كتاب : شرح العمدة في الفقه
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

ما رزقهم من بهيمة الأنعم ووفاء النذور هو فعل ما وجب عليهم من هدى وقد جعل الله ذلك مع قضاء التفث
ولأن الله قال لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق وهذا يقتضي أن الإنتفاع بها له وقت محدود
وأيضا فإن هدي المتعة نسك فلم يجز ذبحه إلى يوم النحر كالهدي المنذور والأضحية الواجبة
ولأنه أحد أسباب التحلل فلم يجز تقديمه على يوم النحر كالحلق والرمي والطواف
ودليل الوصف

الفصل الثالث
أنه إذا لم يجد الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع بالكتاب والسنة والإجماع كما تقدم قال في رواية المروذي فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة كملت الحج وأمر الهدي
أما الثلاثة فيجب أن يصومها قبل يوم النحر لأن الله سبحانه أمر بصومها في الحج ويوم النحر لا يجوز صومه فتعين أن يصام قبله لأن ما بعده ليس بحج إلا أيام التشريق على احدى الروايتين والأفضل تأخير صومها حتى يكون اخرها يوم عرفة هذا هو المذهب المنصوص في رواية الأثرم وأبي طالب وعليه عامة الأصحاب
وحكى القاضي في المجرد أن الأفضل أن يجعل اخرها يوم التروية لأن صوم يوم عرفة بعرفات لا يستحب فإذا جعل اخرها يوم التروية أفطر يوم وفطره أفضل

والأول أصح لما روي ولأنه يستحب تأخيره لعله يقدر على الهدي قبل الشروع في الصيام فإنه أفضل وليتحقق عجزه عن الهدي وهذا يقتضي التأخير إلى اخر وقت الإمكان وصوم يوم عرفة ممكن لأنه لم ينه عن الصوم فيه ولأن هذه الأيام الثلاثة وهي يوم التروية ويوم عرفة واليوم الذي قبلهما أخص بالحج لأن فيهن يقع المسير إلى عرفات وبعض خطب الحج
والصيام يوم عرفة صائم في حال فعل الحج فكان أشد إمتثالا للأمر من غيره فكان أفضل وإنما لم يستحب فيها صوم التطوع فأما الواجب فإنه يفعل فيها وفي غيرها ويجوز الصوم من حين يحرم بالحج بلا تردد قال في رواية ابن القاسم وسندي والصيام للمتعة يجب على المتمتع إذا عقد الاحرام وكان في أشهر الحج
وهذا يدخل على من قال لا تجزيء الكفارة قبل الحنث ولعل هذا لا يحج ينصرف وهم يقولون يجزئه الصيام وفي قلبي من الصيام أيام التشريق شيء وإنما أراد حرام ذكره القاضي وغيره لأنه قال إذا عقد الاحرام وكان في أشهر الحج وإنما يشترط هذا في الاحرام بالعمرة لأن الاحرام في أشهره لا يؤثر في إيجاب الدم ولأنه قاس به الكفارة قبل الحنث لأن أحد السببين قد وجد دون الاخر ولأنه قال لعله لا يحج ينصرف وإنما ينصرف ويترك الحج قبل أن يحرم به ولأنه قال وهم يقولون يجزئه الصيام يعني أهل الرأي فحكى عنهم

قولهم في مسألة الخلاف وهي الصوم بعد الاحرام بالعمرة وإن وافقهم فيها فأما الصوم بعد إحرام الحج فمجمع عليه لا يضاف إلى واحد بعينه
وقال في رواية الأثرم قال الله فصيام ثلثة أيام في الحج قال يصومها إذا أحرم والاحرام يوم التروية ويريد أن يصوم يوما قبل التروية ويكره أن يصومها قبل أن يقدم مكة ولا يبالي أن يقدم أولها بعد أن يصومها في أشهر الحج فإن صامها قبل أن يحرم فجائز
وذكر القاضي وابن عقيل رواية أخرى أنه يجوز صومها قبل الاحرام بالعمرة من أول أشهر الحج ولعل ذلك لقوله ولا يبالي أن يقدم أولها بعد أن يصومها في أشهر الحج فأعتبر مجرد وقوعها في أشهر الحج ولم يعتبر وقوعها بعد الاحرام ثم قال فإن صامها قبل أن يحرم فجائز وعنى به إحرام العمرة لأنه

قد يقدم صومها قبل إحرام الحج قبل ذلك
وقال القاضي في خلافه قوله أن يحرم بالحج أراد به الاحرام بالحج وقد حكى بعض أصحابنا رواية أنه إنما يجوز أن يصومها قبل إحرام الحج بعد التحلل من العمرة ولعله أخذ ذلك من هذه الرواية لأنه قد نص على جواز صومها قبل الاحرام بالحج إذا كان في أشهر الحج ولم يجز صومها من حين الاحرام بالعمرة بل قد كره أن يصوم قبل أن يقدم مكة لأنه يكون حينئذ معتمرا لا حاجا ويحتمل أنه إنما كره ذلك كراهة تنزيه لأنه مسافر والصوم للمسافر مكروه عنده في احدى الروايتين
وقال في رواية صالح كان ابن عمر وعائشة يقولان يصوم المتمتع حين يهل فإن فاته صام أيام التشريق
وذلك لما روى عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء

حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله متفق عليه
وقد تقدمت الأحاديث أن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا متمتعين في حجة الوداع وأنهم إنما أحرموا بالحج يوم التروية حين ذهبوا إلى منى ولم يستثن واحد منهم أنه أحرم قبل ذلك وأمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه كلهم إذا خرجوا إلى منى أن يحرموا بالحج ولم يأمر أحدا منهم بتقديم إحرامه بالحج مع علمه بأنهم متمتعون وأن كثيرا منهم لا يجد الهدي ولهذا بين لهم حكم من يجد الهدي ومن لا يجده
ومن أحرم يوم التروية فإنه يحتاج أن يصوم يوما من الثلاثة قبل الاحرام بالحج بل يومين لأن يوم التروية إنما أحرموا نهارا وقد أنشأوا الصوم قبل الاحرام ولو لم يجز الصوم قبل الاحرام بالحج لوجب تقديم الاحرام بالحج قبل أن يطلع فجر اليوم السابع والصحابة لم يفعلوه والنبي صلى الله عليه و سلم لم يأمرهم به بل أمرهم بخلافه ولهذا لم يختلف نص أحمد في هذه الصورة ثم إن قيل وإن قيل يجوز قبل الاحرام بالعمرة فيحمل بالعمرة فيحمل قوله في الحج على أن المراد أشهر الحج وأما وجه المشهور فإنه إذا أحرم بالعمرة فقد انعقد سبب الوجوب في حقه ودخل في التمتع بدليل أنه ساق الهدي معه لمنعه الهدي من الاحلال

فإن قيل فقد قال الله تعالى فصيام ثلثة أيام في الحج وهذا يقتضي وقوع الصيام بعد الاحرام بالحج لأنه إنما يكون متمتعا بالعمرة إلى الحج إذا أحرم به ولأنه قال في الحج فإذا صام قبله لم يجز
قلنا هو ينوي التمتع ويعتمده من حين يحرم بالعمرة ويسمى متمتعا من حينئذ ويقال قد تمتع بالعمرة إلى الحج كما يقال أفراد الحج وقرن بين العمرة والحج وهذا كثير في الكلام المقبول ولو لم يكن متمتعا إلى أن يحرم بالحج فليس في الاية أن الصوم بعد كونه متمتعا وإنما في الاية أن يصوم في الحج على أن قوله فمن تمتع بالعمرة يجوز أن يكون معناه فمن أراد التمتع بالعمرة إلى الحج كما قال فاذا قرأت القران و إذا قمتم إلى الصلاة والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا أي يريدون العود
وأما قوله فصيام ثلثة أيام في الحج فقد قال قوم أي في حال

الحج ويكون نفس احرام الحج ظرفا ووعاء للصوم كما يقال دعا في صلاته وتكلم في صلاته ولبى في حجه وتمضمض في وضوئه وهذا لأن الأزمنة لما كانت تحوى الأفعال وتشملها فالفعل قد يحوى فعلا اخر
وقال أصحابنا فصيام ثلاثة أيام في وقت الحج لأن الفعل لا يكون ظرفا للفعل الا على سبيل التجوز مع تقدير الزمان ولهذا قال أهل الاعراب ان العرب تجعل المصادر أحيانا على سبيل التوسع أما على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فيكون المحذوف مقدرا واما على تضمين الفعل الزمان لاستلزامه اياه فيكون الزمان مضمنا قالوا واذا كان المعنى فصيام ثلاثة أيام في وقت الحج فالحج شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة وكلام أحمد يشير إلى هذا الوجه ويؤيد ذلك أنه قال فصيام ثلثة أيام في الحج ثم قال بعيد ذلك الحج أشهر معلومت فكأنه قال فصيام ثلاثة أيام في أشهر معلومات والمعنى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فليصم ثلاثة أيام في أشهر الحج لا يؤخرهن عن وقت الحج
وعلى القول الأول فإذا إحرام بالعمرة إلى الحج فهو حاج فإذا صامها حينئذ فقد صامها في حجه لأن العمرة هي الحج الأصغر وعمرة التمتع جزء من الحج بعض له لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وشبك بين أصابعه والمتمتع حاج من حين يحرم بالعمرة إلا أن إحرامه يتخلله حل بخلاف من أفرد العمرة

فصل
وأما صيام السبعة فيجوز تأخيره إلى أن يرجع إلى أهله فإذا رجع إليهم

فإن صامها في طريقه أو في مكة بعد أيام منى وبعد التحلل الثاني جاز وإن صامها قبل التحلل الثاني وبعد التحلل الأول لم يجز سواء رجع إلى وطنه أو لم يرجع ذكره القاضي
قال في رواية أبي طالب إن قدر على الهدي وإلا يصوم بعد الأيام قيل له بمكة أم في الطريق قال كيف شاء
وقال في رواية الأثرم وقد سأله عن صيام السبعة يصومهن في الطريق أم في أهله فقال كل قد تأوله الناس ووسع في ذلك كله
والأصل في ذلك قوله تعالى وسبعة إذا رجعتم فذهب القاضي وأصحابه وغيرهم إلى أن معنى ذلك إذا رجعتم من الحج لأنه قد قال تعالى فصيام ثلثة أيام في الحج ثم قال وسبعة إذا رجعتم فتقدير الرجوع من الحج الذي تقدم ذكره أولى من تقدير الرجوع من السفر لأنه لم يذكر ولأنه لو رجع إلى أهله قبل الاحلال الثاني لم يجز الصوم فعلم أن الحكم مقيد بالرجوع من الحج فقط ويصح تسميته راجعا من الحج بمعنين أحدهما أنه قد عاد إلى حاله قبل الاحرام من الاحلال

والثاني أنه يفعل في أماكن مخصوصة فإذا قضاه ورجع عن تلك الأماكن وانتقل عنها سمى راجعا بهذا الإعتبار
وفيها طريقة أخرى أحسن من هذه وهي طريقة أكثر السلف أن معنى الاية إذا رجعتم إلى أهلكم وهي طريقة أحمد لأنه قال إذا فرط في الصوم وهو متمتع صام بعدما يرجع إلى أهله وعليه دم
وقال في رواية جماعة عليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم وإن شاء صام في الطريق وذلك لما أخرجا في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وذكر الحديث وهذا تفسير من النبي صلى الله عليه و سلم
وروى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اجعلوا أهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة

فقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال تعالى فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم الشاة تجزيء فجمعوا بين نسكين في عام الحج والعمرة فإن الله تعالى أنزله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم وأباحه للناس غير أهل مكة قال الله ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
وقوله إلى أمصاركم يحتمل أن يكون مرفوعا وموقوفا
وعن جابر
وأيضا فإن الرجوع المطلق إنما يفهم منه الرجوع إلى الوطن لكن تأخير الصوم إلى مصره رخصة كما روى سعيد عن عطاء وسبعة إذا رجعتم قال هي رخصة إن شاء صام في الطريق وإن شاء إذا قدم إلى منزلة
وعن الحسن مثله هي رخصة

وروى الأشج عن مجاهد في قوله وسبعة إذا رجعتم قال إن شاء صامها في الطريق فعل فإنما هي رخصة وذلك لأن هذا بمنزلة قوله
فمن كان منك مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر لما انعقد سبب الوجوب وتم كان التأخير إلى حال الإقامة رخصة وكذلك صوم السبعة إنما سببه المتعة وهي قد تمت بمكة لكن لما كان الحاج مسافرا والصوم يشق جوز له الشرع التأخير إلى أن يقدم
وأيضا فإن الحجيج إذا صدورا من منى فقد شرعوا في الرجوع إلى أهلهم فإن عرفات ومنى هي منتهى سفرهم فالمصدر عنها قفول من سفرهم ورجوع إلى أوطانهم ومقامهم بعد ذلك بمكة أو المدينة أو غيرهما كما يعرض لسائر المسافرين من المقام والأفعال الممتدة مثل الحج والرجوع ونحوه يقع الاسم على المتلبس به إذا شرع فيه وإن كان لا يتناول الاسم على التمام إلا إذا قضاه
يبين هذا أن الصوم لا يختص بمكان ولا بحال دون حال فلو قيل لا يجوز له الصوم بالطريق أو بمكة لكان منعا للصوم في بعض الأمكنة وذلك غير معهود من الشرع ولا معنى تحته
وأيضا فعند أصحابه أن صوم السبعة قد وجب في ذمته بمكة وقد نص أحمد على ذلك فقال في رواية المروذي إذا مات ولم يصم السبعة أيام يطعم عنه بمكة موضع وجب عليه وكل صوم وجب في ذمته فله البدار إلى فعله كقضاء رمضان والنذر

ودليل وجوبه أنه وجب بدلا عن الهدي والبدل لا يتأخر وجوبه عن وجوب المبدل منه لأنه قائم مقامه
والأفضل أن يؤخر صومها إلى أن يقدم لأنه أخذ بالرخصة وخروج من الخلاف كما قلنا في صوم رمضان وأولى إلا أن بينهما فرق فإن صوم رمضان يصومه مقيما في غير وطنه

فصل
ويجوز أن يصوم كل واحد من الثلاثة والسبعة متفرقا كما يجوز أن يصومه متتابعا نص عليه لأن الله سبحانه أطلقه ولم يقيده بالتتابع فيبقى على ما أطلقه الله سبحانه
فصل
قد قلنا أنه يجوز أن يصوم من حين الاحرام بالعمرة وإنما يكون هذا إذا لم يجد هديا حينئذ ويغلب على ظنه أنه لا يجده إلى يوم النحر فأما إن غلب عليه إنه يجده يوم النحر

فإذا شرع في صوم الثلاثة لم يلزمه الإنتقال إلى الهدي بل يمضي في صومه وإن انتقل إليه فهو أفضل
قال في رواية حنبل في المتمتع إذا صام أياما ثم أيسر أرجو أن يجزئه الصيام ويمضي فيه
وقال في رواية ابن منصور في متمتع لم يجد ما يذبح فصام ثم وجد يوم النحر ما يذبح فمتى دخل في الصوم فليس عليه ونقول في الكفارات كلها إذا دخل في الصوم يمضي فيه وكذلك إذا تيمم ثم دخل في الصلاة فليمض
وهذا أصل مطرد لنا في الكفارات كلها إذا قدر على التكفير بالمال بعد الشروع في الصيام لم يلزمه الإنتقال لأن الصوم لا يبطل بوجود الرقبة والهدي
ويتخرج أنه يلزمه الإنتقال لأن الهدي على وجه مثل ذلك الكفارات

أنه إذا أيسر في الصيام انتقل إلى المال والإنتقال هنا أوجه لأن الهدي إنما يستقر وجوبه وإنما يجزيء ذبحه يوم النحر بخلاف العتق في الكفارات فإن إستقراره قبل الشروع في الصوم نعم هو يشبه كفارة الظهار إذا قلنا لا تستقر إلا بالوطء وكفر قبله
وقد خرج ابن عقيل أنه يلزمه الإنتقال التي بعد الشروع على الرواية التي تقول الإعتبار في الكفارات بأغلظ الحالين
وهذا تخريج غير سديد لأن ذلك إنما يجيء فيما إذا وجد الهدي قبل الشروع في الصوم كما سنذكره فإن وجب عليه الصوم فلم يشرع فيه حتى وجد الهدي فهل يلزمه الإنتقال إليه ذكر أصحابنا فيه روايتين أصحهما لا يلزمه الإنتقال أيضا وبنوا ذلك على الروايتين في الكفارة هل العبرة بحال الوجوب أو بأغلظ الحالين من حال الوجوب والأداء وهذا بنبني على حال وجوب الصوم فإن قلنا يجب إذا أحرم بالحج وكان قد أحرم قبل النحر بأيام فهذه صورة مستقيمة
وأما إن قلنا إنه لا يجب الصوم ولا الهدى إلى يوم النحر أو قلنا إذا أحرم

بالحج فلم يحرم به إلى اليوم السابع أو الثامن أو التاسع فإنما معناه لا يجب وجوب استقرار في الذمة وإلا فإنه يجب عليه فعل الصوم قبل يوم النحر بلا تردد كما قلنا في المظاهر يجب عليه إخراج الكفارة قبل الوطء وإن قلنا لا يستقر في ذمته إلا بالوطء فنقول على هذا إنما يجب عليه أداء الصوم قبل النحر بثلاث ليال فإذا وجد الهدي بعد انقضاء بعضها من غير صوم ثم وجد الهدي فهذه الصورة يجب أن يجب فيها الهدى ولا يجزئه الصوم كما لو عزم المظاهر على العود ولم يصم حتى وجد الرقبة وذلك لأنه وجد الهدي قبل أن يجب الصوم فإن الصوم لا يجب في الذمة إلا إذا أحرم بالحج أو وقف بعرفة
ووجوب أدائه قبل ذلك
وأما إن كان فرضه الصوم ودخل يوم النحر ولم يصم ثم وجد الهدي فهنا يشبه مسألة الكفارات إلا أن الصوم هنا فات وقته بخلاف الصوم في الكفارات فقد فرط بتفويته وقد اختلفت الرواية عنه فعنه أنه يهدي هديان ولا يجزئه الصوم وعنه يقضي الصوم ويهدي وعنه يقضيه من غير هدي كما سيأتي إن شاء الله فإن هذه المسألة لها مأخذان أحدهما أنه قد استقر البدل في الذمة
والثاني أنه قد فوته
وأما التفريق بين أن يقدر على الهدي أو لا يقدر
فصل
وإذا وجب عليه الهدي فلم يهد حتى خرجت أيام الذبح ففيه ثلاث

روايات منصوصات إحداهن عليه هدي متعته وهدي اخر لتفريطه وهذا اختيار الشريف أبي جعفر قال أصحابنا لتأخير عن وقت الذبح
قال في رواية المروذي إذا تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين هكذا قال ابن عباس وإذا صام يوم عرفة فإن عليه دمين كذلك نقل يعقوب ابن بختان
وقال في رواية أبي طالب في متمتع لم يكن معه هدي ولم يصم حتى جاز أيام النحر صام عشرة إذا رجع وعليه دم قد فرط وابن عباس يقول من كان عليه دم فلم يذبحه حتى جاز يوم النحر فعليه دمان دم الذي وجب عليه ودم لما فرط قيل له تقول به قال نعم عليه دمان دم لما عليه ودم لما أخره ولا فرق على هذه الرواية بين المعذور وغيره لأن أحمد إعتمد على حديث ابن عباس وهو في المعذور
قال القاضي والمذهب الصحيح أن المعذور وغيره سواء لأن في رواية المروذي إذا لم يجد ثمنا يشتري به حتى رجع إلى ها هنا عليه هديان وهذه حالة عذر

وذلك لما احتج به أحمد من رواية علي بن بذيمة عن مولى لابن عباس عن ابن عباس فيمن تمتع فلم يصم ولم يهد قال عليه دمان رواه سعيد ورواه النجاد ولفظه عن بن بذيمة مولى لابن عباس قال تمتعت فنسيت أن أنحر وأخرت هديي فمضيت إلى ابن عباس فقال أحد هديين هديا وهديا لما أخرت
ولا يعرف له مخالف في الصحابة ولأن الذبح في وقته نسك واجب فمتى فوت الوقت فقد ترك من نسكه ومن ترك شيئا من نسكه فعليه دم وعكسه تأخير الوقوف والطواف إلى وقت يجوز فإنه ليس فيه ترك واجب ولأنه لو فوت نفس الحج لزمه القضاء والكفارة فكذلك إذا فوت بعض واجباته التي يمكن قضاؤها يجب أن تجب فيه الكفارة إلحاقا لاجزاء العبادة بأصلها فإنه من أجلى الأقيسة

ولأن ما وقته بنذره إذا فوت وقته فعليه كفارة فما وقته الشرع أحرى أن تجب الكفارة بتفويت وقته ولا ينتقض هذا بتفويت الصوم والصلاة لأن ذاك أعظم من أن تجب فيه كفارة
والرواية الثانية ليس عليه إلا هدي التمتع فقط قال في رواية ابن منصور في متمتع لم يذبح حتى رجع إلى أهله يبعث بالدم إذا كان ساهيا والعامد عليه دم واحد إلا أنه قد أساء وهذا اختيار ابن أبي موسى وهذا الذي نصره القاضي في خلافه لأنه نسك أخره إلى وقت جواز فعله فلم يجب به دم كما لو أخر الوقوف إلى الليل والطواف عن أيام منى والمعنى بجواز فعله أجزاه فأما حل التأخير فلا قال القاضي ولأنه دم أخره عن وقت وجوبه فلا يجب بتأخيره دم كسائر الدماء الواجبات من الحلاق وتقليم الأظفار وقتل الصيد ولأن تأخير العبادة المؤقتة عن وقتها إذا شرع قضاؤها لا يوجب إلا القضاء بدليل تأخير الصوم والصلاة
والرواية الثالثة إن أخره لعذر لم يلزمه إلا هدي واحد وإن أخره عمدا فعليه هديان قال حرب قيل لأحمد رجل حج وعليه دم فدفع نفقته إلى رجل وغاب الرجل فلم يكن معه ما يذبح حتى رجع إلى بلاده قال يبعث بدم إذا كان له عذر رجوت أن يجزيء عنه دم واحد ويروي عن بعضهم أنه قال عليه دمان وهذا إذا لم يكن له عذر قيل له فإن لم يقدر أن يبعث بدم قال لا أدري وكأنه أوجبه عليه إذا وجد
وقال في رواية حرب في متمتع رجع إلى بلاده ولم يهد يجزيء عنه

دم واحد إذا كان له عذر وبعضهم يقول عليه دمان وهذا إذا لم يكن له عذر
قال القاضي العذر مثل أن تضيق النفقة ولا يجد ما يشتري وقال أبو الخطاب العذر مثل أن تضيع النفقة وذكر ابن عقيل العذر مثل النسيان ونحوه
قال ابن أبي موسى لو سهى عن الهدى إلى أن وصل إلى بلده لزمه إنفاذ هدي ينحر بالحرم لا يجزئه غير ذلك
وهذا لأن العبادات المؤقتة إذا أخرت عن وقتها تعذر وشرع قضاؤها لم يحتج إلى شيء اخر مثل الصوم إذا أفطر لمرض أو سفر والصلاة إذا أخرها لنوم أو نسيان بخلاف من أخرها تأخيرا محرما فإنه يأثم بذلك فيحتاج إلى كفارة ماحية والعذر هنا مثل النسيان ونحوه مما لا يسقط فأما ضيق النفقة وضياعها أو عدم النعم كما ذكره القاضي وأبو الخطاب فهذا يمنع وجوب الهدي ويجعل فرضه الصوم فإذا لم يصم فهى المسألة الاتية وإن صام فليس عليه شيء اخر إلا أن يكون واجدا حين أحرم بالحج فترك الصوم لذلك فلما كان وقت الذبح ضاعت النفقة أو عدمت النعم أو كان قد إبتاع هديا فظل فهنا هو معذور بترك الصوم والذبح
وبكل حال إذا وجب عليه الهدي ولم يهد سواء كان مؤسرا أو معسرا بعد ذلك لأن الهدي قد استقر في ذمته
وأما الصوم صوم الثلاثة إذا فوته بعد وجوبه وفاتها أن لا يصومها قبل النحر في رواية وفي رواية أن لا يصومها إلى أن تنقضي أيام التشريق فعن أحمد أنه يتعين عليه الهدي ولا يجزئه الصوم بحال كما تقدم عنه في رواية المروذي

إذا صام فأفطر يوم عرفة فإن عليه دمين وكذك نقل يعقوب بن بختان في المتمتع إذا لم يصم قبل يوم النحر قال عليه هديان يبعث بهما إلى مكة فعلى هذا إن كان قد فات وقت الذبح أيضا فعليه هديان ويجيء فيهما الروايتان الأخرتان وإن كان وقت الذبح باقيا فعليه الذبح إن قلنا المتمتع لا يصوم أيام التشريق وإن قلنا يصومها لم يفت إلا بفوات الذبح اللهم إلا أن يكون قد بقى يوما من أيام التشريق فإنه يمكن الذبح ولا يمكن صوم الثلاثة بحال وظاهر كلامه أن عليه هديين بكل حال وذلك لما روي عن سعيد بن المسيب قال جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين إني تمتعت فلم أصم الثلاثة الأيام في الحج قال وجب عليك الهدي قال لا أجده قال فسل في قومك قال ما أرى ها هنا أحدا من قومي فقال عمر يا معيقب أعطه ثمن شاة رواه سعيد عن هشيم عن حجاج عن عمرو بن شعيب عنه
وعن عكرمة عن ابن عباس قال الصوم قبل يوم النحر يقول فإن لم يصم فعليه الهدي رواه سعيد بإسناد صحيح
وروي عن أصحابه وهم عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة

نحو ذلك وقد حكاه أحمد أيضا عن ابن عباس ولا يعرف عن الصحابة والتابعين خلاف ذلك إلا قول ابن عمر وعائشة
ومن وافقهما أن يصوم أيام منى وذلك إتفاق منهم على أنه لا يصومها بعد أيام منى بحال ولأن الله إنما جوز له الإنتقال عن الهدي بأن يصوم ثلاثة أيام في الحج فإذا لم يصمها في وقتها لم يجزه فعلها في غير وقتها كسائر مناسك الحج فتعين عليه الهدي لأن وقته قد يكون باقيا ولأنه عبادة مالية من وجه فتأخيرها عن وقتها أقرب ولأنه هو الأصل ولأن الصوم رخصة فلا يستباح مع المعصية ولأنه لو خير بين صوم ثلاثة أيام في الحج وبين الهدي وفات وقت الصوم لتعين الهدي فالإن يتعين الهدي إذا كان هو الواجب الأصلي أولى وأحرى ولأن العبادة المؤقته إذا فاتت فان قلنا لا يجوز القضاء إلا بأمر جديد فليس في قضاء صوم المتعة أمر وإن قلنا يقضي فالإن القضاء بدل عن الأداء يسد مسده وهنا قد أمكن ابدال الهدي الذي هو أصل الصوم فهو أولى من الإستبدال بصوم ولأن البدل إذا كان مؤقتا ففات وقته رجع إلى الأصل كالمسح على الخفين ولأن القضاء بدل عن الأداء فلو شرع في الإبدال لكان للبدل بدل وهذا يحتاج إلى دليل فإنه لا يثبت بمجرد الرأي ولأن الله أمر بثلاثة أيام في الحج وسبعة بعده ووصفها بأنها كاملة وهذه الصفة لا تثبت لأيام في غير الحج لأنها لو ثبتت لها لجاز التأخير وإذا لم تكن العشرة كاملة لم يجز عنه لأن الله إنما أمره بعشرة كاملة ولأن صوم الثلاثة في الحج من المناسك وإن كانت صوما كما أن ركعتي الطواف من المناسك وإن

كانت صلاة ولهذا يصومها المتمتع عن غيره فإن كل عبادة تختص بالحج فإنها من المناسك والمناسك المؤقتة تفوت بفوات وقتها كالوقوف والرمي ونحو ذلك ولا يقضي بحال وإذا لم تقض فمنها ما يجب له بدل وهو الدم
وعن أحمد أنه يقضيها وهو المعروف عند أصحابنا لأنه صوم واجب فوجب أن يقضي إذا فات كصوم رمضان والمنذور المؤقت ولأن الصوم والهدي في التوقيت سواء فإذا قضى أحدهما قضي الاخر ويقضيها مع صوم السبعة إن شاء متتابعا وإن شاء متفرقا
وهل عليه دم مع القضاء على ثلاث روايات إحداهن عليه دم وهي اختيار الشريف أبي جعفر وغيره كما تقدم نصه في رواية أبي طالب إذا لم يكن معه هدي ولم يصم حتى جاز أيام النحر صام عشرة إذا رجع وعليه دم قد فرط
وقال في رواية ابن الحكم إذا وجب عليه الهدي من تمتع أو جزاء صيد أو كفارة ظهار أو زكاة ففرط فيها حتى ذهب ماله فإن عليه هديين وإذا فرط في الصوم وهو متمتع صام بعدما يرجع إلى أهله وعليه دم ويروى عن ابن عباس عليه هديان
ووجه ذلك ما تقدم في الهدي وحكى أبو الخطاب أن هذه الرواية

خرجها شيخه القاضي أبو يعلى من الرواية التي في تأخيرالهدي واختار هو أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال مع ذكر الروايتين في الهدي لأن الصوم الواجب بأصل الشرع لا يجب بتأخيره عن وقته دم بخلاف الهدي فإنه من المناسك وتأخير المناسك في الجملة قد يوجب دما
والصواب طريقة شيخه فقد ذكرنا نص أحمد على هذه الرواية وقد ذكرها القاضي منصوصة في خلافه وكذلك أبو الخطاب في خلافه ولعله خرجها في كتبه القديمة ثم وجدها منصوصة فليس ذلك ببدع من فقهه
والرواية الثانية الفرق بين المعذور وغيره كما تقدم عنه في الهدي
والرواية الثالثة لا دم بحال قال في رواية ابن القاسم إن لم يصم في الحج فليصم إذا انصرف ولا يرجع إلى الدم لأن عليه الصيام وذلك لأن الصوم قد وجب في ذمته فلم يجب عليه غير قضائه كصوم رمضان وصوم الكفارات كلها
فعلى هذا إذا أيسر في أيام الذبح فهل عليه الإنتقال على ما تقدم من الروايتين ولو أراد على هذه الرواية أن يهدي ولا يصوم فظاهر كلامه أنه لا يجزيء لأنه قال عليه الصيام لأن الذبح قد فات وقته ويتخرج جوازه كما قلنا في الكفارات كلها على ظاهر المذهب

وأما صوم السبعة فقياس المذهب أنه لا يجوز تأخيره بعد الرجوع إلى الأهل كما لا يجوز تأخير الكفارات والنذور وأولى لأن الأمر المطلق يقتضي البدار إلى الفعل ولأنه قد قال تعالى إذا رجعتم وهذا توقيت له فلا يجوز تأخيره عن وقته لأن إذا ظرف من ظروف الزمان
وأيضا فإن قوله إذا رجعتم أما أن يكون تقييد لأول وقت الفعل أو لآخره ولا يجوز أن يكون وقتا لأوله لما تقدم فعلم أنه وقت لاخره لأنه لو قال سبعة بعد ذلك لظن ظان وجوب تقديمها إلحاقا لها بالثلاثة فقال إذا رجعتم بيان لجواز تأخيرها ولو أريد بجواز التأخير مطلقا لقيل وسبعة من أيام أخر أو متى شئتم ونحو ذلك
فإن مات ولم يصم فقال أحمد في رواية المروذي إذا مات ولم يصم السبعة أيام يطعم عنه بمكة موضع وجب عليه
وهذا يقتضي وجوب الإطعام عنه بكل حال سواء قدر على الصيام أو لم يقدر لأنه أطلق وبين أنها وجبت عليه بمكة وهو لا يتمكن من صومها بمكة في الغالب
وهذا هو الصواب وهو قياس مذهبه لأنه قد تقدم أن الهدي والصوم عنه يجب إما بالاحرام أو بالوقوف ولا معنى لوجوبه إلا وجوب الإخراج عنه إذا مات كما قد نص عليه في الهدي فإنه نص على أنه يخرج عنه إذا مات بعد أن وقف بعرفة فلو قلنا لا يجب الصوم إلا بعد التمكن لم يصح الوجوب

