كتاب : البهجة في شرح التحفة
المؤلف : أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي

الخ .
وإذا سقط الإعذار فيهم بما ذكر فلا بد أن يعذر إلى القاتل فيقال له : إن كانت لك منفعة من غير باب شهود اللفيف فأثبت بها ، أو لك تجريح بالقرابة أو العداوة أو المجاهرة بالكبائر ويوسع له في الأجل كما في ابن سلمون وغيره .
وثالثها : أن ينشأ عن الواحد غير العدل كما قال :
وَمَالِكٌ فيما رَوَاهُ أَشْهَبُ
قَسَامَةٌ بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ
( ومالك ) مبتدأ ( فيما رواه أشهب قسامة بغير عدل يوجب ) خبر وقسامة مفعوله والمجروران يتعلقان به أي : ومالك يوجب القسامة بشهادة الواحد غير العدل فيما رواه أشهب ولا إعذار فيه أيضاً إلا بما يعذر به في اللفيف المتقدم ، وهذا وإن كان المشهور خلافه ، ولكن لا ينبغي أن يهدر هذا القول ويلغى بالنسبة للمتهم المعروف بالعداء لموافقته لما به العمل كما مر في بابي السرقة والغصب ولعل مالكاً إنما قال في هذه الرواية بأن شهادة غير العدل لوث نظراً إلى كون المدعى عليه متهماً معروفاً بالعداء وسفك الدماء ، ويؤيده ما يأتي عن ابن رحال في التدمية البيضاء ، وأيضاً فإن التكليف شرطه الإمكان ، وقد لا يحضر قتله إلا غير العدل فشهادته ، وإن لم توجب قصاصاً فلا أقل من أن توجب مع القسامة الدية ولا سيما إذا كان مستور الحال ، فشهادته حينئذ أقوى في اللوث من مجرد قول المدعي دمي عند فلان الذي أشار له بقوله :
أو بمقَالةِ الْجَرِيحِ المُسْلِمِ
البَالِغِ الحُرِّ فُلاَنٌ بِدمِ
( أو بمقالة الجريح ) أي الذي به جرح لا يفعله المرء بنفسه أو أثر ضرب أو أثر سم ( المسلم البالغ الحر ) العاقل ولو سفيهاً أو مسخوطاً ادعى بذلك على ورع أو زوجة على زوجها أو ولد على أبيه أنه ذبحه أو شق بطنه ( فلان بدمي ) أي قتلني كان فلان كافراً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً مسلماً أو ذمياً صبياً أو بالغاً عاقلاً أم لا . هذا إذا قال : قتلني عمداً بل ولو قال : قتلني خطأ فيقسم الأولياء ويستحقون القود أو الدية ، ومفهوم قتلني أنه إذا قال : جرحني أو قطع يدي فإنه لا قسامة وهو كذلك ما لم تكن بينه وبين المدعى عليه عداوة فإنه يحلف ويقتص كما يأتي في الجراح .
يَشْهَدُ عَدْلاَنِ عَلَى اعْتِرَافِهِ
وَصِفةُ التمييزِ مِنْ أَوْصَافِهِ
( يشهد عدلان على اعترافه ) أي على قوله فلان بدمي أو قتلني ويستمر على إقراره ، فلاقال : قتلني فلان بل فلان بطل الدم ، وكذا لو قيل له من جرحك ؟ فقال : لا أعرفه ، ثم قال : فلان أو قال دمي عند فلان أو فلان على جهة الشك أو دمي على جماعة ، ثم أبرأ بعضهم أو دمي على رجل ثم دمي عليه وعلى غيره فإن تدميته ساقطة كما في البيان ( و ) الحال أن ( صفة التمييز ) وقت اعترافه ( من أوصافه ) فلا يقبل قوله مع وجود اختلال في عقله ولو كان بالغاً وفهم من قوله الجريح إن مقالة الذي لا أثر جرح فيه ولا أثر ضرب ولا أنه يتقيأ سماً أو يتنخم دماً لا تقبل ، وهو كذلك على المعمول به كما في المتيطية وغيرها لأنها تدمية بيضاء ، واعتمده ( خ ) حيث قال : إن كان بجرح . قالوا : وعليه فلا يسجن المدمي عليه قبل موت المدمى لأنه قد يتهم أن يكون أراد سجنه بدعواه ، فإن مات سجن . وقال ابن رحال : المذهب قبول التدمية البيضاء لأنه مذهب المدونة كما صرحوا به ، وبعضهم يقول : هو ظاهر المدونة . قال ابن مرزوق : وهو الراجح نقلاً ونظراً قال : وهو الذي ينبغي للمقلد أن يفتي به ثم قال : ومداره على غلبة الظن بصدق المدمى كما قاله الشاطبي . ألا ترى إذا غضب شرير شأنه الفتك على صالح لأجل شهادة عليه مثلاً فقال الصالح : دمي عند فلان فإنه يقتل به لأن الغالب على الصالح أنه لا يكذب عليه انتهى .
وكله مأخوذ من كلام اللخمي ، ونص المقصود منه على نقل الأبي القائل بأعمال التدمية ، وإن لم يظهر لها أثر . أصبغ : وهو ظاهر إطلاق الروايات والقائل بإلغائها حتى يظهر الأثر . ابن كنانة واختاره اللخمي وابن رشد وبه العمل . قال اللخمي : إلا أن يعلم أنه قد كان بينهما قتال ويلزم الفراش عقب ذلك ، أو كان يتصرف تصرف مشتك عليه دليل المرضى وتمادى به ذلك حتى مات قال : يعني الأبي وباختيار اللخمي هذا أفتيت اه . ويؤيده أيضاً ما يأتي في الجراح من أن من ادعى على شخص أنه قطع يده مثلاً وكانت بينهما عداوة أنه يحلف ويقتص منه ، وهذا كله مما يقوي قول الناظم : ومالك فيما رواه أشهب . من أنه يعمل بشهادة غير العدل على المعروف بالعداء ، ويقوي أيضاً مستند العمل المتقدم في الغضب والله أعلم . واحترز بالمسلم من الكافر ، وبالبالغ من الصبي ، وبالحر من العبد ، وبالمميز من المختل العقل فلا عبرة بتدميتهم وكيفية وثيقتها عاين شهيداه يوم تاريخه فلاناً وبرأسه أو يده أو جسده جرح مخوف مما لا يفعله المرء بنفسه أو أثر ضرب أو يتقيأ سماً أو يتنخم دماً أو بجسده نفخ ، وأشهدهم أن فلاناً أصابه بذلك عمداً أو خطأ ، أو أشهدهم أن مملوك فلان أصابه بذلك بأمر سيده فلان وتحريضه عليه ، وقوله له : اضرب اضرب اقتل اقتل وأنه يجد من ذلك ألم الموت فمتى قضى الله بوفاته ففلان المؤاخذ بدمه أو فلان ومملوكه المؤاخذان به إشهاداً صحيحاً عارفاً قدره وهو في صحة عقله وثبات ميزه ومرض من ألم الجرح وطوع وجواز وعرفه وعرف المدمى عليه وفي كذا بأن سقط منها معاينة الجرح المذكور وما معه أو لم يقل مخوف مما لا يفعله المرء بنفسه الخ . فإنها تدمية بيضاء لأن الجرح الخفيف لا يعتبر ، وقد علمت ما في البيضاء من الخلاف ، والراجح أعمالها في هذه الأزمنة لغلبة الفساد كما مر ، ولا سيما إذا كانت بينهما عداوة . وقولي : وأشهدهم الخ .لا مفهوم له بل وكذلك إذا لم يشهدهم وإنما قالوا سمعنا منه ذلك يحكيه للغير كما هو ظاهر قوله : يشهد عدلان على اعترافه ، وقوله : أو بمقالة الجريح ، وقول ( خ ) : كأن يقول بالغ حر الخ . وقوله : عمد أو خطأ لا مفهوم له أيضاً ، بل كذلك إذا لم يبين عمداً ولا خطأ فإن أولياءه يبينون ويقسمون على ما بينوا فيستحقون كما قال ( خ ) أو أطلق وبينوا لا خالفوا أي لا إن قال عمداً وقالوا هم خطأ أو بالعكس ، فتبطل التدمية . وقولي : بأمر سيده احترازاً مما إذا لم يقل ذلك فإن السيد لا شيء عليه ، وقوله : اضرب اضرب الخ . زيادة تأكيد وإلاَّ فقوله بأمر سيده كاف في مؤاخذة سيده ( خ ) وكأب أو معلم أمر ولداً صغيراً أو سيد أمر عبداً مطلقاً الخ . وهذا وإن كان في الثالث أمره له بالبينة فالتدمية كذلك لأنها ههنا قائمة مقام البينة . وقوله : وأنه يجد من ذلك ألم الموت إلى قوله إشهاداً صحيحاً الخ . كله إن سقط من الرسم لم يضر ، وكذا قوله عارفاً قدره لأنه محمول على معرفته ، وكذا قوله وهو في صحة عقله إلى قوله وجواز الخ . لأنه محمول على ثبات العقل والطوع والجواز حتى يثبت اختلال عقله وإكراهه ، وأما السفيه فإنه يعمل بتدميتة ، وقوله : وعرفه احترازاً مما إذا سقطت المعرفة والتعريف والوصف فإن كان الشاهد معروفاً بالضبط والتحفظ صحت وإلا سقطت ، والا أن تكون على مشهور معروف كما مّر . قوله : وعرف المدمى عليه لا يضر سقوطه إذا وصفه بصفاته التي يتميز بها كما يأتي آخر الباب في قوله : وسوغت قسامة الولاة الخ . فإن لم يصفه فلا يضر أيضاً لأن الأصل أنه هو حتى يثبت من يشاركه في البلد في اسمه ونسبه ( خ ) آخر القضاء : وإن لم يميز ففي أعدائه أو لا حتى تثبت أحديته قولان . أرجحهما أعداؤه وعليه إثبات أن هناك من يشاركه وسقوط التاريخ لا يضر أيضاً كما مر أول الكتاب ، ثم إن الأولياء لا يمكنون من القسامة في هذا المثال ، وفي غيره حيث لم يحضر جسده حتى يثبت موت المدمى كما قال ( خ ) إن ثبت الموت ، ويأتي قول الناظم أيضاً بعد ثبوت الموت الخ . ويكتب فيه عاين شهيداه يوم كذا فلاناً المدمى بمحوله أو أعلاه ميتاً أو تقول يعرف شهوده فلاناً معرفة تامة لعينه واسمه ونسبه ، ومعها يشهدون بأنه توفي من الجرح الذي دمي به على فلان قبل أن يظهر برؤه وتتبين إفاقته ، وفي كذا فإن سقط من الرسم قبل أن يظهر برؤه الخ . لم يضر لأن الأصل الاستصحاب حتى يثبت برؤه وهم إنما علقوا الحكم بالقسامة على ثبوت الموت لا على كونه قبل البرء ، وقول صاحب المفيد من تمام الشهادة أن يقولوا إن الجريح لم يفق من جرحه في علمهم الخ . إنما يعني من تمامها على وجه الكمال لا على وجه الشرطية بدليل قول ابن مغيث وغيره : إذا ثبتت صحة المدمى سقطت التدمية وبه الفتيا فقوله : إذا ثبتت الخ . صريح في أنه إذا لم تثبت فيبقى الأمر على حاله .
ثم أشار الناظم إلى خامس الأمور التي ينشأ عنها اللوث فقال عاطفاً على : بمقالة الجريح أو على بعدل شاهد بما طلب .
أو بقتيلٍ مَعَهُ قد وُجِدَا
مَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ عليهِ قَدْ بَدَا
( أو بقتيل ) من نعته وصفته ( معه قد وجدا من ) بفتح الميم موصول نائب فاعل وجد ( أثرالقتل ) مبتدأ وجملة ( عليه قد بدا ) خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر صلة من ومعه يتعلق بوجد ، والتقدير أو بمقتول قد وجد معه الشخص الذي أثر القتل قد بدا عليه ، وهذا نحو قول الجلاب إن وجد قتيل وبقربه رجل معه سيف أو عليه شيء من دم أو عليه أثر القتل فهو لوث ( خ ) عاطفاً على ما يوجب اللوث أو رآه أي العدل الواحد أو العدلان يتشحط في دمه والمتهم قربه وعليه أثره الخ . أي : أو خارجاً من مكان المقتول ولم يوجد فيه غيره ولا مفهوم لقوله يتشحط كما يفيده مرَّ عن الجلاب ، وقيل ليس ذلك بلوث ، وبه قال ابن زرب ، وأفتى به ابن عتاب قال ابن سهل : وبه جرى العمل ، وبه أفتى سيدي إبراهيم الجلالي حسبما في أول الدماء من العلمي لكن اقتصار ( خ ) وابن الحاجب على الأول يشعر بأن ذلك العمل قد نسخ وصار العمل على خلافه إذ لو كان ذلك العمل مستمراً ما صح لهما إهماله وعدم ذكره فلا تغتر بالعمل المذكور ، ولا بما أفتى به الجلالي تبعاً لابن عتاب والله أعلم . وفي ابن سهل عن مالك وابن القاسم في رجلين شهدا أنه مر بهما ثلاثة رجال يحملون خشبة ومعهم صبي هو ابن لأحدهم ، فلما غابوا عنهما سمعا وقع الخشبة في الأرض وبكاء الصبي فاتبعاهم فوجدا الخشبة في الأرض والصبي يموت في حجر أبيه ومات من ساعته قال : هي شهادة قاطعة تجب فيها الدية على عواقلهم وإن لم يشهدوا بالمعاينة . قال ابن القاسم : ومثله لو شهدا أنهما رأيا رجلاً خرج من دار في حال ريبة فاستنكراه فدخلا الدار من ساعتهما فواجدا قتيلاً يسيل دمه ولا أحد في الدار غير الخارج فهي شهادة قاطعة ، وإن لم تكن على المعاينة يعني يثبت الدم فيها بدون قسامة .
وبقي على الناظم مثال سادس ، وهو أن يشهد شاهدان بمعاينة جرح أو ضرب لحر مسلم أو غيرهما ، سواء وجدا أثر الجرح والضرب أم لا . ثم يتأخر الموت عن كلامه أو أكله أو شربه فيقسم الأولياء لمن ضربه أو جرحه مات ويستحقون الدم أو الدية في الخطأ ، وفي غير المكافىء ولهم أن يتركوا القسامة ويقتصون من الجارح في العمد ويأخذون ديته في الخطأ . ومثال سابع ، وهو أن يشهد شاهد واحد على إقرار القاتل بالقتل عمداً إلا أن شهد على إقراره خطأ فليس بلوث لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف على المعتمد وتكون الدية في ماله ، نعم إن شهد شاهد بإقراره في الخطأ وشهد آخر بمعاينة القتل خطأ فلوث فيقسمون ويستحقون الدية على العاقلة ، وهذه الأمثلة كلها في ( خ ) ما عدا اللفيف وغير العدل . ويزاد أيضاً مثال ثامن ، وهو السماع الفاشي بأنهم قتلوه كما مّر في الشهادات وأما ما في ( م ) من زيادة مثال شاهد على الإجهاز أي القتل أو على معاينة الضرب ، ثم يموت بعد أيام فهو مستغنى عنه بالمثال الأول في النظم ، وكذا ما زاده ( ت ) من قوله : وكشاهد بذلك أي بالمعاينة إن ثبت الموت الخ . فإنه مستغنى عنه إذ هوداخل في المثال الأول أيضاً ، وأما قوله : إن ثبت الموت فهو شرط في جميع أمثلة اللوث كما مر .
وَهْيَ بخَمْسِينَ يميناً وُزِّعَتْ
عَلَى الذّكُورِ وَلأُنْثَى مُنِعَتْ
( وهي ) أي القسامة ( بخمسين يميناً ) الباء زائدة ولو حرك الهاء لاستغنى عنها ( وزعت على الذكور ) المكلفين من الأولياء إن كانوا أقل من خمسين كولدين فيحلف كل منهما خمساً وعشرين ، فإن انكسرت كثلاثة بنين حلف كل واحد منهم سبعة عشر ، وكذا لو كانوا ثلاثين أخاً فإنه يجب لكل واحد يمين وثلثان فيحلف كل واحد يمينين فإن قالوا : يحلف عشرون منا يمينين لكل واحد وعشرة يميناً لكل واحد لم يمكنوا من ذلك على الأصح ، ولا يتأتى هنا جبرها على أكثر كسرها إنما يتأتى ذلك في الخطأ لأنه يحلفها كل من يرث وإن واحداً أو امرأة وفهم من قوله : وزعت أنهم إذا كانوا أكثر من خمسين لا توزع بل يكتفي بحلف الخمسين وهو كذلك ، وإذا كان العصبة خمسين أو أقل أو أكثر فطاع إثنان يحلف جميع الأيمان فإنه يكتفي بذلك ( خ ) : واجتزى باثنين طاعا من أكثر . ( ولأنثى منعت ) فلا تحلف شيئاً من أيمانها لأن الحلف شهادة والأنثى لا تشهد في العمد ، وظاهر أن العصبة يحلفونها وإن لم يرثوا بأن حجبهم ذوو الفروض وهو كذلك فإن لم يوجد للمقتول عاصب ولو من الموالي الأعلين صار المقتول بمنزلة من لا وارث له فترد الإيمان على المدمى عليه فإن حلفها ضرب مائة وحبس عاماً وإلا حبس حتى يحلف ولو طال سجنه ، ثم إنهم إنما يمكنون من القسامة حيث كانت الشهادة بأنه ضربه أو جرحه وتأخر موته ولم يوجد جسده حياً ولا ميتاً .
بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَوْتِ وَالْوُلاَةِ
وَيَحْلِفُونَهَا عَلَى البَتَاتِ
( بعد ثبوت الموت ) كما مّر لاحتمال كونه حياً . وقولي : ضربه الخ . احترازاً مما إذا شهد شاهد واحد على معاينة قتله أو على إقراره بالقتل فإنه لا يحتاج لثبوت الموت وإن رجع عن إقراره لأنه ثابت بما ذكر ( و ) بعد ثبوت ( الولاة ) وأنهم عصبته المستحقون لدمه فحينئذ يمكنون منها ( ويحلفونها ) ولاء ( على البتات ) لا على نفي العلم ( خ ) وهي خمسون يميناً متوالية بتاً وإن أعمى أو غائباً الخ . وذلك لأن أسباب العلم تحصل بالسماع والخبر كما تحصل بالمعاينة فيعتمد كل واحد منهم على ذلك ويبت اليمين ( خ ) : واعتمد البات على ظن قوي الخ . ففي الشاهدين بمعاينة الضرب أو الجرح ، ثم يتأخر الموت يقسمون لمن ضربه أو جرحه مات وفي الشاهد لواحد بذلكيقسمون لقد ضربه ولمن ضربه مات في كل يمين من الخمسين ، فإن شهد الواحد بمعاينة القتل فيقسمون لقد قتله كما مّر في المثال الأول ، ثم إذا كان القتل خطأ فيحلف كل وارث منهم جميع حظه ولو قبل حلف أصحابه ، ومن نكل سقط حظه من الدية ، وأمّا في العمد فيحلف هذا يميناً وهذا يميناً فإذا كانوا عشرة حلف كل واحد منهم يميناً يميناً ثم تعاد فيحلف كل واحد كذلك ، وهكذا لأنه في العمد إذا نكل واحد بطل الدم فتذهب أيمان من حلف باطلاً .
تنبيهان . الأول : إذا قتل الأولياء القاتل قبل القسامة فهل يقتلون وهو الذي في ابن عرفة عن ابن المواز لأنهم قتلوا قبل أن يستحقوا ، أو يمكنون من القسامة فإن نكلوا قتلوا حينئذ ، وبه أفتى المجاصي ومن وافقه ، وهو الظاهر من كلام ابن عرفة آخراً وهو الذي ينبغي اعتماده كما يقتضيه كلام العلمي في نوازله .
الثاني : لو صالح العصبة على مال بعد القسامة والحال أنهم محجوبون بذوي الفروض ، فإن ما وقعت المصالحة به يكون ميراثاً بعد أن تقضى به ديونه ولا شيء للعصبة . قال في المدونة : ما أخذ في صلح العمد تقضى به ديون المقتول وباقيه يورث على فرائض الله ونحوه في أوائل الدماء من العلمي ، وهذا ظاهر إذا لم يكن العصبة اشترطوا على الورثة أنهم إنما يصالحون إذا أسهموهم من مال الصلح قدراً معلوماً وإلاَّ فيعمل على شرطهم لأنهم إنما تركوا قتله حينئذ لمال يأخذونه فيوصى لهم بذلك والله أعلم .
وَتُقْلَبُ الأَيْمَانُ مهما نَكَلاَ
وَليُّ مَقْتُولٍ عَلَى مَنْ قَتَلاَ
( وتقلب الأيمان ) أي أيمان القسامة ( مهما نكلا ولي مقتول ) أي نكلوا كلهم وهم في درجة وأحدة أو بقي واحد منهم ولم يجد معيناً يستعين به عليها ( على من قتلا ) أي تقلب على المدعى عليه ، فإن كانوا جماعة حلف كل واحد منهم خمسين يميناً فمن حلفها برىء من القتل وضرب مائة وحبس عاماً ، ومن نكل حبس حتى يحلف ولو طال سجنه على المشهور ( خ ) : ونكول المعين غير معتبر بخلاف غيره ولو بعدوا ، فترد على المدعى عليهم ويحلف كل خمسين يميناً ومن نكل حبس حتى يحلف ولا استعانة الخ . وقيل له أن يستعين فيحلف معه عصبته كما يستعين ولي المقتول بعصبته على ما يأتي ، وقولي : ولم يجد معيناً يستعين به عليها الخ . إشارة إلى أنه لا يبطل الدم بنكول البعض لأن نكوله قد يكون على وجه التورع عن الأيمان في الغالب فللباقي أن يحلف إن كان متعدداً وإن كان واحداً فيستعين بعصبته ولا يبطل حقه كما جزم به ( ت ) تبعاًللشراح خلافاً لما في ابن رحال من أنه يبطل بنكول البعض ، وفي المسألة أقوال ولكن الذي يجب اعتماده هو ما ذكرناه والله أعلم .
وَيَحْلِفُ اثنانِ بهَا فَمَا عَلاَ
وَغَيْرُ وَاحِدٍ بهَا لَنْ يُقْتَلاَ
( ويحلف اثنان بها ) أي في قسامة العمد ( فما علا ) أي فما زاد عليهما ( خ ) : ولا يحلف في العمد أقل من رجلين عصبة من نسب القتيل وإن لم يرثوا بأن حجبهم ذوو الفروض كما مّر فإن لم يوجدوا فمواليه الذكور الأعلون لأنهم عصبة ، وإنما لم يحلف أقل من رجلين لأن ذلك كالشهادة وهو لا يقتل بأقل من شاهدين ، ولذلك لا يحلفها النساء لأنهن لا يشهدن في العمد فإن لم يوجد عاصب أصلاً فترد الأيمان على المدعى عليه كما مر . فتحصل أن الأيمان تقلب فيما إذا لم يوجد عاصب أصلاً وفيما إذا وجدوا ، ولكن نكلوا عنها أو عن بعضها فإن وجد عاصب واحد فله أن يستعين عليها بعصبة نفسه ، وإن لم يكونوا عصبة للمقتول كامرأة مقتولة ليس لها غير ابنها وله أخوة من أبيه فيستعين بهم أو بواحد منهم أو بعمه ، ثم إذا نكل هذا المستعان به فنكوله غير معتبر ( خ ) : وللولي الاستعانة بعاصبه إلى قوله ونكول المعين غير معتبر الخ . يعني وينظر الولي من يستعين به غير هذا الناكل فإن لم يجد ردت الأيمان كما مر . ( وغير واحد بها ) أي القسامة ( لن يقتلا ) فإذا قام اللوث على جماعة أو قال دمي عندهم أو قامت بينة بالسماع الفاشي أنهم قتلوه فالمشهور أنهم يقسمون على واحد منهم يعينونه لها ويقولون لقد قتله أو لمن ضربه أو جرحه مات ولا يقولون لقد قتلوه أو لمن ضربهم أو جرحهم مات ( خ ) : ووجب بها الدية في الخطأ والقود في العمد من واحد يعين لها الخ . وقال أشهب : يقسمون على جميعهم ثم يختارون واحداً للقتل :
قلت : وهو أظهر لأن الأولياء تارة يترجح لهم الأقوى فعلاً فيقسمون عليه ، وتارة لا يترجح لهم فيقسمون على الجميع لئلا يحلفوا غموساً ، والمشهور يقول في هذه إما أن يحلفوا غموساً أو يبطل حقهم فلزم عليه أنه ترجيح بلا مرجح مع لزوم الغموس أو إهدار دم المقتول ، وأشهب لا يلزمه إلاَّ الترجيح بلا مرجح والله أعلم . وعلى المشهور لو قدم واحد منهم للقتل بعد القسامة عليه بعينه فأقر غيره بأنه الذي قتله خير الأولياء في قتل واحد منهما ولا يمكنون من قتلهما معاً قاله ابن القاسم في الموازية والمجموعة . ثم أشار إلى أنه لا قسامة في غير الحر المسلم وفي غير محقق الحياة فقال :وليس في عبْدٍ ولا جَنينِ
قَسَامَةٌ وَلاَ عَدُوِّ الدِّينِ
( وليس في ) قتل ( عبد ولا جنين قسامة ولا ) في قتل ( عدو الدين ) من ذمي أو معاهد ولا في جرح فإذا قال العبد أو الكافر : دمي عند فلان أو قالت المرأة : جنيني عند فلان فيحلف المدعى عليه يميناً واحدة ويبرأ وكذا إن قال شخص : جرحني فلان فإن المدعى عليه يحلف لرد دعواه ما لم تكن تقدمت بينهما عداوة على ما يأتي في فصل الجراح ، فإن قام شاهد واحد على معاينة قتل العبد أو ضرب المرأة أو على إقرار القاتل أو الضارب بذلك أو شهادة سماع على ذلك ونحو ذلك من أمثلة اللوث حلف سيد العبد يميناً واحدة وأخذ قيمته وولي الكافر وأخذ ديته ولو من كافر مكافىء للمقتول ووارث الجنين وأخذ غرته ، وإن نكلوا حلف القاتل واحدة أيضاً وبرىء فإن ثبت ضرب المرأة حتى ألقت جنينها بشاهد واحد وماتت كانت القسامة في المرأة ويمين واحدة مع الشاهد في الجنين ، إذ لا مدخل للقسامة في الجنين ، وكذلك في الجرح يحلف مع شاهده واحدة ويقتص في العمد ويأخذ الدية في الخطأ . ( خ ) : ومن أقام شاهداً على جرح أو قتل كافر أو عبد أو جنين حلف واحدة وأخذ الدية يعني : واقتص في جرح العمد وإن نكل برىء الجارح ومن معه إن حلف وإلا يحلف غرم في الصور كلها ما عدا جرح العمد فإنه يحبس حتى يحلف .
والقوَدُ الشَّرْطُ بهِ المُثْلِيَّه
في الدَّمِ بالإسْلامِ وَالحُرِّيَّهْ
( والقود ) وهو القصاص سمي قوداً لأن العرب كانت تقود الجاني بحبل وتسلمه لولي الدم ( الشرط ) مبتدأ ثان ( به ) أي فيه ( المثلية ) خبر عن الثاني وهما خبران عن الأول ( في الدم ) يتعلق بالشرط ( بالإسلام ) الباء بمعنى في يتعلق بالمثلية ( والحرية ) معطوف على الإسلام والتقدير : والقود في الدم أي القتل شرط فيه زيادة على شرطية التكليف المتقدمة المثلية في الحرية والإسلام من حين السبب أي الرمي إلى حين المسبب أي الموت . وتقدم أن من جملة الشروط أن يكون القاتل غير حربي فلا يقتل حربي بمسلم ولا مسلم ولو عبداً بكافر ولو حراً كذمي ولا حر مسلم برقيق ولو مسلماً ، وكذا لو رمى عبد رقيقاً مثله في الدين فعتق الرامي قبل موت المرمى لم يقتل به لزيادة الرامي بالحرية حين المسبب أي الموت وإنما عليه قيمته ، ولو رمى حربي مسلماً ثم صار الرامي من أهل الإسلام أو أهل الذمة ثم مات المرمى لم يقتل به لأنه حربي حين السبب ولا شيء عليه ، ولو رمى حر ذمي عبداً ذمياً ثم حارب الرامي فأخذ واسترق ثم مات المرمى لم يقتل به لزيادة الرامي حين السبب عليه بالحرية وإن ساواه حين الموت ، وكذا لو رمى مسلم كافراً أو مرتداً فأسلم قبل وصول الرمية إليه ثم وصلته لم يقتل لزيادة الرامي عليه بالإسلام حين السببوإن ساواه حين القتل ، وعليه دية مسلم عند ابن القاسم كمن رمى صيداً وهو حلال فلم تصل الرمية إليه حتى أحرم فعليه جزاؤه . ( خ ) : إن أتلف مكلف وإن رق غير حربي ولا زائدة حرية أو إسلام حين القتل فالقود الخ . واحترز الناظم بقوله في الدم أي في القتل من الجرح فإنه لا يقتص من الأدنى للأعلى كما يأتي في فصله إن شاء الله .
وَقَتْلُ مُنْحَطٍ مَضَى بالعالِي
لا العكْسُ والنساءُ كالرِّجَالِ
( وقتل منحط مضى بالعالي ) فيقتل العبد المسلم بالحر المسلم ، وكذا الكافر بالمسلم ولو عبداً لأنه أشرف منه ( لا لعكس ) أي لا يقتل العالي بالمنحط عنه لعدم وجود المثلية فهو مستغنى عنه لأنه اشترط في القود أن يماثله من حين السبب أي الرمي إلى حين المسبب أي الموت ، فإذا كان أعلى منه بالحرية أو الإسلام حين السبب أو المسبب لم يقتل به كما مر في الأمثلة ، ويفهم من هذا أنه إذا حدث العلو بالإسلام والحرية بعدهما أي السبب والمسبب لم يسقط القصاص فإذا قتل عبد مثله أو كافر مثله ثم أسلم الكافر أو أعتق العبد فلا يسقط القصاص لأن المانع إذا حصل بعد ترتب الحكم لا أثر له ( خ ) : ولا يسقط القتل عند المساواة بزوالها بعتق أو إسلام الخ . ومثل القتل الجرح فإذا قطع رِجل أو يد حر مسلم ثم ارتد المقطوعة يده فالقصاص ، ويفهم أيضاً من حصره العلو في الحرية والإسلام أنه لا علو إلا بهما ، وهو كذلك إذ لا أثر لعلو بشرف وفضل أو عدالة أو سلامة أعضاء أو رجولية ، بل يقتل الشريف بالمشروف والعدل بالفاسق والصحيح بالمريض وبالأعمى والمقطوع والرجل بالمرأة كما قال : ( والنساء كالرجال ) وكذا لا أثر للعدد أيضاً فتقتل الجماعة بالواحد ( خ ) : وقتل الأدنى بالأعلى كحر كتابي بعبد مسلم والكفار بعضهم ببعض من كتابي ومجوسي ومؤمن كذوي الرق وذكر وصحيح وضديهما الخ . فقوله : والكفار الخ . أي لأن الكفر كله ملة واحدة فيقتل الكتابي بالمجوسي والمؤمن بغيره ، وقوله : كذوي الرق أي ولو كان القاتل ذا شائبة فإنه يقتل بمن لا شائبة فيه ، وقوله وضديهما أي ضد الذكر المرأة وضد الصحيح السقيم فيقتل الرجل بالمرأة والصحيح بالمريض ، وقال أيضاً : ويقتل الجمع بواحد والمتمالئون وإن بسوط سوط والمتسبب مع المباشر الخ .
وَالشّرطُ في المقْتُولِ عِصمَةُ الدَّمِ
زِيادةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ( والشرط في المقتول ) الذي يقتص له من قاتله ( عصمة الدم ) من حين السبب الذي هو الرمي إلى حين الموت فلو قتل مسلم زانياً محصناً أو قاتل غيلة فلا يقتص منه لعدم عصمة دمهما وإن كانا متساويين له في الحرية والإسلام ، بل لو قتلهما ذمي لم يقتل بهما لعدم عصمة دمهما وإنما عليه الأدب للافتيات على الإمام ، وكذا لو رمى مسلم مثله فارتد المرمى قبل وصول الرمية إليه فوصلت إليه ومات فإنه لا يقتل به وكذا لو جرحه فارتد المجروح أو زنى في حال إحصانه ثم نزى ومات لأنه صار إلى ما أحل دمه في الصورتين ولم تستمر عصمته للموت ، وإنما عليه دية المرتد ولا شيء عليه في المحصن غير الأدب لافتياته على الإمام . وكذا لو رمى كتابي مرتداً فجرحه ثم أسلم المرتد ونزى ومات فإنه لا يقتل به لأنه حين السبب كان غير معصوم ( زيادة ) منصوب على الحال أي حال كون العصمة زيادة ( لشرطه ) أي على الشرط في القصاص ( المستقدم ) لأنه تقدم له أنه يشترط في القصاص ثبوت القتل عمداً ، وكون القاتل مكلفاً مكافئاً للمقتول أي غير زائد عليه بحرية أو إسلام وغير حربي ، ويزاد على ذلك كون المقتول معصوم الدم لأنه قد يكون مكافئاً في الحرية والإسلام ، ولكن دمه غير معصوم كما مر . ولو أبدل الناظم هذا الشطر بقوله : من حالة الرمي لوقت العدم ، لوفى بالمراد . وقد اشتمل كلامه من أول الفصل إلى هنا على أركان القصاص الثلاثة كما تقدم التنبيه عليها ، والفقهاء يطلقون على الركن شرطاً وبالعكس ، وأشار ( خ ) لهذا الركن بقوله : معصوماً للتلف والإصابة الخ . أي معصوماً للموت لا حين الجرح فقط وللإصابة لا حين الرمي فقط .
وإنْ وَلِيُّ الدَّمِ للمَالِ قَبِلْ
والقوْدَ استحقَّهُ فيمن قُتِلْ
( وإن ولي الدم ) فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ( للمال ) اللام زائدة لأنه مفعول لقوله ( قبل ) المفسر للمحذوف المذكور ( و ) الحال أن ( القود استحقه ) الولي المذكور ( فيمن ) أي في قريبه الذي ( قتل ) ومعناه أن الولي إذا قبل المال كان أقل من الدية أو أكثر ، وقد كان استحق القود في قريبه المقتول بالشروط المتقدمة ففي ذلك قولان لأشهب وابن القاسم .
فأشهبُ قال لِلاستِحْيَاءِ
يُجْبَرُ قاتلٌ على الإعْطَاءِ
( فأشهب قال للاستحياء يجبر قاتل على الإعطاء ) للمال الذي قبله الولي إذا كان ملياً به .وليسَ ذا في مَذْهبِ ابنِ القَاسِمِ
دونَ اخْتيارِ قاتِلٍ بِلاَزمِ
( وليس ذا في مذهب ابن القاسم دون اختيار قاتل بلازم ) الإشارة بذا للجبر المتقدم أي ليس الجبر على دفع المال الذي قبله الولي لازماً في مذهب ابن القاسم دون اختيار القاتل له ورضاه به ، لأن الواجب عنده هو القود أو العفو مجاناً والدية لا تكون إلا برضاهما معاً ، فإذا قال القاتل : إما أن تقتص أو تعفو مجاناً . وقال الولي : إنما أعفو على مال قدره كذا وأنت ملي به ، فإن القاتل لا يجبر على ذلك في مذهب ابن القاسم وهو المشهور ( خ ) فالقود عيناً . وقال أشهب : ورواه عن مالك يجبر لأنه وجد سبيلاً لحقن دمه فليس له أن يسفكه قال : ولو فداه من أرض العدو لكان عليه ما فداه به فالولي عنده مخير بين أن يقتص أو يقبل الدية فيجبر القاتل على دفعها حيث كان ملياً بها . واختاره اللخمي وهو مقتضى الحديث كما في ( ح ) .
وعفوُ بعضٍ مُسقِطُ القَصاصِ
ما لم يكن من قُعْدُد انتِقاصِ
( وعفو بعض ) الأولياء المستحقين للدم المتساوين في الدرجة كابن من الأبناء أو عم من الأعمام ( مسقط القصاص ) لأن عفوه يتنزل منزلة عفو الجميع ( خ ) : وسقط إن عفا رجل كالباقي أي مساوٍ للباقي في الدرجة ، وإذا سقط بعفو البعض فلمن لم يعف نصيبه من دية عمد كما قال أيضاً : ومهما أسقط البعض فلمن بقي نصيبه من دية عمد ( ما لم يكن ) العافي ( من قعدد انتقاص ) أي أبعد من درجة من بقي فعبر بانتقاص عن الأبعد فكأنه يقول : يسقط القصاص بعفو البعض ما لم يكن البعض العافي من قعدد أبعد من قعدد من بقي من ولاة الدم كعفو العم مع وجود الأخ أو عفو الأخ مع وجود الابن فإنه لا يسقط القصاص بذلك إذ لا كلام للأبعد مع الأقرب .
واعلم أن المستحقين للدم تارة يكون جميعهم رجالاً وتارة يكون جميعهم نساء ، وتارة يكونون رجالاً ونساء فالقسم الأول يسقط القتل بعفو واحد منهم وترتيبهم كالنكاح فيقدم الابن فابنه فأخ فابنه إلا الجد والأخوة فهما في مرتبة واحدة فلا يقدم أحدهما على الآخر ( خ ) : والاستيفاء للعاصب كالولاء إلا الجد والأخ فسيان ، والقسم الثاني إما أن يحزن الميراث كله أو لا فإذا لم يحزنه كالبنات أو الأخوات فلهن القتل وإن عفا بعضهن نظر السلطان ( خ ) : وإن عفت بنت من بنات يعني أو أخت من أخوات أو بنات ابن نظر السلطان فيمضي ما يراه سداداًوصواباً من عفو أو قتل ، وإنما كان ينظر لأنه يرث الباقي ، وإذا اجتمعت الأم مع البنات فلا كلام للأم في عفو وعدمه بل الكلام للبنات فقط كما في الشامل وغيره ، وإن حزن الميراث كبنت وأخت فالبنت أولى بالقتل أو بالعفو ( خ ) : والبنت أولى من الأخت في عفو وضده ، والقسم الثالث : إما أن يكون الرجال والنساء في درجة واحدة أم لا . فإن كانوا في درجة واحدة كبنين وبنات أو إخوة وأخوات فلا كلام للنساء في عفو ولا ضده ، فهو كما لو انفرد الرجال وحدهم كما في القسم الأول ، وإن لم يكونوا في درجة واحدة ، بل كان الرجال أبعد فإما أن يحوز النساء الميراث كله أم لا . فإن لم يحزنه كالبنات والأخوة والأعمام فلا عفو إلا باجتماع البعض من الفريقين ، والقول لمن طلب القتل حيث انفرد أحد الفريقين بالعفو وثبت القتل بقسامة أو بينة ، وإن حزنه كالبنات والأخوات والأعمام فإن ثبت القتل بقسامة فلا عفو إلا باجتماعهم أيضاً ، وإن ثبت بغيرها فلا كلام للعصبة معهن ، وإلى هذا القسم أشار ( خ ) عاطفاً على الاستيفاء للعاصب بقوله : وللنساء أي والاستيفاء للنساء إن ورثن ولم يساوهن عاصب ولكل القتل ولا عفو إلا باجتماعهم كأن حزن الميراث وثبت بقسامة الخ . فاحترز بقوله : إن ورثن من نحو العمة والخالة فإنه لا كلام لهما ولو انفردتا لعدم إرثهما ، ولا بد أن يكون النساء الوارثات لو قدرن ذكراً لعصبن لتخرج الأخت للأم والزوجة والجدة للأم لأنهن لا كلام لهن ، وإن ورثن ولتدخل الأم لأنها لو قدرت ذكراً عصبت ، واحترز بقوله : ولم يساوهن عاصب مما لو ساواهن عاصب فإنه لا كلام لهن معه كما مر في الحالة الأولى من هذا القسم ، وقوله : ولكل القتل لو أخره عن قوله : ولا عفو إلاّ باجتماعهم لكان أولى يعني إذا لم يحز النساء الميراث وعصبهن عاصب أسفل منهن فلا عفو إلا باجتماع البعض من الفريقين وإلاَّ فالقول لمن طلب القتل كما مر في الحالة الثانية من هذا القسم أيضاً . وقوله : كأن حزن الميراث الخ . هي الحالة الثالثة منه ، والتشبيه في قوله : ولكل القتل ولا عفو إلا باجتماعهم ، ومفهومه إذا ثبت القتل بغير قسامة لا كلام لعاصب معهن ، وقد نظم هذه الأقسام سيدي عبد الواحد الوانشريسي بقوله :
إذا انفرد الرجال وهم سواء
فمن يعفو يبلغ ما يشاء
ودع قول البعيد بكل وجه
كأن ساوت بقعددهم نساء
فإن يكن النساء أدنى فتمم
بوفق جميعهم عفوا تشاء
وإن إرثاً يحزن فدع رجالاً
إذا ثبتت فلا قسم دماء
فالبيت الأول وشطر الثاني هو ما احتوى عليه القسم الأول من هذه الأقسام ، وقوله : كأن ساوت الخ . هو الحالة الأولى من القسم الثالث . وقوله : فإن يكن النسا أدنى الخ . شامل للحالة الثانية والثالثة منه إلا أنه في الثالثة إذا حزن الميراث وثبت بقسامة ومعنى أدنى أقرب أي أقرب من الرجال ، ويقرأ النسا بالقصر للوزن وقوله : وإن إرثاً يحزن الخ . هو مفهوم ثبت بقسامة من الحالة الثالثة ، وبقي عليه القسم الثاني من الأقسام الثلاثة وهو : ما إذا لم يكن معهن عاصب أصلاً ، ولذا ذيله الشيخ ( م ) بقوله :
كذا إذا انفردن وحزن مالاً
فحكم للقريبة ما تشاء
وإن إرثاً يشط لبيت مال
فحاكمنا يجنب ما يشاءوإنما أطلنا في هذه المسألة وتعرضنا لشرح نظمها لتشعبه وتشعبها على كثير من الطلبة .
