كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد

بمجرد اليمين أما إذا ادعى الوكيل الرد على رسول الموكل والمودع فالظاهر أنه لا يصدق وفيه وجه أن الرسول كالمرسل فيجب على الموكل التصديق لأنه أمين
فرع من يصدق في دعوى الرد فلو طولب بالرد هل له التأخير بعذر الإشهاد وجهان
أحدهما لا لأنه مصدق يمينه والودائع تخفى غالبا
والثاني نعم لأنه يريد أن يتورع عن اليمين الصادقة
وأما من عليه الدين فله أن يؤخر الإشهاد إن كان دينه ثابتا ببينة وإن لم يكن
قال العراقيون هو كالوديعة إذ يمكنه أن يقول لا يلزمني شيء فيصدق بيمينه مما ادعي عليه
وقال المراوزة له تكليف الإشهاد
ولو قال لوكيله لتقض ديني فليشهد على القضاء ليكون مراعيا الغبطة فإن لم يشهد وكان في غيبة الموكل ضمن مهما أنكر المستحق وإن كان في حضرة الموكل فوجهان
وإذا قال سلم وديعتي إلى وكيلي فإن سلم بحضرته ولم يشهد لم يضمن وإن كان في غيبته فوجهان
فإن قيل فمن في يده المال أو عليه الحق إذا اعترف لشخص بأنه وكيل المستحق بالاستيفاء فهل يجب عليه التسليم دون الإشهاد
قلنا يجوز التسليم ولا يجب لأن الموكل لو أنكر وكالته لم تحصل براءة من عليه الحق
وقال المزني يلزمه لأنه اعترف بكونه مستحقا للاستيفاء بالوكالة فصار كما لو كان في يده مال ميت اعترف لشخص بأنه وارثه لا وراث له سواه لا يطالبه بالإشهاد بل يجب عليه التسليم
والفرق بينهما أنه اعترف للوارث بالملك ولا يتوقع من غير المالك دعوى يعتد به أما هاهنا فالإنكار من جهة الموكل المالك متوقع
نعم لو قال لفلان علي ألف من جهة حوالة أحالها علي رجل آخر ففيه وجهان أنه أحدهما به يجب التسليم دون إقامة حجة على الحوالة لأنه اعترف بالاستحقاق بخلاف صورة الوكالة
والثاني لا لأنه لم يجعله متأصلا في الاستحقاق بل زعم أنه تحول إليه من جهة مستحق فلعل المستحق ينكر

النزاع الثالث في استيفاء الثمن

وقد أطلق العراقيون فيه قولين كما في البيع والعتق
والتفصيل فيه عند المراوزة أنه إن ادعى الموكل الثمن على المشتري فقال الوكيل قبضت وتلف في يدي فلا يجب تصديقه لأنه ليس يدعي على الوكيل شيئا فلا يتعرض الوكيل لغرم بسبب دعواه إلا إذا نسبه إلى تسليم المبيع دون إذنه فالقول قوله حتى لا يتعرض للغرم فإن حلف فهل يبرأ المشتري بحلفه وجهان
أحدهما نعم لأنه صدق في استيفاء الثمن
والثاني لا لأن يمينه حجة دافعة عنه لا يصلح لتبرئة ذمة المشتري
أما إذا ادعى الموكل على الوكيل أنه قبض الثمن فأنكر الوكيل فالقول قوله فلو أقام الموكل بينه على القبض فادعى الوكيل تلفا أو ردا قبل الجحود لم يصدق لأنه صار خائنا بالجحود
فإن أقام بينة فالأصح أنه لا يقبل لأن البينة تبتنى على الدعوة ودعواه مناقضة لقوله الأول وجحوده فلا يسمع
ولو أقام البينة على تلف بعد الجحود فكذلك على أحد الوجهين ولو أقام البينة على رده بعد الجحود قبل لأنه إذا ثبت كونه غاصبا فأقصى ما عليه أن يرد ويشهد فكيف تكلفه أمرا يزيد عليه
كتاب الإقرار وفيه أربعة أبواب

الباب الأول في أركانه
وهي أربعة المقر والمقر له والمقر به وصيغة الإقرار
الركن الأول المقر

وهو ينقسم إلى قسمين مطلق ومحجور عليه
ونعني بالمطلق المكلف الذي لا حجر عليه فيقبل إقراره على نفسه بكل ما يتصور منه التزامه له لقوله تعالى { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم } وقوله صلى الله عليه وسلم قولوا الحق ولو على أنفسكم
وأما المحجور عليه فأسباب الحجر ستة الصبا والجنون والتبذير والرق والفلس والمرض
أما الصبا والجنون فيقتضيان حجرا مطلقا عن سائر الأقارير نعم لو أقر الصبي بالتبذير والوصية قيل إن جعلناهما من أهلها ولو قال بلغت بالاحتلام صدق لأنه لا يقدر على إقامة بينة ولم يحلف إذ لا فائدة في تحليفه فإنه إن كذب فالصبي لا يأثم بالحلف
وإن قال بلغت بالسن لم يقبل لأن تاريخ المواليد يعرف إلا الصبيالمجهول الخامل ففيه تردد و احتمال ولعل الأظهر الاعتماد على الإثبات في حقه كما فعلناه في صبيان الكفار لأجل الضرورة
أما التبذير فلا يوجب حجرا عن الإقرار بموجبات العقوبات لأنه قادر على التزامها وإقراره بالأموال غير مقبول كما مضى في كتاب الحجر
وفي إقراره بالإتلاف للمال خلاف ولا يقبل إقراره بالنكاح لأنه لا يستفيد به وفيه التزام مال ويقر بالطلاق لأنه يستقل به وكذا بالعفو عن القصاص وبالنسب
والسفيهة إذا أقرت بالنكاح ففيه تردد من حيث إنها بالسفه ربما ترق نفسها في غير موضع
أما الفلس فلا يوجب حجرا إلا في الإقرار بما يفوت حق الغرماء وفي إقراره بدين مستند إلى ما قبل الحجر أو بإتلاف مال في الحال إذا قلنا إن المتلف عليه يضارب الغرماء لو ثبت إتلافه بالحجر فيه قولان سبق ذكرهما في كتاب التفليس
ثم ما يرد من إقراره لحق الغرماء في الحال فالصحيح أنه يطالب به بعد فك الحجر لا محالة
أما الرق فلا يوجب حجرا عن الإقرار بالعقوبات لأنه مكلف قادر على التزامها ولا نظر إلى إبطاله حق السيد لأنه غير متهم فيه
وقال أبو يوسف ومحمد وزفر والمزني رحمهم الله لا يقبل إقراره
نعم اختلف قول الشافعي رضي الله عنه أنه لو أقر بسرقة فقطعت يده فإنه غير متهم فهل يتعلق المسروق برقبته على قولين أحدهما لا لأنه يرجع إلى المال و الثاني بلى
و أما إقراره بإتلاف مال يوجب التعلق برقبته و لا يوجب عقوبة فهو مردود إن لم يصدق السيد ثم الصحيح أنه يطالب به بعد العتق أما إقراره بدين المعاملة فلا يقبل في حق سيده إلا إذا كان مأذونا في التصرف فيتعلق ما أقر به بماله
و إن أقر المأذون بمال مطلق فالظاهر أنه لا يقبل إذا لم يسنده إلى المعاملة و منهم من نزل المطلق على المعاملة
ثم لو حجر السيد علية فأقر بأنه كان لزمه دين قبل الحجر فالظاهر انه لا يقبل لأنه لا يقدر على الإنشاء في هذه الحالة
و حكي الشيخ أبو محمد وجها أنه يقبل فأنه لا يؤمن ان الحجر السيد عليه لما عرف إحاطة الديون به و هذا يعارضه أنه لا يؤمن أن يكذب العبد على سيده مهما حجر عليه أبد الدهر
أما المرض فلا يوجب الحجر عن الإقرار في حق الأجانب بالإجماع و في حق الوارث قال الشافعي رضي الله عنه من أجار إقرار الوارث أجازه و من أبى رده
فمن الأصحاب من قال هذا ترديد قول من الشافعي رضي الله ففي المسألة قولان
و منهم من قطع بالصحة و هو الصحيح خلافا لأبي حنيفة لأنه لا مأخذ للرد ألا التهمة و حالة المرض حاله انتفاء التهم كيف ولو تبنى و لدا وحرم به ابن عمه المكاشح لقبل و كلام الشافعي رضي الله عنه محمول على حكاية مذهب الغير
ثم إن قلنا إنه مردود فلو أقر لأخيه وله أبن ثم مات و لا أبن له أو أقر ولا ابن له ثم ولد له أبن فالاعتبار بحال الإقرار أو بحال الموت فيه خلاف مشهورفروع ثلاثة
أحدها لو أقر في المرض بأنه و هب من الوارث قبل المرض و سلم
فمنهم من قال لا يقبل قولا واحد لأنه أقر بما لا يقدر على إنشائه في الحال
و اختيار القاضي أنه يقبل لأنه لو ثبت صدقه لنفذ فليكن له طريق الى الخلاص بالصدق على نفسه
الثاني لو أقر بعين ما في يده لغيره ثم اقر بدين فالإقرار بالعين مقدم لأنه أقر بالدين و لا مال له و لو قدم الإقرار بالدين فوجهان
أحدهما تقديم العين لأنه مات و لا مال له و الإقرار بالدين لم يحجر عليه في ماله في حال حياته و لذلك كان ينفذ تصرفاته فيه
و الثاني أنهما يتزاحمان على التساوي إذ لاحدهما قوة التقدم و للآخر قوة الإضافة الى العين
و كذلك لو أقر في حياته بدين مستغرق و أقر وارثه عليه بعد موته بدين آخرفقولان
أحدهما يستبد الأول وإقرار الوارث إقرار بعد الحجر وهذا يقرب من القولين في إقرار المفلس
وكذا الخلاف فيما يتجدد من دين بعد موته بتردي إنسان في بئر حفره في حياته أنه هل يقتضي مضاربة ما ثبت في الحياة من الديون فكذا الخلاف في الوارث إذا أقر بإقرارين متواليين أن اللاحق هل يزاحم السابق
الثالث إذا ادعى إنسان أنه أوصى له بالثلث وآخر أنه أقر له بألف والميراث ألف فصدقهما الوارث
قال الصيدلاني يصرف إلى الدين لأن قوله كقول المورث
وقال أكثر الأصحاب إن أقر بالوصية أولا يسلم للموصى له الثلث والباقي للدين وإن جاءا معا قسم الألف بينهما على نسبة الأرباح كما إذا أقر لواحد بالألف ولآخر بثلث الألف
الركن الثاني المقر له

وله شرطان
الأول أن يكون محلا للاستحقاق فلو قال لهذا الحمار علي ألف بطل إقراره ولو قال بسببه علي ألف جعل إقرارا لمالكه كأنه استأجر منه
ولو قال لهذا العبد علي ألف فهو إقرار لسيده
ولو تقال للحمل الذي في بطن فلانة علي ألف عن جهة وصية له أو عن إرث له صح فإنه مقصور وإن أطلق ولم يذكر السبب فظاهر النص أنه لا يقبل لأنه يبعد الاستحقاق للحمل فيحمل على الوعد
والقول الثاني وهو الأقيس ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه يصح وينزل على ما يمكن
ولو أضافه إلى جهة معاملة وقلنا لا يقبل المطلق فهذا أولى وإن قبلنا المطلق فهذا كقوله لفلان علي ألف من ثمن الخمر وسيأتي
وقيل إن هذا هزل محض فلا يقبل قولا واحدا
فرعان
أحدهما لو خرج الحمل ميتا طولب بتفسير إقراره حتى إن كان وصية رد إلى ورثة الموصى وإن كان إرثا صرف إلى بقية ورثة المورث وهذه مطالبة ليس يتعين مستحقها إذ لا يدرى أنها لمن هي فلعل القاضي ذلك بطريق الحسبة
وإن خرج حيا وزاد على واحد سوي في الوصية بين الذكر والأنثى وفضل في الميراث الذكر على الأنثى
الثاني لو انفصل لما دون ستة أشهر من وقت الإقرار فهو له ولو انفصل لما فوق أربع سنين فلا يصرف إليه ولو كان لما بينهما فقولان أظهرهما الصرف اعتمادا على الظاهر
الشرط الثاني أن لا يكذب المقر له فإن كذب لم يكن تسليم المال إليه فيقرر في يد المقر أو يأخذه القاضي على رأي فإن رجع المقر له يسلم إليه وإن رجع المقر لم يؤثر لأنه ثبت بإقراره استحقاق القاضي أو المقر له
وقيل أنا إذا قلنا يقرر في يده فرجوعه مقبول بشرط أن لا يرجع المقر له تعده فإن رجع تبينا بطلان رجوعه وبطلان تصرفاته
الركن الثالث المقر به

وشرطه أن يكون مما يستحق جنسه وأن يكون في يد المقر وولايته وتختص به ولا يشترط كونه معلوما
ولو أقر بما في يد غيره فهو دعوى أو شهادة وليس بإقرار
ولا يشترط أن يكون في ملكه لأن الإقرار ليس بمزيل بل شرطه أن لا يكون في ملكه حتى لو شهد بأنه أقر وكان ملكه إلى أن أقر بطلت الشهادة
ولو قال هذه الدار ملكي وهي الآن لفلان فهو إقرار باطل
ولو قال هذه الدار لفلان وكانت ملكي إلى الإقرار أخذناه بصدر كلامه وألغينا آخره المناقض له
ولو قال داري لفلان أو مالي لفلان فهو باطل نص عليه الشافعي رضي الله عنه ولم يحمل على أن قوله داري أراد به إضافة السكون أو المعرفة وإن كان لذلك اتجاه فرع
لو شهد بحرية عبد في يد غيره فلم تقبل شهادته فأقبل على شرائهصحت المعاملة وفي حقيقتها ثلاثة أوجه أحدها أنه شراء والآخر أنه فداء والثالث أنه بيع من جانب البائع فداء من جانب المشتري وهو الأسد ويبتنى عليه ثبوت الخيار لهما جميعا
والأصح أن لا يثبت للمشتري لأنه ليس يثبت له ملك فيه بموجب قوله لا كشراء القريب فإن الأودني ذكر أنه يثبت الخيار للمشتري لأنه يملك أولا ثم يعتق عليه
أما العبد إذا اشترى نفسه فلا خيار له ولا لبائعه منه قطعا لأنه عقد عباقة فهو كقوله أنت حر على مالي
ونقل الربيع قولا أن هذه المعاملة لا تصح من السيد وعبده وهو بعيد
وإن شهد أنه غصبه من فلان ثم اشتراه لم يصح الشراء إن صححنا بطريق الفداء إذ ليس فيه تخليص العبد ثم الولاء في المشهود بحريته موقوف لا للبائع ولا للمشتري فلو مات العبد
قال المزني له أن يأخذ من ماله مقدار الثمن الذي بذله لأنه إن كذب في الشهادة فالمال إكساب عبده فجميعها له وإن صدق فهو للبائع بحكم الولاء وقد ظلمه بأخذ الثمن منه وقد ظفر بماله فيأخذه
ومن الأصحاب من خالفهم لأنه يأخذه على تقدير أنه مظلوم وهو غير مصدق في الجهة وما ذكره المزني أقوم
الركن الرابع صيغة الإقرار

فإذا قال علي لفلان أو عندي لفلان ألف فكل ذلك التزام فلو قال المدعي لي عليك ألف فقال زن أو زنه أو خذ أو خذه لم يكن إقرارا
وقال صاحب التلخيص قوله زنه إقرار دون قول زن وهو بعيد
ولو قال بلى أو أجل أو نعم أو صدقت فكل ذلك إقرار
ولو قال أنا مقر به فهو إقرار ولو قال أنا مقر ولم يقل به فلا لأنه ربما يكون مقرا ببطلان قوله ولو قال أنا أقر به قال الأصحاب هو إقرار
قال القاضي صيغة للوعد بالإقرار فليس بإقرار بخلاف قول الشاهد أشهد فإنه صنيعة تعتد بها ودلت القرينة على أنه للحال لا للوعد
ومنهم من قال وإن سلم أنه وعد فالوعد بالإقرار إقرار فرع
لو قال أليس لي عليك ألف فقال بلى فهو إقرار ولو قال نعم فليسبإقرار معناه نعم ليس لك على ألف وقال الشيخ أبو محمد لا فرق بينهما فإن استعمالهما في وضع اللسان على وجه واحد شائع ولو قال أعطني عبدي هذا أو اشتر مني عبدي هذا فقال نعم فهو إقرار بالعبد
ولو قال لي عليك ألف فقال لعل أو عسى أو أظن أو أقدر لم يكن إقرارا لأن كل ذلك للشك
الباب الثاني في الأقارير المجملة

وألفاظها كثيرة والذي يقصد بيانه عشرة ألفاظ
اللفظ الأول الشيء
فإذا قال لفلان علي شيء فيقبل تفسيره بكل ما ينطلق عليه اسم الشيء مما هو مال
فلو فسر بما لا يتمول ويتصور المطالبة به كجلد الميتة والسرجين والكلب المعلم فوجهان أحدهما لا يقبل لأنه ليس بمال
والثاني نعم لأنه شيء وهو عليه إذ فيه اختصاصه للمالك ويجب رده
فإن فسره بخمر وخنزير فالظاهر أنه لا يقبل إذ لا يلزم به مطالبته وفيه وجه انه يقبل
ولو فسر بحبه حنطة أو سمسم أو فصة ثومة فوجهان وظاهر النص أنه مقبول لأنه شيء وهو واجب الرد
ومهم من قال لا يقبل وبنوا عليه أنه لا يسمع الدعوى بها ولا المطالبة بردها وهو بعيد
أما إذا فسره برد جواب سلام وعيادة مريض فلا يقبل بحال
فإن قيل لم صح الإقرار المجمل دون الدعوى المجملة
قلنا لا فرق بينهما إذ يطالب المدعي ببيان الدعوى ويطالب المقر أيضا نعم لو امتنع المدعي من البيان فهو تارك حق نفسه لو امتنع المقر من البييان ففيه ثلاثة أوجه أحدها أنه يحبس إلى البيان كمن أسلم على عشر نسوة
والثاني أنه يجعل ناكلا عن الجواب واليمين حتى يحلف المقر له ويستفيد بإقراره تحول اليمين إليه فيحلف على ما يدعيه
والثالث أنه يقال للمدعي أتدعي ما شئت وتعرض اليمين عليه فيحلف على ما يدعيه فإن نكل ردت عليك وهذا إبطال لفائدة التفسير
ثم لو فسر المقر بدرهم مثلا فقال المدعي بل أردت بالشيء عشرة فالأصح أن دعوى الإرادة لا تقبل
وكذا لو ادعى أن فلانا أقر لي بعشرة دراهم لم يسمع بل يقال ينبغي أنتدعى عشرة حتى تحلف على عين الحق لا على إقرار يحتمل الصدق والكذب بخلاف الشاهد يشهد على الإقرار فيسمع لأنه قد لا يطلع على حقيقة الملك اللفظ الثاني
إذا قال غصبت فلانا على شيء ثم قال غصبت نفسه لم يقبل
ولو قال غصبته الخمر أو الخنزير قال الشافعي رضي الله عنه قبلت التفسير وأرقت الخمر وقتلت الخنزير
ولو قال له عندي شيء قال الأصحاب هو كما لو قال غصبت
وقال الشيخ أبو محمد قوله له إثبات ملك فلا يقبل تفسيره بالخمر والخنزير اللفظ الثالث المال
فإذا قال له علي مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول ولم يقبل تفسيره بالكلب والسرجين والخنزير وما لا يتمول ولو فسر بمستولدة فالأظهر أنه يقبل لأنه مال
ولو قال مال عظيم أو كبير فهو كالمال و لا تأثير لهذه الزيادة فكلمال عظيم وكثير بالإضافة
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يقبل تفسير العظيم إلا بمائتي درهم
ومن الأصحاب من قال لا بد وأن يذكر لوصفه بالعظيم وجها من عظم في الجثة أو الجرم أو يزيد على أقل ما يتمول بشيء ليظهر له فائدة وذلك خلاف نص الشافعي رضي الله عنه اللفظ الرابع الأكثر
فإذا قال له علي أكثر من مال فلان قبل بتفسيره بأقل ما يتمول على معنى أن الحلال أكثر من الحرام أو ما في الذمة أبقى
ولو قال أكثر مما شهد به الشهود على فلان فكمثل ومعناه أن ذلك زور ولو قال أكثر مما قضى به القاضي فكمثل
ومنهم من أبى هذا في القضاء وقال يجب تنزيله على الصدق
ولو قال أكثر من الدراهم التي في يد فلان وفي يده ثلاثة ففسر بثلاثة يقبلويكون الأكثر للمرتبة ولو فسر بأقل منه قال الجماهير لا يقبل وقال الشيخ أبو محمد يقبل تنزيلا على المرتبة اللفظ الخامس كذا
إذا قال لفلان علي كذا فهو كما لو قال شيء فيفسر بما مضى ولو قال كذا كذا فهو تكرار ولو قال كذا وكذا فهو كقوله شيء وشيء فقد جمع بين مبهمين
أما إذا قال كذا درهم يلزمه درهم واحد وكذا إذا قال كذا كذا درهم فيكون تكريرا والواجب درهم
ولو قال كذا وكذا درهم نقل المزني قولين
أحدهما أن الواجب درهم فكأنه عقب مبهمين ببيان واحد
والثاني درهمان فكأنه فسر كل واحد منهما به
وقال أبو إسحق المروزي وجماعة المسألة على حالتين فإن قال كذا وكذا درهما لزمه درهمان لأنه نصب على التفسير فيكون تفسيرا لكل واحد
وإن قال كذا و كذا درهم بالرفع لزمه درهم واحد وقال أبو حنيفة يلزمه بقول كذا درهما عشرون درهما وبقوله كذا كذا درهمالزمه أحد عشر درهما وبقوله كذا وكذا درهما أحد وعشرون درهما مراعاة لمطابقة اللفظ فأقل الدره ينتصب الدرهم بعده على هذا النظم ولو قال كذا درهم صحيح فقد سلم أنه لا يلزمه مائة وإن كان الدرهم لا ينكسر إلا بعده وبعد نصف درهم عنه احترزنا بالصحيح اللفظ السادس ذكر المبين عقيب مبهم
كقوله له علي ألف ودرهم فالأول عندنا مبهم يرجع في تفسيره إليه وقال أبو حنيفة رحمه الله صار مفسرا إذا كان العطف بين المكيلات والموزونات وسلم أنه إذا قال ألف وثوب يبقى الألف مجملا أما إذا قال ألف درهم وخمسة عشر درهما فالدرهم بيان لأنه لم يثبت بنفسه وخمسة عشر اسمان جعلا اسما واحدا فلا يختص بالبيان بالعشر عن الخمس ولو قال ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما فالدرهم تفسير للكللما ذكرناه
و قال الاصطخري و هو تفسير الأخير و ما سبق مجمل فإنه مقطوع عنه بواو العطف وهو متروك عليه لأنه على خلاف عادة الحساب وإذا قال له درهم و نصف ففي النصف وجهان ولعل الأصح أيضا أنه مفسر بالدرهم اللفظ السابع الدراهم
إذا قال له علي درهم يلزمه درهم فيه ستة دوانيق عشرة منها تساوي في الوزن سبعة مثاقيل وهي دراهم الإسلام في الدية و غيرها فلو فسر بعدديات فيها أربعة دوانيق إن كان متصلا قبل فكأنه قال درهم الا دانقين
وفيه وجه أن هذه الصيغة لا تصلح للاستثناء فلا تقبل وإن كان منفصلا لم يقبل الا إذا كان في بلد يعتاد التعامل بها فوجهان
أحدهما ينزل عليه كما في البيع
و الثاني لا لأن البيع إيجاب في الحال و الحال حال التعامل و الاقرار إخبار عن سابق ليس يدري متى وجب فيرعي أصل الشرع فيه
والتفسير بالدراهم المغشوشة كالتفسير بالنقص ولو فسر الدراهم بالفلوس لم يقبل أصلا و لا فرق بين أن يقول على دراهم أو دريهمات أو دراهم صغار فيما قدمناه من الوزن
وإذا قال دراهم فمن حيث العدد لا ينزل على أقل من ثلاثة دراهم
و إذا قال مائة درهم عددا لزمه الجمع بين الوزن و العدد فلو أتي بخمسين عددا يساوي مائة درهم وزنا فقد ترددوا فيه فرع
لو قال له على من درهم إلي عشرة فثلاثة أوجه
أحدها أنه يلزمه ثمانية فلا يدخل الحدان فيه
والثاني تسعة فيدخل الحدان الأول
و الثالث عشرة فيدخل الحد اللفظ الثامن في معنى الإضافة إلي الظرف
و له أربع صور
الأولى أن يقول له عندي زيت في جرة وسمن في بستوقة وسيف فيغمد لا يكون مقرا بالظرف خلافا لأبي حنيفه رحمه الله وكذا لو قال عندي بستوقة فيها سمن وغمد فيه سيف و جرة فيها زيت لا يكون مقرا الا بالظرف وكذلك إذا قال له عندي عبد على رأسه عمامة ودابة على ظهرها سرج لا يكون مقرا بالفرس والعبد كما لو قال له عندي عمامة على رأس عبد وسرج على ظهر فرس لايكون مقرا بالفرس والعبد وقال صاحب التلخيص إنه إذا قال عبد على رأسه عمامة يلزمه العمامة بخلاف الفرس عليه سرج لأن ما في يد العبد لسيده وهو الذي أورد في طريقة العراق
وأنكر المراوزة هذا الفرق وزيفوه إذ ينقدح أن يقول عبد على رأسه عمامة لي كيف وقد صرحوا بأنه لو قال لفلان في يدي دار مفروشة لم يلزم الفرش وإن جعله صفة وما كان في دار الإنسان فهو في يده
وذكر العراقيون في الثوب المطرز وجهين أنه هل يكون إقرارا بالطراز إذا كان الطراز يعمل بعد النسج
ولو قال له عندي خاتم وجاء بخاتم و عليه فصه و قال ما أردت الفصفوجهان الأظهر انه مقر به لأن الاسم شامل
ولو قال له عندي جارية فجاء بجارية في بطنها جنين و أدعي كونه جنينا له فوجهان مرتبان و ها هنا أولى بإن لا يؤاخذ بالجنين بل من يؤاخذه يأخذه من التبعية في البيع
ولو قال له عندي فص في خاتم أو جنين في يطن جارية لا يكون مقرا بالجارية و الخاتم الصورة الثانية إذا قال له عندي ألف درهم غي هذا الكيس لا يكون إقرار بالكيس ثم إن لم يكن في الكيس شئ يلزمه ألف و إن كان ولكنه ناقص عن ألف
قال أبو زيد لا ما يلزمه الا في الكيس للحصر
و قال القفال يلزمه الإتمام كما لو لم يكن في الكيس شئ
أما إذا عرف بالألف و اللام وقال له عندي ألاف الذي في الكيس فإنكان ناقصا فالأظهر أنه لا يلزمه الإتمام للحصر و لو لم يكن فيه شئ
حكي الشيخ أبو على قولين و قربهما من القولين فيما إذا قال لأشربن ماء هذه الأداوة و لا ماء فيها أن اليمين هل تنعقد فإن قلنا اليمين ينعقد فها هنا يصح الاقرار ويلزمه و إن قلنا لا تنعقد فالإقرار ها هنا لغو
الصورة الثالثة أن يقول لفلان في هذا العبد ألف درهم أو له من هذا العبد ألف درهم يطالب بتفسيره
فإن قال وزن فيه ألف درهم فيقول وكم وزنت أنت فإن قال ألفا فالعبد بينهما و إن قال ألفين فالعبد إثلاث وإن قال وزن هو ألفا في عشرة و اشتريت الباقي أنا بألف صدق في الكل لأنه محتمل و قال مالك يسلم للمقر له مقدار ما يساوي ألفا من العبد و ما يبقي بيقى للمقر
وان قال جزء العبد عليه بألف فيثبت موجبه ولو قال هو مرهون عنده بألف فوجهان أحدهما لا يقبل لأن الدين في الذمة لا في العبد
و الثاني يقبل لأن الإضافة إليه معقولة كما في جناية العبد
الصورة الرابعة إذا قال له في هذا المال ألف أو في ميراث أبي ألف لزمه الألف
و لو قال له في مالي ألف أو في ميراثي من أبي ألف لم يلزمه الألف لأضافته إلي نفسه و يفيد الوعد بالهبة هذا هو الظاهر المقطوع في طريقة العراق
و نقل صاحب التقريب و القاضي من نص الشافعي رضي الله عنه في قوله له من مالي ألف أنه يلزمه بخلاف ما إذا قال في ميراثي من أبي فإنه لا يلزمه
ثم قالوا أختلف الأصحاب على طريقين منهم من قال قولان بالنقل و التخريح ومنهم من فرق
وقال القاضي الفرق بالعكس أولى لأنه إذا قال في ميراثي من أبي أحتمل أن يكون الدين على أبيه و الميراث له لأن الدين عندنا لا يمنع من صحة الإرث
ثم قال الشيخ أبو على أخطأ بعض الأصحاب بطرد الطريقين فيما إذا قال لفلان من داري نصفها فإن الشافعي رضي الله عنه نص أنه لو قال داري لفلان كان الاقرار باطلا لأضافته إلي نفسه فلا فرق بين النصف و بين الكل و أنما السديد المعقول ما نقل في طريق العراق
اللفظ التاسع في تكرير المقر به
إذا قال على درهم درهم درهم لا يلزمه الا درهم واحد لأنه محتمل للتكرار ولو قال درهم و درهم لزمه درهمان لأن الواو منع التكرار و لو قالعلى درهم و درهمان لزمه ثلاثة دراهم
ولو قال درهم فدرهم لزمه درهم أي فدرهم لازم أو خير منه و لو قال أنت طالق فطالق يقع طلقتان إذ لا ينقدح فطالق خير منه و نقل أبن خيران الجواب من المسألتين و جعلهما على قولين
ولو قال درهم و درهم درهم و قال أردت بالثالث تكرار الثاني قبل و لو قال أردت تكرار الأول لم يقبل و عند الاطلاق يلزمه ثلاثة
ولو قال أنت طالق و طالق و طالق ولم ينو شيئا فقولان
أحدهما أنه يقع طلقتان و يجعل الثالث تكرار الثاني
و الثاني أنه يقع ثلاث لأنه لم يقصد التكرار
فنقل أبن خيران قولا إلي الاقرار حتى لا يلزم عند الاطلاق الا درهمان ومن فرق عول على ان التأكيد يليق بالطلاق الذي هو إنشاء دون الأخبار
ولو قال درهم ثم درهم فكلمه ثم كالواو في قطع التأكيد ولو قال درهم فوق درهم أو تحت درهم أو تحت درهم او فوقه درهم أو مع درهمأو معه درهم فلا يلزمه إلا درهم واحد والباقي يكون على تأويل ملك المقر أي درهم فوق درهم لي
وفي نظيره في الطلاق يقع طلقتان إذ لا ينقدح هذا وقيل بتخريج ذلك في الإقرار وهو بعيد
ولو قال درهم قبل درهم أو قبله درهم أو بعد درهم أو بعده درهم يلزمه درهمان لأن ذلك لا يحتمل إلا في تأخير الوجوب وتقديمه
ولو قال درهم بل درهم يلزمه درهم واحد ولو قال بل درهمان يلزمه درهمان لأنه أعاد الأول في الثاني ولو قال درهم بل ديناران يلزمه درهم وديناران لأن الثاني رجوع وليس بإعادة ولو قال عشرة لا بل تسعة يلزمه العشرة لأنه رجوع ولو قال ديناران بل قفيزان يلزمه الكل لأنه رجوع وليس بإعادة ولو قال درهم بل درهمان بل ثلاثة دراهم لا يلزمه إلا ثلاثة دراهم ويكون ما مضى معادا فيه
هذا كله إذا جرى على الاتصال
فلو أقر بألف يوم السبت وبألف يوم الأحد لا يلزمه إلا ألف واحد ويجمع بينهما فالأخبار تتداخل إلا أن يظيف إلى سببين مختلفين فلو أضاف أحدهما دون الآخر نزل المطلق على المضاف ولا يختلف ذلك بتكرير الإشهاد
فلو شهد شاهدان أنه أقر يوم السبت بألف وآخران أنه أقر يوم الأحد بألف لم يلزمه إلا ألف
ولهذا قالوا لو شهد أحدهما على إقراره يوم السبت بألف والآخر على إقراره يوم الأحد بألف ثبت ألف وإن لم يجتمعا على إقرار واحد ولكن اجتمعا في حق المخبر عنه
وكذلك إذا حكى أحد الشاهدين العجمية من لفظ المقر في الإقرار وحكى الآخر العربية يجمع بينهما
ومثل ذلك في الأفعال كالغضب والقبض
والإنشاءات كالبيع والقذف لا يجمع هكذا نقل صاحب التقريب النفي ثم قال في المسألتين قولان بالنقل والتخريج
أما تخريجه في الجمع في جانب الإنشاءات فبعيد وللتخريج في جانب الأقارير وجه لأنهما لم يجتمعا على شيء واحد
ولا خلاف في أنه لو ادعى حقا وشهد له الشهود بل لو ادعى على الإقرار من عليه الحق قبل ولم يكن ذلك مخالفة في نفسه ولم يلزمه أن يدعي الإقرار حتى يوافقه لفظ الشهود بل لو ادعى الإقرار لم يسمع
وقال قائلون لابد من دعوى الإقرار لتتوافق الشهادة والدعوى ولا يجب على الشاهد إذا شهد على الإقرار أن يذكر كونه مكلفا طائعا بلهو المفهوم عند الإطلاق
فلو أقام المشهود عليه بينة على أنه كان مكرها قدمت بينة الإكراه ولو أقام بينة على أنه كان في الحبس والقيد صار الظاهر معه حتى يكون القول قوله في الإكراه
اللفظ العاشر
إذا قال هذا ولدي ولدته هذه الجارية وقد علقت به في ملكي فهو إقرار بالاستيلاد في الأم
ولو قال ولدته ولم يقل علقت به في ملكي ولا ولدت في ملكي فوجهان ظاهر النص أنه إقرار بالاستيلاد بناء على الغالب ولو قال ولدت في ملكي ولم يقل علقت في ملكي فوجهان مرتبان وأولى بالثبوت
فرع دخيل في هذا الكتاب وهو

إذا تنازع رجلان في جارية فقال أحدهما زوجتنيها وقال الآخر بعتكها والنظر في أربعة أمور
الأول في فصل الخصومة قال الأصحاب هما خصومتان إذ كل واحد يدعي عقدا فعليه إثباته ويدعي عليه عقد فالقول قوله فتعرض اليمين على كل واحد في نفي ما يدعي عليه وفي إثبات ما يدعيه مهما رد اليمين عليه
استدرك صاحب التقريب و قال من يدعى أنه باع فهو يطلب الثمن فله التحليف على نفي الشراء أما من يدعي التزويج على الآخر و الآخر قد قال بعت فقد أنكر ملك نفسه في الجارية فلو أقر لكان لا يقبل إقراره فأي فائدة في تحليفه
ثم قال الآن يبني على أن يمين الرد كالبينة ففائدته النكول و استدراكه على وجهه
النظر الثاني أنه إن حلف الزوج نفي على الشراء لم يطالب بالثمن و للبائع الرجوع في الجارية
منهم من قال يصير كأنه عجز عن أستيفاء الثمن بالإفلاس فيفسح ويثبت حقه في الجارية وإن زاد قيمتها على الثمن
ومنهم من فال لا بل طريقه انه ظفر بغير جنس حقه فيأخذ منها مقدرا الثمن منه
هذا كله إذا لم يكن قد استولدها فإن جرى الاستيلاد أمتنع الرجوع بموجب قول البائع وكان الولد أيضا حرا بموجب قوله فلا مرجع له
النظر الثالث أن الزوج هل يحل له وطؤها نظر فإن كان صادقا حل له و طؤها باطنا وفي الظاهر وجهان
أحدهما نعم لأن العبرة بقولهما وهي حلال بموجب قول البائع و الزوج جميعا
والثاني أنها حرام لوقوع الاختلاف في الجهة فأنه لو قال لي عليك ألف من قرض فقال بل من ثمن مبيع فهل يقدر على المطالبة فيه خلاف فالاختلاف في الجهة في البضع أولى
ومنهم من شبه هذا بما إذا اشترى زوجته بشرط الخيار فقد قال الشافعي رضي الله عنه لا يطؤها في مدة الخيار فإنه لا يدري أيطأ زوجته أو مملوكته مع أنه كيف ما كان فهو حلال و سبيل حل إشكال النص تخريجة على أقوال الملك
وإن قلنا الملك للبائع فله ذلك فإنه يدري أنه يطأ زوجته وإن قلنا للمشترى فلا لأنه يطأ مملوكته بملك ضعييبف يمنع الوطء لبقاء خيار البائع وإن قلنا أنه موقوف ملا يطأ وهو الذي أراد الشافعي رضي الله عنه لأنه لا يدري أيطأ زوجته فتحل أو يطأ مملوكته بملك ضعيف فلا تحل له
النظر الرابع نفقة الولد بعد الاستيلاد على المستولد لأنه حر بموجب قول البائع فنفقته على ابيه و نفقته المستولدة على المستولد إن قلنا تحل له وإن قلنا لا تحل له فوجهان
أحدهما على البائع إذ يقبل قوله في زوال ملكه عليه لا في ما على غيره وهو سقوط النفقة
والثاني أنها تأكل من كسبها فأن لم يكن فمن بيت المال لأنها فقيرة
الباب الثالث في تعقب الإقرار بما يرفعه وهو قسمان
الأول أن يعقبه بما يرفعه كله

