كتاب : شرح العمدة في الفقه
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

وعن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن وإبراهيم أنهم كانوا يكرهون أن يحرم الرجل بالحج في غير أشهر الحج ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ولا التابعين
فإن قيل فقد روي عن علي وعبد الله أنهما قالا إتمامها أن تحرم بها من دويرة أهلك وإذا كانت داره بعيدة لم يحرم إلا قبل أشهر الحج
قلنا قد فسرناه بأن المراد به إنشاء السفر لهما ولو كان المراد نفس الدخول في الحج فهذا لأن غالب ديار الإسلام يتأتي الإحرام منها في أشهر الحج
فإن خالف وأحرم بالحج قبل أشهره فإنه ينعقد الإحرام بالحج في أشهر الروايتين قال أحمد في رواية أبي طالب وسندي من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لزمه إلا أن يريد فسخه بعمرة فله ذلك قال القاضي فقد نص على انعقاده وأجاز له فسخه إلى العمرة بناء على أصله في جواز فسخ الحج إلى العمرة
فعلى ما قاله القاضي إن فسخه بعمرة قبل أشهر الحج لم يلزمه دم لأنه ليس بتمتع وعليه من تلك السنة لأن فسخ الحج إلى العمرة إنما يجوز بشرط أن يحج من عامه ذلك وكذلك قال ابن أبي موسى من أهل بالحج

قبل أشهر الحج أحببنا له أن يجعلها عمرة فإذا حل منها أنشأ الحج فإن لم يفعل وأقام على إحرامه لما أهل به إلى أن أتى الحج أجزأه وقد تحمل مشقة
والأشبه والله أعلم أن مقصود أحمد أنه يفسخه بعمرة لا لأجل فضل التمتع بل لأن الإحرام بالحج قبل أشهره مكروه فيتخلص بفسخه إلى العمرة من المكروه وإن لم يحج
والرواية الثانية لا ينعقد الإحرام بالحج قبل أشهره رواها هبة الله الطبري واختارها القاضي أبو يعلى الصغير فعلى هذا هل ينعقد بعمرة ذكر القاضي أبو يعلى هذا فيه وجهين

أحدهما لا ينعقد بعمرة لأنه لم يقصده ولا بحج لأن وقته لم يدخل كما قلنا فيمن أحرم بالنفل قبل الفرض أو عن غيره قبل أن يحج عن نفسه في الرواية التي اختارها أبو بكر
والثاني وهو المشهور أنه ينعقد بعمرة وقد قال أحمد في رواية عبد الله إذا أحرم بالحج قبل أشهره يجعلها عمرة وفسره القاضي بأنه يفسخ الحج إلى العمرة وكذلك قال ابن أبي موسى يستحب لمن أحرم بالحج قبل أشهره أن يجعلها عمرة ويفرغ منها ويحرم بالحج في أشهره
والأشبه أن أحمد إنما قصد بهذا أن يعتقد أنها عمرة ويتمها بعمل عمرة لأنه روي عن عطاء من غير وجه فيمن أهل بالحج قبل أشهره قال يجعلها عمرة وفي رواية إجعلها عمرة فإن الله تعالى يقول الحج أشهر معلومت فمن فرض فيهن الحج ومذهبه أن نفس الإحرام بالحج ينعقد عمرة فالأظهر أن أحمد إنما قصد الأخذ بقول عطاء فتكون هذه

الرواية الثانية وذلك لأن الإحرام بعض الحج وجزء منه ودليل ذلك أنه بدخوله فيه يسمة حاجا أو معتمرا وأنه يلزم بالشروع فيه وأن العمرة للشهر الذي يهل فيه لا الشهر الذي يحل فيه وأنه يجب عليه به السعي إلى الحج في الوقت الذي يدرك الوقوف فلا يجوز له تفويت الحج وإذا كان كذلك لم يجز فعله قبل وقت العبادة كسائر الأبعاض وكنية الصلاة ونحوها ولأن الله تعالى قال فمن فرض فيهن الحج فخص الفرض فيهن بالذكر فعلم أن حكم ما عداه بخلافه ولأن هذا مخالف للسنة وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
وإذا لم ينعقد الحج ولم يكن سبيل إلى بطلان الإحرام فإنه لا يقع إلا لازما موجبا إنعقد موجبا لعمرة كمن أحرم بالفرض قبل وقته فإنه ينعقد نفلا
وايضا فإنه لو جاز الإحرام قبل أشهر الحج لوجب أن يحرم بالحج في هذا العام وقف بعرفة في العام المقبل
ووجه الأول أن الشروع في الإحرام يوجب إتمامه كما أن النذر يوجب فعل

المنذور فإذا أحرم بالحج لزمه إتمامه كما لو نذره وكونه مكروها لا يمنع لزوم الوفاء به كما أن عقد النذر مكروها ويجب الوفاء به ثم النذر يوجب فعل المنذور وكذلك الإحرام يوجب فعل ما أحرم به
وايضا فإن أكثر ما فيه أن إحرامه بالحج قبل أشهره غير جائز وهذا لا يمنع لزومه وانعقاده على الوجه الذي عقده كما لو عقده وهو لابس عالما ذاكرا فإن ذلك لا يحل له ومع هذا ينعقد إحرامه صحيحا موجبا للدم بل لو عقده وهو مجامع إنعقد إحراما فاسدا فوجب المضي فيه والقضاء له والهدي نعم هؤلاء وجب عليهم دم لما فعلوه من المحظور لأنهم نقصوا الإحرام وهذا لم ينقصه وإنما زاد عليه فأسوأ أحواله أن يجعل المزيد كالمعدوم وايضا فإن الإحرام قبل أشهر الحج إحرام في أشهر الحج وزيادة على الإحرام المشروع فإنه يبقى محرما إلى حين الوقوف والطواف والزيادة على المناسك قبلها أو بعدها وإن لم تكن مشروعة فإنها لا تقدح في القدر المشروع كما لو وقف بالمعرف قبل وقته أو أقام به إلى نصف ليلة النحر أو طاف ليلة النحر أو طاف أكثر من أسبوع بالبيت وبين الصفا والمروة أو رمي الجمار بأكثر من سبع حصيات أو بات بمنى بعد لياليها وإذا لم يكن ذلك قادحا في الإحرام الواقع في أشهر الحج فيكون إحراما صحيحا قد التزمه فيلزمه ذلك الإحرام وإذا لزمه ذلك الإحرام لزمه ما قبله لأنه لا يمكن الحكم بصحته إلا بصحة ما قبله ولزومه يبين ذلك ويوضحه أن الصبي والعبد لو أدركا الوجوب وهما بعرفة صح

إتمام الحج بما وجد من الإحرام بعد الوجوب وكان بعض هذا الإحرام مجزءا عن الواجب وبعضه ليس مجزءا عنه وإنما يصح المجزيء منه بصحة غير المجزيء فلذلك يجوز أن يبني المشروع منه على غير المشروع جعلا لما وجد قبل الوقت والوجوب وجوده كعدمه ما لم يقع فاسدا
وبهذا يظهر الفرق بين الإحرام وبين سائر أجزاء العبادات فإنها إنما لم تجزيء لكون الجزء المفعول قبل الوقت واجب بكل حال وفعل الواجب قبل وقته غير جائز لأنه يكون وجوده كعدمه وعدم الواجب في العبادة يبطلها وهنا الإحرام الموجود قبل الوقت إذا كان وجوده كعدمه فعدمه لا يؤثر
وايضا فإنه أحد الميقاتين فانعقد الإحرام المتقدم عليه كالميقات المكاني وذلك لأن الحج مخصوص بزمان ومكان والوقوف والطواف أخص مكانا وزمانا من الإحرام فإن الإحرام يتقدم عليهما في مكانه وزمانه ومن السنة أن لا يحرم بالنسك قبل مكان الإحرام فلو أحرم به إنعقد فكذلك إذا أحرم به قبل زمانه
قال بعض أصحابنا وميقات الزمان جميعه بمنزلة البقعة التي يشرع الإحرام منها له أن يحرم من أولها وآخرها وليس له أن يتأخر عنها وان تقدم انعقد لكن بينهما فرق وهو ميقات المكان نهى عن التأخر عنه وإن تأخر انعقد ولزمه دم لأن ذلك نقص لبعض النسك وميقات الزمان إذا أخره عن وقت جوازه فات الحج فلم ينعقد وإن كان التقدم في الزمان مكروها لأن من أراد أن يقطع الوقت بالإحرام فإنه يمكنه أن يحرم بالعمرة بخلاف المكان

وايضا فإنه قد التزم الحج فإن جعلناه التزاما صحيحا وجب أن يتمه كما التزمه وإن كان فاسدا فلا شيء عليه أما العمره فلم يقصدها ولم ينوها وهي بعض ما التزمه أو هي مخالفة له فكيف تقوم مقام الحج
وقد احتج جماعة من أصحابنا وغيرهم بقوله يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج قالوا وهذا عام في جمع الأهلة فيقتضي أن تكون جميعا ميقاتا للحج وهذا غلط محقق لأن الهلال إنما يكون وقتا للشيء إذا اختلف حكمه به وجودا وعدما مثل أن تنقضي به العدة أو يحل به الدين أو يجب به الصوم أو الفطر ونحو ذلك فلو كان جميع العام وقتا للإحرام بالحج لم تكن الأهلة ميقاتا للحج كما لم تكن ميقاتا للنذر ولا ميقاتا لسائر الأشياء التي تفعل في جميع الأزمنة بل هذه الآية دالة على أن الحج مؤقت بالأهلة ومحال أن يكون مؤقتا بكل واحد من الأهلة فعلم أن المراد أن جنس الأهلة ميقات للحج كما قال الذين قال لهم الناس إن

الناس قد جمعوا لكم
والجنس يحصل بهلال واحد وباثنين وثلاثة فأفادت الآية أن الأهلة ميقات للحج يعلم جوازه بوجودها في الجملة وذلك حق فإن الحج إنما يكون لهلال خاص وهو هلال ذي الحجة
ويجوز أن يراد أن مجموع أهلة السنة وقت للحج فإن الحج إنما يدخل وقته عند انتهاء الإثنى عشر ويجوز أن يراد بعضها ميقات للناس وبعضها ميقات للحج ويجوز أن يراد
وأما قوله سبحانه فمن فرض فيهن الحج فهو دليل على أن فرضه قبلهن غير مشروع إن لم يكن قوله فيهن متعلقا بالحج
وأما كونه خلاف السنة فصحيح لكن ذلك لا يمنع الانعقاد
وأما كون الإحرام ركنا للحج وبعضا منه فقد إختلفت عبارة أصحابنا في ذلك فزعم طائفة من متأخريهم أنه شرط للحج وليس بركن له والشروط

تفعل قبل وقت العبادة كالطهارتين والستارة قالوا ولهذا يجب استصحابه في جميع الحج والركن إنما يفعل بعد إنقضاء الركن كالوقوف والطواف والركوع والسجود
وأكثر فقهاء أصحابنا يجعلونه ركنا ثم قال القاضي وغيره كونه ركنا لا يوجب إختصاص جوازه بأشهر الحج كالطواف فإنه يجوز تأخيره عن أشهر الحج فنقول ركن في طرف الحج فجاز فعله في غير وقته كالطواف وعكسه الوقوف فإن ركن في وسط الحج وقياسه بالطواف أولى لأن ذاك تأخير وهذا تقديم
ولأن الطواف لا يفعل إلا في وقت واحد والإحرام يدوم ويستمر في أشهر الحج وفي غير أشهره وهذا أشبه بأصولنا فإن العمرة عندنا للشهر الذي يحرم منه ولو كان شرطا مختصا لم يصح ذلك نعم هو يشبه النية لأنه به ينعقد الحج ويلزم وبه يدخل في الحج كما يدخل بالنية في الصلاة والنية منها ما يتقدم وقت العبادة كالصوم ومنها مالا يتقدم كالصلاة وتحقيقه أن

له شبها بالشرائط وشبها بالأركان والأصول لا يقاس بعضها ببعض كما أن الحج لا يقاس بغيره من العبادات
فإن قيل إذا قلتم ينعقد وله فسخه إلى عمرة يحج بعدها فهذا ظاهر أما أنه ينعقد ويفسخه إلى عمرة من غير حج ويكون ذلك أفضل من تمام حجة فكيف هذا
قلنا فسخ الحج إلى العمرة يجوز لغرض صحيح وهو تحصيل ما هو أفضل من حجة مفردة فلما كان تحصيل عمرة يتمتع بها وحجة أفضل من حجة مفردة جاز له الفسخ لذلك وهنا إحرامه بعمرة قبل أشهر الحج يأتي بها من غير حج أفضل من حجة يحرم بها قبل أشهر الحج لأن هذا مكروه مع كثرته وذاك لا كراهية فيه فإذا انتقل إلى ما هو أفضل كان له ذلك وإذا أقام على إحرامه بالحج إلى أن تدخل أشهر الحج فهنا ينبغي أن لا يكون له الفسخ إلا إلى متعة

فصل
ومتى أحرم بالحج فعليه أ يحج تلك السنة وليس له أن يؤخر الحج إلى العام المقبل حتى لو بقى محرما حتى فاته الحج لم يجز له أن يستديم الإحرام إلى العام المقبل وإن جوزنا الإحرام قبل لأن الإحرام يوجب فعل الحج ذلك العام فإذا فانه لم يجز أن يؤدي بهذا الإحرام حجة أخرى

فصل
وأما العمرة فيحرم بها متى شاء لا تختص بوقت لأن أفعالها لا تختص بوقت فأولى أن لا يختص إحرامها بوقت قال أصحابنا لا يكره في شيء من السنة بل له أن يحرم في أيام الحج وله أن يبقى محرما بالعمرة السنة والسنتين قال أحمد في رواية أبي الحارث يعتمر الرجل متى شاء في شعبان أو رمضان
وهذا فيمن لم يبق عليه شيء من أعمال الحج فأما إذا تحلل من الحج وبقي عليه الرمي لم ينعقد إحرامه بالعمرة وإن نفر النفر الأول
وقد قال أحمد في رواية ابن إبراهيم فيمن واقع قبل الزيارة يعتمر إذا انقضت أيام التشريق قال القاضي وظاهر هذا أنه لم ير العمر في

أيام التشريق والمذهب على ما حكيناه لأنه قد قال في رواية الأثرم العمرة بعد الحج لا بأس بها عندي وهذه الرواية تحتمل ما قاله القاضي وتحتمل أن الحاج نفسه لا يعتمر إلا بعد أيام التشريق لأنها من تمام الحج وقد روى النجاد عن عائشة أنها قالت العمرة في السنة كلها إلا يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وفي لفظ حلت العمرة الدهر إلا ثلاثة أيام يوم النحر ويومين من أيام التشريق وهذا يقتضي أنما كره ذلك لآجل التلبس بالحج

باب الإحرام
مسألة من أراد الإحرام إستحب له أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويتجرد عن المخيط في إزار ورداء أبيضين نظيفين
وجملة ذلك أنه يستحب الاغتسال قبل الإحرام للرجل والمرأة سواء كانت طاهرا أو حائضا قال أحمد في رواية صالح ويغتسل الرجل والمرأة إذا أرادا أن يهلا ويغتسلان إذا أرادا أن يدخلا الحرم فإن لم يفعلا فلا بأس وقال في رواية عبد الله والحائض إذا بلغت الميقات فتغتسل وتصنع ما يصنع الحاج غير أن لا تطوف بالبيت ولا بالصفا والمروة ولا تدخل المسجد أعجب إلي لما روى زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم تجرد لإهلاله واغتسل رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب والدارقطني

وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي وإشنان ودهنه بزيت غير كثير وعن ابن عمر قال من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم وإذا أراد أن يدخل مكة رواهما الدارقطني وروى ايضا عن ابن عباس قال اغتسل رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لبس ثيابه فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين ثم قعد على بعيرة فلما استوى به على البيداء أحرم بالحج وفيه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح وقد تكلم فيه
وأما الحائض والنفساء فروى خصيف عن مجاهد وعكرمة وعطاء عن

ابن عباس رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه و سلم أن النفساء أو الحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال الحائض والنفساء إذا أتيا على الوقت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت حتى تطهر رواه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه
وعن عائشة قالت نفست أسماء بمحمد بن أبي بكر بالشجرة

فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل رواه مسلم والترمذي وكذلك في حديث جابر أن أسماء بنت عميس نفست بذي الحليفة فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر فأمرها أن تغتسل وتهل رواه مسلم وغيره وعن أسماء بنت عميس أنها ولدت محمد ابن أبي بكر بالبيداء فذكر أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مرها فلتغتسل ثم لتهل رواه مالك وأحمد والنسائي

وإذا رجت الحائض والنفساء أن تطهر أقامت حتى إذا طهرت اغتسلت إذا اتسع الزمان هكذا ذكر أصحابنا القاضي وابن عقيل وليس هذا الغسل واجبا نص عليه وقيل إن بعض المدنين يقول من ترك الإغتسال فعليه دم لقول النبي صلى الله عليه و سلم لأسماء وهي نفساء إغتسلي فكيف الطاهر فأظهر التعجب من هذا القول وكان ابن عمر يغتسل أحيانا ويتوضأ أحيانا وأي ذلك فعل أجزأه وذلك لما روي عن ابن عمر أنه توضأ مرة في عمرة اعتمرها ولم يغتسل وكان في عمرة إذا أتى ذا الحليفة تجرد واغتسل رواهما سعيد
وإن لم يكن هناك ماء فهل يتيمم على وجهين ويقال روايتين

إحداهما يتيمم قاله القاضي وابن عقيل

فصل
وأما التنظيف فالمراد به أن يجز شاربه ويقلم أظفاره وينتف إبطه ويحلق عانته إن احتاج إلى شيء من ذلك ويزيل شعثه وقطع الرائحة
قال أحمد في رواية المروذي فإذا أردت أن تحرم فخذ من شاربك وأظفارك واستحد وانتف ما تحت يدك وتنظف واغتسل إن أمكنك وتوضأ وضوءك للصلاة فإن وافقت صلاة مكتوبة صليت وإلا فصل ركعتين فإن أردت المتعة فإنها آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم لقوله لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فلم يحل لأنه ساق الهدي وأبو عبد الله يختارها فقل اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني وأعني عليها تسر ذلك في نفسك مستقبل القبلة وتشترط عند إحرامك تقول إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن شئت أهللت على راحلتك
وذكر في الإفراد والقران نحو ذلك إلا أنه قال فقل اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني لبيك اللهم عمرة وحجا فقل كذلك ولم يذكر

في المتعة والقران لفظه في التلبية ثم قال وإن شاء تطيب قبل أن يحرم ويغتسل المحرم إن شاء قبل دخول الحرم وذلك لأن هذه عبادة فاستحب أن يدخل فيها بنظافة كغيرها لا سيما وهو ممنوع من ذلك بعد الإحرام فإن أراد أن يأخذ من شعر رأسه بالجز ونحوه فهل يكره رخص فيه عمر والحجازيون وكرهه

فصل
وأما التطيب فقد قال في رواية المروذي وإن شاء تطيب قبل أن يحرم وقال عبد الله سألت أبي عن المحرم الطيب أحب إليك له أم ترك الطيب قال لا بأس إن يتطيب قبل أن يحرم ونذهب فيه إلى حديث عائشة وكذلك نقل حنبل وإنما لم يؤكده لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر به وإنما فعله فيجوز أن يكون فعله لأنه عبادة ويجوز أن يكون فعله على الوجه المعتاد وفي مراعاته نوع مشقة وفيه اختلاف وظاهر كلامه أنه مستحب غير مؤكد بحيث لا يكره تركه بخلاف الاغتسال والتنظيف
قال أصحابنا يستحب له أن يتطيب بما شاء من طيب الرجال سواء كان مما يبقى أثره أو لا يبقى لما روى عروة عن عائشة قالت كنت أطيب النبي صلى الله عليه و سلم عند إحرامه بأطيب ما أجد وفي رواية قالت كنت أطيب النبي صلى الله عليه و سلم بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم متفق عليه وفي رواية كنت أطيب النبي صلى الله عليه و سلم عند إحرامه بأطيب ما أجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته لفظ البخاري وفي رواية مسلم

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص الدهن في لحيته ورأسه بعد ذلك وفي رواية القاسم عنها كنت أطيب النبي صلى الله عليه و سلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك متفق عليه
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة فنضمد جباها بالمسك المطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه و سلم فلا ينهانا رواه وأبو داود
وعن نافع قال كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له

رائحة طيبة ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل رواه البخاري
وعن درة قالت كنت أغلف رأس عائشة بالمسك والصبر عند إحرامها وعن عائشة ابنة سعد بن أبي وقاص قالت كنت أسحق له المسك يعني سعدا بالبان الجيد فأضمخ منه لحيته ورأسه وأجمر حلته فيروح فيها مهلا
وعن مسلم بن صبيح قال رأيت في رأس ابن الزبير ولحيته من الطيب وهو محرم ما لو كان لرجل لاتخذ منه رأس مال

وعن علي بن حسين قال قال لي ابن عباس وعائشة إدهن بأي دهن شئت وأنت محرم وقال ابن عمر إدهن بالزيت
وعن ابن عباس أنه سئل عن الطيب قبل الإحرام قال أما أنا فأصعصعه في رأسي ثم أحب بقاءه
وعن ابن المنتشر قال سألت ابن عمر ما تقول في الطيب عند الإحرام فقال ما أحب أن أصبح محرما ينضح مني الطيب وفي لفظ لأن أصبح مطليا بقطران أحب إلى من أصبح محرما أنضح طيبا فلما سمع ذاك أرسل إلى عائشة فقالت أنا أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم فسكت رواهن

أحمد في رواية ابنة عبد الله
قال القاضي وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا يستحب أن يتطيب في بدنه دون ثيابه لأنه إذا طيب الثوب فربما خلعه ثم لبسه وذلك لا يجوز وإنما ذكرت عائشة أنها كانت ترى الطيب في رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم ولحيته
قالوا وإن طيبهما جاز لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يلبس المحرم ثوبا مسه ورس أو زعفران فلو كان تطييب الثوب مشروعا لما نهى عن لبسه
قالوا ويستحب للمرأة أن تتطيب كالرجل لما تقدم من حديث عائشة ولأنها لا تقرب من الرجال بخلاف الطيب عند الخروج إلى الجماعات والجمع والأعياد فإنهن يختلطن بالرجال فكره ذلك

قالوا ويستحب للمرأة أن تختضب قبل الإحرام سواء كانت أيما أو ذات زوج
فأما غير المحرمة فقال القاضي يستحب لها الخضاب إن كانت ذات زوج ولا يستحب إذا كانت أيما

فصل
وأما التجرد عن المخيط ولباس ازار ورداء نظيفين أبيضين فلما روى ابن عمر في حديث له ذكره عن النبي صلى الله عليه و سلم قال وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد النعلين فليلبس خفين ولقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين رواه أحمد ولأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه أحرموا في الأزر والأردية والنعال ولأن ستر العورة والمنكبين مشروع في الصلاة وغيرها وسترهما بالمخيط غير جائز فيستر عورته بازار ومنكبيه برداء
ولم يذكر أحمد والخرقي والشيخ وأبو الخطاب وغيرهم الأمر بالإحرام في نعلين وذكره القاضي وابن عقيل وغيرهما لما تقدم وليس بينهما خلاف وإنما يشرع ذلك لمن أراد أن يمشي وينتعل ومن أراد الركوب أو المشي حافيا من غير ضرر فله أن لا ينتعل بخلاف اللباس فإنه مشروع بكل حال
وإنما استحب أصحابنا البياض

وسواء كانا جديدين أو غسيلين ليس أحدهما أفضل
وإن أحرم في ملون لا يكره لبسه فجائز من غير كراهة
وإنما استحببنا أن يكونا نظيفين من النجاسة ومن الوسخ

مسألة ثم يصلي ركعتين ويحرم عقيبهما وهو أن ينوي الإحرام ويستحب أن ينطق به ويشترط فيقول اللهم إني أريد النسك الفلاني فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني
في هذا الكلام فصول
أحدهما أنه يستحب أن يكون الإحرام بعد صلاة لأن الذين وصفوا حج رسول الله صلى الله عليه و سلم كلهم ذكروا أنه صلى في مسجد ذي الحليفة كما سيأتي ثم أحرم عقب ذلك وفي بعض الروايات من حديث ابن عباس وأنس أنها كانت صلاة الظهر
وعن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات يعني التلبية رواه مسلم
ثم إن حضرت صلاة مكتوبة أحرم عقيبها لأن النبي صلى الله عليه و سلم أحرم عقيب المكتوبة ولم يصل بعدها شيئا ولم يكن يصلي مع الفرض شيئا وإن صلى بعدها سنة أو ركعتين وإن لم تحضر مكتوبة صلى ركعتين إن كان وقت صلاة فإن كان وقت نهى وإن لم يصل فلا بأس قال عبد

الله سألت أبي يحرم الرجل في دبر الصلاة أحب إليك قال أعجب إلى أن يصلي فإن لم يصل فلا بأس وكذلك نقل ابن منصور عنه وقد سئل يحرم في دبر الصلاة أحب إليك قال أعجب إلى أن يصلي فإن لم يصل فلا بأس

الفصل الثاني
في الوقت الذي يستحب فيه الإحرام والذي عليه أصحابنا أنه يستحب فيه الإحرام في دبر الصلاة وهو جالس مستقبل القبلة وإن أحرم بعد ذلك فحسن وقد تقدم قول أحمد في رواية المروذي فإن وافقت صلاة مكتوبة صليت ولا فصل ركعتين فإن أردت المتعة فقل اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني وأعني عليها تسر ذلك في نفسك مستقبل القبلة وتشترط عند إحرامك تقول إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن شئت أهللت على راحتك وذكر في الإفراد والقران مثل ذلك إلا أنه قال فقل اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني لبيك اللهم عمرة وحجا قبل ذلك وكذلك قال في رواية حنبل إذا أراد الإحرام فإن وافق صلاة مكتوبة صلى ثم أحرم وإن شاء إذا استوى على راحلته وإن أحب أن يحرم من المسجد أحرم وإن شاء بعدما صلى في دبر الصلاة فأي ذلك فعل أجزأه بعد خروجه من المسجد في حديث ابن عمر

وقال في رواية عبد الله فإن وافق صلاة مكتوبة صلى ثم أحرم وإن شاء إذا استوى على راحلته
وقال في رواية أبي طالب إذا أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ويلبس إزارا ورداء فإن وافق صلاة مكتوبة صلى ثم أحرم وإن شاء إذا استوى على راحلته فلبى تلبية النبي صلى الله عليه و سلم
وجعل القاضي وغيره هذه النصوص منه مقتضيه للاستحباب عقيب الصلاة وإن شاء أحرم إذا استوت به راحلته لأن أحمد بدأ بالأمر بذلك ثم جوز الآخر ولأنه إنما شرع الإحرام عقيب الصلاة بناء على أن النبي صلى الله عليه و سلم أحرم عقيبهما فيكون ذلك زائدا على رواية من روى أنه أحرم عند استواء ناقته وانبعاثها به ولأنه إذا كان مشروعا في هاتين الحالتين فتقديمه أفضل
وقال في رواية الأثرم وقد سئل أيما أحب إليك الإحرام في دبر الصلاة أو إذا استوت به ناقته قال كل قد جاء دبر الصلاة وإذا استوت به ناقته وإذا علا البيداء

قال القاضي وظاهر هذا أنه مخير في جميع ذلك وليس أحدهما بأولى من الاخر
ولفظ أبي الخطاب وعنه أن إحرامه عقيب الصلاة وإذا استوى على راحلته وإذا بدأ في السير سواء ولفظ غيره فيها أن الإحرام عقيب الصلاة وحين تستوي به راحلته على البيداء سواء
والمذهب على ما حكينا وأن المستحب أن يحرم دبر الصلاة ومعنى قولنا إذا استوى على راحلته أنها الحال التي يريد أن يأخذ في المسير
وقد نقل عبد الله عن أبيه أنه يبلس ثوبين ثم يقلد بدنته ثم يشعر ثم يحرم هكذا الأمر هكذا يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم
وعلى هذا يستحب الإحرام إذا ركب وأراد الأخذ في السير لأن تقليد الهدي وإشعاره بعد الصلاة وقد جعل الإحرام بعده
وإذا أحرم دبر الصلاة ففي أول أوقات التلبية ثلاثة أوجه
أحدها أنه يلبي إذا استوت به راحلته كما ذكره الشيخ قاله الخرقي وذكره القاضي وابن عقيل في المجرد والفصول وهو المنصوص عنه في رواية الأثرم قال قد يكون الرجل محرما بغير تلبية إذا عزم على الإحرام وقد

يلبي الرجل ولا يحرم ولا يكون عليه شيء وهو يعزم على الإحرام فإذا إنبعثت به راحلته لبى
والثاني أن أول حال تشرع فيها التلبية إذا أشرف على البيداء لا في أول الإحرام ذكره القاضي في بعض المواضع
والثالث أنه يلبي عقيب إحرامه في دبر الصلاة وهو الذي استقر عليه قول القاضي وغيره من أصحابنا وقد نص في رواية المروذي على أنه يصل الإحرام بالتلبية
قال أحمد في رواية حرب وقد سأله عن الرجل إذا أحرم في دبر الصلاة أيلبي ساعة يسلم أم متى قال يلبي متى شاء ساعة يسلم وإن شاء بعد ذلك وسهل فيه
وأكثر نصوص أحمد تدل على أن زمن الإحرام هو زمن التلبية كما تقدم عنه أنه مخير بين الإحرام والإهلال عقيب الصلاة وعلى الراحلة ولم يذكر في شيء من ذلك أنه يحرم عقيب الصلاة ويلبي إذا استوت به راحلته
وسبب هذا الإختلاف في وقت إحرام النبي صلى الله عليه و سلم وإهلاله فروى نافع

قال كان ابن عمر يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه البخاري
وفي لفظ له رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حين تستوي به قائمة
وعن ابن عمر قال بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة وفي رواية ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيرة متفق عليها
وفي رواية عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل ملبيا يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك

وقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات رواه مسلم
وعنه ايضا قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة متفق عليه
وهذا يبين أنه أهل لما انبعثت به إلى القيام وهو استواؤها لأن البعير إذا نهض يكون منحنيا فإذا استوى صار قائما
وهذا كله يبين أنه أهل حين استواء البعير وأرادة المسير قبل أن يشرع في السير فعلى هذا تكون التلبية عوضا عن الذكر المشروع

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن إهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته رواه البخاري وقال رواه أنس وابن عباس
وعن أنس بن مالك قال صلى النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهل رواه البخاري ولمسلم إلى قوله ركعتين
وعن ابن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه و سلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفة سنامها الأيمن وسلت الدم عنها ولقدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج رواه أحمد ومسلم وابو داود والنسائي
فهذه نصوص صحيحة أنه إنما أهل حين استوت به راحلته واستوى

عليها ورواتها مثل ابن عمر وجابر وأنس وابن عباس في رواية صحيحة
ثم من قال من أصحابنا يحرمون عقيب الصلاة قال قد جاء أنه أحرم عقيب الصلاة وهنا أنه أهل إذا استوت به راحلته فتحمل تلك الرواية على الإحرام المجرد وهذه على الإهلال لأن التلبية إجابة الداعي وإنما تكون الإجابة إذا أراد أن يأخذ في الذهاب إليه بخلاف الإحرام فإنه عقد وإيجاب ففعله عقيب الصلاة أقرب إلى الخشوع
وأما رواية البيداء فروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على جبل البيداء أهل رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقد روى البخاري نحوه وعن جابر بن عبد الله قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم الحج أذن في الناس فاجتمعوا فلما أتى البيداء

أحرم رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه مسلم في حديثه الطويل ولفظه فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد ثم ركب القصوى حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينيه مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
وعن سعيد بن أبي وقاص قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على

جبل البيداء رواه أبو داود
ووجه الأول ما روى خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لبى في دبر الصلاة رواه الخمسة إلا أبا داود ولفظ أحمد لبى في دبر الصلاة وقال الترمذي حديث حسن غريب وفي رواية

