كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد


كتاب الطهارة

القسم الأول فى المقدمات وفيه أربعة أبواب
الباب الأول فى المياه الطاهرة

والطهوريةمختصة بالماء من بين سائر المائعات أما فى طهارة الحدثفبالإجماع وأما فى طهارة الخبث فعند الشافعي خلافا لأبي حنيفة راضيالله عنهما
واختصاص الطهورية به إما تعبد لا يعقل معناه وإما أن يعلل باختصاص الماء بنوع من اللطافة والرقة وتفرد فى التركيب لا يشاركه فيها سائر المائعات وهو الأقرب
ثم المياه ثلاثة أقسام
القسم الأول ما بقي على أوصاف خلقته فهو الطهور
فيدخل تحته ماء البئر وماء البحر وكل ما نبع من الأرض أو نزل من السماء وهو الماء المطلق حقا
ولا يستثنى عن هذا الحد إلا الماء المستعمل فى الحدث فإنه عند الشافعي طاهر غير طهور وعند مالك رضي الله عنه طهور وهو قولللشافعي رضي الله عنه وعند أبي حنيفة رضي الله عنه نجس
ويدل على طهارته قلة احتراز الأولين منه وأنه لم يلق محلا نجسا ويدل على سقوط طهوريته أن الأولين فى إعواز الماء لم يجمعوا الماء المستعملليستعملوه ثانيا
ثم سقوط الطهورية باعتبار معنيين أحدهما تأدي العبادة به والآخر انتقال المنع إليه فإن انتفى المعنيان فطهور كالمستعمل فى الكرة الرابعة وإن وجد أحدالمعنيين دون الثاني فوجهان كالمستعمل فى الكرة الثانية أو فى التجديد فإنه لم يوجدانتقال المنع إليه
والذى استعملته الذمية حتى تحل لزوجها المسلم فإنه وجد انتقال المنعولم يوجد تأدي العبادة إلا إذا لم نوجب الإعادة عليها إذا أسلمت
فروع أربعة

الأول المستعمل فى الحدث هل يستعمل فى الخبث فيه وجهان
أحدهما نعم لأن للماء قوتين ولم يستوف إلا إحداهما
والثاني لا لأن تلك القوة فى حكم خصلة واحدة لا تتجزأ وهذا كما أن المستعمل فى الحدث لا يستعمل فى الجنابة ولا يقال إن هذه القوة باقية
الثاني إذا جمع الماء المستعمل حتى بلغ قلتين فوجهان
أحدهما يعود طهورا كالماء النجس إذا جمع فصار قلتين ولأن الكثرةتدفع حكم الاستعمال فإذا طرأت تقطع حكمه كالنجاسة
والثاني لا يعود طهورا لأن حكم النجاسة يسقط إذا انغمرت واستهلكت بكثرة الماء وأن الإستعمال أبطل قوة الماء فيلحق بماء الورد وسائر المائعات
الثالث إذا انغمس الجنب فى ماء قليل وخرج ارتفعت جنابته وصار الماء مستعملا
وقال الخضري من أصحابنا لا ترتفع لأنه صار مستعملا بملاقاة أول جزء منه
وهو غلط إذ حكم الإستعمال إنما يثبت بالإنفصال ولا يثبتحالة تردده على الأعضاء
الرابع المحدث إذا أدخل يده فى الإناء بعد غسل الوجه وكان قد نوى رفع الحدث صار الماء مستعملا إذا انفصلت اليد من الماء
فطريقة أن يقصد الاغتراف والتنحية حتى لا يصير مستعملا فإن غفل عن نية رفع الحدث وعن قصد الاغتراف فالمشهور أنه يصير مستعملا
ويتجه أن يقال هيئة الاغتراف صارفة للملاقاة إلى هذه الجهة بحكم العادة فلا يصير مستعملا القسم الثاني فيما تغير عن وصف خلقته ولكن تغيرا يسيرا لا يزايله اسم الماء المطلق فهو طهور كالماء المتغير بطول المكث أو المتغير بزعفران يسير ظهر عليه أدنى ظهور فإنه طهور على المذهب
وكذلك المتغير بما يجاوره كالعود والعنبر والكافور الصلب وكذا المتغير بما يتعذر صون الماء عنه كالتراب والزرنيخ والنورة وما لا يخلو الماء عنه فى مقره فإن اسم الماء المطلق لا ينسلب به وكذلك المسخن والمشمس
نعم فى المشمس كراهية من جهةالطبلأن حمي الشمس يفصل من الإناء أجزاء تعلو الماء كالهباء فإذا لاقى البدن أورث البرص
ثم اختلفوا فى أن هذه الكراهية هل تختص بالبلاد الحارة وبالأواني المنطبعة وبقصد التشميس
وهذا خلاف لا وجه له لأنه لا كراهية إلا من جهة الطب والمحذور من جهة الطب يختص بالحرارة المفرطة ولا يختص بوجود القصد ويختص بالجواهر المنطبعة فلا يجري فى الخشب والخزف والجلد ولعله لا يجري فى الذهب والفضة من المنطبعات لصفاء جوهريهما القسم الثالث ما تفاحش تغيره بمخالطة ما يستغني الماء عنه بحيث لا يفهم من مطلق اسم الماء فإن استجد اسما آخر كالحبر والصبغ والمرقة فليس بطهور بالإجماع
وإن لم يستجد اسما منفردا فليس بطهور أيضا عند الشافعي رضي الله عنه خلافا لأبي حنيفةرحمة الله عليه لأنه تعبد بالوضوء بالماء وقد سقط اسم الماء وإن لم يتجدد اسم آخر
فروع أربعة

الأول فى المتغير بالتراب المطروح فيه قصدا فيه وجهان
أحدهما أنه ليس بطهور لأنه مستغنى عنه وهو ضعيف فإن التغير بالتراب لا يسلب اسم الماء ويعلم أن الأولين كانوا إذا رأوا ما متغيرا بالتراب لم يبحثوا عن سببه ولأن التراب مجاور له فإنه يرسب على القرب وينفصل عنالماء
الثاني إذا تغير الماء بالملح ففيه ثلاثة أوجه ويفرق فى الثالث بين الجبلي والمائي ويشبه المائي بالجمد وهو ضعيف لأنه لو كان كالجمد لذاب فى الشمس ولكن تعليله التشبيه بالتراب المطروح فيه قصدا فإن ماء البحرمالح وملوحته من أجزاء سبخة فى الأرض تنتشر فيه ثم هو طهور لأنه ليس بقصد آدمي فإذا طرح قصدا خرج على الخلاف
الثالث الأوراق إذا تناثرت فى الماء فما دامت مجاورة لا تضر وإن تعفنت واختلطت ففيه ثلاثة أوجه يفرق فى الثالث بين الخريفي والربيعي لتعذر الاحتراز عن الخريفي
الرابع إذا صب مقدار من ماء الورد أو غيره من المائعات على ماء قليل وكان بحيث لو خالف لونه لون الماء لتفاحش تغيره خرج عن كونه طهورا
وإن كان أقل منه فلا يخرج عن كونه طهورا فلو استعمل الكل فهو جائز علىالظاهر
ومنهم من قال إذا بقي قدر ذلك المائع لم يجز استعماله لأنه عند ذلك يتحقق أن الجاري على بعض أعضائه ليس بماء وهو ضعيف لأنه إذا صار مغمورا ثبت للكل حكم الماء فلا يفصل جزء عن جزء
الباب الثاني فى المياه النجسة وفيه أربعة فصول
الفصل الأول فى النجاسات

والأعيان تنقسم إلى حيوانات وجمادات
والجمادات أصلها على الطهارة إلا الخمر فإنها نجسة تغليظا وفى معناها كلنبيذ مسكر وكذا الخمر المحترمة على المذهب الصحيح
وأما الحيوانات ما دامت حية فأصلها على الطهارة إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما وحيوان طاهر
فإذا ماتت فأصلها على النجاسة إلا فى أربعة أجناس
الأول الآدمي فهو طاهر على المذهب الصحيحلأنه تعبد بغسله والصلاة عليه ولا يليق بكرامته الحكم بنجاسته
الثاني السمك والجراد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان السمك والجراد والدمان الكبد والطحال
الثالث ما يستحيل من الطعام كدود الخل والتفاح فهو طاهر على المذهب ويحل أكله على أحد الوجهين وقيل إنه حراملتحقق الموت
الرابع ما ليست له نفس سائلة كالذباب والبعوض والخنافس والعقارب ففي نجاسة الماء بموتها قولان الجديد وهو مذهب أبي حنيفة أنالماء لا ينجس به
ثم قال القفال هذا خلاف فى أن هذه الحيوانات هل تنجس بالموت وكأن علة النجاسة احتباس الدم المعفن الخفي فى الباطن وقال العراقيون تنجس بالموت وإنما لا ينجس الماء فى قول لتعذر الاحتراز عنه
وعلى هذا اختلفوا فى أنه هل يفرق بين القليل والكثير وهل يفرق بين ما يعم كالبعوض والذباب أو لا يعم كالعقارب
هذا حكم الحيوانات فأما أجزاؤها فكل عضو أبين من الحي فهو ميت إلا العظم والشعر ففيه خلاف سيأتي
أما الأجزاء المنفصلة عن باطن الحيوان فكل مترشح ليس له مقر يستحيل فيه كالدمع واللعاب والعرق فهو طاهر من كل حيوان طاهر وما استحال فى الباطن فأصله على النجاسة كالدم والبول والعذرة إلا ما هو مادة الحيوانات كاللبنوالمني والبيض
والنظر فى فضلات خمسة

الأولى الدم والقيح فهو نجس من كل حيوان إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان أحدهما أنه نجس طردا للقياس والثاني أنه طاهر لما روي أن أبا طيبة الحجام شرب دمه فقال له إذا لا يبجع بطنك أبدا
الثانية البول والعذرة نجس من كل حيوان ويستثنى عنه موضوعان
الأول بول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان وجه الطهارة لما روي أن أم أيمن شربت بوله فلم ينكر عليها فقال إذا تلج النار بطنك
الثاني روث السمك والجراد وما ليس له نفس سائلة ففيه وجهان أحدهما نجس طردا للقياس والثاني أنه طاهر لأنه إذا حكم بطهارة ميتتهما فكأنهما فى معنى النبات وهذه رطوبات فى باطنها
فأما بول ما يؤكل لحمه فنجس خلافا لأحمد وما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لجماعة أصفرت وجوههم لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من أبوالها وألبانهاففعلوا ذلك فصحوا فهذا محمول على التداوي وهو جائز بجميع النجاسات إلا بالخمر فإنه عليه السلام سئل عن التداوي بالخمر فقال إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم
ونص الشافعي رضي الله عنه على أن من غص بلقمة له أن يسيغها بخمر إن لم يجد غيرها فمن أصحابنا من جوز التداوي قياسا على إساغة اللقمة وحمل الحديث على صورة علم أن الشفاء لا يحصل بها
الثالثة الألبان وهى طاهرة من الآدمي وكل حيوان مأكول والمذهب نجاستهامن كل حيوان لا يؤكل لأنها من بين فرث ودم وإنما طهارتها لحل التناول
واختلفوا فى الإنفحة وهى لبن يستحيل فى جوف الخروف والجديوغيرهما والقياس نجاستها ومنهم من حكم بالطهارة إذ بها يجبن اللبن والأولون لم يحترزوا منه
الرابعة المني فهو طاهر من الآدمي خلافا لأبي حنيفة
ومني سائر الحيوانات الطاهرة في ثلاثه أوجه
أحدها الطهارة لأنه أصل حيوان طاهر فأشبه مني الآدمي
والثاني النجاسة فإن ذلك تكرمة للآدمي
والثالث أنه طاهر من الحيوان المأكول تشبيها ببيض الطائر المأكول
وأما مني المرأة ففيه خلاف مبني على أن رطوبة باطن فرجها طاهر أو نجس وفيه وجهان
والخامسة البيض وهو طاهر من كل حيوان مأكول ومما لا يؤكل لحمه فوجهان
وإذا استحالت مذرة فتخرج على الوجهين فى المني إذا استحال مضغة ففي وجه تستدام الطهارة وفى وجه يحكم بنجاسته لأنه استحال دما
فروع أربعة

الأول إذا ماتت الدجاجة وفى بطنها بيض فهل ينجس فعلى وجهين أحدهما نعم كاللبن والثاني لا لأنه منعقد فى نفسه لا يمتزج بغيره
الفرع الثاني إذا أبين عضو فى الآدمي أو السمكة ففيه وجهان أحدهما أنه طاهر وهو الأظهر لأن ما أبين من الحي فهو ميت ولا تزيد الإبانة على الموت
الثالث دود القز طاهر ويجوز بيعه وفى روثه وبزره من الخلاف الذى في بيض الحيوان الذى لا يأكل يؤكل
الرابع المسك طاهر وفي فأرته وجهان أصحهما الطهارة لأنه لميحترز الأولون من استصحابه
الفصل الثاني فى الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة

أما القليل فيتنجس وإن لم يتغير مهما وقع فيه نجاسة يدركها الطرف
فإن كان لا يدركها فنص الشافعي رضي الله عنه فيه مختلف
فمنهم من قال قولان أحدهما أنه يجتنب فى الماء والثوب لتحقق وصول النجاسة والثاني أنه يعفى عنه لتعذر الإحتراز منه
ومنهم من قال يعفى عنه فى الماء ولا يعفى فى الثوب على وفق النصين لأن أكثر ذلك يقع بطيران الذباب من النجاسة ولا يمكن صون الماء عنه وصون الثوب عنه ممكن فإن فى طيرانها ما يجفها وصونه عن غيره من النجاساتممكن وهو الأصح
ومنهم من عكس وقال يعفى فى الثوب لأنه بارز للنجاسات وتغطية الماء ممكن وهذا خلاف النص
ولعل الصحيح أن ما انتهت قلته إلى حد لا يدركه الطرف مع مخالفة لونه للون ما اتصل به فهو معفو عنه وإن كان بحيث يدركه الطرف عند تقدير اختلاف اللون فلا يعفى عنه
قال مالك الماء لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه وفرق الشافعي رضي الله عنه بين القليل والكثير لقوله عليه الصلاة والسلام إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا فإذا بلغ قلتين فينجس إذا تغير بالنجاسة وإن كان التغير يسيرا ثم يعود طاهرا مهما زال التغير بهبوب الريح وطول المكثولو زال بوقوع الزعفران أو المسك فلا لأنه لستتار لا زوال ولو زال بوقوع التراب منشؤهما التردد فى أن التراب ساتر أم مبطل
فإن قيل ما حد القلتين
قلنا قيل خمسمائة من وقيل خمسمائة رطل
والأقسط ما ارتضاه القفال وصاحب الكافي أنها ثلاثمائة من لأنها مأخوذة من استقلاق البعير وابل العرب ضعاف لا تحمل أكثر من مائة وستين منافيحط عنه عشرة أمنان للراوية والحبال
والصحيح أن هذا تقريب وليس بتحديد فعلى هذا قال الأكثرون لو نقصرطلان لم يضر ولم يسمحوا بثلاثة ومنهم من لم يسمح بأكثر من ثلاثة
وقال صاحب التقريب لا يضر نقصانا نصف القربة وهو الذى تردد فيه ابن جريج إذ قال لقد رأيت قلال هجر فكانت القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا
ولعل الأقرب أن يقال إذا نقص قدر لو طرح عليه من الزعفران مثل ما طرح على الكمال لظهر التفاوت للحس فهو مؤثر
وهذا الضبط أولى من التقدير بالأرطال فإن ذلك تشوف إلى التحديد
فإن وقع الشك فى أن الناقص فوق هذا القدر أو دونه فيحتمل أن يقال الأصل النجاسة إلى أن تستيقن الكثرة الدافعة أو يقال الأصل طهارة الماء إلى أن يستيقن النقصان والاحتمال الأول أظهر
فروع خمس

الأول إذا وقعت نجاسة مائعة فى قلتين فالكل طاهر وإن كانت جامدة فالقول الجديد أنه لا يجوز الاغتراف إلا بعد التباعد عنها بقلتين
والقول القديم وعليه فتوى الأكثرين أنه لا يجب التباعد عنها بقلتينلأن الماء الكثير دافع للنجاسة بكثرته فالاغتراف من جوارها ليس بأبعد من الاغتراف من جوار الماء المجتنب بسببها
فإن أوجبنا التباعد فلو كان فى بحر فتباعد بقدر شبر ليحسب العمق فى قلتين لم يجز بل ينبغي أن يتباعد قدرا لو حسب مثله فى العمق وسائر الجوانب كان قلتين
الثاني قلتان نجستان جمعتا عادتا طاهرتين فإذا فرقتا بقيتا على الطهارة ولم يضر التفريق
الثالث كوز فيه ماء نجس غمس فى ماء كثير فإن كان الكوز واسع الرأس طهر بالاتصال بالكثير إن مكث ساعة
وهل يطهر على الفور فيه خلاف وإن كان الكوز ضيق الرأس فالأشهر أنه لا يطهر لأنه لا يتعدى إليه قوته ولا يصير كالجزء منه
الرابع إذا وقعت نجاسة جامدة فى الماء الكثير وتروح بها ففيه وجهان
أحدهما أنه لا ينجس لأنه تغير بالمجاورة
والثاني ينجس لأنه تغير بعد الوقوع فيه والتغير به يعد مستقذرا
الخامس إذا وقع فى البئر نجاسة وغيرته فالطريق أن يزال تغيره بالمكاثرة بالماء أو بالصبر حتى يزول بطول المكث
فإن وقعت فيه فأرة وانمعطت شعورها فكل دلو يستقيه لا ينفك عن شعر فى غالب الأمر فالطريق أن يستقى الماء بدلاء على الولاء إلى أن تنزف مثل جمة البئر مرة أو مرات استطهارافما يتجدد بعد ذلك من الماء طاهر لأنه مستيقن الطهارة وكون الشعر فيهمشكوكا فيه بل الغالب عدمه لأن استيفاء جميع الماء على الولاء يستوعب جيمع الشعر في غالب الأمر
الفصل الثالث في الماء الجاري

وطبيعة الماء الجاري التفاصل فى الجريات بخلاف الراكد فإن طبيعته التواصل والتراد
فإذا وقعت نجاسة فإن كانت جامدة تجري بجري الماء فما فوقها طاهر إذ لم يتصل بالنجاسة فإن الجريات متفاصلة وما تحتها طاهر إذ النجاسة لم تتصل بها وما على يمينها وشمالها وفى سمتها إلى العمق طريقان
منهم من قطع بالطهارة لتفاصل جميع أجزاء الجاري ومنهم من خرج على قولي التباعد لأن التفاصل فى جهة تلاحق الجرايات فى طول النهر لا فى العرض
فإن كانت النجاسة واقفة فالحكم ما سبق إلا ما أمام النجاسة فإن الماء يجريعليها وينفصل عنها فهو نجس فيما دون القلتين فإذا انتهى إلى حد القلتين فوجهان
قال صاحب التلخيص هو طاهر لأن بين المغترف وبين النجاسة قلتين
وقال ابن سريج هو نجس فإن امتد الجدول فراسخ إلى أن يجتمع فى حوض قدر قلتين وهو الصحيح لأن جريات الماء متفاصلة فلا تحصل الكثرة إلابالركود
إما إن كانت النجاسة مائعة فإن غيرت الماء فالقدر المتغير كنجاسة جامدة وإن انمحقت لا ينجس الماء وإن كان قليلا لأن الأولين ما زالوا يتوضئون ويستنجونمن الأنهار الصغيرة هذا فى الأنهار المعتدلة
أما النهر العظيم الذى يمكن التباعد فيه عن جميع جوانب النجاسة بقدر قلتينفصاعدا الذى قطع به معظم الأئمة أنه لا يجتنب فيه إلا حريم النجاسة وهو الذى تغير شكله بسبب النجاسة وهذا الحريم مجتنب فى الماء الراكد أيضا
فرع الحوض إذا كان يجري الماء فى وسطه وطرفاه راكدان فللطرفين حكم الراكد وللمتحرك حكم الجاري فلو وقعت نجاسة فى الجاري فلا ينجس الراكد إذا لمنوجب التباعد وإن كان الجاري قليلا وإن وقعت فى الراكد وهو أقل من القلتين فهو نجس
والجاري يلاقي فى جريانه ماء نجسا فإن كان يختلط به ما يغيره لو خالفه لونه فينجسه
الفصل الرابع فى كيفية إزالة النجاسة وحكم الغسالة

والنجاسة لا تخلو إن كانت حكمية فيكفي إجراء الماء على جميع موارد النجاسة وإن كانت عينية فلا بد من إزالة عينها فإن بقي طعم النجاسة لم يطهر فإنه يدل على بقاء العين وإن بقي اللون بعد الحت والقرض فهو معفو عنه لتعذر إزالته بخلاف إزالة الطعم وإن بقيتالرائحة فوجهان أصحهما أنه كاللون لأنها تعبق بالثوب إذا كانت فائحة ويعسر إزالتها
ثم يستحب الاستظهار فى العينية والحكمية بعد حصول الطهارة بغسلة ثانية وثالثة
وهل تقف الطهارة على عصر الثوب فيه وجهان يبتنيان على أن الغسالة طاهرة أو نجسةفإن قلنا يجب العصر ففي الاكتفاء بالجفاف وجهان ووجه المنع أنا نقدر انتقال النجاسة بالعصر ولا يزول بالجفاف إلا بلل الماءهذا إذا أورد الماء على النجاسة فإن أورد الثوب النجس على ماء قليل نجس الماء ولم يطهر الثوب
وقال ابن سريج يطهر لأن الملاقاة لا تختلف بأن يكون الثوب موردا للماء أو واردا عليه وزاد عليه فقال لو كان فى إجانة ماء نجس فكوثر بصب ماء قليل عليه صار الكل طاهرا بناء على أن غسالة النجاسة طاهرة ثم قضى بأن الثوب لو وقع في ماء قليل بتحريك الريح نجس الماء فظن به أنه يشترط النية فى إزالة النجاسة هذا كلهفي الثوبأما الأرض إذا أصابتها نجاسة إن كانت جامدة ترفع عينها وإن كانت مائعة كالبول يفاض الماء عليه بحيث تحصل به الغلبة على النجاسة
وقال أبو حنيفة هذا زيادة فى النجاسة وهو مخالف لقوله عليه السلام صبوا عليه ذنوبا من الماء لما بال الأعرابي فى المسجد
ثم إن لم نوجب عصر الثوب طهر بالافاضة وإلا فنضوب الماء في الأرض كالعصر في الثوب فيطهر قبل الجفاف
وللشافعي رضي الله عنه قول قديم في أن الأرض إذا جفت عن البول بالشمس عادت طاهرة ولا تفريع على هذا القول فعلى هذا الآجر الذى عجن بماء نجس فإنه طاهر على القديم لأن تأثير النار آكد من تأثير الشمس
وعلى الجديد لو نقع فى الماء لم يطهر باطنه بخلاف اللبن فإنه يطهر إذا يصب الماء فيه ولكن إذا أفيض الماء على الآجر قال القفال يطهر ظاهره
وهذا حسن إن لم يختلط به جرم النجاسة وقال أبو حامد لا يطهر وهذا لا يتجه إذا لم يختلط به جرم النجاسة بأن كان معجونا بماء نجس فإن الماء يجري على ظاهره ولا محالة فيطهرهذا كله في النجاسة المطلقة سوى المخففة والمغلظة
أما المخففة فبول الصبي قبل أن يطعم الطعام يكفي فيه رش الماء بحيث يصيب جميع موارد النجاسة ولا يشترط الإجراء والغسل بخلاف الصغيرة لما روي أن الحسن أو الحسين رضي الله عنهما بال فى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لبابة بنت الحارث أأغسل إزارك فقال عليه السلام إنما يغسل من بول الصبية ويرش على بول الغلاممنهم من قاس الصبية عليه وهو غلط لمخالفته النص
أما المغلظة فنجاسة الكلب فيغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا للخبر
وفى معنى لعابه عرقه وروثة وسائر أجزائه خلافا لأبي حنيفة
وفي إلحاق الخنزير به قولان من حيث إنه مخصوص بالتغليظ كالكلب إلا أن الاختلاط به لا يقع غالبا هذا منشأ التردد
ثم خاصية هذه النجاسة العدد والتعفير
أما العدد فلا يسقط إلا إذا غمس الإناء فى ماء كثير ففيه وجهان أحدهما لا يسقط وفاء بالتعبد والثاني يسقط لأنه عاد إلى حالة لو كان عليها ابتداء لم ينجس
وأما التعفير فاختلفوا في معناه منهم من قال هو تعبد محض لا يعلل ومنهم من قال هو معلل بالاستطهار بغير الماء ليكون فيه مزيد كلفة وتغليظومنهم من قال هو معلل بالجمع بين نوعي الطهور
فعلى هذا الخلاف تخرج أربعة فروع

الأول الصابون والأشنان هل يقوم مقام التراب
فمن محض التعبد لم يجوز عند وجود التراب واختلفوا عند عدمه فمنهم من جوز لأن الاستطهار أيضا مقصود مع كون المستعمل ترابا فعند العجز يقتصر على الممكن ومن علل بالاستطهار بشيء آخر جوز استعماله فى كل حال ومن علل بالجمعبين نوعي الطهور لم يجوز
وقد قيل يجوز في الثوب لا في الإناء لأن التراب يفسد الثوب وهو بعيد
الثاني التراب النجس اكتفى به من علل بالاستطهار ولم يجوزه من مال إلى التعبد أو إلى الجمع بين نوعي الطهور
الثالث إذا مزج التراب بالخل فهو جائز عند من يعلل بالاستطهار أو بالجمع بين نوعي الطهور وهو ممتنع عند من يميل إلى التعبد
الرابع الغسلة الثامنة لا تقوم مقام التعفير إلا على وجه بعيد في أن الماء أولى بالتعفير من التراب
فأما إذا ذر التراب على المحل بعد الغسل لم يجز بل ينبغي أن يكدر به الماء حتى يصل بواسطته إلى جميع أجزائه هذا حكم الكلب
أما الهرة فسؤرها طاهر ولكن إذا أكلت فأرة ثم ولغت فى ماء قليل ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه نجس لتيقن نجاسة الفم مع أنه لم يتيقن زوالها
والثاني أنه طاهر لعموم الحاجة وقوله عليه السلام إنها من الطوافين عليكم والطوافات
الثالث أنها إن غابت واحتمل ولوغها في ماء كثير فطاهر وإلا فنجس
أما الفأرة إذا وقعت فى ماء قليل وخرجت حية فلا يحكم بنجاسة الماء على الأظهر
ولا مبالاة بتقدير النجاسة على محل النجو منها بخلاف الآدمي إذا استنقع في ماء قبل الاستنجاء بالماء فإنه ينجس الماء القليل فإن الأولين لم يلتفوا إلى تقدير ذلك في الفأرة
هذا كيفية الغسل فى النجاسات أما الغسالة ففيها ثلاثة أقوال
القديم أنه طاهر أبدا ما لم يتغير
والجديد أنه إن طهر المحل فطاهر ما لم يتغير وإن لم يطهر المحل فنجس فكان حكمها حكم المحل بعد الغسل
والثالث وهو مخرج أن حكمها حكم المحل قبل الغسل تخريجا من رفع الحدث
فعلى هذا لو أصابت قطرة من غسالة الكلب في الكرة الثالثة ثوبا فلا يغسل على القديم ويغسل على الجديد أربعا لأنه فى حكم المحل بعد الغسل ويعفر إن كان التعفير قد بقي
وعلى القول المخرج يغسل خمسا لأن حكمه حكم المحل قبل الغسل
فرع
المستعمل في النجاسة إذا حكمنا بطهارته هل يستعمل في الحدث فيهوجهان كالوجهين في المستعمل في الحدث أنه هل يستعمل فى الخبث
الباب الثالث في الاجتهاد بين النجس والطاهر

ومهما استبهم طاهر بنجس وجب الاجتهاد والبناء على غالب الظن
وقال بعض أصحابنا له أن يستعمل أي الماءين شاء لأنه استيقن الطهارة وشك فى النجاسة
وهو ضعيف لأن يقين الطهارة عارضه يقين النجاسة
وقال المزني يتيمم ولا يجتهد
وإن كان الاجتهاد فى ثوبين صلى صلاتين فيهما
ثم للاجتهاد شرائط ستة

الأول أن يكون للعلامة مجال فى المجتهد فيه كما إذا اشتبه إناء نجس بطاهر أو ثوب نجس بطاهر فإن اشتبهت أخت من الرضاع بأجنبية فلااجتهاد لأنه لا علامة ولو اشتبه لحم مذكاة بميتة فلا اجتهاد أيضا على الأصح
الثاني أن يكون فى المجتهد فيه أصل مستصحب كالماء النجس مع الماء الطاهر فإن كان معه بول أو ماء ورد واشتبه بالماء فالأظهر منع الاجتهاد فالاجتهاد ضعيف فى النجاسات فلا بد وأن يعتضد بالاستصحاب
الثالث أن لا يقدر على الوصول إلى اليقين فإن قدر على الخلاص بيقين في موضع آخره كما إذا كان على شط البحر ففي جواز الاجتهاد وجهان وجه الجواز أنه يقين فى غير محل الاجتهاد فلا يمنع وعليه يخرج ما إذا كان أحد الإناءين ماء مستعملا أو ماء ورد إذ استعمالهما ممكن جميعا وكذا إذا اشتبه الثياب ومعه ماء يغسل به ثوبه
الرابع أن تكون النجاسة مستيقنة فى أحد الإناءين فإن كان مشكوكا فيها فلا حاجة إلى الاجتهاد بل يأخذ باليقين السابق وإن كانت النجاسة غالبة على الظن فيلتحق بمحل الشك أو باليقين فعلى وجهين
أحدهما أنه لا حاجة إلى الاجتهاد لأن اليقين لا يرفع بالشك كالطهارةمع الحدث
والثاني أنه يجتهد لأن غلبة الظن لها تأثير فى النجاسات فإنها مطلوب بالاجتهاد بخلاف الأحداث فإنه لا مدخل للاجتهاد فيها وعلى هذا يخرج جواز الصلاة فى ثياب مدمن الخمر والنصاري والقصابين والتوضؤ من أواني الكفرة المتدينين في باستعمال النجاسة والصلاة فى المقابر المنبوشة ومع طين الشوارع فإن الغالب فى الكل النجاسة نعم يعفى من طين الشوارع عما يتعذر الاحتراز عنهومهما أخبره عدل بلوغ الكلب فى أحد الإناءين فهذا كاليقين فلا يحتاج إلى الاجتهاد
وإن قال أحدهما نجس لم يلزمه القبول إذا المذاهب مختلفة في أسباب النجاسة فلعله اعتقد النجاسة فيما ليس بنجس
وقد نص الشافعي رضي الله عنه أنه لو رأى ظبية تبول فى ماء فانتهى إلى الماء وهو متغير فلا يدري أنه من طول المكث أو البول أخذ بنجاسته إحالة علىالسبب الظاهر
الخامس أن يكون المجتهد بصيرا فالأعمى يجتهد في وقت الصلاة بالأوراد ولا يجتهد فى القبلة وهل يجتهد في الأواني فعلى وجهين لتردد الأواني بين الأصلين
ويدرك الأعمى نجاسة أحد الإناءين بولوغ الكلب بنقصان الماء واضطرابه وابتلال طرف الإناء
السادس أن تلوح له علامة فى اجتهاده فإن تأمل لم يظهر له علامة تيمموصلى وأعاد الصلاة لأنه تيمم ومعها ماء مستيقن الطهارة وإن كان عاجزا لجهله ولكن الجهل ليس بعذر فإن صب الماء قبل التيمم سقط القضاء وهو معذور فى صبه بخلاف ما إذا كان الماء طاهرا فإن ذلك لا يسقط القضاء فى أحد الوجهين لأنه متعتد بالصب
فروع ثلاثة

الأول إذا صب أحد الإناءين قبل الاجتهاد أو غسل أحد الثوبين فهل يجوزله الأخذ بالطهارة بالظاهر في الثاني فعلى وجهين
أحدهما نعم لأنه بقي شاكا فى نجاسته مع يقين الطهارة
والثاني لا إذ كان الاجتهاد واجبا قبل الصب فبعده كذلك ولو أصاب أحد كميه نجاسة وأشكل فاجتهد وغسل ما أدى إليه اجتهاده ففي صحة صلاته وجهان ومنشأ المنع أن هذا اجتهاد خال عن الاستصحاب فهو كماء الورد مع الماء
الثاني إذا أدى اجتهاده إلى أحد الإناءين فصلى به الصبح فأدى اجتهاده عند الظهر إلى الثاني ولم يبق من الأول شيء نص الشافعي رضي الله عنه أنهيتيمم ولا يستعمل الآخر لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد
وخرج ابن سريج قولا أنه يستعمله ويورده على جميع موارد الأول لئلا يكون مصليا مع يقين النجاسة وهو الأصح لأن هذه قضية مستأنفة فلا يؤثر فيها الاجتهاد الماضي
فإن فرعنا عن النص لم يقض صلاته الأولى وهل يقضي الثانية فيهوجهان وجه القضاء أن معه ماء اطاهرا بحكم الاجتهاد فكان كالطاهر باليقين إذا التبس عليه وجه الاجتهاد
وعلى مذهب ابن سريج لا قضاء في الصلاتين قطعا كما إذا صلى إلى جهتين باجتهادين ولم يتعين الخطأ في أحدهما
الثالث ثلاثة أواني واحد منها نجس اجتهد فيها ثلاثةواستعمل كل واحد واحدا وصلوا ثلاث صلوات بالجماعة كل واحد إمام فى واحدة
قال صاحب التلخيص لا يصح لكل واحد ما كان مقتديا فيه لأنه شاك فى صحة صلاة إمامه فصار كالمقتدي بالخنثى
وقال أبو إسحاق الصلاة الأولى صحيحة لكل واحد فى اقتدائه الأول وفى الاقتداء الثاني بطلت إحدى صلاتيه فيلزمه قضاؤهما ليتفصي عنه بيقين
وقال ابن الحداد الاقتداء الثاني في حق كل واحد باطل لأن فيه يتعين تقديرالنجاسة
الباب الرابع فى الأواني وفيه ثلاثة فصول

الفصل الأول فى المتخذ من الجلود

وكل جلد طاهر يجوز اتخاذ الأواني منه وطهارة الجلد بالذكاة والدباغ
أما الذكاة فتطهر جلد كل ما يؤكل لحمه
وأما الدباغ فيطهر كل جلد إلا جلد الكلب والخنزير وفروعهما خلافا لأبي حنيفة فإنه عمم أثر الدباغ والذكاة جميعا
وأما الآدمي فلا ينجس بالموت على الصحيح وإن قيل بنجاسته ففي دباغ جلده تردد لأنه معصية
ثم كيفية الدباغ إحالة باستعمال الشث والقرظ واستعمال الأشياءالحريفة المنتزعة للفضلات المعفنة فلا يكفي تجميد الفضلات بالتتريب والتشميس خلافا لأبي حنيفة
وهل يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ ليصل إلى باطن الجلد وجهان يعبر عنهما بأن المغلب على الدباغ الإحالة أم الإزالة
ثم إذا فرغ من الدباغ فهل يجب إفاضة الماء المطلق على ظاهر الجلد وجهان
أحدهما يجب لإزالة أجزاء الشث والقرظ فإنها نجسة لاصقة بالمحل
والثاني لا لأنه قال عليه الصلاة والسلام أيما إهاب دبغ فقد طهر علق الطهارة بمجرد الدباغ
ومن يوجب استعمال الماء في أثناء الدبغ يجوز أن يكون متغيرا بالشث والقرظ ومن يوجب بعد الدباغ فلا يجوز ذلك
فرع

إذا دبغ الجلد طهر ظاهره وباطنه وجاز بيعه إلا فى قول قديم مستنده موافقة مالك رحمه الله فإنه قال يطهر ظاهر الجلد دون باطنه
فأما جواز الأكل منه ففيه ثلاثة أوجه
أحدها الجواز لأنه طاهر غير مضر ولا محترم فجاز أكله
والثاني المنع لقوله عليه الصلاة والسلام إنما حرم من الميتة أكلها
والثالث الفرق بين ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه
الفصل الثاني فى الشعور والعظام

وفي الشعر والصوف والريش قولان
أحدهما وهو المنصوص هاهنا أنها تنجس بالموت والإبنابة تبعا للأصل فى حكم الحياة والموت
والثاني وهو منصوص فى الديات أنها لا تنجس بموت الأصل فإنها خالية عن الحياة
وأما العظام ففيه طريقان
منهم من قطع بنجاستها بالموت لأنها تتألم ولأن الودك فيها نجس فيدل على نجاسة الظرف إذ لا حياة في الودك ومنهم من طرد القولين
التفريع

إن ألحقناها بالجمادات فجميع الشعور طاهرة إلا شعر الكلب والخنزير على أحدالوجهين وإن حكمنا بنجاستها فشعور ما يؤكل لحمه لا تنجس بالجز لمسيس الحاجة إليها في المفارش
وجلد الميتة إذا دبغ وعليه شعره ففيه وجهان أحدهما أنه نجس لأن الدباغ لا يؤثر إلا في الجلد الثاني أنه يطهر تبعا كما ينجس بموته تبعا
وأما شعور الآدمي فقد نقل إبراهيم البلدي أن الشافعي رضي الله عنهرجع عن تنجيسه وهو الصحيح
وإن حكم بنجاسته ففي شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهان
الفصل الثالث فى أواني الذهب والفضة