و فيه مسائل سبع
الأولى إذا قال لفلان على ألف من ثمن خمر أو خنزير أو من ضمان شرط فيه الخيار لنفسه أو سبب فاسد أسنده إليه و يعتاد التعامل بمثله على الفساد ففيه قولان
أحدهما أنه يلزمه الألف و الإضافة الفاسدة رفع بعد إثبات فهو كقوله على ألف ألا ألفا
و الثاني ولعله الأولى أنه لا يلزمه لأنه لم يقر بملزوم شئ و كلامه منظوم في نفسه فصار كما إذا قال أنت طالق أن شاء الله فإنه لما أنتظم لم يكترث باندفاع الطلاق
و قطع الاكثرون بأنه لو قال لفلان على ألف أن شاء الله لا يلزمه شئ لأنه للشك في الإقرار و للتعليق في الإقرار و حكي صاحب التقريب عن بعض الأصحاب طرد القولين
و لا خلاف في أنه إذا قال له على ألف إذا جاء رأس الشهر و قصد به التعليق أنهيخرج عن القولين بخلاف ما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فله على ألف فإنه لا يلزمه قولا واحد لأنه قدم كلمة التعليق إلا أن يفسر ذلك بأجل أو وصية فيحتمل ولكن لا يلزمه دون تفسيره
ولو قال لك على ألف ان شئت قال الأصحاب لا يلزمه لأنه تعليق بالمشيئة قال الإمام ليخرج على القولين إن قدم صيغة الالتزام وإن أخر فيقطع بأنه لا يلزمه
الثانية إذا قال على ألف لا يلزمني يلزمه الألف لأنه متناقض ولو قال ألف قضيته فطريقان
منهم من قطع باللزوم لتناقضه
ومنهم من خرج على القولين إذ ذلك مما يطلق في العادة
الثالثة إذا قال علي ألف مؤجل طريقانمنهم من قطع بالقبول للصحة والاعتياد جميعا
و منهم من خرج على القولين لأنه لو ذكر الأجل منفصلا لم يقبل وجعل مانعا للزوم فكذلك إذا ذكره متصلا
و كذا إذا قال علي ألف من ثمن عبد أن سلم سلمت لأنه إضافة صحيحة معتادة
و لو قال علي ألف مؤجل من جهة تحمل العقل فيقطع بصحته لأن الأصل فيه الأجل و الحلول فيه دخيل ومنهم من خرج على القولين
الرابعة إذا قال له علي ألف ثم جاء بألف و قال هذه وديعة عندي فقال المقر له ما أقررت به ألف أخر هو دين فالذي قطع به المراوزة قبوله و عليه يدل نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لو قال علي شئ ثم فسر بالوديعة قبل لأن الوديعة عليه ردها و قد يتعدى فيها فيضمن
نعم لو قال تلف في يدي فلا يقبل قوله في سقوط الضمان لأن قوله علي مستشعر به وقال العراقيون في اتحاد الألف قولان
وإن قال له على ألف في ذمتي فقولان مرتبان وأولى بأن لا يفسر بالوديعة
ولو قال له علي ألف دينا في ذمتي فأولي بأن يتعدد و ها هنا يظهر خيال التعدد و يبعد تفسيره بالوديعة فإن قلنا إن التفسير بالوديعة منفصلا مقبول فمتصلا أولى وإن قلنا لا يقبل فيخرج المتصل على قولي الإضافة إلي الجهات الفاسدة
ولو قال له علي ألف درهم عارية في طريقة العراق أنه يلزمه لأن إعارة الدراهم يصح فتكون مضمونة وإن قلنا لا يصح فهي عارية فاسدة مضمونه وفي طريقة المراوزة أن عارية الدراهم إذا لم تصح فهي باطلة لأنها غير قابلة للانتفاع أصلا فلا ضمان فعلى هذا يخرج على قولي الإضافة إلي الجهة الفاسدة
الخامسة لو قال هذه الدار لك عارية أو هبة قال الشافعي رضي الله عنه له أن يخرج المقر له منها مهما شاء لأن قوله لك وإن كان ظاهره للملك فإذا تعقب بالعارية نزل عليه
وكذا لو قال لك هبة ثم قال أردت هبة لم أقبضها فموجب النص القبول و قال صاحب التقريب ينبغي أن يخرج الكل على قولي ثمن الخمر و الخنزير لأنهرفع لما تقدم من لام التمليك وهو فاسد لأن اللام ظاهر في التمليك ومحتمل لوجوه في الإضافة إذا ذكر متصلا به
السادسة إذا قال رهنت فأقبضت أو وهبت وأقبضت ثم قال كنت أقبضت فلانا و ظننت أن القبض حاصل به نص الشافعي رضي الله عنه على قبول دعواه في تحلف الخصم و لا خلاف أنه لو قال كذبت من غير تأويل لم تقبل دعواه
ولو قال أقررت أشهادا على الصك على العارية ثم لم يتفق ففي قبول الدعوى للتحليف وجهان أولاهما القبول لأنه محتمل فلا خلاف أن العربي إذا أقر بالعجمية ثم قال لقنت ولم أفهم أنه تقبل دعواه
السابعة إذا قال هذه الدار لزيد بل لعمرو سلم إلي زيد فهل يغرم لعمرو فيه قولان
المنصوص ها هنا أنه لا يغرم لأن الدار قائمة ومنازعة صاحب اليد فيها ممكن ولم يصدر منه إلا مجرد قول
والثاني وهو القياس أنه يضمن بالحيلولة كما لو أبق المغصوب من يده
وهذا الخلاف جار في شهود المال إذا رجعوا وعين المال باقية أو إمكان المطالبة بقيمته قائم فإنهم هل يغرمون
ثم من الأصحاب من أطلق القولين ومنهم من خصص بما إذا لم يسلم إلى زيد بنفسه بل أخرج القاضي من يده فإن سلمه ففعله غصب بموجب قوله موجب للضمان أما إذا قال غصبت الدار من زيد وملكها لعمرو وسلم إلى زيد لم يلزمه شيء لعمرو لأنه يحتمل أن يكون مرتهنا أو مستأجرا وغصبت فبرىء بالرد عليه فلا يغرم للثاني وقيل بتخريج ذلك على القولين منه
أما إذا قدم الإقرار بالملك فقال هي لفلان وأنا غصبتها من فلان فالأكثرون سووا بين الصورتين حتى يسلم إلى من غضب منه ولا يغرم للمالك
ومنهم من رأى تخريج هذا على القولين ظاهرا وزعم أنه يسلم إلى الأول وهل يغرم للثاني قولان
القسم الثاني فيما يرفع بعض الإقرار

وفيه ثلاث مسائل
الأولى جواز الاستثناء الأقل والأكثر مهما بقي من المقر به شيء
فلو قال علي عشرة إلا تسعة قبل فما يلزمه إلا درهم ولو قال عشرة إلا عشرة بطل الاستثناء ولزمه العشرة
ولو قال علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة هكذا إلى أن انتهى إلى الواحد يلزمه خمسة لأن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات
فإذا جمع صيغ الإثبات على اليد اليمنى والصيغ التي بعدها على اليسرى اجتمع على اليسرى خمسة وعشرون وعلى اليمن ثلاثون فإذا أسقطت المنفي عن المثبت بقي خمسة
الثانية الاستثناء من غير الجنس صحيح عندنا وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح إلا في استثناء المكيل من الموزون أو الموزون من المكيل
وصورته أن يقول علي ألف درهم إلا ثوبا فمعناه إلا قيمة ثوب ولكنمعناه أن يفسر قيمة الثوب بما ينقص عن الألف فلو فسره بما استغرق فوجهان
أحدهما بطلان التفسير إلى أن يفسر بما ينقص عن الألف
والثاني بطلان أصل الاستثناء
الثالثة الاستثناء عن العين كقوله هذه الدار لفلان والبيت الفلاني منها لي أو هذه الدار لفلان إلا الباب أو هذا الخاتم إلا الفص أو هؤلاء العبيد إلا واحدا
فالمذهب صحة الاستثناء وفيه وجه أن الاستثناء إنما ورد في اللسان عن الأعداد فلذلك يقبل وإلا فالأصل أن رفع الإقرار السابق باطل
فرع لو قال هؤلاء العبيد لفلان إلا واحدا وقلنا صح طولب بتعيينه وقبل قوله
فلو ماتوا إلا واحدا فقال هذا هو المستثنى فالصحيح قبوله كما لو عين أولا ثم مات الآخر
وفيه وجه أنه لا يقبل لأنه يوجب إعدام أثر الإقرار بخلاف ما لو قال غصبت هؤلاء العبيد إلا واحدا فإنه يقبل تعين الواحد الباقي لأن أثر الإقرار يبقى في مطالبته بقيمة الموت
الباب الرابع في الإقرار بالنسب وهو قسمان
أحدهما أن يقر على نفسه ويستلحق شخصا

فقوله مقبول بشرط أن يسلم عن تكذيب الحس بأن يكون المستلحق أكبر سنا منه أو مثله وعن تكذيب الشرع بأن يكون المستلحق مشهور النسب لغيره وعن تكذيب المقر له بأن يكون بالغا فيكذبه
فلا يثبت النسب في هذه الصور الثلاثة وإنما يثبت في مجهول يولد مثله لمثله وهو أن يقر إن كان بالغا أو هو صغير أو مجنون أو ميت حتى لا يتصور تكذيبه فإن إقراره ليس بشرط فلو استلحق صغيرا فمات الصغير ورثه ولو مات المستلحق ورثه الصغير بل لو مات الصغير أولا وله ميراث ثم استلحقه قبل قوله عندنا ولم يترك بسبب التهمة خلافا لأبي حنيفة
نعم لو مات بالغا فاستلحقه ذكر العراقيون وجهين ومال القاضي إلى أنه لايقبل إذا خيره إلى موته مع مصادفته حالة يتصور تصديق المقر له فيه يوهم كذبه وهذا لا يليق بمذهب الشافعي رضي الله عنه فإنه لا يرد الأقارير بالتهم نعم لو استلحق صغيرا فبلغ وأنكر فيه وجهان
أحدهما لا مبالاة بإنكاره إذ حكمنا بثبوت النسب والتوريث من الجانبين
والثاني يقبل وإنما كان ذلك حكما بشرط سلامة العاقبة كتصحيح الأقارير والتصرفات في مرض الموت
فرعان

أحدهما له أمتان ولكل واحدة منهما ولد ولا زوج لهما فقال أحد هذين الابنين ولدي فقد ثبت نسب واحد مبهما فيطالب بالتعيين فإذا عين تعين وعتق وصارت الأم مستولدة إن كان قد قال هذا ولدي منها قد علقت به في ملكي وإن أطلق وقال ولدي منها فقد ذكرنا فيه وجهين فإن مات قبل التعيين فتعيين الورثة كتعيين المورث وإن عجزنا عرضنا على القائف وتعيين القائف كتعينه في النسب والاستيلاد وسائر الأحكام فإن عجزنا عن القائف أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته عتق ولم يثبت نسبه ولا ميراثه إذ لا عمل للقرعة إلا في العتق وبينهما عتق مبهم
وهل يقرع بين الأمتين وجهان
أحدهما لا إذ أمية الولد والعتق به تبع بسبب الولد ولا نسب
والثاني نعم لأن لهما نسبا وإحداهما عتيقة بحكم ذلك فيقرع لأجل العتق وهل يقف نصيب ابن من الميراث وجهان
أحدهما بلى إذ أحدهما نسيب
والثاني لا لأنه نسب ميئوس عن ظهوره والموالاة به فلا يؤثر في التوريث
الفرع الثاني أمة لها ثلاثة أولاد فقال السيد أحد هؤلاء ولدي استولدتها به في ملكي فهو إقرار بأمية الولد ويطالب بالتعيين فإن عين الأصغر عتق وثبت نسبه وإن عين الأوسط ثبت نسبه وعتق الأصغر أيضا وثبت نسبه لأنه ولد على فراشه إلا إذا ادعى الاستبراء وقلنا الولد ينتفي بمجرد دعوى الاستبراء في المستولدة وعند ذلك يحكم بعتق الأصغر لأنه ولد المستولدة ولاكن ولكن إذا عتقت الستولدة بموت السيد وفيه وجه أنه لا يعتق لاحتمال استولدها بالأوسط وهي مرهونة ولنا لا ينفذ الاستيلاد فبيعت وولدت الأصغر في يد المشتري ثم اشتراهما المستولد وقلنا يقود الاستيلاد ولكن لا يتعدى إلى ولد ولدت في ملك الغير والقائل الأول إن اعترف بهذا التفريع فيأتي دفع مطلق الإقرار بهذا التقدير البعيد
هذا إذا عين قبل الموت فإن مات فوارثة أو القائف يقومون مقامه فإن عجزنا عنهم أقرع بين الأولاد الثلاثة فإن خرج على الأصغر تعين للعتق وإن خرج على الأوسط عتق مع الأصغر إلا على تقدير الخروج على مسألة الرد
قال المزني معترضا على نص الشافعي رضي الله عنه كيف يدخل الصغير القرعة وهو حر بكل حال وما ذكره المزني خطأ لأنه يدخل في القرعة ليخرج عليه فيقتصر العتق علي أو يخرج على غيره فيعتق هو مع غيره
ثم قال الشافعي رضي الله عنه لا تأثير للقرعة في النسب والميراث مصروف إلى الوارث المتيقن وراثته
قال المزني وينبغي أن يوقف ميراث ابن وهو ظاهر القياس ولكن الشافعي رضي الله عنه لم ير الموقف بعد اليأس عن ظهور هذا النسب
القسم الثاني أن يقر بالنسب على مورثه

ومن له ولاية استغراق الميراث فله إلحاق النسب بمورثه سواء انفرد أو كانوا جميعا
وقال أبو حنيفة رحمه الله لو خلف ابنا واحدا فأقر بأخ آخر لم يثبت إلا إذا كانا ابنين وهو ضعيف فإنه إذا لم تعتبر صفات الشهود بل قبل قبول الأقارير فلا معنى للعدد
ثم قال الأصحاب يعتبر إقرار الزوج والمولى المعتق إذا كان من جملة الورثة ولا مبالاة بإقرار التقريب المحجور بسبب من الأسباب وإن كان هو أقرب إلى النسب لأنه مأخوذ من استحقاق الإرث وفي الزوج والمولى المعتق وجه أنه لا يعتبر قولهما
والبنت الواحدة إذا أقرت وأقر معها إمام المسلمين ففي ثبوت النسب بقول الإمام وجهان
أحدهما نعم كالمولى المعتق
والثاني لا لأنه غير مستحق وإنما المستحق وجهة الإسلام فلا يتصور صدر الإقرار منه
أما إذا خلف ابنين فأقر أحدهما وأنكر الآخر فالنسب لا يثبت قطعا ونص الشافعي رضي الله عنه على أن الميراث لا يثبت لأنه فرع النسب وعليه إشكالات قررناها في مسائل الخلاف ولأجله خرج ابن سريج وجها أنه يرث وذكر صاحب التقريب طريقين
أحدهما أن الميراث يثبت باطنا وهل يثبت ظاهرا وجهان
والثاني أنه لا يثبت ظاهرا وهل يثبت باطنا وجهان
التفريع

إن قلنا يثبت الميراث على المقر فإذا كانت التركة ستمائة فيأخذ المقر له من المقر كم وجهان
أحدهما مائة وخمسين وهو نصف ما في يده لأنه أعترف له بالمساواة في كل شيء
والثاني مائة وهو ثلث ما في يده فإنه مظلوم بالمائة الأخرى من المنكر
و قال صاحب التقريب هذا إذا كان المقر مجبرا في القسمة فلو كان القسمة بالتراضي فقد تعدى بتسليم نصيبه إلى المكذوب فيغرم له والقياس ما قاله
فروع سبعة

الأول لو أقر أحد الابنين بزوجية امرأة لأبيه وأنكر الآخر فالظاهر أنه لا يثبت الميراث كما في النسب وفيه وجه أنه يثبت لأن المقصود بالإقرار ها هنا الإرث دون الزوجية
الثاني أقر أحد الابنين وأنكر الآخر ومات المنكر نظر فإن كان خلف ابنا وهو مقر ففيه وجهان
أحدهما يثبت الميراث لأن الاستغراق لهم وقد توافقوا
والثاني لا لأنه فرع فليس له تكذيب أصله وهو يلتفت على أن الوارث هل يلتحق بمن نفاه المورث باللعان
وإن لم يخلفا إلا الأخ المقر فوجهان مرتبان وأولى بالثبوت ولو أنه مات قبل التكذيب فلا خلاف في أن الميراث يثبت بتوافق الباقين لأن التكذيب لم يصدر منه بعد
الثالث خلف ابنين صغيرا وكبيرا فأقر الكبير بأخ ثالث وجهان أحدهما أنه لا يثبت لا نسب ولا ميراث إذ الحق لهما
والثاني نعم يثبت ويستدام بشرط أن لا ينكر الصبي إذا بلغ
الرابع إذا خلف ابنا واحدا فقال لمجهول أنت ابن أبي فقال وأنت لست ابنا له وأنا ابن له فوجهان
أحدها أن المقر يحجب لأن المجهول وارث بقوله وهو منكر قوله
والثاني أنهما يشتركان ولا يبالى بتكذيبه
وفيه وجه ثالث أن المكذب لا يستحق شيئا لأنه أخرجه عن أهلية الإقرار بتكذيبه
الخامس اقر لاثنين بالأخوة فتكاذبا بينهما فوجهان
أحدهما أنهم يشتركون ولا يؤثر تكاذبهما نظرا إلى قول الأصل
والثاني أنهما لا يرثان إذ لم يتوافق على إرث كل واحد منهما الجميع
السادس إذا أقر الأخ بابن لأخيه قال الأصحاب يثبت النسب دون الميراث إذ لو ثبت الميراث لحرم الأخ عن الميراث وخرج عن أهليةالإقرار وصار دورا
ومنهم من قال يثبت النسب والميراث جميعا ومنهم من قال لا يثبت النسب أيضا مع الميراث
السابع إذا أقر أحد الابنين بألف وأنكر الآخر والتركة ألفان فيؤخذ من نصيب المقر خمسمائة أو ألف فيه قولان
أحدهما ألف مؤاخذة له بموجب قوله في أنه لا ينفك جزء من التركة بما بقي من الدين شيء والثاني يكتفى بحصته والتوجيه مذكور في الخلاف
كتاب العارية
والنظر في
أركانها و أحكامها و فصل الخصومة فيها فإما الأركان فأربعة
الأول المعير

ولا يعتبر فيه إلا كونه مالكا للمنفعة غير محجور عليه في التبرع فأن العارية تبرع بالمنافع فيصح من المستأجر
وللمستعير أن يستوفي المنافع بوكيله بنفسه وهل له ان يعير فيه وجهان أظهرهما المنع لأن الإذن مخصوص به فهو كالضيف
الثاني المستعير

ولا يعتبر فيه إلا أن يكون أهلا للتبرع عليه
الثالث المعار
ويعتبر فيه شرطان
أحدهما أن يكون منتفعا به مع بقائه فلا معنى لإعاره الأطعمة وفيإعارة الدراهم والدنانير وإجارتهما لمنفعة التزيين ثلاثة أوجه
أحدها نعم لأن غرض التزيين من المقاصد والثاني لا لأنه غرض بعيد والثالث يصح الإعارة لأنه مبرة ولا يصح الإجارة لأنه معاوضة فيستدعي منفعة متقومة
فإن أبطلناها ففي طريقة العراق أنها مضمونة لأنها إعارة فاسدة وفي طريق المراوزة أنها غير مضمونه لأنها غير قابلة للإعارة فهي باطلة الشرط الثاني أن يكون الانتفاع مستباحا فلا يجوز إعارة الجواري للاستمتاع ولا للاستخدام إذا كان المستعير غير محرم وكانت الجارية في محل الشهوة فإن جرىفهو صحيح ولكنه محظور
وكذا تكره استعارة أحد الأبوين للخدمة وكذا إعارة العبد المسلم من الكافر وتحرم إعارة الصيد من المحرم
الرابع صيغة الإعارة

ولابد فيه من الإيجاب وهو قوله أعرت أو خذ أو ما يفيد معناه ويكفي القبول بالفعل ولا يشترط اللفظ كاستباحة الضيفان فلو قال أعرتك حماري لتعيرني فرسك فهو أجاره فاسدة غير مضمونة ولو قال اغسل هذا الثوب فهو استعارة لبدنه لأجل العمل فإن كان الغاسل ممن يعمل بالأجرة فالظاهر أنه يستحق الأجرة كما يستحق الحمامي والحلاق والتعويل فيه على القرائن ولهذا ذكر القاضي في المعاطاة في البيع وجهين لأجل القرائن أما أحكامها فثلاثة
الأول الضمان

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العارية مضمونة مؤداة وقال أبو حنيفةرحمة الله أنها غير مضمونة ولا خلاف أنها مضمونة الرد على المستعير
ثم في كيفية الضمان ثلاثة أقوال أحدها أنه يضمن بأقصى قيمته من يوم القبض الى يوم التلف كضمان المغصوب وعلى هذا يحدث وكذا المستعار في يده مضمونا
والثاني أنه يعتبر قيمته يوم القبض
والثالث هو الأصح أنه يعتبر قيمته يوم التلف إذ في اعتبار يوم القبض ما يوجب ضمان الأجزاء المستحقة بالاستعمال وضمانها غير واجب لأنها تلفت بالإذن وفيه وجه بعيد
والمستعير من المستأجر هل يضمن فيه وجهان
أحدهما لا ابتناء يده على يد غير مضمونة
والثاني نعم نظرا إليه في نفسه
والمستعير من الغاصب يستقر عليه الضمان إذا تلف العين في يده ولو طولببالأجرة ولم يكن استوفي المنفعة بل تلفت تحت يده يرجع به على المعير لأن يده في المنفعة ليس يد ضمان وإن كان استوفاه ففي الرجوع قولان
أحدهما نعم للغرور فأنه لم يرض بضمان المنافع
والثاني لا تغليبا للإتلاف على الغرور
وحد المستعير كل طالب أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاق فعلى هذا لو جمحت دابة فأركبها ر أيضا ليروضها له وارسل وكيلا في شغل له واركبه دابته وفتلفت لا ضمان له لأنه ليس آخذا لغرض نفسه ولو وجد من اعيا في الطريق فأركبه بطريق القربة ففيه نظر من حيث أن الراكب منتفع ولكن الأظهر أن لا ضمان لأن المالك هو المطالب لركوبه ليقترب به الى الله تبارك وتعالى
ولو أركب المالك مع نفسه رديفا فتلفت الدابة تحتهما قال الأصحاب على الرديف نصف الضمان الأولى أن لا يجب لأن الدابة في الملك ما دام هو راكبا والرديف ضيف كالضيف الداخل في الدار
ولو أودعه ثوبا وقال إن شئت فالبسه عند الحاجة فهو قبل اللبس وديعة وبعده عارية مضمونة
الحكم الثاني التسلط على الانتفاع

وهو بقدر التسليط لأن منتفع بالأذن فإن تعين جهة المنفعة فلا كلام
وإن تعددت كما إذا أعار أرضا فإن عين زراعة الحنطة مثلا فله أن يزرع ما ضرره مثل ضرر الحنطة ودونه ولا يزرع ما ضرره فوقه وإن أطلق فالظاهر فساده إذ يتردد بين الغراس والبناء والزراعة فهو غرر ظاهر وفيه وجه أنه يصح ويتسلط على الكل ولو قال أنتفع كيف شئت فوجهان من حيث أنهفوض الى مشيئته ولو عين الزراعة فالظاهر الجواز وإن لم يعين المزروع لأن الأمر فيه قريب ولو عين الغراس فله أن يبني
وكذلك بالعكس لتساويهما وقيل لا لأن ضرر الغراس في باطن الأرض وضرر البناء في ظاهر الأرض فهما مختلفان في الجنس
الحكم الثالث الجواز

وللمعير الرجوع مهما شاء إلا إذا أعار لدفن ميت فيمتنع نبش القبر سواء كان الميت جديدا أو عتيقا إلى أن يندرس أثر المدفون فعند ذلك يفعل ما يريد
وقبل الاندراس لو كان له فيه أشجار فله السقي بشرط أن لا يظهر الميت وكذلك لو أعار جدارا ليضع الجار عليه جذعه فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا إذ لا أجرة له حتى يطالب به
وفي هدمه بأرش النقض تصرف في خاص ملك الجار في الجانب الثاني من الجذع فأما إذا أعار أرضا للبناء والغراس مطلقا فله الرجوع وليس له لنقض ملك المستعير مجانا لأنه محترم وضعه من غير عدوان ولكن يتخير المالك بين الثلاث خصال بين أن يبقى بأجرة أو يتملك البناء بقيمته أو ينقض ويبذل أرشه والخيرة في التعيين للمالك ترجيحا لجانبه فإنه معير ولا حق للمستعير إلا أن لا يضيع ماليته
ثم إذا رجع والبناء بعد لم يرفع جاز للمالك الدخول ولا يتصرف في البناء ولايجوز للمستعير الدخول وتنزها
وهل يجوز مرمة الجدران فيه خلاف وجه الجواز أن حقه مضمون عن التلف وفي المنع من العمارة تضييع ويجوز للمعير بيع الأرض وعليها بناء المستعير قبل التملك
وهل يجوز للمستعير بيع البناء فيه وجهان
وجه المنع أنه معرض للهدم أن أراد المعير هذا إذا كانت الإعارة مطلقة أو مقيدة بالتأبيد فلو قال أعرت سنة فإذا مضت قلعت البناء مجانا فله ذلك اتباعا للشرط ولو اقتصر على قوله أعرت سنة لم يجز له النقض بعده مجانا فكان يحتمل أن يحمل على طلب الأجرة بعده كما يحتمل الهدم والأصل حرمة ملكه
وقال أبو حنيفة رحمه الله فائدة التأقيت جواز القلع مجانا أما إذا أعار للزراعة ورجع قبل الإدراك فالمذهب أنه يجب ابقاؤه الى الإدراك وليس له قلع الزرع ولكن له أخذ الأجرة لأن هذا اقرب الطرق بخلاف الغراس في الإجارةالمؤقتة فإنه وإن صبر بقية المدة افتقر إلى القلع بعدها
وفيه وجه للعراقيين أنه لا يستحق الأجرة إلى الإدراك ووجه لصاحب التقريب أنه يقلع الزرع كالغراس أو لا يقلع الغراس كالزرع وهو من تخريجه وتصرفه فرعان
أحدهما لو بادر المستعير وقلع الغراس هل يلزمه تسوية الحفر فيه وجهان
أحدهما نعم ليرد ما أخذ كما أخذ
والثاني لا لأن المأذون في الغرس مأذون في القلع وقد حصل من المأذون فيه فصار كما لو تلفت الدابة المستعارة أو تعبت بالركوب
الثاني إذا حمل السيل ونواة لأنسان إلى ملك غيره فأنبتت شجرة فهل لمالك الأرض قلعها مجانا فيه وجهان لتعارض الحرمة في الجانبين و الأولى ترجيح مالك الأرض و تسليطه على القلع
و أما فصل الخصومة
فلها ثلاث صور
الأولى إذا قال راكب الدابة لمالكها أغرتنيها فقال المالك بل أجرتكها قال الشافعي رضي الله عنه القول قول الراكب ولو قال ذلك زارع الأرض لماكلها قال القول قول المالك نص عليه في المزارعة فأختلف الأصحاب على طريقين أحدهما قولان لتقابل الاصلين إذ يمكن أن يقال الأصل وجوب الضمان في المنفعة وعدم ما يسقطها أو الأصل عند طريان الأذن عدم الضمان
و منهم من قرر التعيين و فرق بأن العارية في الدواب ليس ببعيد وفي الأرض بعيد و هذا الترجيح في مظنة تعارض الاصلين لا بأس به
التفريع الأول
إن قلنا القول قول الماك فيحلف على نفي الإعارة ولا يتعرض لإثبات الإجازة و المسمى فإنه مدع فيهما ثم إذا حلف أخذ أقل الأمرين من المسمى أو أجرة المثل
و قال القاضي و العراقيون إنه يتعرض للإجارة فيحلف أنه ما أعار و لكنه أجر لينتظم الكلام لا ليثبت الإجارة و ذكر العراقيون قولا آخر أن فائدته إثبات المسمى إظهارا لفائدته وهو بعيد
أما إذا نكل المالك قال العراقيون لا يرد على الراكب لأنه لا يدعي لنفسه حقا فيبني عليه القضاء بالنكول قال القاضي ترد و فائدته دفع الغريم وهو أقرب من القضاء بالنكول
فإن قيل فلو تنازعا قبل مضي مده تتقدم المنفعة فيها قلنا القول قول الراكب في نفي ما يدعى عليه من الإجارة للمستقبل الصورة الثانيه أن يقول المالك بل غصبتنيها
قال المزني القول قول الركب إذ الأصل عدم الغضب إحسانا للظن بالناس ثم خالفا أكثر الأصحاب و قالوا الأصل عدم الأذن و بقاء حق المالك في المنفعة
و قيل المذهبان قولان للشافعي و الأولى القول المخالف للمزني الثالثة
أن يقول الراكب أكريتنيها و غرضه إسقاط الضمان عند التلف واستحقاق الإمساك فقال المالك أعرتكبها فالقول قول المالك فإنه يدعي عليه إجارة و الأصل عدمها ثم يستفيد بالحلف استحقاق القيمة عند التلف و جواز الرجوع عند القيام
كتاب الغصب

الغصب عدوان محض لقوله صلى الله عليه وسلم من غضي شبرا من أرض طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة
وهو سبب للضمان لقوله عليه الصلاة و السلام على اليد ما أخذت حتى ترد
والنظر في الكتاب يحصره بابان
الباب الأول في الضمان

والنظر في ثلاثة أركان الموجب والموجب فيه والواجب
الركن الأول الموجب للضمان

وهو ثلاثة التفويت بالمباشر أو التسبب أو إثبات اليد لغرض نفسه من غير استحقاق
أما الأول فهو المباشرة وحده إيجاد علة التلف كالقتل والأكل والإحراق
ونعني بالعلة ما يقال من حيث العادة إن الهلاك حصل بها كما يقال حصل بالقتل والأكل والإحراق
أما التسبب فهو إيجاد ما يحصل الهلاك عهده ولكن بعلة أخرى إذا كان السبب ما يقصد لتوقع تلك العلة
فيجب الضمان على المكره على إتلاف المال والإكراه سبب وعلى من حفر بئرا في محل عدوان إذا تردى فيه بهيمة أو عبد أو إنسان فإن ردى فيه غيره فيه فالضمان على المردي تقديما للمباشرة على التسبب كما في الممسك مع القابل في الحر
أما في العبد فيطالب الممسك أيضا لأنه بالإمساك غاصب
والمكره وإن كان مباشرا فمباشرته ضعيفة أنتجها الإكراه فلم يقدم عليه أما إذا رفع حافظ الشيء حتى ضاع لعدم الحافظ بسبب آخر لا يقصد برفع الحافظ فلا ضمان عليه كما إذا فتح رأس الزق فاتفق هبوب ريح بعده فسقط وضاع فلا ضمان لأنه لا يقصد بفتح رأس الزق هبوب الريح والضياع به كما لو بنى دارا فطيرت الريح ثوبا وألقاه في داره فضاع لا يضمن
وكذلك لو حبس المالك عن الماشية فعاث الذئب فيها وكذلك لو حمل صبيا إلى مضيعة فاتفق ثم سبع فافترسه فلا ضمان في الكل إذ لا مباشرة و لا يد و لا تسبب إذ حد السبب ما ذكرناه
نعم لو حمل الصبي إلى مسبعة أو فتح رأس الزق فشرقت الشمس وذاب فيه وجهان لعل الأظهر وجوب الضمان فإنه يقصد به ذلك كما أنا نقول إذا غصبت الأمهات فنتجت الأولاد حدثت من ضمانه لأنه يتوقع من إثبات اليد على الأمهات ثبوت اليد على الأولاد وكذلك لو غصب رمكة فأتبعها المهر ففي دخوله في ضمانه تردد
وأما رفع القيد عن الحيوان سبب يقصد لإفلات الحيوان ولكن ينظر فإن كان المقيد حيوانا عاقلا كالعبد فإذا أبق لا ضمان لأنه مختار فينقطع التسبب به وهو كما لو هدم الحرز فسرق المال لا يضمن المال ولو دل السراق لم يضمن
فأما الحيوان الذي ليس بعاقل كالطير والبهيمة فإذا فتح باب القفص وحل رباط البهيمة فضاعت فالمذهب الظاهر أنه إن طار على الاتصال ضمن وإن كان على الانفصال لم يضمن إذ يظهر حوالته عند الانفصال على اختيار الحيوان وعند الاتصال كأنه نفر بالتعرض للقيد
وقال مالك رحمه الله يضمن في الحالتين وهو قول الشافعي رضي الله عنه منقدح من حيث المصلحة
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يضمن أصلا وهو قول للشافعي رضي الله عنه حوالة على الاختيار والعبد المجنون من قبيل الدابة والطير
وفي العبد العاقل المقيد الإباق أيضا وجه بعيد أنه يضمن إذا حل القيد عنه وهو ضعيف لأنه في معنى الممسك مع المباشر
أما إذا فتح رأس الزق فتقاطرت قطرات من المائع إلى أسفل الزق وابتل وسقط وجب الضمان لأن السقوط بالابتلال و إلا بتلال بالتقاطر والتقاطر بالفتح وهو طريق مقصود له و مسلوك إليه بخلاف السقوط بهبوب الريح
ولو فتح الزق وفيه سمن جامد فقرب غيره منه نارا حتى ذاب فقد قيل لا ضمان على واحد والأصح أنه يجب الضمان على الثاني لأنه كالمردي مع الحافر
هذا تفصيل السبب والمباشرة وتمام النظر فيه يذكر في كتاب الجنايات
أما إثبات اليد فهو سبب للضمان ومباشرته بالغصب في تسببه في ولد المغصوب فإن إثبات اليد على الأم سبب للثبوت على الولد فكان الولد مضمونا عندنا لذلك خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فإنه قال أثبت اليد ولكن لم تزل يد المالك والغصب عبارة عن إزالة يد المالك وليس كذلك عندنا بدليلأن المودع إذا جحد الوديعة لم يزل يد المالك بل كان زائلا قبله
وكذلك إذا طولب بولد المغصوب فجحد ضمن وإن لم يتضمن جحوده زوال يد المالك إذ لم يكن قط في ملكه
ثم إثبات اليد في المنقول بالنقل إلا في موضع واحد وهو أنه لو أزعج المالك عن دابته فركبها أو عن فراشه وجلس عليه فهو ضامن لأنه غاية الاستيلاء وقيل إنه لا يضمن ما لم ينقل
أما العقار فيضمن بالغصب عند إثبات اليد عليه عندنا خلافا لأبي حنيفة فإن قيل فما حد الغصب في العقار قلنا له ركنان
الأول إثبات الغاصب يده وذلك لا يحصل إلا بالدخول في العقار
والآخر إزالة يد المالك و ذلك يحصل بإزعاجه فإن أزعج ولم يدخل لا يضمن و إن دخل ولم يزعج فإن قصد النظارة أو الزيارة لم يضمن وإن قصد الاستيلاء صار الدار في يدهما فهو غاصب نصف الدار
ولو كان الداخل ضعيفا والمالك قويا لم يكن غاصبا وإن قصد لأن مالا يمكن لا يتصور قصده و إنما هو حديث نفس ووسوسة
وإن كان المالك غائبا وفصد ضمن وإن كان يقدر على الانتزاع من يده كما إذا سلب قلنسوة ملك فإنه غاصب وإنما ذلك قدره على إزالة الغصب وفي العقار في هذه الصورة وجه أنه لا يضمن
فإن قيل فلو أثبتت يد على يد الغاصب وتلف فيها قلنا كيف ما كان فالمالك بالخيار إن شاء ضمن الغاصب و إن شاء ضمن من أخذ من الغاصب وإن كان جاهلا لأن الجهل لا ينتهض عذرا في نفى في الضمان وقد وجد إثبات اليد على مال الغير من غير إذن المالك ولكن قرار الضمان على الغاصب إن كانت تلك اليد في وضعها يد أمانة كيد المرتهن ويد المستأجر والوكيل والمودع وإن كان يد ضمان فالقرار عليه كيد العارية و السوم والشراء
و قال العراقيون يد المرتهن والمستأجر ها هنا كيد العارية لأنه لهم غرضا في أيديهم بخلاف المودع والوكيل بغير جعل والأولى الطريقة الأولى
نعم تردد الشيخ أبو محمد في يد المتهب لأنه وإن لم تكن يد الضمان فهو تسليط تام وهو يد الملاك
إلا أنا إذا ضمناهم بأقصى القيم وكانت القيمة زائدة في يد الغاصبونقص قبل أخذ الأجر فالزيادة لا يطالب بها إلا الغاصب
ثم مهما رجع طولب بالأصل وهو من عليه القرار فهو الغرض وإن طولب غيره رجع على من عليه القرار
فإن قيل فلو أتلف الآخذ من الغاصب قلنا القرار عليه أبدا إلا إذا غره الغاصب وقدم الطعام إليه للضيافة فأكل ففيه قولان
أحدهما النظر إلى مباشرته
والثاني بل القرار على الغاصب لأنه غار
ولو قدمه إلى المالك وغره فأكله فقولان مرتبان وأولى بأن يحال على المالك حتى ذكر الأصحاب ترددا فيما إذا أودع المالك فتلف تحت يده وأنه هل يسقط الضمان ولو قال للمالك اقتل هذا العبد فإنه لي فقتل سقط الضمان عن الغاصب لأنهلا غرور مع تحريم القتل بخلاف الضيافة
ولو قال أعتق فأعتق ففيه ثلاثة أوجه
أحدهما أنه لا ينفذ العتق لأنه قصد به جهة الوكالة فهو معذور بخلاف ما إذا رأى عبدا في ظلمة فظنه أنه للغير فقال أنت حر فإنه ينفذ لأنه غير معذور
والثاني ينفذ العتق ولا يطالب الغاصب بالغرم لأنه نفذ عتقه في ملكه فلا معنى للغرم
والثالث أنه ينفذ العتق ويطالب بالغرم لكونه غير معذور
أما إذا زوج الجارية من المالك غرورا فاستولدها نفذ الاستيلاد قطعا لأنه فعل وقد صادف ملكه
ومنهم من شبب أيضا فيه بخلاف
الركن الثاني

في الموجب فيه وهو الأموال وينقسم إلى المنفعة والعين
أما العين فينقسم إلى الحيوان وغيره
أما الحيوان فالعبد مضمون عند الغصب والإتلاف بكمال قيمته وإن زاد على أعلى الديات خلافا لأبي حنيفة
وجراح العبد من قيمته عند قطع أطرافه كجراح الحر من ديته في القول المنصوص
وعلى هذا إذا قطع الغاصب يد عبد فنقص من قيمته ثلثاه لزمته الزيادة لأنه فات تحت يده فيجب السدس بحكم الغصب والنصف بحكم الجناية فيلزمه أكثر الأمرين من الأرش أو قدر النقصان فلو سقطت يد العبد بآفة في يد الغاصب فلا يضمن إلا أرش النقصان على هذا المذهب لأن التقدير خاصيته الجناية
ولذلك نقول المشتري إذا قطع يدي العبد المبيع لا نجعله قابضا كما العبد لأن خاصية الجناية لا يتعدى إلى البيع
أما سائر الحيوانات فالمتبع فيها النقصان وقال أبو حنيفة رحمه الله في عين الفرس والبقر ربع قيمته وهو تحكم
أما الجمادات فكل متمول معصوم مضمون
أما الخمر فلا يضمن عندنا لا للذمي ولا للمسلم
وقال أبو حنيفة رحمه الله يضمن للذمي
وكذا الخنزير والملاهي أيضا غير مضمونه فإن تكسيرها واجب
نعم لا يتبع بيوت أهل الذمة ولكن إذا أظهروها كسرناها
واختلفوا في حد الكسر المشروع فقيل إنه لا تحرق أصلا إذ فيه إتلاف الخشب ولكن يرخص وهو غاية المبالغة
وقيل إنه يكفي أن يفصل بحيث لا يمكن استعماله في المحرم ولا يكفي قطع الوتر بالإجماع
وقيل إنه يرد إلى حد يفتقر إلى من يرده إلى الهيئة المحرمة إلى استئناف الصنعة التي يفتقر إليها المبتدئ للصنعة وهذا هو الأقصد كذا القول في كسر الصليب
أما المنفعة فيضمن بالتفويت والفوات تحت اليد العادية ولكن من العبد و سائر الأموال والمكاتب و المستولدة ملحق في ضمان العين والمنفعة بالقن
وأما منفعة البضع فلا يضمن باليد إ نما يضمن بالإتلاف
وأما منفعة بدن الحر إن استخدمه إنسان ضمنه وإن حبسه وعطله فوجهانأحدهما بلي للتفويت والثاني لا لأنه فات تحت يد الحر المحبوس
وعلى هذا ينبني ما إذا أورد الإجارة على عينه ثم سلم نفسه ولم يستعمله إن قلنا بالحبس يضمن لافتستقر الأجرة وإلا فلا وكذلك لو استأجر حرا فهل إجارته
إن قلنا لا يدخل تحت يده فلا وإن قلنا يضمن بالحبس لدخوله تحت يده فيصح الإجارة
ولو ولبس ثوبا وغرم أرش نقص البلي فهل يندرج تحته أجره المثل وجهان وكذا لو غصب عبدا فاصطاد فهو لمولاه فهل يسقط به أجرة منفعته لحصوله له وجهان
وفي ضمان منفعة الكلب المغصوب وجهان
ولو اصطاد بكلب مغصوب فالصيد للمالك على أحد الوجهين
الركن الثالث في الواجب وينقسم إلى المثل والقيمة

