كتاب : حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء
المؤلف : سيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي

بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وبه نستعين
قال الشيخ الإمام الأوحد فغر الإسلام وجماله أبو بكر بن أحمد الحسين الشاشي رحمه الله تعالى قدره الحمد لله الذي أيد الإسلام في كل عصر بإمام وأقامه مقام نبيه صلى الله عليه وسلم في حفظ شرعه ونصرة دينه وإمضاء حكمه وصلواته على سيدنا محمد سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين
أما بعد فإنه لما انتهت الإمامة المعظمة والخلافة المكرمة إلى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المستظهر بالله أعز الله أنصاره ذي الهمة العليا في أمر الدين والدنيا استخرت الله تعالى في كتاب جامع لأقاويل العلماء تقربا إلى الله تعالى في اطلاعه عليه رجاء أنيكون ما يصدر عنه غير خارج عن مذهب من المذاهب وينتفع به كل ناظر فيه فأرزق الأجر فيه والثواب عليه إن شاء الله تعالى
وعلم الشرع منقسم فمتفق عليه ومختلف فيه والاختلاف منتشر جدا ومن شأن المجتهد أن يكون عارفا بمذاهب العلماء فذكرت مذهب صاحب كل مقالة وطريقته في مذهبه كالقولين للشافعي رحمه الله والروايتين والروايات لمن سواه وذكرت طريقته في مذهبه واختلاف أصحاب كل واحد منهم فيما فرعوه على اصله من المتأخرين والمتقدمين وما انفرد به الواحد منهم باختيار عن صاحب المذهب والله الموفق لحسن القصد فيه وهو حسبي ونعم الوكيل
فصل لا يجوز للعالم تقليد العالم
ومن أصحابنا من قال إذا خاف المجتهد فوت العبادة المؤقتة إذا اشتغل بالاجتهاد جاز له تقليد من يعرف ذلك
وقال محمد بن الحسن يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه
وفرض العامي التقليد في أحكام الشرع ويقلد الأعلم الأروع من أهل الاجتهاد في العلم
وقيل يقلد من شاء منهم
فإن اختلف عليه اجتهاد اثنينفظاهر كلام الشافعي رحمه الله أنه يقلد آمنهما عنده فإن استويا في ذلك أخذ بقول أيهما شاء
وقيل يلزمه الأخذ بالأشق من قولهما
وقيل يأخذ بالأخف
وفي تقليد الميت من العلماء فيما ثبت من قوله وجهان أظهرهما جوازه= كتاب الطهارة
باب ما تجوز به الطهارة من المياه وما لا تجوز
تجوز طهارة الحدث والنجس بالماء المطلق على أي صفة كان من أصل الخلقة وحكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد اللهابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا التيمم أعجب إلينا من التوضىء بماء البحر
وعن سعيد بن المسيب أنه قال إذا ألجئت إليه فتوضأ به
فأما الماء الذي ينعقد منه الملح كأعين الملح التي ينبع منها الماء مالحا فإنه يجوز الوضوء به
وحكي عن القفال أنه قال لا يجوز
ولا يكره من ذلك إلا ما قصد إلى تشميسه وقيل لا يكره وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومالك
ومن أصحابنا من قال يختص النهي بماء مشمس بتهامة والحجاز
ومنهم من قال يرجع إلى عدول أهل الطب هل يورث البرص أم لا
ومنهم من قال يكره استعماله في البدن ولا يكره غسل الثوب والإناء به والمذهب الأول

وحكي عن مجاهد أنه كره الماء المسخن بالنار
وكره أحمد الماء المسخن بالنجاسة زاد في المعتمد في هذا الوجه وأن يكون في آنية الصفر والنحاس وأن تكون مغطاة الرأس
وما عدا الماء المطلق من المائعات كالخل وماء الورد والنبيذ وما اعتصر من شجر أو ثمر فلا تجوز به طهارة الحدث ولا طهارة النجس وهو قول مالك غير أنه قال في السيف إذا أصابه دم يجزىء مسحه
وقال الأصم وابن أبي ليلى يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بسائر المائعات
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف يجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل للعين و لا يجوز رفع الحدث إلا بالماء
وأما النبيذ فنجس
وقال أبو حنيفة هو طاهر وعنه في جواز الطهارة به ثلاث روايات
إحداها نحو قولنا وهي أي أنه لا يرفع الحدث ولاالخبث قول أبي يوسف
والثانية أنه يتوضأ به ويضيف إليه التيمم وهو قول محمد
والثالثة أنه يجوز التوضؤ بنبيذ التمر في السفر عند عدم الماء
واختلف أصحابه في النبيذ الذي يجوز التوضؤ به
فقال أبو طاهر الدباس يجوز التوضؤ بالنبيذ النيء الحلو
وقال أبو الحسن الكرخي لا يجوز التوضؤ إلا بالمطبوخ المشتد
وفي الفتوحات المكية الذي أقول به منع التطهر بالنبيذ لعدم صحة الخبر المروي فيه ولو أن الحديث صح لم يكن نصا في الوضوء به فإن الوارد أنه صلى الله عليه وسلم قال ثمرة طيبة وماء طهور أي قليل الامتزاج والتغير عن وصف الماء وذلك لأن الله تعالى ما شرع لنا الطهارة عند فقد الماء إلا بالتيمم خاصة
فإن كان يحتاج في طهارته إلى خمسة أرطال ومعه أقل من ذلك فكمله بمائع لم يتغير به لقلته وتوضأ به صحت طهارته في أظهر الوجهين
وذكر أبو علي الطبري في الإفصاح أنه لا يصح
فإن طرح في ما يكفيه مائعا ولم يتغير به لموافقته الماء في الطعم واللون والرائحة ففيه وجهان
أظهرهما أنه إن كانت الغلبة للماء جازت الطهارة به وإن لم تكن الغلبة له لم يجز
والثاني أنه يعتبر تغيره بما يغير فإن كان قدرا لو كان مخالفا للماء في صفاته غيره منع الطهارة به
والشيخ ابو نصر رحمه الله قال يقدر من جهة العادة أن لا يخالفه في صفة من صفاته
قال الشيخ الإمام فخر الإسلام رحمه الله تعالى وأيده الله ووجدتالقاضي أبا الطيب رحمه الله قد ذكر هذين الوجهين في الماء المستعمل إذا طرح على ماء مطلق
وإن طرح فيه تراب فتغير به جازت الطهارة به
ومن أصحابنا من قال لا يجوز
ومنهم من حكى فيه قولين
وإن طرح في الماء ملح مائي فتغير به جاز الطهارة به
وحكي عن صاحب التلخيص أنه قال يمنع من التطهر به
وإن تغير الماء بعود أو دهن طيب فقد نقل المزني أنه يجوز الوضوء به
ونقل البويطي أنه لا يجوز
وإن وقع في الماء قليل كافور فتغير به ريحه ففيه وجهان
وإن تغير بمخالطة شيء سوى ذلك مما يستغني الماء عنه لم تجز الطهارة به وبه قال مالك وأحمد
ومن أصحابنا من حكى في الحنطة والشعير إذا طبخا في الماء فتغير من غير انحلال أجزاء وجهين
قال الإمام ابو بكر وهذا ليس بشيء لأن التغير بذلك لا يكون إلا بانحلال أجزاء
وقال أبو حنيفة وأصحابه تغير الماء بالطاهر لا يمنع الطهارة به ما لم يطبخ به أو يغلب على أجزائه بأن يثخن إن كان رقيقا أو فقال حل فيه ماء إن كان مائعا
فإن وقع في الماء قطران فغيره فقد قال الشافعي رحمه الله في الأم لا يجوز استعماله وقال بعده بأسطر يجوز والمسألة على اختلاف حالين لأن القطران على ضربين ضرب فيه دهنية فلا يختلط بالماء وضرب لا دهنية فيه فيختلط به
وإن تغير الماء بطول المكث لم يمنع من الطهارة به
وحكي عن ابن سيرين أنه قال يمنع
ولا يكره الاغتسال والوضوء في ماء زمزم
وقال أحمد يكره في إحدى الروايتين عنه
باب ما يفسد الماء من النجاسة وما لا يفسده
إذا وقعت في الماء الراكد نجاسة يدركها الطرف من خمر أو بول أو ميتة لها نفس سائلة وهو أقل من قلتين نجس وإن كان قلتين فصاعدا فتغير فيه أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة نجس وإن لم يتغير لم ينجس
والقلتان خمسمائة رطل بالبغدادي وهل ذلك تقريب أو تحديد فيه وجهان
ومن أصحابنا من قال القلتان خمسمائة منا
وقال أبو عبد الله الزبيري القلتان ثلاثمائة منا واختاره القفال وبقولنا قال أحمد وأبو ثور واختاره المزني
وحكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قدر الماء الكثير بأربعين قلة وهو قول محمد بن المنكدر
ومنهم من قدره بكر وهو قول ابن سيرين ووكيع
والكر عندهم أربعون قفيزا والقفيز اثنان وثلاثون رطلا
وقال مالك الاعتبار بتغير الماء بكل حال وبه قال داود ويروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه
وقال أبو حنيفة وأصحابه كل موضع تيقنا وصول النجاسة إليه أو غلب على ظننا وصول النجاسة إليه حكمنا بنجاسته وجعل حركة الماء بوقوع النجاسة فيه علامة على وصولها إلى حيث انتهت الحركة وما لم تصل إليه طاهرة من غير نظر إلى كثرة ولا إلى تغيير
وحكي عن داود تفريع عجيب على هذا الأصل بدليل خبر حمله عليه ترك القياس فقال إذا بال في ماء راكد ولم يتغير لم ينجس ولا يجوز له أن يتوضأ منه ويجوز لغيره أن يتوضأ منه
وإن بال في إناء ثم طرحه فيه ولم يتغير لم ينجس وجاز له ولغيره أن يتوضأ منه
وإن كانت النجاسة مما لا يدركها الطرف فظاهر ما نقله المزني أنه لا ينجس
وفي البويطي في الثوب أنه ينجس أدركه الطرف أو لم يدركهفحصل في الماء والثوب ست طرق
أحدها أنه ينجس الماء والثوب
والثاني أنه لا ينجس الماء ولا الثوب وهو قول أبي ا لطيب بن سلمة
والثالث فيه قولان
والرابع حمل النصين على ظاهر هما والفرق بينهما
والخامس عكس ذلك وهو أن ينجس الماء ولا ينجس الثوب
وقال أبو علي بن ابي هريرة ينجس الثوب وفي الماء قولان
والشيخ الإمام أبو إسحاق رحمه الله حصل من ذلك ثلاث طرق وهيالأولى في الماء والثوب جميعا واسقط ما زاد على ذلك إذا مات ما ليس له نفس سائلة من ذباب أو زنبور في ماء قليل أو طعام لم ينجسه في أحد القولين وهو الأصح للناس
وينجسه في الآخر وهو قول محمد بن المنكدر ويحيى بن ابي كثير فإن كثر فيه ما غير الماء نجسه في أظهر الوجهين
وما يعيش في الماء مما لا يحل أكله كالضفدع وغيره إذا مات في الماء القليل نجسه
وقال أبو حنيفة لا ينجسه
فصل إذا أراد تطهير الماء الذي حكمنا بنجاسته
فإنه إن كانت نجاسته بالتغير وكان أكثر من قلتين طهر بزوال التغيير بنفسه أو بأخذ بعضه وذلك في البئر إذا كان ينبع منها الماء فإن نزح الماء منها ونبع ما يبلغ قلتين وزال التغير طهرت البئر والماء وإن لم يبلغ قلتين طهر ما ورد عليه الماء من البئر والماء المستعمل في إزالة النجاسة فيكون طاهرا على مذهب الشافعي رحمه الله و نجسا على قول الأنماطي
وقد ذكر أصحابنا فيه إذا كان الثوب جميعه نجسا فغسل نصفه ثم غسل النصف الآخر لم يطهر ونبع الماء لشيء بعد شيء من البئر بمنزلته ويطهر أيضا بأن يطرح عليه ماء آخر حتى يزول التغير
وإن طرح فيه تراب أو جص فزال التغير طهر في أظهر القولين
وذكر الشيخ ابو حامد رحمه الله في التعليق أن القولين في التراب وما سواه لا يظهر قولا واحدا وليس بشيء
وإن كان الماء أقل من قلتين ولم يتغير طهر بالمكاثرة وإن لم يبلغ قلتين إذا لم تكن عين النجاسة فيه قائمة
ومن أصحابنا من قال لا يطهر بالمكاثرة من غير أن يبلغ قلتين والمذهب الأول
فإن كان قلتان من الماء النجس في إناءين من غير تغير فجمع بينهما في إناء واحد طهرتا
وقال اصحاب أحمد لا يحكم بالطهارة فيهما
وحكم الماء في البئر حكم الماء في الصنع في التطهير حكم الغدير الذي لا يتحرك أحد الطرفين في تحريك الطرف الآخر
وقال أبو حنيفة ماء البئر يخالف ماء الغدير فإذا مات في البئر فأرة أو عصفور نزح منها عشرون دلوا وطهرت وإن وقع فيها دمها نزح جميعها وكذا إن وقع فيها بول أو دم
وإن مات فيها هرة أو دجاجة نزح منها اربعون دلوا وطهر الباقي وإن مات فيها شاة نزح جميعها
فإن أراد الطهارة من الماء الذي وقعت فيه نجاسة وحكم بطهارته فإنه إن كان دون القلتين وطهر بالمكاثرة ولم يبلغ قلتين لم تجز الطهارة به وإن كان أكثر من قلتين جاز الطهارة منه
وقال أبو إسحاق وابن القاص إن كان فيه نجاسة جامدة لم يجز أن يتوضأ من موضع يكون بينه وبين النجاسة أقل من قلتين والمذهب الأول
وإن كان الماء قلتين وفيه نجاسة جامدة فالمذهب أنه يجوز أن يغترف منه بإناء و يتوضأ به
وقال أبو إسحاق لا يجوز فإن أخرج النجاسة منه جاز أن يتوضأ به وجها واحدا و إن كانت النجاسة في القلتين مائعة وقد طهر الماء جاز الطهارة بجميعه
ومن أصحابنا من قال يبقى فيه قدر النجاسة وليس بشيء
فأما الجاري إذا كان فيه النجاسة جارية فإنه إن كان الماء الذي يحيطبالنجاسة يبلغ قلتين ولم يتغير فهو طاهر وإن نقص عن قلتين فهو نجس ولا يجوز التوضؤ منه حتى يجتمع في موضع ويبلغ قلتين وهو غير متغير
وقال ابن القاص للشافعي رضي الله عنه قول في القديم إن الماء الجاري لا ينجس إلا بالتغيير وإن كان قليلا وكذا حكم النجاسة الواقعة في النهر والماء يجري عليها على ما ذكرناه
وقال أبو إسحاق وابن القاص والقاضي أبو حامد يجوز أن يتوضأ من موضع يكون بينه وبين النجاسة قلتان في طول النهر
ومن أصحابنا من قال تعتبر القلتان في الماء الذي يلاقي جميعه النجاسة من الجاري فأما إذا كانت النجاسة راسية في أسفل الماء وقراره والماء يجري عليها فالذي يلقاها الطبقة السفلى من الماء وهي أقل من قلتين فهي نجسة
وفي الطبقة العليا وجهان
أحدهما أنها طاهرة
والثاني أنها نجسة
وإن كانت النجاسة طافية على رأس الماء و الذي يلاقيها منه أقل من قلتين فهو نجس وما في القرار فيه وجهان
وقد ذكر الشيخ ابو نصر رحمه الله فيه إذا تغير أحد جانبي النهر أن قياس المذهب أن ينجس ما يحاذيه من الجانب الآخر وإن لم يتغير حتى ينفصل عن محاذاته فيطهر ويجيء فيه تخريج الوجه الآخر فإنه مثله
ذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا وقعت في قلتين من الماء نجاسة لا تخالف الماء في صفاته فإنه يعتبر بالنجاسة التي تخالف الماء في الصفة فيقال هذا القدر من النجاسة لو كان مخالفا للماء في صفته هل كان يطهر عليه فيقضى فيه بحكمه
قال الإمام أبو بكر وهذا أشبه بما ذكرناه من الطاهر الموافق للماء في صفاته فلا يتغير به وقد استبعد الشيخ أبو نصر رحمه الله وجود ذلك هناك فالنجالسة بالاستبعاد أولى
فصل أما الماء المستعمل
فإنه إن كان مستعملا في رفع حدث فهو طاهر
وروى الحسن بن زياد عن ابي حنيفة أنه قال هو نجس وهو قول أبي يوسف
ولا يجوز التطهر به على المشهور من المذهب وهو قول أحمد والمشهور عن ابي حنيفة وقول محمد بن الحسن
وحكى عيسى بن أبان عن الشافعي رحمه الله جواز التطهر به وهو قول مالك وداود
فمن اصحابنا من لم يثبت هذه الرواية مذهبا له فإذا قلنا لا يجوز التوضؤ به فهل تجوز إزالة النجاسة به فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يجوز
فإن استعمل الماء في نفل الطهارة كتجديد الوضوء جاز التوضؤ به في أظهر الوجهين
ذكر بعض أصحابنا أن الماء إذا انفصل من عضو إلى عضو صار مستعملا في طهارة الحدث وفي غسل الجنابة وجهان
أصحهما أنه لا يصير مستعملا حتى ينفصل من جميع البدن
قال الشيخ الإمام فخر الإسلام أيده الله وعندي أنه لا اعتباربالعضو والعضوين ولا يختلف باختلاف الطهارتين وإنما الاعتبار بالانفصال عن المحل فإنه يصير مستعملا وإن كان في عضو واحد ومثله في الجنابة وما دام يجري متصلا با المحل فإنه لا يصير مستعملا غير أن أعضاء البدن يتصل بعضها ببعض فينحدر الماء من عضو إلى عضو متصلا
فإن غسل رأسه مكان المسح فهل يصير الماء مستعملا
حكى أبو علي بن ابي هريرة فيه وجهين
أصحهما أنه يصير مستعملا ويستحب تجديد الوضوء إذا كان قد صلى به فريضة
وإن كان قد صلى به نافلة فهل يستحب التجديد
حكى فيه بعض أصحابنا وجهين وبناه على أن الماء المستعمل في نفل الطهارة هل يصير مستعملا أم لا وفرع عليه تفصيلا عجيبا
والصحيح في ذلك أن يكون قد فعل بالطهارة ما تراد له الطهارة شرعا فترتفع كراهة التجديد
فإن جمع الماء المستعمل حتى يبلغ قلتين زال حكم الاستعمال في أظهر الوجهين
فأما الماء المستعمل في إزالة النجاسة إذا لم يتغير ففيه ثلاثة أوجه
أظهرها أنه طاهر وهو قول أبي إسحاق
والثاني أنه نجس وهو قول ابي القاسم الأنماطي وقول ابي حنيفة
والثالث أنه إن انفصل والمحل طاهر فهو طاهر وإن انفصل والمحل نجس فهو نجس وهو قول ابن القاص
فإذا قلنا إنه طاهر فهل يجوز الوضوء به فيه وجهان
باب الشك في نجاسة الماء والتحري فيه
إذا أكلت الهرة نجاسة وولغت في ماء قليل ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه نجس
والثاني أنها إن غابت ثم عادت وولغت فيه لم ينجس
والثالث أنه لا ينجس بذلك بحال
وإذا ورد على ماء فأخبره رجل بنجاسته قبل خبره ولم يجتهدفإن أخبره رجل أن الكلب ولغ في هذا الإناء في وقت عينه دون الآخر وقال آخر بل ولغ في الإناء الآخر في ذلك الوقت بعينه دون هذا الإناء ذاته فإنه يبني على القولين بتعارض البينتين
فإن قلنا إنهما يسقطان سقط خبرهما وتوضأ بما شاء منهما وإن قلنا إنهما يستعملان أراقهما أو صب أحدهما في الآخر وتيمم
ذكر في الحاوي أنه إذا أخبره رجل أن هذا الكلب ولغ في هذا الإناء في وقت عينه وقال آخر هذا الكلب في ذلك الوقت لم يكن في ذلك المكان ففيه وجهان
أحدهما أنه طاهر لتعارض الخبرين وسقوطهما
والثاني أنه نجس لأن الكلب تشتبه وهذا الوجه ليس بشيء
فإن اشتبه عليه ماء طاهر وماء نجس تحرى فيهما فما أداء اجتهاده إلى طهارته توضأ به
وقال المزني وأبو ثور لا يتحرى في الأواني ويتيمم ويصلي وبه قال أحمد واختلفت الرواية عنه في وجوب إراقتهما قبل التيمم
وقال عبد الملك بن الماجشون لا يتحرى في الأواني ولكنه يتوضأ بأحدهما ويصلي ثم يتوضأ بالآخر ويعيد الصلاة التي صلاها
وقال محمد بن مسلمة يتوضأ بأحدهما ويصلي ثم يغسل ما أصابه من الماء الأول ويتوضأ بالآخر ويعيد الصلاة
وقال غيرهما من أصحاب مالك مثل قولنا
وقال أبو حنيفة إن كان عدد الطاهر أكثر جاز التحري وإن لم يكن كذلك لم يجز
فإن توضأ بأحد الإناءين من غير تحر ثم بان له أنه الطاهر وأن الآخر نجس لم تصح طهارته في اختيار الشيخ الإمام أبي إسحاق رحمه الله
واختار الشيخ أبو نصر بن الصباغ رحمه الله أنه تصح طهارته
فإن انقلب أحد الإناءين قبل التحري فهل يجوز التحري في الآخر فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يجوز وما الذي يصنع فيه وجهان
قال أبو علي الطبري يتوضأ به
وقال القاضي أبو حامد يتيمم
فإن اشتبه عليه إناءان وهناك إناء ثالث طاهر فهل يجوز له التحري فيهما فيه وجهان
أظهرهما أنه لا يجوز واختاره الشيخ أبو نصر رحمه الله
وإن اشتبه عليه ماء مستعمل وماء مطلق فهل يجوز له التحري فيه وجهان
أحدهما يتحرى
والثاني لا يتحرى ويتوضأ بكل واحد منهما
ومن أصحابنا من بنى جواز التحري بين الماء المستعمل والمطلق على زوال حكم الاستعمال ببلوغ القلتين فيه فإن قلنا لا يزول لم يجز التحري وهذا عندي بناء فاسد
فإن اشتبه عليه ماء وبول أو ماء وماء ورد لم يتحر بينهما وأراق الماء والبول وتيمم وتوضأ بالماء وماء الورد
وقال أبو زيد المالقي يتحرى فيهما
وذكر في الحاوي إنه إذا اشتبه الماء وماء الورد واحتاج إلى الشرب تحرى بينهما لأجل الشرب فيجتهد أيهما ماء الورد ليشربه فيخرج الآخر بالاجتهاد ان يكون ماء الورد وهذا عندي بناء فاسد لأن الشرب لا يحتاج فيه إلى التحري فيشرب ما شاء منهما ويتوضأ بالآخر ويتيمم
وقال ابو حنيفة إن كان عدد الطاهر المطهر أكثر جاز التحري كما يجوز في المياه
وإن اشتبه عليه طعام طاهر وطعام نجس تحرى بينهما
وذكر الشيخ أبو حامد إن ذلك ينبني على الوجهين في اشتباه الإناءين
وهناك ثالث ظاهر في جواز التحري
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وهذا لا معنى له إلا أن يعتبر في التحري الضرورة وها هنا لا يلزمه أكل واحد منهما وهذا الذي ذكره فيه نظر
واختلف في الماء لحاجته إليه في الطهارة للصلاة
فإن اشتبه عليه إناءان فتحرى فيهما فأداه اجتهاده إلى طهارة أحدهما فتوضأ به وصلى ولم يرق الآخر حتى حضرت الصلاة الثانية أعاد الاجتهاد
ومن أصحابنا من قال لا يلزمه ذلك فإن أعاد الاجتهاد وأداه اجتهاده إلى طهارة الثاني لا نجاسة الأول
فالمنصوص أنه يتركهما ويتيمم ويعيد كل صلاة صلاها بالتيمم في أحد الوجوه مع بقاء شيء من الإناء الأول
وفي الثاني لا يعيد
وفي الثالث وهو قول أبي الطيب بن سلمة أنه إن كان قد بقي من الإناء الأول شيء أعاد الصلاة وإن لم يبق منه شيء لم يعد
وقال أبو العباس بن سريج يتوضأ بالثاني ولا يتيمم ويغسل ما أصابه من الماء الأول ولا يعيد الصلاة
وذكر القاضي حسين رحمه الله فقال هل يعتبر في التحري نوع دليل أم يكفي مجرد الظن فيه وجهان
أحدهما أنه يكفيه ظن يقع له من غير أمارة وهذا ليس بشيء يذكر
فإن اشتبه إناءان على أعمى فهل يجوز له التحري فيه قولان
فإن قلنا يتحرى فتحرى فلم يقع له الطاهر منهما فهل يجوز له التقليد فيه وجهان
أظهرهما أنه يجوز
فإن اختلف اجتهاد رجلين في إناءين توضأ كل واحد منهما بما أداه اجتهاده إلى طهارته ولم يأتم أحدهما بالآخر
وقال أبو ثور يجوز أن يأتم به
باب الآنية
كل بهيمة نجست بالموت طهر جلدها بالدباغ وذلك ما عدا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدها
قال أبو يوسف وداود رحمهما الله يطهر جلد الكلب والخنزير أيضا بالدباغ
وقال ابو حنيفة رحمه الله يطهر جلد الكلب بالدباغ ولا يطهر جلد الخنزير
وقال أبو ثور رحمه الله يطهر جلد ما يؤكل بالدباغ دون ما لا يؤكل وهو قول الأوزاعي
وقال الزهري لا أعرف الدباغ
ويستمتع بجلود الميتات من غير دباغ
وقال أحمد رحمه الله لا يطهر شيء من جلود الميتات بالدباغ ويروى ذلك عن مالك
وهل يجب غسله بعد الدباغ بالماء فيه وجهان
قال أبو إسحاق لا يطهر حتى يغسل بالماء
وقال ابن القاص لا يحتاج إلى غسل فإن دبغ الجلد بشيء نجس فلا بد من غسله وجها واحدا ويطهر ويحكي فيه وجه آخر أنه لا يطهر وليس بشيء
ولا يندبغ بالتجفيف في الشمس
وحكي عن أبي حنيفة أنه قال يصير مدبوغا
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله سمعت بعض أصحابه يقول إنما يطهر إذا عملت الشمس فيه عمل الدباغ
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وهذا يرفع الخلاف لأنه يعلم أنها لا تعمل عمله
وفي جواز بيع الجلد بعد الدباغ قولان
أصحهما وهو قوله الجديد أنه يجوز وهو قول أبي حنيفة وقوله القديم لا يجوز وهو قول مالك
وفي جواز أكله إذا كان من حيوان مأكول قولان
قال في القديم لا يجوز
وقال في الجديد يجوز
وإن كان من حيوان لا يؤكل لم يحل أكله قولا واحدا
وحكى الشيخ ابو حاتم القزويني عن القاضي أبي القاسم بن كج أنه على القولين
فأما الشعر والصوف والوبر فيحل بالحياة وينجس بالموت على المنصوص للشافعي رحمه الله في عامة كتبه فعلى هذا إذا دبغ جلد الميتة وعليه شعر فهل يطهر الشعر فيه قولان
أصحهما أنه لا يطهر
فإن نتف شعر المأكول في حال حياته كان طاهرا
وحكي فيه وجه آخر أنه ينجس وليس بشيء
وأما شعر الآدمي فطاهر إذا قلنا لا ينجس بالموت في أصح القولين وإن قلنا إنه ينجس بالموت فقد روى إبراهيم البلدي عن المزني رحمه الله عن الشافعي رضي الله عنه أن الشافعي رحمه الله رجع عن تنجيس شعر الآدمي
فمن أصحابنا من جعل ذلك خاصا في حق الآدمي كرامة له
ومنهم من جعله رجوعا عن تنجيس جميع الشعور فجعل في الشعور قولا آخر أنها لا تنجس بالموت
وأما شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قلنا شعر غيره نجس ففي شعره صلى الله عليه وسلم وجهان
قال أبو جعفر الترمذي هو طاهر
وقال غيره هو نجس
وروى عن عطاء والحسن البصري أن الشعر ينجس بالموت ويطهر بالغسل بعده
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد لا حياة في الشعر ولا ينجس بالموت في الحيوان واختاره المزني فأما العظم والظفر والظلف والقرن ففيه طريقان
أحدهما أن فيها حياة و تنجس بالموت قولا واحدا وبه قال مالك وأحمد واختاره المزني
والثاني أن حكمه حكم الشعر وهو قول أبي حنيفة والثوري
وحكي عن إبراهيم النخعي أنه قال طهارة العاج خرطه
وحكي عن الليث بن سعد أنه إذا طبخ العظم حتى خرج دهنه طهر
إذا وجد شعرا ولم يدر أنه شعر حيوان مأكول أو غير مأكول من أصحابنا من حكى فيه وجهين وبناهما على أن حكم الأشياء هو في الأصل الحظر أو الإباحة وهذا بناء فاسد والحكم في ذلك أنه إذا كان ذلك في محل الشك فلا يجوز الانتفاع به وجها واحدا
فأما اللبن في ضرع الشاة الميتة فإنه نجس وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة رحمه الله هو طاهر يحل شربه وهو قول داود
والبيضة في جوف الدجاجة الميتة إذا كان قد تصلب قشرها طاهرة يحل أكلها
وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه قال لا يحل أكلها بحال وحكي عن ذلك عن مالك
ويحكى ذلك وجها لبعض أصحابنا ويحكى فيها وجه ثالث أنها لا تنجس بحال وإن لم يتصلب قشرها وهو قول أبي حنيفة
فإن ذبح ما لا يؤكل لحمه نجس بذبحه كما ينجس بموته
وقال أبو حنيفة ومالك يطهر بالذبح إلا الخنزير والآدمي
فصل يحرم استعمال أواني الذهب والفضة
وقال في القديم النهي عن ذلك على سبيل الكراهة
وقال داود محرم الشرب خاصة
وفي جواز اتخاذها لا للاستعمال قولان
أصحهما أنه لا يجوز
ومن اصحابنا من حكى أن تحريمها لعينها لا لمعنى يعقل وفرع عليه وليس بشيء
وفي استعمال الأواني المتخذة من الجواهر المثمنة كالياقوت ونحوه قولان
أظهرهما أنه يجوز
وفرع بعض أصحابنا على هذه الأواني المتخذة من الطيب كالعود المرتفع والكافور المصاعد والعنبر وفي جواز استعماله قولان
واختلف أصحابنا في التضبيب بالفضة
فمنهم من قال إن كان قليلا في موضع حاجة وإن قام غيره مقامه لم يكره وإن كان في غير موضع حاجة كره وإنكان كثيرا في غير موضع حاجة حرم وإن كان كثيرا في موضع حاجة كره
ومن أصحابنا من قال لا يحرم التضبيب بالفضة قال او اكثر وهو قول ابو حنيفة
وقال ابو اسحاق يحرم التضبيب به في موضع الشرب من الإناء ولا يحرم في غيره
وفي استعمال أواني المشركين وثيابهم من غير غسل إذا كانوا ممن يتدين باستعمال النجاسة وجهان
أحدهما يجوز
والثاني لا يجوز وكذا الوجهان في طين الطرقات
وقال احمد وداود لا يجوز استعمالها إلا بعد الغسل بكل حال
باب السواك
السواك سنة مؤكدة
وحكى عن داود أنه قال هو واجب ولا يمنع تركه صحة الصلاة
وقال إسحاق إن تركه عامدا بطلت صلاته
ولا يكره إلا في حالة واحدة وهي في حق الصائم بعد الزوال
وقال أبو حنيفة لا يكره في الصوم ايضا
ويستحب أن يقص الشارب ويقلم الأظفار ويغسل البراجم وينتف الإبط ويحلق العانة ويجب الختان
وقال أبو حنيفة الختان مستحب
باب نية الطهارة
لا تجب النية في طهارة النجس وحكي فيها وجه آخر أنها تفتقر إلى النية وليس بمذهبه ولا تصح طهارة الحدث بغير نية وبه قال مالك وأحمد وداود وابو ثور
وقال أبو حنيفة والثوري لا تجب النية في الطهارة بالماء وتجب في التيمم
وقال الحسن بن صالح بن حي يصح التيمم أيضا نية
وعن الأزاعي روايتان
إحداهما كقول الحسن
والثانية كقول أبي حنيفة
فأما وقت النية للإجزاء والصحة ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه إذا نوى عند غسل أول جزء من وجهه أجزأه ولا يضره إذا عزبت بعد ذلك
وإن نوى عند المضمضة والاستنشاق من غير أن يغسل جزءا من وجههوعزبت نيته عند غسل وجهه لم يجزه وهو قول أبي العباس بن سريج واختاره الشيخ الإمام ابو إسحاق رحمه الله
والثاني أنه إذا نوى عند المضمضة والاستنشاق أجزأه وإن لم يغسل جزءا من وجهه وعزبت النية عنده وهو قول ابي إسحاق واختاره الشيخ أبو نصر رحمه الله ولا يجزئه إذا نوى عند غسل كفيه ثم عزبت بعد ذلك
والثالث وهو قول أبي الطيب بن سلمة أنه إذا نوى عند غسل كفيه في أول الطهارة أجزأه وإن عزبت بعده وله وجه جيد
فأما صفة النية فأن ينوي رفع الحدث أو الطهارة عن الحدث فإن نوى رفع حدث بعينه ارتفع جميع الأحداث في أظهر الوجوه
والثاني أنه لا يرتفع حدثه
والثالث أنه إن نوى رفع أول الأحداث لم يرتفع حدثه وإن نوى رفع آخرها ارتفع جميعها وذكر هذا الوجه بالعكس من ذلك
وإن نوى رفع حدث وكان لا يرفع غيره حكي فيه وجهان أحدهما أنه لا يرتفع حدثه
والثاني يرتفع وينبغي أن يكون الوجهان على الوجه الأول في المسألة قبلها
فإن نوى رفع حدث الغائط وبان أن حدثه كان بولا صحت طهارته
وذكر فيه وجه آخر أنه لا يصح وليس بشيء
فإن اجتمع عليه الحدث الأكبر والأصغر فنوى رفع الحدثين مطلقا
فقد ذكر بعض أصحابنا أنا إذا قلنا يدخل الوضوء في الغسل أجزأه لهما وإن قلنا لا يدخل لم يصح لواحد منهما
قال الإمام أبو بكر وعندي أنه يجب أن يصح للغسل من الجنابة على الوجهين جميعا
وإن نوى بطهارته استباحة الصلاة ارتفع حدثه وإن نوى استباحة صلاة بعينها وأن لا يصلي غيرها صحت طهارته لجميع الصلوات في أصح الوجوه
والثاني أنه لا تصح طهارته
والثالث انها تصح للصلاة التي عينها دون غيرها
وإن نوى الوضوء أو الطهارة مطلقا لم تصح طهارته في أصح الوجهينوإن نوى الطهارة لما يستحب له الطهارة صحت طهارته في اصح الوجهين واختاره الشيخ أبو نصر رحمه الله
والثاني لايصح واختاره القاضي أبو الطيب رحمه الله وهو قول مالك
وفيه وجه ثالث أنه إن كان ذلك مما يستحب له الطهارة لأجل الحدث كقراءة القرآن واللبث في المسجد وسماع الحديث ونحو ذلك ارتفع حدثه وإن كان مما يستحب له الطهارة لا لأجل الحدث كتجديد الوضوء وغسل الجمعة لم يرتفع حدثه بنيته وله وجه جيد
فإن توضأ الكافر أو اغتسل عن الجنابة ثم أسلم لم يعتد بذلك
وقال أبو حنيفة يصح ويصلي به وهو وجه لأصحابنا
فإن تيمم في حال صغره لصلاة الوقت ثم بلغ
ذكر بعض اصحابنا أنه لا يجوز أن يصلي به الفرض وفي هذا نظر
وإن اسلم الكافر قبل أن يغتسل عن الجنابة لزمه الغسل وقيل إنه يسقط عنه فرض الغسل وليس بشيء
فإن نوى بغسل أعضائه الطهارة للصلاة والتبرد والتنظف أجزأه
وقيل فيه وجه آخر أنه لا يجزئه وليس بشيء
فإن فرق النية على أعضاء الطهارة صحت طهارته في أصح الوجهين وإن نوى إبطال الطهارة في أثنائها لم يبطل ما تقدم منها في أصح الوجهين كما لا يبطل بذلك بعد الفراغ منها
باب صفة الوضوء
إذا امر غيره حتى وضأه ونوى هو أجزأه
وحكي عن داود أنه قال لا يجزئه حتى يغسل أعضاءه بنفسه
ويستحب أن يسمي الله عز وجل على وضوئه
وقال أحمد التسمية واجبة على الطهارة غير أنه إذا تركها ناسيا لم تبطل طهارته
وقال أهل الظاهر تبطل بكل حال
ثم يغسل كفيه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء إن كان على شك من نجاستهما فإن غمس يده في الإناء لم يفسد الماء
ومن أصحابنا من قال غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء مستحب بكل حال وإن تيقن طهارة يده والمذهب الأول
وقال داود إذا قام من نوم الليل لم يجز له أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها وليس ذلك واجبا حتى لو صب الماء على يده وتوضأ به جاز وإن لم يغسل يده
وقال أحمد في إحدى الروايتين إذا قام من نوم الليل وجب عليه غسل كفيه فإن غمس يده في الماء قبل الغسل أراقه وحكي ذلك عن الحسن البصري
فصل ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا
وذلك سنة وبه قال مالك والزهري
وقال أحمد هما واجبان في الطهارتين
وقال أبو ثور الاستنشاق واجب في الطهارتين دون المضمضة
وقال أبو حنيفة والثوري ومحمد وأبو يوسف هما واجبتان في الغسل دون الوضوء
وهل الأفضل الجمع بينهما أم الفصل فيه قولان قال في الأم يجمع بينهما
وقال في البويطي يفصل وفي كيفية الجمع والفصل طريقان أحدهما أنه على القول الأول يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ويستنشق منها ثلاثا وعلى القول الثاني يفصل بينهما بغرفتين يتمضمض بإحداها ثلاثا ويستنشق بالأخرى ثلاثا
والطريق الثاني أنه يجمع بينهما على القول الأول ثلاث غرفات وعلى القول الثاني يفصل بينهما بست غرفات والفصل ابلغ
ولا يغسل العين وقيل يستحب غسلها وليس بمذهب
فصل ثم يغسل وجهه ثلاثا
والوجه ما بين منابت شعر الرأس المعتادإلى منتهى اللحية والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا وفي موضع التحذيف وهو ما بين ابتداء العذار والنزعة داخلا إلى الجبين من جانبي الوجه يؤخذ عنه الشعر يفعله الأشراف وجهان أظهرهما وهو قول أبي إسحاق أنه من الرأس
والثاني وهو قول أبي العباس أنه من الوجه وخرج بعضهم على قول أبي العباس في الصدغين أنهما من الوجه
وحكي عن أبي الفياض وهو قول جمهور البصريين أن ما استعلى من الصدغين من الرأس وما انحدر عن الأذنين من الوجه وهذا ظاهر الفساد