وهى محرمة الاستعمال على الرجال والنساء لقوله صلى الله عليه وسلم فى الذي يشرب فى آنية الذهب والفضة إنما يجرجر فى بطنه نار جهنم وفيه ست مسائل
الأولى أن هذا نهي تحريم لتأكده بالوعيد ومن أصحابنا من قال أنه نهي كراهية وهو بعيد
الثانية أن التحريم غير مقصور على الشرب بل في معناه وجوه الانتفاع خلافا لداود
وتزيين الحوانيت به من وجوه الانتفاع المحرم على أصح الوجهين وإذابطلت منفعته من كل وجه حرم اتخاذه فلا قيمة على كاسره
الثالثة أن هذا التحريم لا يتعدى إلى الجواهر النفيسة كالفيروزج والياقوت لأن المفاخرة بهما لا يدركها إلا الخواص وفيه وجه آخر أنه يتعدى لعموم المعنى ولا خلاف في أن الزجاج لا يلتحق به وكذا ما نفاسته في صنعته
الرابعة إذا موه الإناء بالذهب لم يحرم على أظهر المذهبين لأن المموه لا يخفى
وفيه وجه آخر أنه يحرم لما فيه من تخييل المفاخرة
الخامسة تضبيب الإناء بالذهب فى محل يلقى فم الشارب محظور على الأظهر وإن لم يلق وكان صغيرا على قدر الحاجة جاز لأجل الحاجة وإن كان كبيرا فوق الحاجة حرم وإن وجد أحد المعنيين فوجهان
ومعنى الحاجة أن يكون على قدر حاجة الشعب لا أن يعجز عن التضبيب بغيره فإن ذلك يجوز استعمال أصل الإناء
وحد الصغير ما لا يظهر على البعد
السادسة في الآنية الصغيرة كالمكحلة وظرف الغالية تردد هذا إتمام قسم المقدمات
القسم الثاني في المقاصد وفيه أربعة أبواب
الباب الأول فى صفة الوضوء

وفيه فرائض وسنن
أما الفرائض فست

الأول النية
والنظر فى أصلها ووقتها وكيفيتها
الأول النظر في أصلها وفيه ثلاث مسائل

الأولى أن طهارة الأحداث تفتقر إلى النية كالوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة لا تفتقر إلى النية
وقال أبو حنيفة لا نية إلا في التيمم
الثانية أن أهلية النية شرط فلا يصح وضوء الكافر وغسله وإن نوى وكذا المرتد ولو توضأ ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يبطل وضوؤه وفي التيمم وجهان لأنه طهارة ضعيفة تبطل برؤية السراب
الثالثة الذمية تحت المسلم تغسل عن الحيض لحق الزوج فإن أبت أجبرت فلو أسلمت بعد الغسل ففي وجوب الإعادة للصلاة وجهان
أحدهما يجب لأنها اغتسلت بغير النية وإنما جاز فى حق الوطء للضرورة
والثانية لا يجب لأنه استقل بأحد المقصودين كالزكاة في حق الممتنع
فأما الكافرة إذا لم يكن لها زوج أو المسلمة إذا امتنعت فأجبرت على الغسل فعليهما الإعادة لأجل الصلاة لانتفاء الضرورة في الموضعين
النظر الثاني في وقت النية

وهو عند حالة غسل الوجه فلو غربت بعد ذلك لا يضر
والأكمل أن يقرنها بأول سنن الوضوء فإن غربت قبل غسل الوجه فوجهان
أحدهما الأجزاء لاتصاله بجزء من العبادة والثاني لا لأنه لم يتصل بالفرض
النظر الثالث فى كيفية النية وهي على ثلاثة أوجه

الأول أن ينوي رفع الحدث فهو كاف على الإطلاق فلو عين بعض الأحداث بالرفع ففيه أربعة أوجه
أحدها أنه يرتفع على الإطلاق لأن الحدث لا يتجزأ فرفع بعضه رفع كله
والثاني أنه لا يرتفع فإن بقاء بعضه بقاء كله ولم ينو رفع البعض
والثالث إن نوى رفع الحدث الأول صح فإن ما بعده ليس بحدث
الرابع إن لم ينف ما عدا المعين صح مطلقا وإن نفي رفع الآخر فليس الإثبات أولى من النفي فيبقى الحدث
ولو غلط من حدث إلى حدث فكان محدثا من البول فقال نويت رفع حدث النوم ارتفع حدثه لأن الأسباب جنس واحد في حق الحدث
الوجه الثاني إن نوى استباحة الصلاة أو ما لا يستباح إلا بالضوء كمس المصحف للمحدث أوة المكث في المسجد للجنب فهو كاف
وإن نوى ما لا يستحب فيه الوضوء كاستباحة دخول السوق وزيارة الأمير فلا يصح وإن ما يستحب الوضوء له كقراءة القرآن للمحدث وعبور المسجد للجنب فوجهان
ولو نوى تجديد الوضوء أو غسل الجمعة فالمذهب أن الحث لا يرتفع لأنه ليس مستحبا لأجل الحدث بخلاف الحدث قراءة القرآن فإن الوضوء مستحب فيه لأجل الحدث
ولو نوى استباحة صلاة معينة كالصبح ونفي غيرها ففيه ثلاثة أوجه في الثالث يباح له ما عينه دون غيره وهو الأضعف لأن الحدث لا يتجزأ بقاء وارتفاعا

فرع من استيقن الطهارة وشك فى الحدث فله الأخذ بالطهارة فلو تطهر احتياطا ثم تبين الحدث ففي وجوب الإعادة وجهان
ووجه الوجوب أن نية الاستباحة لم تكن جازمة لتردده فى الحدث
الوجه الثالث أن ينوي أداء الوضوء أو فريضة الوضوء فهو جائز بخلاف ما إذا نوى فرض التيمم فإن الوضوء قربة مقصودةولذلك يستحب تجديده بخلاف التيمم وهل يشترط أن يضيف الوضوء إلى الله تعالى فيه وجهان يجريان في النية في سائر العبادات
فروع خمسة

الأول لو نوى بوضوئه رفع الحدث والتبرد جميعا صح على الأظهر لأن التبرد حاصل قصد أو لم يقصد وإن نوى التبرد فى أثناء الطهارة فإن كان قبل غروب النية لم يضر على الأظهر وإن كان بعد غروبها وجهان
أحدهما أنه يقطع حكم النية السابقة لأنها بقيت حكما وهذه وجدت حقيقة
والثاني أنه لا يضر لأن بقاءها حكما كبقائها حقيقة
الثاني أن الجنب يوم الجمعة لو نوى بغسله الجمعة ورفع الجنابة حصلا على الأصح كمن يصلي الصبح وتحية المسجد
ولو اقتصر على نية الجنابة ففي حصول غسل الجمعة قولان
ولو اقتصر على غسل الجمعة لا يحصل به رفع الجنابة على الأصح
الثالث لو أغفل لمعة في الغسلة الأولى فانغسلت فى الثانية وهو على قصد التنفل هليرتفع الحدث فيه وجهان
ووجه المنع أن نية الفرض باقية حكما وقصد التنفل موجود حقيقة فلا يتأدى الفرض به
الرابع فى تفريق النية على أعضاء الوضوء وجهان أظهرهما المنع لأنها عبادةواحدة فتشملها نية واحدة
الخامس المستحاضة ومن به سلس البول لا يكفيه نية رفع الحدث لأن الحدث فى حقه دائم وتكفي نية استباحة الصلاة على أصح الوجهين لأنه المقصود
وفيه وجه أنه يجب الجمع بين نية رفع الحدث والاستباحة
وإليه ذهب الخضري فقال نية رفع الحدث للحدث السابق والاستباحة للأحق
الفرض الثاني غسل الوجه وفيه مسألتان

إحداهما أن حد الوجه من مبتدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى ما يقبل من الذقن فى الطول ومن الأذن إلى الأذن فى العرض
فلا يدخل فى الحد النزعتان على طرفي الجبين ولا موضعالصلع من الرأس
وفي موضع التحذيف خلاف وظاهر المذهب أنه من الوجه ولذلك تعودت النساء تنحية الشعر عنه وهو القدر الذي إذا وضع طرف الخيط على رأس الأذن الطرف والثاني على زاوية الجبين وقع فى جانب الوجه
وأما موضع الغمم فإن استوعبا جميع الجبهة وجب إيصال الماء إليه وإن أخذ بعض الجبهة فوجهان
أحدهما أنه يجب لأنه مقبل فى جهة الوجه
والثاني لا لأنه في تدوير الرأس
الثانية يجب إيصال الماء إلى منابت الشعور الأربعة الحاجبان والأهداب والشاربان والعذاران وهما الخطان الموازيان للأذنين لعلتين
إحداهما أنها خفيفة في غالب الأمر
والثانية أن بياض الوجه محيط بها من الجوانب
وأما اللحية فإن كانت خفيفة يجب إيصال الماء إلى منابت ما وقع فى حد الوجه
والخفيفة ما يتراءى منها البشرة للناظر فى مجلس التخاطب أو ما يصل الماء إليه من غير مزيد تكلف وإن كانت كثيفة فلا يجب إلى فى حق المرأة لأن اللحية لها نادرة
ثم هل تجب إفاضة الماء على ظاهر اللحية الخارجة عن حد الوجه فيه قولان
أحدهما نعم لأنه مقبل عند التخاطب فيسمى وجها
والثاني لا لخروجه عن حد الوجه
أما العنفقة الكثيفة ففي إيصال الماء إلى منابتها وجهان إن عللنا فى الشعور الأربعة بالخفة غالبا فهي خفيفة غالبا وإن عللنا بإحاطة البياض فلا
الفرض الثالث غسل اليدين مع المرفقين

وفيه ثلاثة فروع

الأول لو قطع يده من الساعد وجب غسل الباقي من الساعد
وإن قطع فوق المرفق استحب إمساس الماء ما بقي من عضده فإن تطويل الغرة سنةفتبقى وإن سقط الفرض
وإن قطع من المفصل فقولان
أحدهما أنه لا يجب غسل عظم العضد لأن المرفق عبارة عن عظم الساعد وقد زالأو لأن غسل العضد كان تابعا وقد سقط المتبوع وهذا القول نقله المزني
والثاني نقله الربيع وهو أنه يجب لأن المرفق عبارة عن مجتمع العظام وغسل الكل أصل لا تبع
ومن الأصحاب من قطع بالوجوب وغلط المزني فى النقل وتكلف تأويله الفرع الثاني
لو نفذ سهم فى كفه وبقي متفتقا وجب إيصال الماء إلى باطنه وإن تكشطت جلدة من الساعد وتدلت وجب استيعابها بالغسل وإن التصقت ببعض الساعدأجرى الماء على المتجافي من غير فتق فإن ارتفعت إلى العضد والتصقت يجب غسلها أيضا نظرا إلى أصله
وقال العراقيون لا يجب غسل ما في حد العضد لأنه صار من العضد وإن تدلت من العضد فلا يجب غسله وإن التصقت بالساعد يجب غسل ظاهر ما التصق بدلا عما استتر من الساعد ولا يجب غسل باقيه نظرا إلى أصله ويحتمل على رأي العراقيين أن يجب غسل ما يحاذي الساعد وإن لم يلتصق الفرع الثالث لو نبتت يد زائدة من الساعد يجب غسلها وإن كانت الزائدة لا تتميز عن الأخرى وجب غسلهما وإن نبتت من فوق المرفق لم تغسل فإن دخل رأسها فى حد الساعد نص الشافعي رضي الله عنه في الأم على أنه يغسل ما يحاذي الساعد لحصول اسم اليد ومحاذاة بعض محل الفرض وهذا فيه احتمال
الفرض الرابع مسح الرأس
والنظر فى قدره ومحله وكيفيته
أما قدره فما ينطلق عليه الإسم ولو على بعض شعرة من الرأس
وقيل أنه لا يجزئ أقل من ثلاث شعرات وقدره أبو حنيفة رضي الله عنه بالربع ومالك أوجب الاستيعاب
أما كيفيته فهو مد البلل على جزء من الرأس ولو غسل أجزأه لأنه فوق المسح ولكن لا يستحب وهل يكره فيه تردد والأظهر أنه لا يكره
وغسل الخف بدل المسح مكروه ولكن مسح الرأس يستحب فيه التكرار بخلاف الحق وهو تقريب من الغسل ولو وضع الماء على الرأس ولم يمده فوجهان اختار القفال أنه لا يجزئ لأنه منوط بالإسم وذلك لا يسمى مسحا والأظهر الجواز لحصول الإبلال كما يجزئ الغسل وإن لميسمى مسحا
وأما محله فهو الرأس وكل شعر كائن فى حد الرأس فإن مسح على شعر متجعد يخرج محل المسح بالمد عن حد الرأس لم يجز ولو حلق الشعر الذي مسح عليه لم تلزمه الإعادة خلافا لإبن خيران
الفرض الخامس غسل الرجلين مع الكعبين
وعند الشيعة الواجب هو المسح
الفرض السادس الترتيب خلافا لأبي حنيفة
وفيه فروع أربعة

الأول لو نسي الترتيب لا يجزئه وفيه قول قديم أنه يجزئه وكذلك في ترك الفاتحة ناسيا وهو ضعيف
الثاني إذا انغمس المحدث في ماء ونوى رفع الحدث فيه وجهان أحدهما لايجزئ لانعدام الترتيب والثاني يجزئ لعلتين
إحداهما أن الغسل حط عنه تخفيفا فإذا اغتسل صار الجميع كالعضو الواحد فأشبه الجنب
والثانية أن الماء يلاقي أعضاءه في لحظات متعاقبة فيترتب رفع الحدث وعلى هذا لو تنكس فأوصل الماء إلى أسافله ثم إلى أعاليه خرج على العلتين
الثالث الجنب الذي ليس بمحدث لا وضوء عليه وهو الذي لف على قضيبه خرقة وغيب الحشفة وإن كان محدثا يكفيه الغسل واندرجت الطهارة الصغرى تحت الكبرى
وفي مراعاة الترتيب فى أعضاء المحدث وجهان
أحدهما يجب لأنه لا ترتيب فى الغسل حتى يندرج تحته
والثاني لا يجب لأن الترتيب هيئة لهذه الطهارة وقد اندرج أصل الطهارة فسقط حكم الهيئة
الرابع إذا خرج منه بلل ولم يدر مني أو مذي لا يلزمه الغسل لأنه لا يتيقن الجنابة ولكن يتخير إن شاء توضأ مع الترتيب وغسل الثوب وإن شاء اغتسل وترك غسل الثوب أخذا بأنه مني فإن توضأ ولم يغسل الثوب وصلى فيه لم يصح على المذهب وفيه وجه لا يعتد به وقيل أيضا لو توضأ منكسا جاز لأن الترتيب غير مستقين وهو خطأ لأن الترتيب لا يسقط إلا بالغسل
القول في سنن الوضوء وهي ثماني عشرة

الأولى السواك لقوله عليه الصلاة والسلام السواك مطهرة للفم مرضاة للرب عز وجل
ثم آلته قضبان الأراك وكل خشن يزيل القلح
ولا يكفي السواك بالإصبع لعدم الإسم
ووقته عند الصلاة وإن لم يتوضأ لقوله عليه الصلاة والسلام صلاةبسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك وعن الوضوء وإن لم يصل وعند تغير النكهة بالنوم أو بطول الأزم أو أكل ما له رائحة كريهة
ولا يكره إلا بعد الزوال للصائم لقوله عليه الصلاة والسلام لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
وكيفيته أن يستاك عرضا وطولا وإن اقتصر على أحدهما فعرضا كذلك كان يستاك رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثانية التسمية وهي مستحبة فى ابتداء الوضوء لقوله عليه الصلاة والسلام ولا وضوء لمن لم يسم الله ومعناه لا وضوء كاملا
الثالثة غسل اليدين ثلاثا قبل إدخالهما فى الإناء لقوله عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده
وإن تيقن طهارة يده ففي بقاء الاستحباب وجهان
الرابعة والخامسة المضمضة والاستنشاق فى الوضوء والغسل جميعا
ثم نقل المزني أنه يأخذ غرفة لفيه وأنفه هكذا روى عبد الله بن زيد منوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونقل البويطي أنه يغرف لفيه غرفة ولأنفه غرفة وهكذا روى عثمان وعليمن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل به وقيل الأقل ما نقله المزني والأكمل ما نقله البويطي
التفريع

إن أخذ لكل واحدة غرفة قدم المضمضة على الاستنشاق وهذا التقديم مستحبأو مستحق فعلى وجهين وإن أخذ غرفة واحدة فوجهان
أحدهما يخلط فيتمضمض ويستنشق مرة ثم يفعل ذلك ثانية وثالثة لأن اتحاد الغرفة يدل على أنهما فى حكم عضو واحد
والثاني وهو الأظهر أن يقدم المضمضة
ثم يستحب المبالغة فيهما بتصعيد الماء بالنفس إلى الخياشيم والرد إلى الغلصمة إلا أن يكون صائما فيرفق كما ورد في الحديث
السادسة التكرار مستحب في الممسوح والمغسول فلو شك أنه غسل ثلاثا أو مرتين أخذ بالأقل كنظيره فى ركعات الصلاة
وقال الشيخ أبو محمد يأخذ بالأكثر حذارا من أن يزيد فإنه بدعة وترك سنة أهون من اقتحام بدعة
السابعة تخليل اللحية إذا كانت كثيفة
الثامنة تقديم اليمنى على اليسرى
التاسعة تطويل الغرة
العاشرة استيعاب الرأس بالمسح
وكيفيته أن يبل جميع الكفين ويلصق أطراف الأصابع من إحدى اليدين بالأخرى ويبدأ بمقدم رأسه ويردهما إلى القفا ثم يعيدهما إلى مقدمة الرأس ليبتل كلا وجهي الشعر فإن لم يكف فلا فائدة في الإعادة وإن عسر تنحية العمامةكمل المسح بالمسح على العمامة ولو اقتصر على مسح العمامة لم يجز
الحادية عشرة مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد
وكيفيته أن يدخل مسبحته فى صماخي أذنيه ويدير إبهاميه على ظاهر أذنيه ثم يضع الكفين على الأذنين استظهارا والتكرار محبوب فيه أيضا
الثانية عشرة مسح الرقبة لقوله عليه الصلاة والسلام مسحالرقبة أمان من الغل
الثالثة عشرة تخليل أصابع الرجلين وإن كانت مفتوحة
وكيفيته أن يخلل باليد اليسرى من أسفل أصابع الرجل اليمنى ويبدأ بالخنصر من الرجل اليمنى ويختم بالخنصر من اليسرى
الرابعة عشرة الموالاة وفيها قول قديم أنها واجبة
وحد التفريق الكثير أن تجف الأعضاء مع اعتدال الحال والهواء
ثم إذا طال الزمان فهل تجب إعادة النية فعلى وجهين
أحدهما تجب لأنه انقطع حكم النية بطول الزمان
والثاني وهو الأقيس أنه لا تجب لأنه لم يجر قطع يضاد النية
الخامسة عشرة ألا يستعين في وضوئه بغيره فالأجر على قدر النصب وقد استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وكان عليه جبة كمها ضيق فعسر عليه الإسباغ منفردا
السادسة عشرة أن لا ينشف الأعضاء لإبقاء أثر العبادة وقد نشف رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فتبين جوازه وكان يواظب على تركه فبين به الأفضل
وقيل إنه يستحب لأن فيه تصاونا عن التصاق الغبار
السابعة عشرة ألا ينفض يده لقوله عليه الصلاة والسلام إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم
الثامنة عشرة الدعاء وهو أن يقول عند غسل الوجه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل اليدين اللهم أعطني كتابي بيميني ولا تعطني بشمالي
وعند مسح الرأس اللهم حرم شعري وبشري على النار وعند مسح الأذن اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وعند غسل الرجل اللهم ثبت قدمي على الصراط وعند الفراغ أشهد أن لا إله الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
فقد ورد فيها الأخبار الدالة على كثرة فضلها
الباب الثاني فى الاستنجاء
وفيه أربعة فصول
الفصل الأول فى آداب قضاء الحاجة

وهي سبعة عشر
أن يبعد عن أعين النظارين في الصحراء
وأن يستتر بشيء إن وجد
وأن لا يكشف عورته قبل الإنتهاء إلى موضع الجلوس
وأن لا يستقبل الشمس و القمر
وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وهو واجب إلا إذا كان في بناءوإن استتر في الصحراء براحلته جاز وكذا بذيله على أحد الوجهين
وأن يتقي الجلوس في متحدث الناس
وأن لا يبول في الماء الراكد ولا تحت الأشجار المثمرة ولا فى الجحرة وفيها أخبار
وأن يتقي المحل الصلب ومهاب الرياح فى البول استنزاها من رشاشه
وأن يتكئ فى جلوسه على الرجل اليسرى
وإن كان فى بنيان يقدم الرجل اليسرى فى الدخول واليمنى فى الخروج
وأن لا يستصحب شيئا عليه اسم الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام
ولا يدخل ذلك البيت حاسر الرأس
وأن يقول عند الدخول بسم الله أغوذ بالله من الخبيث المخبث الشيطان الرجيم
وعند الخروج الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى على ما ينفعني
وأن يعد النبل قبل الجلوس
وأن لا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة
وأن يستبرئ عن البول بالتنحنح والنتر وإمرار اليد على أسفل القضيب
الفصل الثاني فيما يستنجى عنه

وهى كل نجاسة ملوثة خارجة عن المخرج المعتاد نادرا كان أو معتادا
جاز الاقتصار فيه على الحجر إذا لم ينتشر إلا ما ينتشر من العامة ويستوي فيه البول والغائط والرجل والمرأة
ونقل الربيع أنه إن كان فى جوف مقعدته بواسير أنه لم يجز الاستنجاء إلا بالماء
فمن الأصحاب من جعل هذا قولا وعلل القولين بأن الاعتبار بالخارج أو المخرج
ومن الأصحاب من أول ما نقله الربيع وقطع بما نقله المزني فإن البحث عن النجاسات مع أن المخرج معتاد فيه عسر
واختار القفال فيما حكاه الفوراني أنه إن خرج غير المعتاد خالصا لم يكف الحجر
وقال العراقيون لا يكفي الحجر فى دم الحيض الموجب للغسل وعدوا المذي من النجاسات النادرة
ونقل المزني أنه يستنجي ما لم يعد المخرج ونقل الربيع أنه يستنجي ما لم يخرج إلى ظاهر الأليتين
فمنهم من جعل النصين قولين آخرين ومنهم من قطع بما ذكرناه وهو المنصوص فى القديم وأول هذه النصوص
فرع

لو خرجت حصاة جافة أو دودة غير ملوثة ففي وجوب الاستنجاء وجهان ووجه إيجابه أنه لا ينفك عن لوث وإن قل
الفصل الثالث فيما يستنجى به

فإن استنجى بالماء فليكن طهورا وإن اقتصر على الحجر فليكن طاهرا منشفا غير محترم ولا يختص بالحجر لأن ما عداه في معناه
احترزنا بالطاهر عن الروث والعين النجسة فإنها تزيد المحل نجاسة أجنبية فيتعين حينئذ الماء بعد استعمالها
وبقولنا منشف عن الزجاج الأملس لأنه يبسط النجاسة فإن نقلها عن محلها تعين الماء
وفى التراب والحممة اختلاف نص والوجه القطع بالجواز فيما لا يتفتت بالاستعمال والمنع في الرخو تنزيلا بالنصن على اختلاف حالين
وبقولنا غير محترم عن المطعومات وما كتب عليه شيء محترم والعصفورة الحية والاستنجاء بيد الغير كل ذلك محرم في وجوب عادة الاستنجاءوجهان ووجه الوجوب أن الرخص لا تستفاد بالمعاصي والعظم من المطعومات وقال صلى الله عليه وسلم إنه طعام إخوانكم من الجن
أما الجلد فقد نقل حرملة منع الاستنجاء به ونقل البويطي جوازه ونقل الربيع منعه قبل الدباغ دون ما بعده فقيل إنه أقوال والصحيح الجواز وحمل المنع على جلد الدسم قبل الدباغ الذي لا يقلع النجاسة كما نقله الربيع
فرع

الحجر المستعمل لا يستعمل ثانيا وإن غسل إلا بعد الجفاف لأن تلك الرطوبة تصير نجاسة فتكون كنجاسة أجنبية
الفصل الرابع في كيفية الاستنجاء

وفيه مسائل أربعة

الأولى أن العدد شرط لقوله صلى الله عليه وسلم فليستنج بثلاثة أحجار فإن لم يحصل الإنقاء فليستعمل رابعة فإن حصل أوتر بخامسة لأن الإيتار مستحب
وقال مالك يكفي ولو بواحدة إذا حصل الإنقاء
وقال أبو حنيفة لا حاجة إلى الحجر ولا إلى الماء بل يعفى عن هذه النجاسة
ثم يتأدى العدد بأن يستنجي بحجر له ثلاثة أحرف بثلاث مسحات متفاصلة
الثانية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بواحد ويدبر بواحد ويحلق بالثالث وقال فى حديث آخر خجر للصفحة وحجر اليمنى للصفحة اليسرى وحجر للوسط فاختلف الأصحاب
منهم من أخذ بالحديث الأول واجب استعمال كل حجر فى جميع المحل إذ به يتحقق العدد وأول الثاني بأن البداية بالصفحة اليمنى
ومنهم من أخذ بالرواية الثانية لأنها مصرحة بالتخصيص وإنما مراعاة العدد بالإضافة إلى جملة المحل لا إلى كل جزء
ثم الأصح أن هذا خلاف فى الأحب وقيل إنه خلاف في الوجوب
الثالثة ينبغي أن يضع الحجر على موضع طاهر ويدير فإن أمر ونقل النجاسة تعين الماء وإن لم ينقل فوجهان الصحيح جوازه لأن تكليف الإدارة يضيق باب الرخصة ولا يخلوا كل استنجاء عن نقل يسير فيتسامح به
الرابعة الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر وفيه نزل قوله تعالى { رجال يحبون أن يتطهروا } وأن يستنجي باليسار فإن أخذ القضيب بيد والحجر بأخرى فليحرك اليد اليسرى فالاستنجاء بالمتحرك والله أعلم بالصواب
الباب الثالث في الأحداث وفيه فصلان
الفصل الأول في أسبابها وهي أربعة
السبب الأول خروج الخارج من أحد السبيلين
ريحا كان أو عينا نادرا أو معتادا طاهرا أو نجسا وقد تخرج الريح منالإحليل لاسترخاء الأسر فكل ذلك ينقض الوضوء
والخارج من غير السبيلين بالفصد والحجامة والقيء والقهقهة في الصلاة وغيرها كل ذلك لا ينقض الوضوء خلافا لأبي حنيفة ولا وضوء مما مسته النار خلافا لأحمد
فرع

لو انفتحت ثقبة تحت المعدة وانسد المسلك المعتاد وخرجت منها النجاسةالمعتادة انتقض الطهر لأنه في معنى المنصوص
ولو كان السبيل المعتاد منفتحا أو كان السبيل منسدا ولكن الثقبة فوق المعدة فقولان منشؤهما التردد في أنه هل هو في معناه أم لا
التفريع

حيث حكمنا بانتقاض الطهر فلو كان الخارج نادرا فقولان فمحل القطع عند اجتماع ثلاثة أمور أن يكون السبيل المعتاد منسدا وأن تكون الثقبة تحت المعدة وأن يكون الخارج معتادا فعند فقد بعض هذه المعاني يثور التردد
وحيث حكم بالانتقاض ففي جواز الاقتصار على الحجر ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين المعتاد وغيره وكأنا نرى الاقتصار على الحجر أبعد من القياس من انتقاض الطهر
وفي انتقاض الطهر بمسه ووجوب الغسل بالإيلاج فيه وحل النظر إليه تردد ولا يتعدى التردد من أحكام الأحداث إلى خصائص أحكام الوطء
السبب الثاني زوال العقل

فإن حصل بغشية أو إغماء أو جنون أو سكر انتقض الطهر قائما كان أو قاعدا وإن حصل بالنوم انتقض إلا إذا كان قاعدا ممكنا مقعدته من الأرض فلو تجافى بمقعدته انتقض ولو تمايل وانتبه وكان التنبه قبل التجافي لم ينتقض وإن كان بعده انتقض إذ يتيسر به خروج حدث لا يشعر به
وقال المزني النوم كالإغماء فينتقض الوضوء بكل حال وهو ضعيف لما روى أن طلحة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمن هذا وضوء وكان قد نام قاعدا فقاللا أو تضع جنبك
وقال أبو حنيفة النوم على هيئة من هيئات المصلين لا ينقض الوضوء ونقل البويطي فى القديم وهو ضعيف
السبب الثالث اللمس

قال الله تعالى { أو لامستم النساء } فحمله أبو حنيفة رضي الله عنه على المجامعة وحمله الشافعي على الجس باليد
ثم فيه فروع أربعة

الأول اللمس وفاقا من غير قصد ناقض للوضوء للعموم خلافا لمالك
وحكى صاحب التقريب وجها فيه تشوفا إلى رعاية المعنى
الثاني الملموس وفيه قولان
أحدهما لا ينتقض طهره اقتصارا على الظاهر فإنه ما لمس
والثاني ينتقض تشوفا إلى المعنى لأن الملامسة مفاعلة
ولا خلاف أن المرأة إذا كانت هي اللامسة انتقض طهرها لأنها في معنى الرجل
الثالث في المحرم والميتة والصغيرة التي لا تشتهى قولان أصحهما أنه لا ينتقض تشوفا إلى المعنى والعجوز الهرمة ينتقض الوضوء بلمسها فلكل ساقط لاقط
الرابع في الشعر والظفر خلاف وكذا في العضو المبان منها والصحيح أنه لا ينتقض لانتفاء المعنى وهو الظاهر إذ لا يقال لمس النساء
السبب الرابع مس الذكر

قال عليه الصلاة والسلام من مس ذكره فليتوضأ
وفي معناه من مس ذكر غيره وكذلك المرأة إذا مست فرجها
ولو لمس حلقة دبره قال في القديم لا ينقض وفي الجديد ألحقه بالمنصوصوقال في فرج البهيمة في الجديد لا ينتقض بمسه وفي القديم ألحقه به
وأما الصغير والميت فينتقض الطهر بمس ذكرهما لوجود اسم الذكر
قال الشيخ أبو محمد هذا يدل على تحريم النظر إلى فرج الصغير فيحمل ما روي من تقبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم زبيبة الحسن أو الحسين على جريانه وراء الثوب
فأما الذكر المبان ففيه وجهان وأما محل الجب فينقض الوضوء بمسه
ثم هذا كله في المس بالكف فإن كان برأس الأصابع فوجهان لأنه خارج عن سمت الكف ولكنه من جنس بشرة الكف وإن كان بما بين الأصابع فالصحيح أنه لا ينتقض
فرع

إذا مس الخنثى من نفسه فرجيه انتقض طهره فإن مس أحدهما فلا لاحتمال أنه عضو زائد وإن مس أحدهما وصلى ثم توضأ ومس الآخر وصلى فإحدى صلاتيه باطلة قطعا وهل يقضي فيه وجهان
أحدهما أنه يقضيهما جيمعا كمن فاتته صلاة من صلاتين
والثاني لا يقضيهما لأن لكل صلاة حكمها فهو كما لو صلى صلاتين إلى جهتين باجتهادين
أما إذا مس رجل فرج الخنثى إن مس ذكره انتقض وإن مس فرجه لم ينتقض والمرأة إن مست فرجه انتقض وإن مست ذكره لم ينتقض لاحتمال أنه عضو زائد
ولو أن خنثيين مس أحدهما من صاحبه الفرج ومس الآخر الذكر فقد انتقضت طهارة أحدهما لا بعينه بكل حال ولكن تصح صلاتهما ويأخذ كل واحد منهما باحتمال الصحة كما إذا قال الرجل إن كان هذا الطائر غرابا فامرأتي طالق وقال الآخر إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق وأشكل دام الحل لكل واحد منها
فإن قيل وبما يتبين حال الخنثى قلنا بثلاثة طرق
أحدهما خروج الخارج من أحد الفرجين فإن بال بفرج الرجال أو أمنى فرجل وإن بال بفرج النساء أو حاضت فإمرأة وإن أمنى بفرج الرجال وحاض بفرج النساء فمشكل وإن بال بفرج الرجال وحاض بفرج النساء قيل التعويل على المبال لأنه أدوم وقيل مشكل
الثانية نبات اللحية ونهود الثدي فيه خلاف والأظهر أنه لا عبرة بهما لأن ذلك لا يعد نادرا على خلاف المعتاد
ولا خلاف أن عدم نبات اللحية وعدم نهود الثدي فى أوانهما لا نظر إليه ولا نظر إلى ما قيل من تفاوت عدد الأضلاع فلا أصل له فى الشرع والتشريح
الثالثة أن يراجع الشخص ليحكم بميله فإن أخبر لا يقبل رجوعه إلا أنيكذبه الحس بأن يقول أنا رجل ثم يلد ولدا
قاعدة

يقين الطهارة لا يرفع بالشك ولا يقين الحدث يرفع بشك الطهارة لقوله عليه الصلاة والسلام إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فينفخ بين أليتيه ويقول أحدثت أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا
فإن غلب على ظنه الحدث فلا تعويل عليه لأن العلامات تندر في الأحداث فلا مجال للاجتهاد فيها بخلاف النجاسات
واستثنى صاحب التلخيص من هذا أربع مسائل
إحداها أن الناس لو شكوا فى انقضاء وقت الجمعة صلوا الظهر وإن كان الأصل بقاء الوقت وعلته وأن الأصل وجوب الأربع فلا يعدل إلى الجمعة إلا بيقين
الثانية إذا شك فى انقضاء مدة المسح لم يمسح وسببه أن الأصل غسل الرجل فلا عدول إلا بيقين
الثالثة إذا انتهى المسافر إلى مكان وشك أنه وطنه أم لا أخذ بأنه وطنه
الرابعة لو شك أنه نوى الإقامة أم لا لم يترخص بالقصر لأن الأصل الإتمام
وأبدى بعض الأصحاب خلافا في المسألتين الأخيرتين دون الأوليين وهو بعيد
فرع
إذا تيقن أنه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث ولم يدر أيهما سبق
قال صاحب التلخيص يسند الوهم إلى ما قبله فإن انتهى إلى الحدث فهو الآن متطهر لأنه تيقن طهرا بعده وشك فى الحدث بعد الطهر وإن انتهى إلى الطهر فهو الآن محدث لما ذكرناه
ومنهم من قال إن انتهى إلى طهر فمتطهر وإن انتهى إلى حدث فمحدث والظنان الطارئان يتعارضان والصحيح هو الأول
الفصل الثاني فى حكم الحدث

وهو المنع من الصلاة والطواف وسجود التلاوة ومس المصحف وحمله ويستوي فى المس الجلد والحواشي ومحل الكتبة
نعم في الخريطة والصندوق والغلاف والعلاقة وجهان
ولو قلب الأوراق بقضيب فيه وجهان أصحهما المنع لأنه حامل للورقة ولو قلب بطرف اليد وهي مستورة بالكم فحرام لأن التقليب باليد حرام
وأما الحمل فهو محرم إلا إذا كان في الصندوق ومعه أمتعة فوجهان ووجهالتجويز أنه غير مقصود
ولا يحرم مس كتاب فيه بسم الله ولا كتب التفسير والفقه ولا الثوب لطرازه ولا الدرهم لنقشه وكذا كل ما لم يكتب للدراسة فأما لوح الصبيان فلا وإن كتب للدراسة لأن فيه مشقة والأصح أنه لا يجب على المعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لمس المصحف واللوح فإن في حفظها عليهم عسرة
أما الجنابة فكالحدث ونزيد هاهنا تحريم قراءة القرآن والمكث في المسجد أما العبور فلا
ثم لا فرق في القراءة بين آية أو بعضها إلا أن يأتي بها على قصد الذكر كقوله بسم الله والحمد لله
والمذهب أن الحائض كالجنب وحكى أبو ثور عن أبي عبد الله أنه كان لا يحرمعليها القراءة إما لحاجة التعليم وإما خيفة النسيان فقيل أراد بأبي عبد الله الشافعي رضي الله عنه وقيل أراد به مالكا رضي الله عنه
ولا بأس للجنب بأن يجامع ويأكل ويشرب ولكن يستحب له أن يتوضأوضوءه للصلاة ويغسل فرجه عند الجماع فقد ورد فيه الحديثوروي أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جنبا فضرب يده على الجدار وتيمم ثم أجاب تعظيما للسلام فعلى هذا لو تيمم المحدث لقراءة القرآن معوجود الماء كان جاريا على وفق الحديث ولا يجوز ذلك في صلاة الجنازة فإن الطهارة فيه واجبة
وفضل ماء الجنب طاهر وهو الذي مسه الجنب والحائض والمحدث خلافا لأحمد رحمه الله تعالى
الباب الرابع فى الغسل والنظر فى موجبه وكيفيته
النظر الأول فى الموجب وهي أربعة