أما المثل فواجب في كل ما هو من ذوات المثل
وقيل في حده إنه كل موزون أو مكيل وهو باطل بالمعجونات و المعروضات على النار
وقيل إنه كل مقدر بالوزن والكيل يجوز السلم فيه ويجوز بيع بعضه ببعض وهذا يخرج منه العنب والرطب وإخراجه عن المثليات بعيد
ويدخل فيه صنجات الميزان والملاعق المتساوية في الصنعة الموزونة وليست مثلية
والصحيح أنه الذي تتماثل أجزاؤه في القيمة والمنفعة من حيث الذات لا من حيث الصنعة
وفي المثليات ست مسائل
الأولى إذا أعوز المثل رجعنا إلى القيمة فإن كانت القيمة قد اختلفت في مدة بقاء العين المغصوبة وبعدها فثلاثة أوجه
أحدها أن الواجب أقصى قيمة المغصوب من يوم الغصب إلى يوم التلف لأنا عجزنا عن المثل فصار كأن لا مثل له ويرجع إلى قيمة المغصوب
والثاني أنا نوجب قيمة المثل لأنه الواجب فيراعى أقصى القيم من وقت تلفالمغصوب إلى وقت إعواز المثل
والثالث أنه يرعى أقصى القيمة من وقت الغصب إلى الإعواز وقيل إلى وقت الطلب
الثانية إذا غرم القيمة ثم قدر على المثل ففي رد القيمة وجهان
أحدهما لا إذ تم القضاء بالبدل فصار كالصوم في الكفارة
والثاني يرد كالعبد الآبق إذا رجع بعد الغرم
الثالثة إذا أتلف مثليا فظفر به المالك في غير ذلك المكان لم يطالبه بالمثل لأن مثله هو ما يؤدي في ذلك المكان ولكن إذا تعذر ذلك فيغرم في الحال القيمة بالحيلولة إلى إن يتيسر الرجوع إلى ذلك المكان بخلاف ما إذا مضى زمان فإن إعادة الزمان الماضي غير ممكن فاكتفينا بما ليس مثلا
وذكر الشيخ أبو محمد وجها أنه يطالب بالمثل عند اختلاف المكان إلا إذا لم تكن له قيمة كالماء على شط دجلة
وذكر الشيخ أبو علي وجها أنه إن كان القيمة مثله أو أقل فله المطالبة وإن كان أكثر فلا والمشهور الأول
والدراهم والدنانير مثلية فيخرج على الوجه
ولو غصب في بلدة وأتلف في بلدتي فظفر به في ثالث فقلنا لا يطالب بالمثل فله أن يطالب بقيمة أي بلدة شاء من بلدته الغصب والإتلاف وكذا يطالب في البلدتين إذا ظفر به فيهما
أما المسلم إليه قال صاحب التقريب لا يطالب بالقيمة أيضا لأنه اعتياض عن المسلم فيه قبل قبضه وهذا فيه احتمال فيمكن أن يقال يأخذ للحيلولة ولا تكون معاوضة فإن لم يقل ذلك فليثبت للمستحق فسخ لتعذر الاستيفاء
الرابعة إذا كسر آنية قيمتها عشرون ووزنها عشر فالنقرة من ذوات الأمثال ففيه وجهان
أعدلهما أن الوزن يقابل بمثله والصنعة بقيمتها من غير جنس الآنية حذرا عن الربا
وفيه وجه أنه لا يبالي بالمقابلة بجنسه فيكون البعض في مقابلة الصنعة كما لو أفرد الصنعة بالإتلاف
الخامسة لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل ففي تكليفه ذلك وجهان
السادسة لو اتخذ من الحنطة دقيقا وقلنا لا مثل للدقيق أو من الرطب تمرا وقلنا لا مثل له
ففي طريقة العراق أنه يلزمه الحنطة والتمر لأن المثل أقرب
والأولى أن يخير بين المثل والقيمة لأنه قوت كلاهما فأشبه ما لو اتخذ من المثلي مثليا كالشيرج من السمسم فإنه يتخير بين المثلين
القسم الثاني المتقومات
وفيه أربع مسائل
الأولى إذا أبق العبد المغصوب طولب الغاصب بقيمته للحيلولة ولا يملك العبد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله بل لو عاد العبد يجب رده و استرداد القيمة وما دام العبد قائما يصح الإبراء عن هذه القيمة ولا يجبر المالك على أخذ القيمة لأنها ليست عين حقه
وهل يغرم قيمة المنفعة والزوائد الحاصلة بعد الضمان
إن كان الغاصب هو الذي عيبه في شغله غرم وإن هرب العبد فوجهان وهو تردد في أن علائق الغصب هل تنقطع في الحال بالضمان
ولو عاد العبد فهل للغاصب حبس العبد إلي أن يرد إليه القيمة
قال القاضي له ذلك و أسند إلي نص الشافعي رضي الله عنه في غير المختصر و كذلك قال المشتري إذا اشترى شراء فاسدا يحبس المبيع إلي أن يرد عليه الثمن و فيما ذكره احتمال ظاهر
الثانية إذا تنازعا في تلف المغصوب قال بعض الأصحاب القول فول المالك إذ الأصل عدم التلف
وقال المحققون بل القول قول الغاصب فإنه ربما صدق فتخليد الحبس عليه أبدا غير ممكن فإن حلف الغاصب على التلف فقد قيل لا يطالب المالك الغاصب بالقيمة لأن العين قائمة بزعمه فلا يستحق القيمة و الأصح أن له ذلك إذا تعذر بسبب الحلف الرجوع
أما إذا تنازعا في مقدار القيمة فالقول قول الغاصب قطعا لأن الأصل براءة الذمة
فإن أقام المالك شهودا على الصفات دون القيمة لم يجز للمقومين الاعتماد على الوصف في التقويم لأن المشاهدة هي المعرفة للقيمة
نعم لو أبعد الغاصب في التقليل فيطالب بأن يترقى إلى أقل درجة محتملة هذه الصفات وإن قال كل واحد منهما لا ندري القيمة فلا تسمع دعوى المالك ما لم يعين ولا يمين على الغاصب ما لم يكين وإن قال الغاصب هو مائة فأقام المالك شاهدا أنه فوق المائة ولم يعينوا قبلت الشهادة في وجوب الزيادة على المائة وقيل أنه لا تقبل
الثالثة إذا تنازعا في عيب في أصل الخلقة
فالقول قول الغاصب إذ الأصل عدم السلامة وقيل لا بل الظاهر هو السلامة ولو اختلفا في صنعة العبد فالقول قول الغاصب
وقيل بل القول قول المالك لأنه أعرف بالصنعة وهو ضعيف
الرابعة إذا تنازعا في الثوب الذي على العبد المغصوب فالقول قول الغاصب لأن العبد وما عليه في يده فإذا قال هو لي لم تزل يده إلا ببينة
الباب الثاني في الطوارئ على المغصوب في نقصان أو زيادة أو تصرف
وفيه ثلاث فصول
الأول في النقصان

وفيه مسائل أربع
الأولى إذا غصب شيئا يساوي عشرة فعادت قيمته إلى درهم فرد العين لم يلزمه النقصان خلافا لأبي ثور لأن الغائب هو رغبات الفارس ولم يفت من العين شيء وإن تلف بعد أن عاد إلى درهم لزمه قيمته عشرة إن كان من ذوات القيمة وإلا فيشتري مثله بدرهم
ولو غصب ثوبا وقيمته عشرة فعاد إلى خمسة ثم لبسه حتى عاد إلى أربعة فقد نقص باللبس درهم وهو خمس الثوب فالقدر الفائت يغرمه بأقصى القيم وهو درهمان خمس العشرة فيردهما مع الثوب فما بقي اكتفى به وما فات غرم بحساب أقصى القيم وهذا حكم الفوات والتفويت
ولو جنى على ثوب فمزقه خرقا لم يملك الخرق عندنا ولكن يرد ما بقي مع أرش النقص ليس للمالك سواء
وقال أبو حنيفة رحمه الله الغاصب يملك الخرق ويضمن الكل
هذا إذا كانت الجناية واقعة فلو بل الحنطة حتى استمكن العفن الساري منه
قال الشافعي رحمه الله يتخير المالك بين أن يطالبه بالمثل أو يأخذ الحنطة المبلولة ويغرمه الأرش وهو خلاف قياس الشافعي رضي الله عنه إذ المبلولة لها قيمة على كل حال وهو عين ملك المالك فليتعين له
فخرج بعض الأصحاب قولا كذلك وهو أنه ليس له إلا الأرش
ومن قرر النص وجه بأنه نقصان لا موقف لآخره حتى يضبط وطرد هذا فيما لو اتخذ الحلوة من الدقيق والسمن والفانيذ
وتردد الشيخ أبو محمد في السل والاستسقاء في العبد من حيث إنه لا وقوف له غالبا إلى الهلاك فهو من وجه كالإهلاك
أما إذا طحن الحنطة فلا وجه إلا الرد للدقيق فإن ليس بإهلاك وإن كان يقصر مدة الادخار
هذا في غير العبد أما العبد فيضمن الغاصب جملته بأقصى قيمته تلف أو أتلف
وإن قطع إحدى يديه غرم أكثر الأمرين من أرش النقص أو مقدار اليد إن قلنا إن أطراف العبد مقدرة والزيادة على المقدر للفوات تحت يده
ولو سقطت يده بآفة سماوية فالأصح أنه لا يضمن المقدر لأن التقدير خاصيته الجناية
وإن قطع يد العبد في يد الغاصب غير الغاصب فالمالك يتخير فيطالب القاطع بالمقدر أو الغاصب بأرش النقص
فإن زاد المقدار فهل يطالب الغاصب بتلك الزيادة فيه وجهان منشؤهما أنه وجب بجناية ولكن من غيره في يده
ولو قطعت يد العبد قصاصا أو في حد فهو من حيث إنه مهدر يضاهي السقوط بآفة ومن حيث إنه قطع يضاهي الجناية ففي لزوم المقدر على الغاصب تردد
فرع
لو قتل العبد قتل قصاص فاستوفى السيد القصاص لم يبق له على الغاصبمطالبة بقيمته وإن كان قيمة العبد القاتل أقل لأنه بالاستيفاء كأنه استرد فهو في حق الغاصب كالاسترداد
ولو كان تعلق برقبة العبد مال فهو في حق مستحق المال كالموت حتى لا يجب على السيد الفداء بأن قتل قاتله لأن غرض القصاص يعم أعراض المالية وهل له أن يعفو على غير مال يبنى على القولين في موجب العمد
المسألة الثانية إذا نقص العبد بأن جنى جناية استحق عليها القصاص فقتل كان للسيد مطالبة الغاصب بأقصى قيمته لأنه مات بجناية تحت يده
ولو تعلق الأرش برقبته فيغرم الغاصب للمجني عليه أرش الجناية كما يغرمه المالك إذا منع البيع وكأن الغاصب مانع
فإن مات العبد في يده بعد الجناية يغرم للمالك قيمته وللمجني عليه الأرش فإن سلم القيمة أولا كان للمجني عليه أخذ القيمة من المالك لأنه بدل عبد تعلق برقبته حقه ثم إذا أخذه المجني عليه رجع المالك بما أخذه على الغاصب لأنه لم يسلم له
المسألة الثالثة إذا نقل التراب من أرض المالك وتلف التراب فهو من ذوات الأمثال وإن كان باقيا فله أن يطالبه بالرد وتسوية الحفر فإن أبى المالك لم يكن للغاصب أن ينقل التراب إلى ملكه بغير إذنه فإنه تصرف في ملكه إلا إذاكان يتضرر بالتراب بكونه في ملكه أو في شارع يخاف أن يتعثر به غيره ويضمن فله أن يرد إلى ملكه إن لم يجد مكانا آخر
وقد نقل العراقيون من نص الشافعي رضي الله عنه أنه يجب أرش نقصان الحفر على الغاصب وفي البائع إذا أحدث الحفر بقلع أحجار كانت له فيه أنه يلزمه التسوية ثم ذكروا طريقتين
أحدهما قولان بالنقل والتخريج أحدهما لا من حيث إنه مقابلة فعل بمثله فهو بعيد كتكليف بناء الجدار بعد هدمه والثاني بلى لأن التسوية كما كان ممكن والبناء يختلف
والطريقة الثانية الفرق تغليظا على الغاصب في مطالبته بالأرش بعدوانه أما إذا حفر بئرا في داره فللغاصب طمها لأنه في عهدة الضمان لو تردى فيها إنسان فلو قال المالك أبرأتك عن الضمان فهل ينزل ذلك منزلة الرضا بالحفر ابتداء فيه في سقوط الضمان وجهانفإن قلنا نعم فليس له طمها وإلا فله ذلك نفيا للعهدة
المسألة الرابعة إذا أخصى الغاصب العبد يلزمه كمال قيمته
فإن سقط ذلك العضو بآفة سماوية فلا يلزمه شيء لأن القيمة تزيد به ولا ينقص وكذا إذا كان سمينا سمنا مفرطا فنقص بعضه وزادت به قيمته لم يلزمه شيء
وإن أخذ زيتا وأغلاه حتى رده إلى نصفه ولم تنقص قيمته يلزمه مثل ما نقص لأن له مثلا بخلاف السمن
ولو أغلى العصير حتى نقص وزنه وزادت قيمته فيجب مثل ما فات
وقال ابن سريج لا يجب لأن الفائت هو المائية التي لا قيمة لها بخلاف الزيت فإن جميع أجزائه متقومة
ولو هزلت الجارية ثم عادت سمينة أو نسيت الصنعة ثم عادت وتعلم أو تذكرففي وجوب ضمان ما فات وجهان
أحدهما أنه يجب وإنما العائد رزق جديد

والثاني أنه ينجبر به لأنه رد كما أخذ
وفي التذكر أولى بأن ينجبر لأنه عاد ما كان بالتذكر بخلاف السمن و كذا لو كسر الحلي ثم أعاد مثل تيك الصنعة فعلى الخلاف
و لو أعاد صنعة أخرى لا ينجبر وإن كان أرفع مما كان حتى لو غضب نقرة قيمتها درهم و أتخذ منه حليا قيمته عشرة و جب رد الحلي ولا يقوم له صنعة لأنه متعد بها و للمالك أن يجبره على الكسر و الرد إلي ما كان
فإن نقص بكسرة هـ قيمة النقرة غرم النقصان فلا يغرم نقصان الكسر فإنه مجير عليه و لو كسر بنفسه دون إجبار غرم و إن كان من صنعته لأنه صار ملكا للمالك تبعا للنقرة
ولو غضب عصيرا فصار خمرا غرم العصير بمثله لفوات ماليته فلو أنقلب خلا فوجهان أحدهما أنه يطالبه بمثل العصير والخل أيضا له وهو رزق جديدوالثاني أنه يسترد الخل وأرش النقصان إن نقص قيمة الخل من العصير وهذا أعدل
ومثل هذا الخلاف جار في البيضة إذا تفرخت والبذر إذا تعفن وصار زرعا والأصل الاكتفاء بالزرع والفرخ لأنه استحالة في عين ملكه
ولو غصب خمرا فتخلل في يده أو جلد ميتة فدبغه ففي الجلد والخل ثلاثة أوجه الأصح أنه لمغصوب منه والثاني أنه للغاصب إذا حدثت المالية بفعله والثالث أن الجلد للمغصوب منه فإن اختصاصه به كان محترقا بخلاف الخمر
الفصل الثاني في الزيادة
وفيه خمس مسائل الأولى زيادة الأثر كما إذا غصب حنطة فطحنها أو نقرة فصاغها أو ثوبا فقصره أو خاطه أو طنا فضربه لبنا فلا يملك الغاصب شيء من ذلك
وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أبطل أكثر منافعه ملكه ثم لا يصير الغاصب شريكا بسبب الصنعة لأنه عدوان لا قيمة له فهو للمالك وللمالك أن يجبره على إعادته إلى ما كان إن أمكن ذلك أو تغريمه أرش النقصان إن نقص
الثانية زيادة العين بأن غصب ثوبا قيمته عشرة وصبغه بصبغ من عندهقيمته عشرة فإن كان الثوب يساوي عشرين فهو بينهما فيباع بعشرين ويأخذ كل واحد عشرة وإن وجد زبون اشترى بثلاثين صرف إلى كل واحد خمسة عشر ولم يكن الصبغ كالخياطة فإن الخياطة عين العدوان والصبغ عين مملوكة
وإن كان يشترى بخمسة عشر فلصاحب الثوب عشرة وللغاصب خمسة والنقصان محسوب على الصبغ فإنه تابع
ولو لم يشتر إلا بعشرة فالكل لصاحب الثوب ولو لم يشتر إلا بثمانية غرم الغاصب درهمين وهكذا التفصيل فيما لو طير الريح ثوبا وألقاه في إجانة صباغ
وكذلك إذا غصب الصبغ من إنسان والثوب من إنسان فإن أثر العدوان لا يظهر في إبطال الملك من عين الصبغ وهو عين ماله
هذا كله إذا كان الفصل غير ممكن فإن قبل الصبغ الفصل فللغاصب أن يفصله كما له أن يقلع غراسه وزرعه وإن كان يؤدي إلى نقصان الثوب ولكن يفصل ويغرم أرش النقصان فإن امتنع الغاصب فللمالك أن يجبره على الفصل ويغرمه أرش نقصان الثوب كما في الغرس ونقل العراقيون عن ابن سريج أنه لا يجبر لأنه يؤدي إلى تفويت الصبغ فهو تعنت محض بخلاف الزرع والغراس لأن الصبغ يضيع بالفصل فإن كان لا يضيع يجبر إلا إذا ظهر في الثوب نقصان لا يفي الصبغالمفصول به فهو أيضا ضياع
فروع أربعة
أحدها أن بيع الثوب دون الصبغ والصبغ دون الثوب فيه وجهان كالوجهين في قطعة أرض لا ممر لها إلا بأن يشترى لها ممر لأنه لا يمكن أنتفاع بأحدهما دون الآخر الثاني إذا أراد المالك بيع الثوب أجبر الغاصب على بيع الصبغ إذ لا يرغب في الثوب دونه فلا يعطل قيمة الثوب عليه ولو أراد الغاصب بيع الصبغ فهل يجبر المالك على بيع الثوب وجهان أحدهما نعم لأنهما شريكان فلا يفترقان والثاني لا لأنه متعد بصبغه فلا يملك الإجبار الثالث لو قال الغاصب وهبت الصبغ من المالك فهل يجبر على القبول فيه وجهان مطلقان في طريقة العراق ووجه الإجبار التبعية كما في نعل الدابة المردودة بعيب قديم إذا كان النعل للمشتري والوجه أن يفصل فإن كان الصبغمعقودا لا يمكن فصله فيجبر أو قبل الفصل من غير نقصان ظاهر في الصبغ والثوب فلا يجبر على القبول إذ لا ضرورة للغاصب في التمليك
وإن كان يقبل الفصل وينقص قيمته وقلنا إنه يجبر على الفصل فعند هذا له ضرورة في التمليك فينقدح وجهان ووجه الفرق بينه وبين النعل مع الاشتراك في نوع ضرورة أنه متعد
الرابع لو قال المغصوب منه أبدل قيمة الصبغ وأتملكه عليك كما يفعل معير الأرض بغراس المستعير لم يمكن منه لأنه قادر ها هنا على إجباره على الفصل مجانا أو على البيع وبيع الثوب سهل بخلاف العقار المسألة الثالثة إذا غصب أرضا وبنى فيها أو زرع أو غرس فحكمه حكم الصبغ القابل للفصل وقد ذكرناه المسألة الرابعة في الخلط إذا خلط الزيت المغصوب بزيت هو ملكه
نص الشافعي رضي الله عنه يشير على أنه هلك في حق المغصوب فيه إذ قال للغاصب أن يسلم إليه مثل حقه من أي موضوع شاء وقياس مذهبه أن يتعين فيما خلطه به وأن يصيرا شريكين إذ ليس المالك بأن يقدر هلاك زيته بأولى من الغاصب ولا أثر لفعل الغاصب عند الشافعي رضي الله عنه
فمن الأصحاب من قرر النص وقال الزيت إذا اختلط بالزيت انقلب وهذا تعليل الشافعي رضي الله عنه
والإشكال قائم إذا الخلط من الجانبين فلم كان الهالك ملك المغصوب منه ومنهم من خرج قولا على القياس وطرد قولين ومنهم من قطع بأنه لو خلط بمثله فهما شريكان ولو خلط بالأجود أو الأردأ فقولان
التفريع إن قلنا هلك حقه فيغرم المثل من أين شاء فإن سلم ما هو الأردأ فله الرد وإن سلم ما هو أجود فعليه القبول وإن قلنا يبقى ملكه فلو خلطه بالمثل قسم بينهما وإن خلط مكيلة قيمتها درهم بمكيلة قيمتها درهمان فتباع المكيلتان ويقسم بينهما على نسبة الملك
فلو قال المالك آخذ ثلثي مكيلة عن حقي فنص الشافعي رضي الله عنه المنع لأنه رباونقل البويطي الجواز وكأنه أسقط بعض حقه وسمح عليه بصفة الجود في الباقي وهو بعيد فروع أحدها خلط الدقيق كخلط الزيت الثاني خليط الزيت بجنس آخر كالشيرج فيه طريقان منهم من قطع بأنه كالهالك ومنهم من طرد الخلاف الثالث خلط ماء الورد بالماء فإن بطلت رائحته فإهلاك وإلا فهو خلط بغير الجنس الرابع خلط الحنطة البيضاء بالحمراء أو السمسم بالكتان فعليه التمييز وإن تعب فيه لأنه متعد فيه المسألة الخامسة في التركيب فإذا غصب ساجة وأدرجها في بناية نزع وهدم عليه بناؤه خلافا لأبي حنيفة
ولو غصب لوحا وأدرجها في سفينة فكمثل إلا إذا كان فيه حيوان محترم أو مال لغير الغاصب وأدى نزعه إلى فواته فيغرم الغاصب القيمة في الحال للحيلولة ويؤخر نزعه إلى أن ينتهى إلى الساحل وإن لم يكن فيه إلا مال الغاصب فوجهان أحدهما لا يبالى به فإنه متعد ولذلك نخسره في مؤنة الرد مالا وهذا كمؤنة الرد والثاني أنه يؤخر لأن ماله محترم في غير محل العدوان بخلاف البناء على الساجة فإنه عدوان بخلاف مؤنة الرد فإنه سعي في الخروج عن الواجب أما إذا غصب خيطا وخاط به جرح حيوان محترم وخيف من النزع الهلاك فلا يجب إلا القيمة وكل حيوان متمول لا يؤكل لحمه فهو محترم وفيما يؤكل لحمه خلاف لأن ذبحه ممكن ولكنه لغير مأكلة وهو منهي عنهو أما الخنزير و الكلب العقور فينزع منه و في العبد المرتد و الميت خلاف لأن المثلة أيضا فيهما محذور فلا يبعد أن يقاوم غرض الاختصاص بمالية العين
ولو كان يخاف من نزع الخيط من الآدمي طول الضنى و بقاء الشين فيه خلاف كمثله في العدول إلي التيمم عن الوضوء
و حيث منعنا النزع فيجوز الأخذ ابتداء من مال الغير إذا لم يجد غيره و إن تعدى في الابتداء و صار إلى حال يخاف النزع فلا ينزع الآن للضرورة فرعان
أحدهما فصيل أدخله في بيته فكبر فيه ينقض بناءه و يخرج لأنه متعد و إن دخل بنفسه فيخرج لحق الحيوان و هل يغرم صاحب الفصيل أرش النقض لتخليص ملكه فيه خلاف
و كذا إذا سقط دينار في محبرة بقصد صاحب المحبرة أو بغير قصده فهو كالفصيل
الثاني زوج خف يساوي عشرة غاصب فرد خف و قيمةالباقي ثلاثة فيه ثلاثة أوجه
أحدهما أنه يغرم سبعة لأن ما أخذه يساوي ثلاثة و الباقي فات بأخذه
و الثاني يغرم ثلاثة لأنه قيمة ما أخذه فليشتر به المالك فرد خف ليعود كمال قيمته
والثالث يغرم خمسة توزيعا لنقصان الانفراد فإنه لو أتلف غيرة الفرد الثاني لوجب التسوية بينهما
الفصل الثالث في تصرفات الغاصب و النظر في طرفين

الأول في الوطء فإذا باع جاريه مغصوبة فوطئها المشتري إن كان عالما بالغصب لزمه الحد و يلزمه المهر أن كانت الجارية مستكرهة و إن كانت راضية فوجهان
أحدهما يجب لأن المهر للسيد فلا أثر لرضاها بخلاف الحرة
و الثاني لا لقوله عليه السلام لا مهر لبغيه وهذا عام
ثم أن وطئ على ظن الجواز فلا يلزمه إلا مهر واحد و إن وطئ مرارا ما دامت الشبهة متحدة اعتبارا لسبب الحرمة بالنكاح الذي هو الأصل
وإذا أوجبنا المهر في صورة الاستكراه ووطئ مرارا تردد فيه الشيخأبو محمد و ميل الإمام إلي التعدد لأن مستنده الاتلاف لا الشبهة و قد تعدد الاتلاف و هل للمالك مطالبة الغاصب بالمهر فإنه وجب بالوطء في يده فيه تردد من حيث أن اليد لا تثبت على منافع البضع و هذا بدله
أما الولد فهو رقيق إن كان عالما و لا نسب له فإنه ولد الزنا
وإن انفصل حيا أنفصل من ضمانه فإن مات ضمنه وأن أنفصل ميتا فالأظهر أنه لا يضمن لأنه لم يستيقن حياته بخلاف ما إذا أنفصل ميتا بجناية
فإنه يحال الموت على السبب الظاهر و فيه وجه أنه يضمن لأنه مات تحت يده بخلاف الولد لو كان حرا عند الجهل وأنفصل ميتا فإن اليد لا تثبت على الحر
و على هذا لا يمكن أن يغرم عشر قيمة الام لأنه فوات بإفة سماوية و التقدير نتيجة الجناية فيلزم أن يغرم كل قيمته بتقدير حياته وكذلك في البهيمة وهو بعيد
الطرف الثاني فيما يرجع به المشتري على الغاصب
إن كان عالما لم يرجع بشيء لأنه غاصب مثله و تلف تحت يده
وإن كان جاهلا فلا يرجع بقيمة العين أن تلف تحت يده لأنه دخل فيه على شرط الضمان و نقل صاحب التقريب قولا في القدر الزائد على الثمن أنه يرجع به
أما زيادة القيمة قبل قبض المشتري لا يطالب به المشتري بحال و إنما يطالب به الغاصبوأما أجرة المنفعة التي فاتت تحت يده يرجع بها وما فات باستيفائه فيخرج على قولي الغرور مع مباشرة الاتلاف فكذا مهر المثل إذا غرمه بالوطء فإنه متلف و الغاصب غار و المتزوج من الغاصب لا يرجع بالمهر لأنه دخل على قصد ضمان البضع و يرجع المشتري بقيمه الولد لأن الشراء لا يوجب ضمانه وكذا الزوج
ولو بنى فقلع بناءه فالأظهر أنه يرجع بأرش نقض الهدم على الغاصب لأنه فات بغروره و إليه ميل القاضي
و فيه وجه أنه متلف بالبناء فلا يرجع و لا خلاف أنه لا يرجع بما أنفق لأن ذلك يتفاوت فيه الناس
ولو تعيب المغصوب في يد المشتري نص الشافعي رضي الله عنه أنه يرجع
قال المزني هو خلاف قياسه لأن الكل من ضمانه حتى لم يرجع فيه فكيف يرجع بالأجزاء فمن الأصحاب من وافق
وذهب ابن سريج إلى تقرير النص و هو أن ضمان المشتري ضمان عقد والبعقد لا يوجب ضمان الأجزاء وكذلك إذا تعيب قبل القبض وجب الإجازة بكل الثمن
ولو باع عبدا بجاريه ثم رد الجارية بالعيب و العبد معيب بعيب حادث لم يجز له طلب الارش معه بل عليه أخذه أو اخذ قيمته فلا يضمن إجراؤه مع رد عينه فرع نقصان الولادة عندنا لا ينجبر بالولد خلافا لأبى حنيفه رحمه الله عليه
كتاب السلم والقرض

كتاب السلم والقرض
و فيه قسمان
القسم الأول السلم
و الأصل فيه قوله عليه السلام و من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم الى أجل معلوم
و الدين يثبت في الذمة اختيارا بالمعاوضة و القرض
أما المعاوضة فالبيع و في معناها سائر المعاوضات في حق إثبات المال في الذمة و أما السلم ففيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في شرائطه و هي سبعة
الأول أن يكون المسلم فيه دينا

لأن لفظ السلم السلف للدين فإن قيل فلو عقد البيع بلفظ السلم بان قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد
قلنا لم ينقعد سلما و في انعقاد البيع به قولان ذكرهما القاضي
أحدهما لا لأن لفظ السلم ينبو عن العين
والثاني نعم لأن المقصود بحكم الحال صار معلوما منه و هو قريب مما إذا قال بعتك بلا ثمن أنه أهل ينعقد ذلك هبة
فإن قيل فلو أسلم بلفظ الشراء فقال اشتريت منك مائة كر من حنطة صفتها كيت وكيت
قلنا ينعقد ذلك
و في ثبوت شرائط السلم من تسليم رأس المال ومنع الاعتياض وجهان
أحدهما أنه يثبت لأن هذه الشرائط منوطة ببذل المال في مقابلة دين لا باسم السلم
و الثاني أنه منوط باسم السلم إذ ليس يعقل فيه المعنى
نعم هل يجوز الاعتياض على هذا عن الحنطة فيه طريقانمنهم من قال فيه قولان كما في الثمن
ومنهم من قطع بالمنع لأنه مقصود في جنسه بخلاف الثمن
فإن قيل و هل يشترط في المسلم فيه بعد كونه دينا تأجيله
قلنا لا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله إذ قال الشافعي رضي الله عنه إذا جاز السلم مؤجلا فهو حالا أجوز و عن الغرر أبعد
ثم له ثلاثة أحوال
أحداها أن يصرح بالحلول فهو حال
و الأخر أن يطلق ففيه وجهان
أحدهما البطلان لأن مطلقه يشعر بالأجل و هو مجهول
والأصح الصحة لأن السلم بيع إلا انه في دين
الثالثة أن يصرح بالأجل فلا بد و أن يكون معلوما وفيه مسائل
الأولى أن التأجيل بالحصاد و العطاء و القطاف و الدياس وما يتقدم و يتأخر فاسد فأنه مجهول
و المذهب جواز تأقيته بالنيروز و المهرجان فإنه معلوم وكذا بفصح النصاري و فطر اليهود إن كان يعلم ذلك دون مراجعتهم فانه لا يعتمد على أقوالهم
ولو اقت بنفر الحجيج فوجهان لأن للحجيج نفرين
ومن صحح نزل على الأول وهو جار في تأجيله الى ربيع و جمادى فانه متعدد و تعيين الأول للأداء محتمل
الثانية لو قال الى شهر رمضان أو الى أول يوم الجمعة يصح و يحل الأجل بأول جزء من رمضان و الجمعة
و لو قال تؤديه في رمضان أو في الجمعة لم يجز جعله ظرفا ولم يبين وقبته ولو قال الى ثلاثة أشهر وهو وقت مستهل الهلال حسب الأشهر الثلاث بالأهلة
و إن كان في أثناء الشهر كمل ذلك الشهر ثلاثين و أحتسب شهران بالأهلةأتباعا لفهم أهل العادة في اتباع الأهلة
و قال أبو حنيفة رحمة الله إذا أنكسر شهر واحد كمل كل شهر ثلاثين ثلاثين
أما إذا قال الى أول الشهر أو الى آخره
قال الأصحاب هو باطل لأن أول الشهر يعبر به عن النصف الأول و العشر الأول و كذا الآخر فهو مجهول
قال إمام الحرمين إذا لم يكن للشافعي رضي الله عنه في نص في و المسألة لفظية فليس يبعد مخالفة الأصحاب إذ يظهر أن يقال المفهوم منه أول جزء من الشهر وآخر جزء منه فلا فرق بين أن يقول الى رمضان أو يقول الى أول رمضان ولا بين أن يقول الى العيد أو الى آخر رمضان
الثالثة قال الشافعي رضي الله عنه لو لم يذكر أجلا فذكراه قبل التفرق جاز و هذا يكاد يكون إلحاق زيادة بالعقد في مجلس القعد وطرده الأصحاب في إلحاقات الزيادات في المجلس
وكان الشافعي رضي الله عنه يقول السلم المطلق لا يصرح بالحلول بل هو موقوف في حق الأجل على أن يتفرقا فالمجلس وقت البينان للأجل ولو ذكر أجلا مجهولا و حذف في المجلس لم ينقلب العقد بعد فساده صحيحا لأن المجلس حريم لعقد منعقد فإذا فسد فلا حريم له و حكي عن صاحب التقريب وجه أنه ينحذف وهو بعيد
الشرط الثاني القدرة على التسليم

و العجز مانع و هو ينقسم الى المقارن و الطارئ
أما المقارن فلو أسلم في مفقود حالة العقد موجود لدى المحل صح عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لأن القدرة عنده تعتبر وقت الوجوب بحكم الشرط و لو كان مفقود الجنس لدى المحل بطل وفاقا
وان وجد في موضع أخر فإن قرب من البلد بحيث ينقل إليه ذلك الشئ لغرض المعاملة جاز و إن كان لا ينقل إلا في مصادرة أو بخفة مع عسر فلا يصح
ولو أسلم في وقت الباكورة في قدر كثير يتعسر تحصيله و لكن بعد عشر ففيه وجهان وهو قريب من بيع الطائر المفات في دار فيحاء بعسر أخذه ولم يذكر هذا الوجه فيما يعسر نقله الى مكان التسليم لأن التشاغل بنقله قبل وجوبه لا يجب و بعد وجوبه يفتقر الى مدة فيتراخى عن وقت الاستحقاق و ليس يبعد أيضاذكر وجه فيه
أما العجز الطارئ فهو طريان آفة قاطعة للجنس ففي أنفساخ العقد قولان
أحدهما نعم لأنه لو أقترن بالابتداء لمنع فاشبة تلف المبيع قبل القبض
و الثاني لا لأن الوفاء به في السنة الثانية ممكن و العقد وارد على الذمة فأشبه إباق المبيع فإنه يثبت الخيار ثم ليس هذا الخيار على الفور وهو كخيار الاباق وخيار المرأة في الايلاء لأنه نتيجة حق المطالبة بالمستحق وهو قائم متجدد في كل حال
و الأصح أنه لا يسقط و إن صرح بالإسقاط كما لا يسقط بالتأخير وفيه وجه أنه يسقط
فرع
لو أنقطع قبل المحل وعلم دوام الانقطاع الى المحل ففي تنجز الانفساخ و الفسخ قولان يضاهيان ما إذا قال لآكلن هذا الطعام غدا فتلف قبل الغد بآفه هل يحنث في الحال وهو محتمل جدا
الشرط الثالث أن يكون المسلم فيه معلوم الوصف

ولا يمكن استقصاء كل وصف مقصود ولكن كل وصف مقصود تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا فقد صاغ أهل اللغة عنه عبارة فلا بد من ذكره ثم ينزل كل وصف على أقل الدرجات فإذا ذكر عبدا كاتبا لم يشترط التبحر فيه بل ما يطلق عليه الاسم
فرعان

أحدهما أن الوصف المعرف ينبغي أن يكون معلوما لغير المتعاقدين حتى يرجع إليهم عند التنازع و لسنا نعني به الأشهاد على السلم بل نريد به الاحتراز عن اللغة العربية التي لا يفهمها أهل الاستفاضة فإن فهمها عدلان سوى المتعاقدين دون أهل الاستفاضة ففيه وجهانو كذا المكيال ليكن معروفا لغيرهما فلو لم يعرفه الا عدلان فوجهان
الثاني لو أسلم في الجيد جاز ونزل على أقل الدرجات و في الاجود لا يجوز إذ لا جيد إلا وفوقه جيد فله أن يطلب غير ما يسلم إليه
و لو أسلم في الردئ لم يجر إلا في رداءة النوع كالجعرورة لأن رداءة العيب لا ضبط لها و لو أسلم في الأردأ فوجهان و الأصح الجواز لأن طلب الأردأ مما يسلم أليه من ردئ تعنت و عناد
الشرط الرابع تعريف المقدار بالوزن أو الكيل في المسلم فيه

و يجوز الوزن في المكيل و الكيل في الموزون بخلاف الربويات فإن ذلك مبنى على التعبد نعم لا يصح السلم في مكيال من المسك و العنبر فإن ذلك لا يعد ضبطا فالمتبع المعرفة المعتادة
أما المعدودات فلا يكفي فيها العد لتفاوتها بل لا بد من الوزن فيسلم فيالبطيخ و الرمان و البيض و الباذنجان بالوزن
وفي الجوز و للوز قد لا يضبط الوزن لتفاوت القشور و لكن إن وجد نوع يتساوى غالبا عرف بالوزن
ويجمع في اللبنات بين الوزن و العد لأن ذلك لا يعز وجوده فإنه مضروب بالاختيار و كذا الأجر أن لم نلحقه بالدنس على رأى لاثر النار فيه فرع إذا عين مكيالا لا يعتاد الكيل به كالقصعة و الكوز بطل العقد به لعلتينأحداهما الجهل بقدر المسلم فيه فانه لا يدرى أن الصفقة رابحه أم خاسرة
و الأخرى أنه ربما يتلف فيتعذر الوفاء بالعقد و السلم يصان عن غرر لا غرض فيه
ولو قال بعتك من هذه الصبرة بملاء هذا الكوز فالأصح الصحة لأن الأقوى التعليل بالغرر و توقع التلف في السلم ومن علل بالجهل أبطل البيع
والسلم الحال متردد بين البيع و السلم المؤجل ففيه وجهان
أما إذا عين مكيالا معتادا لو شرط الكيل به فلا يتعين إذا لا غرض فيه وهل يفسد به العقد فيه وجهان
و الأصح صحة العقد لانه هذيان لا يتعلق به غرض فان قيل فلو عين شجرة أو بستانا و قال أسلمت اليك من ثمرة هذا البستان
قلنا يبطل لعلتينإحداهما ظهور الغرر بتوقع الجائحة في البستان المعين
والأخرى مناقضة الدينية لأن ما يظهر من ثمرة الشجرة متعين لملكة و حق الدين أن يسترسل في الذمة
أما إذا أضاف الى ناحية يبعد فيها وقوع الآفة فإن أفاد تنويعا صح كقوله معقلي البصرة لأن الإضافة كالوصف هاهنا
وأن لم يفد تنويعا فمنهم من قال هو كتعين المكيال إذ لا فائدة له ومنهم من قطع بأنه لا يبطل لأنه تعيين لا يضيق مجالا أصلا
الشرط الخامس تعيي مكان التسليم في المسلم فيه

و فيه قولان و في محلهما ثلاثة طرق
أحدها أنه إن كان في النقل مئونة فلا بد من التعين و إلا فقولان
و الثاني عكس ذلك و الثالث إطلاق القولين
ولعل الأصح أنه لا يشترط ولكن ينزل المطلق على مكان العقد
الشرط السادس تسليم رأس المال في المجلس

لأن رأس المال إذا كان دينا كان بيع الكالئ بالكالئ و إن كان عينا فيجب تعجيله لأنه أحتمل الغرر في المسلم فيه لحاجة فيجبر ذلك بتأكد العوض الثاني بالتعجيل
ثم لا خلاف أنه لو كان رأس المال نقدا ولم يعينه ثم عينه في المجلس كفاه لأن المجلس كالحريم فله حكم الابتداء و كذلك القول في بيع الدراهم بالدراهم في الصرف
و اما في بيع الطعام بالطعام وجهان من حيث إذا لم يعين طالت أو صافه وظهر قضية الدينية و قرب من بيع الدين بالدين بخلاف النقود فرع إذا فسخ السلم بسبب استرد عين رأس المال إن كان عمينا عند العقد
وان عين عند القبض فوجهان و الأصح الرجوع الى عينه فالقبض في المجلس كإيراد العقد عليه وهو ملتفت أيضا على أن المسلم فيه إذا رد بعيب كان ذلك نقضا للملك في الحال فهو تبين لعدم جريان الملك فيه إذا خالف الوصف المستحق
الشرط السابع تقدير رأس المال

وفيه قولانأحدهما وهو القياس و هو اختيار المزني أنه يجوز أن يكون جزافا اعتمادا على العيان كما في البيع
و الثاني لا بد من التقدير لأنه قد يفسخ السلم فيحتاج الى الرجوع إليه أو الى قيمته فيتعذر والسلم يبعد عن الغرر ما أمكن
واختلفوا في أن هذا الخلاف هل يجرى في الجهل بقيمة رأس المال وفي السلم الحال
فإن قيل و هل يشترط كون المسلم فيه مثمنا حتى لا يجوز السلم في النقود
قلنا فيه وجهان و الأصح جواز السلم منها إذ لا مانع منه
الباب الثاني في بيان ما يجب وصفه في المسلم فيه على التفصيل و ما يمتنع السلم فيه
لعزة وجوده أو لعدم إحاطة الوصف به

والنظر في أجناس من الأموال
الجنس الأول الحيوان

والسلم فيه جائز عندنا خلافا لأبي حنيفة
و المعتمد فيه الأحاديث و الآثار و إلا فالقياس منعه إذ أقرب الحيوانات إلي قبول الوصف الطيور والحمامات و يختلف الغرض بكبرها و صغرها
ونحن لا نجوز السلم في المعدودات إلا بالوزن و الوزن لا يضبط الحيوان مع اشتماله على أخلاط متفاوتة ولكن إذا ثبت بالأحاديث فالرتبة العليا منه
السلم في الرقيق

و يشترط فيه النوع و اللون و الذكورة والأنوثة و السن فيقول عبد تركي أسمر ابن سبع أو أبن عشرو الأصح أنه لا بد من ذكر القامة فيقول طويل أو قصير أو ربع ثم ينزل من كل رتبه على الأقل ولا يقيد ذلك بالأشبار فيعز وجوده
و قال العراقيون لا يشترط القامة
أما التعرض لآحاد الأعضاء و كيفية أشكالها فلا يعتبر لأن ذلك بين أن يطول أو ينتهي إلي عزة الوجود
وأما الكحل و الدعج و تكلثم الوجه وكون الجارية خميصة مثقلة الأرداف ريانة الساقين و ما يجري مجراه مما يقصد و لا يطول و لا ينتهي الى عزة الوجود قال العراقيون لا يشترط وميل المراوزة الى أشتراطه
و في الملاحة تردد للقفال منشؤه أنها جنس يعرف أو يختلف بميل الطباع الرتبة الثانية البهائم
قال الشافعي رضي الله عنه يقول في البعير أسلمت اليك في ثني من نعم بني فلان غير مودن نقي من العيب سبط الخلق مجفر الجنبين
أما الثني فهو الذي استكمل خمس سنين و بيان السن لا بد منهو المودن الناقص القصير
و مجفر الجنبين عظيمهما و هو يضاهي التعرض للقد في العبيد
وقوله نقي من العيوب احتياطا و لا بد أيضا من ذكر اللون فرع إن أختلف نعم بني فلان
قال العراقيون صح و نزل على ما ينطلق عليه الاسم وهذا تساهل بل الوجه القطع باشتراط تمييز الأنواع إذا سهل ذلك
وكذلك الخيل يتعرض فيها للون والسن والنوع كالعربي والتركي
أما الشياة كاللطيم و الأغر و المحجل فذكرها احتياط و ليس بشرط الرتبة الثالثة الطيور
و يتعرض فيها للون و النوع و الكبر و الصغر و سنها لا يعرف أصلا فرع إذا شرط مع الجاريه الخادمة و لدها لأن ذلك لا يعز وجوده في الحاضنات
و إن كان يطلب الجارية للتسري فقد ينتهي شرط ذلك الى عزة الوجود فلا يجوز
الجنس الثاني في أجزاء الحيوان و زوائده