تنبيه : إذا لم يكن للمقتول مستحق لدمه لا من الرجال ولا من النساء فإن الإمام يقتص له وليس له العفو إلا أن يكون القاتل والمقتول كافرين ثم يسلم القاتل .
وشُبْهَةٌ تدرَؤهُ وَمِلْكُ
بعضِ دمِ الذي اعتَرَاه الهلْكُ
( وشبهة تدرؤه ) أي القصاص وتوجب الدية على العاقلة كضرب الزوج لزوجته والأب لولده والمعلم للمتعلم بآلة يؤدب بمثلها ، ويحمل فعله على الخطأ لا بما لا يؤدب بمثله كلوح فهو على العمد كما مر أول الباب قال في الشامل : ومن جاز له فعل بضرب وشبهه حمل على الخطأ حتى يثبت العمد كأب وزوج ومعلم وطبيب وخاتن الخ ( و ) كذا يدرؤه ( ملك بعض دم الذي اعتراه الهلك ) وهو المقتول كأربعة أولاد قتل أحدهم أباه فالدم للثلاثة ، فإذا مات أحدهم سقط القصاص عن القاتل لإرثه من أخيه الميت بعض دم الأب فصار كعفو البعض ، وأحرى لو ملك جميع دمه كابنين قتل أحدهما أباه ثم مات غير القاتل فورثه القاتل ( خ ) : تشبيهاً في سقوط القصاص كإرثه ولو قسطاً من نفسه وإرثه كالمال الخ . وما بعد المبالغة هو نص الناظم . وهذا الحكم إنما هو إذا كان الباقي يستقل بالعفو ، وأما إن كان لا يستقل كما لو كانوا رجالاً ونساء والتكلم للجميع كمن قتل أخاه وترك المقتول بنتين وثلاثة أخوة أشقاء غير القاتل فمات أحدهم فقد ورث القاتل قسطاً من دم نفسه فلا يسقط القتل حتى تعفو البنتان أو إحداهما .
وحيثُ تَقْوَى تُهمةٌ في المدَّعَى
عليه فالسِّجْنُ له قد شُرِعَا
( وحيث تقوى تهمة في المدعى عليه ) ولم تصل إلى حد اللوث الموجب للقسامة وأحرى لو وصل إلى حد القسامة ولم يوجد من يطلبها أو تورع الأولياء عنها ( فالسجن ) الطويل ( له قد شرعا ) حتى يكشف أمره ، وظاهره ولو كان مجهول الحال ولو بمجرد الدعوى وهو كذلك كما مر في بابي السرقة والغصب ، وقد تقدم هنا ما فيه كفاية . وفي ابن سلمون : وإن قويت عليه تهمة ولم تتحقق تحقيقاً يوجب القسامة حبس الحبس الطويل . قال ابن حبيب : حتى تتحقق براءته أو تأتي عليه السنون الكثيرة . قال مالك : ولقد كان الرجل يسجن في الدم باللطخ والشبهة حتى إن أهله يتمنون له الموت من طول سجنه اه . وتقدم أنه ربما يسجن أبداً وأنه يضرب وذلك يختلف باختلاف شهرته بذلك وعدم شهرته ، وفي أحكام ابن سهل الكبرى : ومن جاءك وعليه جراح مخوفة فاحبس المدعى عليه بالدم حتى يصح المجروح أو تتبين حالة توجب إطلاقه ، ومن جاءك معافى في بدنه من الجراح يدعي على رجل ضرباً مؤلماً فإن ثبت تعدي المدعى عليه فعزره وإن رأيت حبسه فذلك إليك على ما يظهر لك من شنعة ما يثبت عليه ، ومن جاء بجرح خفيف وهو ممن يظن به أنه يرتكب مثل هذا من نفسه فاسلك به سبيل المعافى من الجراح ، فإذا فعلتهذا ارتفعت اليد العادية وانتفعت به العامة وحفظت بذلك دماؤهم وأموالهم اه . باختصار .
والعفوُ لا يُغْنِي عَنِ القَرَابهْ
في القَتْلِ والْغَيْلَةِ وَالحِرَابهْ
( والعفو لا يغني من القرابة ) يتعلق بمحذوف صفة للعفو والتقدير : والعفو الكائن من القرابة حال كونه كائناً ( في القتل والغيلة والحرابة ) لا يغني عن قتل القاتل لأن القتل فيهما حد من حدود الله تعالى لا يجوز إسقاطه لا للإمام ولا لغيره ، فهذا البيت كالتخصيص لعموم قوله : وعفو بعض مسقط القصاص الخ . فنبه هنا على أن ذلك خاص بغير الغيلة والحرابة ، وأما هما فلا عفو فيهما ، وظاهره ولو كان المقتول غيلة وحرابة كافراً أو عبداً ، وظاهره أيضاً ولو جاء تائباً ولو لم يباشر القتل بل أعان عليه ولو بجاهه وهو كذلك في الجميع ( خ ) : وبالقتل يجب قتله ولو بكافر أو إعانة ولو جاء تائباً وليس للولي العفو الخ . لكن إذا جاء المحارب تائباً قبل القدرة عليه سقط حق الله وبقي حق الآدمي فله العفو حينئذ كما لشراحه فأما الغيلة فهي من أنواع الحرابة وهي أن يقتله لأخذ ماله أو زوجته أو ابنته ، وكذا لو خدع كبيراً أو صغيراً فيدخله موضعاً خالياً ليقتله ويأخذ ماله ( خ ) : ومخادع الصبي أو غيره ليأخذ ما معه . قال في الرسالة : وقتل الغيلة لا عفو فيه . الجزولي : يعني لا للمقتول ولا للأولياء ولا للإمام لأن الحق فيه لله تعالى اه . وظاهره ولو جاء تائباً وهو كذلك ، وقيل إذا جاء تائباً للولي العفو كالمحارب والغيلة لا تثبت إلا بعدلين لا بشاهد وقسامة كما مر ، وأما الحرابة فتثبت حتى بالشهرة ( خ ) : ولو شهد اثنان أنه المشتهر بها ثبتت وإن لم يعايناها .
ومائةً يُجْلَدُ بالأحْكَامِ
مَن عنه يُعْفَى مَعْ حَبْسِ عامِ
( ومائة يجلد ) أي يضرب ( في الأحكام من عنه يعفى ) بعد ثبوت القتل عليه عمداً ببينة أو إقرار أو لوث بعد القسامة أو قبلها ، ولو قام اللوث على جماعة وقسموا على واحد عينوه لها فإن على أصحابه ضرب مائة ( مع حبس عام ) بعد الجلد المذكور ولا يحسب فيه سجنه قبل ذلك ، ولامفهوم لقوله : يعفى بل كذلك إذا لم يكن عفو ، ولكن سقط القتل لعدم التكافىء ( خ ) : وعليه أي القاتل عمداً ولو عبداً أو ذمياً جلد مائة ثم حبس سنة وإن بقتل مجوسي أو عبد الخ . والحبس قبل العفو لا بد فيه من الحديد بخلافه بعده فيحبس بغير حديد ، وتقدم في باب السرقة أن القتل إذا ثبت بإقرار رجع عنه وعفا عنه الولي لا حبس فيه ولا ضرب .
والصّلحُ في ذاك مع العَفْوِ استوَى
كما هما في حُكْمِ الإسقاطِ سَوَا
( والصلح في ذاك ) القصاص المتقدم ( مع العفو ) مجاناً ( استوى ) في جلد مائة وسجن عام لأن الضرب والسجن المذكورين حقان لله لا يسقطان بالعفو مجاناً ولا بالصلح على مال ( كما هما ) أي العفو والصلح ( في حكم الإسقاط ) للقتل ( سوا ) وهذا الشطر تتميم للبيت .
وَديَةُ العَمْدِ كذاتِ الخَطَإ
أو ما تَرَاضَى فيه بينَ المَلإ
( و ) حيث عفا بعض المستحقين للدم أو صالح أو عفوا كلهم أو بعضهم على دية مبهمة ، فالواجب لمن لم يعف ولم يصالح في ذلك كله ( دية العمد ) كما تقدم في قوله ( خ ) : ومهما أسقط البعض فلمن بقي نصيبه من دية عمد لا ينقص له من نصيبه منها شيء إلا برضاه لتقرر الدية في ذمة القاتل بعفو البعض أو صلحه وقدرها . ( كذات الخطا ) في كونها مائة من الإبل إلا أنها تكون مربعة بحذف ابن اللبون كما يأتي فيأخذ من لم يعف ، ولم يصالح نصيبه منها حيث كانوا من أهل الإبل أو من قيمتها حيث كانوا من أهل بقر أو غنم ، ويأخذ نصيبه من ألف دينار إن كانوا من أهل الذهب ، وهكذا . وقولي : مبهمة مثاله أن يقول : عفوت عنك على دية ويرضى القاتل فإن قدرها حينئذ كذات الخطأ فإن بين شيئاً كأن يقول : عفوت عنك على ألف عبد أو بقرة أو جمل ، ونحو ذلك من قليل أو كثير عمل عليه حيث رضي القاتل بذلك كما قال : ( أو ) للتنويع أي نوع منها قدره كذات الخطأ وهو ما تقدم ونوع منها قدره ( ما تراضى فيه ) القاتل ( بين ) أي مع ( الملأ ) أي جماعة الأولياء كان ما تراضوا عليه مثل دية الخطأ أو أقل أو أكثر ( خ ) : وجاز صلحه في عمد بأقل أو بأكثر أي لأن العمد لا شيء فيه مقدر من الشارع ، فإن لم يرض القاتل بدفع المالوقال : إنما لك القتل أو العفو مجاناً فإنه لا يجبر على مذهب ابن القاسم ويجبر على قول أشهب كما مر .
تنبيه : إذا عفا الولي عن القاتل عفواً مطلقاً لم يذكر فيه دية ثم بعد ذلك قال : إنما عفوت لأجل الدية فإنه لا يصدق في ذلك إلا أن يظهر من حاله وقرائن الأحوال أنه أراد ذلك كقوله عند العفو : لولا الحاجة ما عفوت عنه أو يكون الولي فقيراً أو القاتل ملياً كما في ابن رحال فإنه يحلف ويبقي على حقه إن امتنع القاتل ( خ ) : ولا دية لعاف مطلقاً إلا أن يظهر إرادتها فيحلف ويبقي على حقه إن امتنع الخ . وظاهره كظاهر المدونة أنه إذا علمت القرينة عند العفو يصدق سواء قام بالقرب أو بعد طول وهو كذلك خلافاً لما في الزرقاني .
وَهْيَ إذا ما قُبِلَتْ وسُلِّمَتْ
بحَسَبِ المِيراثِ قَدْ تَقَسَّمَتْ
( وهي ) أي دية العمد ( إذا ما ) زائدة ( قبلت ) من القاتل تكون حالة عليه لا منجمة إلا برضا الأولياء وتكون في ماله لا على العاقلة فإن كان عديماً اتبعت ذمته بها ( و ) إذا ( سلمت ) للأولياء ودفعت لهم فإنها ( بحسب الميراث قد تقسمت ) على فرائض الله تعالى بعد قضاء ديونه فتأخذ منها الزوجة والأخ للأم ولا شيء لأهل الوصايا منها لأنه مال طرأ لم يعلم به الموصي والوصايا إنما تدخل فيما علم به كما مر في بابها ، بل لو قال : إن قبل أولادي الدية ، أو قال : وصيتي فيما علمت وفيما لم أعلم لم تدخل الوصايا في شيء من الدية ، ابن رشد : لأنه مال لم يكن ، نعم إن أنفذت مقاتله وقبل وارثه الدية وعلم بقبوله إياها فإن الوصايا حينئذ تدخل في الدية ، سواء كانت الوصايا قبل العلم أو بعده ( خ ) : بخلاف العمد فلا تدخل الوصايا في ديته إلا أن ينفذ مقتله ويقبل وارثه الدية وعلم الخ . بخلاف دية الخطأ فإن الوصايا تدخل فيها إن عاش بعد الجرح ما يمكنه فيه التغيير فلم يغير ، وظاهر قول الناظم : بحسب الميراث الخ . ولو ثبت القتل بقسامة العصبة المحجوبين بذوي الفروض مثلاً وهو كذلك كما مر عند قوله : ويحلفونها على البتات الخ . ثم أشار إلى قدر الدية وحبسها وهي كما قال ابن عرفة : مال يجب بقتل آدمي حر عن دمه أو بجرحه مقدراً شرعاً لا باجتهاد الخ . فقوله مال يشمل الإبل وغيرها ، وذلك يختلف باختلاف الناس ، وخرج بالحر العبد فإنما فيه القيمة أو ما نقصه إن برىء على شين ، وخرج بقوله مقدراً شرعاً الحكومة فإنها بالاجتهاد كما يأتي في قوله : وفي جراح الخطأ الحكومة الخ فقال :
وَجُعِلتْ دِيةُ مُسلِمٍ قُتِلْ
على البوادِي مائةً مِنَ الإبِلْ
( وجعلت دية ) حر ( مسلم قتل ) خطأ أو عمداً وعفي عنه على دية مبهمة أو عفا البعض أوصالح فلمن لم يعف ولم يصالح نصيبه من الدية كما مر أو قدرها في الخطأ والعمد المذكورين ( على ) أهل ( البوادي ) القاتلين ( مائة من الإبل ) إن كانوا أهل إبل إلا أنها في الخطأ مخمسة كما يأتي منجمة على العاقلة في ثلاث سنين تحل بأواخرها ، والجاني كواحد منهم ، وأما في العمد فهي على القاتل وحده حالة عليه مربعة كما قال :
والحُكْمُ بالتَّرْبِيع في العَمْدِ وَجَبْ
وألفُ دِينارٍ على أهْلِ الذّهَبْ
( والحكم بالتربيع في العمد وجب ) فيؤدي خمساً وعشرين من كل صنف من الأصناف الآتية ( خ ) : وربعت في عمد بحذف ابن اللبون ، وفهم منه أنها لا تربع في الذهب والفضة أي لا تغلظ فيهما ، وهو كذلك على المشهور بخلاف المثلثة الآتية في قوله : وغلظت وثلثت في الإبل ، فإنها تغلظ فيها كما يأتي ( و ) قدرها ( ألف دينار على أهل الذهب ) كالشامي والمصري والمغربي وصرف الدينار إثنا عشر درهماً شرعياً كما تقدم في باب النكاح .
وَقَدْرُها على أُوْلي الوَرقِ اثْنَا
عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لا أَدْنَى
( وقدرها لأهل ورق ) بسكون الراء لغة كالعراق وفارس وخراسان . ( اثنا عشر ألف درهم لا أدنى ) من ذلك فإن لم يكونوا من أهل الإبل ولا الذهب ولا الورق بل كانوا أهل خيل أو بقر أو غنم فهل يكلفون بما يجب على أقرب الحواضر إليهم أو يكلفون بدفع قيمة الإبل لأنها الأصل واستظهر الأول . وفهم من النظم أن المعتبر أهل القاتل في جميع هذه الأمور لا أهل المقتول ، وفهم منه أيضاً أن أهل الإبل إذا أرادوا أن يؤدوها من الذهب أو أهل الذهب أرادوا أن يؤدوها من الإبل لا تقبل منهم إلا برضا الأولياء ويراعى في ذلك حينئذ بيع الدين فلا يجوز أخذ ذهب عن ورق لأجل لأنه صرف مؤخر ، ويجوز مع حلولهما وتعجيلهما لأنه صرف لما في الذمة وصرف ما في الذمة جائز بعد حلولهما لا قبله ، وأما أخذ العرض نقداً من أهل الذهب أو الورق فجائز ولو لم يحل كبيع الدين ، ويجوز أخذ الثوب أو الذهب أو الورق من أهل الإبل إن عجل بالفعل ، وإلاَّ فلا . لما يلزم عليه من فسخ الدين في الدين ، ولا يجوز أيضاً أخذ إبل أو ذهب أو ورق أقل من الواجب قبل حلول أجلها لما يلزم عليه من ضع وتعجل ، ولا أخذ أكثر لأبعد من الأجل لأنه سلف بزيادة .
ونِصْفُ ما ذُكِرَ في اليَهُودِ
وفي النّصَارى ثَابتُ الوُجودِ
( ونصف ما ذكر ) وهو خمسون من الإبل مخمسة في الخطأ ومربعة في العمد أو خمسمائةدينار أو ستة آلاف درهم ( في ) قتل ( اليهودي ) ذمياً أو معاهداً ( و ) الحكم كذلك ( في ) قتل الواحد من ( النصارى ) وقوله ( ثابت الوجود ) خبر عن نصف والمجرور متعلق به قال ( ت ) : وكان من حقه أن يزيد هنا بيتاً فيقول مثلاً :
وفي المجوسي وفي المرتد
ثلث خمس فادره بالعد
ويقرأ ثلث بضم اللام ، وخمس بسكون الميم للوزن فدية المجوسي ، والمرتد من الذهب ستة وستون ديناراً وثلثا دينار ، ومن الفضة ثمانمائة درهم ، ومن الإبل ستة أبعرة وثلثان .
وفي النِّسَاءِ الحُكْمُ تَنْصِيفُ الدّيهْ
وحالُهُ في كلِّ صِنْفٍ مُغْنِيَهْ
( وفي النساء ) من كل صنف تقدم مسلمات أو كتابيات أو مجوسيات أو مرتدات . ( الحكم تنصيف الدية ) فدية كل امرأة على نصف دية ذكر ملتها ( وحاله ) أي التنصيف ( في كل صنف مغنيه ) عن بيانها فيجب في المسلمة خمسون من الإبل ، وفي اليهودية والنصرانية خمس وعشرون ، وفي المجوسية والمرتدة ثلاثة أبعرة وثلث ، وقس على ذلك في الذهب والورق ( خ ) : وفي الكتابي والمعاهد نصفه ، والمجوسي والمرتد ثلث وخمس وأنثى كل نصفه .
وَتَجِبُ الديةُ في قَتلِ الخَطَا
والإبِلُ التّخميسُ فيها قُسِّطا
( وتجب الدية في قتل الخطا ) ومنه عمد الصبي والمجنون وما لا يقتص منه من الجراح لإتلافه كجائفة وآمة وكسر فخذ فإن ذلك كله على العاقلة ، وإنما وجبت الدية في الخطأ لقوله تعالى : ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } ( النساء : 92 ) ( والإبل ) المأخوذة فيها ( التخميس ) مبتدأ ثان خبره ( فيها قسطا ) عشرون بنت مخاض وهي التي دخلت في السنة الثانية وعشرون بنت لبون وهي ما دخلت في الثالثة ، وعشرون ابن لبون كذلك ، وعشرون حقة وهي ما دخلت في الرابعة وعشرون جذعة وهي ما دخلت في الخامسة ، وتقدم أنها تربع في العمد بحذف ابن لبون .
تَحمِلُهَا عاقِلَةٌ للقاتِلِ
وَهْيَ القَرَابةُ مِنَ الْقَبَائِلِ
( تحملها ) أي دية الخطأ ( عاقلة للقاتل ) وهو كواحد منهم وتكون منجمة عليهم كما يأتي( وهي ) أي العاقلة ( القرابة من القبائل ) أراد الطبقات التي ينتسب إليها القاتل بدليل قوله : بعد الأدنى فالأدنى فيبدأ بالفصيلة ثم الفخذ ثم البطن ثم العمارة بالفتح ثم القبيلة ثم الشعب بالفتح ، وقد نظمها بعضهم فقال :
قبيلة قبلها شعب وبعدهما
عمارة ثم بطن يتلوه فخذ
وليس يأوى الفتى إلا فصيلته
ولا سداد لسهم ماله قذذ
جمع قذة وهي ريش السهم ، فهذه طبقات قبائل العرب ، فبنو العباس مثلاً فصيلة ، وبنو هاشم فخذ ، وبنو قصي بطن ، وقريش عمارة وكنانة قبيلة ، وخزيمة شعب . وقول ابن الحاجب : يبدأ بالفخذ يعني إذا لم يكن في الفصيلة كفاية ، وهذا الترتيب المذكور هو الذي في ابن الحاجب وهو المذهب وهو راجع إلى اللغة ( خ ) : وهل حد العاقلة سبعمائة أو الزائد على ألف ؟ قولان . وعلى الأول العمل كما في نظم العمل المطلق فإذا وجد هذا العدد مثلاً من الفصيلة لا يضم إليهم الفخذ وإلاَّ ضم إليهم وهكذا ، وعليه فيقال في قبائل المغرب : يبدأ بمد شر القاتل الذين هم إخوانه وقرابته ، فإن لم تكن فيهم كفاية ولم يحصل منهم العدد المذكور فجماعته ، فإن لم تكن فيهم كفاية فربع قبيلته إن كان القبيلة منقسمة أرباعاً مثلاً ، فإن لم تكن فيهم كفاية فجميع قبيلته ، فإن لم تكن فيهم كفاية فأقرب القبائل إليهم وهو معنى قول ( خ ) : وغيره وهي أي العاقلة العصبة وبدىء بالديوان إن أعطوا ثم يبدأ بها أي بالعصبة الأقرب فالأقرب ، ثم الموالي الأعلون ثم الأسفلون ، ثم إذا لم يكن للقاتل عصبة ولا قبيلة فبيت المال يعقل عنه إن كان الجاني مسلماً ، فإن لم يكن بيت مال أو كان ولكن لا يمكن الوصول إليه ، فالدية على الجاني وحده بناء على المشهور من أنه كواحد من العاقلة وعلى مقابله تسقط . وقوله : وبدىء بالديوان الخ . يعني أنه يقدم الديوان على عصبة الجاني الذين ليسوا معه في الديوان ، والديوان عبارة عن الذمام الذي يجمع فيه الإمام أفراد الأجناد على عطاء يخرج لهم من بيت المال في أوقات معلومة أي : فيقدمون قبل عصبة الجاني ، وإن كانوا من قبائل شتى لأجل تناصرهم ، فإن لم تكن فيهم كفاية فيعينهم العصبة الذين ليسوا معه في الديوان ، وهكذا على الترتيب المتقدم .وما ذكره من أنه يبدأ بالديوان هو الذي في الموازية والعتبية وهو خلاف ظاهر المدونة من أن العقل على القبائل على الترتيب المتقدم كان الجاني داخلاً في ديوان أم لا . وهو المعتمد والقول بتبدئة الديوان ضعيف كما للخمي .
تنبيهان . الأول : في نوازل العلمي أنه لا عاقلة في هذا الزمان ، ولا يمكن الوصول لبيت المال ، فالدية في مال الجاني ، وسيأتي مثله لابن رحال عند قوله : كذا على المشهور من معترف الخ .
الثاني : عاقلة الذمي أهل دينه الذين معه في بلده فلا يعقل يهودي مع نصراني ولا عكسه ، والمعاهد إذا قتل أحداً فإن الدية في ماله لأنه لا عاقلة له ، ثم العاقلة إنما تحمل الدية .
حيثُ ثبوتُ قَتْلِهِ بالبيِّنَه
أَوْ بِقَسامَةٍ له مُعَيَّنَهْ
( حيث ثبوت قتله بالبينة ) التامة ( أو بقسامة ) بشروطها المتقدمة ( له ) أي للقتل خطأ ( معينة ) . ومفهوم بالبينة أو القسامة أن القتل إذا ثبت باعتراف القاتل لا تحمل ديته العاقلة ، وهو كذلك كما يأتي في قوله : كذا على المشهور من معترف الخ . لأن العاقلة لا تحمل عمداً عداء ولا اعترافاً ولا قاتل نفسه عمداً أو خطأ ولا ما دون الثلث كدية موضحة ، وأما ما بلغ الثلث كدية الجائفة فتحمله كما يأتي في البيت الثالث بعده ، ثم من الاعتراف إقرار المرأة أنها نامت على ولدها حتى قتلته ( خ ) : ونجمت دية الحر بلا اعتراف على العاقلة الخ . فمفهومه أن الاعتراف لا يكون على العاقلة ، بل هو في مال الجاني فلو نام الرجل مع زوجته فأصبح الولد ميتاً ولا يدري من رقد عليه فهو هدر كما أفتى به ابن عبد السلام ، وأما المرأة الهاربة عن رضيعها حتى مات الولد من عدم اللبن فقال ابن هارون : ديته على عاقلتها ، وقاسها بالمسافرين الذين منعوا الماء حتى ماتوا عطشاً . ابن فرحون : إذا شربت الحامل دواء فألقت جنينها فلا شيء عليها إذا كان الدواء مأموناً يعني لا غرة عليها ، ولو سقت ولدها دواء فمات فلا شيء عليها .
يَدفَعُها الأَدْنَى فالأَدْنى بِحَسَبْ
أحوالِهِم وحكْمُ تَنجِيمٍ وَجَبْ
( يدفعها ) إلى دية الخطأ ( الأدنى ) للقاتل ( فالأدنى ) له فإن كان في الفصيلة كفاية لم يلزم الفخذ شيء كما مر . وتقدم هل حدها سبعمائة الخ ؟ وتقسط عليهم ( بحسب أحوالهم ) وقدر طاقتهم ( خ ) : وضرب على كل ما لا يضر أي : فالغني بحسبه وغيره بحسبه . قال في المناهج :لا حد لما يؤخذ من كل واحد منهم ، وإنما ذلك على قدر اليسر والعسر وهو الصحيح اه . وقال الشافعية : يؤخذ من الغني نصف دينار وهو الذي ملك عشرين ديناراً بعد المسكن وما يحتاج إليه ، ومن المتوسط ربع دينار وهو الذي يملك أقل من ذلك اه . ولا تسقط على فقير ولا امرأة ، ولو وقع القتل منهما كما يأتي في قوله : من موسر الخ . ( وحكم تنجيم ) للدية الكاملة على العاقلة في ثلاث سنين ( وجب ) فتؤدي في آخر كل سنة ثلثها وابتداء التنجيم من يوم الحكم لا من يوم القتل أو الخصام ، واحترزت بالكاملة من غيرها كما لو وجب ثلث الدية كجائفة ، فإنها تؤجل بسنة والثلثان كآمة وجائفة بسنتين ، فإن كان الواجب نصفاً كقطع يد فسنتان للثلث سنة وللسدس سنة أخرى ، وكذا لو كان الواجب ثلاثة أرباع الدية كقطع يد وأصبعين وسن واحدة بخمس وسبعين من الإبل فثلثاها بسنتين ، وللزائد سنة أخرى ( خ ) : ونجم في الثلاثة الأرباع بالتثليث وللزائد سنة .
من مُوسِرٍ مُكَلَّفٍ حُرَ ذكَرْ
موافِقٍ في نِحْلَةٍ وفي مَقَرْ
ثم بين من تقسط عليه بقوله : ( من موسر مكلف حر ذكر ) فلا تقسط على فقير ولا صبي ولا مجنون ولا عبد ولا امرأة ، وظاهره ولو وقع القتل منهم وهو كذلك ( خ ) : وعقل عن صبي ومجنون وامرأة وفقير وغارم ولا يعقلون أي : لا يعقلون عن أنفسهم ولا عن غيرهم ، والمراد بالغارم المديان الذي ليس له ما يفي بالدين أو يبقى بيده ما يعد به فقيراً ، وشمل قوله : مكلف السفيه فإنه كالرشيد في العقل عن نفسه وعن غيره ، وفهم منه أن المعتبر وقت الضرب والتقسيط ، فإذا أسلم الكافر أو عتق العبد أو بلغ الصبي بعد الضرب وقبل أدائها فلا شيء عليهم ولا يقسط ما ضرب على الغني بفقره بعد . ( موافق في نحلة ) أي دين فلا يعقل مسلم عن كافر مطلقاً ، ولو من عصبته على تقدير إسلامه ولا عكسه ولا يهودي عن نصراني ولا عكسه . ابن الحاجب : ولا نضرب على فقير ولا مخالف في دين الخ . وليس المراد بالنحلة المال المنحول أي المعطى في الدية لأن هذا هو قوله : ( وفي مقر ) أي محل القرار والسكنى ( خ ) : ولا دخول لبدوي مع حضري أي : ولو من عصبة القاتل ، ولا شامي مع مصري ولو من عصبته أيضاً مطلقاً اتحد جنس الدية عند كل أم لا ، وذلك لأن العلة التناصر والبدوي لا ينصر الحضري ، وكذلك الشامي مع المصري ، وإنما الدية على أهل قطره ، فإن لم يكن فيهم العدد المعتبر فيضمأقرب الأقطار إليهم كما مر . ثم أشار إلى ما لا تحمله العاقلة فقال :
وكونُهَا مِن مال جانٍ إنْ تَكُنْ
أَقَلَّ مِن ثُلْثٍ بذَا الحُكْمُ حَسَنْ
( وكونها ) أي الدية وما في معناها من الغرة والحكومة ( من مال جان ) حالة عليه ( إن تكن ) هي أي الدية وما في معناها ( أقل من ثلث ) دية المجني عليه ودية الجاني معاً فمتى نقصت عن ديتهما معاً فهي في مال الجاني حالة عليه كجناية حر مسلم على مثله موضحة أو هاشمة أو قطع أصبع من مسلمة ونحو ذلك ، ومتى بلغت ثلث ديتهما معاً أو ثلث دية أحدهما حملتها العاقلة ، فإذا قطع مسلم من مجوسية أصبعين فتحمل ذلك عاقلته ، وإن لم يبلغ ذلك ثلث ديته والإصبعان أكثر من ثلث ديتها لأن لها فيهما مثل ما للرجال من أهل دينها ، وذلك مائة وستون درهماً وثلث ديتها مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم ، وكذلك كل امرأة دية إصبعها أكثر من ثلث ديتها لأنها تساوي ذكرها لثلث ديته ثم ترجع لديتها ، فإذا قطع مسلم أصبعين من ذمية فلها فيهما عشر من الإبل لأنها كذكرها فيهما فتحمل ذلك عاقلته لأن عشراً من الإبل أكثر من ثلث خمسة وعشرين التي هي ديتها ، وإن قطعت مجوسية أصبعاً واحداً من مسلم حر فذلك على عاقلتها لأن ذلك أكثر من ثلث ديتها بل ومن جميع ديتها لأن عشراً من الإبل الواجبة في قطع أصبع المسلم أكثر من ثلاثة أبعرة وثلث التي هي دية المجوسية وهكذا . ( بذا الحكم حسن ) بضم السين وهو المشهور ( خ ) : ونجمت دية الحر الخطأ بالاعتراف على العاقلة والجاني إذا بلغ ثلث دية المجني أو الجاني وما لم يبلغ فحال عليه الخ . واحترز بالحر من العبد فإن قيمته على الجاني كما مر ، وإن كان هو الجاني فذلك في رقبته وظاهر النظم و ( خ ) إن ما لم يبلغ الثلث هو في مال الجاني ولو كان صبياً أو مجنوناً ، وهو كذلك كما قرر به الزرقاني وصرح به في الشامل فقال : والدية على عاقلتهما إن بلغت الثلث وإلاَّ ففي مالهما أو ذمتهما إن لم يكن لهما مال الخ . واعتراض الشيخ بناني على ( ز ) ساقط .
كذا على الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفِ
تُؤْخَذُ أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفِ
( كذا على المشهور من ) مال ( معترف ) بالقتل خطأ أو بالجرح خطأ ( تؤخذ ) حالة من العاقلة ، وبه صدر في الشامل ، وبه قرر ( خ ) شراحه . وفي المسألة أقوال . أحدها : ما تقدم وقيل على العاقلة بقسامة من الأولياء ، وقيل على العاقلة أيضاً ما لم يتهم المقر بإغناء الورثة لكونهم أقرباء له أو ملاطفين له ، وقيل إن كان المقر عدلاً ، والذي تجب به الفتوى ، وعليه اقتصر ابن الحاجب وعزاه ابن الجلاب لمذهبها وهو في الديات منها ، ورجحه ابن مرزوق وابن رحال في شرحه : أن المقر إذا أقر لمن لا يتهم عليه وكان عدلاً مأموناً لا يخشى عليه أخذ الرشوة فالدية علىالعاقلة بقسامة ، فإن أبوا أن يقسموا فلا شيء لهم على العاقلة ولا على المقر ، ومنه تعلم أن المرأة لا يقبل اعترافها بنومها على ولدها لاتهامها بإغناء إخوانه أو أبيه ، هذا إذا كان المعترف له عاقلة ، وأما إذا كان لا عاقلة له فقيل في ماله أيضاً ، وقيل في بيت المال ، وقيل ما ينوبه في ماله ويسقط الباقي ، وقيل هدر . قال أبو الحسن : وكان الفقيه راشد يفتي بأنها في ماله أخذ ذلك من قول ابن القاسم في المعاهد يقتل مسلماً خطأ إن ذلك في ماله إذ لا يتوصل إلى عاقلته وبيت المال متعذر اه . قال ابن رحال : وما أفتى به الفقيه راشد يقوي القول بأن دية الاعتراف على المقر لأن بيت المال اليوم متعذر والأخذ من القبائل كذلك بلا ريب ، فإن الأخذ من القبائل إنما يكون بسطوة السلطان والاعتناء بذلك من السلطان غير كائن ومن شك فإن العرب بالباب اه . وهذا صريح في أن الأخذ من العاقلة متعذر اليوم لعدم اعتناء السلاطين بذلك وهو ما تقدم عن نوازل العلمي . ( أو من عامد مكلف ) أي : وكما أن الدية تؤخذ من المعترف بالخطأ ولا تحملها العاقلة ، كذلك تؤخذ من العامد إذا كان مكلفاً لا إن كان صبياً أو مجنوناً فإن عمدهما كالخطأ تحمله العاقلة إن بلغت الثلث ، وإلاَّ ففي مالهما كما مر ، وكذلك لا تحمل العاقلة دية غلظت على الأب وإن علا في عمد لم يقتل به كما يأتي في قوله : وغلظت فثلثت في الإبل ، وكذلك لا تحمل العمد الذي سقط فيه القصاص لعدم المماثل بخلاف العمد الذي لا قصاص فيه لإتلافه كجائفة ومأمومة وكسر فخذ ، فإنه ملحق بالخطأ فتحمله العاقلة إن بلغت الحكومة في كسر الفخذ ثلث الدية كما مر ( خ ) : مشبهاً فيما لا تحمله العاقلة ما نصه كعمد ودية غلظت وساقط لعدمه إلا ما لا يقتص منه من الجراح لإتلافه فعليها .
وفي الجَنِينِ غَرَّةٌ مِنْ مَالِهِ
أَوْ قِيمَةٌ كالإرْثِ في اسْتِعمَالِهِ
( و ) يجب على المتسبب ( في ) إلقاء ( الجنين ) الواحد وإن علقة وهي الدم المجتمع الذي إذا صب عليه الماء الحار لم يذب ( غرة من ماله ) وهي عبد أو وليدة أي أمة صغيرة كبنت سبع سنين ( أو قيمة ) الغرة وهي عشر دية الأم إن كانت أمة جرة أو عشر قيمتها إن كانت أمة ففي جنين الحرة المسلمة عشر دية أمة وهي خمسون ديناراً على أهل الذهب وستمائة درهم على أهل الورق أو عبد أو وليدة تساوي ذلك وهكذا في جنين الحرة الكتابية والمجوسية ، ونحو ذلك إذا كان الجنين محكوماً بإسلامه ، فإن كان العبد أو الوليدة لا تساوي العشر المذكور بل نقصت عنه ، فلا يلزم أهل الغرة قبولهما ، ومهما بذل عشر دية الأم أو العبد أو الوليدة التي تساويهم لزمهمالقبول ، وأما جنين الأمة ففيه عشر قيمة أمه ما لم يكن من سيدها الحر المسلم ، فإنه كجنين الحرة المسلمة ، وكذلك جنين اليهودية والنصرانية من العبد المسلم فإنه كالحرة المسلمة أيضاً ، وظاهره أن الخيار للجاني في دفع العشر أو الغرة وهو كذلك في جنين الحرة ، وأما جنين الأمة فيتعين فيه العين ، وظاهره أيضاً كان الجنين ذكراً أو أنثى كانت أمة مسلمة أو كافرة كان أبوه حراً أو عبداً ، لأن الجنين تابع لأمه ، وظاهره أيضاً كان التسبب في إلقائه عمداً أو خطأ بضرب أو شتم أو تخويف ، وهو كذلك لا بمجرد شتم فإنه لا شيء فيه ، وظاهره كان المتسبب أباه أو أمه أو غيرهما وهو كذلك ، فلو ضربت هي بطنها أو شربت ما تلقيه به أو شمت رائحة فألقته بذلك حال تقصيرها عند الشم بتدارك أكل ما شمته لوجدت الغرة عليها ، وإن شمت سمكاً أو جبناً أو نحو ذلك فعليها طلب ذلك فإن لم تطلب وإن لم يعلموا بحالها فعليها الغرة لتقصيرها وتسببها ، فإن طلبت ولم يعطوها فالغرة عليهم علموا بحملها أم لا ، وكذلك إن علموا به ، وأن ريح الطعام أو السمك يسقطها ، وإن لم تطلب كما في ( ز ) وقوله : من ماله أي مال الجاني حالة عليه ، وهذا في العمد مطلقاً وفي الخطأ إذا لم تبلغ ثلث دية الجاني ، وإلا فتحملها العاقلة . ففي المدونة وإن ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلمة خطأ فألقت جنيناً ميتاً حملته عاقلة الضارب ، ومحل هذا كله إذا ألقته ميتاً أو حياً ولم يستهل وهي حية وإلا بأن استهل سواء خرج منها في حال حياتها أو بعد موتها ، ففيه في التسبب خطأ الدية بقسامة ، ولو مات عاجلاً فإن لم يقسموا فلهم الغرة ، وأما في التسبب العمد الذي قصد به إلقاء الجنين فألقته واستهل ففي القصاص وعدمه خلاف والمعتمد القصاص ، وأما إن ألقته ميتاً بعد موتها فلا شيء فيه ، وإنما الدية في أمه أو القصاص ، وإذا تعدد فإن الغرة تتعدد بتعدده ، ومحله أيضاً إذا شهدت البينة بالسبب الذي ألقت جنينها من أجله من ضرب أو تخويف وأنه أمر يخاف منه وأنها لزمت الفراش من وقت السبب المذكور وشهدت النساء أو غيرهن على معاينة السقط ، وأنه علقة ففوق وإلاَّ فلا شيء فيه إلا الأدب في العمد وقوله :
( كالإرث ) حال من الغرة وما عطف عليها أي حال كون الغرة أو قيمتها التي هي عشر دية الأم مقسومة على فرائض الله كالإرث ( في استعماله ) فيكون للأب منه الثلثان وللأم الثلث ما لم يكن له إخوة فلأمه السدس ، وإن لم يكن له أب فهي بين الأم والإخوة أو غيرهم من العصبة إلا أن الضارب أي المتسبب لا يرث منها ولو أباً أو أماً ، ولا يحجب وارثاً ، وسواء كان التسبب عمداً أو خطأ قاله في المدونة ، وإلى مسألة الغرة أشار ( خ ) بقوله في الجنين : وإن علقة عشر أمه نقداً أو غرة عبد أو وليدة تساويه والأمة من سيدها والنصرانية من العبد المسلم كالحرة إن زايلهاكله حية إلا أن يحيى فالدية إن قسموا ، ولو مات عاجلاً وإن تعمده بضرب ظهر أو بطن أو رأس ، ففي القصاص خلاف وتعدد المواجب بتعدده وورث على الفرائض الخ . فقوله : نقداً أي حالة من الذهب أو الفضة لا من الإبل ، وقوله : أو غرة بالرفع عطف على عشر أمه ، وقوله : عبد الخ . بدل من غرة ، وقوله : من العبد المسلم وأحرى من الحر المسلم وفهم منه أنه إذا كان من الكتابي لا غرة فيه ، وإنما فيه عشر دية أمه الكتابية ولو أسلمت بعد الحمل لأن الجنين حينئذ غير محكوم بإسلامه لأنه تابع لأبيه ، فالغرة يشترط فيها حرية الجنين وكونه محكوماً بإسلامه وأما إن كان رقيقاً فعشر قيمة أمه ، وإن كان محكوماً بكفره فعشر دية أمه وباقي كلامه يفهم مما مر بأدنى تأمل .
تنبيه : تؤخذ مسألة تخويف الحامل من قول ( خ ) في فصل حرم بالإحرام وبسبب ، ولو اتفق كفزعه فمات أي فعليه جزاؤه ، فكذلك الحامل عليه غرتها وإن لم يقصد فزعها ونزلت بسيدنا عمر رضي الله عنه أرسل أعواناً فرأتهم امرأة فخافت وألقت جنينها فسأل عمر الصحابة رضي الله عنهم فقالوا : لا يلزمك شيء لأنك ما فعلت إلا جائزاً لك . وقال لعلي رضي الله عنه : يا أبا الحسن ما تقوله ؟ فقال : أرى أن عليك الغرة فأداها عمر رضي الله عنه .