الأول الحيض والنفاس وسيأتي حكمهما فى موضعهما
الثاني الموت وسيأتي فى الجنائز
الثالث الولادة فإذا انفصل الولد دون النفاس فالأصح وجوب الغسل لأنه إذا أوجب بخروج الماء وهو أصل الولد فبأن يجب بنفس الولد أولى
وقيل إنه لا يجب لأن الأحداث لا تثبت قياسا
الرابع الجنابة وهي المقصودة بالذكر ويحصل بالتقاء الختانين وخروج المني قالت عائشة رضي الله عنها إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا ونعني بالالتقاء التحاذي فإن ختان المرأةفوق المنفذ يقال التقى الفارسان إذا تحاذيا
ثم ليس المقصود الختان فلو قطعت الحشفة فغيب مثل الحشفة كفى وكذلك إذا ولج في فرج ميت أو بهيمة أو في غير المأتى ولا ختان فيه وفي وجوب إعادة غسل الميت إذا أولج فيه خلاف
أما خروج المني فموجب الغسل وصفته أنه أبيض ثخين دفاق يخرجبدفعات وشهوة ويعقب خروجه فتور وتشبه رائحتة رائحة الطلع
فلو فقد من هذه الصفات التلذذ بخروجه بأن يخرج بمرض وجب الغسل خلافا لأبي حنيفة وكذا إن خرج بعد الغسل من بقيه الأول خلافا لمالك لأن بقية الصفات معرفة كونه منيا وكذا لو خرج على لون الدم لاستكثار الجماع وجب الغسل
فخواصه ثلاث التلذذ ورائحة الطلع والتدفق بدفعات فإن وجد واحد من هذه الصفات كفى
فلو تنبه من النوم ووجد رائحة الطلع من البلل لزمه الغسل وإن لم ير إلاالثخانة والبياض فلا يلزمه لأنه مثل الودي فإن كان الودي لا يليق بطبع صاحب الواقعة أو تذكر فى النوم نشاطا وتلذذ فهو غالب ظن يحتمل أن يطرح كما فى الأحداث ويحتمل أن يخرج على الخلاف فى النجاسات إذا قابل الغالب الأصل لأن المني مجال العلامات كالنجاسات
وأما المرأة فمنيها أصفر رقيق ولا يعرف فى حقها إلا من الشهوة فإذا تلذذت لخروج الماء اغتسلت لما روي أن إم سليم إم أنس بن مالكقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل على إحدانا غسل إذا هي احتلمت فقالت عائشة رضي الله عنها فضحت النساء فضحك الله أو تحتلم المرأة فقال عليه الصلاةوالسلام تربت يمينك فمم الشبه إذن إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أعمامه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أخواله ثم قال لإم سليم نعم عليها الغسل إذا رأت الماء
فأما إذا خرج مني الرجل من المرأة بعد أن اغتسلت فلا يلزمها الغسل إلا إذا كانت قضت وطرها فيغلب اختلاط منيها به فيجب الغسل بحكم الغالب وهذا يدل على أن لغلبة الظن أثرا
النظر الثاني فى كيفية الغسل

وأقل واجبه أمران
أحدهما النية فإن نوى استباحة الصلاة أو رفع الجنابة أو قراءة القرآن كفى وإن نوى رفع الحدث مطلقا فالصحيح جوازه وإن نوت الحائض بغسلها استباحة الوطء جاز وقيل لا لأن الوطء موجب للغسل
والثاني الاستيعاب فلا يجب فيها المضمضة والاستنشاق خلافا لأبي حنيفة
ويجب إيصال الماء إلى منابت الشعور وإن كثفت ونقض الضفائر إن كان الماء لا يصل إلى باطنها دون النقض كقوله صلى الله عليه وسلم بلوا الشعر وانقوا البشرة فإن كل تحت شعرة جنابة
أما الأكمل فيستحب فيه ستة أمور

الأول أن يغسل أولا ما على بدنه من أذى ونجاسة إن كانت
الثاني أن يتوضأ بعد ذلك وضوءه للصلاة وإن لم يكن محدثا ويتصور ذلك بتغيب الحشفة مع حائل أو بسبق المني على الطهارة وهل يؤخر غسل الرجلين في وضوئه إلى آخر الغسل فيه قولان لاختلاف الروايتين عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثالث يتعهد معاطف بدنه ومنابت شعوره بعد وضوءه ثم يفيض الماء على رأسه ثم على ميامنه ثم على مياسره
الرابع التكرار ثلاثا كما فى الوضوء والأظهر أن تجديد الغسل لا يستحب فإنه لا ينضبط بخلاف الوضوءوفيه وجه
الخامس إذا اغتسلت من الحيض فيستحب لها أن تستعمل فرصة من مسك إماطة للرائحةأو ما يقوم مقامه فإن لم تجد فالماء كاف
السادس الدلك وهو مستحب
وماء الغسل والوضوء غير مقدر وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي
كتاب التيمم
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول فيما يبيح التيمم

وهو العجز عن استعمال الماء لقوله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } ولقوله عليه الصلاة والسلام التراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر حجج
ولكن للعجز سبعة أسباب

السبب الأول فقد الماء
وللمسافر فيه أربعة أحوال

الحالة الأولى أن يتحقق عدم الماء حواليه فيتيمم من غير طلب إذ لا معنى للطلب مع اليأس
الحالة الثانية أن يتوهم وجود الماء حواليه فيلزمه أن يطلبه من مواضع الخضرة ومنزل الرفاق ويتردد إلى حد يلحقه غوث الرفاق عند الحاجة ولا يلزمهأكثر من ذلك
ثم يختلف ذلك باختلاف البقاع والأحوال فليجتهد المكلف فيه رأيه
فلو أدى صلاة بهذا الطلب ودخل وقت صلاة أخرى ففي وجوب إعادة الطلب وجهان أولاهما أنه لا يجب لأن غلبة الظن باقية
الحالة الثالثة أن يتيقن وجود الماء فى حد القرب فيلزمه أن يسعى إليه
وحد القرب إلى حيث يتردد إليه المسافر للرعي والاحتطاب وهو فوق حد الغوث فإن انتهى البعد إلى حيث لا يجد الماء فى الوقت فلا يلزمه
وإن كان بين الرتبتين فقد نص الشافعي رضي الله عنه أنه يلزمه الوضوء إنكان على يمين المنزل ويساره ونص فيما إذا كان قدامه على صوب مقصده أنه لا يلزمه فقيل قولان بالنقل والتخريج وهو الأصح
أحدهما أنه يجب لأنه علق التيمم بالفقد وهذا غير فاقد والثاني لا يجب لأنه فى الحال فاقد
ومنهم من فرق بين النصين وقال يمين المنزل ويساره منسوب إليه وعادة المسافر التردد إليه وأما التقدم ثم العود قهقرى فليس بمعتاد
وروي أن ابن عمر تيمم فقيل له أتتيمم وجدران المدينة تنظر إليكفقال أو أحيي حتى أدخلها ثم دخل المدينة والشمس حية ولم يقض الصلاة
التفريع

إن قلنا يجوز التيمم فما الأولى
نظر إن تيقن وجود الماء قبل مضي الوقت فالأولى التأخير للوضوء وإن توقعه بظن غالب فقولان
أحدهما التعجيل أولى كما أن تعجيلها أولى من تأخيرها لحيازة فضيلة الجماعةإذ فضيلة الأولى ناجزة والأخرى موهومة والثاني التأخير أولى لأن للوضوء رتبة الفرائض فبجبره تنجبر فضيلة الوقت
الحالة الرابعة أن يكون الماء حاضرا كماء البئر إذا تنازع عليه النازحون وعلم أن النوبة لا تنتهي إليه إلا بعد فوات الوقت نص الشافعي رضي الله عنه أنه يصبر إذ لا تيمم مع وجود الماء ونص فى الثوب الواحد يتناوب عليه جماعة العراة أنه يصبر ولا يصلي عاريا ونص فى السفينة فيها موضع واحد يمكن القيام فيه أنه يصلي قاعدا ولا يصبر
وقال أبو زيد المروزي وجماعة من المحققين لا فرق بل فيهما قولان بالنقل والتخريج
أحدهما الصبر لأن القدرة حاصلة والثاني التعجيل لأن القدرة بعد الوقتلا تأثير لها في صلاة الوقت
وهو جار فيما لو لاح للمسافر ماء في حد القرب وعلم أنه لو اشتغل به لفاتته الصلاة
ولا جريان له في المقيم بحال حتى إذا ضاق عليه الوقت وعلم فواته لم يتيمم هكذا قاله الأصحاب
ومن الأصحاب من قرر النصين وفرق بأن أمر القعود أسهل ولذلك يجوز تركه فى النفل مع القدرة بخلاف التيمم وكشف العورة
فرعان

أحدهما لو وجد ماء لا يكفيه لوضوئه فقولان أحدهما أنه فاقد فيتيمم والثاني واجد فيستعمل لأن المقدور لا يسقط بالمعسور كما لو كان بعض أعضائه جريحا فإن قلنا يستعمل فيقدمه على التيمم حتى يكون فاقدا عند التيمم
الثاني لو صب الماء قبل الوقت ثم تيمم فى الوقت لم يقض ولو صب الماء بعددخول الوقت أو وهب من غير عوض للمتهب ففي القضاء وجهان
وجه وجوبه أنه عصى بصبه والهبة مع حاجة إلى الوضوء والرخص لا تناط بالمعاصي بخلاف ما قبل الوقت فإنه لا حاجة وبخلاف ما لو جاوز شط النهر فى أول الوقت لأنه لا لم يضيع
ثم الصحيح أنه لا يلزمه إلا قضاء تلك الصلاة لأنه فى حق غيرها صب قبل وقته وقيل يلزمه قضاء ما يغلب إمكان أدائه بوضوء واحد
السبب الثاني أن يخاف على نفسه أو ماله لو توضأ

بأن كان بينه وبين الماء سبع أو سارق فله التيمم
وفيه مسألتان

إحداهما لو وهب منه الماء أو أعير منه أو أقرض ثمن الماء وهو موسر فعليهالقبول إذ المنة لا تثقل فيها وهل يجب الإبتداء بسؤال هذه الأمور فيه وجهان لأن السؤال أصعب على ذوي المروعات وإن هان قدر المسئول
فأما إذا وهب منه الدلو أو ثمن الماء لم يلزمه القبول لعظم المنة فيه
الثانية لو بيع الماء بغبن لم يلزمه شراؤه وكذا إن بيع بثمن المثل ولكن عليه دين مستغرق أو احتاج إليه لنفقة سفره فى ذهابه وإيابه فلا يلزمه شراؤه
وفى قدر ثمن المثل ثلاثة أوجه
أحدها أنه أجرة نقل الماء فبه تعرف الرغبة فى الماء وإن كان مملوكا على الأصح هذا أعدل الوجوه
وقيل يعتبر بحال السلامة واتساع الماء وقيل تعتبر الحالة الراهنة وضرورتها
السبب الثالث
إن احتاج إليه
لعطشه فى الوقت أو لتوقع العطش فى ثاني الحال أو لعطش رفيقه فى الوقت أو لعطش حيوان محترم فكل ذلك يبيح التيمم وتوقع عطش الرفيق فى المآل فيهنظر
قال الشافعي رضي الله عنه ولو كان معه ماء فمات ورفقاؤه محتاجون إليه لعطشهم يمموه وشربوا الماء وصرفوا ثمنه إلى ورثته لأن مثل الماء لا قيمة له فى ذلك الموضع فى غالب الأمر فكان العدول إلى القيمة أولى
فرع

إذا سلم ماء إلى وكيله وقال سلمه إلى أولى الناس به فحضر جنب وحائض وميت فالميت أولى لأنه آخر عهده والأحياء يتيممون ومن عليه النجاسة أولى من الجنب والحائض إذ لا بدل لإزالة النجاسة وفيه مع الميت وجهان والجنب مع الحائض يتساويان وقيل الحائض أولى لأن حدثها أغلظ
ولو اجتمع محدث وجنب فالجنب أولى إلا أن يكون الماء على قدر الوضوء فالصحيح أن المحدث أولى لاكتفائه به ولو انتهى هؤلاء إلى ماء مباح فى سفر فمن سبق إلى الماء فهو ملكه وإن تساووا فهو فى يدهم
والمالك إن كان محدثا أولى بماء ملكه من الجنب
السبب الرابع العجز بسبب الجهل
وفيه أربع صور

أحدها أن ينسى الماء فى رحله بعد أن كان علمه فتيمم وصلى قضى الصلاة خلافا لأبي حنيفة وفيه قول قديم كما في نسيان الفاتحة وترتيب الوضوء ناسيا
الثانية إذا أدرج في رحله ماء ولم يشعر به فطريقان أحدهما القطع بأن لا قضاء إذ لا تقصير والثاني تخريجه على القولين كما في النسيان
الثالثة لو أضل الماء في رحله مع توهم وجوده فإن لم يمعن في الطلب لزمه القضاء وإن أمعن حتى غلب ظن الفقد ففي القضاء قولان كالقولين فيمن أخطأ في اجتهاده في القبلة
الرابعة لو أضل رحله في جنح ليل لزمه القضاء إن لم يمعن فيالطلب وإن أمعن فطريقان أحدهما أنه يجب القضاء كما إذا أضل الماء في رحله
والثاني القطع بأن لا قضاء لأن الرحل أضبط للماء من المخيم للرحل فلا تقصير
فرع

لو رأى بئرا بالقرب بعد التيمم فهو كما إذا وجد الماء في رحله في صورة الجهل وصورة النسيان جميعا
السبب الخامس المرض

الذي يخاف من استعمال الماء معه فوت الروح أو فوت عضو مبيح للتيمم وإن لم يخف عاقبته ولكن يألم به من برد أو حر أو جرح لم يجز التيمم وإن خاف منه مرضا مخوفا فالصحيح أنه يباح التيمم
وإن لم يخف إلا شدة الضنى وبطء البرء فوجهان منشؤهما أن الضرر الظاهر هل يكفي أم لا بد من خوف فوات والأصح أن الضرر الظاهر يكفيلأن هذا أشق من طلب ماء من فرسخ ونصف فرسخ وذلك لا يجب
ولو خاف بقاء شين قبيح فإن لم يكن على عضو ظاهر لم يتيمم وإن كان فوجهان لأنه ضرر ظاهر
السبب السادس إلقاء الجبيرة بانخلاع العضو

وهو كالمرض فيجب غسل ما صح من الأعضاء والمسح على الجبيرة بالماء
وهل ينزل المسح منزلة مسح الخف فى تقدير مدته وسقوط الاستيعاب وجهان أحدهما نعم قياسا عليه والثاني لا بل يجب الاستيعاب لأنه مبني على الضرورةفيراعي فيه أقصى الإمكان والتقدير لا يعرف إلا بتوقيف فى المدة
ثم يتيمم مع الغسل والمسح على أظهر الوجهين وقيل إنه لا يتيمم كما لا يتيمم مع المسح على الخف
وهل يمسح على الجبيرة بالتراب
فيه وجهان أصحهما أنه لا يجب لأن التراب ضعيف لا أثر له على ساتر
وفى تقديم الغسل على التيمم ثلاثة أوجه
أحدها أنه يجب كما لو وجد ماء لا يكفي لتمام الطهارة
والثاني لا حجر فيه فإن التيمم للجراحة وهي قائمة وثم لفقد الماء فلا بد من إفنائه أولا
والثالث أنه لا ينتقل إلى عضو ما لم يتمم تطهير العضو الأول فلو كان الجراحة على يده فيغسل وجهه ثم يديه ويمسح على الجبيرة ثم يتيمم ثم يمسح رأسه ويغسل رجليه
السبب السابع العجز بسبب جراحة

فإن لم يكن عليه لصوق فلا يمسح على محل الجرح وإن كان عليه لصوق فيمسح على اللصوق كالجبيرة
وهلى يلزمه إلقاء اللصوق عند إمكانه
فيه تردد للأصحاب ويتقدم عليه التردد فى وجوب لبس الخف على من وجد من الماء ما يكفيه لو مسح على الخف ولا يكفيه لو غسل
فرعان

أحدهما أنه تجب إعادة التيمم عند كل صلاة ولا تجب إعادة الغسل ولا إعادة مسح الجبيرة
الثاني إذا توهم الاندمال وفتح الجبيرة فإذا هو مندمل فهو كنزع الخف فى غسل ذلك العضو وتدارك سائر الأعضاء
وإن كان الجرح قائما فوجهان فى إعادة التيمم أحدهما نعم كما لو رأى سرابا
والثاني لا إذ طلب الإندمال غير واجب بخلاف طلب الماء
الباب الثاني فى كيفية التيمم وله سبعة أركان
الركن الأول نقل التراب الطهور إلى الوجه واليدين

فلو ضرب اليد على حجر صلد ومسح وجهه لم يجز خلافا لأبي حنيفة
ثم ليكن المنقول ترابا طاهرا خالصا مطلقا
أما قولنا تراب فيندرج تحته الأعفر وهو الأسود الذي يستعمل فى الدواة والأصفر والأحمر وهو الطين الإرمني والأبيض وهو المأكول من التراب لا الجص والسبخ وهو الذي لا ينبت لا الذي يعلوه ملح والملحليس بتراب والبطحاء هو التراب اللين فى مسيل الماء ويخرج الزرنيخ والنورة وسائر المعادن لأنه لا يسمى ترابا
وقولنا طاهر يخرج منه أن التراب النجس لا يتيمم به إذ الطهور ما يكون طاهرا في نفسه
وقولنا خالص يخرج عليه التراب المشوب بالزعفران والدقيق فلا يجوز التيمم به فإن كان الزعفران مغلوبا لا يرى فيجوز التيمم على وجه كالزعفران اليسير في الماء وعلى الثاني لا لأن الماء بلطافته يجري على مواضع الزعفران
وقولنا مطلق يخرج عليه أن سحاقة الخزف أصلها تراب ولكن لا يسمى ترابا فلا يتيمم به وفى الطين المأكول إذا شوي ثم سحق وجهان لأن الشي فيه قريب
اختلف نص الشافعي رضي الله عنه فى الرمل والأصح تنزيله على حالين فإن كان عليه غبار جاز وإلا فلا
وفي التراب المستعمل وهو الذي التصق بوجه المتيمم وجهان وجه التفريق بينه وبين الماء أن التراب لا يرفع الحدث
الركن الثاني القصد إلى الصعيد

فلو تعرض لمهب الرياح ثم مسح وجهه لم يجز لأن التيمم عبارة عن القصد
وحكى صاحب التقريب فيه وجها آخر قياسا على الوضوء
ولو يممه غيره بغير إذنه فهو كالتعرض للريح وإن كان بإذنه وهو عاجز وإلا فوجهان
الركن الثالث النقل

فلو كان على وجهه تراب فردده عليه بالمسح لم يجز إذ لا نقل وإن نقل من سائر أعضائه إلى وجهه ويديه جاز وإن نقل من يده إلى وجهه جاز لوجود النقل وفيه وجه آخر أنه لايجوز لأن أعضاء التيمم فى حكم عضو واحد ولو معك وجهه فى التراب فالصحيح جوازه لوجود القصد والنقل وإن لم يكن بواسطة اليد
الركن الرابع النية ولا بد منها

وفيه مسألتان
إحداهما إن نوى رفع الحدث فلا يصح لأن التيمم لا يرفع الحدث ولذلك يجب الغسل على الجنب عند رؤيته الماء
وقال ابن سريج يرفع الحدث فى حق فريضة واحدة
الثانية إذا نوى استباحة الصلاة جاز فإن نوى الاستباحة عن الحدث وهو جنب أو بالعكس لم يضر لأنه غلط فيما يستغني عن ذكره
ثم له أربعة أحوال
إحداها أن ينوي استباحة الصلاة مطلقا فالمذهب صحة تيممه للفرض والنفل جميعا
وقيل يقتصر على النفل كالمصلي إذا نوى الصلاة وهو بعيد
الثانية أن ينوي استباحة الفرض والنفل فالصحيح جوازهما
وقيل لا بد من تعيين الفرض المقصود وهو بعيد
الثالثة إذا نوى الفرض كان له أن يؤدي به النفل بطريق التبعية على الأصح نعم لو خرج وقت الفريضة ففي النفل بذلك التيمم وجهان لفوات وقت المتبوع
ولو تنفل قبل الفريضة فقولان مشهوران أصحهما الجواز وهو نصه فى الأم
ووجه المنع أن التابع لا يقدم
الرابعة إذا نوي النفل ولم يتعرض للفرض فهل يصلي للفرض فيه قولان مشهوران
فإن قلنا لا يؤدي الفرض فهل يؤدي النفل فوجهان ووجه المنع أن النفل تابع فلا يفرد وهو ضعيف إذ حاجة المسافر تمس إلى النوافل مفردا
فرع

لو نوى استباحة فريضتين فسدت نيته على وجه وصح فى حق فرض واحد على الوجه الثاني
الركن الخامس مسح الوجه

ويجب فيه الاستيعاب ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعور وإن خفت للعسر
وقال أبو حنيفة لو أغفل ربع الوجه لجاز
الركن السادس مسح اليدين إلى المرفقين

وقال مالك إلى الكوعين وهو قول قديم
ثم تخفيف التراب مستحب وطريق الاستيعاب مع التخفيف والاقتصار على ضربتين فإنه سنة أن يضرب ضربة لا يفرج فيها أصابعه ويمسح وجهه ويستوعب إذ سعة الوجه قريب من سعة الكفين وفى الضربة الثانية يفرج أصابعه ثم يلصق ظهر أصابع يده اليمنى ببطون أصابع يده اليسرى بحث لا يجاوز أطراف الأنامل من إحدى اليدين عرض المسبحة من الأخرى ثم يمر يده اليسرى من حيث وضعها على ظاهر ساعده اليمنى ثميقلب بطن كفه اليسرى على بطن ساعده اليمنى ويمرها إلى الكوع ويجري بطن إبهامه اليسرى على ظهر إبهامه اليمنى ثم يفعل باليسرى كذلك ثم يمسح كفيه ويخلل بين أصابعه فإن لم يحصل الاستيعاب زاد ضربة ثالثة ولو فرج الأصابع فى الضربة الأولى قال القفال لا يصح لأن غبار الضربة الثانية لا يصل إلى تلك البشرة وهو بعيد فإنه تضييق للرخصة
الركن السابع الترتيب

كما ذكرناه فى الوضوء وكذا حكم الموالاة
الباب الثالث فى أحكام التيمم

وهى ثلاثة
الحكم الأول أنه يبطل برؤية الماء قبل الشروع فى الصلاة

بل بظن الماء عند رؤية السراب أو طلوع الركب لأنه يجب الطلب وتقديم الطلب شرط التيمم بخلاف ما إذا ظن المتيمم العاري ثوبا فلم يكن لا يبطل تيممه لأن طلبه ليس من شرط التيمم
أما بعد الشروع فلا تبطل الصلاة خلافا لأبي حنيفة والمزني
وفيه وجه آخر مخرج من وجهين ذكرهما ابن سريج فى المستحاضة إذا انقطع دمها في أثناءالصلاة وظاهر المذهب الفرق لأن حدث المستحاضة يتجدد ولا بدل له
فإذا قلنا لا تبطل صلاته ففيه أربعة أوجه
أحدها أن الأولى أن يقلب فرضه نفلا حتى يتدارك فضيلة الوضوء
والثاني أن الأولى أن يتم الصلاة
والثالث أن الأولى أن يخرج من الصلاة حتى لا يكون مصليا مع وجود الماء
والرابع أنه ليس له أن يخرج ولا أن يقلب نفلا بل يلزمه الاستمرار وهذا بعيد إذ الوقت إذا كان متسعا فالشروع ليس بملزم إذا لم يكنخلل فكيف إذا كان ولذلك نص الشافعي رضي الله عنه أن المنفرد إذا أدرك جماعة يقطع الصلاة فكيف يقطع الفرض لأجل الفضيلة لولا جوازه وكذا المسافر يصبح صائما فله أن يفطر ولا يلزمه بالشروع
وهذا القائل يقول المتنفل إذا رأى الماء تبطل صلاته فإنه لا مانع من الخروج
والصحيح أنه يتمم كما فى الفرض نعم لو كان نوى أربعا فهل يلزمه الاقتصار على أقل صلاة أو كان نوى ركعتين فهل يمتنع أن يزيد فيجعلهما أربعا فعلى وجهين مشهورين
الحكم الثاني فيما يؤدي بالتيمم

وفيه أصلان للشافعي رضي الله عنه
الأول أنه لا يجمع بين فرضين بتيمم واحد لأنه طهارة ضرورة
نعم يجمع بين النوافل وبين فرض ونوافل لأن النوافل تابعة وهى في حكم جنس واحد قطعت بتسليمات أو جمعت تحت تحريمة واحدة
وعليه أربعة فروع

الأول الجمع بين منذور وفريضة أو منذورتين يخرج على أنه يسلك بالمنذور مسلك واجب الشرع حتى لا يجوز القعود فيه مع القدرة أو مسلك جائزه وفيه قولان
الثاني نص على الجمع بين فريضة وصلاة جنازة أو بين صلاتي جنازة ونص على منع القعود فيها مع القدرة فيه قولان بالنقل والتخريج منشؤهما أنهما تلحق بالفرائض أو النوافل
وقيل إذا تعين عليه لم يجمع
ومنهم من قرر النصين وقال هي فى حكم نافلة ولكن القيام أعظم أركانها والقعود يغير صورتها فلا يحتمل مع القدرة
الثالث أن لا يجمع بين ركعتي الطواف وصلاة أخرى إن قلنا أنهما فريضتان على قول
وهل يجمع بينهما وبين الطواف من حيث إنه كالجزء التابع له فعلى وجهين
الرابع من نسي صلاة من خمس صلاوات مبهمة فعليه خمس صلوات قال الخضري يتيمم لكل صلاة والصحيح أن يكفيه تيمم واحد لأن المقصود بالوجوب واحد
فعلى هذا لو نسي صلاتين من يوم وليلة فإن شاء تيمم خمسا واقتصر على خمس صلوات وهى رأي صاحب التلخيص وإن شاء اقتصر على تيممين يؤدي بأولهما الأربعة الأولى من الخمس وهي
الصبح والظهر والعصر والمغرب ثم يتيمم ويصلي الأربعة الأخيرة وهيالظهر والعصر والمغرب والعتمة فيكون متفضيا عن العهدة بيقين فلو أدى بالتيمم الأول الأربعة الأخيرة لم يجز لاحتمال أن الفائتة ظهر وعشاء والعشاء في النوبة الأولى لم تصادف إلا تيمما مستعملا وفي النوبة الثانية ما صلى العشاء
الأصل الثاني أنه لا يتيمم لصلاة قبل دخول وقتها خلافا لأبي حنيفة لقوله عليه الصلاة والسلام أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت وإنما تدركصلاة الخسوف بالخسوف وصلاة الاستسقاء ببروز الناس إلى الصحراء وصلاة الميت بغسل الميت والفائتة بتذكرها
وفى النوافل الرواتب وجهان أحدهما أنه لا يتأقت تيممها لأن التأقيت فيها غير مقصود بل هي تابعة
فروع ثلاثة

أولها لو تيمم لفائتة ضحوة النهار فلم يؤدها فأراد أن يؤدي الظهر بعد الزوال جاز عند ابن الحداد لأن التيمم لم يكن مستغنى عنه فى وقت فعله بخلاف ما إذا نوى به استباحة الظهر قبل الزوال
وقال أبو زيد لا يجوز لتقدمه على وقته
الثاني لو تيمم للظهر فى وقته ثم تذكر فائتة فأراد أداءها على الأصح ومنهم من خرج على الوجهين لأن وقت الفائتة بالتذكر
الثالث لو تيمم للنافلة ضحوة فأراد أن يؤدي الظهر بعد الزوال به إذا قلنا يجوز أداء الفرض بمثل هذا التيمم ففيه من الخلاف ما في الفائتة وأولى بالمنع لأن هذا التيمم لم يستعقب إباحة فرض مقصود
الحكم الثالث فيما يقضى من الصلوات المؤداة على نوع من الخلل

والضابط فيه إن كان بسبب عذر إذا وقع دام فلا قضاء فيه كصلاة سلس البول والمستحاضة وصلاة المريض قاعداأو مضطجعا وصلاة المسافر بتيممه وإن لم يكن العذر دائما نظر فإن لم يكن عنه بدل وجب القضاء كمن لم يجد ماء ولا ترابا فصلى على حسب حاله أو المربوط على خشبة إذا صلى بالإيماء أو من على جرحه أو عضده أو محجمه نجاسة إذ لا بدل لإزالة النجاسة
ويستثني عن هذا الصلاة فى حال المسابغة إذ لا قضاء فيها رخصة بنص القرآن
فأما إذا كان لها بدل كتيمم المقيم فى الحضر أو التيمم لإلقاء الجبيرة أو تيممالمسافر بعذر البرد فيه قولان
وروي أن عليا رضي الله عنه كسر زنده فألقى الجبيرة عليه وكان يمسح عليها ولم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء الصلاة
وتوقف الشافعي فى صحة هذا الحديث ولعل أولى القولينبسقوط القضاء وقد قال المزني كلا صلاة وجبت فى الوقت فلا قضاء لها وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى كل صلاة تفتقر إلى القضاء فلا تؤدي فى الوقت وهما قولان معزيان إلى الشافعي رضي الله عنه
فرع

العاري إذا صلى إن كان ممن لا يعتاد الستر فلا قضاء عليه
وإن كان ممن يعتاده ولكن عجز فقضاؤه ينبني على أنه يتمم الركوع والسجود أم لا وفيه ثلاثة أوجه
أحدها لا حذرا من كشف السوأتين
والثاني نعم حذارا من ترك السجود
والثالث يتخير بينهما
وكذا الأوجه فى المحبوس فى موضع نجس إن سجد سجد على النجاسة وكذا من ليس معه إلا إزار نجس وهو بين أن يصلي عاريا أو نجسا
فإن قلنا لا يتمم السجود فالأصح وجوب القضاء وإن قلنا يتم فالأصح أنه لا يقضي وبه قطع صاحب التقريب على الإطلاق وعلل بأن وجوب الستر لا يختص بالصلاة
باب المسح على الخفين

وهو رخصة لم ينكرها إلا الروافض الذين أثبتوا المسح على الرجل
ودليله قول صفوان بن عسال المرادي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن
والنظر فى شرط المسح وكيفيته وحكمه الأول في الشرط وله شرطان
الأول أن يلبس الخف على طهارة تامة قوية

احترزنا بالتامة عما إذا غسل رجله اليمنى وأدخلها الخف قبل غسل الثانية فلا يعتد بهذا اللبس وكذلك إذا لبس قبل الغسل ثم صب الماء في الخف لم يجز لأن كل ما شرط الطهارة فيه شرط تقديمها بكمالها عليه
واحترزنا بالقوية عن طهارة المستحاضة فإنها لو توضأت ولبست ولم تصل بهذاالوضوء ثم أحدثت فأرادت أن تمسح لتصلي به فريضة واحدة ونوافل كما كانت تصلي بوضوئها لم يجز ذلك على أحد الوجهين لضعف طهارتها وعلى الوجه الثاني يصح في حق صلاة واحدة كما في الوضوء ولا زيادة على صلاة واحدة بالإجماع حتى لو توضأت وصلت فريضة واحدة ثم لبست لم تنتفع بهذا اللبس فى حق الفرائض والجريج إذا تيمم وغسل الصحيح فطهارته كطهارةالمستحاضة في بناء اللبس عليه
الشرط الثاني أن يكون الملبوس ساترا قويا مانعا للماء من النفوذ حلالا
فهذه أربعة قيود
المراد بالأول أن الخف ينبغي أن يكون ساترا إلى ما فوق الكعبين فلو تخرق وبدا جزء من محل الفرض لم يجز المسح عليه خلافا لمالك فإنه جوز وهو قول قديم والملبوسالمشف كالزجاجة مثلا يجوز المسح عليه والملبوس المشقوق القدم الذي يشد محل الشق منه بشرج فيه تردد والصحيح جواز المسح لمسيس الحاجة إليه فى العادة
وأما الثاني فالمراد به أن يقوى بحيث يتأتى التردد عليه فى المنازل على الحوائج وإن كان لا يداوم المشي عليه فلا يجوز المسح على الجورب ولا على اللفاف ولا جوربالصوفية ويجوز المسح على خف من حديد وإن عسر المشيء فيه لضعف اللابس
والمراد بكونه مانعا للماء احترازا عن المنسوج فإنه وإن كان قويا ساترا فينفذ الماء منه إلى القدم وفيه وجهان والصحيح جواز المسح عليه لوجود الستركما إذا انثقبت طهارة الخف وبطانته فى موضعين غير متوازيين
والمراد بكونه حلالا المسح على الخف المغصوب فإنه ممنوع على أحسن الوجهين لأنه مأمور بالنزع والمسح إعانة على الاستدامة
وقيل إنه يبيح كالتوضؤ بالماء المغصوب فإنه يرفع الحدث
فرع

الجرموق الضعيف فوق الخف لا يمسح عليه وإن كان قويا والخف ضعيف فهو الخف والآخر لفاف فيجوز المسح عليه وإن كانا قويين لم يجز المسح على الجرموق فى القول الجديد لأنه يبعد أن يجعل بدلا على البدل والحاجة لا تمس إليه إلا نادرا فليدخل اليدين في الخفين وليمسح على الأسفل والقول القديموهو مذهب المزني أنه يجوز المسح لأنه من مرافق السفر ثم تقديره أن يكون كظهارة الخف أو يكون بدلا عن الرجل والأسفل لفافا أو يكون بدلا عن الخف الأسفل فهذه ثلاثة احتمالات تتفرع منها مسائل أربع
الأولى إن لبس الجرموق على طهارة كاملة فله المسح عليه وإن لبس على الحدث فوجهان أحدهما الجواز لأنه فى حكم ظهارة ألصقت بعد اللبس والثاني لا لأنه بدل عن الخف أو الرجل فليلبس على طهارة
فأما إذا لبسهما على طهارة المسح فإن جوزنا على الحدث فهذا أولى وإن منعنا فوجهان مأخذهما ضعف طهارة المسح كطهارة المستحاضة
الثانية لو نزع الجرموقين بعد المسح عليهما فوجهان أحدهما لا يلزمه شيء وكأنه نحى الطهارة بعد المسح والثاني يلزمه إما المسح على الخف لأنه بدل عنه أو غسل الرجل إن جعل بدلا من الرجل
الثالثة لو لبس فى إحدى رجليه جرموقا ليمسح عليه وعلى الخف الآخر فوجهان
أحدهما أنه يجوز فأنه كطاقة من الخف والثاني لا يجوز لأنه كالجمع بين البدل والمبدل إن جعلناه مبدلا عن الخف
وإن جعلناه بدلا عن الرجل فالأصح جوازه لأن الخف الثاني مستقل بنفسه
الرابعة إذا مسح عليهما ثم نزع أحدهما فإن جعلناه كطاقة لم يضر تركه وإن قدرناه بدلا عن الرجل أو الخف لزم نزع الآخر حتى لا يكون جمعا بين البدل والمبدل وقد ثبت لذلك الخف حكم اللفاف إذا مسح على سائره بخلاف ما إذا لم يلبس إلا أحد الجرموقين
النظر الثاني فى كيفية المسح

وأقله ما يطلق عليه الإسم مما يوازي محل الفرض فلو اقتصر على الأسفل فظاهر النص منعه لأنه لم يؤثر الاقتصار عليه والباب باب الرخصة
وقدر أبو حنيفة المسح بثلاثة أصابع
أما الأكمل فالمسح والغسل وتكرار المسح مكروهان وقصد الاستيعاب ليس بسنة إذ لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه مسح على الخف خطوطا ولكن يستحب أن يمسح على الخف وأسفله
والموازي للعقب فهل يستحب عليه المسح فيه خلاف
النظر الثالث فى حكمه

وهو إباحة الصلاة بغير حصر ولكن إلى إحدى غايتين
الغاية الأولى مضي يوم وليلة من وقت الحدث الواقع بعد اللبس فى حقالمقيم ومضي ثلاثة أيام ولياليهن فى حق المسافر
وقال مالك لا يتقدر
فرعان

الأول إذا لبس المقيم على الطهارة ثم سافر قبل الحدث أتم مدة مسح المسافرين وفاقا لأنه العادة ولو أحدث فى الحضر فكذلك لأنه لا حجر فى الحدث
وقال المزني يقتصر على مدة المقيمين لأن أول المدة من وقت الحدث وقد وقع فى الحضر
أما إذا مسح فى الحضر ثم سافر أتم مسح المقيمين خلافا لأبي حنيفة ولو مسح فى السفر ثم أقام اقتصر على مدة المقيمين تغليبا للإقامة فإن كان قد استوفاه فى السفر اقتصر عليه
وقال المزني يوزع فإن كان قداستوفى فى يومين وليلتين فبقي له ثلث المدة فيستوفي ثلث مدة المقيمين وعلى هذا القياس منهاجه
الثاني لو شك فلم يدر أمسح فى الحضر أم لا أو شك فلم يدر انقضت المدة أم لا أخذ بالأسوأ وهو أنه مسح وانقضى إذ الأصل الغسل فلا يترك إلا باستيقان المرخص
الغاية الثانية لو نزع الخفين أو أحدهما فإنه يوجب غسل القدمين وهل يوجب استئناف الوضوء قيل إنه مبني على المولاة
وقال القفال لا بل القولان جرايان مع قرب الزمان ومأخذه أن المسح هل يرفع الحدث وفيه خلاف فإن قلنا لا يرفع فيكفي الغسل وإن قلنا يرفع فقد عاد الحدث بالنزع وهو في عوده لا يتجزأ فيجب الاستئناف
فرع

لو لبس فرد خف وكانت الرجل الأخرى ساقطة من الكعب جاز المسح
ولو بقي بقية فلا يجوز المسح ما لم يوار تلك البقية بساتر
كتاب الحيض