لأحمد وأبي داود عن سعيد قال قلت لابن عباس عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت منه حجة واحدة فمن هنالك إختلفوا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته ثم مضى فلما علا على شرف البيداء أهل فأدرك ذلك أقوام فقالوا إنما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم حين علا شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به راحلته وأهل حين علا على شرف البيداء
ورواه الأثرم وقال أوجب رسول الله صلى الله عليه و سلم الإحرام حين فرغ من صلاته ثم خرج فلما ركب راحلته واستوت به ناقته أهل ولعل هذا اللفظ هو الذي اعتمده بعض أصحابنا

وروى عن ابن عباس أنه قال أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسجد ذي الحليفة وأنا معه وناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم عند باب المسجد وابن عمر معها ثم خرج فركب فأهل فظن ابن عمر أنه أهل في ذلك الوقت
وهذه رواية مفسرة فيها زيادة علم وإطلاع على ما خفي في غيرها فيجب التقيد بها واتباعها وليس هذا مخالفا لما تقدم عنه أنه أهل حين استوت به على البيداء لأن تلك الرواية بعض هذه
وعن أشعث بن عبد الملك عن الحسن عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وصعد جبل البيداء وأهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر رواه النسائي ويدل عليه ما روى عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي عز و جل فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة وفي لفظ عمرة وحجة رواه البخاري وغيره فلم يجعل بين الصلاة والإحرام فصلا

وأيضا فإن كل صلاة مشروعة لسبب بعدها فإنه يستحب أن يوصل بها كصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة الإستسقاء وغير ذلك
فإن إحرامه جالسا مستقبل القبلة أقرب إلى إجتماع همه وحضور قلبه وهو بعد الصلاة أقرب إلى الخشوع منه عند الركوب فإحرامه حال الخشوع أولى وقد بين في هذا الحديث أنه لبى عقيب الصلاة وكذلك جميع الأحاديث ليس فيها فرق بين الإحرام والتلبية
بل التلبية والإهلال والإحرام وفرض الحج بمعنى واحد ولهذا في حديث ابن عمر أنه أحرم حين استوت به ناقته وفي لفظ أنه أهل فعلم أنه إنما قصد إبتداء الإحرام

فمن زعم أنه أحرم ولم يلب ثم لبى حين استوت به ناقته فهو مخالف لجميع الأحاديث ولعامة نصوص أحمد
والإحرام من مكة من المتمتع كغيره يحرم عقيب الركعتين اللتين يصليهما بعد طواف سبع ذكره القاضي وغيره وقد قال أحمد في رواية حرب إذا كان يوم التروية أهل بالحج من المسجد
والمنصوص عنه في رواية عبد الله في حق المتمتع إذا كان يوم التروية طاف بالبيت فإذا خرج من المسجد لبى بالحج فذكر أنه يهل إذا خرج من المسجد وفي موضع اخر قلت من أين يحرم بالحج قال إذا جعل البيت خلف ظهره قلت فإن بعض الناس يقول يحرم من الميزاب قال إذا جعل البيت خلف ظهره أهل
فقد نص على أنه يهل إذا أخذ في الخروج من المسجد والذهاب إلى منى وهذا يوافق رواية من روى أنه يهل إذا استقلت به ناقته خارجا من مسجد ذي الحليفة
والتلبية عقيب الإحرام إنما تستحب إذا كانت في البرية والصحراء فإن كانت في الأمصار لم تستحب حتى يبرز لأنها لا تستحب في الأمصار ذكره

القاضي في رواية أحمد بن علي وقد سئل إذا أحرم في مصره يلبي فقال ما يعجبني كأنه ذهب إلى التلبية من وراء الجدر
وقال في رواية المروذي التلبية إذا برز عن البيوت
فإن كان الإحرام في مسجد في البرية أو في قرية

الفصل الثالث
إن الإحرام ينعقد بمجرد النية عند أصحابنا
قال أحمد في رواية الأثرم الرجل يكون محرما بالنية إذا عقد على الإحرام وحديث قيس بن سعد أنه نظر إلى

هدية مقلد فقال ذاك كان قد عقد الإحرام بتقليده الهدي وكان ابن عمر لا يسمى حجا ولا عمرة وقد يكون الرجل محرما بغير تلبية إذا عزم على الإحرام وقد يلبي الرجل ولا يحرم ولا يكون عليه شيء وهو يعزم على الإحرام فإذا انبعثت به راحلته لبى

فصل
وقد استحب أصحابنا أن ينطق بما أحرم به وقد تقدم نصه على ذلك في رواية المروذي فيقول اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني لأن في حديث علي أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم حين قال له كيف قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه مسلم وفي حديث عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أتاني آت من ربي وقال قل عمرة في حجة وفي لفظ عمرة وحجة وفي حديث ابن عمر أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ثم قال أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرة
واستحبوا الإشتراط وهو منصوصه ايضا

وقال ابن أبي موسى يستحب له الإشتراط وهو أن يقول بعد التلبية إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني
وأكثر أصحابنا يقولون ينطق بالإشتراط قبل التلبية

مسألة وهو مخير بين التمتع والافراد والقران وأفضلها التمتع وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يشرع في الحج في عامه ثم الإفراد وهو أن يحرم بالحج مفردا ثم القران وهو أن يحرم بهما أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة
في هذا الكلام فصول
أحدها أن من أراد النسك فهو مخير بين التمتع والإفراد والقران فإذا أراد أن يجمع بين النسكين في سفرة واحدة يمر فيها على الميقات في أشهر الحج فالأفضل التمتع ثم الأفراد ثم القران لمن لم يسق الهدي قال أبو عبد الله رحمه الله في رواية المروذي ما تقدم حيث خيره بين الثلاثة وأختار له المتعة
وقال في رواية صالح التمتع آخر فعل النبي صلى الله عليه و سلم والذي نختار المتعة لأنه آخر ما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم وهو يجمع الحج والعمرة جميعا ويعمل لكل واحد منهما على حدة ولما قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة أمر أصحابه أن يحلوا وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولأحللت كما تحلون وهذا بعد أن قدم مكة وهو آخر الأمرين
وقال عبد الله سألت أبي عن القران والإفراد قال التمتع آخر فعل النبي

صلى الله عليه و سلم يعني أمر النبي صلى الله عليه و سلم وقال سمعت أبي يقول والمتعة آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ويجمع الله فيها الحج والعمرة واختيار رسول الله صلى الله عليه و سلم لها إذ قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فلم يحل النبي صلى الله عليه و سلم لأنه ساق الهدي
وسئل عن القران قال التمتع أحب إلى وهو آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه و سلم
وقال صلى الله عليه و سلم اجعلوا حجكم عمرة قال أبو عبد الله يعني الحج والأمران من سنة النبي صلى الله عليه و سلم فالحج والمتعة على هذا من سنة النبي صلى الله عليه و سلم
وقال في رواية أبي طالب فلما قدم مكة قال إجعلوا حجكم عمرة فأمرهم بالعمرة وهي آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه و سلم

وهذا بين ألا من ضاق علمه بالفقه لأن النبي صلى الله عليه و سلم أهل بالحج وأصحابه ولم يكونوا يرون إلا أنه الحج فلما قدم مكة قال لوإستقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولأحللت كما تحلون فقالوا أي الحل قال الحل كله قالوا نخرج كذا وكذا فقال أحلوا وغضب فحلوا فقال سراقة بن مالك يا رسول الله عمرتنا لعامنا هذا أم للأبد فقال بل للأبد
وأما ساق الهدي ففيه روايتان
إحداهما القران أفضل قال في رواية المروذي إن ساق الهدي

فالقران أفضل وإن لم يسق فالتمتع نقلها أبو حفص
والثانية التمتع أفضل بكل حال وقد صرح بذلك في رواية حرب قال سمعت أبا عبد الله يقول أنا أختار في الحج التمتع قال وقال ابن عباس هي واجبة قال وسألته مرة أخرى ما تختار في الحج قال أنا أختار التمتع يدخل مكة بعمرة ويطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويحل إن لم يكن معه هدي فإذا كان يوم التروية أهل بالحج من المسجد وإن كان ساق الهدي طاف بالبيت وبين الصفا والمروة لعمرته ثم قام على إحرامه فإذا كان يوم التروية أهل بالحج هذا مذهبه وذلك لما اعتمده أحمد وبنى مذهبه عليه وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أحرم هو وأصحابه من ذي الحليفة قال من شاء أن يهل بحج ومن شاء أن يهل بعمرة ومن شاء أن يهل بعمرة وحج فلما قدموا مكة أمرهم كلهم أن يحلوا من إحرامهم إذا طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ويجعلوها عمرة ويتمتعوا بالعمرة إلى الحج إلا من ساق الهدي فإن سوق الهدي يمنعه من التحلل
وكان دخولهم مكة يوم الأحد رابع ذي الحجة فلما كان يوم التروية أمرهم

أن يهلوا بالحج فحج المسلمون كلهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بأمره متمتعين حجة الوداع التي هي أكمل بها الدين وأتم بها النعمة وقد كرهوا ذلك والنبي صلى الله عليه و سلم يأمرهم بالمتعة ويغضب على من لم يفعلها ويقول لو اسقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولولا الهدي لأحللت لعلمه بفضل الإحلال فثبت بذلك أن المتعة أفضل من حجة مفردة ومن القران بين العمرة والحج من وجوه
أحدها أنها آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه و سلم فإنه أمرهم بها عينا بعد أن خيرهم عند الميقات بينها وبين غيرها فعلم أنه لم يكن يعلم أولا فضل المتعة حتى أمره الله بها وحضه عليها فأمر أصحابه بها وحضهم عليها ولو كان صلى الله عليه و سلم يعلم أولا من فضل المتعة ما علمه بعد قدومه مكة لكان قد أمرهم بالإهلال بها من الميقات ولم يخيرهم بينها وبين غيرها ليستريح من كراهتهم لفسخ الحج ومشقته عليهم فإنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما ولهذا قال ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة

الثاني أن المسلمين حجوا معه متمتعين جميعهم إلا من ساق الهدي وكانوا قليلا وذلك بأمره وأمره أبلغ في الإيجاب والاستحباب من فعله لو كان الفعل معارضا له وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ولا ينبغي لمؤمن أن يختار لنفسه غير ما اختاره الله ورسوله
الثالث أن هذه الحجة حجة الوداع لم يحج النبي صلى الله عليه و سلم بالمسلمين قبلها ولا بعدها وفيها أكمل الله الدين وأتم النعمة وأحييت مشاعر إبراهيم وأميت أمر الجاهلية فلم يكن الله تعالى يختار لرسوله وللمؤمنين من السبل إلا أقومها ومن الأعمال إلا أفضلها وقد إختار الله لهم المتعة
وهذه الجملة التي ذكرناها من حجة النبي صلى الله عليه و سلم وأمره المسلمين بالمتعة مما أجمع عليه علماء الأثر واستفاض بين أهل العلم واشتهر حتى لعله قد تواتر عندهم ونحن نذكر من الأخبار بعض ما يبين ذلك

فروى الزهري عن سالم عن أبيه قال تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة قال للناس من كان أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجة ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل وليهد فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع أهله
وطاف رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجة ونحر هدية يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم من أهدى فساق الهدي من الناس
وعن الزهري عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم متفق عليه

وعن سالم أنه سمع رجلا من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال عبد الله بن عمر هي حلال قال الشامي أن أباك قد نهى عنها فقال عبد الله بن عمر أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه و سلم أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الرجل بل أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه الترمذي وروى النسائي عنه العمرة في أشهر الحج تامة قد عمل بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنزلها الله تعالى في كتابه
وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لبد رأسه وأهدى فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن قلن مالك أنت لا تحل قال إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من حجتي وأحلق رأسي رواه أحمد

وعن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله عن عبد الله بن عمر قال قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي قالوا يا رسول الله أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا قال نعم وسطعت المجامر وقدم علي بن أبي طالب من اليمن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بم أهللت قال بما أهل به النبي صلى الله عليه و سلم قال فإن لك معنا هديا قال حميد فحدثت به طاوسا فقال هكذا فعل القوم وفي رواية إجعلها عمرة
وفي رواية خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ولبى بالحج ولبينا معه فلما قدم أمر من لم يكن معه الهدي أن يجعلوها عمرة رواه أحمد بإسناد صحيح

وبعضه في الصحيحين
وذكر ابن الجوزي أنه في الصحيحين وأظنه وهما
وعن الأسود عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نرى إلا أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل قالت فحل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه لم يسقن فأحللن قالت عائشة فحضت فلم أطف بالبيت فلما كانت ليلة الحصبة قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه و سلم يرجع الناس بعمرة وحجة وأرجع أنا بحجة قال أوما كنت طفت ليالي قدمنا مكة قالت قلت لا قال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ثم موعدك مكان كذا وكذا قالت صفية

ما أراني إلا حابستكم قال عقرى حلقى أو ما كنت طفت يوم النحر قالت بلى قال لا بأس عليك إنفري قالت عائشة فلقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها
وفي رواية الأعمش عن إبراهيم عن الأسود خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة وساق الحديث بمعناه
وعن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا أنه الحج فلما كنا

بسرف حضت حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل قالت عائشة فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا فقال ذبح رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أزواجه قال يحيى فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد فقال أتتك والله بالحديث على وجهه
وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أبكى فقال ما يبكيك فقلت والله لوددت أني لم أكن خرجت العام فقال مالك لعلك نفست قلت نعم قال هذا شيء كتبه الله على بنات آدم إفعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى

تطهري قالت فلما قدمت مكة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه اجعلوها عمرة فأحل الناس إلا من كان معه هدي قالت فكان الهدي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وذي اليسارة ثم أهلوا حين راحوا قالت فلما كان يوم النحر طهرت فأمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم فأفضت قالت فأتينا بلحم بقر فقلت ما هذا فقالوا أهدى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نسائه البقر فلما كانت ليلة الحصبة قلت يا رسول الله أيرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة قالت فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني على جمله قالت فإني لا أذكر وأنا حديثة السن أنعس فتصيب وجهي مؤخرة الرحل حتى جئنا إلى التنعيم فأهللت منها بعمرة جزاء بعمر الناس التي اعتمروا
وعن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في أشهر الحج وليالي الحج وحرم الحج فنزلنا بسرف قالت فخرج إلى أصحابه فقال من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه الهدي فلا قالت فالآخذ بها

والتارك لها من أصحابه قالت فأما رسول الله صلى الله عليه و سلم ورجال من أصحابه فكانوا أهل قوة وكان معهم الهدي فلم يقدروا على العمرة قالت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أبكى فقال ما يبكيك يا هنتاه قلت سمعت قولك لأصحابك فمنعت العمرة قال وما شأنك قلت لا أصلي قال فلا يضرك إنما أنت إمرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن فكوني في حجتك فسعي الله أن يرزقكيها قالت فخرجنا في حجته وفي لفظ فخرجت في حجتي حتى قدمنا منى فطهرت ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت قالت ثم خرجت معه في النفر الآخر حتى نزل المحصب ونزلنا معه فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال إخراج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم إفرغا ثم أتيا هاهنا فإني أنتظركما حتى تأتياني قالت فخرجنا حتى اذا فرغت وفرغت من الطواف ثم جئته بسحر فقال هل فرغتم فقلت نعم قالت فاذن بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس فمر متوجها إلى المدينة وفي لفظ فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل

صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة متفق على هذه الأحاديث كلها
وعن ذكوان عن عائشة قالت قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من أغضبك أدخله الله النار قال أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون فلو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريته ثم أحل كما حلوا رواه مسلم
وعن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو إستقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت مع الناس حين حلوا رواه البخاري فهذا الحديث مبين أن الصحابة حلوا إلا من ساق الهدي وأن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه صدروا عن مكة ليلة الحصبة وهي الليلة التي تلي ليالي منى ولم يقيموا بمكة بعد ليالي منى شيئا وأنه لم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه و سلم إلا عائشة وحدها حتى أخوها عبد الرحمن الذي كان معها لم يعتمر من التنعيم لأنهم كانوا قد اعتمروا قبل الحج

وقولها لا نرى إلا أنه الحج تعني من كان أحرم بالحج أو قرن بينهما وربما كانوا أكثر الوفد ترى أنهم يقيمون على حجهم ولا يتحللون منه قبل الوقوف لأنها قالت فلما قدمنا تطوفنا بالبيت وهي لم تتطوف فكانت الكناية عن الحاج في الجملة وقولها لا نذكر حجا ولا عمرة تعني في التلبية لأنها فد بينت في رواية أخرى أن منهم من أهل بالحج ومنهم من أهل بالعمرة ومنهم من قرن بينهما وأنها كانت هي متمتعة وقولها فالاخذ بها والتارك لها من الصحابة هذا كان يسرف قبل أن يقدموا مكة لأنه كان أذنا ولم يكن أمرا فلما قدموا جزم النبي صلى الله عليه و سلم بالأمر وتردد بعض الناس فغضب النبي صلى الله عليه و سلم على من تردد فأطاعوا الله ورسوله وتمتعوا وتوجع النبي صلى الله عليه و سلم على كونه لم يمكنه موافقتهم في الإحلال من أجل هدية وبين ذلك ما روى عبد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة قالت منا من أهل بالحج مفردا ومنا من قرن ومنا من تمتع رواه البخاري

وروى الزهري عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج فقدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل ومن أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى يحل نحر هديه ومن أهل بحج فليتم حجة قالت فحضت فلم أزل حائضا حتى كان يوم عرفة ولم أهلل إلا بعمرة فأمرني النبي صلى الله عليه و سلم أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بالحج وأترك العمرة ففعلت ذلك

حتى قضيت حجتي فبعث معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأمرني أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم وفي رواية عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل قالت عائشة وأهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج وأهل به ناس معه وأهل معه ناس بالعمرة والحج وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة
وعن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وأهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم موافين لهلال ذي الحجة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحب

أن يهل بعمرة فليهل ومن أحب أن يهل بحجة فليهل ولولا أني أهديت لأهللت بعمرة فمنهم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بحجة فكنت فيمن أهل بعمرة فحضت قبل أن أدخل مكة فأدركت يوم عرفة وأنا حائض فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم فأردفها فأهلت بعمرة مكان عمرتها قال هشام فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم متفق

على هذه الأحاديث وليس في رواية عروة هذه ذكر الفسخ ولهذا كان ينكره حتى جرى بينه وبين إبن عباس فيه ما جرى
فأما قوله ومن أهل بالحج فليتم حجه فيتحمل شيئين
أحدهما من إستمر إهلاله بالحج ولم يحوله إلى عمرة فإنه لا يتحلل منه وكان هذا في حق من ساق الهدي ممن أحرم بالحج وكذلك قوله في الحديث وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر إن لم يكن هذا من قول عروة وكان من قول عائشة فإن معناه من دام إهلاله بالحج أو بالحج والعمرة واستمروا هم الذين لم يحلوا لأجل سوق الهدي لأنها قد أخبرت في غير موضع أنهم كانوا لا يرون إلا الحج وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر من لم يسق الهدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل أو أن هذا كان قبل أن يأذن لهم في الفسخ قبل أن يدنوا من مكة في أوائل الإحرام
وأما قولها خرجنا مواقين لهلال ذي الحجة

وعن أبي عمران أسلم قال حججت مع موالي فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم فقلت أعتمر قبل أن أحج قالت إن شئت فاعتمر قبل أن تحج وإن شئت فبعد أن تحج قال فقلت إنهم يقولون من كان ضرورة فلا يصلح أن يعتمر قبل أن يحج قال فسألت أمهات المؤمنين فقلن مثل ما قالت فرجعت إليها فأخبرتها بقولهن قال فقالت نعم وأشفيك سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج رواه أحمد
وعن طاوس عن ابن عباس قال كانوا يرون أن الغمرة في أشهر الحج افجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر ويقولون إذا برأ الدبر وعفا

الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر قدم النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا يا رسول الله أي الحل فقال حل كله متفق عليه وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم من أفجر الفجور وقال الحل كله
قال سفيان بن عيينة كان عمرو يقول إن هذا الحديث له شأن رواه البخاري
وعن طاوس عن ابن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مات وأبو بكر حتى مات وعمر حتى مات وعثمان حتى مات وكان أول من نهى عنها معاوية قال ابن عباس فعجبت منه وقد حدثني أنه قصر عن رسول

الله صلى الله عليه و سلم بمشقص رواه أحمد وهذا لفظه والترمذي وقال حديث حسن وفيه ليث بن أبي سليم
وعن أبي العالية البراء عن ابن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلا من معه هدي متفق عليه وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم لأربع خلون من العشر وهم يلبون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة وفي لفظ صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح بذي طوى وقدم لأربع مضين من ذي الحجة وأمر أصحابه أن يحلوا إحرامهم بعمرة إلا من كان معه الهدي وفي لفظ له أهل رسول الله

صلى الله عليه و سلم بالحج فقدم لأربع مضين من ذي الحجة فصلى الصبح وقال حين صلى الصبح من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة وفي لفظ فصلى الصبح بالبطحاء
وعن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده هدي فليحلل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
وعن مجاهد عن ابن عباس قال أهل النبي صلى الله عليه و سلم بالحج فلما قدم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يقصر ولم يحل من أجل الهدي وأمر من لم يكن ساق الهدي أن يطوف وأن يسعى ويقصر أو يحلق ثم يحل رواه أبو داود وفيه يزيد بن أبي زياد
وعن ابن عباس قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجاجا فأمرهم فجعلوها عمرة ثم قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلوا لكن دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ثم أنشب أصابعه

بعضها في بعض فحل الناس إلا من كان معه الهدي وقدم علي عليه السلام من اليمن فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أهللت قال أهللت بما أهللت به قال فهل معك هدي قال لا قال فأقم كما أنت ولك ثلث هديي قال وكان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة بدنة رواه أحمد
وعن النهاس عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا أهل الرجل بالحج ثم قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حل وهي عمرة رواه أبو داود ورواه أحمد وغيره عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس موقوفا وهو أشبه
وعن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من

قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال الله تعالى فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثه أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم الشاة تجزيء فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فإن الله تعالى أنزله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم وأباحه للناس غير أهل مكة قال الله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى شوال وذو القعدة وذو الحجة فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم والرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال المراء رواه البخاري
وعن أبي جمرة قال تمتعت فنهاني ناس فسألت ابن عباس فأمرني فرأيت في المنام كأن رجلا يقول لي حج مبرور وعمرة متقبلة فأخبرت ابن

رواه أحمد ومسلم وروى أبو داود أوله
وعن مسلم ايضا قال سألت ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال هذه أم ابن الزبير تحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص فيها فادخلوا عليها فسألوها قال فدخلنا عليها فإذا هي امرأة ضخمة عمياء فقالت قد رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها رواه مسلم
وعن صفية بنت شيبة عن أسماء قالت خرجنا محرمين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحل قالت فلبست ثيابي ثم خرجت إلى الزبير فقال قومي عني فقلت أتخشى أن أثبت عليك وفي رواية قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مهلين بالحج

رواه مسلم
وعن مجاهد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن نقول لبيك اللهم لبيك بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعلناها عمرة رواه البخاري
وعن جابر بن عبد الله قال أهللنا بالحج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا فقال يا أيها الناس أحلوا فلولا الهدي الذي معي لفعلت كما فعلتم قال فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا ما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج قال أهل النبي صلى الله عليه و سلم هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير رسول الله صلى الله عليه و سلم وطلحة وقدم علي من اليمن ومعه هدي فقال أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه و سلم فأمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ويقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي قالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت وحاضت عائشة فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت فلما طهرت طافت بالبيت قالت يا رسول الله تنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بحج فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم

فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة وأن سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبي صلى الله عليه و سلم بالعقبة وهو يرميها فقال ألكم هذه خاصة يا رسول الله قال لا بل للأبد وفي رواية عن ابن شهاب قال قدمت مكة متمتعا بعمرة فدخلنا قبل التروية بثلاثة أيام فقال لي ناس من أهل مكة تصير الان حجتك حجة مكية فدخلت على عطاء استفتيه فقال حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال إفعلوا ما أمرتكم فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ففعلوا متفق عليه وهذان البخاري

عباس فقال سنة النبي صلى الله عليه و سلم فقال لي أقم عندي فاجعل لك سهما من مالي فقال شعبة فقلت لم فقال للرؤيا التي رأيت وفي لفظ سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها وسألته عن الهدي فقال فيها جزور أو بقرة أو شرك في دم قال وكأن ناسا كرهوها فنمت فرأيت في المنام كأن المنادي ينادي حج مبرور ومتعة متقبلة فأتيت ابن عباس فحدثته فقال الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه و سلم متفق عليه
وعن مسلم القرى سمع ابن عباس يقول أهل النبي صلى الله عليه و سلم بعمرة وأهل أصحابه بحج فلم يحل النبي صلى الله عليه و سلم ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم وكان طلحة بن عبيد الله فيمن ساق الهدي فلم يحل

ولمسلم فقلنا لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكرينا المني قال جابر بيده كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها قال فقام النبي صلى الله عليه و سلم فينا فقال قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هدي لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا فحللنا وسمعنا وأطعنا ولمسلم قال أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال فأهللنا من الأبطح فقال سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله لعامنا هذا أم للأبد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبد
ورواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح وفيه ثم قام سراقة بن مالك

فقال يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أريت متمتعا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل هي أبد
وعن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم قال جابر لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا وذكر طوافه وسعيه قال حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه و سلم فوجد فاطمه ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت أبي أمرني بهذا قال وكان علي عليه السلام يقول بالعراق

فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال فإن معي الهدي فلا تحل قال فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة قال فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه و سلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج رواه مسلم وغيره
ورواه سعيد عن عتاب بن بشير ثنا خصيف عن عطاء عن جابر قال لما قدمنا مكة سألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأي شيء أهللتم فقال بعضنا بالحج وقال بعضنا بالعمرة وقال بعضنا بالذي أهللت به يا رسول الله فقال أحلوا أجمعين إلا إنسان معه الهدي قلده ولو استقبلت من أمري ما

استدبرت ما سقت الهدي حتى أكون معكم حلالا فرأى أن الفضل في الإحلال فقال سراقة بن مالك بن جعشم ألعامنا هذا أم للأبد قال لأبد الآبدين
وعن أبي نضرة قال كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها قال فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدم عمر قال إن الله كان يحل لرسوله ما شاء وإن القران قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله واتقوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح إمرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة وفي رواية وافصلوا حجكم عن عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم رواه مسلم وفي رواية صحيحة لأحمد قال جابر تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومع أبي بكر فلما ولى عمر خطب الناس فقال إن القرآن هو القرآن وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الرسول وإنها كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء

وعن سعيد قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نصرخ بالحج صراخا فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج رواه أحمد ومسلم
وعن البراء بن عازب قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه قال فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال إجعلوا حجكم عمرة قال الناس قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة قال انظروا ما آمركم به فافعلوا فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة فرأت الغضب في وجهه فقالت من أغضبك أغضبه الله فقال ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا

أتبع رواه أحمد ثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو إسحق عن البراء وابن ماجة
وقال أبو داود ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج ثنا يونس ابن أبي إسحق عن البراء قال لما قدم علي من اليمن على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وجدت فاطمة قد لبست ثيابا صبغيا وقد نضحت الظهر للبيت

بنضوح فقالت مالك فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر أصحابه فأحلو قلت لها إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقال لي كيف صنعت قال قلت أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال فإني سقت الهدي وقرنت قال فقال لي انحر من البدن سبعا وستين أو ستا وستين وأمسك لنفسك ثلاثا وثلاثين أو أربعا وثلاثين وامسك من كل بدنة منها بضعة رواه أبو داود بإسناد صحيح
وعن أنس بن مالك قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى إذا استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج وقال ونحر النبي صلى الله عليه و سلم بدنات بيده قياما وذبح بالمدينة كبشين أملحين رواه البخاري
وعن الربيع بن سبرة عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم

حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي يا رسول الله أقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال إن الله عز و جل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي رواه أبو داود
وعن سراقة بن مالك بن جعشم قال تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم وتمتعنا معه فقلنا ألنا خاصة أم للأبد قال بل للأبد رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وفي رواية أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم ألعامنا أو للأبد قال بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة رواه سعيد وفي لفظ أنه سأل رسول الله صلى الله علي وسلم عن

العمرة فقال يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد قال بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة رواه الدارقطني وقال كلهم ثقات
وعن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال بعثني النبي صلى الله عليه و سلم إلى قومي باليمن فجئت وهو بالبطحاء فقال بم أهللت قلت أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال هل معك من هدي قلت لا فأمرني فطفت بالبيت

والصفا والمروة ثم أمرني فأحللت فأتيت إمرأة من قومي فمشطتني أو غسلت رأسي فقدم عمر فقال إن نأخذ بكتاب الله فإن الله يأمرنا بالتمام قال الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله وإن نأخذ بسنة النبي صلى الله عليه و سلم فإنه لم يحل حتى نحر الهدي متفق عليه وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو منيخ بالبطحاء فقال بم أهللت قال قلت أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال هل سقت من هدي قلت لا قال فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل قال فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت إمرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك فقلت أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فأئتموا فلما قدم قلت يا أمير المؤمنين ما هذا الذي أحدث في شأن النسك فقال إن نأخذ بكتاب الله فإن الله عز و جل قال وأتموا الحج والعمرة لله وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يحل حتى نحر الهدي
وعن إبراهيم بن أبي موسى عن أبيه أنه كان يفتي بالمتعة فقال رجل

رويدك ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك فلقيه بعد فسأله فقال عمر قد علمت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يضلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤسهم رواه أحمد ومسلم وفي رواية لأحمد عن أبي بردة عن أبي موسى أن عمر قال هي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني المتعة ولكن أخشى أن يعرسوا بهن تحت الأراك ثم يروحوا بهن حجاجا

وعن غنيم بن قيس المازني قال سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج قال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني بيوت مكة يعني معاوية رواه مسلم ويشبه والله أعلم أن يكون سعد إنما عني العمرة في أشهر الحج في الجملة وعني عمرة القضية لأن معاوية سعد إنما عنى العمرة في أشهر الحج في الجملة وعنى عمرة القضية لأن معاوية كان مسلما في حجة الوداع ولم يكن بمكة يومئذ كافر
وعن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان

وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد بئس ما قلت يا ابن أخي قال الضحاك فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك فقال سعد قد صنعها رسول الله صلى الله عليه و سلم وصنعناها معه رواه مالك والنسائي والترمذي وقال حديث صحيح
وعن مطرف عن عمران بن حصين قال نزلت آية المتعة في كتاب الله فقلناها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم ينزل قران يحرمه ولم ينه عنها حتى مات متفق عليه ولمسلم تمتع النبي صلى الله عليه و سلم وتمتعنا معه وله نزلت آية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج ولم ينه عنها حتى مات وفي رواية لأحمد ومسلم عن مطرف قال قال لي عمران بن

حصين أحدثك بحديث عسى الله أن ينفعك به إن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه قال فيها رجل برأيه ما شاء وقد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد وفي رواية صحيحة لأحمد أعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم ينزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مضى لوجهه أرتأى كل إمريء بعد ما شاء أن يرتأى
وعن عبد الله بن شقيق أن عليا كان يأمر بالمتعة وعثمان ينهي عنها فقال عثمان كلمة فقال علي لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عثمان أجل ولكنا كنا خائفين رواه أحمد ومسلم
وعن علي بن الحسين عن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعليا

بين مكة والمدينة وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى ذلك علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة فقال عثمان تراني أنهى الناس وأنت تفعله قال ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه و سلم لقول أحد رواه أحمد والبخاري وفي لفظ ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي بهما جميعا رواه سعيد في سننه بإسناد صحيح
وعن سعيد بن المسيب قال اختلف علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة فقال علي ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا متفق عليه وهذا لفظ البخاري ولمسلم اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم تنهى عنه فقال عثمان دعنا منك فقال إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأى علي ذلك أهل بهما جميعا وفي رواية لأحمد عن سعيد قال خرج عثمان حاجا حتى إذا كان ببعض الطريق قيل لعلي رضي الله عنه إنه قد نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال علي لأصحابه إذا ارتحل فارتحلوا فأهل