وغُلِّظتْ فَثُلِّثَثْ في الإبِلِ
وقُوِّمَتْ بالْعَيْنِ في القَوْلِ الجَلِي
( وغلظت ) الدية على الأبوين وإن علوا ولو مجوسيين كما يأتي في عمد لم يقتلوا به أو جرح كذلك كرميهم ولدهم بحديدة أو سيف قصدوا أدبه أو لم يقصدوا شيئاً ، فضابطه أن لا يقصدوا إزهاق روحه . ( فثلثت في الإبل ) بثلاثين حقة وهي التي دخلت في الرابعة ، وثلاثين جذعة وهي التي دخلت في الخامسة ، وأربعين خلفة وهي التي أولادها في بطونها بلا حدس فيها ( خ ) : وغلظت في الأب في عمد لم يقتلوا به كجرحة بثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة الخ . وغلظت أيضاً بحلولها عليهم فهي في مالهم حالة لا منجمة ، فإن أعدموا فيتبعون بها كما مرّ ، وكذا تغلظ عليهم في الجراح أيضاً كموضحة أو مأمومة ، والأصل في تثليثها ما في الموطأ أن رجلاً من بني مدلج حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه فمات ، فحكى ذلك لعمر فقال لسراقة . اعدد لي على ماء قديد مائة وعشرين من الإبل حتى أقدم عليك ، فلما قدم عمر رضي الله عنه أخذ منها العدد المذكور ودفعه لأخ المقتول وقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( ليس للقاتل شيء ) اه . وليس في هذا دليل على أنها أخذت من إبل الجاني وحده ، وإنما أخذ كونها من مال الجاني وحده من دليل آخر ، ولعل هذا هو دليل مقابل المشهور الذي قال : إن المغلظة تكون على العاقلة ، ومفهوم أن لا يقصدوا إزهاق روحه أنهم إذا قصدوا إزهاقها أو فعلوا فعلاً لا يمكن معه قصد الأدب كما لو شقوا بطنه أو ذبحوه أو جذوا يده أو وضعوا أصبعهم في عينه فأخرجوها ، فإنه يجب عليهم القصاص ولا يقبل منهم إرادة الأدب .قال الأجهوري : فهم مما ذكرنا أن الأب إذا فعل بابنه ما يمكن فعله إلا لقصد القتل أو الجرح فإنه يقتص منه فيهما ، وإن فعل ما يحتمل قصد القتل أو الجرح وما يحتمل غيرهما فإن اعترف بأنه قصد به القتل أو الجرح اقتص منه أيضاً ، وإن لم يعترف به لم يتقص منه سواء ادعى أنه أراد الأدب أو لم يرد شيئاً اه . يعني وتغلظ عليه الدية حيث كان ما رماه به ما لا يؤدب بمثله كالحديدة ونحوها ، وأما إن كان مما يؤدب بمثله فإن الدية على عاقلته كما مر أول الباب وعند قوله : وشبهة تدرؤه الخ .
وقد تقدم أول الباب أن القتل إما عمداً أو خطأ لا واسطة بينهما عند مالك إلا في هذه المسألة التي تغلظ فيها الدية على الأب ونحوه ، فإنها من شبه العمد قال الباجي : لا خلاف في ثبوت شبه العمد في حق الأب اه . ابن الحاجب : ولذلك لا يرث القاتل فيها من مال المقتول شيئاً ويقتل غيرهم بذلك ، وحينئذ فهذه المسألة واسطة بين العمد والخطأ ولا واسطة بينهما غير هذا عند مالك خلافاً للخمي حيث أثبت شبه العمد في ثلاث مسائل غير هذه أحدها : القتل بغير آلة القتل كالسوط والعصا واللطمة . والثانية : أن يكون القتل صدر ممن أذن له في الأدب كالزوج والمعلم . والثالثة : أن يصدر من المتلاعبين والمتصارعين الخ . وتقدم أن القتل بالسوط والعصا من العمد الذي فيه القصاص وأن الزوج ونحوه إذا ضرب بآلة يؤدب بمثلها فهو من الخطأ ، وإلاَّ فهو من العمد وإن القتل من المتلاعبين خطأ كما مر ذلك كله في أول الباب ولما كان التغليظ ليس خاصاً بأهل الإبل كذلك تغلظ الدية على أهل الذهب والورق وكيفية تغليظها عليهما هو ما أشار له بقوله :
( وقومت ) دية الإبل مثلثة ومخمسة لأجل تغليظها ( في ) أي على أهل ( العين ) أي فتقوم الديتان معاً ليعلم ما بين القيميتن فيزاد بنسبته على الألف دينار أو الاثني عشر ألف درهم ، فإذا كانت قيمة المخمسة على أسنانها وتأجيلها مائة وقيمة المثلثة على أسنانها وحلولها مائة وعشرين ، فإن العشرين الزائدة تنسب إلى المائة ، ونسبتها منها خمس فيدفع الأب ونحوه ألف دينار وخمسة أو اثني عشر ألف درهم وخمسها ، وهكذا إذا زادت أقل من ذلك أو أكثر ، ويلزم في المأمومة والجائفة ثلث الدية المغلظة ، وكذا غيرهما من موضحة ونحوهما مما فيه شيء مقدر ففي الموضحة عشر دية مغلظة وهكذا ( في القول الجلي ) أي المشهور ومقابلة أنها لا تغلظ إلا على أهل الإبل دون أهل الذهب والورق ، وعلى المشهور فإن المغلظة تقوم حالة دون المخمسة فإنها تقوم على تنجيمها على المعتمد كما مر في المثال ، وفهم منه أن المربعة المتقدمة في قوله : ودية العمد كذاتالخطأ لا تغلظ على أهل الذهب والورق ، وهو كذلك على المشهور . وقال أشهب : بل تغلظ عليهما أيضاً وعليه فيسلك بها مسلك المثلثة .
وهْيَ بالآباءِ والأُمَّهَاتِ
تَخْتَصُّ والأَجْدادِ والجدّاتِ
( وهي ) أي المغلظة بالتثليث ( بالآباء والأمهات ) بنقل حركة الهمزة للام فيهما للوزن والمجرور متعلق بقوله : ( تختص ) وقوله ( والأجداد والجدات ) عطف على الآباء ، وظاهره وإن علوا كانوا من جهة الأب أو الأم ، وهو كذلك على الراجح ، وفهم منه أن الأعمام والأخوة والزوجين لا تغلظ بالتثليث في حقهم وهو كذلك ، بل تربع حيث وقع العفو على دية مبهمة أو عفا البعض أو صالح فلمن بقي نصيبه من دية عمد مربعة لما مر . ولما قدم أن القسامة خمسون يميناً وأنها في العمد يحلفها الذكور فقط دون الأنثى ، وأنه لا يحلفها أقل من رجلين عصبة كما مر ذلك كله في قوله : ولأنثى منعت إلى قوله ويحلف اثنان بها فما علا الخ . نبه هنا على أنها في الخطأ يحلفها كل من يرث من الذكور والإناث وإن واحداً أو امرأة فقال :
وَيحلِفُ الذكورُ كالإنَاثِ
بِنِسْبِة الْحُظُوظِ في المِيرَاثِ
( ويحلف الذكور كالإناث ) خمسين يميناً ويقتسمونها ( بنسبة الحظوظ في الميراث ) فتحلف الزوجة ثمن الإيمان مع الولد والأم سدسها وهكذا ، وفهم منه أن الغرماء يحلفونها لأنهم مقدمون على الورثة وإن من لا وارث له إلا بيت المال فلا قسامة ولا دية .وإنْ يمينٌ عِنْدَ ذا تَنْكَسرُ
يَحْلِفُها مَنْ حَظُّهْ مُوَفِّرُ
( وإن يمين عند ذا ) أي عند قسمها بنسبة الحظوظ ( تنكسر يحلفها من حظه موفر ) أي أكثر كسراً كبنت وابن ينوبها ثلث الإيمان ستة عشر وثلثان فتحلف سبعة عشر ويحلف الابن ثلاثة وثلاثين ، فإن تساوت الكسور كثلاثة بنين أو أربعة كمل كل واحد كسره .
وواحِدٌ يَجُوزُ أنْ يُحلَّفَا
حيْثُ انْفَرادُهُ بما تَخَلَّفَا
( وواحد يجوز أن يحلفا ) بضم الياء وتشديد اللام مبنياً للمفعول أي يحلف يميناً كلها ( حيث انفراده بما ) أي بالميراث الذي ( تخلفا ) عن الهالك بأن كان لا وارث له غيره كابن أو عم بخلاف العمد ، فإنه لا يحلف فيه أقل من رجلين كما مر ، وإلى هذه المسألة من أولها أشار ( خ ) بقول يحلفها في الخطأ من يرث وأن واحداً أو امرأة وجبرت اليمين على أكثر كسرها ، وإلاَّ فعلى الجميع الخ . وفهم من قوله : حيث انفراده إنه إذا لم ينفرد بالميراث بل كان معه غيره فيه ، فأما أن يكون هذا الغير بيت مال أو أخت فإنها تحلف جميع الإيمان وتأخذ حظها من الدية ويسقط الباقي منها لتعذر القسامة من بيت المال وأما أن يكون الغير عاصباً مساوياً في الدرجة للحاضر كابنين أحدهما غائب أو صبي أو ناكل فإن الحاضر يحلف جميعها أيضاً ويأخذ حظه فقط ويسقط حظ الناكل عن العاقلة ، ويوقف حظ الغائب والصبي ، فإذا بلغ الصبي أو قدم الغائب حلف كل منهما حظه من الأيمان وأخذ حظه من الدية ، فإن مات الصبي أو الغائب فوارثه يقوم مقامه فإن كان وارثه هو الحالف لجميعها فهل لا بد من حلفه ما كان يحلفه موروثه أو يكتفي بأيمانه السابقة ؟ قولان . وإنما كان الحاضر لا يأخذ حظه إلا إذا حلف جميع الأيمان لأن العاقلة تقول : لا ندفع شيئاً حتى يثبت الدم وهو لا يثبت إلا بحلف الجميع ، وهذا معنى قول ( خ ) : ولا يأخذ أحد شيئاً من الدية إلا بعدها أي بعد جميع أيمانها .
وهذه الأحْكامُ طُرًّا تُعْتَمَدْ
بحيثُما يَسْقُطُ بالشَّرْعِ الْقَوَدْ
( وهذه الأحكام ) المذكورة من حلف الإناث وكون الأيمان تقسم على حظوظ الميراث وأنها تجبر على أكثر الكسور وأن الواحد يحلفها إنما يصار إليها ( طراً ) أي جميعاً و ( تعتمد ) في قتل الخطأ فقط ، وعنه عبر الناظم بقوله ( بحيثما يسقط بالشرع القود ) الباء وما زائدتان وحيث ظرف مضمن معنى الشرط حذف جوابه للدلالة عليه ، والتقدير : هذه الأحكام إنما تعتمد جميعاً إذا يسقط القود بالشرط والقود إنما يسقط في الخطأ لا في العمد ، وحينئذ فالعمد يخالف الخطأ فيهذه الأحكام فلا يحلف فيه الإناث ولا تقسم الأيمان بنسبة الحظوظ في الميراث بل يحلفها العصبة ، وإن لم يكونوا ورثة ويجتزىء فيها باثنين طاعا من أكثر ولا تجبر فيه اليمين على أكثر كسرها إذ لا يتأتى فيها ذلك ولا يحلفها أقل من رجلين كما مر ذلك كله .
وَسُوِّغَتْ قَسَامَةُ الوُلاةِ
في غَيْبَةِ الجَانِي على الصِّفَاتِ
( وسوغت قسامة الولاة ) أي ولاة دم العمد ( في غيبة الجاني على الصفات ) أي على صفاته التي تعينه وتميزه من كونه طويلاً أو قصيراً أو أعور اليمنى ونحو ذلك .
وَيَنْفُذُ القِصَاصُ إنْ بهِ ظُفِرْ
إقْراراً وَوِفَاقَ مَا مِنها ذُكِرْ
( و ) إذا أقسموا على صفاته المذكورة ف ( ينفذ ) بضم الياء وكسر الفاء المخففة من أنفذ الرباعي ، ويحتمل أن يكون بفتح الياء وضم الفاء وعلى الأول ف ( القصاص ) مفعوله وإقرار فاعله ، وعلى الثاني فالقصاص فاعله وإقرار حال الخ . ( إن به ظفر ) شرط حذف جوابه للدلالة عليه ( إقرار ) فاعل أو حال من الضمير في به ( أو وفاق ) معطوف على إقرار ( ما ) أي الصفات ( منها ) يتعلق بقوله ( ذكر ) والتقدير ، على الاحتمال الثاني وينفذ القصاص إن ظفر به حال كونه مقراً بأن تلك الصفات المذكورة في رسم القسامة هي صفاته أو لم يقر بذلك ، ولكن صفاته التي هو عليها الآن موافقة لما ذكر منها في رسم القسامة وتقديره على الاحتمال الأول ظاهر .
وأشار الناظم بهذا إلى قول ابن سلمون : فإن غاب الجاني وعرفه الشهود ووصفوه بصفاته التي ينحصر بها وتقوم مقام التعيين وذهب الأولياء إلى أن يحلفوا فلهم ذلك فإن استكملوا أيمان القسامة استوجبوا القود منه متى وجدوه ، وذلك بعد أن توافق صفاته الصفات التي في عقد التدمية أو يقر أنه هو الذي دمى عليه بعد الإعذار إليه انتهى . وبه تعلم أن قول ابن رحال لم أقف على خصوص مسألة الناظم بعينها قصور ، وقول ابن سلمون ووصفوه يعني : وكذلك إن وصفه المدمى حيث لا شاهد أصلاً ، ومراده بالشهود ما يشمل العدل الواحد بمعاينة القتل أو الضرب كما مر .
فصل في الجراحاتالجوهري : المفرد لفظان أحدهما : جراحة بكسر الجيم والهاء في آخره وجمعه جراحات وجراح بوزن كتاب ، وثانيهما جرح بضم فسكون وجمعه جروح قال تعالى : والجروح قصاص } ( المائدة : 45 ) والمراد به في الترجمة ما يشمل القطع والكسر والفقء وإتلاف المعاني من السمعونحوه ، وإن خالفته اللغة والاصطلاح . ابن عرفة متعلق الجناية غير النفس إن أبانت بعض الجسم فقطع ، وإلاَّ فإن أزالت اتصال عظم لم يبن فكسر وإلاَّ فإن أثرت في الجسم فجرح ، وإلاَّ فإتلاف منفعة والقصاص فيها كالنفس إلا في جناية أدنى على أعلى اه . ( خ ) : والجرح كالنفس في الفعل والفاعل والمفعول ، فقوله في الفعل يعني أنه يشترط في القصاص في الجرح ما اشترط في القتل من كونه عمداً عدواناً وهو قصد الضارب إلى المضروب كما مر أول الباب ، وقوله : والفاعل يعني أنه يشترط في الجارح ما اشترط في القاتل من كونه مكلفاً مكافئاً للمجروح غير زائد عليه بحرية أو إسلام وغير حربي أسلم كما مر في قول الناظم : والقود الشرط به المثلية الخ . فكما تعتبر تلك القيود في القصاص من القاتل كذلك تعتبر في القصاص من الجارح ، وقوله : والمفعول يعني أنه يشترط في المجروح ما اشترط في المقتول من كونه معصوم العضو والدم إلى حين الإصابة كما مر في قوله : والشرط في المقتول عصمة الدم الخ . فينتج من هذا أن كل شخصين يقتص من أحدهما للآخر في القتل يقتص من أحدهما للآخر في الجرح إلا في مسألة واحدة وهي أن الأدنى إذا جرح من هو أعلى منه كما لو قطع عبد يدحر مسلم أو جرحه أو قطع كافر يد مسلم أو جرحه ، فإنه لا يقتص للأعلى منهما على المشهور ، وإن كان يقتص له منهما في النفس كما مر في قوله : وقتل منحط مضى بالعالي الخ . وإنما لم يقتص له منهما هنا لأن ذلك كجناية اليد الشلاء على الصحيحة وهي لا قصاص فيها ، وإذا لم يقتص من الأدنى للأعلى فدية الجرح في رقبة العبد وفي ذمة الكافر إن كان فيه شيء مقدر من الشارع كموضحة برئت على شين أم لا . وإن لم يكن فيه شيء مقدر ككسر الفخذ مثلاً فحكومة إن برىء على شين وإلا فليس على العبد والكافر إلا الأدب .
جُلُّ الجَرَاحِ عَمْدَها فيه القَوَدْ
وديةُ معْ خَطَرٍ فيها فَقَدْ
( جل الجراح عمدها ) الثابت ولو بشاهد واحد أو قرينة تقوم مقامه كما مر عند قوله : وليس في عبد ولا جنين قسامة الخ . ( فيه القود ) بعد البرء إذ لا قصاص في جرح إلا بعد برئه أو مع التكافىء ، إذ لا قصاص في جرح من غير مكافىء كما مر قريباً . وهذا إذا لم يكن في القود خطر ككسر الفخذ وعظمالصدر والعنق والصلب ورض الأنثيين ، فإنه لا قود في مثل ذلك وإن ثبت عمده لئلا يؤدي إلى أخذ النفس فيما دونها ، ( و ) عليه فالواجب في ذلك ( دية ) مغلظة بالتثليث في الأب وفي التربيع في غيره ، وهذا فيما فيه شيء مقدر من الشارع كرض الأنثيين إذ فيهما دية كاملة وكدامغة فيها ثلث الدية أو حكومة فيما ليس فيه شيء مقدر ككسر الفخذ وعظم الصدر إن برىء على شين وإلاَّ فلا شيء فيه إلا الأدب ، وهذه الدية أو الحكومة إنما هما ( مع ) وجود ( خطر فيها ) أي في القصاص من تلك الجراحات المذكورة ( فقد ) أي فحسب والخطر الإشراف على الهلاك ويرجع في كونه خطراً أو عدمه لأهل المعرفة ، ومثل الخطر في وجوب الدية ما إذا تعذر القصاص لعدم وجود المماثل من الجارح . وقولي . أو قرينة الخ . ليدخل ما إذا لم يثبت الجرح بشاهد ، وإنما ادعى المجروح أن فلاناً جرحه وأثبت أنه كانت بينهما ثائرة وعداوة ، فإنه يحلف المجروح ويقتص منه كما أفتى به القوري وابن عرضون والتالي وغيرهم حسبما في نوازل العلمي خلافاً لفتوى أبي القاسم العبدوسي من أن اليمين على الجارح . وقوله : جل الجراح هو ما أشار له ( خ ) بقوله : واقتص من موضحة أوضحت عظم الرأس والجبهة والخدين وإن كابرة واقتص أيضاً من سابقها وهي ستة . دامية : ويقال لها أيضاً دامعة بالعين المهملة وهي التي تضعف الجلد فيسيل منه دم كالدمع . وحارصة : بالصاد المهملة وهي التي شقت الجلد كله وأفضت للحم وسمحاق : وهي التي كشطت الجلد أي أزالته عن محله فيقال لذلك الجلد سمحاق . وباضعة : وهي التي شقت اللحم . ومتلاحمة : وهي التي غاصت فيه أي في اللحم فأخذت يميناً وشمالاً ولم تقرب من العظم . وملطاة : بكسر الميم وهي التي شقت اللحم وقربت من العظم ، فهذه الجراحات كلها يقتص منها كانت في الرأس أو في غيره من الجسد ، وكذا يقتص من هاشمة ومنقلة في غير الرأس ، والهاشمة هي التي هشمت العظم أي كسرته والمنقلة هي التي أطارت فراش العظم بكسر الفاء وفتحها من أجل الدواء ومحل القصاص فيهما في غير الرأس إذا لم يعظم الخطر ، وإلاَّ فلا قصاص ، وإنما فيهما الحكومة إذا برئا على شين وإلا فالأدب فقط ، وفهم من قوله : جل الجراح أن الأقل لا قود فيه وذلك كالمنقلة والهاشمة في الرأس ، فإنه لا قصاص فيهما . وكذا لا قصاص في أمة وهي التي أفضت لأم الدماغ أي المخ الذي في الرأس ، ولا في دامغة وهي التي خرقت خريطته أي شقتها ، وإنما لم يقتص من هذه الجراحات في الرأس لعظم خطرها ، وإنما فيها الدية . ففي الهاشمة والمنقلة عشر الدية ونصفه وفي الأمة والدامغة ثلث الدية ، وكذا لا يقتص من الجائفة وهي التي أفضت للجوف من بطن أو ظهر ، وإنما فيها ثلث الدية بخلاف عظم ترقوة بفتح التاء وضم القاف وهو العظم الذي بأعلى الصدر المتصل بالعنق ، فالقصاص فيه اتفاقاً ، وكذا يقتص في العين والرجل والأنف والأذن والسن والذكر والأجفان والشفتين ، وكذا اللسان إن أمكن ولم يكن متلفاً وإلاَّ فلا كما في المدونة .وقد علمت من هذا أن الموضحة وما قبلها فيه القصاص مطلقاً ، والهاشمة والمنقلة فيهما القصاص إذا لم يعظم الخطر وكانتا في غير الرأس ، وأما إذا كانتا في الرأس فلا قصاص فيهما بل الدية فقط كما تجب الدية في الأمة والدامغة ولا يكونان ، إلا في الرأس ، وفي الجائفة ولا تكون إلا في غيره ، فهذه الجراحات عمدها كخطئها في الدية إلا أنها يجب فيها الأدب في العمد زيادة على الدية ، وبهذا صح قول الناظم : جل الجراح عمدها فيه القود ، فمفهومه أن الأقل لا قود فيه ، وإنما فيه الدية إن كان فيه شيء مقدر أو حكومة إن لم يكن فيه شيء مقدر ككسر عظم العنق والصلب وغير ذلك مما مر .
تنبيهات . الأول : لا قصاص في لطمة أو ضربة على الخدين بباطن الراحة إذا لم ينشأ عنها جرح أو ذهاب معنى كبصر ، وإلاَّ فيقتص منه ، وإنما كان لا قصاص فيها حيث لم ينشأ عنها ما ذكر لعدم انضباطها ومثلها الضرب بالعصا حيث لم ينشأ عنها ما ذكر بخلاف ضربة السوط ففيها القصاص كما في ( ح ) لانضباطه ، وإذا لم يقتص من اللطمة والضرب بالعصا فلا إشكال أن الفاعل يؤدب كما يؤدب من سل سيفه على أحد ولو على وجه المزاح ، وكذلك يؤدب من كسر الدعوة للحاكم أو قبل امرأة كرهاً ، ولأبي العباس سيدي أحمد بن القاضي ما نصه :
ومن نضى سيفه يوماً على أحد
فالأربعون له إن للقتال نضى
والسيف يروى لبيت المال مصرفه
وقيل يقتل والحكم بذاك مضى
ومن نضاه على وجه المزاح فقد
جفا ويضرب عشراً حكمه فرضا
والأربعون اذا ما دعوت كسرت
لقاض أو حاكم للمسلمين قضى
من قبل امرأة يوماً وأكرهها
يزاد عشراً كما إن كان منها رضا
الثاني : قد علمت مما مر أنه لا قصاص ولا حكومة ولا دية في جرح إلا بعد برئه ، وأن الدية والحكومة مغلظتان حالتان في مال الجاني وحده وأن الجاني يجبر على دفع الدية ، والحكومة فيما وجب فيه ذلك بخلاف ما وجب فيه القصاص فلا يجبر ، بل إذا قال : إما أن تقتص وإما أن تعفو مجاناً فله ذلك فإن تراضيا على شيء من المال قليلاً أو كثيراً عمل عليه كما مر عند قوله : وإن ولي الدم للمال قبل الخ . ويجب تأخير القصاص لزوال حر أو برد مفرطين لئلا يموت إذا اقتص منه فيهما فتؤخذ نفس فيما دونها كما تؤخر الحامل الجانية لوضع حملها ، سواء جنت على طرف أو نفس ( خ ) : وآخر لبرد أو حر كالبرء كدية خطأ أو دية عمد أي . فلا تؤدي ديتهما إلا بعد البرء ولو كجائفة وحامل إلى أن قال : لا بدخول الحرم أي لا يؤخر القصاص عن الجاني بدخوله المسجد الحرام ، بل يخرج من المسجد الحرام ليقام عليه الحد والقصاص ولو كان محرماً بحج أو عمرة ، فإنه لا يؤخر إلى فراغ نسكه بل يقتص منه قبل فراغه ، وسواء فعل ما يوجب الحد أو القصاص في الحرم أو خارجه ولجأ إليه .
الثالث : إذا كان لا يؤخر بدخول الحرم الشرعي الذي هو مكة والمدينة كما مر فأحرى أن لا يؤخر بدخوله الزوايا مما ليس بحرم شرعي ، ولذا قال أبو عبد الله الأبي : كان ابن عرفة لا يحل إيواء الظلمة والجناة الهاربين إلى الزوايا قائلاً : إلا أن يعلم أنه يتجاوز فيهم فوق ما يستحقون اه . قال العارف بالله سيدي عبد الرحمن الفاسي عقب كلام الأبي ما نصه : هذا ومايظهر من أمور خارجة عما ذكر من ظهور برهان لمن تعدى على زاوية أو روضة فذلك أمر خارج عن الفتوى به ، وغيرلا من الله على أوليائه لا تحد بقياس ولا تنضبط بميزان شرعي ولا قانون عادي ، فإن الموازين الشرعية كليات وعمومات ، وقد يكون مراد الحق سبحانه في خصوص نازلة خلاف ما تقتضيه العمومات ، ولذلك الخواص يفتقرون إلى إذن خاص في كل نازلة واعتبر بتكرار قوله تعالى : بإذني } ( المائدة : 110 ) فيما أخبر به عن عيسى عليه السلام من إبرائه الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وغير ذلك انتهى .
قلت : قوله : فذلك أمر خارج عن الفتوى الخ ربما يتوهم قاصر الفهم أنه يراعي حرم الزاوية والروضة لما يخشى من البرهان كما عليه العامة الآن قولاً وفعلاً ، وهذا لا يقوله أحد من الأئمة ولا من أصحابهم ولا من أهل السنة ، إذ لا حرم لغير مكة والمدينة شرعاً ، وغاية ما ذكره الفاسي أن الله تعالى قد أمر بإقامة الحدود على كل من فعل موجباتها ، وكون الله سبحانه ينتقم ممن أخرجه من زاوية أو روضة لإقامة الحد عليه أمر خارج عن الفتوى به ، لأن ذلك الحد والإخراج مما أمر الله تعالى به ، وقد يريد خلافه في خصوص زيد الجاني ونحو ذلك ، والله سبحانه وتعالى قد يأمر بالشيء ويريد خلافه كما أمر بإيمان الكفرة وأراد منهم خلافه ، وهذا منه ربما يدل على أن المصائب التي تنزل بمخرجهم من الزوايا انتقام من الله لهم على إخراجهم منها وليس كذلك ، بل الجاني المحترم بالزاوية أو الروضة يجب إخراجه لإقامة الحد عليه إجماعاً امتثالاً لأمر الله تعالى ، والمصيبة التي تنزل بمخرجه إن وقعت إنما هي اتفاقية مكتوبة عليه لقوله تعالى : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } ( الحديد : 22 ) أي نخلفها وليست انتقاماً على الإخراج لكون الله أراد خلافه . ألا ترى أن الله سبحانه أوجب قتال الكفار وأمر به ، والمصائب التي تنزل بهم عند قتالهم من هزيمة ونحوها مكتوبة عليهم لأن الله انتقم منهم لإرادته خلاف قتالهم أو غيرة عليهم ، بل ذلك مكتوب عليهم في أزله سبحانه ليعظم بذلك أجورهم ويكثر به ثوابهم ، فكذلك الجاني فالمصيبة وإن وقعت بأثر إخراجه إنما هي أمر اتفاقي مكتوب عليه نزولها به في ذلك الوقت لا بد من وقوعها به أخرجه أو لم يخرجه ليعظم بها أجره ويكثر بها ثوابه إن صبر واحتسب . وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون كما في الآية . قال تعالى : قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } ( آل عمران : 154 ) وذلك كله امتحان واختبار للعبد هل يصبر على المصائب حتى يؤدي ما أمر به سبحانه أو يرجع عن ذلك ولا يصبر . قال تعالى : ليميز الله الخبيث من الطيب } ( الأنفال : 37 ) وقال : أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } ( العنكبوت : 2 ) وقوله : وغيرة من الله على أوليائه الخ . يقال له من لنا بأنها غيرة من الله بل الغيرة من الله إنما وردت بارتكاب ممنوع لا بارتكاب واجب ، فوجب أن يكون أمراً اتفاقياً إذ المؤمن لا يخلو من مصائب ، وقد تكون تلك المصائب من التواني في الامتثال أو من اكتساب ممنوع تقدم ، ولو كان ذلك غيرة لكان نزول المصائب بالكفار أولى حيث يمتهنونهم في الأراضي التي دخلوها ، وبمن يفعل الفواحش ويسفك الدماء في أضرحتهم وزواياهم كذلك ، وكم من فاعل ذلك في أضرحتهم لم يصبه شيء ، وأيضاً لو أقيم حد على شخص فنزلت مصيبة في الحين بمقيمه لوجب أن يقال على هذا أن ذلك غيرة من الله سبحانه وتعالى على المحدود ، وذلك مما لا معنى له بل الولي لو كان حياً لوجبت عليه المبادرةإلى إقامته على من اجترم به ، وإن حماه ولم يفعل فليس بولي لأن الذي يحمي الظالم ظالم . وقوله : ولذلك الخواص يفتقرون إلى إذن خاص في كل نازلة الخ . معناه على ما قال من مذهب الخواص أن الله سبحانه وتعالى إذا أمر برجم كل فاسق مثلاً في كل مكان ، فزنى زيد المحصن فيحتاجون في رجمه إلى إذن خاص من الله سبحانه وإن زنى عمرو فيحتاجون في رجمه إلى إذن خاص ، وهكذا ولا يتمسكون بالعموم المذكور لئلا يكون مراد الحق سبحانه خلاف رجم ذلك المعين بخصوصه ، وهذا أمر خارج عن الشرع لم يأمر الله سبحانه باتباعه لا الخواص ولا غيرهم لأن امتثال الأوامر واجب ، وإن فرضنا أن مراد الحق سبحانه خلاف ما أمر به ، وحينئذ فمعاذ الله أن لا يبادر الخواص إلى تنفيذ أوامر الله ويتربصون إلى أن يرد عليهم الإذن الخاص خشية أن يكون مراده خلاف ما أمر به ، إذ ذلك يقتضي أنه لا يصلي ظهر هذا اليوم حتى يرد عليه الإذن الخاص في صلاتها ، وهكذا مع أنه مأمور بالامتثال . ولو فرضنا أنه علم أن مراده سبحانه خلاف ذلك لأنه مكلف باتباع الأوامر ولا عليه في الإرادة ، وبهذا احتج إبليس اللعين فقال : كيف أسجد لآدم والله لم يرده مني ، وهذا إن زعمه بعض الناس وادعى أنه من الخواص وأنه يتربص في تنفيذ أوامر الله إلى إذن خاص وجب ضرب عنقه بلا ريب ، ولو كان يغوص في الماء ويطير في الهواء . وقوله : واعتبر بتكرار قوله تعالى : بإذني } الخ إنما يتم الاحتجاج به للخواص لو كان تكرار الإذن في كل فرد من أفراد الأكمة وفي كل فرد من أفراد الموتى الخ . وبالجملة ؛ فالحرم الشرعي لا يجير عاصياً كما في الحديث فضلاً عن الزوايا وأضرحة الصالحين ، فالواجب على من بسط الله يده على عباده أن لا يلتفت إلى شيء مما يتخيله العامة من كون الله سبحانه ينتقم ممن أخرجهم لإقامة الحدود عليهم ، بل لو تحققنا الانتقام المذكور وأنه من أجل الإخراج وأن الله سبحانه أراد عدمه ، لوجب علينا اخراجهم للامتثال كما مّر ، فكيف والانتقام إنما هو متخيل متوهم ، وعلى فرض وقوعه فليس هو من أجل الإخراج بل هو أمر اتفاقي كما مر ، لا لكون الله أراد عدم إخراجهم . ومن العجائب أنهم يعتبرون المصائب التي تنزل بعد الإخراج ويعدونها انتقامات ولا يعتبرون المصائب التي تنزل مع عدم إخراجهم مع كثرتها ولا يعدونها انتقامات على عدم إلاخراج ، وعدم تنفيذ أوامر الله مع أن الله سبحانه إنما رتب المصائب على عدم الامتثال فقال : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } ( الشورى : 30 ) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } ( الرعد : 11 ) إلى غير ذلك من الآيات . وما انتقم الله من الأمم السابقة إلا لعدم امتثالهم أوامره باتباع رسله ، وقد نجا كل من امتثل أوامره باتباعهم ، وقد كثر الفساد من عدم إخراج الجناة من الزوايا والأضرحة ويتخيلون أن المصائب التي تنزل ولو بعد مائة عام إنما هي من ذلك ، وما أظن ذلك إلا من استخفاف الحكام بامتثال الأوامر وإقامة الحدود مع ضميمة التخيل المذكور ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
ولما تكلم الناظم على ما يجب في جراح العمد شرع في أحكام جراح الخطأ فقال :
وفي جِرَاحِ الخَطَإِ الْحُكْومهْ
وَخمسةٌ ديتُهَا مَعْلُومَهْ( وفي جراح الخطإ ) التي لا شيء فيها مقدر من قبل الشارع ككسر الفخذ والترقوة وعظم الصدر والعنق والصلب ونحو ذلك ( الحكومة ) إذا برئت على شين ، وإلاَّ فلا شيء فيها لا أدب ولا غيره وسيأتي تفسير الحكومة ( وخمسة ) من جراح الخطا ( ديتها معلومة ) وكلها في الرأس ما عدا الجائفة .
فَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٌ في الْمُوضِحَهْ
وَهْيَ التي تُلْفَى لعَظْمٍ مُوضِحَهْ
( فنصف عشر دية في الموضحة ) وعرفها بقوله : ( وهي التي تلفى لعظم موضحة ) أي كاشفة أياً كان العظم في الرأس وفي غيره ، لكن الدية التي هي نصف العشر خاصة بما إذا كانت .
في رَأسٍ أو وجهٍ كذَا المُنَقِّلهْ
عُشْرٌ بهَا ونِصفٌ مَعْدِلَهْ
( في رأس أو وجه ) يعني به الجبهة والخدين لا إن كانت في اللحى الأسفل أو في غيره من الجسد ، فحكومة إن برئت على شين ، وكذا بقية جراح الجسد من ملطاة وحارصة وغيرهما ففيها الحكومة إن برئت على شين ، وإلاَّ فلا شيء فيها . وظاهره أن الموضحة فيها ما ذكر فقط برئت على شين أم لا . وليس كذلك بل إذا برئت على شين فيزاد على ديتها حكومة على المشهور فيقوم عبداً صحيحاً ومعيباً على ما يأتي ويزاد على ديتها ما بين القيمتين ، وظاهره أيضاً أن ما قبل الموضحة من ملطاة ونحوها في الرأس والوجه لا شيء إلا الحكومة وليس كذلك بل الملطاة في الرأس فيها قولان . مذهب ابن كنانة أن فيها نصف دية الموضحة ، وروي أن عثمان وعمر رضي الله عنهما قضيا بذلك ، وقيل فيها دية الموضحة ذكر القولين في الشامل مصدراً بالأول . ( كذا المنقلة ) ديتها معلومة وهي ( عشر ) بضم العين وسكون الشين ( بها ونصف عشر ) بسكون الشين أيضاً ولو قال : عشرها ونصفه ( معدلة ) لا تزن البيت بلا كلفة أي عشر الدية ونصف عشرها يعدل جرحها حال كونها .
في المَوْضِعين مُطْلقاً وهْيَ التي
كسرَ فِرَاشِ العظمِ قد تَوَلَّتِ
( في الموضعين ) الرأس والوجه لا في اللحى الأسفل أو غيره من الجسد ، ففيها الحكومة إن برئت على شين ( مطلقاً ) عمداً أو خطأ إذ لا يقتص منها في العمد كما مر ( وهي ) أي المنقلة ( التي كسر فراش العظم ) فكسر مفعول بقوله . ( قد تولت ) أي هي التي تولت كسر صغار عظم الرأس أي التي ينقل الطبيب منها العظام الصغار كقشر البصل ليلتئم الجرح ، وتلك العظام هي التي يقال لها الفراش بالفتح والكسر فإضافته إلى العظم بيانية .وَعُشْرٌ ونِصْفُه في الهاشِمَهْ
وهَي لِعْظمِ الرَّأْسِ تُلفَى هاشِمَهْ
( وعشر ونصفه في الهاشمة وهي ) التي ( لعظم الرأس ) أو الوجه أو الخدين ( تلفى هاشمة ) أي كاسرة عمداً أو خطأ أيضاً ، إذ لا قصاص في عمدها . وعند ابن القاسم لا بد أن تصير منقلة إذ ما من هاشمة إلا عادت منقلة ، فالصواب إسقاطها على مذهبه وهو المعتمد .
وقيل نِصْفُ العُشْرِ أَوْ حُكُومَهْ
وَثُلُثُ الدِّيَةِ في الْمَأْمُومَهُ
( وقيل ) الواجب في الهاشمة ( نصف العشر ) كالموضحة ، وعزاه ابن عبد البر وابن رشد للجمهور . ( أو ) أي وقيل الواجب فيها ( حكومة ) فيه ثلاثة أقوال مشهورها أولها : ( وثلث الدية في المأمومة ) ويقال لها أيضاً الأمة بالمد والتشديد وسواء كانت عمداً أو خطأ أيضاً .
وما انتهتْ للجَوفِ وهي الجائِفَهْ
كذاكَ والأولى الدِّماغُ كاشِفَهْ
( وما انتهت للجوف ) وإن بمقدار إبرة ( فهي الجائفة كذاك ) فيها ثلث الدية عمداً أو خطأ أيضاً ، إذ لا قصاص في عمدها ، وسواء وصلت للجوف من البطن أو الظهر فإن نفذت منهما فجائفتان فيهما ثلث الدية . ( والأولى ) يعني المأمومة وهي التي ألفيت ( الدماغ كاشفة ) أي أفضت لأم الدماغ وبقي عليه الدامغة وهي التي خرقت خريطته كما مر ، وفيها ثلث الدية كما مر . وقد أشار ( خ ) إلى ما تقدم بقوله : إلا الجائفة والأمة فثلث ، والموضحة فنصف عشر ، والمنقلة الهاشمة فعشر ونصفه وإن بشين فيهن وإن كن برأس أو لحى أعلى الخ . واعترض عليه ذكر الهاشمة لأنها المنقلة عند ابن القاسم ، وبقيت عليه الدامغة أيضاً وفيها ثلث الدية .
وقد تحصل مما مر أن ما فيه ثلث الدية هو على العاقلة في الخطأ منجماً كما مر ، وما لم يبلغ الثلث كالمنقلة والموضحة هو في مال الجاني حال عليه كالعمد فإنه مغلظ حال في مال الجاني وأن ما فيه الدية لا حكومة فيه بعدها برىء على شين أم لا . إلا الموضحة ففيها الحكومة زيادة على الدية إن برئت على شين ، وإن ما عدا هذه الجراحات المذكورة ليس فيه إلا الحكومة إن برىء على شين في الخطأ كما قدمه في قوله : في جراح الخطأ الحكومة الخ . وأما جراح العمد ففيه القصاص أو ما تراضيا عليه من قليل أو كثير إلا ما فيه خطر فلا قصاص فيه ، وهو حينئذ على وجهين : إما أن يكون فيه شيء مقدر كالجائفة ونحوها ففيه ما قدره الشارع مغلظاً ، وإما أن لا يكون فيه شيء مقدر ككسر الفخذ ونحوه ، ففيه الحكومة مغلظة مع الأدب في العمد من حيث هو كما قال :
وَلاجْتِهَادِ حاكِمٍ مَوْكُولُ
في غيرِها التأدِيب والتَّنْكِيلُ( ولاجتهاد حاكم موكول في غيرها ) أي غير جراح الخطأ وهي جراح العمد ( التأديب والتنكيل ) أي العقوبة أي لا بد من الأدب للجارح عمداً اقتص منه أو لم يقتص لخطر الجرح أو للعفو عن قصاصه وقدر الأدب باجتهاد الحاكم في عظم الجناية وخفتها واعتياد الجاني لها ووقوعها منه فلتة كما في ضيح .
وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ التقويما
في كونِهِ مَعيباً أَوْ سَليما
( وجعلوا الحكومة ) الواجبة فيما ليس فيه شيء مقدر من جراح الخطأ كالمنقلة والموضحة في غير الرأس ، ونحو باضعة وسمحاق مطلقاً وعظم ترقوه وفيما فيه خطر من جراح العمد الذي لا قصاص فيه وليس فيه شيء مقدر أيضاً ككسر الفخذ والعنق والصدر ونحو ذلك مما مرّ ( التقويما ) للمجروح بعد برئه بتقدير كونه عبداً فرضاً أي مفروضاً عبوديته إن ابيض فأبيض وإن اسود فأسود ، وينظر ( في ) قيمة ( كونه معيباً ) بتسعين مثلاً ( أو ) بمعنى الواو في قيمة كونه ( سليما ) من عيب الجناية بمائة مثلاً فقد نقصه عيب الجناية العشر فيأخذ من الجاني عشر ديته كما قال :
وَمَا تَزيدُ حالةُ السَّلاَمَهْ
يأْخُذُهُ أَرْشاً وَلاَ مَلاَمَهْ
( وما تزيد حالة السلامة ) وهو العشر في المثال المذكور ( يأخذه ) المجنى عليه ( أرشاً ) أي يأخذ بنسبته من ديته ذكراً كان أو أنثى أو ذمياً أو غير ذلك ، فأخذ الذمي في المثال المذكور عشر ديته والمرأة عشر ديتها وهكذا ، وإن نقصه العيب سدس قيمته أو ثلثها كما لو قوم معيباً بستين وسالماً بتسعين فيأخد سدس ديته أو ثلثها ، ويكون على عاقلة الجاني في الخطأ لأن الحكومة بلغت سدس دية المجنى عليه ، وقد تقدم أن ما بلغ الثلث هو على العاقلة في الخطأ وما دون الثلث فهو حال في مال الجاني والحكومة في عمد القصاص فيه تكون مغلظة بالتربيع والتثليث حال في مال الجاني أيضاً كما مر ، وأشعر قوله : معيباً أن الحكومة إنما تجب إذا برىء على شين فحينئذ يأخذ من ديته بقدر نسبة نقص قيمته معيباً عن قيمته سالماً ، وأما إن برىء على غير شين فلا شيء فيه إلا الأدب في العمد . ( ولا ملامة ) عليه في تقويمه عبداً تقديراً .