وقال الزهري الأذنان من الوجه فإن كانت له لحية كثة لم يلزمه إيصال الماء إلى البشرة تحتها ويستحب له تخليلها ويجب إفاضة الماء على جميعها
وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه يجب عليه مسح الشعر المحاذي لمحل الفرض
وفي الرواية الثانية يمسح ربعه وهو قول أبي يوسف
وعنه رواية أخرى أنه يسقط الفرض عن البشرة ولا يتعلق بشعر اللحية ويروى ذلك شاذا عن أبي حنيفة
ويجب غسل ما بين العذار والأذن من البياض
وقال أبو يوسف لا يجب غسله على الملتحي
وقال مالك لا يجب غسله بحال
وحد الوجه بالعذار فإن خرجت اللحية عن حد الوجه طولا وعرضا لم يجب غسل ما خرج منها عن حد الوجه في أحد القولين وهو قول ابي حنيفة واختيار المزني
والثاني أنه يجب إفاضة الماء عليه وهو قول مالك وهو الأصحفإن أفاض الماء على لحيته أو مسح شعره ثم ذهب الشعر لم يجب غسل ما تحته
وقال ابن جرير الطبري يجب غسله
فصل ثم يغسل يديه ثلاثا مع المرفقين
وقال زفر وابو بكر بن داود لا يجب غسل المرفقين فإن خلق لهيدان على منكب إحداهما ناقصة فالتامة هي الأصيلة والناقصة خلقة زائدة فما حاذي منها محل الفرض وجب غسله
ومن أصحابنا من قال لا يجب غسلها بحال
فإن طالت أظافيره وخرجت على رؤوس الأصابع وجب غسلها قولا واحدا
ومن اصحابنا من قال هي بمنزلة اللحية إذا طالت وليس بصحيح
وإذا كان اقطع اليد من فوق المرفق فلا فرض عليه في اليد
قال الشافعي رحمة الله عليه استحب أن يمس ما بقي من العضد ماء فظاهر هذا أن ذلك مستحب للأقطع خاصة
ومن أصحابنا من قال بل ذلك مستحب لكل واحد لأنه من جملة الإسباغ
فصل ثم يمسح رأسه والواجب منه ما يقع عليه اسم المسح وإن قل
وقال ابن القاص لا يجزئه اقل من ثلاث شعرات
وقال مالك يجب مسح جميع الراس
وحكي عن محمد بن مسلمة انه قال إن ترك قدر الثلاث جاز
وقال غيره من أصحابه إن ترك قدرا يسيرا بغير قصد جاز
وعن أحمد روايتان
إحداهما أنه يجب مسح جميعه وهو اختيار المزني
والثانية انه يجب مسح أكثره فإن ترك الثالث منه جاز
أظهرهما أنه يمسح ربع الرأس
والثانية أنه يجب مسح الناصية
والثالثة أنه يمسح قدر ثلاث أصابع بثلاث أصابع فإن كان له شعر قد نزل عن منبته ولم ينزل عن حد الرأس فمسح أطرافه أجزأه
وقيل لا يجزئه وليس بشيء
والسنة أن يمسح جميع رأسه ثلاثا
وقال أبو حنيفة وأحمد ومالك وأبو ثور لا يستحب التكرار فيه بماء جديد وإنما يمسح مرة واحدة
وقال ابن سيرين يمسح مرتين
ويستحب لمن على رأسه عمامة لا يريد نزعها أن يمسح بناصيته ويتمم المسح على العمامة فإن اقتصر على مسح العمامة لم يجزه وبه قال أبو حنيفة ومالك
وقال أحمد والثوري وداود يجزىء المسح على العمامة واعتبر أحمد أن يكون قد تعمم على طهر وشرط بعض أصحابه أن تكون تحت الحنك
فإن مسح جميع رأسه كان ما زاد على ما يقع عليه الاسم مستحبا
وفيه وجه آخر أن الجميع واجب
فصل ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثا
وهو قول ابي ثور
وقال مالك الأذنان من الرأس غير أنه يستحب أن يأخذ لهما ماء جديدا
وقال أحمد هما من الرأس فيمسحان مع الرأس على رواية الاستيعاب ويجزىء مسحهما بما مسح به الرأس
وروي عن ابي حنيفة وأصحابه أنهما يمسحان بما مسح به الرأس
وذهب الشعبي والحسن بن صالح إلى أن ما أقبل منهما على الوجه من الوجه فيغسل معه وما أدبر منهما عنه يمسح مع الرأسويحكى عن أبي العباس بن سريج أنه كان يغسلهما مع الوجه ويمسحهما مع الرأس ثلاثا احتياطا
وقال إسحاق مسح الأذنين واجب
فصل ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثا
والكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم
وذهبت الإمامية من الشيعة إلى أن الواجب هو المسح على ظهر القدمين والأصابع إلى الكعبين والكعب عندهم في ظهر القدم والغسل عندهم غير جائز
وقال بعض أهل الظاهر يجب الجمع بين المسح والغسل
وقال ابن جرير الطبري هو مخير بينهما
ويستحب البداءة باليمنى من اليدين والرجلين
وقالت الشيعة يجب ذلك
فإن شك بعد الفراغ من الطهارة هل مسح رأسه أو لم يمسحه فالذي ذكره الشيخ ابو حامد أنه لا يؤثر ذلك
ومن أصحابنا من قال لا يجوز له الدخول في الصلاة مع الشك في تيمم الطهارة فيمسح رأسه ويغسل رجليه واختاره الشيخ ابو نصر رحمه الله
ويجب الترتيب في الوضوء على ما ذكرناه
وحكى ابن القاص قولا آخر أنه قال إذا نسي ذلك صح وضوءه والمذهب الأول وبه قال أحمد وأبو ثور
وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك لا يجب الترتيب في الوضوء وهو قول داود والزهري واختيار المزني
فإن صب أربعة الماء على أعضائه الأربعة في حال واحدة لم يجزه من ذلك إلا غسل الوجه وقيل يجزئه وليس بشيء
فإن اغتسل ينوي رفع الحدث من غير جنابة ولم تترتب أعضاءه لم يجز في أصح الوجهين إلا غسل الوجه وبنى بعض أصحابنا هذين الوجهين على أن الحدث يعم جميع البدن أو يختص بالأعضاء الأربعة وحكى في ذلك وجهين وهذا بناء فاسد وإن كان المذهب أن الحدث يعم جميع البدن
ويجب الترتيب في الأعضاء المسنونة في أصح الوجهين لحصول السنة به والتفريق الكثير من غير عذر وهو بقدر ما يجف الماء عن العضو في الزمان المعتدل لا يبطل الطهارة في اصح القولين وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
وقال في القديم تبطل الطهارة وهو قول مالك والليث بن سعد والتفريق لعذر لا يبطل
وقال مالك إن كان للعجز عن الماء أبطل وإن كان لنسيان لم يبطل
ورجح بعض أصحابه في التفاحش إلى العرف
وقال أحمد التفريق يبطل الوضوء دون الغسل
فإذا قلنا إنه يبني على الطهارة فهل يلزمه تجديد النية على ما يغسله في البناء فيه وجهان
وتفريق التيمم كتفريق الوضوء
ومن أصحابنا من قال تفريق التيمم يبطله قولا واحدا وليس بشيء
باب المسح على الخفين
يجوز المسح على الخفين في الوضوء
وقالت الخوارج والإمامية لا يجوز ذلك وهو قول أبي بكر بن داود وخالف اباه في ذلك وهو مؤقت بيوم وليلة في الحضر وثلاثة ايام ولياليهن في السفر على قوله الجديد وبه قال ابو حنيفة وأحمد
وقال في القديم هو غير مؤقت ورجع عنه وهو قول مالك في السفر
واختلفت الرواية عنه في الحضر
فأشهر الروايتين أنه يمسح من غير توقيت
والثانية أنه لا يمسح بحال
وقال داود يمسح المقيم خمس صلوات والمسافر خمس عشرة صلاة
وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخف إلى مثل ذلك الوقت في الحضر وإلى مثله من اليوم الرابع في السفر وهو قول أبي حنيفة
وقال أحمد وأبو ثور وداود ابتداء المدة من حين يمسح على الخف
وحكي عن الحسن البصري أنه قال ابتداء المدة من حين اللبس
فصل إذا مسح في الحضر ثم سافر أتم مسح مقيم
وبه قال أحمد وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا مسح أحد الخفين في الحضر ثم سافر ومسح الخف الآخر فإنه يتم مسح مسافر وهذا فاسد
وقال أبو حنيفة يتم مسح مسافر
إن أحدث في الحضر ودخل عليه وقت الصلاة فلم يمسح حتى خرج الوقت ثم سافر ومسح مسح مسح مسافر في أصح الوجهين وهو قول أبي علي بن أبي هريرة
وقال أبو إسحاق يتم مسح مقيم
وإن سافر قبل خروج الوقت ومسح في السفر مسح مسح مسافر
وحكي عن المزني رحمه الله رواية غير معروفة أنه يتم مسح مقيم
وإن مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم
وقال المزني رحمه الله إذا مسح في السفر يوما وليلة ثم أقام مسح ثلث يومين وليلتين وذلك ثلثا يوم وليلة
فإن شك هل بدأ بالمسح في الحضر أو في السفر بنى الأمر على أنهبدأ به في الحضر ليغسل الرجل بعد يوم وليلة فإن بني الأمر على انه مسح في السفر ومسح في اليوم الثاني ثم بان له أنه كان قد بدأ بالمسح في السفر فإن صلاته بالمسح في اليوم الثاني لا تصح مع الشك ومسحه صحيح على ما ذكره الشيخ أبو نصر رحمه الله فيصلي به بعد التبيين
وقال غيره لا يصح مسحه مع الشك وهو اختيار الشيخ الإمام أبي إسحاق رحمه الله
فصل ويجوز المسح على كل خف صحيح يمكن متابعة المشي عليه فأما الخف المخرق فلا يصح المسح عليه في أصح القولين
وقال في القديم إن كان الخرق لا يمنع متابعة المشي عليه لم يمنع المسح وبقوله الجديد قال أحمد والطحاوي
وقال مالك إن كان الخرق يسيرا لم يمنع وإن كان فاحشا منع وبه قال سفيان الثوري
وقال أبو حنيفة إن كان الخرق قدر ثلاثة أصابع منع وإن كان أقل من ذلك لم يمنع وروي ذلك عن الحسن البصري
وإن لبس جوربا صفيقا لا يشف ومنعلا يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وبه قال أبو حنيفة
وقال أحمد وأبو يوسف ومحمد وداود يجوز المسح على الجورب وإن لم يكن له نعل
فإن لبس خفا ضيقا فقد قال عامة أصحابنا لا يجوز المسح عليه
قال القاضي حسين رحمه الله يحتمل أن يقال يجوز المسح عليه
فصل لا يجوز المسح على الجرموق وهو خف يلبس فوق خف
وهما صحيحان في أحد القولين وهو أشهر الروايتين عن مالك والثاني يجوز المسح عليه وهو قول أبي حنيفة وأحمدوهو اختيار المزني رحمه الله فإن قلنا بالأول فأدخل يده في ساق الجرموق ومسح على الخف تحته أجزأه على ظاهر المذهب
وفيه وجه آخر أنه لا يجزئه وهو قول الشيخ أبي حامد والأول اختيار القاضي أبي الطيب رحمه الله وإن قلنا بالقول الثاني فلم يمسح على الجرموق و ادخل يده في ساقه ومسح على الخف أجزأه في أظهر الوجهين
وإن لبس الجرموقين ومسح عليهما وقلنا بجواز ذلك ثم نزعهما ففيه ثلاثة طرق أحدهما أن الجرموق كالخف المنفرد فإذا نزعه اقتصر على مسح الخف في أحد القولين واستأنف الوضوء ومسح على الخف في القول الآخر
والطريق الثاني أن الجرموق مع الخف كالخف فوق اللفافة فيلزمه نزع الخف إذا نزعه ويقتصر على غسل الرجل في أحد القولين ويستأنف الوضوء في القول الآخر
والطريق الثالث أن نزع الجرموق لا يؤثر كالظهارة مع البطانة
فإن نزع أحد الجرموقين بطل المسح في الجرموق الاخر ولزمه نزعه ويكون كما لو نزعهما على ما تقدم
وقال زفر لا يبطل المسح في الجرموق الآخر فيمسح على الخف الذي نزع عنه الجرموق وحده فإن لبس خفا مغصوبا جاز له المسح عليه
وقال ابن القاص لا يجوز
وإن كان في سفر معصية فهل يجوز له أن يمسح يوما وليلة فيه وجهان
فصل ولا يجوز المسح على الخف حتى يلبسه على طهارة كاملة
فإن غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف لم يجز له أن يمسح حتى يخلع الذي لبسه أولا ويعيد لبسه وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يجوز المسح عليه وبه قال داود واختاره المزني غير أن أبا حنيفة لا يعتبر الطهارة في ابتداء اللبس بحال حتى لو لبس الخف على حدث ثم توضأ وغسل رجليه في الخفين ثم أحدث جاز له المسح ويعتبر أن يرد الحدث بعد اللبس على طهارة كاملة
فإن لبس الخفين على طهارة ثم أحدث ومسح عليهما ثم لبس الجرموقين ثم أحدث وقلنا بجواز المسح على الجرموقين لم يجز المسح عليهما في أحد الوجهين
وفي الثاني يجوز
إذا توضأت المستحاضة ولبست الخفين وأحدثت حدثا غير الاستحاضة جاز لها أن تمسح على الخف للفريضة وما شاءت من النوافل
وقال زفر لها أن تصلي به ما يصلي الطاهر
وحكي القفال في جواز صلاتها بالمسح على الخف قولين وبناهما على أن طهارتها هل ترفع الحدث أم لا وهذا فاسد في الأصل والبناء
فإن تيمم ولبس الخف ثم وجد الماء
قال أبو العباس يجوز له المسح لفريضة وما شاء من النوافل
وقال سائر أصحابنا لا يجوز له المسح
فصل السنة أن يمسح أعلى الخف وأسفله
فيضع كفه اليسرى تحت عقب الخف واليمنى على أطراف الأصابع ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى رؤوس الأصابع وهو قول الزهري ومالك
وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد وداود لا مدخل لأسفل الخف في المسح
وأما عقب الخف فمن أصحابنا من قال يمسحه قولا واحدا ومنهم من قال فيه قولان أصحهما أنه يمسحه
قال فإن اقتصر على مسح أعلى الخف أجزأه وإن اقتصر على مسح أسفله لم يجزئه على المنصوص
وقال أبو إسحاق القياس أن يجزئه
وحكي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه كان يخرج ذلك على قولين
أحدهما لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة وأبي العباس بن سريج
والثاني يجزئه وهو قول أبي إسحاق
فأما الاقتصار على العقب فإن قلنا إن مسحه سنة جاز الاقتصار عليه
وإن قلنا إن مسحه ليس بسنة ففي الاقتصار عليه وجهان
قال الإمام أبو بكر وعندي أنه يجب أن يكون الأمر بالعكس من ذلك فإن قلنا إنه ليس بسنة لم يجز الاقتصار عليه وجها واحدا وإن قلنا إنه سنة ففي الاقتصار عليه وجهان ويجزئه من مسح الأعلى ما يقع عليه الاسم وبه قال الثوري وأبو ثور
وقال أبو حنيفة يجب مسح قدر ثلاثة أصابع بثلاث أصابع
وقال زفر إن مسح قدر ثلاث بأصابع بأصع واحدة أجزأه
وقال أحمد يجب مسح أكثر الخف
وقال مالك يلزمه مسح جميع محل الفرض
فصل إذا نزع الخفين بطل المسح واقتصر على غسل الرجلين
في أصح القولين وهو قول أبي حنيفة واختاره المزنى
والقول الثاني أنه يستأنف الوضوء وبه قال أحمد والقولان أصلان بأنفسهما على الصحيح من المذهب
ومن أصحابنا من بناهما على القولين في تفريق الوضوء
وقال مالك إن كان قد تطاول الفصل لزمه استئناف الطهارة وإن لم يتطاول غسل الرجلين
وقال الحسن البصري وداود يصلي بطهارة المسح إلى أن يحدث واختلفا
فقال الحسن لا يجب عليه نزع الخفين
وقال داود يجب عليهما نزعهما ثم يصلى الى ان يحدث ولا يصلي قبل نزع الخفين
فإن خلع أحد الخفين فإنه يبطل حكم المسح في الآخر فينزع الخف الآخر ويغسل الرجلين
وحكي عن أصبغ من اصحاب مالك أنه قال لا يلزمه ذلك بل يمسح على الخف الآخر ويغسل الرجل
فإن مسح على الخف ثم أزال رجله عن موضع القدم ولم تبرز عن الكعبين لم يبطل المسح على قوله القديم
وقال في الجديد يبطل المسح وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد وهو الأصح
باب الأحداث
والأحداث الموجبة للطهارة أربعة
أحدها الخارج من السبيلين نادرا كان أو معتادا وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد
وقال مالك لا وضوء فيما يخرج نادرا كالحصا والدودوالمذي الدائم ودم الاستحاضة
وقال داود لا يجب الوضوء بالدود والدم
و الريح الخارجة من الذكر أو القبل توجب الطهارة
وقال أبو حنيفة لا توجب
فإن أطلعت دودة رأسها من أحد السبيلين ولم تنفصل حتى رجعت انتقض طهره في أظهر الوجهين فإن انسد المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج يخرج منه البول والغائط انتقض الوضوء بالخارج منه وإن انفتح فوق المعدة لم ينتقض وضوءه في أحد القولين وهو اختيار المزني وإن لم ينسد المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج لم ينتقض الوضوء بالخارج منه في أظهر الوجهين وإن انفتح فوق المعدة لم ينتقض الوضوء بالخارج منه وجها واحدا
ومن أصحابنا من بنى ذلك عليه إذا انسد المخرج المعتاد وانفتح فوق المعدة وقلنا بأحد القولين أن الوضوء ينتقض فها هنا وجهان
فصل والثاني زوال العقل بجنون أو إغماء أو نوم
والنوم حدث في الجملة
وحكي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان يقول النوم ليس بحدث بحال وروي مثله عن عمرو بن دينار وأبي مجلز وهو قول الإمامية
فإن نام جالسا متمكنا بمحل الحدث من الأرض لم ينتقض طهره على المنصوص في عامة كتبه وفيه قول آخر أنه ينتقض طهره وهو اختيار المزني رحمه الله وهو قول أبي إسحاق فيكون النوم حدثا بكل حال
فإن نام قائما أو راكعا أو ساجدا في الصلاة انتقض طهره في أصح القولين
وقال في القديم لا ينتقض
وقال أبو حنيفة إذا نام على هيئة من هيئات الصلاة في حال الاختيار من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود
وإن كان خارج الصلاة لم ينتقض طهره وبه قال داود
وقال مالك النوم ينقض الوضوء إلا أن يكون يسيرا في حال الجلوس
وحكي عن أحمد أنه قال النوم اليسير في حال القيام والقعود والركوع والسجود لا ينقض
فصل والثالث اللمس بين الرجل والمرأة من غير حائل
فينقض طهر اللامس وهو قول الزهري
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن ذلك لا ينقض الطهارة وبه قال عطاء وطاووس وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما غير أن أبا حنيفة وابا يوسف قالا إذا وضع الفرج على الفرج مع الانتشار انتقض الطهر وخالفهما في ذلك محمد بن الحسن
وقال مالك وأحمد إن لمس بشهوة انتقض طهره
وقال داود إن قصد اللمس انتقض طهره وخالفه ابنه فقال ينقض بكل حال فأما لمس الشعر فلا ينقض وحكى فيه وجه آخر أنه ينقض وليس بمذهب
وقال مالك إن لمسه بشهوة انتقض طهره وكذا قال في اللمس من وراء حائل بشهوة والملموس لا ينقض طهره في أظهر القولين
ولمس ذوات المحارم لا ينقض الطهر في أظهر القولين وكذا لمس الصغيرة التي لا تقصد بالشهوة فيه وجهان فأما لمس المرأة المسنة فمن أصحابنا من قال ينقض الطهر ومنهم من قال يجري مجرى لمس الصغيرة التي لا تشتهى
ولمس الأمرد لا ينقض الطهر
وحكي عن أبي سعيد الاصطخري أنه ينقض وليس بمذهب
فصل والرابع مس الفرج ببطن الكف فإنه ينقض الطهر
وبه قال مالك واحمد والمزني
وقال أبو حنيفة وأصحابه لا ينقض بحال
وعن مالك رواية أخرى أنه يعتبر فيه الشهوة
وإن مسه بظهر كفه أو ساعده لم ينقض طهره
ويروى عن عطاء انه ينقض الطهر وهو احدى الروايتين عن احمد ويروى عن مالك وإن مس ذكره بما بين الأصابع لم ينقض طهره في أظهر الوجهين
وغن مس ذكرا مقطوعا انتقض طهره في أظهر الوجهين وإن مسه ببطن أصبع زائدة على كفه انتقض طهره في أظهر الوجهين
وقال أبو علي في الإفصاح يحتمل أن لا ينقض
وإن مس ذكره بيد شلاء فقد ذكر فيه وجهان
والصحيح أنه ينتقض طهره
وان مس الدبر انتقض طهره
وحكي ابن القاص قولا آخر أنه لا ينتقض وليس بمشهور وهو قول مالك وداود
وإن انسد المخرج المعتاد وانفتح مخرج آخر وقلنا ينتقض الوضوء بالخارج منه فهل ينتقض بمسه فيه وجهان
وإن مس فرج غيره من صغير أو كبير حي أو ميت انتقض طهره
وحكي عن داود أنه قال مس فرج غيره لا ينتقض الطهر
وحكي عن مالك أنه قال لا ينقض الطهر بمس فرج الصغير
وقال إسحاق في من مس فرج الميت لا ينقض وقد خرج فيه وجه لبعض أصحابنا
وقال مالك مس المرأة فرجها لا ينقض طهرها وحكي عن بعضأصحابه إذا كان بشهوة نقض
فإن خلق لرجل ذكران يبول منهما جميعا فمس أحدهما
ذكر بعض أصحابنا أنه ينتقض وضوؤه وان أولج أحدهما في فرج وجب عليه الغسل وفي هذا نظر لأن الله تعالى أجرى العادة أن يكون للواحد ذكر واحد والآخر زائد لا محالة فيقضى له بحكم المشكل
ومس فرج البهيمة لا ينقض الطهر
وحكي ابن عبد الحكم قولا آخر عن الشافعي رحمه الله أنه ينقض الوضوء وبه قال الليث وليس بمذهب
وحكي عن عطاء نقض الطهر بمس فرج بهيمة مأكولة
فإن مس العانة والأنثيين لم ينتقض طهره
وحكي عن عروة أنه قال ينتقض طهره
فإن مس بذكره دبر غيره
فقد قال الشيخ أبو نصر رحمه الله الذي يقتضيه المذهب أن لا ينتقض طهره والذي يقتضيه التعليل أن ينتقض
وقد ذكر الشيخ الإمام أبو إسحاق رحمه الله في الخلاف ما يوافق ما يقتضيه المذهب وما سوى ما ذكرناه لا ينقض الطهر كالخارجمن غير السبيلين من قيء أو رعاف وهو قول مالك وداود
وقال أبو حنيفة كل نجاسة خارجة من البدن فإنها تنقض الطهر كالدم إذا سال والقيء إذا ملأ الفم وبه قال أحمد
وعن أحمد رواية أخرى أنه إن قطر الدم قطرة لم ينقص وعنه رواية اخرى انه ان خرج منه قدر ما يعفى عنه وهو شبر في شبر لم ينقض
عن ابن أبي ليلى أنه ينقض قليله وكثيره
وروي عن زفر وعطاء وأكل شيء من اللحوم لا ينقض الطهر
وحكي عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والزهريأنهم كانوا يتوضأون مما مست النار
وقال أحمد أكل لحم الجزور ينقض الطهر وحكاه ابن القاص عن الشافعي رحمه الله في القديم والقهقهة لا تنقض الطهر وهو قول مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة القهقهة في غير صلاة الجنازة والعيد من الصلوات تنقض الطهر وهو قول الثوري والنخعي
وعن الأوزاعي روايتان
ويستحب أن يتوضأ من القهقهة والكلام القبيح لآثار رويت فيه
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله والأشبه من ذلك أن يكونوا أرادوا به غسل اليد والفم
والشيخ الإمام أبو إسحاق رحمه الله اختار الأول وهو الأصح فصل إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على يقين الطهارة
ويستحب له أن يتوضأ وقال مالك يجب عليه أن يتوضأ
وقال الحسن البصري إن طرأ عليه الشك في الحدث وهو في الصلاة أتمها وبنى على اليقين وإن طرأ عليه ذلك قبل التلبس بها لزمه الوضوء وإن تيقن حدثا وطهارة وشك في السابق منهما نظر فيما كان قبلها عليه فإن كان محدثا فهو الآن متطهر وان كان متطهرا فهو الآن محدث
ومن أصحابنا من قال يجب عليه الوضوء بكل حال
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وهو الأصح لتساوي حالهما وذكر فيه وجه آخر أنه يتمسك بالأصل فإن كان محدثا فهو محدث وإن كان متطهرا فهو متطهر وليس بشيء
فصل يحرم على المحدث مس المصحف وحمله على غير طهارة
وهو قول مالك وقال أبو حنيفة يجوز له حمله في غلافه وبعلاقتهعلى غير طهارة وهو قول مالك ولا يجوز له مس أوراقه وبه قال أحمد وحكاه ابن المنذر عن الحكم وعطاء
وقال الخراسانيون من أصحاب أبي حنيفة لا يجوز له مس موضع الكتابة ويجوز له مس ما سوى ذلك
وقال داود كل ذلك جائز
إذا وضع الورق بين يدين وكتب القرآن فيه وهو محدث جاز
وحكي فيه وجه آخر أنه لا يجوز وليس بصحيح
فإن حمل صندوق المتاع وفيه مصحف جاز
وحكي فيه وجه آخر أنه لا يجوز وليس بصحيح
وفي حمل الصبيان الألواح التي يكتبون عليها القرآن على غير طهارة وجهان
وفي حمل الدراهم الآحادية والثياب المطرزة بآيات من القرآن وكتب الفقه وفيها آيات من القرآن على غير طهارة وجهان
أصحهما جواز ذلك
وقيل في تفسير القرآن إنه إن كان القرآن أكثر حرم حمله وإن كان التفسير أكثر فعلى الوجهين ولا اعتبار بالكثرة عندي في ذلك وإنما الاعتبار بالمقصود وقيل إن كان قد كتب القرآن في سطر بخط غليظ وتفسيره تحته في سطر لم يجز حمله وإن لم يتميز عنه في الخط كره وهذا لا معنى له فإنه إن لم يكن قد ترك من القرآن شيئا في نظمه فهو مصحف أبدع فيه
وإن كان على موضع من بدنه نجاسة وهو على طهارة فمس المصحف بغيره جاز
وقال أبو القاسم الصيمري من أصحابنا لا يجوز
باب الاستطابة
يحرم استقبال القبلة واستدبارها لقضاء الحاجة في الصحراء ويجوز في البنيان وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وروي ذلك عن العباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم
وقال داود يجوز الاستقبال والاستدبار في المكانين
وقال أبو حنيفة والثوري لا يجوز الاستقبال في المكانين وعنه في الاستدبار روايتان
إحداهما يجوز
والثانية لا يجوز فيهما
وروي مثل ذلك عن أحمد
وروي عن أبي أيوب الأنصاري المنع منهما في المكانين جميعا وهو قول النخعي
وحكي عن بعض أصحاب مالك أنه ذكر في الجماع مستقبل القبلة اختلافا بين أصحاب مالك
فقال ابن القاسم لا بأس به
وقال ابن حبيب يكره
وعندي أنه لا يتصور هذا الحكم في الجماع
والاستنجاء واجب من البول والغائط وبه قال أحمد وداود ومالك في إحدى الروايتين عنه
وقال أبو حنيفة الاستنجاء غير واجب وهو الرواية الثانية عن مالك ويحكى عن المزني وقدر أبو حنيفة النجاسة التي تصيب الثوب والبدن في العضو بقدر الدرهم البغلي اعتبارا بمحل النجو عندهم
فإن خرجت منه بعرة يابسة أو حصاة أو دودة لا رطوبة معها لم يجب منها الاستنجاء في أصح القولين
فإن توضأ قبل أن يستنجي صح وضوؤه ويستنجي بعده بالحجر
وإن تيمم قبل أن يستنجي لم يصح تيممه في أصح القولين
والقول الثاني أنه يصح حكاه الربيع
قال أبو إسحاق هذا من كيسه
وإن كان على بدنه نجاسة في غير محل النجو فتيمم قبل غسلها لم يصح تيممه في أصح الوجهين
وقال أبو علي في الإفصاح يصح قولا واحدا
وإذا أراد الاستنجاء من الغائط ولم يجاوز الموضع المعتاد فالأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فإن اقتصر على احدهما فالماء أولى وإن اقتصر على الحجر جاز ويلزمه فيه الإنقاء حتى لا يبقى إلا أثر لاصق لا يزيله إلا الماء واستيفاء ثلاث مسحات وبه قال أحمد
وقال داود الواجب الإنقاء دون العدد
أبو حنيفة يقول الاستنجاء مستحب ولا يستحب فيه العدد
وفي كيفية الاستنجاء وجهان
قال أبو علي بن أبي هريرة يضع حجرا على مقدم الصفحة اليمنى ويمره إلى مؤخرها ثم يديره إلى الصفحة اليسرى ويمره عليها إلى الموضع الذي بدأ منه ويأخذ الثاني فيمره من مقدم الصفحة اليسرى ويمره إلى مؤخرها ويديرها إلى اليمنى على ما ذكرناه ويأخذ الثالث فيمره على الصفحتين والمسربة
وقال أبو إسحاق يأخذ حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة والأول أصح
وإن كان يستنجي من البول أمسك ذكره بيساره ومسحه على الحجر
وحكي عن بعض أصحابنا أنه يأخذ ذكره بيمينه والحجر بيساره فيمسحه به
قال الشافعي رحمه الله الثيب والبكر سواء وهذا صحيح
والواجب أن تغسل ما يظهر من فرجها عند جلوسها وذلك دون البكارة
وحكي عن بعض أصحابنا أنه قال الثيب تغسل باطن فرجها فلا يصح أن تستنجي بالحجر وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله
وذكر في الخنثى المشكل أنه لا يجوز أن تستنجي بالحجر
قال الإمام أبو بكر وعندي أن هذا ينبني على الوجهين فيه
إذا انفتح مخرج آخر مع بقاء المخرج المعتاد فإن هذا الفرج الزائد الذي يخرج منه بول لا يكون دون هذا الذي انفتح ويخرج منه الخارج
فصل ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه
وهو كل جامد طاهر منقي لا حرمة له ليس بجزء من حيوان
فإن استنجى بشيء نجس لم يصح ولزمه أن يستنجي بعده بالماء ولا يجزئه الحجر وفيه وجه آخر أنه يجزئه الحجر بعده
وقال أبو حنيفة يصح الاستنجاء بالجامد النجس
ومن أصحابنا من قال في الحجر المستعمل بعد الإنقاء لاستيفاء العدد أنه لا يجوز الاستنجاء به كالماء المستعمل وليس بشيء
ولا يصح الاستنجاء بالطعام والعظام وما له حرمة
وقال مالك إذا كان ظاهرا جاز الاستنجاء به
وقال أبو حنيفة يصح الاستنجاء بالعظم
فإن استنجى بجزء من حيوان كذنب حمار لم يصح في أحد الوجهين واختاره الشيخ أبو نصر رحمه الله
والثاني يصح واختاره في الحاوي
وحكي عن أبي علي بن خيران أنه أجاز أن يستنجي بكف نفسه كما يجوز أن يستنجي بكف غيره وإن استنجى بجلد مذكى غير مذبوح لم يصح في أظهر القولين
فإن جاوز الخارج الموضع المعتاد إلى باطن الألية أجزأه فيه إلا الماء
ومن أصحابنا من قال يجوز الحجر في أظهر القولين
والثاني لا يجزىء فيه إلا الماء
وإن خرج إلى ظاهر الألية لم يجزئه إلا الماء
ومن أصحابنا من قال يجوز أن يستعمل في ظاهر الألية الماء وفي الباطن الحجر
فأما البول فقد قال أبو إسحاق المروزي إذا جاوز المخرج المعتاد لم يجز فيه إلا الماء
ومن أصحابنا من قال هو بمنزلة الغائط
فإذا لم يجاوز الحشفة كان فيه قولان
وإن كان الخارج نادرا كالدم فهل يجزىء فيه الحجر فيه قولان
فإن انسد المخرج المعتاد وانفتح مخرج آخر وقلنا ينتقض الوضوء بالخارج منه فهل يجزىء فيه الحجر فيه وجهان
باب ما يوجب الغسل
والذي يوجب الغسل إيلاج الحشفة في الفرج وإنزال المني والحيض والنفاس
فالإيلاج يوجب الغسل وإن لم يتصل به إنزال
وقال داود لا يوجب الغسل بحال وروي ذلك عن أبي بن كعب في آخرين من الصحابة رضي الله عنهم
وقيل إنهم رجعوا عن ذلك
ولا فرق بين فرج الآدمية والبهيمة
وقال أبو حنيفة لا يجب الغسل بالإيلاج في فرج البهيمة والميتة
إذا لف على ذكره خرقه وأولجه في الفرج حتى جاوز حد الختان وجب الغسل عليهما في أحد الوجهين
والثاني أنه لا غسل فيه
وكان أبو الفياض يقول إن كانت الخرقة خفيفة وجب الغسل وإن كانت صفيقة تمنع وصول اللذة لم يجب والأول أصح
فإن كان مقطوع الذكر من حد الختان تعلق الغسل بالإيلاج جميع ما بقي
وفيه وجه آخر أنه إذا غيب من الباقي الحشفة وجب الغسل
وإنزال المني يوجب الغسل بدفق وغير دفق
وقال إبو حنيفة ومالك وأحمد إذا خرج المني بغير دفق وشهوة لم يوجب الغسل ولا يجب الغسل بالمني من غير خروج من الذكر
وقال أحمد إذا انتقل المني من الظهر إلى الاحليل وجب الغسل وإن لم يخرج
إذا استدخلت المرأة المني ثم خرج لم يجب عليها الغسل
وحكي عن الحسن البصري أنه قال يجب عليها بخروجه الغسل
والمذي ماء رقيق لزج يخرج بأدنى شهوة ولا يوجب الغسل
وقال أحمد في إحدى الروايتين إنه يجب عليه غسل الذكر والأنثيين من المذي
وقال مالك يغسل الذكر منه
فإن خرج منه ما يشبه المني ويشبه المذي ولم يتميز له وجب منه الوضوء
وقيل يخير بين أن يجعله منيا فيغتسل منه وبين أن يجعله مذيا فيتوضأ منه ويغسل الثوب منه
وقال الشيخ الإمام أبو إسحاق رحمه الله يجب أن يتوضأ مرتبا ويغسل سائر بدنه ويغسل الثوب منه احتياطا والأول أظهر رجع إليه القفال بعد ما كان يقول بغيره
فإن اغتسل ثم خرج منه مني وجب عليه أن يغتسل ثانيا سواء خرج قبل البول أو بعده
وقال مالك وأحمد وأبو يوسف يجزئه الغسل الأول بكل حال
وقال الأوزاعي إن خرج منه قبل البول فلا غسل عليه
وقال أبو حنيفة إن خرج قبل البول فعليه الغسل لأنه بقية مني خرج منه بدفق وشهوة وإن خرج بعد البول فلا غسل
وعن مالك في وجوب الوضوء من هذا المنى روايتان والحيض والنفاس يوجبان الغسل فإن ولدت المرأة ولم تر نفاسا فلا غسل عليها في أصح الوجهين
فإن أسلم ولم يكن قد وجب عليه غسل في حال الشرك فلا غسل عليه ويستحب أن يغتسل
وقال مالك وأحمد يجب عليه الغسل بالإسلام
ويحرم عليه بالجنابة والحيض قراءة القرآن
وحكي أبو ثور عن الشافعي رحمه الله أنه يجوز للحائض أن تقرأ وهو قول مالك في إحدى الروايتين
وقال مالك أيضا يقرأ الجنب آيات يسيرة
وأنكر أصحابنا ما ذكر من الرواية عن الشافعي رحمه الله
وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يقرأ ورده وهو جنب
وحكي عن سعيد بن المسيب أنه سئل أيقرأ الجنب قال نعم أليس هو في جوفه وهو قول داود واختاره بن المنذر
وقال ابو حنيفة واحمد يقرأ ما دون الآية
وعن الأوزاعي أنه قال يقرأ آية النزول والركوب كقوله { وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } و { سبحان الذي سخر لنا هذا }
ويحرم بالجنابة اللبث في المسجد ولا يحرم العبور وبه قال عطاء
وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز له العبور
وقال أحمد إذا توضأ يجوز له اللبث فيه
وقال داود يجوز له اللبث من غير وضوء واختاره ابن المنذر
وأما الحائض فظاهر كلام الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز لها العبور
وقال أبو إسحاق إن أمنت تلويث المسجد بالاستيثاق في الشد جاز لها العبور وكلام الشافعي رحمه الله محمول عليه إذا لم تأمن تلويث المسجد
باب صفة الغسل
إذا أراد الغسل من الجنابة فإنه يسمي الله عز وجل وينوي الغسل من الجنابة أو الغسل لأمر لا يستباح إلا بالغسل كقراءة القرآن ويغسل كفيه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما على فرجه من أذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه العشر في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات من ماء ثم يفيض الماء على سائر جسده ويمر يديه على ما يقدر عليه من بدنه ثم يتحول من مكانه فيغسل قدميه
والواجب من ذلك النية وإيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة وغسل نجاسته إن كانت عليه وما سوى ذلك منه
وحكي عن مالك أنه قال إمرار اليد إلى حيث تناله من بدنه واجب وهو اختيار المزني
وحكي عن داود أنه قال يجب عليه الوضوء والغسل جميعا عن الجنابة المجردة بأن ينظر بشهوة فينزل المني
فأما إذا وجد منه جنابة وحدث فمنصوص الشافعي رحمه الله أنه يدخل الوضوء في الغسل فيجزئه الغسل لهما وهو قول مالك
وفيه وجه آخر أنه يلزمه أن يتوضأ ويغتسل
وفيه وجه ثالث أنه يقتصر على الغسل غير أنه يلزمه أن ينوي الحدث والجنابة
فإن غسل أعضاء وضوئه من الجنابة ثم أحدث لزمه الوضوء مرتبا