و فيه مسائل
الأولى يصح السلم في اللحم فيقول لحم بقر أو غنم أو ضأن أو معز ذكر أو أنثى خصى أو غير خصي رضيع أو فطيم معلوفة أو راعية من الفخد أو من الجنب و لا يشترط فإنه كالنوى من التمر
الثانيه إذا شرط في اللحم الهزال لم يجز لأنه عيب لا ينضبط بالعادة
ولو لا أسلم في المشوي و المطبوخ قالوا لا يجوز لاختلاف أثر النار
و قال الصيدلاني إذا أمكن ضبطه بالعادة جاز فإن الأصح جوازه في الخبز و الدقيق و الدبس و السكر والفانيد و في الخبز و الدبس وجه أخر بعيد
الثالثة السلم في رءوس الحيوانات قيل التنقية من الشعور باطل و بعد التنقية قولان
ووجه المنع أنها تشمل على مركبات تختلف المقاصد بها والوزن لايحصره و الكبر منه مقصود فيلتحق بالمعدودات لا بالحيوانات
و الاكارع أولى بجوار السلم فيها لأنها اقرب الى قبول الضبط
الرابعة السمك المملح يجوز السلم فيه إن لم يكن للملح وزن و إلا فلا إذ لا يعلم المقصود منه بالوزن
الخامسة الجلود المدبوغه أن كانت غير مقطوعة على التناسب لم يجز السلم فيها لتفاوت أطرافها وإن قطعت كالنعال السبتية فالظاهر جواز السلم فيها بالوزن
و فيه وجه للمنع للتفاوت في الغلظ و الدقة
السادسة يجوز السلم في زوائد الحيوان من اللبن و السمن و الزبد و المخيض فيذكر الوزن و الصفة و ما يختلف به القيمة و يذكر الحموضه في المخيض و ينزل على أقل الدرجات
و يذكر في الصوف و الوبر اللين و الخشونة و الطول و القصر
الجنس الثالث الثياب وأصولها

فيذكر في الثوب الطول والعرض واللون والأصل أنه من قطن أو كتان أو من إبريسم والبلد الذي ينسج فيه إن اختلفت به القيمة ويسلم في القطن فيذكر اللين والخشونة واللون والوزن
وإن كان مستترا بالجوز لم يجز السلم فيه ويجوز السلم في المحلوج وغير المحلوج وإن كان فيها الحبات
وكذلك يذكر في الإبريسم الدقة والغلظ والناحية التي منها يجلب
ويصح السلم في المصبوغ من الثياب فيذكر قدر الصبغ ودرجاته
وتردد العراقيون في المصبوغ بعد النسج وزعموا أن ذلك ضم صبغ لا يعرف قدره إلى الثوب وهو باطل بالمصبوغ قبل النسج
الجنس الرابع الفواكه

يجوز السلم في رطبها و يابسها وآلات الصيادلة إلا ما هو مخلوط منه فيذكر من جميعها ما تختلف به القيمة
ويذكر في العسل أنه جبلي أو بلدي والجبلي خير وأنه ربيعي أو خريفي والخريفي خير ويذكر اللون
ويتعرض للمعتوق و الحدوث في الرطب وبعض الفواكه ولا حاجة إليه في البر والحبوب إذ لا يختلف به غرض إلا إذا قرب من السوس فإن ذلك عيب
وأما الشهد قال الفوراني هو مختلط فلا يسلم فيه
والأصح جوازه لأنه متناسب
الجنس الخامس الخشب

فما يراد للحطب تقل صفاته فيذكر الجنس واللون والوزن ولا حاجة إلى ذكر اليبوسة فإن الرطوبة عيب في الحطب و الغلظ والدقة لابد من ذكره
وما يراد للنجر كالجذوع والعمد فيذكر الطول والعرض والاستدارة والنوع وقال الشيخ أبو محمد تحتاج إلى شرط الوزن أيضا لأنه قد يصير حطبا فيطلب وزنه
والمنحوت من الخشب لا يجوز السلم فيه لتفاوت أجزائه إلا إذا تناسب على وجه يمكن ضبطه ولا يختلف ويجوز السلم في خشب النبال قبل النحت
الجنس السادس في الجواهر

فيذكر في الحديد الوزن والذكورة والأنوثة
ويتعرض في النحاس وغيره لما تختلف به القيمة
ويتعرض في حجر الرحى للطول والعرض والاستدارة و الوزن
و اللآلى و اليواقيت لا يسلم فيها لعزة وجودها إذا أطنب في وصف ما تختلف به القيمة
و اللالىء الصغار التي لا يعز وجودها يجوز السلم فيها بالوزنقال الشيخ أبو محمد و كذلك فيما يتحلى به غالبا و هو مالا يزيد وزنه على سدس فإن ذلك أيضا يكثر وجوده و تعرق صفاته
الجنس السابع المختلطات
و هي ثلاثة أضرب
الأول المختلط المختلط خلقة كاللبن و الشهد يجوز السلم فيها
الثاني مالا يقصد خليطه كالجبن و فيه الانفحة و الخبز و فيه الماء والملح يجوز السلم فيه لأنه في حكم الجنس الفرد
الثالث ما يقصد جميع أركانه كالمعجونات و المرق و معظم الحلاوى و الخفاف و الصنادل و القسي و النبال لا يجوز السلم في شئ منها لأنه لا ينضبط آحاد أركانه و كذلك قسى العرب و إن لم يكن فيه الا خشب و لكن يتفاوت تخريطه و هيأته
ويجوز السلم في دهن البان و البنفسج لأنه لا يقصد تخليطه بل لا يخالطه البنفسج فإن السمسم يروح بالبنفسج ثم يعتصر
و ظن المزني أنه يختلط بعينه فمنع السلم فيه وهو غلطفرعان
أحدهما خل الزبيب و التمر قطع العراقيون بجواز السلم فيه
و قطع المراوزة بالمنع لأنه يمنع معرفة المقصود إذ قدر الماء يختلف فيه
الثاني العتاببي مركب من القطن و الابرسيم فيه وجهان لأنه في حكم جنس واحد من وجه
ونص الشافعي رضي الله عنه على السلم في الخز وهو محمول عند هذا القائل على ما إذا لم يكن فيه ابريسم بل أتحذ جنسه
وعلى الجملة المحكم في جميع ذلك العرف و العادة و لا يمكن الوفاء بجميع الصور و فيما ذكرناه تنبيه على ما تركناه
الباب الثالث في أداء المسلم فيه
و النظر في صفته وزمانه و مكانه
أما الصفة

فلو آتى بغير جنسه لم يجز قبوله لأنه أعتياض
و إن أتي باردا منه جاز قبوله ولم يجب
وإن أتى بأجود وجب قبوله وقيل لا يجب لأنه فيه منة وهو بعيد
ولو أتي بنوع أخر كما لو أسلم في الزبيب الأبيض فأتى بالأسود ففي جواز القبول وجهان منشؤه أن أختلاف النوع كاختلاف الوصف أو كاختلاف الجنس
وترددوا في أن التفاوت بين السقية من الحنطة و ما يسقى من السماء تفاوت صفة أو تفاوت نوع وكذلك في الرطب مع التمر
وترددوا في أن التفاوت بين الهندي و التركي من العبيد اختلاف جنس أو اختلاف نوع
فرع
لو أسلم في لحم السمك لم يلزمه قبول الرأس و الذنب و كذا لحم الطير و لو أسلم في السمك و الطير لزمه القبول
أما الزمانفلا يطالب الا بعد المحل و لكنه لو جاء به قبل المحل فإن كان له في التعجيل غرض فإن كان له بالدين رهن أو ضمان أو المكاتب عجل النجوم يجبر على القبول
وإن لم يكن غرض سوى البراءه نظر فإن كان للممتنع غرض بأن كان في وقت نهب و عارة أو كانت دابة يحذر من علفها فلا يجبر
و إن لم يكن غرض في الامتناع فقولان
أحدهما يجبر لأن الأجل حق من عليه الدين و قد أسقطه
والثاني لا لأن فيه منة
فإن قيل لو صرح من عليه الدين بإسقاط الأجل هل يسقط حتى تتوجه عليه المطالبة
قلنا فيه وجهان
أحدهما لا لأن الأجل وصف تابع كالصحة في الدراهم لا يسقط بمجردها مع بقاء الأصل
و الثاني نعم لأن الدين عليه و الأجل هو له
فرعان

أحدهما لو خاف المسلم إلية الانقطاع لدى المحل فهل يكون هذا عذرا في التعجيل فيه وجهان
الثاني لو سلم في غير مكان العقد و كان فيه مئونة فهذا عذر من جانب المستحق فلا يجبر
أما إذا أتى بالحق بعد حلوله فلا شك في الإجبار إن كان للمؤدي غرضوإن لم يكن غرض فطريقان ولا أثر ها هنا لعذر المستحق
منهم من قال فيه قولان كما قبل المحل لأنه حقه فله التأخير إلى حيث يشاء ومنهم من قطع بالإجبار لغرض البراءة فليأخذ أم ليبرىء
أما مكان التسليم يتعين فيه مكان العقد إما بالتعيين أو بالإطلاق فلو ظفر به في غيره وكان في نقله مؤنة لم يطالب به وإن لم يكن مؤنة فله المطالبة وكذا في سائر الديون إلا في الغاصب فإن في مطالبته مع لزوم المؤنة وجهان تغليظا عليه من حيث منعناه من المطالبة بالمثل لما فيه من المؤونة فلا بد من القيمة لوقوع الحيلولة بعد ثبوت الاستحقاق وتوجه المطالبة هذا تمام القول في السلم
القسم الثاني من الكتاب النظر في القرض والنظر في حقيقته وركنه وشرطه وحكمه
أما الحقيقية
فهي مكرمة جوزتها الشريعة لحاجة الفقراء ليس على حقائق المعاوضات و لذلك لا يجوز شرط الأجل فيه لأن المقرض متبرع والمتبرع بالخيار في تبرعه بالرجوع والأجل يمنع الرجوع ولو لزم الأجل لكان معاوضة ولو جب التقابض في المجلس فإنه مقابلة دراهم بمثلها
وقال مالك رحمه الله يثبت الأجل
ولذلك لو رجع عن الإقراض في الحال قبل تصرف المستقرض وطالب به جاز
وقال مالك رحمه الله لا يجوز وطرد ذلك في العواري وكأن القرضعند الشافعي رضي الله عنه إذن في الإتلاف بشرط الضمان فهو قريب منه إن لم يكن عينه أما ركنه
فالمقرض و المقرض و الصيغة
أما الصيغة فقوله أقرضتك أو أخذه بمثله و هل يشترط القبول وجهان أحدهما لا لأنه أن في الإتلاف بعوض

و الثاني نعم لأنه يملكه المستقرض بالقبض أو التصرف فليس إتلافا محضا
وأما المقرض فليس يشترط فيه الا أهلية التمليك و التبرع فإنه تبرع و لذلك لا يجوز في مال الطفل الا لضرورة و كذا المكاتب على ما سيأتي في الرهن
أما المقرض فكل ما يجوز السلم فيه ويتسلط قرضه الا الجواري ففيه قولان منصوصان
القياس الجواز كما في العبيد
ووجه المنع أن المستقرض يتسلط على الوطء ويتسلط على الاسترداد فيبقى الطء في صورة إباحة
و لا خلاف في أنه لو كانت الجاريه محرما للمستقرض جاز إقراضها و قد نقل عن الصحابة النهي عن إقراض الجواري فاستحسن الشافعي رضي الله عنه ذلك
و قال الأصحاب بناء القولين على أن المستقرض يملك بالقبض أم بالتصرف
فإن قلنا يملك بالقبض فلا يجوز الإقراض لأنه يؤدي الى استباحة الوطء
و إن قلنا بالتصرف فعم
و منهم من عكس الترتيب و قال إن قلنا يملك بالتصرف فلا لأنه يقع في يده من غير ملك ففيه خطر الوطء ولا خطر إذا ملكناه فليطأها فإن قيل وما لا يجوز السلم فيه و لا يجوز بيع بعضه ببعض هل يجوز إقراضه
قلنا أطلق الأصحاب منعه
و ذكر الشيخ أبو على وجها في جواره و هل هو مبني على أن المقرض يرد المثل في ذوات القيم فإن قلنا يرد القيمة أو القيمة جاز إقراض كل مال متقدم
أما شرطه
فهو أن لا يجر منفعة لنهي رسول صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة
فإن شرط زيادة أو منفعة فسد حتى لا يفيد الملك و صحة التصرف فيه
و للشرط صور
أحدها إن شرط الكفيل و الرهن و الشهادة في القرض يجوز لأنه أحكام له لا زيادة عليه
ولو شرط رهنا في دين آخر فهو منفعة و كذا إذا شرط في المكسرة رد الصحيح أو أن يشتري منه شيئا
الثانية أن يشترط في الصحيح رد المكسور فهذا غير مفسد لأنه وعد بمسامحة ثم لا يلزم
وكذلك إذا شرط الأجل لا يلزم و لا يفسد الا إذا كان في زمان نهب وغارة فهو مفسد لأن فيه غرضا
الثالثة أن يقول أقرضتك هذا بشرط أن أقرضك غيره صح ولم يلزم الشرط لأنه وعد وكذا إذا قال و هبت بشرط أن أهب
بخلاف ما إذا قال بعتك بشرط أن أهبك شيئا فيفسد البيع لأن العوض يكون مبذولا في مقابلة المبيع و المتوقع هبته فيتطرق إليه خلل و جهل
هذا في الربويات أما في غير الربويات ففي شرط الزيادة وجهان
أحدهما التسوية لعموم النهي
والثاني الجواز لأن الزيادة تلزم بالعقد و المقابلة و قد وجدت و لكن يمتنع ذلك
في الربويات و هذا فاسد لأن صيغة المعارضة لم تشترط فإن شرط فهو بيع فاسد و ليس بقرض و القرض بمطلقه ليس له حكم البيع و لذلك عند ترك الزيادة في الربويات لم يشترط التقابض
فإن قيل نقل أنه عليه السلام أستسلف بعيرا ببعيرين
قلنا كان ذلك في عقد السلم
أما حكمه
فهو التمليك و لكن بالقبض أو بالتصرف فيه قولان مفهومان من معاني كلام الشافعي رضي الله عنه
أقيسهما أنه بالقبض لأنه لا يتقاعد عن الهبة مع أنه للعوض فيه مدخل و لأنه يملك التصرف بعد القبض فيدل على تقدم الملك
و الثاني أنه يملك بالتصرف فيتبين تقدم الملك عليه لأنه تفويت بالأذن بشرط الضمان و ليس بتمليك و عقد و التفويت يحصل بإزالة العين أو الملك
التفريع

إن قلنا يملك بالقبض فله أن يرده بعينه إذله أن يرد بدله فهو أولى و لو رجع المقرض في عينه جاز له لأنه أقرب من بدله وله أخذ بدله
و ذكر الشيخ أبو محمد وجها أن النظر فيه الى جانب المستقرض و إرادته فإن لم يرد عينه فله ذلك
و أن قلنا يملك بالتصرف فلا خلاف في أنه يملك بكل تصرف مزيل للملك كالبيع و الإعتاق و ما يستباح بالإباحة كالاعاره و الاستخدام فلا يملك به
واما الإجارة و الرهن و البيع بشرط الخيار ففيه طرق
قال الشيخ أبو محمد كل ما يقطع رجوع الواهب و البائع في عين متاع المفلس يملك نه هاهنا
و قال آخرون كل تصرف لا ينعقد بدون الملك فيخرج الرهن عنه فإنه يجوز في المستعار بخلاف الإجارة
و قال آخرون كل تصرف لازم يتعلق بالرقبة فيدخل فيه الرهن و يخرج منه الإجارة و البيع الجائز
وقال آخرون لا يملك الا بتصرف مزيل للملك أصلا
فإن قيل المستقرض ماذا يؤدي قلنا المثل في المثليات
و في ذوات القيم وجهان
أشبههما بالحديث رد المثل لما روي انه عليه السلام أستقرض بكرا ورد بازلا و قال عليه السلام خيركم أحسنكم قضاء و لأنه لو
و جب القيمة لافتقر الى الإعلام
و الثاني و هو القياس وجوب القيمة و الله أعلم و أحكم
كتاب الرهن وفيه أربعة أبواب

الباب الأول في أركان عقد الرهن ومصححاته وأركانه أربعة الراهن والمرهون والمرهون به وصيغة العقد
الركن الأول في المرهون

وفيه ثلاثة شرائط الشرط الأول أن يكون عينا
فلو رهن دينا لم يصح لأنه يلزم بالقبض والقبض لا يصادف غير ما يتناوله العقد ولا مستحقا بالعقد ولذلك لا يصح هبة الدين فإنه لا يلزم إلا بالقبض بخلاف بيع الدين فإنه يصح على رأي
وكذلك لو باع درهما بدرهم ثم عين في المجلس صح لأن البيع سبب استحقاق قبل القبض فيتعين بالقبض بخلاف الهبة والرهن
فرع
الإفراز ليس بشرط بل يصح رهن المشاع خلافا لأبي حنيفة ثم تجري المهايأة بين الراهن والمالك
نعم لو رهن نصيبه من بيت معين من جملة دار مشتركة ففيه وجهان
ومنشأ المنع أنه ربما يقتسم الشريك فيقع الجميع في حصته فلا يبقى للرهن مقر
فلو صححنا فوقع ذلك احتمل أن يقال هو تلف واحتمل أن يقال الراهن ضامن والتفويت منسوب إليه
الشرط الثاني أن يكون المرهون قابلا للبيع عند حلول الحق
فلا يجوز رهن الموقوف وأم الولد وكل ما لا يجوز بيعه
وبيان هذا الشرط برسم ثمان مسائل
المسألة الأولى رهن سواد العراق من عبادان إلى الموصل طولا ومن القادسية إلى حلوان عرضا فإن اعتقاد الشافعي رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه أخذها من الغانمين وحبسها على المسلمين والخراج عليهم أجرة فيها
وقال ابن سريج بل باعها من أهل العراق فهو ملك
وأما أشجارها وأبنيتها فيجوز رهنها وفاقا فإنها مستحدثة
المسألة الثانية رهن المبيع في زمان الخيار جائز إن كان الخيار للمشتري وحده ولزم البيع هكذا ذكره الشافعي رضي الله عنه
وفيه وجه أنه لا ينعقد بل لا بد من تقديم الإلزام
ووجه أخر أنه يلزم البيع ولا ينعقد الرهن وقد ذكرناه في كتاب البيع
المسألة الثالثة قال الشافعي رضي الله عنه رهن الأم دون ولدها جائز إذا لاتفرق فيه
اختلف الأصحاب منهم من قال معناه أنها تباع عند الحاجة مع الولد
ومنهم من قال لا بل أراد به أنه لا تفرقه في نفس الرهن وإلا فتباع دون الولد فإن الرهن لم يرد على الولد ولكن يقع ذلك قهريا لا اختياريا فلا يمتنع التفريق التفريع
إن قلنا تباع مفردا فلا كلام
وإن قلنا تباع مع الولد فيتعلق حق المرتهن بما يخص من الثمن وفي تقديره وجهان
أحدهما أنه تقوم الأم مفردا فإذا هي تساوي مائة فتقدر مع الولد فإذا هي تساوي مائة وعشرون فالولد سدس الجملة فيختص المالك بسدس جملة الثمن ولا يتعلق الرهن به
والثاني أن الولد أيضا يقدر مفردا كما قدرت الأم مفردة فيقال الولد دون الأم كم يساوي وفي هذا تقل قيمته لأنه يكون ضائعا فإذا قالوا خمسين مثلا وقيمة الأم مائة فالولد ثلث
وهذا الخلاف جار في أرض بيضاء رهنت ثم أنبتت غراسا لأن الغراس غير مرهون
وذكر صاحب التقريب أن الأم أيضا تقوم مع الولد فيقال أم لها ولدكم قيمتها فينقص إذ يكون قلبها إلى ولدها لأنها رهنت مع وجود الولد
نعم لو حدث الولد بعد الرهن كان نظيرا لمسألة الغراس
المسألة الرابعة رهن ما يتسارع إليه الفساد بالدين الحال أو بدين مؤجل يحل قبل توقع الفساد جائز فيباع عند الإشراف على الفساد في الدين
وإن كان يفسد قبل الحلول وشرط بيعه عند الإشراف وجعل ثمنه رهنا صح أيضا
وإن شرط أن لا يباع بطل وإن أطلق ففيه قولان أحدهما أنه يصح مطلقة مشعر بالإذن في البيع وتحول الوثيق إلى الثمن
والثاني الفساد لأنه ليس مفهوما بمطلق الرهن
فإن قيل لو طرأ دواما ما يعرضه للفساد
قلنا لم يفسد الرهن ولكن يباع عند الإشراف على الفساد ويجعل بدله رهنا
فإن قيل لو تطابق المتعاقدان على نقل الوثيقة من عين المرهون إلى غيره فينبغي أن يجوز كما لو شرط ذلك فيما يشرف على الهلاك في ابتداء العقد
قلنا فيه وجهان ووجه المنع أن ما يحتمل في الدوام إذا طرأ بالضرورة لا يحتمل ابتداء و لذلك لا يجوز رهن الدين وإن تعلق في الدوام بالقيمة في ذمة المتلف
المسألة الخامسة رهن العبد المرتد صحيح بناء على الصحيح في جواز بيعه
ثم إن قتل في يد المرتهن وكان الرهن مشروطا في بيع فثبوت الفسخ للمرتهن في البيع يبتنى على أن من اشترى عبدا مرتدا وقتل في يده هل يكون من ضمان البائع
المسألة السادسة رهن العبد الجاني يبتنى على صحة بيعه فإن منعناه فهو ممنوع و إلا فوجهان
ووجه المنع أنه يمنع الوثيقة ولذلك يمتنع رهن المرهون و إن قدر الراهن على بيعه إذا قضى الدين وهاهنا يقدر على بيع شرط الفداء بعده وقد يتعوق فيفسخ بيعه فلا تحصل معه الوثيقة ولذلك يقدم أرش الجناية في دوام الرهن على الرهن
فرع لو حفر العبد بئرا فرهن فتردى فيها إنسان فتعلق الضمان برقبته ففي تبيين فساد الرهن وجهان مستندهما إسناد التعلق إلى أول السبب فيكون كالمقارن
ولو قتل قتلا موجبا للقصاص وقلنا موجب العمد القود المحض فرهن ثم عفىعلى مال ففي إسناد انتقال التعلق وجهان
وهاهنا الاستناد أولى لأن القتل سبب تام دون حفر البئر
المسألة السابعة إذا علق عتق العبد بصفة ثم رهنه فإن قلنا لو وجدت الصفة في حالة الرهن نفذ إما لقوة العتق أو لأن العبرة بحالة التعليق خرج ذلك على رهن ما يتسارع إليه الفساد
فإن قلنا لا ينفذ فهو بالرهن مدافع حكم التعليق فالأصح جوازهكما لو دفعه بالبيع
وفيه وجه آخر أنه يفسد لضعف الرهن بخلاف البيع
أما المدبر فقد قال الشافعي رضي الله عنه ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا وهذا مشكل لأن بيع المدبر جائز عند الشافعي رضي الله عنه وليس يندفع التدبر أيضا بالرهن فإنه إذا مات يقضى ديونه ويعتق المدبر وإن لم يكن في ماله وفاء فالمدبر لا يعتق وإن لم يرهن فذهب أكثر الأصحاب لذلك إلى صحة الرهن
ووجه النص أن يقال لعله يموت وله مال فلا يمكن تنجيز العتق قبل أداء دينه وتأخيره إلى الأداء دفع للعتق فالرهن لا يقوى عليه
ويتأيد بالوجه المذكور في إبطال رهن العبد المعلق عتقه بصفة
المسألة الثامنة إذا رهن الثمار على الأشجار نظر إن كان بعد بدو الصلاح والدين حال جاز ذلك ثم يقطف في أوانه ويباع بعضه ويجعل مؤنة على القطاف ويجفف إن أمكن وإلا التحق بما يتسارع إليه الفساد
وإن كان قبل بدو الصلاح فللفساد ثلاث مثارات
أحدها تسارع الفساد بعد التجفيف وقد سبق
والثاني امتناع بيعه إلا بشرط القطع فإن أذن في البيع بشرط القطع جاز وإن صرح بمنع البيع بشرط القطع فسد وإن أطلق فالظاهر أنه يصح وبشرط القطع في بيعه ويباع
وذكر صاحب التقريب قولين في موجب الإطلاق ووجهه أنه لم يرض بنقصان المالية فعلى هذا يفسد الرهن وله التفات على إطلاق الرهن فما يتسارع إليه الفساد أنه هل يكون كالمصرح بتجويز بيعه
المثار الثالث للفساد توقع الآفة والجوائح ويظهر ذلك إذا قدر الدين مؤجلا
وفي المنع بهذا السبب قولان أحدهما يمنع كما يمنع البيع
والثاني لا لأن المحذور ثم ضياع الثمن عند الاجتياح وهاهنا لا يفوت أصل الحق
فرع إذا تلاحقت الثمار بعد الرهن ففي انفساخ الرهن قولان كما في التلاحق في الثمار المبيعة قبل القبض
والأصح أنه لو كان قبل القبض ينفسخ
وفيه وجه مستخرج من الخلاف في العصير إذا صار خمرا قبل القبض وهو بعيد لأن ذلك يتوقع مصيره خلا بخلاف التلاحق فإنه لا يزول
ولو رهن زرعا يتزايد وشرط قطعه في الحال جاز
وإن شرط التبقية فحكمه حكم الثمار التي تتلاحق غالبا والرهن باطل فيهما كما في البيع الشرط الثالث أن لا يمتنع إثبات يد المرتهن عليه وقبضه له
فإن القبض ركن في الرهن وفيه مسألتان
إحداهما رهن المصحف والعبد المسلم من الكافر فهو مرتب على البيع وأولى بالصحة لأن إثبات اليد أهون من إثبات الملك
وكذا رهن السلاح من الحربي مرتب على بيعه منه ورهنه من الذمي جائز وفاقا كبيعه
الثانية رهن الجواري صحيح على المذهب الظاهر
وذكر الشيخ أبو علي قولا أن رهن الجارية الحسناء باطل إلا أن تكون محرما للمرتهن فالوجه القطع بالصحة
ثم إن كان محرما أو عدل على يد عدل أو كان المرتهن يوثق بديانته أو كان معه جماعة من أهله ترعه الحشمة عنها لم يكره التسليم و إلا فيكره إثبات يده عليها
وعلى الجملة فهو قريب من رهن المصحف من الكافر
فإن قيل فهل يشترط أن يكون المرهون ملك الراهن
قلنا لا فإن الشافعي رضي الله عنه نص على أنه لو رهن المستعار بإذن المعير صح الرهن
وغمض حقيقة هذا العقد على الأصحاب واستخرجوا من تردد الشافعي رضي الله عنه في بعض الأحكام قولين في أن هذا عارية أم ضمان
فمن قال إنه عارية أشكل عليه لزومه
ومن قال ضمان أشكل عليه تعلق الضمان برقبة المال
ثم بنوا الأحكام على قولين وهذا البناء غير مرتض عندنا بل نعلل كل حكم بما يليق به من غير بناء
وحقيقة هذا العقد لا يتمحض بل هو فيما يدور بين المرتهن والراهن رهن محض وفيما بين المعير والمستعير عارية وفيما بين المعير والمرتهن حكم الضمان يزدحم عليه مشابه العارية والضمان و يتبين ذلك بالنظر في ثلاثة أحكام
الأول اللزوم في حق المعير
ولا يلزم قبل قبض المرتهن بحال وإذا قبض المرتهن فالصحيح أنه يلزم في حق المعير لأنه أثبت بعاريته شيئا من حقه أن لا يعير وتلزم فهو كما لو أعار الأرض لدفن الأموات إذ لزم لأن فيه هتك حرمة الميت كذلك في رجوعه إبطال وثيقة المرتهن بعين ماله وقد أذن في إثباته
وقال القاضي له الرجوع إذا فرعنا على قولنا إنه عارية وهذا ضعيف لأنه لا يبقى للرهن معنى
وقد حكى العراقيون عن ابن سريج أنا إذا قلنا إنه عارية فلا يصح هذا العقد إذ لا يبقى له فائدة وهو فاسد لأنه خلاف نص الشافعي رضي الله عنه
وقال صاحب التقريب إن كان الدين حالا رجع وإن كان مؤجلا فوجهان يقربان مما إذا أعار أرضا للبناء إلى مدة وفيه كلام
فإن قيل فهل يقدر على إجبار الراهن على فك الرهن وإن لم يقدر على فسخ الرهن
قلنا إن كان الدين حالا فلا خلاف في أنه يملك إجباره وقبل حلول للأجل قولان
أحدهما أنه يملك لأنه عارية في حق المستعير
والثاني لا يملك لأن فيه أداء الدين قبل لزومه وهو متعلق بالمرتهن
فإن قيل فهل يباع هذا في حق المرتهن فقط
قلنا إن كان للراهن مالا فلا يباع بحال لأن مطلق الرهن لا يسلط عليه إلا إذا جدد به إذنا
وإن صار معسرا ففيه خلاف إذ أطلق الأصحاب أن إذا قلنا إنه عارية فلا يباع إلا بإذن مجدد وهذا أيضا يضعف القول بصحة الرهن فإنه أخص فوائده فليجعل الإذن حاصل بالرهن ولازما بحكم الحال وهو الذي يقتضيه فقه المسألة ولا يترك الفقه بقول القائل إن هذا لا نظير له فإن سببه أن يقال إن مثل هذه الواقعة غير متصور
وينبني على ما تقدم خلاف لا محالة في أن عتقه هل ينفذ
الحكم الثاني أن العبد لو تلف في يد المرتهن فهو غير ضامن تمحيصا للرهن في حقه والمستعير هل يضمن
قالوا ينبغي على أنه عارية أو ضمان
فإن قلنا ضمان لا يضمن وهو ضعيف بل هو مستعير محض في حق المعير فينبغي أن يضمن
ولكن نص الشافعي رضي الله عنه وقال ولو أذن له فرهنه فجنى فأشبهالأمرين أنه لا يضمن بخلاف المستعير و فرع على أن المستعير يضمن ما فات بجناية العبد بناء على أحد الرأيين في ان المستعير يضمن ضمان المغصوب وهاهنا لم يضمنه فعن هذا اضطر الأصحاب إلى ذكر قول في أنه ليس بعارية وإنما هو ضمان
فرع لو بيع العبد في الدين بإذن مجدد أو بأصل الرهن يرجع المعير على المستعير بقيمته أو بالثمن فيه خلاف
قال القاضي إذا قلنا ( إنه ) عارية يرجع بالقيمة وهو بعيد فإن ما زاد على القيمة مستفاد في مقابلة ملكه فكيف يسلم للمستعير
الحكم الثالث أنه هل يشترط في هذه الإعارة معرفة قدر الدين وجنسه وحلوله وتأجيله فيه خلاف
يحتمل أن لا يشترط ذلك ويجعل عارية في هذا الحكم ويحتمل أن يشترط لأن الأغراض تتفاوت به وينتهي إلى اللزوم وبنى الأصحاب ذلك على أنه عارية أو ضمان
فرع إذا عين المعير شيئا من ذلك
إن قلنا إنه لا يشترط فلا يجوز مخالفته إذا عين إلا في النقصان كما إذا أذن في الرهن بألف فرهن بخمسمائة فإنه زاد خيرا
ولو قال أعرني لأرهن بألف فأعاره هل يتقيد بما ذكره المستعير تنزيلا للإسعاف على تفصيل الالتماس فيه وجهان
الركن الثاني المرهون به

وله ثلاث شرائط ( وهو ) أن يكون دينا ثابتا لازما
الأول أن يكون دينا فلا يجوز الرهن بعين معصوبة ولا مستعارة
وإن جوزنا كفالة الأعيان على الرأي فالرهن وثيقة دين في عين والضمان توثيق دين بضم ذمة إلى ذمة فلا يفارق الرهن الضمان إلا في ضمان العهدة فإنه جائز
والصحيح أن الرهن به غير جائز لأنه جوز للمصلحة ترغيبا في معاملة من لا يعرف حاله ولا ضرر على الضامن وفي الرهن ضرر لا ينظر له آخر
وفيه وجه أنه يجوز كالضمان لأنه إذا رضي به فقد أضر بنفسه
الشرط الثاني أن يكون الدين ثابتا فلو قال رهنت منك هذا بألف تقرضنيه فقال ارتهنت ثم أقرض لم ينعقد الرهن بل يجب إعادته
وكذلك إذا قال بألف تبيع به هذا الثوب مثلا فثبوت الدين حالة الرهن لا بد منه
وقيل إنه لو جرى الإقراض والبيع في مجلس الرهن صح وهو فاسد
فرع لو مزجا شقي البيع بشقي الرهن كما إذا قال بعت منك العبد بألف وارتهنت منك هذا الثوب به فقال اشتريت و رهنت
قال الأصحاب هذا صحيح بخلاف ما إذا قال لعبده كاتبتك على ألفوبعت منك هذا الثوب بدينار فقال قبلت الكتابة واشتريت فإنه فيه وجهين لتقدم شق البيع على تمام الكتابة
والفرق أن الرهن من مصالح البيع ولذلك جاز شرطه فيه مع امتناع شرط عقد في عقد فمزجه به أكد فيحتمل للمصلحة
وذكر القاضي وجها مخرجا في الرهن من الكتابة والفرق واضح
هذا إذا وقع الختم بأحد شقي الرهن والبداية بأحد شقي البيع فإن وقع الختم بأحد شقي البيع فلا يصح لتقدم تمام الرهن على صحة البيع وثبوت الدين
الشرط الثالث لزوم الدين والديون منقسمة فما لا مصير له إلى اللزوم فلا رهن به كنجوم الكتابة فإن للعبد أن يعجز نفسه مهما شاء
وما وضعه على اللزوم والجواز فيه طارئ يجوز الرهن به كالثمن في مدة الخيار وهو تفريع على قول زوال الملك واستحقاق الثمن
وما وضع على الجواز ولكن قد يصير إلى اللزوم كالرهن بالجعل في الجعالة قبل العمل فيه وجهان
ولعل سبب المنع التخريج على الشرط الثاني وهو أن سبب ثبوت الدين هو العمل المأذون فيه دون مجرد الإذن فكأن سبب الثبوت لم يجز بخلاف البيع في زمان الخيار فإنه سبب تام على الجملة في الاستحقاق
فإن قيل وهل يشترط للدين أن لا يكون به رهن
قلنا لا بل يجوز أن يزاد في المرهون وإن اتحد الدين لأن الدين غير مشغول بالرهن فزيادة الوثيقة فيه معقولة وهل تجوز الزيادة في الدين مع اتحاد المرهون فيه قولان
أحدهما وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله المنع لأن رهن المرهون باطل وإليه يرجع حاصلة
والثاني وهو اختيار المزني الصحة لأن الحق لا يعدوهما و لا مقابلة بين المرهون والدين إلا من جهة الوثيقة وإنما لا يجوز رهنه من غير المرتهن لحقه وإن رضي فمن ضرورة أن يجعل فسخا لأن الجمع بين حقيهما غير ممكن
فرع لو جنى العبد المرهون جناية فقال المرتهن أنا أفديه ليكون مرهونا عندي بالفداء وأصل الدين
فإن جوزنا الزيادة في الدين فلا كلام
وإن منعنا فقولان مفهومان من معاني كلام الشافعي رضي الله عنه في أن المشرف على الزوال كالزائل أم لا
فإن قلنا كالزائل فهو جائز فكأنه ابتداء رهن بالدينين جميعا
الركن الثالث الصيغة وشرطها و موجبها

ونريد بالصيغة الإيجاب والقبول ولا بد منهما
وفيه مسائل خمسة
الأولى كل شرط يوافق وضع الرهن كقوله بشرط أن يباع في حقك أو يقبض أو ( غرض ) لا يتعلق بالعقد كقوله بشرط أن لا يأكل إلا الشعير ولا يلبس إلا الحرير فهو لغو لا يضر اقترانه بالصيغة
وكل شرط يناقض مقتضاه كقوله بشرط أن لا أقبض ولا يتقدم به على الغرماء فهو مفسد للرهن
وكل شرط لا يناقض ولكن لا يقتضيه لمطلق العقد ويرتبط به غرض كقوله بشرط أن تكون المنافع أو النتاج أو الثمار الحاصلة من المرهون لك ففي فساد الرهن قولان
ووجه التصحيح أن الشرط ليس يتعرض لمقاصد المرهون بالتغير بل يزيد مالا يقتضيه فيلغى
ولا خلاف في أنه لو باع بشرط أن يرهن بالثمن ما يسلم للبائع منافعه فالبيع فاسد لأن الطمع يتعلق بالزوائد ويصير كالجزء من العوض فيرجع الفساد إلىركن العقد وأما الرهن فليس بمعاوضة
الثانية إذا قال رهنت الأشجار بشرط أن تكون الثمار رهنا إذا حدد ففي صحة الشرط قولان
ووجه الصحة أن الرهن عندنا لا يسري لضعفه فإذا قوي بالشرط سرى
الثالثة إذا قال أقرضتك هذا الألف بشرط أن ترهن به و بالألف القديم الذي لي عليك شيئا فالقرض فاسد لأنه جر منفعة ولكن إذا أخذ ووفى بالشرط ورهن بالألفين لم يصح بالألف الذي فسد قرضه لأنه ما ملكه بعد ولم يتلف إلا إذا أتلفه فيكون ذلك دينا
وإذا لم يصح به فهل يصح بالألف القديم فيه قولا تفريق الصفقة
فإن صححنا فلا يوزع بل يجعل الكل مرهونا به بخلاف البيع فإن وضع الرهن على أن كال جزء مرهون بجميع الدين
هذا إذا علم أن الرهن غير واجب عليه لفساد الشرط فإن ظن وجوبه لأجل الشرط قال القاضي لا يصح كما لو أدى ألفا على ظن أنه عليه فلم يكن فإنه يسترد لأن الرهن تبرع وهو يظن الآن وجوبه
وقطع الشيخ أبو محمد وغيره بالصحة لأن الأداء لا يتصور إلا بوجوب سابق ولا وجوب والرهن يتصور من غير وجوب
ومساق كلام القاضي يلزمه أن يقول لو شرط بيعا في بيع فباع وفى بالشرط على ظن الوجوب يفسد بيعه
والشيخ أبو محمد يصحح البيع و لا ينظر إلى اعتقاده
الرابعة إذا قال رهنتك هذه الخريطة بما فيها وما فيها غير مرئي خرج على بيع الغائب فإن أبطل خرج في الخريطة على تفريق الصفقة فإن كانت الخريطة لا يقصد رهنه في مثل هذا الدين فوجهان
أحدهما الصحة لظاهر اللفظ
والثاني المنع لفهم المقصود
ولو قال رهنت الخريطة ولم يتعرض لما فيها وكانت الخريطة لا تقصد فهل تجعل عبارة عما في الخريطة مجازا بقرينة الحال يخرج على هذين الوجهين
الخامسة هل يندرج الأس و المغرس تحت اسم الشجرة والجدار في الرهن
فيه خلاف مرتب على البيع وأولى بأن لا يندرج لضعف الرهن
وفي الثمار غير المؤبرة وجهان بخلاف ضعف الرهنوكذا في الجنين خلاف وأولى بأن يدرج من الثمار لأن الثمار قد تفرد بالاستثناء والتصرفات
واللبن في الضرع منهم من ألحقه بالجنين ومنهم من قطع بأنه لا يندرج لتحقق وجوده فهو كالثمار المؤبرة
والأوراق من التوت كالثمار المؤبرة ومن غيره يندرج
وفي الصوف على ظهر الحيوان ثلاثة أوجه من حيث إنه يضاهي الثمار المؤبرة من وجه والأغصان من وجه وفي الثالث يفرق بين ما استجز وبين القصير الذي لا يعتاد جزه
وأغصان الخلاف كالصوف المستجز وأغصان سائر الأشجار يندرج
الركن الرابع العاقد