وقال كثير من أصحابنا القاضي وابن عقيل وطوائف من أصحابنا لا يجب أن يطعم عنه إلا إذا تمكن من القضاء كما قلنا في صوم رمضان إذا مات قبل التمكن من قضائه لم يطعم عنه
والتمكن المعتبر إما الإستيطان لأن المسافر لا يجب عليه أو الصحة فقط
فإن قدر على صوم بعض العشرة أطعم عنه بقدر ما قدر عليه
قال ابن عقيل ولا يصام عنه قولا واحدا
وظاهر النص أجود لأن هذا الصوم ليس واجبا بأصل الشرع وإنما هو بسبب من المكلف فهو كصوم النذر وصوم الكفارة وكالصوم عن جزاء الصيد أو الصوم في فدية الأذى وهذا لا تعتبر فيه القدرة

الفصل الثالث
في الشروط التي بها يكون متمتعا يجب عليه الهدي وهي عشرة
أحدها أن يعتمر في أشهر الحج فإن إعتمر في رمضان أو ما قبله من الشهور لم يكن متمتعا ولا هدي عليه وهو أفضل من الإعتمار في أشهر الحج وكذلك إن إعتمر بعد الحج لم يجب عليه هدي نص عليه فقال لا يجب عى من إعتمر بعد الحج هدى
فلو تحلل من الحج يوم النحر وأحرم فيه بعمرة فقال القاضي لا يكون متمتعا على ظاهر كلام أحمد لأنه وإن كان من أشهر الحج فقد جعل في حكم ما ليس من أشهره بدليل أن الحج يفوت فيه ولا يدرك بإدراكه
وهذا مبنى على جواز الاحرام بالعمرة
ومعنى العمرة في أشهر الحج أن يحرم في أشهر الحج فلو أحرم قبل هلال شوال بساعة لم يكن متمتعا وكانت عمرته للشهر الذي أهل فيه لا للشهر الذي أحل فيه أو طاف فيه نص عليه في مواضع حتى قال عمرة في شهر رمضان تعدل حجة فإن أدرك يوما من رمضان فقد ادرك عمرة في شهر رمضان
وقال فيمن دخل بعمرة في شهر رمضان ودخل الحرم في شوال عمرته في الشهر الذي أهل واحتج على ذلك بما رواه بإسناده عن أبي الزبير

أنه سمع جابر بن عبد الله سئل عن المرأة تجعل على نفسها عمرة في شهر مسمى ثم يخلوا إلا ليلة واحدة ثم تحيض قال لتخرج ثم لتهل بعمرة ثم لتنتظر حتى تطهر ثم لتطف بالكعبة وتصلى ولا يعرف له مخالف في الصحابة
ولأن المتمتع إنما وجب عليه الدم لترفهه بسقوط أحد السفرين وذلك أنه قد كان يمكنه أن يحرم بالحج فقط فلما عدل عنه إلى الاحرام بعمرة وأتى بالحج أيضا شرع له الهدي فإذا أهل قبل شوال لم يمكنه الإهلال بالحج لأنه خلاف السنة فأحرم بالعمرة في وقت تنفرد به فهو كما لو أحرم لها وطاف قبل شوال
الشرط الثاني أن يحج من عامه ذلك فلو إعتمر في أشهر الحج ورجع إلى مصره أو أقام بالحرم ولم يحج فليس بمتمتع بالعمرة إلى الحج
الشرط الثالث أن لا يسافر بعد العمرة فإن سافر ثم رجع إلى مكة فليس بمتمتع لأنه سافر للحج سفرا كما سافر للعمرة سفرا ولم يترفه بسقوط أحد السفرين
وأما حد السفر الذي يخرجه عن التمتع فقد قال أحمد في رواية أبي طالب إذا أعتمر في أشهر الحج ثم سافر سفرا يقصر فيه الصلاة فليس بمتمتع ويعجبني هذا القول وإنما يكون المتمتع من جاء إلى مكة في شوال أو ذي القعدة ومن جاء في غير هذه الشهور فإنما هي عمرة وليس هو متمتعا وإذا دخل بعمرة في هذه الشهور ثم انتظر حتى يهل بالحج من مكة فهو متمتع فإن خرج إلى الميقات وأهل بالحج فليس بمتمتع
وقال في رواية حرب والأثرم من أحرم بعمرة في أشهر الحج فهو

متمتع إذا أقام حتى يحج فإن خرج من الحرم سفرا يقصر في مثله الصلاة ثم رجع فحج فليس بمتمتع ولا هدي عليه
وقال في رواية يوسف بن موسى وأحمد بن الحسين إذا أقام فأنشأ الحج في مكة فهو متمتع فإن خرج إلى الميقات فأحرم بالحج فليس بمتمتع
وقال في رواية عبد الله إذا سافر سفرا يقصر فيه الصلاة فليس بمتمتع
واختلفت عبارة أصحابنا في ذلك فقال القاضي في المجرد وابن عقيل في بعض المواضع وأبو الخطاب وجماعة وغيرهم إذا خرج إلى الميقات فأحرم منه بالحج أو خرج إلى موضع بينه وبين مكة ما يقصر فيه الصلاة فأحرم منه فليس بمتمتع وجعلوا كل واحد من خروجه إلى الميقات وإلى مسافة القصر رافعا للمتعة لأنه قد نص على كل منهما في رواية واحدة وفي روايات متعددة ومن هؤلاء من ذكر رواية أخرى أن الذي يزيل المتعة السفر إلى مسافة القصر من غير اعتبار الميقات لأنه قد نص على ذلك في روايات متعددة ولم يذكر الميقات ومن سلك هذا السبيل لزمه أن يحكي رواية ثالثة بأن الإعتبار بخروجه إلى الميقات من غير إعتبار مسافة القصر لأنه قد نص على ذلك في روايات أخرى

وقال الخرقي وابن أبي موسى والقاضي وأبو الخطاب في خلافهما والشريف أبو جعفر وابن عقيل في مواضع الإعتبار بمسافة القصر خاصة فمن سافر سفرا يقصر فيه الصلاة فليس هو بمتمتع
قال القاضي إذا رجع المتمتع إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة لم يسقط عنه دم المتعة وإن رجع إلى موضع تقصر فيه الصلاة سقط عنه دم المتعة قال وقول أحمد فإن خرج إلى الميقات فأحرم بالحج فليس بمتمتع محمول على أن بين الميقات وبين مكة مسافة القصر
وعند هؤلاء أن معنى كلام أحمد يرجع إلى هذا
وأعلم أن هذا الإختلاف لا يرجع إلى إختلاف في الحكم وذلك لأن المواقيت كلها بينها وبين مكة مسافة القصر فإن ذا الحليفة بينها وبين مكة عشر مراحل من ناحية الساحل والحجفة بينها وبين مكة ثلاثة أيام وسائر المواقيت بينها وبين مكة يومان قاصدان فكل من خرج إلى ميقات فقد خرج إلى مسافة القصر وقد يخرج إلى مسافة القصر من ناحية المدينة والشام ولا يصل إلى الميقات فإذن كلا الطريقين جيدة وإن كان الضابط في الخفين السفر إلى مسافة القصر لكن من أعتقد في المسألة روايتين توهم أنه يخرج إلى الميقات من لا يبلغ مسافة القصر ليجعل المسألة على روايتين أو تناول كلام أحمد في بعض المواضع أو يقول إنه لا يسقط عنه المتعة بالخروج إلى ميقاته أو يعتقد أن كلا منهما شرطا على انفراده فقد غلط غلطا مستنده عدم العلم بالمسافة وهذا واقع في كلام طائفة من أصحابنا وهو مخالفة واضحة

لكلام أحمد فإنه قد نص على أن الخروج إلى الميقات مسقط من غير تقييد بمسافات المواقيت
وإنما أعتبره أحمد لأنه إذا سافر بعد العمرة إلى مسافة القصر فأحرم منها بالحج من ناحية ميقاته أو غيرها لم يترفه بسقوط أحد السفرين بل سافر للحج سفرا صحيحا فزال معنى التمتع في حقه وإن لم يرجع إلى مصره أو لم يبلغ الميقات فإن الموجب للدم سقوط أحد السفرين بدليل وجوبه على القارن لما جمع بين النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج ولو كانت العلة أنه لم يحرم من الميقات لم يجب على القارن دم
وقد تقدم أن المتمتع في لسان الصحابة والتابعين هو أن يجمع بين العمرة والحج في أشهره بسفرة واحدة فإن سافر بينهما إلى مسافة القصر ثم رجع فأحرم بالحج من مكة أو أحرم به من دون مسافة القصر فعليه دم لاحرامه دون ميقاته لأن ميقات من أن شاء الحج من دون المواقيت من موضعه وليس عليه دم متعة كما لو رجع إلى مصره ثم دخل مكة بغير إحرام ولهذا أطلق أحمد القول بسفر تقصر فيه الصلاة ولم يشترط إحرامه منه في كونه غير متمتع
واشترط أبو الخطاب وغيره من أصحابنا أن يحرم بالحج من مسافة القصر
وقال بعضهم إذا سافر وأحرم من مكة فليس بمتمتع
وإن رجع إلى مكة غير قاصد للحج محلا ثم بدا له الحج فأحرم منها فعليه أيضا دم كما تقدم
وإن سافر قبل التحلل من العمرة إلى ما يقصر فيه الصلاة ورجع حراما إما

بأن يكون سائقا هديا أو لم يكن فقد قيل ليس بتمتع أيضا على ظاهر قول أصحابنا والأشبه أنه متمتع كما لو سافر القارن أو أحرم بالحج من مكة ثم سافر محرما إلى ما يقصر فيه الصلاة
الشرط الرابع أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام لقوله سبحانه ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وحاضرو المسجد الحرام أهله ومن بينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة
وهل العبرة ببعده عن الحرم أو عن نفس مكة على روايتين
وعنه أنهم هؤلاء ومن دون المواقيت مطلقا والأول هو المذهب قال في رواية أبي طالب فيمن كان حول مكة فيما لا تقصر فيه الصلاة فهو

مثل أهل مكة ليس عليهم عمرة ولا متعة إذا قدموا في أشهر الحج ومن كان منزله فيما يقصر فيه الصلاة فعليه المتعة إذا قدم في أشهر الحج وأقام إلى الحج
وقال في رواية المروذي إذا كان منزله دون الميقات مما لا يقصر فيه الصلاة فهو من أهل مكة . . . . . . . . . . . .
فعلى هذا أهل المواقيت ليسوا من حاضري المسجد الحرام لأن أدناهم بينه وبين مكة ليلتان
وذكر القاضي أن منها ما بينه وبين مكة دون ذلك وهم أهل قرن وذات . . . . . . . . .

فصل
وهل لحاضري المسجد الحرام أن يتمتعوا . . . . . .
قال ابن أبي موسى لا يجوز التمتع لأهل حاضري المسجد الحرام ولا لكل من منزلة دون النصب إلى مكة للاية

مسألة وفدية الجماع بدنة فإن لم يجد فصيام كصيام التمتع وكذلك الحكم في البدنة الواجبة بالمباشرة ودم الفوات . . . .
مسألة والمحصر يلزمه دم فإن لم يجد فصيام عشرة أيام
وجملة ذلك أن المحرم بالحج إذا صده عدو عن البيت ولم يكن له طريق اخر يذهب فيه أو صد عن دخول الحرم فإنه يجوز له التحلل ويرجع لقوله

تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي وللتحلل لا يكون إلا بنية الإحلال والخروج من الإحرام فلو حلق أو ذبح أو فعل شيئا من المحظورات غير نا وللتحلل لم يصر حلالا بخلاف ما لو فعل ذلك بعد إتمام النسك لأنه إذا تم نسكه صار حلالا بالشرع حتى لو نوى دوام الاحرام لم يصح كالصيام إذا غربت الشمس والمصلى إذا سلم
وإذا لم يتم فهو مخير بين الاتمام والاحلال كالمريض الصائم والمصلى الذي يجوز له قطع الصلاة لا يخرج من العبادة إلا بما ينافيها من النية ونحوها لكن المحرم لا يفسد احرامه إلا بالوطء ولا بد من
وليس له أن يتحلل حتى ينحر هديا إن أمكنه لأن الله يقول وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما أستيسر من الهدي فأمر بإتمام الحج والعمرة وجعل ما استيسر من الهدي في حق المحصر قائما مقام الإتمام
وهذا يدل على وجوب الهدي من وجوه أحدها أن التقدير فإن أحصرتم فعليكم ما استيسر من الهدي أو ففرضكم ما استيسر فهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف ترك ذكر المحذوف لدلالة سياق الكلام عليه كما قال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وكما قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أوخر
الثاني أنه أمر بالإتمام وجعل الهدي في حق المحصر قائما مقام الإتمام والإتمام واجب فما قام مقامه يكون واجبا ولهذا لا يجوز له التحلل حتى ينحر

الهدي لأنه بدل عن تمام النسك ولا يجوز له التحلل حتى يتم النسك
الثالث أن قوله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي كقوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى وذلك أن الاحصار المطلق هو الذي يتعذر معه الوصول إلى البيت وهذا يوجب الهدي لا محالة
الرابع أنه قال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله وهذا عام فإن أراد التحلل قبل النحر لم يكن له ذلك حتى لو رفض إحرامه وفعل شيئا من المحظورات فهو باق على إحرامه
قال أصحابنا فإن تحلل قبل الهدي فعليه دم لأجل إحلاله
وقال أبو الخطاب وإن نوى التحلل قبل الهدي والصيام ورفض الاحرام لزمه دم وهو على إحرامه ومعناه إذا كان الرفض بالحلق ونحوه فأما إن تعددت المحظورات
وإذا نحر الهدي صار حلالا بمجرد ذلك مع نية الإحلال في إحدى الروايتين إختارها القاضي وهذا ينبني على أن الحلاق ليس بواجب على المحرم المتم فعلى المحصر أولى وينبني أيضا على أن الحلق

قال القاضي فعلى هذا يحل من احرامه بأدنى ما يحظره الاحرام من طيب أو غيره والأشبه أنه لا يحتاج إلى ذلك بل بنفس الذبح
والرواية الثانية عليه أن يحلق رأسه لأن الحلاق واجب ولأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه حلقوا رؤسهم في عمرة الحديبية
فصل
وينحر الهدى في موضع حصره حيث كان من حل أو حرم هذا هو المنصوص عن في مواضع وعليه أكثر أصحابه
وقال أبو بكر إن أمكنه أن يبعث بالهدى حتى ينحر بمكة في الموضع بعث به وإلا حل يوم النحر
قال ابن أبي موسى قال بعض أصحابنا لا ينحر هدى الاحصار إلا بالحرم

لقوله هديا بلغ الكعبة وقوله ثم محلها إلى البيت العتيق لأن الله قال فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ثم قال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله والهدى المطلق إنما هو ما أهدى إلى الحرم بخلاف النسك ثم انه قال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله وهدى المحصر داخل في هذا لا سيما وقد تقدم ذكره
ومحل الهدى الحرم لقوله سبحانه ثم محلها إلى البيت العتيق
ولأنه لو كان محله موضع الحصر لكان قد بلغ محله ومن قال هذا زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما نحر بالحرم وأن طرف الحديبية من الحرم
ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه لما صدهم المشركون عن العمرة زمن الحديبية نحروا وحلقوا بالحديبية عند الشجرة وهي من الحل

ولأن الحل موضع للتحلل في حق المحصر فيكون موضعا للنحر كالحرم وهذا لأن محل شعائر الله إلى البيت العتيق من الأعمال والهدى فمتى طاف المحرم بالبيت فقد شرع في التحلل ومتى وصلت الهديا إلى الحرم فقد بلغت محلها وهذا عند القدرة والاختيار
فأما في موضع العجز فقد جوز الله للمحصر أن يحل من احرامه بالحل وصار محلا له فكذلك يصير محلا لهديه ولا يقال الهدى قد يمكن ارسالها
وأما قوله ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فإن محله المكان الذي
يحل فيه وهذا في حال الاختيار هو الحرم كما قال والهدى معكوفا أن يبلغ محله فأما حال الاضطرار فإنه قد حل ذبحه للمحصر حيث لا يحل لغيره
وأما وقت الذبح والاحلال ففيه روايتان إحداهما أنه يذبحه وقت الاحصار ويحل عقيبة نقلها الميموني وأبو طالب وابن منصور وهذه

اختيار أصحابنا
والثانية لا يذبح ويحل إلى يوم النحر وهي اختيار أبي بكر قال في رواية أبي الحارث فيمن أحصر بعدو أقام حتى يعلم أن الحج قد فاته فإذا فاته الحج نحر الهدى وإن كان معه في موضعه ورجع إلى أهله وعليه الحج من قابل وإن كان إحصاره مرض لم يحل من احرامه حتى يطوف بالبيت
وقال في رواية ابن منصور في محرم أحصر بحج ومعه هدى قد ساقه لا ينحر إلى يوم النحر فقيل له قد يئس من الوصول إلى البيت فقال وإن يئس كيف ينحر قبل يوم النحر ولا يحل إلى يوم النحر فإن لم يكن معه هدي صام عشرة أيام
وذلك لقوله ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله والمحل اسم للمكان وللوقت الذي يحل فيه ذبحه ولهذا القول مأخذان ذكرهما أحمد أحدهما أن المحرم بالحج لا يحل إلى يوم النحر فإذا كان قد صد عن الوقوف والطواف فهو لم يصد عن الاحرام فيجب أن يأتي بما أمكنه وهو بقاؤه محرما إلى يوم النحر فحينئذ يتيقن فوت الحج فيتحلل بالهدى كما يتحلل المفوت المخل بعمرة وإلى هذا أشار في رواية أبي الحارث
الثاني أن الهدى المسوق لا يجوز نحره إلا في الحرم يوم النحر فإذا لم

يمكن ايصاله إلى الحرم وجب أن يبقى إلى يوم النحر فإنه وقت ذبحه كدم التمتع والقران وكذلك غير المسوق فإن دم الاحصار يستفيد به التحلل كدم التمتع والقران فيجب أن يؤخر ذبحه إلى يوم النحر
ووجه الأول أن الله قال فما استيسر من الهدي وهذا مطلق ومحله هو ما يحل ذبحه فيه من مكان وزمان والشأن فيه أن هذا ان سلم أن الوقت محل فقد قيل إن المحل هو المكان خاصة لأن الله جعل المحل في الحج والعمرة وهدى العمرة لا وقت له يختص به
وأيضا لو لم يجز التحلل إلى يوم النحر لكان بمنزلة من فاته الحج والمفوت لا يتحلل إلا بالعمرة كالمحصر بمرض يبين ذلك أنه إذا فات الحج يبقى كالمحرم بعمرة والعمرة ليس لها وقت تفوت فيه فينبغي أن يبقى محرما إلى أن يصل كالمحصر بمرض ولكان ينبغي أن لا يجوز التحلل للمحرم إلا بعمرة إذ ليس لاحرامه غاية في الزمان
وأيضا فإن هدى المحصر ليس بنسك محض وإنما هو دم جبران لما يستبيحه من المحظورات ويتركه من الواجبات ولهذا لا يأكل منه شيئا فلم ينفذ بوقت كفدية الأذى وترك الواجب وعكسه دم المتعة

فصل
وأما قوله فإن لم يجد فصيام عشرة أيام فقد نص أحمد على ذلك في غير موضع قال في رواية الأثرم وابن منصور إذا أحرم بالحج ثم أحصر وقد ساق معه هديا فلا يحل إلى يوم النحر ولا ينحر إلى يوم النحر وإن لم

يكن معه هدى صام عشرة أيام قبل أن يحل وليس هذا بمنزلة القارن والمتمتع القارن والمتمتع يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وهذا يصومهن كلهن قبل أن يحل
وقال في رواية أبي الحارث إذا لم يكن مع المحصر هدي يصوم عشرة أيام قبل يوم النحر وإذا كان يوم النحر حل فإن كان احرامه بعمرة يصوم عشرة أيام ثم يحل
ولا يختلف المذهب أن المحصر يصوم عشرة أيام إذا لم يجد الهدى واختلف أصحابنا في وقت صومهن وأكثرهم أنه يصومها قبل التحلل كالهدى ولا يتحلل حتى يصومها كالمنصوص
وقال أبو بكر في التنبيه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ولا يصوم العشرة أيام في وقت واحد لأن هدى المحصر كهدي المتمتع لأن سببها التمتع فالصوم بالاحلال عنه كالصوم عن التمتع ويؤيد ذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لما صدو
ووجه الأول أن هذا الصائم قائم مقام تمام الحج والعمرة فلا بد من فعله قبل الحل كالهدي بخلاف صوم التمتع وهدية فإنه إنما يهدي بعد انقضاء عمرته وحجه فكان قياس الصوم يفعله بعد ذلك وإنما قدمت الثلاثة لأنها

مأمور بها في الحج
فعلى هذا إن قلنا يتحلل بذبح الهدى قبل النحر فتحلله بالصوم قبله أولى
وإن قلنا لا يتحلل بالهدى إلى يوم النحر ففي الصوم روايتان منصوصتان احداهما لا يتحلل به إلى يوم النحر فيصوم العشرة الأيام قبل يوم النحر متى شاء من حين الحصر ولا يحل إلى يوم النحر نقلها أبو الحارث بناء على أن المحصر لا يحل إلى يوم النحر كالمطلق ليستديم الاحرام وليدخل وقت الفوات
والثانية يصوم ويتحلل قبل النحر نقلها الأثرم وابن منصور عنه مفرقا بين الهدي والصيام لأن الهدى لنحره وقت يختص به فتأخر حله لأجله بخلاف الصوم فإنه لا وقت له وهاتان الروايتان مفرعتان على المأخذين المتقدم ذكرهما
فصل
وإذا أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة فهو محصر عند أصحابنا قال أحمد في المحصر عن مكة فيه اختلاف فإن حصر بعدو ينحر الهدى ويحل كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم

فصل
والمحصر في العمرة كالمحصر في الحج سواء نص عليه وعليه جمهور
أصحابه إلا أنه لا يتأخر التحلل هنا قولا واحدا والأصل فيه الاية وقصة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه عام الحديبية مع المشركين فإنها سبب نزول الاية باجماع أهل التفسير وهي السنة الماضية في المحصر
وقال ابن أبي موسى إن كان المحصر معتمرا أقام على احرامه حتى يصل إلى البيت إذ لا وقت لها يفوت

فصل قال القاضي وابن عقيل وأبو محمد وغيرهما من أصحابنا إذا كان للمحصر طريق لزمه قصدها سواء قربت أو بعدت وسواء كانت برا أو بحرا وسواء رجى الادراك أو خشى الفوات وإن خلى عن طريقه قبل التحلل لزمه السعي وإن خشى الفوات ولو لم يخل عنه حتى فات الحج ولم يتحلل فحكمه حكم الفوات فإن خلى عن طريقة بعد ذلك لزمه السعي والتحلل بعمرة الفوات وقضاها إذا قلنا يقضى من فاته الحج وإن استمر الإحصار بعد الفوات فله التحلل من هذه الفائتة وعليه دمان دم الاحصار ودم الفوات والقضاء على المشهور من الروايتين
والمنصوص عن أحمد أنه إذا بقى محرما محصرا حتى فاته الحج فله التحلل وليس عليه إلا دم واحد دم الاحصار وعنده في احدى الروايتين يجب على المحصر تأخير الاحلال حتى يفوته الحج
وفي الرواية الأخرى لم يمنعه من ذلك وكذلك ذكر القاضي في خلافه وقال حرمه الاحرام قبل الفوات أعظم منه بعد الفوات فإذا كان له التحلل قبل الفوات بالدم فأولى أن يكون له بعد

فصل قال أصحابنا القاضي وابن عقيل وغيرهما إن كان العدو الصاد مسلما
فصل
ولا يجب قضاء النسك الذي أحصر عنه في إحدى الروايتين فإن كان واجبا قبل الاحرام كحجة الاسلام والنذر والقضاء فعله بالوجوب السابق وسواء كان عليه نذر حج مطلق أو نذر الحج ذلك العام
قال في رواية ابن القاسم ولا يعيد من أحصر بعدو حجا ولا عمرة إلا أن يكون رجلا لم يحج قط وكذلك نقل أبو طالب والميموني
والثانية عليه القضاء كما تقدم عن أبي الحارث ونقل أبو طالب

في موضع اخر إن كان معه هدى نحره وإلا فلا ينحر وعليه الحج من قابل كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم حين منع بالحديبية
وقوله وإلا فلا ينحر يحتمل أنه إذا أوجب عليه القضاء لم يوجب عليه الهدي في عام الاحصار ويحتمل أن عليه الصيام ويحتمل أن لا شيء على العادم بحال وإذا قضى حجة الاسلام أو غيرها لم يلزمه عمرة معها على ما ذكره أحمد في قوله بقضاء التطوع وهو قول القاضي في خلافه وكثير من أصحابنا
وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول أنا إذا قلنا يجب قضاء التطوع فعليه عمرة لأن المحصر قد فوت الحج ومن فوت الحج فعليه أن يحل بعمرة فيلزمه قضاء هذه العمرة كما لزمه قضاء الحج وظاهر المذهب أنه لا يلزمه عمرة وإن أوجبنا قضاء التطوع لأن هدى المحصر قام مقام بقية الأفعال كما قامت عمرة المفوت وعلى أنه ليس بمفوت ان خرج من احرامه قبل الفوات وإن خرج بعد الفوات فقد تقدم فإن قلنا يجب القضاء فلقول الله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فبين الله أن الشهر الحرام الذي قضوا فيه العمرة بالشهر الحرام الذي احصروا فيه
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه و سلم قضى العمرة من العام القابل وسميت عمرة القضاء

وإن قلنا لا يجب وهو المنصور عند أصحابنا فلأن الذين أحصروا في عمرة الحديبية كانوا أكثر من أربع عشرة مائة فلم يأمر النبي صلى الله عليه و سلم واحدا منهم بالقضاء في العام المقبل ولم يعتمر إلا نفر قليل وقد مات منهم قبل ذلك ناس
مسألة ومن كرر محظورا من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة إلا أن يكون قد كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة وإن فعل محظورا من أجناس فلكل واحد كفارة
في هذا الكلام فصول
أحدها أنه إذا كرر محظورا من جنس واحد غير قتل الصيد مثل أن يلبس أو يخلع ثم يلبس أو يتطيب ثم يتطيب في وقت اخر أو يجامع ثم يجامع أو يحلق ثم يحلق ثم يحلق أو يقلم ثم يقلم فعليه كفارة واحدة ما لم يكن كفر عن الأول في أشهر الروايتين
قال في رواية ابن القاسم وقد حكى له قول بعضهم إذا وجبت عليه كفارة في لباس أو طيب ونحو ذلك ثم كفر ثم عاد بمثله فعليه

الكفارة وإن لم يكفر حتى عاد فليس عليه إلا كفارة واحدة فقال هو هكذا إذا لم يكفر فليس عليه إلا كفارة وقال في رواية ابن منصور فيمن وقع بأربع نسوة وهو محرم في يوم واحد أو أيام متفرقة فسد حجه وعليه كفارة واحدة ما لم يكفر
والرواية الثانية إن كان السبب مختلفا مثل مرض ثم مرض ثم حر ثم برد فعليه كفارات قال في رواية الأثرم في محرم أعتل فلبس جبة ثم برا ثم اعتل فلبس جبة يكفر كفارتين فإن اعتل علة واحدة فلبس عمامة واحتاج في علته في الغد إلى جبة وبعد غد قميص فإذا كانت علة واحدة وكان شيئا متقاربا فكفارة وإن تداوى بأدوية دواء بعد دواء فحكمه حكم اللباس
ومعنى قوله وإن كان متقاربا أي فعل أشياء من المحظورات متقاربة المقصود حتى يكون جنسا واحدا مثل العمامة والجبة والقميص لأن كل واحد من هذه الأفعال موجب للكفارة بنفسه فلم تدخل كفارته في غيره كما لو كفر عن الأول لكن إذا كان السبب واحدا فالفدية تبيح له ما اقتضاه ذلك السبب ولهذا يجوز تقديمها على فعل المحظور فلا يصير شيء من تلك الأمور محظورا في حقه فلا يحتاج إلى فدية ثانية بخلاف ما إذا تعدد السبب أو فعل المحظورات عامدا
فعلى هذه الرواية إذا لبس للبرد في طرفي النهار وبالليل فإنه يخلع وقت الحر وكذلك إن لبس للحر وسط النهار فإنه يخلع وقت البرد ويكون سببا واحدا لأنه شيء واحد له أوقات معلومة فأشبه المريض مرضا واحدا إذا لم يبرأ

ولكن يحتاج إلى اللباس في أوقات الحمى ونحو ذلك
وعلى هذه الرواية أيضا إذا فعل ذلك دفعة واحدة مثل أن يلبس ويتعمم ويحتذى أو حلق رأسه كله لم يلزمه إلا كفارة واحدة أيضا
والثالثة لكل واحد كفارة مطلقا قال في رواية ابن منصور وقد سئل عن محرم مس طيبا ولبس ثوبا وحلق رأسه ولبس الخفين وما أشبه ذلك مما لا ينبغي له أن يفعل قال عليه كفارة واحدة وإن فعل ذلك واحدا بعد واحد فعليه دم لكل واحد فقد سوى بين الجنس والجنسين لأن الثوب والخف من جنس واحد
والأول أصح لأنها أفعال من جنس واحد لا تتفاوت كفاراتها بكثرتها فتداخلت كما لو فعلها متصلة وذلك لأن الاتصال والانفصال لا يغير موجب الشيء ومقتضاه بدليل قتل الصيد وقتل النفوس ونحو ذلك لما كانت متباينة استوى فيها الاتصال والإنفصال فلما كانت هذه الأفعال متداخلة عند الاتصال وجب أن تكون متداخلة عند الانفصال
وأيضا فإن الكفارات كالحدود تشرع زاجرة وماحية فإن الحدود كفارات لأهلها والكفارات حدود عن المحظورات فوجب أن تتداخل كالحدود
وإن كان قد كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة ثانية هكذا أطلق أصحابنا

وهذا ينبغي إذا لم يدل الثاني في كفارة الأول فإن من أصلنا أنه يجوز تقديم الكفارة على الفعل إذا أبيح فلو مرض فاحتاج إلى اللبس أو الطيب فافتدى لذلك ثم لبس بعد ذلك مرات أو تطيب مرات لم يلزمه كفارة ثانية بلا تردد لأن الفدية أباحت اللبس الثاني كما أباحت اللبس الأول ولا فرق بينهما ولهذا أطلق أحمد القول بوجوب كفارة واحدة إذا لبس مرات لعلة واحدة ولم يفرق بين أن يكفر أو لا يكفر اللهم إلا ينوي أنه يستبيح اللبس مرة واحدة
ولو كفر ثم استدام المحظور فعليه كفارة ثانية كما لو ابتدأه على ما ذكره في رواية ابن منصور فيمن لبس قميصا عشرة أيام ناسيا عليه كفارة واحدة ما لم يكفر
وهذا إذا لم يكن لعذر

الفصل الثاني
أن الصيد تتعدد كفارته بتعدد قتله فكلما قتل فعليه جزاؤه سواء جزى الأول أو لم يجز هذا أشهر الروايتين عن أبي عبد الله رواها ابن القاسم وسندي وحنبل في موضع
قال في رواية ابن القاسم وإذا قتل المحرم الصيد فحكم عليه ثم عاد فقتل فإنه يحكم عليه كما عاد والذين قالوا إن عاد لم يحكم عليه