وَيَثْبُتُ الجِرَاحُ للمَالِ بِمَا
يَثْبُتُ ماليُّ الْحُقُوقِ فاعْلَمَا
( ويثبت الجراح للمال ) أي لأجل المال يعني الجراح التي لا قود فيها عمداً كانت أو خطأ ، وإنما فيها المال المقدر من الشارع أو الحكومة ( بما يثبت ) به ( مالي الحقوق ) أي الحقوق المالية وهوعدل وامرأتان أو أحدهما مع اليمين ( فاعلما ) ( خ ) : وفي الجراح حكومة بنسبة نقصان الجناية إذا برىء من قيمته عبداً فرضاً من الدية الخ . ومفهوم قوله : للمال أن جراح غير المال وهي جراح العمد التي فيها القصاص لا تثبت بما يثبت به مالي الحقوق ولا بد فيها من عدلين ، وليس كذلك ، ففي المدونة : ومن أقام شاهداً عدلاً على جرح عمداً وخطأ فيحلف معه يميناً واحدة ويقتص في العمد ويأخذ الفعل في الخطأ اه . وتقدم قول ( خ ) : ومن أقاما شاهداً على جرح حلف واحدة إلى آخر ما تقدم عند قوله : وليس في عبد ولا جنين الخ . فلو قال الناظم : ويثبت الجراح مطلقاً بما الخ . لوفي بالمراد وثبوت جراح العمد بالشاهد واليمين إحدى المستحسنات الأربع التي استحسنها الإمام ولم يسمع فيها شيئاً من غيره ، ثانيها : شفعة الثمار المشار لها بقول ( خ ) في الشفعة وكثمرة ومقائي الخ . وتقدمت للناظم في الشفعة أيضاً . وثالثها : شفعة الأشجار المشار لها بقول ( خ ) في الشفعة أيضاً وكشجر وبناء بأرض حبس أو معير الخ . ومعناه أنه إذا انقصت مدة العارية وباع أحدهما واجبه في النقص ، فلصاحبه الشفعة إن امتنع المعير من أخذه . ورابعها : أنملة الإبهام ففيها نصف دية الأصبع استحساناً المشار لها بقول ( خ ) في الدماء والأنملة ثلثه إلا في الإبهام فنصفه فالمستحسنات اثنان منها في الشفعة واثنان منها في الدماء .
وفي ادّعاءِ العَفْوِ مِنْ وَلِيِّ دَمْ
أَوْ مِنْ جَريحٍ الْيَمِينُ تُلْتَزَمْ
( وفي ادعاء العفو من ولي دم أو من جريح اليمين ) مبتدأ خبره ( تلتزم ) وفي متعلق به ومعناه أن اليمين تلزم ولي الدم في ادعاء القاتل عليه العفو أو ادعاء الجارح ذلك على المجروح ( خ ) : وللقاتل الاستحلاف على العفو فإن نكل الولي حلف أي القاتل واحدة وبرىء وتلوم له في بينته الغائبة يعني القريبة وإن نكل القاتل قتل ، وهذا صحيح على قاعدة قولهم : كل دعوى لو أنكرها المدعى عليه انتفع المدعي بنكوله سمعت وتوجهت فيها اليمين ، ووارد على قولهم كل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها لأن العفو ليس بمال ولا آيل إليه ، وما كان كذلك لا تتوجه فيه اليمين بمجرد الدعوى ، وهذا توجهت فيه . فالقاعدة الثانية حينئذ أغلبية وإنما خرج العفو منها للاحتياط للدم وعليه ، فإذا قام للقاتل شاهد واحد بالعفو فإنه يحلف مع شاهد ويبرأ كما كان يحلف مع نكول الولي ويبرأ ، قاله بعض القرويين لأن النكول بمنزلة الشاهد ، وقيل لا تجوز شهادة الشاهد بالعفو وهي كالعدم ، وحكاه ابن أبي زيد في مختصره ونحوه لأبي عمران .
تنبيه : إذا عفا المجروح عن جرحه أو صالح ثم مات فلورثته أن يقسموا لمن ذلك الجرح مات ويقتصوا في العمد ويأخذوا الدية في الخطأ ، وسواء صالح عنه وعما يؤول إليه وعنه فقطعلى المعتمد خلافاً لما اقتصر عليه ابن سلمون من أنه إذا صالح عنه وعما يؤول إليه فلا قيام لهم إذا مات انظر ( خ ) وشراحه في الصلح .
وقَوَدٌ في القَطْعِ للأَعْضاءِ
في العَمْدِ مَا لَمْ يُفْضِ لِلْفَنَاءِ
( وقود ) يجب ( في القطع للأعضاء ) كيد أو رجل أو ذكر أو شفتين أو لسان أو مارن أنف وكذا لو قطع بضعة من لحم ففيها القصاص ( في العمد ما لم ) يخف أن ( يفض ) القود المذكور ( للفناء ) أي الموت كقطع الفخذ أو اللسان أو الذكر أو الأنثيين ، وإلا فلا قود لئلا يؤدي إلى أخذ النفس فيما دونها . وإنما فيه الدية إن كان فيها شيء مقدر كاللسان والذكر والأنثيين كما يأتي ، وإن لم يكن فيه شيء مقدر ككسر الفخذ والعنق ففيه الحكومة وإن برىء على شين وإلاَّ فلا شيء فيه إلا الأدب كما مر ، وربما يستغنى عن هذا البيت بقوله فيما مر : ودية مع خطر فيها فقد .
والخطأ الدِّيَةُ فيهِ تُقْتَفَى
بحَسَبِ الْعُضْوِ الذي قدْ أُتْلِفَا
( والخطأ ) مبتدأ ( الدية ) مبتدأ ثان ( فيه تقتفى ) خبر الثاني وهو وخبره خبر الأول أي : والقطع خطأ تتبع الدية فيه ( بحسب العضو الذي قد أتلفا ) فمنه ما تجب فيه الدية كاملة ، ومنه ما يجب فيه نصفها كما قال :
وَديةٌ كاملةٌ في المُزْدَوِجْ
ونِصفُها في واحِدٍ مِنْه انْتُهِجْ
( ودية ) لو فرعه بالفاء لكان أولى ( كاملة في ) قطع ( المزدوج ) من الأعضاء خطا كاليدين والرجلين والعينين والأذنين والشفتين والأنثيين والشفرين إن بدا العظم وثديي المرأة وحلمتيها إن بطل اللبن ، فإن لم يبد العظم أو لم يبطل اللبن بقطع الحلمتين فحكومة ، وأما قطع ثديي الرجل ففيهما حكومة فقط ( ونصفها ) أي الدية ( في ) قطع ( واحد منه ) أي المزدوج ( انتهج ) أي سلك . ففي اليد الواحدة نصف الدية وفي الرجل الواحدة كذلك ، وفي العين كذلك وهكذا إلا عين الأعور ففيها الدية كاملة كما يأتي .
وَفي اللسَانِ كُمِلَتْ وَالذَّكَرِ
والأَنْفِ وَالْعَقْلِ وَعينِ الأَعْوَرِ
( وفي ) قطع ( اللسان ) كله ( كملت ) الدية على عاقلة قاطعة ، وكذا تكمل إن قطع منه ما منعه من الكلام ، فإن لم يمنعه من الكلام فحكومة ( خ ) عاطفاً على ما فيه الدية كاملة ما نصه :وفي لسان الناطق وإن لم يمنع النطق ما قطعه فحكومة كلسان الأخرس واليد الشلاء والساعد وأليتي المرأة وسن مضطربة جداً وعسيب ذكر بعد الحشفة الخ . أي هذه الأشياء التي بعد الكاف إنما فيها حكومة فقط . ( و ) كملت أيضاً في قطع ( الذكر ) كله أو في قطع حشفته فقط ، فإن قطع بعضها كثلثها فيأخذ المجنى عليه من الدية بحساب ذلك ، فإن قطع الذكر والأنثيين فديتان كاملتان ولو بضربة واحدة على المشهور ، فإن كان مقطوع الحشفة وقطع هذا عسيبه فقط فحكومة كما مرّ . ( و ) كملت أيضاً في قطع ( الأنف ) كله أو في قطع مارنه وهو ما لان من الأنف ، فإن قطع بعض المارن فبحسابه أيضاً ، فإن كان مقطوع المارن وقطع هذا باقي الأنف فحكومة فيما يظهر . ( و ) كملت أيضاً في إذهاب ( العقل ) بضربة ونحوها ( و ) في ( عين الأعور ) للسنة بخلاف ما عداها من آحاد المزدوجين كأذن أو رجل فإنما فيه نصف الدية وإن لم يكن له غيره .
وفي إزَالَةٍ لِسَمْعٍ أَوْ بَصَرْ
والنصْفُ في النصفِ وَشَمَ كالنَّظَرْ
( و ) كملت أيضاً ( في إزالة لسمع ) كله ( أو بصر ) كله بضربة أو أكل أو شرب أو فعل من الأفعال ( والنصف ) من الدية ( في ) إزالة ( النصف ) من سمع أو بصر أو غيرهما ( و ) إزالة ( شم ك ) إزالة ( النظر ) فإن أزاله كله فالدية كاملة . وإن أزال نصفه وجب فيه نصفها أو ثلثه فثلثها وهكذا .
وَالنطْقِ والصوتِ كذا الذوقِ وفي
إذْهاب قوةِ الجماعِ ذَا اقتُفي
( والنطق والصوت ) بالجر فيهما أي في إزالة كل واحد منهما دية كاملة ولا يندرج أحدهما في الآخر إلا أن يذهبا معاً بضربة أو أكل ، ونحو ذلك فدية واحدة . والنطق صوت بحروف والصوت هواء منضغط يخرج من داخل الرئة كان بحروف أم لا ، فعطفه على النطق من عطف العام على الخاص ، إذ لا يلزم من ذهاب الخاص ذهاب العام والكلام هو اللفظ المفيد فهو أخص من النطق ، فإذا جنى عليه فأذهب كلامه ونطقه وصوته فدية واحدة ، وإذا أذهب الكلام فقط بحيث لا يقدر على تركيب المفردات حتى تحصل الفائدة فدية واحدة أيضاً ، فإن لم يكن له إلا النطق بالمفردات فأذهبه أو الصوت فأذهبه فدية كاملة أيضاً ، وإذا أذهب بعض نطقه أو صوته فبحسابه من الدية . ( كذا الذوق ) أي في إذهابه كله ففيه الدية كاملة وبعضه بحسابه ( وفي إذهاب قوة الجماع ) بضربة أو أكل ونحوهما ( ذا ) مبتدأ أي وجوب الدية الكاملة ( اقتفي ) في إذهاب قوةالجماع بأن أبطل إنعاظه أو قطع ماءه أو أفسده حتى صار ماؤه لا يتكون منه نسل ، وكذا إبطال قيامه أو جلوسه أو تجذيمه أو تبريصه ( خ ) : والدية في العقل أو السمع أو البصر أو الشم أو النطق أو الصوت أو الذوق أو قوة الجماع أو نسله أو تجذيمه أو تبريصه أو قيامه أو جلوسه أو تسويده إلى أن قال : وجرب العقل بالخلوات والسمع بأن يصاح من أماكن مختلفة مع سد الصحيحة ونسب لسمعه الآخر ، وإلاَّ فسمع وسط وله نسبته إن حلف ولم يختلف قوله : وإلاَّ فهدر والبصر بإغلاق الصحيحة كذلك ، والشم برائحة حادة والنطق بالكلام اجتهاداً بأن يقول أهل المعرفة : ذهب من كلامه نصفه أو ثلثه فيعطى بقدر من ديته ، والذوق بالمر كصبر بفتح الصاد وكسر الباء الموحدة وقد تسكن في ضرورة الشعر كقوله :
الصبر كالصبر مر في مذاقته
لكن عواقبه أحلى من العسل
وإن لم يمكن اختباره بما تقدم أو أخبر وأشكل أمره صدق مدعي ذهاب الجميع بيمين ما عدا العقل فإنه لا تمكن الدعوى فيه من المجنى عليه ، بل من وليه وهو لا يحلف ليستحق غيره فيصدق بغير يمين .
وكلُّ سِنَ فيهِ مِنْ جِنْسِ الإبِلْ
خَمْسٌ وَفي الأصْبَعِ ضِعْفُهَا جُعِلْ ( وكل سن ) مبتدأ خبره ( فيه من جنس الإبل خمس ) أي يجب في كل سن نصف عشر الدية مخمسة في الخطأ ومثلثة في الأب ونحوه ، ولو عبر به لكان أولى ليشمل المسلم وغيره ، ففيها في الحر المسلم على أهل الإبل خمس من الإبل ، وعلى أهل الذهب خمسون ديناراً وهكذا ، وظاهره ثنية كانت السن أو رباعية أو ضرساً قلعت من أصلها أو من اللحم قلعها أو سودها أو اصفرت أو احمرت أو اضطربت جداً ، فإن كسرها فبحساب ذلك وهو كذلك في الجميع ( خ ) : وفي كل سن خمس وإن سوداء بقلع أو اسوداد أو بهما أو بحمرة أو صفرة إن كان عرفاً كالسواد أو باضطرابها جداً . ( وفي الأصبع ضعفها ) وهو عشرة من الإبل ومائة دينار ( جعل ) وفي الأنملة ثلث إلا في الإبهام فنصفه ، وسواء كانت الأصبع من يد أو رجل ولو زائدة حيث كانت لا قوة لها كالأصلية ، وسواء كانت الجناية على الزائدة عمداً أو خطأ إذ لا قود فيها لعدم المماثل .
تنبيه : تقدم أنه إذا قطع ذكره وأنثياه ولو بضربة واحدة فديتان ، وكذا تتعدد الدية لو أذهبسمعه وبصره أو أذهب الذوق وقوة الجماع أو قطع يده فذهب عقله ، وهكذا إلا المنفعة بمحلها كما لو قطع أذنيه فزال سمعه ، أو قطع مارنه فذهب شمه ، أو قلع عينيه فذهب بصره فديّة واحدة لأن المنفعة بمحل الجناية ، وكذا لو جنى على لسانه فأذهب ذوقه ونطقه أو فعل به ما أذهب النطق والذوق بقاء اللسان فدية واحدة ، وأما إن أوضحه فذهب عقله ، فإن قلنا إن محله الرأس كما هو مذهب أبي حنيفة وابن الماجشون ، فكذلك وإن قلنا إن محله القلب وهو قول مالك وأكثر أهل الشرع فديّة للعقل ونصف عشرها للموضحة ، وهذا كله إن أذهب ذلك بضربة أو ضربات في فور ، وأما بضربات في غير فور فتتعدد ولو بمحلها ( خ ) : وتعددت الدية بتعددها إلا المنفعة بمحلها الخ .
ودِيةُ الْجُرُوحِ في النساءِ
كدِية الرّجال بالسَّوَاءِ ( ودية الجروح في النساء كدية الرجال بالسواء ) فديّة جرح المرأة كديّة الرجل من أهل دينها فلها في الموضحة إن كانت حرة مسلمة نصف عشر دية الحر المسلم وهو خمس من الإبل على أهل الإبل وخمسون ديناراً على أهل الذهب ولها في المنقلة والهاشمة عشر الدية ونصف عشرها وهو خمس عشرة من الإبل ومائة وخمسون ديناراً فهي والرجل في ذلك سواء لأن ذلك لم يبلغ ثلث دية الرجل من أهل دينها ، ولها في ثلاثة أصابع ثلاثون من الإبل وثلاثمائة دينار ، وهكذا في كل جرح لم تبلغ ديته ثلث دية الرجل من أهل دينها فإن بلغت ثلث ديته كجائفة ومأمومة فترجع لديتها كما قال :
إلاّ إذَا زَادَتْ عَلَى ثُلْثِ الدِّيَهْ
فما لها مِنْ بَعْدِ ذَاكَ تَسْوِيَهْ ( إلا إذا زادت ) صوابه ساوت بها ( على ثلث الدية فما لها من بعد ذاك تسوية ) وإنما قلنا صوابه ساوت لأن كلامه يقتضي أنها لا ترجع لديتها إلا إذا زادت دية جرحها على ثلث ديته كيد أو رجل مثلاً وليس كذلك بل ترجع لديتها إذا ساوت دية جرحها ثلث ديته كما في الجائفة أو المأمومة ، فلها فيهما حينئذ ستة عشر بعيراً وثلثا بعير فأحرى إذا زادت كيد أو رجل فلها فيهما خمس وعشرون من الإبل ومائتان وخمسون ديناراً ، ولها في أربعة أصابع عشرون من الإبل ( خ ) : وساوت المرأة الرجل لثلث ديته فترجع لديتها الخ . وقال في المدونة : والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديته لا تستكمله ، فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها فلها في ثلاثة أصابع ونصف أنملة إحدى وثلاثون بعيراً وثلثا بعير ، والرجل في هذا وهي سواء ، وإذا أصيب منها ثلاثة أصابع وأنملة رجعت إلى عقلها فكان لها في ذلك ستة عشر بعيراً وثلثا بعير اه . وفي الموطأ عن ربيعة قلت لابن المسيب : كم في ثلاثة أصابع من المرأة ؟ قال : ثلاثون . قلت : فكم في أربع ؟قال : عشرون . فقلت حين عظم جرحها نقص عقلها . فقال : أعراقي أنت ؟ فقلت : بل عالم متثبت أو جاهل متعلم . فقال : تلك السنة يا ابن أخي .
تنبيه : ظاهر النظم أنها إذا ساوت ثلث الدية أو زادت ترجع لديتها ولو تعدد الفعل وهو كذلك في الأصابع فقط حيث اتحد المحل ، فلو قطع لها أربعاً من الأصابع من كل يد أصبعين بضربة واحدة أو ضربات في فور واحد أو جماعة أو قطع لها ثلاثاً من يد أو رجل وأصبعاً من اليد أو الرجل الأخرى بضربة أو ضربات في فور أيضاً أخذت عشرين من الإبل فقط ، لأن الفعل الواحد وما في حكمه يضم ما نشأ عنه بعضه إلى بعض ، ولو تعدد المحل كافي المثال ، وأحرى لو اتحد المحل ولو قطع لها ثلاثاً من يد واحدة أو رجل بضربة أو ضربات أخدت ثلاثين من الإبل لكل أصبع عشر من الإبل ثم إن قطع لها بعد ذلك من تلك باليد أو الرجل أصبعاً رابعاً أو أكثر فلها في كل أصبع خمس من الإبل ، وإنما كان لها خمس فقط لأن متحد المحل يضم بعضه إلى بعض ولو تعدد الفعل لكونه في غير فور ، وأما إن تعدد الفعل والمحل معاً كما لو قطع لها ثلاثاً من يد فأخذت ثلاثين ثم قطع لها بعد ذلك ثلاثاً من اليد الأخرى فتأخذ ثلاثين أيضاً ، ولا يضم من يد أحدهما للآخر لتعدد كل من الفعل والمحل ، وهذا كله في الأصابع لا في الأسنان فإنه لا يضم بعضها إلى بعض إذا تعدد الفعل ، وسواء كانت من حنك أو حنكين لأن الحنكين محل واحد ، فإذا قلع لها عشر أسنان في عشر ضربات متفرقات ليست في فور واحد ، فلها في كل سن خمس من الإبل ، وإن قلعها في ضربة واحدة أو ما في حكمها كضربات في فور فإنها تضم وترجع إلى ديتها في سبع أسنان فأكثر وضم متحد الفعل وما في حكمه أو المحل في الأصابع لا في الأسنان .
باب التوارثمصدر على وزن تفاعل من توارث القوم إذا ورث بعضهم بعضاً ، والميراث اسم للمال المتروك وهو مفعال من ورث يرث ورثاً ووراثة والإرث اسم للشيء الموروث وهمزته منقلبة عنواو كأشاح وسمي المال المتروك ميراثاً لأنه يبقى بعد موت صاحبه ، وكذلك الورثة لبقائهم بعد الميت لأخذهم الإرث .
( والفرائض ) جمع فريضة من الفرض بمعنى التقدير من قوله تعالى فنصف ما فرضتم } ( البقرة : 237 ) أي قدرتم أي أوجبتم يقال : فرضت الشيء أفرضه أي أوجبته وقدرته . وتسمية هذا العلم بعلم الفرائض اصطلاحية ، وإلاَّ فعلم الفرائض في اللغة يشمل الواجبات كلها من فرائض الصلاة والزكاة وغير ذلك ، وسمي بذلك لكثرة دوران الفرض على ألسنة أهله وهو علم قرآني جليل ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى أحد بل تولاها بنفسه وبينها أتم بيان ) وقال : ( تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وأن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما ) . وفي الجواهر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم ) .
واعلم أن علم الفرائض له حد ، وموضوع وغاية ، فغايته أي ثمرته حصول ملكة للإنسان توجب سرعة الجواب على وجه الصحة والصواب ، وأما حده وموضوعه فقال ابن عرفة : وعلم الفرائض لقباً الفقه المتعلق بالإرث وعلم ما يوصل لمعرفة قدر ما يجب لكل ذي حق في التركة . وموضوعه التركات لا العدد خلافاً للصودي فقوله : لقباً معناه أن علم الفرائض نقل من معناه الأصلي الذي هو علم الواجبات وصار لقباً لهذا الفن فاحترز بقوله : لقباً من علم الفرائض مضافاً باقياً على إضافته ، فإنه أعم لشموله جميع الواجبات على اختلاف أنواعها كما مر ، فهو كقولهم بيوع الآجال لقباً وإضافة فهو إضافة يشمل كل بيع لأجل ، ولقباً مقصور على بيوع الآجال المتحيل فيها على دفع قليل من كثير ، وقوله : المتعلق بالإرث أي إثباتاً أو نفياً من إرث وحجب وتعيين القدر الموروث ، وخرج بالإرث ما تعلق بالعبادات والنكاح والمعاملات . وقوله : وعلم الخ . . هو بالرفع معطوف على قوله الفقه ، وما في قوله ما يوصل واقعة على الحساب الذي يتوصل به لمعرفة قدر ما يجب لكل وارث ، فحقيقة هذا العلم مركبة من أمرين معرفة من يرث ومن لا يرث ، ومعرفة كيفية القسمة والعمل في مسائل المناسخات وغيرها ، وهذا الثاني لم يتكلم عليه الناظم بل هو باق عليه ، وقوله : وموضوعه التركات الخ يعني لأنها يبحث فيها عن عوارضها الذاتية أي عن أحوالها اللاحقة لها من كون تجهيز الميت يقدم ثم تقضى ديونه ثم وصاياه ، وكون هذا الوارث له ربعها أو نصفها وهذا يرث منها وهذا لا يرث ونحو ذلك .وموضوع كل علم ما يبحث فيه من عوارضه الذاتية ، فموضوع علم النحو مثلاً الكلمات لأنه يبحث فيه عن أحوالها التي تعرض لها في تركيبها من رفع ونصب وتعريف وتنكير ، وموضوع علم التصريف المفردات لأنه يبحث فيه عن أحوالها من صحة وإعلال وتفكيك وإدغام ، وهكذا . وعليه فمن لم يترك شيئاً فليس لهذا العلم بالنسبة إليه موضوع ، وأما الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي بكر بن يحيى الصودي المالكي فقد قال في شرح الحوفية : إن موضوع هذا العلم العدد ، ورده ابن عرفة بأن العدد موضوع لعلم الحساب ولا يكون الشيء الواحد موضوعاً لأمرين قيل : والخلاف بينهما في حال لأن الصودي اعتبر ما اصطلح عليه الفراض من إلغاء التركة لعدم انضباطها ، وعمدوا إلى أعداد يحصرها العدد ويضبطها الحد وسموها أصولاً كما يأتي في قوله : ستة الأصول منها في العمل الخ . فجعلوها كالقالب تفرغ فيه كل تركة فصارت تلك الأعداد التي سموها أصولاً موضوعة لهذا العلم بهذا الاعتبار وأما ابن عرفة فراعى أن التصرف في تلك الأعداد إنما هو وسيلة إلى التوصل لمعرفة كيفية قسمة التركة ، فالمقصود بالقسمة هو التركة . فابن عرفة راعى الموضوع بالقصد والذات ، والصودي راعى الموضوع بالأولية والغرض والوسيلة ، وكل من الاعتبارين صحيح ، وكون العدد موضوعاً لعلم الحساب لا يمنع أن يكون موضوعاً لعلم الفرائض بالاعتبار المتقدم . والتركة حق يقبل التجزأ ثبت لمستحق بعد موت من كان له بقرابة أو ما في معناها كالنكاح والولاء فقوله : حق بتناول المال وغيره كالخيار والشفعة والقصاص ، فكلها تركة وكلها تقبل التجزأ لأن المراد بقبول التجزىء ما يمكن أن يقال فيه لهذا نصفه ولهذا ثلثه مثلاً ، وهذه الثلاثة كذلك ، وليس المراد به خصوص ما يقبل الامتياز حساً فقط كالعدد من الدراهم والدور والأرض ، بل ما يشمل الامتياز حقيقة كالأرض أو حكماً كالشفعة وخرج بقابل التجزىء الولاء الذي هو لحمة كلحمة النسب فإنه وإن كان ينتقل للأبعد بعد موت الأقرب لكنه لا يقبل التجزأ ، فكما لا يقال لهذا نصف النسب كذلك لا يقال لهذا نصف الولاء الذي هو لحمة كالنسب ، وكذا ولاية النكاح فإنها تنتقل بموت الأب مثلاً ولا تقبل التجزأ وإلاَّ لم يصح عقد الأولياء المتساوين إلا بموافقة جميعهم ، وأما الولاء بمعنى الإرث فهو قابل للتجزىء ، وخرج بقوله بعد موت من كان له الحقوق المنتقلة بالشراء والهبة ونحوهما ، وخرج بقوله بقرابة الخ . الوصية على المشهور من أنها تملك بالموت ثم الإرث بين الأحرار المسلمين يكون بأحد ثلاثة أشياء أشار لها الناظم بقوله :
الإرْثُ يُسْتَوْجَبُ شَرْعَاً وَوَجَبْ
بِعِصْمَةٍ أَوْ بِوَلاءٍ أَوْ نَسَبْ
( الإرث ) مصدر ورث وهمزته منقلبة عن واو كما مر ( يستوجب ) بالبناء للمفعول ( شرعاً ) أي يستحق بالشرع وهو الكتاب والسنة والإجماع والقياس ( ووجب ) لمستحقه بالشرع بأحد ثلاثة أمور . إما ( بعصمة ) أي نكاح منعقد ولو فاسداً غير متفق على فساده كنكاح المحرم والشغارونكاح العبد والمرأة فإنه إذا مات أحدهما قبل فسخه ورثه الآخر مات قبل الدخول أو بعده ، فإن كان متفقاً على فساده كنكاح ذات محرم بنسب أو رضاع أو خامسة فلا ميراث فيه ولو بعد دخوله ، وكذا نكاح المريض لا إرث فيه وإن كان مختلفاً فيه لأن فساده من جهة إرثه لثبوت الإرث فيه تتمة للغرض الفاسد الذي هو إدخال الوارث ، وقد مر ذلك مبيناً في فصل الفسخ وفي فصل فاسد النكاح . ( أو بولاء ) وهو لحمة كلحمة النسب يحدثها العتق ، فإذا مات المعتق بالفتح ولا عاصب له من نسبه فإنه يرثه المعتق بالكسر ، فإن لم يكن فعصبته من ولده وإن سفل ، فإن لم يكن له ولد فأبوه وإن علا ، فإن لم يكن له أب ولا ولد فأخوه أو عمه ، وهكذا فإن لم يوجد المعتق ولا عصبته فمعتق المعتق بالكسر فيهما ( خ ) : وقدم عاصب النسب ثم المعتق ثم عصبته كالصلاة ثم معتق معتقه ، ولا ترثه أنثى إلا إن باشرت عتقه أو جره ولاء بولادة أو عتق ( أو نسب ) أي قرابة من بنوة وأبوة وأخوة وعمومة ونحوها . وقد تجتمع الثلاثة كابن عم لامرأة معتق لها زوج لها أو اثنان ككونه معتقاً لها ، وزوجها أو زوجها وابن عمها ، ولا يستحق الإرث بشيء من هذه الأسباب الثلاثة إلا بعد ثبوتها ولو بالسماع الفاشي كما مر في الشهادات ، فإن لم يحط بالميراث شيء من هذه الوجوه فبيت المال كما يأتي في قوله : وبيت مال المسلمين يستقل الخ . واحترزت بقولي الأحرار من الأرقاء فإن مال الرقيق ولو مبعضاً لسيده ( خ ) : ولسيده المعتق بعضه جميع إرثه الخ . وتسميته إرثاً مجازاً وبالمسلمين من الكفار فإنه لا إرث بين مسلم وكافر كما يأتي .
جميعُها أرْكانُهُ ثَلاثهْ
مالٌ وَمِقْدَارٌ وَذُو الوِرَاثَهْ
( جميعها ) أي الأسباب الثلاثة أي كل فرد منها ( أركانه ثلاثة مال ) متروك عن الميت ( ومقدار ) ما يرثه كل وارث ( وذو الوراثة ) أي معرفة من يرث ممن لا يرث فإنه لا يصح الإرث بالعصبة أو الولاء أو النسب إلا باجتماع هذه الأركان الثلاثة ومهما اختل واحد منها لم يصح .
فصل في ذكر الوارثين من الرجال والنساءذُكُورُ من حَقَّ له الميرَاثُ
عَشْرَةٌ وَسَبْعٌ الإنَاثُ
( ذكور من حق ) أي ثبت ( له الميراث عشرة ) ويتفرعون إلى ثمانية عشر كما يأتي ( وسبعالإناث ) ويتفرعن أيضاً إلى عشرة كما يأتي فمجموع من يرث ثمانية وعشرون ، فالرجال الثمانية عشر .
الأَبُ وَالْجَدُّ له وَإنْ عَلاَ
ما لم يكُنْ عَنْهُ بأنثى فُصِلاَ
( الأب ) يرث بالفرض تارة كما لو كان للهالك ولد ذكر ، وبالفرض والتعصيب تارة كما لو كان للهالك بنت أو بنت ابن اتحدت أو تعددت فإنه يفرض له معها أو معهن السدس ، ويأخذ الباقي بالتعصيب ، فإن انفرد ولم يكن للهالك غيره فيرث الجميع بالتعصيب ( والجد له ) أي للهالك ( وإن علا ) فيرث بالفرض تارة وبالفرض والتعصيب أخرى وبالتعصيب والانفراد كما مرَّ في الأب حرفاً حرفاً ( خ ) : ويرث بفرض وعصوبة الأب ثم الجد مع بنت وإن سفلت الخ . إلا أن الأب يحجب الإخوة والجد لا يحجب إلا الإخوة للأم ، فله مع الإخوة أو الأخوات الأشقاء أو لأب الخير من الثلث أو المقاسمة وله مع ذي فرض معهما السدس أو ثلث الباقي أو المقاسمة كما يأتي . ( ما لم يكن ) الجد ( عنه ) أي عن الهالك ( بأنثى فصلاً ) فإنه لا ميراث له والمجروران يتعلقان بقوله : فصلاً . وخرج بذلك جد الهالك لأمه وجد أبيه من جهة أمه .
وَالزوْجُ وابن وَابْنُهُ هَبْ سَفُلاَ
كذاكَ مَوْلى نِعْمةٍ أَوْ بِوَلاَ
( والزوج ) ويرث بفرض فقط تارة كما لو كان أجنبياً أو بفرض وعصوبة كما لو كان ابن عمها ، فإنه يرث النصف بالفرض والباقي بالتعصيب حيث لم يكن هناك من يشاركه فيه أو من هو أولى به منه ( وابن ) للهالك فإنه يرث بالتعصيب فقط إما الجميع أو الباقي بعد ذوي الفروض ( وابنه ) أي ابن الابن حيث لم يكن ابن ( هب ) إنه ( سفلا ) بضم الفاء وفتحها وهو أشهر وهو عاصب فقط كالابن ( كذاك مولى نعمة ) وهو الذي باشر العتق بنفسه ولو أنثى فإنه عاصب حيث لا عاصب للمعتق بالفتح من نسبة فيرث الجميع أو الباقي بعد الفروض ، وقد يرث بالفرض وبالتعصيب كما لو كان زوجاً ( أو ) مولى ( بولا ) وهو من لم يباشر العتق بل أعتقه أبوه أو جده أو أخوه أو عمه أو جره له الولاء بولادة أو أعتق فإنه عاصب يجري فيه ما يجري في مولى النعمة .
وَالأَخُ وابنُ الأَخِ لا لِلأُمِّ
والعمُّ لا لِلأُمِّ وَابْنُ العَمِّ
( والأخ ) الشقيق أو لأب أو لأم والأولان عاصبان فقط والثالث من ذوي الفروض ، وقد يرث بالفرض والتعصيب كابن عم وأخ لأم ( وابن الأخ ) الشقيق أو للأب وهما عاصبان فقط ( لا ) ابن الأخ ( للأم ) فإنه لا يرث أصلاً ( والعم ) الشقيق أو للأب وهما عاصبان فقط أيضاً ( لا ) العم( للأم ) فلا يرث أيضاً ( وابن العم ) الشقيق أو للأب وهما عاصبان فقط ، إلا أن يكونا زوجين ، وإذا كان العم للأم لا يرث فأحرى ابن العم للأم ، فذلك لم يقيد الناظم ابن العم بقوله : لا للأم فهذه عشرة بجعله مولى النعمة والولاء قسماً واحداً . وتتفرع هذه العشرة إلى ستة عشر بتنويع المولى إلى نعمة أو ولاء وتنويع الأخ إلى شقيق أو لأب أو لأم والعم إلى شقيق أو لأب أو لأم وابن العم كذلك كما ترى ، ويزاد عليهم عم الأب وبنوه وإن سلفوا وعم الجد وإن علا وبنوه ، فمجموع العدد من الرجال ثمانية عشر كما مرّ . ويقدم في هذه الأمور الأقرب فالأقرب وإن غير شقيق والشقيق على الذي للأب . ثم أشار إلى النساء السبع فقال :
والأُمُّ والزَّوْجَةُ ثم البِنْتُ
وابنةُ الابْنِ بَعْدَهَا وَالأُخْتُ
( والأم ) ترث الثلث حيث لا حاجب لها من ولد أو تعدد أخوة وإلا حجبت للسدس ولها ثلث الباقي في زوج أو زوجة وأبوين ( والزوجة ) ولها الربع مع فقد الولد وإلا حجبت للثمن ( ثم البنت ) ولها النصف إذا انفردت فإن تعددت فلها الثلثان فإن كان معها أخوها ورثت بالتعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين ( وبنت الابن بعدها ) أي بعد البنت في الرتبة ويجري فيها ما جرى في البنت ، وحجبها ابن فوقها أو بنتان فوقها إلا الابن في درجتها مطلقاً أو أسفل فمعصب ( والأخت ) شقيقة أو لأب والأم ويجري في الأولين ما جرى في البنت فيحجب التي للأب شقيق فوقها أو شقيقتان فوقها إلا أخاها للأب في درجتها فمعصب ، نعم قوله أو أسفل منها لا يجري ههنا لأن ابن الأخ لا يعصب عمته فلا شيء لها معه ، نعم إذا اجتمعتا أي التي للأب والشقيقة مع البنت فهما عاصبتان كما قال :
والأخوات قد يصرن عاصبات
إن كان للهالك بنت أو بنات
الخ .
والثالثة : وهي الأخت للأم لها السدس مع الانفراد فإن تعددت فلهما أو لهن الثلث .
وَجَدَّةٌ للجِهَتَيْنِ مَا عَلَتْ
مَا لم تَكُنْ بذَكَرٍ قَدْ فُصِلَتْ
( وجدة للجهتين ) أي جهة الأم وهي أم الأم وأمها وإن علت ، وجهة الأب وهي أم الأب وأمها ( ما علت ما لم تكن بذكر ) يعني غير الأب ( قد فصلت ) فلا ميراث لأم جد لهالك من جهة أبيه وأمه لأنها مفصولة عنه بذكر غير الأب على مذهب مالك لأنه لا يورث أكثر من جدتين وحجبتها الأم مطلقاً ، ويحجب الأب الجدة التي من جهته فقط ، وكذا تحجب القربى من جهة الأم البعدى من جهة الأب وإلا اشتركتا .
كَذَاكَ مَوْلاَةٌ لَهَا العِتْقُ ولا
حَقَّ لَهَا فيما يكُونُ بِالْوَلاَ( كذاك مولاة ) نعمة وهي التي ( لها العتق ) مباشرة أو انجر لها بولادة أو عتق فإنها وارثة بالتعصيب فترث الجميع إن انفردت أو ما بقي بعد الفرض . ( ولا حق لها فيما ) لم تباشر عتقه ولا جره لها ولاء بولادة أو عتق لأنه إنما ( يكون ) الإرث ( بالولاء ) لعاصب المعتق بالكسر فقط ، فإذا مات المعتق بالفتح ولا عاصب له سوى ابن سيده وبنته فلا ميراث للبنت بل المال كله أو ما بقي بعد ذوي الفروض للابن دون البنت قال فيها : ولا يرث أحد من النساء ولاء ما أعتق أب لهن أو أم أو أخ أو ابن والعصبة أحق بالولاء منهن ، ولا يرث النساء من الولاء إلا من أعتقن أو عتيق من اعتقن أو ولد من اعتقن من ولد الذكور ذكوراً كانوا أم إناثاً ولا شيء لهن في ولد البنت ذكراً كان أو أنثى الخ . وهو معنى قول ( خ ) ولا ترثه أنثى إلا أن باشرت عتقه أو جره ولاء بولادة أو عتق الخ . فهذه سبع نسوة فجعل الجدة للجهتين قسماً واحداً ويتفرعن إلى عشرة بتنويع الأخت إلى شقيقة أو لأب أو لأم ، وتنويع الجدة إلى التي لأب أو لأم ، فمجموع من يرث ثمانية وعشرون عدد حروف الهجاء ، وقد تحصل أن الذكور كلهم عصبة إلا الزوج والأخ للأم والأب والجد إذا كان معهما ولد ، والإناث كلهن أهل فرض إلا مولاة النعمة والأخوات مع البنات .
وَبَيْتُ مال المُسلَمين يَسْتَقِلْ
بحيثُ لا وَارِثَ أو بما فَضَلْ
( و ) إن لم يوجد واحد ممن ذكر أو وجد ولم يستغرق التركة ف ( بيت مال المسلمين يستقل ) بالإرث فيأخذ المال كله ( بحيث ) الباء زائدة أي حيث ( لا وارث ) أصلاً ( أو ) يختص ( بما فضل ) عن ذوي الفروض كزوجة وأم أو بنت وبنت ابن ، وإذا مات الرجل ببلد وخلف فيه مالاً وخلف في بلد آخر مالاً ولم يكن له وارث إلا بيت المال ، فإن عامل البلد الذي كان مستوطناً فيه أحق بميراثه مات فيه أو في غيره من البلاد قاله في المفيد ، وظاهر النظم أن الباقي بعد الفرض يكون لبيت المال ولا يرد أي الباقي بعد الفرض على ذوي الفروض ولا يدفع لذوي الأرحام ، وهو كذلك على المشهور . وقال علي رضى الله عنه : يرد على كل وارث بقدر ما ورث سوى الزوج والزوجة أي : فلا يرد عليهما إجماعاً كما في ابن يونس ، وقيد عدم رده على ذوي الأرحام بما إذا كان بيت المال منتظما وإلاَّ رد الباقي عليه . قال ابن رحال : وتوريث ذوي الأرحام متأخر عن الرد على ذوي الفروض بحسب ظاهر أنقالهم . ابن يونس : لو أدرك مالك وأصحابه زمننا هذا لجعلوا الميراث لذوي الأرحام لا لبيت المال لعدم انتظامه في هذا الزمان ، وأطال رحمه الله في الاحتجاج لتوريثهم . قال ابن ناجي : ولا أعرف اليوم بيت مال ، وإنما هو بيت ظلم وعلى القول بتوريث ذوي الأرحام فينزل ولد البنات والأخوات منزلة أمهاتهم وبنات الأخوات والأعماممنزلة آبائهن والخالات والأخوال منزلة الأم والعمات منزلة الأب ، فإذا ترك الهالك بنت بنت فيكون لها النصف بمنزلة أمها ، وهكذا وأولو الأرحام ستة رجال وسبع نسوة ، فالرجال ابن البنت وابن الأخت وابن الأخ للأم والعم للأم والخال والجد للأم والنساء بنت البنت وبنت الأخت وبنت الأخ وبنت العم والعمة والخالة والجدة أم أبي الأم ، وزيد في الرجال ابن العمة وابن بنت الابن وعم الأم ، وفي النساء بنت بنت الابن وبنت ابن العم وبنت بنت الأخ .