ويعتبر فيه ما يعتبر في البيع وزيادة أمر وهو أن يكون من أهل التبرع بالمرهون لأن الرهن تبرع فلا يجوز لولي الطفل وللمكاتب والمأذون في التجارة على كل حال بل لا بد من تفصيل
أما ولي الطفل فالنظر في رهنه وارتهانه
أما ارتهانه فيجوز عند العجز عن استيفاء الدين ولا يجوز مع القدرة ويجوز عند تأجيل الدين ويتأجل دينه بالبيع بالنسيئة وله ذلك إذا ظهرت فيه الغبطة ولكن بشرط الارتهان حتى قال العراقيون لو باع ما يساوي مائة بمائة نقدا وعشرين نسيئة لم يجز الإ بشرط الارتهان بالعشرين
وهو سرف بل الوجه جوازه دون الرهن إذا كان يثق بذمة من عليه الدين فلا يزيد ذلك على إيضاعه مال اليتيم للتجارة وهو جائز لأجل الزيادة بخلاف الإقراض فإنه يحرم فيه الزيادة فلا يجوز إلا في زمان نهب وغارة
أما رهن ماله فلا يجوز إلا بغبطة ظاهرة كما إذا بيع منه ما يساوي ألفينبألف وأخذ منه رهن يساوي ألفا لأن أقصى ما في الباب أن يتلف المرهون أمانة فيكون قد حصل على ألفين في مقابلة ألفين
فإن زاد قيمة المرهون وجملة الثمن على المشتري لم يجز لانه حجر ناجز في ألفين من غير حصول على ألفين
قال الشيخ أبو محمد لو رهن عقارا وكان في الشراء غبطة جاز إذ لا يخاف فوت العقار والمنفعة له
وبيع عقار الطفل لا يجوز إلا لحاجة حتى نفك الحجر عنه
ويجوز الرهن أيضا لحاجة فاقة كما إذا افتقر الصبي إلى طعام وله عقار يتوقع من ريعه ما يفي بثمن الطعام فله أن يشتري ويرهن
وحكم المكاتب حكم ولي الطفل وحكم المأذون مرتب على المكاتب وأولى بالمنع لأن الرهن قد لا يتناوله اسم التجارة ولذلك لا يقدر على إجارة نفسه
الباب الثاني في القبض والطوارئ قبله وفيه قسمان
القسم الأول في القبض

و هو ركن في الرهن لا يلزم إلا به خلافا لمالك رحمه الله فإنه قال يلزم بنفسه و طرد ذلك في الهبة و الإعارة و كل تبرع
ثم يشترط لصحة القبض من التكليف و الأهلية ما يشترط للعقد و اليد مستحقة للمرتهن
و لو أناب فيه نائبا جاز و لا يجوز أن ينيب الراهن و لا عبده القن و لا مستولدته لآن يدهم يد الراهن و يجوز أن ينيب مكاتبه
و في عبده المأذون له في التجارة ثلاثه أوجه يفرق في الثالث بين أن تركبه الديون فتنقطع سلطته السيد عما في يده و يضاهي المكاتب و بين أن لا تركبه الديون
و النظر الآن في صوره القبض و هو التخليه في العقار و النقل في المنقول
و في الاكتفاء في المنقول في التخليه خلاف كما في البيع و قطع القاضي بالفرق لأن البيع يوجب استحقاق القبض فيكفي التمكين فيه و هاهنا لا استحقاق بل القبض سبب الاستحقاق فلا وقع لمجرد التمكين
أما إذا رهن المودع من المودع الوديعة فقد نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا يلزم بمجرد قوله رهنت بل لابد من إذن جديد في القبض ونص في الهبة على خلافه
فقال الأصحاب قولان بالنقل والتخريج ومن قرر النصين فرق بالضعف والقوة
وتوجيه القولين من قال يكتفي به جعل قوله رهنت بقرينة الحال رضا بالقبض ومن لم يكتف به نظر إلى مجرد الصيغة وهي لا تدل على القبضولذلك لا يجوز للمرتهن أخذ المرهون إذا لم يكن في يده إلا بإذن جديد ثم سواء قلنا لا يفتقر إلى إذن جديد أو قلنا يفتقر فإذا فلا بد من مضي مدة يتصور تحقيق صورة القبض فيها حتى يلزم
فهل يشترط الرجوع إلى بينة ومشاهدة المرهون فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا بد منه ليتحقق التمكن يكون كالقبض لنفسه وهو نص الشافعي رضي الله عنه إذ قال ولو كان في المسجد والوديعة في بيته لم يكن قبضا حتى يصير إلى منزله
والثاني أنه لا يشترط الرجوع إذ لا فائدة للرجوع
والثالث أنه إن استيقن وجوده أو غلب على ظنه فلا فائدة في الرجوع وإلا فيرجع ليتيقن وجوده
فإن قلنا يشترط الرجوع ففي اشتراط نقله من مكان إلى مكان وجهان واشتراط النقل هو الغاية فلا ذاهب إلى أنه يجب رده على الراهن واسترداده بعد ذلك
وروى العراقيون عن حرملة أنا إذا لم يشترط إذنا جديدا فلا يشترط أيضامضي الزمان وهو محتمل لكنه بعيد من المذهب
ثم إن شرطنا شيئا سوى مضي الزمان فهل تجوز الاستنابة فيه فعلى وجهين
ووجه المنع أنه إنما يصير قابضا بالضم إلى ما سبق من النقل فلا يقبل التعدد
والأصح أن البيع من المودع مسلط على التصرف وناقل للضمان دون إذن جديد بخلاف الرهن فإنه محصل للملك وهو في يده
وفيه وجه أنه كالرهن
والأصح أن الرهن من الغاصب كالرهن من المودع
وفيه وجه أنه لا بد من إذن جديد قطعا إذ لم يسبق هاهنا إذن حتى ينصرف الآن إلى جهة الرهن
فإن قيل فهل يبرأ الغاصب عن ضمان الغصب بالرهن
قلنا عندنا لا يبرأ خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لأن يد الغاصب لم تنقطع فلا ينقطع حكمه بخلاف ما إذا أودع عند الغاصب فإن الطاهرينقطع لأنه عاد إلى المالك حكما إذ يده يد المودع ويد المرتهن لنفسه
ولو آجره فوجهان لأنه مردد بين أن نجعل للآجر لما فيه من تقرير أجرته أو للمستأجر للانتفاع
وفي الوكالة بالبيع وجهان مرتبان على الإجارة وأولى بأن لا يبرأ لأنه كالمستأجر فيه إلا أن غرض المالك هاهنا في اليد أظهر
ولو رهن من المستعير ففي براءته عن ضمان العارية وجهان مبنيان على أنه هل يضمن ضمان المغصوب
ولو أبرأ الغاصب صريحا عن الضمان مع بقاء اليد ففي البراءة وجهان من حيث إنه إبراء عما لم يتم سبب وجوبه إذ تمام الوجوب بالتلف
ثم إذا قلنا لا يبرأ الغاصب فله أن يرد على الراهن ويسترد ويجبر الراهن على الأخذ والرد بعد لزوم الرهن
القسم الثاني من الباب الكلام في الطوارئ قبل القبض

والنظر في تصرفات الراهن وأحوال العاقد وأحوال المعقود عليه
أما التصرفات فكل ما يزيل الملك فهو رجوع عن الرهن لأنه جائز وهو ضده وما لا يزيل الملك كالتزويج ليس برجوع إذ لا مضادة والإجارة رجوع عن الرهن إن قلنا يمنع البيع وإلا فالظاهر أنه ليس برجوع كالتزويج
والتدبير بحكم نص الشافعي رضي الله عنه أنه رجوع إذ جعله مانعا من الرهن كما سبق
وعلى تخريج الربيع ليس برجوع وهو القياس
أما أحوال العاقدين فموت الراهن نص الشافعي رضي الله عنه أنه سبب للفسخ ونص في موت المرتهن على أنه يسلم إلى الورثة فقيل قولان بالنقل والتخريج
ووجه التردد متشابهته للجعالة و الوكالة و هي تنفسخ بالموت و للبيع الجائز فإن مصيره إلي اللزوم و هو لا ينفسخ
و من قرر النصين فرقة من حقوق الغرماء و الورثة يتعلق بالمرهون عند موت الراهن فإن مصيره إلى اللزوم و هو لا ينفسخ
ومن قرر فرق من حقوق الغرماء و الورثة يتعلق بالمرهون عند موت الراهن و عماد الرهن من جانب المرتهن الدين و استحقاقه لا يتأثر موته
و في جنون العاقدين خلاف مرتب على الموت و في السفه خلاف مرتب على الجنون وأولى بأن لا ينفسخ فإن عدم العقل دون عدم الروح
أما الأحوال المعقود عليه ففي انفساخ الرهن بإنقلاب العصير خمرا وجهان و في جناية العبد و إباقه وجهان مرتبان و أولى بأن لا ينفسخ و هو قريب من الخلاف في الجنون
و أنقلاب العصير خمرا أولى بالفسخ لأنه ينافي المالية و لذلك يزول الرهن بعد القبض به و لكن إذا عاد خلا عاد وثيقة الرهن بسبب اختصاص اليد كما عاد ملك المالك بسبب الاختصاص بالعين
و يمكن أن يقال كان الرهن موقوفا كما نقول في وقف النكاح على انقضاء العدة في ردة المنكوحة و مصير العصير خمرا في البيع قبل القبض كهو في الرهن بعد القبض
التفريع إذا قلنا لا ينفسخ به قبل القبض بل إذا عاد خلا عاد الرهن كما
بعد القبض فلو أقبض و هو خمرا فالقبض فاسد فلو صار خلا أمسكه لنفسك لم يكف و لو قال أقبضه لنفسك فيكون هو القابض و المقبض و في مثله خلاف في البيع هكذا قاله الأصحاب
قال صاحب التقريب أبو القاسم بن قاسم القفال الشاشي ينبغي أن يكون هذا كإذن المودع بعد الرهن منه إذ لا فرق بينهما
فإن قيل و هل يجوز السعي في التخليل
قلنا التخليل حرام عند الشافعي رضي الله عنه لحديث أبي طلحة ثم الخمر إن لم يكن محترما و هو ما أعتصر لأجل الخمريه فإن خلل بالقاء ملحفهو تجس لعلتين إحداهما تحريم الخليل
و الأخرى ثبوت حكم النجاسة للمتحلل وذلك لا يزول إلا بالماء تعبدا بخلاف أجراء الدن فإن فيه ضرورة
فإن خلل بالنقل من ظل إلى شمس فوجهان بناء على العلتين و إن لم يجر إلا مجرد قصد الإمساك ليتخلل فالظاهر أنه طاهر و فيه وجه فإن أعتصره للخمريه فصار خلا من غير قصد فهو طاهر إذ لا قصد و لا فعل و إن كانت الخمرة محترمه و في التي أعتصرت للخل فهو طاهر في جميع الصور إلا إذا القي فيه ملح فإن نقل من الظل إلى الشمس فالظاهر طهارته
فإن قيل فالعناقيد إذا استحالت بواطنها و أشتدت ما حكمها
قلنا بواطئها نجسة و في جواز بيعها وجهان يجريان في البيضة المذرة
ووجه التصحيح الاعتماد في الحال على طهارة الظاهر و فائدته المنتظرة عند التخلل و التفرخ
الباب الثالث في حكم الرهون بعد القبض في حق المرتهن و الراهن
فهذا يبني على فهم حقيقة الرهن وحقيقته إثبات الوثيقة لدين المرتهن في العين حتى يثبت عليه اليد ويختص به فيقدم على الغرباء عند الزحمة وبأمن فوات الدين بالإفلاس
فيتضمن الرهن تجديد سلطنة للمرتهن لم تكن وقطع سلطنة للراهن كانت فالنظر يتعلق بما انقطع من الراهن وما تجدد للمرتهن وبيان محل الوثيقة وغايتها التى عندها ينقطع فهي أربعة أطراف
الطرف الأول فيما حجر على المالك فيه
وهو كل ما يفوت وثيقة المرتهن أو بعضها أو ينقصها وتصرف الراهن من ثلاثة أوجه
الأول التصرف القولي

فكل ما ينقل الملك الى غيره كالبيع والهبة او ينقص الملك كالتزويج والاجارة إذ يقلل الرغبة في الحال أو يزحم المرتهن كالرهن من غيره هـ فهو ممنوع ولا منع من إجارة تنقضي مدتها قبل حلول الدين
أما ما يسقط الملك كالإعتاق فيه ثلاثة أقوال
أحدها انه لا ينفذ فانه يفوت الوثيقة من العين كالبيع
والثاني ينفذ ويغرم فانه يسري الى ملك الشريك وحق المرتهن لايزيد عليه
والثالث أنه أن كان موسرا نفذ وغرم وإلا فلا فانه إذا لم يمكن تغريمه يبق العتق في المرتهن تفويتا محضا
أما إذا رهن نصف العبد فالصحيح آن أعتاقه في النصف المستبقى إذا نفذ سرى الى المرهون مهما كان موسرا ألانه في معنى صورة السراية إلى ملك الغير لوجوده محلا فارغا في الابتداء بل أولى منه
التفريع إن قلنا ينفذ و يغرم ففي وقت نفوذ العتق طريقان
أحدهما أنه ينفذ في الحال لأنه صادف ملكه
والثاني أنه يخرج على الأقوال في ملك الشريك فعلى قول متنجز و على آخر يتوقف على بذل البدل و على الثالث على بذل البدل يتبين حصوله من وقت الانشاء
وإن وإن قلنا لا ينفذ العتق ففي نفوذه عند فك الرهن وجهان
أحدهما بلى إذ صادف ملكه و أندفع لمانع و ألان فقد أرتفع
و الثاني لا لأنه ليس بمعلق ولم يتنجر فلا يعود بعد اندفاعه
و لا خلاف في أنه لو بيع في حق المرتهن و عاد إليه يوما من الدهر لا ينفذ أما تعليق العتق في المرهون إن أتصل بالصفة قبل فك الرهن فحكمه حكم العتق و إن وجد الصفة بعده فالأصح النفوذ
و فيه وجه أنه لا ينعقد التعليق في حاله لا يملك التنجير فيها و هو ملتف تعليق الطلقة الثالثة في حق العبد
الوجه الثاني لتصرفه الوطء
و هو ممنوع لأنه يعرض الملك لنقصان الولادة
و في الصغيرة و الآيسة وجه و الأصح حسم الباب فإن أقدم فلا حدو لا مهر و الولد حر نسيب له
و في الاستيلاد خلاف مرتب على العتق وأولى بالحصول لأنه من جملة الأفعال فإن حكمنا به وجب عليه قيمتها يوم الاحبال فيجعلها رهنا بدلها
و إن قلنا لا يحصل فإن بيعت و في بطنها الولد الحر صح و فيه وجه أنه يبطل و يجعل ذلك كاستثناء الحمل و إن أنفك الرهن فالأصح هاهنا عود الاستيلاد وإن ماتت من طلق هذا الاستيلاد فعليه القيمة لأنه المتلف بوطئه و كذلك إذا وطئ أمه بالشبهة الغير فماتت في الطلق
و فيه وجه آخر ذكره الفوراني أنه لا يجب إذ يبعد إحالة الهلاك على الوطء مع تخلل أسباب حبلية
و لو ماتت زوجته من الطلق فلا ضمان قطعا لأنه تولد من مستحق و في الحرةالموطوءة بالشبهة وجهان
ووجه الفرق أن الحوالة عليها ممكن فإنها صاحبة الحق و اليد لها في نفسها بخلاف الأمة و كذلك في الزنا فإن كان مع استكراه فلا يمكن الحوالة عليها لأنا لا نعرف كون الولد منه و الشرع منع النسب
فإن أقر بإنه من إحباله ففي كلام الأصحاب ما يدل على أنه لا يجب أيضا فإن السبب ضعيف و كأنه في الأمة حصل مثل إثبات اليد عليها باستعمال رحمها في تربية الولد فكان كالهلاكه تحت اليد
التفريع إذا أوجبنا القيمة ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه باعتبار أقصى القيم من يوم الاحبال الى يوم الموت و كأن الاحبال غصب و أستيلاد
و الثاني باعتبار يوم الموت
و الثالث باعتبار يوم الاحبال
الوجه الثالث الانتفاع

و هو جائز عندنا للراهن في الدار المرهونه بالسكون و في العبدالمحترف بالاستكساب وفي الفحل بإنزائه على الإناث إن لم ينقص من قيمته وكذا الإنزاء على الأنثى إن لم ينقص الإحبال من قيمتها
أما الغراس في الأرض فممنوع لأنه يقلل الرغبة في الأرض إذا بيعت دون الغراس
وذكر الربيع في الدين المؤجل وجها أنه لا يمنع من الغراس فربما تفي الأرض بجميع الدين أو توفى الزيادة من موضع آخر فإن لم يكن قلع عند البيع أما في الحال فلا منع وهو منقاس
التفريع إن قلنا يمنع فلو غرس قلع ولو حمل السيل النوى فأنبت لا يقلع في الحال ولكن عند البيع يقلع إن لم يتعلق حق الغرماء به بالحجر عليه بالفلس فإن تعلق لم يقلع وكذلك على مذهب الربيع إذا جوز الغراس بل يباع الكل ويوزع الثمن وفي كيفية التوزيع كلام سبق في التفريق بين الولد والأم في الرهن
فرع ليس للراهن المسافرة بالعبد المرهون أصلا لأنه حيلولة عظيمة واليد مستحقة للمرتهن فلا تزال إلا لضرورة والضرورة في الانتفاع لا في السفر
وكذلك لا يسافر زوج الأمة بها ويسافر بها سيدها تقديما لحقه وترغيبا له في تزويجها ويسافر الزوج بزوجته الحرة لأن مقصود النكاح أغلب وهو صاحبه وهي صاحبة الحق والحظ في النكاح
وكذلك لو أمكن استسكاب العبد في يد المرتهن لم ينتزع من يده فإن لم يحسن إلا الخدمة انتزع من يده نهارا ورد ليلا وللمرتهن أن يكلفه الإشهاد عند الانتزاع في كل يوم وهل له أن يكلف الراهن ذلك وهو مشهور العدالة فيه وجهان فإن قيل ما منعتموه من التصرفات لو أذن فيه المرتهن
قلنا لايمتنع منه بإذنه فالحق لا يعدوهما ثم ما من ضرورته فسخ الرهن كالإعتاق والهبة يرفع الرهن ولا قيمة عليه إذا أعتق بإذنه وله أن يرجع عن الإذن قبل وقوع التصرف فإذا أذن في الهبة فله الرجوع قبل القبض إذ به يتم المأذون فيه
وفي الرجوع عن الإذن في البيع في مدة الخيار وجهان فإن قيل هل يتعلق حقه بالثمن إذا أذن في البيع في مدة الخيار قلنا إن كان بعد حلول الدين وأذن لأجل قضاء حقه فلا شك وإن كان قبلهفإن أطلق لم يكن الثمن عندنا رهنا خلافا لأبي حنيفة رحمة الله عليه
فإن قال بشرط أن يجعل الثمن رهنا ففي ذلك قولان مأخذه جواز نقل الوثيقة إلى عين أخرى
وإن قال بشرط أن يعجل حقي من الثمن فالشرط فاسد وكذا الإذن لأنه ما رضي بالبيع إلا بعوض وهو التعجيل ولم يسلم العوض بخلاف ما إذا قال للوكيل بع ولك من الثمن عشرة أجرة فإنه لم يفسد الإذن وفسد الشرط لأنه لم يقابل العوض بالإذن بل قابله بالعمل فعند الفساد يرجع إلى أجرة المثل
فإن قيل فمن مات وعليه دين فتعلقت الديون بتركته فما قولكم في تصرف الورثة فيها بالبيعقلنا فيه طريقان
منهم من خرج على قولي العبد الجاني لأنه ثبت شرعا لا اختيارا بخلاف الرهن
ومنهم من قطع بالمنع نظرا للميت ومبادرة إلى تبرئة ذمته
ثم اختلفوا في أن قول المنع هل يطرد في الدين إذا لم يستغرق
ومن لم يطرد علل بأن أكثر التركات لا تخلو عن دين ما فيبعد الحجر بسبب درهم في مال كثير
فإن قيل فلو ظهر دين برد عوض بالعيب وتوجهت المطالبة بالثمن بعد أن باع الورثة التركة
قلنا إن فرعنا على المنع من البيع ففي تتبعه بالنقض وجهان من حيث إن الدين متراخ وسببه متقدم وكذلك لو كان حفر بئرا فتردى فيه بعد موته إنسان وهاهنا أولى بأن لا يسند إذ الحفر ليس سببا للهلاك بمجرده
فإن قلنا لا يتبع بالنقض فإن وفوا بالدين فذاك وإلا فالأصح أنه الآنيفسخ إذ لا دين عليهم حتى يطالبوا
وفيه وجه أن ما مضى وتعلق به حق المشتري لا يفسخ فكأنهم قد فوتوا التركة فعليهم الضمان
الطرف الثاني في بيان جانب المرتهن

وقد تحدد له استحقاق اليد في الحال واستحقاق البيع في تأني الحال
ولأجل استحقاق اليد وجب على الراهن التعهد والمؤنة لبقائه في يده ولا يجب على المرتهن الضمان بحكم هذه اليد ولا يملك الانتفاع والاستمتاع
فهذه خمسة أمور في جانبه لا بد من معرفتها الأول استحقاق اليد في الحال
وهو ثابت بمطلق الرهن عند اللزوم بالقبض ولذلك يرد ليلا إليه عند الانتفاع نهارا ولا تزال يده إلا خوفا من فوات منفعة مقصودة فتقدم المنفعة المقصودة على اليد التابعة للحق لأنها لا تطلب إلا لحفظ محل الحق
ولو شرط التعديل على يد ثالث جاز ويكون العدل نائبا عن المرتهن لأنه مستحق اليد ولذلك لا يجوز شرط التعديل على يد المالك لأن يده لا تصلح للنيابة عن غيره وهو مستقل بالملك
وللراهن أيضا حظ في يد العدل فإنه ربما لا يثق بيد المرتهن فلهذا لا يجوز للعدل أن يسلم إلى أحدهما دون إذن صاحبه ولا أن يسلم إلى ثالث دون إذنهما فإن فعل ضمن ثم إن سلم إلى المرتهن ضمن للراهن والقرار على المرتهن مهما تلف في يده
وإن سلم إلى الراهن ضمن للمرتهن القيمة لتكون عنده رهنا فإذا قضي الدين ردت إليه القيمة وله أن يكلف الراهن القضاء لفك ملكه كما في المعير لأجل الرهن
فرع لو تغير حال العدل بفسقه أو جنايته على العبد قصدا أو بزيادة فسق على ما عهد من قبل فلكل واحد طلب إزالة يده إلى عدل آخرالأمر الثاني استحقاق البيع
وهو ثابت عند حلول الدين إن لم يوف الراهن الدين من موضع آخر ولكن لا يستقل به المرتهن ولا العدل الذي في يده دون إذن الراهن أو إذن القاضي ولو باع العدل بإذن أحدهما لم يصح بل لا بد من إذنهما وفيه فروع أربعة
الأول أنه لو رجع أحدهما عن الإذن امتنع العدل عن البيع فرجوع الراهن عزل فإنه الموكل وإذن المرتهن شرط وليس بتوكيل ولذلك لو عاد المرتهن وأذن بعد رجوعه جاز ولم يجب تجديد التوكيل من الراهن
ومساق هذا الكلام من الأصحاب مشعر بأنه لو عزل الراهن ثم عاد ووكل افتقر المرتهن إلى تجديد الإذن وعليه يلزم لو قيل به أن لا يعتد بإذنه للعدل قبل توكيل الراهن فليؤخر عنه
ويلزم عليه الحكم ببطلان رضا المرأة للوكيل بالنكاح قبل توكيل الولي وكل ذلك محتمل
ووجه المساهلة إقامة دوام الإذن مقام الابتداء تعلقا بعمومه وأنه إن لم يكن يعمل في الحال أولى بالاحتمال فليقدر مضافا إلى وقت التوكيل وإذا احتملت الوكالة التأقيت والتعليق كان الإذن أولى بالاحتمال
الثاني لو إذن الراهن للعدل عند الرهن بالبيع عند حلول الأجل لم يفتقر إلى مراجعته ثانيا عند الحلول
وفيه وجه أنه لا بد منه إذ قد يسمح بالإذن في غير وقت البيع ثم يرى أن يوفي الدين من موضع آخر في وقت الحلول
الثالث أنه لو ضاع الثمن في يد العدل فهو أمانة فلو سلمه إلى أحدهما دون إذن الثاني فهو ضامن
ولو أذن له الراهن في التسليم إلى المرتهن فسلم وأنكر المرتهن فهو ضامن لعجزه عن الإثبات فإن صدقه الراهن ونسبه إلى التقصير في ترك الإشهاد ففي الضمان وجهان
ولو كان قد شرط الإشهاد فلا شك أنه يضمن ولو ادعى موت الشهود وصدق لم يضمن وإن كذب فوجهان
الرابع إذا باع العدل بالغبن بطل بيعه وإن باع بثمن المثل وهو في الحال يطلب بزيادة لم يصح وإن طلب في المجلس أيضا انفسخ العقد لأنه في حكم الابتداء
فإن أبى الراغب من قبول البيع بعد إظهاره فالأصح أنا نتبين أن الانفساخ لم يكن إذ بان أن الزيادة لم يكن لها حقيقة
وفيه وجه أنه لا بد من تجديد العقد فإن الفسخ قد وقع
ثم في تجديد البيع من الأول والبيع من الراغب الثاني عند إطلاق الإذن وجهان
أحدهما أنه لا يجوز إلا بإذن مجدد إذا الوكالة الأولى انفسخت بالامتثال بالبيع الأول
والثاني الجواز وتنزيل البيع على ما يفيد ويتقرر وإخراج الأول عن كونه امتثالاالأمر الثالث تعهد المرهون ومؤنته على الراهن
وليس يمنع منه حتى من الفصد والحجامة والختان ويمنع عن قطع سلعة يخاف منها سراية ويجب عليه كراء الإصطبل للدابة مع العلف
وقال الشافعي رضي الله عنه إذا رهنه ثمرة الشجرة فعلى الراهن سقيها وإصلاحها و جذاذها وتشميسها كما يكون عليه نفقة العبد وقد قال صلى الله عليه وسلم وعلى من يحلبه ويركبه نفقته له غنمه وعليه غرمه
فإن امتنع أجبره القاضي لحق المرتهن هذا مذهب العراقيين وقالت المراوزة لا يلزمه الإنفاق على الحيوان إلا لحق الله تعالى فلم يرهن منه إلا على ذلك
فإن امتنع بيع جزء من المرهون وجعل نفقة له فإن خيف استيعاب المرهون بالنفقة ألحق بما يتسارع إليه الفساد وبيع بما لا يحتاج إلى نفقة
وكذلك يحذر من بيع البعض لأنه تشقيص فينفق عليه من منفعته وكسبه وإلافيباع ولعل الأول أصح 0 ويتأيد بالمكري فإنه يجب عليه عمارة الدار من عنده وفاء بتقدير ما التزم
الأمر الرابع المرهون أمانة في يد المرتهن
لا يسقط بتلفه شيء من الدين خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فلو تصرف فيه بما لا يجوز ضمن ضمان المغصوب
فروع أربعة
أحدها لو رهن عنده أرضا وأذن له في الغراس بعد شهر فهو قبل الغراس أمانة وبعده عارية مضمونة والرهن مستمر فإن غرس قبل الشهر قلع مجانا وإن غرس بعد الشهر لم يقلع إلا ببدل
الثاني إذا كان الدين مؤجلا بشهر فقال رهنت منك بشرط أن يكون مبيعا منك بالدين عند حلول الأجل فالرهن فاسد والشرط فاسد ولكنه في الشهر الأول أمانة لأنه مقبوض على حكم الرهن وفي الثاني مضمون لأنه مقبوض على حكم شراء فاسد وللفاسد حكم الصحيح في الضمانومنهم من استثنى ما إذا عرف فساد البيع فأمسكه عن جهة الرهن
التفريع لو غرس بعد مضي الشهر على ظن صحة البيع لم يقلع غرسه مجانا لأنه مأذون فيه في ضمن البيع ولو علم الفساد قلع مجانا لأنه حرم عليه ذلك فلا حرمة لقلعة
الثالث إذا ادعى المرتهن رد الرهن أو تلفه فالقول قوله عند المراوزة كما في المودع وطردوا ذلك في المستأجر وأيدي الأمانات كلها
وقال العراقيون ذلك من خصائص الائتمان لأنه مصدق بقوله إذا ائتمنه وألحقوا الوكيل بغير أجرة بالمودع وذكروا في الوكيل بأجرة وجهين
الرابع قال المراوزة المرتهن من الغاصب والمستأجر منه على جهل حكمهما حكم المودع على جهل حتى إنهم يطالبون بالضمان والقرار على الغاصبوالعراقيون سووا بين الكل وذكروا في مطالبتهم وجهين وعند المطالبة ذكروا في قرار الضمان وجهين
الأمر الخامس تصرفات المرتهن
وهو ممنوع من جميعها قولا وفعلا وليس له الانتفاع أيضا ولو وطئ مع العلم بالتحريم فحكمه الوطء بالشبهة حكم الزنا وإن جهل وكان حديث العهد بالإسلام فحكمه حكم الوطء بالشبهة ومنهم من قطع بسقوط الحد وتردد في المهر والنسب وحرية الولد لضعف هذه الشبهة وهو بعيد
ثم قال القاضي من لا يعرف هذا القدر فكأنه لا معرفة له فإذا اكتفينا بهذا في إثبات الأحكام فينبغي أن نقول المجنون إذا زنا فحكمه حكم الوطء بالشبهة وإن إذن الراهن وعلم التحريم فهو زان
وقيل إن مذهب عطاء إباحة الوطء بالإذن فيصير شبهة ويلتحق بالوطء بالشبهة فأما إذا ظن الإباحة فهذه الشبهة أقوى
وفي المهر وجهان أحدهما السقوط لإذنه
والثاني الوجوب كما للمفوضة إذ لا يؤثر الإذن في إسقاط عوض الأبضاع
وفي قيمة الولد طريقان أحدهما أنه كالمهر لأنه نتيجة الوطء
والثاني القطع بالوجوب لأنه لم يأذن في الاستيلاد وهذا ينقضه أن المرتهن لو إذن للراهن نفد استيلاده قطعا
الطرف الثالث في محل الوثيقة

وهو عين المرهون أو بدلها
فأما بدل المنفعة كالكسب والعقر أو الزيادة الحاصلة من العين كالولد واللبن والثمر والصوف فلا يتعدى الرهن إليها عندنا
وخالف أبو حنيفة رحمه الله في الزيادات الحاصلة من العين وفي العقر أيضا هذا إذا كان الولد حادثا علوقه بعد الرهن وانفصاله قبل الحاجة إلى البيع فإن كان مجتنا في الحالتين جميعا فيباع الحامل في حقه ولا ينظر إلى ما في بطنها وإن كان مجتنا عند العقد منفصلا حال البيع ففيه قولان مأخذه التردد في الاستتباع وأن الحمل هل يعرف فإنه إن لم يعرف لم يندرج وكأنه حدث الآن
وإن علق بعد الرهن وكان مجتنا عند البيع فكذلك فيه قولان
فإن قلنا إنه لا يعرف فكأنه زيادة متصلة فلا كلام
فإن قلنا لا يتعلق بالحمل فلا يمكن بيع الأم دون الحمل ولا بيع الكل مع التوزيع فإن قيمة الحمل لا تعرف وقد تنقص القيمة بالحمل فتؤخر إلى وقت انفصال الولد
أما بدل العين فيتعدى إليه الرهن ونعني به أرش الجناية فإنه يوضع رهنا وما دام في ذمة الجاني هل نسميه مرهونا أم نقول زال الرهن ثم عاد عند التعيين كما نقول في العصير إذا انقلب خمرا ثم خلا فيه خلاف
ثم الراهن بالمطالبة أولى فهو المالك فإن تكاسل فللمرتهن المطالبة فإن أبرأ الراهن لم ينفذ قطعا ولم يلحق بالإعتاق وإن أبرأ المرتهن لم يصح ولكن هل يكون ذلك فسخا للرهن في حقه فعلى وجهين
ووجه المنع أن الفسخ كان تحصل ضمنا للإبراء فإذا لم يحصل المتضمن فلا عموم لقوله فلا يحصل الضمن
الطرف الرابع في غاية الرهن وما به انفكاكه

وهو بفسخ الرهن أو فوات المرهون بغير بدل أو قضاء الدين
أما الفسخ
فلا يخفى وكذا فوات عين المرهون بأفة سماوية ويلتحق به ما إذا فات الملك فيه بغير بدل وذلك إنما يكون بجناية العبد فإنه يتعلق الأرش برقبته
فإن فداه السيد استمر الرهن وإن بيع في الجناية فقد فات الملك وفات وثيقة الرهن ولا ضمان على الراهن لأنه لم يكن من جهته وإنما لم يمنع الرهن حق الجناية لأنه لا يزيد على حق المالك وقدم حق المجني عليه على حق المالك مصلحة في حسم الجنايات
فأما إذا كانت الجناية متعلقة بالسيد فلها ثلاثة أحوال
إحداها أن يجني على طرفه أو على عبده بما يوجب القصاص فله قتله لأن مرتبته لا تتقاعد عن رتبة الأجنبي وإن عفا عن القصاص على مال فلا مطمع في فك الرهن في قدر الجناية لأن السيد لا يثبت له دين في ذمة عبده حتى ينبني عليه التعلق بالرقبة ثم البيع فيه ثم فك الرهن به
وفيه وجه عن ابن سريج أن له فك الرهن في قدر الجناية ويظهر أثر الجناية في حق المرتهن وإن لم يظهر في حق العبد
الثانية إذا جنى على ابن الراهن فمات الابن وانتقل الحق إلى الراهن فله القصاص وإن عاد إلى مال فهل يستحق فك الرهن به ينبني على أن الملك الطارئ هل يقطع دوام الدين الذي استحق قبل الملك وفيه خلاف
وهذا في حكم دوام دين لأنه استحق من قبل والإرث دوام فإن قتل ابن الراهن وقلنا إن الدية تثبت للقتيل أولا ثم للوارث فحكمه ما سبق
وإن قلنا إنه للوارث ابتداء فهو كما لو جنى على الراهن ابتداء
ولو قتل الراهن فليس للابن فك الرهن به قطعا لأنه ليس يفيد في حق المورث والوارث فإن المورث ها هنا هو المالك
الثالثة إذا جنى على عبد آخر له مرهون إن كان من شخص آخر فللراهن القصاص ولا مبالاة بفوات حق المرتهن فإن عفا على مال تعلق حق مرتهن القتيل بالعبد وإن عفا مطلقا أو من غير مال فهو كعفو المفلس المحجور عليه لأن الراهن محجور عليه كالمفلس وعفو السيد عن المال ينزل جناية العمد منزلة الخطأ
وإن كان موجبه المال فيباع الجاني في حق مرتهن القتيل فإن كان حقه يتأدى ببعض العبد القاتل لكونه دون قيمته بيع ذلك القدر في حقه وبقي الباقي رهنا عند مرتهن القاتل
وإن لم يرض مرتهن القاتل بعيب التشقيص يباع الكل ويوضع الفاضل عن أرش الجناية رهنا عنده
ولو تساوت القيمتان وتراضى المالك ومرتهن القتيل بأن يجعل العبد رهنا بدل القتيل جاز وإن أبى المرتهن أعني مرتهن القتيل فهل يجبر عليه فيه وجهان
أما إذا كان القتيل مرهونا عنده أيضا فإن كان بذلك الدين بعينه فهو فوات محض في حقه وإن كان بدين آخر يخالفه في القدر أو الجنس أو مقدار الأجل فله أن يفك الاول ليباع ويجعل رهنا بالثاني
وإن استوى الدينان من كل وجه قدرا وجنسا وأجلا فقال بيعوه لينتقل حقي إلى ثمنه فإني لا آمن جنايته فهل يكون هذا من الأغراض المعتبرة فيه وجهان
السبب الآخر في فك الرهن قضاء الدين

وهو قسمان
الأول أن يقضى من غير المرهون فإن قضي جميع الدين انفك الرهن وإن بقي من الدين درهم بقي جميع المرهون رهنا فلا ينفك ببعض الدين بعض المرهون بل الدين ينبسط على أجزاء المرهون
ولذلك نقول لو مات أحد العبدين بقي الثاني رهنا بالجميع وكذلك لو رهن عبدين بألف وسلم أحدهما كان رهنا عندنا بجميع الألف خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
فإما إذا تعدد العقد لم يكن أحدهما متعلقا بالآخر وذلك بتعدده في نفسه كما إذا رهن نصفي عبد في صفقتين بألفين ثم قضي أحدهما انفك أحد النصفين
ولذلك لو تعدد مستحق الدين كما إذا رهن من رجلين وقضى دين أحدهما أو تعدد المستحق عليه فارتهن من رجلين فلا يقف حكم أحدهما على الآخرولا نظر إلى اتحاد الوكيل وتعدده في باب الرهن لأنه ليس عقد عهدة بخلاف صفقة البيع فإنها قد تتعدد بتعدد الوكيل
وهل تتعدد بتعدد المالك فيه وجهان
وصورته أن يستعير عبدا من رجلين ويرهنه بألفين عليه ويرهن من شخص واحد ثم سلم ألفا وقصد به فك نصيب أحدهما فمنهم من قال لا ينفك نظرا إلى اتحاد الدين والعقد ومنهم من نظر إلى تعدد المالك
ولو استعار عبدين من رجلين ففي التعدد وجهان مرتبان وأولى لانضمام تميز المرهون إلى تميز المالك
ولو مات الراهن وخلف ابنين ذكر صاحب التقريب قولين والصحيح أن له حكم الاتحاد نظرا إلى حال الرهن
نعم لو مات الراهن قبل الرهن وتعلق الدين بالتركة بإقرار الابنينفقضى أحدهما نصيبه ففي انفكاك نصيبه قولان ظاهران من حيث إن التعدد مقترن بالابتداء وهو بناء على أن أحدهما لو أقر هل يطالب بتمام الدين
فرع حيث يتميز الحكم بتعدد المالك فإذا قضى أحد الشريكين نصيبه واستقسم المرتهن فكان الشيء مكيلا أو موزونا
قال الشافعي رضي الله عنه له ذلك وهو تفريع على أن القسمة إفراز حق لا بيع حتى يتصور في المرهون ثم يراجع القاضي الراهن فيه فإن أبى أجبره عليه
وفي مراجعة المرتهن وجهان من حيث إنه لا ملك له ولكن له حق فإن كانت القسمة قسمة تعديل كما لو رهن رجلان عبدين مشتركين ثم قضى أحدهما نصيبه وهما متساويا القيمة ففي الإجبار عليها قولان
فإن قلنا يجبر فالرجوع إلى المرتهن ها هنا أولى لأنه أقرب إلى حقيقة البيع من قسمة الجزية
القسم الثاني في قضاء الدين من ثمن المرهون وذلك ببيعه عند حلول الدين فلا يستقل المرتهن به بل يرفعه إلى القاضي ثم القاضي لا يبيع بل يكلف الراهن قضاء الدين أو الإذن في البيع فإن أذن وقال للمرتهن بعه لي واستوف الثمن لي ثم اقبضه لنفسك صح بيعه واستيفاؤه له
وفي قبضه لنفسه خلاف منشؤه اتحاد القابض والمقبض فإن قال بعه لي واستوف لنفسك صح البيع وبطل استيفاؤه لنفسه لأنه لم يتعين بعد ملك الراهن إذ لم يستوف له أولا ولكن يدخل في ضمانه لأنه استيفاء فاسد فله في الضمان حكم الصحيح
ولو قال بعه لنفسك بطل الإذن إذ لا يتصور أن يبيع مال الغير لنفسه فليقل بعه لي فإن قال بع مطلقا ففيه خلاف
واختلفوا في تعليل المنع منهم من علل بأنه مستحق للبيع فينصرف مطلق اللفظ إلى جانبه فهو كقوله بع لنفسك
ومنهم من علل بأنه متهم في ترك المماكسة لأنه في غرض نفسه يتحرك فعلى هذه العلة لو قدر الثمن أو كان قبل حلول الأجل أو كان الراهن حاضراقالوا بصحة بيعه
فرع لو حضر الراهن مجلس القاضي وكلف المرتهن إحضار الرهن حتى يقضي دينه لم يلزمه معاملة بل عليه قضاء الدين فإذا قضى فليس عليه أيضا إحضاره فإنه أمانة في يده فليس عليه إلا التمكين من الأخذ
الباب الرابع في النزاع بين المتعاقدين وهو في أربعة أمور العقد و القبض والجناية و ما يوجب فك الرهن به
النزاع الأول في العقد
و مهما اختلفا فيه فالقول قول الراهن لأن الأصل عدم الرهن
فروع ثلاثة