إنما ذهبوا إلى التأويل فيه والأمر على الحكم الأول عليه كفارة
وقد روي عن عمر بن الخطاب وغيره أنهم حكموا في الخطأ وفيمن قتل ولم يسألوه هل كان قتل قبل هذا أم لا وإنما وجب عليه لتعظيم الاحرام مكانه والكفارة تجب على المحرم إذا قتل الصيد عمدا أو خطأ في الوجهين جميعا وقد روى عن عمر وغيره أنهم حكموا في الخطأ
وروى حنبل عنه أنه إذا لم يكفر عن الأول فكفارة واحدة كسائر المحظورات وهذا ينبغي أن يكون فيما جزاؤه واحد فأما إذا اختلف الجزاء هكذا ذكرها القاضي وغيره في موضع ولفظهما في موضع آخر لا جزاء عليه ينتقم الله منه وهذا يقتضي أنه لا يكفر عن الصيد إلا مرة واحدة فإن قتله ثانيا لم يحكم عليه سواء كفر عن الأول أو لم يكفر وهو الصواب في هذه الرواية
ومن أصحابنا من يجعلها على ثلاث روايات وهذا إنما يكون في العمد

فأما الخطأ
وهل يفرق بين احرام أو احرامين لأن الله قال فجزاء مثل ما قتل من النعم إلى قوله ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم منه والله عزيز ذو انتقام فتوعد العائد إلى قتله بالانتقام ولم يذكر شيئا اخر كما ذكره في البادىء بل فرق بينهما فجعل على البادىء الجزاء وعلى العائد الانتقام
ولأنه جعل الجزاء ليذوق القاتل وبال أمره بقتل الصيد وذلك باخراج الجزاء ثم جعل العائد ينتقم الله منه وإنما ذاك بعذاب ينزله الله به لا يكون له فيه فعل والجزاء هو يخرجه
وأيضا فإنه جعل الطعام كفارة للقتل ومن ينتقم منه لم يكفر ذنبه ويؤيد ذلك ما روى عكرمة عن ابن عباس قال إذا أصاب المحرم الصيد ثم عاد قيل له اذهب فينتقم الله منك رواه النجار

وقال ابن أبي عروبة في المناسك عن قتادة إن أصاب الصيد مرارا خطأ حكم عليه وإن أصابه متعمدا حكم عليه مرة واحدة ومن عاد فينتقم الله منه قال ذكر لنا أن رجلا عاد في عمد فبعث الله عليه نارا فأكلته
وأيضا فإنه إذا تكرر منه القتل فقد تغلظ الذنب ولحق بالكبائر الغليظة وتلك لا كفارة فيها كقتل العمد والزنا واليمين والغموس ونحو ذلك بخلاف أول مرة فإنه قد يعذر
ووجه الأول أن الله قال لا تقتلوا الصيد وهذا نهى عن قتله في كل مرة ثم قال ومن قتله منكم متعمدا وهذا يعم جميع الصيد وجميع القتلات على سبيل الجمع والبدل كما يعم جميع القاتلين كما عم قوله ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ويوجب أيضا تكرر الجزاء بتكرر شرطه كما في قوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه وكما في قوله إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا هذا هو المعهود في خطاب الشرع وإن لم يحمل خطاب الناس على ذلك على أن

الشرط في خطاب الناس إذا تعلق بمحل واحد لم يتكرر بتكرره في ذلك المحل كقوله من دخل داري فله درهم وإن تعلق بمحال تكرر بتكرر في تلك المحال كما لو قال من دخل دروى فله بكل دخول درهم وهنا محل القتل هو الصيد وهو متعدد
وأيضا فإنه أوجب في المقتول مثله من النعم وذلك يقتضي أنه إذا قتل كثيرا وجب كثير من النعم
وأيضا فإن جزاء الصيد بدل متلف متعدد بتعدد مبدله كدية الادمى وكفارته
وأيضا فإن الجزاء شرع جابرا لما فوت وما حيا لما ارتكب وزاجرا عن الذنب وهذا يوجب تكرره بتكرر سببه كسائر المكفرات من الظهار والقتل والايمان ومحظورات الاحرام وغير ذلك
وأما الاية فقد قال فينتقم الله منه وهذا كقوله وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف عفا الله عما سلف في الجاهلية ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وقوله ولا تنكحوا ما نكح اباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ويوضح ذلك أن قوله عفا الله عما سلف

اخبار عن عفوه عما مضى حين نزول الاية قبل أن يقتل أحد صيدا يحكم عليه فيه وما ذاك الا ما قتلوه قبل الاية
وأيضا فإن العفو يقتضي عدم المؤاخذة واللوم ولو كان العفو عما يقتله في الإسلام لما أوجب عليه الجزاء
وأيضا فإن قتل الصيد خطيئة عظيمة ومثل هذه لا يقع العفو عنها عموما فإن العفو عنها عموما يقتضي أن لا تكون ذنبا ألا ترى أن السيئات لما كفرهن الله كان ذلك مشروطا باجتناب الكبائر فإن العفو عن الشيء والنهي عنه لا يجتمعان ووجوب الجزاء بقتل الصيد متعمدا لا يقتضي رفع الماثم بل هو فاسق بذلك إلا أن يتوب
وقوله ومن عاد فينتقم الله منه يوجب توعد قاتل الصيد بالانتقام منه وذلك لا يمنع وجوب الجزاء عليه كما قال ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ولم يمنع ذلك وجوب الدية والقود وقوله والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله في المحاربين ذلك لهم خزي

في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم ولم يمنع ذلك وجوب رد المسروق إن كان باقيا وقيمته إن كان تالفا وقوله الزانية والزاني فاجلدوا لم يمنع ذلك وجوب رجم ونفى
وهذا كثير قد يذكر الله وعيد الذنوب في موضع ويذكر جزاءها في الدنيا في موضع اخر ثم يقال من جملة الانتقام وجوب الجزاء عليه كما قال ليذوق وبال أمره فيكون قد عفا عما سلف قبل نزول الاية فلا عقاب فيه ولا جزاء ومن عاد بعدها فينتقم الله منه بالعقوبة والجزاء

الفصل الثالث
إذا فعل محظورات من أجناس مثل أن يلبس ويتطيب ويحلق فعنه عليه بكل جنس كفارة سواء فعلها في مرات لسبب أو أسباب
قال ابن منصور قلت قال سفيان في الطيب كفارة وفي الثياب كفارة وفي الشعر كفارة قال أحمد جيد في كل واحد كفارة
وقال في رواية ابراهيم في محرم مرض في الطريق فحلق رأسه

ولبس ثيابه وأطلى عليه هديان وهذا اختيار
ونقل عنه ابن منصور في محرم مس طيبا ولبس الخفين وما أشبه ذلك مما لا ينبغي له أن يفعل قال عليه كفارة واحدة وإن فعل ذلك واحدا بعد واحد فعليه دم لكل واحد
فقد نص على أنه إذا فعل ذلك في مكان واحد وقت واحد دفعة واحدة لم يلزمه إلا كفارة واحدة وهكذا حرر هذه الرواية ابن أبي موسى والقاضي في المجرد وابن عقيل وغيرهم واختارها ابن أبي موسى قال ولو لبس المحرم ثيابه ومس طيبا ولبس الخفين وحلق شعره وأتى بذلك كله في مكان واحد لزمه كفارة واحدة
وقيل عنه كفارتان إلا أن يفرق ذلك فيلزمه لكل فعل كفارة واحدة قولا واحد وأطلق القاضي في خلافه وأبو الخطاب وغيره القول بأن عنه رواية بالتداخل في الأجناس المختلفة مطلقا وحكى القاضي ذلك عن أبي بكر ولفظ المنصوص يخالف ذلك وذكر في المجرد رواية ثالثة

فصل
وأما صفة الأجناس فإن الطيب كله جنس واحد واللباس كله جنس واحد ويدخل فيه تظليل المحمل وتقليم الأظفار جنس واحد وحلق الشعر جنس واحد والمباشرة كلها جنس واحد يعني إذا اتحد يوجهها هكذا ذكره أصحابنا القاضي وأصحابه ومن بعدهم
ويحتمل كلامه أن يكون الحلق والتقليم جنسا واحدا
وهل شعر الرأس وشعر البدن جنس أو جنسان على روايتين منصوصتين إحداهما هو جنسان وهي اختيار أبي بكر والقاضي وأكثر أصحابنا قال في رواية عبد الله والمروذي وابن ابراهيم وجعفر بن محمد في الرأس كفارة وفي البدن كفارة
والرواية الثانية جنس واحد اختارها أبو الخطاب وغيره قال في رواية ابن منصور في الطيب كفارة وفي الشعر كفارة ولم يفصل

وقال أيضا في رواية سندى شعر الرأس واللحية والإبط سواء لا أعلم أحد فرق بينها إلا أن هذا في وجوب الفدية وليس صريحا بالتداخل
وقال في رواية ابن ابراهيم في محرم مرض في الطريق فحلق رأسه ولبس ثيابه وأطلى عليه هديان
ولو كانا جنسين لأوجب ثلاثة دماء لأن اللباس وحده فيه هدى وذلك لأن حلق الشعر كله يشترك في الاسم الخاص فوجب أن يكون جنسا واحدا كالطيب وتقليم الأظفار
ووجه الأول أن شعر الرأس يخالف شعر البدن فإن النسك يتعلق بأحدهما دون الاخر لاختلاف المقصود ولذلك قد اختلفا في تغطية أحدهما دون الاخر وفي دهن أحدهما دون الآخر وفي غسل أحدهما بالسدر والخطمى دون الآخر
وعلى هذه الرواية فتغطية الرأس ولبس المخيط جنس واحد وكذلك التطيب فيهما في رواية فيمن لبس عمامة وجبة فهو كفارة إذا لم يفرق وقد

تقدم نصه في رواية الأثرم على أنه إذا لبس اليوم عمامة وغدا جبة وبعد غد قميصا لمرض واحد فكفارة واحدة
لكن قد يقال إنما اتحدث الكفارة بناء على أن الجنسين إذا فعلهما مرة واحدة أو لسبب واحد اتحدث كفارتهما لكن المنصوص عنه خلافه
وعنه أن كفارة الرأس لا تدخل في كفارة البدن مطلقا قال في رواية عبد الله والمروذي وابن ابراهيم في الرأس كفارة وفي الجسد كفارة وإذا حلق ولبس العمامة وإذا تنور ولبس القميص ففي الرأس فدية وفي الجسد فدية كفارتان وكذلك في رواية الأثرم
قل ابن أبي موسى اختلف قوله فيمن لبس الثياب وغطى رأسه مكانه على روايتين قال في إحداهما عليه فدية واحدة وقال في الأخرى في لبس الرأس فدية وفي البدن فدية
ولم يختلف قوله إنه إذا فرق لبسه أن عليه لكل لبسة كفارة ويخلع ما لبسه فإن لبس وكفر ثم عاد فلبس فكفارة ثانية وكذلك من وجبت عليه كفارة من طيب أو غيره فكفر ثم عاد إلى مثل ذلك فعليه كفارة أخرى فإن لم يكفر حتى عاود إلى مثل ذلك الفعل فليس عليه إلا كفارة واحدة
وهذا صريح من ابن أبي موسى أن تغطية الرأس ولبس المخيط جنسان رواية واحدة وإنما اختلفت الروايتان إذا فعلهما في مجلس واحد

ثم قال ولو وجدت به علة احتاج معها إلى لبس المخيط لبس وكفر كفارة واحدة وسواء كانت العلة في رأسه وبدنه أو في احداهما
فإن حدث به علتان مختلفان إحداهما في رأسه والأخرى في بدنه فلبس ثوبا لأجل العلة وغطى رأسه لأجل الأخرى فكفارتان
قال أبو بكر الذي أقول به في الرأس كفارة وفي البدن كفارة فأين ما صنع في جسده من فعل تكرر أو اختلف فكفارة واحدة ما لم يكفر ثم يعود فإذا كان في الرأس والجسد ولم يتكرر فكفارة في الرأس وكفارة في الجسد
وعلى هذا القول فالتعدد لتعدد المحل والاتحاد لاتحاده فكل ما يصنع في الرأس من تغطية وحلق وغيره ففيه كفارة واحدة وما يصنع في البدن ففيه كفارة لأن أحكام الرأس في الحلق واللباس والطيب خالفت أحكام البدن فوجب أن لا يدخل أحدهما في الاخر فصار كالشخصين
وأما دخول بعض أفعال الرأس في بعض فهو مبنى على تداخل الأجناس وإنما اختار أبو بكر التداخل لأن من أصله أن الأجناس تتداخل كفارتها وأما الدهن إذا أوجبنا به الكفارة أو ازالة الوسخ مثل السدر والخطمى والرأس والبدن أو التنزين
مسألة والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوى عمده وسهوه وسائر المحظورات لا شيء في سهوه
في هذه المسألة فصول

أحدها أن المحظور الذي يمكن تداركه وازالته عند الذكر مثل اللباس والطيب إذا فعله ناسيا لإحرامه أو جاهلا بأنه حرام فإذا ذكر أو علم فعليه أن يزيله في الحال ولا كفارة عليه في احدى الروايتين
قال في رواية أبي طالب إذا وطىء يعنى ناسيا بطل حجه وإذا قتل صيدا وحلق شعره لم يقدر على رده فهذه الثلاثة العمد والنسيان سواء وكل شيء من النسيان بعد الثلاثة فهو يقدر على رده مثل إذا غطى رأسه ثم ذكر ألقاها عن رأسه وليس عليه شيء أو لبس ثوبا أو خفا وليس عليه شيء
وقال في رواية ابن القاسم إن تعمد التغطية وجب عليه والناسي يفزع إلى التلبية ونحوه نقل حرب وهذا اختيار الخرقى وأبى بكر وأكثر متقدمي أصحابنا وهو اختيار الشيخ

والرواية الثانية عليه الكفارة قال في رواية ابن منصور فيمن لبس قميصا ناسيا عشرة أيام عليه كفارة واحدة ما لم يكفر وهذه الرواية اختارها القاضي وأكثر أصحابه مثل الشريف وابن عقيل وأبي الخطاب وغيرهم لأن ذلك محظور من محظورات الاحرام فاستوى فيه العامد والساهي في وجوب الفدية كالحلق وقتل الصيد والوطء لأنه سبب يوجب الفدية فاستوى فيه العالم والجاهل كترك واجبات الحج
ولأن ما يحظره الاحرام لا فرق فيه بين العامد والمخطىء كتفويت الحج ولأن النسيان والجهل إنما هو عذر في فعل المحظور ومحظورات الاحرام إذا فعلها لعذر أو غير عذر فعليه الجزاء
ووجه الأولى ما روى يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه و سلم جاءه رجل متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تضمخ بطيب فنظر إليه النبي صلى الله عليه و سلم فجاءه الوحى ثم سرى عنه فقال أين الذي سألني عن العمرة انفا فالتمس الرجل فجيء به فقال أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في العمرة كما تصنع في حجك متفق عليه فقد أمره النبي صلى الله عليه و سلم بنزع المخيط ولم يأمر بفدية لما مضى لأنه كان جاهلا وكذلك لم يأمره بفدية لأجل الطيب إن كان النهي عنه لأجل الإحرام
فإن قيل التحريم إنما ثبت في ذلك الوقت لأن النبي صلى الله عليه و سلم انتظر الوحى حين سئل

وأيضا فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال للذي أكل ناسيا الله أطعمك وسقاك فعلم أن فعل الناسى مضاف إلى الله فلا يؤثر في العبادة ومثله يقال للكاسى الله كساك بل منافاة الأكل للصوم أشد من منافاة اللبس للاحرام
وأيضا فإن الأصل فيما كان من باب المنهى عنه أن لا يؤثر فعله مع النسيان في حقوق الله لأن المسلمين لما قالوا ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال الله قد فعلت وقال النبي صلى الله عليه و سلم عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان بخلاف حقوق الأدميين فإنهم لم يعفوا عن حقوقهم
وأما الفرق بين اللباس والحلق فسيأتي

الفصل الثاني
أنه إذا قتل الصيد ناسيا أو جاهلا فعليه الكفارة كما على العامد هذا أشهر الروايتين عنه نقلها صالح وعبد الله وحنبل والأثرم وأبو طالب وابن القاسم
وروى عنه صالح أيضا لا كفارة في الخطأ والناسى والجاهل

بالتحريم وذلك لأن الله سبحانه قال لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم الاية إلى اخرها وهذا يدل على أنه لا جزاء في الخطأ من وجوه أحدها أن الله نهى المحرم عن قتل الصيد والناسي والمخطىء غير مكلف فلا يكون منهيا وإذا لم يكن منهيا لم يكن عليه جزاء لأن القتل المضمون هو القتل المنهى عنه كما دل عليه سياق الاية
الثاني أنه قال ومن قتله منكم متعدا فجزاء مثل ما قتل من النعم فقد نص على وجوب الجزاء على المتعمد فيبقى المخطىء بريء الذمة فلا يجوز أن يوجب عليه الشيء لبراءة ذمته
الثالث أنه خص المتعمد بايجاب الجزاء بعد أن تقدم ذكر القتل الذي يعم المتعمد وغيره ومتى ذكرت الصفة الخاصة بعد الاسم العام كان تخصيصها بالذكر دليلا قويا على اختصاصها بالحكم أبلغ من لو ذكرت الصفة مبتدأة إذ لو لم يختص بالحكم كان ذكر المتعمد زيادة في اللفظ ونقصا في المعنى ومثل هذا يعد عيا في الخطاب وهذا المفهوم لا يكاد ينكره من له أدنى ذوق بمعرفة الخطاب
الرابع أن المتعمد اسم مشتق من العمد مناسب كان ما منه الاشتقاق علة الحكم فيكون وجوب الجزاء لأجل التعمد فإذا زال التعمد زال وجوب الجزاء لزوال علته
الخامس أنه أوجب الجزاء ليذوق وبال أمره والمخطىء ليس عليه وبال فلا يحتاج إلى ايجاب الجزاء
وأيضا فضمان الصيد ليس حقا لادمى وإنما هو حق لله وما حرمه الله إذا

فعله ناسيا أو مخطئا لا مؤاخذة عليه ولا جزاء
فعلى هذه الرواية لو تعمد رميه بآلة تقتل غاليا ولم يقصد قتله فهو متعمد أيضا لأنه فعل مالا يحل له وهو مؤاخذ بذلك ويحتمل كلامه أنه ليس بعمد
ولو قتل صبى أو مجنون صيدا في الحرم أو قتله الصبي وهو محرم
ووجه الأول عن ابن جريج قلت لعطاء لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا قلت له فمن قتله خطأ أيغرم وإنما جعل الغرم على من قتله متعمدا قال نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن ولئلا يدخل الناس في ذلك فإنه لو لم يجعل على قاتل الصيد حراما خطأ غرم أو شك الذي يقتله عمدا يقول إنما قتلته خطأ قال ولذلك قال ومن قتله منكم متعمدا قال وقال عمرو بن دينار رأيت الناس أجمعين يغرمون في الخطأ
وعن عقيل عن ابن شهاب أنه سئل عن قتل المحرم الصيد خطأ فقال

زعموا أن كفارة ذلك خطأ سنة وكفارة العمد في القرآن رواهن ابن دحيم وغيره
فقد ذكر هؤلاء التابعون مضى السنة والاجماع بالكفارة في الخطأ والسنة إذا أطلقت فإما سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أو سنة خلفائه الراشدين وبكل حال فذلك حجة يجب اتباعه
والمرسل إذا ارسل من وجوه مختلفة صار حجة وفاقا
وقد روى جابر عن الحكم أن عمر كتب إلى أهل الأمصار أن قتل الصيد العمد والخطأ سواء رواه دحيم والنجاد ولفظه أن عمر كتب أحكم

عليه في الخطأ والعمد قال أحمد قد روى عن عمر وغيره أنهم حكموا في الخطأ
وعن ابن مسعود في رجل القى جوالق على ظبي فأمر بالجزاء رواه أحمد قال هذا لا يكون عمدا إلا أن هذا شبه عمد إلا أنه لا يتعمده
وعن أبي طلحة عن ابن عباس قوله لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم قال إن قتله متعمدا أو ناسيا حكم عليه فإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة إلا أن يغفر الله تبارك وتعالى رواه جماعة
وأيضا فان الله سبحانه أوجب في قتل المعصوم خطأ دية وكفارة والدية حق لورثته والكفارة حق لله ولم يسقط ذلك بكونه مخطئا فقتل الصيد خطأ في معنى ذلك سواء لأنه قتل حيوان معصوم مضمون بكفارة وكونه معفوا عنه ولا يؤاخذ بالخطأ لا يمنع وجوب الكفارة كالكفارة في قتل الادمى وذلك لأن المتعمد يستحق الانتقام من الله ويجب عليه الكفارة فالمخطىء قد عفى له عن الانتقام أما الكفارة فلا
وأما تخصيص المتعمد في الاية فلأن الله ذكر وجوب الجزاء ليذوق وبال أمره وأنه عفا عما سلف وأن من عاد انتقم الله منه وهذه الأحكام مجموعها لا تثبت إلا لمتعمد وليس في ذلك ما يمنع ثبوت بعضها في حق المخطىء بل يجب ترتيب هذه الأحكام على ما يقتضيها من تلك الأفعال فالجزاء بدل المقتول والإنتقام عقوبة القاتل وهذا كما قال ومن يرتدد منكم عن دينه وقوله والذين لا يدعون مع الله إلها اخر الايتين وقوله ومن

يشاقق الرسول الاية وقوله ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خلدا فيها الآية وهذا كثير في القران والحديث يرتب الجزاء على أمور ويكون بعضه مرتبا على بعضها منفردا
الفصل الثالث إذا حلق شعرا وقلم ظفرا ناسيا أو مخطئا أو جاهلا فالمنصوص عنه أن فيه الكفارة قال في رواية عبد الله وصالح وحنبل من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع عنه يلزمه لو قتل صيدا ناسيا أو تنور ناسيا وهو محرم لم يكن عليه شيء وقد أوجب الله في قتل الخطأ تحرير رقبة
وقد تقدم نصه في رواية أبي طالب على مثل ذلك وأن قتل الصيد وحلق الشعر والوطء يستوى عمده وخطأؤه وخرج أبو الخطاب وغيره أنه لا شيء عليه كالرواية التي في قتل الصيد وأولى لأن قتل الصيد اتلاف محض بخلاف الحلق والتقليم فإنه يشبه الترفه والاستمتاع
ولأن قتل الصيد ضمان كضمان الأموال فتقدير كفارته بقدره بخلاف الشعر والظفر فإن كفارته ككفارة الطيب واللباس وهذا قول قوى

وأما على المشهور فقد فرق من لم يوجب الكفارة في اللباس والطيب إذا كان خطأ وبين هذا من أصحابنا لوجهين أحدهما أن الحلق والقلم إتلاف والمحظور منه جهة الإتلاف ولهذا لو نتف الشعر أو أحرقه لزمته الفدية وإن لم يكن استمتاع وباب الإتلاف يستوى فيه العامد والمخطىء كإتلاف النفوس والأموال واللباس والطيب إستمتاع والمحظور منه الإستمتاع ولهذا لو أحرق الطيب أو أتلفه لم يلزمه شيء والإستمتاع فعل يفعله المحرم فأعتبر فيه القصد إليه والعلم بتحريمه جريا على قاعدة المحظورات في أن ما كان مقصوده الترك لا يأثم بفعله ناسيا وقياسا على أكل الصائم
وهذا الفرق لا يجي على أصلنا لأن الجماع إستمتاع محض وقد استوى فيه العامد والساهي
والفرق الثاني وهو فرق أحمد أن الحلق والتقليم والقتل والوطء قد فات على وجه لا يمكن تداركه وتلافيه ولا يقدر على رده ولا على إزالة أثره الباقي بعد زواله
وأما اللباس والطيب فإذا ذكر أمكنه نزع الثياب وغسل الطيب فكان ذلك كفا ما فعله الناسي في حال النسيان فعلى مقدمات الوطء والدهن وغسل

الرأس بالخطمى والسدر وكذلك غسل البدن بذلك وإزالة الوسخ يلحق بالوطء وعلى الوجه الأول يلحق بالطيب

فصل
وإن حلق حلال رأس محرم وهو نائم أو أكرهه على ذلك بأن حلقه الحلال ولم يقدر المحرم على الامتناع لضبطه أو تقييده أو توعده إن لم يمكنه فقال ابن أبي موسى هي على وجهين أحدهما الفدية على الحلال دون المحرم
والوجه الاخر الفدية على المحرم ويرجع بها على الحلال
مسألة وكل هدى أو إطعام فهو لمساكين الحرم إلا فدية الأذى يفرقها في الموضع الذي حلق وهدى المحصر ينحره في موضعه وأما الصيام فيجزئه بكل مكان
فيه فصول
أحدها أن الهدي عشرة أنواع أحدها هدي المحصر
والثاني هدى المتمتع
والثالث جزاء الصيد
والرابع فدية الأذى
والخامس ما وجب لترك واجب

والسادس هدى الافساد وما في معناه
والسابع هدي الفوات وما في معناه
والثامن الهدي المنذور في الذمة
والتاسع الهدي المعين واجبا
والعاشر الهدي المعين تطوعا
وهذه كلها لا تذبح إلا بالحرم وكل ما ذبح بالحرم فإنه لا يفرق إلا في الحرم للمساكين الذين به من المسوطنين والمقيمين والواردين وغيرهم حتى لو جاء رجل من أهل الحل أحد في الحرم جاز إلا ما استثنيناه أما هدى التمتع فإنه هدى نسك وإنما يذبح يوم النحر والحاج يوم النحر لا يكون إلا بالحرم ولأن
وأما جزاء الصيد فلقوله هديا بلغ الكعبة

وأما هدى الافساد والفوات
وأما هدي المحصر فيذبح في موضع حصره على الصحيح كما تقدم
وأما فدية الأذى فقد تقدم أمرها لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر كعب بن عجرة أن يحلق رأسه ويهدي في الحل قبل أن يصدوا عن البيت وقد سماه الله نسكا وحديث علي

الفصل الثاني
أن الاطعام الواجب حيث يجب الهدي حكمه حكم ذلك الهدي

كالاطعام في جزاء الصيد والاطعام عن صوم التمتع والاطعام لترك واجب أو فعل محظور

الفصل الثالث
أن الصوم يجزىء بكل مكان حتى صوم الأيام السبعة في التمتع لأنه ليس لأهل الحرم حظ في الصوم عندهم ولأن جنس الصوم في الشرع لم يختص بمكان دون مكان بخلاف الصلاة والذبح والصدقة لكن إذا وجب عليه الصوم فهل يجوز تأخيره
باب دخول مكة
مسألة يستحب أن يدخل مكة من أعلاها
هذا على ظاهر قول أصحابنا مستحب لكل من أراد الدخول إلى مكة سواء أتاها من ناحية التنعيم أو من غيرها
وجملة ذلك أنه يستحب دخول مكة من أعلاها والخروج من أسفلها

وذلك لما روى ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل من الثنية العليا التي بالبطحاء ويخرج من الثنية السفلى رواه الجماعة إلا الترمذي وفي رواية للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي عند البطحاء وخرج من الثنية السفلى
وهذا اشار إلى تكرار دخوله من ذلك الموضع
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها وفي لفظ دخل عام الفتح من كداء التي بأعلا مكة متفق عليه

ولأبي داود دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح من كداء من أعلى مكة ودخل في العمرة من كدى
وفي رواية للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل عام الفتح من كداء وخرج من كدى من أعلى مكة وكذلك روى البخاري عن عروة بن الزبير قال وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ يعني يوم الفتح خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ودخل النبي صلى الله عليه و سلم من كدى
ويشبه أن يكون ذلك والله أعلم لأن الثنية العليا التي تشرف على الأبطح والمقابر إذا دخل منها الانسان فإنه يأتي من وجه البلد والكعبة ويستقبلها استقبالا من غير انحراف بخلاف الذي يدخل من الناحية السفلى فانه يدخل من دبر البلد والكعبة وإنما يخرج من الثنية السفلى لأنه يستدبر الكعبة والبلد فأستحب أن يكون ما يليه منها مؤخرها لئلا يستدبر وجهها وليكون قد دخل من طريق وخرج من أخرى كالذاهب إلى العيد

وفي خروجه صلى الله عليه و سلم عام الفتح من دبرها مع أنه كان يريد حنينا والطائف دليل على أن الانسان يتعمد ذلك وإن لم يكن وجه قصده

فصل
قال أحمد في رواية المروذي فإذا دخلت الحرم فقل اللهم هذا حرمك وأمنك الذي من دخله كان آمنا فأسألك أن تحرم لحمى ودمى على النار اللهم أجرني من عذابك يوم تبعث عبادك
فإذا دخلت مكة فقل اللهم أنت ربي وأنا عبدك والبلد بلدك جئت فارا منك إليك لأؤدي فرائضك متبعا لأمرك راضيا بقضائك أسألك مسألة المضطر إلى رحمتك المشفق من عذابك الخائف من عقوبتك أسألك أن تستقبلني اليوم بعفوك واحفظني برحمتك وتجاوز عني بمغفرتك وأعنى على أداء فرائضك
ويستحب أن يغتسل لدخول مكة
ولا بأس بدخول مكة ليلا نص عليه قال أصحابنا يستحب دخولها

ليلا ويجوز نهارا لأن النبي صلى الله عليه و سلم دخلها في حجة الوداع نهارا وكذلك في عمرة القضية وعام الفتح ودخلها في عمرة الحديبية ليلا
وقد روي عن ابن عباس موقوفا قال كانت الأنبياء تدخل الحرم مشاة حفاة ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك حفاة مشاة رواه ابن ماجة
مسألة ويدخل المسجد من باب بني شيبة اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم
وذلك لما روي عن عبد الله بن عمر قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم

ودخلنا معه من باب بني عبد مناف وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة وخرجنا إلى المدينة من باب الحزورة وهو باب الحناطين رواه الطبراني من طريق عبد الله بن نافع

وذلك لما تقدم في دخول مكة من أعلاها لأن باب بنى شيبة أقرب باب إذا دخله الداخل استقبل وجه الكعبة وهو أبعد باب من هذه الناحية عن الحجر الأسود فيكون ممره في المسجد أولى من ممره خارج المسجد إما إلى ناحية الصفا أو ناحية دار الندوة
ويستحب أن يقول عند دخول المسجد ما يستحب عند سائر المساجد
مسألة فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا
قال أحمد في رواية المروذي إذا رأيت البيت فارفع يديك بباطن كفيك وقل الله أكبر الله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالإسلام اللهم زد بيتك هذا تعظيما وتكريما وايمانا ومهابة
وروي عن سعيد بن المسيب قال سمعت من عمر كلمة لم يبق أحد سمعها غيري حين رأى البيت قال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام وفي لفظ أن عمر بن الخطاب كان إذا نظر إلى البيت

قال اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام رواه سعيد والشافعي وأحمد وغيرهم
وعن حذيفة بن أسيد أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا نظر إلى البيت قال اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة رواه الطبراني في مناسكه

وأما المكان الذي يرى منه البيت فقد كان قديما يرى من موضع يقال له رأس الردم بعد أن يدخل مكة بقليل ويقال كان يرى قبل دخول البلد عند الحجون فهذا كان لأنه لم يكن بمكة بناء أعلى من الكعبة وكانت هذه الأمكنة منخفضة
فأما اليوم فإن البيت لا يرى إلى أن يدخل الرجل المسجد وكذلك في كلام أحمد وأصحابه

مسألة ثم يبتديء بطواف العمرة إن كان متعمرا وبطواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا
وجملة ذلك أن المحرم إذا دخل المسجد فإنه لا يبتديء بشيء قبل الطواف بالبيت هذا هو الذي عليه عامة أصحابنا
وقال ابن عقيل يستحب أن يقدم على الطواف تحية المسجد الحرام إلا أن يكون عليه فائتة فيقدم الفائتة على التحية قال وإنما جعلنا التحية قبل الطواف لأن الدخول إلى المسجد قبل المضي فيبدأ بالأسبق فالأسبق
وهذا الذي قاله ليس بشيء فإن المسجد الحرام تحيته الطواف بالبيت وهي تحية البيت والمسجد
وهذه هي السنة الماضية فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دخل المسجد الحرام هو وأصحابه لم يبدؤا بشيء قبل الطواف بالبيت فروى أبو الأسود أن رجلا من أهل العراق قال له سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج فإذا طاف بالبيت أيحل أم لا فإن قال لك لا يحل فقل له إن رجلا يقول ذلك قال فسألته فقال لا يحل من أهل بالحج الا بالحج فقلت فإن