علي وأصحابه بعمرة فلم يكلم عثمان في ذلك فقال له علي ألم أخبر أنك نهيت عن التمتع قال فقال بلى قال فلم تسمع رسول الله صلى الله عيه وسلم تمتع قال بلى
وعن عبد الله بن الزبير قال والله إنا لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال عثمان وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج إن أتم الحج والعمرة ألا يكونا في أشهر الحج فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فإن الله قد وسع في الخير وعلي بن أبي طالب ببطن الوادي يعلف بعيرا له فبلغه الذي قال عثمان فأقبل حتى وقف على عثمان فقال أعمدت إلى سنة سنها رسول الله صلى الله عليه و سلم ورخصة رخص الله بها للعباد في كتابه تضيق عليهم فيها وتنهى عنها وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار ثم أهل بحجة وعمرة معا فأقبل عثمان على الناس فقال وهل نهيت عنها إني لم أنه عنها إنما كان رأيا أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه رواه أحمد
ومعنى قول عثمان رضي الله عنه إنا كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنا كنا مشغولين بالجهاد عن إنشاء سفرة أخرى للعمرة لكون أكثر الأرض

كانوا كفارا فأما اليوم فالناس قد أمنوا فإفراد كل واحد من النسكين بسفرة هو الأفضل
وقد روى سعيد عن سلام بن عمرو قال شهدت عليا وعثمان وهما يفتيان فتيا شتى علي يأمر بالمتعة وعثمان ينهى عنها فقال عثمان لعلي هل أنت منته ثم قال يا أيها الناس إن الله عز و جل قد أمنكم ألا إن الحج التام من أهليكم والعمرة التامة من أهليكم ومثل هذا عن إبراهيم قل إنما كانت المتعة إذ كان الناس يشغلهم الجهاد عن الحج فأما اليوم فقد أمن الله الساحة ونفى العدو فجردوا رواه سعيد
وعن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي عز و جل فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجة وفي لفظ للبخاري وقل عمرة وحجة قال الوليد بن مسلم يعني ذا الحليفة

وهذا يحتمل أن يكون هو القران كما فسره بعض الناس ويحتمل أن يكون هو التمتع كما جاء دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة يعني بها المتعة
وكذلك أم سلمة وأزواج النبي صلى الله عليه و سلم أمرت الرجل أن يعتمر قبل أن يحج واحتجت أم سلمة بقول النبي صلى الله عليه و سلم أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج فعلم أن المعتمر في أشهر الحج قد أهل بعمرة في حجة وفي حديث سبرة بن معبد أن الله قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي وهذا لأن المتمتع إنما يريد الحج الأكبر وله يسافر وإليه يقصد ويدخل في ضمن حجه عمرة ولهذا قال عمرة في حجة فعلم أنها عمرة تفعل في أثناء حجة ولو كان ذلك القران لقال حجة فيها عمرة لأنه إنما يحرم بالحج والعمرة تدخل بالنية فقط وقوله عمرة وحجة لا تخالف ذلك لأن التمتع بالعمرة إلى الحج أقرب إلى أن يكون أتى بعمرة وحجة من القارن الذي لم يزد على عمل الحاج
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبروا أن النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم بالمتعة وأنهم تمتعوا معه وأنها كانت اخر الأمرين وأخبروا أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم تمتع لكن هل كانت متعة عمرة أو متعة قران هذا هو الذي وقع التردد فيه
وكذلك اختلفت الرواية عن الإمام أحمد هل الأفضل في حق من ساق الهدي أن يتمتع بعمرة أو أن يقرن بينهما فروي عنه أن القران أفضل بناء على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان قارنا

وذكر ابن عبد البر عنه أنه قال لا شك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان قارنا والتمتع أحب إلي وأحتج لاختياره التمتع بأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة
ويوضح هذا أنه قد روى أنه قرن مفسرا فروى بكر بن عبد الله المزني عن أنس قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يلبي بالحج والعمرة جميعا قال بكر فحدثت بذلك ابن عمر فقال لبي بالحج وحده فلقيت أنسا فحدثته فقال أنس ما تعدونا إلا صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لبيك عمرة وحجا متفق عليه وهذا إخبار عن لفظ رسول الله صلى الله عليه و سلم

وقد تقدم عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما رواه البخاري
وعن يحيى بن أبي إسحق وعبد العزيز بن صهيب وحميد أنه سمعوا أنسا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بهما لبيك عمرة وحجا لبيك عمرة وحجا رواه مسلم
وعن أبي قدامة قال قلت لأنس بن مالك بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل فقال سمعته يقول مرارا بعمرة وحجة بعمرة وحجة رواه أحمد وقد تقدم عن البراء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي أو

قرنت وهذا أيضا صريح لا يعارضه ظاهر وقد تقدم عن علي وعثمان أنهما أخبرا أن النبي صلى الله عليه و سلم تمتع وكذلك عن عمران بن حصين وفسروا التمتع بأن جمع بين الحج والعمرة
وعن سراقة بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقرن رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع رواه أحمد
وعن الصبي بن معبد قال كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فأهللت بالحج والعمرة فسمعني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأنا أهل بهما

جميعا بالقادسية فقالا لهذا أضل من بعيره فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل فقدمت على عمر بن الخطاب فأخبرته فأقبل عليهما فلامهما ثم أقبل علي فقال هديت لسنة النبي صلى الله عليه و سلم رواه الخمسة إلا الترمذي قال الدارقطني هو حديث صحيح
وعن ابن عباس قال أخبرني أبو طلحة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين الحج والعمرة رواه أحمد وابن ماجة وفيه حجاج بن أرطأة

وعن أبي قتادة قال إنما جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه ليس بحاج بعدها رواه الدارقطني
وكل من روى أن النبي صلى الله عليه و سلم تمتع فإنه لا يخالف هذا فإن الروايات قد اتفقت على أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يحل من إحرامه لأجل الهدي الذي ساقه فعلم أنه ليس المقصود بذلك أنه حل من إحرامه
والمتعة إسم جامع للعمرة في أشهر الحج فمن اعتمر في أشهر الحج قبل حجته أو مع حجته فإنه يسمى متمتعا كما تقدم ذكره في هذه الأحاديث وغيرها لأنه ترفه بسقوط أحد السفرين ولهذا وجب الدم عليهما فيحمل قول من روى أنه تمتع على تمتع القران فإن كل قارن متمتع
وأما المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا لم يحل من إحرام العمرة حتى أهل بالحج فإن من أصحابنا من يقول هذا قارن لأنه جمع بين النسكين بإحلال وإحرام لكن طاف للعمرة أولا وسعى ثم أحرم بالحج وأكثر

أصحابنا يجعلون هذا متمتعا وهو المنصوص عن أحمد فيجوز أن يقال إن النبي صلى الله عليه و سلم كان قارنا بهذا الإعتبار ولو سمي المتمتع قارنا لأنه جمع بين النسكين في أشهر الحج لكن المتمتع يطوف أولا ويسعى لعمرته والقارن يطوف أولا لعرمته وحجته ثم يطوف ويسعى
والرواية الثانية
فإن قيل أما ما ذكرتم من أمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه بالإحلال

والمتعة فهذا حق لكن هذا هو فسخ الحج إلى العمرة وهذا الفسخ كان خاصا لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وإذا كان الفسخ خاصا لهم والمتعة إنما حصلت بالفسخ فتكون تلك المتعة المستحبة في حقهم خاصة لهم فلا يتعدى حكمها إلى غيرهم والدليل على أن الفسخ خاص لهم فلا يتعدى حكمها إلى غيرهم والدليل على أن الفسخ خاص لهم أن الله أمر في كتابه بإتمام الحج والعمرة بقوله وأتموا الحج والعمرة لله ومن فسخ الحج إلى العمرة لم يتمه وهذا معنى ما ذكره عمر رضي الله عنه حيث قال إن نأخذ بكتاب الله فإن الله يأمرنا بإتمام الحج والعمرة وهذا الخطاب عام خرجوا هم منه بالسنة فيبقى باقي الناس على العموم
وايضا ما روى عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه قال قلت يا رسول الله

فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة قال بل لنا خاصة رواه الخمسة إلا الترمذي وفي رواية أو لمن بعدنا وهذا نص منه صلى الله عليه و سلم
وايضا فلو لو تكن متعة الفسخ خاصة بهم بل كان حكمها عاما لوجب أن يجب ذلك على الناس لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم بذلك وغضب إذ لم يطيعوه ومعلوم أنه لا يجب الفسخ فعلم أن ذلك كان مختصا بهم
وايضا فما روي عن إبراهيم التميمي عن أبيه عن أبي ذر قال كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه و سلم خاصة رواه مسلم والنسائي وابن ماجة

وعن سليم بن الأسود أن أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثني المرقع الأسدي وكان رجلا مرضيا أن أبا ذر صاحب النبي صلى الله عليه و سلم قال كانت رخصة لنا ليست لأحد بعدنا قال يحية وحقق ذلك عندنا أن أبا بكر وعمر وعثمان لم ينقضوا حجا لعمرة ولم يرخصوا لأحد وكانوا هم أعلم برسول الله صلى الله عليه و سلم وبما فعل في حجة ذلك ممن سهل نقضه رواه الليث عنه
وقد قال أحمد في رواية الأثرم المرقع شاعر من أهل الكوفة لم يلق أبا ذر

وقد تقدم قول عمر إن الله يحل لرسوله ما شاء وإن القران قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله وقول عثمان لعلي لما احتج عليه بفعل المتعة على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كنا خائفين
وعن عثمان ايضا أن سئل عن متعة الحج فقال كانت لنا وليست لكم رواه سعيد
وايضا فإنه قد ثبت نهي عمر وعثمان ومعاوية وابن الزبير وغيرهم من الصحابة النهي عن المتعة وكراهتهم لها كما تقدم بعضه
وعن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى عن متعة الحج ومتعة النساء
وعن أبي قلابة قال قل عمر رضي الله عنه متعتان كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج رواهما سعيد
ومعلوم أن التمتع بالعمرة إلى الحج لا يكره بالاتفاق فيجب أن يحمل

نهيهم على متعة الفسخ والرخصة على المتعة المبتدأة توفيقا بين أقاويلهم ولولا علمهم بأن ذلك خاص للركب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم لم يقدموا على تغيير حكم الشريعة ولم يطاوعهم المسلمون على ذلك ولا يجوز لمسلم أن يظن بهم ذلك
وإن كانوا قد نهوا عن جميع أنواع المتعة نهي تنزيه أو نهي اختيار للأولى فيعلم أنهم اعتقدوا أن الإفراد أفضل ولهذا إنما كانت المنازعة في جواز التمتع لا في فضله ويجعلونها رخصة للبعيد عن مكة
وايضا فإنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون التمتع بالعمرة إلى الحج من أفجر الفجور فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بفسخ الحج إلى العمرة ليبين جواز العمرة في أشهر الحج وقد حصل معرفة ذلك وعلم فلا حاجة إلى الخروج عن عقد لازم أو أنه أذن لهم في الفسخ لأنه لم يكن يعلم أولا جوازا العمرة قبل الحج
والذي يبين أن الإفراد أفضل من متعتي القران والعمرة المبتدأة أن النبي صلى الله عليه و سلم أفرد الحج بدليل ما روى القاسم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم أفرد الحج رواه الجماعة إلا البخاري وقد تقدم عنها في المتفق عليه

أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بالحج وأهل به ناس معه وأن ناسا أهلوا بعمرة وناسا أهلوا بالحج والعمرة
وعن ابن عمر قال أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج مفردا وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بالحج مفردا رواهما مسلم
وعن زيد بن أسلم قال جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن حج النبي صلى الله عليه و سلم فقال أفرد الحج فلما كان العام المقبل أتاه فسأله عنه فقال أليس قد أعلمتك عام أول أنه أفرد الحج قال أتانا أنس بن مالك فأخبرنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قرن فقال ابن عمر إن أنس بن مالك كن يتولج على النساء وهن منكشفات لا يستترن لصغرة وكنت أنا تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم يسيل علي لعابها رواه

وعن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وتقدم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم أهل بالحج فقدم لأربع مضين من ذي الحجة فصلى الصبح وقال لما صلى الصبح من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة رواه مسلم
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم أفرد الحج رواه ابن ماجة وفي حديثه المتفق عليه أهل النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه بالحج وجابر من أحسن الناس سياقا لحجة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقول لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة وإذا ثبت أنه أهل بالحج فيجب أن تحمل رواية من روى

أنه تمتع على أنه أمر به أصحابه لما أمرهم بالفسخ وهو لم يفسخ وما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو أفضل مما فعله غيره لا سيما فيما لا يتكرر منه فما كان الله ليؤثر نبيه إلا بأفضل السبل والشرائع وقوله صلى الله عليه و سلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها متعة إنما قال ذلك لما رآهم قد كرهوا المتعة فأحب موافقتهم وإن كان ما معه أفضل وقد يؤثر المفضول إذا كان فيه إتفاق القلوب كما قال لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة الحديث فترك ما كان يحبه تسكينا للقلوب وقد كان يدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم فعلم ويبين ذلك ما روى

ويقرر ذلك أن الخلفاء الراشدين بعده أفردوا الحج
وإذا اختلفت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون فروى أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن أنه سأل عروة بن الزبير فقال قد حج النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم عمر مثل ذلك ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم معاوية وعبد الله بن عمر ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لم تكن عمرة ثم اخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها عمرة وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدون بشيء حتى يضعوا أقدامهم من الطواف بالبيت ثم لا يحلون وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت يطوفان به ثم لا يحلان وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا رواه البخاري
وايضا فإن المتعة تفتقر إلى دم فإن كان دم جبران فالنسك التام الذي

لا يفتقر إلى جبر أفضل مما يجبر بدليل حجتين أو عمرتين قد جبر إحداهما بدم وتم الآخر بنفسه وإن كان دم نسك فمعلوم أنه إنما وجب لما سقط عن المتمتع من أحد السفرين وهو نسك وإذا دار الأمر بين نسك الفعل ونسك الذبح كان نسك الفعل أفضل فإن فيه عبادة بدنية ومالية ولهذا عامة الدماء لا تشرع إلا عند عوز الأعمال
وايضا فإن المفرد يأتي بالإحرام تاما كاملا من حين يهل من الميقات ثم يأتي بالعمرة كاملة فيفعل كل ما يفعله المتمتع وزيادة ويستوعب الزمان بالإحرام
وايضا فإن المتعة في الأصل رخصة والعزائم أفضل من الرخص
قلنا أما قولهم فسخ الحج كان مختصا بهم والتمتع إنما كان بالفسخ فعنه أجوبه
أحدها أن الفسخ حكم ثابت في حق جميع الأمة كما سنبينه إن شاء الله فمتعته كذلك ولهذا مذهب أحمد وأصحابه أن المستحب لمن أحرم بحج مفرد أو بعمرة وحج وأحرم إحراما مطلقا أو أحرم بمثل ما أحرم به فلان أن يفسخوا الحج إلى العمرة ويتمتعوا بالعمرة إلى الحج امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وطاعة له وإن كان بعض العلماء لا يجيزه فليس لأحد مع السنة كلام ولا يشرع الإحتراز من اختلاف يفضي إلى ترك ما ندبت إليه السنة كما

استحببنا التطيب قبل الإحرام وبعد الإحلال الأول إتباعا للسنة وفي جوازه من الخلاف ما قد علم وكما استحببنا التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة وفي كراهته من الخلاف ما قد علم ونظائره كثيرة
الثاني أن أمرهم بالمتعة تضمن شيئين
والثاني إستحباب التمتع وإختياره فإذا بطل أحدهما لم يبطل الاخر وهذا لأنه لو لم تكن المتعة أفضل من غيرها لكان النبي صلى الله عليه و سلم قد اختار لأصحابه ما غيره أفضل منه وحضهم على ذلك والتزم لأجله فسخ الحج وبين

أنه إنما منعه من التحلل معهم سوق هدية ولا يجوز أن يعتقد أن النبي صلى الله عليه و سلم يختار لهم ما غيره أفضل منه
الثالث أن في حديث عائشة المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من أحب أن يهل بعمرة فليهل ومن أحب أن يهل بحج فليهل فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة وهذا نص في أن الإهلال بالعمرة لغير المهدي أفضل وقال أيضا
الرابع أنه صلى الله عليه و سلم قال في آخر الأمر بمكة لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة وفي لفظ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدى لأحللت فبين أنه صلى الله عليه و سلم لو كان ذلك الوقت مستقبلا للإحرام الذي استدبره لأحرم بعمرة إذا لم يكن معه هدي وهو لا يتأسف إلا على فوات الأفضل فعلم أن من لم يسق الهدي فإن الأفضل له العمرة
وأما قولهم إنما تأسف على الموافقة
قلنا في الحديث ما يرد هذا فإنه قال فرأى أن الفضل في الإحلال هكذا في حديث جابر ثم ذلك في سوق الهدي أي لو استقبلت من أمري ما سقت الهدى موافقة لكم وإن كان سوق الهدى أفضل لكن إذا لم يسق الهدي فقد بين أنه يحل من إحرامه ويجعلها عمرة مع أنه لا ضرورة إلى هذا فلو كان هذا مفضولا مع ترك سوق الهدي لكان قد اختار لنفسه ولأصحابه ما غيره أفضل منه وذلك غير جائز

والدليل على أن فسخ الحج إلى العمرة جائز وأنه هو الأفضل من المقام على الحج لمن يريد أن يحج ويعتمر في سفرة واحدة هذه الأحاديث الصحاح الصراح التي ذكرناها معما احتج به ابن عباس من ظاهر القران
قال أحمد في رواية عبد الله كان ابن عباس يختار المتعة من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه بالإحلال قال ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء قال قلت له من أين كان ابن عباس أخذ أنه من طاف بالبيت فقد حل قال من قول الله عز و جل ثم محلها إلى البيت العتيق ومن أمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع فكأن ابن عباس رأى أن الشعائر إسم يجمع مواضع النسك كما قال تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله وقال المشعر الحرام ويعم الأفعال التي يفعلها الناسك ويعم الهديا التي تهدي إلى البيت وبين أن محل

وأما قوله إن الفسخ لا يجوز إلا لذلك الوفد خاصة فغير صحيح لوجوه
أحدها أن ما ثبت في حق الواحد من الأحكام ثبت في حق جميع الأمة وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام وحيث ما خص الواحد بحكم فلا بد أن يكون اختصاصه بذلك الحكم لعلة اختص بها لو وجدت في غيره لكان حكمه حكمه ولا بد من دليل على التخصيص كما قال لأبي بردة بن نيار في الأضحية تجزؤك ولا تجزؤ عن أحد بعدك لأنه كان قد ذبح قبل أن

يسن وقت الأضحية وكما خص سالما مولى أبي حذيفة بأن يرضع كبيرا لأنه قد تبني قبل أن يحرم سبحانه أن يدعى الرجل لغير أبيه
ثم إن التخصيص يكون لواحد وهنا أمر جميع من حج معه بالتحلل وقد أمر من بعدهم بالإقتداء بهم فلو كانوا مخصوصين بذلك لوجب بيانه وإظهار ذلك وإشاعته وإلا فلو ساغ دعوى مثل هذا لساغ أن يدعى اختصاصهم بكثير من الأحكام وحينئذ ينقطع إتباع غيرهم له والحاقهم به وفي هذا تعطيل للشريعة وما ذكروه من مستند التخصيص سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى
الثاني أن النبي صلى الله عليه و سلم قد بين بيانا شافيا أن هذه العمرة المتمتع بها التي فسخ الحج إليها حكم مؤبد إلى يوم القيامة لما أطلعه الله عليه أن سيكون قوم يدعون أن هذه كان مخصوصا بهم
ففي صحيح مسلم من حديث جابر حتى إذا كان اخر طواف على

المروة قال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد فشبك النبي صلى الله عليه و سلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لابل لأبد أبد وفي رواية للبخاري أن سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبي صلى الله عليه و سلم بالعقبة وهو يرميها فقال ألكم هذه خاصة يا رسول الله قال لا بل للأبد وفي حديث ابن عباس فأمرهم فجعلوها عمرة ثم قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلوا لكن دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ثم أنشبت أصابعه بعضها في بعض
فبين النبي صلى الله عليه و سلم أن ذلك الذي فعلوه ليس لهم خاصة وإنما هو للأبد ولا يجوز أن يقال إنما أشار إلى العمرة قبل الحج وهو التمتع فبين أن التمتع جائز إلى يوم القيامة ولم يقصد الفسخ لما روى ابن بطة في مسألة أفردها في الفسخ عن جابر عن عبد الله أن سراقة بن مالك بن جعشم سأل

النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أرأيت ما أمرتنا به من المتعة وإحلالنا لنا خاصة أو هو شيء للأبد فقال بل هو للأبد وفي لفظ اخر قال يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للأبد قال بل للأبد وهذا نص في أن المراد فسخ الحج إلى عمرة التمتع وأن حكم ذلك باق إلى الأبد
وروي أيضا عن طاوس قال علي هو الذي سأل النبي صلى الله عليه و سلم أنفسخ لمدتنا هذه أم للأبد قال للأبد
وعن طاوس قال له رجل من سنتنا هذه قال لا بل للأبد لأن النبي صلى الله عليه و سلم أشار إلى الذي فعلوه والذي فعلوه أنهم قدموا ينوون الحج لا يعرفون العمرة فقال لهم إذا طفتم بالبيت وبين الصفا والمروة فحلوا من إحرامكم واجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي وسياق حديث جابر واضح في ذلك والتمتع المحض لم يجر له ذكر ولا فعله عامتهم وإن كان قد فعله قليل منهم وقد قال له سراقة بن جعشم أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد قال للأبد وقوله عمرتنا هذه صريح في العمرة التي تحللوا بها من حجهم
وايضا فإنه لو كان هذا هو المقصود لبين النبي صلى الله عليه و سلم ذلك ولم يطلق الجواب إطلاقا بل قال أما المتعة فجائزة وأما الفسخ فخاص لنا لأن السؤال وقع عما فعلوه فلو كان مشتملا على ما هو لذلك العام وللأبد لوجب تفصيل الجواب
وايضا فقوله دخلت العمرة في الحج مرتين نص في أن الحج تدخل

فيه العمرة إلى يوم القيامة وهو يعم الإعتمار قبل الحج سواء كان نوى العمرة أولا أو نوى الحج أم حل من إحرامه ولا يجوز أن يقصد به القسم الأول فقط لأن سبب الحديث هو القسم الثاني وسبب اللفظ العام لا بد أن يكون داخلا فيه لا يجوز إخراجه منه وظاهره أن كل حج يجوز أن يدخل فيه عمرة سواء كان قد أحرم بها ابتداء أو حل من الحج بعمرة ثم أهل بالحج وليس المراد بذلك جواز فعل العمره في أشهر الحج سواء حج أو لم يحج لأن قوله في الحج حقيقة في الفعل ولا سيما وقد شبك صلى الله عليه و سلم بين أصابعه واليدان كل واحدة منهما من جنس الأخرى فلا بد أن يكون الداخل من جنس المدخول فيه
وايضا فقد قال سراقة بن جعشم هذا وهو بعسفان إقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال إن الله أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه الهدي فبين النبي صلى الله عليه و سلم أن ذلك الحج الذي حجوه قد أدخل الله عليهم فيه عمرة وإنما ذلك بأن يحلوا من الحج ويجعلوها عمرة ثم بين أن إدخال العمرة في الحج إلى يوم القيامة فهذا نص قاطع لاخفاء به أن كل حاج له أن يدخل في حجة عمرة سواء كان أحرم من الميقات أو أحرم أولا بالحج
وايضا فإن كل من أم هذا البيت يريد الوقوف بعرفة فهو حاج من حين يحرم من الميقات وإن أحرم أولا بالعمرة فإذا اعتمر في هذا الحج فقد أدخل في حجته عمرة فلا معدل عن هذا الأمر الواضح البين
وايضا فإنه إذا اعتمر في أشهر الحج وحج فقد أدخل العمرة في الحج وإن

لم يحج ذلك العام فلم يدخلها
وايضا فلو كان معناه جواز العمرة في أشهر الحج لكان هذا قد علموه قبل ذلك حيث إعتمر في ذي القعدة ثلاث عمران وأيضا
الوجه الثالث أن النبي صلى الله عليه و سلم بين أن فسخ الحج إلى العمرة ليس هو شيئا خارجا عن القياس وتغيظ على من توقف فيه وقد إعترضوا عليه بمثل ما يعترض به بعض أهل زماننا فالاعتراض عليه نفثة من الشيطان في نفوس الناس
قال جابر فقال لهم أحلوا من إحرامكم بالطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال إفعلوا ما أمرتكم فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ففعلوا وفي رواية مسلم فقلنا لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنى قال جابر فقام النبي صلى الله عليه و سلم فينا فقال قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هدي لأحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا فححلنا وسمعنا وأطعنا وهذا كله يدل على أن ذلك أمر حسن مباح في نفسه وأن توقف من توقف فيه خطأ عظيم ولذلك تغيظ عليه كما تغيض على من توقف عن الإحلال في عمرة

الحديبية وكما تغيظ على من تحرج عن القبلة للصائم وقال يحل الله لرسوله ما شاء وكما تغيظ على من كره أن يصبح صائما وهو جنب وكما يرخص في أشياء فبلغه أن ناسا تحرجوا من ذلك وفي كل ذلك يقول إني أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي فتبين بذلك أن هذا ليس مما يتقى ويجتنب ولم أفعله لخصوص في فلو كان البقاء على الإحرام هو الوجب في الأصل وإنما وقعت الرخصة في وقت خاص لم يتغيظ مثل هذا التغيظ
الوجه الرابع أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في هذه الحجة لتأخذوا عني مناسككم رواه مسلم من حديث جابر ومعلوم أنهم إنما يأخذونها ليقتدوا

به فيها ويهتدوا بهديه ويستنوا بسنته فلو كانت تلك الحجة خارجة عن القياس ومختصة بأولئك الركب لم يجز أن يقال خذوا عني مناسككم بل خذوا مناسككم إلا في التحلل أو نحو ذلك
الوجه الخامس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أفتوا بالفسخ بعده ولو كان مختصا بذلك الركب لم يخف ذلك عليهم وقد تقدم ذكر ذلك عن أبي موسى الأشعري وابن عباس
الوجه السادس أنه لا موجب لإختصاصهم بها وذلك لأنه إن كان المقصود بيان جواز الاعتمار في أشهر الحج فقد بين هذا باعتماره في ذي القعدة هو وأصحابه عمرة الحديبية وعمرة القضية وعمرة الجعرانة فهو لم يعتمر قط إلا في أشهر الحج وإن كان المقصود بيان العمرة قبل الحج في أشهره فهذا حصل بقوله عند الميقات وبفعل بعض أصحابه وهو الذين أحرموا من الميقات بعمرة مثل عائشة ونحوها فإنه قد قال لهم عند الميقات من شاء أن يهل بعمرة فليفعل ومن شاء أن يهل بحجة فليفعل ومن شاء أن يهل بعمرة وحجة فليفعل بأي بيان لجواز العمرة قبل الحج أبين من هذا وقد أحرم كثير منهم بالعمرة قبل الحج بإذنه
وايضا فإنه صلى الله عليه و سلم إما أن يكون قد عزم على أمرهم بالتمتع قبل الإحرام أو في أثناء الطريق فإن كان قد عزم عليه أولا فلأي شيء لم يأمرهم أن يحرموا كلهم بالعمرة ويترك هو سوق الهدي كما قد أسف عليه ويريحهم

من مؤنة الفسخ الذي هو على خلاف ظاهر القرآن على زعم من يقول ذلك وإن كان عزم عليه في أثناء الطرق فلا بد أن يكون قد بدا له ما لم يكن قد بدا له قبل ذلك وهو لم يبد له بيان جواز الإعتمار قبل ذلك فإنه قد بين ذلك قبل هذا فعلم أن الذي بدا له جواز الإحلال من هذا الإحرام بعمرة وأن يكونوا كلهم متمتعين وأن الفضل في ذلك
قال طاوس خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ينتظر القضاء في حجته فلما قدم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة فنزل عليه القضاء فأمر من لم يكن معه هدي أن يحل قال فدخلت العمرة في الحج وفي لفظ أحرم رسول الله صلى الله عليه و سلم ينتظر أمر ربه فلما كان بمكة أمر بلأمر رواه سعيد ومعناه أنه ينتظر هل يتمون ما أحرموا به أو يغيرونه لأنه قد صح بالروايات المستفيضة

أنهم أحرموا إما بعمرة أو بحج أو بعمرة وحج
وايضا فلو كان المقصود بيان جواز العمرة في أشهر الحج لبين ذلك بالكلام كما بين لهم كثيرا من الأحكام
الوجه السابع لو كان الفسخ خارجا عن مقتضى الكتاب وهو مختص بهم لم يفرق الحال بين من ساق الهدي ومن لم يسقه حتى ينشأ من ذلك ترددهم وتأسفه على سوق الهدي وموافقتهم وقد بين أن سائق الهدي لا يجوز له الفسخ إمتثالا لقوله ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فهلا أمر الجميع بالإتمام إمتثالا لقوله وأتموا الحج والعمرة لله أيضا أو جوز تخصيص ذلك الركب من حكم هاتين الايتين لقصد بيان جواز العمرة قبل الحج في أشهره فإن دلالة الآيتين على الحكم عند من يخالف في ذلك سواء فلما أمر بالفسخ من لم يسق الهدي دون من ساق وبين أن السوق يمنع الفسخ علم قطعا أن الفسخ في نفسه أمر جائز مستحب وأن لا مانع منه غير سوق الهدي وهذا واضح لمن أنصف
الوجه الثامن أن الله أمر نبيه بإتمام الحج والعمرة لله قبل حجة الوداع بأربع سنين فلا يخلوا إما أن يكون الفسخ تركا لإتمام الحج لله فلا يكون أولئك الصحابة مخاطبين بهذه الاية ولا داخلين في حكمها وهم المواجهون بالخطاب المقصودون به قبل الناس كلهم ثم كيف يجوز لمسلم أن يعتقد أنهم لم يتموا الحج لله وإن لم يكن الفاسخ تاركا لإتمام الحج لله بل هو متم له كما أمر الله فلا فرق في هذا بين ناس وناس
الوجه التاسع أن الله قد أرخص لهم في المتعة بقوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج وقد نزل ذلك في سنة ست وقد أحرم منهم نفر بالعمرة كما

في حديث جابر وعائشة فكيف يقال أن المسلمين كانوا لا يرون الاعتمار في أشهر الحج نعم كان المشركون يرون ذلك والمسلمون قد بين الله لهم في كتابه وعلى لسان نبيه قبل حجة الوداع جواز الاعتمار في أشهر الحج سواء حج في ذلك العام أو لم يحج وقد فعلوا ذلك فعلم أن توقفهم وترددهم إنما كان في فسخ الحج إلى العمرة والإحلال من الإحرام لفضل التمتع لا لبيان جوازه
العاشر أن
وأما قوله وأتموا الحج والعمرة لله فإن المتمتع متم للحج والعمرة سواء كان قد أهل أولا بالحج أو بالعمرة وذلك لأنه إذا أهل بالحج أولا فإنما يفسخه إلى عمرة متمتع بها إلى الحج وإنما يجوز له فسخه إذا قصد التمتع فيكون قد قصد الحج وحده فيكون مدخلا للعمرة في حجه وفاعلا للعمرة والحج وهذا أكثر مما كان دخل فيه ولو أراد أن يخرج من الحج بعمرة غير متمتع بها لم يجز ذلك
وأما حديث الحارث بن بلال عن إسماعيل قال

عبد الله قيل لأبي حديث بلال بن الحارث قال لا أقول به ولا نعرف هذا الرجل ولم يروه إلا الدراوردي وقال أيضا حديث بلال عندي ليس يثبت لأن الاحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إجعلوا حجكم عمرة ولو إستقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحل الناس مع النبي صلى الله عليه و سلم وقال ايضا هذا حديث ليس إسناده بالمعروف وإنما يروى عن أبي ذر إنما كانت المتعة لنا خاصة يعني متعة الحج
وقال أيضا في رواية الفضل وابن هانيء من الحارث بن بلال ومن روى عنه أبوه من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وهو فلا