وذكر في الحاوي وجها آخر أنه مخير بين أن يتوضأ وبين أن يغتسل في جميع بدنه غسلا واحدا فيجزئه عن الجنابة والحدث وهل يلزمه أن يرتب أعضاء وضوئه فيه وجهان
فإن اجتمع على المرأة جنابة وحيض كفاها لهما غسل واحد
وحكي عن داود أنها تحتاج إلى غسلين
وغسل المرأة كغسل الرجل إلا أن الغالب كثرة شعرها فتحتاج أن تغمره بالماء فإن كان يصل إلى جميعه من غير نقض لم يلزمه نقضه
وقال النخعي يلزمها نقضه بكل حال
وحكي عن أحمد أنه قال الحائض تنقض شعرها وفي الجنابة لا تنقضه
وبأي موضع بدا من بدنه في غسله جاز
وحكي عن إسحاق ابن راهويه أنه قال يبدأ بأعالي بدنه
وإن اغتسل الجنب وعلى موضع من بدنه نجاسة فاستهلكها الماء في غسله هل يرتفع حدثه بتلك الغسلة عن ذلك المحل فيه وجهان
فإن انغمس في ماء يبلغ قلتين ينوي به غسل الجنابة لم يصر مستعملاوإن كان أقل من قلتين صار مستعملا وصح غسله في أحد الوجهين
فإن اغترف الماء بيده من الإناء ليغسلها لم يصر مستعملا في أصح الوجهين
وقيل يصير مستعملا
فإن غمس يده أو غيرها من الأعضاء في الإناء قبل غسلها لم ينجس الماء
وقال أبو يوسف إذا أدخل يده لم ينجس الماء وإن أدخل غيرها من الأعضاء ينجس ويجوز للرجل أن يتوضأ بفضل المرأة في الإناء
وحكي عن أحمد أنه قال لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل المرأة إذا خلت به
وفي رواية أخرى أنه يكره
ويستحب أن لا ينقص في وضوئه عن مد وفي غسله من صاع فإن كفاه أقل من ذلك أجزأه
وحكي عن محمد بن الحسن أنه قال لا يمكن المغتسل ان يعمم جميع بدنه بأقل من صاع ولا المتوضىء أن يسبغ بأقل من مد وهذا فاسد
باب التيمم
يجوز التيمم عن الحدث الأصغر والأكبر
وروي عن عمر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا لا يجوز للجنب ان يتيمم
وقيل إنهما رجعا عن ذلك
وحكي عن النخعي أن الجنب يؤخر الصلاة حتى يجد الماء رواه ابن المنذر
ولا يجوز التيمم عن النجاسة
وقال أحمد يجوز
والتيمم مسح الوجه واليدين مع المرفقين بالتراب بضربتين أو أكثر وهو قول أبي حنيفة ومالك
وحكي عن الشافعي رحمه الله أنه قال في القديم إن التيمم في الوجه والكفين وليس بمشهور عنه وهو قول أحمد وداود وهو روايةعن مالك
وعندهم يقتصر فيهما على ضربة واحدة
وعندنا يحتاج إلى ضربتين
وقال الزهري يمسح اليد إلى الإبط
وحكي عن ابن سيرين انه قال لا يجزئه أقل من ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للكفين وضربة للذراعين
ولا يصح التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد وبه قال أحمد وداود
وقال أبو حنيفة ومالك يجوز التيمم بكل ما كان من جنسالأرض ولا يعتبر أن يعلق باليد غبار حتى قال مالك يصح التيمم بالثلج
وحكي عنه أنه قال يصح التيمم بكل ما كان متصلا بالأرض من النبات
وقال أبو يوسف يجوز التيمم بالتراب والرمل وهو قول الشافعي رحمه الله في القديم
وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لا يجوز التيمم إلا بتراب عذب تراب الحرث وبه قال إسحاق فإن ضرب يده على ثيابه فعلق بها غبار فتيمم به صح تيممه
وقال ابو موسى لا يصح وحكي أيضا عن مالك
وحكي عن داود أن التراب إن كان قد تغير بالنجاسة لم يجز التيمم به وإن لم يتغير جاز
ولا يجوز التيمم بتراب خالطه دقيق أو جص وحكي فيه وجه آخر أنه يجوز إذا كان التراب غالبا
ولا يصح التيمم بتراب مستعمل في التيمم
وقال أصحاب أبي حنيفة يجوز وهو وجه لبعض أصحابنا
وما تناثر من العضو مستعمل
ومن أصحابنا من قال المستعمل ما بقي على العضو دون ما تناثر عنه
فإن أحرق الطين الخراساني فتيمم بمدقوقه صح في أحد الوجهين
فصل ولا يصح التيمم إلا بالنية
فينوي استباحة الصلاة فإن نوى به رفع الحدث لم يصح تيممه في أصح الوجهين
وحكي عن بعض أصحاب أبي حنيفة أن التيمم يرفع الحدث
ولا بد في استباحة الفريضة من نية التيمم للفرض وهو قول مالك وأحمد وهل يفتقر إلى تعيين الفرض من ظهر أو عصر فيه وجهان
وحكي فيه قول آخر أنه يستبيح االفريضة بنية التيمم للصلاة المطلقة والنافلة حكاه الشيخ الإمام أبو إسحاق عن ابي حاتم القزويني عن أبي يعقوب الأبيوردي عن الإملاء
فإن تيمم للفريضة يعتقد انه محدث فذكر أنه كان جنبا صح تيممه
وقال مالك لا يصح تيممه وبه قال أحمد
وحكى ابن القصار عن مالك أنه يصح تيممه وموضع الخلاف أن يكون ذاكرا للجنابة والحدث فينوي استباحة الصلاة من الحدث وفي ذلك عن مالك روايتان وإن تيمم للفرض استباح به النفل قبل الفرض وبعده وفيه قول آخر أنه لا يجوز أن يصلي به النفل قبل الفرض ويجوز بعده وبه قال مالك وأحمد
وإن تيمم للنفل جاز أن يصلي به على الجنازة نص عليه في البويطي
وفيه وجه آخر أنه لا يجوز مخرج من الجمع بين الصلاتين على جنازتين بتيمم واحد وإن نوى التيمم لمس المصحف أو لقراءة القرآن أو للوطء استباح ما نواه وهل يستبيح به النفل فيه وجهان
فإن شك هل عليه فائتة أم لا فتيمم ينوي الفائتة ثم تذكر أنها عليه فقد قيل إنه لا يجوز أن يصليها به وفي هذا عندي نظر
فإن تيمم لفوائت جاز له أن يصلي واحدة منها في أصح الوجهين
فإذا أراد التيمم سمى الله عز وجل ونوى وضرب يديه على التراب فإن كان التراب ناعما كفاه وضع اليد ومسح من وجهه البشرة الظاهرة وظاهر الشعر على الصحيح من المذهب
ومن أصحابنا من قال يجب إيصال التراب إلى باطن الشعور الأربعة كما يجب في الوضوء ثم يضرب ضربة أخرى فيمسح يديهفيضع بطون اصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمنى ويمرها على ظهر الكف فإذا بلغ الكوع جعل أطراف أصابعه على حرف الذراع ثم يمرها إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى باطن الذراع ويمره عليه ويرفع إبهامه فإذا بلغ الكوع أمر باطن إبهام يده اليسرى على ظاهر إبهام يده اليمنى ثم يمسح بكفه اليمنى يده اليسرى كذلك ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى
وحكى الحسن بن زياد عن ابي حنيفة أنه إذا مسح أكثر وجهه وأكثر يديه أجزأه فإن أمر غيره حتى يممه ونوى هو أجزأه
وقال ابن القاص في التلخيص لا يجزئه قلته تخريجا
وإن سفت الريح على وجهه ترابا عمه فأمر يده على وجهه لم يجزه وبه قال ابن القاص وأبو على الطبري
وقال القاضي أبو حامد هذا إذا لم يصمد للريح فأما إذا صمد للريح ونوى أجزأه
والتكرار في التيمم غير مستحب فأما إذا أراد تجديد التيمم لنافلة بعد الفريضة ذكر القفال أن ذلك لا يتصور بحكم العدم ويتصور في الجريح فيستحب التجديد في المغسول وهل يستحب في التيممللنافلة فيه وجهان وينبغي أن يستحب التجديد بحكم العدم للنافلة والنافلة ايضا فصل ولا يصح التيمم للمكتوبة قبل دخول وقتها
وبه قال مالك وأحمد وداود وقال أبو حنيفة يجوز ذلك
ومن أصحابنا من قال إذا لم ينعقد تيممه للفرض قبل دخول الوقت فهل ينعقد للنفل فيه وجهان بناء على من أحرم بالظهر قبل الزوال لم ينعقد الفرض وهل تنعقد نافلة فيه قولان وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله في البويطي
فإن تيمم للصلاة على الميت قبل غسله فهل يصح تيممه فيه وجهان
أصحهما أنه لا يصح
ولا يجوز التيمم إلا للعادم للماء أو الخائف من استعماله
وقال ابو حنيفة يجوز التيمم مع وجود الماء لصلاة الجنازة والعيد عند خوف فوتهما فإن تيمم في أول الوقت فهل يجوز له تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ليصليها به فيه وجهان
أحدهما لا يجوز وهو قول أبي العباس وأبي سعيد
فإن تيمم قبل دخول الوقت لفائتة فلم يصلها حتى دخل وقت الحاضرة فهل يجوز له فعل الحاضرة أم لا
قال ابن الحداد يجوز
وقال غيره لا يجوز
ويجوز أن يتيمم في أول الوقت
وحكي عن الزهري أنه قال لا يجوز أن يتيمم حتى يخاف فوت الوقت
قال الشافعي رحمه الله وإذا تيمم لنافلة في الوقت الذي نهي عن الصلاة فيه لم يجزه ذلك يريد به أنه لا يصلي به نافلة بعد خروج الوقت فجعله كالتيمم للفرض قبل دخول وقته
ومن أصحابنا من بنى صحة تيممه فيه على انعقاد نفله وهذا خلاف النص
ولا يجوز للعادم للماء التيمم إلا بعد طلبه في مواضع الطلب في العادة
وقال أبو حنيفة إذا كان مسافرا ولم يعلم بقربه ماء جاز له التيمم إلا أن يطلع عليه ركب فإن بيع منه الماء بثمن مثله وهو واجد للثمن غير محتاج إليه لزمه ابتياعه
قال أبو إسحاق يعتبر ثمن مثله في موضعه في العرف الجاري في عامة الأحوال
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله يحتمل عندي أنه إذا كان ما طلب منه في ثمنه هو ثمن مثله في ذلك الوقت مع ذلك العارض لزمه الابتياع به ولا يجوز له التيمم وهذا صحيح يقتضيه المعقول والأصول
ومن أصحابنا من قال ليس للماء ثمن وثمنه أجرة نقله إلى ذلك الموضع وليس بشيء
وذكر أيضا أنه إذا طلب منه زيادة على ثمن المثل يعتبر أن يزيد علىما يعد غلا في العادة فأما إذا كان يسيرا بحيث لو اشترى به وكيله سامحه ورضي به لزمه وإن كان لا يرضى به لم يلزمه وهذا لا يجيء على مذهب الشافعي رحمه الله وإنما هو ميل إلى قول مالك فإنه قال إذا طلب منه زيادة لا يجحف لزمه أن يشتري وإن بذل له الماء بثمن مثله في ذمته وهو غير واجد للثمن في موضعه ووجد في موضع آخر
ذكر الشيخ أبو نصر رحمه الله أنه يلزمه
وذكر أقضى القضاة الماوردي أنه لا يلزمه
قال الشيخ الإمام أيده الله وهذا عندي أصح
فإن كان عنده بئر وليس معه حبل ولا دلو ووجدهما على غيره بثمن المثل أو أجرة المثل لزمه الطهارة
وإن أعبير منه دلو أو حبل وكان ثمنه بقدر ثمن الماء لزمه قبول العارية وإن كان ثمنه أكثر فهل يلزمه قبول العارية فيه وجهان
أصحهما عندي وجوب القبول
وإن لم يمكنه استقاء الماء إلا أن يدلي ثوبا تنقص قيمته إذا ابتل فإن كان نقصانه لا يزيد على ثمن الماء لزمه أن يستقي به وإن زاد لم يلزمه
وإن كان معه ثوب إذا شقه نصفين وصل إلى الماء ولكنه ينقص قيمته بالشق
فقد ذكر القاضي حسين رحمه الله إنه إذا كان النقصان لا يزيد على أجرة الرشا لزمه فعل ذلك وإن كان يزيد لم يلزمه فاعتبر الأجرة وفيما ذكرته قبله عن أصحابنا اعتبار الثمن
وقد ذكروا أيضا أن الرشا إذا بذل له بثمن مثله لزمه قبوله وربما كان بينهما تفاوت
قال الشيخ الإمام أيده الله والصواب أن يقال ينظر إلى أكثر ذلك إذا لم ينفق فإذا كان النقص لا يزيد على أكثر واحد منهما وإن زاد على الأجرتين لزمه احتماله فإن كان معه ماء طاهر وماء نجس وخاف العطش
قال في الحاوي لا يتيمم ويستعمل الطاهر ويشرب النجس إذا كان قد دخل عليه وقت الصلاة
قال الإمام أبو بكر وهذا فيه نظر لأن ما يحتاج إليه للعطش لا يتعلق به فرض الطهارة فيشرب الطاهر ويتيمم ولا يشرب النجس
فإن لم يكن على ثقة من وجود الماء في آخر الوقت ولا على يأس من وجوده فالأفضل أن يصلي بالتيمم في أول الوقت في أصح القولين وهو اختيار المزني
والثاني أن التأخير أفضل
وعن أبي حنيفة روايتان كالقولين
وقال الثوري التأخير أفضل بكل حال وبه قال أحمد
وقال مالك يتيمم المريض والمسافر في وسط الوقت لا يؤخره جدا ولا يعجله
وحكي عن علي رضي الله عنه أنه قال في الجنب لا يجد الماء يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا يتيمم
وهكذا حكم تأخير الصلاة عن أول الوقت لأجل الجماعة على ما ذكرناه
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا كان علي علم من وجود الماء في آخر الوقت ففي جواز التيمم في أول الوقت قولان وليس بصحيح
فإن تيمم ثم علم أن في رحله ماء لزمه إعادة الصلاة وهو قول أبي يوسف وأحمد
وعن مالك روايتان
قال أبو إسحاق يشبه أن يكون الشافعي رحمه الله أجاب بذلك على قوله القديم إذا نسي القراءة في الصلاة
وقال غيره يحتمل أن يكون أراد مالكا أو أحمد
ومن أصحابنا من حكى طريقة أخرى عن أبي علي بن أبي هريرة وأبي الفياض أنه اختلاف الرواية لاختلاف الحال فأوجب الإعادة إذا كان رحله صغيرا يمكن الإحاطة به وحيث قال في رحله ماء قال لا يعيد إذا كان رحله كبيرا لا يمكن الإحاطة به
والطريقة الأولى هي الصحيحة
وإن كان في رحله ماء فأضل رحله فطلبه فلم يجده فتيمم وصلى لم يلزمه الإعادة في أحد الوجهين
قال الشافعي رحمه الله إذا تيمم ثم بان بقربه بئر حيث يلزمه الطلب فعليه الإعادة نص عليه في البويطي
وقال في الأم لا إعادة عليه وظاهره قولان
ومن أصحابنا من جعل ذلك على حالين فحيث قال لا إعادة عليه إذا كانت خفيه وحيث قال يعيد إذا كان عليها علم ظاهر
فصل إذا وجد من الماء ما لا يكفيه
لجميع الأعضاء لزمه استعماله في أصحالقولين ويتيمم بعد استعماله لما بقي في وجهه ويديه وبه قال معمر
والقول الثاني أنه يقتصر على التيمم وبه قال أبو حنيفة ومالك وداود وهو اختيار المزني
وعن أحمد روايتان كالقولين
وقال عطاء والحسن البصري إذا وجد من الماء ما يكفيه لوجهه ويديه غسلهما به وأغناه عن التيمم
وقال عطاء قصده إذا كان معه ما يكفي وجهه غسله ومسح يديه بالتراب وأجزأه
فإن كان جنبا فتيمم لعدم الماء وصلى فريضة ثم أحدث ووجد من الماء ما يكفيه لأعضاء وضوئه فإن قلنا يلزمه استعماله في الابتداء بطل تيممه ولزمه استعماله والتيمم بعده لما بقي وإن قلنا لا يلزمه استعماله فقد قال أبو العباس بن سريج إن توضأ به ارتفع حدثه وعاد إلى ما كان قبله من حكم التيمم فيصلي النفل ولا يصلي فريضة وهذا وضوء يستبيح به النفل دون الفرض
فإن ترك استعمال هذا الماء وتيمم للفرض صح تيممه واستباح به فريضة وما شاء من النوافل
وإن تيمم للنفل فقد قيل يصح تيممه
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله وهذا ليس بصحيح بل يجب أن يقال لا يصح تيممه للنفل وهذا من الغريب
فإن لم يجد ماء ووجد ترابا لا يكفي وجهه ويديه ففي وجوب استعماله القولان
وقيل يجب استعمال قولا واحدا
فإن اغتسل الجنب في جميع بدنه إلا عضوا منه لم يجد له ماء فتيمم عنه ثم أحدث ثم تيمم ثانيا ليصلي فوجد ما يكفي لذلك العضو بني على القولين فيه إذا لم يجد ابتداء غير ذلك القدر فإن قلنا لا يلزمهاستعماله غسل به العضو الذي بقي وتيممه صحيح وإن قلنا لا يلزمه استعماله بطل تيممه ها هنا
قال الشيخ الإمام أيده الله وعندي أنه يلزمه استعماله في العضو الباقي من الجنابة قولا واحدا لأنه يتم به غسله ولا يؤثر في تيمم حصل بحكم الحدث
فإن عدم المحدث الماء في السفر فتيمم ثم أصابته جنابة ووجد من الماء ما يكفي أعضاء الوضوء فإن قلنا لا يدخل الحدث في الجنابة لزمه أن يتوضأ به عن الحدث وتيمم عن الجنابة ويقدم أيهما شاء وإن قلنا أن الحدث يدخل في الجنابة سقط حكمه وكان في استعمال ما وجده من الماء عن الجنابة قولان فإن قلنا يلزمه استعماله قدمه على التيمم
إذا اجتمع ميت وحي على بدنه نجاسة والماء مباح يكفي أحدهما فالميت أحق به في ظاهر المذهب
وقيل استعماله في النجاسة أولى
وإن اجتمع حائض وجنب والماء يكفي أحدهما
قال أبو إسحاق الجنب أولى
وقيل الحائض أولى
وإن اجتمع جنب ومحدث والماء يكفي المحدث ويفضل منه ما لا يكفي الجنب ويكفي الجنب ولا يفضل منه شيء فالجنب اولى وقيل المحدث أولى وقيل هما سواء فيه
فإن لم يجد ماء ولا ترابا صلى على حسب حاله وأعاد إذا قدر وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد في أصح الروايتين عنه في الإعادة
وحكي عن الشافعي رحمه الله في القديم أن الفعل في الوقت مستحب
وقال أبو حنيفة والثوري لا يجوز أن يصلي في الوقت ولكنه يقضي إذا قدر
وقال مالك وداود لا يصلي في الوقت ولا يلزمه القضاء إذا قدر
وإما الخائف من استعمال الماء فإنه إذا كان يخاف الزيادة في المرض أو إبطاء البرء فقد اختلف نص الشافعي رحمه الله فيه واختلف أصحابنا فيه على طرق
فمنهم من قال لا يجوز له التيمم قولا واحدا وهو قول أحمد
ومنهم من قال يجوز قولا واحدا وهو قول أبي العباس وأبي سعيد الاصطخري
ومنهم من قال فيه قولان وهو أصح الطرق وهو قول أبي إسحاق وعامة أصحابنا
وأصح القولين جواز التيمم وهو قول أبي حنيفة ومالك
فإن كان به مرض لا يلحقه معه ضرر من استعمال الماء كالصداع والحمى لم يجز له التيمم
وقال داود يجوز ويحكى ذلك عن مالك
وحكي في الحاوي عن عطاء والحسن البصري أنه لا يجوز التيمم للمرض إلاعند عدم الماء
فإن خاف من استعمال الماء شينا في المحل
قال أبو العباس لا يخلف مذهب الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز له التيمم
وقال غيره إن كان الشين كأثر الجدري والجراحة لم يجز له التيمم وإن كان يشوه خلقه ويسود كثيرا من وجهه كان على القولين
وإن كان في بعض بدنه قرح يخاف من استعمال الماء فيه غسل الصحيح وتيمم عن الجريح
وقال أبو إسحاق يحتمل قولا آخر أنه يقتصر على التيمم كما لو وجد من الماء ما يكفي بعض الأعضاء
وقال أبو حنيفة إن كان أكثر بدنه صحيحا اقتصر على غسل الصحيح وإن كان الأكثر جريحا اقتصر على التيمم
وإن كان في بعض بدنه قرح وهو جنب غسل الصحيح وتيمم عن الجريح وبدأ بأيهما شاء
ومن أصحابنا من قال الأولى أن يبدأ بالغسل
وحكي وجه عن بعض أصحابنا الخراسانيين أنه لا يصح التيمم قبل الغسل وليس بشيء
فأما المحدث إذا كان في وجهه جرح وفي يده جرح وفي رجله جرح غسل الصحيح من وجهه وتيمم عن الجريح فيه في وجهه ويديه ثم يغسل الصحيح من يده ويتيمم عن الجريح منها في وجهه ويديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل الصحيح من رجله ويتيمم عن الجريح منها في وجهه ويديه
قال ابن الحداد
فإن حضر وقت صلاة أخرى فإنه يعيد التيمم دون الغسل
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وهذا يحتاج إلى تفصيل
فإن كان الجرح في رجله أعاد التيمم وأجزأه وإن كان في وجهه أو يديه فينبغي على الأصل الذي قدمناه أن يعيد التيمم وما بعده من الغسل ليحصل الترتيب
قال الشيخ الإمام أيده الله تعالى وعندي أن ما ذكره ابن الحداد أصح
قال الشافعي رحمه الله ولو ألصق على موضع التيمم لصوقا ونزع اللصوق وأعاد
واختلف أصحابنا في صورة ذلك
فمنهم من قال صورته أن يكون القرح على موضع التيمم وقد ألصق عليه لصوقا يمنع وصول التراب إليه ولا يخاف من نزعه الضرر وإنما يخاف من إمرار الماء عليه فإنه يلزمه نزعه وغسل الصحيح منه وإمرار التراب على القرح في التيمم عنه ولا اعادة عليه في الصلاة
وقوله أعاد أراد إعادة اللصوق بعد التيمم
ومنهم من قال صورة ذلك أن يخاف من نزع اللصوق الضررفيمسح بالتراب على اللصوق ويغسل الصحيح ويعيد الصلاة قولا واحدا
قال الماوردي هذا التصوير يبعد لأنه قال نزع اللصوق
وإذا كان يخاف الضرر من نزعه أو من استعمال التراب فيه لم يلزمه نزعه
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله يحتمل أن يكون أراد نزع اللصوق إذا برىء وأعاد الصلاة التي صلاها بالمسح
فصل ولا يجوز أن يصلي بتيمم أكثر من فريضة وما شاء من النوافل
وهو قول مالك واختلف أصحابه في الجمع بين فوائت بتيمم واحد
وقال أبو حنيفة يجوز أن يصلي بتيمم ما شاء من الفرائض وبه قال الثوري وداود واختاره المزني
وقال أحمد وأبو ثور يتيمم لوقت كل فريضة ولا فرق عندنا بين المنذورة والفائتة
وذكر القاضي حسين رحمه الله في الجمع بين الفائتة والمنذورة جوابين بناء على أن مطلق النذر ماذا يقتضي فإن قلنا أقل ما يتقرب به وهو ركعة حملا على النفل جاز له الجمع بين المنذورتين والمنذورة والفائتة وهذا فاسد
فإن أراد أن يجمع بين فريضتين في وقت الأولى منهما فيه وجهان
أحدهما لا يجوز بسبب تخلل الطلب
والثاني يجوز
فإن نسي صلاة من خمس صلوات ولم يعرف عينها صلى خمس صلوات بتيمم واحد
وقيل يحتاج ان يتيمم لكل صلاة
فإن نسي صلاتين من صلوات اليوم والليلة ولم يعرف عينها فقد ذكر ابن القاص أنه يلزمه أن يتيمم لكل صلاة
وقيل إن شاء زاد في عدد الصلوات فصلى ثمان صلوات بتيممين فيتيمم ويصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب ثم يتيمم ويصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء وإن شاء صلى خمس صلوات بخمس تيممات
فإن نسي صلاتين من صلوات يومين وليلتين فإن كانتا مختلفتين فعلى ما ذكرناه فيه إذا كانتا من يوم وليلة وإن كانتا متفقتين كعصرين أو ظهرين صلى خمس صلوات بتيمم وخمسة بتيمم على المذهب الصحيح
ويجوز أن يصلي بتيمم واحد على جنائز إذا لم يتعين عليه وإن كانت قد تعينت عليه ففيه وجهان
أظهرهما أنه يجوز وهو قول أبي إسحاق وأبي العباس واختيار القاضي أبي الطيب رحمه الله
فصل إذا رأى المتيمم الماء قبل الشروع في الصلاة بطل تيممه
وحكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال لا يبطل تيممه وإنرآه بعد الفراغ من الصلاة وكان في السفر لم يلزمه الإعادة
وحكي عن طاوس أنه قال يتوضأ ويعيد ما صلى بالتيمم
وحكي عن الحسن البصري ومالك أنه يعيد إذا كان الوقت باقيا
وإن كان في الحضر وتيمم لعدم الماء كالمحبوس في بيت لا ماء فيه ولا يجد من يناوله الماء فتيمم وصلى ثم قدر على الماء وجب عليه الإعادة وهو قول أبي حنيفة حكاه الطحاوي وبه قال أبو يوسف ومحمد
وقال زفر لا يتيمم ولا يصلي حتى يجد الماء وهي رواية شاذة عن أبي حنيفة
وقال مالك يتيمم ولا يصلي ولا يعيد وبه قال الثوري واختاره المزني والطحاوي وإن كان في سفر قصير لم يجب عليه الإعادة فيما صلى بالتيمم على أحد القولين وإن كان في سفر معصية فصلى بالتيمم ففي وجوب الإعادة وجهان
وإن كان معه ماء فأراقه بعد دخول الوقت وتيمم وصلى ففي الإعادة وجهان
وكم يعيد من الصلوات فيه وجهان
أحدهما صلاة الوقت
والثاني يعيد ما يصلي بالوضوء الواحد غالبا وليس بشيء
وإن وهب الماء بعد دخول وقت الصلاة فقد ذكر القاضي حسين في صحة الهبة وجهين وليس بشيء
وإن رأى الماء في أثناء الصلاة فإن كان في الحضر بطلت صلاته وإن كان في السفر لم تبطل وبه قال مالك وداود وهو رواية عن أحمد
وهل يجوز له الخروج منها فيه وجهان
أظهرهما أن الأفضل له الخروج
والثاني أنه لا يجوز له الخروج منها
ومن أصحابنا من قال الخروج منها مكروه لا يختلف المذهب فيه وإنما الوجهان في جعل الصلاة نافلة يسلم من ركعتين وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله
وقال أبو حنيفة يبطل تيممه وهو رواية عن أحمد واختيار المزني إلا أن عند أبي حنيفة لا يبطل برؤية الماء في صلاة الجنازة والعيد ولا برؤية سؤر الحمار والبغل
وقال الأوزاعي تصير صلاته نفلا
فإن رأى الماء في أثناء الصلاة فلما فرغ منها فني الماء لم يصل النافلة بتيممه
وقيل يصلي النافلة بذلك التيمم
فإن رأى الماء في نافلته وكان قد نوى عددا أتمه وإن كان قد أطلق النية أتم ركعتين نص عليه الشافعي رحمه الله
وحكي عن القفال أنه قال إذا كان قد نوى ركعتين فله أن يصلي ما شاء بالتيمم بعد رؤية الماء
وقال غيره إذا كان قد أطلق النية فله أن يصلي ما شاء بعد رؤية الماء وإن تيمم لشدة البرد في الحضر وجبت عليه الإعادة وإن كان في السفر ففي وجوب الإعادة قولان
قال ابن القاص في التلخيص إذا وجد الماء في صلاته ونوى المقام مع وجود الماء بطل تيممه وصلاته وإذا نوى المقام مع عدم الماء مضى في صلاته وأعاد تغليبا لحكم الإقامة
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وفي هذا نظر وقد ذكر في الحاوي نظير ما قاله
فصل إذا احتاج إلى وضع الجبيرة على عضو ولحقه الضرر من حلها
وكان قد وضعها على طهر ومسح عليها مسح على جميعها في أظهر الوجهين وهل يجب ضم التيمم إليه فيه قولان أحدهما لا يضم إليه التيمم ويصلي ما شاء من الفرائض
والثاني يضم إليه التيمم فيتيمم لكل فريضة
ذكر في الحاوي أن الجبيرة إذا كانت على عضو التيمم لم يحتج إلى التيمم مع المسح عليها وإن كانت على غيره فعلى قولين وهذا فاسد
وهل يجب عليه الإعادة بعد البرء على قولين
أحدهما لا يعيد وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني
وإن كان قد وضع الجبيرة على غير طهر وخاف من نزعها مسح عليها وأعاد قولا واحدا
وقيل فيه قولان وليس بشيء
وقال أحمد في إحدى الروايتين لا يعتبر الطهارة في وضعها ولا يصلي ولا يعيد وبه قال مالك
باب الحيض
الحيض يحرم الوطء فإن وطئها مع العلم بالتحريم وجب عليه على قوله القديم في إقبال الدم دينار وفي إدباره نصف دينار
وحكى بعض أصحابنا الخراسانيين أنه يجب عليه عتق رقبة وحكاه في الحاوي عن سعيد بن جبير
وقال أحمد هو مخير بين دينار ونصف دينار
وحكي عن الحسن البصري وعطاء أنه يجب عليه كفارة الفطر في رمضان
وقال في الجديد لا شيء عليه سوى الاستغفار والتوبه وهو الصحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والمباشرة بين السرة والركبة محرمة نص عليه في الأم وبه قال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف
وقال أحمد وداود ما دون الفرج مباح وهو قول أبي إسحاق وأبي علي بن أبي هريرة وقول محمد بن الحسن وقول بعض أصحاب مالك
وحكى أبو الفياض من أصحابنا وجها ثالثا أنه إن كان يأمن أن تغلبه نفسه وشهوته على الوطء في الفرج جاز له أن يستمتع بها فيما دونه وإن لم يأمن أن تغلبه الشهوة فيطأ في الفرج حرم عليه الاستمتاع بما دونه إلا من وراء الإزار
ووطء المستحاضة في غير ايام الحيض مباح
وقال أحمد لا يجوز إلا أن يخاف العنت
فإذا طهرت من الحيض لم يحل له وطؤها حتى تغتسل وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور
وقال أبو حنيفة إذا انقطع دمها لأكثر الحيض حل وطؤها قبل الغسل وإن انقطع لما دون الأكثر لم يحل وطؤها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة
وقال داود إذا غسلت فرجها من الدم بعد انقطاعه حل وطؤها
وحكى عن طاوس ومجاهد أنها إذا توضأت حل وطؤها
فإن لم تجد ماء تيممت وحل وطؤها
قال مكحول لا يحل وطؤها بالتيمم
وقال أبو حنيفة لا يحل وطؤها بالتيمم حتى تصلي به فإن صلت بالتيمم فريضة لم يحرم وطؤها في أظهر الوجهين
إذا أراد الرجل أن يأتي امرأته فذكرت أنها حائض
قال القاضي حسين إن كانت فاسقة لم يقبل قولها وإن كانت عفيفة قبل قولها وامتنع عن وطئها وهذا فيه نظر بل يجب أن يعتبر في ذلك إمكان صدقها في قبول قولها كما اعتبر ذلك في انقضاء عدتها ولم يعتبر العدالة والفسق فإن تيممت فوطئها ذكر في الحاوي في جواز وطئها ثانيا بذلك التيمم وجهين
أحدهما يحل له
والثاني لا يحل وهو فاسد
فإن تيممت عن حدث الحيض في وقت صلاة فدخل عليها وقت صلاة أخرى ففيه وجهان
أحدهما أن تيممها يبطل بخروج الوقت
والثاني ذكره أقضى القضاة الماوردي أنه لا يبطل وهو الأصح
فصل أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين
فإن قيل فقد قال الشافعي رحمه الله في اللعان ولو جاء بحمل وزوجها صبي له دون العشر لم يلزمه لأن العلم محيط أن لا يولد لمثله فإن كان له عشرا فأكثر وكان يمكن أن يولد له كان له
وأجاب الشيخ أبو حامد رحمه الله بأنه لا فرق بين الغلام والجارية وأراد به إذا جاءت به لأقل من تسع ومدة الحمل وذلك دون العشر
قال القاضي ابو الطيب رحمه الله تسع سنين ومدة الحمل قريب من عشر
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وهذا خلاف ما قال الشافعي رحمه الله ولا يجب أن يعتبر الغلام بالجارية لأن الحيض قد يعجلها لشدة الحر ولهذا اختص بنساء تهامة وكلام الشافعي رحمه الله يدل على أنه يعتبر الوجوه في الغلام فيجوز أن يكون الوجوه فيه مخالفا للوجوه في الجارية
وأقل الحيض يوم وقال في موضع آخر يوم وليلة فمن أصحابنا من قال فيه قولان ومنهم من قال قولا واحدا يوم وليلة وهو قول أحمد ومنهم من قال قولا واحدا يوم وهو قول داود
وقال أبو حنيفة أقله ثلاثة أيام
وقال ابو يوسف اقله يومان وأكثر الثالث
وقال مالك ليس لأقله حد ويجوز أن يكون ساعة
وأكثر الحيض خمسة عشر يوما وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين وأبو يوسف وداود قال في الرواية الأخرى سبعة عشر يوما
واقل طهر فاصل بين الحيضين خمسة عشر يوما
وحكي عن يحيى بن أكثم أنه قال أقل الطهر تسعة عشر يوما لأن أكثر الحيض عنده عشرة أيام
وحكي عن عبد الملك بن حبيب من أصحاب مالك أنه قال أقل الطهر عشرة أيام
وحكي عن مالك أنه قال لا أعلم بين الحيضتين وقتا يعتمد عليه
وروى ابن القاسم عنه أنه قال ما يعلم النساء أن مثله يكون طهرا أن الخمسة والسبعة لا يكون طهرا
وقال محمد بن مسلمة مثل قولنا وهو من متأخري أصحابه
وحكى عن مالك أيضا أقل الطهر خمسة ايام
وفي الدم الذي تراه الحامل قولان
أحدهما أنه حيض وهو قول مالك
والثاني أنه ليس بحيض وهو قول أبي حنيفة ومحمد
وفي أول زمان ارتفاعه وجهان
أحدهما أنه يرتفع بنفس العلوق
والثاني من وقت حركة الحمل
وإذا لم يجاوز الدم خمسة عشر يوما فكله حيض وإن كان صفرة أو كدرة
وقال أبو سعيد الاصطخري الصفرة والكدرة في غير وقت العادة لا يكون حيضا
وقال أبو ثور إن تقدم الصفرة والكدرة دم أسود كانت حيضا تبعا له
وقال أبو يوسف الصفرة حيض والكدرة إن تقدمها دم أسود فهي حيض
وقال داود لا تكون الصفرة والكدرة حيضا بحال
وإن جاوز الدم خمسة عشر يوما فقد اختلط الحيض بالاستحاضة فيحتاج إلى تمييز أحدهما عن الآخر
فإن كانت مبتدأة غير مميزة وهي التي بدأ بها الدم واستمر على صفة واحدة حتى عبر الخمسة عشر يوما ففيها قولان
أصحهما أنها ترد إلى غالب عادات النساء وهي الست والسبع وبه قال الثوري
وهي رواية عن أحمد وإلى أي عادة ترد فيه وجهان
أحدهما أنها ترد إلى غالب عادة النساء
والثاني إلى غالب عادة لداتها ونساء بلدها وهو رواية عن مالك
والقول الثاني أنها تحيض اقل الحيض وهو رواية عن أحمد وقول زفر
وقال أبو حنيفة تحيض أكثر الحيض عشرة أيام
وقال مالك تقعد عادة لداتها وستطهر بعد ذلك بثلاثة ايام ما لم يجاوز مجموع ذلك خمسة عشر يوما وعنه رواية أخرى أنها تجلس ما دام الدم إلى أن يبلغ خمسة عشر يوما وهذه الرواية أيضا في المعتادة التي لا تمييز لها وهو رواية عن أحمد
وقال أبو يوسف تأخذ في الصوم والصلاة بالأقل وفي وطء الزوج بالأكثر فأما في الشهر الثاني وما بعده إذا جاوز الدم الست أو السبع اغتسلت وصلت وصامت ولا تقضي الصلاة ولا تقضي الصوم بعد خمسة عشر يوما
وهل تقضي ما صامت بعد الست والسبع فيه وجهان
أصحهما أنها لا تقضي
وإن كانت مبتدأة مميزة وهي التي بدأ بها الدم وعبر الخمسة عشر وهو في بعض الأيام بصفة دم الحيض وهو المحتدم القاني الذي يضرب إلى السواد وفي بعضها أحمر مشرق أو أصفر فإنها ترد إلى السواد بشرط أن لا ينقص السواد عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر يوما وبه قال مالك من غير اعتبار ما ذكر من الانتظار
وكان المغيرة من أصحابه يحكي أنها تغتسل وتصلي وتصوم ولكن لا يطؤها الزوج
وقال ابو حنيفة التمييز لا يعمل به في الحيض
وإن رأت خمسة ايام دما أحمر أو أصفر ثم رأت خمسة أيام دما أسود ثم أحمر إلى آخر الشهر فالحيض هو الأسود
وقيل إنه لا تمييز لها
وقيل حيضها العشرة الأولى وليس بشيء
وإن رأت خمسة أيام دما أحمر ثم أسود إلى آخر الشهر فليس لها تمييز فيكون على القولين في المبتدأة غير المميزة
وقيل تحيض من أول الدم الأسود إما يوما وليلة أو ستا أو سبعا
وإن رأت ستة عشر يوما دما أحمر ثم أسود وجاوز خمسة عشر يوما فلا تمييز لها
وقال ابو العباس تحيض من أول الأحمر يوما وليلة ثم تحيض من أول الأسود يوما وليلة في أحد القولين
وحكي فيه وجه آخر أن الدم الثاني لا يكون استحاضة لأن الاستحاضة ما كان في أثر حيض وليس بشيء فإن كانت معتادة غير مميزة وهي أن تكون عادتها أن تحيض في كل شهر خمسة ايام فاستحيضت وجاوز خمسة عشر يوما وهو على صفة واحدة فحيضتها ايام عادتها وبه قال ابو حنيفة
وإن كانت عادتها أن تحيض الخمسة الثانية من الشهر فرأت الدم في أيام عادتها وخمسة قبلها وخمسة بعدها كان الجميع حيضا
وقال أبو حنيفة الخمسة التي بعدها تكون حيضا والتي قبلها لا تكون حيضا إلا أن يتكرر فإن كانت عادتها أن تحيض الخمسة الثانية من الشهر فرأت الخمسة الأولى واستمر دمها فحيضها الخمسة المعتادة في أصح الوجهين
والثاني أن حيضها الخمسة الأولى