رجلا كان يقول ذلك فقال بئس ما قال فتصداني الرجل فسألني فحدثته فقال إن رجلا كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد فعل ذلك وما شأن أسماء والزبير فعلا ذلك فذكرت له ذلك فقال من هذا قلت لا أدري قال لما باله لا يأتيني بنفسه يسألني أظنه عراقيا قلت لا أدري قال فإنه قد كذب قد حج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم عمر مثل ذلك ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن عمرة ثم معاوية وعبد الله بن عمر ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لم تكن عمرة ثم اخر من رأيت ابن عمر فعل ذلك ثم لم ينقضها بعمرة وهذا ابن عمر عندهم أفلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا يبدئان بشيء أول من الطواف بالبيت يطوفان به ثم لا يحلان وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط فلما مسحوا الركن حلوا قد كذب فيما ذكر أخرجاه

فصل
وإن كان عليه فائتة ذكرها حين الدخول أو قبل ذلك بدأ بها قبل الطواف لأن قضاءها واجب على الفور حين يذكرها لا كفارة لها إلا ذلك وكذلك إن أدرك مكتوبة في جماعة لأنه يخشى فوت الجماعة ولا يخشى فوات الطواف إلا أن يكون هناك جماعات متعددة
ولم يستثن ابن عقيل إلا الفرض واستثنى القاضي وغيره الفريضة وركعتا الفجر والوتر إذا خاف فوت ذلك قدمه على الطواف وهذا أصح لأن الوتر مؤكد لكن استثناء ركعتي الفجر ليس بمستقيم على أصلنا لأنه إن لم يكن صلى الفجر فإذا خاف فوت سنتها فهو لخوف المكتوبة أشد فيبدأ بالسنة والمكتوبة فلا معنى لتخصيص ركعتي الفجر وإن كان صلى المكتوبة فإن يؤخر قضاء السنة إلى طلوع الشمس وهو أولى من صلاتها قبل طلوعها فلا معنى لخوف فواتها
وأما إذا خاف فوت سنة الظهر أو المغرب بعدها فعلى ما ذكره القاضي يقدم الطواف وقال غيره متى خشى فوت سنة راتبة قدمها على الطواف
فصل
والسنة لكل من دخل المسجد الحرام

مسألة ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على الأيسر
الإضطباع افتعال من الضبع وهو العضد ويسمى اليابطة لأنه يجعل وسط الرداء تحت الإبط ويبدىء ضبعه الأيمن
وقيل يبدىء ضبعاه وأصله اضتباع وإنما قلبت التاء طاء لمجاورة حرف الاستعلاء كما يقال اضطباع واصطياد واضطرار واضطهاد والأصل في ذلك ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم اضطبع فكبر فاستلم وكبر ثم رمل ثلاثة أطواف كانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا من قريش مشوا ثم يطلعون عليهم يرملون تقول قريش كأنهم الغزلان
قال ابن عباس فكانت سنة رواه أبو داود
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر من جعرانة فاضطبعوا وجعلوا أرديتهم تحت اباطهم ووضعوها على عواتقهم ثم رملوا رواه أحمد وفي لفظ له ولأبى داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه

اعتمروا من جعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت اباطهم ثم فذفوها على عواتهم اليسرى
وعن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمي رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا لفظ أحمد ولفظ أبي داود طاف النبي صلى الله عليه و سلم مضطبعا ببرد أخضر ولفظ الترمذي وابن ماجة طاف بالبيت مضطبعا وعليه برد لم يقل ابن ماجة بالبيت
فقد ذكر ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم أول ما أضطبع في عمرة القضاء ليستعينوا بذلك على الرمل ليرى المشركون قوتهم ثم اضطبع في عمرة الجعرانة وقد ذهب المشركون ثم اضطبع في
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال فيم الرملان الان والكشف عن

المناكب وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة
فبين أن العبادة قد تشرع أولا لسبب ثم يزول ذلك ويجعلها الله سبحانه عبادة وقربة كما قد روى في الرمل والاضطباع والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار
وأول ما يضطبع إذا أراد أن يستلم الحجر قبل أن يستلم فيما ذكره كثير من أصحابنا وهو معنى كلام المصنف وهو ظاهر حديث ابن عباس المتقدم
وقال أحمد في رواية المروذي يضطبع بعد أن يستلم الحجر لأن الاضطباع إنما يكون
ويضطبع في جميع الأشواط السبعة فإذا قضى طوافه سوى ثيابه ولم يضطبع في ركعتي الطواف لأن الاضطباع في الصلاة مكروه هكذا قال

القاضي وابن عقيل وغيرهما
وقال أبو بكر الأثرم إنما يضطبع في الأشواط الثلاثة التي يرمل فيها لأن الاضطباع إنما هو معونة على الرمل وإنما فعل تبعا له فإذا لم يرمل لم يضطبع
فأما الاضطباع في السعي فقال أحمد ما سمعت فيه شيئا قال أصحابنا
مسألة ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله ويقول بسم الله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم
وجملة ذلك أن السنة للطائف أن يبتديء بالحجر الأسود فيستلمه بيده والإستلام هو مسحه بيده وفي وجهان
والتقبيل بالفم وذلك لما روى جابر في حديثه في صفة حجة النبي

صلى الله عليه و سلم قال حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا وفي رواية لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا رواه مسلم
وعن عمر قال فطاف رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف متفق عليه
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الحجر وقال لولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك
وعن عابس بن ربيعة عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبله فقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك متفق عليهما

وعن سويد بن غفلة قال رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بك حفيا رواه مسلم
وعن الزبير بن عربي قال سأل رجل عمر عن استلام الحجر فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمه ويقبله وقال أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت قال اجعل أرأيت باليمن رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمه ويقبله رواه البخاري
فإن لم يمكنه تقبيله استلمه وقبل يده ذكره أصحابنا لما روى نافع قال رأيت ابن عمر استلم الحجر بيدد ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله متفق عليه

ولأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يستلمه بالمحجن ويقبل المحجن فتقبيل اليد إذا استلمه بها أولى
وقال ابن جريج قلت لعطاء هل رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استلموا قبلوا أيديهم قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم رواه الشافعي
فإن كان راكبا استلمه بعصا ونحوها وهل يستحب له ذلك راجلا
لما روي عن ابن عباس قال طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجه على بعير يستلم الركن بمحجن رواه الجماعة إلا الترمذي والنسائي

وفي رواية لأحمد والبخاري طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر
ومعنى هذه الرواية أنه يشير إليه إشارة يمس بها الحجر كما جاء مفسرا أنه استلم الركن بمحجن ولو لم يمس المحجن الحجر لكانت الإشارة باليد أولى
وعن أبي الطفيل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد ولم يذكر تقبيل المحجن
وعن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف ليلة الافاضة على راحلته واستلم الركن يعني يستلم الركن بمحجن ويقبل المحجن رواه أبو داود في المراسيل
ويستحب له أن يقبل ما يستمله به لما تقدم من النص فإن لم يمكنه

التقبيل ولا الاستلام بيده ولا شيء فقال كثير من أصحابنا يشير إليه بيده منهم القاضي وأصحابه
والمنصوص عنه في رواية المروذي ثم ائت الحجر الأسود فاستمله إن استطعت وقبله وإن لم تستطع فقم بحياله وارفع يديك وقل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم تصديقا بكتابك واتباعا لسنتك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم لا اله الا الله والله أكبر اللهم إليك بسطت يدي وفيما لديك عظمت رغبتي فاقبل دعوتي واقلني عثرتي وارحم تضرعي وجد لى بمغرفتك يالهى امنت بك وكفرت بالطاغوت
وكذلك نقل عنه عبد الله أنه يستقبله ويرفع يديه ويكبر وكذلك قال القاضي إن لم يمكن استلامه لأجل الزحمة قام حياله ورفع يده وكبر هكذا قال في رواية الأثرم
ولم يقل إنه يقبل وهذا أصح لما روي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر رواه أحمد

وروى الأزرقي في أخبار مكة عن جده عن ابن عيينة عن أبي يعفور العبدي قال سمعت رجلا من خزاعة كان أميرا على مكة منصرف الحاج عن مكة يقول إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمر بن الخطاب يا عمر إنك رجل قوي وإنك تؤذي الضعيف فإذا وجدت خلا فاستلمه والا فامض وكبر هذا معنى المنصوص عن أحمد

وعن هشام بن عروة أن عمر رضي الله عنه كان يستلمه إذا وجد فجوة فإذا اشتد الزحام كبر كلما حاذاه رواه الأزرقي
ولأن الإشارة إليه بالإستلام من غير مماسة ليس فيه ولا معنى فيه فأشبه الإشارة إليه بالقبلة
وبكل حال فلا يقبل يده إذا أشار إليه بالاستلام من غير استلام لأن التقبيل إنما هو للحجر أو لما مس الحجر
وأما رفع اليد فهو مسنون عنده
وأما السجود عليه فقد ذكر لأحمد حديث ابن عباس في السجود على الحجر فحسنه وقد رواه الأزرقي عن جده عن ابن عيينة عن ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر قال رأيت ابن عباس رضي الله عنهما جاء يوم التروية وعليه حلة مرجلا رأسه فقبل الحجر وسجد عليه ثلاثا ورواه أبو

يعلى الموصلى في مسنده من حديث أبي داود الطيالسي عن جعفر بن عثمان المخزومي قال رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه وقال رأيت خالي ابن عباس يقبل الحجر ويسجد عليه وقال رأيت عمر يقبل الحجر ويسجد عليه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله
وحديث عمر الذي تقدم في صحيح مسلم أنه قبل الحجر والتزمه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بك حفيا يؤيد هذا
وروى الأزرقي أن طاوسا أتى الركن فقبله ثلاثا ثم سجد عليه وقال قال عمر بن الخطاب إنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك وهل يستلم الركن غير الحجر
وأما الذكر الذي يقال عنده فقد تقدم حديث ابن عباس الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم كان كلما أتى الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر وقال لعمر استقبله وهلل وكبر وفي لفظ كبر وامض فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالتكبير والتهليل وهذا هو المنصوص عن أحمد قال ابن جريج قلت هل بلغك من قول يستحب عند استلام الركنين قال لا وكأنه يأمر بالتكبير ذكره الأزرقي

وأما الزيادة التي ذكرها أصحابنا فقد روي عن ابن عمر أنه كان إذا استلم الركن قال بسم الله والله أكبر رواه الأزرقي والطبراني بإسناد جيد
وروي أيضا عن الحارث عن علي أنه كان إذا استلم الحجر قال اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم وروي الأزرقي عن سعيد بن سالم أخبرني موسى بن عبيدة عن سعد بن ابراهيم بن

المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول اذا كبر لاستلام الحجر بسم الله والله أكبر على ما هدانا لا اله إلا هو وحده لا شريك له امنت بالله وكفرت بالطاغوت وباللات والعزى وما يدعى من دون الله إن ولي الله الذي نزل الكتب وهو يتولى الصلحين
قال عثمان بلغني أنه يستحب أن يقال عند استلام الركن بسم الله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم
فصل
وأما الحجر الأسود واستلامه وتقبيله ومعنى ذلك فقد روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق رواه الخمسة إلا أبا داود وابن ماجة وقال الترمذي حديث حسن
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني ادم رواه أحمد والترمذي

وقال حديث حسن صحيح وللنسائي منه الحجر الأسود من الجنة
وعن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لاضأتا ما بين المشرق والمغرب رواه أحمد في المناسك والترمذي وقال حديث غريب قال ويروى موقوفا عن عبد الله بن عمرو قوله
وقد رواه الأزرقي وغيره باسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو وروي باسناد صحيح عن ابن عباس قال ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ولولا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله عز و جل
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من فاوضه يعني الركن

الأسود فإنما يفاوض يد الرحمن رواة ابن ماجة من طريق اسماعيل ابن عياش
وعن ابن عباس قال إن هذا الركن الأسود يمين الله عز و جل في الأرض يصافح بها عباده مصافحة الرجل أخاه رواه محمد بن أبي عمر السعدني والأزرقي بإسناد صحيح
وعن ابن عباس أيضا قال الركن يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه والذي نفس ابن عباس بيده ما من أمرى مسلم يسأل الله عنده شيئا إلا

أعطاه اياه رواه الأزرقي والطبراني بطريقين مختلفين وروى الأزرقي عن عكرمة قال إن الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن لم يدرك بيعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فسمح الركن فقد بايع الله ورسوله
وروى الأزرقي عن محمد بن أبي عمر العدني ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمى عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال خرجنا مع عمر رضي الله عنه إلى مكة فلما دخلنا الطواف قام عند الحجر وقال والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك ثم قبله يعني في الطواف فقال له علي بلى يا أمير المؤمنين هو يضر وينفع قال وأين ذلك قال في كتاب الله قال وأين

ذلك من كتاب الله عز و جل قال قال الله عز و جل وإذ أخذ ربك من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا قال فلما خلق عز و جل ادم عليه السلام مسح ظهره فأخرج ذريته من صلبه فقررهم أنه الرب وهم العبيد ثم كتب ميثاقهم في رق وكان هذا الحجر له عينان ولسان فقال له افتح فاك فألقمه ذلك الرق وجعله في هذا الموضع وقال تشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة قال فقال عمر أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم ياباحسن

فصل
والسنة أن يبتديء بالحجر في أول الطواف وأن يستقبل الركن في أول الطواف سواء استلمه وقبله أو لم يفعل وهل ذلك واجب لأن النبي لله قال لعمر إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر
قال القاضي من شرط الطواف الاستقبال فلا يجوز أن يبتديء الطواف غير مستقبل للركن
قال القاضي وأصحابه وكثير من أصحابنا وكمال الطواف أن يبتديء

بالحجر فيحاذى بجميع بدنه جميع الحجر وهو أن يأتي عن يمين الحجر من ناحية الركن اليماني ثم يجتاز بجميعه على يمين نفسه لأن كل ما قابلك كان يمينك حذاء يساره ويسارك حذاء يمينه لأن السنة أن يبتديء بالطواف بالحجر الأسود ولا يطوف جميعه بالحجر الأسود إلا بذلك فإن حاذى بعض الحجر بكل بدنه وأمكن هذا لكونه دقيقا أجزأه لأنه قد ابتدأ بطواف جميعه بالحجر لأن استيعاب
وإن حاذى ببعض بدنه كل الحجر أو بعضه فهل يجزئه على وجهين فإن لم يجزئه لغت الطوفة الأولى فإذا حاذى الحجر في الشوط الثاني فهو أول طوافه
والكمال أن يحاذى في الأخير بكل بدنه جميع الاخر فعلى ما قالوه إما أن يذهب إلى يمين الحجر بعد استقبال الركن واستلامه وهل يستقبله بعد ذلك وإما أن يبديء من يمين الحجر فيستقبله وهذا أشبه بالسنة فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا رواه مسلم
وفي حديث ابن عمر قال وطاف رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف ومشى أربعة متفق عليه
ولم يذكر جابر أنه ذهب إلى ناحية يساره قليلا بعد الاستلام ولأنه محاذيا

للحجر مستقبلا له ولو فعل ذلك لم يكن قد خب عقب الاستلام فإنه من يمشى هكذا لا يخب ولو فعل ذلك لنقلوه
مسألة ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره فيطوف سبعا
وجملة ذلك أن الطائف يبتديء في مروره بوجه الكعبة فإذا استلم الحجر الأسود أخذ إلى جهة يمينه فيصير البيت عن يساره ويكمل سبعة أطواف وهذا من العلم العام والسنة المتواترة الذي تلقته الأمة عن نبيها وتوارثته فيما بينها خلفا عن سلف وهو من تفسير رسول الله صلى الله عليه و سلم معنى قوله أن طهرا بيتي للطائفين وقوله وليطوفوا بالبيت العتيق كما فسر أعداد الصلاة وأوقاتها وقد تقدم في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستمله ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا رواه مسلم
مسألة يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر ويمشي في الأربعة
الأصل في ذلك ما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا وكان يسعى ببطن الوادي إذا طاف بين الصفا والمروة وفي رواية رمل رسول الله صلى الله عليه و سلم من

الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا وفي رواية رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة متفق عليهن وقد تقدم مثل ذلك في حديث جابر في صفة حجة الوداع وهي اخر نسك فعله النبي صلى الله عليه و سلم وفي رواية رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف رواه مسلم
وأصل ذلك ما روى ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب وأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم متفق عليه وهذا لفظ البخاري
ولفظ مسلم لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب قال المشركون إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ولقوا منها شدة فجلسوا مما يلى الحجر وأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يرملوا ثلاثة أشواط

ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جلدهم فقال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا وكذا قال ابن عباس ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم وفي رواية عنه إنما رمل رسول الله صلى الله عليه و سلم ليرى المشركين قوته متفق عليه
فكان أول الرمل هذا ولذلك لم يرملوا بين الركنين اليمانين لأن المشركين كانوا من ناحية الحجر عند قعيقعان لم يكونوا يرون من بين الركنين
وكان هذا في عمرة القضية ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك عمرة الجعرانة ومكة دار اسلام ثم حج حجة الوداع وقد نفى الله الشرك وأهله ورمل من الحجر إلى الحجر فكان هذا اخر الأمرين منه فعلم أن الرمل صار سنة
عن ابن عباس قال رمل رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته وفي عمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء رواه أحمد وقد رواه أبو داود في مراسيله عن

عطاء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سعى في عمره كلها بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك قال وقد أسند هذا الحديث وهذا الصحيح
وعن عمر أنه قال ما لنا وللرمل وإنما راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال هي صنيعة رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا نحب أن نتركه رواه البخاري وابن ماجة وقد تقدم عنه وعن ابن عباس في الاضطباع نحو ذلك
فصل
قال أصحابنا يستحب للطائف الدنو من البيت في الطواف إلا أن يؤذي غيره أو يتأذى بنفسه فيخرج إلى حيث أمكنه وكلما كان أقرب فهو أفضل وإن كان الأبعد أوسع مطافا وأكثر خطى
فإن لم يمكنه الرمل مع القرب لقوة الإزدحام فإن رجا أن تخف الزحمة ولم يتأذ أحد بوقوفه انتظر ذلك ليجمع بين قربة من البيت وبين الرمل فإن ذلك مقدم على مبادرته إلى تمام الطواف وان كان الوقوف لا يشرع في الطواف قال أحمد فإن لم تقدر أن ترمل فقم حتى تجد مسلكا ثم ترمل
فإن لم يمكنه الجمع بين القرب والرمل فقال القاضي وغيره يخرج إلى حاشية المطاف لأن الرمل أفضل من القرب لأنه هيئته في نفس العبادة بخلاف القرب فإنه هيئة في مكانها
وقال ابن عقيل يطوف قريبا على حسب حاله لأن الرمل هيئة فهو

كالتجافى في الركوع والسجود ولا يترك الصف الأول لأجل تعذرها فكذلك هنا لا يترك المكان القريب من البيت لأجل تعذر الهيئة
والأول لأن الرمل سنة مؤكدة بحيث يكره تركها والطواف من حاشية المطاف لا يكره بخلاف التأخر إلى الصف الثاني في الصلاة فإنه مكروه كراهة شديدة
والفرق بين الصف الأول وبين داخل المطاف أن المصلين في صلاة واحدة ومن سنة الصلاة إتمام الصف الأول بخلاف الطائفين فإن كل واحد يطوف منفردا في الحكم فنظير ذلك أن يصلى منفردا في قبلي المسجد مع عدم إتمام هيئات الصلاة فإن صلاته في مؤخره مع إتمامها أولى
وأيضا فإن تراص الصف وانضمامه سنة في نفسه فاغتفر في جانبها زوال التجافى بخلاف ازدحام الطائفين فإنه ليس مستحبا وإنما هو بحسب الواقع
وأيضا فإن فضيلة الصف الأول ثبتت بنصوص كثيرة بخلاف داخل المطاف على أن المسألة التي ذكرها فيها نظر
فأما إن خاف إن خرج أن يختلط بالنساء طاف على حسب حاله ولم يخرج
مسألة وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل ويقول بين الركنين ربنا ائنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار ويدعو في سائره بما أحب
في هذا الكلام فصول
أحدها أنه يستلم الركنين اليمانين خاصة ويكره استلام قال أحمد

في رواية المروذي ولا تستلم من الأركان شيئا إلا ما كان من الركن اليماني والحجر الأسود فإن زحمك الناس ولم يمكنك الإستلام فامض وكبر وذلك لما روي عن ابن عمر قال لم أر النبي صلى الله عليه و سلم يمس من الأركان إلا اليمانيين رواه الجماعة إلا الترمذي وفي لفظ في الصحيح لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم استلم من البيت وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني
وعن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة وكان عبد الله بن عمر يفعله رواه أحمد وأبو داود والنسائي وفي لفظ لأحمد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلم هذين الركنين اليمانيين كلما مر عليهما ولا يستلم الاخرين
وعنه أيضا قال ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر منذ

رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمهما في شدة ولا رخاء متفق عليه
وعن ابن عباس قال لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلم غير الركنين اليمانيين رواه أحمد ومسلم
وعن عبيد بن عمير أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين فقلت يا أبا عبد الرحمن إنك تزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يزاحم عليه قال إن أفعل فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن مسحهما كفارة للخطايا وسمعته يقول من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة وسمعته يقول لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة رواه الترمذي وقال حديث حسن
وعن ابن عمر أنه قيل له ما أراك تستلم إلا هذين الركنين قال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم إن مسحهما يحط الخطيئة رواه أحمد والنسائي لفظه

وذلك لأن البيت لم يتمم على قواعد ابراهيم فالركنان اللذان يليان الحجر ليسا بركنين في الحقيقة وإنما هما بمنزلة سائر الجدار والاستلام إنما يكون للأركان وإلا لاستلم جميع جدار البيت في الطواف
وأما تقبيل الركن اليماني ففيه ثلاثة أوجه أحدها وهو المنصوص عن أحمد أنه لا يقبله قال عبد الله قلت لأبي ما يقبل قال يقبل الحجر الأسود قلت لأبي فالركن اليماني قال لا إنما يستلم ولا يقبل إلا الحجر الأسود وحده
وكذلك قال في رواية الأثرم لا يقبل اليماني وقال في رواية المروذي وهذا قول أكثر أصحابنا مثل القاضي وأصحابه مثل الشريف أبي جعفر وأبي المواهب العكبري وابن عقيل وأبي الخطاب في خلافه وغيرهم
وقال الخرقى وابن أبي موسى يستلمه ويقبله كالحجر قال ابن أبي موسى يستمله بفيه إن أمكنه وإن لم يمكنه فبيده ويقبلها قال ولا يقبل إلا

الركنين اليمانيين لما روي عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه رواه الدارقطني ورواه الأزرقي عن مجاهد مرسلا ومداره على عبد الله بن هرمز عن مجاهد
وقال أبو الخطاب يستلمه ويقبل يده لما روي عن عمر بن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استلم الحجر فقبله واستلم الركن اليماني فقبل يده رواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات
والأول أصح لأن الذين وصفوا حج رسول الله صلى الله عليه و سلم وعمره ذكروا أنه

كان يستلم الحجر ويقبله وأنه كان يستلم الركن اليماني ولم يذكروا تقبيلا ولو قبله لنقلوه كما نقلوه في الركن الأسود لاسيما مع قوة اعتنائهم بضبط ذلك وهذا ابن عمر اتبع الناس لما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته لم يذكر إلا الاستلام

الفصل الثاني
ما يقوله إذا استلم الركنين وتقدم عنه أنه يكبر وقال في رواية عبد الله إن قدر على الحجر استلمه وإلا إذا حاذاه كبر ورفع يده ومضى وقال
مسألة ثم يصلي ركعتين خلف المقام
هذه السنة لكل طائف أسبوعا أن يصلي بعده ركعتين لقوله سبحانه أن طهرا بيتي للطائفتين والعكفين والركع السجود
وعن ابن عمر قال قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا وقد قال الله عز و جل لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة متفق عليه

وعن عبد الله بن أبي أوفى قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس فقال له رجل أدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم الكعبة قال لا رواه البخاري وهذا في عمرة القضية
مسألة ويعود إلى الركن فيستلمه ويخرج إلى الصفا من باباه
وجملة ذلك أن يختم الطواف باستلام الحجر ثم يستلمه بعد ركعتي الطواف سواء في طواف القدوم والزيارة والوداع لأن في حديث جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام ابراهيم فقرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فكان

أي يقول ولا أعلم ذكره الا عن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا اله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان اخر طوافه على المروة قال لو أني استقبلت من أمري ما استبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن جعشم فقال يا رسول الله العامنا هذا أم لا بد فشبك رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لابد الأبد وذكر الحديث رواه مسلم وغيره
مسألة ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيأتيه فيرقى عليه ويكبر الله ويهلله

ويدعوه ثم ينزل فيمشي إلى العلم ثم يسعى إلى العلم الاخر ثم يمشي إلى المروة فيفعل كفعله على الصفا ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه حتى يكمل سبعة أشواط يحسب بالذهاب سعيه وبالرجوع سعيه يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة
أما خروجه من باب الصفا وهو الباب الأعظم الذي يواجه الصفا وأما رقية على الصفا فلأن في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم رقى عليه حتى رأى البيت واستقبل القبلة ولهذا قال أصحابنا إنه يرقى على الصفا حتى يرى البيت ويستقبل القبلة إلا أن هذا كان لما كانت الأبنية منخفضة عن الكعبة فأما الان فإنهم قد رفعوا جدار المسجد وزادوا فيه ما بينه وبين الصفا حتى صار المسعى يلى جدار المسجد وكان قبل ذلك بين المسجد والمسعى بناء للناس فاليوم لا يرى أحد البيت من فوق الصفا ولا من فوق المروة نعم قد يراه من باب المسجد إذا خفض
فالسنة أن يكون على الصفا بحيث يتمكن من رؤية البيت لو كان البناء على ما كان

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى تطر إلى البيت ورفع يد فجعل يحمد الله ويدعوا ما شاء أن يدعو رواه مسلم وأبو داود
ويستحب أن يرفع يديه ويسن أن يستقبل البيت في حال وقوفه على الصفا وعلى المروة وكذلك في حال وقوفه بعرفة وبمزدلفة وبمنى وبين الجرمتين لأن في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم فاستقبل القبلة
وعن عروة قال من السنة أن يصعد الصفا والمروة حتى يبدوا له البيت فيستقبله
وعن عطاء أنه كان يقول استقبل البيت من الصفا والمروة ولا بد من استقباله رواهما أحمد
ولأنه حال مكث للذكر والدعاء فاستحب فيها استقبال القبلة كسائر الأحوال وأوكد
ولأن الوقوف بالمشاعر نوع من الصلاة وكذلك قال مجاهد في قوله

واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى إنها عرفة ومزدلفة ومنى ونحوهن فيشرع فيها استقبال القبلة كالصلاة التامة
ولأن المناسك هي حج البيت فكان استقبال البيت وقت فعلها تحقيقا لمعنى حج البيت وقصده
ولأن جميع العبادات البدنية من القراءة والذكر والدعاء والصلاة والاعتكاف وذبح الهدى والأضحية يسن استقبال الكعبة فيها فما تعلق منها بالبيت أولى
وأما التكبير والتهليل والدعاء فقد ذكره جابر وغيره وهو المقصود لما روت عائشة
وأما صفة ذلك ففي رواية عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعوا ويصنع على المروة مثل ذلك رواه أحمد والنسائي وقد تقدم في رواية مسلم أنه كان يقول مع هذا التوحيد لا اله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عده وهزم الأحزاب وحده وأنه يدعو بعد ذلك

وقال أحمد في رواية عبد الله إذا قدمت مكة إن شاء الله فإن يحيى بن سعيد ثنا جعفر بن محمد ثنا أبي قال أتينا جابر عبد الله فقال استلم نبي الله صلى الله عليه و سلم الحجر الأسود ثم رمل ثلاثة ومشى أربعة حتى اذا فرغ عدا إلى مقام ابراهيم فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ثم استلم الحجر وخرج إلى الصفا ثم قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله ثم قال نبدأ بما بدأ الله به فرقى على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبر ثم قال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا اله إلا الله أنجز وعده وصدق عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى اذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها مثل ما قال على الصفا فلما كان السابع عند المروة قال يا أيها الناس لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدى فليحل ويجعلها عمرة فحل الناس كلهم
فعلى حديث جابر الذي اعتمده أحمد يكبر ويهل على لفظ الحديث ثم

يدعو ثم يكبر ويهل ثم يدعو ثم يكبر ويهل فيفتتح بالتكبير والتهليل ويختم به ويكرره ثلاث مرات والدعائين مرتين ولفظ التكبير في كل مرة ثلاثا كما جاء في بعض الروايات ولفظ التهليل مرتين معما فيه من زيادة الحمد والثناء
وعلى هذا يكون التكبير تسعا والتهليل ستا والدعاء مرتين
ولفظ الصحيح له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وفي رواية للنسائي عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال نبدأ بما بدأ الله به فبدأ الصفا فرقى عليها حتى بدا له البيت فقال ثلاث مرات لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير وكبر الله وحمده ثم دعا بما قدر له ثم نزل ماشيا حتى تصوبت قدماه في بطن المسيل فسعى حتى صعدت قدماه ثم مشى حتى أتى المروة فصعد فيها ثم بدا له البيت فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير قال ذلك ثلاث مرات ثم ذكر الله وسبحه وحمده ثم دعا عليها بما شاء الله فعل هذا حتى فرغ من الطواف
وفي حديث أبي هريرة المتقدم أنه رفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو

بما شاء الله أن يدعو
فهذا الحمد يمكن أن يكون هو الحمد الذي في ضمن التهليل كما دل عليه الرواية المفسرة وعليه كلام أحمد ويمكن أن يكون غيره
وذكر القاضي وأبو الخطاب وجماعة من أصحابنا أنه يكبر ثلاثا قال القاضي سيقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الحمد لله على ما هدانا
وقال أبو الخطاب وغيره يكبر ثلاثا ويقول الحمد لله على ما هدانا ثم يبدأ لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير زاد أبو الخطاب وهو حي لا يموت ومنهم من لم يذكر الا له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كما جاء في أكثر الأحاديث
لا اله الا الله وحده زاد أبو الخطاب لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا اله الا الله لا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ثم يلبى ويدعو بما أحب من دين ودنيا ثم يعيد الدعاء ثم يلبى ويدعو بما أحب من دين ودنيا يأتى بذلك ثلاثا
فعلى هذا يكون التكبير والتهليل تسعا تسعا والدعاء ثلاثا

ومنهم من لم يذكر الا التكبير والتهليل ثلاثا والدعاء مرة ولم يذكر أنه يكرر ذلك ثلاثا
وقد استحب أحمد في رواية المروذي وغيره لما روي عن ابن عمر فقال أحمد ثم اصعد على الصفا وقف حيث تنظر إلى البنيان إن أمكنك ذلك وقل الله أكبر سبع مرات ترفع بهن صوتك وتقول لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا اله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا اله الا الله ربنا رب ابائنا الأولين اللهم اعصمني بدينك وذكر دعاء ابن عمر نحوا مما يأتي وفي اخره اللهم إنا قد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا واقض لنا حوائج الدنيا والاخرة
وقد روى باسناد في رواية عبد الله ثنا اسماعيل بن ابراهيم ثنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر إذا انتهى إلى ذى طوى بات به حتى يصبح ثم يصلى الغداة ويغتسل ويحدث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك ثم يدخل مكة ضحى ويأتي البيت فيستلم الحجر ويقول بسم الله الله أكبر فإذا استلم الحجر رمل ثلاثة أطواف يمشى ما بين الركنين وإذا أتى على الحجر استلمه