فصل في ذكر أحوال الميراثوهي خمسة وبيانها أن :
الحالُ في الميارثِ قد تَقَسَّما
إلى وجُوبِ ولحَجْبٍ قُسِما
( الحال في الميراث قد تقسما إلى ) وجهين حالة ( وجوب ) بحيث لا يحجب أصلاً كالأبوين والأولاد والزوج والزوجة كما يأتي في قوله :
ولا سقوط لأب ولا ولد
ولا لزوجين ولا أم فقد
( ول ) حالة ( حجب ) وهذا الثاني ( قسما
لحجْبِ الإسْقَاطِ أَوِ النقْلِ وذا
لِفَرْضٍ أو تَعْصِيبٍ أبْدَى مَنْفَذَا
لحجب الإسقاط ) بحيث لا يرث شيئاً كالإخوة مطلقاً مع الأب أو الإخوة للأم مع الجد وكالجدة مع الأم وكابن الابن مع ابن الصلب ، ونحو ذلك مما يأتي في فصل حجب الإسقاط . ( أو ) أي ولحجب ( النقل ) من إرث إلى إرث ( وذا ) أي حجب النقل ينقسم إلى ثلاثة أقسام . إما من فرض ( لفرض ) آخر كزوجة تنقل من الربع للثمن بوجود الولد ، وكالأم تنقل من الثلث إلى السدس بوجود الولد أو تعدد الأخوة ونحو ذلك مما يأتي في فصل حجب النقل ، ( أو ) أي : وإما من تعصيب لفرض كأب وجد فإنهما عاصبان وينقلان للسدس مع وجود ابن أو ابن ابن وإما من فرض ل ( تعصيب ) كأخت أو أخوات مع بنت أو بنات ( أبدى منفذا ) أي بفتح الميم والفاء وبالذال المعجمة معناه الطريق فقول الناظم : وذا لفرض الخ . يشمل النقل من فرض لفرض ومن تعصيب إلى فرض ، وقوله : أو تعصيب أي النقل من الفرض إلى التعصيب ، فالنقل ثلاثة أقسام تضم لحالتي الوجوب والإسقاط تكون الأحوال خمسة كما مر . وهذا الفصل كالتوطئة لما يأتي له من ذكر حجب الإسقاط وحجب النقل . واعلم أن من الفراض من لا يتعرض لهذا الفصل ولاللذي قبله ، وإنما يقول أصحاب النصف كذا وأصحاب الثلث كذا الخ . ثم يقول : ولعاصب ورث المال أو الباقي بعد الفرض ويذكر العصبة المتقدمة وهو صنيع ( خ ) ومن وافقه ، ومنهم من يعد من يرث على سبيل الإجمال ، ثم يتعرض لذلك على سبيل التفصيل كالناظم وابن الحاجب ومن وافقهما ، وأما هذا الفصل واللذان بعده فهم قليلو الجدوى .
فصل في ذكر المقدار الذي يكون به الإرثوهو إما كل المتروك أو جزء مسمى منه أو مسمى من الباقي بعد أخذ فرض أو أكثر ، فالمراد بالمقدار مجموع المتروك ، والباء من قوله به بمعنى في قاله ( م ) .
القَدْرُ يُلْفَى باشْتِراكٍ فيه
في جُملةٍ المتروكِ أو باقِيهِ
( القدر ) أي المتروك الذي يكون فيه الإرث تارة ( يلفى ) ملتبساً ( بإشتراك فيه في جملة المتروك ) أي في جميعه ، وهذا الاشتراك إما بين العصبة كثلاثة بنين أو إخوة ، وإما بين ذوي السهام كزوج وأخت أو أم وأخ لأم وزوج ، وإما بين ذوي سهم وعاصب كبنت وأخت أو أم وأخ ( أو ) أي وتارة يلفى ملتبساً باشتراك في ( باقيه ) أي باقي المتروك بعد أخذ ذوي الفرض فرضهم كثلاثة أخوة مع بنت أو أبوين مع زوج أو زوجة .
أو بانِفرادٍ باحِتيازِ المَالِ
أجْمعَ فيه وَهُوَ في الرّجالِ
( أو ) أي وتارة يلفى ملتبساً ( بانفراد ) فيه كابن ليس معه غيره أو أخ كذلك ، وكذا نحوهما من العصبة ، فإن العاصب يحوز جميع المال حيت انفرد كما قال : ( باحتياز المال اجمع فيه ) يتعلق بانفراد ( وهو ) أي حوز جميع المال كائن ( في الرجال ) المتقدمين .
عدا أَخاً للأُمِّ وَالزَّوْج وَفي
مولاةِ نَعْمَى حُكمُ ذلك اقتُفِي
( عدا أخاً للأم ) منهم ( و ) عدا ( الزوج ) فإنهما ليسا بعاصبين كما تقدم ( وفي مولاة نعمى ) متعلق باقتفي أي و ( حكم ذلك ) وهو حوز جميع المال ( اقتفي ) اتبع في مولاة نعمة وإنما تحوز الجميع إذا لم يكن للمعتق بالفتح عاصب كما تقدم .
فصل في ذكر حالات وجوب الميراث
وهي ثلاثة كما قال :
ويَحْصُل الميراثُ حيْثُ حُتِما
بِفَرْضٍ أو تعصيبٍ أوْ كِليْهما ( ويحصل الميراث حيث حتما ) أي وجب ( بفرض ) فقط كأم وأخ لأم وزوج ( أو تعصيب ) فقط كأب أو جد أو عم ( أو كليهما ) أي فرض وتعصيب كأب أو جد مع بنت أو بنات يأخذ فرضه السدس ، ثم الباقي تعصيباً وكذا أخ لأم هو ابن عم أو زوج هو ابن عم كما مر . ثم أشار إلى ما يرثه العاصب فقال :
والمالَ يَحْوِي عاصِبٌ مُنْفرِدُ
أو ما عَنِ الفُروضِ بعدُ يُوجدُ ( والمال ) بالنصب مفعول مقدم ( يحوي عاصب منفرد ) كابن واحد أو أخ أو عم كذلك ( أو ) يحوي ( ما عن الفروض بعد يوجد ) أي ما يوجد بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم كزوجة وأم وعاصب أو بنت وعاصب ويستبد العاصب بالجميع أو بالباقي إن انفرد .
وقِسْمَةٌ في الحالتَيْن مُعْمَلَه
إما عَلَى تَفَاضُلٍ أوْ مَعْدِلَهْ ( و ) إما أن تعدد ف ( قسمة ) بين العصبة ( في الحالتين ) أي حالة أخذ الجميع أو حالة أخذ الفاضل بعد الفرض ( معمله ) هي أي القسمة ثم هي ( إما على تفاضل ) كبنين وبنات وحدهم أو مع زوجة ، فالمتروك كله أو الباقي بعد الزوجة يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وهكذا في الأخ والأخوات وحدهم أو مع كزوجة أو أم ( أو ) أي : وإما أن يقسم الجميع أو الباقي بعد الفرض على التساوي ( معدله ) كبنين وحدهم ليس معهم ذو فرض أو معهم ذو فرض كزوجة ، وكذا الإخوة للأم فإنهم يقسمون حظهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا يخفى ما في هذا الفصل والفصلين قبله من التداخل والتكرار .
فصل في ذكر أهل الفرائض وأصولها
عطف على أهل ، والمراد بالفرائض الأجزاء المحددة شرعاً المعلوم نسبتها من جملة المال وهي ستة : النصف ونصفه وهو الربع ونصف نصفه وهو الثمن والثلثان ونصفهما وهو الثلث ونصف نصفهما وهو السدس ، وأهلها المستحقون لها ما يأتي للناظم في قوله : أولها النصف لخمسة جعل الخ . والمراد بأصولها الأعداد التي تقوم منها تلك الفرائض أي : أقل عدد يؤخذ منه ذلك الفرض صحيحاً ، فالفريضة التي فيها سدس أصلها من ستة لأنه أقل عدد له سدس ، والتي فيها ربع أصلها من أربعة وهكذا ، ولهذا كانت الأصول خمسة : اثنان وأربعة وثمانية وثلاثة وستة ، وإنما كانت خمسة لا ستة كالفرائض لاتحاد مخرج الثلث والثلثين ، وهذا على سبيل الانفراد ، وأما مع الاجتماع فإن اجتمع النصف مع غيره فلا يوجب زيادة على الأعداد الخمسة كما هو واضح .
وأما الربع ، فاعلم أنه لا يجتمع مع الثمن لأن الثمن للزوجة فإن كان لها ربع فلا ثمن ، وإن كان للزوج فليس هناك زوجة ، نعم قد يجتمع أحدهما مع الثلث والثلثين أو السدس فإن كان المجتمع مع واحد من هذه الثلاثة هو الربع فيحتاج إلى زيادة أصل آخر وهو اثنا عشر ، لأنه إذا اجتمع مع الثلث كأم وزوجة فالثلث مقامه من ثلاثة والربع مقامه من أربعة ، وهما متباينان فتضرب أحدهما في كامل الآخر ، وكذا إن اجتمع مع الثلثين كشقيقتين وزوجة ، وإن اجتمع مع السدس كأم وزوجة وأخوين لأب فإن الستة توافق الأربعة بالنصف فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر باثني عشر ، وإن كان المجتمع مع واحد من ذلك هو الثمن فيحتاج إلى زيادة أصل آخر وهو أربعة وعشرون لأن الثمن إذا اجتمع مع الثلث أو الثلثين فتضرب الثلاثة مقامها في الثمانية مقام الثمن بأربعة وعشرين ، وإن اجتمع مع السدس فالثمانية توافق الستة بالنصف فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر يخرج ما ذكر ، فأصول الفرائض على هذا سبعة خمسة منها بسائط أي غير مركبة واثنان مركبان من الضرب ، وهما الاثنا عشر والأربعة والعشرون وسيشير لهما في قوله : والأصل بالتركيب ضعف ستة الخ . وعليه فالمنقسم إلى بسائط ومركبات هو أصول الفرائض لا الفرائض كما يوهمه قوله :
ثُمَّ الفَرائِضُ البسَائِطُ الأُوَلْ
سُتةٌ الأصُولُ منها في العَمَلْ( ثم الفرائض البسائط الأول ) فالصواب حذف قوله البسائط الأول ، ولا يصح أن يكون الفرائض على حذف مضاف أي أصول الفرائض ، ويكون الوصف بالبسائط راجعاً للأصول لأن البسائط من الأصول إنما هي خمسة فقط وهو قد قال : ( ستة ) لأنه خبر عن قوله الفرائض ، وقد تقدم أن الفرائض ستة ، وأصولها سبعة خمسة منها بسيطة واثنان مركبان ، فوجب حينئذ حذف لفظ البسائط الأول لإيهامه غير المقصود ( الأصول ) مبتدأ ( منها ) خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير الأصول فرائضها مأخوذة منها ( في العمل ) أي عمل الفرائض ، وذلك لأن الربع مثلاً هو الفرض والأربعة هي أصله ، فهو مأخوذ منها أي مقامه منها أي منها يصح في عمل الفرائض ما عدا النصف ، فإنه ليس مأخوذاً من لفظ الاثنين ، وإن كان مقامه منهما ، نعم الربع مقامه من أربعة ، والثمن من ثمانية ، والسدس من ستة ، والثلث والثلثان من ثلاثة ، ولذا كانت الفرائض ستة ، وأصولها البسائط خمسة لاتحاد مخرج الثلث والثلثين كما مر .
أَوَّلُها النصفُ لِخَمْسَةٍ جُعِلْ
البنتِ والزوجِ إذا لم ينتَقِلْ
( أولها ) أي الفرائض الستة ( النصف ) وهو ( لخمسة جعل ) أحدها : ( البنت ) حيث انفردت لا إن كانت مع معصب كأخ لها في درجتها فإنها ترث حينئذ بالتعصيب ( و ) ثانيها : ( الزوج إذا لم ينتقل ) أي إذا لم يحجب حجب نقل بأن لا يكون للهالكة ولد وإلا بأن كان ولد ذكر أو أثنى وإن سفل وإن من زنا انتقل للربع .
ولابنَةِ ابْنٍ ولأُخْتٍ لا لأُمْ
وَنصْفُهُ الرُّبْعُ به الزَّوْجين أُمْ
( و ) ثالثها أنه فرض ( لابنة ابن ) حيث لا بنت للهالك ولا أخ لها في درجتها أيضاً ، فإن كان لها أخ أو ابن عم في درجتها كانت عاصبة للذكر مثل حظ الأنثيين ( و ) رابعها وخامسها أنه فرض ( لأخت ) شقيقة أو لأب حيث انفردت ولا أخ لها في درجتها أيضاً وإلا فهي عاصبة ( لا ) أخت ( لأم ) فليست من أهل النصف ، فهذه خمسة بتنويع الأخت الشقيقة وللأب ( خ ) : من ذي النصف الزوج وبنت وبنت ابن إن لم تكن بنت وأخت شقيقة أو لأب إن لم تكن شقيقة وعصب كلا أخ يساويها . ثم أشار إلى ثاني الفروض فقال :
( ونصفه ) مبتدأ أي نصف النصف وهو ( الربع به الزوجين أم ) بضم الهمزة فعل أمر بمعنىأقصد ، وبه يتعلق به والزوجين مفعوله ، والمعنى أن نصف النصف وهو الربع أقصد به الزوجين فهو فرض الزوج من زوجته مع وجود الولد الوارث لها وإن سفل ذكراً كان أو أنثى منه أو من غيره وإن من زنا وخرج بالوارث ولد ابنها المنفي بلعان أو قام به مانع من رق أو كفر لأن من لا يرث لا يحجب وارثاً إلا الأخوة للأم ، فإنهم يحجبون الأم للسدس مع كونهم محجوبين بالجد مثلاً ( خ ) والربع الزوج بفرع الخ . والربع أيضاً فرض الزوجة فأكثر من الزوج مع فقد الولد الوارث له وإلاَّ بأن كان له ولد وارث وإن سفل ذكراً أو أنثى منها أو من غيرها حجب للثمن ، وخرج بالوارث أيضاً من قام به مانع من رق أو كفر أو لعان أو كان من زنا أو نكاح فاسد لا يلحق فيه الولد ونحو ذلك ، فإن هؤلاء لا يحجبونها للثمن كما يأتي في قوله :
وتنقل الزوجة من ربع إلى
ثمن صحيح نسبة من هؤلا
ثم أشار إلى ثالث الفروض فقال :
وَنِصْفُهُ الثُّمْنُ لزوجةٍ وفي
تعدُّدٍ قسمةُ حظيْهَا اقتُفِي
( ونصفه ) أي الربع وهو ( الثمن ) ثابت ( لزوجة ) فقط مع وجود ولد وارث وإن سفل لزوجها الهالك ، وإلاَّ يكن وارثاً لم تحجب للثمن كما مر ، فإن اتحدت الزوجة أخذت الربع أو الثمن كله ( وفي تعدد ) لها بأن كان له زوجتان فأكثر ( قسمة حظيها ) أي الربع والثمن بينهما أو بينهن ( اقتفي ) أي اتبع ( خ ) : والثمن لها أو لهن بفرع لاحق الخ . ويشترط في توارث الزوجين أن يكونا مسلمين حرين غير قاتل أحدهما الآخر كغيرهما ، وأن يكون نكاحهما صحيحاً أو مختلفاً فيه لا إن كان متفقاً على فساده فلا إرث مات أحدهما قبل الدخول أو بعده . ثم أشار إلى رابع الفروض فقال :
والثُلْثَان حِصةٌ لأَرْبَعِ
بناتِ صُلبٍ وبناتِ ابنِ فَعِي
( والثلثان حصة لأربع ) نسوة وهن ( بنات صلب ) أي اثنتان فأكثر حيث لا عاصب في درجتهما أو درجتهن ( وبنات ابن ) أي اثنتان أيضاً ، فأكثر حيث لا بنت لصلب ولا عاصب في الدرجة ( فعي ) أي احفظ .
والأخْتِ لا لِلأَمِّ في التَّعْدَادِ
والثلْثُ للجَدِّ برَجْحِ بَادِي
( والأخت لا للأم في التعداد ) أي في تعددها بأن تكون اثنتان فأكثر وأطلق في الأخت فشمل الشقيقتين واللتين للأب في عدم الشقيقة ، فلكل منهما الثلثان حيث لا عاصب في درجتهما ( خ ) : ولتعددهن أي البنت وبنت الابن والأخت الشقيقة أو التي للأب الثلثان الخ .واحترز بقوله : لا للأم من الأخت للأم إذا تعددت فليست من ذوي الثلثين ، بل من ذوي الثلث فقط كما يأتي قريباً . ثم اشار إلى خامس الفروض فقال :
( و ) نصفها أي الثلثان وهو ( الثلث ) حصة لثلاثة ( للجد ) في بعض أحواله وهو إذا كان مع الأخوة وليس معهم ذو فرض فإنه في هذه الحالة يكون له الخير من الثلث أو المقاسمة ، فإذا كان الأخوة ثلاثة فأكثر فالثلث هنا يكون فرضه ( برجح باد ) أي ظاهر لأنه خير له من المقاسمة بخلافه مع أخ واحد . فالمقاسمة أفضل له ويستوي الثلث والمقاسمة إذ كان مع أخوين ، ومسألة الاستواء خارجة بقوله : برجح ولا يضر خروجها وعدم شموله لها لأن الثلث فيها لا يتعين كونه فرضاً له الجواز أخذه له بالمقاسمة بخلافه في الأولى ، فالثلث فرض له على ما للناظم ، وبعضهم لم يجعل الجد من أهل الثلث لعدم استقراره عليه وعليه درج ( خ ) :
وَالأُمِّ دونَ حاجِب والإخْوَهْ
لها وَهُمْ في قَسْم ذاك أُسْوَهْ
( والأم ) عطف على الجد أي لها الثلث حال كونها ( دون ) وجود ( حاجب ) يحجبها عنه للسدس ( خ ) : والثلث للأم وحجبها للسدس ولد وإن سفل ، وأخوان أو أختان مطلقاً شقائق أو لأب أو لأم ( والإخوة لها ) عطف على الجد أيضاً أي الثلث فرض الأخوين للأم فأكثر ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين ( خ ) : ومن ذوي الثلث الأم وولداها فأكثر إلى أن قال : وسقط الأخ للأم بابن الهالك وابنه وبنت وإن سفلت وأب وجد الخ . وسيأتي ذلك للناظم في حجب الإسقاط : ( وهم ) أي الإخوة للأم ( في قسم ذاك ) الثلث ( إسوة ) الذكر كالأنثى لقوله تعالى : فهم شركاء في الثلث } ( النساء : 12 ) والشركة إذا أطلقت حملت على التساوي ، وهذا مستثنى من قاعدة كل ذكر وأنثى اجتمعا في رتبة واحدة فللذكر ضعف الأنثى أي إلا الإخوة للأم . ثم أشار إلى سادس الفروض فقال :
وَنِصْفُهُ السُّدْسَ لأمَ والأَبِ
ولابْنَةِ ابنِ ولجَدَ اجْتُبِي
( ونصفه ) أي الثلث وهو ( السدس ) كائن لسبعة ( لأم ) مع وجود الولد ذكراً أو أنثى وإن سفل أو مع المتعدد من الأخوة كما مر ( والأب ) مع وجود الولد ذكراً أو أنثى وإن سفل أيضاً ، لكن إن كان ذكراً كان له السدس ولأمه كذلك كما في الآية الكريمة . وإن كان أنثى ولو تعددت أخذ كل منهما السدس أيضاً وأخذت الأنثى فرضها وأخذ الأب ما بقي بالتعصيب حيث لم يستغرقه الفرض ، فإن كان الفرض مستغرقاً كبنتين وأبوين أو معادلاً كزوج وبنتين وأبوين فليس للأب إلا فرضه . ( ولابنة ابن ) مع بنت الصلب تكملة الثلثين ، وهذا حيث لا عاصب فيدرجتهما وإلاَّ فهي عاصبة فيقاسمها للذكر مثل حظ الأنثيين ، سواء كان أخاها أو ابن عمها ، فإن كان أسفل منها اختصت بالسدس وأخذ هو ما بقي وتحجب بنت الابن بابن فوقها أو بنتين فوقها ، فإذا خلف الهالك بنت ابن وابن ابن وبنت ابن ابن أو خلف بنتي ابن وبنت ابن ابن فلا شيء لها لأنها محجوبة بمن فوقها إلا أن يكون معها أخوها أو ابن عمها في درجتها أو أسفل منها ، فإنه يعصبها فيأخذان ما فضل عن البنتين أو بنتي الابن اللتين فوقهما للذكر مثل حظ الأنثيين . ( ولجد اجتبي ) أي اختير له مع الولد أو مع استغراق الفروض كزوج وأم وجد كما يأتي في قوله : والجد مثل الأب مع من ذكرا الخ . وأما مع عدم الولد وعدم الاستغراق فليس السدس فرضاً له لعدم استقراره عليه بل يأخذه لكونه أحظى له كما يأتي في قوله :
والسدس أن يرجح له متى صحب
أهل الفروض صنف إخوة يجب
وجدةٍ وَلأَخٍ مِن أُمِّ
وَأَشْمَلْ لأُخْتٍ جِهةً في الْحُكْمِ
( وجدة ) لأم أو لأب وحجبت القربى من جهة الأم البعدى من جهة الأب وإلا اشتركتا كما مّر وأسقطتها الأم مطلقاً كما يأتي ( ولأخ ) واحد ( من أم ) ذكراً كان أو أنثى فإن تعدد فالثلث كما مر ، وهذا حيث لا حاجب له وإلا سقط كما مر . ( واشمل ) فعل أمر ( لأخت ) مفعول به واللازم زائدة ( جهة ) منصوب على إسقاط الخافض ( في الحكم ) يتعلق باشمل ، والتقدير اشمل في الحكم بالسدس أختاً لجهة يعني التي للأب مع الشقيقة لها السدس تكملة الثلثين ، وأما الأخت للأم فهي داخلة في الأخ من أم كما قررنا ، وتحجب الأخت للأب بشقيق أو بشقيقتين فأكثر فلا شيء لها إلا أن يكون معها أخ لأب فيأخذ الثلث معها في الحجب بالشقيقتين أو النصف في الشقيقة للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كان معها ابن أخيها فقط فلا شيء لها في الحجب بالشقيقتين ، بل الثلث الباقي يختص به ابن الأخ دون عمته ودون أخته التي في درجته لأن بنت الأخ لا ترث ولو انفردت ، وابن الأخ لا يعصب عمته بخلاف ابن الابن ، فإنه يعصب أخته التي في درجته وعمته التي فوقه كما مر ، ولم يذكر الناظم في فصل حجب الإسقاط أن بنت الابن تحجب بابن فوقها أو بنتين فوقها ، ولا أن الأخت للأب تحجب بشقيق أو شقيقتين ، وقد بينا لك ذلك ها هنا .وقد تحصل أن جملة الفروض على ما للناظم اثنان وعشرون والصواب أنها أحد وعشرون بإسقاط الثلث للجد لأنه لايأخذ فرضاً بل لكونه أحظى له ، إذ لو كان يأخذه بالفريضة لم ينتقل عنه للمقاسمة إذا كانت أحظى وإلاَّ لقيل إن المقاسمة من فرضه أيضاً إذا كانت أحظى ولم يقله أحد ، وكذا السدس ليس فرضاً له في اجتماع ذوي الفروض والأخوة ، ولهذا رمز بعضهم لذوي الفروض على الترتيب السابق بقوله : هبادبز ، فالهاء لأصحاب النصف ، والباء لأصحاب الربع ، والألف لأصحاب الثمن ، والدال لأصحاب الثلثين ، والباء بعد الدال لأصحاب الثلث ، والزاي لأصحاب السدس ، فلم يجعل الجد من أصحاب الثلث ، ولذا رمز له بالباء دون الجيم لأنه لا يستقر عليه ، ولا يقال السدس لا يستقر عليه أيضاً فلم عده من ذويه ؟ لأنا نقول : إنما لا يستقر عليه في خصوص اجتماعه مع ذوي الفروض والإخوة إذ له حينئذ الأحظى له من السدس من رأس المال أو ثلث الباقي أو المقاسمة كما يأتي ، وأما مع الولد أو ولد الولد فهو مستقر على السدس لا ينتقل عنه إلى غيره ، فحسن حينئذ عده من أصحابه ، ولا يقال أيضاً الزوج ينتقل والزوجة والأم كذلك ، وكذا بنت الابن والأخت للأب ، لأنا نقول : كل وارث في فريضة غير نفسه في أخرى ، فالزوج مثلاً مع عدم الولد غير نفسه مع الولد ، فلذا تعدد فرضه وكذا الزوجة والأم وما بعدهما .
تنبيه : كان اللائق للناظم الذي مرامه الاختصار أن يقتصر على هذا الفصل ويقدمه أول الباب ثم يقول :
وفاضل هنا عن الفروض
لعاصب كعدم المفروض
أي كما يكون للعاصب جميع المال إن عدم المفروض له ، ثم يذكر الرجال المتقدمين في قوله : الأب والجد له وإن علا الخ . ويسقط منهم الزوج والأخ للأم لأنهما ليسا من العصبة ويذكر بدلهما مولاة النعمة لأنها عاصبة كما مر . واعلم أن الفريضة إما عادلة : وهي التي ساوت سهام أصحابها كزوج وأم وأخ لأم ، وإما ناقصة وهي التي نقصت سهامها عن أصولها كزوج وبنت ، وإما عائلة وهي التي زادت سهامها على أصولها وإليها أشار بقوله :
فإنْ يَضِقْ عنِ الفُرُوضِ المَالُ
فالعولُ إذ ذاك له اسْتِعْمَالُ
( فإن يضق عن الفروض المال فالعول ) أي الزيادة ( إذ ذاك له استعمال ) فتجعل الفريضة على قدر السهام ، ويدخل النقص على كل منهم ، وذلك كزوج وأخت وأم ، ففي هذه الفريضة نصفان وثلث ، وكيفما كان المال لا يوجد فيه ذلك حتى قال ابن عباس : من باهلني باهلته أن الذيأحصى رمل عالج عدداً لم يجعل في المال نصفاً ونصفاً وثلثاً ، وأنكر العول وقال : إن النقص يدخل على الأخت وحدها لأنها تنتقل من الفرض إلى التعصيب بخلاف الزوج والأم فإنهما لا ينتقلان إلا إلى فرض آخر فهما أقوى منها وهكذا . وهذه أول فريضة عالت في الإسلام ، وقيل أول فريضة عالت زوج وأختان شقيقتان أو لأب ، فتوقف فيها عمر رضي الله عنه وقال للصحابة : أشيروا علي فإني إن أعطيت للزوج فرضه لم يبق للأختين فرضهما ، وإن أعطيت للأختين لم يبق للزوج فرضه ، فأشار عليه العباس وقيل علي وقال : أرأيت يا أمير المؤمنين لو أن رجلاً مات وعليه لرجل ثلاثة دنانير ولآخر أربعة ولم يترك إلا ستة أليس يجعل المال سبعة أجزاء ويدخل النقص على جميعهم ، فأخذت الصحابة بقوله وأجمعوا عليه ، ثم أظهر ابن عباس الخلاف في ذلك ، وأنكر العول وهو محجوج بإجماع الصحابة تفريعاً على المختار من أنه لا يشترط في الإجماع انقراض العصر ، وإن زادت الفروض أعيلت أي : وإن زادت سهام الفريضة على أصلها أعيلت أي زيد أصلها حتى يصير على قدر السهام كزوج وأختين أصلها من ستة لأجل النصف والثلثين لأنه أقل عدد له نصف وثلثان والسهام سبعة : ثلاثة للزوج وأربعة للأختين والستة تضيق في ذلك فيعال فيها أي يزاد لأن العول الزيادة فتجعل الستة سبعة فقد عالت بمثل سدسها ، ويأخذ كل واحد من السبعة ما يأخذه من الستة فللزوج ثلاثة من ستة يأخذها من سبعة ، وللأختين أربعة من ستة تأخذانها من سبعة أيضاً ، وكذلك في العائلة لثمانية كزوج وأخت وأم أصلها من ستة أيضاً وتعول لثمانية بمثل ثلثها ، فيأخذ الزوج نصف الستة وهو ثلاثة من ثمانية ، وكذلك الأخت وتأخذ الأم ثلث الستة وهو اثنان من ثمانية وتعول أيضاً لتسعة بمثل نصفهاكزوج وأختين وأخوين لأم وتعول لعشرة بمثل ثلثيها إن زيدت الأم ، ويعرف قدر ما انتقص لكل وارث بنسبة الزائد إلى المجموع ، ففي المسألة الأولى وقع العول بواحد ونسبته من سبعة سبع فقد انتقص لكل وارث سبع ما بيده ، وفي الثانية وقع باثنين ونسبتهما من الثمانية ربع فقد انتقص لكل وارث ربع ما بيده ، وفي الثالثة انتقص لكل واحد ثلث ما بيده ، وفي الرابعة انتقص لك خمساً ما بيده وهكذا ، فإذا قيل : لك كم انتقص لكل واحد فإنك تنسب الجزء الزائد على أصل المسألة إلى ما انتهت إليه المسألة بالعول ، وإذا قيل لك : بكم عالت فإنك تنسبه إلى أصل المسألة بدون عول ، وفي ذلك قال الشيخ علي الأجهوري رحمه الله :
وعلمك قدر النقص من كل وارث
بنسبة عول للفريضة عائله
ومقدار ما عالت بنسبته لها
بلا عولها فارحم بفضلك قائله
وتعول الاثنا عشر لثلاثة عشر بمثل نصف سدسها كزوجة وأختين لأب وأخ لأم ، وقد انتقص لكل وارث جزء من ثلاثة عشر ، وتعول أيضاً لخمسة عشر بمثل ربعها كزوج وأبوين وابنتين ، وقد انتقص لك وارث خمس ما بيده وتعول أيضاً لسبعة عشر بمثل ربعها وسدسها كثلاث زوجات وثمان أخوات شقائق أو لأب وأربع لأم وجدتان للزوجات الربع وللأخوات الثلثان والربع من أربعة والثلثان من ثلاثة وهما متباينان فتضرب أحدهما في كامل الآخر باثني عشر للزوجات ربعها ثلاثة وللأختين ثلثاها ثمانية وللإخوة للأم ثلثها أربعة ، وللجدتين سدسها اثنان ومجموع ذلك سبعة عشر ، وقد انتقص لكل وارث خمسة أجزاء من سبعة عشر ، فإذا كانت التركة في هذه المسألة سبعة عشر ديناراً فلكل واحدة دينار وتسمى أم الأرامل والدينارية الصغرى ، وتعول الأربعة والعشرون لسبعة وعشرين فقط بمثل ثمنها كزوجة وأبوين وابنتين وهي المنبرية ، وقد انتقص لكل وارث تسع ما بيده ، وإنما سميت بذلك لأن علياً رضي الله عنه سئل عنها وهو على المنبر فقال : صار ثمنها تسعاً ومضى على خطبته التي أولها : الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً الذي يجزي كل نفس تسعى وإليه المعاد والرجعى فقيل له : زوجة وأبوان وابنتان فقال : صار ثمنها تسعاً الخ . وجاءت إليه امرأة فقالت : أخي توفي وخلف ستمائة دينار فأعطيت منها ديناراً واحداً فقال لها : أخوك توفي عن زوجتين وابنتين وأم واثني عشر أخاً وأنت ؟ فقالت : نعم . فقال : هو حقك . وتسمى هذه بالدينارية الكبرى ، فكان علي رضي الله عنه يفهمعلى البديهة ما لا يفهمه المتبحر في العلوم لما رزقه الله من غزارة العلم وركب فيه من قوة الفهم .
وَالرّبْعُ كالثُّلْث وكالثُّلْثَيْنِ
تَعْدمُهُ فرِيضةٌ مِثْلَيْنِ
( والربع ) مبتدأ ( كالثلث ) حال ( وكالثلثين ) معطوف عليه ( تعدمه ) أي ما ذكر ( فريضة ) فاعل والجملة خبر ( مثلين ) حال . والتقدير أن الربع حال كونه مماثلاً للثلث والثلثين تعدمهم الفريضة حال كونهما مثلين فيها فلا يوجد فريضة فيها ربعان ، لأن الربع إنما هو للزوج مع الولد أو الزوجة مع فقده ، ولا يجتمع في فريضة زوج وزوجة ، وكذا لا يجتمع في فريضة ثلث وثلث لأنه إنما يكون للإخوة للأم أو للأم عند فقد الإخوة ، وأما الجد فهو وإن كان يأخذه في بعض الأحوال فهو إنما يأخذه لكونه أحظى له لكونه فرضاً كما مر قريباً ، وعلى تقدير كونه يأخذه فرضاً على ما درج عليه الناظم ، فليس في فريضته ثلث آخر لأن الإخوة للأم يحجبهم الجد والأم لا ترث الثلث مع تعدد الإخوة ، وهو إنما يأخذه مع تعددهم كما مر ، وكذا الثلثان لا يجتمعان مع ثلثين آخرين في فريضة أبداً لأن الثلثين لذي النصف إن تعدد وهو البنتان أو بنتا الابن في عدمها أو الأختين الشقيقتين أو اللتين للأب في عدم الشقيقتين وربما وجدت بنتان لم يبق لبنتي الابن إلا ثلث ، فإن كان معهما ذكر في درجتهما أو أسفل منهما عصبهما فيه ، وإلاَّ كان للأختين بالتعصيب ، وكذا بنتا الابن مع الأخوات يرث الأخوات ما فضل عنهما بالتعصيب كما مر .
وَثُمنٌ بالربْعِ غيرُ مُلْتَقِي
وَغَيْرُ ذَاكَ مُطْلَقاً قد يَلْتقِي
( وثمن بالربع غير ملتقي ) لأن الثمن إنما هو للزوجة مع الولد فإن كان لها ربع مع فقده فلا ثمن ، وإن كان الربع للزوج مع الولد فليس هناك زوجة ( وغير ذاك ) المذكور من الأجزاء ( مطلقاً ) من غير تقييد ( قد يلتقي ) فالنصف يلتقي مع الجميع ، فيلتقي مع الثلث والسدس فيزوج وأم وأخ لأم وتسمى فريضة عادلة كما مر ، ويلتقي مع الربع والثمن في بنت وزوج أو بنت وزوجة وأخ وتسمى فريضة ناقصة لنقصان سهامها عن أصولها ، لأن العاصب ليس من أهل السهام ، ويلتقي أيضاً مع الثلثين كزوج وأختين ويلتقي الثلث والسدس كأم وأخ لها ، وكذا الربع والسدس كزوج وأم وابن ، وكذا الثمن والسدس كزوجة وأم وعاصب وتسمى فريضة ناقصة أيضاً لنقصان سهامها عن أصولها ، وكذا يلتقي الثلثان والثلث كأختين شقيقتين وأخوين لأم ، وهي عادلة ، وكذا الثلثان والسدس كبنتين وأم وهي ناقصة ، وكذا الثلثان والثمن كبنتين وزوجة وهي ناقصة أيضاً ، وأما الثمن والثلث فلا يلتقيان خلاف ظاهر كلامه لأن الثمن فرض الزوجة مع الولد فقط ، وحينئذ فالأم إنما لها السدس كالجد ولا شيء للإخوة للأم لسقوطهم والثلث إنما هو فرض هؤلاء ، وقد علمت أن الناقصة هي محل التعصيب ، وأما العادلة والعائلة المتقدمتان فلا تعصيب فيهما . ولما قدم الكلام على الأصول البسائط تكلم على المركبة فقال :
وَالأَصْلُ بالتركيبِ ضِعْفُ سِتَّهْ
وَضِعْفُهَا لا غَيْرُ ذَين البَتَّهْ
( والأصل بالتركيب ضعف ستة ) وهو اثنا عشر ولا يصار إليها إلا إذا كان في المسألة فرضان متباينان كربع وثلث في زوج وأم ، فمقام الربع من أربعة والثلث من ثلاثة ، وهما متباينان فتضرب أحدهما في كامل الآخر باثني عشر وكربع وسدس في زوج وأم وابن ( خ ) : والربع والثلث أو السدس من اثني عشر ( وضعفها ) أي ضعف ضعف الستة وهو أربعة وعشرون وهو أصل لكل فريضة فيها ثمن وسدس كزوجة وأم وابن أو ثمن وثلثان كزوجة وابنتين وعاصب ( خ ) : والثمن والسدس أو الثلث من أربعة وعشرين الخ . وصوابه أو الثلثان لما مّر من الثمن والثلث لا يجتمعان ( لا غير ذين ) العددين موجود في الأصول المركبة ( ألبتة ) أي قطعاً خلافاً لإمام الحرمين والنووي ، ومن وافقهما من المحققين حيث زادوا في اجتماع الجد والإخوة مع ذوي الفروض أصلين آخرين ، وهما ثمانية عشر وضعفها ستة وثلاثون مثال الأول : أم وجد وخمسة إخوة لغير أم فللأم السدس من ستة والباقي خمسة الأفضل للجد فيها ثلث الباقي ولا ثلث لها ، فتضرب المسألة في ثلاثة مقام الثلث بثمانية عشر ومثال الثاني أم وزوجة وجد وسبعة إخوة أصلها من اثني عشر للأم سدسها وللزوجة ربعها تبقى سبعة الأفضل للجد ثلث ما بقي ولا ثلث لها فتضرب الثلاثة في أصل المسألة بست وثلاثين .
واعلم أن العدد الذي تصح منه الفريضة تارة ينظر إليه من حيث اتحاد الفروض وتعدادها ، وتارة ينظر إليه من حيث اتحاد رؤوس مستحقي السهام وتعدادها ، فالنظر الأول يسمى أصلاً والنظر الثاني يسمى فرعاً وتصحيحاً ، ولهذا وقع الخلاف في الثمانية عشر وضعفها ، فرأىالجمهور أنهما تصحيح نشأ من أصل الستة وضعفها ، فالضرب في ثلاثة إنما هو لأجل الانكسار الواقع في السهم ، ورأي الأقل أنهما تأصيل ، واحتجوا بما إذا كان في الفريضة زوج وأبوان فإن مذهب الجمهور فيها أن أصلها من ستة لأنهم احتاجوا إلى عدد يصح نصفه وثلث ما بقي فقال : لهم الأقل كذلك الفريضتان احتجتا فيهما إلى عدد يصح سدسه وثلث ما بقي ، وإلى عدد يصح سدسه وربعه وثلث ما بقي وإلاَّ لزمكم في زوج وأبوين إن أصلها من اثنين وتبلغ ستة لأجل الانكسار ، وتظهر ثمرة الخلاف فيمن أوصى بجزء أو سهم من ماله ، فإن الحكم أن الموصى له يعطى جزءاً من أصل فريضة الموصي كما قال ( خ ) في الوصية : وبجزء أو سهم فيسهم من فريضته ، فعلى الأول يأخذ الموصى له واحداً من ستة أو ضعفها في هاتين الفريضتين ، وعلى الثاني يأخذ واحداً من ثمانية عشر أو ضعفها ، وكذا تظهر فيما إذا باع أحد الأخوة حظه من ربع ورثوه ، فإذا قلنا إن الجد يأخذ ثلث ما بقي بالفرض كما هو مذهب الأقل فإنه على قول أشهب : لا دخول للجد مع باقي الإخوة في الشفعة لأنه ذو سهم ، ولا دخول لذي سهم على العصبة على قوله : وإن قلنا إنه يرثه بالتعصيب ، ومعناه أن ما فضل عن ذوي الفروض يأخذ الجد والأخوة بالتعصيب للجد ثلثه وللأخوة ما بقي ، فالجد حينئذ عاصب فيدخل عليهم ويدخلون عليه .
تنبيه : تكلم الناظم على أصول المسائل . وما يعول منها وبقي عليه كيفية تصحيح المسائل واعلم أن المسألة إذا انقسمت سهامها على الورثة كزوج وثلاثة بنين فالأمر واضح ، وإن لم تنقسم وانكسرت فإما على صنف أو أكثر ، ففي الأول ينظر بين عدد السهام وعدد رؤوس الصنف المستحق لها بالتباين والتوافق فقط ، فإن توافقا رددت الرؤوس إلى وفقها وضربتها في أصل المسألة كأربع بنات وأخت المسألة من ثلاثة : للبنات سهمان لا ينقسمان عليهن لكن يتوافقان مع رؤوسهن بالنصف فترد الرؤوس إلى وفقها وتضربها في ثلاثة بستة ثم تقول : من له شيء من أصل المسألة وهو ثلاثة أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة وهو اثنان ، فللبنات اثنان مضروبان في اثنين بأربعة ، وللأخت واحد في اثنين باثنين ، ولو ضربنا عدد الرؤوس في أصل المسألة من غير ردها إلى وفقها لحصل المطلوب ، ولكن المقصود الاختصار ، فلذلك كان إخراج المسألة من العدد الكثير مع إمكان إخراجها من القليل مذموماً عند الفراض ، ومثال آخر زوجة وستة إخوة لغير أم أصلها من أربعة للإخوة ثلاثة لا تنقسم عليهم ، ولكن توافقهم بالثلث فتضرب ثلثهم وهو اثنان في أربعة بثمانية ، وهذا في غير العائلة ، وكذا إن كانت عائلة كأم وثمان أخوات لغير أم وأخوين لأم أصلها من ستة ، وتعول إلى سبعة للأم واحد وللأخوات أربعة لا تنقسم عليهن ، ولكن توافق رؤوسهن بالربع فتضرب وفق رؤوسهن وهو اثنان في المسألة بعولها بأربعة عشر ، ثم تقول : من له شيء من سبعة أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة وهو اثنان فللأم واحد في اثنين باثنين ، وللأخوين لهما اثنان في اثنين بأربعة ، وللأخوات الثمنان أربعة في اثنين بثمانية واحد لكل واحدة منهن ، وإن لم يكن توافق بين رؤوس الصنف وسهامه بل تباينا فاضرب عدد الرؤوس في أصل المسألة . ومثاله : كبنت وثلاث أخوات لغير أم فأصلها من اثنين للبنت سهم وللأخوات الثلاث سهم لا ينقسم عليهن ولا يوافق رؤوسهن فتضرب الثلاثة عدد الرؤوس في اثنين بستة ثم تقول : من له شيء من اثنين أخذه مضروباً في ثلاثة كما مر ، وكذا إذا كانتعائلة فإنك تضرب عدد الرؤوس في أصل المسألة بعولها . ومثاله : أربع زوجات وأربع بنات وأبوان فأصلها بالعول من سبعة وعشرين ، وسهم الزوجات منكسر عليهن مباين لرؤوسهن فتضرب عددهن في المسألة بعولها بمائة وثمانية ثم تقول : من له شيء من المسألة أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة وهو أربعة . هذا كله إذا انكسرت السهام على صنف واحد ، وأما إن انكسرت على صنفين فإنك تنظر بين كل صنف وسهامه بالنظرين المتقدمين ، وهما التوافق والتباين ، فما باين سهامه أثبت جملته ، وما وافقها أثبت وفقه . وهذا المثبت يسمى في الاصطلاح بالراجع .