وإن كانت عادتها أن تحيض من أول كل شهر خمسة ايام فرأتها وطهرت خمسة عشر يوما ثم رأت الدم وجاوز خمسة عشر يوما فإن حيضها على عادتها في أول الشهر الثاني في أصح الوجهين
وقيل أنها تحيض حيضة أخرى من اول الدم الثاني وليس بشيء
وإن كانت معتادة مميزة بأن ترى الدم في بعض الأيام بصفة دم الحيض ولها عادة أن تحيض أياما معلومة من الشهر فإنها ترد إلى التمييز في أظهر الوجهين
وقال أبو علي بن خيران نقدم العادة على التمييز
وقال مالك الاعتبار بالتمييز دون العادة فإن لم يكن لها تمييز استنظرت بعد زمان العادة بثلاثة أيام إلى أن تجاوز خمسة عشر يوما
وتثبت العادة بمرة واحدة على أصح الوجهين
وقال ابو حنيفة لا تثبت إلا بمرتين
وإن كانت ناسية للعادة غير مميزة ولم تذكر وقت عادتها ولا عددها وهي المتحيرة ففيها قولان
أحدهما إنها كالمبتدأة التي لا تمييز لها وفيها قولان
والقول الثاني وهو الصحيح المنصوص عليه في الحيض أنه ليس لها حيض بيقين ولا طهر بيقين فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج بحال ولا تقضي الصلاة هذه طريقة الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وغيرهما من اصحابنا ببغداد
وذكر في الحاوي طريقة لأبي العباس بن سريج في استعمال اليقين في الصلاة كما يستعمل في الصوم فتغتسل في أول وقت الظهر وتصليها فيه ثم تغتسل في أول وقت العصر وتصليها فيه ثم تغتسل في أول المغرب وتصليها في أول وقتها ثم تتوضأ وتعيد الظهر ثم تتوضأ وتعيد العصر فإذا دخل وقت العشاء اغتسلت وصلتها في أول وقتها فإذا طلعالفجر اغتسلت وصلت الصبح في أول وقتها ثم تتوضأ وتقضي المغرب ثم تتوضأ وتقضي العشاء فإذا طلعت الشمس اغتسلت وقضت الصبح فتصلي عشر صلوات بست اغتسالات وقد أسقطت الفرض بيقين وهذا صحيح
وأما الصيام فقد ذكر ابو علي في الإفصاح أنها إذا صامت رمضان مع الناس قضت خمسة عشر يوما بصوم شهر آخر وتبعه الشيخ أبو حامد وغيره
وقال القاضي أبو الطيب رحمه الله وهموا في ذلك إنما يصح لها من رمضان أربعة عشر يوما إذا كان تاما فإذا صامت شهرا آخر تاما حصل لها اربعة عشر يوما وبقي عليها يومان
وكيفية القضاء في ذلك أنها إذا أرادت قضاء يوم فإنها تضيف إلى أكثر الحيض يومين فيكون سبعة عشر يوما وتصوم يومين في أولها ويومين في آخرها السادس عشر والسابع عشر فيسلم لها يومان بيقين وكلما زاد في الواجب عليها يوم زادت في الصوم يومين يوما في أول المدة ويوما في آخرها وزادت في المدة يوما وعلى هذا ذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله بعد ما ذكر هذا
قال أبو بكر بن الحداد إذا كان عليها صوم يوم قضته بثلاثة أيام من سبعة عشر يوما فتصوم الأول والسابع عشر وتترك الثاني والسادس عشر وتصوم يوما فيما بين الثاني والسادس عشر وقد صح لها يوم بيقين
فإن أرادت أن تقضي صوم يومين قضتها بصيام ستة ايام من ثمانية عشر يوما يومين في أولها ويومين في آخرها ويومين فيما بين ذلك ولا تحتاج أن تترك شيئا
ذكر في الحاوي أنها تمنع من حمل المصحف واللبث في المسجد وقراءة القرآن في غير الصلاة والتطوع بالصلاة والصوم وذكر في وطء الزوج والسنن الراتبة وجهين
أحدهما يحرم عليها
والثاني لا يمنع
قال الشيخ الإمام أيده الله وعندي أنه لا وجه لإباحة الوطء وبقية الأحكام وينبغي أن يجوز لها تبعا للفرض في طهارته
فصل في التلفيق
إذا رأت يوما دما ويوما نقاء ولم تجاوز الخمسة عشر يوما فقد نص الشافعي رحمه الله أن الجميع حيض وهو قول ابي حنيفة
وفيه قول آخر أنه يلفق إلى النقاء فيجعل طهرا وهو قول مالك وإن عبر الخمسة يوما فقد اختلط الحيض بالاستحاضة
وقال ابن بنت الشافعي رحمه الله النقاء في السادس عشر يفصل بين الحيض والاستحاضة والمذهب الأول
وإن كانت معتادة وكانت عادتها أن تحيض من أول الشهر خمسة أيام فإن قلنا لا تلفق فالخمسة كلها حيض وإن قلنا تلفق حصل لها ثلاثة أيام حيض
ومن أصحابنا من قال تلفق لها خمسة ايام من خمسة عشر يوما وعلى هذا إذا كانت عادتها زيادة على ما ذكرناه
فإن رأت نصف يوم دما ونصف يوم نقاء ولم يجاوز الخمسة عشر بني على القولين في التلفيق
وقيل لا يثبت لها حكم التلفيق حتى يتقدمه أقل الحيض متصلا
وقيل يعتبر أن يتقدم أقل الحيض متصلا ويتعقبه أقل الحيض متصلا والمذهب الأول
قال أبو العباس لا يجب عليها الغسل في اليوم الأول من الشهر على القول الذي يقول لا يلفق وإن قلنا يلفق وجب عليها الغسل إذا رأت النقاء في اليوم الاول
قال الشيخ ابو نصر رحمه الله وعندي أن الذي يجيء على هذا القول أن لا يجب الغسل أيضا وانما يتصور ذلك في اليوم الثاني وما بعده
قلت ما ذكره صحيح في اليوم الأول وقوله إنه لا يتصور في اليوم الأول من الشهر الثاني وما بعده ليس بصحيح بل ينيغي أن يجب الغسل عليها بعد ذلك على القولين لأن ما تقدم قد ثبت كونه حيضا فإن لفقنا فهو طهر بعد حيض وإن لم نلفق فالظاهر بقاء الطهر
وإن رأت ساعة دما وساعة نقاء ولم يجاوز الخمسة عشر وبلغ بمجموعه أقل الحيض فقد قال أبو العباس وأبو اسحاق فيه القولان في التلفيق وإن لم يبلغ بمجموعه أقل الحيض بأن رأت ساعة دما ثم رأت ساعة في الخامس عشر دما فقد قال ابو العباس إذا قلنا لا يلفق احتمل وجهين
أحدهما أنه يكون حيضا
والثاني أنه لا يكون حيضا
فإن كانت عادتها أن تحيض في أول كل شهر خمسة ايام فرأت في بعض الشهور اليوم الأول نقاء والثاني دما وعلى هذا ولم يجاوز الخمسة عشر وقلنا لا يلفق كان لها ثلاثة عشر يوما حيضا وإن قلنا يلفق يلفق لها سبعة أيام وإن جاوز خمسة عشر يوما وقلنا يلفق ففي زمانه وجهان
أحدهما من زمان العادة فيلفق لها يومان
والوجه الثاني أنه يلفق لها من زمان الإمكان فيتلفق لها خمسة أيام من عشرة ايام وإن قلنا لا يلفق فهل الاعتبار بزمان العادة أو بعددها قال أبو العباس فيه قولان يعني وجهان
والوجه الثاني أن الاعتبار بعدد العادة فيكون حيضها خمسة أيام أولها الثاني وآخرها السادس والأول أظهر فيتحصل في قدر حيضها ثلاثة أوجه وفي وقته اربعة أوجه
قال أبو العباس لو كانت المسألة بحالها غير أنها حاضت قبل عادتها يوما ورأت اليوم الأول من الشهر نقاء وعلى هذا وجاوز الأكثرفإن قلنا يلفق لها من زمان العادة حصل لها من الحيض يومان وإن قلنا من زمان الإمكان
قال ابو العباس يحتمل وجهين
أحدهما أن يكون أول حيضها اليوم الذي سبق عادتها واحتمل أن يكون أوله الثاني من الشهر قال والأول أظهر على هذا الوجه
فإن قلنا يحتسب من الثاني من الشهر تلفق لها خمسة ايام من عشرة وإن قلنا لا يلفق بني على الوجهين في أن الاعتبار بزمان العادة أو عددها فإن قلنا بزمان العادة حصل لها ثلاثة أيام وإن قلنا بعددها حصل لها خمسة ايام فحصل في قدر الحيض ثلاثة أوجه وفي موضعه
فصل الدم الذي يخرج بعد الولد نفاس والذي يخرج معه فيه وجهان
أحدهما أنه نفاس فإن رأت قبل الولادة خمسة ايام دما ثم ولدت ورأت الدم ففي الذي قبل الولادة وجهان
أحدهما أنه حيض إذا قلنا إن الحامل تحيض
وأكثر النفاس ستون يوما وغالبه أربعون يوما وهو إحدى الروايتين عن مالك
والثانية أنه يرجع إلى العادة وأقصى ما تجلس إليه المرأة
وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال خمسون يوما
وحكي في الحاوي عن الليث بن سعد أنه قال من الناس من قال سبعون يوما
وقال أبو حنيفة أكثره أربعون يوما وهو اختيار المزني وأحمد
فإن ولدت توأمين بينهما زمان ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يعتبر من الأول ابتداء المدة وهو قول أبي إسحاق وأبي حنيفة وأبي يوسف
والثاني أنه يعتبر ابتداء المدة من الثاني وهو قول محمد وزفر
والثالث أنه يعتبر ابتداؤها من الأول ثم تستأنف المدة من الثاني
فإن رأت ساعة دما ثم ظهرت خمسة عشر يوما ثم رأت يوما وليلة دما ففيه وجهان
احدهما أن الثاني حيض وما بينهما طهر وهو قول محمد وأبي يوسف
والثاني أن الجميع نفاس وفيما بينهما القولان في التلفيق وهو قول أبي حنيفة واختبار القاضي ابي الطيب رحمه الله
فإن رأت ساعة دما وخمسة عشر يوما طهرا ثم رأت بعض يوم وليلة دما وانقطع فالأول نفاس ومن قال في المسألة قبلها إن الثاني نفاس فها هنا أولى وفيما بينهما القولان في التلفيق ومن قال إن الثاني حيض يقول ها هنا إنه دم فساد
فإن رأت يوما ولية دما ثم طهرت ثلاثة عشر يوما ونصفا ثم رأت الدم نصف يوم فإنه يضم إلى الأول لإمكان حمله على الصحة
وحكي عن أحمد أنه قال الدم الأول نفاس والثاني مشكوك فيه تصوم وتصلي ولا يأتيها زوجها وتقضي الصوم والطواف
فإن جاوز الدم الستين ردت إلى أقل النفاس في أحد القولين وفي الثاني إلى غالب العادة
وقال المزني رحمه الله لا ينقص عن أربعين
ومن أصحابنا من قال يجعل ما زاد على الستين حيضا وهذا مبني عليه
إذا رأت قبل الولادة خمسة ايام دما ثم ولدت ورأت دم النفاس وقلنا إن الحامل تحيض هل يكون ذلك حيضا فيه وجهان
فصل يجب على المستحاضة أن تغسل الدم وتعصب الفرج
وتستوثق بالشد والتلجم وتتوضأ لكل فريضة وبه قال الثوري
وقال أبو حنيفة وأحمد تتوضأ لوقت كل فريضة
وقال الأوزاعي والليث بن سعد تجمع بطهارتها بين الظهر والعصر ولا تتوضأ قبل دخول الوقت
وقال أبو حنيفة يجوز إذا لم يكن ذلك وقت صلاة فإن توضأت في أول الوقت واخرت فعل الصلاة لغير غرض إلى آخر الوقت قال أبو العباس فيها وجهان
أحدهما أن صلاتها تبطل
والثاني أنها صحيحة
وإن أخرت الصلاة حتى خرج الوقت
قال أبو العباس لا تصح صلاتها بتلك الطهارة
ومن أصحابنا من خالف أبا العباس بن سريج في ذلك وقال فإن هذا يؤدي إلى أن تصير طهارتها مقدرة بوقت الصلاة وذلك مذهب أبي حنيفة
وذكر الشيخ ابو نصر رحمه الله أن نظير هذه المسألة إذا تيمم لفائتة قبل دخول وقت الحاضرة ثم دخل وقتها هل يجوز أن يصليها فيه وجهان
قال الشيخ الإمام ايده الله وعندي أن هذه المسألة ليست بنظير المستحاضة لأن الوجهين هناك في فعل الحاضرة بذلك التيمم الذي وقع للفائتة وفعل الفائتة هناك جائز وجها واحدا وها هنا الوجهان في فعل الصلاة التي توضأت لها وبطلان طهارتها بخروج الوقت وينبغي أن يبنى ذلك على تأخير الصلاة عن أول الوقت إلى آخره من غير غرض
فإن قلنا يجوز فها هنا وجهان
أحدهما أنها لا تبطل بخروج الوقت فيجوز لها أن تصلي بها الصلاةالتي توضأت لها وهل يجوز لها أن تصلي الصلاة الثانية على الوجهين في المتيمم للفائتة قبل دخول وقت الحاضرة
فإن انقطع دمها في أثناء الصلاة بطلت صلاتها في أصح الوجهين
فإن قلنا إنها تبطل وانقطع دمها ثم عاد قبل الفراغ من الصلاة فهل تبطل صلاتها فيه وجهان
فإن انقطع دمها قبل الشروع في الصلاة وجب عليها تجديد الطهارة فإن لم تفعل وشرعت في الصلاة وعاد الدم بعد الفراغ من الصلاة وجب عليها إعادتها وإن عاد قبل الفراغ من الصلاة ففيه وجهان
أصحهما أنه لا تصح صلاتها
وإن كان دم الاستحاضة يجري مرة ويمسك أخرى فإن كان زمان إمساك يتسع لفعل الطهارة والصلاة لم يجز لها أن تصلي في حال جريانه ولزمها أن تنتظر حال إمساكه ما لم يفت الوقت وإن كان زمان إمساكه لا يتسع لفعل الطهارة والصلاة كان لها أن تتوضأ وتصلي في حال جريانه إذا عرفت ذلك بحال انقطاعه وتكرره
فإن توضأت في حال جريان الدم ثم انقطع ودخلت في الصلاة واتصل انقطاعه بطلت صلاتها وجها واحدا
وحكي في تعليق الشيخ ابي حامد عن أبي العباس في ذلك وجهان كابتداء انقطاع الصلاة
باب إزالة النجاسة
البول والغائط نجس وبه قال أبو يوسف وأبو حنيفة
وقال الزهري ومالك وأحمد وزفر بول ما يؤكل لحمه ورجيعه طاهر ووافقهم أبو حنيفة في ذرق الطير والعصفور من ذلك
وقال الليث بن سعد ومحمد بن الحسن ابوال ما يؤكل لحمه طاهر وأرواثها نجسة
وقال النخعي أبوال جميع البهائم الطاهرة طاهرة
وقال داود بول الصبي ما لم يأكل الطعام طاهر
وأما مني الآدمي فطاهر وبه قال أحمد في أصح الروايتين عنه وفي مني غيره ثلاث أوجه
أحدهما وهو ظاهر المذهب أن الجميع طاهر إلا مني الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما
والثاني أن الجميع نجس
والثالث أن مني ما يؤكل طاهر
وقال أبو حنيفة ومالك المني جميعه نجس من الآدمي وغيره وهو الرواية الأخرى عن أحمد إلا أن مالكا قال رطبا ويابسا وأبو حنيفة وأحمد قالا في مني الآدمي يغسل رطبا ويفرك يابسا
وحكي الحلطوي عن الحسن بن صالح بن حي أنه قال لا يعيد الصلاة من المني في الثوب ويعيدها من المني في البدن وإن قل
وأما الدم فنجس
وفي دم السمك وجهان
أحدهما أنه طاهر
وقال أبو حنيفة دم القمل والبراغيث والبق طاهرة وهو إحدى الروايتين عن أحمد والقيء نجس والرطوبة التي تخرج من المعدة نجسة
ويحكى عن أبي حنيفة وأحمد ومحمد أنهما قالا هي طاهرة
وماء القروح إن كان له رائحة فهو نجس وإن لم يكن له رائحة فهو طاهر
ومن أصحابنا من قال فيه قولان
وفي العلقة وجهان
وقال أبو إسحاق هي نجسة
وقال أبو بكر الصيرفي هي طاهرة
والميتة سوى السمك والجراد نجسة
وقال مالك ما ليس له نفس سائلة لا ينجس بالموت وهو قول أبي حنيفة وداود
وحكى القفال القولين اللذين يذكرهما أصحابنا في نجاسة ما يموت منه في نجاسته بالموت
وفرع عليه أنا إذا قلنا لا ينجس بالموت جاز أكله وحكي أنه سئل الشيخ ابو زيد عن المني فقال طاهر فقيل أيؤكل فقال إن اشتهيت فكل
قال الشيخ الإمام ايده الله وهذا عندي لا يجيء على أصل الشافعي رحمه الله
وفي الحية والوزغ هل لهما نفس سائلة اختلاف بين أصحابنا
قال الداركي والشيخ ابو حامد لهما نفس سائلة
قال أبو الفياض وابو القاسم الصيمري ليس لهما نفس سائلة
وفي الآدمي قولان
أصحهما أنه لا ينجس بالموت
وقال أبو حنيفة ينجس بالموت غير أنه يطهر بالغسل
وحكي في الحاوي في نجاسة الضفدع بالموت وجهان
أحدهما ينجس فعلى هذا في نجاسة الماء القليل به وجهان والخمر نجسة والنبيذ نجسوقال داود الخمر طاهرة وإن حرم شربها وروى الطحاوي عن الليث بن سعد مثل ذلك
وقال أبو حنيفة النبيذ طاهر
والكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما نجس وما سواهما طاهر السؤر والذات
وقال مالك وداود الكلب والخنزير أيضا طاهر السؤر والذات غير أنه يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب تعبدا وإن كان ما فيه يحل أكله وشربه
فإن ولغ الخنزير في إناء فيه لبن أو خل ففي وجوب غسله روايتان
وحكي في الحاوي في وجوب إراقته والمنع من الانتفاع به لأصحابنا وجهان
أحدهما أنه يحرم الانتفاع به بكل حال
وقال جمهورهم يجوز الانتفاع به ولا يجب إراقته والأصح وجوب الإراقة
وقال الثوري والأوزاعي سؤر ما لا يؤكل لحمه نجس سوى الآدمي
وقال أبو حنيفة الأسآر أربعة أضرب ضرب نجس وهو سؤر الكلب والخنزير وسائر السباع فإنخها نجسة عنده
وضرب مكروه وهو حشرات الأرض وجوارح الطير والهرة
وضرب مشكوك فيه وهو سؤر الحمار والبغل
وضرب طاهر غير مكروه وهو سؤر ما يؤكل لحمه
وقال أحمد كل حيوان يؤكل لحمه فسؤره طاهر وكذلك الهرة وحشرات الأرض وعنه في السباع روايتان وكذا عنه في الحمار والبغل روايتان
أصحهما أنه نجس
والثانية أنه مشكوك فيه
ولبن ما لا يؤكل لحمه نجس على المنصوص
وقال أبو سعيد الإصطخري هو طاهر
ورطوبة فرج المرأة على المنصوص نجسة
ومن اصحابنا من قال هي طاهرة
فصل وتطهر الخمرة إذا استحالت خلا بنفسها
وإن خللت بما طرح فيها من ملح أو خل لم تطهر وإن نقلت من الظل إلى الشمس حتى تخللت طهرت في أحد الوجهين ولا يجوز إمساكها لتخلل فإن أمسكها حتى صارت خلا طهرت في أحد الوجهين
وقال أبو حنيفة تطهر بالتخليل وكذلك سائر النجاسات عنده تطهر بالاستحالة
وفي دخان النجاسة وجهان
أحدهما أنه نجس فعلى هذا حكي في العفو عنه وجهان
أحدهما يعفى عنه
وقال أبو الحسن ابن المرزبان من أصحابنا إذا عمل الآجر من طين فيه سرجين فغسل طهر ظاهره
ومن اصحابنا من خرج فيه قولا من قوله القديم في الشمس أنها تطهر الأرض النجسة وليس بشيء واختار الشيخ ابو نصر رحمه الله قول ابن المرزبان
ويجوز إمساك ظروف الخمر والانتفاع بها
وحكي عن أحمد في إحدى الروايتين عنه أنه يجب كسر دنانها وشق أزقاقها
ويجب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا إحداهن بالتراب
ومن اصحاب مالك من يقول العدد مستحب
وعن مالك رواية أخرى أنه يغسل ثماني غسلات
وقال أبو حنيفة وأصحابه يغسل حتى يغلب على الظن طهارته والعدد لا يعتبر
وإن جعل مكان التراب غيره من جص أو أشنان ففيه قولان
أظهرهما أنه يجزىء وفي موضع القولين وجهان
أحدهما أن القولين مع عدم التراب فأما مع وجوده فلا يجوز قولا واحدا
والثاني أن القولين في جميع الأحوال
فإن قلنا إن غير التراب لا يقوم مقام التراب في الإناء ففي الثوب وجهان ذكر ذلك في الحاوي وذكر في قدر التراب وجهين
أحدهما ما يقع عليه الاسم
والثاني ما يستوعب محل الولوغ
فإن غسل مكان التراب غسلة ثامنة بالماء لم يجزه في أحد الوجهين
فإن ولغ في إناء كلبان أو أكثر كفي في غسله سبع مرات
ومن اصحابنا من قال يغسل لكل كلب سبع غسلات
وحكي في الحاوي وجها ثالثا أن الولوغ إن تكرر من كلب واحد كفاه سبع مرات وإن كان من كلاب وجب لكل كلب سبع مرات وهذا ظاهر الفساد
فإن أصاب الثوب من ماء الغسلات كفاه في غسله مرة واحدة في أحد الوجهين
والثاني أنه يغسل بقدر ما بقي على المحل من الغسل
فإن جمع ماء الغسلات في إناء كان طاهرا في أحد الوجهين
والثاني أنه نجس اعتبارا بالمحل
فإن وقع الإناء الذي ولغ الكلب فيه في ماء يبلغ قلتين لم ينجس الماء وهل يطهر الإناء فيه وجهان
أحدهما لا يطهر ويعد ذلك غسلة واحدة
وحكم سائر أعضاء الكلب في العدد حكم فيه
وقال مالك وداود لا يجب الغسل من غير الولوغ بحال
وذكر القاضي حسين رحمه الله أن بول الكلب إذا لم يزل عن المحل إلا بمرتين فهل يكفيه بعد ذلك خمس غسلات فيه وجهان
أحدهما يكفيه
والثاني أنه يستأنف الغسل سبعا
فإن أدخل الكلب رأسه في إناء فيه ماء وأخرجه ولم يعلم هل ولغ فيه أم لا وكان على فمه رطوبة نجس الماء في أظهر الوجهين
فصل ويجزىء في بول الصبي
الذي لم يطعم الطعام النضح هو أن يبله بالماء وإن لم ينزل عنه ويغسل من بول الجارية فيصب عليه الماء حتى ينزل عنه وبه قال احمد
وقال الأوزاعي يطهر بولهما جميعا بالرش عليه
وقال أبو حنيفة ومالك يجب عليه غسل بول الصبي أيضا
وأما سائر النجاسات سوى ما ذكرناه فالواجب فيها أن تكاثر بالماء حتى تستهلك به وتزول صفاتها ولا يتغير الماء بها فإن حصل ذلك بمرة واحدة أجزأ ويستحب أن يغسل ثلاثا
وقال أحمد يجب غسل سائر النجاسات سبعا إلا الأرض إذا أصابتها نجاسة واختلف أصحابه في ضم التراب إليه
فإن كانت النجاسة في الثوب خمرا فغسلها وبقيت رائحتها طهر في أحد القولين
وفي الثاني لا يطهر وهو الأصح
ولا يعتبر الحث والقرص في غسل الثوب من الدم وغيره إذا زال وإن بقي الأثر
وقال داود يجب الحث والقرص في غسل الدم من الثوب
وذكر في الحاوي أن الخمر في الثوب لا تطهر حتى تزول الرائحة وفي الأرض لا يعتبر ذلك وليس بشيء
وذكر أيضا أنه إذا بل خضابا ببول أو خمر أو دم وخضب به شعره أو يديه وغسله فبقي اللون فإن كان لون النجاسة لم يطهر وإن كان لون الخضاب ففيه وجهان
فإن قلنا إنه نجس وكان الخضاب في شعره لم يلزمه حلقه وصلى فإذا انفصل الخضاب أعاده وإن كان في يديه وكان لا ينفصل كالوشم وخاف التلف من إزالته وكان هو الذي فعله ففيه وجهان
قال الشيخ الإمام وهذا تفريع عجيب واعتبار زوال اللون لا معنى له
وقد نص الشافعي رحمه الله في موضع آخر على أنه يطهر بالغسل وإن لم يزل اللون ولأنه عرض فلا تحله النجاسة
قال ابن القاص لو أن ثوبا كله نجس غسل بعضه في جفنة ثم عاد إلى الباقي فغسله لم يطهر حتى يغسل الثوب كله دفعة قلته تخريجا وذكر فيه وجه آخر أنه يطهر فإن صب الماء على الثوب النجس وعصر في إجانة وهو متغير ثم صب عليه ماء آخر وعصر فخرج غير متغير ثم جمع بين الماءين فزال التغير ففيه وجهان
أصحهما أنه نجس
والثاني أنه يطهر وليس بشيء
فإن غمس الثوب النجس في إناء فيه ماء قليل نجس الماء ولم يطهر الثوب
وقيل إن قصد بغمسه إزالة النجاسة طهر وليس بشيء
فإن وضع الثوب النجس في إجانة وصب عليه الماء حتى غمره واستهلك النجاسة ولم يعصره طهر في أظهر الوجهين
فإن كان في إناء قليل بول فكاثره بالماء حتى استهلكه طهر في اظهر الوجهين
والثاني لا يطهر حتى يريق ما فيه ثم يغسله
ذكر القاضي حسين رحمه الله إذا سقى سكينا بماء نجس ثم غسله طهر ظاهره دون باطنه والحد في تطهيره أن يسقيه بماء طاهر مرة أخرى
قال الشيخ الإمام وهذا بعيد
ومجرد الغسل يكفي في تطهيره كالذهب والفضة وزبر الحديد
وذكر أيضا انه إذا طبخ اللحم بماء نجس فإنه ينجس ظاهره وباطنه والطريق في تطهيره أن يغليه مرة أخرى في ماء طاهر وهذا أيضا فيه نظر لأنه يمكن عصره ثم مكاثرته بالماء كالبساط الصفيق النجس
وذكر ايضا إذا ابتلعت البهيمة حبات من طعام وألقتها في الحال وكانت الصلوبة بحالها بحيث إذا زرعت نبتت فإنها تغسل وتطهر وإن كانت صلابتها قد ذهبت بحيث إذا زرعت لم تنبت لم تطهر بالغسل فيه نظر لأنها بمنزلة ما يطبخ في ماء نجس
فإن كانت النجاسة على الأرض وكانت عذرة وجب إزالتها ثم غسل موضعها وإن كانت بولا أجزأ فيه المكاثرة حتى تستهلكهلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في بول الأعرابي بذنوب من ماء وذلك تقريب على سبيل المكاثرة
وقال أبو سعيد الإصطخري بل هو تقدير فيجب في بول الإثنين ذنوبان والمذهب الأول
وقال أبو حنيفة إن كانت الأرض رخوة ينزل الماء فيها كفى صب الماء عليها وإن كانت صلبة وجب حفرها ونقل التراب النجس عنها فإن أصاب الأرض نجاسة في موضع ضاح فطلعت عليها الشمس وهبت عليها الرياح حتى ذهب أثرها فقد قال في القديم تطهر وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
فتجوز الصلاة عليها ولا يجوز التيمم بترابها
وقال في الأم لا تطهر وهو الأصح وهو قول مالك وأحمد
وإن أصاب أسفل الخف نجاسة لم يجز فيه إلا الماء على قوله الجديد وبه قال مالك في العذرة والبول
وفي أرواث الدواب روايتان
إحداهما تغسل
والثانية تمسح
وقال في القديم إذا دلكه بالأرض كان عفوا
وقال أبو حنيفة إن كان يابسا جاز الاقتصار فيه على الدلك وإن كان رطبا لم يجز= كتاب الصلاة
= كتاب الصلاة لا تجب الصلاة إلا على كل مسلم بالغ عاقل طاهر وأما المرتد فتجب عليه الصلاة ويؤمر بقضائها إذا أسلم
وقال أبو حنيفة الردة تسقط عنه فرض القضاء في الصلاة التي وجبت عليه في حال الإسلام ولا يؤمر بقضاء ما فاته في حال الردة بعد العودة إلى الإسلام وبه قال مالك
وعن احمد روايتان
والإغماء إذا كان بغير معصية يسقط فرض القضاء وإذا كان بمعصية لم يمنع الوجوب وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة إذا زاد الإغماء على يوم وليلة أسقط فرض القضاء وإن كان في يوم وليلة فما دون لم يمنع الوجوب
وقال أحمد الإغماء لا يمنع وجوب القضاء بحال
ولا يؤمر أحد ممن لا تجب عليه الصلاة بفعلها إلا الصبي فإنه يؤمر بالصلاة لسبع ويضرب على تركها لعشر وتصح صلاته
وقال بعض أصحاب أبي حنيفة لا تصح صلاته
وقال الشافعي رحمه الله وعلى الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة وظاهر هذا يقضي الوجوب
ومن أصحابنا من قال المراد به الاستحباب وهذا أجرى على القياس وإن خالف الظاهر
فإن شرع في الصلاة وبلغ في أثنائها فقد قال الشافعي رحمه الله أحببت أن يتم ويعيد ولا يبين لي أن عليه الإعادة
وقال أبو إسحاق يلزمه الإتمام ويستحب له الإعادة وهو ظاهر كلام الشافعي رحمه الله
ومن أصحابنا من قال يستحب له الإتمام ويجب عليه الإعادة
ومنهم من قال إن بلغ بعدما فرغ منها ولم يبق من الوقت ما يتسع لفعلها لم يجب عليه قضاؤها وليس بشيء
وإن بلغ بعد الفراغ من الصلاة فعلى قوله الأول لا يجب عليه الإعادة وعلى الوجه الآخر يجب عليه الإعادة
وقال أبو حنيفة ومالك يجب عليه الإعادة بكل حال في الصوم والصلاة 3
واختار المزني رحمه الله أن يعيد الصلاة ولا يعيد الصوم
ومن ترك الصلاة بعد اعتقاده وجوبها كسلا وأصر على تركها قتل وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة يحبس حتى يصلي
وقال المزني يضرب ولا يقتل
واختلف أصحابنا في الوقت الذي يقتل فيه
فقال أبو سعيد الإصطخري يقتل إذا ضاق وقت الصلاة الرابعة
وقال أبو علي بن أبي هريرة يقتل إذا ضاقلا وقت الصلاة الأولى وهو ظاهر كلام الشافعي رحمه الله
وقال أبو إسحاق يقتل إذا ضاق وقت الصلاة الثانية
ذكر في الحاوي هل يقتل لصلاة الوقت أو لما فات فيه وجهانأصحهما أنه يقتل لصلاة الوقت فعلى هذا لا يقتل للفوائت إذا تركها
والثاني أنه يقتل لما فات فعلى هذا يقتل لترك فعل الفوائت وهذا ليس بصحيح وهل يجب استتابته ثلاثة أيام فيه قولان كالمرتد ثم يضرب عنقه بالسيف
ومن أصحابنا من قال ينخس بالسيف وإن ادى إلى قتله
وقال أحمد يكفر بترك الصلاة وهو قول بعض أصحابنا
باب مواقيت الصلاة
أول وقت الظهر إذا زالت الشمس
وحكى القاضي أبو الطيب رحمه الله أن من الناس من قال لا تجوز الصلاة حتى يصير الفيء مثل الشراك بعد الزوال
وقال مالك أحب أن يؤخر الظهر بعد الزوال بقدر ما يصير الظل ذراعا
وآخر وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله ويعتبر المثل من حد الزيادة على الظل الذي كان عند الزوال وبه قال الثوري وأحمد وأبو يوسف ومحمد وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة وهو المشهور عنه أن وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه
قال ابن المنذر تفرد بهذا أبو حنيفة
وعن أبي حنيفة رواية ثالثة أنه صار ظل كل شيء مثله خرج وقت الظهر ولم يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه
وقال أبو ثور وابن جرير الطبري قدر أربع ركعات بعد المثل يكون مشتركا بين الظهر والعصر
وحكي عن مالك أنه قال إذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر فإذا زاد على المثل زيادة بينة خرج وقت الظهر واختص الوقت بالعصر
وحكى الشيخ أبو نصر رحمه الله عن مالك وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله وقتا مختارا وأما وقت الأداء فآخره إذا بقي إلى غروب الشمس قدر أربع ركعات
وحكى ابن جريح عن عطاء أنه قال لا يكون مفرطا بتأخيرها حتى يصير في الشمس صفرة
وعن طاووس أنه قال لا تفوت حتى الليل
فإذا زاد على المثل أدنى زيادة فقد دخل وقت العصر
وقال أبو حنيفة أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه وزاد عليه أدنى زيادة لا يختلف مذهبه فيه
ولا يزال وقت الاختيار للعصر باقيا حتى يصير ظل كل شيء مثليه ثم يبقى وقت الجواز إلى غروب الشمس
وقال أبو سعيد الإصطخري يصير قضاء بمجاوزة الثلثين المسكن
فإذا غربت الشمس فقد دخل وقت المغرب وغروب الشمس سقوط القرص
وذكر في الحاوي أن يسقط القرص ويغيب حاجب الشمس وهو الضياء المستعلي عليها كالمتصل بها ولم يذكره غيره
وحكي عن الشيعة أنهم قالوا أول وقتها إذا اشتبكت النجوم وهذا لا يساوي الحكاية
ولها وقت واحد وهو قول مالك
وحكى أبو ثور عن الشافعي رحمه الله أن لها وقتين
وآخر وقتها إذا غاب الشفق وليس بمشهور عنه وبه قال أبو حنيفة وأحمد وداود واختلف أصحابنا في قدر الوقت الواحد
فمنهم من قال هو مقدر بقدر الطهارة وستر العورة والأذان والإقامة وفعل ثلاث ركعات
ومنهم من قال يتقدر بما يعرف من أول الوقت في العرف ولا ينسب إلى التفريط في التأخير فيه وذلك إلى تضييق الوقت
وقال أبو إسحاق هذا التضييق إنما هو في الشروع فإما الاستدامة فيجوز إلى مغيب الشفق
وبعض الخراسانيين من أصحابنا خرج في وقت جميع الصلوات وجهين
أحدهما أنه وقت الابتداء والاستدامة
والثاني أنه وقت الابتداء فأما الاستدامة فيجوز بعد خروج الوقت وهذا ظاهر الخطأ وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق وهو الحمرة وهو قول مالك وأحمد وداود وأبي يوسف ومحمد
وما يحكى عن أحمد أنه قال الشفق البياض في الحصر فإنما قالهلأن الحمة تكون مستقلة تواريها الحيطان فيظن أنها قد غابت ولم تغب فإذا غاب البياض تحقق مغيب الحمرة
وقال أبو حنيفة الشفق البياض وبه قال زفر والمزني
وآخر وقتها المختار إلى نصف الليل في قوله القديم وهو قول أبي حنيفة
وفي قوله الجديد إلى ثلث الليل وبه قال مالك وإحدى الروايتين عن أحمد ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني خلافا لأبي سعيد الإصطخري وقد تقدم
وأول وقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني ولا يزال وقتها المختار باقيا إلى أن يسفر ثم يبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس خلافا للإصطخري على ما تقدم
وصلاة الصبح من صلوات النهار
وحكي عن الأعمش أنه قال هي من صلاة الليل وحكاه في الحاوي عن الشعبي
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله لا أعرف صحة هذه الحكاية عنه وما عندي أن احدا من أهل العلم يخفي عليه تحريم الطعام والشراب على الصائم من طلوع الفجر الثاني لشهرة ذلك في الشرع
فإن طلعت الشمس وقد صلى ركعة من الصبح فإنه يتمها ويكون مؤديا لجميعها في قول أبي العباس بن سريج واختاره القاضي أبو الطيب رحمه الله وإنما يكون ذلك في حق من سها
وقال أبو إسحاق يكون مؤديا لما فعل في الوقت قاضيا لما فعل بعده وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور
وقال أبو حنيفة تبطل صلاته بطلوع الشمس فيها
فأما إذا خفي عليه وقت الصلاة فقد قال الشافعي رحمه الله في كتاب استقبال القبلة وإذا كان أعمى وسعه خبر من يصدقه في الوقت والاقتداء بالمؤذنين وله كلام آخر يدل على جواز التحري فيجوز له التحري ويجوز له التقليد كذا ذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله وحكاه الشيخ أبو نصر رحمه الله
وقال الشيخ أبو حامد رحمه الله في التعليق وجها أنه ليس له التقليد والأول أصح
فأما سماع المؤذنين فقد ذكر القاضي أبو الطيب رحمه الله أن من أصحابنا من قال البصير والأعمى فيه سواء وليس بصحيح لأن الشافعي رحمه الله خص به الأعمى
قال الشيخ أبو نصر ذكر الشيخ أبو حامد رحمه الله في التعليق أن البصير والأعمى في ذلك سواء
وحكي عن أبي العباس الرجوع إلى الأذان للبصير والأعمى بلا خلاف
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله وينبغي أن يفصل فإن كان في الصحو جاز وإن كان في الغيم فيحتمل أن يكون قد أذن عن اجتهاد فيجوز للأعمى تقليده ولا يجوز للبصير
وذكر في الحاوي هذا التفصيل لبعض أصحابنا وذكر أيضا أن البصير إذا سمع المؤذن لم يسعه تقليده حتى يعلم ذلك بنفسه إلا أن يكون المؤذنون عددا لا يجوز على مثلهم التواطؤ والخطأ ثم قال هذا هو مذهب الشافعي رحمه الله
قال الشيخ الإمام رحمه الله وهذا شرط لا معنى لاعتباره وما ذكره الشيخ أبو نصر رحمه الله أصح وأحسن
فصل والوجوب في هذه الصلوات المؤقتة متعلق بأول الوقت وجوبا
موسوعا على معنى جواز التأخير إلى آخر الوقت وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة وأصحابه يتعلق الوجوب بآخر الوقت إذا بقي من الوقت قدر تكبيرة على قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وعلى قول زفر إذا بقي من الوقت قدر فعل الصلاة
وقال أبو الحسن الكرخي لا يختلف قولهم إن الوجوب يتعلق بقدر صلاة الوقت وما ذكر من قدر التكبيرة إنما هو في حق المعذورين
واختلفوا فيمن صلى أول الوقت
فقال الكرخي تقع واجبة فيكون الوجوب عنده متعلقا بوقت غير معين من الوقت الراتب ويتعين بالفعل ومنهم من قال تقع موقوفة فإن أدركه آخر الوقت وهو من اهل الوجوب وقعت واجبة وإن لم يكن من أهل الوجوب فيه وقعت نافلة
ومنهم من يقول إنها تقع نافلة بكل حال غير أنها تمنع توجه الفرض عليه في الوقت فعلى هذه الطريقة يخرج من صلى في أول الوقت من الدنيا ولم يتوجه عليه لله تعالى فريضة في الصلاة بحال
والأفضل في صلاة الصبح تقديمها في أول وقتها وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وداود
وقال أبو حنيفة والثوري الإسفار بها افضل وكذلك التقديم في العصر والمغرب عندنا أفضل