وكبر أربعة أطواف مشيا ثم يأتي المقام فيصلى خلفه ثم يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم فيقوم عليه فيكبر سبع مرات ثلاثا ثلاثا يكبر ثم يقول لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا اله الا الله ولا نعبد الا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ثم يدعو يقول اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك اللهم جنبني حدودك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ويحب رسلك ويحب عبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى عبادك الصالحين اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الاخرة والأولى واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لي خطيئتي يوم الدين اللهم إنك قلت ادعوني استجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد اللهم إذ هديتني للاسلام فلا تنزعه مني ولا تنزعني منه حتى توفاني وأنا على الاسلام اللهم لا تقدمني لعذاب ولا تؤخرني لسىء الفتن ويدعو بدعاء كثير حتى إنه ليملنا وإنا لشباب وكان إذا أتى على المسعى سعى وكبر رواه الطبراني باسناد صحيح وفي لفظ وكان يدعو بهذا مع دعاء له طويل على الصفا والمروة وبعرفات وبين الجمرتين وفي الطواف
قال أحمد في رواية يدعو على الصفا بدعاء ابن عمر وكل ما دعا به أجزأه وقال في المروة ويكثر من الدعاء
وحديث ابن عمر هذا يحتمل ثلاثة أوجه أحدها أنه يكبر ثلاثا ثم يهلل ثم يدعو يكرر ذلك سبع مرات
والثاني أن يكبر سبع مرات ثم يهلل ثم يدعو فقط وهو ظاهر رواية

المروذي
والثالث أن يكبر ثلاثا ثلاثا سبع مرات ثم يهلل ثم يدعو وهو ظاهر ما رواه أحمد واستحبه
وعلى هذين هل يكرر ذلك ثلاثا وإنما استحب هذا لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان شديد الاقتفاء لأثر رسول الله صلى الله عليه و سلم خصوصا في النسك فإنه كان من أعلم الصحابة فالاقتصار على عدد دون عدد يشبه أن يكون إنما فعله توقيفيا ولأن عدد الأفعال سبع فاستحب الحاق الأقوال بها
ومن رجح هذا قال أكثر الروايات في حديث جابر ليس فيها توقيت تكبير ولعل حديث ابن عمر كان في بعض عمر النبي صلى الله عليه و سلم أو لعل قول جابر كبر ثلاثا أي ثلاث نوبات ويكون كل نوبة سبعا وأما الدعاء فقد استحب أبو عبد الله دعاء ابن عمر إذ ليس في الباب مأثور غيره
والسنة رفع الصوت بالتكبير نص عليه لأن جابرا سمع ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم ولولا جهره به لم يسمعوه ولأنه شرف من الأشراف والسنة الجهر بالتكبير على الأشراف

وأما الدعاء فلا يرفع به صوته لأن سنة الدعاء السر كما قال تعالى ادعو ربكم تضرعا وخفية وكما قال تعالى إذ نادى ربه نداء خفيا ولذلك لم يذكر جابر ولا غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم لفظ دعائه حيث لم يسمعوه
وأما جهره بذلك حيث يسمع القريب منه فجائز كما فعل ابن عمر فإن كان فيه مقصود صالح وإلا إسراره أفضل
وأما التلبية على الصفا والمروة في أثناء الذكر والدعاء فقد استحبها القاضي وأبو الخطاب وغيرهما لأن وقت التلبية باق وهو موطن ذكر فاستحب فيه التلبية كما لو علا على شرف غير الصفا والمروة وأولى لامتياز هذين الشرفين بتوكيد الذكر
ولم يذكر أحمد وأكثر أصحابه مثل الأثرم هنا استحباب تلبية وهذا أجود لأن الذين أخبروا عن دعاء النبي صلى الله عليه و سلم على الصفا والمروة ذكروا أنه كبر وهلل ودعا وحمد الله
وقال بعضهم سبح ولو كان قد لبى لذكروه فعلم أنه لم يلب ولو كانت التلبية من سنة هذا الموقف لفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم كما فعل التكبير والتهليل

وأيضا فإن التلبية مشروعة في عموم الاحرام ولهذا المكان ذكر يخصه فلم يزاحم بغيره
وأيضا فإن التلبية شعار المجيب للداعى فشرع له ما دام يسير ويسعى الى المقصد فإذا بلغ مكانا من الأمكنة التي دعى إليها فقد وصل إلى المقصد فلا معنى للتلبية ما دام فيه فإذا خرج منه وقصد مكانا اخر لبى ولهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لبى بالمواقف وإنما لبى حتى بلغ عرفة فلما أفاض منها لبى إلى جمع ثم لم ينقل أنه لبى بها إلى أن رمى جمرة العقبة فعلى هذا هل تكره التلبية وهذا الكلام فيما إذا كان في حج أو قران فأما إن كان معتمرا عمرة مفردة أو عمرة تمتع فإنه يقطع التلبية إذا استلم الحجر فلا يلبى بعد ذلك في طواف بالبيت ولا بين الصفا والمروة وهذا المذهب المنصوص المشهور
وذكر القاضي في المجرد وأبو الخطاب وغيرهما التلبية على الصفا والمروة مطلقا ثم قالوا بعد ذلك فإن كان معتمرا أو متمتعا وإن كان مفردا أو قارنا وقد روى الأزرقي بإسناد صحيح عن مسروق قال قدمت معتمرا مع

عائشة رضي الله عنها وابن مسعود فقلت أيهما ألزم ثم قلت ألزم عبد الله بن مسعود ثم اتى أم المؤمنين فأسلم عليها فاستلم عبد الله بن مسعود الحجر ثم أخذ على يمينه ورمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم أتى المقام فصلى ركعتين ثم عاد الى الحجر فاستلمه وخرج إلى الصفا فقام على صدع فيه فلبى فقلت له يا أبا عبد الرحمن إن ناسا من أصحابك ينهون على الإهلال ها هنا قال ولكني امرك به هل تدري ما الإهلال إنما هي استجابة موسى عليه السلام لربه عز و جل قال فلما أتى الوادي رمل قال رب اغفر وأرحم أنك أنت الأعز الأكبر
والصواب الأول لما تقدم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يلبي في عمرته حتى يستلم الحجر وأثر ابن مسعود قد خالفه فيه عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كما ذكره مسروق وإذا تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت السنة قاضية بينهم وليس هو صريحا بأن ابن مسعود كان معتمرا وإنما الصريح فيه أن مسروقا كان هو المعتمر لكن الظاهر أنه كان معتمرا أيضا لأنهم إذ ذاك إنما كانوا يحرمون بعمرة في أشهر كما كان عمر قد أمرهم به وظاهره أن أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كانوا ينهون عن الإهلال على الصفا مطلقا في الحج والعمرة كما تقدم

فصل
وأما كون الطواف بالصفا والمروة سبعا وأن يحسب بالذهاب مرة وبالعود مرة فيفتتح بالصفا ويختم به فيكون وقوفه علىالصفا أربع مرات وعلى المروة أربعا فهي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم المنقولة نقلا عاما مستفيضا كما تقدم أنه طاف سبعا ختم بالمروة وعليه كان التقصير والاحلال وعندها أمر أصحابه بالاحلال من احرامهم
وأما صفة السعي بين الصفا والمروة ففي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم نزل يعني من الصفا حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي رمل حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان اخر طواف على المروة رواه مسلم وغيره
وفي رواية للنسائي ثم نزل ماشيا حتى تصوبت قدماه في المسيل فسعى حتى صعدت قدماه ثم مشى حتى أتى المروة فصعد فيها ثم بدا له البيت
وتقدم حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة متفق عليه ولفظ البخاري بطن المسيل
وعن علي أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يسعى بين الصفا والمروة في المسعى كاشفا عن ثوبه قد بلغ إلى ركبتيه رواه أحمد

وعن صفية بنت شيبة وذكر أصحابنا القاضي ومن بعده أنه يسعى ببطن المسيل سعيا شديدا ولفظ أحمد وامش حتى تأتي العلم الذي في بطن الوادي فارمل من العلم إلى العلم وكذلك قال الأثرم يسعى بين الميلين الأخضرين أشد من الرمل قليلا ويقول في رمله رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم
وقد حدد الناس بطن الوادي الذي كان النبي صلى الله عليه و سلم يسعى فيه بأن نصبوا في أوله واخره أعلاما وتسمى أميالا ويسمى واحدها الميل الأخضر لأنهم ربما لطخوه بلون خضرة ليتميز لونه للساعي وربما لطخوه بحمرة
فأول المسعى حد الميل المعلق بركن المسجد هكذا ذكر كثير من المصنفين واخره الميلان المتقابلان أحدهما بفناء المسجد بحيال دار العباس هكذا في كثير من الكتب المصنفة لأنه كذلك في ذلك الوقت

واليوم هي أربعة أميال ميلان متقابلان أحمران أو أخضران عليهما كتابة ثم ميلان أخضران والدار المذكورة هي اليوم خربة لكن الأعلام ظاهره معلقة لا يدرس علمها
وقد ذكر القاضي وأبو الخطاب وجماعة من أصحابنا أن أول المسعى من ناحية الصفا قبل أن يصل الى الميل بنحو من ستة أذرع واخره محاذاة الميلين الاخرين ولفظ احمد ارمل من العلم إلى العلم كما ذكره الشيخ وهكذا ذكر
فصل
ويستحب أن يذكر الله في السعى بين الصفا والمروة قال أحمد في رواية المروذي ثم انحدر من الصفا وقل اللهم استعملني بسنة نبيك وتوفني على ملته وأعذني من مضلات الفتن وامش حتى تأتي العلم الذي ببطن الوادي فأرمل من العلم إلى العلم وقل في رملك رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم واهدني للتي هي أقوم انك أنت الأعز الأكرم اللهم نجنا من النار سراعا سالمين وادخلنا الجنة بسلام امنين وامش حتى تأتي المروة فتصعد عليها وتقف منها حيث تنظر الى البيت ثم تكبر أيضا وتدعو بما دعوت به على

الصفا ثم تقول اللهم إني أعوذ بك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما دعوت به أجزأك تفعل ذلك ثلاث مرات
وقال أحمد كان عبد الله بن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم وقد تقدم ذلك عن ابن مسعود وتقدم عن ابن عمر أنه كان إذا أتى على المسعى سعى وكبر

فصل
وليس على النساء سعى بين العلمين ولا صعود على الصفا والمروة كما أنه ليس عليهن في الطواف رمل ولا اضطباع لأن المرأة مأمورة بالستر ما أمكن وفي رملها ورقيها تعرض لظهورها فإن فعلت ذلك
ومن أهل بالحج من أهل مكة لم يكن عليه سعى بين العلمين كما لارمل عليه في الطواف قاله ابن أبي موسى
مسألة ثم يقصر من شعره إن كان متعمرا وقد حل إلا المتمتع إن كان معه هدي والقارن والمفرد فإنه لا يحل
وجملة ذلك أنه إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد جاز أن يحل من احرامه ما لم يكن معه هدى سواء كان قد أحرم بعمرة أو بحج أو بعمرة وحج كما تقدم وكما سنه رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمته في حجة الوداع لكن إن أحب المفرد والقارن أن يبقيا على احرامها فلهما ذلك كما تقدم

ومعنى قول الشيخ إلا المتمتع السائق والمفرد والقارن يعنى لا يقصرون ولا يحلون لكن من ساق الهدى فلا يحل له الاحلال والمفرد والقران لا يجب عليهما الاحلال ويجوز أن يكون معنى كلامه أنه ما دام ناويا للافراد والقران لم يجز له الاحلال وإنما يجوز له الاحلال إذا نوى الاحلال بعمرة وفسخ نية الحج وحينئذ لا يصير مفردا ولا قارنا
وأما المحرم بعمرة فإن لم يكن متمتعا بأن يكون قد أحرم بها قبل أشهر الحج أو في أشهر الحج وهو لا يريد الحج من عامه فهذا يحل احلالا تاما فيحلق شعره وينحر هديه عند المروة وغيرها من بقاع مكة وان قصر جاز كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم في عمرة القضية وعمرة الجعرانة
وقول الشيخ ثم يقصر من شعره على هذا إما أن يكون أراد به بيان أدنى ما يتحلل به أو ذكر التقصير لما اشتمل كلامه على المعتمر متمتعا كان أو مفردا لعمرته
وأما المعتمر عمرة التمتع إذا لم يكن قد ساق الهدي فإنه يحل إحلالا تاما سواء كان قد نوى التمتع في أول إحرامه أو في أثنائه أو طاف للقدوم وسعى ثم بدا له التمتع لكن يستحب أن يقصر من شعره ويؤخر الحلاق إلى إحلاله من الحج فيكون قد قصر في عمرته وحلق في حجته ولو حلق أولا لم يمكنه في الحج حلق ولا تقصير وبذلك أمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه فعن جابر بن عبد الله أنه حج مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال افعلوا ما أمرتكم فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ففعلوا
وعن ابن عمر وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضى حجه ومن لم يكن

منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر ويلحلل ثم ليهل بالحج وليهد الحديث متفق عليهما
وقد تقدمت الاحاديث أنه أمرهم أن يحلوا الحل كله وأنهم لبسوا الثياب وأتوا النساء
ولو حلق جاز وقد روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال أهل النبي صلى الله عليه و سلم بالحج فلما قدم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يقصر ولم يحل من أجل الهدى وأمر من لم يكن ساق الهدى أن يطوف وأن يسعى ويقصر أو يحلق رواه أبو داود
فصل
وأما من ساق الهدي ففيه ثلاث روايات إحداهن لا ينحر هديه ولا يحل من احرامه بتقصير ولا غيره إلى يوم النحر سواء قدم من مكة في العشر أو قبله قال في رواية حنبل إذا قدم في أشهر الحج وقد ساق الهدي لا يحل حتى ينحره والعشر أوكد إذا قدم في العشر لم يحل لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم في العشر ولم يحل
وهذه الرواية هي المشهورة عند أصحابنا فيمنع من الاحلال والنحر سواء كان مفردا للحج أو متمتعا أو قارنا وهذا مما استفاض عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تقدم ذكر ذلك في حديث ابن عمر وعائشة تمتع رسول الله

صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وذكر الحديث إلى أن قال ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر متفق عليه
وعن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج فقدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ومن أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى يحل نحر هدية ومن أهل بالحج فليتم حجه متفق عليه
وقد تقدمت الأحاديث عن ابن عباس وجابر والبراء وغيرهم أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر جميع أصحابه أن يحلوا إلا من ساق الهدى
وفي رواية لابن عباس أهل النبي صلى الله عليه و سلم بعمرة وأهل أصحابه بحج فلم يحل النبي صلى الله عليه و سلم ولا من ساق الهدى من أصحابه وحل بقيتهم وكان طلحة بن عبيد الله فيمن ساق الهدى فلم يحل رواه مسلم
وعن أسماء قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحل ولم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحل رواه مسلم

وعن أبي موسى أنه أهل بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال فقدمت عليه فقال هل سقت من هدي قلت لا قال فطف بالبيت وبالصفا والمروة
وكان علي قد أهل باهلال النبي صلى الله عليه و سلم وساق الهدي فلم يحل وقد تقدم ذلك
فهذه الأحاديث نصوص في أن من ساق الهدي لا يحل إلى يوم النحر سواء كان متمتعا أو مفردا أو قارنا لأن النبي صلى الله عليه و سلم منع كل من ساق الهدي من الاحلال وقد كان فيهم المتمتع والمفرد والقارن ولم يستثن المتمتع ولو جاز الحل للمتمتع لوجب استثناؤه وبيان ذلك لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ولأنه جعل سوق الهدي هو المانع من الاحلال ولم يعلق المنع بغيره فعلم أنه مانع في حق المتمتع كما أنه مانع من الفسخ في حق المفرد والقارن إذ لو كان هناك مانع اخر لبينه ولأن كل من جاز له الفسخ سواء كان خاصا في حق الصحابة أو عاما للمسلمين إلى يوم القيامة بمنزلة المتمتع في جواز الاحلال فلما منع أصحاب الهدي من الاحلال علم أن سوق الهدي مانع من الاحلال حيث يجوز الحل لغير السائق
ولأن حديث عائشة نص خاص في المتمتع إذا ساق الهدي لا يحل حتى ينحر هديه ويقضي حجته
وأيضا فإن الله سبحانه قال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله والحلق هو أول التحلل بمنزلة السلام من الصلاة ولذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم إني لبدت رأسي وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر وقال لأصحابه من ساق الهدي فلا يحل إلى يوم النحر فعلم أن الاحلال والنحر لا يكون إلى يوم النحر فعلم أنه لا يجوز الاحلال حتى يحل نحر الهدي ولا يحل نحر الهدي إلى يوم النحر كما بينه النبي صلى الله عليه و سلم وذلك لأن

نحر الهدي من أسباب التحلل وتقليده له وسوقه بمنزلة الاحرام للرجل ونحره بمنزلة الاحلال للرجل ولهذا قال تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق والهدى معكوفا أن يبلغ محله حتى يبلغ الهدي محله والمحل مشتق من الحل وذاك بازاء الحرم فعلم أنه ذو حرم وإنما ينقضي الاحرام يوم النحر لأن المتمتع إنما يتم نسكه بالحج
والرواية الثانية أن سائق الهدي يحل ليقصر من شعر رأسه إن شاء فأما غير ذلك من محظورات الاحرام فلا قال في رواية أبي طالب في الذي يعتمر قارنا أو متمتعا ومعه الهدي قصر من شعرك ولا تمس شاربك ولا أظفارك ولا لحيتك كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم فإن شاء لم يفعل وإن شاء أخذ من شعر رأسه وهو حرام
فقد بين أنه يحل من التقصير فقط ولا يحل من جميع المحظورات كما يحل الحاج إذا رمى من بعض المحظورات وذلك لما روى ابن عباس عن معاوية بن أبي سفيان قال قصرت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمشقص رواه البخاري ورواه مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس قال قال لي معاوية أني قصرت من رسول الله صلى الله عليه و سلم عند المروة بمشقص فقلت له لا أعلم هذه إلا حجة عليك

وعن ابن عباس أيضا قل تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مات وأبو بكر حتى مات وعمر حتى مات وعثمان حتى مات وكان أول من نهى عنها معاوية قال ابن عباس فعجبت منه وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمشقص رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن وفيه ليث بن سليم
وعن قيس بن سعد عن عطاء عن معاوية قال أخذت من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في أيام العشر قال قيس والناس ينكرون هذا على معاوية رواه النسائي وروى أحمد نحوه
وأيضا فإن قضاء العمرة يقتضي الاحلال وسوق الهدي يقتضي بقاء الاحرام فحل بالتقصير خاصة توفيه لحق العمرة ولتتميز عن الحج وبقى على إحرامه من سائر المحظورات لأجل سوق الهدي لا سيما والتقصير متردد بين النسك المحض وبين استباحة المحظورات
والرواية الثالثة إن قدم في العشر لم ينحر ولم يحل وإن قدم قبل العشر نحر

وحل إن شاء ثم هل يحل في العشر بالتقصير مبني على ما سبق لكن المنصوص عنه أنه يحل به قال في رواية يوسف بن موسى وحرب فيمن قدم متمتعا وساق الهدي فإن قدم في شوال نحر الهدي وحل وعليه هدي اخر وإذا قدم في العشر أقام على احرامه ولم يحل فقيل له معاوية يقول قصرت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمشقص فقال إنما حل بمقدار التقصير ويرجع حراما مكانه
وقال في رواية أبي طالب إذا كان قبل العشر نحر ولا يضيع لا يموت لا يسرق وهذا هو الذي ذكره القاضي في المجرد من غير خلاف قال لأن له قبل العشر أن ينحر الهدي ويبقى بلا هدي وفي العشر ليس له أن ينحر الهدي فلا يتحلل وعامة أصحابنا على أنه ممنوع من الاحلال إذا قدم في العشر رواية واحدة وقال القاضي في خلافه هذه الرواية تقتضي أن سوق الهدي لا يمنع التحلل عنده وإنما استحب له المقام على إحرامه إذا دخل في العشر لأنه لا يطول تلبسه بالاحرام وإذا دخل قبل العشر طال تلبسه فلا يأمن مواقعه المحظور
والطريقة المشهورة هي الصواب
ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه إنما قدموا في العشر ومنعهم

من الاحلال لأجل سوق الهدي فثبت الحكم في مثل ذلك ومن قدم قبل العشر لا يشبه ذلك لأن المدة تطول فيخاف أن يموت الهدي أو يضل أو يسرق ولأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى المضحى إذا دخل العشر أن يأخذ من شعره أو بشره فالمتمتع الذي معه الهدي أولى أن لا يأخذ من شعره وبشره وما قبل العشر ليس بوقت لمنع المضحى فجاز أن لا يكون وقتا لمنع المهدى
ولأن العشر من أول أوقات النسك وفيها تضاعف الأعمال الصالحة وشرع التكبير الذي هو شعار العيد وهي الأيام المعلومات التي يذكر الله فيها على ما رزق من بهيمة الأنعام ولها خصائص كثيرة فجاز أن يؤخر النحر والحل فيها إلى يوم النحر بخلاف ما قبلها
وعلى هذه الرواية ينحر الهدي قبل العشر وعليه هدى اخر نص عليه لأن دم المتعة لا ينحر إلا يوم النحر وإنما فائدة النحر جواز إحلاله من العمرة
ومن أصحابنا من يحكى رواية أنه يجزؤه ذلك عن هدى المتعة وعلى هذه الرواية لو كان مفردا أو قارنا فهل ينحر الهدي قبل العشر وهل له أن يتحلل
والرواية الأولى اختيار أصحابنا لما ذكرنا من الأحاديث الصريحة بذلك
وهم وإن قدموا في العشر لكن النبي صلى الله عليه و سلم علل بعلة عامة

فقال ولأنه قال لأصحابه من كان أهدى فلا يحل من شيء حرم منه حتى يقضى حجه وهذا نهى عن التحلل بالتقصير وغيره فإنه نكرة في سياق النفي فكيف يجوز
وأمر الذين لم يسوقوا الهدي أن يتحللوا بالتقصير فكيف يجوز أن يسوى بينهم في التقصير بعد إذنه فيه لمن لم يسق الهدي دون من ساق وقال عن نفسه لا يحل منى حرام حتى يبلغ الهدي محله وهذا نص في اجتنابه كل المحرمات من التقصير وغيره
ثم هم إنما أنكروا أنه أمرهم بالتقصير ولم يقصر فلو كان قد قصر زال هذا ثم هو صلى الله عليه و سلم قد خطبهم بهذا وأمرهم به وهو على المروة والناس حوله فلو كان قد قصر من شعر رأسه لم يخف ذلك على أصحابه في مثل ذلك المشهد العظيم وكيف يقصر ولم يأمر غيره ممن ساق الهدي بالتقصير
ومن تأمل أحاديث حجة الوداع وأحوالها كان كالجازم بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يحل بشيء من الأشياء
فأما حديث معاوية فحديث شاذ وقد طعن الناس فيه قديما وحديثا كما أخبر قيس فإنهم أنكروا أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قصر
ويشبه والله أعلم أن يكون أصله أن معاوية قصر من رأس النبي صلى الله عليه و سلم في عمرة الجعرانة فإنه في عمرة القضية لم يكن أسلم بعد
والرواية الصحيحة المتصلة إنما فيها أنه قصر من رأس النبي صلى الله عليه و سلم على المروة بمشقص وكانت عمرة الجعرانة ليلا فانفرد معاوية بعلم هذا

أما حجة الوداع فكان وقوفه على المروة ضحى والناس كلهم حوله ومثل هذا لا يجوز أن ينفرد بروايته الواحد وكانت الجعرانة في ذي القعدة
وأما الرواية التي فيها أنه قصر من رأسه في العشر فرواية منقطعة لأن عطاء لم يسمع من معاوية ومراسيله ضعاف ويشبه أن يكون الراوي لما سمع عن معاوية أنه قصر من رأس النبي صلى الله عليه و سلم بمشقص اعتقد أنه في حجته وقد علم أن دخوله مكة كان في العشر فحمل هذا على هذا
يوضح هذا ان ابن عباس احتج على معاوية بروايته هذه في جواز العمرة في أشهر الحج وهم قد كانوا يسمون كل معتمر في أشهر الحج متمتعا وإن لم يحج من عامه ولهذا سئل سعد عن المتعة قال فعلناها وهذا كان كافرا بالعرش يعني معاوية ومعاوية قد كان مسلما قبل حجة الوداع وإنما أراد فعلنا العمرة في

أشهر الحج قبل أن يسلم معاوية يعني عمرة القضية فكيف ينهى عن العمرة في أشهر الحج

فصل
فإن أراد المعتمر في أشهر الحج أن يرجع إلى مسافة القصر فقياس المذهب أن يجوز له النحر والتحلل لأنه قد أراد أن يخرج من حكم التمتع فأشبه ما لو أراد أن يرجع من غير نية العود أو أراد أن يقيم ولا يحج
ومن كان من حاضري المسجد الحرام فتمتع وتطوع بهدي فقال القاضي وابن عقيل ينحره عقيب عمرته لأنه لا هدى عليه فهو بمنزلة من اعتمر ولم يحج من عامه
والصواب
فصل
وكما أنه ممنوع من التحلل فهو ممنوع من نحر الهدي الذي ساقه سواء كان واجبا أو تطوعا إذا قدم في العشر وإن قدم قبله فعلى الروايتين وسواء كان محرما بعمرة أو حج أو بهما لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين ساقوا الهدي كان فيهم المفرد والقارن والمتمتع وقد منع الجميع من النحر والاحلال

مسألة والمرأة كالرجل إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعى
وجملة ذلك أن المرأة كالرجل في دخول مكة والطواف والسعي والاحلال والبقاء على الاحرام إلا أنها تفارقه في أحكام أشدها أنها لا ترمل في الأشواط الثلاثة في الطواف ولا تشتد بين العلمين في السعي لأن ومن ذلك أنها لا تضطبع ولا ترفع صوتها بالتكبير على الشرفين وترك الشيخ استثناء ذلك لأنه قد تقدم ما ينبه على ذلك ومن ذلك أنها لا ترقى على الصفا والمروة

باب صفة الحج
مسألة وإذا كان يوم التروية فمن كان حلالا أحرم من مكة وخرج إلى عرفات
في هذا الكلام فصول أحدها أن السنة أن يخرج الناس إلى عرفات يوم التروية وهو الثامن من أول النهار حتى يدركوا صلاة الظهر بمى فيصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ويقيموا بها حتى تطلع الشمس
قال جابر فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس رواه مسلم وغيره
وعن عبد العزيز بن رفيع قال سألت أنس بن مالك قلت أخبرني بشيء عقلته عن النبي صلى الله عليه و سلم أين صلى الظهر يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطح ثم قال افعل كما يفعل أمراؤك متفق عليه
وعن ابن عباس قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة

فإن تأخر الامراء في الخروج إلى منى وتعجلوا منها إلى عرفات
فإن تعجل إلى منى قبل يوم التروية فقال عبد الله قلت لأبي يتعجل الرجل إلى منى قبل يوم التروية قال نعم يتعجل
ويستحب أن يصلى بمنى مع الإمام إن أمكن قال أبو عبد الله فإذا كان يوم التروية فصل من الإمام الظهر والعصر بمنى إن استطعت وقل في طريقك إلى منى اللهم إليك توجهت وعليك اعتمدت ووجهك أردت فأسألك أن تبارك لي في سفري وأن تقضي حاجتي وتغفر لي ثم تقول إذا دخلت منى اللهم هذه منى وهي مما دللتنا عليه من المناسك فأسألك أن تمن علينا بجوامع الخير كله كما مننت على أوليائك وأهل طاعتك فإنما أنا عبدك وابن عبدك في قبضتك ناصيتي بيدك تفعل بي ما أردت وتبيت بها

الفصل الثالني
أنه من كان مقيما على إحرامه لكونه مفردا أو قارنا خرج إلى منى ومن كان حلالا فهم قسمان أهل مكة والمتمتعون
فأما المتمتعون فالسنة أن يحرموا يوم التروية وسواء كانوا قد حلوا من احرامهم أو لم يحلوا لأجل الهدي كما أمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يحرموا
قال ابن عباس فلما قدمنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اجعلوا إهلالكم

بالحج عمرة إلا من قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من المناسك جئنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي رواه البخاري
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال فقال لهم أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة متفق عليه
وفي رواية لمسلم عن جابر قال فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه و سلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج
وفي رواية قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال فأهللنا من الأبطح رواه مسلم
وقال البخاري قال أبو الزبير عن جابر أهللنا من الأبطح
وفي رواية حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج رواه مسلم والبخاري تعليقا

ولم يفرق أحمد في استحباب الاحرام يوم التروية بين واجد الهدي وعادمه بل أمر بالاحرام يوم التروية المتمتع مطلقا وهذا هو المشهور في المذهب وهو الذي قاله القاضي اخرا وهو وعامة أصحابه
وقال القاضي في المجرد من لم يجد الهدي فإنه يحرم ليلة السابع ليصوم السابع والثامن والتاسع وهي الأيام الثلاثة بعد احرامه بالحج لأن صومها قبل الاحرام بالحج فيه خلاف بين العلماء فيتحرز عنه وزاد ابن عقيل على هذا فقال يحرم ليلة السادس أو يوم الخامس ليصوم السادس والسابع والثامن
وهذا كله تصرف بالسنة المسنونة بالرأي وليس في شيء مضى من النبي صلى الله عليه و سلم فيه سنة إلا اتباعها وقد أمر أصحابه كلهم أن يحرموا يوم التروية وكانوا كلهم متمتعين إلا نفرا قليلا ساقوا الهدي وأمر من لم يجد الهدي منهم أن يصوموا ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ولم يأمره بالاحرام قبل يوم التروية ومعلوم علم اليقين أن قوما فيهم عشرات الألوف في ذلك الوقت الضيق يكون كثير منهم أو أكثرهم غير واجدين للهدي فكيف يجوز أن يقال كان ينبغي لهؤلاء الاحرام يوم السادس والخامس ورسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرهم بالاحرام يوم الثامن

وما ذكروه من الاحتراز من الخلاف فإنما يشرع إذا أورث شبهة فإن الاحتراز من الشبهة مشروع
فإذا وضح الحق وعرفت السنة وكان في الاحتراز عما أمر الله به ورسوله فلا معنى له
وأيضا فإن المتمتع إذا أمر بتقديم الاحرام قل ترفهه وربما لم يمكنه التمتع إذا قدم مكة يوم السادس أو السابع وفي ذلك اخراج للمتمتع عن وجهه
وأيضا فإن الاحرام إنما يشرع عند الشروع في السفر ولهذا لم يحرم النبي صلى الله عليه و سلم من الميقات إلا عند إرادة المسير وقد بات فيه ليلة والحاج إنما يتوجهون يوم التروية ففي الأمر بالاحرام قبلها أمر بالاحرام وهو مقيم أو أمر بالتقدم إلى منى وكلاهما أمر بخلاف الأفضل المسنون فلا يجوز الأمر بذلك
وأما وقت الاستحباب يوم التروية فقال أبو الخطاب الأفضل أن يحرم يوم التروية بعد الزوال وقال القاضي وابن عقيل يستحب أن يوافي منى بعد الزوال محرما
وقول أبي الخطاب أجود لأن في الحديث أمرنا عشية التروية أن نحرم بالحج

وأما مكان الاحرام فالمشهور عند أصحابنا أنه يستحب أن يحرم من جوف الكعبة قال أحمد في رواية المروذي فإن كنت متمتعا قصرت من شعرك وحللت فإذا كان يوم التروية صليت ركعتين في المسجد الحرام وأهللت بالحج تقول اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله منى وأعنى عليه وإنما تشترط إذا كنت في الحرم ثم قل لبيك اللهم إلى اخره
وفي موضعه روايتان إحداهما بعد أن تخرج من المسجد قال في رواية عبد الله فإذا كان يوم التروية طاف بالبيت فإذا خرج من المسجد لبى بالحج وقال أيضا قلت لأبي من أين يهل بالحج قال إذا جعل البيت خلف ظهره قلت فإن بعض الناس يقول يحرم من الميزاب قال إذا جعل البيت خلف ظهره أهل
والرواية الثانية يهل من جوف المسجد قال في رواية حرب في وصف المتعة ويحل إن لم يكن معه هدي فإذا كان يوم التروية أهل بالحج من المسجد وإن كان ساق الهدي أهل بالحج يوم التروية مع كونه باقيا على احرامه وهذا ظاهر رواية المروذي وقد استحب المروذي أن يصلي ركعتين في المسجد ثم يحرم لأن الاحرام يستحب أن يكون عقب صلاة كالاحرام من الميقات