ثم هذان المثبتان لا يخلو حالهما من أربعة أوجه : إما أن يتماثلا أو يتداخلا أو يتوافقا أو يتباينا ، فإن تماثلا فإنه يؤخذ أحد الراجعين ويضرب في المسألة على ما هي عليه من عول وعدمه ، ثم التماثل فيه ثلاث صور لأنه إما أن يحصل مع موافقة كل من الصنفين لسهامه ، أو مع مباينة كل منهما لسهامه ، أو مع مباينة أحدهما وموافقة الآخر . وهذه الصور الثلاث تجري أيضاً فيما إذا تداخل الراجعان أو توافقا أو تباينا مثال التماثل مع موافقة كل صنف سهامه : أم وأربعة إخوة لأم وستة لأب أصلها من ستة لأم واحد ولأولادها الأربعة سهمان لا ينقسمان عليهم ، لكن يتوافقان بالنصف فترد الأربعة إلى اثنين وللإخوة للأب ثلاثة لا تنقسم عليهم ، لكنها توافقهم بالثلث فتردهم إلى إثنين أيضاً ، فراجع الإخوة للأم والإخوة للأب بينهما تماثل ، فتكتفي بأحد المثلين وتضربه في المسألة باثني عشر ، ومن له من شيء من أصل المسألة أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة وهو اثنان . ومثاله مع مباينة أحدهما وموافقة الآخر وستة أخوة لأم وثلاث أخوات لأب أصلها من ستة وتعول لسبعة للأم واحد ولأولادها اثنان لا ينقسمان عليهم ، ولكن يتوافقان بالنصف فترد الستة إلى ثلاثة والأخوات للأب أربعة مباينة لهن ، فتثبت عدد رؤوسهن وبين رؤوسهن وراجع الستة التماثل ، فتكتفي بأحدهما وتضربه في المسألة بعولها بأحد وعشرين ، ومن له شيء من أصلها أخذه مضروباً فيما ضربت فيه وهو ثلاثة . ومثاله : مع مباينة كل منهما لسهامه أم وسبعة إخوة لها وسبعة أخوات لأب أصلها من ستة ، وتعول لسبعة للأم واحد ولأولادها اثنان مباينان لرؤوسهم فتثبت عدد رؤوسهم وللأخوات للأب أربعة مباينة لهن فتثبت عدد رؤوسهن ، وبين المثبتين التماثل فتكتفي بأحدهما وتضربه في المسألة بعولها بتسعة وأربعين ، ومن له شيء من المسألة أخذه مضروباً فيما ضربت فيه وهو سبعة فللأم واحد في سبعة بسبعة ، وللإخوة لها اثنان في سبعة بأربعة عشر اثنان لكل واحد ، وللأخوات للأب أربعة في سبعة بثمانية وعشر وأربعة لكل واحد منهن ، وأما إن تداخل الراجعان فإنك تكتفي بالأكثر وتضربه في أصل المسألة على ما هي عليه من عول وغيره ، وفيه ثلاث صور أيضاً كما مر في التماثل مثاله مع موافقة كل صنف سهامه أم وثمانية أخوة لها وستة لأب أصلها من ستة للأم واحد وللإخوة للأم اثنان منكسران عليهم ، لكن يتوافقان بالنصف فترد رؤوسهم إلى أربعة ويبقى للإخوة للأب ثلاثة منكسرة ، وتوافقهم بالثلث فترد رؤوسهم إلى اثنين ، فالراجعان هنا أربعة واثنان والأصغر داخل في الأكبر فتكتفي به ، وتضربه في أصل المسألة بأربعة وعشرين ، ومن له شيء من الأصل أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة . ومثله : مع مباينة كل صنف سهامه زوجتان وبنت وأربعة إخوة لأب أصلها من ثمانية للزوجين واحد منكسر مباين فتثبت رأسيهما ،وللبنت أربعة ، وللإخوة ثلاثة منكسرة مباينة أيضاً ، فتثبت رؤوسهم فالمثبتان هنا أربعة واثنان ، فتكتفي بالأكبر وتضربه في أصل المسألة . ومثاله مع مباينة أحدهما وموافقة الآخر أم وستة إخوة لها وتسع أخوات لأب أصلها من ستة وتعول لسبعة للأم واحد ولأولادها اثنان توافق عددهم بالنصف فترد عددهم إلى ثلاثة ، وللأخوات أربعة مباينة لهن فتثبت عددهن ، فالثلاثة وفق الإخوة للأم داخلة في تسعة عدد الأخوات فتكتفي بالأكبر وتضربه في المسألة بعولها ، وأما إن توافق الراجعان فإنك تضرب وفق أحدهما في كامل الآخر ، ثم الخارج فيأصل المسألة وفيه ثلاث صور أيضاً مثاله : مع موافقة كل صنف سهامه أم وثمانية إخوة لها وثمانية عشر أخاً لأب أصلها من ستة للأم واحد وللإخوة لها اثنان منكسرة موافقة بالنصف فترد عددهم إلى أربعة ويبقى للإخوة للأب ثلاثة منكسرة موافقة لهم بالثلث ، فترد عددهم إلى ستة ، فالراجعان أربعة وستة ، وهما متوافقان بالنصف فتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر باثني عشر ، ثم تضرب هذا الخارج في أصل المسألة باثنين وسبعين ، ومثاله : مع مباينة كل صنف سهامه تسع بنات وستة إخوة لأب أصلها من ثلاثة للبنات اثنان متباينان فتثبت عددهن وللإخوة للأب واحد مباين أيضاً فتثبت عددهم فالمثبتان هنا تسعة وستة ، وهما متوافقان بالثلث فتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر بثمانية عشر ، ثم الخارج في أصل المسألة بأربعة وخمسين ، ومثاله : مع موافقة أحدهما ومباينة الآخر أم واثنا عشر أخاً لأم وتسع أخوات لأب أصلها من ستة ، وتعول إلى سبعة فنصيب الإخوة للأم اثنان موافقان لهم بالنصف فتردهم إلى ستة ، وللأخوات أربعة مباينة فتثبت عددهن ، فالراجعان هنا ستة وتسعة وهما متوافقان بالثلث ، فتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر بثمانية عشر ، ثم الخارج في المسألة بعولها بست وعشرين ومائة ، وأما إن تباين الراجعان فإنك تضرب الكامل في الكامل ، ثم الخارج في المسألة وفيه ثلاث صور أيضاً . مثاله : مع موافقة كل صنف سهامه أم وأربعة إخوة لأم وست أخوات لغيرها أصلها من ستة . وتعول إلى سبعة للأم واحد ولأولادها اثنان منكسران موافقان بالإنصاف فترد الأربعة إلى اثنين وللأخوات أربعة موافقة فتردهن إلى ثلاثة ، فالراجعان اثنان وثلاثة وهما متباينان ، فتضرب أحدهما في كامل الآخر بستة ، ثم هي في المسألة باثنين وأربعين ، ومثاله : مع مباينة كل صنف سهامه ثلاث زوجات وعاصبان أصلها من أربعة للزوجات واحد منكسر مباين ، فتثبت عددهن وللعاصبين ثلاثة مباينة لها ، فتثبت عددها أيضاً فالراجعان ثلاثة واثنان وهما متباينان ، فتضرب الكل في الكل بستة ، ثم الخارج في المسألة بأربعة وعشرين . ومثاله : مع مباينة أحدهما وموافقة الآخر أربع أخوات لغير أم وثلاث أخوات لأم أصلها من ثلاثة للأخوات اثنان موافقان لهن بالنصف فتردهن إلى اثنين وللإخوة للأم واحد مباين لهم ، فتثبت عددهم فالراجعان اثنان وثلاثة وهما متباينان ، فتضرب الكل في الكل بستة ، ثم الخارج في المسألة بثمانية عشر ، هذا كله إذا انكسرت السهام على صنفين ، وأما إن انكسرت على ثلاثة أصناف وهي غاية الانكسار فإنك تنظر أولاً بين كل صنف وسهامه بنظرين فقط الموافقة والمباينة فإن وافقته سهامه فأثبت وفق رؤوسه ، ثم انظر بين راجع صنفين منها بأربعة أنظار بالموافقة والمباينة والمداخلة والمماثلة ، فإن باينت ضربت أحدهما في كامل الآخر ، ونظرت بينه وبين راجع الصنف الثالث بالوجوه الأربعة أيضاً . فإن توافقا ضربت وفق أحدهما في كامل الآخر ، ثم الخارج في المسألة وإن تباينا ضربت الكل في الكل ، ثم الخارج في أصل المسألة وإن تداخلا اكتفيت بالأكبر وضربته في المسألة وإن تماثلا اكتفيت بأحدهما وضربته في المسألة أيضاً . مثال تماثل الرواجع أربع زوجات وستة عشر أخاً لأم وأربعة عصبة أصلها من اثني عشر للزوجات ثلاثة مباينة لهن ، فتثبت عددهن وللإخوة أربعة موافقة لهم بالربع فترد عددهم إلى أربعة ، فإذا نظرت بين راجع هذين الصنفين بالوجوه الأربعة وجدت بينهما التماثل فتكتفي بأحد المثلين وتنظر بينه وبين راجع الصنف الثالث وهم العصبة بالوجوه الأربعة أيضاً ، فتجد راجعهم أربعة أيضاً لمباينة سهامهم لرؤوسهم ، فالراجع حينئذ أربعة وأربعة وأربعة وكلها متماثلة ، فتكتفي بأحدها وتضربه في اثني عشر بثمانية وأربعين ، ومن له شيء أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة ، ليكون لكل زوجة ثلاثة ، ولكل أخ واحد ، ولكل عاصب خمسة . ومثال التداخل زوجتان واثنان وثلاثون أختاً لأب ، وثمانية أعمام فأصلها من اثني عشر ، للزوجتين ثلاثة مباينة لهن فتثبت عددهن وهو اثنان ، وللأخوات ثمانية موافقة لهن بالثمن فتردهن إلى أربعة ، ثم انظر هذين الراجعين بالوجوه الأربعة فتجد الاثنين داخلين في الأربعة ، فتكتفي بها وتنظر بينها وبين راجع الأعمام الذي هو ثمانية لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الأربعة أيضاً ، فتجد بينهما التداخل لأن الأربعة داخلة في الثمانية فتكتفي بالثمانية وتضربها في أصل المسألة بستة وتسعين ، ومثال التوافق أربع زوجات وثمانية وأربعون أختاً لأب وعشرة أعمام ، فأصلها من اثني عشر للزوجات ثلاثة مباينة ، فتثبت عددهن أربعة وللأخوات ثمانية موافقة لهن بالثمن ، فتردهن إلى وفقهن وهو ستة ، وإذا نظرت بين هذين الراجعين بالوجوه الأربعة وجدت بينهما التوافق بالنصف فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر باثني عشر . ثم انظر بين هذا الخارج وبين راجع الأعمام الذي هو عشرة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الأربعة أيضاً ، فتجد بينهما التوافق بالنصف أيضاً ، فاضرب نصف الاثني عشر وهو ستة في عشرة بستين ، ثم الستين في أصل المسألة بعشرين وسبعمائة لكل زوجة خمسة وأربعون ، ولكل أخت عشرة ، ولكل عم ستة . ومثال تباين الرواجع زوجتان وثلاث أخوات لأب وخمسة أعمام ، فأصلها من اثني عشر للزوجتين ثلاثة مباينة فتثبت عددهما ، للأخوات للأب ثمانية مباينة ، فتثبت عددهن ، وإذا نظرت بين هذين الراجعين بالوجوه الأربعة وجدت التباين ، فاضرب أحدهما في كامل الآخر بستة ، وانظر بين الستة الخارجة بالضرب ، وراجع الأعمام الذي هو خمسة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه المذكورة فتجد بينهما التباين أيضاً ، فاضرب أحدهما في كامل الآخر بثلاثين ، ثم الثلاثين في اثني عشر التي هي أصل المسألة بستين وثلاثمائة ، ومن له شيء من أصلها أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة وهو ثلاثون ، فيكون لكل زوجة خمسة وأربعون ، ولكل أخت ثمانون ولكل عم ستة .
فصل في ذكر حجب الإسقاطتقدم في فصل أحوال الميراث أن الوارثين على ثلاثة أقسام : من لا يحجب أبداً ، ومنيحجب فلا يرث شيئاً وهو حجب الإسقاط ، ومن يحجب عن كثرة الميراث إلى قلته ويسمى حجب نقل وحجب نقص ، وتكلم هنا على أعيان كل قسم ، فأشار للثالث بالفصل بعد هذا وللأولين بقوله :
وَلا سقوطَ لأَبٍ ولا وَلَدْ
ولا لزوجين ولا أُمَ فَقَدْ
( ولا سقوط لأب ) دنية بل وإن علا ( ولا ولد ) وإن سفل ( ولا ) سقوط أيضاً ( لزوجين ولا أم فقد ) أي فحسب إلا أن يقوم بواحد ممن ذكر مانع من كفر أو رق أو قتل عمداً كما يأتي في موانع الميراث .
وَالجدُّ يحْجُبُهُ الأَدْنى والأَبُ
كذا ابْنَ الأبْنَاءِ بالأَعْلَى يُحْجَبُ
( و ) لكن ( الجد ) الأعلى ( يحجبه ) الجد ( الأدنى ) منه فلا يرث معه شيئاً ( و ) يحجبه أيضاً ( الأب ) فلا يرث معه شيئاً ، وكما يحجب الجد بالأب وبالجد الأدنى منه ( كذا ابن الأبناء ) الأسفل ( بالأعلى ) منه من ابن أو ابن ابن ( يحجب ) فلا يرث مع الأعلى شيئاً .
وَبأبٍ وابْنٍ وبابن ابنِ حُجِبْ
إخْوَةُ مَنْ ماتَ فلا شيءَ يَجِبْ
( وبأب وابن وبابن ابن حجب إخوة من مات ) أشقاء كانوا أو لأب أو لأم ( فلا شيء يجب ) لواحد منهم مع وجود من ذكر .
كذا بنُو الإخْوَةَ أيضاً حُجِبُوا
بالحدّ وَالإخْوةِ ضَمَّهُم أبُ
( كذا بنو الإخوة أيضاً حجبوا بالجد و ) حجبوا أيضاً ب ( الإخوة ) حال كونهم ( ضمهم أب ) لأن الأخ للأب مقدم على ابن الأخ الشقيق ، وأحرى أن يقدم الأخ الشقيق على ابن أخيه الشقيق أو لأب .
وَالْجدُّ بالحَجْب لإخوةٍ دَها
فيما انتَمَتْ لِمَالِكٍ وشبْهِهَا
( والجد بالحجب لإخوة دها ) أي أصاب يقال ما دهاك أي ما أصابك كما في الجوهري ( فيما ) أي في الفريضة التي ( انتمت لمالك ) وهي زوج وجد وأم وأخ لأب وأخوان فصاعد الأمأصلها من ستة للأم واحد وللزوج ثلاثة وللجد واحد يبقى واحد . قال مالك في مشهور قوله : هو للجد أيضاً لأنه يقول للأخ للأب : لو كنت دوني لم يكن لك شيء ، وكان الثلث الباقي للإخوة للأم ، وأنا حجبتهم فأنا أحق بنصيبهم ، وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه : إن السدس الباقي يكون للأخ للأب لأن الإخوة للأم محجوبون ، ووافقه مالك في قوله الآخر حسبما حكاه ابن العربي والقرطبي في تفسيره . ولما كان المشهور عن مالك هو الأول قيل : لم يخالف مالك زيداً إلا في هذه ، ولذا سميت بالمالكية فإن كان محل الأخ للأب أخ شقيق فهي شبه المالكية كما قال :
( وشبهها ) عطف على ما أي ، وفي شبه المالكية وهي زوج وأم وجد وأخ شقيق وأخوان فأكثر لأم ، فعلى قياس مشهور قول مالك : لا شيء للشقيق لأن الجد يقول له : لو كنت دوني لكنت تشارك الإخوة للأم في الثلث الباقي الذكر كالأنثى وهي المسماة بالحمارية فأنت إنما ترث في الحمارية بالأم ، وأنا أحجب كل من يرث بالأم فلا شيء لك ، وإنما سميت بالحمارية حيث لا جد فيها لأن عمر رضي الله عنه قضى فيها أولاً بأن لا شيء للشقيق لاستغراق ذوي الفروض التركة للزوج ثلاثة وللأم واحد وللإخوة للأم اثنان ، والشقيق عاصب لم يفضل له شيء ، ثم نزلت به في العام القابل فاحتج عليه الأشقاء ، وقيل علي رضي الله عنه بقولهم هؤلاء إنما ورثوا بأمهم وهي أمنا . هب أن أبانا كان حماراً أو حجراً ملقى في اليم أليست الأم تجمعنا ما زادنا الأب إلا قرباً فأشركهم في الثلث لاجتماعهم في الأم ، وقوله : وشبهها إنما سميت بشبه المالكية لأن مالكاً لم يتكلم عليها ، وإنما تكلم عليها أصحابه ، فمنهم من قاسها على قول مالك في المالكية وهو الراجح عند الناظم وغيره من شراح ( خ ) ومنهم من قال فيها بقول زيد وأن السدس الباقي يكون للشقيق ، ورجحه ابن يونس قائلاً : الصواب أن يكون السدس الباقي في المالكية ، وشبهها للأشقاء أو للذين للأب ، وحجتهم أن يقولوا : أنت لا تستحق شيئاً من الميراث إلا شاركناك فيه فلا تحاسبنا بأنك لو لم تكن لأنك كائن بعد ، ولو لزم ما قاله الجد للزم في ابنتين وبنت ابن وابن ابن أن لا ترث بنت الابن مع ابن الابن شيئاً ، ويحتج بمثل احتجاج الجد اه .ونحوه لابن خروف قائلاً : وقول زيد أجرى على القياس والأصول قال : والحجة المذكورة في شبه المالكية لا يلتفت إليها لأنهم إنما شوركوا معهم حين ورثوا ، فإذا سقطوا صار الآخرون عصبة فجرى عليهم حكم العصبة اه . وقال الطرابلسي : ما قاله زيد هو الصحيح لأن المحجوب عن الميراث كأنه لم يكن .
تنبيه : إنما صوروا المالكية وشبهها بتعدد الإخوة للأم ليتم احتجاج الجد الذي هو قوله : لو كنت دوني لم ترث شيئاً وهو إنما لا يرث شيئاً مع فقدان الجد إذا تعددت الإخوة للأم ، وأما لو كان الأخ للأم واحداً فله واحد ويبقى للأخ للأب أو الشقيق واحد ، فلا يتم الاحتجاج حينئذ ، وإلاَّ فالجد يحجب الأخ للأم واحداً أو متعدداً فيكون أحق بنصيبه في المالكية وشبهها على قول مالك :
وَابنُ أخٍ بالْحَجْبِ للْعَمِّ وَفَا
وَالعمُّ لابن العمِّ ما كان كَفَى
( وابن أخ ) ولو لأب ( بالحجب للعم ) ولو شقيقاً ( وفا ) أي جاء في الشرع أن ابن الأخ يحجب العم لكونه أقرب للهالك منه ( والعم ) حاجب ( لابن العم ما كان ) أي كيفما كان العم شقيقاً أو لأب فإنه ( كفى ) في حجب ابن العم شقيقاً أو لأب أيضاً .
والأمُّ كلتا الْجدتين تَحْجُبُ
وَجَدَّةً لْلأَبِ يَحْجُبُ الأَبُ
( والأم كلتا الجدتين تحجب ) بضم الجيم مبنياً للفاعل خبر عن قوله : الأم ، وكلتا مفعوله أي الأم تحجب جدة الهالك من جهة أمه وجدته من جهة أبيه ( وجدة للأب ) بالنصب مفعول مقدم بقوله : ( يحجب الأب ) ولا يحجب جدة الهالك من أمه بخلاف الأم فإنها تحجب الجدة مطلقاً ( خ ) : وأسقطتها الأم مطلقاً والأب الجدة من جهته .
وَمَنْ دَنَتْ حاجبة لبُعْدَى
جِهَتِها مِنْ غَيْر أَنْ تَعَدَّى
( ومن دنت ) كأم الأم أو أم الأب ( حاجبة لبعدى جهتها ) فتحجب كل واحدة منهما أمها وأم أمها وإن علت ( من غير أن تعدى ) بحجب غير جهتها أو ما ذكره في قوله .
وَقُرْبَى الأَمِّ حَجَبَتْ بُعْدَى لأَبْ
وَالعكس إن أتى فما حجْبٌ وَجَبْ
( وقربى الأم ) كأم الأم ( حجبت بعدى لأب ) كأم أم الأب ( والعكس ) وهو أن تكون الجدةللأب أقرب من التي للأم كأم أم أمه وأم أبيه ( إن أتى ) ذلك ( فما حجب وجب ) بل يشتركان في السدس ، وكذلك إن كانتا في رتبة واحدة كأم الأم وأم الأب فإنهما يشتركان أيضاً كما قال :
وَحَظُّهَا السدْسُ في الانفراد
وَقِسْمَةُ السواءِ في التَّعْدَادِ
( وحظها ) أي الجدة ( السدس في الانفراد وقسمة السواء في التعداد ) حيث كانت الجدة للأب أقرب أو كانتا في رتبة واحدة كما مر . ( خ ) : وأسقطت القربى من جهة الأم البعدى من جهة الأب وإلا اشتركتا .
وَالإرْثُ لم يَحُزْهُ مِنْ هاتينِ
تعدُّداً أكثَرُ مِنْ ثنْتَيْنِ
( والإرث لم يحزه من هاتين ) الجدتين أي التي من جهة الأم والتي من جهة الأب ( تعدداً ) أي حال تعددهن ووجود جماعة منهن ( أكثر ) فاعل يحز ( من اثنتين ) إحداهما أم الأم وإن علت والأخرى أم الأب وأمها وإن علت . قال في الرسالة : ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين أم الأم وأم الأب وأمهاتهما ، ويذكر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه ورث ثلاث جدات . واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب أم أم الأب وأم أبي الأب وإن علين ، ولم يحفظ عن الخلفاء توريث أكثر من جدتين اه .
وَمُسْقِطٌ ذُو جهتين أبدا
ذا جِهةٍ مهمَا تَسَاوَوْا قُعْدُدَا
( ومسقط ) خبر عن قوله ( ذو جهتين ) جهة الأب وجهة الأم ( أبدا ) في جميع الميراث ( ذا جهة ) مفعول بمسقط ( مهما تساووا قعددا ) أي رتبة فالأخ الشقيق ذو جهتين حاجب للذي للأب والعم الشقيق حاجب العم للأب ، وابن الأخ الشقيق حاجب ابن الأخ للأب وابن العم كذلك ، وهكذا ويستثنى من كلامه الأخ للأم ، فإنه ذو جهة ولا يحجبه الشقيق ، ومفهوم تساووا قعددا أنهم إذا لم يتساووا فيه كالأخ للأب مع ابن الأخ الشقيق أنه لا شيء لابن الأخ لأن الأخ أقرب منه للهالك ( خ ) : ثم العم الشقيق ثم للأب ثم عم الجد الأقرب بالأقرب وإن غير شقيق ، وقدم مع التساوي الشقيق مطلقاً .
ومَنْ لَهُ حَجبُ بِحَاجِبٍ حُجِبْ
فحجْبُهُ بمَنْ لهُ الحَجْبُ يَجِبْ( ومن ) موصولة واقعة على الأخ للأب الذي ( له حجب بحاجب ) هو الشقيق من نعت وصفة هذا الحاجب الذي هو الشقيق ( حجب ) أيضاً بولد الهالك ( فحجبه ) أي الأخ للأب ( بمن ) أي الذي ( له الحجب ) لحاجبه ( يجب ) فحجب مبتدأ وضميره لمن الواقعة على الأخ للأب مثلاً ، وجملة له حجب صلته ولحاجب يتعلق بحجب ، وجملة حجب بالبناء للمفعول صفة لحاجب وحجبه مبتدأ خبره يجب وبمن يتعلق به ، وجملة له الحجب صلة من والتقدير : والأخ للأب المحجوب بشقيق محجوب بولد يجب حجبه عند فقد الشقيق بالولد الحاجب لحاجبه ، فإذا هلك وترك ابناً وأخاً وشقيقاً وأخاً لأب فالأخ للأب محجوب بالشقيق ، والشقيق محجوب بالابن فلو عدم الشقيق لم يرث الأخ للأب شيئاً لوجوب حجبه بالابن الذي هو حاجب حاجبه ، وهكذا يقال في ابن الأخ مع وجود أخ وابن للهالك ، فإن ابن الأخ محجوب بالأخ ولو عدم لكان محجوباً بالابن ، وكذا ابن الأخ مع العم وابن العم ، فإن العم محجوب بابن الأخ وابن العم محجوب بالعم ، فلو فقد العم لم يرث ابن العم لوجوب حجبه بحاجب حاجبه ، وهذا البيت مع تعقيده قليل الجدوى مفهوم حكمه من البيت الذي قبله ، إذ من المعلوم أن حاجب الحاجب لغيره حاجب لذلك الغير ، وأن الأقرب يحجب الأبعد .
وإخْوةُ الأمِّ بمن يكُون في
عَمُودَي النَّسَبِ حَجْبُهُمْ يَفي
( وإخوة الأم ) مبتدأ ( بمن يكون في عمودي النسب ) من ابن أو بنت للهالك وإن سفلت وأب أو جد وإن علا ( حجبهم ) مبتدأ ثان ( يفي ) خبره والمجرور بالباء يتعلق به ، والجملة خبر الأول ، والمعنى أن الإخوة للأم محجوبون بمن يوجد في عمودي النسب الأعلى والأسفل ، فعموده الأعلى الأب والجد وإن علا وعموده الأسفل الولد وولده وإن سفل فيدخل في ذلك البنت وبنت الابن وإن سفلت لأنهما من عموده الأسفل قطعا ( خ ) : وسقط الأخ للأم بابن وابنه وبنت وإن سفلت وأب وجد الخ . وإنما حجبوا بما ذكر لقوله تعالى وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت } ( النساء : 12 ) الآية . والكلالة كما في الأزهري وغيره الفريضة التي لا ولد فيها ولا والد ولذا قيل فيها :
ويسألونك عن الكلاله
هي انقطاع النسل لا محاله
لا ولد يبقى ولا مولود
فانقطع الأبناء والجدودوكلالة في الآية إما تمييز والأصل يرثه كلالة بالرفع على الفاعلية ، فحذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فارتفع الضمير واستتر ، ثم جيء بالفاعل تمييزاً ، وإما حال من ضمير يورث أي ذا كلالة ، وسيأتي في الفصل بعده أن الإخوة للأم يحجبون الأم للسدس وإن كانوا محجوبين بالجد ونحوه .
فصل في ذكر ( حجب النقل ) من تعصيب ( إلى فرض
أو من فرض إلى فرض آخر ،
فأشار إلى الثاني بقوله فيما يأتي : والأخت من أب وإن تعددت الخ . وإلى الأول بقوله :
الأبُ معْ فُرُوضِ الاسْتِغْرَاقِ
وَالنقصُ يَحْوِي السُّدْسَ بالإِطْلاَقِ
( الأب ) هو عاصب في الأصل لكنه ينتقل للفرض ( مع فروض الاستغراق ) أي الفريضة التي يستغرقها أهل فروضها ، سواء كانت عادلة كبنتين وأب وأم فله السدس وللأم مثله وللبنتين الثلثان أربعة أو عائلة كزوج وبنت وأم وأب أصلها من اثني عشر ، وتعول لثلاثة عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنت النصف ستة وللأم السدس اثنان وللأب كذلك ، ولو بقي عاصباً على أصله لأخذ الواحد الباقي من اثني عشر ولا يعال له . ( و ) بيع فروض ( النقص ) وهي الفريضة التي نقصت فروضها عن أصلها كما مر كبنت وأم وأب أصلها من ستة للبنت ثلاثة وللأم سدسها واحد وللأب كذلك يبقى واحد يأخذه الأب بالتعصيب فقوله : ( يحوي السدس ) بسكون الدال خبر عن الأب وقوله ( بالإطلاق ) أي في جميع ما مرّ من العادلة والعائلة والناقصة إلا أنه في العادلة يأخذ السدس من غير زيادة عليه ولا نقص منه ، وفي العائلة يأخذ السدس إلا ما نقصه العول وهو جزء من ثلاثة عشر في المثال المتقدم ، وفي الناقصة يأخذ السدس ثم الباقي بالتعصيب ، وقد تقدم أن كل ذكر عاصب إلا الزوج والأخ للأم وكما حوى السدس فيما ذكر .
كذاكَ يَحْوِي مَعَ ذُكْرَانَ الوَلَدْ
أوْ وَلدِ ابْنٍ مِثلهُمْ سدْساً فَقَدْ
( كذاك يحوي ) أيضاً ( مع ذكر أن الولد ) واحداً أو أكثر ( أو ) مع ( ولد ابن مثلهم ) في كونه ذكراً واحداً أو أكثر فالجمع في قوله : ذكران غير مقصود ، وإنما المراد جنس الذكور ولو واحداً من أبناء الهالك أو أبناء ابنه ، وإن سفلوا يحوي معهم الأب ( سدساً ) بسكون الدال مفعول بقوله يحوي ( فقد ) اسم فعل بمعنى حسب .والسدْسُ معْ أُنْثَى مِنَ الصنْفَيْن لهْ
وَالباقي بالتعصيب بَعْدُ حَصَّلَهْ
( والسدس ) بسكون الدال مبتدأ ( مع أنثى ) واحدة أو أكثر ( من الصنفين ) صنف بنات الصلب وصنف بنات الابن ( له ) خبر أي : والسدس كائن للأب وثابت له مع بنت أو بنتين فأكثر للهالك ، ومع بنت ابن أو بنات ابن يأخذه بالفرض ( والباقي ) وهو الثالث مع الواحدة من الصنفين والسدس مع أكثر يأخذه ( بالتعصيب بعد ) أي بعد أخذه السدس بالفرض ( حصله ) أي حصل ما ذكروا حفظه ، ودخل في كلامه ما إذا خلف بنتاً وبنت ابن وأباً فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين ، وللأب السدس واحد ثم يأخذ الواحد الباقي تعصيباً فإن خلف بنتين فلا شيء لبنت الابن ، وإن تعددت لحجبها بالبنتين فلهما الثلثان وللأب واحد بالفرض والباقي بالتعصيب ، وهذا البيت تكرار مع قوله : والنقص إذ الفريضة فيه نقصت سهامها عن أصولها .
وَالجدُّ مِثْلُ الأَبِ مَعْ مَنْ ذُكِرَا
حَالاً بحَالٍ في الّذِي تَقَرَّرَا
( والجد مثل الأب مع من ذكرا ) من أهل الفروض المستغرقة والناقصة وأبناء الصلب وأبناء الابن حال كونه ( حالاً بحال في الذي تقررا ) وهو أخذ السدس في المستغرقة العادلة كزوج وأم وجد ، والعائلة كزوج وبنتين وجد أصلها من اثني عشر ، وتعول لثلاثة عشر ، والناقصة كبنت وأم وجد أو بنت فقط وجد أو بنتين وجد يأخذ السدس فرضاً ، والباقي بعد البنت والأم أو بعد البنت أو البنتين بالتعصيب ، وله السدس فقط مع ابن الهالك أو ابن ابن فالأب والجد متساويان في هذه الأحوال الأربعة وهي أن لهما السدس في المستغرقة أو الناقصة أو مع ابن الصلب أو ابن الابن وزاد الجد على الأب في اجتماعه مع الإخوة بثلاثة أحوال أخر وذلك لأن الأب يحجب إخوة الهالك كيفما كانوا ولا يرثون معه شيئاً ، والجد لا يحجب إلا الإخوة للأم ، وأما غيرهم فله معهم على ما ذكر الناظم ثلاثة أحوال .
الأولى : أن يكونوا كلهم شقائق أو لأب وليس معهم ذو فرض فللجد معهم الخير من الثلث أو المقاسمة .الثانية : أن يكون معهم ذو فرض فله الخير من السدس من رأس المال أو ثلث الباقي بعد الفرض أو المقاسمة .
الثالثة : أن يجتمع الشقيق والذي للأب فالحكم كذلك لكن يعد الشقيق على الجد الأخ للأب ثم يرجع عليه ، والمعادلة تكون مع انفراد الإخوة والجد أو مع اجتماعهم مع ذوي الفروض فللجد على هذا سبعة أحوال : أربعة هو فيها كالأب وزاد عليه بثلاثة مع الإخوة ، فأشار إلى الحالة الأولى التي زاد بها عليه فقال .
وَزَاد بِالثُلثِ إن رَجْحٌ ظَهَرْ
مَعْ صِنْفِ الإخْوَةِ وَقَسْمٍ كَذَكَرْ
( وزاد بالثلث إن الرجح ) فاعل بفعل محذوف يفسره ( ظهر مع صنف الإخوة ) كلهم أشقاء أو كلهم لأب ( وقسم ) بالجر عطف على الثلث ، والواو بمعنى ( أو ) أي : وزاد الجد يأخذ ثلث جميع المال إن كان ذلك رجح له أو مقاسمة . ( كذكر ) منهم إن كانت أرجح له من الثلث ، وحينئذ فإذا زاد عدد ذكور الإخوة على اثنين وعدد الإناث على أربع فثلث جميع المال أرجح له لأنه إن قاسم ثلاثة إخوة أو خمس أخوات أخذ أقل من ثلث لأنه ينوبه مع ثلاث إخوة ربع المتروك ، ومع خمس أخوات سبعاً المتروك وذلك أقل من ثلث المتروك وإن نقص ذكور الإخوة عن اثنين وعدد الأخوات عن أربع ، فالمقاسمة أرجح له لأنه ينوبه في مقاسمة الأخ الواحد النصف ، وفي مقاسمة ثلاث أخوات خمسان لأنه برأسين ، وكل واحدة منهن برأس ، ومجموع ذلك خمسة والخمسان أكثر من الثلث لأن ثلث الخمسة واحد وثلثان ، وذلك أقل من خمسين صحيحين ، وأحرى أن يقاسم أختاً واحدة لأن له معها الثلثين أو أختين لأن له معهما النصف ، وهكذا وإن كان عدد ذكور الإخوة اثنين وعدد الأخوات أربعاً فيستوي الثلث والمقاسمة . ثم أشار إلى الحالة الثانية التي زاد الجد بها على الأب فقال :
وَالسُّدْسُ إنْ يَرْجَحْ له مَتى صَحِبْ
أَهْلَ الفروضِ صِنفٌ إخْوَةٍ يَجِبْ
( والسدس ) من جميع المال ( أن يرجح ) على غيره من المقاسمة أو ثلث الباقي ( له متى صحب أهل الفروض ) مفعول مقدم على الفاعل الذي هو ( صنف الإخوة ) كلهم أشقاء أو كلهم لأب ( يجب ) خبر عن قوله : والسدس والضمير المجرور يتعلق به .أَوْ قِسْمَةُ السواءِ في البقِيهْ
أَوْ ثُلْثُهَا إلاَّ في الأَكْدَرِيهْ
( أو قسمة السواء ) بينه وبين الإخوة إن تكن أرجح له ( في البقية ) من المال بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم ( أو ثلثها ) أي البقية إن تكن أرجح له أيضاً فأي الثلاثة كان أرجح ، فهو الواجب له فالسدس أرجح له في زوج وأم وأخوين وجد وتصح من ستة له في المقاسمة ثلثا الواحد ، وكذا في ثلث الباقي وفي السدس واحد كامل ، وكذا يكون السدس أرجح له في بنتين وجد وأخوين أو ثلاث أخوات ، فالأولى من ستة وتصح من اثني عشر ، والثانية من ستة وتصح من ثمانية عشر ، والمقاسمة أرجح له في أم وأخ واحد أصلها من ثلاثة للأم واحد يبقى اثنان له في السدس من رأس المال ثلث واحد ، وفي ثلث الباقي ثلثا الواحد ، وفي المقاسمة واحد كامل ، وكذا تكون المقاسمة أحظى له في زوجة وجد وأخ تصح من ثمانية وثلث الباقي أحظى له في أم وثلاثة إخوة وجد أصلها من ستة للأم واحد ، والباقي خمسة ثلثها واحد وثلثان وهو أكثر من السدس واحد ، ومن المقاسمة واحد وربع ، وكذا يكون أحظى له في أم وجد وثلاثة إخوة أصلها من ستة وتصح من ثمانية عشر للأم ثلاثة وللجد خمسة تبقى عشرة لكل واحد من الإخوة الثلاثة ثلاثة وثلث فاضرب عدد رؤوسهم في المسألة فما خرج فمنه تصح ويستوي السدس والمقاسمة وثلث الباقي في زوج وجد وأخوين . ولما تقدم أن الجد يعصب الأخت ويقاسمها اقتضى ذلك أنها ترث بالتعصيب وأنه معها كأخ وعليه فلا يفرض لها معه بحال إلا في مسألة واحدة استثناها بقوله :
( إلا في الأكدرية ) ألقاها عبد الملك بن مروان على رجل يحسن الفرائض يقال له أكدر ، فأخطأ فيها فنسبت إليه وهي زوج وأم وجد وأخت شقيقة أو لأب .
فَالْعَوْلُ لِلأُخْتِ بهَا قد أُعمِلا
وَاجْمَعْهُمَا وَاقْسِمْ وَجَدًّا فَضِّلا
( فالعول للأخت بها ) أي فيها ( قد اعملا ) لأن أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأمالثلث اثنان يفضل واحد يأخذه الجد لأنه لا ينقص مع ذوي الفروض عن سدس جميع المال كما مر لأنه فرضه معهم ، وإذا كان السدس فرضه فلا يعصب الأخت لأن ذا الفرض لا يصير غيره عاصباً إلا البنات مع الأخوات كما يأتي ، وإذا لم يعصبها فلا بد من الفرض لها لأنها من ذوي الفروض وليس هناك من ينقلها للتعصيب فأعيل لها بثلاثة : نصف المسألة فصارت من تسعة خذ نصيب الجد منها وهو واحد ونصيب الأخت وهو ثلاثة . ( واجمعها ) تكن أربعة ( وأقسم ) عليهما ( وجداً ) مفعول بقوله ( فضلا ) لأنه كأخ لها يأخذ الثلثين وهي الثلث وأربعة على ثلاثة منكسر مباين أضرب عدد رؤوس المنكسر عليهم وهو ثلاثة في المسألة بعولها وهو تسعة بسبعة وعشرين ، ثم تقول من له شيء من التسعة أخذه مضروباً فيما ضربت فيه المسألة وهو ثلاثة : فللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللأم اثنان في ثلاثة بستة وللجد والأخت أربعة في ثلاثة باثني عشر له ثمانية ، ولها أربعة . ومفهوم قوله : للأخت أنهما إذا كانتا أختين فأكثر لا يعال لهما وهو كذلك ، فللزوج النصف وللأم السدس وللجد السدس وللأختين فأكثر ما بقي وهو السدس ولا يعال لهما قاله مالك ، وفيه إشكال قاله الفاكهاني وغيره .
واعلم أن الجد في الأكدرية ورث أولاً بالفرض ، وثانياً بالتعصيب ، إذ لا يقاسمها إلا بتقدير كونه معصباً لها وكونه من ذوي الفروض معصباً في حالة واحدة لا يعقل ويلغز بها من وجهين . أحدهما : أن يقال أربعة ورثوا ميتاً أخذ أحدهم ثلث ماله ، وأخذ الثاني ثلث الباقي ، وأخذ الثالث ثلث باقي الباقي ، وأخذ الرابع ما بقي ، وجوابه هذه المسألة فإن الزوج أخذ ثلث ماله والأم أخذت ثلث الباقي والأخت أخذت ثلث باقي الباقي ، والجد أخذ ما بقي ، الثاني قال ابن عرفة : بأن يقال ما فريضة أخر قسمها للحمل فإن كانت أنثى ورثت وإن كان ذكراً لم يرث شيئاً . وجوابه امرأة تركت زوجها وجدها وأماً حاملاً . ثم أشار إلى الحالة الثالثة وهي أن يجتمع مع الجد الشقيق والذي للأب فقال :وَالقسمُ مَعْ شَقَائِقٍ وَمَنْ لأَبْ
معاً له وَعَدُّ كُلِّهِمْ وَجَبْ
( والقسم ) مبتدأ ( مع ) اجتماع إخوة ( شقائق ومن لأب معاً ) أي جميعاً ( له ) يتعلق بمحذوف خبر وضميره للجد أي واجب له ( وعد كلهم ) على الجد ليحرم كثرة الميراث ( وجب ) وإذا عد عليه الجميع وأخذ كل حظه ، فإن الشقيق يرجع على الذي للأب فيأخذ ما بيده كما قال :
وَحَظُّ منْ لِلأَبِ لِلأَشِقّا
وَحْدَهُمْ يكونُ مُسْتَحِقا
( وحظ ) مبتدأ ( من للأب ) مضاف إليه ( للأشقا ) يتعلق بمستحقا ( وحدهم ) حال من الأشقاء ( يكون مستحقا ) خبر المبتدأ ، والتقدير حظ الإخوة للأب يكون مستحقاً للأشقاء حال كونهم وحدهم ، وظاهره أن الشقيق يعد الأخ للأب على الجد ، سواء كان معهم ذو فرض أم لا . وهو كذلك فإذا ترك أماً وأخاً شقيقاً وأخاً لأب وجداً ، فإن الشقيق يعد الأخ للأب فتستوي المقاسمة وثلث الباقي بعد الفرض ، فإذا أخذ الجد حظه رجع الشقيق على الذي للأب بما في يده ، وكذا إذا لم يكن معهم ذو فرض فإذا ترك شقيقتين وأختاً لأب فالمسألة من خمسة للجد اثنان وللأخوات ثلاثة ، وإذا ترك شقيقة وأختين أو أخاً لأب ، فكذلك وكذا أخاً شقيقاً وأختاً لأب وإن ترك شقيقه وأختاً لأب ، فالمسألة من اثنين للجد النصف وللأختين النصف ، ثم إذا أخذ كل حظه في هذه الأمثلة التي لم يبلغ فيها عدد الإخوة مثليه رجع الأشقاء على اللذين للأب بما لهم لو لم يكن لهم جد ، ولا شك أن فرض الشقيقتين في المقال الأول لو لم يكن جد الثلثان فيرجعان على التي للأب بجميع ما أخذته ، وفرض الشقيقة في المثال الثاني النصف فترجع بواحد ونصف ، ويبقى نصف واحد بيد أختيها أو أخيها للأب ، والشقيق يرجع على التي للأب بجميع ما بيدها ، وكذا الشقيقة في المثال الأخير ، وافهم مثل هذا فيما إذا بلغ عدد الإخوة مثليه أو زادوا كان معهم ذو فرض أيضاً أو لم يكن .والضابط أنه مهما كان في الشقائق ذكر فإنه لا شيء للذي للأب لأنه يحجبه ومثله شقيقتان فأكثر لأن لهما الثلثين والجد لا ينقص عن الثلث ، فلا يفضل للذين للأب شيء ، وكذا شقيقه وأخت لأب وجد كما في المثال الأخير ، وإلا فيفضل للذين للأب كما في المثال الثاني ، ومثله ما إذا كانت الشقيقة مع أخ وأخت لأب ، أو مع ثلاث أخوات لأب فإنها تأخذ نصفها والباقي وهو السدس يكون للذين للأب ، وبه تعلم أن قوله : وحظ من للأب للأشقا الخ . ليس على إطلاقه بل في بعض الصور كما ترى ، وعبارة ( خ ) أحسن إذ قال : وعاد الشقيق بغيره ثم رجع كالشقيقة لما لهما لو لم يكن جد الخ ، ولما تكلم على النقل من تعصيب إلى فرض أشار إلى النقل من فرض إلى فرض فقال :
وَالأخْتُ منْ أبٍ وَإنْ تعدَّدَتْ
مَعْ شقيقةٍ بسُدْسٍ أُفْرِدَتْ ( والأخت من أب وإن تعددت ) كانت في الأصل من ذوات النصف إن اتحدت أو من ذوات الثلثين إن تعددت كما مرّ ، لكن إذا كانت أو كن ( مع ) أخت ( شقيقة بسدس أفردت ) أي انتقلت إليه حال كونه .