وقال أبو حنيفة تقديم العصر في الغيم أفضل وتأخيرها في الصحو أفضل ما دامت الشمس بيضاء نقية والنخعي كان يؤخر العصر وبه قال الثوري
وقال أبو حنيفة تأخير المغرب في الغيم أفضل
وأما الظهر فتقديمها عندنا أفضل في غير شدة الحر فأما في شدة الحر في البلاد الحارة فتأخيرها أفضل في حق من يقصد الصلاة في جماعة من بعد فتؤخر حتى يصير للشخص فيء يمشي به القاصد إلى الصلاة
ومن اصحابنا من قال التأخير بحكم الإبراد رخصة وليس بفضيلة
ومن أصحابنا من قال هذه الرخصة تعم جميع البلاد في شدة الحر
وفي الإبراد بالجمعة وجهان
وقال أبو حنيفة تعجيلها في الشتاء أفضل وفي الصيف تأخيرها أفضل
وقال مالك تؤخر الظهر في الشتاء حتى يصير الفيء قدر ذراع
وأما العشاء فقد قال في القديم تقديمها أفضل وهو الأصح
وقال في الجديد تأخيرها أفضل وهو قول أبي حنيفة
وذكر في الحاوي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه كان يمتنع من تخريج القولين في ذلك ويجعلهما على اختلاف حالين فمن عرف من نفسه الصبر وأن لا يغلبه النوم فالتأخير له أفضل ومن لم يثق من نفسه بذلك قالتقديم له أفضل
قال الشيخ الإمام رحمه الله وعندي أن هذا التفصيل يستقيم في المنفرد وله وجه
فأما في حال الجماعة فلا يستقيم لاختلاف أحوالهم والصحيح أن المسألة على قولين
والصلاة الوسطى المذكورة في القرآن هي صلاة الصبح وبه قال مالك وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما
وقال أبو حنيفة هي صلاة العصر في حكاية الطحاوي عنه
وروي عن زيد بن ثابت أنها الظهر
وذكر القدوري أنه مذهب أبي حنيفة وأصحابه
وحكي عن قبيصة بن ذويب أنها المغرب
فصل قال الشافعي رحمه الله والوقت للصلاة وقتان
وقت مقام ورفاهية ووقت عذر وضرورة واختلف أصحابنا في ذلك
فحكي عن أبي علي بن خيران أنه قال وقت المقام أول الوقت للمقيم الذي لا يترفه ووقت الرفاهية آخر الوقت للمقيم المترفه بالتأخير
وحكي عن أبي إسحاق وأبي علي بن أبي هريرة وعامة أصحابناأن وقت المقام والرفاهية وقت واحد وهو ما بين أول الوقت إلى آخره وقد مضى بيان هذا الوقت
واختلفوا أيضا في قوله وقت عذر وضرورة
فمنهم من قال وقت العذر هو وقت الصلاة في السفر ووقت الضرورة في حق الصبي يبلغ والمجنون يفيق وقد بقي من الوقت قدر ركعة
ومنهم من قال العذر والضرورة وقت واحد وهو في حق المجنون والصغير والحائض والنفساء والكافر يسلم فاتبع أحد اللفظين الاخر والمقصود بيان حكمهم في هذا الفصل فإذا زال عذر من هذه الأعذار في شخص وقد بقي من الوقت قدر ركعة وجب عليه صلاة الوقت وإن بقي قدر تكبيرة ففيه قولان
أحدهما يجب عليه وهو قول أبي حنيفة
والثاني لا يجب وهو قول مالك
وهل يلزمه المغرب بإدراك جزء من وقت العشاء والظهر بإدراك جزء من وقت العصر
قال في الجديد تجب الظهر بما تجب به العصر وتجب المغرب بما تجب به العشاء وقد حكينا القولين فيما يجبان به
وذكر في القديم قولين
أحدهما أنه يجب عليه الظهر والعصر بقدر خمس ركعات أربع للظهر وركعة للعصر وتجب المغرب والعشاء بقد أربع ركعات ثلاث ركعات للمغرب وركعة للعشاء وهو قول مالك واعتبر مع ذلك إمكان الطهارة
ومن اصحابنا من اعتبر في النصراني يسلم مثل ذلك
ومنهم من لم يعتبر ذلك
وغلط أبو إسحاق وقال أربع للعصر وليس بصحيح
والقول الثاني من القديم أنه تجب عليه الصلاتان بقدر ركعة وطهارة فاما إذا أدرك من أول الوقت قدر ركعة ثم طرأ العذر المسقط لفرض الصلاة كالجنون والإغماء والحيض والنفاس واستغرق وقت الصلاة فإنه لا تجب عليه الصلاة
وقال أبو يحيى البلخي تجب عليه صلاة الوقت بإدراك جزء من أول الوقت كما تجب بإدراك ذلك من آخره
وإن طرأ العذر بعد التمكن من فعل الصلاة استقر فرضها في ذمته
وحكي فيه وجه آخر أنه يسقط وليس بشيء فأما الصلاة التي بعدها فلا تجب عليه
وقال أبو يحيى البلخي تجب الثانية من صلاتي الجمع بإدراك جزء من وقت الأولى فإن فاتته صلاة استحب له قضاؤها على الفور
وقال أبو إسحاق المروزي إن كان قد تركها بغير عذر وجب عليه قضاؤها على الفور
وإن فاتته صلوات استحب قضاؤها مرتبا
وقال أبو حنيفة يجب قضاؤها مرتبا مع الذكر إلا أن تدخل في حد التكرار وهو قول مالك
وإن ذكر فائتة وقد ضاق وقت الحاضرة بدأ بالحاضرة
وقال أبو حنيفة ومالك يبدأ بالفائتة وخالف مالكا بعض أصحابه في ذلك
وإن ذكر فائتة وهو في الحاضرة قالا بطلت الحاضرة وصلى الفائتة ثم يصلي الحاضرة
وعندنا يتم الحاضرة ثم يقضي الفائتة وبه قال أبو يوسف
وقال أحمد يجب أن يتم الحاضرة ثم يصلي الفائتة ثم يعيد الحاضرة
وذكر بعض اصحابه أنها تكون نافلة
وإن اجتمع عليه فوائت وجب عليه فيها الترتيب عنده مع الذكر ولا فرق بين قليلها وكثيرها إلا أن يضيق الوقت فعنه روايتان
وإن كان عليه فوائت لا يعرف عددها ويعرف مدتها من شهر وغيره
قال الفقهاء يقال له كم تتحقق أنك تركت من الصلوات فإن قال عشرة قضاها دون ما زاد عليها
قال القاضي حسين رحمه الله إن الأمر بالعكس من ذلك فيقال كم تتحقق أنك صليت في هذه المدة فيقول عشرة فيقضي ما زاد على ذلك
قال ويقرب من هذا إذا شك بعد السلام انه ترك ركنا من أركان الصلاة
فعلى قوله الجديد إذا لم يطل الفصل يبني وإن طال استأنف
وعلى قوله القديم لا شيء عليه
وقال الشيخ الإمام أيده الله وهذا الذي ذكره من حكاية القولين فيه إذا شك في ركن من الأركان بعد السلام ليس بصحيح فإنه لا يختلف المذهب أن الشك بعد السلام لا يؤثر وإنما يعتبر طول الفصل وقصره بعد السلام إذا تيقن أنه ترك ركنا بعد السلام
فإن نسي صلاة ولم يعرف عينها فإنه يصلي خمس صلوات
وقال المزني رحمه الله يصلي أربع ركعات ينوي الفائتة التي عليه ويجلس ويتشهد في ركعتين ثم يجلس في الثالثة ثم يجلس في الرابعة ويسلم وهذا فاسد والله أعلم
باب الأذان
الأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس
وقال أبو سعيد الإصطخري هما فرض على الكفاية
وقال أبو علي بن خيران الأذان سنة إلا في الجمعة فإنه فرض على الكفاية
والمذهب الأول
فإن اتفق أهل بلد على ترك الأذان والإقامة لم يقاتلوا عليهما في أصح الوجهين وهو قول أبي علي بن أبي هريرة
وقال أبو إسحاق يقاتلون
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله هذا رجوع إلى قول أبي سعيد
وقال داود الأذان والإقامة واجبان وتصح الصلاة مع تركهما
وقال الأوزاعي إن نسي الأذان وصلى أعاد الصلاة في الوقت
وقال عطاء إن نسي الإقامة أعاد الصلاة
والأذان أفضل من الإقامة
وقيل الإمامة أفضل
ويسن الأذان في حال الجماعة والانفراد في قوله الجديد
وقال في القديم والرجل يصلي في المصر وحده فأذان المؤذنين وإقامتهم كافية له والأول أصح
وقال مالك يسن الأذان للجماعة الراتبة
واختلف قول الشافعي رحمه الله في الأذان للفوائت فقال في الأم لا يؤذن لها ويقيم لكل واحدة منها وبه قال مالك
وقال في القديم يؤذن للأولى وحدها ويقيم لها وللتي بعدها وبه قال أحمدوقال في الإملاء إن أمل اجتماع الناس أذن وأقام وإن لم يؤمل ذلك لم يؤذن
قال أبو إسحاق فعلى هذا القول ينبغي أن يكون في الحاضرة مثله
وقال أبو حنيفة إن أذن لكل فائتة فحسن وإن ترك فجائز
فإن جمع بين صلاتين في وقت الأولى منهما أذن وأقام للأولى وأقام للثانية كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة
وإن جمع بينهما في وقت الثانية ففي الأذان للأولى ثلاثة أقوال ويقيم للثانية
ومن اصحابنا من قال إن قدم العصر على الظهر في وقت العصر أذن للعصر قولا واحدا وهل يؤذن للظهر بعدها فيه ثلاثة أقوال كذا ذكره في الحاوي وهو صحيح في العصر وليس بصحيح في الظهر بعدها فإنه لا يزيد حالها على الفائتة الثانية والفائتة الثانية لا يؤذن لها قولا واحدا وإنما الأقوال في الفائتة الأولى
وقال أبو حنيفة لا يقيم العشاء بالمزدلفة
ويجوز الأذان للصبح قبل دخول وقتها بعد منتصف الليل وبه قال مالك وأحمد وداود وأبو يوسف
وقال ابو حنيفة والثوري لا يجوز الأذان لها قبل طلوع الفجر
والأذان تسع عشرة كلمة مع الترجيع في الشهادتين يخفض صوته في الأوليتين ويرفع في الأخريتين
وقال ابو حنيفة الأذان خمس عشرة كلمة فأسقط الترجيع
وقال مالك الأذان سبع عشرة كلمة فأثبت الترجيع واسقط من التكبير كلمتين في أول الأذان
وقال ابو يوسف الأذان ثلاث عشرة كلمة فأسقط الترجيع وكلمتين من التكبير
وقال أحمد إن رجع فلا بأس وإن لم يرجع فلا بأس كذا حكاه ابن المنذر
وحكى الخرقي الأذان من غير ترجيع
وقال إسحاق قد ثبت أذان بلال وأذان أبيمخدورة وكل سنة
فإن ترك الترجيع فالمذهب أنه يعتد به كما لو ترك التكبيرات الزوائد في صلاة العيد
وحكى بعض أصحابنا عن الشافعي رحمه الله أنه لا يعتد بأذانه وهذا فيه نظر
والإقامة إحدى عشرة كلمة فرادى سوى لفظ الإقامة وهو قول أحمد
وقال في القديم لفظ الإقامة أيضا مرة وهو قول مالك
وقال ابو حنيفة الإقامة مثنى مثنى كالأذان ويزيد على الأذان لفظ الإقامة مرتين فتصير سبع عشرة كلمة
ويسن التثويب في أذان الصبح بعد الحيعلة فيقول الصلاة خير من النوم مرتين وبه قال مالك وأحمد
وقال محمد بن الحسن في الجامع الصغير كان التثويب الأول الصلاة خير من النوم مرتين بين الأذان والإقامة ثم أحدث الناسحي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة وهو حسن ثم اختلف أصحابه
فحكى الطحاوي في اختلاف الفقهاء مثل قولنا
وقال أبو بكر الرازي التثويب ليس بسنة في الأذان قال والذي قاله الطحاوي لا يحفظ
ومنهم من قال االذي قاله الطحاوي هو الصحيح وقد روى ابن شجاع مثله
ولا يستحب التثويب في غير أذان الصبح
وقال الحسن بن صالح يثوب في أذان العشاء
وحكي عن النخعي أنه يثوب في أذان جميع الصلوات
ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ويصح أذان الصبي الذي تصح صلاته ويعتد به للرجال
وقال داود لا يعتد بأذانه للبالغين
ويستحب أن يؤذن على طهارة فإن أذن جنبا أو محدثا اعتد بأذانه
وقال أحمد لا يعتد بأذانه
ويستقبل القبلة في أذانه ويلوي عنقه يمينا وشمالا في الحيعلة ولا يدور
وذكر في الحاوي أنه إذا كان البلد واسعا والخلق كثيرا كبغداد والبصرة ففي كراهة أذانه في مجال المنارة وجهان
وحكي عن القفال في كيفية الالتفات أن يلتفت عن يمينه فيقول حي على الصلاة ثم يلتفت عن شماله فيقول حي على الفلاح ثم يلتفت عن يمينه فيقول حي على الصلاة ثم يلتفت عن شماله فيقول حي على الفلاح وهذا ليس بصحيح ولا أصل له في الشرع
وقال ابو حنيفة لا يكره له أن يدور في مجال المنارة ويكره له على الأرض
وعن مالك أنه قال لا بأس باستدارة المؤذن عن يمينه وشماله إذا أراد الإسماع
ويكره أن يتكلم في أذانه وإقامته فإن تكلم لم يمنع ذلك الاعتداد بهما
وحكى ابن المنذر عن الزهري أنه إذا تكلم في خلال الإقامة أعادها
قال الشافعي رحمه الله ولو سكت سكاتا طويلا أحببت استئنافه وكان له البناء
قال ابو علي في الإفصاح ينبغي أن يكون في الكلام مثله
قال القاضي أبو ليس الطيب وليس بصحيح لأن الكلام الذي ليس من شأن الأذان يستغني عن قليله وكثيره والسكوت خلافه
قال الإمام ابو بكر و ما ذكره أبو علي خلاف ظاهر كلام الشافعي رحمه الله فإنه ذكر استحباب الاستئناف في الكلام ولم يفرق
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله ما ذكره في الكلام إنما هو الكلام العائد إلى حاجة الإنسان في نفسه
فأما الكلام المتعلق بمصلحة الناس في الصلاة فإن الشافعي رحمة الله عليه قال
الأولى أن يقوله بعد الفراغ من الأذان فإن قاله في الأذان فلا بأس به ولا يستحب إعادته وذلك كقوله في الليلة المطيرة ألا صلوا في رحالكم فإن نام أو غلب على عقله في خلال الأذان ثم زال ذلك استحب له استئنافه طال أم قصر وإن بنى عليه جاز مع القرب ولا يجوز لغيره أن يبني عليه
قال القاضي حسين رحمه الله يجب أن يبني جواز بناء غيره على اذانه على البناء في الخطبة فإن قلنا في الخطبة لا يجوز فها هنا أولى وإن قلنا في الخطبة يجوز فها هنا قولان وهذا خلاف نص الشافعي رحمة الله عليه في الأذان في الإغماء
فإن ارتد في خلال الأذان وعاد في الحال جاز أن يبني على أذانه في أصح الوجهين كما لو أغمي عليه ثم أفاق في الحال
وقال ابو حنيفة يبطل أذانه
ولا يكره أذان الراكب وإقامته وهو إحدى الروايتين عن مالك والرواية الثانية أنه يكره الإقامة راكبا
والمستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول إلا في الحيعلة فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ولا يقوله في الصلاة
وحكى القاضي حسين رحمه الله في محاكاة المؤذن في الصلاة قولين والمذهب الأول
وقال مالك إذا كنت في نافلة فقل مثل ما يقول وإنما يحاكيه في التكبير والشهادتين ويقول في الحيعلة لا حول ولا قوة إلا بالله
وفي جواز أخذ الأجرة على الأذان وجهان
أحدهما يجوز وهو اختيار القاضي أبي الطيب كما يجوز أخذ الرزق
والثاني لا يجوز وهو قول أبي حنيفة وأحمد واختيار الشيخ ابي حامد رحمة الله عليه
باب طهارة البدن وما يصلى فيه وعليه
طهارة النجس شرط في صحة الصلاة
وقال مالك إذا صلى مع النجاسة أعاد في الوقت ولا يعيد بعد فواته
وحكي عنه أن إزالة النجاسة واجبة إلا يسير الدم
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ليس على الثوب جنابة
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه نحر جزورا فأصابه من فرثه ودمه فصلى فيه ولم يغسله
وروي عن سعيد بن جبير أنه سئل عن رجل صلى وفي ثوبه أذى فقال أقرأ علي الآية التي فيها غسل الثوب
والنجاسة دم وغير دم فغير الدم إذا لم يدركه الطرف فيه ثلاث طرق
أحدهما يعفى عنه
والثاني لا يعفى عنه
والثالث فيه قولان
وأما الدم فيعفى عن القليل من دم القمل والبراغيث وفي كثيره وجهان
أصحهما أنه يعفى عنه
وقال أبو سعيد الإصطخري لا يعفى عنه
وفي دم غيرها ثلاثة اقوال
اصحهما قوله في الأم أنه يعفى عن القدر الذي يتعافاه الناس بينهم
والثاني أنه لا يعفى عن شيء فيه
وقال في القديم يعفى عما دون الكف
وعن مالك أنه قال يعفى عن يسير الدم ولا يعفى عما تفاحس
وعنه في دم الحيض روايتان
أحدهما أنه كغيره من الدماء
والثانية أنه يستوي كثيره وقليله
وحكي عن أحمد أنه قال الشبر متفاحش وحكي عنه أيضا أنه يعفى عن النقطة والنقطتين واختلف عنه فيما بين ذلك
وقال اصحاب أبي حنيفة يعفى عما لا يتفاحش من غير الدم كالبول والعذرة واختلفوا في قدر التفاحش
فقال الطحاوي التفاحش ربع الثوب
ومنهم من قال ذراع في ذراع
وقال ابو بكر الرازي شبر في شبر
فإن كان على فرجه دم يخاف من غسله صلى وأعاد على أصح القولين
وقال في القديم لا يعيد وهو قول أبي حنيفة
وإن جبر عظمه بعظم نجس ولم يخف التلف من قلعه لزمه قلعه
وقال ابو حنيفة لا يلزمه
وإن خاف من قلعه تلف نفسه أو عضو من أعضائه لم يلزمه قلعه
ومن أصحابنا من قال يلزمه وليس بشيء
فإن مات لم يقلع على المنصوص
وقال أبو العباس يقلع والمذهب الأول
فإن شرب خمرا لزمه أن يتقيأ على المنصوص
ومن أصحابنا من قال لا يلزمه ذلك والمذهب الأول
ويحرم على المرأة أن تصل شعرها بشعر نجس فأما إذا وصلته بشعر طاهر أو حمرت وجهها أو سودت شعرها أو طرفت أناملها ولها زوج لم يكره وإن لم يكن لها زوج كره لما فيه من الغرور
وذكر بعض أصحابنا أنه إن لم يكن لها زوج لم يجز وإن كان لها زوج ففيه وجهان
فإن فعلته بإذنه جاز في اصح الوجهين وبغير إذنه لا يجوز وليس المذهب كذلك
فصل وطهارة الثوب الذي يصلي فيه شرط في صحة الصلاة
فإن كانعلى ثوبه نجاسة غير معفو عنها ولم يجد ما يغسلها به صلى عريانا ولم يصل فيه
وقال في البويطي قد قيل يصلي فيه ويعيد وليس بصحيح
وحكى ابو يوسف عن أبي حنيفة أنه إن شاء صلى عريانا وإن شاء صلى في الثوب النجس من غير اعتبار لمقادير النجاسة
وروى محمد عن أبي حنيفة أنه إذا كان الدم في بعض الثوب لم يجز أن يصلي عريانا وصلى فيه وإن كان جميعه نجسا بالدم فإن شاء صلى فيه وإن شاء صلى عريانا
وقال مالك يصلي في الثوب النجس ولا يعيد
فإن كان معه ثوبان أحدهما نجس واشتبها عليه تحرى فيهما وهو قول أبي حنيفة
وقال احمد لا يتحرى فيهما ويصلي في كل واحد منهما فإن أداه اجتهاده إلى طهارة احد الثوبين ونجاسة الآخر فغسل النجس ولبسهما وصلى فيهما صحت صلاته في أصح الوجهين وهو قول ابي العباس بن سريج
والثاني لا تصح صلاته وهو قول ابي إسحاق
فإن أصاب أحد كمي القميص نجاسة لم يتحر فيهما في أحد الوجهين
ذكر في الحاوي أنه إذا أخبره ثقة أن النجاسة حلت أحد الكمين فإن قلنا يجوز التحري فيهما قبل خبره وإن قلنا لا يجوز التحري لم يقبل خبره وهذا فاسد بل يقبل خبره وجها واحدا وإن كان في التحري فيهما وجهان فإن فصل أحد الكمين عن الآخر جاز التحري وجها واحدا
فإن صلى وفي وسطه حبل مشدود إلى كلب كبير لم تصح صلاته في اصح الوجهين وإن كان الحبل مشدود إلى سفينة كبيرة فيها نجاسة والشد في موضع طاهر منها صحت صلاته في أصح الوجهين
فإن كان في قارورة نجاسة وسد راسها وحملها في الصلاة لم تصح صلاته في أصح الوجهين
ذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا حمل في صلاته رجلا قد استنجى بالحجر لم تصح صلاته وهذا فيه نظر لأن هذه نجاسة معفو عنها ولهذا لا تمنع صحة صلاته
وذكر أيضا أنه إذا وقع على مصلاة نجاسة ولم يلاقها شيء من ثيابه ولا بدنه ولكنها تحت ظله فصلاته صحيحة في اصح الوجهين
والثاني ليس بشيء
فصل وطهارة الموضع الذي يصلي فيه
شرط في صحة الصلاة فإن أصاب موضعا من البيت نجاسة ولم يعرف موضعها لم يجز له أن يصلي فيه حتى يغسل جميعه في أصح الوجهين
والثاني أنه يصلي حيث شاء منه كالصحراء وهذا فاسد
وإن حبس في حبس ولم يقدر أن يتجنب النجاسة في قعوده وسجوده تجافى النجاسة وتجنبها في قعوده وأومأ في سجوده إلى الحد الذي لو زاد عليه لاقى النجاسة ولا يسجد على الأرض
قيل يسجد على الأرض وليس بشيء
ومن اصحابنا من يحكي في وجوب الصلاة على هذه الصفة قولين
أحدهما يجب
والثاني يستحب
وهل تجب عليه الإعادة إذا قدر فيه قولان فإذا أعاد فبأيهما تحتسب له
قال في الأم الثانية فرضه
قال الشيخ الإمام وهو الأصح والأول لشغل الوقت
وقال في القديم الأولى فرضه والثانية استحباب
وقال في الإملاء كلاهما فرضه واختاره الشيخ ابو نصر رحمه الله
وخرج أبو إسحاق قولا رابعا أن الله تعالى يحتسب بأيهما شاء وينبغي أن يكون موضع قدمه طاهرا
وذكر الشيخ أبو حامد أن من صلى في الوقت بغير طهارة وأعادها ففرضة الثانية قولا واحدا
قال الشيخ ابو نصر رحمه الله كيف نقول هذا وما فعله في الوقت فرض
وقال ابو حنيفة إذا وضع قدمه على أكثر من قدر الدرهم لم تصح صلاته وإن وضع ركبته أو راحته على أكثر من قدر الدرهم لم تبطل صلاته وإن وضع جبهته على أكثر من قدر الدرهم فعنه روايتان
رواية محمد تبطل صلاته
ورواية أبي يوسف لا تبطل استحسانا
فإن فرغ من الصلاة فرأى على ثوبه أو بدنه أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنها وكانت موجودة حال الصلاة ولم يكن قد علم بحالهاوجب عليه الإعادة في أحد القولين وهو قول ابي حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد كما لو علم بحالها قبل الصلاة ثم نسيها فإنه يعيد قولا واحدا
وذكر القاضي أبو حامد قولا آخر فيه إذا نسي النجاسة لا يعيد مخرجا من قوله القديم فيه إذا لم يسبق علمه بها وليس بصحيح
فإن صلى في مقبرة يشك في نشبها صحت صلاته في أحد القولين وهو قول مالك وهو قول أبي علي بن ابي هريرة
والثاني لا يصح وهو قول أبي إسحاق
وقال احمد لا تصح الصلاة في المقبرة وإن كانت جديدة وإن استقبلها وصلى إليها فعنه في صحة صلاته روايتان ويجعل النهي عن ذلك تعبدا
وتكره الصلاة في الحمام وقيل إن الكراهة بسبب النجاسة فتكون كالمقبرة
وقيل إن ذلك لأجل أنه مأوى الشيطان فتكره الصلاة وإن كان الموضع طاهرا
وقال أحمد لا تجوز الصلاة في الحمام ولا على سطحه
ولا تجوز الصلاة في أرض مغصوبة فإن صلى فيها صحت صلاته وبه قال ابو حنيفة
وقال أحمد لا تصح
وتجوز الصلاة على ما اتخذ من شعر أو صوف أو وبر
وقالت الرافضة لا تجوز الصلاة إلا على ما أخرجته الأرض من قطن أو كتان أو قصب أو حشيش
باب ستر العورة
ستر العورة عن العيون واجب وهل يجب في حال الخلوة فيه وجهان وهو شرط في صحة الصلاة وهو قول أبي حنيفة
وقال مالك ستر العورة واجب للصلاة وليس بشرط في صحتها
فإن انكشف من العورة شيء لم تصح الصلاة
وقال أبو حنيفة إذا ظهر من العورة المغلظة وهي القبل والدبرقدر الدرهم لم تبطل الصلاة وإن كان أكثر بطلت وأما المخففة فإن انكشف منها ما دون الربع من الفخذ أو شعر المرأة لم تبطل الصلاة
وقال أبو يوسف إن انكشف أفل من النصف لم تبطل
وعورة الرجل ما بين السرة والركبة والسرة والركبة ليستا من العورة وبه قال مالك وإحدى الروايتين عن أحمد
ومن أصحابنا من قال هما من العورة وهو قول أبي حنيفة في الركبة
وقال داود السوأتان هما العورة وروي عن ذلك عن أحمد أيضا
والحرة جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة قدمها أيضا ليس بعورة وهو قول الثوري واختيار المزني
وقال أحمد يجب عليها ستر جميع بدنها إلا الوجه وبه قال داود
وحكي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام أحد الفقهاء السبعة أن جميع بدنها عورة حتى ظفرها
ذكر القاضي حسين رحمه الله قال إنه لا يجوز للأجنبي مس يد الأجنبية ولو لم تكن عورة
وكذلك ذو الرحم المحرم لا يجوز أن يمس ذات الرحم وإن لم تكن عورة في حقه
قال الشيخ الإمام رحمه الله وهذا صحيح في الأجنبية وليس بصحيح في ذات المحرم فإنه يجوز له مسها إذا لم يقصد الشهوة
وأما الأمة فعورتها كعورة الرجل على ظاهر المذهب
ومن أصحابنا من قال جميع بدنها عورة إلا موضع التقليب منها في الشعر كالرأس والساعد والساق
ومنهم من قال عورتها كعورة الحرة إلا أنه يجوز لها كشف رأسها
ومن نصفها حرة ونصفها رقيق بمنزلة الحرة على ظاهر المذهب
قال ابن المنذر كان الحسن البصري من أهل العلم يوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها السيد لنفسه وروى إذا ولدت
وحكم أم الولد حكم الأمة القن
وحكي عن ابن سيرين أن أم الولد تصلي متقنعة بثوب وهو إحدى الروايتين عن أحمد ويحكى عن مالك فإن أعتقت الأمة في أثناء صلاتها ورأسها مكشوف وهناك سترة بعيدة بطلت صلاتها
ذكر في الحاوي اختلافا بين أصحابنا فيما تبطل به صلاتها فالصحيح أنها تبطل بالقدرة على أخذ الثوب فتبطل في الحال
والثاني أنها تبطل بالمضي لأخذ الثوب وتطاول العهد
قا ل الشيخ وهو الصحيح عندي
قال الشيخ الإمام رحمه الله والأول عندي أصح
فإن انتظرت من يناولها السترة فناولها من غير أن تحدث عملا فقد حكي فيه وجهان
أحدهما وهو قول أبي إسحاق أن صلاتها لا تبطل
والثاني أنها تبطل
وذكر القاضي حسين رحمه الله في ذلك قولين بناء على القولين في سبق الحدث في الصلاة وهذا بناء فاسد والصحيح ها هنا أن لا تبطل وفي سبق الحدث أن تبطل صلاته
فإن لم تعلم بالعتق حتى فرغت من الصلاة ففي وجوب الإعادة عليها قولان
وقيل تجب الإعادة قولا واحدا والأول أصح
فإن صلى الرجل في سراويل أو مئزر فالمستحب له أن يطرح على عاتقه شيئا ولو حبلا وقال أحمد لا تصح صلاته حتى يطرح على عاتقه شيئا فإن صلى في قميص واسع االجيب ترى العورة منه من غير سراويل ولم يزره عليه لم تصح صلاته
وحكي في الحاوي عن أبي حنيفة أن صلاته تصح
وحكي عن لقاضي حسين رحمه الله أنه إذا كان قد زر القميص ووقف يصلي على جدار ترى عورته من تحته فصلاته صحيحة وفي هذا نظر وينبغي أن لا تصح صلاته
وذكر أيضا أنه إذا كان في القميص أو السراويل خرق فوضع يده عليه وستره بكفه فهل تصح صلاته فيه وجهان
أحدهما لا تصح
وذكر أيضا أنه إذا كانت لحيته كثة كبيرة تستر موضع الأزرار من الجيب فلا ترى عورته منه ففيه وجهان
وذكر أيضا أنه إذا كان في ماء فهل يعد ذلك سترا فيه وجهان
أظهرهما عندي في جميع هذه المسائل أن لا تصح صلاته ويتعذر عليه الستر بعض بدنه فإن لم يجد سترة ووجد طينا فهل يلزمه أن يطين به عورته فيه وجهان

أحدهما يلزمه
ولا يجوز أن يصلي الرجل في ثوب حرير ولا على ثوب حرير فإن صلى فيه صحت صلاته
وقال أحمد لا تصح
فإن كان عريانا ولم يجد إلا ثوب حرير فقد حكي فيه وجهان أحدهما أنه يصلي به ولا يصلي عريانا
والشيخ أبو نصر رحمه الله ذكر أنه يلزمه أن يصلي فيه وغيره بناء على الثوب النجس إذا لم يجد غيره هل يلزمه لبسه فيه وجهان وهذا بناء فاسد
فإن وجد ما يستر به بعض العورة ستر القبل والدبر
فإن وجد ما يستر به أحدهما ستر القبل في أصح الوجهين فإن لم يجد سترة صلى قائما وبه قال مالك
وقال المزني رحمه الله يلزمه أن يصلي قاعدا وبه قال أحمد
وقال ابو حنيفة إن شاء صلى قاعدا وإن شاء صلى قائما
قال في الأم إذا كانوا عراة صلوا جماعة وفرادى
وقال في القديم الأولى أن يصلوا فرادى
فإن كان مع واحد منهم ثوب فأعارهم ليصلوا فيه واحدا بعد واحد لزمهم قبول ذلك فإن خافوا فوت الوقت إذا صلوا فيه فقد قال الشافعي رحمه الله ينتظرون حتى يصلوا فيه
وقال في قوم في سفينة ليس فيها إلا موضع يقوم فيه واحد انهم يصلون من قعود إذا خافوا فوت الوقت فمن أصحابنا من خرج المسألتين على قولين ينقل الجوابين ومنهم من حملهما على ظاهرهما وفرق بينهما
فإن وهب الثوب من العريان ليصلي فيه لم يلزمه قبوله
وقيل يلزمه قبوله فيصلي فيه ثم يرده إن شاء
وقيل يلزمه قبوله وليس له رده والأول أصح
فإن كان معه ثوب على طرفه نجاسة ويمكنه قطع النجس فقد ذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إن كان أرش النقص يزيد على أجرة مثله لم يلزمه ذلك وهذا فيه تعسف فإن الزمان الذي يصلي فيه لا يكون له من الأجرة ما يقابل أرش النقص به وكان من حقه أن يعتبره بقيمة الثوب فإنه يلزمه ابتياعه بثمن مثله فيقابل الأرش بالثمن
باب استقبال القبلة
يجوز أن يصلي في الكعبة والأفضل أن يصلي النفل فيها والفرض خارجا منها لكثرة الجماعة وبه قال أبو حنيفة
وقال أحمد ومالك يصلي النافلة فيها دون الفريضة
وحكي عن محمد بن جرير الطبري أنه قال لا يجوز فعل الفريضة ولا النافلة فيها
فإن صلى على ظهر الكعبة وليس بين يديه سترة لم تصح صلاته
وقال أبو حنيفة تصح
فإن صلى على ظهرها وبين يديه عصا مغروزة في سطح البيت غير مسمرة ففي صحة صلاته وجهان
وإن صلى في عرصة البيت وليس بين يديه سترة فقد قال أبو إسحاق لا يجوز وهو المنصوص عليه وقال غيره يجوز
ومن كان غائبا عن مكة وأخبره مخبر عن القبلة عن علم عمل لخبره ولا يجتهد ولا يقبل خبر فاسق ولا كافر
قال القاضي أبو الطيب سمعت المسارجسي يقول يقبل قول
الكافر في قبول الهدية والإذن في دخول الدار
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله ويجب أن يقبل قول الفاسق المسلم وحكي في القبلة وجه آخر أنه يقبل قول الفاسق فيها وليس بشيء
وذكر في الحاوي أنه إذا استعلم مسلم من مشرك دلائل القبلة ووقع في نفسه صدقه واجتهد لنفسه بذلك على القبلة جاز وفيه نظر
وحكى القاضي حسين رحمه الله في قبول خبر الصبي عن القفال عن أبي زيد انه حكى عن الشافعي رحمه الله نصا أنه يقبل
وحكي الخضري نصا أنه لا يقبل
قال القفال فحكيت للخضري ما قاله أبو زيد فقال لا يتهم ذلك الشيخ
قال الشيخ الإمام رحمه الله وما ذكره لا يستمر على أصل الشافعي رحمه الله
وإن لم يجد من يخبره بالقبلة اجتهد في طلبها وفي فرضه قولان
قال في الأم فرضه إصابة العين بالاجتهاد وهو قول الجرجاني من اصحاب أبي حنيفة
وظاهر ما نقله المزني رحمه الله أنه فرضه إصابة الجهة وهو قول الباقين من أصحاب أبي حنيفة وإن كان بأرض مكة وبينه وبين البيت حائل طارىء يمنع المشاهدة كالأبنية
من أصحابنا من قال هو بمنزلة الحائل الأصلي كالجبل فيكون حكمه حكم الغائب وهو الأصح
ومنهم من قال يلزمه أن يصلي إليها بيقين
فإن اجتهد رجلان فاختلف اجتهادهما لم يقلد أحدهما الآخر ولا يجوز أن يأتم به
وقال ابو ثور يجوز أن يأتم به
وإن صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم حضرت الصلاة الثانية لزمه أن يعيد الاجتهاد في أحد الوجهين وهو المنصوص عليه
وإن تغير اجتهاده وهو في الصلاة تحول إلى الجهة الثانية وبنى على صلاته في اصح الوجهينوالثاني أنه يستأنفها بقلبه
وذكر في الحاوي وجها آخر أنه يبقى على اجتهاده وليس بشيء فإن بان له يقين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة لم يجب عليه الإعادة في أحد القولين وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد واختيار المزني
والقول الثاني إنه يجب عليه الإعادة
وإن بان له يقين الخطأ في أثناء الصلاة فإن قلنا إنه إذا بان له ذلك بعد الفراغ تجب عليه الإعادة وجب عليه الاستئناف ها هنا وإن قلنا لا تجب عليه الإعادة هناك فقد ذكر الشيخ ابو حامد في البناء على صلاته وجهين
وذكر الشيخ أبو نصر في ذلك تفصيلا فقال إن كان قد بانت له القبلة حين بان له الخطأ توجه إليها وبنى على صلاته وإن احتاج إلى اجتهاد بطلت صلاته
فإن شرع الأعمى في الصلاة عن تقليد رجل فقال له آخر قد أخطأ بك الأول يقينا
قال أبو إسحاق لزمه أن يتحول إلى حيث قال له وهل يستأنف الصلاة أو يبني عليها على ما ذكرناه من القولين وإن قال له باجتهاده إن الأول قد أخطأ بك واستويا عنده أقام على ما هو عليه
وذكر في الحاوي فيه وجهين
أحدهما أنه يبقى على حاله
والثاني أنه يرجع إلى قول الثاني
وإن كان قد اختلف عليه اجتهاده رجلين في ابتداء الصلاة فقد حكى فيه وجهين أيضا
أحدهما أنه يتخير في الأخذ بقول أيهما شاء
قال الشيخ الإمام رحمه الله وعندي على هذا الوجه يجب إذا كان ذلك في أثناء الصلاة أن يتخير بين البقاء على الأول وبين الانتقال إلى قول الثاني مع البناء على صلاته
والوجه الثاني أنه يأخذ بقولهما فيصلي صلاتين إلى كل جهة صلاة وهذا ليس بشيء فإن أداه اجتهاده إلى جهة فصلى إلى غيرها لم تصح صلاته وإن بان له أنه القبلة وبه قال ابو حنيفة
وقال أبو يوسف تصح صلاته
ومن لا يعرف الدلائل والأعمى سواء في التقليد
وقال داود يسقط عنهما فرض التقليد ويصليان إلى حيث شاءا
وإن كان ممن يعرف الدلائل ولكنها خفيت عليه لظلمة أو غيم فقد قال الشافعي رحمه الله في موضع هو كالأعمىوقال في موضع ولا يسع بصيرا أن يقلد
فقال ابو إسحاق يصلي على حسب حاله ويعيد ولا يقلد
ومن أصحابنا من قال إن ضاق عليه الوقت قلد غيره وإن اتسع عليه الوقت للاجتهاد لم يجز له التقليد
وقال المزني وغيره يمكنه تعلم الأدلة والوقت يتسع له فأخر التعلم حتى ضاق الوقت قلد غيره وصلى وفي الإعادة وجهان
فأما النافلة في السفر فإن كان راكبا في موضع واسع يمكنه أن يدور فيه من كنيسة أو غيرها لزمه أن يتوجه إلى القبلة في جميع الصلاة في أصح الوجهين فإن أراد أن يصلي الفريضة على هذه الصفة لم يصح
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله إذا أمكنه أن يصلي الفريضة في محمل واسع فيقوم ويركع ويسجد صحت صلاته إذا كانت الراحلة واقفة أو كان لها من يسيرها فتتبعه كما لو صلى على سرير يحمله أربعة
وإن كان راكبا في كنيسة ضيقة أو على قتب أو سرج وكانسائرا والدابة سهلة يمكن إدارتها إلى القبلة ففيه وجهان
أحدهما أنه يلزمه أن يدير رأسها إلى القبلة في حال الإحرام
والثاني أنه لا يلزمه وهو ظاهر المذهب
وأما الماشي فإنه يتوجه إلى القبلة في الإحرام والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين وفيما سوى ذلك يترك القبلة
وقيل إنه يسلم إلى القبلة ايضا وليس بشيء
وقال ابو حنيفة الماشي لا يصلي النافلة
وأما صلاة الجنازة
فقد ذكر الشيخ أبو نصر رحمه الله والقاضي أبو الطيب أن الشافعي رحمه الله قال في الأم لا يصلي فائتة ولا صلاة نذر ولا صلاة جنازة
وقال القفال يحتمل أن يقال في صلاة الجنازة إذا لم تتعين يجوز أن يصليها راكبا كما يصليها بتيمم الفريضة وهذا خلاف نص الشافعي رحمه الله
وذكر في الحاوي أنه إذا لم يتغير عليه ففيه وجهان
أحدهما وهو قول البصريين أنه يجوز