واستحب في رواية عبد الله أن يطوف حلالا ثم يحرم بعد الطواف وهذا الطواف لتوديع البيت لكونه خارجا إلى الحل ويستحب لمن خرج إلى الحل أن يودع البيت وأن يحرم عقب الطواف كما استحب لمن يحرم بغير مكة أن يحرم عقب الصلاة ومتى طاف أحرم عقب ركعتي الطواف
وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله الذي يحرم من مكة من أين يحرم قال إذا توجه إلى منى كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن الحسن التميمي قال قلت لابن عباس إني تمتعت فأنا أريد أن أهل بالحج أين أهل قال من حيث شئت قلت من المسجد قال من المسجد
وعن الزبير بن عربي قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن قال حسن يا بن جميل فقلت من أين أهل ومتى أهل قال من حيث شئت ومتى شئت رواهما سعيد
ووجه الأول أن كل ميقات فيه مسجد فإنه يستحب الاحرام بعد الصلاة في مسجده كميقات ذي الحليفة
وأما حديث جابر فإن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أمرهم بالاحرام إذا توجهوا إلى منى ولم يعين مكانا في أمره لأن بقاع مكة والحرم مستوية في جواز الاحرام منها فأحرم من شاء من الأبطح كما أحرم خلق من أصحابه من ذي الحليفة ولم يدخلوا المسجد
ولو قدم المتمتع الاحرام جاز قال الفضل سألت أبا عبد الله عن متمتع أهل بالحج حين رأى هلال ذي الحجة فقال كان ابن عمر يفعل ذلك ثم أخر ذلك إلى يوم التروية

وقال في رواية الميموني الوجه أن يهل المتمتع بالحج في اليوم الذي أهل فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن أهل قبله فجائز
وأما من كان مقيما بمكة من أهلها وغيرهم ممن اعتمر قبل أشهر الحج أو لم يعتمر ففيهم روايتان إحداهما هم وغيرهم سواء يحرمون بالحج يوم التروية قال في رواية أبي طالب في المكى إذا كان يوم التروية صلى الفجر وطاف بالبيت فإذا توجه إلى منى أحرم بالحج لقول جابر فلما توجهنا أهللنا بالحج
والرواية الثانية يهل إذا رأى الهلال قال في رواية أبي داود إذا دخل مكة متمتعا يهل بالحج يوم التروية إذا توجه من المسجد إلى منى قيل له فالمكى يهل إذا رأى الهلال قال كذا روى عن عمر
قال القاضي فقد نص على أن المتمتع يهل يوم التروية فالمكى يهل قبل ذلك وقال في موضع اخر قول أحمد في المكى يهل إذا رأى الهلال حكى في ذلك قول عمر والحكم فيه كالحكم في غير
واختلف أصحابنا فيما إذا سئل أحمد عن مسألة فقال فيها قال فلان

كذا وأشار إلى بعض الفقهاء فقال ابن حامد يكون ذلك مذهبا لأنه قد استدعى منه الجواب فلولا أن ذلك مذهبه لم يكن قد أجاب
وذهب غيره إلى أنه لا يكون مذهبا له لجواز أن يكون قد أخبر بمذهب الغير ليقلده السائل
فأما إن أخبر بقول صحابي فهو عندهم مذهب بناء على أن قول الصحابي حجة كما لو أخبر بآية أو حديث ولم يتأوله ولم يضعفه فإنه يكون مذهبا له بلا خلاف
وذلك لما روى القاسم بن محمد قال قال عمر يا أهل مكة ما لى أرى الناس يقدمون شعثا غبرا وأنتم يفوح من أحدكم ريح المسك إذا رأيتم هلال ذي الحجة فأهلوا رواه سعيد
ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر من أراد الأضحية إذا دخل العشر أن لا يأخذ

من شعره ولا ظفره فالذي يريد الحج أعظم من ذلك فيستحب له أن يحرم من أول العشر وإن لم يحرم فقد روى عبد الله بن السائب المخزومي قال قال عمر رحمه الله تجردوا في الحج وإن لم تحرموا
والرواية الأولى اختيار القاضي وغيره لأنه ثبت أنه لا يستحب تقديم الاحرام على الميقات المكانى فكذلك على الميقات الزماني
ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لما حج حجة الوداع لم ينقل أنه أمر أهل مكة بالإحرام من أول العشر ولا قبل يوم التروية
ولأن السنة للمحرم أن يحرم عند إرادة السفر بدليل ان النبي صلى الله عليه و سلم بات بذي الحليفة ولم يحرم حتى أراد الرحيل فأما أن يحرم ويقيم مكانه أو يقيم بمصر من الأمصار وبهذا احتج ابن عمر رضي الله عنه عن عطاء قال رأيت ابن عمر رحمه الله وهو في المسجد فقيل له قد رئى هلال ذي الحجة فخلع قميصه ثم أحرم ثم رأيته في العام المقبل وهو في البيت فقيل له قد رئى هلال ذي الحجة فخلع قميصه ثم أحرم فلما كان العام الثالث قيل له قد رئى هلال ذي الحجة فقال وما أنا الا كرجل من أصحابي وما أراني أفعل إلا كما فعلوا فأمسك حتى كان يوم التروية فأتى البطحاء فلما استوت به راحلته أحرم وعن مجاهد نحو ذلك قال يعني فسألته عن ذلك فقال إني كنت امرءا من أهل المدينة فأحببت أن أهل

باهلالهم ثم ذهبت انظر فإذا أنا أدخل على أهلي وأنا محرم وأخرج وأنا محرم فإذا ذلك لا يصلح لأن المحرم إذا أحرم خرج لوجهه قلت فأي ذلك ترى قال يوم التروية رواهما سعيد

الفصل الثالث
أنهم يبيتون بمنى حتى تطلع الشمس على ثبير وهو الجبل المشرف على منى فلا يشرعوا في الرحيل قبل طلوع الشمس فأما شد الأحمال ووضعها على الحمولة فليس من السير
الفصل الرابع
أنهم يسيرون من منى إلى عرفات ولا يقفون عند المشعر الحرام كما كانت الجاهلية تفعل فينزلون قبل الزوال بنمرة ومن أصحابنا من قال ينزلون بعرفة
قال أبو عبد الله في رواية المروذي ثم يغدوا يعني بعد المبيت

بمنى إلى عرفات ويقول اللهم إليك توجهت وعليك اعتمدت ووجهك أردت أسألك أن تبارك لي في سفري وتقضي حاجتي وتغفر لي ذنوبي اللهم إني لك أرجوا وإياك أدعوا وإليك أرغب فإصلح لي شأني كله من الآخرة والدنيا
قال جابر بن عبد الله فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس فقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يؤطين فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولكم عليهن

رزقهن وكسوتهن بالمعروف قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم أشهد اللهم أشهد ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام الصلاة فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الموقف رواه مسلم وغيره
وعن ابن عمر قال غدا رسول الله صلى الله عليه و سلم من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة وهى منزل الإمام الذي ينزل فيه بعرفه حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه و سلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة رواه أحمد وأبو داود
وقد روى الأزرقي عن ابن جريج قال سألت عطاء أين كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينزل يوم عرفة قال بنمرة منزل الخلفاء ألى الصخرة الساقطة بأصل الجبل عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفات يلقى عليها ثوب يستظل به صلى الله عليه و سلم

قال الأزرقي نمرة هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف وتحت جبل نمرة غار أربع أذرع في خمس أذرع وذكروا أن النبي صلى الله عليه و سلم كانه ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف وهو منزل الأئمة اليوم والغار داخل في جدار دار الأمارة في بيت في الدار
وروى أبو داود في مراسيله عن ابن جريج ثنا أبان بن سلمان أن النبي صلى الله عليه و سلم نزل يوم عرفة عند الصخرة المقابلة منازل الامراء يوم عرفة التي بالأرض في أسفل الجبل وستر اليها بثوب عليه
وأما سلوكه من منى إلى عرفة فقال القاضي في الأحكام السلطانية يستحب للامام في الحج أن يخرج في اليوم الثامن من مكة فينزل بخيف بنى

كنانة حيث نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم ويبيت بها ويسير بهم من غده وهو اليوم التاسع مع طلوع الشمس إلى عرفة على طريق ضب ويعود على طريق المأزمين اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم وليكون عائدا في غير الطريق التي صدر منها فإذا أشرف على عرفة نزل ببطن نمرة وأقام به حتى تزول الشمس ثم سار منه إلى مسجد ابراهيم عليه السلام بوادي عرفة
وقال الأزرقي ضب طريق مختصرة من المزدلفة إلى عرفة وهي في أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة وقد ذكروا أن النبي صلى الله عليه و سلم سلكها حين عدل من منى إلى عرفة قال ذلك بعض المكيين
وروي باسناده عن ابن جريج قال سلك عطاء طريق ضب قال هي طريق موسى بن عمران
وفي رواية فقيل له في ذلك فقال لا بأس إنما هي طريق

والسنة أن ينزل الناس بنمرة وهي من الحل وليست من أرض عرفات وبها يكون سوقهم
وأما أرض عرفات فليست السنة أن ينزل بها ولا يباع فيها ولا يشتري وانما تدخل وقت الوقوف
مسألة فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما
قال أبو عبد الله في رواية المروذي فإذا أتيت فقل اللهم هذه عرفة عرف بيننا وبين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم واغتسل إن أمكنك وصل مع الإمام الظهر والعصر فإن لم تدرك الإمام جمعت بينهما ثم صرت إلى عرفات فوقفت على قرب من الإمام في أصل الجبل إن استطعت وعرفات كلها موقف وارفع عن بطن عرنة وقل الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير وذكر دعاء كثيرا
وجملة ذلك أنه إذا زالت الشمس فإن الإمام والناس يقصدون مصلى النبي صلى الله عليه و سلم وهو بطن وادى عرنة حيث خطب بالناس وصلى بهم فيخطب الإمام بالناس ويصلى بهم الصلاتين يجمع بينهما ثم يسيرون إلى الموقف بعرفة
قال جابر حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الموقف رواه مسلم وفي حديث ابن عمر نحوه وقد تقدم

وعن سالم قال كتب عبد الملك إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج فجاء ابن عمر وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس
فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة فقال ما بالك يا أبا عبد الرحمن فقال الرواح إن كنت تريد السنة قال هذه الساعة قال نعم قال فأنظرنى حتى أفيض على رأسي ثم أخرج فنزل حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي فقلت إن كنت تريد السنة فأقصر الخطبة وعجل الوقوف فجعل ينظر إلى عبد الله فلما رأى ذلك عبد الله قال

صدق رواه البخاري والنسائي
وعن ابن عمر قال لما قتل الحجاج ابن الزبير أرسل إلى ابن عمر أيت الساعة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يروح في هذا اليوم قال إذا كان ذلك رحنا فلما أراد ابن عمر أن يروح قال قالوا لم تزغ الشمس قال أزاغت قالوا لم تزغ قال فلما قالوا قد زاغت ارتحل رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة
فعلى هذا يسيرون إلى بطن الوادي فينزلون فيسمعون الخطبة ويصلون ثم يركبون إلى الموقف وأما الأحمال فعلى حالها
ولم يكن في هذا المصلى على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وخلفائه مسجد
قال مالك بن أنس رضي الله عنه لم يكن بعرفة مسجد منذ كانت

وإنما أحدث مسجدها بعد بني هاشم بعشر سنين وكان الإمام يخطب منها موضع يخطب اليوم ويصلى بالناس فيه
وقد ذكر الأزرقي أن من حد الحرم إلى هذا المسجد ألف ذراع وستمائة ذراع وخمسة أذرع وأنه من الغار الذي بعرنة وهو منزل النبي صلى الله عليه و سلم إلى هذا المسجد ألفا ذراع وأحد عشر ذراعا
ويسمون هذا المسجد مسجد إبراهيم وربما قال وهذا المسجد ببطن عرنة وليس هو من عرفات فتكون الخطبة والصلاة يوم عرفة ببطن عرنة
وقد أعرض جمهور الناس في زماننا عن أكثر هذه السنن فيوافون عرفة من أول النهار وربما دخلها كثير منهم ليلا وبات بها وأوقد النيران بها وهذا بدعة

وخلافا للسنة ويتركون أتيان نمرة والنزول بها فإنها عن يمين الذي يأتي عرفة من طريق المأزمين يمانى المسجد الذي هناك كما تقدم تحديدها ومن قصد عرفات من طريق ضب كانت على طريقه
ولا يجمعون الصلاتين ببطن عرنة بالمسجد هناك ولا يعجلون الوقوف الذي هو الركوب وشد الأحمال بل يخلطون موضع النزول أول النهار بموضع الصلاة والخطبة بموضع الوقوف ويتخذون الموقف سوقا وإنما كانت الأسواق بين الحرم والموقف فإذا لم يفعل الإمام فمن أمكنه

فصل
والسنة أن يخطب بهم الإمام ببطن عرنة موضع المسجد قبل الوقوف يخطب ثم يصلى وهذه الخطبة سنة مجمع عليها قال أحمد خطبة يوم عرفة لم يختلف الناس فيها وقد رواها عن النبي صلى الله عليه و سلم جابر وابن عمر كما تقدم وابن عباس وجابر بن سمرة ونبيط بن شريط والعداء بن خالد وغيرهم سلمة بن نبيط عن أبيه وكان قد حج مع النبي صلى الله عليه و سلم قال رأيته يخطب يوم عرفة على بعيره رواه الخمسة إلا الترمذي

وعن العداء بن خالد بن هوذة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائما في الركابين رواه أحمد وأبو داود
قال أصحابنا إذا زالت الشمس خطبهم خطبة يعلمهم فيها المناسك من موضع الوقوف ووقت الدفع من عرفات وموضع صلاة المغرب والعشاء بمزدلفة والمبيت والغدو إلى منى للرمى والنحر والطواف والتحلل والمبيت بمنى لرمى الجمار زاد أبو الخطاب وقت الوقوف ولا حاجة إليه فإنه قد دخل لما روى يحيى بن حصين قال سمعت جدى يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم

يخطب بعرفات يقول غفر الله للمحلقين ثلاث مرات قالوا والمقصرين فقال والمقصرين في الرابعة رواه أحمد
وعن محمد بن قيس بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب يوم عرفة فقال يوم الحج الأكبر إن من كان قبلكم من أهل الأوثان والجاهلية يفيضون إذا الشمس على الجبال كأنها عمائم الرجال ويدفعون من جمع إذا أشرقت على الجبال كأنها عمائم الرجال فخالف هدينا هدى الشرك والأوثان رواه أبو داود في المراسيل
وفي حديث علي وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم وقف بعرفة قال وقفت ها هنا

وعرفة كلها موقف
وعن ابن عمر أن عمر خطب الناس بعرفة فعلمهم أمر الحج رواه مالك فقد تبين أن هذه الخطبة ذكر فيها أمر الوقوف بعرفة ومزدلفة والحلق وقد ذكر صلى الله عليه و سلم في خطبته جوامع من أمور الدين والشريعة كما ذكر جابر ابن عبد الله
وعن جابر بن سمرة في حديثه في اثنى عشر خليفة أنه سمع من النبي صلى الله عليه و سلم بعرفات وهو يخطب رواه أحمد
وعن ابن عباس
قال أصحابنا ويخطب عقب الزوال ثم يأمر بالإذان وينزل فيصلى بالناس الظهر والعصر فتكون الخطبة بين ! والاذان
قال أحمد الصلاة قبل الخطبة هكذا يصنع الناس لا يشرع في الاذان حتى يقضى الخطبة لأن حديث جابر الذي في الصحيح قال فأتى بطن الوادي وذكر خطبته فخطب الناس ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام

فصلى العصر رواه مسلم وغيره
مسألة ويستقبل القبلة
وذلك لما تقدم عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم استقبل القبلة
مسألة ويكون راكبا
وجملة ذلك أن الوقوف بعرفة عبارة عن الكون بها سواء كان قائما أو قاعدا أو مضطجعا أو ماشيا لكن اختلف أصحابنا في أفضل الأحوال للوقوف فقال بعضهم الأفضل أن يكون راكبا كما ذكره الشيخ وهذا هو قول الأثرم وهو منصوص وكذلك ذكر القاضي قال ابن القاسم قلت

لأحمد روي عن مالك أنه كان يقول الوقوف بعرفة على ظهور الدواب سنة والوقوف على الأقدام رخصة فكيف تقول في هذا قال قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه وقف وهو راكب
وظاهره أنه وافق مالكا واحتج له لأن النبي صلى الله عليه و سلم وقف راكبا ولا يفعل إلا الأفضل وقد قال خذوا عني مناسككم وكذلك
وقال بعضهم الراجل أفضل قال القاضي وقد نص أحمد على أن رمى الجمار ماشيا أفضل كذلك يجيء عنه في الوقوف
وقال محمد بن الحسن بن هارون سألته عن الوقوف بعرفة راكبا فرخص في ذلك وقال النبي صلى الله عليه و سلم وقف على راحلته وظاهره أنه رخصة وهذا اختيار ابن عقيل قال لأن جميع العبادات والمناسك على ذلك يعني من الطواف والسعي والوقوف بمزدلفة وبمنى وإنما وقف النبي صلى الله عليه و سلم راكبا ليرى الناس ويروه
فعلى هذا يقف الإمام راكبا وكذلك قال القاضي في الأحكام السلطانية وقوفه على راحلته ليقتدى به الناس أولى

لأن في ذلك تخفيفا عن المركوب وتواضعا لله بالنزول إلى الأرض
فعلى هذا إذا أعيى من القيام فهل يكون قعوده أفضل
وقيل هما سواء وقد نقل ابن منصور عن أحمد أيهما أفضل أن يقف راكبا أو راجلا فتوقف
ومن رجح الأول قال الوقوف يطول زمانه والواقف على رجليه يعيى ويكل وذلك يضجره عن الدعاء والإبتهال
مسألة ويكثر من قول لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير ويجتهد في الدعاء والرغبة الى الله عز و جل الى غروب الشمس
وجملة ذلك أن هذا الموقف مشهد عظيم ويوم كريم ليس في الدنيا مشهد أعظم منه روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو يباهى بهم الملائكة ويقول ما أراد هؤلاء رواه مسلم والنسائي وابن ماجة ولفظه عبدا أو أمة

وروى ابن أبي الدنيا من حديث أبي نعيم عن مسروق مولى طلحة بن عبد الله الباهلي عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان ينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهى بكم الملائكة فيقول انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم فتقول الملائكة فيهم فلان بن فلان فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم فما من يوم أكثر عتقا من يوم عرفة
وعن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما روى الشيطان يوما هو أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما

ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أرى يوم بدر قيل وما رأى يوم بدر قال أما إنه قد رأى جبريل وهو يزع الملائكة رواه مالك وابن أبي الدنيا وهو مرسل
وفي مثل هذا اليوم وهذا المكان أنزل الله سبحانه اليوم أكملت لكم دينكم فروى طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود قال له يا أمير المؤمنين اية في كتابكم تقرءونها لو علينا أنزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال أي اية قال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فقال عمر قد عرفنا ذلك اليوم وذلك المكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه و سلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة رواه الجماعة إلا أبا داود وابن ماجة
وأما توقيت الدعاء فيه فليس فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم شيء مؤقت إلا أن أصحابنا قد استحبوا المأثور عنه في الجملة وهو ما روى عمرو بن شعيب

عن أبيه عن جده قال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير رواه أحمد وهذا لفظه
ورواه الترمذي ولفظه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير قال الترمذي حديث غريب من هذا الوجه
وعن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل ما قلت أنا والأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رواه الطبراني في مناسكه من رواية قيس بن الربيع

وعن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك رواه مالك
واستحبوا أيضا ما روى عن علي بن أبي طالب قال أكثر ما دعى به رسول الله صلى الله عليه و سلم عشية عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي نقول وخير مما نقول اللهم لك صلاتي ومحياى ومماتي وإليك مأبى ولك تراثى اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجرى به الريح رواه الترمذي وقال حديث غريب من هذا الوجه وليس اسناده بالقوى
وقد روى عن ابن عباس قال كان مما دعا به رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع اللهم انك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنوبه أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال المذنب وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خضعت لك رقبته وفاضت لك عيناه وذل جسده ورغم أنفه لك اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا وكن بى رؤفا رحيما يا خير المسؤلين ويا خير المعطين رواه الطبراني في معجمه

وقد تقدم عن ابن عمر أنه كان يدعو بعرفات بمثل دعائه على الصفا وقد تقدم
وعن عبد الله بن الحارث أن ابن عمر كان يرفع صوته عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اهدنا بالهدى وزينا بالتقى واغفر لنا في الاخرة والأولى ثم يخفض صوته ثم يقول اللهم إني أسألك من فضلك وعطائك رزقا طيبا مباركا اللهم انك أمرت بالدعاء وقضيت على نفسك بالإجابة وإنك لا تخلف وعدك ولا تكذب عهدك اللهم ما أحببت من خير فحببه الينا ويسره لنا وما كرهت من شر فكرهه إلينا وجنبناه ولا تنزع منا الاسلام بعد إذ أعطيتنا رواه الطبراني في المناسك باسناد جيد
وقال أبو عبد الله في رواية أبي الحارث يصلي مع الإمام الظهر والعصر بعرفة ثم يمضي إلى مر ثم يدعو ويرفع يديه
وكان ابن عمر يقول الله أكبر الله أكبر الحمد لله كثيرا اللهم اهدني بالهدي واغفر لي في الاخرة والأولى ثم يردد ذلك كقدر ما يقرأ فاتحة الكتاب وذكره باسناد وروى ذلك أيضا بهذا الإسناد في رواية عبد الله ثنا اسماعيل بن ابراهيم ثنا سليمان التميمي عن أبي مجلز قال كان ابن عمر

يقول الله أكبر ولله الحمد الله أكبر ولله الحمد الله أكبر ولله الحمد لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد اللهم إهدني بالهدي وقنى بالتقوى واغفر لي في الاخرة والأولى ثم يرد يديه فيسكت كقدر ما كان إنسان قارئا بفاتحة الكتاب ثم يعود فيرفع يديه ويقول مثل ذلك فلم يزل يفعل ذلك حتى أفاض
قال أحمد في رواية عبد الله يقف ويدعو ويرفع يديه لما روى أسامه ابن زيد قال كنت رديف النبي صلى الله عليه و سلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى رواه أحمد والنسائي
وعن سليمان بن موسى قال لم يحفظ من رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه رفع يديه الرفع كله إلا في ثلاث مواطن الإستسقاء والإستغفار وعشية عرفة ثم كان بعد رفع دون رفع رواه أبو داود في مراسيله

وعن أبي سعيد
مسألة ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار ويكون ملبيا ذاكرا لله عز و جل
وجملة ذلك أنه لا يجوز الخروج من عرفة حتى تغرب الشمس ولا يدفع حتى يدفع الإمام ويسير وعليه السكينة والوقار
قال أبو عبد الله في رواية المروذي فإذا دفع الإمام دفعت معه ولا تفض حتى يدفع الإمام وأنت في خلال ذلك تلبى فإذا أفضت من عرفات فهلل وكبر ولب وقل اللهم إليك أفضت وإليك رغبت ومنك رهبت فاقبل نسكي وأعظم أجري وتقبل توبتي وارحم تضرعي واستجب دعائي وأعطني سؤلي
قال جابر بن عبد الله في حديثه عن النبي صلى الله عليه و سلم فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد شنق للقصوى الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى يصعد حتى أتى المزدلفة رواه مسلم

وعن ابن عباس أنه دفع مع النبي صلى الله عليه و سلم فسمع وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل فأشار بسوطه إليهم أيها الناس عليكم السكينة فإن البر ليس بالإيضاع رواه البخاري
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض من عرفة وأسامة ردفه قال أسامة فما زال يسير على هينته حتى أتى جمعا رواه مسلم
وعن عروة بن الزبير أنه قال سئل أنس وأنا جالس كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع حين أفاض من عرفات قال يسير العنق

فإذا وجد فجوة نص متفق عليه
وأما التلبية فلما تقدم في حديث الفضل بن عباس
وإنما استحب له سلوك المأزمين
وإن سلك الطريق الأخرى جاز
قال أبو طالب سألت أحمد عن قول عطاء لا بأس بطريق ضب قال طريق مختصر من عرفات إلى منى
مسألة فإذا وصل إلى مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما

قال أبو عبد الله في رواية المروذي فإذا انتهيت إلى مزدلفة وهي جمع فاجمع بين المغرب والعشاء كل صلاة بإقامة ولا بأس أن صليتهما مع الإمام فهو أفضل وقل اللهم هذه جمع فأسألك أن توفقني فيها لجوامع الخير كله فإنه لا يقدر على ذلك إلا أنت رب المشعر الحرام ورب الحرمات العظام أسألك أن تبلغ روح محمد صلى الله عليه و سلم عني السلام وتصلح لي نيتي وتشرح لي صدري وتطهر لي قلبي وتصلحني صلاح الدنيا والاخرة
والجمع بين الصلاتين بمزدلفة من السنة المتواترة التي توارثتها الأمة قال جابر بن عبد الله في حديثه عن النبي صلى الله عليه و سلم حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال بأذان واحد واقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح رواه مسلم
وعن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بمزدلفة متفق عليه
وعن أسامة بن زيد قال ردفت مع النبي صلى الله عليه و سلم من عرفات فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ قال ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوء خفيفا فقلت الصلاة يا رسول الله قال

الصلاة أمامك فركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى المزدلفة فصلى ثم أردف الفضل رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة جمع قال كريب فأخبرني عبد الله ابن عباس عن الفضل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة متفق عليه وفي رواية دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفة فنزل الشعب بال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة قال الصلاة أمامك فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل انسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما متفق عليه
وهذا الجمع مسنون لكل حاج من المكيين وغيرهم وقد جاء ذلك منصوصا قال عبد الله بن مسعود إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا

وصلاة الفجر هذه الساعة رواه البخاري
وهذا حكم عام وتعليل عام وبيان أن العلة ليست مجرد السفر كما لم يكن هو المؤثر في تقديم الفجر وإنما ذاك لأجل الدفع من عرفات فأما على قول فإن صلى المغرب قبل أن يصل إلى المزدلفة أجزأه
قال أبو الحارث قلت لأحمد فإن صلى المغرب بعرفة أو في الطريق قال إن وصل إلى جمع أرجو أن يجزءه والسنة أن يصلى المغرب بجمع
لأن النبي صلى الله عليه و سلم صلى المغرب بجمع
مسألة ثم يبيت بها
السنة في حق الحاج جميعا أن يبيتوا بمزدلفة إلى طلوع الفجر ثم يقفوا بها إلى قبيل طلوع الشمس
مسألة ثم يصلى الفجر بغلس
قال أبو عبد الله في رواية أبي الحارث فإذا برق الفجر صلى مع الإمام إن قدر ثم وقف فدعا ثم دفع قبل طلوع الشمس حتى يأتي مني
السنة التغليس بالفجر في هذا المكان قبل جميع الأيام ليتسع وقت الوقوف بالمشعر الحرام قال جابر بن عبد الله ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام رواه مسلم

وعن عبد الرحمن بن يزيد قال حج عبد الله فأتينا المزدلفة حين الآذان بالعتم أو قريبا من ذلك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر أرى فأذن وأقام قال لا أعلم الشك إلا من زهير ثم صلى العشاء مرتين فلما طلع الفجر قال إن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم قال عبد الله هما صلاتان تحولان عن وقتهما صلاة المغرب بعدما يأتي المزدلفة والفجر حين يبزغ الفجر وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله
وفي لفظ خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل واحدة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع الفجر ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا

المكان المغرب فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال أن أمير المؤمنين أفاض الان أصاب السنة فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان رضي الله عنه فلم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر رواه البخاري وفي رواية ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها متفق عليه
مسألة ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو ويكون من دعائه اللهم كما وقفنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا وأغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق فإذا أفضتم من عرفت الايتين إلى أن يسفر ثم يدفع قبل طلوع الشمس
قال أبو عبد الله في رواية المروذي فإذا برق الفجر فصل الفجر مع الإمام إن قدرت ثم قف مع الإمام في المشعر الحرام وتقول اللهم أنت خير مطلوب منه إلى اخره
إعلم أن المشعر الحرام في الأصل اسم للمزدلفة كلها وهو المراد لأن عرفة هي المشعر الحلال وسمى جمعا لأن الصلاتين تجمع بها كأن

الأصل موضع جمع أو ذات جمع ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه
وروى سعيد بن أبي عروبة في مناسكه عن قتادة في قوله فاذكروا الله عند المشعر الحرام قال هي ليلة جمع ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول ما بين الجبلين مشعر
وعن عمرو بن ميمون قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاص ونحن بعرفة عن المشعر الحرام قال إن اتبعتني أخبرتك فدفعت معه حتى إذا وضعت الركاب أيديها في الحرم قال هذا المشعر الحرام قلت إلى أين قال إلى أن تخرج منه رواه الأزرقي وغيره باسناد صحيح
ويبين ذلك أن الله أمر بذكره عند المشعر الحرام فلا بد من أن يشرع امتثال هذا الأمر وانما شرع من الذكر صلاة المغرب والعشاء والفجر والوقوف للدعاء غداة النحر وهذا الذكر كله يجوز في مزدلفة كلها لقول النبي صلى الله عليه و سلم هذا الموقف ومزدلفة كلها موقف فعلم أنها جميعا تدخل في مسمى المشعر الحرام

ثم إنه خص بهذا الاسم قزح لأنه أخص تلك البقعة بالوقوف عنده والذكر وغلب هذا الاستعمال في عرف الناس حتى إنهم لا يكادون يعنون بهذا الاسم إلا نفس قزح وإياه عنى جابر بقوله في حديثه عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس رواه مسلم
وكثيرا ما يجيء في الحديث المشعر الحرام يعني به نفس قزح
وأما في عرف الفقهاء فهو غالب عليه ونسبة هذا الجبل إلى مزدلفة كنسبة جبل الرحمة إلى عرفة
إذا تبين هذا فإن السنة أن يقف الناس غداة جمع بالمزدلفة يذكرون الله سبحانه ويدعونه كما صنعوا بعرفات إلى قبيل طلوع الشمس وهو موقف عظيم ومشهد كريم وهو تمام للوقوف بعرفة وبه تجاب المسائل التي توقفت بعرفة كالطواف بين الصفا والمروة مع الطواف بالبيت وأوكد قال تعالى فإذا أفضتم من عرفت فاذكروا الله عند المشعر الحرام ووقف النبي صلى الله عليه و سلم فيه بالناس

وقد روى عباس بن مرداس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب قد غفرت لهم ما خلا المظالم فإني اخذ للمظلوم منه قال أي ربى إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل قال فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم أو تبسم فقال أبو بكر وعمر بأبي أنت وأمي إن هذه الساعة ما كنت تضحك فيها فما الذي أضحكك أضحك الله سنك قال إن عدو الله ابليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكني ما رأيت من جزعه رواه أبو داود وابن ماجه وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه وابن أبي الدنيا
وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان عشية عرفة باهى