وقال في رواية الميموني أرأيت لو عرف الحارث بن بلال إلا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أين يقع بلال بن الحارث منهم
وفي رواية أبي داود ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وهذا أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافه أبي بكر وصدر من خلافة عمر فقد ضعف أحمد هذا الحديث لجهل الراوي وأنه لا يعرف الحارث بن بلال لا سيما وقد انفرد به الدراوري عن ربيعة ولم يروه عنه مثل مالك ونحوه
وتخصيصهم بهذا الحديث ترك للعمل بتلك الأحاديث المستفيضة وهو مثل النسخ لها ومثل هذا الإسناد لا يبطل حكم الأحاديث

ثم بين أحمد أنه يخالف تلك الأحاديث ويعارضها وهو حديث شاذ لأن الحديث الشاذ هو الذي يتضمن خلاف ما تضمنته الأحاديث المشهورة
فلو كان راوية معروفا لوجب تقديمها عليه لأن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم إجعلوا حجكم عمرة ولو استقلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فعم ولم يذكر أن هذا مختص بهم ولو كان ذلك مخصوصا بهم لوجب بيانه ولم يؤخر ذلك حتى سأله بلال بن الحارث وقد بين لهم في الحديث الصحيح أن هذا ليس لهم خاصة وإنما هو للناس عامة على ما ذكرناه فدلالة تلك الأحاديث على عموم حكم الفسخ دليل على ضعف هذا الحديث لو كان رواية معروفا بالعدل
ودليل على أن هذا الحديث ليس بمضبوط ولا محفوظ ولو كان هذا

صحيحا لكان له من الظهور والشياع مالا خفاء به ولكان النبي صلى الله عليه و سلم قد بينه بيانا عاما وذلك لأن ما ثبت في حق بعض الأمة من الأحكام ثبت في حق الجميع لاسيما في مثل ذلك المشهد العظيم الذي يقول فيه لتأخذوا عني مناسككم فلو كانوا مخصوصين بذلك الحكم لوجب على النبي صلى الله عليه و سلم أن يبين ذلك ابتداء كما بين حكم الأضحية لما سأله أبو بردة بن نيار عن الأضحية بالجذع فقال يجزؤ عنك ولا يجزؤ عن أحد بعدك فلو كان الفسخ خاصا لهم لقال إذا طفتم بالبيت وبين الصفا والمروة فحلوا وليس ذلك لغيركم ولم يؤخر بيان ذلك إلى أن يسأله بلال بن الحارث فإنه بتقدير أن لا يسأله بلال كان التلبيس واقعا وهذا بخلاف قوله لسراقة لما سأله أعتمرنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال بل لأبد الأبد فإن هذا الحكم كان معلوما بنفس فعله وإنما أجاب السائل توكيدا ولما كانت هذه الأحاديث مقتضية لعموم الحكم وثبوته في حق الأمة عارض أحمد بينها وبين حديث بلال ابن الحارث وحكم بشذوذه لما انفرد بما يخالف الأحاديث المشاهير والذي يبين ذلك أن الصحابة الذين حدثوا بتلك إنما ذكروها لتعليم السنة وبيانها واتباعها والأخذ بها لم يكن قصدهم مجرد القصص ولو كان الحكم مخصوصا بهم لم يجز أن يرووها رواية مرسلة حتى يبينوا اخصتصاهم بها فكيف إذا ذكروها لتعليم السنة وهذا دليل على أنهم علموا أن هذه السنة ماضية فيهم وفيمن بعدهم فلا يرد هذا بحديث من لم يخبر قوة ضبطه وتيقظه

ويدفع هذه السنن المشهورة المتواترة براوية غير معروف
وقد تأول بعض أصحابنا ذلك على أن المراد به هو لنا خاصة من بين من ساق الهدي لأن من ساق الهدي لم يكن يجوز له الفسخ إلا لنفر مخصوص
وهذا تأويل ساقط لأن سائق الهدي لم يحل أحد منهم ولم يكن يجوز لهم ذلك ولكن يشبه والله أعلم إن كان لهذا الحديث أصل وهو محفوظ ولم ينقلب على رواية النفي بالإثبات فإن غيره ممن هو أحفظ منه بين أنه ليس لنا خاصة وهو يقول لنا خاصة فإن كان قد حفظ ذلك فمعناه أن الفسخ كان واجبا عليهم متحتما لأمر النبي صلى الله عليه و سلم لهم به وتغيظ عليهم حيث لم يفعلوه وغيرهم من الناس وإن جاز له الفسخ لكنه لا يجب عليه ويكون سبب وجوبه عليهم أنه قال أولا من شاء منكم جعلها عمرة وندبهم إلى ذلك فرأى أناسا قد كرهوا ذلك وامعضوا منه واستهجنوه لأنهم لم يكونوا يعهدون الحل قبل عرفة في أشهر الحج فعزم عليهم الأمر حسما لمادة الشيطان وإزالة لهذه الشبهة كما أمرهم أولا بالفطر في السفر أمر رخصة

ثم لما دنوا من العدو أمرهم به أمر عزيمة وكما أمرهم بالإحلال في عمرة الحديبية أمر عزيمة لما رآهم قد كرهوا الصلح ومعلوم أنه لو لم يصالحهم ومضى في عمرته لكان جائزا على أن بلالا لم يبين من يعود الضمير إليه في قوله لنا فيجوز أن يعود الضمير إلى ذلك الوفد كما تقدم ويجوز أن يكون بلالا ممن لم يسق الهدي فقال هو لنا من لا هدي معه خاصة أم للناس عامة فقال بل لنا خاصة
وأما قولهم فهلا وجب الفسخ على كل حاج وصار كل من طاف بالبيت حلالا سواء قصد التحلل أو لم يقصد كما يروى عن ابن عباس وامتنع الإفراد والقران لكونهما مفسوخين
قلنا لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من بعده حجوا مفردين وقارنين كما تقدم ذكره عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن الزبير وغيرهم فعلم أنهم لم يفهموا وجوب التمتع مطلقا
وأما ما ذكر عن أبي ذر وغيره من الصحابة في أنهم كانوا مخصوصين بالمتعة فقد عارض ذلك أبو موسى وابن عباس وبنو هاشم وهم أهل

بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأعلم الناس بسنته وقول المكيين من الفقهاء وهم أعلم أهل الأمصار كانوا بالمناسك قال مجاهد قدم علينا ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما متمتعين قال وقال لي مجاهد لو خرجت من بلدك الذي تحج منه أربعين عاما ما قدمت إلا متمتعا هو أحدث عهد برسول الله صلى الله عليه و سلم الذي فارق الناس عليه ولا ينبغي أن يرغب عن ما ثبت عن أهل البيت رضوان الله عليهم لاتباع بعض أهل الأهواء لهم في ذلك

قال سلمة بن شبيب قلت لأحمد قويت قلوب الروافض حين أفتيت أهل خرسان بمتعة الحج فقال يا سلمة كنت توصف بالحمق فكنت أدفع عنك وأراك كما قالوا
وقال ابن بطة سمعت أبا بكر بن أيوب يقول سمعت إبراهيم الحربي يقول وسئل عن فسخ الحج فقال قال سلمة بن شبيب لأحمد كل شيء منك حسن غير خلة واحدة قال وما هي قال تقول بفسخ الحج قال أحمد كنت أراى لك عقلا عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا أتركها لقولك

وقال أبو الحسن اللباني سمعت إبراهيم الحربي وذكر له أحمد رحمه الله فقال ما رأيت أنا أحدا أشد اتباعا للحديث والآثار منه لم يكن يزاله عقل ثم قال جاء سلمة بن شبيب إلى أحمد يوما فقال يا أبا عبد الله تفتي بحج وعمرة فقال أحمد ما ظننت أنك أحمق إلى اليوم ثمانية عشر حديثا أروي عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا أفتي به فلم كتبت الحديث قال وما رأيت أحمد رحمه الله قط إلا وهو يفتي به
وأما نهي عمر وعثمان وغيرهما عن المتعة وحمل ذلك على الفسخ أو على كونها مرجوحة فأعلم أن عمر وعثمان وغيرهما نهوا عن العمرة في أشهر الحج مع الحج مطلقا وأن نهيهم له موضع غير الذي ذكرناه
أما الأول فهو بين في الأحاديث قال عمران بن حصين جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنها حتى مات ولم ينزل قران يحرمها قال رجل برأيه ما شاء رواه مسلم وغيره وفي لفظ تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ورحم الله عمرا إنما ذاك رأي وقد تقدم هذا الحديث فبين أن المتعة التي نهى عنها عمر أن يجمع الرجل بين حجة وعمرة سواء جمع بينها بإحرام واحد أو أحرم بالعمرة وفرغ منها ثم أحرم بالحج وكذلك عثمان لما نهى عن المتعة فأهل علي بهما فقال تسمعني أنهى الناس عن المتعة وأنت تفعلها فقال لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لقول أحد

وفي حديث اخر عنه أنه أمر أصحابه أن يهلوا بالعمرة لما بلغه نهي عثمان
وعن السائب بن يزيد أنه استأذن عثمان بن عفان في العمرة في شوال فأبي أن يأذن له رواه سعيد
وعن نبيه بن وهب أن عثمان سمع رجلا يهل بعمرة وحج فقال علي بالمهل فضربه وحلقه قال نبيه فما نبت في رأسه شعرة وقال نبيه إن عمر ابن الخطاب قال إن الناس يتمتعون بالعمرة مع الحج ثم أمر نوفا فأذن في الناس إن الصلاة جامعة فحمد الله عز و جل وأثنى عليه ثم قال أقد مللتم الحج دفرة أقد مللتم شعثه أقد مللتم وسخة والله لان مللتم ليأتين الله عز و جل بقوم لا يملونه ولا يستعجلونه قبل محله والله لو أذنا لكم في هذا لأخذتم بخلاخيلهن في الأراك يريد أراك عرفة ثم رجعتم مهللن بالحج
وأما الثاني فقد صح عن عمر وعثمان وغيرهما المتعة قولا وفعلا فهذا عمر يروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه فعل المتعة هو وأصحابه ويقول للصبي ابن معبد لما أهل جميعا هديت سنة نبيك ويروي عن النبي صلى الله عليه و سلم

أنه قال أتاني الليلة آت من ربي في هذا الوادي المبارك فقال قل عمرة في حجة
وعن طاوس عن ابن عباس قال هذا الذي تزعمون أنه نهى عن المتعة يعني عمر سمعته يقول لو اعتمرت ثم حججت لتمتعت وقال له أبي ابن كعب وأبو موسى الأشعري إلا تبين للناس أمر متعتهم هذه فقال وهل بقي أحد لا يعلمها
وقال ابن عباس وما تمت حجة رجل قط إلا بمتعة إلا رجل اعتمر في وسط السنة وفي رواية عن ابن عباس عن عمر قال لو حججت مرة واحدة ثم حججت لم أحج إلا بمتعة رواهما سعيد وفي لفظ لأبي

عبيد لو اعتمرت ثم حججت لتمتعت ورواه أبو حفص عن طاوس أن عمر قال لو إعتمرت وسط السنة لتمتعت ولو حججت خمسين حجة لتمتعت وروي الأثرم عن عمر نحو الحديث الأول فقال عمر وهل بقي أحد إلا علمها أما أنا فأفعلها
وعن نافع بن جبير عن أبيه قال ما حج عمر قط حتى توفاه الله إلا تمتع فيها

وإنما وجه ما فعلوه أن عمر رأي الناس قد أخذوا بالمتعة فلم يكونوا يزورون الكعبة إلا مرة في السنة في أشهر الحج ويجعلون تلك السفرة للحج والعمرة فكره أن يبقى البيت مهجورا عامة السنة وأحب أن يعتمر في سائر شهور السنة ليبقى البيت معمورا مزورا كل وقت بعمرة ينشؤ لها سفر مفرد كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعل حيث إعتمر قبل الحجة ثلاث عمر مفردات
وعلم أن أتم الحج والعمرة أن ينشأ لهما سفر من الوطن كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم ولم ير لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقا إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج وإن كان جائزا فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات والمستحبات لتحصيل ما هو أفضل منها من غير أن يصير الحلال حراما
قال يوسف بن ماهك إنما نهى عمر رضي الله عنه عن متعة الحج من أجل أهل البلد ليكون موسمين في عام فيصيب أهل مكة من منفعتهما
وقال عروة بن الزبير إنما كره عمر العمرة في أشهر الحج إرادة ألا يعطل البيت في غير أشهر الحج رواهما سعيد

وايضا فخاف إذا تمتعوا بالعمرة إلى الحج أن يبقوا حلالا حتى يقفوا بعرفة محلين ثم يرجعوا محرمين كما بين ذلك في حديث أبي موسى وغيره حيث قال كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك يعني أراك عرفة ثم يروحون في الحج تقطر رؤسهم
ونحن نذهب إلى ذلك فإن الرجل إذا أنشأ للعمرة سفرا من مصره كان أفضل من عمرة التمتع

فعن ابن عمر أن عمر قال افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم أن يعتمر في غير أشهر الحج وأتم لعمرته رواه مالك
وروى عبد الرازق عن معمر عن الزهري عن سالم قال سئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له إنك تخالف أباك فقال إن أبي لم يقل الذي تقولن إنما قال أفردوا العمرة من الحج أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها وقد أحلها الله عز و جل وعمل بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا أكثروا عليه قال أو كتاب الله أحق أن تتبعوا أم عمر
وعن أبي يعفور قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فسأله عن

العمرة في أشهر الحج فقال هي في غير أشهر الحج أحب إلي
وعن محمد بن سيرين قال ما أحد من أهل العلم يشك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج
وأما الخلاف فيمن أراد أن يجمع بينهما في سفرة واحدة إما العجزة عن سفرة أخرى أو لأنه مشغول عن سفرة أخرة بما هو أهم من الحج من جهاد ونحوه أو لأنه لا يمكنه قصد مكة إلا في أيام الموسم لعدم القوافل أو خوف الطريق ونحو ذلك فإن اعتماره قبل الحج أفضل من أن يعتمر من التنعيم في بقية ذي الحجة لأن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كلهم فعلوا كذلك ولم يعتمر أحد منهم بعد الحجة في تلك السفرة إلا عائشة خاصة ولم يقم النبي صلى الله عليه و سلم بالمسلمين بعد ليلة الحصبة ولا يوما واحدا بل قضى حجة ورجع قافلا إلى المدينة وكذلك عمر كان وكانوا ينهون عن العمرة بعد الحج في ذلك العام كما ينهون عنها قبله

قال أبو بشر حججت أنا وصاحب لي فلما كان ليلة الصدر قال صاحبي إني لا أقدر على هذا المكان كلما أردت أفأعتمر فلم أدر ما أقول له فانطلقنا إلى نافع بن جبير بن مطعم فسألناه فكأنه هابنا ثم إنه اطمئن بعد فقال أما أمراؤكما فينهون عن ذلك وأما رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد أعمر عائشة رحمها الله ليلة الصدر من التنعيم ثم أمره أن يخرج من الحرم من سنن وجهه الذي بداء منه ثم يحرم
ومن فعل ذلك فعله رخصة بعد أن يستفتي مع عملهم أنهم لو اعتمروا قبل الحج كان أفضل عن ابن عباس قال والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عائشة رضي الله عنها في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون إذا عفى الوبر وبر الدبر ودخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فكانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم رواه أبو داود
عن صدقة بن يسار قال سمعت ابن عمر يقول عمرة في العشر الأول أحب إلي من عمرة في العشرين الأواخر قال صدقة فحدثت نافعا فقال كان عبد الله يقول لأن أعتمر عمرة يكون علي فيها هدي أو صيام أحب إلي من

أن أعتمر عمرة ليس علي فيها هدي ولا صيام رواه سعيد ورواه مالك عنه قال والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدى أحب إلى من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة
وروى أبو عبيد عن نافع عن ابن عمر قال لأن أعتمر في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة في شهر يجب علي فيه الهدي أحب إلى من أن أعتمر في شهر لا يجب علي فيه الهدي
على أن هذا الرأي الذي قد رآه عمر وعثمان ومن بعدهما قد خالفهم فيه خلق كثير من الصحابة وأنكروا عليهم مثل علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري وأبي بن كعب
فاما أن يكونوا خافوا من النهي أن يعتقد الناس ذلك مكروها فخالفوهم في ذلك أو رأوا أن ترك الناس آخذين برخصة الله أفضل وأولى
وقد تقدم بعض ما روي في ذلك عن علي وسعد وعمران وابن عباس

وعن الحسن أن عمر بن الخطاب أراد أن ينهي عن المتعة فقال له أبي ابن كعب ليس ذلك لك قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ينهانا عن ذلك قال فأضرب عمر عن ذلك
وعن عمرو قال سمعت ابن عباس وأنا قائم على رأسه وسألوه عن المتعة متعة الحج فقيل له إن معاوية ينهي عنها فقال إنظروا في كتاب الله فإن وجدتموها فيد فقد كذب على الله وعلى رسوله وإن لم تجدوها فقد صدق
وعن سعيد بن جبير قال سمعت ابن الزبير يعرض بابن عباس فقال إن هاهنا قوما أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون في المتعة أنه لا بأس بها فقال ابن عباس أما لي فليسأل أمه فسألها فقالت صدق ابن عباس قد كان ذلك فقال ابن عباس لو شئت أن أسمي ناسا من قريش ولدوا منها لفعلت رواهن سعيد
وعن ابن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عروة بن الزبير نهى أبو بكر وعمر عن المتعة فقال ابن عباس أراهم سيهلكون أقول قال النبي صلى الله عليه و سلم ويقولون نهى أبو بكر وعمر رواه أبو حفص

وأما كون النبي صلى الله عليه و سلم أفرد الحج ولم يعتمر في أشهره فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها أن هذا ليس بصحيح فإن أكابر الصحابة مثل عمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وعمران بن حصين وابن عمر وعائشة وابن عباس وأبي طلحة وأنس بن مالك وسراقة بن مالك كل هؤلاء يروون التمتع إما بأن يكون أحرم بالعمرة فلما قضاها أحرم بالحج أو أحرم بالعمرة والحج جميعا
فإن رواية من قرن لا تخالف رواية من روى التمتع سواء أراد به أنه أهل بهما جميعا أو جمعهما في سفرة واحدة من شهر الحج وهذا لا يشك فيه لأنه قد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه اعتمر مع حجته
فروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون وعمرة في العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجة متفق عليه
وعن ابن عمر ايضا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر أربع عمر وأقرته عائشة على ذلك متفق عليه

وعن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم اعتمرت ولم أعتمر قال يا عبد الرحمن إذهب بأختك فأعمرها من التنعيم رواه البخاري
وفي جميع الأحاديث تقول للنبي صلى الله عليه و سلم تذهبون بحجة وعمرة وأذهب أنا بحجة
وهذه نصوص في أن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر قبل أن يحل من حجة وهو ايضا دليل على أن جميع الصحابة قد اعتمروا مع حجهم قبل ليلة الحصبة فعلم أنهم كانوا متمتعين أو قارنين
وعن ابن عباس قال إعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء من قابل والثالثة من الجعرانة والرابعة مع حجته رواه الخمسة إلا النسائي
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم حج ثلاث حجج حجتين قبل أن

يهاجر وحجة بعدما هاجر معها عمرة رواه ابن ماجة والترمذي وقال غريب
ومعلوم قطعا أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعتمر عقيب الحجة هو ولا أحد من أصحابه سوى عائشة وإنما خرج من مكة ليلة الصدر
وإنما إعتمد الناس في العمرة بعد الحج على حديث عائشة وقد تقدم ذلك مفسرا فيجب أن يكون إعتمر في أشهر الحج إما قبل الحج أو معه ولم يحل من إحرامه ومثل هذا يسمى قارنا ومتمتعا بكل حال لأنه جمعهما في إحرام واحد
وايضا فإنه قد روي عنه ألفاظ صريحة من قوله مثل قوله لبيك عمرة وحجا وقوله إني قرنت وقوله قل عمرة في حجة ومثل ما روت حفصة قالت قلت يا رسول الله ما بال الناس حلوا ولم تحل من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر متفق عليه

ومن ذكر أنه أفرد الحج فإنما أخبر عن إعتقاده
وايضا فإن رواة التمتع أكثر عددا وأجل قدرا وروايتهم أصح سندا وأشهر نقلا
وايضا فإن كل من روى الأفراد روى عنه أنه تمتع من غير عكس بل طرق الروايات عن ابن عمر وعائشة بأنه تمتع أصح
وايضا فإن عامة الروايات التي فيها الإفراد إنما ذكروه مع أصحابه مثل حديث جابر وابن عباس وكان قصدهم بذلك

وايضا فمعنى قولهم أفرد الحج أي أنه لم يحل من إحرامه بعمرة مفردة ولم يطف للعمرة طوافا يتميز به فصورته صورة المفرد وإن لم يكن لكلامهم محمل صحيح فيجب أن يحكم بوقوع الخطأ في تلك الروايات لما تقدم
وايضا فإن من روى أنه تمتع مثبت لزيادة نفاها غيره والمثبت أولى من النافي
وقال أحمد في رواية أبي طالب كان هذا في أول الأمر بالمدينة وقد زعم بعض أصحابنا أنه يجوز أنه كان قد تحلل من عمرته ثم أحرم بالحج مفردا فيسمى مفردا لذلك قال وعلى هذا يجمع بين كونه متمتعا وكونه لم يفسح الحج وإنما يمتنع الفسخ ممن كان قارنا أو مفردا وهذا غلط فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يتحلل في حجته وهم إنما سألوه عن كونه لم يحل سواء كان قد أحرم بعمرة أو بحجة ولم يسألوه عن كونه لم يفسخ كأن من أراد أن يجمع بينهما تمتع ولم يفرد على أنهم لو سألوه عن ذلك فالأنه كان قارنا

الثاني أنه وإن كان أفرد فهو لم يعتمر بعد حجته من التنعيم ولا من غيره هو ولا أحد من أصحابه غير عائشة وإنما كان قد اعتمر قبل ذلك والافراد على هذا الوجه هو أفضل من التمتع ومن القران عندنا وهذا هو الجواب عمن أفرد الحج من الخلفاء الراشدين فإن أحدا منهم لم ينقل عنه أنه إعتمر في سفرته تلك وإنما كانوا يحجون ويرجعون ويعتمرون في وقت اخر أو لا يعتمرون وإفراد الحج على هذا الوجه أفضل من المتعة
الثالث أن اخر الأمرين منه كان التأسف على المتعة لأنه رأى الإحلال أفضل كما في حديث جابر وهو لم يكن يشك في جواز العمرة في أشهر الحج حتى يعتقد ما اعتقده في أصحابه من أنهم فسخوا لكونهم لم يكونوا يجوزون العمرة في أشهر الحج
وأما كون المتعة تفتقر إلى دم فذلك الدم دم نسك بدليل أنه يجوز التمتع لغير عذر ودماء الجبران لا يجوز إلتزامها إلا لعذر وبدليل جواز الأكل منه كما نطقت به الأحاديث الصحيحة ثم نقول وإن كان دم جبران فهو مخير بين إستدامة الإحرام بلا جبران وبين الإحلال والجبران وهذا أفضل لأن كلامهم فيمن يعتمر في ذي الحجة من أدنى الحل وهذه العمرة ليست بطايل فالإحلال والدم والعمرة في أثناء الحج أفضل منها وهذا هو

الجواب عن قولهم المفرد يأتي بنسكين تامين فإنه متى أتم العمرة من دويرة أهله أو من فهو أفضل من التمتع والعمرة من أدنى الحل ليست بتلك التامة
وأما كون المتعة رخصة فكذلك الإحرام من أدنى الحل رخصة ثم الرخص في العبادات أفضل من الشدائد كما تقدم تقريره في الصلاة
وايضا فإنه إذا اعتمر بعد الحجة لم يتمكن من حلق رأسه لأنه لم يكن قد نبت شعره والحلق أو التقصير سنة عظيمة فعمرة وحجة يأتي فيها بالحلق أفضل من عمرة تخلوا إحداهما عن الحلق والتفصير فإنه من جملة أعمال النسك

وأيضا فإن بعض الناس قد ذهب إلى أن العمرة من أدنى الحل لا تجزىء عن حجة الإسلام وكذلك عمرة القارن وهو إحدى الروايتين عن أحمد وذهب بعضهم إلى أن الإعتياض عنها بالطواف أفضل فيجب أن يكون ما أجمع على أجزائه ويتسع الوقت بعده للطواف أفضل
وأيضا فإنه إذا أراد أن يجمع بينهما في سفرة واحدة كان تقديم العمرة أحوط له بخلاف ما إذا أخرها فإنه تغرير بها لأن وقت الواحد واحد لا يتغير بتقديم العمرة وتأخيرها وهذا معنى قول أحمد هو آخر فعل النبي صلى الله عليه و سلم وهو يجمع الحج والعمرة جميعا ويعمل لكل واحد على حده فبين أنه يجمع الحج والعمرة فيحل منهما جميعا إذا قضى حجه وله فضيلة على القارن بأنه يعمل لكل واحد على حدة

وايضا فإن التمتع بالعمرة إلى الحج مخالفة لهدي المشركين ودلهم فإنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وكلما كان من المناسك فيه مخالفة لهدي المشركين فإنه واجب أو مستحب مثل الخروج إلى عرفة وترك الوقوف عشية عرفة بمزدلفة والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس والإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس والطواف بالثياب ودخول البيت من الباب وهو محرم والطواف بالصفا والمروة
وايضا فما أشار إليه أحمد في رواية أبي طالب فقال إذا دخل بعمرة فيكون قد جمع الله له عمرة وحجة ودما وهذا لأنه يأتي بالعمرة والحج على حدة وذلك أفضل من أن يجمعها بإحرام واحد لأنه يأتي بإحلالين وإحرامين وتلبيتين وطوافين وسعيين فهو يترجح على القارن من هذا الوجه وعمرته تجزؤه عن عمرة الإسلام بالإتفاق بخلاف عمرة القارن فإن فيها اختلاف وليس القارن بأعجل من المتمتع لأن كلاهما يفرغ من العمرة والحج جميعا ويزيد المتمتع عليه بأنه يفرغ من العمرة قبله فيكون أسبق إلى أداء النسك
ويترجح على المفرد بأنه يأتي بالعمرة والحج في الوقت الذي يأتي فيه المفرد بالحج وحده ونسكان أفضل من نسك وأنه يأتي مع ذلك بدم المتمتع وهو دم نسك كما تقدم فيكون ما اشتمل علي زيادة أفضل كما فضل المفرد على القارن لأنه يطوف ويسعى مرتين وعمرة وحجة وهدي أفضل من حجة لا عمرة فيها ولا هدي وقد تقدم عن ابن عمر أنه نبه على هذا المعنى حيث قال لأن أعتمر في أشهر الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر في ذي الحجة بعد الحج ولا أهدي

ويتسع الوقت للمتمتع بعد الصدر من منى إن أحب أن يأتي بعمرة أخرى وإن أحب أن يطوف بالبيت فيكون ذلك زيادة لا سيما إن خيف أن لا يتمكن من الاعتمار بعد الحج لخوف أو غلاء أو غير ذلك فتحصيل العمرة قبل الحج أوثق وإن كان الحاج إمرأة خيف عليها أن تحيض بعد الصدر ويستمر بها الحيض حتى لا تتمكن من الإعتمار فإذا دخلت متمتعة وحاضت صنعت كما صنعت عائشة رضي الله عنها
فأما إن ساق الهدي فينبغي أن يكون أفضل من الإفراد بلا تردد لأن النبي صلى الله عليه و سلم لا شك أنه ساق الهدي وكان قارنا أو متمتعا والأظهر أنه كان قارنا فكيف يفضل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه و سلم على فعله وذلك لأنه يأتي بالعمرة والحج جميعا كما تقدم
وأما كون الافراد أفضل من القرن فهكذا قال أصحابنا وهذا إذا لم يق الهدي ولم أجد عن أحمد نصا بذلك قالوا لأن في عمل المفرد زيارة على القارن وهو أنه يأتي بإحرامين وإحلالين وتلبيتين وطوافين وسعيين ويتوجه
وايضا فإن المتعة قد اختلف في وجوبها سواء أحرم بالعمرة أولا أو بالحج أو بهما فكان ابن عباس يرى وجوبها فعن عطاء ومجاهد أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي

وعن أبي هشام أنه قد قدم حاجا فسأل ابن عباس فقال اجعلها عمرة ثم لقيت ابن عمر فقال اثبت على إحرامك ثم رجعت إلى أبن عباس فأخبرته بقوله فقال إن طوافك بالبيت ينقض حرمك كلما طفت فجدد إهلالا وفي رواية قال أهللت بالحج فلقيت ابن عباس وأنا أطوف وألبي فقال أبحجة أو بعمرة قلت حجة قال إجعلها عمرة قلت كيف أجعلها عمرة وهذا أول ما حججت قال فأكثر من التلبية فإن التلبية تشد الإحرام وإن البيت ينقض والصفا والمروة تنقض
وعن مسلم القري قال سمعت ابن عباس يقول يحل الحج الطواف والسعي
وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إني قدمت حاجا ولم أذكر عمرة فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة فقال له ابن عباس اعتمرت فقال له القوم إنك لم تفهمه فعاد فقال إني قدمت حاجا قال فصنعت ماذا قال طفت بالبيت وبين الصفا والمروة فقال اعتمرت فقالوا له عد فإنه لم يفهم فقال إني قدمت حاجا ولم أذكر عمرة فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة فقال حدث أمر هي ثلاثا فإن أنت فأربع ولم يقل هو ذاك قال وددت أنك قصرت وتقدم عنه أنه قال والله ما تمت حجة

رجل إلا بمتعة إلا رجل اعتمر في وسط السنة وقد تأول على ذلك الكتاب والسنة
قال أحمد ثنا يحيى بن سعيد حدثني ابن جريج قال أخبرني عطاء قال قلت له من أين كان ابن عباس يأخذ أنه من طاف بالبيت فقد حل قال من قول الله عز و جل ثم محلها إلى البيت العتيق ومن أمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع
قال ابن أبي موسى لا يستحب لأحد أن يحرم بنية الفسخ فأما من أحرم بالحج بنية المضي فيه ثم بدا له أن يفسخ رغبة في الجمع بين النسكين في قلبه جاز
فإن قيل فقد اختلف في كراهة المتعة كما حكيتم عن رجال من الصحابة وعن حيوة بن شريح قال أخبرني أبو عيسى الخرساني عن عبد الله بن

القاسم عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج
وعن قتادة عن أبي شيخ الهنائي ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة أن معاوية بن أبي سيفان قال لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن كذا وكذا وركوب جلود النمور قالوا نعم قال فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة فقالوا أما هذا فلا قال أما إنها معها ولكن نسيتم رواهما أبو داود وهذا النهي

إما أن يفيد الكراهة أو يكون معناه النهي عن فسخ الحج إلى العمرة وهو جمع بين الحج والعمرة
قلنا قد أجمع العلماء على أن المتعة لا تكره وقد ذكرنا معنى ما نقل في ذلك عن الصحابة ولكن كان بعض أمراء بني مروان يشدد في ذلك ويعاقب على المتعة وهذا قد يكون رأى ذلك لنوع مصلحة مع أن هذا لا يعد خلافا

وقد أنكر الصحابة الذين علموا معنى كلام عمر مثل ابنه عبد الله وغيره ذلك على أنه لو نطق أحد بكراهة المتعة لكان مخصوما بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بخلاف من قال بوجوبها فإنه أوجه حجة وأحسن انتزاعا إذ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر المسلمين بها وتغيظ على من إمتنع منها
وأما الحديثان فشاذان منكران مخالفان لكتاب الله وسنة رسوله الناطقة بأن هذا الحكم لا ينسخ حيث قال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال أبو بكر الأثرم قد يكون من الحافظ الوهم أحيانا والأحاديث إذا تظاهرت وكثرت كانت أثبت من الواحد الشاذ كما قال إياس بن معاوية وإياك والشاذ من العلم