والثاني وهو قول البغداديين أنه لا يجوز فعلها إلى غير القبلة
قال القاضي حسين رحمه الله قد نص الشافعي رحمه الله على أن صلاة الجنازة لا يجوز فعلها راكبا ونص في التيمم أنه يجوز الجمع بينها وبين الفريضة بتيمم واحد فمن اصحابنا من جعلها على قولين
ومنهم من حملها على حالين واعتبر التعيين وعدم التعيين وسوى بينهما في الحكم
ومنهم من فرق بينهما وكذلك ذكر في فعل المنذورة على الراحلة قولين وهذا خلاف نص الشافعي رحمة الله عليه
فإن كان راكبا على دابة فوقف عن السير لاستراحة فإنه يلزمه استقبال القبلة فيما بقي من صلاته لأنه قد لزمه التوجه إلى القبلة بوقوفه فلم يجز له تركه حتى ينهي صلاته كذا ذكر في الحاوي
وذكر الشيخ ابو نصر رحمه الله في الواقف على الدابة انه يستقبل القبلة فإذا سافر انحرف إلى جهة سفره وبنى على صلاته وهذا هو الصحيح
فإن عدلت به دابته في حال سيرها عن جهة سفره إلى غير جهة القبلة وغلبه لم تبطل صلاته وسجد لذلك سجود السهو نص عليه الشافعي رحمة الله عليه
وذكر في الحاوي في سجود السهو لذلك وجهين وذكر أيضا إذا طال سيرها في تلك الجهة ولم يقدر على ردها في بطلان صلاته وجهين بناء على أن فعلها كفعله في العمد فكذلك في السهو وطويل السفر وقصيره سواء فيما ذكرناه
وقال مالك لا يجوز الترخيص بما ذكرناه إلا في سفر تقصر في مثله الصلاة فأما المقيم فلا يجوز له ترك القبلة في النفل
وقال ابو سعيد الإصطخري يجوز له ذلك في حال سيره
باب صفة الصلاة
إذا فرغ المؤذن من الإقامة قام الإمام والمأموم إلى الصلاة وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف
وقال ابو حنيفة والثوري إذا قال المؤذن حي على الصلاة قاموا في الصف فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام وكبر القوم
وقال زفر إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة مرة نهض الإمام وقاموا في الصف فإذا ثنى المؤذن فقال قد قامت الصلاة كبر الإمام وكبر القوم
فإذا قال المؤذن الله أكبر إلى آخره أخذ الإمام في القراءة وهو قول الحسن بن زياد
وقال الطحاوي محمد مع أبي يوسف في هذه المسألة
وقال ابو بكر الرازي محمد مع أبي حنيفة
ولا يكبر المأموم حتى يفرغ الإمام من التكبير وبه قال مالك وأبو يوسف
وقال ابو حنيفة وسفيان ومحمد يكبر مع تكبير الإمام
فإن سبق المأموم بتكبيرة الإحرام فإنه يقطعها بالتسليم ويستأنف التكبير ويتابعه
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله ويحتمل وجها آخر أن يصير إلى صلاة الإمام من غير قطع بناء على القولين في نفل صلاة المنفرد إلى الجماعة وحكى عن مالك أنه قال يعيد تكبيرته
وقال الشيخ أبو نصر رحمه الله وينبغي أن يكون هذا بعد قطع الصلاة وهذا إنما يتصور إذا اعتقد أن الإمام قد كبر فكبر ولم يكن قد كبر فأما إذا كبر مع العلم بأنه لم يكبر مقتديا به فإنه لا تنعقد صلاته
وينوي والنية فرض للصلاة ومحلها القلب وغلط بعض أصحابنا فقال لا تجزئه النية حتى يتلفظ بلسانه وليس بشيء
وأما كيفيتها فقد قال ابو إسحاق المروزي ينوي صلاة الظهر المفروضة
وقال ابو علي بن أبي هريرة يجزئه نية الظهر أو العصر ولا تجب نية الفرض وهو قول أبي حنيفة ولا تجب نية الأداء والقضاء في اصح الوجهين فأما السنن الراتبة كصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء وقيام رمضان والسنن الراتبة مع الفرائض فلا بد منها من نية مقيدة بما تنسب إليه
وقيل في السنن الراتبة سوى ركعتي الفجر يكفي فيها نية الفعل واختاره الشيخ ابو نصر رحمه الله والأول أصح
قال في الأم ولو شك هل دخلها بنية أم لا ثم ذكر قبل أن يحدث فيها عملا أجزأه والعمل فيها قراءة أو ركوع أو سجود
وقيل فيه إذا قرأ لا تبطل صلاته وليس بشيء
وذكر في الحاوي أنه إذا كان الزمان في حال الشك قريبا بنى على صلاته وإن طال الزمان ففيه وجهان
أحدهما أن صلاته تبطل وكلام الشافعي رضي الله عنه مطلق وبنى القاضي حسين القراءة في حال الشك على تكرار القراءة هل تبطل الصلاة أم لا وهذا بناء فاسد الحكم بخلاف نص الشافعي رحمه الله
وفرع القاضي حسين رحمه الله على ذلك أنه إذا شك في نية الاقتداء بالإمام ثم تذكر في الحال بنى على صلاته وإن لم يتذكر حتى فعل فعلا بنى على الوجهين فيه إذا تابع الإمام في الأفعال من غير نية الاقتداء به وحكى فيه وجهين
قال الإمام ابو بكر رضي الله عنه وهذا الأصل الذي بني عليه عندي غير صحيح وينبغي أن يكون الحكم فيه أنه إذا تابع الإمام في الأفعال ولم يترك من ترتيب صلاته في متابعته في الأفعال شيئا لم تبطل صلاته وإن ترك من واحد ترتيب صلاته بمتابعته في الأفعال شيئا بطلت صلاتهفإن نوى الخروج من الصلاة أو شك هل يخرج منها أو لا يخرج بطلت صلاته
وقال ابو حنيفة لا تبطل
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا علق نية الخروج من الصلاة بشرط فنوى إن دخل فلان خرجت من الصلاة فهل يصير خارجا في الحال منها فيه وجهان
أحدهما لا يصير خارجا ما لم يوجد الشرط وهذا تخريج فاسد
فإن أحرم بالفرض ثم صرف النية إلى النفل بطل الفرض وهل يصح النفل فيه قولان
أصحهما أنه لا يصح
والثاني أنه يصير نفلا نص عليه الشافعي رحمه الله في كتاب الإمامة فقال لو أحرم في مسجد ثم جاء الإمام فتقدم فأحب أن يكمل ركعتين ثم يسلم تكونان له نافلة فمن أصحابنا من لم يجعل ما ذكره في الإمامة قولا آخر للشافعي رحمه الله وإنما أجازه للحاجة إلى فعل الجماعة
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله والقول الأول أصح
ذكر القاضي حسين رحمه الله أن الشافعي رضي الله عنه نص فيمنصلى قاعدا فقدر على القيام أن صلاته تبطل إذا لم يقم ونص في المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا فكبر هاويا انعقد نفلا وقال في رجل دخل المسجد وشرع في فريضة ثم حضر جماعة فعقدوا جماعة أن يسلم على ما تقدم فحكي أن اصحابنا جعلوا في جميع المسائل قولين
وذكر انه إذا دخل في ظهر فنوى أن يجعلها عصرا أو سنة راتبة بطل ما نواه وهل تصير نفلا فيه قولان
وإن نوى سنة راتبة فنوى نقلها إلى فرض لم تصر فرضا وهل تصير نافلة فيه قولان
وحكي أنه إذا نوى فريضة وشرع فيها ثم نوى إبطال الفريضة من أصحابنا من قال فيه قولان
أحدهما تصير نفلا
ومن أصحابنا من قال ها هنا قولا واحدا لا تبطل وعلى هذا لو شرع في تطوع ثم نوى نقله إلى فرض أو إلى فرض أو إلى سنة راتبة ففيه طريقان
أحدهما فيه قولان
والثاني يبقى نفلا قولا واحدا
قال الشيخ الإمام رحمه الله وعندي أن إطلاق القولين فيذلك ليس بصحيح بل يحتاج إلى تفصيل فيقال إن كان نقله للصلاة من صفة إلى صفة اختيارا من جهته لا لفرض صحيح يفوته بطلت صلاته ولم يحصل له ما نواه وذلك مثل مسألة القاعد قدر على القيام فتركه
وكذا إذا أحرم فينوي الظهر قبل الزوال مع العلم بالحال لم ينعقد له نفل ولا فرض لأنه متلاعب بصلاته
وأما إذا كان نقله إلى النفل لفرض صحيح كمسألة المنفرد إذا حضر جماعة ففي صحة نقلها إلى النفل قولان
وعلى هذا إذا أحرم بالظهر قبل الزوال معتقدا أن الشمس قد زالت ولم تكن قد زالت انعقد نفلا في أحد القولين
وعلى هذا مسألة الهاوي إلى الركوع إن كان عالما بأن ذلك لا يجوز لم يحصل له شيء وإن كان جاهلا بذلك حصل له نقل
فأما وقت النية فقد قال الشافعي رحمه الله ينوي حال التكبير لا قبله ولا بعده ومعناه أن تكون نيته ذكرا بقلبه مقترنة بالتكبير من أوله إلى آخره
وقال القفال إذا قارنت نيته ابتداء التكبير انعقدت صلاته وإن عزبت بعده
وقال أبو حنيفة إذا تقدمت النية على التكبير بزمان يسير انعقدت الصلاة وإن تقدمت بزمان طويل لم تنعقد كذا ذكر أبو بكر الرازي
وذكر الطحاوي في كتابه أن مذهب أبي حنيفة مثل مذهبنا وكذا قال الكرخي
وقال داود يجب أن ينوي قبل التكبير
فصل ويكبر وذلك فرض
وحكي عن الزهري والحسن بن صالح أن الصلاة تنعقد بمجرد النية من غير لفظ
والتكبير أن يقول الله أكبر أو الله الأكبر وبه قال سفيان وداود وأبو ثور
وقال ابو حنيفة تنعقد بكل اسم من أسماء الله تعالى على وجه التعظيم كقوله الله عظيم أو جليل وإن قال الله او الرحمن فعنه فيه روايتان
روى الحسن بن زياد أنه يجوز وظاهر رواية الأصول أنه لا بد من ذكر الصفة وبه قال محمد بن الحسن
وقال أبو يوسف تنعقد بلفظ التكبير فيضيف إليه الله الكبير ولا ينعقد بما سوى ذلكوقال مالك وأحمد ينعقد بقوله الله أكبر ولا ينعقد بقوله الله الأكبر
فإن قال أكبر الله أو الأكبر الله أجزأه في أصح الوجهين وهو قول أبي إسحاق ذكره في الشرح
والثاني لا يجزئه
وقد خرج القاضي حسين رحمه الله التسليم والتكبير على قولين بنقل الجوابين وليس بشيء
ومنهم من فرق بينهما وليس بشيء
وذكر في الحاوي أنه إذا قال الأكبر الله فيه وجهان
وإن قال أكبر الله لم يجزه والصحيح الأول
ذكر في الحاوي أنه إذا فصل بين الاسم وبين التكبير بشيء من صفات الله نظر فإن كان يسيرا لا يصير التكبير به مفصولا عن الاسم كقوله الله لا إله إلا هو أكبر أو الله عز وجل أكبر أجزأه وإن كبره وإن طال كقوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له أكبر لم يجزه وهذا فيه نظر
قال الشيخ الإمام رحمه الله ولا اعتبار عندي في ذلك بالطول والقصر وإنما الاعتبار بنظام الكلام في مقصوده فمتى كان مقصود الكلام التكبير بأن يكون قوله أكبر متعلقا به وخبرا عنه انعقد
وإن تضمن تهليلا كقوله الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له أكبر بخلاف قوله لا إله إلا الله أكبر لأنه يسمى تهليلا
إذا أدرك الإمام راكعا فكبر تكبيرة ينوي بها تكبيرة الافتتاح والركوع لم يجزه عن الفرض
وينبغي أن يكبر للإحرام قائما ثم يكبر للركوع وهل ينعقد نافلة فيه وجهان
أحدهما لا ينعقد
والثاني ينعقد هذا إذا كان جاهلا بتحريم ذلك إذا كان يحسن العربية فكبر بغيرها لم تنعقد صلاته وإن لم يحسن العربية كبر بلسانه وبه قال ابو يوسف ومحمد
ذكر في الحاوي أنه إذا كان لا يحسن العربية ويحسن بالفارسية والسريانية ففيه ثلاثة أوجه
أحدها يكبر بالفارسية
والثاني بالسريانية
والثالث بأيهما شاء
وإن كان يحسن بالفارسية والتركية فالفارسية أولى في أحد الوجهين
والثاني أنهما سواء
وإن كان يحسن بالسريانية والنبطية فالسريانية أولى في أحد الوجهين
والثاني أنه يخير بينهما
وإن كان يحسن بالتركية والهندية فهما سواء وجها واحدا
قال الشيخ الإمام رحمه الله وهذا التخريج فاسد فإن اللغات بعد العربية سواء وإنما اختصت العربية بذلك تعبدا
وقال أبو حنيفة يجوز أن يكبر بغير العربية وإن كان يحسن العربية
وإن أتى بذكر غير واجب بغير العربية لم تبطل الصلاة
وقال القفال تبطل صلاته وليس بصحيح
قال الشافعي رحمه الله في الأم وكذلك الذكر والتكبير والتشهد والقرآن وكذلك التعوذ فإن قال ذلك بلسانه مع القدرة على العربية فقد أساء وصلاته مجزئة
وقال القفال تبطل صلاته وليس بصحيح
فإن ضاق عليه الوقت عن التعلم وخاف فوتها إن اشتغل به صلاها على حسب حاله وكبر بلسانه ولا قضاء عليه
ومن أصحابنا من قال إذا لم يجد في موضعه من يعلمه لا يلزمه أن يرحل إلى موضع يجد فيه من يعلمه
قال الشيخ الإمام رحمه الله وهذا عندي وهم وليس بصحيح
ذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا صلى الظهر ولم يعرف أنها فرض لم تصح صلاته وكذا لو اعتقد في بعض الأركان أنه نفل لم تصح صلاته وإن اعتقد أن جملة الهيئات والأركان فرض فهل تنعقد صلاته فيه وجهان
أحدهما تنعقد
والثاني لا تنعقد
قال الشيخ الإمام رحمه الله وهذا عندي فيه نظر لأنه إن اعتقد ذلك جاهلا بأحكام الشرع فالجهل في الصلاة يؤثر في العفو وإن كان يعفى بترك التعلم فلا يمنع الصحة كمن يعقد النكاح جاهلا بشروطه وقد حصلت شروطه فإنه ينعقد
والتكبير أول الصلاة والتسليم آخرها
وقال ابو الحسن الكرخي الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة أن التكبير ليس من الصلاة
فصل والسنة أن يرفع يديه في تكبيرة الإحرام
حذو منكبيه وهو قول مالك
وقال ابو حنيفة يرفعهما حيال أذنيه ويثبت مرفوعتين حتى يفرغ من التكبير ثم يحطهما
وقال ابو علي في الإفصاح رأيت للشافعي رحمه الله أنه إذا أراد أن يكبر اسبل يديه ثم يرفعهما فيكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه
وقال الشيخ أبو نصر وما قاله أبو علي خلاف نصه
وحكى القاضي حسين رحمه الله وجها ثالثا أنه يرفع غير مكبر ويرسل غير مكبر والأول أصح ثم يأخذ كوعه الأيسر بكفه الأيمن وبه قال ابو حنيفة وأحمد وداود واختلفت الرواية عن مالك
فروي عنه ما ذكرناه
وروي عنه أنه يرسل يديه إرسالا وروي ذلك عن الحسن البصري وابن سيرين
وقال الليث بن سعد أنه يرسل يديه إلا أن يطيل القيام فيعيا
وقال الأوزاعي من شاء فعل ومن شاء ترك
ويضعهما تحت صدره وفوق سرته
وقال ابو أسحاق المروزي يجعلهما تحت سرته وهو قول أبي حنيفة
وعن أحمد روايتان في ذلك
والسنة أن ينظر إلى موضع سجوده
قال الشافعي رحمه الله وإن رمى بصره أمامه كان حقيقا والخشوع اولى وهو قول ابي حنيفة
وقال مالك يكون بصره امام قبلته
فصل ثم يأتي بدعاء الاستفتاح
فيقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين
وقال مالك لا يسن ذلك بل يكبر ويفتتح القراءة
وقال أبو حنيفة السنة أن يقول سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وبه قال أحمد
وقال ابو يوسف يجمع بين الدعائين
ثم يتعوذ قبل القراءة فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وقال مالك لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ
وحكي عن النخعي وابن سيرين أنهما كانا يتعوذان بعد القراءة
وقال سفيان الثوري يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم
وقال الحسن بن صالح بن حي يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
وقال أحمد يقول اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم
وفي الجهر بالتعوذ قولان ويستحب التعوذ في كل ركعة وهو قول ابي حنيفة وهو في الأولى آكد
ومن أصحابنا من قال فيما عدا الأولى قولان
وقال أبو حنيفة الاستعاذة في أول ركعة
فصل ثم يقرأ فاتحة الكتاب
وذلك فرض في الصلاة وبه قال مالك وأحمد ويحكى عن الحسن بن صالح والأصم أن القراءة سنة في الصلاة
وقال أبو حنيفة لا تتعين قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة وتجزئه قراءة آية
وقال ابو يوسف ومحمد يجب قراءة ثلاث آيات قصار أو أية طويلة كآية الدين
ويبتدىء القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم وهي آية من الفاتحة ومن كل سورة ذكرت في فاتحتها وبه قال أحمد وهو قول عطاء والزهري وعبد الله بن المبارك وكان ابن المبارك يقول من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية من القرآن
وذكر الشيخ ابو حامد رحمه الله أن من اصحابنا من قال للشافعي رحمه الله قول آخر في غير الفاتحة أنها ليست من القرآن
وقال ابو علي بن أبي هريرة هي آية من القرآن في كل موضع ذكرت فيه قطعا
وعامة أصحابنا قالوا نثبتها في أول كل سورة حكما في وجوب قراءتها وتعلق صحة الصلاة بها
وقال أبو حنيفة ومالك وداود ليست من فاتحة الكتاب ولا من سائر السور غير النمل وهي بعض آية في النمل
وقال ابو الحسن الكرخي ليس عن اصحابنا رواية في ذلك ومذهبهم إخفاؤها وذلك يدل على أنها ليست من فاتحة الكتاب وكان أيضا يقول إنها من سورة النمل ثم نقلت إلى أوائل السور للفصل كذا حكى أبو بكر الرازي
وقال أبو بكر الرازي وسمعناه يقول بعد ذلك إنها آية تامة مفردة في كل موضع أثبتت فيه وليست من السورة وهي بعض آية في سورة النمل
قال الشافعي رحمه الله ويجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن وقبل السورة وروي ذلك عن عطاء وطاووس وسعيد بن جبير ومجاهد أنهم كانوا يجهرون بسم الله الرحمن الرحيم ويروى عن عمر بن الخطاب وابن عمر رضي الله عنهما
قال ابن المنذر كان إسحاق بن راهويه يميل إلى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد يسر بها
وقال مالك المستحب أن لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم بل يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين
وقال ابن أبي ليلى إن جهرت فحسن وإن أخفيت فحسن
وكان النخعي يقول الجهر بها بدعة
وتجب الموالاة في القراءة فإن نوى قطع القراءة وسكت انقطعت
وذكر في الحاوي أنه إذا سكت طويلا انقطعت وإن كان قليلا ففيه وجهان
أصحهما أنها تنقطع والأول أصح
فإن قال الإمام آمين والماموم لم يفرغ من الفاتحة فقد ذكر أبو علي في الإفصاح أنه يقول آمين ولا تنقطع قراءته
وكان الشيخ ابو حامد رحمه الله يقول يستأنف القراءة والأول أصح وهو اختيار القاضي أبي الطيب رحمه الله
وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة
وقال أبو حنيفة لا تجب القراءة في أكثر من ركعتين
وقال مالك إذا قرأ في أكثر ركعات الصلاة أجزأه وروى أيضا عنه نحو قولنا
وقال الحسن البصري إن قرأ في ركعة واحدة أجزأه
وهل تجب القراءة على المأموم في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة فيه قولان أصحهما أنها تجب
والثاني أنها لا تجب وبه قال مالك وأحمد وداود
وقال أبو حنيفة والثوري لا يقرأ المأموم بحال
فإذا قلنا بالثاني فجهر الإمام بالقراءة في الصلاة التي يسر فيها فهل يسقط فرض القراءة عنه فيه وجهان
أحدهما يسقط وبالعكس من هذا وأسر بالقراءة في صلاة الجهر فيه وجهان وعلى هذا لو كان بعيدا عن الإمام بحيث لا يسمع هل يقرأ على وجهين ذكر ذلك كله القاضي حسين
والصحيح أن تعتبر حال الصلاة في وضعها ولا يتغير فرضه بإساءة الإمام بالجهر في موضع الإسرار خاصة
فإن ترك القراءة ناسيا لم تصح صلاته في قوله الجديد
وقال في القديم تصح صلاته
ويجوز أن يقرأ من المصحف في الصلاة ناظرا وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة تبطل صلاته إذا قرأ من المصحف إلا أن يقرأ آية قصيرة
فصل فإذا فرغ من الفاتحة
أمن والتأمين سنة يجهر به الإمام فيصلاة الجهر وبه قال عطاء وأحمد وداود
وقال أبو حنيفة يخفيه الإمام وهو إحدى الروايتين عن مالك والرواية الثانية وهي الأظهر عندهم أن الإمام لا يقولها
وأما المأموم فقد قال في الجديد يسمع نفسه
وقال في القديم يجهر فمن أصحابنا من قال فيه قولان
أحدهما يجهر به وهو قول أحمد
والثاني يسر به وهو قول أبي حنيفة والثوري
ومن أصحابنا من قال إن كان المسجد كبيرا والخلق كثيرا جهر به المأموم وإن كان صغيرا يسمعون تأمين الإمام لم يجهر المأموم فإن نسيالتأمين حتى شرع في السورة لم يأت به وقيل يأتي به والأول أصح
فإن لم يحسن الفاتحة وأحسن غيرها من القرآن قرأ سبع آيات وهل يعتبر أن يكون فيها بعدد حروف الفاتحة فيه قولان
أصحهما أنه يعتبر ذلك فإن لم يحسن شيئا من القرآن أتى بذكر وفي قدره وجهان
قال أبو إسحاق يأتي من الذكر بمقدار حروف الفاتحة
وقال أبو علي الطبري يأتي بما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من غير زيادة وهو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله والمذهب الأول
فإن أحسن آية من الفاتحة وأحسن غيرها من القرآن ففيه وجهان
أصحهما أنه يقرأ الآية ثم يقرأ ست آيات من غيرها
والثاني أنه يكرر الآية وحكى الشيخ أبو حامد في ذلك قولين
فإن لم يحسن شيئا من القرآن ولا من الذكر قام بقدر سبع آيات وعليه أن يتعلم
وقال أبو حنيفة إذا لم يحسن من القرآن شيئا وقف ساكتا
وقال مالك يسقط عنه القيام أيضا
وإنما ينتقل إلى الذكر عندنا من لا يقدر على التعلم فأما من قدر علىالتعلم واتسع الزمان له ووجد من يعلمه فصلى بغير القراءة وجب عليه إعادة ما صلى إذا تعلم القرآن وفي قدر ما يعيده وجهان
أصحهما أنه يعيد كل صلاة صلاها إلى أن تعلم
والثاني أنه يعتبر ذلك من وقت قدرته على التعلم إلى أن تعاطى التعلم وأخذ فيه فإن قرأ القرآن بالفارسية لم يجزه
وقال أبو حنيفة إن شاء قرأ بالعربية وإن شاء قرأ بالفارسية تفسير القرآن
وقال أبو يوسف ومحمد إن كان يحسن الفاتحة لم يجزه تفسيرها وإن كان لا يحسنها فقرأ تفسيره بلغته أجزأه
فصل ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة
وذلك سنة
وروى ابن المنذر عن عثمان بن أبي العاص أنه قال لا صلاة إلابفاتحة الكتاب وثلاث آيات بعدها
ويستحب قراءة السورة في الأوليين وفي استحبابها في الأخريين قولان
أحدهما لا يستحب وهو قول أبي حنيفة
والثاني يستحب وهو الأصح ويستحب التسوية بين الركعتين الأولتين في القراءة
قال القاضي أبو الطيب رحمه الله سمعت أبا الحسن الماسرجسي يقول يستحب للإمام أن تكون قراءته في الركعة الأولى من كل صلاة أطول من قراءته في الثانية ويستحب ذلك في الفجر أكثر
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف يستحب ذلك في الصبح خاصة ويقرأ في الصبح بطوال المفصل فإن كان في يوم الجمعة استحب أن يقرأ ألم تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان
وحكى عن أبي حنيفة أنه قال يقرأ في الأولى من ثلاثين آية إلى ستسن آية وفي الثانية من عشرين آية إلى ثلاثين آية ويقرأ في الظهر نحو ما يقرأ في الصبح
وروى أبو الحسن الكرخي مثل ذلك عن أبي حنيفة
ويقرأ في العصر والعشاء بأوساط المفصل سورة الجمعة والمنافقين
وحكي عن أبي حنيفة أنه قال يقرأ في العصر في الأولييين في كل ركعة قدر عشرين آية سوى فاتحة الكتاب وكذا في العشاء
وقال أحمد يقرأ خمس عشرة آية وذلك نحو قولنا ويستحب للمنفرد الجهر بالقراءة فيما يجهر فيه
وقال أبو حنيفة لا يسن ذلك
فإن فاتته صلاة بالنهار فقضاها بالليل أسر وإن فاتته صلاة بالليل فقضاها بالنهار أسر
وقال الشيخ الإمام أبو إسحاق رحمه الله يحتمل أن يجهر
وقد حكي أبو ثور عن الشافعي رحمه الله أنه يجهر وبه قال أبو حنيفة في الإمام
فإن فاتته صلاة بالليل فقضاها بالليل جهر
وقال الأوزاعي إن شاء جهر وإن شاء أسر
فإن اتفقت جنازة بالليل فقد حكى بعض أصحابنا فيها وجهين أصحهما أنه يسر
وحكى بعض أصحاب مالك أنه قال في نفل النهار يجهر وقيل يكره
فصل ثم يركع مكبرا
عن سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز أنهما قالا لا يكبر إلا عند الافتتاح
وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة والثوري لا يرفع يديه إلا في تكبيرة الافتتاح
وعن مالك في ذلك روايتان
ويضع يديه على ركبتيه
وروي أن ابن مسعود كان إذا ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه ومات على ذلك وروي ذلك عن الأسود وشريك ويبتدىء بالتكبير قائما وينحني حتى تبلغ راحتاه ركبتيه ويطمئن والطمأنينة واجبة
وقال أبو حنيفة إذا حنى ظهره قليلا كفاه ولا تجب الطمأنينة
ويقول سبحان ربي العظيم وذلك سنة
وقال أحمد وداود هو واجب في الركوع والسجود مرة واحدة وكذلك التكبيرات في التسميع والدعاء بين السجدتين إلا أن ذلك عند احمد إذا ترك إحدى ذلك ناسيا لا تبطل صلاته
وعند داود لا تبطل بتركه عامدا أيضا
ويسبح ثلاثا
وحكى الطحاوي عن الثوري أنه كان يقول ينبغي للإمام أن يقول سبحان ربي العظيم خمسا حتى يدرك المأموم أن يقول خلفه ثلاثا
فإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع ابتدأ قوله سمع الله لمن حمده رافعا يديه فإذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ولا فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد وبه قال عطاء
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد لا يزيد الإمام على قوله سمع الله لمنحمده ولا يزيد المأموم على قوله ربنا لك الحمد وبه قال محمد وأبو يوسف
وقال مالك المنفرد يقولهما
والرفع من الركوع والاعتدال فيه واجب
وقال أبو حنيفة الرفع من الركوع غير واجب ويجوز أن ينحط من الركوع إلى السجود
واختلف أصحاب مالك
فمنهم من قال هو واجب
ومنهم من قال هو غير واجب
فصل ثم يسجد وهو فرض
ويكبر عند الهوي ويضع ركبتيهثم يديه ثم جبهته وأنفه وبه قال أحمد وأبو حنيفة
وقال الأوزاعي يضع يديه ثم ركبتيه
وقال أصحاب مالك إن شاء وضع اليدين وإن شاء وضع الركبتين ووضع اليدين أحسن فإن اقتصر على وضع الجبهة أجزأه ومن اقتصر على وضع الأنف لم يجزه
وقال أبو حنيفة يجوز الاقتصار على الأنف
وقال أحمد في إحدى الروايتين عنه يجب السجود عليهما
وقال إسحاق إن تعمد ترك السجود على الأنف بطلت صلاته وهو قول بعض أصحاب مالك
وقال ابن القاسم من أصحابه إن اقتصر على وضع الجبهة أعاد في الوقت وإن اقتصر على الأنف أعاد امدا ويجب كشف الجبهة في السجود
وقال أبو حنيفة يجوز السجود على كور العمامة وبه قال مالك وأحمد وزاد أبو حنيفة فقال أكره ان يسجد على يده فإن سجد عليها أجزأه
فإن كان على جبهته عصابة لعلة بها فسجد عليها أجزأه ولا إعادة عليه
ومن اصحابنا من قال خرج فيه قولا آخر في وجوب الإعادة من المسح على الجبيرة
فأما وضع اليدين والركبتين والقدمين ففيه قولان
أحدهما أنه يجب السجود عليها وهو قول أحمد
والثاني يجب وهو قول أصحاب مالك
ويقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا ويطمئن في سجوده وهو واجب
وقال أبو حنيفة الطمأنينة فيه غير واجبة ثم يرفع مكبرا حتى يعتدل جالسا وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة الاعتدال غير واجب
ويكفيه في الرفع مثل حد السيف ويجلس على صدور قدميه والأول أصح ثم يسجد سجدة أخرى مثل الأولى ثم يرفع رأسه مكبرا وقال فإذا استوى جالسا نهض
وقال في الأم يقوم من السجدة الثانية
فمن أصحابنا من قال يجلس إن كان يضعف عن النهوض من السجود ويقوم من السجود إن كان لا يضعف عن ذلك
ومنهم من قال فيه قولان
أحدهما أنه يقوم من السجود وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد
والثاني أنه يستحب أن يجلس للاستراحة وهذه الجلسة من الركعة الثانية
قال أبو إسحاق يقوم منه من غير تكبير
ومن اصحابنا من قال يمد التكبير إلى أن ينهض قائما فيكون ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع وانتهاؤه مع استوائه قائما وهو الأصح
وينهض معتمدا على يديه وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يقوم غير معتمد على الأرض بيديه ولا يرفع يديه في السجود ولا في القيام من السجود
وقال أبو علي في الإفصاح يستحب له رفع اليدين كلما قام في الصلاة من التشهد الأول والسجود واختاره ابن المنذر
فصل فإن كانت الصلاة تزيد على ركعتين
جلس للتشهد الأول في الركعتين مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى وبه قال أبو حنيفة
وقال مالك يجلس في جميع جلسات الصلاة متوركا وإذا التشهد والجلوس فيه سنة
وقال أحمد وداود وأبو ثور جميع ذلك واجب
ويضع يده اليسرى على فخده اليسرى مبسوطة فأما يده اليمنى فقد ذكر في الأم أنه يقبض أصابع يده اليمنى إلا المسبحة ويضعها على فخده اليمنى
وفي كيفية وضع الإبهام على هذا القول وجهان
أحدهما أنه يضعها على هذا القول وجهان
أحدهما أنه يضعها تحت المسبحة على حرف راحته كأنه عاقد ثلاثة وخمسين
والثاني أنه يضعها على حرف أصبعه الوسطى ويشير بالمسبحة للإخلاص في الشهادة
وقال في الإملاء إذا جلس وضع يده اليسرى على فخده اليسرىوبسطها ووضع يده اليمنى على فخده اليمنى وقبض أصابعه الثلاث الخنصر والبنصر والوسطى وبسط المسبحة والإبهام
والثالث أنه يقبض الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام مع الوسطى حلقة ويشير بالمسبحة والأول هو المشهور وهل يحركها فيه وجهان
قال الشيخ أبو نصر يحركها طوال التشهد
والثاني لا يحركها وهو الأظهر
وأفضل التشهد تشهد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علمه إياه وبه قال أحمد وسفيان وأبو ثور التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
وقال مالك أحب التشهد تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه والتحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وقال أبو حنيفة أفضل التشهد تشهد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبه قال الثوري
وقال أبو علي في الإفصاح الأفضل أن يقول بسم الله وبالله التحيات المباركات الزاكيات الصلوات الطيبات ليجمع بين الألفاظ وهذا غير صحيح لأن ذكر التسمية غير صحيح
وهل يسن فيه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قولان
قال في القديم لا يسن
وقال في الجديد يسن فيه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يزيد عليه
وقال مالك يدعو فيه بما شاء كالتشهد الأخير ثم يقوم إلى الركعة الثالثة ويبتدىء بالتكبير من إبتداء القيام ويمده إلى حال استوائه
وحكي عن مالك أنه قال لا يكبر حتى يستوي قائما
ويعتمد على يديه في نهوضه ويكره تقديم إحدى رجليه على الأخرى في نهوضه وحكي عن مالك أنه قال لا بأس به وحكي عن مجاهد أنه رخص فيه الشيخ فإذا بلغ إلى آخر صلاته يجلس للتشهد الأخير متوركا فيخرج رجليه من جانب وركه الأيمن ويفضي بوركه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى
وقال أبو حنيفة يجلس مفترشا في جميع جلسات الصلاة
وهذا التشهد والقعود فيه فرض وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة القعود بقدر التشهد واجب والتشهد فيه غير واجب
وقال مالك القعود والتشهد فيه جميعا سنة وروي ذلك عن الزهري
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التشهد واجبة وهو قول أحمد في إحدى الروايتين عنه
وقال أبو حنيفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة غير واجبة وبه قال مالك وفي الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم وجهان
أحدهما لا تجب وبه قال أحمد
وآله صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب وقد نص الشافعي رحمه الله على ذلك
وقيل آله أهل دينه وأمته فإن قال صلى الله على محمد فقد حكي فيه وجهان كما لو قال عليكم السلام
ويدعو بما أحب من دين ودنيا
وقال أبو حنيفة لا يجوز له أن يدعو في صلاته إلا بما يوافق لفظ القرآن والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدعو بما يشبه كلام الآدميين
ومن أصحابه من قال ما لا يطلب إلا من الله يجوز الدعاء به وما يجوز أن يطلب من المخلوقين إذا سأل الله ذلك في الصلاة بطلت صلاته
ويكره أن يقرأ في التشهد والركوع والسجود فإن قرأ لم تبطل صلاته
وحكي فيه وجه آخر إنه إذا قرأ الفاتحة في هذا المحل بطلت صلاته
فصل ثم يسلم والتحلل من الصلاة بالسلام واجب
وقال أبو حنيفة التحلل من الصلاة بالسلام مستحب ويصح الخروجمن الصلاة عنده بكل ما يضادها من قول وفعل من حدث وغيره والخروج عنده واجب غير أنه لا يتعين ما يخرج به والسلام من الصلاة
وقال أصحاب أبي حنيفة ليس هو من الصلاة ويسلم تسليمة عن يمينه وأخرى عن شماله في قوله الجديد
وقال في القديم إن كثر الناس واللغط واتسع المسجد سلم تسليمتين وإن قلوا أو سكتوا سلم تسليمة واحدة والأول أصح وهو قول أبي حنيفة وأحمد
وقال مالك يسلم تسليمة واحدة إذا كان إماما أو منفردا
وحكي الطحاوي عن الحسن بن صالح بن حي الكوفي أنه يجب التسليمتان جميعا وهو أصح الروايتين عن احمد
والأكمل من السلام أن يقول السلام عليكم ورحمة الله والواجب السلام عليكم وبه قال مالك فإن قال سلام عليكم أجزأه في أقيس الوجهين فإن قال عليكم السلام أجزأه في أصح الوجهين وينوي بالتسليمة الأولى الخروج من الصلاة والسلام على الحفظة والسلام على من على يمينه من المأمومين إن كان إماما وفي نية الخروج من الصلاة وجهان
أحدهما أنها واجبة وما سواها مستحب
فصل والسنة أن يقنت في صلاة الصبح
رواه الشافعي رضي الله عنه في القديم عن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة وسفيان والثوري لا يسن القنوت في الصبح
وقال أحمد القنوت للأئمة يدعون للجيوش فإن ذهب إليه ذاهب فلا بأس به
وقال أبو إسحاق هو سنة عند الحوادث لا تدعه الأئمة وقال أبو يوسف إذا قنت الإمام فاقنت معه
وفي رفع اليد فيه وجهان
أحدهما لا يرفع اليد وهو اختيار الشيخ الإمام أبي إسحاق وقول القفال