الأول إذا تنازعا في قدر المرهون فالقول قول الراهن لأن الأصل عدم الرهن فلو صادفنا في يد المرتهن أرضا و فيها نخيل وادعى كون النخيل رهنا فأنكر الراهن وجوده لدى العقد كفائه ذلك إن أمكن صدقه و يحلف عليه
وإن كذبه الحس فله أن يحلف على نفي الرهن لا على نفي الوجود فلو أستمر على إنكار الوجود على خلاف الحس جعل ناكلا عن اليمين وردت اليمين على المرتهن فإن ترك ذلك ورجع الى أنكار الرهن لم يمنع منه وإن كذب نفسه فيما سبق من أنكار الوجود
الثاني إذا أدعى رجل على رجلين رهن عبد واحد لهما عنده فكذبه أحدهما و صدقه الآخر فللمصدق أن يشهد على المكذب لأن الشريك يشهد على الشريك
ولو ادعى رجلان على رجل رهن عبد واحد منهما فكذب أحدهما فشهدالمصدق للمكذب ففي قبوله وجهان بنبليان على أنه لو لم يشهد له هل كان المكذب يشاركه في نصفه مؤاخذة له بتصديق
وكذا الخلاف فيما لو ادعيا هبة عبد فصدق أحدهما فهل يأخذ المكذب مما سلم له النصف
ولا خلاف في أنهما لو أدعيا وراثة عبد فصدق أحدهما يشاركه المكذب فيه
الثالث لو أدعى رجلان على رجل واحد أنه رهن عبده منه على الكمال فصدق أحدهما سلم إليه وهل يحلف للثاني
ينبني على أنه لو أقر للثاني هل كان يغرم له و فيه قولا ضمان الحيلولة
فإن قال رهنت من أحدكما و نسيت فيحلف على نفي العلم فإن نكل رد اليمين عليهما فإن تحالفا أو تناكلا فسخ القاضي الرهن لتعذر الإمضاء
وأن حلف الراهن على نفي العلم فالصحيح أنهما يتحالفان كما لو نكل و فيهوجه أنه انتهت الخصومة
أما إذا كان في يد أحدهما وأقر الراهن للثاني بعد وقوع الاتفاق على جريان رهن وقبض مع كل واحد لكن وقع النزاع في السبق فقولان
اختيار المزني ترجيح اليد على الإقرار وهو ضعيف
والأصح النظر إلى موجب الإقرار
ثم فرغ المزني وقال لو قال صاحب اليد كان في يد المقر له قبل هذا ولكن غصبا فيقال له اعترفت باليد وادعيت الغصب فهو في يده إذا لا في يدك
النزاع الثاني في القبض

والقول فيه ايضا قول الراهن ايضا إذ الأصل عدمه إذا كان في يد الراهن فإن كان عند النزاع في يد المرتهن فكذلك القول قوله إن قال غصبتنية وفيه وجه بعيد
وأن قال أعرتكه أو أكريتكه أو أودعتكه فوجهان
ووجه الفرق أنه أقر بقبض مأذون فيه ويجريان الرهن وهو يدعي صرفه عن جهة الرهن فالظاهر خلافه
وكذا الخلاف إذا قال المشتري للبائع أعرتك المبيع بعد قبض المبيع عن جهة البيع وقال البائع بل هو محبوس بأصل الثمن وحق الحبس لا يبطل بالإعارة
ولو اتفقا على أن الراهن أذن في القبض وقال الراهن لم نقبض بعد فإن كان في يده فالقول قوله وإن كان في يد المرتهن فهو المصدق به
فرع لو قامت بينة على الراهن بالإقباض بعد إنكاره فقال كذب الشهود لميلتفت اليه فلو شهدوا على إقراره فقال صدقوا لكني كذبت في الإقرار فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا يقبل كما لو أقر في مجلس القضاء ثم رجع
و الثاني يقبل لأنه ممكن فليتمكن من تحليف الخصم على نفي العلم بذلك
و الثالث وهو الاعدل أنه قال غلطت لوصول كتاب وكيل لي أو أشهدت على الرسم في القبالة قبل التحقيق فيسمع حتى يحلف الخصم و إن قال كذبت عمدا فلا يسمع
النزاع الثالث في الجناية

أن جنى على المرهون و اعترف الجاني و صدقه الراهن دون المرتهن غرمه للراهن و لم يتعلق بالارش حق المرتهن و إن صدقه المرتهن دون الراهن غرم للمرتهن
فإن قضى الراهن دينه من موضع آخر أنفك الرهن و بقي هذا مالا لا يدعيه أحد لنفسه فهو لبيت المال أو يرد على الجاني فيه خلاف
أما إذا جنى المرهون و اعترف به المرتهن فالقول قول الراهن
و إذا بيع العبد في دين المرتهن لم يكن للمجني عليه إخراج الثمن من يد المرتهن مؤاخذة له بقوله لأن حق المجني عليه لا يتعلق بالثمن إن صح البيع و إن بطل فكمثل لآن الثمن للمشتري لا للمرتهن و الراهن
أما إذا أعترف به الراهن دون المرتهن أو قال الراهن ابتداء رهنته بعد الجناية المستغرقة أو كان مغصوبا أو معتقا ففي قبول إقراره ثلاثة أقوال كما في العتق إذا تعارض قيام الملك و انتفاء التهمة مع تعلق حق المرتهن و يجرى هذا الخلاف في العبد المستأجر
و الصحيح أنه لا يجري في المبيع إذا قال كنت أعتقته قبل البيع إذ لا ملك في الحال
والصحيح أنه لا يجري فيه إذا لم تكن الجناية مستغرقة لأن التهمة قائمة التفريع
ان قلنا لا يقبل اقراره فيحلف المرتهن على نفي العلم فإن حلف فهل يغرم الراهن للمجني عليه ينبني على قولي الغرم بالحيلوله وإن نكل فترد اليمين على المجني عليه أو الراهن فيه قولان
إن قلنا على المجني عليه فإن حلف استحق عليه و لم يغرم الراهن للمرتهن لأنه أبطل حق نفسه بنكوله و إن نكل فات المرتهن به و لم يغرم الراهن للمجني عليه شيئا لأنه أبطل حق نفسه بنكوله
و إن قلنا ترد على الراهن فإن حلف سلم للمجني عليه و إن نكل فهل للمجني عليه أن يحلف له و يقول ليس لك أن تبطل حقي بنكولك فيهقولان
ووجه المنع أن يمين الرد قد انتهت نهايتها بنكول المردود عليه أعني الرهن
وإن قلنا يقبل إقراره فهل للمرتهن تحليفه وجهان
ووجه المنع انه أقر على ملك نفسه
فإن قلنا لا يحلف فقد تبينا بطلان الرهن تصديقا له فليس للمرتهن إلا الخيار في البيع الذي شرط فيه الرهن إن كان قد شرط
وكذلك إن قلنا إنه يحلف فحلف وإن نكل المقر حلف المرتهن وفي نتيجة حلفه قولان أحدهما تقرير العبد في يده
والثاني أن يغرم له الراهن
فإن قلنا بالغرم فهل يثبت له خيار الفسخ في البيع المشروط فيه ولم يسلم عين العبد المشروط وإنما يسلم قيمته فيه وجهان
ووجه منع الخيار أنه يجعل بإقراره متلفا بعد الإقباض وغارما وذلك لا يوجب الخيار فإن قيل فلو أقر الراهن بالاستيلاد
قلنا يثبت حرية الولد و النسب وفي أميه الولد ما ذكرناه في العتق و زيد هاهنا أمر و هو أنها لو أتت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الرهن كان كدعوى العتق قبل الرهن و إن كان لأكثر فلا لأنه يحتمل تراخيه عن الرهن فلا يقبل فهو كما لو أعترف باستيلاد متراخ فإن قلنا لا ينفذ أستيلاده إذا صدق فلا كلام
و إن قلنا ينفذ ففي اقراره وجهان مأخذه إقرار المبذر بإتلاف أو طلاق لأنه أقر بما ينفذ لو أنشأه ولكنه ممنوع من إنشائه شرعا
النزاع الرابع فيما يفك الرهن

وفيه أربعة فروع
الأول إذا كان المرتهن أذن في بيع الرهن و باع الراهن ورجع المرتهن و ادعى أنه رجع قبل بيعه و قال الراهن بل رجعت بعد البيع فالأظهر أن القول قوله فإن الأصل عدم الرجوع و يعارضه أن الأصل عدم البيلبع فيبقى أن الأصل استمرار الرهن
و قيل إن القول قول الراهن إذ المرتهن أعترف بالإذن و البيع ويدع رجوعا سابقا والأصل عدمه
الثاني لو سلم إلى المرتهن ألفا به رهن و له على الراهن ألف آخر لا رهن به فتنازعا و قال الراهن سلمته عن جهة الرهن فانفك فالقول قوله لأنه يختلف بنيته و هو أعرف به و العبرة بنيته حتى لو ظن المرتهن أنه أودعه و هو قصد قضاء الدين حصل الملك دون قصد التمليك
ولو قال المؤدي ما قصدت شيئا فوجهان
أحدهما التوزيع على الدينين
و الثاني أنه يقال له الآن ينبغي أن تنوي ما تريد
وكذا الخلاف في الوكيل عن جهة مستحقين إذا قبض ثم اختلفوا في الجهة
الثالث إذا باع العدل المرهون بالإذن و ادعى تسليم الثمن الة المرتهن فالقول قول المرتهن لأنه ليس أمينه إلا في حفظ المرهون فلا يلزمه تصديقه في الثمن الذي هو بذل المرهون و لا يجوز صرفه إلي المرتهن إلا بإذن الراهن ثم للمرتهن مطالبة من شاء من العدل والراهن فإن ضمن العدل لم يرجع على الراهن لأنه مظلوم بزعمه ولا يرجع إلا على من ظلمه
الرابع إذا تنازعا في عيب المرهون أنه قديم يثبت خيار الفسخ في البيع المشروط فيه أم حادث
القول قول الراهن إذ الأصل عدم العيب و لذلك كان القول قول البائع في مثل هذه الصورة
و لو قال المرتهن أقبضتني العصير المرهون بعد انقلابه خمرا و قال الراهن بل قبله ولا فسخ لك فقولان أحدهما أن الأصل بقاء الحلاوة
و الثاني أن الأصل عدم القبض الصحيح و الراهن يدعيه و هذا يلتفت على أن المدعي هو الذي يحكي و سكوته و هو المرتهن هاهنا أو من يدعي خلاف الظاهر و هو الراهن هاهنا وفيه قولان
و هذا تنازع بالحقيقة يرجع إلي العقد والقبض فليلحق بالقسم الأول
كتاب التفليس

والتفليس أن يجعل من عليه الدين مفلسا ببيع ماله ومهما التمس الغرماء الحجر عليه بديونهم الحالة الزائدة على قدر ماله فللقاضي الحجر عليه وبيع ماله في حقهم
فإن قيل فلو كانت الديون مؤجلة
قلنا لا لأنه لا مطالبة في الحال
والصحيح أن الديون المؤجلة لا تحل بالحجر على المفلس ولا بالجنون وإن كانت تحل بالموت
فإن قيل فإن لم تكن الديون زائدة على المال
قلنا في المساوية للمال وجهان وفي المقاربة للمساواة وهي ناقصة وجهان مرتبان وإن لم تقارب فلا حجر عليه بخلاف الميت فإن الورثة يمنعون من التركة وإن لم يستغرق الدين نظرا للميت
فإن قيل فلو التمس بعض الغرماء
قلنا إن زاد دينه على قدر المال أجيب وإن ساوى أو قارب فعلى الخلاف
ولو التمس المفلس بنفسه دون الغرماء ففي إجابته وجهان أشبههما بالحديث أنه يجاب إذ حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ بالتماسه وأبو حنيفة لم ير هذا الحجر
ومعتمدنا حجره عليه السلام على معاذ وقول عمر رضي الله عنه في خطبته ألا إن أسيفع أسيفع جهنية رضي من دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج فادان معرضا فأصبح وقدرين به فمن كان عليه دين فليأتنا غدا فإنا بايعو ماله غدا وقاضو دينه فمن كان له عليه دينفليحضر
ثم دين الغرماء ينقسم إلى ما يكون عن ثمن مبيع والمبيع قائم وإلى ما يكون عن غيره
القسم الأول من الكتاب فيما إذا لم يكن من ثمن مبيع أو كان ولكن المبيع هالك
فالنظر في ثلاثة أحكام فيما امتنع من التصرفات بالحجر وفي بيع ماله وفي حبسه
الحكم الأول التصرف المحجور فيه

وهو كل تصرف مبتدأ يصادف المال الموجود عند ضرب الحجر
ففيه ثلاثة قيود
الأول ما يصادف المال احترز به عن التصرف في البضع جلبا بالنكاح وإزالة بالخلع
وفي الدم استيقاء بالقصاص وإسقاطا بالعفو وفي النسب إثباتا بالاستلحاق وإسقاطا باللعان وفي المال الجديد باجتلاب باحتطاب أو احتشاش أو اتهاب أو قبول وصية أو شراء على المذهب الأصح فكل ذلك لا حجر فيه
وكذلك لو أقر بما يوجب عليه قصاصا أو رشا قبل منه ويؤاخد منه بالأرش بعد فك الحجر لا من هذا المال
ولو أقر في عين مال بأنه مغصوب أو وديعة عنده ذكر الشافعي رضي اللهعنه في القديم قولين ووجه القبول نفي التهمة وكونه أهلا للإقرار
فقال المحققون يجب طرد هذا في الإقرار بالدين حتى يقضى من المال مع سائر الغرماء أيضا لنفي التهمة وإلا فلا فرق
أما ما يصادف عين المال كالعتق والبيع والهبة والرهن والكتابة كل ذلك فاسد ولا يخرج ذلك على عتق الراهن لأن هذا الحجر لم ينشأ إلا للمنع من مثله مقصودا فإن في تنفيذه تضييع الحقوق
ثم لو فضل العبد المعتق أو المبيع أو أبرأ عن الدين ففي تنفيذ العتق قولان وفي البيع قولان مرتبان وأولى بأن لا يقبل الوقف
ووجه التنفيذ أن البيع صدر من أهله وصادف محله وكنا نظنه دافعا لحق لا سبيل إلى دفعه والآن تبين أنه لم يحصل به دفع محذور
وفائدة هذا القول أنا ما دمنا نجد سبيلا إلى قضاء الدين من موضع آخر نفعل فإن لم نجد صرفنا إليه المبيع ثم المكاتب ثم المعتق فنجعله آخرها وهذا الترتيب مستحق على هذا القول
القيد الثاني قولنا المال الموجود عند الحجر

احترزنا به عما تجدد بإرث أو باحتطاب أو وصية أو اتهاب أو شراء إذا صححنا الشراء ففي تعدي الحجر إليه وجهان فمن قائل المقصود الحجر عليه في نفسه
ومن قائل يقول المقصود الحجر في المال وهذا لم يكن موجودا
ثم إذا صححنا الشراء فهل للبائع التعلق بعين المبيع وقد أنشأ البيع في حال الحجر والإفلاس فيه ثلاثة أوجه
يفرق في الثالث بين أن يعلم إفلاسه أو لا يعلم والظاهر أنه إذا كان جاهلا ثبت الخيار
فإن قلنا لا يثبت الخيار لأن هذا الحجر لم يضرب لأجله بل ضرب قبله ففي الثمن وجهان
أحدهما يصبر ولا يضارب به فإنه دين جديد والمال لا يصرف إلى دين جديد
والثاني أنه يضارب لأنه أدخل في ملكه شيئا جديدا بدينه الجديد وسائر الديون الجديدة من مهر نكاحه وضمانه وغيره لا تقضى من ماله إلا ما هو من مصلحة الحجر كأجرة الكيال والحمال فإنها تقدم على سائر حقوق الغرماء
القيد الثالث قولنا مبتدأ احترزنا به عن مسألتين

إحداهما أنه لو اشترى به شيئا ووجد به عيبا وكانت الغبطة في رده فله ذلك وليس للغرماء منعه لأن سبب استحقاقه قد سبق
ولو تعذر الرد بعيب حادث استحق الأرش ولا ينفذ إبراؤه كما لا ينفذ في سائر الديون لأنه إبطال حق الغرماء ولو أمكن رده ولكنه مع العيب يساوي أضعاف الثمن فليس له الرد لأنه تفويت من غير غرض
فلذلك ليس لولي الطفل في مثل هذه الصورة الرد ثم لا يطالب بالأرش فإن الرد ممكن في حقه وإنما وقع الامتناع مع الإمكان للمصلحة
الثانية إذا اشترى بشرط الخيار ثلاثة أيام فحجر عليه قبل مضي المدة
قال الشافعي رضي الله عنه له الفسخ والإجازة دون الغرماء لأنه ليس بمستحدث
فمن الأصحاب من وافق هذا الإطلاق ولم يشترط عليه رعاية الغبطة
ومنهم من قال يفرع على أقوال الملك فحيث كان بالفسخ أو الإجازة مزيلالملك فلا يجوز إلا بشرط الغبطة كما في الرد بالعيب
وحيث يكون جالب ملك لا مزيلا فلا حجر عليه إذ ليس عليه الاكتساب والتحصيل ومن أطلق علل بأن الملك لم يثبت بعد فهو في الابتداء بخلاف الرد بالعيب
فرعان

الأول أنه لو كان له على غيره دين فأنكر فرد اليمين عليه فنكل أو كان له شاهد ولم يحلف فليس للغريم أن يحلف إذ لا حق له على غير من عليه الدين ونص الشافعي رضي الله عنه على القولين في نكول الوارث أن الغريم هل يحلف
فمنهم من خرج هاهنا قولا ووجهه أنه لا يبطل حق الغريم بالإبراء فكذا بالنكول
ومنهم من فرق بأن الوارث ليس يدعي الدين لنفسه فهو والغريم سواء في أنهما يدعيان للميت والميت عاجز وأما هاهنا المستحق حي فاليمين من غير المستحق مع نكوله بعيد
وكذلك الأصح أن الغريم هاهنا لا يبتدئ بالدعوى على الإنسان بأن للمفلس عليه حقا بخلاف الميت
وقال الشيخ أبو محمد إذا قلنا يحلف لا يبعد أن يدعي ابتداء به
والثاني لو أراد من عليه الدين سفرا منعه من له دين حال ومن له دين مؤجل فلا بل يلازمه إن أراد مطالبته عند حلول الأجل
وفي سفر للغزو خلاف لأن المصير إلى الهلاك الذى هو سبب الحلول وهو بعيد ولو طلب صاحب الدين كفيلا أو إشهادا لم يلزمه وفي لزوم الإشهاد وجه بعيد
وفي سماع الدعوى بالدين المؤجل خلاف وكذا بالدين الحال مع الاعتراف بالإفلاس وكذا بالدين على العبد وكذا دعوى المستولدة الاستيلاد على المبيع قبل أن تعرض على البيع
الحكم الثاني بيع مال المفلس وقسمته

وللقاضي ذلك بشرط رعاية الغبطة والمصلحة فيبيع بثمن المثل ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن ويبادر إلى بيع الحيوان ولا يطول مدة الحجر ويبيع بحضور المفلس فهو أبعد عن التهمة وربما يطلع المفلس على زبون يشتري بزيادة ويجمع أثمان السلع ليقسم على نسبة الديون دفعة واحدة فإن لم يصبروا قسم كل ما يحصل
ولا يكلف الغرماء حجة على أن لا غريم سواهم اكتفاء بأنه لو كان لظهر مع استفاضة الحجر فلو ظهر غريم بدين قديم لم ينقض القسمة بل رجع على كل غريم بما يقتضيه التوزيع
ولو خرج مبيع مستحقا رجع المشتري بالثمن على الغرماء وتقدم بمقداره لا بطريق المضاربة فإن بيع ماله من مصلحة الحجر ولا يرغب الناس فيه ما لم يثقوا بضمان الدرك على الكمال
ثم لا يبيع جميع ماله بل ينفق عليه مدة الحجر وعلى زوجته وأقاربه ويترك له عند البيع نفقة يومه وكذا لزوجته وأقاربه ولم يلحق بالمعسر في إسقاط نفقة القريب عنه في هذا اليوم ويترك له دست ثوب يليق بمنصبه حتى الطيلسان والخف إن كان حطه عنه يخرق مروءته
وكذلك لو مات قدم تكفينه وتجهيزة فإنه حاجة وقته ثم يقتصر على ثوب واحد أم لا بدل له من ثلاثة أثواب فيه خلاف ذكرناه في الجنائز
والمذهب أنه يباع مسكنه وخادمه ونص في الكفارات على أنه يعدل إلى الصوم
وإن وجد خادما ومسكنا فقيل يطرد القولين نقلا وتخريجا
وقيل بالفرق من حيث إن حق الله مبني على المساهلة وأن الكفارة لها بدل
وقيل أيضا يباع الخادم دون المسكن ثم يقتصر على ما يليق به في المسكن وما يترك له إذا كان موجودا في يده يشترى له إذا لم يكن ثم لا يستكسب في أداء الديون بإجارته خلافا لأحمد بن حنبل رحمه الله
وقال مالك إذا كان مثله يؤاجر نفسه كلف ذلك
وفي إجارة مستولدته وجهان وكذا إجارة ما وقف عليه
فإن قلنا يفعل ذلك فالحجر يدوم إلى الوفاء بتمام الديون لأن ذلك لا مرد له
ثم إذا اعترف الغرماء بأن لا مال له سوى ما قسم فهل ينفك الحجر أم يحتاج إلى فك القاضي خيفة غريم آخر يظهر فيه وجهان
وكذا الخلاف لو تطابقوا على رفع الحجر عنه ومنه يتشعب خلاف في أنه لو لميكن له إلا غريم واحد فباع ماله منه بالدين الذى عليه
قال صاحب التلخيص يصح إذا لحق لا يعدوهما وفيه رفع الحجر بسقوط الدين
وقال أبو زيد لا يصح فربما يكون له غريم آخر
قال الشيخ أبو علي لو باع بإذن الغريم من أجنبي أو باعه من الغريم لا بالدين لم يصح وفاقا لأنه ليس فيه رفع الحجر
قال إمام الحرمين يحتمل أن يقال يصح إذ الحق لا يعدوهما
الحكم الثالث حبسه إلى ثبوت إعساره

فإذا قسم ما وجد من ماله وبقي بعض الدين أو ادعى على من لا مال له ظاهرا واعترف فيحبس فإن ظهر للقاضي عناده في إخفاء المال يترقى إلى تعزيره بما لا يزيد في كل نوبة على الحد فإن أقام بينة على الإعسار خلي في الحال وأنظر إلى ميسرة
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا تسمع بينة الإعسار إلا بعد مضي أربعين يوما أو شهرين في رواية ثم ليشهد من يخبر بواطن أحواله فإنه يشهد على النفي فإذا قال الشاهد خبرت بواطن أحواله كفى ذلك فإنه عدل فيصدق فيه كما في أصل الشهادة وكذا الشهادة على أن لا وارث سوى الحاضر
ثم للغريم أن يحلفه مع الشاهد فلعل له مالا لا يطلع الشاهد عليه فإن قال لست أطلب يمينه لم يحلف وإن سكت فالقاضي هل يحلفه ثم يخليه منالحبس أو يخليه دون التحليف فيه وجهان
فمن قال يحلفه جعل ذلك من أدب القضاء وأما إذا عجز عن إقامة بينة الإعسار فإن عهد له من قبل يسار فلا يغنيه إلا البينة وإن لم يعهد قط موسرا فثلاثة أوجه
أحدها القول قوله إذ الأصل الفقر واليسار طارئ
والثاني لا إذ الغالب على الحر القدرة
والثالث أن الدين إن لزمه باختياره فالظاهر أنه لم يلتزم إلا مع القدرة وإلا فالقول قوله
التفريع إن قلنا القول قوله فيقبل يمينه على البدار وكان يحتمل هاهنا توقف كما قال أبو حنيفة في الشهود
وإن قلنا لا يقبل فلو كان غريبا فتخليد الحبس عليه إضرار فللقاضي أن يوكل به شاهدين يستخبران عن منشئه ومولده ومنقلبه ويحصل لهما غلبة ظن في إعساره بقرينة حاله فيشهدان على الإعسار
فرع في حبس الوالدين في دين الولد وجهان
أحدهما المنع لأنه تعذيب وعقوبة والولد لا يستحق عقوبة على والديه وهذا ضعيف لأن المقصود منه الإرهاق إلى قضاء الحق ومنعه يؤدي إلى أن يعترف الوالد بالدين ويمتنع عن الأداء مع اليسار ويعجز عن استيفائه
فإن قيل يلازم إلى أن يؤدي
قلنا إن لم يمنع عن تردده في حاجاته مع الملازمة فهو تعذيب للملازم ولا يجدي شيئا وإن منع من التردد إلى أن يقضي الدين فلا معنى للحبس إلا هذا والسجان هو الملازم
القسم الثاني من الكتاب فيما إذا كانت الديون لازمة من أثمان السلع وهي قائمة

فللبائع الرجوع في عين متاعه لقوله صلى الله عليه وسلم من مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه
وقال أبو حنيفة لا يثبت الرجوع
وضبط المذهب أن يقدر استيفاء كمال العوض الحال المستحق في معاوضة محضة سابقة على الحجر بسبب إفلاس المستحق عليه يثبت الرجوع على الفور إلى عين المعوض إذا كان قائما بحاله
والضبط مقيد بقيود لا بد من بيانها
القيد الأول التعذر وهو مؤثر فإنه لو قدر على استيفاء كمال الثمن بعد الإفلاس لتجدد مال أو لكون المال مساويا للديون فلا رجوع له
ولو قال الغرماء خذ تمام الثمن بعد الإفلاس فنحن نقدمك به ثبت الرجوع لأنه ربما لا يتقلد منهم ويحذر ظهور غريم آخر لا يرضى به فالتعذر حاصل
أما الحال فقد احترزنا به عن المؤجل فلا رجوع به إذ الرجوع ينبني على تعذر الثمن والتعذر ينبني على توجه الطلب ولم يتوجه الطلب
ومنهم من قال يثبت الفسخ ولكن يقرر المبيع وتوقف إلى أن يحل الأجل فيسلم إليه ولا يفتقر إلى استئناف حجر بسببه
وفيه وجه آخر أن الدين يحل بالفلس كما يحل بالموت والجنون فهو كالديون الحالة وهو بعيد
ثم إذا قلنا لا فسخ فلو صرف المبيع إلى حقوق الغرماء فلا كلام وإن حل الأجل قبل أن يتفق الصرف إليهم ففي ثبوت خيار الفسخ الآن وجهان والأصح ثبوته كما لو حل قبل الحجر
وفي الفسخ بعد الحجر إذا حل الدين قبل الحجر وجه ضعيف أنه لا يثبت من حيث إن البيع لم يقتض حبس المبيع إذا كان الثمن مؤجلا في العقد
أما قولنا المستحق في معاوضة محضة احترزنا به عن النكاح والخلع والصلح عن الدم فإن تعذر العوض فيه لا يوجب الفسخ وجوبنا به الإجارة والسلم
فإذا تعذر المسلم فيه بإفلاس المسلم إليه رجع المسلم إلى رأس المال إن كان باقيا بعينه وإلا ضارب بقيمة المسلم فيه فما يسلم له بالقسمة يشتري به جنس حقه ويسلم إليه إذ الاعتياض غير ممكن عنه
فلو سلم إليه مائة درهم فصار يوجد المسلم فيه بكماله بعشرة لانخفاض الأسعار فعلى وجه يشترى له بالعشرة كمال حقه والباقي يسترد
وعلى وجه لا يسلم له كمال حقه كما لم يسلم للباقين فيقدر كأن القيمة كانت كذلك في حال القسمة فما يفضل منه يرد إلى الباقين وهو القياس
وفي الإجارة إذا أفلس المكتري بالأجرة فمصادفة المكري عين الدار أو الدابة المكراة كمصادفته عين ملكه فيفسخ العقد فيه لأن محل المنفعة قائم مقام المنفعة
وفيه وجه أن المنفعة ليس عينا حتى يقال وجد عين متاعه وهو ضعيف
ثم إن كان مكتري الدابة في أثناء الطريق حيث أفلس فلا يضيعه بل ينقله إلى مأمن بأجرة المثل ويقدم بها على الغرماء ولا يلزمه النقل إلى مقصده
وكذلك لو كان أرضا فزرعها فليس له قلع زرعه بل يبقى الزرع بأجرة المثل ويقدم بها على الغرماء لأن فيه مصلحة مال الغرماء وهو الزرع وليس هو كما لو باع الأرض ورجع فيها بعد زراعة المشتري فإنه يلزمه تبقية الزرع بغير أجرة لأن المنفعة غير مقصودة في البيع بخلاف الإجارة
وفيه أيضا وجه منقول عن ابن سريج أنه يطالب بالأجرة كما لو بقي الغراس والبناء
أما إذا أفلس المكري والإجارة واردة على عين الدابة أو الدار فالمكري يستوفي المنفعة فإن حقه تعلق بالعين فيتقدم به ولا يتراخى عن المرتهن ثم يباع في حق الغرماء في الحال إذا قلنا الإجارة لا تمنع البيع وإن قلنا تمنع فيؤخر بيعه كما يؤخر بيع المرهون
وأما إذا أورد الإجارة في الدواب على الذمة فليس له إلا الرجوع إلى الأجرة إن قام بعينها أو المضاربة بقيمة المنفعة فإن كانت المنفعة لا تتجزأ كالقصارة في ثوب واحد وكالحمل إلى بلد يؤدي تقطيعه إلى أن يبقى في الطريقضائعا فله الفسخ بهذا العذر ليضارب بالأجرة
أما قولنا سابقة على الحجر احترزنا به عما يجري سبب لزومه بعد الحجر كما إذا باع من المفلس المحجور عليه في أنه هل يتعلق بعين متاعه وقد ذكرنا ذلك
وكذلك لو أفلس المكري والدار في يد المكتري فانهدمت ثبت له الرجوع إلى الأجرة وهل يزاحم به الغرماء فيه وجهان
منهم من قال لا فإنه دين جديد
ومنهم من قال بلى لأنه سببه سابق وهو الإجارة
وكذلك لو باع جارية بعبد فتلفت الجارية في يد المفلس المحجور فرد بائعها العبد بعيب فله طلب قيمة الجارية قطعا لأنه أدخل في مقابلتها عبدا في يد الغرماء ولكن هل يتقدم بالقيمة أم يضارب بها ذكر القاضي وجهين والأصح المضاربة
أما قولنا بسبب إفلاس المستحق عليه احترزنا به عن الامتناع مع القدرة فذاك لا يثبت الرجوع لأن السلطان قادر على استيفائه فليس التعذر محققا
وفيه وجه آخر أنه يثبت ولو كان بانقطاع جنس الثمن فإن جوزنا الاعتياض عنه فلا تعذر وإن منعنا فيثبت الرجوع لأنه تعذر محقق فكان في معنى الإفلاس وهو كانقطاع المسلم فيه فإنه يثبت الرجوع إلى رأس المال
أما قولنا إنه يثبت الرجوع على الفور احترزنا فيه عن التأخير وفيه وجهان
أحدهما أنه يبطل به كالرد بالعيب فإنه لدفع ضرار
والثاني أنه على التراخي لأنه نتيجة توجه الطلب بالثمن فما دام الطلب قائما كان الرجوع ثابتا كمطالبة المرأة في الإيلاء بالطلاق
أما قولنا إذا كان قائما احترزنا به عن الهالك والخارج عن ملكه فإن تعذر الرجوع فيه فلا يبقى إلا المضاربة بالثمن لأنه لا فائدة في الفسخ إذ لو أمكن تقديمه بالقيمة لقدم بالثمن وإذا لم يكن بد من المضاربة فالثمن أولى ما يضارب به
وفيه وجه آخر أنه إذا كانت القيمة زائدة على الثمن فله الفسخ ليضارب بها أما إذا زال الملك ثم عاد فهو مبني على القولين في أنه كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد
وإذا تعلق بالمبيع حق لازم كالرهن والكتابة فهو كفوات العين ولكن لو كان فزال فلا أثر لما مضى فهو في الحال واجد عين ماله
أما قولنا بحاله احترزنا به عن تغير المبيع وهو منقسم إلى التغير بالنقصان وإلى التغير بالزيادة
أما النقصان فينقسم إلى نقصان صفة ونقصان عين
أما نقصان الصفة إن حصل بآفة سماوية فالبائع إما أن يقنع بعيبه أو يضارب مع الغرماء بالثمن كما لو تعيب المبيع في يد البائع قبل القبض
وإن تعيب بجناية أجنبي فيرجع إلى الباقي فيضارب بقسطه من الثمن ولا يطالب بالأرش إذ ربما يكون الأرض مثل القيمة بأن يكون الجاني قد قطع يديه فغرم كمال قيمته وذلك يعتبر في حق المشتري دون البائع
وإن كان بجناية المشتري فطريقان منهم من قال جنايته كجناية الأجنبي
ومنهم من قال بل كالآفة السماوية
أما النقصان بفوات البعض كما لو تلف أحد العبدين وقيمتهما على التساوي فالنص أنه يرجع إلى الباقي ويضارب بثمن التالف
وقيل إنه إن أراد الرجوع فليأخذ الباقي بكل الثمن احترازا عن تفريق الصفقة
ولو باع عبدين بمائة وقبض خمسين وتلف أحد العبدين وقيمتهما على التساوي
فالنص أنه يرجع إلى الباقي ويحصر المقبوض في التالف
وفيه قول مخرج أنا نشيع فنقول يرجع إلى نصف العبد الباقي ويضارب بنصف ثمن التالف وما قبض موزع عليهما جميعا
فرع

اشترى بعشرة دراهم عشرة أرطال زيتا وأغلاه حتى عاد إلى ثمانية أرطال ورجعت القيمة إلى سبعة دراهم فهو نقصان صفة لزوال الثقل أو نقصان عين لفوات بعض المعقود عليه فيه وجهان
أما التغير بالزيادة فالزيادة تنقسم إلى ما حصلت من عينه وإلى ما اتصل به من خارج
أما الحاصل من عينه فما هو متصل من كل وجه كالسمن وكبر الشجرة فلا حكم لها ويسلم ذلك مجانا للبائع ولا أثر للزيادة المتصلة إلا في الصداق
والمنفصلة من كل وجه كالولد المنفصل و الثمرة المنفصلة لا أثر لها أيضا بل تسلم للمشتري ويرجع البائع إلى الأصل
وفي البذر إذا زرعه المشتري حتى نبت والبيض إذا تفرخ في يده والعصير إذاانقلب خمرا ثم انقلب خلا خلاف أنه يجعل كزيادة عينية كما في الغصب أم يجعل موجودا متجددا ويقال المبيع قد عدم وهذا غيره
أما الزيادة المتصلة من وجه دون وجه فهو الحمل فإن كان مجتنا عند البيع والرجوع التحق بالسمن وإن كان مجتنا حالة البيعة منفصلا حالة الرجوع فقولان
أحدهما أنه يسلم للمشتري لأنها زيادة حدثت بالانفصال ولا حكم لوجوده قبله
والثاني أن الحمل كان موجودا وإنما الانفصال نمو وتغير حال وإن كان حائلا عند البيع وحاملا عند الرجوع فالظاهر أن الحمل يتبع في الرجوع كما في البيع
وفيه وجه أنه يبقى على ملك المشتري لأنه زيادة حادثة على ملكه والثمرة ما دامت غير مؤبرة فهي كالحمل المجتن ولكن الثمرة أولى بأن يعطى لها حكم الاستقلال
فروع أربعة

الأول إذا كان الولد منفصلا ففي رجوعه في الأم دون الولد تفريق بينهما ففيه وجهان
أحدهما أنه مخير بين المضاربة بالثمن أو أن يبذل قيمة الولد ليرجع في عين الأم فإن لم يبذل فهو كالفاقد عين ماله إذ تعلق به حق لازم للولد ليس يمكنه قطعه عنه
والثاني أنه لا يجعل به فاقدا بل تباع الأم والولد ويخصص بقيمة الأم
الثاني إذا قال البائع رجعت في الأشجار المبيعة قبل التأبير فرجع الثمار إلي وكذبه المفلس فالقول قوله إذ الأصل استمرار ملك المفلس فإن صدقه الغرماء لم يقبل قولهم على المفلس وللمفلس أن يأخذ الثمار ويجبرهم على القبول من جهة دينه
فإن أبوا وزعموا أنه حرام لم يمكنوا منه بل عليهم القبول أو الإبراء ثم إن قبلوا فللبائع الاسترداد منهم مؤاخذة لهم بقولهم وكذا السيد إذا حمل إليه العبد النجوم في الكتابة فقال هو مغصوب لأن قوله لا يقبل على المكاتب
فلو قالوا أخذنا حقوقنا فله الإجبار ليعجل فك الحجر عن نفسه فله فيه غرض
فإن قالوا فككنا الحجر وقلنا إنه ينفك بفكهم فينبني على أن مستحق الدين هل يجبر على القبول
ولو صدقه البعض وكذبه البعض فتصرف الثمرة إلى من صدق المفلس كيلا يؤدي إلى الضرر فإن هذا ممكن
فلو كان للمصدق ألف وقد أخذ الثمرة بخمسمائة وللمكذب أيضا ألف وقد بقي من المال خمسمائة فالصحيح أنه يقسم بينهما أثلاثا
وفيه وجه أن المصدق يقول ما أخذته فهو حرام بزعمك علي فألفي باق كماله بزعمك فأساويك وهو ضعيف
الثالث إذا بقي الثمار للمشتري فليس للبائع منعه من الإبقاء إلى أوان الجذاذ فكذا لا يقلع زرعه فلو قال المفلس أقلعه لأقضي ديني بما يشتري به وأفك الحجر عن نفسي فله ذلك لأنه غرض صحيح وإن كان الحجر لا ينفك فهو ممنوع لأنه إضاعة مال من غير فائدة
الرابع أنه إذا كان الرجوع يقتضي عود الثمار إليه ولكن كانت الثمار قد تلفت فيرجع بحصة الثمار من الثمن مضاربة ويرجع في عين الشجرة وتعرف حصته بالتوزيع على القيمة ويعتبر في الثمرة أقل القيمة في يوم العقد إلى القبض تقليلا للواجب عليه فإنه إن كان يوم العقد أقل فلم يدخل ما تناوله العقد في ضمانه وإن كان أكثر فهو زيادة على ملكه
وفي الشجرة وجهان أحدهما أنه يعتبر أكثر القيمتين من العقد إلى القبض لأن فيه أيضا تقليل الواجب على المشتري وعليه ما سبق
والثاني ذكره القاضي أنه يعتبر الأقل لأنه إن كان قيمة يوم العقد أقل فما زاد بعده عاد إليه بعود الشجرة فهي زيادة متصلة تسلم له مجانا فلا يحتسب عليه وللزيادة المتصلة مراتب إن تلفت لا يطلب البائع قيمتها وإن بقيت فاز بها البائع مجانا ولا يطالب بقيمته وإن كان بتقدير قيمته تختلف قيمة غيره فهل يحتسب عليه فيه هذا الخلاف
أما الزيادة المتصلة بالمبيع من خارج فثلاثة أقسام عين محض وأثر محض وما هو عين من وجه ووصف من وجه
أما العين المحض هو أن يبني في الأرض أو يغرس فيها ففيه ثلاثة أقوال أحدها أن المتغير به كالمفقود إذ يؤدي رجوعه إلى الإضرار بالمشتري
والثاني أنه واجد عين ماله ولكن لا يرجع فيه بل يباع ويفوز بقيمة الأرض دون البناء والغراس
والأصح هو الثالث أنه يرجع في عين الأرض ويتخير في الغراس بين أن يتملك ببدل أو ينقض ويغرم الأرش أو يبقي بأجرة ورأيه في التعيين متبع
هذا إذا كانت الزيادة قابلة للتمييز فإن لم تقبل كما لو خلط مكيلة زيت بمكيلة من عنده فإن كان ما عنده أردأ أو من جنسه فالبائع يرجع إلى مكيله ويقسم بينهما فإن نقص وصفه فهو عيب حصل بفعل المشتري
وإن كان ما عنده أجود فقولان أحدهما الرجوع كالصورة الأولى
والثاني هو فاقد لأن في رجوعه إضرارا بالمشتري أو تناقضا في كيفية الرجوع
ومن الأصحاب من طرد قولا في منع الرجوع في الخلط بالجنس وهو خلاف النص
فإن قلنا يرجع فقولان
أحدهما أنه يباع الجميع ويوزع عليهما على نسبة قيمة ملكيهما
والثاني أنه يقسم الزيت بنفسه على نسبة القيمة حتى أنه لو كان مكيلة البائع تساوي درهما ومكيلة المشتري تساوي درهمين فللمشتري مكيلة وثلث وللبائع ثلثا مكيلة وهذا فيه محظور من باب الربا وفي البيع اعتراف بالعجز عن الرجوع عن العين
وطرد ابن سريج القولين في تفصيل الرجوع في الخلط بالأردأ
وكان الشافعي رضي الله عن يميل إلى صيانة جانب المشتري ولا يبالي بنقصان في جانب البائع وابن سريج يسوي بينهما
وإن خلط الزيت بالشيرج فالصحيح أنه فاقد عين ملكه لأنه انقلب الجنس به
القسم الثاني ما هو وصف من وجه وعين من وجه كما لو صبغ الثوب بصبغ من عنده فإن لم يزد في قيمة الثوب فإن البائع يرجع بالثوب وإن زادت القيمة فهو شريك بالقدر الذى زاد فإن كان قيمة الصبغ درهما وقيمة الثوب عشرة فصار بالصبغ يساوي خمسة عشر فللمشتري منه قدر درهم وللبائع منه قدر عشرة والأربعة حصلت بالصنعة على الثوب لا على الصبغ لأن الصبغ تبعفينبني على أن الصنعة يسلك بها مسلك الأثر أم العين كما سيأتي
القسم الثالث الأثر المحض كما لو طحن الحنطة وراض الدابة وقصر الثوب وعلم العبد حرفة ففيه قولان
أحدهما أن له حكم العين كما في الصبغ وقد سبق حكمه
والثاني أنه أثر لا قيمة له كما إذا صدر من الغاصب في المغصوب بخلاف الصبغ فإنه عين والفرق ظاهر من حيث إن عمل المشتري محترم وقد حصل وصفا يستأجر عليه ببذل المال فكان متقوما وفعل الغاصب عدوان لا يتقوم بخلاف صبغه
فعلى هذا نجعل القصارة كالصبغ ويوزع الثمن عند بيع الثوب عليهما باعتبار قيمتهما وإن تضاعفت القيمة فيضاعف حق كل واحد منهما وإن ارتفع قيمة الثوب دون القصارة كان الزائد حق البائع دون المشتري
فرع لو استأجر أجيرا للقصارة وأفلس قبل أداء الأجرة والثوب باق فإن قلنا إن القصارة أثر فليس للأجير إلا المضاربة وإن قلنا إنه عين فله حق حبس الثوب
فإن كان قيمة الثوب عشرة وقيمة القصارة خمسة والأجرة درهم فيختص البائع بعشرة والأجير بدرهم ويصرف أربعة إلى سائر الغرماء
ولو كانت الأجرة خمسة وقيمة القصارة درهما فإن البائع يختص بعشرة وصرف الدرهم الزائد إلى الأجير وله المضاربة بالأربعة الباقية هكذا نص الشافعي رضي الله عنه ولم يحكم بأن الأجير وجد عين متاعه وهو القصارة فيفسخ ويقنع بها زادت القيمة أو نقصت
ومن الأصحاب من قضى بذلك طردا لقياس تنزيله منزلة العين من كل وجه وهو خلاف النص فإنه لا يمكن إلحاقه بالعين من كل وجه ولكن لم ير الشافعي رضي الله عنه تعطيل حق المشتري ولمحصله أيضا حق حبس ووثيقة فيه وهو الأجير فأما أن نجعل عين سلعة حتى يفسخ العقد فيها فهو بعيد
كتاب الحجر