وقال إبراهيم بن آدم إنك إن حملت شاذا من العلم حملت شرا كثيرا قال والشاذ عندنا هو الذي يجيء على خلاف ما جاء به غيره وليس الشاذ الذي يجيء وحده بشيء لم يجيء أحد بمثله ولم يخالفه غيره
ولعل معناه أن يعتمر الرجل قبل الحج ثم يرجع إلى مصره ويؤخر الحج عن ذلك العام فيكون هذا منهي عنه لكون الحج أوجب من العمرة وقد تكلف مشقة السفر إلى مكة ثم رجع بغير حج والحج واجب على الفور
وأما الاخر

فصل
وإذا اعتمر قبل أشهر الحج وأفرد الحج من سنته فهو أفضل من التمتع
قال أحمد في رواية إسحق بن إبراهيم والأثرم هي في شهر رمضان أفضل وهي في غير أشهر الحج أفضل
وقال الأثرم وسعدان بن يزيد قبل لأبي عبد الله تأمر بالمتعة وتقول العمرة في غير أشهر الحج أفضل فقال إنما سئلت عن أتم العمرة فالمتعة تجزؤه من عمرته فأما أتم العمرة فإ تكون في غير أشهر الحج
فإذا اعتمر في رمضان أو قبل رمضان وأقام بمكة حتى يحج من سنته فهو أفضل من المتعة لما تقدم عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم في ذلك
وإن أقام بعد الحج إلى المحرم حتى يعتمر فهل هو أفضل من التمتع

وإن عاد بعد الحج إلى مصره ثم عاد للعمرة
وإن اعتمر في أثناء السنة ثم عاد في أشهر الحج فهل الأفضل أن يتمتع أو يفرد ومن حج واعتمر ثم أراد أن يحج فهل الأفضل أن يعتمر ويحج أو يحج فقط أو يحج
وأما إذا حج ثم اعتمر في ذي الحجة فالمتعة أفضل من هذا كما تقدم وظاهر رواية الأثرم وسعدان بن يزيد
فإن عاد في ذي الحجة أو المحرم إلى الميقات فهل هو أفضل من المتعة

فصل
ويجوز الإحرام بنسك معين من عمرة أو حجة أو عمرة وحجة سواء كانت عمرة تمتع أو عمرة مفردة ويجوز أن يحرم مطلقا من غير أن ينوي عمرة أو حجة ويجوز أن يحرم بمثل ما أحرم به فلان وإن لم يعرف ما أحرم به لما روى أنس بن مالك قال قدم علي على رسول الله صلى الله عليه و سلم من اليمن فقال بم أهللت قال بما أهل به النبي صلى الله عليه و سلم قال لولا أن معي الهدي لأحللت متفق عليه وفي حديث جابر فقدم علي من اليمن ومعه هدي فقال أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه و سلم وفي لفظ قال له النبي صلى الله عليه و سلم بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه و سلم قال فاهد وأمكث حراما كما أنت وفي لفظ قال أمر النبي صلى الله عليه و سلم عليا أن يقيم على إحرامه متفق عليه وهذا للبخاري ولمسلم ما قلت حين

فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به النبي صلى الله عليه و سلم قال فإن معي الهدي فلا تحل وكذلك في حديث البراء
وعن أبي موسى قال سقدمت على النبي صلى الله عليه و سلم وهو منيخ بالبطحاء فقال بم أهللت قال أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال سقت من هدي قال لا قال فطف بالبيت والصفا والمروة ثم حل وفي لفظ فقال كيف قلت حين أحرمت قال قلت لبيك بإهلال كأهلال النبي صلى الله عليه و سلم وذكره متفق عليه
ثم إن علم ما أحرم فلان تعين عليه وكان حكمه حكم فلان
فإن علم في أثناء الحج
وإن لم يعلم بأن مات زيد أو فقال ابن عقيل هو كالمطلق في جواز صرفه إلى أحد الأنساك الثلاثة وقال القاضي هو كالمنشيء يصرفه إلى ما شاء وهذا أصح

وإن أحرم مطلقا فقال أصحابنا بخير في صرفه إلى تمتع إو إفراد أو قران والمستحب له صرفه إلى المتعة وقد قال أحمد في رواية مهنا فيمن أحرم ولم ينو حجا ولا عمرة حتى مضت أيام فقال يقدم مكة بعمرة ويطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحلق ويقصر ثم يحرم بالحج
وحمل القاضي وغيره من أصحابنا هذا على الإختيار والإستحباب لأنا نستحب التمتع لمن عين الحج والقران فأن نستحبه لمن أبهم الإحرام أولى ولأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا قد أحرم بعضهم شبيه بهذا الإحرام فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يفعل كذلك
فإن كان الإحرام قبل أشهر الحج إنعقد إحرامه بعمرة فيما ذكره أصحابنا لأن الإحرام بالحج قبل أشهر مكروه وإن أراد أن يصرفه إلى عمرة مفردة جاز أيضا فيما ذكره أصحابنا
فإن طاف وسعى قبل أن يفرضه في شيء فقال القاضي في المجرد وا وغيرهما لا يعتد بذلك الطواف لأنه طاف لا في حج ولا في عمرة وقال يتعين طوافه للعمرة

المسألة الثانية
أنه يجوز أن يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج ويصير قارنا لأن في حديث ابن عمر وعائشة المتقدم وبدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج متفق عليه إلا أن هذا يحتمل أن يكون بعد انقضاء عمل العمرة وفي حديث علي أنه لما رأى ذلك من عثمان أهل بهما جميعا وعن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا وذكرت الحديث متفق عليه
وعن نافع قال أراد ابن عمر الحج عام حجت الحرورية في عهد ابن

الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال ونخاف أن يصدوك فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرتي وأهدي هديا مقلدا اشتراه بقديد وانطلق حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ولم يتحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ورأى أن قد قضي طواف الحج والعمرة بطوافة الأول ثم قال كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم متفق عليه
ومعنى قوله كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا مرة قبل التعريف مع أنه كان قد جمع الحج إلى العمرة ولم يرد به أنه لم يطف بالبيت بعد النحر فإن النبي صلى الله عليه و سلم قد طاف بعد

التعريف وقد روى ذلك ابن عمر في غير موضع هو وسائر الصحابة وإنما قصد نافع أنه اكتفى للقران بطواف واحد بالبيت وبين الصفا والمروة لم يطف طوافين ويسع سعيين
وعن عبد الرحمن بن أبي نصر عن أبيه قال خرجت وأنا أريد الحج فقلت أمر بالمدينة فألقى عليا فاقتدى به فقدمت المدينة فإذا علي قد خرج حاجا فأهللت بالحج ثم خرجت فأدركت عليا في الطريق وهو يهل بعمرة وحجة فقلت له يا أبا الحسن إنما خرجت من الكوفة لأقتدى بك وقد سبقتني فأهللت بالحج أفأستطيع أن أدخل معك فيما أنت فيه

فقال لا إنما ذاك لو كنت أهللت بعمرة فخرجت معه حتى قدم فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة لعمرته ثم عاد فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة لحجته ثم أقام حراما إلى يوم النحر رواه سعيد والأثرم
ويجوز إضافة الحج إلى العمرة لكل محرم بالعمرة ثم إن أضافه إليها قبل الطواف وقع الطواف عن القران وكان قارنا وإن فعل ذلك بعد الشروع في الطواف لم يجز ذلك وهذه الإفاضة تتعين على من أحرم بعمرة وضاق الوقت عن أن يعتمر قبل الحج فخشي فوته إما بأن تكون إمرأة وقد حاضت فلم بمكنها أن تطوف بالبيت فتحرم بالحج وتصير قارنة وتترك طواف القدوم كما لو كانت مفردة أو بأن يوافي مكة يوم عرفة ويضيق الوقت عن إتمام العمرة والإحرام بالحج ونحو ذلك فلو أراد أن يبقى على العمرة ويفوت الحج وكذلك من لم يخش فوات الحج وهو قارن إذا وقف قبل أن يطوف بالبيت فهو باق على قرانه والوقوف يعرفه لا ينقض العمرة هذا هو المذهب المنصوص في رواية أبي طالب فيمن قدم بعمرة فخشي الفوت لم

يطف وأهل بالحج وأمسك عن العمرة كما فعلت عائشة
قيل له أن أبا حنيفة يقول قد رفض العمرة وصار حجا فقال ما قال هذا أحد غير أبي حنيفة إنما قال النبي صلى الله عليه و سلم أمسكي عن عمرتك وامتشطي وأهلي بالحج وما رفضت العمرة فلما قالت أيرجع أزواجك بعمرة وحج قال لعبد الرحمن أعمرها من التنعيم أراد أن يطيب نفسها ولم يأمرها بالقضاء
وقال أبو طالب سألته عن حديث عائشة لما حاضت كيف يصنع مثلها قال لما دخلت بعمرة حاضت بعدما أهلت فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم أمسكي عن العمرة وأهلي بالحج فهذه شبهت بالقارن فتذهب فتقضي المناسك كلها فإذا كان يوم النحر جاءت مكة فطافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة قيل له طواف قال نعم طواف واحد يجزؤ القارن وهذه يجزؤها طواف واحد
وقال في رواية الميموني وقد ذكر له عن أبي معاوية يرويه انقضي ! عمرتك فقال غير واحد يرويه أمسكي عن عمرتك أيش معنى إنقضي هو شيء ينقضه هو ثوب تلقيه وعجب من أبي معاوية وهذا يستقيم

على قولنا إنه ليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد
فأما إذا قلنا يلزم القارن أن يطوف ويسعى أولا للعمرة ثم يطوف بعد ذلك ويسعى للحج فإن عمرته تنقضي قبل التعريف ولا يبقى إلا في إحرام الحج
فعلى هذا إذا لم يطف للعمرة ولم يسع قبل الوقوف فإن عمرته تنتقض وعليه قضاؤها ويكون مفردا وعليه دم جناية ذكر ذلك القاضي وابن عقيل وغيرهما فعلى هذا إذا رفض العمرة لم يحل وإنما يكون قد فسخ العمرة إلى الحج
وأصل ذلك حديث عائشة فإنها قدمت مكة وهي متمتعة فأمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تهل بالحج وتترك العمرة
فمن قال بالوجه الثاني قال أمرها برفض العمرة وأن تصير مفردة للحج ولم يوجب عليها دم قران بل ذبح عنها يوم النحر دم جبران لتأخير العمرة وأوجب عليها قضاء ذلك العمرة التي رفضتها قالوا لأن في حديثها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إنقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا وفي لفظ

قالت فحضت فلم أزل حائضا حتى يوم عرفة ولم أهل إلا بعمرة فأمرني النبي صلى الله عليه و سلم أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بالحج وأترك العمرة ففعلت ذلك حتى قضيت حجي فبعث معي عبد الرحمن أبن أبي بكر فأمرني أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم وفي لفظ أهللت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي فزعمت أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة قالت يا رسول الله هذه ليلة عرفة وإنما كنت تمتعت بعمرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم إنقضي رأسك وامتشطي وامسكي عن عمرتك وفي رواية فلما كانت ليلة الحصبة قلت يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحجة وأرجع أنا بحجة قال أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة قالت قلت لا قال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة وفي لفظ حتى جئنا إلى التنعيم فأهللت منها بعمرة جزاء بعمرة الناس التي اعتمروها وفي لفظ قلت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد قال انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه ثم أتينا بمكان كذا وكذا ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك وفي لفظ فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك يا هنتاه قلت سمعت قولك لأصحابك فمنعت العمرة قال وما شأنك قلت لا أصلي قال فلا يضرك إنما أنت إمرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن فكوني في حجك فعسى الله أن يرزقكيها قالت فخرجنا في حجته وفي لفظ فخرجت في حجتي حتى قدمنا منى فطهرت وساق الحديث متفق عليه وللبخاري إنها قالت يا رسول الله اعتمرتم ولم أعتمر قال يا عبد الرحمن اذهب بأختك فأعمرها من التنعيم وفي رواية له أنها قالت يا رسول الله

يرجع أصحابك بأجر حج وعمرة ولم أزد على الحج فقال لها اذهبي وليردفك عبد الرحمن فأمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم وفي رواية لمسلم أنها قالت يا رسول الله أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر
قالوا فهذا دليل على أنها صارت مفردة وأنها رفضت العمرة لقول النبي صلى الله عليه و سلم إنقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ولو كان الإحرام بحاله لم يأمرها بالإمتشاط ولقوله أهلي بالحج ودعي العمرة واتركي العمرة وفي لفظ وإمسكي عن عمرتك وهذا ظاهر في أنها ترفض العمرة
وقد روى لا سيما وكان هذا ليلة عرفة أويومها والناس قد خرجوا من مكة يوم التروية وقد تعذر فعل العمرة فعلم أنه أراد ترك إحرامها
ولقوله هذه مكان عمرتك ولو كانت عمرتها بحالها لم يقل هذه مكان عمرتك كما لم يحتج إلى ذلك سائر من قرن من أصحابه لأنه كانت لهم عمرة صحيحة
وأيضا فقولها أيرجع الناس بعمرة وحجة وأرجع أنا بحجة فقال أوما كنت طفت ليالي قدمنا مكة قالت لا قال فاذهبي مع أخيك فأهلي بعمرة ثم بين أن من لم يطف تلك الليالي يكون حاله كذلك يرجع بحجة بدون عمرة ثم أمرها بالقضاء بحرف الفاء

وايضا فقوله لها لما ذكرت له الحيض فعسى الله أن يرزقكيها قالت فخرجنا في حجته دليل على أنها لم تبق في عمرة وأنها ترتجي ذلك فيما بعد
وأيضا فلو كان الواقف بعرفة في إحرام بعمرة لكان لا يحل حتى يطوف بالبيت ومعلوم أنه رمى جمرة العقبة تحلل التحلل الأول
وأيضا فإن الوقوف من خصائص الحج فامتنع أن يكون في عمرة وهو واقف بعرفه وكذلك ما بعد الوقوف بمزدلفة ومنى ولهذا إذا فاته الوقوف تحلل بطواف وسعي ولم يقف بالمواقف الثلاثة لأن ذلك لا يكون في عمرة
ووجه الأول ما روى طاوس عن عائشة أنها أهلت بعمرة فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم يوم النحر يسعك طوافك لحجك وعمرتك فأبت فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج رواه أحمد ومسلم
وعن مجاهد عن عائشة أنها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم يجزيء عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك رواه مسلم
وعن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك رواه أبو داود

وعن جابر قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على عائشة ثم وجدها تبكي وقالت قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت فقال اغتسلي ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف كلها حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجك وعمرتك جميعا قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت قال فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة متفق عليه فهذا نص في أنه لا يجب عليها قضاء العمرة وأن الطواف الذي طافته يوم النحر بالبيت وبين الصفا والمروة يسعها لحجها وعمرتها وأنها باقية على عمرتها مقيمة عليها وأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمرها بقضاء العمرة حتى ألحت عليه ويؤيد ذلك أن عامة الروايات تدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمرها ابتداء بالعمرة ولو كان القضاء واجبا عليه لما

أهمل النبي صلى الله عليه و سلم الأمر به حتى تطلب هي ذلك بل كان أمرها بذلك بل أعملها به حين قال لها إقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت بأن يقول فإذا حللت فاقضي عمرتك ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم أهدى عنها وبعث إليها من هديها فعلم أنه كان دم نسك لأنه لو كان دم جناية لم يجز الأكل منه
وقوله لها دعي عمرتك وامسكي عن عمرتك يعني عن إتمامها مفردة كما كنت أوجبته وأهلي بالحج فتصير العمرة في ضمن الحج ولا يبقى لها صورة فإنه صرح ببقاء العمرة كما ذكرناه ولهذا قال امسكي عنها والإمساك عنها لا يقتضي الخروج منها يقتضي ترك عملها الذي به تتم وتخرج منها وأما نقض الرأس
وأما القضاء فإنما يدل على ضعف عمرة القران وأنها ليست بتامة وسنتكلم إن شاء الله على ذلك وكذلك قولها يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة

المسألة الثالثة
أنه إذا أحرم بالحج لم يجز أن يدخل عليه العمرة فإن أدخلها عليه لم تنعقد هذه ولم يلزمه بها شيء وهو باق على حجه هذا هو المذهب المنصوص في غير موضع
قال في رواية المروذي فيمن قدم يوم عرفة معتمرا فخاف أن يفوته الحج إن طاف أدخل الحج على العمرة ويكون قارنا قيل له فيدخل العمرة على الحج فقال لا
ونقل عنه حنبل إذا أهل بعمرة أضاف إليها الحج وإذا أهل بالحج لم يضف إليه عمرة ونقل عنه أبو الحارث إذا أحرم بعمرة فلا بأس أن يضيف إليها حجة فإذا أهل بالحج لم يضف إليه عمرة
وقد روى عنه حرب وقد سأله عمن أهل بالحج فأراد أن يضم إليها عمرة فكرهه
ونقل عنه الأثرم إذا أهل بعمرة أضاف إليها الحج ولا بأس إنما الشأن في الذي يهل بالحج أيضيف إليه عمرة ثم قال علي يقول لو كنت بدأت بالعمرة
وقال في رواية عبد الله قوله دخلت العمرة في الحج يعني العمرة في

أشهر الحج وقال لم أسمع في ضم العمرة إلى الحج إلا شيئا ضعيفا
ولعل هذا يحمل على كراهة ذلك لا على بطلانه فإنهم كلهم يكرهون ذلك
ووجه ذلك ما احتج به أحمد من حديث علي المتقدم لما سأله المحرم بالحج وكان علي قد أحرم بالعمرة والحج فقال هل أستطيع أن أدخل معك فيما أنت فيه قال لا إنما ذلك لو كنت أهللت بعمرة فأخبره علي رضي الله عنه أنه لايستطيع القران إذا أحرم بالحج أولا ويستطيعه إذا أحرم بالعمرة أولا وقوله لا تستطيعه دليل أن ذلك لا يمكن البتة وهو أبلغ من النهي

فصل
فأما إذا أحرم بحجتين أو عمرتين فإنه ينعقد بإحداهما ولا يلزمه قضاء الاخر نص عليه فيمت أهل بحجتين لا يلزمه إلا حجة وذلك لأن الجمع بينهما غير ممكن فأشبه ما لو أحرم بصلاتين قال في رواية أبي طالب إذا قال لبيك العام وعام قابل فإن عطاء يقول يحج العام ويعتمر قابل فإن قال لبيك بحجتين فليس عليه إلا حجة واحدة التي لبى بها ولا يكون إهلالا بشيئين
ولو قال لبيك بمائة حجة أكان يجب عليه مائة حجة ليس عليه شيء وأصل قول عطاء التسهيل يقول المشيء إلى بيت الله وعليه حجة وكفارة وذكر معه أبو بكر إذا نذر أن يطوف على أربع

فصل
وإذا نسي المحرم ما أحرم به أو أحرم بمثل فلان وتعذر معرفته قال أحمد في رواية أبي داود في رجل لبى فنسي لا يدري بحج أو عمرة يجعلها عمرة ثم يلبي من مكة
وقال في رواية ابن منصور وذكر له قول سيفان في رجل أهل لا يدري بحج أو عمرة فأحب إلى أن يجمعهما قال أحمد أنا أقول إن كان أهل بحج فشاء أن يجعله عمرة فعل وإن كان أهل بحج وعمرة ولم يسق الهدي وشاء أن يجعلها عمرة فعل فقد نص على أنه يجعله عمرة فيتمتع بها إلى الحج وهذا حسن مستقيم على الأصل الذين تقدم فإنه إذا شرع لمن يذكر ما أحرم به أن يجعله متعة فلمن لا يذكر أولى
ثم اختلف أصحابنا فأقره بعضهم على ظاهرة وهذه طريقة أبي الخطاب وغيره ثم بعض هؤلاء قال إنما يلزمه عمرة على ظاهر رواية أبي طالب

والصواب أنه يلزمه عمرة يتمتع بها إلى الحج فلزمه عمرة وحج كما بينه في رواية أبي داود إلا أن يكون قد ساق الهدي فإن قياس هذا أن يلزمه القران وهذا لأنه قد تيقن وجوب أحد الثلاثة في ذمته فلزمه الخروج منه بيقين كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها وإذا تمتع فإنه قد خرج بيقين أما إذا أفرد جاز أن يكون الذي في ذمته عمرة أو قرانا وإذا قرن جاز أن يكون قد أحرم بالحج أولا فلا يصح إدخال العمرة عليه
وأما القاضي وأكثر أصحابه كالشريف وأبي الخطاب في خلافة وابن عقيل وغيرهم فإنهم يخيرونه بين العمرة والحج وحملوا كلام أحمد على الإستحباب لأن الأصل براءة ذمته من الأنساك الثلاثة فلم يجب إلزامه بالشك وزعم القاضي أنه لو نذر إحراما ونسيه لم يلزمه إلا عمرة لأنها الأولى وكذلك هنا ولأن الشك في التعيين يجعل التعيين كعدمه فيكون بمنزلة من أحرم مطلقا فله صرفه إلى ما شاء وهذا بخلاف الصلاة فإن التعيين شرط في إحرامها فإذا صلى صلاة مطلقة لم تصح والحج بخلاف ذلك فإنه يصح مع الإبهام فإذا شك في عين ما أحرم به فالأصل عد التعيين وإنما يتقين أنه محرم والإحرام بأحد الثلاثة يبريء الذمه من هذا الإحرام
فعلى هذا إن عينه بقران فإن كان قارنا فقد أجزأ عنه وإن كان معتمرا فقد

أدخل الحج على العمرة وذلك صحيح إلا أن يقال إن المتمتع يجب عليه الحج وإن كان مفردا فقد أدخل الحج على العمرة
فإن قيل يصح إدخال العمرة على الحج أجزأته عنهما وإن قيل لا يصح على المشهور من المذهب فيصح له الحج بكل حال
وأما العمرة فهل تجزئه على وجهين أحدهما تجزئه لأنه قد صار قارنا
والثاني لا تجزئه وهو أصح لأنه غير متيقن لصحة قرانه فعلى هذا إن كان قد طاف للعمرة وسعى لها ثم طاف للحج وسعى وإن لم يزد على أعمال المفرد وقلنا بأن أعمال العمرة لا تدخل في الحج لم يخرج من إحرامه إلا بطواف للعمرة وهل يحتاج إلى إعادة طواف الحج لكونه قد شرك في طوافه الأول بين الحج والعمرة على ما سيأتي
وإن قلنا تدخل أعمال العمرة في الحج وهو ظاهر المذهب فإنه قد شرك في الطواف بين حج صحيح وعمرة لم تصح وذلك يجزئه في أشهر الوجهين قاله القاضي
ثم إن قلنا يسقط النسكان عنه لزمه الدم وإن قلنا إنما يسقط الحج ففي وجوب الدم وجهان
أحدهما لا يجب وهو الصحيح للشك في سببه

والثاني يجب لأنه التزمه ظاهرا ولأنه أحوط
وإن اختار الافراد سقط عنه الحج يقينا سواء كان قد أحرم أولا به أو بالعمة أو بهما ولا دم عليه لأنه لم يلتزمه ولا تحقق وجوبه وهل يحتاج في خروجه من الإحرام إلى طواف بنية العمرة على وجهين
وإن عينه بتمتع ولم يسق الهدي فهو متمتع ظاهرا وباطنا ويجزئه عن العمرة والحج قال بعض أصحابنا ولو بداله بعد قضاء العمرة أنه لا يحج لم يكن عليه شيء وهذا ليس بجيد
وإن كان قد ساق الهدي وتمم أعمال الحج فقد حصل له الحج يقينا وأما العمرة فهو فيا كالقارن لجواز أن يكون قد أحرم أولا بالحج فلا يصح فسخه إلى العمرة ثم هو قد طاف أولا وسعى للعمرة ثم طاف بعد التعريف وسعى للحج
فإن قلنا إن أفعال العمرة لا تدخل في أعمال الحج إذا كان قارنا فقد خرج من الإحرام بيقين وكذلك إن قلنا إنه يجوز للقارن أن يطوف لها قبل التعريف
وأما إن قلنا أن أفعال العمرة تدخل في الحج ولا يجزيء الطواف لها قبل التعريف فإن طوافه قبل التعريف لم يقع عن عمرة القران وهو بعد الوقوف إنما طاف عن الحج خاصة فلا يخرج من إحرامه حتى يطوف لها ثانيا بعد الوقوف وهذا على قول من يوجب على القارن أن ينوي عنهما
وأما من قال الطواف للحج يجزيء عن النسكين إذا كان في الباطن كذلك فكذلك هنا

وفي وجوب الدم وجهان ذكرهما القاضي وغيره كما قلنا في القارن
أحدهما عليه الدم لأنه التزم موجبة وهو أحوط
والثاني لادم عليه لجواز أن يكون إحرامه في الأصل بحجة وقد فسخها بعمرة فلا دم عليه وهذا غير مستقيم على أصلنا بل الصواب أنه إن حج من عامه فهو متمتع ظاهرا وباطنا فعليه دم المتعة بلا تردد إلا أن يكون إحرامه أولا بعمرة بلا نية تمتع ونقول إن نية التمتع شرط في وجوب الدم وإن لم يحج من عامة فلا دم عليه قولا واحدا ولا وجه لا يجابه

مسألة
وإذا استوى على راحلته لبى فيقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
وقد تقدم الكلام في أول أوقات التلبية
وأما صفتها فكما ذكره الشيخ رحمه الله نص عليه أحمد في رواية أبي داود وحنبل
قال في رواية حنبل إذا لبى يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
والأصل في ذلك ما روى إبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وفي لفظ إن تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم لبيك اللهم لبيك إلى آخره
وكان عبد الله بن عمر يزيد مع هذا لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل متفق عليه

وفي رواية في الصحيح سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل ملبيا لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لا يزيد على هذه الكلمات
وفي رواية في الصحيحين وكان عبد الله بن عمر يقول كان عمر ابن الخطاب يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم من هؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك الخير في يديك والرغباء إليك والعمل
وفي رواية صحيحة لأحمد قال أربعا تلقنتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
وفي رواية صحيحة كان إبن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك ثلاثا إلى آخره رواه

وعن عائشة قالت إني لأعلم كيف كان النبي صلى الله عليه و سلم يلبي لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك رواه البخاري ورواه سعيد من حديث الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن عن عائشة قالت كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إن الحمد والنعمة لك
وعن إبن مسعود قال كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك رواه النسائي وأحمد ولفظه عن عبد الله ذكر النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول لبيك اللهم مثله سواء
وعن عبد الله أنه كان يلبي كذلك رواه سعيد
وعن جابر في ذكر حجة النبي صلى الله عليه و سلم قال فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك

لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه شيئا منه رواه مسلم وأحمد وأبو داود بإسناد صحيح ولفظهما والناس يزيدون ذالمعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه و سلم يسمع فلا يقول لهم شيئا
وعن الضاحك عن ابن عباس أن تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل حديث ابن عمر وجابر رواه سعيد وداود بن عمرو
وسبب التلبية ومعناها على ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز و جل وإذن في الناس بالحج قال لما أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قال يا أيها الناس إن ربكم إتخذ بيتا وأمركم أن تحجوه فاستحاب له ما سمعه من حجر أو شجر أو أكمه أو

تراب أو شيء فقالوا لبيك اللهم لبيك رواه آدم عن ورقاء عن عطاء ابن السائب عنه
وعن مجاهد في قوله وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا قال نادى إبراهيم يا أيها الناس أجيبوا ربكم وفي رواية عنه أن إبراهيم حين أمر أن يؤذن بالحج قام على المقام فقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم قالوا لبيك لبيك فمن حج اليوم فقد أجاب إبراهيم يومئذ في أصلاب آبائهم رواهما أبو يعلى الموصلي باسناد صحيح
وعنه أيضا قال أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج فقام على

المقام فتطاول حتى صار كطول الجبل فنادى يا أيها الناس أجيبوا ربكم مرتين فأجابوه من تحت التخوم السبع لبيك أجبنا لبيك أطعنا فمن يحج إلى يوم القيامة فهو ممن استجاب له فوقرت في قلب كل مسلم رواه سفيان الثوري عن منصور وسلمه بن كهيل عنه
وعنه ايضا قال لما أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج قام فقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه لبيك اللهم لبيك وفي رواية لما أذن إبراهيم بالحج قال يا أيها الناس أجيبوا ربكم قال فلبي كل رطب ويابس
وقيل لعطاء وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا إبراهيم أو محمد قال إبراهيم وفي رواية عنه قال
لما فرغ إبراهيم وإسماعيل من بناء البيت أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس على المقام فنادى بصوت أسمع من بين المشرق والمغرب فقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم قال فأجابوه من أصلاب الرجال لبيك اللهم لبيك فإنما يحج اليوم من أجاب يومئذ رواهن أبو سعيد الأشج

وأما إشتقاقها فقد قال قوم إنه من قولهم ألب بالمكان إذا أقام به ولزمه ولب ايضا لغة فيه حكاها الخليل والمعنى وأنا مقيم على طاعتك ولازمها لا أبرح عنها ولا أفارقها أو أنا لازم لك ومتعلق بك لزوم الملب بالمكان وهو منصوب على المصدر بالفعل ! الازم إضماره كما قالوا حنانيك وسعديك ودواليك والياء فيه للتثنية
وأصل المعنى لبيت مرة بعد مرة لبا بعد لب ثم صيغ بلفظ التثنية الذي يقصد به التكرار والمداومة كقوله ثم ارجع البصر كرتين وكقول حذيفة وجعل يقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفرلي ويقول في الاعتدال لربى الحمد لربى الحمد يريد بذلك أنه يكرر هذا اللفظ هذا

قول الخليل وأكثر النحاة
وزعم يونس أنها كلمة واحدة ليست مثناة وأن الياء فيها أصلية بدليل قولهم لبي يلبي
والأجود في اشتقاقها أن جماع هذه المادة هو العطف على الشيء والإقبال إليه والتوجه نحوه ومنه اللبلاب وهو نبت يلتوي على الشجر واللبلبة الرقة على الولد ولبلبت الشاة على ولدها إذا لحسته وأسلبت عليه حين تضعه ومنه لب بالمكان وألب به إذا لزمه لإقباله عليه ورجل لب ولبيب أي لازم للأمر ويقال رجل لب طب قال
لبابا بإعجاز المطي لاحقا
قال
... فقلت لها فيئي إليك فإنني ... حرام وإني بعد ذاك لبيب

وامرأة لبه قال أبو عبيد أي قريبة من الناس لطيفة ومنه اللبة وهي المنحر واللبب وهو موضع القلادة من الصدر من كل شيء وهو ما يشد أيضا على صدر الناقة أو الدابة يمنع الرحل من الاستئجار سمي مقدم الحيوان لببا ولبة لأنه أول ما يقبل به ويتوجه ثم قيل لببت الرجل تلبيبا إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جررته لأن انقياده واستجابته تكون بهذا الفعل وقد تلبب إذا انقاد
وسمي العقل لبا لأنه الذي يعلم الحق فيتبعه فلا يكون للرجل لب حتى يستجيب للحق ويتبعه وإلا فلو عرفه وعصاه لم يكن ذا لب وصاحبه لبيب
ويقال بنات البب عروق في القلب تكون منها الرقة
وقيل لأعرابية تعاقب ابنا لها مالك لا تدعين عليه قالت تأبى له ذلك بنات الببي
وقد قيل في قول الكميت
... إليكم ذوي آل النبي تطلعت ... نوازع من قلب ظماء والبب

إنه من هذا وقيل إنه جمع لب وإنما فك الإدغام للضرورة فالداعي إلى الشيء يطلب استجابة المدعو وانقياده وإقباله إليه وتوجهه نحوه فيقول لبيك أي قد أقبلت إليك وتجهت نحوك وانقدت لك فأما مجرد الإقامة فليست ملحوظة
والمستحب في تقطيعها
فظاهر حديث عائشة أنه يقطعها ثلاثا يقول في الثانية لبيك لا شريك لك ثم يبتدي لبيك إن الحمد والنعمة لك لأنها ذكرت أنه كان يلبي ثلاثا لبيك اللهم لبيك وكذلك ابن عمر ذكر أنهن أربع
وعن محمد بن قيس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي بأربع كلمات لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك رواه داود بن عمرو
وعن أبي معشر عنه