الله بالحاج فيقول لملائكته انظروا إلى عبادي شعثا غبرا قد أتوني من كل فج عميق يرجون رحمتي ومغفرتي أشهدكم أني قد غفرت لهم إلا ما كان من تبعات بعضهم بعضا فإذا كان غداة المزدلفة قال الله لملائكته أشهدكم أني قد غفرت لهم تبعات بعضهم بعضا وضمنت لأهلها النوافل رواه ابن أبي داود من حديث ابن أبي رواد عن نافع عنه
وعن بلال بن رباح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له غداة جمع يا بلال اسكت لنا أو أنصت الناس ثم قال إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل ادفعوا باسم الله رواه ابن ماجة
فصل
ولا يفيض الإمام من جمع حتى يسفر النهار فيفيض قبل طلوع الشمس قال جابر في حديثه الطويل فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطلع الشمس
وعن عمر بن الخطاب قال كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير قال فخالفهم النبي صلى الله عليه و سلم فأفاض قبل طلوع الشمس رواه الجماعة إلا مسلما وقال في رواية أحمد وابن

ماجة كما يغير
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف بجمع فلما أضاء كل شيء قبل أن تطلع الشمس أفاض رواه أحمد
وقد تقدم في حديث عبد الله بن مسعود أنه وقف حتى أسفر ثم قال إن أمير المؤمنين أفاض الان أصاب السنة رواه البخاري
ولا ينبغي لأحد أن يدع الوقوف غداة جمع ويتعجل بليل إلا لعذر قال حنبل قال عمى من لم يقف غداة المزدلفة ليس عليه شيء لأن النبي صلى الله عليه و سلم قدم الضعفة ولا ينبغي له أن يفعل إلا أن يكون معه ضعفة أو غلبة وعليه أن يبيت ليلة المزدلفة فإن لم يبت فعليه دم
والمعذور يذكر الله عند المشعر الحرام بليل وذلك لما روى سالم أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه و سلم متفق عليه ولفظه لمسلم

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أرخص لضعفة الناس من المزدلفة بليل رواه أحمد
وعن عبد الله مولى أسماء ابنة أبي بكر عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلى فصلت ساعة ثم قالت يا بني غاب القمر قلت لا فصلت ساعة ثم قالت هل غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا قالت يا بني إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن للظعن متفق عليه
وعن أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث بها من جمع بليل رواه أحمد ومسلم والنسائي

وعن ابن عباس قال أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه و سلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله رواه الجماعة إلا الترمذي
وعن الفضل بن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ضعفة بني هاشم أن يتعجلوا من جمع بليل رواه أحمد والنسائي
فهذا الترخيص دليل على أن غيرهم ليسوا لما أذن لضعفه الناس وأذن للظعن وأرخص في أولئك يقتضي قصر الأذن عليهم وأن غيرهم لم يؤذن له وكذلك تقديمه صلى الله عليه و سلم ضعفة أهله وابقاؤه سائر الناس معه دليل على أن حكمهم بخلاف ذلك
والضعفة من يخاف من تأذية بزحمة الناس عند الوقوف والمسير ورمى الجمرة وهم النساء والصبيان والمرضى ونحوهم ومن يقوم بهؤلاء

فصل
والجبل الذي يستحب الوقوف عنده بالمزدلفة له ثلاثة أسماء قزح والمشعر الحرام والميقدة
مسألة ثم يدفع قبل طلوع الشمس فإذا بلغ محسرا أسرع قدر رميه بحجر حتى يأتي منى

قال جابر في حديثه الطويل عن النبي صلى الله عليه و سلم فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم مرت ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر اليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الاخر ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه و سلم يده إلى الشق الاخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الاخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات رواه
ويستحب أن يدفع وعليه السكينة كما في الدفع من عرفة كما روى الفضل ابن عباس وكان رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا عليكم بالسكينة وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى قال عليكم بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة وقال لم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبى حتى رمى جمرة العقبة وفي لفظ يشير بيده كما يخذف الانسان رواه مسلم

وأما الإسراع في وادي محسر فقد ذكره جابر وقال الفضل وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم أوضع في وادي محسر وأمرهم أن بمثل حصى الخذف رواة الخمسة و
وعن نافع أن ابن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسر قد رميه بحجر رواه مالك عنه
مسألة حتى يأتي منى فيبدأ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف يكبر مع كل حصاة ويرفع يده في الرمى ويقطع التلبية مع ابتداء الرمى ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ولا يقف عندها

في هذا الكلام فصول أحدها أن أول شيء يصنعه إذا قدم منى أن يؤم جمرة العقبة وهي اخر الجمرات أقصاهن من منى وأدناهن إلى مكة وهي الجمرة الاخرة وقد تسمى الجمرة القصوى باعتبار من يؤمها من منى وربما سميت
وسميت جمرة العقبة لأنها في عقبة مأزم منى وخلفها من ناحية الشام واد فيه بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه و سلم بيعة العقبة وقد بني هناك مسجد فيبدأ برمي هذه الجمرة قبل كل شيء كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم
قال أصحابنا رميها تحية منى كما أن الطواف تحية البيت وكما أن المغرب تحية المزدلفة وكما أن ويستحب أن يسلك إليها والجمرة اسم

الفصل الثاني
أن يرميها بسبع حصيات وهذا من العلم العام الذي توارثته الأمة خلفا عن

سلف قال جابر في حديثه ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر رواه مسلم وروى أنه رمى بسبع حصيات ابن مسعود والفضل بن عباس

الفصل الثالث
أنه يستحب أن يكون الحصى كحصى الخذف كما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أمرا وفعلا وفي حديث الفضل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال حتى دخل محسرا وهو من منى قال عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة وفي لفظ يشير بيده كما يخذف الانسان رواه مسلم
الفصل الرابع
أن يكبر مع كل حصاة ويرفع يده في الرمي قال جابر في حديثه الطويل عن النبي صلى الله عليه و سلم فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة وكذلك في حديث الفضل

قال أحمد في رواية المروذي يكبر في أثر كل حصاة يقول الله أكبر اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا وتجارة لن تبور
وقال حرب قلت لأحمد فيكبر قال نعم يكبر مع كل حصاة تكبيرة قلت بعد الرمي أو قبل الرمي قال يرمي ويكبر

الفصل الخامس
أنه يقطع التلبية مع ابتداء الرمي لما روي الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة متفق عليه وفي رواية لأحمد والنسائي فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاه
الفصل السادس
أن السنة أن يرميها من بطن الوادي وهو الطريق يماني الجمرة هذا هو المذهب المعروف المنصوص قال عبد الله قلت لأبي من أين يرمى الجمار قال من بطن الوادي
وقال حرب سألت أحمد قلت فإن رمى الجمرة من فوقها قال لا ولكن يرميها من بطن الوادي قلت لأحمد يكبر قال يكبر مع كل حصاة تكبيرة قلت بعد الرمي أو قبل الرمي قال يرمي ويكبر
وذكر القاضي عن حرب عن أحمد لا يرمى الجمرة من بطن الوادي ولا يرمى من فوق الجمرة قال القاضي يعني لا يرميها عرضا من بطن الوادي
وقال ابن عقيل إنما لم يستبطن الوادي لأنه أمر أن يرمى إليه لا فيه فإذا رمى فيه سقط وقوفه على ما علاه وسقط بعض ماحية بالرمى

وهذا غلط على المذهب منشأه الغلط في نقل الرواية
وقد ذكر القاضي في موضع اخر المذهب كما حكيناه ولعل سببه أن النسخة التي نقل منها رواية حرب كان فيها غلط فإني نقلت رواية حرب من أصل متقن قديم من أصح الأصول وكذلك ذكرها أبو بكر في الشافي لما روى قدامة بن عبد الله الكلابى أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صبها لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك رواه أحمد وابن ماجة والنسائي ولم يذكروا فيه من بطن الوادي
وعن عبد الرحمن بن زيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فاستعرضها فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة قال فقلت يا أبا عبد الرحمن إن الناس يرمونها من فوقها فقال

هذا والذي لا إله إلا هو مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة متفق عليه
وفي رواية للبخاري فاستبطن الوادي حتى إذا حاذى الشجرة اعترضها فرماها بسبع حصيات فكبر مع كل حصاة ثم قال من هاهنا والذي لا اله غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة
وفي رواية لأحمد أنه انتهى إلى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة وقل اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ثم قال ها هنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة
وفي حديث جابر أنه رمى من بطن الوادي وكذلك في عدة أحاديث ولا معدل عن السنة الصحيحة الصريحة أم كيف يجوز أن ينسب إلى أحمد أنه قال لا ترمى من بطن الوادي وهو أعلم الناس بسنته واتبعهم لها

الفصل السابع
أنه يستقبل القبلة فيجعل الجمرة عن يمينه ومنى وراءه ويستبطن الوادي كما

ذكر الشيخ وكذلك ذكر أبو الخطاب و لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه لما أتى جمرة العقبة استبطن واستقبل الكعبة وجعل الجمرة على حاجبه الأيمن ثم رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال من ها هنا والذي لا إله غيره رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل أنه إذا رمى جمرة العقبة يكون مستدبر القبلة مستقبلا لمنى فإنه إذا وافى هذه الجمرة مر بها ثم رجع فتوجه إليها فإذا جاوزها ثم عاد متوجها إليها كان مستقبلا لمنى مستدبرا للقبلة وهذا بناء على أنه لا يرميها من بطن الوادي وإنما يرميها من ناحية المأزم

الفصل الثامن
أنه لا يقف عندها
مسألة ثم ينحر هديه
قال جابر في حديثه عن النبي صلى الله عليه و سلم ورمى من بطن الوادي

ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هدية ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأفاض إلى البيت رواه مسلم
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس رواه مسلم وأبو داود
مسألة ثم يحلق ويقصر
وذلك لما تقدم في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار بيده إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس رواه مسلم
وفي رواية له لما رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ثم دعى أبا طلحة الأنصاري فأعطاه اياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال احلق فحلقه بأعطاه أبا طلحة فقال أقسمه بين الناس

وفي رواية للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حلق رأسه في حجة الوداع متفق عليه زاد البخاري وزعموا أن الذي حلق النبي صلى الله عليه و سلم معمر ابن عبد الله بن نضلة بن عوف
مسألة ثم قد حل له كل شيء إلا النساء
لا يختلف المذهب أنه إذا رمى الجمرة ونحر وحلق أو قصر فقد حل له اللباس والطيب والصيد وعقد النكاح ولا يحل له النساء وهذا يسمى التحلل الأول وذلك لما روي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رميتم

الجمرة فقد حل لكم كل شيء الا النساء فقال رجل والطيب فقال ابن عباس أما أنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذلك أم لا هكذا رواه أحمد واحتج به في رواية ابنه عبد الله قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء وساق الحديث وكذلك رواه أبو بكر في الشافي من حديث أحمد ومحمد بن اسماعيل الترمذي عن وكيع ثنا سفيان عن سلمة عن الحسن العرني ورواه النسائي من حديث يحيى بن سعيد وابن ماجه من رواية ابن أبي شيبة والطنافسي عن وكيع ومن رواية محمد بن خلاد الباهلي عن

يحيى عن وكيع وابن مهدي ثلاثتهم عن سفيان عن سلمة عن الحسن عن ابن عباس قال إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء جعلوا أوله موقوفا على ابن عباس ولذلك قيل إنه في المسند
وعن الحجاج بن ارطأة عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء رواه أحمد والد وأبو داود ولفظه إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء وقال هذا حديث ضعيف الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه
وعن عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت متفق عليه ولفظ مسلم وغيره ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك
وفي رواية للنسائي ولحله بعد ما يرمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت
فإذا ثبت بهذه السنة حل الطيب وهو من مقدمات النكاح ودواعيه فعقد

النكاح أولى ولأن الله سبحانه قال وإذا حللتم فاصطادوا ولم يقيده بالحل من جميع المحظورات بل هو مطلق ونكرة في سياق الشرط فيدخل فيه كل حل سواء كان حلا من جميع المحظورات أم من أكثرها أم من بعضها
وقال في الاية الأخرى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وإذا رمى الجمرة فليس بحرام ولذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم لا ينكح المحرم ولا ينكح وبعد الجمرة ليس بمحرم بدليل أنه إذا نذر
وفي المحرم من النساء روايتان إحداهما يحرم عليه جميع وجوه الاستمتاع من الوطء والمس والقبلة وغير ذلك وعلى هذا فيحرم عليه وهذا اختيار عامة أصحابنا مثل الخرقى وأبي بكر وابن حامد والقاضي وأصحابه
والرواية الثانية قال في رواية أبي طالب وقد سأله عن القبلة بعد رمى جمرة العقبة قبل أن يزور البيت فقال ليس عليه شيء قد حل له كل شيء إلا النساء

فمن أصحابنا من قال هذا يدل على أنه يباح له كل شيء إلا الوطء في الفرج لأنه أباح له القبلة وحكوا هذه الرواية لذلك
ومنهم من قال ظاهر هذا أنه أباح له القبلة بعد التحلل الأول
وقال القاضي عندي أن قوله ليس عليه شيء أي ليس عليه دم لا أنها مباحة وهذا من القاضي يقتضي أنها محرمة ولا دم فيها

فصل
فيما يحصل به التحلل الأولى وفي روايتان منصوصتان
إحداهما يحصل بمجرد الرمي فلو لبس قبل الحلق أو تطيب أو قتل الصيد لم يكن عليه شيء قال في رواية عبد الله وأبي الحارث حجه فاسد إذا وطيء قبل أن يرمي وإن كان قد وقف بعرفة لأن الاحرام قائم عليه فإذا رمي الجمرة انتقض بعض إحرامه وحل له كل شيء إلا النساء
وقال في رواية ابن منصور وقد سئل عن المحرم يغسل رأسه قبل أن يحلق فقال إذا رمي الجمرة فقد انتقض إحرامه إن شاء غسله
لأن في حديث ابن عباس إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء وكذلك في حديث عائشة من رواية أبي داود

والثانية بالرمي والحلاق قال القاضي وهو أصح الروايتين قال في رواية المروذي إبدأ بشق رأسك الأيمن وأنت متوجه إلى الكعبة وقل اللهم هذه ناصيتي بيدك اجعل لي بكل شعرة نورا يوم القيامه اللهم بارك لي في نفسي وتقبل عملي وخذ من شاربك وأظفارك ثم قد حل من كل شيء إلا النساء
والمرأة تقصر من شعرها وتقول مثل ذلك
وقد نص في مواضع كثيرة على أن المعتمر ما لم يحلق أو يقصر فهو محرم لأن في حديث عائشة إذا رميتم وحلقتم وهذه زيادة
واختلف أصحابنا في مأخذ هذا الاختلاف على طرق فقال القاضي في المجرد وأبو الخطاب وجماعات من أصحابنا هذا مبنى على أن الحلق هل هو نسك أو طلاق من محظور وخرجوا في ذلك روايتين إحداهما أنه اطلاق من محظور بمنزلة تقليم الأظفار وأخذ الشارب ولبس الثياب والطيب لأنه محظور في حال الاحرام فكان في وقته اطلاق محظور كسائر المحظورات من اللبس والطيب ولأنه لو كان نسكا من أعمال الحج لم يجب بفعله حال الاحرام دم كسائر المناسك من الطوافين والوقوفين والرمى وسبب هذا أن الحلق هو من جملة القاء التفث وازالة الشعث والغبار ونوع من الترفه وذلك بالمباحات أشبه منه بالعبادات وأصحاب هذا القول ربما استحبوا الحلاق من حيث هو نظافة للطواف كما يستحب الحلق والتقليم

والاغتسال لا لأمر يختص النسك وعلى هذا القول لا فرق بين حلق الرأس وحلق العانة
واعلم أن هذا القول غلط على المذهب ليس عن أحمد ما يدل على هذا بل كلامه كله دليل على أن الحلق من المناسك وإنما توهم ذلك من توهمه حيث لم يوقف التحلل عليه أو حيث لم يقيد النسك بالوطء قبله وهذه الأحكام لها مأخذ اخر ثم هو خطأ في الشريعة كما سيذكره
الطريقة الثانية أن الحلق أو التقصير نسك يثاب على فعله ويعاقب على تركه من غير تردد لكن هل يتوقف التحلل الأول عليه على روايتين فإن قيل يتوقف التحلل عليه فهو كالرمي والسلام في الصلاة وإن لم يتوقف التحلل عليه فهو كالمبيت بمنى وكرمى الجمار أيام منى وكسجود السهو بعد الصلاة وهذه طريقة القاضي في خلافه وطريقة
وهذه الطريقة أجود من التي قبلها لأن الرواية إنما اختلفت عن أحمد في وجوب الدم على من وطيء في العمرة قبل الحلاق ولم يختلف عنه أنه مسيء بذلك واختلف عنه

الطريقة الثالثة أنه نسك مؤكد وتاركه مسيء بغير تردد لكن هل هو واجب بحيث إذا فات بفساد العبادة يجب عليه دم أو يعاقب على تركه على روايتين
وإذا قلنا هو واجب فهل يتحلل بدونه على روايتين
وهذه الطريقة أجود الطرق وهي مقتضى ما سلكه المتقدمون من أصحابنا ولا يختلف أصحابنا في اختيار كونه نسكا وذلك لأن الله سبحانه قال ثم ليقضوا تفثهم وهذه اللام لام الأمر على قراءة
وأيضا فإنه سبحانه قال لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله امنين محلقين رؤسكم ومقصرين فجعل الحلق والتقصير شعار النسك وعلامته وعبر عن النسك بالحلق والتقصير وذلك يقتضي كونه جزء منه وبعضا له لوجوه أحدها أن العبادة إذا سميت ما يفعل فيها دل على أنه واجب فيها كقوله وقرءان الفجر وقوله قم الليل و إن ربك يعلم أنك

تقوم أدنى من ثلثي الليل و واركعي مع الراكعين وكن من الساجدين وسبح بحمد ربك
ويقال صليت ركعتين وسجدتين وكذلك في الأعيان يعبر عن الشيء ببعض أجزائه كما قال فتحرير رقبة ويقال عنده عشرة رؤوس وعشر رقاب
الثاني أن الحلق والتقصير إذا كان من لوازم النسك وهو أمر ظاهر باق أثره في المناسك كان وجود النسك وجودا له فجاز أن يقصد النسك بلفظه للزومه إياه أما إذا وجد معه تارة وفارقه أخرى بحسب اختيار الانسان كان بمنزلة الركوب والمشي لا يحسن التعبير به عنه ولا يفهم منه
الثالث
ويشبه والله أعلم إنما ذكر الحلاق والتقصير دون الطواف والسعي لأنهما صفتان لبدن الانسان ينتقلان بانتقاله
والمراد بالدخول الكون فكأنه قال لتكونن بالمسجد الحرام ولتمكثن به حالقين ومقصرين وفيه أيضا تنبيه على تمام النسك لأن الحلق والتقصير إنما يكون بعد التمام لئلا يخافوا أن يصدوا عن إتمام العمرة كما صدوا عن إتمامها عام أول

وأيضا فإن النبي صلى الله عليه و سلم حلق هو وجميع أصحابه وهو من الأعمال التي تناقلتها الأمة خلفا عن سلف قولا وفعلا فلو لم يكن ذلك عبادة ونسكا لله وطاعة لم يحافظوا عليه هذه المحافظة
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه و سلم دعا
وأيضا فإن الحلق أمر لا يشرع لغير الحج بل هو أما مكروهة أو مباح وكل أمر شرع في الحج ولم يشرع في غيره فإنه يكون نسكا كالرمي والسعي والوقوف وعكسه التقليم ونتف الأبط ولبس الثياب فإنه مشروع قبل الإحرام ففعله عودا إلى الحال الأولى
أما حلق الرأس فإنه لا يشرع قبل الإحرام بحال
وأيضا فحلق الرأس ليس من النظافة المأمور بها كالتقليم وأخذ الشارب ولا الزينة المندوب إليها كلبس الثياب فلو لم يكن نسكا لكان عبثا محضا إذ لا فائدة فيه أصلا
وأيضا فإنه لو كان المقصود إزالة وسخ لما اكتفى بمجرد التقصير فالاكتفاء به دليل على أن المقصود وضع شيء من شعره لله تعالى

وأيضا فإن الحلق يجمع صفات منها أنه تحلل من الإحرام لأنه كان محظورا قبل هذا والتحلل من العبادة عبادة كالسلام
ومنها أن وضع النواصي نوع من الذل والخضوع ولهذا كانت العرب إذا أرادت المن على الأسير جزت ناصيته وأرسلته وأعمال الحج مبناها على الخضوع والذل
ومنها أنه قد يكون فيه ترف بالقاء وسخ الرأس وشعثه وقمله لكن هذا القدر يمكن إزالته بالترجل فلو فرض أنه من أنواع المباحات ببعض صفاته لم يمنع أن يكون من نوع العبادات بباقي الصفات
فصل
فإن كان معه هدى وقلنا يتحلل بالرمي فلا كلام وإن قلنا لا يتحلل إلا بالحلق قال القاضي وأصحابه مثل أبي الخطاب وابن عقيل يحصل التحلل الأول بالرمي والحلق أو بالمرمى والطواف أو بالطواف والحلق على قولنا بأن التحلل نسك واجب
وعلى قولنا يحصل التحلل بدونه يحصل إما بالرمي أو بالطواف
مسألة ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة وهو الطواف الذي به تمام الحج
قال جابر في حديثه ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأفاض إلى

البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه رواه مسلم
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى متفق عليه
وذكر أبو طالب أنه ثنا أحمد بحديث ابن عمر هذا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى قال فهو أحب إلي وقال كان أحمد يسأل عن هذا الحديث
وفي حديث ابن عمر وعائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم من أهدى فساق الهدى من الناس متفق عليه

وهذا الطواف يسميه الحجازيون طواف الافاضة لأنه يكون بعد الافاضة من عرفة ومزدلفة ومنى
ويسميه العراقيون طواف الزيارة
ويسمى الطواف الفرض وربما يسمى طواف الصدر عن منى لا الصدر عن مكة
مسألة ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا أو ممن لم يسع مع طواف القدوم
لما روى ابن عباس قال فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اجعلوا اهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج وإذا فرغنا من المناسك جئنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقدتم حجنا وعلينا الهدي وذكر الحديث رواه البخاري
وعن عروة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال من كان معه هدى فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل منهما فقدمت مكة وأنا حائض فلما قضينا حجنا أرسلني مع عبد الرحمن بن

أبي بكر إلى التنعيم فأعتمرت فقال هذه مكان عمرتك فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا ثم طافوا طوافا اخر بعد أن رجعوا من منى والذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافا واحدا متفق عليه وفي لفظ مسلم فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا واحدا
وهذا يدل على أن المتمتعين طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة مرتين قبل التعريف وبعده لأنها إنما عنت بقولها ثم طافوا طوافا اخر الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة لأنه هو المتقدم ذكره ولأن الذين جمعوا الحج والعمرة إنما اقتصروا على طواف واحد بالبيت وبين الصفا والمروة فأما الطواف المفرد فقد فعلوه بعد عرفة بدليل أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف بعد الافاضة وكان قد جمع بين العمرة والحج وهذا كما في حديث ابن عمر أنه أوجب عمرة ثم قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحدا أشهدكم أنى قد جمعت حجة مع عمرتي وأهدى هديا مقلدا اشتراه بقديد وانطلق حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ثم قال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم متفق عليه
فمعنى قوله قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول أنه قضى الطواف بالبيت وبالصفا والمروة يعني لم يطف بالبيت وبالصفا والمروة مرتين ولم يرد أنه لم يطف البيت بعد الافاضة لأن النبي صلى الله عليه و سلم طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم طاف بالبيت بعد عرفة
ولأن طواف الافاضة لا بد منه بإجماع المسلمين وانما ذكرت هذه الأحاديث بيانا لأن القارن يجزئه طواف واحد بالبيت وبالصفا والمروة لحجه وعمرته

إلا أن يكون أريد بهذين الحديثين أن القارن يجزئه طوافه بالبيت وبالصفا والمروة قبل التعريف فيجزيء طواف القدوم عن الركن وهذا لم يقله
فإن قيل فقد قال جابر لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مهلين بالحج مع النساء والولدان فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يكن معه هدى فليحلل قال فقلنا أي الحل قال الحل كله فأتينا النساء ولبسنا الثياب ومسسنا الطيب فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة رواه مسلم وأبو داود
وهذا نص في أن المتمتع لا يطوف بالصفا والمروة إلا طوافا واحدا كالقارن والمفرد وقد روى أحمد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن

ابن عباس أنه كان يقول المفرد والقارن والمتمتع يجزئه طوافه بالبيت وسعى بين الصفا والمروة
مسألة ثم قد حل من كل شيء
وجملة ذلك أنه إذا طاف طواف الافاضة وسعى السعي المشروع عقبه فقد حل من كل شيء
فأما قبل السعي فإن قلنا السعي ركن أو واجب توقف التحلل الثاني عليه وإن قلنا هو سنة وذكر ابن عقيل أن السعي مع كونه فرضا لا يتوقف عليه التحلل الأول ولا الثاني
مسألة ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويتضلع منه ثم يقول اللهم اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملأه من خشيتك وحكمتك
قال جابر في حديثه عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون

على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه
فقد شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم من زمزم عقب طواف الافاضة
وعن الشعبي أن ابن عباس حدثه قال سقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم من زمزم فشرب وهو قائم متفق عليه زاد البخاري قال عاصم فحلف عكرمة ما كان يؤمئذ إلا على بعير ولمسلم فأتيته بدلو واستسقى وهو عند البيت
وفي حديث علي ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ ثم قال انزعوا يا بني عبد المطلب فلولا أن تغلبوا عليها لنزعت رواه أحمد وأبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه وهذا لفظه واسناده
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر وصلى ركعتين ثم عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه ثم رجع فاستلم الركن ثم رجع إلى الصفا فقال أبدأ بما بدأ الله به رواهما

وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ماء زمزم لما شرب له رواه أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن المؤمل أنه سمع أبا الزبير يقول سمعت جابرا
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ماء زمزم لما شرب له إن شربته تستشفى به شفاك الله وإن شربته لشبعك أشبعك الله وإن شربته لقطع ظمأك قطعه الله وهي هزمة جبريل وسقيا الله اسماعيل رواه الدارقطني
وفي حديث أبي ذر في قصة اسلامه فقال يعني النبي صلى الله عليه و سلم متى كنت ها هنا قال قلت كنت ها هنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم قال فمن كان يطعمك قال قلت ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى

تكسرت عكن بطنى وما أجد على بطنى سخفة جوع قال إنها مباركة رواه مسلم ورواه الطيالسي وزاد فيه وشفا سقم
وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال كنت عند ابن عباس جالسا فجاءه رجل فقال من أين جئت قال من زمزم قال فشربت منها كما ينبغي قال وكيف قال إذا شربت فاستقبل القبلة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله عز و جل فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن اية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من زمزم رواه ابن ماجه

وعن عكرمة قال كان ابن عباس إذا شرب من زمزم قال اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء رواه الدارقطني

فصل
ويستحب الشرب من شراب السقاية لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل إذهب إلى أمك فات رسول الله صلى الله عليه و سلم بشراب من عندها فقال اسقنى فقال يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه يعني عاتقه وأشار إلى عاتقه رواه البخاري
وعن بكر بن عبد الله المزني قال كنت جالسا مع ابن عباس عند الكعبة فأتاه أعرابي فقال ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ أمن حاجة بكم أم من بخل فقال ابن عباس الحمد لله ما بنا من

حاجة ولا بخل قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا فلا نريد بغير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم

باب ما يفعله بعد الحل
مسألة ثم يرجع إلى منى ولا يبيت لياليها إلا بها
وجملة ذلك أن السنة للحاج أن لا يبيت ليالي التشريق إلا بمنى لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم رجع إلى منى فبات بها هو وجميع من معه وقد قال لتأخذوا عنى مناسككم وهذه السنة المورثة عنه التي تناقلتها الأمة خلفا عن سلف إلا أن أهل السقاية الذين يسقون الحجيج يرخص لهم في المبيت بمكة لما روى ابن عباس قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له وعن ابن عمر مثله متفق عليهما
وأهل السقاية هم وسواء كانوا من ولد العباس رضي الله عنهم أو من غيرهم وكذلك يرخص للرعاء لحديث أبي البداح الاتى ذكره

مسألة فيرمى بها الجمار بعد الزوال من أيامها كل جمرة بسبع حصيات يبدأ بالجمرة الأولى فيستقبل القبلة ويرميها بسبع كما يرمى جمرة ثم يتقدم فيقف يدعو الله عز و جل ثم يأتي الوسطى فيرميها كذلك ثم يرمى جمرة العقبة ولا يقف عندها ثم يرمى في اليوم الثاني كذلك
في هذا الكلام فصول أحدها أن الحاج يرمى الجمرات الثلاث أيام منى الثلاثة بعد الزوال وهذا من العلم العام الذي تناقلته الأمة خلفا عن سلف عن نبيها صلى الله عليه و سلم عن عائشة قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من اخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمى الثالثة ولا يقف عندها رواه أحمد وأبو داود
وعن ابن عباس قال رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمار حين زالت

الشمس رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن
وعن جابر قال رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس رواه مسلم
وعن وبرة قال سألت ابن عمر متى أرمى الجمرة قال إذا رمى إمامك فارمه فأعدت عليه المسألة قال كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا رواه البخاري

الفصل الثاني
أنه يرمى كل جمرة بسبع حصيات كما تقدم في جمرة العقبة وهذا من العلم العام والسنة المتواترة وقد روى جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الاستجمار تو ورمى الجمار تو والسعى بين الصفا والمروة تو والطواف تو وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو يعني الوتر رواه مسلم والبرقاني وزاد

عن التخلى والكحل تو يعني ثلاثا ثلاثا يقال هو الوتر يقال سافر سفرا توا إذا لم يعرج في طريقه على مكان والتو الجبل المفتول طاقا واحدا

الفصل الثالث
أن يبتديء بالجمرة الأولى وهي أقربهن إلى مسجد الخيف وهي الجمرة الصغرى والجمرة الدنيا لأنها أدناهن إلى المشاعر ومنازل أكثر الناس ثم بالجمرة الثانية وهي الجمرة الوسطى ثم بجمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى وهذا من العلم العام
الفصل الرابع
أنه يستقبل القبلة عند رمي الأوليين هكذا ذكره أصحابنا الذين قالوا يستدبر القبلة في جمرة العقبة والذين قالوا يستقبلها وقد تقدم الكلام في جمرة العقبة قالوا ويجعل الجمرة الأولى عن يسرته والثانية والثالثة عن يمينه لأن الرمي من الطريق ومتى رمى من الطريق كانت الأولى عن يسرته والأخرتان عن يمينه
وفي حديث ابن عمر أنه كان إذا رمى الوسطى أخذ ذات الشمال فيسهل

الفصل الخامس
أنه إذا رمى الأولى والثانية تقدم قليلا إلى ناحية الكعبة حيث لا يصيبه الحصى فاستقبل القبلة ووقف يدعو الله سبحانه لما روي عن سالم عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على أثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله رواه أحمد والبخاري
أسهل إذا صار إلى الأرض السهل المنخفضة عما فوقها كما يقال أنجد وأتهم وأعرق وأشام
وفي لفظ للبخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو وكان يطيل الوقوف ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الواد فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو

ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف عندها قال وكان ابن عمر يفعله
وقد تقدم ذكر قيام النبي صلى الله عليه و سلم وتضرعه في حديث عائشة وأنه كان يطيل القيام بين الجمرتين
وأما مقدار هذا القيام فقال حرب قلت لأحمد كم يقوم الرجل بين الجمرتين قال يقوم ويدعو ويبتهل ولم يؤقت وقتا
وقال في رواية المروذي فإذا كان من الغد وزالت الشمس رميت الجمرة الأولى بسبع حصيات تكبر مع كل حصاة وتقول بين كل تكبيرتين اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا وعملا متقبلا وتجارة لن تبور ثم أمش قليلا حتى تأتي موضع يقام عن يسار الجمرة التي رميت مستقبل القبلة وتدعو بدعائك بعرفة وتزيد وأتمم لنا مناسكنا ثم تأتي الجمرة الوسطى كذلك ثم ترمى جمرة العقبة ولا تقف عندها وكل ما دعوت به أجزأك
ويستحب طول القيام عند الجمار في الدعاء وكذلك قال في رواية عبد الله