تَكْمِلَةُ الثَّلُثَيْنِ وَالحُكْمُ كذَا
معْ بنتِ صُلْبٍ لابْنَةِ ابْنِ يُحْتَذَا
( تكملة الثلثين ) فتأخذه وحدها إن اتحدت ويقسم على عددهن إن تعددت إلا أن يكون معها أو معهن أخ لأب فيقسمون ذلك للذكر مثل حظ الأنثيين كما مر ، وافهم قوله تكملة الثلثين أنها لا تأخذه فرضاً مستقلاً وينبني عليه أنها لو باعت الشقيقة نصفها في أصل أو العكس ، فالأخرى أحق بالشفعة من سائر الورثة كإحدى الزوجتين في ثمن أو ربع وعلى أنها تأخذه فرضاً مستقلاً لا تكون أحق بها من الورثة ، وعلى الأول عول ( خ ) حيث قال : وقدم مشاركة في السهم وإن كأخت لأب أخذت سدساً . ( والحكم كذا مع بنت صلب لابنة ابن يحتذا ) فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : والحكم هكذا يتبع لابنة الابن مع بنت الصلب فللبنت النصف ولابنة الابن واحدة ، فأكثر السدس تكملة الثلثين ما لم يكن معها أو معهن ابن ابن آخر في درجتها كان أخاها أو ابن عمها فيردها للتعصيب ، ويقتسمون النصف الباقي بعد البنت للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن كان ابن الابن أسفل منها فهي غنية بسدسها كما مر مبيناً في فصل أهل الفروض عند قوله :ونصفه السدس لأم والأب الخ .
وَالزَّوْجُ مِنُ نِصْفٍ لِرُبْعٍ انْتَقَلْ
مَعَ ولَدٍ أَو وَلَدِ ابْنٍ هَبْ سَفَلْ
( والزوج من نصف لربع انتقل مع ) وجود ( ولد ) لزوجته الهالكة ذكراً كان الولد أو أنثى منه أو من غيره وإن من زنا ( أو ) وجود ( ولد ابن ) لها ذكراً كان أو أنثى ، لكن لا بد أن يكون لاحقاً بأبيه ( هب ) أنه أي ولد الابن ( سفل ) أي نزل بضم الفاء وفتحها كما مر .
وَيَنْقُل الزوجَةَ مِنْ رُبْعٍ إلَى
ثُمْنٍ صَحِيحٍ نِسْبَةُ مِح هَؤُلا
( وينقل الزوجة من ربع إلى ثمن ) بسكون الميم ( صحيح ) بالرفع فاعل ينقل ( نسبة من هؤلا ) بالقصر والإشارة للولد وولد الابن العالي والنازل وشرط في ولد الزوج وولد ابنه أن يكون صحيح النسبة احترازاً من ولد الزنا والمنفي بلعان فلا يحجبانها إلى الثمن .
وَالأَمُّ مِنْ ثُلْثٍ لِسُدْسٍ تُفْرَدُ
بِهِمْ وَبالإِخْوَةِ إنْ تَعَدَّدُوا
( والأم من ثلث لسدس تفرد ) أي تنقل من الثلث إلى السدس ( بهم ) أي بالولد ذكراً كان أو أنثى وبولد الابن كذلك وإن سفل ( و ) تنقل أيضاً للسدس ( وبالإخوة إن تعددوا ) أي زادوا على الواحد ، وظاهره مطلقاً أشقاء كانوا أو لأب أو لأم أو مختلفين ذكوراً أو إناثاً أو مختلفين أو خناثى ، وسواء كانوا وارثين بالشخص كأب وأم وأخوين مطلقاً ، وكأم وجد وأخوين لأم ، فهم وإن كانوا محجوبين بالأب في الأولى وبالجد في الثانية يحجبان الأم للسدس فتأخذ السدس والباقي للأب في الأولى ، وللجد في الثانية ، ثم علل الإطلاق المذكور بقوله :
وَغيرُ مَنْ يَرِثُ ليس يَحْجُبُ
إلاُّ أُولاءِ حَجَبُوا إذْ حُجِبُوا
( وغير من يرث ) أي إنما حجبت الأم بالإخوة مطلقاً لأن غير من يرث لمانع به من رق أو كفر أو قتل عمد ( ليس يحجب ) بضم الجيم مبنياً للفاعل أي : لا يحجب غيره حجب إسقاط ولاحجب نقل ( إلا ) ه ( ؤلاء ) الإخوة ( حجبوا ) للأم من الثلث إلى السدس ( إذ حجبوا ) بالبناء للمفعول أي حجبهم الأب مطلقاً والجد إذا كانوا لأم كما مر ، وهذا البيت قريب من قول التلمسانية :
وفيهم في الحجب أمر عجب
لأنهم قد حجبوا وحجبوا
وقول ( ت ) : حجبهم الأب أو الولد أو الجد الخ . الصواب حذف الولد لأن الذي نقل الأم للسدس هو نفس الولد لا الإخوة حتى يقال : حجبوها وهم محجوبون بالولد ، ولما قدم أن للأم حالتين ترث في إحداهما الثلث وفي الأخرى السدس ذكر لها حالة ثالثة ترث فيها ثلث الباقي ، وذلك في إحدى الغراوين سميتا بذلك لشهرتيهما فقال :
وَثُلْثُ ما يَبْقَى مِنَ الزوجَيْنِ
تأخُذُ مَعْ أبٍ بِغَرَّاوَيْنِ
( وثلث ما يبقى عن الزوجين تأخذ ) الأم ( مع أب بغراوين ) إحداهما زوجة وأبوان أصلهما من أربعة للزوجة الربع وللأم ثلث الباقي وللأب ثلثاه ، والثانية زوج وأبوان أصلها من اثنين للزوج واحد ، وللأبوين واحد منكسر للأم ثلثه وللأب ثلثاه ، فتضرب عدد الرؤوس في أصل المسألة وهو ثلاثة في اثنين بستة ، ومن له شيء من أصل المسألة أخذه مضروباً فيما ضربت فيه ، فللزوج واحد في ثلاثة بثلاثة ، وللأبوين واحد كذلك بثلاثة للأم منها واحد وللأب اثنان ( خ ) : ولها أي الأم ثلث الباقي في زوج أو زوجة وأبوين الخ . فلو كان موضع الأب جد لكان للأم ثلث المال لأنها ترث مع الجد بالفرض ومع الأب بالقسمة .
فصل في ذكر حجب النقل من الفرض ( للتعصيبوذلك أن البنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والتي للأب كلهن من ذوي الفروض كما تقدم ، لكن محل ذلك إذا لم يكن مع الواحدة منهن فأكثر أخ يساويها في درجتها فإنه ينقلها من الفرض ويصيرها عاصبة يقاسمها للذكر مثل حظ الأنثيين كما قال :لِلاِبْنِ شَرْعاً حَظَّ بِنتيْنِ ادَفَعِ
مِن مالِ أوْ باقيه في التَّنَوُّعِ
( للابن شرعاً ) متعلق بادفع ( حظ بنتين ) مفعول بقوله ( ادفع ) أي للابن اللاحق لأبيه بالشرع حظ بنتين ( من ) كل ( مال ) للهالك حيث لم يكن في التركة ذو فرض ( أو ) ادفع له من ( باقيه ) أي المال بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم حيث كان فيها ذو فرض كالزوجة والأم مثلاً فللزوجة الثمن وللأم السدس تصح من أربعة وعشرين ، والباقي بعد إخراج الثمن والسدس بين الأب والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين ( في التنوع ) أي في تنوع الورثة إلى ذوي فروض وعصبة .
وَوَلَدُ ابْنٍ مِثْلُهُمْ في الحُكْمِ
وَإخْوَةٌ كذا لغير الأُمِّ
( وولد ابن مثلهم ) أي مثل أبناء الصلب ( في الحكم ) وهو قسم المال كله أو باقيه بعد ذوي الفروض للذكر مثل حظ الأنثيين ، لكن بنت الابن يعصبها من في درجتها كان أخاها أو ابن عمها ، وكذا يعصبها من هو أسفل منها كما مر مفصلاً عند قوله : ولابنة ابن ولجد اجتبى الخ . ( وإخوة ) ذكور مع أخواتهم الإناث ( كذا ) لهم هذا الحكم إذا كانوا ( لغير الأم ) بل كانوا أشقاء أو لأب فالشقيق يعصب شقيقته والأخ للأب يعصب أخته للأب للذكر مثل حظ الأنثيين في المال كله أو الباقي بعد الفرض ، واحترز بقوله لغير الأم مما إذا كانوا إخوة لأم فإنهم يقتسمون ثلثهم الذكر كالأنثى كما مر في قوله : وهم في قسم ذاك إسوة الخ .
وَالأُخْتُ لا لِلأُمِّ كيفَ تَأتِي
من شَأنِهَا التعصيبُ مَعْ بَنَاتِ
( والأخت ) الشقيقة أو لأب ( لا ) التي ( للأم كيف تأتي ) واحدة أو أكثر ( من شأنها التعصيب مع بنات ) قال في التلمسانية :
والأخوات قد يصرن عصبات
إن كان للهالك بنت أو بنات
فتأخذ البنت الواحدة نصفها والأخت والأخوات ما بقي وتأخذ البنتان الثلثين والأخت فأكثر ما بقي تعصيباً .
كذا يُعْصِّبْنَ بنَات الابْنِ
وَالعَوْلُ في الصَّنْفَيْنِ عنه اسْتُغْنِي
( كذا يعصبن ) أي الأخوات ( بنات الابن ) مفعول يعصبن ونون الإناث عائدة على الأخواتكما قررنا ، فإذا ترك بنت ابن وأختاً وأخوات فلبنت الابن النصف وللأخت أو الأخوات النصف الباقي ، وإذا ترك بنتي ابن فأكثر فلهما الثلثان وللأخت أو الأخوات ما بقي ( والعول في الصنفين ) صنف الأخوات مع البنات أو صنفهن مع بنات الابن ( عنه استغني ) لأنهن أي الأخوات يرثن ما فضل من البنات أو بنات الابن بالتعصيب والعاصب لا يعال له ، بخلاف ما إذا اجتمع الأخوات مع غير الصنفين المذكورين فإنهن يرثن بالفرض حيث لا حاجب ولا معصب لهن كما في زوج وأختين أو زوج وأم وأخت أو زوج وأم وأختين وأخ لأم فالأولى تعول لسبعة ، والثانية لثمانية ، والثالثة لتسعة كما مرّ في مسائل العول ، واعلم أن العاصب ينقسم إلى ثلاثة : عاصب بنفسه وهو كل ذكر لم يفصل بينه وبين الهالك أنثى ، فالذكور المتقدمون في فصل عدد الوارثين كلهم عصبة إلا الزوج والأخ للأم وعاصب مع غيره وهو كل أنثى تصير عاصبة مع أنثى أخرى كالأخت مع البنت أو بنت الابن ، وعاصب بغيره وهو النسوة الأربع البنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والتي للأب ، وإذا اجتمع كل منهن مع أخيه فإنه يصيرها عاصبة .
وَبِنْتُ الابنِ إنْ تَكُنْ قدْ حُجِبَتْ
بابْنِ مُسَاوٍ أَوْ أَحَطَّ عَصَّبَتْ
( وبنت الابن إن تكن قد حجبت ) باثنتين فوقها من بنات الصلب فإنها ( بابن ) ابن فهو على حذف مضاف كقولهم : قطع الله يد ورجل من قالها بقرينة قوله : ( مساو ) لها في الدرجة ( أو أحط ) أي أسفل منها بدرجة أو درجات كابن ابن أخيها ( عصبت ) فترث معه الثلث الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين فقوله : عصبت بفتح العين وبابن يتعلق به لا بحجبت لأنها إذا حجبت بابن لا ترث شيئاً ( خ ) وحجبها ابن فوقها أو بنتان فوقها إلا ابن في درجتها مطلقاً أو أسفل فمعصب الخ . ومفهوم حجبت أنها إذا لم تحجب كما لو كانت مع بنت واحدة ، فإنها تأخذ السدس تكملة الثلثين والثلث الباقي يأخذه ابن أخيها وهو كذلك كما مر في قوله : والحكم كذا مع بنت صلب لابنة ابن يحتذا .
وبأخٍ لا بابْنِهِ أَخَوَاتُ الأبْ
تَعْصِيبُهُنَّ مَعْ شَقيقَاتٍ وَجَبْ
( وبأخ لا بابنه أخوات ) مبتدأ وهو بفتح الهمزة وسكون الخاء جمع مؤنث سالم سكنت عينه للضرورة كقوله :وحملت زفرات الضحى فأطقتها
وما لي بزفرات العشي يدان
قال ابن هشام : هي ضرورة حسنة لأن هذه العين قد تسكن في المفرد كقوله : يا عمرو يا ابن الأكرمين نسباً بسكون السين ( الأب ) مضاف إليه ويقرأ بنقل حركة الهمزة للام للوزن ( تعصيبهن ) مبتدأ ثان ( مع شقيقات ) يتعلق بقوله : ( وجب ) وكذا قوله بأخ ، والتقدير وأخوات الأب تعصيبهن وجب مع شقيقات بأخ لا بابن أخ ، ومراده بالشقيقات اثنتان فأكثر ، والمعنى أن الأخت للأب إنما يعصبها أخوها الذي في درجتها اجتمع مع شقيقة واحدة أو مع شقيقتين فأكثر فلهما النصف الباقي مع الواحدة للذكر مثل حظ الأنثيين والثلث الباقي مع الشقيقتين فأكثر ، كذلك ابن الأخ فإنه لا يعصبها فإذا اجتمعت مع الواحدة فلها السدس تكملة الثلثين والثلث الباقي لابن أخيها ، وإذا اجتمعت مع شقيقتين ، فأكثر فلا شيء لها بل الثلث الباقي يختص به ابن الأخ لأنه لا يعصبها بخلاف بنت الابن ، فإن ابن أخيها يعصبها في الثلث الفاصل عن البنتين كما مر ، بهذا وردت السنة كما في ابن يونس ، وتقدمت الإشارة إلى هذا الفقه عند قوله : وأشمل لأخت جهة في الحكم .
تتمة : تقدم أول الباب أن علم الفرائض على قسمين معرفة من يرث ومن لا يرث ، وتكلم عليه الناظم من أول الباب إلى آخر الكتاب ومعرفة ما يوصل لكل ذي حق حقه في المناسخات قد بقي عليه ، وها أنا أذكر لك كيفية ذلك تتميماً للمقصود فأقول صفة العمل في ذلك أن تجعل الجامعة التي انتهت إليها فريضتك إلى أئمتها الأوائل ، وتحفظ تلك الأئمة ثم تحل أئمة الأوقية إلى أئمتها الأوائل وأئمة الأوقية هي ثمانية للأثمان واثنا عشر للفلوس وثمانية للحبوب وترتيبها هكذا :ثم بعد الفراغ من حل أئمة الأوقية وأئمة الجامعة تقابل بين ما حللت إليه من أئمة الأوقية وأئمة الجامعة ، ولا يخلو الحال إذ ذاك من أربعة أوجه : إما مماثلة في الجميع ، وإما عدمها في الجميع ، وإما مماثلة في البعض دون البعض ، ثم هذا البعض المماثل إن كان من أئمة الأوقية إما أن يكون واحداً أو متعدداً ، فإن كانت المماثلة في الجميع فالمال المقتسم هو جزء سهم الجامعة ضعه عليها واضرب فيه ما بيد كل وارث ، وهذا هو الوجه الأول ، وإن وقعت المخالفة في الجميع فسطح أئمة الأوقية بأجمعها ، والخارج اضربه في المال المقتسم والخارج هو جزء سهم الجامعة اضرب فيه ما بيد كل وارث ، واقسم على أئمة الجامعةكلها وقدم في القسمة أكبرها ، ثم على ثمانية الحبوب الخ . وهذا هو الوجه الثاني ، وإن وقعت المماثلة في البعض والبعض الذي لم يماثل من أئمة الأوقية إمام واحد ، فاضربه في المال والخارج هو جزء السهم ، وهذا هو الوجه الثالث ، وإن كان البعض الذي لم يماثل من أئمة الأوقية أكثر من إمام واحد فسطحه ، واضرب الخارج في المال والخارج هو جزء السهم اضرب فيه ما بيد كل وارث ، وهذا الوجه الرابع . وهذا النظر كله في أئمة الأوقية ، وأما أئمة الجامعة فإن ماثلت كلها فلا يقسم الخارج من ضرب ما بيد كل وارث في جزء سهم الجامعة على شيء منها ، وإنما يقسم على ثمانية الحبوب أولاً ، ثم الخارج على اثني عشر للفلوس ثانياً ثم الخارج على ثمانية الأثمان ثالثاً ، وإن خالفت كلها فلا بد من القسمة عليها أولاً مرتبة كعمل التسمية ثم يقسم الخارج على أئمة الأوقية على نحو ما تقدم ، وإن ماثل بعضها وخالف البعض فأسقط المماثل ولا بد من القسمة أولاً على المخالف منها ، ثم على أئمة الأوقية كما تقدم ، ولا بد من ترتيب أئمة الأوقية على الوجه المتقدم وإلاَّ فسد العمل بخلاف أئمة الجامعة ، فتقديم الأكبر بالقسمة عليه أولاً أفضل فقط لأن النسبة واحدة تقدم الأكبر أو الأصغر ، وإذا ضربت ما بيد كل وارث من الجامعة في جزء سهمها فأقسم الخارج على إمام من الأئمة المذكورة والخارج من القسمة أقسمه على الإمام الذي قبله ، والباقي ضعه تحت الإمام المقسوم عليه لأنك تنسبه إليه ، وهكذا حتى يفرغ المقسوم فالباقي من القسمة على إمام من أئمة الجامعة أجزاء مأخوذة من الحب ، والباقي من القسمة على ثمانية الحبوب حبوب ، والباقي من القسمة على اثني عشر للفلوس فلوس والباقي على ثمانية الأثمان أثمان فالقسمة على ثمانية الأثمان عدد صحيح فإذا فرغت من ضرب ما بيد كل وارث من الجامعة في جزء سهمها ، ومن قسمة الخارج على الأئمة المذكورة رجعت إلى الاختبار بالجمع ، فتجمع ما تحت الإمام الأخير وتقسم المجتمع عليه والخارج من القسمة من جنس الإمام الذي قبله ضعه تحت جدوله واجمعه إلى الأعداد الموضوعة تحت ذلك الإمام واقسم المجتمع أيضاً عليه ، وهكذا حتى تنتهي إلى القسمة على ثمانية الأثمان فيكون الخارج من القسمة عليها عدداً صحيحاً أدخل به تحت آحاد الصحيح في جدول المال الموالي لجدول الأئمة قبله واجمع مرتفع المال للمقسوم من غير تحريف ولو بجزء دقيق ، ومهما لم ينقسم عدد على إمامه وبقيت منه بقية فالعمل فاسد ، فارجع وانظر من أين دخل الفساد فكثيراً ما يعتري من سرعة اليد في العمل وعدمالتثبت فيه ، ولا بد من أمثلة يتضح بها العمل المقصود إن شاء الله ، وتنوعها باعتبار ما ذكر من المماثلة في الجميع وعدمها في الجميع وعدم وجودها في البعض المفرد والمتعدد ، فمثال المماثلة في الجميع من ترك ستة بنين توفي أحدهم عن زوجة وستة عشر ابناً ، فالفريضة الأولى من ستة مات أحد البنين عن سهم واحد منها ، وفريضته صحت من ثمانية وعشرين ومائة ، فانظر بين سهمه من الأولى وما صحت منه مسألته تجد بينهما التباين لأن الواحد الذي هو سهمه من الأولى مباين للثمانية والعشرين والمائة التي صحت منها فريضته ، فارب حينئذ الفريضة الأولى التي هي ستة في كامل الثمانية عملاً بقول ( خ ) وإن لم يتوافقا ضرب ما صحت منه مسألته فيما صحت منه الأولى الخ . يخرج ثمانية وستون وسبعمائة وهي الجامعة ، ثم تقول : من له شيء من الأولى أخذه مضروباً في الثانية ، ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في سهام موروثه ، فكل ابن من الأولى له واحد يأخذه مضروباً في الثمانية والعشرين والمائة يخرج لك العدد المذكور بعينه لأن الضرب في الواحد لا يزيد فضع له ذلك العدد في جدوله تحت الجامعة ، وللزوجة من الثانية ستة عشر تأخذها مضروبة في سهام الموروث وهو واحد بستة عشر ضعها لها في جدولها تحت الجامعة ، ولكل ابن من أبنائها من الثانية سبعة يأخذها مضروبة في سهام الموروث بسبعة ضعها له في جدوله تحت الجامعة أيضاً ، ثم اجمع ذلك فإن ارتفعت الجامعة صحيحة فالعمل صحيح ، وإلاَّ فارجع وانظر من أين دخل الفساد ، وإذا صحت الجامعة فحلها إلى أوائل أئمتها وهي ثلاثة واثنان ثمان مرات مثل أئمة الأوقية فاسقط أثمان الجامعة كلها واجعل المال ولتفرضه عشر أواقي جزء سهم الجامعة ضعه عليها ، واضرب فيه ما بيد كل وارث واقسم الخارج على أئمة الأوقية فقط على ترتيبها المذكور ، ولا تقسم على شيء من أئمة الجامعة لأنها ذهبت كلها للماثلة ، فيجب لكل ابن من الأولى أوقية وخمسة أثمان الأوقية وأربعة أفلس ، وللزوجة أوقية وثمانية أفلس ، ولكل ابن من الثمانية ثمانية أفلس وستة حبوب وهكذا كما في الجدول :
ثم اجمع ما تحت ثمانية الحبوب تجده ستة وتسعين اقسمه عليها يخرج اثنا عشر ادخل بها تحت جدول الاثني عشر للفلوس ، واجمعها إلى ما فوقها يجتمع ثمانية وستون ومائة اقسمها عليها يخرج أربعة عشر لكل واحد ادخل بها تحت ثمانية الأثمان ، واجمعها إلى ما فوقها يرتفع أربعون اقسمها عليها يخرج خمسة من الصحيح ادخل بها تحت العشر أواقي ، واجمع يرتفع لمال المقسوم كما هو المطلوب . ومثال : ما إذا ماثلت أئمة الجامعة كلها وبقي من أئمة الأوقية أكثر من إمام واحد امرأة ماتت وتركت أباها وبنتها وابن ابنها ، ثم ماتت بنتها عن أربعة بنين ، ثم مات أحد البنين عن بنتين وولدي ابن ، فالفريضة الأولى من ستة والثانية من أربعة والثالة من ستة ، فللبنت الهالكة من الفريضة الأولى ثلاثة ، وفريضتها من أربعة وبين سهامها وفريضتها التباين لأن الثلاثة اليت هي سهامها مباينة للأربعة التي هي فريضتها ، فاضرب حينئذ الفريضة الأولى في كامل الثانية عملاً بما تقدم عن ( خ ) يخرج لك أربعة وعشرون هي الجامعة للفريضتين ثم تقول : من له شيء من الأولى أخذه مضروباً في الثانية ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في سهام موروثه فالأب له واحد من الأولى يأخذه مضروباً في أربعة بأربعة ، وابن الابن له اثنان من الأولى يأخذهما مضروبين في أربعة بثمانية ، ولكل واحد من أبناء الهالكة من الفريضة الثانية واحد يأخذه مضروباً في سهام موروثه بثلاثة يجتمع من ذلك أربعة وعشرون مات أحد البنين الأربعةعن بنتين وولدي ابن وفريضته تصح من ستة وسهامه التي مات عنها ثلاثة ، وبين فريضته وسهامه التي مات عنها التوافق بالثلث لأن ثلث الثلاثة واحد وثلث الستة اثنان ، فتضرب الجامعة التي هي أربعة وعشرون في وفق الستة وهي اثنان عملاً بقول ( خ ) : والأوفق بين نصيبه وما صحت منه مسألته وضرب وفق الثانية في الأولى الخ . يخرج ثمانية وأربعون ثم تقول : من له شيء من الأولى أخذه مضروباً في وفق الثانية ، ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في وفق سهام موروثة فللأب أربعة من الأولى التي هي أربعة وعشرون لأنها صارت أولى بالنسبة للتي تليها يأخذها مضروبة في اثنين بثمانية ولولد الابن منها ثمانية أيضاً يأخذها مضروبة في اثنين بستة عشر ، ولكل ابن من الفريضة الثانية ثلاثة يأخذها مضروبة في اثنين بستة ، ولكل بنت من الفريضة الثالثة اثنان تأخذهما مضروبين في وفق سهام موروثها وهو واحد باثنين ، ولكل ولد ابن منها واحد يأخذه مضروباً في وفق سهام موروثه وهو واحد بواحد ، وضع لكل واحد عدده الذي له في جدوله تحت الجامعة كما مر ، واجمع ذلك فإن صحت الجامعة فحلها إلى أوائل أئمتها وهي ثلاثة واثنان أربع مرات قابلها بأئمة الأوقية التيهي ثلاثة واثنان ثمان مرات ، واسقط المماثل يبقى من أئمة الأوقية اثنان أربع مرات سطحها ، والخارج اضربه في المال يخرج ستون ومائة هي جزء السهم ضعه على رأس الجامعة ، واضرب فيه ما بيد كل واحد ، واقسم على ثمانية الحبوب ثم على اثني عشر الفلوس ، ثم على ثمانية الأثمان ولا تقسم على شيء من أئمة الجامعة لمماثلتها كلها فيجب للأب أوقية وخمسة أثمان الأوقية وأربعة أفلس ، ولابن الابن ثلاث أواق وثمن الأوقية وثمانية أفلس ، ولكل ابن في الفريضة الثانية أوقية وثمنا الأوقية ، ولكل بنت في الفريضة الثالثة ثلاث أثمان الأوقية وأربعة أفلس ولكل ولد ابن منها ثمن الأوقية وثمانية أفلس هكذا :
ثم اجمع ما تحت اثني عشر الفلوس تجده ستة وثلاثين أقسمه عليها يخرج ثلاثة لكل واحد ادخل بها تحت ثمانية الأثمان ، واجمعها إلى ما فوقها يجتمع أربعة وعشرون اقسمها عليها تخرج ثلاثة لكل واحد ادخل بها تحت جدول المال واجمعها إلى ما فوقها يرتفع لك المال بتمامه ، وأما إذا بقي من أئمة الأوقية إمام واحد ، فإن ذلك الإمام يضرب في المال والخارج هو جزء السهم يضرب فيه ما بيد كل وارث ، ويقسم على أئمة الأوقية على ترتيبها المذكور ولا يقسم على شيءمن أئمة الجامعة حيث ماثلت كلها كما مر ، فإن بقي شيء منها لم يماثل فلا بد من القسمة عليه أولاً ثم على أئمة الأوقية على ترتيبها المذكور ، ومثاله : رجل مات وترك زوجتين عائشة وحدهم وأولاده فمن الثانية محمد ، ومن الأولى الطيب وفاطمة وزهرة ومن غيرهما عبد القادر ، وفريضته تصح من أربعة وستين لكل زوجة أربعة ، ولكل ولد من أولاده الثلاثة أربعة عشر ، ولكل بنت سبعة ماتت عائشة عن أربعة ، فورثها أولادها الطيب وفاطمة وزهرة ونصيبها منقسم عليهم ، للطيب اثنان تضم للأربعة عشر التي بيده فيصير بيده ستة عشر ، ولكل من أختيه واحد يضم لما بيدها ، فيصير بيد كل واحدة منهما ثمانية عملاً بقول ( خ ) : فإن انقسم نصيب الثاني على ورثته صحتا الخ . ثم ماتت حدهم المذكورة فورثها ولدها محمد فتضم أربعتها لنصيبه فيصير بيده ثمانية عشر ، ثم ماتت الزهرة فورثها شقيقاها الطيب وفاطمة وفريضتها من ثلاثة مباينة لسهامها التي هي ثمانية فتضرب حينئذ الفريضة الأولى التي هي أربعة وستون في كامل الثانية التي هي ثلاثة عملاً بقول ( خ ) : وإن لم يتوافقا ضرب ما صحت منه مسألته فيما صحت منه الأولى الخ . يخرج اثنان وتسعون ومائة هي الجامعة ، ثم تقول : من له شيء من الأولى ضرب له في الثانية ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في سهام موروثه ، فلمحمد من الأولى ثمانية عشر يأخذها مضروبة في ثلاثة بأربعة وخمسين ضعها له في جدوله تحت الجامعة ، ولعبد القادر من الأولى أربعة عشر يأخذها مضروبة في ثلاثة باثنين وأربعين ضعها له تحت الجامعة ، وللطيب من الأولى ستة عشر يأخذها مضروبة في ثلاثة بثمانية وأربعين وله من الثانية اثنان يأخذهما مضروبين في سهام موروثه التي هي ثمانية بستة عشر ، فيكون مجموع ما بيده من الأولى والثانية أربعة وستون ضعها له في جدوله تحت الجامعة ، ولفاطمة من الأولى ثمانية تأخذها مضروبة في ثلاثة بأربعة وعشرين ، ولها من الثانية واحد تأخذه مضروباً في سهام موروثها وهي ثمانية بثمانية فيجتمع لها من الأولى ، والثانية اثنان وثلاثون ضعها لها في جدولها تحت الجامعة ، ثم مات عبد القادر عن زوجة وثلاث بنات عائشة وفاطمة وآمنة وعصبة إخوته للأب الطيب ومحمد وفاطمة المذكرون ، وفريضته تصح من اثنين وسبعين للزوجة تسعة ، ولكل بنت من بناته ستة عشر ، وللطيب ستة ، ولمحمد كذلك ، ولفاطمة ثلاثة وبين فريضته وسهامه التوافق بالأسداس لأن سدس الاثنين والسبعين اثنا عشر وسدس الاثنين والأربعين سبعة فتضرب حينئذ الفريضة الأولى التي هي اثنان وتسعون ومائة في وفق الثانية التي هي الاثنا عشر عملاً بقول ( خ ) : والأوفق بين نصيبه وما صحت منه مسألته واضرب وفق الثانية في الأولى الخ . يخرج ألفان وثلثمائة وأربعة هي الجامعة ، ثم تقول : من لهشيء من الأولى أخذه مضروباً في وفق الثانية ، ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في وفق سهام موروثه ، فلمحمد من الأولى أربعة وخمسون يأخذها مضروبة في اثني عشر التي هي وفق الثانية بثمانية وأربعين وستمائة ، وله من الثانية ستة يأخذها مضروبة في سبعة التي هي وفق سهام الموروث باثنين وأربعين ، فتضم إلى ما بيده فيصير المجموع تسعين وستمائة . ضعها له في جدوله تحت الجامعة وللطيب من الأولى أربعة وستون يأخذها مضروبة في الاثني عشر بثمانية وستين وسبعمائة ، وله من الثانية ستة مضروبة في سبعة وفق سهام الموروث باثنين وأربعين يصير مجموع ما بيده ثمانمائة وعشرة . ضعها له تحت الجامعة ، ولفاطمة من الأولى اثنان وثلاثون تأخذها مضروبة في وفق الثانية بأربعة وثمانين ومثلثمائة ، ولها من الثانية ثلاثة تأخذها مضروبة في سبعة بإحدى وعشرين يجتمع لها من الفريضتين أربعمائة وخمسة ضعها لها في جدولها تحت الجامعة ، ولزوجة عبد القادر من الثانية تسعة تأخذها مضروبة في سبعة وفق سهام موروثها بثلاثة وستين ضعها لها في جدولها تحت الجامعة ، ولكل من بناتها الثلاث ستة عشر يأخذنها مضروبة في سبعة بمائة واثني عشر لكل واحدة منهن ، ثم ماتت آمنة بنت عبد القادر المذكور فورثتها أمها المذكورة وشقيقتاها فاطمة وعائشة المذكورتان ، وعصبها عماها محمد والطيب ، وفريضتها تصح من اثني عشر للأم اثنان ، وللشقيقتين ثمانية أربعة لكل واحدة منها ولعميها واحد لكل واحد منهما وبين فريضتها وسهامها التوافق بالأرباع لأن سهامها التي هي الاثني عشر ومائة لها ربع وهو ثمانية وعشرون ، وفريضتها التي هي الاثنا عشر لها ربع وهو ثلاثة ، وحينئذ فتضرب الفريضة الأولى أعني الجامعة التي هي ألفان وثلثمائة وأربعة في وفق الثانية ، وهي ثلاثة عملاً بقول ( خ ) : والأوفق بين نصيبه وما صحت منه مسألته واضرب وفق الثانية في الأولى الخ . يخرج لك ستة آلاف وتسعمائة واثنا عشر وهي الجامعة الأخيرة التي انتهت هذه الفرائض إليها ثم تقول : من له شيء من الأولى أخذه مضروباً في وفق الثانية وهو ثلاثة ، ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في وفق سهام موروثه وهو ثمانية وعشرون ، فلمحمد من الأولى تسعون وستمائة يأخذها مضروبة في ثلاثة بألفين وثمانية وتسعين ، وله من الثانية واحد يأخذه مضروباً في وفق سهام موروثه بثمانية وعشرين يجتمع له ثمانية وتسعون وألفان . ضعها له تحت الجامعة ، وللطيب من الأولى ثمانمائة وعشرة يأخذها مضروبة في ثلاثة بألفين وأربعمائة وثلاثين ، وله من الثانية واحد يأخذه مضروباً في ثمانية وعشرين يجتمع له ألفان وأربعمائة وثمانية وخمسون ضعها له تحت الجامعة ، ولفاطمة من الأولى أربعمائة وخمسة تأخذها مضروبة في ثلاثة بخمسة عشر ومائتين وألف ولا شيء لها من الثانية لأنها لا ترث في بنت أخيها ، ولزوجة عبد القادر من الأولى ثلاثة وستون تأخذها مضروبة في ثلاثة بتسعة وثمانين ومائة ، ولها من الثانية اثنان تأخذهما مضروبين في ثمانية وعشرين بستة وخمسين يجتمع لها مائتان وخمسة وأربعون ضعها لها في جدولها تحت الجامعة ، ولعائشة بنتها من الأولى اثنا عشر ومائة تأخذها مضروبة في ثلاثة بست وثلاثين وثلثمائة ، ولها من الثانية أربعة تأخذها مضروبة في ثمانية وعشرين باثني عشر ومائة يجتمع لها ثمانية وأربعون وأربعمائة ، ولفاطمة أختها مثلها ، وإذا صحت هذه الجامعة فحلها إلى أوائل أئمتها وهي اثنان ثمان مرات وثلاثة ثلاث مرات قابلها بأئمة الأوقية فتماثلها كلها ، ويبقى من أئمة الجامعة ثلاثة وثلاثة فلا بد من القسمة أولاً على هذين الإمامين ، ثم الخارج على أئمة الأوقيةعلى ترتيبها المذكور ، فيجب لمحمد ثلاث أواق وثلاثة أفلس وثلاثة حبوب وثلث ثلث الحب ، ونسبته من المال ثلاثة أعشار وثُمن ربع العشر وثلاثة أثمان ثلث ثمن ربع العشر ، فالفدان من الأرض مثلاً يقسم على عشرة أجزاء فيأخذ من ذلك ثلاثة أجزاء ، وثمن ربع الجزء وثلاثة أثمان ثلث ثمن ربع الجزء لأن الحبوب ثمانية منها في الفلس ، وقس على هذا ما بعده ، وللطيب ثلاثة أواق وأربعة أثمان الأوقية وخمسة أفلس ، وثلاثة حبوب وثلث ثلث الحب ، ولفاطمة أوقية وستة أثمان الأوقية وستة حبوب ولزوجة عبد القادر ثمنا الأوقية وعشرة أفلس وثلثا ثلث ثمن الحب ولعائشة بنتها خمسة أثمان الأوقية وفلسان وحب وثلثا الحب وثلث ثلث الحب ، ولفاطمة أختها مثلها جدول هكذا :
ثم اجمع ما تحت الثلاثة تجده ستة أقسمه عليها يخرج اثنان لكل واحد ادخل بهما تحت الثلاثة الأخرى واجمع يخرج ستة أيضاً اقسمه عليها يخرج اثنان لكل واحد منهما ادخل بهما تحت ثمانية الحبوب ، واجمع يرتفع لك ستة عشر أقسمه عليها يخرج اثنان لكل واحد ادخل بهما تحت الاثني عشر للفلوس يرتفع لك أربعة وعشرون اقسمه عليها يخرج اثنان لكل واحد ادخل بهما تحت ثمانية الأثمان ، واجمع يرتفع لك أربعة وعشرون أقسمه عليها يخرج ثلاثة لكل واحد ادخل بها تحت جدول المال ، واجمع يرتفع لك المال بتمامه . وهذه الفريضة هي فريضة الوالدة رحمها الله في أبيها مع أخواتها ، ولما كنت صغيراً في المكتب رفعها الوالد رحمه الله لبعض أعيان فقهاء فاس ، فلم يحسن قسمتها ، ولما منّ الله علينا بتعلم علم الفرائض استخرجتها كما ترى ، وهي أول فريضة ابتدأت بتعلمها .
والحاصل أن أئمة الأوقية إن ماثلت أئمة الجامعة ولم يفضل شيء من أحدهما فالمال هو جزء السهم ضعه على الجامعة ، واضرب فيه ما بيد كل وارث واقسم على ثمانية الحبوب في الاثني عشر للفلوس ، ثم على ثمانية الأثمان كما في المثال الأول وإن ماثلت أئمة الجامعة كلها وبقي من أئمة الأوقية أكثر من إمام واحد فسطح الباقي من أئمة الأوقية واضربه في المالوالخارج هو جزء السهم ، ضعه على الجامعة واضرب فيه ما بيد كل وارث ، واقسم على ثمانية الحبوب أيضاً ، ثم الفلوس ثم الأثمان كما في المثال الثاني ، وإن بقي من أئمة الأوقية إمام واحد ، فاضربه في المال إذ لا شيء هناك يسطح فيه ، والخارج هو جزء السهم اضرب فيه ما بيد كل وارث واقسم على ثمانية الحبوب إلى آخره ، وتركت مثاله لفهمه من الذي قبله ، وإن ماثلت أئمة الأوقية كلها وبقي شيء من أئمة الجامعة فالمال هو جزء السهم اضرب فيه ما بيد كل وارث ، واقسم على ما بقي من أئمة الجامعة ، ثم على ثمانية الحبوب الخ . كما مر في هذا المثال الأخير ، وإن لم تماثل أئمة الجامعة شيئاً من أئمة الأوقية فسطح أئمة الأوقية كلها ، والخارج اضربه في المال وهو جزء السهم ، ضعه على رأس الجامعة واضرب فيه ما بيد كل وارث ، واقسم على أئمة الجامعة كلها ، وقدم في القسمة أكبرها ، ثم اقسم على ثمانية الحبوب الخ . وإن بقي شيء من أئمة الأوقية وشيء من أئمة الجامعة لم يتماثلا فسطح الذي لم يماثل من أئمة الأوقية إن كان أكثر من إمام واحد ، واضربه في المال والخارج هو جزء السهم اضرب فيه ما بيد كل وارث واقسم على ما لم يماثل من أئمة الجامعة ، وقدم أكبرها في القسمة ثم على ثمانية الحبوب الخ . وإن كان الذي لم يماثل من أئمة الأوقية إماماً واحداً فاضربه في المال والخارج هو جزء السهم اضرب فيه ما بيد كل وارث ، واقسم على ما لم يماثل من أئمة الجامعة أيضاً على ثمانية الحبوب الخ . وتركت أمثلة ذلك لوضوحها مما مر والله أعلم .
فصل في ذكر موانع الميراثأي : الأوصاف التي تمنع منه .