والمستحب كسر إن نص عليه ويجوز فتحها فإذا فتح كان المعنى لبيك لأن الحمد لك أو بأن الحمد لك وعلى هذا فينبغي أن توصل أن بالتلبية التي قبلها لأنها متعلقة بها تعلق المفعول بفاعله وتكون التلبية فيها خصوص أي لبيناك بالحمد لك أو بسبب أن الحمد لك أو لأن الحمد لك وأما الحمد فلا خصوص فيه كما توهمه بعض أصحابنا
وأما إذا كسر فإنها تكون جملة مبتدأة وإن كانت تتضمن معنى التعليل فتكون التلبية مطلقة عامة والحمد مطلق كما في قوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وفي قوله يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد

فصل
والأفضل أن يلبي تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم كما تقدم ذكره لأن أصحابه رووها على وجه واحد وبينوا أنه كان يلزمها
وإن نقل عنه أنه زاد عليها شيئا فيدل على الجواز لأن ما داوم عليه هو الأفضل
فإن زاد شيئا مثل قوله لبيك إن العيش عيش الاخرة أو لبيك ذا المعارج أو غير ذلك فهو جائز غير مكروه ولا مستحب عند أصحابنا
قال في رواية أبي داود وقد سئل عن التلبية فذكرها فقيل له يكره أن يزيد على هذا قال وما بأس أن يزيد
وقال الأثرم قلت له هذه الزيادة التي يزيدها الناس في التلبية فقال شيئا معناه الرخصة
وقال في رواية حرب في الرجل يزيد في التلبية كلاما أو دعاء قال أرجو أن لا يكون به بأس
وقال في رواية المروذي كان في حديث ابن عمر والملك لا شريك لك فتركه لأن الناس تركوه وليس في حديث

وعن ليث عن طاوس أن تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إن الحمد والنعمة لك زاد فيها عمر بن الخطاب والملك لا شريك لك رواه سعيد وهذا يقوي رواية المروذي فينظر
وإنما جاز ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم أقره عليه ولم يغيره كما ذكره جابر
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في تلبيته لبيك إله الحق لبيك رواه أحمد وابن ماجة والنسائي
فعلم أنه كان يزيد أحيانا على التلبية المشهورة وقد زاد ابن عمر الزيادة المتقدمة وهو من أتبع الناس للسنة
وعن عمر أنه زاد لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك رواه الأثرم

وعن أنس أنه كان يزيد لبيك حقا حقا
وعن عبد الله أنه كان يقول لبيك عدد التراب
وعن الأسود أنه كان يقول لبيك غفار الذنوب لبيك رواهما سعيد
وأما ما روى سعد أنه سمع رجلا يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نقول ذلك رواه أحمد فقد حمله القاضي على ظاهره في أنه أنكر الزيادة ولعله فهم من حال الملبي أنه يعتقد أن هذه هي التلبية المشروعة
وقد قيل لعله اقتصر على ذلك وترك تمام التلبية المشروعة
ولا تكره الزيادة على التلبية سواء جعل الزيادة متصلة بالتلبية منها أم لا بل

تكون الزيادة من جملة التلبية
وقال القاضي في خلافه لا تكره الزيادة على ذلك إذا أوردها على وجه الذكر لله والتعظيم له لا على أنها متصلة بالتلبية كالزيادة على التشهد بما ذكره من الدعاء بعده ليس بزيادة فيه
لأن ما ورد عن الشرع منصوصا مؤقتا تكره الزيادة فيه كالأذان والتشهد
فأما إن نقص من التلبية المشروعة
وإذا فرغ من التلبية فقال أصحابنا يستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم ويدعوا بما أحب من خير الدنيا والاخر
قال القاضي إذا فرغ من الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم أحببنا له أن يسأل الله رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار
وذلك لما روي عن القاسم بن محمد قال كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبية أن يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم رواه الدارقطني

وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار رواه الشافعي والدارقطني
ولأن الملبي قد أجاب الله في دعائه إلى حج بيته فيستجيب الله له دعاءه جزاء له
والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم مشروعة عند كل دعاء وقد قال القاضي

وأصحابه إن ذكر النبي صلى الله عليه و سلم لا يشرع عند الإفعال كالذبح والعطاس والإحرام
وظاهر كلام أحمد في رواية حرب أن زيادة الدعاء من جنس زيادة الكلام لا بأس به ولا يرفع صوته بذلك

مسألة
ويستحب الإكثار منها ورفع الصوت بها لغير النساء
وذلك لما روى السائب بن خلاد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال كن عجابا ثجاجا والعج التلبية والثج نحر البدن رواه أحمد
وعن أبي بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل أي الأعمال أفضل قال العج والثج رواه ابن ماجة والترمذي ولفظه أي الحج أفضل وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي فديك وابن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع

وقد رواه الطبراني من حديث محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه عن أبي بكر
والعج رفع الصوت يقال قد عج يعج عجيجا ولا يكاد يقال إلا إذا تابع التصويت وأكثر منه وقد أمره أن يكون عجاجا وهو اسم لمن يكثر العجيج
وعن خلاد بن السائب بن خلاد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي وفي لفظ ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية وفي لفظ بالإهلال أو التلبية يريد أحدهما رواه

الخمسة وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث حسن صحيح
وعن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءني جبريل فقال يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتم بالتلبية فإنها من شعائر الحج رواه أحمد

وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي روى بعضهم هذا الحديث عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا يصح والصحيح عن خلاد بن السائب عن أبيه
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني جبريل برفع الصوت في الإهلال فإنه من شعائر الحج رواه أحمد
وعن أبي حازم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم
وعن أبي بكر بن عبد الله قال سمعت ابن عمر يرفع صوته بالتلبية حتى

إني لأسمع دوى صوته من الجبال
وعن أيوب قال رأيت سعيد بن جبير في المسجد يوقظ الحاج ويقول قوموا فلبوا فإني سمعت ابن عباس يقول هي زينة الحج
وعن إبراهيم أنه كان يقول أكثروا من التلبية فإنها زينة الحج رواه سعيد
ولأن رفع الصوت

قال أصحابنا ويستحب رفع الصوت بها على حسب طاقته ولا يتحامل في ذلك بأشد ما يقدر عليه فينقطع كالأذان
وأما المرأة فيستحب لها أن تسمع رفيقتها قال أحمد في رواية حرب تجهر المرأة بالتلبية ما تسمع زميلتها لما روى سليمان بن يسار أن السنة عندهم أن المرأة لا ترفع الصوت بالإهلال رواه سعيد
وعن عطاء أنه كان يقول يرفع الرجال أصواتهم بالتلبية فأما المرأة فإنها تسمع نفسها ولا ترفع صوتها رواه سعيد
وقد جاء في فضلها ما روى سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا رواه الترمذي وابن ماجه

وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من محرم يضحي لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه رواه ابن ماجة
وتستحب التلبية على كل حال قائما وقاعدا ومضطجعا وسائرا ونازلا وطاهرا وجنبا وحائضا إلى غير ذلك من الأحوال

مسألة
وهي آكد فيما إذا علا نشزا أو هبط واديا أو سمع ملبيا أو فعل محظورا ناسيا أو التقت الرفاق وفي أدبار الصلوات وبالأسحار وإقبال الليل والنهار
وذلك لأن ذلك مأثور عن السلف قال خيثمة بن عبد الرحمن كان أصحاب عبد الله يلبون إذا هبطوا واديا أو أشرفوا على أكمة أو لقوا ركبانا وبالأسحار ودبر الصلوات رواه سعيد
وفي لفظ كنت أحج مع أصحاب عبد الله فكانوا يستحبون أن يلبوا في دبر كل صلاة وحين يلقى الركب وبالأسحار وإذا أشرفوا على أكمة أو هبط واديا أو انبعثت به راحلته رواه عمر بن حفص بن غياث

ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أهل حين انبعثت به ناقته واستوت به قائمة ثم أهل حين علا على شرف البيداء
وروي عن جابر قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يلبي في حجته إذا لقي راكبا أو علا أكمة أو هبط واديا وفي أدبار الصلوات المكتوبة ومن اخر الليل
ولأن المسافر يستحب له إذا علا على شرف أن يكبر الله تعالى وإذا هبط واديا أن يسبحه فالتلبية للمحرم أفضل من غيرها من الذكر
ولأن البقاع إذا اختلفت
ومن جملة الأشراف إذا علا على ظهر دابته كما تقدم عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن السلف

ويستحب أن يبدأ قبلها بذكر الركوب سئل عطاء أيبدأ الرجل بالتلبية أو يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين قال يبدأ بسبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وقد تقدم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم ركب حتى إذا استوت به على البيداء حمد الله تعالى وسبح وكبر ثم أهل بحج أو عمرة رواه البخاري
ولأن هذا الذكر مختص بالركوب فيفوت بفوات سببه بخلاف التلبية ولهذا لو سمع مؤذنا كان يشتغل بإجابته عن التلبية والقراءة ونحوهما
ولأن هذا الذكر في هذا الموطن أوكد من التلبية فيه لأنه مأمور به بقوله تعالى لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين

وأما إذا سمع ملبيا
وأما إذا فعل محظور ناسيا مثل أن يغطي رأسه أو يلبس قميصا ونحو ذلك فإن ذلك سيئة تنقص الإحرام فينبغي أن يتبعها بحسنة تجبر الإحرام ولا أحسن فيه من التلبية ولأنه بذلك كالمعرض عن الإحرام ويتذكره بالتلبية وقد تقدم عن ابن عباس أنه قال لمن طاف في إحرامه لما رأى أنه يحل أكثر من التلبية فإن التلبية تشد الإحرام
وأما إذا التقت الرفاق
فأما القافلة الواحدة إذا جاء بعضهم إلى عند بعض وهل يبدؤن قبل ذلك بالسلام
وأما أدبار الصلوات فلما تقدم من الحديث والأثر
وأما السحر فلما تقدم من الحديث والأثر ولأنها ساعة يستحب فيها ذكر الله تعالى

وأما في إقبال الليل والنهار فقد ذكره أصحابنا ومعنى إقبال النهار ولم يذكر الخرقي وابن أبي موسى السحر وطرفي النهار

فصل
ويكفيه أن يلبي لهذه الأسباب مرة واحدة بحيث يكون دعاؤه عقيب تلك المرة
قال في رواية الأثرم كان ابن عمر يزيد في التلبية لبيك ذا المعارج ولا أدري من أين جاءت به العامة يلبون في دبر الصلوات ثلاث مرات قال الأثرم قلت لأبي عبد الله ما شيء تفعله العامة يلبون في دبر الصلوات ثلاث مرات فتبسم وقال ما أدري من أين جاؤا به قلت أليس تجزئه مرة واحدة قال بلى
وكذلك ايضا إذا لبى لغير سبب فإن المرة الواحدة تحصل بها سنة التلبية بحيث يدعوا بعدها إن أحب وذلك لأن الصحابة ذكروا أن النبي صلى الله عليه و سلم لما ركب راحلته أهل بهؤلاء الكلمات ثم لما علا البيداء أهل بهن ولم يذكروا أنه كررهن في حالته تلك ولو كان ذلك لبينوه فإن مثل هذا لم يكونوا ليغفلوه ويهملوه بل ظاهر حديث ابن عمر حين قال أهل بهؤلاء الكلمات وقوله فلما استوت به راحلته قائمة قال لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وكان ابن عمر يزيد فيها ما يزيد كالنص في أنه إنما لبى بهذا واحدة وقد قال أربعا تلقنتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم

أفتراه يعد كلمات التلبية ولا يعد مراتها وذكر عددها أهم لأنه لا يعلم إلا بذكره بخلاف كلمات التلبية فإن ذكرها يغني عن عدها وكذلك المأثور عن السلف ليس فيه أمر بتكرير ولذلك أنكر أحمد هذا وبين أنه لا أصل له عن السلف وقال لا أدري من أين جاؤا به
وأيضا فإن كلمات التلبية مبنية على تكرارها فإنها متضمنة الثلاث مرات
فإن كررها ثلاثا أو أكثر من ذلك على نسق واحد فقال أبو الخطاب وطائفة معه لا يستحب تكرارها في حال واحدة
وقال ابن عقيل لا يستحب تكرارها ثلاثا
وقال القاضي لا يستحب تكرارها ثلاثا عقيب الصلاة بل يأتي بها عقيب الصلوات كما يأتي بها مفردة عن الصلاة
وقالو يستحب استدامتها على كل حال
وقال أبو محمد لا بأس بالزيادة على مرة وتكراره ثلاثا حسن فإن الله تعالى وتر يحب الوتر
وقال القاضي في الخلاف يسن تكرارها بعد تمامها لأجل تلبسه بالعبادة وإن لم تستحب الزيادة عليها

وفرق بين الزيادة والتكرار بأن هذا الذكر شعار هذه العبادة كالأذان وتكبيرة الإحرام فلم تستحب الزيادة عليه مثلهما بخلاف التكرار فإنما ذلك لأجل تلبسه بالعبادة وهذا المعنى موجود ما لم يحل وهذا يقتضي استحباب تكرارها في الموضع الذي اختلف في استحباب الزيادة وهو عقيب التلبية سواء
وحقيقة المذهب أن استدامتها وتكرارها على كل حال حسن مستحب من غير تقييد بعدد كما في التكبير في العشر وأيام التشريق لكن التقييد بعدد مخصوص لا أصل له وكذلك الأمر به والزام المأموين

فصل
قال أصحابنا لا يستحب أن يتخللها غيرها من الكلام ليأتي بها نسقا فإن سلم عليه رد لأن ذلك فرض والتلبية سنة
فإن لم يحسن التلبية بالعربية فإنه يتعلمها وإن لم يفقهها
قال في رواية حنبل والأعجمي والأعجمية إذا لم يفقها يعلمان على قدر طاقتها وبرر لماى المناسك ويشهدان مع الناس المناسك والله أعلم بالنية وأرجو أن يجزيء ذلك عنهما
ولا يجوز أن يلبي بغير العربية وهو يقدر على التلبية بالعربية أو على تعلمها لأنه ذكر مشروع فلم يجز بالعربية كالأذان والتكبير وغير ذلك من الأذكار المشروعة لاسيما والتلبية ذكر مؤقت فهي بالأذان أشبه منها بالخطبة ونحوها ثم الخطبة لا تكون إلا بالعربية فالتلبية أولى فإن عجز عن التلبية بالعربية فقال أبو محمد يجوز أن يلبي بلسانه ويتوجه أن لا يجوز لأنه قد منع عن الدعاء في الصلاة بغير العربية فإن عجز عن التلبية بأن لا يحسنها بالكلية أو يكون أخرس أو مريضا لا يطيق الكلام أو صغيرا فقال أحمد في رواية أبي

طالب الأخرس والمريض والصبي يلبي عنهم وظاهره أنه إذا عجز عن الجهر يلبي عنه وذلك لأن جابرا ذكر أنهم كانوا يلبون عن الصبيان وما ذاك إلا لعجزهم عن التلبية ففي معنى الصبيان كل عاجز ولأن أمور الحج كلها تدخلها النيابة إذا عجز عنها كالرمي ونحوه فإذا عجز عن التلبية بنفسه لبى عنه غيره ويكون كما لو لبى عن ميت أو معضوب إن ذكره في التلبية فحسن وإن اقتصر على النية جاز
قال أصحابنا القاضي ومن بعده والتلبية سنة لا شيء في تركها لأنها ذكر مشروع في الحج فكان سنة كسائر أذكاره من الدعاء بعرفة ومزدلفة ومنى وغير ذلك

فصل
وتشرع التلبية من حين الإحرام إلى الشروع في الإحلال ففي الحج يلبي إلى أن يأخذ في رمي جمرة العقبة وفي العمرة إلى أن يشرع في الطواف
قال أحمد الحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة وفي رواية يقطع عند أول حصاة وقال في رواية الجماعة في المعتمر يقطع التلبية إذا استلم الركن وهذا هو المذهب
وقال الخرقي من كان متمتعا قطع التلبية إذا وصل إلى البيت فمن أصحابنا من قال ظاهر هذا أنه يقطع التلبية برؤية البيت قبل الطواف فجعل هذا خلافا ومنهم من فسر وصوله إليه باستلامه الحجر وهذا أشبه لأنه

حقيقة الوصول أن يتصل به وإنما يتصل به إذا لمسه لا إذا رآه وذلك لما روى الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة وفي لفظ للبخاري حتى بلغ الجمرة
وعن ابن عباس أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه و سلم من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى قال فكلاهما قال لم يزل النبي صلى الله عليه و سلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة متفق عليها
وعن عكرمة قال أفضت مع الحسين بن علي من المزدلفة فلم أزل أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة فسألته فقال أفضت مع أبي من المزدلفة فلم أزل أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة فسألته فقال أفضت مع النبي صلى الله عليه و سلم فلم أزل أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة رواه أحمد من حديث ابن إسحق عن أبان بن صالح عنه

وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر رواه أبو داود وعنه يرفع الحديث أنه يعني النبي صلى الله عليه و سلم كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر رواه الترمذي وقال حديث صحيح
وعن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر كل ذلك في ذي القعدة يلبي حتى يستلم

الحجر رواه أحمد
فأما التلبية في الطواف والسعي وفي حال الوقوف بعرفة ومزدلفة
ويكره إظهار التلبية في الأمصار والحلل قال أحمد في رواية المروذي التلبية إذا برز عن البيوت وقال في رواية أبي داود ولا يعجبني أن يلبي في مثل بغداد حتى يبرز وقال في رواية حمدان بن

علي إذا أحرم في مصره لا يعجبني أن يلبي وفي لفظ يلبي الرجل إذا وارى الجدران قول ابن عباس ولا يعجبني من المصر
وحمل أصحابنا قوله على إظهار التلبية وإعلانها وعبارة كثير منهم لا يستحب إظهارها وربما قالوا لا يشرع ذلك كما قالوا لا يستحب تكرارها في حال واحدة وذلك يقتضي التسوية بين المسألتين إما في الكراهة أو في أن الأولى تركه وذلك لما احتج به أحمد ورواه بإسناده عن عطاء عن ابن عباس أنه سمع رجلا يلبي بالمدينة فقال إن هذا لمجنون ليست التلبية في البيوت وإنما التلبية إذا برزت وعلله القاضي بأن التلبية مستحبة وإخفاء التطوع أولى من أظهاره لمن لا يشركه فيه ولهذا لم يكره ذلك في الصحراء وفي أمصار الحرم لوجود الشركاء وهذا ليس بشيء ويحتمل أن يكون ذلك لأن المقيم في مصر ليس بمسافر ولا متوجه إلى الله تعالى والتلبية إجابة الداعي وإنما يجيبه إذا شرع في السفر فإذا فارق البيوت شرع في السفر

فيجيبه وكلام ابن عباس وأحمد يحتمل هذا فعلى هذا لو مر بمصر اخر في طريقه لبى منه
وعلى هذا فلا يستحب إخفاؤها ولا إطهارها وهو ظاهر كلام أحمد وابن عباس
فأما المساجد فقال القاضي وأبو الخطاب لا يستحب إظهارها في الأمصار ومساجد الأمصار ومساجد الأمصار هي المبينة في المصر وذلك لأن حكمها كحكم المصر وأولى من حيث كره رفع الصوت فيها لا من إظهارها في مساجد الحل وأمصاره فعلى هذا للمساجد المبينة في البرية مثل مسجد ذي الحليفة ونحوه لا يظهر فيه لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن رفع

الصوت في المسجد وإنما خص من ذلك الإمام خاصة والمأمون إذا احتيج إلى تلبيغ تكبير الإمام
فيبقى رفع الصوت بالتلبية على عمومه وهذا قوى على قول من لا يرى
وحديث ابن عباس في إهلال النبي صلى الله عليه و سلم بمسجد ذي الحليفة عقيب الركعتين وقول أحمد وغيره بذلك يخالف هذا القول
قال أصحابنا ويستحب إظهارها في المسجد الحرام وغيره من مساجد الحرم مثل مسجد منى وفي مسجد عرفات وإظهارها في مكة لأنها مواضع المناسك

فصل
ولا بأس بتلبية الحلال ولا يصير محرما بذلك إلا أن ينوي الإحرام قال أحمد في رواية الأثرم قد يلبي الرجل ولا يحرم ولا يكون عليه شيء لما روي عن إبراهيم قال أقبل عبد الله من ضيعته التي دون القادسية فلقي قوما يلبون عند النجف فكأنهم هيجوا أشواقه فقال لبيك عدد التراب لبيك رواه سعيد
عن عطاء والحسن وإبراهيم أنه ملم يروا بأسا للحلال أن يتكلم بالتلبية يعلمها الرجل وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول في دعاء الاستفتاح لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك أنا منك وإليك رواه مسلم

فصل
وأما تسمية ما أحرم به في تلبيته فقال أبو الخطاب لا يستحب أن ينطق بما أحرم به ولا يستحب أن يذكره في تلبية لما روي عن ابن عمر يقول لا يضر الرجل أن لا يسمي بحج ولا بعمرة يكفيه من ذلك نيته إن نوى حجا فهو حج وإن نوى عمرة فهو عمرة
وعنه أنه كان إذا سمع بعض أهله يسمي بحج يقول لبيك بحجة صك في صدره وقال أتعلم الله بما في نفسك
وعنه أنه سئل أيتكلم بالحج والعمرة فقال أتنبون الله بما في قلوبكم وذلك لأن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة متفق عليه والذين وصفوا تلبيته رسول الله صلى الله عليه و سلم لما استوى على دابته مثل ابن عمر وغيره ذكروا أنه لبى ولم يذكروا في تلبيته ذكر حج ولا عمرة

والمنصوص عن أحمد في رواية المروذي قال إن أردت المتعة فقل اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني وأعني عليها تسر ذلك في نفسك مستقبل القبلة وتشترط عند إحرامك فتقول إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن شئت أهللت على راحلتك وذكر في الإفراد والقران نحو ذلك إلا أنه قال اللهم اني أريد العمرة والحج فيسرهما وتقبلهما مني لبيك اللهم عمرة وحجا فقل كذلك ولم يذكر في المتعة والإفراد لفظه في التلبية فقد استحب أن يسمي في تلبيته العمرة والحج أول مرة لما روى بكر بن عبد الله المزني عن أنس قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يلبي بالحج والعمرة جميعا قال بكر فحدثت بذلك ابن عمر فقال لبى بالحج وحده فلقيت أنسا فحدثته فقال أنس ما تعودنا إلا صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لبيك عمرة وحجا متفق عليه وقال قل عمرة وحجة وفي لفظ عمرة في حجة ولكن هذا يحتمل النطق قبل التلبية وبعد وفيها
وعن علي أنه أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لقول أحد رواه البخاري
وفي حديث الصبي بن معبد أنه وسمعه سلمان وزيد وهو يلبي بهما فقال عمر هديت لسنة نبيك
وقال ابن أبي موسى إن أراد الإفراد بالحج قل اللهم إني أريد الحج فيسره لي وأتتمه ويلبي فيقول لبيك اللهم لبيك بحجة تمامها عليك لبيك لا شريك لك إن الحمد والنعمة لك إلى اخرها ويستحب له الإشتراط وهو أن يقول بعد التلبية إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني

وقال في القارن هو كالمفرد غير أنه يقول في تلبيته لبيك بعمرة وحجة تمامها عليك بعد أن ينوي القران
وقد جاء في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من أراد أن يهل بحجة فليفعل ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحجة وعمرة فليفعل
وفي حديث ابن عباس أهل بالعمرة وأهل أصحابه بالحج
وفي حديث ابن عمر لبى بالحج وحده إلا أن هذا يقال لمن نوى ذلك ولمن يعلم به في تلبيته كما يقال بدليل أن ابن عمر يروي ذلك وكان ينكر اللفظ به في التلبية

باب محظورات الإحرام مسألة وهي تسع حلق الشعر وقلم الظفر وجملة ذلك أن
المحرم يحرم عليه أشياء ويكره له أشياء
فمما يحرم عليه أن يزيل شيئا من شعره بحلق أو نتف أو قطع أو تنور أو إحراق أو غير ذلك سواء في ذلك شعر الرأس والبدن والفخذ الذي يسن ازالته لغير الحرام كشعر العانة والابط والذي لا يسن كشعر اللحية والحاجب والصدر وغير ذلك وكذلك يحرم عليه أن يزيل شيئا من ظفره لأن الله سبحانه قال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله وأيضا قوله سبحانه ثم ليقضوا تفثهم فروى عطاء عن ابن عباس قال التفث الدماء والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب والأظفار واللحية

وعن عطاء قال الحلق وتقليم الأظفار ومناسك الحج وعن محمد بن كعب قال الشعر والأظفار رواهن أبو سعيد الأشج
وعن أبي طلحة عن ابن عباس يعني بالتفث وضع احرامهم من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظفار ونحو ذلك
وعن مجاهد قال التفث حلق الرأس وتقليم الأظافر وفي رواية حلق

الرأس وقص الشارب وقلم الأظفار ونتف الابط وحلق العانة وقص اللحية والشارب والأظفار ورمى الجمار
فعلم أنه كان ممنوعا من ذلك قبل الاحرام ولأن ذلك اجماع سابق
قال أحمد في في رواية حبيش بن سندي شعر الرأس واللحية والأبط سواء لا أعلم أحدا فرق بينهما ولأن ازالة ذلك ترفه وتنعم
مسألة ففي ثلاث منها دم وفي كل واحد مما دونها مد طعام وهو ربع الصاع
وجملة ذلك أنه متى أزال شعره أو ظفره فعليه الفدية سواء كان لعذر أو

لغير عذر وانما يفترقان في إباحة ذلك وغيره من الأحكام
وأما الفدية فتجب فيهما لأن الله سبحانه قال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فجوز لمن مرض فاحتاج إلى حلق الشعر أو اذاه قمل برأسه أن يحلق ويفتدى بصيام أو صدقة أو نسك فلأن يجب ذلك على من فعله لغير عذر أولى
وعن عبد الله بن معقل قال جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية فقال نزلت في خاصة وهي لكم عامة حملت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى تجد شاة فقلت لا قال فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع متفق عليه
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال أتى علي

رسول الله زمن الحديبية وأنا أقود تحت قدري والقمل يتناثر على وجهي فقال أيوذيك هوام رأسك قال قلت نعم قال فاحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسك نسيكه لا أدري بأي ذلك بدأ متفق عليه وهذا لفظ مسلم وللبخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم راه وأنه يسقط قمله على وجهه فقال أيوذيك هوامك قلت نعم فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة فأنزل الله الفدية فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يطعم فرقا بين ستة أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام
ولمسلم أتى علي رسول الله صلى الله عليه و سلم زمن الحديبية فقال كأن هوام رأسك تؤذيك فقلت أجل قال فاحلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين وفي رواية له فاحلق رأسك وأطعم فرقا بين ستة مساكين والفرق ثلاثة آصع أصم ثلاثة

أيام أو أنسك نسيكه وفي رواية له فقال له النبي صلى الله عليه و سلم احلق ثم أذبح شاة نسكا أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة اصع تمر على ستة مساكين
وفي رواية لأبي داود فدعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي احلق رأسك وصم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو أنسك شاة فحلقت رأسي ثم نسكت
ثم الكلام فيما يوجب الدم وما دونه
أما ما يوجب الدم ففيه ثلاث روايات احداها أنه لا يجب الا في خمس شعرات وخمسة أظفار حكاها ابن أبي موسى وهذا اختيار أبي بكر لأن الأظفار الخمسة أظفار يد كاملة فوجب أن يتعلق بها كمال الجزاء كما يتعلق كمال اليد بخمسة أصابع وما دون ذلك ناقص عن الكمال وإذا لم تجب كمال الفدية إلا في خمسة أصابع فأن لا تجب إلا في خمس شعرات أولى
والثانية أنه لا يجب إلا في اربعة فصاعدا وهي اختيار الخرقى فقال في رواية المروذي قال كان عطاء يقول إذا نتف ثلاث شعرات فعليه دم وكان ابن عيينة يستكثر الدم في ثلاث ولست أوأقت

فإذا نتف متعمدا أكثر من ثلاث شعرات متعمدا فعليه دم والناسي والمتعمد سواء
والثالثة يجب في ثلاث فصاعدا وهي اختيار القاضي وأصحابه قال في رواية حنبل إذا نتف المحرم ثلاث شعرات أراق لهن دما فإذا كانت شعرة أو اثنتين كان فيهما قبضة من طعام والأظفار كالشعر في ذلك وأولى فيها الروايات الثلاث
قال في رواية مهنا في محرم قص أربعة أصابع من يده فعليه دم
قال عطاء في شعرة مد وفي شعرتان مدان وفي ثلاث شعرات فصاعدا دم والأظفار أكثر من ثلاث شعرات
ولو قطعها في أوقات متفرقة وكفر عن الأول فلا كلام وإن لم يكفر ضم بعضها إلى بعض ووجب فيها ما يجب فيها لو قطعها في وقت واحد فيجب الدم في الثلاث أو الأربع أو الخمس

وأما ما لا يوجب الدم ففيه روايتان منصوصتان ورواية مخرجة
إحداهن في كل شعرة وظفر مد قال في رواية أبي داود إذا نتف شعرة أطعم مدا وهذا اختيار عامة أصحابنا الخرقى وأبي بكر وابن أبي موسى والقاضي وأصحابه وغيرهم
والثانية قبضة من طعام قال في رواية حنبل إذا كانت شعرة أو اثنتين كان فيهما قبضة من طعام ثم من أصحابنا من يقول في كل شعرة قبضة من طعام وظاهر كلامه أن في الشعرتين قبضة من طعام
والثالثة خرجها القاضي ومن بعده من قوله فيمن ترك ليلة من ليالي منى

أنه يتصدق بدرهم أو نصف درهم وكذلك خرجوا في ترك ليلة من ليالي منى وحصاة من حصى الجمار ما في حلق شعرة وظفر فجعلوا الجميع بابا واحدا قالوا لأن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة يتعلق وجوب الدم بجميعه ويتعلق ببعضه وجوب الصدقة
ووجه الأول أن أقل ما يتقدر بالشرع من الصدقات طعام مسكين وطعام المسكين مد فعلى هذا يخير بين مد بر أو نصف تمر أو شعير وظاهر كلامه هنا أنه يجزئه من الأصناف كلها مد فإن أحب أن يصوم يوما أو يخرج ثلث شاة
وإن قطع بعض شعرة أو ظفر ففيه ما في جميعها في المشهور وفيه وجه أنه يجب بالحساب
مسألة وإن خرج في عينه شعر فقلعه أو نزل شعره فغطى عينيه أو انكسر ظفره فقصه فلا شيء فيه
وذلك لما روي عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم أن ينزع ضرسه إذا اشتكى ولا يرى بأسا أن يقطع المحرم ظفره إذا انكسر

وعن عكرمة أنه سئل عن المحرم إذا انكسر ظفره يقلمه فإن ابن عباس كان يقول إن الله لا يعبأ بأذاكم شيئا رواهما سعيد
ولأن الظفر إذا انكسر
فعلى هذا قال أبو الخطاب يقص منه ما انكسر وقال ابن أبي موسى إن انكسر ظفره فقصه فلا فدية عليه وبه قال ابن عباس ولا بد أن يكون الانكسار بغير فعل منه
وأما الشعر إذا خرج في عينه وآلمه فإنه هو الذي إعتدى عليه وأما إذا نزل على عينيه شعر خاصة رأسه فإنه يقص منه ما نزل على عينيه

فصل
ولا بأس أن يحلق المحرم رأس الحلال ويقلم أظفاره ولا فدية عليه وليس لحلال ولا حرام أن يحلق رأس محرم أو يقلم أظفاره فإن فعل ذلك فأذن المحلوق فالفدية عليه دون الحالق وإن فعل ذلك الحلال بالمحرم وهو نائم أو أكرهه عليه فقرار الفدية على الحالق وهل تجب على المحرم ثم

يرجع بها عليه على وجهين سيأتي ذكرهما
مسألة الثالث لبس المخيط إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه
في هذا الكلام فصلان
أحدهما أن المحرم يحرم عليه أن يلبس على بدنه المخيط المصنوع على قدر العضو مثل القميص والفروج والقباء والجبة والسراويل والتبان والخف والبرنس ونحو ذلك وكذلك لو وضع على مقدار العضو بغير خياطة مثل أن ينسج نسجا أو يلصق بلصوق أو يربط بخيوط أو يخلل