وفيه ستة أبواب
الباب الأول فى حكم الاستحاضة والحيض

أما الحيض فسنه مأخوذ من سن البلوغ وفيه ثلاثة أوجه أحدها أول السنة التاسعة والثاني أول السنة العاشرة والثالث إذا مضى ستة أشهر من التاسعة
وإنما عول فى هذا الوجود فإن رأت الدم قبل هذا فهو دم فاسد لا دم حيض
وأما مدة الحيض فأكثرها خمسة عشر يوما وأقلها يوم وليلة وأقل مدة الطهر خمسة عشر يوما وأكثرها لا حد له
ونص فى موضع فى أقل الحيض على يوم فقيل أراد بليلته وقيل بالاختصار عليه
وأما أغلب الحيض فست أوسبع وأغلب الطهر أربع وعشرون أو ثلاث وعشرون وهو تتمة الدور ومستند هذه التقديرات الوجود المعلوم بالاستقراء
قال الشافعي رأيت امرأة لم تزل تحيض يوما وقال أبو عبد الله الزبيري فى نسائنا من تحيض يوما وليلة وفيهن من تحيض خمسة عشر يوما وكذلك قال عطاء
فعلى هذا لو وجد في عصر آخر امرأة تحيض أقل من ذلك أو أكثر فثلاثة أوجه
أحدها لا يعتبر لأن بحث الأولين أوفى والثاني يعتبر لأن معولهم على الوجود
والثالث كل قدر قال به بعض العلماء جاز اعتماده وما لا يوافق مذهب ذي مذهب فلا
ولا خلاف أنها لو رأت يوما دما ويوما نقاء وهكذا على التعاقب فلا يجعل كل يوم طهرا كاملا بل حكمه ما يأتي في باب التلفيق
أما حكم الحيض فهو المنع من أربعة أمور

الأول كل ما يفتقر إلى الطهارة كسجود الشكر وسجود التلاوة والطواف والصلاة فلا يصح من الحائض ولا يجب عليها قضاء الصلاة ولا تصح طهارة الحائض إلاغسلها لأجل الإحرام والوقوف بعرفة لأنه للنظافة
الثاني الاعتكاف بل العبور فى المسجد حرام عليها فإن أمنت التلويث ففي العبور المجرد وجهان
الثالث الصوم فهو ممنوع والقضاء واجب بخلاف الصلاة
الرابع الجماع وهو محرم بالنص قال الله تعالى { فاعتزلوا النساء في المحيض } والاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة جائز
وفي الاستمتاع بما تحت الإزار مما سوى الجماع وجهان
ويشهد للإباحة قوله عليه الصلاة والسلام افعلوا كل شيء إلا الجماع
وللتحريم قول عائشة رضي الله عنها قالت كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مضجعه فحضت فانسللت فقال مالك أنفست قلت نعم فقال خذي ثياب حيضتك وعودي إلى مضجعك ونال مني ما ينال الرجل من امرأته إلا ما تحتالإزار
فرع

إن جامعها والدم عبيط تصدق بدينار وفي أواخر الدم يتصدق بنصف دينار وهو استحباب لحديث ضعيف ورد فيه
أما الاستحاضة فلا تمنع الصلاة والصوم ولكن حكمها حكم سلس البول فعليها أن تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ولا تؤدي بوضوء واحد أكثر من فريضة واحدة ومن النوافل ما شاءت كالمتيمم
وفي وجوب المبادرة ثلاثة أوجه أحدها يجب لتقليل الحدث والثاني لا كالمتيمم والثالث لها فسحة ما دام وقت الصلاة باقيا
وعليها أن تلتجموتستثفر وعليها تجديد العصابة لكل فريضة إن نزل الدم إلى ظاهرها وإن لم يظهر فوجهان أصحهما أنه يجب كالوضوء فإن باطن العصابة نجس واحتمل للضرورة
ولو زالت العصابة بعد الفريضة بنفسها وكان ذلك بسبب زيادة نجاسة فتمنع من النوافل لأن ذلك منسوب إلى تقصيرها
فرع

إذا شفيت قبل الشروع فى الصلاة لزمها استئناف الوضوء وإن شفيت في أثناء الصلاة فوجهان أحدهما أنها كالمتيمم إذا رأى الماء فيستمر والثاني وهو الأصح أنها تتوضأ وتستأنف لأن الحدث متجدد ولا بدل له وقد خرج فى المتيمم من المستحاضة وجه والمذهب هو الفرق
وإن شفيت بعد الصلاة فلا شيء عليها ولو انقطع بعد الوضوء بساعة تتسع لوضوء وصلاة فلم تصل يلزمها استئناف الوضوء السابق على الانقطاعلتقصيرها ولو انقطع في الحال وهي لا تدري أيعود أم لا إن كان لا يبعد منعادتها العود فلها الشروع فى الصلاة من غير استئناف الوضوء ولكن إن دام الانقطاع فعليها القضاء وإن بعد ذلك من عادتها فعليها استئناف الوضوء في الحال فإن شرعت من غير استئناف ولم يعد لم تصح الصلاة وإن عاد فوجهان لأنها شرعت على تردد
الباب الثاني في المستحاضات وهن أربع
المستحاضة الأولى مبتدأة مميزة

وهي التي لم تسبق لها عادة ولكن انقسم دمها إلى القوي والضعيف فهي تتحيض فى الدم القوي وتستحيض في الضعيف بشرط أن لا ينقص القوي عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر يوما وبشرط أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما
والأصل فيه ما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت إني أستحاض فلا أطهر
فقال عليه الصلاة والسلام إنما هو عرق انقطع إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسليوصلي
وفي رواية ودم الحيض أسود بحراني محتدم ذو دفعات له رائحة تعرف
والمحتدم اللذاع للبشرة لحدته وله الرائحة الكريهة والبحراني ناصع اللون
والتعويل على اللون لا على الرائحة والاحتدام
فرعان

الأول محل الاتفاق مبتدأه رأت السواد أولا خمسة مثلا ثم أطبقت الحمرة أو الصفرة فلو رأت أولا خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم استمرت الحمرة ففيه ثلاثة أوجه
الأول أن النظر إلى لون الدم لا إلى الأولية فالأسود هو الحيض
والثاني أنه يجمع إذا أمكن إلا إذا زاد السواد مع الحمرة على خمسة عشر يوما
الثالث أنها فاقدة للتمييز وسيأتي حكمها
فعلى هذا لو رأت خمسة حمرة وعشرة سوادا ثم أطبقت الحمرة فعلى الأولعشرة السواد حيض والحمرة قبلها دم فساد وعلى الثاني جميع الخمس عشرة حيض فلو كان السواد أحد عشر فعلى الأول السواد حيض وعلى الثاني هي فاقدة للتمييز
قيل إنها تقتصر على أيام الحمرة لقوه مجرد الأولية وهو بعيد فإن كان السواد ستة عشر فقد تعذر الجمع وتجريد السواد فهي فاقدة للتمييز لأن تجريد الأولية وجه ضعيف
الثاني أن القوة والضعف إضافة فالصفرة بعد الحمرة كالحمرة بعد السواد فلو رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم أطبقت الصفرة فالحمرة المتوسطة ملحقة بالسواد فى كونها حيضا لضعف ما بعدها على أحد الوجهين وعلى الوجه الثاني هي ملحقة بالصفرة فلو رأت خمسة سوادا وأحد عشر حمرة فالحيض هو السواد على وجه إلحاق الحمرة بالصفرة وعلى الوجه الآخر تعذر الجمع فيتعين الرجوع إلى السواد وفيه وجه أنها فاقدة للتمييز وكان السواد قد أطبق على ستة عشر يوما
تنبيهات ثلاثة

الأول المبتدأة إذا فاتحها الدم الأسود خمسة ثم تغير إلى الضعيف فلا تغتسل ولا تصلي بل تتربص فلعل الضعيف ينقطع دون الخمسة عشر فيكون الكل حيضا فإن جاوز واستمر الدم فإذ ذلك نأمرها بتدارك ما فات في أيامالضعيف نعم في الشهر الثاني كما انقلب الدم إلى الضعيف تغتسل إذ بان استحاضتها في الشهر الأول والاستحاضة علة مزمنة طويلة البقاء فلا تخرج على أن العادة هل تثبت بمرة
الثاني أنها لو شفيت قبل خمسة عشر فى بعض الأدوار فجميع ذلك الدم حيض مع الضعيف لانقطاعه دون أقل المدة كما لو وقع مثلا فى الدور الأول
الثالث إذا رأت المبتدأة أولا خمسة عشر يوما دما أحمر ثم أطبق السواد فقد تركت الصلاة في النصف الأول من الشهر رجاء الانقطاع وتترك فى النصف الثاني رجاء استقرار التمييز لظهور الدم القوي إذا فرعنا على أنه لا ينظر إلى الأولية فلا تعهد امرأة تؤمر بترك الصلاة شهرا كاملا إلا هذه للانتظار الذي ذكرناه
المستحاضة الثانية المبتدأة التي ليست مميزة

إما بإطباق لون واحد أو بفقد شرط من شرائط التمييز ففيها قولان
أحدهما أنها ترد إلى أقل مدة الحيض يوما وليلة احتياطا للعبادة فإنه المستيقن
والثاني أنها ترد إلى أغلب عادات النساء لقوله عليه الصلاة والسلام لبعض المستحاضات تحيضي فى علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن
وقوله فى علم الله معناه فما أعلمك الله من عاداتهن
التفريع

إن رددناها إلى الأغلب فلا خيرة بين الست والسبع لكن تتبع العادة فإنكانت عادات النسوة دون الست ردت إلى الست وإن كانت فوق السبع ردت إلى السبع لتعيين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين العددين هذا هو المشهور
وقيل إن العادة تتبع بقدرها والتعيين جرى وفاقا
ثم العبرة بأي نسوة فوجهان أحدهما تعتبر بنساء البلدة والثاني بنساء العشيرة من الجانبين
فإن رددناها إلى الأقل فى الحيض ففي الطهر ثلاثة أوجه
أحدها أنه ترد إلى الأقل كما فى الحيض وهذا ضعيف إذ الرد إلى أقل الحيض احتياط
والثاني أنه ترد إلى تسع وعشرين يوما تتميما للدور
والثالث وهو الأقرب وهو أنها ترد إلى أغلب العادات وليكن إلى أربع وعشرينفإن الاحتياط فيه أكثر منه فى ثلاثة وعشرين
ثم الوقت الذي حكم بطهرها فيه ماذا تفعل
فعلى قولين أصحهما أن حكمها حكم الطاهرات المستحاضات والثاني أنها تحتاط احتياط المتحيرة كما سيأتي إن شاء الله
المستحاضة الثالثة المعتادة

وهي التي استحيضت بعد عادات منظومة فترد إلى عادتها في قدر الحيض وميقاته لما روي أن أم سلمة استفتت لبعضالمستحاضات فقال عليه الصلاة والسلام مريها فتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتدع الصلاة فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل فإذن المستفاد من العادة قدر الحيض ووقته
ولتغير العادة صور

الأولى كانت تحيض خمسا وتطهر بقية الشهر فجاءها دور وحاضت ستا وطهرت بقية الشهر ثم استحيضت فى الشهر الآخر فالمذهب أنها ترد إلى الست لأنها ناسخة
وفيه وجه أن العادة لا تثبت بمرة واحدة وهو مذهب أبي حنيفة والصحيح الأول لأن إمكان ما عهد على القرب ولو بمرة أظهر من إمكان ما سلف
الثانية كانت تحيض خمسا فحاضت فى دور آخر ستا وفي دور ثالث سبعاواستحيضت في الرابع فترد إلى السبع على الظاهر لأنه الناسخ
وعلى الوجه الآخر وجهان أحدهما الرد إلى الخمس فإنه المتكرر والثاني إلى الست لأن السبع تشتمل على الست فقد تكرر الست
الثالثة تغير الميقات بالتأخر بأن كانت تحيض خمسة فى أول الشهر فجاءها دور فحاضت في الخمسة الثانية واستحيضت فقد صار الدور خمسا وثلاثين فإليه ترد على الصحيح ولا نبالي بالأولية
وإن قلنا لا تثبت العادة بمرة فتقيم دورها ثلاثين كما عهد ولا نبالي بفوات الأولين
وقيل لا بد من مراعاة الأولية وهؤلاء اختلفوا منهم من قال ينقص من طهرها خمسة أيام في هذا الشهر بأن نحيضها هذه الخمسة الثانية ونطهرها بقية الشهر عشرين يوما ثم تعود إلى أول الشهر فنحيضها خمسة ونطهرها خمسة وعشرين أبدا
وقال أبو إسحاق المروزي لا نحيضها خمسة في هذا الشهر أصلا لفوات أوله بل نجعل الدم استحاضة فإذا جاء أول الشهر حيضناها خمسا وأقمنا الأدوار القديمة على وجهها
الرابعة إذا تقدم الحيض إلى الخمسة الأخيرة من الشهر فقد صار الدور خمسا وعشرين مرة واحدة فلا يخفى أمره إن أثبتنا العادة بمرة واحدة أو لم تثبت ولكن لم نبال بالأولية وإن تشوفنا إلى الأولية أمكن أن نجعل هذه الخمسة استحاضة ثم نحيضها فى الخمسة الأولى من الشهر الثاني وهو مذهب أبي إسحاق
وعند غيره نحيضها في هذه الخمسة وفي خمسة من أول الشهر فنزيد فى حيضها مرة واحدة ثم تعود إلى القانون السابق
الخامسة إذا عاجلها الحيض بحيث عاد النقاء إلى أربعة عشر فعلى مذهب الجميع لا بد وأن نخلف يوما من أول الدم ونجعله استحاضة تتمة للطهر
ثم التفصيل بعده كما سبق بأن نقيم دورها عشرين إذا أثبتنا العادة بمرة واحدة إذ لا يمكن أن يجعل تسعة عشر فجعل الخامس عشر طهرا ضرورة أولا نثبت بمرة فتقيم دورها القديم من الوقت ولا نبالي بالأولية أو نتشوف إلى الأولية بأن نجعل بقية الشهر استحاضة والله أعلم
المستحاضة الرابعة المعتادة المميزة

وهي التي أطبق الدم عليها وسبقت لها عادة معلومة واختلف لون الدم فإن طابق قوة الدم أيام العادة فذاك وإن أختلفت بأن كانت عادتها خمسة فرأت عشرة سوادا والباقي حمرة ففيه ثلاثة أوجه
أحدها الحكم بالعادة لأنه مجمع عليه وفي الحكم بالتمييز خلاف ولأن الثقة بالعادة أولى
والثاني أن التمييز أولى لأنه علامة ناجزة فإن العادة قد انقضت
والثالث أنه يجمع بينهما فنحيضها فى العشر بالعلتين
فإن رأت خمسة حمرة وأحد عشر سوادا فقد عسر الجمع فثلاثة أوجه
أحدها أن نجرد العادة والآخر أن نجرد التمييز والآخر أنهما يتدافعان فهي كمبتدأة لا تمييز لها
فرعان

الأول المبتدأة إذا رأت خمسة سوادا ثم أطبق الدم على لون واحد ففي الشهر الثاني نحيضها خمسا لأن التمييز أثبت لها عادة فلو تمكنت بعد ذلك من التمييز مرة أخرى ولكن رأت السواد في العشرة فترد إلى العشرة ولا يخرج على الخلاف في إثبات العادة بمرة لأن هذه عادة تمييزية فينسخها مرة واحدة كغير المستحاضة إذا تغيرت عادتها القديمة مرة واحدة فإنا نحكم بالحالة الناجزة
الثاني قال الشافعي رضي الله عنه الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وذلك فيما يوافق أيام العادة
وما وراء عادتها إلى تمام خمسة عشر فيه ثلاثة اوجه
أحدها أنها حيض لأنها مدة الإمكان كأيام العادة
والثاني لا لقول بنت جحش كنا لا نعتد بالصفرة وراء العادة شيئا
والثالث إن كان ما تقدمها من الصفرة دم قوي ولو لحظة فهو حيض لقوتهوإن كان الكل صفرة فتقتصر على أيام العادة فيه
فأما المبتدأة إذا رأت الصفرة أولا فمردها أعني اليوم والليلة أو الست والسبع كأيام العادة في حق المعتادة أو كما وراء العادة فيه وجهان
الباب الثالث في المستحاضة المتحيرة

وهي التي نسيت عادتها قدرا ووقتا وفيها قولان أحدهما أنها كالمبتدأة في قدر الحيض
أما وقته فردها إلى أول الأهلة فإنه مبادئ أحكام الشرع وهذا مزيففإن اختصاص الحيض بأول الهلال لا يقتضيه طبع ولا شرع فالقول الصحيح أنها مأمورة بالاحتياط والأخذ بأسوأ الاحتمالات فى أمور سبعة
الأول أن لا يجامعها زوجها فى كل حال لاحتمال الحيض
الثاني أن لا تدخل المساجد ولا تقرأ القرآن إلا في الصلاة إلا على وجه بعيد في أن الحائض تقرأ خيفة النسيان وهذه أولى
الثالث إذا طلقت انقضت عدتها بثلاثة أشهر ولا يقدر تباعد حيضها إلى سن اليأس أخذا بأسوأ الاحتمالات لأنه تشديد عظيم
الرابع أنها تصلي وظائف الأوقات لاحتمال الطهر وتغتسل لكل صلاة لاحتمال انقطاع الدم ثم لا تغتسل لصلاة إلا بعد دخول وقتها
والأصح أن المبادرة لا تجب عليها بعد الغسل إذ الانقطاع لا يتكرر بعد الغسل بخلاف الأحداث فى حق المستحاضة
الخامس يجب عليها أن تصوم جميع شهر رمضان لاحتمال دوام الطهر ثم عليها أن تقضي ستة عشر يوما لاحتمال دوام الحيض خمسة عشر يوما وانطباقه على ستة عشر يوما بطريانه فى وسط النهار
وقال الشافعي رضي الله عنه تقضي خمسة عشر يوما وكأنه لم يخطرله تقدير الطريان في وسط النهار
السادس إذا كان عليها صوم يوم واحد قضاء فلا تبرأ ذمتها بيوم واحد ولا بيومين فإنها لو عمدت إلى ستة عشر يوما وصامت من أولها يوما ومن آخرها يوما فربما انطبق حيض على الستة عشر بالطريان نصف النهار فإن جعل بين اليومينخمسة عشر يوما فطرا فعلعهما وقعا في طرفي حيض وكان الطهر في أيام الفطر فسبيلها أن تصوم ثلاثة أيام وتعمد إلى سبعة عشر يوما تصوم يوما في أوله وتفطر يوما ثم تصوم يوما ثم تصوم السابع عشر فتخرج عما عليها بيقين لأنه إن طرأ الحيض في اليوم الأول انقطع قبل الآخر وإن انقطع على الآخر لم يكن طارئا في الأول وإن وقع الأول والأخير في طرفي حيضتين فالوسط في نقاء بينهما
والضبط فيه أن يقدر الشهر نصفين وهو الدور بكماله في تقديرنا وتصوم يومين من أول الشهر في النصف الأول بينهما فطر فتصوم اليوم الثالث في النصف الأخير وتؤخره عن أول النصف الأخير بقدر أيام الفطر بين اليومين الأولين فإن خللت بينهما يومين فلتصم الثالث في الثامن عشر وإن كان المتخللثلاثا ففي التاسع عشر وإذا فعلت ذلك فكيفما قدم الحيض أو أخر وقع يوم النقاء فإن كان عليها قضاء يومين فتضعف فيصير أربعة وتزيد يومين فيصير ستة وتصوم ثلاثة ولاء من أول الشهر وثلاثة ولاء من أول النصف الثاني فيقع اثنان لا محالة في الطهر إما الأول وإما الثاني وإما من كل واحد منهما يوم
وإن كان الواجب ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة فيضعف وتزيد يومين إلى أربعة عشر يوما فيضعف وتزيد يومين فيصير ثلاثين يوما فتصوم جميع الشهر ويحصل لها أربعة عشر كما ذكرناه فى شهر رمضان فإن كان القضاء خمسة عشر يوما فعلت بأربعة عشر يوما ما ذكرناه ثم لا يخفى حكم الواحد الزائد كما مضى
السابع إذا أدت وظائف الصلوات في وقتها لم يلزمها القضاء إذ الشافعي رضي الله عنه سكت عن قضاء الصلاة وصرح بقضاء الصوم مع أن القياس التسوية ولكن لعله رأى الحرج شديدا فى قضاء الصلوات
وقال أبو زيد المروزي لا بد من القضاء في قول الاحتياط
وسبيل قضاء الصلوات ما ذكرناه في الصوم فإن كان عليها مائة صلاة فتضعف وتزيد صلاتين فتكون مائتين وصلاتين فتأتي بالنصف وهي مائة صلاة وصلاة فى أول الثلاثين من أي وقت شاءت ثم تأتي بالنصف الآخر في أولالنصف الثاني من الشهر وهو أول السادس عشر فتخرج عما عليها بيقين وإنما استغنينا فى الصلاة بزيادة صلاتين على الضعف لأن الانقطاع في واحد لا يفسد ما مضى منالصلوات وإن كانت الصلاة مختلفة الأجناس مثل قضاء عشرين يوما فهي مائة صلاة من كل جنس عشرون صلاة فتضعف وتزيد عشر صلوات وهي صلاة يومين وليلتين فتصلي المائة عشرين عشرين فى أول الثلاثين ثم تصلي الصلوات العشر في الخمسة عشر بعد المائة بساعة فما فوقها ثم تترك في السادس عشر ساعة تسع صلاة ثم تعيد المائة من الأجناس فتبرأ ذمتها وإنما زدنا عشرة لأن الانقطاع ممكن في صلاتين متماثلتين في كلا الطرفين وكذا الطريان وإذا فسدت الصلاتان المتماثلتان من يومين وليلتين فسبيل قضائهما قضاء صلاةاليومين والليلتين
ووراء ما ذكرناه طرق في القضاء فصلناه فى المذهب البسيط
الباب الرابع فى المتحيرة وهي التي تحفظ شيئا

والأصل في الباب أن كل وقت لا يحتمل الطهر فهو حيض بيقين وكل وقت لا يحتمل الحيض فهو طهر بيقين وإن احتمل كلاهما فإن احتمل انقطاع الدم يلزمها الغسل لكل صلاة وإن لم يحتمل الانقطاع فيلزمها الوضوء لكل صلاة وتحتاط على التفصيل السابق وفصول الباب ثلاثة
الفصل الأول فيما إذا لم تحفظ قدر الطهر والحيض
وفيه صور أربعة
إحداها إذا قالت أحفظ أن ابتداء الدم كان أول كل شهر فيوم وليلة من أول كل شهر حيض بيقين وبعده يحتمل الانقطاع إلى انقضاء الخامس عشر فتغتسل لكل صلاة وبعده إلى آخر الشهر طهر بيقين فتتوضأ لكل صلاة
الثانية قالت حفظت أن الدم كان ينقطع آخر كل شهر فأول الشهرإلى المنتصف طهر بيقين ثم بعده يتعارض الاحتمال فلا يحتمل الانقطاع لأن في آخره حيضا بيقين فتتوضأ وتصلي إلى انقضاء التاسع والعشرين واليوم الأخير بليلته حيض يقين
الثالثة قالت كنت أخلط شهرا بشهر حيضا بحيض فلحظة من آخر الشهر الأول ولحضة من أول الشهر الثاني حيض بيقين ثم بعده يحتمل الانقطاع إلى قبيل غروب الشمس من اليوم الخامس عشر بلحظة فتغتسل لكل صلاة ثم لحظة من آخر الخامس عشر ولحظة من أول السادس عشر طهر بيقين ثم بعده إلى انقضاء التاسع والعشرين يحتمل الحيض ولا يحتمل الانقطاع فلتتوضأ لكل صلاة
الرابعة إذا قالت كنت أخلط الشهر بالشهر وكنت اليوم السادسطاهرا فلحظة من أول الشهر ولحظة من آخره حيض بيقين ثم بعده يحتمل الحيض وانقطاعه إلى انقطاع الخامس فتغتسل وتصلي ثم اليوم السادس طهر بيقين إلى انقضاء الخامس عشر ولحظة من ليلة السادس عشر ثم بعده يحتمل الحيض ولا يحتمل الانقطاع إلى قبيل غروب الشمس من آخر الشهر
الفصل الثاني فى الضالة
ولها حالتان
الأولى أن تحفظ قدر الحيض ولا تحفظ الأيام التي كانت فيها فإذا قالت أضللت خمسة في شهر وأحفظ أني كنت لا أخلط شهرا بشهر فتتوضأ لكل صلاة إلى انقضاء الخامس ثم تغتسل عند كل صلاة إلى انقضاء الشهر فإذا جاءها شهر رمضان تصوم كله ثم تقضيخمسة
ولو قالت أضللت خمسة في شهر وكنت اليوم الخامس حائضا بيقين فتتوضأ لكل صلاة إلى انقضاء الرابع ثم اليوم الخامس حيض بيقين ثم تغتسل لكل صلاة إلى انقضاء التاسع ثم هي طاهرة بيقين إلى آخر الشهر
الحالة الثانية أن تحفظ الأيام التي أضلتها والتي أضلت فيها ولها صور أربعة
إحداها أن تقول أضللت عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشر الأخير طهر بيقين وجميع العشرين من أول الشهر يحتمل الحيض والطهر
نعم لا يحتمل الانقطاع في العشر الأول فتتوضأ لكل صلاة ويحتمل في العشر الثاني فتغتسل لكل صلاة
والضابط أنا نقدم الحيض إلى أقصى الإمكان ونؤخرها إلى أقصى الإمكان فما يخرج من التقديرين طهر بيقين وما يندرج تحتهما حيض بيقين وما يندرج تحت أحدهما دون الآخر فهو مشكوك فيه نعم لا يحتمل الانقطاع في مدة التقديم ويحتمل في مدة التأخير
الصورة الثانية قالت أضللت خمسة عشر في عشرين من أول الشهرفالخمسة الثانية والثالثة من الشهر حيض بيقين لأنها تندرج تحت تقدير التقديم والتأخير جميعا ولا يحتمل الانقطاع في خمسة عشر من أول الشهر ويحتمل في الخمسة الأخيرة من العشرين وأما العشر الأخيرة فهي طهر بيقين
الصورة الثالثة إذا قالت أضللت عشرة في عشرين من أول الشهر وكنت اليوم العاشر حائضا فليس لها حيض بيقين إلا ذلك اليوم وأحد عشر من آخر الشهر طهر بيقين
الصورة الرابعة أن تقول كنت اليوم الخامس عشر حائضا فهي حائض في الحادي عشر إلى انقضاء الخامس عشر بيقين لأنه داخل في التقديرين
وهذه التصورات لا حصر لها وفي هذا القدر مقنع والله أعلم
الفصل الثالث في العادة الدائرة
وفيه مسألتان
الأولى إذا اتسقت عادتها فكانت تحيض فى شهر ثلاثا وفي الثاني خمسا وفي الثالث سبعا ثم تعود إلى الثلاث ثم إلى الخمس ثم إلى السبع وتكرر ذلك ثم استيض ففي ردها إلى العادة الدائرة وجهان
منهم من قال لا يثبت بها عادة لاختلاف المقادير فكأنها مبتدأة إذا استحيضت ومنهم من قال تثبت به عادة فترد إليها فإن قلنا لا ترد إلى العادة الدائرة فثلاثة أوجه
أحدهما أنها كالمبتدأة والثاني أنها ترد إلى القدر الأخير قبل الاستحاضة بناء على أن العادة تثبت بمرة واحدة والثالث أنها ترد إلى الثلاثة إن استحيضت بعد الخمسة لأنها متكررة في الخمسة
الثانية إذا كانت الأقدار ما سبق من ثلاث وخمس وسبع ولكن لا على الاتساق فإن قلنا إن العادة المتسقة لا ترد إليها المستحاضة فهذه أولى وإن قلنا ترد فهذه كالتي نسيت النوبة المقدمة على الاستحاضة بالعادة الدائرة وحكمها الاحتياط فعليها بعد الثلاث أن تغتسل لأن الثلاث حيض بيقين ثم بعد الثالثة تتوضأ لكل صلاة إلى انقضاء الخامس ثم تغتسل مرة أخرى وتتوضأ لكل صلاة إلى انقضاء السابع ثم تغتسل ثم هي طاهرة إلى آخر الشهر والله أعلم
الباب الخامس في التلفيق
والكلام فى قسمين الأول غير المستحاضة

وهي التي انقطع دمها يوما يوما ولكن انقطع على الخمسة عشر ففيها قولان
المنصوص في مواضع عدة وهو الأصح ومذهب أبي حنيفة أنه يسحب حكم الحيض على أيام النقاء ويجعل ذلك كالفترات بين دفعات الدم لأن الطهر الناقص فاسد كالحيض الناقص ولكن يسحب حكم الحيض على النقاء بشرطين
أحدهما أن يكون النقاء محتوشا بدمين في الأيام الخمسة عشر حتى يثبت لها حكم الحيض فيتعدى إلى النقاء بينهما حتى لو رأت يوما وليلة وأربعة عشر نقاء ورأت في السادس عشر دما فالنقاء مع ما بعده من الدم طهر لأنه ليس محتوشا بالحيض في المدة
الشرط الثاني في قدر الحيض المحيط بالنقاء وفيه ثلاثة أوجه أحدها أنه لا بد وأن يكون كل دم يوما وليلة حتى يستقل بنفسه فيسري والثاني أنه لا يعتبر بل لو رأت ساعة دما في أول النوبة وساعة في آخر الخامس عشر كان النقاء المتخلل حيضا
والأعدل اختيار أبي بكر المحمودي وهو أن يشترط أن يكون جميع الدماء الواقعة في الخمسة عشر يوما وليلة لا ينقص عنها حتى يسري إلى النقاء حكمه
فرع

المبتدأة إذا انقطع دمها فتؤمر بالعبادة في الحال فإذا استمر التقطع ففي الدور الثالث لا تؤمر بالعبادة وفي الدور الثاني يبنى على أن العادة هل تثبت بمرة أم لا وفيه
وجهان غريبان
أحدهما أنها تؤمر أبدا عند النقاء بالعبادة ثم إن عاد الدم تبين البطلان فالعادة لا تؤثر في ترك العبادة مع النقاء ولهذا إذا استحيضت هذه لم تلتقط أيام الحيض من دورها حتى يتخللها أيام الطهر على قول التلفيق أيضا
الثاني أنه إذا تكرر التقطع في النوبة الأولى في الخمسة عشر فتستفيد منه التوقف فى العبادة لأنه تكرر التقطع في هذه النوبة
وعند هذا فجميع ما تؤثر فيه العادة وما لا تؤثر فهو أربعة أقسام
الأول ما يثبت بمرة واحدة وهي الاستحاضة فإنا في الدور الثاني نأمرها بالعبادة بعد انقضاء مدة العادة لأنها علة مزمنة إذا نزلت دامت
الثاني ما لا يثبت وإن تكررت العادة كالمستحاضة إذا كانت عادتها تقطع الدم فإنا وإن حكمنا بالتلفيق لا تلتقط من أيام الاستحاضة وكذلك إذا ولدت ولدين وهي ذات جفاف ثم استحيضت في الثالثة فلا يصير عدم النفاس عادة بل يقال هذه مبتدأة في النفاس وكذلك لو حاضت عشرا وطهرت خمس سنين ثم كذلك مرات ثم استحيضت فلا نديم طهرها إلى هذا الحد وعند هذا يعسر ضبط مرده
فقال القفال غاية الدور تسعون يوما الحيض منها خمسة عشر فما دونه والباقي طهر لأنه اكتفى في عدة الآيسة بثلاثة أشهر فلو تصور أن يزيد الدور عليه لما اكتفى به وهذا متعلق في هذا المضيق لا بأس به فعلى هذا لو حاضت خمسة وطهرت خمسا وثمانين ثبت به الدور إما مرة أو مرتين فإن زاد المجموع على التسعين فلا
الثالث ما اختلف في أن العادة وإن تكررت هل تؤثر فيه كالعادة الدائرة المتسقة وغير المتسقة والتوقف بسبب تقطع الدم كما ذكرناه
الرابع ما يثبت بالعادة بمرتين وفي ثبوته بالمرة الواحدة خلاف كما في قدر الحيض إن لازم أول الدور فإن استأخر ففيه تصرف أبو إسحاق المروزي
والقول الثاني إنا لا نسحب حكم الحيض على النقاء لأنه تغيير للحقيقة بل نحكم باللقط والتلفيق
والنظر على هذا القول في ثلاثة أمور

الأول أن مجموع الدماء في خمسة عشر لو نقص عن يوم وليلة فلا حيض لهاوإن اكتفينا به على القول الأول لأنها صارت حيضا بانضمام الطهر إليها فكلمت المدة وهاهنا لا تكتمل
فأما إذا كان مجموع الدماء يوما وليلة ولكن ينقص عند آحاد الدماء فالمذهب الصحيح أنه حيض يفرق على الطهر كما يفرق الطهر على الحيض وعلى هذا لو كانت تحيض نصف يوم وتطهر نصف يوم فتصلي في وقت النقاء وتترك في وقت الحيض ولا يبقى مع هذا التقدير لأقل الحيض وأقل الطهر معنى
النظر الثاني في قدر النقاء وليكن ذلك زائدا على الفترات المعتادة بين دفعات الدم حتى يمكن أن تجعل نقاء مستقلا
النظر الثالث في الغسل عند ظهور النقاء فإن كان الدم المتقطع أقل من يوم وليلة لم تغتسل إن قلنا إن مجموع الدماء لو بلغ يوما وليلةيكون حيضا ففي الغسل وجهان
أحدهما لا يجب بالشك إذ ربما لا يعود ما يتم به حيضا والثاني يجب لأنه دم في زمان إمكان الحيض ولا يخرج عن كونه حيضا إلا بخلو الخمس عشر عن دم يتممه فلتغتسل بناء على النقاء المشاهد
والقسم الثاني فى المستحاضات وهن أربع
الأولى المعتادة
فإذا كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فجاءها دور وأطبق الدم معالتقطع فكانت ترى الدم يوما وليلة والنقاء كذلك فعلى قول السحب نحيضها خمسة من أول الدور ولاء لأن النقاء فيه محتوش بالدم وعلى قول اللقط وجهان
أحدهما نحيضها الأول والثالث والخامس لأنا لا نجاور في اللقط أيام العادة
والثاني أنا نحيضها خمسة كاملة ونجاوز أيام العادة فنضم إلى ذلك السابع والتاسع
وعلى الوجهين في الدور الأول نأمرها بأن تتحيض أيام الدم إلى خمسة عشر إذ يتصور أن ينقطع قبل الخمس عشر فلا تكون مستحاضة
وتتفرع على الوجهين صور

إحداها أنها لو كانت ترى دما يومين ويومين نقاء فإن التقطنا من أيام العادة حيضناها الأول والثاني والخامس وفي الخامس وجه ضعيف أنه ليس بحيض لاتصاله بالسادس وهو استحاضة وإن جاوزنا أيام العادة كملنا الخمسة بضم السادس والتاسع إليها
الثانية لو كانت ترى يومين دما وأربعة نقاء وهكذا فإن لم تتجاوز أيام العادة حيضناها اليومين الأولين فقط وإن تجاورنا كملنا الخمسة بما بعدها وعلى السحب نحيضها اليومين الأولين فقط لأن النقاء بعده ليس محتوشا بحيضتين
الثالثة إذا كانت تحيض يوما وليلة وتطهر تسعة وعشرين فاستحيضت في دور فكانت ترى يوما دما وليلة نقاء وهكذا فعلى قول السحب فيه إشكال فإن اليوم الواحد ليس بحيض كامل والليلة ليست محتوشة بدمين في وقت الحيض فلا يمكن تكميل اليوم به وإن ضممنا إليه اليوم الثاني كنا جاوزنا وقت العادة والمجاوزة على قول السحب محال وقال أبو إسحاق لا حيض لها لاستحالة الأقسام كلها
وقال أبو بكر المحمودي نعود إلى قول اللقط في هذه الصورة للضرورة فإن شطر عمرها دم فكيف لا نحيضها
قال الشيخ أبو محمد يحتمل أن نسحب حكم الحيض على ليلة النقاء ونضم اليوم الثاني إليه فيكون قد ازداد حيضها وذلك أقرب من التلفيق على قول ترك التلفيق
فأما إذا فرعنا على قول اللقط وجاوزنا أيام العادة في اللقط فلا إشكال فإنا نستوفي مدة العادة وإن لم نجاوز فلا طريق إلا مذهب المحمودي وهو مجاوزة أيام العادة والرجوع إلى الوجه الآخر
هذا كله كلام في الدور الأول من استحاضة ذات التلفيق
أما الدور الثاني إن انطبق فيه الدم على أول الدور على ترتيبه فى الأول لم يختلفالحكم وإن اقتضى تعاقب الحالين تراخى الدم عن أول الدور الثاني فيتصدى نظر أبي إسحاق الرد إلى أول الدور ونظر الأصحاب إلى الدم وبيانه بصور ذكرناها في المذهب البسيط
المستحاضة الثانية المبتدأة

