففيه قولان
وإن وجد المحرم صيدا وطعام الغير ففيه ثلاثة أوجه
أحدها يأكل الصيد
والثاني يأكل طعام الغير
والثالث يتخير بينهما
وإن اضطر ولم يجد ما يأكله فهل يجوز أن يقطع من بدن نفسه ويأكله فيه وجهان
قال أبو إسحاق يجوز
والثاني لا يجوز
فإن اضطر إلى شرب الخمر ففيه ثلاثة اوجه
أحدها أنه لا يجوز شربها
والثاني يجوز وهو قول أبي حنيفة
والثالث أنه لا يجوز شربها للعطش ويجوز شربها للدواء
وقيل بالعكس من ذلك
فإن وجد آدميا ميتا جاز له أن يأكل منه
وقال احمد لا يأكل منه وحكي ذلك عن داود
ولا يجوز استعمال الخنزير في غرز ولا غيره ومتى اصاب شيئا رطبا نجسه
وقال اصحاب ابي حنيفة يجوز استعماله في الحرز
إذا وقعت نجاسة في دهن جامد ألقيت وما حولها وإن كان مائعا نجس جميعه ولا يجوز أكله ولا بيعه ويجوز الاستصباح به
وقال قوم من أصحاب الحديث لا يجوز الاستصباح به
وقال داود إن كان سمنا فذلك حكمه وإن كان غيره لم ينجس
وذكر في الحاوي إذا وجد المضطر ميتة مأكول اللحم وغير مأكول أو ميتة حيوان طاهر في حال حياته وميتة حيوان نجس ففيه وجهان
أظهرهما أنه يتخير بينهما
والثاني يأكل ميتة المأكول الطاهر وليس بشيء
وإن مر ببستان غيره وهو غير مضطر لم يجز أن يأكل من ثمره شيئا بغير إذنه
وقال أحمد إذا مر ببستان فيه ثمرة رطبة غير محوطة جاز له أن يأكل منه في إحدى الروايتين وأما السواقط تحت الأشجار من الثمار
إذا لم تكن محوزة وجرت عادة أهلها بإباحتها فهل تجرى العادة في ذلك مجرى الإذن حكى في الحاوي وجهين
أحدهما أن العادة تجرى فيه مجرى الإذن فيجوز له الأكل
فإن استضاف مسلم بمسلم لم يكن به ضرورة لم يجب عليه إضافته وإنما يستحب
وقال احمد يجب
ولا يحرم كسب الحجام ويكره للحر أن يكتسب بالصنائع الدنيئة ولا يكره للعبد
وحكي عن بعض أصحاب الحديث أنه حرام على الأحرار واختلف أصحابنا في علة كراهة كسب الحجام
فقيل لأجل مباشرة النجاسة فعلى هذا يكره كسب الكناس والزبال والقصاب واختلف قول هذا القائل في الفصاد على وجهين
أحدهما أنه من جملتهم
والثاني هو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه لا يكره لاقترانه بعلم الطب فأما الختان فمكروه كالحجام
والوجه الثاني أن كراهة التكسب بالحجامة لدنائتها وهو مذهب الشافعي رحمه الله فعلى هذا يكره كسب الدباغ والحلاق
والقيم واختلف في الحمامي على وجهين وحكي في كراهة ذلك للعبيد وجهين ذكر ذلك في الحاوي والصحيح ما قدمناه
واختلف في أطيب المكاسب
فقيل الزراعة
وقيل الصناعة
وقيل التجارة وهي أظهرها على مذهب الشافعي رحمة الله عليه

باب الصيد والذبائح لا تحل ذبيحة غير أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى من الكفار
وقال أبو حنيفة تحل ذبيحة نصارى العرب
فأما إذا كان ولد كتابي من مجوسية أو وثنية ففي ذبيحته قولان
أحدهما لا يحل كما لو كان الأب مجوسيا
والثاني يحل وهو قول ابي حنيفة وكذا لو كان الأب مجوسيا والأم كتابية حل عنده وتصح ذكاة الصبي والمجنون في أظهر القولين وكذا السكران
وذكر في الحاوي ان في النصارى واليهود من بني إسرائيل من لا يعتقد أن العزير والمسيح ابن الله فتحل ذبيحته ومن اعتقد منهم أن العزير ابن الله والمسيح ابن الله لا تحل ذبيحته في أحد الوجهين
ولا يحل الذبح بالسن والظفر
وقال ابو حنيفة تصح بهما إذا كانا منفصلين