بخلال أو يزر ونحو ذلك مما يوصل به الثوب المقطع حتى يصير كالمخيط فإن حكمه حكم المخيط وإنما يقول الفقهاء المخيط بناء على الغالب
فأما إن خيط أو وصل لا ليحيط بالعضو ويكون على قدره مثل الإزار والرداء الموصل والمرقع ونحو ذلك فلا بأس به فإن مناط الحكم هو اللباس المصنوع على قدر الأعضاء وهو اللباس المخيط بالأعضاء واللباس المعاد
والأصل في ذلك ما روى الزهري عن سالم عن أبيه قال سئل النبي صلى الله عليه و سلم ما يلبس المحرم قال لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوب مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين متفق عليه ورواه أحمد ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رجلا نادى يا رسول الله ما يجتنب المحرم من الثياب فقال لا يلبس السراويل ولا القميص ولا البرنس ولا العمامة ولا ثوبا مسه زغفران ولا ورس وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين
وفي رواية صحيحة لأحمد والنسائي عن نافع عن أبن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا قال لا تلبسوا

القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا الخفاف إلا أن يكون رجل ليست له نعلان فليلبس الخفين ويجعلهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس
وفي رواية لأحمد عن ابن اسحاق عن نافع عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول على هذا المنبر وهو ينهى الناس إذا أحرموا عما يكره لهم لا تلبسوا العمائم ولا القمص ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفين إلا أن يضطر مضطر فيقطعهما أسفل من الكعبين ولا ثوبا مسه الورس ولا الزعفران قال وسمعته ينهى النساء عن القفاز والنقاب وما مسه الورس والزعفران من الثياب ورواه أبو داود أيضا بهذا الاسناد عن ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم ينهى النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو حليا أو سراويلا أو قميصا قال أبو داود

وقد رواه من حديث أحمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن اسحاق روى هذا الحديث عن ابن اسحاق عبدة ومحمد بن مسلمة عن ابن اسحاق إلى قوله وما مس الورس والزعفران من الثياب لم يذكرا ما بعده
قلت وكذلك رواه أحمد عن يعلى بن عبيد ويزيد بن هارون عن ابن

اسحق وقد قيل إنه ليس فيه ذكر سماع ابن اسحق عن نافع وإنما هو معنعن أو قال نافع
وفي رواية لأحمد والبخاري وأبي داود والنسائي والترمذي من حديث نافع عن ابن عمر قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تلبس القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرنس ولا الخف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطعها أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه الزعفران والورس ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين قال الترمذي هذا حديث صحيح قال أبو داود وقد روي هذا الحديث حاتم بن اسماعيل ويحيى بن

أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع على ما قال الليث يعني مرفوعا ورواه موسى بن طارق موقوفا على ابن عمر وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب موقوفا وإبراهيم بن سعيد المديني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين وابراهيم بن سعيد شيخ من أهل المدينة ليس له كثير حديث
وعن ابن اسحاق قال ذكرت لابن شهاب قال حدثني سالم أن عبد الله ابن عمر كان يصنع يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص للنساء في الخفين فترك ذلك رواه أحمد وأبو داود 2

وفي رواية لأحمد ولا تلبس ثوبا مسه الورس والزعفران إلا أن يكون غسيلا رواه عن أبي معاوية ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
وفي رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس
فنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن خمسة أنواع من اللباس تشمل جميع ما يحرم فإنه قد أوتى جوامع الكلم وذلك أن اللباس إما أن يصنع فقط فهو القميص وما في معناه من الجبة والفروج ونحوهما أو للرأس فقط وهو العمامة وما في معناه أولهما وهو البرنس وما في معناه أو للفخذين والساق وهو السراويل وما في معناه من تبان ونحوه أو للرجلين وهو الخف ونحوه وهذا مما أجمع المسلمون عليه
الفصل الثاني إذا لم يجد ازارا فانه يلبس السراويل ولا يفتقه بل يلبسه على حاله وإذا لم يجد نعلين فإنه يلبس الخفين وليس عليه أن يقطعهما ولا فدية عليه هذا هو المذهب المنصوص عنه في عامة المواضع في رواية أبي طالب ومهنا واسحق وبكر بن محمد وعليه أصحابه

وروى عنه أن عليه أن يقطعهما قال في رواية حنبل الزهري عن سالم عن ابن عمر وذكر الحديث إلى قوله وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين وظاهره أنه أخذ به
وقد حكى ابن أبي موسى وغيره الروايتين إحداهما عليه أن يقطعهما أسفل من الكعبين فإن لم يقطعهما فعليه دم لأن ذلك في حديث ابن عمر وهو مقيد فيقضى به على غيره من الأحاديث المطلقة فإن الحكم واحد والسبب واحد وفي مثل هذا يجب حمل المطلق على المقيد وفاقا ثم هذه زيادة حفظها ابن عمر ولم يحفظها غيره وإذا كان في أحد الحديثين زيادة وجب العمل به
ووجه الأول ما روى ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب بعرفات من لم يجد أزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين وفي لفظ السراويل لمن لم يجد الأزار والخفاف لمن لم يجد النعلين متفق عليه

قال مسلم لم يذكر أحد منهم يخطب بعرفان غير شعبة وحده
وفي رواية صحيحة لأحمد قال من لم يجد أزارا ووجد سراويل فليلبسه ومن لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما قلت ولم يقل ليقطعهما قال لا
وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد أزارا فليلبس سراويل رواه أحمد ومسلم
وعن بكر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة فلما انصرف لبى ولبى القوم وفي القوم رجل أعرابي عليه سراويل فلبى معهم كما لبوا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم السراويل أزار من لا أزار له والخفاف نعلان لم لا نعل له رواه النجاد وهو مرسل
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال رأيت عبد الرحمن بن عوف يطوف وعليه خفان قال له عمر تطوف وعليك خفان فقال لقد لبسهما من هو خير منك يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو حفص في شرحه ورواه

النجاد ولفظه فرأى عليه خفين وهو محرم
فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بلبس الخفين عند عدم النعلين والسراويل عند عدم الأزار ولم يأمر بتغييرهما ولم يتعرض لفدية والناس محتاجون إلى البيان لأنه كان بعرفات وقد اجتمع عليه خلق عظيم ولا يحصيهم إلا الله يتعلمون وبه يقتدون وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
فلو وجب تغييرهما أوجبت فيهما فدية لوجب بيان ذلك لا سيما ومن جهل جواز لبس الازار والخفين فهو يوجب الفدية أو التغيير وأجهل ألا ترى أن الله سبحانه ورسوله حيث أباح شيئا لعذر فإنه يذكر الفدية كقوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففديه من صيام أو صدقة أو نسك وقول النبي صلى الله عليه و سلم لكعب بن عجرة إحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة أو انسك شاة
وأيضا فإن اللام في السراويل والخف لتعريف ما هو معهود ومعروف عند المخاطبين وذلك هو السراويل الصحيح والخف الصحيح فيجب أن يكون هو مقصود المتكلم وأن يحمل كلامه عليه
وأيضا فإن المفتوق والمقطوع لا يسمى سراويلا وخفا عند الإطلاق ولهذا لا ينصرف الخطاب إليه في لسان الشارع كقوله أمرنا أن لا ننزع خفافنا

وقوله امسحوا على الخفين والخمار وغير ذلك ولا في خطاب الناس مثل الوكالات والإيمان وغير ذلك من أنواع الخطاب والنبي صلى الله عليه و سلم أمر بلبس الخفين والسراويل فعلم أنه أراد ما يسمى خفا وسراويل عند الإطلاق
وأيضا فإنه وإن سمى خفا وسراويل فإنه ذكره باللام الذي تقتضي تعريف الحقيقة أو بلفظ التنكير الذي يقتضي مجرد الحقيقة فيقتضي ذلك أن يجوز مسمى الخف والسراويل على أي حال كان كسائر أسماء الأجناس
وأيضا فإن وجود المعبر عن هيئة الخفاف والسراويلات نادر جدا لا يكون إلا بقصد واللفظ العام المطلق لا يجوز أن يحمل على ما يندر وجوده من أفراد الحقيقة فكيف ما يندر وجوده من مجازاته
وأيضا فإنه لو افتقر ذلك إلى تغيير أوجبت فيه فدية لوجب أن يبين مقدار التغيير الذي يبيح لبسه أو مقدار الفدية الواجبة فإن مثل هذا لا يعلم الا بتوقيف
وأيضا فقد رأى على الأعرابي سراويل وأقره على ذلك وبين أن السراويل بمنزلة الأزار عند عدمه والخف بمنزلة النعل عند عدمه ومعلوم أن الأزر والنعل لا فدية فيهما
وأيضا فإنه إنما جوز لبسهما عند عدم الأصل فلو افتقر ذلك إلى تغيير أوجبت فدية لاستوى حكم وجود الأصل وعدمه في عامة المواضع وبيان

ذلك أنهما إذا غيرا إن صارا بمنزلة الأزار والنعل فيجوز لبسهما مغيرين مع وجود الأزار والنعل إذ لا فرق بين نعل ونعل وإزار وإزار وهذا مخالف لقوله السراويل لمن لم يجد الأزار والخفاف لمن لم يجد النعلين فجعلهما لمن لم يجد كما في قوله فلم تجدوا ماء فتيمموا وقوله فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام وقوله فمن لم يجد فصيام شهرين إلى غير ذلك من المواضع ومخالف لقوله من لم يجد ازارا فليلبس السراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومخالف لقوله السراويل أزار من لا أزار له والخفان نعلان من لا نعل له وهذا واضح
وإن لم يصير بالتغيير بمنزلة الأزار والخف فلا فائدة في التغيير بل هو إتلاف بغير فائدة أصلا وإفساد له والله لا يحب الفساد
وأيضا فإن عامة الصحابة وكبراءهم على هذا فروي عن الأسود قال سألت عمر بن الخطاب قلت من أين أحرم قال من ذي الحليفة وقال الخفان نعلان لمن لا نعل له
وعن الحارث عن علي قال السراويل لمن لم يجد الأزار والخفان لمن لم يجد النعلين
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إذا لم يجد المحرم الأزار فليلبس السراويل وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال كنت مع عبد الرحمن بن عوف في سفر ومعنا حاد أو مغن فأتاه عمر في بعض الليل فقال ألا أرى أن يطلع الفجر أذكر الله ثم التفت فرأى عليه خفين وهو محرم قال وخفين فقال قد لبستهما مع من هو خير منك
وعن مولى الحسن بن علي قال رأيت على المسور بن مخرمة خفين وهو محرم فقيل له ما هذا فقال أمرتنا عائشة به
وأما حديث ابن عمر فحديث صحيح وزيادته صحيحة محفوظة وقد زعم القاضي وأصحابه وابن الجوزي وبعض أصحابنا أنه اختلف في إتصاله
فقال أبو داود رواه موسى بن طارق عن موسى بن عقبة موقوفا على ابن عمر قال وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب
قالوا وقد روي فيه القطع وتركه فإن النجاد روى عن نافع عن ابن

عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال السراويل لمن لم يجد الازار والخفاف لمن لم يجد النعلين
وهذا غلط فإنه لم يختلف أحد من الحفاظ في اتصاله وأن هذه الزيادة متصلة وإنما تكلم أبو داود في قوله لا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين وذكر أن هذه الزيادة من الناس من وقفها ومنهم من رفعها مع أنه قد أخرجها البخاري وهذا بين في سنن أبي داود فمن توهم أن أبا داود عنى زيادة القطع فقد غلط عليه غلطا بينا فاحشا
واعتذر بعضهم عنه بأن عائشة روت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما وكان ابن عمر يفتى بقطعهما قالت صفية فلما أخبرته بهذا رجع
وهذا غلط بين أيضا فإن حديث عائشة إنما هو في المرأة المحرمة لكن هذه الزيادة متروكة في حديث بن عباس وجابر وغيرهما
وليس هذا مما يقال فيه الزيادة من الثقة مقبولة لأن ابن عمر حفظ هذه الزيادة وغيره عقلها وذهل عنها أو نسيها فإن هذين حديثان تكلم النبي صلى الله عليه و سلم بهما في وقتين ومكانين
فحديث ابن عمر تكلم به النبي صلى الله عليه و سلم وهو بالمدينة قبل إن يحرم على منبره لما سأله السائل عما يلبس المحرم من الثياب وقد تقدم أن في بعض طرقه سمعته يقول على هذا المنبر وهو ينهى الناس إذا أحرموا عما يكره لهم وذلك إشارة إلى منبره بالمدينة

وفي رواية أن رجلا نادى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في المسجد رواه الدارقطني
وتقدم في لفظ اخر صحيح أن رجلا سأله ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا فعلم أنهم سألوه قبل أن يحرموا
وحديث ابن عباس كان وهو محرم بعرفات كما تقدم وقد بين فيه أنه لم يذكر القطع
قال الدارقطني سمعت أبا بكر النيسابوري يقول في حديث ابن جريج وليث بن سعد وجويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال نادى رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد ما يترك المحرم من الثياب وهذا يدل على أنه قبل الاحرام بالمدينة وحديث شعبة وسعيد بن زيد عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يخطب بعرفات هذا بعد حديث ابن عمر
فمن زعم أن هذه الزيادة حفظها ابن عمر دون غيره فقد أخطأ

قال المروذي احتججت على أبي عبد الله بقول ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قلت وهو زيادة في الخبر فقال هذا حديث وذاك حديث
ويبين ذلك أنهما حديثان متغيرا اللفظ والمعنى في هذا ما ليس في هذا وفي هذا ما ليس في هذا
وإذا كان كذلك فحديث ابن عباس هو الحديث المتأخر فإما أن يبنى على حديث ابن عمر ويقيد به أو يكون ناسخا له ويكون النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم أولا بقطعها ثم رخص لهم في لبسها مطلقا من غير قطع وهذا هو الذي يجب حمل الحديثين لوجوه
أحدها أن النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم بلبس الخفاف والسراويلات وموجب هذا الكلام هو لبس الخف المعروف ولا يجوز أن يكون ترك ذكر القطع لأنه قد تقدم منه أولا بالمدينة لأن الذين سمعوا ذلك منه بالمدينة كانوا بعض الذين اجتمعوا بعرفات وأكثر أولئك الذين جاؤا بعرفات من النواحي ليسوا من فقهاء الصحابة بل قوم حديثوا عهد بالإسلام وكثير منهم لم ير النبي صلى الله عليه و سلم قبل تلك الأيام وفيهم الأعراب ونحوهم وقد قال لهم في الموسم لتأخذوا عنى مناسككم فكيف يجوز أن يأمرهم بلبس الخفاف والسراويلات ومراده الخف المقطوع والسراويلات المفتوقة من غير أن يكون هناك قرينة مقالية ولا حالية تدل على ذلك بل القرائن تقضي بخلاف ذلك بناء على أنه أمر بالقطع لناس غيرهم هذا لا يجوز أن يحمل عليه كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن

ذلك تلبيس وتأخير للبيان عن وقت الحاجة وذلك لا يجوز عليه وما هذا إلا بمثابة أن يقول رجل لخياط خط لي قميصا أو خفا فيخيط له صحيحا فيقول إنما أردت قميصا نفيرا أو خفا مقطوعا لأني قد أمرت بذلك للخياط الآخر فيقول وإذا أمرت ذاك ولم تأمرني أفأعلم الغيب بل أمره صلى الله عليه و سلم بلبس الخف والسراويل وسكوته عن تغييرهما يدل أصحابه الذين سمعوا الحديث الأول أنه أراد لبسهما على الوجه المعروف وأنه لو أراد تغييرهما لذكره كما ذكره أولا كما فهموا ذلك منه على ما تقدم
ويوضح ذلك أنه لو كان صلى الله عليه و سلم مكتفيا بالحديث الأول لاكتفى به في أصل الأمر بلبس الخف لمن لم يجد النعل ولم يعده ثانيا فإذا لم يستغن عن أصل الأمر فكيف يستغنى عن صفته ويتركه ملبسا مدلسا وقد كان الإعراض عن ذكر أصله وصفته أولى في البيان لو كان حاصلا بالحديث الأول من ذكر لفظ يفهم خلاف المراد
الثاني أن حديث ابن عمر نهي النبي صلى الله عليه و سلم فيه وهم بالمدينة قبل الاحرام عن لبس السراويل مطلقا كما نهى عن لبس العمامة والقميص ولم

يأذن في لبسه بحال ونهى عن لبس الخف إلا إذا عدم النعل فيلبس مقطوعا ففهم ابن عمر منه الأمر بالقطع للرجال والنساء لعموم الخطاب لهما كما عمهم النهي عن لبس ثوب مسه ورس أو زعفران وإن لم يعمهم النهي عن لبس ثوب القميص والبرانس والسراويلات فإن المرأة محتاجة إلى ستر بدنها ورأسها فكان ذلك قرينة عند ابن عمر تعلمه أنها لم تدخل في النهي عن ذلك وليس بها حاجة إلى الخف الصحيح فجوز أن تنهى عن لبس ما يصنع لرجلها كما نهيت عن القفاز والنقاب فلو ترك الناس وهذا الحديث لم يجز لأحد لبس السراويل إلا أن يفتقه أو يفتدى بلبسه صحيحا وكان معناه أن عدم الأزار والنعل لا يبيح غيره إلا أن يكون قريبا منه وذكر هذا في ضمن ما نهى عنه من سائر الملابس مثل العمامة والبرنس والقميص والمصبوغ بالورس والزعفران
فمضمون هذا الحديث هو المنهي عنه من اللباس ليجتنبه الناس في إحرامهم وكان قطع الخف إذ ذاك مأمور به وان أفسده إتباعا لأمر الله ورسوله حيث لا رخصة في البدل ثم جاء حديث ابن عباس بعد هذا بعرفة ليس فيه شيء من المنهيات إنما فيه الأمر لمن لم يجد الإزار أن يلبس السراويل ولمن لم يجد النعل أن يلبس الخف وترك ذكر بقية الملابس وهذا يبين لذى لب أن هذه رخصة بعد نهى حيث رأى النبي صلى الله عليه و سلم في أيام الاحرام المشقة والضرورة بكثير من الناس إلى السراويلات والخفاف فرخص فيهما بدلا عن الإزار والنعل وأعرض عن ذكر بقية الملابس إذ لا بدل لها لعدم الحاجة إلى البدل منها
فإن بالناس حاجة عامة إلى ستر العورة شرعا وبهم حاجة عامة إلى الاحتذاء طبعا فإن الاحتفاء فيه ضرر عظيم ومشقة شديدة خصوصا على المسافرين في مثل أرض الحجاز واقتطع ذكر الخف والسراويل دون غيره ليبين أنه إنشاء حكم غير الحكم الأول وبيانه وأنه ليس مقصوده إعادة ما كان ذكره

بالمدينة إذ لو كان مقصوده بيان أنواع الملابس لذكر ما ذكره بالمدينة فسمع ذلك ابن عباس وجابر وغيرهما وأفتى بمضمونه خيار الصحابة وعامتهم ولم يسمع ابن عمر هذا فبقي يفتي بما سمعه أولا
كما أن حديثه في المواقيت ليس فيه ميقات أهل اليمن لأنه وقت بعد وكما أفتى النساء بالقطع حتى حدثته عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص للنساء في الخفاف مطلقا أو أنهن لم يعنين لهذا الخطاب
ولهذا أخذ بحديثه بعض المدنيين في أن السراويل لا يجوز لبسه وأن لابسه للحاجة عليه الفدية حيث لم يأذن النبي صلى الله عليه و سلم فيه ومعلوم أن هذا موجب حديثه فإذا نسخ موجب حديثه في السراويل نسخ موجبه في الخف لأن النبي صلى الله عليه و سلم ذكرهما جميعا وسبيلهما واحد
قال مالك وقد سئل النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من لم يجد إزارا فيلبس سراويل قال مالك لم أسمع بهذا ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين
فهذا قول من لم يبلغه حديث ابن عباس وقد أحسن فيما فهم مما سمع

الثالث أنه صلى الله عليه و سلم لما قال الخفاف لمن لم يجد النعلين والسراويل لمن لم يجد الإزار لو قصد بذلك الخف المقطوع لوجب أن يقصد بذلك السراويل المفتوق لأن المقصود بقطع الخف تشبيهه بالنعل فكذلك السراويل ينبغي أن يشبه بالإزار بل فتق السراويل أولى لوجوه
أحدها أنه مخيط بأكثر مما يحيط به الخف
والثاني أنه ليس في فتقه افساد له بل يمكن اعادته سراويلا بعد انقضاء الاحرام
والثالث أن فتق السراويل يجعله بمنزلة الإزار حتى يجوز لبسه مع وجود الإزار بالإجماع بخلاف قطع الخف فإنه يقربه إلى النعل ولا يجعله مثله فإذا لم يقصد إلا السراويل المعروف كما تقدم فالخف أولى أن لا يقصد به إلا الخف المعروف وإن جاز أن يدعى أنه إكتفى بما ذكره إلا من القطع جاز أن يدعى أنه إكتفى بالمعنى الذي نبه عليه في الأمر بالقطع وهو تغيير صورته إلى ما يجوز لبسه وذلك مشترك بين الخف والسراويل بل هو بالسراويل أولى فإن تقييد المطلق بالقياس جائز كتقييده بلفظ اخر لكن هذا باطل لما تقدم فالآخر مثله وهذا معنى ما ذكره مهنا لأبي عبد الله وقد حكى له أنه ناظر بعض أصحاب الشافعي في قطع الخفين وأن سبيل السراويل وسبيل الخف واحد فتبسم أبو عبد الله وقال ما أحسن ما احتججت عليه

الوجه الرابع أن المطلق إنما يحمل على المقيد إذا كان اللفظ صالحا له عند الإطلاق ولغيره فيتبين باللفظ المقيد أنما المراد هو دون غيره مثل قوله فتحرير رقبة فإنه اسم مطلق يدخل فيه المؤمنة والكافرة فإذا عنى به المؤمنة جاز لأنها رقبة وزيادة وكذلك صوم ثلاثة أيام يصلح للمتتابعة وللمتفرقة فإذا بين أنها متتابعة جاز
وهنا أمر بلبس الخف والسراويل ومتى قطع الخف حتى صار كالحذاء وفتق السراويل حتى صار إزارا لم يبق يقع عليه اسم خف ولا سراويل ولهذا إذا قيل امسح على الخف ويجوز المسح على الخف وأمرنا أن لا ننزع خفافنا لم يدخل فيه المقطوع والمداس ولا يعرف في الكلام أن المقطوع والمداس ونحوهما يسمى خفا ولهذا في حديث فليلبس وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين فسماهما خفين قبل القطع وأمر بقطعهما كما يقال افتق السراويل إزارا واجعل القميص رداء ومعلوم أنه إنما يسمى قميصا وسراويل قبل ذلك فعلم أن المقطوع لا يسمى بعد قطعه خفا أصلا إلا أن يقال خف مقطوع كما يقال قميص مفتوق وهو بعد الفتق ليس بقميص ولا سراويل وكما يقال حيوان ميت وهو بعد الموت ليس بحيوان أصلا فإن حقيقة الحيوان الشيء الذي به حياة وكما يقال لعظام الفرس هذا فرس ميت ويقال لخل الخمر هذا خمر مستحيل ومعلوم أنه ليس خمرا يسمى الشيء باسم ما كان عليه إذا وصف بالصفة التي هو عليها الان لأن مجموع الاسم والصفة ينبيء عن حقيقته فإذا ذكر الاسم وحده لم يجز أن يراه به إلا معناه الذي هو معناه والنبي صلى الله عليه و سلم أمر هنا بلبس الخف وما تحت الكعب لا يسمى خفا فلا يجوز حمل الكلام عليه فضلا عن تقييده به بخلاف الرقبة المؤمنة والأيام المتتابعات فإنها رقبة وأيام وهذا بين واضح

الوجه الخامس أنه لو سمى خفا فإن وجوده نادر فإن الأغلب على الخفاف الصحة وإنما يقطع الخف من له في ذلك غرض والنبي صلى الله عليه و سلم قال السراويل لمن لم يجد الإزار والخفاف لمن لم يجد النعال فذكر الخفاف بصيغة الجمع معرفة بلام التعريف وهذا يقتضي الشمول والإستغراق فلو أراد بذلك ما يقل وجوده من الخفاف لكان حملا للفظ العام على صور نادرة
وهذا غير جائز أصلا ولهذا أبطل الناس تأويل من تأول قوله أيما إمرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها على المكاتبة فكيف إذا كانت تلك الصور النادرة بعض مجازات اللفظ فإنه أعظم في الإحالة لأن من تكلم بلفظ عام وأراد به ما يقل به وجوده من أفراد ذلك العام ويندر ولا يسمى به إلا على وجه التجوز مع نوع قرينة مع أن الأغلب وجودا واستعمالا غيره لا يكون مبينا بالكلام بل ملغزا وهذا أصل ممهد في موضعه

وكذلك رواية من روى من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل فإن الخفين مطلق وتقييد المطلق مثل تخصيص العام فلا يجوز أن يقيد بصورة نادرة الوجود ولا يقع عليه الاسم إلا مجازا بعيدا وصار مثل أن يقول البس قميصا ويعنى به قميصا بقرت أكمامه وفتقت أوصاله فإن وجود هذا نادر وبتقدير وجوده لا يسمونه قميصا
ولما تفطن جماعة من أهل الفقه لمثل هذا علموا أن أحد الحديثين لا يجوز أن يعني به ما عنى بالاخر لم يكن لهم طريق إلا أن قالوا هما حديث واحد فيه زيادة حفظها بعضهم وأغفلها غيره
وقد بينا أنهما حديثان وبهذا الذي ذكرنا يتبين بطلان ما قد يورد على هذا مثل أن يقال التخصيص والتقييد أولى من النسخ أو أن من أصلنا أن العام يبنى على الخاص والمطلق على المقيد وإن كان العام والمطلق هما المتأخران في المشهور من المذهب فإنما ذاك حيث يجوز أن يكون التخصيص والتقييد واقعا فيكون الخطاب الخاص المقيد يبين مراد المتكلم من الخطاب العام المطلق أما إذا دلنا دليل على أن المراد باللفظ إطلاقه وعمومه أو أن تخصيصه وتقييده لا يجوز أو أن اللفظ ليس موضوعا لتلك الصورة المخصوصة المقيدة أو كان هناك قرينة تبين قصد النسخ والتغيير إلى غير ذلك من الموجبات فإنه يجب المصير إليه وببعض ما ذكرناه صار قوله وقتلوا المشركين كافة ناسخ

لقوله قتال فيه كبير وقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ناسخا لقوله ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام فكيف وما ذكرناه بعيد عن المطلق والمقيد
الوجه السادس أن عبد الرحمن لما أنكر عليه عمر الخف قال قد لبسته مع من هو خير منك يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد بين أنه لبس الخف مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما كان خفا صحيحا وهذا بين
السابع أن أكابر الصحابة مثل عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وعائشة وابن عباس رخصوا في لبس الخفين والسراويلات وترك قطعهما ومعلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم قد نهى المحرم عن لبس الخفاف والسرويلات نهيا عاما قد علم ذلك كل أحد فترخيصهم لمن لم يجد الإزار والنعل أن يلبس السراويل والخف لا يجوز أن يكون بإجتهاد بل لا بد أن يكون عن علم عندهم بالسنة ثم ابن عمر أمر بالقطع وغيره لم يأمر به بل جوز لبس الصحيح ومعلوم أن ابن عمر أعتبر سماعه بالمدينة فلو لم يكن عند الباقين علم ناسخ ينسخ ذلك ومجيء الرخصة في بعض ما قد كان حظر لم يحلوا الحرام فإن القياس لا يقتضي
الثامن أن من أصحابنا من حمل حديث ابن عمر على جواز القطع كما سيأتي ويكون فائدة التخصيص أن قطعهما في غير الاحرام ينهى عنه بخلاف حال الإحرام فإن فيه فائدة وهو التشبيه بفعل المحرم ويقوى ذلك أن القطع

كان محظورا لأنه إضاعة للمال والنبي صلى الله عليه و سلم نهى عن إضاعة المال وصيغة إفعل إذا وردت بعد حظر إنما تفيد مجرد الإذن والإباحة وهذا الجواب فيه نظر
فعلى هذا هل يستحب قطعهما قال بعض أصحابنا يستحب لأن فيه إحتياطا وخروجا من الخلاف
وقال القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب في حديث ابن عمر يحمل قوله وليقطعهما على الجواز ويكون فائدة التخصيص أنه يكره قطعهما لغير الإحرام لما فيه من الفساد ولا يكره لإحرام لما فيه من التشبيه بالنعلين التي هما شعار الاحرام
وقال أحمد في رواية مهنا ويلبس الخفين ولا يقطعهما حديث ابن عباس لا يقول فيه يقطعهما هشيم عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب إذا لم يجد المحرم نعلين فليلبس الخفين وذكر حديث ابن عباس قال وقد رواه جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أبو الزبير عن جابر

وقد كره القطع عطاء وعكرمة فقالوا القطع فساد
وقال في رواية أبي طالب ويروى عن علي بن أبي طالب قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما
ولو كان عليه كفارة في لبسهما ما كان رخصة وهذا الكلام يقتضي كراهة قطع الخف وهذا أصح لأن الأمر بقطعهما منسوخ كما تقدم وقد اطلعوا على ما خفي على غيرهم
فإن قيل فهلا أوجبتم الفدية مع اللبس لأن أكثر ما فيه أنه قد لبس السراويل والخف لحاجة والمحرم إذا استباح شيئا من المحظورات لحاجة فلا بد له من الفدية كما لو لبس القميص أو العمامة لبرد أو حر أو مرض
قلنا لو خيل إلينا أن هذا قياس صحيح لوجب تركه لأن الذي أوجب في حلق الرأس ونحوه للحاجة الفدية هو الذي أباح لبس السراويل والخف بغير فدية حيث أباح ذلك ولو أوجب الفدية لما أمر بقطعة أولا وسما من غير فديه كما تقدم تقريره فإذا قسنا أحدهما بالآخر كان ذلك بمنزلة قياس البيع على الربا فإنه لا يجوز الجمع بين ما فرق الله بينه فكيف وقد تبين لنا أنه قياس

فاسد وذلك أن ترك واجبات الحج وفعل محظوراته يوجب الفدية إذا فعلت لعذر خاص يكون ببعض الناس بعض الأوقات
فأما ما رخص فيه للحاجة العامة وهو ما يحتاج إليه في كل وقت غالبا فإنه لا فديه معه ولهذا رخص للرعاة والسقاة في ترك المبيت بمنى من غير كفارة لأنهم يحتاجون إلى ذلك كل عام ورخص للحائض أن تنفر قبل الوداع من غير كفارة لأن الحيض أمر معتاد غالب فكيف بما يحتاج إليه الناس وهو الاحتذاء والاستتار فإنه لما احتاج إليه كل الناس لما في تركهما من الضرر شرعا وعرفا وطبعا لم يحتج هذا المباح إلى فدية لا سيما وكثيرا ما يعدل إلى السراويل والخف للفقر حيث لا يجد ثمن نعل وإزار فالفقر أولى بالرخصة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن الصلاة في ثوب واحد قال أولكلكم ثوبان
فإ قيل فهو يحتاج إلى ستر منكبيه أيضا للصلاة فينبغي إذا لم يجد إزارا أن يلبس القميص
قلنا يمكنه أن يتشح بالقميص كهيئة الرداء من غير تغيير لصورته وذلك يغنيه عن لبسه على الوجه المعتاد
فصل
ومعنى كونه لا يجده أن لا يباع أو يجده يباع وليس معه ثمن فاضل عن حوائجه الأصلية كما قلنا في سائر الإبدال في الطهارة والكفارات وغير ذلك بحيث لا يجب عليه قبوله هبة ويقدم على ثمنه قضاء دينه ونفقة طريقه ونحو ذلك فإن بذل له عارية فينبغي أن لا يلزمه قبوله وإن أوجبنا عليه قبوله إعارة السترة في الصلاة فإن لبس النعل والإزار مدة الاحرام تؤثر فيه وتبليه ومثل ذلك لا يخلوا عن منة بخلاف لبس الثوب مقدار الصلاة