الكُفْرُ وَالرِّقُّ لإرْثٍ مَنَعَا
وَإنْ هما بعدَ الممَاتِ ارْتَفَعَا
( الكفر ) الأصلي ( والرق ) وإن بشائبة حرية كمكاتب وأم ولد ومدبر ومعتق لأجل ومعتق بعضه ( لإرث منعا ) فإذا كان لحر مسلم ابن كافر أو رقيق ومات الأب أو الابن لم يرث أحدهما الآخر ، بل مال الكافر لورثته الكفار ومال الرقيق وإن بشائبة لسيده ، هذا إذا استمر الكفر والرق إلى القسم ، بل ( وإن هما بعد الممات ) وقبل قسم المال ( ارتفعا ) بل أسلم الكافر أو عتق العبد في عقب الموت وقبل القسم إذ بزهوق الروح انتقل الإرث للغير .
وَمِثْلُ ذَاكَ الحُكْمُ في المرْتَدِّ
وَمُطْلَقاً يَمْنَعُ قتلُ العَمْدِ
( ومثل ذاك ) المذكور في الكفر الأصلي ( الحكم في المرتد ) العارض كفره ، فإنه إذا مات قريبه زمن استتابته لم يرثه ولو رجع للإسلام ولو مات هو على ردته لورثه بيت المال ، وهذا إذاجهر بالارتداد ، وأما إذا أسر به وهو الزنديق فإنه يقتل بغير استتابة وماله لورثته المسلمين نظراً إلى ما كان يظهره من الإسلام ( خ ) : وقتل المستتر بلا استتابة إلا أن يجيء تائباً وماله لورثته ، ( ومطلقاً ) من غير تقييد بالدية ( يمنع قتل العمد ) العدوان فلا يرث من مال ولا دية إن صالحه الأولياء بها إجماعاً معاملة له بنقيض قصده لا لتأديته لخراب العالم لأنه محفوظ بمشروعية القصاص ، وظاهره باشر القتل أو تسبب فيه ، وظاهره ولو كان القاتل صبياً أو مجنوناً ، وهو كذلك على ما نقله الطرطوشي وغيره عن مالك قائلاً لأن المراهق قد يتصابى وهو محتلم وقد يتجان وهو عاقل ، ومفهوم العمد أشار له بقوله :
وَإنْ يَكُنْ عن خَطَإ فمنْ دِيَهْ
وَحالةُ الشَّكِّ بمنْعٍ مُغْنِيَهْ
( وإن يكن ) القتل ناشئاً ( عن خطأ فمن ) إرث ( دية ) يمنع لا من إرث المال ( خ ) : ولا يرث قاتل عمد عدواناً وإن أتى بشبهة كمخطىء من الدية الخ . نعم يرث قاتل العمد والخطأ الولاء كما قال في التلمسانية : ويرثان مع الولاء الخ . ومعنى ذلك أن من قتل شخصاً له ولاء عتق والقاتل وارث الشخص المذكور فإنه يرث ماله من الولاء وليس معناه أن المعتق بالكسر إذا قتل عتيقه يرثه ، بل هذا حكمه ما مر من التفصيل بين العمد والخطأ ، ومفهوم عدوان أنه لو قتل موروثه في باغيه أو قصاص لم يمنع من إرثه ( خ ) في الباغية : وكره للرجل قتل أبيه وورثه الخ . وكذا لو قتله يظنه حربياً وحلف أو قتله على وجه اللعب أو تأديباً كما مر أول الدماء ، فإن ذلك كله من الخطأ لا يمنع إرثه من المال بل من الدية فقط وقوله : وإن أتى بشبهة يعني كما لو رمى ولده بحديدة فإنه لا يقتل به كما مر في الدماء ولكن لا يرثه .
تنبيه : لو أنفذ مقتله وارثه وأجهز عليه غيره ، فمذهب ابن القاسم ، ورجحه ابن رشد أنه لا يقتل به المجهز وإنما عليه الأدب ، وإنما يقتل به المنفذ لمقتله وعليه فلا يرثه وقيل : يقتل به المجهز فقط وعلى الآخر الأدب لأنه بعد إنفاذها معدود من الأحياء يرث ويورث ويوصي بما شاء من عتق وغيره ، فإذا مات أخوه قبل زهوق روحه ، فإنه يرثه . وإذا كان له أخ عبداً وكافر فأسلم أو عتق بعد إنفاذها وقبل زهوق روحه فإنه يرثه . ( وحالة الشك ) في التقدم والتأخر أو القتل عمداً أو خطأ ( بمنع ) ميراث ( مغنيه ) فإذا ماتوا تحت هدم أو في سفر أو غرق أو حرق ولميعلم السابق من اللاحق أو علم وجهلت عينه فلا ميراث بينهم لأن الميراث لا يكون بالشك ، والأصل فيه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فقد ماتت أم كلثوم بنت علي زوج عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، وابنها زيد في وقت واحد فلم يرث أحدهما الآخر وكذا لم يتوارث من قتل يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة إلا من علم أنه مات قبل الآخر ، وعلى هذا فإذا مات رجل وابنه وأمه وإحدى زوجتيه تحت هدم مثلاً ، فللزوجة الأخرى جميع الربع ويستبد بمال الميتة عاصبها ، وكذا الأم والابن ، وليس من هذا المعنى من مات عند الزوال بالمشرق مع من مات عند الزوال بالمغرب لأن زوال المشرق سابق على زوال المغرب .
تنبيه : لا يدخل في كلام الناظم كما قررنا ما إذا شك في كون القتل عمداً أو خطأ ، وبه قرر الشارح كلام أبيه ، وقصره عليه لينتفي التكرار مع ما يأتي وهو ظاهر لأنه إذا شك في كونه عمداً أو خطأ ، فهو محمول على العمد العدوان ، إذ الأصل في أفعال العقلاء هو تعمدها ، والقصد إليها إلا أن تقوم قرينة على عدم تعمدها من لعب وأدب ونحوهما كما مر أول الدماء ، وإذا كان كذلك فلا يقال الشك في التقدم والتأخر شك في السبب وهو مؤثر ، والشك في كون القتل عمداً أو خطأ شك في المانع الذي هو العمد وهو غير مؤثر ، لأنا نقول : حيث كان محمولاً على العمد فلا شك ، بل هو كمحقق الوجود والنصوص فيه تقدمت في باب الدماء فنبه الشارح وغيره على أنه إذا شك في كونه عمداً أو خطأ فهو محمول على العمد فيمنع الميراث والله أعلم .
وَيُوقَفُ القَسْمُ مَعَ الحَمْلِ إلى
إنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخاً فَيُعْمَلاَ
( ويوقف القسم ) للتركة ( مع ) وجود ( الحمل ) الوارث كانت الحامل زوجة للهالك أو أمة أو غيرهما كامرأة أخيه أو عمه ، وسواء كان الحمل يرث تحقيقاً أو احتمالاً كالأم في الأكدرية المتقدمة لأنها إن ولدت أنثى ورثت وإلاَّ لم ترث ( إلى أن يستهل صارخا فيعملا ) حينئذ على ما تبين من استهلاله فيرث ويورث ، ومن عدم استهلاله فهو كالعدم ، وهذا هو المشهور ونحوه قول ناظم عمل فاس :
ووقف قسم مطلقاً إذا ادعى
حمل لزوجة لهالك نعىوإنما وقف القسم لاستهلاله للشك هل يوجد من الحمل وارث أم لا ؟ وعلى وجوده هل هو متحد أو متعدد وعليهما هل هو ذكر أو أنثى أو مختلف ؟ وظاهره أنه يوقف جميع المتروك ولا يعجل للزوجة ونحوها أدنى من سهميها ، وهو كذلك على المشهور عن أشهب يعجل القسم في المحقق فتعطى الزوجة أدنى سهميها وهو الثمن وتعطى الأم أدناهما أيضاً وهو السدس ، وذكر سيدي محمد بن عبد الصادق في شرحه للمختصر أنه رأى بخط من يوثق به في قسم تركة الولي العارف بالله سيدي أحمد بن عبد الله : أنهم عزلوا حظ الحمل على أنه ذكر قال : وكذلك فعلته في قسمة تركة كبراء بعض الأشراف فوضعت أنثى فقسم فاضل الموروث بين الورثة اه . وذلك لأن الغالب في الحوامل وضع شخص واحد ذكر أو أنثى فيعجل قسم ما عداه ويوقف ميراث شخص واحد لأنه المشكوك على قول أشهب ، وقيل يوقف للحمل على قوله ميراث أربعة ذكور لأنه غاية ما وقع تحقيقاً لأن أم ولد أبي إسماعيل ولدت أربعة ذكور من حمل واحد باتفاق الرواة ، وقيل يوقف ميراث خمسة ، وقيل ميراث اثني عشر ، وقيل أربعين . وقول الناظم مع الحمل الخ . يعني مع ظهوره وثبوته بشهادة النساء ، وأما لو ادعت المرأة أنها حامل فإن التركة توقف أيضاً حتى تضع أو يظهر عدم حملها بانقضاء عدة الوفاة وليس بها حمل ظاهر ، وإن قالت : لست بحامل قبل قولها وقسمت التركة وإن قالت : لا أدري أخر قسم التركة حتى يتبين أنها ليست بحامل بأن تحيض حيضة أو يمضي أمد العدة ولا ريبة حمل بها قاله ابن رشد . فإن رجعت عن إقرارها بالحمل فلا تصدق حتى تمضي عدة الوفاة وتشهد القوابل بأنها ليس بها حمل ظاهر فتقسم التركة حينئذ قاله ابن هلال .
تنبيهان . الأول : إذا وجب تأخير قسم التركة للحمل وكان للميت أم متزوجة بغير أبيه فإن ثبت حين وفاته أنها حامل بشهادة النساء ، فإنه يرث ولو تأخر وضعه لأربعة أعوام أو لما فوقها فيما دون الخمسة أعوام وإن لم يثبت أنها حامل ولا عرف ذلك إلا بقولها كان له الميراث إنوضعته لأقل من ستة أشهر من موت أخيه ، ولم يكن له ميراث إن وضعته لأكثر إلا أن يكون زوجها ميتاً أو غائباً يعلم أنه لا يصل إليها بعد وفاة ابنها ، ولا تصدق المرأة ولا زوجها إن كان حاضراً وولدته لأكثر من ستة أشهر في أنه لم يطأها بعد موت ابنها قاله في قسمة المعيار عن ابن رشد . 5
الثاني : إذا فرعنا على المشهور وتعدى الورثة ، وقسموا وأوقفوا للحمل أوفر حظيه ، ثم هلك ما بأيديهم كله أو بعضه ضمنوا لتعديهم ولم يكن لهم رجوع فيما عزلوا إن سلم ، وإن ضاع ما وقف للحمل فقط رجع على بقية الورثة وما وقف له وتلف كالعدم ، فإن وجد بعضهم عديماً قاسم المليء منهم فيما بيده على حسب المواريث واتبع جميعهم المعدم كغريم طرأ على ورثة لا كوارث طرأ عليهم ، ولو نما ما في أيديهم دخل عليهم فيه ولم يدخلوا عليه فيما نما بيده ، فالقسمة جائزة عليهم لا عليه فإن قاسمهم وصيه أو القاضي أو مقدمه جازت عليه وعليهم ، ومفهوم القسم أن الدين يعجل وهو كذلك ( خ ) : وأخرت أي القسمة لا دين لحمل ، وفي الوصية قولان محلهما في الوصية بغير عدد ، وأما الوصية بالعدد فإنها كالدين تعجل اتفاقاً .
وَبَيْن مَنْ مَاتَ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ
يَمْتَنِعُ الإرْثُ لجهلِ مَنْ سَبَقْ
( وبين من مات ) من الأقارب ( بهدم أو غرق يمتنع الإرث لجهل من سبق ) كما تقدم عند قوله : وحالة الشك بمنع مغنيه .
وَإرثُ خُنْثَى بمَبَالِهِ اعْتُبِرْ
وَمَا بَدَا عَلَيْهِ في الحُكْم اقْتُصِرْ
( وارث خنثى ) وهو من له فرج ذكر وفرج أنثى أو لا يكونان له ، ولكن له ثقب يبول منه ، وهذا الثاني قد يتمحض للأنوثة بسبب حيض أو نبات ثدي وللذكورة بنبات لحية فقوله ( بمباله اعتبر ) خاص بالنوع الأول فإن بال من فرج الذكر فهو ذكر أو من فرج الأنثى فهو أنثى ، وكذا لو كان يبول منهما لكن بوله من أحدهما أكثر خروجاً من الآخر أو كان خروجه منه أسبق من خروجه من الآخر ، فالحكم للكثير وللأسبق كما قال : ( وما بدا ) من ذلك ( عليه في الحكم اقتصر ) وهذه العلامات تظهر في الصغير ولا إشكال إذ يجوز النظر لعورته ، وأما الكبير فقيليؤمر بالبول إلى حائط أو عليه ، فإن ضرب بوله الحائط أو أشرف عليه فذكر ، وإلاَّ فأنثى ، وقيل تنصب له المرآة وتعقب بأن النظر لصورة العورة كالنظر لها . وقد يجاب بأن ذلك للضرورة حيث لم يمكن معرفة حاله بغير المرآة وظاهر إطلاقاتهم أنه لا يشترط التكرار فلو تحققت حياته وبال من أحدهما مرة واحدة ثم مات كفى .
وَإنْ يَبُل بالجهتين الْخُنْثَى
فَنِصْفُ حَظَّيْ ذَكرٍ وَأُنْثَى
( وإن يبل بالجهتين الخنثى ) واستويا في السبقية والكثرة وقف القسم إلى بلوغه إن كان غير بالغ على المشهور ، ووقف حظ ذكر فقط أو أربعة على مقابله فإن نبتت له لحية دون ثدي أو أمنى من ذكره فذكر ، وإن ظهر له ثدي كبير لا يشبه ثدي الرجال أو حاض ولو دفعة فأنثى ، فإن ثبتت له اللحية والثدي معاً أو أمنى من فرجيه معاً أو بال منهما معاً واستويا في الكثرة والسبقية فهو خنثى مشكل دائم الإشكال ، وميراثه من قريبه حينئذ ما أشار له بقوله : ( فنصف حظي ذكر وأنثى ) هو الواجب له أي نصف نصيبه بتقدير كونه ذكراً ونصف نصيبه بتقدير كونه أنثى ، فإذا كان له على تقدير الذكورىة سهمان ، وعلى تقدير الأنوثية سهم واحد فيعطى نصف النصيبين وهو سهم ونصف ، وهذا إذا كان يرث بكل التقديرين ، فإن كان يرث بتقدير الذكورة فقط كعم أوابن أخ أو بالأنوثة فقط كالأخت في الأكدرية فيعطى نصف ما يرث به وإن استوى إرثه بهما كأخ لأم أعطي السدس كاملاً .
واعلم أن الخنثى منحصر في الأولاد وأولادهم والإخوة وأبنائهم والأعمام وأبنائهم والموالي ولا يرث الولاء إلا حيث يرثه النساء لأنه ليس بعاصب إذ لا يستكمل المال كله ، ولا يتصور أن يكون أباً ولا أماً ولا جداً ولا جدة ولا زوجاً ولا زوجة لمنع منا كحته ما دام مشكلاً . قال الزرقاني وغيره : فإن وقع وتزوج وولد له فلا شك أن الولادة إن حصلت من البطن فهو أنثى وإن حصلت من الظهر فهو ذكر إلا أن الولادة من الظهر لا يكاد يقطع بها ، وقد قيل أنها نزلت بعلي رضي الله عنه في رجل تزوج بخنثى وأصابها ، فوقع الخنثى على جارية لها فأحبلتها فأمر علي رضي الله عنه بعدِّ أضلاع الخنثى ، فإذا هو رجل فزياه بزي الرجال وفرق بينهما ، فإن ولد من الظهر والبطن فقد ذكر في المقدمات أنه يرث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملاً ، ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملاً اه . ولا ميراث بين ولدي الظهر والبطن لأنهما لم يجتمعا في ظهر ولا بطن فليسا أبوين لأب ولا لأم ، وعليه فلا يعتق أحدهما على الآخر إذا ملكه ، وبه تعلم أن قولهم لا يتصور أن يكون أباً ولا أماً ولا جداً ولا جدة باطل ، بل يتصور ، وذلك كما رأيته ويتصور أيضاً بأن يوطأ بشبهة أو غلط أو زنا أو لكونه لم يعلم بحرمة مناكحته وهكذا ، وقول الناظم : فنصف حظي ذكر وأنثى الخ . هذا في الخنثى الواحد فإن هلك وترك خنثى واحداً ومعه وارث محقق الذكورة أو الأنوثة أو بيت المال ، فإنك تصحح المسألة على تقدير تذكيره فقط وعلى تقدير تأنيثه فقط ، ثم انظر ما بين المسألتين من تماثل فيكتفي بأحد المثلين أو تداخل فيكتفي بأكبرهما أو توافق فتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر أو تباين فتضرب الكل في الكل ، ثم اضرب الخارج في حالتي الخنثى ، واقسم الخارج على التقديرين ، فما اجتمع له فيهما فاعطه نصفه ، وكذلك غيره ممن معه في الفريضة . مثاله : لو هلك وترك خنثى واحداً وعاصباً ولو بيت مال فعلى تقدير كونه ذكراً له الجميع ، وعلى تقدير كونه أنثى له النصف مناثنين وبين المسألتين التداخل لأن الواحد داخل في الاثنين ، فتكتفي بأحدهما واضربهما في حالتي الخنثى بأربعة له في التذكير أربعة بتمامها . وفي التأنيث اثنان نصف الأربعة فمجموع ما اجتمع له في الحالتين ستة فاعطه نصفها وهو ثلاثة واعط للعاصب واحداً لأنه نصف ما بيده ، وكذا لو ترك خنثى وبنتاً فالتذكير من ثلاثة ، والتأنيث من ثلاثة أيضاً فبين مسألتيه التماثل فتكتفي بأحد المثلين ، واضربه في حالتي الخنثى يخرج له ستة في الذكورة منها : أربعة وفي الأنوثة اثنان فمجموع ما بيده ستة أيضاً اعطه نصفها وهو ثلاثة وبيد البنت أربعة تأخذ نصفها وهو اثنان يبقى واحد يأخذه العاصب ، ومثال التباين لو ترك ابناً وخنثى ، فعلى ذكوريته المسألة من اثنين ، وعلى أنوثته المسألة من ثلاثة ، وبينهما التباين فتضرب الكل في الكل بستة ، ثم اضربها في حالتي الخنثى باثني عشر ، فعلى الذكورية لكل واحد ستة ، وعلى الأنوثة له أربعة وللابن ثمانية ، فمجموع حظيه في الذكورة والأنوثة عشرة ، فيأخذ نصفها وهو خمسة ومجموع ما بيد الابن أربعة عشر فيأخذ نصفها وهو سبعة . هذا كله في الخنثى الواحد ، وأما إذا ترك خنثيين فإنك تصحح المسألة على أربع تقديرات على تقدير كونهما ذكرين معاً أو أنثيين معاً أو الأكبر ذكراً والأصغر أنثى ، وبالعكس . ثم انظر ما بين المسائل من تماثل وتداخل وتوافق وتباين على نحو ما تقدم ، واضرب الخارج في الأحوال الأربعة واعط لكل واحد ربع ما اجتمع له لا نصف ما اجتمع له كما يقتضيه عموم النظم ، وإن كان الخناثى ثلاثة فصحح المسألة على ثمان تقديرات ، واعط لكل واحد ثمن ما اجتمع له ، وهكذا إذ نسبة الواحد الهوائي لحالتي الخنثي الواحد النصف ، ولأربعة أحوال الخنثين الربع ، ولثمانية أحوال الخناثى الثلاثة الثمن ، وقس على ذلك . فلو ترك خنثين وعاصباً فالتذكير من اثنين والتأنيث من ثلاثة لهما الثلثان وللعاصب الثلث وهو واحد ، وعلى تقدير كون الأكبر ذكر أو الأصغر أنثى وبالعكس المسألة من ثلاثة أيضاً ، فهذه الفرائض الثلاثة الأخيرة مماثلة فتكتفي بواحدة منها وتضربه في اثنين التي هي فريضة تذكيرهما معاً لمباينتها لها يخرج لك ستة اضربها في الأحوال الأربعة بأربعة وعشرين أقسمها على كل حال من الأحوال الأربعة يحصل لكل خنثى في تذكيرهما معاً اثنا عشر ، ولكل منهما في تأنيثهما معاً ثمانية ، وللعاصب ثمانية ويحصل للأكبر في تذكيره فقط ستة عشر ، وفي تأنيثه فقط ثمانية ويحصل للأصغر في تذكيره وتأنيثه مثله ، فيجتمع لكل منهما في الأحوال الأربعة أربعة وأربعون ، وللعاصب ثمانية ونسبة الواحد الهوائي إلى الأحوال الأربعة ربع فيعطى كل وارث ربع ما اجتمع له فالكل من الخنثيين أحد عشر ، وللعاصب اثنان .
تتمة : أول من حكم في الخنثى في الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأول من حكم فيه في الجاهلية عامر بن الظرب بكسر الراء كما في الصحاح كانت العرب في الجاهلية لا تقع لهم معضلة إلا اختصموا إليه ورضوا بحكمه فسألوه عن خنثى أتجعله ذكراً أو أنثى فقال : امهلوني وبات ليلته ساهراً ، وكانت له جارية اسمها سخيلة ترعى له غنماً وكانت تأخر السراح والرواح حتى تسبق ، وكان يعاتبها على ذلك ويقول : أصبحت يا سخيلة أمسيت يا سخيلة ، فلما رأت سهره وقلقه قالت له : ما لك في ليلتك هذه ساهراً ؟ قال : ويحك دعي أمراً ليس من شأنك ، ويقال : إنها قالت له ذلك بعد إقامتهم عنده أربعين يوماً وهو يذبح لهم فقالت له : إن مقام هؤلاء أسرع في غنمك ، وسألته عما نزل به فذكره لها بعد أن راجعته مراراً فقالت :سبحان الله اتبع القضاء للمبال . فقال : فرجتها والله يا سخيلة أمسيت بعد هذا أم أصبحت ، فخرج حين أصبح فقضى بذلك .
قلت : ويستفاد من هذه القضية فوائد : منها أن في ذلك ردعاً ومزدجراً لجهلة القضاة والمفتيين ، فإن هذا مشرك توقف في حكم حادثة أربعين يوماً ولم يتجرأ على أن يحكم بغير علم ، وقد كانت الصحابة الذين هم أعلم الأمة يتوقفون ولا يبادرون . قال ابن أبي ليلى : أدركت في هذا المسجد مائة وعشرين من الصحابة ما سئل أحدهم عن مسألة إلا وودَّ أن صاحبه كفاه ، وكان بعضهم يحيل على بعض ، وفي المواق أن الإمام النعالي سئل من برقة عمن قال لامرأته : إن فعلت كذا فلست لي بامرأة فبقي سنة كاملة يتأملها فما خرج الحكم بلزوم الطلاق إلا بعد مضي سنة ، وعليه عول ( خ ) في قوله : أولست لي بامرأة إلا أن يعلق في الأخير . ومنها : أن الحكمة في العلم قد يخلقها الله تعالى على لسان من لا يظن به معرفتها كهذه الأمة وإن عجز عنها أهل الفطنة والعقول الراسخة ، وفي التنزيل : يؤتي الحكمة من يشاء } ( البقرة : 269 ) الآية . ومنها : أنه ينبغي لمن نزل به أمر معضل أن يستعين بغيره كما فعل هذا الجاهلي ، ولو كان الغير دونه عقلاً وعلماً لأنه قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر . ومنها : وجوب الإنصاف إذا ظهر الحق كما أنصف هذا الجاهلي لهذه الأمة ، واعترف لها بالحق والفضل ، وما أقبح بالإنسان أن يستفيد ويجحد ، ولله در شهاب الدين القرافي وكان يتمثل به كثيراً حيث قال :
وإذا جلست إلى الرجال وأشرقت
في جو باطنك العلوم الشرد
فاحذر مناظرة الجهول فربما
تغتاظ أنت ويستفيد ويجحد
ومنها : أن المذاكرة سبب النفع كما تذاكر هذا الجاهلي مع هذه الأمة ، وقد قيل فهم سطرين خير من حفظ ، وقرين ومذاكرة اثنين خير من هذين ولله در القائل :
ولله قوم كلما جئت زائراً
وجدت قلوباً كلها ملئت حلما
إذا اجتمعوا جاؤا بكل فضيلة
ويزداد بعض القوم من بعضهم علما
ومنها : أن قول الإنسان لا أدري لا ينافي كمال العلم والفهم كما فعل الجاهلي حيث قال : امهلوني . وكان ابن عمر رضي الله عنه يُسأل عن عشر مسائل ، ويجيب عن واحدة . ويقول في الباقي : لا أدري ، وسئل مالك عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها : لا أدري ، ومن كلامه رحمه الله : إذا سئلت عن علم وأنت لا تعلمه فقل : لا أدري ، فإن الله يعلمك ما لم تكن تعلم ، وفي الحكم من رأيته مجيباً عن كل ما سئل ، ومعبراً لكل ما شهد ، وذاكراً لكل ما علم ، فاستدل بذلك على جهله ، والواو في كلامه بمعنى ( أو ) إذ كل من الثلاثة دليل الجهل ، وذلك لأن الجواب عن كل سؤال يتضمن دعوى الإحاطة بالعلم وليست إلا لعلام الغيوب . ومنها : أن الرياسة لا تحصل إلا بالعلم إذ النفوس لا تذعن إلا لمن كان أعلم منها ، فالعرب إنما اتخذوا ابن الظرب رئيساً لما اعتقدوا فيه من فهم المشكلات وحل المعضلات ، ولم يخلق الله تعالى أشرف مع العلم ، وبه شرفت الملائكة والأنبياء ، ومن أجله سجدت الملائكة لآدم حين علمه ربه الأسماء ، ولم يأمر الله سبحانه نبيه بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم فقال : يا محمد وقل رب زدني علماً ، ولذا حث النبي عليه السلام على طلبه فقال ( اطلبوا العلم ولوبالصين ) وقال ( كل يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم ) فقال الفقهاء : العلم الذي يطلب ولو بالصين هو علم الحلال والحرام ، وقال المفسرون : هو علم كتاب الله العزيز ، وقال المحدثون : هو علم الحديث ، وقال الصوفية : هو علم النفس ، والصحيح أن الحديث الكريم شامل لذلك كله ، إذ علم الحلال والحرام مستنبط من الكتاب والسنة وعلم النفس راجع إلى ذلك كله . وهذا كله في العلم النافع إذ ما من فضل ورد فيه إلا وهو خاص به ، فقد قال عليه السلام ( العلم علمان علم في اللسان فقط وهو حجة الله على عبده ، وعلم في القلب وهو العلم النافع ) . قال أبو زيد عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه ، والترمذي وغيرهما : كل علم لا يورث لصاحبه خشية في قلبه ولا تواضعاً ولا نصيحة لخلقه ولا شفقة عليهم ولا امتثالاً للأوامر ولا اجتناباً للنواهي ولا حفظاً للجوارح ، فهو العلم المحجوج به العبد المحفوظ في اللسان فقط ، إذ الشهوات غالبة عليه أطفأت نوره وأذهبت ثمرته وهو العلم الغير النافع ، وكل علم تمكن في القلب وحصل به تعظيم الرب وأورث لصاحبه خشية وتواضعاً ونصيحة للخلق وشفقة عليهم ، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي فهو العلم النافع ، وقد استعاذ عليه السلام من علم لا ينفع فقال ( أعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ) وقال : ( ما آتى لله عبداً علماً فازداد للدنيا حباً إلا ازداد من الله غضباً وبعداً ) : وقال : ( أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لا ينفعه علمه ) وقال تعالى : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } ( الأحزاب : 30 ) الآية . وما ذاك إلا لكونهن رضي الله عنهن أعلم الناس بشريعته وسنته فبمخالفتهن لشريعته مع علمهن بها وجبت مضاعفة العذاب والخطاب لهن ولجميع الأمة ، لأن العالم إذا خرج عن الطريق تبعه الجاهل ، واعتقد أن ذلك حلال فيكون هذا الخارج قد أهلك نفسه وأهلك غيره كما قال عليه السلام ( إن الله لا ينزع العلم من صدور الرجال انتزاعاً ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوهم بغير علم فقد ضلوا وأضلوا أي هلكوا وأهلكوا ) . وقوله : بغير علم يعني إما عن جهل ابتداء وإما بعد علم ، وأفتى بغير علم عمداً وإثبات الضلال والهلاك للأتباع يدل على أنهم لا يعذرون بخطئهم في الإعتقاد وهو صريح قوله تعالى : ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } ( الأعراف : 38 ) يعني أن الكفار يقولون يوم القيامة : ربنا هؤلاء الأحبار والرؤساء أضلونا ، وزعموا أن ما يدعوننا إليه من عبادة الأوثان واتباع الشهوات ومخالفة الأنبياء هو الطريق الحق فاعتقدنا ذلك . ونحن لا نعلم فاعذرنا وآتهم عذاباً ضعفاً من النار . قال تعالى : لكل ضعف } ( الأعراف : 38 ) فسوى بين المتبوع والتابع في مضاعفة العذاب ولم يعذر التابع بخطئه في اعتقاده ، وقولهم من قلد عالماً لقي الله سالماً معناه إذا كان العالم مشهوراً بالعلم والتقوى ، فالتقوى تمنعه من أن يقول باطلاً ، والعلم يعرف به ما يقول ، وإن لم يكن كذلك ، فلا يجوز استفتاؤه ولا تقليده ومقلده مغرور لاحق له الوعيد المذكور .
وَابْنُ اللعان إرْثُهُ بأُمِّهِ
ما كَانَ وَالسُّدُسُ أقْصى سَهْمِهِ
( و ) لا يرث ملاعن من ملاعنة التعنت بعده فإن مات قبل التعانها ورثها ، وكذا لا ترثملاعنة من زوجها الملتعن قبلها لا إن التعنت هي قبله ومات قبل التعانه فترث ، فإن مات بعد التعانه الواقع قبل التعانها فعلى القول بوجوب إعادتها ترثه ، وعلى مقابله لا ترثه هذا حكم الزوجين المتلاعنين ، وأما ( ابن اللعان ) الذي وقع اللعان فيه فإنما ( إرثه بأمه ) فقط ( ما كان ) ذكراً كان أو أنثى واحداً أو متعدداً فلا يرثه أبوه الملاعن فيه ولا يرث هو أباه لانقطاع نسبه منه باللعان إلا أن يستلحقه فيجلد أبوه للقذف ، ويقع التوارث بينه وبين أبيه حينئذ ، وإذا ثبت إرثه بأمه فماتت فيرثها أو مات هو فترث منه فرضها وترث منه جدته لأمه إن لم تكن هناك أم دون جدته لأبيه ، وإذا مات أخوه الملاعن فيه أو غيره ورثه . ( والسدس أقصى سهمه ) منه حيث اتحد فإن تعدد ورث الثلث كما تقدم في الإخوة للأم من أن الواحد منهم له السدس والمتعدد له الثلث .
وَتَوْأَمَاهُ هَبْهُمَا تَعَدَّدَا
هُما شَقِيقَانِ فِي الإرْثِ أَبَدَا ( وتوأماه ) أي اللعان يعني توأمي الحمل الذي وقع اللعان فيه ( هبهما تعددا ) بأن وضعت ثلاثاً أو أربعاً من ذلك الحمل ( هما شقيقان في الإرث أبداً ) فإذا مات أحد التوأمين انفرد التوأم الآخر بإرثه حيث لم يكن هناك أم ولا إخوة لأم ، فإن كانوا ورثت أمه السدس وإخوته لأمه الذين لم يقع اللعان فيهم الثلث وورث التوأم الباقي ما بقي بالتعصيب ، وفهم منه أن غير التوأمين ليسا شقيقين ، فإذا وقع اللعان في أربعة أولاد كل واحد من حمل ، فإنما يتوارثون إذا مات أحدهم بالإخوة للأم فقط ، ومثل توأمي الملاعنة توأما المستأمنة والمسبية بخلاف توأمي الزانية والمغتصبة ، فإن توارثهما بالإخوة للأم فقط على المشهور .
خاتمة
وَمَا قَصَدتُ جَمْعَهُ هنَا انْتَهَى
وَالحمدُ لله بِغيْرِ مُنْتَهَى
( وما قصدت جمعه ) من تقرير الأحكام التي يكثر دورانها بين القضاة والحكام ( هنا انتهى ) وكمل . ولما كان إلهامه لهذا التأليف وخلق القدرة له عليه حتى أتمه من أجل النعم ، ومهماتها حمد الله تعالى على ذلك بقوله : ( والحمد لله بغير منتهى ) إذ كل نعمة تستوجب حمداً عليها ، ولا سيما النعمة التي يدوم ثوابها لصاحبها بدوام الانتفاع بها كالتأليف لأنه من الأعمال التي لا تنقطع بالموت لحديث : ( إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم يبثه في صدور الرجال ) .
وبالصَّلاةِ خَتْمُهُ كما ابْتُدِي
عَلى الرَّسُولِ المُصْطَفَى مُحمّدِ( وبالصلاة ) خبر عن قوله ( ختمه ) وضميره للنظم الذي قصد جمعه ( كما ابتدي ) بضم التاء مبنياً للمفعول ونائبه عائد على النظم ، وما مصدرية والكاف تتعلق بالاستقرار في الخبر ، والجملة خبرية قصد بها الإنشاء أي : وانشىء مختم هذا النظم بالصلاة كابتدائه بها تبركاً بها في المحلين لما قيل من إنها مقبولة قطعاً ، والمولى سبحانه أكرم من أن يقبل للصلاتين ويدع ما بينهما ( على الرسول ) يتعلق بالصلاة وهو إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ( المصطفى ) المختار من جميع الخلق ( محمد ) بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ
مَا كُوِّرَ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ
( وآله ) هم أقاربه المؤمنون من بني هاشم ، وقيل : والمطلب وهو أخو هاشم ، وقيل هم بنو قصي ، وقيل كل من اتبعه وآمن به فهو من آله ( وصحبه ) اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي لا جمع لصاحب الذي هو مطلق الصحبة لأن الصحابي أخص ، إذ هو كل من اجتمع مؤمناً بالنبي عليه الصلاة والسلام ورآه أو لم يره ومطلق الصاحب أعم ( الأخيار ) جمع خير بعد تخفيفه والخير المختار . قال تعالى : كنتم خير أمة } ( آل عمران : 110 ) ثم وقّت هذه الصلاة بما يفيد الدوام والاستمرار فقال : ( ما ) ظرفية مصدريه ( كور ) أي أدخل ( الليل على النهار ) فيزيد وأدخل النهار على الليل فيزيد أيضاً أي مدة تكوير أحدهما على الآخر ، وذلك مدة بقاء الدنيا .
قال مقيد هذا الشرح المبارك علي بن عبد السلام التسولي السبراري : هذا آخر ما قصدناه من شرح هذا النظم المقسم ، فالحمد لله على ما أنعم وألهم فجاء شرحاً موفياً للمرام جامعاً إن شاء الله لأشتات المسائل التي يكثر نزولها بين الحكام ينتفع به البادي ويستحسنه الشادي ، وها أنا أختمه أيضاً اقتداء بمؤلفه رحمه الله بالحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ، وعدد ما في علم الله من يوم خلق الدنيا إلى قيام الساعة وأحمده تعالى بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم على نعمه كلها ما علمت منها وما لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده ، لا أحصي ثناء عليه كما هو أثنى على نفسه ، وأسأله تعالىأن ينفع به من كتبه أو طالعه أو سعى في شيء منه كما نفع بأصله نفعاً يدوم بدوام الله مدده ، ويبقى لآخر الأبد مدده ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم موجباً للخلود مع الأحبة والمسلمين في جنة النعيم بجاه عين الرحمة الواسطة في كل نعمه سيدنا محمد المصطفى الكريم القائل : توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ، وأعتذر لذوي الألباب من الخلل الواقع فيه فينظرونه بعين الرضا ، ويتأولون ما به القلم طغى من لفظ لا يحاكيه ولا يدانيه أو معنى لا يوافيه ولا يجاريه والله يجازي الجميع على نيته بخير الدارين خير الدنيا وخير الآخرة ويعفو عما اقترفه الكل عفواً يحيط بالذنوب المتقدمة والمتأخرة ، فإنه سبحانه جواد كريم لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية ولا ينقص ملكه بمجاوزته عن عبد مثلي عظيم الفرية ، اللهم رب كل شيء وولي كل شيء وقاهر كل شيء وفاطر كل شيء ، والعالم بكل شيء ، والحاكم على كل شيء ، والقادر على كل شيء ، بقدرتك على كل شيء اغفر لي ولمن نظر في هذا الكتاب والمسلمين كل شيء . وهب لنا ولهم كل شيء ، ولا تسألنا عن شيء ولا تحاسبنا بشيء إنك على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير ، ويرحم الله عبداً يقول : آمين وسلام على كافة رسل الله أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، ووافق الفراغ من تأليفه يوم الثلاثاء ثالث عشر شوال عام ستة وخسمين ومائتين وألف .قيل لأبي الدرداء : فلان أعتق مائة رقبة . فقال : إيمان ملزوم ولسانك رطب بذكر الله أفضل من ذلك ، والقلب الخاشع هو الذي ماتت شهواته فذلت النفس لله وبرئت من الكبر والعجب وسيئ الأخلاق وخشع القلب بما طالع من جلال الله الملك الحق وعظمته ، والعلم النافع هو الذي تمكن في الصدر وتصور وانشرح به القلب وتنور ، وذلك أن النور إذا أشرق في القلب فصغرت الأمورحسنها وسيئها كل ما هو عليه ، ووقع لذلك ظل الصدر هو صورة الأمور فيأتي حسنها و يجتنب سيئها ، فذلك العلم النافع من نور القلب خرجت تلك المعالم إلى الصدور وهي علامات الهدى وما تعلمه قبل ذلك هو علم اللسان إنما هو شيء قد استودع الحفظ والشهوة غالبة عليه ، وإذا غلبت عليه أذهبت بضلمتها ضوءه فلا يكون به منتفع ، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ، نعوذ بك من هؤلاء الأربع ونسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً ورزقاً واسعاً حلالاً وعمراً طويلاً مباركاً ، ونسألك العافية في الدين والدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أبسط علينا رحمتك في الدنيا والآخرة وانشر علينا رحمتك في الدنيا والآخرة واتمم علينا نعمتك يا أكرم الأكرمين ، اللهم إنا نسألك عيشاً قاراً وعملاً باراً ورزقاً داراً وعافية كاملة ونعمة شاملة فإنه لا غنى لنا عن خيرك وبركتك يا أرحم الراحمين ، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا ومولانا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه عدد ذرات الكونين وأنفاس الثقلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين آمين . و الحمد لله رب العالمين ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمغفرة والرحمة لنا ولوالدينا وأولادنا وإخواننا ولجميع المسلمين ، وخصوصاً المحبين والمعتقدين وأن تنفع بهذا التأليف من كتبه أو قرأه أو حصله أو سعى في شيء منه بفضلك يا أرحم الراحمين . يا رب العالمين أنت ولينا ومولانا ونعم المولى ونعم النصير ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، عليك توكلت وإليك أنيب ولا ملجأ لي منك إلا إليك ، فاغفر بفضلك ما قدمت وما أخرت وما علمت يداي وما سطرته الحفظه علي يا كريم الصفح يا عظيم المن يا حسن التجاوز يا خير المسؤولين . ويا أكرم المعطين ، اللهم شفع فينا سيدنا ومولانا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
قال مقيد هذا الشرح المبارك علي بن عبد السلام التسولي السبراري : هذا آخر ما قصدناه من شرح هذا النظم المقسم ، فالحمد لله على ما أنعم وألهم فجاء شرحاً موفياً للمرام جامعاً إن شاء الله لأشتات المسائل التي يكثر نزولها بين الحكام ينتفع به البادي ويستحسنه الشادي ، وها أنا أختمه أيضاً اقتداء بمؤلفه رحمه الله بالحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ، وعدد ما في علم الله من يوم خلق الدنيا إلى قيام الساعة وأحمده تعالى بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم على نعمه كلها ما علمت منها وما لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده ، لا أحصي ثناء عليه كما هو أثنى على نفسه ، وأسأله تعالى أن ينفع به من كتبه أو طالعه أو سعى في شيء منه كما نفع بأصله نفعاً يدوم بدوام الله مدده ، ويبقى لآخر الأبد مدده ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم موجباً للخلود مع الأحبة والمسلمين في جنة النعيم بجاه عين الرحمة الواسطة في كل نعمه سيدنا محمد المصطفى الكريم القائل : توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ، وأعتذر لذوي الألباب من الخلل الواقع فيه فينظرونه بعين الرضا ، ويتأولون ما به القلم طغى من لفظ لا يحاكيه ولا يدانيه أو معنى لا يوافيه ولا يجاريه والله يجازي الجميع على نيته بخير الدارين خير الدنيا وخير الآخرة ويعفو عما اقترفه الكل عفواً يحيط بالذنوب المتقدمة والمتأخرة ، فإنه سبحانه جواد كريم لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية ولا ينقص ملكه بمجاوزته عن عبد مثلي عظيم الفرية ، اللهم رب كل شيء وولي كل شيء وقاهر كل شيء وفاطر كل شيء ، والعالم بكل شيء ، والحاكم على كل شيء ، والقادر على كل شيء ، بقدرتك على كل شيء اغفر لي ولمن نظر في هذا الكتاب والمسلمين كل شيء . وهب لنا ولهم كل شيء ، ولا تسألنا عن شيء ولا تحاسبنا بشيء إنك على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير ، ويرحم الله عبداً يقول : آمين وسلام على كافة رسل الله أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، ووافق الفراغ من تأليفه يوم الثلاثاء ثالث عشر شوال عام ستة وخسمين ومائتين وألف .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13