كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

يُرْجَعُ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ وَوَقَعَ لَهُ السَّبْعُونَ قَلِيلٌ وَلَهُ يُنْفِقُ فِي الْخَمْسِينَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى سَفَرٍ بَعِيدٍ ، وَالثَّانِي عَلَى سَفَرٍ قَرِيبٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ لِلَّخْمِيِّ إنْ كَانَ بِيَدِهِ مَالَانِ حَمْلَ مَجْمُوعِهِمَا ، وَلَا يَحْمِلُهُ أَحَدُهُمَا بِانْفِرَادِهِ ، فَلَهُ النَّفَقَةُ وَالْقِيَاسُ سُقُوطُهَا لِحُجَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ لَهُ مَالًا تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِغَيْرِهِ وَلَمْ أَجِدْهَا فِي النَّوَادِرِ ، وَهِيَ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ جَنَى عَلَى رَجُلَيْنِ مَالًا يَبْلُغُ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثَ الدِّيَةِ وَأَرْشُ مَجْمُوعِهِمَا يَبْلُغُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ .
ا هـ .
( وَ ) إنْ كَانَ سَفَرُهُ ( لِغَيْرِ أَهْلٍ ) أَيْ زَوْجَةٍ ( وَ ) غَيْرِ ( حَجٍّ وَ ) غَيْرِ ( غَزْوٍ ) أَيْ جِهَادِ الْكُفَّارِ بِأَنْ كَانَ لِلتَّجْرِ بِالْمَالِ .
فِيهَا قِيلَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عِنْدَنَا تُجَّارٌ يَأْخُذُونَ الْمَالَ قِرَاضًا وَيَشْتَرُونَ بِهِ مَتَاعًا يَشْهَدُونَ بِهِ الْمَوْسِمَ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا خَرَجُوا هَلْ لَهُمْ فِي الْمَالِ نَفَقَةٌ ، فَقَالَ لَا نَفَقَةَ لِحَاجٍّ وَلَا لِغَازٍ فِي مَالٍ الْقِرَاضِ فِي ذَهَابٍ وَلَا فِي رُجُوعٍ ، وَإِنْ كَانَ إنْفَاقُهُ مِنْ الْمَالِ ( بِالْمَعْرُوفِ ) أَيْ مُنَاسِبًا لِحَالِ الْمَالِ عَادَةً بِلَا إسْرَافٍ تَقَدَّمَ فِي نَصِّهَا ، فَإِذَا شَخَصَ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ كَانَ نَفَقَتُهُ فِي سَفَرِهِ مِنْ الْمَالِ فِي طَعَامِهِ ، وَفِيمَا يُصْلِحُهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ سَرَفٍ ، وَإِذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَأَنْفَقَ فَمَا أَنْفَقَهُ ( فِي الْمَالِ ) الْمُقَارَضِ بِهِ لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّهِ ، فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ تَلِفَ مَالُ الْقِرَاضِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى رَبِّهِ وَكَذَا إنْ زَادَ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ .
( وَاسْتَخْدَمَ ) الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فِي سَفَرِهِ ، أَيْ يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مَنْ يَخْدُمُهُ فِي

سَفَرِهِ ( إنْ تَأَهَّلَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلَ الْهَاءِ أَيْ كَانَ أَهْلًا لِاِتِّخَاذِ خَادِمٍ يَخْدُمُهُ بِأَنْ كَانَتْ خِدْمَتُهُ نَفْسَهُ تَزْرِي بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَكَابِرِ النَّاسِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِلْعَامِلِ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مَنْ يَخْدُمُهُ فِي سَفَرِهِ إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَكَانَ مِثْلُهُ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخِدْمَةُ أَخَصُّ مِنْ النَّفَقَةِ وَكُلُّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْأَعَمِّ فَشَرْطٌ فِي الْأَخَصِّ .

لَا دَوَاءً ، وَاكْتَسَى ، إنْ بَعُدَ

( لَا ) يُنْفِقُ الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فِي ( دَوَاءٍ ) لِمَرَضٍ أَصَابَهُ فِي سَفَرِهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى التِّجَارَةِ .
سَمِعَ الْقَرِينَانِ أَيَشْرَبُ الدَّوَاءَ وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ .
قَالَ مَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَوْمَ كَانَ الْقِرَاضُ إنْ قَلَّمَ ظُفُرَهُ أَوْ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْقِرَاضِ ، وَأَمَّا الْحِجَامَةُ وَالْحَمَّامُ فَخَفِيفٌ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ مَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَوْمَ كَانَ الْقِرَاضُ أَرَادَ مَا كَانَ يُؤْخَذُ عَلَيْهَا فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ أَعْوَاضٌ ، وَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ فِي كُلِّ زَمَنٍ وَبَلَدٍ ، فَمَا الْعَادَةُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَلَيْهِ عِوَضٌ فَلَا يُعْطَى عَلَيْهِ عِوَضًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ، وَمَا لِلْعَادَةِ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ ، وَقَدْرٌ يَسِيرٌ مُتَكَرِّرٌ جَازَ أَنْ يُعْطَى عَلَيْهِ مِنْهُ لِدُخُولِ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ لِتَكَرُّرِهِ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ .
( وَاكْتَسَى ) الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فِي سَفَرِهِ جَوَازًا ( إنْ بَعُدَ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ طَالَ سَفَرُهُ بِحَيْثُ يَمْتَهِنُ ثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ وَأُلْحِقَ بِبُعْدِ سَفَرِهِ طُولُ إقَامَتِهِ بِمَوْضِعٍ لِلتَّجْرِ بِهِ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا يَكْتَسِي فِي السَّفَرِ الْقَرِيبِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ كَمَا بَيْنَ مِصْرَ وَدِمْيَاطَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ جَمِيعَ الْكِسْوَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ .
" ق " فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَكْتَسِيَ مِنْ الْمَالِ فِي بَعِيدِ السَّفَرِ إنْ كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ لَا قَرِيبِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعِ إقَامَةٍ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْكِسْوَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ مَالَ الْبِضَاعَةِ لَيْسَ كَالْقِرَاضِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ .
وَالثَّانِي كَالْقِرَاضِ فِيهِمَا .
وَالثَّالِثُ كَرَاهَتُهُمَا مِنْهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ الْبِضَاعَةِ كَالْقِرَاضِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَسُقُوطِهِمَا فِيهَا .
ثَالِثُهَا

الْكَرَاهَةُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ الْقَرَوِيِّينَ وَرِوَايَةِ أَشْهَبَ وَصَوَّبَ هُوَ وَاللَّخْمِيُّ الثَّانِي ، ثُمَّ قَالَ عَنْ اللَّخْمِيِّ الْعَادَةُ الْيَوْمَ لَا نَفَقَةَ وَلَا كِسْوَةَ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَعْمَلَ مُكَارَمَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا .

وَوُزِّعَ ، إنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ، وَإِنْ بَعْدَ أَنْ اكْتَرَى ، وَتَزَوَّدَ

وَ ) إنْ سَافَرَ الْعَامِلُ لِلتَّجْرِ بِمَالٍ الْقِرَاضِ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ لَهُ غَيْرِ الْحَجِّ وَالْغَزْوِ وَالْأَهْلِ وَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مَالًا فِي سَفَرِهِ ( وُزِّعَ ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الزَّايِ ، أَيْ الْمَالُ ، أَيْ قُسِمَ الْمَالُ الَّذِي أَنْفَقَهُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ لَوْ سَافَرَ لَهُ وَحْدَهُ وَمَا كَانَ يُنْفِقُهُ فِي سَفَرِهِ لِحَاجَتِهِ ، لَوْ سَافَرَ لَهَا وَحْدَهَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مِائَةً وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَيُقْسَمُ مَا أَنْفَقَهُ نِصْفُهُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ ، وَنِصْفُهُ عَلَى الْعَامِلِ ، وَإِنْ كَانَ رِبْحُ الْأَوَّلِ مِائَتَيْنِ وَالثَّانِي مِائَةً فَثُلُثَاهُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ وَثُلُثَهُ عَلَى الْعَامِلِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مِائَةً وَالثَّانِي مِائَتَيْنِ فَعَلَى مَالِ الْقِرَاضِ الثُّلُثُ وَعَلَى الْعَامِلِ الثُّلُثَانِ إنْ كَانَ قَصْدُ خُرُوجِهِ لِثَانِيهِمَا قَبْلَ تَزَوُّدِهِ وَاكْتِرَائِهِ لِلْأَوَّلِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) قَصَدَ الْخُرُوجَ لِلثَّانِي ( بَعْدَ أَنْ اكْتَرَى وَتَزَوَّدَ ) لِلسَّفَرِ الْأَوَّلِ .
" ق " فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ تَجَهَّزَ لِسَفَرٍ بِمَالٍ أَخَذَهُ قِرَاضًا مِنْ رَجُلٍ وَاكْتَرَى وَتَزَوَّدَ ثُمَّ أَخَذَ قِرَاضًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ فَلْيَحْسِبْ نَفَقَتَهُ وَرُكُوبَهُ عَلَى الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَسَافَرَ بِهِ وَبِمَالِ نَفْسِهِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَالَيْنِ .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَإِنْ خَرَجَ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ قِرَاضًا فَلَهُ أَنْ يَفُضَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَبْلَغِ قِيمَةِ نَفَقَتِهِ فِي سَفَرِهِ وَمَبْلَغِ الْقِرَاضِ ، فَيَأْخُذُ مِنْ الْقِرَاضِ حِصَّتَهُ وَيَكُونُ بَاقِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُنْظَرُ قَدْرُ نَفَقَتِهِ فِي طَرِيقِهِ لِحَاجَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ مِائَةً وَالْقِرَاضُ سَبْعُمِائَةٍ ، فَعَلَى الْمَالِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ النَّفَقَةِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي هَذَا التَّوْزِيعِ نَظَرٌ ، إذْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُحَاصَّةُ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ فِي حَاجَتِهِ مَعَ مَبْلَغِ مَالِ الْقِرَاضِ ، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ

فِي حَاجَتِهِ مِنْ أَثَرِهَا كَمَا أَنَّ نَفَقَتَهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ مِنْ آثَارِهِ ، فَيَنْبَغِي كَوْنُ الْمُحَاصَّةِ فِي الْآثَارِ بِحَسَبِ مُؤَثِّرَاتِهَا وَعِلَلِهَا لَا بِحَسَبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مَعَ الْمُؤَثِّرِ .
ا هـ .
وَتَبِعَهُ الْمُوَضِّحُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَجْهُ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَجْعَلُ قَضَاءَ حَاجَتِهِ رَأْسَ مَالٍ يَفُضُّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقِرَاضِ .
ا هـ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ نَحْوُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ ، فَفِيهَا وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ قِرَاضًا فَلَهُ أَنْ يَفُضَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَبْلَغِ قِيمَةِ نَفَقَتِهِ فِي سَفَرِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَمَبْلَغِ الْقِرَاضِ .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ الصَّحِيحُ حَمْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقِرَاضِ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ الْإِقَامَةَ فِيهَا أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي الْقِرَاضِ ، فَلِذَا اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ لِاخْتِلَافِ النَّفَقَةِ ، فَلَوْ سُئِلَ عَنْ تَسَاوِي الْمَسَافَتَيْنِ وَالْإِقَامَتَيْنِ لَأَجَابَ بِمَا قَالَهُ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ عَنْ مُوضِحَتَيْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ أَنَّهُمَا نِصْفَانِ .
ا هـ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ نَفَقَتُهُ لَوْ ذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ فَقَطْ وَكَمْ نَفَقَتُهُ لَوْ ذَهَبَ لِلْقِرَاضِ فَقَطْ وَتُفَضُّ النَّفَقَةُ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ ، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ ، كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ ، وَنَصُّهُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَجْعَلُ قَضَاءَ حَاجَتِهِ رَأْسَ مَالٍ تُفَضُّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقِرَاضِ ا هـ ، أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّوْزِيعَ عَلَى نَفَقَةِ حَاجَتِهِ وَنَفْسِ مَالِ الْقِرَاضِ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَإِنَّمَا وَجَّهَهُ بِتَنْزِيلِ نَفَقَةِ حَاجَتِهِ مَنْزِلَةَ رَأْسِ مَالِ قِرَاضٍ لِرَدِّ بَحْثِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّهِ عَالِمًا : عَتَقَ عَلَيْهِ ، إنْ أَيْسَرَ ، وَإِلَّا بِيعَ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ وَرِبْحِهِ قَبْلَهُ ، وَعَتَقَ بَاقِيهِ ، وَغَيْرَ عَالِمٍ ، فَعَلَى رَبِّهِ ، وَلِلْعَامِلِ : رِبْحُهُ فِيهِ

( وَإِنْ اشْتَرَى ) الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ ( مَنْ ) أَيْ رَقِيقًا ( يَعْتِقُ عَلَى رَبِّهِ ) أَيْ الْمَالِ لِكَوْنِهِ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ أَوْ حَاشِيَتَهُ الْقَرِيبَةَ حَالَ كَوْنِهِ ( عَالِمًا ) بِقَرَابَتِهِ لَهُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ الْمُشْتَرَطُ هُنَا لَا عِلْمُهُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ ( عَتَقَ ) الرَّقِيقُ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْعَامِلِ لِتَعَدِّيهِ بِشِرَائِهِ عَالِمًا ( إنْ أَيْسَرَ ) الْعَامِلُ ، أَيْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَيَغْرَمُ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنْ رِبْحِهِ فِيهِ قَبْلَ شِرَاءِ الرَّقِيقِ وَوَلَاؤُهُ لِرَبِّ الْمَالِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَامِلُ مُوسِرًا حِينَ شِرَائِهِ ( بِيعَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ الرَّقِيقِ ( بِقَدْرِ ثَمَنِهِ ) أَيْ رَأْسِ مَالِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا ، لَا الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ بِهِ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى .
وَيَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ رَأْسَ الْمَالِ قَوْلُهُ ( وَ ) قَدْرَ ( رِبْحِهِ ) أَيْ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ ( قَبْلَ ) الشِّرَاءِ لِ ( هـ ) أَيْ الرَّقِيقِ ، وَأَمَّا رِبْحُهُ فِي نَفْسِ الرَّقِيقِ إنْ كَانَ كَشِرَائِهِ بِمِائَةٍ وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ فَلَا يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ إذْ لَا يَرْبَحُ الشَّخْصُ فِيمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ( وَعَتَقَ بَاقِيهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ عَلَى الْعَامِلِ ، وَمَحَلُّ بَيْعِ بَعْضِهِ إنْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي بِرَأْسِ الْمَالِ وَالْحِصَّةِ ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ فَيُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ ، مِثَالُهُ أَصْلُ مَالِ الْقِرَاضِ مِائَةٌ وَرَبِحَ فِيهَا قَبْلَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ مِائَةً وَاشْتَرَاهُ بِالْمِائَتَيْنِ ، وَهُوَ يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةٍ فَيُبَاعُ نِصْفُهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، مِائَةٌ رَأْسُ الْمَالِ ، وَالْخَمْسُونَ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي رَبِحَهَا قَبْلَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ ، وَيَعْتِقُ نِصْفُهُ لِأَنَّ

حِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ خَمْسُونَ أَفْسَدَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِشِرَائِهِ ، وَالْمِائَةُ الزَّائِدَةُ فِي قِيمَةِ الرَّقِيقِ هَدَرٌ .
( وَ ) إنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ عَالِمٍ ) بِقَرَابَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ ( فَ ) يَعْتِقُ ( عَلَى رَبِّهِ ) أَيْ الْمَالِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ لِعُذْرِهِ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِقَرَابَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ ( وَ ) عَلَى رَبِّهِ ( لِلْعَامِلِ رِبْحُهُ ) أَيْ الْعَامِلِ الْحَاصِلِ ( فِيهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ الَّذِي عَتَقَ عَلَى رَبِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ أَبَا رَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَتَقَ عَلَى الِابْنِ وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ حِصَّةُ رِبْحِهِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ، وَإِنْ عَلِمَ الْعَامِلُ وَهُوَ مَلِيءٌ عَتَقَ عَلَيْهِ لِضَمَانِهِ بِالتَّعَمُّدِ وَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ ، وَيَغْرَمُ الْعَامِلُ ثَمَنَهُ .
ابْنُ الْمَوَّازِ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ إتْلَافَهُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَغْرَمَهُ لَهُ وَهُوَ حُرٌّ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ مَالٌ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِ الِابْنِ وَحِصَّةِ رِبْحِهِ وَعَتَقَ عَلَى الْعَامِلِ مَا بَقِيَ مِنْهُ .
عج وَعَلَى رَبِّهِ لِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ فِي الْمَالِ قَبْلَ شِرَاءِ الرَّقِيقِ بِالْأَوْلَى ، وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ .
طفي مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ رِبْحُهُ فِيهِ الرِّبْحُ الْكَائِنُ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَهُوَ كَقَوْلِهَا وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ حِصَّةُ رِبْحِهِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ .
أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ يَوْمَ الشِّرَاءِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ مِائَةً فَرَبِحَ فِيهَا مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِالْمِائَتَيْنِ فَنَصِيبُ الْعَامِلِ مِنْهُ عَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ الرُّبْعُ ، فَيَغْرَمُ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ قِيمَةَ رُبْعِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْحُكْمِ إنْ

كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ كُلُّهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَقِيَ رُبْعُهُ رَقِيقًا لِلْعَامِلِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ وَلَا مَالَ لَهُ يُقَوَّمُ فِيهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْكِتَابِ وَإِرَادَتِهِ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ لِلْغِرْيَانِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَائِلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الثَّمَنِ رِبْحٌ ، وَلَكِنْ إنْ بِيعَ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ ا هـ .
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ وَأَقَرَّهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ ، وَقَالَ قَوْلُهُ قِيمَةُ رُبْعِ الْعَبْدِ صَوَابُهُ رُبْعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ .
ا هـ .
إذَا عَلِمْت هَذَا ، فَقَوْلُ عج وَمَنْ تَبِعَهُ رِبْحُهُ فِيهِ وَأَوْلَى رِبْحُهُ قَبْلَهُ غَيْرُ صَوَابٍ .
ا هـ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لِلْعَامِلِ قِيمَةُ رُبْعِ الْعَبْدِ ، وَتَصْوِيبُ ابْنِ عَرَفَةَ لَهُ بِرُبْعِ قِيمَتِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ الْوَاقِعِ فِيهِ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا رُبْعُ الثَّمَنِ فِي مِثَالِهِ ا هـ .
قُلْت وَكَذَا قَوْلُهُ فَنَصِيبُ الْعَامِلِ مِنْهُ الرُّبْعُ .

وَمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَعَلِمَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ ، وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ ، إنْ أَيْسَرَ فِيهِمَا ، وَإِلَّا بِيعَ بِمَا وَجَبَ

( وَ ) إنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِمَالٍ الْقِرَاضِ ( مَنْ ) أَيْ رَقِيقًا ( يَعْتِقُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْعَامِلِ كَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَحَاشِيَتِهِ الْقَرِيبَةِ ( وَ ) قَدْ ( عَلِمَ ) الْعَامِلُ حَالَ شِرَائِهِ بِقَرَابَتِهِ لَهُ ( عَتَقَ ) بِفَتَحَاتٍ ( الرَّقِيقُ ) عَلَى الْعَامِلِ وَتَبِعَهُ رَبُّ الْمَالِ ( بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ ) يَوْمَ الْحُكْمِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَوْضِيحِهِ ( وَ ) مِنْ ( ثَمَنِهِ ) لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ لِتَنْمِيَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إتْلَافُ بَعْضِهِ بِشِرَاءِ قَرِيبِهِ بِزَائِدٍ عَنْ قِيمَتِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَالِمٌ مُوسِرٌ وَفِيهِ رِبْحٌ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّي إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ يَوْمَ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ فَيُؤَدِّي إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ يَعْتِقُ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْذُهُ بِالْأَكْثَرِ هَذَا إذَا حَصَلَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرِكَةِ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ ، وَالْعَامِلُ حِينَئِذٍ فِي قَرِيبِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ مَا مَلَكَهُ مِنْهُ ، وَيُكَمِّلُ عَلَيْهِ مَا مَلَكَهُ رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ ، بَلْ ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ رِبْحٌ فَاضِلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهُ عَالِمًا فَكَأَنَّهُ اسْتَلَفَ الْمَالَ ، فَلَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ فَقَدْ اشْتَرَاهُ بِمَالِ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْهُ حَتَّى يَعْتِقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ ، وَيُكَمِّلَ عَلَيْهِ مَا لِشَرِيكِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُغِيرَةُ ، وَأَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِوَلَوْ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
وَقَالَ طفي الْمُرَادُ بِالْمَالِ

الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَلَوْ قَالَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ لَكَانَ أَبْيَنَ ، وَأَشَارَ بِالْمُبَالَغَةِ لِقَوْلِ الْمُغِيرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ لِرَبِّ الْمَالِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَالِمٌ مُوسِرٌ وَلَا رِبْحَ فِيهِ ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّي إلَى رَبِّ الْمَالِ الْأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَمِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ وَهُوَ عَالِمٌ مُوسِرٌ وَفِيهِ رِبْحٌ عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَغَرِمَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَالْأَكْثَرَ مِنْ حَظِّ رَبِّهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ وَيَوْمَ الْحُكْمِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ غَرِمَ الْأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ وَقِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَامِلُ بِقَرَابَةٍ قَرِيبَةٍ وَقْتَ شِرَائِهِ وَفِيهِ رِبْحٌ ( فَ ) يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَتْبَعُهُ رَبُّ الْمَالِ ( بِقِيمَتِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ ، هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَغْرَمُ لِرَبِّ الْمَالِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْعَامِلِ مِنْ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ لِرَبِّهِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ ( إنْ أَيْسَرَ ) الْعَامِلُ أَيْ كَانَ مُوسِرًا حِينَ شِرَائِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ( فِيهِمَا ) أَيْ صُورَتَيْ عِلْمِهِ وَعَدَمِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ مُوسِرًا ، وَفِيهِ رِبْحٌ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ ، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ سَائِرُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ فَكَالْعَبْدِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ وَهُوَ مَلِيءٌ فَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ سَائِرُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ ، وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ وَهُوَ مُوسِرٌ وَلَا رِبْحَ فِيهِ فَيُبَاعُ وَيَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ .
( وَإِلَّا ) أَيْ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَامِلُ مُوسِرًا فِيهِمَا فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِعُسْرِهِ ، وَلَا يُبَاعُ الرَّقِيقُ كُلُّهُ إذْ لَا تَسَلُّطَ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا يُقَابِلُ رِبْحَ الْعَامِلِ وَ ( بِيعَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْهُ بِ ) قَدْرِ ( مَا وَجَبَ ) أَيْ ثَبَتَ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتِهِ مِنْ رِبْحِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَعَتَقَ الْبَاقِي عَلَى الْعَامِلِ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً وَرَبِحَ فِيهِ مِائَةً أُخْرَى وَاشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِائَتَيْنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ ، وَقُوِّمَ يَوْمَ الْحُكْمِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَيُبَاعُ مِنْهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَيَعْتِقُ بَاقِيهِ ، وَيَتْبَعُ رَبُّ الْمَالِ ذِمَّتَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ .
ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ وَمُعْسِرٌ ، وَفِيهِ فَضْلٌ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّةِ رَبِّهِ مِنْ رِبْحِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ ، وَيَعْتِقُ الْبَاقِي ، وَإِنْ كَانَ لَا فَضْلَ فِيهِ فَيُبَاعُ وَيَدْفَعُ لِرَبِّ الْمَالِ مَالَهُ فَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ ، وَتَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانِيَةٌ لِأَنَّ الْعَامِلَ حِينَ الشِّرَاءِ إمَّا عَالِمٌ أَوْ لَا ، وَفِي كُلٍّ إمَّا مُوسِرٌ أَمْ لَا ، وَفِي كُلٍّ إمَّا فِي الْمَالِ فَضْلٌ أَمْ لَا .
طفي وَتَلْخِيصُهَا عَلَى مَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ إنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ وَلَا فَضْلَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا يُبَاعُ وَيُسَلَّمُ ثَمَنُهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ كَالْعَبْدِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَعَتَقَ أَحَدُهُمَا حَظَّهُ مِنْهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ حَظُّهُ مِنْهُ ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ حَظُّ رَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ حَظُّهُ مِنْهُ ، وَبَقِيَ حَظُّ رَبِّ الْمَالِ رَقِيقًا إلَّا أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَطْلُبَ مَالَهُ فَيُبَاعُ لَهُ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ وَيَعْتِقُ الْبَاقِي ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا مُوسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَأَدَّى لِرَبِّ الْمَالِ الْأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ

الرِّبْحِ يَوْمَ الْحُكْمِ أَوْ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا مُعْسِرًا بِيعَ مِنْهُ لِرَبِّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ وَعَتَقَ الْبَاقِي إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ بِيعَ وَأُسْلِمَ لَهُ ثَمَنُهُ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْقُصُورِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِيعَ يَقْتَضِي تَحَتُّمَهُ مَعَ أَنَّهُ إنْ شَاءَ وَلِإِطْلَاقِهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ أَمْ لَا ، مَعَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ يُبَاعُ وَيُسَلَّمُ لَهُ ثَمَنُهُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ ، سَوَاءً كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا خِلَافًا لِتَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْبَيْعَ بِالْإِعْسَارِ ، وَإِطْلَاقُهُ فِي ذَلِكَ وَفِي الْعِلْمِ أَوْ الْإِسْلَامِ مَعَ الْإِعْسَارِ ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ بِمَا وَجَبَ ، وَالْوَاجِبُ لَهُ فِي الْعِلْمِ الْأَكْثَرُ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُبَاعُ لَهُ بِمَالِهِ مِنْ الْأَكْثَرِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ يُبَاعُ لَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَحَقُّقِ الشَّرِكَةِ ثُمَّ يَتْبَعُهُ بِمَا لَهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ ، لَكِنَّهُ تَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي عِبَارَتِهِ .

وَإِنْ أَعْتَقَ مُشْتَرًى لِلْعِتْقِ : غَرِمَ ثَمَنَهُ وَرِبْحَهُ ، وَلِلْقِرَاضِ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ ، إلَّا رِبْحَهُ ، فَإِنْ أَعْسَرَ : بِيعَ مِنْهُ بِمَا لِرَبِّهِ

( وَإِنْ أَعْتَقَ ) الْعَامِلُ رَقِيقًا ( مُشْتَرًى ) بِمَالٍ الْقِرَاضِ ( لِ ) قَصْدِ ( الْعِتْقِ ) وَهُوَ مُوسِرٌ عَتَقَ عَلَيْهِ وَ ( غَرِمَ ) الْعَامِلُ ( ثَمَنَهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( وَرِبْحَهُ ) أَيْ رَبُّ الْمَالِ تَبِعَ فِي هَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ، لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالثَّمَنِ رَأْسُ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِالرِّبْحِ الرِّبْحُ الْكَائِنُ فِي الْمَالِ قَبْلَ شِرَاءِ الرَّقِيقِ لَا فِيهِ ، فَلَوْ قَالَ كَابْنِ رُشْدٍ غَرِمَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ، وَرِبْحَهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ لَكَانَ أَحْسَنَ ، فَلَا يُعْتَبَرُ الرِّبْحُ الَّذِي فِي الرَّقِيقِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهُ لِلْعِتْقِ صَارَ مُتَسَلِّفًا ثَمَنَهُ ، أَفَادَهُ طفي .
( وَ ) إنْ أَعْتَقَ الْعَامِلُ رَقِيقًا مُشْتَرًى مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ( لِ ) قَصْدِ ( الْقِرَاضِ ) وَهُوَ مُوسِرٌ عَتَقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ لِرَبِّهِ ( قِيمَتَهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ مُعْتَبَرَةً ( يَوْمَئِذٍ ) أَيْ يَوْمَ عِتْقِهِ لِتَفْوِيتِهِ عَلَيْهِ وَغَرِمَ لَهُ أَيْضًا ( رِبْحَهُ ) أَيْ رَبِّ الْمَالِ ، أَيْ حَظَّهُ مِنْهُ يَوْمَ إعْتَاقِهِ إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ عَنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ شِرَائِهِ مَثَلًا اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَقِيمَتُهُ حِينَئِذٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَعْتَقَهُ وَقِيمَتُهُ حِينَئِذٍ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ فَعَلَيْهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ " غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، إلَّا رِبْحَهُ بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا بِوَاوِ الْعَطْفِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالضَّمِيرُ فِي رِبْحِهِ لِلْعَامِلِ ، وَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَاشْتَرَاهُ لِلْقِرَاضِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ لِرَبِّ الْمَالِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ إلَّا قَدْرَ حَظِّهِ مِنْهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا فِيهِمَا .
( وَإِنْ أَعْسَرَ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مُعْسِرًا ( فِيهِمَا ) أَيْ شِرَائِهِ لِلْعِتْقِ وَشِرَائِهِ لِلْقِرَاضِ ( بِيعَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ( مِنْهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( بِ ) قَدْرِ ( مَا ) وَجَبَ ( لِرَبِّهِ ) مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَحَظِّهِ مِنْ رِبْحِهِ وَعَتَقَ مَا بَقِيَ عَلَى الْعَامِلِ إنْ كَانَ فِيهِ

فَضْلٌ ، وَإِلَّا فَلَا يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْهُ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ أَعْتَقَ الْعَامِلُ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ .
فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَاشْتَرَاهُ لِلْعِتْقِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ لِلْقِرَاضِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ لِرَبِّ الْمَالِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ إلَّا قَدْرَ حَظِّهِ مِنْهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ فَيُبَاعُ مِنْهُ لِرَبِّ الْمَالِ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ ، وَيَعْتِقُ الْبَاقِي عَلَى الْعَامِلِ .

وَإِنْ وَطِيء أَمَةً : قَوَّمَ رَبُّهَا ، أَوْ أَبْقَى ، إنْ لَمْ تَحْمِلْ ، فَإِنْ أَعْسَرَ اتَّبَعَهُ بِهَا ، وَبِحِصَّةِ الْوَلَدِ ، أَوْ بَاعَ لَهُ بِقَدْرِ مَا لَهُ

( وَإِنْ وَطِئَ ) الْعَامِلُ ( أَمَةً ) اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لَهُ ( قَوَّمَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ( رَبُّهَا ) أَيْ الْأَمَةِ عَلَى الْعَامِلِ أَيْ أَلْزَمَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ وَطْئِهَا وَتَرَكَهَا لَهُ إنْ شَاءَ ( أَوْ أَبْقَى ) رَبُّهَا الْأَمَةَ عَلَى الْقِرَاضِ إنْ شَاءَ ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ ( إنْ لَمْ تَحْمِلْ ) الْأَمَةُ مِنْ وَطْءِ الْعَامِلِ مُوسِرًا كَانَ الْعَامِلُ أَوْ مُعْسِرًا ، فَتُبَاعُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بِقِيمَتِهَا اتَّبَعَهُ رَبُّهَا بِتَمَامِهَا فِي ذِمَّتِهِ ، قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ، فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ ( فَإِنْ أَعْسَرَ الْعَامِلُ اتَّبَعَهُ ) رَبُّهَا الْعَامِلَ ( بِهَا ) أَيْ الْقِيمَةِ ( وَبِحِصَّةِ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ حَظِّ رَبِّهَا مِنْ قِيمَةِ ( الْوَلَدِ ) إنْ شَاءَ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ اعْتِبَارُ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ وَطْئِهَا ( أَوْ ) إنْ شَاءَ رَبُّهَا ( بَاعَ ) الْحَاكِمُ لِيَدْفَعَ ( لَهُ ) أَيْ رَبُّهَا فَيَبِيعُ جُزْءًا مِنْهَا ( بِقَدْرِ مَا ) أَيْ الْحَقِّ الَّذِي وَجَبَ ( لَهُ ) أَيْ رَبِّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَيَبْقَى بَاقِيهَا عَلَى حُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ لِلْعَامِلِ .
وَمَفْهُومُ إنْ أَعْسَرَ أَنَّهَا إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ وَهُوَ مُوسِرٌ أَنَّ حُكْمَهَا لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِ الْعَامِلِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا يَوْمَ وَطْئِهَا ، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ وَطِئَ الْعَامِلُ أَمَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَمْ تَحْمِلْ فَلِلصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا ، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا بِيعَتْ فِيهَا .
ابْنُ شَاسٍ إنْ وَطِئَهَا الْعَامِلُ وَلَمْ تَحْمِلْ ، فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ وَطْئِهَا أَوْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا بِثَمَنِهَا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بِيعَتْ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ قِيمَةٍ أَوْ ثَمَنٍ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ

أَمَةَ الْقِرَاضِ ثُمَّ تَعَدَّى عَلَيْهَا وَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ وَلَهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَطْئِهَا فَيُجْبَرُ بِهَا الْقِرَاضُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ بِيعَتْ وَاتَّبَعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ دَيْنًا ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ بِيعَ مِنْهَا لِرَبِّ الدَّيْنِ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ وَلَهُ مَا بَقِيَ بِحُكْمِ أُمِّ وَلَدٍ وَقِيلَ حُكْمُهَا كَحُكْمِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ .

وَإِنْ أَحْبَلَ مُشْتَرَاةً لِلْوَطْءِ : فَالثَّمَنُ ، وَاتُّبِعَ بِهِ ، إنْ أَعْسَرَ

( وَإِنْ أَحْبَلَ ) الْعَامِلُ الْمُوسِرُ أَمَةً ( مُشْتَرَاةً ) مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ( لِلْوَطْءِ ) مِنْ الْعَامِلِ ( فَالثَّمَنُ ) أَيْ عِوَضُهُ يَغْرَمُهُ الْعَامِلُ لِرَبِّ الْمَالِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَاتُّبِعَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْعَامِلُ ( بِهِ ) أَيْ الثَّمَنِ ( إنْ أَعْسَرَ ) الْعَامِلُ بِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ وَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَا تُبَاعُ ، وَيُتْبَعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فِي ذِمَّتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا .
ابْنُ يُونُسَ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا تَسَلَّفَ الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مَا ابْتَاعَ بِهِ أَمَةً وَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ فَقَدْ عَرَّفْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَهُوَ رَأْيِي أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهَا بِهِ فِي مَلَائِهِ ، وَيُتْبَعُ بِهِ فِي عَدَمِهِ .
وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ وَتَعَدَّى فَوَطِئَهَا وَثَبَتَ ذَلِكَ ، فَهَذِهِ تُبَاعُ فِي عَدَمِهِ عِيسَى وَيُتْبَعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَيْنًا لَا أَنْ يَكُونَ فِي الْقِرَاضِ فَضْلٌ فَيَكُونُ كَمَنْ وَطِئَ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) .
الْأَوَّلُ : طفي قَوْلُهُ قَوَّمَ رَبُّهَا أَوْ أَبْقَى ، عَلَى هَذَا حَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَطْئِهَا ، إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ ، فَقَالَ يَعْنِي إنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِمَالِ الْقِرَاضِ جَارِيَةً خُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ ، فَإِنْ شَاءَ أَلْزَمَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ وَطْئِهَا وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا عَلَى الْقِرَاضِ ، وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ تَخْيِيرِ رَبِّ الْمَالِ فِي أَخْذِ الْقِيمَةِ وَإِبْقَائِهَا عَلَى الْقِرَاضِ إذَا لَمْ تَحْمِلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ الْفِقْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ وَإِلْزَامُ الْعَامِلِ الثَّمَنَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدِ عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ

رَبُّ الْمَالِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا عَلَى الْقِرَاضِ وَهُوَ بَعِيدٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِهِ أَنَّ لَهُ إلْزَامَهُ الثَّمَنَ .
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يُلْزِمُهُ بِهِ إذَا نَكَلَ الْعَامِلُ عَنْ حَلِفِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ هُوَ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَّفَهُ ، وَفِي تَبْعِيدِهِ كَوْنُهُ لَيْسَ بِهِ إبْقَاؤُهَا عَلَى الْقِرَاضِ نَظَرٌ لِقَوْلِهَا فِي وَطْءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَمَةً بَيْنَهُمَا بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ إيَّاهَا إنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا لَهُ شَرِيكُهُ بِالثَّمَنِ وَقَالَ أَرُدُّهَا لِلشَّرِكَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْمُقَارَضِ أَحْرَى لِاخْتِصَاصِهِ بِحَوْزِ مَالِ الْقِرَاضِ وَهَذِهِ الْأَحْرَوِيَّةُ تَمْنَعُ تَخْرِيجَ قَوْلِ الْغَيْرِ فِي عَامِلِ الْقِرَاضِ .
ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فَنَفَى الْقَوْلَ بِالْإِبْقَاءِ فِي عَامِلِ الْقِرَاضِ نَصًّا وَتَخْرِيجًا فَالصَّوَابُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِهِمْ ، إذْ مِثْلُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَهُوَ مَتْبُوعٌ .
ابْنُ الْحَاجِبِ غَالِبًا وَنَحْوُهُ لِلْمُتَيْطِيِّ أَيْضًا ، وَنَصُّهُ وَإِنْ ابْتَاعَ الْعَامِلُ بِمَالٍ الْقِرَاضِ جَارِيَةً لَهُ أَوْ لِلْقِرَاضِ فَوَطِئَهَا وَلَمْ تَحْمِلْ ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْنَ تَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ وَطْئِهَا أَوْ ثَمَنَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُبَاعُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ قِيمَتِهَا .
ا هـ .
وَقَدْ اعْتَمَدَ نَاصِرُ الدِّينِ فِي حَاشِيَةِ التَّوْضِيحِ كَلَامَ الْمُتَيْطِيِّ ، وَقَالَ عَقِبَهُ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَخْيِيرَهُ فِي الْإِبْقَاءِ عَلَى الْقِرَاضِ غَيْرُ مَنْقُولٍ مَعَنَا ، بَلْ الْمَنْقُولُ فِي الْأَمَةِ يَطَؤُهَا الشَّرِيكُ وَلَمْ تَحْمِلْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا لِلشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضُ أَحْرَى

، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَدْ رَدَّ عج كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَاصِرِ الدِّينِ فَقَالَ قَوْلُهُ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي الْأَمَةِ يَطَؤُهَا الشَّرِيكُ وَلَمْ تَحْمِلْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا لِلشَّرِكَةِ إلَخْ ، فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْمَشْهُورَ أَنَّ لِلشَّرِيكِ غَيْرِ الْوَاطِئِ إذَا لَمْ تَحْمِلْ إبْقَاءَهَا لِلشَّرِكَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَكَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ .
ا هـ .
وَرَدُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ إذَا اشْتَرَاهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِغَيْرِ الشَّرِكَةِ بِهِ لِنَفْسِهِ ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِلشَّرِكَةِ بَعْدَ الْوَطْءِ ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا قَيَّدَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَوْلُهُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ لِلشَّرِيكِ غَيْرِ الْوَاطِئِ إبْقَاءَهَا لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَاةِ لِلشَّرِكَةِ فَتَعَدَّى عَلَيْهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَوَطِئَهَا ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَهَا وَكَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ ظَهَرَ لَهُ مَا قُلْنَا .
وَلَمْ يُفَرِّقْ عج بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَجَاسَرَ بِرَدِّ كَلَامِ مَنْ عَظُمَ قَدْرُهُ وَارْتَفَعَ أَمْرُهُ فِي الْعِلْمِ بِدُونِ إمْعَانِ النَّظَرِ ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَكَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَغَفَلَ عَنْهُ هُنَا ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ شِرَائِهَا لِنَفْسِهِ وَشِرَائِهَا لِلْقِرَاضِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي الَّتِي أُحْبِلَتْ خِلَافًا لِمَا فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ تَبِعَهُ تت .
الْبُنَانِيُّ مَنْ تَأَمَّلَ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَ عج ظَاهِرٌ ، وَأَنَّ اعْتِرَاضَ طفي عَلَيْهِ تَحَمُّلٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ

مَوْضُوعَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْمُشْتَرَاةِ الْقِرَاضُ ، فَرَدُّ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَيْهِ بِالْأَمَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ وَاضِحٍ ، وَحَيْثُ صَحَّ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمُشْتَرَاةِ لِلشَّرِكَةِ أَنَّ لِغَيْرِ وَاطِئِهَا إبْقَاءَهَا لِلشَّرِكَةِ فَاَلَّتِي لِلْقِرَاضِ مِثْلُهَا ، وَهَذَا يُقَوِّي مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ طفي مِنْ التَّهْوِيلِ لَيْسَ عَلَيْهِ تَعْوِيلٌ ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ النَّوَادِرِ ، مَا نَصُّهُ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ وَهُوَ مَلِيءٌ فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ قَائِلًا تَرْكُ تَضْمِينِهِ هُوَ إبْقَاؤُهُ لِلْقِرَاضِ لَا غَيْرُ ، وَبِإِبْقَائِهَا لِلشَّرِكَةِ صَرَّحَ الْعَبْدُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
( الثَّانِي ) : طفي قَوْلُهُ اتَّبَعَهُ بِهَا وَبِحِصَّةِ الْوَلَدِ بِهَذَا قَرَّرَ فِي تَوْضِيحِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَفِي اتِّبَاعِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ قَوْلَانِ ، وَنَصُّهُ يَعْنِي فِي اتِّبَاعِ رَبِّ الْمَالِ الْعَامِلِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْوَلَدِ إذَا كَانَ الْعَامِلُ مُعْسِرًا قَوْلَانِ الِاتِّبَاعُ لِعِيسَى .
الْبَاجِيَّ وَهُوَ أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ .
ا هـ .
فَظَاهِرُهُ اتِّبَاعُهُ بِحِصَّةِ الْوَلَدِ مَعَ اتِّبَاعِهِ بِالْقِيمَةِ ، وَعَلَى هَذَا جَرَى هُنَا فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَقَرَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي وَحَيْثُ كَانَ الْعَامِلُ مُعْسِرًا وَبَقِيَتْ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ بَقِيَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ ، فَهَلْ يَلْزَمُ الْعَامِلَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ بِنِسْبَةِ تِلْكَ الْبَقِيَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِيهِ قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ا هـ .
فَجَعَلَ مَحَلَّ الِاتِّبَاعِ بِحِصَّةِ الْوَلَدِ إذَا بَقِيَتْ مِنْ الْقِيمَةِ بَقِيَّةٌ ، وَذَلِكَ إذَا بِيعَتْ فِي قِيمَتِهَا وَلَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بِهَا وَهُوَ الصَّوَابُ لِنَصِّ غَيْرِ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا

تَبِعَهُ بِقِيمَتِهَا لَا يَتْبَعُهُ بِحِصَّةِ الْوَلَدِ ، وَبِهَذَا اعْتَرَضَ نَاصِرُ الدِّينِ عَلَى الْمُوَضِّحِ ، وَتَقْرِيرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَفِي الْجَوَاهِرِ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا فَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَاةً لِلْقِرَاضِ كَانَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إيَّاهَا وَيَتْبَعَهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ وَطْئِهَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَا مِمَّا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ شَيْءٌ وَبَيْنَ أَنْ يُبَاعَ جَمِيعُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّةِ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ وَيَبْقَى مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّبْحِ بِحِسَابِ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ ، وَلَوْ نَقَصَ ثَمَنُ مَا بِيعَ مِنْهَا عَنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ وَطْئِهَا لَأَتْبَعَهُ بِذَلِكَ النُّقْصَانِ مَعَ نَصِيبِهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ ، وَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا وَاتَّبَعَهُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ قَالَهُ عِيسَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ هَذَا مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ا هـ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ ، وَأَرَادَ بِالْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ ، إذْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِهَذَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ فِي ذِمَّتِهِ وَإِلَّا فَمِنْ الْمَالِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَإِلَّا بِيعَتْ كُلُّهَا وَاتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ .
وَفِي اتِّبَاعِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ قَوْلَانِ .
ا هـ .
فَاخْتَصَرَ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ إذْ هُوَ يَتْبَعُهُ فِي الْغَالِبِ ، وَيُخْتَصَرُ كَلَامُهُ فَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ مُرَادِهِ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَطْئِهَا أَوْ يَوْمَ حَمْلِهَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمَهُ ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ رَبُّ الْمَالِ اتِّبَاعَهُ فَمِنْ الْمَالِ إلَخْ وَنَحْوُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ لِلْمُتَيْطِيِّ ، وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا وَالْجَارِيَةُ لِلْقِرَاضِ وَأَحْبَلَهَا فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ

أَنْ يَتْبَعَهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ وَطْئِهَا ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا شَيْءٌ وَبَيْنَ بَيْعِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِبْحٌ إذَا وَضَعَتْ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ قِيمَتِهَا ، وَيَتْبَعُهُ بِقِيمَةِ وَلَدِهَا ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَيُبَاعُ مِنْهَا بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبُ رَبِّهَا مِنْ الرِّبْحِ .
وَيَتْبَعُهُ بِنَصِيبِهِ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا وَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا ، وَاتَّبَعَهُ بِنَصِيبِهِ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ ، فَقَدْ تَضَافَرَتْ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَبِعَهُ بِقِيمَتِهَا لَا يَتْبَعُهُ بِحِصَّةِ وَلَدِهَا ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الْمُصَنِّفَ ، وَكَذَا فِي شَامِلِهِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَلِرَبِّهَا أَنْ يَتْبَعَهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ وَطْئِهَا أَوْ حَمْلِهَا أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا وَبِحِصَّةِ الْوَلَدِ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ .
الثَّالِثُ : تت سَكَتَ عَنْ حُكْمِ شِرَائِهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ اشْتَرَاهَا الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ أَوْ لِنَفْسِهِ ، فَحَمَلَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَلَى شِرَائِهَا لِلْقِرَاضِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فَتُبَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَصَدَّقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَلَا تُبَاعُ عِنْدَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ ، وَأَمَّا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ فَلَا تُبَاعُ بِاتِّفَاقٍ .
طفي فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَطَرِيقَةُ غَيْرِهِ هَذَا الْحُكْمُ ، سَوَاءٌ عَلِمَ الشِّرَاءَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْعَامِلِ ، فَلَمَّا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ ، الْأُولَى : لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُشْتَرَاةِ لِلْقِرَاضِ وَالْمُشْتَرَاةِ لِلْوَطْءِ .
الثَّانِيَةُ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ .
الثَّالِثَةُ : طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا

فَفِي بَيْعِهَا لِجَبْرِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ لَهُ وَلِحَظِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مُطْلَقًا ، أَوْ إنْ اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا لِوَطْئِهَا اُتُّبِعَ بِالثَّمَنِ ، ثَالِثُهَا إنْ عُلِمَ بِبَيِّنَةٍ شِرَاؤُهَا لِلْقِرَاضِ بِيعَتْ أَوْ أُلْزِمَ قِيمَتَهَا يَوْمَ وَطْئِهَا ، وَإِنْ عُلِمَ بِهَا شِرَاؤُهَا لِنَفْسِهِ اُتُّبِعَ بِالثَّمَنِ اتِّفَاقًا فِيهِمَا وَإِلَّا جَاءَ الْقَوْلَانِ لِحَمْلِ بَعْضِ أَهْلِ النَّظَرِ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَحَمَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الثَّانِي .
ا هـ .
عَلَى أَنَّ تت لَمْ يُحْسِنْ سِيَاقَ طَرِيقَةِ ابْنُ رُشْدٍ ، وَنَصُّهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي بَيْعِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الْمَسْأَلَةَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ بِاتِّبَاعِ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ أَقُولُ فِيهَا إنَّ الْخِلَافَ فِي بَيْعِهَا إذَا حَمَلَتْ وَهُوَ عَدِيمٌ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هَلْ اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ أَوْ لِنَفْسِهِ بِمَا اسْتَلَفَهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَحَمَلَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَلَى أَنَّهُ لِلْقِرَاضِ ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ ، وَلِذَا قَالَ تُبَاعُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ .
وَحَمَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْسِهِ سَلَفًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ وَإِنْ زَعَمَ ذَلِكَ ، وَلِذَا قَالَ لَا تُبَاعُ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إرَادَتِهِ بِبَيْعِ أُمِّ وَلَدِهِ .
وَأَمَّا إنْ عُلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ بِمَالِ سَلَفٍ مِنْ الْقِرَاضِ فَلَا تُبَاعُ ، وَيُتْبَعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا يَخْتَلِفُ إنْ اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى ذَلِكَ يَوْمَ وَطْئِهَا فَحَمَلَتْ ، وَلَا مَالَ لَهُ فِي أَنَّهَا تُبَاعُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ قِيمَتِهَا .
ا هـ .

وَلِكُلٍّ : فَسْخُهُ قَبْلَ عَمَلِهِ : كَرَبِّهِ ، وَإِنْ تَزَوَّدَ لِسَفَرٍ وَلَمْ يَظْعَنْ ، وَإِلَّا فَلِنَضُوضِهِ ، وَإِنْ اسْتَنَضَّهُ : فَالْحَاكِمُ

( وَلِكُلٍّ ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَلِلْعَامِلِ ( فَسْخُهُ ) أَيْ الْقِرَاضِ ( قَبْلَ ) الشُّرُوعِ فِي ( عَمَلِهِ ) أَيْ الْقِرَاضِ عَلَى الْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ الْحَطّ نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ رَدُّهُ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ لَازِمٍ ، فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ، وَشَبَّهَ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الْفَسْخِ فَقَالَ ( كَرَبِّهِ ) أَيْ الْقِرَاضِ فَلَهُ فَسْخُهُ ( إنْ تَزَوَّدَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ اشْتَرَى الْعَامِلُ الزَّادَ لِلسَّفَرِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ .
" غ " كَذَا كَتَبَهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْقَاطِ وَاوِ النِّكَايَةِ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ بَعْضُ تَكْرَارٍ ( وَلَمْ يَظْعَنْ ) أَيْ يَشْرَعُ الْعَامِلُ فِي السَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ .
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ ظَعَنَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ لِلُزُومِهِ حِينَئِذٍ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِرَبِّ الْمَالِ رَدُّهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ الْعَامِلُ بِهِ أَوْ يَظْعَنْ بِهِ لِسَفَرٍ وَإِنْ ابْتَاعَ بِهِ سِلَعًا وَتَجَهَّزَ يُرِيدُ بَعْضَ الْبُلْدَانِ فَنَهَاهُ رَبُّهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ شِرَائِهِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ عَمَلُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلَعًا فَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَنْظُرُ السُّلْطَانُ فَيُؤَخِّرُ مِنْهَا مَا يُرْجَى لَهُ سُوقٌ لِئَلَّا يَدَعَ عَمَلَ الْعَامِلِ بَاطِلًا .
مُحَمَّدٌ لَوْ اشْتَرَى مِثْلَ الزَّادِ وَالسُّفْرَةِ فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ الْمَالِ يَأْخُذُ ذَلِكَ بِمَا اشْتَرَاهُ فَذَلِكَ لَهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَمِثْلُ الزَّادِ وَالسُّفْرَةِ لَا يُمْنَعُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ إنْ عُدِمَ الْمَنْعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ مِنْ الْمَالِ مِثْلُ السُّفْرَةِ وَالزَّادِ يُرِيدُ السَّفَرَ بِالْمَالِ ثُمَّ طَلَبَ هُوَ أَوْ رَبُّ الْمَالِ الِانْحِلَالَ مِنْ الْقِرَاضِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا طَلَبَ الِانْحِلَالَ حِينَئِذٍ يُمَكَّنُ مِنْهُ ، وَلَمْ يَقُلْ

إنَّ الْعَامِلَ إذَا أَرَادَ الِانْحِلَالَ يُمَكَّنُ مِنْهُ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَقْصُورٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، فَإِذَا رَضِيَ بِرَدِّ السُّفْرَةِ وَالزَّادِ فَلَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ عَلَيْهِ مَقَالٌ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا طَلَبَهُ الْعَامِلُ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْمَالِ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ ذَهَابِ بَعْضِ رَأْسِ مَالِهِ الْمَصْرُوفِ فِي الزَّادِ وَالسُّفْرَةِ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظُ الْمَوَّازِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى مِثْلَ الزَّادِ وَالسُّفْرَةِ ، فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ الْمَالِ بِأَخْذِ ذَلِكَ بِمَا اشْتَرَاهُ فَذَلِكَ لَهُ إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنْ زَعَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ حَلَّهُ بِإِلْزَامِهِ رَبَّهُ بِأَخْذِ الزَّادِ وَالسُّفْرَةِ بِثَمَنِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ ضَرَرِ رَبِّ الْمَالِ إنَّمَا يَلْزَمُ بِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى ذَلِكَ .
وَمَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ لِلْعَامِلِ حَلَّهُ لِدَفْعِهِ لِرَبِّهِ ثَمَنَهُمَا كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِرَبِّهِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا لِرَبِّهِ كَانَ لِلْعَامِلِ أَحْرَى .
بَيَانُ الْأَحْرَوِيَّةِ أَنَّ ثُبُوتَ ذَلِكَ لِرَبِّهِ يُدْخِلُ عَلَى الْعَامِلِ تَصْيِيرَ تَكَلُّفِهِ شِرَاءَ الزَّادِ وَالسُّفْرَةِ مَجَّانًا ، وَثُبُوتُهُ لِلْعَامِلِ بِغُرْمِ ثَمَنِهِ لَا يُدْخِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ضَرَرًا بِحَالٍ .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ فِي أَبِي الْحَسَنِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَقَلَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ، قَالَ وَكَذَلِكَ ، إذَا أَرَادَ الْعَامِلُ رَدَّ الْمَالِ بَعْدَ أَنْ أَنْفَقَ فِي الزَّادِ فَلَهُ أَنْ يَغْرَمَ ذَلِكَ وَيَرُدَّ الْمَالَ ا هـ .
وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ تَنَازَلَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَوَرَّكَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ فَقَطْ ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا لِلْعَامِلِ الِانْحِلَالَ لَضَرَّ ذَلِكَ بِرَبِّ الْمَالِ بِسَبَبِ مَا صُرِفَ مِنْ

مَالِهِ فِي السُّفْرَةِ وَالزَّادِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَحْسِبَ الْعَامِلُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَرُدَّ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى ذَلِكَ بِهِ ، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ هَذَا .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ شَرَعَ الْعَامِلُ فِي الْعَمَلِ أَوْ ظَعَنَ فِي السَّفَرِ ( فَ ) يَلْزَمُهُمَا الصَّبْرُ ( لِنَضُوضِهِ ) أَيْ صَيْرُورَةِ الْمَالِ نَاضًّا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ بِبَيْعِ السِّلَعِ بِهَا وَقَبْضِهَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَيْنًا .
( وَإِنْ اسْتَنَضَّهُ ) أَيْ طَلَبَ رَبُّ الْمَالِ بَيْعَ السِّلَعِ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ لِيَأْخُذَهَا مِنْ الْعَامِلِ وَأَبَى الْعَامِلُ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ وَطَلَبَ التَّأْخِير ( فَالْحَاكِمُ ) يَنْظُرُ فِيهِ ، فَإِنْ رَأَى تَأْخِيرَهُ مَصْلَحَةً حَكَمَ بِهِ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا حَالًا بِلَا تَأْخِيرٍ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ جَبْرُ الْعَامِلِ عَلَى بَيْعِ سِلَعِ قِرَاضِهِ لِأَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ ، وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِيهَا ، فَإِنْ رَأَى وَجْهَ بَيْعِهَا عَجَّلَهُ وَإِلَّا أَخَّرَهُ إلَى إبَّانِ سُوقِهَا كَالْحُبُوبِ تُشْتَرَى فِي الْحَصَادِ وَتُرْفَعُ إبَّانَ لِإِنْفَاقِهَا وَالضَّأْنُ تُشْتَرَى قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَتُرْفَعُ لِيَوْمِهِ .
اللَّخْمِيُّ وَكَذَا الْعَامِلُ إنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ بَيْعِهَا وَأَبَاهُ رَبُّهَا .

وَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ الْأَمِينِ أَنْ يُكَمِّلَهُ ، وَإِلَّا أَتَى بِأَمِينٍ كَالْأَوَّلِ ، وَإِلَّا سَلَّمُوا هَدَرًا
( وَإِنْ مَاتَ ) الْعَامِلُ قَبْلَ نُضُوضِهِ ( فَلِوَارِثِهِ ) أَيْ الْعَامِلِ ( الْأَمِينِ أَنْ يُكَمِّلَهُ ) أَيْ الْعَمَلَ وَيَأْخُذَ حَظَّ مُوَرِّثِهِ مِنْ الرِّبْحِ ( وَإِلَّا ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثُ الْعَامِلِ أَمِينًا ( أَتَى ) وَارِثُ الْعَامِلِ غَيْرِ الْأَمِينِ ( بِ ) شَخْصٍ ( أَمِينٍ كَ ) الْعَامِلِ ( الْأَوَّلِ ) الَّذِي مَاتَ قَبْلَ تَكْمِيلِ الْعَمَلِ فِي الْأَمَانَةِ يُكَمِّلُ الْعَمَلَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْوَارِثُ بِأَمِينٍ كَالْأَوَّلِ ( سَلَّمُوا ) بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا الْمَالَ لِرَبِّهِ وَجَمَعَ ضَمِيرَ الْوَارِثِ وَهُوَ مُفْرَدٌ لَفْظًا لِاكْتِسَابِهِ الْعُمُومَ بِإِضَافَتِهِ لِلضَّمِيرِ فَصَارَ جَمْعًا فِي الْمَعْنَى تَسْلِيمًا ( هَدَرًا ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ أَيْ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ فِي نَظِيرِ عَمَلِ مَنْ مَاتَ لِأَنَّ الْمُقَارَضَةَ كَالْمُجَاعَلَةِ لَا يُسْتَحَقُّ جُعْلُهَا إلَّا بِالتَّمَامِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ أَخَذَ قِرَاضًا فَعَمِلَ بِهِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّكْمِيلِ ، فَإِنْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ مَأْمُونِينَ قِيلَ لَهُمْ تَقَاضَوْا الدُّيُونَ وَبِيعُوا السِّلَعَ وَأَنْتُمْ عَلَى سَهْمِ وَلِيِّكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنُوا وَأَتَوْا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ وَلَمْ يَكُونُوا مُؤْتَمَنِينَ سَلَّمُوهُ إلَى رَبِّهِ وَلَا رِبْحَ لَهُمْ .

وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَخُسْرِهِ ، وَرَدِّهِ إلَى رَبِّهِ إنْ قُبِضَ بِلَا بَيِّنَةٍ

( وَ ) إنْ ادَّعَى الْعَامِلُ تَلَفَ مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ خُسْرَهُ وَكَذَّبَهُ رَبُّهُ فَ ( الْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي ) دَعْوَى ( تَلَفِهِ ) أَيْ مَالِ الْقِرَاضِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهِ ( وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ ) لِأَنَّهُ رَضِيَهُ أَمِينًا ( وَ ) الْقَوْلُ لَهُ فِي دَعْوَى ( خُسْرِهِ ) أَيْضًا بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ السِّينِ ، أَيْ نَقَصَ الْمَالُ بِسَبَبِ التَّجْرِ بِهِ ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ رَبُّ الْمَالِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَإِنْ حَقَّقَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ اتِّفَاقًا ، وَظَاهِرُهُ قَبُولُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِشَبَهِهِ وَيُعْرَفُ بِسُؤَالِ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ السِّلَعِ هَلْ حَصَلَ فِيهَا خُسْرٌ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَمْ لَا ، وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ صُدِّقَ الْعَامِلُ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ الْعَامِلُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ضَيَاعِهِ وَخُسْرَانِهِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِهِ فَقَالَ الْعَامِلُ ضَاعَ أَوْ سَقَطَ مِنِّي أَوْ سُرِقَ أَوْ غَرِقَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ، وَالْأَمِينُ يُصَدَّقُ فِي أَمَانَتِهِ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَهُ أَمِينًا وَاخْتُلِفَ فِي يَمِينِهِ .
( وَ ) إنْ ادَّعَى الْعَامِلُ رَدَّ الْمَالِ لِرَبِّهِ وَأَنْكَرَهُ رَبُّهُ فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي دَعْوَى ( رَدِّهِ ) أَيْ مَالَ الْقِرَاضِ لِرَبِّهِ ( إنْ ) كَانَ ( قُبِضَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَالُ مِنْ رَبِّهِ ( بِلَا بَيِّنَةٍ ) فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى رَدِّهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَيَحْلِفُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ حَقَّقَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَتَنْقَلِبُ عَلَيْهِ إنْ نَكَلَ الْعَامِلُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ شَرْطِ قَصْدِ التَّوَثُّقِ وَالِاكْتِفَاءِ بِحُضُورِهَا قَبَضَهُ بِلَا قَصْدِ تَوَثُّقٍ ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ تَقْيِيدُهَا بِهِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ وَكَانَ أَخَذَهُ

بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّحْقِيقَ ، وَإِنْ أَخَذَهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) .
الْأَوَّلُ : الْحَطّ هَذَا أَيْ تَصْدِيقُ الْعَامِلِ فِي الرَّدِّ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَهُ أَوْ رَدَّ بَعْضَهُ وَكَانَ الْبَاقِي لَا يَفِي بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا يَفِي بِمَا رَدَّهُ .
وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَاقِي يَفِي بِرَأْسِ الْمَالِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ الْعَامِلُ رَدَدْت إلَيْك رَأْسَ مَالِكَ ، وَاَلَّذِي بِيَدِي رِبْحٌ .
وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا صُدِّقَ رَبُّ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْبَيِّنَةُ .
ابْنُ يُونُسَ حَكَى عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ إذَا قَالَ مَا فِي يَدِي هَذَا رِبْحٌ بَيْنِي وَبَيْنَك ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ قَائِمٌ بِيَدِهِ بَعْدُ ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ رَدَدْت إلَيْك الْمَالَ وَحِصَّتَك مِنْ الرِّبْحِ ، وَمَا فِي يَدَيْ حِصَّتِي مِنْ الرِّبْحِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ إذَا كَانَ قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ .
فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ ا هـ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ كَلَامِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ هَذَا رِبْحِي ، وَكَمَا لَوْ قَالَ رَدَدْت بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ رَدَدْت بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ جَمِيعَهُ دُونَ الرِّبْحِ أَوْ لَمْ أَرْبَحْ شَيْئًا أَوْ رَبِحْت وَسَلَّمْت لَك رَأْسَ مَالِكَ وَرِبْحَك ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسَاقِي يَقُولُ بَعْدَ جِذَاذِ الثَّمَرَةِ دَفَعْت إلَيْك نَصِيبَك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُ هَذَا الَّذِي فِي يَدِي نَصِيبِي فَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ .
ا هـ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ ، فَفِي قَبُولِ دَعْوَى الْعَامِلِ

رَدَّ الْمَالِ مُقِرًّا بِبَقَاءِ رِبْحٍ بِيَدِهِ .
ثَالِثُهَا إنْ ادَّعَى رَدَّ حَظِّ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ لِلَّخْمِيِّ وَلَهَا وَلِلْقَابِسِيِّ ا هـ .
الْجُزُولِيُّ مِنْ مَالٍ رَدَدْت إلَيْك مَا وَكَّلْتنِي عَلَيْهِ وَعَلَى بَيْعِهِ أَوْ دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَهُ أَوْ وَدِيعَتَك أَوْ قِرَاضَك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ رَدَدْت إلَيْك رَأْسَ الْمَالِ ، وَاَلَّذِي بِيَدِي رِبْحٌ بَيْنِي وَبَيْنَك ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ لِي شَيْئًا صُدِّقَ رَبُّ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْبَيِّنَةُ وَهَذَا نَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
ا هـ .
( الثَّانِي ) : الْحَطّ لَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِالْمَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ فِيهِ نَصًّا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّالِثُ ) : حُكْمُ الْمُبْضِعِ مَعَهُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ حُكْمُ الْمُقَارَضِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

أَوْ قَالَ قِرَاضٌ ، وَرَبُّهُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ ، أَوْ عَكْسُهُ
( أَوْ قَالَ ) الْعَامِلُ هُوَ ( قِرَاضٌ بِجُزْءٍ ) مِنْ رِبْحِهِ ( وَ ) قَالَ ( رَبُّهُ ) أَيْ الْمَالِ هُوَ ( بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ ) مَعْلُومٍ كَعَشَرَةٍ ، فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ بِيَمِينِهِ ، وَلَهُ أَخْذُ الْجُزْءِ الَّذِي ادَّعَاهُ إنْ أَشْبَهَ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ رَبُّ الْمَالِ وَدَفَعَ الْأَجْرَ .
فِيهَا إنْ قَالَ الْعَامِلُ قِرَاضًا وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ أَبْضَعْتُكَهُ لِتَعْمَلَ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِيَمِينِهِ .
بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنْ كَانَ أَمْرُهُمْ أَنَّ لِلْبِضَاعَةِ أَجْرًا فَالْأَشْبَهُ كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ الْعَامِلِ ( وَعَكْسُهُ ) بِأَنْ قَالَ الْعَامِلُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ وَرَبُّهُ قِرَاضًا بِجُزْءٍ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْعَامِلِ أَيْضًا .
اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ الْعَامِلُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرِهِ وَصَاحِبُ الْمَالِ قِرَاضًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ .

أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ
( أَوْ ادَّعَى ) رَبُّ الْمَالِ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ ( الْغَصْبَ ) أَوْ السَّرِقَةَ لِلْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ دَفَعْته لِي قِرَاضًا .
أَعْمَلُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْغَصْبِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ قَالَ الْعَامِلُ قِرَاضًا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ غَصَبْته فَلَا يُصَدَّقُ ، وَقِيلَ إلَّا أَنْ يُشْبِهَ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ نَصَّ هَذَا الْفَرْعِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهَا إنْ قَالَ لِصَانِعٍ اسْتَعْمَلْتَنِي هَذَا الْمَتَاعَ وَقَالَ رَبُّهُ سَرَقْته مِنِّي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ عُوقِبَ رَبُّ الثَّوْبِ وَإِلَّا فَلَا يُعَاقَبُ .

أَوْ قَالَ أَنْفَقْتُ مِنْ غَيْرِهِ
( أَوْ قَالَ ) الْعَامِلُ قَبْلَ الْمُفَاصَلَةِ ( أَنْفَقْت ) عَلَى نَفْسِي فِي سَفَرِي لِلتَّجْرِ جِمَالَ الْقِرَاضِ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَالِ لِأَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمَالِ ، وَقَالَ رَبُّهُ أَنْفَقْت مِنْهُ فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ ، سَوَاءٌ رَبِحَ الْمَالَ أَوْ خَسِرَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ سِلَعًا .
فِيهَا إنْ قَالَ أَنْفَقْت فِي سَفَرِي مِنْ مَالِي مِائَةَ دِرْهَمٍ لِأَرْجِعَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ صُدِّقَ وَلَوْ خَسِرَ وَيَرْجِعُ بِهَا فِيهِ إنْ أَشْبَهَتْ نَفَقَةَ مِثْلِهِ ، وَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ فَلَا يُصَدَّقُ .

وَفِي جُزْءِ الرِّبْحِ إنْ ادَّعَى مُشْبِهًا ، وَالْمَالُ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ ، وَإِنْ لِرَبِّهِ ، وَلِرَبِّهِ إنْ ادَّعَى الشَّبَهَ فَقَطْ
( وَ ) إنْ تَنَازَعَ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ ( فِي ) قَدْرِ ( جُزْءِ الرِّبْحِ ) بَعْدَ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ بِيَمِينِهِ ( إنْ ادَّعَى ) الْعَامِلُ قَدْرًا ( مُشْبِهًا ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ، أَيْ مُمَاثِلًا مَا يُقَارِضُ بِهِ مِثْلَهُ فِي بَلَدِهِ .
الْبَاجِيَّ سَوَاءٌ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ مُشْبِهًا أَيْضًا أَمْ لَا ( وَ ) إنْ كَانَ ( الْمَالُ بِيَدِهِ ) أَيْ الْعَامِلِ حِينَ تَنَازُعِهِمَا فِي قَدْرِ جُزْءِ رِبْحِهِ حِسًّا أَوْ مَعْنًى بِأَنْ كَانَ ( وَدِيعَةً ) لِأَجْنَبِيٍّ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ وَدِيعَةً ( لِرَبِّهِ ) أَيْ عِنْدَ رَبِّ الْمَالِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي جُزْءِ الرِّبْحِ إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَالْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ وَدِيعَةٌ وَلَوْ عِنْدَ رَبِّهِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُزْءِ فَقَالَ الْعَامِلُ أَخَذْته عَلَى النِّصْفِ ، وَقَالَ رَبُّهُ عَلَى الثُّلُثِ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمَلْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ ، وَإِنْ أَحَبَّ الْعَامِلُ أَنْ يَعْمَلَهُ عَلَى الثُّلُثِ عَمِلَ أَوْ رَدَّهُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَفِي الْمَالِ رِبْحٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدَيْهِ أَوْ سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ حَتَّى يَتَفَاصَلَا فِيهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ ، وَإِنْ سَلَّمَ الْمَالَ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ رَبُّهُ وَيَكُونُ جُزْءُ الرِّبْحِ سَلَفًا عِنْدَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّهُ عَلَى الثُّلُثِ .
( وَ ) الْقَوْلُ ( لِرَبِّهِ ) أَيْ الْمَالِ فِي قَدْرِ الْجُزْءِ بِيَمِينِهِ ( إنْ ادَّعَى ) رَبُّهُ ( الشَّبَهَ ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ جُزْءًا مُشْبِهًا لِلْمُعْتَادِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْعَامِلِ .
وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا مَا لَا يُشْبِهُ حَلَفَا وَرُدَّا إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا ، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ .

أَوْ قَالَ قَرْضٌ فِي قِرَاضٍ ، أَوْ وَدِيعَةٍ
( أَوْ قَالَ ) رَبُّ الْمَالِ ( قَرْضٌ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ سَلَفٌ ( فِي ) قَوْلِ الْعَامِلِ ( قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ ) فَالْقَوْلُ لِرَبِّهِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ أَخَذَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مَالًا وَقَالَ هُوَ بِيَدِي وَدِيعَةٌ أَوْ قِرَاضٌ ، وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ أَسْلَفْتُكَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْعَامِلَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ قِبَلَهُ مَالًا وَادَّعَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّهُ قِرَاضًا وَقَالَ الْعَامِلُ بَلْ سَلَفًا صُدِّقَ الْعَامِلُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُدَّعٍ هَاهُنَا فِي الرِّبْحِ فَلَا يُصَدَّقُ .

أَوْ فِي جُزْءٍ قَبْلَ الْعَمَلِ مُطْلَقًا ، وَإِنْ قَالَ وَدِيعَةً ضَمِنَهُ الْعَامِلُ ، وَإِنْ عَمِلَ
( أَوْ ) تَنَازَعَا ( فِي ) قَدْرِ ( جُزْءٍ ) مِنْ الرِّبْحِ ( قَبْلَ الْعَمَلِ ) فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِإِتْيَانِهِ بِمَا يُشْبِهُ تَقَدُّمَ شَاهِدِهِ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ ( وَإِنْ قَالَ ) رَبُّ الْمَالِ أَعْطَيْتُك الْمَالَ ( وَدِيعَةً ) عِنْدَك وَقَالَ الْعَامِلُ قِرَاضًا ( ضَمِنَهُ ) أَيْ الْمَالَ ( الْعَامِلُ إنْ عَمِلَ ) أَيْ صَارَ مُعَرِّضًا لِضَمَانِهِ إنْ تَلِفَ أَوْ خَسِرَ لِدَعْوَاهُ .
إنَّ رَبَّ الْمَالِ أَذِنَ لَهُ فِي تَحْرِيكِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ وَضَاعَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ فَلَا يَضْمَنُهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمَانَةً لِاشْتِرَاكِ الْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ فِي ذَلِكَ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ وَدِيعَةٌ ضَمِنَهَا الْعَامِلُ بَعْدَ الْعَمَلِ لَا قَبْلَهُ .

وَلِمُدَّعِي الصِّحَّةِ
( وَ ) إنْ تَنَازَعَا فِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ وَعَدَمِهَا فَالْقَوْلُ ( لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ ) سَوَاءٌ كَانَ رَبَّ الْمَالِ أَوْ الْعَامِلَ .
فِيهَا إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَالًا يَجُوزُ كَدَعْوَاهُ أَنَّ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَنِصْفَ مَا بَقِيَ صُدِّقَ مُدَّعِي الْحَلَالِ مِنْهُمَا إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ .

وَمَنْ هَلَكَ وَقَبِلَهُ : كَقِرَاضٍ أُخِذَ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَحَاصَّ غُرَمَاءَهُ
( وَمَنْ هَلَكَ ) أَيْ مَاتَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ ( وَقِبَلَهُ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ عِنْدَهُ ( كَقِرَاضِ ) أَيْ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْوَدِيعَةَ وَالْبِضَاعَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَاللُّقَطَةَ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ رَدَّهُ ، وَلَمْ يَدَّعِ تَلَفَهُ وَوَجَدَ بِعَيْنِهِ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ بِخَطِّ الْمَيِّتِ أَوْ رَبِّهِ إنَّ هَذَا قِرَاضٌ أَوْ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةُ فُلَانٍ أَوْ لُقَطَةٌ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ ( أُخِذَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مِنْ تَرِكَتِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ) لِاحْتِمَالِ إنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَصَيْرُورَتِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ .
( وَ ) إنْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ تَفِ تَرِكَتُهُ بِهَا ( حَاصَّ ) صَاحِبُ الْقِرَاضِ وَنَحْوُهُ ( غُرَمَاءَهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ ضَمَانُ الْقِرَاضِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّ ضَمَانَهَا مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الطَّوْلِ .

وَتَعَيَّنَ بِوَصِيَّةٍ ، وَقُدِّمَ صَاحِبُهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ

( وَتَعَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْقِرَاضُ وَنَحْوُهُ ( بِوَصِيَّةٍ ) بِأَنَّ هَذَا الْمَالَ قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ بِضَاعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ فُلَانٍ ( وَقُدِّمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا صَاحِبُهُ عَلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ فَلَيْسَ لَهُمْ مُحَاصَّتَهُ فِيهِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ دُيُونُهُمْ ثَابِتَةً بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ ( فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ ) فِيهَا وَمَنْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِرَاضٍ بِعَيْنِهِ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ فِي صِحَّتِهِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ ، هَذَا قَبْلَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ أَوْ بَعْدَ فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ أَخْذُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ دُونَ غُرَمَائِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا وَجَبَ التَّحَاصُصُ بِهَا مَعَ غُرَمَائِهِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : تت لَمْ يَذْكُرْ تَقْيِيدَ الْوَصِيَّةِ بِالْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ بِكَوْنِهَا لِمَنْ لَا يَهْتَمُّ فِي الْإِيصَاءِ لَهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ صَحِيحٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ ، إمَّا لِوُضُوحِهِ أَوْ اسْتِغْنَاءً بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقْرَارِ .
الثَّانِي : ابْنُ عَاشِرٍ قَوْلُهُ فِي الصِّحَّةِ إلَخْ الظَّاهِرُ تَعَلُّقُهُ بِوَصِيَّةٍ .
الْبُنَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
الثَّالِثُ : طفي قَوْلُهُ وَتَعَيَّنَ بِوَصِيَّةٍ إلَخْ أَيْ فِي مَرَضِهِ ، إذْ هِيَ مَفْرُوضَةٌ كَذَلِكَ ، فَفِيهَا وَإِنْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ قِرَاضٍ بِعَيْنِهِ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ فِي صِحَّتِهِ أَوْ بِإِقْرَارٍ فِي مَرَضِهِ ، هَذَا قَبْلَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْقِرَاضِ أَخْذُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ دُونَ غُرَمَائِهِ .
ا هـ .
وَعَلَى هَذَا الْفَرْضِ يَأْتِي التَّقْيِيدُ بِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ كَمَا قَيَّدَهَا بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فَقَالَ قَوْلُهُ أَوْ بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ يُرِيدُ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ .
ا هـ .
وَفِيهَا فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ هَذَا قِرَاضُ فُلَانٍ وَهَذِهِ وَدِيعَةُ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ صُدِّقَ .
ا هـ .
أَمَّا الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ فَيُقْبَلُ

مُطْلَقًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُفْلِسٍ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ لَا يُقَدَّمُ أَيْ قُدِّمَ عَلَى الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ ، وَبِهَذَا قَرَّرَ فِي تَوْضِيحِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ الَّذِي هُوَ كَعِبَارَتِهِ هُنَا .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ تَقْرِيرُ ابْنِ عَاشِرٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا يَنْبَغِي لِعَامِلٍ : هِبَةٌ ، وَتَوْلِيَةٌ
( وَلَا يَنْبَغِي ) أَيْ لَا يَجُوزُ ( لِعَامِلٍ ) فِي مَالِ الْقِرَاضِ ( هِبَةٌ ) لِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ( أَوْ تَوْلِيَةٌ ) أَيْ بَيْعُ سِلْعَةٍ مِنْ سِلَعِ الْقِرَاضِ بِمِثْلِ ثَمَنِهَا بِلَا رِبْحٍ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ بَيْعِهَا بِنَاقِصٍ عَنْهُ لِتَفْوِيتِهِ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهَا

وَوَسَّعَ أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ كَغَيْرِهِ ، إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّفَضُّلَ ، وَإِلَّا فَلْيَتَحَلَّلْهُ ، فَإِنْ أَبَى : فَلْيُكَافِئْهُ .

( وَوَسَّعَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، أَيْ جَوَّزَ لِلْعَامِلِ ( أَنْ يَأْتِيَ ) عَامِلُ الْقِرَاضِ ( بِطَعَامٍ ) مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لِيَأْكُلَهُ مَعَ غَيْرِهِ ( كَ ) طَعَامِ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الْعَامِلِ الْآكِلِ مَعَهُ ( إنْ لَمْ يَقْصِدْ ) لِعَامِلٍ ( التَّفَضُّلَ ) أَيْ الزِّيَادَةَ عَلَى مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الطَّعَامِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ قَصَدَ التَّفَضُّلَ بِطَعَامٍ أَفْضَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ غَيْرُهُ ( فَلْيَتَحَلَّلْهُ ) أَيْ يَطْلُبُ الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْمَال أَنْ يُسَامِحَهُ وَيَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ .
( فَإِنْ ) سَامَحَهُ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ ( أَبَى ) تَحْلِيلَهُ ( فَلْيُكَافِئْهُ ) أَيْ يُعْطِهِ عِوَضَ مَا تَفَضَّلَ بِهِ .
" ق " فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ شَيْئًا وَلَا يُوَلِّي وَلَا يُعْطِي عَطِيَّةً وَلَا يُكَافِئُ مِنْهُ أَحَدًا ، فَأَمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ إلَى قَوْمٍ وَيَأْتُونَ بِمِثْلِهِ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ وَاسِعًا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَلْيَتَحَلَّلْ صَاحِبَهُ ، فَإِنْ حَلَّلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِنْ أَبَى فَلْيُكَافِئْهُ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ مُكَافَأَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَرَّرَهُ الْبَاجِيَّ بِقَوْلِهِ إنْ اجْتَمَعَ مَعَ رُفَقَائِهِ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ عَلَى مَا يَتَخَارَجُهُ الرُّفَقَاءُ فِي السَّفَرِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ وَمَنْ يَصُومُ فِي يَوْمٍ دُونَ رُفَقَائِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يُتَسَاوَى فِيهِ ثُمَّ يُنْفِقُونَ مِنْهُ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا تُلْجِئُهُمْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ انْفِرَادَ كُلِّ إنْسَانٍ بِتَوَلِّي طَعَامِهِ يَشُقُّ عَلَيْهِ ، وَيُشْغِلُهُ عَمَّا هُوَ مُسَافِرٌ

بِسَبَبِهِ مِنْ أَمْرِ تِجَارَةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُسَافِرِينَ ، قَالَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيت ، وَهُوَ وَاضِحٌ .
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَامِلِ فِي إعْطَائِهِ السَّائِلَ الْكِسْرَةَ وَكَذَا الْقُرَّاتُ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُتَشَاحُّ فِي مِثْلِهِ وَكَذَا الْوَصِيُّ يُعْطِي السَّائِلَ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ ، وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ } الْآيَةَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

بَابٌ ) إنَّمَا تَصِحُّ مُسَاقَاةُ شَجَرٍ وَإِنْ بَعْلًا ذِي ثَمَرٍ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلَمْ يُخْلِفْ إلَّا تَبَعًا

بَابٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُسَاقَاةِ ( إنَّمَا تَصِحُّ ) أَيْ تُوَافِقُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ ( مُسَاقَاةٌ ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ السَّقْيِ لِأَنَّهُ غَالِبُ عَمَلِهَا وَهُوَ مِنْ الْعَامِلِ فَقَطْ فَهِيَ عَنْ الْمُسْتَعْمَلِ فِي فِعْلِ فَاعِلٍ وَاحِدٍ كَسَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ قَلِيلٌ ، وَالْكَثِيرُ اسْتِعْمَالُهُ فِي فِعْلِ فَاعِلَيْنِ عَلَيْهِمَا كَالْمُشَارَكَةِ وَالْمُقَاصَّةِ وَهِيَ رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ بِمَجْهُولٍ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا إنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى بَيَاضٍ ، أَيْ أَرْضٌ خَالِيَةٌ يَزْرَعُهَا الْعَامِلُ وَبَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ، بَلْ قَبْلَ وُجُودِهَا وَبَيْعُ الْغَرَرِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمُسَاقَاةُ ، عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةَ الْبَعْلِ ا هـ .
الْحَطّ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِعَقْدِهَا بِلَفْظِ عَامَلْتُك لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُسَاقَاةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
" غ فِي تَكْمِيلِهِ اُنْظُرْ هَلْ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِالْمُسَاقَاةِ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ لِانْدِرَاجِهِ فِي الْقَدْرِ .
الْبُنَانِيُّ لَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ بِقَدْرٍ بِبَعْضِ غَلَّتِهِ أَوْ كُلِّهَا لَكَانَ أَحْسَنَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيمَا تَلْزَمُ بِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .
الْأَوَّلُ الْعَقْدُ .
الثَّانِي الشُّرُوعُ .
الثَّالِثُ حَوْزُ الْمُسَاقِي فِيهِ .
الرَّابِعُ أَوَّلُهَا لَازِمٌ وَآخِرُهَا كَالْجُعْلِ ، وَالْأَوَّلُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ عَنْ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ .
اللَّخْمِيُّ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّهُ إنْ أُصِيبَتْ الثَّمَرَةُ كَانَ عَمَلُهُ بَاطِلًا مَعَ انْتِفَاعِ رَبِّ الْحَائِطِ بِهِ وَالْجَهْلُ بِقَدْرِ الْحَظِّ وَرِبَا الطَّعَامِ نَسِيئَةٌ إنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ حَيَوَانٌ يُطْعِمُهُ الْعَامِلُ ، وَيَأْخُذُ عِوَضَهُ طَعَامًا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي الذِّمَّةِ وَعِوَضُهُ

مُتَأَخِّرٌ .
ابْنُ شَاسٍ وَمِنْ الْمُخَابَرَةِ وَهُوَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا إنْ كَانَ فِيهَا بَيَاضٌ يَزْرَعُهُ الْعَامِلُ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : نَظَرَ طفى فِي جُعْلِ الْمُسَاقَاةِ لَمَّا كَانَ مِنْ فَاعِلٍ وَاحِدٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي فَاعَلَ اقْتِسَامُ الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ وَهِيَ الْمُشَارَكَةُ ، وَوُرُودُهُ لِلْوَاحِدِ قَلِيلٌ مَحْصُورٌ عِنْدَ النُّحَاةِ ، إمَّا لِمُوَافَقَةِ أَفْعَلَ ذِي التَّعَدِّي نَحْوَ عَالَيْت رَحْلِي عَلَى النَّاقَةِ وَأَعْلَيْته ، أَوْ لِمُوَافَقَةِ فَعَلَ نَحْوَ جَاوَزْت الشَّيْءَ وَجُزْتُهُ ، وَوَاعَدْتُ زَيْدًا وَوَعَدْتُهُ ، أَوْ لِلْإِغْنَاءِ عَنْهُمَا كَقَامُوا وَبَارَكَ اللَّهُ ، وَمِنْهُ سَافَرَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ سَفَرًا ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ فَلَيْسَ لَنَا اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الْمُفَاعَلَةِ إلَّا بِسَمَاعٍ ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ ضَارِبٌ بِمَعْنَى ضَرَبَ ، وَمِنْهُ سَاقَى فَيَتَعَيَّنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ .
الثَّانِي : مَصَبُّ الْحَصْرِ الشُّرُوطُ أَوْ الشَّجَرُ بِقَيْدٍ مَحْذُوفٍ أَيْ لَا تَصِحُّ صِحَّةً مُطْلَقَةً عَنْ شَرْطِ عَجْزِ رَبِّهِ إلَّا فِي الشَّجَرِ ( شَجَرٍ ) ذِي أَصْلٍ ثَابِتٍ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ وَتَبْقَى أُصُولُهُ ، وَشَمِلَ الشَّجَرُ النَّخْلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ يَحْتَاجُ لِسَقْيٍ ، بَلْ ( وَإِنْ كَانَ بَعْلًا ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا يَحْتَاجُ لِسَقْيٍ لِشُرْبِهِ بِعُرُوقِهِ مِنْ نَدَاوَةِ الْأَرْضِ كَشَجَرِ الشَّامِ وَإِفْرِيقِيَّةَ فِيهَا لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ النَّخْلِ وَفِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيِهِ كَمُسَاقَاةِ شَجَرِ الْبَعْلِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ وَمُؤْنَةٍ .
الْمُتَيْطِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ شَجَرِ الْبَعْلِ وَالسَّقْيِ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ كَانَ فِي خَيْبَرَ الْبَعْلُ وَالسَّقْيُ وَكَانَتْ عَلَى سِقَاءٍ وَاحِدٍ ( ذِي ثَمَرٍ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ .
عِيَاضٌ مِنْ شُرُوطِ الْمُسَاقَاةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي أَصْلٍ يُثْمِرُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذَوَاتِ

الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْوِرْدِ وَالْآسِ فَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ فِيمَا لَا يُثْمِرُ أَصْلًا كَالصِّفَافِ وَالْأَثْلِ وَالصَّنَوْبَرِ ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ يُثْمِرُ فِي عَامِهِ فَلَا تَصِحُّ فِي الْوَدْيِ الَّذِي لَا يُثْمِرُ فِي عَامِهِ إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا تَابِعًا لِمَا يُثْمِرُ فِي عَامِهِ ، فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْحَائِطِ ، وَفِيهِ مَا لَا يُثْمِرُ فِي عَامِهِ وَيَكُونُ مَا لَا يُثْمِرُ فِي عَامِهِ تَابِعًا لِمَا يُثْمِرُ فِيهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُنْتَقَى فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا تَبَعًا رَاجِعٌ لِهَذِهِ أَيْضًا ، أَفَادَهُ الْحَطّ ( لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ ) أَيْ الثَّمَرُ فَإِنْ حَلَّ بَيْعُهُ فَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ ذِي أَصْلٍ مِنْ الشَّجَرِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا عَلَى مَا يُشْتَرَطُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَتَجُوزُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ كَالرِّبْحِ فِي الْقِرَاضِ .
وَفِي الْمُوَطَّإِ مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ كَالْإِجَارَةِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي مُسَاقَاةِ مَا حَلَّ بَيْعُهُ هِيَ إجَارَةٌ جَائِزَةٌ .
ابْنُ يُونُسَ لِجَوَازِ بَيْعِ نِصْفِهِ وَلِأَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِهِ ا هـ .
" ق " الْحَطّ احْتَرَزَ مِمَّا حَلَّ بَيْعُهُ بِأَنْ أَزْهَى بَعْضُ الْحَائِطِ فَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ ، فَفِيهَا وَإِنْ أَزْهَى بَعْضُ الْحَائِطِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ جَمِيعِهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ .
ابْنُ نَاجِي تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ مُسَاقَاةُ جَمِيعِهِ ، وَمُرَادُهُ مُسَاقَاةُ شَيْءٍ مِنْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّهِ فِي عَدَمِهَا لِجَوَازِ بَيْعِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ ا هـ .
قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُسَاقَاةُ فِي الْحَائِطِ الَّذِي لَمْ يُزْهَ ثَمَرُهُ إذَا أَزْهَى مَا يُجَاوِرُهُ مِنْ الْحَوَائِطِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ بِإِزْهَاءِ مُجَاوِرِهِ ، وَإِذَا عَمِلَ رَبُّ الْحَائِطِ فِي حَائِطِهِ مُدَّةً ثُمَّ سَاقَى عَلَيْهِ قَبْلَ إثْمَارِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ

حِلِّ بَيْعِهِ جَازَ ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْعَامِلِ بِأُجْرَةِ سَقْيِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهَا قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ .
ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ سَاقَاهُ بَعْدَ أَنْ سَقَى أَشْهُرًا عَلَى أَنْ يُتْبِعَهُ بِمَا سَبَقَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ .
( وَلَمْ يُخْلِفْ ) الشَّجَرُ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، أَيْ لَا يُثْمِرُ ثَمَرَةً ثَانِيَةً قَبْلَ جَذِّ الثَّمَرَةِ الْأُولَى فِي عَامِهِ .
الْحَطّ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا يُخْلِفُ كَالْبُقُولِ وَالْقَضْبِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَوْزِ وَالْقُرْطِ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
اللَّخْمِيُّ وَالْكُرَّاتِ وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِشَجَرٍ ، وَإِذَا جُزَّ أَخْلَفَ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ ، وَإِنْ عَجَزَ رَبُّهُ عَنْ عَمَلِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ أَنَّ الْبَصَلَ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِقَلْعِهِ بِأُصُولِهِ ، وَالْكُرَّاثُ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِجَزِّهِ وَإِبْقَاءِ أُصُولِهِ فِي الْأَرْضِ لِتُخَلِّفَ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ مَا لَا يُثْمِرُ ، وَمَا حَلَّ بَيْعُ ثَمَرِهِ وَمَا يُخْلِفُ ثَمَرُهُ ( تَبَعًا ) لِمَا يُثْمِرُ وَلِمَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهِ وَمَا لَا يُخْلِفُ فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْجَمِيعِ .
" غ " يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُنْطَبِقًا عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلَمْ يُخْلِفْ .
أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِهِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْمَوْزِ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ ، وَنَصُّهُ سَهَّلَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ الرَّجُلِ يُسَاقِي النَّخْلَ ، وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَوْزِ الثُّلُثُ فَدُونَهُ فَقَالَ إنِّي أَرَاهُ خَفِيفًا .
سَحْنُونٌ إنْ كَانَ الْمَوْزُ يُسَاقَى مَعَ النَّخْلِ جَازَ ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْعَامِلُ فَلَا يَجُوزُ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ سَحْنُونٍ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
وَفِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقِيَ الْحَائِطَ وَفِيهِ

مِنْ الْمَوْزِ مَا هُوَ تَبَعٌ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى سِقَاءٍ وَاحِدٍ مِثْلَ الزَّرْعِ الَّذِي مَعَ النَّخْلِ ، وَهُوَ تَبَعٌ لَهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ .
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ وَيُغْتَفَرُ طِيبُ نَوْعٍ يَسِيرٍ مِنْهُ ، أَيْ إذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ حَلَّ بَيْعُ بَعْضِهَا وَكَانَ الَّذِي أَزْهَى مِنْهُ الْأَقَلَّ جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ ، حَكَاهُ الْبَاجِيَّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْهَا الْمَنْعَ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَعَلَّ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِمَّا طَابَ وَمَا لَمْ يَطِبْ كَثِيرًا وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَزَادَ أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَائِطُ كُلُّهُ نَوْعًا وَاحِدًا وَطَابَ بَعْضُهُ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهُ يَطِيبُ بَعْضُهُ حَلَّ بَيْعُهُ ، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ احْتَرَزَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ نَوْعٌ ، وَجَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ نَقْلَ الْبَاجِيَّ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ .

بِجُزْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، شَاعَ وَعُلِمَ
وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ كَوْنُهَا ( بِجُزْءٍ ) مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ ( قَلَّ ) الْجُزْءُ كَرُبْعِ عُشْرٍ أَوْ كَثُرَ كَتِسْعَةِ أَعْشَارٍ ( شَاعَ ) الْجُزْءُ فِي جَمِيعِ الثَّمَرَةِ .
عِيَاضٌ شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مُقَدَّرٍ ( وَعُلِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْجُزْءُ ، أَيْ عُلِمَتْ نِسْبَتُهُ لِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ كَثُلُثِهَا .
الْحَطّ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِجُزْءٍ وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِكَيْلٍ مُسَمًّى مِنْ الثَّمَرَةِ فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ بِجَمِيعِ الثَّمَرِ لِلْعَامِلِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا .
ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُ كَلَامِهَا أَنَّهَا مُسَاقَاةٌ حَقِيقَةً ، وَيُجْبَرُ الْعَامِلُ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْهِبَةِ لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَكَثْرَةِ الثَّمَرَةِ .
اللَّخْمِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ .
وَقَالَ التُّونُسِيُّ هِيَ الْهِبَةُ وَإِنْ انْتَفَعَ رَبُّهَا بِسَقْيِ أُصُولِهِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ .
اللَّخْمِيُّ وَمَتَى أَشْكَلَ الْأَمْرُ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِقَوْلِهِ أُسَاقِيك وَرَبُّ الْحَائِطِ أَعْلَمُ بِمَنَافِعِهِ وَمَصْلَحَةِ مَالِهِ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ تَجُوزُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِلْعَامِلِ بِعَمَلِهِ .
وَقِيلَ هِيَ مِنْحَةٌ فَتَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَهُ وَهَذَا بَعِيدٌ ا هـ .
قُلْت وَأَمَّا عَكْسُهُ فَظَاهِرُ جَوَازِهِ وَهُوَ كَوْنُ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا لِرَبِّ الْحَائِطِ لِأَنَّ الْعَامِلَ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْجُزْءِ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي أَصْنَافِ الثَّمَرَةِ بِأَنْ يَكُونَ بِنِصْفِ بَعْضِهَا وَثُلُثِ صِنْفٍ آخَرَ مَثَلًا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَائِطُ الْمُخْتَلِفُ أَنْوَاعُ شَجَرِهِ مُخْتَلِطًا كَمُتَّحِدٍ .
اللَّخْمِيُّ وَاخْتِلَافُ ثَمَرَتِهِ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ كَتَسَاوِيهَا وَتَعَدُّدُ الْحَوَائِطِ وَثَمَرُهَا سَوَاءٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَالْعَمَلِ أَوْ تَقَارُبُهَا كَوَاحِدَةٍ ا هـ .

بِسَاقَيْتُ ،
وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ ( بِ ) مَادَّةٍ ( سَاقَيْت ) فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْمُسَاقَاةُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا فَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ اسْتَأْجَرْتُك عَلَى عَمَلِ حَائِطِي هَذَا بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ ، فَلَا تَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِهِ كَمَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عِنْدَهُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إذَا سَاقَاهُ فِي ثَمَرِ حَائِطٍ قَدْ طَابَ بَعْضُهَا فَلَا يَجُوزُ ، وَأَجَازَهَا سَحْنُونٌ ، وَجَعَلَهَا إجَارَةً .
وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلُهُ ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ ا هـ .
الْحَطّ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ اقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ الصِّيغَةُ مِثْلُ سَاقَيْتُك أَوْ عَامَلْتُك عَلَى كَذَا ، فَيَقُولُ قَبِلْت وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ا هـ .
عِيَاضٌ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، فَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك عَلَى عَمَلِ حَائِطِي أَوْ سَقْيِهِ بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ أَوْ رُبْعِهَا فَلَا تَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّيَاهَا مُسَاقَاةً .
وَفِي الشَّامِلِ وَصَحَّتْ بِلَفْظِهَا لَا بِعَامَلْت خِلَافًا لِسَحْنُونٍ ، وَنَحْوُهُ لِلْمُتَيْطِيِّ وضيح وَغَيْرِهِمَا ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ ، وَفِيهِ تَصْحِيحُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ .

لَا نَقْصَ مَنْ فِي الْحَائِطِ وَلَا تَجْدِيدَ

( وَلَا ) تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ بِشَرْطِ ( نَقْصِ ) أَيْ إخْرَاجِ ( مَنْ فِي الْحَائِطِ ) يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ رَقِيقٍ وَدَوَابَّ رَبِّهِ وَإِتْيَانِ الْعَامِلِ بِخَلَفِهِمْ مِنْ مَالِهِ ( وَلَا ) تَصِحُّ بِاشْتِرَاطِ ( تَجْدِيدٍ ) لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ كَبِئْرٍ وَعَبِيدٍ وَدَوَابَّ مِنْ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا الْيَسِيرَ ، كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غِلْمَانٍ أَوْ دَوَابَّ فَيَصِيرَ كَزِيَادَةِ شَرْطِهِمَا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ .
قَالَ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا مَا قَلَّ ، كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَائِطٍ صَغِيرٍ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ لَا يُخْرِجَ رَبُّ الْحَائِطِ مَا فِيهِ مِنْ دَوَابَّ وَعَبِيدٍ وَأُجَرَاءَ وَآلَةٍ يَوْمَ عَقْدِهَا وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ رَقِيقٍ وَدَوَابَّ لِرَبِّهِ ، فَلِلْعَامِلِ اشْتِرَاطُهُمْ فِيهَا ، وَلَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَزِيَادَةِ شُرُوطِهَا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَكَشَرْطِ رَبِّ الْحَائِطِ إخْرَاجَ رَقِيقِهِ وَدَوَابِّهِ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَالثَّمَرَةُ لِرَبِّهَا أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى لَا يَنْبَغِي الْمَنْعُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ا هـ .
ابْنُ نَاجِي لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ لِلتَّعْلِيلِ ، وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ .
الْحَطّ وَآخِرُ كَلَامِهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ لِجَعْلِهِ ذَلِكَ مِمَّا تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ بِهِ .
ابْنُ نَافِعٍ وَيَحْيَى إذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ رَقِيقٌ فَلَا يَدْخُلُونَ إلَّا

بِشَرْطٍ ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَاقَى أَهْلَ خَيْبَرَ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِمَّا فِي الْحَوَائِطِ } قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
وَفِي الْأُمِّ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُمْ الْعَامِلُ وَأَرَادَ الْمَالِكُ إخْرَاجَهُمْ قَالَ قَالَ مَالِكٌ أَمَّا عِنْدَ مُعَامَلَتِهِ وَاشْتِرَاطِهِ فَلَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُمْ ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ وَهَلْ هُوَ مُطْلَقٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ أَوْ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ قَصْدِ إخْرَاجِهِمْ مِنْ الْمُسَاقَاةِ كَمَنْ أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَسْكَنِهَا لِتَعْتَدَّ خَارِجَهُ .
أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَهُ فَأَخْرَجَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ يَسُومُ بِهِ فَلَا بَأْسَ ، إنَّمَا الَّذِي لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُمْ عِنْدَ إرَادَةِ عَقْدِهَا مَعَ مَنْ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِيهِ .
الْحَطّ هَذَا الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ أَيْضًا أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُحَدِّدَ دَوَابَّ وَأُجَرَاءَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حِينَ الْعَقْدِ ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا ، كَدَابَّةٍ أَوْ غُلَامٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَائِزَاتِ ، فَإِطْلَاقُهُ هُنَا يُقَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِيهَا ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الْعَقْدِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا مَا قَلَّ ، كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ فِي صَغِيرٍ وَرَبُّ حَائِطٍ تَكْفِيهِ دَابَّةٌ وَاحِدَةٌ لِصِغَرِهِ فَيَصِيرُ كَاشْتِرَاطِ جَمِيعِ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّهِ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَا قَلَّ فِيمَا كَثُرَ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقًا لَيْسُوا فِي الْحَائِطِ .
أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى لَا يَنْبَغِي لَا يَجُوزُ .
ابْنُ نَاجِي لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .
ابْنُ نَافِعٍ لَا

بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ الرَّقِيقِ مَا لَيْسَ فِيهِ .
اللَّخْمِيُّ هَذَا أَقْيَسُ .

وَلَا زِيَادَةَ لِأَحَدِهِمَا
( وَلَا ) يَصِحُّ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِشَرْطِ ( زِيَادَةٍ ) مِنْ غَيْرِ الثَّمَرَةِ كَعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ مِنْهَا مُعَيَّنًا كَوَسْقٍ ( لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ رَبِّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلِ عَلَى الْآخَرِ .
عِيَاضٌ وَلَا يُشْتَرَطُ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّمَرَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا خَاصًّا لِنَفْسِهِ .
أَوْرَدَ الْبِسَاطِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّجْدِيدِ الزِّيَادَةُ ، أَيْ فَاشْتِرَاطُ عَدَمِ شَرْطِهِ أَغْنَى عَنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ ، وَأَجَابَ بِأَنَّ نَفْيَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَهَا فَيَنْتَفِي مَعَ ثُبُوتِهَا فِي شَرْطِ عَمَلِ الْعَامِلِ فِي حَائِطٍ آخَرَ لِرَبِّ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ .

وَعَمَلُ الْعَامِلِ : جَمِيعَ مَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ عُرْفًا : كَإِبَارٍ ، وَتَنْقِيَةٍ ، وَدَوَابَّ وَأُجَرَاءَ ، وَأَنْفَقَ ، وَكَسَا

( وَعَمِلَ ) عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ ( جَمِيعَ مَا ) أَيْ الْعَمَلُ الَّذِي ( يُفْتَقَرُ ) أَيْ يَحْتَاجُ الْحَائِطُ ( إلَيْهِ عُرْفًا ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ ، أَيْ فِي عُرْفِ وَعَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلُهُ لِقِيَامِ الْعُرْفِ مَقَامَ الْوَصْفِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ مِنْ عَدَدِ حَرْثٍ وَسَقْيِ مَاءٍ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ قَالَهُ الْبَاجِيَّ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " جَمِيعُ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ وَجَمِيعُ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
عِيَاضٌ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ .
الْحَطّ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ عَمِلَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنْ الْعَمَلِ وَالْعَامِلُ فَاعِلُهُ وَجَمِيعُ مَفْعُولِهِ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَى الْعَامِلِ بِجَرِّ الْعَامِلِ بِعَلَى وَرَفْعِ جَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ عَلَى أَبْيَنُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اللُّزُومِ فِيهَا وَجْهُ الْعَمَلِ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّ جَمِيعَ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ وَجَمِيعَ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
يَعْنِي جَمِيعَ الْعَمَلِ الَّذِي تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ وَيَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا أَوْ يَبْقَى بَعْدَهَا مِنْهُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ ، فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ عَمَلُ الْحَائِطِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ إلَّا الْيَسِيرُ كَسَدِّ الْحَظِيرِ وَإِصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ وَكَانَ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا وَيَبْقَى بَعْدَهَا مِنْهُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَهَذَا الَّذِي يَلْزَمُ السَّاقِيَ كَالْحَظْرِ وَالسَّقْيِ وَزَبْرِ الْكُرُومِ وَتَقْلِيمِ الشَّجَرِ وَالتَّسْرِيبِ وَالتَّسْدِيدِ وَإِصْلَاحِ مَوَاضِعِ السَّقْيِ وَالتَّذْكِيرِ وَالْجَذَاذِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ يَتَأَبَّدُ وَيَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ الثَّمَرَةِ كَإِنْشَاءِ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ إنْشَاءِ ضَفِيرَةٍ أَوْ إنْشَاءِ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءِ

بَيْتٍ تُجْنَى فِيهِ الثَّمَرَةُ كَالْجَرِينِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْعَامِلَ ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُسَاقَاةِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلُ الْعَمَلِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَعَلَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ مُنْضَبِطًا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ .
( كَإِبَارٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ تَأْبِيرُ النَّخْلِ بِتَعْلِيقِ ثَمَرِ الذَّكَرِ وَوَضْعِهِ عَلَى ثَمَرَةِ الْأُنْثَى .
عِيَاضٌ الْإِبَّارُ وَالتَّلْقِيحُ وَالتَّذْكِيرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ .
وَفِي الصِّحَاحِ إبَارُ النَّخْلِ تَلْقِيحُهُ ، يُقَالُ نَخْلَةٌ مُؤَبَّرَةٌ مِثْلُ مَأْبُورَةٍ ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْإِبَارُ أَوْ عَلَى وَزْنِ الْإِزَارِ .
ا هـ .
وَالْجَارِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ التَّشْدِيدُ وَهُوَ جَائِزٌ .
الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى { وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا } فُعَالٌ فِي بَابِ فَعَلَ فَاشٍ فِي كَلَامِ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ لَا يَقُولُونَ غَيْرَهُ ، وَسَمِعَنِي بَعْضُهُمْ أُفَسِّرُ آيَةً فَقَالَ لَقَدْ فَسَّرْتُهَا فِسَّارًا مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ التَّلْقِيحِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ فَعَلَى الْعَامِلِ .
اللَّخْمِيُّ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِبَّارِ فَجَعَلَهُ مَرَّةً عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَمَرَّةً عَلَى الْعَامِلِ ، فَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَلَى رَبَّ الْحَائِطِ الشَّيْءَ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْعَمَلُ .
اللَّخْمِيُّ وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْخِلَافِ .
( وَ ) كَ ( تَنْقِيَةٍ ) لِعَيْنٍ وَمَنَافِعِ شَجَرٍ قَالَهُ تت .
طفى الصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى تَنْقِيَةِ الْحِيَاضِ الَّتِي حَوْلَ الشَّجَرِ لَا عَلَى تَنْقِيَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ كَنْسَ الْعَيْنِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرَ الْكَنْسِ فَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ ، إذْ لَمْ يُرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ .
فَإِنْ قُلْت

كَنْسُ الْحِيَاضِ أَيْ تَنْقِيَتُهَا سَوَّى فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَنْسِ الْعَيْنِ فِي كَوْنِهِمَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا لِشَرْطٍ ، فَفِيهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ مِثْلَ سَرْوِ الشَّرَبِ ، وَهِيَ تَنْقِيَةُ مَا حَوْلَ النَّخْلِ مِنْ مَنَاقِعِ الْمَاءِ ، وَخَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ كَنْسُهَا ا هـ .
قُلْت الْمُصَنِّفُ تَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ التَّابِعَ لِابْنِ شَاسٍ الْقَائِلَ : وَعَلَى الْعَامِلِ السَّقْيُ وَالْإِبَّارُ وَالتَّقْلِيمُ وَسَرْوُ الشَّرَبِ وَهِيَ تَنْقِيَةُ الْحِيَاضِ الَّتِي حَوْلَ الشَّجَرِ ، ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا سَدُّ الْحِظَارِ وَخَمُّ الْعَيْنِ وَهُوَ كَنْسُهَا وَرَمُّ الْقُفِّ وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ مَاءُ الدِّلَاءِ ثُمَّ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الضَّفِيرَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ ا هـ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّنْقِيَةِ تَنْقِيَةُ النَّبَاتِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْعَمَلُ هُوَ الْقِيَامُ بِمَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ مِنْ السَّقْيِ وَالْإِبَّارِ وَالتَّنْقِيَةِ وَالْجَذَاذِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَعْنَى السَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةُ الدِّرَاسُ .
ابْنُ فَرْحُونٍ يَدْخُلُ فِي التَّنْقِيَةِ تَنْقِيَةُ الْحَبِّ وَلَقْطُهُ فِي الْحَصَادِ وَتَنْقِيَةُ الثَّمَرِ يَوْمَ الْجَذَاذِ .
ا هـ .
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا بِمَا ذَكَرَهُ تت تَبَعًا لِلشَّارِحِ .
عِيَاضٌ سَرْوُ الشَّرَبِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فِي الْكَلِمَةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ فِي الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ الشَّرْبَةُ الْحُفْرَةُ حَوْلَ النَّخْلَةِ يَجْتَمِعُ الْمَاءُ فِيهَا يَسْقِيهَا جَمْعُهَا شَرَبَاتٌ وَسَرْوُهَا كَنْسُهَا مِمَّا يَقَعُ فِيهَا .
( وَ ) كَ ( دَوَابَّ وَأُجَرَاءَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مَمْدُودًا جَمْعُ أَجِيرٍ ، مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّ عَلَى الْعَامِلِ جَمِيعَ الْمُؤْنَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالدِّلَاءِ وَالْجِمَالِ

وَالْأَدَاةِ مِنْ حَدِيدٍ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ ، فَلِلْعَامِلِ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ .
( وَأَنْفَقَ ) الْعَامِلُ عَلَى دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقِهِ فِيمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقِهِ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ ( وَكَسَا ) الْعَامِلُ رَقِيقَ الْحَائِطِ الْمُحْتَاجِ لِكِسْوَةٍ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأُجَرَاءِ وَأَنْ يَكْسُوَهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ، فَفِيهَا وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ وَنَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقُهُ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ نَفَقَتَهُمْ أَوْ نَفَقَةَ نَفْسِهِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ .
رَبِيعَةُ وَلَا بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ فِي ثَمَرَةِ الْحَائِطِ .
ا هـ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُ رَبِيعَةَ تَفْسِيرُ اللَّخْمِيِّ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ نَفَقَةُ دَوَابِّ رَبِّ الْحَائِطِ عَلَيْهِ

لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ ، أَوْ خَلَفَ مَنْ مَاتَ أَوْ مَرِضَ كَمَا رَثَّ عَلَى الْأَصَحِّ :

( لَا ) يَلْزَمُ الْعَامِلَ ( أُجْرَةُ مَنْ ) أَيْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ الَّذِي ( كَانَ فِيهِ ) أَيْ الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْأُجْرَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أُجْرَةُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ هُوَ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَأُجْرَتُهُ عَلَى رَبِّهِ فِي التَّوْضِيحِ ، كَذَا فِي الْوَاضِحَةِ ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً ، قَالَ وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ غَيْرَ وَجِيبَةٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَا أُجَرَاءَ فِيهِ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَاجِيَّ ، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ وَجِيبَةٍ ، قَالَ هَذَا إذَا كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِجَمِيعِ الْعَامِلِ ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِبَعْضِهِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا ، وَعِنْدِي أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَلَزِمَهُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَتِهِ ا هـ .
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْوَاضِحَةِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ، فَفِيهَا وَمَا كَانَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ التَّعَاقُدِ مِنْ دَوَابَّ وَرَقِيقٍ فَخَلَفَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ عَمَلَ الْعَامِلِ وَلَوْ شَرَطَ خَلَفَهُمْ عَلَى الْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَأَمَّا كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَخَالَفَ لِظَاهِرِهَا لِأَنَّهُ إذْ كَانَ عَلَيْهِ خَلَفَ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَجْرِ ، فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ وَجِيبَةً أَوْ غَيْرَهَا وَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَعْضِ الْعَامِ فَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُجْرَةِ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ أَوْ اسْتِئْجَارُ شَخْصٍ خَلْفَهُ .
ابْنُ نَاجِي ذِكْرُ الْمَوْتِ فِيهَا طَرْدِيٌّ ، لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْإِبَاقُ وَالتَّلَفُ فِي أَوَّلِ الْعَمَلِ وَالْمَوْتِ قُلْت وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا لَوْ أَرَادَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ

يُخْرِجَ مَنْ فِيهِ وَيَأْتِيَ بِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ فَلَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِيهِ مَقَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَوْ خَلَفَ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ تَعْوِيضُ ( مَنْ مَاتَ ) مِنْ رَقِيقٍ الْحَائِطِ وَدَوَابِّهِ ( أَوْ ) مَنْ مَرِضَ فَلَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ ، بَلْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فِيهَا لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلْفَ مَا أَدْخَلَ الْعَامِلُ فِيهِ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ دَوَابَّ إنْ هَلَكَ وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ التَّعَاقُدِ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ فَخَلَفَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ ، وَعَلَيْهِمْ عَمَلُ الْعَامِلِ ، وَلَوْ شَرَطَ خَلَفَهُمْ عَلَى الْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ .
ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفَ مَا أَدْخَلَ الْعَامِلُ فِيهِ أَوْ شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ خَلَفَ مَا هَلَكَ مِمَّا كَانَ لِرَبِّ الْحَائِطِ فِيهِ رَدَّ الْعَامِلُ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ .
الْبَاجِيَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ أَوْ مَرِضَ أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ مِمَّنْ هُوَ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَعَلَيْهِ خَلْفُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ عَلَى عَمَلٍ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ ، وَلَكِنْ تَعَيَّنَ بِهَؤُلَاءِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْيَدِ .
وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الْعَامِلِ فَقَالَ ( كَ ) خَلْفِ ( مَا رَثَّ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُثَلَّثَةُ مُشَدَّدَةٌ أَيْ بَلَى وَتَقَطَّعَ مِنْ الدِّلَاءِ وَالْحِبَالِ إذَا فَنِيَتْ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَفْنَى فِيهِ مِثْلُهَا عَادَةً فَخَلَفُهَا عَلَى الْعَامِلِ لَا عَلَى رَبِّهَا لِأَنَّ لَهَا وَقْتًا مَعْلُومًا تَفْنَى فِيهِ ، بِخِلَافِ ضَيَاعِهَا وَمَوْتِ الدَّوَابِّ فَخَلَفُهَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ( عَلَى الْأَصَحِّ ) عِنْدَ الْبَاجِيَّ مِنْ الْخِلَافِ .
قَالَ لَوْ اسْتَعْمَلَ مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ الْحِبَالِ وَالْآلَةِ حَتَّى خَلِقَ فَعَلَى الْعَامِلِ خَلَفُهُ ، وَلَوْ سُرِقَ فَعَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفُهُ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا .
وَقِيلَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفُهُ فِي

الْوَجْهَيْنِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَالْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ وَأَنْفَقَ وَكَسَا ، وَقَبْلَ قَوْلِهِ لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ لِإِيهَامِ تَأْخِيرِهِ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْعَامِلِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَوْلًا إلَّا أَنَّ الْبَاجِيَّ لَمْ يُصَحِّحْهُ فَلَا يَصِحُّ تَمْشِيَةُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ .
" غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا مَا رَثَّ عَلَى الْأَصَحِّ بِالنَّفْيِ ، أَيْ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ خَلَفُ مَا رَثَّ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَفِي بَعْضِهَا بِالتَّشْبِيهِ وَعَلَى هَذَا فَمِنْ حَقِّهِ ذِكْرُهُ قَبْلِ قَوْلِهِ لَا أُجْرَةَ إلَخْ الْحَطّ يَعْنِي إنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ حِبَالٍ وَأَدْلِيَةٍ وَآلَاتٍ وَحَدِيدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْعَامِلِ وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ إخْرَاجُهُ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ فَعَلَى الْعَامِلِ الْإِتْيَانُ بِهِ ، فَإِذَا رَثَّ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ الْآلَاتِ أَيْ بَلِيَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى رَبِّهِ خَلَفُهُ أَوْ عَلَى الْعَامِلِ ذَكَرَ الْبَاجِيَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ وَكَوْنُهُ عَلَى الْعَامِلِ أَظْهَرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ حَتَّى تَهْلَكَ عَيْنُهُ وَأَمَدُ انْتِهَائِهَا مَعْلُومٌ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَمَدَ هَلَاكِهِمَا ، وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ خَلَفَهَا عَلَى الْعَامِلِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ فَقَوْلُهُ كَمَا رَثَّ إنْ كَانَ بِكَافِ التَّشْبِيهِ كَمَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ حَقُّهُ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ قَالَهُ " غ " لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِمَا هُوَ عَلَى الْعَامِلِ خَلَفٌ وَإِنْ كَانَ بِلَا النَّافِيَةِ فَهُوَ مِنْ الْمَنْفِيِّ قَبْلَهُ أَيْ لَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ خَلَفُ مَنْ مَاتَ أَوْ مَرِضَ مِمَّنْ كَانَ فِيهِ ، وَعَلَيْهِ خَلَفُ مَا رَثَّ ، فَلَوْ سُرِقَ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ الْآلَاتِ كَانَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إخْلَافُهَا اتِّفَاقًا ، فَإِذَا أَخْلَفَهَا رَبُّهُ انْتَفَعَ الْعَامِلُ بِهَا قَدْرَ مَا كَانَ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْمَسْرُوقُ ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيهِ ، فَمَنْ قَالَ إذَا

بَلِيَ يَلْزَمُ رَبَّهُ خَلَفُهُ .
قَالَ يَسْتَمِرُّ الْعَامِلُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَمَنْ قَالَ الْخَلَفُ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كَزَرْعٍ ، أَوْ قَصَبٍ ، وَبَصَلٍ ، وَمَقْثَأَةٍ ؛ إنْ عَجَزَ رَبُّهُ ، وَخِيفَ مَوْتُهُ وَبَرَزَ ، وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ ، وَهَلْ كَذَلِكَ الْوَرْدُ وَنَحْوُهُ وَالْقُطْنُ ؟ أَوْ كَالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ؟ تَأْوِيلَانِ .

وَشَبَّهَ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ فَقَالَ ( كَ ) مُسَاقَاةِ ( زَرْعٍ وَقَصَبِ ) لِسُكْرِ ( وَبَصَلٍ وَمَقْثَأَةٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ فَمُثَلَّثَةٍ ( إنْ عَجَزَ رَبُّهُ ) أَيْ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْكَافِ عَنْ عَمَلِهِ الْمُفْتَقِرِ إلَيْهِ .
الْبَاجِيَّ أَيْ عَنْ عَمَلِهِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ أَوْ يَنْمُو أَوْ يَبْقَى وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ .
ابْنُ رُشْدٍ مَا غَيْرُ ثَابِتِ الْأَصْلِ كَالْمَقْثَأَةِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالزَّرْعِ وَالْكَمُّونِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْهُ رَبُّهُ ، هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
ابْنُ يُونُسَ وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِالْمُسَاقَاةِ فِي الثِّمَارِ ، فَجَعَلَ الزَّرْعَ وَمَا أَشْبَهَهُ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْهَا ، فَلَمْ يُجِزْهَا فِيهِ إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرُورَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ إجَازَةِ الْمُسَاقَاةِ ، وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْأَرْضِ يَصِيرُ نَبَاتًا كَالشَّجَرِ .
( وَ ) إنْ ( خِيفَ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ تَحَقَّقَ أَوْ ظُنَّ ( مَوْتُهُ ) أَيْ الْمَذْكُورِ بَعْدَ الْكَافِ إنْ لَمْ يُسَقْ عَلَيْهِ ( وَ ) إنْ ( بَرَزَ ) مِنْ أَرْضِهِ وَاسْتَقَلَّ ( وَ ) إنْ ( لَمْ يَبْدُ ) بِفَتْحٍ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَظْهَرُ ( صَلَاحُهُ ) أَيْ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْكَافِ فِيهَا إنَّمَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الزَّرْعِ إذَا اسْتَقَلَّ مِنْ الْأَرْضِ ، وَإِنْ أَسْبَلَ إذَا احْتَاجَ إلَى الْمَاءِ وَكَانَ إنْ تُرِكَ مَاتَ فَأَمَّا بَعْدَ جَوَازِ بَيْعِهِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ .
( وَ ) اُخْتُلِفَ فِي جَوَابِ ( هَلْ كَذَلِكَ ) الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْكَافِ فِي تَوَقُّفِ صِحَّةِ مُسَاقَاتِهِ عَلَى عَجْزِ رَبِّهِ وَخَوْفِ مَوْتِهِ وَبُرُوزِهِ وَعَدَمِ بُدُوِّ صَلَاحِهِ ( الْوَرْدُ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَذَلِكَ ( وَنَحْوُهُ ) أَيْ الْوَرْدُ مِمَّا تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ فِي الْأَرْضِ كَالْيَاسَمِينِ وَالْآسِ بِمَدِّ الْهَمْزِ (

وَالْقُطْنُ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ عُطِفَ عَلَى الْوَرْدِ الَّذِي يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِجَنْيِ ثَمَرَتِهِ مِرَارًا مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَجَنْيِهَا مَرَّةً فَقَطْ فِي بَعْضٍ آخَرَ ( أَوْ ) الْوَرْدُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ( كَالْأَوَّلِ ) فِي صِحَّةِ مُسَاقَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ رَبُّهُ وَلَمْ يَخَفْ مَوْتَهُ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ كَوْنُهُ كَالْأَوَّلِ ( الْأَكْثَرُ ) مِنْ شَارِحِيهَا فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) أَيْ يُفْهِمَانِ لِشَارِحَيْهَا .
ابْنُ رُشْدٍ كَانَ ابْنُ الْقَطَّانِ يَحْمِلُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْقُطْنِ وَالزَّرْعِ والمقاثئ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَجْزُ ، وَفِيهَا مَنْعُهَا فِي الْقُرْطِ وَالْقَضْبِ وَالْمَوْزِ ابْنُ يُونُسَ وَمِثْلُ الْقَضْبِ الْبَقْلُ وَالْكُرَّاثُ ، وَاخْتُلِفَ فِي الرَّيْحَانِ وَالْقَصَبِ الْحُلْوِ .
فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَصَبُ السُّكَّرِ مِثْلُ الزَّرْعِ وَالْكَمُّونِ أَفَادَهُ " ق " الْحَطّ كَلَامُهَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ كَالشَّجَرِ ، وَنَصُّهُ وَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْقُطْنِ ، وَأَمَّا المقاثئ وَالْبَصَلُ وَقَصَبُ السُّكَّرِ فَكَالزَّرْعِ يُسَاقَى إنْ عَجَزَ رَبُّهُ ا هـ .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا أَظْهَرُ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ فِي الْيَاسَمِينِ وَالْوَرْدِ جَائِزَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ صَاحِبُهُمَا عَنْ عَمَلِهِمَا .
وَأَمَّا الْقُطْنُ فَاسْتَبْعَدَ ابْنُ رُشْدٍ الْجَوَازَ فِيهِ ، وَأَشَارَ ابْنُ يُونُسَ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقُطْنِ يَنْبَغِي أَنَّهُ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَيَكُونُ شَجَرُهُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ سِنِينَ ، وَفِي بَعْضِهَا يَكُونُ كَالزَّرْعِ لَا أَصْلَ لَهُ ثَابِتٌ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ اُنْظُرْ مَنْ ذَكَرَ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ فِي الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي

الْقُطْنِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ضَيْح وَ " ح " و " ق " إلَّا فِيهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْوَرْدَ وَنَحْوَهُ كَالشَّجَرِ بِلَا خِلَافٍ .

وَأُقِّتَتْ بِالْجَذَاذِ ، وَحُمِلَتْ عَلَى الْأَوَّلِ ، إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ثَانٍ ، وَكَبَيَاضِ نَخْلٍ أَوْ زَرْعٍ ؛ إنْ وَافَقَ الْجُزْءَ وَبَذَرَهُ الْعَامِلُ ، وَكَانَ ثُلُثًا بِإِسْقَاطِ كُلْفَةِ الثَّمَرَةِ : وَإِلَّا فَسَدَ : كَاشْتِرَاطِهِ رَبُّهُ ، وَأُلْغِيَ لِلْعَامِلِ ، إنْ سَكَنَا عَنْهُ ، أَوْ اشْتَرَطَهُ

( وَأُقِّتَتْ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ أُجِّلَ كَذَلِكَ عَمَلُ الْمُسَاقَاةِ ( بِالْجَذَاذِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِعْجَامِ الذَّالَيْنِ أَوْ إهْمَالُهُمَا ، أَيْ بِقَطْعِ الثَّمَرَةِ فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الشَّأْنُ فِي الْمُسَاقَاةِ إلَى الْجَذَاذِ لَا يَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً ، وَهِيَ إلَى الْجَذَاذِ إذَا لَمْ يُؤَجِّلَا .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ تُطْعِمُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ إلَى الْجَذَاذِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَشْتَرِطَ الثَّانِي .
الْحَطّ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ التَّوْقِيتُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا أَمْ لَا ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ يُشْتَرَطُ تَأْقِيتُهَا وَأَقَلُّهُ إلَى الْجَذَاذِ وَإِنْ أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اشْتِرَاطُ التَّأْقِيتِ مَعَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْمُطَلَّقَةِ بَعِيدٌ .
فَإِنْ قُلْت لَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْسِدُهَا وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى إطْلَاقِهَا .
قُلْت فَتَكُونُ الْجَهَالَةُ مَانِعَةً مِنْ الصِّحَّةِ لَا أَنَّ التَّأْقِيتَ شَرْطُ صِحَّةٍ ا هـ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهَا لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً ، ظَاهِرُهُ كَانَ الْأَجَلُ يَنْقَضِي قَبْلَ أَجَلِ الْجَذَاذِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ الْجَذَاذِ فَهِيَ زِيَادَةٌ اشْتَرَطَهَا رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ يَنْقَضِي قَبْلَهُ فَهِيَ زِيَادَةٌ اشْتَرَطَهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ إلَى الْجَذَاذِ ، فَلِذَا قَالَ لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً .
( وَ ) إنْ أُقِّتَتْ بِالْجَذَاذِ وَكَانَ الشَّجَرُ يُطْعِمُ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ ( حُمِلَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمُسَاقَاةُ ( عَلَى ) جَذَاذِ بَطْنِ ( أَوَّلَ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَقَاؤُهَا إلَى أَنْ يَجُذَّ بَطْنَ ( ثَانٍ ) فَإِنْ اُشْتُرِطَ اسْتَمَرَّتْ إلَيْهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ

تُطْعِمُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ إلَى الْجَذَاذِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُشْتَرَطَ الثَّانِي ، وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ نَخْلٍ يُطْعِمُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ كَمَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ عَامَيْنِ ، وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ هُنَا كَمُسَاقَاةِ الْقَضْبِ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَبَيْعُ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ وَالشَّجَرُ لَا تُبَاعُ ثِمَارُهَا قَبْلَ أَنْ تُزْهَى ا هـ .
وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ كَزَرْعٍ الْمُشَبَّهَ بِالشَّجَرِ فِي صِحَّةِ مُسَاقَاتِهِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهَا فَقَالَ ( وَكَبَيَاضٍ ) أَيْ أَرْضٍ خَالِيَةٍ مِنْ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ سُمِّيَتْ بَيَاضًا لِإِشْرَاقِهَا فِي النَّهَارِ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ .
وَفِي اللَّيْلِ بِنُورِ الْكَوَاكِبِ ، فَإِنْ اسْتَتَرَتْ عَنْ ذَلِكَ بِوَرَقِ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ سُمِّيَتْ سَوَادًا لَا سَوَادُهَا بِالظِّلِّ بَيْنَ ( نَخْلٍ أَوْ زَرْعٍ ) أَوْ مُجَاوِرٍ لَهُ فَيَصِحُّ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِمَّا يُزْرَعُ فِيهِ ( إنْ وَافَقَ الْجُزْءَ ) الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ كَالثُّلُثِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَا كَثُلُثِ أَحَدِهِمَا وَنِصْفِ الْآخَرِ فَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَصْبَغُ مُوَافَقَةَ الْجُزْءِ ، وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ عِنْدَنَا بِفَاسَ بِأَنَّ الْبَيَاضَ لَا يُعْطَى إلَّا بِجُزْءٍ أَكْثَرَ فَلَهُ مُسْتَنَدٌ فَلَا يُشَوِّشُ عَلَى النَّاسِ ، إذْ ذَاكَ يُذْكَرُ الْمَشْهُورُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ .
ا هـ .
بُنَانِيٌّ .
( وَ ) إنْ ( بَذَرَهُ ) أَيْ الْبَيَاضَ ( الْعَامِلُ ) مِنْ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ بَذْرُهُ مِنْ مَالِ رَبِّهِ أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَلَا تَصِحُّ ، وَإِنْ نَزَلَ فَيُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي النَّخْلِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ فِي الْبَيَاضِ ( وَ ) إنْ ( كَانَ ) كِرَاءُ الْبَيَاضِ ( ثُلُثًا ) مِنْ مَجْمُوعِهِ مَعَ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ أَوْ الْحَبِّ ( بِإِسْقَاطِ كُلْفَةٍ ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ مَا كُلِّفَتْ بِهِ وَأُنْفِقَ عَلَى ( الثَّمَرَةِ ) أَوْ الزَّرْعِ بِأَنْ كَانَ كِرَاءُ الْبَيَاضِ عَشَرَةً وَقِيمَةُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَتِهَا عِشْرِينَ

مَثَلًا .
الْحَطّ وَبَقِيَ شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ كَوْنُ حَرْثِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى الْعَامِلِ فَفِيهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ نِصْفُ الْبَذْرِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ حَرْثِ الْبَيَاضِ فَقَطْ وَإِنْ جَعَلَا الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهُ الْعَامِلُ مِنْ عِنْدِهِ وَيَعْمَلَهُ وَمَا أَنْبَتَ فَبَيْنَهُمَا فَجَائِزٌ ا هـ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَجْتَمِعْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ بِأَنْ انْتَفَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا ( فَسَدَ ) عَقْدُ مُسَاقَاةِ الْبَيَاضِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْبَيَاضُ الْمُتَّبَعُ مِثْلُ الثُّلُثِ فَأَدْنَى لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى مِثْلِ مَا أَخَذَ الْأُصُولُ ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُلْغَى لِلْعَامِلِ وَهُوَ أَهْلُهُ ، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا فَجَائِزٌ إنْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْمُؤْنَةُ مِنْ عِنْدِ الْعَامِلِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيهِ .
ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ كَانَ بَعْلًا أَوْ كَانَ لَا يُسْقَى بِمَاءِ الْحَائِطِ فَجَائِزٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا بَيَاضُ الزَّرْعِ كَبَيَاضِ النَّخْلِ ، وَعَزَاهُ الْبَاجِيَّ لِلْمَوَّازِيَّةِ .
ابْنُ عَبْدُوسٍ صِفَةُ اعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ خَمْسَةٌ ، وَإِلَى غَلَّةِ النَّخْلِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْهَا بَعْدَ إسْقَاطِ قَدْرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، فَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةٌ فَكِرَاءُ الْأَرْضِ الثُّلُثُ فَيَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ ثَمَانِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ لِزِيَادَةِ الْخَمْسَةِ عَلَى ثُلُثِ الْجُمْلَةِ .
الْبَاجِيَّ إنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ مَعَ النَّخْلِ قَوْلًا وَاحِدًا .
فِي ضَيْح الْبَيَاضُ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ مِنْ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ السَّوَادِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَبَيَاضِ شَجَرٍ لِكُلٍّ أَشْمَلَ .
وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ فَقَالَ ( كَاشْتِرَاطِهِ ) أَيْ الْبَيَاضَ

مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ وَفَاعِلِهِ ( رَبُّهُ ) أَيْ الْبَيَاضُ لِيَزْرَعَهُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً فِي الْمُوَطَّإِ لَا يَصْلُحُ لِنَيْلِهِ سَقْيُ الْعَامِلِ ، فَهِيَ زِيَادَةٌ اشْتَرَطَهَا رَبُّهُ عَلَى الْعَامِلِ ، وَفِيهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيهِ ( وَأُلْغِيَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرِكَ الْبَيَاضُ ( لِلْعَامِلِ ) يَبْذُرُهُ مِنْ مَالِهِ وَيَعْمَلُ فِيهِ وَيَخْتَصُّ بِمَا يُنْبِتُهُ ( إنْ سَكَتَا ) أَيْ رَبُّ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ وَالْعَامِلُ ( عَنْهُ ) أَيْ الْبَيَاضِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَيْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا ( أَوْ ) إنْ ( اشْتَرَطَهُ ) أَيْ الْبَيَاضَ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ سَكَتَا عَنْ الْبَيَاضِ فِي الْعَقْدِ فَمَا زَرَعَ فِيهِ الْعَامِلُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَتَا عَنْهُ ثُمَّ تَشَاحَّا فِيهِ عِنْدَ الزِّرَاعَةِ فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ .
ابْنُ عَبْدُوسٍ وَإِذَا أُلْغِيَ لِلْعَامِلِ فَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِحِصَّةِ الْعَامِلِ خَاصَّةً ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ خِلَافَ هَذَا .
وَقَالَ الْبَاجِيَّ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ يُرَاعَى فِي الْبَيَاضِ كَوْنُهُ تَبَعًا لِثَمَرَةِ جَمِيعِ الْحَائِطِ فَمَا يُلْغَى لِلْعَامِلِ ، وَفِيمَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ أَقْوَالِ أَصْحَابِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَبَعِيَّتُهُ لِجَمِيعِ ثَمَرِ الْحَائِطِ فِي لَغْوِهِ وَفِي إدْخَالِهِ فِي الْمُسَاقَاةِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي إدْخَالِهِ فِيهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي لَغْوِهِ لِلْعَامِلِ تَبَعِيَّتُهُ لِحَظِّهِ فَقَطْ ا هـ .

وَدَخَلَ شَجَرٌ تَبِعَ زَرْعًا
( وَ ) إنْ عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ لِزَرْعٍ فِيهِ شَجَرٌ تَابِعٌ لَهُ ( دَخَلَ ) فِيهَا لُزُومًا ( شَجَرٌ تَبِعَ زَرْعًا ) بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ ثَمَرَتِهِ عَلَى مَا تَكُونُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ثُلُثَ مَجْمُوعِهَا مَعَ قِيمَةِ الزَّرْعِ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ بِحَسَبِهَا ، فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ لِأَحَدِهِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِإِلْغَاءِ الْبَيَاضِ وَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ مُسَاقَاةِ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ الْمَتْبُوعُ ، وَحُكْمُ عَكْسِ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ كَذَلِكَ فَيَدْخُلُ الزَّرْعُ التَّابِعُ لِلشَّجَرِ فِي مُسَاقَاتِهِ لُزُومًا ، فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ لِأَحَدِهِمَا وَالْمُعْتَبَرُ شُرُوطُ مُسَاقَاةِ الشَّجَرِ لِأَنَّهُ الْمَتْبُوعُ .

وَجَازَ زَرْعٌ وَشَجَرٌ وَإِنْ غَيْرَ تَبَعٍ وَحَوَائِطَ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِجُزْءٍ ، إلَّا فِي صَفَقَاتٍ
( وَجَازَ ) أَيْ يَجُوزُ ( زَرْعٌ وَشَجَرٌ ) أَيْ مُسَاقَاتِهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ( غَيْرَ تَبَعٍ ) لِلْآخَرِ فِيهَا مَنْ سَاقَى رَجُلًا زَرْعًا عَلَى الثُّلُثِ وَنَخْلًا عَلَى النِّصْفِ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَا عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ جَمِيعًا وَيَعْجِزُ عَنْ الزَّرْعِ رَبُّهُ وَإِنْ كَانَا فِي نَاحِيَتَيْنِ ( وَ ) يَجُوزُ ( حَوَائِطُ ) أَيْ مُسَاقَاتِهَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ ، ( وَإِنْ اخْتَلَفَتْ ) أَصْنَافُهَا وَكَانَتْ ( بِجُزْءٍ ) وَاحِدٍ كَثُلُثِ كُلٍّ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ ، لِمُسَاقَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ ، وَفِيهِ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجُزْءَانِ كَثُلُثٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَرُبْعٍ مِنْ الْآخَرِ فَلَا تَصِحُّ فِي كُلِّ حَالَةٍ ( إلَّا فِي صَفَقَاتٍ ) بِأَنْ تُعْقَدَ الْمُسَاقَاةُ عَلَى كُلِّ حَائِطٍ وَحْدَهُ ، فِيهَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ حَائِطَيْنِ مُسَاقَاةُ أَحَدِهِمَا عَلَى النِّصْفِ وَالْآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ فِي صَفْقَةٍ ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ فِي السُّوقِ كَانَ هَذَا عَلَى الثُّلُثِ .
وَهَذَا عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَقَدْ كَانَ فِي خَيْبَرَ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ حِينَ سَاقَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الشَّطْرِ كُلِّهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ تَجُوزُ حَوَائِطُ مُخْتَلِفَةٌ أَوْ مُتَّفِقَةٌ فِي صَفْقَةٍ بِشَرْطِ جُزْءٍ وَاحِدٍ ، وَأَمَّا فِي صَفَقَاتٍ فَلَا شَرْطَ فِيهَا .

وَغَائِبٍ إنْ وُصِفَ ، وَوَصَلَهُ قَبْلَ طِيبِهِ

( وَ ) يَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَ ( غَائِبٍ ) بَعِيدٍ عَنْ بَلَدِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ ( إنْ وُصِفَ ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْحَائِطُ وَمَا فِيهِ مِنْ الشَّجَرِ ( وَ ) إنْ ( وَصَلَهُ ) أَيْ الْحَائِطُ الْغَائِبُ الْعَامِلَ إنْ سَافَرَ إلَيْهِ عَقِبَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ ( قَبْلَ طِيبِ ) ثَمَرِ ( هـ ) فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طِيبِهِ فَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاتُهُ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ حَائِطٍ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ إذَا وُصِفَ كَالْبَيْعِ ، يُرِيدُ إذَا كَانَ يَصِلُ إلَيْهِ قَبْلَ طِيبِهِ ، الْمُرَادُ بِوَصْفِهِ ذِكْرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ ، فَيَذْكُرُ مَا فِيهِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ إنْ كَانَ أَوَانُهُ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْهُمَا ، وَهَلْ هُوَ بَعْلٌ أَوْ يُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ غَرْبٍ ، وَوَصَفَ أَرْضَهُ مِنْ صَلَابَةٍ أَوْ ضِدِّهَا وَمَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ وَعَدَدِهَا وَالْقَدْرِ الَّذِي اُعْتِيدَ إثْمَارُهُ ، أَشَارَ لَهُ اللَّخْمِيُّ ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) : الْأَوَّلُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي وَصْفُ رَبِّ الْحَائِطِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا قَالَهُ الْحَطّ .
قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا وُصِفَ كَالْبَيْعِ .
الثَّانِي : الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّ رُؤْيَةَ الْعَامِلِ الْحَائِطَ السَّابِقَةَ الَّتِي لَا يَتَغَيَّرُ الْحَائِطُ بَعْدَهَا كَافِيَةٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ .
الثَّالِثُ : الْحَطّ هَلْ تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الْغَائِبِ بِلَا وَصْفٍ وَبِلَا رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ ، بِشَرْطِ خِيَارِ الْعَامِلِ بِالرُّؤْيَةِ كَالْبَيْعِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَشْبِيهِهَا فِيهَا بِالْبَيْعِ .
الرَّابِعُ : فَإِنْ عَقَدَا فِي زَمَنٍ يَصِلُ الْعَامِلُ الْحَائِطَ فِيهِ قَبْلَ طِيبِهِ فَتَوَانَى الْعَامِلُ فَلَمْ يُصَلِّ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طِيبِهِ فَلَا تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ .
الْخَامِسُ : نَفَقَةُ الْعَامِلِ فِي حَالِ سَفَرِهِ لِلْحَائِطِ فِي مَالِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .

وَاشْتِرَاطِ جُزْءِ الزَّكَاةِ عَلَى أَحَدِهِمَا

( وَ ) يَجُوزُ ( اشْتِرَاطُ جُزْءِ الزَّكَاةِ ) عَلَى أَحَدِهِمَا ، فِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ تُشْتَرَطَ الزَّكَاةُ فِي حَظِّ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ سَاقَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا فَشَأْنُ الزَّكَاةِ أَنْ يَبْدَأَ بِهَا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ .
اللَّخْمِيُّ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُسَاقَاةَ مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْحَائِطِ بِحَسَبِ ضَمِّهَا لِمَا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا وَيُزَكَّى جَمِيعُهَا وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَرَبُّهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا الزَّكَاةَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْحَائِطِ نِصَابٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ بِلَا عَزْوٍ وَلَا تَشْهِيرٍ .
ابْنُ رُشْدٍ الْوَاجِبُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ كَانَ لِرَبِّ الْحَائِطِ مَا إنْ ضَمَّهُ إلَيْهِ بَلَغَتْهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ أَفَادَهُ " ق " الْحَطّ إنَّمَا يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ إذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا وَفِي الْحَائِطِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلُّ وَلَهُ ثَمَرٌ آخَرُ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ حُرًّا مُسْلِمًا أَمْ لَا ، حَصَلَ لَهُ نِصَابٌ أَمْ لَا ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ ، وَلَا فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ ، وَلَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا حَصَلَ لَهُ نِصَابٌ وَلَوْ حَصَلَ لِلْعَامِلِ مِنْ حَائِطٍ لَهُ غَيْرِ حَائِطِ الْمُسَاقَاةِ بَعْضُ نِصَابٍ فَلَا يَضُمُّهُ إلَى مَا حَصَلَ لَهُ فِي الْحَائِطِ ، سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَمْ تَجِبْ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، قَائِلًا لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
وَفِي التَّوْضِيحِ لَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ الزَّكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ وَنَقَصَ ثَمَرُ الْحَائِطِ عَنْ النِّصَابِ ، فَقِيلَ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ نِصْفَيْنِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لِرَبِّ الْحَائِطِ سِتَّةُ أَعْشَارِهَا

وَلِلْعَامِلِ أَرْبَعَةُ أَعْشَارِهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ أَتْسَاعًا لِرَبِّ الْحَائِطِ خَمْسَةٌ وَلِلْعَامِلِ أَرْبَعَةٌ .
وَقِيلَ يَقْتَسِمَانِهَا مِنْ عِشْرِينَ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا وَلِلْعَامِلِ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ ، وَهَذَا حَيْثُ دَخَلَا عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ النِّصْفَ وَإِلَّا فَلَهُ بِحِسَابِ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ .

وَسِنِينَ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا بِلَا حَدٍّ

( وَ ) تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ لِشَجَرٍ ( سِنِينَ ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ( مَا لَمْ تَكْثُرْ ) السُّنُونَ الْمُسَاقَى فِيهَا ( جِدًّا ) بِحَيْثُ تَتَغَيَّرُ الْأُصُولُ ( بِلَا حَدٍّ ) بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ فِي كُلِّ صُورَةٍ فِي الْمُعَيَّنِ مِنْ سِتَّةٍ لِأَرْبَعٍ ، فَإِنْ كَثُرَتْ جِدًّا فُسِخَ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَهُ سِنِينَ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا ، قِيلَ فَعَشَرَةٌ قَالَ لَا أَدْرِي تَحْدِيدَ عَشْرِ سِنِينَ وَلَا ثَلَاثِينَ وَلَا خَمْسِينَ .
فِي التَّوْضِيحِ هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ السَّنَةِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَوَائِطِ إذْ الْجَدِيدُ لَيْسَ كَالْقَدِيمِ ، فَلَوْ حُدِّدَ لَفُهِمَ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِّ فِي كُلِّ حَائِطٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُعِينِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا مِنْ سَنَةٍ إلَى أَرْبَعٍ وَذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ أَيْضًا ابْنُ الْحَاجِبِ تَجُوزُ سَنَتَيْنِ وَالْأَخِيرَةُ بِالْجَذَاذِ .
الْمُوَضِّحُ فِي الْبَيَانِ لَا خِلَافَ فِي هَذَا ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْجَذَاذُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا .
وَفِي الْمُعِينِ الصَّوَابُ فِيهَا أَنْ تُؤَرَّخَ بِالشُّهُورِ الْعَجَمِيَّةِ الَّتِي فِيهَا الْجَذَاذُ ، فَإِنْ أُرِّخَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ فَانْقَضَتْ قَبْلَ الْجَذَاذِ فَعَلَى الْعَامِلِ التَّمَادِي إلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا فِي السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ لِأَنَّ السِّنِينَ الْعَرَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ .
الْحَطّ فَإِنْ قَصَدَ تَحْدِيدَهَا بِالْعَرَبِيِّ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ عَلَى الْجَذَاذِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فَسَدَتْ ، وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ سَأَلْته عَنْ الَّذِي سَاقَى ثَلَاثَ سِنِينَ أَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جَذَاذٍ إلَى جَذَاذٍ قَالَ بَلَى .
ابْنُ رُشْدٍ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْلَمُهُ أَنَّ السِّنِينَ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا هِيَ بِالْأَهِلَّةِ لَا بِالْجَذَاذِ فَإِنْ سَاقَاهُ السِّنِينَ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ الْخُرُوجَ قَبْلَ الْجَذَاذِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ .
اللَّخْمِيُّ الْمُسَاقَاةُ إلَى السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ عَلَى

وَجْهَيْنِ إنْ أُرِيدَ انْقِضَاءُ السَّقْيِ بِانْقِضَاءِ الثَّمَرَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي السَّنَتَيْنِ جَازَتْ ، وَإِنْ قَصَدَ التَّمَادِي بِالْعَمَلِ إلَى انْقِضَاءِ شُهُورِ السَّنَةِ ، وَإِنْ جُذَّتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَهَا فَلَا تَجُوزُ ، وَلِلْعَامِلِ فِي السِّنِينَ الْأُولَى مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ ، وَفِي الْأَخِيرَةِ حِينَ جَذِّ الثَّمَرَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ أَجْرُ مِثْلِهِ .
الْحَطّ فَتَحْصُلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا تَحْدِيدُهَا بِالْجَذَاذِ ؛ سَوَاءٌ عَقَدَاهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ أَوْ لِسِنِينَ فَإِنْ أَطْلَقَاهَا حُمِلَتْ عَلَى الْجَذَاذِ ، وَإِنْ أَرَادَ التَّحْدِيدَ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ أَوْ السِّنِينَ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْجَذَاذِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ فَسَدَتْ .
طفى فَالْمُعْتَبَرُ الْجَذَاذُ لَا الزَّمَانُ ، فَلَا حَاجَةَ لِلتَّوْرِيخِ بِالْعَجَمِيِّ وَلَا بِالْعَرَبِيِّ ، فَمَعْنَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْجَذَاذُ ، فَإِذَا أَرَّخَ فَيَكُونُ بِالْعَجَمِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْجَذَاذُ عِنْدَهُ لَا مُطْلَقُهُ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْجَذَاذِ وَكَذَلِكَ بِالْعَرَبِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْجَذَاذُ عِنْدَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِلِانْضِبَاطِ بِالْجَذَاذِ ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَجَمِيُّ مِنْ الْعَرَبِيِّ إذَا كَثُرَ السُّنُونَ ، فَإِذَا أَرَّخَ بِالْعَجَمِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْجَذَاذُ عِنْدَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِكَثْرَةِ السِّنِينَ ، بِخِلَافِ التَّوْرِيخِ بِالْعَرَبِيِّ الَّذِي يَكُونُ الْجَذَاذُ عِنْدَهُ ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ عِنْدَ كَثْرَةِ السِّنِينَ لِلِانْتِقَالِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْجَذَاذُ قَوْلُهَا لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً ، وَقَوْلُ الْمُعِينِ الصَّوَابُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنْ تُؤَرِّخَ بِالشُّهُورِ الْعَجَمِيَّةِ الَّتِي فِيهَا الْجَذَاذُ ، فَقَيَّدَ الْعَجَمِيَّةَ بِاَلَّتِي فِيهَا الْجَذَاذُ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي فِيهَا الْجَذَاذُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَعَامِلٍ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا فِي الْكَبِيرِ
( وَ ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ ( عَامِلٍ ) عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ( دَابَّةً أَوْ غُلَامًا ) أَيْ رَقِيقًا لِرَبِّ الْحَائِطِ يَعْمَلُ مَعَهُ ( فِي ) الْحَائِطِ ( الْكَبِيرِ ) وَأَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ ، فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهُمَا مَعًا .
وَمَفْهُومُ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا فِي الْحَائِطِ الصَّغِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، إذْ قَدْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ فَيَصِيرُ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ .
الْحَطّ وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَجْمُوعِهِمَا ، بَلْ يُقَالُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا وَأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الدَّابَّتَيْنِ وَالْغُلَامَيْنِ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا .
ابْنُ يُونُسَ إذَا اشْتَرَطَ الدَّابَّةَ أَوْ الْغُلَامَ فَخَلَفَ مَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ، إذْ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْعَامِلِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانُوا فِيهِ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ شَرَطَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَانَ عَلَى رَبِّهِ خَلَفُهُ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ .
وَفِي التَّوْضِيحِ إذَا شَرَطَ غُلَامًا أَوْ دَابَّةً فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ ، وَالْحُكْمُ يُوجِبُهُ .
فِي الْبَيَانِ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْوَاضِحَةِ ، وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ .
وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْغُلَامَ أَوْ الدَّابَّةَ بِإِشَارَةٍ أَوْ تَسْمِيَةٍ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ يُوجِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ا هـ .

وَقَسْمُ الزَّيْتُونِ حَبًّا كَعَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا
( وَ ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ ( قَسْمُ الزَّيْتُونِ حَبًّا ) وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ ( كَ ) شَرْطِ ( عَصْرِهِ ) أَيْ الزَّيْتُونِ ( عَلَى أَحَدِهِمَا ) أَيْ رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ الْعَامِلِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِمَا وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْجَذَاذُ وَالْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ شَرَطَا قَسْمَ الزَّيْتُونِ حَبًّا جَازَ ، وَلَوْ شَرَطَ عَصْرَهُ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ لِيَسَارَتِهِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ فَعَصْرُهُ بَيْنَهُمَا .
اللَّخْمِيُّ عَصْرُ الزَّيْتُونِ عَلَى مَنْ شَرْطَاهُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
" ق " الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ قَسْمِ الزَّيْتُونِ حَبًّا وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ عَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لَزِمَهُمَا أَنْ يَعْصِرَاهُ وَلَا يَقْتَسِمَاهُ إلَّا بَعْدَ عَصْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ ، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ مُنْتَهَى الْمُسَاقَاةِ فِي الزَّيْتُونِ جَنْيُهُ .
فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الزَّيْتُونِ إنْ شَرَطَا قَسْمَهُ حَبًّا جَازَ ، وَإِنْ اشْتَرَطَا عَصْرَهُ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ .
أَبُو الْحَسَنِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ لِيَسَارَتِهِ .
أَبُو إِسْحَاقَ إنْ شَرَطَ عَصْرَهُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ جَازَ .
ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ فَعَصْرُهُ بَيْنَهُمَا ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٍ .
سَحْنُونٌ مُنْتَهَى مُسَاقَاتِهِ جَنَاهُ .
ا هـ .
الْحَطّ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ كَلَامَ سَحْنُونٍ هُوَ الْمَذْهَبُ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِصْلَاحِ جِدَارٍ ، وَكَنْسِ عَيْنٍ ، وَسَدُّ حَظِيرَةٍ ، وَإِصْلَاحِ ضَفِيرَةٍ أَوْ مَا قَلَّ

( وَ ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ ( إصْلَاحِ جِدَارٍ وَكَنْسِ عَيْنٍ وَشَدٍّ ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ رَبْطٌ وَإِهْمَالُهَا أَيْ تَرْقِيعُ ( حَظِيرَةٍ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ أَعْوَادٌ تُجْعَلُ عَلَى أَعْلَى الْحَائِطِ لِمَنْعِ تَخَطِّيهِ فَفَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ ( وَإِصْلَاحُ ضَفِيرَةٍ ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ أَعْوَادٌ مَضْفُورَةٌ مُلْبِسَةٌ بِطِينٍ مُحِيطَةٌ بِالْمَاءِ الْمَجْمُوعِ لِسَقْيِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ لِمَنْعِهِ مِنْ السَّيَلَانِ كَالْحَوْضِ عَلَى الْعَامِلِ لِيَسَارَتِهَا فِيهَا تَنْقِيَةُ مَنَافِعِ الْمَاءِ وَخَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ كَنْسُهَا وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَإِبَارُ النَّخْلِ وَسَدُّ الْحِظَارِ ، وَالْيَسِيرُ مِنْ إصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ وَنَحْوِهَا .
مِمَّا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ .
ابْنُ حَبِيبٍ سَدُّ الْحِظَارِ هُوَ تَحْصِينُ الْجُدُرِ وَتَزْرِيبُهَا ، وَالضَّفِيرَةُ هِيَ مَحْبِسُ الْمَاءِ وَمُجْتَمَعُهُ كَالصِّهْرِيجِ ، فَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْعَامِلِ فَهِيَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا الْجَذَاذُ وَالتَّذْكِيرُ وَسَرْوِ الشَّرَبِ ، فَإِنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ عِيَاضٌ الشَّرَبَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ : الْحُفْرَةُ حَوْلَ النَّخْلِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ لِسَقْيِهَا وَتَشْرَبُ عُرُوقُ النَّخْلَةِ مِنْهَا وَسَرْوُهَا بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَنْسُهَا وَتَنْقِيَتُهَا مِمَّا يَقَعُ فِيهَا وَتَوْسِعَتُهَا لِيَكْثُرَ فِيهَا الْمَاءُ .
وَخَمٌّ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَنْسُ الْعَيْنِ مِمَّا لَعَلَّهُ يَسْقُطُ فِيهَا أَوْ يَنْهَارُ مِنْ التُّرَابِ .
وَسَدُّ الْحِظَارِ بِالسِّينِ وَالشِّينِ ، وَقِيلَ مَا حُظِرَ بِزَرْبٍ فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَمَا كَانَ بِجِدَارٍ فَبِالْمُهْمَلَةِ .
وَالضَّفِيرَةُ عِيدَانٌ تُنْسَجُ وَتُضَفَّرُ وَتُطَيَّنُ فَيَجْتَمِعُ الْمَاءُ فِيهَا كَالصِّهْرِيجِ .
وَقِيلَ هِيَ مِثْلُ الْمُسَاقَاةِ الطَّوِيلَةِ فِي الْأَرْضِ تُجْعَلُ يَجْرِي الْمَاءُ فِيهَا

بِخَشَبٍ وَحِجَارَةٍ يُضَفَّرُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ تَمْنَعُ مِنْ انْتِشَارِ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْحَائِطِ ، وَفِيهَا لِمَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً فَغَارَ مَاؤُهَا بَعْدَ سَقْيِهِ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا بِقَدْرِ حَظِّ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ ثَمَرَةِ تِلْكَ السَّنَةِ لَا أَكْثَرَ ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى حَظِّ رَبِّ الْحَائِطِ لَا يَلْزَمُهُ وَمِثْلُهُ فِي رُهُونِهَا خِلَافُ سَمَاعِ سَحْنُونٍ لُزُومُ الرَّاهِنِ إصْلَاحُهَا ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْحَائِطِ غَيْرُهُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهَا لِئَلَّا يَذْهَبَ عَمَلُ الْعَامِلِ هَدَرًا .
( أَوْ ) اشْتِرَاطُ ( مَا ) أَيْ عَمَلٌ ( قَلَّ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامُ مُثَقَّلَةٌ عَلَى الْعَامِلِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ لِيَسَارَتِهِ وَعَدَمِ بَقَائِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ غَالِبًا .
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْكَثِيرِ عَلَى الْعَامِلِ كَحَفْرِ بِئْرٍ وَفَتْقِ عَيْنٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ وَإِنْشَاءُ ضَفِيرَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ .
الْحَطّ لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِصْلَاحُ جِدَارٍ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ كَافًا فَقَالَ كَإِصْلَاحِ جِدَارٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ عِلَّةَ جَوَازِ اشْتِرَاطِهَا عَلَى الْعَامِلِ يَسَارَتُهَا ، قَالَ فِيهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إنْ كَانَ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا أَوْ يَبْقَى بَعْدَهَا مِنْهُ الشَّيْءُ فَهُوَ جَائِزٌ مِثْلُ التَّذْكِيرِ وَالتَّلْقِيحِ وَالسَّقْيِ وَإِصْلَاحِ مَوَاضِعِهِ وَجَلْبِ الْمَاءِ وَالْجَذَاذِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ ، فَهَذَا وَشِبْهُهُ لَازِمٌ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أَخْذُ الْعِوَضِ ، وَإِنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ رَبُّهَا مِثْلَ حَفْرِ بِئْرٍ بِهَا أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ يَجْنِي فِيهِ كَالْجَرِينِ أَوْ إنْشَاءِ غَرْسٍ فَهَذَا لَا

يَلْزَمُ الْعَامِلَ ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ يَنْفَرِدُ بِهَا رَبُّ الْحَائِطِ فَهِيَ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ .

وَتَقَايُلُهُمَا هَدَرًا
( وَ ) يَجُوزُ ( تَقَايُلُهُمَا ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلِ مِنْ الْمُسَاقَاةِ تَقَايُلًا ( هَدَرًا ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمَنْ سَاقَى رَجُلًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّرْكُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ إلَّا أَنْ يَتَتَارَكَا بِغَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْ الْآخَرِ فَيَجُوزُ ، وَلَيْسَ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إذْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ ، فَرَبُّهُ إذًا تَارِكُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَمَنْ سَاقَيْتُهُ حَائِطَكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيلَكَ عَلَى شَيْءٍ تُعْطِيهِ إيَّاهُ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَرَّرَ إنْ كَانَ أَثْمَرَ النَّخْلُ ، فَإِنَّهُ بَيْعٌ لِلثَّمَرِ قَبْلَ زَهْوِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ فَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ إذْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ مُتَارَكَةِ رَبِّ الْحَائِطِ بِجَوَازِ مُسَاقَاةِ الْغَيْرِ ، فَجَعَلَ الْمُتَارَكَةَ مُسَاقَاةً انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ لَفْظِهَا لِأَنَّهَا إقَالَةٌ وَهِيَ مَعْرُوفٌ ، فَإِنْ تَقَايَلَا عَلَى شَيْءٍ يُعْطِيهِ إيَّاهَا وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَاتَ بِالْعَمَلِ رُدَّ فِيمَا عَمِلَ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى جُزْءٍ مُسَمًّى فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ أَظْهَرَتْ أَوَّلًا وَآخِرًا ذَرِيعَةً لِإِجَارَةٍ فِي مُدَّةِ عَمَلٍ بِجُزْءِ الثَّمَرَةِ ، فَيُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ تَقَايَلَا عَلَى الْجُزْءِ لِأَمْرٍ بَدَا لَهُمَا دُونَ دُلْسَةٍ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا مُسَاقَاةٌ صَحِيحَةٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقِبَلَهُ الْمُوَضِّحُ .

وَمُسَاقَاةُ الْعَامِلِ آخَرَ وَلَوْ أَقَلَّ أَمَانَةً ، وَحُمِلَ عَلَى ضِدِّهَا ، وَضَمِنَ .
فَإِنْ عَجَزَ وَلَمْ يَجِدْ : أَسْلَمَهُ هَدَرًا

( وَ ) تَجُوزُ ( مُسَاقَاةُ الْعَامِلِ ) عَامِلًا ( آخَرَ ) إنْ كَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي الْأَمَانَةِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( أَقَلَّ أَمَانَةً ) مِنْهُ .
فِيهَا لِمَنْ سُوقِي فِي أُصُولٍ أَوْ زَرْعِ مُسَاقَاةَ غَيْرِهِ فِي مِثْلِ أَمَانَتِهِ ، فَإِنْ سَاقَى غَيْرَ أَمِينٍ ضَمِنَ .
اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ دَفْعُهُ لِأَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْأَمَانَةِ ، وَحَمَلَ عَلَى ضِدِّهَا وَضَمِنَ الْحَطّ تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ عَامِلًا آخَرَ عَلَى مِثْلِ الْجُزْءِ بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَبْلَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهَا لَازِمَةٌ ، وَعَلَى أَنَّهَا جَائِزَةٌ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ إلَّا بِرِضَا رَبِّهِ ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي سَاقَى عَلَيْهِ رَبُّ الْحَائِطِ كَأَنْ سَاقَاهُ بِالنِّصْفِ وَقَدْ سُوقِيَ بِالرُّبْعِ فَإِنَّ الْعَامِلَ الثَّانِيَ يَأْخُذُ مَا سَاقَى عَلَيْهِ رَبَّ الْحَائِطِ ، وَيُتْبِعُ الْأَوَّلَ بِتَمَامِ مَا سَاقَاهُ بِهِ ، وَإِنْ سَاقَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَاقَاهُ بِهِ رَبُّ الْحَائِطِ بِأَنْ سَاقَاهُ بِالرُّبْعِ وَقَدْ سَاقَاهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِالنِّصْفِ فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْعَمَلِ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَازِمَةٌ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ .
( وَحُمِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْعَامِلُ الثَّانِي عِنْدَ جَهْلِ حَالِهِ ( عَلَى ضِدِّهَا ) أَيْ الْأَمَانَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمِينٌ ( وَضَمِنَ ) الْعَامِلُ الْأَوَّلُ مُوجِبَ فِعْلِ الثَّانِي غَيْرَ الْأَمِينِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ فِي شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ ( فَإِنْ عَجَزَ ) الْعَامِلُ عَمَّا يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ فِي الْحَائِطِ أَوْ الزَّرْعِ ( وَلَمْ يَجِدْ ) أَمِينًا يُسَاقِيهِ ( أَسْلَمَهُ ) أَيْ الْعَامِلُ الْحَائِطَ أَوْ الزَّرْعَ لِرَبِّهِ ( هَدَرًا ) أَيْ بِلَا شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْ رَبِّهِ لِأَنَّهَا كَالْجُعْلِ فِي تَوَقُّفِ اسْتِحْقَاقِ عِوَضِهَا عَلَى تَمَامِ الْعَمَلِ .
فِيهَا إنْ عَجَزَ عَنْ السَّقْيِ قِيلَ لَهُ سَاقِ مَنْ شِئْت أَمِينًا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَسْلَمَ

الْحَائِطَ لِرَبِّهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ .

وَلَمْ تَنْفَسِخْ بِفَلَسِ رَبِّهِ ، وَبِيعَ : مُسَاقًى
( وَلَمْ تَنْفَسِخْ ) الْمُسَاقَاةُ ( بِفَلَسِ رَبِّهِ ) أَيْ الْحَائِطِ سَوَاءٌ فَلَسَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ ( وَ ) بِيعَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْحَائِطُ لِتَوْفِيَةِ دَيْنِ رَبِّهِ عَلَى أَنَّهُ ( مُسَاقًى ) فِيهَا إنْ فَلَسَ رَبُّ الْحَائِطِ فَلَا تَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةُ كَانَ قَدْ عَمِلَ أَمْ لَا ، وَيُقَالُ لِلْغُرَمَاءِ بِيعُوا الْحَائِطَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ فِي مُسَاقًى كَمَا هُوَ .
قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ أَجَزْته وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ حَائِطَهُ قَبْلَ الْإِبَارِ وَاسْتَثْنَى ثَمَرَتَهُ فَلَا تُجِيزُهُ .
قَالَ هَذَا وُجِدَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي اسْتِثْنَاءَ ثَمَرَةٍ .
الْحَطّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بِيعَ سَوَاءٌ كَانَ سَاقَاهُ سَنَةً أَوْ سِنِينَ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ فِي السِّنِينَ ، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ .

وَمُسَاقَاةُ وَصِيٍّ وَمَدِينٍ بِلَا حَجْرٍ .
وَ ) تَجُوزُ ( مُسَاقَاةُ وَصِيٍّ ) حَائِطَ مَحْجُورِهِ لِأَنَّهَا مِنْ تَصَرُّفِهِ لَهُ ( وَ ) تَجُوزُ مُسَاقَاةُ ( مَدِينٍ بِلَا حَجْرٍ ) مِنْ غُرَمَائِهِ عَلَيْهِ حَائِطُهُ لِأَنَّهَا كَكِرَائِهِ لِأَرْضِهِ وَدَارِهِ وَلَيْسَ لِغُرَمَائِهِ فَسْخُهَا ، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ ، وَإِنْ نَزَلَتْ فَلَهُمْ فَسْخُهَا فِيهَا لِلْوَصِيِّ دَفْعُ حَائِطِ الْأَيْتَامِ مُسَاقَاةً ، لِأَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ لَهُمْ جَائِزٌ ، وَلِلْمَأْذُونِ دَفْعُ الْمُسَاقَاةِ وَأَخْذُهَا ، وَلِلْمِدْيَانِ دَفْعُ الْمُسَاقَاةِ كَكِرَائِهِ أَرْضَهُ وَدَارَهُ ثُمَّ لَيْسَ لِغُرَمَائِهِ فَسْخُ ذَلِكَ وَلَوْ سَاقَى أَوْ أَكْرَى بَعْدَ قِيَامِهِمْ فَلَهُمْ فَسْخُهُ .

وَدَفْعُهُ لِذِمِّيٍّ لَمْ يَعْصِرْ حِصَّتَهُ خَمْرًا .
( وَ ) يَجُوزُ ( دَفْعُهُ ) أَيْ الْحَائِطِ ( لِذِمِّيٍّ ) يَعْمَلُ فِيهِ مُسَاقَاةً إنْ ( لَمْ يَعْصِرْ ) الذِّمِّيُّ ( حِصَّتَهُ ) أَيْ الذِّمِّيِّ الَّتِي يَأْخُذُهَا فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ مِنْ الْعِنَبِ وَنَحْوِهِ ( خَمْرًا ) أَيْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ رَبُّ الْحَائِطِ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ يَعْصِرُهَا خَمْرًا فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ لَهُ عَلَى عِصْيَانِهِ .
فِيهَا كَرِهَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَخْذُك مِنْ نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً أَوْ قِرَاضًا وَلَسْتُ أَرَاهُ حَرَامًا ، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْفَعَ نَخْلَك إلَى نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً إنْ أَمِنْت أَنْ يَعْصِرَ حِصَّتَهُ خَمْرًا .
ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَيْفَ قَالَ مَالِكٌ هَذَا وَقَدْ { سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَمْنَ مِنْ عَصْرِ الْخَمْرِ } إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَمْنُوعُ إذَا كَانُوا يَسْقُونَهَا مُسْلِمًا وَلَا يُقَالُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِأَنَّ فَتْحَ خَيْبَرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ حَمْلُهُ عَلَى عَدَمِ الْأَمْنِ حَتَّى يُعْلَمَ الْأَمْنُ

لَا مُشَارَكَةُ رَبِّهِ
( لَا ) تَجُوزُ ( مُشَارَكَةُ رَبِّهِ ) أَيْ الْحَائِطِ الْعَامِلَ فِي عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ ، سَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اسْقِ أَنْتَ وَأَنَا حَائِطِي وَلَك نِصْفُ ثَمَرِهِ فَلَا يَصْلُحُ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ أَنْ يُسَلِّمَ الْحَائِطَ إلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ وَقَعَ وَفَاتَ فَالْعَامِلُ أَجِيرٌ ، لِأَنَّ رَبَّهُ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ إنَّمَا أَعْطَاهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِنَفْسِهِ ، فَإِنْ نَزَلَ فَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ تَجُوزُ وَلَا يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ كَاشْتِرَاطِهِ غُلَامًا أَوْ دَابَّةً يَعْمَلُ مَعَهُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا .

أَوْ إعْطَاءُ أَرْضٍ لِتُغْرَسَ ، فَإِذَا بَلَغَتْ ، كَانَتْ مُسَاقَاةً ، أَوْ شَجَرٍ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَ سِنِينَ ، وَهِيَ تَبْلُغُ أَثْنَاءَهَا .
أَوْ ) أَيْ لَا يَجُوزُ ( إعْطَاءُ أَرْضٍ ) شَخْصًا ( لِيَغْرِسَ ) الشَّخْصُ فِيهَا شَجَرَ كَذَا وَكَذَا وَيَخْدُمَهَا ( فَإِذَا بَلَغَتْ ) الْأَشْجَارُ الْإِثْمَارَ ( كَانَتْ مُسَاقَاةً ) سِنِينَ سَمَّاهَا فَلَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ .
ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ نَزَلَتْ فُسِخَتْ مَا لَمْ يُثْمِرْ الشَّجَرُ ، فَإِنْ أَثْمَرَ وَعَمِلَ فَلَا تُفْسَخُ الْمُسَاقَاة ، وَلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَنَفَقَتُهُ ، وَفِي سِنِينَ الْمُسَاقَاةِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ فَضْلٌ ، وَلَهُ قِيمَةُ الْأَشْجَارِ يَوْمَ غَرْسِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَانَتْ مُسَاقَاةً بِأَنْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَرْضَ وَاغْرِسْهَا نَوْعًا مُعَيَّنًا فَإِنْ بَلَغَتْ قَدْرًا مَخْصُوصًا كَانَ الشَّجَرُ وَالْأَرْضُ بَيْنَنَا صَحَّتْ ، وَكَانَتْ مُغَارَسَةً ، فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْهَا فَسَدَتْ ، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَمَلِ فُسِخَتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَعَلَى الْغَارِسِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ غَرْسِهَا بَرَاحًا وَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفُ قِيمَةِ الْغَرْسِ يَوْمَ بَلَغَ وَهُمَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا .
( أَوْ ) أَيْ لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ ( شَجَرٍ لَمْ تَبْلُغْ ) الْإِثْمَارَ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهَا ( خَمْسَ سِنِينَ وَهِيَ ) أَيْ الشَّجَرُ ( تَبْلُغُ ) الْإِثْمَارَ ( أَثْنَاءَهَا ) أَيْ الْخَمْسِ سِنِينَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مَثَلًا عَبْدُ الْحَقِّ فَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا الْإِطْعَامُ فُسِخَ وَلَهُ نَفَقَتُهُ وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ، وَإِذَا عَثَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِطْعَامِ وَالْعَمَلِ فَلَا تُفْسَخُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ وَلَهُ فِيهَا مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ ، قَوْلُهُ نَفَقَتُهُ أَيْ مَا أَنْفَقَهُ فِي الشَّجَرِ

وَفُسِخَتْ فَاسِدَةٌ بِلَا عَمَلٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ : إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ : إنْ خَرَجَا عَنْهَا كَإِنْ ازْدَادَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا ، وَإِلَّا فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ :

( وَفُسِخَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُسَاقَاةٌ ( فَاسِدَةً ) بِعَدَمِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ ( بِلَا عَمَلٍ ) أَيْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ فِيهَا مُسَاقَاةَ الْمِثْلِ ، أَوْ أُجْرَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُضَيِّعُ شَيْئًا عَلَى الْعَامِلِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي جَوَّزَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّهَا تُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْعَمَلِ وَيُرَدُّ الْحَائِطُ إلَى رَبِّهِ .
( أَوْ ) ظَهَرَ فَسَادُهَا ( فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ الْعَمَلِ ( أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ ) مُسَاقًى عَلَيْهِ فَتُفْسَخُ ( إنْ وَجَبَتْ ) فِيهَا ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) لِلْعَامِلِ ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي عَمَلِهِ السَّابِقِ عَلَى فَسْخِهَا .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ تَجِبُ فِيهَا مُسَاقَاةٌ فَلَا تُفْسَخُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ عَمَلُ الْعَامِلِ فَيُتَمِّمَ الْعَمَلَ ، وَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْعِوَضَ إلَّا مِنْ الثَّمَرَةِ ، فَلَوْ فُسِخَتْ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهَا كَالْجُعْلِ لَا يَسْتَحِقُّ عِوَضَهَا إلَّا بِالْإِتْمَامِ .
ابْنُ رُشْدٍ مَا يُرَدُّ فِيهِ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ يُفْسَخُ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ .
عِيَاضٌ وَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ عَمَلِهِ ، وَأَمَّا مَا يُرَدُّ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَعْمَلْ ، فَإِنْ فَاتَ بِابْتِدَائِهِ الْعَمَلُ بِمَا لَهُ بَالٌ فَلَا تُفْسَخُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِهَا ، وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَعْوَامِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ .
( وَ ) إنْ ظَهَرَ فَسَادُهَا ( بَعْدَ ) تَتْمِيمِ الْعَامِلِ لَ ( هـ ) أَيْ الْعَمَلِ فَلَهُ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ ) كَانَا ( خَرَجَا ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلُ فِي عَقْدِهِمَا ( عَنْ ) حَقِيقَتِهَا ( هَا ) أَيْ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ( كَأَنْ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّمْثِيلِ صِلَتُهُ ( ازْدَادَ ) أَيْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ زِيَادَةً عَنْ حَظِّهِ

عَنْ الثَّمَرِ ، وَمَفْعُولُ ازْدَادَ ( عَيْنًا أَوْ عَرْضًا ) فَإِنْ كَانَ آخِذُ الْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ الْعَامِلَ فَقَدْ خَرَجَ إلَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ إذْ آلَ أَمْرُهُمَا إلَى اسْتِئْجَارِ رَبِّ الْحَائِطِ الْعَامِلَ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ ، وَبِجُزْءِ الثَّمَرَةِ الْمَجْهُولِ ، وَإِنْ كَانَ آخِذُهُ رَبَّ الْحَائِطِ فَقَدْ خَرَجَا إلَى بَيْعِ جُزْءِ الثَّمَرِ قَبْلَ زَهْوِهِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ وَعَمَلِ الْعَامِلِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا فِي عَقْدِهِمَا عَنْ حَقِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ ( فَ ) لَهُ ( مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ ) أَيْ الْجُزْءُ الَّذِي يُسَاقَى بِهِ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَائِطِ فِي الثَّمَرَةِ فَإِنْ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ، فَفِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ أُجِيحَتْ .
عِيَاضٌ الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ كُلُّهُ جَارٍ فِي الْمُسَاقَاةِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ فَاتَتْ بِالْعَمَلِ فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا إذَا خَرَجَا فِيهَا عَنْ حُكْمِهَا إلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِمَا اشْتَرَطَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ زِيَادَةٍ يَزِيدُهَا إيَّاهَا خَارِجَةٍ عَنْهَا ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِيهَا إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ إذَا لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهَا حَتَّى فَاتَتْ بِالْعَمَلِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَاقِيَهُ فِي حَائِطِهِ عَلَى أَنْ يُزِيدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ سَاقَاهُ عَلَى أَنْ يُزِيدَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضًا فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلِ حَائِطِهِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْعُرُوضِ وَبِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ ، فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَ الْعَامِلَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضًا فَقَدْ اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْعُرُوضِ وَبِعَمَلِهِ فِي الْحَائِطِ ، فَوَجَبَ رَدُّهُ

إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَيْضًا .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجَا عَنْ حُكْمِهَا فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِيهَا إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ .

كَمُسَاقَاتِهِ مَعَ ثَمَرٍ أَطْعَمَ ، أَوْ مَعَ بَيْعٍ ، أَوْ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَبِّهِ ، أَوْ دَابَّةٍ ، أَوْ غُلَامٍ ، وَهُوَ صَغِيرٌ ، أَوْ حَمْلَهُ لِمَنْزِلِهِ ، أَوْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةً أُخْرَى ، أَوْ اخْتَلَفَ الْجُزْءُ بِسِنِينَ أَوْ حَوَائِطَ :
وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِمَا يُرَدُّ فِيهِ لِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَقَالَ ( كَمُسَاقَاتِهِ ) لِحَائِطَيْنِ ( مَعَ شَجَرٍ أَطْعَمَ ) أَيْ بَلَغَ الْإِثْمَارَ فِي أَحَدِهِمَا ، وَشَجَرٍ لَمْ يُطْعِمْ ، أَيْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ فِي عَامِهِ فِي الْحَائِطِ الْآخَرِ أَوْ لِحَائِطٍ وَاحِدٍ فِيهِ شَجَرٌ مُطْعِمٌ وَشَجَرُ غَيْرِهِ مُطْعِمٌ ، وَلَيْسَ الثَّانِي تَبَعًا لِلْأَوَّلِ ( أَوْ ) مُسَاقَاةِ شَجَرًا أَوْ زَرْعًا ( مَعَ بَيْعٍ ) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ( أَوْ ) مُسَاقَاةٍ ( اشْتَرَطَ ) الْعَامِلُ فِيهَا ( عَمَلَ رَبِّهِ ) أَيْ الْحَائِطِ مَعَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَائِطُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ( أَوْ ) مُسَاقَاةٍ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ فِيهَا عَمَلَ ( دَابَّةٍ أَوْ غُلَامٍ ) لِرَبِّ الْحَائِطِ مَعَهُ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْحَائِطُ ( صَغِيرًا أَوْ ) مُسَاقَاةٍ اشْتَرَطَ فِيهَا رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ مَا يَخُصُّ رَبَّ الْحَائِطِ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ الْحَائِطِ ( حَمْلَهُ لِمَنْزِلِهِ ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ .
( أَوْ ) مُسَاقَاةٍ اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ فِيهَا عَلَى الْعَامِلِ أَنْ ( يَكْفِيَهُ ) أَيْ الْعَامِلُ رَبَّ الْحَائِطِ ( مُؤْنَةَ ) حَائِطٍ ( آخَرَ ) بِأَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِيهِ بِلَا جُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ ( أَوْ ) مُسَاقَاةِ الْحَائِطِ سِنِينَ وَ ( اخْتَلَفَ الْجُزْءُ ) الْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ ( بِ ) اخْتِلَافِ ( سِنِينَ ) كَثُلُثٍ فِي سَنَةٍ وَنِصْفٍ فِي أُخْرَى وَرُبْعٍ فِي أُخْرَى ( أَوْ ) مُسَاقَاةِ حَوَائِطَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَ الْجُزْءُ بِاخْتِلَافِ ( حَوَائِطَ ) كَنِصْفٍ فِي حَائِطٍ وَثُلُثٍ فِي حَائِطٍ .

كَاخْتِلَافِهِمَا ، وَلَمْ يُشْبِهَا .
وَشَبَّهَ فِي مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَقَالَ ( كَاخْتِلَافِهِمَا ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلُ بَعْدَ الْعَمَلِ فِي قَدْرِ الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ ( وَلَمْ يُشْبِهَا ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلُ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ الْحَائِطِ جُزْءًا أَقَلَّ مِنْ الْمُعْتَادِ جِدًّا وَالْعَامِلُ أَكْثَرَ مِنْهُ جِدًّا فَيُرَدَّانِ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا .
ابْنُ رُشْدٍ وَاَلَّذِي وُجِدَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُرَدُّ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ ، اثْنَانِ مِنْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَهُمَا إذَا سَاقَاهُ فِي حَائِطٍ وَفِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ ، وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُسَاقِي عَلَى الْمُسَاقَى لَهُ يَعْمَلُ مَعَهُ فِي الْحَائِطِ ، وَاثْنَانِ مِنْهَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَهُمَا الْبَيْعُ وَالْمُسَاقَاةُ فِي صَفْقَةٍ وَالْمُسَاقَاةُ سَنَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالْأُخْرَى عَلَى النِّصْفِ ، فَفِي هَذِهِ كُلِّهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ .
عِيَاضٌ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ مُسَاقَاةُ حَائِطٍ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ أُخْرَى ، وَكَذَلِكَ تَلْزَمُ فِي حَائِطَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَجْزَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا لَيْسَ فِي الْحَائِطِ وَهُوَ صَغِيرٌ تَكْفِيهِ الدَّابَّةُ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ حَظَّ رَبِّ الْمَالِ إلَى مَنْزِلِهِ فَفِي هَذِهِ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ .

وَإِنْ سَاقَيْته أَوْ أَكْرَيْتَهُ ، فَأَلْفَيْته سَارِقًا : لَمْ تَنْفَسِخْ ، وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ
( وَإِنْ سَاقَيْته ) حَائِطَك ( أَوْ أَكْرَيْتَهُ ) دَارَك ( فَأَلْفَيْتُهُ ) بِالْفَاءِ أَيْ وَجَدْته ( سَارِقًا ) يُخْشَى مِنْهُ سَرِقَةُ الثَّمَرَةِ وَمَا يَسْقُطُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا ( لَمْ تَنْفَسِخْ ) مُسَاقَاتُهُ وَلَا كِرَاؤُهُ ( وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ ) رَبُّ الْحَائِطِ أَوْ الدَّارِ .
وَأَمَّا إنْ اكْتَرَيْتُهُ لِلْخِدْمَةِ فَوَجَدْته سَارِقًا فَلَكَ الْفَسْخُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ .
فِيهَا وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَأَلْفَاهُ سَارِقًا فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ ، فَقِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَجِيرَ فِي الْخِدْمَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْهُ .
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كِرَاءَ الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ وَقَعَ فِي مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى دَابَّةً فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً بِخِلَافِ الْمُكْتَرِي وَالْمُفْلِسِ وَالْمُسَاقِي فَإِنَّمَا وَقَعَ الْكِرَاءُ فِيهَا عَلَى الذِّمَّةِ .

: كَبَيْعِهِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَلَسِهِ
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْفَسْخِ فَقَالَ ( كَبَيْعِهِ ) أَيْ الْمُفْلِسِ سِلْعَةً يَقْبِضُ مِنْهُ ثَمَنَهَا ( وَلَمْ يَعْلَمْ ) الْبَائِعُ لَهُ ( بِفَلَسِهِ ) فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ لِتَفْرِيطِهِ فِي عَدَمِ السُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ قَبْلَ بَيْعِهِ لَهُ .
فِيهَا وَمَنْ سَاقَيْته حَائِطَك أَوْ أَكْرَيْتَهُ دَارَك ثُمَّ أَلْفَيْته سَارِقًا فَلَا يُفْسَخُ سِقَاءٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ فَإِذَا هُوَ مُفْلِسٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِفَلَسِهِ أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ لَزِمَهُ .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ حَقَّكَ فِي السِّقَاءِ وَالْكِرَاءِ وَقَعَ عَلَى مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ وَالْمُكْتَرِي وَالْمُفْلِسُ ، إنَّمَا وَقَعَ شِرَاؤُك عَلَى الذِّمَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْهُ أَكْرَى عَلَيْهِ وَسُوقِيَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ .

وَسَاقِطُ النَّخْلِ : كَلِيفٍ : كَالثَّمَرَةِ
( وَسَاقِطُ النَّخْلِ ) أَيْ مَا يَسْقُطُ مِنْهُ ( كَلِيفٍ ) وَجَرِيدٍ وَثَمَرَةٍ تُلْقِيهَا الرِّيحُ أَوْ غَيْرُهَا ( كَالثَّمَرَةِ ) فِي الْقَسْمِ بَيْنَ رَبِّ الْحَائِطِ وَالْعَامِلِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ مِنْ سَوَاقِطِ النَّخْلِ مِنْ بَلَحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَرِيدِ وَاللِّيفِ وَتِبْنِ الزَّرْعِ فَبَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا مِنْ الْأَجْزَاءِ

وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ

( وَ ) إنْ تَنَازَعَا فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ وَفَسَادِهَا فَ ( الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَلَبَ فَسَادُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّوَابِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَسَاقِيَيْنِ فَسَادًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ .
اللَّخْمِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَلَالِ ، سَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَ يَحْلِفُ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَمَلِ وَفَصَّلَ فِي تَوْجِيهِ الْيَمِينِ فِي اخْتِلَافِهِمَا قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ .
الْحَطّ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الشَّامِلِ وَصُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بَعْدَ الْعَمَلِ وَإِلَّا تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ .
أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ مَا فِي الشَّامِلِ هُوَ الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ ، فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ يُونُسَ وَالتَّلْقِينِ وَالتُّونُسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا بَعْدَ الْعَمَلِ .
ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا تَعَاقَدَا فَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنَا سَاقَيْتُك الْحَائِطَ وَحْدَهُ دُونَ دَوَابَّ وَلَا رَقِيقٍ ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ بِدَوَابِّهِ وَرَقِيقِهِ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ .
التُّونُسِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ مُدَّعِي الْفَسَادَ وَحْدَهُ .
وَأَمَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ مَعَ يَمِينِهِ .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ الْعُرْفَ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُدَّعٍ لَهُ فَوَجَبَ كَوْنُ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ ، لَكِنْ قَالَ ( غ ) حَمَلَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ يُونُسَ رِوَايَةَ الْعُتْبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ، وَحَمَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى إخْرَاجِ مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ الدَّوَابِّ فَكِلَاهُمَا مُدَّعٍ لِلصِّحَّةِ ، فَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِيهَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ ، وَأَمَّا عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَالْقَوْلُ

قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فَتَحْصُلُ أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ مُطْلَقًا ، وَطَرِيقَةُ غَيْرِهِمَا التَّفْصِيلُ ، وَعَلَيْهَا مَا فِي الشَّامِلِ .
وَمَحَلُّ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ مَا لَمْ يَغْلِبْ فَسَادُهَا ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، بِدَلِيلِ تَعْلِيلِ ابْنِ يُونُسَ تَرْجِيحَ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِالْعُرْفِ ، أَيْ فَإِنْ عُكِسَ الْعُرْفُ عُلِّلَ بِهِ تَرْجِيحُ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الْفَسَادِ لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ .

وَإِنْ قَصَّرَ عَامِلٌ عَمَّا شُرِطَ : حُطَّ بِنِسْبَتِهِ .
( وَإِنْ قَصَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ( عَامِلٌ عَمَّا ) أَيْ بَعْضُ الْعَمَلِ الَّذِي ( شُرِطَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَيْهِ عَمَلَهُ ( حُطَّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ أَسْقَطَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ فِي عَقْدِهَا جُزْءٌ مِنْ حَظِّهِ نِسْبَتُهُ لَهُ ( بِ ) مِثْلِ ( نِسْبَتِهِ ) أَيْ الْعَمَلِ الَّذِي تَرَكَهُ لِجَمِيعِ الْعَمَلِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْحَرْثَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَحَرَثَ مَرَّتَيْنِ حَطَّ مِنْ جُزْئِهِ ثُلُثَهُ .
سَحْنُونٌ مَنْ أَعْطَيْتُهُ كَرْمَةً أَوْ زَيْتُونَةً مُسَاقَاةً عَلَى أَنْ يَسْقِيَ وَيَقْطَعَ وَيَجْنِيَ ، وَعَلَى أَنَّهُ يَحْرُثُهُ ثَلَاثَ حَرْثَاتٍ فَعَمِلَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْرُثْهُ إلَّا حَرْثَتَيْنِ قَالَ يُنْظَرُ عَمَلُ جَمِيعِ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ مِنْ سِقَاءِ حَرْثٍ وَقَطْعٍ وَجَنْيٍ فَيَنْظُرُ مَا عَمِلَ مَعَ مَا تَرَكَ مَا هُوَ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مَا تَرَكَ يَكُونُ مِنْهُ الثُّلُثُ حَطَّ مِنْ النِّصْفِ ثُلُثَهُ إنْ كَانَ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ ، وَإِنْ كَانَ سَاقَاهُ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ حَطَّ مِنْهُ ثُلُثَهُ ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ قَصَّرَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَصِّرْ بِأَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ السَّقْيَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَسَقَى اثْنَيْنِ وَأَغْنَى الْمَطَرُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَلَا يَحُطُّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْءٌ .
ابْنُ رُشْدٍ بِلَا خِلَافٍ ، قَالَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى سِقَايَةِ حَائِطِهِ زَمَنَ السَّقْيِ وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ، فَجَاءَ مَاءُ السَّمَاءِ فَأَقَامَ بِهِ حِينًا فَيَحُطُّ مِنْ إجَارَتِهِ بِقَدْرِ إقَامَةِ الْمَاءِ فِيهِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ كَالْبَيْعِ ، وَالْمُسَاقَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ بَابُ الْمُغَارَسَةِ مِمَّا يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِينَ الْمُخْتَصِرِينَ التَّعَرُّضَ لَهُ ، وَذِكْرَ أَحْكَامِ الْمُغَارَسَةِ وَمَسَائِلِهَا فِيهِ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ، وَلَمَّا ذُكِرَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا ، وَلَا أَدْرِي مَا قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ ، وَلَا مَا أَرَادُوهُ هُنَا لَك ، وَعَنَيْت بِمَنْ أَشَرْت إلَيْهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْقُدْوَةُ الْكَامِلُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ الْفَاضِلُ وَالْأُسْوَةُ الْكَامِلُ خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَنَفَعَنَا بِهِمَا وَبِأَمْثَالِهِمَا وَلَا حَادَ بِنَا عَنْ طَرِيقِهِمَا وَنَهْجِهِمَا وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَعْلَى اللَّهُ تَعَالَى مَقَامَهُ وَرَفَعَ فِي الدَّارَيْنِ ذِرْوَتَهُ وَسَنَامَهُ ، كَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَكْتُبَ بَعْضَ مَسَائِلِهَا ، وَمَا يَصِحُّ مِنْهَا ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فَاسِدِهَا ، فَكَتَبْت إلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَعْضَ مَا حَضَرَنِي ، ثُمَّ طَلَبَ مِنِّي بَعْضُ إخْوَانِي مِنْ الطَّلَبَةِ ، وَرَغَّبَ إلَيَّ بَعْضُ أَحْبَابِي مِنْ أَهْل النِّسْبَةِ ، أَنْ أَجْمَعَ فِي الْبَابِ مَسَائِلَ جَمَّةً ، وَأَنْ أَذْكُرَ فِيهِ أَحْكَامًا مُهِمَّةً ، هَذَا مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ جَهْلِي وَقُصُورِي وَبُعْدِي عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَقْصِيرِي ، لَكِنْ لَمَّا رَأَيْت مِنْ تَأْكِيدِ طُلْبَتِهِمْ ، وَحَثِيثِ رَغْبَتِهِمْ أَسْعَفْتهمْ لِمَا طَلَبُوا ، وَأَجَبْتهمْ لِمَا فِيهِ رَغِبُوا ؛ رَجَاءً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ ، وَاتِّقَاءً لِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَذَابِ الْجَلِيلِ ، نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهَا إلَى الْمُخَالَفَةِ مَيْلٌ وَلَا جُنُوحٌ ، وَأَنْ يَصْحَبَنَا بِعَوْنِهِ ، وَيَكُونَ مَعَنَا دَائِمًا بِلُطْفِهِ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ .
ثُمَّ إنِّي رَأَيْت أَنْ أَذْكُرَ مَا حَضَرَ لِي فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي اخْتَطَفْتهَا

مِنْ غَيْرِ مَا كِتَابٍ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي اصْطِلَاحِهِ وَمُحَاذَاةِ عِبَارَاتِهِ ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِ مَا حَضَرَ كَالشَّرْحِ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَالْبَيَانِ ، لِمَا فِيهَا مِنْ مَقَاصِدَ وَأَغْرَاضَ ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ ، وَأَنْ يَسْلُكَ بِنَا الزُّلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ، بِجَاهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَالْأَصْحَابِ .

بَابٌ ) نُدِبَ الْغَرْسُ ، وَجَازَتْ الْمُغَارَسَةُ فِي الْأُصُولِ ، أَوْ مَا يَطُولُ مُكْثُهُ : كَزَعْفَرَانٍ وَقُطْنٍ : إجَارَةً وَجَعَالَةً بِعِوَضٍ

بَابٌ ) ( فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُغَارَسَةِ ) ( نُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( الْغَرْسُ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ، أَيْ الشَّجَرُ يُثْمِرُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أَكَلَ مِنْهُ صَدَقَةٌ وَمَا سُرِقَ مِنْهُ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَكَلَ مِنْهُ السَّبُعُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَكَلَتْ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " .
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ رَجُلٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْغَرْسِ } ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَنَى بُنْيَانًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ جَارِيًا مَا انْتَفَعَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى } .
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَرَسَ نَخْلًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ } ( وَجَازَتْ الْمُغَارَسَةُ ) أَيْ الْعَقْدُ عَلَى غَرْسِ شَجَرٍ فِي أَرْضٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَيْرِهِمَا إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ أَوْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُمَا شَرِكَةً ، فَالْعَقْدُ جِنْسٌ شَمَلَ الْمُعَرَّفَ وَسَائِرَ الْعُقُودِ ، وَعَلَى غَرْسِ شَجَرٍ فَصْلٌ مُخْرِجٌ الْعَقْدَ عَلَى غَيْرِهِ ، وَبِعِوَصٍ مَعْلُومٍ فَصْلٌ مُخْرِجٌ التَّوْكِيلَ عَلَى غَرْسِ شَحْرٍ بِلَا عِوَضٍ وَمِنْ غَيْرِهِمَا ، أَيْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا إجَارَةً ، أَيْ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ بِعَقْدِهَا الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ

فِي اسْتِحْقَاقِ عِوَضِهَا تَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِتْمَامِ أَوْ جَعَالَةً ، أَيْ عَلَى وَجْهِ الْجَعَالَةِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ بِعَقْدِهَا الْمُتَوَقِّفِ اسْتِحْقَاقُ عِوَضِهَا عَلَى الْإِتْمَامِ أَوْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ عُطِفَ عَلَى بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ مِنْهُمَا ، أَيْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ شَرِكَةٌ ، أَيْ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ .
فِي الذَّخِيرَةِ الْمُغَارَسَةُ مُفَاعَلَةٌ وَأَصْلُهَا كَوْنُهَا لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْ فَاعِلَيْنِ عَلَيْهِمَا كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالْمُدَافَعَةِ ، فَيَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَغْرِسُ لِصَاحِبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُجَابُ بِأَنَّهَا هُنَا بِاعْتِبَارِ حُصُولِ الْعَقْدِ مِنْهُمَا وَتَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ ( فِي الْأُصُولِ ) أَيْ الْأَشْجَارِ ( أَوْ مَا ) أَيْ زُرِعَ ( يَطُولُ مُكْثُهُ ) فِي الْأَرْضِ ( سِنِينَ ) وَتُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فِيهَا ( كَزَعْفَرَانٍ وَقُطْنٍ ) فَلَا تَجُوزُ فِيمَا يُزْرَعُ كُلَّ سَنَةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ شَرْطِهَا كَوْنُهَا فِي أَصْلٍ لَا فِي زَرْعٍ وَلَا فِي بَقْلٍ ، وَفِي جَوَازِهَا فِي الزَّعْفَرَانِ الَّذِي يُقِيمُ أَعْوَامًا ثُمَّ يَنْقَطِعُ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ سَحْنُونًا وَتَجُوزُ فِي الْقُطْنِ الَّذِي يَبْقَى سِنِينَ لَا فِيمَا يُزْرَعُ كُلَّ سَنَةٍ ، وَتَجُوزُ فِيمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ كَانَ عَقْدُهَا ( إجَارَةً ) لَازِمَةً بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا غَيْرِ مُتَوَقِّفِ اسْتِحْقَاقِ عِوَضِهَا عَلَى الْإِتْمَامِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اغْرِسْ لِي هَذِهِ الْأَرْضَ نَخْلًا أَوْ عِنَبًا أَوْ تِينًا ، وَلَك كَذَا دِينَارًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ ، كَذَا أَوْ كَذَا عَبْدًا إنْ كَانَ الْغَرْسُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ سَوَاءٌ سَمَّى لَهُ عَدَدًا أَمْ لَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ ( وَجَعَالَةً ) غَيْرَ لَازِمَةٍ بِعَقْدِهَا مُتَوَقِّفًا عِوَضُهَا عَلَى الْإِتْمَامِ ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اغْرِسْ هَذِهِ الْأَرْضَ نَخْلًا أَوْ عِنَبًا أَوْ تِينًا ، وَلَك بِكُلِّ شَجَرَةٍ تَنْبُتُ أَوْ تُثْمِرُ كَذَا دِينَارًا وَدَرَاهِمَ أَوْ عِرْضٍ كَذَا وَتَنَازَعَ إجَارَةٌ وَجَعَالَةٌ فِي

قَوْلِهِ ( بِعِوَضٍ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ ، أَيْ مَعْلُومٍ سَوَاءٌ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا فَلَا تَجُوزُ بِمَجْهُولٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ .

وَشَرِكَةَ جُزْءٍ مَعْلُومٍ : فِي الْأَرْضِ .
وَالشَّجَرِ ، لَا فِي أَحَدِهِمَا
( وَشَرِكَةَ ) بَيْنَهُمَا ب ( جُزْءٍ مَعْلُومٍ ) نِسْبَتُهُ لِكُلِّهِ كَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ فَحَذَفَ لَفْظَ مَعْلُومٍ مِنْ الْعِوَضِ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ بِجُزْءٍ مَجْهُولٍ ، وَصِلَةُ شَرِكَةٍ ( فِي الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ ) الَّذِي يُغْرَسُ بِهَا وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْبَابِ لِأَنَّ لِلْإِجَارَةِ وَالْجُعْلِ بَابَيْنِ ( لَا ) تَصِحُّ الْمُغَارَسَةُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ ( فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَوْرِدِهَا .
فِيهَا إنْ قُلْت لَهُ اغْرِسْ هَذِهِ الْأَرْضَ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا ، فَإِذَا بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ جَازَ ، وَإِنْ قَالَ فَالْأُصُولُ بَيْنَنَا فَقَطْ ، فَإِنْ كَانَ مَعَ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَشَرَطَ تَرْكَ الْأُصُولِ فِي أَرْضِهِ حَتَّى تَبْلَى فَلَا يَجُوزُ .
ا هـ .
وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الشَّجِرِ ، وَأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهَا إلَّا بِغَلَّتِهَا قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ صِحَّتِهَا كَوْنُ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ بَيْنَهُمَا .

وَدَخَلَ مَا بَيْنَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ ، إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ أَوَّلًا

( وَدَخَلَ ) فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا بِالْمُغَارَسَةِ ( مَا بَيْنَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ ) أَيْ يَشْتَرِطُ رَبُّ الْأَرْضِ عَدَمَ دُخُولِهِ فِيهَا ( أَوَّلًا ) بِشَدِّ الْوَاوِ أَيْ حِينَ عَقَدَهَا .
اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ : الْمَوْضِعُ الْمَغْرُوسُ فِيهِ الشَّجَرُ وَدُخُولُهُ فِيهَا شَرْطُ صِحَّةٍ .
الثَّانِي : الْأَرْضُ الَّتِي بَيْنَ الشَّجَرِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، فَلِلْعَامِلِ جُزْؤُهُ مِنْهُ مَعَ بَقَاءِ الشَّجَرِ وَبَعْدَ فِنَائِهِ إلَّا إذَا اسْتَثْنَاهَا رَبُّهَا حِينَ الْعَقْدِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا مِنْهَا .
الثَّالِثُ : الْأَرْضُ الْبَعِيدَةُ عَنْ الْغَرْسِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا مِنْهَا أَيْضًا .
وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِهَا رَبُّهَا وَهَذِهِ وَالْأُولَى مَفْهُومُ مَا بَيْنَ الشَّجَرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَأَنَّهُ قَسَّمَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ الْمُغَارَسَةَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمُغَارَسَةُ جُعْلٌ وَإِجَارَةٌ وَشَرِكَةٌ فِي الْأُصُولِ ، سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَاضَى رَجُلًا عَلَى غَرْسِ نَخْلٍ أَرْضِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ نَخْلَةٍ تَنْبُتُ جُعْلًا مُسَمًّى ، وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَرَطَا النَّخْلَ قَدْرًا يُعْرَفُ أَرْبَعَ سَعَفَاتٍ أَوْ خَمْسًا .
ابْنُ رُشْدٍ الْمُغَارَسَةُ عَلَى الْجُعْلِ جَائِزَةٌ وَكَذَا عَلَى الْإِجَارَةِ وَعَلَى جُزْءٍ مِنْ الْأَصْلِ ، وَفِيهَا إنْ قُلْت لَهُ اغْرِسْ لِي أَرْضِي هَذِهِ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا بِطَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ أَرْضِك جَازَ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ بِالْخَشَبِ ، وَإِنْ قُلْت لَهُ اغْرِسْهَا شَجَرًا أَوْ نَخْلًا ، فَإِذَا بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا سَعَفَةً وَالشَّجَرُ قَدْرَ كَذَا فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَإِنْ قَالَ فَالْأَصْلُ بَيْنَنَا فَقَطْ ، فَإِنْ كَانَ مَعَ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاشْتَرَطَ بَقَاءَ تِلْكَ الْأُصُولِ فِي أَرْضِهِ حَتَّى تَبْلَى فَلَا يَجُوزُ

.
ابْنُ رُشْدٍ لِلْمُغَارَسَةِ سُنَّةٌ تَخُصُّهَا فَلَيْسَتْ مَحْضَ إجَارَةٍ وَلَا جُعْلٍ بَلْ تُشْبِهُ الْإِجَارَةَ بِلُزُومِ عَقْدِهَا ، وَالْجُعْلَ بِوَقْفِ عِوَضِهَا عَلَى ثُبُوتِ الْغَرْسِ .
وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى غَرْسِ أَرْضِي هَذِهِ كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً إنْ نَبَتَ فَهِيَ بَيْنَنَا جَازَ ، وَهُوَ جُعْلٌ لَا إجَارَةٌ لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ ، وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جُعْلًا مَا جَازَ إذْ لَعَلَّهُ أَنْ يَعْمَلَ فَيُبْطِلَ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُخْرِجَ فَيَذْهَبَ عَمَلُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِي حَائِطِهِ هَذَا ، كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً بِنِصْفِ أَرْضِهِ هَذِهِ لَجَازَ ، وَكَانَتْ إجَارَةً وَلَا تَرَكَ لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ غَرْسِهِ ، فَإِنْ غَرَسَهَا وَغَيَّبَهَا فِي أَرْضِهِ ثَبَتَ أَجْرُهُ وَلَوْ عَطِبَتْ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنْ ثَبَتَتْ فَهِيَ بَيْنَنَا يُرِيدُ وَمَا نَبَتَ مِنْهَا فَهُوَ أَيْضًا بَيْنَنَا لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى طَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِثُبُوتِ كُلِّ النَّخْلِ ، لَلَزِمَ إنْ ثَبَتَ بَعْضُهَا فَقَطْ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَامِلِ فِيهِ شَيْءٌ ، وَهَذَا بَاطِلٌ اتِّفَاقًا ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى لَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي قَوْلِهِ اسْتَأْجَرْتُك لِمَا شُرِطَ فِيهَا لِعَمَلٍ عَلَى حُكْمِ الْجُعْلِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهَا لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ ، وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ الْفِعْلُ لَا الْقَوْلُ .
وَقَوْلُهُ : إنَّ الْمُغَارَسَةَ فِي الْأَرْضِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ ، بِأَنْ لَا يَلْزَمَ التَّمَادِي ، وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ ، بِخِلَافِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا فِي الْأَرْضِ عَلَى جُزْءٍ جَائِزَةٌ عَلَى لُزُومِ عَقْدِهَا لَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْمِلُهُ الْقِيَاسُ قِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ اعْتِرَاضٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُجَاعَلَةِ كَوْنُ الْجُعْلِ فِيهَا مَعْلُومًا وَالْجُعْلُ فِي هَذِهِ الْمُغَارَسَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي شَرَطَهُ لَهُ

مِنْ الْأَرْضِ بَعْدَ غَرْسِهَا وَلَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ الْغَرْسُ .

إنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ تَبْلُغُهُ الشَّجَرُ ، وَلَا ثَمَرَ دُونَهُ :
وَتَصِحُّ الْمُغَارَسَةُ ( إنْ اتَّفَقَا ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسُ ( عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ تَبْلُغُهُ الشَّجَرُ وَلَا تُثْمِرُ ) الشَّجَرُ ( دُونَهُ ) أَيْ قَبْلَ بُلُوغِهَا الْقَدْرَ الْمَعْلُومَ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَادَ كَالْقَامَةِ أَوْ نِصْفِهَا ، زَادَ غَيْرُهُ أَوْ سِتَّةُ أَشْبَارٍ وَنَحْوُهَا بِشِبْرٍ مُتَوَسِّطٍ ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَحْدِيدِهَا بِقَدْرٍ لَا تَبْلُغُهُ الشَّجَرُ إلَّا بَعْدَ إثْمَارِهَا فَسَدَتْ .
ابْنُ رُشْدٍ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا تَوْفِيَتُهَا بِشَبَابٍ مَعْلُومٍ قَبْلَ الْإِطْعَامِ .
الْمُتَيْطِيُّ إنْ جَعَلَاهَا إلَى قَدْرٍ سَمَّيَاهُ وَيُثْمِرُ الشَّجَرُ قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي سَمَاعِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا حَدُّ الشَّبَابِ الَّذِي وَصَفَ مَالِكٌ ، قَالَ حَدُّ الشَّجَرِ فِي ارْتِفَاعِهَا قَدْرًا مَعْلُومًا كَقَامَةٍ أَوْ نِصْفِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي سَعَفَاتٍ يُلْقِيهَا الشَّجَرُ مَعْرُوفَةٌ وَالسَّعَفَةُ بِالتَّحْرِيكِ غُصْنُ النَّخْلِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ .

كَتَحْدِيدِهَا بِالْإِثْمَارِ ، أَوْ أَجَلٍ لَا بَعْدَهُ

وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ ( كَتَحْدِيدِهَا ) أَيْ الْمُغَارَسَةِ ( بِالْإِثْمَارِ ) ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ جَوَازَ حَدِّهَا بِالْإِثْمَارِ .
ابْنُ رُشْدٍ أَجَازَهُ فِي هَذَا السَّمَاعِ وَفِي رَسْمِ الْجَوَابِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ ، وَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا مَنْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى تُثْمِرُ .
الْمُصَنِّفُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ خِلَافًا حَقِيقِيًّا ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُعْلَمُ وَقْتُ إطْعَامِهِ بِالْعَادَةِ ، وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ وَقْتُ إطْعَامِهِ .
( أَوْ ) تَحْدِيدُهَا بِ ( أَجَلٍ ) مِنْ الْأَشْهُرِ وَالسِّنِينَ يَتِمُّ ( دُونَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْإِثْمَارِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ حَدَّهَا بِأَجَلٍ دُونَ الْإِطْعَامِ ، فَفِي صِحَّتِهَا وَمَنْعِهَا أَوَّلَ سَمَاعِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ ابْنَ الْقَاسِمِ وَمَا فِي أَثْنَائِهِ مَعَ رِوَايَةِ الْوَاضِحَةِ ( لَا ) يَجُوزُ تَحْدِيدُهَا بِأَجَلٍ تَبْلُغُهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْإِطْعَامِ .
الْكَافِي الْمُغَارَسَةُ إلَى الْإِطْعَامِ هِيَ الْجَائِزَةُ الصَّحِيحَةُ .
ابْنُ سَلْمُونٍ الْمُغَارَسَةُ إلَى الْإِثْمَارِ جَائِزَةٌ ، وَتَجُوزُ إلَى شَبَابٍ مَعْلُومٍ مَا لَمْ يَكُنْ يُثْمِرُ قَبْلَهُ .
الْمُتَيْطِيُّ إنْ جُعِلَتْ إلَى الْإِثْمَارِ كَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ ، وَمِثْلُهُ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ .
وَفِي الْمُهَذَّبِ الرَّائِقِ فِي تَدْرِيبِ الْقُضَاةِ وَأَهْلِ الْوَثَائِقِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَجَلُ إلَى مَا فَوْقَ الْإِطْعَامِ فَلَا تَجُوزُ الْمُفِيدُ ، فَإِنْ حَدَّا شَبَابًا يَكُونُ بَعْدَ الْإِطْعَامِ أَوْ مُدَّةً تَكُونُ فَوْقَهُ فَلَا تَجُوزُ وَتُفْسَخُ ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا أَرْضَهُ لِيَغْرِسَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ بَلَغَتْ كَذَا قَدْرًا سَمَّيَاهُ فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَأَطْعَمَتْ قَبْلَهُ ، قَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَامَلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا ، وَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ فِي هَذَا لَا عَلَى مَا دُونَ الْإِطْعَامِ أَوْ إلَى الْإِطْعَامِ .

وَحُمِلَا عَلَيْهِ عِنْدَ السُّكُوتِ ، وَصَحَّتْ :
( وَحُمِلَا ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، أَيْ الْعَاقِدَانِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْإِثْمَارِ ( عِنْدَ السُّكُوتِ ) عَنْ التَّحْدِيدِ عِنْدَ الْعَقْدِ ( وَصَحَّتْ ) الْمُغَارَسَةُ الَّتِي سَكَتَا عَنْ تَحْدِيدِهَا حِينَ عَقْدِهَا فِي الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمُنْتَخَبِ .
ابْنُ حَبِيبٍ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ لِلشَّجَرِ حَدٌّ لَجَازَ وَجُعِلَ الْإِثْمَارُ وَالشَّبَابُ التَّامُّ الَّذِي يُعْرَفُ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي عَرَفَهُ النَّاسُ فِي الْمُغَارَسَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ سَكَتَا عَنْ التَّحْدِيدِ فَفِي جَوَازِهَا وَمَنْعِهَا سَمَاعُ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَجَعَلَهُ لِلْإِثْمَارِ ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِينَ فِي الْبَابِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَلِذَا اقْتَصَرْت عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ ، وَهَذَا إذَا جَرَى الْعُرْفُ بِتَحْدِيدِهَا بِالْإِثْمَارِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ جَارِيًا عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي بَعْضِ مَنْ عَقَدَهَا عَلَى عَمَلِ الْعَامِلِ مَا عَاشَ ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِصِحَّتِهَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحْدِيدَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا لِعَقْدِ الْمُغَارَسَةِ صِيغَةً مُعَيَّنَةً .

كَاشْتِرَاطِهِ عَلَى الْعَامِلِ مَا خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ كَزَرْبٍ لَا مَا عَظُمَ مِنْ بُنْيَانٍ .
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ ( كَاشْتِرَاطِهِ ) أَيْ رَبِّ الْأَرْضِ ( عَلَى الْعَامِلِ مَا ) أَيْ عَمَلًا ( خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ كَزَرْبٍ لَا ) يَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ ( مَا عَظُمَ ) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ( مِنْ بُنْيَانٍ ) لِحَائِطٍ مَثَلًا ( وَحَفْرِ بِئْرٍ وَإِزَالَةِ شَعْرَاءَ ) كَحَمْرَاءَ ، أَيْ أَشْجَارٍ نَابِتَةٍ بِنَفْسِهَا لَا ثَمَرَ لَهَا .
فِي الْمُتَيْطِيَّةِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْعِرَةً كُلَّهَا فَلَا تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ لِأَنَّ تَنْقِيَتَهَا مِنْ الشَّعْرَاءِ لَهَا قَدْرٌ وَبَالٌ ، وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الْمُجَاعَلَةِ وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ بِنَاءَ جِدَارٍ حَوْلَ الْأَرْضِ مِمَّا تَكْثُرُ النَّفَقَةُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ ، وَهُوَ غَرَرٌ لِأَنَّ الْغَرْسَ رُبَّمَا لَمْ يَنْبُتْ أَوْ يَهْلَكْ قَبْلَ بُلُوغِ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ فَتَرْجِعُ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا ، وَقَدْ انْتَفَعَ بِتَنْقِيَتِهَا وَالْبُنْيَانِ حَوْلَهَا وَيَذْهَبُ عَمَلُ الْغَارِسِ بَاطِلًا ، فَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا لُمَعٌ يَسِيرَةٌ مِنْ الشَّعْرِ تُخَفْ إزَالَتُهَا فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ا هـ .
ابْنُ سَلْمُونٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَا تَعْظُمُ نَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ التَّزْرِيبَ الْخَفِيفَ أَوْ مَا قَلَّ مِنْ الْبِنَاءِ .