ويستحب أن يسمي الله عز وجل على الذبح وإرسال الجارحة على الصيد فإن ترك التسمية لم يحرم وبه قال مالك
وقال ابو ثور وداود التسمية شرط في الإباحة بكل حال
وقال ابو حنيفة هي شرط في حال الذكر وعن أحمد ثلاث روايات رواية مثل قول داود ورواية مثل قول ابي حنيفة ورواية أن يسمي في إرسال الجارحة على الصيد ولا يلزمه في إرسال السهم
وأما الذكاة فلا يشترط فيها التسمية في حال النسيان وفي حال العمد روايتان
والمستحب أن يقطع الحلقوم والمرىء والودجين
فالحلقوم مجرى النفس في مقدم الرئة
والمرىء مجرى الطعام والشراب وبهما تبقى الحياة
والودجان عرقان في جانبي العنق من مقدمة لا تفوت الحياة بفوتهما وقد يسلان من الحيوان فيبقى ويقال لهما الوريدان ولا يعتبر قطعهما في الذكاة
وقال ابو حنيفة يعتبر قطع الأكثر من كل واحد منهما
وقال ابو يوسف لا يحل حتى يقطع أكثرها عددا ثلاثة من أربعة
وحكي في الحاوي عن مالك أنه قال لا يحل حتى يقطع جميع هذه الأربعة
وحكي عن سعيد بن المسيب أنه يحرم إذا فعل ذلك
فإن قطع الحلقوم وأكثر المرىء فهل تحصل الذكاة فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يحل
والثاني يحل فإن ذبحه من قفاه وبقي فيه حياة مستقرة عند قطع الحلقوم ويعلم ذلك بالحركة القوية حل وإن بقي فيه حركة مذبوح لم يحل
وحكي عن مالك وأحمد أنهما قالا لا يحل بحال
وتنحر الإبل معقولة ويذبح البقر والغنم مضطجعة فإن ذبح الإبل ونحر البقر كره وحل
وحكي عن مالك أنه قال لا يجوز ذبح الجمل فإن ذبحه لم يحل
فصل ويجوز الصيد بالجوارح المعلمة كالكلب والفهد والبازي والصقر وبه قال أبو حنيفة ومالك
وقال الحسن البصري وأحمد لا يجوز الاصطياد بالكلب الأسود البهيم
وحكى عن مجاهد وابن عمر أنه لا يجوز الاصطياد إلا بالكلب
والمعلم هو الذي إذا أرسله على الصيد طلبه وإذا زجره انزجر وإذا أشلاه استشلى وإذا أخذ الصيد أمسكه عليه وخلى بينه وبينه فإذا تكرر ذلك منه مرة بعد مرة صار معلما ولم يقدر أصحابنا عدد المرات وإنما اعتبروا العرف
وقال ابو حنيفة وأحمد إذا تكرر ذلك مرتين صار معلما
وقال الحسن البصري يصير بالمرة الواحدة معلما
فإن أرسل مسلم كلبه على صيد وأرسل مجوسي كلبه أيضا عليه فرد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم فعقره كلب المسلم وقتله حل أكله وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة لا يحل
فإن عقر الصيد ولم يقتله فأدركه وفيه حياة مستقرة غير أنه مات قبل أن يتسع الزمان لذكاته فإنه يحل
وقال ابو حنيفة لا يحل
فإن قتل الجارحة المعلمة الصيد بثقله من غير جرح ففيه قولان
أحدهما أنه يحل وروي ذلك عن أبي حنيفة رواه الحسن ابن زياد
والقول الثاني لا يحل وهو رواية أبي يوسف ومحمد عن أبي حنيفة وقول احمد واختيار المزني رحمه الله
إذا أرسل مسلم كلب مجوسي على صيد فقتله حل وإن أرسل مجوسي كلب مسلم على صيد لم يحل
وحكي في الحاوي عن ابن جرير الطبري أن الاعتبار بمالك الكلب دون مرسلهفإن قتل الكلب المعلم الصيد وأكل منه ففيه قولان
أحدهما يحل وبه قال مالك
والثاني لا يحل وبه قال أحمد وابو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة لا يؤكل مما أكل منه ولا مما صاده قبل ذلك مما لم يأكل منه
وأما جارحة الطير إذا أكلت فهو كالكلب وغيره