والثاني أنه يرفع اليد واختاره الشيخ أبو نصر رحمه الله وكان مالك والليث بن سعد والأوزاعي لا يرفعون أيديهم في القنوت ومحله بعد الركوع في الثانية
وقال مالك محله قبل الركوع
ذكر في الحاوي أنه إذا قنت قبل الركوع وكان شافعيا ففيه وجهان
أحدهما لا يجزئه ويعيده وهو المذهب
والثاني يجزئه ولا يعيده
وفي السجود وجهان
أحدهما يسجد لتقديمه على محله
ذكر في الحاوي أنه بأي شيء قنت من الدعاء أجزأه عن قنوته حتى لو قرأ آية فيها دعاء كآخر سورة البقرة أجزأه وإن لم يتضمن دعاء كآية الدين ففيه وجهان
أحدهما يجزئه
والثاني لا يجزئه
قال الشيخ الإمام وهذا الذي ذكره عندي سهو على المذهبولا يجزئه غير القنوت المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فلو ترك منه كلمة سجد للسهو وكذلك إذا عدل إلى غيره
فأما المأموم فقد قال القاضي أبو الطيب رحمه الله أنه لا يحفظ للشافعي رحمه الله فيه شيء
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت ونحن نؤمن خلفه
ومن أصحابنا من قال يؤمن فيما كان دعاء من القنوت دون الثناء
وذكر الشيخ أبو نصر رحمه الله أن الشافعي رحمه الله أنه قال إذا مرت به آية رحمه سألها وكذلك المأموم فشرك بينهما فينبغي أن يكون الماموم بالخيار
والمرأة كالرجل في أفعال الصلاة إلا في بعض الهيئات وهو ما يكون في فعله ترك للتستر وقعودها في التشهد كقعود الرجل وقال الشعبي تجلس كما يتيسر عليها وكان ابن عمر رضي الله عنهما يأمر نساءه أن يجلسن متربعات
وحكى في الحاوي أن صوتها عورة وفيه نظر فإنه لو كان عورة لما جاز سماع صوتها في شهادة ولا رواية والله أعلم
باب صلاة التطوع
أوكد السنن الراتبة مع الفرائض الوتر وركعتا الفجر والوتر آكدهما في أصح القولين وهو قول مالك
والثاني ركعتا الفجر وهو قول أحمد
وقال أبو حنيفة الوتر واجب وليس بفرض
قال ابن المنذر لم يذهب إلى هذا غير أبي حنيفة فإن قلنا ركعتا الفجر آكد فيليهما الوتر وإن قلنا الوتر فيليهما ركعتا الفجر
وحكى أبو إسحاق عن بعض أصحابنا الوتر ثم التهجد ثم ركعتا الفجر وليس بصحيح
وحكى ابن عبد الحكم وأصبغ من أصحاب مالك أن ركعتي الفجر ليست بسنة وإنما هي من الرغائب
وقال أشهب هما سنة وأدنى السنن الراتبة مع الفرائض ثمان ركعات سوى الوتر ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب والوتر ثلاث ركعات فيصير إحدى عشرة ركعة
وقيل أقله عشر ركعات سوى الوتر فزاد ركعتين بعد العشاء وأكثرها ثمان عشرة ركعة فزاد على ما ذكرنا ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وأربعا قبل العصر والسنة في تطوع الليل والنهار أن يسلم من كل ركعتين وهو قول مالك وأحمد فإن سلم من ركعة واحدة جاز
وقال أبو حنيفة لا يجوز أن يسلم من ركعة
فإن جمع بين ركعات بتسليمة جاز ويتشهد في كل ركعتين فإن اقتصر على تشهد واحد جاز
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا جمع بين ست ركعات اقتصر على تشهدين تشهد عقيب الرابعة وتشهد عقيب السادسة فإن تشهد عقيب الثانية بطلت صلاته وشرط أن يكون بين التشهدين ركعتان ولا تزيد على تشهدين أيضا والصحيح ما ذكرناه فإنه أشبه بالفرض وما ذكره تحكم
وقال أبو حنيفة في صلاة الليل إن شاء صلى ركعتين وإن شاء صلى أربعا أو ستا أو ثماني ركعات بتسليمة واحدة وبالنهار يسلم من كل أربع
وقال أبو يوسف ومحمد صلاة الليل مثنى مثنى
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا أحرم بالنفل مطلقا فبماذا ينعقد إحرامه فيه وجهان
أحدهما ينعقد بركعتين
والثاني ينعقد بركعة بناء على أن مطلق النذر يحمل على أقل ما يتقرب به أو على أقل ما فرض في الشرع وفيه وجهان
قال وعندي أن قضية صلاة النفل أن يصلي أي قدر شاء ما لم يقطعه بسلام وهذا الذي ذكره فيه نظر بل يجب أن ينعقد نفله بركعتين وكذا ينبغي أن يحمل النذر على ما ينعقد بالشرع فإما أن يحمل المشروع على المنذور أو فلا
وذكر أيضا أنه إذا نذر أن يصلي ركعتين فصلى أربع ركعات هل يخرج به من نذره فيه جوابان
أصحهما أنه لا يخرج من نذره
فإن نذر أن يصلي أربع ركعات قال إن قلنا إن نذره يحمل على واجب الشرع تشهد تشهدين وإن قلنا على أقل ما يتقرب به كفاه تشهد واحد
قال الشيخ الإمام وعندي أن هذا ينبغي أن يكون إذا نذر أربع ركعات بتسليمة واحدة
والصحيح أن يتشهد تشهدين
وذكر أيضا أنه إذا نذر أن يصلي السنن الراتبة قائما أن من أصحابنا من قال لا ينعقد نذره
قال وعندي أنه ينعقد نذره وهذا صحيح
وما كان من السنن الراتبة قبل الفرض يدخل وقته بدخول وقت الفرض وما كان بعد الفرض يدخل وقته بفعل الفرض ويفوت الجميع بفوات وقت الفرض
ومن اصحابنا من قال في ركعتي الفجر إن وقتها يبقى إلى الزوال وليس بصحيح
وقال أصحاب مالك إذا صلى الصبح لم يصل ركعتي الفجر
واقل الوتر ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين وبه قال أحمد
وقال أبو حنيفة الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة لا يزاد عليها ولا ينقص منها وقال مالك الوتر ركعة قبلها شفع منفصل عنها و لا حد لما قبلها من الشفع وأقله ركعتان
يقرأ عندنا في الأولى بعد فاتحة الكتاب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين وبه قال مالك
وقال أبو حنيفة وأحمد يقرأ في الثالثة سورة الإخلاص وحدها ذكر القاضي حسين رحمه الله أن من أصحابنا من قال الأفضل أن يوتر بواحدة
ومنهم من قال ثلاث بتسليمة واحدة
والأصح أن يكون بتسليمتين وتشهدين
فإن اعتقد أنه صلى العشاء فأوتر ثم تذكر أنه لم يكن صلاها فإنه يصليها ويعيد الوتر وبه قال أبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة لا يعيد الوتر
فإن صلى الوتر في أول الليل ثم قام للتهجد فإنه يصلي مثنى مثنى ولا يعيد الوتر
وبه قال أبو حنيفة ومالك
وقال أحمد ركعة وتره قد انتفضت فيشفعها بركعة ثم يتهجد
والسنة أن يقنت في النصف الأخير من شهر رمضان في الوتر وبه قال مالك
وعنه رواية أخرى أنه لا يسن في رمضان أيضا
وقال أبو حنيفة وأحمد يقنت في الوتر في جميع السنة وهو قول أبي عبد الله الزبيري من أصحابنا ومحله بعد الركوع
ومن أصحابنا من قال محله في الوتر قبل الركوع بخلاف الصبح والمذهب الأول
ومن السنن الراتبة صلاة التراويح وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات وبه قال أبو حنيفة وأحمد وفعلها في الجماعة افضل نص عليه في البويطي
ومن أصحابنا من قال فعلها في البيت أفضل ما لم تختل الجماعة في المسجد بتأخره والمذهب الأول
وقال مالك قيام رمضان في البيت لمن قوي عليه أحب إلي
وقال أبو يوسف من قدر على أن يصلي في بيته كما يصلي مع الإمام في رمضان فأحب إلي أن يصلي في بيته
وحكي عن مالك أنه قال صلاة التراويح ست وثلاثون ركعة تعلقا بفعل أهل المدينة وإن فاته شيء من السنن الراتبة فهل يسن قضاؤه فيه قولان
أحدهما يقضي وبه قال أحمد في إحدى الروايتين وهو اختيار المزني
والثاني لا يقضي وهو قول مالك
وقال أبو إسحاق يقضي قولا واحدا
وذكر في الحاوي أنا إذا قلنا لا يقضي فهل يسقط فعلها بدخول وقت الصلاة أو بفعلها فيه وجهان والجميع فاسد وإنما يخرج بخروج وقت الفريضة
وقال أبو حنيفة يقضيها مع الفريضة إذا فاتت
ويجوز أن يصلي النفل قاعدا فإذا أراد الركوع قام وقرأ آيات وركع ويجوز أن يفتتحه قائما ويتمه جالسا وبه قال بعض أصحاب مالك
ومنهم من قال لا يجوز أن يتمها جالسا
وحكي القاضي حسين في فعل النفل مضطجعا فإن دخل المسجد وقد اقيمت الصلاة لم يصل التحية ولا غيرها من السنن
وقال أبو حنيفة إذا أمن فوات الركعة الثانية من صلاة الصبح اشتغل بركعتي الفجر خارج المسجد ولا يصليها في المسجد خشية أن يحمل ذلك على الرغبة عن الجماعة وهو قول مالك حكاه عنه أصحابه
باب سجود التلاوة
سجود التلاوة سنة للقارىء والمستمع وبه قال الجماعة
وقال أبو حنيفة سجود التلاوة واجب فأما من سمع القارىء من غير استماع لا يتأكد السجود في حقه
وقال ابو حنيفة السامع والمستمع سواء في السجود
وسجدات التلاوة أربع عشرة سجدة على قوله الجديد وبه قال أحمد وهو رواية عن مالك
وقال إسحاق سجدات التلاوة خمس عشرة سجدة فعد سجدة ص منها عند قوله { وخر راكعا وأناب } واختاره أبو العباس وابو إسحاق
وقال في القديم سجود التلاوة إحدى عشرة سجدة فلم يثبت سجدات المفصل وبه قال مالك إلا أنه عد سجدة ص ولم يعد السجدة الثانية في الحج من غير عزائم السجود ووافق أبو حنيفة مالكا في هذين المحلين ووافقنا في العدد
وقال أبو ثور سجدات التلاوة أربع عشرة سجدة فعد سجدة ص ولم يعد سجدة النجم وموضع السجود في حم السجدة عند قوله تعالى { وهم لا يسأمون } وبه قال أبو حنيفة وأحمد وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما
وحكي عن مسروق أنه قال كان اصحاب ابن مسعود رضي الله عنه يسجدون في الأولى وهو قول مالك
فإن كان التالي في غير صلاة والمستمع في صلاة لم يسجد المستمع في الحال ولا إذا فرغ من صلاته
وقال أبو حنيفة إذا فرغ من صلاته سجد بناء على أصله أن السجود واجب على السامع والمستمع فإن سجد في الحال بطلت صلاته
وذكر القاضي حسين أنه لو قيل لا تبطل صلاته لم يبعد وهذا بعيد جدا
وحكم سجود التلاوة حكم صلاة النفل في الشروط
وحكي عن سعيد بن المسيب أنه قال الحائض تومي برأسها إذا سمعت قراءة السجدة
ويقول سجد وجهي للذي خلقه ولا يقوم الركوع مقام السجود
وقال أبو حنيفة يقوم مقامه استحسانا
ولا يكره للإمام قراءة آية السجدة في الصلاة
وقال ابو حنيفة يكره قراءتها في الصلاة التي يسر فيها بالقراءة ولا يكره في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة وبه قال أحمد حتى أنه قال لو أسر بها لم يسجد
ذكر القاضي حسين أنه إذا سجد الإمام للتلاوة تابعه المأموم فإن لم يفعل بطلت صلاته كما لو ترك التشهد معه والقنوت
ويحتمل وجها آخر أنها لا تبطل
فإن سجد للتلاوة في الصلاة سجد بتكبير ورفع بتكبير ولا يرفع يديه
وقال ابو علي بن أبي هريرة لا يكبر للسجود ولا للرفع منه وإن كان في غير الصلاة رفع يديه للتكبيرة الأولى وكبر للسجود ولم يرفع اليد ويكبر للرفع
وقال ابو جعفر الترمذي يكبر تكبيرة واحدة للسجود وليس بصحيح
وفي افتقاره إلى السلام قولان أظهرهما أنه يسلم ولا يفتقر إلى التشهد وقيل يتشهد
وحكى أبو يوسف عن ابي حنيفة أنه يكبر للسجود والرفع ولا يسلم وهو قول مالك
وروى الحسن بن زياد أنه لا يكبر إذا انحط ويكبر إذا رفع
وقال احمد يكبر إذا انحط وإذا رفع يسلم
وذكر القاضي حسين أنه إذا كرر قراءة آية سجدة وكان غير متطهر فإنه يتطهر ويأتي بجميع السجدات ولا تداخل وكذا إذا سمع آية سجدة وهو في الصلاة ففرغ سجد إذا قلنا أن النوافل تقضى وهذا فيه نظر لأن القضاء إنما يكون مؤقتا دون ما يفعل لعارض والسجدات تتداخل إذا كرر القراءة قبل أن يسجد وإنما يتكرر السجود إذا كان قد سجد بعد القراءة خلافا لأبي حنيفة فإنه يقول السجدة عن القراءة الأولى تغني عن تكرار السجود بتكرار القراءة في المجلس الواحد
ويستحب لمن تجددت عنده نعمة أو اندفعت عنه نقمة أن يسجد شكرا لله عز وجل وبه قال أحمد
وقال الطحاوي أبو حنيفة لا يرى سجود الشكر
وروى محمد عن أبي حنيفة أنه كرهه وهو قول مالك ومحمد لا يكرهه
ويستحب للمصلي إذا مرت به آية رحمة أن يسألها وإذا مرت به آية عذاب أن يستعيذ منه
وقال أبو حنيفة يكره ذلك في الفرض ولا يكره في النفل
باب ما يفسد الصلاة ويكره فيها
إذا قطع شرطا من شروط الصلاة كالطهارة ونحوها بطلت صلاته وإن سبقه الحدث ففيه قولان
قال في الجديد تبطل صلاته وبه قال مالك
وقال في القديم لا تبطل وهو قول أبي حنيفة وداود فيتوضأ ويبني على صلاته
وقال الثوري إذا كان حدثه رعافا أو قيئا توضأ وبنى وإن كان بولا أو ريحا أو ضحكا أعاد الوضوء والصلاة
وعند مالك الرعاف ليس بحدث فيغسل الدم ويبني على صلاته
وإن تكلم في صلاته أو سلم ناسيا أو جاهلا بالتحريم أو سبق لسانه إليه ولم يطل لم تبطل صلاته وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة تبطل بالكلام ولا تبطل بالسلام ناسيا في غير محله
وحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه قال تبطل الصلاة بسلام الناسي أيضا
وإن طال الكلام ناسيا ففيه وجهان
أحدهما تبطل صلاته
قال الشيخ أبو نصر وهو الأصح وحكي عن مالك أنه قال كلام العامد لمصلحة الصلاة لا يبطلها كإعلام الإمام بسهوه إذا لم يتنبه عليه إلا بالكلام
وحكي عن الأوزاعي أنه قال كلام العامد فيما فيه مصلحته لا يبطل الصلاة وإن لم تكن عائدة إلى الصلاة كإرشاد ضال وتحذير ضرير
وذكر بعض أصحابنا أنه إذا تنحنح الإمام فما يصنع المأموم فيه وجهان
أحدهما أنه يخرج من صلاته ومتى أقام على متابعته بطلت صلاته
والثاني أنها لا تبطل
وذكر أنه إذا قال حدثني حديثا متفرقا لم تبطل صلاته وإن كان موصولا بطلت صلاته
قال الشيخ الإمام وعندي لا فرق بين الحالين لأنه ليس بقرآن ولا ذكر
فإن راى ضرير يقع في بئر فحذره بالقول لم تبطل صلاته في اصح الوجهين وهو قول ابي إسحاق فإن ناب المصلي في صلاته شيء
سبح الرجل وصفقت المرأة فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر وقيل تضرب بأصبعي يمينها على كفها الأيسر
وذكر في الحاوي أن ظاهر كلام الشافعي رحمه الله أنها كيف ما صفقت جاز
وقال أبو سعيد الإصطخري لا تصفق بباطن الكف على باطن الكف
وقال مالك يسبحان جميعا
فإن فهم الآدمي بالتسبيح بأن استأذنه في الدخول أو سلم عليه فقال سبحان الله بقصد الإذن له أو قصد تحذير ضرير من الوقوع في بئر لم يبطل صلاته ولا سجود عليه
وقال ابو حنيفة تبطل صلاته إلا أن يقصد تنبيه الإمام أو دفع المار بين يديه وكذا قال إذا أخبر في الصلاة بخبر يسوؤه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون بطلت صلاته
وعندنا إذا قصد به قراءة القرآن لم تبطل صلاته
إذا سلم على المصلي رد بالإشارة بيده أو برأسه
وحكى ابن المنذر عن جماعة كراهة السلام على المصلي منهم عطاء
وعن مالك روايتان في ذلك وكان أحمد لا يرى بذلك بأسا
وقال ابو حنيفة لا يرد
وحكي عن عطاء والثوري انه يرد عليه بعد فراغه
وقال سعيد بن المسيب والحسن يرد عليه لفظا
فإن شمت العاطس في الصلاة بطلت صلاته على المذهب
وحكى يونس بن عبد الأعلى أن الشافعي رحمه الله قال لا بأس به وليس بصحيح
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه قال يرحمك الله بطلت صلاته وإذا قال يرحمه الله لم تبطل وكذا إذا سلم فقال وعليك السلام بطلت صلاته وإذا قال وعليه السلام لم تبطل وفي هذا نظر لأن الجميع خطاب آدمي يحصل به الجواب
فإن عمل في صلاته عملا من جنسها في غير محله عمدا بطلت صلاته بأن سجد في محل الركوع أو ركع في محل السجود أو قعد في محل القيام
وقال أبو حنيفة لا تبطل صلاته ما لم يقيد الركعة بسجدة
وإن قرأ الفاتحة مرتين عامدا لم تبطل صلاته في أصح الوجهين وإن مر بين يديه مار فله دفعه ولا تبطل صلاته
قال الشافعي قال أحمد يقطع الصلاة الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء
وقال إسحاق يقطعها الكلب الأسود
فإن زاد فيها عملا من غير جنسها فالفعل الواحد لا يبطل والثلاثة تبطل والفعلان لا يبطلان في أصح الوجهين
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا عمل عملا لو نظر إليه إنسان ظن أنه ليس في صلاة فهو كثير وإن كان يظن أنه في صلاة فهو قليل
وقال العامري كل عمل يحتاج فيه إلى يدين فهو كثير كتكويرالعمامة وعقد السراويل وكل عمل لا يحتاج فيه إلى اليدين فهو قليل وما ذكرناه فيه نظر
وإن أكل أو شرب عامدا بطلت صلاته
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا وضع في فيه سكرة أو ما يذوب ووصل إلى جوفه ففي بطلان صلاته وجهان
أظهرهما أنه تبطل
وحكي عن سعيد بن جبير أنه شرب الماء في صلاة النفل
وعن طاووس أنه قال لا بأس بشرب الماء في النافلة
ولا يكره قتل الحية والعقرب في الصلاة
وقال النخعي يكره
فإن عد الآي في الصلاة عقدا ولم يتلفظ به إلم تبطل صلاته وتركه أولى
وقال مالك لا بأس به
وقال ابو حنيفة يكره ذلك وهو قول محمد
وقال ابو يوسف في التطوع لا بأس به
باب سجود السهو
إذا شك في ركعة من ركعات الصلاة أفعلها أم لا فإنه يبني الأمر على اليقين
وهو الأقل فإن شك أنه صلى واحدة أو اثنتين فإنه يبني الأمر على أنه صلى ركعة وبه قال مالك وبه قال أحمد في المنفرد وعنه في الإمام روايتان
إحداهما أنه يبني على اليقين
والثاني أنه يبني على غالب الظن
وقال ابو حنيفة إن كان شكه في ذلك أول مرة بطلت صلاته وإن كان الشك يعتاده ويتكرر له يبني على غالب ظنه بحكم التحري فإن لم يقع له ظن بنى على الأقل
وقال الحسن البصري يأخذ بالأكثر ويسجد للسهو
وقال الأوزاعي متى شك في صلاته بطلت
وإن نسي ركعة من ركعات الصلاة وذكرها بعد السلام فإن لم يتطاول الفصل أتى بها وبنى على صلاته وإن تطاول الفصل استأنفها
وفي حد التطاول أوجه أحدها قال ابو إسحاق إن مضى قدر ركعة فهو تطاول وقد نص عليه الشافعي رحمه الله في البويطي
والثاني أنه يرجع فيه إلى العرف والعادة فإن مضى ما يعد تطاولا استأنف وإن مضى ما لا يعد تطاولا بنى
والثالث قال ابو علي بن أبي هريرة إن مضى قدر الصلاة التي نسي فيها استأنف وإن كان دون ذلك بنى وليس للشافعي رحمه الله ما يدل على ذلك
وقد ذكر في حد التطاول الرجوع إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه سلم وقام ومشى فراجعه ذو اليدين وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة عن ذلك فأجابوه وعاد إلى الصلاة فإن زاد عليه فهو كثير
ولو شك في ترك ركن بعد السلام لم يؤثر ذلك
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه على قوله الجديد يلزمه الإتمام مع القرب والاستئناف مع البعد وهذا غلط فإنه لا يعرف القولان فيه والمعنى لا يقتضيه
فإن نسي فرضا من فروض الركعة أو شك فيه وهو في الصلاة فإنه لا يعتد له بما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه
فإن نسي سجدة من الأولى فذكرها وهو قائم في الثانية فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى خر ساجدا في اصح الوجهين
وقال ابو إسحاق يلزمه أن يجلس ثم يسجد وإن لم يكن قد جلس عقيب السجدة الأولى حتى قام ثم ذكر فإنه يجلس ثم يسجدومن أصحابنا من قال يخر ساجدا والأول أصح
وإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى جلسة يعتقدها جلسة الاستراحة ثم قام وذكر خر ساجدا في أحد الوجهين
وقال ابو العباس بن سريج يلزمه أن يجلس ثم يسجد فإن لم يتذكر حتى سجد في الثانية سجدتين فبأيتهما يتمم الأولى يبني على الوجهين فيه إذا ذكر قبل أن يسجد في الثانية فعاد وإن لم يكن قد جلس جلسة الفصل فعلى قول أبي إسحاق يعتد له بالسجدة الثانية
وعلى قول الأكثر نعتد بالأولى
وقال مالك إذا ذكر بعد الركوع أو السجود في الثانية صحت الركعة الثانية وبطلت الأولى
وقال احمد إذا ذكرها بعد القراءة في الثانية بطلت الأولى وتمت الثانية
فإن ذكر في الركعة الرابعة أنه نسي من كل ركعة سجدة فإن كان قد جلس عقيب كل سجدة جلسة الفصل تحصل له ركعتان
وعند مالك يصح له الركعة الرابعة إلا سجدة ويلغوا ما تقدم
وقال ابو حنيفة يأتي بأربع سجدات ويجزئه وهو قول الثوري
وحكى الطحاوي عن الحسن بن صالح أنه إن نسي ثماني سجدات أتى بهن متواليات وأجزأه
فإن نسي خمس سجدات من أربع ركعات ولم يعرف موضعها فإنهيحصل له ركعتان إلا سجدتين لأن أسوأ أحواله أن يترك من الأولى سجدة ولم يسجد في الثانية ولا في الرابعة ويسجد في الثالثة سجدتين فإنه يتم الأولى بالثانية ويبقى له الركوع من الرابعة
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله يمكن أن يكون أسوأ من ذلك وهو أن يكون قد ترك من الأولى سجدة ومن الثانية سجدتين ومن الثالثة سجدتين ويسجد في الرابعة سجدتين فإنه يتم الأولى بالرابعة ويحصل له ركعة واحدة
فإن نسي التشهد الأول فذكر وقد انتصب قائما لم يعد إليه وإن ذكر قبل أن ينتصب قائما عاد إليه
وحكى ابن المنذر عن مالك أنه إن فارقت أليته الأرض لم يرجع
وقال النخعي يرجع ما لم يشرع في القراءة
وقال الحسن البصري يرجع ما لم يركع
وقال أحمد إن ذكر بعدما انتصب قائما قبل أن يقرأ كان مخيرا والأولى أن لا يرجع
وإن نسي تكبيرات العيد حتى افتتح القراءة ففيه قولان
قال في القديم يأتي بها
وقال في الجديد يسقط
فإن ذكر قبل انتصابه فعاد إلى الجلوس فهل يسجد للسهو فيه قولان
أحدهما أنه يسجد وهو قول أحمد
والثانية لا يسجد وبه قال الأوزاعي
فإن كان الإمام قد نسي التشهد الأول فذكر قبل انتصابه قائما والمأموم قد حصل في القيام فرجع الإمام إلى التشهد تابعه المأموم على اصح الوجهين
فإن قام إلى ركعة خاصة ناسيا ثم ذكر فإنه يجلس فإن لم يكن قد تشهد في الرابعة تشهد وسجد للسهو وإن كان قد تشهد في الرابعة فالمذهب أنه يجلس ويسجد للسهو ويسلم وبه قال مالك وأحمد
وفيه وجه آخر أنه يعيد التشهد
قال ابو حنيفة إن ذكر قبل أن يسجد في الخامسة رجع إلى الجلوس على ما قلناه وإن ذكر بعد ما سجد في الخامسة سجدة فإن كان قد قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته ويضيف إلى هذه الركعةركعة أخرى تكونان له نافلة وإن لم يكن قد قعد في الرابعة قدر التشهد بطل فرضه وصار الجميع نفلا

ذكر في الحاوي أنه إذا صلى نافلة فقام إلى ثالثة فلا خلاف بين العلماء أنه يجوز أن يتمها أربعا ويجوز أن يرجع إلى الثانية ويسلم واي ذلك فعل سجد للسهو والأولى أن يرجع إلى الثانية
ولا فرق بين صلاة الليل وصلاة النهار
وقال آخرون إن كانت صلاة نهار فالأولى أن يتمها أربعا وإن كانت صلاة ليل فالأولى أن يعود إلى الثانية
فإن نسي تكبيرة الافتتاح وذكر في أثناء الصلاة كبر للافتتاح واستأنف الصلاة في الحال
وقال مالك إن كان مأموما مضى مع الإمام في صلاته إن كان قد كبر للركوع فإذا فرغ استأنفها
وعنده أن المأموم إذا قهقه في صلاته يمضي فيها مع الإمام وإن كانت باطلة فإذا فرغ الإمام استأنفها
ذكر في الحاوي أنه إذا نسي سجدتين من صلاته ثم سجد في آخر صلاته سجدتين للسهو لم يقع عن فرضه وهذا فيه نظر بل يجب أن ينصرف إلى فرضه
ولا يتعلق سجود السهو عندنا بترك مسنون سوى التشهد الأول والقنوت والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول
وقال ابوحنيفة إن ترك تكبيرات العيد سجد للسهو وكذا الإمام عنده يسجد للسهو بالجهر في موضع الإسرار والإسرار في موضع الجهر
وقال مالك إن جهر في موضع الإسرار سجد سجدتين بعد السلام وإن اسر في موضع الجهر سجد قبل السلام
وقال احمد إن سجد فحسن وإن ترك فلا بأس
فإن قرأ في حال الركوع أو السجود أو التشهد سجد للسهو نص عليه الشافعي رحمه الله
وقيل إن قرأ غير الفاتحة ففي السجود وجهان والمذهب الأول
فإن ترك التشهد الأول أو القنوت في محله عمدا سجد سجدتي السهو
وقيل فيه قول آخر أنه لا يسجد وهو قول أبي حنيفة
فإن أحرم بالصبح فشك في حال القيام أنها أولاه أو ثانيته ثم تذكر أنها أولاه أو ثانيته في حال القيام أو الركوع أو السجود قبل أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة
قال القفال ليس عليه سجود
ولو تذكر بعد رفع راسه من السجدة الثانية سجد للسهو وفي هذا نظر فإن حاله بعد الرفع كحاله قبل الرفع وأنه لم يحصل في صلاته زيادة ولا نقصان ولا تجويز زيادة ولا نقصان
ذكر القاضي حسين رحمه الله أن الإمام إذا قام إلى خامسة فلم يخرج المأموم نفسه من صلاته فإنه لا يتابعه في فعله ولكنه ينتظره قاعدا ليتابعه في التشهد ويسلم ويسجد للسهو متابعة لإمامه فإن لم يسجد الإمام سجد المأموم
فإن حضر مأموم والإمام في خامسة فأحرم ينوي الائتمام به ولم يعلم بحاله اعتد له بالركعة وإن علم بحاله فهل ينعقد إحرامه فيه وجهان أحدهما لا ينعقد
والثاني ينعقد ولكنه لا يتابعه في الأفعال وينتظره قاعدا حتى يفرغ من السجود فيتابعه
والشيخ ابو نصر رحمه الله ذكر أنه إذا قام إلى خامسة فإنهم ينوون مفارقته وهذا هو الصحيح ومتى أقام على متابعته بطلت صلاته ولا ينعقد إحرامه مع العلم بحاله ابتداء
وذكر أيضا أنه إذا كان خلف إمام فترك سجدة وقام لم يتابعه المأموم ولا ينتظره قاعدا بخلاف ما لوقام إلى خامسة فإنه ينتظره في التشهد قاعدا وكذلك إذا ترك التشهد الأول وعاد إليه بعدماانتصب قائما فإنه ينتظره في القيام وهذا الذي ذكره فيه نظر فإن انتظاره للإمام في فعل لا يعتد به على طوله لا معنى له وفرقه بين انتظاره في السجود والقعود تحكم
فإن شك مأموم في حال الركوع هل قرأ في حال القيام أو لم يقرأ او شك في حال السجود هل ركع أم لا
فإن أخرج نفسه وعاد إلى ما تركه فأتى به جاز وإن أراد أن يعود إلى ما تركه فيأتي به ثم يعود إلى متابعته بطلت صلاته
فإن تابع الإمام حتى فرغ من الصلاة جاز ولا يحتسب له بما بعد ذلك الركن فإذا سلم الإمام أتى به ثم إن تحقق أنه لم يترك لم يسجد للسهو
وإن كان شاكا فقد قال القاضي حسين رحمه الله قد كنت أقول قبل هذا يسجد للسهو والآن أقول لا يسجد وفي هذا الذي ذكره نظر قوله أنه إذا عاد إلى ما تركه فأتى به ثم عاد إلى متابعة إمامه لم يجز قد ذكر أصحابنا في مثله طريقين
وهو إذا كان خلف إمام ففعل فلم يشعر حتى حصل الإمام في الركوع في الركعة الثانية فهل يشتغل بقضاء ما فاته أو يتابع الإمام في الركوع فيه طريقان
أحدهما أنه على القولين في المزحوم
والثاني أنه يتابع الإمام في الركوع قولا واحدا لأنه مفرط فينبغي ان يخرج هذا على هذين الطريقين
وقوله أنه إذا أخرج نفسه من صلاه الإمام جاز فينبغي أن يبني على مفارقة الإمام من غير عذر وقوله الأول في السجود للشك أولى وذكر أنه لو كان يصلي صلاة السر خلف إمام فسجد الإمام فتابعه يعتقدها سجدة تلاوة فسجد سجدة أخرى لم يتابعه ولو تابعه فيها بطلت صلاته ولكنه إن شاء أخرج نفسه وإن شاء عاد إلى القيام وانتظره قائما
ولو كان هذا في الركعة الأولى فقام الإمام معتقدا القيام إلى الثانية تابعه في الركوع والسجود فيها فإذا قعد للتشهد على ظنه أنه الأول لم يتابعه فلو تابعه بطلت صلاته ولكنه ينتصب قائما فإذا وصل إلى التشهد في الرابعة وجلس للتشهد على ظنه أنه تابعه رابعة فعلى المأموم أن يخرج نفسه من صلاته ولا يتابعه وليس عليه سجود السهو فيما لحقه وهذا فيه نظر بل يلزمه إذا سجد سجدة ثانية أن ينوي مفارقته ولا ينتظره
وذكر في مأموم أدرك بعض صلاة الإمام فلما قعد معه في التشهد سمع صوتا فظن أن الإمام قد سلم فقام وأتم صلاته فسلم الإمام وجب عليه أن يعيد ما فعله ولا يعتد له به لأنه ساه وليس عليه سجود السهو لأنه تابع الإمام وفي هذا نظر لأن قيامه بهذا الظن يتضمن مفارقة الإمام
فصل إذا تكرر منه السهو في الصلاة
كفاه للجميع سجدتان
وحكي عن الأوزاعي أنه قال إذا كان من جنس واحد كفاه للجميع سجدتان وإن كان من جنسين كالزيادة والنقصان سجد لكل سهو سجدتين
وحكي في الحاوي عن ابن أبي ليلى أنه قال يسجد لكل سهو سجدتين
فإن سجد للسهو ثم سها ففيه وجهان
أحدهما يسجد قاله ابن القاص
وقيل لا يسجد
فإن سها خلف الإمام لم يسجد فإن سها الإمام لحقه حكمسهوه فإن لم يسجد الإمام سجد المأموم وبه قال مالك وإحدى الروايتين عن أحمد
وقال المزني وابو حفص الباب شامي لا يسجد وبه قال أبو حنيفة وهو رواية عن أحمد والمذهب الأول وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة وسها فيما أدركه معه فإنه يسجد مع إمامه إذا سجد قبل السلام
وحكى عن ابن سيرين أنه لا يتابعه
وإن سجد الإمام بعد السلام لم يتابعه فيه
وعند أبي جنيفة يتابعه لأن محل سجود السهو بعد السلام فإن سجد مع الإمام قبل السلام وقضى ما عليه فهل يعيد السجود فيه قولان
قال في الأم يعيد وهو الأظهر
وقال في القديم لا يعيد
فإن سها إمامه فيما ادركه معه وسها بعد مفارقة فيما بقي عليه
فإن قلنا لا يعيد سجوده مع الإمام كفاه سجدتان وإن قلنا يعيد سجوده معه أو لم يسجد الإمام فالنصوص أنه يكفيه سجدتان وقيل يسجد أربع سجدات والأول اصح فإن سها الإمام فيما لم يدركه المسبوق معه فإنه يلزم المأموم حكم سهوه
وقيل لا يلزمه
فإن صلى رجل ركعة منفردا من صلاة رباعية وسها فيها ثم نوى متابعة إمام مسافر نوى القصر فإنه يجوز على أحد القولين أن ينقل صلاته من الانفراد إلى الجماعة فسها الإمام فلما سلم الإمام قام المأموم إلى رابعته فسها فيها ففيه ثلاثة أوجه
أظهرها أنه يكفيه سجدتان
والثاني أنه يفتقر إلى أربع سجدات
والثالث يفتقر إلى ست سجدات
فإن أدرك مأموم الإمام بعد الرفع من الركوع فإنه يحرم ويتبعه فيما بقي من الركعة من السجدتين ولا يحتسب له بها فإذا فرغ الإمام أتى بما بقي عليه من الركعة ولم يسجد لذلك
وحكي عن عبد الله بن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم أنه يسجد لذلك في آخر صلاته
إذا شك الإمام في عدد ركعات الصلاة فهل يقلد المأمومين فيه وجهان حكاهما القاضي حسين رحمه الله
أحدهما أنه يرجع إليهم إذا كثر عددهم
والثاني أنه يعمل بيقين نفسه
وكذا إذا شك أحد المأمومين في ذلك هل يقلد الإمام وبقية المأمومين على الوجهين وإن كان المأموم واحدا أو اثنين لم يقلد بعضهم بعضا وسجود السهو سنة
وقال مالك هو واجب إذا كان لنقصان
وقال أحمد هو واجب بكل حال
وقال ابو الحسن الكرخي حكاية عن أبي حنيفة إن سجود السهو واجب وليس بشرط في صحة الصلاة
ومحل سجود السهو قبل السلام وهو قول الزهري
وفيه قول آخر أنه إن كان لزيادة سجد بعد السلام وإن كان لنقصان فقبل السلام وهو قول مالكوقال أبو حنيفة والثوري محله بعد السلام بكل حال
وقال أحمد لا يسجد قبل السلام إلا في المواضع التي ورد فيها الأثر واختاره ابن المنذر
فإن سلم قبل أن يسجد ولم يتطاول الفصل سجد وإن تطاول الفصل ففيه قولان
أصحهما أنه لا يسجد
فمن قال سجود السهو بعد السلام سجد للسهو ثم يتشهد ويسلم ومن قال محله قبل السلام فإذا نسيه حتى سلم فإنه يسجد ويسلم في اصح الوجهين وهو قول مالك في إحدى الروايتين
وفيه وجه آخر أنه يتشهد ثم يسلم وهو الرواية الثانية عن مالك
وحكم السلام في الجهر والإسرار حكم تسليم الصلاة
وعن مالك في ذلك روايتان
إحداهما يخفي السلام
وسجود السهو يتعلق بالفرض والنفل
ومن أصحابنا من قال فيه قول آخر أنه لا يسجد للنفل
فإن صلى المغرب أربعا ساهيا سجد سهوا وأجزأته صلاته
وقال الأوزاعي يضيف إليها أخرى ويسجد كيلا تكون المغرب شفعا
باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها
الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها خمسة وقتان نهي عن الصلاة فيهما لأجل الفعل وهما بعد صلاة العصر حتى تصفر الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس وثلاثة نهي عن الصلاة فيها لأجل الوقت وهي إذا طلعت الشمس حتى ترتفع وعند الاستواء حتى تزول وعند الاصفرار حتى تغرب ولا يحرم في هذه الأوقات فعل الصلاة الواجبة وما له سبب من النوافل
وروي عن علي رضي الله عنه أنه دخل فسطاطه فصلى ركعتين بعدالعصر وروى جواز النفل في هذه الأوقات عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وهو قول داود
وقال أبو حنيفة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها لأجل الوقت لا يجوز أن يفعل فيها شيئا من الصلوات الواجبة سوى عصر يومه عند اصفرار الشمس
والوقتان اللذان نهي عن الصلاة فيهما لأجل الفعل لا يجوز فيهما فعل النوافل ولا فعل المنذورة ويجوز سجود التلاوة
وقال مالك يجوز أن تقضى الفوائت في وقت النهي ولا تفعل النوافل وبه قال أحمد إلا أنه أجاز فيها فعل ركعتي الطواف وصلاة الجماعة مع إمام الحي واختلف عن مالك في صلاة الكسوف وسجود القرآن في وقت النهي
فإن نذر فعل صلاة في وقت النهي لم ينعقد نذره
وقيل ينعقد وليس بصحيح
ومن دخل المسجد لفرض جاز أن يصلي تحية المسجد في وقت النهي وإن لم يدخل إلا ليصلي التحية في وقت النهي ثم يخرج ففيه وجهان
أحدهما يجوز