أسباب الحجر خمسة الصبى والجنون والرق والفلس وقد ذكرناها والتبذير وهو عبارة عن الفسق مع صرف المال إلى وجه ليس فيه غرض صحيح ديني أو دنيوي
وأبو حنيفة رحمه الله خالفنا في هذا الحجر وفي حجر المفلس وفيه فصلان
الفصل الأول في السبب

وهو يتصل تارة بالصبي وتارة يطرأ بعد البلوغ
فإن اتصل بالصبي بأن بلغ الصبي غير رشيد اطرد حجر الصبي ويكفي لدوام الحجر أحد المعنيين وهو الفسق أو الإسراف في المال لأن كل واحد ينافي اسم الرشد وقد قال الله تعالى { فإن آنستم منهم رشدا }
وإن طرأ بعد أن بلغ رشيدا فلا بد من مجموع الأمرين فإن طرأ التبذير بأن كان يصرف المال إلى ملذ الأطعمة على وجه لا يليق به اقتضى الحجر
ثم في عود الحجر أو الحاجة إلى إعادة القاضي وجهان أظهرهما الحاجة إلى الإعادة فإنه يدرك بضرب من الاجتهاد
ولو طرأ مجرد الفسق أو مجرد التبذير بأن كان يصرف المال إلى ملاذ الأطعمة على وجه لا يليق به ففي اقتضائه الحجر وجهان
والمذهب أنه لا يقتضيهبخلاف ما لو اتصل بالصبي لأن الحجر ثم مستيقن فلا يرفع إلا بيقين ولا يتيقن الرشد مع الفسق والإطلاق هاهنا مستيقن فلا يعاد الحجر إلا بيقين
وليس من الإسراف أولا صرف المال إلى وجوه الخيرات فلا سرف في الخير
ثم ولي المبذر والمجنون أبوه أو جده إن اتصل الجنون والتبذير بالصبي وإن عاد بعد زوال ولاية الولي فوجهان
أحدهما أنه من كان في حالة الصغر
والثاني أنه القاضي لأنه صار مستقلا بنفسه فلم يكن تبعا لأصله
ومهما عرف رشده قبل البلوغ فبلغ انفك الحجر بمجرد البلوغ
وأسباب البلوغ أربعة
الأول السن وهو خمس عشرة سنة في الغلام والجارية
وقال أبو حنيفة ثمان عشرة سنة وفي رواية اقتصر في الجارية على سبع عشرة سنة
ومعتمدنا ما روى الدارقطني أنه قال صلى الله عليه وسلم إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود
الثاني الاحتلام ويصدق فيه الصبي إذ لا يمكن فيه المعرفة إلا بقوله وفي احتلام الصبية وجهان لخفاء خروج الماء منها في الغالب
فقيل أقيم الحيض مقام ذلك في حقها
ثم قال الأصحاب إذا احتلمت وإن لم يحكم ببلوغها أمرناها بالاغتسال كما نأمرها بالوضوء من الحدث وكما إذا احتلمت بعد البلوغالثالث الحيض في حق النساء
الرابع نبات العانة في حق صبيان الكفار إذ أمر عليه السلام بالكشف عن مؤتزرهم وكان يقتل من أنبت منهم
وفي تعرف ذلك في صبيان المسلمين خلاف والأظهر أنه لا يتبع إذ هى أمارة تعلقنا بها للعجز عن معرفة سنهم واحتلامهم إلا بقولهم ثم لاشك أن بقول الوجه وإنبات الإبط أبلغ في الدلالة
وأما انفراق الأرنبة ونهود الثدي وبحوحة الصوت فلا تعويل عليه
فرع الخنثى إذا احتلم بفرج الرجال أو حاض بفرج النساء لم يحكم ببلوغه للاحتمال فإن اجتمع الأمران فوجهان
أحدهما لا لتعارض الأمر في العلامة إذ كل واحد أسقط حكم الآخر
والثاني أنه الأصح أنه يقضى ببلوغه ويبقى الإشكال في الذكورة والأنوثة وينقدح ظاهرا أن يحكم بالبلوغ بأحدهما كما نحكم بالذكورة والأنوثة بأحدهما بناء على ظن غالب ثم ننقض ذلك الظن إن ظهر نقيضه
الفصل الثاني فيما ينفذ من التصرفات وما لا ينفذ

والضبط فيه أن كل ما كان لا يدخل تحت حجر الولي في حق الصبي كالطلاق والظهار والخلع واستلحاق النسب والإقرار بما يوجب القصاص أو الحد مما لا يتعلق بالمال مقصودا فهو مستقل به لأنه مكلف والمتضي للحجر صيانة ماله وذلك لا يتضى الحجر في هذه التصرفات
وما يتعلق بالمال ينظر فيه فما هو في مظنة الضرر هو مسلوب الاستقلال فيه كالتبرعات والبيع والشراء والإقرار بالدين
ولو عين له الولي تصرفا أو وكله أجنبي ففي سلب عبارته خلاف والظاهر صحة عبارته كما في الطلاق وغيره
وقيل إنه مسلوب العبارة لأن الحجر قد اطرد في المال فلم يؤثر البلوغ فيه وكذلك في العبارة المتعلقة به
ومنهم من قال تصح عبارته في النكاح دون الأموال وعلى العبارة يخرج قبوله الهبة والوصية فإنه لا ضرر فيه
فأما تدبيره ووصيته ففيه قولان مرتبان على الصبي وأولى بالنفوذ
فروع ثلاثة

الأول لو أقر بإتلاف مال الغير فيه وجهان
القياس المنع كالصبي
والثاني أنه يقبل لأنه مكلف قادر على الإتلاف فليقدر على الإقرار
الثاني بيع الاختبار الذى يبتلى به الصحيح فساده إن جرى قبل البلوغ وإنما المراد الامتحان بمقدمات البيع ثم مهما امتحن فبلغ انفك أيضا الحجر لمجرد البلوغ من غير حاجة إلى إنشاء الفك
ولو بلغ غير رشيد ثم صار رشيدا فالأظهر أنه ينفك أيضا من غير حاجة إلى إنشاء الفك
الثالث لو أحرم بالحج انعقد إحرامه ثم إن كان عن فرض إسلامه هيأ الولي أسبابه والأمتعة من الزاد والراحلة ثم فيه وجهان
أحدهما أنه كالمحصر فيتحلل
والآخر أنه كالمفلس لا يتحلل إلا بلقاء البيت
كتاب الصلح
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في الصحيح والفاسد

والصلح عن الشافعي رضي الله عنه ليس عقدا مخالفا للبيع أو للهبة ولكنه إن كان بمعاوضة فهو بيع يصح بلفظ البيع ويصح البيع بلفظه
واستثنى صاحب التلخيص الصلح عن أرش الجنايات فقال لا يصح بلفظ البيع
واستثنى بعض الأصحاب البيع ابتداء من غير تقدم خصومة فقالوا لا يصح بلفظ الصلح فلا يطلق لفظ الصلح إلا بعد تقدم خصومه فلا يحسن أن يقال لصاحب المتاع صالحني عن متاعك على كذا
أما استثناء صاحب التلخيص فقد استدرك الشيخ أبو علي عليه وقال هو بيع دين ويجوز أن يستعمل فيه لفظ البيع إن كان معلوم القدر والصفة
ولا يجوز لفظ الصلح أيضا إن كان مجهول القدر والصفة وإن كان معلوم القدر مجهول الصفة كإبل الدية ففي جواز بيعه بطريق الاعتياض عنه وجهان بلفظ الصلح والبيع جميعا
نعم لو قلنا موجب العمد القود المحض فالمصالحة عنه على مال جائز ولا يصح إطلاق لفظ البيع فيه
وأما استثناء الأصحاب وهو إطلاق لفظ الصلح ابتداء أيضا خالف فيه بعض الأصحاب أيضا وقالوا إنه جائز فتحصلنا فيه على وجهين
الاستثناء الثالث أن يصالح على بعض المدعى فالظاهر صحته ويكون هبة للبعض فيؤدي معنى الهبة ولفظ البيع لا يحصل به هذا الغرض فصلح الحطيطة بلفظ البيع باطل
ومن الأصحاب من حكى عنه أن الشيخ أبو علي منع هذا لأنه ينبئ عن المعاوضة أعني لفظ الصلح ولا معاوضة هاهنا
هذا إذا صالح عن عين فإن صالح عن دين نظر فإن صالح عن دين آخر فلا بد من التسليم في المجلس فإنه بيع كالئ بكالئ وإن صالح على عين وسلم في المجلس صح وإن لم يسلم فالأظهر الصحة لأنه عين
وفيه وجه يجري ذلك في لفظ البيع
وصلح الحطيطة في الدين بمعنى الإبراء عن البعض صحيح ولكن في افتقاره إلى القبول خلاف كما في الإبراء بلفظ الهبة
فرع لو صالح من ألف حال على مؤجل فهو باطل لأنه وعد محض لا يلزم ومن المؤجل على الحال وعد من الجانب الآخر وكذا من الصحيح على المكسر ومن المكسر على الصحيح
ولو صالح من ألف صحيح على خمسمائة مكسر كان إبراء عن خمسمائة ووعدا من الباقي وكذا عن ألف حال على خمسمائة مؤجلة فإما عن ألف مؤجل على خمسمائة حالة أو عن ألف مكسر على خمسمائة صحيحة ففاسد لأنه نزل عن قدر للحصول على وصف زائد فهو فاسد ولا يصح نزوله إذ لم يسلم له ما طمع فيه
ولو اعتاض عن ألفي درهم له عليه ألفا درهم وخمسين دينارا فالأصح صحته ويجعل مستوفيا للألف معتاضا عن الباقي خمسين دينارا
وفيه وجه آخر أنه مسألة مد عجوة لأن لفظ الصلح للمعاوضة هذا كله في الصلح على الإقرار فأما الصلح على الإنكار فهو باطل عند الشافعي رضي الله عنه إن جرى مع المدعى عليه على عين أخرى
وفي صلح الحطيطة على الإنكار وجهان
ووجه الصحة أنه بمعنى الهبة والإبراء وذلك ليس يستدعي عوضا فإذا سلم له البعض واتفقا على أنه ملكه إذ يملكه بزعم المدعى عليه بكونه هبة وبزعم المدعى بكونه مستحقا لم يبق إلا الخلاف في الجهة
وهذا كله إذا قال المدعى عليه صالحني عن دعواك أو صالحني مطلقا فلو قال بعني الدار فهو إقرار
ولو قال صالحني عن الدار فهل يجعل إقرارا ليصح الصلح على الإقرار فوجهان الظاهر أنه ليس بمقر
أما الصلح على الإنكار مع الأجنبي إن قال الأجنبي هو مقر وأنا وكيله صح لتقار المتعاقدين
وإن قال هو منكر ولكني أعرف أنك محق وإنما أصالح له فوجهانينظر في أحدهما إلى إقرار متعاطي العقد وفي الثاني إلى من يقع العقد له
فإن كان المدعى دينا فوجهان مرتبان وأولى بالجواز لأنه مستقل بقضاء دين غيره دون قوله فلا يؤثر إنكاره فيه
فرعان

أحدهما لو قال الأجنبي أنت محق وأنا أشتريه لنفسي فإني قادر على الانتزاع من يده ففي صحة شرائه وجهان وجه المنع أن الشرع يمنعه من الانتزاع فإن ظاهر اليد يدل على أن ذلك له والعجز الشرعي كالعجز الحسي
الثاني إذا أسلم على عشرة نسوة ومات قبل البيان فالميراث موقوف بينهن ويصح الاصطلاح على عين التركة ويكون التفاوت فيه محمولا على المسامحة والهبة وذلك محتمل وإن كان مجهولا للضرورة
ولو جرى على غير التركة لم يجز لأن من أخذ عوضا فلا بد وأن يثبت له ملك في معوض
الباب الثاني في التزاحم على الأملاك

والنظر فيه يتعلق بالطرق والجدار الحائل بين الملكين والسقف الحائل بين السفل والعلو
أما الطرق والشوارع لا يتعلق بها الاستحقاق
الطرق وهي المواضع التى ألفيت شوارع في البلاد والصحاري ومبداها في البلاد أن يجعل الإنسان ملك نفسه شوارع أو يتفق الملاك في الأحياء على فتح أبواب الدور إلى صوب واحد
فلو انفرد بالتصرف في الشوارع بفتح باب إليه لم يكن جاز وكذا لو أخرج جناحا لا يضر بالمارة لأن الهواء بقي على أصل الإباحة والاختصاص بالأرض للشروع فليوضع الجناح إلى حيث لا يمنع المحمل مع الكنيسة
وأبعد مبعدون فقالوا إلى أن لا يمنع الرمح المنصوب في يد فارس
وقال أبو حنيفة رحمه الله وإن فعل ذلك فلآحاد المسلمين المنع وإنلم يمنع فله الاعتماد على السكوت
أما التصرف في أرض الشوارع بنصب دكة أو غرس شجرة حيث لا يضيق على المارة فيه وجهان
قال القاضي الشوارع كالموات فيما عدا الطروق فلا يمنع إلا مما يبطل الطروق
وقال آخرون بل تعين الأرض للطروق فلا تصرف إلى غيره فالزقاق قد يتضايق فيؤدي إلى الضرر
أما السكة المنسدة الأسفل فهي كالشوارع عند العراقيين وهو بعيد إذ يلزم عليه أن يجوز أن يفتح إليها باب وإن لم يكن وفيه ضرر حاضر وتجويزه بعيد
والمراوزة قالوا هو ملك مشترك بين السكان
ومن هو في أعلى السكة هل هو شريك فيما دون باب داره إلى أسفل السكة
فيه وجهان من حيث إنه قد يدور في جميع السكة لأغراضه فعلى هذا يمتنع إحداث زيادة انتفاع لم تكن إلا برضاء الشركاء فإن رضوا فهو إعارة ولهم الرجوع
فمن فتح بابا جديدا أو أشرع جناحا فلمن تحته الاعتراض دبادة وفيمن فوقه وجهان
ولو سد الباب القديم وفتح بابا جديدا أقرب إلى باب الدرب فلا منع منه وإن ترك ذلك الباب فوجهان من حيث إنه قد يجتمع الدواب والناس على الباب الآخر فكأنه زيادة انتفاع
وكذا الخلاف إذا فتح إلى داره باب دار أخرى ملاصقة له كان بابها إلى الشارع فإنه يكاد يكون زيادة في الانتفاع فأما فتح الكوة للاستضاءة فلا منع منه
وأما الجدار الحائل إن كان ملك واحد فليس للآخر التصرف فيه إلا بإذنه فإن استأذن في وضع جذع عليه فليس عليه الإجابة إن تضرر
وإن لم يتضرر فالجديد أنه لا يجب وهو القياس
والقديم وجوبه لقوله عليه السلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخرفلا يمنعن جاره من أن يضع خشبة على جداره ولعله تأكيد للاستحباب
التفريع إذا لم يوجب فلو رضي فهو إعارة فلو انهدم الجدار فالظاهر انفساخ الإعارة فيفتقر إلى إعادتها وإن رجع قبل الانهدام فله ذلك وفائدته التسلط على النقض بشرط أن يغرم الأرش إذا بنى بإذنه
وقال القاضي فائدته المطالبة بالأجرة في المستقبل فإن الطرف الآخر في الملك الخالص للمستعير فلا يمكنه أن ينقص ذلك
أما الجدار المشترك فالنظر في الانتفاع والقسمة والعمارة
أما الانتفاع فلا يجوز إلا بعد التراضي كسائر الأملاك المشتركة وأما الاستناد إليه ففي المنع منه تردد لأنه عناد محض
أما القسمة فجائزة بالتراضي في الطول والعرض جميعا ثم لا يتصرف كل واحد بما يضر بصاحبه لأن الأملاك متلاصقة ولا يجبر على قسمة الجدار في كل الطول ونصف العرض لأنه لا يسلط على الانتفاع بوضع الجذوع ولأن القرعة قد تخرج على نقيض المراد
وقال صاحب التقريب لا قرعة بل يتعين لكل واحد جانبه أما في جميع العرض وبعض الطول فالإجبار عليه يبنى على المعنيين فإن الانتفاع يتعذر للاتصال ولكن القرعة لا تتعذر
أما الأساس فلا مانع من الإجبار على قسمته إلا أمر القرعة وفي مذهب صاحب التقريب ما يدفع عسره
أما العمارة فإذا استرم الجدار فهل لأحد الشريكين أن يجبر الآخر على العمارة في قولان
أحدهما وهو القديم بلى للمصلحة حذارا من تعطيل الأملاك
والجديد لا لأنه ربما يتضرر هو بصرف ماله إلى العمارة إذا كان لا يتفرغ له فالضرر متقابل فعلى هذا ليس له منع الشريك إلا من الاستبداد بالعمارة لأنه عناد محض
وكذا الخلاف في أن صاحب العلو هل له أن يجبر صاحب السفل على إعادته ليبني عليه علوه ولا خلاف في أن لصاحب العلو الاستبداد ببناء السفل وإن كانمتصرفا في ملك غيره دفعا للضرر
فروع ثلاثة

أحدها الجدار المشترك إن أعاده أحدهما فالنقض المشترك عاد مشتركا ولو أعاد السفل بالنقض الذى كان عاد ملكا لصاحب السفل فلو هدمه بعد أن بناه غرم له لأنه دخل في ملكه مبنيا ولصاحب السفل أن ينتفع به
وكذا لو أعاد صاحب العلو ينقض نفسه فلا يمنع صاحب السفل من السكون في ملكه وإن أحاط به جدران غيره
وقال صاحب التقريب له أن يمنعه منه إلى أن يغرم له القيمة وهذا يليق بالقول القديم ثم على القول القديم لا يجبره إلا على القدر الذى يخرجه عن كونه خرابا ضائعا وللقاضي أن يستقرض عليه إن كان غائبا فالشريك لو استبد بالاتفاق دون إذن القاضي ففي رجوعه ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن لا يكون في البلد قاض فيكون معذورا أو يكون
الثاني لو أعاد أحد الشريكين لاجدار بالنقض المشترك بشرط أن يكونثلثا الملك له في النقض جاز فكأنه جعل سدس النقض أجرة له على عمله
ولو تعاونا وشرطا التفاوت قال الأصحاب لا يجوز لأن النقص متساو والعمل متساو
وفيه وجه إذ لأحدهما أن يتبرع بالعمل على الآخر ويبذل للآخر على عمله الذى صادف ملكه عوضا من النقض وكل ذلك يجوز بشرط أن يملك النقض دون الجدار فإن ذلك يؤدي إلى تعليق الملك في العوض
الثالث من له حق إجراء الماء في أرض الغير فليس عليه العمارة إذا استرمت الأرض وكذا إن كان من جهة الماء على الظاهر من المذهب
أما السقف الحائل بين العلو والسفل فلصاحب العلو الجلوس عليه ولصاحب السفل الاستظلال به وإنما يتصور ذلك بأن يبيع صاحب السفل حق البناء على سطحه من غيره فيبني الغير
وقال المزني هذا البيع باطل إذ لا مبيع وإنما هو إجارة فلبؤقت وشبه هذا بالاعتياض عن الجناح المشرع في دار الغير فإنه ممنوع والشافعي رضي الله عنه جوز أن يباع حق الملك إذا كان مقصورا كعين الملك في حق الممر ومجرى الماء ومسيله وكذلك حق وضع الجذوع
فروع

الأول اختلفوا في أن هذا هل ينعقد بلفظ الإجارة مع ما فيه من التأييد
الثاني يجب عليه أن يعلم موضع البناء وقدره وأن اللبنات في الجدار منضدة أو متجافية الأجواف ولا حاجة على الأظهر إلى ذكر الوزن فلو باع حق البناء على الأرض فإنه لا يحتاج إلى ذكر تنضيد اللبنات أيضا لأن الأرض لا تتأثر به
الثالث صاحب السفل إذا هدم السفل غرم لصاحب العلو حق البناء ولم ينفسخ لأن حكم البيع غالب على هذا العقد فإذا أعاد السفل استرد ما غرمه إذ كان ذلك للحيلولة
وكذا الأجير يغرم في الحال ما يشتري به حق البناء ثم يسترد عند إعادة السفل
الباب الثالث في التنازع

وفيه مسائل خمسة
الأولى إذا ادعى رجلان دارا في يد ثالث زعما أنهما شريكان فيه فصدق أحدهما يساهمه المكذب في القدر الذى يسلم له إن ادعيا عن جهة إرث وإن ادعيا عن جهة شرائين أو هبتين أو جهتين مختلفتين فلا يساهم وإن ادعيا عن جهة شراء واحد أو هبة واحدة فوجهان
أحدهما لا لأن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري
والثاني بلى لأن العقد اقتضى الملك في كل جزء على الشيوع فعلى هذا يلتفت ما إذا باعا عبدا مشتركا فأخذ أحدهما نصيبه من الثمن هل يستبد به أم يقال كل جزء من الثمن فهو مشترك إلى القسمة
ولا خلاف أن كل جزء من النجوم في العبد المشترك إذا كوتب مشترك لأن تنجيز العتق في نصيب أحدهما مضر الآخر
الثانية ادعى رجل على رجلين دارا في يدهما فأقر أحدهما ثبت نصيبه
فلو صالحه على مال وأراد المنكر أخذه بالشفعة فله ذلك إن تعدد جهة ملكيهما
وإن كان عن جهة إرث فلا لأنه بإنكاره كذبه في أصل الدعوى فبطل الصلح بزعمه وبقي الملك لشريكه فهو مؤاخذ بقوله وفيه وجه
الثالثة إذا تنازعا جدارا حائلا بين ملكهما فالظاهر أنه في يدهما فيحكم بالشركة
فلو اتصل طرف الجدار بجدار خالص لأحدهما اتصال ترصيف صار هو صاحب اليد
وكذلك لو كان على خشبة و أصل تلك الخشبة داخل في خالص ملك أحدهما
ولو كان لأحدهما عليه جذوع لم تكن اليد له خلافا لأبي حنيفة لأنه اختصاص بزيادة انتفاع فضاهى ما لو تنازعا دارا و هما فيها ولأحدهما فيها أقمشة وليس كما لو تنازعا دابة أحدهما آخذ بلجامها والآخر راكب فإنها في يد الراكب إذ ليس ثم علامة ظاهرة للاشتراك وهاهنا كون الجدار حائلا علامة ظاهرة للاشتراك فلا يغير إلا بسبب ظاهر
وكذلك لو كان معاقد القمط أو الطاقات المرتبة أو الأطراف الصحيحة من اللبنات في أحد الجانبين فلا مبالاة بشئ من ذلك
فرع لو شهدت بينة لأحدهما بملك الجدار وتنازعا في الأس فالمشهود له صار صاحب اليد في الأس إذ ليس الأس حائلا بين الملكين حتى يقال الاشتراك فيه ظاهر بخلاف الجدار إذا كان عليه جذع
الرابعة تنازع صاحب العلو والسفل في السقف فهو بينهما لأنه حائل بين ملكيهما وهو لأحدهما أرض وللآخر سماء
وذلك إذا كان يمكن إحداثه بعد بناء العلو بوضع أطراف الجذوع عليه فيثقبة الجدار فإن لم يمكن إلا قبل بناء العلو فهو متصل بالسفل اتصال ترصيف فاليد لصاحب السفل ثم إذا قضينا بالاشتراك ففي جواز التعليق لصاحب السفل منه ثلاثة أوجه
أحدها الجواز مكافأة لصاحب العلو فإنه يستبد بالجلوس عليه
والثاني المنع لأن ذلك القدر ضرورة في حقه
والثالث أنه إذا افتقر إلى شق السقف بوتد لم يجز وإلا جاز له ذلك فإنه حقيقة المكافأة على التساوي
الخامسة إذا كان علو الخان لواحد وسفله لآخر وتنازعا في العرصة فإن كان المرقي في أسفل الخان فالعرصة في يدهما وإن كان في وسطه فالعرصة إلى المرقى في يدهما وما تحته فيه وجهان وكذا لو كان في الدهليز
أما إذا كان خارجا فالعرصة في يد صاحب السفل
ولو تنازعا في نفس المرقى فهو في يد صاحب العلو إلا إذا كان تحته بيت لصاحب السفل ينتفع به فهو سقف له كما أنه مرقى لصاحب العلو فهو في يدهما
كتاب الشفعة
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في أركان الاستحقاق

وهى ثلاثة المأخوذ والآخذ والمأخوذ منه
الركن الأول المأخوذ

وهو كل عقار يجبر فيه على القسمة
أما قولنا عقارا احترزنا به عن المنقولات فلا شفعة فيها إذ لا يتأبد الضرار فيها فلم تكن في معنى العقار
نعم يستتبع العقار الجدران والأشجار لاتصالها بها على التأبيد
ولا يتعلق حق الشفيع بالثمار المؤبرة و سواء تأبرت بعد العقد أو حال العقد مهما كانت مؤبرة عند الآخذ وإن لم تكن مؤبرة فقولان سواء كانت موجودة حالة العقد أو وجدت بعده إذا بقيت عند الآخذ غير مؤبرة
أحدهما يأخذه الشفيع لأن ما يتبع في العقد يتبع في الشفعة كأغصان الشجر
والثاني لا لأن الأغصان تبقى في معنى الثوابت بخلاف الثمار
وأما قولنا يجبر فيه على القسمة احترزنا به عن الحمام والطاحونة والبئر التى يسقى بها النواضح إذا كانت صغيرة فلا شفعة فيها إذ ليس فيها ضرار مؤنة القسمة وتضييق المرافق وهو مناط الشفعة ولأجله لم تثبت للجار
وقال ابن سريج تثبت فيه الشفعة لضرار المداخلة على التأبيد
ونعني بالمنقسم ما تبقى منفعته بعد القسمة ولو على تضايق فيبقى حماما فيه وطاحونة
وقيل المعنى أن يبقى فيه منفعة ما ولو للسكون
وقيل أن تبقى تلك المنفعة من غير تضايق كالدار الفيحاء وعرصة الأرض
والوجهان بعيدان
فروع ثلاثة

أحدها من له في الدار الصغيرة عشرها ليس له إجبار صاحبه على القسمة لأنه تعنت من غير فائدة فلا يجبر صاحب العشر على القسمة ولصاحب الكثير غرض فيه وجهان فإن منع فلا شفعة من الجانبين
الثاني الأشجار إذا بيعت مع قرارها دون البياض المتحلل بينهما في ثبوت الشفعة للشريك فيها وكذا الجدار العريض إذا بيع مع الأس وجهان
أحدهما نعم لأنه بيع مع الأرض فصار كالبائع والدار
والثاني لا لأن الأرض فيه تبع والمتبوع منقول والعبرة للمتبوع لا للتابع
الثالث دار سفلها لواحد وعلوها مشترك
إن كان السقف لصاحب السفل فلا شفعة في العلو لأنه لا أرض له فلا ثبات وإن كان السقف لشركاء العلو فوجهان
ووجه المنع أنه لا أرض له والسقف لا ثبات له
الركن الثاني الآخذ

وتثبت الشفعة لكل شريك في الدار وإن كان كافرا إلا إذا كانت شركته بالوقف فإن قلنا لا يملكه الموقوف فلا شفعة
وإن قلنا يملك فوجهان مبنيان على أنه هل يقسم الوقف والملك
ولا تثبت للجار وإن كان ملاصقا وقال أبو حنيفة رحمه الله يثبت للجار و وإن لم يكن شريكا
وقيل للشافعي رضي الله عنه قول مثله وحكي عن ابن سريج وهو غير صحيح
نعم لو قضى حنفي لشفعوي به فهل يحل له باطنا فيه وجهان
فرع

الشريك في الممر إذا لم يكن شريكا في الدار لا شفعة له في الداروإذا بيع الممر وهو مملوك منسد الأسفل فإن لم يقبل القسمة أي لا يصلح للممر بعد القسمة فلا شفعة على المذهب
وإن كان ينقسم نظر فإن كان للمشتري في غير المأخوذ طريق آخر إلى داره سوى الممر ثبتت الشفعة وإن لم يكن فثلاثة أوجه
أحدها لا لأن فيه ضررا بالمشتري في غير المأخوذ بالشفعة
والثاني أنه يثبت لأن حق الممر تابع
والثالث أنه إن أراد الأخذ وجب له تجويز الاختيار للمشتري جمعا بين الحقين وإن أبى ذلك فلا شفعة له
الركن الثالث المأخوذ منه

وهو كل من استفاد الملك اللازم بمعاوضة في الشقص المشاع
أما المعاوضة فقد احترزنا بها عن الهبة فلا شفعة فيها كما في الإرث لأنه لا عوض حتى يؤخذ به
وقال مالك رحمه الله يؤخذ بقيمته وحوينا فيه الشقص إذا جعل أجرة في إجارة أو صداقا في نكاح أو عوضا في خلع أو كتابة أو صلح عن دم أو متعة فيؤخذ بالشفعة بقيمة مقابله فإن الشرع قد قوم جميع ذلك
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يؤخذ إلا المبيع
وقولنا بمعاوضة احترزنا به عن الملك العائد بالإقالة والرد بالعيب فإنه لا يؤخذ بالشفعة كما إذ أسقط الشفيع حتى باع المشتري وعاد إليه بإقالة فلا يتجدد الحق لأن العائد هو ملك المشتري بذلك الشراء فليس حاصلا بخروجالثمن عن ملكه على طريق الرد
وقولنا لازم احترزنا به عن المبيع في زمان الخيار إذا كان الخيار للبائع لم يؤخذ إذ لا سبيل إلى البائع للشفيع
وإن كان للمشتري وحده فطريقان
أحدهما أنه لا يؤخذ لأن العقد لم يستقر بعد وربما قلنا لا ملك له
والثاني أنه يخرج على القولين في أنه لو وجد به عيبا فهو أولى بالرد على البائع أو الشفيع بالأخذ فيه قولان
أحدهما الشفيع أولى لأن حقه ثابت بالعقد ولا ضرر عله إذا سلم له كمال الثمن
والثاني المشتري أولى إذ لا يحق للشفيع إلا بعد العقد وربما يكون للمشتري غرض في عين ثمنه
فإن قلنا الشفيع أولى فلو حضر بعد الرد ففي رده الرد وجهان
فإن قلنا يرد فهو بطريق تبين البطلان أو بطريق الإنشاء في الحال فيه وجهان ويقرب من هذا أن الشقص المشفوع إذا كان صادقا وهم الشفيع بأخذهفطلق الزوج قبل المسيس قال أبو إسحاق المروزي الزوج أولى لأن سببه سابق
وقال ابن الحداد لو أفلس مشتري المشفوع بالثمن فالشفيع أولى بالأخذ من البائع بالرجوع
فقال الأصحاب هما جوابان متناقضان ففي المسألتين للشيخين وجهان
فإن قلنا في مسألة الإفلاس الشفيع أولى فالبائع هل يختص بالثمن فيه وجهان
واختيار ابن الحداد أنه يضارب لأن حقه قد بطل
فروع عشرة

الأول إذا اشترى ذمي شقصا مشفوعا من ذمي بخمر وفيه لمسلم أو ذمي شركة فلا يحكم بالشفعة لأن الشراء الفاسد لا يفيد الملك فملكه قائم
ولو أخذ الذمي ثمن خمر وسلمه عن الجزية لم نقبله إذا رأينا ذلك وإن لم نره واعترف به ففيه وجهان
ووجه الجواز أنه لا اعتماد على قولهم
الثاني سلم العبد عن نجوم الكتابة شقصا ثم رد إلى الرق ففي بطلان حق الشفعة وجهان من حيث إنه كان عوضا أولا ثم خرج عن كونه عوضا
الثالث أوصى لمستولدته بشقص إن خدمت أولاده شهرا ففي الشفعةوجهان لأنه مردد بين الوصية والمعاوضة
الرابع العبد المأذون له الأخذ بالشفعة إن كان شريكا لأنه من التجارة وإن عفا لم يسقط حق سيده وإن عفا سيده لم يكن له الأخذ وإن كان بعد إحاطة الديون به
الخامس الوصي إن اشترى للطفل شقصا وهو شريك فله أخذه وإن باع فأخذ من المشتري لم يجز لأنه متهم فيه فكأنه يبيعه من نفسه وللأب ذلك لأنه يبيع من نفسه فهذا لا يزيد عليه
وقيل إنه يحتمل التجويز في الموضعين لأن الغبطة لا تخفى
والوكيل بالبيع هل يأخذ ما باع بالشفعة فيه وجهان
ووجه المنع التهمة والأصح الجواز
السادس يجب على الأب أن يأخذ بالشفعة لطفله إذا كان فيه مصلحة فإن لم يفعله فعله القاضي فإن أسقط الأب الشفعة كان للصبي الطلب بعد البلوغ
وإن بيع بشئ فيه غبطة للصبي ففي وجوب الشراء وجهان
والفرق أن الشفعة تثبت وفي الإهمال تفويت والتفويت ممتنع وإن لم يكن الاكتساب واجبا
السابع إذا كان المشتري أحد الشركاء في الدار فلا يؤخذ الجميع منه بل يترك عليه ما كان يخصه لو لم يكن مشتريا
وقال ابن سريج يؤخذ الكل لأنه يؤدي إلى أن يأخذه بالشفعة من نفسه وهو محال والشراء لا يوجب ملكا لازما في المشفوع فليؤخذ والمذهب الأول
الثامن حكى القفال عن ابن سريج أنه قال أن عامل القراض إذا اشترى بمال القراض شقصا للمالك فيه شركة فله الأخذ ثم أنكر القفال وقال كيف يأخذ ملك نفسه
وفيه احتمال من حيث إن العامل يستحق بيعه لينض المال وفي ذلك إضرار به فله دفع هذا الضرر كما له دفع ضرر أصل الملك
التاسع إذا باع المريض شقصا يساوي ألفين بألف من أجنبي وثلث ماله واف به ولكن الشفيع وارث فلو أخذه لوصلت المحاباة إليه ولصار ذلك ذريعة ففيه خمسة أوجه
أحدهما يصح ولا يثبت الشفعة حذارا من وصول المحاباة والشفعة علىالجملة تسقط بأعذار فهذا من جملتها
والثاني يصح وتثبت الشفعة وتكون المحاباة من المريض مع الأجنبي لا مع الوارث وحسم الحيل غير ممكن
والثالث لا يصح البيع إذا لو صح لاستحال نفي الشفعة واستحال إثباتها أيضا وما أدى إلى محال فهو محال
والرابع أن هذه الإحالة في النصف فيصح البيع على النصف بألف وتبطل في الباقي
والخامس أن الإحالة في حق الشفيع فيأخذ النصف بألف ويترك الباقي على المشتري
العاشر تساوق رجلان إلى مجلس الحكم و هما شريكان في دار يزعم كل واحد منهما أنه السابق في الشراء وأنه يستحق نصيب الآخر بالشفعة فيعرض اليمين عليهم فإن تحالفا أو تناكلا تساقط قولهما وإن حلف أحدهما أخذ نصيب الآخر
وإن أقام كل واحد بينة نظر إلى التاريخ فإن أرخا بيوم واحد فوجهان
أحدهما يتساقطان فكأن لا بينة على الآخر لأنه لا فائدة
الثاني أنه يحكم بهما ويقدر جريان العقدين معا فلا شفعة لأحدهما على الآخر إذ ليس أحدهما قديما بالإضافة إلى الآخر
الباب الثاني في كيفية الأخذ وحكم المأخوذ منه
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول فيما يحصل به الملك

ولا بد من رضا الشفيع فإنه غير مجبر ولا يشترط رضا المشتري فإنه مقهور ولا يكفي قول الشفيع أخذت وتملكت وأنا طالب بل يحصل الملك بأمرين
أحدهما بذل الثمن
والآخر تسليم المشتري الشقص إليه راضيا بذمته
فإن وجد الرضا دون تسليم الشقص والثمن فوجهان
أحدهما يحصل لأنه معاوضة فبعد التراضي لا يشترط القبض
والثاني لا إذ لا عبرة برضا المشتري وهو مقهور فلا بد من أمر زائد وهو تسليم الشقص أو أخذ الثمن
ولو رفع الشفيع الأمر إلى القاضي وطلب وقضى له القاضي ففي حصول الملك وجهان
ولو أشهد على الطلب ولم يقض القاضي فوجهان مرتبان وأولى بأن لا يحصل ثم إنقصر في تسليم الثمن بطل ملكه بطريق التبين له أم بطريق الانقطاع فيه وجهان
هذا إن رضي المشتري فإن أبى إلا أخذ الثمن فهل يبقى خيار الشفيع إلى أن يسلم الثمن فيه وجهان والأظهر أن الملك لا يحصل بالقضاء والإشهاد
وإن حصل فلا يبقى الخيار ويمتنع التصرف على المشتري وفاء بتحصيل الملك وعلى الأحوال كلها فللمشتري حبس الشقص إلى تسليم الثمن بخلاف البائع فإن فيه أقوالا لأنه رضي بزوال الملك
فرع