وقال المزني لا يحرم ما أكل منه جوارح الطير وهو قول أبي حنيفة
وقال ابو علي في الإفصاح إذا قلنا يحرم ما أكل الكلب منه ففيما أكل البازي والصقر وجهان
فإن حسا الجارح دم الصيد ولم يأكل منه شيئا لم يحرم أكله قولا واحدا
وحكى ابن المنذر عن النخعي والثوري أنهما كرها اكله لذلك
وإن رمى سهما إلى صيد فأثبته وفاته ذكاته مع مبادرته حلله أكله واختلف أصحابنا فيما يعتبر في مبادرته إليه على وجهين
أحدهما أنه يعتبر في المبادرة المشي على المألوف
والثاني أنه يعتبر فيه السعي المعتاد لطلب الصيد
إذا أدخل الكلب ظفره أو نابه في الصيد نجس وهل يجب غسله فيه وجهان
أحدهما يجب
والثاني لا يجب
ويجوز الصيد بالرمي فإن رمى سهما فازدلف واصاب الصيد وقتله فهل يحل أكله فيه وجهان بناء على القولين فيمن رمى إلى الفرض في المسابقة فوقع السهم دون الفرض فازدلف وبلغ الفرض
فإن رمى صيدا أو أرسل عليه كلبا فعقره وغاب عنه ثم وجده ميتا العقر مما يجوز أن يموت منه ويجوز أن لا يموت فقد قال الشافعي رحمه الله لا يحل إلا أن يكون خبر فلا رأي
فمن أصحابنا من قال فيه قولان
ومنهم من قال يؤكل قولا واحدا فإنه قد صح الخبر فيه
وقال أبو حنيفة إن اتبعه عقيب الرمي فوجده ميتا حل وإن أخر اتباعه لم يحل
وحكي عن مالك أنه قال إن وجده في يومه حل أكله وإن وجده بعد يومه لم يحل
فإن أرسل كلبا على صيد في جهة أخرى فأصاب صيدا غيره ففيه وجهان
أحدهما أنه لا يحل وهو قول ابي إسحاق
والثاني يحل
قال أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي وأصح من هذين الوجهين عندي أن يراعى مخرج الكلب عند إرساله فإن خرج وعاد لا عن جهة إرساله إلى غيرها لم يؤكل صيده فيها وإن خرج في جهة إرساله خلف صيد فعدل إلى غيرها فأخذ صيدا حل وهذا يدل على فراهته
قال الإمام ابو بكر وهذا ليس بجيد فإن عدوله عند إرساله إن كان طلب صيد فسنح له فلا فرق بين أن يكون في جهة إرساله وبين أن يكون في غيرها عند ابتداء إرساله وإن كان عدوله لغير صيد فهذا يخرج عن كونه معلما لأن من صفة شرط التعليم أن يطلب الصيد إذا أرسله فإذا عدل عن الصيد إلى غير صيد دل على عدم التعليم
فإن رمى سهما في الهواء وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا ففيه وجهان
أحدهما أنه يحل وهو قول أبي إسحاق
والثاني لا يحل
فإن رأى صيدا فظنه حجرا أو حيوانا غير الصيد فرماه فقتله حل أكله وإن أرسل عليه كلبا فقتله ففيه وجهان
أحدهما يحل
وحكى أبو علي بن أبي هريرة عن بعض أصحابنا أنه إذا أخطأ في قطع حلق شاة لم تؤكل وقد نص الشافعي رحمه الله على إباحة أكلها وهذا أقيس وأصح لأن ذكاة الصبي والمجنون تصح ولا قصد لهما
فإن رمى سهما إلى الهواء فسقط من علوه على صيد فقتله حل أكله في أحد الوجهين
وفي الثاني لا يحل وكذا إن كان في يده سكين فسقطت على حلق شاة فذبحتها كان على وجهين ذكره ذلك في الحاوي
فإن رمى صيدا يمتنع بالجناح والرجل كالقبج والقطا فأصاب رجله ورماه آخر فاصاب جناحه ففيه وجهان
أصحهما أنه يكون للثاني
والثاني أنه بينهما
وحكى في الحاوي وجها آخر أنه يكون لمن كسر الجناح تقدم أو تأخر
فإن نصب أحبولة فوقع فيها صيد ومات لم يحل كان فيها سلاح أو لم يكن
وحكي في الحاوي عن أبي حنيفة أنه إذا كان فيها سلاح فقتله بحده حل