فإذا انقطع دمها يوما يوما فإذا رأت النقاء في اليوم الثاني صامت وصلت
هكذا تفعل مهما رأت النقاء إلى خمسة عشر فإذا جاوز الدم ذلك فتبين أنها استحاضة وفي مردها قولان فإن ردت إلى يوم وليلة نحيضها على قول السحب واللقط يوما وليلة ثم لا يلزمها إلا قضاء تسعة أيام في رمضان لأنها صامت سبعة في أيام النقاء من جملة الشطر الأول ولولا ذلك النقاء لما لزمها إلا ستة عشر فإذا احتسبنا منها سبعة بقيت تسعة
وقد نص الشافعي رضي الله عنه في موضع على لزوم قضاء الصوم كله فتحصلنا على قولين
واختلف في أصله قال القفال أصله أن المبتدأة فيما وراء المرد هل يلزمهاالاحتياط إلى خمسة عشر أم لها حكم الطاهرات فنص الشافعي رضي الله عنه تفريعا على الاحتياط وذلك يجري في كل شهر فلذلك قال الشافعي وكذلك نفعل في المستقبل وإن رددناها إلى الغالب فالقول في مردها كالقول في المعتادة ستا أو سبعا وجميع التفريعات يعود
المستحاضة الثالثة المميزة

وهي التي ترى يوما دما قويا ويوما دما ضعيفا فإن انقطع القوي على الخمسة عشر وأطبق الضعيف بعده فجعلنا الضعيف نقاء على قول اللقطوحيضانها ثمانية أيام وعلى السحب حيضناها خمسة عشر يوما لإحاطة السواد بالضعيف المتخلل فإذا استمر تعاقب السواد والحمرة في جميع الشهر فقد فقدت التمييز لفوات الشرط فهو كما لو أطبق لون واحد ولا تلتقط من أيام الشهر خمسة عشر يوما سوادا بالاتفاق فلم يجوز أحد تفريق الحيض على الطهر وإن جوزوا تفريق الطهر على الحيض فهذا يقوي قول السحب
المستحاضة الرابعة الناسية وفيها صور

إحداها المتحيرة التي لا تحفظ شيئا إذا انقطع دمها يوما يوما فعلى قول السحب خرج أمرها على القولين في الاحتياط فإن أمرناها بالاحتياط فحكمها حكم من أطبق الدم عليها إذ ما من نقاء إلا ويحتمل أن يكون حيضا وإنما يفارقها في أنا لا نأمرها بتجديد الوضوء في وقت النقاء لأن الحدث في صورته غير متجدد ولا نأمرها بتجديد الغسل إذ يستحيل تقدير وقوع الانقطاع في حالة انتقاء الدم وعلى قول اللقط يغشاها زوجها في أيام النقاء وهي طاهرة فيها فى كل حكم وأيام الدم يسلك فيها مسلك الاحتياط
الثانية إذا قالت أضللت خمسة في عشرة من أول الشهر وتقطع دمها يوما يوما فعلى قول السحب تنحصر حيضتها في التسعة من أول الشهر لأنه تكون نقية في العاشرة فليس محتوشا بدمين في المدة ومع الانحصار في التسعة ليس لها حيض بيقين وإن زاد أيام الحيض على نصف محل الضلال بخلاف ما إذا أضلت خمسة فى تسعة غير ذات التلفيق لأن العشرة هاهنا محل الضلال على التحقيق إلا أنا في تقدير التأخير نرد الخمسة إلى ثلاثة إذ السادس نقاء وكذا العاشر فينتقص القدر بذلك فنقول ليس لها يقين حيض وعليها الغسل في آخر الخامس وآخر السابع والتاسع
ومن أصحابنا من قال تغتسل لكل صلاة في أيام الدم إذ يتصور الانقطاع في الوسط وهو فاسد إذ من ضرورته أن يقدر الابتداء في وسط النقاء وهو محال إذ كل نقاء ليس محتوشا بحيضتين لا يجعل حيضا على قول السحب هذا كله على قول السحب
فأما على قول اللقط فإن لم نجاوز محل العادة فلا نجاوز العشرة والتفريع كالتفريع على قول السحب إلا في الغسل فإنه يجب على الخمسة الأولى إذ كل منقطع حيض وما بعده طهر على هذا القول فإن جاوزنا العادة فلا بد من تحيضها خمسة فيحتمل الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع ويحتمل في حساب التأخير السابع والتاسع والحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر فيدخل السابع والتاسع في الحسابين فهما حيض بيقين وحكم الأيام الأخيرة ما سبق
الباب السادس في النفاس
والكلام في قسمين
الأول في النفساء غير المستحاضة وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في قدر النفاس

وأكثره ستون يوما وأغلبه أربعون يوما وأقله لحظة والتعويل فيه على الوجود
وقال المزني أقله أربعة أيام لأن أكثره مثل أكثر الحيض أربع مرات
الفصل الثاني في الدم قبل الولادة

ولا شك أن الحامل قد ترى الدم على أدوار الحيض وهل له حكم الحيض ففيه قولان مع القطع بأنه لا يتعلق به مضي العدة
فإن قلنا إنه حيض فلو كانت تحيض خمسا وتطهر خمسا وعشرين فحاضت خمستها وولدت قبل مضي خمسة عشر من بعض الحيض فما بعد الولادة نفاس ونقصان الطهر قبله لا يقدح فيه أما تلك الخمسة فهل تنعطف عليها
الأصح أنه لا تنعطف لأن تخلل الولادة أعظم من الفصل بين الدمينمن تخلل طهر كامل ولو اتصلت الولادة بآخر الخمسة وجعلناها حيضا فلا نعدها من النفاس ولا نقول هو نفاس سبق وكذلك إذا بدت مخايل الطلق فظهر الدم قبل الولادة وفي هذه الصورة وجه أنه من النفاس وهو بعيد
نعم ظهر اختلاف الأصحاب فيما ظهر مع ظهور الولد قبل انفصاله هل يثبت له حكم النفاس
الفصل الثالث في الدم بين التوءمين

وفيه وجهان أصحهما أنه نفاس لأنه على أثر الولد الأول والثاني أنه كدم الحامل لأنه قبل فراغ الرحم إلا أنه أولى بأن يجعل حيضا فإن قلنا إنه نفاس فما بعد الولد الثاني أيضا نفاس ولكنهما نفاسان أو نفاس واحد في حكم المقدار
فيه وجهان أصحهما أنه نفاسان
وإن قلنا إنه نفاس واحد فلو تمادى ما بعد الأول ستين يوما قال الصيدلاني ما بعد الولد الثاني ينقطع عنه بالاتفاق فيكون نفاسا مفردا
القسم الثاني في النفساء المستحاضات
وهن أربع
الأول المعتادة فإذا ولدت مرة أو مرتين ونفست أربعين يوما فإذا استحيضت رددناها إلى الأربعين فما بعد ذلك دم فساد إلى أن تعود إلى أدوارها في الحيض فتكمل بعد الأربعين طهرها المعتاد فقدر النفساء كحيضة ولو ولدت مرات وهي ذات جفاف ثم ولدت واستحيضت فهي كالمبتدأة وعدم النفاس لا يثبت لها عادة
الثانية المبتدأة إذا استحيضت ترد إلى لحظة على قول أو إلى الأربعين
وقال المزني ترد المبتدأة إلى أكثر النفاس وهو تحكم
الثالثة المميزة فيجري فيها ما يجري في الحائض إلا أن الستين في هذا المقام بمثابة خمسة عشرة في أدوار الحيض فلا ينبغي أن يزيد الدم القوي عليه
فرع

المميزة إذا رأت يوما وليلة سوادا ثم استمرت الحمرة سنة فصاعدا فقياس التمييز أنها طاهرة في الجميع ويحتمل أن لا تخلي كل تسعين يوما من حيض تلقيا مما ذكره القفال
الرابعة المتحيرة إذا نسيت عادتها في النفاس فعلى قول ترد إلى الاحتياط وعلى قول إلى المبتدأة كما في الحيض والرد ها هنا إلى المبتدأة أولى لأن أول وقته معلوم بالولادة
فرع

إذا انقطع الدم على النفساء عاد الخلاف في التلفيق فلو طهرت خمسة عشر يوما ثم عاد الدم ففي العائد وجهان أحدهما أنه نفاس لوقوعه في الستين والثاني أنه حيض
قال الصيدلاني هذا الخلاف فيه إذا لم يجاوز العائد ستين فإن جاوز قطعنا بأنه حيض
التفريع

إن قلنا إن العائد نفاس ورأينا ترك التلفيق فالأشهر أن مدة النقاء حيض وإن بلغ خمسة عشر
ومنهم من قال تستثنى هذه الصورة على قول السحب إذ يبعد تقدير مدة كاملة في الطهر حيضا
وعليه يخرج ما إذا ولدت ولم تر الدم إلى الخمسة عشر في أن الدم الواقع في الستين هل هو نفاس أم لا والله أعلم
كتاب الصلاة
وفيه سبعة أبواب
قال الله تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقال النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس وقال الصلاة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين
وافتراض الصلوات الخمس مجمع عليها
وقد كان التهجد بالليل واجبا في ابتداء الإسلام فنسخ إلا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم
والنظر في الصلاة تحصره أبواب
الباب الأول في المواقيت وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في وقت الرفاهية للصلوات الخمس

والأصل فيه ما رواه ابن عباس عنه عليه السلام أنه قال أمني جبريل عليه السلام عند باب البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وصلى بي العصر حين كان ظل كل شئ مثله وصلى بي المغرب حين أفطر الصائموصلى بي العشاء حين غاب الشفق وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم ثم عاد فصلى بي الظهر حين صار ظل كل شئ مثله وصلى بي العصر حين صار ظل كل شئ مثليه وصلى بي المغرب كصلاته بالأمس وصلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل وصلى بي الصبح حين كاد حاجب الشمس يطلع ثم قال يا محمد الوقت ما بين هذين
فنبدأ بصلاة الظهر تأسيا بجبريل عليه السلام ويدخل وقتها بالزوال وهو عبارة عن ظهور زيادة الظل في جانب المشرق بعد تراجعه من جانب المغرب فإذا صار ظل الشخص مثله من موضع الزيادة خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر وتمادى إلى غروب قرص الشمس
وللظهر وقتان وقت الفضيلة وهو أوله ووقت الاختيار بعد ذلك إلى آخره
وللعصر أربعة أوقات وقت الفضيلة في الأول ووقت الاختيار بعده إلى أن يصير الظل مثليهوهو منتهى بيان جبريل ووقت الجواز بعده إلى الاصفرار ووقت الكراهية عند الاصفرار
ودليل الزيادة على بيان جبريل قوله عليه الصلاة والسلام من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر
وذهب الإصطخري إلى أن الوقت لا يزيد على بيان جبريل
فإن قيل صلى جبريل العصر في اليوم الأول حين صلى فيها الظهر في اليومالثاني فليثبت اشتراك بين الوقتين
قلنا ذهب مالك إلى أن مقدار أربع ركعات مشترك
وحمل الشافعي رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم صلى العصر على انطباق ابتدائه في المثل الأول وقوله صلى الظهر على انطباق التحلل عليه كما يقال بلغ البلد إذا دخلها وبلغ إذا قاربها
فأما المغرب فيدخل وقته بغروب الشمس ويعلم في قلل الجبال بإقبال الظلام وانهزام الضوء وقال عليه الصلاة والسلام إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم وأشار إلى المشرق والمغرب
ثم في وقت المغرب قولان
أحدهما أنه يمتد إلى غروب الشفق وإليه ذهب أحمد بن حنبل لما روي أنه عليه الصلاة والسلام صلى المغرب عند اشتباك النجوم
والثاني أنه إذا مضى بعد الغروب وقت وضوء وأذان وإقامة وقدر خمس ركعات فقد انقضى الوقت لأن جبريل صلى في اليومين في وقت واحد وعلى هذا لا بأس بتناول لقمة أو لقمتينيسكن بها سورة الجوع
فرع
لو شرع في الوقت ومده حتى مضى هذا القدر فإن قلنا إن مثل هذه الصلاة مقضية في غير المغرب ففي المغرب وجهان
أحدهما أنه مؤداة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قرأ سورة الأعراف في المغرب فدل أن آخره غير مقدر
فأما العشاء فيدخل وقته بغيبوبة الشفق وهي الحمرة دون الصفرة والبياض الذى يزول بعد الحمرة ثم يمتد وقت الاختيار إلى ثلث الليل على قول لبيان جبريل عليه السلام وإلى النصف على قول لقوله عليه الصلاةوالسلام لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل فيدل ذلك على الاستحباب
فأما الصبح فيدخل وقته بطلوع الفجر الصادق ويتمادى وقت اختياره إلى الإسفار ووقت جوازه إلى الطلوع ولا نظر إلى الفجر الكاذب وهو يبدو مستطيلا ثم ينمحق ويبدو الصادق مستطيرا ثم لا يزال الضوء يزداد قال عليه الصلاة والسلام لا يغرنكم الفجر المستطيل وكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير
فرع لا يقدم أذان صلاة على وقتها إلا أذان الصبح
قال سعد القرظ كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشتاء لسبع بقي من الليل وفي الصيف لنصف سبع
وقيل إذا خرج وقت اختيار العشاء دخل وقت أذان الصبح وهو بعيد
ثم الأولى أن يؤذن مؤذنان أحدهما قبل الصبح والآخر بعده
ولو اقتصر على ما قبل الصبح أجزأه
قواعد ثلاثة

الأولى تجب الصلاة عندنا بأول الوقت وجوبا موسعا خلافا لأبي حنيفة
ثم لو مات في أثناء الوقت قبل الأداء هل يلقى الله عاصيا فيه وجهان
ولو أدى في آخر الوقت ووقع بعضه خارج الوقت فهي مؤداة نظرا إلى ابتدائها على وجه ومقضية نظرا إلى تمامها على وجه والواقع في الوقت مؤدى والباقي قضاء على وجه ثالث
فإن جعلناه قضاء لم يجز التأخير إليه قصدا ولم يمتنع صحته بنية الأداء كالمحبوس إذا اجتهد في الوقت ونوى الأداء فكان في غير الوقت لم يلزمه الإعادة
الثانية تعجيل الصلوات في أوائل الأوقات أفضل عندنا قال عليه الصلاة والسلام أول الوقت رضوان الله وآخره عفوالله قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه رضوان الله أحب إلينا من عفو الله
قال الشافعي رضي الله عنه العفو يوشك أن يكون للمقصرين وحيازة فضيلة الأولية بأن يشتغل بأسباب الصلاة كلما دخل الوقت
وقيل لا بد من بعد تقديم الأسباب حتى ينطبق التكبير على أول الوقت فهي الأولية
وقيل تتمادى فضيلة الأولية إلى النصف من بيان جبريل عليه السلام
ويستثنى عن فضيلة التعجيل العشاء والظهر ففي العشاء قولان في قوليستحب التأخير لقوله عليه الصلاة والسلام لولا أن أشق على أمتي الحديث
وأما الظهر فالإبراد به مستحب في شدة الحر لقوله صلى الله عليه وسلم أشتكت النار إلى ربها فقالت قد أكل بعضي بعضا فأذن لها في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فأشد ما تجدون في البرد من زمهريرها وأشد ما تجدون من الحر من حرها فإذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم
ثم قيل إن الإبراد سنة للأمر الوارد وقيل هورخصة وحده أن يتمكن الماشون إلى الجماعات من المشي في الظل
واختلفوا في أنه هل يختص بالبلاد الحارة وفي أن من يمشي في كن إلى الجماعة هل يستحب له
واختلفوا في الجمعة على وجهين وجه المنع أن فواتها خطر ولا بد من تقديم الخطبة فالبدار أولى
الثالثة من اشتبه عليه الوقت يجتهد ويتبين ذلك بالأوراد وغيرها ثم يصلي فإن وقع في الوقت أو بعدها فلا قضاء وإن كان قبل الوقت وأدرك الوقت صلى وإن تبين بعد انقضاء الوقت فقولان وكذا في طلب شهر رمضان
فرع إذا أمكنه أن يصبر إلى درك اليقين ففي جواز الاجتهاد في الحال وجهان ووجه الجواز أن عمر رضي الله عنه أفطر بالاجتهاد وغلط وكان قادرا على الصبر
الفصل الثاني في وقت أرباب الأعذار

ونعني بالعذر الجنون والصبى والحيض والكفر ولها ثلاثة أحوال
إحداها أن يخلو عنها آخر الوقت فإن بقي قبل غروب الشمس ما يسع ركعة فزال العذر وجب العصر وفاقا ولو بقي ما يسع تكبيرة فقولان
أقيسهما وهو مذهب أبي حنيفة أنه يلزم لأن هذا القدر يتسع الإلزامولسنا نعتبر وقت الأداء
والثاني وهو اختيار المزني أنه لا يدركه لقوله عليه الصلاة والسلام ومن أدرك ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر وما دونها ليس في معناها فإن مدرك ركعة من الجمعة مدرك لها بخلاف مدرك التكبيرة هذا حكم العصر
أما الظهر فيلزم أيضا بإدراك وقت العصر لأنه وقته في حق المعذور بالسفر وهذا العذر أشد ولكنه بكم يصير مدركا فيه قولان
أحدهما بما يصير به مدركا للعصر
والثاني لا بد من زيادة أربع ركعات على ذلك ليتصور الفراغ من الظهر فعلا ثم لزوم العصر بعده
وهل تعتبر مدة الوضوء مع ذلك فعلى قولين
وهذه الركعات الأربع في مقابلة الظهر أو العصر فعلى قولين مخرجين
هذا إذا زال العذر قبل أداء الصلاة فإن زال بعده وذلك يتصور في الصبي يصلي ثم يبلغ والوقت باق فلا يلزمه القضاء خلافا لأبي حنيفة فلو صلى الظهر فبلغ ووقت الجمعة قائم قال ابن الحداد تلزمه الجمعة وهو غلط عند الأكثرين ومنهم من وجهه بأن الصبي مضروب على ترك حضور الجمعة والمتعدي بالظهر قبل الجمعة لا يصح ظهره على وجه ولو بلغ الصبي بالسن في أثناء الصلاة أتمها ولو بلغ في أثناء يوم من رمضان وهو صائم فلا قضاء عليه
ومنهم من علل بوقوعه عن الفرض
ومنهم من علل بأنه لم يدرك وقتا يتصور فيه الشروع في العبادة
وتظهر فائدة الخلاف في الصبي المفطر إذا بلغ وللعراقيين وجه أن الصبي تلزمه إعادة الصلاة وإن بلغ بعد الأداء
الحالة الثانية أن يخلو أول الوقت فإذا طرأ الحيض فإن مضى من الوقت قبلهما يسع الصلاة لزمته وإن كان أقل فلا بخلاف آخر الوقت فإن الشروع في آخر الوقت يمكن إتمامه بما بعد الوقت وهاهنا لا يمكن في زمان الحيض
وخرج ابن سريج قولا إنه لا تلزمه ما لم يدرك جميع الوقت أو آخره
وأما العصر فلا يلزم بإدراك جزء من أول الظهر لأن وقت الظهر لا يصلح للعصر ما لم يقع الفراغ من فعل الظهر بخلاف وقت العصر
وذهب أبو يحيى البلخي إلى أن أول الظهر في إدراك العصر كآخر العصر في إدراك الظهر
الحالة الثالثة أن يعم العذر جميع الوقت فيسقط القضاء بالحيض والجنون والكفر والصبى ولا تلتحق الردة بالكفر بل يجب القضاء على المرتد نعم الصبيوإن لم يكن عليه قضاء ولكن يؤمر بالصلاة بعد سبع سنين ويضرب على تركها بعد عشر سنين والإغماء في معنى الجنون قل أو كثر
أما الشكر وزوال العقل بسبب محرم كشرب بنج أو تردية من مكان فلا يسقط القضاء
فرع لو سكر ثم جن فالأصح أنه لا يلزمه إلا قضاء ما فاته في وقت السكر
وقيل يجب قضاء أيام الجنون لاتصاله بالسكر
ولو ارتد ثم جن يلزمه قضاء ما فات في وقت الردة وقيل يجب قضاء ما فات في الجنون لأن حكم الردة مستمر في الجنون
ولو ارتدت أو سكرت ثم حاضت لا يلزمها قضاء أيام الحيض لأن سقوط القضاء عن المجنون رخصة وعن الحائض عزيمة
الفصل الثالث في الأوقات المكروهة

وهى خمسة اثنان منها يتعلق بالفعل فهما من قوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس
ووجه تعليقها بالفعل أنه يتمادى بالبدار إلى الفرض في أول الوقتويقصر بالتأخير
وثلاث منها تتعلق بالوقت وهو وقت طلوع الشمس والاستواء والغروب قال عليه الصلاة والسلام إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها وإذا غربت فارقها ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات
فأما المنوط بالطلوع فمن وقت بدو إشراق الشمس إلى طلوع قرصها وقيل يمتد إلى استيلاء سلطان الشمس لقوله عليه الصلاة والسلام فإذا ارتفعت فارقهاوأما الاستواء فعبارة عن وقت وقوف الظل قبل ظهور الزيادة
أما الغروب فتدخل كراهيته باصفرار الشمس إلى تمام الغروب
ويستثنى من هذه الكراهية من الصلوات ما لها سبب ومن الأيام الجمعة ومن البقاع مكة
أما الأول فلما روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى قيس بن قهد يصلي بعدالصبح فقال ما هذا فقال ركعتا الفجر فلم ينكر ففي معناهما كل ما له سبب كالفائتة وصلاة الجنازة وسجود التلاوة وتحية المسجد
وأما ركعتا الإحرام فيكره لأن سببها الإحرام وهو عذر متأخر وفي الاستسقاء تردد لأن تأخيره ممكن
وأما استثناء الجمعة فلما روى أبو سعيد الخدري أنه نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة فقيل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس فيقصد طرده بركعتين وقيل إنه لا يختص به بل هو خاصية يوم الجمعة
فأما استثناء مكة فلما روي عن أبي ذر أنه أخذ بعضادتي الكعبة وقال من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة ولذلك لا يكره الطواف في سائر الأوقات لقوله عليه الصلاة والسلام يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت في أي ساعة شاء من ليل أو نهار
قاعدة

لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهية ففي الانعقاد وجهان
أحدهما نعم كالصلاة في الحمام والدار المغصوبة والثاني لا كصوم يوم العيد
فإن قلنا لا تنعقد لم تلزم بالنذر فأما أداء المنذورة فيها فجائز لأن النذر سبب كالقضاء
الباب الثاني في الأذان

الأذان سنة مؤكدة وقيل إنه فرض كفاية ولو امتنع عنه أهل بلدة يقاتلون عليه فإنه من شعائر الإسلام والصحيح أنهم لا يقاتلون لأنه سنة
والأصل فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام شاور أصحابه في أمارة ينصبونها لحضور الجماعات فذكر النار والناقوس فذكر النصارى والمجوس فتفرقوا عن غير اتفاق رأي فقال عبد الله بن زيد الأنصاري كنت بين النائم واليقظانإذ نزل ملك من السماء عليه ثياب خضر وبيده ناقوس فقلت أتبيع هذا الناقوس مني فقال وما تصنع به مني فقلت أضرب به في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أو لا أدلك على خير من ذلك فقلت بلى
فاستقبل القبلة وقال الله أكبر وسرد الأذان ثم استأخر غير بعيد فأقام فأصبحت وحكيت الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رؤيا صدق إن شاء الله ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك فقلت ائذن لي مرة واحدة فأذنت بإذنه فلما سمع عمر صوتي خرج يجر رداءه وهو يقول والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما أرى فقال الحمد لله فذاك أثبت ثم أتاه بضعة عشر من الصحابة قد رأي كلهم مثل ذلك هذا تمهيد الباب ومقصوده يحصره ثلاثة فصول
الفصل الأول في المحل الذي يشرع فيه الأذان

وهو جماعة الرجال في كل مفروضة مؤداة
وفي الضابط قيود أربعة
الأول الجماعة فالمنفرد في بيته أو في سفر إذا لم يبلغه نداء المؤذن فيه قولان
الجديد أنه يؤذن ويقيم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لأبي سعيد الخدري إنك رجل تحب البادية والغنم فإذا دخل وقت الصلاة فأذن وارفع صوتك فإنه لا يسمع صوتك شجر ولا مدر ولا حجر إلا شهد لك يوم القيامة
وفي القديم لا يشرع لأن مقصوده الإبلاغ فيختص بالجماعة
وقيل إن كان يرجو حضور جمع يؤذن وإلا فلا وكان الخدري يرجو حضور غلمانه ثم الصحيح أنه يستحب رفع الصوت وإن كان منفردا أما إذا بلغه نداء البلد فالخلاف مرتب وأولى أن لا يؤذن اكتفاء بالنداء العام وإن أذن فأولى بألا يرفع الصوت
القيد الثاني الرجال ففي أذان المرأة في الانفراد والجماعة ثلاثة أقوال أحدها أنها تؤذن وتقيم والثاني لا والثالث تقيم ولا تؤذن ثم هى ممنوعة عن رفع الصوت منع تحريم
القيد الثالث المفروضة فلا أذان في جماعة النوافل كصلاة الخسوف والاستسقاء والجنازة والعيد بل ينادى الصلاة جامعة
القيد الرابع المؤداة أما الغائبة ففيها ثلاثة أقوال
الجديد أنه يقيم لها ولا يؤذن لأن الإقامة للشروع والأذان للإبلاغ
والقديم أنه يؤذن ويقيم نظرا إلى حرمة الصلاة
ونص في الإملاء أنه إن كان يرجو جماعة أذن وإلا اقتصر على الإقامة
فإن قلنا يؤذن فلو كان يؤدي فوائت فلا يؤذن إلا مرة واحدة لا سبيل إلى موالاة أذانين في وقت واحد
ولو قدم العصر إلى وقت الظهر يؤذن للظهر أولا ويقيم للعصر بعده ولا يؤذن
فإن أخر الظهر إلى وقت العصر فإن قلنا يؤذن كالفائتة فيؤذن للظهر ثم يقيم للعصر بعده وإن قلنا لا يؤذن للفائتة فلا يؤذن للظهر لأنها كالفائتة ثم لا يؤذن للعصر أيضا كيلا تنقطع الموالاة بين الصلاتين ويشهد له أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة بأذان وإقامتين وأخر المغرب إلى العشاء بمزدلفة بإقامتين
فرع الجماعة الثانية في المسجد المطروق هل يؤذن لها فيه قولان نقلهما صاحب التقريب أحدهما لا فإن كل واحد من الجمع مدعو بالأذان الأول مجيب والثاني نعم لأن الدعوة الأولى تمت بالإجابة الأولى
ثم إذا قلنا هاهنا وفي المنفرد إنه لا يؤذن ففي الإقامة خلاف
الفصل الثاني في صفة الأذان
ويشرع فيه أمور خمسة

الأول الأذان مثنى مع الترتيل والإقامة فرادى مع الإدراج بأخبار صحت فيه
وقال أبو حنيفة الإقامة كالأذان إلا في الترتيل
وبالغ مالك في الإفراد واكتفى بقوله الله أكبر مرة واحدة
الثاني الترجيع مأمور به لقول أبي محذورة علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة
وكيفيته أن يذكر كلمتي الشهادة مع خفض الصوت مرتين ثم يعود إليه ويرفع الصوت والأصح أنه ليس ركنا إذ لا إبلاغ فيه
الثالث التثويب في أذان الصبح مشروع على القديم وقال في الجديد أكره ذلك لأن أبا محذورة لم يحكه
والفتوى على القديم لأنه صح عن أبي محذورة وإن لم يبلغ الشافعي رضي الله عنه
تم المشهور أنه ليس ركنا وجها واحدا وفيه احتمال
الرابع القيام واستقبال القبلة في جميع الأذان مشروع وهل يعتد بالأذان دونهما فعلى وجهين
ينظر في أحدهما إلى حصول مقصود الإبلاغ دونهما وفي الثاني إلى استمرار الخلق عليه كما في القيام في الخطبتين والقعود بينهما
وعلى الوجهين يستحب أن يقول حي على الصلاة مرتين ملتفتا إلى اليمين بحيث لا يحول صدره على القبلة وفي حي على الفلاح إلى اليسار
واختار القفال أنه يقسم الحيعلتين على الجهتين
أما رفع الصوت فركن إذ لا يحصل الإبلاغ دونه ثم لا تتأدى سنة هذا الشعار إلا بأن يعم صوت المؤذنين جميع أطراف البلد
الخامس يشترط الترتيب والموالاة في كلمات الأذان فإن عكسها لم يعتد به وإن طول السكوت في أثنائها فقولان
ووجه البطلان أنه يكاد يفوت مقصود الإبلاغ به فإن قلنا لا يبطل فلو تكلم في مثل تلك المدة فقولان ولو بنى عليه غيره فقولان مرتبان لزيادة اللبس
ولو ارتد وطال الزمان فقولان مرتبان على السكوت ولو قصر الزمان فقولان
ووجه البطلان أن الردة تحبط ما مضى من العبادة
ولو تكلم في أثناء الأذان بكلام يسير لم يضر إلا إذا رفع صوته على حد الأذان ففيه تردد لأنه يجر لبسا
الفصل الثالث في صفات المؤذن
والمشروط ثلاث صفات

أن يكون مسلما عاقلا ذكرا
فلا يعتد بأذان الكافر ويتصور ذلك منه إذا كان عيسويا يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى العرب
ولا يعتد بأذان المجنون والسكران المخبط ويصح أذان الصبي المميز
ولا يعتد بأذان المرأة أعني أذان الإبلاغ للرجال إذ رفع الصوت محرم عليها
والصفات المسنونة ثلاث

الأولى الطهارة فيعتد بأذان الجنب والمحدث مع كراهية وكراهية الجنب أشد والكراهية في الإقامة أشد
الثانية أن يكون صيتا حسن الصوت ليكون أرق لسامعيه
الثالثة أن يكون عدلا ثقة لإشرافه على بيوت الناس ولتقلده عهدة مواقيت العبادات
مسائل ثلاثة بها ختام الباب

الأولى أن الإمامة أفضل من التأذين على الأصح لأنه صلى الله عليه وسلم واظب على الإمامة ولم يؤذن
وقيل سبب ذلك أنه لو قال حي على الصلاة للزم الحضور وقيل سببه أنه لو قال أشهد أن محمدا رسول الله لخرج عن جزل الكلامولو قال أشهد أني رسول الله لتغير نظم الأذان
الثانية يستحب أن يكون في المسجد المطروق مؤذنان أحدهما للصبح قبل الفجر والآخر بعده كعادة بلال وابن أم مكتوم
وإذا كثر المؤذنون فلا يستحب أن يتراسلوا بل إن وسع الوقت ترتبوا وإن ضاق أذنوا آحادا في أقطار المسجد ثم إنما يقيم من أذن أولا فإن تساووا أقرع بينهم
ووقت الإقامة منوط بنظر الإمام ووقت الأذان منوط بنظر المؤذن
ولو سبق المؤذن الراتب أجنبي بالأذان لم يستحق ولاية الإقامة على الأصح
الثالثة للإمام أن يستأجر على الأذان من بيت المال إذا لم يجد متطوعا وهل لآحاد الناس ذلك فيه خلاف
ووجه المنع أن الفائدة لا تختص به فليس له بذل المال عوضا عما لا يحصل له
الباب الثالث في استقبال القبلة

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل الصخرة من بيت المقدس مدة مقامه بمكة وهي قبلة الأنبياء وكان يقف بين الركنين اليمانيين إذ كان لا يؤثر استدبار الكعبة فلما هاجر إلى المدينة لم يمكن استقبالها إلا باستدبار الكعبة وعيرته اليهود وقالوا إنه على ديننا ويصلي إلى قبلتنا فسأل الله تعالى أن يحوله إلى الكعبة فنزل قوله تعالى { قد نرى تقلب وجهك في السماء } الآية
ثم للاستقبال ثلاثة أركان الصلاة التى فيها الاستقبال والقبلة والمصلي
الركن الأول الصلاة

ويتعين الاستقبال في فرائضها من أولها إلى آخرها إلا في شدة الخوف حال القتال
ولا يجوز أداء الفرائض على الراحلة وأما المنذور فجائز إن قلنا يسلك به مسلك جائز الشرع لا مسلك واجبه والأصح أن صلاة الجنازة لا تقام على الراحلة لأن الركن الأظهر فيها القيام
ثم ليس منع الفرض على الراحلة للانحراف عن القبلة فقط بل لو صلى على بعير معقول أو في أرجوحة معلقة بالحبال لم تجز لأنها غير معدة للقرار بخلافالسفينة الجارية والزورق المشدود على الساحل لأنها كالسرير والماء كالأرض
والسفينة الجارية تمس حاجة المسافر إليها إذ الخروج إلى الساحل متعذر للصلاة وفي صلاة المقيم ببغداد في الزواريق الجارية مع تمام الاستقبال والأفعال تردد واحتمال
أما النوافل فيجوز إقامتها في السفر الطويل راكبا وماشيا رخصة وترغيبا في تكثير النوافل روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على راحلته أني توجهت به دابته
وروي أنه صلى الله عليه وسلم أوتر على البعير فاستدل به الشافعي رضي الله عنه على أنه غير واجب في السفر القصير قولان
أحدهما جواز التنقل على الراحلة لمسيس الحاجة
والثاني لا لأنه تغير ظاهر لهيئة الصلاة فتختص بالطويل لا القصير وذهب الإصطخري إلى جواز ذلك للمقيم وهو خلاف نص الشافعي رضي الله عنه
ثم نظر في استقبال القبلة للمتنفل وكيفية أحواله
أما الاستقبال ففي ابتداء الصلاة أربعة أوجه
أحدها أنه يجب الاستقبال عند التحريم لأنه لا عسر فيه بخلاف الدوام فأشبه النية
والثاني أنه لا يجب لأن هذه الحاجة تعم جميع الصلاة
الثالث أن العنان والزمام إذا كان بيده وجب لتيسره وإن كانت الدابة مقطرة فلا
الرابع أن وجه الدابة إن كانت إلى القبلة فلا يجوز تحريفها وإن كان إلى الطريق فلا يلزمه تحريفها إلى القبلة وإن كان إلى غيرهما فلا بد من التحريف فليحرفها إلى القبلة ثم ليستبد في الطريق
ثم من أوجب في الابتداء تردد في وقت السلام كما في النية
أما دوام الصلاة فلا يجب الاستقبال فيها لكن صوب الطريق بدل عن القبلة فلو كان راكب تعاسيف فلا يتنفل أصلا لأن الثبوت في جهة لا بد منهفلو كان لمقصده صوب ولكن لم يسلك طريقا معلوما فقولان
فرع لو انحرفت الدابة في أثناء الصلاة عن صوب الطريق نظر فإن كان بتحريفه عمدا ولو في لحظة بطلت صلاته وإن كان ناسيا للصلاة وتدارك مع قصر الزمان لم تبطل وإن طال ففيه خلاف ومثله جار في الاستدبار ناسيا ثم إذا لم تبطل يسجد للسهو
وإن كان بجماح الدابة بطل إن طال الزمان كما إذا أمال المستقبل إنسانوإن قصر الزمان فوجهان في الإمالة والظاهر أنه في الجماح أنه لا يبطل لأن جماح الدابة عام ثم هاهنا لا يسجد للسهو إذ لا تقصير منه
أما كيفية الأفعال فإن كان في مرقد فليتم الركوع والسجود وإن كانعلى سرج أو رحل فينحني لهما ويجعل السجود أخفض من الركوع ولا يلزمه أن ينحني بحيث يساوي الساجد على الأرض ولا أن تمس جبهته شيئا لأن نزقات الدابة لا تؤمن
أما الماشي فيتنفل عندنا خلافا لأبي حنيفة وحكم استقباله حكم راكب بيده زمام دابته ونقل عن الشافعي رضي الله عنه أن الماشي يركع ويسجد ويقعد ويستقر لابثا في هذه الأركان ولا يمشي إلا في حالة القيام قارئا
وخرج ابن سريج قولا أنه لا يلبث ويقتصر على الإيماء بالسجود والركوع كيلا يتعطل مقصود السفر
فرعان

الأول لو مسي في نجاسة قصدا فسدت صلاته بخلاف ما لو وطئ فرسه نجاسة ولا يكلف الماشي أن يبالغ في التحفظ عن النجاسات اليابسة فإن ذلك مما يكثر في الطرق
الثاني لو عزم على الإقامة وهو في أثناء الصلاة فليس له أن يتمم راكبابل عليه أن ينزل ويتمم وإن لم يعزم على الإقامة وهو متردد لحاجته في البلد أو واقف على رجله فله أن يتمم
الركن الثاني القبلة
وفيها مسائل تتشعب من موقف المستقبل

الموقف الأول جوف الكعبة فالواقف فيها له أن يستقبل أي جدار شاء ولهم عقد الجماعة متدابرين مستقبلين للجدران ولو استقبل الباب وهو مردود صح لأنه من أجزاء البيت وإن كان مفتوحا والعتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرحل جاز وإن كانت أقل فلا ولو انهدمت الكعبة والعياذ بالله فوقف في وسط العرصة لم تصح صلاته إلا أن يكون بين يديه شجرة أو بقية من حيطان البيت
وخرج ابن سريج قولا إنه يصح صلاته لأن بين يديه أرض الكعبة وهو مستعل عليها
الموقف الثاني سطح الكعبة ولا تصح الصلاة عليها إن لم يكن بين يديه شئ شاخص من نفس الكعبة كسترة أو خشبة لأنه لا يسمى مستقبلا بخلاف ما لو وقف على أبي قبيس والكعبة تحته فإنه يسمى مستقبلا لخروجه منها ولو وضع بين يديه شيئا لا يكفيه لأنه ليس جزءا ولو غرز بين يديه خشبة فوجهان لأن المثبت بالغرز قد يعد من أجزاء البناء
الثالث الواقف في المسجد يلزمه محاذاة الكعبة فلو وقف على طرف ونصف بدنه في محاذاة ركن ففي صحة صلاته وجهان ولو امتد صف مستطيل قريب من البيت فالخارجون عن سمت البيت ومحاذاته لا صلاة لهم وهؤلاء بعينهم قد يفرض تراخيهم إلى آخر باب المسجد فتصح صلواتهم لحصول صورة الاستقبال من حيث الاسم
الرابع الواقف بمكة خارج المسجد ينبغي أن يسوي محرابه بناء على عيان الكعبة فإن دخل بيتا ولم يقدر على معاينة الكعبة لتسوية القبلة فله أن يستدل على الكعبة بما يدل عليه
الخامس الواقف بالمدينة ينزل محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه منزلة الكعبة إذ لا يمكن الخطأ فيه ولا يجوز الاجتهاد فيه بالتيامن والتياسر
أما في سائر البلاد فيجوز الاعتماد على المحراب المتفق عليه والظاهر جواز الاجتهاد في التيامن والتياسر وقيل إن ذلك ممنوع
الركن الثالث في المستقبل