فإن غلب على ظنه أنه يجده بالثمن عند الاحرام لم يلزمه حمله فإن وجده وإلا انتقل إلى البدل وإن غلب على ظنه أنه لا يجده فهل عليه اشتراؤه من مكان قريب وبعيد وحمله إذا لم يشق
فإن فرط في ذلك
وأما العبد إذا كان سيده يقدر أن يلبسه إزارا ونعلا فهل يلزمه ذلك على روايتين إحداهما لا يلزمه ذلك كالحر الفقير لأنه لا مال له قال في رواية الميموني في حديث عائشة وأنها كانت تلبس مماليكها التبابين علله بأنهم مماليك
والثانية يلزمه ذلك قاله في رواية الأثرم
ومثل هذا إذا تمتع بإذنه هل يلزمه دم التمتع فيه وجهان
فأما إن أحرم بدون إذن السيد ولم يحلله أو لم نمكنه من تحليله فلا يلزمه لباسه بلا تردد كالدماء التي تجب بفعل العبد لا يلزم السيد منها شيء
فإن وجده ولم يمكنه لبسه فقد قال أحمد في رواية أبي داود فيمن لبس الخف وهو يجد النعل إلا أنه لا يمكنه لبسهما يلبسه ويفتدى

وهذا لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما رخص في لبسهما لمن لم يجد فإذا وجد انتفت هذه الرخصة وبقيت الرخصة للعذر وتلك لا بد فيهما من فدية
وقال وهذا نوعان أن يضيق عن رجله بحيث لا يدخل في قدمه أو لصغره أو يكون الإزار ضيقا لا يستر عورته ونحو هذا فهذا بمنزلة من وجد ماء لا يتوضأ به أو رقبة لا يصح عتقها هو كالعادم وكلام أحمد ليس هذا
الثاني أن يسع قدمه لكن لا يمكنه لبسها لمرض في قدمه أو لم يعتد المشي فيها فإذا مشى تعثر وانقطعت ونحو ذلك أو يصيب أصابعه شوك أو حصى أو لا يقدر أن يشرع في السير فيخاف فوات الرفقة أو يكون عليه عمل لا يمكنه أن يعمله ووجه ما روى عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة أنها حجت ومعها غلمان لها فكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء فتأمرهم أن يتخذوا التبابين فيلبسوها وهم محرمون
وفي رواية عن القاسم قال رأيت عائشة لا ترى على المحرم بأسا أن يلبس التبان

وعن عطاء أنه كان يرخص للمحرم في الخف في الدلجة وهذا يقتضي أنه إذا احتاج إلى السراويل والتبان ونحوهما للستر لكونه لا يستره الإزار أو إحتاج إلى الخف ونحوه لكونه لا يستطيع المشي في النعل لا فدية عليه

فصل
وأما المقطوع دون الخف والجمجم والمداس ونحو ذلك مما يصنع على مقدار القدم فالمشهور في المذهب أن حكمه حكم الخف لا يجوز إلا عند عدم الخف وهو المنصوص عنه قال في رواية ابن إبراهيم وقد سئل عن لبس الخفين دون الكعبين فقال يلبسه ما لم يقدر على النعلين إذا اضطر إلى لبسهما
وقال في رواية الأثرم لا يلبس نعلا لها قيد وهو السير يجعل في الزمام معترضا فقيل له فالخف المقطوع قال هذا أشد

وقال في رواية المروذي أكره المحمل الذي على النعل والعقب وكان عطاء يقول فيه دم
فإذا منع من أن يجعل على النعل سيرا فأن يمنع من الجمجم ونحوه أولى
وسواء نصب عقبه أو طواه فإن عقبه فإن لبسه فذكر القاضي والشريف وأبو الخطاب وابن عقيل وغيرهم أنه يفدي لأن أحمد منع منه وممنوعات الاحرام فيها الفدية ولأنه قد نقل عنه أن في النعال المكلفة والمعقبة الفدية فهذا أولى وقد حكى قول عطاء كالمفتي به
وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل في بعض المواضع من الفصول أنه ليس له لباس المقطوعين وأنه يكره النعال المكلفة ونحو ذلك قال ولا فدية في ذلك قال لأنه أخف حكما من الخف المقطوع وقد أباح النبي صلى الله عليه و سلم لبسه وسقطت الفدية فيه
وذكر القاضي وابن عقيل في موضع من خلافهما أنه إذا قطع الخفين جاز لبسهما وإن وجد النعلين لأن النبي صلى الله عليه و سلم جوز لبسهما بعد القطع في حديث ابن عمر فلولا أن قطعهما يخرجهما عن المنع لم يكن في القطع فائدة وإنما ذكر جواز لبسهما مقطوعين لمن لم يجد النعل لأنه إذا وجد النعل لم يجز له أن يقطع الخف ويفسده وإن كان لبس المقطوع جائزا فإذا عدم النعل صار مضطرا إلى قطعها ويؤيد هذا أنه قد تقدم أن

النبي صلى الله عليه و سلم لم يرخص في حديث ابن عمر في لبس السراويل ولا الخف وإنما رخص بعد عرفات فعلم أن قوله فليلبس الخفين ويقطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين بيان لما يجوز لبسه ويخرج به عن حد الخف الممنوع ويصير بمنزلة النعل المباح وإلا لم يكن فرق بين لبسهما مقطوعين وصحيحين وجعل ذلك لمن لم يجد النعل لما تقدم ثم إنه رخص بعد ذلك في لبس الخف والسراويل للعادم فبقى المقطوع كالسراويل المفتوق يجوز لبسه بكل حال
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه و سلم إنما نهى المحرم عن الخف كما رخص في المسح على الخف والمقطوع وما أشبه من الجمجم والحذاء ونحوهما ليس بخف ولا في معنى الخف فلا يدخل في المنع كما لم يدخل في المسح لا سيما ونهيه عن الخف إذن فيما سواه لأنه سئل عما يلبس المحرم من الثياب فقال لا يلبس كذا فحصر المحرم فما لم يذكره فهو مباح
وأيضا فإنه إما أن يلحق بالخف أو بالنعل وهو بالنعل أشبه فإنه لا يجوز المسح عليه كالنعل
وأيضا فإن القدم عضو يحتاج إلى لبس فلا بد أن يباح ما تدعو إليه الحاجة وكثير من الناس لا يتمكن من المشي في النعل فلا بد أن يرخص لهم فيما يشبهه من الجمجم والمداس ونحوهما وهو في ذلك بخلاف اليد فإنها لا تستر بالقفاز ونحوه لعدم الحاجة
ووجه الأول قوله في حديث ابن عمر ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين وفي لفظ صحيح إلا أن يضطر يقطعه من عند الكعبين وفي رواية إلا أن يضطر مضطر فيقطعها أسفل من الكعبين وفي روايات متعددة ولا الخفين إلا أحد لا يجد نعلين فليلبسهما أسفل من الكعبين فلم يرخص في لبس

المقطوع إلا لعادم النعل وعلقه باضطراره إلى ذلك وهذا صريح في نهيه عنه إذا لم يضطر وإذا كان واجدا وليس بمفهوم قالوا وإنما أمر أولا بالقطع ليقارب النعل لا ليصير مثله من كل وجه إذ لو كان مثله من كل وجه لم ينه عنه إلا في الضرورة ثم إنه نسخ ذلك كما تقدم ويؤيد ذلك أنه قال في حديث ابن عمر وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فلما كانت الأعضاء التي يحتاج إلى سترها ثلاثة ذكر لكل واحد نوعا غير مخيط على قدره والأمر بالشيء نهى عن ضده فعلم أنه لا يجز الاحرام إلا في ذلك ولأنه مخيط مصنوع على قدر العضو فمنع منه المحرم كالمخيط لجميع الأعضاء والحاجة إنما تدعو إلى شيء يقيه مس قدمه الأرض وذلك يحصل بالنعل لما لم يثبت بنفسه رخصة له في سيور تمسكه كما يرخص في عقد الإزار لما لم يثبت إلا بالعقد
فأما ستر جوانب قدمه وظهرها وعقيبته فلا حاجة إليه فلبس ما صنع لستره ترفه ودخول في لباس العادة كلبس القفاز والسراويل ولأن نسبة الجمجم ونحوه إلى النعل كنسبة السراويل إلى الإزار فإن السراويل
فعلى هذا قال أحمد في رواية الأثرم لا يلبس نعلا لها قيد وهو السير في الزمام معترضا فقيل له فالخف المقطوع فقال هذا أشد وقال حرب سئل أحمد عن النعل يوضع عليها شراك بالعرض على ظهر القدم كما يفعله المحرس يلبسه المحرم فكرهه وقال في رواية المروذي أكره

المحمل والعقب الذي يجعل للنعل وكان عطاء يقول فيه دم والقيد والمحمل واحد
قال القاضي وغيره هي النعال المكلفات واختلف أصحابنا فمنهم من حمله على التحريم بكل حال على عموم كلامه قال ابن أبي موسى ويزيل ما على نعله من قيد أو عقب فإن لم يفعل فعليه دم وقد روى عن أحمد في القيد في النعل يفتدي لأنا لا نعرف النعال هكذا
ومعنى القيد سير ثان على ظهر القدم والعقب الذي يكون في مؤخر القدم وهذا لأن القدر الذي يحتاج إليه النعل من السيور الزمام لأنه يمنع النعل من التقدم والتأخر والشراك فإنه إذا عقده إمتنع من أن ينتحي يمينا وشمالا فأما سير ثان على ظهر القدم مع الشراك أو عقب بازاء الزمام فلا حاجة إليه ولأنه ستر ظهر القدم وجانبه بما صنع له مما لا حاجة إليه فهو كما لو ستره بظهر قدم الجمجم وعقبه وهذا لأن الظهر والعقب يصير بهما بمنزلة المداس ويصير القدم في مثل الخف فأشبه ما لو صنع قميصا مشبكا أو لبس خفا مخرقا فإنه بمنزلة القميص والخف السليمين
ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أباح النعال وأذن فيها فخرج كلامه على النعال التي يعرفونها والقيد والعقب محدثان يصير بهما النعل شبيها بالحذاء كالرداء إذا زرره أو خلله فإنه يصير كالبقير من القمصان وهذا القول مقتضي كلامه وهو أقيس على قول من يمنع المحرم من الجمجم وهو أتبع للأثر

وقال القاضي وابن عقيل وغيرهما إنما كره ذلك إذا كان العقب والقيد عريضا يستر بعض الرجل قالوا ولا فدية في ذلك قالوا لأنه أخف حكما من الخف المقطوع وقد أباح النبي صلى الله عليه و سلم لبسه وسقطت الفدية فيه وتخصيصهم الكلام بالعريضة ليس في كلام أحمد تعرض له فإن الرقيق أيضا يستر بحسبه ولا حاجة إليه
وأما إسقاط الفدية فيحتمله كلام أحمد حيث نطق بالكراهة وحكى عن عطاء إن فيه دما ولم يجزم به
فأما إذا طوى وجه الجمجم وعقبه وشد رجله بخيط أو سير ونحوه أو قيد النعل وعقبها ووضع قدمه عليه أو كان الخف له سفل ولا ظهر له فأما أن لحقه ظهر قدم ولا سفل له

فصل
ولا فرق بين أن يكون اللباس الممنوع من قطن أو جلود أو ورق ولا فرق في توصيله على قدر البدن بين أن يكون بخيوط أو أخله أو إبر أو لصوق أو عقد أو غير ذلك فإن كل ما عمل على هيئة المخيط فله حكمه فلو شق الإزار وجعل له ذيلين وشدهما على ساقيه لم يجز لأنه كالسراويل وما على الساقين كالبالكتين
فصل
فأما القباء والدواج والفرجية ونحو ذلك فإنه لا يدخل منكبيه فيه بل

ينكسه إن شاء أو يرتدي به هذا هو المنصوص عنه في رواية حرب لا يلبس الدواج ولا شيئا يدخل منكبيه فيه وفي رواية ابن إبراهيم إذا لبس القباء لا يدخل عاتقه فيه
وقال الخرقي وإن طرح على كتفيه القباء أو الدواج فلا يدخل يديه في كمية وقال ابن أبي موسى لا يلبس القباء والدواج فإن إضطر إلى طرح الدواج على كتفيه لم يدخل يديه في الكمين
وقد روي عنه رواية أخرى أنه قال لا يلبس المحرم الدواج ولا شيئا يدخل منكبيه فيه فحكى في المضطر إلى لبسه روايتين وذلك لأنه لم يشتمل على يديه على الوجه المعتاد وهو محتاج في حفظه إلى تكلف فأشبه الإرتداء بالقميص
ومن فرق بين الضرورة وغيرها قال إن المنكبين يحتاج إلى سترهما في الجملة فإذا اضطر إلى ذلك كان بمنزلة المضطر إلى السراويل والنعل والأول هو المعروف من نصه هو الذي عليه أكثر أصحابنا القاضي وأصحابه لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه وكرم وجهه

قال من اضطر إلى لبس القباء وهو محرم ولم يكن له غيره فلينكس القباء وليلبسه رواه النجاد
ولأنه ليس محنا على وجه قد يلبس مثله في العادة فأشبه إذا أدخل كفيه في الكمين ولم يزره
مسألة الرابع تغطية الرأس والأذنان منه
وجملة ذلك أن تغطية الرأس على المحرم حرام بإجماع المسلمين والأصل في ذلك قول الرسول صلى الله عليه و سلم ولا يلبس العمامة ولا البرنس وقوله صلى الله عليه و سلم في المحرم الذي وقصته راحلته إغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تخمرو رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامه ملبيا متفق عليه فمنع من تخمير رأسه بعد الموت لبقاء الاحرام عليه فعلم أن من حكم المحرم أن لا يخمر رأسه وهذا من العلم العام الذي تناقلته الأمة خلفا عن سلف

وقد روي عن الحسن بن محمد قال أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوما بعرفه عليهم القمص والعمائم فأمر أن تعاد عليهم الجزية
وعن عون قال أبصر عمر بن الخطاب قوما بعرفة عليهم القمص والعمائم فقال إن علموا فعاقبوهم وإن كانوا جهالا فعلموهم
والأذنان من الرأس لما تقدم في الطهارة وعليه أن يكشف من حدود الوجه والسالفة ما لا ينكشف الرأس إلا به
فأما الوجه ففيه ثلاث روايات إحداهن له أن يغطي وجهه قال في رواية أبي داود يغطي وجهه وحاجبيه وسئل في رواية حنبل عن المحرم يغطي وجهه قال لا بأس بذلك
وقال أيضا في رواية ابن مشيش في محرم مات يغطى وجهه ولا يغطى رأسه وقال مهنا سألت أحمد عن المحرم يموت هل يغطى وجهه قال قد اختلفوا فيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم فقال بعضهم لا يغطى رأسه قلت أيهما أعجب إليك يغطى وجه المحرم إذا مات أو لا يغطى قال أما الرأس فلا أراى أن يغطوه وأما الوجه فأرجو أن لا يكون به بأس

وقال أبو الحارث قلت له تذهب إلى أن يخمر وجهه ويكشف رأسه قال نعم على ما جاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو أصح من غيره وهو إختيار القاضي وأصحابه قال الخلال لعل أبا عبد الله صوب القول قديما فذهب إلى ما حكاه إسماعيل بن سعيد ثم ذهب بعد ذلك إلى ما روى مهنا والجميع عنه أنه لا يخمر رأسه ويخمر وجهه
والثانية لا يغطى وجهه قال في رواية ابن منصور وإسماعيل بن سعيد الشالنجي والمحرم يموت لا يغطى رأسه ولا وجهه وذلك لما روى ابن عباس أن رجلا أوقصته راحلته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامه ملبيا رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود والترمذي
وفي الصحيحين عن ابن عباس أنه قال إذا مات المحرم لم يغط وجهه

حتى يلقى الله محرما رواه أحمد في رواية ابنه عبد الله
والثالثة قال في رواية أبي طالب يخمر أسفل من الأنف وضع يديه على فمه دون أنفه يغطيه من الغبار وفي لفظ قال إحرام الرجل في رأسه ووجه ولا يغطى رأسه ومن نام فوجد رأسه مغطى فلا بأس والأذنان من الرأس يخمر أسفل من الأذنين وأسفل الأنف والنبي صلى الله عليه و سلم قال لا تخمروا رأسه فأذهب إلى قول النبي صلى الله عليه و سلم قال وإحرام المرأة في وجهها لا تنتقب ولا تتبرقع وتسدل الثوب على رأسها من فوق وتلبس من خزها وقزها ومعصفرها وحليها في إحرامها مثل قول عائشة وذلك لأن حد الرأس الأذنان والسالفة فيكشف ما يحاذيه من الأنف وما علاه وما دون ذلك فيغطيه إن شاء لأنه خارج عن حد الرأس
وسواء غطى الرأس بما صنع على قدره من عمامة وقلنسوة وكلته ونحو ذلك أو بغير ذلك مثل خرقة أو عصابة أو ورقة أو خرقة فيها دواء أو ليس

فيها دواء وكذلك إن خضب رأسه بحناء أو طينه إلا أن يحتاج إلى شيء من ذلك فيفعله ويفتدي
وسواء كان الغطاء غليظا أو رقيقا فأما
وأيضا ما روي عن الفرافصة قال رأيت عثمان وزيدا وابن الزبير يغطون وجوههم وهم محرمون إلى قصاص الشعر
وعن عائشة بن سعد قالت كان أبي يأمر الرجال أن يخمروا وجوههم وهم حرم وينهى النساء
وعن أبي الزبير عن جابر قال ليغشى وجهه بثوبه وأهوى إلى شعر رأسه وأشار أبو الزبير بثوبه إلى رأسه
وعن عطاء عن ابن عباس قال المحرم يغطى وجهه ما دون الحاجب

فصل
قال أصحابنا وله أن يحمل فوق رأسه شيئا مثل الكبك والطبق ونحوه وحرره ابن عقيل فقال إذا احتاج لحمل متاع من موضعه إلى غيره فحمله فغطى رأسه لم تجب الفدية لأن الحمل لا يقصد به التغطية بل النقل
وإن تعمد لحمل شيء على رأسه تحيلا للتغطية لم تسقط الفدية وكان مأثوما وهذا مقتضى تعليل بقيتهم أن يفرق بين أن يقصد الحمل فقط أو يقصد مع الحمل التغطية
وعلله القاضي في موضع بأنه لا يستدام في العادة فهو كما لو وضع على رأسه يده
قالوا وله أن يضع يده على رأسه وأن يقلب ذوائبة على رأسه
فصل
وأما إذا غطى رأسه بشيء منفصل عنه فهو أقسام

أحدها أن يستظل بسقف في بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك أو يستظل بخيمة أو فسطاط أو نحوهما أو يستظل بشجرة ونحوها ونحو ذلك فهذا جائز قال أحمد في رواية حنبل لا يستظل على المحمل ويستظل بالفازة والخيمة هي بمنزلة البيت
ونص على أنه لو جلس تحت خيمة أو سقف جاز وليس اجتناب ذلك من البر كما كان أهل الجاهلية يفعلونه لقوله تعالى يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى فروى أحمد ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري قال كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك فكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعدما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه وبين السماء فيقتحم الجدار من ورائه ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته حتى بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم أهل زمن الحديبية

بالعمرة فدخل حجرته فدخل على أثره رجل من الأنصار من بني سلمة فقال له النبي صلى الله عليه و سلم إني أحمس قال الزهري وكانت الحمس لا يبالون ذلك فقال الأنصاري وأنا أحمس يقول وأنا على دينك فأنزل الله عز و جل وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها
وعن البراء بن عازب قال نزلت هذه الآية فينا كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لم يدخلوا من قبل أبواب البيوت فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه وكأنه عير بذلك فنزلت وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها متفق عليه
وفي رواية صحيحة لأحمد عن البراء قال كانوا في الجاهلية إذا أحرموا أتوا البيوت من ظهورها ولم يأتوها من أبوابها فنزلت هذه الاية

وروي عن قيس بن جرير قال كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيتا من بابه ولكن من ظهره فبينا النبي صلى الله عليه و سلم في بعض حيطان بنى النجار وكانت الحمس يدخلون البيوت من أبوابها فلما دخل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك الحائط من بابه تبعه رجل من الأنصار يقال له رفاعه بن تابوت قالوا يا رسول الله إن رفاعة منافق حيث دخل هذا الحائط من بابه فقال يا رفاعة ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله رأيتك دخلت فدخلت فقال إنك لست مثلي أنا من الحمس وأنت ليس منهم قال يا رسول الله إن كنت من الحمس فإن ديننا واحد فنزلت بأن تأتوا البيوت من ظهورها إلى اخر الاية

وقد روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بقبة من شعر تضرب بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له رواه مسلم
وكان هو وأصحابه
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال حججت مع عمر بن الخطاب فما رأيته ضرب فسطاطا حتى رجع قال فقلت له كيف كان يصنع قال كان يستظل بالنطع والكساء رواه أحمد
وسواء طال زمان ذلك أو قصر لأن هذا يقصد به جمع الرحل والمتاع دون مجرد الاستظلال
وحقيقة الفرق أن هذا شيء ثابت بنفسه لا يستدام في حال السير والمكث
الثاني المحمل والعمارية والقبة والهودج ونحو ذلك مما يصنع على

الإبل وغيرها من المراكب لأجل الإستظلال شفعا كانت أو وترا فهذا إذا كان متجافيا عن رأسه فالمشهور عن أحمد الكراهة وعنه لا بأس به ذكرها ابن أبي موسى لأن المنع من الاستظلال والبروز للسماء إنما كان يعتقده برا أهل الجاهلية كما تقدم عنهم وقد رد الله ذلك كما تقدم
ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لما رأى أبا إسرائيل قائما في الشمس سأل عنه فقيل نذر أن يقوم ولا يتكلم ولا يستظل ويصوم قال مروه فليقعد وليستظل وليتكلم وليتم صومه رواه البخاري
فبين النبي صلى الله عليه و سلم أن الضحى للشمس مثل الصمت والقيام ليس مشروعا ولا مسنونا ولا بر فيه
وأيضا فليس في المنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع فوجب أن يبقى على أصل الإباحة
وأيضا فإنه يجوز له الإستظلال بالخيمة والسقف والشجر وغير ذلك وهذا في معناه ولا يقال هذه الأشياء المقصود بها جمع المتاع فإنه لو دخل البيت

لقصد الاستظلال أو نصب له خيمة لمجرد الاستظلال جاز بلا تردد وقد احتجوا على ذلك بما روت أم الحصين قالت حججنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه و سلم والآخر رافع ثوبه من الحر حتى رمى جمرة العقبة رواه مسلم وأبو داود والنسائي وعنده أن الآخذ بالخطام بلال والمظلل بالثوب أسامة
وفي رواية لأحمد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وأنصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به والاخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم يظله من الشمس قالت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قولا كثيرا ثم سمعته يقول إن أمر عليكم عبد مجدع حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له واطيعوا
فإن قيل هذا التظليل إن كان يوم النحر ففيه مستدل وإن كان في أحد أيام منى فلا حجة فيه لأن النبي صلى الله عليه و سلم حل من إحرامه يوم النحر وليس فيه بيان أن ذلك كان يوم النحر بل فيه ما يشعر أنه كان في أيام منى لأن الجمرة ترمى أيام منى بعد الزوال حين اشتداد الحر فأما يوم النحر فإن النبي صلى الله عليه و سلم رماها ضحى وليس ذلك الوقت للشمس حر يحتاج إلى تظليل

قيل قد روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبا راجعا رواه الترمذي وصححه ورواه أبو داود عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك ورواه أحمد فقال كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبا وسائر ذلك ماشيا ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك
ففي هذا ما يدل أن ذلك الرمى كان يوم النحر لأنه كان راكبا وهو صلى الله عليه و سلم لم يفض من جمع حتى كادت الشمس تطلع وما بين أن يفيض إلى أن يجيء إلى جمرة العقبة يصير للشمس مس وحر فإن حجته صلى الله عليه و سلم كانت في ويبين ذلك وقد أخبرت أم حصين أنه خطب عند جمرة العقبة وإنما خطب عند جمرة العقبة يوم النحر وتخصيصها جمرة العقبة دون غيرها دليل على أنه إنما رماها اذ لو كان لكن التظليل والله

أعلم إنما كان حين الإنصراف من رميها وحينئذ فقد حل وجاز له الحلاق
ووجه المشهور أن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه معه وخلفاءه من بعده والتابعين لهم بإحسان إنما حجوا ضاحين بارزين لم يتخذوا محملا ولا قبة ولا ظلة على ظهور الدواب وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لتأخذوا عني مناسككم ولهذا عد السلف هذا بدعة والضحى للمحرم أمر مسنون بلا
وقد روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من محرم يضحى لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه رواه ابن ماجة
وقد كانوا في أول الإسلام يسرفون في البروز والضحى حتى يمتنع أحدهم من الدخول من الباب مبالغة في الامتناع من تخمير الرأس ثم إن الله سبحانه نهاهم عن الدخول من ظهور البيوت وأمرهم بالدخول من أبوابها ولم يعب عليهم أصل الضحى والبروز فعلم أنه سبحانه أقرهم على ذلك ورضيه منهم وأنه لا بأس بدخول ومكث لا يقصد الإستظلال منه ونحو ذلك من الظل ولو عاب عليهم نفس التحرج من الإستظلال لقال وليس البر في البروز أو في الضحى ونحو ذلك كما أنكر النبي صلى الله عليه و سلم على أبي إسرائيل لأنه لم يكن محرما والضحى لمجرد الصوم لا يشرع ولهذا نهاه عن الصمت والقيام في غير عبادة وإن كان ذلك مشروعا للمصلى ولأنه قصد ذلك وأراده وصار دخولهم البيوت مثل نزع المحرم القميص وإن خمر رأسه لكن لما لم يقصد به التخمير ولا بد منه وقت فيه الرخصة
وأيضا فإن المحرم الأشعث الأغبر بدليل ما روي عن ابن عمر قال قال

رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان عشية عرفة باهى الله بالحاج فيقول لملائكة انظروا إلى عبادي شعثا غبرا قد أتوني من كل فج عميق يرجون رحمتي ومغفرتي أشهدكم أني قد غفرت لهم إلا ما كان من تبعات بعضهم بعضا فإذا كان غداة المزدلفة قال الله لملائكته أشهدكم أني غفرت لهم تبعات بعضهم بعضا وضمنت لأهلها النوافل رواه أبو داود
ثنا محمد بن أيوب ثنا عبد الرحمن بن هارون الغساني عن عبد العزيز

ابن أبي داود عن نافع عنه
فقد وصف كل حاج بأنه أغبر فعلم أنها لازمة للمحرم فمن لم يكن أشعث أغبر لم يكن محرما والإستظلال بالمحمل ينقى الغبار والشعث
وأيضا فإن السلف كرهوا ذلك فعن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره أن يستظل بعود وهو محرم
وعن ابن عمر أنه رأى رجلا محرما على رحل قد رفع ثوبا بعود يستتر به من الشمس فقال إضح لمن أحرمت له رواهما أحمد
وإضح بكسر الهمزة من ضحى بالفتح والكسر يضحى ضحا إذا برز للشمس كما قال وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى وبعض المحدثين يرويه بفتح الهمزة من أضحى يضحي أيضا ومعناها هنا ضعيف
وعن نافع قال مر ابن عمر بعبد الله بن خالد بن أسيد وقد ضلل عليه

كهية الترس وهو على راحلته فقال له عبد الله إتق الله إتق الله
وعن عطاء أن عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة إستظل بعود على راحلته وهو محرم فنهاه عنه ابن عمر رواهما سعيد
وعن نافع أن ابن عمر رأى رجلا قد نصب على مقدمة راحلته عودا عليه ثوب وهو محرم فقال ابن عمر إن الله لا يحب الخيلاء إن الله لا يحب الخيلاء
وعنه أن ابن عمر رأى رجلا قد وضع عودين على راحلته وهو محرم يستتر بهما فانتزعتهما رواهما النجاد

وابن عمر من أعلم الناس بالسنة وأتبعهم لها ولم ينكر عليه هذه الفتاوى في الأوقات المتفرقة منكر مع من يجمعه الموسم من علماء المسلمين
وأما ما رواه أحمد والنجاد عن الحسن أن عثمان ظلل عليه وهو محرم وروى النجاد عن عكرمة عن ابن عباس قال لا بأس بالظل للمحرم فهو محمول على صور نذكرها إن شاء الله
وأيضا فإن الرأس يفارق غيره من البدن فإنه يمنع تخميره بكل شيء حتى بالخرقة والورقة وحتى قد كره له الدهن من لم يكرهه للبدن لما فيه من ترجيله والبدن إنما يمنع من أن يلبسه اللباس المعتاد فلو خمره بما شاء من غير ذلك جاز فعلم أن المقصود بقاء الرأس أشعث أغبر ومنعه من الترفة والتنعم بكل شيء ومعلوم أن المحمل يكن الرأس ويواريه ويرفهه بنحو مما قد يحصل له بالعمامة ونحوه لكن الترفه بالعمامة أشد فإن من كشف رأسه في داخل محمل وظلة لم يكشف رأسه فيجب أن يمنع من ذلك ولهذا

يفعل ذلك من شج على رأسه يكشفه لله ولا يريد أن يتواضع ولذلك سماه ابن عمر خيلاء
وأما حديث أم الحصين وما في معناه فلا يختلف المذهب في القول بموجبه وسنذكر إن شاء الله وجهه وموضعه على المذهب
فعلى هذا إذا كان في محمل عليه كساء أو لبد ونحو ذلك فكشفه بحيث تنزل الشمس من عيونه
وما ينصبه على المحمل مثل أن يقيم عودا ويرفع عليه ثوبا ونحو ذلك حكمه حكم المحمل مطلقا صرح بذلك ابن عقيل وغيره لأنه يحصل به التظلل المستدام من غير كلفة فهو كالمحمل وحديث ابن عمر إنما كان في مثل هذا
وقد نص أحمد على ذلك فقال في رواية الأثرم لما ذكر حديث أم الحصين وحديث ابن عمر إذا كان يستتر بعود يرفعه بيده من حر الشمس كان جائزا وابن عمر إنما كرهه على الرحل

فأما إن تظلل زمنا يسيرا من حر أو مطر ونحو ذلك من غير أن ينصبه على المحمل بل يرفع له ثوبا بعود في يده أو يرفع ثوبه بيده أو يغطى رأسه بيده ونحو ذلك فالمنصوص عنه جواز ذلك وهو قول القاضي وابن عقيل وغيرهما
قال أحمد في رواية الأثرم عن نافع عن ابن عمر أنه رأى محرما على رحل قد رفع ثوبا بعود يستره من حر الشمس قال إضح لمن أحرمت له
وزيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته قالت حججت مع النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما اخذ بخطاب ناقة النبي صلى الله عليه و سلم والاخر رافع ثوبه يستره من حر الشمس حتى رمى الجمرة قال أبو عبد الله فأكره للمحرم أن يستظل
وكان ابن عيينة يقول لا يستظل البتة وابن عمر إضح لمن أحرمت له وحديث بلال من حديث زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن جدته فإذا كان يستره بعود يرفعه بيده من حر الشمس كان جائزا وابن عمر إنما كرهه على الرحل وكذلك حديث ابن عمر إضح لمن أحرمت له وأهل المدينة يغلظون فيه
وفي رواية الأثرم وذكر له هذا الحديث فقال هذا في الساعة رفع له ثوب بالعود يرفعه بيده من حر الشمس

وقال في رواية أبي داود إذا كان بطرف كسائه أرجو أن لا يكون به بأس
وقال في رواية ابن منصور وقد سئل عن القبة للمحرم فقال إلا أن يكون شيئا يسيرا باليد أم ثوبا يلقيه على عود
وقال في رواية حرب وقد سئل هل يتخذ على رأسه الظل فوق المحمل فقال لا إلا الشيء الخفيف وكرهه جدا
وحكى أبو الخطاب وغيره في التظليل اليسير روايتان إحداهما المنع منه لأنه أطلق المنع وأوجب الفدية في رواية جماعة قال جعفر بن محمد لا يستظل المحرم فإن إستظل يفتدي لأنه قد منع المحرم فاستوى قليله وكثيره كالتغطيه واللبس ومن قال هذا حمل حديث أم الحصين على أن

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9