فإن صلى ركعتي الفجر فهل يكره التنفل بعدها فيه وجهان
أحدهما يكره وهو الظاهر وهو قول أبي حنيفة وأحمد
والثاني لا يكره وهو قول مالك
ولا يكره التنفل في أوقات النهي بمكة
ومن اصحابنا من قال يختص ذلك بركعتي الطواف
وقال ابو حنيفة وأحمد تكره بها ايضا
ولا يكره التنفل عند الاستواء يوم الجمعة لمن حضر الجامع
وقال ابو حنيفة وأحمد يكره
ومن أصحابنا من قال من لم يحضر الجامع ايضا يجوز له التنفل في هذا الوقت وليس بشيء
باب صلاة الجماعة
الجماعة فرض على الكفاية في قول اصحابنا يجب إظهارها في الناس فإن امتنعوا قوتلوا عليها وهو لمنصوص عليه في الإمامة
ومن أصحابنا من قال إنها سنة وهو قول مالك
وقال أحمد وداود إنها فرض على الأعيان وليست شرطا في صحة الصلاة
وجماعة النساء في بيوتهن أفضل ولسن فيها في التأكيد بمنزلة الرجال ولا يكره لهن فعلها ولا تركها وبه قال عطاء وأحمد
وقال ابو حنيفة ومالك يكره للنساء الجماعة في الصلاة
وقال الشعبي يكره للمرأة الإمامة في الفرض دون النفل
وتقف إمامتهن وسطهن
ولا بد من نية الجماعة في حق المأموم ولا يفتقر إلى نية الإمام لها وبه قال ابو حنيفة ومالك
وحكي عن الثوري وأحمد أنه لا تصح الجماعة حتى ينوي الإمام الإمامة
والمستحب لمن قصد الجماعة أن يمشي إليها
وقال ابو إسحاق إن خاف فوت التكبيرة الأولى أسرع والمذهب الأول
ويستحب أن لا تفوته التكبيرة الأولى مع الإمام وحتى يكون مدركا لها حكي فيه وجهان
أحدهما أنه يكون مدركا لها ما لم يحصل في الركوع ويحكى عن أبي حنيفة
والأصح أن يكون مدركا لها إذا تابعه قبل الشروع في الفاتحة كذا ذكر القاضي حسين رحمه الله ولم يذكر لواحد من الوجهين دليلا
ولو قيل عندي أنه يدرك هذه الفضيلة بأن تكون تكبيرته عقب تكبيرة الإمام على ما جرت العادة به لم يكن به بأس
فإن دخل في فرض الوقت فأقيمت الجماعة فالأفضل أن يقطعها ويدخل في الجماعة فإن نوى الدخول مع الجماعة من غير قطع لصلاة نفسه ففيه قولان
قال في الإملاء لا يجوز وهو قول أبي حنيفة
وقال في الجديد يصح وهو الأصح وهو اختيار المزني
ومن اصحابنا من قال إن كان ركع في حال الانفراد لم يجز قولا واحدا وقبل الركوع قولان
ومنهم من يقول قبل الركوع يجوز قولا واحدا وبعد الركوع قولان واختاره أبو إسحاق والقاضي أبو الطيب
فإذا قلنا يجوز فإن كان قد سبق الإمام بركعة ثم تبعه فإنه يتابعه إلى الرابعة ولا يتابعه بعدها ويجلس ويتشهد ثم إن شاء أخرج نفسه من متابعة الإمام وإن شاء انتظره وهذا فيه نظر بل لا ينتظره ويسلم
فإن قرأ بعض الفاتحة فركع الإمام ركع مع الإمام وترك بقية الفاتحة على اصح الوجهين
فإن أدركه وهو راكع كبر للإحرام وكبر للركوع فإن كبرتكبيرة ينوي بها الإحرام والركوع لم يجزه عن الفرض وهل ينعقد له نفل فيه وجهان
فإن رجع الإمام إلى الركوع بعدما رفع رأسه منه ليسبح وكان قد ترك التسبيح فيه جاهلا بتحريم عوده فأدركه مأموم في هذا الركوع فتابعه لم يكن مدركا للركعة بذلك في أصح الوجهين
وقال أبو علي الطبري يحتمل أن يقال يكون مدركا للركعة وليس بصحيح
فإن أدرك الإمام ساجدا كبر للإحرام وسجد من غير تكبير واختاره الشيخ الإمام أبو إسحاق
وقيل يكبر للسجود
وقال الشيخ ابو نصر وهذا أصح
فإن أدرك معه الركعة الأخيرة كان ذلك أول صلاته فعلا وحكما وإن كان آخر صلاة الإمام وما يأتي به بعد مفارقة أخر صلاته فعلا وحكما وبه قال الزهري واختاره ابن المنذر
و قال أبوحنيفة آخر صلاة الامام آخر صلاة المأموم حكما اذا كان مسبوقا وهو قول سفيان وأحمد ومالك في المشهور عنه
قال الشافعي رحمه الله فإن فات رجلا مع الإمام ركعتان من الظهر قضاهما بفاتحة الكتاب وسورة
فقال أبو إسحاق وأكثر اصحابنا إنه يقرأ السورة فيهما وإن كانتا آخر صلاته
ومن أصحابنا من قال إنما قال ذلك على القول الذي يقول إن السورة تقرأ في كل ركعة والأول أصح ويسر بالقراءة فيما يأتي به من الركعتين نص عليه الشافعي رحمه الله
ومن أصحابنا من قال قد نص عليه في موضع آخر أنه يجهر فيكون ذلك على قولين
أصحهما أنه يسر
فإن حضر والإمام قد فرغ من الصلاة فإن كان المسجد في غير ممر الناس كره أن يستأنف فيه جماعة وبه قال أبو حنيفة ومالك
وقال أحمد لا يكره إقامة الجماعة بعد الجماعة بحال وهو قول داود
ومن صلى منفردا ثم أدرك جماعة يصلون استحب أن يصليها معهم وحكي ذلك عن علي وحذيفة وأنس رضي الله عنهم إلا أنه حكي فيالمغرب أنه يصليها ويضيف إليها ركعة أخرى فتصير شفعا كيلا تصير الصلاتان بمجموعهما شفعا وبه قال سعيد بن جبير وابن المسيب والزهري
ومن أصحابنا من قال إن كان صبحا أو عصرا لم يستحب ذلك وحكي عن الحسن وأبي ثور والمذهب الأول
فإن صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى يصلون فهل يصلي معهم فيه وجهان
أحدهما أنه يصليها معهم وهو قول أحمد إلا أنه قال لا يصلي الصبح والعصر إلا مع إمام الحي دون غيره
وقال مالك إن كان قد صلاها في جماعة لم يعدها لم وإن كان قد صلاها منفردا أعادها في الجماعة إلا المغرب
وقال الأوزاعي يصلي ما عدا الصبح والمغرب وقال أبو حنيفة لا يعيد إلا الظهر والعشاء
وإذا صلى ففرضه الأولى منهما والثانية تطوع وبه قال ابو حنيفة وأحمد
وعلى قوله القديم يحتسب الله له بأيتهما شاء
وحكي عن الأوزاعي والشعبي أنهما قالا هما جميعا فرضه
فإن أحس الإمام بداخل وهو راكع ففيه قولان
أحدهما أنه يكره انتظاره وهو قول أبي حنيفة ومالك
والثاني أنه مستحب وهو الأصح
وإن أدركه وهو في التشهد الأخير ففي انتظاره وجهان
قال الشيخ أبو حامد لا يستحب قولا واحدا وإنما القولان في الكراهة
وقال أحمد والشعبي لا يكره
فإن سجد الإمام سجدتين والمأموم قائم من الركوع ففيه وجهان
أحدهما تبطل صلاته
وقال أبو إسحاق لا تبطل
وحكى الشيخ أبو حامد رحمه الله أن الشافعي رحمه الله ذكر في الأم والقديم أن المستحب للمأموم أن يتابع الإمام فلا يتقدمه بركوع ولا سجود فإن رفع المأموم رأسه من الركوع قبل رفع الإمام فعليهأن يرجع فإن لم يرجع كرهت وأجزأه وكذا إن ركع قبله استحب أن يرجع إلى القيام حتى يركع مع إمامه
وذكر بعض أصحابنا الخراسانيين أنه إذا ركع قبل إمامه أثم ولا ينبغي أن ينوي مفارقة الإمام بطلت صلاته
فأما إذا ركع فظن أن إمامه قد ركع فعلم أنه لم يركع فعليه أن يعود إلى القيام فلو عزم على أن لا يعود وثبت راكعا حتى يلحقه الإمام
فمن أصحابنا من قال يحتسب له
ومنهم من قال يلزمه أن يعود قائما
فإذا قلنا عليه أن يعود إلى القيام فقصد ذلك فقيل أن يعتدل قائما ركع الإمام فهل عليه أن يعتدل فه وجهان
أحدهما أنه يسقط عنه الاعتدال
والثاني انه يلزمه
فإن رفع رأسه قبل الإمام من السجدة الأولى عمدا وسجد السجدة الثانية فهل تبطل صلاته فيه وجهان بناء على اصل وهو أن الجلسة بين السجدتين والاعتدال من الركوع هل يعد ركنا مقصودا أم لا فيه وجهان
أحدهما أنه يعد ركنا مقصودا
والثاني لا يعد
فأما إذا ركع الإمام ولم يركع المأموم معه حتى رفع راسه لم تبطل صلاته لأنه ركن واحد ولو تأخر عنه بركنين بطلت صلاته هذا على طريقة القاضي حسين رحمه الله فأما على طريقة الشيخ أبي حامد فالتقدم والتأخر سواء
قد ذكرنا أن الإمام إذا ركع قبل فراغ المأموم من الفاتحة فإنه يقطع القراءة ويتبعه وهي طريقة أبي زيد فعلى هذا لو أكمل الفاتحة ولم يسبقه الإمام إلا بركن واحد فصلاته صحيحة وإن سبقه بركنين فإنه يكون كالمتخلف عن إمامه بغير عذر فتبطل صلاته
وقيل لا تبطل
ثم إن سبقه الإمام بثلاثة أركان فاشتغل بالرابع ففيه وجهان
أحدهما تبطل صلاته
والثاني لا تبطل
وإن سبقه بأركان كثيرة وجرى على نظام صلاته خلف الإمامكان كما يقول في المزحوم ثم اختلف أصحابنا في الأركان التي لو سبق الإمام بها تبطل صلاته
فمنهم من قال أن يركع ثم يرفع ويشتغل بالسجود فإن ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود ومضى في صلاته وإن لم يركع حتى رفع الإمام رأسه من السجود فقد سبقه بثلاثة أركان فتبطل صلاته
ومنهم من قال الاعتدال ليس بركن مقصود وكذا الجلسة بين السجدتين وإنما يعتبر الركوع والسجدة الأولى والثانية
فإن رفع رأسه من السجدة الثانية وقد اشتغل هو بالركوع مضى في صلاته وإن لم يكن قد اشتغل بالركوع ففيه وجهان
قال والشيخ الإمام أبو إسحاق رحمه الله حكي في المذهب أنه لا يجوز أن يرفع راسه قبل الإمام فإن فعل لزمه أن يعود الى متابعته وهذا كله خلاف ظاهر كلام الشافعي رحمه الله والذي حكاه الشيخ أبو حامد رحمه الله هو الصحيح ولم يقل احد من الأئمة أن التقدم بركن واحد يبطل الصلاة والفعل الواحد من غير جنس الصلاة لا يبطل الصلاة ولا يحرم فيها
فإن أحدث الإمام فاستخلف ففيه قولان
قال في القديم لا يجوز ذلك
وقال في الجديد يجوز وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد
فعلى هذا يجوز أن يستخلف من كان قد دخل معه في الركعة الأولى أو الثالثة ولا يجوز أن يستخلف من دخل معه في الثانية أو الرابعة كذا ذكر الشيخ الإمام رحمه الله في المهذب ولا أدري من اين أخذ ذلك وقد ذكر أصحابنا خلاف ذلك في الاستخلاف في صلاة الجمعةفإن أسلم الإمام وقد بقي على بعض المأمومين بعض الصلاة فقدموا من يتم بهم الصلاة ففيه وجهان
أحدهما يجوز
والثاني لا يجوز
فإن نوى المأموم مفارقة الإمام من غير عذر لم تبطل صلاته في أصح القولين
وفي الثاني تبطل وهو قول أبي حنيفة ومالك ولم يفرق بين وجود العذر وعدمه
باب صفة الأئمة
تصح إمامة الصبي الذي تصح صلاته في غير الجمعة وفي الجمعة قولان
قال في الأم لا يجوز
وقال في الإملاء يجوز
وقال ابو حنيفة ومالك يجوز أن يكون إماما في النفل دون الفرض
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لا يؤم حتى يحتلم
ولا تصح إمامة الكافر فإذا صلى بقوم لم يحكم بإسلامه
وذكر القاضي أبو الطيب أن الشافعي رحمه الله قال في المرتد إذا قامت البينة على رجل بالردة فقال ورثته إنه رجع إلى الإسلام وأقاموا أقاموا بينة أنهم رأوه يصلي بعد الشهادة عليه بالردة صلاة المسلمين قبلت تلك منهم فإن كان هذا في بلاد الإسلام لم يحكم بإسلامه
فمن اصحابنا من قال يجب على هذا الكافر إذا صلى في دار الحرب مثل المرتد
وحكى القاضي حسين رحمه الله أن الشافعي رحمه الله نص على أن مسلما لو سجد للصنم في دار الحرب لم يحكم بردته ولو أنه في دار الإسلام ألقى العسلي على كتفيه وشد الزنار على وسطه أن يحكم بردته
وقال أبو حنيفة إذا صلى الكافر في جماعة أو بجماعة حكم بإسلامه وكذا إن صلى منفردا في مسجده وكذا إن أذن حيث يؤذن المسلمون
وقال أحمد يحكم بإسلامه بالصلاة بكل حال فإن سمع منه لفظ الشهادتين من غير استدعاء لذلك منه أو إشهاد على نفسه حكم بإسلامه في أصح الوجهين وكذا إن سمع منه لفظ الشهادة في الصلاة فإنه على الوجهين
فأما صلاة من صلى خلف الكافر فإنه إن كان مستترا بكفره كالزنديق ففي صلاته خلفه مع الجهل بحاله وجهان
وتصح إمامة الفاسق وإن كرهت
وقال مالك لا يصح الائتمام بالفاسق بغير تأويل والفاسق بتأويل يعيد الصلاة خلفه في الوقت
وعن أحمد في إمامة الفاسق روايتان
ولا تصح إمامة المرأة للرجال
وحكي عن أبي ثور وابن جرير الطبري أنه يجوز إمامتها في صلاة التراويح إذا لم يكن هناك قارىء غيرها وتقف خلف الرجال
فإن صلى رجل خلف خنثى مشكل ولم يعلم بحاله حتى فرغ من الصلاة وجب عليه الإعادة فإن لم يعد حتى زال زال الإشكال لم تسقط عنه الإعادة على الصحيح من المذهب
وفيه قول آخر أنه لا إعادة عليه
فأما المختلفون في أحكام الشرع فإذا ائتم بمن يخالفه في شرط من شروط الصلاة ولم يعلم بإخلاله بذلك الشرط فصلاته خلفه صحيحه وإن علم بتركه الفاتحة فقياس المذهب أن صلاته لا تصح
وحكي عن القاضي حسين أن الأستاذ ابا إسحاق قال لا يصح اقتداؤه به قرأ الفاتحة أو لم يقرأ والأول أصح
فإن افتدى الشافعي بالحنفي في صلاة الصبح فأطال الإمام القيام في الرفع من الركوع بحيث يمكنه القنوت قنت ولا شيء عليه وإن لم يقفبحيث يمكنه القنوت خلفه وأخرج نفسه من صلاته وقنت ولا شيء عليه وإن لم يخرج نفسه من صلاته وقنت والإمام ساجد ولم تطل المدة فالمذهب أن صلاته تبطل ويحتمل أن يقال لا تبطل
وإن ترك القنوت وتابعه فالعراقيون من أصحابنا قالوا يسجد للسهو
وقال القفال ليس عليه سجود وهذا بناؤنا على اصل وهو أن الشافعي رحمه الله اقتدى بالحنفي فلم يقرأ الفاتحة
فعند القفال صلاة المأموم صحيحة
وقال غيره لا تصح وهذا الذي ذكره عندي فيه نظر
أما قوله إنه إذا أطال الإمام قنت لا سجود عليه خطأ بل ينبغي أن يسجد
وقوله إذا قنت والإمام ساجد بطلت صلاته ليس بمذهب
وقوله إذا أخرج نفسه يجزئه فينبغي أن يبنى على القولين في مفارقة الإمام لغير عذر
وأما إذا تابعه فحكايته لقول أهل العراق وبناؤه على أصل ليس بأولى من الفرع والأمر مبني على اعتقاد المأموم دون الإمام في ذلك
ولا تجوز الصلاة خلف المحدث فإن لم يعلم بحاله صحت صلاته في غير الجمعة فأما في الجمعة فإن تم العدد دونه صحت صلاة من خلفه
وذكر ابن القاص قولا آخر مخرجا أنه لا يصح لهم الجمعة وإن تم العدد به لم تصح الصلاة خلفه وبقولنا قال أحمد
وقال الشعبي وابو حنيفة تبطل صلاة من خلفه بكل حال
وقال مالك إن كان الإمام ناسيا لحدث نفسه فصلاة المأموم خلفه صحيحة وإن كان الإمام عالما بحدث نفسه بطلت صلاة المأموم خلفه
وقال عطاء إن كان حدثه جنابة بطلت صلاة المأموم خلفه وإن كان غيرها أعادها في الوقت
فإن علم المأموم بحدث الإمام في اثناء الصلاة فأقام على متابعته بطلت صلاته فإن خرج الإمام ليتوضأ وكان موضعه قريبا أشار إليهم كما أنتم ومضى وتوضأ إذا كان ذلك قبل الركوع وعاد وأتم به الصلاة
وإن كان بعيدا فقد قال الشافعي رحمه الله في القديم يصلون لأنفسهم
فمن أصحابنا من قال إنما قال ذلك لأنه على قوله القديم لا يجوز الاستخلاف
ومنهم من قال إنما قال ذلك ليخرجوا من الخلاف في الصلاة بإمامين
وفي صلاة الطاهرة خلف المستحاضة وجهان
أحدهما يصح كالمتوضىء خلف المتيمم
وتصح صلاة القائم خلف القاعد وبه قال ابو حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك
وعن مالك رواية ثانية أنه لا تصح صلاة القائم خلف القاعد وهو قول محمد بن الحسن
وقال احمد والأوزاعي يصلون خلفه قعودا واختاره ابن المنذر
ويجوز للراكع والساجد أن يأتم بالمومىء إلى الركوع والسجود
وقال ابو حنيفة وأصحابه ومالك لا يجوز أن يكون المومىء إماما للراكع والساجد فإن قدر القاعد على القيام في أثناء الصلاة أو المومىء على القعود أو القيام فإنه يقوم ويقعد ويبني على صلاته
وقال ابو حنيفة المومىء إذا قدر على القعود أو القيام بطلت صلاته وكذلك العريان إذا وجد سترة والأمي إذا تلقن بطلت صلاته عنده
وقال محمد في القاعد إذا قدر على القيام بطلت صلاته أيضا فإن لم يقم الإمام مع قدرته عليه وعلم المأموم حاله وأقام على متابعته بطلت صلاته
وقيل تصير صلاته نفلا ذكره في الحاوي وليس بصحيح وفي صلاة القارىء خلف الأمي قولان
أحدهما وهو اختيار المزني أنها تصح
والثاني وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد أنها لا تجوز
وقيل فيه قول آخر على قوله القديم أنه إن كان في صلاة يجهر فيها بالقراءة لم يجز وإن كان في صلاة يسر فيها بالقراءة جاز
وذكر في الحاوي أنه إذا علم القارىء بحال الأمي لم تصح صلاته خلفه قولا واحدا وإن لم يعلم بحاله حتى فرغ من الصلاة ففي بطلان صلاته ووجوب الإعادة ثلاثة اقوال
فإن قلنا إن صلاة القارىء تبطل فإن صلاة الأمي لا تبطل وبه قال أبو يوسف ومحمد
وقال أبو حنيفة تبطل صلاة الأمي أيضا
حكي عن أبي حازم من اصحابه انه قال إنما أبطل صلاته لأنه يمكنه أن يقتدي بالقارىء
فعلى هذا يقتضي أن لا يصلي وحده
وقال ابو الحسن الكرخي إنما ابطل صلاته لأنه لما أحرم خلفه صار متحملا للقراءة عنه مع عجزه فإن اختلف عن الإمام والمأموم ففيه وجهان
أحدهما تصح صلاته خلفه
والثاني لا تصح وهو الأصح إذا قلنا لا تصح صلاة القارىء خلف الأمي
فإن قرأ الروايات الشاذة في الصلاة
ذكر القاضي حسين أن صلاته لا تبطل قال وفيه أشكال
قال الشيخ الإمام وعندي انه ينبغي أن يقال إن كان يحيل المعنى عن القراءة المعروفة بطلت الصلاة وإن كان لا يحيل المعنى لم تبطل ويكره
ويجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل والمتنفل بالمفترض والمفترض بالمفترضوفرضهما مختلف إذا اتفقت الصلاتان في الأفعال الظاهرة وبه قال عطاء وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختاره ابن المنذر
وقال ابو حنيفة ومالك وهو الرواية الأخرى عن أحمد أنه لا يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل ولا المفترض بالمفترض وفرضهما مختلف
ويجوز أن يأتم المتنفل بالمفترض
وحكى في الحاوي المنع من الائتمام مع اختلاف الصفة بكل حال فلا يأتم المتنفل بالمفترض وهو قول مالك والزهري
ولا يجوز ان يصلي الجمعة خلف من يصلي الظهر
ومن أصحابنا من قال يجوز في فعل الجمعة خلف المتنفل قولان
ولا يختلف أصحابنا بالعراق أنه لا يجوز فعل صلاة الكسوف خلف من يصلي الصبح ولا الصبح خلف من يصلي الكسوف ولا فعل إحدى الصلوات الخمس خلف من يصلي صلاة الجنازة ولا صلاة الجنازة خلف من يصلي غيرها
وحكى القاضي حسين عن القفال فيمن صلى الفرض خلف من يصلي صلاة الجنازة أنها تنعقد فإذا كبر الإمام التكبيرة الثانية لم يكبر معه وعلى هذا صلاة الجنازة خلف من يصلي صلاة الفرض تنعقد عنده والفرض خلف صلاة الكسوف على طريقته تنعقد وعلى طريقة غيره فيه وجهان
أحدهما لا تنعقد
والثاني تنعقد فإذا اشتغل الإمام بالقيام الثاني فارقه وهذا القول بعيد عن المذهب جدا
وذكر أنه يصلي الفرض خلف من يصلي صلاة العيد ثم إن شاء وافقه في التكبير وإن شاء خالفه
السنة أن يؤم القوم أفقههم وأقرؤهم فإن زاد أحدهما في الفقه والآخر في القراءة فالأفقه أولى وبه قال مالك وابو حنيفة
وقال الثوري وأحمد الأقرأ أولى واختاره ابن المنذرفإن استويا في جميع ذلك فقد قال بعض المتقدمين يقدم احسنهم فمن اصحابنا من قال أحسنهم صورة
ومنهم من قال أحسنهم ذكرا
فغن اجتمع هؤلاء مع صاحب المنزل فصاحب المنزل أولى فإن اجتمع السلطان مع هؤلاء فهو أولى من صاحب المنزل وغيره
وحكى في الحاوي قولا آخر ان صاحب المنزل أولى من السلطان إذا حضر عنده
فإن اجتمع المستعير والمعير في الدار المستعارة فالمستعير أولى في أحد الوجهين
والثاني أن المعير أولى
فإن اجتمع حر وعبده فالحر أولى
وحكي عن أبي مجلز أنه كره إمامة العبد
وقال مالك لا يؤم في جمعة ولا عيدوحكي عن الأوزاعي أنه قال أربعة لا يؤمون الناس ذكر منهم العبد إلا أن يؤم أهله
وهل يحتاج العبد أن يستأذن مولاه في الإمامة وحضور الجماعة
ذكر القاضي حسين انه إن كانت صلاته لا تزيد على صلاته منفردا لم يلزمه الاستئذان
قال الشيخ الإمام وعندي انه إن كان في أول الوقت احتاج إلى استئذانه وإن كان في آخر الوقت فعلى التفصيل
ويكره إمامة من لا يعرف أبوه وبه قال ابو حنيفة ومالك
وقال أحمد لا تكره إمامته ورواه ابن المنذر عن مالك واختاره
وكره عمر بن عبد العزيز أمامة ولد الزنا
فإن اجتمع بصير وأعمى فالمنصوص في الإمامة أنهما سواء
وقال ابو إسحاق المروزي الأعمى أولى
وقال الشيخ الإمام أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله عندي أن البصير أولى من الأعمى
قال الشيخ ابو نصر رحمه الله والوجهان مخالفان نص الشافعي رضي الله عنه
وحكي عن ابن سيرين انه يكره إمامة العبد
باب موقف الإمام والمأموم
السنة أن يقف الرجل الواحد عن يمين الإمام
وحكي عن سعيد بن المسيب انه قال يقف عن يسار الإمام
وقال النخعي يقف خلفه إلى أن يركع فإن جاء آخر وإلا تقدم ووقف عن يمينه إذا ركع فإن حضر رجلان اصطفا خلفه
وحكي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال يقف الإمام بينهما
فإن وقفت امرأة في الصف بين الرجال لم تبطل صلاة واحد منهم
وقال ابو حنيفة تبطل صلاة من على يمينها وشمالها من المأمومين ولا تبطل صلاتها
فإن أحرمت امرأة خلف الرجل في صلاة مؤتمة به صح إحرامها ولا يحتاج أن ينوي الإمام إمامتها
وقال ابو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن لا يصح ائتمامها به حتى ينوي إمامتها
فإن وقف خلف الصف وحده مقتديا بالإمام كره وأجزأه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك
وقال أحمد تبطل صلاتهفإن دخل المسجد فلم يجد في الصف فرجة فإنه يصلي وحده
وذكر الشيخ ابو حامد رحمه الله أنه يجذب رجلا من الصف ليصلي معه فإن لم يفعل كره
وحكى القاضي ابو الطيب رحمه الله أن الشافعي رحمه الله نص أنه لا يجذب رجلا ويقف حيث شاء
فإن وقف المأموم قدام الإمام مقتديا به لم تصح صلاته في أصح القولين وهو قول اب حنيفة وأحمد
وقال في القديم تصح صلاته وهو قول مالك

فإن حضر رجال وصبيان وقف الرجال في الصف الأول ثم الصبيان
ومن أصحابنا من قال يقف بين كل رجلين صبي ليتعلم منهم الصلاة وهو قول مالك
فإن وقف مأموم بجنب الإمام ورؤوس اصابعه مع رؤوس اصابعه وعقبه متقدمة على عقبه لقصر قدمه فيه وجهان
أصحهما أنه لا يصح اعتبارا بالمساواة في العقب
والسنة أن لا يكون موضع الإمام أعلى من موضع المأموم إلا أن يقصد تعليم المأمومين فيستحب أن يكون موضعه اعلى
وقال ابو حنيفة ومالك يكره ذلك بكل حال
وحكى الطحاوى أنه يكره إذا كان ارتفاعه يجاوز القامة
وقال ابو بكر الرازي لا يعرف ذلك
فإن كانت الجماعة في المسجد فلا اعتبار فيها بالمشاهدة واتصال الصفوف وإنما يعتبر العلم بصلاة الإمام
وإن خرجت الجماعة عن المسجد فإن اتصلت الصفوف إلى من في المسجد فالصلاة صحيحة وإن كان بين الصفين فصل قريب وهو ثلاثمائة ذراع وعلموا بصلاة الإمام فصلاتهم صحيحة وهل ذلك تحديد أو تقريب فيه وجهان
فإن كان بينه وبين المسجد حائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة كالشباك لم يمنع صحة الائتمام في أحد الوجهين والاعتبار في المسافة التي ذكرناها بحائط المسجد
واختلف اصحابنا في الطريق الذي أخذ عنه الشافعي رحمه الله ذلك التقدير
فمنهم من قال أخذه من جهة العرف
ومنهم من قال أخذه من صلاة الخوف ذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا وقف الإمام في المسجد وله باب مفتوح عن يمينه أو يساره فوقف قوم خلفه ووقف إنسان خارج المسجد فإن اتصلت به الصفوف اتصال المناكب جاز فإن لم يقف على العتبة أحد وكان بين هذا الواقف وبين حائط المسجد فرجة يقف فيها رجل لم يجز صلاته وإن كان متصلا بالمسجد ليس بينه وبينه فرجة ففيه وجهان بناء على أن الاتصال يعتبر بالصف الذي في المسجد أو بالمسجد وفيه وجهان وهذا يبطل به إذا كان الباب وراء الإمام
فإن صلى في دار وبينهما حائط غير حائط المسجد لم يصح الائتمام ولا يختلف أصحابنا
وقال مالك يصح الائتمام به إلا في الجمعة إذا علم بصلاته
فإن كان له باب مفتوح إلى المسجد يرى منه الإمام او بعض من خلفه فقد قال ابو إسحاق لا تصح صلاته حتى تتصل الصفوف به اتصال العادة
وقال ابو علي في الإفصاح لا فرق بين الدار والصحراء في اعتبار القرب والبعد في الجميع وهذا الصحيح عندي
واختار القاضي حسين رحمه الله قول أبي إسحاق وقال الاعتبار بالأماكن وهي ثلاثة
صحراء فيعتبر فيها القرب
وابنية بنيت للعبادة فيعتبر فيها العلم
وابنية بنيت للرفق فيعتبر فيها اتصال الصفوف حتى قال لو كان الإمام في الصحراء والمأموم في الصفة لم يصح الائتمام وهذا تحكم
فأما إذا صلى في علو دار بصلاة الإمام في المسجد فقد قال الشافعي رحمه الله وأما في علوها فلا يجوز لأنها بائنة من المسجد
ومعناه أنه ليس بينهما قرار يمكن اتصال الصفوف فيه
وذكر القاضي حسين رحمه الله أنه إذا صلى على سطح دار في جوار المسجد لم يجز إلا على طريقة من عن يمينه أو يساره بصلاة الإمام في المسجد مع القرب فإن كان علو المسجد بحيث يحاذي راس الواقف في المسجد رجل الواقف على السطح ولم يكن بين الواقف على السطح وبين الواقف في المسجد فرجة تتسع لوقوف واحد فالاقتداء صحيح وإن كان بينه وبينه فرجة وكان الواقف على السطح على طرف السطح
ولم يكن بينه وبين المسجد فرجة وإنما كان الواقف متباعدا عن الحائط فعلى وجهين بناء على أن القرب من المسجد فهل يجعل بمنزلة القرب من الصف وأما إذا كان الواقف على السطح متباعدا عن طرفه بقدر موقف رجل لم يصح الاقتداء على ظاهر المذهب
وأما إذا كان السطح أعلى من ذلك فإن لم يقف على طرف السطح لم يجز إلا على طريقة من يعتبر القرب والمشاهدة وإن وقف على طرف السطح فعلى ما ذكرناه من الوجهين في اعتبار القرب من المسجد أو من الصف
وإن كان السطح خلف المسجد وكان علو السطح بقدر قامة ومن في المسجد وقوف بجنب الحائط ولم يكن بين الواقف على السطح والواقف في المسجد إلا ما يكون بين الصفين فالاقتداء صحيح وإن لم يكن كذلك فعلى ما ذكرناه
وإن كان السطح عاليا
فقد قال الشافعي رحمه الله لا يجزىء
وعلى طريقة من يعتبر مجرد المشاهدة مع القرب جاز وهذا التفصيل الذي ذكره تحكم وهم مخالف لنص الشافعي رحمه الله فإما أن يقول بقول عطاء أو مالك أو يصير إلى نص الشافعي رحمه الله
فإن كان بين الإمام والمأموم نهر أو طريق صح الائتمام وبه قال مالك
وقال ابو حنيفة وأحمد يمنع ذلك صحة الائتمام
وإن كان الإمام في سفينة والمأموم في أخرى غير مشدودة إليها وبينهما مسافة قريبة صح الائتمام
وقال ابو سعيد الإصطخري لا يصح
والاعتبار عند عطاء العلم بصلاة الإمام دون المشاهدة والحائل وعدم الحائل وحكي ذلك عن النخعي والحسن البصري
باب صلاة المريض
إذا عجز عن الركوع والسجود لعلة بظهره وقدر على القيام فإنه يجب عليه القيام وينحني في الركوع بحسب طاقته أو يحني رقبته
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يسقط عنه فرض القيام فإن عجز عن القيام صلى قاعدا
وفي كيفية قعوده قولان
احدهما أنه يقعد متربعا وحكي ذلك عن مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد وحكاه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وقال إذا ركع ثنى رجليه
وحكى القاضي أبو حامد عن الشافعي رحمه الله أنه يجلس مفترشا وهو قول زفر
وحكى محمد عن أبي حنيفة أنه يجلس كيف شاء
وإن عجز عن القعود فقد نص الشافعي رحمه الله على أنه يضطجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن لم يستطع استلقى على ظهره ورجلاه إلى القبلة وبه قال احمد ومالك
وقال ابو علي في الإفصاح يستلقي على ظهره ويستقبل القبلة برجليه حتى يكون إيماؤه في الركوع والسجود إلى القبلة وبه قال أبو حنيفة والأول أصح
فإن لم يستطع أن يومىء برأسه إلى الركوع والسجود أومأ بطرفه
وقال ابو حنيفة إذا انتهى إلى هذه الحالة سقط عنه فرض الصلاة
وحكي عن مالك انه إذا دام به الرعاف فلم ينقطع اومأ إلى السجود وأتى بالقيام والركوع وفي الفرق بينهما نظر
قال في الأم إذا قدر أن يصلي قائما منفردا يخفف القراءة
وإذا صلى مع الجماعة صلى بعضها من قعود فالأفضل أن يصلي منفردا
قال الشيخ ابو حامد الإتيان بها مع القعود في بعضها في الجماعة أولى وحكي أنه مخير بينهما والجميع خلاف نص الشافعي رحمه الله
فإن كان بعينه وجع وهو قادر على القيام فقيل له إن صليت مستلقيا داويناك
فقد ذكر الشيخ ابو حامد ان هذه المسألة غير منصوص عليها لأصحابنا
وقد حكي عن ابي حنيفة والثوري جواز ترك القيام له
وقال مالك والأوزاعي لا يجوز
قال الشيخ ابو حامد هذا هو الذي يقتضيه المذهب
ومن اصحابنا من حكى فيه وجهين
ويجب القيام في الفرض في السفينة ما لم يخف الغرق أو دوران راسه
وقال ابو حنيفة لا يجب عليه القيام فيها
باب صلاة المسافر
القصر جائز في السفر الجائز
وحكي عن داود أنه قال لا يجوز القصر إلا في سفر واجب وحكي عنه أنه يختص بسفر الخوف
وقال عطاء لا يجوز إلا في سفر طاعة فاما سفر المعصية فلا يجوز القصر فيه ولا الترخص برخص السفر بحال وهو قول مالك وأحمد
وقال ابو حنيفة يجوز الترخص فيه
فإن سافر سفرا مباحا ثو نوى إتمامه لمعصية انقطع الترخص في أظهر الوجهين وهل يجوز له ان يمسح يوما وليلة في سفر المعصية فيه وجهان
فإن أقام في بلد لمعصية فهل يجوز له المسح يوما وليلة فيه وجهان
وإن تيمم في سفر المعصية عند عدم الماء وصلى فيه فهل يجب عليه الإعادة
فيه وجهان وفرع على هنا إذا عجز العاصي بسفره عن استعمال الماء لجراحة ببدنه وكانت قد اصابته في الحضر يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه وإن كانت قد أصابته في السفر فهل يعيد ما صلاه بالتيمم على الوجهين وهذا تشبيه بعيد في المعنى
وعلى هذا قال لو وثب من بناء عال لص فأنكسرت رجله فصلى قاعدا فهل يعيد فيه وجهان وهذا أبعد من الأول
ولا يجوز القصر إلا في مسيرة يومين ستة عشر فرسخا وبه قال مالك وأحمد
وقال داود يجوز القصر في طويل السفر وقصيره
وقال الأزوزاعي يقصر في مسيرة يوم
وعن الزهري في مسيرة ثلاثين ميلا
وقال ابو حنيفة والثوري لا يجوز القصر في أقل من ثلاث مراحل أربعة وعشرين فرسخا
فإن كان للبلد طريقان يقصر في احدهما لطوله دون الآخر فسلك الأبعد لا لغرض سوى القصر فإنه لا يجوز له القصر في أحد القولين وهو قول ابي حنيفة واختيار المزني
والثاني لا يقصر وهو اختيار أبي إسحاق المروزي
فإن كان سفره مسيرة ثلاثة ايام فالقصر فيه افضل فإن أتم جاز وبه قال احمد
وفيه قول آخر أن الائتمام أفضل وهو اختيار المزني وقال ابو حنيفة والثوري القصر عزيمة حتى قال أبو حنيفة إذا صلى الظهر أربعا ولم يجلس بعد الركعتين بطلت صلاة ظهره وهو قول بعض أصحاب مالك
وحكى ابن المنذر عن قتادة أنه قال إذا جاوز الجسر أو الخندق قصر
وحكي عن مالك روايتان
إحداهما أن يفارق بنيان بلده ولا يحاذيه عن يمينه ولا عن يساره منه شيء
والثانية أن يكون من المصر على ثلاثة اميال
وروى عن الحارث بن ابي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب عبد اللهوحكي عن عطاء أنه قال إذا خرج الرجل حاجا فلم يخرج من بيوت القرية حتى دخل وقت الصلاة فإن شاء قصر وإن شاء أوفى
وحكي عن مجاهد انه قال إذا خرج نهارا لم يقصر حتى يدخل الليل وإن خرج ليلا لم يقصر حتى يدخل النهار فإن كانت قرية وبقربها قرية أخرى ففارق قريته جاز له القصر
وفيه وجه آخر انه إن كانت القريتان متقاربتين لم يجز له القصر حتى يفارق القرية الأخرى
فإن اتصلت حيطان البلد بحيطان البساتين والمزارع جاز له القصر إذا فارق حيطان البلد
وذكر القاضي حسين أنه لا يجوز له القصر حتى يفارق حيطان البساتين
وحكى بعض اصحابنا أنه إذا كان على باب البلد نهر لم يجز له القصر حتى يعبره وليس بصحيح وإن كان من اهل الخيام فحتى يفارق جميع الخيام المجتمعة في العادة
وذكر بعض أصحابنا أنه يعتبر أن يفارق بيوت عشيرته وكل موضع هو من مرافقهم مثل مطرح الرماد ومجتمع البهائم ومتحدث النادي وهذا فيه نظر
إذا خرج من بلده ينوي المقام في بلد آخر عينه فحين قرب منه بدا له من المقام فيه ونوى الاجتياز منه إلى بلد آخر فإنه يجوز له قصرالصلاة فإن رجع إلى بلده يريد الاجتياز به إلى بلد آخر لم يجز له القصر ما دام فيه كذا ذكر في الحاوي وفيه نظر
وينوي القصر في الإحرام فإن لم ينو القصر أو نوى الإتمام لم يجز له القصر
وقال المزني رحمه الله إذا أطلق النية جاز له القصر
وقال المغربي يجوز له القصر وإن نوى الإتمام
فإن شرع في الصلاة بنية القصر فسها فصلاها أربعا أجزأه وسجد للسهو ولو تعمد ذلك لم يسجد
وحكى ابن المنذر عن الحسن مثل ذلك
وقال بعض اصحاب مالك لا تجزئه هذه الصلاة
فإن ائتم بمقيم في جزء من صلاته لزمه الإتمام وهو قول أبي حنيفة وأحمد وداود
وقال إسحاق بن راهويه يجوز للمسافر القصر خلف المقيم
وقال مالك إن أدرك من صلاة المقيم قدر ركعة لزمه الإتمام وإن كان دون ذلك لم يلزمه فإن ائتم مقيمون بمسافر يصلي صلاة الجمعة بهم فأتم به مسافر ينوي الظهر قصرا لزمه الإتمام لأن صلاة الجمعة صلاة مقيم
وحكي فيه وجه آخر أنه يقصر وليس بشيء
أقسام الكتاب
1 2 3