فإن رمى اثنان صيدا أحدهما بعد الآخر ولم يعلم بإصابته أيهما زال امتناعه فقد قال الشافعي رحمه الله في المختصر يؤكل ويكون بينهما فحمله أبو إسحاق على ظاهره
ومن أصحابنا من قال لا يحل
وذكر في الحاوي أنه إذا كانت إصابة احدهما موجية وإصابة الآخر غير موجية ففيه وجهان
أحدهما أنه يحل ويكون بينهما
والثاني أنه للموجي خاصة وهذا وجه لا معنى له
فإن شك في الأول هل أثبته أم لا ووجأه الثاني في غير محل الذكاة فقد حكى في الحاوي في إباحته وجهين
اصحهما أنه يحل
والثاني لا يحل وليس بشيء
فإن رمى صيدا فأزال امتناعه فقد ملكه فإن رماه آخر ولم يوجيه وبقي مجروحا ومات فإن لم يكن قد تمكن من ذبحه وجب عليه قيمته مجروحا وإن كان قد تمكن من ذبحه فلم يذبحه حتى مات حرم أكله
واختلف أصحابنا فيما يجب من ضمانه
فقال ابو سعيد الإصطخري يجب على الثاني كمال قيمته للأول بعد جراحته
والمذهب أنه يجب عليه كمال قيمته وإنما يجب عليه ما يخص جنايته من القيمة ويقسط القيمة على الجنايتين
وحكي في الحاوي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه ينظر في الصيد فإن حصل في يد صاحبه حيا فعلى الثاني قسط قيمته وإن لم يحصل في يد صاحبه إلا ميتا فعلى الثاني جميع قيمته
وحكى أيضا وجها آخر وذكر أنه عنده الأظهر أنه إن مضى من الزمان بين الجراحتين قدر ما يدركه صاحبه فعلى الثاني قسطه من القيمة وإن لم يكن بين الجراحتين زمان يمكن فيه إدراكه فعلى الثاني جميع القيمة
وفرض اصحابنا المسألة في جنايتين مضمونتين ليعرف ما يجب على كل واحد منهما فيحط عن الأول قسطه فيقال صيد مملوك يساوي عشرة جرحه رجل فنقص من قيمته درهم وجرحه آخر فنقص من قيمته أيضا درهم ومات الصيد من سراية الجنايتين فاختلف أصحابنا فيه على ستة طرق
أصحهما أن أرش جناية كل واحد منهما يدخل في جنايته فيضم قيمة الصيد عند جناية الأول إلى قيمته عند جناية الثاني فتكون تسعة ثم يقسم قيمة الصيد وهو عشرة على تسعة عشر فما يقابل عشرة يجب على الأول وما يقابل تسعة يجب على الثاني هذه طريقة أبي علي بن خيران
والثاني وهو قول المزني رحمه الله أنه يجب على كل واحد منهما أرش جنايته ثم يجب عليهما قيمته بعد الجنايتين فيجب على كل واحد منهما خمسه
والثالث وهو قول ابي إسحاق أنه يجب على كل واحد منهما نصف أرش جنايته ونصف قيمة يوم جنى عليه فيجب على الأول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني خمسة ثم يرجع الأول على الثاني بنصف درهم وحكى في الحاوي وجهين في صفة حمل الثاني عن الأول
أحدهما أنه يكون في ضمان الأول حتى يؤخذ من الثاني والثاني أنه يسقط عن الأول نصف درهم بضمان الثاني كما يسقط عنه نصف القيمة بضمان الثاني له
والرابع وهو قول أبي الطيب بن سلمة أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال جنايته ونصف أرش جنايته كما قال أبو إسحاق غير أنه لم يثبت للأول الرجوع على الثاني بشيء وإنما جميع ما يجب عليهما وهو عشرة ونصف فقسم العشرة التي هي قيمة الصيد عليه فما يخص خمسة ونصف يكون على الأول وما يخص خمسه يكون على الثاني
والخامس أنه يجب على الأول أرش جنايته ثم تجب بعد ذلك قيمته بينهما نصفين ولا تجب على الثاني أرش جنايته