هل تلتحق معاوضة الشفيع بالبيع في ثبوت خيار المجلس من جانب الشفيع بعد التملك فيه وجهان ذكرناهما في أول البيع
ووجه الفرق أن إثبات خيار المجلس من أحد الجانبين بعيد ولا خلاف في أن خيار الشرط لا يثبت
وكذا الخلاف في أن تصرف الشفيع قبل القبض وبعد التملك هل ينفذ ووجه الفرق أن ملك الشفعة كأنه ملك بناء قهري يضاهي الإرث بخلاف البيع وكذا ثبوت الملك بالشفعة فيما لم ير فيه خلاف مرتب على البيع وأولى بالثبوت
فإن أثبتنا الملك فله الخيار عند الرؤية وللمشتري الامتناع عن قبول الثمن إلى أن يراه الشفيع فإنه لا يثق بالتصرف في الثمن
الفصل الثاني فيما يبذل من الثمن
وفيه مسائل
الأولى أن الشفيع يأخذ الشقص بما بذله المشتري إن كان مثليا فبمثله وإن كان متقوما فبقيمته يوم العقد ليجبر ما فات عليه إذا أخذ ما حصل له
وإذا كان الثمن مائة منا من الحنطة قال القفال والأئمة يكال ويسلم مثله كيلا فإن المماثلة في الربويات بمعيار الشرع
وطردوا هذا في إقراض الحنطة بالوزن ومنعوه
وقال القاضي يكفي الوزن في مسألتنا إذ المبذور في مقابلة الشقص وقدر الثمن معياره لا عوضه وكذا في القرض فإنه لو كان معاوضة لشرط التقابض في المجلس
الثانية اشترى شقصا بألف إلى سنة فثلاثة أقوال الجديد وهو الأصح أن الشفيع يتخير بين أن يعجل الألف ويأخذ أو يؤخر إلى حلول الأجل فيأخذ ويسلم بعد الحلول إذ إثبات الأجل عليه يضر بالمشتري فإنه قد لا يرضى بذمته
وعلى هذا إن أخر وأشهد على الطلب لم تبطل شفعته وإن لم يشهد فوجهان ووجه بقاء الشفعة أنه معذور
ولو مات المشتري وحل عليه الدين لم يحل على الشفيع لأنه حي فهو كضامن لدين مؤجل مات المضمون عنه
والقول الثاني حكاه حرملة أنه يملك الشفيع بثمن في ذمته مؤجل كما لو ملكه المشتري ثم إن كان مليا أو كان له كفيل سلم إليه الشقص وإلا فلا وهو مذهب مالك
ومن الأصحاب من لم يشترط الكفيل واليسار وقال هو كالمشتري
الثالث حكاه ابن سريج أن الشفيع يأخذ في الحال بعوض يساوي ألفا إلى أجل إذ التأخير إضرار وتكليفه النقد إضرار وتنقيص النقد عن المبلغ وقوع في الربا فهذا هو الأقرب
الثالثة إذا اشترى شقصا وسيفا بألف وقيمة السيف مائة وقيمة الشقص مائتان أخذ الشقص بثلثي الألف وترك السيف بالباقي ثم لم يكن للمشتري خيار التبعيض لأنه دخل على بصيرة من الأمر
ولو انهدم الدار قبل الأخذ نقل المزني أنه يأخذ بكل الثمن ونقلالربيع أنه يأخذ بحصته فاختلف طرق الأصحاب في تنزيل النصين والأقرب من جملة ذلك أنه إن ارتجت الدار ولم ينفصل منها شئ فهو عيب محض فيأخذ بكل الثمن كما يأخذ المشتري المبيع قبل القبض إذا تعيب
وإن انهدم نظر فإن فات بعض العرصة بسيل يغشاه مع بعض البناء أخذ الباقي يحصته
فإن كان جميع العرصة باقية نظر فإن تلف بعض النقض فيبني على أن السقوف من الدار كاليد من العبد أو كأحد العبدين في مقابلته بقسطه من الثمن فيه قولان
فإن قلنا كاليد فهذا تعيب فيأخذ بالكل كما قاله المزني
وإن قلنا كأحد العبدين فيأخذ الباقي بحصته
وإن كان النقض قائما فقد صار منقولا في الدوام ولا شفعة في المنقول ففي بقائه في الاستصحاب قولان ذكرناهما ويدل عليهما هذه النصوص
فإن قلنا يؤخذ النقض فيؤخذ الجميع بكل الثمن إذ يبقى الانهدام عيبا محضا
وإن قلنا لا يؤخذ النقض وجعلناه كأحد العبدين أخذ الباقي بحصته
وإن قلنا إنه كاليد احتمل القولين إذ يبعد أن يفوز المشتري بشئ مجانا
وكذا الخلاف لو تلف النقض بجنابة أجنبي وحصل الغرم للمشتري
الرابعة إذا اشترى الشقص بألف ثم انحطت مائة فللحط أربعة أسباب
الأول أن يكون ببإبراء البائع فإن كان بعد اللزوم فهو مسامحة مع المشتري لا يلحق الشفيع خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
وإن كان في زمان الخيار فالأظهر أنه يلحقه
وقال العراقيون ينبني على أقوال الملك فإن قلنا الخيار لا يمنع الملك فيصح الإبراء وفي اللحوق بالعقد والشفيع وجهان
وإن قلنا يمنع الملك فلم يستحق البائع الثمن ففي نفوذ الإبراء خلاف فإن صح فيلحق الشفيع والأصح صحة الإبراء واللحوق لأنه يمكنه في الابتداء أن تصير الزيادة وسيلة إلى دفع الشفعة فيباع بأضعاف الثمن ويبرأ في المجلس
السبب الثاني أن يجد البائع بالثمن عيبا
فإن كان الثمن عبدا فإن رده قبل أخذ الشفيع فهو أولى أم الشفيع فيه قولانمرتبان على المشتري إذا أراد رد الشقص بالعيب
والأولى هاهنا تقديم البائع فإنه لا حق للشفيع عليه ولم يسلم له العبد
وإن وجد العيب بعد أخذ الشفيع فالصحيح أن الشفعة لا تنقض
ولكن يرد العبد ويرجع إلى قيمة الشقص فإن كان تسعمائة أو كان ألفا ومائة فهل يجري التراجع من الشفيع والمشتري بالزيادة والنقصان وجهان
أحدهما لا لأن الشفعة بناء على العقد وهذا أمر حادث
والثاني نعم يرجع الشفيع على المشتري إن نقص والمشتري على الشفيع إن زاد إذ صار هذا مقام الشقص به على المشترى
السبب الثالث المسألة بحالها وقد طرأ على العبد عيب حادث منع الرد فطالب البائع المشتري بالأرش فقد استمر بمقدار الثمن
فإن رضي بالعيب فهل يقتصر من الشفيع بقيمة المعيب فيه وجهان منحيث إنه قد يظن أن هذه مسامحة مع المشتري على الخصوص
السبب الرابع أن يجد المشتري عيبا بالشقص
فإن كان بعد أخذ الشفيع فلا رد له ولا أرش لأنه روج على غيره كما روج عليه إلا أن يرد الشفيع عليه بالعيب فعند ذلك له الرد على البائع
فإن وجد العيب قبل أخذ الشفيع وقد حدث به عيب مانع فاسترد الأرش فهذا يلحق الشفيع قطعا لأنه موجب العقد في عين الشقص
ولو تصالحا على عوض وصحح الصلح ففي لحوق ذلك بالشفيع وجهان إذ قد يظن أنه عوض عن حق الخيار
الخامسة إذا اشترى بكف من الدراهم مجهولة المقدار نص الشافعي رضي الله عنه على سقوط الشفعة إذ الأخذ بالمجهول غير ممكن
نعم لو ادعى على المشتري العلم به فيحلف على نفي العلم
وقال ابن سريج لا تسقط الشفعة بل يعين الشفيع قدرا ويحلف المشترى عليه فإن أصر على قوله لا أعرف جعل ناكلا وحلف الشفيع
فإن حلف على مقدار يظن أنه صدق فيه فقد استحق
وإن حلف المشتري على أن ما عينه الشفيع هو دون ما اشتراه به ولكنه لا يدري قدر الزيادة فيقال للشفيع زد وادع إلى أن يحلف المشتري أو ينكل وهو كما لو ادعى ألفا على إنسان دينا فقال المدعى عليه لا أدري مقداره فإنه لا يسمع بل يجعل ناكلا إن استمر عليه والمذهب الأول
السادسة الشفيع يسلم الثمن إلى المشتري والمشتري إلى البائع ولا معاملة بين الشفيع والبائع هذا هو المذهب
وفيه وجه أنه يسلم إلى البائع وكأن المشتري عقد له
ولو كان المبيع في يد البائع وتعلل المشتري به لم يكن ذلك عذرا فإنه إذا سلم الثمن أجبر البائع على أخذ الثمن ورفع اليد
ولو خرج الثمن مستحقا نظر إن خرج ثمن العقد مستحقا فقد بان بطلان العقد وانتفاء الشفعة
وإن خرج ثمن الشفيع مستحقا بعد أن أخذ فإن لم يعرف الشفيع فهو معذور والقول قوله أنه لم يعرف
ولكن هل يتبين أنه لم يحصل ملكه بذلك الثمن وإنما يحصل بالثاني فيه وجهان
وإن عرف كونه مستحقا ففي بطلان شفعته بتقصيره وجهان ووجه بقاء الحق أنه لم يقصر في الطلب والأخذ
ثم في تبيين بطلان الملك بالثمن المستحق وجهان مرتبان وهاهنا أولى بأن يتبين ويقال حصل الملك بالثمن الثاني
وتظهر فائدة ذلك في ارتفاع الملك وزيادته
ولو خرج الثمن زيوفا لا يبطل الملك الحاصل ولا حق الشفعة لأن ذلك مما يمكن الرضاء به
فرع لو خرج الشقص مستحقا بعد أن بنى فيه الشفيع نقض المستحق بناءه مجانا
قال القاضي ويرجع الشفيع على المشتري بأرش النقض إذا قلنا يرجع المشتري على الغاصب أخذا من قاعدة الغرور
وفيه إشكال لأن المشتري مقهور هاهنا فكيف يحال الغرور إليه ثم قد يكون جاهلا
فإن كان مقهورا لم ينقدح الرجوع وإن رضي بالثمن أو طلبه انقدح ثم إن كان جاهلا انقدح أن يرجع هو به على البائع فإنه منشأ الغرور
السابعة أن يزيد الثمن على الشفيع بأن يبني المشتري ويغرس فليس له قلعة مجانا بل عليه أن يبذل قيمته ويتملك عليه أو ينقضه بأرش أو يبقيه باجره كما يفعل المعير بالمستعير خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فإنه قال ينقضه مجانا
فأما زرعه فيبقيه بغير أجرة لأن أمده معلوم وكأن المنفعة كالمستوفاة بالزراعة فهو كما لو اشترى أرضا مزروعة إذ الشفيع من المشتري كالمشتري من البائع وفي العارية تبقى بأجرة
وقد خرج في مسألتنا أيضا منه وجه ولكنه غريب
وقد اعترض المزني على المسألة وقال عند الشافعي رضي الله عنه لا يثبتشفعة الجوار ولا يتصور البناء على المشترك إلا بالرضا فإن لم يكن رضا فهو عدوان منقوض
فقال الأصحاب يتصور بأن يقاسم الشريك المشتري على ظن أنه وكيل البائع أو يكون غائبا فيقسم القاضي عنه أو يكون قد وكل وكيلا في القسمة وهو غائب فلا يسقط حقه بشئ من ذلك
فإن قيل فالشفعة لرفع ضرر مؤنة الاستقسام وكيفما كان فقد انقطع وهو الآن جار لا يحذر الاستقسام
قلنا ذلك يعتبر حالة الاستحقاق ودوامه حالة الأخذ لا تعتبر
فإن قيل فلو باع نصيبه مع الجهل بالشفعة ففي بطلان الشفعة خلاف لانقطاع السبب عن الأخذ فالانقطاع بالقسمة هلا كان كالانقطاع بالبيع حتى يخرج على الخلاف
قلنا قطع الشافعي رضي الله عنه هاهنا لأنه إن زالت الشركة بقي الجواز وهو نوع اتصال كان شركة في الابتداء فلا ينقطع حكمها ما لم يزل تمام الاتصال فكأن الجواز يصلح للاستصحاب إن لم يصلح للابتداء
أما تصرفات المشتري بالوقف والهبة والوصية فكلها منقوضة
وإن باع فالشفيع بالخيار بين أن يأخذ بالثاني أو ينقض الثاني ويأخذ بالأول
وعن أبي إسحاق المروزي أنه لا ينقض بيعه لأن الأخذ به ممكن كما لا ينقض بناؤه مجانا
الثامنة إذا تنازع المشتري والشفيع فإن تنازعا في قدر الثمن فالقول قولالمشتري لأنه أعرف به والملك ملكه فلا يزال إلا بحجة
وإن أنكر المشتري كونه شريكا فعليه إثبات كونه شريكا وإلا فالقول قول المشتري يحلف على أنه لا يعلم له في الدار شركاء ولا يلزمه البت بخلاف ما لو ادعى ملكا في يده فإنه يجزم اليمين على نفي ملك الغير لأن هذا ينزل منزلة نفي فعل الغير
وإن أنكر المشتري الشراء فإن كان للشفيع بينة أقامها وأخذ الشقص والثمن يسلم إلى المشتري إن أقر وإن أصر على الإنكار فثلاثة أوجه
أحدها أنه يبقى في يد الشفيع
والثاني يحفظ كما يحفظ المال الضائع
والثالث أنه يجبر المشتري على القبول حتى تبرأ الشفيع ويحصل له الملك
أما إذا لم يكن له بينة وكان البائع مقرا
فاختيار المزني أنه تثبت الشفعة لأن البائع والشفيع متقاران على أن قرار الملك للشفيع فلم يمتنع بقول من لا قرار لملكه
والثاني وهو اختيار ابن سريج ومذهب أبي حنيفة أنه لا يثبت لأنه فرع المشتري ولا يثبت الشراء إلا بقول المشتري أو بحجة
التفريع

إن قلنا له الشفعة فماذا يصنع بالثمن نظر إن قال البائع ما قبضت الثمن فيسلم إليه وفي كيفيته وجهان
أحدهما أنه يسلم إليه ابتداء لأنه الأقرب
والثاني أنه ينصب القاضي عن المشتري نائبا ليقبض له ثم يسلم عن جهته إلى البائع
وفيه إشكال إذ نصب النائب عمن ينكر الحق لنفسه بعيد
وإن قال البائع قبضت الثمن فوجهان
أحدهما أنه يترك في يد الشفيع فلعل المشتري يقر
والثاني يحفظه القاضي فإنه ضائع
وقيل إنه تسقط الشفعة إذا أقر البائع بالقبض لعسر الأمر
الفصل الثالث في الأخذ عند تزاحم الشركاء
وله ثلاثة أحوال
الحالة الأولى

إذا توافقوا في الطلب وزع القاضي عليهم بالسوية فأن تفاوتت حصصهم فقولان
أحدهما أنه يوزع على عدد الرؤوس وهو القول القديم وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله والمزني
والثاني أنه يوزع على الحصص وهو الجديد وتوجيهه مذكور في الخلاف
فروع ثلاثة

الأول إذا مات الشفيع وخلف ابنا وبنتا وقلنا الشفعة على قدر الرؤوس فهاهنا في التفاوت وجهان ومأخذه أن الوارث يأخذ بشركته الناجزة أو يرث حق الشفعة والأصح أنه يرث ويتفاوتان للتفاوت في الإرث
والثاني مات رجل وخلف ابنين ودارا بينهما فمات أحد الابنين وخلف ولدين فباع أحدهما نصيبه
فالجديد وهو القياس الحق أن الشفعة يشترك فيها أخوه وعمه
والقول القديم أن الأخ مقدم لقرب الإداء بالأخوة وهو بعيد
الثالث إذا باع أحد الشريكين نصيبه من شخصين في صفقتين متعاقبتين فإن المشتري الأول شريكه عند الشراء الثاني فهل يساهم الشريك القديم في الشفعة مع أن حصته التى بها استحقاقه معرضة لنقض الشريك القديم فيه ثلاثة أوجه
أحدها لا لأنه ملك مزلزل معرض للنقض فكيف ينقض به غيره وهو غير مصون عن النقض في نفسه
والثاني نعم لأنه شريك حالة الشراء فتوقع زوال ملكه لا يمنعه من الحق
والثالث أن الشريك القديم إن عفا عن الشفعة في نصيبه فقد استقر ملكه فله الأخذ وإن كان يأخذه فلا يحسن الأخذ بالمأخوذ في نفسه
الحالة الثانية أن يعفو بعض الشركاء
نقدم عليه أن المنفرد لو عفا عن بعض حقه سقط كل حقه لأن التجزئة إضرار بالمشتري وما امتنع تجزئته فإسقاط بعضه إسقاط كله كالقصاص وفيه وجهان غريبان
أحدهما أنه لا يسقط شئ أصلا لأن مبنى القصاص على السقوط بخلاف الشفعة
والثاني أنه يسقط ما أسقطه ويبقى الباقي إن رضي به المشتري
أما إذا عفا أحد الشركاء فالمذهب أن الشريك الآخر يأخذ الكل ويسقط حق المسقط
وقيل إنه يأخذ الثاني نصيبه
وقيل لا يسقط نصيب الآخرين كما في القصاص
وقيل لا يسقط حق السقط والكل بعيد
الحالة الثالثة إن تغيب بعض الشركاء فالحاضر يأخذ حذارا من التشطير على المشتري فإذا حضر الآخر شاطر الأول فإن حضر ثالث قاسمهما فإن أخر الأول تسليم كل الثمن وقال أؤخر إلى حضور الآخرين ففي بطلان حقه وجهان
ثم إذا أخذ الثاني من الأول لم يطالبه بالغلة للمدة الماضية لأنه متملك عليه كما أن الشفيع متملك على المشتري
فرع

لا يجوز التبعيض على المشتري مهما اتحدت صفقته فإن تعددت الصفقة بتعدد البائع أو بتعدد المشتري فله أخذ مضمون أحدهما وفيما إذا اتحد المشتري وتعدد البائع وجه أنه لا يأخذ إلا الكل
أما إذا اشترى شقصين من دارين والشريك فيهما واحد ففيه وجهان
أحدهما يأخذ الكل حذارا من تفريق الصفقة وهي متحدة
والثاني له الاقتصار على واحد كما لو لم يكن شريكا إلا في أحدهما
الباب الثالث فيما يسقط به حق الشفعة

وقد اختلف في مدته قول الشافعي رضي الله عنه فالصحيح وهو الجديد أنه على الفور لقوله عليه السلام
الشفعة كحل العقال ولأنه قريب الشبه من الرد بالعيب فإنه نقض ملك لدفع ضرره
والثاني وهو الذى رواه حرملة أنه يتمادى إلى ثلاثة أيام لأن التأبيد إضرار بالمشتري وإيجاب الفور إضرار بالشفيع فإنه قد يحتاج إلى روية ومدة النظر في الشرع ثلاثة أيام بدليل مدة الخيار
ويطرد هذان القولان في قتل المرتد وتارك الصلاة وطلاق المؤلي ونفي الولد باللعان وفسخ الزوجة بإعسار الزوج وخيار الأمة إذا عتقت
والثالث أنه على التأييد كحق القصاص وهذا القول لا يطرد إلا في خيار الأمة
وعلى هذا اختلفوا في أمرين
أحدهما أنه يسقط بصريح الإبطال وهل يسقط بدلالة الإبطال كقوله بعه ممن شئت فيه وجهان
والثاني أن المشتري هل يرفع الشفيع إلى القاضي ليأخذ أو يسقط حتى يكون على ثقة في التصرف فيه قولان
والتفريع بعد هذا على الصحيح وهو أنه على الفور فيسقط بكل ما يعد في العرف تقصيرا في الطلب وما لا يعد تقصيرا فلا وبيانه بسبع صور
الأولى أنه إذا بلغه الخبر فينبغي أن يشهد على الطلب وينهض إلى طلب المشتري أو يبعث وكيلا
فإن كان عاجزا عن طلبه بمرض أو حبس في باطل فإنه إن كان في دين حق فهو غير قادر على الأداء أو كان المشتري غائبا ولم يجد في الحال رفقة يخرج معها وكيله فلا يسقط حقه فإنه معذور
فإن كان المشتري حاضرا فخرج بنفسه ولم يشهد فالمذهب أنه ليس بتقصير وإن لم يخرج بنفسه لعذر وقدر على التوكيل فلم يوكل فثلاثةأوجه الثالث أنه كان يلزمه فيه منة أو مؤنة فهو معذور وإلا فلا
فإن عجز عن التوكيل فليشهد فإن لم يفعل فقولان
أحدهما أن الإشهاد مستحب قطعا للنزاع وإلا فلا حاجة إليه
والثاني أنه في الحال لا أقل من الإشهاد إذا لم ينهض للطلب
الثانية أنه لو كان في حمام أو على طعام أو في نافلة فالأصح أنه لا يلزمه القطع ومخالفة العادة بل يجري على المعتاد وفيه وجه أنه يلزمه ذلك تحقيقا للبدار
الثالثة أنه لو أخر ثم قال إنما أخرت لأني لم أصدق المخبر نظر فإن أخبره عدلان فلا يعذر وإن أخبره فاسق أو صبي أو كافر ومن لا تقبل روايته فمعذور
وإن أخبره عدل واحد أو عبيد ومن تقبل روايته لاشهادته فوجهان والأصح أنه لا يعذر
ولو كذب المخبر وقال بيع بألفين فإذا هو بألف أو بالصحيح فإذا هو مكسرأو بالمؤجل فإذا هو حال أو بالعكس أو بيع من زيد فإذا هو من عمرو أو قيل اشترى النصف بخمسين فإذا هو اشترى الكل بمائة أو بيع بالدراهم فإذا هو بالدنانير أو بالعكس فعفا ثم تبين كذب المخبر فحقه باق وله الطلب ولو أخبر أنه بيع بألف فإذا هو بألفين فعفا ثم طلب فلا لأن من رغب عن ألف فهو عن ألفين أرغب
ولو قال جهلت بطلان الحق بالتأخير وكان ممن يشتبه على مثله فهو أيضا معذور
الرابعة إذا ألفى المشتري فقال السلام عليك جئت طالبا لم يبطل حقه لأنه إقامة سنة
ولو قال اشتريت رخيصا وأنا طالب بطل حقه لأنه اشتغل بفضول لا فائدة له فيه
فإن قال بارك الله لك في صفقة يمينك وأنا طالب
قال العراقيون لا يبطل لأنه تهنئة وقياس المراوزة الإبطال لأنه فضول في هذا الموضع
ولو قال بكم اشتريت قال العراقيون يبطل
وقال المراوزة لا لأن له غرضا فلعله يستنطقه بالإقرار ويبين المقدار إذ عليه تبتنى رغبته في الطلب
الخامسة إذا زرع المشتري الأرض ثم علم الشفيع فأخر تسليم الثمن لأنه لا ينتفع في الحال لا يبطل حقه لأنه لا يتحصل على فائدة في الحال ولكن ينبغي أن يعجل الطلب ويؤخر الثمن
السادسة لو باع ملكه قبل الأخذ مع العلم بالشفعة فهو إسقاط للشفعة وإن كان جاهلا فقولان
أحدهما يسقط إذ لم يبق شريكا فلا يبقى ضرر عليه
والثاني أنه لا يبطل لأن الحق ثبت ولم يجر إسقاطه فيبقى
ومثله جار فى الأمة إذا لم تشعر حتى عتق العبد والمشتري إذا لم يشعر بالعيب حتى زال
السابعة لا يجوز أخذ العوض عن حق الشفعة ولا عن حق حد القذف ولا عن مقاعد الأسواق
وقال أبو إسحاق المروزي أنا أخالف الأصحاب في هذه المسائل الثلاث
والمقصود أنه لو صالح الشفيع بطلت شفعته ولم يثبت العوض إن كان عالما بالبطلان فإن ظن الصحة فوجهان والأولى أن لا يبطل
فرع

إذا تنازعا في العفو فالقول قول الشفيع أنه عفا فلو أقام بينة على أنه أخذ بالشفعة والشيء في يده وأقام المشتري بينة على العفو فوجهان
أحدهما بينة الشفيع أولى لأنه صاحب اليد
والثاني بينة المشتري لأنه يشتمل على مزيد وليس فيه تكذيب الآخر
فلو شهد البائع على العفو قبل قبض الثمن لم يجز إذ بقي له علقة الرجوع بالإفلاس
وبعد القبض فوجهان من حيث توقع التراد بالأسباب
ولو شهد بعض الشركاء على البعض بالعفو فإن كان قد عفا الشاهد قبلت شهادته وإلا فلا فإنه يجر إلى نفسه نفعا والله أعلم بالصواب
كتاب القراض
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في أركان الصحة

وهي ستة العاقدان والعوضان ورأس المال وصيغة العقد
ومستند صحة القراض الإجماع وقد عرف ذلك بما روي أن عبد الله بن عمر وعبيد الله بن عمر لما انصرفا من غزوة نهاوند أتحفهما والي العراق بإقراض مال من بيت المال ليشتريا به أمتعة فيربحان عليه ويسلمان قدر رأس المال إلى عمر فكلفهما عمر رضي الله عنه رد الربح وقال ما فعل ذلك إلا لمكانتكما مني فقال عبد الرحمن بن عوف لو جعلته قراضا على النصف فأجاب إليه
فدل ذلك على أن القراض كان بينهم معروفا مفروغا منه
ولعل مستندهم فيه صحة المساقاة إذ كل واحد منهما معاملة يحتاج إليه رب المال لتنميته وهو عاجز عنه بنفسه لقصوره وعن استئجار غيره لجهالة العمل
فنبدأ بالركن الأول وهو رأس المال وله أربعة شرائط
الأول كونه نقدا فلا يورد القراض إلا على النقدين وهي الدراهم والدنانير المسكوكة أما النقرة وسائر العروض فلا
وكذا على المغشوش على الصحيح لأن النحاس فيه سلعة ولا يورد على الفلوس قطعا
وعلة هذا الشرط أمران
أحدهما أن مقصود العقد الاتجار وإنما جوز رخصة وفي الإيراد على العروض تضييق فقد لا تروج في الحال
والثاني أنه لا بد عند القسمة من الرد إلى رأس المال ليتبين الربح فلو أورد على وقر حنطة وقيمته في الحال دينار فقد يربح تسعة ثم تغلو الحنطة فلا يوجد الوقر إلا بعشرة دنانير فصاعدا فيحبط الربح لا بخسران في التجارة
الثاني أن يكون معلوم المقدار فلو قارض على صبرة من الدراهم بطل لأن جهله يؤدي إلى جهل الربح وهو عوض في العقد
الثالث التعيين فلو أورد على ألف لم يعين فسد إلا إذا عين في المجلس فيصح كبيع الدراهم بالدراهم
ولو سلم إليه ألفين في كيسين وقال أودعتك أحدهما وقارضتك على الآخر ولم يعين فيوجهان في الصحة
أحدهما الجواز للتساوي والثاني لا لعدم التعيين
ولو قارضه على ألف وهو عنده وديعة جاز وكذا لو كان عنده غصبا
ولكن هل ينقطع الضمان فيه وجهان
أحدهما لا كالرهن
والثاني نعم لأن الأمانة مقصودة في هذا العقد فهو إلى الوديعة أقرب
وفي طريقة العراق ذكر الوجهان في صحة القراض ولعله غلط إذ لا مستند لاشتراط عدم الغصب فإذا صحت الوديعة والرهن والوكالة فبأن يصح القراض أولى
الرابع أن يكون رأس المال مسلما إلى العامل يدا لا يداخله المالك بالتصرف واليد فلو شرط لنفسه يدا أو تصرفا معه فهو فاسد لأنه تضييق وكذا إذاشرط مراجعته في التصرف أو مراجعة مشرفه ولو شرط أن يعمل معه غلامه فالنص الجواز في المساقاة والقراض جميعا وفيه وجه لأن يد الغلام يد المالك
الركن الثاني عمل العامل فإنه أحد العوضين وفيه ثلاث شرائط
الأول أن يكون تجارة أو من لواحقها أما الحرف والصناعات فلا
فلو سلم إليه دراهم ليشتري حنطة فيطحن ويخبز ويكون الربح بينهما فهو فاسد وليس له إلا أجرة المثل بل إذا لم يشترط عليه فاشترى الحنطة وطحن وخبز انفسخ القراض لأن الربح حصل بالعمل والتجارة جميعا وما ليس تجارة لا يقابل بالربح المجهول والتمييز غير ممكن
أما النقل والوزن ولواحق التجارة فهي تابعة
أما إذا سلم إليه مالا لينقل إلى بلد ويشتري به سلعة ويبيع والربح بينهما ففيه وجهان من حيث إن النقل عمل مقصود انضم إلى التجارة ولكن لما كان يعتاد السفر في التجارة ترددوا فيه
فرع

لو قال قارضتك على الألف الذى عليك فاقبضه لي من نفسك واتجر فيه فهو فاسد إذ لا يصح قبضه له من نفسه فلا يملك فلو اشترى له بدراهم نفسه شيئا فهو كما لو قال اشتر لي هذا الفرس بثوبك ففعل ففي وقوعه عن الآمر وجهان
أحدهما لا لأن عوضه ملك غيره
والثاني بلى ولكن يقدر انتقال الملك في العوض ضمنا إما هبة وإما قرضا وفيه أيضا وجهان
الشرط الثاني أن لا يعين العمل تعيينا مضيقا فلو قال لا تتجر إلا في الخز الأدكن والخيل الايلق فسد
وكذلك إذا عين للمعاملة شخصا لأنه قد لا يربح عليه ولو عين جنس البز أو الخز جاز ثم يتبع فيه موجب الاسم فكل ما يسمى بزا يتصرف فيه وذلك معتاد لا تضييق فيه
الثالث إطلاق القراض قال الشافعي رضي الله عنه لا يجوز القراض إلى مدة فاتفق الأصحاب أنه لو أقت إلى سنة وصرح بمنع البيع بعده فهو باطل إذ قدلا يجد راغبا قبله
وإن قال لا تشتر بعده وبع أي وقت شئت فوجهان
أحدهما لا لأنه تضييق
والثاني يجوز إذ له منعه من الشراء مهما أراد وليس له المنع من البيع فله أن يؤقت في الابتداء ماله أن يفعل في الدوام
ولو أطلق وقال قارضتك سنة فطريقان
أحدهما البطلان تنزيلا على الصورة الأولى
والثاني الوجهان تنزيلا على الأخيرة وترجيحا لجانب الصحة
ولو قال لا تتصرف إلا في الرطب فالمذهب جوازه وإن كان ذلك يتضمن تأقيتا بحكم الحال
الركن الثالث الربح

وهو العرض المقابل للعمل وجهالته والغرر في وجوده للحاجة وله أربعة شرائط
الأول الاستهام فلو شرط للمالك فهو فاسد
وهل يستحق أجرة المثل عل تصرفه فإنه يصح التصرف بحكم الإذن اختيار المزني أنه لا يستحق لأنه خاض في العمل غير طامع في الربح
وقال ابن سريج يستحق لأن العقد يقتضي العوض بوضعه فشرط النفي لا ينفيه كالمهر في النكاح
ولو شرط الكل له فهو فاسد والربح كله للمالك وليس للعامل إلا أجرة المثل فإنه طمع في عوض
ولو قال خذ المال وتصرف فيه وكل الربح لك فهو منزل على القرض فيكون الربح للعامل
وإذا ذكر لفظ القراض لم ينزل على القرض على الصحيح من المذهب
ولو قال على أن النصف لي وسكت عن جانب العامل لم يصح على المذهب لأن الإضافة إلى العامل هى النتيجة الخاصة للقراض
وقال ابن سريج يصح أخذا من الفحوى والعرف
ولو قال على أن النصف لك فالمذهب صحته وفيه وجه بعيد
الثاني أن لا يضاف جزء إلى ثالث فإنه إثبات استحقاق بغير مال ولا عمل إلا أن يضاف إلى غلام أحدهما فهو كالإضافة إلى مالكه
الثالث أن لا يقدر الربح
فلو قال لك من الربح درهم أو ألف لم يصح فربما لا يزيد الربح على ما ذكره فيختص الكل بمن شرط له
وكذلك إذ قال لي درهم أولك درهم من الجملة والباقي بيننا
وكذلك إذا قال على أن لي ربح العبيد من مال القراض
ولو قال على أن لي ربح أحد الألفين وهو مختلط
قال ابن سريج لا يصح للتخصيص
وقال القاضي يصح إذ لا فرق بين أن يقول لي ربح النصف أو نصف الربح أو ربح الألف والمال ألفان
الرابع أن يكون الجزء المشروط معلوما
فلو قال على أن لك من الربح ما شرطه فلان لفلان وهو مجهول لهماأو لأحدهما فهو فاسد كنظيره في البيع
ولو قال على أن لك سدس تسع عشر الربح وهو ليس حيسوبا يفهم معناه في الحال فوجهان ووجه الصحة أن اللفظ معروف والقصور فيهما
ولو قال على أن الربح بيننا فوجهان
أحدهما يصح وينزل على الشطر
والثاني لا لأنه لا يتعين للتشطير فهو مجهول
الركن الرابع الصيغة

وهو أن يقول قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن لك من الربح كذا فيقول قبلت
فلو قال خذ المال واتجر فيه ولك من الربح نصفه فقد قال القاضي يكفي القبول بالفعل كنظيره في الوكالة وهو هاهنا أبعد إذ فيه معنى المعاوضة
الركن الخامس والسادس وهما العاقدان

ولا يشترط فيهما إلا ما يشترط في الموكل والوكيل بالأجرة
وهل يشترط كون المقارض مالكا حتى لا يصح قراض العامل مع عامل آخر بإذن المالك فعلى وجهين
فرعان

أحدهما لو كان المالك مريضا وشرط له أكثر من أجرة المثل لم يحسب من الثلث لأن تفويت الحاصل هو المقيد بالثلث والربح ليس بحاصل ولذلك تزوج المرأة نفسها بأقل من مهر المثل فيجوز
وفي نظيره من المساقاة وجهان لأن النخيل حاصل والثمر على الجملة قد يحصل دون العمل بخلاف الربح
الثاني إذا تعدد المالك وقارض رجلا واحدا صح فيشترط له شئ والباقي بين المالكين على نسبة الملك لا يجوز فيه شرط تفاوت
وإن كان العامل متعددا فهو أيضا جائز فإن التعاون على مقصود واحد لا يفوت مقصود العقد
الباب الثاني في حكم القراض الصحيح
وفيه مسائل
الأولى أن العامل وكيل في التصرف
فيتقيد تصرفه بالغبطة فلا يبيع بالغبن ولا يشتري بالزيادة ولا يبيع بالنسيئة إلا إذا أذن فيه لأن الناس يتفاوتون في الرضا به وفيه غرر ولا يشتري بالنسيئة لأنه ربما يفوت رأس المال فيتعلق العهدة بالمالك بخلاف ولي الطفل فإنه قد يفعل ذلك عند المصلحة
ولا شك في أنه يشتري ويبيع بالعرض فإنه عين التجارة
فإذا أذن له في البيع بالنسيئة يلزمه الإشهاد فإن فات الثمن بإنكار وقد قصر في الإشهاد ضمن
وله أن يشتري المعيب إذاكان فيه غبطة وإن اشترى على أنه سليم فلكل واحد منهما الرد فإن اختلفا قدم ما يقتضيه المصلحة والغبطة
ولا يعامل رب المال بمال القراض فإنه ملكه كالعبد المأذون لا يعامل سيده
ولا يشتري بجهة القراض بأكثر من رأس المال فإن سلم إليه ألفا فاشترى بعينها عبدا تعين الألف للتسليم فلو اشترى عبدا آخر بعينه بطل ولو اشترى في الذمة وقع عنه لا عن القراض
ولو صرف إليه مال التراض ضمن كصرفه إلى عبد نفسه
وعلى الجملة هو في هذه القضايا يقارب الوكيل وقد استقصينا حكمه في الوكالة
الثانية لو اشترى من يعتق على المالك بغير إذنه لم يقع عنه لأنه على نقيض التجارة
ولو اشترى زوجته فوجهان من حيث إن الربح فيه ممكن ولكن ضرر انفساخ النكاح لاحق فبالحري أن يخرجه عن عموم اللفظ
والوكيل إذا قيل له اشتر عبدا فاشترى من يعتق على الموكل فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى عموم اللفظ وفي الثاني إلى الضرر كما في شراء زوجة المقارض
أما العبد المأذون إن قيل له اتجر فهو كالعامل وإن قيل اشتر عبدا فهو كالوكيل وإن اشترى من يعتق على المالك بإذنه صح وعتق وسرى إلى نصيب العامل إن كان فيه ربح وغرم له المالك
وإن قلنا لا يملك بالظهور لأنه يملك عند الاسترداد وهذا في حكم استرداد المال وسيأتي حكمه
و

وإن اشترى العامل قريب نفسه ولا ربح في المال صح
فإن ارتفع السوق عتق نصيبه ولم يسر لأن ارتفاع السوق ليس إلى اختياره فهو كالإرث
وإن كان فيه ربح وقلنا إنه لا يملك بالظهور فهو كما إذا لم يكن ربح وإن قلنا يملك ففي صحة التصرف قولان حكاهما صاحب التقريب ووجه المنع بعده عن مقصود التجارة
فإن صححنا ففي نفوذ العتق وجهان ووجه المنع أن نصيبه وقاية لرأس المال فنزل تعلق حق المالك به منزلة تعلق الرهن به
فإن قلنا ينفذ فيسرى لأن الشراء باختياره
فرع ليس لأحدهما الانفراد بكتابة عبد لأنه بعيد عن التجارة
فإن توافقا عليه ولا ربح في المال ففي انفساخ القراض وجهان والأظهر أنه يستمر على بذله
وإن كان فيه ربح لم ينفسخ وعتق العبد وكان الولاء لها على نسبة ملكيهما
الثالثة إن عامل عامل القراض عاملا آخر بإذن المالك لينسلخ هو من القراض ويكون العامل هو الثاني صح ويكون هو وكيلا في العقد
وإن أراد أن ينزل العامل منه منزلته من المالك ليكون له شئ منحصته فوجهان ذكرناهما
ووجه المنع أن وضع القراض أن يجري بين مالك وعامل وإن فعل ذلك بغير إذن المالك فهو فاسد
وإن اتجر العامل الثاني فيخرج على اتجار الغاضب في المعضوب وفيه قولان أحدهما النفوذ مهما كثرت التصرفات وظهر الربح نظرا للمالك حتى لا يفوته الربح فله الإجارة
فإن قلنا الربح للمالك تفريعا على القول القديم قال المزني هاهنا لرب المال نصف الربح والنصف الآخر بين العاملين نصفين كما شرط
فإن قيل فقد طمع العامل في نصف الكل قلنا هو منزل على نصف ما رزق الله تعالى لهما ونصف الكل هو رزقهما
ومن الأصحاب من قال يرجع بأجرة العمل في النصف الذى فاته وخالف المزني
فإن قيل ولم استحق العامل الثاني والأول شيئا وتفريع القديم في الغصب يوجب أن يكون الكل للمالك
قلنا لأنه جرى هاهنا مشارطة ومراضاة ويبنى هذا القول على المصلحة وفي الغضب لم تجر مشارطة ومراضاة
وإن فرعنا على الجديد قال المزني الربح كله للعامل الأول وللعامل الثاني أجرة مثله على الأول
قال بعض الأصحاب هذا غلط إذ الربح على الجديد للغاصب والعامل الثاني هو الغاصب
ومنهم من وافقه لأن العامل الثاني ما اشترى لنفسه بل اشترى للعامل الأول فكأن الأول هو المشتري كما أن الغاصب هو المشتري لنفسه
الرابعة ليس للعامل أن يسافر بمال القراض دون الإذن فإنه اقتحام خطر فإن فعل صح تصرفاته ولكنه يضمن الأعيان والأثمان جميعا لأن العدوان بالنقل يتعدى إلى الثمن
وإن سافر بالإذن جاز ونفقة النقل وحفظ المال على مال القراض كما أن نفقة الوزن والكيل والحمل الثقيل الذى لا يعتاده التاجر أيضا في البلد على رأس المال
فإن تعاطى شيئا من ذلك بنفسه فلا أجرة له
وأما نشر الثوب وطيه وحمل الشئ الخفيف فهو عليه للعادة
فإن استأجر عليه فعليه الأجرة وكذا عليه نفقته وسكناه في البلد وأجرة الحانوت ليس عليه
أما نفقته في السفر فقد نص الشافعي رضي الله عنه أن له نفقته بالمعروف
وروى البويطي أنه لا نفقة له
فمنهم من قطع بنفي النفقة عن مال القراض قياسا على الحضر وحمل النص على أجرة النقل والحمل ومنهم من قال قولان
ووجه الفرق أنه في السفر متجرد لهذا الشغل دون غيره فضاهى الحرة المحتبسة بسبب النكاح بخلاف الحاضر فإنه ليس محتبسا على هذا المال
وعلى هذا فلو استصحب معه مال نفسه توزع النفقة على المالين
وإن لم يستصحب ففي مقدار الواجب قولان
أحدهما ما يزيد بالسفر والثاني جميع النفقة
ولو فاصله المالك أو لقيه في بلد ففي لزوم نفقة إيابه إلى البلد وجهان
والمذهب أنه إذا عاد إلى البلد رد السفرة والمطهرة وبقايا آلات السفر إلى المالك
الخامسة اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في أن العامل يملك الربح بالظهور أو بالمقاسمة
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11