فإن كان قادرا على معرفة جهة القبلة يقينا لم يجز له الاجتهاد فإن عجز عن اليقين اجتهد فإن عجز عن الاجتهاد بالعمى فليقلد شخصا مكلفا مسلما عارفا بدلائل القبلة
أما المجتهد فليس له أن يقلد غيره فإن ضاق عليه الوقت وهو مار في نظره فهو كمن يتناوب مع جمع على بئر وعلم أن النوبة لا تنتهي إليه إلا بعد الوقت وقد ذكرنا حكمه
وإن ارتج عليه طريق الصواب وتحير ففي تقليدهخلاف واختيار المزني جوازه لأنه الآن كالأعمى ومنهم من منع لأنه ناظر والتقليد لا يليق به
فإن قلنا لا يقلد فيصلى على حسب حاله ثم يقضي كالأعمى إذ لم يجد من يرشده والأصح أنه يقلد ولكن يقضى لأن هذا عذر نادر
أما البصير الجاهل بالأدلة فيبتنى أمره على أن تعلم أدلة القبلة هل يتعين وفيه خلاف فإن قلنا يتعين فالتقليد لا يسقط القضاء عنه لأنه مقصر
وإن قلنا إنه لا يتعين فهو كالأعمى
هذا بيان محل التقليد والاجتهاد فأما حكم الاجتهاد فإنه إذا بنى عليه لم يلزمه قضاء الصلاة إلا إذا تعين له الخطأ وبان جهة الصواب ففي القضاء قولان
أحدهما لا يجب لأنه أدى ما كلف وهذا مذهب أبي حنيفة والمزني
والثاني أنه يجب لأنه فات المقصود
والقولان جاريان في الاجتهاد في الأواني والثياب وكذا في وقت الصوم والصلاة إن بان له أنه أداهما قبل الوقت فأما إذا وقع بعد الوقت فلا قضاء
هذا فيمن عجز عن درك اليقين في الوقت فأما من اجتهد في أول الوقت وهو متمكن من الصبر فالأوجه أن يقال اجتهاده صحيح بشرط الإصابة وسلامة العاقبة أما إذا بان الخطأ يقينا ولم تظهر له جهة الصواب إلا بالاجتهاد ففيالقضاء قولان مرتبان وأولى بأن لا يجب لأن الخطأ أيضا ممكن في القضاء فأشبه خطأ الحجيج يوم عرفة
أما إذا تغير حاله في الصلاة بأن تيقن أنه مستدبر للكعبة فإن أوجبنا القضاء بطلت صلاته ولزمه الاستئناف وإن قلنا لا قضاء فقولان
أحدهما أنه يتحول إلى الجهة الأخرى والثاني أنه يستأنف لأن الجمع في صلاة واحده بين جهتين مستنكر
ولو تبين بالاجتهاد أنه مستدبر فحكمه حكم التيقن أما إذا ظهر الخطأ يقينا أو ظنا ولكن لم تظهر جهة الصواب فإن طال زمان التحير بطل وإن قصر فقولان ثم حد الطول أن يمضي ركن أو وقت مضي ركن والقصر دون ذلك فإن عجز عن الدرك بالاجتهاد على القرب بطلت صلاته وإن قدر على ذلك ففي البطلان قولان مرتبان وأولى بالبطلان لأجل التحير ثم مدة القرب تعتبر بما إذا صرف وجهالمصلي عن القبلة قهرا
هذا كله في الخطأ في الجهة فإن بان له الخطأ في التيامن والتياسر فهذا هليؤثر فيه خلاف مبني على أن المطلوب جهة الكعبة أو عينها هكذا قاله الأصحاب
وفيه نظر لأن الجهة لا تكفي بدليل القريب من الكعبة إذ خرج عن محاذاةالركن فإنه لا تصح صلاته مع استقبال الجهة ومحاذاة العين أيضا ليس بشرطفإن الصف الطويل في آخر المسجد لو تزاحفوا إلى الكعبة خرج بعضهم عن محاذاة العين وتصح صلاتهم فكيف الصف الطويل في أقصى المشرق
فلعل مراد الأصحاب أن بين موقف المحاذي الذى يقول الحاذق فيه إنه على غاية السداد وبين موقفه الذى يقال فيه إنه خرج عن اسم الاستقبال بالكلية مواقف يقال فيها إن بعضها أسد من بعض وإن كان الكل سديدا فطلب الأسد هل يجب فيه وجهان أحدهما نعم لإمكانه والثاني لا لأن حقيقة المحاذاة في المسجد ممكن ثم لم تجب اكتفاء بالاسم فكذا هاهنا
فروع أربعة

الأول لو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات فالنص أنه لا قضاء قولا واحدا لأن الخطأ لم يتعين وخرج صاحب التقريب أنه يقضي الكل كما لو نسي ثلث صلوات من أربع صلوات
الثاني إذا صلى الظهر باجتهاد فهل يلزمه استئناف الاجتهاد للعصر فعلى وجهين ينظر في أحدهما إلى تعدد الصلاة وإمكان تغير الاجتهاد وفي الثاني إلى اتحاد القبلة واتحاد المكان
الثالث إذا أدى اجتهاد رجلين إلى جهتين فلا يقتدي أحدهما بالآخر
الرابع إذا تحرم المقلد بالصلاة فقال له من هو دون مقلده أو مثله أخطأ بك فلان لم يلزمه قبوله وإن كان أعلم منه فهو كتغير اجتهاد البصير في أثناء الصلاة
ولو قطع بخطئه وقال القبلة وراءك وهو عدل فيلزمه القبول لأن قطعه أرجح من ظن غيره ولو قال بصير للأعمى المتلبس بالصلاة أنت مستقبل الشمس وعلم الأعمى أن القبلة ليست في جهة الشمس فعليه قبوله لأن هذا إخبار عن محسوس لا اجتهاد
الباب الرابع في كيفية الصلاة

وأفعال الصلاة تنقسم إلى أركان وأبعاض وسنن وهيئات
أما الأركان فأحد عشر

التكبير والقراءة والركوع والاعتدال منه مع الطمأنينة فيهما والسجود والقعدة بين السجدتين مع الطمأنينة والتشهد الأخير والقعود فيه والصلاه على النبي صلى الله عليه وسلم والسلام
وأما النية فبالشروط أشبه كاستقبال القبلة والطهارة ولو كانت النية ركنا لافتقرت إلى نية وأما الأبعاض
فيما ينجبر تركه بسجود السهو وهو أربعة القنوت والتشهد الأول والقعود فيه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على أحد القولين وأما الهيئات
فما لا يجبر تركها بالسجود كتكبير الانتقالات والتسبيحات فلنورد هذه الأركان بسننها على ترتيبها
القول في النية والنظر في ثلاثة أمور
الأول في أصل النية
والصلاة بالاتفاق مفتقرة إلى النية في ابتدائها ولا يضر غروبها في أثناء الصلاة نعم لو طرأ ما يناقض جزم النية بطل وذلك من ثلاثة أوجه
الأول لو أن يجزم نية الخروج في الحال أو في الركعة الثانية أو يتردد فيالخروج بطلت صلاته ولو تردد في الخروج عن الصوم لم يبطل ولو جزم نية الخروج فوجهان
والفرق أن الصوم ليس له عقد وتحرم وتحلل ولذلك ينتهي بمجرد غروب الشمس فلا يؤثر فيه مجرد القصد
الثاني أن يعلق نية الخروج بدخول شخص ففي بطلانه في الحال وجهان
أحدهما أنه يبطل لأنه ناقض حزم النية والثاني لا لأنه ربما لا يدخل ذلك الشخص وهو في الحال مستمر
والثالث أن يشك في نية الصلاة فإن مضى مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة كركوع أو سجود بطلت صلاته لأنه ذلك لا يعتد به ولا سبيل إلى إعادته وفيه احتراز قراءة الفاتحة ومد الطمأنينة في الركوع وإن لم يمض ركن وقصر الزمان لم تبطل وإن طال فوجهان كالوجهين في الكلام الكثير مع النسيان
النظر الثاني في كيفية النية

أما الفرض في العبارة عن نيته أن يقول أؤدي الظهر فرض الوقت لله تعالى
فيتعرض بقوله { أودية } لأصل الفعل وللأداء وهذا بشرط أن يخطر بقلبه كونه في الوقت إذ الأداء قد يعبر به عن القضاء
ويتعرض بالفرضية لنفي النفل وتمييز الظهر عن العصر وغيره بذكر الظهر
وكل ذلك واجب إلا الفرضية والإضافة إلى الله تعالى ففيهما وجهان ووجه كونه سنة أن صلاة الظهر لا تقع إلا فرضا لله تعالى
ثم هذه النية محلها القلب وليس فيها نطق ونظم حروف لا بالقلب ولا باللسان نعم يستحب مساعدة اللسان القلب فيها وقد قال الشافعي ينعقد إحرام الحج بمجرد النية من غير لفظ بخلاف الصلاة فغلط من ظن أنه شرط اللفظ في الصلاة فإنه أراد به الفرق بين التكبير والتلبية
أما النوافل فرواتبها يجب فيها التعيين بالإضافة وغير الرواتب تكفي فيها نيةالصلاة مطلقة ولو نرى الفرض قاعدا وهو قادر على القيام لم ينعقد فرضه وهل ينعقد نفلا فيه قولان
أحدهما لا لأن ما نواه لم ينعقد فكيف يحصل غيره
والثاني نعم لأن التعذر في وصف الفرضية فيبقى أصل الصلاة ويشهد لذلك نص الشافعي رضي الله عنه على جواز قلب الفرض نفلا
وهذا الخلاف جار فيمن تحرم بالظهر قبل الزوال والمسبوق إذا وقع تحرمه في الركوع أو قلب المصلي ظهره عصرا أو وجد العاجز خفة في الصلاة فلم يقم فإن الفرض يفوت في هذه الصورة في بقاء النفل قولان
النظر الثالث في وقت النية

وهو وقت التكبير قال الشافعي رضي الله عنه ينوي مع التكبير لا قبله ولا بعده وذكر فيه ثلاثة أوجه
أحدها أن يبسط النية على التكبير بحيث ينطبق أوله على أوله وآخره على آخره
والثاني أن تقرن بهمزة التكبير ثم هل يشترط استدامتها إلى آخر التكبير فيه فوجهان
والثالث أنه يتخير بين التقديم والبسط لأن الأولين تساهلوا فيه
والتحقيق فيه أن النية قصد ولكن شرطه الإحاطة بصفات المقصود وهو كون الصلاة ظهرا وأداء وغير ذلك وربما يعسر إحضار علوم متعددة في وقت واحد فالمقصود أن يتمثل له إحضار هذه المعلومات عند أول التكبير ويقرن القصد به ويستديم العلم إلى آخر التكبير وكذا القصد أي لا يغفل ولا يعرض عن قصده فإن لم يتم كله إلا عند آخر التكبير ففي جوازه تردد ووجه الاكتفاء أن آخر التكبير وقت الانعقاد ومن شرط الاقتران بالأول نظر إلى أول سبب الانعقاد ومن خير رفع هذه المضايقة وهو الأولى بدليل تساهل الأولين فيه
القول في التكبير وسننه والنظر في القادر والعاجز

أما القادر فيتعين عليه أن يقول الله أكبر بعينه من غير قطع ولا عكس ومعنى التعيين أنه لو قال الله أجل أو الرحمن أعظم لا يقوم مقامه وكذاترجمته خلافا لأبي حنيفة ولو قال الله أكبر صح لأنه أتى بالواجب وزاد ما لم يغير المعنى والنظم ولو قال الله الجليل أكبر فوجهان لأن الزيادة مفيدة مغيرة للنظم والعكس أن يقول الأكبر الله فالنص أنه لا يجوز ونص في قوله عليكم السلام أنه يجوز فقيل لأن ذلك يسمى تسليما وهذا لا يسمى تكبيرا وقيل قولان بالنقل والتخريج مأخذهما أن الترتيب هل هو شرط بين الكلمتين
أما العاجز فيأتي بترجمته ولا يجزئه ذكر آخر لا يؤدي معناه بخلاف العاجز عن الفاتحة فإنه يعدل إلى ذكر آخر لا إلى ترجمتها لأن مقصودهاالنظم المعجز وقد فات وهذا المعنى مقصود ظاهر
فرع البدوي يلزمه أن يقصد بلدة لتعلم كلمة التكبير ولا يلزمه ذلك عند فقد الماء لأجل الوضوء لأن التعلم يبقى والوضوء يعرض الانتقاض وفيل بالتسوية لأن التسوية في حقه كالتيمم
أما سنة التكبير فرفع اليدين معه وهو متفق عليه حالة التحرم وهيئتها أن يترك الأصابع منشورة ولا يتكلف ضمها وتفريجها
وفيها ثلاث مسائل

الأولى في قدر الرفع ففي قول يرفع إلى حذو المنكبين رواه أبو حميدالساعدي في عشرين من جملة الصحابة
والثاني أنه يرفع بحيث تحاذي أطراف أصابعه أذنيه وكفاه منكبيه
وقيل إن الشافعي رضي الله عنه لما قدم العراق اجتمع عنده العلماء فسئلعن أحاديث الرفع فإنه روي أنه رفع حذو منكبيه وحذو أذنيه وحذو شحمة أذنيه
فقال أرى أن يرفع بحيث يحاذي أطراف أصابعه أذنيه وإبهامه شحمة أذنيه وكفيه منكبيه فاستحسن ذلك منه في الجميع بين الروايات
الثانية في وقت الرفع أوجه فقيل يرفع غير مكبر ثم يبتدئ التكبيرعند إرسال اليد وهي رواية الساعدي
وقيل يبتدئ الرفع مع التكبير فيكون انتهاء التكبير مع انتهاء اليد إلى مقرها وهذه رواية وائل بن حجر
وقيل إنه يكبر ويداه قارتان حذو منكبيه ولا يكبر في الرفع والإرسال وهي رواية ابن عمر
ثم قال المحققون ليس هذا اختلافا بل صحت الروايات كلها فنقبل الكل ونجوزها على نسق واحد
الثالثة إذا أرسل يديه وضع إحداهما على الأخرى تحت صدره ويأخذ الكوع من اليسرى بيمناه ويبسط أصابع اليمنى في عرض المفصل أو في صوب ساعده واليمنى عليه مكرمة بالحمل
القول في القيام وهو ركن

وحده الانتصاب مع الإقلال فلو اتكأ على شئ أو انحنى لم يعتد به ولا بأس بالإطراق فإن عجز عن الإقلال انتصب متكئا فإن عجز عن الانتصاب قام منحنيا فإن لم يقدر إلا على حد الراكعين قعد فإن عجز عن الركوع والسجود دون القيام قام وأومى بالركوع والسجود
وقال أبو حنيفة سقط عنه القيام لأن المقصود منه النزول إلى الركوع
ولو عجز عن القيام قعد ولا يتعين في القعود هيئة للصحة ولكن الإقعاء منهي عنه وهو أن يجلس على وركيه فينصب فخذيه وركبتيه قال عليه الصلاة والسلام لا تقعوا إقعاء الكلب
ثم في الهيئة المختارة قولان
أحدهما الافتراش كالتشهد الأول والثاني التربيع
واختار القاضي حسين أن ينصب ركبته اليمنى كالذي يجلس بين يدي المقرئ ليحصل به مفارقة جلسات التشهد
ثم هذا القاعد إن قدر على الارتفاع إلى حد الركوع يلزمه ذلك في الركوع وإن لم يقدر فيركع قاعدا وينحني مقدارا تكون النسبة بينه وبين السجود كالنسبة بينهما في حال القيام
وأقل ركوعه أن ينحني بحيث تقابل جبهته ما وراء ركبته من الأرض فيحصل الأقل بأول المقابلة والكمال بتمامها بحيث يحاذي جبهته محل السجود
ولو عجز عن السجود قرب الجبهة من الأرض إلى قدر الإمكان
ويجب أن يجعل السجود أخفض من الركوع فإن لم يقدر إلا على أكمل الركوع فيأتي به مرتين
ولا يلزمه الاقتصار في الركوع على الأقل لإظهار التفاوت بل ذلك واجب فيما يجاوز أكمل الركوع أما إذا عجز عن القعود صلى على جنبه الأيمن مستقبلا بجميع مقاديم بدنه القبلة كالذي يوضع في اللحد
وقيل إنه يصلي مستلقيا على قفاه وأخمصاه إلى القبلة ثم يومئ بالركوعوالسجود فإن عجز فيومئ بالطرف فإن لم يبق في أجفانه حراك فيمثل الأفعال في قلبه حتى إن خرس لسانه يجري القراءة على قلبه وذلك كله لقوله عليه الصلاة والسلام إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم
وقال أبو حنيفة إذا عجز عن القعود سقطت الصلاة
فروع ثلاثة

الأول إذا وجد القاعد خفة في أثناء الفاتحة فليبادر إلى القيام وليترك القراءة في وقت النهوض قبل الاعتدال وإذا اعتدل فلا يلزمه استئناف الفاتحة ولو عجز في أثناء القيام قعد وعليه مداومة القراءة في حالة الانحناء إلى القعود لأنه أقرب إلى القيام وإن وجد خفة بعد الفاتحة لزمه القيام ليهوي إلى الركوع ولا تلزمه الطمأنينة بخلاف ما لو اعتدل عن الركوع وخف قبل الطمأنينة فإنه يلزمه الاعتدال والطمأنينة فيه فإن خف في الركوع قبل الطمأنينة وجب أن يرتفع منحنيا كذلك إلى حد الركوع إذ لو انتصب قائما ثم عاد إلى الركوع كان قد زاد ركوعا وإن خف بعد الطمأنينة فالظاهر أنه لا يجب الارتفاع راكعا لأنه تم الركوع قاعدا الثاني القادر على القعود ينتفل مضطجعا مومئا
على أحد الوجهين وتشبيها للنفل في حق القادر بالفرض في حق العاجز ولا يسوغ ذلك في الوجه الثاني لأن ذلك يجر إلى تجويز الإيماء بالقلب وإنما احتمل ذلك لضرورة الفريضة فلا يحتمل في النفل بالقياس
الثالث من به رمد وقال الأطباء إنه لو اضطجع أياما أفادت المعالجة ففيه خلاف وقد وقع ذلك لابن عباس فاستفتى عائشة وأبا هريرة رضي الله عنهما فلم يرخصا له لقدرته على القيام في الحال والأقيس جوازه فإنخطر العمى شديد وقد جوزنا القعود بأدني مرض يسلب الخشوع فليجوز الاضطجاع بما يقرب من حد الضرورة كما جوزنا للمريض التيمم عند خوفه على نفسه من شدة الضنى
القول في القراءة والأذكار والنظر في الفاتحة وسوابقها ولواحقها

أما السوابق فدعاء الاستفتاح عقيب التكبير وهو مشهور والتعوذ بعده من غير جهر إلا في قول قديم وأما استحباب التعوذ في كل ركعة فوجهان من حيث إن الصلاة في حكم شئ واحد ولكن كل ركعة كالمنقطع عما قبلها
أما الفاتحة فالنظر في القادر والعاجز أما القادر فتلزمه أمر خمسة
الأول أن أصل الفاتحة متعين على الإمام والمأموم في الصلاة السرية والجهريةإلا في ركعة المسبوق
وقال أبو حنيفة تقوم ترجمتها وغيرها من السور مقامها وخالف قوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب
وقال لا تجب القراءة على المأموم أصلا وهو الذى نقله المزني ولكن في الصلاة الجهرية
الثاني تجب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم إذ روى البخاري أنهصلى الله عليه وسلم عد الفاتحة سبع آيات وعد بسم الله الرحمن آية منها
ثم التسمية عندنا آية من أول كل سورة كتبت فيها ولكنها آية مستقلة أم هى مع أول السورة آية ففيهقولان وذكر الصيدلاني القولين في أنها هل هى من القرآن في أول كل سورة سوى الفاتحة والمشهور هو الأول
الثالث كل حرف من الفاتحة ركن فلو ترك تشديدا فهو ترك حرف ولو أبدل حرفا بحرف لم يجز ولو أبدل الضاد بالظاء ففيه تردد لقرب المخرج عسر التمييز
الرابع رعاية الترتيب فيها شرط فلو قرأ النصف الأخير أولا لم يجز لأن الترتيب ركن في الإعجاز فأما التشهد إذا قدم المؤخر منه ولم يغير المعنى فهو قريب من قوله عليكم السلام
الخامس الموالاة شرط بين كلماتها فلو قطعها بسكوت طويل وجب الاستئناف إلا على وجه بعيد ذكره العراقيون ولو تخللها تسبيح يسير انقطع الولاء بخلاف ما لو كرر كلمة من نفس الفاتحة فإن ذلك لا يعد انتقالا إلى غيرها ولذلك لو قرأ الفاتحة مرات لم يضر بخلاف تكرير الركوع وفيه وجه ضعيف أنه كالركوع
فرعان

الأول لو قال الإمام { ولا الضالين } فقال المأموم { آمين } لا تنقطع به الفاتحة إذا كان في أثنائها وفيه وجه آخر أنه تنقطع والأول أظهر لأنه إذا جرى له سبب لم يعتد انتقالا
وهذا الخلاف يجري فيما إذا سأل أو استعاذ الله عند قراءة الإمام آية رحمة أو عقاب أو سجد مع الإمام عنده قراءة الإمام آية سجدة فإن هذه الأسباب متقاضية
الثاني لو ترك الموالاة ناسيا نقل العراقيون أنه لا يضر وللشافعيرضي الله عنه قول في القديم أنه لو ترك الفاتحة ناسيا لم يضر لأن النسيان عذر كالسبق ولكن ليس هذا تفريعا عليه إذ فرق بينه وبين ترك ترتيبه ناسيا ويتأيد ذلك بأنه لو طول ركنا قصيرا لم يضر وإن انقطعت به موالاة الأركان
وأما العاجز وهو الأمي ففيه أربع مسائل
الأولى أنه لا تجزيه ترجمته بل إن قدر فيأتي بسبع آيات من القرآن متوالية لا تنقص حروفها عن حروف الفاتحة فإن نقص الحروف دون عدد الآيات ففيه وجهان
فإن عجز عن آيات متوالية فتجزئه آيات متفرقة فإن لم تكن آحادها مفهمة كقوله تعالى { ثم نظر } لم يبعد أن يرد إلى الأذكار فإن لم يحسن إلا آية واحدة فيأتي بها وتأتي الأذكار بدلا عن البقية وقيل إنه يكرر الآية سبعا فتكفيه فإن لم يحسن من القرآن شيئا فيأتي بتسبيح وتهليل كقوله سبحان الله والحمد لله وما فيه ثناء على الله ويراعي مساواة الحروف وفي الدعاء المحض اختلاف في أنه هل يقوم مقام التسبيح
الثانية إذا لم يحسن النصف الأول من الفاتحة فيأتي أولا بالذكر بدلا منه ثم يأتي بما يحسن منها
الثالثة إذا تعلم الفاتحة في أثناء الصلاة قبل قراءة البدل لزمته وإن كان بعد الركوع لم تلزمه
وإن كان قبل الركوع وبعد الفراغ فوجهان ووجه الوجوب بقاء مظنة القراءة ولو كان في أثناء البدل لزمه ما بقي من البدل وفي لزوم الاستئناف خلاف والأصح أنه يجب
الرابعة إذا قرأ الأمي دعاء الاستفتاح وقصد به بدل الفاتحة جاز وإن قصد به الاستفتاح لم تسقط به القراءة فعليه الإعادة ولو أطلق ففي سائر الأذكار تردد ذكره صاحب التقريب في أنه هل يشترط قصد البدلية واشتراطه في دعاء الاستفتاح أوجه لأن قرينة الحال تصرفه إلى الاستفتاح
أما لواحق الفاتحة فشيئان

الأول التأمين فهو مستحب عقيب الفراغ للمأموم والمنفرد وفيه لغتان القصر والمد والميم مخففة على اللغتين وهو صوت وضع لتحقيق الدعاءومعناه ليكن كذلك كقولهم صه للأمر بالسكوت
ثم اختلف نص الشافعي رضي الله عنه في جهر الإمام به وقيل إن كان في القوم كثرة جهروا ليبلغ الصوت وإلا فلا
وقيل فيه قولان
أحدهما نعم لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمن أمن من خلفه حتى كان للمسجد ضجة
والثاني لا كسائر الأذكار
وأما الضجة فهي هينمة حصلت من همس القوم عند كثرتهم
وقيل إنه إن لم يجهر الإمام جهر المأموم وإن جهر الإمام ففي المأموم قولان ثم المستحب أن يؤمن مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده لأنه يؤمن لقراءته لا لتأمينه وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا قال الإمام { ولا الضالين } فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينهتأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
الثاني السورة ويستحب قراءتها للإمام والمنفرد في ركعتي الفجر والأوليين من غيرهما
وهل تستحب في الثالثة والرابعة قولان منصوصان
الجديد أنها تستحب لقول أبي سعيد الخدري حزرنا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوليين من الظهر فكانت قدر سبعين آية وحزرناها في الركعتين الأخريين فكان علىالنصف من ذلك
والقول الثاني وعليه العمل أنه لا تستحب لأن مبناهما على التخفيف
أما المأموم فلا يقرأ السورة في الجهرية بل يقرأ الفاتحة في سكتة الإمام بعد الفاتحة ثم يستمع السورة وإن لم يبلغه صوت الإمام فوجهان
القياس أنه يقرأ لأنه كالمنفرد عند فوات السماع
والثاني لا لقوله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم خلفي فلا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة إلا بها
القول في الركوع

وأقله أن ينحني إلى أن تنال راحتاه ركبتيه لو مدهما بالانحناء لا بالانخناس ويطمئن بحيث ينفصل هويه عن ارتفاعه فلو زاد بالانحناء لم يحسب ذلك بدلا عن الطمأنينة ولا يجب عندنا ذكر في الركوع خلافا لأحمد لأن الركوع يخالف المعتاد بصورته لا كالقيام والقعود
وأما في الأكمل فهيئته أن ينحني بحيث يستوي ظهره وعنقه كالصفيحة الواحدة وينصب ركبتيه ويضع كفيه عليهما ويترك الأصابع على جبلتها منشورة نحو القبلة ويتجافى عند ذلك مرفقاه عن جنبيه ولا يتجاوز فيالانحناء الاستواء وإذا ابتدأ الهوي وقال الله أكبر رافعا يديه عندنا خلافا لأبي حنيفة
ثم للشافعي رضي الله عنه قولان
أحدهما أن يمد التكبير إلى أن يستوي راكعا كيلا يخلو هويه عن الذكر
والثاني الحذف حذارا عن التغيير بالمد وهو جار في تكبيرات الانتقالات كلها
والذكر المشهور سبحان ربي العظيم وبحمده ثم إن كان إماما لم يزدعلى ثلاث وروى أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت أنت ربي خشع سمعي وبصري ومخي وعظميوعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين
القول في الاعتدال

إذا رفع الرأس من الركوع رفع اليدين فيعدل قائما وقد انتهت يداه إلى منكبيه ثم يخفض يديه بعد الاعتدال وأقله الاعتدال والطمأنينة
ويستحب أن يقول سمع الله لمن حمده عند الرفع ثم يقول ربنا لك الحمد يستوي في الإمام والمأموم والمنفرد وروي أنه عليه الصلاة والسلامقال ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعده أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد كلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد فإن كان في صلاة الصبحاستحب القنوت في الركعة الأخيرة خلافا لأبي حنيفة لما روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا
ثم كلماته مشهورة وهي متعينة ككلمات التشهد ثم قال العراقيون إذا نزل بالمسلمين نازلة وأرادوا القنوت في الصلوات الخمس جاز وإن لم تنزل فقولان
وقيل إن لم تنزل لم يجز وإن نزل فقولان وهو أقرب
واختلفوا في الجهر به في الصلاة الجهرية والظاهر أن الجهر مشروع ثم إذا جهر الإمام أمن المأموم وإن لم يسمع صوته فيؤمن أو يقرأ فيه وجهانثم يستحب أن يرفع يديه ويمسح بهما وجهه في آخره
القول في السجود والاعتدال عنه

أما أقله فالكلام في الموضوع على الأرض وكيفية الوضع وهيئة الساجد
أما الموضوع فالجبهة ولا يقوم غيرها مقامها ثم يكفي أقل ما ينطلق عليه الاسم وفي وضع اليدين والركبتين والقدمين قولان
أحدهما يجب لقوله عليه الصلاة والسلام أمرت أن أسجد على سبعة آراب
والثاني لا لأن السجود عبارة عن وضع الجبهة ففيه تمكين أعز الأعضاء من التراب
فإن أوجبنا فلا يجب كشف القدمين والركبتين ويجب كشف الجبهة وفي اليدين قولان
أحدهما يجب لقول خباب بن الأرت شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في وجوهنا وأكفنا فلم يشكنا أي لم يزل شكوانا
والثاني لا يجب لأن التواضع حصل بالوضع ثم لا يكفي في الوضع الإمساس مع إقلال الرأس بل لا بد وأن يرخي رأسه قالت عائشة رضي الله عنها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجوده كالخرقة البالية ثم في كشفالجبهة يكفي أقل ما ينطلق عليه الاسم ولو سجد على طرفه أو على كور عمامته أو طرف كمه الذى يتحرك لم يجز
أما هيئة الساجد وهو التنكس بحيث يكون أسافله أعلى من أعاليه فلو سجد على وسادة وكان رأسه مساويا لظهره فيه وجهان لفوات التنكس
ولو كان به مرض يمنعه من التنكس فهل يجب عليه وضع وسادة ليضع الجبهة عليها فيها وجهان أظهرهما الوجوب لأن صورة السجود بالوضع لابالتنكس
والطمأنينة أيضا واجبة في السجود
أما الأكمل فليكن أول ما يقع على الأرض منه ركبتاه وقال أبو حنيفة بل يداه
ثم يستحب أن يكبر عند الهوى ولا يرفع اليد ويقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات
ويضع الأنف على الأرض مع الجبهة مكشوفا ويفرق ركبتيه ويجافي مرفقيه عن جنبيه بحيث يرى عفرة إبطيه ويقل بطنه عن فخذيه ويضع يديه منشورة الأصابع على موضعهما في رفع اليدين وأصابعهما مستطيلة في جهة القبلة مضمومة ولا يؤمر بضم الأصابع إلا هاهنا
ونقل المزني أنه يضع أصابع رجليه بحيث تكون رءوسها في قبالة القبلة
أما المرأة فتترك التخويه والتجافي في الركوع والسجود
ثم يكبر عند الاعتدال ويجلس مفترشا بين السجدتين ويضع يديه قريبا من ركبتيه منشورة الأصابع ويقول اللهم اغفر لي واجبرني وعافني وارزقني واهدني ويطمئن في جلوسه
ثم يسجد سجدة أخرى مثلها فإن كان يستعقب ذلك قياما فيجلس جلسة خفيفة للاستراحة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهض حتى يستوي قاعدا
ثم يبتدئ التكبير بحيث ينتهي عند استوائه جالسا أو يستوي جالسا ثم ينهض مبكرا إلى القيام فيه خلاف
ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضعالعاجن
فرع إذا خر الهاوي إلى السجود على وجهه اعتد به لأن الهوي غيرمقصود وإن خر على جنبه واستد على قصد السجود اعتد به وإن قصدالاستقامة وصرف فعله عن السجود فلا يعتد بسجوده لأنه غير نية الأصل وإن لم يخطر له أمر الصلاة وقصد الاستقامة غافلا فالنص أنه لا يعتد به كما لو صرفه عن السجود ذاكرا
وفيه وجه مخرج يجري نظيره في اتباع الغريم في الطواف ثم إذا لم يعتد بسجوده فيكفيه أن يعتدل جالسا ثم يسجد ولا يلزمه القيام على الظاهر
القول في التشهد والقعود

أما القعود في التشهد الأول فمسنون على هيئة الافتراش وفي الأخير على هيئة التورك لأن الافتراش هيئة مستوفز للحركة حتى نقول المسبوق يفترش في التشهد الأخير للإمام ولو كان على الإمام سجود سهو هل يفترش فيه خلاف
والافتراش أن يضجع الرجل اليسرى ويجلس عليها وينصب القدم اليمني ويضع أطراف الأصابع على الأرض
والتورك أن يضجع رجله كذلك ثم يخرجها من جهة يمينه ويمكن وركه من الأرض ثم يضع اليد اليسرى على طرف الركبة منشورة مع التفريج المقتصد وأطراف الأصابع مسامية للركبة وأما اليد اليمنى فيضعها كذلك لكن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل المسبحة وفي الإبهام أوجه قيل يرسلها أيضا وقيل يحلق الإبهام والوسطى وقيل يضمها إلى الوسطى المقبوضة كالقابض ثلاثة وعشرين ثم يرفع مسبحته عند قوله لا إله إلا الله مع الهمزة من قولهإلا الله وهل يحركها عند الرفع فيه وجهان
فأما التشهد فواجب في الأخير خلافا لأبي حنيفة
والصلاة على الرسول واجب معهوعلى الآل قولان
والتشهد الأول مسنون وفي الصلاة على الرسول فيه قولان لأنه مبني على التخفيف
فإن أوجبنا الصلاة على الآل في الأخير ففي كونها سنة في الأول قولان
ثم أكمل التشهد مشهور وكلماته متعينة
وأما الأقل فهو التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وسلامعلينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأسقط العراقيون كلمة أشهد في الكرة الثانية
وكان الشافعي رضي الله عنه جعل الأقل ما رآه متكررا في جميع الروايات وأما ابن سريج فإنه أوجز بالمعنى وقال التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام على عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله ثم يقول بعد التشهد اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ثم يستحب بعده أن يقول كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ثم يستحب بعده الدعاء ويختصر إذا كان إماما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تمام للتشهد ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه والأولى أن يكون سؤاله لأمور الآخرة
فرع العاجز عن التشهد يأتي بترجمته كتكبيرة التحرم والعاجز عن الدعاء لا يدعو بالعجمية بحال
وتكبيرات الانتقالات وغيرها من الأذكار ففي الإتيان بترجمتها خلاف قيلبالمنع لأن العجمية مبطلة وترك الذكر ليس بمبطل
والثاني يأتي بها كالتكبير
والثالث ما يجبر تركه بسجود السهو يأتي بترجمته ومالا فلا
القول في السلام

لا يقوم مقام التسليم غيره من أضداد الصلاة عندنا خلافا لأبي حنيفة وأقله أن يقول السلام عليكم مرة واحدة وهل تشترط نية الخروج وجهان
ولو قال سلام عليكم وجهان في إقامة التنوين مقام الألف واللام
ولو قال عليكم السلام فطريقان كما سبق
أما الأكمل فأن يقول السلام عليكم ورحمة الله
والتسليمة الثانية تسن ونص في القديم على أنه لا تسن
ونقل الربيع أنه إن كان إماما في جمع متعين يقتصر على تسليمة واحدة وإن كثر الجمع فتسليمتان ثم إن سلم واحدة فتلقاء وجهه وإن سلم تسليمتين فيلتفت حتى يرى خداه أي يرى من كل جانب خد واحد
ثم ينوي بالسلام السلام على من على يمينه من الجن والإنس والملائكة وكذا من الجانب الآخر والمقتدون ينوون الرد عليه ولو أحدث في التسليمة الثانية لم تبطل الصلاة لأنها واقعة بعد الصلاة تابعة هذا تمام كيفية الصلاة
خاتمة

من فاته صلوات فلا ترتيب عليه في قضائها
وقال أبو حنيفة يلزمه تقديم الأول فالأول إلا إذا زاد على صلاة يوم وليلة
نعم رعاية الترتيب بين الفائتة والمؤداة عندنا مستحبة فيقدم الفائتة إن اتسع الوقت لهما وإلا قدم المؤداة وسبب التقديم أن لا يتساهل في القضاء بالتأخير ولو تذكر فائتة وهو في مؤداة أتم التي هو فيها ثم اشتغل بالقضاء
الباب الخامس في شرائط الصلاة ونواقضها