والسادس وهو قول أبي علي بن ابي هريرة أن الأرش يدخل في قيمة الصيد فيجب على الأول نصف قيمته حال جنايته وعلى الثاني نصف قيمته حال جنايته فيذهب نصف درهم من قيمة الصيد كله فإن توحش أنسي بأن ند بعير فلم يقدر عليه فذكاته حيث قدر عليه منه كذكاة الوحشي وبه قال ابو حنيفة وأحمد والثوري
وقال سعيد بن المسيب ومالك وربيعة ذكاته في الحلق واللبة وعلى هذا لو تردى بعير في بئر أو وهدة فلم يمكن ذكاته في مذبحه فعقره حيث امكنه ذكاه خلافا لمالك
فإن أرسل عليه كلب صيد حتى عقره لم يحل في أصح الوجهين ذكر ذلك في الحاوي
وذكر أيضا أنه إذا تنازع الراميان للصيد فادعى أحدهما اجتماعهما على الإصابة وادعى الآخر التقدم في الإصابة وكان الصيد خارجا عن يدهما فالظاهر تساويهما فيه فهل يحكم بالظاهر أو بموجب الدعوى فيه وجهان
أحدهما أنه يحكم بالظاهر فيكون القول قول المدعي للاجتماع على الإصابة فيكون بينهما نصفين
والثاني أنه يحكم بموجب الدعوى فعلى هذا لكون للمدعي المتقدم النصف من غير يمين والنصف الآخر يتحالفان فيه ويكون بينهما
فإن رمى صيدا فقطعه باثنين ومات الصيد هل كل واحدة من القطعتين بكل حال وبه قال أحمد في إحدى الروايتين
وقال أبو حنيفة إن كانتا سواء حلتا وكذا إن كانت القطعة التي مع الرأس أقل وإن كانت القطعة التي مع الرأس أكثر حلت ولم تحل الأخرى
فإن استرسل الكلب على الصيد فزجره صاحبه فوقف ثم أشلاه فاستشلى وأخذ الصيد حل أكله وإن لم يقف ولكنه زاد في عدوه وأخذ الصيد وقتله لم يحل
قال أبو حنيفة وأحمد يحل
وعن مالك روايتان
فإن أرسل مسلم كلبا على صيد فأغراه مجوسي فزاد في عدوه وقتل الصيد فقد ذكر الشيخ أبو حامد أنه يحل وهو قول أحمد
وذكر القاضي ابو الطيب رحمه الله أنه لا يحل وهو قول أبي حنيفة
فإن رمى طائرا فجرحه فسقط إلى الأرض فوجده ميتا حل وبه قال أبو حنيفة
وقال مالك إن مات قبل سقوطه حل وإن مات بعد سقوطه إلى الأرض لم يحل
وذكر في طير الماء إذا رماه فوقع في الماء حل في أحد الوجهين ذكرهما في الحاوي
وإن افلت الصيد من يده لم يزل ملكه عنه
وحكي عن أحمد أنه قال إذا أبعد في البرية زال ملكه عنه
فإن كان في ملكه صيد فخلاه زال ملكه عنه في أحد الوجهين وفي الثاني لا يزول
وحكي في الحاوي أنه إذا قصد بتخليته التقرب إلى الله تعالى بإرساله زال ملكه عنه كالعتق وهل يحل صيده بعد امتناعه فيه وجهان إذا عرف
أحدهما وهو قول كثير من البصريين أنه لا يحل صيده
والثاني وهو قول أبي علي بن ابي هريرة أنه يحل صيده
وإن لم يقصد بإرساله التقرب إلى الله تعالى ففي زوال ملكه بالإرسال وجهان
أحدهما يزول ملكه
والثاني لا يزول كما لو أرسل بعيره أو فرسه
فإن اصطاد طائرا وحشيا وجعله في برجه فطار منه إلى برج غيره لم يزل ملكه عنه
والثاني لا يزول كما لو أرسل عنه
وقال مالك إن لم يكن قد أنس برجه بطول ملكه صار ملكا لمن انتقل إلى برجه فإن عاد إلى برج الأول عاد إلى ملكه
فإن ذكي حيوان مأكول فوجد في جوفه جنين ميت حل أكله
وقال ابو حنيفة لا يحل
فإن خلص الشاة من فم السبع وقد شق جوفها وذكيت ووقع الشك في حال الذكاة هل وجدت في حال إباحتها أو في حال حظرها فيه وجهان
أحدهما أنها تؤكل
والثاني أنها لا تحل لأن الأصل الحظر والله أعلم
تم ربع العبادات من المستظهري بحمد الله وعونه يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب البيوع وصلواته على محمد وآله الطاهرين
أقسام الكتاب
1 2 3