فصل والسنة أن يمشي من منزله إلى الجمار ويرميها واقفا ويرجع إلى منزله
لما روي عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد

النحر ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظ أحمد أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبا وسائر ذلك ماشيا ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك
فإن كان له عذر فلا بأس بالركوب قال حرب قلت لأحمد فالركوب إلى الجمار قال للنساء والضعفة
ولا فرق بين الرمي يوم النفر وقبله
واختلف أصحابنا في الأفضل فقال أبو الخطاب وجماعة الأفضل أن يرمى الجمار كلها ماشيا لأن في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبا وراجعا هذا لفظ الترمذي وقال حديث حسن صحيح
وقال القاضي في المجرد يرمي يوم النحر وثالث أيام منى راكبا واليومين الاخرين راجلا لأن النبي صلى الله عليه و سلم رمى يوم النحر راكبا ولأن يوم النحر يجيء راكبا من مزدلفة فيستحب له أن يفتتح منى بالرمي قبل نزوله ويوم النفر يخرج من منى فيستحب أن يودعها بالرمي ثم يخرج منها وهو

راكب لا يحتاج إلى ركوب بعد ذلك الحصبة متفق عليه
فهذا بيان من النبي صلى الله عليه و سلم أن عائشة صارت قارنة بإدخال الحج على إحرام العمرة وأن طوافها بعد التعريف أجزأها عن الحج والعمرة
وعن جابر قال لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

وفي رواية عن الحجاج عن الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرن بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافا واحدا رواه الترمذي وفي رواية لابن ماجة أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف للحج والعمرة طوافا واحدا
وعن ليث قال حدثني عطاء وطاوس ومجاهد عن جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لم لطف هو وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا لعمرتهم وحجهم
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف طوافا واحدا لحجه وعمرته
وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه طافوا لحجهم وعمرتهم طوافا واحدا رواهن الدارقطني بأسانيد حسان يصدق بعضها بعضا

فصل
وأما التمتع فلا بد له من طواف للعمرة وسعى لها وهل عليه سعى اخر للحج على روايتين منصوصتين إحداهما عليه سعيان كما عليه طوافان قال في رواية الأثرم القارن يجزؤه طواف واحد وسعي واحد والمتمتع طوافان وسعيان

وقال في رواية حنبل وقد سئل عن القارن كم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة فقال يجزؤه طواف واحد إذا دخل بالحج والعمرة فإن دخل متمتعا بعمرة ثم حج فأراى أن يسعى سعيا للعمرة وسعيا للحج هذا هو المعروف عند أصحابنا
والرواية الثانية يكفيه سعي واحد قال عبد الله بن أحمد قلت لأبي المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة قال إن طاف طوافين فهو أجود وإن طاف طوافا واحد فلا بأس وإن طاف طوافين فهو أعجب إلي واحتج بحديث جابر لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول
وقال المروذي قال أبو عبد الله إن شاء القارن طاف طوافا واحدا وإن شاء المتمتع طاف طوافا واحدا
وهذا هو الصواب بلا شك لحديث جابر المذكور وكذلك عامة الأحاديث فيها أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما طافوا بين الصفا والمروة الطواف الأول ومن قال من أصحابنا أن النبي صلى الله عليه و سلم كان متمتعا فهذا لازم له لأن الأحاديث الصحيحة لما تختلف أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسع بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة وإنه لما طاف طواف الافاضة لم يسع بعده وهذا بين في حديث ابن عمر وابن عباس وعائشة وجابر وغيرهم وقد تقدم كثير من ذلك فيما مضى

وعن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مهلين بالحج مع النساء والوالدان فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يكن معه هدي فليحلل قال فقلنا أي الحل قال الحل كله فأتينا النساء ولبسنا الثياب ومسسنا الطيب فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة رواه مسلم وأبو داود وهذا نص في أنهم تمتعوا واكتفوا بطواف واحد بين الصفا والمروة
فإن قيل فحديث عائشة الذي قالت فيه فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا اخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا
وكذلك حديث ابن عباس المتقدم ولأنكم قد استحببتم طوافين وإذا كان الصحابة مع النبي صلى الله عليه و سلم قد اقتصروا على طواف واحد فلا معنى لاستحباب الزيادة عليهم
قلنا لعل جابرا أخبر عن بعض المتمتعين وعائشة أخبرت عن بعضهم فإنهم كانوا خلقا كثيرا فأخبر جابر عما فعله هو ومن يعرفه وأخبرت عائشة عما فعله من تعرفه والله أعلم بحقيقة الحال على أن أحاديث جابر وأصحابه مفسرة واضحة لا احتمال فيها
وإنما استحب أحمد الطوافين لحديث ابن عباس وعائشة ولأنه أحوط وأتم وأيضا فإن المتمتع إنما يفعل عمرة في حجة ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم إنه قد ادخل عليكم في حجكم عمرة فهو حاج من حين يحرم بالعمرة بخلاف العمرة المفردة فذلك السعي يجزيء عن عمرته وحجه
مسألة لكن عليه وعلى المتمتع دم لقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة

إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم
مسألة وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطوف عند فراغه من جميع أموره حتى يكون اخر عهده بالبيت
وجملة ذلك أن الحاج إذا أراد القفول لم ينفر حتى يودع البيت بطواف قالت عائشة في حديثها عن عمرتها فخرجنا حتى إذا فرغت وفرغت من الطواف جئته بسحر قال هل فرغتم قلت نعم فاذن بالرحيل في أصحابه فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة متفق عليه
وعن ابن عباس قال أمر الناس أن يكون اخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض متفق عليه

وعن ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينفرن أحد حتى يكون اخر عهده بالبيت رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة
مسألة فإن اشتغل بعده بتجارة أعاده
مسألة ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب فيلتزم البيت ويقول اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عني فأزدد عني رضا وإلا فمن الان قبل أن تنأى عن بيتك دراي فهذا أوان إنصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا بيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فأصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي بين خيري الدنيا والاخرة إنك على كل شيء قدير ثم تصلي على النبي صلى الله عليه و سلم

مسألة ومن خرج قبل الوداع رجع إن كان قريبا وإن بعد بعث بدم
مسألة إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما ويستحب لهما الوقوف عند باب المسجد والدعاء بهذا
وجملة ذلك أن المرأة إذا حاضت بعد طواف الافاضة لم يجب عليها أن تحتبس حتى تودع البيت بل لها أن تخرج وهي حائضة من غير وداع لما روى عن عائشة قالت حاضت صفية بنت حيى بعد ما أفاضت قالت فذكرت حيضها لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أحابستنا هي قلت يا رسول الله إنها أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الافاضة قال فلتنفر إذا متفق عليه
وفي رواية متفق عليها قالت لما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينفر إذا

صفية على باب خبائها كئيبة حزينة قال عقرى حلقى إنك لحابستنا ثم قال لها أكنت أفضت يوم النحر قالت نعم قال فانفري
وفي حديث ابن عباس إلا أنه خفف عن المرأة الحائض
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف بالبيت اذا كانت قد طافت في الافاضة رواه أحمد
فإن قيل فقد روى يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال سألت عمر بن الخطاب عن المرأة تطوف بالبيت ثم تحيض قال ليكن اخر عهدها الطواف بالبيت قال

فقال الحارث كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فقال عمر أربت عن يديك سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم لكيما أخالف رواه أحمد وأبو داود
قيل الحارث كان قد سمع من النبي صلى الله عليه و سلم أن من حج البيت أو اعتمر فليكن اخر عهده بالبيت واللفظ ظاهر في العموم ثم سأل عمر عن صورة من صور العموم وأفتاه بما يطابق العموم ولم يعلما أن تلك الصورة مخصوصة من هذا اللفظ ولم يذكر الحارث أنه استفى النبي صلى الله عليه و سلم في هذه الصورة بعينها يبين ذلك ما روى في بعض طرقه عن الحارث هذا قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من حج البيت أو اعتمر فليكن اخر عهده بالبيت فبلغ حديثه عمر فقال له خررت من يديك سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم تخبرنا به رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث غريب

باب أركان الحج والعمرة
مسألة أركان الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة
وجملة ذلك أن أركان الحج هي أبعاضه وأجزاؤه التي لا يتم إلا بها فمن أخل ببعضها لم يصح حجه سواء تركها لعذر أو غير عذر بل لا بد من فعلها بخلاف أركان الصلاة فانها تجب مع القدرة وتسقط مع العجز وسبب الفرق أنه متى عجز عن أركان الحج أمكنه الستنابة فيما عجز عنه في حياته أو بعد موته بخلاف الصلاة المكتوبة فانه لا نيابة فيها
وفي هذه الجملة فصول أحدها أن الوقوف بعرفة لا يتم الحج إلا به والأصل فيه الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله سبحانه فإذا أفضتم من عرفت فاذكروا الله عند المشعر الحرام وكلمة إذا لا تستعمل إلا في الأفعال التي لا بد من وجودها كقولهم إذا احمر البسر فأتني ولا يقال إن أحمر البسر وذلك لأنها في الأصل ظرف لما يستقبل من الأفعال وتتضمن الشرط في الغالب فإذا جوزيء بها كان معناه إيقاع الجزاء في الزمن الذي أضيف إليه الفعل فلا بد من أن يكون الفعل موجودا في ذلك الزمان وإلا خرجت عن أن تكون ظرفا
ومعلوم أن الافاضة من عرفات من أفعال العباد فالإخبار عن وجودها يكون أمرا حتما بإيجادها نحو أن يترك بعض الناس وكلهم الافاضة وصار هذا بمنزلة إذا صليت الظهر فافعل كذا
وقوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس الاية قالت عائشة كانت

قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفه وكانوا يسمون الحمس وكان سائر العرب يقفون بعرفة فلما جاء الاسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات فيقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وفي لفظ قالت الحمس هم الذين أنزل الله فيهم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قالت كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة يقولون لا نفيض إلا من الحرم فلما نزلت أفيضوا من حيث أفاض الناس رجعوا إلى عرفات متفق عليه
وعن جبير بن مطعم قال أضللت بعيرا لي فذهبت أطلبه يوم عرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم واقفا مع الناس بعرفة فقلت والله إن هذا لمن الحمس فما شأنه ها هنا وكانت قريش تعد من الحمس متفق عليه
وعن جابر قال كانت العرب يدفع بهم أبو سيارة على حمار عرى فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم من المزدلفة بالمشعر الحرام لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه ويكون منزله ثم فأجاز ولم يعرض حتى أتى عرفات فنزل رواه مسلم
فإن قيل كيف قيل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس والافاضة من

عرفات بعد قوله تعالى فإذا أفضتم من عرفت فاذكروا الله عند المشعر الحرام
قيل قد قيل إنه لترتيب الأخبار ومعناه أن الله يأمركم إذا أفضتم من عرفات أن تذكروه عند المشعر الحرام ثم يأمركم أن تفيضوا من حيث أفاض الناس وترتيب الأمر لا يقتضي ترتيب الفعل المأمور به وإنما أمر بهذا بعد هذا لأن الأول أمر لجميع الحجيج والثاني أمر للحمس خاصة ويقال إنه معطوف على قوله فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال إلى قوله فاتقوا ثم أفيضوا ويكون معناه فمن فرض الحج فلا يرفث ولا يفسق ثم بعد فرض الحج يفيض من حيث أفاض الناس ويكون الكلام في بيان المحظورات والمفروضات
فإن قيل لم ذكر لفظ الافاضة دون الوقوف
قيل لأنه لو قال ثم قفوا حيث وقف الناس لظن أن الوقوف بعرفة يجزيء في كل وقت بحيث يجوز تقديمه وأما الافاضة فإنها الدفع بعد تمام الوقوف وقد علموا أن وقت الدفع هو اخر يوم عرفة فإذا أمروا بالافاضة منها علم أنه يجب أن يقفوا بها إلى وقت الافاضة وأنها غاية السير الذي ينتهي إليه الحاج فلا يتجاوز ولا يقصر عنها لأن المقصر والمجاوز لا يفيضان منها

وأما السنة فما روى سفيان وشعبة عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو واقف بعرفة فسألوه فأمر مناديا فنادى الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه وأردف رجلا خلفه ينادى بهن رواه الخمسة قال ابن عيينة هذا أجود حديث رواه الثوري
وفي رواية لسعيد من جاء ليلة جمع قبل صلاة الصبح فقد تم حجه
وفي رواية له فمن أدرك ليلة جمع قبل صلاة الصبح فقد تم حجه
وعن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت

من جبل طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه رواه الخمسة وقال الترمذي حديث حسن صحيح وفي رواية لأحمد صحيحة من شهد صلاتنا هذه ووقف بعرفات وفي رواية صحيحة لسعيد من وقف معنا هذا الموقف وشهد معنا هذه الصلاة يعني صلاة الفجر أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه
وفي رواية له أفرح روعك من أدرك افاضتنا هذه فقد أدرك الحج
وأما الاجماع

فصل
وللوقوف بعرفة مكان وزمان فأما حدود عرفات فقد تقدم وأما زمان

الوقوف فاليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة وليلة العاشر من ذي الحجة إلى طلوع الفجر وتسمى ليلة المزدلفة وليلة النحر وليلة عرفة فمن طلع الفجر ولم يقف في شيء من عرفة فقد فاته الحج لأن الله قال فإذا أفضتم من عرفت وإذا كلمة توقيت وتحديد فأشعر ذلك بأن الافاضة لها وقت محدود إلا أن يقال ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج وهذا ذكره في معرض تحديد وقت الوقوف فعلم أن من جاءها ليلا فقد أدرك الحج ومن لم يوافها حتى طلع الفجر فقد فاته الحج
وكذلك قوله صلى الله عليه و سلم من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا والصلاة بالمزدلفة هي أول ما يبزغ الفجر فعلم أن وقت الوقوف قبل ميقات تلك الصلاة ليلا أو نهارا وإنما يكون هذا قبل طلوع الفجر يوم النحر وهذا مما أجمع عليه
وعن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول من لم يقف بعرفة ليلة جمع قبل

أن يطلع الفجر فقد فاته الحج ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج رواه مالك عن نافع عنه
ومن لم يواف عرفة إلا ليلا أجزأه الوقوف ولو لحظة في بعض جوانبها لقول النبي صلى الله عليه و سلم من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك وقوله وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا
ولا دم عليه لأن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر أنه يدرك الحج وأنه قد تم حجه وقضى تفثه ولم يذكر أن عليه دما وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لا سيما في حكم عظيم أردف خلفه من ينادي به في الناس في حجة الوداع
ومن وافاها نهارا فإنه يجب عليه أن يقف إلى الليل كما سيأتي لكن لو لم يقف إلى الليل إما بأن يدفع منها أو يعرض ما يمنع صحة الوقوف من إغماء أو موت فإنه يجزئه إن وقف بعد الزوال
وأما إن وقف قبل الزوال ففيه روايتان إحداهما يجزئه الوقوف في أية ساعة كان من يوم عرفة وليلتها من طلوع فجر يومها إلى طلوع فجر يوم النحر قال اسحق بن منصور قال أحمد إذا كان مريضا أهل من الميقات ثم أغمى عليه بعرفات فلم يقف حتى أصبح فلا حج له فإن أفاق ولو ساعة إلى أن يطلع الفجر من ليل أو نهار فقد تم حجه ويرمي عنه قلت لأحمد إذا عقل عند الميقات فأهل بعرفة ساعة قال قد أجزأ عنه

وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول كل من وقف بعرفة من ليل أو نهار ولو ساعة فقد تم حجه
وهذا قول أكثر أصحابنا مثل أبي بكر وابن أبي موسى وابن حامد والقاضي وأصحابه قالوا لو وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ونفر منها قبل الزوال أساء وحجه تام وعليه دم
والثانية لا يجزئه إلا بعد الزوال وهو قول ابن بطة وأبي حفص العكبريين فمن لم يقف عندهم بعد الزوال فحجه باطل قال أحمد في رواية عبد الله وأبي الحارث وقد سئل عن الذي يشرد به بعيره بعرفة فقال كل من وطيء عرفة بليل أو نهار بعد أن يقف الناس فقد تم حجه إذا أتى ما يجب عليه ويدخل على قول من قال يجزئه حجه إذا أغمى عليه بعرفة لو أن رجلا أغمى عليه في أول يوم من شهر رمضان حتى انسلخ عنه فلم يأكل ولم يشرب أنه يجزئه صوم رمضان ولا يقضي شيئا من الصلاة
فقد قيد الوقوف المجزيء أن يكون بعد وقوف الناس بها وأول وقت وقوف الناس بعد زوال الشمس وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما وقف بعد الزوال وهذه السنة المورثة عنه المنقولة نقلا عاما فلو كان قبل الزوال وقت وقوف

لوقف فيه ولم ينزل بنمرة وهي خارجة عن المعرف إذ المسارعة إلى العبادة أولى من التأخير
ولأن مواقيت العبادات إنما تتلقى من فعله صلى الله عليه و سلم أو قوله
وإنما وقف بعد الزوال كما رمى جمار أيام منى بعد الزوال وكما صلى الظهر وغيرها من العبادات في مواقيتها والعبادة المفعولة قبل وقتها لا تصح بخلاف المفعولة بعد وقتها
وفي حديث ابن عمر المتقدم إذا كان عشية عرفة باها الله بالحاج فمن لم يقف إلى العشية لم يباه الله به فلا يكون من الحاج
ولأن الرمى المشروع بعد الزوال لا يجوز تقديمه على وقته وإن جاز التأخير عنه فالوقوف أولى وأحرى
ولأن الوقوف عبادة مشروعة عشية اليوم فلا يجوز فعلها قبل الزوال كالظهر والعصر وهذا لأن ما بين زوال الشمس إلى طلوع الفجر موقيت الصلوات المكتوبات فجاز أن يجعلها الله ميقاتا للمناسك التي هي من جنس الصلاة بخلاف صدر النهار
ووجع الأول قول النبي صلى الله عليه و سلم من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه وقضاء التفث بالصلاة بمزدلفة وبأن يقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فمن وقف بعرفة قبل الزوال وأفاض إلى جمع فوقف بها مع الإمام فقد دخل في عموم الحديث ولو كان وقت الاجزاء بعد الزوال لقال ووقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا بعد الزوال
فإن قيل إنما معناه بعرفة قبل ذلك ليلا فقط أو نهارا إلى الليل لأن

المخاطبين قد علموا أن من وقف نهارا وصل الوقوف إلى الليل والشك إنما كان فيمن لم يدركها إلا ليلا فخرج كلامه لبيان ما أشكل بدليل أن الوقوف إلى اخر النهار واجب وتركه موجب للدم والنبي صلى الله عليه و سلم ذكر أنه قد تم حجه وقضى تفثه ولم يذكر دما ومن يكون قد ترك واجبا لا يكون حجه تاما إلا بإخراج الدم
قيل أولا هذا السؤال إنما يصح ممن يقول إن الوقوف بالليل ركن كما قال مالك ولا يختلف المذهب أن من دفع قبل غروب الشمس صح حجه لكن عليه دم كما سيأتي بيانه إن شاء الله وبين ضعف هذا أنه على هذا التقدير يكون الوقت المعتبر هو الليل فقط فكان يكفى أن يقال ووقف بعرفة قبل ذلك في شيء من الليل فلما قال ووقف بعرفة ليلا أو نهارا علم أن كلا منهما وقت للوقوف على انفراد وحج من وقف في أحدهما تام وتفثه مقضى نعم قد يجب عليه دم في بعض الأوقات وليس كل من لم يدرك اخر النهار عليه دم كما سيأتي
وأيضا فقوله في بعض الروايات أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه يبطل هذا التأويل لأن من أفاض نهارا لم يقف إلى الليل

وأما الاجماع فقال أبو عبد الله في رواية عبد الله وأبي الحارث قوله الحج عرفة على السلامة فإذا هو عمل ما يعمل الناس من طواف يوم النحر فهو الطواف الواجب لأنه لم يختلف الناس علمنا أنه من لم يطف يوم النحر أنه يرجع حتى يطوف ولو كان قد أتى أهله وذلك مشبه قول النبي صلى الله عليه و سلم من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها فإذا أدرك ركعة أفليس عليه أن يأتي بها على كمالها وما أفسد اخرها أفسد أولها وإنما ذلك على كمالها وكذلك الواقف بعرفة ما لم يأت برمى الجمار وهذه الأشياء فحجه فاسد إذا وطىء قبل رمى الجمار وإن كان قد وقف بعرفة لأن الاحرام قائم عليه وإذا رمى الجمار فقد انتقض احرامه وحل له كل شيء إلا النساء
فصل
ويشترط لصحة كل طواف في الحج والعمرة وفي غير حج وعمرة عشرة أشياء أحدها النية وهي أن يقصد الطواف بالبيت فلو دار حول البيت طالبا لرجل أو متروحا بالمشي ونحو ذلك لم يكن ذلك طوافا كما لو أمسك عن المفطرت ولم يقصد الصوم أو تجرد عن المخيط ولبى ولم يقصد الاحرام وهذا أصل مستقر في جميع العبادات المقصودة لا تصح إلا بنية لقوله سبحانه وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وهذا لم ينو العبادة
الشرط الثاني أن يكون طاهرا من الحدث فلو كان محدثا أو جنبا أو حائضا لم يجز له فعل الطواف رواية واحدة بل هو حرام عليه ولا يجوز أن

يؤمر به لأن الأمر بالحرام حرام لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضى المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي بكر أنه خرج حاجا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه أسماء بنت عميس فولدت محمد بن أبي بكر فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه و سلم فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأمرها أن تغتسل ثم تهل بالحج وتصنع ما يصنع الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت رواه النسائي وابن ماجه

وعن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أبكى فقال ما يبكيك فقلت والله لوددت أني لم أكن خرجت العام قال ما لك لعلك نفست قلت نعم قال هذا شيء كتبه الله على بنات ادم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري وذكرت الحديث متفق عليه
وفي رواية لمسلم فاقض ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي وفي رواية لأحمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف
وهذا متواتر في حديث عائشة أنها حاضت لما قدمت مكة منعها النبي صلى الله عليه و سلم من الطواف وأمرها بالإهلال بالحج وطافت لما رجعت من عرفات ثم اعتمرت بعد الصدر من منى
وقد تقدم أيضا في حديث صفية بنت حيي أنها حاضت بعدما أفاضت فقال النبي صلى الله عليه و سلم عقرى حلقي إنك لحابستنا ثم قال لها أكنت أفضت يوم النحر قالت نعم قال فانفري ورخص للحائض أن تنفر من غير وداع ولو كان للحائض سبيل إلى الطواف بجبران أو غير جبران لم يحبس النبي صلى الله عليه و سلم المسلمين من أجلها بل أمرها بالطواف بجبران لو كان جائزا وكذلك لو كان جائزا لم يسقط عنها طواف الوداع بل أمرها به وبجبرانه

وعن عائشة أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه و سلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت متفق عليه
وعن طاوس عن رجل قد أدرك النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إنما الطواف صلاة فإذا طفتم فاقلوا الكلام رواه أحمد والنسائي ورواه الترمذي عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير قال وقد روى عن ابن عباس موقوفا
فقد جعله صلاة ومثل الصلاة إلا في إباحة النطق وهذا يقتضي أنه يساوي الصلاة في سائر الأحكام من الطهارتين والزينة ونحو ذلك إذ لو فارقها في غير الكلام لوجب استثناؤه فإن استثناء هذه الصورة دليل على أنها تدخل في العموم لولا الاستثناء وإذا دخلت هذه الصورة فدخول سائر الصور أوكد
وعلى هذا فالمحدث يمنع منه كما يمنع من الصلاة

وأما الجنب فيمنع منه لذلك ولأن الطواف لا يصح إلا في المسجد والجنب ممنوع من اللبث في المسجد إلا أن هذا المانع يزول عنه إذا توضأ للصلاة والحائض تمنع منه لهذين السببين إلا إذا انقطع دمها وتوضأت فإنما تمنع لسبب واحد على وفي قول النبي صلى الله عليه و سلم غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي دليل على أنها ممنوعة منه قبل الاغتسال توضأت أو لم تتوضأ والجنب مثلها في هذه الصورة ولو فرض أن الجنب والحائض يباح لهما المسجد لكن الحائض والجنب دخو يمنعان منها كما يمنعان من الاعتكاف
قال في رواية أبي طالب لا يطوف أحد بالبيت إلا طاهرا والتطوع أيسر ولا يقف مشاهد الحج إلا طاهرا

فصل
فإن طاف على غير طهارة ففيه روايتان إحداهما لا يجزؤه بحال قال في رواية حنبل إذا طاف بالبيت طواف الواجب غير طاهر لم يجزه وقال في رواية أبي طالب إذا طاف محدثا أو جنبا أعاد طوافه

وكذلك نقل الأثرم وابن منصور
والثانية يجزؤه في الجملة قال في رواية ابن الحكم وقد سأله عن الرجل يطوف للزيارة أو الصدر وهو جنب أو على غير وضوء قلت إن مالكا يقول يعود للحج والعمرة وعليه هدي قال هذا شديد قال أبو عبد الله أرجو أن يجزءه أن يهريق دما إن كان جنبا أو على غير وضوء ناسيا والوقوف بعرفة أهو من طواف الزيارة وإن ذكر وهو بمكة أعاد الطواف
وفي لفظ إذا طاف طواف الزيارة وهو ناس لطهارته حتى يرجع فإنه لا شيء عليه واختار له أن يطوف وهو طاهر وإن وطيء فحجه ماض ولا شيء عليه
فقد نص على أنه يجزؤه إن كان ناسيا ويجب عليه أن يعيد إذا ذكر وهو بمكة فإن استمر به النسيان أهرق دما وأجزأه
قال أبو حفص العكبري لا يختلف قوله إذا تعمد فطاف على غير طهارة لا يجزؤه واختلف قوله في النسيان على قولين أحدهما أنه معذور بالنسيان والاخر لا يجزؤه مثل الصلاة
وكذلك قال أبو بكر عبد العزيز في الطواف قولان أحدهما أنه إذا طاف وهو غير طاهر أن الطواف يجزيء عنه إذا كان ناسيا فإذا وطيء بعد الطواف فقد تم حجه والاخر لا يجزؤه حتى يكون طاهرا فعلى هذا يرجع من أي

موضع ذكر حتى يطوف وبه أقول وعلى هذا إذا ذكر وهو بمكة بعد أن وطيء
وذكر القاضي وأصحابه والمتأخرون من أصحابنا المسألة على روايتين في طواف المحدث مطلقا
وقال في رواية الميموني وقد قال له من سعى أو طاف الطواف الواجب وهو على غير طهارة ثم واقع أهله فقال لي مسألة الناس فيها مختلفون وذكر قول ابن عمر وما يقول عطاء وما يسهل فيه وما يقول الحسن وأمر عائشة فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم حين حاضت افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت إلا أن هذا أمر قد كتبه الله وقد بليت به نزل عليها ليس من قبلها قلت فمن الناس من يقول عليه الحج فقال نعم كذلك أكبر علمي ومن الناس من يذهب إلى أن عليه دما قال أبو عبد الله أولا واخرا هي مسألة فيها شبة فيها نظر دعني حتى أنظر فيها ومن الناس من يقول وإن أتى بلده يرجع حتى يطوف قلت والنسيان قال النسيان أهون حكما بكثير يريد أهون ممن يطوف على غير طهارة متعمدا

والرواية الأولى اختيار أصحابنا أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي وأصحابه وقال ابن أبي موسى إن حاضت قبل طواف الافاضة لزم انتظارها حتى تطهر ثم تطوف وإن حاضت بعدما أفاضت لم يجب انتظارها وجاز لها أن تنفر ولم تودع لحديث صفية المتقدم
والشرط الثالث أن يكون طاهرا من الخبث فإن كان حاملا للنجاسة أو ملاقيها في بدنه أو ثيابه أو مطافه فقال في رواية أبي طالب إذا طاف الرجل في ثوب غير طاهر فإن الحسن كان يكره أن يفعل ذلك ولا ينبغي له أن يطوف إلا في ثوب طاهر
فإن فعل ذلك فقد ذكر أصحابنا فيه الروايتين في المحدث وهذا إذا كان متعمدا فأما إن كان ناسيا وقلنا تصح صلاته فالطواف أولى وإن قلنا لا تصح صلاته ففي طوافه روايتان ويشترط ها هنا ما يشترط في الصلاة
الشرط الرابع السترة والأصل فيها قوله سبحانه يبني ادم قد أنزلنا

عليكم لباسا يوارى سؤتكم وريشا ولباس التقوى الايات كلها إلى قوله خذوا زينتكم عند كل مسجد قال ابن عباس كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتقول من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها وتقول ... اليوم يبدوا بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله ...
فنزلت هذه الاية خذوا زينتكم عند كل مسجد رواه مسلم
وروى أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه قال كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت كانوا يطوفون عراة إلا أن يعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء
فقد سمى الله سبحانه نزع الثياب فتنة وفاحشة وأمر بأخذ اللباس عند كل مسجد
وعن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل حجة الوداع يوم النحر في

رهط يؤذن في الناس ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان متفق عليه
وتشترط السترة الواجبة في الصلاة حتى ستر المنكب فإن طاف عريان فقد ذكر أصحابنا فيه الروايتين في المحدث أشهرهما أنه لا يجزئه والأخرى عليه دم
الشرط الخامس أن يطوف سبعة أشواط فلو نقص طوافا أو خطوة من طواف لم يجزه قال في رواية الأثرم فيمن ترك طوفة من الطواف الواجب لا يجزئه حتى يأتي بسبع تام لا بد منه
وقال في رواية ابن منصور وذكر له قول سفيان إذا لم يكمل سبعة فهو بمنزلة من لم يطف يكون حراما حتى يرجع فيقضي حجة كانت أو عمرة فقال أحمد ما أحسن ما قال
ونقل عنه أبو طالب وذكر له قول عطاء إذا طاف أكثر الطواف خمسا أو ستا فقال أنا أقول يعيد الطواف قيل له فإن كان بخرسان

قال يرجع فإذا بلغ التنعيم أهل ثم طاف ويهدي مثل قول ابن عباس
وقد نقل عنه الميموني فيمن وطيء وقد بقى عليه شوط فالدم قليل ولكن يأتي ببدنة وأرجوا أن يجزءه ولم يذكر إعادة الطواف
الشرط السادس الترتيب هو شيئان أحدهما أن يبتديء بالحجر الأسود فإن ابتدأ بما قبله من ناحية الركن اليماني لم يضره الزيادة وإن ابتدأ بما بعده من ناحية الباب لم يحتسب له بذلك الشوط
الثاني وهو الشرط السابع أن يبتديء بعد الحجر الأسود بناحية الباب ثم ناحية الحجر ثم ناحية الركن اليماني فيجعل البيت عن يساره فلو نكس الطواف فابتدأ بناحية الركن اليماني وجعل البيت عن يمينه لم يجزه
وإن مر على الباب لكن استقبل البيت في طوافه ومشى على جنب قال في رواية حنبل من طاف بالبيت طواف الواجب منكوسا لم يجزه حتى يأتي به على ما أمر الله وسنة النبي صلى الله عليه و سلم فإن طاف كذلك وانصرف فعليه أن يأتي به لا يجزئه
وذلك لأن الله أمر بالطواف وقد فسره النبي صلى الله عليه و سلم بفعله وتلقته الأمة عنه بالعمل المتواتر وفعله إذا خرج إمتثالا لأمر وتفسيرا لمجمل كان حكمه حكم ذلك الأمر وقد قال صلى الله عليه و سلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
الشرط الثامن الموالاة وهو أن لا يطيل قطعة فإن أطال قطعة لمكتوبة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9