والشرائط ست
الأول الطهارة عن الحدث فهو شرط في الابتداء والدوام حتى لوأحدث في الصلاة عمدا أو سهوا بطلت صلاته ولو سبقه الحدث بسبق بول أو مني أو مذي أو خروج ريح بطلت صلاته على الجديد
وعلى القديم لا تبطل صلاته لما روي مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم قال من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم
ولأنه لو انحل إزاره عن عورته فرده على القرب أو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفضها لم تبطل صلاته قولا واحدا ولو كان ذلك قصدا لبطل مع قصر الزمان
وعلى هذا القول إذا طرأ ناقض بغير قصده ولا تقصيره فله التدارك بخلاف ما لو انقضت مدة المسح في أثناء الصلاة لأنه مقصر بابتداء الصلاة في آخر مدة المسحولا تخرق خفه فوجهان لأنه قد ينسب إلى تقصير لذهوله عن ضعف الخف
والمتيمم إذا رأى الماء في أثناء صلاته لم تبطل صلاته لأن الصلاة مانعة من الاستعمال فانتفت القدرة
ثم من سبقه الحدث يطلب الماء ويتوضأ ولا يتكلم ولا يحدث عمدا وبعد وضوئه لا يعود إلى مكانه الأول فإنه فعل مستغن عنه بل يبني على مكانه خلافا لأبي حنيفة
ولو سبقه الحدث في الركوع قبل الطمأنينة فليعد إليه وإن كان بعدها فلا لأن سبق الحدث لا يبطل ما مضى ولو طير الريح الثوب وافتقر في الإعادة إلى فعل كثير خرج ذلك على قولي سبق الحدث
الشرط الثاني طهارة الخبث

والنظر في أطراف
الأول فيما عفي عنه من النجاسات وهي أربعة

الأولى الأثر على محل النجو بعد الاستجمار على الشرط المعلوم
فلو حمل المصلى إنسانا قد استجمر ففيه وجهان
أحدهما الجواز لأنه معفو عنه والأصح المنع لأنه معفو على محل نجو المصلي للحاجة ولا حاجة إلى الحمل ولو حمل طيرا لم تبطل صلاته لأن ما في البطنليس له حكم النجاسة قبل الخروج وما على منفذه لا مبالاة به ومنهم من قطع بالبطلان لأن منفذ نجاسته لا يخلو عن النجاسة وفي إلحاق البيضة المذرة بالحيوان تردد فإن النجاسة فيها أيضا مستترة خلقة فلا تفارقه إلا في الحياة ويطرد ذلك فيمن حمل عنقودا استحال باطن حباته خمرا وكذا في كل استتار خلقي ولا يجري في القارورة المصممة الرأس خلافا لابن أبي هريرة
الثانية طين الشوارع المستيقن نجاسته يعفي عنه بقدر ما يتعذر الاحتراز عنه فإن انتهى إلى حد ينسب صاحبه إلى سقطة أو نكبة من دابة لم يعف عنه وكذا ماعلى أسفل الخف من نجاسة لا يخلو الطريق عن مثلها في حق من يصلي مع الخف
الثالثة دم البراغيث معفو عنه إلا إذا كثر كثرة يندر وقوعه وربما يختلف ذلك باختلاف الأوقات والأماكن فإن الحاجة تختلف به والاجتهاد فيه إلى رأي المكلف فإن رآه مجاوزا لحد الحاجة فليغسل وإن رآه على حد الحاجة فليصل معه وإن تردد احتمل أن يقال الأصل العفو إلا فيما علم كثرته أو يقال الأصل المنع إلا فيما تحققت الحاجة إليه وطريق الاحتياط لا يخفى والميل إلى الرخصة أليق هاهنا بالفقه
الرابعة دم البثرات وما ينفصل منها من قيح وصديد يعفى عنها للحاجة نقل عن ابن عمر أنه دلك بثرة على وجهه فخرج منها الدم وصلى ولم يغسل
وإن أصابه من بدن غيره فوجهان أصحهما المنع لإمكان الاحتراز
وأما لطخات الدماميل والقروح والفصد فما يدوم منها غالبا يلحق بدمالاستحاضة وما لا يدوم يلحق بدم الأجنبي لأن وقوعها نادر
ومال صاحب التقريب إلى إلحقاها بدم البثرات وهو متجه
النظر الثاني فيما يطهر عن النجاسة

وهو ثلاثة الثوب والبدن والمكان
أما الثوب فقد ذكرنا كيفية غسله فإن تيقن نجاسة أحد الثوبين اجتهد وقال المزني يصلي في الثوبين صلاتين وقال في الإنائين إنه يتيمم ولا يجتهد
فروع ثلاثة

الأول لو أصاب أحد كميه نجاسة وأشكل فأدى اجتهاده إلى أحدهما فغسله ففي صحة صلاته فيه وجهان
ووجه المنع أنه استيقن نجاسة الثوب ولم يستيقن طهارته
وكذا الخلاف لو وقع ذلك في ثوبين ولكن صلى فيهما جميعا
الثاني لو غسل أحد الثوبين وصلى في الآخر من غير اجتهاد ففي صحة صلاتهوجهان ولو أشكل محل النجاسة فغسل نصفه ثم غسل النصف الثاني قال صاحب التلخيص لم يطهر لاحتمال أن تكون النجاسة على وسط الثوب فإذا غسل النصف الثاني فينعكس أثر النجاسة على النصف الأول لاتصاله به
الثالث إذا ألقى طرف عمامته على نجاسة بطلت صلاته سواء كان ذلكالطرف يتحرك بحركته أو لا يتحرك
ولو قبض على حبل أو طرف عمامة فإن كان يتحرك الملاقي للنجاسة بحركته بطلت صلاته وإلا فوجهان لأنه لا ينسب إليه لبسا بخلاف العمامة ولو شدعلى وسطه كان كما لو قبض على طرفه ولو كان تحت رجله فلا بأس لأنه ليس حاملا ولا متصلا ولو كان طرف الحبل على عنق كلب فهو كما إذا كان على نجاسة إن بعد منه وإن كان قريبا بحيث لو لم يتعلق بالكلب لكان هو حامله فوجهان مرتبان وأولى بالمنع ولو كان متعلقا بساجور في عنق الكلب فأولى بالجواز ولو كان في عنق حمار وعلى الحمار نجاسة فوجهان ويظهر هاهنا وجه الجواز
المحل الثاني الذى يجب تطهيره عن النجاسة البدن

وقد ذكرنا كيفية غسله وتتعلق به مسألتان
الأولى إذا وصل عظما نجسا في محل كسر وجب نزعه فإن كان يخاف الهلاك فالمنصوص أنه يجب نزعه لأنا نسفك الدم في مقابلة ترك صلاة واحدة وهذا يبطل الصلاة عمره وفي قول مخرج أنه لا يحب لأن النجاسة تحتمل بالأعذار وخوف الهلاك عظيم ثم إنما ينقدح النص إذا كان متعديا في الابتداء بأن وجد عظما ظاهرا وإذا لم يستتر العظم باللحمفإن استتر بعد إيجاب النزع ثم قال الشافعي رضي الله عنه إذا مات قبل النزع فقد صار ميتا كله أي لا ينزع وهو إشارة إلى نجاسة الآدمي بالموت وقيل بوجوب النزع لأنا تعبدنا بغسله فهو كالحي
أما من شرب الخمر وغسل فاه صحت صلاته لأن ما في الجوف لا حكم له
المسألة الثانية في وصل الشعر

وقد قال صلى الله عليه وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة
الوشر تحديد أطراف السن
والوشم نفر الأطراف بالحديدة وتسويدها
وأما الوصل فإن كان الشعر نجسا فهو حرام وإن كان شعر آدمي
فإن كان شعر امرأة أجنبية فيحرم لأن زوجها ينظر إليها وإن كان شعر رجل حرم عليها النظر فيه على قولنا بتحريم النظر إلى العضو المبان وإن كان شعربهيمة فإن لم تكن ذات زوج فهي متعرضة للتهمة فيحرم عليها وإن كانت ذات زوج يحرم للخداع ولقوله عليه الصلاة والسلام المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور وإن كان بإذن الزوج فوجهان
أحدهما المنع لعموم الحديث ولأن ذلك تصرف في الخلقة بالتغيير
والثاني الجواز وهو القياس إذ لا معنى للتحريم إلا سبب التزوير
ولا خلاف في جواز تجعيد الشعر وتصفيف الطرة وفي إلحاق تحمير الوجنة بوصل الشعر تردد للصيدلاني
المحل الثالث المكان

فينبغي أن يكون ما يماس بدنه طاهرا وهو موقع الأعضاء السبعة في السجود وكذا ما يماس ثوبه
ولو كان على طرف البساط نجاسة فلا بأس ولو كان ما يحاذي صدره في السجود نجسا وكان لا يماسه فوجهان ووجه المنع أنه كالمنسوب إليه
ولو بسط إزارا سخيفا على موضع نجس إن كانت المنافذ بحيث لا تمنع الملاقاة لم تصح الصلاة وفي مثله في الفرش على الحرير تردد فإن النظر فيه إلى غالب ما يلاقي وذلك يحل العتابي الذى قطنه غالب
ومما يصل بمكان الصلاة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في سبعة أماكن المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وبطن الوادي والحمام وظهر الكعبة وأعطان الإبل
وفي مسلح الحمام تردد بناء على أن العلة خوف رشاش النجاسة أو أنه بيت الشيطان فعلى العلة الأخيرة تكره
وأما أعطان الإبل فليس المراد بها المرابض التى يكثر فيها البعر فإن ذلك موجود في مرابض الغنم من النجاسة ولا كراهة ولكن الإبل تزدحم على المنهل ذودا حتى إذا شربت استيقت فلا يؤمن نفارها وتفرقها في ذلك الموضع قال صلى الله عليه وسلم في الإبل إنها جن خلقت من جن أما ترى إذا نفرت كيف تشمخ بأنافها
خاتمة

من استصحب النجاسة عمدا بطلت صلاته فإن كان جاهلا ففي وجوب القضاء قولان
ولو علم النجاسة ثم نسيها فقولان مرتبان وأولى بالإعادة
منشأ القولين أن الطهارة عنها من قبيل الشرائط فلا يكون الجهل في تركها عذرا أو استصحابها من قبيل المناهي فلا يعد الناسي مخالفا
والقول الجديد أنه من الشروط ومعتمد القديم ما روي أنه عليه الصلاة والسلام خلع نعله في أثناء الصلاة فخلع الناس نعالهم فقال بعد الفراغ أخبرني جبريل أن على نعلك نجاسة
الشرط الثالث ستر العورة

وهو واجب في غير الصلاة وفي وجوبه في الخلوة تستر عن أعين الملائكة والجن تردد ولكن في غير وقت الحاجة
وأما المصلي في خلوة فيلزمه التستر
والنظر في العورة والساتر

وأما العورة من الرجل فما بين السرة والركبة ولا تدخل السرة والركبة فيه على الصحيح
وأما الحرة فجميع بدنها عورة في حق الصلاة إلا الوجه واليدين إلى الكوعين الظهر والكف وظهر القدم عورة وفي إخمصيها وجهان
أما الأمة فما يبدو منها في حالة المهنة كالرأس والرقبة وأطراف الساق والساعد فليس بعورة وما هو عورة من الرجل عورة منها وفيما بين ذلك وجهان
أما الساتر فهو كل ما يحول بين الناظر ولون البشرة فلا يكفي الثوب السخيف الحاكي للون البشرة ولا الماء الصافي والزجاج
ويكفي الماء الكدر والطين ولو لم يجد ثوبا فهل يكلف التطيين فعلى وجهين
فروع أربعة

الأول إذا كان القميص متسع الذيل ولا سراويل صحت الصلاة فإنما يجب التستر من الفوق ومن الجوانب ولو لم يكن مزرورا بحيث لو ركع انكشفت عورته لم تصح صلاته فإن كان كثافة لحيته تمنع من الرؤية فوجهان
ووجه المنع أن الساتر ينبغي أن يكون غير المستتر
ويجري الخلاف فيما لو وضع اليد على ثقبة في إزاره
الثاني إذا بدا من عورته قدر يسير بطلت صلاته
وقال أبو حنيفة لا تبطل ما لم يظهر من العورة الكبرى مثل درهم ومن الصغرى الربع
فلو وجد خرقة لا تفي إلا بإحدى السوأتين قيل يستر القبل فإن السوأة الأخرى مستترة بانضمام الأليتين
وقيل يستر الدبر لأنه أفحش في السجود والأولى التخيير
ولا ينبغي أن يترك السوأة ويستر الفخد فإن الفخد تابع في حكم العورة كالحريم له
الثالث في عقد جماعة العراة قولان
أحدهما أنها سنة ثم يغضون البصر ويقف الإمام وسط الصف كإمام النساء
والثاني أن تركها أولى احتياطا للعورة
الرابع لو عتقت الأمة في أثناء الصلاة وكان الخمار بالقرب تسترت واستمرت وإن كان بعيدا فعلى قولي سبق الحدث فإن فرعنا على القدم فمكثت حتى أتي بالخمار في مثل تلك المدة التى كانت تمشي إليه فيحتمل أن يقال هذا أولي لترك الأفعال ويحتمل أن يقال التشاغل بالتدارك أولى من التعطل
الشرط الرابع ترك الكلام

فكلام العامد مبطل للصلاة وإن قل فإن كان مفهما فالحرف الواحد مبطلكقوله ق و ع من وقى و عى وإن كان غير مفهم فلا يبطل إلا بتوالي حرفين ولا تبطل بصوت غفل من غير حرف وهل تبطل بحرف واحد بعدها مدة فيه تردد وفي التنحنح ثلاثة أوجه
أحدها أنه يبطل صلاته إلا إذا كان مغلوبا أو امتنعت القراءة عليه فتنحنح وعلى هذا إن تنحنح لأجل امتناع الجهر فوجهان
الثاني نقله ابن أبي هريرة عن الشافعي رضي الله عنه أن التنحنح لا يبطل أصلا لأنه ليس من جنس الكلام
الثالث قال القفال لو كان مطبقا شفتيه لا يبطل لأنه لا يكون على هيئة الحروف وإن كان فاتحا فاه بطل والأول هو الأصح هذا في غير المعذور
أما أعذار الكلام فخمسة

الأول أن يتكلم لمصلحة الصلاة فتبطل صلاته خلافا لمالك ويدل عليه أمر التنبيه على سهو الإمام بالتسبيح والتصفيق مع أن تنبيهه من مصلحة الصلاة
الثاني النسيان وهو عذر في قليل الكلام لحديث ذي اليدين خلافا لأبي حنيفة
وفي كثرة وجهان وتعليل وجه البطلان لمعنيين
أحدهما انخرام نظم الصلاة والثاني وقوع ذلك نادرا وعلى الأخير يبطل الصوم بالأكل الكثير
الثالث الجهل بتحريم الكلام عذر في حق قريب العهد بالإسلام لأحاديث وردت فيه وليس عذرا في حق غيره
والجهل بكون الكلام مبطلا مع العلم بالتحريم لا يكون عذرا
والجهل بكون التنحنح مبطلا أو ما يجري مجراه فيه تردد والأصح أنه عذر
الرابع لو التفت لسانه بكلمة بدرت منه فهذا عذر وأبو حنيفة يوافق ذلك لأنه لا يزيد على سبق الحدث
الخامس لو أكره على الكلام في الصلاة ففي بطلانها قولان كما لو أكره علىالأكل في الصوم
فرعان

الأول إذا قال وقد استأذن جمع على بابه { ادخلوها بسلام آمنين } إن قصد القراءة لم تبطل صلاته وإن قصد الخطاب المجرد بطل وإن قصدهما جميعا لم تبطل عندنا خلافا لأبي حنيفة
الثاني السكوت الطويل ذكر القفال فيه وجهين
أصحهما أنه لا يبطل لأنه ليس يخرم نظم الصلاة والثاني أنه يبطل لأنه يقطع الولاء بين أفعال الصلاة
وعلى هذا لو كان ناسيا فطريقان
أحدهما أنه على الوجهين في الكلام الكثير
والثاني أنه كالكلام القليل وهو الأصح
النظر الخامس ترك الأفعال الكثيرة

فلو مشى ثلاث خطوات بطلت صلاته وكذا إذا ضرب ثلاث ضربات وأما الفعل القليل فإن كان من جنس الصلاة كركوع أو قيام فهو مبطل وإن لم يكن من جنسها فلا لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أخذ أذن ابن عباس وأداره من يساره إلى يمينه وأدرك أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع فركع ثم خطا خطوة واتصلبالصف فقال عليه الصلاة والسلام زادك الله حرصا ولا تعد وقال عليه الصلاة والسلام إذا مر المار بين يدي أحدكم فليدفعه فإن أبى فليدفعه فإن أبي فليقاتله فإنه شيطان فدل على جواز الفعل القليل وهذا الدفع ليسبواجب والمرور ليس بمحظور ولكنه مكروه وإنما المبالغة لتأكيد الكراهة
وليكن للمصلي حريم يمنع المار بأن يستقبل جدارا أو سارية أو يبسط مصلى أو ينصب خشبة بعيدة منه بقدر ما بين الصفين فتكون العلامة مانعة من المرور ولو خط في الأرض خطا مال في القديم إلى الاكتفاء به وكتب ذلك فيالجديد ثم خط عليه فلو قصر المصلي وترك العلامة فهل له منع المار فعلى وجهين يلتفت في أحدهما إلى التقصير وفي الثاني إلى عموم الخبر
ومهما لم يجد المار سبيلا سواه فلا يدفع الحال
فإن قيل ما حد الفعل القليل قلنا غاية ما قيل فيه إنه الذى لا يعتقد الناظر إلى فاعله أنه معرض عن الصلاة وهذا لا يفيد تحديدا فقد تردد القفال فيتحريك الإصبع على التوالي في حساب أو إدارة مسبحة أو في حكة
وأصناف الأفعال كثيرة فليعول المكلف فيه على اجتهاده
ولو قرأ القرآن من المصحف وهو يقلب الأوراق أحيانا لم يضره
وقال أبو حنيفة إن لم يحفظ القرآن على ظهر قلبه لم يجز
الشرط السادس ترك الأكل

وهو مبطل قل أو كثر لأنه يعد إعراضا عن الصلاة ولو كان يمتص سكرة من غير مضغ فوجهان منشأ الخلاف أن الواجب هو الإمساك أو ترك فعل الأكل
خاتمة

شرط المكث في المسجد عدم الجنابة فيجوز للمحدث المكث وللجنب العبور ولا يلزمه في العبور انتحاء أقرب الطرق وليس له التردد في حافات المسجد من غير غرض
وليس للحائض العبور عند خوف التلويث وكذا من به جراحة نضاخة بالدم
فإن أمنت التلويث فوجهان لغلط حكم الحيض
والكافر يدخل المسجد بإذن آحاد المسلمين ولا يدخل بغير إذن على أظهر الوجهين فإن كان جنبا فهل يمنع من المكث فعلى وجهين
أحدهما نعم كالمسلم
والثاني لا لأنهم لا يؤاخذون بتفصيل شرعنا
الباب السادس في أحكام السجدات وهي ثلاثة
الأولى سجدة السهو

وهي سنة عندنا وعند أبي حنيفة واجبة والنظر في مقتضيه ومحله
الأول المقتضي وهو قسمان ترك مأمور وارتكاب منهي
أما المأمورات فالأركان لا تجبر بالسجود بل لا بد من التدارك
وإنما يتعلق السجود من جملة السنن بما يؤدي تركه إلى تغيير شعار ظاهر خاص بالصلاة وهي أربعة التشهد الأول والجلوس فيه والقنوت في صلاة الصبح والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول وعلى الآل في التشهد الثاني إن رأيناهما سنتين
ولا يتعلق السجود بترك السورة ولا بترك الجهر وسائر السنن ولا بترك تكبيرات صلاة العيد وإن كان شعارا ظاهرا ولكنه ليس خاصا في الصلاة بل يشرع في الخطبة وغيرها في أيام العيد وعلق أبو حنيفة بالسورة وتكبيرات العيد وترك الجهر
فرع

لو تعمد ترك هذه الأبعاض ففي السجود وجهان
أحدهما أنه يسجد لأنه أحوج إلى الجبر من الساهي
والثاني لا لأنه يجبر مع العذر والعامد غير معذور
أما المنهيات فما يبطل الصلاة عمده يتعلق السجود بسهوه وما لا فلا
ومواضع السهو ستة نوردها على ترتيب الصلاة

الأول إذا نقل ركنا إلى غير محله كما لو قرأ الفاتحة أو التشهد في الاعتدال من الركوع فقد جمع بين النقل وتطويل ركن قصير فالظاهر أنه يبطل عمده ويقتضي السجود سهوه وفيه وجه بعيد أنه لا يبطل
فأما إذا وجد النقل إلى ركن طويل أو تطويل القصير بغير نقل ففي البطلان وجهان
أحدهما نعم كنقل الركوع والسجود
والثاني لا لأن القراءة كالجنس الواحد
وعلى هذا هل يسجد بسهوه فوجهان
وجه قولنا يسجد أنه تغيير ظاهر وكما لا يبعد أن يناط السجود بترك ما ليس بواجب من السنن لا يبعد أن يناط بترك ما ليس بمبطل من المنهيات وهذا استثناء عن الضبط الذى ذكرناه في المنهيات
ولو نقل القراءة إلى القعود بين السجدتين فالمشهور وهو اختيار ابن سريج أنه ركن طويل كالقعود للتشهد
وقال الشيخ أبو علي لا يبعد تشبيه بالاعتدال عن الركوع لأن المقصود الظاهر منه الفصل بين السجدتين
الموضع الثاني إذا نسي الترتيب فما جاء به قبل أوانه غير معتد به وكأنه ارتكب منهيا سهوا ولو ترك سجدة من الأولى وقام إلى الثانية فلا يعتد من سجدتيه في الثانية إلا بواحدة يتم بها الركعة الأولى ولو ترك أربع سجدات من أربع ركعات كذلك فلم يحصل له إلا ركعتان إذ حصل من كل ركعتين ركعة فيصلي ركعتين ويسجد للسهو
وقال أبو حنيفة يكفيه أن يقضي أربع سجدات في آخر صلاته ولو ترك ثماني سجدات لم يجوز القضاء جميعا بل قال ما لم تتقيد الركعة بسجدة واحدة لم يعتد بها
فرعان

الأول لو ترك سجدة من الأولى وثنتين من الثانية وواحدة من الرابعة فقد حصل له من الثلاثة الأولى ركعة تامة حصلت الركعة الأخيرة بلا سجدة فليسجد ثانية وليصل ركعتين وإن نسي أربع سجدات ولم يدر من أين تركها فليسجد سجدة وليصل ركعتين أخذ بهذا التقدير الذى هو أسوأ التقديرات
الثاني إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة فليجلس للسجود فإن كان قد جلس بين السجدتين على قصد الفرض لم يلزمه إلا السجود وإن كان جلس علىقصد الاستراحة فيبنى على الخلاف في أن الفرض هل يتأدى بنية النفل وإن لم يكن جلس بعد السجدة الأولى فالأظهر أنه يجلس مطمئنا ثم يسجد
وفيه وجه أن الفصل بين السجدتين قد حصل بالقيام فيغنيه ذلك عن الجلوس
الموضع الثالث إذا قام قبل التشهد الأول ناسيا فإن انتصب لم يعد لأنه لابس فرضا فإن عاد مع العلم بطلت صلاته وإن ظن الجواز لم تبطل لكن يسجد للسهو ولو كان مأموما وقد قعد الإمام وقام المأموم إلى الركعة الثالثة فهل يرجع فعلى وجهين
أحدهما نعم لأن القدوة أيضا واجبة
والثاني لا لأن سبق الإمام بركن واحد لا يبطل الصلاة ولا خلاف أنه لو قام عمدا لم تبطل صلاته ولم يجز له الرجوع إلى موافقة الإمام كما لو رفعرأسه قبل الإمام قصدا ورجع إلى السجود مع العلم بطلت صلاته وإن ظن أن الإمام رافع رأسه فرفع ففي جواز العود وجهان
أما إذا تذكر ترك السجود قبل الانتصاب فيرجع ثم يسجد للسهو إن كان قد انتهى إلى حد الراكعين لأنه زاد ركوعا وإن كان دون حد الركوع فلا يسجدوإن ارتفع غير منحن وصار أقرب إلى القيام منه إلى القعود رجع وفي السجود نظر قال الصيدلاني يسجد لأنه فعل كثير من جنس الصلاة ويحتمل أن يقال إن الخطوتين تزيد عليه فلا تبطل الصلاة بعمده بخلاف الانتصاب والركوع فإنهما من جنس واجبات الصلاة
الموضع الرابع إذا جلس عن قيام الركعة الأخيرة للتشهد قبل السجود فإذا تذكر بعد التشهد تدارك السجود وأعاد التشهد وسجد للسهو لأنه زاد قعودا طويلا في غير وقته ولو ترك السجدة الثانية فتشهد ثم تذكر تداركها وأعاد التشهد ولا يسجد لأن الجلوس بين السجدتين ركن طويل إلا إذا قلنا إنه قصير أو قلنا مجرد نقل الركن يبطل
فأما إذا جلس عن قيام ولم يتشهد فإن طول سجد للسهو وإن كان خفيفا فلا لأن جلسة الاستراحة معهودة في الصلاة وهذا يساويها وإن لم يكن في محله بخلاف الركوع والسجود
الموضع الخامس إذا تشهد في الأخيرة وقام إلى الخامسة ناسيا لم تبطلصلاته وإن كثرت أفعاله الزائدة لأنه من جنس الصلاة فلا تضر مع النسيان ولكن إذا عاد فالقياس أنه لا يعيد التشهد بل يسجد للسهو ويسلم ولكن ظاهر النص أنه يتشهد وعلل ابن سريج بعلتين
إحداهما رعاية الولاء بين التشهد والسلام
والثانية أن لا يبقى السلام منفردا غير متصل بركن من أحد الجانبين والمعنيان ضعيفان
وفرع على المعنيين ما إذا هوى إلى السجود قبل الركوع فإن حاذرنا بقاء السلام فردا فيكفيه أن يرتفع إلى حد الراكعين وإن راعينا الولاء فينبغي أن يقوم ويركع عن القيام ليتصل الركوع بقيام يعتد به
الموضع السادس إذا شك في أثناء الصلاة في عدد الركعات أخذنا بالأقل وسجد للسهو لاحتمال الزيادة ولو سلم ثم شك ففيه ثلاثة أقوالأحدها أن ذلك محطوط عنه لأن الشك يكثر بعد الفراغ فلا سبيل إلى تتبعه
والثاني أنه كالشك في الصلاة فإن الأصل أنه لم يفعل فإن قرب الزمان قام إلى التدارك وسجد للسهو لأنه سلم في غير محله وإن طال الزمان فلا وجه إلا القضاء والاستئناف
والقول الثالث وهو من تصرف الأصحاب أنه إذا شك بعد تطاول الزمان فلا يعتبر لأن من تفكر في صلاة أمسه فيتشكك فيها وغن قرب الزمان يعتبر
وليس من الشك أن لا يتذكر كيفية صلاته السابقة بل الشك أن يتعارض اعتقادان على التناقض بأسباب حاضرة في الذكر توجب تناقض الاعتقاد
قواعد أربعة

الأولى من شك في السهو فإن كان شكه في ترك مأمور سجد للسهو إذ الأصل أنه لم يفعله وإن شك في ارتكاب منهي لم يسجد لأن الأصل أنه لميرتكب ولو علم السهو وشك في أنه هل سجد له أم لا فالأصل أنه لم يسجد ولو سجد للسهو فلم يدر أسجد سجدتين أم واحدة أخذ بالأقل لأن الأصل عدمها فيسجد سجدة أخرى ثم لا يسجد لهذا السهو لأنه يجبر نفسه وغيره
والأخذ باليقين مطرد إلا في مسألة وهي من شك أصلى ثلاثا أو أربعا أخذ بالأقل وسجد لورود الحديث وإن كان الأصل أنه لم يزد قال الشيخأبو علي سبب السجود أنه إن لم يزد فقد أدى الرابعة مع تجويز أنها خامسة فتطرق إليه نقص حتى لو تيقن قبل السلام أنها رابعة سجدا أيضا لوجود التردد في نفس الركعة
وأنكر الشيخ أبو محمد تعليله وتفريعه وقال لا يسجد إذا زال التردد قبل السلام
الثانية إذا تكرر السهو لم يتكرر السجود بل يكفي لجميع أنواع السهو سجدتان وقال ابن أبي ليلى لكل سهو سجدتان وهو لفظ الخبر لكن معناه تعميم السجود على أنواع السهو كما يقال لكل ذنب توبة فلا يتكرر سجود السهو إلا إذا أداه في غير محله كما إذا سجد في صلاة الجمعة ثم بان لهم أن الوقت خارج تمموها ظهرا وأعادوا السجود وكذا المسافر إذا قصر وسجد فتبين له انتهاء السفينة إلى دار الإقامة أتم وأعاد السجود وكذا المسبوق إذا سجد لسهو الإماممتابعة أعاد في آخر صلاة نفسه على رأي
فرع

لو ظن سهوا فسجد ثم تبين أنه لم يكن سهو فقد زاد إذا سجدتين
قال بعض المحققين يسجد الآن لزيادة السجدتين
قال الشيخ أبو محمد ذلك السجود سجود سهو من وجه وجبر لنفسه من وجه كالشاة من الأربعين فإنها تزكي نفسها وبقية النصاب
الثالثة إذا سها المأموم لم يسجد بل الإمام يتحمل عنه كما يتحمل عنه سجود التلاوة ودعاء القنوت والجهر في الجهرية والقراءة واللبث في القيام من المسبوق وكذا التشهد الأول عن المسبوق بركعة واحدة فإن ثانيته ثالثة الإمام ولا يقعد فيها
نعم لو سلم الإمام وسلم المسبوق ناسيا قام إلى التدارك وسجد لسهوه بالسلام بعد مفارقة الإمام
فرع

لو سمع صوتا فظن أن الإمام سلم فقام ليتدارك ثم عاد إلى الجلوس والإمام بعد في الصلاة فكل ما جاء به سهو لا يعتد به ولا يسجد لأن القدوة مطردة فإذا سلم الإمام فليتدارك الآن وإن تذكر في القيام أن الإمام لم يتخلل فليرجعإلى القعود أو لينتظر قائما سلامه ثم ليشتغل بقراءة الفاتحة
الرابعة إذا سها الإمام سجد وسجد المأموم لمتابعته فلو ترك قصدا بطلت صلاته لمخالفته ولو ترك الإمام السجود فظاهر النص أن المأموم يسجد ثم يسلم لأن سجوده لسهو الإمام ولمتابعته جميعا ومذهب البويطي والمزني وطائفة من الأصحاب أنه لا يسجد لأنه يسجد لمتابعة الإمام
فرع

إذا سهى الإمام بعد اقتداء المسبوق سجد ويسجد المأموم معه للمتابعة وإن لم يكن آخر صلاته هذا هو الظاهر
وهل يعيد في آخر صلاته
فيه قولان يلتفتان على أنه يسجد للسهو أو لمتابعته
وإن لم يسجد الإمام فظاهر النص أنه يسجد في آخر صلاة نفسه وإن كان الإمام سهى قبل اقتدائه فهل يلحقه حكمه كما بعد الاقتداء
ظاهر المذهب أنه يلحقه
النظر الثاني في محل السجود وكيفيته

وظاهر النص الجديد أنه يسجد سجدتين بعد التشهد قبل السلام
وقال مالك إن كان السهو نقصانا فهو قبل السلام وإن كان زيادة فبعده وقال أبو حنيفة يسجد بعد السلام ومذهب مالك قول قديم
والتخيير بين التقديم والتأخير قول ثالث
ومستند الأقوال تعارض الأخبار ولكن كان آخر سجود الرسول صلى الله عليه وسلم قبل السلام فكأنه ناسخ لغيره
ثم هذا الاختلاف في الولى أو الوجوب فيه وجهان
فإن فرعنا على أنه قبل السلام فلو سلم عامدا قبل السجود فقد فوت على نفسه
وإن سلم ناسيا وتذكر على القرب فهل يسجد فيه وجهان
أحدهما لا لأنه مسنون والسلام ركن جرى محللا
والثاني نعم وكأن السلام موقوف فإن عن له السجود بان أنه لم يتحلل حتى لو أحدث في السجود بطلت صلاته وإن عن له أن لا يسجد بان أنه كان محللا
لو طال الزمان ثم تذكر تبين أنه كان محللا إذ تعذر التدارك
وإن فرعنا على أنه بعد السلام فهل يفوت بطول الفصل وجهان
أصحهما أنه يفوت لأنه من التوابع كالتسليمة الثانية
والثاني لا لأنه جبران فيضاهي جبرانات الحج
السجد الثانية سجدة التلاوة

وهي سنة مؤكدة وقال أبو حنيفة إنها واجبة
ومواضعها في القرآن أربع عشرة آية وليس في صورة ص سجدة خلافا لأبي حنيفة وفي الحج سجدتان وقال صلى الله عليه وسلم من لم يسجدهما لم يقرأهما وقال أبو حنيفة فيها سجدة واحدة
وأثبت ابن سريج سجدة ص
والقول القديم أن السجدات إحدى عشرة إذ روى ابن عباس رضي الله عنه أنه ما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المفصل بعد ما هاجر
ولكن روى الشافعي رضي الله عنه بإسناده في الجديد أنه عليه الصلاة والسلام سجد في سورة { إذا السماء انشقت } قد رواه أبو هريرة وقد أسلم بعد الهجرة بسنتين
ثم هذه السجدات مشروعة في حق القارئ والمستمع أيضا إذا كان متطهرا فإن لم يسجد القارئ لم يتأكد الاستحباب في حق المستمع وهذا في غير الصلاة أما في الصلاة فلا يسجد المأموم إلا لقراءة إمامه إذا سجد متابعة له ولا يسجد لقراءة نفسه ولا لقراءة غير الإمام
ومن قرأ آية من مجلس واحد مرتين فهل تشرع السجدة الثانية له فيه وجهان
فإن قيل وما كيفية هذه السجدة قلنا هى سجدة واحدة تفتقر إلى شرائط الصلاة كالاستقبال والطهارة والستر وفي أقلها ثلاثة أوجه الأصح أنها سجدة فردة
يستحب أن يكبر عند الهوى إلى الأرض وقيل لا يستحب وهو بعيد
والثاني أنه لا بد من التحرم بالتكبير والنية وسجدة وسلام
وفي التشهد وجهان فإن قلنا لا يجب ففي استحباب التشهد وجهان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجود التلاوة يقول سجد وجهي للذى خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته
وروي أنه قال اللهم اكتب لي عندك بها أجرا واجعلها لي عندك ذخرا واقبلها مني كما قبلت من عبدك داود
الثالث أن التحرم لا بد منه أما السلام فلا هذا في غير الصلاة أما المصلي فيكفيه سجدة واحدة ويستحب في حقه تكبير الهوي ولا يستحب رفع اليد وفي غير الصلاة قال العراقيون يستحب رفع اليد لأنه تكبيرة التحرم
فرع

إذا كان محدثا في حال التلاوة أو كان متطهرا وترك السجود حتى طال الفصل ففي قضائها قولان كما في النوافل ذكرهما صاحب التقريب وقال ما لا يتقرب به ابتداء لا يقضى كصلاة الخسوف والاستسقاء وهذا إشارة إلى أن المتقرب بسجدة من غير سبب جائز
وكان الشيخ أو محمد شدد النكير على فاعل ذلك وهو الصحيح
فعلى هذا يبعد القضاء
السجدة الثالثة سجدة الشكر

وهي مسنونة عند مفاجأة الإنسان نعمة أو دفع بلية ولا يستحب لاستمرار نعمة
ولو بشر بولد في صلاته فسجد بطلت صلاته بخلاف التلاوة فإن لها تعلقا بالصلاة
ثم إن رأى فاسقا وسجد شكرا على دفع المعصية فليظهره فلعله يرعوي
وإن رأى مبتلى فلا يظهره كي لا يتأذى به
فرع

سجود التلاوة في أثناء الصلاة يؤدى على الراحلة فأما في غير الصلاة فهل يؤدى على الراحلة فيه خلاف كما في صلاة الجنازة لأن أظهر أركانه تمكين الجبهة من الأرض وينمحي بالإيماء وكذا الخلاف في سجود الشكر
الباب السابع في صلاة التطوع
وفيه فصلان
الأول في السنن الرواتب تبعا للفرائض وهو إحدى عشرة ركعة

ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء والوتر ركعة
وزاد آخرون ركعتين أخريين قبل الظهر
وزاد بعضهم أربع ركعات قبل العصر فيصير العدد سبع عشرة على وفق عدد الفرائض
ولم يواظب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سنة قبل العصر حسب مواظبته على ركعتين قبل الظهر واستحب بعض الأصحاب ركعتين قبل المغرب
أما الوتر فسنة وقال أبو حنيفة واجب
وأحكامه خمسة