وَهَلْ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ ؟ أَوْ إلَّا أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ ؟ خِلَافٌ
( وَهَلْ تَلْزَمُ ) الْمُسَاقَاةُ عَاقِدَيْهَا ( ب ) مُجَرَّدِ ( الْعَقْدِ أَوْ ) لَا تَلْزَمُهُمَا ( إلَّا إنْ شَرَعَ ) الْعَامِلُ ( فِي الْعَمَلِ ) فِي الْجَوَابِ ( خِلَافٌ ) أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ، قَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِمَشْهُورِيَّةِ لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ وَأَقَرَّهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ وَالْمُوثَقِينَ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَيْسَتْ الْمُغَارَسَةُ بِإِجَارَةٍ مُنْفَرِدَةٍ وَلَا جُعْلٍ مُنْفَرِدٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَأَصْلٌ فِي نَفْسِهَا أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْبَابَيْنِ أَشْبَهَتْ الْإِجَارَةَ مِنْ جِهَةِ لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ وَالْجُعْلَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْغَارِسَ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْغَرْسِ وَبُلُوغِهِ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ ، فَإِنْ بَطَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُعِيدَهُ مَرَّةً أُخْرَى .

وَعَمِلَ الْعَامِلُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ عُرْفًا ، أَوْ تَسْمِيَةً .
وَضُمِنَ إنْ فَرَّطَ فَإِنْ عَجَزَ أَوْ غَابَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَعَمِلَ رَبُّهُ أَوْ غَيْرُهُ : فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ إنْ شَاءَ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ، إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ أَوَّلًا

( وَعَمِلَ ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ ( الْعَامِلُ ) وُجُوبًا ( مَا ) أَيْ الْعَمَلُ الَّذِي ( دَخَلَ ) لِعَامِلٍ فِي عَقْدِ الْمُغَارَسَةِ ( عَلَى ) عَمَلِ ( هـ حِينَ عَقَدَهَا عُرْفًا ) أَيْ بِسَبَبِ عَادَتِهِمْ فِيهَا ( أَوْ تَسْمِيَةٍ ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ ( وَضَمِنَ ) الْعَامِلُ مَا تَلِفَ مِنْ الشَّجَرِ ( إنْ فَرَّطَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْعَامِلُ فِي تَعَاهُدِهِ .
فِي الْمُتَيْطِيَّةِ يَتَعَاهَدُ الْعَامِلُ الْأَشْجَارَ بِالْحَفْرِ وَالسَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْإِثْمَارَ أَوْ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ ، فَإِنْ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى أَصَابَهَا مَا أَهْلَكَهَا بِسَبَبِ تَفْرِيطِهِ فَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْأَرْضِ نَصِيبَهُ مِنْهَا ، نَقَلَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ عَنْ الْوَغْلِيسِيِّ .
( فَإِنْ عَجَزَ ) الْعَامِلُ عَنْ عَمَلِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ بِمَانِعٍ طَرَأَ لَهُ ( أَوْ غَابَ ) أَيْ سَافَرَ الْعَامِلُ مِنْ الْبَلَدِ ( بَعْدَ الْعَقْدِ ) لِلْمُغَارَسَةِ وَقَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ ( أَوْ عَمِلَ ) الْعَامِلُ ( الْبَعْضَ ) مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ ( وَعَمِلَ رَبُّهُ ) أَيْ الشَّجَرِ ( أَوْ غَيْرُهُ ) الْبَاقِيَ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ ( فَهُوَ ) أَيْ الْعَامِلُ ( عَلَى حَقِّهِ ) فِي الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ ( إنْ شَاءَ ) الْعَامِلُ الْبَقَاءَ عَلَى مُغَارَسَتِهِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْعَامِلِ ( الْأُجْرَةُ ) لِمَا عَمِلَهُ رَبُّهُ أَوْ غَيْرُهُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ ) أَيْ الْعَامِلُ عَمَلَ الْمُغَارَسَةِ وَيَفْسَخَهُ عَنْ نَفْسِهِ ( أَوَّلًا ) بِشَدِّ الْوَاوِ ، أَيْ قَبْلَ عَمَلِ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ ، يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إنْ عَجَزَ عَنْ الْعَمَلِ بِمَانِعٍ حَدَثَ لَهُ أَوْ تَرَكَهُ لِغَيْبَتِهِ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ عَمَلِهِ شَيْئًا أَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ بَعْضًا فَأَقَامَ رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ غَرْسِهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ غَرَسَهَا رَبُّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ أَقَامَ مَنْ تَوَلَّى مَا غَرَسَهُ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ بِالسَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةِ وَنَحْوِهِمَا ، حَتَّى تَمَّ الْغَرْسُ ، ثُمَّ قَامَ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ أَوْ قَدِمَ وَأَرَادَ الدُّخُولَ فِي حَقِّهِ فَلَهُ ذَلِكَ

وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا عَمِلَهُ غَيْرُهُ ، هَذَا حَاصِلُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ، ثُمَّ عَارَضَهُ بِمَالِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا ، وَخَرَجَ الْخِلَافُ هُنَا مِنْ تِلْكَ فَإِنْ تَرَكَ حَقَّهُ وَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ .
ابْنُ رُشْدٍ لَوْ لَمْ يَطْلُبْ الْأَوَّلُ حَقَّهُ وَقَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِهِ وَطَلَبَ الَّذِي عَمِلَ عَنْهُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مِنْهُ لِتَخْرُجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي لُزُومِ الْمُغَارَسَةِ بِالْعَقْدِ كَالْمُسَاقَاةِ ، وَعَدَمِ لُزُومِهَا بِهِ كَالْجُعْلِ وَلَوْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَ الْمُغَارَسَةُ فِي الْأَرْضِ فَغَارَسَ رَبُّهَا فِيهَا غَيْرَهُ كَانَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ عَمَلِ الثَّانِي ، وَإِنْ تَرَكَ حَقَّهُ أَوَّلًا وَسَلَّمَ فِيهِ قَبْلَ عَمَلِ غَيْرِهِ ثُمَّ عَمِلَ غَيْرُهُ ثُمَّ أَرَادَ الْأَوَّلُ الرُّجُوعَ فَلَا شَيْءَ لَهُ .

وَوَجَبَ بَيَانُ مَا يُغْرَسُ : كَعَدَدِهِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ عِنْدَ أَهْلِهِ ،
( وَوَجَبَ ) شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْمُغَارَسَةِ ( بَيَانُ ) نَوْعِ ( مَا ) أَيْ الشَّجَرِ الَّذِي ( يُغْرَسُ ) بِالْأَرْضِ لِاخْتِلَافِ الْأَشْجَارِ فِي مُدَّةِ الْإِثْمَارِ وَخِدْمَتِهَا بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ .
وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْبَيَانِ فَقَالَ ( كَعَدَدِهِ ) أَيْ مَا يُغْرَسُ فَيَجِبُ بَيَانُهُ ( إلَّا أَنْ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ صِلَتُهُ ( يُعْرَفُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، أَيْ يَكُونُ قَدْرَ مَا يُغْرَسُ فِيهَا مَعْرُوفًا ( عِنْدَ أَهْلِهِ ) أَيْ الْغَرْسَ بَعْضُ الْمُوثَقِينَ تُكْتَبُ فِي عَقْدِ الْمُغَارَسَةِ دَفَعَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ أَرْضَهُ لِيَغْرِسَهَا كَذَا وَكَذَا شَجَرَةً مِنْ جِنْسِ كَذَا وَكَذَا مِنْ زَيْتُونٍ أَوْ رُمَّانٍ حُلْوٍ أَوْ حَامِضٍ أَوْ مُرٍّ .
وَأَمَّا تَسْمِيَةُ عَدَدِ مَا يُغْرَسُ فَحَسَنٌ ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُرْهَا جَازَ لِأَنَّ مَا يَبْقَى شَجَرُهُ وَأُخْرَى مَعْرُوفٌ .
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا تَجُوزُ مُغَارَسَةُ الْأَنْوَاعِ إذَا كَانَ إطْعَامُهَا مُتَّفِقًا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ مَثَلًا حَقًّا ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالتَّبْكِيرِ وَالتَّأْخِيرِ فَلَا تَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ .
الْبُرْزُلِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمُنِعَ جَمْعُهَا مَعَ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ : كَجُعْلٍ ، وَصَرْفٍ وَمُسَاقَاةٍ ، وَشَرِكَةٍ ، وَنِكَاحٍ .
وَقِرَاضٍ ، وَقَرْضٍ وَاقْتَسَمَاهَا إنْ بَلَغَ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ ، أَوْ تَوَلَّيَا الْعَمَلَ ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْأَشْجَارُ بَعْدَهُ ، فَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيمَا قَلَّ ، إنْ بَطَلَ الْجُلُّ ، إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ بِنَاحِيَةٍ ، أَوْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ، وَلَيْسَ لَهُ قَبْلَهُ جُعْلٌ ، كَبَقْلٍ ، إلَّا بِإِذْنٍ

وَمُنِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( جَمْعُهَا ) أَيْ الْمُغَارَسَةُ ( مَعَ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ ( كَ ) جَمْعِهَا مَعَ ( جُعْلٍ وَصَرْفٍ وَمُسَاقَاةٍ وَشَرِكَةٍ وَنِكَاحٍ وَقِرَاضٍ وَقَرْضٍ ) ثُمَّ قَالَ ( وَاقْتَسَمَاهَا ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسُ بِهَا الْأَشْجَارَ ( إنْ بَلَغَ ) الشَّجَرُ ( الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ ) حَالَ عَقْدِ الْمُغَارَسَةِ كَالْإِثْمَارِ أَوْ الْقَامَةِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ الْأَشْبَارِ ( أَوْ ) أَبْقَيَاهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ وَ ( تَوَلَّيَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ فِي الْأَشْجَارِ ( الْعَمَلَ ) فِيهَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِأُجَرَائِهِمَا .
فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَيَتَعَاهَدُ الْعَامِلُ الْأَشْجَارَ بِالْحَفْرِ وَالسَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الْإِطْعَامَ أَوْ تَبْلُغَ كُلُّ شَجَرَةٍ مِنْهَا قَامَةً أَوْ نَحْوَهَا ، أَرَادَ عَلَى حَسَبِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْأَرْضُ حِينَئِذٍ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَيَقْتَسِمَانِهِمْ ا ، إنْ أَحَبَّا أَوْ يُنَقِّيَانِهِمَا مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا عَلَى الشُّيُوعِ إنْ شَاءَا وَيَكُونُ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ حَظِّ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَإِنْ هَلَكَتْ الْأَشْجَارُ بَعْدَهُ ) أَيْ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ بِآفَةٍ أَوْ عَاهَةٍ أَوْ جَائِحَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ احْتِرَاقٍ ( فَالْأَرْضُ ) مُشْتَرَكَةٌ ( بَيْنُهُمَا ) أَيْ رَبُّهَا وَالْعَامِلُ عَلَى حَسَبِ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ مِنْ مُنَاصَفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا .
ابْنُ سَلْمُونٍ إذَا بَلَغَ الْغَرْسُ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ وَجَبَ لِلْعَامِلِ حَظُّهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمَاهُ وَاحْتَرَقَ الْغَرْسُ أَوْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ آفَةٌ فَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ .
وَمَفْهُومُ بَعْدَهُ أَنَّهَا إنْ هَلَكَتْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ كَالْجَعَالَةِ ( وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيمَا ) أَيْ الشَّجَرِ الَّذِي ( قَلَّ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا ( إنْ بَطَلَ الْجُلُّ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ هَلَكَ أَكْثَرُ الشَّجَرِ وَلَمْ يَنْبُتْ فِي حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ ) الْأَقَلُّ السَّالِمُ (

بِنَاحِيَةٍ ) مِنْ الْأَرْضِ ( أَوْ كَانَ ) الْأَقَلُّ ( لَهُ ) أَيْ الْأَقَلِّ ( قَدْرٌ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ، فَلِلْعَامِلِ نَصِيبُهُ مِنْهُ يَعْنِي أَنَّ الْأَشْجَارَ إذَا خَابَتْ لَمْ يَنْبُتْ مِنْهَا إلَّا الْقَلِيلُ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ إذَا كَانَ الْأَقَلُّ مُتَفَرِّقًا وَكَانَ لَا قَدْرَ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ فَلَهُ حَظُّهُ مِنْهُ .
( بِخِلَافِ الْعَكْسِ ) أَيْ بُطْلَانُ الْأَقَلِّ وَسَلَامَةُ الْجُلِّ فَلِلْعَامِلِ نَصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ أَثْمَرَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَثْمَرَ أَكْثَرُهَا كَانَ غَيْرُهُ تَبَعًا لَهُ وَاقْتَسَمَا الْجَمِيعَ ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ فَإِنْ كَانَ إلَى نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ الْعَمَلُ بِهَا وَيَعْمَلُ الْبَاقِي حَتَّى يُثْمِرَ ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا لَزِمَهُ الْعَمَلُ فِي الْجَمِيعِ حَتَّى يُثْمِرَ مُعْظَمُهُ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا ، وَنَحْوُهُ لِلْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ .
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْعَامِلِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ مِنْ الْإِثْمَارِ أَوْ غَيْرِهِ ( جَعْلٌ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ زَرْعٌ ( كَبَقْلٍ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَيْنَ الشَّجَرِ ( إلَّا بِإِذْنٍ ) مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا بِالتَّمَامِ .
سُئِلَ الْوَنْشَرِيسِيُّ عَمَّنْ أَخَذَ أَرْضًا مُغَارَسَةً فَغَرَسَهَا ، ثُمَّ جَعَلَ فِي عِمَارَةِ الْغَرْسِ مَقَاثِئَ وَبُقُولًا فَأَجَابَ لَيْسَ لِلْغَارِسِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْأَرْضِ شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا ، فَإِنْ عَمِلَ قَبْلَ إذْنِهِ فَالْغَلَّةُ لَهُ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ .
قَالَ وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ الْغَارِسِ يَزْرَعُ فُولًا بَيْنَ الْأَشْجَارِ قَبْلَ الْإِطْعَامِ فَيَطْلُبُ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إذْ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَرْضِ إلَّا بَعْدَ الْإِطْعَامِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْقَلْعُ فِي الْإِبَّانِ وَالْكِرَاءُ بَعْدَهُ ، وَيَمْنَعُ رَبُّ الْأَرْضِ الضَّامِنَ

زِرَاعَتَهَا لِأَنَّهُ يَضُرُّ الْغَرْسُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُمْ عَادَةٌ .

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُزْءِ : حُمِلَا عَلَى الْعُرْفِ ، وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْفَسَادُ
( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْعَامِلُ بَعْدَ الْعَمَلِ ( فِي الْجُزْءِ ) الْمَجْعُولِ لِلْعَامِلِ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ ( حُمِلَا ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْعَامِلُ ( عَلَى الْعُرْفِ ) بَيْنَ أَهْلِ بَلَدِهِمْ فِي مُغَارَسَتِهِمْ ( وَ ) إنْ اخْتَلَفَا فِي صِحَّتِهَا وَعَدَمِهَا فَ ( ا ) لِقَوْلِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْفَسَادُ ) فِي عُرْفِهِمْ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ لِنَسْخِهِ الْأَصْلَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهِ خِلَافٌ .

وَفُسِخَتْ فَاسِدَةٌ بِلَا عَمَلٍ .
وَإِلَّا ، فَهَلْ تَمْضِي وَيَتَرَادَّانِ الْأَرْضَ وَالْعَمَلَ إنْ جُعِلَ لِلْعَامِلِ جُزْءٌ ؟ أَوْ إنْ كَانَ كَذَلِكَ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَعَمَلِهِ فَقَطْ ؟ وَإِلَّا فَفِي كَوْنِهِ كِرَاءً فَاسِدًا أَوْ إجَارَةً فَاسِدَةً كَذَلِكَ ؟ قَوْلَانِ تَرَدُّدٌ

( وَفُسِخَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُغَارَسَةٌ ( فَاسِدَةٌ ) إنْ كَانَتْ ( بِلَا عَمَلٍ ) مِنْ الْعَامِلِ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ ظُهُورِ فَسَادِهَا فَتُرَدُّ الْأَرْضُ لِرَبِّهَا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَا عَمَلٍ بِأَنْ عَمِلَ الْعَامِلُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ فَسَادِهَا ( فَهَلْ تَمْضِي ) الْمُغَارَسَةُ بَيْنَهُمَا إلَى تَمَامِهَا بِالْحَدِّ الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ كَالصَّحِيحَةِ ( وَيَتَرَادَّانِ ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ وَغَارِسُهَا ( قِيمَةَ الْأَرْضِ وَ ) قِيمَةُ ( الْعَمَلِ ) فَيَرْجِعُ رَبُّ الْأَرْضِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا عَلَى الْعَامِلِ وَالْعَامِلُ بِنِصْفِ قِيمَةِ عَمَلِهِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ الْأَرْض فَيَتَقَاصَّانِ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ لِلْآخَرِ ( إنْ ) كَانَ ( جَعَلَ ) رَبُّ الْأَرْضِ ( لِلْعَامِلِ جُزْءًا ) مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ حِينَ عَقْدِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ جُزْءًا فَتُفْسَخُ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ فِيهَا غَيْرَ ابْنِ رُشْدٍ ( أَوْ إنْ كَانَ ) عَقْدُ الْمُغَارَسَةِ ( كَذَلِكَ ) الْمَذْكُورُ فِي كَوْنِهِ بِجُزْءٍ لِلْعَامِلِ ، وَالْمَوْضُوعُ ظُهُورُ الْفَسَادِ بَعْدَ الْعَمَلِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ( قِيمَةُ غَرْسِهِ وَعَمَلِهِ فَقَطْ ) أَيْ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ ( وَإِلَّا ) إي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فِي كَوْنِهَا بِجُزْءٍ لِلْعَامِلِ ، بِأَنْ كَانَتْ بِلَا جُزْءٍ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ ( فَفِي كَوْنِهِ ) أَيْ الْعَقْدِ ( كِرَاءً ) لِلْأَرْضِ ( فَاسِدًا ) فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ ، وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى ، وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ فِي إلْزَامِهِ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَإِبْقَائِهِ لِنَفْسِهِ وَدَفْعِ قِيمَتِهِ لَهُ مَقْلُوعًا .
( أَوْ ) كَوْنِهِ ( إجَارَةً ) لِلْعَامِلِ ( فَاسِدَةً ) فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا لِلْعَامِلِ حَالَ كَوْنِهَا ( كَذَلِكَ ) الْمَذْكُورُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِلِ إلَّا قِيمَةُ غَرْسِهِ وَعَمَلِهِ ( قَوْلَانِ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِي كَوْنِهِ كِرَاءً فَاسِدًا أَوْ إجَارَةً كَذَلِكَ ،

وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ ( تَرَدُّدٌ ) أَيْ طَرِيقَتَانِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ، أَيْ فِي جَوَابِ هَلْ تَمْضِي إلَخْ ، يَعْنِي أَنَّ الْمُغَارَسَةَ الْفَاسِدَةَ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ فِي عَمَلِهَا فَإِنَّهَا تُفْسَخُ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْغَرْسِ وَمُعَالَجَتِهِ فَفِيهَا طَرِيقَتَانِ ، الْأُولَى لِبَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ النَّظَرُ فِي الْمُغَارَسَةِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا جُزْءٌ لِلْعَامِلِ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ وَفَسَدَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَكَوْنِهَا لِأَجَلٍ بَعِيدٍ يُثْمِرُ الشَّجَرُ قَبْلَهُ أَوْ يَخْدُمُهَا الْعَامِلُ مَا عَاشَ فَتَمْضِي ، وَيَتَرَادَّانِ قِيمَتَيْ الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ بَيْنَهُمَا أَيْ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَرْضِ ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ عَمَلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ جُزْءًا مِنْهُمَا تُفْسَخُ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَّا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَمَفْهُومُهُ لَمْ يَذْكُرُوهُ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا أَخَذْنَاهُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِمْ .
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ .
لِابْنِ رُشْدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ لِلْعَامِلِ فَلَهُ قِيمَةُ غَرْسِهِ ، أَيْ الْأَعْوَادُ الَّتِي غَرَسَهَا وَعَمَلُهُ أَيْ مُعَالَجَتُهُ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ ، وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا جَعَلَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ فِي الْمُغَارَسَةِ كَقَوْلِهِ اغْرِسْ هَذِهِ الْأَرْضَ وَقُمْ عَلَى غَرْسِهَا كَذَا وَكَذَا سَنَةً أَوْ حَتَّى تَبْلُغَ كَذَا وَكَذَا لِأَجَلٍ أَوْ حَتَّى يَكُونَ الْإِطْعَامُ دُونَهُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا أَنَّهَا إجَارَةٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْغَارِسُ مَا أَخَذَ مِنْهَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَرَةِ مَكِيلَتَهَا إنْ عُرِفَتْ وَخَرْصَهَا إنْ جُهِلَتْ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ .
ا هـ .
وَعَلَى هَذَا فَالْغَرْسُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْعَامِلِ .
وَأَمَّا إنْ لَمْ يُجْعَلْ لِلْعَامِلِ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اغْرِسْهَا

وَالثَّمَرُ فَقَطْ بَيْنَنَا وَالثَّمَرُ وَالشَّجَرُ فَقَطْ بَيْنَنَا وَلَا شَيْءَ لَك مِنْ الْأَرْضِ أَوْ قَالَ لَهُ مَا دَامَتْ الْأَشْجَارُ قَائِمَةً فَإِنَّك تَنْتَفِعُ بِهَا فِي الْأَرْضِ ، وَإِنْ ذَهَبَتْ فَلَا حَقَّ لَك فِيهَا ، فَقِيلَ إنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَعَلَى أَنَّهُ كِرَاءٌ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ أَرْضِهِ مِنْ يَوْمِ أَخَذَهَا .
وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ غَرَسَهَا .
وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ إثْمَارِهَا وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ فِي أَمْرِهِ بِقَلْعِ شَجَرِهِ وَإِعْطَائِهِ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا .
وَقِيلَ قَائِمًا لِأَنَّهُ غَرَسَهُ بِشُبْهَةٍ ، وَعَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَالْعِلَّةُ كُلُّهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَيَرْجِعُ بِمَكِيلَةِ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا إنْ عُلِمَتْ وَخَرْصِهَا إنْ جُهِلَتْ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي غَرْسِهِ وَسَقْيِهِ وَعِلَاجِهِ ، وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ .

وَمَا فَاتَ مِنْ غَلَّةٍ : رَجَعَ صَاحِبُهَا بِمِثْلِهَا ، إنْ عُلِمَتْ : كَالْمِثْلِيِّ فِي غَيْرِهَا
( وَمَا فَاتَ مِنْ غَلَّةٍ ) بَيَانُ مَا عِنْدَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ ( رَجَعَ صَاحِبُهَا ) أَيْ الْغَلَّةِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهَا وَهُوَ رَبُّ الْأَرْضِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَالْعَامِلُ فِي الْكِرَاءِ الْفَاسِدِ عَلَى مَنْ فَاتَتْ بِيَدِهِ ، وَهُوَ الْعَامِلُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي الْكِرَاءِ الْفَاسِدِ ، وَصِلَةٍ رَجَعَ ( بِمِثْلِ ) كَيْلِ ( هَا ) أَوْ وَزْنِهَا ( إنْ عُلِمَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْغَلَّةُ قَدْرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ ( وَ ) رَجَعَ صَاحِبُهَا ( بِقِيمَتِهَا ) أَيْ الْغَلَّةِ ( إنْ جُهِلَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْغَلَّةُ قَدْرًا مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ ( كَ ) الرُّجُوعِ بِ ( الْمِثْلِيِّ ) الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ أَوْ الْمَعْدُودِ الْمَجْهُولِ الْفَائِتِ بِيَدِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ ( فِي غَيْرِهَا ) أَيْ الْمُغَارَسَةِ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ جُهِلَتْ يَرْجِعُ بِخَرْصِهَا ، أَيْ قَدْرِهَا بِالتَّقْدِيرِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْحَزْرِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِتَأْدِيَةِ الرُّجُوعِ بِالْخَرْصِ إلَى رِبَا الْفَضْلِ ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مَنْ اسْتَهْلَكَ فُولًا مَجْهُولَ الْقَدْرِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ غَاصِبُ الطَّعَامِ يَغْرَمُ مِثْلَهُ صِفَةً وَقَدْرًا ، فَإِنْ كَانَ جُزَافًا جُهِلَ كَيْلُهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ .

وَإِذَا غَرَسَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ بَنَى : فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ ، وَيُعْطِيهِ قِيمَةَ ذَلِكَ قَائِمًا .

( وَإِذَا غَرَسَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ بَنَى ) فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ أَوْ حُضُورِهِ غَيْرَ عَالِمٍ ( فَلِ ) لِشَرِيكِ ( الْآخَرِ ) الَّذِي لَمْ يَغْرِسْ وَلَمْ يَبْنِ ( الدُّخُولُ مَعَهُ ) أَيْ الْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ فِيمَا غَرِمَهُ أَوْ بَنَاهُ ( وَيُعْطِيهِ ) أَيْ الْآخَرُ الدَّاخِلُ الْبَانِي أَوْ الْغَارِسُ ( قِيمَةَ ذَلِكَ ) الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ حَالَ كَوْنِهِ ( قَائِمًا ) لِوَضْعِهِ بِشُبْهَةِ الشَّرِكَةِ أَيْ حِصَّتُهُ مِنْهَا .
سَحْنُونٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي أَرْضٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ احْتَفَرَ أَحَدُهُمَا بِئْرًا أَوْ غَرَسَ غَرْسًا ، فِيهَا فَأَرَادَ الْآخَرُ الدُّخُولَ مَعَهُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ فِي الْبِئْرِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْأَرْضِ .
ابْنُ رُشْدٍ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ .
يَدْخُلَ مَعَ شَرِيكِهِ فِيمَا بَنَى أَوْ حَفَرَ أَوْ غَرَسَ فَعَلَيْهِ فِي الْبِئْرِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْأَرْضِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ يَكُونُ حَظُّهُ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا أَوْ مِنْ قِيمَةِ الْعَمَلِ قَائِمًا أَوْ مَنْقُوضًا ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرْسُ أَوْ الْبِنَاءُ أَوْ الْحَفْرُ مَعَ غَيْبَةِ الشَّرِيكِ الثَّانِي أَوْ مَعَ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ عَالِمًا أَوْ مَعَ إذْنِهِ ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْرَ عَالِمٍ فَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلَانِ ، أَنْ يَكُونَ لَهُ قَدْرُ حَظِّ شَرِيكِهِ مِنْ قِيمَةِ عَمَلِهِ قَائِمًا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَرْضِ شُبْهَةٌ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ حَظِّهِ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ ، وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ شُبْهَةً فَلَيْسَ لَهُ سِوَى قِيمَةِ حَظِّهِ مَنْقُوضًا ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِنْ كَانَ الْغَرْسِ وَنَحْوُهُ مَعَ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ .
فَإِنْ قُلْنَا السُّكُوتُ إذْنٌ فَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ كِرَاءُ حِصَّتِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلَ قِيَامِهِ أَمْ لَا ، عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ أَنَّهُ

مَا سَكَتَ رَاضِيًا بِتَرْكِ حَقّه ، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ السُّكُوتُ إذْنًا فَلَهُ كِرَاءُ الْمَاضِي قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِنْ كَانَ الْغَرْسُ وَنَحْوُهُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي السُّكُوتِ عَلَى أَنَّهُ إذْنٌ وَإِنْ أَرَادَ مُقَاسَمَتَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقْسَمُ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ كَانَ بُنْيَانُهُ وَغَرْسُهُ فِيمَا صَارَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ انْتِفَاعِهِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ خُيِّرَ الَّذِي صَارَ فِي حَظِّهِ بَيْنَ إعْطَائِهِ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا وَبَيْنَ إسْلَامِهِ إلَيْهِ وَنَقْضِهِ ، هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الْقِسْمَةِ أَوْ اخْتَلَفَا فِيهَا أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا إشْكَالَ فِيهَا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْقَائِمُ لِشَرِيكِهِ قَدْرَ حَظِّهِ م ، ن الْأَرْضِ ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ أَوْ يَتْرُكَانِ ا هـ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالْأَصْحَابِ .
تَمَّ الرُّبْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْكِتَابِ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَلِكِ الْوَهَّابِ ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ دَائِمًا بَعْدَ عَصْرِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِخَمْسٍ بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ مِنْ هِجْرَةِ مَنْ لَهُ غَايَةُ الشَّرَفِ ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، كَتَبَهُ مُحَمَّدُ عُلَيْشٍ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَحِمَهُ وَوَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ آمِينَ .

بَابُ ) صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ ، وَأَجْرٍ : كَالْبَيْعِ

بَابٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ وَكِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالْحَمَّامِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَمَا يُنَاسِبُهَا ( صِحَّةُ ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْحَاءِ ، أَيْ مُوَافَقَةُ ( الْإِجَارَةِ ) الشَّرْعَ بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَحُكِيَ ضَمُّهُ مِنْ الْأَجْرِ ، أَيْ الْجَزَاءِ ، وَفِي فِعْلِهَا الْمَدُّ وَالْقَصْرُ ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْمَدَّ .
عِيَاضٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ هَذِهِ الْمَادَّةِ الثَّوَابَ عَلَى الْعَمَلِ ، وَهُوَ مَنْفَعَةٌ خَصَّتْ الْإِجَارَةَ فِي إصْلَاحِ الشَّرْعِ بِالْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ عَلَى قَاعِدَةِ الْعُرْفِ مِنْ تَخْصِيصِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ بِاسْمٍ لِيَحْصُلَ التَّعَارُفُ عِنْدَ التَّخَاطُبِ ، وَقَدْ عُلِمَ وَضْعُ الْفِعَالَةِ بِالْكَسْرِ لِلصَّانِعِ نَحْوِ الصِّبَاغَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْفَعَالَةُ بِالْفَتْحِ لِأَخْلَاقِ النُّفُوسِ ، كَالسَّمَاحَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْفُعَالَةُ بِالضَّمِّ لِمَا يُطْرَحُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ نَحْوُ الْكُنَاسَةِ وَالْقُمَامَةُ وَالنُّخَالَةُ ، أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ .
وَفِي اللُّبَابِ حَقِيقَتُهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةِ عَلَى مَنْفَعَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَبَهِيمَةٍ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا فَيَخْرُجُ كِرَاءُ الدُّورِ وَالسُّفُنِ وَالرَّوَاحِلِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةُ وَالْجَعْلُ قَالَ وَقُلْت بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ خَوْفَ نَقْضِ عَكْسِهِ بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى { أُنْكِحُك إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ، فَإِنَّهَا إجَارَةٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهَا { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ } ، وَعِوَضُهَا لَا يَتَبَعَّضُ ، وَقَوْلُ الْقَاضِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ لَا يَخْفَى بُطْلَانُ طَرْدِهِ ، وَنَحْوُهُ قَوْل عِيَاضٍ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ مَعَ خُرُوجِ فَاسِدِهَا عَنْهُ ، وَالْحَدُّ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ .

وَقَوْلُهَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَرِيقًا فِي دَارِ رَجُلٍ أَوْ مَسِيلَ صَبِّ مِرْحَاضٍ مَجَازًا لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ ، وَاعْتَرَضَهُ " غ " بِأَنَّ لَفْظَ الْبَعْضِ مُبْهَمٌ لَا يُنَاسِبُ التَّعْرِيفَ ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دُخُولُ الْجُعْلِ فِي التَّعْرِيفِ فَيَبْطُلُ طَرْدُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حُذِفَ لَفْظُ بَعْضٍ لَمْ تَخْرُجْ الْإِجَارَةُ بِالْبِضْعِ لِأَنَّ تَبْعِيضَ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي صَدَاقِ الْمِثْلِ ، وَهُوَ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا فَتَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ يَتَبَعَّضُ إلَخْ ، أَيْ حَقِيقَةً ، أَوْ حُكْمًا ، وَلَوْ قَالَ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا أَوْ بِضْعًا وَحَذَفَ لَفْظَ بَعْضٍ الْمُسَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ .
الْغَرْنَاطِيُّ الْإِجَارَةُ تُطْلَقُ اصْطِلَاحًا عَلَى الْعَقْدِ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْمَنْقُولِ إلَّا السَّفِينَةَ وَالْبَهِيمَةَ وَالْكِرَاءَ عَلَى الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ مَا لَا يُنْقَلُ وَالسَّفِينَةُ وَالْبَهِيمَةُ ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَقَدْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَعْنَى الْآخَرِ ، فَفِيهَا إنْ اسْتَأْجَرَتْ مِنْهُ دَارًا بِثَوْبٍ إلَخْ .
وَفِي اللُّبَابِ خُصَّ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ الْآدَمِيِّ بِاسْمِ الْإِجَارَةِ وَتَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَاتِ بِاسْمِ الْكِرَاءِ وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ ابْتِدَاءً وَاللُّزُومُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُفْسِدُهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ مُحَمَّدٌ هِيَ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا .
الصِّقِلِّيُّ خِلَافُ الْأَصَمِّ فِيهَا لَغْوٌ لِأَنَّهُ مُبْتَدِعٌ ، وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا عَقْدُهَا لَازِمٌ كَالْبَيْعِ .
ا هـ .
وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ وَوَجَبَتْ إعَانَتُهُ وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا التَّعَاوُنُ وَدَفْعُ الْحَاجَاتِ ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا } ، وَخَبَرُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ ( ب ) جِنْسِ ( عَاقِدٍ ) فَشَمَلَ الْمُؤَجِّرَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمُسْتَأْجِرَ كَذَلِكَ ( وَأَجْرُ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ، أَيْ عِوَضٌ مُتَمَوَّلٌ ( ك )

عَاقِدٍ وَعِوَضِ ( الْبَيْعِ ) فِي كَوْنِ الْأَوَّلِ مُمَيَّزًا ، وَالثَّانِي ظَاهِرًا مُنْتَفِعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ .
ابْنُ شَاسٍ أَرْكَانُ الْإِجَارَةِ ثَلَاثَةٌ ، الْأَوَّلُ الْعَاقِدَانِ وَلَا يَخْفَى أَمْرُهُمَا .
الرُّكْنُ الثَّانِي الْأُجْرَةُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ الْعَاقِدَانِ كَالْمُتَبَايِعِينَ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْأَجْرُ كَالثَّمَنِ يُطْلَبُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا قَدْرًا وَصِفَةً ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أَجْرًا ، وَهَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَالطَّعَامِ ، فَإِنَّهُمَا يَصْلُحَانِ ثَمَنًا وَلَا يَصْلُحَانِ أَجْرًا لَهَا ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَا يَصْلُحُ لِلثَّمَنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَصْلُحُ أَجْرًا كَذَلِكَ ، وَهُنَا عَدَمُ الصَّلَاحِيَّةِ لِمَانِعٍ عَارِضٍ ، وَهُوَ النَّهْيُ كَالْبَيْعِ وَقْتَ الْجُمُعَةِ ، وَقَدْ يُقَالُ لَا إيرَادَ ، إذْ مِمَّا أَفَادَهُ التَّشْبِيهُ عَدَمَ النَّهْيِ ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَبِالطَّعَامِ فَانْتَفَى الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ النَّهْيِ ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي فَسَادَ إجَارَةِ الْخَيَّاطِ وَالْحَجَّامِ وَكِرَاءِ الْحَمَّامِ إذَا لَمْ تُعَيَّنْ الْأُجْرَةُ ابْتِدَاءً ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مِنْ صِحَّتِهِمَا إذَا كَانَ مُخَالِطًا وَأَرْضَاهُ بَعْدَ عَمَلِهِ كَمَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ .
وَأُجِيبَ بِنُدُورِ هَذَا ، وَالْكَلَامُ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ .
وَنَصُّ السَّمَاعِ سُئِلَ الْإِمَام مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ الْخَيَّاطِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْخُلْطَةُ وَلَا يَكَادُ يُخَالِفُنِي أَسْتَخِيطُهُ الثَّوْبَ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ وَجَاءَ بِهِ أَرْضَيْته بِشَيْءٍ أَدْفَعُهُ إلَيْهِ ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَجَازُوهُ وَمَضَوْا عَلَيْهِ ، وَهُوَ نَحْوُ مَا يُعْطَى الْحَجَّامُ مِنْ غَيْرِ

أَنْ يُشَارِطَهُ عَلَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ قَبْلَهُ وَمَا يُعْطَى فِي الْحَمَّامِ وَالْمَنْعِ مِنْ هَذَا ، وَشِبْهُهُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ ، وَحَرَجٌ فِي الدِّينِ وَغُلُوٌّ فِيهِ ، وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ { مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وَقَالَ { لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ } ، وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَمَهُ أَبُو طِيبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ خَرَاجَهُ } ، وَأَجَازَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ يُؤَاجَرَ الْخَيَّاطُ عَلَى خِيَاطَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ الثِّيَابِ فِي السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ عَلَى خَبْزِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْخُبْزِ سَنَةً أَوْ شَهْرًا إذَا عَرَفَ عِيَالَ الرَّجُلِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ .
ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا مَعْرُوفٌ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَمِقْدَارُ أَكْلِ النَّاسِ مَعْرُوفٌ ، وَالثِّيَابُ قَرِيبٌ مِنْهُ ، وَكَرِهَ اللَّخْمِيُّ اسْتِعْمَالَ الصَّانِعِ حَتَّى يُقَاطِعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى ، وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا ، قَالَ وَلَا يَبْلُغُ التَّحْرِيمَ وَالْأَمْرُ فِيهِ وَاسِعٌ .
( فُرُوعٌ ) الْأَوَّلُ : فِي الذَّخِيرَةِ ابْنُ يُونُسَ إذَا قُلْت خَطَّهُ بِدِرْهَمٍ ، وَقَالَ بِدِرْهَمَيْنِ فَخَاطَهُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّك أَعْلَمْته بِمَا تَرْضَى بِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَاكِنِ الدَّارِ .
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِخَيَّاطِ فَقَالَ لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ ، وَقَالَ رَبُّهُ لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ ، وَجَعَلَهُ عِنْدَهُ فَخَاطَهُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمٌ ، وَمَنْ سَكَنَ مَنْزِلًا فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ بِدِينَارَيْنِ فِي السَّنَةِ ، وَقَالَ السَّاكِنُ لَا أُعْطِي إلَّا دِينَارًا وَإِلَّا فَاخْرُجْ إنْ لَمْ تَرْضَ فَسَكَتَ وَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى تَمَّتْ السَّنَةُ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِينَارٌ .

ابْنُ رُشْدٍ مَسْأَلَةُ الْخَيَّاطِ لَا تُشْبِهُ كِرَاءَ الْمَنْزِلِ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ لَمْ يَتَوَلَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُصَاحِبِ الثَّوْبِ وَالسَّاكِنُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِنَفْسِهِ مَعَ عِلْمِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِهِ فَفَرَّقُوا بَيْنَ تَقَدُّمِ قَوْلِهِ عَلَى قَوْلِ رَبِّهِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ .
الثَّانِي : سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ حَارِسِ الزَّرْعِ وَالزَّيْتُونِ لَيْلًا وَنَهَارًا بِالضَّمَانِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ عَلَيْهِ مُدَّانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ ، فَهَلْ يَصِحُّ ؟ وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ تَفْرِيغُ الشِّبَاكِ وَالْأَحْمَالِ ؟ فَأَجَابَ أَمَّا اسْتِئْجَارُهُمْ لِكُلِّ قَفِيزٍ مُدَّانِ فَجَائِزٌ وَسَوَاءٌ قَلَّتْ الْأَقْفِزَةُ أَوْ كَثُرَتْ لِاغْتِفَارِ جَهْلِ الْجُمْلَةِ إذَا عُلِمَ التَّفْصِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَإِنْ شَرَطُوا تَفْرِيغَ الشِّبَاكِ وَتَنْزِيلَ الْأَحْمَالِ فَيَلْزَمُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَشَرْطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ لَا يَلْزَمُ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مِمَّنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
الثَّالِثُ : سُئِلَ أَيْضًا عَنْ حِرَاسَتِهِمْ الْأَنْدَرَ كُلَّهُ بِأَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَلْفٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ مِائَةٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَكْثَرُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَقَلُّ ، هَلْ هُوَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ أَوْ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ ؟ فَأَجَابَ إنْ كَانَ اسْتِئْجَارُهُمْ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي الْأَنْدَرِ وَرُؤْيَتِهِ فَلَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ حُصُولِهِ وَرُؤْيَتِهِ فَيَجُوزُ وَنُقِضَ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ عَلَى الرُّءُوسِ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ .
الرَّابِعُ : فِيهَا لَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ طَائِفَةً مِنْ دَارِك وَقَدْ عَلِمْت بِهِ وَلَمْ تُخْرِجْهُ فَيَلْزَمُهُ كِرَاءُ مَا سَكَنَ .
أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ لَا الْإِرْفَاقُ ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْك أَنَّك أَرْفَقْته فَتَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي دَعْوَى الْمَعْرُوفِ .
الْخَامِسُ : فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا خَرَجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَيْنٍ لِاقْتِضَائِهِ

دُونَ إذْنِ صَاحِبِهِ فَاقْتَضَاهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَجَبَتْ لَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ مَا خَرَجَ لِذَلِكَ مُتَطَوِّعًا إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْعَادَةُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَأْخُذُ أُجْرَةً عَلَى ذَلِكَ .
السَّادِسُ : سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمَّنْ رُهِنَتْ عِنْدَهُ دَارٌ وَاقْتَضَى غَلَّتَهَا ثُمَّ طَلَبَ أُجْرَةَ اقْتِضَائِهِ إيَّاهَا فَقَالَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فَالرَّجُلُ الَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَعْمَلَ بِأُجْرَةٍ وَمِثْلُهُ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ فِي مِثْلِهِ فَأَرَى ذَلِكَ لَهُ ، وَأَمَّا مَنْ مِثْلُهُ بِعَيْنٍ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ يَمِينِهِ مَا قَامَ بِهِ احْتِسَابًا ، وَإِنَّا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَقُومَ بِأُجْرَتِهِ .
السَّابِعُ : فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا عَجَزَ رَبُّ الدَّابَّةِ عَنْ عَلَفِهَا وَتَرَكَهَا فِي الصَّحْرَاءِ فَعَلَفهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَبُّهَا أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالْإِضْرَارِ بِهِ ، وَيَدْفَعُ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ رَبِّهَا عَنْهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي قِيَامِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ .
الثَّامِنُ : عُلِمَ مِنْ تَشْبِيهِ عَاقِدِهَا بِعَاقِدِ الْبَيْعِ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَجَرَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ صَحَّ وَتَوَقَّفَ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ لَيْسَ لِذِي الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ ، فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ فِيهِ وَلِيُّهُ فَيُمْضِيهِ أَوْ يَرُدُّهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ ، فَإِنْ كَانَ عَمِلَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ، فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ فَلَهُ أَرْشُ النَّقْصِ ، وَإِنْ هَلَكَ فَلَهُ الدِّيَةُ وَلَهُ الْأُجْرَةُ إلَى يَوْمِ الْإِصَابَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَمَلِ شَيْءٌ .
التَّاسِعُ : إنْ أَجَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ مِنْ نَفْسِهِ

أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَمِثْلُهُ لَا يُؤَجَّرُ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ وَيُنْفِقُ الْأَبُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَلَا مَالَ لِلْوَلَدِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ فِيمَا لَا مَعَرَّةَ فِيهِ عَلَى الِابْنِ إنْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا أَوْ مُقِلًّا أَوْ أَرَادَ تَعْلِيمَهُ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لَهُ ذَلِكَ ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ حَبَسَهُ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا فَضَلَ مِنْ عَمَلِ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ الصَّبِيُّ مِنْ الْعَمَلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ لِمَرَضٍ فَلَا يَجِدُ مَا يَأْكُلُ .
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ .
الْعَاشِرُ : الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ يَجُوزُ عَقْدُ الْحَاضِنَةِ عَلَى مَحْضُونِهَا إمَّا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا ، وَلَا يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يُزَادَ فِي أُجْرَةِ الصَّبِيِّ فَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَيُفْسَخُ عَقْدُ الْأُمِّ وَيُنْظَرُ لَهُ أَحْسَنُ الْمَوَاضِعِ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَلَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ فِي عَقْدِ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ غَبْنٌ عَلَى الْيَتِيمُ .
الْحَادِيَ عَشَرَ : لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْعَزَبِ امْرَأَةً لِخِدْمَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ كَانَ مَأْمُونًا ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ جَازَ إنْ كَانَ مَأْمُونًا وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُتَجَالَّةً لَا إرْبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا ، أَوْ كَانَتْ شَابَّةً وَمُسْتَأْجِرُهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ .
الثَّانِيَ عَشَرَ : سُئِلَ الْإِمَام مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ الْمَرْأَةِ الْعَزَبَةِ الْكَبِيرَةِ تَلْجَأُ إلَى الرَّجُلِ فَيَقُومُ لَهَا بِحَوَائِجِهَا وَيُنَاوِلُهَا الْحَاجَةَ هَلْ تَرَى لَهُ ذَلِكَ حَسَنًا ، قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَلْيَدْخُلْ مَعَهُ غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَلَوْ تَرَكَهَا النَّاسُ لَضَاعَتْ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا عَلَى مَا قَالَ إذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْ زِينَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } وَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ

عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ ، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الدُّخُولِ عَلَيْهَا أَدْخَلَ غَيْرَهُ مَعَهُ لِيُبْعِدَ سُوءَ الظَّنِّ عَنْ نَفْسِهِ .
فَقَدْ وَرَدَ { أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّا عَلَيْهِ لَيْلًا وَمَعَهُ صَفِيَّةُ زَوْجَتُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَسَلَّمَا عَلَيْهِ وَانْطَلَقَا فَقَالَ لَهُمَا عَلَى رِسْلِكُمَا إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيت أَنْ يُلْقِيَ فِي قُلُوبِكُمَا فَتَهْلِكَا } .

وَعُجِّلَ ، إنْ عُيِّنَ أَوْ بِشَرْطٍ ، أَوْ عَادَةٍ ، أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا ، إلَّا كَرِيِّ حَجٍّ : فَالْيَسِيرُ وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةٌ

( وَعُجِّلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْأَجْرُ وُجُوبًا شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ ( إنْ عُيِّنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْأَجْرُ كَإِجَارَةِ رَجُلٍ لِخِدْمَةِ سِنِّهِ بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَيَجِبُ تَعْجِيلُهُ لِأَنَّ عَدَمَهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعٍ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَفِيهِ غَرَرٌ ( أَوْ ) لَمْ يُعَيَّنْ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ ( بِشَرْطِ ) لِتَعْجِيلِهِ فَيَجِبُ وَفَاءً بِالشَّرْطِ ( أَوْ ) لَمْ يُعَيَّنْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَهُ وَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ مَصْحُوبَةً ب ( عَادَةٍ ) لِتَعْجِيلِهِ فَيَجِبُ لِأَنَّهَا كَالشَّرْطِ ( أَوْ ) لَمْ يُعَيِّنْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُهُ وَلَمْ يَعْتَدْ وَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ ( فِي ) مَنْفَعَةٍ ( مَضْمُونَةٍ ) فِي ذِمَّةِ الْمُؤَجِّرِ كَإِجَارَةٍ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ ، فَيَجِبُ تَعْجِيلُهُ تَخَلُّصًا مِنْ ابْتِدَاءِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ إنْ ( لَمْ يَشْرَعْ ) الْعَامِلُ ( فِيهَا ) أَيْ الْمَنْفَعَةِ الْمَضْمُونَةِ ، فَإِنْ شُرِعَ فِيهَا فَلَا يَجِبُ التَّعْجِيلُ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ لِانْتِفَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى قَبْضِ الْأَوَّلِ كَقَبْضِ الْآخَرِ .
الْحَطّ قَوْلُهُ أَوْ فِي مَضْمُونِهِ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا ، أَرَادَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا إلَّا بَعْدَ طُولٍ ، وَأَمَّا إنْ قَرُبَ الشُّرُوعُ فَيَحُوزُ تَأْخِيرُ الْكِرَاءِ ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ .
الْمُتَيْطِيُّ إنْ كَانَ الْمَضْمُونُ فِي الْكِرَاءِ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَوْ فِي الْغَدِ فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ الْكِرَاءِ إلَى أَجَلٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْعَرْضُ الْمُعَيَّنُ أَجْرًا كَشِرَائِهِ فَيَجِبُ تَعْجِيلُهُ ، وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ ، أَوْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ فَتَشَاحَّا فِي النَّقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا ، فَإِنْ كَانَتْ سَنَةُ الْكِرَاءِ بِالْبَلَدِ النَّقْدَ جَازَ وَقَضَى بِنَقْدِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَنَتُهُمْ بِالنَّقْدِ فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ ، إنْ عُجِّلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا أَنْ

يُشْتَرَطَ النَّقْدُ فِي الْعَقْدِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ أَوْ حَيَوَانٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ إلَى شَهْرٍ ، وَيُفْسَخُ ذَلِكَ ا هـ .
ابْنُ يُونُسَ الْعُرْفُ كَالشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَنَةٌ رَاتِبَةٌ ، وَكَانُوا يَكُرُّونَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةُ وَأَبْهَمُوا الْكِرَاءَ ، فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى التَّأْخِيرِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ نَقْدَ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفًا أَوْ شَرْطًا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُدَ إلَّا بِقَدْرِ مَا رُكِّبَ أَوْ سَكَنَ بِخِلَافِ شِرَاءِ السِّلَعِ الْمُعَيَّنَةِ ، هَذِهِ بِتَمَامِ عَقْدِ شِرَائِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا لِأَنَّهُ يَنْتَقِدُهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ نَقْدُ ثَمَنِهَا وَالرُّكُوبُ وَالسُّكْنَى لَمْ يَنْقُدْهُ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْقُدَ إلَّا ثَمَنَ مَا قُبِضَ مِنْهُ ، فَلَمَّا كَانَ عَقْدُ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ انْتِقَادَ ثَمَنِهِ فَكَأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْكِرَاءِ بِهَذِهِ الْمُعَيَّنَاتِ عَلَى التَّأْخِيرِ فَوَجَبَ فَسَادًا الْكِرَاءُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ اكْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَشَاحَّا فِي النَّقْدِ ، فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ نَقْدًا قَضَى بِنَقْدِهَا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِهَا فِي الْعَقْدِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ اسْتَأْجَرَ صَانِعًا عَلَى عَمَلٍ عُرِفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ فَسَأَلَهُ تَقْدِيمَ الْأُجْرَةِ وَهُوَ يَقُولُ لَا أَعْمَلُهُ إلَى شَهْرٍ فَلَا يَصْلُحُ تَقْدِيمُ أُجْرَةٍ لَهُ حَتَّى يَشْرَعَ فِي عَمَلِهِ ، فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ قَدَّمَهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ .
وَفِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْعَمَلِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَنَةٌ فَلَا يَقْضِي لَهُمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِمْ .
وَأَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ

أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ وَنَحْوِهَا .
فَبِقَدْرِ مَا مَضَى ، وَلَيْسَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ أَخْذُ نِصْفِ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَتِمَّ إذْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى ذَلِكَ .
ابْنُ يُونُسَ وَلِأَنَّهُ لَوْ خَاطَهُ كُلَّهُ ثُمَّ ضَاعَ الثَّوْبُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، فَكَذَلِكَ إذَا خَاطَ بَعْضَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَنَسْجِ الْغَزْلِ إنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَا كَانَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا .
الْحَطّ التَّعْيِينُ تَارَةً يَكُونُ فِي الْأُجْرَةِ وَتَارَةً فِي الْمَنْفَعَةِ ، وَيُقْضَى بِتَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ التَّعْجِيلَ فِيهِمَا ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمَضْمُونَةِ ، وَيُقْضَى بِهِ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَضْمُونَةً ، وَتَأَخَّرَ شُرُوعُهُ فِيهَا يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَإِنْ تَأَخَّرَ يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ ، فَقَوْلُهُ إنْ عَيَّنَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ أَوْ اُعْتِيدَ تَعْجِيلُهُ صَحَّتْ ، وَقَضَى بِهِ ، وَهَذَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَلَمْ يَعْتَدْ تَعْجِيلَهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ كَمَا سَيَقُولُ ، وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى شَرْطُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ وَلَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ عِنْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ يُعَجَّلُ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ وَلَا شَرْطٌ بِالتَّعْجِيلِ ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ا هـ .
وَأُجِيبَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفٌ إلَخْ ، إنَّمَا هُوَ صِحَّةُ الْعَقْدِ مَعَ عُرْفِ التَّعْجِيلِ ، وَلَا يُفْهَمُ الْجَبْرُ عَلَى الدَّفْعِ فَعُرْفُ التَّعْجِيلِ يَدْفَعُ الْفَسَادَ

وَالْجَبْرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ ، وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعُجِّلَ إنْ عَيَّنَ فَالْأَوَّلُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي حَقُّ الْآدَمِيِّ ، فَقَوْلُهُ وَعُجِّلَ إنْ عُيِّنَ أَيْ مَعَ شَرْطِهِ أَوْ اعْتِيَادِهِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِشَرْطٍ إلَخْ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ كَمَا قَالَ .
الْحَطّ فَالْحَقُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُ بِشَرْطٍ إلَخْ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى مَعْنَى إنْ عُيِّنَ أَيْ أَوْ عُجِّلَ بِتَعْيِينِهِ أَوْ بِشَرْطٍ إلَخْ ، وَأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ الْحَطّ لَازِمٌ لَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ عُيِّنَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ إنْ اُشْتُرِطَ أَوْ اُعْتِيدَ تَعْجِيلُهُ فَهُوَ مُتَدَرِّجٌ فِي قَوْلِهِ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَهُ أَوْ لَا عُرْفَ أَصْلًا ، فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ كَمَا قَالَ .
وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ وَالتَّعْجِيلُ فَرْعُ صِحَّتِهَا ا هـ .
وَفِيهِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ بِإِغْنَاءِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِ ، وَقَدْ شَاعَ عَدَمُ تَوَجُّهِهِ لِوُقُوعِ الْأَوَّلِ فِي مَرْكَزِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَضْمُونِ الَّذِي يَجِبُ تَعْجِيلُهُ ، فَقَالَ ( إلَّا كَرِيَّ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَشَدِّ الْيَاءِ أَيْ كَارِيَ إبِلٍ مَضْمُونَةٍ فِي ذِمَّتِهِ لِرُكُوبِهَا أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا لَك ( حَجٍّ ) مِنْ كُلِّ مَوْسِمٍ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ ( ف ) لَا يَجِبُ تَعْجِيلُ جَمِيعِ الْكِرَاءِ وَيُعَجَّلُ ( الْيَسِيرُ ) مِنْهُ وُجُوبًا وَيَقُومُ مَقَامَ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ إذَا عُجِّلَ الْجَمِيعُ لِلْكَرِيِّ قَبْلَ وَقْتِ السَّفَرِ يُخْشَى هُرُوبُهُمْ بِهِ وَعَدَمُ إتْيَانِهِمْ بِالْإِبِلِ وَقْتَهُ فَيُضِيعُ الْكِرَاءُ عَلَى الْمُكْتَرِي .
ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا

إلَى أَجَلٍ مِثْلِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَانَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ النَّقْدُ ، وَلَكِنْ يُعَجَّلُ مِثْلُ الدِّينَارَيْنِ وَنَحْوُهُمَا ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لَا يَنْبَغِي إلَّا بِنَقْدٍ مِثْلِ ثُلُثَيْ الْكِرَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ قَدْ اقْتَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرُوهُمْ بِالنَّقْدِ وَلْيَنْقُدُوهُمْ الدِّينَارَ وَشِبْهَهُ .
أَبُو مُحَمَّدٍ أَرَادَ لَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِ أَجَلٍ وَشَرَعَ فِي الرُّكُوبِ جَازَ بِغَيْرِ نَقْدٍ لِأَنَّ نَقْدَ أَوَائِلِ الرُّكُوبِ كَقَبْضِ جَمِيعِهِ ، إذْ هُوَ أَكْثَرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي قَبْضِهِ .
ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ اكْتَرَى كِرَاءً مَضْمُونًا لَا يَرْكَبُ فِيهِ إلَّا إلَى أَجَلٍ فَالنَّقْدُ فِيهِ جَائِزٌ ، بَلْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّقْدِ كُلِّهِ بِشَرْطٍ فِي هَذَا الْمَضْمُونِ كَتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ، وَإِنَّمَا أَجَازَهُ مَالِكٌ ، إذَا أَخَّرَ بَعْضَ النَّقْدِ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ اقْتَطَعُوا أَمْوَالَ النَّاسِ فَأَجَازَ فِيهِ تَأْخِيرَ بَعْضِ الثَّمَنِ لِهَذِهِ الضَّرُورَة بِخِلَافِ تَأْخِيرِ بَعْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ .
طفي فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحَجِّ ، إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ الْمُؤَجَّلِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ الشُّرُوعُ فِيهِ ، وَقَدْ نُقِلَ فِي تَوْضِيحِهِ كَلَامُ الْمَوَّازِيَّةِ الدَّالُّ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ مَضْمُونٍ مُؤَجَّلٍ ، وَمَعَ ذَلِكَ خُصَّ الْحَجُّ وَأَخَلَّ بِالتَّأْجِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ ، إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ أَوْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ النَّقْدِ ، إذْ لَا ضَرُورَةَ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ يُقَالُ فَرْضُهُ فِي الْحَجِّ لِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ وَمِنْهُ عُلِمَ شَرْطُ التَّأْجِيلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْحَطّ لَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى حَجٍّ لَكَانَ أَشْمَلَ الْمُتَيْطِيُّ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ ، وَنَصُّهُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ هُوَ الْأَصْلُ ، وَلَا

يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيه دُونَ شَرْطٍ ، فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ أَكْرَى إلَى الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ لِيَخْرُجَ فِي إبَّانِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يُقَدِّمَ مِنْهُ الدِّينَارَ وَالدِّينَارَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ .
وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ ، وَقَالَ كَمْ كَرِيٌّ قَدْ هَرَبَ بِالْكِرَاءِ ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ تَأْخِيرِ النَّقْدِ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ أَكْثَرَهُ أَوْ ثُلُثَيْهِ ، وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَهُ ، ثُمَّ قَالَ قَدْ اقْتَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُدَهُ الدِّينَارَ وَالدِّينَارَيْنِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَرَادَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ .
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلُ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَالْيَسِيرُ الدِّينَارُ وَالدِّينَارَانِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَهُ وَلَمْ يُجَرِّبْهُ الْعُرْفُ وَلَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَضْمُونَةً لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شُرِعَ فِيهَا ( فَمُيَاوَمَةٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ وَفَتْحِ الْوَاوِ ، أَيْ كَمَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةَ يَوْمٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ دَفْعُ أُجْرَتِهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ شَيْءٍ قَبْلَهُ .
الْحَطّ وَهَذَا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَيَانِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمِثْلِ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَلَا عَادَةٌ أُخِذَ مُيَاوَمَةً بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ يَتَنَاوَلُ الصُّنَّاعَ ، بَلْ الْإِجَارَةُ فِي الْعِرَاقِ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهَا .
وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّانِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ .
ا هـ .

فَفِيهَا إذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ ، وَامْتَنَعَ رَبُّ الْعَمَلِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَنَةٌ فَلَا يُقْضَى لَهُمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِمْ وَأَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ فِي إجَارَةِ بَيْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهِ فَبِقَدْرِ مَا مَضَى ، وَلَيْسَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الْقَمِيصِ أَخْذُ نِصْفِ الْأُجْرَةِ حَتَّى يُتِمَّ ، إذْ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى ذَلِكَ .
الثَّانِي : مَحَلُّ جَوَازِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَوْ تَأَخَّرَ نَحْوَ عَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَإِنْ طَالَ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ .
ابْنُ رُشْدٍ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِثْلِ نَسْجِ الْغَزْلِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَضْمُونَةٌ فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ ، فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ أَوْ تَعْجِيلُهُمَا وَمُعَيَّنَةٌ فِي عَيْنِهِ فَتَجُوزُ بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ ، وَتَأْخِيرِهِ عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ .
ا هـ .
وَتَأْخِيرُ الشُّرُوعِ إلَى يَوْمَيْنِ لَا يَضُرُّ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
أَبُو الْحَسَنِ وَإِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُعَيَّنًا عَلَى أَنْ لَا يُشْرَعَ فِيهِ إلَى أَجَلٍ ، وَكَانَ الْأَجْرُ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِاقْتِضَاءِ تَعَيُّنِ الْأَجْرِ وُجُوبَ التَّقْدِيمِ وَتَأْخِيرِ الشُّرُوعِ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّالِثُ ابْنُ رُشْدٍ إنْ صَرَّحَ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَضْمُونًا كَأَسْتَأْجِرُكَ عَلَى كَذَا فِي ذِمَّتِك إنْ شِئْت عَمِلْته بِيَدِك أَوْ بِغَيْرِك أَوْ مُعَيَّنًا ، كَأَسْتَأْجِرُكَ عَلَى عَمَلِ كَذَا بِنَفْسِك فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ كَأَعْطَيْتُكَ كَذَا عَلَى خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ حُمِلَ عَلَى الْمَضْمُونِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ

يُعْرَفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ ، أَوْ كَانَ عَمَلُهُ بِيَدِهِ ، أَوْ كَانَ عَمَلُهُ بِيَدِهِ مَقْصُودًا لِرِقَّتِهِ وَإِحْكَامِهِ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ التَّعْيِينَ كَأَسْتَأْجِرُكَ عَلَى خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ عَلَى أَنْ تُخَيِّطَهُ ، فَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ أَوْ الْمُعَيَّنِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ أَوْ يَقْصِدُ عَمَلَهُ بِيَدِهِ لِدِقَّتِهِ وَإِحْكَامِهِ .
الرَّابِعُ : ابْنُ يُونُسَ كَرِهَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَقْدَ الْكِرَاءِ فِي السُّفُنِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْبَلَاغِ ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ نَافِعٍ ، وَقَالَ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا قُطِعَ .
فَإِنْ عَطِبَتْ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَادَّعَيْت النَّقْدَ صَدَقَ عَلَيْك لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ .
وَقِيلَ تَجُوزُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفَسَدَتْ ، إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ : كَمَعَ جُعْلٍ ، لَا بَيْعٍ وَكَجِلْدٍ لِسَلَّاخٍ ، أَوْ نُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ ، وَجُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ أَوْ رَضِيعٍ وَإِنْ مِنْ الْآنِ

( وَفَسَدَتْ ) الْإِجَارَةُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ ( إنْ انْتَفَى ) مِنْهَا ( عُرْفُ تَعْجِيلِ ) الْأَجْرِ ( الْمُعَيَّنِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْيَاءُ مُثَقَّلَةٌ بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَهُ أَوَّلًا عَرَفَ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ جَرَى الْعُرْفُ بِهِمَا مَعًا ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ ، وَكَانُوا يَكْرُونَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَأَبْهَمُوا الْكِرَاءَ ، فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى التَّأْخِيرِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ تَقْدِيمَ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفًا أَوْ بِشَرْطٍ ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُدَ إلَّا بِقَدْرِ مَا رُكِّبَ أَوْ سَكَنَ ، بِخِلَافِ شِرَاءِ السِّلَعِ الْمُعَيَّنَةِ هَذِهِ بِتَمَامِ عَقْدِ شِرَائِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْدُ ثَمَنِهَا .
وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ فَقَالَ ( ك ) إجَارَةٍ ( مَعَ جُعْلٍ ) فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَفْسُدُ إنْ عَلَى الْمَشْهُورِ لِتَنَافِيَ أَحْكَامِهِمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ اُخْتُلِفَ فِي الْبَيْعِ وَالْجُعْلِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا يَجْتَمِعُ الْجُعْلُ وَالْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا مَعْلُومًا فِي مَعْلُومٍ ، وَالْجُعْلُ يَجُوزُ فِي الْمَجْهُولِ فَهُمَا مُخْتَلِقَا الْأَحْكَامِ مَتَى جُمِعَا فَسَدَا ، وَعَنْ سَحْنُونٍ إجَازَةُ الْمُغَارَسَةِ مَعَ الْبَيْعِ وَهُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى .
الْحَطّ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْإِجَارَةِ مَعَ السَّلَفِ ، فَفِيهَا إنْ دَفَعْت إلَى حَائِكٍ غَزْلًا يَنْسِجُهُ لَك ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُسْلِفَك فِيهِ رَطْلَيْنِ مِنْ غَزْلٍ فَلَا يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ .
ابْنُ يُونُسَ الْإِجَارَةُ بَيْعٌ فِيهَا مَا يَحْرُمُ فِيهِ ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ .
( لَا ) تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ الْمُجْتَمِعَةُ ( مَعَ بَيْعٍ ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَحْكَامِ .
تت شَمِلَ كَلَامُهُ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا : كَوْنُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَشِرَائِهِ جُلُودًا عَلَى أَنْ يُخَرِّزَهَا

لَهُ الْبَائِعُ خِفَافًا .
وَالثَّانِيَةُ : كَوْنُهُمَا فِي مَحَلَّيْنِ كَشِرَائِهِ جُلُودًا بِكَذَا عَلَى أَنْ يَخِيطَ الْبَائِعُ ثَوْبًا فَيَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا .
فِيهَا لَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْمَبِيعِ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ فِي الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ ، أَوْ أَمْكَنَتْ إعَادَتُهُ كَالصُّفْرِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ الْبَائِعُ قَدَحًا .
الْحَطّ أُطْلِقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ بِأَنْ بَاعَ لَهُ جُلُودًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ نِعَالًا لِلْمُشْتَرِي فَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهَا قَوْلٌ مَشْهُورٌ بِالْمَنْعِ .
خَلِيلٌ هُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي النَّوَادِرِ ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَقَالَ جَائِزٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ عَلَى حَالٍ ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ كَبَيْعِهِ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ خِيَاطَتَهُ أَوْ قَمْحًا ، عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ طَحْنَهُ أَوْ فِيمَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ وَتُمْكِنُ إعَادَتُهُ كَبَيْعِهِ صُفْرًا عَلَى أَنَّ عَلَى بَائِعِهِ صِيَاغَتَهُ قَدَحًا ، فَإِنْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ وَلَا تُمْكِنُ إعَادَتُهُ لِلْعَمَلِ كَبَيْعِهِ غَزْلًا ، عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ نَسْجَهُ أَوْ الزَّيْتُونَ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ عَصْرَهُ أَوْ الزَّرْعَ ، عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ

حَصْدَهُ وَدَرْسَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ ا هـ .
وَعُطْفُ عَلَى كَمَعَ جَعَلَ الْمُشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ : ( وك ) إجَارَةٍ عَلَى سَلْخٍ ب ( جِلْدٍ لِسَلَّاخٍ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَشَدِّ اللَّامِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِلْغَرَرِ بِتَقَطُّعِ الْجِلْدِ حَالَ سَلْخِهِ وَ ) إجَارَةٌ عَلَى طَحْنٍ بِ ( نُخَالَةٍ ) بِضَمِّ النُّونِ وَإِعْجَامِ الْخَاءِ ( لِطَحَّانٍ ) لِلْغَرَرِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهَا وَصِفَتِهَا .
فِيهَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى سَلْخِ شَاةٍ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا .
ابْنُ شَاسٍ لَوْ اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ وَالطَّحَّانَ بِالنُّخَالَةِ فَلَا يَجُوزُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْجِلْدُ يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِهِ وَالنُّخَالَةُ تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الدَّقِيقِ ، وَفِيهَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى طَحْنِ إرْدَبّ حِنْطَةٍ بِدِرْهَمٍ وَقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ ، لِقَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّاةِ حَيَّةً أَوْ مَذْبُوحَةً وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا مَنَعَ لِأَنَّ السَّلَّاخَ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بَعْدَ سَلْخِهِ ، وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ سَلِيمًا مِنْ الْقَطْعِ أَوْ لَا ، وَفِي أَيِّ جِهَةٍ يَكُونُ قَطْعُهُ ، وَأَتَى بِالْكَافِ لِيَدْخُلَ اللَّحْمُ ، وَانْظُرْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِرَأْسٍ أَوْ بِالْأَكَارِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الذَّبْحِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ ، وَعَلَى السَّلْخِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ تَصِحُّ ذَكَاتُهُ أَمْ لَا ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى السَّلْخِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ الْحَطّ .
( وَ ) كَإِجَارَةٍ ب ( جُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ ) عَلَى النَّسْجِ لِجَهْلِ صِفَتِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ .
فِيهَا وَإِنْ أَجَرْته عَلَى دَبْغِ جُلُودٍ وَعَمَلِهَا أَوْ نَسْجِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ ذَلِكَ إذَا فَرَغَ فَلَا يَجُوزُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَخْرُجُ ، وَلِأَنَّ مَالِكًا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57