الأول أنه عليه الصلاة والسلام أوتر بواحدة وثلاث وخمس وكذا بالأوتار إلى إحدى عشرة
والنقل متردد في ثلاث عشرة فلو زاد على هذا العدد ففي صحة إيتارهوجهان وجه المنع أن هذه سنة مؤكدة فيتبع في حدها التوقيف كركعتي الصبح
ووجه الجواز أن اختلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على فتح الباب
الثاني إذا زاد على الواحدة ففي التشهد وجهان
أحدهما أنه يتشهد تشهدين في الأخيرتين والثاني أنه يتشهد في الأخيرة تشهدا واحدا كيلا يشتبه بالمغرب إن كان ثلاثا وكل ذلك منقول والكلام في الأولى نعم لو تشهد في كل ركعة فهذا لم ينقل
الثالث الأفضل في عدد الركعات ماذا فيه أربعة أوجه
أحدهما أنه ثلاثة موصولة أفضل فإن الركعة المفردة ليست صلاة عند قوم فليحترز عن شبهة الخلاف
الثاني أن ركعة فردة أولى من ثلاثة موصولة بل من إحدى عشرة موصولة لأنه صح مواظبته على الفردة في آخر التهجد
الثالث أن ثلاثة مفصولة بسلامين أفضل من ثلاثة موصولة ولكن الواحدة ليست أفضل من ثلاثة موصولة
الرابع أن الإمام تستحب في حقه الموصولة لاختلاف اعتقاد المقتدين به حتى تصح صلاته في كل مذهب
الحكم الرابع حق الوتر أن يكون موترا لما قبله
فلو أوتر بواحدة قبل الفرض لم يصح وتره على المذهب ولو أوتر بواحدة بعد الفرض فوجهان
ووجه المنع أن الموتر هو النفل وكأنه مقدمة مشروطة لصحة الوتر فإن وصل بهما تسليمة واحدة نوى بالكل الوتر وإن لم يصل نوى سنة ثم يصير وترا بما بعدها
وليكن الوتر آخر صلوات المتهجد كان عمر رضي الله عنه لا يوتر وينام ثم يقوم ويصلي ويوتر وكان أبو بكر رضي الله عنه يوتر ثم ينام ويقوم ويتهجدووتره سابق فترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا أخذ بالحزم عنى به أبا بكر وهذا أخذ بالقوة عنى به عمر
وكان ابن عمر يوتر ثم إذا انتبه صلى ركعة وجعل وتره شفعا ويتهجد ثم أعاد الوتر وسمى ذلك نقض الوتر
واختار الشافعي فعل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه
الخامس القنوت مستحب في الوتر في النصف الأخير من رمضان بعد رفع الرأس من الركوع
وقال أبو حنيفة يقنت قبل الركوع في الوتر جميع السنة
وقال مالك بعد الركوع في جميع شهر رمضان
وفي الجهر بالقنوت خلاف
والعادة قراءة { سبح اسم ربك الأعلى } و { قل يا أيها الكافرون } في الأوليين وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين في الأخيرة وقيل إن عائشة رضي الله عنها روت ذلك
الفصل الثاني في غير الرواتب

وهى تنقسم إلى ما يشرع فيه الجماعة كالعيدين والخسوفين والاستسقاء وهي أفضل مما لا جماعة فيه وأفضلها العيدان لتأقيتهما ثم الخسوفان
أما الرواتب فأفضلها الوتر وركعتا الفجر وفيهما قولان
أحدهما أن الوتر أفضل لأنه عليه الصلاة والسلام قال وإن زادكم صلاة هى خير لكم من حمر النعم
والثاني ركعتا الفجر أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها
فأما ما عدا الرواتب مما لا تشرع الجماعة فيها كصلاة الضحى وتحية المسجد وركعتي الطواف وسائر التطوعات التى لا سبب لها
وفي التراويح ثلاثة أوجه
أحدهما أن الجماعة أولى تأسيا بعمر رضي الله عنه
والثاني الانفراد أولى لأن الأستخلاء بصلاة الليل أبعد من الرياء
والثالث أنه إن كان لا يخاف الكسل ويحفظ القرآن فالانفراد أولى وإلا فالجماعة وقد قال صلى الله عليه وسلم فضل تطوع الرجل في بيته على تطوعه في المسجد كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في بيته وروي أنه قال صلاة فيمسجدي هذا أفضل من مائة صلاة في غيره من المساجد وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في مسجدي وأفضل من ذلك كل رجل يصلي في زاوية بيته ركعتين لا يعلمهما إلا الله
قواعد ثلاثة

الأولى التطوعات التى لا سبب لها لا حصر لركعاتها فإن تحرم بركعة جاز له أن يتمها مائة بتسليمة واحدة إن تحرم بمائة جاز له أن يقتصر على واحدة فما فوقها وله أن يتشهد بين كل ركعتين أو في كل ركعة أو في آخر الصلاة فقط والأولى من التطوعات مثنى مثنى على نهج الرواتب
الثانية في قضاء النوافل ثلاثة أقوال
أحدهما أنها تقضى قياسا على الفرائض
والثاني لا والأصل أن القضاء يجب بأمر مجدد فأما الفرائض فإنها ديون لازمة
والثالث ما تأقت بوقت ولم يتبع فريضة كصلاة العيد والضحى يقضى والتوابع لا تقضى
فإن فرعنا على القضاء فالصحيح أنه يقضى أبدا
وقيل إن فائت النهار يقضى بالنهار وفائت الليل بالليل ولا يتجاوز ذلك
وقيل تقضى نافلة كل صلاة ما لم يدخل وقت فريضة أخرى أما ركعتا الصبح فتؤدى بعد فعل الصبح ولا يكون قضاء فإن تقديمه أدب
الثالثة يؤدي النافلة قاعدا مع القدرة على القيام وفي الاضطجاع خلاف
ولو قال لله علي أن أقوم في كل نافلة لم يلزمه كما لو التزم الإتمام والصوم في السفر فإن هذا تغيير الشرع فخلاف ما لو قال لله علي أن أصلي أربع ركعات قائما فإن ذلك يلزمه ولو لم يقل قائما وقلنا النذر ينزل على واجب الشرع لا على جائزه يلزمه
كتاب الصلاة بالجماعة وحكم القدوة والإمامة

وفيه ثلاثة أبواب الباب الأول في فضل الجماعة
الباب الثاني في صفات الأئمة
الباب الثالث في القدوة

الباب الأول في فضل الجماعة

وهى مستحبة غير واجبة إلا في صلاة الجمعة
وهي واجبة عند داود وأحمد
وقال بعض أصحابنا هى فرض على الكفاية
وفيها خمس مسائل

الأولى الجماعة في الجمع الكثير أفضل إلا إذا تعطل في جواره مسجد فإحياؤه ولو بجمع قليل أفضل
الثانية تحوز المرأة فضل الجماعة اقتدت برجل أو امرأة قال عليه الصلاة والسلام تقف إمام النساء وسطهن وكانت عائشة رضي الله عنها تفعل كذلك
وقال أبو حنيفة الانفراد والجماعة في حقها سواء
الثالثة وردت رغائب في فضيلة التكبيرة الأولى وذلك بشهود المقتدي تحرم الإمام واتباعه له وقيل مدرك الركوع مدرك لفضيلتها وقيل لا بد من إدراك القيام
أما فضيلة الجماعة فتحصل بأن يدرك الإمام في الركوع الأخير ولا تحصل بما بعده لأنه ليس محسوبا له في صلاته
الرابعة إذا أحس الإمام بداخل في الركوع فمده ليدركه الداخل فثلاثة أقوال
أحدها أن ذلك لا يجوز بل لو طول بطلت صلاته
والثاني أنه لا يبطل ولكن يكره
والثالث أنه يستحب ولكن بشرط أن لا يظهر التطويل وأن لا يميز بين داخل وداخل
الخامسة من صلى في جماعة لم يستحب له إعادتها في جماعة أخرى عل الصحيح فأما المنفرد فيعيد بالجماعة
ثم الفرض أيهما فيه قولان
أحدهما أنه الأولى لسقوط الخطاب به وعلى هذا لا ينوى في الثانيةالفرضية بل يكون ظهرا نفلا كما في حق الصبي وقيل إن كان في المغرب يزيد ركعة حتى لا يبقى وترا فإن الأحب في النوافل الشفع
الثاني أن الفرض أحدهما لا بعينه يحتستب الله تعالى أيهما شاء فعلى هذا ينوي الفرض في الثاني
قاعدة

لا رخصة في ترك الجماعات إلا بعذر عام كالمطر مع الوحل والريحالعاصفة بالليل دون النهار أو خاص مثل أن يكون مريضا أو جائعا أو ممرضا أو هاربا من السلطان أو مديونا معسرا يحذر الحبس أو حافظ مال أو منشد ضالة أو عليه قصاص يرجو العفو عند سكون الغليل أو كان حاقنا وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحدكم وهو زناء وروى وهو ضام وركيه أي حاقنا
وقيل إنه إذا ألحقته الحاجة بحيث تبطل الخشوع لم تصح صلاته
الباب الثاني في صفات الأئمة
وفيه فصلان
الفصل الأول فيمن يصح الاقتداء به

وكل من لا تجزئ صلاته عن وجوب القضاء فلا يصح الاقتداء به كمن لم يجد ماء ولا ترابا ولو اقتدى به مثله ففيه تردد
ومن صحت صلاته في نفسه صح الاقتداء به إلا المقتدي والمرأة والأمي فيصح الاقتداء بالصبي والرقيق والمتيمم والمريض القاعد ويقف المقتدي قائما ويصح الاقتداء بالأعمى وهو أولى من البصير لأنه أخشع خلافا لأبي حنيفة
أما المقتدي فهو تابع فلا يقتدى به وأما المرأة فلا يقتدي الرجل بها وإن كان محرما ولا بالخنثى ولا يقتدي الخنثى بالخنثى فإن اقتدى بخنثى ثم بان بعد الصلاة كونه رجلا فأصح القولين وجوب القضاء لأن التردد منع الصحة في الابتداء أما المرأة فتقتدي بالرجل وبالخنثى
ولا بأس بحضور العجوز المسجد ووقوفها في آخر الصف ومن العلماء من كره ذلك
أما الأمي وهو الذى يحسن الفاتحة أو شيئا منها فيصح اقتداء الأمي به ولا يصح للقارئ الاقتداء به عل الجديد لأنه بصدد تحمل الفاتحة عن المسبوق
ويجوز في القديم وهو مذهب المزني وهو مقتضى قياس الاقتداء بالمتيمم والمريض
وخرج قول ثالث إنه لا يجوز في الجهرية على قولنا إن المأموم في الجهرية لا يقرأ ويجوز في السرية
فرعان

أحدهما من يحسن النصف الأول من الفاتحة لا يقتدي بمن لا يحسن إلا النصف الأخير لأنه أمي في بعض ما يحسنه المقتدى والأمي في حرف كالأمي في الكل
الثاني لو تبين بعد الصلاة أنه كان أميا لم يلزمه القضاء كما لو بان كونه جنبا أو محدثا ولو بان كونه امرأة أو كافرا لزمه القضاء لأن ذلك مما تظهر علامته غالبا ولا يعرف بصلاته كونه مسلما ما لم يسمع منه كلمة الشهادة ولو بان كونه زنديقا فوجهان لأن ذلك يخفى في غالب الأمر
الفصل الثاني فيمن هو أولى بالإمامة

قال عليه السلام يؤمكم أقرؤكم فإن لم يكن فأعلمكم بالسنة فإن لم يكن فأقدمكم سنا إلا أن الأفقه مقدم على الأقرأ لأن حاجة الصلاة إلى الفقه أكثر والفقيه أيضا مقدم على المشهور بالورع لذلك وإن كان الورع مقدما عل الفقيه الفاسق وقدم رسول الله صلى عليه وسلم الأقرأ إذ كان أقرأهم في ذلك العصر أفقههم
فأحق الخصال الفقه ثم ظهور الورع ثم السن والنسب وفيهما قولان
أحدهما تقديم النسب لقوله عليه الصلاة والسلام قدموا قريشا
والثاني تقديم السن لقوله عليه الصلاة والسلام أقدمكم سنا
فإن تساوت هذه الصفات فيرجح بحسن المنظر ونظافة الثوب
ومن كره القوم إمامته كره له ذلك
وأما باعتبار المكان فالوالي أولى من المالك والمالك أولى من غيره والمستأجر أولى من المالك والسيد أولى من العبد الساكن وفي المستعير والمعير تردد للأصحاب والله تعالى أعلم
الباب الثالث في شرائط القدوة

وشروطها المتابعة قصدا وفعلا وموقفا ويرجع ذلك إلى شروط ستة
الأول أن لا يتقدم في الموقف على الإمام فإن فعل بطلت صلاته على الجديد خلافا لمالك ولا تبطل بتقدمه صلاة الإمام ولا بتقدم المرأة إذا اقتدت خلافا لأبي حنيفة
ولو ساواه جاز ولكن التخلف قليلا أحب ثم التعويل على مساواة الكعب فإن المشط قد يطول
والمستحب إذا كانوا ثلاثة أن يصطفوا خلفه والواحد يقف على يمينه والاثنان يصطفان عندنا وقال ابن مسعود يقف أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره
ولو أم برجل وامراة وقف الرجل عن يمينه والمرأة خلفه ولو أم بامرأة وخنثى وقفت المرأة خلف الخنثى
ومما يستحب في الموقف أن لا يقف الداخل منفردا إذا وجد صفا فليدخل الصف أو يجذب إلى نفسه واحدا منهم إن ضاق الصف وحق المجرور أن يساعده وصلاةالمنفرد في الصف مكروهة صحيحة وقال أحمد هى باطلة
فرع

لو وقفوا حول الكعبة أو داخل البيت متقابلين صحت صلاتهم إذ لا يظهر فيه التقدم وقد قيل ينبغي أن يكون المأموم أقرب إلى الكعبة في جهته من الإمام
الشرط الثاني أن يجتمع المأموم والإمام في مكان واحد فلا يبعد تخلفه ولا يكون بينهما حائل لتحصل نسبة الاجتماع
والمواضع ثلاثة
موضع بنى للصلاة فهو جامع وإن اختلف البناء وبعد التخلف فهو كالمسجد فلو وقف على السطح الإمام في بئر في المسجد صح ولو كانا في بيتين في المسجد أو مسجدين متجاورين وبينهما باب لافظ مفتوح أو مردود وصح
الموضع الثاني الساحة التى لا يجمعها حائط فينبغي أن يكون المأموم فيها على حد قرب وهو غلوة سهم ما بين مائتي ذراع إلى ثلثمائة لأن المكان إذا اتسع كان هذا اجتماعا
وقيل إنه مأخوذ من مسافة بعد المقابلين في غزوة ذات الرقاع عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا مقتدين وحكم الصلاة مستمر عليهم ويمكن حد ذلك بما يبلغ المأموم فيه صوت الإمام عند الجهر المعتاد وهذا جار في الأملاك والبيوت الواسعة
وقيل إنه يشترط اتصال الصف في الملك وهو بعيد
فرع

إذا كان بين الإمام والمأموم شارع مطروق أو نهر لا يخوض فيه غير السابح ففي انقطاع الاجتماع به وجهان أما النهر الذى يخوض فيه السابح فلا يقطع الاتصال
الموضع الثالث الأبنية المملوكة وبها تلتحق المدارس والرباطات فإذا وقفا في بناءين لم يصح إلا باتصال محسوس كما إذا تواصلت المناكب على الباب المفتوح بين البنائين فلو بقي على العتبة مقام واقف لم يحز وإن تخلل فرجة لا تتسع لواقففالأصح الجواز ولو تقدم على الصف المتصل في البناء الذى ليس فيه الإمام لم تصح صلاته ولو وقف وراءهم صح فأما إذا كان الاتصال بتلاحق الصفوف بأن كان البناء الآخر وراء الإمام لا على طرق جنبيه فإن زاد ما بين الصفين على ثلاثة أذرع لم يصح وإن لم يزد فوجهان بخلاف اتصال المناكب فإن ذلك اتصال محقق
وقال العراقيون اختلاف البناء لا يضر إذا لم يكن بينهما جدار حائل
فروع ثلاثة

الأول البحر كالموات فلو كان في سفينتين مكشوفتين وبينهما أقل من غلوة سهم جاز فإن ما بينهما بحوض السفينة لا كالنهر على الأرض
وقال الإصطخري لا يحوز إلا إذا كانت إحداهما مربوطة بالأخرى بحيث يؤمن من التباعد
الثاني إذا اختلف الموقف ارتفاعا وانخفاضا فهو كاختلاف البناء فلا بد مناتصال محسوس وهو أن يلقى رأس المتسفل ركبة العالي تقديرا لو قدر لكل واحد منهما قامة معتدلة
الثالث إذا اختلف البقاع بأن وقف الإمام في المسجد والمأموم في ملك فهو كما لو كانا في بناءين مملوكين وإن كان المأموم في موات ولا حائل فيعتبر غلوة سهم من موقف الإمام على وجه ومن آخر المسجد على وجه ولو كان بينهما حائل يمنع البصر والوصول كالجدار لم يجز على الأصح وما يمنع الوصول دون البصر كالشباك أو البصر دون الوصول كالباب المردود فوجهان والباب المغلق كالجدار
الشرط الثالث نية الاقتداء

فلو تابع من غير النية بطلت صلاته ولا يجب على الإمام نية الإمامة ولكن لا ينال الثواب إذا لم ينو ولا يجب على المأموم تعيين الإمام ولو عينه وأخطأ بطل بخلاف الإمام إذا عين المقتدي وأخطأ
ولو ربط المقتدي نيته بالحاضر وقال نويت الاقتداء بزيد الحاضر فإذا هو عمرو ففي الصحة وجهان كما إذا قال بعت هذه الرمكة فإذا هى نعجة
واختلاف نية الإمام والمأموم لا يضر فيجوز اقتداء المتنفل بالمفترض وعكسه وفي الأداء بالقضاء وعكسه وإن كان أحدهما ظهرا والآخر عصرا خلافا لأبي حنيفة
الشرط الرابع توافق الصلاتين في النظم
فلا يصح الاقتداء في الرواتب بمن يصلي على الجنازة أو صلاة الخسوف لتعذر المتابعة
وقيل إنه يصح
ثم عند المخالفة ينفرد فراغ الإمام مما يخالف وهو بعيد
نعم لو اختلف عدد الركعات فإن كان صلاة المأموم أطول جاز ويكون كالمسبوق إذا أسلم الإمام وإن كان أقصر كما لو اقتضى في الصبح بمن يصلي الظهر فوجهان أصحهما الصحة ثم إذ قام الإمام إلى الثالثة تخير فإن شاء سلم وإن شاء صبر حتىيعود إليه الإمام فيسلم معه ولا يقال يقوم ويوافق ولا يحتسب له لأن ذلك لا يحتمل في ركعات مستقلة
الشرط الخامس الموافقة وهو أن لا يشتغل بما تركه الإمام من سجود تلاوة أو قعود للتشهد الأول فإن فعل بطلت صلاته فأما جلسة الاستراحة فلا بأس وأما القنوت فلا بأس به أيضا إن أدرك الإمام في السجود إذ ليس فيه إلا تخلف يسير
الشرط السادس المتابعة وهو أن لا يتقدم على الإمام ولا يتخلف عنه تخلفا كثيرا ولا يساوقه بل يتابعه فإن ساوق لم يضر إلا في التكبير فإن ابتداء تكبيره ينبغي أن يكون بعد فراغ الإمام على العادة
والمستحب أن يكبر الإمام إذا ظن استواء الصفوف بعد قوله استووا رحمكم الله والناس يسوون صفوفهم بعد فراغ المؤذن من الإقامة وقال أبو حنيفة يسوون عند قوله حي على الصلاة ويكبر الإمام عند قوله قد قامت الصلاة
والصحيح أن السلام كسائر الأركان فيجوز المساوقة فيه
وقال الشيخ أبو محمد هو كالتكبيرة
أما التخلف إن كان بركن واحدا لم يبطل وإن كان بركنين بطل لو لم يركع حتى سجد الإمام بطلت صلاته قطعا ولو لم يركع حتى رفع رأسه من الركوعفوجهان
أحدهما يبطل لأن الاعتدال أيضا ركن فقد سبق بركنين
والثاني لا لعلتين
إحداهما أنه ليس ركنا مقصودا فعلى هذا لا تبطل ما لم يلابس السجود قبل ركوع المأموم
الثانية أن الاعتدال إنما يكون سابقا به إذا فرغ عنه لا بالشروع فيه فعلى هذا إذا هوى للسجود قبل ركوعه بطلت صلاته وإن لم يلابس السجود بعد
وحكم التقدم كالتخلف
وقال الشيخ أبو محمد التقدم بركن واحد يبطل لأنه لا يليق بالمتابعة كالتقدم في المكان وهو بعيد في المذهب هذا كله إذا تأخر بغير عذر فإن كان معذورا كالمسبوق إذا أدرك بعض الفاتحة فثلاثة أوجه
أحدها يترك الفاتحة ويركع لأن السبق يسقط كل الفاتحة فبعضها أولى
والثاني يتمم لأنه التزم الخوض
والثالث إن اشتغل بدعاء الاستفتاح فقد قصر فليتدارك وإلا فليركع فإن قلنا بتدارك فرفع الإمام رأسه من الركوع قبل ركوعه فقد فاتته هذه الركعة وتبطل صلاته على أحد الوجهين لأن هذا الركوع قائم مقام ركعة فكأنه سبقه بركعة وهو بعيد
فروع خمسة

الأول المسبوق ينبغي أن يكبر للعقد ثم للهوي فإن اقتصر على واحد وقصد الهوي به لم ينعقد وإن قصد العقد انعقد بشرط أن يقع تكبيره في اعتداله وإن أطلق فالقياس أنه ينعقد لقرينة البداية
ونقل العراقيون عن الشافعي رضي الله عنه أنه لا ينعقد لأنه قارنته قرينة الهوي ولا مخصص
الثاني إذا نوى قطع القدوة في أثناء الصلاة فيه ثلاثة أقوال
أحدها المنع وفاء بالملتزم
والثاني الجواز لأنه نفل فلا يلزم بالشروع
والثالث الجواز للمعذور بعذر يجوز ترك الجماعة به
وعلى الأقوال إذ أحدث الإمام انقطعت القدوة ولم تبطل صلاة المأموم
الثالث المفرد إذا أنشأ القدوة في أثناء الصلاة فالنص الجديد يدل على منعه
والقديم على جوازه
ويشكل على الجديد جواز الاستخلاف فإن فيه اقتداء بمن لم يقتد به وإنما منع الشافعي رضي الله عنه الاستخلاف في القديم ولكن ليس في الاستخلاف انتقال المنفرد إلى الاقتداء بل هو تبديل المقتدى به
الرابع إذا شك المسبوق فلم يدر أن الإمام فارق حد الراكعين قبل ركوعه فقولان
أحدهما أنه مدرك إذ الأصل بقاء الركوع
والثاني لا إذ الأصل عدم الإدراك
الخامس إذا كان مسبوقا فسلم الإمام نص الشافعي رضي الله عنه على أنه يقوم من غير تكبير
وعلته أنه كبر في ارتفاعه عن السجود مع الإمام وهو الانتقال في حقه
وقال الشيخ أبو حامد يكبر هاهنا للانتقال
كتاب صلاة المسافرين

وفيه بابان الباب الأول في القصر
الباب الثاني في الجمع

الباب الأول في القصر

وهو رخصة جائزة عند وجود السبب والمحل والشرط
والنظر الأول في السبب

وهو كل سفر طويل مباح فهذه ثلاثة قيود
الأول السفر

وحده الانتقال مع ربط القصد بمقصد معلوم فالهائم وراكب التعاسيف لا يترخص وإن مشى ألف فرسخ وأمر السفر ظاهر وإنما الغموض في بدايته ونهايته
أما البداية فهي الانفصال عن الوطن والمستقر
والمستقر ثلاثة

الأول البلد والانفصال عنه بمجاوزة السور فإن لم يكن له سور فبمفارقة البنيان
فإن كان وراء البنيان خراب ففي اشتراط مجاوزته تردد
ولا يشترط مجاوزة المزارع والبساتين التى يخرج إليها للتنزه
الثاني القرية ولا بد فيها من مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة دون التى ليست محوطة
وإن اتصلت أبنية قرية بأخرى فالقياس أن يكفيه مجاوزة قريته
ونقل العراقيون عن الشافعي رضي الله عنه أن ذلك لا يكفي
الثالث الصحراء والانفصال عنها بمجاوزة الخيام والنادي والدمن وإن نزلوا على منهل أو محتطب فلا بد من مجاوزتهما إلا أن يتسع بحيث لا يختص بالنازلين وإن تفرقت الخيام بحيث لا يستعين بعضهم ببعض فلكل حلة حكمها وقد قالالشافعي رضي الله عنه لو نزلوا في واد والسفر في عرضه فلا بد من جزعه
وقال الأصحاب إن كانوا على ربوة فلا بد من الهبوط أو في وهدة فلا بد من الصعود
فرع

إذا رجع المسافر ليأخذ شيئا خلفه فلا يقصر في الرجوع ولا في مستقره فإن لم يكن المستقر وطنا بل أقام بها غريبا فأظهر الوجهين أنه كسفره
أما نهاية السفر فتحصل بأحد أمور ثلاثة

الأول الوصول إلى عمران الوطن
الثاني العزم على الإقامة مطلقا أو مدة تزيد على ثلاثة أيام في موضع تتصور الإقامة به ولو في واد فإن كان لا يتصور فالأصح أنه يترخص لأن العزم فاسد
الثالث الإقامة في صورتها إذا زادت على ثلاثة أيام انقطع الترخص ولايحسب في الثلاث يوم الدخول ويوم الخروج
ثم المقيم فوق الثلاثة إذا كان عازما على أن يشغله ألا يتنجز في الثلاثة فلا يترخص كالمتفقه والتاجر تجارة كبيرة إلا إذا كان شغله قتالا ففيه قولان
أحدهما يترخص لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في بعض الغزوات ثمانية عشر يوما وروي سبعة عشر وروي عشرين
والثاني لا لأنه مقيم والقتال المجدد لا يرخص في القصر وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل على عزمه الارتحال في كل يوم إن تنجز غرضه
فإن قلنا يترخص ففي الزيادة على هذه المدة قولان
الأقيس الجواز لأنه لو طال القتال على رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر على القصر ولما روي أن ابن عمر أقام على القتال بأذربيجان ستة أشهر وكان يقصر
أما إذا كان عزمه الخروج في كل ساعة لو تنجز غرضه ولكن اندفع بعائق فإن كان غرضه القتال يرخص على الصحيح للخبر ومن منع حمل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنقل من موضع إلى موضع وإن كان غرضه غير القتال فقولان
أحدهما المنع لأن هذا خاصية القتال وإلا فهو مقيم من حيث الصورة
والثاني وهو اختيار المزني أنه يترخص لأنه منزعج بالقلب ولا فرق بين القتال وبين غيره في حكم القياس
فرع

لو خرج من بغداد يقصد الري فبدا له أثناء الطريق العود انقطع سفره فلا يقصر في الحال ما لم يفارق مكانه كمشي السفر
ثم إن فارق وكان بينه وبين مقصده مرحلتان قصر وإلا فلا
ولو انتقض عزمه في العود وأراد التمادي إلى الري ولم تبق مرحلتان لا يقصر وكذا لو غير عزيمته من الري إلى همدان انقطع ذلك السفر فليفارق مكانه ثم ليترخص
القيد الثاني الطويل

وحده مسيرة يومين وبالمراحل مرحلتان وبالأميال ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي كل ثلاثة أميال فرسخ
وقال أبو حنيفة هو مسيرة ثلاثة أيام
ثم رخص السفر ثمانية

أربعة منها تتعلق بالقصير والطويل كالصلاة على الراحلة على أصح القولين وترك الجمعة والتيمم وأكل الميتة
وأربعة تتلعق بالطويل القصر والفطر والمسح ثلاثة أيام والجمع في أصح القولين
ثم الصوم أفضل من الفطر وفي القصر والإتمام قولان
وقال الصيدلاني القصر أفضل وفي الفطر قولان لأن بدل الصوم يثبت في الذمة ونقصان القصر لا يثبت في الذمة
ثم لطول السفر أربعة شرائط

الأول أن يعزم عليه في الأول فلو خرج في طلب الآبق على عزم أن ينصرف مهما لقيه لم يترخص وإن مشى ألف فرسخ إلا إذا علم أولا أنه لا يلقاه قبل مرحلتين
الثاني أن لا يحسب الإياب في طول السفر فلو كان مجموع الإيابوالذهاب مرحلتين لا يقصر لا ذاهبا ولا جائيا
الثالث أن يكون طوله ضروريا فلو ترك الطريق القصير وسلك الطويل لم يقصر إلا إذا كان فيه غرض من أمن أو سهولة طريق وفي غرض التنزه والتفرج وجهان
الرابع أن لا يعزم على الإقامة في الطريق فلو قصد سفرا طويلا على أن يقيم في كل مرحلة أربعة أيام لم يترخص
القيد الثالث المباح

فالعاصي بسفره لا يترخص كالآبق والعاق وقاطع الطريق لأن الرخصة إعانة ولا يعان على المعصية ومن عين مقصدا ولا غرض له لم يترخص لأنه عاص بإتعابه نفسه
قال الشيخ أبو محمد من الأغراض الفاسدة طوف الصوفي إذا لم يكن له غرض سوى رؤية البلاد
وفي جواز أكل الميتة والمسح يوما وليلة للعاص وجهان
الأصح الجواز فإنه ليس من خصائص السفر فأشبه تناول المباحات
أما العاصي في سفره بالشرب وغيره فيترخص
فرع

لو أنشأ سفرا مباحا ثم غير القصد إلى معصية فالنص أنه يترخص لأن الشروط إنما تعتبر عند ابتداء الأسباب وقد انعقد هذا السفر سببا مرخصا وكذا على العكس الآبق إذا توجه إلى سيده لم يترخص لفقد الشرط في الابتداء وخرج ابن سريج قولا أن النظر إلى الحال لا إلى الابتداء وهذا أوضح
النظر الثاني في محل القصر

وهو كل صلاة رباعية مؤداة في السفر أدرك وقتها في السفر والرباعية احتراز عن المغرب والصبح فلا قصر فيهما والمؤداة احتراز عن المقضية ولا قصر إذا قضى في السفر ما فات في الحضر ولو فات في السفر ففي قضائها ثلاثة أقوال
أحدها وهو مذهب المزني جواز القصر إذ لم يجب إلا هذا القدر
والثاني المنع لأنه هذه رخصة ووقت القضاء متسع
الثالث إن قضى في السفر قصر وأما في الحضر فلا
وإن تحلل حضر بين سفرين فوجهان
فرع

نص الشافعي رضي الله عنه أن المسافر في آخر الوقت يقصر ونص فيالحائض إذا أدركت أول الوقت أنه تلزمها الصلاة
فقيل قولان بالنقل والتخريج
أحد القولين أنه يلزم بأول الوقت الإتمام على المقيم وأصل الصلاة على الحائض لإدارك وقت الإمكان ولتغليب جانب الوجوب
والثاني لا لأن الوجوب إنما يستقر بكل الوقت أو بآخره
ومنهم من فرق بأن الحيض إذا طرأ كان ذلك القدر من الوقت بالإضافة إلى إمكانها كل الوقت بخلاف المسافر
النظر الثالث في الشرط

وهو اثنان
الأول أن لا يقتدي بمتم فإن اقتدى به ولو في لحظة لزمه الإتمام ولو تردد في أن إمامة مسافر أو مقيم لزمه الإتمام وإن كلام مسافرا بمجرد التردد بخلاف ما لو شك أن إمامه هل نوى الإتمام لأن النية لا يطلع عليها وشعار المسافر ظاهر والظاهر من المسافر أن ينوي القصر
فروع

الأول لو اقتدى بمتم ثم فسدت لزمه الإتمام في الاستئناف لأنه التزم مرة بالشروع
الثاني لو اقتدى بمن ظنه مسافرا ثم بان كونه مقيما لزمه الإتمام لأنه مقصر إذ شعار الإقامة ظاهر
ولو بان أنه مقيم محدث قال صاحب التلخيص له القصر لأنه في الظاهر ظنه مسافرا وفي الباطن لم تصح قدرته
وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه يتمم ويلتفت على أن المسبوق هل يصير مدركا بالركوع إذا بان كون إمامه محدثا
الثالث إذا رعف الإمام المسافر وخلفه المسافرون فاستخلف مقيما أتم المقتدون وكذا الراعف إذا عاد واقتدى بالمستخلف لأنه لم يكمل واحد صلاته حتى كان فيها في صلاة مقيم
الشرط الثاني أن يستمر على نية القصر جزما في جميع الصلاة فلم ينو القصر ولا الإتمام لزمه الإتمام ولو شك في أنه هل نوى القصر ولو في لحظة لزمه الإتمام ولو قام الإمام على الثالثة ساهيا فشك أنه هل نوى الإتمام لزمه الإتمام بخلاف ما إذا شك في نية إمامه لأن النية لا يطلع عليها وحال المسافر ظاهرة القصر بخلاف ما إذا قام إلى الثالثة فإنه تأكد ظن الإتمام بالقيام
أما القاصد إذا قام إلى الثالثة والرابعة سهوا فيسجد لسهوه ولا يعتد به إتماما بل لو قصد أن يجعله إتماما لزمه أن يقوم فيصلي ركعتين أخريين
الباب الثاني في الجمع

والجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقتيهما جائز بسببين السفر والمطر
ونعني به السفر المباح وقال أبو حنيفة لا يجوز الجمع بالسفر
وفي السفر القصير عندنا قولان
أحدهما نعم فإن أهل مكة يجمعون بمزدلفة وسفرهم قصير
والثاني لا كالقصر وأهل مكة يجمعون بعذر النسك ولذلك يجوز لأهل عرفة أيضا وليسوا مسافرين
ومن علل بالسفر منع أهل عرفة من الجمع ويخرج أهل مكة على القولين
ثم شرائط الجمع ثلاثة

الأول الترتيب وهو تقديم الظهر على العصر مهما عجل العصر فإن أخر الظهر إلى وقت العصر ففي تقديمه وجهان
ووجه الفرق أن العصر في وقته فلم يفتقر إلى تقديم غيره بخلاف العصر في وقت الظهر
الثاني الموالاة عند التقديم فلا يحتمل الفصل بأكثر من قدر إقامة لتحقق صورة الجمع
فأما في التأخير ففي الموالاة وجهان وفائدة اشتراطها في التأخير أن يصير الظهر فائتة لا يجوز قصرها إذا لم يصل العصر عقيبها
الثالث نية الجمع عند التقديم في أول الصلاة الأولى أو في وسطها فلو نوى في أول الصلاة الثانية لم يجز
وقال المزني يجوز لأن اتصالها به لا يزيد على اتصال سجود السهو
ومعنى النية في التأخير أن لا يتركها على قصد التكامل والترك فيعصى به وتصير قضاء وقد تردد الأصحاب في أن الظهر المؤخر مع نية الجمع أداء أو قضاء والصحيح أنه أداء
السبب الثاني المطر

وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا سفر وقال الشافعيرضي الله عنه ما أراه إلا من عذر المطر ولا خلاف أن الأوحال والرياح لا تلحق بالمطر وفي الثلج خلاف
هذا في الجماعة أما من يصلي في بيته أو كان طريقه إلى المسجد في ركن ففي حقه وجهان
ثم قال أصحابنا التقديم بعذر المطر جائز وفي التأخير وجهان لأنه بالتقديم يفرغ قلبه وفي التأخير لا يأمن انقطاع المطر
فرع

لو نوى الإقامة قبل صلاة العصر بطل الجمع ولو نرى في خلال العصر فوجهان ولو نوى بعد العصر وأدرك العصر فوجهان مرتبان وأولى بأن لا يبطل
أما انقطاع المطر في أثناء الظهر والعصر بعد اتصاله بأول الصلاتين غير ضار
وقال أبو زيد ينبغي أن يتصل المطر بالتحلل من الأول والتحرم بالثاني ليتحقق الجمع والاتصال
هذا إذا كان ينقطع ويعود فلو انقطع ولم يعد فهو كما لو نوى المسافر الإقامة
كتاب الجمعة

وفيه ثلاثة أبواب الباب الأول في شرائطها
الباب الثاني في بيان من تلزمه الجمعة
الباب الثالث في كيفية أداء الجمعة

الباب الأول في شرائطها

وهي ستة
الأول الوقت فلو وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة
والمسبوق لو وقع آخر صلاته في وقت العصر فيه وجهان
أحدهما أنها تصح لأنه تابع للقوم وقد صحت صلاتهم ولذلك حط شرط القدوة في الركعة الثانية عنه
والثاني أن الجمعة فائتة لأن الإعتناء بالوقت أعظم بخلاف القدوة وانفضاض العدد فإنهما يتعلقان بغير المصلي فالأمر فيهما أخف
الشرط الثاني دار الإقامة فلا تقام الجمعة في البوادي ولا عند الخيام لأنها معرضة للنقل وإن كان لإقامتهم أثر في قطع رخص السفر وإن كانت أبنيتهم من سعف وخشب جاز لأنهما لا ينقل ولا يشترط أن يعقد الجمعة في ركن أو مسجد بل يجوز في الصحراء إذا كان معدودا من خطة البلد فإن بعد عن البلد بحيث يترخص المسافر إذا انتهى إليه لم تنعقد إليه لم تنعقد الجمعة فيها بخلاف صلاة العيد فإنه لا يشترط فيها دار الإقامة ويشهدها الرجالة والركبان فالأحب فيها الخروج
وقال أبو حنيفة لا يقام في القرى بل لا بد من مصر جامع بسوق قائم ونهر جار وسلطان قاهر
الشرط الثالث أن لا تكون الجمعة مسبوقة بأخرى فلا تنعقد في بلد جمعتان لأنه إذا لم تجز إقامتها في كل مسجد كسائر الجماعات فالمقصود شعار الاجتماع ثم لا مرد بعد الواحد
وقال أبو يوسف تصح جمعتان ولا تصح ثلاثة وهو تحكم
فرعان

أحدهما إذا كثر الجمع وعشر الاجتماع في مسجد واحد إما للزحمة وإما لنهر لا يخوض إلا السابح كدجلة فيجوز عقد جمعتين كما ببغداد
ومنهم من علل حكم بغداد بأنها كانت قرى متفاصلة فحدثت العمارات الواصلة فاستمر الحكم القديم
قال صاحب التقريب حكم العلة يقتضي أن يترخص المسافر عن قريته وإن لم يجاوز هذه العمارات استصحابا لما كان فإن لم يجوز له الترخص نظرا إلى ما
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11